فاقصد بحاجتك المليك فإنه ... يغنيك عن مترفع مختال
27- علي عليه السّلام: الطامع في وثاق الذل «1» .
28- أبو حيان «2» : أسير طمع يزلقه على مداحض الذل. ومتوقع يأس لا يصح له فينتهي إلى العز.
29- قيل لأشعب «3» : ما بلغ من طمعك؟ قال: أرى دخان جاري فأثرد «4» . وقال لآخر: لم تقل هذا إلا وفي قلبك خبر. وقال: ما رأيت رجلين يتساران «5» في جنازة إلا قدرت أن الميت أوصى لي بشيء من ماله.
وما زفت بالمدينة عروس إلا كنست بيتي رجاء أن يغلط بها إليّ.
وقيل له: هل رأيت أطمع منك؟ قال: نعم، أمرأتي، كل شيء ظنناه فهي تتيقنه. وقال: شاة لي كانت على السطح فأبصرت قوس قزح فحسبتها حبلا من قتّ «6» ، فوثبت إليها فطاحت، فاندق عنقها.
وكان يقعد إلى الطبّاق «7» فيقول: وسع، وسع، فعسى يهدي إلي من يشتريه. وقال: ما رأيت أطمع مني إلا كلبا تبعني على مضغ العلك فرسخا.
30-[شاعر] :
لا تغضبين على امرىء ... لك مانع ما في يديه
وأغضب على الطمع الذي ... استدعاك تطلب ما لديه(3/273)
31- قيل لحكيم: ما بال الشيخ أحرص على الدنيا من الشاب؟
قال: لأنه ذاق من طعم الدنيا ما لم يذق الشاب.
32- أنوشروان «1» : احذر خدمة الحرص، فلا راحة لحريص.
33- المأمون: صدق والله أبو العتاهية، ما عرفت من رجل قط حرصا ولا طمعا فرأيت فيه مصطنعا.
34- يقال للحريص:- جاء ناشرا أذنيه.
35- ابن أبي فنن «2» :
فدع الحرص للحريص ولا ... تمتهن النفس إنها أقسام
36- الليث يبعث حتفه كلبه.
37- لا تزيده السن إلا نقصا، ولا يزيده الغني إلا حرصا.
38-[شاعر] :
إذا طاوعت حرصك كنت عبدا ... لكل دنية يدعو إليها
39- إبراهيم بن المهدي:
قد شاب رأسي ورأس الحرص لم يشب ... إنّ الحريص من الدنيا لفي تعب
قد يرزق المرء لم يتعب رواحله ... ويحرم الرزق من لم يؤت من طلب
40- أفريدون «3» : المحسن معان، والبريء جريء، والمسيء مستوحش، والحريص تعب.
41- قيل للإسكندر: ما سرور الدنيا؟ قال الرضا بما رزقت منها، قيل: فما غمها؟ قال الحرص.(3/274)
42- ابن أبي عيينة «1» :
ومن أشرب اليأس كان الغنيّ ... ومن أشرب الحرص كان الفقيرا
43- من أطلق من أمله فرّط في عمله.
44- كان ابن سيرين «2» يقول: أنا لما لا احتسب أرجى مني لما احتسبت، قال الله تعالى: وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ
«3» .
45- قيل لأبي رجاء العطاردي «4» : كيف تجدك؟ قال: قد جف جلدي على عظمي، وهذا أملي جديد بين عيني.
46- سعيد بن جبير: الإغترار بالله المقام على الذنوب رجاء المغفرة.
47- فضيل «5» : الخوف أفضل من الرجاء ما كان العبد صحيحا، فإذا نزل به الموت فالرجاء أفضل من الخوف.
48- ابن عيينة «6» : لو قيل للناس أي الأمرين أعجب إليكم، أن تزادوا في عقولكم أو في ذات أيديكم؟ لقالوا: أما عقولنا فقد أوتينا منها ما اكتفينا به.
49- يقدر المقدرون والقضاء يضحك.(3/275)
50- الحسن «1» : لو رأيت الأجل ومسيره لنسيت الأمل وغروره.
51- الخدري «2» رضي الله عنه: اشترى أسامة بن زيد وليدة بمائة دينار إلى شهر، فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر، إن أسامة لطويل الأمل.
52- أنس «3» رضي الله عنه: رأى رسول الله في نعل رجل شسعا من حديد، فقال: قد أطلت الأمل، وزهدت في الآخرة، وحرمت الحسنات، إنه إذا انقطع قبال أحدكم فاسترجع «4» كان عليه من الله صلاة.
53- ابن عباس: كان نبي الله يخرج فيبول ثم يسمح بالتراب، فأقول: إن الماء منك قريب، فيقول: ما يدريني لعلي لا أبلغه.
54- أبو عثمان النهدي «5» : بلغت نحوا من ثلاثين ومائة سنة، وما مني شيء إلا وقد عرفت فيه النقص غير أملي فإنه كما هو.
55- أنس رفعه: يهرم ابن آدم ويشيب منه اثنتان الحرص والأمل.
56- أبو هريرة رفعه: لا يزال الكبير شابا في اثنتين حب المال وطول الأمل.
57- صلى محمد بن أبي تربة «6» بمعروف الكرخي «7» ، ثم قال: لا أصلي بكم أخرى. فقال معروف:- أو أنت تحدث نفسك بصلاة أخرى نعوذ بالله من طول الأمل فإنه يمنع خير العمل.(3/276)
58- أبو العتاهية «1» :
لقد لعبت وجدّ الموت في طلبي ... وإنّ في الموت شغلا لي عن اللعب
لو شمّرت فكرتي فيما خلقت له ... ما اشتدّ حرصي على الدنيا ولا كلبي
وله:
تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذل الحرص أعناق الرجال «2»
هب الدنيا تصبّى إليك عفوا ... أليس مصير ذلك للزوال
59- لقمان: يا بني، كن ذا قلبين، قلب تخاف الله به خوفا لا يخالطه تفريط، وقلب ترجو الله به رجاء لا يخالطه تغرير «3» .
60- لا ينقضي الأمل ما بقي الأجل.
61- المرء ما دام حيا خادم الأمل.
62- قيل لمحمد بن واسع: كيف تجدك؟ قال: قصير الأجل، طويل الأمل، سيء العمل.
63- من جرى في عنان أمله كان عائرا بأجله.
64- لو رأيتم الأجل وسروره لأبغضتم الأمل وغروره.
65- لو ظهرت الآجال لافتضحت الآمال.
66- قيل لرجل: كيف حالك؟ قال:- أخدم الرجاء إلى أن ينزل القضاء.
67- بسط مطارح نظري ومسارح أملي.
68- وفدت عليه آماله فانثالت عليه أمواله.(3/277)
69- ابن نباتة «1» :
لم يبق جودك لي شيئا أؤمله ... تركتني أصحب الدنيا بلا أمل
70- إياكم وطول الأمل فإنه من ألهاه أمله أخزاه أجله.
71- لما خلق الله تعالى آدم خلق له أملا وأجلا، وجعل أمله أمامه، وأجله وراءه فالحرص والأمل يحملان النفوس على المآثم ويوردانها المهالك.
72- قال رجل لمدني: أيسرك أن هذه الدار لك؟ قال: نعم، قال: وليس إلا ذلك؟ قال: وكيف أقول؟ قال تقول: نعم وأحمّ سنة، نعم وأعور.
73- ابن عائشة «2» : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى ذهب يقتبس النار فكلمه الجبار.
74- قتادة بن شراحيل بن الأصهب «3» :
وإنّ رجائي من جمانة باطل ... رجاء غمام لاقح غير ماطر «4»
75- يقال: في فلان ملق داية وحرص نباش.
76- ابن المعتز:
دع الناس قد طال ما أتعبوك ... ورد إلى الله وجه الأمل(3/278)
ولا تطلب الرزق من طالبيه ... واطلبه ممن به قد كفل
77- قال معاوية لجلسائه مرة: وددت لو أن الدنيا في يدي بيضة بنمرشت وأحسوها كما هي.
78- قال رجل لصاحبه: لو كان لي كذا! فقال: حرث اللو «1» فما أنبت.
79- أنذر أبا مسلم «2» شيخ نصراني حين دنا قتله فبكى، فقال: لا تبك، إنك لم تؤت من رأي ربيق «3» ، ولا من حزم وثيق، ولا تدبير نافع، ولا سيف قاطع، ولكن ما اجتمع في أحد أمله إلا أسرع في تفريقه أجله.
80- عتبة بن أبي سفيان في خطبته: وإياكم وقول لو فإنها قد أعيت من كان قبلكم، ولن تريح من بعدكم.
81- ابن السماك «4» : خف الله كأنك لم تطعه، وارج الله كأنك لم تعصه.
82- علي رضي الله عنه: من بلغ أقصى أمله فليتوقع أدنى أجله.
83- أبو زبيد الطائي «5» :(3/279)
ليت شعري وأين مني ليت ... إن ليتا وإن لوّا غناء
84- عبد الصمد بن المعذل:
ولي أمل قطعت به الليالي ... أراني قد فنيت به وداما
85- أبو عبيد الله وزير المهدي: اليأس حر والرجاء عبد.
86- أبو عبيد الله الخواص «1» وكان نطوقا بالحكمة: حين علمت أن مولاي يلي محاسبتي زال عني حزني. قيل: كيف؟ قال: لأنّ الكريم إذا حاسب تفضل.
87- بعض القرشيين: أجرى الله أعط وعانى الله انتقد.
88- علي رضي الله عنه: إياكم والاتكال على المنى فإنها بضائع النوكى «2» ، مع تثبيطها من خير الدنيا والآخرة.
89- الخذلان مسامرة الأماني، والتوفيق رفض التواني.
90- خاضت بنا المنى أودية من العنا، نال المنى عفوا، وكرع من شرعها صفوا.
91- معمر بن عباد «3» : الأماني للنفس مثل الترهات للّسان.
92- أنشد الجاحظ:
الله أصدق والآمال كاذبة ... وجل هذا المنى في الصدر وسواس(3/280)
93-[شاعر] :
ولا تتعلل بالأماني فإنها ... مطايا أحاديث النفوس الكواذب
94- أعرابي: فلان يقطع نهاره بالمنى، ويتوسد ذراع الهم إذا أمسى.
الحسن: إياكم وهذه الأماني فإنه لم يعط أحد بالأمنية خيرا قط في الدنيا ولا في الآخرة.
95- قس بن ساعدة الأيادي:
ما قد تولى فهو لا شك فائت ... فهل ينفعنّي ليتني ولعلّني
96-[شاعر] :
شط المزار وانتهى الأمل ... فلا خيال ولا رسم ولا طلل
إلا رجاء فما ندري أندركه ... أم يستمر فيأتي دونه الأجل
97- الخليل «1» :
ألا أيها المهدي غير مدافع ... رجاؤك خير من عطاء سواكا
98- أعرابي: وعد الكريم فقد وتعجيل، ووعد اللئيم مطل «2» وتعليل.
99- فلان يعد وعد من لا يخلف، ثم ينجز إنجاز من يخلف.
100- كاتب: أما بعد، فحق من أزهر بقول أن يثمر بفعل.
101- أعرابي: العذر الجميل أحسن من المطل الطويل، فإن أردت الأنعام فانجح، وإن تعذرت الحاجة فأفصح.
102- وعد رجل رجلا ولم يف له، فقال: أخلفتني، قال: والله ما(3/281)
أخلفتك ولكن ما لي أخلفك.
103- الجاحظ: مواعيد القيان «1» الآل «2» اللامع في الفيافي «3» ، والهشيم تذروه الرياح السوافي.
104- قال أبو مقاتل الضرير «4» : قلت لأعرابي: قد أكثر الناس في المواعيد، فما قولك فيها؟ قال: بئس الشيء الوعد، مشغلة للقلب الفارغ، متعبة للبدن الخافض، خيره غائب، وشره حاضر.
105- النبي صلّى الله عليه وسلّم: عدة المؤمن كأخذ باليد.
106- أنشد الجاحظ:
قد بلوناك بحمد الله إن أغنى البلاء «5» ... فإذا كل مواعيدك والجحد سواء
107- قيل لمزبد «6» : أيسرك أن عندك قنينة شراب؟ قال: يا ابن أم، من يسره دخول النار بالمجان.
108- فلان يمشي مطله في وجل.
109- عدة منشورة عن مطل، مطوية على بخل.
110- لا حبذا الإسعاف إذا اعتصر التسويف ماءه.
111- كم أجررته على شوك المطل، ثم أبته على قصص الخلف.(3/282)
112-[شاعر] :
وإنك إن منّيت منّيت موعدا ... جهاما وإن أبرقت خلّبا «1»
113-[آخر] :
يباري الرياح بمثل الرياح ... من كاذبات مواعيده
114- محمد بن حسان الضبي «2» :
غذيت بالمطل وعدا رفّ مورقه ... حتى ذوى منه بعد الخضرة العود
واها للفظك ما أحلى مخارجه ... لولا عقارب مطل بعده سود
115-[آخر] :
جزى الله خيرا أريحيا سألته ... فلا هو أعطى ما سألت ولا منع «3»
تكرم عن ردّي ولم يقض حاجتي ... فيقلبني باليأس في صورة الطمع
هنيئا لمن يرضى بإخلاف وعده ... هنيئا له إن كان يحسن ما صنع
116- مدح بشار «4» خالد بن برمك فأمر له بعشرين ألفا فأبطأت عليه، فقال لقائده أقمني حيث يمر، فأخذ بلجام بغلته وقال:
أظلت علينا منك يوما سحابة ... أضاءت لنا برقا وراث رشاشها
فلا غيمها يصحى فييأس طامع ... ولا غيثها يأتي فيروي عطاشها
فقال: لا تبرح حتى تؤتى بها.(3/283)
117- زيد الفوارس «1» من فرسان الجاهلية:
وموعدتي حقا كأن قد فعلتها ... متى ما أقل شيئا فإني كعازم
أريد به بعد الممات جزاءه ... لدى حاسب يوم القيامة عالم
118- صالح بن جناح اللخمي»
:
ألا إنما الإنسان غمد لقلبه ... ولا خير في غمد إذا لم يكن نصل
وإن تجمع الآفات فالبخل شرّها ... وشرّ من البخل المواعيد والمطل
ولا خير في وعد إذا كان كاذبا ... ولا خير في قول إذا لم يكن فعل
119- أبو الجريرة «3» :
إن التي سلبتك يوم عوارض ... بالذل وهي سليمة لا تسلب
منّتك ثم لوتك دينا قادعا ... وعداتهن إذا وعدن الخلب
120- محمد بن أبي أمية «4» :(3/284)
تذبّ المنى عني المنايا ولو خلا ... مقيل المنى من مهجتي لطفيت
121- محمد بن وهيب «1» :
وإني لأرجو الله حتى كأنني ... أرى بجميل الظن ما الله صانع
122- نفيع بن اللقيط الأسدي «2» :
يسعى الفتى لينال أقصى سعيه ... هيهات حالت دون ذاك خطوب
يسعى ويأمل والمنية خلفه ... توفي الأكام لها عليه رقيب
لا الموت محتقر الصغير فعادل ... عنه ولا كبر الكبير مهيب
فإذا صدقت النفس لم تترك لها ... أملا ويأمل ما اشتهى المكذوب
123- صخر بن الجعد «3» :
أرجى أن ألاقي آل كاس ... كما يرجو أخو السنة الربيعا «4»
124- ماتت أم ولد للهذلي «5» فأمر المنصور الربيع «6» أن يعزيه(3/285)
ويقول: إن أمير المؤمنين موجه إليك جارية نفيسة لها أدب وظرف تسليك عنها، وأمر لك معها بفرش وكسوة وصلة، فلم يزل الهذلي يتوقعها.
ونسيها المنصور. وحج ومعه الهذلي، فقال له وهو بالمدينة: أحب أن أطوف الليلة في المدينة فأطلب لي من يطوف بي، فقال: أنا لها يا أمير المؤمنين. فطاف حتى وصل إلى بيت عاتكة، فقال: يا أمير المؤمنين، وهذا بيت عاتكة الذي يقول فيه الأحوص «1» «يا بيت عاتكة الذي أتعزل» «2» ، فأنكر المنصور ذكر بيت عاتكة من غير أن يسأله عنه. فلما رجع أمرّ القصيدة على قلبه فإذا فيها:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق اللسان يقول ما لا يفعل «3»
فذكر الموعد فأنجزه له واعتذر إليه.
125- الوعد وجه والإنجاز محاسنه. الوعد سحابة والإنجاز مطر.
126- لقح المعروف بالوعد، وأنتجه بالفعال، وأرضعه بالزيادة.
127-[شاعر] :
إذا مطلت امرأ بحاجته ... فامض على مطله ولا تحد
128- قال علي رضي الله عنه لابنه الحسن: يا بنيّ، خف الله خوفا(3/286)
ترى أنك لو أتيته بحسنات أهل الأرض لم يقبلها منك. وارج الله رجاء ترى أنك لو أتيته بسيئات أهل الأرض غفرها لك.
129- كان يقال لعبد الله بن عامر «1» : أفلح سائله.
130- أنشد العتبي «2» الرشيد:
النفس تطمع والأسباب عاجزة ... والنفس تهلك بين اليأس والطمع(3/287)
الباب السادس والأربعون الطاعة لله ولرسوله ولولاة المسلمين وذكر الانقياد والخضوع والامتثال
1- علي رضي الله عنه: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشا وأمرّ عليهم رجلا وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأجج نارا وأمرهم أن يقتحموا فيها فأبى قوم أن يدخلوها وقالوا: إنما فررنا من النار، وأراد قوم أن يدخلوها. فبلغ ذلك النبي فقال: لو دخلوها لم يزالوا فيها. وقال: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.
وروي: فهم القوم أن يدخلوها فقال لهم شاب: لا تعجلوا حتى تأتوا رسول الله فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها فأتوا رسول الله، فقال لهم: لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا، إنما الطاعة في المعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقال: اسم الأمير عبد الله بن محرز «1» وكانت فيه دعابة، فلما هموا بالدخول قال اجلسوا فأني كنت أضحك وألعب، وقال رسول الله لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
2- عبد الله بن عمرو «2» رضي الله عنه، رفعه: السمع والطاعة على(3/289)
المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية الله، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.
3- أم الحصين «1» : حججت مع رسول الله في حجة الوداع فسمعته يقول: إن أمر عليكم عبد مجدّع أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا.
4- أبو ذر رضي الله عنه: إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع ولو كان عبدا مجدع الأطراف.
5- أبو هريرة رفعه: من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني.
وعنه عليه السّلام: عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك.
6- أبو العتاهية:
أطع الله بجهدك ... عامدا أو دون جهدك.
أعط مولاك كما تط ... لب من طاعة عبدك
7- بعث سعد بن أبي وقاص جرير بن عبد الله البجلي إلى عمر بن الخطاب، فقال له عمر: كيف تركت الناس؟ قال: هم كقداح «2»(3/290)
الجعبة «1» منها الأعضل «2» الطايش «3» ومنها القائم «4» الرايش «5» وسعد بن أبي وقاص ثقافها «6» الذي يقيم أودها «7» ويغمز «8» عضلها «9» . قال: وكيف تركت طاعتهم؟ قال:- يصلون الصلاة لأوقاتها، ويؤدون الطاعة إلى ولاتها، فقال عمر: الله أكبر! إذا أقيمت الصلاة أوتيت الزكاة، وإذا كانت الطاعة كانت الجماعة.
8- علي رضي الله عنه: إن الله سبحانه جعل الطاعة غنيمة الأكياس «10» عند تفريط العجزة «11» .
9- قال عمر بن عبد العزيز لمؤدبه: كيف كانت طاعتي لك؟ قال:
أحسن طاعة. قال: فأطعني كما كنت أطيعك، خذ من شاربك حتى تبدو شفتاك، ومن ثوبك حتى يبدو عقباك.
10- الحجاج: في خطبته: يا أيها الناس، اقدعوا «12» هذه الأنفس فأنها أشهى شيء إذا أعطيت، وأعطى شيء إذا منعت، فرحم الله امرأ جعل لنفسه خطاما وزماما فقادها بخطامها إلى طاعة الله، وصرفها بزمامها عن معصية الله، فإني رأيت الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله.(3/291)
11-[شاعر] :
يا من غدا لي أعزّ مولى ... ملكت مني أذل عبد
طاعة قلب ونصح جيب ... وأمن غيب ورعي عهد
12- مدح أعرابي رجلا فقال: آخذ الناس لما به أمر، وأتركهم لما عنه زجر.
13- فضيل «1» : من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد آثره عليه. ما أبالي فعلت ذلك أو صلّيت لغير القبلة.
14- إبراهيم بن أدهم «2» : لأن أدخل النار وقد أطعت الله أحبّ إليّ من أن أدخل الجنة وقد عصيت الله.
15- الحجاج: والله لطاعتي أوجب من طاعة الله. إن الله يقول:
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
«3» فجعل فيها مثنوية، وقال: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا
«4» فلم يجعل فيها مثنوية فلو قلت لرجل ادخل من هذا الباب فلم يدخل لحلّ لي دمه.
16- إياس بن قتادة «5» :
وإنّ من السادات ممّن لو أطعته ... دعاك إلى نار يفور سعيرها(3/292)
17- أبرويز «1» : أطع من فوقك يطعك من دونك، وكان يقول: إذا أردت أن تفتضح فمر من لا يمتثل أمرك.
18- أسفنديار «2» : إذا أردت أن تطاع فسل ما يستطاع. وعنه: إن المولى إذا كلف عبده ما لا يطيقه فقد أقام عذره في مخالفته.
19- كتب رسطاليس «3» إلى الإسكندر: إياك أن تعهد من أصحابك طاعة المخافة فإنك تفقدها منهم أحوج ما تكون إليها. واجتهد في إحراز طاعة المحبة منهم تجدها في أي وقت أردت.
20- كان المنصور يقول: إن الحسن قد انتكث منذ لقيه أبو حنيفة.
يريد الحسن بن قحطبة وأنه تثبط عن طاعته والإقدام على مظالمه لاستماعه لعظات أبي حنيفة رحمه الله ونصائحه وتخويفه من سطوات الله.
21- زيد بن علي «4» رضي الله عنه: إذا دعوتكم إلى أمر فلم أسبقكم إليه فلا طاعة لي عليكم.
22- ابن رميلة الضبي «5» :
أظن ضرار أنني سأطيعه ... وأني سأعطيه الذي كنت أمنع(3/293)
إذا اغرورقت عيناه واحمرّ وجهه ... وقد كاد غيظا جلده يتبضّع
23- الحمد لله الذي جعل أهل طاعته أحياء في مماتهم، وجعل أهل معصيته أمواتا في حياتهم.
24- علي رضي الله عنه: من أراد الغنى بلا مال، والعز بلا عشيرة، والطاعة بلا سلطان، فليخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعته، فإنه واجد ذلك كله.
25- أبو البختري «1» : وددت أن الله يطاع وأني عبد مملوك.
26- لقيط بن زرارة التميمي «2» لعمرو بن هند «3» :
فإنك لو غطّيت أرجاء هوة ... مغمسة لا يستبان ترابها
وذلك في ظلماء ثم دعوتني ... لجئت إليها مسرعا لا أهابها
27- طريح بن إسماعيل «4» في الوليد «5» :(3/294)
لو قلت للسيل دع طريقك والمو ... ج عليه كالهضب تعتلج
لارتد أوساخ أو لكان له ... في سائر الأرض عنك منعرج
28- صاحب كليلة ودمنة «1» : لا يرد بأس العدو القوي بمثل الخضوع، كما أن الحشيش يسلم من الريح العاصفة بلينه لها وانسيابه معها.
29- قال عبد الملك «2» للحجاج كيف طاعتك؟ قال: طاعة الحمار الحمول العمول، إن حمل عليه اثنان قال هو ذاك، وإن حمل عليه واحد قال هو ذاك، وإن أقضم رضي الله، وإن لم يقضم عمل العمل.
وكتب عبد الملك إليه ينكر عليه إسرافه في الدماء والأموال، فأجابه:
إذا أنا لم أطلب رضاك واجتنب ... أذاك فيومي لا توارى كواكبه
وما لامرىء يعصى الخليفة جنة ... تقيه من الأمر الذي هو راهبه
أسالم من سالمت من ذي قرابة ... ومن لم تسالمه فإني محاربه
إذا قارف الحجاج فيك خطيئة ... فقامت عليه في الصباح نوادبه
إذا أنا لم أدن الشفيق بنصحه ... وأقص الذي تسرى إليه عقاربه
وأعطى المواسى في البلاء عطية ... ترد الذي ضاقت عليه مذاهبه
فمن يتقي يومي ويرعى مودتي ... ويخشى غدي والدهر جم عجائبه
والأمر إليك اليوم ما قلت قلته ... وما لم تقله لم أقل ما يقاربه
فقف بي على حد الرضا لا أجوزه ... يد الدهر حتى يرجع الدر حالبه
وإلا فذرني والأمور فإنني ... رفيق شفيق أحكمته تجاربه
30- أمر رجل رجلا بأمر فقال: أنا أطوع لك من الرداء، وأذل لك من الحذاء.(3/295)
31-[شاعر] :
ولو أنه قال مت حسرة ... لسارعت طوعا إلى أمره
32-[آخر] :
إني لاذكره فاخضع ذلة ... حتى أمسّ بخدي الأرضا
آخر:
أمرّ من طعم كل مرّ ... خضوع حرّ لغير حرّ
34- آخر:
لا بد للمرء من سجود ... في زمن السوء للقرود
35- سوار بن المضرب «1» :
أترجو بنو مروان سمعي كطاعتي ... وقومي تميم والفلاة ورائيا
36- علي عليه السّلام: فانهد بمن أطاعك على من عصاك، واستغن بمن انقاد معك عمن تقاعس عنك، فإن المتكاره مغيبه خير من شهوده، وقعوده أغنى من نهوضه «2» .(3/296)
الباب السابع والأربعون الظن والفراسة، والتهمة والشك والاسترابة والحرص والتقدير، والفكر والإضمار
1- ابن عباس رضي الله عنه: نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الكعبة فقال:
مرحبا من بيت، ما أعظمك وأعظم حرمتك! والله إن المؤمن أعظم حرمة عند الله منك، لأن الله حرم منك واحدة ومن المؤمن ثلاثا: دمه، وماله وأن يظن به ظن السوء.
2- علي رضي الله عنه: من ظن بك خيرا فصدق ظنه «1» .
وعنه:- اتقوا ظنون المؤمنين فإن الله تعالى جعل الحق على ألسنتهم «2» .
وعنه: إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله ثم أساء رجل الظن برجل لم تظهر منه خزية «3» فقد ظلم، وإذا استولى الفساد على الزمان وأهله فأحسن رجل الظن برجل فقد غرّر «4» .
وعنه: ليس من العدل القضاء على الثقة بالظن «5» .(3/297)
3- عمر رضي الله عنه: لن ينتفع المرء بعقله حتى ينتفع بظنّه.
وعنه: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة حرجت من في أخيك المسلم سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا، ومن عرض نفسه للتهم فلا يلومنّ من أساء الظن به.
4- وقف موسوس على ناس فسألهم فردوه، فقال:
أسأت إذا أحسنت ظني بكم ... والحزم سوء الظن بالناس
5- قيل لعالم:- من أسوأ الناس حالا؟ قال:- من لا يثق بأحد لسوء ظنّه، ولا يثق به أحد لسوء فعله.
6- طلب المتوكل جارية الزقاق «1» بالمدينة، فكاد يزول عقله لفرط حبه لها، فقالت لمولاها: أحسن ظنك بالله وبي فإني كفيلة لك بما تحب، فحملت. فقال لها المتوكل اقرأي، فقرأت: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ
«2» . ففهم المتوكل ما أرادت فردّها.
7- كتب محمد بن سوقة «3» إلى جعفر بن برقان «4» : الحمد لله الذي ستر منا ومنك القبيح، وأظهر منا ومنك الحسن حتى حسن الظن بنا وبك والسلام.
8- أبو هريرة رفعه: إن حسن الظن بالله من حسن عبادة الله.(3/298)
9-[شاعر] :
وقد كان حسن الظن بعض مذاهبي ... فأدّبني هذا الزمان وأهله
10- بلعاء بن قيس «1» :
وابغي صواب الظن أعلم أنه ... إذا طاش ظن المرء طاشت معاذره
11- قيل لصوفي: ما صناعتك؟ قال: حسن الظن بالله، وسوء الظن بالناس.
12- ذكر رجل عند أعرابي بشدة العبادة فقال:- هذا والله رجل سوء، أيظن أن الله لا يرحمه حتى يعذب نفسه هذا التعذيب؟
13- النبي صلّى الله عليه وسلّم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فمن رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
14- كان ابن الزبير «2» رضي الله عنه يقول: لا عاش بخير من لم ير برأيه ما لم ير بعينه.
15- قيل ليعقوب «3» عليه السّلام: إن بصر رجلا يطعم المسكين ويملأ حجر اليتيم. فقال: ينبغي أن يكون منا أهل البيت، فنظروا فإذا هو يوسف «4» عليه السّلام.
16- الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان:(3/299)
لقد قرفوا أبا وهب بأمر ... كبير بل يزيد على الكبير
وأشهد أنهم كذبوا عليه ... شهادة عالم بهم خبير
17- أبو وهب كنية عبد الصمد بن عبد الأعلى «1» مؤدب الوليد، وهو الذي أفسد الوليد وحمله على السخف والشراب، فنحاه عنه هشام «2» فقال ذلك.
18- سهل الأحول «3» كاتب إبراهيم بن المهدي: ما أحسن حسن الظن إلا أن فيه العجز! وما أقبح سوء الظن إلا أن فيه الحزم!.
19- أعرابي: تسقطني فلان فأخلفت ظنه.
20- النبي صلّى الله عليه وسلّم: إن في كل أمة محدّثين ومروّعين «4» ، فإن يكن في هذه الأمة أحد فعمر منهم.
21- المحدث المصيب في حدسه كأنما حدث بالأمر. قال أوس «5» :
مليح نجيح أخو مأقط ... نقاب يحدث بالغائب «6»(3/300)
والمروّع الذي تلقى الأمور في روعه.
22- أبو هريرة رفعه: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا «1» ولا تجسسوا.
- وعنه عليه السّلام: يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، فليظنّ بي عبدي ما شاء. وأنا مع عبدي إذا ذكرني.
23-[شاعر] :
أحسن بربك ظنا ... فإنه عند ظنك
24- الحسن: ما داء هذا الخلق كلهم إلا الشك.
25- محمد بن علي الصيني «2» في طاهر بن الحسين:
كأنك مطلع في القلوب ... إذا ما تناجت بأسرارها
فكرات طرفك ممتدة ... إليك بغامض أخبارها
26- من موالي بني سليم الحسن بن السقا «3» لم يكن في الأرض أخرص «4» منه أحزر. كان ينظر إلى السفينة فيحزر ما فيها فلا يخطىء.
وكان خرصه للموزون والمكيل والمعدود سواء لا يعدله شيء من ذلك، يقول في هذه الرمانة كذا حبة، ووزنها كذا، ويأخذ عدد الآس «5» فيقول فيه كذا ورقة ووزنه كذا فلا يخطىء.(3/301)
27- ابن المعتز «1» :
تفقد مساقط لحظ المريب ... فإن العيون وجوه القلوب
وطالع بوادره في الكلام ... فإنك تجني ثمار الغيوب
28- علي كرّم الله وجهه: من تردد في الريب وطأته سنابك «2» الشياطين «3» .
- وعنه: ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصحفات وجهه.
29- أشار ابن عباس على عليّ رضي الله عنه بشيء فلم يعمل به ثم ندم فقال: ويح ابن عباس: كأنما ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق.
30- أبو نهشل بن حميد الطائي «4» :
أما والراقصات بذات عرق ... ورب البيت والركن العتيق «5»
لقد أطلعت لي تهما أراها ... ستحملني على مضض العقوق
31- قالوا: إذا رأيت الرجل يخرج بالغداة ويقول:- ما عند الله خير وأبقى، فاعلم أن في جواره وليمة لم يدع إليها. وإذا رأيت أن قوما يخرجون من عند قاض ويقولون: ما شهدنا إلا بما علمنا، فاعلم أن شهادتهم لم تقبل. وإذا قيل للمتزوج صبيحة البناء: كيف ما قدمت عليه؟(3/302)
فقال:- الصلاح خير من كل شيء، فاعلم أن أمرأته قبيحة. وإذا رأيت رجلا يمشي ويتلفت، فاعلم أنه يريد أن يحدث «1» . وإذا رأيت فقيرا يعدو، فاعلم أنه في حاجة غني، وإذا رأيت خارجا من عند الوالي وهو يقول: يد الله فوق أيديهم، فاعلم أنه قد صفع.
32-[راجز] :
قوم صدور الخيل يا ابن بشر ... ذات اليمين من مغيب النسر
أياك والشك وضعف الأمر
33- مر ولد نزار «2» في طريقهم إلى الأفعى الجرهمي «3» بكلأ قد رعي، فقال مضر «4» : إن البعير الذي رعى هذا لأعور، وقال ربيعة «5» :
وهو أزور، وقال أياد «6» : وهو أبتر، وقال أنمار «7» 4 وهو شرود. فلقيهم صاحب البعير فسألهم فأعطوه صفته فاستدلّهم عليه، فقالوا: ما رأيناه.
فلزمهم وذهب معهم إلى الأفعى، فقال: كيف وصفتموه ولم تروه؟ فقال:
مضر: رأيته يرعى جانبا ويدع جانبا فعرفت أنه أعور.(3/303)
وقال ربيعة: رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر والأخرى فاسدة الأثر فعلمت أنه أفسده بشدة وطئه لازوراره. وقال إياد: عرفت بتره باجتماع بعره ولو كان ذيالا لمصح به، وقال أنمار: كان يرعى بالمكان الملتف ثم يجوزه إلى مكان آخر أرق منه وأخبث فعلمت أنه شرود. فقال للرجل: ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه. ثم رحب بهم ودعا لهم بطعام وشراب وخرج من عندهم وتسمع عليهم، فقال مضر: لم أر كاليوم خمرا لولا أنها نبتت على قبره. وقال ربيعة: لم أر كاليوم لحما لولا أنه ربي بلبن كلبة. وقال إياد: لم أر كاليوم رجلا لولا أنه ليس لأبيه الذي يدعى إليه، وقال أنمار:
لم أر كاليوم كلاما انفع لولا أن صاحبنا يسمع.
فقال: ما هؤلاء إلا شياطين، وكان الأمر كما حدسوا.
34- ابن عباس في عمر رضي الله عنه: ما رأيته إلا وكأن بين عينه ملك يسدده.
35- الحسن: أوصيكم بتقوى الله وإدامة التفكر، فإن التفكر أبو كل خير وأمه.
- وعنه: من عرف الله أحبه، ومن عرف الدنيا زهد فيها.
36- والمؤمن لا يلهو حتى يغفل، فإذا تفكر حزن.
37- سأل سعيد بن المسيب أيوب السختياني عن حديث فقال: إني أشك فيه. فقال: شكك أحب إليّ من يقين شعبة «1» .
38- عين المرء عنوان قلبه.
39- قيل لرقبة بن مصقل: ما أكثر ما تشك؟ فقال ما ذلك إلا محاماة عن اليقين.(3/304)
40- جابر بن عبد الله: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول قبل موته بثلاث:
لا يموت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله.
41- التفكر قبل العمل يرفع هيبة البديهة.
42- لما خرج عبد الملك يريد مصعبا «1» عرض له كثيّر «2» فقال: يا كثيّر ذكرتك اليوم فما تكاد تخرج من بالي، فإن أنبأتني لم ذكرتك فاحتكم عليّ فيما أدفعه إليك. قال: نعم، أردت الشخوص إلى هذا الوجه فنهتك عاتكة بنت يزيد «3» ، فلما جددت بكت فبكى لبكائها حشمها، فذكرت قولي:
إذا ما أراد الغزو لم يثن همه ... حصان عليها عقد در يزينها
نهته فلما لم تر النهي عاقه ... بكت فبكى مما عراها قطينها
قال: قد والله أصبت فاحتكم، قال: مائة ناقة برعاتها، فدفعها إليه ثم قال: هل لك أن تصحبنا في هذا الوجه؟ فقال: احرز هذه وارجع إليك.
قال: إنك قد صدقتني فوفيت لك، أفرأيت أن أنبئك بما في نفسك أتحكمني؟ قال: أي والله، قال: قد قلت في نفسك هذا عائد عن الحق من أهل النار يخرج إلى مثله، فلعله يصيبني سهم غرب «4» فالحق بالذي أنا معه. قال: قد أصبت يا أمير المؤمنين فاحتكم. قال: حكمي عليك أن أصل هذه الإبل لك بألف دينار وأعجل سراحك.(3/305)
الباب الثامن والأربعون الظلم وذكر الظلمة وما عليهم، والأذى وقسوة القلب، وما اتصل بذلك
1- أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: رحم الله عبدا كان لأخيه قبله مظلمة في عرض أو مال فأتاه فنحلله منها قبل أن يأتي يوم القيامة ليس معه دينار ولا درهم.
2- جابر بن عتيك «1» رفعه: من اقتطع شيئا من مال امرىء مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة. قالوا يا رسول الله وإن شيء يسير؟ قال: ولو قضيب من أراك «2» .
3- حذيفة «3» : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أوحي إليّ يا أخا المرسلين، يا أخا المنذرين أنذر قومك فلا يدخلوا بيتا من بيوتي ولأحد من عبادي عند أحد منهم مظلمة، فإني ألعنه ما دام قائما يصلي بين يدي يرد تلك الظلامة إلى أهلها، فأكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويكون من أوليائي وأصفيائي، ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة.(3/307)
4- ابن عمر رفعه: لرد دانق «1» حرام يعادل عند الله سبعين حجة مبرورة.
5- أبو هريرة رفعه: لا يغبطن ظالم بظلمه فإنّ له عند الله طالبا حثيثا، ثم قرأ: كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً
«2» .
6- علي رضي الله عنه رفعه: إياكم ودعوة المظلوم، فإنما سأل الله حقه، وإن الله لا يمنع من ذي حق حقه.
7- خزيمة بن ثابت رفعه: اتقوا دعوة المظلوم، فإنما تحمل على الغمام، يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين.
8- علي رفعه: يقول الله اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد ناصرا غيري.
9- النابغة الجعدي «3» لعقال بن خويلد العقيلي «4» :
كليب لعمرو الله كان أكثر ناصرا ... وأهون ذنبا منك ضرّج بالدم
رمى ضرع ناب فاستمر بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المسهّم «5»
10- مر عامر بن بهدلة «6» برجل قد صلبه الحجاج فقال: يا رب إن حلمك على الظالمين قد أضر بالمظلومين. فرأى في منامه أن القيامة قد قامت وكأنه قد دخل الجنة، فرأى المصلوب فيها في أعلى عليين، وإذا مناد ينادي: حلمي على الظالمين أحل المظلومين في أعلى عليين.
11- بعض السلف: دعوتان أرجو إحداهما وأخاف الأخرى: دعوة(3/308)
مظلوم أعنته، ودعوة ضعيف ظلمته.
12- مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برجلين يتشاجران، وكان أحدهما يتعدى ويتطاول، وصاحبه يقول: حسبي الله، حسبي الله، فقال عليه السّلام: يا رجل، أبل من نفسك عذرا «1» ، فإذا أعجزك الأمر فقل حسبي الله.
13- من سلب نعمة غيره سلب غيره نعمته.
14- زياد «2» : يعجبني من الرجل إذا سيم خطة الضيم أن يقول بملء فيه: لا.
15- عمر بن عبد العزيز: الوليد «3» بالشام، والحجاج بالعراق، وقرة ابن شريك بمصر، وعثمان بن حيان «4» بالحجاز، ومحمد بن يوسف «5» باليمن! امتلأت الأرض والله جورا.
16- لرجل من أزد شنوءة «6» استعدى عتبة بن أبي سفيان وقد ظلمه عامله:(3/309)
أمرت من كان مظلوما ليأتيكم ... فقد أتاكم غريب الدار مظلوم
17- نقش خاتم أنو شروان «1» : لا يكون العمران حيث يجور السلطان.
18- كان أبو ضمضم «2» على شرطة الكوفة، فلم يحدث في عمله حادث، فأخذ رجلا من عرض الناس فجرده للسياط، واجتمع عليه النظارة، فقال الرجل:- ما ذنبي أصلحك الله؟ قال:- أجب أن تجملنا بنفسك ساعة.
19- سمع مسلم بن يسار رجلا يدعو على من ظلمه فقال: كل الظلوم إلى ظلمه فهو أسرع فيه من دعائك إلا أن يتداركه الله بعمل، وقمن أن لا يفعل.
20- كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله: أما بعد فإذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة الله على عقوبتك وذهاب ما تأتي إليهم وبقاء ما يؤتى إليك والسلام.
21- كان علي بن الحسين يقول كلما ذر شارق «3» : اللهم إني أعوذ بك أن أظلم أو أظلم، وأعوذ بك أن أبغي أو يبغى عليّ.
22- علي رضي الله عنه: ولئن أمهل الله الظالم فلن يفوت أخذه، وهو له بالمرصاد على مجاز طريقه، وبموضع الشجى «4» من مساغ ريقه «5» .(3/310)
23- طرفة «1» :
والظلم فرق بين حيّي وائل ... بكر فساقتها المنايا تغلب
24- الأفوه «2» :
وبشؤم البغي والغشم قديما ... ما خلا جوف ولم يبق حمار
جوف: واد كان لحمار بن طويلع بن عاد «3» .
25- أنو شروان: رفع إليه أن عامل الأهواز قد جبى من المال ما يزيد على الواجب، فوقع برد المال على الضعفاء، فإن الملك إذا كثر أمواله بما يأخذ من رعيته كان كمن يعمر سطح بيته بما يقتلع من قواعد بنائه.
26- يقال: كسره كسر الجوز، وقشره قشر اللوز، وأكله أكل الموز، إذا نهكه ظلما.
27- من كثر شططه كثر غلطه.
28- الظلم يجلب النقم، ويسلب النعم.
29- من طال عدوانه زال سلطانه.
30- لولا الداعون لهلك العادون.(3/311)
31- من جمح «1» به العدوان جنح «2» عليه الأخوان.
32- لا تندم على فرض أقمته، وظالم وقمته «3» .
33- رئي في طول لوح في أفق السماء مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله وتحته:
فلم أر مثل العدل للمرء رفعة ... ولم أر مثل الجور للمرء واضعا
34-[شاعر] :
كنت الصحيح وكنا منك في سقم ... فان سقمت فإنّا السالمون غدا
دعت عليك أكف طالما ظلمت ... ولن ترد يد مظلومة أبدا
35- النبي صلّى الله عليه وسلّم: لو بغى جبل على جبل لدك الباغي.
- وعنه عليه السّلام: أعجل الشر عقوبة البغي.
36- فيروز بن يزدجرد «4» : من سل سيف البغي قتل به. ومن أوقد نارا للفتنة كان وقودا لها.
37- النجاشي «5» : الملك يبقى على الكفر ولا يبقى على الظلم.
38- علي رضي الله عنه:
يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم «6» .(3/312)
39- معاوية: إني لأستحي أن أظلم من لا يجد عليّ ناصرا إلا الله.
كان الناس يتلاقون بعد قتل المنتصر «1» أباه فيقولون: والله لا عاش إلا ستة أشهر كما عاش شيرويه بن كسرى»
حين قتل أباه. فكان كما ظنوا.
وروي أن سبب موته أنه فصد «3» بمبضع مسموم، والطبيب الذي قصده احتاج إلى الاقتصاد بعد ذلك، فأخرج إلى تلميذه دست مباضع وفيها ذلك المبضع، فاتفق أنه فصده به فمات الطبيب.
ورأى أباه في المنام فقال له: ظلمتني وقتلتني لا تمتعت بالخلافة إلا أياما.
وقال لأمه حين احتضر: عاجلت فترجلت.
40- أبو العيناء «4» : كان لي خصوم ظلمة فشكوتهم إلى أحمد بن أبي دؤاد «5» ، وقلت: قد تظافروا عليّ وصاروا يدا واحدة، فقال: يد الله فوق أيديهم. قلت: إن لهم مكرا، قال: ولا يحيق المكر السيء إلا(3/313)
بأهله، قلت: هم كثير، قال:- كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله.
41-[شاعر] :
لا تبع عقدة مال ... خيفة الجار الغشوم
واصطبر للفلك الجا ... ري على كل ظلوم
فهو الدائر بالأمس على آل سدوم «1» 42- يزعم الأعراب أن الله تعالى لم يدع ماكسا «2» إلا أنزل به بلية، وأنه مسخ منهم اثنين ذئبا وضبعا، وأن الضب وسهيلا كانا ماكسين، فمسخ الله أحدهما في الأرض والآخر في السماء.
43- قال الحكم بن عمرو البهراني «3» :
مسخ الماكسين ضبعا وذئبا ... فلهذا تناجلا أم عمرو «4»
مسخ الضب في الجدالة قدما ... وسهيل السماء عمدا بصغر «5»
الجدالة الأرض.
44- نظر دهقان «6» يعذب في الخراج إلى الوالي يعطي الناس الجوائز فقال: أيها الأمير إن كنت إنما تظلم لمن ترحم فارحم من تظلم، فنفسّ عنه.(3/314)
45- قال كعب «1» : نهيق الحمار دعاء الظلمة، فحدث به المسيب بن شريك «2» .
فقال: لو علمت أن هذا حق لزدت في قضيم حماري.
46- عبد الله بن الفضل «3» في قتل المتوكل ابن الزيات «4» :
يكاد القلب من فزع يطير ... إذا ما قيل قد قتل الوزير
أمير المؤمنين هدمت ركنا ... عليه رحاكم كانت تدور
فمهلا يا بني العباس مهلا ... لكم في كل ناحية عقير
كأن الله صيرّكم ملوكا ... لئلا تعدلوا ولأن تجوروا
47- كان أبو مسلم «5» بعرفات يقول: اللهم إني تائب إليك مما لا أظنك تغفره لي. فقيل له: أيعظم على الله غفران ذنب؟ فقال: إني نسجت ثوب ظلم لا يبلى ما دامت الدولة لبني العباس، فكم من صارخة لعنتني عند تفاقم الظلم! فكيف يغفر لمن هذا الخلق خصماؤه.
وقيل له مرة: لقد قمت بأمر لا يقصر بك عن الجنة، فقال: خوفي فيه من النار أولى من الطمع في الجنة، إني أطفأت من بني أمية جمرة وألهبت من بني العباس نيرانا، فإن أفرح بالإطفاء فواحزنا من الإلهاب.
48- خطب الحجاج فقال: أتزعمون أني شديد العقوبة وهذا أنس(3/315)
حدثني أن رسول الله قطع أيدي رجال وأرجلهم وسمل عيونهم. قال أنس:
فوددت أني متّ قبل أن حدثته.
49- محمد بن عبد الله النفس الزكية:
متى نرى للعدل نورا فقد ... أسلمني ظلم إلى ظلم «1»
أمية طالت عداتي بها ... كأنني فيها أخو حلم
50- علي رفعه: إياكم والظلم فإنه يخرب قلوبكم.
- وعنه مرفوعا: الويل لظالم أهل بيتي، عذابهم مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار.
- وعنه: ألا وإنّ الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفر، وظلم لا يترك وظلم مغفور لا يطلب. فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله، قال الله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
«2» ، وأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات «3» ، وأما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا. القصاص هناك شديد ليس هو جرحا بالمدى ولا ضربا بالسياط ولكنه ما يستصغر ذلك معه «4» .
- وعنه: لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنه يسعى في مضرته ونفعك.
51- أبو مخلد «5» : في قوله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا(3/316)
يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ
«1» تعزية للمظلوم ووعيد للظالم.
52- أبصر أبو هريرة رجلا يعظ رجلا. فقال آخر: دعه فإن الظالم لا يضر إلا بنفسه. فقال أبو هريرة: كذبت، والذي نفسي بيده إنه ليضر غيره، حتى أن الحبارى «2» لتموت في وكرها بظلم الظالم.
53- جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: لما قدم على رسول الله من الحبشة، فسأله ما أعجب ما رأيت ببلاد الحبشة؟ قال: رأيت امرأة على رأسها مكتل «3» فيه دقيق، إذ مر فارس فزحمها فألقى المكتل فانصب الدقيق. فجعلت تجمعه وتقول: ويل لك من ديان يوم الدين إذا وضع كرسيه للقضاء، فأخذ للمظلوم من الظالم. فقال رسول الله: لا تقدس الله أمة لا يأخذ فيها لضعيفها حقه غير متعتع «4» .
54- أبو ذر «5» رفعه: يقول الله تعالى إني حرمت الظلم على نفسي، وحرمته على عبادي، فلا تظالموا.
55- أوس بن شرحبيل «6» رفعه: من مشى مع ظالم ليعينه، وهو يعلم أنه ظالم، فقد خرج من الإسلام.
- وعنه عليه السّلام: من مشى خلف ظالم سبع خطات فقد أجرم، وقال تعالى: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ
«7» .
56- يوسف بن اسباط: من دعا لظالم بطول البقاء فقد أحب أن(3/317)
يعصي الله في أرضه.
57- الأحنف «1» : من ظلم نفسه كان لغيره أظلم، ومن هدم دينه كأن لمجده أهدم.
58- أبو المطراب «2» من لصوص الحجاز وقد تاب فظلم:
ظلمت الناس فاعترفوا بظلمي ... فتبت فأزمعوا أن يظلموني
فلست بصابر إلا قليلا ... فإن لم ينتهوا راجعت ديني
59- محمد بن يزداد بن سويد وزير المأمون:
لا تأمننّ الدهر حرا ظلمته ... فما ليل حرّ إن ظلمت بنائم
60- الهيثم بن فراس السامي «3» من بني سامة بن لؤي «4» في الفضل ابن مروان «5» :
تجبرت يا فضل بن مروان فاعتبر ... فقبلك كان الفضل والفضل والفضل
ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم ... أبادهم الموت المشتت والقتل
وقمت كما قام الثلاثة ظالما ... ستودي كما أودى الثلاثة من قبل(3/318)
يريد الفضل بن يحيى «1» ، والفضل بن الربيع «2» ، والفضل بن سهل «3» .
61- علي رضي الله عنه: لأن أبيت على حسك السعدان «4» مسهدا، وأجر في الأغلال مصفدا، أحب إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد، وغاصبا لشيء من الحطام، وكيف أظلم أحدا لنفس يسرع إلى البلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها.
والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب «5» شعيرة ما فعلت، وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها. ما لعلي ولنعيم يفنى، ولذة لا تبقى، نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل «6» .
62- أوحى الله إلى موسى: يا موسى قل لظلمة بني إسرائيل يقلوا من ذكري، فإني أذكر من ذكرني منهم بلعنه حتى يسكت.
63- قال منصور بن المعتمر «7» لابن هبيرة «8» حين أراده على(3/319)
القضاء: ما كنت لألي بعد ما حدثني إبراهيم «1» . قال: وما حدثك؟ قال:
حدثني عن علقمة «2» عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا كان يوم القيامة نادي مناد أين الظلمة وأعوان الظلمة وأشباه الظلمة حتى من برى لهم قلما أو لاق لهم دواة «3» ، فيجتمعون في تابوت حديد ثم يلقى بهم في جهنم.
64- كان الفضل بن صالح بن عبد الملك الهاشمي «4» يهوى جارية أخيه عبيد بن صالح «5» فسقى أخاه سما فقتله وتزوجها. فقال ابن برد الشامي «6» وقد ظلمه في أرض له:
لئن كان فضل بزّني الأرض ظالما ... لقبلي ما أردى عبيد بن صالح
سقاه نشوعيا من السم ناقعا ... ولم يكتئب من مخزيات الفضائح «7»
65- كان أسلم بن زرعة «8» وإلي خراسان من قبل عبيد الله بن زياد(3/320)
ينبش قبور الأعاجم فربما أصاب فيها الذهب والفضة. فقال بيهس بن صهيب الجرمي «1» :
تعوّذ بحجر واجعل القبر في الصفا ... من الأرض لا ينبش عظامك أسلم «2»
هو النابش القبر المحيل عظامه ... لينظر هل تحت السقائف درهم
66- أبو الدرداء «3» : إياك ودمعة اليتيم ودعوة المظلوم، فإنها تسري بالليل والناس نيام.
67- ظلم أعرابي من بكر بن وائل فقتل ظالمه بعنف فقال: ما أساء من قتل ظالمه. فقيل: أتحب أن تلقى الله ظالما أو مظلوما؟ قال: بل ظالما، ما عذري عند الله إذا قال خلقتك مثل البعير ثم تجيء تشكو إليّ؟.
68- علي رضي الله عنه: أوحى الله إلى المسيح قل لبني إسرائيل لا تدخلوا بيتا من بيوتي إلا بأبصار خاشعة، وقلوب طاهرة، وأيد نقية، وخبّرهم أني لا استجيب لأحد منهم دعوة ولأحد من خلقي لديهم مظلمة.
69- محمد بن يوسف الأصبهاني الزاهد «4» ، كتب إليه أخوه يشكو(3/321)
السلطان فأجابه: إن من عمل المعاصي لا ينكر العقوبة.
70- خطب الحسن بن علي رضي الله عنهما فذكر مفاخرة، فقال معاوية: عليك بالرطب، يعني أنك لا تصلح للخطب أراد أن يخجله ويقطعه. استمر في خطبته. فقال معاوية، أنك لترجو الخلافة ولست هناك. فقال: إن الخلافة لمن سار بسيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسيرة صاحبيه وعمل بطاعة الله، وليست الخلافة لمن عمل بالجور وعطل الحدود «1» ، ومن لم يعمل بمثل سيرتهما كان ملكا من الملوك يتمتع في ملكه فكان قد انقطع عنه وبقيت تبعته عليه، فهو كما قال الله تعالى: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ
«2» .
71- دخل على هشام «3» ، في متنزه له قد تكلف فيه، رجل ألقى إليه صحيفة وتلمس، فإذا فيها بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد، فتكدّر عليه يومه، ومات بعد أيام.
72- قيل للمنصور: في حبسك محمد بن مروان «4» فلو أمرت بإحضاره ومسألته عما جرى بينه وبين ملك النوبة «5» . فقال صرت إلى جزيرة النوبة في آخر أمرنا، فأمرت بالمضارب فضربت، فخرجت النوبة يتعجبون، وأقبل ملكهم رجل أصلع طوال حاف عليه كساء، فسلم وجلس على الأرض، فقلت: ما بالك لا تقعد على البساط؟ فقال: أنا ملك،(3/322)
وحق لكل من رفعه الله أن يتواضع له إذا رفعه، ثم قال: ما بالكم تطأون الزروع بدوابكم والفساد محرم عليكم في كتابكم؟ قلت: أشياعنا فعلوه بجهلهم. قال: فما بالكم تلبسون الديباج وتتحلون بالذهب والفضة وهي محرمة عليكم على لسان نبيكم؟ قلت: فعل ذلك أعاجم من خدمنا كرهنا الخلاف عليهم. فجعل ينظر في وجهي ويكرر معاذيري على وجه الإستهزاء. ثم قال: ليس كما تقول يا ابن مروان، ولكنكم ملكتم فظلمتم، وتركتم ما أمرتم به فأذاقكم الله وبال أمركم، ولله فيكم نقم لم تبلغ، وإني أخشى أن تنزل بك وأنت في أرضي فتصيبني معك، فارتحل عنّي.
73- وجد تحت فراش يحيى بن خالد البرمكي رقعة فيها:
وحق الله أن الظلم لؤم ... وإن الظلم مرتعه وخيم
إلى ديان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم
74- وجد القاسم بن عبيد الله وزير المكتفي «1» في مصلاه رقعة فيها:
بغي وللبغي سهام تنتظر ... أنفذ في الأحشاء من وخز الأبر
سهام أيدي القانتين «2» في السحر
75- أنس رفعه: إن الله نظر إلى أهل عرفات فباهى بهم الملائكة قال: انظروا إلى عبادي شعثا غبرا قد أقبلوا يضربون إليّ من كل فج عميق. افاشهدوا أني قد غفرت لهم، ألا التبعات التي بينهم.(3/323)
76- لقي رجل من المهاجرين العباس بن عبد المطلب فقال: يا أبا الفضل، أرأيت عبد المطلب بن هاشم والغيطلة «1» كاهنة بني سهم جمعهما الله في النار. فصفح عنه، ثم قال: فصفح عنه، فلما كانت الثالثة رفع يده فوجأ «2» أنفه. فانطلق إلى رسول الله، فلما رآه قال: ما هذا؟ قال:
العباس: فأرسل إليه وقال: ما أردت إلى رجل من المهاجرين؟ فقص عليه القصة وقال: ما ملكت نفسي وما إياه أراد ولكن أرادني. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما بال أحدكم يؤذي أخاه في الشيء وإن كان حقا؟.
77- قدم ابن أبي جهل المدينة، فجعل يمر في الطريق فيقول الناس: هذا ابن أبي جهل، فذكر ذلك لأم سلمة «3» فذكرته لرسول الله.
فخطب الناس وقال: لا تؤذوا الأحياء بسبب الأموات.
78- فضيل «4» : والله ما يحل لك أن تؤذي كلبا ولا خنزيرا بغير حق، فكيف تؤذي مسلما؟.
79- عبيد الله بن الحر «5» :
تبيت النشاوى من أمية نوّما ... وبالطف قتلى ما ينام حميمها «6»
وما ضيع الإسلام إلا عصابة ... تأمر نوكاها ودام نعميها «7»(3/324)
فأضحت قناة الدين في كف ظالم ... إذا اعوج منها جانب لا يقيمها
فأقسمت لا تنفك نفسي حزينة ... وعيني تبكي لا تجف سجومها «1»
حياتي أو تلقى أمية خزية ... يذل لها حتى الممات زعيمها
80- رفعت قصص إلى المهدي فإذا قصة مكتوب عليها قصة صاحب السمكة. فقال: ما هي؟ فقال الربيع «2» : بينا أبوك مشرفا على دجلة إذ بصر بملاح صاد سمكة، فوجه إليه خادما له يشتريها، فاستامها بدينار فأبى، وباعها من تاجر باثني عشر درهما. فاستحضر التاجر وقد سوى السمكة فأخذها منه وأكلها وقال: لو لم يكن معك مال لما اشتريت سمكة باثني عشر درهما. وأمر خادمه بأن يذهب إلى منزله ويحمل ما أصاب في صناديقه. فجاء ببدرتين «3» . فقال: أنا رجل معيل وعلي مؤونة. فأعطاه منها أربعمائة درهم يتعيش بها.
فأمر المهدي أن تطلب البدرتان في بيت المال، فجيء بهما مكتوب عليهما مال صاحب السمكة، فقال المهدي: اجعل أبي في حل فإنه كان مسرفا على نفسه، وخذ المال.
81- جابر بن عبد الله يرفعه: اتقوا الظلم فأن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشحّ فإن الشحّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سكفوا دماءهم، واستحلوا محارمهم.
82- أبو موسى «4» رفعه: إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته، وقرأ: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ
«5» .(3/325)
83- أبو هريرة رضي الله عنه: قال أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه. وإن كان أخاه لأبيه وأمه.
- وعنه مرفوعا: بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك فأخره، فشكر الله له فغفر له.
وروي: لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس.
84- أبو برزة «1» : قلت يا رسول الله علمني شيئا انتفع به، قال:
أعزل الأذى عن طريق المسلمين.
85- حج سليمان بن عبد الملك فلقيه طاووس «2» ، فقيل حدّث أمير المؤمنين، فقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن من أعظم الناس عذابا يوم القيامة من أشركه الله في سلطانه فجار في حكمه. فتغير وجه سليمان.
86- ذكر هشام «3» عند محمد بن كعب القرظي «4» ، وثم محمد بن علي بن الحسين «5» ، فوقع فيه فقال القرظي: ليس بأسيافكم ترجون أن تنالوا ما تريدون. إن ملكا من ملوك بني إسرائيل عتا عليهم، فانطلق نفر إلى خيرهم وقالوا: نخرج عليه؟ فقال: ليس بأسيافكم ترجون أن تنالوا ما تريدون، ولكن انطلقوا فصوموا عشرا وقوموا ولا تظلموا فيها أحدا ولا تطأوا(3/326)
فيها امرأة. فجاؤوا بعد عشر، فقال:- زيدوا عشرا أخرى، فلم يزالوا حتى بلغوا أربعين. ثم قال لهم:- اجتمعوا وادعوا الله أن يكفيكم، ففعلوا، فدعا الملك ببرذون «1» له وأمر سائسه أن يسرجه، فتشاغب وامتنع البرذون، فغضب الملك فقام فأسرجه وركبه، فجمح به حتى ألقاه، فتقطع وهلك.
فقال الحبر: هكذا إذا أردتم أن تقتلوا من ظلمكم.
87- في الحديث: إن الله يقول: لا يذكرني عبدي الظالم حتى ينزع عن ظلمه، فإنه من ذكرني كان حقا عليّ أن أذكره، وإني إذا ذكرت الظالمين لعنتهم.
88- مجاهد «2» : يسلط الله على أهل النار الجرب فيحكوا حتى تبدو عظامهم، فيقال لهم: هل يؤذيكم هذا؟ فيقولون: أي والله. فيقال هذا بما كنتم تؤذون المؤمنين.(3/327)
الباب التاسع والأربعون العتاب، والتثريب، والشكوى، والبث، والاستعطاف، وما أشبه ذلك
1- أنس رضي الله عنه: خدمت النبي صلّى الله عليه وسلّم عشر سنين بالمدينة، وأنا غلام ليس كل أمري كما يشتهي صاحبي أن يكون عليه، فما قال فيها أفّ قط، وما قال لي: لم فعلت هذا؟ وألا فعلت هذا!.
2- وعنه عليه السّلام، إذا زنت خادم أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرّب «1» ، وروي:- ولا يعيّرها «2» .
3- عاتب عثمان عليا رضي الله عنهما وعلي مطرق، فقال: مالك لا تقول؟ إن قلت لا أقول إلا ما تكره وليس عندي إلا ما تحب.
4- في الإنجيل: إن ظلمك أخوك فاذهب إليه فعاتبه فيما بينك وبينه فقط، فإن أطاعك ربحت أخاك، وإن هو لم يطعك فاستتبع رجلا أو رجلين ليشهدا ذلك الكلام كله. فإن لم يستمع فإنه أمره إلى أهل السعة، فإن هو لم يسمع من أهل السعة فليكن عندك كصاحب المكس «3» .
5- وروي عن عيسى صلوات الله عليه: إذا كانت بينك وبين أخيك(3/329)
معاتبة فالقه فسلّم عليه، واستغفر لك وله، فإن قبل فأخوك، وإن أبى فاشهد عليه شاهدين أو ثلاثة أو أربعة، فعلى ذلك تقوم شهادة كل شيء، أو مجلس قومه، فإن قبل فأخوك، وإن أبى فليكن كصاحب مكس، أو كمن كفر بالله.
6- أبو الدرداء «1» : معاتبة الأخ أهون من فقده، ومن لك بأخيك كله؟
7-[شاعر] :
خليليّ لو كان الزمان مساعدي ... وعاتبتماني لم يضق عنكما صدري
فأما إذا كان الزمان محاربي ... فلا تجمعا أن تؤذياني مع الدهر
8- كتب الصولي «2» إلى ابن الزيات «3» :
وكنت أخي بإخاء الزما ... ن فلما نبا كنت حربا عوانا «4»
وكنت أذم إليك الزما ... ن فأصبحت فيك أذم الزمانا
وكتب إليه:
أخ كنت آوي منه عند ادكاره ... إلى ظل فينان من العز باذخ «5»
سعت نوب الأيام بيني وبينه ... فأقلعن منا عن ظلوم وصارخ
وإني وإعدادي لدهري محمدا ... كملتمس إطفاء نار بنافخ(3/330)
9- إياس بن معاوية: خرجت في سفر ومعي رجل من الأعراب، فلما كان ببعض المنازل لقيه ابن عم له فتعانقا وتعاتبا، وإلى جانبهما شيخ من الحي يفن «1» ، فقال لهما: أنعما عيشا، إن المعاتبة تبعث التجني والتجني يبعث المخاصمة، والمخاصمة تبعث العداوة، ولا خير في شيء ثمرته العداوة.
10-[شاعر] :
فدع ذكر العتاب فربّ شر ... طويل هاج أوّله العتاب
11- قال رجل لصديق يعاتبه: ما أشكوك إلا إليك، ولا استبطئك إلا لك، ولا استريدك إلا بك.
وقال له: أنا منتظر واحدة من اثنتين عتبى «2» تكون منك، أو عقبى «3» تغني عنك. وقال له: قد حميت جانب الأمل فيك، وقطعت أسباب الرجاء منك. وقد أسلمني اليأس منك إلى العزاء عنك فإن نزعت من الآن فصفح لا تثريب «4» فيه، وإن تماديت فهجر لا وصل بعده.
12- أوس بن حارثة «5» لابنه: العتاب قبل العقاب.
13- ابن أبي فنن «6» .
إذا كنت تغضب في غير ذنب ... وتعتب من غير جرم عليّا(3/331)
طلبت رضاك فان عزني ... عددتك ميتا وإن كنت حيا
14- سأل سفيان بن الأبرد الكلبي «1» هندا بنت أسماء بن خارجة امرأة الحجاج أن تكلمه في شأنه فمطلته «2» فقال:
أعاتب هندا والسفاه عتابها ... وماذا أرجيّ من معاتبتي هندا
اغيب فتنسى حاجتي وتصوغ لي ... حديثا إذا ما جئتها يقطر الشهدا
15- قال مدني لأبي مروان القاضي «3» ، أيها القاضي إلى متى استمطرك غيث الجميل، واستطلعك شمس الإحسان، وأنت تخوف برعد المطل. وتؤنس ببرق التسويف.
16- كاتب: أنت فتى المجد، ومعدن الحرية، ووطن الأدب، ومن كانت هذه صفاته فالخروج عن مودته جهل، فضلا عن الدخول في عداوته. وأنا أنت أخوا مودة، ورحم المودة أمسّ من رحم القرابة، فكيف رشت «4» سهامك؟ أم كيف امتحنت بعداوتك؟ ولكنه كما قال:
بلى قد تهب الريح من غير وجهها ... ويقدح في العود الصحيح القوادح
17- أبو الزبرقان الكاتب «5» :
صحبتك إذ أنت لا تصحب ... وإذ أنت لا غيرك الموكب
وإذا أنت تكثر ذم الزمان ... ونفسك نفسك تستحجب(3/332)
18- عمرو بن الأيهم بن الأقلت النصراني «1» :
قاتل الله قيس عيلان طرا ... ما لهم دون غارة من حجاب
ليس بيني وبين قيس عتاب ... غير طعن الكلى وضرب الرقاب
19- من أحوجك إلى العتب فقد وطن نفسه على الهجر.
20- قدم ابن ذكاء المعتصم «2» وكان شيخ الرملة والمشار إليه في فلسطين على ابن قريعة القاضي «3» فقدم على ما ساءه وناءه حتى قال: لقد اقشعر جلدي بتلك الديار من ضيم لعله ما كان ينالني، ولو نالني لما كان يغيظني، وأسندت نفسي إلى ابن عم لي بالعراق، ولو سلخني المغاربة سلخا، ونفخوا في جلدي نفخا، لكان أهون علي مما عاملني به.
21- كتبت عثعث «4» على زر قميصها بالذهب:
علامة ما بين المحبين في الهوى ... عتابهما في كل حق وباطل
22- وكتبت مستهام «5» جارية الفضل بن الربيع على تفاحة إليه:(3/333)
تمنى رجال ما أحبوا وإنني ... تمنيت أن أشكو إليه فيسمعا
23- غيره:
وكنت إذا ما جئت أكرمت مجلسي ... ووجهك من ماء البشاشة يقطر
فمن لي بالعين التي كنت مرة ... إليّ بها في سالف الدهر تنظر
24- الأحنف: شكوت إلى عمي صعصعة بن معاوية «1» وجعا في بطني، فنهرني ثم قال: يا ابن أخي، إذا نزل بك شيء فلا تشكه إلى أحد، فإنما الناس رجلان، صديق تسوؤه، وعدو تسرّه، والذي بك لا تشكه إلى مخلوق مثلك لا يقدر على دفع مثله عن نفسه، ولكن إلى من ابتلاك به، وهو قادر على أن يفرج عنك.
يا ابن أخي إحدى عيني هاتين ما أبصر بها سهلا ولا جبلا من أربعين سنة، وما اطلعت على ذلك امرأتي ولا أحدا من أهلي.
25- أبو دلف «2» :
وإذا عوتب في سيئة ... لم يدعها وتعاطى أختها
26- محمد بن أمية بن أبي أمية «3» :
وأضمر في قلبي العتاب فإن بدا ... وساعفني منه اللقاء نسيت
27- غيره:
ومن لم يعاتب في التواني خليله ... وأملى له صار التواني تماديا(3/334)
28- آخر:
ترك العتاب إذا استحق أخ ... منك العتاب ذريعة الهجر
29- شكى رجل إلى آخر الفقر، فقال له فضيل «1» يا هذا أتشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك.
30- آخر:
شكوت وما اشكو لمثلي عادة ... ولكن تفيض النفس عند امتلائها
31- آخر:
وكم من أخ ناديت عند ملّمة ... فألفيته منها أمض وأقدحا
32- المتنبي:
لا تشك يوما إلى خلق فتشتمه ... شكوى الجريح إلى الغربان والرّخم
33- وهيب بن الورد «2» : خالطت الناس منذ خمسين سنة فما وجدت رجلا غفر لي زلة، ولا أقالني «3» عثرة، ولا ستر لي عورة، ولا أمنته إذا غضب.
34- ما أصغيت «4» لك إناء، ولا أصننت «5» لك فناء «6» ، أي ما فعلت بك ما يوجب الشكاية.
35-[قوله] :(3/335)
وأراك تشربني فتمزجني ... ولقد عهدتك شاربا صرفا
مثل في ترك اختصاصه بالمودة، وهو في غاية الجودة.
36-[شاعر] :
ياذا الذي معه التنك ... ر والتنفر والتبوّ
ان كان أدركك الملا ... ل فقد تداركني السلوّ
37- غيره:
كل يوم قطيعة وعتاب ... ينقضي دهرنا ونحن غضاب
38- كثرة العتّاب تنغل «1» أديم المودة.
39- عتاب جحظة «2» مثل فيما رق ولطف، قال:
ورق الجو حتى قيل هذا ... عتاب بين جحظة والزمان
40- وللبديع الهمداني «3» : بيننا عتاب لحظة كعتاب جحظة واعتذارات بالغة كاعتذارات النابغة «4» .
41- في نوابغ الكلم «5» : الكتاب الكتاب أن أردت العتاب.
42- إن العتاب مسافهة إذا كان مشافهة.
43- قابوس «6» : أراك واهي الود، غير زاكي اللّبّ في منابت الحب.
44- الوفاء عندك بمنزلة الأبلق العقوق، والصفاء لديك مشوب «7»(3/336)
برنق «1» العقوق «2» .
45- كثيّر «3» :
ومن لا يغمض عينه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
ومن يتتبّع جاهدا كلّ عثرة ... يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
46- بشّار:
إذا كنت في كل الأمور معاتبا ... صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
47- كان أحمد بن يزيد المهلبي «4» نديما للمنتصر، فطلبه أبوه المتوكل لمنادمته، فلم يزل نديمه حتى قتل، فلما ولي المنتصر حجبه، ثم أذن له وأمر بنان بن عمرو المغني «5» فغنى:
غدرت ولم أغدر وخنت ولم أخن ... ورمت بديلا لي ولم أتبدل
والبيت للمنتصر، فاعتذر المهلبي، فقال المنتصر: إنما قلته مازحا، أتراني أتجاوز بك حكم الله: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ
«6» . ووصله بثلاثة آلاف دينار.
48- حبس عبد الله بن علي «7» المستهل بن الكميت «8» ، فكتب إليه:(3/337)
إذا نحن خفنا في زمان عدوكم ... وخفناكم إنّ البلاء لراكد
زهير بن صرد السعدي «1» أسر يوم حنين «2» فيمن أسر من هوازن، فقال يستعطف رسول الله ويذكره بحرمة الرضاع في بني سعد:-
أمنن على عصبة أعناقهم ذلل ... مفرق شملها في دارها غير
وامنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك يملأها من محضها درر
لا تجعلّنا كمن شالت نعامته ... واستبق منا فإنّا معشر شكر
وألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمهاتك إن العفو منتظر
فمنّ عليهم رسول الله. أي هو مترقب منك تفعله لا محالة. أو عفو الله منتظر يعفو عن الطاغين من عباده.
49- عثمان بن مظعون «3» رضي الله عنه هاجر إلى أرض الحبشة(3/338)
فبلغه من أمية بن خلف «1» كلام فقال:
تريش نبالا لا يواتيك ريشها ... وتبري نبالا ريشها لك أجمع
فكيف إذا نابتك يوما ملمة ... وأسلمك الأوباش ما كنت تصنع
50- المؤمل بن أميل المحاربي «2» :
شكوت ما بي إلى هند فما اكترثت ... يا قلبها أحديد أنت أم حجر
لا تحسبيني غنيا عن مودتكم ... إني إليك وإن أيسرت مفتقر
51- منصور النمري:
اقلل عتاب من استربت بودّه ... ليست تنال مودة بقتال
52- معبد بن أخضر المازني «3» :
لقد طال إعراضي وصفحي عن التي ... أبلغّ عنكم والقلوب قلوب
وطال انتظاري عطفة الرحم منكم ... ليرجع حلم والمعاد قريب
ولست أراكم تحرمون عن التي ... كرهنا ومنها في القلوب ندوب «4»
فلا تأمنوا منا كفاءة فعلكم ... فيشمت خصم أو يساء حبيب
ويظهر منا في المقال ومنكم ... إذا ما ارتمينا بالمقال عيوب
فإن لسان الباحث الداء ساخطا ... بني مازن ألوى البيان كذوب(3/339)
53- قعنب بن أم صاحب «1» :
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ... مني وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا
54- محمد بن جميل التميمي الكاتب «2» :
لئن أنا لم أبلغ بجاهك حاجة ... ولم يك لي فيما وليت نصيب
وأنت أمير الأرض من حيث أطلعت ... لك الشمس قرنيها وحيث تغيب
أبا غانم إني إذا لبروضة ... لغيري يصفو رعيها ويطيب
55- محمود بن مروان بن أبي حفصة «3» :
رحلت إلى أغرّ أبت جدودي ... إلى أجداده ألا ارتحالا «4»
وله:
أزور إمام الهدى جعفرا ... وكان لجديه جدي زؤورا «5»
وله:
كنا نزور جدوده فركابنا ... من طول ذلك بالطريق عوالم
56- كتب عمر بن عبد العزيز إلى الزهري «6» يستقدمه، فأبطأ عليه(3/340)
فقال: يا ابن شهاب لو كان غيرنا ما أبطأت عليه، لقد قلبتك ظهرا لبطن «1» فوجدتك بني دنيا.(3/341)
الباب الخمسون العبيد، والإماء، والخدم، والأمر بالاستيصاء بالمماليك خيرا، والنهي عن سوء الملكة، ونحو ذلك
1- علي رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أول من يدخل الجنة شهيد، وعبد أحسن عبادة ربه ونصح لسيده.
2- ابن عمر رضي الله عنه «1» ، رفعه: إن العبد إذا نصح لسيّده، وأحسن عبادة ربه فله أجره مرتين.
3- كان زيد بن حارثة «2» لخديجة رضي الله عنها، اشتري لها بسوق عكاظ «3» ، فوهبته لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجاء أبوه يريد شراءه منه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن رضي بذلك فعلت، فسئل زيد فقال: ذل الرق مع صحبته(3/343)
أحب إلي من عز الحرية مع مفارقته. فقال عليه السّلام: إذا اخترناه. فاعتقه وزوجه أم أيمن «1» ، وبعدها زينب بنت جحش «2» .
4- عطاء «3» . رفعه: الإبدال «4» من الموالي.
5- علي رضي الله عنه: كان آخر كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصلاة، الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم.
6- المعرور بن سويد «5» : دخلنا على أبي ذر «6» بالربذة «7» ، فإذا عليه برد «8» ، وعلى غلامه مثله، فقلنا: لو أخذت برد غلامك إلى بردك فكانت حلة، وكسوته غيره. قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: أخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليكسه(3/344)
مما يلبس، ولا يكلفه ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه.
7- أبو هريرة، رفعه: لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي، كلكم عبيد الله، وكل نسائكم إماء الله، ولكن ليقل غلامي وجاريتي، وفتاي وفتاتي.
ولا يقل أحدكم اسق ربك، وأطعم ربك، وضىء ربك، ولا يقل أحدكم ربي، وليقل سيدي ومولاي.
8- أبو مسعود الأنصاري «1» : كنت أضرب غلاما لي، فسمعت من خلفي صوتا: إعلم أبا مسعود، إعلم أبا مسعود، إن الله أقدر عليك منك عليه. فالتفت فإذا هو النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله، فقال: أما لو لم تفعل للفعتك «2» النار.
9- رافع بن مكيث «3» ، رفعه: حسن الملكة نماء، وسوء الخلق شؤم، وروي: يمن.
10- ابن عمر: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟ ثم أعاد عليه فصمت، فلما كانت الثالثة قال: اعفوا عنه كل يوم سبعين مرة.
11- أبو هريرة: حدثني أبو القاسم نبي التوبة صلّى الله عليه وسلّم: من قذف «4» مملوكه بريئا مما قال جلد له يوم القيامة حدا «5» .(3/345)
12- هلال بن يساف «1» : كنا نزولا في دار سويد بن مقرن «2» ، وفينا شيخ فيه حدة «3» ، ومعه جارية، فلطم وجهها، فما رأيت سويدا أشدّ غضبا منه ذلك اليوم، قال: أعجز عليك حر وجهها، لقد رأيتني سابع سبعة من ولد مقرن، مالنا إلا خادم، فلطم أصغرنا وجهها، فأمرنا النبي صلّى الله عليه وسلّم بعتقها.
13- وعن معاوية بن سويد «4» : لطمت مولى لنا، فدعاني أبي ودعاه فقال: اقتص منه.
14- استبق بنو عبد الملك «5» فسبقوا مسلمة «6» ، وكان ابن أمة، فتمثل عبد الملك بقول عمرو بن مبرد العبدي «7» :
نهيتكم أن تحملوا هجناءكم ... على خيلكم يوم الرهان فتدركوا «8»(3/346)
فتفتر كفاه ويسقط سوطه ... وتخدر رجلاه فما يتحرك «1»
وما يستوي المرءان هذا ابن حرة ... وهذا ابن أخرى ظهرها متشرك «2»
وأدركه خالاته فاختزلنه ... إلا أن عرق السوء لا بد مدرك
فقال مسلمة: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين: ليس هذا مثلي ولكن كما قال علي بن المغمر «3» :
فما أنكحونا طائعين بناتهم ... ولكن خطبناها بأرماحنا قهرا
فما زادها فينا السباء مذلة ... ولا كلّفت خبزا ولا طبخت قدرا «4»
ولكن خلطناها بخير نسائنا ... فجاءت بهم بيضا غطارفة زهرا «5»
وكائن ترى فينا من ابن سبية ... إذا لقي الأبطال يطعنهم شزرا «6»
ويأخذ رايات الطعان بكفه ... فيوردها بيضا ويصدرها حمرا «7»
كريم إذا اغبر اللئيم تخاله ... إذا سار في ليل الدجى قمرا بدرا
فقبل رأسه، وذهب غمه، وقال: أحسنت يا بني، ذاك أنت، وأمر له بمائة ألف مثل ما أخذ السابق.
15- زاذان «8» : أتيت ابن عمر، وقد أعتق مملوكا له، فأخذ من(3/347)
الأرض عودا فقال: مالي من الأجر ما يساوي هذا، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من لطم مملوكا أو ضربه فكفارته أن يعتقه.
16- أبو هريرة. يرفعه: من خبب «1» زوج امرىء أو مملوكه فليس منا.
17- أعتق عبد الله بن جعفر «2» ، غلاما، وأخذ يكتب كتاب العتق، فقال الغلام: أكتب كما أملي: كنت بالأمس لي فوهبتك لمن وهبك لي، فأنت اليوم مني. فكتب ذلك واستسحنه وزاده خيرا.
18- مرّ ابن عمر براع مملوك فاستباعه «3» شاة، فقال: ليست لي، فقال:
أين العلل «4» ؟ فقال: أين الله؟ فاشتراه فأعتقه، فقال: اللهم قد رزقتني العتق الأصغر فارزقني العتق الأكبر.
19- أراد رجل بيع جارية فبكت، فسألها، فقالت: لو ملكت منك ما ملكت مني ما أخرجتك من يدي. فأعتقها.
20- تغدى سليمان «5» عند يزيد بن المهلب «6» ، فقيل له: صف لنا أحسن ما كان في منزله، فقال: رأيت غلمانه يخدمونه بالإشارة دون القول.
21- قال سهل بن صخر «7» ، وهو من الصحابة لابنه: إذا ملكت(3/348)
ثمن غلام فاشتر به غلاما. فإن الجدود «1» في نواصي «2» الرجال.
22- أبو الهيثم بن خالد «3» :
ولي صديق ما مسني عدم ... مذ وقعت عينه على عدمي
بشرني بالغنى تهلله ... وقبل هذا تهلل الخدم
ومحنة الزائرين بينة ... تعرف قبل اللقاء في الحشم
23- كان أبو يوسف «4» راكبا، وغلامه يعدو خلفه، فقيل له، فقال:
أيحل أن أسلم غلامي مكاريا؟ قيل: نعم، قال: فيعدو إذن معي كما يعدو مع الحمار إذا كان مكاريا.
24- النبي صلّى الله عليه وسلّم: مثل الذي يعتق عند الموت مثل الذي يهدي إذا شبع.
25- قال ابن الزبير لرجل كان يتعاطى بيع الرقيق: ما أشد إقدامك على ركوب الغرر «5» وإضاعة المال! قال: بماذا؟ قال: بضاعتك الملعونة، قال: وما لها؟ قال هي ضمان نفس ومؤونة ضرس.
26- شر الناس من يبيع الناس.
27- أميروس «6» : التسلط على المماليك دناءة.
28- طلب معاوية جواري فقال: كل رافعة من بعيد، مليحة من قريب.(3/349)
29- البحتري:
أنا من ياسر ويسر ونجح ... لست من عامر ولا عمار
ما بأرض العراق يا قوم حر ... يفتديني من خدمة الأحرار
لا أريد التنظير يخرجه الشت ... م إلى الاحتجاج والافتخار
وإذا رعته بناحية السو ... ط على الذنب راعني بالفرار
هل جواد بأبيض من بني الأص ... فر ضخم الجدود ضخم النجار «1»
فوق ضعف الصغار إن وكل الأ ... مر إليه ودون كيد الكبار
وكأن الذكاء يبعث منه ... في سواد الأمور شعلة نار
ولعمري للجود للناس بالنا ... س سواء بالثوب والدينار
وعزيز إلا لديك بهذا الف ... ج أخذ الغلمان بالأشعار
30- بعض النخاسين «2» : حناء بنصف دانق يزيد في ثمن الجارية مائة درهم.
31- النبي صلّى الله عليه وسلّم: عاتبوا أرقاءكم على قدر عقولهم.
32- أبو اليقظان «3» : إن قريشا لم تكن ترغب في أمهات الأولاد حتى ولدن ثلاثا هم خير أهل زمانهم: علي بن الحسين «4» ، والقاسم بن محمد «5» وسالم بن عبد الله «6» . وذلك أن عمر رضي الله عنه أتى بنات يزدجرد «7» بن(3/350)
شهريار بن كسرى سبيات، فأراد بيعهن، فقال له علي: إن بنات الملوك لا يبعن، ولكن قوموهن «1» ، فأعطاه أثمانهن، فقسمهن بين الحسين بن علي، ومحمد بن أبي بكر الصديق، وعبد الله بن عمر، فولدن الثلاثة.
33- محمد بن سوقة كان إذا عصاه غلامه قال: ما أشبهك بسيدك! 34- عبد الله بن طاهر «2» : كنت عند المأمون ثاني اثنين، فنادى: يا غلام، يا غلام، بأعلى صوته، فدخل غلام تركي فقال: ألا ينبغي للغلام أن يأكل أو يشرب أو يتوضأ أو يصلي!؟ كلما خرجنا من عندك تصيح: يا غلام، يا غلام! إلى كم يا غلام؟ فنكس رأسه طويلا، فما شككت أنه يأمرني بضرب عنقه، فقال: يا عبد الله إن الرجل إذا حسنت أخلاقه ساءت أخلاق خدمه، وإذا ساءت أخلاقه حسنت أخلاق خدمه، فلا نستطيع أن نسيء أخلاقنا لتحسن أخلاق خدمنا.
35- النبي صلّى الله عليه وسلّم: بئس المال في آخر الزمان المماليك.
36- مجاهد «3» : إذا كثر الخدم كثرت الشياطين.
37- سالم بن أبي الجعد «4» رفعه: عبد عند الله صالح خير من حر طالح.
38- لقمان «5» : لا تأمنن امرأة على سر، ولا تطأ خادمة تريدها للخدمة.(3/351)
39- غلام يأكل فارها «1» ، ويعمل كارها، ويبغض قوما، ويحب نوحا.
40- أعتق ابن عتبة «2» غلاما كبيرا، فقال عبد له صغير: إذكرني يا مولاي، ذكرك الله بخير. فقال: إنك لم تخرف «3» . فقال: إن النخلة قد تجتني زهوا «4» قبل أن يصير معوا «5» : فقال: قاتلك الله! لقد استعتقت فأحسنت، وقد وهبتك لواهبك، كنت أمس لي واليوم مني.
41- العبد عز مستفاد، وغيض في الأكباد:
42-[شاعر] :
قد ذممنا العبيد حتى إذا نح ... ن بلونا المولى عذرنا العبيدا
43- آخر:
ومالي غلام فأدعو به ... سوى من أبوه أخو عمتي
44- أكثم «6» : الحر حر وإن مسه الضر، والعبد عبد وإن مشى على الدر.
45- كانت لخالد بن برمك «7» جارية اسمها سرور، أكتب الناس بقلم، وأحسنهم علما كانت توقع بين يديه فتخرج التوقيعات إلى الكتّاب، وربما اقترحوا عليها نسخ الكتب لبلاغتها، وكانت شجاعة، تركب معه في(3/352)
سيف ومنطقة «1» وسواد، فلا يعلم أجارية هي أم غلام، وكانت لخازم بن خزيمة «2» مثلها اسمها قطاة.
46- كان لعثمان بن عفان رضي الله عنه عبد، فاستشفع بعلي أن يكاتبه، فكاتبه: ثم دعا عثمان بالعبد فقال: إن كنت عركت أذنك فاقتص مني، فأخذ بأذنه، ثم قال عثمان: شدّ، شدّ، يا حبذا قصاص الدنيا لا قصاص الآخرة.
- وعنه رضي الله عنه: ما ملك رقيقا من لم يتجرع بغيظ ريقا.
47- خادم الملك لا يتقدم في رضاه خطوة إلا استفاد بها قيمة وحظوة.
48- أشرف الرشيد على الكسائي «3» والأمين والمأمون بين يديه يعلمهما، فقام لحاجته، فابتدرا يقدمان نعليه: فقال الرشيد لجلسائه: أفي الناس أكرم خدما؟ قالوا: أمير المؤمنين، قال: لا، بل هو الكسائي يخدمه عبد الله ومحمد «4» .
49- ليس حقك علينا بالخدمة دون حقنا عليك بالنعمة.(3/353)
50- نشأ فلان في حضن عنايتك، وأرضع بلبان نعمتك، وشرف بقدمة خدمتك.
51- دعا بعض أهل الكوفة إخوانه، وله جارية فقصرت في بعض ما ينبغي لهم، فقال:
إذا لم يكن في منزل الحر حرة ... رأى خللا فيما تولى الولائد «1»
فلا يتخذ منهن حر قعيدة ... فهن لعمر الله بئس القعائد
52- أحمد بن سهل «2» : عز الملوك بالمماليك.
53- كان لمحمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس خمسون ألف مولى، وهو وأخوه جعفر بن سليمان من ملوك بني هاشم وفرسانهم، وقد زوجه المهدي بنته العباسة «3» ونقلها إلى البصرة.
54- علي رضي الله عنه: واجعل لكل إنسان من خدمك عملا تأخذه به، فإنه أحرى أن لا يتواكلوا في خدمتك «4» .
55- لا تبذل رقك لمن لا يعرف حقك.
56- قلما تنفع خدمة الجوارح «5» إلا بخدمة القلب.
57- جندل مولى عدي بن حاتم يفتخر بأنه محرر الرجال دون النساء:(3/354)
وما فك رقي ذات دل خريدة ... ولا أخطأتني غرة وحجول»
نماني إلى العلياء أبيض ماجد ... فأصبحت أدري اليوم كيف أقول «2»
58- كان لرجل غلام من أكسل الناس، فأمره بشراء عنب وتين، فأبطأ حتى نوّط الروح، ثم جاء بأحدهما، فضربه وقال: ينبغي لك إذا استنقضيتك حاجة أن تقضي حاجتين، ثم مرض فأمره أن يأتي بطبيب، فجاء به وبرجل آخر، فسأله: فقال: أما ضربتني وأمرتني أن أقضي حاجتين في حاجة؟ جئتك بطبيب، فإن رجاك «3» وإلّا حفر هذا قبرك.
فهذا طبيب وهذا حفّار.
59- المأمون بن الرشيد:
كنت حرا هاشميا ... فاسترقتني الإماء
أنا مملوك لمملو ... ك وتحتي الأمراء
60- كانت للمأمون جويرية «4» من أحسن الناس وجها وأسبقهم إلى كل نادرة، فحلت عنده في ألطف محل فحسدتها الجواري وقلن: لا حسب لها، فنقشت على خاتمها حسبي حسني، فازداد بها المأمون عجبا، فسممنها فجزع عليها وقال:
اختلست ريحانتي من يدي ... أبكي عليها آخر المسند «5»
كانت هي الأنس إذا استوحشت ... نفسي من الأقرب والأبعد
وروضة كان بها موقعي ... ومنهلا كان به موردي
كانت يدي كانت بها قوتي ... فاختلس الدهر يدي من يدي(3/355)
61- المتوكل في جاريته قبيحة «1» :
أمازحها فتغضب ثم ترضى ... وكل فعالها حسن جميل
فإن غضبت فأحسن ذي دلال ... وإن رضيت فليس لها عديل
62- دعا طلحة أبا بكر وعمر وعثمان، فأبطأ عليه الغلام بشيء وأراده، فصاح: يا غلام، فقال: لبيك، فقال طلحة: لا لبيك. فقال أبو بكر: ما سرني أني قلتها ولي الدنيا. وقال عمر: ما سرني أني قلتها ولي نصف الدنيا، وقال عثمان: ما سرني أني قلتها ولي حمر النعم.
وصمت عليها طلحة، فلما خرجوا باع ضيعة بخمسة عشر ألفا وتصدق بها.
63- كان لمحمد بن أبي الحارث الكوفي «2» صديق له قينة «3» ، فباعها ببرذون «4» فقال محمد:
قينة كانت تغني ... مسخت برذون أدهم
عجّت بالساباط يوما ... فإذا القينة تلجم «5»
64- غلام الخالدي مثل في الشهامة والكياسة وجمع شرائط الخدمة، وهو غلام أبي عثمان الخالدي الشاعر «6» . قال الشيخ أبو الحسين محمد بن(3/356)
الحسين الفارسي النحوي «1» ، ابن أخت أبي علي الفارسي «2» : اسمه رشأ، رأيته بعد موت سيده في ناحية عبد العزيز بن يوسف «3» لقد ارتقى إلى رتبة الوزارة، وقال أبو المنصور الثعالبي: قرأت أنا بخطه قال: كتب ابن سكرة الهاشمي إلى أبي عثمان يسأله عني، فكتب إليه:
ما هو عبد لكنه ولد ... خوّلنيه المهيمن الصمد
وشد أزري بحسن صحبته ... فهو يدي والذراع والعضد «4»
صغير سن كبير معرفة ... تمازج الضعف فيه والجلد «5»
معشق الطرف كحله كحل ... معطل الجيد حليه جيد «6»(3/357)
وغصن بان إذا بدا فإذا ... شدا فقمري بانه غرد
ثقفه كيسه فلا عوج ... في بعض أخلاقه ولا أود «1»
ما غاظني ساعة فلا صخب ... يمر في منزلي ولا حرد
مسامر إن دجا الظلام فلي ... منه حديث كأنه الشهد
خازن ما في يدي وحافظه ... فليس شيء لدي يفتقد
يصون كتبي فكلها حسن ... يطوي ثيابي فكلها جدد
وحاجبي فالخفيف محتبس ... عندي به والثقيل منطرد
وحافظ الدار إن ركبت فما ... على غلام سواه أعتمد
ومنفق مشفق إذا أنا أسر ... فت وبذّرت فهو مقتصد
وأبصر الناس بالطبيخ فكا ... لمسك القلايا والعنبر الثرد
وواجد بي من المحبة والرأ ... فة أضعاف ما به أجد
إذا تبسمت فهو مبتهج ... وإن تنمرت فهو مرتعد «2»
ذا بعض أوصافه وقد بقيت ... له صفات لم يحوها العدد
65- كان أبان بن عبد الحميد بن لاحق «3» مولى لبني رقاش «4» ، فقال فيهم:(3/358)
ألا يا ليت لي قوما بقومي ... ولو عكلا فينفعني معاشي «1»
فكنت لهم أخا ثقة ومولى ... ولم أك في اللئام بني رقاش
66- وحشي الرياحي المدني «2» :
يعجبني من فعل كل مسلمة ... مثل الذي تفعل أم سلمة
اقصاؤها عن بيتها كل أمة 67- أهدى داود بن روح بن حاتم المهلبي «3» جارية للمهدي، فحظيت عنده، فواعدته المبيت معه، ثم منعها الحيض، فكتب إليها:
لأهجرنّ حبيبا خان موعده ... وذاك منه لصغر العيش تكدير
فأرسلت إلى داود ليجيبه ويعرفه عذرها، فقال:
لا تهجرن حبيبا خان موعده ... ولا تذعّن وعدا فيه تأخير
ما كان حبي إلا من حصول أذى ... لا يستطاع له بالقول تفسير
والدهر أطول فيه للإمام مدى ... يحيى السرور وتخليد وتعمير
68- ابتاع بعض مشيختي غلاما، فقلت: بورك لك فيه، فقال:
البركة مع من قدر على خدمة نفسه، واستغنى عن استخدام غيره، فخفت مؤونته، وهانت تكاليفه، وكفي سياسة العبيد.
69- أصيب أنو شروان «4» ببعض خدمه فجزع وقال: إثنان هما العدة والعمدة في النوائب، الخادم الناصح، والقريب الصديق، وقد فجعت(3/359)
بأحدهما، ولم أكتحل بالآخر.
70- معاوية: التسلط على المماليك من لؤم القدرة.
71- قال قرشي: سألني سعيد بن المسيب عن أخوالي، فقلت:
أمي فتاة «1» ، فنقصت في عينه، فأمهلت حتى دخل عليه سالم بن عبد الله ابن عمر فقلت: من أمه؟ قال: فتاة، ثم دخل القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فقلت: من أمه؟ قال: فتاة، ثم دخل علي بن الحسين بن علي، فقلت: من أمه؟ قال: فتاة. ثم قلت: رأيتني نقصت في عينك لأني ابن فتاة، أفمالي بهؤلاء أسوة؟ فجللت في عينه.
72- عبيد الله بن الحر:
فان تك أمي من نساء أفاءها ... جياد القنا والمرهفات الصفائح «2»
فتبا لجد الحر إن لم أنل به ... كرائم أولاد النساء الصرائح «3»
73- عنترة «4» :
أني امرؤ من خير عبس منصبا ... شطري وأحمي سائري بالمنصل «5»
74- أنشد المبرد:(3/360)
إن أولاد السراري ... كثروا والله فينا
رب أدخلني بلادا ... لا أرى فيها هجينا
75- قال هشام بن عبد الملك لزيد بن علي: بلغني أنك تطلب الخلافة ولست لها بأهل، قال: لم؟ قال: لأنك ابن أمة، قال: فقد كان إسماعيل ابن أمة وإسحاق ابن حرة، وقد أخرج الله من صلب إسماعيل سيد ولد آدم.
76- قال الحجاج بن عبد الملك بن الحجاج بن يوسف: لو كان رجل من ذهب لكنته، قيل: كيف؟ قال: لم تلدني أمة إلى آدم ما خلا هاجر «1» فقالوا له: لولا هاجر لكنت كلبا من الكلاب.
77- قال رجل لعبد استعقله: ألا ألحقك بنفسي؟ فقال: لأن أكون عبدا لايقا أحب إلي من أن أكون حرا لاحقا.
78- جعفر بن عقاب «2» :
وضمتني العقاب إلى حشاها ... وخير الطير قد علموا العقاب
فتاة من بني حام بن نوح ... سبتها الخيل غصبا والركاب
عقاب أمه وكانت سوداء.
79- دخل جرير على الحجاج وعلى رأسه جارية، فقال له: بلغني(3/361)
أنك ذو بديهة فقل فيها، فقال: ما لي أقول فيها حتى أتأملها، وما لي أتأمل جارية الأمير. فقال: بلى فتأملها، فقال: ما اسمك يا جارية؟
فأمسكت «1» ، فقال الحجاج: خبريه يالخناء «2» . فقالت: أمامة، فقال:
ودّع أمامة حان منك رحيل ... إن الوداع لمن تحب قليل
هاذي القلوب هوائما يتمتها ... وأرى الشفاء وما إليه سبيل
فقال الحجاج: جعل الله لك السبيل إليها، فضرب بيده إلى يدها فامتنعت عليه فقال:
إن كان طيكم الدلال فإنه ... حسن دلالك يا أميم «3» جميل
فاستضحك الحجاج وأمر بتجهيزها معه إلى اليمامة. وكانت من أهل الري، وإخوتها أحرار، فبذلوا له عشرين ألفا فأبى، وقال:
إذا عرضوا عشرين ألفا تعرضت ... لأم حكيم حاجة هي ماهيا
فقد زدت أهل الري مني مودة ... وحبّبت أضعافا إليّ المواليا
وأولدها حكيما وبلالا وحزرة.
80- الرقيق جمال وليس بمال، فعليك من المال بما يعولك ولا تعوله.
81- اشترى يزيد بن عبد الملك حبابة بأربعة آلاف دينار، وكان صاحب لهو، فحجر «4» عليه سليمان فردها، فلما ولي يزيد، وكانت تحته سعدة بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان، وكانت حرة عاقلة، قالت: يا(3/362)
أمير المؤمنين هل بقي في نفسك من الدنيا شيء تتمناه؟ قال: نعم، حبابة «1» ، فسألت عنها فقيل اشتراها رجل من أهل مصر، فأرسلت من اشتراها بأربعة آلاف، وقدم بها، فصنعتها حتى ذهب عنها آثار السفر. ثم أتت بها فراش يزيد، وأجلستها وراء الستر، وقالت: هل بقي من الدنيا شيء تتمناه؟ فقال: ألم تسأليني عن هذا مرة؟ فرفعت الستر وقالت: هذه حبابة، وقامت وخلتها، فحظيت سعدة عنده.
82- كان لبصري جارية قد أدبها، وكانت أحب إليه من بصره وسمعه، فقعد الدهر «2» بهما، فاعتزم على بيعها، فاشتراها عمر بن عبد الله بن معمر التيمي «3» بألف دينار، فلما ذهبت الجارية لتدخل علق بثوبها وقال:
ولولا قعود الدهر بي عنك لم يكن ... يفرقنا شيء سوى الموت فاعذري
نذكر من بسباسة القلب حاجة ... دعت حزنا للعاشق المتذكر
عليك سلام لا زيارة بيننا ... ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر
فقال ابن معمر: قد شئت فخذها وخذ الألف.(3/363)
83- محمود بن مروان بن أبي حفصة «1» يصف جارية:
ليست تباع ولو تباع بوزنها ... درا بكى أسفا عليها البائع
84- علق عبد الرحمن بن أبي عمار «2» وهو من نسّاك أهل الحجاز جارية، فاشتهر بذكرها حتى مشى إليه عطاء وطاووس ومجاهد يعظونه فقال:
يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أم وقعا «3»
فحج عبد الله بن جعفر فزاره الناس إلا عبد الرحمن فاستزاره، وكان قد تقدم فاشترى له الجارية بأربعين ألفا، وأمر بتجهيزها، فقال له: ما فعل حب فلانة؟.
قال: هو في اللحم والدم والمخ والعصب والعظام، قال: أتعرفها إن رأيتها؟.
قال: إن دخلت الجنة لم أنكرها، فأمر بها فأخرجت وهي ترفل «4» في الحلي والحلل:
وقال: شأنك بها، وأمر أن يحمل معها مائة ألف درهم. فبكى عبد الرحمن وقال: قد خصكم الله بشرف ما خص به أحد من ولد آدم،(3/364)
فلتهنكم هذه النعمة، وبارك لكم واهبها.
85- عن جويرية بن أسماء «1» : أراد ابن سيرين شري جارية، فقلت: قد علمت مكانها، ولكن في شفتيها عظم: قال: ذاك أفحم «2» لقبلتها.(3/365)
الباب الواحد والخمسون العداوة، والحسد، والبغضاء، والشمانة، وذكر الأضغان، والطوائل، والوعيد، والتهديد
1- النبي صلّى الله عليه وسلّم: أعدى عدو لك نفيستك بين جنبيك.
2- أبو بكر الصديق رضوان الله عليه: العداوة تتوارث.
3- ابن مسعود رضي الله عنه: اللهم إني لأستعديك على نفسي عدوى لا عقوبة فيها.
4- داود عليه السّلام «1» : لا تشتر عداوة واحد بصداقة ألف.
5- الحارث بن أبي شمر الغساني: من اغتر بكلام عدوه فهو أعدى عدو لنفسه.
6- أعرابي: كبت «2» الله كل عدو لك إلا نفسك.
7- أراد كسرى أن يتزوج بنت بزرجمهر بعد قتله، فقالت: لو كان ملككم حازما ما جعل بينه وبين شعاره موتورا «3» .(3/367)
8- زياد بن عبيد الله بن عبد المدان «1» خال أبي العباس السفاح.
وكان ولّاه المدينة. فعزله عنها المنصور وعذبه. فقال:
ولو أني بليت بها شمي ... خؤولته بنو عبد المدان
صبرت على عداوته ولكن ... تعالي فانظري بمن ابتلاني
يقول: لو بليت بذلك من السفاح الذي أخواله كرام لكان أهون علي من أن أبلى به ممن أمه أمة يعني المنصور.
9-[شاعر] :
ولا غرو أن يبلى شريف بخامل ... فمن ذنب المتنين تنكسف الشمس
10- بث رجل في وجه أبي عبيدة مكروها، فأنشأ يقول:
فلو أن لحمي إذ وهى لعبت به ... سباع كرام أو ضباع وأذؤب «2»
لهوّن وجدي أو لسلّى مصيبتي ... ولكنما أودى بلحمي أكلب
11- كان حاتم أسيرا في بلاد عنزة «3» ، فلطمته أمة لهم فقال: لو ذات سوار لطمتني «4» .(3/368)
عذرت البزل «1» إذ هي خاطرتني ... فما بالي وبال ابن اللّيون
12- عبد الله بن الحسن بن الحسن عليهم السّلام: إياك ومعاداة الرجال، فإنك لن تعدم مكر حليم، ومفاجأة لئيم.
13- أنو شروان: العدو الضعيف المحترس من العدو القوي أحرى بالسلامة من العدو القوي المغتر بالعدو الضعيف.
14- صالح بن سليمان «2» : لا تسغروا عدوا، فإن العزيز ربما شرق بالذباب.
15- تقول العرب: أصبحا يتكاشحان «3» ولا يتناصحان، ويتكاشران «4» ولا يتعاشران.
16- قيل لكسرى: أي الناس أحب إليك أن يكون عاقلا؟ قال:
عدوي، قيل: وكيف ذاك؟ قال: لأنه إذا كان عاقلا فإني منه في عافية.
17- ذريح بن جابر الغيداقي «5» :
إذا المرء عادى من يودك صدره ... وسالم ما اسطاع الذين تحارب
فلا تفله «6» عما يجن ضميره ... فقد جاء منه بالشناءة «7» راكب(3/369)
18- ذؤيب بن حبيب الخزاعي «1» :
قلبي إلى ما ضرني داعي ... يكثر أحزاني وأوجاعي
كيف احتراسي من عدوي إذا ... كان عدوي بين أضلاعي
19- فيلسوف: كونوا من المسر المدغل «2» أخوف منكم من المكاشف المعلن، فإن مداواة العلل الظاهرة أهون من مداواة ما خفي وبطن.
20- إياك أن تعادي من إذا شاء خلع ثيابه، ودخل مع الملك في لحافه.
21- محمد بن يزداد الكاتب: إذا لم تستطع أن تعض يد عدوك فقبلها.
22- حكيم: إني لأغتنم في عدوي أن ألقي عليه النملة وهو لا يشعر لتؤذيه كتب مروان الحمار إلى الخارجي الشيباني «3» : أنا وإياك كالحجر والزجاجة، إن وقع عليها رضها «4» ، وإن وقعت عليه فضها «5» .
23- نازع غلام من بني أمية عبد الملك بن مروان فأربى «6» عليه، فقيل لعبد الملك: لو تظلمت «7» إلى عمه! فقال: لا أعد انتقام غيري انتقاما.
24- الواثق بالله:(3/370)
تنح عن القبيح ولا ترده ... ومن أوليته حسنا «1» فزده
ستكفى من عدوك كل كيد ... إذا كاد العدو فلا تكده
25- كانت جليلة بنت مرة «2» أخت جساس «3» تحت كليب «4» فقتل أخوها زوجها، وهي حبلى بهجرس بن كليب «5» ، فلما شب قال لها:
أصاب أبي خالي وما أنا بالذي ... أمثل أمري بين خالي ووالدي
وأورث جساس بن مرة غصّة ... إذا ما اعترتني حرها غير بارد
ثم قال:
يا للرجال لقلب ماله آسي ... كيف العزاء وثاري عند جساس «6»
ثم قتله وقال:
ألم ترني ثأرت أبي كليبا ... وقد يرجى المرشح للذحول «7»(3/371)
غسلت العار عن جشم بن بكر ... بجساس بن مرة ذي البتول
جدعت بقتله بكرا وأهل ... لعمر الله للجدع الأصيل «1»
26- علي رضي الله عنه وذكر عثمان: وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف «2» وأرفق حداتهما العنيف. وأراد أنهما كانا يجدان في عداوته.
- وعنه: وجد على عدوك بالفضل فإنه أحلى الظفرين.
27- مراجل أحقادهم تفور، وطوالع أضغانهم لا تفور.
28- هبت عليهم ريح التعادي، فنسفتهم عن البوادي.
29- من كثر غمره لم يطل عمره «3» .
30- دار عدوك لأحد أمرين، إما صداقة تؤمنك، أو فرصة تمكنك.
31- لكل إبراهيم نمرود، ولكل موسى فرعون.
32- محاسبة الصديق دناءة، وترك الحق للعدو غباوة.
33- سويد بن منجوف «4» إلى مصعب.
فأبلغ مصعبا عني رسولا ... وهل تلقى النصيح بكل وادي
تعلم أن أكثر من تناجي ... وإن ضحكوا إليك هم الأعادي
34- أنشد الجاحظ:(3/372)
القوم أمثال السباع فانشمر «1» ... فمنهم الذئب ومنهم النمر
والضبع الغثراء «2» والليث الهمر 35- فلان كثير المذاق، مر المذاق «3» .
36- النبي صلّى الله عليه وسلّم: ألا أخبركم بشراركم، من أكل وحده، وضرب عبده، ومنع رفده «4» : ألا أخبركم بشر من ذلك من يبغض الناس ويبغضونه.
37- قال الحجاج لخارجي: والله إني لأبغضكم، قال: أدخل الله أشدّنا بغضا لصاحبه الجنة «5» .
38- وكيع: جئنا مرة إلى الأعمش، فلما سمع حسنا قام ودخل، فلم يلبث أن خرج فقال: رأيتكم فأبغضتكم، فدخلت إلى من هو أبغض منكم، فخرجت إليكم.
39- أراد أنو شروان أن يقلد ابنه هرمز ولاية العهد، فاستشار عظماء مملكته، فأنكروا عليه، وقال بعضهم: إن الترك ولدته وفي أخلاقهم ما علمت، فقال: الأبناء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات، وكانت أم قباذ تركية، وقد رأيتم من حسن سيرته وعدله ما رأيتم: فقيل: هو قصير وذلك يذهب ببهاء الملك، فقال: إن قصره من رجليه ولا يكاد يرى إلّا جالسا أو راكبا، فلا يستبين ذلك فيه، فقيل: هو بغيض في الناس، فقال أوه! أهلكت ابننا هرمز، فقد قيل: إن من كان فيه خير واحد ولم يكن ذلك الخير المحبة في الناس فلا خير فيه، ومن كان فيه عيب واحد ولم يكن(3/373)
ذلك العيب المبغضة في الناس فلا عيب فيه.
40-[شاعر] :
وإذا شنئت فتى شنئت حديثه ... وإذا سمعت غناءه لم أطرب
41- عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب في الفضل بن السائب «1» .
رأيت فضيلا كان شيئا ملففا ... فكشّفه التمحيص حتى بداليا (2)
أأنت أخي إن لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا
ولست براء عيب ذي الود كله ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا
فعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
ونحوه:
وعين البغض تبرز كل عيب ... وعين الحب لا تجد العيوبا
42- كان ابن عمر «2» يقول: نعوذ بالله من قدر وافق إرادة حسود.
43- قيل لرسطاليس: ما بال الحسود أشد غما؟ قال: لأنه يأخذ بنصيبه من هموم الدنيا، ويضاف إلى ذلك غمه لسرور الناس.
44- النبي صلّى الله عليه وسلّم: استعينوا على أموركم بالكتمان، فإن كلّ ذي نعمة محسود.
45- تذاكر قوم من ظرفاء البصرة الحسد، فقال رجل: إن الناس ربما حسدوا على الصلب، فأنكروا ذلك، ثم جاءهم بعد أيام فقال: إن الخليفة قد أمر بصلب الأحنف، ومالك بن مسمع «3» ، وقيس بن(3/374)
الهيثم «1» ، وحمدان الحجام «2» ، فقالوا: هذا الخبيث يصلب مع هؤلاء! فقال: ألم أقل إن الناس يحسدون على الصلب.
46- منصور الفقيه:
منافسة الفتى فيما يزول ... على نقصان همته دليل
ومختار القليل أقل منه ... وكل فوائد الدنيا قليل
47- المغيرة بن حبناء «3» شاعر آل المهلب:
آل المهلب قوم إن مدحتهم ... كانوا الأكارم آباء وأجدادا
إن العرانين تلقاها محسّدة ... ولا ترى للئام الناس حسّادا «4»
48- عثمان رضي الله عنه: يكفيك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك.(3/375)
49- مالك بن دينار: شهادة القرّاء مقبولة في كل شيء إلا شهادة بعضهم على بعض، فأنهم أشد تحاسدا من السوس في الوبر «1» .
50- أنس رفعه: إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
51- بعض حكماء العرب: الحسد داء منصف يفعل في الحاسد أكثر من فعله في المحسود.
52- يقول الله عز وعلا: الحاسد عدو نعمتي، متسخط لفعلي، غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي.
53- عبد الله بن شداد بن الهاد صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لابنه: يا بني إن سمعت كلمة من حاسد فكن كأنك لست بشاهد، فإنك إن أمضيتها حيالها رجع القول على من قالها.
54- الأصمعي: رأيت أعرابيا قد بلغ من العمر مائة وعشرين سنة، فقلت له: ما أطول عمرك! فقال: تركت الحسد فبقيت.
55- أعرابي: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد.
تراه كأن الله يجدع أنفه ... وأذنيه إن مولاه ثاب له وفر «2»
56- المتنبي:
ماذا لقيت من الدنيا وأعجبها ... أني لما أنا باك منه محسود
57- ابن الحجاج:
إن يحسدوني فلا والله ما بلغت ... لولا الخساسة حالي موضع الحسد
وإنما في يدي عظم امششه ... من المعاش بلا لحم ولا غدد «3»
58- لا يخلو السيد من ودود يمدح، وحسود يقدح.(3/376)
59- لا يسلم الفاضل من قدح وإن غدا أقوم من قدح «1» .
60- ابن مسعود رضي الله عنه: ألا لا تعادوا نعم الله، قيل: ومن يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس.
61- كان يقال: إياك والحسد فإنه يتبين فيك، ولا يتبين في محسودك.
62- حكيم: الحسد خلق دنيء، ومن دناءته أنه يبدأ بالأقرب فالأقرب.
63- قيل لعبد الله بن عروة: لزمت البدو وتركت قومك! قال: وهل بقي إلّا حاسد على نعمة، أو شامت على نبكة؟.
64- الحسود غضبان على القدر والقدر لا يعتبه.
65- بينا عبد الملك بن صالح العباسي يسير مع الرشيد في موكبه، إذ هتف هاتف: يا أمير المؤمنين طأطىء من إشرافه، وقصر من عنانه، واشدد من شكاله «2» . فقال الرشيد: ما يقول هذا؟ فقال عبد الملك:
مقال حاسد، ودسيس حاسد. قال: صدقت، نقص القوم وفضلتهم، وتخلفوا وسبقتهم حتى برز شأوك «3» ، وقصر عنك غيرك، ففي صدورهم جمرات التخلّف. وحزازات «4» التبلّد، فقال عبد الملك: يا أمير المؤمنين فأضرمها عليهم بالمزيد.
66-[شاعر] :
يا طالب العيش في أمن وفي دعة ... رغدا بلا قتر صفوا بلا رنق «5»
خلص فؤادك من غل ومن حسد ... فالغل في القلب مثل الغل في العنق «6»(3/377)
67- عباد بن ثعلبة، وهو أنف الكلب، حسده بنو أخيه فقال:
قد كنت أحسبكم أو خلتكم ولدا ... فاليوم أعلم أن لستم بأولاد
الله يعلم غيبي كيف كان لكم ... والله يعلم ما غبتم لعباد
68- كتب عبد الملك إلى الأحنف يستدعيه، فقال: يدعوني ابن الزرقاء إلى ولاية أهل الشام، فو الله لوددت أن بيننا وبينهم جبلا من نار، فمن أتانا منهم احترق، ومن أتاهم منا احترق.
69- أبو حيان: قال لقمان: نقلت الصخر، وحملت الحديد، فلم أر شيئا أثقل من الدين، وأكلت الطيبات، وعانقت الحسان، فلم أر ألذّ من العافية، وأنا أقول: لو مسح القفار، ونزح البحار، وأحصى القطار «1» ، لوجدها أعون من شماتة الأعداء، خاصة إذا كانوا مساهمين في نسب، أو مجاورين في بلد.
اللهم إني أعوذ بك من تتابع الإثم، وسوء الفهم، وشماتة ابن العم «2» .
70- قيل لأيوب عليه السّلام: أي شيء كان عليك في بلائك أشد؟ قال:
شماتة الأعداء.
71- واثلة بن الأسقع: تظهر الشماتة بأخيك المسلم فيرحمه الله ويبتليك.
72- أنشد الجاحظ:
وقال العاذلات ننسلّ عنها ... وداو غليل قلبك بالسلوّ «3»(3/378)
فكيف وقبلة منها اختلاسا ... الذّ من الشماتة بالعدو
73- الخبزرزي «1» :
شماتتكم بي فوق ما قد أصابني ... وما بي دخول النار بل طنز مالك «2»
74- ابن أبي عيينة المهلبي:
كل المصائب قد تمر على الفتى ... فتهون غير شماتة الأعداء
75- أعرابي: بنو الطرف عنوان الشر.
كل المصائب قد تمر على الفتى ... فتهون غير شماتة الحساد
إن المصائب تنقضي أيامها ... وشماتة الأعداء بالمرصاد
76- قيل لأفلاطون «3» بم ينتقم الإنسان من عدوه؟ قال: بأن يزداد فضلا في نفسه.
77- النبي صلّى الله عليه وسلّم: خير ما أعطي المؤمن خلق حسن، وشر ما أعطي الرجل قلب سوء في صورة حسنة.
78- سئل الحسن: أيحسد المؤمن؟ فقال: وما أنساك بني يعقوب «4» .(3/379)
79- لو كانت المشاجرة شجرا لم تثمر إلا صخرا.
80- إذا رأى نعمة بهت، وإذا رأى عثرة شمت.
81- الخلاف غلاف الشر.
82-[شاعر] :
سن العداوة آباء لنا سلفوا ... فلن تبيد وللآباء أبناء
83- بلغ عمرو بن عتبة شماتة قوم به في مصائب، فقال: والله لئن عظم مصابنا بموت رجالنا لقد عظمت النعمة بما أبقى الله لنا شبابا يشبون «1» الحروب، وسادة يسدون المعروف، وما خلقنا ومن شمت بنا إلا للموت.
84- لما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمع بموته نساء من كندة وحضرموت، فخضبن «2» أيديهن، وضربن بالدفوف، فقال رجل منهم:
أبلغ أبا بكر إذا ما جئته ... أن البغايا ومن أي حرام «3»
أظهرن من موت النبي شماتة ... وخضبن أيديهن بالعلام «4»
فاقطع هديت أكفهن بصارم ... كالبرق أومض في متون غمام
فكتب أبو بكر إلى المهاجر «5» عامله، فأخذهن وقطع أيديهن.(3/380)
85- كاتب: فلان يتربص بك الدوائر «1» ، ويتمنى لك الغوائل «2» ، ولا يؤمل صلاحا إلا في فسادك، ولا رفعة إلا بسقوط حالك.
86- كتب عبد الحميد عن مروان إلى أبي مسلم «3» كتابا قد نفث فيه خراشي صدره «4» ، وكان من كبر حجمه على جمل، فدعا أبو مسلم بنار فطرحه فيها، إلا قدر ذراع كتب فيه هذين البيتين:
محا السيف أسطار البلاغة وانتحى ... عليك ليوث الغاب من كل جانب
فإن تقدّموا نعمل سيوفا شحيدة ... يهون عليها العتب من كل عاتب
87- العرب: حين تقلينه تدرين أين غثه من سمينه.
88- قيل لعبد الملك بن صالح الهاشمي: إنك لحقود، فتمثل:
إذا ما امرؤ لم يحقد الوتر لم يكن ... لديه لذي النعمى جزاء ولا شكر «5»
89- وقيل: عاتب ملك وزيره فقال له: إنك لحقود؟ فقال: أيها الملك السعيد، إن الصدر خزانة لما يودع فيه خير وشر، فإذا لم يحفظ السيئة لم يحفظ الحسنة.
فدع الوعيد فما وعيدك ضائري ... أطنين أجنحة الذباب يضير «6»(3/381)
90- علي رضي الله عنه: لأضغطن الكوفة ضغطة تحبق لها الصرة «1» .
91- عمارة بن عقيل:
يا أيها الراكب الماضي لطيته ... بلغ حنيفة وانشر فيهم الخبرا
مهلا حنيفة إن الحرب إن طرحت ... عليكم ركنها أسرعتم الضجر «2»
92- مغلس بن لقيط السعدي «3» :
قرينين كالذئبين يعتورانني ... وشر محابات الرجال ذئابها «4»
إذا رأيا بي غرة أغريا بها ... أعاديّ والأعداء تعوي كلابها «5»
وإن رأياني قد نجوت تلمسا ... لرجلي مغوّاة هياما ترابها «6»
93- حكيم: لا تأمن الضعيف، فان القناة «7» قد تقتل وإن عدمت السنان والزج «8» .
94-[شاعر] :
إذا ما رآني مقبلا شام «9» نبله ... ويرمي إذا وليت ظهري بأسهم(3/382)
95- النابغة الجعدي:
وراثة بغض من أبيك ورثتها ... فلا برحت حتى تلاقي المنخّلا
أي أبدا.
96- عمرو بن معد يكرب:
عجت نساء بني زياد عجة ... كعجيج نسوتنا غداة الأرنب «1»
97- طفيل الغنوي «2» :
فذوقوا كما ذقنا غداة محجر ... من الغيظ في أكبادنا والتحوّب «3»
98- أوس بن حجر:
رأيت بريدا يدريني بعينه ... تشاوس قليلا انني من تأسل «4»
وله:
فمن لا يكن منكم مسيئا فأنه ... يشد على كف المسيء فيجلب
99- السمهري العكلي «5» :(3/383)
إذا حرسي قعقع الباب ارعدت ... فرائص أقوام وطارت قلوبها
فإن تك عكل سرها ما أصابني ... فقد كنت مصبوبا على من يريبها «1»
100- السرندي بن عتبة التميمي «2» :
رمى الناس عن قوس تميما ولا أرى ... عداوة من عادى تميما يضيرها
101- عبيد الله بن سليمان بن وهب:
كاد الأعادي فلا والله ما تركوا ... قولا وفعلا وتلقيبا وتهجينا
ولم نزد نحن في سر ولا علن ... على مقالتنا يا ربنا اكفينا «3»
فكان ذاك رد الله حاسدنا ... بغيظة لم ينل تقديره فينا «4»
102- قدامة بن موسى المدني «5» :
إنّ بدرا نعمة سابغة ... خصنا الله بها حين قسم
فضّل الله بها أهل التقى ... وبنى الله بيوتا وهدم
إنما يحسد أو يبغضنا ... لشقاء الجد أرباء النعم
103- في نوابغ الكلم: الحسد حسك، من تعلق به هلك.
104- نصر بن سيار:
إني نشأت وحسّادي ذوو عدد ... يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددا
إن يحسدوني على ما بي لما بهم ... فمثل ما بي مما يجلب الحسدا(3/384)
105- معن بن زائدة:
وإن حسدت فزاد الله في حسدي ... لا عاش من عاش يوما غير محسود
106- حسيل بن عرفطة الأسدي «1» :
ليهنك بغض في الصديق وظنه ... وتحديثك الشيء الذي أنت كاذبه
وأنك مشنوء إلى كل صاحب ... بلاك ومثل الشر يكره راكبه
فلم أر مثل الجهل أدى إلى الردى ... ولا مثل بغض الناس غمص «2» صاحبه
107- الحسن: الكبش يعتلف، والسكين تحد، والتنور يشجر.
108- كتب علي رضي الله عنه إلى أهل البصرة: فإن خطت بكم الأهواء المردية «3» ، والآراء الجائرة إلى منابذتي «4» وخلافي فها أنا ذا قد قربت جيادي ورحلت ركابي ولئن الجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعنّ بكم وقعة لا يكون يوم الجمل إليها إلا كلعقة لاعق «5» . مع إني عارف لذي الطاعة منكم فضله، ولذي النصيحة حقه، غير متجاوز متهما إلى بريء، ولا ناكثا إلى وفيّ.
109- عقال بن شبه «6» : كنت رديف «7» أبي، فلقيه جرير، فحياه(3/385)
ولاطفه، فقلت: أبعد ما قال لنا ما قال؟ قال: يا بني أفأوسع جرحي؟.
110- قال السفاح لسديف حين أغراه «1» على بني مروان: يا سديف خلق الإنسان من عجل «2» ثم قال:
أحيا الضغائن «3» آباء لنا سلفوا ... فلن تبيد وللآباء أبناء
111- عن المنصور: إذا مد عدوك إليك يده فاقطعها إن أمكنك، وإلّا فقبلّها.(3/386)
الباب الثاني والخمسون العدل، والإنصاف، واستعمال السوية في القسمة وغيرها، وذكر من عدل وأوصى بالعدل
1- النبي صلّى الله عليه وسلّم: زين الله السماء بثلاث: بالشمس، والقمر والكواكب، وزين الأرض بثلاث: بالعلماء، والمطر، وسلطان عادل.
2- أول خطبة خطبها عمر رضي الله عنه قال: أيها الناس، والله ما منكم أحد هو أقوى عندي من الضعيف حتى آخذ الحق له، ولا أضعف عندي من القوي حتى آخذ الحق منه، ثم نزل.
3- علي رضي الله عنه: أشد الأعمال ثلاثة: ذكر الله على كل حال، ومواساة الأخوان بالمال، وإنصاف الناس من نفسك.
وجه علي رضي الله عنه ابن عباس، وعمار بن ياسر، والحسن ابنه حين توجه إلى صفين «1» ، لعزل أبي موسى عن الكوفة وحمل ما في بيت مالها إليه، فوجدوا فيه اثنين وخمسين ألف درهم. فقال: كيف اجتمع هذا كله للأشعري ولم يجتمع لمن قبله؟ فقال مجاشع بن مسعود «2» :(3/387)
أصدقكم، والله ما جمعه إلا العدل في الرعية، وإقامة أمر الله في عباده.
4- كان الإسكندر «1» يقول: يا عباد الله، إنما آلهكم الله الذي في السماء، عند الكرب، والله لا يبلغني أن الله أحب شيئا إلا أحببته واستعملته إلى يوم أجلي، ولا أبغض شيئا إلّا أبغضته وهجرته إلى يوم أجلي، وقد أنبئت أن الله يحب العدل في عباده، ويبغض الجور من بعضهم على بعض، فويل للظالم من سيفي وسوطي، ومن ظهر منه العدل من عمالي فليتكىء في مجلسي كيف شاء، وليتمنّ عليّ ما شاء، فلن نخطئه أمنيته، والله المجازي كلا بعمله.
إذا لم يعمر الملك ملكه بالإنصاف خرب بالعصيان.
5- العباس بن عبد المطلب:
أبا طالب لا تقبل النصف منهم ... أبا طالب حتى تعق وتظلما «2»
أبي قومنا أن ينصفونا فأنصفت ... قواطع في أيماننا تقطر الدما «3»
6- أنوشروان: قيل له: أي الجنن «4» أوقى؟ قال: الدين، قيل:
فأي العدد أقوى؟ قال: العدل.
7- شكوا إلى جعفر بن يحيى عاملا له، فوقّع إليه: قد كثر(3/388)
شاكوك، فإمّا اعتدلت، وإمّا اعتزلت.
8- قيل لعلي بن الحسين رضي الله عنه: ما بالك إذا سافرت كتمت نسبك عن أهل الرفقة؟ قال: أكره أن آخذ برسول الله ما لا أعطي مثله.
9- أنصف وانظر إليّ بعين الرضا. ثم اقتحم بي جمر الغضا «1» .
10- من أنصف من نفسه رضي به حكما لغيره.
11- قال رجل لسليمان بن عبد الملك، وهو جالس للمظالم: ألم تسمع قول الله تعالى: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ
«2» ؟
قال: فما خطبك؟ قال: وكيلك اغتصبني «3» ضيعتي وضمها إلى ضيعتك الفلانية، قال: فضيعتي لك، وضيعتك مردودة إليك، وكتب إلى الوكيل بذلك، وبصرفه عن عمله.
12- رقي إلى كسرى بن قباذ «4» أن في بطاقة الملك من فسدت نياتهم، وخبثت ضمائرهم، فقال: إني إنما أملك الأجساد لا النيات، وأحكم بالعدل لا بالرضا، وأفحص عن الأعمال لا عن السرائر.
13- هارون بن محمد البالسي «5» :
زيد في قدرك العليّ علوا ... يا ابن وهب من كاتب ووزير
أنت وجه الإمام لا زلت طلقا ... بك تفترّ عابسات الأمور(3/389)
أسفر الشرق منك والغرب عن ض ... وء من العدل فاق ضوء البدور
أنشر الناس غثكم بعد أن كا ... نوا رفاثا من قبل يوم النشور
شرد الجور عدلكم فسرحنا ... منكم بين روضة وغدير
14- نزل رجل بعلي رضي الله عنه فمكث عنده أياما، ثم تغوث «1» إليه في خصومة، فقال علي: أخصم أنت؟ قال: نعم، قال: فتحوّل عنا، فإن رسول الله نهى أن يضاف خصم إلّا ومعه خصمه.
وعنه: بالسيرة العادلة يقهر المناوىء.
15- مات بعض الأكاسرة، فوجدوا له سفطا «2» ، ففتح فإذا فيه حبة رمان كأكبر ما يكون من الثدي، معها رقعة مكتوب فيها: هي من حب رمان عمل في خراجه بالعدل.
16- تظلم أهل الكوفة إلى المأمون من واليهم، فقال: ما علمت في عمالي أعدل وأقوم بأمر الرعية، وأعود بالرفق عليهم منه، فقال رجل: يا أمير المؤمنين: ما أحد أولى بالعدل والإنصاف منك، فإن كان بهذه الصفة فعلى أمير المؤمنين أن يولّيه بلدا بلدا حتى يلحق كل بلد مثل الذي لحقنا، ويأخذ بقسطه «3» منه كما أخذه، وإذا فعل ذلك لم يصبنا منه أكثر من ثلاث سنين. فضحك وعزله.
17- كتب عدي بن أرطأة إلى عمر بن عبد العزيز: أمّا بعد فإن قبلنا قوم لا يؤدون الخراج إلّا أن يمسهم العذاب، فاكتب إلي برأيك. فكتب إليه: أما بعد فالعجب لك كل العجب! تكتب إلي تستأذنني في عذاب البشر، كأن إذني لك جنة من عذاب الله، أو كأن رضاي ينجيك من سخط الله، فمن أعطاك منهم ما عليه عفوا فخذه منه، ومن أبى فاستحلفه، وكله(3/390)
إلى الله «1» ، فو الله لئن يلقوا الله بجرائمهم أحب إليّ من أن نلقاه بعذابهم، والسلام.
18- جاء رجل من مصر إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، هذا مكان العائذ بك، فقال: لقد عذت عياذا، فما شأنك قال: سابقت ولد عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يقنعني «2» بسوطه ويقول: أنا ابن الأكرمين، وبلغ عمرا فحسبني خشية أن آتيك، فأنفلت. فكتب عمر إلى عمرو: إذا أتاك كتابي هذا فأشهد الموسم وابنك. وقال للمصري: أقل حتى يقدم عمرو ويشهد الحج. فلما كان رمى إليه بالدرة «3» ، فضرب ولد عمرو، وعمر يقول: اضرب ولد الأكرمين، حتى قال: يا أمير المؤمنين قد استغنيت. قال: ضعها على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين:
ضربت الذي ضربني، قال: أم والله لو فعلت ما منعك أحد حتى تكون أنت الذي ينزع. ثم قال: يا عمرو، متى تعبدتم «4» الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟.
19- الأحنف: ما عرضت النصفة على أحد قط فقبلها إلا دخلتني له هيبة، ولا ردها إلا أختبأتها في عقله.
20- قدم المنصور البصرة قبل الخلافة، فنزل بواصل بن عطاء، فقال: أبيات بلغتني عن سليمان بن يزيد العدوي «5» في العدل، فمر بنا إليه، فأشرف عليهم من غرفة فقال لواصل: من هذا الذي معك؟ قال:
عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فقال: رحب على رحب، وقرب إلى قرب، فقال: يحب أن يسمع أبياتك في العدل، فأنشده:(3/391)
حتى متى لا نرى عدلا نسّر به ... ولا نرى لولاة الحق أعوانا
مستمسكين بحق قائمين به ... إذا تلوّن أهل الجور ألوانا
يا للرجال لداء لا دواء له ... وقائد ذي عمى يقتاد عميانا
فقال المنصور: وددت أني رأيت يوم عدل ثم مت. قال ابن المبارك: فهلك والله أبو جعفر وما عدل.
21- فضيل: ما ينبغي لك أن تتكلم بفمك كله «1» ، تدري من كان يتكلم بفمه كله؟ عمر بن الخطاب، كان يطعم الطيب ويأكل الغليظ، ويكسوهم اللين ويلبس الخشن، ويعطيهم الحق ويزيدهم، وأعطى رجلا عطاءه أربعة آلاف درهم وزاده ألفا، فقيل له: ألا تزيد ابنك كما تزيد هذا؟ فقال: إنّ هذا ثبت أبوه يوم أحد «2» ، ولم يثبت أبو هذا.
22- عبادة بن الصامت: صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بعير من إبل الصدقة، فلما سلل تناول وبرة من البعير وقال: مالي فيما أفاء «3» الله عليكم ولا مثل هذه، إلا الخمس والخمس مردود فيكم.
23- قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم «4» : ما النجاة من هذا الأمر؟ قال: شيء هين، قال: وما هو؟ قال: لا تأخذ شيئا إلّا من حقه، ولا تضعه إلا في حقه، قال: ومن يطيق هذا؟ قال: من طلب الجنة، وهرب من النار.(3/392)
24- لا يكون العمران إلا حيث يعدل السلطان.
25- العدل حصن وثيق في رأس نيق «1» ، لا يحطمه سيل، ولا يهدمه منجنيق «2» .
26- وقع المأمون إلى عامل: أنصف من ولّيت أمره، وإلا أنصفه من ولي أمرك، وعنه: أكفه أمره وإلا كفيته أمرك.
27- بعض السلف: العدل ميزان الله، والجور مكيال الشيطان.
الملك العادل مكنوف «3» بعون الله، محروس بعين الله.
28- بليغ: رأيت صورة قمرية، وسيرة عمرية.
29- آخر: رأيت بفلان نور القمرين «4» ، وسيرة العمرين «5» .
30- أردشير: إذا رغب الملك عن العدل، رغبت «6» الرعية عن الطاعة.
وعنه: لا سلطان إلا برجال، ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل وحسن سياسة. ولم يكن بعد أردشير أعدل من أنوشروان وهو الذي ولد رسول الله لسبع سنين خلت من ملكه. وقال: ولدت في زمن الملك العادل. وسائر الأكاسرة كانوا ظلمة يستعبدون ويتسخرون الرعايا، ويستأثرون عليهم بكل شيء، فلا يجرأ «7» أحد أن يطبخ(3/393)
سكباجا «1» ، أو يلبس ديباجا «2» ، أو يركب هملاجا «3» ، أو يملك حسناء، أو يبني قوراء «4» ، أو يؤدب ولده، أو يمد إلى مروءة يده، ويبنون الأمر على قول عمرو بن مسعدة «5» للمأمون: كل ما يصلح للمولى على العبد حرام.
31- أنوشروان: كفاك من بركة العدل في الرعية، وحفظ الله لصاحبه، ما أعطى الله الضحاك «6» من ملك ألف سنة، أما والله لو أن ملوك يونان وهموان، يعني حمير، والأشغان «7» عدلوا لطالت أعمارهم، فاقتدوا بخيار ملوككم، وأهل الفضل منهم، تسعدوا بالعيش ما عشتم، وتصيروا بعد الموت إلى خير منه.
32- رسطاليس: العدل حسن، وهو علة «8» كل حسن، وكذلك الحسن مع كل معتدل، والجور قبيح. وهو علة كل قبيح، وكذلك القبح(3/394)
مع كل خارج عن الاعتدال.
33- سقراط «1» : ينبوع فرح الإنسان القلب المعتدل، وينبوع فرح العالم الملك العادل، وينبوع حزن الإنسان القلب المختلف المزاج، وينبوع حزن العالم الملك الجائر.
34- قدم عبد الله بن زمعة «2» على علي رضي الله عنه في خلافته، وكان من شيعته «3» ، فطلب منه مالا، فقال: إن هذا المال ليس لي ولا لك، وإنما هو فيء للمسلمين وجلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم، وإلّا فجناة أيديهم لا تكون بغير أفواههم.
- وقال لعامله: انطلق على تقوى الله وحده لا شريك له، ولا تروعنّ مسلما، ولا تجتازنّ عليه كارها، ولا تأخذنّ منه أكثر من حق الله في ماله؟ فإذا قدمت على الحي فأنزل بمائهم، من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة والوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم، ولا تخدج «4» بالتحية لهم، ثم تقول: عباد الله، أرسلني إليكم ولي الله وخليفته لآخذ منكم حق الله تعالى في أموالكم، فهل لله تعالى في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليّه؟ فأن قال قائل لا فلا تراجعه، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو توعده أو تعسفه أو ترهقه، فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة، فان كانت لك ماشية أو إبل فلا تدخلها إلا بأذنه، فإنّ أكثرها له، فإذا أتيتها فلا(3/395)
تدخلها دخول متسلط عليه ولا عنيف به، ولا تنفرنّ بهيمة، ولا تفزعنّها، ولا تسوأن صاحبها فيها.
- وقال للأشتر «1» حين ولاه مصر: اجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم فيه مجلسا عاما، فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع «2» ، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في غير موطن: لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع، ثم احتمل الخرق «3» منهم والعي، ونح عنهم الضيق والأنف، يبسط الله عليك أكناف «4» رحمته، ويوجب لك ثواب طاعته.
35- لما ولي عمر بن عبد العزيز أخذ في رد المظالم، فأبتدأ بأهل بيته، فاجتمعوا إلى عمة له كان يكرمها وسألوه أن تكلمه، فقال لها: إنّ رسول الله سلك طريقا، فلما قبض سلك صاحباه ذلك الطريق، فلما ولي عثمان سلك ذلك الطريق غير أنه خدّ فيه اخدودا «5» ، فلما أفضى الأمر «6» الى معاوية فجره يمينا وشمالا، وأيم الله لئن مد لي عمر لأردنّه إلى الطريق الذي سلكه رسول الله وصاحباه. فقالت له يا ابن أخي إني أخاف عليك منهم يوما عصيبا، فقال: كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا أمّننيه الله أن خفته. فخرجت إليهم فقالت: أفتتزوجون في آل عمر بن الخطاب فإذا راعهم الشبه تكلمتم؟ وذلك أن أم عمر أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن(3/396)
الخطاب «1» .
36- الحكماء: عدل السلطان أنفع من خصب الزمان.
إزرع الأحرار بسيبك «2» ، واحصد الأشرار بسفيك.
37- كثير في عمر بن عبد العزيز:
قد غيب الدافنون اللّحد من عمر ... بدير سمعان «3» قسطاس الموازين
ضمن غيب معنى أودع وضمن، فلذلك عداه إلى اثنين.
38- نزل بالحسن بن علي ضيف، فاستسلف درهما اشترى له به خبزا، واحتاج إلى الأدام فطلب من قنبر «4» أن يفتح له زقا من زقاق عسل جاءت من اليمن، فاخذ منه رطلا. فلما قعد علي رضي الله عنه ليقسمها قال: يا قنبر قد حدث في هذا الدن «5» الحدث، قال: صدق فوك، وأخبره الخبر، فغضب وقال: عليّ به: فرفع عليه الدرة، فقال: بحق عمي جعفر، وكان إذا سئل بحق جعفر سكن، وقال: ما حملك على أن أخذت منه قبل القسمة؟ قال: إن لنا فيه حقا، فإذا أعطيتناه رددناه، قال: فداك أبوك! وإن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم، لولا أني رأيت رسول الله يقبل ثنيتك لأوجعتك ضربا، ثم دفع إلى قنبر درهما وقال: اشتر به أجود عسل تقدر عليه. قال(3/397)
الراوي: فكأني أنظر إلى يدي على فم الزق، وقنبر يقلب العسل فيه، ثم شده وجعل يبكي ويقول: اللهم اغفرها للحسن فإنه لا يعلم.
39- الحسن: أتى عمر رضي الله عنه مال كثير، فأتته حفصة «1» فقالت: يا أمير المؤمنين، حق أقربيك «2» ، فقد أوصى الله بالأقربين، فقال يا حفصة، إنما حق أقربائي في مالي، فأما مال المسلمين فلا، يا حفصة نصحت قومك وغششت أباك. فقامت تجر ذيلها «3» .(3/398)
الباب الثالث والخمسون العجز، والتواني، والكسل، والبلادة، والبطء والتردد في الأمر، وما أشبه ذلك
1- سعد بن أبي وقاص: كنا عند رسول الله فقال: أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟ فسأله سائل: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟
قال: يسبح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة، أو يحط ألف خطيئة.
2- علي رضي الله عنه: من طاع التواني ضيع الحقوق.
3- أكثم بن صيفي: ما أحب أن أكفي جميع أمر الدنيا، قيل: ولم ذاك؟ قال: أخاف عادة العجز.
4- حكيم: من دلائل العجز كثرة الإحالة «1»
على المقادير.
5- كتب على عصا ساسان «2»
: الحركة بركة، والتواني هلكة، والكسل شؤم، والتواني زاد العجزة، وكلب طائف خير من أسد رابض.
من العجز والتواني نتجت الفاقة.
6- قال أبو المعافى «3»
:(3/399)
إن التواني أنكح العجز بنته ... وساق إليها حين زوجها مهرا
فراشا وطيئا ثم قال لها اتكي ... فقصرا كما لا شك أن تلدا الفقرا
7- قال جرير للفرزدق: ظننت أن تفعل كذا، فقال: طالما أخلفت ظن العجزة، وما ظنك بالحلفاء «1»
أدنيت لها نارا؟.
8- خرج المعتصم إلى بعض منتزهاته، فظهر لهم أسد، فقال لرجل من أصحابه، أعجبه قوامه وسلاحه وتمام خلقه، يا رجل أفيك خير؟ فقال بالعجلة: لا والله يا أمير المؤمنين. فضحك المعتصم وقال: قبحك الله وقبح طللك «2» .
9-[شاعر] :
لا تضجرن ولا تأخذك معجزة ... فانجح يذهب بين العجز والضجر
10-[آخر] :
ولا تركن إلى كسل وعجز ... تحيّل على المقادر والقضاء
11- أبو بكر العرزمي «3»
:
أرى عاجزا يدعى جليدا لغشمه «4» ... ولو كلف التقوى لكلت مضاربه «5»(3/400)
وعفا يسمى عاجزا لعفافه ... ولولا التقى ما أعجزته مذاهبه
وليس بعجز المرء أخطأه الغنى ... ولا باحتيال أدرك المال كاسبه
12- أعرابي: العاجز هو الشاب القليل الحيلة، الملازم للحليلة «1» .
فلان يخدعه الشيطان عن الحزم، فيمثل له التواني في صورة الهوينى باحالته على القدر.
13- الحسن: إن أشد الناس صراخا يوم القيامة رجل سن سنة ضلالة فاتبع عليها، ورجل فارغ مكفي قد استعان بنعم الله على معاصيه.
14- قيل لسهل بن هارون «2»
: خادم القوم سيدهم، قال: هذا من أخبار الكسالى.
15-[شاعر] :
أصبحت لا رجلا يغدو لمطلبه ... ولا قعيدة بيت تحسن العملا «3»
16- لبيد: واعص ما يأمر توصيم «4»
الكسل.
17- الخيبة نتيجة مقدمتين الكسل والفشل، وثمرة شجرتين الضجر والملل.(3/401)
18- شعاره الكسل، ودثاره التسويف والعلل.
19- الكسل باب الخصاصة «1»
:
20- الكسلان إذا أرسلته في حاجة تكهن عليك.
21- يسحب رجلا لا تكاد تنسحب.
22- إن الهوينى تورث الهوانا.
23-[شاعر] :
لو سابق الذر مشدودا قوائمه ... يوم الرهان لكان الذر يسبقه
24- التعبد يثقل على أهله كثقله في الميزان، والكسل يخف على أهله كخفته في الميزان.
25- لقمان: يا بني إيّاك والكسل والضجر، فإن كسلت لم تؤدّ حقا، وإذا ضجرت لم تصبر على حق.
26- طاهر بن الفضل «2»
: الكسلان منجم، والبخيل طبيب.
27- العطاف الكلبي «3»
:
كلوا عجرة الوادي فإن بلاءكم ... ضعيف إذا ما كان يوم قماطر «4»
ولا تغضبوا مما أقول فإنما ... أنفت لكم مما تقول المعاشر
28- أبو نعامة الديقعي «5»
:(3/402)
إذا وضع الراعي على الأرض صدره ... فحق على المعزاء أن تتبددا
29- ابن السماك: جلاء القلوب استماع الحكمة، وصدؤها الملالة والفتور.
30- عنه عليه السّلام: كان إذا سئم تبدى «1» .
31- المأمون: إن النفس لتمل الراحة كما تمل التعب.
32- أبجر بن جابر العجلي «2»
: يا بني، إياك والسآمة في طلب الأمور، فتقذفك الرجال في أعقابها.
33- فلان لا ينتبه ولو أعيد في الكور، ونفخ عليه إلى أن ينفخ في الصور.
34- علي رضي الله عنه: إلى كم أغضي على القذى، وأسحب ذيلي على الأذى، وأقول لعل وعسى «3»
:
35-[شاعر] :
ولو نشر الخليل له لعفت ... بلادته على فإن الخليل «4»
36- عمر رضي الله عنه: إنّي لأكره أن أرى أحدكم فارغا سبهللا «5»
، لا في عمل دنيا ولا آخرة.(3/403)
37- إن كان الشغل محمدة فإن الفراغ مفسدة.
38- حجام ساباط «1»
مثل في الفراغ، وهو ساباط المدائن، كان به حجام إذا مر به البعوث حجمهم بنسيئة «2»
إلى وقت القفول. وقيل: حجم مرة أبرويز فأمر له بما أغناه عن الحجامة فلم يزل فارغا مكفيا.
39- قال ابن بسام:
دار أبي العباس مفروشة ... ما شئت من بسط وأنماط
لكنما بعدك من خبزه ... كبعد بلخ من سميساط «3»
مطبخه قفر وطباخه ... أفرغ من حجام ساباط
40- وكان ابن الرومي إذا ذكر أبا حفص الوراق «4»
سماه وراق ساباط لفراغه.
41- إخلع علي ساعة من ساعاتك. أي تفرغ لي.
42- أنس رفعه: أشد الناس حسابا يوم القيامة المكفي الفارغ.
43- قدامة بن جعفر «5»
: كنت مرويا في أمر، آتيه أم أذره؟
فأنشدت في المنام:(3/404)
فلا تكن النفس التي نيط أمرها ... بنفسين نفس تائق وعزوف
44-[بعضهم] :
كان الفراغ إلى سلامك قادني ... ولربما طلب الفضول الفارغ
45- قولك في أذني قرط معلق لا أنساه.
46- أظنك نسيتني، وللنسيان نسوان، وللذكر ذكران.
47- لو غابت عنه العافية أنسيها.
48- جابر بن عبد الله رفعه: خمس يورثن النسيان: أكل التفاح، وسؤر «1»
الفأر والحجامة «2»
في النقرة «3»
، ونبذ القملة، والبول في الماء الراكد.
49- وعن علي رضي الله عنه: عشر يورثن النسيان: كثرة الهم، والحجامة في النقرة، والبول في الماء الراكد، وأكل التفاح الحامض، وأكل الكزبرة، وأكل سؤر الفأر، وقراءة ألواح القبور، والنظر إلى المصلوب، والمشي بين الجملين المقطورين، وإلقاء القملة حية «4» .
50- في نوابغ الكلم: يا أنيسيان عادتك النسيان. أذكر الناس ناس، وأرق القلوب قاس.
فلان يعلّ الفؤاد غير نسّاء «5» للأحقاد.(3/405)
51- المعتز:
وما أملّ حبيبي ليتني أبدا ... مع الحبيب ويا ليت الحبيب معي
52- العباس بن الأحنف:
لو كنت عاتبة لسكّن عبرتي ... أملي رضاك وزرت غير مراقب
لكن مللت فلم يكن لي حيلة ... صدّ الملول خلاف صد العاتب «1»
53- تقول العرب: إنك لذو ملة طرف، أي تتخذ خليلا ثم تمله وتستطرف آخر.
54- هذا أمر يضيق به قضاؤك، وتسقط منه كسفا «2» سماؤك.
55- كان رجل ينسى أسماء ممالكيه، فقال: اشتروا لي غلاما له اسم مشهور لا أنساه، فاشتروا له غلاما، وقالوا: اسمه واقد، فقال: هذا اسم لا أنساه. اجلس يا فرقد.
56-[شاعر] :
أتناسيت أم نسيت إخائي ... والتناسي شرّ من النسيان
57- قالت العرب: عقرة «3» العلم النسيان.
58- قيل لرجل من عبد القيس في مرضه: أوصنا، قال: أنذرتكم سوف «4» .(3/406)
الباب الرابع والخمسون العفاف، والورع، والعصمة، وذكر الحلال والحرام، ومن تحرج وتنزه من الرجال والنساء
1- عطية السعدي «1» : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس.
2- أبو بكر رضي الله عنه: إنا منذ ولينا أمور المسلمين لم نأخذ لهم دينارا ولا درهما. ولكن قد أكلنا من جريش طعامهم، ولبسنا من خشن ثيابهم، وليس عندنا من فيهم إلا هذا الناضح «2» . وهذا العبد الحبشي وهذه القطيفة «3» ، فإذا قبضت فادفعوها إلى عمر. فلما قبض أرسلوها إليه، فبكى حتى سالت دموعه، ثم قال: رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده.
3- علي رضي الله عنه: العفاف زينة الفقر «4» .(3/407)
4- قال داود عليه السّلام لبني سرائيل: اجتمعوا فأني أريد أن أقوم فيكم بكلمتين. فاجتمعوا على بابه، فخرج إليهم فقال: يا بني إسرائيل، لا يدخل أجوافكم إلا طيّب، ولا يخرج من أفواهكم إلا طيّب.
- إن أحببت أن تعلم علم اليقين فاجعل بينك وبين الشهوات حائطا من حديد.
5- سليمان عليه السّلام: إن الغالب لهواه أشدّ من الذي يفتح مدينة وحده.
6- حلقت قرشية شعرها، وكانت أحسن الناس شعرا، فقيل لها في ذلك، فقالت: أردت أن أغلق الباب، فلمحني رجل ورأسي مكشوف، فما كنت لأدع علي شعرا رآه من ليس بمحرم.
7-[شاعر] :
إن أكن طامح اللحاظ فإني ... والذي يملك الفؤاد عفيف
8- بعض بني كلب «1» :
فقالت بحق الله إلّا أتيتنا ... إذا كان لون الليل شبه الطيالس «2»
فجئت وما في القوم يقظان غيرها ... وقد قام عنها كل وال وحارس
فبتنا بليل طيب نستلذه ... جميعا ولم أقلب لها كفّ لامس
9- الحلال يقطر، والحرام يسيل.
10- لقي مخنث آخر وقد تاب، فقال له: من أين معاشك؟ قال:
بقيت لي بقية من الكسب القديم، قال: إذا كانت نفقتك من ذلك الكسب فإن لحم الخنزير طريا خير من قديد «3» .
11- نزل خارجي على أخ مستترا عن الحجاج، فشخص المنزول(3/408)
عليه لبعض حاجته، وقال لامرأته: أوصيك يا زرقاء بضيفي هذا خيرا، فلما عاد بعد شهر قال لها: كيف ضيفنا؟ قالت: ما أشغله بالعمى عن كل شيء! وكان الضيف أطبق عينيه، فلم ينظر إلى المرأة والمنزل إلى أن عاد زوجها.
12- مرت امرأة بقوم من بني نمير «1» ، فقال رجل منهم: هي رسحاء «2» . فقالت: يا بني نمير ما أطعتم الله ولا أطعتم الشاعر، قال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ
«3» ، وقال الشاعر: فغضّ الطرف إنك من نمير «4» .
13- عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص:
هيفاء فيها إذا استقبلتها عجف ... عجزاء غامضة الكعبين معطار «5»
من الأوانس مثل الشمس لم يرها ... في ساحة الدار لا بعل ولا جار
14- لم يذهب على أحد من الرواة أن عمر بن أبي ربيعة كان عفيفا، يصف ولا يقف، ويحوم ولا يرد.
15- قيل للحسن: إنّ عند فلان عشرة آلاف، فقال: ما أحسبها اجتمعت من حلال.
وقيل له: إن فلانا مات وترك مائة ألف، قال: إذن لا تتركه.(3/409)
16- زاهد: إني لأشتهي الشّواء منذ أربعين سنة ما صفا لي درهمه.
لا تعوّد نفسك الشّبع من الحلال فتأكل الحرام.
17- سقط من يد كهمس بن الحسن الحنفي «1» دينار، فطلبوه حتى وجدوه، فأبى أن يأخذه، وقال: لعلّه ليس بديناري.
18- ابن سيرين: ما غشيت امرأة قط في يقظة ولا نوم غير أم عبد الله، وإني لأرى المرأة في المنام فأعلم أنها لا تحل لي فأصرف بصري.
19- قال بعضهم: ليت عقلي في اليقظة كعقل ابن سيرين في المنام.
20-[شاعر] :
وإني لعف عن فكاهة جارتي ... وإني لمشنوء إليّ اغتيابها «2»
إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها ... زؤورا ولم تأنس إلي كلابها «3»
ولم أك طلابا أحاديث سرها ... ولا عالما من أي حوك ثيابها
21- تذاكروا أشد الأعمال في مجلس يونس بن عبيد فاتفقوا على أنه الورع «4» ، فجاء حسان بن أبي سنان «5» فقال: إنّ الصلاة لمؤونة، وإن(3/410)
الصوم لمؤونة، وإن الصدقة لمؤونة، وما أهون للورع إذا رابك «1» شيء فاتركه.
- ومن وزع حسان أن غلاما له كتب إليه من الأهواز: أن قصب السكر أصابته آفة، فاشتر مما قبلك من السكر، ففعل، فطلب منه بعد قليل بربح ثلاثين ألفا، فاستقال البيع صاحبه وقال: لم نعلم كنت أعمل حين اشتريته «2» ، فقال: قد أعلمتني الآن وقد طيبتك، فلم يطمئن قلبه، ولم يزل حتى رده إليه.
22- محمود الوراق «3» :
لا تشعرن قلبك حب الغنى ... إن من العصمة أن لا تجد
كم مدمن خمرا وعاد على ... سماع لهو وغناء غرد «4»
لو لم يجد خمرا ولا مسمعا ... برّد بالماء غليل الكبد
23- ابن المبارك: أراد أبو حنيفة «5» رحمه الله أن يشتري جارية،(3/411)
فمكث عشر سنين يختار ويشاور من أي سبي يشتريها.
24- اختلطت غنم الغارة بغنم أهل الكوفة، فسأل أبو حنيفة كم تعيش الشاة؟ قالوا: سبع سنين، فترك أكل لحم الغنم سبع سنين.
- وحملت إليه بدرة «1» من عند المنصور، فرماها في زاوية البيت.
فلما توفي جاء بها ولده حماد إلى الحسن بن قحطبة «2» ، فقال:
أوصاني أبي برد هذه الوديعة إليك، فقال: رحم الله أباك، لقد شح بدينه إذ سخت به أنفس أقوام.
25- الثوري: أنظر درهمك من أين هو، وصلّ في الصف الأخير.
26- كان عمر رضي الله عنه يتمثل:
حلالها حسرة يفضي إلى ندم ... وفي المحارم منها السم مذرور «3»
27- جابر: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول لكعب بن عجرة «4» : لا يدخل الجنة من نبت لحمه من حرام، النار أولى به.
28- أبو بكر رضي الله عنه رفعه: إن الله حرم الجنة أن يدخلها جسد غذي بحرام.
29- أبو هريرة رفعه: يأتي على الناس زمان لا يبالون من حلال(3/412)
كسبوا المال أم من حرام.
30- حذيفة رفعه: إن قوما يحيون يوم القيامة لهم من الحسنات أمثال الجبال فيجعلها الله هباء، ثم يؤمر بهم إلى النار، فقال سلمان: حلهم لنا يا رسول الله. فقال: أما أنهم كانوا يصلون ويصومون، ويأخذون أهبة من الليل. ولكنهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام وثبوا إليه.
31- أيمن بن خريم:
فقلت اصطحبها أو لغيري فأهدها ... فما أنا بعد الشيب ويلك والخمر
تعففت عنها في العصور التي خلت ... فكيف التصابي بعد ما كلأ العمر «1»
32- فلان يعقد نطاقه على طبع الطيب الازار.
33- أبو سليمان الداراني: من صدق في ترك الشهوة كفي مؤونتها، الله أكرم أن يعذب قلبه بها وقد تركها له.
34- مر سليمان الخواص «2» بإبراهيم بن أدهم، وهو عند قوم أضافوه فقال: يا أبا إسحاق نعم الشيء هذا لو لم يكن تكرمة على الدين.
35- مروان بن معاوية «3» : ما من أحد إلّا وقد أكل بدينه حتى سفيان الثوري، كان له أخ يعمل ببضاعته وهو جالس، ولولا دينه ما فعل به ذلك.
36- ملك اللذات أن يعبدنه.(3/413)
37- هو بماله متبرع، وعن مال غيره متورع «1» .
38- لم يتدنس بحطام، ولم يتلبس بآثام.
39- عف السريرة غيبه كالشهد.
40- قالت امرأة لرجل أكثر تأملها: عبر عينك وشيء غيرك.
41- أبو أمامة الباهلي «2» : لما بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم أتت إبليس جنوده وقالت: قد بعث نبي وخرجت أمته، قال: أفيحبون الدنيا؟ قالوا:
نعم، قال: إن كان يحبون الدنيا فأني لا أبالي أن لا يعبدوا الأوثان، أنا أغدوا عليهم وأروح بثلاث: أخذ المال من غير حله، وانفاقه في غير حقه، وامساكه عن حقه، والشرك تبع لهذا.
42- حكيم: عز النزاهة أحب إليّ من فرح الفائدة، والصبر على العسرة أحب إلي من احتمال المنة «3» .
43- قيل لابن المسيب: إلعن الحجاج، فقال: لا يأخذ الناس مظالمهم من الحجاج ويأخذ الحجاج مظلمته مني، حسبه ذنبه.
44- دخلت بثينة «4» على عبد الملك بن مروان فقال: يا بثينة ما أرى شيئا مما كان يقول جميل، فقالت: يا أمير المؤمنين، إنه كان يرنو إلي(3/414)
بعينين ليستا في رأسك، قال: فكيف صادفتيه في عفته؟ قالت: كما وصف نفسه:
لا والذي تسجد الجبال له ... مالي بما دون ثوبها خبر
ولا بفيها ولا هممت بها ... ما كان إلا الحديث والنظر
45- وعن أبي سهل الساعدي «1» : دخلت على جميل وبوجهه آثار الموت فقال لي: يا أبا سهل، إنّ رجلا يلقى الله ولم يسفك دما حراما، ولم يأت فاحشة، أترجو له؟ قلت: إي والله، فمن هو؟ قال: إني لأرجو أن أكون ذلك، فذكرت بثينة، فقال: إني لفي آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة، لا نالتني شفاعة محمد إن كنت حدثت نفسي بريبة قط.
46- عبد الله بن عبد المطلب «2» أبو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: دعته امرأة إلى نفسها للنور الذي بين عينيه، فأبى وقال:
أما الحرام فالحمام «3» دونه ... والحل لا حل فأستبينه «4»
فكيف بالأمر الذي تبغينه ... يحمي الكريم عرضه ودينه
وقال:
وأحور مخضوب البنان محجب ... دعاني فلم أعرف إلى ما دعا وجها «5»(3/415)
بخلت بنفسي عن مقام يشينها ... فلست مريدا ذاك طوعا ولا كرها
47- الحسن: لو وجدت رغيفا من حلال لاحرقته، ثم دققته، ثم ذريته، ثم داويت به المرضى «1» .
48- عدمت زوج أبي ذر رضي الله عنها ما تكفنه به فبكت، فقال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن أحدكم بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين. فأبصري الطريق. فإذا برجال أقبلوا ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، فقال: أنشدكم الله إن كفنني رجل منكم كان عريفا، أو أميرا، أو شرطيا. فكفنه فتى أنصاري منهم بثوبين من غزل أمه.
49- راود توبة «2» ليلى الأخيلية عن نفسها، فاشمأزت وقالت:
وذي حاجة قلنا له لا تبح بها ... فليس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه ... وأنت لأخرى صاحب وخليل
50- ابن ميادة:
موانع لا يعطين حبة خردل ... وهن دوان في الحديث أوانس «3»
ويكرهن أن يسمعن في اللهو ريبة ... كما كرهت صوت اللجام الشوامس «4»
51- قال رجل للثوري: أصاب ثوبي خلوق «5» من خلوق الكعبة، فقال: إغسله فكم فيه من دم مسلم.
52- فضيل: ابنه علي: كانت لنا شاة أكلت يسيرا من علف بعض(3/416)
الأمراء فما شرب من لبنها بعد.
53- إبراهيم بن أدهم: أنا بالشام من أربع وعشرين سنة، ما جئت لجهاد ولا رباط «1» ، ولكن لأشبع من خبز حلال.
54- عمرو بن العاص: لئن كان أبو بكر وعمر تركا هذا المال، وهما يريان أنه يحل لهما، لقد غبنا ونقص رأيهما، والله ما كانا مغبونين ولا ناقصي الرأي. ولئن كان ما أصبنا منه يحرم علينا لقد هلكنا، وأيم الله ما أتى الوهم والوهن إلا من قبلنا.
55- عبد الله بن حسن بن حسن:
أنس غرائر ما هممن بريبة ... كظباء مكة صيدهنّ حرام
يحسبن من لين الحديث فواسقا ... ويصدهنّ عن الخنا الإسلام
56- كان الأصمعي يستحسن بيتي العباس بن الأحنف «2» :
أتأذنون لصب في زيارتكم ... فعندكم شهوات السمع والبصر
لا يضمر السوء إن طال الجلوس به ... عفّ الضمير ولكن فاسق النظر
57- كان ابن المدني «3» متواصفا بالعفة وطيب الإزار «4» ، فأنشد عبد الملك بن مروان وهو متنكب «5» قوسه:(3/417)
وابكي فلا ليلى بكت من صبابة ... لباك ولا ليلى لذي الود تبذل
واخنع بالعتبي إذا كنت مذنبا ... وإن أذنبت كنت الذي أتنصل «1»
فقال له: من ليلى هذه؟ لئن كانت حرة لأزوجنّكها، ولئن كانت مملوكة لاشترينّها لك بالغة ما بلغت، فقال: كلا يا أمير المؤمنين، ما كنت لأمعر «2» بوجه حر أبدا في حرّته ولا في أمته، والله ما ليلى إلا قوسي هذه، أسميتها ليلى فأنا أنسب بها.
58- مهدي بن الملوح الجعدي «3» :
كأن على أنيابها الخمر شابها ... بماء الندى من آخر الليل غابق «4»
وما ذقته إلا بعيني تفرسا ... كما شيم في أعلى السحابة بارق
59- عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله من المؤمن؟ قال:
المؤمن من إذا أصبح نظر في رغيفيه من أين يسكبهما. قالت: يا رسول الله أما أنهم لو كلفوه لتكلفوه، قال: أما أنهم قد كلفوه، ولكن يعشقون الدنيا عشقا.
60- اختفى إبراهيم بن المهدي في هربه من المأمون عند عمته زينب بنت أبي جعفر «5» ، فوكلت بخدمته جارية لها اسمها ملك، واحدة(3/418)
زمانها في الحسن والأدب، طلبت منها بخمس مائة ألف فأبت، فهويها، وتذممّ أن يطلبها إليها، فغنى يوما وهي قائمة على رأسه.
يا غزالا لي إليه ... شافع من مقلتيه
والذي أجللت خذ ... يه فقبلت يديه
بأبي وجهك ما اك ... ثر حسادي عليه
أنا ضيف وجزاء الضي ... يف إحسان إليه
ففطنت الجارية، فحكت لمولاتها، فقالت: إذهبي إليه فأعلميه أني قد وهبتك له. فعادت إليه، فلما رآها مقبلة أعاد الغناء، فانكبّت «1» عليه، فقال: كفي، فقالت: قد وهبتني لك مولاتي، وأنا الرسول، فقال: أما الآن فنعم.
61- أنشد المبرد:
ما إن دعاني الهوى لفاحشة ... إلّا عصاه الحياء والكرم
فلا إلى محرم مددت يدي ... ولا مشت بي لريبة قدم
62- طلب عمر بن عبد العزيز رحلا لمصحفه «2» ، فأتي برحل فأعجبه، فقال: من أين أصبتموه؟ فقيل: عمل من خشبة وجدت في بعض الخزائن، قال: قوموه «3» في السوق، فقوّم بنصف دينار، فقال: ضعوا في بيت المال دينارا، فقيل: لم يقوّم إلا بنصف دينار، فقال: ضعوا في بيت المال دينارين.
63- عيسى عليه السّلام، لا تكن حديد النظر إلى ما ليس لك. فإنه لن يرى فرجك ما حفظت عينيك، فإن استطعت أن لا تنظر إلى ثوب المرأة التي لا تحل لك فافعل، ولن تستطيع ذلك إلا بأذن الله.(3/419)
الباب الخامس والخمسون التعجب، وذكر العجائب والنوادر وما خرج من العادات
1- علي بن ربيعة «1» : شهدت عليا رضي الله عنه، فأتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: سبحان الله الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ
«2» ، وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ
«3» ، ثم قال: الحمد لله والله أكبر ثلاث مرات، ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلّا أنت، ثم ضحك، فقلت: يا أمير المؤمنين، من أي شيء تضحك؟
قال: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم فعل ما فعلت أنا ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله، من أي شيء تضحك؟ قال: إنّ ربك يعجب من عبده إذا قال اغفر لي ذنوبي وهو يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري.
وعنه عليه السّلام: إن ربك يعجب من الشاب ليست له صبوة «4» .
وعنه: عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل وهم كارهون.(3/421)
2- علي رضي الله عنه: عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب، ويفوته الغنى الذي إيّاه طلب، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء. وعجبت للمتكبر الذي كان بالأمس نطفة ويكون غدا جيفة. وعجبت لمن شك في الله وهو يرى خلق الله، وعجبت لمن نسي الموت وهو يرى من يموت، وعجبت لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى. وعجبت لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء «1» .
3- قعنب بن أم صاحب «2» :
لو كنت أعجب من شيء لأعجبني ... سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
4- نظرت فيه نظر المعجب به لا المتعجب منه، وذكرت قول أرسطاليس: أما التعجب من مناقبك فقد أسقطه تواترها «3» ، فصارت كالشيء المألوف الذي لا يتعجب منه.
5- وقيل لبحّار: ما أعجب ما رأيت من عجائب البحر؟ قال:
سلامتي منه.
6- ركب أعرابي البحر فرأى من أمواجه الأهوال، ثم ركبه مرة أخرى وهو ساكن، فقال: لا يغرنّي حلمك فعندي من جهلك العجائب.
7- قيل لبزرجمهر: من أعلم الناس بالدنيا؟ قال: أقلهم منها تعجبا.
8- أسمع المعتز عبيد الله بن عبد الله بن طاهر غناء حظية له وقال:(3/422)
كيف تراها؟ فقال: يا أمير المؤمنين، حظ العجب منها أكثر من حظ العجب بها.
9- بزرجمهر: العجب ممن يعرف ربه ثم يغفل عنه طرفة عين.
10- قيل للمشعبذ أبو العجب، قال أبو تمام:
وحادثات أعاجيب خسا وزكا ... ما الدهر في فعله إلا أبو العجب
11- وقال ابن الرومي في البحتري:
أولى بمن عظمت في الناس لحيته ... من حاكة الشعر أن يدعى أبا العجب
الجد أعمى ولولا ذاك لم تره ... في البحتري بلا عقل ولا أدب
12- لو قيل: أي شيء أعجب عندك؟ لقلت: قلب عرف الله ثم عصى «1» .
13- كان ببابل «2» سبع مدائن، في كل مدينة أعجوبة: في إحداها تمثال الأرض، فإذا التوى على الملك بعض أهل مملكته «3» بخراجهم خرق أنهارها عليهم في التمثال، فلا يطيقون سد البثق «4» حتى يعتدلوا وما لم يسد في التمثال لم يسد في ذلك البلد.
- وفي الثانية حوض، فإذا أراد الملك أن يجمعهم لطعامه أتى كل واحد بما أحبه من شراب، فصبه في ذلك الحوض، فاختلطت الأشربة، فكل من سقي منه كان شرابه الذي جاء به.(3/423)
- وفي الثالثة طبل، إذا أرادوا أن يعلموا حال الغائب عن أهله قرعوه، فإن كان حيا صوّت، وإن كان ميتا لم يسمع له صوت.
- وفي الرابعة مرآة، فإذا أرادوا أن يعلموا حال الغائب نظروا فيها، فأبصروه على أية حالة هو عليها كأنهم يشاهدونه.
- وفي الخامسة أوزّة من نحاس، فإذا دخل الغريب صوتت الأوزة صوتا يسمعه أهل المدينة.
- وفي السادسة قاضيان جالسان على الماء، فيأتي الخصمان فيمشي المحق على الماء حتى يجلس مع القاضي، ويرتطم المبطل.
- وفي السابعة شجرة ضخمة لا تظل ساقها، فإن جلس تحتها أحد أظلّته إلى ألف رجل، فإن زاد على الألف واحد جلسوا كلهم في الشمس.
14- الخليل في سليمان بن حبيب «1» :
وزلة يكثر الشيطان إن ذكرت ... منها التعجب جاءت من سليمانا
لا تعجبنّ لخبز زلّ عن يده ... فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا
15- ورد على قلبي منه ما طبقه عجبا إن لم يطبقه شجبا «2» .
16-[شاعر] :
الدهر فيه لمن تعجب عبرة وعجائب
17- الظبي يخضم «3» الحنظل خضما وماؤه يسيل من شدقيه، وأنت تتبين فيه الاستلذاذ له والاستحلاء لطعمه، ويرد البحر فيشرب الماء(3/424)
الأجاج «1» كما تغمس الشاة لحييها «2» في الماء العذب. فأي شيء أعجب من حيوان يستعذب ملوحة البحر، ويستحلي مرارة الحنظل؟.
18- عن عبد الرحمن بن عدي: سمعت أبا هريرة يقول: ضرس الكافر مثل أحد. فقلت في نفسي: فكيف برأسه؟ فكيف بيده؟ كالشّاكّ، فأريت في النوم من القابلة أن بثرة «3» خرجت في خنصري فملأت المدينة.
فقيل لي: هذا لشكك في قول أبي هريرة.
19- عن أبي عقيل «4» : كنت عند منبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأتى مروان بن الحكم بحبال وفعلة، يريد أن يزيد درجات على منبر رسول الله، وذلك بأمر معاوية، فزلزلت الأرض، وخسفت الشمس، وبدت النجوم، واصطفقت «5» القناديل.
20- كان في زمن بني إسرائيل جارية متعبدة، تسمى سوسن، تخرج إلى مصلى يليه شيخان، وكان بجنبه بستان تتوضأ فيه، فعلقها الشيخان، فراوداها عن نفسها، فأبت، فقالا: لئن لم تمكنيننا من نفسك لنشهدنّ عليك بالزنا، فقالت: الله كافي شركما. ففتحا باب البستان وعيّطا «6» ، فغشيهما الناس، فقالا: وجدناها مع شاب يفجر بها وانفلت من أيدينا. وكانوا يقيمون الزاني للناس ثلاثة أيام، ثم يرجم. فأقاموها، وكانا يدنوان منها يضعان يديهما على رأسها، ويقولان: الحمد لله الذي أنزل(3/425)
لك نقمته. فلما أريد رجمها تبعهم دانيال «1» وهو ابن ثنتي عشرة أول ما تنبأ، فقال: لا تعجلوا، أنا أقضي بينهم. فوضع له كرسي، ففرق بين الشيخين، وهو أول من فرق بين الشهود، فقال لأحدهما: ما رأيت؟
فذكر حديث الشاب، فقال: أيّ مكان من البستان؟ فقال: تحت الشجرة الكمثري. وسأل الآخر فقال: تحت الشجرة التفاح. وسوسن رافعة يديها تدعو بالإخلاص. فأنزل الله نارا فأحرقت الشاهدين، وأظهر براءتها.
21- عن الشافعي رحمه الله: بينا أنا أدور في طلب العلم فدخلت بلدة من بلاد اليمن، فرأيت فيها إنسانا من وسطه إلى أسفله بدن امرأة، ومن وسطه إلى فوقه بدنان متفرقان بأربع أيد ورأسين ووجهين، وهما يتقاتلان ويتلاطمان ويصطلحان، ويأكلان ويشربان. ثم غبت عنهما سنتين ورجعت، فسألت عنه، فقيل لي: أحسن الله عزاءك في الجسد الواحد، توفي فربط من أسفله بحبل وثيق، وترك حتى ذبل وقطع، فلعهدي بالجسد الآخر في السوق ذاهبا وجائيا.
- قال: ورأيت باليمن أعميين يتقاتلان وأبكم يصلح بينهما.
- وقال: باليمن قوم يشق أحدهم لحمه ثم يرده فليتئم من ساعته.
ويقال: إن غداء أولئك اللسان.
- وقال: رأيت باليمن بنات سبع يحضن كثيرا.
- وقال: رأيت بالمدينة ثلاث عجائب لم أر مثلها في موضع قط.
رأيت رجلا فلس «2» في مد من نوى، فلسه القاضي. ورأيت رجلا له سن شيخ كبير خضيب، يدور على بيوت القيان «3» ماشيا يعلمهن الغناء، فإذا حضرت الصلاة صلى قاعدا، ورأيت رجلا أعسر، يكتب بشماله يسبق من يكتب بيمينه.(3/426)
الباب السادس والخمسون العشق، وذكر من بلي به وقال فيه الشعر، ومن مات منهم كمدا، ومن رق لهم وترحم عليهم
1- النبي صلّى الله عليه وسلّم: من عشق فعفّ وكتم ثم مات مات شهيدا.
2- لما أعتقت عائشة رضي الله عنها جاريتها بريرة «1» ، وكان زوجها حبشيا، اسمه مغيث «2» ، خيرت بين الإقامة معه وبين مفارقته، فاختارت المفارقة، فكانت إذا طافت بالبيت طاف مغيث خلفها، ودموعه تسيل. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعمه العباس: يا عم أما ترى حب مغيث لبريرة؟ لو كلمناها أن تتزوجه! فدعاها وكلمها، فقالت: يا رسول الله إن أمرتني فعلت، قال:
أما أمر فلا، ولكن أشفع. فأبت أن تتزوجه. قال الراوي: فهذا من قد رآه رسول الله، وشهد لشدة عشقه، وشفع في بابه.
3- يحيى بن معاذ الرازي: لو أمرني الله أن أقسم العذاب بين الخلق ما قسمت للعاشقين عذابا.(3/427)
4- بعضهم: رأيت امرأة في غاية الضمر والنحافة رافعة يديها تدعو، فقلت لها: هل من حاجة؟ قالت: حاجتي أن تنادي في الموقف.
تزود كلّ الناس زادا يقيتهم ... ومالي زاد والسلام على نفسي
ففعلت، فإذا بفتى، فقال: أنا الزاد. فمضيت به إليها، فما زادا على النظر والبكاء. ثم قالت له: انصرف مصاحبا محافظا، فقلت: ما علمت أن لقاء كما يقتصر على هذا، فقالت: أمسك، أما علمت أن ركوب العار ودخول النار شديد؟.
5- إبراهيم بن محمد بن عرفة المهلبي الواسطي «1» .
كم قد ظفرت بمن أهوى فيمنعني ... منه الحياء وخوف الله والحذر
كم قد خلوت بمن أهوى فيقنعني ... منه الفكاهة والتحديث والنظر
أهوى الملاح وأهوى أن أجالسهم ... وليس لي في حرام منهم وطر «2»
كذلك الحب لا إتيان معصية ... لا خير في لذة من بعدها سقر
6- عن زبيدة: قرأت في طريق مكة على حائط:
أما في عباد الله أو في أمانه ... كريم يجلّى الهمّ عن ذاهب العقل «3»
له مقلة أما المآقي فقرحة ... وأما الحشا فالنار فيه على رجل «4»(3/428)
فنذرت أن أحتال لقاءهما حتى أجمع بينه وبين من يهوى، فإني لبالمزدلفة إذا سمعت من ينشدهما، فأدنيته، فزعم أنه قالهما في بنت عم له قدر نذر أهلها أن لا يزوجوها منه، فوجهت إلى الحي، وما زلت أبذل لهم المال حتى زوجوها، وإذا المرأة أعشق من الرجل. وكانت زبيدة تعده في أعظم حسناتها، وتقول: ما أنا بشيء أسر بي بجمعي بين ذلك الفتى والفتاة.
7- كان لسليمان بن عبد الملك غلام وجارية يتحابان، فكتب إليها:
ولقد رأيتك في المنام كأنما ... عاطيتني من ريق فيك البارد «1»
وكأن كفك في يدي وكأننا ... بتنا جميعا في فراش واحد
فطفقت يومي كله متراقدا ... لأراك في يومي ولست براقد «2»
فأجابته:
خيرا رأيت كل ما عاينته ... ستناله مني برغم الحاسد
إني لأرجو أن تكون معانقي ... فتبيت مني فوق ثدي ناهد
وأراك بين خلاخلي ودمالجي ... وأراك بين مراجلي ومجاسدي «3»
فبلغ ذلك سليمان: فأنكحهما وأحسن جهازهما.
8- الجاحظ: العشق اسم لما فضل عن المحبة. كما أن السرف اسم لما جاوز الجود، والبخل اسم لما جاوز حد الإقتصاد.
9- سئل أفلاطون عن العشق فقال: داء لا يعرض إلا للفراغ.
10- آخر: العشق جهل عارض صادف قلبا فارغا.(3/429)
11- قيل لأعرابي: ما بلغ حبك لفلانة؟ قال: إني لأذكرها وبيني وبينها عقبة الطائف فأجد من ذكرها رائحة المسك.
12- سأل الرشيد رجلا فقال: ما أشد ما يكون من العشق؟ قال:
أن تكون ريح البصل منه أحب إليك من ريح المسك من غيره.
13- عن عمر بن أبي ربيعة المخزومي: أن نعم التي يقول فيها:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
اغتسلت عند غدير فأقام يشرب منه حتى جف.
14- رأى شبيب أخو بثينة جميلا عندها، فوثب عليه وآذاه، ثم أتى مكة وفيها جميل، فقيل له: دونك شبيبا فاثأر منه، فقال:
وقالوا يا جميل أتى أخوها ... فقلت أتى الحبيب أخو الحبيب
15- كتبت كتبت للمتوكل على جبينها: هذا ما عمل في طراز الله، فتنة لعباد الله.
16- أنشد الأخفش لحداد بسر من رأى:
مطارق الشوق منها في الحشا أثر ... يطرقن سندان قلب حشوه الفكر
ونار كور الهوى في الجسم موقدة ... ومبرد الحزن لا يبقي ولا يذر
17- عبد الله بن عجلان النهدي «1» أحد العشاق المذكورين، تزوجت عشيقته فرأى أثر كفها على ثوب زوجها، فمات كمدا.
18- أهدى أبو العتاهية للمهدي برنية «2» فيها ثوب مطيب، قد كتب في حواشيه:(3/430)
نفسي بشيء من الدنيا معلقة ... الله والقائم المهديّ يكفيها
إني لآيس منها ثم يطمعني ... فيها احتقارك للدنيا وما فيها
فهم أن يدفع عتبة «1» إليه، فضجرت وقالت: يا أمير المؤمنين، حرمتي وخدمتي! أتدفعني إلى رجل قبيح المنظر، بائع جرار، مكتسب بالشعر؟ فأعفاها، وأمر أن تملأ البرنية مالا. فأرادوا أن يملاؤها دراهم، فقال: إنما أمر بالدنانير، فاختلف في ذلك حولا. فقالت عتبة: لو كان عاشقا لم يختلف حولا في التمييز بين الفضة والذهب، وقد أعرض «2» عني صفحا.
19- صحب جميلا رجل من عذرة، يدعي العشق وهو سمين، فقال فيه:
وقد رابني من زهدم أن زهدما ... يشد على خبزي ويبكي على جمل
فلو كنت عذري العلاقة لم تكن ... سمينا وأنساك الهوى كثرة الأكل
20- قال محمد بن عبد الله بن طاهر لأولاده: عفوا تشرفوا، واعشقوا تظرفوا.
21- أوّل العشق النظرة، وأول الحريق الشرر.
22- زار علي بن عبيدة الريحاني «3» جارية كان يهواها عند إخوانه، فحان وقت الظهر، فبادروا الصلاة، وهما يتحدثان، حتى كادت الصلاة(3/431)
تفوت. فقيل: يا أبا الحسن الصلاة، فقال: رويدك حتى تزول الشمس، أي حتى تقوم الجارية.
23- وصف أعرابي امرأة طرقها فقال: ما زال القمر يرينيها، فلما غابت أرتنيه. قيل: فما كان بينكما؟ قال: أبعد ما أحل الله مما حرم، إشارة في غير بأس، ودنو في غير مساس، ولا وجع أشد من الذنوب.
24- أبو العيناء: أضحكني بائع رمان يقول:
وقعت من فوق جبال الهوى ... إلى بحار الحب طرطب
25- عبد بني الحسحاس «1» :
فكم قد شققنا من رداء محبر ... ومن برقع عن طفلة غير عانس «2»
إذا شق برد شق بالبرد برقع ... دواليك حتى كلنا غير لابس
وذلك! إن الرجل يشق برقع حبيبته، والمرأة تشق برد حبيبها، ويقولون: إذا لم يفعلا ذلك عرض البغض بينهما.
26- ذكر أعرابي فقال: كاد الغزال يكونها لولا ما تم منها ونقص منه، وما كانت أيامي معها إلا كأباهيم «3» القطا»
قصرا، ثم طالت بعدها(3/432)
شوقا إليها، وا أسفا عليها!.
27- عشق رجل امرأة، فقيل له: ما بلغ من عشقك لها؟ فقال:
كنت أرى القمر على سطحها أحسن منه على سطوح الناس.
28- من جرى مع هواه طلقا جعل للعذاب فيه طرقا.
29- عبد الله بن رواحة «1» :
سبتك بعيني جؤذر بخميلة ... وجيد كجيد الريم زيفه النظم «2»
وأنف كحد السيف يشرب قلبها ... وأشنب رفاف الثنايا به ظلم
30- أعرابية في صفة العشق: خفي أن يرى، وجلّ أن يخفى، فهو كامن كمون النار في الحجر، إن قدحته ورى «3» ، وإن تركته توارى، وإن لم يكن شعبة من الجنون فهو عصارة السحر.
31- كثير:
وأني لأرضى منك يا عز بالذي ... لو أيقنه الواشي لقرت بلابله «4»
بلا وبأن لا استطيع وبالمنى ... وبالوعد حتى يسأم الوعد آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول ينقضي ... أواخره لا نلتقي وأوائله
32- يقال: سرقت فؤاده إذا عشقها، وتسللت مسالك الروح منه.(3/433)
ويقال: ناط «1» حبها بقلبي نائط، وساطه بدمي سائط «2» .
33- أعرابي: لقد كنت آتيها عند أهلها، فيتجهمني لسانها، ويرحب بي قلبها.
34- ليلى العامرية «3» في قيسها «4» :
لم يكن المجنون في حالة ... إلّا وقد كنت كما كانا
لكنه باح بسر الهوى ... وإنني قد ذبحت كتمانا
35- ابن مرخية «5» :
سألت سعيد بن المسيب مفتي ال ... مدينة هل في حب دهماء من وزر «6»
فقال سعيد بن المسيب إنما ... تلام على ما تستطيع من الأمر
فقال سعيد: والله ما سألني أحد عن هذا، ولو سألني ما كنت أجيب إلّا به.(3/434)
36- كان الهوى فيما مضى أن يسر أحدهم بلبان مضغته حبيبته، أو بسواك استكاكت به. واليوم يطلب أحدهم الخلوة الصحيحة، كأنه قد أشهد على نكاحها أبا سعيد وأبا هريرة.
37- مر مالك بن دينار بدار ليلا، وإذا قائل يقول:
يا سيدي قد جاءك المذنب ... يرجو الذي يرجوه من يعتب
فاصفح له عن ذنبه منعما ... وهب له منك الذي يطلب
فوقف مالك يتسمع ويبكي، والقائل يردد البيتين بصوت حزين. فلما قارب السحر قال:
يا ناصبا مقلته فتنة ... إليك من مقلتك المهرب
فقال مالك: يا فاسق! إنما كان تضرعك لغير الله، ومضى.
38- هوي أحمد بن أبي عثمان الكاتب «1» جارية لزبيدة اسمها نعم، حتى مرض ونهك «2» ، وقال فيها أبياتا منها:
وإني ليرضيني الممر ببابها ... واقنع منها بالشتيمة والزجر
فوهبتها له.
39- زبان بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم «3» :
علق القلب مهاة طفلة ... من بني عبد مناف في اللباب
وبنو زهرة أخوال لها ... وبنو الأصبغ أولاد الرباب
من ذرى كلب وكلب هامة ... من معد في المعالي والروابي
جمعتني وسليمي نسوة ... فاتكات من عدي بن جناب(3/435)
40- المعتز بالله:
بيضاء رود الشباب قد غمست ... في خجل ذائب بعصفرها
مجدولة هزها الصبا فغدت ... يشغل لحظ العيون منظرها
الله جار لها فما امتلأت ... عيني إلّا من حيث أبصرها
41- أبو عبد الله الغواص «1» :
قمر لم يبق مني حبه ... وهواه غير مقلوب قمر
42- خليد مولى العباس بن محمد الهاشمي «2» شاعر الطاهرية «3» :
أما والراقصات بذات عرق ... ومن صلّى بنعمان الأراك «4»
لقد أضمرت حبّك في فؤادي ... وما أضمرت حبا من سواك
أطعت الآمريك بقطع حبلى ... مريهم في أحبتهم بذاك
فإن هم طاوعوك فطاويعهم ... وإن عاصوك فاعصي من عصاك
43- عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، رأى امرأة بالشام فأعجبته فقال:(3/436)
تذكرت ليلى والسماوة «1» دونها ... فما لابنة الجودي ليلى وماليا «2»
وأنّى تعاطي قلبه حارثية ... تحل ببصرى أو تحل الجوابيا
44- أعرابي:
أقول لعيس قد برى السير نيّها ... فلم يبق منها غير عظم مجلد «3»
خذي بي ابتلاك الله بالشوق والهوى ... وهاجتك أصوات الحمام المغرد
فطارت مراحا خو دعوة عاشق ... تجوب بي الظلماء في كل فدفد «4»
فلما ونت في السير ثنيت دعوتي ... فكانت لها سوطا إلى ضحوة الغد «5»
45- الفتح بن خاقان صاحب المتوكل:
أيها العاشق المعذّب صابر ... فخطايا أخي الهوى مغفورة
زفرة في الهوى أحطّ لذنب ... من غزاة وحجة مبرورة «6»
46- قال يوسف بن الماجشون «7» أنشدت محمد بن المنكدر قول وضاح اليمن «8» :(3/437)
إذا قلت هاتي نولّني تبسمت ... وقالت معاذ الله من فعل ما حرم
فما نولّت حتى تضرّعت حولها ... وعرفتها ما رخص الله في اللمم «1»
فضحك وقال: إن كان وضاح لفقيها في نفسه.
47- علي بن هشام فرخسرو «2» وكان المأمون يزوره ويستأنس به ثم قتله:
يا موقد النار يذكيها فيخدمها ... برد الشتاء بأرواح وأمطار
قم فاصطل النار من قلبي مضرمة ... بالشوق تغن بها يا موقد النار «3»
ويا أخا الذود قد طال الظماء بها ... ما تعرف الريّ من جدب وأقفار
رد بالعطاش على عيني وعبرتها ... تروى العطاش بدمع واكف جاري»
48- عبد الرحمن القارىء القس:
قد كنت أعذل في الصبابة أهلها ... فاعجب لما تأتي به الأيام
فاليوم أعذرهم وأعلم إنما ... سبل الضلالة والهدى أقسام
49- برمة النحوي:
يا طيب مرعى مقلة لم تخف ... بوجنتيه زجر حرّاس(3/438)
حلّت بخد لم يغض ماؤه ... ولم تخضه أعين الناس «1»
50- كشاجم:
فلم يزل خدها ركنا ألوذ به ... والخال في صحنه يغني عن الحجر «2»
51- الخيزرزي:
لو أبصر الوجه منه منهزم ... يطلبه ألف فارس وقفا
52- عن عمر بن أبي ربيعة: كنت بين امرأتين، هذه تسارني، وهذه تعضني، فما شعرت بعضة هذه من لذة سرار «3» هذه.
53- ريسان العذري «4» :
لو حز بالسيف رأسي من مودتها ... لطار يهوى سريعا نحوها راسي
وسمع به ابن أبي ربيعة بعد ما نسك ولبس الصوف، فقال: أحسن والله، وتحرك وقال: تالله لقد هجتم على ساكنا.
54- محمود بن مروان بن أبي حفصه «5» :
يدمي الحرير جلودهن وإنما ... يكسين من حلل الحرير رقاقها(3/439)
الباب السابع والخمسون العقل، والفطنة، والشهامة، والرأي، والتدبير، والتجارب، والنظر في العواقب
1- النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما أودع الله عبدا عقلا إلا استنقذه به يوما ما.
وعنه عليه السّلام: العقل نور في القلب يفرّق به بين الحق والباطل.
2- أنس رضي الله عنه: قيل يا رسول الله، الرجل يكون حسن العقل كثير الذنوب، قال: ما من آدمي إلّا وله ذنوب وخطايا يقترفها، فمن كانت سجيّته «1» العقل، وغريزته اليقين، لم تضرّه ذنوبه. قيل: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: لأنه كلّما أخطأ لم يلبث أن تدارك «2» ذلك بتوبة وندامة على ما كان منه، فيمحو ذنوبه، ويبقى له فضل يدخل به الجنة.
- وعنه: أثنى قوم على رجل عند رسول الله حتى بالغوا في الثناء بخصال الخير، فقال رسول الله: كيف عقل الرجل؟ فقالوا: يا رسول الله، نخبرك عنه باجتهاده في العبادة وأصناف الخير، وتسألنا عن عقله! فقال نبي الله: إن الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، وإنما يرتفع العباد غدا في الدرجات، وينالون الزلفى «3» من(3/441)
ربهم على قدر عقولهم.
3- الحسن: كان عقل آدم مثل عقل جميع ولده.
4- عامر بن عبد قيس: إذا عقلك عقلك «1» عما لا يعنيك فأنت عاقل.
5- قال عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث «2» : ما رأيت عقول الناس متقاربة، إلّا ما كان من الحجاج وأياس.
6- علي بن عبيدة: العقل ملك، والخصال رعيته، فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها. فسمعه أعرابي فقال: هذا كلام يقطر عسله.
7- معن بن زائدة: ما رأيت قفا أحد إلّا عرفت عقله. قيل: فإن رأيت وجهه؟ قال: ذاك حينئذ كتاب أقرأه.
8- فيلسوف: عقل الغريزة سلم إلى التجربة.
- أيدي العقول تمسك أعنة الأنفس.
- كل شيء إذا كثر رخص غير العقل، فإنه إذا كثر غلا.
9- لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا
«3» ، قيل من كان عاقلا.
10- العاقل بخشونة العيش مع العقلاء آنس منه بلين العيش مع السفهاء.
11- بزرجمهر: لا شرف إلا شرف العقل، ولا غنى إلا غنى النفس.(3/442)
12- أعرابي: العاقل متصفح «1» ، والجاهل متسمح «2» .
13- وصف المعلى بن أيوب «3» ابن الزيات فقال: كأنه لسان حية من ذكائه.
14- قال أبو العيناء لرجل: والله ما فيك من العقل إلا بمقدار ما تجب به الحجة عليك، والنار لك.
15- أعرابي: لو صور العقل لأظلمت معه الشمس، ولو صور الحق لأضاء معه الليل، وإنك من كليهما لمعدم.
- العاقل من كان له على جميع شهواته رقيب من عقله.
- من لم يؤسس عقله على التقوى فلا عقل له.
- يعيش العاقل بعقله حيث كان، كما يعيش الأسد بقوته حيث كان.
كل شيء يحتاج إلى العقل، والعقل يحتاج إلى التجارب.
16-[شاعر] :
إذا لم يكن للمرء عقل فإنه ... وإن كان ذا مال على الناس هيّن
ومن كان ذا عقل أجل بعقله ... وأفضل عقل عقل من يتدين
17- المهلب: لئن أرى لعقل الرجل فضلا على لسانه أحب إليّ من أن أرى للسانه فضلا على عقله.
18- لقمان: غاية الشرف والسؤدد حسن العقل، فمن حسن عقله غطى عيوبه، وأصلح مساوئه، ورضي عنه مولاه.(3/443)
19- علي رضي الله عنه: العاقل من وعظته التجارب.
20- كان يقال: الأريب العاقل الفطن المتغافل.
21- نعوذ بالله من أن نكون ممن عقله صديق مقطوع «1» ، وهواه عدو متبوع.
22- لفلان من عقله رقيب على شهوته، يهديه إلى الهدى، ويرده عن الردى.
23- قيل لحكيم: متى عقلت؟ قال: حين ولدت، فلما رأى إنكارهم قال: أما أنا فقد بكيت حين جعت، وطلبت الثدي حين احتجت، وسكت حين أعطيت. يعني من عرف مقادير حاجاته فهو عاقل.
24- أحلام عاد «2» مثل عند العرب في رجاحة العقول، قاسوا عقولهم على أجسادهم فاسترجحوها. قال:
وأحلام عاد لا يخاف جليسهم ... وإن فطن العوراء غرب لسان
25- ابن المعتز: ما أبين وجوه الخير والشر في مرآة العقل إن لم يصدقها الهوى.
26- العاقل يروي ثم يروي، ويخبر ثم يخبر «3» .
27- أردشير بن بابك: من لم يكن عقله أغلب خلال الخير عليه كان حتفه في أغلب خلال الشر عليه.
28- أردشير بن هرمز «4» : العاقل من ملك عنان شهوته.(3/444)
بطليموس «1» : كل عمل يأذن فيه العقل فهو صواب. وعنه: العاقل لا يشرب السم إتكالا على ما عنده من الترياق.
29- ملك الخزر «2» : إذا شاورت العاقل صار عقله لك.
30- قال المنذر لابنه النعمان فيما أوصاه به: دع الكلام وأنت عليه قادر، وليكن لك من عقلك خبيء ترجع إليه أبدا، قال النعمان: مرني بأمر جامع، قال: الزم الحزم والحياء.
ذو العقل لا تبطره المنزلة السنية، كالجبل لا يتزعزع وإن اشتدت عليه الريح. والسخيف تبطره أدنى منزلة، كالحشيش تحركه أدنى ريح.
31- قال الحجاج لابن القرية: من أعقل الناس؟ قال: من يحسن المداراة مع أهل زمانه.
32- حكيم: العقل والتجربة في التعاون بمنزلة الماء والأرض، لا يطيق «3» أحدهما دون الآخر إنباتا.
33- العتبي: العقل عقلان: عقل تفرد الله بخلقه، وعقل يستفيده الرجل بأدبه وتجربته، ولا سبيل إلى العقل المستفاد إلّا بصحة العقل المركّب في الجسد، فإذا اجتمعا قوّى كل واحد منهما صاحبه تقوية النار في الظلمة ضوء البصر.
34- المأمون: إذا أنكرت من عقلك شيئا فاقدحه «4» بعاقل.
35- قيل لعلي رضي الله عنه: صف لنا العاقل، فقال: هو الذي(3/445)
يضع الشيء مواضعه. قيل: فصف لنا الجاهل، قال: قد فعلت. يعني الذي لا يضع الشيء مواضعه «1» .
وعنه: الحلم غطاء ساتر، والعقل حسام قاطع، فاستر خلل خلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك «2» .
36- حكيم: إجعل سرّك إلى واحد، ومشورتك إلى ألف.
لن يعدم المشاور مرشدا، والمستبد برأيه موقوف على تداحض الزلل.
37- أعرابي: من لم تسمه التجارب دبت إليه العقارب.
38- العرب: بر تخبر.
39- أبو بكر رضي الله عنه: أفضل الناس عند الله من عزّ به الحق، وانتشر عنه الصدق، ورتق «3» برأيه الفتق.
40- عبد الملك بن مروان: لأن أخطىء وقد استشرت أحب إليّ من أن أصيب وقد استبددت.
41- ذكر أعرابي رجلا فقال: كان الفهم منه ذا أذنين، والجواب ذا لسانين.
42- فيلسوف: من عرف التجارب طابت له المشارب.
43- الفضل بن سهل: الرأي يسد ثلم السيف، والسيف لا يسد ثلم الرأي.(3/446)
44- دخل أحمد بن يوسف على المأمون، وعريبا «1» تغمز رجله، فخالسها النظر، وأومأ إليها بقبلة، فقالت: كحاشية البرد، فلم يدر ما قالت فحدث به محمد بن بشير فقال: أنت تدعي الفطنة يذهب عليك مثل هذا؟ أرادت طعنة، ذهب إلى قول الشاعر:
رمى ضرع ناب فاستمر بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المسهم
45- الجعجاع الأزدي «2» :
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... بحزم نصيح أو نصيحة حازم
ولا تحسب الشورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي قوة للقوادام «3»
وخل الهوينى للضعيف ولا تكن ... نؤوما فإنّ الحزم ليس بنائم
وأدن من القربى المقرب نفسه ... ولا تشهد الشورى امرءا غير كاتم
وما خير كف أمسك الغل أختها ... وما خير سيف لم يؤيد بقائم «4»
فإنك لا تستطرد الهم بالمنى ... ولا تبلغ العليا بغير المكارم
46- النبي صلّى الله عليه وسلّم: المستشار معان.(3/447)
47- وصف أعرابي رجلا فقال: يشرق بعزم لا يوجد معه خطب، ويومض بصواب لا يلتبس عنده صعب، حتى يغادر المستعجم معجما، والمشكل مشكولا.
48- ادخل الركاض «1» وهو ابن أربع سنين إلى الرشيد ليتعجب من فطنته، فقال له: ما تحب أن أهب لك؟ قال: جميل رأيك، فأني أفوز به في الدنيا والآخرة، فأمر له بدنانير ودراهم، فصبّت بين «2» يديه، فقال: إختر الأحب إليك، فقال: الأحب إلى أمير المؤمنين، وهذا من هذين وضرب بيده إلى الدنانير. فضحك الرشيد وأمر بضمه إلى ولده، والإجراء عليه.
49- الحازم لا تدهش له عزيمة، ولا تكهم له صريمة.
50- بزرجمهر: إن الحازم «3» إذا أشكل عليه الرأي بمنزلة من أضاع لؤلؤة فجمع ما حول مسقطها من التراب ثم التمسها حتى وجدها، وكذلك الحازم يجمع وجوه الرأي في الأمر المشكل «4» ، ثم يضرب بعضها ببعض حتى يخلص الرأي.
51- هجين عاقل خير من هجان جاهل «5» .
52- فيلسوف: لا رأي لمن تفرد برأيه.
53- عبد الله بن وهب الراسبي: دعوا الرأي يغب «6» ، فإن غبوبه(3/448)
يكشف لك عن محضه. وقال: استفتحوا باب الرأي بالاستخارة.
54- ابن المقفع: ما رأيت حكيما إلّا وتغافله أكثر من فطنته.
55- قيل لبزرجمهر: من أكمل الناس؟ قال: من لم يجعل سمعه غرضا للفحشاء، وكان الأغلب عليه التغافل.
56- حكيم: المشورة موكل بها التوفيق لصواب الرأي.
أعقل الرجال لا يستغني عن مشاورة ذوي الألباب، وأفره «1» الدواب لا يستغني عن السوط، وأورع النساء لا تستغني عن الزوج.
57- الحسن: الناس ثلاثة، فرجل رجل، ورجل نصف رجل، ورجل لا رجل، فأما الرجل فذو الرأي، والمشورة، وأما نصف الرجل فالذي له رأي، ولا يشاور، وأما الرجل الذي ليس برجل فالذي لا رأي له ولا يشاور.
58-[شاعر] :
إني أتيح لها حرباء تنضبة ... لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا «2»
59- نضرب للحازم. ونحوه أن رجلا شكا إلى أخيه قلة مرفقه في عمله، واستشاره في التقصي، فقال: إنّ كلبا لقي كلبا في فمه رغيف محترق، فقال: ويحك ما أردأ هذا الرغيف! قال: نعم، لعنة الله عليه وعلى من يتركه حتى يجد خيرا منه.
60- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للحطيئة: كيف صبرتم(3/449)
على حرب بني ذبيان وهي أضعافكم في العدد؟ قال: كان فينا ألف حازم، قال: وكيف كان فيكم ألف حازم؟ وهل كان في عبس وغطفان هذا؟ قال: كان فينا قيس بن زهير.
61- كان بعض الماضين إذا استشير قال لمشاوره: أنظرني أصقل عقلي. يومه.
62- قال المنصور لولده: خذ عني ثنتين: لا تقل بغير تفكير، ولا تعمل بغير تدبير.
63- طاهر بن الحسين:
اعمل صوابا تنل بالحزم مأثرة ... فلن يذم لأهل الحزم تدبير «1»
فإن هلكت مصيبا أو ظفرت به ... فأنت عند ذوي الألباب معذور
وإن ظهرت على جهل وفزت به ... قالوا جهول أعانته المقادير
أنكد بدنيا ينال المخطئون بها ... حظ المصيبين والمقدور مقدور
64- إبراهيم التيمي: مثلث نفسي في النار أعالج أغلالها وسعيرها وزقومها وزمهريرها «2» ، فقلت: يا نفس أيش تشتهين؟ قالت: أرجع إلى الدنيا فأعمل عملا أنجو به من هذا العذاب. ومثلتها في الجنة مع حورها ألبس من سندسها «3» وحريرها، فقلت: أيش تشتهين؟ قالت: أن أرجع فأعمل عملا أزداد به الثواب. فقلت: فأنت في الدنيا وفي الأمنية فاعملي.
65- فضيل: المشورة فيها بركة، وإني لأستشير حتى هذه الحبشية الأعجمية.(3/450)
66- ابن عيينة: كان رسول الله إذا أراد أمرا شاور فيه الرجال، وكيف يحتاج إلى مشاورة المخلوقين من الخالق مدبر أمره؟ ولكنه تعليم منه ليشاور الرجل الناس وإن كان عالما.
67- أعرابي: لا مال أوفر من العقل، ولا فقر أعظم من الجهل، ولا ظهر أقوى من المشورة.
68- أكثم بن صيفي: في الاعتبار غنىّ عن الاختيار.
- الرأي الفذ كالخيط السحيل «1» ، والرأيان كالخيطين المبرمين، والثلاثة مرائر «2» لا تكاد تنقض.
69- لقمان: يا بني، إذا أردت أن تقطع أمرا فلا تقطعه حتى تستشير مرشدا.
70- وفي وصية علي رضي الله عنه: يا بني، إني وإن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمارهم، وفكّرت في أخبارهم، حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره، واستخلصت لك من كل أمر نخيله «3» ، وتوخيت جميله، وصرفت عنك مجهوله.
71- عمر رضي الله عنه: لا أمين إلّا من خشي الله، فشاور في أمرك الذين يخشون الله.
72- له رأي كالسهم أصاب «4» غرة الهدف، ودعاء كالبحر بعد غور وقرب مغترف.(3/451)
73-[شاعر] :
وقد يتغابى المرء في عظم أمره ... ومن تحت برديه المغيرة أو عمرو «1»
74-[آخر] :
شاور نفسي طمع وخيبة ... تقول هاتي لا وهاتيك بلى
75- من بدأ بالاستخارة وثنى بالاستشارة فحقيق أن لا يقبل رأيه. له دراية مستقاة من حنكة «2» .
76- سلمة بن عياش «3» : قال لي رؤبة: ما كنت أحب أن أرى في رأيك فيّالة «4» .
77- إذا حلّت المقادير ضلّت التدابير.
78- من نظر من المغاب ظفر بالمحاب. من اشتدت عزائمه اشتدت دعائمه.
79- الرأي السديد أحمى من الأيد الشديد.
80- أبو القاسم الهرندي «5» .
وما ألف مطرور السنان مسدد ... يعارض يوم الروع رأيا مسددا «6»
81- كأن السرور حجر على كل ذى حجر «7» .(3/452)
82- ذكر المأمون ولد علي رضي الله عنه فقال: أيدوا بتدبير الآخرة وحرموا تدبير الدنيا.
83- قيل للأحنف: بم سدت قومك؟ قال: بحسب لا يطعن فيه ورأي لا يستغنى عنه.
84- إذا غلب العقل الهوى صرف المساوىء إلى المحاسن، فجعل البلادة حلما، والحدة ذكاء، والمكر فطنة، والهذر بلاغة، والعي صمتا، والعقوبة أدبا، والجبن حذرا، والإسراف جورا.
85- كان يقال: من أجهد رأيه، واستخار ربه، واستشار صديقه، فقد قضى ما عليه، ويقضي الله في أمره ما أحب.
86- عمر رضي الله عنه: ما تشاور قوم قط إلّا هدوا إلى رشد أمرهم.
87- قال بعض العرب لابنه: يا بني، إن أباك أهدى من القطا «1» ، ومن دعيميص الماء «2» ، ومن الطير في الهواء، قد حلب الدهر أشطره «3» ، وعرف أعاجيب الدهور، وغوامض التدبير، وأخذ عن النساك والفتاك، وبات في القفر مع الوعول، وتزوج السعلاة، وجاور الغول «4» ، ودخل في كل باب، وجرى مع كل ريح، وامتحن في السراء والضراء، وجالس السلاطين والمساكين، ومثلت له التجارب عواقب الأمور.(3/453)
88- سليمان عليه السّلام: يا بني، لا تقطع أمرا حتى تأمر مرشدا، فإذا فعلت فلا تحزن.
أحزم الناس رجلان: رجل وسّع عليه الله في الدنيا فشكر ليوسع عليه الله في الآخرة، ورجل ضيق الله عليه فصبر لئلا يضيق الله عليه في الآخرة.
89- بهمن بن أسفنديار «1» : تجريب المجرب تضييع الروزمار «2» .
90- أبو بكر رضي الله عنه: ليكن الإبرام «3» بعد التشاور، والصفقة بعد التناظر.
91- علي رضي الله عنه: خاطر من استغنى برأيه.
92- المعتصم: إذا نصر الهوى خذل الرأي.
93- الهند: المستشير وإن كان أفضل رأيا من المشير فإنه يزداد برأيه رأيا، كما تزداد النار بالسليط «4» ضوءا.
94- لما قتل المنصور أبا مسلم قال لصاحب شرطه نصر بن مالك «5» :
استشارك أبو مسلم في القدوم عليّ فأشرت عليه أن لا يفعل. قال:
سمعت إبراهيم الإمام يحدث عن أبيه: لا يزال الرجل يزاد في رأيه ما نصح لمن استشاره.
95- أحمد بن موسى السلمي من بني الشريد «6» :(3/454)
إذا خلصتان أشكل الرأي فيهما ... فسعيك في شعب التي هي أجمل «1»
ورأيك من رأي المشيرين كلهم ... غداة اختلاف الرأي أرأى وأعدل «2»
96- علي رضي الله عنه: ولا تدخلنّ في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حريصا يزين لك الشره بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله تعالى «3» .
- وعنه: من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها «4» .
97- أشجع السلمي «5» :
رأي سري وعين الناس هاجعة ... ما أخرّ الحزم رأي قدّم الحذرا
98- سمع محمد بن يزداد وزير المأمون قول القائل:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ... فإن فساد الرأي أن تتردّدا
فأضاف إليه:
وإن كنت ذا عزم فأنفذه عاجلا ... فإن فساد العزم أن تتقيّدا «6»
99- حبيب بن أوس الطائي:(3/455)
ذهب الصواب برأيه فكأنما ... آراؤه اشتقت من التأييد
فإذا دجا خطب تبلج رأيه ... صبحا من التوفيق والتسديد «1»
100- محمود الوارق «2» :
إنّ اللّبيب إذا تفرّق أمره ... فتق الأمور مناظرا ومشاورا
وأخو الجهالة يستبد برأيه ... فتراه يعتسف الأمور مخاطرا
101- الرشيد حين بدا له في تقديم الأمين على المأمون في العهد:
لقد بان وجه الرأي لي غير أنني ... غلبت على الأمر الذي كان أحزما «3»
فكيف يرد الدّر في الضرع بعد ما ... توزع حتى صار نهبا مقسما «4»
أخاف التواء الأمر بعد استوائه ... وأن ينقض الحبل الذي كان أبرما «5»
102- آخر:
وما المرء منفوعا بتجريب غيره ... إذا لم تعظه نفسه وتجاربه
103- آخر:
خليليّ ليس الأمر في صدر واحد ... أشيرا عليّ اليوم ما تريان
104- محمد بن ذؤيب:(3/456)
ويفهم قول الحكل لو أن ذرة ... تساود أخرى لم يفته سوادها «1»
105- وصف رجل عضد الدولة «2» فقال: له وجه فيه ألف عين، وفم فيه ألف لسان، وصدر فيه ألف قلب.
106- لقمان: يا بني، شاور من جرّب فإنه يعطيك من رأيه ما قام عليه بالغلاء، وأنت تأخذه بالمجان.
107- أردشير بن بابك: أربعة تحتاج إلى أربعة: الحسب إلى الأدب، والسرور إلى الأمن، والقرابة إلى المودة، والعقل إلى التجرية.
108- الإسكندر: لا تستحقر الرأي الجزيل من الرجل الدنيء، فإن الدرة لا يستهان بها لهوان غائصها.
109- في الحديث: ما أوتي أحد فضلا ولا عقلا إلا احتسب عليه من رزقه.
110- مسلمة بن عبد الملك: ما ابتدأت أمرا قط بحزم فرجعت بلائمة على نفسي، وإن كانت العاقبة علي، ولا ضيعت شيئا من الحزم فسررت به، وإن كانت العاقبة لي.
111- هنأ العتبي المهدي بالخلافة، فسأل عنه، فقيل هو من أولاد عتبة بن أبي سفيان، فقال: أو قد بقي من أحجارهم ما أرى؟ من قولهم رمي بحجر الأرض «3» .(3/457)
الباب الثامن والخمسون العمل، والكد، والتعب، والشغل، والجد، والتشمير، والعزم، والنية، والكفاية، والكيس، والعجلة، والسرعة، والعدو، وحسن، التأني في الأمور، وانهتاز الفرص
1- النبي صلّى الله عليه وسلّم: أفضل العمل أدومه وإن قل.
2- عائشة رضي الله عنها: كان عمله ديمة «1» .
3- علي رضي الله عنه: قليل مدوم عليه خير من كثير مملول منه «2» .
وعنه: أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه «3» .
4- علي بن الحسين رضي الله عنه، لما مات فغسلوه وجدوا على ظهره مجلا مما كان يستقي لإسعاف جيرانه بالليل، ومما كان يحمل إلى بيوت المساكين من جرب الطعام.
5- في التورية: حرّك يدك أفتح لك باب الرزق.
6- داود الطائي: أرأيت المحارب إذا أراد أن يلقى الحرب؟ أليس يجمع آلته؟ فإذا أفنى عمره في جمع الآلة فمتى يحارب؟ إنّ العلم آلة(3/459)
العمل، وإذا أفنى عمره في جمعه فمتى يعمل؟.
7- كان إبراهيم بن أدهم يستقي ويرعى، ويعمل بكراء، ويحفظ البساتين للناس والمزارع، ويحصد بالنهار، ويصلي بالليل.
8- النبي صلّى الله عليه وسلّم: تعلموا ما شئتم أن تعلموا، فلن ينفعكم الله بالعلم حتى تعملوا به، فإن العلماء همتهم الوعاية «1» ، وإن السفهاء همتهم الرواية.
9- ابن مسعود رضي الله عنه: كونوا للعلم وعاة، ولا تكونوا رواة، فإنه قد يرعوي ولا يروي، ويروي، ولا يرعوي «2» .
10- عيسى عليه السّلام: ليس بنافعك أن تعلم ما لم تعمل، إنّ كثرة العلم لا يزيدك إلّا جهلا ما لم تعمل به.
11- مالك بن دينار: إن العالم إذا لم يعمل زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر على الصفا «3» .
12- شبيب بن سليم الأسدي «4» : دخلنا على الحسن «5» حجاجا فدعا لنا، ثم قال: لعلكم من أصحاب السيوحات «6» ! قلنا: لا، قال:
إياكم وإياهم، فانه بلغني أن الرجل منهم يكتب خمسمائة حديث ثم يضيّعها، ولا يعلم أن الله سائله عنها حرفا حرفا.(3/460)
13- علي رضي الله عنه: جاء رجل إلى رسول الله فقال: ما ينفي عني حجة الجهل؟ قال: العلم، قال: فما ينفي عني حجة العلم؟ قال:
العمل.
14- النبي صلّى الله عليه وسلّم: الكيّس «1» من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها ثم تمنى على الله.
15- شر الأعمال ما كان عناؤه طويلا وغناؤه قليلا.
16- رأى رسول الله فرجة في لبن قبر إبراهيم «2» ابنه فأمر أن تسد:
وقال: أما أنها لا تضر ولا تنفع، ولكن العبد إذا عمل عملا أحب الله أن يتقنه.
17- الأوزاعي: إذا أراد الله بقوم شرا أعطاهم الجدل ومنعهم العمل.
وما المرء إلّا حيث يجعل نفسه ... ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل
18- عمر بن عبد العزيز: إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما.
19- حكيم: ما شيء أحسن من عقل زانه علم، ومن علم زانه حلم، ومن حلم زانه صدق، ومن صدق زانه عمل، ومن علم زانه رفق.
20- كتب على خوان «3» ذهب لبعض الملوك: لا عمل إلّا العمل للثواب.(3/461)
21-[شاعر] :
ألم تر أن الله قال لمريم ... وهزي إليك الجذع يسّاقط الرطب «1»
ولو شاء أن تجنيه من غير هزه ... جنته ولكن كل رزق له سبب
22- اكتل السدوسي «2» .
صبرا خلاج فلا تعانق طفله ... شرقا بها الجاديّ كالتمثال
حتى تلاقي في الكتيبة معلما ... عمرو القنا وعبيدة بن هلال «3»
23- صعصعة بن معاوية التميمي:
وللمجد حومات تلقّاك دونها ... مهالك مقطوع عليها جسورها
24- عبد الله بن السائب «4» : إن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم من الموتى، فلا تحزنوا موتاكم.
25- وعن عباد الخوّاص «5» أنه دخل على إبراهيم بن صالح «6» وهو(3/462)
أمير فلسطين، فقال عظني، فقال أصلحك الله، بلغني أن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم الموتى. فانظر ماذا تعرض على رسول الله من عملك. فبكى إبراهيم حتى سالت دموعه.
26- وكان أبو أيوب الأنصاري يقول: اللهم أني أعوذ بك أن أعمل عملا أخزى به عند عبد الله بن رواحة. وقد آخى بينهما رسول الله، ومات ابن رواحة قبله.
27- علي رضي الله عنه: كونوا بقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل، فإنه لا يقل عمل مع التقوى، وكيف يقل عمل يتقبل.
28- بعضهم: صفّ عملك من الآفات وإن قلّ تسعد به في الدارين، ومن لم يتق الآفات في عمله فإنه لا يكاد يفلح وإن كثر اجتهاده، وإنما ارتفع القوم «1» لاعتنائهم بإصلاح سرائرهم. فعند ذلك أمدّهم الله بالنصر على الشيطان، وبصرهم مكايده، وصاروا من الأبطال، حتى أن الشيطان ليفر من ظل أحدهم.
29- مطرف: لأن يقول لي ربي لم تعمل أحب من أن يقول: لم عملت؟.
30- الداراني: عمل الرجل مع رفيقه ومع أهله عمل في السر، لأنه لا يقدر أن يكتم منهما.
31-[يقال] : تفرقت بفلان شعب الدنيا، إذا كثرت أشغاله.
32- قال عبيد الله بن سليمان لأبي العيناء: أعذرني فإني مشغول.
فقال: إذا فرغت لم احتج إليك، وما أصنع بك فارغا؟ وأنشد:
فلا تعتذر بالشغل عنا فإنما ... تناط بك الآمال ما اتصل الشغل
33- واعتذر بعض السلطانية إلى رجل بالشغل فقال: لا بلغت يوم(3/463)
فراغك. قيل لروح بن حاتم «1» : لقد طال وقوفك في الشمس؟ قال:
ليطول وقوفي في الظل، وأنشد:
تقول سليمى لو أقمت بأرضنا ... ولم تدر أني للقمام أطوف
34- أعرابية في ابنها:
لو ظمىء القوم فقالوا من فتى ... يحلف لا يردعه خوف الردى
وبعثوا سعدا إلى الماء سدى ... في ليلة كأنها مثل العمى
بغير دلو ورشاء لاستقى ... امر يهدي رأيه رأي اللحى
35- من غلى دماغه في الصيف غلت قدره في الشتاء.
36- لقيط بن زرارة «2» كان يرتجز يوم جبلة «3» :
إذ الشواء والنشيل والرغف ... والقينة الحسناء والكأس الرعف
للضاربين الهام والخيل حنف «4»(3/464)
37- عمر بن حبيب «1» كان إذا فرغ من تهجده «2» قال: الرواح الرواح. السباق السباق، سبقتم إلى الماء والظل، إنه من يسبق إلى الماء يظمأ، ومن يسبق إلى الظل يضح «3» .
- وكان في بستان له مع غلامه فأذن المؤذن، فقال الغلام: الله أكبر أكبر، فقال: سبقتني إليها؟ أنت حر، ولك هذه النخلة.
38-[شاعر] :
إن كلّف السعي سعى ... وإن يقل قم يثب
39- عبيد بن عمير «4» : ما المجتهد فيكم إلّا كاللاعب فيما مضى.
- ما في كل صدر اتساع، ولا في كل نفس اضطلاع.
- عينه إليه ممدودة، وأذنه إلّا عنه مسدودة.
40- مدح أعرابي رجلا فقال: كان والله إذا نزلت به النوائب قام إليها، ثم قام بها ولم تقعد به علّات النفوس.
41-[شاعر] :
شمري إذا يهم بأمر ... لم يعرج بليتني أو لعلى(3/465)
42- أبو مسلم صاحب الدولة:
أدركت بالجد والتشمير ما عجزت ... عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا «1»
ما زلت أسعى بجهدي في دمارهم ... والقوم في ملكهم بالشام قد رقدوا
حتى ضربتهم بالسيف فانتبهوا ... من رقدة لم ينمها قبلهم أحد
ومن رعى غنما في أرض مسبعة ... ونام عنها تولى رعيها الأسد
43- إذا همّ بأمر هان علاجه، وانفتح رتاجه «2» .
44- فلان يستعير السيف حده، ويتعلم الليث جده.
45- فلان لا يجف لبدة «3» إذا لم يفتر.
46- هو في طلبه قاضي نذور.
47- أخف من حسوة طائر، ولفتة ناظر، ومن لمعة بارق وخلسة سارق.
48- أخف من جلسة منتهز، وخلسة مستوفز «4» .
49- فلان لا يتزعزع عما يرتئيه، ولا يستنزل عما ينتويه.
50-[شاعر] :
تسنم ظهر مفخرة انيخت ... لتركبها ولا تك بالهيوب
51- ما أدري على البرق سار أم على البراق «5» ؟ والشنفرى «6» هو أم(3/466)
ابن براق «1» ؟.
52- أسرع من الماء منحدرا، ومن النجم منكدرا «2» .
- أسرع حتى ظله لا يلحقه.
- لا يمس الأرض إلا تحليلا وإيماء، ولا يطؤها إلا إشارة وإيماء.
برز على الغاية وقصب. وغبر في وجوه الخيل وحصب.
53- أعرابي:
برئت إلى الرحمن من كل صاحب ... أصاحبه إلا حماس بن ثامل «3»
وظني به بين السماطين أنه ... سينجو بحق أو سينجو بباطل
54- لا يكاد يعدم الصرعة من عادته السرعة.
55- النبي صلّى الله عليه وسلّم: سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن.
56- قال عدي بن أرطأة لأياس بن معاوية: إنك لسريع المشية، قال: ذاك أبعد من الكبر، وأسرع في الحاجة.
57- كان الأسود بن يزيد صاحب ابن مسعود يجتهد في العبادة، ويصوم في الحر حتى يخضر جسده ويصفر، ويكاد لسانه يسودّ من ظمأ الهواجر، فيقول له علقمة: كم تعذب هذا الجسد؟ فيقول: إن الأمر جد يا أبا شبيل، الجد الجد.
- ما جد قوم قط إلا جدوا «4» .(3/467)
58- المرء بكده، والفرس بشده، والسيف بحده.
59- قال عيسى عليه السّلام لرجل: ما تصنع؟ قال: أتعبّد، قال: فمن يعود عليك؟ قال أخي، قال: أخوك أعيد منك.
60- عدا كلب خلف غزال فقال له: لن تلحقني، قال: لم؟ قال:
لإني أعدو لنفسي، وأنت تعدو لصاحبك.
61- نظر رجل إلى ظبية ترود فقال له: هل تحب أن تكون لك؟
قال: نعم، قال: أعطني أربعة دراهم حتى أردها عليك، ففعل، فجعل يمحص في أثرها حتى أخذ بقرنها، فجاء بها وهو يقول:
وهي على البعد تلوي خدها ... تريغ شدى وأريغ شدها
كيف ترى عدو غلام ردها
62-[شاعر] :
وقلّ من جد في أمر يطالبه ... فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
من جدّ وجدّ وجد.
63- تقول العرب: فلان وثاب على الفرص.
- الزق ما دام التنور حارا. أي اطلب الأمر في أبان إمكانه.
64-[شاعر] :
ولو بت تقدح في ظلمة ... صفاة بنبع لأوريت «1» نارا
65- حماس بن الأبرش الكلبي «2» :
ولو بت تقدح في ظلمة ... صفاة بنبع لأوريت نارا
66- في كد البدن روح الروح.(3/468)
67- يعمد الشغل لأوسع أوقاتي فيضيقه.
68- كتب مسلمة إلى أخيه الوليد من قسطنطينية:
أرقت وصحراء الطوانة بينا ... لبرق تلالا نحو غمرة يلمح «1»
أزاول أمرا لم يكن ليطيقه ... من القوم إلا اللوذعي الصمحمح «2»
69-[شاعر] :
نقل الجبال الرواسي من مواضعها ... أخف من رد نفسي حين تنصرف
70- لا أريد كدي ولو جعل العليون إقطاعي، والعالمون أتباعي.
71-[شاعر] :
فلئن كفيت مهمها ... فلمثلها اعددت مثلك
72- علي رضي الله عنه حين أشير عليه بترك محاربة طلحة والزبير فقال: والله لا أكون كالضبع تنام على طول اللدم «3» حتى يصل إليها طالبها، ويختلها راصدها، ولكني أضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه، وبالسامع المطيع العاصي المريب، حتى يأتي علي يومي.
73-[شاعر] :
وما يرأب الصدع المهم لقومه ... من الناس إلا كامل وابن كامل
74- عمر رفعه: إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته(3/469)
إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه.
75- الأعمال البهيمية ما عمل بغير نية.
76- قيل لبعض أهل الحديث حدثنا، فقال: حتى تحضر النية.
77- في نوابغ الكلم: أعمالك نية، لم تنضجها نية «1» .
78- أنس رفعه: يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله.
79- خير الأعمال ما أثل «2» المجد، وحصل الحمد.
80- بعضهم: العمل سعي بالأركان إلى الله، والنية سعي بالقلوب إلى الله، والقلب ملك، والأركان جنوده، ولا يحارب الملك إلا بالجنود، ولا الجنود إلا بالملك.
81- وقيل: النية جمع الهم في تنفيذ العمل للمعمول له، وأن لا يسمح له في السر ذكر غيره.
82- أوحى الله إلى نبي، قل لهم يخفوا إليّ أعمالهم، وعليّ أن أظهرها لهم.
83- عبد العزيز بن أبي رواد: لو كانت هذه الأعمال قربانا تأكله النار إذن لم ترغبوا في كثرتها، ولكن في أتقاها، وأنقاها، وأهداها.
وعنه لا يقبل العمل إلا إذا كان خالصا وصوابا، فالخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.
الدنيا كلها ظلمات إلا موضع العلم، والعلم كله هباء إلا موضع العمل، والعمل كله هباء إلا موضع الإخلاص.(3/470)
84- الشافعي: رحمة الله عليه: اغتنموا الفرص، فأنها خلس أو غصص.
85- بهرام جور: إذا تقدم في الأعمال قبل وقتها انتفع بها في وقتها، وإذا عمل بها بعد وقتها لم ينتفع بها.
86- بشار بن برد كان في مجلس قوم فقال: لا تجعلوا يومنا حديثا كله، ولا غناء كله، ولا شربا كله، تناهبا العيش تناهبوا فأنما الدنيا فرص.
87- من ورد عجلا صدر خجلا.
78- غاضب المنذر بن الزبير «1» أخاه عبد الله، فقدم على معاوية فأجازه بألف ألف وأقطعه ماله المعروف بمنذران «2» بالبصرة.
ولما وقعت الحرب على ابن الزبير خاف يزيد أن يتصل بأخيه، فكتب إلى عبيد الله بن زياد بالقبض عليه، فقال له عبيد الله: إن شئت اشتملت عليك «3» فتكون نفسي دون نفسك، وإن شئت فاذهب حيث شئت. فخرج من البصرة فأصبح بمكة صبح ثامنة. فقال بعض من يرتجز معه:
قاسين قبل الصبح ليلا منكرا ... حتى إذا الصبح انجلى فأسفرا
أصبحن صرعى بالكثيب حسّرا ... لو تكلّمن شكون المنذرا
فسمع عبد الله صوت المنذر على الصفا، وهو في المسجد الحرام، فقال: هذا أبو عثمان حاشته الحرب إليكم.
89- عمر رضي الله عنه: لو كنت أستطيع أن أقطع أبا موسى أعضاء(3/471)
فأفرقه في الأمصار لفعلت، لاجزائه عني.
90- قيل لبعض العمال في ضيافته: ما أنقى خبزك؟ قال: لا تغتروا ببياضه فأن في وسطه دما. ثم قال: كم من سيف ضربت به في باب السلطان حتى ابيض خبزي.(3/472)
الجزء الرابع
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الباب التاسع والخمسون العز، والشرف، وعلو الخطر، والتقدم، والرياسة، والجاه، والهيبة، والاحتشام، والشهرة
1- تميم الداري رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر «1» إلا أدخله هذا الدين، بعز عزيز يعز الله به الإسلام، وذل ذليل يذل الله به الكفر.
2- علي رضي الله عنه رفعه: من نقله الله من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس.
3- قيل للحسن بن علي رضي الله عنه: فيك عظمة، قال: لا بل فيّ عزة، قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ.
4- ابن أبي لبابة «2» : من طلب عزا بباطل أورثه الله تعالى ذلا بحق.
5- النابغة الجعدي:(4/5)
فإن كنت ترجو أن تحول عزنا ... بكفيك فانقل ذا المناكب يذبلا «1»
وإني لأرجو أن أردت انتقاله ... بكفيك أن يأبى عليك وتنقلا
6- نصر بن سيار:
إن ينصرونا لا نعزّ بنصرهم ... أو يخذلونا فالسماء سماء
7- قال رجل للحسن: إني أريد السند فأوصني، قال: أعز أمر الله حيثما كنت يعزك الله. قال: فلقد كنت بالسند وما بها أحد أعز مني.
8- سئل محمد بن الحنفية عن أعظم الناس خطرا، فقال: الذي لا يرى الدنيا كلها عوضا من بدنه. ثم قال: إنّ أبدانكم هذه ليست لها أثمان إلّا الجنة، فلا تبيعوها إلّا بها.
9- قدم البصرة بدوي فقال لخالد بن صفوان: أخبرني عن سيد هذا المصر، قال: هو الحسن بن أبي الحسن: قال: عربي أم مولي؟ «2» قال: مولى، قال: وبم سادهم؟ قال: احتاجوا إليه في دينهم، واستغنى عن دنياهم. فقال البدوي: كفى بهذا سؤددا!.
10- علي رضي الله عنه: ما أرى شيئا أضر بقلوب الرجال من خفق النعال وراء ظهورهم «3» .
11- فلان من حضان الشرف.
12- ابن الكلبي: كان عصام «4» القائل:(4/6)
نفس عصاما سودت عصاما ... وعلمته الكسر والإقداما
وصيرته ملكا هماما
مملوكا اتصل بالرذال من أتباع النعمان، فلم يزل بارتفاع همته يندرج حتى اتصل بالنعمان واستولى على أمره، فقيل للنعمان في ذلك. فقال:
ما أنا قدمته، وإنما قدمته الأخلاق السريّة «1» المجتمعة فيه.
13- الأهتم السعدي «2» :
ولو أني أشاء كنبت نفسي ... وعاداني شواء أو قدير «3»
ولاعبني على الأنماط لعس ... عليهن المجاسد والحرير «4»
ولكني إلى تركات قوم ... هم الرؤساء والنبل البحور
14- فضيل: ما عشق الرياسة أحد إلا حسد وبغي وطغى.
- وعنه: من عشق الرياسة لم يفلح.
- وعنه: لا يطلب الرياسة أحد إلا طلب عيوب الناس ومساوئهم، وكره أن يذكر عنده أحد بخير.
- وعنه: ما كثر «5» تبع أحد إلا كثرت شياطينه.
15- إبراهيم بن أدهم: كن ذنبا ولا تكن رأسا، فإن الذنب ينجو، والرأس يهلك.(4/7)
16- كان الرجل يجلس إلى الحسن ثلاث حجج «1» لا يسأله عن مسألة هيبة له.
17- في مالك بن أنس:
يأتي الجواب فما يراجع هيبة ... والسائلون نواكس الأذقان «2»
هدي التقي وعز سلطان التقى ... فهو المهيب وليس ذا سلطان
18- خالد بن صفوان: كان الأحنف يفر من الشرف والشرف يتبعه.
19- النبي صلّى الله عليه: قدموا قريشا ولا تتقدموها، وتعلموا منها ولا تعلموها.
20-[شاعر] :
إن قريشا وهي من خير الأمم ... لا يضعون قدما على قدم
21- عبد الله بن عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
إذا كان يوم القيامة دعا الله بعبد من عباده، فيوقف بين يديه، فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله.
22- قال رجل لقتيبة بن مسلم: أتيناك لا نرزؤك ولا ننكؤك «3» ولكن نسألك جاهك. فقال: سألتم أثقل الأمور عليّ، والله إنا لنعطي أموالنا وقاية لوجوهنا.
23- محمد بن عبد السلام البغدادي:
واسوءة لامرىء شبيبته ... في عنفوان وماؤه خضل
راض بقوت المعاش متضع ... على تراث الآباء يتكل(4/8)
لا حفظ الله ذاك من رجل ... ولا رعاه ما أطت الإبل «1»
كلا وربي حتى يكون فتى ... قد نهكته الأسفار والرحل
مصمم يطلب الرياسة أو ... يضرب فتكا بفعله المثل
حتى متى تخدم الرجال ولا ... تخدم يوما لأمك الهبل «2»
24- أبو هريرة: عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: كفى بالمرء فتنة أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا.
25- كان شبيب بن شيبة إذا ذكر عمرو بن عبيد تمثل:
إذا ما تراءاه الرجال تحفظوا ... فلم تنطق العوراء «3» وهو قريب
26- أراد عاصم الخروج إلى البصرة، فقال للشعبي: ألك حاجة؟
قال: إذا أتيتها فبلغ الحسن سلامي، قال: ما أعرفه، قال: انظر إلى أجمل رجل في عينك، وأهيبهم في صدرك، فأقرئه عني السلام.
27- هو أنور من ليلة البدر، وأشهر من يوم بدر.
28- الحسن: لقد صبحت أقواما، إن الرجل لتعرض له الكلمة من الشهرة، لو نطق بها لنفعته ونفعت أصحابه، فما يمنعهم منها إلا مخافة الشهرة.
29- فضيل: كان إذا جلس إليه أربعة أو أكثر قام مخافة الشهرة.
30- ابن سيرين: لم ينمنعني من مجالستكم إلا مخافة الشهرة، فلم يزل بي البلاء حتى أخذ بلحيتي، وأقمت على المصطبة، وقيل هذا ابن سيرين.
31- كان أيوب السختياني يخفي زهده، وما رئي أحد أشد تبسما في(4/9)
وجوه الرجال منه، ودخلوا عليه فإذا على فراشه مجلس أحمر، فرفعوه فإذا خصفة «1» محشوة بليف، وكان يقوم الليل، فإذا كان من آخر الليل يرفع صوته، يوهم أنه قام تلك الساعة. وكان يقول أهلكت المعرفة «2» ، والله إني أخاف أن أكون بها شقيّا.
32- معمر «3» : رأيت قميص أيوب يكاد يمس الأرض، فقلت: ما هذا؟ قال: إنما كانت الشهرة فيما مضى في تذبيلها، واليوم الشهرة في تقصيرها. وكان يقول للخياط: إقطع وأطل، فإن الشهرة اليوم في القصر.
33- النمري «4» :
يقولون في بعض التذلل عزة ... وعادتنا أن ندرك العز بالعز
أبى الله لي والأكرمون عشيرتي ... مقامي على دحض ونومي على خز «5»
34- ذكرت البيوتات عند هشام بن عبد الملك فقال: البيت ما كان له سالفة، ولاحقة، وعماد حال، ومساك دهر. فإذا كان كذلك فهو بيت قائم.
أراد بالسلفة ما سلف من شرف الآباء، وباللاحقة ما لحق من شرف(4/10)
الأبناء، وبعماد الحال الثروة، وبمساك الدهر الجاه عند السلطان.
35- اصطنع أنوشروان رجلا، فقيل له: أنه لا قديم له. فقال:
اصطناعنا إياه بيته وشرفه.
36- لي همة لو غرقت الدنيا فيها ما طلبت إلا بالغاصة، ولو كانت الليل ما تنفس فيها الصبح.
37-[شاعر] :
ولي همة اسمو بها وعزيمة ... تبلغني أعلى من السرطان «1»
إذا النفس لم تبعثك في طلب العلى ... فتلك من الأموات لا الحيوان
38- الأمير الصليحي «2» :
ولي همة تعلو على كل همة ... ولي أمل يعلو على كل آمل
ولي صرخة تعلو على كل صرخة ... صليحية ليست بهبش القبائل «3»
39- قيل للعتابي: فلان بعيد الهمة، قال: إذن لا تكون له غاية دون الجنة.
40- يقال: فلان بعيد المنزعة، أي الهمة.
41- أتى دكين الشاعر عمر بن عبد العزيز بعد ما استخلف يستنجز وعدا كان وعده إياه، قال: فقال لي يا دكين إن الله وضع بين جنبيّ نفسا(4/11)
نزّاعة إلى معالي الأمور «1» ، نزعت إلى إمارة المدينة فرزقتها. ونزعت إلى إمارة الحجاز فنالتها، فنزعت إلى الخلافة فلما حظيت بها قالت هي الفوز بالدنيا كلها، فتاقت إلى الآخرة وترقّت بهمتها إلى الجنة، وما رزأت من أموال المسلمين شيئا، وما عندي إلا لفا درهم، فأعطاني ألفا وقال:
خذها بارك الله لك فيها، فابتعت بها إبلا، وسقتها إلى البادية، فرمى الله في أذنابها بالبركة، ورزقني ما ترون.
42- يقال: همته ترمي به وراء سنه مرمى بعيدا.
43- بعضهم: إني لأعشق الشرف كما يعشق الجمال.
44- قال معاوية لعرابة بن أوس «2» : أنت الذي يقول لك الشماخ «3» :
رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلي الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين
فيم سدت قومك؟ قال: والله ما أنا بأكرمهم حسبا، ولا بأفضلهم نسبا، ولكني أعرض عن جاهلهم، وأسمح لسائلهم، فمن عمل عملي فهو مثلي، ومن زاد فهو أفضل مني، ومن قصر فأنا أفضل منه، قال معاوية: هذا والله الكرم والسؤدد.(4/12)
45- مخرمة بن عبد الملك «1» : ما رأيت من العلماء أهيب من الشافعي من بعيد، ولا أبرّ وأكرم منه من قريب.
46- هو في عيش غريض «2» وجاه عريض.
47- الشعبي: كانت درة عمر «3» أهيب من سيف الحجاج، ولما جيء بالهرمرزان ملك خوزستان أسيرا إلى عمر لم يزل الموكل به يقتفي أثر عمر حتى عثر عليه بالمسجد نائما متوسدا درته. فلما رآه الهرمزان قال:
هذا والله الملك الهني عدلت فأمنت فنمت: والله إني خدمت أربعة من ملوكنا الأكاسرة أصحاب التيجان فما هبت أحدا منهم هيبتي لصاحب هذه الدرة.
48- الأخطل في عبد الملك بن مروان:
وترى عليه إذا العيون رمقنه ... سيما التقيّ وهيبة الجبار
49- تذاكر أشراف الجاهلية في مجلس فيه عبد الله بن الزبير فقال:
إن كنتم لا بد فاعلين فاذكروا عبد الله بن جدعان، فما اقتسم الشرف إلا بعده.
50- أصاب الناس بالبصرة مجاعة، فكان ابن عامر يغذي عشرة آلاف ويعشي مثلهم، حتى تجلّت «4» الأزمة. فكتب إليه عثمان يجزيه خيرا، وأمر له بأربعمائة ألف معونة له على نوائبه، وكتب إليه: لقد رفعك السؤدد إلى مكان لا يناله إلا الشمس والقمر، فتوّخ «5» أن يكون ما أعطيت لله، فإنه لا شرف إلا ما كان فيه وله.
51- قال رجل لفضيل: عظني، قال: كن ذنبا ولا تكن رأسا حسبك.(4/13)
الباب الستون العلم، والحكمة، والأدب، والكتاب، والقلم، وما اتصل بذلك وناسبه
1- عن معاذ بن جبل: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: تعلموا العلم، فإنّ تعلّمه لله خشية، ودراسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه عبادة، والبحث عنه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبيل الجنة، والمؤنس في الوحشة، والمحدّث في الخلوة، والجليس في الوحدة، والصاحب في الغربة، والدليل على السّراء، والمعين على الضراء، والزين عند الإخلاء «1» ، والسلاح على الأعداء، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة، وفي الهدى أئمة، تقتفى آثارهم «2» ، ويتقدى بأفعالهم، وينهى إلى رأيهم، وترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، وفي صلاتها تستغفر لهم، ويصلي عليهم كل رطب ويابس، حتى حيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، والسماء ونجومها، والأرض وخزائنها، لأن العلم حياة القلب من الجهل، ونور الأبصار ومصابيحها في الظلمة، وقوة الأبدان من الضعف، وبالعلم يبلغ العبد منازل الأخيار في الدرجات العلى، ومجالسة الملوك في الدنيا، ومرافقة الأبرار في الآخرة.(4/15)
والفكر في العلم يعدل «1» الصيام، ومذاكرته تعدل القيام، وبالعلم توصل الأرحام، وتفصّل الأحكام، وبه يعرف الحلال والحرام. وبالعلم يعرف الله ويوحّد، وبالعلم يطاع ويعبد. والعلم أمام العقل هو قائده، يرزقه الله السعداء، ويحرمه الأشقياء «2» .
2- عنه عليه السّلام: يوزن مداد العلماء ودماء الشهداء، يوم القيامة فلا يفضل أحدهما على الآخر، ولغدوة في طلب العلم أحب إلى الله من مائة غزوة. ولا يخرج أحد في طلب العلم إلا وملك موكل به يبشره بالجنة. ومن مات وميراثه المحابر والأقلام دخل الجنة.
3- علي عليه السّلام: أقل الناس قيمة أقلهم علما. وعنه: قيمة كل امرىء ما يحسنه «3» .
4- موسى عليه السّلام، قال: يا إلهي من أحب الناس إليك؟ قال: عالم يطلب عالما.
5- كان يقال: تعلموا العلم وإن لم تنالوا به حظا، فلئن يذم الزمان لكم أحسن من أن يذم بكم.
6- أنس بن أبي إياس «4» :
يقولون أقوالا ولا يعرفونها ... ولو قيل هاتوا حققوا لم يحققوا(4/16)
7- بعض السلف: العلوم أربعة: الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنجوم «1» للأزمان. والنحو للسان.
8- أعرابي: لا تقل فيما لا تعلم فتتهم فيما تعلم.
9- الخليل: من الأبواب ما لو شئنا أن نشرحه حتى يستوي في علمه القوي والضعيف لفعلنا، ولكننا نحب أن يكون للعالم مزية.
10- فيلسوف: أضرع «2» لمن فوقك في العلم، ولمن دونك في الجهل.
11- أبو الحسن الجرجاني الخطيب «3» : المتكلمون لسان الشرع، وسيف الدين، وبحر العلم، بهم ضرب الدين بجرانه «4» . وبحججهم قهرت الطاغية، وبكلامهم حرس الملك، ولولا كتبهم واستنباطهم لكان هذا الأمر مزعزع الدعائم، محلول الشكائم «5» . وقد علم أن الدهري ومن عداه من ذوي البدع المزخرفة، والمذاهب المختلفة، لا يزال ضاحكا مهتزا ما دام مكلمه ومناظره حشويا «6» ، فإذا طلع متكلم عبس واكفهر، وضاق به ذرعا وانجحر «7» .(4/17)
12- أبان بن تغلب: الإسناد في العلم كالعلم في المرط «1» .
13- ثعلب: وددت أن الليل نهار حتى لا ينقطع عني أصحابي.
14- قال رجل لهشام بن الحكم: أنت أعلم الناس بالكلام، قال:
كيف؟ ولم تكلمني، قال: رأيت كل حاذق يزعم أنه ناظرك وغلبك، فلولا أنك عندهم الغاية لما فخروا بذلك.
15- عمر بن عبد العزيز: ما شيء، كنت أحب علمه إلا علمته، إلا أشياء كنت أسمعها وأسأل عنها فبقي جهلها.
16- النبي صلّى الله عليه وسلّم: خيانة الرجل في علمه أشد من خيانته في ماله.
17- قيل لابن شبرمة، وكان كوفيا: أنتم أروى للحديث أم أهل البصرة؟ فقال: نحن أروى لأحاديث القضاء، وهم أروى لأحاديث البكاء.
18- العالم طبيب هذه الأمة، والدنيا داؤها، فإذا كان الطبيب يطلب الداء فمتى يبرىء غيره.
19- سئل الشعبي عن مسألة فقال لا علم لي بها، فقيل: ألا تستحي؟ فقال: ولم أستحي مما لم تستح منه الملائكة حين قالت لا عِلْمَ لَنا
«2» .
20- عنه عليه السّلام: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم رجلا، وروي: كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب.
- وعنه: بين العالم والعابد مائة درجة، بين كل درجتين حضر الجواد(4/18)
المضمر «1» سبعين سنة.
21- علي رضي الله عنه: الحكمة ضالة «2» المؤمن، فالتقفها ولو من أفواه المشركين «3» .
22- منصور بن عمار: لا أبيع الحكمة إلا بحسن الاستماع، ولا آخذ عليها ثمنا إلّا فهم القلوب.
23- استفتى أعرابي سفيان بن عيينة في مسألة فأفتاه عنها. فقال:
أعن قدوة؟ قال: نعم، عن رسول الله، فقال: استسمنت القدوة، فاء الله لك بالرشد.
24- علي رضي الله عنه: خذ الحكمة أين كانت؟ فإن الحكمة تكون في صدر المنافق فتتلجلج «4» في صدره حتى تخرج فتسكن إلى صواحبها في صدر المؤمن.
25- الخليل: يرتع الجهل بين الحياء والكبر في العلم.
26- سمع شعبة صرير الميل في الألواح فغضب وقال: أما تحفظون حديثا واحدا!.
والله لا حدثت اليوم إلّا ضريرا. فقال له رجل: يا أبا بسطام، قد سمعنا اليمين، فهل تتسامح معنا بأعور؟ فضحك وحدث، وكفر عن يمينه.(4/19)
27- قال يوسف بن أسباط: رد أبو حنيفة على رسول الله أربعمائة حديث أو أكثر، قيل: مثل ماذا؟ قال: قال رسول الله: للفرس سهمان وللرجل سهم، قال أبو حنيفة: لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن. وأشعر رسول الله وأصحابه البدن «1» ، وقال أبو حنيفة: الأشعار مثلة: وقال: البيان بالخيار ما لم يتفرقا، وقال أبو حنيفة: إذا وجب البيع فلا خيار. وكان عليه السّلام يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا، وأقرع بين أصحابه، وقال أبو حنيفة: القرعة قمار.
28- نظر الخليل في فقه لأبي حنيفة، فقيل له: كيف تراه؟ قال:
أرى جدا في طريق جد، ونحن في هزل وطريق هزل.
29- أتى أبو حنيفة رحمه الله إلى حماد يطلب الفقه، فقال: تعلم كل يوم ثلاث مسائل ولا تزد عليها شيئا حتى ينفتق «2» لك العلم، ففعل ففقه حتى أشير إليه بالأصابع.
30- كان أبو حنيفة رحمه الله يقول: ما أتانا عن الله ورسوله فعلى الرأس والعين، وما أتانا عن الصحابة اخترنا أحسنه ولم نخرج عن أقاويلهم وما أتانا عن التعابعين فنحن رجال وهم رجال.
31- سأل الأعمش أبا حنيفة عن مسائل، فقال: من أين لك هذا؟
قال: مما حدثنا به، فقال: يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة.
32- وكان أبو يوسف إذا سئل عن مسألة أجاب فيها وقال: هذا قول أبي حنيفة، ومن جعله بينه وبين ربه فقد استبرأ لدينه.
33- عبد الله بن داود «3» : لا يتكلم في أبي حنيفة إلا أحد رجلين:(4/20)
إمّا حاسد لعلمه، وإما جاهل لا يعرف قدر جهله.
- ونيل من أبي حنيفة فقال ابن داود: حدثنا الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس: قال رسول الله يأتيكم أهل اليمن، هم أرق قلوبا، وألين أفئدة، يريد أقوام أن يضعوهم، ويأبى الله إلا أن يرفعهم.
34- وكان الثوري إذا سئل عن مسألة دقيقة قال: لا يحسن أن يتكلم فيها إلا رجل قد حسدناه، ونعي إلى شعبة [فقال] بعد ما استرجع «1» : لقد طفىء عن أهل الكوفة أضواء نور أهل العلم، أما أنهم لا يرون مثله أبدا.
35- وفي ديوان المنثور: وتدّ الله تعالى الأرض بالأعلام المنيفة، كما وتد الحنيفية بعلوم أبي حنيفة. الأئمة الجلة الحنيفة أزمة الملة الحنيفية.
36- الجود والحلم حاتمي وأحنفي، والدين والعلم حنيفي وحنفي «2» .
37- الشرائع بمسائلها، والشرايع بمسايلها «3» .
38- علي رضي الله عنه: من نصّب نفسه للناس إماما فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم «4» .(4/21)
39- حكيم: تصفح طلاب حكمك كما تتصفح طلاب حرمك.
40- لا تلبسوا اللئام ملابس الحكم، فإن أجسادهم أخشن من أن تتزين ببرودها، ورقابهم أذل من أن تتحلى بعقودها.
41- بشير بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري «1» :
فلئن سألت ليخبرنك عالم ... والعلم ينفع أهله ما كانا
42-[خر] :
إني رأيت الناس في عصرنا ... لا يطلبون العلم للعلم
إلا مباهاة لأصحابه ... وعدة للغشم والظلم
43- محمد بن خازم:
وذو اللب وقّاف لدى كلّ مشكل ... ولا خير في التقليد حتى تفهما
44- العلم علمان: علم يرفع، وعلم ينفع، فالرافع هو الفقه في الدين. والنافع هو الطب.
45- رئي واصل بن عطاء رحمة الله عليه يكتب من فتى حديثا، فقيل له: أتكتب من هذا؟ فقال: أما أني أحفظ له منه، ولكني أردت أن أذيقه كأس الرياسة، ليدعوه ذلك إلى الازدياد من العلم.
46- نظر مزبد إلى امرأته تصعد في الدرجة فقال: أنت طالق إن صعدت، وطالق إن وقفت، وطالق إن نزلت. فرمت بنفسها من حيث كانت. فقال لها: فداك أبي وأمي! إن مات مالك احتاج إليك أهل المدينة في أحكامهم.(4/22)
47- كان المزني»
إذا فاتته صلاة صلّى خمسا وعشرين صلاة تطوعا، فقال له محمد بن إسحاق بن خزيمة «2» جلوسك مع أصحابك أفضل منها، لأن صلاتك لا تعدوك، وتعليمك يعدوك إليهم، فتعم بركاته، وتثمر عاقبته، قال: صدقت، ولكني أجمع بين الأمرين، ألقي عليهم المسألة فيعلمون فكرهم فيها، وأنا آخذ في تطوعي. قال: ولكنك لو ألقيت عليهم المسألة، وأقبلت بوجهك إليهم لكنت معينا لهم على استخراجها. قال: هو كما قلت.
48- بقي أبو يوسف على باب الرشيد حولا لا يصل إليه، حتى وقعت واقعة، وهي أن الرشيد كان يهوى جارية لزبيدة، وحلفت أن لا تبيعها إياه ولا تهبها. فأعضلت على الفقهاء الفتيا. فسأل الربيع أن يعلمه بمكانه، ففعل، فقال: يا أمير المؤمنين، أفتيك وحدك أم بحضرة الفقهاء، ليكون الشك أبعد، واليقين أقعد؟ فاحضروا، فقال: المخرج منها أن تهب لك نصفها وتبيعك نصفها، فصدقوه. ثم قال: أريد أن أطأها اليوم. فقال: اعتقها ثم تزوجها فسري عنه، وعظم أمره عنده.
49- قال رجل لأفلاطون: كيف قويت على جمع هذا العلم كله؟
قال: أفنيت من الزيت في السراج أكثر من الشراب الذي شربته في عمري كله.(4/23)
50- أحمد بن حرب «1» : أبو حنيفة في العلماء كالخليفة في الأمراء.
51- النبي صلّى الله عليه وسلّم: أفضلكم أفضلكم معرفة.
52- جالينوس: سن أهل أثينة: إن من لم يعلم ولده لم يجب له على ولده حق الأبوة.
53- قال أبو عمرو بن العلاء: لم أزل أتلطف حتى التقي الخليل وابن المقفع، فرأيت أعجب اثنين، يخبر كل واحد منهما بما في ضمير صاحبه وكأنه قد اطلع على ما في نفسه. فتناظرا مليا في فنون ثم افترقا.
فسألت الخليل عن ابن المقفع فقال: ما رأيت مثله! إلا أن لسانه أكبر من معرفته. وسألت ابن المقفع عنه فقال: لم أر مثله إلا أن معرفته أكبر من لسانه.
54- تكثّر من العلم لتفهم، وتقلل منه لتحفظ.
55-[شاعر] :
استودع العلم قرطاسا فضيعه ... فبئس مستودع العلم القراطيس
56- محمد بن علي بن عبد الله بن عباس «2» : كفاك من علم الدين ما لا يسع جهله وكفاك من علم العربية أن تروي الشاهد والمثل.(4/24)
57- لما أراد الإسكندر المضي إلى أقاصي البلاد قال لارسطاليس:
أوصني. قال: عليك بالعلم فاستنبط منه ما يحلو بألسنة الناطقين، ويحلو بآذان، السامعين تنقد لك الرعية من غير حرب.
58- كان المهدي يشتهي الحمام، فدخل عليه غياث بن إبراهيم المحدث «1» وهو مع الحمام. فقيل له: حدث أمير المؤمنين، فحدث بقوله عليه السّلام: لا سبق إلا في خف أو حافر، وزاد فيه: أو جناح. فأمر له بعشرة آلاف درهم. فلما ولى قال: أشهد أنه قفا كذاب على رسول الله ولكنه أراد أن يتقرب إلي لولعي بالحمام، فذبحها كلها. وما أفلح غياث بعد ذلك.
59- حكيم: قوت الأجساد المطاعم والمشارب، وقوت العقل الحكمة والعلم.
60- النبي صلّى الله عليه وسلّم: تعلموا العلم، وتعلموا له السكينة والحلم، ولا تكونوا من جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلهكم.
وعنه: ليس الملق «2» من أخلاق المؤمن إلا في طلب العلم.
61- علي رضي الله عنه: أوضع العلم ما وقف على اللسان، وأرفعه ما ظهر في الجوانح والأركان.
62- قيل لكسرى: أيحسن بالشيخ التعلم؟ قال: من كان الجهل يقبح به فإن العلم ليحسن به.(4/25)
63- العلم والعمل قرينان كاقتران الروح والجسد، لا ينتفع بأحدهما إلا مع الآخر.
64-[شاعر] :
قد أدبر الأمر حتى ظل محتبيا ... أبو جبيرة يغنى وابن شداد «1»
65- كان يزيد بن زريع «2» إذا سمع أصحاب الحديث يخوضون في أبي حنيفة رحمه الله وكيف عظم شأنه قال: هيهات، طارت بفتياه البغال الشهب.
66- النبي صلّى الله عليه وسلّم: هلاك أمتي في شيئين، ترك العلم، وجمع المال.
77- حكيم: علم المرء بأنه لا يعلم أفضل علمه.
68- الخليل: كنت إذا لقيت عالما أخذت منه وأعطيته.
69- قطع ظهري من الناس اثنان: عالم فاسق يصد عن علمه بفسقه، وجاهل ناسك يدعو إلى جهله بنسكه.
70- سأل رجل رسول الله عن أفضل الأعمال فقال: العلم بالله، والفقه في دينه، وكررهما عليه. فقال: يا رسول الله، أسألك عن العمل فتخبرني عن العلم؟ فقال: إن العلم لينفعك معه قليل العمل، وإن الجهل لا ينفعك معه كثير العمل.
71- المتعبد بغير علم كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح «3» .
72- عيسى عليه السّلام: من علم وعمل وعلم عد في الملكوت الأعلى(4/26)
عظيما. قال القاضي الإمام أبو يوسف عبد السّلام بن محمد بن عبد السّلام القزويني «1» رحمه الله: فإذا كان عظيما في ملكوت السماء مع كون الملأ الأعلى أغنياء عنه في دينهم فما أولاه في هذا الطمش «2» الأسفل بأن يعظم مع أنهم محاويج «3» إليه، وعيال عليه. وكان رحمه الله وغفر له إذا سلم في صلاته قال: اللهم اغفر لأبي حنيفة، اللهم اغفر لأبي حنيفة. وما قال هذا القول، ودعا هذا الدعاء إلا لأنه عريف من عرفاء الدين الرصين، وعريق من عرقاء العلم الأصيل، ولولا ذلك لمرّ على هذا الحديث مرور غيره ممن لا يأبه لنحو هذه اللطائف، التي لا يعقلها إلا أوحدي في طبقة الشيوخ، موصوف بينهم بالرسوخ.
- وكانت العرب تقول للعالم العامل المعلم: الشارع الرباني.
73- أبو حنيفة رحمه الله: إني لأدعو الله لحماد فأبدأ به قبل أبوي.
74- قال ابن كناسة «4» ، وقيل ابن داود البلاذري. «5»(4/27)
ما من روى أدبا فلم يعمل به ... فيكف عادية الهوى بأديب
ولقلّما تجدي إصابة صائب ... أفعاله أفعال غير مصيب
75- النبي صلّى الله عليه وسلّم: من سلك طريقا يلتمس علما سلك به طريق الجنة.
76- الشعبي: ليتني أفلت من علمي كفافا لا عليّ ولا لي.
77- الخليل: العلوم أقفال، والسؤالات مفاتيحها.
- وعنه: زلة العالم مضروب بها الطبل «1» ، وزلة الجاهل يخفيها الجهل.
عمرو بن عبيد: لو كان العلم صورة ينظر إليها ما نظر الناس إلى شيء أحسن منها.
78- الخدري عنه عليه السّلام: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: يا نبي الله، وما رياض الجنة؟ قال: خلق الذكر.
79- قال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن كعب القرظي: إذا استطعت أن لا يكون أحدا أسعد بما سمع منك فافعل.
80- كان مالك بن أنس إذا أراد أن يتحدث توضأ، وسرح لحيته، وجلس في صدر مجلسه بوقار وهيبة، تعظيما لحديث رسول الله. ودخل إليه ليلة بعد ما أوى إلى فراشه قريبه إسماعيل بن أبي أويس «2» ليحدثه،(4/28)
فقام وتوضأ وفعل نحو ذلك وحدثه. ثم نزع ثيابه وعاد إلى فراشه.
وأراد الرشيد أن يسمع منه الموطأ مع ابنيه، فاستخلى المجلس، فقال: إن العلم إذا منع منه العامة لم ينتفع به الخاصة، فأذن للناس فدخلوا.
81- وهب: كان أهل العلم يضنون «1» بعلمهم عن أهل الدنيا فيرغبون فيه، ويبذلون لهم دنياهم، وأهل العلم اليوم بذلوا علمهم لأهل الدنيا، فزهدوا فيه، وضنوا عليهم بدنياهم.
- وهب: إبذل علمك لمن يطلبه، وادع إليه من لا يطلبه، وإلّا فمثلك مثل من أهديت إليه فاكهة فلم يطعمها ولم يطعمها حتى فسدت.
- كتب وهب إلى مكحول: أما بعد فقد بلغني أنك أصبت بما ظهر من علم الإسلام محبة من الله وزلفى، واعلم أن إحدى المنزلتين تمنعك من الأخرى. والسّلام.
82- كان ملك يقتل الناس على أكل لحم الخنازير، فأتي بعالمهم معهم، وقد دّس له الشرطي لحم جدي فلم يأكل، وقال: خفت أن يفتتن بي الناس ويحتربوا بسببي، وقتل.
83- وهب: إن للعلم طغيانا كطغيان المال.
84- طاووس: ما حمل العلم في مثل قراب «2» الحلم.
85- مالك بن دينار: إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا.(4/29)
- وعنه: إذا طلبت العلم لتعمل به كثّرك «1» العلم، وإذ طلبته لغير العمل لم يزدك إلا فقرا.
- وقال: مثل قراء هذا الزمان كرجل نصب فخا، فوقع عصفور قريبا منه، فقال للفخ: ما غيبّك في التراب؟ قال: التواضع، قال: فلم اختفيت؟ قال لطول العبادة، قال: فما هذا الحب المصبوب؟ قال:
أعددته للصائمين. قال: نعم الجار أنت. فلما غابت الشمس أخذ العصفور الحبة فخنقه الفخ فقال: إن كان كل العباد يخنقون خنقك فلا خير في العبادة.
- وقال: يا حملة القرآن ما زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض.
86- عن محمد بن واسع: أخبرت أن قوما دخلوا النار، فقال لهم أهلها: ما لكم؟ آذيتمونا بريحكم! قالوا: نحن قوم جعل الله في أجوافنا علما فلم ننتفع به.
87- سميط بن عجلان «2» : يعمد أحدهم فيقرأ القرآن، ويطلب العلم، حتى إذا علمه أخذ الدنيا فضمّها إلى صدره، وحملها فوق رأسه، فنظر إليه أحد ثلاثة: امرأة ضعيفة، وأعرابي جاف، وأعجمي جاهل، فقالوا: هذا أعلم بالله منا. لو لم ير في الدنيا ذخيرة ما فعل هذا، فرغبوا في الدنيا وجمعوها، فمثله كمثل الذي قال الله: وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ
«3» .(4/30)
88- بديل بن ميسرة «1» : من أراد بعلمه وجه الله أقبل الله بوجهه ووجوه العباد إليه، ومن أراد بعلمه غير وجه الله صرف الله عنه وجهه ووجوه العباد.
89- معاوية بن قرة: إذا دخلت المسجد فرأيت الرجل يجلس وحده فاجلس إليه، وإذا رأيته يحب أن يجلس إليه، ويقال حلقة فلان، فلا تجلس، ولا تنعم له عينا.
90- واصل بن عطاء: من أتى عليه يوم لم يزدد فيه علما فهو في نقصان. وكان عيسى بن حاضر «2» يقول: رحم الله أبا حذيفة «3» ، فما رأيته إلّا معلما أو متعلما.
- وقالت أخت عمرو بن عبيد وكانت تحته «4» : كان واصل إذا جنه الليل صف قدميه يصلي، ولوح ودواة موضعان بين يديه، فإذا مرت به آية من كتاب الله فيها حجة على أهل الإلحاد والبدعة كتبها، ثم عاد في صلاته، كان ذلك دأبه حتى لحق بربه.
91- قال شبيب بن شيبة: ما رأيت في غلمان محمد بن الحنفية أكمل من عمرو بن عبيد فقيل له: متى اختلف عمرو بن عبيد إلى ابن الحنفية؟ فقال: إن عمرا غلام واصل، وواصل غلام محمد.
92- الحسن: لقيت أقواما من أصحاب رسول الله يقولون: من عمل بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح. والعامل بغير علم كالسائر على غير(4/31)
طريق، فاطلبوا العلم طلبا لا يضر بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبا لا يضر بالعلم.
93- عيسى عليه السّلام: كيف يكون من أهل العلم من يسار به إلى آخرته وهو يقبل على دنياه، وما يضره أشهى إليه مما ينفعه؟.
94- أيوب السختياني: أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علما باختلاف العلماء.
95- مالك بن دينار: رحم الله مطرا «1» كان عبد العلم. يريد مطر بن طهمان الوراف قال محمد بن مسلم بن أبي الوضاح «2» : خرج إليّ المهدي يوما وفي يده كتاب فقال: حفظه ابني، فإذا هي خطب فضل الرقاشي. وخرج يوما وفي يده كتاب فقال: حفظه ابني، فإذا هي مسائل عمرو بن عبيد. وقال: هذان الكتابان بخط المنصور.
96- منصور بن عمار: إنه وجد رقعة فيها بسم الله الرحمن الرحيم فأكلها، فرأى كأنه قيل له: قد فتح الله عليك باب الحكمة لاختزانك الرقعة.
97- أبو بسطام شعبة بن الحجاج بن ورد العتكي: لأن أزني ثلاثين مرة أحب إليّ من أن أقول قال فلان، ولم أسمع منه. وقال: لأن أخرّ «3»(4/32)
من السماء أحب إليّ من أن أقول لشيء لم أسمعه قال فلان. وكان يقول:
أن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة وعن صلة الرحم، فهل أنتم منتهون؟.
98- كعب: أوحى الله إلى موسى عليه السّلام: تعلم الخير وعلمه، فإني منّور لمعلمي الخير ومتعلميه قبورهم حتى لا يستوحشوا بمكانهم.
99- مر الحسن بأبي عمرو بن العلاء، وحلقته متوافرة، والناس عكوف «1» ، فقال من هذا؟ قالوا: أبو عمرو بن العلاء، فقال: لا إله إلا الله، كاد العلماء أن يكونوا أربابا «2» .
100- هشام بن عبد الملك: تعلموا القرآن والنحو، فإن القرآن بلا نحو كالجسد بلا رأس.
101- سعيد بن جبير: لا يزال الرجل عالما ما تعلم، فإذا ترك كان أجهل ما يكون.
102- سلام بن مسكين: سمعت أيوب يقول: لا خبيث أخبث من قارىء فاجر.
103- الخدري عنه عليه السّلام: شر الناس رجل فاجر يقرأ كتاب الله لا يرعوي على شيء منه.
104- سئل الثوري: العلم أفضل أم الجهاد؟ فقال: ما أعلم شيئا أفضل من العلم إذا صحت فيه النية، فقيل: يا أبا عبد الله، ما النية في العلم؟ قال: يريد الله ربه والدار الآخرة. وكان إذا لقي الشيخ سأله: هل سمعت من العلم شيئا؟ فإذا قال: لا، قال: لا جزاك الله تعالى عن الإسلام خيرا.(4/33)
105- أفلاطون: ليس كل إنسان بإنسان، إلا من كان في علمه وأدبه إنسانا.
106- فضيل: كان العلماء ربيع الناس، إذا رآهم الفقير لم يسره أنه غني، وإذا رآهم المريض لم يسره أنه صحيح.
107- الحسن: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن أخوف ما أخاف على أمتي زلات العلماء، وميل الحكماء، وسوء التأويل.
- وعنه: ثان العلماء بركبتيك «1» ، ولا تمارهم فيمقتوك «2» .
108- أنس: عنه عليه السّلام: ألا أخبركم بأجود الأجواد؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الله أجود الأجواد، وأنا أجود ولد آدم، وأجودكم من بعدي رجل علم علما فنشره، يبعث يوم القيامة أمة وحده، ورجل جاد بنفسه في سبيل الله حتى قتل.
109- الثوري: كان يقال العالم الفاجر فتنة لكل مفتون.
110- فضيل: هما عالمان: عالم دنيا، وعالم آخرة، فعالم الدنيا علمه منشور، وعالم الآخرة علمه مستور، فاتبعوا عالم الآخرة، واحذروا عالم الدنيا.
- وعنه: لو أن أهل العلم أكرموا أنفسهم، وشحوا على دينهم، وأعزوا هذا العلم وصانوه، وأنزلوه حيث أنزله الله تعالى، إذا لخضعت لهم رقاب الجبابرة. وانقاد لهم الناس فكانوا لهم تبعا.
ولكنهم ابتذلوا أنفسهم، وبذلوا علمهم لأبناء الدنيا، فهانوا وذلوا، ووجدوا لغامز «3» فيهم مغمزا. فإن لله وإنا إليه راجعون، أعظم بها مصيبة!.(4/34)
111- وللقاضي العلامة أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني، وقد أحسن كل الإحسان، كأنما نسجت في طراز حسان «1» :
ولم اقض حق العلم إن كنت كلما ... بدا طمع صيرّته لي سلما
فإن قلت جد العلم كاب فإنما ... كباحين لم يحرس حماه وأسلما «2»
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فذل ودنسوا ... محّياه بالأطماع حتى تجهما
112- من لم يتعلم في صغره لن يتقدم في كبره.
113- عيسى عليه السّلام: لا تطرحوا الدرّ تحت أرجل الخنازير.
114- فضيل: شر العلماء من يجالس الأمراء، وخير الأمراء من يجالس العلماء.
- وعنه: لو علمت أن رجلا يريد الحديث لله تعالى لأتيته في منزله وحدثته.
115- أبو هريرة: عنه عليه السّلام: إن الفتنة تجيء فتنسف العباد نسفا «3» .
وينجو العالم منها بعلمه.
116- كتب غيلان بن مسلم الدمشقي «4» إلى أخ له: أما بعد فأفرغ إلى العلم، ولا تفرغ منه، فإن العلم مسكن العاقل الذي عنه يصدر وإليه يرد.(4/35)
117- بشر بن الحارث المروزي: أدّوا زكاة هذا الحديث: قالوا:
يا أبا نصر، كيف؟ قال: اعملوا من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث.
118- لقمان لابنه: جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء.
- وعنه: يا بني صرّ «1» علمك كما تصر نفقتك، فلا تحدث به حتى تجد له موضعا.
119- كان أبو حنيفة رحمه الله ينشد كثيرا:
من طلب العلم للمعاد ... فهو له أفضل العتاد
ويا لخسران طالبيه ... لنيل فضل من العباد
120- فضيل «2» : أشدهم خشية لله أعلمهم به.
121- تشاجر قوم في مسجد البصرة، والمسجد مشحون برجالات العرب، فرضوا بالحسن البصري، وتحاكموا إليه. فقال الأحنف: كاد العلماء يكونوا أربابا، وكل لم يوطّد بعلم فإلى ذل يصير.
122- النبي صلّى الله عليه وسلّم: أن الملائكة لتضع أجنحتها لطلبة العلم.
123- من عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار.
124- الزهري «3» : تعلّم سنة خير من عبادة سنتين.
125- قال أعرابي لعلي رضي الله عنه: رجحان النفوس في ضمائرها. فقال: صدقت يا أعرابي، قيمة كل امرىء ما يحسنه.
- وعنه عن رسول الله: أقل الناس قيمة أقلهم علما.(4/36)
126- كان ابن مسعود إذا رأى طالبي العلم قال: مرحبا بكم ينابيع الحكمة ومصابيح الظلم، خلقان «1» الثياب، جدد القلوب، ريحان كل قبيلة.
127- أبو بكر بن عياش «2» : كنا عند الأعمش «3» ونحن صبيان نكتب الحديث، فمر صديق له فقال: من هؤلاء؟ قال: هم الذين يحفظون عليك دينك.
128- علي رضي الله عنه: كفى بالعلم شرفا أنه يدّعيه من لا يحسنه، ويفرح به إذا نسب إليه؛ وكفى بالجهل ضعة أن يتبرأ منه من هو فيه، يغضب إذا نسب إليه.
129- النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما أتى الله أحدا علما إلا أخذ عليه الميثاق أن لا يكتمه أحدا.
130- أبو عبيدة «4» : من أراد أن يأكل الخبز بالعلم فلتبك عليه البواكي.
جعلك الله ممن يطلب العلم رعاية لا رواية، ويظهر حقيقة ما يعلمه بما يعمله.
131- ثمرة الأدب العقل الراجح، وثمرة العلم العمل الصالح.
132- لحديثه سلاسل يقاد بها. أي أسانيد.
133- الحسن: قال له رجل: إني اجتهد أن أقوم الليل فلا أقدر، وأن أتصدق فلا أقدر؛ فقال: بئس ما أثنيت على نفسك! عليك بمجالسة العلماء، فان صدأ القلوب لا يصقله إلا العلم.(4/37)
134- عمر رضي الله عنه: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله وأنا شاهد فقال: يا رسول الله، إذا حضرت الجنازة وحضر مجلس عالم أيهما أحب إليك أن أشهده؟ قال: إذا كان مع الجنازة من يتبعها ويدفنها فإن حضور مجلس العالم لأفضل من حضور ألف جنازة.
135- الحسن: إنما أنزل الله هذا القرآن ليتفكروا فيه، ويعملوا به.
فاتخذ قوم تلاوته عملا، يقول الرجل: قد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفا. والله لقد أسقطه كله.
136- النبي صلّى الله عليه وسلّم: العالم والمتعلم في الأجر سواء، يأتيان يوم القيامة كفرسي رهان «1» .
137- عمر: عنه عليه السّلام: على باب الجنة شجرة تحمل ثمارا كثدي النساء، تخرج من تحتها عين ماء يشرب منها العلماء والمتعلمون مثل اللبن الحليب، والناس عطاش.
138- ابن مسعود: من تعلم بابا من العلم ليعلمه الناس إبتغاء وجه الله أعطاه الله أجر سبعين نبيا.
139- ابن عمر: من تعلم بابا من العلم، عمل به أو لم يعمل.
كان أفضل من أن يصلي ألف ركعة.
140- إنما كان الأنبياء أفضل من العلماء لأنهم أكثر علما، لأن النفع بعلومهم أعظم، ومن ثم كان نبينا أفضلهم، لأن المنفعة بدعوته كانت أعظم منها بدعوتهم.
141- أنس «2» : عنه عليه السّلام: ويل لأمتي من علماء السوء، يتخذون العلم تجارة يبيعونها بيعا، لا أربح الله تجارتهم.(4/38)
142- قال عمار بن زياد «1» للثوري: لئن سلمت من مجلسك ما أعلم أحدا في المصرين «2» مثلك.
143- كان ثابت البناني «3» يقول إذا أفتى: قد جعلت رقبتي جسرا للناس، ثم ترك الفتوى.
144- أبو عبد الرحمن العطوي المتكلم «4» :
فوحق البيان يعضده البر ... هان في مأقط ألد الخصام
ما رأينا سوى الحبيبة شيئا ... جمع الحسن كله في نظام
لو قال: سوى الشريعة لكان أحسن.
145- علي رضي الله عنه لسائل سأله عن معضلة: سل تفقها ولا تسل تعنتا، فإن الجاهل المتعلم شبيه بالعالم، وإن العالم المتعسف شبيه بالجاهل المتعنت.
146- فساد الخلق من ضعف عالم.
147- أنس: عنه عليه السّلام: أخلصوا الله أعمالكم، وأعزوا الإسلام.
قالوا: يا رسول الله، وكيف نعز الإسلام؟ قال: بالحضور عند العلماء(4/39)
لتعلم العلم بالرد على أهل الأهواء «1» ، فإن من رد عليهم وأراد به وجه الله فله عبادة أهل مكة منذ خلقت. قيل: يا رسول الله، فالمرائي «2» يؤجر بعمله؟ قال: إن الله قضى على نفسه أن من أعز الإسلام، أراد به وجه الله أو لم يرد. فقد حرم النار على وجهه.
148- علي رضي الله عنه: أوضع العلم ما وقف على اللسان، وأرفعه ما ظهر على الجوارح والأركان.
149- للعلم دالة يتسحب «3» بها الصغير على الكبير، والمملوك على المالك، ألا ترى أن الهدهد، وهو من محقرات الطير، قال لسليمان «4» ، وهو الذي أوتي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده: أحطت بما لم تحط به «5» .
150- أبو عمرو بن العلاء: قيل لنا إن في دار فلان ناسا قد اشتملوا على سوء، وهم جلوس على خميرة «6» ، وعندهم طنبور، فدخلنا فإذا فتى جالس وسط الدار، وأصحابه شيوخ وهم بيض اللحى، وهو يقرأ عليهم دفتر شعر، فقيل لنا: السوءة في ذلك البيت، فقلت: لا والله لا كشفت فتى أصحابه شيوخ وفي يده دفتر علم، ولو كان في ثوبه دم يحيى بن زكريا عليه السّلام.
151- فقه العبادلة «7» مثل. وهم ابن مسعود، وابن عباس، وابن الزبير، وابن عمرو بن العاص.(4/40)
152- أشتهي أن أرى عالما زاهدا، وزاهدا عالما.
153-[شاعر] :
العلم نفس ذخر أنت ذاخره ... من يدرس العلم لم تدرس مفاخره «1»
أقبل على العلم واستقبل مقاصده ... فأول العلم إقبال وآخره
154- الدنيا بصفائح الزّبر، والدين بصحائف الزبر «2» .
155- علي رضي الله عنه قال لفتيان من قريش: يا بني ويا بني أخي إنكم صغار قوم ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين، فتعلموا العلم، فمن لم يستطع أن يحفظه فليكتبه.
156- قيل لملك زال عنه ملكه: ما الذي سلبك ما كنت فيه؟ قال:
بثني العلم في غير أهله. ومنعه من أهله.
157- عيسى عليه السّلام: لا تبثوا الحكمة في غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.
158- العلم أصون لنفسه من أن يتصدى إلا لعاشق له.
159- حلية الخرائد «3» الحلق في ذفاريها، وحلية الدفاتر الحلق «4» في حواشيها. والمغاربة يقولون: الدرر في الطرر.
160- وقيل لأبي بكر الخوارزمي «5» عند موته: ما تشتهي؟ قال:
النظر في حواشي الكتب.(4/41)
161- عيسى عليه السّلام: ما أكثر الشجر! وليس كلها بمثمر، وما أكثر الثمار! وليس كلها بطيب، وما أكثر العلوم! وليس كلها بنافع، وما أكثر العلماء! وليس كلهم بمرشد.
162- أقل الناس عذرا في القبيح من عرف قبحه.
163- قيل لأنوشروان «1» : ما بالكم لا تأخذون من العلوم شيئا إلا زادكم عليه حرصا؟ قال: لأنا لا نأخذ منه شيئا إلا ازددنا بعظم منفعته علما. قيل: فما بالكم لا تأنفون من أخذه من كل أحد؟ قال: لعلمنا أنه نافع من حيث أخذ.
164- بطليموس الثاني «2» : خذوا الدر من البحر، والذهب من الحجر، والمسك من الفارة، والحكمة ممن قالها.
165- رسطاليس «3» : الحكمة سلم العلو، فمن عدمها عدم القربة من ربه.
166- في جاويدان خرد «4» : أفضل ما أعطي العبد في الدنيا الحكمة، وفي الآخرة الرحمة.
167- يحيى البرمكي: يا بني انتق من كل علم شيئا. فإن من جهل شيئا عاداه، وإني لأكره أن تكون عدوا لشيء من العلم.(4/42)
168- قيل لأشعب «1» : لو تركت النوادر ورويت الحديث لكان أنبل لك؛ قال: والله لقد سمعت الحديث؛ قيل: فحدثنا، قال: حدثني نافع «2» عن ابن عمر «3» أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: خلتان «4» من كانتا فيه كان من خالصة الله. قالوا: هذا حديث حسن فهاتهما، قال: نسي نافع واحدة، ونسيت أنا الأخرى.
169- صنع عيسى عليه السّلام للحواريين طعاما، فلما أكلوا وصاهم بفعله، قالوا: يا روح الله، نحن أولى أن نفعله منك، قال: إنما فعلت هذا لتفعلوه بمن تعلمون.
170- قال شهر بن حوشب: حدثت الحجاج «5» حديثا، فقال: من حدثك به؟ قلت: محمد بن الحنفية «6» ، فنكت بقضيبه ساعة، ثم قال:
أخذتها من عين صافية.
171- حكيم: إن الله إذا استرذل عبدا حظر عليه العلم «7» .
172- ذو النون المصري «8» : إياك أن تطلب العلم بالجهل؛ قيل:
كيف يطلب العلم بالجهل؟ قال: إذا قصدت العالم في غير وقته، وتخطيت الرقاب، وتركت في طلبه حرمة الشيوخ، ولم تستعمل فيه السكينة والوقار وأدب النفس، فذلك طلب العلم بالجهل.(4/43)
173- سئل أنوشروان: من أسوأ الناس حالا؟ فقال: عالم يجري عليه حكم جاهل.
174- قال سقراط لطيماوس «1» : لم لا تدوّن لنا حكمتك في الدفاتر؟ قال: ما أوثقك بجلود البهائم الميتة، وأشد تهمتك للجواهر الحية! فكيف رجوت العلم من معدن الجهل، ويئست منه من عنصر العقل؟.
سواء من أعطي الحكمة فجزع لفقد الذهب والفضة، ومن أعطي السلامة فجزع لفقد الألم والتعب. لأن ثمرة الحكمة السلامة والدعة «2» ، وثمرة المال الألم والتعب.
175- قيل لقتادة «3» : أكان الحسن «4» يحتد عند المسألة؟ فقال: إن كان لطويل التبسم عند المسألة.
176- الحسن: من استطاع منكم أن يكون إماما لحية، إماما لما وراء ذلك فليفعل، فإنه ليس شيء يؤخذ عنك إلا كان لك فيه نصيب.
177- ابن المبارك «5» : ما قرأت كتاب رجل قط إلا عرفت مقدار عقله.
177- مدح أعرابي رجلا فقال: كان الفهم منه ذا أذنين، والجواب ذا لسانين.
178-[شاعر] :(4/44)
لنا جلساء ما نمل حديثهم ... ألباء مأمونون غيبا ومشهدا «1»
بلا كلفة نخشى ولا سوء عشرة ... ولا نتقي منهم لسانا ولا يدا
فإن قلت أحياء فلست بكاذب ... وإن قلت أموات فلست مفندا «2»
يريد الكتب.
179- قرأ الكندي «3» كتابا وضعه ابن الجهم «4» فقال: هتك ستر العافية عن عقله.
180- في ديوان المنظوم:
حبيبي من الدنيا الكتاب فليس لي ... إلى غيره ما بي إليه من الفقر
كلانا لضيق الروح بالروح مانح ... دنوا بلا بعد ووصلا بلا هجر
فكرسيّه حجري إذا كنت قاعدا ... وإن اضطجع أفرشه مستلقيا صدري
181- نعم المحدث الدفتر.
182- الجاحظ «5» : الكتب توجد في كل مكان، وتقرأ بكل مكان، على تفاوت ما بين الأعصار، وتباعد ما بين الأمصار.(4/45)
183- فيلسوف: اعتقد لولدك كتب آداب تنعم أرواحهم، لا عقد أموال تعم أشباحهم «1» .
184- احتيج أن يكتب على المعتضد «2» كتاب، فكتب ابن ثوابة «3» كما تكتب الصكاك «4» : في صحة من عقله، وجواز من أمره. فعرضت النسخة على عبيد الله بن سليمان «5» فقال: هذا لا يجب أن يكتب للخليفة وضرب عليه وكتب: في سلامة من جسمه وأصالة من رأيه. ومثل هذه الآداب لا تلمح إلا بدقيق من الألباب.
185- تخلف سابق الحاج عن وقته، ثم رفع قصة إلى المأمون، فوشمها بتوقيعه، فخرجت، فلم يروا شيئا، حتى عثروا بعد طول تأمل على نقطة مضمومة إلى نقطة باء سابق. ولكن المحققين يأبون فقط هذا الحرف، ويخطئون ناقطه، ويصححون على المأمون توقيعه بوضع رقمة الهمزة موضع النقطة «6» .
186- نظر أعرابي إلى كتاب فقال: كواكب الحكم في ظلم اعداد.(4/46)
187- وقال آخر: خط الأقلام صور، هي في الأبصار سود، وفي البصائر بيض.
188- نخرق كتاب سيبويه «1» في كم المازني «2» نيفا وعشرين مرة.
189- الجاحظ في وصف الكتاب: متى رأيت بستانا يحمل في ردن، أو روضة تنقلب في حجر؟.
من لك بزائر إن شئت جعل زيارته غبا، وورده خمسا «3» ؟ وإن شئت لزمك لزوم ظلك، وكان منك مكان بعضك. الكتاب هو الذي إن نظرت فيه نجح نفسك، وعمر صدرك، وعرفت به في شهر ما لا تعرفه من أفواه الرجال في دهر، ولو لم يكن من فضله عليك، وإحسانه إليك، إلا منعه لك من الجلوس على بابك، والنظر إلى المارة بك، مع ما في ذلك من التعرض للحقوق التي تلزم، ومن فضول النظر، ومن عادة الخوض، ومن حضور ألفاظ الناس الساقطة، ومعانيهم الفاسدة، وأخلاقهم الردية، وجهالتهم المذمومة، لكان في ذلك السلامة، ثم الغنيمة.
ولعهدي بي وقد خرجت من الدار، وذلك في عصر الشبيبة، فلقيني أعرابي كانت به لوثة «4» ، فشغلني ببعض الحديث، وقد حانت من بعض شيوخي حاجة إلى حضوري فلم أصادف، فلما حضرته سألني عن سبب لبثي «5» ، ثم قال: العجب ممن يؤثر على مجالسات هؤلاء، وعدد جماعة(4/47)
من كبار المصنفين، مجالسة مجنون، وصحيح ما قال: فإن مطالعة كتبهم هي مجالستهم على الحقيقة.
190- رؤي شعر أبي الشمقمق «1» في جلود كوفية ودفتين طائفيتين «2» ، وبخط رشيق، في يد إنسان، فقيل له: لقد ضيع دراهمه من تجود لشعر أبي الشمقمق. فقال: لا جرم والله إن العلم ليعطيكم على حسب ما تعطونه، ولو استطعت أن أودعه سويداء قلبي، أو اجعله مخطوطا على ناظري لفعلت.
191- كتب الحمدوني «3» إلى أخ له، وكان قد حبس عليه دفاتره:
ما بال كتبي في يديك رهينة ... حبست على كر الزمان الأطول
إيذن لها في الإنصراف فإنها ... كنز عليه في الزمان معولي
فلقد تعنت حين طال ثواؤها ... طال الثواء على رسول المنزل
192-[آخر] :
لكل كلام موضع من كتابه ... كتنظيم درّ زينته الجواهر
فإن نظم العقد الذي فيه جوهر ... على غير ترتيب فما العقد فاخر
193- الكتاب بستان والخط نرجسه.
194- قال رجل من الأنصار للنبي عليه السّلام: إني لأسمع الحديث ولا أحفظه، فقال: استعن بيمينك. أي اكتبه.
195- نظر المأمون إلى بعض ولده وهو ينظر في كتاب، فقال: يا بني، ما كتابك هذا؟ قال: بعض ما يشحذ الفطنة، ويؤنس من الوحشة.
فقال: الحمد لله الذي رزقني ذرية يرى بعين عقله أكثر مما يرى بعين وجهه.(4/48)
196-[شاعر] :
كم كتاب كتبته ولم أق ... راه فبان اختلاله بقراته «1»
فإذا ما كتبت يوما ولو سط ... را فبث اللحاظ في جنباته
قد يرى الزاهد المصلي للفر ... ض مع الزهد مخطئا في صلاته
إذا كتبت كتابا فأعد النظر فيه، فإنما تختم على عقلك.
197- ابن عباس «2» عنه عليه السّلام: من نظر في كتاب أخيه من غير أمره فإنما ينظر في نار.
198- قال ابن الحجاج «3» :
فقر وذل وخمول معا ... أحسنت يا جامع سفيان «4»
199- قالوا: عبد الحميد بن يحيى بن سعيد الكاتب أول من نهج طرق الكتابة، وبسط من باع البلاغة، وكان مروان بن محمد «5» لا يرى الدنيا إلا به. ومن خصائص مروان: عبد الحميد الكاتب «6» ، والبعلبكي(4/49)
المؤذن «1» ، وسلام الحادي «2» ، وكوثر الخادم «3» وأشقر مروان «4» ، وكل فرد غريب لم ير مثله.
200- وقال البحتري «5» :
لتفننت في الكتابة حتى ... عطل الناس فن عبد الحميد
201- وقال أبو إسحاق الصابي «6» :
أنسيتم كتبا شحنت فصولها ... بفصول در عندكم منضود
ورسائل نفذت إلى أطرافكم ... عبد الحميد بهن غير حميد
202- وكان عبد الحميد يقول: إن كان الوحي ينزل على أحد بعد الأنبياء فعلى بلغاء الكتاب.
-[وقال] اكرموا الكتاب فإن الله أجرى أرزاق الخلق على أيديهم، وقيل له: ما الذي خرجك في البلاغة؟ قال: حفظ كلام الأصلع، يعني عليا رضي الله عنه.
203- أبو بكر الخوارزمي «7» : يجب أن تجعل المنع صوانه، والعين(4/50)
بل القلب مكانه، فإن الغيرة على الكتب من المكارم، وهي أخت الغيرة على المحارم، وإني لأحسد على الورقة من لا أحسد على البدرة، وأغار على الأدب الكريم من المتأدب اللئيم.
204- شاعر:
وأرثي له من موقف السوء عندي ... كرثيتي للطرف والعلج راكبه «1»
205- وددت لو كان الأدب في جبهة الأسد، ولو أصبحت الكتب في أنياب الأسود ولو بيعت ورقة بدينار، وكتب دفتر بقنطار، فلا يتأدب إلا شجاع لي، ولا يخزن الدفاتر إلا جواد سخي.
206- كتب ابن مقلة «2» كتاب هدنة بين المسلمين والروم، فهو في كنسية قسطنطينية، يبرزونه في الأعياد، ويعلقونه في جملة تزايينهم في أخص بيوت العبادات، يعجبون الناس من حسنه. وفيه قيل:
خط ابن مقلة من أرعاه مقلته ... ودت جوارحه لو حولت مقلا
الدر من دره ذو صفرة حسدا ... والنور من نوره ذو حمرة خجلا
207- وقال ابن الحجاج «3» :
ظبي كأن جفونه ... في ضمنها هاروت مقله(4/51)
وكأن خط عذاره ... في خده خط ابن مقله
208- أمر بعض الملوك ثمانين حبرا بترجمة التوراة. وفرق بينهم ليأمن تواطؤهم على شيء. فكانت أصح التراجم، وصارت توارة الثمانين مثلا في الكتاب المصحح.
209- من ألف كتابا أو قال شعرا فإنما يعرض عقله على الناس، فإن أصاب فقد استهدف، وإن أخطأ فقد استقذف «1» .
210- وقالوا: لا يزال المرء في نسخة من أمره ما لم يقل شعرا أو يؤلف كتابا.
211- ما خلدت العلوم إلا بما دبر من تدوينها، والتصنيف في أفانينها، وإلا لكانت أنفاسا تمضي، ورياحا تجري، وأصواتا تفنى، وأجراسا لا تبقى. وذوت أفنانها، ولقل الغابر منها في أيدي الناس.
والثابت على مر الأحراس، ولشط على طالبيه الرقاد. وكبت على مقتبسيه الزناد. ولا ترى للعالم علما أدل منه في كنه فضله، وأفوه بما أوتي من فائز خصله، يربكه حبا ناطقا وهو رميم. وماثلا بين يديك وهو عديم.
212- قيل لجحا: ما تعلمت في الكتاب؟ قال: ما أعياني شيء.
قيل: كيف تقسم أربعة دراهم على ثلاثة رجال؟ قال: للرجلين درهمين درهمين والثالث ليس له شيء.(4/52)
213- أنشد أبو العيناء «1» للجاحظ:
يطيب العيش أن تلقى حكيما ... غذاه العلم والنظر المصيب
فيكشف عنك حيرة كل جهل ... وفضل العلم يعرفه الأريب
سقام الحرص ليس له شفاء ... وداء الجهل ليس له طبيب
214- لحن خالد بن صفوان عند عبد الملك فقال: اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه «2» .
215- وقال سليمان «3» : اللحن في الكلام أقبح من النقبة «4» في الديباج.
216- الخليل «5» : لا يصل أحد إلى ما يحتاج إليه إلا بعلم ما لا يحتاج إليه.
217- قال أبو شمر «6» : فإذن قد صار ما لا يحتاج إليه مما يحتاج إليه.
218- حب السلطان العلم يلقح الخواطر العقم.(4/53)
219- الشعبي «1» : قدم عبد الملك فبعث إلى الرواة، وكان يحب الشعر، فما أتت عليّ سنة حتى رويت الشاهد والمثل وفضولا بعد ذلك.
وقدم مصعب «2» ، وكان يحب النسب، فقعدت إلى النسابين فعلمته في سنة، وقدم الحجاج، وكان يدني على القرآن، فحفظته في سنة.
- وروي عنه: دخلت على الحجاج حين قدم العراق، فسألني عن اسمي، ثم قال: يا شعبي، كيف علمك بكتاب الله؟ قلت: عني يؤخذ قال: كيف علمك بالفرائض؟ قلت: إليّ فيه المنتهى.
قال: كيف علمك بالفقه؟ قلت: أنا صاحبه، قال: كيف علمك بأنساب الناس؟ قلت: أنا الفيصل فيها، قال: كيف علمك بالشعر؟
قلت: أنا ديوانه. فقال: لله أبوك! ففرض لي في ألفين، وعرفني على قومي. فدخلت عليه وأنا صعلوك من صعاليك همدان، وخرجت وأنا سيدهم.
220- الجاحظ: رؤساء المعتزلة المذكورون كلهم كان راوية عالما، إلا معمرا «3» ، وكان بشر بن المعتمر «4» أرواهم للشعر خاصة.(4/54)
221- السري الموصلي «1» :
أخو حكم إذا بدأت وعادت ... حكمن بعجز لقمان الحكيم
ملكت خطامها فعلوت قسا ... برونقها وقيس بن الخطيم «2»
222- بعض الرجاز في المأمون:
هل لك في أرجوزة ظريفة ... أظرف من فقه أبي حنيفة
الذئب والنعجة في سقيفة ... واللص والتاجر في قطيفة
223- مولد:
متفقّه جمع الكلام ... إلى قياس أبي حنيفة
فأتاك يسعى للقضاء ... بلحية فوق الوظيفة
224- كان يقال: أربعة لم يسبقوا ولم يلحقوا: أبو حنيفة في فقهه، والخليل «3» في نحوه، والجاحظ «4» في تأليفه، وأبو تمام «5» في شعره.
225- مر عبد الحميد «6» بإبراهيم بن خالد «7» ، وهو يكتب خطا رديئا، فقال: أطل جلفة قلمك وأسمنها، وحرف قطتك وأيمنها، ففعل، فجاد خطه.(4/55)
226- ابن المعتز «1» في صفة فرس:
وله أربع تراها إذا هم ... لج تحكي أنامل الحسّاب «2»
227- ابن أبي البغل «3» :
مداد مثل خافية الغراب ... وقرطاس كرقراق السراب
وأقلام كمرهفة الحراب ... وخط مثل موشي الثياب
وألفاظ كأيام الشباب
228- أنا من بحاره مغترف، ومن ثماره مخترف «4» .
229- أبو الموج منصف بن خليفة «5» :
جرى في ميادين البلاغة سابقا ... على طرف إحسان ميادينه الكتب
230- البستي «6» :
إذا لم يزد علم الفتى قلبه هدى ... وسيرته عدلا وأخلاقه حسنا
فبشّره أن الله أولاه فتنة ... تغشيّه حرمانا وتوسعه حزنا
231- كانت اليونانية يورثون البنات العين والبنين الدين، وكانوا يقولون: الابن من المال إلا ما يكون عونا له على طلب العلم، وأطيعوه(4/56)
على تعظيم الحكمة ليصير جمع العلم أغلب عليه من جمع المال، وليرى أنه أفضل عتاد، وأكرم مستفاد.
232- قال معاوية لعبيد الله «1» : إنك لا تقدر على حفظ العلم كله، فاحفظ منه ما يحسن نشره، واترك الغث، فإنك لا تنتفع به. ولا ينتفع منه منك.
233- عمر بن عبد العزيز: ما أحب أن لي باختلاف أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم عليه حمر النهم وسودها.
234- جلس سفيان بن عيينة على مرقب «2» عال، وأصحاب الحديث على مد البصر، يثبتون، فتمثل بقول الخشعمي «3» :
خلت الديار فسدت غير مسوّد ... ومن الشقاء تفرّدي بالسؤدد
235- أتى رجل الزهري «4» ليحدثه فأبى، فقال: اسمع مني أخبرك، قال: هات، قال: ما أخذ الله على الجهال أن يتعلموا حتى أخذ على العلماء أن يعلموا.
236- المهلبي «5» :(4/57)
فإن أنا لم امتت بقرب قرابة ... ولم تجمع الأسباب شملا إلى شمل «1»
ففي رحم الآداب ما ألف الهوى ... وأغنى عن الأسباب بين ذوي العقل
-[وله] :
اذكر أبا جعفر حقا أمت به ... إني وإياك مشغوفان بالأدب «2»
237- عمر رضي الله عنه: رحم الله عبدا أصلح من لسانه.
238- وقال رجل لزياد بن أبيه: إن أبينا هلك، وإن أخينا غصبنا على ميراثنا، فقال: يا هذا، ما ضيعت من نفسك أكثر مما ضاع من مالك.
239- وقال رجل للحسن: يا أبا سعيد: فقال: كسب الدوانيق «3» شغلك عن تقويم اللسان. وقال له آخر، فقال: أين غذيت؟ قال:
بالإبلة، قال: من ثم أتيت.
240- رسطاليس: الحكمة للأخلاق كالطب للأجساد.
241- لقي الرشيد الكسائي «4» في بعض الطرقات، فوقف عليه وسأله عن حاله فقال: لو لم أجتن من ثمرة العلم والأدب إلا ما وهب الله لي من وقوف أمير المؤمنين عليّ لكان كافيا لي.
242- إسماعيل بن طريح الثقفي «5» : عقول الرجال في أطراف أقلامها.(4/58)
243- أوصى عبد الملك بن مروان بثلث ماله لأهل الأدب وقال:
هذه صناعة مجفوّ أهلها.
244- قيل لسقراط: ما الفرق بين من له أدب ومن لا أدب له؟
قال: كالفرق بين الحيوان الناطق وبين الحيوان الذي ليس بناطق.
245- قيل لأعرابي: أين الجدّ من الأدب؟ قال: هذا مشرق وهذا مغرب.
246- وقع نحوي في كثيف، فجاءوا إليه بكناسين، فقال: اطلبا لي حبلا دقيقا، وشداني شدا وثيقا، واجذباني جذبا رفيقا. فقالا: والله لا نخرجه، هو في السلح إلى الحلق، وليس يدع الفضول.
247- أبو حيان «1» : إن الأدب أنس أن شئت أنسا، وكنز إن طلبت كنزا، وجمال إن أحببت جمالا، ومثوبة إن قصدت ثوابا.
248- حكيم: من زاد أدبه على عقله كان كالراعي الضعيف مع غنم كثير.
249- البرقعي «2» :
قالوا أديب بلا جد فقلت لهم ... قوس بلا وتر سهم بلا فوق «3»
250- كان الإمام عبد القاهر «4» ينشد:(4/59)
إنما النحو للخطابة والشعر ... وتقويم سنة أو كتاب
فإذا ما تجاوز النحو هذا ... فهو شيء عن المسامع نابي
قيل لرافضي كان يتعلم النحو: ما علامة النصب «1» ؟ قال: بغض علي بن أبي طالب.
251- القلم الرديء كالولد العاق.
252- يوسف بن أحمد «2» في جارية كاتبة: كأن خطها أشكال صورتها، وكأن مدادها سواد شعرها، وكأن قلمها بعض أناملها، وكأن بيانها سحر مقلتها، وكأن مبراتها سيف لحظها وكأن مقطها قلب عاشقها.
253- ابن المعتز:
إذا أخذ القرطاس خلت يمينه ... تفتق نورا أو تنظّم جوهرا
254- أبو إسحاق الصابي «3» :
وكم من يد بيضاء حازت جمالها ... يد لك لا تسوّد إلا من النقس «4»
إذا رقشت بيض الصحائف خلتها ... تطرز بالظلماء أردية الشمس(4/60)
255- المداد خلوق الكتبة «1» :
256- نظر جعفر البرمكي «2» إلى خط حسن فقال: لم أر باكيا أحسن تبسما من القلم.
القلم قيم الحكمة، إن هذه العلوم تند «3» فاجعلوا الكتب لها حماة، والأقلام عليها رعاة.
257- أيوب بن غسان «4» :
فما شيء بأحسن من ثياب ... على حافاتها أثر المداد
258- من السؤدد سوادان: سواد الكاتب، وسواد الراكب.
259- مسح كاتب قلمه بكمه فقيل له فقال: إنما اعتقدنا «5» هذا بهذا، سمعته من والدي رحمه الله تعالى.
260- كتب كأنها صفوف ولائد، عليها فصوص قلائد.
261- أتاني كتاب:
فكان فرات آمال ظماء ... وكان حياة أحوال رفات
262- سهل بن هارون: القلم أنف الضمير، فإذا رعف أعلن أسراره وأبان آثاره.
263- أحمد بن إسماعيل «6» .(4/61)
أضحكت قرطاسك عن جنة ... أشجارها من حكم مثمرة
264- علي بن يقطين مولى بني أسد «1» :
يا ليت شعري ما يكون جوابي ... أما الرسول فقد مضى بكتابي
وتعجلت نفسي الظنون وأشربت ... طمع الحريص وخيفة المرتاب
وا حسرتا من بعد هذا كله ... إن كان ما أخشاه رد جوابي
265- أعرابي: الدواة منهل، والقلم [رشاء] ، والكتاب عطن «2» .
266- الليقة «3» إذا كانت ليقة ناعمة أمكن الكاتب أن يشمها روق القلم «4» ، وإذا تعهدت بالملح والكافور كان آمن من بخرها «5» . ومن شرط الليقة أن تكون طيبة الريح.
267- قال أحمد بن إسماعيل:
كأنما النفس إذا استمده ... غالية مدفوعة بنده «6»
268- سئل الحسن عن رجل يتعلم العربية ليعرف بها حسن المنطق. ويقيم بها وجهه، فقال: فليتعلمها، فإن الرجل يقرأ الآية فيعي بوجهها فيهلك فيها.
- وقيل له: إن ههنا أغيلمة «7» يتعلمون العربية، فقال: أحسنوا،(4/62)
يتعلمون لغة نبيهم. وقال: أهلكتهم العجمة، يتأولون القرآن على غير تأويله.
269- الزهري «1» : كان يقول: النحو في العلم بمنزلة الملح في القدر، والرامك في الطيب «2» ، وكان يقال: الإعراب حلية الكلام ووشيه.
- وقال: ما أحدث الناس مروءة أعجب إليّ من تعلم النحو.
- وقال: لم يركب العز من لم يركب الأدب.
270- دخل أبو العالية على ابن عباس فأقعده معه على السرير، وأقعد رجالا من قريش دونه، فرأى سوء نظرهم إليه، وحموضة وجوههم «3» ؛ فقال: ما لكم تنظرون إلى نظر الشحيح إلى الغريم المفلس؟ هكذا الأدب يشرف الصغير على الكبير. ويرفع المملوك على الولي، ويقعد العبيد على الأسرة.
271- أوصى حكيم ابنه فقال: يا بني، عز المال للذهاب والزوال، وعز السلطان يومان يوم لك ويوم عليك، وعز الحسب للخمول والدثور «4» ، وأما عز الأدب فعز راسب «5» رابط، لا يزول بزوال المال ولا يتحول بتحول السلطان، ولا ينقص عن طول الزمان. يا بني، عظّمت الملوك أباك وهو أحد رعيتها، وعبدت الرعية ملوكها، فشتان بين عابد ومعبود! يا بني، لولا أدب أبيك لكان للملوك بمنزلة الإبل النقالة، والعبيد الحمّالة.(4/63)
272- دخل على الواثق «1» هارون بن زياد «2» معلمه، فبالغ في إكرامه وإجلاله، فقيل له في ذلك، فقال: هو أول من فتق لساني بذكر الله، وأدناني من رحمة الله.
273- حجب العتابي «3» على باب المأمون، وكان مؤدبه، فكتب إليه:
إن حق التأديب حق الأبوة ... عنه أهل الحجاز أهل المروة
وأحق الأنام أن يحفظوها ... ويعوها لأهل بيت النبوة
فدعا به وأحسن صلته، وآلى على الحاجب أن لا يعاود حجبه وزبره «4» .
274- قيل لبزرجمهر: ما بال تعظيمك لمعلمك أشد من تعظيمك لأبيك؟ قال: لأن أبي كان سبب حياتي الفانية، ومعلمي سبب حياتي الباقية.
275- جالينوس: إن ابن الوضيع إذا كان أديبا كان نقص أبيه زائدا في منزلته، وإن ابن الشريف إذا كان غير أديب كان شرف أبيه زائدا في سقوطه.
276- أخذ عبد الملك خارجيا فقال: ألست القائل:
ومنا سويد والبطين وقعنب ... ومنا أمير المؤمنين شبيب(4/64)
فقال: إنما قلت أمير المؤمنين بالنصب «1» ، فخلاه.
277- سمع أعرابي مؤذنا يقول: أشهد أن محمدا رسول الله، بالنصب، فقال: ويحك يفعل ماذا «2» ؟.
278- قيل لأعرابي: اتهتمز إسرائيل؟ قال إني إذن رجل سوء.
وقيل لآخر: أتهمز الفارة؟ قال: السنور يهمزها. وقيل الآخر أتجر فلسطين؟ قال: أني إذن لقوي «3» .
279- أنشد الأصمعي «4» بيتا من الشعر فاختلس الأعراب، وقال:
إن العرب تجتاز بالأعراب اجتيازا.
280- وقال ابن أبي إسحاق «5» : العرب ترقرق على الأعراب ولا تتفيهق فيه «6» .(4/65)
281- وقال يونس «1» : العرب تشم الأعراب ولا تحققه «2» .
282- وقال الحسحاس بن جاب «3» : العرب تقع بالأعراب وكأنها لم ترده.
283- قال ابن كيسان «4» : قلت للمبرد «5» : ثعلب «6» أعلم أهل زمانه، فقال:
أقسم بالمبتسم العذب ... ومشتكى الصب إلى الصب
لو أخذ النحو عن الرب ... ما زاده إلّا عمى قلب
284- قيل لأعرابي: ما معنى قولهم شيطان ليطان «7» ، وجائع نائع؟
فقال: شيء نتد به كلامنا.(4/66)
285- قال العباس بن محمد «1» لمؤدب ولده: إنك قد كفيته أعراضهم فاكفني آدابهم، والتمسني عند آثارك فيهم تجدني.
286- سقراط: سوأة لمن أعطي الحكمة فجزع لفقد الذهب والفضة.
ولم أر فضلا تم إلا بشيمة ... ولم أر عقلا تم إلا على أدب
287-[آخر] :
هل الحفظ إلا للصبي وذو النهى ... يمارس أشغالا تشرّد بالذكر
متى كان قلب المرء للحفظ فارغا ... تناول أقصاه وإن كان لا يدري
288- علي رضي الله عنه: اعقلوا الخبر إذ سمعتموه، عقل رعاية، لا عقل رواية، فإن رواة العلم كثير، ورعاته قليل.
289- عن بعض المحدثين: يكون الحديث الحسن عند الشيخ الذي لا يجوز حديثه، فأجيء به إلى الأعمش، فيسمع منه الحديث، فأرويه عن الأعمش، واطرح المحدث.
290- النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما نحل والد ولده نحلا أفضل من أدب حسن.
291- من قعد به حسبه نهض به أدبه. أحسن الأدب أن لا يفخر المرء بأدبه.
292- الأصمعي «2» : ما من مطية أبلغ دركا «3» ، وهي وادعة، من الأدب.(4/67)
من لم يكن عليه قبول فلا جاه لأدبه.
293- سمع معاوية رجلا يقول: يا غريب، فقال: كلا، الغريب من لا أدب له.
294- إذا فاتك الأدب فالزم الصمت، فهو من أعظم الآداب.
295- قيل لمحمد بن علي بن الحسين «1» : متى يكون الأدب شرا من فقده؟ فقال: إذا كثر الأدب وقلت القريحة «2» .
296- رسطاليس: من ترك الأدب عقم عقله.
297- لكل شيء زينة، وزينة العقل الأدب.
298- علي رضي الله عنه: عز الشريف أدبه.
الأدب صورة العقل، فحسن صورة عقلك كيف شئت.
299- قيل لبعضهم: كيف طلبك للأدب؟ قال: طلب المرأة الرائم «3» أصغر ولدها وقد أضلته.
300- سمع الواقدي «4» يقول لبعض ولده: لو أردنا بكثرة علومنا الله لنلنا الدنيا والآخرة، ولكن المقصد كان الدنيا فلم ننل منها إلا المقدور.(4/68)
301- ما قرأت كتابه إلا حسد طرفي لساني على لفظه، وحسد لساني طرفي على لحظه.
302-[شاعر] :
وزنجية لم تلدها الأنام ... وفي جوفها من سواها ولد
يريد الدواة.
303- خطية أنبتها وشجيك، وغصن قومه تخريجك «1» .
304- الأدب غرس إذا لم يوافق ثرى ثريا «2» ، وجوا عذبا، وماء رويا، لم يرج إيراقه «3» .
305- مناقب لم تحلم بها الهمم، ولم تفطن لها الأمم، فكان أبا عذرها، ومفتض بكرها «4» .
306- ثمامة بن الأشرس: ما أثبتته الأقلام لا تطمع في دروسه الأيام. الأقلام رسل الكلام.
307- علي بن عبيدة «5» : أصم يسمع النجوى، ويجهل الشاهد، ويخبر بالغائب.
308- يقال للخط الردىء خط الملائكة. وفيه قولان: أحدهما أن خطهم غير بيّن للناس، وأجود الخط أبينه. والثاني إن أردأ الخط الرقم،(4/69)
وخطهم رقوم، قال الله تعالى: كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ
«1» .
309- منصور الفقيه:
قالوا خذ العين من كلّ فقلت لهم ... في العين فضل ولكن ناظر العين
حرفين من ألف طومار مسودة ... وربما لم تجد في الألف حرفين
310- فيلسوف: الخط لسان اليد.
311- السري «2» :
لك القلم الذي يضحى ويمسي ... به الإقليم محمي الحريم
هو الصل الذي لو عض صلّا ... لأسلمه إلى ليل السليم
312- أبو بكر الخوارزمي «3» :
صدعان من كبدي تمكن منهما ... صدغان ذو خال وآخر خالي «4»
فكأن ذا دال خلت من نقطة ... وكأن ذا ذال ونقطة ذال
313- حماد بن سلمة: مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل الحمار عليه مخلاته لا شعير فيها.
314- إبراهيم بن خلف البهراني «5» :
النحو يبسط من لسان الألكن ... والمرء تعظمه إذا لم يلحن
وإذا طلبت من الأمور أجلها ... فأجلها منها مقيم الألسن(4/70)
315- علي بن بسام «1» :
رأيت لسان المرء رافد عقله ... وعنوانه فانظر بماذا تعنون
ولا تعد اصلاح اللسان فأنه ... يخبر عما عنده ويبين
ويعجبني زي الفتى وجماله ... فيسقط من عيني ساعة يلحن
على أن للأعراب حدا وربما ... سمعت من الأعراب ما ليس يحسن
ولا خير في الأعراب فيه تعسف ... وفي المنطق الملحون والقصد أزين
316- قال طاووس «2» لابنه: هل كتبت؟ قال: نعم، قال:
أعارضت؟ قال: لا، قال: يا بني لم تكتب، ثم قال: يا بني أعارضت؟ قال: نعم. قال: أعجمت؟ قال: لا، قال: أعجم فإن العجم نور الكتاب «3» .
317- هشام بن عبد الملك لبنيه: تعلموا القرآن والنحو، فإن القرآن بلا نحو كالجسد بلا رأس.
318- الحسن: قد وكل إبليس سبعين شيطانا على أصحاب المحابر يصونون محابرهم.
319- النبي صلّى الله عليه وسلّم: النظر في وجوه العلماء عبادة.
320- سئل جعفر بن محمد الصادق «4» عنه فقال: هو العالم الذي إذا نظرت إليه ذكرك الآخرة، ومن كان على خلاف ذلك فالنظر إليه فتنة.(4/71)
321- دغفل النسابة «1» : إن للعلم آفة ونكدا وهجنة، فآفته النسيان، ونكده الكذب فيه، وهجنته نشرة عند غير أهله.
322- لقمان: اغد عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا، ولا تكن الخامس فتهلك «2» .
323- وفي ديوان المنظوم:
وما أسر بما قد نال من شرف ... كما أسر بفضل عنده وكرم
فكم صدور بلا فضل لهم نعم ... يرعونها مثل ما ترعى الرياض نعم «3»
أصبحن مثل الأسارى في أكفهم ... فهن مستصرخات لو نطقن بفم
وخير ما فيه من فضل محبته ... للفضل فهي على الفضل المبين علم
324- الثوري: يهتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل.
325- ويروى عن علي رضي الله عنه: كان يقال: يغفر للجاهل «4» سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد.
326- كتب رجل إلى أخ له: إنك قد أديت علما، فلا تطفئن نور علمك بظلمة الذنوب، فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم.
327- ابن مسعود: جنة العالم أدري، فإذا أخطأها أصيبت مقاتله.
328-[شاعر] :
إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده ... أطال فأملى أم تناهي فأقصرا
ويخبرني عن غائب المرء فعله ... كفى الفعل عما غيب المرء مخبرا(4/72)
329- عمر رضي الله عنه: ما من غاشية أدوم رتعا «1» وابطأ شبعا من عالم.
330- كان يقال: العلم قائد، والعمل سائق، والنفس حرون «2» ؛ فإذا كان قائد بلا سائق بلدت، وإذا كان سائق بلا قائد عدلت يمينا وشمالا.
331- عنه عليه السّلام: لا ينبغي لجاهل أن يسكت على جهله، ولا لعالم أن يسكت عن علمه.
332- ابن عباس: ذلك طالبا فعززت مطلوبا.
333- حكيم: إني لا أرحم أحدا كرحمتي لأحد رجلين: رجل يطلب العلم ولا يفهم، ورجل يفهم ولا يطلب.
334- ابن عبد الحكم «3» : كنت عند مالك اقرأ عليه، فحضرت الظهر فقمت لأصلي، فقال: ما الذي قمت إليه بأفضل من الذي كنت فيه إذا صحت النية.
335- قدم النوري عسقلان «4» ، فمكث مدة لا يسأل، فقال: اكتروا(4/73)
لي أخرج، هذا بلد يموت فيه العلم.
336- حكيم: تقول الحكمة: من التمسني فلم يجدني فليعمل أحسن ما يعلم، وليترك أقبح ما يعلم، فإذا فعل ذلك فأنا معه.
337- النخعي «1» : سل مسألة الحمقى، واحفظ حفظ الأكياس «2» .
338- الحسن: من استتر عن الطلب بالحياء لبس للجهل سر بالا، فاقطعوا سرابيل الحياء، فإنه من رق وجهه رق علمه.
339- حكيم: كما تقلب الأرض السبخة «3» طيب البذر إلى العفن كذلك الحكمة تفسد عند غير أهلها.
340- رأى عالم من يكتب عنه بعض ما يسمع، فقال: يا ابن أخي، أكتب كل ما تسمع، فإن أخسه خير من مكانه أبيض.
341- أبو نواس: أما أبو عبيدة فإن أمكنوه من شقره قرأ عليهم أساطير الأولين؛ وأما الأصمعي فبلبل في قفص تطربهم نغماته.
342- كان إسماعيل بن رجاء «4» يجمع صبيان الكتاب ويحدثهم لئلا ينسى حديثه.
343- أبو الدرداء «5» : قال رسول الله: كيف أنت يا عويمر إذا قيل(4/74)
أعلمت أم جهلت؟ فإن قلت علمت قيل لك: فما علمت فيما علمت؟
وإن قلت جهلت قيل لك: فما كان عذرك فيما جهلت؟
344- عبد الملك بن صالح العباس:
في الناس قوم أضاعوا مجد أولهم ... ما في المكارم والتقوى لهم أرب
سوء التأدب أرداهم وأرذلهم ... وقد يزين صحيح المنصب الأدب
345- سأل رجل ابن عمر عن شيء فقال: لا علم لي به، ثم قال بعد ما ولي الرجل نعم ما قال ابن عمر! قال لما لا يعلم لا أعلم.
346- سفيان بن عيينة: كنت في حلقة رجل من ولد عبد الله بن عمر فسئل عن شيء فقال: لا أدري. فقال له يحيى بن سعيد «1» : العجب منك كل العجب! تقول لا أدري وأنت ابن إمام هدى؟ فقال: أولا أخبرك بأعجب مني عند الله وعند من عقل عن الله: من قال بغير علم، أو حدث عن غير ثقة.
347- قال الهيثم بن جميل «2» : شهدت مالك بن أنس «3» ، سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في ثنتين وثلاثين منها لا أدري.(4/75)
348- وعن أبي سليمان بن بلال «1» : شهدت القاسم بن محمد «2» ، والناس يسألونه، فقال: يا هؤلاء بعض مسائلكم فإنّا لا نعلم كل شيء.
349- وكان عبد الله بن يزيد بن هرمز «3» يقول: ينبغي للعالم أن يورث جلساءه من بعده لا أدري، حتى يكون أصلا منه في أيديهم، إذا سئل أحدهم عما لا يعلم قال: لا أدري.
350- أنس: عنه عليه السّلام: العلماء أمناء الله على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان، ويداخلوا الدنيا، فإذا خالطوا السلطان، وداخلوا الدنيا فقد خانوا الرسل فاحذروهم.
351- الحسن: قال رسول الله: لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وفي كنفه ما لم يمالىء قراؤها أمراءها، وما لم يزك صلحاؤها فجارها، وما لم يمن خيارها أشرارها؛ فإذا هم فعلوا ذلك رفع الله عنهم يده، ثم سلط عليهم جبابرتهم فساموهم سوء العذاب، ثم ضربهم بالفاقة والفقر «4» .(4/76)
352- الثوري: إذا رأيت القارىء يلوذ «1» بالسلطان فأعلم بأنه لص، وإياك أن تخذع ويقال: يرد مظلمة، ويدفع عن مظلوم، فإن هذه خدعة إبليس اتخذها فجار القراء سلما.
353- عيسى عليه السّلام: مثل علماء السوء مثل صخرة وقعت على فم النهر، لا هي تشرب الماء، ولا هي تترك الماء يخلص إلى الزرع.
354- الأوزاعي «2» : شكت النواويس «3» ما تجد من نتن ريح الكفار، فأوحى الله إليها: بطون علماء السوء في أنتن مما أنتم فيه.
355- أبو الدرداء: ويل لمن لم يعلم مرة، وويل لمن يعلم ولا يعمل سبع مرات.
356- الأوزاعي: ما من شيء أبغض إلى الله من عالم يزور عاملا.
357- سحنون «4» : ما أسمج بالعالم أن يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد، فيسأل عنه، فيقال إنه عند الأمير.
358- ابن المبارك «5» كان يقول: الشرط خير من أصحابنا. قيل: يا(4/77)
أبا عبد الرحمن، وكيف ذاك؟ قال: الشرطي إذا كبر تاب، وهم إذا كبروا دخلوا عمل السلطان.
359- عمر بن أبي عمر النوقاني «1» :
أبت نفسي الدنيا فأنفس ما لها ... كتاب أبى إلّا إليه سكونها
أصون كتابي عن يد لا تصونه ... صيانة نفسي عن يد لا تصونها
360- أبو هارون العبدي «2» : دخلت على أبي سعيد الخدري فقال:
مرحبا بوصية رسول الله، قال: سيأتيكم قوم من بعدي يتفقهون في الدين، ويسألون عن حديثي، فاستوصوا بهم خيرا.
361- سأل المأمون من بحضرته عن المبايعين ليلة العقبة، فدخل أحمد بن أبي دؤاد، فعدهم واحدا واحدا، بأسمائهم وكناهم وأنسابهم، فقال المأمون: إذا استجلس الناس فاضلا فمثل أحمد، فقال: إذا جالس العالم خليفة فمثل أمير المؤمنين الذي يفهم عنه ويكون أعلم بما يقوله منه.
362- علي عليه السّلام: الناس عالم ومتعلم، وسائر الناس همج لا خير فيهم.
363- الجاحظ: إن لإياد «3» إسنادا يعجز عنه جميع البشر، فإن(4/78)
راوي كلامهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. يعني قصة قس «1» .
364- كان يقول يحيى بن الحسين الحسني «2» في إسناد صحيفة الرضا «3» : لو قرىء هذا الإسناد في أذن مجنون لأفاق.
365- علي رفعه: من أفتى الناس بغير علم لعنته السماء.
366- الغريبي الكوفي «4» - غلب عليه طلب الغريب فنسب إليه- في مدح الكتاب:
إن كنت تقصدني بظلمك عامدا ... فحرمت نفع صداقة الكتاب
السابقين إلى الصديق ثري الغنى ... والناعشين لعثرة الأصحاب(4/79)
والناهضين بكل عبء مثقل ... والناطقين بفضل كل خطاب
والعاطفين على الصديق بفضلهم ... والطيبين روائح الأثواب
ولئن جحدتهم الثناء فطالما ... جحد العبيد تفضل الأرباب
367- أنشد الصولي «1» لعمرو بن سليمان الجرجاني «2» :
صليني بالرسائل والسّلام ... وزوري زورة في كل عام
وجودي بالكتاب وعنونيه ... إلى الصب الكئيب المستهام
من الشمس المنيرة يوم دجن ... وبدر لاح من بين الغمام
368- نطاحة «3» :
وإذا نمنمت بناتك خطا ... معربا عن إصابة وسداد
عجب الناس من بياض معان ... يجتني من سواد ذاك المداد
369- علي رضي الله عنه، قال لكاتبه عبد الله بن أبي رافع «4» : ألق(4/80)
دواتك وأطل جلفة قلمك، وفرج بين السطور، وقرمط بين «1» الحروف، فإن ذلك أجدر بصباحة الخط.
370- رافع بن مالك الحارثي «2» :
أنّى يعد بنو الحصين مكارما ... إلا أقاول ما لها برهان
371- كان الأخفش سعيد بن مسعدة «3» يعلم ولد المعذل بن غيلان العبدي «4» فكتب إليه يستجفي ابنه:
أبلغ أبا عمرو حليف الندى ... بأن عبد الله لي جافي
قد أحكم الآداب طرا فما ... يجهل منها غير إلطافي
لم تند من كفيه لي قطرة ... وليس ذا منه بإنصاف(4/81)
372- فأجابه:
إن يجف عبد الله أو لم يجد ... يكفيك إنصافي وإلطافي
فقال:
ما بعد إنصافك لي غاية ... وبعض إنصافك لي كافي
373- صالح بن أبي حيان الطائي «1» :
إني أمت إليك بالعلم الذي ... يقضي لديك بحرمتي وذمامي
وقرابة الأدباء يقصر دونها ... عند الكرام قرابة الأرحام
374- صالح بن حيان اللخمي «2» :
تعلم إذا ما كنت لست بعالم ... فما العلم إلا عند أهل التعلم
تعلم فإن العلم أزين للفتى ... من الحلة الحسناء عند التكلم
ولا خير ممن راح ليس بعالم ... بصير بما يأتي ولا متعلم
375- موسى بن عبد الله بن يحيى بن خاقان «3» :
لعزة العلم يسعى الطالبون له ... إليه والعلم لا يسعى إلى أحد
وكل من لا يصون العلم يظلمه ... ومن يصنه بعدل يهد للرشد(4/82)
376- عبد الله بن شبرمة الكوفي القاضي:
رأيت فقه رجال في قلانسهم ... وفي ثيابهم الفحشاء والريب «1»
377- دخل عبد الله بن مسلم بن جندب الهذلي «2» على المهدي في القراء فأخذ عشرة آلاف درهم، ثم دخل في الفقهاء فأخذ عشرة آلاف، ثم دخل في الشعراء فأخذ عشرة آلاف، ثم دخل في القصاص فأخذ عشرة آلاف. فقال المهدي: لم أر كاليوم أجمع لما يجمع الله في أحد منك.
378- أبو عبيدة معمر بن المثنى في رجل كان يكسر عينه حياله، يوهمه أنه يعلم ما يقول:
يكلمني ويخلج حاجبيه ... لأحسب عنده علما دفينا
وما يدري قبيلا من دبير ... إذا قسم الذي يروي الظنونا
379- ابن المعتز في أبي العباس ثعلب «3» :
يا فاتحا لكل باب مغلق ... وصيرفيا ناقدا للمنطق
إن قال هذا بهرج لم ينفق ... إنا على البعاد والتفرق
لنلتقي بالذكر إن لم نلتق
380- قال الخضر لموسى عليه السّلام: يا موسى، تعلم العلم لتعمل به ولا تعلمه لتعلمه، فيكون عليك بوره «4» ولغيرك نوره. ثم اختفى الخضر وبقي موسى يبكي.(4/83)
381- سفيان الثوري: إن فجار القراء اتخذوا سلما إلى الدنيا، فقالوا: ندخل على الأمراء فنفرج عن المكروب، ونكلم في المحبوس «1» .
382- قال أبو حنيفة: رحمه الله لداود الطائي «2» : يا أبا سليمان، أما الأداة فقد أحكمناها، قال داود: فأيش بقي؟ قال: العمل بها، فنازعته نفسه إلى الانفراد والعزلة والعبادة.
383- سفيان: ما من عمل أفضل من طلب العلم إذا صحت فيه النية يعني يريد به الله والدار الآخرة.
384- إنما يفتح للمؤدب بقدر المؤدبين.
385- ملّ جماعة من الحكماء مجالسة رجل، فتواروا عنه في بيت، فترقى السطح، وسمع عليهم من الكوة، حتى وقع عليه الثلج فصبر، فشكر الله له ذلك فجعله إمام الحكماء، لا يختلفون في شيء إلا صدروا عن رأيه.
386- خرج علينا سفيان الثوري ونحن أحداث، فقال: يا معشر الشباب تعجلوا بركة هذا العلم، فأنكم لا تدرون لعلكم لا تبلغون ما تأملون ليفد بعضكم بعضا.
387- قدم جعفر بن برمك مكة، فقيل لفضيل: لو أتيته فحدثته فقال: إني أجل حديث رسول الله أن أذكره عند جعفر.
388- سفيان: زينوا أنفسكم بالعلم ولا تزينوا به.
389- قال فضيل: لطلبة الحديث: يا هؤلاء، عدوا إني كنت عبدا لكم، أما كنتم تبيعوني إذا كرهتكم؟ فقد كرهتكم.
390- كان خالد بن معدان «3» إذا عظمت حلقته قام فانصرف.(4/84)
391- الأوزاعي: من عمل بما يعلم كان حقا على الله أن يعلمه ما لا يعلم ويوفقه فيما يعلم، حتى يستوجب بذلك الجنة. ومن لم يعمل بما يعلم تاه فيما لا يعلم، ولم يوفق فيما يعلم، حتى يستوجب بذلك النار.
392- قيس بن الربيع «1» : ما أفسد هذا العلم إلا أنتم يا معشر الموالي والتجار كنا نجالس الشيخ فنسمع منه الحديثين والثلاثة والأربعة فنحفظها، وأنتم ترتحلون وتكتبون الحديث.
393- قيل للضحاك «2» : مالك لا تأتي عمر بن عبد العزيز؟ قال:
والله إني لأعرف أنه إمام عدل، ولكنه لا يلبث بين أظرهكم إلّا قليلا، وأمراء بني أمية لا يعرفونني، فأكره أن آتيه فيشهرني «3» فيتولع بي أمراء بني أمية بعده.
- قال له [رجل] يوما: ناولني الداوة، فقال له: أيش تكتب؟ فإن كان الله رضا ناولتك الداوة، وإلا لم أكن بالذي يعينك ويشاركك في معصية الله.
394- كان متعلم يكثر السؤال على عالم. فقال: لا ترض من نفسك أن ترغب في زيادة العلم مع نقصان العمل، وأراك قويا في السؤال. فانظر أن لا تكون ضعيفا في العمل فتكون من أسراء إبليس.
395- كانوا إذا تعلموا عملوا، وإذا عملوا شغلوا، فإذا شغلوا(4/85)
عرفوا، فإذا عرفوا هربوا.
396- علي رضي الله عنه: لا تجعلّن ذرب لسانك «1» على من أنطقك. وبلاغة قولك على من سددك «2» .
- وعنه رضي الله عنه: العلم علمان: مطبوع ومسموع، ولا ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع «3» .
- وعنه: حمل الكتاب على رأيه، وعطف الحق على أهوائه، يؤمن من العظائم، ويهون كثير الجرائم، يقول أقف عند الشبهات وفيها وقع، ويقول اعتزل البدع وبينها اضطجع، لا يعرف باب الهدى فيتبعه، ولا باب الهوى فيصد عنه. فذلك ميت الأحياء.
397- وصف أعرابي نفسه بالحفظ فقال: كنت كالرملة لا يقطر عليها شيء إلا شربته.
398- شكا رجل إلى وكيع بن الجراح سوء الحفظ، فقال: استعينوا على الحفظ بترك المعاصي، فأنشأ يقول:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي
وذلك إن حفظ المرء فضل ... وفضل المرء لم يدركه عاصي
وكان وكيع يقول: ما خطوت للدنيا منذ أربعين سنة، ولا سمعت حديثا فنسيته.
قيل: وكيف ذاك؟ قال: لأني لم أسمع شيئا إلا عملت به.
وحتف الكلمة الشرود مثل في الحفظ.(4/86)
399- عن أبي يوسف «1» : مات لي ابن فأمرت من يتولى دفنه، ولم أدع مجلس أبي حنيفة، خفت أن يفوتني يوم منه.
400- رأى أيوب السختياني «2» صاحبا يبادر حاجة، فقال: قم فإني لو علمت أن أم نافع تحتاج إلى دستجة بقل «3» ما قعدت معكم. أراد أن من حق حاضر مجلس العلم أن يكون فارغ البال قد قضى حوائجه.
401- مالك بن دينار: بلغنا أنه يكون في آخر الزمان رياح وظلم، فيفزع الناس إلى علمائهم، فيجدونهم قد مسخوا. وليس ذلك إلا العالم الذي يأكل الدنيا بعلمه. وأنشد:
عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى ... وللمشتري دنياه بالدين أعجب
402- محمد بن بشير «4» :
خلوت في البيت أرضى بالذي رضيت ... به المقادير لا شكوى ولا شغب «5»
فردا يحدثني الموتى وتنطق لي ... عن علم ما غاب عني عنهم الكتب
هم مؤنسون وألافّ غنيت بهم ... فليس لي في أنيس غيرهم أرب
لله من جلساء لا جليسهم ... ولا عشيرهم للشر مرتقب
لا بادارات الأذى يخشى رفيقهم ... ولا يلاقيه منهم منطق ذرب
أبقوا لنا حكما تبقى منافعها ... أخرى الليالي على الأيام وانشعبوا «6»
فأيما أدب منهم مددت يدي ... إليه فهو قريب من يدي كثب
إن شئت من محكم الآثار ترفعه ... إلى النبي ثقات خبرة نجب(4/87)
أو شئت من عرب علما بأولهم ... في الجاهلية أنبتني به العرب «1»
حتى كأني قد شاهدت عصرهم ... وقد مضت دونهم من دهرهم حقب
403- عطاء بن أبي رباح: ما رأيت مجلسا أكرم من مجلس ابن عباس أكثر فقها، وأعظم جفنة، إن أصحاب القرآن عنده، وأصحاب الشعر عنده يصدرهم كلهم في واد واسع.
404- رأى ابن كثير «2» قارىء المدينة رسول الله في المنام جالسا، والناس يسألونه، فقال: إني قد تركت تحت المنبر كنزا، وقد أمرت مالكا، أن يقسمه فيكم، فاذهبوا إلى مالك.
405- محمد بن إسحاق بن خزيمة «3» : ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بالحديث، ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري «4» . وكان يقال: حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث.(4/88)
406- وقال البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح، وقال: ما وضعت في كتاب الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين، ووضع تراجمه بين قبر رسول الله ومنبره، وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين، وقال: أخرجته من ستمائة ألف حديث، وصنفته في ستّ عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله.
407- أبو حيان التوحيدي «1» : لا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشا من العلم، ولا تثق بالعلم ما دمت مقصرا بالعمل، لكن اجمع بينهما وإن قل نصيبك منهما فإنك إن وهبت للعمل كلك أقعدك وأكلك. وإن منحت العلم كلك حيرك وأضلك. وآفة العمل تعلقه بالرياء. وآفة العلم تعلقه بالكبرياء، الخير بين طرفيهما متربع.
408- من عرف ما خوّف به سهل عليه الهرب مما نهي عنه.
409- سماع مرة فائدة، وسماع مرتين إفهام، فإن زال الفحص كان المستفيد أخا الجاهل. ومن حفظ علما بغير تفهم فقد زرع جهلا حصيده التعب.
410- كان سليمان بن عبد الملك يجمع جواريه ونساءه، ويحدثهن(4/89)
بضروب من العلم، ثم يقول: إني لأعلم أنكن لا تدرين ما أقول ولكن أريد التحفظ.
411- قال مجاهد «1» : أتينا عمر بن عبد العزيز لنعلمه، فما برحنا حتى تعلمنا منه.
412- قيل لنصر بن سيار «2» : إن فلانا يكتب، فقال: تلك الزمانة الخفية.
413- قال علي رضي الله عنه للحسن: يا بني، جالس العلماء، فإن أصبت حمدوك، وإن جهلت علموك، وإن أخطأت لم يعنفوك. ولا تجالس السفهاء فأنهم خلاف ذلك.
414- جعفر بن محمد: على العالم إذا علم أن لا يعنف، وإذا علم أن لا يأنف.
415- الأوزاعي: كنا إذا جئناه، يعني عطاء «3» ، نهاب أن نسأله حتى يمس عارضيه أو يلتفت أو يتنحنح، فندنو منه حينئذ فنسأله.
416- الأعمش عن أبي وائل «4» مثل قراء هذا الزمان كمثل غنم ضوائن ذات صوف عجاف، أكلت من الحمض، وشربت من الماء حتى انتفخت خواصرها. فمرت برجل فأعجبته، فقام إليها فجس منها شاة فإذا هي لا تنقى «5» ، ثم، مس أخرى فإذا هي لا تنقى، ثم مس أخرى فإذا هي(4/90)
كذلك، فقال: كل لا خير فيه.
417- ابن عباس: تذاكر العلم بعض ليلة أحب إليّ من إحيائها.
418- قيل للقمان: من أعلم الناس؟ فقال: من ازداد من علم الناس إلى علمه.
419- الشعبي «1» : ما حدثوك عن أصحاب محمد فخذه، برأيهم ما قالوا فبل عليه.
420- عبد الملك بن عمير: من إضاعة العلم أن تحدث به غير أهله.
421- قال علي رضي الله عنه: من يشتري علما بدرهم؟ فقام الحارث الأعور «2» ، فاشترى صحفا بدرهم، فكان يكتب فيها فقال علي:
يا أهل الكوفة غلبكم نصف رجل.
422- لما قدم عمر مكة قال: يا أهل مكة هل تجمعون لي المسائل وفيكم عطاء بن أبي رباح؟
423- وهب «3» : أرض بالدون من الدنيا مع العلم، ولا ترض بالدون من العلم مع الدنيا.(4/91)
424- سئل ابن عمر عن فريضة فقال: أئت سعيد بن جبير فإنه أعلم بالفرائض مني.
425- الليث «1» : ما هلك عالم قط إلا ذهب ثلثا علمه ولو حرص الناس.
426- حكيم: أمور الدين والدنيا تحت شيئين أحدهما تحت الآخر، وهما السيف والقلم، والسيف تحت القلم.
427- يزعم المنجمون أن القلم في حساب الجمل «2» وزنه نفاع، لأن الألف واحد، واللام ثلاثون، والقاف مائة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فذلك مائتان وواحد. ونفاع: النون خمسون، والفاء ثمانون، الألف واحد، والعين سبعون، فذلك مائتان وواحد.
428- ذو الرياستين: الأدب عشرة أجزاء، ثلاثة أنو شروانية: لعب الشطرنج، والضرب بالعود، وضرب الصوالج، وثلاثة شهر جانية:(4/92)
الهندسة، والطب، والنجوم. وثلاثة عربية: النحو، والشعر، وأيام العرب. وواحدة فاقتهن كلهن مقطعات الشعر والسمر.
429- إذا سئل العالم فلم يحب [أن يقال] أنت، فإن ذلك خفة واستخفاف بالسائل والمسؤول.
430- كان زيد بن ثابت رضي الله عنه يكره أن يكتب بسم الله بغير سين وإذا رآها بغير سين محاها.
431- وكتب كاتب عمرو بن العاص إلى عمر ولم يكتب لها سينا، فضربه، فقيل له فيم ضربك عمر؟ قال: ضربني في سين.
432- وكتب عامل لعمر بن عبد العزيز من مصر كتابا بغير سين، فأمره بالقدوم عليه، ودفع إليه كتابه وقال: إجعل لبسم سينا وارجع إلى مصرك.
433- جابر بن عبد الله بن النبي صلّى الله عليه وسلّم: إذا كتب أحدكم كتابا فليترّبه فإن التراب مبارك، وهو أنجح للحاجة.
434- وروى عنه عليه السّلام أنه كتب كتابين، فأترب أحدهما ولم يترب الآخر، فأسلمت القرية التي ترب كتابها.
435- وكتب إلى النجاشي «1» فأترب كتابه فأسلم، وكتب إلى كسرى فلم يترب كتابه فلم يسلم.
436- وكتب رسول الله كتابا لا كيدر درمة «2» فلم يكن له يومئذ خاتم فختمه بظفره.
437- كانت فارس تشعث أسنان أقلامها ثم تكتب بها، والصين أقلامهم أنانبيب قد شدت على رؤوسها شعيرات كالتي يستعملها النقاشون.(4/93)
438- إعلم أن وزن الخط وزن القراءة، وأجود القراءة أبينها، وأجود الخط أبينه.
439- من خدم المحابر خدمته المنابر.
440- أبو الحسن الأحمر «1» : ربما أنسيت البيت الذي يستشهد به في النحو، فينشد فيه محمد الأمين «2» . وما رأيت في الملوك أذكى منه ومن المأمون.
441- كان مع المعتصم «3» غلام في الكتاب، يتعلم معه، فمات، فقال له الرشيد: يا محمد مات غلامك؟ قال: نعم، واستراح من الكتاب. قال: وإن الكتاب ليبلغ منك هذا المبلغ؟ قال: نعم. قال دعوة لا تعلموه شيئا. فكان يكتب كتابا ضعيفا ويقرأ قراءة ضعيفة.(4/94)
الباب الحادي والستون الغزو، والقتل، والشهادة، وذكر الحرب، والأسلحة، والهزيمة، والغارة، والشجاعة والجبن، وما أشبه ذلك
1- أبو هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: تكفل الله لمن جاهد في سبيله، لا يخرجه من بيته إلا جهاد في سبيله وتصديق كلمته، بأن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة.
- وعنه يرفعه: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء «1» .
- وعنه يرفعه: من خير معاش (الناس) رجل يمسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه، كلما سمع هيعة «2» طار عليه يبتغي القتل والموت فناله؛ أو رجل في رأس شعفة «3» من هذه الشعف، أو بطن واد من هذه الأودية، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، يعبد ربه حتى يؤتيه(4/95)
اليقين «1» .
2- كتب أبو بكر رضي الله عنه: اعلم أن عليك عيونا من الله ترعاك وتراك، فإذا لقيت العدو فاحرص على الموت توهب لك السلامة «2» . ولا تغسل الشهداء من دمائهم، فان دم الشهيد يكون نورا يوم القيامة.
3- عمر رضي الله عنه: لا تزالون أصحاء ما نزعتم ونزوتم «3» وكان إذا رأى عمرو بن معد يكرب قال: الحمد الله الذي خلقنا وخلق عمرا.
4- العباس بن مرداس:
إذا مات عمرو قلت للخيل أوطئي ... رويدا فقد أودى بنجدتها عمرو
5- سئل المهلب عن أشجع الناس فقال: فلان وفلان، فقيل: فأين ابن الزبير، ابن خازم السلمي «4» ؟ فقال: إنما سئلت عن الأنس ولم أسأل عن الجن.
6- الأجدع الهمداني أبو مسروق «5» :(4/96)
لقد علمت نسوان همدان أنني ... لهن غداة الروع غير خذول
وأبذل في الهيجاء وجهي وأنني ... له في سوى الهيجاء غير بذول
7- وصف أعرابي قوما فقال: طالت خصومتهم أطراف الرماح.
8- رأى عبد الرحمن بن سليم الكلبي «1» بنيه راكبوا «2» عن آخرهم فقال: آنس الله بتلاحقكم الإسلام. فو الله لئن لم تكونوا أسباط نبوة أنكم لأسباط ملحمة.
9- ذكر أعرابي مغاورين فقال: احتثوا «3» كل جمالية عوانة، فما زالوا يخصفون أخفاف المطي بحوافر الخيل حتى أدركوهم بعد ثالثة فجعلوا المر أرشية الموت فاستقوا به أرواحهم.
10- وقال آخر: تلاقوا في الحرب فما تصافّوا حتى تلافّوا «4» .
11- بعض الخوارج:
ومن يخش أظفار المنايا فإننا ... لبسنا لهن السابغات من الصبر «5»
وإن كريه الموت عذب مذاقه ... إذا ما مزجناه بطيب من الذكر(4/97)
حضّ منصور بن عمار «1» على الغزو، فطوحت «2» امرأة رقعة فيها:
رأيتك يا بن عمار تحض على الجهاد، وقد ألقيت إليك ذؤابتي، فلست أملك والله غيرها، فبالله إلا جلعتها قيد فرس غاز في سبيل الله، فعسى الله أن يرحمني، فارتج المجلس بالبكاء.
12- قال سيف بن ذي يرن «3» لأنوشروان، حين أعانه بوهرز الديلمي «4» ومن معه: أيها الملك، أين تقع ثلاثة آلاف من خمسين ألفا؟
فقال: يا عربي، كثير الحطب يكفيه قليل النار.
13- ابن الرومي «5» :
يشيعه قلب رواع وصارم ... صقيل بعيد عهده بالصياقل «6»
تشيم بروق الموت في صفحاته ... وفي حده مصداق تلك المخايل «7»(4/98)
14- وقع في بعض العساكر هيج «1» ، فوثب خراساني إلى دابته ليلجمها، فصير اللجام في الذنب من الدهش، فقال: هب جبهتك عرضت، ناصيتك كيف طالت؟.
15- كان الجراح بن عبد الله «2» يلبس درعين، فأكثر رجل النظر إليه، فقال؛ يا هذا، ما أقى والله بدني وإنما أقى صبري. فسمع بذلك سعد بن عمر الحرشي «3» ، وكان من فرسان الشام فقال: صدق الجراح، لأن لأمة الفارس حظيرة نفسه.
16- داود بن رزين الواسطي «4» في الرشيد:
أكّال أفئدة الرجال كأنما ... نضح الدماء بمساعديه عبير
يمشي العرضنة في الحروب كأنه ... أسد لهيبته القلوب تطير «5»
17- النبي صلّى الله عليه وسلّم: الخير في السيف، والخير مع السيف، والخير بالسيف.(4/99)
18- صمصامة عمرو «1» أشهر سيوف العرب، وممن تمثل به نهشل بن حري «2» .
أخ ماجد ما خانني يوم مشهد ... كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه
- ولما وهبه عمرو لخالد بن سعيد بن العاص عامل رسول الله على اليمن قال:
خليلي لم أخنه ولم يخنّي ... إذا ما صاب أوساط العظام «3»
خليلي لم أهبه من قلاه ... ولكن المواهب للكرام «4»
حبوت به كريما من قريش ... فسر به وصين عن اللئام «5»
وودعت الصفيّ صفي نفسي ... على الصمصام أضعاف السلام
فلم يزل في آل سعيد حتى اشتراه خالد بن عبد الله القسري بمال خطير لهشام، وكان قد كتب إليه فيه، فلم يزل عند بني مروان. ثم طلبه السفاح والمنصور فلم يجداه. فجد الهادي «6» في طلبه حتى ظفر به.
فجرده ودعا بمكتل «7» من الدنانير، وأمر الشعراء أن يصفوه ففعلوا فلم يقع(4/100)
منه إلا قول أبي الهول الحميري «1» :
حاز صمصامة الزبيدي من بين ... جميع الأنام موسى الأمين
سيف عمرو وكان فيما سمعنا ... خير ما أطبقت عليه الجفون «2»
فقال الهادي: السيف لك والمكتل لك، فأخذهما وفرق الدنانير على الشعراء، وقال: دخلتم معي وأخرجتم من أجلي، ولي في السيف عوض. وهو القائل فيه:
حسام غداة الروع ماض كأنه ... من الله في قبض النفوس رسول
وكان على الصمصامة مكتوبا:
ذكر على ذكر يصول بصارم ... ذكر يمان في يمين يمان
19- كان لأبي حية النميري سيف ليس بينه وبين العصا فرق، وكان يسميه لعاب المنية. فحكى جار له قال «3» : أشرفت عليه ذات ليلة وقد اقتضاه «4» ، وفي بيته كلب ظنه لصا، وهو يقول: أيها المغتر بنا، والمجترىء علينا، بئس والله ما اخترت لنفسك، خير قليل، وشر طويل، وسيف صقيل، لعاب المنية الذي سمعت به، مشهورة ضربته، لا تخاف نبوته، أخرج بالعفو عنك، لا أدخل بالعقوبة عليك، إني والله إن أدع قيسا تملأ الفضاء خيلا ورجالا، يا سبحان الله ما أكثرها وأطيبها؟! ثم فتح الباب فإذا كلب! فقال: الحمد لله الذي مسخك كلبا وكفانا حربا.
20- منفعة بن مالك الضبي «5» .(4/101)
كفاني من الدنيا دلاص حصينة ... وأجرد خوار العنان نجيب
أقاتل عن ديني عليه وأتقي ... عدوي وأدعى للندى فأجيب
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له ... من الله في دار القرار نصيب
21- ذكر للمتوكل سيف من سيوف حمير، فطلب باليمن، ثم بالمغرب ثم بسائر البلاد حتى ظفر به بالبصرة، فشري بثلاثين ألف درهم.
فأبصره فهزه فأعجب به إعجابا شديدا، ودعا بجزور فقدها به؛ فوضعه تحت فراشه، ثم قال لبغا «1» : انظر لي تركيا أيدا شجاعا يتقلده «2» ، فدفع إلى باغر «3» وقيل له: تقلده لا يفارقنك فيكون حاضرك متى طلبته منك.
فبذلك السيف قتله.
22- ابن الرومي:
لم أر شيئا حاضرا نفعه ... للمرء كالدرهم والسيف
يقضي له الدرهم حاجاته ... والسيف يحميه من الحيف
23- علي رضي الله عنه لابن الحنفيّة حين أعطاه الراية: تزول الجبال ولا تزول. عض على ناجذك، أعر الله جمجمتك، تد في الأرض قدمك أرم ببصرك أقصى القوم، وغض بصرك، واعلم أن النصر من عند الله «4» .(4/102)
- خوف عليه السّلام بالغيلة فقال «1» : إن علي من الله جنة حصينة، فإذا جاء يومي انفرجت عني وأسلمتني فحينئذ لا يطيش السهم، ولا يبرؤ الكلم.
- وعنه: ولقد كنا مع رسول الله نقتل آباءنا وأبناءنا، وأخواننا وأعمامنا ما يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما، ومضيا على اللقم «2» وصبرا على مضض الألم (وجدا في جهاد العدو) ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا، ومرة لعدونا منا.
فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت، وأنزل علينا النصر، حتى استقر الإسلام ملقيا جرانه، ومتبوءا أوطانه، ولعمري لو كنا نأتى ما أتيتم ما قام للدين عمود، ولا أخضر للإيمان عود. وأيم الله لتحتلبنّها دما ولتتبعنّها ندما.
24- الحريش بن هلال القريعي «3» :
لبدي فراشي إذا ما آنسوا فزعا ... وتحت رأسي إذا ما نوموا حجر(4/103)
وفي يميني خشيب ما يفارقني ... عضب مهزته ذو رونق ذكر «1»
بزي الحديد ويحميني إذا هجمت ... عني العيون جواد قارح ذكر
بذاك أشهد يوم الروع إذ شجرت ... بسل الكماة وضاق الورد والصدر «2»
25- أبو مسلم صاحب الدعوة: أشد الناس قتالا ممتعض من ذلة، أو محام على ملة، أو غيور على طلة «3» .
26- الإسكندر: احتل للشمس والريح بأن يكونا لك ولا يكونا عليك حبب إلى عدوك الفرار بأن لا تتبعهم إذا انهزموا.
27- أفراسياب «4» إلى أخيه كرسون «5» : يا أخي إن الشجاع محبب حتى إلى عدوه، والجبان مبغض حتى إلى أمه.
28- لما أقبل كسرى هرمز لمحاربة بهرام «6» قال له حاجبه: أما تستعد؟ قال: عدتي ثبات قلبي، وأصالة رأيي، ونصل سيفي، ونصرة خالقي.
29- كان ذو الفقار «7» عند أولاد علي رضي الله عنه يتوارثونه حتى(4/104)
وقع إلى بني العباس. قال الأصمعي: رأيت هارون متقلدا سيفا، فقال:
يا أصمعي، ألا أريك ذا الفقار؟ أسلل سيفي هذا: فأستللته، فرأيت فيه ثماني عشرة فقارة. قال المبرد في كتاب الاشتقاق: كانت فيه حزور مطمئنة شبهت بفقار الظهر، وهو سيف منبه بن الحجاج «1» ، وكان صفي «2» رسول الله في غزوة بني المصطلق.
30- أنشد الأصمعي لعبد الله بن الحسن بن موسى العلوي «3» :
إذا اللئيم مط حاجبيه ... وذب عن حريم درهميه
فزنّه وزنّ والديه ... وارتحل السيف بشفرتيه «4»
واستنزل الرزق بمضربيه ... إن قعد الدهر فقم إليه
31- أوصى عبد الملك بن صالح أمير سرية «5» فقال: أنت تاجر الله لعباده، فكن كالمضارب «6» الكيس، إن وجد ربحا اتجر، وإلا احتفظ(4/105)
برأس المال. ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة، وكن من احتيالك على عدوك أشد خوفا من احتيال عدوك عليك.
32- قال أعرابي لابنه: يا بني، كن يدا لأصحابك على من قاتلهم، ولكن إيّاك والسيف فإنه ظل الموت، واتق الرمح فإنه رشاء «1» المنية. واحذر السهام فإنها رسل الهلاك. قال: فبم أقاتل؟ قال:
جلاميد أملاء الأكف كأنها ... رؤوس رجال حلقت بالمواسم «2»
33- النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف.
34- علي رضي الله عنه: بقية السيف أنمى عددا، وأكثر ولدا «3» .
وعوين «4» ذلك في ولد علي، وولد المهلب: فقد قتل مع الحسين عامة أهل بيته، ولم ينج إلا ابنه علي «5» لصغره، فأخرج الله من صلبه الكثير الطيب. وقتل يزيد بن المهلب وإخوته وذراريهم، ثم مكث من بقي منهم نيفا وعشرين سنة لا يولد فيهم إنثى ولا يموت منهم غلام.
35- كيخسرو: أعظم الخطأ محاربة من يطلب الصلح.
36- أنوشروان: الفرار في وقته ظفر.
37- كتب عمران بن حطان إلى الحجاج:
أسد عليّ وفي الحروب نعامة ... ربداء تفزع من صفير الصافر
هلّا برزت إلى غزالة في الوغى ... بل كان قلبك في جناحي طائر
ملأت غزالة قلبه بفوارس ... تركت مسالحه كأمس الدابر(4/106)
38- غزالة الحرورية امرأة شبيب «1» :
39- بعض العرب: ما لقينا كتيبة فيها علي بن أبي طالب إلا أوصى بعضنا إلى بعض.
40- أعرابي: ألحاظهم سهام، وألفاظهم سمام.
41- عرض عمرو بن الليث «2» عسكره، فمر به رجل على فرس أعجف فقال: لعن الله هؤلاء، يأخذون المال ويسمنون به أكفال نسائهم؛ فقال: أيها الأمير، لو نظرت إلى كفل امرأتي لرأيته أهزل من كفل دابتي، فضحك وأمر له بمال وقال سمن بهذا كفلي دابتك وامرأتك.
42- وقيل لعباد بن الحصين «3» وكان من أشجع الناس: في أي(4/107)
جنة «1» تحت أن تلقى عدوك؟ فقال: في أجل مستأخر.
43- اصطفوا كجناح العقاب الكاسر، وشدوا شدة الضيغم الخادر «2» فما ثنوا أعنتهم، ولا كفوا أسنتهم حتى هزموا القوم.
44- أرقلوا إلى الموت إرقال الجمال المصاعب «3» ، وانقضوا على العدو انقضاض رجوم الكواكب.
45- جعلوا أرشيتهم الرماح، فاستقوا بها الأرواح.
46- ضرب تعضب منه الهامات على الأجساد «4» .
47- نهار بن توسعة:
قدمت صدر السيف ثم تبعته ... كالفجر مد عموده المنجابا
في مظلم الأرجاء يؤنسني به ... ماض وقلب لم يكن وجابا «5»
48- علي رضي الله عنه في صفين: معاشر: المسلمين، استشعروا «6» الخشية، وتجلببوا السكينة، وعضوا على النواجذ، فأنه أنبى للسيوف عن الهام، وأكملوا اللامة، وقلقلوا السيوف في الأغماد قبل سلها، والحظوا الخزر، واطعنوا الشزر، ونافحوا بالظبا، وصلوا السيوف بالخطأ، واعلموا(4/108)
أنكم بعين الله، ومع ابن عم رسول الله. فعابوا الكر، واستحيوا من الفر، فأنه عار في الأعقاب، ونار يوم الحساب وطيبوا عن أنفسكم نفسا وامشوا إلى الموت مشيا سجحا. وعليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطنب، فاضربوا ثبجه، فإن الشيطان كامن في كسره، قد قدم للوثبة يدا، وأخر للنكوص رجلا، فصمدا صمدا حتى يتجلى لكم عمود الحق وأنتم الأعلون، والله معكم، ولن يتركم أعمالكم.
- وعنه لمعاوية: وقد دعوت للحرب، فدع الناس جانبا وأخرج إلي، ليعلم أينا المرين «1» على قلبه، والمغطى على بصره، فأنا أبو حسن قاتل جدك وخالك وأخيك شدخا يوم بدر، وذلك السيف معي، وبذلك القلب ألقى عدوي.
49- إبراهيم بن عبد الله بن الحسن في أخيه النفس الزكية حين قتل:
سأبكيك بالبيض الرقاق وبالقنا ... فإن بها ما يدرك الطالب الوترا
وأنّا لقوم ما تفيض دموعنا ... على هالك منا وان قصم الظهرا
ولست كمن يبكي أخاه بعبرة ... يعصّرها من جفن مقلته عصرا
ولكنني أشفي فؤادي بغارة ... تلهب في قطري كتائبها الجمرا(4/109)
50- كان يقال عمر رضي الله عنه مفتاح الأمصار، لأنه الذي فتح أكثرها.
51- أعرابي: ما ظنكم بسيوف الله في أيدي أوليائه؟ وقد نصرهم من سمائه وسلطهم على أعدائه.
52- إذا صافحوا بالسيوف فغرت «1» المنايا أفواهها، فرب يوم عارم قد أحسنوا أدبه.
53- خرج يزيد بن عبد الملك من بعض مقاصيره وعليه درع، وذلك في أيام قتال يزيد بن المهلب فأنشده مسلمة «2» قول الحطيئة «3» :
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو بانت بأطهار
فقال يزيد: إنما ذاك إذا حاربنا أكفاءنا، أما مثل هذا المزوني «4» فلا فقبّل مسلمة بين عينيه.
54- أعطى رسول الله عليه عبد الله بن جحش «5» يوم أحد عسيبا من نخل، فرجع في يده سيقا.
55- استطال علي رضي الله عنه درعا، فقال: لينقص منها كذا(4/110)
حلقة، فقبض محمد بن الحنفية بإحدى يديه على ذيلها، وبالأخرى على فضلها، ثم جذبها، فقطعها من الموضع الذي حده له أبوه.
56- ملكت الفرس بعد يزدجرد «1» رجلا ليس من آل ساسان «2» ، لما رأوا من ظلم يزدجرد وعسفه، فنهد بهرام جور- وكان في حجر النعمان بن المنذر «3» ملك الحيرة، لأن أباه يزدجرد سلمه إليه ليأخذ لغات العرب وأخبارها وآدابها- لطلب المملكة، وقال: اعمدوا إلى أسدين جائعين فاطرحوا بينهما التاج، فمن أخذه فهو الملك. ففعلوا، فدنا منهما فأهويا نحوه، فأخذ برأس أحدهما فأدناه من رأس الآخر، ثم نطحه به، فقتلهما جميعا، وشد على التاج فأخذه ووضعه على رأسه، فملكته الفرس.
57- أم الحباب بنت عاتكة الكلابية «4» :(4/111)
إذا فزعوا طاروا إلى كل شطبة ... تكاد إذا صلّ اللجام تطير
وزغف مثناة دلاص كأنها ... إذا شرجت فوق الكمي غدير «1»
58- كعب بن مالك «2» :
إذا ما نحن أشرجنا علينا ... جياد الجدل في اللزب الشداد «3»
قذفنا في السوابغ كل صقر ... كريم غير معتلث الزناد «4»
59- أعرابي: يقتحمون الحرب حتى كأنما يلقونها بأنفس أعدائهم.
60- علي رضي الله عنه: يا قنبر «5» ، لا تعر فراس «6» أي: لا تسليم قتلاي من البغاة.
61- لا يخطىء في رميته كما لا يخطىء في رؤيته. أفترسه فافترشه.
62- لبعض أهل اليمامة في وصف رماة الفرس: ينزعون في قسي كأنها العتل، تئط أحداهن أطيط الزرنوق، يمغط أحدهم فيها حتى يتفرق شعر أبطيه، ثم يرسل نشابة كأنها رشاء منقطع، فما بين أحدكم وبين أن ننطح(4/112)
عينه، أو تصدع قلبه منزلة «1» .
63- ابن الرومي يصف الترك:
لهم عدة تكفيهم كلّ عدة ... بنات الحنايا والقسي الموتر «2»
64- يريد ببنات الحنايا النشاب.
65- محرز الكاتب «3» :
لله درّ عصابة تركية ... دفعوا نوائب دهرهم بالسيف
قتلوا الخليفة جعفر في ملكه ... وكسوا جميع الناس ثوب الخوف «4»
أنشدهما بغا بعد قتل المستعين فأجازه «5» بعشرة آلاف ووصيفة وضيئة كانت قائمة على رأسه.
66- لم يكن في العجم أرمى من بهرام جور. تصيد وهو مردف حظية له يتعشقها، فعرضت له ظباء، فقال: أين تريدين أن أضع السهم؟
فقالت أريد أن تشبه ذكرانها بالإناث؛ وأناثها بالذكران، فرمى ظبيا ذكرا بنشابة ذات شعبتين، فاقتلع قرنيه؛ ورمى ظبية بنشابتين أثبتهما في موضع القرنين، ثم سألته أن يجمع ظلف الظبي وأذنه بنشابة، فرمى أصل الأذن ببندقة «6» ، فلما أهوى بيده إلى أذنه ليحتك رماه بنشابة، فوصل أذنه(4/113)
بظلفه. ثم رمى بالجارية إلى الأرض وقال: لشد ما اشتططت عليّ وأردت إظهار عجزي.
67- أتى سليمان بن عبد الملك بأسارى، فأمر الفرزدق بضرب عنق أحدهم، فضرب فنبا سيفه، وكلح الأسير في وجهه، فارتاع، وضحك سليمان والقوم. هجاه جرير بذلك. فقال في الاعتذار.
أيعجب الناس أن أضحكت سيدهم ... خليفة الله يستسقى به المطر «1»
لم ينب سيفي من رعب ولا دهش ... عن الأسير ولكن أخر القدر
ولن يقدم نفسا قبل ميتتها ... جمع اليدين ولا الصمصامة الذكر
68- لما اعتل خالد بن الوليد جعل يقول: لقيت كذا وكذا زحفا، فما في جسدي موضع شبر إلّا وفيه ضربة بسيف، أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وها أنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت العير «2» ، فلا نامت عيون الجبناء.
- ولما ارتفعت الأصوات عليه أنكرها بعض الناس، فقال عمر: دع نساء بني المغيرة يبكين أبا سليمان، ويذرين من دموعهن سجلا أو سجلين ما لم يكن نقع أو لقلقة.
69- غزا عمرو بن عتبة بن فرقد «3» ، فحاصروا بلدا، فخرج وعليه(4/114)
جبة جديدة بيضاء، فقال لأبيه أي شيء أحسن فوق هذه؟ فقال: مطرف «1» من الخز؛ فقال: ما شيء أحسن فوقها في نفسي من دم ينحدر عليها. ثم اعتزل الصف، فقام فصلى، فجعل يدعو؛ فقال أبوه: هذا عمرو يستشفع عليّ بربه؛ ثم قال: إركب يا بني إن شئت. فركب واستشهد وتحدر الدم على جبته.
70- النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما من قطرة أحب إلى الله من قطرة دم في سبيله أو قطرة دمع في جوف الليل من خشيته.
71- عبد الله بن رواحة «2» : حين خرج إلى مؤتة «3» ، وقيل له:
نسأل الله أن يردك سالما.
لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات فرغ تنضح الزبدا «4»
أو طعنة بيدي حران مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا «5»
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي ... أرشدك الله من غاز وقد رشدا «6»(4/115)
72- أنس: قال رسول الله حين انتهينا إلى خيبر: الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين «1» .
- وعنه: لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها «2» .
73- ابن مسعود رفعه: أرواح الشهداء في حواصل طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل.
74- أنس: عنه عليه السّلام إنه قال يوم بدر: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، فقال عمير بن الحمام الأنصاري «3» : يا رسول الله، جنة عرضها السموات والأرض! قال: نعم قال: بخ بخ. قال: فاخترج تمرات من قرابه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة. فرمى بما معه من التمر. ثم قاتل حتى قتل.
75- سمع رجل عبد الله بن قيس يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الجنة تحت ظلال السيوف «4» . فقال: يا أبا موسى أأنت سمعت رسول(4/116)
الله يقوله؟ قال: نعم، فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن «1» سيفه. ثم مشى بسيفه إلى العدو، فضرب به حتى قتل.
76- قرىء على سيف:
إذا كنت في كف الفتى ثم لم يكن ... على الهول مقداما فقامت نوادبه
77- بكر بن النطاح في أبي دلف:
قالوا وينظم فارسين بطعنة ... يوم اللقاء ولا نراه جليلا
لا تعجبوا لو كان طول قناته «2» ... ميلا إذا نظم الفوارس ميلا
78- أنس بن النضر «3» عم أنس بن مالك لم يشهد يوم بدر، فلم يزل متحسرا يقول: أول مشهد شهده رسول الله غبت عنه إن أراني الله مشهدا ليرني ما أصنع. فلما كان يوم أحد قال: واها لريح الجنة أجدها دون أحد، فقاتل حتى قتل. فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية. قالت أخته الربيع «4» بنت النضر: فما عرفت أخي إلا ببنانة.
79- أبو مالك الأشعري «5» : من فصل في سبيل الله فمات، أو(4/117)
قتل، أو رفسه فرسه أو لدغته هامة، أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله فإنه شهيد، وإن له الجنة.
80- فضالة بن عبيد «1» رفعه: كل الميت يختتم على عمله إلا المرابط، فإنه ينمى إلى يوم القيامة، ويأمن من فتنة القبر.
81- أبو أمامة رفعه: من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغز ومات على شعبة (حغير) من نفاق.
82- أنس رفعه: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم.
83- زيد بن علي رضي الله عنه «2» :
السيف يعرف عزمي عند هبته ... والرمح بي خبر والله لي وزر
إنّا لنأمل ما كانت أوائلنا ... من قبل تأمله إن ساعد القدر
- جرى بين زيد بن علي وهشام بن عبد الملك كلام موحش، فقام زيد وهو يقول: من استشعر حب البقاء استكثر الذل إلى الفناء.
- فلما خرج يحيى بن زيد «3» أنشأ يقول:(4/118)
يا ابن زيد أليس قد قال زيد ... من أحب الحياة عاش ذليلا
كن كزيد فأنت مهجة زيد ... تتخذ في الجنان ظلا ظليلا
84- خالد بن الوليد سيف الله حين رأى بني حنيفة قد سلوا السيوف:
لا يرعبونا بالسيوف المبرقة ... إن السهام بالردى مفوقة «1»
والحرب ورهاء العقال مطلقة ... وخالد من دينه على ثقة «2»
85- عقبة بن عامر الجهني: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر يقول: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، إلّا إنّ القوة الرمي، إلا إنّ القوة الرمي «3» .
- وعنه: سمعت رسول الله يقول: إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر جنته صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به، ومنبله «4» فارموا واركبوا، وإن ترموا أحب إلي من أن تركبوا «5» .
86- ليس من اللهو إلا ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله،(4/119)
ورميه بقوسه ونبله، ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنه نعمة كفرها «1» .
87- وعنه: سمعت رسول الله يقول: ستفتح عليكم أرضون، ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه «2» .
88- عن فقيم اللخمي «3» أنه قال لعقبة: تختلف بين هذين الغرضين وأنت كبير يشق عليك؟ فقال: لولا كلام سمعته من رسول الله لم أعانه، من علم الرمي ثم تركه فليس منا «4» :
89- عبد الله بن طاهر «5» :
ببيت ضجيعي السيف طورا وتارة ... تعض بهامات الرجال مضاربه
أخو ثقة أرضاه في الحرب صاحبا ... وفوق رضاه أنني أنا صاحبه
وليس أخو العلياء إلا فتى له ... بها كلف ما تستقر ركائبه
90- عبيد الله بن عمر بن الخطاب «6» :
إذا كان سيفي ذو الوشاح وموكبي ... اللطيم فلا يطلل دم أنا صاحبه
91- ذو الوشاح سيف ورثه عن أبيه.(4/120)
92- سهل بن حنيف «1» رفعه: من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه «2» .
93- جابر: كنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في غزاة فقال: إن في المدينة رجالا ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، حبسهم المرض «3» .
94- أبو موسى: سئل رسول الله عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فذلك سبيل الله.
95- عبد الله بن عمر رفعه: ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث. وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم.
96- أبو جهم بن حذيفة بن غانم «4» من مشيخه قريش المعمرين، بنى في الكعبة مرتين، مرة حين بنتها قريش، ومرة حين بناها ابن الزبير:
إن كان عثمان أصيب وحوله ... أخوانه وجماعة الأنصار
إن الذي جاؤوا لأمر مشكل ... لا تجتليه نوافذ الأبصار «5»
سبحان من قدر الأمور بعلمه ... قتل الإمام وصحبه في الدار
وأبى الذين هم صحاب محمد ... أن يمنعوه وياله من عار(4/121)
97- اعترض يزيد بن معاوية الناس، فمر به رجل معه ترس قبيح، فقال: يا أخا أهل الشام مجن «1» ابن أبي ربيعة أحسن من مجنك.
يريد قوله:
فكان مجني دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
98- استعرض الإسكندر جنده، فتقدم إليه رجل على فرس أعرج فأمر بإسقاطه، فضحك الرجل، فاستعظم ضحكه في ذلك المقام، فقال له: ما أضحكك وقد أسقطتك؟ قال: التعجب منك. قال: كيف؟
قال: تحتك آلة الهرب، وتحتي آلة الثبات ثم تسقطني؟ فأعجب بقوله وما أسقطه.
99- قسم معن بن زائدة سلاحا في جيشه، فدفع إلى رجل سيفا رديئا، فقال: أصلح الله تعالى الأمير، أعطني غيره، قال: خذه فإنه مأمور، قال هو مما أمر أن لا يقطع أبدا. فضحك وأعطاه غيره.
100- شاعر:
عشرون ألف فتى ما منهم أحد ... إلا كألف فتى مقدامة بطل
راحت مزاودهم مملوءة أملا ... ففرّغوها وأوكوها من الأجل «2»
101- قيل لعتيبة المدني: ألا تغزو؟ قال: والله أني لأكره الموت على فراشي، فكيف أنتجعه؟.
102- يقال للجبان: جثم الموت على أحشائه، وطارت عصافير رأسه، إن أحسّن نبأة «3» طار فؤاده، وإن طنت بعوضة طال سهاده، يفزعه(4/122)
صرين باب وطنين ذباب.
103- إن نظرت إليه شزرا غشي عليه شهرا، يحسب خفوق الرياح قعقعة الرماح، يفر فرار الليل من وضح النهار.
104- النبي صلّى الله عليه وسلّم: شر ما في الرجل شح هالع، وجبن خالع «1» .
105- أحمد بن أبي فنن:
مالي ومالك قد كلفتني شططا ... حمل السلاح وقول الدار عين قف «2»
أمن رجال المنايا خلتني رجلا ... أمسى وأصبح مشتاقا إلى التلف
تسعى المنون إلى غيري فاحذرها ... فكيف أغدو إليها عاري الكتف
أم هل حسبت سواد الليل شجعني ... أم خلت قلبي في جنبي أبي دلف
فبلغت أبياته أبا دلف «3» ، فأمر له بعشرة آلاف.
106- أمر روح بن حاتم المهلبي أبا دلامة «4» بالقتال، فقال:
أني أعوذ بروح أن يقدمني ... إلى القتال فتخزى بي بنو أسد
إن الدنو من الأعداء تعلمه ... مما يفرق بين الروح والجسد
آل المهلب حب الموت أورثكم ... وما ورثت اختيار الموت عن أحد
107-[آخر] :
حاذر على الرأس الذي فيه الشعر ... ليس بكراث إذا جزّ وفر «5»
108- استماح رجل أبا دلف وانتسب إليه، فقال: أتستميح وجدك القائل.(4/123)
ومن يفتقر منا يعش بحسامه ... ومن يفتقر من سائر الناس يسأل
وإنّا لنلهو بالسيوف كما لهت ... فتاة بعقد أو سخاب قرنفل «1»
فخرج الرجل وجرد سيفه، واستقبله وكيل لأبي دلف معه مال، فاستلبه وقتله. فبلغ الخبر أبا دلف فقال: دعوه فاني علمته.
109- لما قتل عبيد الله بن زياد الحسين رضي الله عنه ولعن قالته، قال أعرابي: انظروا إلى ابن دعيها «2» كيف قتل ابن نبيها؟.
110- عمر بن عبد العزيز: لو كنت في قتلة الحسين وقيل لي ادخل الجنة لما فعلت، حياءا أن تقع عليّ عين محمد عليه السّلام.
111- جزعت عائشة حين احتضرت، فقيل لها: فقالت: اعترض في حلقي يوم الجمل.
112- قيل لمجنون: أيسرك أن تصلب في صلاح هذه الأمة؟ فقال:
لا ولكن يسرني أن تصلب الأمة في صلاحي.
113- فروة بن نوفل الأشجعي «3» وكان رئيس الخوارج:
ما إن نبالي إذا أرواحنا قبضت ... ماذا فعلتم بأجساد وأبشار(4/124)
لقد علمت وخير العلم أنفعه ... أن السعيد الذي ينجو من النار
114- لما أسرف داود بن علي «1» في قتل بني أمية بالحجاز قال له عبد الله بن الحسن بن الحسن: يا ابن عم، إذا أسرفت في القتل لأكفائك فمن نباهي بسلطانك؟.
115- بريدة «2» رفعه: لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا.
وعنه عليه السّلام: من هدم بنيان الله فهو ملعون «3» .
116- كان أبو العباس السفاح يقرب سليمان بن هشام بن عبد الملك «4» وابنيه، ويسايرهما، فلما أنشده سديف «5» مولاه الشعر الذي أوله:(4/125)
أصبح الملك ثابت الأساس ... بالبهاليل من بني العباس
117- أمر أبا الجهم الحرسي بضرب أعناقهم، فقال له سليمان:
قدم ابنيّ حتى احتسبهما، فضرب اعناقهما ثم ضرب عنقه.
118- لما جاء نعي الحسين، رضي الله عنه وسخط على قاتله المدينة خرجت بنت عقيل بن أبي طالب «1» وحفدتها يقولون:
ماذا تقولون أن قال النبي لكم ... ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي ... نصف أسارى ونصف ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم ... أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي
119- قال أبو زكار المغني «2» : كنت عند جعفر بن يحيى فسألني أن أترنم بقوله:
فلا تبعد فكل فتى سيأتي ... عليه الدهر يطرق أو يغادي
ولو فدّيت من حذر المنايا ... فديتك بالطريف وبالتلاد «3»
فما تم الصوت حتى دخل مسرور «4» ، فقال له: ما شأنك؟ قال:
أمرت بضرب عنقك. قال جعفر: أشهد الله الذي لا إله إلا هو، وأشهدك(4/126)
يا أبا زكار، وإياك يا مسرور أنّ كل مملوك لي حر، وكل مالي صدقة، وكل من كان لي قبله حق أو وديعة فهو في حل، امض لما أمرت به، فأخذ رأسه ومضى.
120- قبر الحسين بن علي عليهما السّلام بكربلاء، ورأسه بالشام في مسجد دمشق على رأس إسطوانة.
121- كتب عبد الملك إلى الحجاج يعزم عليه أن يبعث برأس عباد ابن أسلم البكري «1» إليه، فقال: أيها الأمير، إني لأعول أربعا وعشرين امرأة ما لهن كاسب غيري، فرق له واستحضرهن، فإذا واحدة كالبدر فقال: ما أنت منه؟ قالت: بنته فاسمع يا حجاج:
أحجاج أما أن تجود بنعمة ... علينا وأما أن تقتلنا معا
أحجاج لا تفجع به أن قتلته ... ثمان وعشرا واثنتين وأربعا
أحجاج لا تترك عليه بناته ... وخالاته يندبنه الليل أجمعا
فبكى واستوهبه، وكتب له في العطاء.
122- عبد الله بن عمرو «2» عنه عليه السّلام: زوال الدنيا أهون عند الله من إراقة دم مسلم «3» .
123- قيل لأبي مسلم صاحب الدعوة: في بعض الكتب النازلة:
من قتل بالسيف فبالسيف يموت. فقال: الموت بالسيف أحب إلي من اختلاف الأطباء، والنظر في الماء، ومقاساة الداء والدواء، فذكر ذلك للمنصور فقال: صادف منيته كما أحب.(4/127)
124- الأخيطل «1» في مصلوب:
كأنه عاشق قد مد صفحته ... يوم الفراق إلى توديع مرتحل
أو قائم من نعاس فيه لوثته ... مواصل لتمطيه من الكسل «2»
125- لما ذهب بهدبة بن الخشرم «3» ليقتل انقطع قبال نعله فجلس يصلحه فقيل له: أو تصلحه وأنت على ما أنت؟ فقال:
أشد قبال نعلي أن يراني ... عدوي للحوادث مستكينا
126- قتل مصعب نابي بن زياد بن ظبيان «4» ، فنذر أخوه عبيد الله ابن زياد بن ظبيان الفتاك»
ليقتلن به مائة من قريش، فقتل ثمانين منهم،(4/128)
ثم قتل مصعبا وجاء برأسه إلى عبد الملك، فسجد شكرا لله، فأراد أن يفتك به وهو ساجد، فارتدع، ثم ندم وقال:
يرى مصعب أني تناسيت نابيا ... وبئس لعمرو الله ما ظن مصعب
فو الله لا أنساه ما ذرّ شارق ... وما لاح في داج من الليل كوكب
وثبت عليه ظالما فقتلته ... فقصرك منه يوم شر عصبصب «1»
قتلت به من حي فهر بن مالك ... ثمانين منهم ناشئون وشيب
وكفي لهم رهن بعشرين أو ترى ... عليّ مع الإصباح نوح مسلب
أأرفع رأسي وسط بكر بن وائل ... ولم أرو سيفي من دم يتصبب
وله يقول عبد الله بن الزبير الأسدي:
أبا مطر شلت يمين علوتها ... بسيفك رأس ابن الحواري مصعب «2»
127- كان أبو بكر رضي الله عنه إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك: يوم كله لطلحة «3» . وذلك أنه ثبت مع رسول الله حين تفرق عنه أصحابه، فأصيبت يده فشلت، وكان يقي بها وجه رسول الله، وأصابته بضع وسبعون من طعنة وضربة ورمية.
128- قيس بن أبي حازم «4» : سمعت سعد بن أبي وقاص يقول:(4/129)
أني لأول العرب رمى بسهم في الله.
129- أسلم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يوم الفتح وحسن إسلامه وقال:
لعمري أني يوم أحمل راية ... لتغلب خيل اللات خيل محمد
لكالمدلج الحيران أظلم ليله ... فهذا أواني حين أهدي واهتدي
هداني هاد غير نفسي وقادني ... إلى الله من طردت كل مطرد
فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنت طردتني؟ فقال: استغفر الله.
130- كان يقول عروة بن الزبير: كان علي أتقى لله من أن يعين في قتل عثمان، وكان عثمان أتقى الله من أن يعين في قتله علي.
131- لما توجه رسول الله عليه السّلام إلى تبوك «1» جاء أبو خيثمة «2» ، وكانت له امرأتان، وقد أعدت له كلتاهما من طيب ثمر بستانه، ومهدت له في ظل، فقال: ظل ممدود، وثمرة طيبة، وامرأة حسناء، وماء بارد، ورسول الله في الضح والريح؟ ما هذا بخير. فركب ومضى في أثره، فلما لاح لرسول الله شبحه قال: اللهم إجعله أبا خيثمة.(4/130)
132- ولي أعرابي اليمن فجمع اليهود والنصارى فقال: ما تقولان في عيسى، قالوا: قتلناه وصلبناه، قال: لا تخرجوا من السجن حتى تؤدوا ديته.
133- خريم بن أوس «1» : هاجرت إلى رسول الله منصرفه من تبوك، وسمعته يقول: هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي، وهذه الشيماء بنت بقيلة «2» على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود. فقلت: يا رسول الله، إن نحن دخلنا الحيرة فوجدتها بما تصف فهي لي؟ فقال: هي لك: ثم كانت الردة فدخلناها فكان أول من لقينا الشيماء كما قال رسول الله على بغلة شهباء، معتجرة «3» بخمار أسود، فتعلقت بها وقلت: هذه وهبها لي رسول الله. فدعا خالد بالبينة، فشهد لي محمد بن مسلمة «4» ومحمد بن بشير الأنصاري «5» ، فدفعها إلي. وجاء أخوها عبد المسيح «6» فقال لي:(4/131)
بعينها. فقلت: لا أنقصها من عشر مئات شيئا، فأعطاني ألف درهم، فقيل لي: لو قلت مائة ألف لدفعها إليك، فقلت: ما كنت أحسب أن عددا أكثر من عشر مئات.
134- قيل لسقراط: لم لم تذكر في شرائعك عقوبة من قتل أباه؟
قال: لم أعلم أنّ هذا شيء يكون.
135- فيلسوف: لا تصغرّ أمر من حاربت، فإنك إذا ظفرت لم تحمد، وإذا عجزت لم تعذر.
136- عمرو بن حلزة «1» أخو الحارث بن حلزة «2» :
لا تكن محتقرا شأن امريء ... ربما كانت من الشأن شؤون
137- الصاحب «3» : علموا أن القراع لا يثمر ألا قراع «4» صفاتهم،(4/132)
والنزاع «1» لا ينتج إلا نزع شهواتهم.
138- ابن الرومي:
الموت إن نظرت وإن هي أعرضت ... وقع السهام ونزعهن أليم
139- المهلبي الوزير «2» في غلام لمعز الدولة «3» جعله رئيس سرية «4» :
ظبي يرف السماء في ... وجناته ويرق عوده
ويكاد من شبه العذا ... رى فيه أن تبدو نهوده
ناطوا بمعقد خصره ... سيفا ومنطقة تؤده
جعلوه قائد عسكر ... ضاع الرعيل ومن يقوده
140- علي رضي الله عنه: إياك والدماء وسفكها بغير حلها فإنه لا شيء أدعى لنقمة، ولا أعظم لتبعة، ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة، من سفك الدماء بغير حلها. والله سبحانه مبتدىء بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوينّ سلطانك بسفك دم حرام، فإنّ ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله.(4/133)
141- وعنه: إن أكرم الموت القتل، والذي نفس أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون من ميتة على فراش.
142- أسلم قرة بن الباقرة الجذامي «1» وأهدى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بغلة فأمر الحارث بن أبي شمر الغساني بصلبه فقال:
من مبلغ الحسناء أن خليلها ... على ماء عفرا فوق إحدى الرواحل «2»
على ناقة لم يضرب الفحل أمها ... مشذبة أطرافها بالمناجل
143- قدم عروة بن الزبير على عبد الملك بعد قتل أخيه عبد الله.
فطلب منه سيف الزبير وقال: أردده علي، فأنه السيف الذي أعطاه رسول الله يوم حنين، فقال له عبد الملك أو تعرفه؟ قال نعم، قال: بماذا قال: بما لا يعرف به سيف أبيك، أعرفه بقول الشاعر «3» :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب «4»
فأعطاه إياه:
144- حسان «5» :(4/134)
إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام «1»
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرة ولجام
كان مع المشركين يوم بدر ففر، وأسلم يوم الفتح، وخرج إلى الشام في أيام عمر بأهله وماله، وتبعه أهل مكة رجالهم ونساؤهم وصبيانهم، وارتفع ضجيجهم بالبكاء، وبكى ثم قال: أما ان كنا نستبدل دارا بدار وجارا بجار، ما أردنا بكم بدلا، ولكنها النقلة إلى الله. فلم يزل حابسا نفسه بالشام حتى ختم الله له بخير.
- وكان سبب نقلته أنه وسهيل بن عمرو «2» دخلا على عمر فقعدا عنده وهو بينهما، فجعل المهاجرون والأنصار يدخلون، فيؤخرهما عمر ويقدمهم، حتى صارا في الأخريات. فقال الحارث لسهيل: أما رأيت ما صنع عمر؟ قال سهيل: أيها الرجل، لا لوم عليه، ينبغي أن نرجع باللوم على أنفسنا، دعي القوم فأسرعوا، ودعينا فأبطأنا. ثم أتيا عمر فقالا: رأينا ما فعلت بنا، وما أتينا من عند أنفسنا، فهل من شيء نستعز به؟ قال: لا أعلمه إلا هذا الوجه، أراد ثغر الروم فخرجا إلى الشام.
145- كتب معاوية إلى أيمن بن خريم الأسدي «3» يستنفره فكتب إليه: إن أبي وعمي صحبا رسول الله وأمرني إذا اقتتل المسلمون أن اعتزلهم، وقال:
ولست بقاتل رجلا يصلي ... على سلطان آخر من قريش
له سلطانه وعليّ وزري ... معاذ الله من سفه وطيش
أأقتل مسلما في غير جرم ... فلست بنافعي ما عشت عيشي(4/135)
146- هبط جبرائيل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمد، إن أصحابك الذين بمؤتة قد قتلوا جميعا، وصاروا إلى الجنة. وإن الله قد جعل لجعفر «1» جناحين أبيضين، قادمتاهما مضرجتان بالدماء، مكللتان باللؤلؤ والجوهر، يطير بهما مع الملائكة في الجنة.
147- سبى رسول الله يوم حنين ستة آلاف بين غلام وجارية، وجعل عليهم أبا سفيان بن حرب «2» .
148- سعيد بن المسيب عن أبيه: فقدت الأصوات يوم اليرموك «3» .
وقد اختلط المسلمون والروم، فإذا رجل ينادي: يا نصر الله اقترب، فنظروا فإذا هو أبو سفيان.
149- إنفصل ثلاثة من جيش المسلمين: ابن أبي الأقلح عاصم بن ثابت «4» ، وحبيب بن عدي «5» وزيد بن الدثنة «6» حتى وردوا الرجيع، ماء(4/136)
من مياه بني لحيان أرض الهدأة «1» ، فامتنعوا عليهم وهم كثير، فبرك عاصم ورماهم، فقتل رجلين بالنبل ورجلا بالسيف، وقتلوه وأرادوا أن يحتزوا رأسه، ويمثلوا به، فبعث الله تعالى الدبر فحمته واظلت عكوفا عليه، فقال بعضهم: ارقبوه حتى يمسي فان الدبر لم تبت قط إلا في خشارمهم «2» ، ففعلوا، فلما جعلت الدبر تطير رفاقا وطمعوا فيه بعث الله تعالى سحابة فأمطرها عليه، فذهب به سيلها، وإنما أرادتهم على احتزاز رأسه امرأة منهم، لأن الذين قتلهم هم زوجها وأخوها وابنها، فنذرت أن تجعل قحفه ميضأة.
وقال عمرو بن عبد الله بن مسلمة «3» :
ومنا الذي سيقت له الدبر جنة ... من المثل إذ وافى حمام المقادر
150- وجد شاب قتيل بظهر الطريق أيام عمر، فلم يقدر على قاتله. فقال: اللهم أظفرني بقاتله، حتى إذا كان على رأس الحول وجد صبي ملقى بموضع القتيل، فقال: ظفرت بدم القتيل إن شاء الله. فدفعه إلى ظئر «4» وقال لها: إن جاءتك امرأة تقبله وترحمه فأعلميني. فلما شب وطاب إذا هي بجارية قالت لها: إن سيدتي تطلب أن تذهبي به إليها، ففعلت، فضمته إلى صدرها وقبلته، وتلك بنت شيخ من الأنصار.(4/137)
فأخبرت عمر فاشتمل على سيفه وخرج إلى منزلها، فوجد الشيخ متكئا على باب داره فقال: ما فعلت ابنتك؟ قال: جزاها الله تعالى خيرا، هي من أعرف الناس بحق الله وحق أبيها، وذلك من حسن صلاتها وحسن صيامها، والقيام بدينها، فقال: أحببت أن أزيدها رغبة، فدخل واخرج من هناك وقال: اصدقيني خبر القتيل والصبي، أو لأضربنك بالسيف، وكان عمر لا يكذب فقالت:
كانت عندي عجوز قد تأممتها، فعرض لها سفر فقالت: لي بنت أحب أن أضمها إليك، وكان لها ابن أمرد فجاءت به في هيئة الجارية، وأنا لا أشعر فمكث عندي ما شاء الله، ثم اغتفلني وأنا نائمة، فلم أشعر به حتى خالطني «1» ، فممدت يدي إلى شفرة فضربته، وأمرت أن يلقى على الطريق، وقدر أني اشتملت منه على هذا الصبي فألقيته حيث وجد. فقال عمر:
صدقتني بارك الله فيك، ثم وعظها ودعا لها وخرج، وقال للشيخ: بارك الله لك في ابنتك، فنعم البنت بنتك.
151- دخل المأمون على زبيدة «2» يعزيها عن الأمين، فتباكيا طويلا وتبرأ من قتله، فأقسمت عليه ليتغدين عندها. فلما فرغ من الغداء أخرجت إليه من جواري محمد من تغنيه، فأومأ إلى واحدة، فغنت بقول الوليد بن عقبة «3» .
هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما غدرت يوما بكسرى مرازبه
فألا يكونوا قاتليه فإنه ... سواء علينا ممسكاه وضاربه(4/138)
الباب الثاني والستون الغدر، والخيانة، والسرقة، والغش، والفتك، والوشايات، والنمائم، وإفشاء الأسرار
1- عبد الله بن عمر رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال هذه غدرة فلان «1» .
2- عائشة رضي الله عنها: رفعته: ذمة المسلمين واحدة، فإنّ أجارت عليهم جارية فلا نفخرها، فإنّ لكل غادر لواء يوم القيامة.
3- أبو هريرة رضي الله عنه: مر رسول الله عليه السّلام برجل يبيع طعاما، فسأله كيف تبيع؟ فأخبره، فأوحي إليه أن أدخل يدك فيه، فأدخل يده فيه فإذا هو مبلول، فقال: ليس منا من غش «2» .
4- قال ملك لصاحب ملك آخر: أطلعني على سر صاحبك، قال:
إليّ تقول هذا؟ وما ذاق أحد كأسا أمر من الغدر، والله لو حول ثواب الوفاء إليه لما كان فيه عوض منه، ولكن سماجة اسمه وبشاعة ذكره ناهيان عنه.
5- مالك بن دينار: كفى بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة.(4/139)
6- وقع جعفر بن يحيى البرمكي على ظهر كتاب لعيسى بن ماهان «1» إلى الرشيد:
حبب الله إليك الوفاء يا أخي فقد أبغضته، وبغض إليك الغدر فقد أحببته. إني نظرت في الأشياء لأجد لك فيها ما يشبهك فلم أجد، فرجعت إليك فشبهتك بك، وقد بلغ من حسن ظنك بالأيام أن أملت السلامة مع البغي وليس هذا من عادتها والسّلام.
7- جعل المنصور العهد إلى عيسى بن موسى «2» ، ثم طالبه بتقديم المهدي «3» عليه فقال عيسى:
بدت لي إمارات من الغدر شمتها ... أظن رواياها ستمطركم دما «4»
وما يعلم العالي متى هبطاته ... وإن سار في ريح الغرور مسلما
- وقال:(4/140)
أينسى بنو العباس ذبّي عنهم ... بسيفي ونار الحرب ذاك سعيرها «1»
فتحت لهم شرق البلاد وغربها ... فذل معاديها وعز نصيرها
أقطّع أرحاما عليّ عزيزة ... وأسدي مكيدات لها وأنيرها
فلما وضعت الأمر في مستقره ... ولاحت له شمس تلألأ نورها
دفعت عن الحق الذي أستحقه ... وسقيت بأوساق من الغدر عيرها «2»
8- فتكتا الإسلام فتكة عبد الملك بن مروان بعمرو بن سعيد الأشداق «3» وفتكة المنصور بأبي مسلم.
9- احتضر رجل فإذا هو يقول: جبلين من نار، جبلين من نار.
فسئل أهله عن عمله فقالوا: كان له مكيان، يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر.
10- أبو هريرة رفعه: اللهم أني أعوذ بك من الجوع فبئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فبئست البطانة.
- وعنه مرفوعا: المكر والخديعة والخيانة في النار.
11- الخائن في المنزور «4» كالخائن في الموفور، ولذلك أوعد الله بالنقير والقطمير، كما خوف بالمثاقيل والقناطير.(4/141)
12- قال مروان لعبد الحميد الكاتب عند زوال أمره: صر إلى هؤلاء القوم، يعني بني العباس، فإني أرجو أن تنفعني في مخلفي، فقال وكيف لي بعلم الناس جميعا إن هذا رأيك؟ كلهم يقولون إني قد غدرت بك وأنشد:
وغدري ظاهر لا شك فيه ... لمبصرة وعذري بالمغيب
- ولما أتى به المنصور قال له: استبقني فإني فرد الدهر بالبلاغة «1» .
فقطع يديه ورجليه، ثم ضرب عنقه.
13- كان يقال: لم يغدر غادر قط إلا لصغر همته عن الوفاء، واتضاع قدره عن احتمال المكاره في جنب نيل المكاره.
14- عتيبة بن الحارث بن شهاب «2» صياد الفوارس:
غدرتم غدرة وغدرت أخرى ... فليس إلى توافينا سبيل «3»
15- عارف الطائي «4» :(4/142)
أذل لوطء الناس من خشب الجسر إذا استحقبتها العيس جاءت من البعد «1» .
أيوعدني والرمح بيني وبينه ... تبين رويدا ما أمامة من هند
ومن أجا حولي رعان كأنها ... قنابل خيل من كميت ومن ورد «2»
غدرت بأمر كنت أنت اجتذبتنا ... إليه وبئس الشيمة الغدر بالعهد
16- علي رضي الله عنه: الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله والغدر بأهل الغدر وفاء عند الله.
- وكتب إلى عامله»
: فلما أمكنتك الشدة أسرعت الكرة، وعاجلت الوثبة، واختطفت ما قدرت عليه. اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى. فحملته رحيب الصدر بحمله، غير متأثم من أخذه، كأنك لا أبا لغيرك حدرت إلى أهلك تراثك من أبيك وأمك. فسبحان الله! أما تؤمن بالمعاد! أو ما تخاف نقاش الحساب؟ كيف تسيغ شرابا وطعاما؟ وأنت تعلم أنك تأكل حراما، لأعذرن إلى الله فيك، لأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلا دخل النار.
- وعنه: وتغاب عما لا يتضح لك، ولا تعجلن إلى تصديق ساع، فإن الساعي غاش وإن تشبّه بالناصحين.(4/143)
- وعنه: ومن استهان بالأمانة وقع في الخيانة، ومن لم ينزه نفسه ودينه عنها فقد أحل بنفسه في الدنيا «1» ، وهو في الآخرة أذل وأخزى. وإن أعظم الخيانة خيانة الأمة، أفظع الغش غش الأئمة. والسلام.
17- قال المنصور لعامل بلغته عنه خيانة: يا عدو الله وعدو أمير المؤمنين أكلت مال الله! فقال: يا أمير المؤمنين، نحن عيال الله، وأنت خليفة الله والمال مال الله. فما نأكل إذن؟ فضحك وقال: خلوه ولا تولوه.
18- كان محمد بن جعفر بن أبي طالب «2» مع أخيه محمد بن أبي بكر الصديق بمصر فلما هزم ابن أبي بكر استخفى، فدل عليه رجل من عك ثم من غافق «3» ، فقال:(4/144)
لعمري للحيان عك وغافق ... أذل لوطء الناس من خشب الجسر
أجرتم فلما أن أجرتم غدرتم ... ولن تجد العكي إلا إلى غدر
19- أبو بكر رضي الله عنه: ثلاث من كن فيه كن عليه: البغي، والنكث، والمكر. قال الله تعالى: إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ
... فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ
... وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ
«1» .
20- مر عبد بن عبيد «2» بجماعة وقوف، فقال: ما هذا؟ قيل:
السلطان يقطع سارقا، فقال: لا إله إلا الله! سارق العلانية يقطع سارق السر.
21- أمر الإسكندر بصلب سارق، فقال: أيها الملك إني فعلت ما فعلت وأنا كاره، فقال: وتصلب وأنت أيضا للصلب كاره.
22- وقف شاطر «3» على قبر سارق فقال: رحمك الله، فقد والله كنت أحمر الإزار، حاد السكين، إن نقبت فجرذ، وإن تسلقت فسنور، وإن استلبت فحدأة، وإن ضربت فأرض. وإن شربت فجب «4» . ولكنك اليوم وقعت في زاوية سوء.
23- سرق مدني قميصا، فأعطاه ابنه ليبيعه، فسرق منه، فجاء فقال له: بكم بعته؟ فقال: برأس المال.(4/145)
24- العرب: الخلة تدعو إلى السلة «1» .
25-[شاعر] :
من يأمن الذئب على غدره ... أهل لأن يخفره الذيب «2»
26- كان عمر بن مهران «3» يكتب على روشمه «4» : اللهم احفظه ممن يحفظه.
27- الفرزدق:
إنّ أبا الكرشاء ليس بسارق، ولكن متى ما يسرق القوم يأكل 28- قال لرجل غلامه: يا سيدي قد سرق الحمار، فقال: الحمد لله الذي لم أكن على ظهره.
29- أعرابي:
ألا لا أبالي بعد قوس سرقتها ... بمكة أن لا يكتب الله لي أجرا
30- دخل شهر بن حوشب، وهو من جلة القراء والمحدثين، بيت(4/146)
المال، فأخذ خريطة «1» دراهم، وقيل فيه:
لقد باع شهر دينه بخريطة ... فمن يأمن القراء بعدك يا شهر
- وضرب بخريطة شهر المثل فيما يختزله المتسمون بالستر من أموال الناس.
31- كان للمأمون خادم يتولى وضوءه فيسرق طساسه «2» ، فقال له يوما: لم تسرقها؟ فهلا تأتيني بها فأشتريها منك؟ قال: بدينارين.
فاشتراها منه وقال: فهذه الآن في أمان؟ قال: نعم، قال: فلنا فيها كفاية إلى دهر.
32- لو خلا بالكعبة لسرقها.
33- ذكر هشام بن محمد بن السائب الكلبي «3» : إن بابك بن ساسان كان يغشى البيت، وآخر ما زاره دفن فيه غزالا من ذهب، عيناه من ياقوت وفي أذنيه شنفان من ذهب بدرتين، والسيوف القلعية «4» التي لم تكن إلا لفارس.
وهو الغزال الذي سرقه أبو إهاب. وذلك أنه كان أبو إهاب وديك(4/147)
ودييك موليان لخزاعة يشربون، فنفذ شرابهم، فقال أبو إهاب والله ما نعوّل على شيء إلا على غزال الكعبة، فسرقوه، فعظم ذلك على قريش وقطعوا الموليين، ولم يقووا على أبي إهاب، وفيه يقول حسان:
أبا إهاب فبيّن لي حديثكم ... أين الغزال عليه الدرّ من ذهب
34- سباع بن كوثل السلمي «1» ، وكان لصا فحبس حتى مات في السجن:
وإني لأستحيي من الله أن أرى ... أجرر حبلي ليس فيه بعير
وأن أسأل المرء الدني بعيره ... وبعران ربي في البلاد كثير
35- كان لعمرو بن دويرة البجلي «2» أخ قد كلف ببنت عم له، فتسور عليها، فأخذه أخوتها وأتوا به خالد بن عبد الله القسري وسرّقوه «3» وسأله فصدقهم ليدفع الفضيحة عن الجارية. فأراد خالد قطعه، فقال عمرو:
أخالد قد والله أوطئت عشوة ... وما العاشق المسكين فينا بسارق
أقر بما لم يأته المرء أنه ... رأى القطع خيرا من فضيحة عاتق «4»
فزوجه خالد الجارية.
36- سرق رجل من مجلس أنوشروان جام ذهب «5» وهو يراه، فلما فقده الشرابي قال: والله لا يخرج أحد حتى يفتش، فقال أنوشروان: لا تعرضن لأحد، فقد أخذه من لا يرده، ورآه من لا ينم عليه.
37- وسرق رجل من مجلس معاوية كيس دنانير وهو يراه، فقال(4/148)
الخازن: قد نقص من المال كيس دنانير، فقال: صدقت، وأنا صاحبه وهو محسوب لك.
38- قطع على قوم بالبادية، فكتب إلى عمرو بن حنظلة «1» : أما بعد فأنكم أقوام قد استنكحتم هذه الفتنة، فلا على حق تقيمون، ولا عن باطل تمسكون، وإني أقسم بالله لتأتينكم مني خيل تدع أبناءكم يتامى، ونساءكم أيامى، ألا وأيما رفقة مرت بأهل ماء فأهل الماء ضامنون «2» لها حتى تأتي الماء الآخر. فكانت الرفقة إذا وردت أهل الماء أخذوها حتى يوردوها الماء الآخر.
39- قال رجل لعمرو بن عبيد: إن الأسواري «3» لم يزل يذكرك ويقول الضال. فقال عمرو: والله يا هذا ما رعيت حق مجالسته حين نقلت إلينا حديثه، ولا رعيت حقي حين أبلغتني عن أخي ما أكرهه، اعلم أن الموت يعمنا، والبعث يحشرنا، والقيامة تجمعنا، والله يحكم بيننا.
840- من نمّ لك نمّ عليك.(4/149)
41- قالوا في السعاة «1» : كفى إن الصدق محمود إلا منهم، وإن أصدقهم أخبثهم.
42- وشى واش برجل إلى الإسكندر فقال: أتحب أن نقبل منك ما قلت فيه على أن نقبل منه ما يقول فيك، قال: لا، قال: فكف عن الشر يكف عنك.
43- قال رجل لفيسلوف: عابك فلان بكذا، فقال: لقيتني بقحتك «2» بما استحيي أن يلقاني به.
44- شاعر:
يسعى عليك كما يسعى إليك فلا ... تأمن غوائل ذي وجهين كيّاد
45- ابن الطثرية:
تكنفني الواشون من كل جانب ... ولو كان واش واحد لكفاني
إذا ما جلسنا مجلسا نستلذه ... تواشوا بنا حتى أمل مكاني
46- العلاء بن المنهال الغنوي «3» :
قل للمساور أنّ زهدم خائن ... فخف الآله واعفنا من زهدم «4»
إن العفيف إذا استعان بخائن ... كان العفيف شريكه في المأثم
47- عاتب مصعب بن الزبير الأحنف على شيء بلغه عنه، فاعتذر،(4/150)
فقال: أخبرني بذلك الثقة، فقال: كلا أيها الأمير، إن الثقة لا ينم.
48- اشترى الربيع بن خميم فرسا بثلاثين ألفا يغزو عليه، فأرسل غلامه ليحتش «1» له، وربطه وقام يصلي، فسرق وهو لا يفطن لاشتغاله بالصلاة، فقال: اللهم إن كان عويا «2» فاهده، وإن كان فقيرا فاغنه، ثلاث مرات.
49- حذيفة رضي الله عنه: ولقد أتى عليّ زمان وما أبالي أيكم بايعت إن كان مسلما رده عليّ إسلامه، وإن كان نصرانيا رده عليّ ساعيه، فأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلانا أو فلانا.
50- جعل سمعه مدرج النمائم» .
51- كتب الفضل بن سهل: إنا نرى أن قبول السعاية شر من السعاية فان السعاية «4» دلالة، والقبول إجازة «5» . فانف هذا الساعي فإن يكن في سعايته صادقا فهو في صدقه لئيم، إذ لم يرع الحرمة، ولم يستر العورة.
52- صالح بن عبد القدوس:
من يخبّرك بشتم عن أخ ... فهو الشاتم لا من شتمك
ذاك شيء لم يواجهك به ... إنما اللوم على من أعلمك
كيف لم ينصرك إن كان أخا ... ذا حفاظ عند من قد ظلمك
53- المستورد «6» رفعه: من أكل بأخيه أكلة أطعمه الله مثلها من نار(4/151)
جهنم «1» . هو أن يسعى بأخيه ويجتر نفعا بسعايته.
54- الجنيد «2» : ستر ما عاينت أحسن من إشاعة ما ظننت.
55- عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: من سمع بفاحشة فأفشاها فهو كالذي أتاها.
56- طريح «3» :
إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا ... شرا أذاعوا وإن لم يعلموا كذبوا
وحسبك تهمة ببرىء قوم ... يضم على أخي سقم جناها
ولا تردعي الأسرار سمعي فإنما ... تصبين ماء في إناء مثلم
57- حلة امرىء القيس «4» مثل في كرامة تحتها شر وغدر. وذلك أنه مر إلى قيصر يستنجده على قتلة أبيه. فأمده بجيش، فلما سار خطىء(4/152)
في رأيه فأتبعه حلة مسمومة وعزم عليه أن يلبسها، فلما لبسها تقرح جلده وتساقط لحمه.
58- موسى بن عبد الله بن حسن بن علي رضي الله عنهم:
تولت بهجة الدنيا ... فكل جديدها خلق
وخان الناس كلهم ... فلا أدري بمن أثق
رأيت معالم الخيرات ... سدت دونها الطرق
فلا حسب ولا أدب ... ولا دين ولا خلق
59- النبي صلّى الله عليه وسلّم: لافتك في الإسلام «1» . وعنه: قيد الإسلام الفتك «2» وأول فتكا في الإسلام ما فعله أبو لؤلؤة «3» غلام المغيرة بن شعبة،(4/153)
قاتل عمر رضي الله عنه، ثم فتكة عمرو بن جرموز «1» بالزبير بن العوام، ثم فتكة عبد الرحمن بن ملجم «2» بعلي رضي الله عنه.(4/154)
60- وفتكة البراض «1» في الجاهلية مثل.
61-[شاعر] :
ولا أكتم الأسرار لكن أنمها ... ولا أدع الأسرار تغلي على قلبي
وإن السخين العين من بات ليله ... تقلبه الأسرار جنبا إلى جنب
62- ذم أعرابي رجلا فقال: إن الناس يأكلون أمانتهم لقما وإن فلانا يحسوها حسوا «2» .
63- كتبت غنج جارية الخزاعي «3» على جبهتها: لا كنت أن خنت.
64- البريء جريء، والخائن خائف.
65- وفي نوابغ الكلم: الأمين آمن، والخائن حائن.
66- كان مالك بن الريب «4» يصيب الطريق، فلم يزل بشر بن مروان(4/155)
يطلبه حتى أتى به، فرأى لسانا وظرفا فقال: ويحك: إني لأرى فيك ما قلّ في رجل، فما يحملك على إصابة الطريق «1» ؟ قال: أصلح الله الأمير العجز عن مكافأة الأخوان، قال: أفرأيت إن أغنيتك أتعف؟ قال: أي والله، عفة ما عفها أبو ذر «2» قط. فأغناه، فلما مات بشر عاد إلى قطع الطريق.(4/156)
الباب الثالث والستون الغموم، والمكاره، والشدائد، والبلايا، والخوف، والجزع، والبكاء
1- حذيفة رضي الله عنه: إن أقر يوم لعيني ليوم لا أجد فيه طعاما، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن الله ليتعاهد «1» عبده المؤمن كما يحمي أحدكم المريض الطعام.
2- وروى أبو عقبة «2» عنه عليه السّلام: إذا أحب الله عبدا ابتلاه، فإذا أحبه الحب البالغ اقتناه. قالوا: وما اقتناؤه؟ قال: لا يترك له مالا ولا ولدا، ثم قال: والذي نفسي بيده لسمعت رسول الله. فذكر الحديث.
3- مر موسى عليه السّلام برجل كان يعرفه مطيعا لله، قد مزقت السباع لحمه وأضلاعه، وكبده ملقاة، فوقف متعجبا فقال: أي رب، عبدك ابتليته بما(4/157)
أرى؟ فأوحي إليه: إنه سألني درجة لم يبلغها بعمله، فأحببت أن ابتليه لأبلغه تلك الدرجة.
4- ليث «1» عن الحكم «2» الغموم التي تعرض للقلوب كفارات للذنوب.
5- الحسن: في قوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ
«3» : لا أعلم خليقة تكابد من الأمر ما يكابد هذا الإنسان، يكابد مضائق الدنيا وشدائد الآخرة.
6- علي بن أمية الكاتب «4» في فتنة الأمين.
دهتنا أمور تشيب الوليد ... ويخذل فيها الصديق الصديق
فبالله نبلغ ما نرتجي ... وبالله ندفع ما لا نطيق
7- علي رضي الله عنه: فكم من منعم عليه مستدرج بالنعم، ورب مبتل مصنوع له بالبلوى.
8- ابن المعتز: من لم يتعرض للنوائب تعرضت له.
9- لم يزل زكريا عليه السّلام يرى ولده يحيى صلى عليه مغموما باكيا(4/158)
مشغولا بنفسه، فقال: يا رب، طلبت منك ولدا انتفع به فرزقتنيه لا أنتفع به، قال: طلبته وليا، والولي لا يكون إلا هكذا.
10- الثوري «1» : لم يفقه عندنا من لم يعد البلاء نعمة، والرخاء مصيبة.
11- الغم يشيب القلب، ويعقم العقل، فلا يتولد معه رأي، ولا تصدق معه روية.
12- سئل ابن عباس عن الحزن والغضب، فقال: أصلها وقوع الشيء بخلاف المحبة، فمن أتاه المكروه ممن فوقه نتج عليه حزنا، ومن أتاه ممن دونه نتج غضبا.
13- الأحنف: عهد البلاء خادم يدمدم «2» ، وبيت يكف، وحطب يفرقع، وخوان ينتظر.
14- أتى عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب برجل لضرب عنقه فقال بعض جلسائه: هذا والله جهد البلاء. فقال: لا تقل، فو الله ما هذا وشرطة حجام الأسواء، ولكن جهد البلاء فقر مدقع بعد خير موسع.
15- وعن المعتمر بن سليمان «3» : لم يعالج جهد البلاء من لم يعالج الأيام.
16- الجاحظ: جهد البلاء أن تظهر الخلة «4» ، وتطول المدة، وتعجز الحيلة، ثم لا تعرك إلا أخا صارما، وابن عم شامتا، وجارا كاشرا، ووليا قد تحول عدوا، وزوجة مختلعة، وجارية مستبيعة، عبدا يحقرك وولدا(4/159)
ينتهرك.
17- البرايا أهداف البلايا.
18- الصاحب: هو بين أنياب الدهر، ونوائبه تحطمه بصريفها وتعتوره بصروفها «1» .
19- فرقد السبخي: قرأت في التوراة التي لم تبدل: من ملك استأثر ومن لم يستشر ندم، والحاجة الموت الأكبر، والهم نصف الهرم.
20- سمع حكيم رجلا يقول لآخر: لا أراك الله مكروها، فقال:
كأنك دعوت عليه بالموت، فإن صاحب الدنيا لا بد له من أن يرى مكروها.
21- الدهر سلك حوادث وخطوب.
22- العرب: ويل أسهل من ويلين:
23- خرط القتاد دونه، ولقط الرمل أسهل منه «2» .
24-[شاعر] :
ومطوي على حرق ... يكابد لوعة الأرق(4/160)
كأن فؤاده قلقا ... لسان الحية الفرق
تكاد غروب دمعته ... تعم الأرض بالغرق
«25- شاعر] :
وأحوال أبت إلا التباسا ... تبث الشيب في رأس الوليد
وتقعد قائما بشجا حشاه ... وتبعث للقيام حبي القعود «1»
وأضحت خشّعا منها نزار ... مركبة الرواجب في الخدود «2»
26- بقي والله مغموزا، مقروعا صفاته، مسلوخا شواته «3» .
27- ابن عيينة: الدنيا كلها غموم، فما كان منها من سرور فهو ربح.
28- العتبي: إذا تناهى الغم انقطع الدمع، بدليل أنك لا ترى مضروبا بالسياط، ولا مقدما إلى ضرب العنق يبكي.
29- شعيب بن الحبحاب «4» : الحزن ينضو كما ينضو الخضاب «5» ، ولو بقي الحزن على أحد لقتله.
30- تزوج مغن نائحة، فسمعها تقول: اللهم أوسع علينا في الرزق. فقال: يا هذا إنما الدنيا فرح وحزن، وقد أخذنا بطرفي ذلك، إن(4/161)
كان فرح دعوني، أو حزن دعوك.
31- نفقت دابة لجندي، فقيل: لا تغتم فلعله خيرة، فقال: لو كان خيرة لكان حيا وإلى جانبه بغل.
32- وهب بن منبه: إذا سلك به طريق البلاء سلك به طريق الأنبياء.
- وعنه: البلاء للمؤمن كالشكال للدابة.
33- في بعض كتب الله تعالى: كانوا إذا طالت بهم العافية حزنوا، ووجدوا في أنفسهم، فإذا أصابهم البلاء فرحوا، وقالوا: عاتبكم ربكم فأعتبوه.
34- مطرف «1» : ما نزل بي مكروه قط فاستعظمته إلا ذكرت ذنوبي فاستصغرته.
35- كان سفيان عند رابعة «2» فقال: واحزناه! فقالت: واقلة حزناه! فإنك لو كنت حزينا ما هنأك العيش.
36- أويس القرني: كن في أمر الله تعالى كأنك قتلت الناس كلهم.
يعني خائفا مغموما.
37- أبو حنيفة رحمه الله: ما أعلم أشد حزنا من المؤمن، شارك أهل الدنيا في هم المعاش، وتفرد في هم آخرته.
38- شعيب بن حرب «3» : كنت إذا نظرت إلى الثوري كأنه رجل في(4/162)
أرض مسبعة خائف الدهر كله، وإذا نظرت إلى عبد العزيز بن أبي رواد فكأنه يطلع إلى القيامة من كوة.
39- الأعمش: كنت إذا رأيت مجاهدا ظننت أنه خربندج «1» ظل حماره وهم مغتم يتفكر في أمر الآخرة.
40- إبراهيم بن بشار «2» : صحبت إبراهيم بن أدهم فرأيته طويل الحزن، دائم الفكر، واضعا يده على رأسه، كأنما أفرغت عليه الهموم إفراغا.
41- لا يجزع من المصيبة إلا من يتهم ربه.
42- جابر بن عبد الله رفعه: يود أهل العافية يوم القيامة أن لحومهم كانت تقرض بالمقاريض، لما يرون من ثواب الله تعالى لأهل البلاء «3» .
43- لما اتخذ الله تعالى إبراهيم خليلا ألقى في قلبه الوجل، حتى أن خفقان قلبه ليسمع من بعد، كما يسمع خفقان الطير في الهواء.
44- مسروق: إن المخافة قبل الرجاء، فإن الله خلق جنة ونارا، فلن تخلصوا إلى الجنة حتى تمروا بالنار.(4/163)
45- قيل لفضيل: بم بلغ ابنك الخوف الذي بلغ؟ قال: بقلة الذنوب.
46- فضيل: إذا قيل لك أتخاف الله تعالى؟ فاسكت، فإنك أن قلت لا جئت بأمر عظيم، وإذا قلت نعم فالخائف لا يكون على ما أنت عليه.
47- عيسى عليه السّلام: هول لا تدري متى يغشاك، ما يمنعك أن تسعتد له قبل أن يفجأك «1» .
48- أبو المطراب «2» :
لقد خفت حتى لو تمر حمامة ... لقلت: عدو أو طليعة معشر
فإن قال خير قلت هذي خديعة ... وإن قال: شر قلت حق فشمر
49- صالح المري «3» : أخوف ما أخاف على عطاء شدة خوفه، يريد عطاء السلمي وقد انسلخ مجرى دموعه من البكاء.
50- قيل لرابعة القيسية: هل عملت عملا ترين أنه مقبول؟ قالت:
إن كان شيء فخوفي أن يرد علي عملي.
51- قيل لسفيان: ما أوثق ما تثق به من عملك؟ قال: لقد نزلت بي هيبة الله حتى ما أهاب شيئا غيره.
52- قال ذر «4» لابيه عمر «5» : ما لهم يتكلمون فلا يبكي أحد، وإذا(4/164)
تكلمت أنت كثر البكاء؟ قال: يا بني، ليست النائحة المستأجرة «1» مثل النائحة الثكلى.
53- فضيل: البكاء بكاءان: بكاء بالقلب وبكاء بالعين. فبكاء القلب البكاء على الذنوب وهو البكاء النافع، وبكاء العين فإنك لترى الرجل تبكي عيناه وإن قلبه لقاس.
54- بكى نوح ثلاثمائة سنة لقوله: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي
«2» .
55-[شاعر] :
مررنا بأعلى الجزع من قلة الحمى ... على طلل لم تبق إلا معالمه «3»
وددت وقد عجنا نحييه أن لي ... دموع الورى دمع وأني ساجمه «4»(4/165)
56- وصف عيسى بن مريم أولياء الله فقال: كان يسقي زروعهم دموع أعينهم حتى أنبتوا، وأدركوا الحصاد يوم فقرهم.
57- أنس: ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النار وبين يديه حبشي اشتد بكاؤه، فنزل جبرائيل فقال: يا محمد، إن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي وكرمي وسعة رحمتي لا تبكي عين عبد في الدنيا إلا أكثرت ضحكه في الآخرة.
58- كعب «1» : لئن أبكي من خشية الله تعالى حتى تسيل دموعي على وجنتي أحب إلي من أن أتصدق بجبل ذهب.
59- محارب بن دثار «2» : رأيت عمر يبكي في صلاته فلما فرغ قال: إن الشمس تبكي من خشية الله، فإن لم تبكوا فتباكوا «3» . فليس يرد غضب الله تعالى إلا الاستغفار والبكاء والدعاء.
60- العباس بن الأحنف:
نزف البكاء دموع عينك فاستعر ... عينا لغيرك دمعها مدرار
من ذا يعيرك عينه تبكي بها ... أرأيت عينا للبكاء تعار «4»
61- الحسن: تكلم ذات يوم فأبكى من عنده فقال: أعجيج عجيج النساء ولا عزم، إن أخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون.
62- بعضهم رأيت الحسن سنتين، فما أخطأني يوم أن أرى دموعه تحادر على لحيته.(4/166)
63- عمرو بن ضبيعة الرقاشي «1» :
تضيق جفون العين عن عبراتها ... فتسفحها بعد التجلد والصبر
وغصة صدر أظهرتها فرفّهت ... حزازة حرّ في الجوانح والصدر «2»
64- العباس بن الفرج الرياشي «3» :
عجبت لنوح النائحات عشية ... حواسر أمثال البغال النوافر
بكى الشجو ما فوق اللهى من حلوقها ... ولم يبك شجوا ما وراء الحناجر
65- الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر»
:(4/167)
أتعجب من جاري دموعي ومن ضوى ... كأنك لم تسمع بقاصمة الظهر
ولم تأتك الأنباء عن يوم كربلا ... وقتل حسين فيه والفتية الزهر
فلا تعجبن مني ومن فيض عبرتي ... فأعجب منه عند ذكرهم صبري
66- دخل بعض ولد عبد الملك بن مروان عليه باكيا لضرب المعلم إياه فشق على عبد الملك، فأقبل عليه رجل من الخوارج فقال: دعه يبك فإنه أرحب لشدقه «1» ، وأصح لدماغه، وأذهب لصوته، وأحرى أن لا تأبى عليه عينه إذا أحقرته طاعة الله فاستدعى عبرتها. فأعجبه ذلك وسكت.
67- شاعر:
ألا رب هم يمنع النوم برحه ... أقام كقبض الراحتين على الجمر
وشوق كأطراف الأسنة في الحشا ... ملكت عليه طاعة الدمع أن يجري
68- فيلسوف: الندم على الفائت تضييع وقت ثان.
69- قيل لأبي أيوب «2» صاحب المنصور: نراك إذا دعاك المنصور تغيّر لونك، واضطربت حالك، قال: مثلي مثل باز قال لديك: ما رأيت شرا منك! تكون عند قوم من صغرك إلى كبرك، يطعمونك ويسقونك فإن أرادوا أن ينتقلوا فطلبوك ليأخذوك لم تمكنهم من نفسك إلا بعد جهد جهيد، وأنا يرسلونني فأرجع إليهم من الصحارى والمواضع البعيدة وأصيد(4/168)
لهم، قال الديك: أنت ما رأيت بازا في سفود، وأنا قد رأيت عشرين ديكا «1» .
70- بكى ثابت البناني «2» حتى كاد بصره يذهب، فقال له الطبيب:
أعالجك على أن لا تبكي، فقال: وما أخيرهما إذا لم تبكيا؟.
وعنه: اتخذ نبي الله داود تسع حشايا «3» من شعر وحشاهن بالرمل وبكى حتى أنفذهن بالدموع.
71- مطرف: لو علم الناس رحمته وعفوه لقرت أعينهم، ولو علموا قدر عقوبته وبأسه مارقا لهم دمع.
72- بديل بن ميسرة العقيلي: البكاء يكون من سبعة أشياء: من الفرح والحزن، والوجع، والفزع، والرياء، والسكر، ومن خشية الله فذلك الذي تطفىء الدمعة منه أمثال البحور من النار.
73- معاوية بن قرة أبو أياس «4» : الزكن «5» : من يدلني على رجل بكاء بالليل بسام بالنهار.(4/169)
74- إسحاق بن سويد «1» : صحبت مسلم بن يسار إلى مكة، فلم أسمعه يتكلم بكلمة، فقال لا أدري ما خشية رجل يدع ما يكرهه الله «2» .
75- يزيد بن أبان الرقاشي من أصحاب أنس والحسن: كان يبكي عامّة ليله ونهاره حتى سقطت أشفار عينيه. فقال له ابنه: لو خلقت النار لأجلك ما زدت على ما تصنع، فقال: وهل خلقت النار إلا لي ولأمثالي؟.
76- ابن السماك «3» : أعقل الناس محسن خائف، وأجلهم مسيء آمن.
77- إسحاق بن سويد: ليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه، إنما الخائف الذي يترك ما يخاف أن يعاقبه الله عليه.
78- فضيل: ما خوفنا عند خوف من كان قبلنا إلا كمثل شبكور «4» قاد عميانا، فإذا أبصر شيئا قال العميان فلان بصير.
79- في وصية علي رضي الله عنه: أطردوا واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين.(4/170)
80- كان يقال: عليك بسلاح الصبي، أرادوا التملق والبكاء.
81- أبو العتاهية:
نأتي المكاره حين تأتي جمة ... وترى السرور يجيء في الفلتات «1»
82- شعيب اليماني «2» : إنّا نجد في الكتب أن العبد إذا استكمل الفجور ملك عينيه فبكى بهما إذا شاء.
83- خطب النبي صلّى الله عليه وسلّم: فبكى رجل بين يديه، فقال: لو شهدكم كل مؤمن، كان عليه من الذنوب أمثال الجبال الرواسي، لغفر لهم ببكاء هذا الرجل، وذلك أن الملائكة له، تدعو له رحمة الله، وتقول: اللهم شفّع البكائين فيمن لا يبكي.
84- النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما اغرورقت عينا عبد من خشية الله إلا حرم الله جسده على النار، فإن فاضت على خده لم يوهن وجهه قتر ولا ذلة، ولو أن عبدا بكى من أمة من الأمم لأنجى الله ببكاء ذلك العبد تلك الأمة من النار، وما من عمل إلا له وزن وثواب إلا الدمعة فأنها تطفىء بحورا من النار.(4/171)
الباب الرابع والستون الفخر، والكبر، والصلف، وإعجاب المرء بنفسه، وذكر الخيلاء، وجر الازار
1- أبو هريرة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الله قد أذهب عنكم غبية الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس بنو آدم وآدم من تراب. مؤمن تقي، وفاجر شقي، لينتهين أقوام يفخرون برجال إنما هم فحم من فحم جهنم، أو فليكونن أهون على الله من جعلان تدفع النتن بأنفها «1» .
2- رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يخطر بيديه ويقول:
أنا ابن بطحاء مكة كديتها وكدائها «2» ، فقال له: إن يكن لك دين فلك كرم، وإن يكن لك عقل فلك مروءة، وإن يكن لك مال فلك شرف، وإلا فأنت والحمار سواء.
3- علي بن الحسين «3» ، عنه عليه السّلام في وصية علي بن أبي طالب رضي الله عنه له: يا علي، لا فقر أشد من الجهل، ولا وحشيّة أشد من العجب.(4/173)
4- افتخر رجل عند عمر رضي الله عنه فقال: أنا ابن معتلج البطاح «1» ، فقال: إن كان لك عقل فلك أصل، وإن كانت لك تقوى فلك كرم، وإن كان لك خلق فلك شرف، وإلا فالحمار خير منك.
إن أحبكم إلينا قبل أن نراكم أحسنكم اسما، فإذا رأيناكم فأحسنكم سمتا، فإذا تلكتم فأنبتكم منطقا، فإذا خبرناكم فأحسنكم عملا، وسرائركم بينكم وبين الله.
5- أبو هريرة رفعه: بينما رجل يمشي إذ أعجبته جمته وبراده، إذ خسفت به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة «2» .
6- ابن عمر رضي الله عنه رفعه: إن الذي يجر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة «3» .
7- ابن يسار النسائي «4» :(4/174)
أتيه على جن البلاد وأنسها ... ولو لم أجد جنا لتهت على نفسي
أتيه فلا أدري من التيه من أنا ... سوى ما يقول الناس فيّ وفي جنسي
فإن زعموا أني من الأنس مثلهم ... فما لي عيب غير أني من الأنس
8- رأى رجل رجلا يختال في مشيته فقال: جعلني الله مثلك في نفسك، ولا جعلني مثلك في نفسي.
9- علي رضي الله عنه: ضع فخرك، واحطط كبرك، واذكر قبرك.
10- أتى وائل بن حجر «1» النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأقطعه أرضا. وقال لمعاوية اعرض هذه الأرض عليه واكتبها له، فخرج مع وائل في هاجرة شاذية، ومشى خلف ناقته، وقال له: أردفني على عجز راحلتك، قال: لست من أرداف الملوك. قال: فأعطني نعليك، قال: ما بخل يمنعني يا ابن أبي سفيان، ولكن أكره أن يبلغ أقيال اليمن أنك لبست نعلي، ولكن امش في ظل ناقتي فحسبك بها شرفا. ثم إنه لحق زمن معاوية، ودخل عليه فأقعده معه على سريره وحدثه.
11- داود بن علي «2» : الملك فرع نبعة نحن أفنانها، وذروة هضبة نحن أركانها.(4/175)
12- قال المساور بن هند «1» لرجل: أتعرفني؟ قال: لا، قال: أنا المساور بن هند، قال: ما أعرفك، قال: فتعسا ونكسا لمن لا يعرف القمر.
13- علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي «2» :
لقد فاخرتنا من قريش عصابة ... بمطّ خدود وامتداد أصابع
فلما تنازعنا الفخار قضى لنا ... عليهم بما نهوى نداء الصوامع
ترانا سكوتا والمنادي بفضلنا ... عليهم جهير الصوت من كل جامع
- وله:
إني وقومي من أنساب قومهم ... كمسجد الخيف من بحبوحة الخيف «3»
ما علق السيف منا بابن عاشرة ... إلا وهمته أمضى من السيف
14- قيل لحكيم: ما الشيء الذي لا يحسن أن يقال وإن كان حقا؟
قال: مدح الرجل نفسه.
15- العتابي: العجب ضربان مفترض ومطرح، فأما المفترض فأن يعلم الإنسان نعم الله سبحانه عليه، ويفرح بإحسانه إليه؛ وأما المطرح فعجب الإستطالة «4» الذي نهى الله عنه. ألا ترى إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم حين(4/176)
يقول: أنا سيد ولد آدم ولا فخر. فجهر بعجب الشكر. وأسقط استطالة الكبر.
16- مدح أعرابي نفسه، فقيل له: فقال: إلى من أكلها إذن «1» .
17- وكان كعب بن زهير إذا أنشد قصيدة صنع لها خطبة في الثناء عليها، وكان يقول عند إنشادها: لله دري! وأي علم بين جنبي! وأي لسان بين فكي! 18- الجاحظ: ولو لم يصف الطبيب مصالح دوائه للمتعالجين لما كان له طالب، ولا فيه راغب.
18- ولما أبدع ابن المقفع، في رسالته، سماها «اليتيمة» «2» تنزيها لها عن المثل، ولو لم ينحلها هذا الاسم لكانت كسائر رسائله، فسكنت من القلوب موضع إرادته من تعظيمها.
19- استصحب هشام بن عبد الملك الفرزدق إلى مكة، فأعطاه أربع مائة درهم، فتسخطها وهجاه بقوله:
يرددني بين المدينة والتي ... إليها قلوب الناس يهوى منيبها
يقلب رأسا لم تكن رأس سيد ... وعينا له حولاء باد عيوبها
فكتب إلى خالد القسري أن أوثقه بالحديد، ففعل، وبلغ ذلك جريرا فوفد على خالد، فقال له: ألا يسرك أن الله قد أخزى الفرزدق؟(4/177)
فقال: أيها الأمير، ما أحب والله أن يخزيه الله إلا بشعري، وتشفع له، فقال خالد: اشفع إلي فيه على رؤوس الملأ ليكون أذل له، فشفع له على رؤوس الإشهاد، فدعا خالد بالفرزدق وقال: إن جريرا قد شفع فيك وإني مطلقك بشفاعته، فقال الفرزدق: أسير قسري، وطليق كلبي! بأي وجه أفاخر العرب بعدها؟ ردوني إلى السجن.
20- سمع الفرزدق الفضل بن العباس اللهبي»
[يقول] :
وأنا الأخضر من يعرفني ... أخضر الجلدة من بيت العرب
من يساجلني يساجل ماجدا ... يملأ الدلو إلى عقد الكرب «2»
فقال: بم أساجلك؟ فقال:
برسول الله وابني عمه ... وبعباس وعبد المطلب
فقال: أعض الله من يساجلك بما أبقت المواسي من أمه.
21- ذكر أعرابي قوما فقال: ما نالوا شيئا بأناملهم إلا وطئناه بأخامص أقدامنا «3» ، وإن أقصى مناهم لأدنى فعالنا.(4/178)
22- نظر رجل إلى ولد أبي موسى «1» يختال، فقال: يمشي كأن أباه خدع عمرا.
23- وسمع الفرزدق أبا بردة يقول: كيف لا أتبختر وأنا ابن أحد الحكمين؟ فقال له: أحدهما «2» مائق والآخر فاسق، فكن ابن أيهما شئت.
24- ونظر عمر بن عبد العزيز إلى علوي يمشي مشية منكرة، فقال:
يا هذا، إن الذي شرفت به لم تكن هذه مشيته.
25- فلان يطعم الأرض فضل ثيابه.
26- فلان وضع نفسه في درجة لو سقط منها لتكسر.
27- الحسن: لو كان الرجل كلما قال أصاب، وكلما عمل أحسن أو شك أن يجن من العجب.
28- نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أبي دجانة «3» يتبختر بين الصفين،(4/179)
فقال: هذه مشية يبغضها الله إلا في هذا المكان.
29- عبد الله بن عبد المطلب أبو رسول الله «1» :
لقد علم السادات في كل بلدة ... بأن لنا فضلا على سادة الأرض
وأن أبي ذو المجد والسؤدد الذي ... يساد به ما بين نشز إلى خفض «2»
وجدي وآباء له أثلوا العلى ... قديما بطيب العرق والحسب المحض
30- الجاحظ: المذكورون بالكبر من قريش بنو مخزوم وبنو أمية، ومن العرب بنو جعفر بن كلاب وبنو زرارة بن عدس. وأما الأكاسرة فكانوا لا يعدون الناس إلا عبيدا، وأنفسهم إلا أربابا. والكبر في الأجناس الذليلة أرسخ، ولكن القلة والذلة مانعتان من ظهور كبرهم. والجملة إن من قدر من الوضعاء «3» أدنى قدرة ظهر من كبره مالا خفاء به.(4/180)
وشيء قد قتلته علما وهو أني لم أر ذا كبر قط على من دونه إلا وهو يذل لمن فوقه بمقدار ذلك ووزنه.
- وقال: وأما بنو مخزوم وبنو أمية وبنو جعفر بن كلاب واختصاصهم بالتيه فأنه أبطرهم «1» ما وجدوه لأنفسهم من الفضيلة، ولو كان في قوى عقولهم فضل على قوى دواعي الحمية فيهم لكانوا كبني هاشم في تواضعهم وإنصافهم لمن دونهم.
31- ولما بلغ الحسن بن علي رضي الله عنه قول معاوية: إذا لم يكن الهاشمي جوادا، والأموي حليما، والعوامي شجاعا، والمخزومي تياها، لم يشبهوا باءهم، قال: إنه والله ما أراد بها النصيحة، ولكن أراد أن يفني بنو هاشم ما بأيديهم فيحتاجون إليه، وأن تحلم بنو أمية فيحبهم الناس، وأن يشجع بنو العوام فيقتلوا، وأن يتيه بنو مخزوم فيمقتوا «2» .
32- وكان يقال: أربعة لم يكونوا، ومحال أن يكونوا: زبيري سخي، ومخزومي متواضع. وشامي صحيح النسب، وقرشي يحب آل محمد.
33- عبد الأعلى بن عبد الرحمن البصري «3» في محمد بن أبي الشوارب «4» :(4/181)
أني رأيت محمدا مشاوسا ... مستصغرا لجميع هذا الناس «1»
ويقول لما أن تنفس خاليا ... نفسا له يعلو على الأنفاس
ريح الخلافة في جوانب جبتي ... تستر دون لحى بني العباس
34- افتخر العباس بن عبد المطلب وطلحة بن شيبة «2» وعلي بن أبي طالب: فقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها. وقال طلحة: أنا صاحب البيت ومعي مفتاحه، فقال علي عليه السّلام: ما أدري ما تقولان، أنا صليت إلى هذه القبلة قبلكما وقبل الناس أجمعين لستة أشهر، فنزلت أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
، الآية «3» .
35- كان يقال: كفى بالمرء ذما لنفسه أن يطريها على رؤوس الملأ «4» .(4/182)
36- قيل لبزرجمهر: هل تعرف نعمة لا يحسد عليها صاحبها؟
قال: نعم، التواضع قيل: فهل تعرف بلاء لا يزاحم صاحبه؟ قال:
نعم، قال: العجب.
37- أبو البيداء الأعرابي «1» :
ولست بتّياه إذا كنت مثريا ... ولكنه خلقي إذا كنت معدما
وإن الذي يعطى من المال ثروة ... إذا كان فلّ الوالدين تعظما
38- قيل لحكيم: ما بال الأغبياء يذهبون بأنفسهم «2» دون العلماء؟
قال: لمعرفة العلماء بالله، وإنه لا يماجد.
39- قال عمرو بن العاص لرجل من ثقيف: ما حشوجبك؟ قال:
أما مني فدين وكرم، وأما بعد ذلك فحسب.
40- تفاخر رجلان على عهد موسى عليه السّلام، فقال أحدهما: أنا ابن فلان حتى عد تسعة آباء من المشركين، وقال الآخر: أنا ابن فلان.
وقال: لولا أنه مسلم لما انتميت. فأوحي إلى موسى: أنه قد قضى قضاؤهما، أما الذي عد تسعة آباء مشركين فحق على الله أن يجعله عاشرهم في النار، والذي انتمى إلى أب مسلم فحق على الله أن يجعله مع أبيه المسلم في الجنة.
41-[شاعر] :(4/183)
قولا لأحمق يلوي التيه أخدعه ... لو كنت تعلم ما في التيه لم تته «1»
التيّه مفسدة للدين منقصة ... للعقل مهلكة للعرض فانتبه
42- كان عمارة بن حمزة بن ميمون «2» مولى بني العباس مثلا في التيه، حتى قيل: أتيه من عمارة، وكان يتولى دواوين بن السفاح والمنصور، ومن تيهه: أنه كان إذا أخطأ مضى على خطئه تكبرا عن الرجوع، ويقول:
نقض وإبرام في ساعة واحدة! الخطأ أهون من هذا.
43- وافتخرت أم سلمة المخزومية «3» امرأة السفاح ذات ليلة بقومها، فقال لها: أنا أحضرك الساعة على غير أهبة مولى من موالي ليس في أهلك مثله، فأرسل إلى عمارة. فأعجله الرسول عن تغيير زيه، فجاء، فإذا هو في ثياب ممسكة، وقد غلف لحيته حتى قامت، فرمى إليه السفاح بمدهن «4» ذهب فيه غالية، فقال: يا أمير المؤمنين، هل ترى في لحيتي موضعا لها؟ فأخرجت أم سلمة عقدا لها، وأمرت خادما أن يضعه بين(4/184)
يديه، فقام وتركه. فأمرت الخادم أن يتبعه به، ويعلمه أنها أهدته له، فقال للخادم: هو لك. فانصرف بالعقد وقال: قد وهبه لي. فاشترته منه بعشرة آلاف دينار، وتعجبت من كبر نفس عمارة.
44- الأعور بن براء الكلابي «1» :
وكائن في المعاشر من قبيل ... أخوهم فوقهم وهم كرام
بنانا الله فوق بني أبينا ... كما يبني على الثبج السنام
45- عثمان بن واقد «2» من ولد عمر رضي الله عنه:
جدي وصاحبه فازا بفضلهما ... على البرية لا جارا ولا ظلما
هما ضجيعا رسول الله نافلة ... دون الصحابة مجدا عانق الكرما
46- الخليفة الراضي بالله رضي الله عنه:
لو أن ذا حسب نال السماء به ... نلنا السماء بلا كد ولا تعب
فإن صدقتم فأعلى الخلق نحن وإن ... ملتم عن الصدق أعقبتم إلى الكذب
47- علي رضي الله عنه في المنذر بن الجارود «3» : إنه لنظار في عطفيه، مختال في شراكيه «4» .(4/185)
- وعنه: الإعجاب يمنع من الازدياد.
- وعنه: عجب المرء بنفسه أحد حساد عقله.
- وعنه: من رضي عن نفسه كثر الساخط عليه.
- وعنه: إياك والإعجاب بنفسك، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحو ما يكون من إحسان المحسن.
48- قام داود ليلة، فكأنه أعجب بها، فأوحى الله إلى ضفدع أن كلميه، فقالت: يا داود، كأنك أعجبت بليلتك! هذا مقامي منذ عشرين ليلة، ما دخل جوفي قطرة ماء ولا خضرة، شكرا لله حين سلم بيضتي.
49- الجاحظ: أيتيت أبا الربيع الغنوي «1» ومعي رجل هاشمي، فناديت: أبو الربيع هاهنا؛ فخرج إلي وهو يقول: خرج إليك رجل كريم، فلما أبصر الهاشمي استحيى فقال: أكرم الناس رديفا، وأشرفهم حليفا، أراد بالرديف والحليف أبا مرثد الغنوي «2» ، لأنه كان رديف رسول الله وحليف أبي بكر، ثم نهض الهاشمي. فقلت له: من خير الخلق؟
قال: الناس والله، قلت: فمن خير الناس؟ قال: العرب والله. قلت:
فمن خير العرب؟ قال: مضر والله، قلت: فمن خير مضر؟ قال: قيس والله. قلت: فمن خير قيس؟ قال: يعصر والله قلت: فمن خير يعصر؟
قال: غني والله، قلت: فمن خير غني؟ قال: المخاطب لك والله، قلت: فأنت خير الناس؟ قال: أي والله. قلت: أيسرك أن تحتك بنت يزيد بن المهلب «3» ؟ قال: لا والله، قلت: ولك ألف دينار، قال: لا(4/186)
والله، قلت: فألفا دينار، قال: لا والله، قلت: ولك الجنة، فأطرق ثم قال: على أن لا تلد مني، وأنشد:
تأبى ليعصر أعراق مهذبة ... من أن تناسب يوما غير أكفاء
فان يكن ذاك حتما لا مرد له ... فاذكر حذيف فأني غير أباء «1»
50- أراد حذيفة بن بدر الفزاري «2» ، لأنه أقرب الأشراف إليه نسبا.
51- أبو الأبيض العلوي «3» :
وأنا ابن معتلج البطاح تضمني ... كالدر في أصداف بحر زاخر
تنشقّ عنّي ركنها ومقامها ... كالجفن يفتح عن سواد الناظر
كجبالها شرفي ومثل سهولها ... خلقي ومثل ظبائهن مجاوري
52- سلمان الفارسي رضي الله عنه:
أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم
53- ابن الرقاع العاملي «4» :
علوناهم في كل فخر وسؤدد ... وعزكما يعلو القناة سنانها
54- الزبير بن عبد المطلب «5» عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(4/187)
إن القبائل من قريش كلها ... ليرون أنّا هام أهل الأبطح
وترى لنا فضلا على سادتها ... فضل المنار على الطريق الأوضح
55- الحارث دعي الوليد بن عقبة «1» :
ولقد شهدت اللبس أفرجه ... والأمر أبرمه وانقضه «2»
والغارة الشواء أقدمها ... بأقب نهد حين أركضه
والقرن أكسو السيف هامته ... والثغر ذا الأهوال انقضه
والشعر أسديه وألحمه ... متيسرا لي حين أقرضه
غرفا بكفي غير مكترث ... من موج بحر ما أغيضه
56- الأحنف: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر.
57- هشام بن حسان «3» : سيئة تسوؤك خير من حسنة تعجبك.
58- مطرف «4» : لأن أبيت نائما وأصبح نادما أحب إلي من أن أبيت قائما «5» وأصبح معجبا(4/188)
59- حكى الأصمعي عن رجل: ما رأيت ذا كبر قط إلا تحول داؤه فيّ يريد أني أتكبر عليه.
60- وعن آخر: ما تاه أحد عليّ مرتين. يريد أنه إذا تاه مرة لم أعاوده.
61- قيل لرجل من بني عبد الدار «1» : ألا تأتي الخليفة؟ قال:
أخشى أن لا يحمل الجسر شرفي.
62- قيل للحجاج بن أرطأة «2» : مالك لا تحضر الجماعة؟ فقال:
أكره أن يزاحمني البقالون.
63- كان يقال: للعادة سلطان على كل شيء وما استنبط الصواب بمثل المشاورة. ولا حصنت النعمة بمثل المواساة، ولا اكتسبت البغضة بمثل الكبر.
64- إسماعيل بن أبي خالد «3» : كنت أمشي مع الشعبي وأبي(4/189)
سلمة «1» فقال الشعبي: يا أبا سلمة، من أعلم أهل المدينة؟ فقال: الذي يمشي بينكما. يعني نفسه.
65- أبو مسلم صاحب الدعوة: ما تاه إلّا وضيع، ولا فاخر إلا لقيط «2» .
66- بعض ملوك يونان: من رفع نفسه فوق قدره استجلب مقت الناس فقال وزيره: من رفع نفسه فوق قدره رده الناس إلى قدره.
67- سأل عبد الله بن الزبير وفد العراق عن مصعب، فأثنوا عليه فتمثل بقوله:
قد جربوني ثم جربوني ... من غلوتين ومن المادين «3»
حتى إذا شابوا وشيبوني ... حلّوا عناني ثم سيبوني
يريد ماوليته إلا عن علم وتجربة.
68- أقبل رجل يمشي مرخيا بذيله، وطارحا رجليه يتبختر، فقال له عمر رضي الله عنه: دع هذه المشية، فقال: ما أطيق. فجلده، ثم تبختر فجلده، فترك التبختر. فقال عمر: إذا لم أجلد في مثل هذا ففيم أجلد؟
فجاءه الرجل بعد ذلك فقال: جزاك الله خيرا، إن كان إلا شيطانا عليّ، أذهبه بك.(4/190)
الباب الخامس والستون الفأل، والزجر، والطيرة، والعيافة، والكهانة، والرقى، والسحر، والشعوذة، والعين، واللغز، والأحاجي ونحوها «1»
1- سليمان بن بريدة «2» عن أبيه: ذكرت الطيرة عند النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: من عرض له من هذه الطيرة شيء فليقل: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بالله «3» .
- وعنه عليه السّلام: ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له.
2- أنس رفعه: لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح.
قالوا: وما الفأل الصالح؟ قال: الكلمة الطيبة «4» .(4/191)
- وعنه: أنه كان يحب الفأل الصالح، والاسم الحسن.
3- أبو هريرة رفعه: إذا ظننتم فلا تحقوا «1» ، وإذا تطيرتم فامضوا، وعلى الله فتوكلوا.
- وعنه: أن رسول الله عليه السّلام سمع كلمة فأعجبته، فقال: أخذنا فألك من فيك.
4- عروة بن عامر: ذكرت الطيرة عند النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: أحسنها الفأل ولا ترد مسلما. فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي الحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله.
5- عبد الله بن بريدة «2» عن أبيه: أن رسول الله كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به.
ورئي بشر ذلك في وجهه «3» .
6- أنشد المبرد:
لا يعلم المرء ليلا ما يصبّحه ... إلا كواذب ما يجري به الفال
والفال والزجر والكهّان كلّهم ... مضلّلون ودون الغيب أقفال
7- تقول العرب: طائر الله لا طائرك «4» .
8- رأى أعرابي في دهليز عبيد الله بن زياد صورة أسد وكبش وكلب(4/192)
فقال: أسد كالح، وكبش ناطح، وكلب نابح، أما إنه لا يتمتع بها أبدا.
فما لبث عبيد الله إلا أياما.
9- قبيصة «1» : سمعت رسول الله [يقول] : العيافة والطيرة والطرق من الجبت «2» .
10- ابن عباس رفعه: من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر «3» .
11- أبو هريرة رفعه: من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، أو أتى امرأته حائضا، أو أتى امرأته في دبرها فقد بريء مما أنزل على محمد.
12- تفاءل هشام بن عبد الملك بنصر بن سيار، فقلده خراسان.
فكان بها عشرة أحوال حتى أخذ أمرهم في الانتقال» .
13- وخرج عامر بن إسماعيل المذحجي «5» صاحب السفاح من مصر في طلب مروان بن محمد، فاعترضه بالفيوم «6» قوم من العرب، فسأل(4/193)
رجلا منهم ما اسمك؟ فقال: منصور بن سعد، وأنا رجل من سعد العشيرة «1» . فتبسم تفاؤلا به وتيمنا، واستصحبه فظفر بمروان في تلك الليلة.
14- وتفاءل المأمون بنصر بن بسام، فكان سبب مكانته عنده.
15- الجاحظ: قالوا لشمال اليدين يسار لأن اسمها العسراء. فتفاءلوا باليسار من اليسر.
16- لبيد:
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ... ولا زاجرات الطير ما الله صانع
17- مزرد بن ضرار «2» :
واني امرؤ لا تقشعر ذؤابتي ... من الذئب يعوي والغراب المحجل «3»
18- خزز بن لوذان «4» :(4/194)
لا يقعدنك عن بغاء ... الخير تعقاد التمائم «1»
فلقد غدوت وكنت لا ... أغدو على واق وحاتم «2»
فإذا الأشائم كالميا ... من والميامن كالأشائم
وكذاك لا خير ولا شر ... على أحد بدائم
19- بعض العرب: خرجت في بغاء ناقة لي ضلت، فسمعت قائلا يقول:
ولئن بعثت لنا البغاة ... فما البغاة بواجدينا
فلم أتطير منه ومضيت، فلقيني رجل قبيح الصورة، به ما شئت من عاهة، فما فنائي ذلك، وتقدمت فلاحت لي أكمة فسمعت منها: والشر يلقي مطالع الأكم، فلم أكترث له، فلما علوتها وجدت ناقتي تفاجت للولادة فنجتها وعدت إلى منزلي بها مع ولدها.
20- علي رضي الله عنه كان يكره أن يسافر، أو تزوج النساء في محاق الشهر، وإذا كان القمر في العقرب.
21- قال بشير غلام حرب الراوندي «3» للمنصور يوم قتل أبا مسلم يا أمير المؤمنين، رأيت اليوم ثلاثة أشياء تطيرت لأبي مسلم منها، قال: وما ذاك، قال: ركب فوقعت قلنسوته عن رأسه، قال: الله أكبر! تبعها والله(4/195)
رأسه، رأسه يا بشير قال: وكبا به فرسه، قال: الله أكبر! كبا والله جده وأصلد زنده «1» . وقال: قال إني مقتول وإنما أخادع نفسي، فإذا رجل ينادي في الصحراء لآخر: اليوم آخر الأجل بيني وبينك، قال: الله أكبر! ذهب أجله وانقطع من الدنيا أثره.
22-[شاعر] :
ألا أيها الغادي على ذم طائر ... ليلزمه جرما وليس له جرم
وما لغراب البين بالبين خبرة ... وما لغراب البين بالملتقى علم
23- تجهز النابغة الذبياني واسمه زياد بن عمرو بن زبان بن سيار الفزاري للغزو، فلما أراد الرحيل نظر إلى جرادة سقطت عليه، فقال:
جرادة تجرد وذات لونين، غيري من خرج في هذا الوجه ولم يلتفت زبان إلى طيرته، فمر ورجع غانما فقال:
تخير طيرة فيها زياد ... لتخبره وما فيها خبير
أقام كأن لقمان بن عاد ... أشار له بحكمته مشير
تعلم أنه لا طير إلا ... على متطيّر وهو الثبور
بلى شيء يوافق بعض شيء ... أحايينا وباطله كثير «2»
24- بعضهم: حضرت الموقف مع عمر رضي الله عنه فصاح صائح: يا خليفة رسول الله، فقال رجل من بني لهب «3» ، وفيهم العيافة، دعاه باسم ميت، مات والله أمير المؤمنين.(4/196)
فلما وقفنا للجمار إذا حصاة قد صكت صلعة عمر فأدمتها، فقال قائل: أشعر والله أمير المؤمنين دما. فإذا أنا باللهبي يقول: والله لا يقف هذا الموقف أبدا. فقتل قبل أن يحول الحول. وإنما قيل ذلك لأنهم يقولون: دية المشعرة كذا، يريدون دية الملوك، اسم لقتلاهم خصوصا «1» .
25- قال كثير «2» :
تيممت لهبا ابتغي العلم عندها ... وقد صار علم العائفين إلى لهب
26- رأي سطيح مثل عند العرب، وكانوا فيما يزعمون يطوي كما يطوى الحصير ويتكلم بكل إعجوبة في الكهانة. وكذلك شق الكاهن «3»(4/197)
وكان نصف إنسان.
27- قال ابن الرومي:
لك رأي كأنه رأي شق ... وسطيح قريني الكهان
يستشف الغيوب عما يوار ... ين بعين جلية الإنسان «1»
28- رأى مزيد «2» خاتم ذهب في يد جارية، فقال: ناوليني خاتمك أذكرك به، قالت: هذا ذهب وأخاف أن تذهب، ولكن خذ هذا العود فلعلك تعود.
29- الجاحظ: كان مسيلمة «3» قبل التنبؤ يدور في الأسواق كسوق الأبلّة «4» ، وسوق بقة «5» ، وسوق الحيرة «6» ، يلتمس تعلم الحيل(4/198)
والنيرنجيات «1» ، واحتيالات أصحاب الرقى والنجوم، وكان قد أحكم حيل الحواة وأصحاب الزجر والخط «2» ، فمن ذلك أنه صب على بيضه من خل حاذق قاطع «3» فلانت، حتى إذا مددتها استطالت واستدقت كالعلك، ثم أدخلها قارورة ضيقة الرأس، وتركها حتى انضمت واستدارت وعادت كهيأتها الأولى، فأخرجها إلى قومه، وهم قوم أعراب، وادعى النبوة فآمن به جماعة، وقيل فيه:
ببيضة قارور وراية شادن ... وتوصيل مقصوص من الطير جاذف «4»
يريد براية الشادن الراية التي يعملها الصبي من القرطاس الرقيق ويجعل لها ذنبا وجناحا ويرسلها يوم الريح بالخيوط الطوال، كان يعمل رايات من هذا الجنس، ويعلق بها الجلاجل، ويرسلها في ليلة الريح، ويقول: الملائكة تنزل عليّ، وهذه خشخشة الملائكة وزجلها «5» ، وكان يصل جناح الطائر المقصوص بريش معه فيطير.
30- الدجاجة يتفاءل بذكرها. حكي أنه لما ولد لسعيد بن العاص «6»(4/199)
عنبسة «1» ، قال سعيد لابنه يحيى «2» : أي شيء تنحله «3» ؟ قال: دجاجة بفراريجها! وإنما أراد احتقاره بذلك لأن أمه كانت أمة، فتفاءل سعيد وقال: إن صدق الطير ليكونن أكثركم ولدا. فكان كما تفاءل. وهم بالمدينة والكوفة.
31- عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال على منبر البصرة: إن الكلاب من الحن «4» ، وإن الحن من ضعفاء الجن، فإذا غشيكم منها شيء فألقوا إليه شيئا أو اطردوه، فإن لها أنفس سوء.
32- قال الجاحظ: علماء الفرس والهند، وأطباء اليونانيين، ودهاة العرب، وأهل التجربة من نازلة الأمصار، وحذاق المتكلمين يكرهون الأكل بين يدي السباع. يخافون عيونها، للذي فيها من النهم والشره، ولما ينحل عند ذلك من أجوافها من البخار الردىء «5» ، وينفصل من عيونها(4/200)
مما إذا خالط الإنسان نقضه وأفسده، وكانوا يكرهون قيام الخدم بالمذاب «1» والأشربة على رؤوسهم مخافة العين. وكانوا يأمرون بإشباعهم قبل أن يأكلوا.
33- وكانوا يقولون في الكلب والسنور «2» : إما أن يطردوا وإما أن يشغل بما يطرح له.
34- وقالوا: نفوس السباع أردأ وأخبث لفرط شرهها. قالوا: ونظيره أن الرجل يضرب الحية بعصاه فيموت الضارب، لأن السم فصل من الحية فسرى فيها حتى داخله. ويديم الإنسان النظر إلى العين المحمرة فتعتري عينه حمرة، والثوباء تعدي عداء ظاهرا.
35- ورأيت من المتكلمين من يكره دنو الطامث من اللبن لتسوطه، لأن لها رائحة وبخارا يفسد ذلك السوط «3» .
36- وعن الأصمعي: أن عيونا «4» كان يقول: إذا وجدت الشيء يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني.
- وعنه: كان عندنا عيانان «5» ، فمر أحدهما بحوض من حجارة فقال:
تالله ما رأيت كاليوم مثله! فانصدع فلقتين؛ فمر عليه فقال: لعمرك(4/201)
لقل ما أضررت أهلك فيك فتطاير أربع فلق. وسمع الآخر صوت بول من وراء حائط فقال: إنك كثير الشخب «1» ! قالوا: هو ابنك، قال:
وانقطاع ظهرياه! فقيل: لا بأس به، فقال: لا يبول والله بعدها أبدا، فما بال حتى مات.
- وسمع صوت شخب بقرة فقال: أيتهن هذه؟ فوروا بأخرى عنها «2» فهلكت جميعا، المورّى بها والمورى عنها.
37- شاعر:
أهدت إليه سفرجلا فتطيّرا ... منه وظل مفكرا مستعبرا
خاف الفراق لأن شطر هجائه ... سفر وحق له بأن يتطيرا
38- آخر:
يا ذا الذي أهدى لنا سوسنا ... ما كنت في أهدائه محسنا
نصف اسمه سوء فقد ساءني ... يا ليت أني لم أر السوسنا
39- آخر:
وامنح الياسمين البغض من حذري ... للياس إذ قيل لي نصف اسمه ياس
40- آخر:
لا تراني طوال ... دهري أهوى الشقائقا
أن يكن يشبه الخدو ... د فنصف اسمه شقا
41- يتفاءلون بالآس لدوامه، ويتطيرون من النرجس لسرعة انقضائه، ويسمونه الغدار، قال العباس بن الأحنف.(4/202)
إن الذي سماك يا منيتي ... بالنرجس الغدار ما انصفا
لو أنه سماك رامشنة ... وفيت إن الآس أهل الوفا «1»
42- تزعم العرب أن الجن تمتطي الوحش، وتجتنب الأرنب لمكان الحيض ولذلك كانوا يتعلقون كعبها كالمعاذة «2» ، ويقولون من تعلقها لم تصبه عين، ولم يعمل فيه سحر، وكانت فيه واقية من الجن. قال امرؤ القيس:
مرسعة وسط أرفاغه ... به عسم يبتغي أرنبا «3»
ليجعل في ساقه كعبها ... حذار المنية أن يعطبا
43- كانت لعامر بن شفيق الضبي «4» فرس تدعى ذات الرماح، وكانت لا تذعر، فإذا ذعرت تباشرت بنو ضبة بالغنم، وقال في ذلك قيس بن عبد الله الأصم الضبي «5» :
44-[شاعر] :(4/203)
إذا ذعرت ذات الرماح جرت لنا ... أيا من بالطير الكثير غنائه «1»
45- الأصمعي: سألت ابن عون «2» عن الفأل فقال: هو أن تكون مريضا فتسمع يا سالم، أو باغيا فتسمع يا واجد.
46- عكرمة «3» : كنّا عند ابن عباس، فمر طائر يصيح، فقال رجل من القوم: خير، فقال ابن عباس: لا خير ولا شر.
47- بعث معاوية رجلا يقال له هدبة «4» بقتل حجر بن عدي الكندي «5» في ثلاثة عشر رجلا، وكان هدبة أعور، فنظر إليه رجل من خشعم «6» فقال: إن صدق الطير قتل نصفنا، فلما قتل سبعة بعث معاوية رسولا بعافيتهم.(4/204)
48- خرج كثير إلى مصر يريد عزة «1» ، فلقيه أعرابي من بني نهد «2» فقال له: رأيت في وجهك شيئا؟ قال: غرابا ساقطا فوق بانة ينتف ريشه، قال: إنك توافي مصر وقد ماتت عزة. فانتهره ثم مضى، فوافى مصر والناس منصرفون من جنازة عزة، فقال:
وما أعيف النهدي لا درّ درّه ... وأزجره للطير لا عز ناصره «3»
رأيت غرابا ساقطا فوق بانة ... ينتف أعلى ريشه ويطايره «4»
فأما غراب فاغتراب ووحشة ... وبانة بين من حبيب تعاشره
49- قال: وهرز «5» لغلامه حين جاء لقتال الحبشة: هات نشابة،(4/205)
وكان الأسوار يكتب على نشابه اسم الملك واسم نفسه واسم امرأته، فأخرج نشابة عليها اسمها، فتطير من المرأة وقال: ردها، فأدخل يده فأخرج الأولى، ففكر وهرز فقال: زبان «1» فإذا ترجمته أضرب ذاك، فوضعها في كبد قوسه وقال: صفوا لي ملكهم، فوصفوه بياقوتة بين عينيه فمغط في قوسه «2» حتى إذا ملأها سرحها، فأقبلت كأنها رشاء منقطع حتى صكت الياقوتة، فصارت فضاضا «3» وفلقت هامته.
50-[شاعر] :
وسميته يحيى ليحيا فلم يكن ... إلى ردّ أمر الله فيه سبيل
تيممت فيه الفأل حين رزقته ... ولم أدر أن الفأل فيه يفيل «4»
51- عائشة رضي الله عنها: كان إذا اشتكى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسلم أتاه جبرائيل فقال: بسم الله أرقيك من كل داء يشقيك، ومن شر حاسد إذا حسد، ومن شر كل ذي عين.
- وعنها: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه، ثم قال: أذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاءك، شفاء لا يغادر سقما.
- وعنها: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا مرض أحد من أهله نفث «5» عليه(4/206)
بالمعوذات «1» . فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه، لأنها أعظم بركة من يدي.
52- أم سلمة «2» : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لجارية في بيتها، رأى في وجهها سعفة، بها نظرة فاسترقوا لها «3» .
53- جابر بن عبد الله: لدغت رجلا منا عقرب، فقال رجل: يا رسول الله أرقى؟ فقال: من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل «4» .
54- عوف بن مالك الأشجعي «5» : كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا:
يا رسول الله، كيف ترى في ذلك، فقال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقي ما لم يكن فيه شرك «6» .
55- أبو سعيد الخدري «7» : إن ناسا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانوا في سفر، فمروا بحي من أحياء العرب استضافوهم فلم يضيفوهم، فقالوا: هل منكم راق؟ فإن سيد الحي لديغ «8» . فقال رجل منهم: نعم(4/207)
فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب. فبرىء، فأعطي قطيعا من الغنم، فأبى أن يقبلها حتى يذكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ذلك له فقال: يا رسول الله والله ما رقيت إلا بفاتحة الكتاب. فتبسم وقال: ما أدراني أنها رقية؟ ثم قال:
خذوا منهم واضربوا لي بسهم معكم «1» .
56- ابن عباس: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا «2» .
57- عائشة رضي الله عنها: كان يؤمر العاين فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين «3» .
58- علي بن محمد البرقعي «4» :
خذي عوذة مني لعينيك أنني ... أخاف على عينيك مني الدواهيا «5»
أخاف على عينيك عيني إنها ... يرينهما أحلى من أهلي وماليا
59- قالت امرأة من بني عامر في رقيّة لها: أرقيك بالله من نفس(4/208)
حرى وعين شرى «1» .
60- علي رضي الله عنه: الطيب نشرة، والغسل نشرة، والركوب نشرة، والنظر إلى الخضرة نشرة «2» .
61- أضاع أعرابي ذودا «3» له، فمر في نشدانه بأعرابي يحتلب فسقاه ثم قال له: متى خرجت في الطلب؟ قال: قبل طلوع الفجر، قال:
فما سمعت؟ قال عواطس «4» حولي، ثغاء الشاة ورغاء البعير ونباح الكلب وصياح الطير، قال: عواطس تنهاك عن الغزو، قال: فلما طلع الفجر عرض لي ذئب، قال: كسوب «5» ذو ظفر، قال: فما طلعت الشمس لقيت نعامة. قال: ذات ريش واسمها حسن، إرجع فإنك ستجد ضالك في منزلك.
62- كعب: كانت الشجرة تنبت في محراب سليمان، وتكلمه بلسان ذلق «6» : أنا شجرة كذا في دواء كذا، فيأمر بها فيكتب اسمها وصورتها ومنفعتها، وترفع في الخزائن. حتى كان آخر ما جاء الخروبة «7» فقال الآن نعيت إلي نفسي، وأذن في خراب بيت المقدس.(4/209)
63- الفرس: إذا فشا «1» الموت في الخنازير دل على عموم العافية في الناس، وإذا فشا في الوحش أصابهم ضيقه، وإذا فشا في الفار دل على الخصب، وإذا كثر نقيق الضفادع وقع موتان، وإذا نعب غداف «2» فجاوبته دجاجة عمر الخراب، وإذا قومت دجاجة فجاوبها غراب فبالعكس خرب العمار. وإذا نزا «3» ديك على تكأة رجل نال شرفا ونباهة، وإذا نزت عليها دجاجة فبالعكس.
64- كان في عنق نصراني صليب، وكان يقول للضعفة: عوده من الخشبة التي صلب عليها المسيح، فالنار لا تعمل فيه، وتكسّب بذلك زمانا حتى فطن له. وإنما كان عود يؤتى به من ناحية كرمان «4» لا يحترق.
65- ألقى يحيى بن أكتم «5» على المتوكل قوله:
وباسطة بلا نصب جناحا ... وتسبق ما يطير ولا تطير
إذا القمتها الحجر اطمأنت ... وتألم إن يباشرها الحرير «6»(4/210)
فقال: هي العين.
66- سئل أعرابي عن قول القائل:
أبى علماء الناس لا يخبرونني ... بناطقة خرساء مسواكها حجر
فقال: هي ما علمت أم سويد:
67- أعرابي: أتعرفون شيئا إذا قام كان أقصر منه إذا قعد: هو الكلب لأنه إذا أقعى «1» كان أرفع سمكا منه إذا قام على أربع.
68- شاعر:
عجبت لمولود وما إن له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان
69- آدم وعيسى عليهما السّلام:
70- في أحاجي العرب: ما أبيض شطرا، أسود ظهرا، يمشي قمطرا «2» ، ويبول قطرا؟ هو القنفذ. يقال كلب قمطر إذا كان به عقال من اعوجاج ساقيه، وقمطر الرجل العدو إذا هرب.
71- أعرابي:
له جناحان وليس بالطير ... يجر فدانا وليس بالثور
يريد الجعل «3» .
72- رقية الحية مثل في الطول، قال علي بن الجهم في توقيعات محمد بن عبد الملك.(4/211)
على ابن عبد الملك الزيات ... لعائن الله موقرات
رمى التدواوين بتوقيعات ... مطوّلات ومعقدات
أشبه شيء برقى الحيات
73- وعن خلف الأحمر «1» : كنت أرى أنه ليس في الدنيا رقية أطول من رقية الحية، فإذا رقية الخبز أطول منها. يعني ما يتكلفه الناس في كسبه من النثر والنظم والخطابة والتصنيف وغيرها.
74-[شاعر] :
وما صفراء تكنى أمّ عوف ... كأن رجيلتيها منجلان
هي الجرادة.
75- قال العتبي «2» : سمعت أعرابية بالحجاز فصيحة ترقي من العين فتقول: أعيذك بكلمة الله التامة التي لا يجوز عليها هامة، من شر الجن والأنس عامة، وشر النظرة اللامة «3» . أعيذك بمطلع الشمس، من كل ذي مشي همس، وشر كل ذي نظر خلس، وشر كل ذي قول دس «4» ، ومن شر الحاسدين والحاسدات، والمنافسين والمنافسات، والكائدين والكائدات، نشرت عليك بنشرة نشار، عن رأسك ذي الأشعار، وعن(4/212)
عينيك ذواتي الأشفار، وعن فيك ذي المحار «1» ، وظهرك ذي الفقار، وبطنك ذي الأسرار «2» ، وفرجك ذي الأستار، ويديك ذواتي الأظفار، ورجليك ذواتي الآثار، وذيلك ذي الغبار، وعنقك فضلا وذا إزار، وعن بيتك فرجا وذا أستار، رششت بماء بارد نارا، وكان الله لك جارا.
76- شاعر:
تعجبت من أم حصان رأيتها ... لها ولد من غيرها وهي عاقر «3»
فقلت لها بحرا فقالت مجيبتي ... أتعجب من هذا ولي زوج آخر «4»
77- أراد أبو العتاهية أن يخرج من البصرة لفتنة وقعت فيها، فسمع مناديا ينادي: يا متوكل.. فأقام.
78- قال كعب لابن عباس: ما تقول في الطيرة؟ قال: وما عسيت «5» أن أقول فيها؟ لا طير إلا طير الله؟ ولا خير إلا خير الله، ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال كعب: إن هذه الكلمات في كتاب الله المنزل، يعني التوراة.(4/213)
الباب السادس والستون التفاضل «1» ، والتفاوت «2» ، والاختلاف، والاشتباه «3» ، وما قارب ذلك ووافاه، وضرب في طريقه «4»
1- كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نظر إلى خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل قرأ: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ
«5» . لأنهما من خيار الصحابة، وأبواهما أعدى عدو لله ورسوله.
- وقال عليه السّلام لابن علاثة «6» : ما كان بينك وبين عامر «7» ! قال: آمنت(4/215)
وكفر، ووفيت وغدر، وولدت وعقر، وعففت وفجر. فقال عليه السّلام:
أنت خير منه.
2- علي رضي الله عنه لمعاوية: وأما قولك أنّا بنو عبد مناف فكذلك نحن، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب. ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر «1» كالطليق «2» ، ولا الصريح كاللصيق «3» ، ولا المحق كالمبطل، ولا المؤمن كالمدغل «4» ؛ وفي أيدينا بعد فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز وأنعشنا بها الذليل. ولما دخل الله العرب في دينه أفواجا، وأسلمت هذه الأمة طوعا وكرها، كنتم فيمن أدخل في الدين إما رغبة وإما رهبة، على حين فاز أهل السبق بسبقهم، وذهب المهاجرون الأولون بفضلهم.(4/216)
- وسئل علي رضي الله عنه عن قريش فقال: أما بنو مخزوم فريحانة قريش، نحب حديث رجالهم، والنكاح في نسائهم؛ وأما بنو عبد شمس فأبعدها رأيا، وامنعها لما وراء ظهورها «1» ؛ وأما نحن فأبذل لما في أيدينا، واسمح عند الموت بنفوسنا، وهم أكثر وأمكر وأنكر، ونحن أفصح وأصبح وأنصح «2» .
- وعنه رضي الله عنه: شتان ما بين عملين: عمل تذهب لذته وتبقى تبعته «3» ، وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره «4» .
- وعنه: أوليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام «5» فيتبعونه على غير معونة ولا عطاء، وأنا أدعوكم، وأنتم تريكة «6» الإسلام وبقية الناس، إلى المعونة أو طائفة من العطاء فتفرقون عني.
3- الحسين بن النضير الفهري «7» :
إن النبيّ محمدا ووصيّه ... في كل سابقة هما أخوان
قمران نسلهما النجوم فثاقب ... منها وخاف خامد اللمعان
4- كان بين عبد الله بن محمد بن أبي عيينة «8» ومروان بن سعيد بن(4/217)
عباد «1» المهلبيين تهاج فقال له زيد بن يزيد بن حاتم بن قبيصة المهلبي:
سأقضي بين مروان بحق ... وعبد الله ثمت لا أجور «2»
جرى مروان حتى لا يجاري ... فبرّز وابن خيرة يستدير
مشيت القهقرى وشآك قدما ... فقمت وأنت منقطع حسير «3»
وقد أنحت عليك له قواف ... كما أنحى على الراعي جرير «4»
فيا ابن أبي عيينة كف واربع ... ولما يضغك الليث الهصور «5»
وقد دلفت إليك مثقفات ... كذاك الليث يقدمه الزئير «6»
5- عياض بن درة الطائي «7» :(4/218)
أنت الذنابي يا نهيك بن قعنب ... ونحن إذا طار الجناح قوادمه «1»
إذا ما غمزنا من عنانك غمزة ... وهت عضداه واطمأنّت شكائمه «2»
6- قيل لأبي ثور «3» : ما تقول في حماد بن زيد بن درهم وحماد بن سلمة بن دينار؟ فقال: بينهما كما ما بين أبويهما في الصرف.
7- سأل رجل عمرو بن عبيد عن مسألة، فتثاقل «4» عن جوابه، فأنشأ الرجل يقول:
إن الزمان ولا تفنى عجائبه ... ابقى لنا ذنبا واستؤصل الرأس
فقال عمرو: كأنك تعني أبا حذيفة «5» ، أشهد أنه كان لي رأسا، وكنت له ذنبا.
8- أبو عمرو بن العلاء: إنما نحن فيمن مضى كبقل في أصول نخل طوال.
9- ابن المبارك: سمعت أبا حنيفة، وسئل عن علقمة والأسود «6» أيهما أفضل، يقول: والله ما قدرت أن أذكرهما بالدعاء والاستغفار إجلالا لهما، فكيف أفضل بينهما؟(4/219)
10- قيل لأبي العيناء «1» : ما تقول في ابني وهب «2» ؟ فتلا قوله تعالى: وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ
. الآية «3» .
11- بليغ: لو تتوجت بالثريا، وتقلدت بالفكة «4» ، وتمنطقت بمنطقة الجوزاء، وتوشحت بالمجرة ما كنت مثل فلان.
- بينها نفنف متباعد ما ولدت حرة على عفر الأرض شبيها له ولا تلد.
12- شاعر:
بخست بيربوع لتدرك دارما ... ضلالا فمن منّاك تلك الأمانيا «5»
13- لم ينطف فحل بمثله «6» ، ليس فلان من أرض فلان، أي لا يشبهه.
14- أنشد الجاحظ:(4/220)
وإني لقاض بين شبيان وائل ... ويشكر اني بالقضاء بصير «1»
وجدنا بني شيبان خرطوم وائل ... ويشكر خنزير أزب قصير «2»
15- عمر بن لجأ التميمي «3» لجرير الشاعر:
تهجو النجوم وأنت مقع تحتها «4» ... كالكلب ينبح كل نجم مصعد
هيهات حلت في السماء بيوتهم ... وأقام بيتك في الحضيض الأوهد
16- أريت فاطمة بنت الخرشب الأنمارية «5» في منامها من يقول:
أعشرة مدرة أحب إليك أم ثلاثة كعشرة؟ ثلاث مرات في ثلاث ليال.
فقالت في الثالثة: بل ثلاثة كعشرة، فولات الكملة: ربيع الحفاظ «6» ،(4/221)
وأنس الفوارس «1» ، وعمارة الوهاب «2» . والربيع هو الذي كان ينادم النعمان وقدم عليه عامر بن مالك بن صعصعة «3» عم لبيد، وكان عامر أدلم «4» صغير الجثة، ولها ابنان زرعة وعلس، فقال الربيع:
عمارة الوهاب خير من علس ... وزرعة الفساء شر من أنس
- وسئلت عن بنيها أيهم أفضل؟ فقالت: أنس، لا بل عمارة، لا بل ربيع، ثم قالت: ثكلتهم «5» إن كنت أعلم أيهم أفضل، هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها.
17- أبو عطاء السندي «6» واسمه أفلح:(4/222)
إن الخيار من البرية هاشم ... وبنو أمية أرذل الأشرار
وبنو أمية عودهم من خروع «1» ... ولهاشم في المجد عود نضار «2»
أما الدعاة إلى الجنان فهاشم ... وبنو أمية من دعاة النار
وبهاشم زكت البلاد وأعشبت ... وبنو أمية كالسراب الجاري
18- سأل زياد ابن أبيه أبا الأسود عن حب علي فقال: إن حب علي يزداد في قلبي حدة، كما يزداد حب معاوية في قلبك، فإني أريد الله والدار الآخرة بحبي عليا، وتريد الدنيا بزينتها بحبك معاوية، ومثلي ومثلك كما قال أخو مذحج «3» .
خليلان مختلف شأننا ... أريد العلاء ويهوى اليمن «4»
أحب دماء بني مالك ... وراق المعلّى بياض اللبن «5»(4/223)
19- أبو العواذل زكريا بن هارون «1» :
علي وعبد الله بينهما أب ... وشتان ما بين الطبائع والفعل «2»
ألم تر عبد الله يلحى على الندى ... عليا ويلحاه علي على البخل «3»
20- ابن الرقاع:
القوم أشباه وبين حلومهم ... بون كذاك تفاضل الأشياء
والأصل ينبت فرعه متفاوتا ... والكف ليس بنانها بسواء
21- أحمد بن سهل «4» : الرجال ثلاثة: سابق، ولاحق، وما حق؛ فالسابق الذي سبق بفضله، واللاحق الذي لحق بأبيه في شرفه، والماحق الذي محق شرف آبائه.
22- نظر حكيم إلى شوك عليه حية في نهر، فقال: ما أشبه السفينة بالملاح!(4/224)
23- يقال في الرديئين من غير تفاضل كحماري العبادي «1» . قيل للعبادي: أي حماريك شر؟ قال: هذا ثم هذا.
وللرقاشي «2» وقد سئل عن رجلين:
حمارا العبادي الذي سيل عنهما ... فكانا على حال من الشر واحد «3»
24- تنافر «4» عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة إلى هرم بن قطبة «5» ، فلم يرد أن ينفر أحدهما على الآخر، فقال: أنتم كركبتي البعير تقعان على الأرض معا.
25- ولد عمر بن أبي ربيعة في الليلة التي مات فيها عمر بن(4/225)
الخطاب رضي الله عنه، فسمي باسمه، فكان الناس يقولون: أي حق رفع، وأي باطل وضع.
26- كفلت عائشة بنت عثمان «1» أبا الزناد «2» صاحب الحديث، وأشعب الطماع، وكان يقال له شعيب، وربتهما قال أشعب: فكنت أسفل ويعلو حتى بلغت أنا وهو هاتين الغايتين.
27- حج أبو الأسود الدؤلي بامرأته، وكانت جميلة شابة، فعرض لها عمر بن أبي ربيعة فغازلها، فأخبرت أبا الأسود، فأتاه فقال:
واني ليثنيني عن الجهل والخنا ... وعن شتم أقوام خلائق أربع «3»
حياء وإسلام وتقوى وأنني ... كريم ومثلي قد يضر وينفع
فشتان ما بيني وبينك إنني ... على كل حال أستقيم وتضلع «4»
28- ربيعة بن عمرو بن الخليع العقيلي «5» :
لا تدعوّني فاني غير تابعكم ... ولست منكم ولا حسي ولا جرس
إذن أكون كمن ألقى رحالته ... على الحمار وخلى صهوة الفرس «6»(4/226)
29- ربيعة الرقي «1» :
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر بن حاتم «2»
يزيد سليم سالم المال والفتى ... فتى الآزد للأموال غير مسالم
فهمّ الفتى الأزدي إتلاف ماله ... وهم الفتى القيسي جمع الدراهم «3»
فلا يحسب التمتام أني هجوته ... ولكنني فضلت أهل المكارم
30- أحفظ معاوية الأحنف وجارية بن قدامة «4» ورجالا من بني سعد «5» فأغلظوا له، وذلك بسمع من بنت قرطة «6» فأنكرت ذلك، فقال لها: إن مضر كأهل العرب، وتميما كأهل مضر، وسعدا كأهل تميم، وهؤلاء كأهل سعد.(4/227)
- ونحوه: مضر خيرة الله تعالى من خلقه، وقريش خيرة مضر، وهاشم خيرة قريش، وعترة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيرة هاشم.
31- وعن جعفر بن سليمان الهاشمي: العراق عين الدنيا، والبصرة عين العراق، والمربد عين البصرة، وداري عين المربد.
32- وعن يحيى بن خالد البرمكي: الناس يكتبون أحسن ما يسمعون ويحفظون أحسن ما يكتبون ويروون أحسن ما يحفظون.
33- ابن الرومي:
وما الدهر إلا كابنه فيه بكرة ... وهاجرة مسمومة الحر صيخد «1»
ابن الدهر النهار، يعني كما أنّ النهار فيه روح البكرة وحر الهجير، وكذلك الدهر فيه نعيم وبؤس.
34- المأمون: الشرف نسب، فشريف العرب أولى بشريف العجم من وضيع العرب، وشريف العجم أولى بشريف العرب من وضيع العجم.
35- عبيد الله بن عبد الله بن طاهر «2» في أخيه الحسين بن عبد الله»
:
يقول أنا الكبير فعظّموني ... ألا هبلتك أمك من كبير «4»(4/228)
إذا كان الصغير أعم نفعا ... وأجلد عند نائبة الأمور «1»
ولم يأت الكبير بيوم خير ... فما فضل الكبير على الصغير
36- سأل الرشيد برصوما الراسبي الزامر «2» ما تقول في ابن جامع «3» فحرك رأسه وقال: إن مات ذهب الغناء، فلا تفارقه فإنه كالخمر العتيق ينسف الرجلين نسفا، قال: فإبراهيم «4» ؟ قال: بستان فيه كمثري وخوخ وتفاح وشوك وخرنوب. قال: فسليم بن سلام «5» ؟ قال! ما أحسن خضابه! قال: فعمر الغوالي «6» ؟ قال: ما أحسن ثيابه!.
37- الحسن: دنيا وسوطا، لا ساقطا سقوطا، ولا هابطا هبوطا، ولا ذاهبا فروطا.(4/229)
38- بعضهم: كنت في فناء الكعبة، إذ مر بنا رجل أصلع أرسح «1» أفحج «2» ، كأن أنفه بعرة، أشد سوادا من أست القدر «3» ، عليه ثوبان قطريان «4» ، فقلت: من هذا؟ قالوا: سيد فقهاء أهل الحجاز، هذا عطاء ابن أبي رباح.
39- حسان بن ثابت:
لا يجهلون وإن حاولت جهلهم ... في فضل أحلامهم عن ذاك متسع
إن كان في الناس سباقون بعدهم ... فكل سبق لأدنى سبقهم تبع
40- ابن الرومي:
قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم ... كلا لعمري ولكن منه شيبان
وكم أب قد علا بابن ذرى شرف ... كما علا برسول الله عدنان
41- وهيب بن الورد المكي: اتق الله، لا تسب إبليس في العلانية وأنت صديقه في السر.
42- كلامي لماظة «5» من بحره، ونحاتة «6» من صخره، وشظية «7»(4/230)
من دوحته، وشظاظ من سرحته. أنا رشاش من سجله «1» ، ورذاذ من وبله «2» . أنا كمهدي الماء إلى لجة البحر، والرمل إلى الكثبان العفر «3» .
كوز ماء أجاج «4» تجهز إلى فرات عجاج «5» . أنا كمهد إلى الشمس ضوءا.
وزائد في السماء نوءا فرق بين النبع والفقع «6» .
43-[شاعر] :
حديد سنان الزاعبي وزجه ... ولكن بعيد بين عال وسافل «7»
وكم من نطفة عذبت فكانت ... أحب إليّ من بحر أجاج «8»
وزنّا الكأس فارغة وملأى ... فكان الوزن بينهما سواء
44- برج تلاقى به التنين والقمر، في فاضل وناقص اجتمعا في مكان. خبر يقبله الأكياس «9» ويرده الأنكاس.(4/231)
45- الأطواد الشم لا تطاول باللخاف «1» ، والجبال الرعن «2» لا تزال بحصيات القذف «3» .
46- أبو بكر الخوارزمي:
لا غرو من صيد الأمير بعبده ... إن الأسود تصاد بالخرفان «4»
قد أغرقت أملاك حمير فأرة ... وبعوضة قتلت بني كنعان «5»
47- الحسن: إن لم تكن حليما فتحلّم «6» ، وإن لم تكن عالما فتعلم، فإنه قل ما تشبه رجل بقوم إلا أوشك أن يكون منهم.
48- أسرت مزينة «7» حسان بن ثابت في الجاهلية، فأراد أهله أن يفادوه، فقالت مزينة: لا نفاديه إلا بتيس أجم؛ فقالوا: والله لا نرضى أن(4/232)
نفدي شاعرنا ولساننا «1» بتيس. فقال حسان: ويحكم أتغبنون أنفسكم عيانا؟ إن القوم تيوس، فخذوا من القوم أخاكم واعطوهم أخاهم.
49- عبد الله الفقير إليه «2» :
سئلت عن موسى وموسى ما الخبر ... فقلت شيخان كقسمي القدر «3»
الفرق بين الموسيين قد ظهر ... موسى بن عمران وموسى بن ظفر «4»
50- كان للحسن بن قيس حصن «5» ابن شيعي، وابنة حرورية، وامرأة معتزلية، وأخت مرجئة، وهو سني. فقال لهم يوما: أراني وإياكم طرائق قددا «6» .
51- الجاحظ: وصف خياط حربا فقال: لقيناهم في مقدار سوق الخلقانين، فما كان بمقدار ما يخيط الرجل من زرّ حتى تركناهم في أضيق من الجربان «7» ، وخرجنا عليهم من وجهين كأنهما مقراضان، وتشبّكت(4/233)
الرماح كأنها خيوط، فلو طرحت إبرة ما سقطت إلّا على درز رجل «1» .
- ووصفها فلاح فقال: لقيناهم في مقدار جريب «2» من الأرض، فما كان بمقدار ما يسقي الرجل مشارة «3» حتى حصدناهم، فلو طرحت منجلا لما سقط إلّا على رقبة رجل.
- ووصفها خباز فقال: لقيناهم في مقدار ما يعجن الرجل قفيزا «4» ، فما كان بمقدار ما يعجن الرجل خمسة أرغفة حتى تركناهم في أضيق من جحر تنور «5» ، فلو رميت بمحور «6» لم يقع إلّا على هامة رجل.
- ووصفها طباخ فقال: لقيناهم في مثل صحن مطبخ، فما كان بمقدار ما يشوي الرجل حملا حتى تركناهم في أضيق من خرق مصفاة، فلو رميت بمغرفة لم تقع إلا على رأس رجل «7» .
52- وأنشد الخياط:(4/234)
فنقت بالهجر دروز الهوى ... إذ وخزتني إبرة الصد «1»
أزرار عيني فيك موصولة ... بعروة الدمع على خدي
قد قص ما قدم من وده ... مقراض بين مرهف الحد «2»
ويحك يا كم سروري ويا ... جيب حياتي حلت عن عهدي «3»
53- وأنشد الزراع:
زرعت هواه في رياض تربص ... وأسقيته ماء الدوام على الهد «4»
وسرقنته بالوصل لم آل جاهدا ... ليحرزه السرقين من آفة الصد «5»
فلما تعالى النبت واخضر يانعا ... جرى يرقان البين في سنبل الود «6»
- وله:
حصد الصدود وصالنا بمناجل ... طبع المناجل من حديد البين «7»
ديس الوصال وذريت أكداسه ... بالسافيات من الحديث الميّن «8»
فالقلب يطحنه بأرحية الهوى ... والبين يأكله بلون لون «9»
- وله:
جرادق اللوعة مسمومة ... مثرودة في قصعة الجهد «10»(4/235)
54- وأنشد الطباخ:
أنت لوزينج الفؤاد وفي ... اللين كلين الخبيصة الصفراء «1»
يا نسيم القدور في يوم عرس ... وشبيها بشهدة بيضاء «2»
إن اسفيذباج وصلك يشفي ... من زحير الأحزان أي شفاء «3»
55- كان المعتصم الثامن من خلفاء العباسية، وملك ثماني سنين وثمانية أشهر، وكان له من الولد ثمانية ذكور وثماني إناث. وفتح ثمانية حصون، وبنى ثمانية قصور، وخلف في بيت المال ثمان مائة ألف دينار وثمانية آلاف درهم.
56- سمع المخلوع «4» جلبة العدو الحاصر له، وشغب «5» جنده حين أحيط به، فقال: لعن الله الفريقين! أحدهما يطلب دمي، والآخر يطلب درهمي.(4/236)
57- محمد بن يزيد الأموي «1» في الحسن بن وهب:
أي جواد جرى فجوّد في الجري ... إذا لم يكن على أثرك
وأي شمس أضاء لم يك من شم ... سك مستمليا ومن قمرك «2»
58-[آخر] :
نثل الجفير فكان أهزع ... ما تضمنه الجفير «3»
الأهزع أجود سهم يبقيه الرجل في أسفل جفيره لضنه به.
59- مروان بن أبي حفصة في معن:
نشابه يوماه علينا فأشكلا ... فما نحن ندري أي يوميه أفضل
أيوم نداه الغمر أم يوم بأسه ... وما منهما إلا أغر محجل «4»
60- ابن الحاجب «5» في مجاوبة ابن الرومي:
بيت وبيت عقرب يتقى ... وأرى نحل في اللها ذائب «6»
جرحتني فيها وداويتني ... فأنت أنت الصادع الشاعب «7»(4/237)
فسري كأعلاني وتلك خليقتي ... وظلمة ليلي مثل ضوء نهاري «1»
61- مطرف: إذا استوت سريرة العبد وعلانيته قال الله تعالى: هذا عبدي حقا.
62- أنس بن زنيم «2» :
في كل مجمع غاية أجراهم ... جذع أبرّ على المذاكي القرح «3»
يعني عليا رضي الله عنه، قاله يوم أحد.
63- ذكر رجال الشيخين «4» ففاضلوا بينهما، فبلغ عمر فقال: والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر.
64- استفتى أعرابي عبد الله بن الزبير وعمرو بن عثمان «5» فتواكلا «6» فقال: اتقيا الله فإني جئتكما مسترشدا، أمواكلة في الدين؟ ثم أشارا له(4/238)
بالحسن والحسين، فأفتياه فقال فيهما:
جعل الله حر وجهكما ... نعلين سبتا يطاهما الحسنان «1»
65- كان جعفر بن أبي طالب أشبه الناس برسول الله خلقا وخلقا، وكان الرجل يرى جعفرا فيقول: السّلام عليك يا رسول الله، يظنه إياه، فيقول: لست برسول الله، أنا جعفر. وكان أبو هريرة يقول: ما لبس النعال، ولا ركب الرحال بعد رسول الله أفضل من جعفر.
66- قال سعيد بن العاص حين قتل الحسين عليه السّلام: لله در ابن زياد! كان من صفر «2» فصار من ذهب.
67- سأل الوليد بن عقبة مروان بن الحكم، وهو على المدينة، والمغيرة بن شعبة، وهو على الكوفة، فلم يجد عندهما طائلا «3» ، فانحدر إلى عبد الله بن عامر «4» ، وهو على البصرة، فقضى عنه دينه مائة ألف، فقال:
ألا جعل الله المغيرة وابنه ... ومروان نعلي بذلة لابن عامر
لكي يقياه الحر والبرد والأذى ... ولسع الأفاعي واحتدام الهواجر «5»(4/239)
الباب السابع والستون الفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر، والسرور، والتهاني، والبشائر، وما أشبه ذلك
1- ابن عباس رضي الله عنه: كنت ردف «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فالتفت إليّ فقال: يا غلام، احفظ الله يحفظك، يا غلام، احفظ الله تجده أمامك، وتعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أنّ الخلائق لو اجتمعوا أن يعطوك أمرا منعكه الله لم يقدروا على ذلك، واعلم أن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب «2» ، فإذا سألت فسل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. إن مع العسر يسرا.
2- ابن مسعود: عنه عليه السّلام: لو كان العسر في جحر لدخل عليه اليسر حتى يخرجه، ثم قرأ: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً
«3» .
3- علي رضي الله عنه: عند تناهي الشدة تكون الفرجة، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء «4» .(4/241)
4- قتل هدبة بن الخشرم ابن عمه زيادة بن زيد العذري «1» في أيام معاوية فحبسه سعيد بن العاص وهو على المدينة خمس سنين إلى أن بلغ المسور بن زيادة بن زيد العذري «2» ، فقال هدبة في الحبس.
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
فيأمن خائف ويفك عان ... ويأتي أهله النائي الغريب
5- أبو حكيمة الكاتب «3» :
لعمرك ما كان التعطل صائرا ... ولا كل شغل فيه للمرء منفعة
إذا كانت الأرزاق في القرب والنوى ... عليك سواء فاغتنم لذّة الدعة «4»
وإن ضقت فاصبر يفرج الله ما ترى ... ألا ربّ ضيق في جوانبه سعة
6- الجرجرائي الكاتب «5» :(4/242)
ولا تيأسن من فرجة أن تنالها ... لعل الذي ترجوه من حيث لا ترجو
7- الرياشي «1» : ما اعتراني هم فأنشدت قول أبي العتاهية «2» :
هي الأيام والغير ... وأمر الله ينتظر «3»
أتيأس أن ترى فرجا ... فأين الله والقدر
ألا سري عني، وتنسمت ريح الفرج.
8- قابوس «4» . كل غم إلى انحسار «5» ، وكل عال إلى انحدار.
9- النعم به محفوفة، والمسار إليه مزفوفة.
10- سررت سرور من أعطي مناه، وأوتي كتابه بيمناه «6» .
11- أصبحت لا تحلمني كأهل أرضي فرحا، ولا تقبلني أعود سرجي مرحا.(4/243)
12- شاعر:
مسرة من الزمان بدعة ... ما خطرت أمثالها بفكرة «1»
أرخت أفراحي بها كمثل ما ... يؤرخ الناس بعام الهجرة «2»
13- تباشروا به تباشر المحرومين بلين الأسعار، وتحدثوا به تحدث البدو بتابع الأمطار.
14- لكل غمرة محنة معبر، ولكل مورد غمة مصدر.
15- خبر سار كتب في الألواح، وامتزج بالأرواح، في جملة البشائر العظام، وجرى في العروق وتمشى في العظام.
16- شاعر:
تغلغل حيث لن يبلغ شراب ... ولا حزن ولم يبلغ سرور
17- قيل لمالك بن الريب «3» : قال بعض الحكماء: أسر الأشياء في القلوب توبة بعد خطيئة، فقال: لكن أسر الأشياء عندي في القلوب قفلة على غفلة، قيل له: قد أبعدت بين السرورين، قال: كل يقول على قدر عقله.
18- أنشد ابن أبي عمرة «4» :
إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق لما به الصدر الرحيب(4/244)
أتاك على قنوط منك غوث ... يمنّ به اللطيف المستجيب «1»
وكل الحادثات إذا تناهت ... فموصول بها الفرج القريب
19-[آخر] :
الهم فضل والقضاء غالب ... وكائن ما خطّ في اللوح «2»
فانتظر الروح وأسبابه ... آيس ما كنت من الروح
20- ابن المعتز: من كان عاقلا لم يسر إلا غافلا.
21- قيل لأعرابي: ما السرور؟ فقال: أوبة «3» بغير خيبة، وألفة بغير غيبة، وقال آخر: غيبة تفيد غنى، وأوبة تعقب منى. وقال آخر:
كفاية ووطن، وسلامة وسكن، فيه أمن لا يذعر سوامه «4» ، وخير لا ينحسر غمامه.
22- شاعر:
فلا تجزعي إن أظلم الدهر مرة ... فإن اعتكار الليل يؤذن بالفجر «5»
23- حنيف بن عمير اليشكري «6» مخضرم:(4/245)
ربما تكره النفوس من الأمر له فرجة كحل العقال «1» إن تكن ميتتي على فطرة الله حنيفا فإنني لا أبالي 24-[آخر] :
ما سد من مطلع ضاقت بنيته ... ألا وجدت سواء الضيق متسعا
25-[آخر] :
إذا تضايق أمر فانتظر فرجا ... فأضيق الأمر أدناه إلى الفرج
26- قيل لسقراط: لم لا تهتم على فائتة «2» ، ولا تفرح لفائدة؟
قال: لأن تلك لا تتلافى بعبرة، وهذه لا تستدام بحبرة «3» .
27-[شاعر] :
يا قارع الباب ربّ مجتهد ... قد أدمن القرع ثم لم يلج
فاطو على الهمّ كشح مصطبر ... فآخر الهم أول الفرج
28- كتب رجل إلى ابن الزيات «4» يهنيه بالوزارة: إن مما يطمعني في دوام النعمة عليك، ويزيدني بصيرة في بقائها لك، أنك أخذتها بحقها، واستدمتها بما فيك من أسبابها، ومن شأن الأجناس أن تتقاوم، والشيء يتغلغل إلى معدنه، ويحن إلى عنصره، فإذا صادف منبته، وركز في مغرسه، ضرب بعرقه، وتمكن للإقامة، وثبت ثبات الطبيعة.
29- في تهنئة بمولود «5» :(4/246)
مدّ لك الله الحياة مدّا ... حتى ترى نجلك هذا جدا
مؤزرا بمجده مردّى ... ثم يفدّى مثل ما تفدّى
كأنه أنت إذا تبدّى ... شمائلا محمودة وقدا
- هناك الله مولده، وقرن بالخير مورده.
30- كان خالد بن عبد الله القسري أخا هشام من الرضاعة، وكان يقول: إني لأرى فيك مخايل «1» الخلافة، ولا تموت حتى تليها، قال:
فإن أنا وليتها فلك العراق. فلما ولي أتاه فأقام بين السماطين فقال: يا أمير المؤمنين، أعزّك الله بعزته، وأيّدك بملائكته، وبارك لك فيما ولّاك، ورعاك فيما استرعاك «2» ، وجعل ولايتك على أهل الإسلام نعمة، وعلى أهل الشرك نقمة، لقد كانت الولاية إليك أشوق منك إليها، وأنت لها أزين منها لك، وما مثلك ومثلها إلا كما قال الأحوص بن محمد «3» :
وتزيدين طيب الطيب طيبا ... إذ تمسيه أين مثلك أينا
وإذا الدر زاد حسن وجوه ... كان للدر حسن وجهك زينا
31- دخل على المهدي أعرابي فقال: فيم جئت؟ قال: أتيتك(4/247)
برسالة قال: أتاني آت في منامي فقال: إيت أمير المؤمنين فأبلغه هذه الأبيات:
لكم إرث الخلافة من قريش ... تزفّ إليكم أبدا عروسا «1»
فتملك أربعيك مباركات ... وتورثها وليّ العهد موسى
إلى هارون تهدى بعد موسى ... تميس وما لها أن لا تميسا
فقال المهدي: يا غلام، علي بالجوهر، فحشا فاه حتى كاد ينشق، ثم قال: اكتبوا هذه الأبيات واجعلوها في مخانق صبياننا «2» .
32- كان يقال للرجل إذا قام من مرضه: لتهنك الطهرة «3» .
33- إبراهيم الموصلي في تهنئة الرشيد بالخلافة:
ألم تر أن الشمس كانت مريضة ... فلما أتى هارون أشرق نورها
تلبّست الدنيا جمالا بملكه ... فهارون واليها ويحيى وزيرها «4»
وغناه بهما من وراء حجاب، فوصله بمائة ألف، ويحيى بخمسين ألفا.
34- لما دخل المأمون بغداد بعد قتل المخلوع دخلت عليه أم جعفر «5» فقالت: الحمد الله، لئن هنأتك في وجهك لقد هنأت نفسي قبل أن أراك، ولئن فقدت ابنا خليفة فقد اعتضت «6» ابنا خليفة، وما خسر من اعتاض مثلك ولا ثكلت أم ملأت يدها منك، فأنا أسأل الله أجرا على ما(4/248)
أخذ وامتاعا بما وهب.
فقال المأمون: ما تلد النساء مثل هذه.
35- دخل عطاء بن أبي صيفي الثقفي «1» على يزيد، وهو أول من جمع بين التهنئة والتعزية، فقال: رزيت خليفة الله، وأعطيت خلافة الله.
قضى معاوية نحبه، فغفر الله ذنبه، ووليت الرياسة، وكنت أحق بالسياسة، فاحتسب عند الله أعظم الرزية «2» ، واشكر الله على أعظم العطية.
36- كتب المعتصم «3» إلى المأمون في فتح تيسر على يده: كتابي هذا كتاب مدل بالخبر، لا مدلّ بالأثر «4» .
37- لرجل من بني تميم في المهدي حين ولّي العهد:
يا ابن الخليفة أن أمة أحمد ... تاقت إليك بطاعة أهواؤها «5»
ولتملأن الأرض عدلا كالذي ... تاقت إليك بطاعة أهواؤها
حتى تمنى لو ترى أمواتها ... من عدل حكمك ما ترى أحياؤها
وعلى أبيك اليوم بهجة ملكها ... وغدا عليك إزارها ورداؤها»
38- شكا رجل إلى أبي العيناء امرأته، فقال: أتحب أن تموت؟
قال: لا والله الذي لا إله إلا هو، فقال: لم ويحك وأنت معذب بها؟(4/249)
قال: أخشى أن أموت من الفرح.
39- مر عمر بن هبيرة «1» بعد إفلاته من السجن بالرقة، فإذا امرأة من بني سليم على سطح لها تحدث جارتها ليلا، وهي تقول لها: لا والذي أسأله أن يخلص عمر بن هبيرة مما هو فيه ما كان كذا. فرمى إليها بصرة فيها مائة دينار وقال: قد خلص الله عمر بن هبيرة فطيبي نفسا.
40- سعيد بن حمد «2» :
كم فرجة مطوية ... لك تحت أثناء النوائب «3»
ومسرة قد أقبلت ... من حيث تنتظر المصائب
41- رأى دهقان «4» بأصحاب نصر بن سيار ضعفا أول ما خرج، فأخذ دوابهم فقطع أذنابها وجحافلها «5» ، فلما أصبحوا قال لهم نصر:
ابشروا بخير فاني رأيت في النوم كأن قائلا يقول:
إذا ابتليت فصبرا ... فالعسر يعقب يسرا(4/250)
فبعد مدة يسيرة ولي خراسان، فأخذ الدهقان فضربه ألف سوط وصلبه.
42- أراد يزيد بن عمر بن هبيرة «1» قتل رجل، فضاقت عليه الأرض برحبها، فرأى في منامه من يقول:
ما يسبق الإنسان قيد فتر ... ما كان في اللوح عليه يجري «2»
فما أتى لذلك شهر حتى قتله أبو جعفر.
43- أبو الخطاب علي بن عيسى بن الجراح «3» مادح المقتدي «4» :
وافى البشير فأعطى السمع منيته ... وقوّض الهمّ لما خيّم الفرح «5»
44- قدم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه على رسول الله عليه السّلام من عند النجاشي «6» ، وقد افتتح خيبر، فتلقاه واعتنقه وقبل عينه، وقال: بأبي أنت وأمي، ما أدري بأيهما أنا أسر بفتح خيبر أو بقدوم جعفر؟.(4/251)
45- اعترضت المنصور أعرابية بطريق مكة بعد وفاة السفاح، فقالت: يا أمير المؤمنين. قد أحسن الله إليك في الحالتين، وأعظم النعمة عليك في المنزلتين، سلبك خليفة الله، وأفادك خلافة الله، فاحتسب عند الله ما سلبك، واشكر له ما منحك، وتجاوز الله عن أمير المؤمنين، وبارك له في إمرة المؤمنين «1» .(4/252)
الباب الثامن والستون القرابات والأنساب، وذكر حقوق الآباء والأمهات وصلة الرحم والعقوق «1» ، وحب الأولاد وما يجب لهم وعليهم
1- أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، قلت: يا رسول الله، أيولد لأهل الجنة؟ قال: والذي نفسي بيده، إن الرجل ليتمنى أن يكون له ولد، فيكون حمله ووضعه وشبابه الذي ينتهي إليه في ساعة واحدة «2» .
2- علي رضي الله عنه، رفعه: إياكم وعقوق الوالدين، فان ريح الجنة من مسيرة خمسمائة عام، ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم «3» ، ولا شيخ زان، ولا جارّ إزاره خيلاء «4» .
- علي رضي الله عنه: وأكرم عشيرتك فإنهم جناحاك الذي به تطير،(4/253)
وأصلك الذي إليه تصير، وإنك بهم تصول «1» ، وبهم تطول، وهم العدة عند الشدة، أكرم كريمهم، وعد «2» سقيمهم، وأشركهم في أمورك، ويسر عن معسرهم.
3- كان رجل من النساك يقبّل كل يوم قدم أمه، فأبطأ على أخوانه يوما، فسألوه فقال: كنت أفرغ في رياض الجنة، فقد بلغنا أنّ الجنة تحت أقدام الأمهات.
4- مكحول «3» عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أن الله تعالى كلم موسى ثلاثة آلاف وخمسمائة آية، فكان آخر كلامه يا رب أوصيني، قال:
أوصيك بأمك، حتى قاله سبع مرات. ثم قال: يا موسى، ألا أن رضاها رضاي. وسخطها سخطي «4» .
5- الزبير بن العوام في ترقيص «5» ابنه عبد الله.
أزهر من آل أبي عتيق ... مبارك من ولد الصديق «6»
6- كان الحكم بن عبد المطلب من أبرّ الناس بأبيه، وكان أبوه مستهترا بالحارث ابنه، فاشترى الحكم جارية مشهورة بالجمال بمال جليل، فجهزها أهلها، وتهيأ هو بأجمل ثياب، وتطيّب ودخل على أبيه وعنده الحارث فقال (أبوه) : إن لي إليك حاجة، فقال: يا أبه، إنما أنا عبدك فمرني، فقال: هب الجارية للحارث، واخلع عليه ثيابك، فإني لا أشك أن نفسه تاقت إليها. فعاتبه الحارث وغضب وأراد أن يحلف، فبدره(4/254)
الحكم فقال: هي حرّة إن لم تفعل ما أمرك أبي، وخلع عليه الثياب ثم تخلّى من الدنيا، ولزم الثغور حتى مات بمنبج.
- أعرابية ترقص ولدها:
يا حبذا ريح الولد ... ريح الخزامي في البلد «1»
أهكذا كل ولد ... أم لم تلد قبلي أحد
8- كان أعرابي يطوف بالبيت وهو يقول:
أحمل أمي وهي الحمالة ... ترضعني الدرة والعلالة «2»
9- لقى أعرابي حاجا فسأله عن نسبه فقال: [أنا من باهلة] «3» ، فقال: أعيذك بالله من ذاك، قال: أي والله، وأنا مع ذلك مولى لهم.
فأقبل الأعرابي يتمسح به ويقبل يديه ويقول: أني واثق بأن الله لم يبتلك بهذا في الدنيا إلا وأنت في الجنة.
10- قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: خدمك بنوك، فقال: بل أغناني الله عنهم.
11- قيل لمحمد بن الحنفية: كيف كان علي رضي الله عنه يقحمك في المآزق، ويولجك في المضايق دون الحسن والحسين؟ فقال: لأنهما كانا عينيه وكنت يديه. فكان يتقي بيديه.(4/255)
12- معاوية: العيال أرضة المال «1» .
13- دعا أعرابي لآخر فقال: لا جعلك الله آخرا يتكل على أوله.
14- بعض السلف: الأقارب عقارب. وأمسهم بك رحما أشدهم لك ضررا «2» .
15- قال رجل مشوه للجماز «3» : ولد لي ابن كأنه دينار منقوش، فقال: لاعن «4» أمه ويحك.
16- الشعبي: لا يكون الرجل سيدا حتى يعمل ببيتي الهذلي»
:
وإني للباس على المقت والقلى ... بني العم منهم كاشح وحسود «6»
أذب وأرمي بالحصى من ورائهم ... وأبدأ بالحسنى لهم وأعود
17- فيلسوف: من عق أباه عقه ولده.
18- كفاك من إكرام الله للملائكة أنه لم يبلهم بالنفقة وقول العيال هات هات.(4/256)
19- سأل خالد بن عبد الله القسري واصل بن عطاء عن نسبه فقال:
نسبي الإسلام الذي من ضيعه فقد ضيع نسبه، ومن حفظه فقد حفظ نسبه. فقال: خالد: وجه عبد، وكلام حر.
20- قال رجل لابنه وهو يختلف «1» إلى المكتب: في أي سورة أنت؟ قال: في لا أقسم بهذا البلد ووالدي بلا ولد، فقال: لعمري من كنت ولده فهو بلا ولد.
21- قيل لأعرابي: ما ولدك؟ قال: قليل خبيث، قيل: كيف، قال: لا أقل من واحد، ولا أخبث من أنثى.
22- وجه رجل ابنه ليشتري له رشاء «2» للبئر طوله عشرون ذراعا، فانصرف من بعض الطريق وقال: يا أبي، في عرض كم؟ فقال: في عرض مصيبتي فيك.
23- كان لمحمد بن بشير الشاعر «3» ابن جسيم، بعثه في حاجة فأبطأ، ثم عاد ولم يقضها، فنظر إليه ثم قال:
عقله عقل طائر ... وهو في خلقة الجمل «4»
فأجابه:
شبه منك نالني ... ليس لي عنه منتقل
24- عاتب أعرابي ابنه وذكره حقه، فقال: يا أبة إن عظيم حقك عليّ لا يبطل صغير حقي عليك.
25- رب بعيد لا يفقد بره، وقريب لا يؤمن شره.(4/257)
26- عبد الله بن جعفر:
لا تحسبن أذى ابن عمك شرب ألبان اللقاح «1» وانظر لنفسك من يحبسك تحت أطراف الرماح 27- دعبل:
كل يوم لأبي سعد ... على الأنساب غارة «2»
فهو يوم من تميم ... وهو يوم من نزارة
28- قيل لأبي المخش «3» : أما كان لك ابن؟ قال: بلى، المخش، كان أشدق خرطمانيا «4» ، إذا تكلم سال لعابه، كأنما ينظر من قلتين «5» ، وكأن ترقوته بوان أو خالفة «6» ، وكأن مشاشة منكبه كركرة جمل «7» ، فقأ الله عيني هاتين إن كنت رأيت أحسن منه قبله أو بعده.
29- شاعر:
نعم ضجيج الفتى إذا برد الليل ... سحيرا وقرقف الصرد «8»(4/258)
زينها الله في الفؤاد كما ... زين في عين والد ولد
30- النبي صلّى الله عليه وسلّم: الولد ريحان من الجنة.
31- كان يقال: ابنك ريحانتك سبعا، ثم خادمك سبعا، ثم عدو أو صديق. لما قبض ابن أبي عيينة، صلة «1» الخليفة قال لأصحابه: قد وجدتم مقالا فقولوا، متى رأيتم صاحب عيال أفلح، كانت لنا هرة ليس لها جراء، فكانت لا تكشف عن المقدور، ولا تعبث في الدور، فصار لها جراء، فكشفت عن المقدور، وعاثت في الدور.
32-[شاعر] :
وإذا افتخرت بأعظم مقبورة ... فالناس بين مكذّب ومصدق
فأقم لنفسك في انتسابك شاهدا ... بحديث مجد للقديم محقق
33- كان يقال: بنو أمية دن «2» خل، أخرج الله منه زق عسل يعني عمر بن عبد العزيز.
34- قالت الخنفساء لأمها: ما أمر بأحد إلا بزق «3» ، قالت: من حسنك تعوذين.
35- أعرابي في ترقيص ولده:
أحبه حب الشحيح «4» ماله ... قد كان ذاق الفقر ثم ناله
إذا أراد بذلة بداله «5»(4/259)
36- عيّر شريف النسب سقراط بسقوط نسبه، فقال: نسبي عار عليّ، وأنت عار على نسبك.
37- قيل لأعرابي: كيف ابنك؟ قال: عذاب رعف به على الدهر، وبلاء لا يقوم معه الصبر.
38- قال عبد الملك لروح بن زنباع: أي رجل أنت لولا إنك من أنت منه! قال: يا أمير المؤمنين، ما يسرني أني ممن أنت منه، قال: كيف؟
قال: لأني لو كنت ممن أنت منه لغمرتني «1» أنت ونظراؤك، وأنا اليوم قد سدت قومي كلهم غير مدافع. فأعجب بقوله.
39- نظر أعرابي إلى ابن له قبيح فقال: يا بني إنك لست من زينة الحياة الدنيا «2» .
40- عزيت هند بنت عتبة «3» عن يزيد بن أبي سفيان «4» ، وقيل: إنا لنرجو أن يكون في معاوية خلف منه، فقالت: أو مثل معاوية يكون خلفا من أحد؟ والله لو جمعت العرب من أقطارها ثم رمي به فيها لخرج من أي أعراضها شاء.
41- الوليد بن يزيد بن عبد الملك:(4/260)
ربما سرك البعيد من الناس ... وكان القريب نارا وعارا
42- إبراهيم الصولي:
وإنّ مقيمات بمنقطع اللوى ... لأقرب من ليلى وهاتيك دارها «1»
43- العماني «2» :
نمته العرانين من هاشم ... إلى الحسب الأشهر الأوضح «3»
إلى نبعة فرعها في السما ... ومغرسها سرة الأبطح «4»
44- كان يقال لعمر بن الوليد بن عبد الملك فحل بني مروان، وكان يركب معه ستون رجلا لصلبه.
45- قال المنصور لرجل من الهاشميين: متى مات أبوك؟ وما سبب موته؟ فقال: اعتل أبي رحمه الله، ومات في وقت كذا رحمه الله. فقال الربيع «5» : كم تترحم على أبيك بين يدي أمير المؤمنين؟ فقال له الهاشمي: لا ألومك، فإنك لم تعرف حلاوة الآباء. فضحك المنصور، وخجل الربيع.
46- بشر أعرابي ببنت فقال:(4/261)
قد كنت أرجو أن تكوني ذكرا ... فشقك الخالق شقا منكرا
47- قال محمد بن المنكدر: بنت أغمز رجل أمي «1» ، وبات أخي يصلي، ولا تسرني ليلته بليلتي «2» .
48- لم يكن محمد بن سيرين يكلم أمه بلسانه، كان يكلمها كما يكلم الأمير الذي لا ينتصف منه.
49- فضيل: ريح الولد من الجنة.
50- يوسف بن أسباط: إذا أراد الله بعبد شرا سلط عليه أنيابا تنهشه يعني العيال.
51- قيل لأعرابي: ما تقول في ابن عمك؟ قال: عدوك، وعدو عدوك.
52- قالت ماوية امرأة لؤي بن غالب «3» : أي بنيك أحب إليك؟
قال: الذي لا يرد بسط يده قبض، ولا يلوي لسانه عجر «4» ، ولا يلوي طبيعته سفه، وهو أحد ولدك، بارك الله لي ولك فيه. يعني كعب بن لؤي.
53- علي بن موسى الرضا «5» : قال لأخيه زيد بن موسى «6» : يا زيد، سوءة بك! ما أنت قائل لرسول الله؟ سفكت الدماء، وأخفت(4/262)
السبل، وأخذت المال من غير حله، لعله غرك حديث حمقى أهل الكوفة إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: إن فاطمة «1» أحصنت فرجها فحرمها الله وذريتها على النار. إن هذا لما خرج من بطنها الحسن والحسين، والله ما نالا ذلك إلا بطاعة الله.
54- خارجة بن فليح الملكي «2» مداح آل الزبير.
كأن على عرنينه وجبينه ... شعاعين لا حامن سماك وفرقد «3»
هو التابع التالي أباه لما تلا ... أبوه أباه سيد وابن سيد
55- ربيعة بن أمية بن أبي الصلت «4» :
وإنّا معشر من جذم قيس ... فنسبتنا ونسبتهم سواء
هم آباؤنا وبنوا علينا ... كما بنيت على الأرض السماء(4/263)
56- النبي صلّى الله عليه وسلّم: صلة الرحم متمات للولد، مثراة للمال «1» .
57- كان عروة بن الزبير عند عبد الملك فذكر أخاه عبد الله فقال:
قال أبو بكر كذا، فقيل له أتكنيه «2» عند أمير المؤمنين لا أم لك؟ فقال:
إليّ يقال لا أم لك وأنا ابن عجائز الجنة؟ يعني أن صفية بنت عبد المطلب «3» عمة رسول الله أم الزبير، وخديجة بنت خويلد «4» سيدة نساء العالمين عمة الزبير، وعائشة أم المؤمنين، خالة ابن الزبير، وأسماء ذات النطاقين «5» أمه.
58- غضب معاوية على يزيد فهجره، فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين، أولادنا أكبادنا، وثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة «6» ، وأرض ذليلة، وبهم نصول على كل جليلة. إن غضبوا فارضهم، وإن سألوك فأعطهم، وإن لم يسألوك فابتدئهم، ولا تنظر إليهم شزرا فيملوا حياتك، ويتمنوا وفاتك، فقال: يا غلام، أيت يزيد فأقره السّلام، واحمل إليه مائتي ألف، ومائتي ثوب. فقال يزيد: من عند أمير المؤمنين، قال: الأحنف، قال: عليّ به، فقال: يا أبا بحر، كيف كانت(4/264)
القصة؟ فحكاها، فقال: أما أنا فسأعلي سمكها «1» ، وشاطره الصلة.
59- زاهر البكري «2» : كان ابنه يزيد بخراسان، فقال فيه:
إذا جاء ركب من خراسان مقبلا ... ففيّ عن المستخبرين صدود
أحاذر أن يردى يزيد بن زاهر ... وجلدة بين الحاجبين يزيد
60- أبو لهب تبت يداه:
إذا القرشي لم يضرب بعرق ... خزاعي فليس من الصميم «3»
وكيف يكون ذا شرف إذا ما ... تخطته دلالات النجوم
61- دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة «4» ، فقال: من هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: هذه تفاحة القلب، قال: أنبذها عنك، فانهن يلدن الأعداء ويقربن البعداء، ويورثن الضغائن، قال: لا تقل يا عمرو، فو الله ما مرض المرضى، ولا ندب الموتى «5» ، ولا أعان على الأحزان إلا هنّ، وإنك لواجد خالا قد نفعه بنو أخته، فقال عمرو:
ما أراك يا أمير المؤمنين إلّا قد جبهتهن إلي.
62- الجاحظ: عرق الخال أنزع من عرق العم، ونصيب الأمهات في الأولاد أنزع «6» ، وهن على الشبه أغلب، والدليل عليه أن أكثر ما يلدن(4/265)
الإناث من الناس، وسائر الحيوان، فإذا أردت أن تعرف حق ذلك من باطله فأحص سكان ما حولك من الدور، وانظر ذكورهم أكثر أم إناثهم.
والعرب تكره الأذكار لأن الهجمة «1» يكفيها فحل أو فحلان، والناقة تقوم مقام الجمل، والجمل لا يسقي اللبن، وكذلك الحجور «2» في المروج والعانات «3» في الفيافي، يكفي الجماعة فحل واحد. والأم والأب يستويان في وجده، ثم تفضله لأن الولد يخلق من مائهما، والأب إنما يقذف مثل المخطة، أو البصقة ثم يعتزل والأم منها الرحم، وهو القرار الذي تفرغ فيه النطفة، كما يفرغ الرصاص المذاب في القالب، ثم لا يغتذي إلا من دمها. ولا يمص إلا من قواها ما دام في جوفها، فإذا ظهر غذته بلبنها، ولا يشك الأطباء أن اللبن دم استحال، فهي تغدوه بلبنها مرتين.
63- كان عبد المطلب يقول في ترقيص عبد الله «4» ابنه:
كأنه في العز قيس بن عدي ... إلى محل بيته يأتي الندي
يريد قيس بن عدي «5» بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، وكان سيد قريش في وقته، وقيس هو القائل:(4/266)
عدي بن كعب إن سألت بطانتي ... فهنّا وهنّا عنهم فتنكب «1»
ينشب عيصي ما بقيت بعيصهم ... تنشب عيص القشعة المتنشب «2»
فإني وإن كانوا إليّ أحبة ... أميّ وقومي دون قومي وأقربي
لجان على حبي عدي وجاعل ... خفارتهم ما بين أذني ومنكبي «3»
64- علي رضي الله عنه في آل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هم موضع سره.
ولجأ أمره، وعيبة علمه «4» وموئل حكمته، وكهوف كتبه، وحبال دينه، بهم أقام انحناء ظهره، وأذهب ارتعاد فرائصه. هم أساس وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي «5» ، وبهم يلحق التالي «6» .
- وعنه عليه السّلام: ألا يعدلن أحدكم عن القرابة يرى بها الخصاصة»
أن يسدها بالذي لا يزيده أن أمكسه. ولا ينقصه أن أهلكه، ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما يقبض منه عنهم يد واحدة، تقبض منهم عنه أيد كثيرة، ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودة.(4/267)
- رأى رضي الله عنه الحسن يتشرع إلى الحرب «1» فقال: املكوا «2» عني هذا الغلام لا يهدني، فانني أنفس بهذين على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله.
- وعنه: رب بعيد أقرب من قريب، وقريب أبعد من بعيد، والغريب من ليس له حبيب «3» .
65- قيل لفيلسوف: لم تعق والديك؟ قال: لأنهما أخرجاني إلى عالم الكون والفساد.
66- قيل لعلي بن الحسين: إنك من أبر الناس ولا تأكل مع أمك في صفحة واحدة.
قال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليه، فأكون قد عققتها.
67- معقل أخو أبي دلف العجلي «4» يقول له:
أخيّ مالك ترميني فتقصدني ... وإن رميتك سهما لم يجز كبدي
وما لقلبك مجبولا على ترتي ... كأن أجسادنا لم تغذ من جسد «5»(4/268)
68- أحمد بن أبي سلمة الكاتب «1» :
حلفت بأنك من حمير ... وليس اليمين على المدعي
69- خلف بن خليفة «2» وكان من العققة:
فيا رب إن أملت وفرا يسوقه ... خليفة فاحرمني الذي أنت واهبه «3»
فخيرك لا يرجى وشرّك يتقى ... كما يتقي شرك القتادة حاطبه «4»
70- الشرف بالهمم العالية، لا بالرمم البالية.
71- أولى الناس بالمروءة من له بنوة النبوة.
72- ولد له ذكر مد في وجوه الملك غررا، وملأ عيون المجد قررا.
73- إذا ترعرع الولد تزعزع الوالد.
74- كعب بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: استوصوا «5» بالقبط خيرا.
فإن لهم ذمة ورحما. يعني أن هاجر أم إسماعيل كانت قبطية، وأم إبراهيم مارية «6» كذلك. وقال لو عاش إبراهيم لوضعت الجزية عن كل قبطي.(4/269)
75- عمر رضي الله عنه: إني لأكره نفسي على الجماع رجاء أن يخرج الله تعالى نسمة تسبحه وتذكره.
76- شبيب بن شمسة: ذهبت اللذات إلا من شم الصبيان، وملاقاة الأخوان، والخلوة مع النسوان.
77- الحسن بن زيد العلوي:
قالوا عقيم فلم يولد له ولد ... والمرء يخلفه في قومه الولد
فقلت من علقت بالحرب همته ... عاف النساء فلم يكثر له عدد «1»
78- ولد لجابر الفزاري «2» بعد ما كبر غلام له إبهامان في يد، فقال:
الحمد لله العلي الماجد ... أعطى على رغم العدو الحاسد «3»
بعد مشيب الرأس ذا الزوائد ... ليثا يرى السبعة مثل الواحد
79- النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا يقبل الله تعالى صدقة من أحد وذو رحمه جائع.
- وعنه عليه السّلام: أفضل الصدقة على ذي رحم كاشح «4» .
80- عمر بن عبد العزيز لميمون بن مهران: يا ميمون، لا تأت السلاطين، وان أمرتهم بالمعروف ونهيتهم عن المنكر؛ ولا يخلوّن بامرأة وإن قرأت عليها سورة من القرآن؛ ولا تصحبن عاقا فإنه لن يصلك وقد عق أبويه.
81- كانت لأعرابي امرأتان، فولدت أحداهما غلاما، والأخرى جارية، فرقصته أمه وقالت مضارة لضرتها.(4/270)
الحمد لله الحميد العالي ... أنقذني العام من الحوال «1»
من كل شر هاء كشن بالي ... لا تدفع الضيم عن العيال «2»
فسمعت الأخرى فأقبلت ترقص بنتها وتقول:
وما عليّ أن تكون جارية ... تغسل رأسي وتكون الفالية «3»
وترفع الساقط من خمارية ... حتى إذا ما بلغت ثمانية «4»
أزرتها بنقبة يمانية ... أنكحها مروان أو معاوية «5»
أصهار صدق ... ومهور غالية
فتزوجها مروان على مائة ألف، وقال: إن أمها لحقيقة أن لا تكذب ظنها، ولا تخاس بعهدها. وقال معاوية: لولا أن مروان سبقنا إليها لأضعفنا لها المهر، ولكنها لا تحرم الصلة. فبعث إليها بمأتي ألف درهم.
82- نظر عمر رضي الله عنه إلى رجل يحمل ابنا له على عاتقه.
فقال: ما هذا منك؟ قال: ابني، قال: أما إنه أن عاش فتنك، وإن مات حزنك.
83- سعيد بن سلم «6» : حججنا فبينا أنا أسير على حمار خلف المحامل والقباب والكنائس «7» ، إذا أنا بأعرابي واقف ينظر إليها وهي تمر عليه، فقال لي: لمن هي يا هناه؟ قلت: لرجل من باهلة، فقال: والله ما رأيت كاليوم قط! ما ظننت أن الله يعطي باهليا هذا ولا نصيفه ولا عشيره(4/271)
فقلت: هل يسرك أنها لك وأنت من باهلة؟ قال: لاها الله ذا، فناولته صرة، كانت معي، فقال: والله لقد وافقت مني حاجة، فقلت إني من باهلة فردها وقال: أكره والله أن ألقى الله ولباهلي عندي يد. فحدثت به الرشيد فضحك وقال: ما أصبرك يا سعيد.
84- عبد الملك بن الكاهلية الثقفي «1» :
ثلاث قد ولدنك من حبوش ... إذا تسمو جذبنك بالزمام
85- عقّ أبا المنازل فرعان بن الأعرف السعدي «2» ابنه منازل، فقال:
جزت رحم بيني وبين منازل ... جزاء كما يستنزل الدين طالبه
وما كنت أخشى أن يكون منازل ... عدوي وأدنى شانىء أنا راهبه
حملت على ظهري وقربت صاحبي ... صغيرا إلى أن أنكر الطر شاربه
وأطعمته حتى إذا آض شيظما ... يكاد يساوي غارب الفحل غاربه
تخوّن مالي ظالما ولوى يدي ... لوى يده الله الذي هو غالبه
- ثم عق منازلا ابنه خليج فقال:
تظلمني مالي خليج وعقني ... على حين صارت كالحني عظامي «3»
وكيف أرجّي العطف منه وأمه ... حراميّة ما غرني بحرام
تخيرتها وازددتها لتزيدني ... وما بعض ما يزداد غير غرام «4»(4/272)
لعمري لقد ربيته فرحا به ... فلا يفرحن بعدي امرؤ بغلام
86- عمر رضي الله عنه: تكثّروا من العيال، فانكم لا تدرون بمن ترزقون.
87- المأمون: أقرباء الرجل بمنزلة الشعر من جسده، فمنه ما يحفي «1» ينفي ومنه ما يكرم ويخدم.
88- قيل لحكيم: لم لا تطلب الولد؟ قال: لحبي له.
89- قال الحجاج لابن القرّية «2» : أي الثمار أشهى؟ قال: الولد، وهو من نخل الجنة.
90- عمر رضي الله عنه: تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة، وتعلموا النسب، فرب رحم مجهولة قد وصلت بعرفان نسبها.
91- قال رجل من همدان «3» لابن عباس: ممن أنا؟ قال: أنت رجل من العرب، قال: فممن أنت؟ قال: من سأل عنا أهل البيت فانا من أهل كوثى «4» ، الأصل آدم، والكرم التقوى، والحسب الخلق، إلى هذا انتهت نسبة الناس.
92- فاخر أسماء بن خارجة رجلا فقال: أنا ابن أشياخ الشرف.
فقال له ابن مسعود: كذبت، ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، إولئك أشياخ الشرف، ليسوا بآبائك.(4/273)
93- سئل عيسى عليه السّلام: أي الناس أشرف؟ فقبض قبضتين من تراب، ثم قال: أي هذين أشرف؟ ثم جمعهما وطرحهما، وقال: الناس كلهم من تراب، وأكرمهم عند الله أتقاهم.
94- عمر رضي الله عنه: تعلموا أنسابكم تعرفوا بها أصولكم، وتصلوا بها أرحامكم.
95- قالوا: لو لم يكن في معرفة الأنساب إلا الاعتزاز بها من صولة الأعداء، ومنازعة الأكفاء، لكان تعلمها من أحزم الرأي وأفضل الصواب ألا ترى إلى قول قوم شعيب «1» : وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ
«2» ، فأبقوا عليه لرهطه.
96- كان لإسحاق عليه السّلام «3» : ثلاثة بنين: يعقوب، والغيص أبو الروم، وبارص وقيل فارص، وهو فارس أبو الفرس «4» .
97- تنافر غني وباهلة «5» إلى حرقوص السدوسي «6» . فصدع «7»(4/274)
جعسه بعود نصفين، وقال: هذا غني، وهذا باهلة.
98- كانت النابغة أم عمرو بن العاص أمة رجل من عنزة «1» فسبيت، فاشتراها عبد الله بن جدعان «2» ، فكانت بغيا ثم عتقت. ووقع عليها أبو لهب، وأميّة بن خلف «3» ، وهشام بن المغيرة «4» ، وأبو سفيان بن حرب، والعاص بن وائل «5» ، في طهر واحد، فولدت عمرا. فادعاه كلهم، فحكمت فيه أمه فقالت: هو للعاص لأن العاص كان ينفق عليها. وقالوا:
كان أشبه بأبي سفيان. وفي ذلك يقول أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:
أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت ... لنا فيك منه بينات الشمائل «6»
99- وكان معاوية يعزي إلى أربعة: إلى مسافر بن أبي عمرو «7» ،(4/275)
وإلى عمارة بن الوليد وإلى العباس بن عبد المطلب، وإلى الصباح «1» مغن أسود كان لعمارة. قالوا: كان أبو سفيان دميما «2» قصيرا، وكان للصباح عسيفا «3» لأبي سفيان شابا وسيما، فدعته هند «4» إلى نفسها.
100- وقالوا إنّ عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضا، وأنها كرهت أن تضعه في منزلها، فخرجت إلى أجياد «5» فوضعته هناك. وفي ذلك قال حسان:
لمن الصبي بجانب البطحاء ... ملقى غير ذي سهد «6»
نجلب به بيضاء آنسة ... من عبد شمس صلتة الخد «7»
101- ذهب المهدي والعباس بن محمد إلى الحجر الأسود «8» للاستلام، فقال المهدي: تقدم يا عم، فقال العباس: جزاك الله خيرا يا(4/276)
أمير المؤمنين، قدمت عمك، وتقديمك إياه تقدم لك وشرف.
102- عبد الرحمن بن دارة الغطفاني «1» :
وإني لاستبقي امرء السوء عدة ... لعدوة عريّض من القوم جانب «2»
أخاف كلاب الأبعدين ونهشها ... إذا لم تهارشها كلاب الأقارب «3»
103- أبو النضير مولى بني سليم «4» :
ويفرح بالمولود من آل برمك ... ولا سيما إن كان من ولد الفضل
104- قال الرشيد لموسى بن جعفر: إني قاتلك، قال: لا تفعل، فاني سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن العبد يكون واصلا لرحمه وقد بقي من أجله «5» ثلاث سنين فيمدها الله له حتى ثلاثين سنة، ويكون العبد قاطعا لرحمه وقد بقي من أجله ثلاثون سنة فيقصرها الله حتى يجعلها ثلاث سنين.
105- عن الكسائي أنه دخل على الرشيد فأمر بإحضار الأمين والمأمون، قال: فلم ألبث أن أقبلا ككوكبي أفق، يزينهما هديهما ووقارهما، قد غضّا أبصارهما، وقاربا خطوهما حتى وقفا على مجلسه فسلما عليه بالخلافة، ودعوا له بأحسن الدعاء، فاستدناهما «6» ، فأجلس(4/277)
محمدا عن يمينه وعبد الله عن شماله، ثم أمرني أن ألقي عليهما أبوابا من النحو، فما سألتهما عن شيء إلا أحسنا الجواب عنه، فسره سرورا استبنته «1» فيه، وقال: كيف تراهما؟ فقلت:
أرى قمري أفق وفرعي بشامة ... يزينهما عرق كريم ومحتد «2»
سليلي أمير المؤمنين وحائزي ... مواريث ما أبقى النبي محمد
يسدان آفاق السماء بشيمة ... يؤيدها حزم وعضب مهند «3»
ثم قلت: ما رأيت، أعز الله أمير المؤمنين، أحدا من أبناء الخلافة ومعدن الرسالة، وأغصان هذ الشجرة الزاكية، أذرب منهما ألسنا «4» ، ولا أحسن ألفاظا، ولا أشد اقتدارا على بادية ما حفظا ورويا منهما، أسأل الله أن يزيد بهما الإسلام تأييدا وعزا، ويدخل بهما على أهل الشرك ذلا وقمعا «5» ، وأمّن الرشيد على دعائي «6» ، ثم ضمهما إليه، وجمع عليهما يديه، فلم يبسطهما حتى رأيت الدموع تنحدر على صدره، ثم أمرهما بالخروج، ثم قال: كأنكم بهما لو قد حم القضاء «7» ، ونزلت مقادير السماء، وقد تشتت أمرهما، وافترقت كلمتهما، حتى تسفك الدماء، وتهتك الستور «8» .(4/278)
106- قيل لأعرابي: ما تقول في ابنك، وكان عاقا، فقال: بلاء لا يقاومه الصبر، وفائدة لا يجب عليها الشكر.
107-[شاعر] :
براك الله حين براك بحرا ... وفجّر منك أنهارا عزارا
بنوك السابقون إلى المعالي ... إذا ما أعظم الناس الخطار
108- ويروى أن عبد الملك بن مروان قال للشعراء: ألا قلتم كما قال كعب «1» في المهلب وولده، وأنشدهم هذين البيتين.
109- وعن ابن هرمة «2» أنه قال للمنصور قد مدحتك مدحة لم يمدح أحد بمثلها، فقال المنصور: وما عسى أن تقول فيّ بعد قول كعب في المهلب؟ وأنشدهما.
110- مالك بن أحمد بن سوار الطائي «3» :
وإني لأخشى أن أموت وأحمد ... صغير فيجفى أحمد ويضيع
وإني لأرجو جعفرا إن جعفرا ... لصالح أخلاق الرجال تبوع «4»(4/279)
111- جرت بين محمد بن يزيد بن عمر بن عبد العزيز «1» وبين عبد الله بن مصعب الزبيري «2» مفاخرة عند المهدي، فقال محمد:
عبد مناف أبو أبوتنا ... وعبد شمس وهاشم تؤم
بحران خر العوام بينهما ... فالتهماه والبحر يلتهم
112- هارون بن علي بن يحيى المنجم «3» :
أرى في ابني مشابه من علي ... ومن يحيى وذاك به خليق «4»
فإن يشبههما خلقا وخلقا ... فقد تنمى إلى الشبه العروق «5»
113- يزيد بن طلحة الطلحات «6» :
إذا ما اتقى الله الفتى وأطاعه ... فليس به بأس وإن كان من جرم(4/280)
114- كتب علي رضي الله عنه إلى زياد ابن أبيه وأراد معاوية أن يخدعه باستلحاقه «1» ؛ وقد عرفت أن معاوية يستزل لبك ويستغل غربك فاحذره، فانما هو الشيطان يأتي المؤمن من يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ليقتحم غفلته، ويستلب غرته «2» ، وقد كان من أبي سفيان في زمن عمر بن الخطاب فلتة من حديث النفس، ونزغة من نزغات الشيطان، لا يثبت بها نسب، ولا يستحق بها إرث والمتعلق بها كالواغل «3» المدفع، والنواط المذبذب «4» .
- وعنه رضي الله عنه: إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به، ثم تلا: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ،
الآية «5» . ثم قال: إن وليّ محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته «6» .
115- أباق بن بديل الدبيري «7» في ابنه الركض «8» وكنيته أبو الذائد:
أبوء لله بشكر الحامد ... هو الذي أعطاك يابا الذائد «9»
أعرف منك منكبي وساعدي ... وعفتي وكرم المشاهد(4/281)
أنت شبيهي وشبيه والدي ... ومصدر الأمور في الشدائد «1»
- وله فيه:
إنك يا ركاض واري الزند ... أعددته للظالم الألدّ
ذي النخوة المولع بالتعدي ... أخشى عليك الوارثين بعدي
إذا رأوني جدفا في اللحد ... إذ يعضهوك بالدواهي الربد «2»
وقلب المجن «3» من يفدي
116- علي رضي الله عنه: لا يكن أكثر شغلك بأهلك وولدك، فإن يكن أهلك وولدك أولياء الله فإن الله لا يضيع أولياءه، وإن يكونوا أعداء الله فما همك وشغلك بأعداء الله «4» ؟.
- وعنه: أن رجلا هنأ آخر بمولود في حضرته فقال: ليهنك الفارس فقال: لا تقل ذلك، ولكن قل: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب وبلغ أشده، ورزقت بره.
117- الحسن: إذا أراد الله بعبد خيرا لم يشغله في دنياه بأهل ولا ولد.
118- قالوا: صاحب العيال أعظم أجرا، والمتخلي»
يجد من(4/282)
حلاوة العبادة ما لا يجد المتأهل «1» .
119- وقالوا: نظرنا في هذا الأمر فإذا الذين بلغوا فيه الغايات هم المتفردون «2» .
120- الأوزاعي: الفارّ من عياله كالآبق «3» ، لا يقبل منه صوم ولا صلاة لا يرجع إليهم.
121- أبو العيناء «4» : تنازعا ثوب العقوق حتى صدعاه بينهما صدع الزجاجة ما لها جابر.
122- رجل من بني أسد خزيمة «5» :
ألا جعل الله اليمانين كلهم ... فدى لفتى الفتيان يحيى بن حيان «6»
ولولا عريق فيّ من عصبية ... لقلت وآلفا من معد بن عدنان
ولكن نفسي لم تطب بعشيرتي ... وطابت له نفسي بأبناء قحطان
123- أوس بن حارثة «7» : العقوق ثكل من لم يثكل.
124- بعضهم: حججنا مع أبي جزء بن عمرو بن سعيد بن(4/283)
سلم «1» ، فجلسنا في المسجد الحرام إلى قوم بني الحارث بن كعب «2» ، فرأوا هيأته وجماله وإعظامنا له، فقال بعضهم: من أهل بيت الخلافة أنت؟ قال: لا، ولكن رجل من العرب، قال ممن؟ قال: من مضر، قال: أعرض ثوب الملبس، من أيها عافاك الله؟ قال: من قيس، قال إلى فصيلتك التي تؤويك «3» ، قال: من بني سعد بن قيس، قال: اللهم غفرا، من أيها؟ قال: من باهلة، قال: قم عنا.
125- قال الراوي: فقلت للحارثي: هو أمير بن أمير، حتى عددت خمسة، فقال: الأمير أعظم أم الخليفة؟ قلت: بل الخليفة، قال:
الخليفة أعظم أم النبي؟ بل النبي، قال: لو عدت له في النبوة أضعاف ما عددت له في الأمرة ثم كانا باهليا ماعبأ «4» الله بشيء من عمله.
126- أبو هفان العبقسي «5» :
أبا هل ينحني كلبكم ... وأسدكم ككلاب العرب
ولو قيل للكلب يا باهلي ... عوى الكلب من لؤم هذا النسب
127- كان عمران بن حطان «6» حين أطرده الحجاج يتنقل في القبائل، فإذا نزل في حي انتسب إليه، فقال:(4/284)
يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن ... وإن لقيت معديا فعدناني
128- المقنع الكندي «1» :
وإذا رزقت من النوافل ثروة ... فامنح عشيرتك الأداني فضلها «2»
واستبقهم لدفاع كل ملمة ... وارفق بناشئها وطاوع كهلها
واعلم بأنك لا تسوّد فيهم ... حتى ترى دمث الخلائق سهلها «3»
129- أبو الجراح العقيلي «4» : ما رأيت عقيليا إلا حسست له، يريد رققت له «5» وأشفقت عليه.
130- أوس بن حجر «6» :
وآل بلالي أجاد أبوهم ... ونسل الجواد جريه يتقيل
131- من حق الولد على والده أن يوسع عليه ماله كيلا يفسق «7» .(4/285)
132- قيل لأعرابي: هل تحب الولد؟ قال: لا، إذا عاش كدّني، وإذا مات هدني.
133- ابن عنقاء الفراري «1» :
فأما تريني واحدا باد أهله ... وكل فريق لا أبا لك بائد «2»
فان تميما قبل أن يلد الحصى ... أقام زمانا وهو في الناس واحد
134- من جفا أهل رحمه أجف مغارس نعمة «3» .
135- حق على الأقارب إعظام الأصغر للأكبر، وحنو الأكبر على الأصغر.
136- هو شعبة ذلك العود، وفلقة ذلك الجلمود «4» .
137- يقال: فلان علوي، من المنكب الألين، أي حسني. ومن المنكب الأخشن، أي حسيني، ومنه قول ابن هرمة «5» .
وأنت من هاشم إن هاشم نسبت ... في المنكب اللين لا في المنكب الخشن
138- النبي صلّى الله عليه وسلّم: ملعون ملعون من انتمى إلى غير أبيه، أو ادعى غير مواله.(4/286)
139- مجنون: في اختلاف الوجوه والأصوات في آل عجل «1» دليل على فساد النساء.
140- كتب شريح «2» إلى معلم بني له:
ترك الصلاة لأكلب يسعى لها ... طلب الهراش مع الغواة الرجس
فإذا أتاك فعضه بملامة ... أو عظه موعظة اللبيب الأكيس «3»
وإذا هممت بضربه فبدرة ... وإذا بلغت به ثلاثا فاحبس
واعلم بأنك ما فعلت فنفسه ... مع ما تجرعني أعز الأنفس
141- قال الجاحظ: وهذا الشعر عند أصحابنا لأعشى سليم «4» في ابن له، وقد رأيت ابنه هذا شيخا كبيرا وهو يقول الشعر.
142- كان يقال: إذا كان لك قريب فلم تمش إليه برجلك، ولم تعطه من مالك، فقد قطعته.
143- أبو عدي العبلي «5» :
عبد شمس أبوك وهو أبونا ... لا نناديك من مكان بعيد(4/287)
والقرابات بيننا واشجات ... محكمات القوى بعقد شديد «1»
144- عمران بن عصام الهميمي «2» :
قبح الاله عداوة لا نتقي ... وقرابة يدلى بها لا تنفع
145- نصيب الأصغر «3» مولى المهدي:
إن العروق إذا استسر بها الثرى ... أشر النبات بها وطاب المترع
وإذا ذكرت من امرىء أعراقه ... وقديمه فانظر إلى ما يصنع
146- أبو بديل التميمي «4» في علي بن محمد العلوي «5» :
أنت من هاشم بن عبد مناف ... ابن قصي في سرها المختار
في اللباب اللباب والأرفع الأ ... رفع منهم وفي النضار النضار
147- أبو العذافر «6» في خزيمة بن خازم النهشلي «7» :(4/288)
خزيمة خير بني خازم ... وخازم خير بني دارم
ودارم خير تميم وما ... مثل خيم في بني آدم
إلا الليوث الغر من هاشم ... وهم سيوف لبني هاشم
148- يموت بن الموزرع البصري «1» يخاطب ابنه:
مهلهل أحشائي عليك تقطع ... وأقرح أجفاني أخوك مزرع «2»
إلى الله أشكو ما تجن جوانحي ... وما فيكما من غصة اتجرع
فإن ذرفت عيناي وجدا عليكما ... ففي دون ما ألقاه مبكى ومجزع
أخاف حماما يا مهلهل باغتا ... وطير المنايا حائمات ووقّع «3»
149- كان للزبرقان بن بدر سبع بنات، تزوج عمر وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما بنتين، والباقيات قوم من قريش وثقيف، وما مات حتى دعته مائة قرشية أبا.
150- جرير بن عبد الله بن عنبسة بن سعد بن العاص «4» يقول للمهدي:(4/289)
عبد شمس كان يتلو هاشما ... وهما بعد لأم ولأب «1»
لكم الفضل علينا ولنا ... بكم الفضل على كل العرب
فصلوا الأرحام منا واحفظوا ... عبد شمس يآل عبد المطلب
151-[قول الشاعر] :
وقد يخرج الزندان نارا لقابس ... فتضحى من الزندين أعلى وأعظما
مثل فيمن يفوق أبويه.
152- المأمون: لم أر أحدا أبر من الفضل بن يحيى بأبيه. بلغ من بره أنه كان لا يتوضأ إلا بماء مسخن، فمنعهم السجان من الوقود في ليلة باردة، فلما أخذ يحيى مضجعه قام الفضل إلى قمقم من المصباح، فلم يزل قائما وهو في يده حتى أصبح. فشعر السجان بذلك فغيب المصباح فنأبطه إلى الصباح.
153- دخل عثمان رضي الله عنه على بنته، وهي عند عبد الله بن خالد بن أسيد، فرآها مهزولة. فقال: لعل بعلك يغيرك «2» ؟ قالت: لا، فقال: لزوجها: لعلك تغيرها؟ قال: لا، قال: فافعل، فلغلام يزيده الله في بني أمية أحب إلي منها.
154- رأى ضرار بن عمرو الضبي «3» من ولده ثلاثة عشر ذكر، فقال: من سره بنوه نفسه.(4/290)
155- في الحديث: من كان له صبي فليستصب به.
156- مر أعرابي بقوم ينشد ابنا له فقالوا: صفه، فقال: دنينير، فقالوا: لم نره. فلم ينشب أن أن جاء على عنقه بشبه الجعل، فقالوا: لو سألتنا عن هذا لأخبرناك به.
157- عنه عليه السّلام: إنكم لتجبنون، وإنكم لتبخلون، وإنكم من ريحان الجنة.
158- أنشد ابن الأعرابي «1» :
أحب بنيتي وودت أني ... دفنت بنيتي في قعر لحد
وما بي أن تهون عليّ لكن ... مخافة أن تذوق البؤس بعدي
159- الطرماح «2» :
أحاذر يا صمصام إن مت أن يلي ... تراثي وإياك امرؤ غير صالح
إذا صك وسط القوم رأسك صكة ... يقول له الناهي ملكت فاسجح «3»
160- ولد للحسن غلام فهنىء به، فقال: الحمد لله على كل حسنة، وسأل الله الزيادة من كل نعمة، ولا مرحبا بمن إن كنت عائلا أنصبني «4» ، وإن كنت غنيا أذهلني، لا أرضى بسعيي له سعيا، ولا بكدي له في الحياة كدا، حتى أشفق له من الفاقة بعد وفاتي، وأنا لا يصل إليّ من غمه حزن، ولا من فرحه سرور.(4/291)
161- قيل لرجل: أي ولدك أحب إليك؟ قال: صغيرهم حتى يكبر، ومريضهم حتى يبرأ، وغائبهم حتى يقدم.
162- الأصمعي: عاتب أعرابي ابنه على شرب النبيذ فلم يعتبه «1» :
وقال:
أمن شربة من ماء كرم شربتها ... غضبت عليّ الآن طابت لي الخمر
سأشرب فاغضب لارضيت كلاهما ... إليّ لذيذ أن أعقك والسكر
163- النبي صلّى الله عليه وسلّم: حق كبير الأخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده.
164- ابن عمر رضي الله عنه: أتى رجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إن والدي يأخذ مني مالي وأنا كاره. فقال: أما علمت أنك ومالك لأبيك «2» ؟.
165- عثمان رضي الله عنه: كان عمر يمنع أقرباءه لوجه الله، وأنا أعطي أقربائي لوجه الله. ولن ترى مثل عمر.
166- أبو هريرة: الرحم شجنة «3» من الرحمن، قال لها: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته.
167- عبد الله بن عمر رفعه: أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه.
168- عبد الله بن دينار «4» : احذروا ثلاثا فانهن معلقات بالعرش:(4/292)
النعمة تقول: يا رب كفرت، والأمانة تقول: يا رب أكلت، والرحم تقول: يا رب قطعت.
169- مت «1» إلى ابن عباس رجل برحم بعيدة، فألان له وقال: قال رسول الله: اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم، فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت وان كانت قريبة، ولا بعد بها إذا وصلت وإن كانت بعيدة.
170- علي رضي الله عنه: لو علم الله شيئا من العقوق أدنى من أفّ لحرّمه «2» ، فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة. وليعمل البار ما شاء فلن يدخل النار.
171- عمر رضي الله عنه رفعه: من كانت له بنت فهو متعب، ومن كانت له بنتان فهو مثقل، ومن كانت له ثلاث بنات فيا عباد الله أعينوه وأغيثوه، فانه معي في الجنة كهاتين، وجمع بين إصبعيه.
172- ولد عبد الله بن الزبير بقباء «3» ، وكان اليهود حين قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: أخذوهم كيلا يكون لهم نسل، فلما ولد عبد الله كبر المسلمون، فكان أول مولود في الإسلام بعد الهجرة. فخرجت أسماء فوضعته في حجر رسول الله، فمضغ له التمر وحنكه «4» بها، ودعا له وسمّاه عبد الله، وقال: قد أسميته بجبرائيل.(4/293)
173- قدم عروة بن الزبير على ابن عباس البصرة وهو حدث، فقال له:
أمتّ بأرحام إليكم قريبة ... ولا قرب للأرحام ما لم تقرّب
فقال له ابن عباس: أتدري من قاله؟ قال عروة: أبو أحمد بن جحش «1» فقال: فهل تدري ما قال له رسول الله؟ قال: لا، قال: قال له صدقت.
174- كان أبو كبشة «2» جد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قبل أمه، فلما خالف رسول الله دين قريش قالوا: نزعه عرق أبي كبشة، حيث خالفهم في عبادة الشعرى «3» .
175- أتى عمر رضي الله عنه ببرود من اليمن يقسمها، فرأى بردا فائقا فخاف أن أعطاه بعض الناس أن يغضب الباقين، فقال: دلوني على فتى من قريش نشأ نشأة حسنة، فقالوا: المسور بن مخرمة «4» ، فأعطاه إياه.(4/294)
176- أقبل سعد بن أبي وقاص فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هذا خالي، فليرني امرؤ خاله «1» .
177- مر عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب «2» بعمر بن عبد الرحمن بن عوف «3» ، وهو خاثر «4» ، فقال: مالك؟ فقال: وقف عليّ ابن عم لي فلم يترك شيئا إلا قاله لي.
قال: فلا يغمنك ذلك، فو الله ما قوم لهم عزة إلا إلى جانبها عرة «5» ، وما ضار على طريدته بأنهك لها من ابن عم دنيء لابن عم سري.
178- خلف الحارث بن هشام ابنه عبد الرحمن «6» ، وسهيل بن(4/295)
عمرو «1» بنت ابنه فاختة «2» ، فحملا بعد موتهما بالشام إلى المدينة، وهما صغيران. فترحّم عمر على أبويهما، وأجلسهما على فخذيه، وقال:
زوجوا الشريد الشريدة عسى الله أن ينشر منهما «3» ، وولي تزويجهما عمر، وسماهما الشريدين، وأقطعهما بالمدينة فأوسع لهما، فقيل: أكثرت لهما.
فقال: عسى الله أن ينشر منهما نسلا كثيرا، فكانت الجارية تولد في آل الحارث بن هشام فيتباشرها النساء، ويرى أهلها أنهم أغنياء.
قال إبراهيم بن هرمة «4» .
179-[شاعر] :
فمن لم يرد مدحي فإن قصائدي ... نوافق عندي الأكرمين سوام «5»
نوافق عند المشتري الحمد بالندى ... نفاق بنات الحارث بن هشام
180- نال المغيرة بن عبد الله من الحسين؟ فقال أبو ظبيان: ماله قبحه الله؟ إن كان رسول الله ليفرج بين رجليه فقيبل زبيبه.
181- جاءت فاطمة بابنيها إلى رسول الله، فقالت: يا رسول الله انحلهما «6» ، قال: فداك أبوك! ما لأبيك مال فينحلهما. ثم أخذ الحسن فقبله وأجلسه على فخذه اليمني، وقال: أما ابني هذا فنحلته خلقي(4/296)
وهيبتي، وأخذ الحسين فقبله ووضعه على فخذه اليسرى، وقال: نحلته شجاعتي وجودي.
182- قال محمد بن علي بن الحسين: ما ولد فينا أحد أشبه بعلي ابن أبي طالب من زيد.
183- وعن زياد بن المنذر «1» : كنت عند محمد بن علي وعنده زيد ابن علي، فقام زيد، فأتبعه بصره وقال: لقد أنجبت أمك يا زيد.
184- وقع بين عبد الله بن الحسن وبين جعفر بن محمد كلام، فأغلظ له عبد الله، فقال له: أما علمت أن صلة الرحم تخفف الحساب؟
وتلا قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ
«2» .
185- قال ابن عامر لامرأته أمامة بنت الحكم الخزاعية: إن ولدت غلاما فلك حكمك «3» . فلما ولدت قالت: حكمي أن تطعم سبعة أيام كل يوم ألف خوان من فالوذج، وأن تعق «4» بألف شاة. ففعل.
186- قال رجل لعمر رضي الله عنه: إن لي أما بلغ بها الكبر أنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري لها مطية، فهل أديت حقها؟ قال: لا، إنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنعه بها وتتمنى فراقها.
187- أتى ابن عباس رضي الله عنه إنسانين من ولد أبي لهب «5»(4/297)
ليصلح بينهما. فوجأ «1» أحدهما الآخر بخنجر، فقال ابن عباس: أما أنا فأشهد أنكما مما كسب.
188- أراد محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أن يتزوج ريطة بنت عبيد الله الحارثية «2» فمنعه الوليد بن عبد الملك. لما كانوا يرون من زوال الأمر عنهم على يد رجل من بني العباس يقال له ابن الحارثية. فلما قام عمر بن عبد العزيز وشكا ذلك إليه، فقال: تزوج بمن أحببت. فتزوجها وولدت له أبا العباس السفاح، وهو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله ابن عباس.(4/298)
الباب التاسع والستون القصاص «1» وما ورد من حكاياتهم وملحهم والمتصوفة وما جاء في أكلهم وزفنهم «2» وصعقاتهم
1- خباب بن الأرث «3» : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن بني إسرائيل لما قصوا هلكوا.
2- روي أنّ كعبا «4» رضي الله عنه كان يقص، فلما سمع هذا الحديث ترك القصص.
3- ابن عمر رضي الله عنه: لم يقص على عهد رسول الله، ولا على عهد أبي بكر، ولا على عهد عمر وعثمان، وإنما كان القصص حين كانت الفتنة.(4/299)
4- مر علي رضي الله عنه بقاص، فقال له: ما اسمك؟ قال: أبو يحيى. قال: أنت أبو اعرفوني أيها الناس «1» .
5- عن أبي قلابة «2» : ما أمات العلم إلا القصاص، يجلس الرجل إلى القاص السنة فلا يتعلم منه شيئا، ويجلس إلى العالم فلا يقوم إلا وقد تعلق منه بشيء.
6- نهى إبراهيم النخعي إبراهيم التيمي عن القصص، فقيل له:
رجع يقص، قال: لم؟ قيل لرؤيا رآها، قال: وما هي؟ قيل: رأى كأنه يقسم على جلسائه ريحانا، قال: ما أعلم الريحان إلا طيب الرائحة حسن المنظر، إلا أن طعمه مر، وكان يقول: ما أحد يبتغي بقصصه وجه الله إلا إبراهيم التيمي، ولوددت أنه يفلت منه كفافا «3» .
7- ابن المبارك: سألت الثوري من خير الناس؟ قال: العلماء، قلت: من الأشراف، قال: المتقون، قلت: من الملوك، قال: الزهاد.
قلت: من الغوغاء «4» ، قال: القصاص الذين يستأكلون أموال الناس بالكلام قلت: من السفلة، قال: الظلمة.
8- سئل فضيل عن الجلوس إلى القاص، قال: ليس هذا لله، ليس هذا لله، هذا بدعة. ما كان على عهد رسول الله ولا عهد أبي بكر وعمر قاص. ولكن إذا كان الرجل يذكر الله ويخوف فلا بأس أن يجلس معه.
9- معاوية بن قرة «5» : لتاجر يجلب إلينا الطعام أحب إلي من قاصين.(4/300)
10- قدم سفيان الثوري البصرة، فنزل بمرحوم العطار «1» ، فقال:
ألا أذهب بك إلى قاص تسمعه؟ فكأنه تكره، ثم مضى معه فإذا هو بصالح المري «2» ، فقال: ليس هذا بقاص، هذا نذير «3» .
11- وهب رجل لقاص خاتما بلا فص، فقال: وهب الله لك في الجنة غرفة بلا سقف.
12- مر عبد الأعلى القاص بقوم، وهو يتمايل سكرا، فقيل: هذا عبد الأعلى القاص سكران، فقال: ما أكثر من يشبهني بذلك الرجل الصالح!.
13- قيس بن جبر النهشلي «4» : هذه الصعقة «5» التي عند القصاص من الشيطان.
14- قيل لعائشة رضي الله عنها: إن قوما إذا سمعوا القرآن صعقوا، فقالت: القرآن أكرم من أن تنزف منه عقول الرجال، ولكنه كما قال الله:
تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله «6» .(4/301)
15- لقي عمر رضي الله عنه ناسا من أهل اليمن، فقال: ما أنتم؟
قالوا: متوكلون «1» . قال: كذبتم، بل أنتم متأكلون، ألا أخبركم بالمتوكل: رجل ألقى حبه في بطن الأرض توكلا على الله.
16- سئل أنس عن قوم يصعقون عند القراءة، فقال: ذلك فعل الخوارج.
17- سئل ابن سيرين عمن يسمع القرآن فيصعق، فقال: ميعاد ما بيننا وبينكم أن يجلسوا على حائط فيقرأ عليهم القرآن من أوله إلى آخره، فإن صعقوا فهو كما قالوا.
18- قال ابن السمّاك للمتصوفة: إن كان لباسكم هذا موافقا لسرائركم لقد أحببتم أن يطلع الناس على سرائركم، ولئن كان مخالفا لسرائركم لقد هلكتم.
19- بعضهم: قلت لصوفي بعني جبتك. فقال: إذا باع الصياد شبكته فبأي شيء يصيد؟.
20- وروي أن قاصا أنشد: أمن ذكر خود دمع عينيك يسفح «2» .
ولطم وجهه، وبكى بكاء شديدا. فسئل عن خود، فقال: واد في جهنم يا حمقى.
21- بالصوفية يضرب المثل في الأكل، فيقال: آكل من الصوفية، لأنهم يدينون بكثرة الأكل، وعظم اللقم، وجودة الهضم، ويأكلون أكل الغنيمة.
22- وسئل بعض العلماء عنهم فقال: أكلة رقصة، وقيل فيهم:(4/302)
شرذمة نذلة خسيسة ... همتها الرقص والهريسة
23- ونقش بعضهم على خاتمه: أكلها دائم. ونقش آخر: آتنا غداءنا.
24- ويقال: صوفية الدينور «1» ، كما يقال: لصوص طوس «2» ، وجرابزة مرو «3» .
25- وعظ عيسى عليه السّلام بني إسرائيل، فأقبلوا يمزقون الثياب، فقل:
ما ذنب الثياب؟ أقبلوا على القلوب فعاتبوها.
26- المأمون: أمور الدنيا أربعة: إمارة، وتجارة، وصنعة، وزراعة. فمن لم يكن أحد أهلها كان كلا على الناس «4» .
27- قوام الدين والدنيا العلم والنسب، فمن رفضهما وقال: ابتغي الزهد لا العلم، والتوكل لا الكسب، وقع في الجهل والطمع.
28- بعض القصاص: أول ما يدخل الجنة من البهائم الطنبور «5» ، قيل: وكيف ويلك، قال: لأنه يضرب بطنه، ويعصر حلقه، ويعرك(4/303)
أذنه. لا يجمع الله هذا على أحد.
29- كان بمرو قاص يبكّي بمواعظه، فإذا طال مجلسه بالبكاء أخرج من كمه طنبورا وينقره، ويقول: مع هذا الغم الطويل نحتاج إلى فرح ساعة.(4/304)
الباب السبعون القضاء، وذكر القضاة، والشهود، والديون، والإيمان، والخصومات، وما يليق بذلك
1- عبد الله بن عمر: عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا قدست أمة لا يقضى فيها بالحق.
2- عبد الرحمن بن حواز «1» : عنه عليه السّلام: من حكم بين اثنين، تحاكما إليه وارتضياه، فلم يقض بينهما فعليه لعنة الله.
3- أبو هريرة: عنه عليه السّلام: ليس أحد يحكم بين الناس إلا جيء به يوم القيامة مغلولة «2» يداه إلى عنقه، فكه العدل، وأسلمه الجور «3» .
4- أبو حازم «4» : دخل عمر على أبي بكر رضوان الله عليهما؛ فسلم(4/305)
فلم يرد، فقال لعبد الرحمن بن عوف: أخاف أن يكون قد وجد عليّ خليفة رسول الله. فكلم عبد الرحمن أبا بكر، فقال: أتاني وبين يدي خصمان، قد فرغت لهما قلبي وسمعي وبصري، وعلمت أن الله سائلي عنهما وعما قالا وعما قلت.
5- استعدى رجل عمر على علي، وعلي جالس، فالتفت عمر إليه فقال: يا أبا الحسن، قم فاجلس مع خصمك، فقام فجلس مع خصمه فتناظرا، وانصرف الرجل فرجع علي إلى مجلسه، فتبين عمر التغير في وجهه، فقال: يا أبا الحسن، ما لي أراك متغيرا؟ أكرهت ما كان؟ قال:
نعم، قال: وما ذاك؟ قال: كنيتني بحضرة خصمي، فألا قلت لي يا علي قم فاجلس مع خصمك؟ فأخذ عمر برأس علي فقبل بين عينيه، ثم قال:
بأبي «1» أنتم! بكم هدانا الله، وبكم أخرجنا من الظلمات إلى النور.
6- أبان بن عبد الحميد اللاحقي «2» في سوار بن عبد الله «3» :
لا يقدح الظلمة في حكمه ... شيمته عدل وإنصافا «4»
يمضي إذا لم تلقه شبهة ... وفي اعتراض الشك وقاف «5»(4/306)
7- دعا الحسن بن زيد بن الحسن «1» حين ولاه المنصور المدينة إسحاق بن إبراهيم بن طلحة «2» ، وكان من سروات «3» قريش، إلى القضاء، فأبى فسجنه، فجاء بنو طلحة فاستجنوا معه «4» . فبلغ ذلك الحسن بن زيد فجاء به وقال: إنك تلاججت «5» عليّ، وقد حلفت أن لا أرسلك حتى تعمل لي فأبرر يميني. فأرسل معه الجند حتى جلس في مجلس القضاء، والجند على رأسه. فقال داود بن مسلم «6» :
طلبوا الفقه والمروءة والفضل ... وفيك اجتمعن يا إسحاق
فقال: ادفعوه، فدفعوه. وقام من المجلس، وأعفاه الحسن. فلما صار إلى منزله قال لداود: ما حملك على أن مدحتني بما كرهت؟ وأعطاه خمسين دينارا.
8- لما وقعت فتنة ابن الزبير اعتزل شريح القضاء، وقال: لا أقضي(4/307)
فبقي لا يقضي تسع سنين. ولما انصرف يوما من مجلس قضائه، فاعترضه رجل فقال له: أما حان لك أن تخاف الله؟ كبرت سنك، وفسد ذهنك، فصارت الأمور تجوز «1» عليك. فقال: والله، لا يقولها أحد بعدك. فلزم بيته حتى مات.
9- كان ببغداد رجل اسمه رويم «2» ، فولي القضاء، فلقيه جنيد فقال: من أراد أن يستودع سره من لا يفشيه فعليه برويم. فانه كتم حب الدنيا أربعين سنة حتى قدر عليها.
10- استقصى ابن هبيرة عتبة بن النهاس على الكوفة، فقال: لا والله الذي لا إله غيره ما أقوى على ذلك، ولا أرضى فقهي ولا علمي له، فلئن كنت فيما قلت صادقا ما ينبغي لك أن توليني، وإن كنت كاذبا ما يسعك «3» أن تستعين بكاذب. فقال ابن هبيرة: لو تكلم بهذا الكلام أعرابي من البادية لوليناه. فامض إلى عملك.
11- الأشهب الكوفي «4» :
يا أهل بغداد قد قامت قيامتكم ... مذ قام قاضيكم نوح بن درّاج «5»(4/308)
لو كان حيا له الحجاج ما سلمت ... صحيحة يده من وشم حجّاج «1»
وكان الحجاج يشم أيدي النبط «2» بعلامة يعرفون بها.
12- ابن مسعود: ما من حاكم يحكم بين الناس إلا جيء به يوم القيامة وملك آخذ بقفاه حتى يقف به على شفير جهنم. ثم يرفع رأسه، فإن قال الله: ألقاه في مهواة أربعين خريفا.
13- مسروق: لأن أحكم يوما بحق أحب إليّ من أن أغزو سنة في سبيل الله.
14- الحسن: إني لأرجو لقضاة المسلمين خيرا، ما لم يمالئوا «3» ، أو يحابوا «4» ، أو يرتشوا «5» ، إذا أدوا الحق.
15- ذكر لعباد بن العوام «6» قاض بالعفاف والصلاح، فقال: من ظن(4/309)
أنه يلي لهؤلاء شيئا فيخلون «1» بينه وبين العدل فبئس ما يظن.
16- حفص بن غياث «2» : مررت بعليان «3» فسمعته يقول: من أراد سرور الدنيا وخزي الآخرة فليتمنّ ما هذا فيه. فو الله لتمنيت أني مت قبل أن إلي «4» القضاء.
17- القضاة المضروب بهم المثل في الجهل وتحريف الأحكام منهم: قاضي منى «5» ، وقاضي جبّل «6» ، هي مدينة من طسوج كسكر، كان أيام المأمون. وقاضي إيذج «7» .
18- قال فيه أبو إسحاق الصابي:
يا رب علج أعلج ... مثل البعير الأهوج «8»(4/310)
رأيته مطلعا ... من خلف باب مرتج «1»
وخلفه دنية ... تذهب طورا وتجي «2»
فقلت قاضي إيذج ... فقال قاضي إيذج
19- وقاضي شلنبة «3» ، قال فيه أبو الحسن الجوهري «4» :
رأيت رأسا كدبّة ... ولحية كالمذبة «5»
فقلت من أنت قل لي ... فقال قاضي شلنبّة
20- محمد بن أبي الشوارب «6» قاضي الكوفة: ما رأيت أحسن وجها من المعتز، ولا أبلغ خطابا، قال لي لما قضاني: يا محمد، قد وليتك(4/311)
القضاء، وإنما هي الدماء والفروج والأموال ينفذ فيها أمرك، ولا يرد حكمك، فاتق الله وانظر ما أنت صانع. فما قرع «1» قلبي كلام مثله.
21- كان سبب خروج أبي قلابة «2» من البصرة إلى الشام أنه طلب للقضاء، فقال له أيوب «3» : لو أنك وليت القضاء وعدلت فيه رجوت لك أجرا. فقال: يا أيوب، إذا وقع السابح في البحر كم عسى أن يسبح؟
22- وعن أبي حنيفة رحمه الله: القاضي كالغريق في البحر الأخضر، إلى متى يسبح وإن كان سابحا؟.
23- أراد عمر بن هبيرة أبا حنيفة على القضاء فأبى، فحلف ليضربنه بالسياط على رأسه وليسجننه، ففعل حتى انتفج «4» وجه أبي حنيفة ورأسه من الضرب. فقال: الضرب في الدنيا بالسياط أهون عليّ من مقامع الحديد في الآخرة.
24- وعن ابن عون «5» : ضرب أبو حنيفة مرتين على القضاء، ضربه ابن هبيرة، وضربه أبو جعفر، وأحضر بين يديه فدعا له بسويق «6» وأكرهه على شربه، ثم قام، فقال: إلى أين؟ قال: إلي حيث بعثتني، فمضى به إلى السجن، فمات فيه.
25- عبد الله بن شبرمة لما ولي القضاء قال: اللهم إنك تعلم أني لم أجلس هذا المجلس لأني أحبه وأشتهيه، فاكفني شر عواقبه.(4/312)
26- أراد يوسف بن عمر منصور بن المعتمر «1» على القضاء فأبى، فجيء بالقيد ليقيّد، وأحضر خصمان فقعدا بين يديه، فما التفت إليهما، فقيل له: إنك لو بترته لم يل لك القضاء. فتركه.
27- عبد الملك بن عمير عن رجل من أهل اليمن: أقبل سيل باليمن في ولاية أبي بكر فأبرز «2» عن باب مغلق، فظنناه كنزا، فكتبنا إلى أبي بكر، فكتب، لا تحركوه حتى يقدم عليكم أمنائي. ففتح إذا برجل علي سرير، عليه سبعون حلة مسنوجة بالذهب، وفي يده اليمنى لوح، فيه مكتوب:
إذا خان الأمير وكاتباه ... وقاضي الأرض داهن في القضاء «3»
فويل ثم ويل ثم ويل ... لقاضي الأرض من قاضي السماء
وإذا عند رأسه سيف أشد خضرة من البقلة، مكتوب فيه: هذا سيف هود بن عاد بن أرم «4» .
28- سليمان بن حرب «5» : لم يبق أمر من أمر السماء إلا الحديث(4/313)
والقضاء، وقد فسدا جميعا.
القضاة يرشون حتى يولوا، والمحدثون يأخذون على حديث رسول الله الدّراهم.
29- قال رجل لسليمان الشاذكوني «1» : أرانيك الله يا أبا أيوب على قضاء أصفهان. فقال: إن كان لا بد فعلي خراجها «2» ، فإن أخذ أموال الأغنياء أسهل من أخذ أموال الأيتام.
30- تقدم رجلان إلى قاض، فتكلم أحدهما ولم يترك الآخر يتكلم، فقال: أيها القاضي، تقضي على غائب؟ قال: كيف؟ قال: أنا غائب إذا لم أترك أتكلم.
31- بنى ابن أسد «3» قصرا بالبصرة، وكانت في جانب منه حجرة صغيرة لعجوز تساوي عشرين دينارا، فاحتاج إليها فطلبها بمائتي دينار فأبت، فقيل لها: إن القاضي يحجر عليك لسفاهتك، لأنك ضيعت مائتين فيما قيمته عشرون، فقالت: ولم لا يحجر «4» على من يشتري بمائتين ما يساوي عشرين فحجت فاشتريت منها بثلاثمائة دينار.(4/314)
32- قائد بن الحبيب الأسدي «1» في الزهري «2» :
ومهمة أعيا القضاة قضاؤها ... تدع الفقيه يشك شك الجاهل
بدع معنّية هديت لرتقها «3» ... وضربت محردها بحكم فاصل «4»
فنعشت قومك والذين تذمموا ... بك غير مختشع ولا متضائل «5»
33- شهد قوم عند ابن شبرمة على قراح «6» فيه نخل، فسألهم عن عدد النخل فلم يعرفوا، فردهم. فقال رجل منهم: أنت تقضي في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة فكم فيه من اسطوانة. فأجازهم «7» .
34- شهد معلم عند سوار، فرد شهادته، وقال: إنك تأخذ على تعليم القرآن أجرة، فقال: وإنك تأخذ على القضاء رزقا، قال: أنا أكرهت على القضاء.(4/315)
قال: فهل أكرهت على أخذ الرزق؟ قال: هلم «1» شهادتك.
35- أعرابي: لو كان رأسه في الحرباء لأخذت رزقي منه.
36- تقدمت امرأة إلى قاض، فقال: جامعك شهودك؟ فسكتت، فقال كاتبه: أن القاضي يقول: جاء شهودك معك؟ قالت: نعم، ثم قالت: ألا قلت كما قال كاتبك؟ كبرت سنك، ونقص عقلك، وعظمت لحيتك حتى غطت على لبك «2» ، ما رأيت ميتا يقضي في الأحياء غيرك!.
37- كان شريح إذا جلس للقضاء بدأ بهذه الكلمات: سيعلم الظالمون حظ من نقصوا إن الظالم ينتظر العقاب، وإن المظلوم ينتظر النصر.
38-[شاعر] :
أبكي وأندب ملّة الإسلام ... إذ صرت تقعد مقعد الحكّام
إن الحوادث ما علمت كثيرة ... وأرتك بعض حوادث الأيام «3»
39- علي رضي الله عنه في معنى الحكمين: فأجمع رأي ملئكم «4» على أن اختاروا رجلين، فأخذنا أن يجعجعا عند القرآن «5» ، ولا يجاوزاه وتكون ألسنتهما معه، وقلوبهما تبعه. فتاها عنه «6» ، وتركا الحق وهما يبصرانه.(4/316)
40- احتكم رجلان عند شريح، وأقر أحدهما في خلال كلامه بشيء توجه به الحكم عليه، فحكم عليه شريح، فقال الرجل: أصلحك الله، تحكم عليّ بغير شهود؟ فقال: قد شهد عليك أبو أخت خالتك.
41- تقدم رجلان إلى بلال «1» ، فأطالا السكوت. فقال: لعلكما على حاجة فأقوم عنكما.
42- ابن عمر: عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: إن الطير لتلقي ما في أجوافها من هول يوم القيامة وما عليها من حساب، وإن شاهد الزور يؤتى به يوم القيامة فما يتكلم بشيء حتى يقذف به في النار.
43- وفي حديث جابر: إن الطير لتضرب بمناقيرها، وتقذف ما في حواصلها «2» ، وتحرك أذنابها من هول يوم القيامة.
44- كان شيخ من العدول «3» يشهد بالشيء اليسير، فأعطاه رجل درهما ليشهد له، فقال: والله ما ضربت فيها المشط بأقل من درهم قط، ولكني أسامحك إكراما لك.
45- المبرد: من طرائف الأحكام إن عبيد الله بن الحسن «4» قاضي البصرة وأميرها، رفعت إليه وصية لرجل بما أمر أن يتخذ به حصون «5» ،(4/317)
فقال: اشتروا به خيلا للسبيل.
أما سمعتم قول الجعفي «1» :
ولقد علمت على تجنبي الردى ... أن الحصون الخيل لا مدر القرى
46-[شاعر] :
إن القضاة موازين البلاد وقد ... أعيا علينا بجور الحكم قاضينا «2»
قرضابة طرفاه الدهر في تعب ... ضرس يدق وفرج يفسد الأبنا «3»
47- استعدى «4» رجل على امرأة حسناء، فجعل القاضي يميل بالحكم إليها. فقال الرجل: أصلحك الله، حجتي أوضح من هذا النهار، فقال: اسكت يا عدو الله، فإن الشمس أوضح من النهار، قم فلا حق لك عليها. فقالت: جزاك الله عن ضعفي خيرا، فقال: ولكن لا جزاك الله عن قوتي خيرا، فقد أوهنتها «5» .(4/318)
48- علي رضي الله عنه: إن أبغض الخلائق إلى الله رجلان: رجل وكله الله إلى نفسه «1» فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف «2» بكلام بدعة، ودعاء ضلالة، ورجل قمش جهلا «3» ، موضع في جهال الأمة، غار في أغباش الفتنة «4» ، عم بما في عقد الهدنة «5» . قد سماه أشباه الناس عالما وليس به، بكر استكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر «6» ، حتى ارتوى من آجن «7» ، واكتنز من غير طائل «8» . جليس الناس قاضيا «9» ، ضامنا لتخليص ما التبس على غيره «10» . فإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشوا من رأيه ثم قطع «11» به. فهو في لبس الشبهات في مثل بيت(4/319)
العنكبوت «1» لا يدري أصاب أم أخطأ، إن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ، وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب. خباط جهالات، ركاب عشوات «2» ، لم يعض على العلم بضرس قاطع «3» ، يذري الروايات اذراء الريح الهشيم «4» . تصرخ من جور قضائه الدماء، وتعج منه المواريث إلى الله تعالى «5» .
49- ادعى رجل عند المطلب بن عبد العزيز الحنظلي «6» وقال:
يشهد لي والله زنقطة الحذاء «7» . فلما ولى ليحضره قال القاضي لأصحابه:
ما شهادته له إلا كشهادته عليه. فلما دخل زنقطة قال: فداك أبي وأمي!(4/320)
أحسن والله من يقول:
من الحنظليين الذين وجوههم ... دنانير مما شيف في أرض قيصرا «1»
فقال: كيّس ورب الكعبة، وأجاز شهادته.
50- تقدمت جميلة إلى الشعبي فسألها البينة «2» . فقيل لها: ما صنعت؟ فقالت: سألني البينة، ومن سئل البينة فقد فلج. فقال هذيل الأشجعي:
فتن الشعبي لما ... رفع الطرف إليها
فتنته ببنسان ... كيف لورا معصميها «3»
ومشت مشيا رويدا ... ثم هزت منكبيها
فقضى جورا على الخصم ... ولم يقض عليها
بنت عيسى بن حراد ... دفع الملك إليها
فتناشدها الناس وتداولوها حتى بلغت الشعبي، فضرب الأشجعي ثلاثين سوطا.
51- حكى ابن أبي ليلى «4» قال: انصرف الشعبي يوما من مجلس القضاء ونحن معه، فمر بالخادم تغسل الثياب وتقول: فتن الشعبي لما، فتن الشعبي لما، ولا تجيز البيت، فلقنها وقال: رفع الطرف إليها. ثم قال: أبعده الله، أما إنا ما قضينا إلا بحق.
52- قال رجل لآخر: علمني الخصومة. قال: أنكر ما عليك،(4/321)
وادع ما ليس لك، واستشهد الموتى، وأخر اليمين حتى تنظر فيها.
53- حكيم: الدين مجمع كل بؤس، هم بالليل، وذل بالنهار، وهو ساجور «1» الله تعالى في أرضه، فإذا أراد أن يذل عبدا جعله طوقا في عنقه.
54-[شاعر] :
لقد كان القريض سمير صدري ... فآلهتني القروض عن القريض «2»
55- استقرض الأصمعي خليل له، فقال: نعم وكرامة. ولكن سكّن قلبي برهن يساوي ضعف ما تطلبه، فقال: يا أبا سعيد، ما تثق بي قال:
بلى، وهذا خليل الله قد كان واثقا به وقد قال: ليطمئن قلبي «3» ، 56- باع رجل من أعرابي شيئا بنسيئة وقعد يحسب ربحه، فقال الأعرابي:
يلوي بنان الكف يحسب ربحه ... ولا يحسب المطل الذي أنا ماطله
ومن دون ما يرجو عناء مبرّح ... أواخره ما تنقضي وأوائله «4»
57- لقمان: لا تستلفن من مسكين استغنى.
58- علي رضي الله عنه: من بالغ في الخصومة أثم، ومن قصر فيها ظلم ولا يستطيع أن يتقي الله من خاصم «5» .(4/322)
59- أحمد بن سريج «1» سمعت الشافعي رحمة الله تعالى عليه يقول: إذا كان لرجل على رجل دراهم، فأعطاه درهما فيه حبة من نحاس أو رصاص لم يوفه.
60- عمرو بن دينار «2» : قال رجل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرأيت أن قتلت شهيدا فأين أنا؟ قال: في الجنة. ثم قال: قال لي جبرائيل إن لم يكن عليه دين.
61- سعد بن أبي وقاص جاء يتقاضى دينا له على رجل، فقالوا:
خرج إلى الغزو، فقال: أشهد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لو أن رجلا قتل في سبيل الله، ثم أحيي، ثم قتل، ثم أحيي ثم قتل، لم يدخل الجنة حتى يقضي دينه.
62- الخدري: شهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جنازة رجل من الأنصار، فقال أعليه دين؟ قالوا: نعم، فرجع. فقال علي رضي الله عنه: أنا ضامن يا رسول الله. فقال: يا علي، فك الله رقبتك كما فككت عن أخيك المسلم، ما من رجل يفك عن رجل دينه إلا فك الله تعالى رهانه «3» يوم القيامة.
63- الزهري: لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي على رجل عليه دين.(4/323)
ثم قال بعد: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم «1» ، من مات وعليه دين فعلي قضاءه. ثم صلى عليهم.
64- أبو هريرة: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتقاضاه فأغلظ له.
فهم به أصحابه. فقال: ألا كنتم مع الطالب؟ دعوه فان لصاحب الحق مقالا. اشتروا له بعيرا. فلم يجدوا إلّا فوق سنه، فقال: اشتروا له فوق سنه فأعطوه ثم قال: كذلك افعلوا، خيركم أحسنكم قضاء.
65- جابر: عنه عليه السّلام: لا غم إلا غم الدين، ولا وجع إلا وجع العين.
66- ابن عباس رضي الله عنه: من مشى بدين عليه لأخيه كتب الله له بكل خطوة حسنة.
67- أبو هريرة: عنه عليه السّلام: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله تعالى عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله تعالى.
68- أبو هريرة: عنه عليه السّلام: من تزوج امرأة بصداق ينوي أن لا يؤديه إليها فهو زان، ومن أدان دينا ينوي أن لا يقضيه فهو سارق.
69- ركب رجلا دين كثير عجز عن أدائه، فقال له بعض غرمائه:
أعلمك حيلة تتخلص بها على أن تقضيني؟ قال: لك ذلك. فتوثق منه.
ثم قال له: كل من لقيك من غرمانك وغيرهم فلا تزد على النباح عليه، فإنك إن عرفت بذلك قالوا موسوس فكفوا عنك، ففعل، فلما كفوا عنه أتاه معلم الحيلة فقال: الشرط أملك. فنبح عليه، فقال: وعلي أيضا؟ فلم يزده على النباح حتى يئس منه فتركه.
70- وجد تحت رأس يحيى البرمكي بعد موته كتاب مختوم، فحمل(4/324)
إلى الرشيد ففكه فإذا فيه: قد تقدم الخصم، والمدعى عليه بالأثر، والحكم العدل لا يظلم ولا يحتاج إلى بينة.
71- عزل عمر بن عبد العزيز قاضيا، وقال: قد بلغني أن كلامك أكثر من كلام الخصمين إذا تحاكما إليك.
72- قال غيلان بن مرة التميمي «1» :
وإني لأقضي الدين بالدين بعد ما ... يرى طالبي للدين أن لست قاضيا «2»
فأجابه ثعلبة بن عمير الحنفي «3» :
إذا ما قضيت الدين بالدين لم يكن ... قضاء ولكن كان غرما على غرم «4»
73- هلال بن ضبعاء التميمي «5» :
ولا يستوي أن كنت لا بد غارما ... كريم إذا داينته ولئيم
إذا ما غدا عني غريم بحقه ... تأوبني يرجو القضاء غريم «6»
74- أتى رجلا قوم وقالوا: نحب أن تقرض فلانا ألف درهم وتؤجله سنة. فقال: سألتموني حاجتين، فإذا قضيت أحداهما وزدت عليها ضعفها فقد أحسنت، قد أجلته سنتين، فأعفوني من القرض.
75- حلف أعرابي فقيل له: قل إن شاء الله. فقال: نعم إن شاء(4/325)
الله، يذهب بها الحنث «1» ، وتقضى بها الحاجة.
76- الأصمعي: كان قوم من الأعراب يسمطون «2» أيمانهم سمطا للمصدقين «3» ، فقال مصدق: هؤلاء لا يخافون الله، ولكن استحلفهم بأيمان في أمر معاشهم، فقال: سلخك الله تعالى برصا، وأبدى عورتك.
وفتّك «4» فتّ البعرة، وحتك حتّ الشعرة، ولا ترك له صاهلا «5» ولا ناهلا «6» ، ولا خفا ولا ظلفا إن كان لله في مالك حق. فيكيع عنها «7» .
77- أعرابي:
أني وجدك لا أقضي الغريم وإن ... حان القضاء ولا رقت له كبدي
الا عصا أرزن طارت برايتها ... تنوء ضربتها بالكف والعضد
78- أبو هريرة: عنه عليه السّلام: ما من عمل عصي الله فيه أعجل عقوبة من البغي. واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع «8» .(4/326)
79- ما استرق الأحرار أفظع من الدين.
80- ثلاثة من عازهم عادت عزته ذلا: السلطان، والولد، والغريم «1» .
81- علي رضي الله عنه: احلفوا الظالم إذا أردتم يمينه بأنه بريء من حول الله تعالى وقوته، فإنه إذا حلف بها كاذبا عوجل، وإذا حلف بالله الذي لا إله إلا هو لم يعاجل لأنه وحد الله تعالى «2» .
82- أعرابي في وصف قاض: يقضي بالعشوة، ويطيل النشوة، ويقبل الرشوة «3» .
83- أطيط بن لقيط الفقعسي «4» :
لعمرك إني إذ أخاصم حية ... إلى فقعس ما أنصفتني فقعس
فما لكم طلسا إليّ كأنكم ... ذئاب الغضا والذئب بالليل أطلس «5»
84- عمر رضي الله عنه: لا تهاونوا بالحلف بالله فيهينكم الله.
85- أراد قاضي الدوّ «6» أن يستحلف الخصم، فقيل له: هو لا يبالي بالحلف: احمله على حلف لا يستجري «7» عليه، فقال: جعل(4/327)
الله تعالى نومك نغصا «1» ، وطعامك غصصا، ومشيك رقصا، وسلخك برصا، وقطعك حصصا، وملأ عينيك غمصا، وأدخلك قفصا، وابتلاك بهذه العصا. فأبى أن يحلف وأذعن للحق.
86- أنشد سيبويه:
وقد أعددت للغرماء عندي ... عصا في رأسها منوا حديد «2»
87- ابن السائب «3» : جالست وكيعا سنين فما رأيته يحلف بالله.
88- ابن أبي ثابت «4» : ما احتجت إلى شيء استقرضه إلا استقرضته من نفسي. أراد: أصبر عنه إلى أن تمكن الميسرة.
89- ونظيره قول القائل:
وإذا غلا شيء عليّ تركته ... فيكون أرخص ما يكون وقد غلا
90- إياس بن الوليد «5» :
أني وجدّك من قوم إذا طلبوا ... بعد النسيئة يوما أحسنوا الطلبا(4/328)
91- عطية بن الخطفي أبو جرير الشاعر «1» :
تلبث فقد داينت من أنت واثق ... بليّانه أو قابل ما تيسرا
92- آخر:
أماطله العصرين حتى يملني ... ويرضى بنصف الدين والأنف راغم»
93- كتب عمر رضي الله عنه: قد آن للحق الذي عندك أن يرجع إلى أهله، ويستغفر الله تعالى من حبسه.
94- دخل عليّ بالري في مسيري إلى مكة حرسها الله تعالى بعض تجار خوارزم وهو مستبشر يهتز منكباه. فقلت: ما وراءك يا أبا فلان؟
قال: كان لي رقيق لا يزاد لي فيهم على ستمائة، فاتجهت لي فيهم سعة رافعية، بعتهم من سلطاني بألف ومائتين صحاح مجردة نسيئة. فقلت له:
ليتك بعتهم بربع ذلك وبقراضات «3» ناجزا «4» ، وكأني بهذه المجردة الصحاح قد أذاقتك الأمرين، وأمانتك حرضا «5» في بعض الخافات، ودفنتك تحت جبل طبرك «6» . فسألت عنه منصرفي من الحجاز، فكان الأمر كما قلت.(4/329)
95- جاءت امرأة إلى قاض فقالت: مات زوجي وترك أبويه وولدا ورهطا. فقال القاضي: لأبويه الثكل، ولولده اليتم، ولامرأته الخلف، ولرهطه الوله والقلة. واحملي المال إلينا حتى ترتفع الخصومة بينهم.
96- ابن أبي أوفى «1» : عنه عليه السّلام: إن الله مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار برىء الله تعالى منه ولزمه الشيطان، وروى فإذا جار وكله الله إلى نفسه «2» .
97- جابر بن عبد الله: عنه عليه السّلام: تنصب يوم القيامة منابر نور، ليجلس عليها من ولي القضاء فعدل في حكمه، فإذا انقضى حساب الخلائق أمر بهم إلى الجنة.
98- حماس بن الأبرش الكلبي «3» :
رفضت وعطلت الحكومة قبله ... في آخرين وملها رواضها «4»
حتى إذا ما قام ألف بينها ... بالحق حتى جمعت أرفاضها «5»
99- قال محمد بن حريث «6» : بلغني أن نصر بن علي «7» أرادوه على(4/330)
القضاء بالبصرة، واجتمع الناس إليه فكان لا يجيبهم، فلما ألحوا عليه دخل بيته ونام على ظهره، وألقى ملاءته على وجهه، وقال: اللهم إن كنت تعلم أني لهذا كاره فاقبضني إليك. فقبض.
100- كتب عبيد بن ثابت مولى بني عبس «1» إلى علي بن ظبيان «2» قاضي بغداد: بلغني أنك تجلس للحكم على باري «3» ، وكان من قبلك من القضاة يجلسون على وطاء يتكئون. فكتب إليه: والله أني لأستحي أن يجلس إلي حران مسلمان على باري وأنا على وطاء، ولست أجلس إلا على ما يجلس عليه الخصوم.
101- أنس، يرفعه: القضاة جسور للناس يمرون على ظهورهم يوم القيامة.
- وعنه: لسان القاضي من جمرتين حتى يصير إلى جنة أو نار.
102- هشام بن أبي يوسف «4» : لما احتضر «5» أبي جلسنا عند رأسه، فقلنا له: أفي نفسك من هذا الأمر شيء؟ قال: لا والله، إلا شيء واحد، وصل نصراني إدعى مرة على الرشيد، فدعوت به، فجاء ومعه مصلى فجلس عليه، ولم أدع للنصراني بمصلى مثله، فذاك في نفسي.(4/331)
103- عائشة رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة، فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في ثمرة قط.
104- لقي سفيان الثوري شريكا بعد ما استقضى، فقال: بعد الإسلام والفقه والخير تلي القضاء؟ قال: يا أبا عبد الله، لا بد للناس من قاض. قال: يا أبا عبد الله، لا بد للناس من شرطي. وقال الحسن بن صالح «1» : أي شيخ أفسدوا!.
105- أبو ذر «2» : قال لي رسول الله ستة أيام: اعقل أبا ذر ما أقول لك، فلما كان اليوم السابع قال: أوصيك بتقوى الله في سريرتك وعلانيتك، وإذا اسأت فاحسن، ولا تسألنّ أحدا وإن سقط سوطك، ولا تؤتمننّ أمانة، ولا تتولينّ يتيما، ولا تقضين بين اثنين «3» .
106- أراد عثمان بن عفان استقضاء عبد الله بن عمر، فقال: أليس سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: من استعاذ بالله فقد عاذ بمعاذ؟ قال: بلى، فقال: فاني أعوذ بالله منك أن تستقضيني.
107- أنس يرفعه: شكت البقاع «4» إلى الله، فقالت: يا رب، يطرح فينا نتن المشركين. فقال: اسكتي، وعزتي وجلالي لو طرح فيك نتن القضاة والولاة كان أنتن وأنتن.(4/332)
108- قال حفص بن غياث لرجل كان يسأله مسائل القضاء: لعلك تريد أن تكون قاضيا! لئن يدخل الرجل إصبعه في عينه فيقلعها ويرمي بها خير له من أن يكون قاضيا.
109- عرض على عبد الله بن وهب «1» القضاء. فقال: لم أكتب هذا العلم لأحشر يوم القيامة في زمرة القضاة. ولكني كتبت هذا العلم لأحشر يوم القيامة في زمرة العلماء.
110- ابن عباس: أكرموا الشهود، فإن الله يستخرج بهم الحقوق، ويدفع بهم الظلم.
111- أبو الدرداء «2» يرفعه: إن لشاهد الزور لعلما يعرف به يوم القيامة يبعثه الله عاضا على لسانه يقرضه بأسنانه، يلهث «3» لهثان الكلب في الرعي.
112- سفيان بن عيينة: كان الناس بالكوفة إذا صلوا الغداة «4» قام رجل منهم فقال: من يريد قرضا؟ فيقرضه.
113-[شاعر] :(4/333)
حلفت برب زمزم والمصلى ... وربّ الحجر والحجر اليماني «1»
وبالسبع الطوال ومن تولى ... تلاوتهنّ والسبع المثاني «2»
114- أعرابي: لا والذي شق خمسا من واحدة. يعني الأصابع من الراحة.
115- البحتري:
أقسمت بالبيت الحرام ... وحرمة الشهر الأصم «3»
116- كان بين أسامة وعمرو بن عثمان كلام في ضيعة، فقال عمرو: أتأنف أن تكون مولاي؟ فقال أسامة: والله ما يسرني بولائي من رسول الله نسبك. ثم ارتفعا «4» إلى معاوية، فقام سعيد بن العاص فقعد إلى جانب عمرو وجعل يلقنه الحجة، فقام الحسن فقعد إلى جانب أسامة، فوثب عتبة بن أبي سفيان فصار مع عمرو، فقام الحسين فصار مع أسامة، فقام الوليد بن عقبة فصار مع عمرو، فقام عبد الله بن جعفر وجلس مع أسامة. فقال معاوية: القضية عندي، حضرت رسول الله وقد أقطع هذه الضيعة أسامة. فقال الأمويون. هلا إن كانت هذه القضية عندك بدأت بها قبل التحزب! فقال معاوية: لما رأيتهم كذلك ذكرت يوم(4/334)
صفين «1» .
117- جرير:
تعالوا ففاتونا ففي الحكم مقنع ... إلى الغر من أهل البطاح الأكارم «2»
فاني لأرضي عبد شمس وما قضت ... وأرضي الطوال البيض من آل هاشم
118- كان الثوري يقول: الناس كلهم عدول إلا العدول «3» .
119- مساور الوراق «4» :
شمر قميصك واستعدّ لقائل ... واحكك جبينك للقضاء بثوم «5»
وتماوتنّ إذا مشيت تخشعا ... حتى تصيب وديعة ليتيم «6»
120- كان روح بن زنباع ايسمر «7» مع عبد الملك، فقال له يوما: ما رأيت أحدا أحسن حديثا من أسماء بن خارجة، فحادثه فقال له في آخر الليل: هل من حاجة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، دين عليّ. قال:
كم؟ قال: خمسون ألفا. قال: وفيم استدنتها؟ قال: في كريم صنت له عرضا، وفي لئيم صنت منه عرضي. فأمر بقضائها عنه.(4/335)
121- أوصى مطيع بن الأسود «1» إلى الزبير بن العوام، فأبى أن يقبل وقال: في قومك من ترضاه، فقال: إني رأيتك دخلت على عمر بن الخطاب فلما خرجت قال: نعم ولي تركة المرء المسلم. فقبل الزبير وصيته.
122- عن يوسف بن محمد مولى آل عثمان «2» : بعثني عبد الرحمن بن قطن المخزومي «3» إلى حمزة بن عبد الله بن الزبير «4» يستسلفه ألف دينار، فدخلت عليه، فأمر ببختية له مري «5» فحلبت في عس، وطرح فيه طبرزذ «6» ، فشرب وسقاني، ودعا بالألف فأعطانيه، فلم يلبث عبد الرحمن إلا يسيرا أن بعثتني بالألف إليه، فدخلت به عليه، فحلبت البختية، وسقيت لبنها مع الطبرزد، وقسم الألف نصفين وقال: خذ خمسمائة وأعطه خمسمائة، وقال: إنا قوم لا نعود فيما خرج منا.
123- تحاكمت إلى إياس «7» امرأتان في كبة «8» ، فقال لأحداهما في(4/336)
السر: على أي شيء كببت غزلك؟ قالت: على كسرة، وقال للأخرى:
على أي شيء كببت غزلك؟ قالت: على خرقة. فنفضت الكبة فإذا هي على كسرة. فسمع بذلك ابن سيرين فقال: ويح له ما أفهمه! ويح له «1» ما أفهمه!.
124- عن نافع «2» عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إذا ضن الناس بالدنانير والدراهم، وتبايعوا بالعينة «3» ، وأخذوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد، أدخل الله عليهم ذلا لا ينزعه منهم حتى يراجعوا دينهم.
125- شهد مولى للمطلب بن عبد الله بن حنطب «4» عند عمر بن عبد العزيز فسأل عنه مولاه، فقال: هو عدل مع عدلين «5» . يعني ليس بعدل.(4/337)
الباب الحادي والسبعون الكذب، والزور، والبهتان «1» ، والرياء، والنفاق والباطل، والأرجاف «2» ، والتنبؤ، وما أشبه ذلك
1- عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا كذب العبد كذبة تباعد الملك منه مسيرة ميل من نتن ما جاء به.
- وعنه مرفوعا: إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي «3» إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. وإن الرجل ليكذب ويتحرى «4» الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. وعليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة. وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا.
2- قال رجل للنبي صلّى الله عليه وسلّم: أنا استسرّ «5» بخلال أربع: الزنا،(4/339)
والسرقة، وشرب الخمر، والكذب، فأيتهن شئت تركت لك يا رسول الله؟ قال: دع الكذب. فلما تولّى همّ بالزنا، فقال: يسألني فإن جحدت نقضته ما جعلت له، وإن أقررت حددت «1» أو رجمت. ثم هم بالسرق.
ثم في شرب الخمر، ففكر في مثل ذلك. فرجع إليه فقال: قد أخذت علي السبيل، قد تركتهن أجمع.
- وعنه عليه السّلام: الكذب مجانب للإيمان.
3- أعرابي: كفاك موبخا على الكذب علمك بأنك كاذب.
4- قال الواثق لأحمد بن أبي دؤاد: ذكرك ابن الزيات «2» بكل قبيح.
فقال: الحمد لله الذي أحوجه إلى الكذب عليّ، ونزهني عن قول الحق فيه.
5-[شاعر] :
قد كنت أنجز دهرا ما وعدت إلى ... أن أتلف الجود ما جمعت من نشب «3»
فإن أكن صرت في وعدي أخا كذب ... فنصرة الصدق أفضت بي إلى الكذب «4»
6- ابن طيفور «5» :
7- قال العباس بن عبد المطلب لعبد الله: يا بني، أنت أعلم مني. وأنا أفقه منك، إن هذا الرجل يدينك، يعني عمر بن الخطاب، فاحفظ عني ثلاثا: لا تفشينّ له سرا، ولا تغتابنّ عنده أحدا، ولا يطلع منك على كذبة.(4/340)
8- وقال رجل لأبي حنيفة رحمه الله: ما كذبت كذبة قط. قال: أما هذه فواحدة نشهد بها عليك.
9- في وصية علي رضي الله عنه: ولا تحدثن إلا عن ثقة فتكون كذابا.
10- يقال للكاذب: هو قموص «1» الحنجرة، زلوق اللبد لا يوثق بسيل تلعته «2» .
11- فيه أثافي «3» الشر: الكذب، والنفاق، والحسد.
12- هو ذو كذبة بلقاء، للمشهور بالكذب «4» .
13- كان يقال: راوي الكذب أحد الكاذبين.
- رأس المآثم الكذب، وعمود الكذب البهتان.
- فلان يقول البهت، والزور البحت «5» .
- أمران لا ينفكان من الكذب: كثرة المواعيد، وشدة الاعتذار.
14- حكيم: إذا كذب الرجل فقد بطل.
15- الشعبي: كان الرجل يكذب الكذبة فما يستقيلها من نفسه زمنا(4/341)
طويلا «1» .
16- رسطاليس: فضل الناطق على الأخرس بالنطق، وزين النطق الصدق، والأخرس والصامت خير من الكاذب.
17- الكذاب كلما فنيت أحدوثة قمطها «2» من عنده بأخرى، حتى أنه يصدق فلا يصدق.
18- قال الرشيد للفضل بن الربيع: كذبت. فقال: يا أمير المؤمنين، وجه الكذب لا يقابلك، ولسانه لا يحاورك.
19- الحسن في قوله تعالى: وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ
«3» : هي والله لكل واصف كذب إلى يوم القيامة. لو لم أدع الكذب تأثما لتركته تكرما.
20- الأصمعي: قلت لأعرابي معروف بالكذب: أصدقت قط؟
قال: لولا أني أصدق في هذا لقلت لا.
21- قال رجل لمعاوية حين عقد ليزيد: اعلم أنك لو لم تولّ أمور المسلمين هذا لأضعتها، والأحنف جالس، فقال له معاوية: يا أبا بحر، مالك لا تقول؟ فقال: أخاف الله أن كذبت، وأخافكم أن صدقت.
فقال: جزاك الله عن الطاعة خيرا، فما تقول في بيعة يزيد؟ قال:
أنت أعلم بليله ونهاره، فلا تلقمه «4» الدنيا وأنت منتقل إلى الآخرة. وأمر له بألوف.(4/342)
فلما خرجا قال له الرجل: أني لأعلم أن شر من خلق الله هذا وابنه، ولكنه قد استوثق «1» من هذه الأموال بالأبواب والأقفال، فلسنا نطمع في استخراجها إلا بماء سمعت. فقال: امسك «2» يا هذا، فإن ذا الوجهين خليق أن لا يكون عند الله وجيها.
22- محمود بن مروان بن أبي الجنوب «3» :
لي حيلة فيمن ينم ... وليس في الكذاب حيله
من كان يخلق ما يقول ... فحيلتي فيه قليله «4»
23- النبي صلّى الله عليه وسلّم: لعن الله المثلث. فقيل له: من المثلث؟ فقال:
الذي يسعى بصاحبه إلى سلطانه، فيهلك نفسه وصاحبه وسلطانه.
24- عوقب أعرابي على الكذب فقال: لو غرغرت لهواتك به ما صبرت عنه.
25- يقال: أكذب من لمعان السراب، ومن رؤيا الكظة، ومن مرآة اللقوة، وسحاب تموز. «5»(4/343)
26- كان بفارس محتسب «1» يعرف بجراب الكذب، فكان يقول:
إن منعت من الكذب انشقت مرارتي، وإني لأجد فيه، مع ما يلحقني من عاره، ما لا أجد بالصدق مع ما ينالني من نفعه.
27- أبو حيان «2» : الكذب شعار خلق، ومورد رنق «3» ، وأدب سيء، وعادة فاحشة، وقل من استرسل معه إلا ألفه، وقل من ألفه ألا أتلفه. والصدق ملبس بهي، ومنهل عد «4» ، وشعاع منبث، وقل من اعتاده ومرن عليه ألا صحبته السكينة، وأيده التوفيق. وخدمته القلوب بالمحبة، ولحظته «5» النفوس بالمهابة.
28- ابن السماك: لا أدري أؤجر على ترك الكذب أم لا، لأني أتركه أنفة.
29- كل شيء شيء، ومصادقة الكذاب لا شيء.
30- فيلسوف: من عرف من نفسه الكذب لم يصدق الصادق.
31- يحيى بن خالد البرمكي: رأيت شريب خمر نزع «6» ، ولصا أقلع، وصاحب فواحش ارتدع، ولم أر كاذبا رجع.
32-[شاعر] :(4/344)
حسب الكذوب من البلية ... بعض ما يحكى عليه
فمتى سمعت بكذبة ... من غيره نسبت إليه
33- أضاف قادم من سفره قوما، وأقبل يحدثهم، فقال بعضهم:
نحن كما قال الله تعالى: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ
«1» .
34- النبي صلّى الله عليه وسلّم: سيكون في آخر هذه الأمة أعاجم وألسنة أعراب، يلقى الرجل أخاه فيخبره بغير ما في قلبه.
35- قال عمر بن عبد العزيز لزهرة بن معبد «2» : لا تفعل شيئا رياء، ولا تتركه حياء.
36- فضيل: إذا رأيت الرجل محمودا في جيرانه، محببا في أخوانه فاعلم أنه مداهن.
37- معاذ بن جبل: قال لي النبي صلّى الله عليه وسلّم: يا معاذ، إحذر أن نرى عليك آثار المحسنين وأنت تخلو من ذلك، فتحشر مع المرائين.
38- الحسن: المنافق يعطيك لسانه، ويمنعك ما في قلبه.
39- أنس يرفعه: يوتى بابن آدم يوم القيامة يعتل كأنه بذج «3» ، وربما قال، كأنه جمل، فيقول له الله: يا ابن آدم أنا خير قسيم. فانظر عملك الذي عملت لي فأنا أجزيك، وانظر عملك الذي عملت لغيري فإنما أجره على من عملت له.(4/345)
40- لو أن رجلا عمل عملا من البر فكتمه ثم أحب أن يعلم الناس أنه كتم فهو من أقبح الرياء.
41- فقد الحسن بعض من يختلف إليه فسأله عنه، فقيل استقضاه الحجاج. فقال أعوذ بالله من خشوع النفاق، من الناس من يتصنع للدنيا ويكمن لفرصة منها كما يكمن الأسد لفريسته. فإذا تمكن منها وثب عليها، يوشك أن يثب الله عليه وثبة يصطلم «1» بها دنياه وآخرته. فلم تمض أيام حتى مات.
42- زكريا بن أبي موسى مولى بني سليم «2» :
أني امرؤ زقت عليه ... عداته قول الضلال «3»
وسعت سعاتي الكاشحون ... بغير ما نزعت سجالي «4»
43- جمهرة «5» السعايات أقتل من الأساف ومن السم الزعاف «6» .
44- المأمون: اتقوا خدع الحافين «7» شواربهم فلما يحفون من أديانهم أكثر مما يحفون من شواربهم «8» .
45- علي رضي الله عنه: قال لي رسول الله: أني لا أخاف على(4/346)
أمتي مؤمنا ولا مشركا.
46- أما المؤمن فيمنعه إيمانه، وأما المشرك فيقمعه «1» الله بشركه.
ولكني أخاف عليكم كل منافق.
47- الجنان عالم اللسان يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون.
48- كل ورع يحب صاحبه أن يعلمه غير الله فليس من الله.
49- عبد الله بن السري»
: قلنا لابن المبارك: حدثنا. قال:
ارجعوا فأني لست أحدثكم. فقيل له: إنك لم تحلف. فقال: لو حلفت لكفرت وحدثتكم، ولكن لست أكذب. فكان هذا أحب إلينا من الحديث.
50- مجاهد «3» : يكتب على ابن آدم كل شيء حتى أنينه في سقمه، وحتى أن الصبي ليبكي فيقول له اسكت اشتري لك كذا ثم لا يفعل تكتب كذبة.
51- لقمان: إياك والكذب، فانه شهي كلحم العصفور، وبعد قليل يقليه صاحبه.
52- حذيفة: يرفعه: لا يدخل الجنة قتات «4» .
53- أبو محمد اليزيدي «5» :(4/347)
واظنن بكل كاذب ... ما شئت بعد كذبه
54- هشام بن عبد الملك في عبد الله بن عمرو المعيطي:
أبلغ أبا وهب إذا ما لقيته ... بأنك شر الناس غيبا لصاحب
تبدّي له بشرا إذا ما لقيته ... وتلسعه بالغيب لسع العقارب «1»
55- أصرم بن حميد الطائي «2» :
وكم من فتى يعجب الناظرين ... له ألسن وله أوجه
ينام إذا ذكر المكرمات ... وعند الدناءة يستنبه «3»
56- يقال: هو عبد عين، لمن يرائيك بالتملق إذا شهد، فإذا غاب خالف. قال:
ومنهم كعبد العين أما لقاؤه ... فيرضي وأما غيبه فظنين «4»
57- لو قيل لأحدهم لقينا فيلا في كوز فقاع «5» ، يندف القطن بالنار، فيترامى شررها في الجو فيصير جمدا لصدق به.
58- يبدي بادية وفاق عن خافية نفاق «6» .(4/348)
59- يقال فلان يتوبل الحديث «1» ، ويفلفله، يسعتره «2» . أي يزوقه.
وأنه ليزدهف «3» في حديثه، أي يزيد فيه.
60- شداد بن أوس «4» رفعه: أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. قالوا: يا رسول الله، وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء.
61- الأراجيف «5» ملاقيح «6» الفتن، ومفاتيح المحن.
62- أراجيف تساقطت ففرقت المنكر عن اجتماعه، وضاق لها الصدر بعد اتساعه.
63- شأن الأرجاف أن يختلف ناس ويصدق آخرون، غير باحثين عن منبعه، ولا فاحصين عن مطلعه، وأن يقال: صيد سليمان، وقد فتح صيدون، وأن يأفك «7» زيد فيزيد عليه زيدون. صيدون مدينة فتحها سليمان عليه السّلام، وقتل ملكها، وسبى ابنته.
64-[شاعر] :
وتقول لي قولا أظنك صادقا ... فاجيء من طمع إليك وأذهب(4/349)
فإذا اجتمعت أنا وأنت لمجلس ... قالوا مسيلمة وهذا أشعب «1»
65- فلان يبرز في ظاهر أهل السمت، وهو في باطن أهل السبت «2» .
66- إذا سمعت العرب حديثا لا أصل له قالوا: حديث خرافة «3» ، ومنه قول ابن الزبعري «4» :
أعلل بالمجاعة في حياتي ... وبعد الموت من عسل وخمر
حياة ثم موت ثم بعث ... حديث خرافة يا أم عمرو
وهو رجل استهوته الجن ثم رجع، وكان يحدث الناس بأعاجيب ينسبها إلى الجن. ثم كثر حتى قيل للأباطيل والترهات «5» الخرافات.
وسمعت العرب يشددون الراء. ويسمون الأباطيل الخرّاريف.
67- كان أبو حازم «6» يقول: الذي يلقى من لا يتقي الله من تقية الناس أشد مما يلقى من يتقي الله من تقوى الله.(4/350)
68- ابن هبيرة: قال لي محمد بن الباغندي «1» يوما: تزعمون أني مراء، وعزمي والله أن أصوم غدا ولا أعلم به أحدا.
69- بينما عابد يمشي في براز «2» ، والغمامة على رأسه تظله، جاء رجل يريد أن يستظل بها، فقدعه وقال: إن قمت معي لم يعلم الناس أنّ الغمامة تظلني.
فقال الرجل: قد علم أني لست ممن تظله الغمامة. فتحولت الغمامة إليه.
70- فضيل: ما من مضغة «3» أحب إلى الله من اللسان إذا كان صدوقا، ولا مضغة أبغض إلى الله منه إذا كان كذوبا.
71- ابن مسعود رضي الله عنه: أعظم الخطايا اللسان الكذوب.
- وعنه: يكون الرجل مرائيا في حياته وبعد موته. قيل: كيف؟
قال: يحب أن تكثر الناس على جنازته.
72- عامر بن عبد قيس: الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب. وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان.(4/351)
73- الخباز البلدي «1» :
ولعنة الله على كل من ... له لسانان ووجهان
74- الحسن: مالي أراكم أخصب شيء ألسنة وأجدبه قلوبا.
تبا لرجل فطولب بالعلامة، فقال: أنبئكم بما في نفوسكم. قالوا:
فما في نفوسنا؟ قال: أني لست بنبي.
75- قال عبد الأعلى السلمي القاص يوما: يزعمون أني مراء، وقد كنت أمس والله صائما، وقد صمت اليوم وما أخبرت بذلك أحدا.
76- للحق دولة وللباطل جولة.
77- قال أعرابي لرجل: إن فلانا وإن ضحك إليك فان قلبه يضحك منك، وإن أظهر شفقته عليك فإن عقاربه «2» لتسري إليك، فإن لم تتخذه عدوا في علانيتك فلا تجعله صديقا في سريرتك.
78- تنبأ رجل في أيام المأمون، وكان يقول أنا أحمد النبي، فقال له: أمظلوم أنت فتنصف؟ فقال: ظلمت بضيعتي، فتقدم بإنصافه، ثم قال: ما تقول؟ قال: أنا أحمد النبي، فهل تذمه أنت؟.
79-[شاعر] :
لا يكذب المرء إلا من مهانته ... أو عادة السوء أو من قلة الورع «3»(4/352)
80-[شاعر] :
أبا دلف يا أكذب الناس كلهم ... سواي فإني في مديحك أكذب
81-[آخر] :
إن النموم أغطى دونه خبري ... وليس لي حيلة في مفتري الكذب»
82- الكميت في هشام:
مصيب على الأعواد يوم ركوبها ... لما قال فيها مخطىء حين ينزل
كلام النبيين الهداة كلامه ... وأفعال أهل الجاهلية يفعل
83- شريك بن عبد الله القاضي:
صلى وصام لدنيا كان يأملها ... لقد أصاب فلا صلّى ولا صاما
84- أنس رفعه: من مشى بالنميمة بين العباد قطع الله له نعلين من نار يغلي منها دماغه، مزرقة عيناه، يدعو بالويل والثبور «2» .
85- كتب بعض السعاة إلى السفاح: جئت متنصحا وأريد ثوابا.
فوقّع: تقربت إلينا بما باعدك من الله، ولا ثواب لمن آثر عليه وخالف أمره.(4/353)
الباب الثاني والسبعون الكرم، والجود، واصطناع «1» ، الأحرار، وذكر الكرام والأجواد، وأولي المروءات
1- أنس رضي الله عنه: أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل فسأله، فأعطاه غنما بين جبلين. فرجع إلى قومه فقال: أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء رجل لا يخاف الفاقة «2» .
2- جابر بن عبد الله: ما سئل رسول الله شيئا فقال لا.
3- وعن محمد بن أبي السري العسقلاني «3» : أنه رأى رسول الله في المنام، فسأله أن يستغفر له، فسكت عنه، فروى له هذا الحديث، فتبسم وقال: اللهم اغفر له.
4- وعنه عليه الصلاة والسّلام: تجافوا «4» عن ذنب السخي، فإن الله(4/355)
يأخذ بيده كلما عثر.
5- وكتب الواقدي «1» إلى المأمون رقعة فيها غلبة الدين عليه، فوقع في ظهرها: أنت رجل فيك خلتان: السخاء، والحياء. فأما السخاء فهو الذي أطلق ما في يدك، وأما الحياء فقد بلغ بك ما أنت عليه، وقد أمرنا لك بمائة ألف درهم، فأن كنا أصبنا أرادتك فازدد في بسط يدك، وإن كنا لم نصب إرادتك فجنايتك على نفسك. وأنت حدثتني حين كنت على قضاء الرشيد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال للزبير: يا زبير إن مفاتيح الرزق بازاء «2» العرش ينزل الله للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم، فمن كثّر كثر له، ومن قلل قلل عليه. قال الواقدي: وكنت أنسيت هذا الحديث، فكانت مذاكرته إياي أعجب إليّ من صلته.
6- عبد الله بن جدعان:
إني وإن لم ينل مالي مدى خلقي ... وهاب ما ملكت كفي من المال
لا أحبس المال إلا ريث أنفقه ... ولا يغيرني حال إلى حال «3»
7- النبي صلّى الله عليه وسلّم: الجواد من أصاب المال من حله، وأنفقه في حقه.
أوحى الله إلى موسى لا تقتل السامري «4» فانه سخي.(4/356)
8- أغار قوم طيء، فركب حاتم فرسه وأخذ رمحه ونادى في عشيرته، ولقي القوم فهزمهم وتبعهم. فقال رئيسهم: يا حاتم هب لي رمحك، فرمى به إليه، فاستمر الرجل ولم ينعطف «1» . فقيل لحاتم:
عرضت قومك للاستئصال لو عطف عليك وأنت الرأس! فقال: قد علمت أنه التلف، ولكن ما جواب من يقول هب لي؟.
9- ابن المبارك: سخاء النفس عما في أيدي الناس أعظم من سخاء النفس بالبذل.
10- عزم مروان بن أبي الجنوب «2» على الحج، فوصله أحمد بن أبي دؤاد فقال:
حججت بنائل ابن أبي دؤاد ... وزرت البيت والبلد الحراما «3»
وعندي من فواضله بدور ... يموت الحاسدون بها اغتماما
11- أبو بكر الصديق رضي الله عنه: صنائع المعروف تقي مصارع السوء. وروي مرفوعا عن علي رضي الله عنه: الكرم أعطف من الرحم.
- وعنه: الجود حارس الأعراض «4» .
12- جعفر بن محمد الصادق: إن لله وجوها من خلقه، خلقهم لقضاء حوائج عباده، يرون الجود مجدا، والإفضال مغنما، والله يحب مكارم الأخلاق.(4/357)
- وعنه: ما أنعم الله على عبد نعمة فلم يحتمل مؤونة الناس إلا عرّض تلك النعمة للزوال.
13- كان الزهري «1» رحمه الله من أسخى الناس، كان يعطي ما عنده حتى لا يبقى له شيء، فيستلف «2» من أصحابه حتى ينزفهم «3» ، ويستلف من عبيده ويقول لأحدهم: يا فلان أسلفني وأضعف لك ذلك.
وإن جاءه سائل وما عنده شيء تغير وجهه وقال: يا فلان أبشر فسوف يأتي الله بخير.
14- وهب «4» : اتخذوا اليد عند المساكين، فان لهم يوم القيامة دولة.
15- مر محمد بن واسع بأسود عند حائط يحفظه، وبين يديه كلب يأكل لقمة ويطعمه لقمة، فقال له: إنك تضر بنفسك، فقال: يا شيخ، عينه بحذاء عيني استحي أن آكل ولا أطعمه. فاستحسن منه ذلك، فاشتراه واشترى الحائط، وأعتقه ووهب له الحائط. فقال: إن كان لي فهو سبيل الله. فاستعظم ذلك منه، فقال: يجود هو وأبخل أنا؟ لا كان هذا أبدا.
16- أبو يعقوب الخريمي «5» :
زاد معروفك عندي عظما ... أنه عندك مستور صغير
تتناساه كأن لم تأته ... وهو عند الناس مشهور كبير(4/358)
17- لما غسل علي بن الحسين بن علي رأوا على ظهره مجولا «1» فلم يدروا ما هو، فقال مولى له: كان يحمل على ظهره إلى أهل البيوتات المستورين الطعام، فأقول له: دعني أكفك، فيقول: لا أحب أن يتولى ذلك غيري.
18- كتب عبد الله بن الحسن العلوي والي الحرمين إلى المأمون يستعطفه على أهل الحرم فيما أصابهم من اجتياح السيول والحطمة «2» فوجه إليهم بأموال كثيرة، وكتب: وصلت شكيتك لأهل حرم الله إلى أمير المؤمنين فبكاهم بعين رحمته، وأنجدهم بسيب «3» نعمته، وهو متبع ما أسلفه إليهم بما يسلفه عليهم عاجلا أو آجلا، والسلام.
19- قال أبو السمط مروان بن أبي الجنوب الشاعر: أمر لي المتوكل بمائة وعشرين ألفا، وخمسين ثوبا، وثلاثة من الظهر، فقلت أبياتا في شكره. فلما بلغت قولي:
فأمسك ندى كفيك عني ولا تزد ... فقد خفت أن أطغى وأن اتجبرا
قال: والله لا أمسك حتى أغرقك بجودي، فأمر لي بضياع تقوم بمائة ألف درهم.
20- أحمد بن سليمان بن وهب:
ضحوك لسؤاله ... قطوب إذا لم يسل
كأن نعم نحلة ... تمجّ بفيه العسل «4»(4/359)
21- الجاحظ: مررت بحجام «1» يحجم حجاما أيام قتل المخلوع وهو يقول: سقط والله المأمون من عيني منذ قتل أخاه. فقلت: هلك والله المأمون إذ سقط من عين مثلك. فرفع الخبر إلى المأمون فوجه إليه بدرة «2» وقال: إن رأيت أن ترضى عني فعلت. فقال: قد فعلت.
22- قالوا: ما بلغ أحد من ولد خالد بن برمك مبلغه في رأيه وجوده وبأسه ونزاهته. وكان يحيى بن خالد يقول: ما أنا إلا شرارة من نار أبي العباس.
23- قيل لداود الطائي: أي الناس أسخى «3» ؟ فذكر خالد بن برمك فقيل: قد وصل الفضل بن يحيى منذ نزل النهروان «4» إلى أن دخل خرامان «5» بثمانين ألف ألف درهم. قال: ما بلغ ذاك يوما من أيام خالد.
24- قيل للعباس «6» : ما المروءة؟ قال: ترك اللذة، قيل: فما اللذة؟ قال: ترك المروءة.(4/360)
25- وقف أعرابي على محمد بن معمر «1» وكان سخيا فسأله، فخلع خاتمه وأعطاه وقال: لا تخدعن عن هذا الفص فانه قام عليّ بمائة دينار.
فهشم الأعرابي الخاتم وقلع فصه وقال: دونكه «2» ، فالفضة تكفيني أياما.
فقال: هذا والله أجود مني.
26- زرعة التغلبي «3» :
ذريني تجد كفي بمالي أنني ... سأصبح لا أسطيع جودا ولا بخلا
إذا وضعوا فوق الضريح جنادلا ... عليّ وخليت النجيبة والرحلا «4»
27- أبو العيناء «5» : تذاكروا السخاء فاتفقوا على آل المهلب في الدولة المروانية، وعلى البرامكة في الدولة العباسية. ثم اتفقوا على أن أحمد بن أبي دؤاد أسخى منهم جميعا وأفضل.
28- ابن سيرين: قدم رجل من أهل المدينة بسكر فكسد عليه، فاشتراه منه عبد الله بن جعفر وأنهبه الناس.
29- بهرام بن هرمز: المروءة اسم جامع للمحاسن كلها.
30- النجاشي: لا جود مع تبذير «6» ، ولا بخل مع اقتصاد.
31- حسان بن تبع «7» : العرف حصن النعم.(4/361)
32- مر يزيد بن المهلب عند خروجه من سجن عمر بن عبد العزيز بأعرابية، فذبحت له عنزا، فقال لابنه معاوية «1» : ما معك من النفقة؟
قال: مائة دينار، قال: ادفعها إليها، فقال: هذه يرضيها اليسير ولا تعرفك. قال: إن كانت ترضى باليسير فأنا لا أرضى إلا بالكثير، وإن كانت لا تعرفنني فأنا أعرف نفسي.
33- الكريم يكرم وأن افتقر، كالأسد يهاب وإن كان رابضا. واللئيم يهان وإن أيسر، كالكلب يخسأ «2» وإن طوق وحلي.
34- بعض العرب:
أبيت خميص البطن غرثان طاويا ... وأوثر بالزاد الرفيق على نفسي «3»
وامنحه فرشي وأفترش الثرى ... وأجعل قرّ الليل من دونه لبسي(4/362)
حذار أحاديث المحافل في غد ... إذا ضمني يوما إلى صدره رمسي «1»
35- عظم على طيء موت حاتم فادعى أخوه أن يبلغه «2» ، فقالت أمه. هيهات «3» ، فشتان ما بين خلقيكما، وضعته فبقي سبعة أيام لا يرضع، حتى ألقمت أحد ثدبي طفلا من الجيران، وكنت أنت راضعا أحدهما وآخذا الآخر بيدك، فأنّى لك؟.
36- أبو العباس السفاح: إني لأعجب من إنسان يفرحه إنسان فيمكنه أن يكافئه ولا يكافئه على ما أدخل عليه من السرور، أو بجعل ثوابه تسويفا وعدة. فكان لا يصدر عن السفاح أحد ممن يسره بمدح أو غيره إلا بحباء «4» . ولم تر هذه الفضيلة في عربي ولا عجمي غيره.
37-[شاعر] :
يقول في العسر إن أيسرت ثانية ... أقصرت عن بعض ما أهدي وما أهب
حتى إذا عاد أيام اليسار له ... رأيت أمواله في الناس تنتهب
38- سئل إسحاق الموصلي عن المخلوع فقال: ما كان أعجب أمره كله، فأما المتبذل فما كان يبالي أين قعد مع جلسائه، وكان أعطاهم للذهب والفضة، أراد سليمان بن أبي جعفر «5» الإنصارف ليلة فقال له: الماء(4/363)
أحب إليك أم الظهر؟ فقال: الماء ألين عليّ. قال: أوقروا له زورقه ذهبا، وأمر لي بألف ألف درهم.
39- كان هشام بن حسان إذا ذكر يزيد بن المهلب يقول: أن كادت السفن لتجري في جوده.
40- شكا سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان «1» إلى سليمان ابن عبد الملك موسى شهوات «2» وقال: قد هجاني «3» . فاستحضره وقال:
أتهجو سعيدا؟ قال: يا أمير المؤمنين، أنا أخبرك الخبر، عشقت جارية مدنية فأتيت سعيدا فقلت له: أحب هذه الجارية، وإن مولاتها قد وقفت من ثمنها على مائتي دينار، فقال لي: بورك فيك. فقال سليمان: ليس هذا موضع بورك فيك. فأتيت سعيد بن خالد، فقال: يا جارية، هات مطرفا «4» فأتت بمطرف خز، فصر لي فيه في كل زاوية من زواياه مائتي دينار. فخرجت وأنا أقول:
أبا خالد أعني سعيد بن خالد ... أخا العرف لا أعني ابن بنت سعيد
ولكنني أعني ابن عائشة الذي ... أبو أبويه خالد بن أسيد(4/364)
عقيد الندى ما عاش يرضى به الندى ... فإن مات لم يرض الندى بعقيد «1»
ذروه ذروه أنكم قد رقدتم ... وما هو عن أحسابكم برقود «2»
41- أم سعيد العثماني بنت سعيد بن العاص «3» فلذلك قال: ابن بنت سعيد. وأم سعيد بن خالد عائشة بنت عبد الله بن خلف الخزاعية أخت طلحة الطلحات «4» فقال سليمان: قل ما شئت. ولده حتى الساعة يعرفون بني عقيد الندى.
42- كان يقال للفضل بن يحيى حاتم الإسلام وخاتم الأجواد. وكان يقال: حدث عن البحر ولا حرج وعن الفضل ولا حرج.
43- أكثم بن صيفي: عليكم بالمنائح «5» الكريمة فإنها مدارج الشرف.
لا تغفل مروءتك وإن قرع الدهر مروتك «6» .
44- كان يقال: من جاد بماله جاد بنفسه، وذلك أنه جاد بما لا قوام لنفسه إلا به.
45- وقف سائل على المطلب بن حنطب «7» ، فأخرج كيسا فيه(4/365)
خمسمائة درهم فدفعه إليه، فبكى. فقال: ما يبكيك؟ استقللت؟ قال:
لا، ولكني أنفس على التراب أن يأكل مثلك.
46- المدائني: إنما سمي طلحة بن عبيد الله الخزاعي طلحة الطلحات لأنه اشترى مائة غلام وأعتقهم وزوجهم، فكل مولود له سماه طلحة.
47- قدم نهيك بن مالك القشيري «1» الملقب بمنهب الورق «2» مكة بعير عليها طعام ومتاع فأنهبه. وقد أنهب ماله بعكاظ «3» ثلاث مرات.
فعاتبه خاله فقال:
يا خال ذرني ومالي ما فعلت به ... وخذ نصيبك منه إنني مودي
إن نهيكا أبى إلا خلائقه ... حتى تبيد جبال الحرة السود «4»
فلن أطيعك إلا أن تخلدني ... فانظر بكيدك هل تستطيع تخليدي
الحمد لا يشترى إلا له ثمن ... ولن أعيش بمال غير محمود
48- ماله معرّس الحقوق «5» :(4/366)
49- كان محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة «1» سيد أهل الكوفة، وكان على أذربيجان في أيام ابن الزبير، وهو من الأسخياء الكرام حمل في يوم واحد على ألف قارح «2» .
50- وسمعت الأمير الشريف ذا المناقب عليّ بن عيسى بن حمزة بن وهاس الحسنى أدام الله تأييده يقول: رأيت أمير مكة قاسم بن أبي هاشم «3» حمل في غداة واحدة على مائة وعشرين من العراب «4» .
51- محمد بن عمران التيمي «5» : ما شيء أشد حملا من المروءة.
ثم قال: المروءة أن لا تعمل شيئا في السر تستحي منه في العلانية.(4/367)
52- كان جعفر بن محمد يقول: اللهم ارزقني مواساة من قترت عليه رزقك بما وسعت على من فضلت.
53- قيل لأنوشروان: ما الجود الذي يسع الناس كلهم؛ قال: إرادة الخير لجميعهم، وبسط الوجه لهم.
54- له نفس فيحاء لا تضيق بالبذل، وأذن صماء لا تصيخ إلى العذل «1» .
55- بعض العرب: يا بني، لا تزهدنّ في معروف، فإن الدهر ذو صروف «2» ، كم راغب كان مرغوبا إليه، وطالب كان مطلوبا ما لديه، وكن كما قال أخو بني الديل «3» :
وعد من الرحمن فضلا ونعمة ... عليك إذا ما جاء للخير طالب
ولا تمنعن ذا حاجة جاء راغبا ... فإنك لا تدري متى أنت راغب
56- لا يترك قضاء حقوق الكرام وإن أخذ الإفلاس منه بالكظم «4» .
57- حظ نفسه من نعمته حظ ناره من وجنته.
58- يحيى البرمكي: أعط من الدنيا وهي مقبلة، فإن ذلك لا ينقصك منها شيئا. فكان الحسن بن سهل يتعجب من ذلك ويقول: لله دره! ما أطبعه على الكرم وأعلمه بالدنيا!.
- وقد أمر يحيى من نظمه فقال:(4/368)
لا تبخلنّ بدنيا وهي مقبلة ... فليس ينقصها التبذير والسرف
فإن تولت فأخرى أن تجود بها ... فالشكر منها إذا ما أدبرت خلف
59- أحمد بن إبراهيم العبرتاني «1» :
لا تكثري في الجود لائمتي ... وإذا بخلت فأكثري لومي
كفي فلست بحامل أبدا ... ما عشت هم غد على يومي
60- زهير «2» :
الناس فوجان في معروفه شرع ... فصادر مرتو أو قارب يرد «3»
61- علي رضي الله عنه: كن سمحا ولا تكن مبذرا، وكن مقدرا «4» ولا تكن مقترا.
62- وعنه رضي الله عنه: لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه.
63- قيل للأحنف: ما الإنسانية؟ قال: التواضع عند الرفعة،(4/369)
والعفو عند القدرة. والعطاء بغير منة «1» .
64- لقي سليمان بن المغيرة «2» شعبة «3» ، فشكا إليه الحاجة، وكان راكب حمار، فقال: والله ما أملك من الدنيا إلا هذا الحمار. فنزل عنه ودفعه إليه.
65- الشافعي رحمة الله عليه قال لابنه: والله لو علمت أن الماء البارد يثلم مروءتي ما شربته إلا حارا حتى أفارق الدنيا.
66- جعفر بن محمد: نظرت في المعروف فوجدته لا يتم إلا بثلاث: تعجيله، وستره، وتصغيره «4» . إنك إذا عجلته هنأته، وإذا سترته تممته، وإذا صغرته عظمته.
67- دخل أعرابي على داود بن يزيد «5» وهو بالسند، فقال: أيها الأمير، تأهب لمديحي. فلبس سواده وتقلد سيفه وخرج، فقال: يا أعرابي، لقد أخذت أهبتي، فو الله لئن أحسنت لأحسنن إليك، ولئن أسأت فلأمثّلنّ «6» بك. فقال:
فتى تهرب الأموال من جود كفه ... كما يهرب الشيطان من ليلة القدر
له همم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجل من الدهر(4/370)
وراحته لو أن معشار عشرها ... على البر كان البر أندى من البحر
فقال: أحسنت، فاحتكم «1» إن شئت، أو فوض الحكم إلينا قال: بل احتكم. فاحتكم لكل بيت ألف درهم. فقال داود: لو فوضت الحكم إلينا لكان خيرا لك. فقال الأعرابي: لم يكن عند الأمير ما يسعه حكمه. فقال: أنت في هذا أشعر منك في شعرك. وأمر له مكان كل ألف بأربعة آلاف.
68- كان يقال: لو سقط المعروف ما سقط إلا متكئا.
69-[شاعر] :
ذهاب المال في حمد وأجر ... ذهاب لا يقال له ذهاب
70- أبو داود بن جرير «2» :
الجود أخشن مسا يا بني مطر ... من أن يبزكموه كف مستلب
ما أعلم الناس أن الجود مدفعة ... للذم لكنه يأتي على النشب «3»
71- سئل أعرابي عن المروءة فقال: لا يمر بك أحد إلا ناله رفدك «4» ، ولا تمر بأحد إلا رفعت نفسك عن رفده.
72- في الحديث المرفوع: أفضل الصدقة جهد المقل.
73- قال الرشيد لجعفر بن يحيى في سفر له إلى الرقة «5» : أعدل بنا(4/371)
عن غبار العسكر. فمالا عنه، فأصاب الرشيد جوع شديد، فعدل إلى خيمة أعرابي فاستطعم، فأتاه بكسيرات خبز يابس، فقال جعفر: قد تبذل الأعرابي فيما قدم. فقال الأعرابي: مهلا ويحك! فإن الجود بذل الموجود. أما سمعت قول الشاعر:
وما ذاك من بخل ولا من ضراعة ... يلام على معروفه وهو محسن «1»
ألم تر أن المرء من ضيق عيشه ... ولكن كما يزمر له الدهر يزفن «2»
فقال الرشيد: صدق الأعرابي وأحسن. ثم أمر له بعشرة آلاف درهم.
74- خرج الوليد بن يزيد بن عبد الملك متصيدا، فانفرد مع الحسين ابن عبيد الكلابي «3» ، وجاع فقدم إليه نبطى خبز شعير وكراثا «4» وزيتا رثيثا. فقال الحسين:
إن من يطعم شيئا مع الزيت ... بخبز الشعير والكراث
لحقيق بلطمة أو بثنتين ... لقبح الصنيع أو بثلاث
فقال الوليد: مه، قبحك الله! فإن الجود بذل المجهود، هلا قلت:
لحقيق ببدرة أو بثنتين ... لحسن الصنيع أو بثلاث
وأمر له بثلاث بدر.
75- فيلسوف: آفة الجود الخطأ بالمواضع.(4/372)
76- أنوشروان: اصطناع السفلة خطيئة كبيرة، وندم في العواقب.
77- قرىء على شيخ شامي مآثر غطفان «1» ، فقال: ذهبت المكارم إلا من الكتب.
78- محمد بن عمران التيمي: إنّا والله لا نجمد عند الحق، ولا نذوب عند الباطل.
79- كان عبد العزيز بن مروان: يعطي الناس صنوف العطايا، فقام مصري فقال: أصلح الله الأمير، وجدنا لزهير بيتا في وصف النعمان واعطائه ضربا من العطايا ما ذكر لغيره، وأنشده:
فأين الذي قد كان يعطيهم القرى ... بغلاتهن والحسان الغواليا «2»
فتبسم عبد العزيز، وأمر له بثلاث قريات.
80-[شاعر] :
ومعشر صيد ذوي تجلة ... ترى عليهم للندى أدلة «3»
81- غيره:
فليت عن العلى وربأت فيها ... فلم أر كالصنائع في الكرام «4»
82- كسرى: اجتماغ المال عند الأسخياء أحد الخصبين، واجتماعه عند البخلاء أحد الجدبين.
83- أعرابي: لوقوع فلان في ضحضاح معروفه لغرق «5» .(4/373)
84- بعض السلف: الأيدي ثلاث: يد بيضاء وهي الابتداء بالمعروف، ويد خضراء وهي المكافأة، ويد سوداء وهي المن.
85- كتب كلثوم بن عمرو إلى كريم رقعة في آخرها:
إذا تكرهت أن تعطي القليل ولم ... تقدر على سعة لم يظهر الجود
بثّ النوال ولا يمنعك قلته ... فكل ما سد فقرا فهو محمود
نشاطره ماله، حتى بعث إليه نصف خاتمه وفرد نعليه.
86- باع عبد الله بن عتبة بن مسعود «1» أرضا له بثمانين ألفا، فقيل له: واتخذت لولدك من هذا المال ذخرا، قال: بل أجعله ذخرا «2» لي عند الله، واجعل الله ذخرا لولدي. وقسمه بين ذوي الحاجة.
87- استحمل رجل معن بن زائدة «3» ، فقال: يا غلام، أعطه بعيرا وبرذونا وفرسا وبغلا وجارية، ولو وجدنا مركوبا غير هذا لأعطيناك.
88- يحيى بن خالد: ما سقط غبار موكبي على لحية أحد إلا أوجبت حقه.
89- الحسن: لا يرد الأمراء إلا مراء أو أحمق.
90- أعرابي: إذا أوقدوا شبوا «4» ، وإذا اصطنعوا ربوا.
91- بعض السلف: صاحب المعروف لا يقع، وإن وقع وجد متكئا.(4/374)
92- كان خالد بن عبد الله يدعو بالبدر ويقول: إنما هذه الأموال ودائع لا بد من تفريقها. فقال له أسد بن عبد الله. وقد وفد عليه من خراسان: هدأة أيها الأمير، إن الودائع إنما تجمع ولا تفرق. قال:
ويحك! إنها ودائع للمكارم، وأيدينا وكلاؤها، فإذا أتانا المملق «1» فأغنيناه، والظمآن فأرويناه، فقد أدينا فيها الأمانة.
93- مالك بن دينار: لو كنت شاعرا لرثيت المروءة.
94- المهلب: العجب لمن يشتري المماليك بماله كيف لا يشتري الأحرار بفعاله؟.
95- أبو دلف العجلي:
إن المكارم كلها حسن ... والجود أحسن ذلك الحسن
كم عارف بي لست أعرفه ... ومخبر عني ولم يرني
96- نزل بأبي البختري وهب بن وهب القرشي «2» ضيف، فسارع إلى إنزاله عبيده وخدمه، وخدموه أحسن خدمة، وفعل به هو كل جميل.
فلما هم بالرحيل لم يقربه أحد منهم وتحاموه، فأنكر ذلك، فقالوا: نحن إنما نعين النازل «3» على الإقامة ولا نعينه على الرحيل. فبلغ ذلك أحد القرشيين فقال: لفعل هؤلاء العبيد أحسن من رفد سيدهم.(4/375)
97- الأحنف: ما شاتمت «1» منذ كنت رجلا، ولا زحمت ركبتاي ركبتيه، وإذا لم أصل مجتدي «2» حتى ينتح «3» جبينه عرقا كما ينتح الحميت فو الله ما وصلته.
98- استسرف الحسن والحسين عبد الله بن جعفر في الجود، فقال: بأبي أنتما وأمي، إن الله عودني أن يفضل عليّ، وعودته أن أفضل على عباده، فأخاف أن أقطع العادة فينقطع مني.
99- الأصمعي: اجتمع الناس في جامع البصرة للصلح بين أحياء، فبعثت وأنا غلام إلى عبد الله بن عبد الرحمن القعقاعي «4» ، فوجدته في شلمة «5» يخلط بزرا لعنز، فأخبرته، فأمهل حتى أكلت العنز، ثم غسل الصحفة وأني بتمر وزيت، فدعاني، فقذرته «6» ، فأكل وغسل يده بطين ملقى في الدار، ثم دعا بالماء فشرب ومسح فضله على وجهه. ثم قال:
الحمد لله، ماء الفرات بتمر البصرة بزيت الشام، متى تؤدي شكر هذه النعم؟ ثم أتى المسجد فصلى ركعتين، ومشى إلى القوم، فما بقيت حبوة «7» إلا حلت أعظاما له. ثم جلس فتحمل ما كان بين الأحياء، فلم أر(4/376)
رجلا أحقر أولا وأجمل آخرا منه.
100- وفد حاتم وأوس بن حارثة على عمرو بن هند «1» : فقال لأوس: أأنت أفضل أم حاتم؟ فقال: أبيت اللعن، لو ملكني حاتم وولدي ولحمتي «2» لوهبنا في غداة واحدة. ثم دعا حاتما فقال: أنت أفضل أم أوس؟ فقال: أبيت اللعن، إنما ذكرت بأوس، ولأحد ولده أفضل مني.
101- ويحكى أن النعمان بن المنذر وفدت عليه الوفود وفيهم أوس، فقال: احضروا غدا، فأني ملبس هذه الحلة أكرمكم. فتخلف أوس وقال: إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء أن لا أكون حاضرا، وإن كنت المراد فسأطلب. فلما ير الملك أوسا قال: قولوا له احضر آمنا ما خفت.
فلما لبس الحلة حسد، فقيل للحطيئة «3» : أهجه ولك ثلاثمائة ناقة.
فقال: أأهجو من لا أرى في بيتي أثاثا ولا مالا إلا منه ثم قال:
كيف الهجاء وما تنفك صالحة ... من آل لام بظهر الغيب تأتيني
فقال بشر «4» أنا أهجوه لكم، فأخذ الإبل. فأغار عليها أوس فاكتسحها وطلبه.(4/377)
فجعل لا يستجير «1» بحي من أحياء العرب إلا قالوا: قد أجرناك من الجن والأنس إلا من أوس. وكان قد ذكر أمه في هجائه، وأتي به أسيرا، فاستشارها فقالت: أرى أن ترد عليه ماله وأنا أعطيه مثله، فأنه لا يمحو الهجاء إلا مدحه. ففعل، فقال: لا جرم والله، لا مدحت أحدا غيرك ما عشت. ثم مدحه فقال:
إلى أوس بن حارثة بن لام ... ليقضي حاجتي فيمن قضاها
فما وطأ الحصى مثل ابن سعدي ... ولا لبس النعال ولا احتذاها
102- وفدت ليلى الأخيلية «2» على الحجاج فقالت فيه:
إذا ورد الحجاج أرضا مريضة ... تتبع أقصى دائها فشفاها
شقاها من الداء العقام الذي بها ... غلام إذا هز القناة سقاها
فقال: لا تقولي غلام، قولي همام. يا غلام أعطها خمس مائة.
فقالت: أيها الأمير اجعلها أدما «3» . فقيل: إنما أمر لك بشاء. فقالت:
الأمير أكرم من ذاك. فجعلها إبلا إناثا.(4/378)
103- إذا رغبت في المكارم فاجتنب المحارم.
104-[شاعر] :
وسمت امرء بالعرف ثم اصطنعته ... ومن أكمل المعروف رب الصنائع «1»
105- أبو الفياض الطبري «2» :
والعز ضيف لا يراه بربعه ... من لا يرى بذل التلاد تلادا «3»
والجود أعلى كعب كعب قبلنا ... فمضي جوادا يوم مات جودا «4»
106- آخر:
لا تضع المعروف في ساقط ... لذاك صنع ساقط ضالع
وضعه في حر كريم يكن ... عرفك مسكا عرفه ضائع «5»
107- بعضهم: كنا عند سعيد بن أبي عروبة»
في بيته، وفيه(4/379)
حصير، وقفة فيها خبز، وجرة، إذ دخل رجل فمر إلى القفة فأكل، ثم شرب من الجرة، ثم خرج. فجعلنا نلتفت إليه. فقال سعيد: أي شيء تنظرون؟ فو الله ما أدري من هو، ولكن كذلك أدركنا.
108- الجود والشجاعة ينبعان من عين واحدة وهي قوة النفس وبعد الهمة. وكانوا يقولون: لا يكون الشجاع إلا جوادا. حتى نقض ذلك عبد الله بن الزبير، فإنه كان شجاعا وكان يبخل. قال أبو تمام.
أيقنت أن من السماح شجاعة ... وعلمت أن من الشجاعة جودا
109- علي رضي الله عنه: السخاء ما كان ابتداء، فأما ما كان عن مسألة فحياء وتذمم.
110- أبو الرميح حبيب بن شوذب الأسدي «1» :
فك السري عن الندى أغلاله ... فجرى وكان مكبلا مغلولا «2»
وتعاقدا العقد الوثيق وأشهدا ... من كل قوم مسلمين عدولا
ووفي الندى لك بالذي عاقدته ... ووفي السري فما يريد بديلا(4/380)
- وله في الحكم بن المطلب المخزومي:
أنت أنف الجود إن فارقته ... عطس الجود بأنف مصطلم «1»
أنت أنف الجود تنمى صاعدا ... للمعالي وابن عرنين الكرم
111- بكر بن صرذ «2» :
لجواد من بني مطر ... أتلفت كفاه ما صنعا
كلما عدنا لنائله ... افتررنا جوده جذعا «3»
112- بشر بن مسعود البكري «4» :
بحر إذا حلت الوراد ساحته ... لم تثنهم علل منه عن العلل «5»
113- وأحسن منه قول أبي تمام في مديح كعب:
هو البحر من أي النواحي أتيته ... فلجته «6» المعروف والجود ساحله(4/381)
كريم إذا ما جئت للعرف سائلا ... حباك بما تحوي عليه أنامله
ولو لم يكن في كفه غير نفسه ... لجاد بها فليتق الله سائله «1»
114- محمد البجلي «2» :
وله مواهب كلما نسبت ... فينا إليه زانها النسب
ومن المواهب ما يكدره ... ويشينه قدر الذي يهب
115- أبو الخطاب الهذلي «3» :
الجود طبع وما يستطيعه أحد ... إلا امرؤ أبواه الدين والكرم
116- معن بن زائدة:
دعيني أنهب الأموال حتى ... أعف الأكرمين عن اللئام
117- القضم البكائي «4» :
وتندى البطاح البيض من جود خالد ... ويخصبن حتى نبتهن عميم «5»(4/382)
أتى قيس بن جفاف البرجمي «1» حاتما يسأله في حمالة وقال:
حملت دماء للبواجم جمة ... فجئتك لما أسلمتني البراجم
وقالوا سفاها لم حملت دماءنا ... فقلت لهم يحمي الحمالة حاتم
متى آته فيها يقل لي مرحبا ... وأهلا وسهلا أخطأتك الأشائم «2»
فيحملها عني وإن شئت زادني ... زيادة من حيزت إليه المكارم «3»
يعيش الندى ما عاش حاتم طيء ... وإن مات قامت للسخاء مآتم
118- بعضهم:
وأني امرؤ لا تستقر دراهمي ... على الكف إلا عابرات سبيل
119- ابن الرومي:
العرف غيث وهو منك مؤمل ... والبشر برق وهو منك مشيم
ألقحت أمّ الجود بعد حيالها ... ونتجت بنت المجد وهي عقيم «4»
120- حمل نصر بن أحمد «5» إبريق ذهب رفيع ونقش عليه بيتين(4/383)
للمرادي «1» :
طالب الدنيا جميعا ... طالب ما ليس يوجد
إنما الدنيا عروس ... زوجها نصر بن أحمد
فأبصره نصر فقال: لمن البيتان؟ قالوا: لفلان. فأمر بحمل الإبريق إليه وقال: هو أولى به مني.
121- سأل يزيد بن معاوية الأحنف عن المروءة، فقال: التقى والاحتمال، ثم أطرق هنيئة فقال:
وإذا جميل الوجه لم ... يأت الجميل فما جميل
ما خير أخلاق الفتى ... إلا تقاه واحتماله
فقال يزيد: أحسنت يا أبا بحر، وافق البم زيرا «2» . فقال الأحنف:
هلا قلت وافق المعنى تفسيرا.
122- أبو النيار الراجز «3» :
إذا نزل الفضل بن يحيى ببلدة ... رأيت بها عشب السماحة ينبت
وليس بسعال إذا سيل حاجة ... ولا بمكب في ثرى الأرض ينكت «4»(4/384)
123- قال خالد بن يزيد بن معاوية وكان جوادا: من جاد بماله فقد جاد بنفسه، لأنه جاد بما لا قوام لنفسه إلا به.
124- أضاق بشير بن عبد الله المدني «1» فخرج إلى العباس بن الوليد ابن عبد الملك «2» وهو بحمص فأعطاه مالا كثيرا وأغناه. ثم كتب إليه صديقه عمران بن أبي فروة «3» يجزع من فراقه، ويلوم نفسه على ترك مواساته إياه بماله، فأهدى العباس لعمران ثيابا ومالا، وقال لبشير: إن لعمران علينا ذماما «4» بعودتك، ولائمته نفسه في البخل عنك.
125- دخل طلحة بن عبد الله بن عوف سوق الظهر يوما، فوافق فيه الفرزدق فقال: يا أبا فراس: اختر عشرا من الإبل، ففعل. فقال: ضم إليها مثلها، ففعل. فلم يزل يقول ذلك حتى بلغت مائة، فقال: هي لك، فقال:
يا طلح أنت أخو الندى وعقيده ... إن الندى إن مات طلحة ماتا
إن الندى ألقى إليك رحاله ... فبحيث بت من المنازل باتا
126- وقدم الفرزدق المدينة، فتلقاه من نعى إليه طلحة، فقال:
بفيك التراب والحجر.(4/385)
ودخل من رأس لشنية يولول ويقول: يا أهل المدينة، أنتم أذل قوم في الأرض. قالوا: وما ذاك؟ قال: غلبكم الموت على طلحة.
وروي: كيف تركتم طلحة يموت.
127- قالت امرأة طلحة له: ما رأيت الأم من أخوانك! أراهم إذا أيسرت لزموك. وإذا أعسرت تركوك. قال: هذا والله من كرمهم. يأتون في حال القوة، ويتركون في حال الضعف بنا عنهم.
128- وخرج طلحة ومع غلامه سبعة آلاف درهم، فقال له أعرابي:
أعن على الدهر. فقال لغلامه: أنثرها في حجر الأعرابي. فذهب يقلها فعجز عنها وبكى. فقال: لعلك استقلتها. قال: لا والله، ولكن تفكرت فيما تأكل الأرض من كرمك فبكيت.
129- قدم زياد الأعجم على عبد الله بن الحشرج «1» بنيسابور، فأنزله وألطفه، وبعث إليه بألف دينار فقال:
إن السماحة والمروءة والندى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج
فقال: زدني، فقال: كل شيء وثمنه.
130- قدم أمية على عبد الله بن جدعان «2» ، فقال له: أمر ما أتى بك. قال: نعم، غرماء «3» كلاب قد نبحتني ونهشتني. قال: قدمت عليّ وأنا عليل من حقوق قد لزمت لا تدفع، فأنظرني حتى نجم «4» مالي، وقد(4/386)
ضمنت دينك، فأنظره أياما، ثم أتاه فقال:
أتترك حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء «1»
وعلمك بالأمور وأنت قرم ... لك الحسب المهذب والسّناء
كريم لا يغيره صباح ... عن الخلق الكريم ولا مساء
يباري الريح مكرمة وجودا ... إذا ما الكلب أحجره الشتاء «2»
فيوم منك خير من أناس ... تروح عليهم إبل وشاء «3»
إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرضه الثناء
وأرضك أرض مكرمة بنتها ... بنو تيم وأنت لها سماء
فقضى دينه. وكانت عنده قينتان، فقال: اختر أحديهما. فأخذها ومر بمجلس قريش فلاموه، وقالوا: أخذتها وهي أنسه، فلو رددتها كان أوفر لحظك عنده. فتذمم «4» وردها. فقال: لعل قريشا لاموك؟ قال:
والله يا أبا زهير ما أخطأت، وأنشده:
عطاؤك زين لامرىء إن حبوته ... ببذل وما كل العطاء يزين
وليس بشين لامرىء بذل وجهه ... إليك كما بعض السؤال يشين
فقال: خذ بأيديهما. فخرج وهو يقول:
ومالي لا أحييه وعندي ... مواهب يطّلعن من النجاد
لأبيض من بني تيم بن كعب ... وهم كالمشرفيات الحداد
له داع بمكة مشمعل ... وآخر فوق ذورته ينادي «5»(4/387)
إلى ردح من الشيزي ملاء ... لباب البر يلبك بالشهاد «1»
لكل قبيلة هاد ورأس ... وأنت الرأس يقدم كل هادي
131- احتضر الحكم بن المطلب، وكان من الأسخياء، فأصابته غشية. فقيل: اللهم هون عليه فإنه كان وكان. فأفاق فقال: إن ملك الموت يقول: إني بكل سخي رفيق.
132- وفد أبو عطاء السندي «2» على نصر بن سيار بخراسان مع رفيقين له. فأنزله وأحسن إليه، وقال: ما عندك يا أبا عطاء؟ قال: وما عسى أن أقول وأنت أشعر العرب؟ غير أني قلت بيتين، قال: هاتهما فقال:
يا طالب الجود إما كنت تطلبه ... فاطلب على نأيه نصر بن سيار
الواهب الخيل تعدو في أعنتها ... مع القيان وفيها ألف دينار
فأعطاه ألف دينار ووصائف ووصفاء، وحمله وكساه. فقسم ذلك بين رفيقيه لم يأخذ منه شيئا. فبلغه ما فعل فقال: ماله قاتله الله من سندي!؟
ثم أمر له بمثله.
133- كان المتوكل إذا ركب حملت معه الدراهم والدنانير مخلوطة، فلا يدنو منه أحد إلا قال: يا غلام اضرب يدك أحث «3» له. وكان يسقي بعرفات الأسوقة والجلاب «4» وأنواع الشراب.(4/388)
134- كان لعثمان على طلحة «1» رضي الله عنهما خمسون ألفا.
فخرج عثمان إلى المسجد فقال له طلحة: قد تهيأ مالك فاقبضه. فقال:
هو لك يا أبا محمد معونة لك على مروءتك.
135- خرج الحسنان، وعبد الله بن جعفر، وأبو حبة الأنصاري «2» من مكة إلى المدينة، فأصابتهم السماء «3» ، فلجأوا إلى خباء أعرابي، فأقاموا عنده ثلاثا حتى سكت السماء، وذبح لهم، فلما ارتحلوا قال له عبد الله بن جعفر: إن قدمت المدينة فسل عنا.
فاحتاج الأعرابي بعد سنين، فقالت له امرأته: لو أتيت المدينة فلقيت أولئك الفتيان، فقال: قد أنسيت أسماءهم، قالت: سل عن ابن الطيار. وفاه. فقال: الحق سيدنا الحسن، فلقيه فأمر له بمائة ناقة بفحولتها ورعاتها، ثم أتى الحسين فقال: كفانا أبو محمد مؤونة الإبل.
فأمر له بمائة شاة. ثم أتى عبد الله فقال: كفاني أخواي الإبل والشاء فأمر له بمائة ألف درهم. ثم أتى أبا حية فقال: والله ما عندي مثل ما أعطوك، ولكن جئني بإبلك، فأوقرها «4» له تمرا. فلم يزل اليسار في أعقاب الأعرابي.
136- أراد ابن عامر أن يكتب لرجل خمسين ألفا، فجرى القلم بخمس مائة ألف. فراجعه الخازن، فقال: أنفذه فوالله لانفاذه أحسن، وإن جرح المال أحسن من الاعتذار. فاستسرفه، فقال: إذا أراد الله بعبد خيرا حرف القلم عن مجرى إرادة كاتبه إلى إرادته، وأنا أردت شيئا وأراد(4/389)
الجواد الكريم أن يعطي لعبده عشرة أضعافه، فكانت إرادة الله الغالبة، وأمره النافذ.
137- وقف أعرابي على ابن عامر فقال: يا قمر البصرة وشمس الحجاز ويا ابن ذروة العرب، وترب بطحاء مكة، نزعت بي الحاجة، وأكدت بي الآمال إلا بفنائك، فامنحني بقدر الطاقة والوسع، لا بقدر المحتد والشرف والهمة. فأمر له بعشرة آلاف. فقال: ماذا؟ تمرة أو رطبة أو بسرة؟ قيل: بل دراهم. فصعق. ثم قال: رب إن ابن عامر يجاودك «1» ، فهب له ذنبه في مجاودتك.
138- وتعشى الناس عند سعيد بن العاص، فلما خرجوا بقي فتى من الشام قاعدا. فقال له سعيد: ألك حاجة؟ وأطفأ الشمعة كراهة أن يحصر الفتى عن حاجة، فذكر أن أباه مات وترك دينا وعيالا، وسأله أن يكتب له إلى أهل دمشق ليقوموا بإصلاح بعض شأنه. فأعطاه عشرة آلاف دينار، وقال: لا تقاس الذل على أبوابهم، قال بعض القرشيين. لإطفاؤه الشمعة أكثر من عشرة آلاف.
139- قال المأمون لمحمد بن عباد: بلغني أن بك سرفا «2» . قال:
يا أمير المؤمنين، منع الموجود سوء ظن «3» بالمعبود. فأمر له بمائة ألف، وقال: أما مادتك، والله مادتي، فأنفق ولا تبخل.
سمع المأمون قول عمارة بن عقيل:(4/390)
أأترك أن قلّت دراهم خالد ... زيارته إني إذا للئيم
فقال: أو قلت دراهم خالد «1» ؟ احملوا إليه مائتي ألف درهم، فعشرها خالد لعمارة. وقال: هذا مطر من سحابة.(4/391)
الباب الثالث والسبعون اللؤم، والشح «1» ، وذكر اللئام، والشحاح وما جاء في ذمهم والنداء على سوء طريقتهم
1- عبد الله بن عمر رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إياكم والشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم «2» .
2- أبو هريرة رضي الله عنه: قتل رجل على عهد رسول الله، فبكت باكية فقالت: واشهيدها! فقال عليه السّلام: وما يدريك؟ لعله كان يتكلم بما لا يعنيه. ويبخل بما لا يملك «3» .
3- ومر علي رضي الله عنه على مزبلة فقال: هذا ما بخل به الباخلون «4» .
- وعنه: البخل جامع لمساوىء العيوب، وهو زمام يقاد به إلى كل سوء.(4/393)
4- أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز «1» : أنت للبخل، لو كان قميصا ما لبسته. أو كان طريقا ما سلكته.
5- عبد الملك: يا بني مروان، لا تبلخوا إذا سئلتم، ولا تلحفوا «2» إذا سألتم، فإنه من ضيّق الله عليه.
6- كان عمرو بن حفص بن سالم «3» لا يسأله أحد من أهله حاجة إلا قال لا.
فقال له عمرو بن عبيد «4» : أقلل من قول لا، فإنه ليس في الجنة لا.
7- كان خالد بن صفوان «5» إذا حصل في يده درهم قال: يا عياركم(4/394)
تعير «1» ؟ وكم تطوف وتطير؟ لأطيلن ضجعتك. ثم يطرحه في الصندوق ويقفل عليه.
8- أبو عون الأنباري «2» :
لحاتم في بخله فطنة ... أدق حسا من خطا النمل
فحاتم الجود أخو طيء ... وكان هذا حاتم البخل
9- علي بن هشام بن فرخسرو:
هبيني جمعت المال ثم خزنته ... فحانت وفاتي لا أزاد به عمرا «3»
إذا اختزن المال البخيل فإنه ... سيورثه خصما ويحتقب الوزرا «4»
10- كان أحيحة بن الجلاح «5» يبخل، فإذا هبت الصبا أطلع من أطمه «6» فنفر إلى ناحية هبوبها ثم يصيح: هبي هبوبك، فقد أعددت لك ثلاثمائة وستين صاعا من عجوة «7» ، أدفع إلى الوليد منها خمس تمرات،(4/395)
فيرد عليّ ثلاثا، وبعد جهد ما يلوك «1» منها ثنتين.
11- استأذن جحظة «2» على صديق له مبخل، فقيل: هو محموم، فقال: كلوا بين يديه حتى يعرق.
12- قيل لأبي عمرو الأعرج «3» ، وقد خرج إلى مكة مع نوفل بن عمارة المخزومي «4» ، كيف صحبته؟ قال: امرأتي طالق إن لم يكن ظن بظني أنه قد ضربت عنقي، لأنه كان يمكث ثلاثة أيام لا يدخله شيء.
13- سأل المأمون اليزيدي «5» عن ابنه العباس «6» فقال: رأيته وقد ناوله الغلام اشنانا ليغسل يده، فاستكثره فرد بعضه في الأشناندانة «7» ولم يلقه في الطست، فعلمت أنه بخيل لا يصلح للملك.(4/396)
14- عمل سهل بن هارون «1» كتابا في مدح البخل أهداه إلى الحسن ابن سهل، فوقع على ظهره: قد جعلنا ثوابك عليه ما أمرت به فيه.
15- ابن أبي فنن «2» :
ذريني واتلافي التلاد فإنني ... أحب من الأخلاق ما هو أجمل
فأحمد ناريّ التي جرتّ القرى ... وأحمد زاديّ القريب المعجل
وإن أحقّ الناس باللوم شاعر ... يلوم على البخل الرجال ويبخل
16- لما مات الأصمعي اشتروا من ماله جزورا فنحروها عنه فقال العتبي: والله لو عاش لما أراد الحياة بما نقصوه من ماله، ولو بذلت له الجنة بدرهم ما رضي أو تستنقص شيئا.
17- قيل لجعفر بن محمد: إن أبا جعفر المنصور لا يلبس منذ استخلف إلا الخشن، ولا يأكل إلا الجشب «3» . قال: لم يا ويحه «4» ، مع ما مكن الله من السلطان وجبي إليه من الأموال؟ فقيل: بخلا وجمعا للمال. فقال: الحمد لله الذي حرمه من دنياه ما ترك له دينه.
18- قال أعرابي لنازل به: نزلت بواد غير ممطور، برجل بك غير مسرور، فأقم بعدم، أو ارحل بندم.
19- سمع شامي خفق نعل داخل عليه، وبين يديه فراريج مشوية،(4/397)
فغطاها بذيله، وأدخل رأسه في جربّانه «1» ، وقال: انتظرني على الباب حتى أفرغ من بخوري.
20- قيل لجمين «2» : أتغديت عند فلان؟ قال: لا، ولكن مررت ببابه وهو يتغدى، قيل: كيف علمت؟ قال: مررت بغلمانه وبأيديهم قسي (3) البنادق يرمون الطير في الهواء.
21- لما قال أبو العتاهية:
سافر بطرفك حيث شئت فلا ترى إلا بخيلا قيل له: بخلت الناس كلهم. قال: كذبوني بواحد.
22- الحمدوني «3» :
رأيت أبا زرارة قال يوما ... لحاجبه وفي يده الحسام
حلال الله من أهل ومال ... عليه وهو ما يحوي حرام
لئن حضر الخوان «4» ولاح شخص ... لاختطفن رأسك والسّلام
فقال سوى أبيك فذاك شيخ ... بغيض ليس يردعه الكلام
فقال وقام من حنق إليه ... بقد لم يزد فيه القيام «5»(4/398)
أبي وأبو أبي والكلب عندي ... بمنزلة إذا حضر الطعام
وقال له أبن لي يا ابن كلب ... على خبزي أصادر أو أخام
إذا حضر الطعام فلا حقوق ... عليّ لوالديّ ولا ذمام
فما في الأرض أقبح من خوان ... عليه الخبز يحضره الزحام
23- قيل لبخيل: من أشجع الناس؟ قال: من يسمع وقع أضراس الناس على طعامه فلا تنشق مرارته.
24- أعرابي: فصح الألسنة يرد السائل جذم الأكف عن النائل.
25- كتب أنوشروان «1» إلى ابنه هرمز «2» : لا تعد الشحيح أمينا، ولا الكذاب حرا، فإنه لا عفة مع الشح، ولا مروءة مع الكذب.
26- كان متكوبا على خوان كسرى: اتق الشح، فإنه أدنس شعار، وأوحش دثار «3» .
27- أمر عبد الله بن الزبير لأبي جهم العدوي بألف درهم، فدعا له وشكر. فقال له: بلغني أن معاوية أمر لك بمائة ألف فتسخّفتها وشكوته، وقد شكرتني. فقال أبو الجهم، بأبي أنت! اسأل الله أن يديم لنا بقاءك، فإني أخاف أن فقدناك أن يمسخ الناس قردة وخنازير. كان ذاك من معاوية قليلا، وهذا منك كثير. فأطرق عبد الله ولم ينطق.
28-[شاعر] :(4/399)
كفاك لم يخلقا للندى ... ولا كان بخلهما بدعة
فكف عن الخير مقبوضة ... كما نقصت مائة سبعة «1»
وكف ثلاثة آلافها ... وتسع مئيها لها شرعة
29- دخل هشام بن عبد الملك بستانا له، فأكل أصحابه من ثمارها، وقالوا: بارك الله لك فيها. فقال: كيف يبارك فيها وأنتم تأكلونها.
30- كان يقال: الجواد يأكل ماله، والبخيل يأكله ماله.
31- ثواب الجود خلف، وثواب البخل تلف.
32- ما هو إلا سمرة «2» ، لا ظل ولا ثمرة.
33- لو سئل نفاثة «3» سواك ما أعطى.
فلان لا ينطق أبدا بنعم فوه، ولا ينطلق بنعم على من يعفوه «4» . لو بدل الله قمله غنما، ما طمع الجار منه في صوفه.
34- قيل لجمين «5» : أما يكسوك محمد بن يحيى؟ قال: لو كان له بيت مملوء إبرا، وجاءه يعقوب ومعه الأنبياء شفعاء، والملائكة ضمناء، يستعير منه إبرة، ليخيط بها قميص يوسف الذي قدّ من دبر، ما أعاره إياها. فنظمه من قال:
لو أن دارك أنبتت لك واحتشت ... إبرا يضيق بها فناء المنزل(4/400)
وأتاك يوسف يستعيرك إبرة ... ليخيط قدّ قميصه لم تفعل
35- العيوب كلها مجموعة في مسك بخيل، مصبوبة على هامة الشحيح.
36- شر ما في الكريم أن يمنعك جداه «1» ، وخير ما في اللئيم أن يكف عنك أذاه.
37- نزل ابن أحمر الشاعر «2» على عمارة بن مسروق «3» ، فقيل له:
على من نزلت؟ قال على أبي الخصيب والخبز من عندي. قيل: وكيف؟
قال: لأن خبزه مكتوب عليه: لا حافظ إلا الله، وهو في ثني الوسادة، وهو متكىء عليه.
38- بدر الموصلي «4» :
لذبح عمران على ردة ... وحمله حولا على روق «5»
أيسر من إنفاقه درهما ... على أبيه وهو في السوق
39- الحجاج بن علاط البهزي «6» :(4/401)
بخيل يرى في الجود عارا وإنما ... يرى المرء عارا أن يضن ويبخلا «1»
إذا المرء أثرى ثم لم يرج نفعه ... صديق فلاقته المنية أولا
40- المنذر بن صخر الأسدي «2» :
إذا المجلس العبدي يوما تقابلوا ... رأى كلهم وجها لئيما يقابله
وإن سيل أي الناس الأم والدا ... أشار إلى العبدي من أنت سائله
41- مالك بن سوار الطائي «3» :
ثوى اللؤم في العجلان يوما وليلة ... وفي دار مروان ثوى آخر الدهر
ولما أتى مروان ألقى رحاله ... وقال رضينا بالمقام إلى المحشر
42- دعبل: كنا عند سهل بن هارون فلم نبرح حتى كاد يموت من الجوع. فقال: ويحك يا غلام غدنا «4» . فأتى بقصعة فيها ديك مطبوخ، فسمى ثم قال: أين الرأس؟ قال: رميت به. فقال: والله أني لامقت من يرمي برجليه فكيف برأسه، ولو لم أكره مما صنعت إلّا الطيرة والفأل لكرهته، الرأس رئيس الأعضاء، ومنه يصدح الديك. ولولا صوته ما أريد، وفيه فرقه الذي يتبرك فيه. وعينه التي يضرب بها المثل فيقال:(4/402)
شراب كعين الديك، ودماغه عجيب لوجع الكلية، ولم تر عظما أهش «1» تحت الأسنان من عظم رأسه. وهلا إذ ظننت أنني لا آكله ظننت أن العيال يأكلونه، وإن كان قد بلغ من نبلك أنك لا تأكله فإن عندنا من يأكله. أما علمت أنه خير من طرف الجناح ومن رأس العنق. أنظر لي أين هو؟ قال:
والله ما أدري أين رميت به. قال: لكني والله أدري، رميت به في بطنك فالله حسيبك.
43- أنشد الجاحظ لأبي الشمقمق:
ممن تعلمت هذا ... أن لا تجود بشيء
أما مررت بعبد ... لعبد حاتم طيء
44- سأل أعرابي قوما، فرق له أحدهم فضمه إليه، وأجرى عليه أياما ثم قطع. فقال:
نسرى فلما حاسب المرء نفسه ... رأى أنه لا يستقيم له السرو «2»
45- بعضهم:
إن هذا الفتى يصون رغيفا ... ما إليه لناظر من سبيل
هو في رقعتين من أدم الطائف ... في سلتين في منديل
في جراب في مخدع جوف صندوق ... له عند خازن مغلول
وعلى السلتين قفلان مفتا ... حاهما في جوار ميكائيل
ختمت كل سلة برصاص ... وسيور تقد من جلد فيل «3»
46- الصاحب: جئت في اللؤم بنادر، لم تهتد إليه فطنة مادر «4» .(4/403)
47- الحسن: ما لقيت أمة من الشح ما لقيت هذه الأمة، حتى أن أحدهم ليكسر عظام أخيه عظما عظما، هات درهما، هات درهما. فهذا عاض عليه، وهذا ملح عليه.
48- إذا سألت لئيما فغافصه «1» ، ولا تدعه يفكر، فأنه كلما تفكر ازداد بعدا.
49- ربعي الهمداني «2» :
جمعت صنوف المال من كل وجهة ... وما نلتها إلا بكف كريم
وإني أرجيّ أن أموت وتنقضي ... حياتي وما عندي يد للئيم «3»
50- أحمد بن عبد الصمد الرقاشي «4» :
أقاموا الديدبان على بفاع ... وقالوا لا تنم للديدبان «5»
فإن أبصرت شخصا من بعيد ... فصفق بالبنان على البنان
تراهم خشية الأضياف خرسا ... يقيمون الصلاة بلا آذان
51- قال تميم بن مر «6» لولده: يا بني امنعوا، فلئن تكونوا مباخلين مسؤولين خير من أن تكونوا أجاويد سائلين.
- من الناس من يبخل بالطعام وهو جواد بغيره وبالعكس، قال:(4/404)
أبو دلف يضيّع ألف ألف ... ويضرب بالحسام على الرغيف
أبو دلف لمطبخه قتار ... ولكن دونه سل السيوف
52- وكان الأمين على فرط سخائه بخيلا بالطعام جدا.
53- معن بن زائدة في أخيه مزيد «1» :
لا تسألن أبا داود خلعته ... عدل على مزيد في الخبز واللبن(4/405)
الباب الرابع والسبعون الألوان، والنقوش، والوشم «1» ، والتصاوير، وذكر الخضاب وما أشبه ذلك
1- النبي صلّى الله عليه وسلّم: البياض نصف الحسن. وكان رسول الله أبيض أزهر «2» . والخلص من ولد إسماعيل بيض.
2- قال حسان:
بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شم الأنوف من الطراز الأول
3- وعنه عليه السّلام: إن الله خلق الجنة بيضاء وإن أحب الثياب إلى الله البيض، فليلبسها أحياؤكم، وكفنوا فيها موتاكم.
- وعنه: ابرقوا فان دم عفراء أزكى عند الله من دم سوداوين «3» .(4/407)
وعنه: جاءته امرأة، فقالت: يا رسول الله، اتخذت غنما رجوت نسلها ورسلها، وإني لا أراها تنمى. فقال: ما ألوانها؟ قالت:
سود. قال عفري «1» .
4- عن ابن عمر: أنه بعث رجلا يشتري له أضحية، فقال: اشتره كبشا أملح «2» .
5- وروى أن الكبش الذي فدي به إسماعيل كان أبيض أعين أقرن «3» ، وكنا نتحرى تلك الصفة في أضاحينا.
6- قالوا: الصفرة أشكل «4» ، والحمرة أجمل، والخضرة أنبل السواد أهول، والبياض أفضل.
7- بعض أولاد الرشيد: لو لم يكن من عيب الأسود، إلا أنه لا يرى أثر الضرب في بدنه، وإن أوجعه كما يراه الأبيض فيروعه فلا يعاود الذنب، وأنه لا يتبين في وجهه ما يتبين في وجه الأبيض من حمرة الخجل وصفرة الوجل لكفى به.
8- هشام بن عمار «5» : حلق الأسود كلونه.(4/408)
9- رأى عبادة سوداء عليها وقاية حمراء فقال: كأنها فحمة في رأسها نار.
10- نظر الجماز إلى سوداء عليها معصفرات فقال: كأنها بعرة عليها رعاف.
11- الحيقطان»
:
لئن كنت جعد الرأس واللون فاحم ... فإني لسبط الكف والعرض أزهر
وإنّ سواد اللون ليس بضائري ... إذا كنت يوم الروع بالسيف أخطر
12- قال نصيب لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، كبرت سني، ورق عظمي وبليت ببنيات نفضت عليهن من لوني فكسدن «2» . فرق له ووصله.
13- دخل إبراهيم بن المهدي على المأمون، فقال: إنك يا عم الخليفة الأسود. فتمثل ببيتي نصيب:
أشعار عبد بني الحسحاس قمن له ... يوم الفخار مقام الأصل والورق «3»
إن كنت عبدا فنفسي حرة كرما ... أو أسود اللون إني أبيض الخلق(4/409)
فقال: يا عم، أخرجك الهزل إلى الجد. ثم أنشد:
ليس يزري السواد بالرجل الشهم ... ولا بالفتى الأريب الأديب «1»
إن يكن للسواد منك نصيب ... فبياض الأخلاق منك نصيبي
14- ذكر السودان عند المنصور، وقيل إن لهن خطوة «2» . فقال: ما قربت سوداء مخافة أن الحق برسول الله السواد.
15- كاتب: وصل كتابك فأستلمته استلام الحجر الأسود. وتمتعت منه بالعيش الأخضر. وجمعت يدي منه على الكبريت الأحمر، والبازي الأشهب، وملك بني الأصفر.
16- مدح ابن أبي فنن «3» المعتز بقصيدته التي أولها:
أجد بكاء حين جد التفرق ... وأرّقه طيف الخيال المؤرق «4»
فقال المعتز: هذا الشاعر الأدلم «5» ، فقال ابن أبي فنن: لا يضره سواده مع بيض أياديك.
17- اللجام «6» :(4/410)
ويبرز للرائين وجها كأنه ... كساه إهابا من قشور الخنافس
18- كشاجم «1» في كتب سود الجلود:
كسيت من أديمها الحلك الجون ... غشاء أحسن به من غشاء
مشبها صبغة الشباب ولمّات ... العذارى ولبسة الخطباء «2»
19- وجه الناصبي «3» يوصف بالسواد والظلمة، ويشبه به كل حالك.
20- قال أبو بكر الخوارزمي:
رب ليل كطلعة الناصبي ... ذي نجوم كحجة الشيعي
21- كان إبراهيم بن المهدي أسود، وأبوه المهدي وأمه شكلة أبيضين. وكان أسامة شديد السواد مثل القار، وزيد «4» أبيض مثل القطن، وقد مر بهما مجزز المدلجي «5» . وهما في قطيفة «6» وقد غطيا وجهيهما وبدت أقدامهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض.(4/411)
22- قالوا: كل شيء من الحيوان أسود جلده أو صوفه أو شعره أو وبره كان أقوى لبدنه.
23- أهدي إلى مروان غلام أسود، فأمر عبد الحميد أن يكتب فيه ويذمه ويوجز، فكتب: لو وجدت لونا شرا من السواد، وعددا أقل من الواحد لأهديته، والسّلام.
24- تزوج أعشى سليم «1» دنانير الزنجية «2» ، فرآها يوما تخضب يدها وتكتحل فقال:
تخضب كفا قطعت من زندها ... فتخضب الحناء من مسودها
وكأنها والكحل في مرودها ... تكحل عينيها ببعض جلدها
فقالت:
وأقبح من لوني سواد عجانه ... على بشر كالقلب أو هو أنصع «3»
فسمي أسود العجان، وصاح به الصبيان فطلقها.
25- قال أبو يوسف القاضي لابن نهيك «4» : ما تقول في السواد؟(4/412)
قال: النور في السواد. أراد أن نور العين في سوادها.
26- نظر ابن أبي عتيق «1» إلى سوداء فقال: لو اقتسمتها الغواني خيلانا «2» لحظين بها.
27- ابن الخطاب النصراني «3» :
قالوا تعشقتها سوداء قلت لهم ... لون الغوالي ولون المسك والعود
إني امرؤ ليس شأن البيض مرتفعا ... عندي ولو خلت الدنيا من السود
28- قيل لمدني: كيف رغبتكم في السواد؟ قال: لو وجدنا بيضاء لسودناها. وكان أبو حازم المدني الأعرج ينشد:
من يك معجبا ببنات كسرى ... فإني معجب ببنات حام
29- قيل للأصمعي أي الناس أخف أرواحا؟ قال: الذين أعرقت فيهم السودان.
3- تفاخرت حبشية ورومية، فقالت الحبشية: بندقة مسك وغرارة فمح. فقالت الرومية: حبة كافور وعدل فحم.
31- وفد على عبد الملك عرار بن عمرو بن شاس «4» بكتاب الحجاج(4/413)
ورأس ابن الأشعث، فرأى رجلا عالي الجسم أدلم، فيسأله فيروقه كلامه، وينظر إليه فتقتحمه «1» عينه وتعلو عن سواده، فتمثل بقول عمرو «2» :
وإن عرارا أن يكن غير واضح ... فإني أحب الجون ذا المنكب العمم «3»
فضحك، فقال له: ما أضحكك؟ قال: أنا والله عرار يا أمير المؤمنين من بين أعرى وقل. فأعجب بذلك واستعجب، وأقعده معه وقدمه وكان سميره حتى رجع.
32-[شاعر] :
أحب لحبها السودان حتى ... أحب لحبها سود الكلاب
33- بعضهم:
أشبهك المسك وأشبهته ... قائمة في لونه قاعده
لا شك إذ لونكما واحد ... أنكما من طينة واحدة
34- آخر:(4/414)
كأنما قد قمص من ليط جعل ... كأنما وجهك ظل من حجر «1»
35- السواد معصفر الرجال.
36- المتنبي:
إنما الجلد ملبس وابيضاض النفس ... خير من ابيياض القباء «2»
37- النبي صلّى الله عليه وسلّم: الحمرة من زينة الشيطان، والشيطان يحب الحمرة.
38- عبد الله بن عمر: هبطنا مع رسول الله من ثنية، فالتفت وعليّ ريطة «3» مضرجة بالعصفر، فقال: ما هذه الريطة عليك؟ ويروى: لو أن ثوبك هذا كان في تنور أهلك أو تحت قدر أهلك كان خيرا لك. فأتيت أهلي وهم يسجرون «4» تنورا لهم فقذفتها فيه. ثم أتيته من الغد فقال: يا عبد الله، ما فعلت الريطة؟ فأخبرته، فقال: أفلا كسوتها أهلك؟ فإنه لا بأس بها للنساء.
39- رافع بن خديج «5» : خرجنا مع رسول الله في سفر، فرأى على(4/415)
رحالنا «1» أكيسه فيها خيوط عهن «2» أحمر، فقال: ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم؟ فقمنا سراعا حتى نفر بعض إبلنا، فأخذنا الأكسية فنزعناها عنها.
عمران بن الحصين: قال رسول الله: لا أركب الأرجوان، ولا ألبس العصفر، ولا ألبس القميص المكفف بالحرير «3» .
هلال بن عامر «4» عن أبيه: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب على بغلة وعليه برد أحمر، وعلي أمامه يعبر عنه.
وعن البراء: رأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه. إبراهيم ابن المهدي:
بدر إذا لبس البياض تخاله ... كالياسمين منضدا في المجلس «5»
وإذا بدا في صفرة فكأنه ... نسرين بستان كريم المغرس
وإذا بدا في صفرة مع خضرة ... شبهته في الحسن طاقة نرجس
اسلم مولى عمر «6» : رأى عمر على طلحة ثوبا مصبوغا وهو محرم،(4/416)
فقال: ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة،؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنما هو مدر «1» ، فقال: إنكم أيها الرهط أئمة تقتدي بكم الناس، ولو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال إن طلحة كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام.
وروي: رأى عليه ثوبين ممشقين من المشق «2» وهو المغرة، والممصّرة نحوه.
وفي حديث عيسى عليه السّلام ينزل بين ممصرتين «3» .
40- قال معاوية لصحار بن عباس العبدي «4» : يا أزرق! قال:
البازي «5» أزرق! قال: يا أحمر! قال: الذهب أحمر.
41- بشار:(4/417)
هجان عليها حمرة في بياضها ... تروق بها العينين والحسن أحمر «1»
42- القنائي «2» : جمال كل مجلس أن يكون سقفه وبساطه أحمر.
43- أبو رمثة «3» : انطلقت مع أبي نحو النبي صلّى الله عليه وسلّم، فرأيته عليه بردان أخضران.
44- الصنوبري «4» :
أتت في لباس لها أخضر ... كما لبس الورق الجلنارة «5»
فقلت لها ما اسم هذا اللباس ... فأدت جوابا لطيف العبارة
شققنا مرائر قوم به ... فنحن نسميه شق المرارة «6»
45- النبي صلّى الله عليه وسلّم: تزوجوا الزرق فان فيها يمنا «7» .
46- قيل لحكيم: ما لفلان يختضب؟ قال: يخاف أن يؤخذ بأفعال المشايخ فلا توجد عنده فيفتضح.
47- عقبة بن عامر «8» : عنه عليه السّلام: عليكم بالحناء فإنه خضاب الإسلام، أنه يصفي البصر، ويذهب بالصداع، ويزيد في الباه. وإياكم(4/418)
والسواد، فإنه من سوّد سوّد الله وجهه يوم القيامة.
48- يقال: فلان يسود وجه النذير «1» . إذا اختضب.
49- عنه عليه السّلام: عليكم بالخضاب، فإنه أهيب لعدوكم، وأعجب لنسائكم.
50- كان عبد الرحمن بن الأسود «2» أبيض اللحية والرأس، فغدا ذات يوم وقد حمرهما. فقال: إن أمي عائشة أرسلت إلي البارحة جاريتها فأقسمت علي لأصبغن، وأخبرتني أن أبابكر كان يصبغ.
51- قال محمد بن الحسن: لا نرى بأسا بالخضاب بالوسمة «3» والحناء والصفرة، وإن تركه أبيض لا بأس، كل ذلك حسن.
52- سئل علي رضي الله عنه عن قوله عليه السّلام: غيروا النسيب ولا تشبهوا باليهود. فقال: إنما قال ذلك والدين في قل «4» . فأما وقد اتسع نطاق الإسلام فكل امرىء وما اختار.
53- وقال العلماء: يميز بين قتلى المسلمين والكفار بالخضاب، فإن الكفار لا يختضبون.(4/419)
54- قيس بن أبي حازم: كان يخرج إلينا أبوبكر وكأن لحيته ضرام عرفج «1» .
55- وعن أبي عامر الأنصاري «2» . رأيت أبا بكر الصديق يغير بالحناء والكتم «3» ، ورأيت عمر لا يغير بشيء، وقال: سمعت رسول الله يقول:
من شاب في الإسلام فله نور يوم القيامة. فلا أحب أن أغير نوري.
56- وروى أبو ذر: إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم.
57- وعن عبد الله بن أبي أوفى»
: أن رسول الله سئل فقال: لو استقبلتم الشيب بالتواضع كان خيرا لكم.
58- وعن عقبة بن عامر صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يختضب ويقول:
نسوّد أعلاها وتبقى أصولها ... وليس إلى رد الشباب سبيل
59- أدهم بن محرز الباهلي «5» .(4/420)
لما رأيت الشيب جد بمفرقي ... تفتيت فابتعت الشباب بدرهم «1»
60- وفد عبد المطلب بن هاشم «2» على سيف بن ذي يزن، فقال له: لو خضبت شعرك. فلما ورد مكة اختضب. فقالت له امرأته نتيلة «3» :
ما أحسن هذا الخضاب لو دام! فقال:
فلو دام لي هذا الخضاب حمدته ... وكان بديلا من خليل قد انصرم
تمتعت منه والحياة قصيرة ... ولا بد من موت نتيلة أو هرم
لموت جهير عاجل لا شوى له ... أحب إلينا من مقالكم حكم «4»
أي هو حكم لسنه من قوله:
لا يغبط المرء أن يقال له ... أضحى فلان لسنه حكما
61- أسماء بن خارجة قال لجاريته اخضبيني. قالت: حتى متى أرقعك؟ فقال:
عيرتني خلقا أبليت جدته ... وهل رأيت جديدا لم يعد خلقا
فاعتذرت إليه، وآلت أن لا تعود لمثلها.
62- محمود الوراق:(4/421)
يا خاضب الشيب الذي ... في كل ثالثة يعود
إن الخضاب إذا نضا ... فكأنه شيب جديد «1»
فدع المشيب وما يريد ... فلن يعود كما تريد
63- قيل لعلي رضي الله عنه: لو غيرت شيبك يا أمير المؤمنين.
فقال: الخضاب زينة، ونحن في قوم في مصيبة «2» . يريد برسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
64- سئل الحسن عن الخضاب فقال: هو جزع قبيح.
65- أعرابي:
ما بال شيخ قد تخدد لحمه ... ونضا ثلاث عمائم ألوانا
سوداء داجية وسحق مفوف ... وأجدّ أخرى بعد ذاك هجانا «3»
66- الجماز في صفة سوداء: إذا كشرت فكأنها نخامة «4» على لبد أسود.
67- ابن الرومي:
أكسبها الحب أنها صبغت ... صبغة حب القلوب والحدق «5»(4/422)
68- بعضهم:
نقشت كفها الخواضب نقشا ... أنا منه على فؤادي أخشى
عجب من بنانها وهي ماء ... وعليها النقوش لا يتفشى «1»
69- عبد الله بن عمر: أتى رسول الله فاطمة فوجد على بابها سترا موشى، فلم يدخل. فجاءها علي فرآها مهتمة فجاء رسول الله فذكر له، فقال: وما أنا والدنيا! وما أنا والرقم «2» .
70- أبو طلحة الأنصاري «3» : سمعت رسول الله يقول: لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تمثال «4» .
71- أبو هريرة: قال رسول الله: أتاني جبرائيل فقال لي: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل.
72- جابر: أمر رسول الله عمر يوم الفتح وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها. فلم يدخلها رسول الله حتى محيت كل صورة فيها.
73- عائشة رضي الله عنها: قدم رسول الله من غزوة تبوك، وفي سهوتي «5» ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات «6» لي، فقال:(4/423)
ما هذا؟ قلت: بناتي.
- ورأى بينهن فرسا له جناحان، فقال: ما هذا أرى وسطهن؟ قلت:
فرس. قال: وما هذا الذي عليه؟ قلت: جناحان. قال: فرس له جناحان؟ قلت: فما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ فضحك حتى بدت نواجذه «1» .
74- ابن أبي محمد اليزيدي «2» :
إذا ظلم الشيب رأس الفتى ... فنازله وهو غض الشباب «3»
فأحسن حالاته ستره ... ليترك أحبابه في ارتياب
فإن طال عمر فترك الخضاب ... أولى به لانقضاء التصابي
75- رشيد بن رميض العنزي «4» :(4/424)
لقد زرقت عيناك يا ابن معكبر ... كما كل ضبي من اللؤم أزرق
وللؤم فيكم آية يهتدى بها ... كما لاح مشهور من الخيل أبلق «1»
76- أبو الشبل «2» كان مشتهرا بالسودان:
مشبهات الشباب والمسك تفديكن ... نفسي من نائبات الخطوب «3»
كيف يهوى الفتى الأريب وصال ... البيض والبيض مشبهات المشيب
77- اليعقوبي «4» :
وزع المشيب شراستي وعرامي ... وسرى الجنون بمسبل سجام «5»
وصبغت ما صبغ الزمان فلم يدم ... صبغي ودامت صبغة الأيام
78- محمود الوراق:
جاد السواد بنفسه ... وفشا بعارضك البياض «6»(4/425)
فعلام تركب لذة ... فيها لعارضك اعتراض
79- يزيد بن الحكم «1» :
فما منك الشباب ولست منه ... إذا سألتك لحيتك الخضابا
80- يعقوب بن رافع»
:
أحب النساء الصغر من حب تكتم ... ومن حبها أحببت من كان أسودا
فجئني بمثل المسك أطيب نكهة ... وجئني بمثل الليل أطيب مرقدا
81- بعضهم: لقيت راهبا عليه سواد فقلت له فيه، فقال: ما تلبس العرب إذا مات لهم ميت؟ قلت: السواد، قال: فأنا في حداد الذنوب.
82- دعبل «3»
أبوهم أسمر في لونه ... والقوم في ألوانهم شقرة
أظنه حين أتى أمهم ... صب على نطفته مغرة
83- الأحنف: السؤدد مع السواد. أي إنما يكون سيدا من اتته السيادة في شبابة، وسواد شعره. وقيل: مع السواد الأعظم وتسليمهم له بالسيادة.
84- سئل عمر الجوزي «4» عن امرأته فقال: هي كباقة نرجس،(4/426)
رأسها أبيض، ووجها أصفر، ورجلها خضراء.
تم الجزء الثالث بمشيئة الله وتوفيقه، ويتلوه في الرابع باب اللباس والحلي من الأسورة والخلاخيل والخواتم، وذكر البسط، والمفارش والوسائد، وما جانس ذلك.
والحمد لله رب العالمين وهو حسبنا ونعم الوكيل(4/427)
الباب الخامس والسبعون اللباس، والحلي من القلائد والأسورة والخلاخيل والخواتم، وذكر البسط والمفارش والوسائد وما جانس ذلك
1- في وصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي ذر رضي الله عنه «1» البس الخشن من الثياب والصفيق منها تذللا لله، عسى العز والفخر لا يجد فيك مساغا.
وتزين أحيانا في عبادة الله بالشارة الحسنة تعففا وتكرما وتجملا، فإن ذلك لا يضرك، وعسى أن يحدث لك ذكرا.
2- أنس «2» : دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في عباءة له يهنأ «3» بعيرا.
- وعنه: رأيته يسم «4» الغنم في آذانها، فرأيته مؤتزرا بكساء.
3- علي عليه السّلام: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه عليه إزار فيه إحدى وعشرون رقعة من أدم ورقعة من ثيابنا.
- كان كم قميص علي لا يجاوز أصابعه، ويقول: ليس للكمين على اليدين فضل. واشترى قميصا فجاوز كمّه أصابعه، فقطعه، وقال للخياط: خطه.(4/429)
- ورؤي علي وعليه إزار خلق «1» مرقوع، فقيل له، فقال: يخشع له القلب، وتذل به النفس «2» .
4- طاووس «3» : من زعم أن الثياب لا تغير القلوب فقد كذب، لأني أغسل ثوبيّ هذين فأنكر نفسي ما داما نقيين.
5- ورأى فتية من قريش يطوفون فقال: إنكم تلبسون ما كان آباؤكم يلبسونها، وتمشون مشية ما يحسن الزفافون «4» يمشونها.
6- كان عمر بن عبد العزيز تشترى له الحلة بألف دينار، فيقول: ما أجودها لولا خشونة فيها! فلما استخلف كان يشترى له الثوب بخمسة دراهم، فيقول: ما أجوده لولا لينه!.
7- سعيد بن عبد الرحمن بن حسان، وكان يلقب بالمبقع للسنة، في أبي بكر بن حزم «5» :
إني رأيت من المكارم حسبكم ... أن تلبسوا خير الثياب وتشبعوا
فإذا تذوكرت المكارم ويلكم ... في مجلس أنتم به فتقنّعوا
8- المبرد «6» : كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يشرع الشيء على غير جهة التلذذ، ولكن على جهة الاحلال والاستنان، ألا ترى أنه لبس حلة كسرى التي اشتراها له الأنصاري، فخطب فيها، ثم نزل فوهبها لأسامة «7» .(4/430)
فيقال: إن أبا سفيان بن حرب لما رأى ذلك جعل ينكره، ويقول: أحله كسرى بن هرمز على ابن الشاة؟! يعني أسامة، وذلك لأن أسامة ماتت أمه وهو صغير، فغذي بلبن شاة.
9- مسلم بن يسار: إذا لبست ثوبا فظننت أنك فيه أفضل مما في غيره فبئس الثوب هو لك.
10- منصور بن عمار: من تعرى من لباس التقوى لم يستتر بشيء من لباس الدنيا.
11- المهلب «1» : ما رأيت أحدا بين يدي قطّ إلا أحببت أن أرى ثيابي عليه، فاعلموا يا بنيّ أن ثيابكم على غيركم أحسن منها عليكم.
12- دخل محمد بن عبد الرحمن القرظي على سليمان بن عبد الملك في ثياب رثة، فقال: ما يحملك على لبس هذه الثياب؟ قال:
أكره أن أقول الزهد فأطري نفسي، أو أقول الفقر فأشكو ربي.
13- دخل الوليد «2» على هشام وعليه عمامة وشيء، فسأله عن ثمنها فقال: ألف فاستكثره، فقال الوليد: يا أمير المؤمنين إنها لأكرم أعضائي وقد اشتريت أنت جارية بعشرة آلاف وهي لأخس أطرافك.
14- لبس ابن أبي دؤاد «3» طيلسانا «4» جديدا، فزال عن منكبه، فقال: ما أحسن أن ألبس الجديد. فقال له أبو العلاء المهدي «5» : إن كنت لا تحسن أن تلبسه فإنك تحسن أن تلبسه. فوهبه له.(4/431)
15- الأصمعي: لقيت أعرابيا فاستنشدته، فأنشدني أبياتا، وروى لي أخبارا، فتعجبت من جماله وسوء حاله، فسكت سكتة ثم قال:
أأخيّ إن الحادثات ... عركتني عرك لأديم
لا تنكرن أن قد رأيت ... أخاك في طمري عديم «1»
إن كن أثوابي يلبسن ... فإنهن على كريم
16- نادى فقير على جبة فلم يطلب بشيء، فقال: ما علمت أني عريان إلا الساعة.
17- مر مزبد «2» على فقير عليه أثواب فاخرة، فقال: موتاهم، يشهد الله، أحسن حالا من أحيائنا.
18- ابن عباس: كل ما شئت، والبس ما شئت إذا اخطأتك اثنتان سرف أو مخيلة.
19- كان ابن عباس يرتدي رداء قيمته ألف. واشترى تميم الداري «3» حلة بألف ليصلي فيها.
20- كان ببغداد رجل مجنون يلبس فروته مقلوبة، ويقول: لو علم الله أن الصوف إلى داخل أجود جعل الصوف إلى داخل.
21- كان الأعمش «4» يلبس قميصه مقلوبا، ويقول: الناس مجانين، يجعلون الخشن إلى نفوسهم، واللين إلى عيون الناس.
22- وكيع «5» : راح الأعمش إلى الجمعة وقد قلب فروته، وجعل(4/432)
على كتفه منديل الخوان «1» مكان الرداء.
23- ابن مسعود رضي الله عنه: كونوا جدد القلوب خلقان «2» الثياب، تخفون في الأرض وتعرفون في السماء.
24- جاء سيار أبو الحكم «3» إلى مالك بن دينار في ثياب اشتهرها مالك، فقال له: ما هذه الشهرة؟ فقال سيار: أتضعني «4» عندك أم ترفعني؟ قال: بل تضعك، قال أراك تنهاني عن التواضع، فقعد مالك بين يديه.
25- أيوب «5» : يقول الثوب إطوني أجملك.
26- عروة بن الزبير: يقول المال أرني حاجتي.
27- عمرو «6» يقول الثوب اكرمني داخلا أكرمك خارجا، وكان يقول: لكل شيء راحة، وراحة البيت كنسه، وراحة الثوب طيه.
28- قال المتوكل لابن أبي فنن «7» : ثيابك يا أحمد في رزمة لا في تخت «8» ، قال: كذلك هي يا أمير المؤمنين، قال: لا تفعل، إنها في التخت أبقى وأنقى، بان لي ذلك في تكسرها.
29- القلاح بن حزن»
:(4/433)
ولم أر أثوابا أجر لخزية ... وألأم مكسوا وألأم كاسيا
من الخرق اللآئي ضببن عليكم ... كسيتم شيبا أم كسيتم مخازيا
30- أعرابي: لقد رأيت بالبصرة برودا كأنها نسجت بأنور «1» الربيع فهي تروع، وللابسها أروع.
31- قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعمر بن الخطاب: إلبس جديدا وعش حميدا.
32- كان أزدشير «2» وبهرام جور «3» وأنوشروان يأمرون بإخراج ما بخزائنهم من الثياب عن آخرها، فيكسونها في النيروز والمهرجان «4» ، ولا يعلم أحد اقتفى أثرهم «5» إلا عبد الله بن طاهر، فإنه كان لا يترك في هذين اليومين في خزائنه ثوبا واحدا إلا كساه.
33- كان الملوك لا يلبسون الشعار «6» إلا لبسة واحدة، ثم لم يعودوا إلى لبسه، وكان يزدجرد وأنوشروان وقباذ «7» يغسل شعارهم ثلاث غسلات، ثم يخلعونها على قراباتهم.
34- قال يحيى بن خالد البرمكي للعتابي «8» في لباسه، وكان لا يبالي ما لبس، فقال: يا أبا علي، أخزى الله امرأ رضي أن ترفعه هبتاه من ماله وجماله، فإنما ذلك حظ الأدنياء من الرجال والنساء، لا والله حتى ترفعه أكبراه، همته ونفسه، وأصغراه: لسانه وقلبه.
35- عمرو بن معد يكرب:(4/434)
ليس الجمال بمئزر ... فاعلم وإن رديت بردا
إن الجمال معادن ... ومناقب أورثن مجدا
عمر بن الخطاب رضي الله عنه: مروءة الرجل نقاء ثوبيه.
36- استكسى «1» الفضل بن العباس الهاشمي شاعر، فوهب له قلنسوة، فقال:
كساك فضل بن عباس قلنسوة ... هذا السخاء الذي قد شاع في الناس «2»
لو كان ضم إليها الجوربين معا ... كفى إذا كسوة الرجلين والراس
37- محارب بن دثار «3» : إنه ليمتضي لبس الثوب الجديد مخافة أن يحدث في جيراني حسد لم يكن.
38- ليث بن مهاجر «4» عن ابن عمر «5» : من لبس مشهور الثياب ألبسه الله ذلة يوم القيامة.
39- ذكر أبو الأسود الدؤلي العمامة فقال: هي جنة «6» في الحرب، ومكنة «7» في الحر ومدفأة في القر «8» ، ووقار في الندى، وزيادة في القامة، وتعظيم للهامة «9» ، وهي تعد من تيجان العرب.
40- قال المنذر «10» لابنه النعمان: إن لك لسانا وجمالا، فالبس من(4/435)
القشر ما تزيد به من جمالك.
41- كان سليمان «1» إذا لبس القميص حكته الشياطين واستهزأوا به، فقال لهم: اعملوا شيئا ألبسه وأنا انظر إليكم، فعلموا له القباء «2» ، فهو أول من لبسه.
42- اشترى مزبد لامرأته ثوبا، فقالت: هو خشن، فقال: أيما أخشن هو أم الطلاق؟ فرضيت به.
43- عرض للمتوكل وهو يتنزه في حراقة «3» ، شيخ عليه مرقعة، فدعا به وكساه ثياب خز «4» ، واستوهبه المرقعة، وقال يا كوثر «5» : إذهب بها إلى أمي وقل لها: في الناس من يلبس مثلها لتعلمي ما أنت فيه من النعمة.
44- دخل أبان بن صدقة «6» بقباء جديد على المنصور، وعليه سواد خلق، فجعل ينظر إلى قبائه. فغدا عليه من الغد وعليه قباء خلق، فقال له المنصور: لم غيرت؟ قال: كرهت أن يكون عليك خلق وعلي جديد، فقال له: أنت أحمق، إلبس أحسن ما عندك، فان الناس يعلمون أني أقدر على ما أشاء من الثياب، وأنت إذا رأوك في ثوب خلق ظنوا أن ذلك من سخطي عليك، وأنك لا تقدر على شيء.
45- أبو هفان العبقسي «7» :(4/436)
تعجبت درّ من شيبي فقلت لها ... لا تعجبي فطلوع الفجر في السدف «1»
وزادها عجبا أن رحت في سمل ... وما درت درّ أن الدر في الصدف «2»
46- قيل لعابد: لو لبست قميصا أجود من قمصيك! فقال: ليت قلبي في القلوب مثل قميصي في القمص.
47- الحسن: من لبس الصوف تواضعا زاده الله نورا في بصره ونورا في قلبه، ومن لبس الكبر والخيلاء كوّر في جهنم مع المردة.
48- قيل لراهب بالشام وعليه مدرعة «3» صوف ضيقة الكمين: لم ضيقت كمّيك؟ قال الشيخ: أمرنا أن نضيق أكمامنا لئلا ندخر فيها شيئا إذا فضل منا.
49- خاطر الرشيد عيسى بن جعفر «4» على مائة ألف أن يلبس ثوبا ليس له مثله، فلما لبسه قال له عيسى: عندي فرش من هذا، فأحضره وأخذ المال. ثم خاطره على مائة ألف أن يلبس جبة ليس له مثلها، فأحضر أحسن منها وانصرف بمائتي ألف. فاغتاظ الرشيد، فقال إبراهيم ابن المهدي: إن أجبت أن تسترجع المائتين ومثلهما فخاطره والبس البردة «5» ، فدعا به فخاطره، فغلبه، وأخذ أربعمائة ألف وأعطاها إبراهيم.
50- مهدي بن ميمون «6» : رأيت الحسن إذا دخل منزله كان له سحق ثوب يلبسه.(4/437)
51- مضرس بن ربعي «1» :
وليس يزين الرحل قطع وتمرق ... ولكن يزين الرحل ياميّ راكبه
52- كان يقال: كل من الطعام ما تشتهيه، والبس من الثياب ما تشتهيه الناس، وقد نظمه من قال:
إن العيون رمتك إذ فاجأتها ... وعليك من شهر الثياب لباس
أما الطعام فكل لنفسك ما اشتهت ... واجعل لباسك ما اشتهاه الناس
53- كان يقال: ثوب كلعاب الشمس وخلع الهلال «2» ، لو رآه أصحاب الكلام لجعلوه من حيز الأعراض دون الأجسام، الهلال الحية.
54- ربما بلغت قيمة الحمل من رق «3» مصر مائة آلف دينار.
55- يقال في الثياب المنسوبة: برود اليمن، ووشي صنعاء، ريط الشام، وأردية مصر، وأكسية فارس، وديباج الروم، وحلل البحرين، وعمائم الأبلة «4» ، ومناديل دامغان «5» ، وتكك أرمينية، وجوارب قزوين.
56- الحمدوني «6» في طيلسان خلق أهداه له محمد بن حرب «7» :(4/438)
كم رفوناه إذ تمزق حتى ... بقي الرفو وانقضى الطيلسان
- وقال:
فيما كسانيه ابن حرب معتبر ... فانظر إليه فإنه إحدى الكبر
قد كان أبيض ثم ما زلنا به ... نرفوه حتى اسود من صدأ الإبر
- وقال:
يا ابن حرب أطلت فقري برفوي ... طيلسانا قد كنت عنه غنيّا
فهو في الرفو آل فرعون في العرض ... على النار بكرة وعشيّا
وهي قريب من مائتي قطعة تفنن في معانيها.
57- عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يتختم في يمينه، وقبض صلّى الله عليه وسلّم والخاتم في يمينه.
58- وذكر السلامي «1» : أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يتختم في يمينه والخلفاء بعده، فنقله معاوية إلى اليسار، فأخذ المروانية «2» بذلك، ثم نقله السفاح إلى اليمين فبقي إلى أيام الرشيد فنقله إلى اليسار، فأخذ الناس بذلك.
59- وروي عن عمرو بن العاص أنه سلّه يوم التحكيم من يده اليمني وجعله في اليسرى، وقال: خلعت عليا من الخلافة كما خلعت خاتمي من يميني، وجعلتها إلى معاوية كما أدخلت خاتمي يساري.
60- علي رضي الله عنه رفعه: تختموا بخواتيم العقيق فإنه لا يصيب أحدكم غم ما دام ذلك عليه.
51- أبو هقان العبقسي:(4/439)
لعمري لئن بيعت في دار غربة ... ثيابي لما أعوزتني المآكل
فما أنا إلا السيف يأكل جفنه ... له حلية من نفسه وهو عاطل «1»
62- بلغ عمر بن عبد العزيز أن ابنه اشترى فص خاتم بألف، فكتب إليه: عزمت عليك لما بعت خاتمك بألف، وجعلتها في ألف بطن جائع، واستعملت خاتما من ورق فضة، ونقشت عليه: رحم الله امرأ عرف نفسه.
63- كان على فص أبي العتاهية «2» ، وله ابن اسمه زيد «3» : أبا زيد ثق، فتأوله الناس أنا زنديق.
64- قالت امرأة لأشعب «4» : هات خاتمك أذكرك به، قال أذكريني بأني لم أعطك.
65- قيل لعمر رضي الله عنه: لو أخذت حلي الكعبة فجهزت به جيوش المسلمين، وما تصنع الكعبة بالحلي؟ فسأل عليا رضي الله عنه، فقال: إن القرآن أنزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم والأموال أربعة: أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض، والفيء فقسمه على مستحقية، والخمس فوضعه الله حيث وضعه، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها. وكان حلي الكعبة فيها يومئذ فتركه الله على حاله، ولم يتركه نسيانا، ولم يخف عليه مكانا، فأقره حيث أقره الله ورسوله. فقال له عمر: لولاك لافتضحنا! وتركه «5» .
66- جعفر بن محمد عليه السّلام «6» : إن المؤمن ليتنعم بتسبيح الحلي عليه(4/440)
في الجنة، في كل مفصل من المؤمن في الجنة ثلاثة أساور من ذهب وفضة ولؤلؤ.
67- سلمة بن شقيق الأسدي «1» :
العير عير وإن صيغت خلاخله ... من الزبرجد والمرجان والذهب «2»
68- قرطا مارية بنت ظالم بن وهب بن الحارث بن معاوية الكندي «3» ، وهي التي في قول حسان «4» .
أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل «5»
مثل في النفاسة، يقال: خذه ولو بقرطي مارية. كانت فيهما درتان كبيض الحمام، ولم ير مثلهما، ولم يدر ما قيمتهما.
69- وسبحة زندان قهرمانة المقتدر مثل أيضا، كانت فيها ثلاثون درة متحدة في الوزن والقدر، وعشرة يواقيت لم ير أمثالها في عقد ملكة ولا خزانة ملك.
70-[شاعر] :(4/441)
ما ذم إبلي عجم ولا عرب ... خدودها مثل طواويس الذهب
هذه حلي كانت نساء العرب تتخذها على خلقة أجنحة الطواويس.
71- حذا علي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم نعلين جديدين، فلما رآهما استحسنهما، فخر ساجدا ثم قال: أعوذ بنور وجهك أن استحسن شيئا مما أبغضت، فتصدق بهما ولم يلبسهما.
72- قال فضيل «1» : في قوله تعالى: لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً
«2» : لا يستحسن شسعه على شسع «3» أخيه.
73- الأحنف «4» : استجيدوا النعال فانها خلاخيل الرجال.
74- جابر بن عبد الله: تختم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يمينه.
75- ابن عمر: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يذكر الشيء أوثق في خاتمه خيطا.
76- جعفر بن محمد «5» : كان خاتم علي «6» من ورق، ونقشه: نعم القادر الله.
77- كان لأبي نواس خاتمان، أحدهما عقيق مربع وعليه:
تعاظمني ذنبي فلما عدلته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
والآخر حديد صيني وعليه: الحسن يشهد أن لا إله إلا الله مخلصا وأوصى عند موته أن يقلع الفص ويغسل ويجعل في فمه.(4/442)
78- يزيد بن الخطيب «1» : بعثني الرشيد إلى ملك الروم، فأنس بي، وقال لي يوما: أريك شيئا ما رأيت مثله قط، فأخرج إلي ستر إبريسم «2» منسوجا بالذهب، عرضه نيف وثمانون ذراعا، في طول مائة ذراع، ولم يتم بعد، في أعلاه مكتوب سطرين: بسم الله الرحمن الرحيم مما عمل لسام بن نوح.
79- قرىء على ستر بالموصل: هذا ستر حسن، وستر الله أحسن.
80- فلان يتبختر في استبرق «3» بعد اشتماله بكساء أبرق «4» .
81- دعبل «5» في أبي العلاء المغني «6» :
سألنا خلعة على ما يغني ... فخلعنا على قفاه النعالا
82- آخر:
عمرته الرقاع فهو كمصر ... سكنته نزاع كل قبيلة
83- لقيت سكينة بنت الحسين «7» سعدة بنت سالم بن عبد الله بن عمر «8» بين مكة ومنى، ومع سكينة بنت لها، فقالت لها: قفي يا بنت سالم، فوقفت، فكشفت عن بنتها فإذا هي قد أثقلتها بالدر، فقالت:
والله، ما ألبستها إياه إلا لتفضحه.(4/443)
84- عبيد الله بن كليب السلمي «1» :
يا طيلسان أبيّ حمران قد برمت ... بك الحياة فما تلتذّ بالعمر
إذا ارتداك لعيد أو لجمعته ... تنكّب الناس أن يبلى من النظر
85- الغطّمش الضبي «2» :
ولو أخذوا نعل الغطمش لاحتذوا ... لأرجلهم منها ثماني أنعل
86- جعفر بن محمد: ما افتقرت كف تختمت بفيروزج «3» .
87- بعضهم: كان عندي جوهر أعرضه فلا يطلب إلا بدون ما ابتعته، فقلت لحميد النظام «4» : ما الحيلة؟ فقال: أنا أتولى بيعه. ولي من كل زيادة مائة درهم على ما اشتريته خمسة دراهم، فأخذه ونظمه مرارا حتى وقفت عينه على غاية استحقاق تأليفه، ثم أخرجه فبلغ زيادة ثلاثة آلاف على الثمن، فأخذ مائة وخمسين.
88-[شاعر] :
سبتني بعينيها وتأليف عقدها ... فصرت سليب القلب بالعين والعقد
ولم تر عيني نحرها غير أنها ... أرتنيه من تحت الجمان على عمد «5»
89- أراد عمرو بن مسعدة «6» الركوب إلى دار المأمون في جبة وشي مظاهرة «7» ، فقال له إبراهيم بن نوح «8» : لا تفعل. فقال عمرو: أتنكر(4/444)
لمثلي وغلّتي في الشهر كذا؟ قال: إن غلتك مسموعة، وهذه ملحوظة.
90- كان ملك العرب كلما مرت سنة من سني ملكه زيد في تاجه خرزة، فكان يقال لها خرزات الملك. ولما بلغت خرزات النعمان «1» أربعين قتله أبرويز «2» ، وإياه عنى لبيد «3» .
رعى خرزات الملك عشرين حجة ... وعشرين حتى قاد والشيب شامل
91- قميص عثمان الذي قتل فيه مثل فيما يهيج الحزن ويجدد الحسرة والبكاء. وعن عمرو بن العاص أنه لما أحس من العسكر فتورا أشار على معاوية بأن يبرز لهم قميص عثمان، فلما وقعت عيونهم عليه ارتفعت ضجتهم بالبكاء والنحيب، وجدوا في الحرب، فعندها قال: حرك لها حوارها تحن «4» .
92- ولما قتلت الترك المتوكل بمواطئة المنتصر وأفضى الأمر بعده وبعد المستعين «5» إلى المعتز «6» لم تزل أمه قبيحة «7» تحرضه على الانتصار من قتلة أبيه، ويعلم أن لا قوة به عليهم. فلما طال بها الانتظار أبرزت له قميص المتوكل الذي قتل فيه، وجعلت تبكي وتضرع، فقال: يا أماه، ارفعي القميص وإلا صار قمصين. فعدنها سكتت.(4/445)
93- كسا ابن الزبير بني أسد دون غيرهم حلتين حلتين، فقال أبو العباس الضرير «1» :
كست أسد إخوانها ولو أنني ... ببلدة إخواني إذا لكسيت
فأمر عبد الله بكسونه، فأعطي أربعمائة قميص سوى الجباب والأردية والطيالسة.
94- كان سليمان بن عبد الملك يلبس المصبغات ويقول: ما جعل النساء أحق بالصبغ من الرجال، وكان يخطب فيها، فقيل له حسّان قريش.
95- قحذم «2» : بعثني يوسف بن عمر إلى هشام «3» بياقوتة حمراء، يخرج طرفاها من كفي. كانت للرائقة «4» جارية خالد بن عبد الله القسري، اشتراها بثلاثة وسبعين ألف دينار، وحبة لؤلؤ أعظم مما يكون من الحب، فدخلت عليه فدنوت منه، فلم أر وجهه من طول السرير وكثرة الفرش، فتناول الحبة والحجر، فقال: أكتب معك بوزنها؟ قلت: يا أمير المؤمنين، هما أعظم من أن يكتب بوزنهما، ومن أين يوجد مثلهما؟
قال: صدقت.
96- دخل أبو نخيلة «5» على هشام وعليه لحاف سمور «6» مظهر «7»(4/446)
بخز، فرمقه «1» أبو نخيلة، فقال: ما بالك ترمقه ولست من أهله؟ قال:
صدقت يا أمير المؤمنين، ولكني من أهل الشرف والافتخار، فرمى به إليه.
ثم دخل عليه، وعليه جبة خز، فقال: يا أمير المؤمنين، لا أحسن أن أنظر إليك، قال: ولم؟ قال: أخاف أن تقول: ومالك ترمق الجبة؟
قال أو أعجبتك؟ فرمى بها إليه.
ودخل عليه، وعليه رداء وشيء أفواف «2» ، فجعل ينكت بأصبعه على الأرض ويقول:
كسوتينها فهي كالتجفاف ... كأنني فيها وفي اللحاف «3»
من عبد شمس أو بني مناف ... والخز مشتاق إلى الأفواف
فرمى بالرداء إليه.
97- كان الزبير بن العوام يقاتل يوم بدر وعليه عمامة صفراء، فنزلت الملائكة وعليهم عمائم صفر قد أرخوها.
98- كان عبد الله «4» لا يكسو أسماء «5» كسوة إلا كساها مصعب «6» مثلها.
99- دفع مصعب بن الزبير لما أحس بالقتل إلى مولاه زياد فص ياقوت قام عليه بألف ألف درهم، فقال له: انج بهذا، فأخذه فدقه بين(4/447)
حجرين وقال: والله لا انتفع به بعدك.
100- عبد الله الفقير إليه «1» :
وإذا كسوت فجبة وعمامة ... ما واحد الثوبين بالحسن
لم يستقم في حكمه بدن بلا ... رأس ولا رأس بلا بدن
101- بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل «2» ، فتخلف عن الجيش، وغدا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليه عمامة خز سوداء، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما خلفك عن أصحابك؟ قال: أحببت أن أكون آخرهم عهدا بك. فأجلسه، فنقض العمامة، وعممه بيده وأسدلها بين كتفيه قدر شبر، وقال: هكذا فاعتم يا ابن عوف.
102- كان الحكم بن المطلب «3» إذا انقطع شسعه خلع النعل، فانقطع شسعه يوما. فخلع النعل الأخرى ومضى. فأخذ نعليه نوبي فسوى الشسع وجاءه بالنعلين في منزله، وقال: سويت لك الشسع. فدعا جاريته بثلاثين دينارا فدفعها إليه وقال: إرجع بالنعلين فهما لك.
103- كان لسليمان بن علي «4» جارات من عنزة «5» يغزلن على سطح(4/448)
لهن بالليل، فقلن: لو أن الأمير اطلع علينا فأعطانا ما يغنيننا! فسمع بذلك فقام يطوف في القصر، حتى جمع حليا كثيرا ما أمكنه، فجعلها في منديل ورمى بها إليهن.
104- ولّى عمر رضي الله عنه السائب «1» مغانم نهاوند «2» ، فقال له بعض دهاقينها «3» : هل لك أن أدلك على كنز النخيرجان «4» وتعطيني الأمان على نفسي وأهلي ومالي؟ وكان النخيرجان من عظماء فارس، وله امرأة جميلة، فتولع بها كسرى وجعل يختلف إليها، فقال له سائسه: إن الملك يأتي أهلك. فاجتنبها النخيرجان. فقال له كسرى: بلغني أن لك عينا عذبة وأنك لا تشرب منها، قال: إني واجدت عند تلك العين أثر السبع فاجتنبتها، فوثب عن سريره وفرح فرحا شديدا، وأمر بتاجين فصيغا له ورصّعا بألوان الجواهر.
فاستخرجهما الدهقان في سفطين «5» ، وجاء بهما السائب إلى عمر، فنظر إلى الجوهر فحول وجهه عنه خوف الإفتنان، وأمر برفعه. ثم رأى في المنام من ليلته أن الملائكة أتته بالسفطين وفيهما جمر يتوقد، فقسم الجوهر على الذرية والمقاتلة.
105- أهدى يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن جعفر هدية فيها در وجوهر وعطر وكسيّ، فقال للرسول: اختر ما شئت منها، فاختار فصا من ياقوت أحمر وجد في خزائن ذي القرنين مما كان لدارا بن دارا «6» ، فقال:(4/449)
خذه وكل ما في السفط، فقال: أخاف أن يبلغ أمير المؤمنين! قال: ومن يبلغ ذاك إلا أنا وأنت؟ فأخذه.
نهي عن الشهرتين وذلك أن يكون الثوب فاخرا مرتفعا أو سخيفا منحطا.
106- وعن عبد الله بن عامر «1» أنه كان يطوف وعليه ثياب رقاق يسحبها، فأنكر عليه فتى من النساك، وقال: أما علمت أن الله يبغض الشهرة؟ فقال: يا ابن أخي، إن الشهرة شهرتان، فشهرة مثل ثيابي، وشهرة مثل ثيابك، وكاد على الفتى كرباستان «2» مشهرتان.
107- لم يغسل عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر «3» ثوبا قط، كلما استغسل نوبه كساه. فكلما أراد أحد من أهله أو من غيرهم شيئا من ثيابه قال له: استغسل ثوبك، فيدفعه إليه.
108- جاءت امرأة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببرد، فقالت: إني نويت أن أعطي هذا البرد أكرم العرب، قال: أعطيه هذا الغلام سعيد بن العاص.
فبذلك سميت البرود السعدية.(4/450)
109- بعث معاوية إلى عائشة رضي الله عنها طوقا من ذهب، فيه جوهر قوّم بمائة ألف، فقسمته بين أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم.
110- أبو أمامة الباهلي «1» رفعه: عليكم بلباس الصوف تجدوا حلاوة الإيمان في قلوبكم، وعليكم بلباس الصوف تجدوا قلة الأكل، وعليكم بلباس الصوف تعرفوا به في الآخرة، فان النظر في الصوف يورث في القلب التفكر، والتفكر يورث الحكمة، والحكمة تجري مجرى الدم.
فمن كثر تفكره قل طعمه وكلّ لسانه، ومن قل تفكره كثر طعمه وقسا قلبه، والقلب القاسي بعيد من الله بعيد من الجنة، قريب من النار.(4/451)
الجزء الخامس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الباب السادس والسبعون اللهو، واللعب، واللذات، والقصف وذكر التبذير وما يتصل به، واتباع الشهوات
1- البراء «1» رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من قضى نهمته من الدنيا حيل بينه وبين شهواته في الآخرة. ومن مد عينه إلى زينة المترفين كان مقيتا في ملكوت السماوات. ومن صبر على القوت الشديد صبرا جميلا أسكنه الله من الفردوس حيث شاء.
2- معاذ بن جبل: بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن، فقال: إياك والتنعم، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين.
3- أبو هريرة رفعه: شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم ونبتت عليه أجسادهم.
4- حكيم: اجتنب الشهوة فإنها رأس كل مهلكة، ألم تر السباع الضارية، والبزاة الصائدة كيف تصاد بالشهوة فتصير في أيدي الناس أسرى؟.
5- أبو سليمان داود بن نصير الطائي صاحب أبي حنيفة رضي الله عنه: إذا كنت تشرب الماء البارد المروق، وتأكل اللذيذ الطيب، وتمشي في الظل الظليل، فمتى تحب الموت والقدوم على الله؟.(5/5)
6- وقيل لداود: ألا تتحول من الشمس؟ فقال: إني لأستحي من ربي أن انقل قدمي إلى ما فيه راحة بدني.
7- وصف بعض البلغاء طروبا فقال: إنه لأطرب من زنجي عاشق سكران.
8- قال الحجاج لخريم الناعم: ما النعمة؟ فقال: الأمن، فإني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش. قال: زدني، قال: الصحة، فإني رأيت السقيم لا ينتفع بعيش. قال: زدني، قال: الغنى، فإني رأيت الفقير لا ينتفع بعيش. قال: زدني قال: الشباب، فإني رأيت الهرم لا ينتفع بعيش قال:
زدني، قال: لا أجد مزيدا.
9- أبو نواس:
شققت من الصبا واشتق منّي ... كما اشتقت من الكرم الكروم
فلست أسّوف اللذات عني ... مياومة كما دفع الغريم
10-[آخر] :
فلله منيّ جانب لا أضيعه ... وللهو منّي والبطالة جانب
11- نظر أعرابي إلى رجل جالس على الماء يرمي فيه بالدنانير، فقال: يا هذا، لقد أراحتك النعمة وأتعبتها.
12- قال عمرو بن العاص لمعاوية: ما بقي من لذتك؟ قال: عين خرارة «1» في أرض غوارة «2» ، وعين ساهرة لعين نائمة.
13- وقال عمرو «3» : أن أبيت معرسا بعقيلة من عقائل الحي.
14- وقال وردان «4» : الإفضال على الأخوان. فقال معاوية: اسكت(5/6)
فأنا أحق بهذا منك. قال: قد أمكنك فافعل.
وروي أنه قال: أن ألقى كريما قادرا بعقب إحسان كان مني إليه.
15- وقال سليمان لابنه: قد أكلنا الطيب، ولبسنا اللين، وركبنا الفاره «1» ، الكثبان العفر «2» .
16- وقيل لعبد الملك، فقال: محادثة الأخوان في الليالي القمر على.... وامتطينا العذراء، فلم يبق من لذتي إلّا صديق أطرح بيني وبينه مؤونة التحفظ.
17- وقيل لأعرابي: فيم اللذة؟ قال: في قبلة على غفلة.
18- وقال آخر سيف كبرق ثاقب، ولسان كمخراق لاعب «3» .
19- وقال الطفيلي: في مائدة منصوبة، ونفقة غير محسوبة، عند رجل لا يضيق صدره من البلع، ولا تجيش نفسه من الجرع.
20- وقال آخر: في ندامى تغلق دورهم وتغلي قدورهم.
21- وقال العالم: في حجة تتبختر اتضاحا، وشبهة تتضاءل افتضاحا.
22- وقال الراعي: في واد عشيب، ولبن حليب.
23- وقال العابد: في عمل يخلص، ورياء ينقص، وقلب عن الدنيا يسلو، وهمة إلى الله تعلو.
24- وقال أعرابي: اشتهي محضا رويا، وضبا شويا.(5/7)
25- وقال المضياف: في كوم «1» تنحر، ونار تسعر «2» ، وضيف ينزل، وآخر يرحل.
26- وقال المغني: مجلس يقل هذره «3» ، وعود «4» ينطق وتره، ورجل عقول، يفهم ما أقول.
27- وقال الشجاع: طرف «5» سريع، وقرن صريع.
28- وقال البحار: شربة من ماء الفنطاس «6» بقشر النارجيل «7» ، ونومة في ظل الشراع.
29- عبد الرّحمن بن الحكم: لذة العيش زحف الأحرار إلى طعامك، وبذلك الأشراف وجوههم لك، وقول المنادي الصلاة أيها الأمير.
30- اجتمع عبد الله بن عمر، وعروة ومصعب إبنا الزبير، وعبد الملك بن مروان بفناء الكعبة، فقال لهم مصعب: تمنوا، فقالوا: أبدأ أنت، قال: ولاية العراق وتزوج سكينة بنت الحسين «8» وعائشة بنت طلحة «9» ، فنال ذلك، وأصدق كل واحدة خمسمائة ألف وجهزها بمثلها.(5/8)
وتمنى عروة الفقه وأن يحمل عنه، فناله، وتمنى عبد الملك الخلافة، فنالها وتمنى ابن عمر الجنة.
31- ولّى يحيى البرمكي إبنه الفضل خراسان، فبلغه اقبال منه على اللهو، فكتب إليه: أما بعد، فقد بلغني عنك ما كنت جديرا بغيره، وقد يهفو ذو الحنكة، ويزل الحليم، ثم يعود إلى ما هو أولى به، حتى كأن أهل دهره لم يعرفوه إلّا بذلك، وقد كتبت إليك بأبيات إن تجاوزتها صرمتك «1» حولا، وعزلتك عن سخط:
انصب نهارا في طلاب العلى ... واصبر على فقد لقاء الحبيب
حتى إذا الليل بدا مقبلا ... واستترت فيه وجوه العيوب
فبادر الليل بما تشتهي ... فإنما الليل انهار الأريب
كم من فتى تحسبه ناسكا ... يستقبل الليل بأمر عجيب
غطى عليه الليل أستاره ... فبات في أمن وعيش خصيب
ولذة الأحمق مكشوفة ... يسعى بها كل عدو رقيب
فارتدع عما كان فيه.
32- أنزل الله تعالى في الخمر ثلاث آيات، أولها يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
«2» ، فكان المسلمون بين شارب وتارك، إلى أن شرب رجل ودخل في الصلاة فهجر «3» ، فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى
«4» ، فشربها من شرب من المسلمين، حتى شربها(5/9)
عمر فأخذ لحي بعير «1» فشج رأس عبد الرحمن بن عوف ثم قعد ينوح على قتل بدر بشعر الأسود بن عبد يغوث «2» :
وكائن بالقليب قليب بدر ... من الفتيان والشرب الكرام «3»
وكائن بالقليب قليب بدر ... من الشيزى المكلل بالسنام «4»
أيوعدنا ابن كبشة أن سنحيا ... وكيف حياة أصداء وهام «5»
أيعجز أن يرد الموت عنّي ... وينشرني إذا بليت عظامي «6»
ألا من مبلغ الرّحمن عنيّ ... بأني تارك شهر الصيام
فقل لله يمنعني شرابي ... وقل لله يمنعني طعامي
فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخرج مغضبا يجر رداءه، فرفع شيئا كان في يده ليضربه، فقال: أعوذ بالله من غضب الله ورسوله.
فأنزل الله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ
- إلى قوله- فَهَلْ أَنْتُمْ(5/10)
مُنْتَهُونَ
«1» ، فقال عمر: انتهينا.
33- قال عبد الملك بن مروان لنصيب «2» : هل لك فيما يتنادم عليه؟
فقال: يا أمير المؤمنين تأملني، فإن جلدي أسود، وخلقي مشوه، ولست في منصب، وإنما بلغ بي مجالستك عقلي، فأنا أكره أن أدخل عليه ما ينقصه، فأعجبه كلامه وأعفاه.
34- استوصف رجل ابن ماسويه «3» دواء الباه «4» ، فقال: عليك بالكباب والشراب، وشعر أبي الخطاب. هو عمر بن أبي ربيعة.
35- أتى عبد الملك يعود: فقال للوليد بن مسعدة الفزاري «5» : ما هذا؟ قال: عود يشقق، ثم يرقق، ثم يلصق، ثم تمد عليه أوتار، وتضرب به القيان فيطرب له الفتيان، وتضرب رؤوسها بالحيطان. وامرأتي طالق إن كان أحد في المجلس الا وهو يعلم منه مثل ما أعلم، أولهم أنت يا أمير المؤمنين. فضحك وقال: مهلا يا وليد.
36- قيل لأعرابي: أما تشرب النبيذ؟ قال: لا أشرب ما يشرب عقلي.
37- علي بن أبي كثير «6» مولى بني أسد:(5/11)
سقاني ثلاثا بعد سبع وأربع ... فخثرن ما بين الذؤابة والنعل
ورحت أجوب الأرض أركل متنها ... إذا هي مالت بي ليعدلها ركلي
ترى عيني الحيطان حولي كأنها ... تدور ولو كلّمتني قلت ذو خبل
فلا العين تهديني وبالرجل ما بها ... فلأيا بلأي ما دفعت إلى أهلي
38- تهوع سكران في طريق فلحس كلب شفتيه، فقال: خدمك بنوك ولا عدموك. ثم شغر «1» على وجهه، فقال: وماء حار أيضا؟ بارك الله عليك!.
39- كان لأبي تمام صديق يسكر من قدحين، فكتب إليه يدعوه: إن رأيت أن تنام عندنا فافعل.
40- مر أبو نؤاس برجل ينشد:
وما مسها نار سوى أن علجهم ... سعى في نواحي كرمها بسراج «2»
فالتفت إليه فقال: ما له أحرق الله قلبه كما أحرقها؟!.
41- خرج سوار القاضي «3» إلى المسجد ماشيا، فلقيه سكران فقال:
القاضي أعزه الله يمشي! امرأتي طالق إن حملته إلّا على عاتقي. فكره سوار أن تطلق امرأته، فقال: ادن يا خبيث، فحمله على عاتقه، ثم رفع رأسه فقال: أ. هملج أم أعنق «4» ؟ فقال: مشيا بين مشيين، واحذر الآبار والزلق، والصق بأصول الحيطان. فقال: كأنك أردت المرائي من(5/12)
الفروسية. فلما أوصله إلى المسجد أمر بحبسه، فقال: أهذا جزائي منك؟ فتبسم وتركه.
42- السكارى ثلاثة: قرد حرك رأسه ورقص، وكلب هارش ونبح، وحية زويت فنامت.
43- مر عقال الناسك «1» بمرداس بن حذام الأسدي «2» فاستسقاه لبنا، فصب له خمرا وعلاه باللبن، وشربه فسكر ولم يتحرك ثلاثة أيام، فقال:
سقيت عقالا بالثوية شربة ... فمالت بعقل الكاهلي عقال «3»
قرعت بأم الخل حبة قلبه ... فلم ينتعش منها ثلاث ليالي «4»
44- قال رجل لابن له يتعاطى الشراب: يا بني دع الشراب، فإنما هو قيء في شدقك، أو سلح على عقبك، أو حد في ظهرك.
45- قال عبد الملك للأخطل: صف لي الخمر. قال: أولها صداع وآخرها خمار «5» . قال: فما يعجبك منها؟ قال أن بينهما طربة لا يعدلها ملكك، وأنشأ يقول:
إذا ما نديمي علّني ثم علني ... ثلاث زجاجات لهن هدير(5/13)
خرجت أجر الذيل حتى كأنني ... عليك أمير المؤمنين أمير
46- سمع عالم قول الشاعر: مالها تحرم في الدنيا وفي الجنة منها؟ فقال: لصداع الرأس ونزف العقل. ذهب إلى قوله تعالى: لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ
«1» .
47- قال الضحاك بن مزاحم لرجل: ما تصنع بشرب النبيذ؟ قال:
يهضم طعامي. قال: ما يهضم من دينك وعقلك أكثر.
48- كانت مليكة بنت خارجة بن سنان بن أبي حارثة «2» تحت زبان بن سيار «3» ، فمات عنها وخلف ابنه عليها، فأخبر بذلك عمر رضي الله عنه وبأنه يشرب، ففرق بينهما ونهاه عن الشرب، فقال:
ألا لا أبالي اليوم ما فعل الدهر ... إذا ذهبت عني مليكة والخمر
فإن تكن الأيام فرقن بيننا ... فحيّ ابنة المري ما طلع الفجر
49- كان لأزدشير»
غلامان ذكيان موكلان بحفظ ألفاظه إذا غلب عليه السكر، أحدهما يملي، والآخر يكتب حرفا حرفا، فإذا صحا قرىء عليه، فإن كان فيه شيء خارج عن آيين الملوك وآدابهم جعل على نفسه(5/14)
ألا يزمزم «1» ذلك اليوم إلّا على خبز الشعير والجبن عقوبة لنفسه.
50- اجتمع محدث ونصراني في سفينة، فصب النصراني من ركوة «2» كانت معه في مشربة وشرب، وصب فيها وعرضها على المحدث، فتناولها من غير فكر ولا مبالاة، فقال النصراني: جعلت فداك، إنما هو خمر، فقال: من أين علمت أنها خمر؟ قال: اشتراها غلامي من يهودي وحلف أنها خمر. فشربها بالعجلة، وقال للنصراني: أنت أحمق، نحن أصحاب الحديث نضعف سفيان بن عيينة ويزيد بن هارون، أفنصدق نصرانيا عن غلامه عن يهودي، والله ما شربته إلّا لضعف الإسناد.
51- ممن حرم الخمر في الجاهلية علقمة بن نضلة «3» ، وقال:
لعمرك إن الخمر ما دمت شاربا ... لمذهبة مالي ومنسية حلمي
وجاعلني من الضعاف قواهم ... ومورثتي حرب الصديق بلا جرم
وقيس بن عاصم، وذلك أنه شرب، فلما سكر مدّ يده ليلتمس القمر، فلما أصبح أخبر، فاستسفه فعله وحرمها، وقال: لا أصبح سيد قومي وأمسي سفيههم وقال:
تركت القداح وعزف القيان ... والخمر تصفية وابتهالا
52- وقال ابن أوفى «4» لقومه حين نهوا عن شرب الخمر:
أنهد بن زيد ليس في الخمر رفعة ... فلا تقربوها إنني غير فاعل(5/15)
فإني وجدت الخمر شيئا ولم يزل ... أخو الخمر حلالا شرار المنازل
53- كان رجل يقول لوكيله: اشتر لي المطبوخ وحلف الخمار على أنه مطبوخ. فيأتي بالمطبوخ، فيقول الرجل: ليس له صفاء ولا حسن، أريد أرق منه. فلا يزال يردده حتى يأتيه بالخمر الصرف، فيقول: أما أحلفت الخمار؟ أما استوثقت منه؟ فيقول: بلى، فيقول: ثقة والله وقد حج، ثم يتعد يشربه بقلب مطمئن.
54- الخمر مصباح السرور، ولكنها مفتاح الشرور.
55- اترك النبيذ قبل أن يبلغ الحد الذي يوجب الحد «1» .
56- المهلبي الوزير «2» : الشراب بغير دسم سم، وبغير نغم غم.
57- تغدى الحجاج عند عبد الملك، ثم دعا بالشراب، فقال:
أعفني يا أمير المؤمنين، فإني أضرب عليه أهل العراق، فو الله لئن شربته لا ضربت عليه أبدا. قال: يا أبا محمد، إنه نبيذ الزمان، يشهّي الطعام، ويزيد في الباه، قال: أما قولك يشهي الطعام، فوددت أن هذه الأكلة كفتني حتى أموت، وأما قولك يزيد في الباه، فحسب الرجل أن يصرع في كل شهر مرة.
58- أبو حنيفة عن إبراهيم «3» : كانت الرواية كل سكر «4» حرام فزادوا فيها ميما.
59- أخذ الطائف «5» فتيانا يشربون ومعهم أعرابي، فأتى بهم(5/16)
الحجاج. فقال الأعرابي: والله ما كنا في شر، قدم إلينا هذا الكريم عافاه الله خبزا من لباب البر، ولحما من سمان الضأن، وطيبا من نبيذ السعن «1» ، وعنده رجل معه خشيبة يعرك أذنيها فينطق جوفها، فبينا نحن على أحمد حال وأرضاها إذ وغل «2» هذا اللئيم، فأكل وشرب حتى إذا تضلع «3» غدر بنا، وساقنا إليك لؤما وسفالة.
فضحك الحجاج، ووهب لهم الطائف يفعلون به ما شاؤوا.
60- يزيد بن المهلب: وددت لو أن كل كأس بألف دينار، وكل منكح في جبهة الأسد، فلا يشرب إلّا جواد، ولا ينكح إلّا شجاع.
61- الحسن: لو كان العقل عرضا لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب لمن يشتري شيئا بماله يشربه فيذهب عقله.
62- وعن عبد الله بن الأهتم «4» : لو كان العقل يشترى ما كان علق أنفس منه، فالعجب لمن يشتري الحمق بماله فيدخله رأسه، فيقيء في جيبه ويسلح في ذيله، يمسي محمرا، ويصبح مصفرا.
63- النبي صلّى الله عليه وسلّم: من بات سكران بات للشيطان عروسا.
64- عيسى عليه السلام: حب الدنيا رأس كل خطيئة، والنساء حبائل(5/17)
الشيطان، والخمر داعية للشّر.
65-[شاعر] :
بلوت النبيذيين في كل بلدة ... فليس لأخوان النبيذ حفاظ «1»
إذا دارت الأرطال أرضوك بالمنى ... وإن فقدوها فالوجوه غلاظ «2»
66- حكيم: إياك وأخوان النبيذ، فبينا أنت متوج عندهم مخدم، مسجود له معظم إذ زلت بك القدم، فجروك على شوك السلم «3» . واحفظ قول القائل:
وكل أناس يحفظون حريمهم ... وليس لأصحاب النبيذ حريم
لئن قلت هذا لم أقل عن جهالة ... ولكنني بالفاسقين عليم
67- شرب رجل من إداوة «4» عمر رضي الله عنه، فسكر، فجلده، فقال: إنه من نبيذك! فقال: إنما جلدت لسكرك.
68- قيل لسعيد بن سلم «5» : أتشرب النبيذ؟ قال: لا، قيل: لم؟
قال: تركت كثيره لله، وقليله للناس.
69- قال ابن صدقة العطار البصري «6» : لو لم يوجب اجتناب(5/18)
السكر «1» إلّا قول الأحنف «2» : «تركته مخافة أن احتاج بالعشي إلى تقويم من احتاج إلى تقويمي بالغداة» لكفى به.
70- قال حكيم الهند: عجبا عجبا لمن كان شرابه عصير الكرم، وطعامه الخبز واللحم، ثم اقتصد في أكله وشربه وجماعه وتعبه، كيف يمرض وكيف يموت؟.
71- شهد رجل عند شريك «3» ، فقال المدعي عليه: إنه يشرب النبيذ، فقال له شريك: أتشربه؟ قال: نعم، وأنا الذي أقول:
وإذا المعدة جاشت ... فارمها بالمنجنيق
بثلاث من نبيذ ... ليس بالحلو الرقيق
يهضم المطعم هضما ... ثم يجري في العروق
فقال شريك: قم فأثبت شهادتك. وأراد الكسر على المشهود عليه.
72- دخل الهيثم بن خالد «4» على عبد الملك وبوجهه آثار، فقال:
ما هذا؟ قال: قمت بالليل فصدمني الباب، فقال عبد الملك:
رأتني صريع الكأس يوما فسؤتها ... وللشاربيها المدمنيها مصارع
فقال: آخذك الله بسوء ظنك يا أمير المؤمنين، قال: بل آخذك الله بسوء مصرعك يا هيثم.
73- كان وكيع بن أبي سود «5» مدمنا، فولى ابن أخيه بعض(5/19)
الأعمال، فبلغه أنه يشرب، فدعا به وقال: إني استعملتك لأشرفك وارفع ذكرك فأقبلت على الشرب! فقال: والله ما شربت حسوة منذ وليتني، ولكني الساعة سكران. قال: من أي شيء؟ قال: من ريحها منك.
74- استفتى أعرابي من جبلي طي «1» ابن أبي ذئب «2» في النبيذ وقال: يحسن الوجوه، ويسخي الأنفس، ويسلي الهموم، ويحض على النجدة، فقال: هو حرام. فقال: إنه ينفعني من أرواح تعتريني، ويصلح عليه جسمي، قال: لم يجعل الله فيما حرم شفاء، فأنشأ يقول:
دع ابن أبي ذئب وإن كان مفتيا ... وأصحابه واشرب حلالا من التمر
ومن رطب زهو إذا ما وجدته ... وكل نبيذ من عتيق ومن بسر
فإن الهدى في غير ذلك فاعلمن ... وما الأمر إلّا في الفواحش والخمر
75- قال حفص بن غياث «3» : كنت عند الأعمش، وبين يديه نبيذ، فاستأذن قوم فسترته، فقال: لم سترته؟ فقلت: كرهت أن يقع فيه ذباب. فقال: هيهات هو أمنع جانبا من ذاك.
76- علي رضي الله عنه: الشطرنج ميسر العجم. وعنه أنه مرّ بقوم يلعبون الشطرنج، فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون.(5/20)
77- عمر رضي الله عنه وقد ذكر عنده الشطرنج: إني لأعجب من ذراع في ذراع يدبرها الحكماء منذ وضعت لم يقفوا لها على غاية.
78- قيل لابن مجاهد «1» : إن الصولي «2» صنّف كتابا في القرآن سمّاه «الشامل» فقال: إنه جيد الدست «3» ، أراد أنه شطرنجي حاذق. فأما القرآن فإنه منه في قطر بعيد.
89- دخل أبو العنبس «4» على أبي تمام وهو يلعب بالشطرنج، وكان وسخا، فقال: ما أوسخ هذا الشطرنج! قال أبو تمام: فكيف لو رأيت اللعب؟ فإنه أوسخ من الشطرنج.
80- كان أبو القاسم الكسروي «5» يقول: لا ترى شطرنجيا غنيا إلّا بخيلا، ولا فقيرا إلّا طفيليا، ولا تسمع نادرة بادرة إلّا على الشطرنج.
81- قالوا: على الملك أن ينصف صاحبه في اللعب بالشطرنج والصوالج «6» والصيد والرمي في الغرض، ولا يتفضل عليه وعلى صاحبه(5/21)
المشاحة وترك الأغضاء.
82- حكي عن سابور «1» أنه لاعب تربا «2» له بالشطرنج على إمرة مطاعة، فقمره «3» تربه، فقال سابور: ما إمرتك؟ قال: أركبك حتى أخرج بك إلى باب العامة. فدعا ببرقع فتبرقع به، وجثا لتربه.
83- استأذن يحيى بن أكثم على المتوكل وهو يلعب بالنرد مع الفتح بن خاقان، فغطيت الرقعة بمنديل. فقال له المتوكل: إني كنت ألاعب الفتح فكره دخولك واحتشمك، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكن خاف أن أعلمك عليه، فضحك وأمر له بمال.
84- احتضر شطرنجي وهو يقول: شاه مات مكان الشهادة.
85- سئل الشعبي «4» عن اللعب بالشطرنج، فقال: لا بأس به إذا لم يكن هناك تقامر وتباذل.
86- بعضهم: كنا في السجن مع ابن سيرين «5» فكان يمر بنا ونحن نلعب بالشطرنج، فيقوم قائما فيقول: ارفع الفرس، افعل كذا.
87- سعيد بن المسيب: كنت ألعب بالشطرنج مع صديقي في بيته حين خفت الحجاج.
88- علي بن الجهم:
أرض مربعة حمراء من أدم ... ما بين حرين معروفين بالكرم
تذاكرا الحرب فاحتلالا لها فطنا ... من غير أن يأثما فيها بسفك دم
هذا يغير على هذا وذاك على ... هذا يغير وعين الحزم لم تنم(5/22)
فانظر إلى بهم حاشت بمعركة ... في عسكرين بلا طبل ولا علم
89- وقيل هي للمأمون.
قالوا إن سبب وضع الشطرنج أن ملوك الهند ما كانوا يريدون القتال فإذا تنازع فريقان في كورة أو مملكة تلاعبا بالشطرنج، فيأخذها الغالب من غير قتال.
90- ولى سليمان بن عبد الملك صالح بن عبد الرّحمن «1» بعد الحجاج، وأمره بتتبع آثار الحجاج. فقال له بعض أبناء ملوك الفرس:
انظر شطرنجا من ياقوت أحمر كان لبعض آبائي، قام عليه أصغر قطعة منها بثلاثة آلاف ألف، فإن وجدتها في الخزانة فاعلم أن الحجاج لم يخن.
فوجدوها في جونة عليها خاتمه، فحكي أن تلك الشطرنج حملها الأموي الذي لحق بالأندلس، فهي فخرهم.
91- أبو رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كنت الاعب الحسين «2» وهو صبي بالمداحي «3» ، فإذا أصابت مدحاتي مدحاته قلت احملني، فيقول:
ويحك! أتركب ظهرا حمله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فأتركه. وإذا أصابت مدحاته مدحاتي قلت: لا أحملك كما لا تحملني، فيقول: أما ترضى أن تحمل بدنا حمله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فأحمله.(5/23)
92- المداحي والمسادي والمراصج أحجار كالقرصة يدحرجونها إلى حفيرة، إن وقعت فيها فقد قمر «1» .
93- لما بلغ عمر رضي الله عنه تبايع أهل الشام في الخمر أمر أن يطبخ كل عصير بالشام حتى يذهب ثلثاه، فقال دو الكلاع «2» :
صبرت ولم أجزع وقد مات إخوتي ... ولست عن الصهباء يوما بصابر
رماها أمير المؤمنين بحتفها ... فخلانها يبكون حول المعاصر
94- عبد القوي بن عتاهية بن أبي العتاهية «3» ، وكان متهما في دينه، يقول ليموت بن المزرع:
يموت يا من نفسه نائمة ... غافلة غفلتها دائمة
لا تلح ضدا لك في نحلة ... فإن شطرنجكما قائمة «4»
95- حنظلة بن عرادة التميمي «5» في يزيد بن معاوية:
طرقت منيته وعند وساده ... كوب وزق راعف مرثوم «6»
ومرنة تبكي على نسوانه ... بالصبح تقعد تارة وتقوم «7»
96- مقيس بن صبابة الكناني «8» :(5/24)
رأيت الخمر طيبة وفيها ... خصال كلها دنس ذميم
فلا والله أشربها حياتي ... طوال الدهر ما طلع النجوم
سأتركها وأترك ما سواها ... من اللذّات ما أرسى يسوم «1»
97- علي بن خالد العقيلي الكاتب «2» أهدى لعلي بن الجهم نبيذا من زبيب وكتب إليه:
سللت بحكم النار روح زبيبة ... تخيرتها صفراء ممحوضة العجم «3»
فلما بدت زوجتها ريح نحلة ... أرق وأقوى في الصفاء من الوهم
وزففتها منك إليك زجاجة ... وقد أنزلاها منهما منزل الأم
فانتجهما سيفا من السكر قاطعا ... وجرّده ثم اضرب به عنق الهم
98- أبو عدنان الأعور «4» :
ود النبيذيين رد خلابة ... والوصل منهم ليس بالتماسك
لا يرفضونك في رخاء معيشة ... وإذا ابتليت فأنت أول هالك
99- عامر بن الظرب العدواني أول من حرم الخمر في الجاهلية:
إن أشرب الخمر أشربها للذتها ... وإن أدعها فإني ماقت قالي «5»(5/25)
سآلة للفتى ما ليس في يده ... ذهّابة بعقول القوم والمال
أقسمت بالله أسقيها وأشربها ... حتى يفرق ترب القبر أوصالي
100- الأعرج الطائي «1» :
تركت الشعر واستبدلت منه ... إذا داعي صلاة الصبح قاما
كتاب الله ليس له شريك ... وودعت المدامة والندامى
101- زراع بن عروة الحنفي «2» :
قد قال زراع فكن عند قوله ... ترفق بأهل الجهل إن كنت ساقيا
يبين لنا ذو العقل من سفهائنا ... إذا ما تعاطينا الكؤوس تعاطيا
وجدت أقل الناس عقلا إذا انتشى ... أقلهم عقلا إذا كان صاحيا
تزيد حسى الكأس اللئيم ملامة ... وتترك أخلاق الكريم كما هيا
102- بلغ عمر رضي الله عنه أن عامله بدست ميسان «3» قال:
إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... ولا تسقني بالأكبر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه ... تنادمنا بالجوسق المتهدم «4»
فقال: إي ها الله! إنه ليسوؤني ذلك، والله لا عملت لي عملا، وعزله.
103- علي رضي الله عنه: إياكم وتحكيم الشهوات.
104- سمع الوليد بن يزيد بخبر شراعة بن الزندبود «5» وظرفه وصلاحه(5/26)
لمنادمة مثله، فاستحضره، فقال له: يا شراعة، إني والله ما أرسلت إليك لأسألك عن كتاب الله ولا سنة رسوله، فقال: لو سألتني عنها لوجدتني فيها حمارا. قال: ولكن لأسألك عن الفتوة، قال: فأنا دهقانها الخبير، وطبيبها الرفيق. فقال له: ما تقول في الشراب؟ فقال: عن أيه تسألني؟
قال: عن الماء، قال: هو قوام البدن ويشاركني فيه الحمار. قال:
فاللبن؟ قال: ما نظرت إليه إلّا استحييت من أمي لطول إرضاعها لي.
قال: فالخمر؟ قال: إنه صديق روحي. قال الوليد: وأنت أيضا صديقي. ثم سأله عن أصلح مكان للشرب، فقال: عجبت لمن لا تحرقه الشمس ولا يغرقه المطر لا يشرب مصحرا، فوالله ما شرب الناس على وجه أحسن من وجه الماء، وصفو الهواء، وخضرة الكلأ، وسعة الفضاء، وقمر الشتاء.
105- قيل لرجل: ما تقول في نبيذ السعن «1» ؟ قال: نبيذ الرعن»
. قال: ففي نبيد الجر «3» ؟ قال: اشرب حتى تجر. قال: فنبيذ الدن؟ قال: اشرب حتى تجن. قال فالداذي «4» ؟ قال: أحلى من العسل الماذي «5» . قال: فنبيذ العسل والزبيب؟ فستر وجهه وقال: العظمة لله! قال: فالخمر؟ قال: لا تشربوها. قال: ولم؟ قال: أخاف أن لا تؤدوا شكرها فتنتزع منكم.(5/27)
106- أهديت إلى الوليد «1» جفنة بلّور، فملأها خمرا، وطلع القمر وهو يشرب، فقال: أين القمر الليلة؟ فذكر له بعض الأبراج، فقال بعض ندمائه: هو الجفنة. فضحك وقال: ما عدوت ما في نفسي، وطرب وقال: لاصطبحن الهفتجة «2» ، يريد الأسبوع، فقال له حاجبه: إن قريشا ووفود العرب بالباب، والخلافة ترق عن هذه الحالة. فقال: اسقوه، فأبى، فوضع القمع في فيه، وسقوه حتى خرما يعقل.
107-[شاعر] :
إذا اختلس الخطى واهتز لينا ... رأيت لرقصه سحرا مبينا
يمس الأرض من قدميه وهم ... كرجع الطرف يخفى أن يبينا
ترى الحركات منه بلا سكون ... فتحسبها لخفتها سكونا
كسير الشمس ليس بمستقر ... وليس بممكن أن يستبينا
108- للنبيذ حدان عقل لا هم فيه، وهم لا عقل فيه، فعليك بالأول ودع الثاني.
109- قال الجماز «3» : رأيت شيخا في علّية «4» ، معه صبي يقول له كل ساعة: هات فروتي، فاطّلعنا فإذا قنينة كلما طلب فروة سقي قدحا.
110- عكرمة «5» : ختن ابن عباس بنيه، فأرسلني فدعوت اللعابين، فلعبوا، فأعطاهم أربعة دراهم.
111- سئل سعيد بن المسيب عن اللعب بالنرد، فقال: إذا لم يكن قمار فلا بأس به.(5/28)
112- إبراهيم بن محمد «1» : رأيت أبا هريرة يلعب مع أبي بأربعة عشر «2» على ظهر المسجد.
113- أبو الفضل الميكالي «3» :
عيرتني ترك المدام وقالت ... هل جفاها من الرجال لبيب
هي تحت الظلام نور وفي الأكا ... باد برد وفي الخدود لهيب
قلت يا هذه عدلت عن النص ... ح وما للرشاد فيك نصيب
إنها للستور هتك وبالألب ... اب فتك وفي المعاد ذنوب
114- كان عروة بن الزبير يقول لولده: يا بنيّ العبوا فإن المروءة لا تكون إلّا مع اللعب.
115- في كل رأس طربة ونزوة.
116- أبو سليمان الداراني «4» : خرجت شهوة الشطرنج من قلبي بعد أربع وعشرين سنة.
117- أعرابي:
غضبت عليّ لأن شربت بصوف ... فلئن بقيت لاشربن بخروف
ولأشربن من بعد ذاك بناقة ... ولأشربن بتالدي وطريفي «5»(5/29)
118- بريدة «1» : عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: من لعب بالنردشير «2» كأنما غمس يده في لحم الخنزير ودمه.
119- ودخلت في زمن الحداثة على شيخ يلعب بالنرد مع آخر يعرف بأزدشير، فقلت: الأزدشير والنردشير بئس المولى وبئس العشير.
120- عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدخل وأنا ألعب بالبنات، وعندي صواحباتي، فإذا رأين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سعين، فيقول:
كما أنتن، ولا يعيب عليّ.
121- خرج غلمان من أهل البحرين يعلبون بالصوالجة «3» ، وأسقف البحرين قاعد، فصكت الكرة صدره فأخذها، فجعلوا يطلبون إليه في ردها، فأبى، فقال غلام منهم: أسألك بحق محمد لما رددتها علينا، فشتم رسول الله، فاقبلوا عليه بصوالجهم وما زالوا يخبطونه حتى مات.
فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فو الله ما فرح بفتح ولا غنيمة من غنائم المسلمين كفرحه بقتل أولئك الغلمان الأسقف، وقال: الآن عز الإسلام، إن غلمة صغارا سمعوا شتم نبيهم فغضبوا له وانتصروا. ثم أهدر دم الأسقف.
122- قال الربيع بن زياد الحارثي لعلي رضي الله عنه: أعدني على أخي عاصم. قال: ما باله؟ قال: لبس العباءة يريد النسك. قال عليّ به، فأتوا به مؤتزرا بعباءة مرتديا بأخرى، شعث الرأس واللحية. فعبس في وجهه وقال: ويحك! أما استحيت من أهلك؟ أما رحمت ولدك؟
أترى أن الله أباح لك الطيبات وهو يكره أن تنال منها شيئا؟ بل أنت أهون على(5/30)
الله، أما سمعت الله يقول في كتابه: وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ
«1» - إلى قوله- يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ
«2» ؟ أفترى الله أباح هذا لعباده إلّا ليبتذلوه ويحمدوا الله عليه فيثيبهم، وإنّ ابتذالك نعم الله بالفعل خير منه بالمقال.
قال عاصم: فما بالك في خشونة مأكلك وخشونة ملبسك! فإنما تزينت بزينتك. قال: ويحك! إن الله فرض على أئمة الحق أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس.
123- زاد عبد الله بن عمر عبد الله بن جعفر وبين يديه بربط «3» ، فقال: إن أخبرتني ما هذا يا أبا عبد الرّحمن فلك أي جارية من جواريّ شئت. فأخذ ابن عمر البربط فقبّله ونظر إليه وقال: ميزان حراني «4» ، وأنا أبو عبد الرّحمن. فضحك ابن جعفر ووهب له جارية.
124- بعضهم: رأيت أبا قتادة «5» في عرس يقول للجارية ارعفي الدف «6» .
125- عن أسلم مولى عمر: قدم علينا معاوية وهو من أبض الناس، فجعل عمر يضع إصبعه على متنيه ثم يرفعهما عن مثل الشراك حمرة، وهو يقول: بخ بخ، نحن إذن خير الناس إن جمعت لنا الدنيا والآخرة، فقال معاوية: أنا بأرض الريف والحمامات. فقال عمر: ما بك إلّا إلطافك(5/31)
نفسك بطيب الطعام، وتصبيحك حتى تضرب الشمس متنيك وذوو الحاجات من وراء الباب.
126- كان المأمون يحب لعب الشطرنج حبا شديدا، ويقول: هو فكري يشحذ الذهن. وكان يقول: لا أسمعن أحدا يقول: تعالى حتى نلعب، ولكن يقول: حتى نتزاول «1» او نتقاتل.
ولم يك حاذقا بهما، فكان يقول: أنا أدبر الدنيا فاتسع لذلك، وأضيق عن تدبير شبرين في شبرين!.(5/32)
الباب السابع والسبعون الأمراض، والعلل، والعاهات والطب، والدواء، والعيادة، ونحو ذلك
1- عبد الله بن أنيس «1» عنه عليه الصلاة والسلام: أيكم أن يصح فلا يسقم؟ قالوا: كلنا يا رسول الله، قال: أتحبون أن تكونوا كالحمير الصوالة؟ ألا تحبون أن تكونوا أصحاب بلايا وأصحاب كفارات، والذي بعثني بالحق، إن الرجل لتكون له الدرجة في الجنة فيبلغهما بشيء من عمله، فيبتليه الله ليبلغ درجة لا يبلغها بعمله.
2- وقال صلّى الله عليه وسلّم: ما من مسلم يمرض مرضا إلّا حطّ الله به خطاياه، كما تحط الشجرة ورقها.
3- كان يقال: ما تزال الأوصاف والمصائب بالعبد حتى تتركه كالفضة المصفاة.
4- كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا رأى على جسده البثيرة ابتهل في الدعاء وقال:
إن الله إذا أراد أن يعظم صغيرا عظمه.
5- جرير:(5/33)
ونعود سيدنا وسيد غيرنا ... ليت التشكي كان بالعواد
لو كان يقبل فدية لفديته ... بالمصطفى من طارفي وتلادي «1»
قالهما في الوليد بن عبد الملك. وروي أنهما لكثير «2» في عبد الملك.
6- آخر:
يعدن مريضا هنّ هيجن داءه ... ألا إنما بعض العوائد دائيا
7- مرض قيس بن سعد بن عبادة فاستبطأ أخوانه، فقيل: يستحيون مما لك عليهم من الديون، فقال: أخزى الله ما لا يمنع الأخوان من العيادة، فأمر فنودي: من كان لقيس بن سعد عليه مال فهو في حل.
فكسرت درجته لكثرة من عاده ذلك اليوم.
8- كتب الرشيد إلى الفضل بن يحيى في مرضه: أطال الله يا أخي مدتك، والله ما منعني عن إتيانك إلّا التطير من عيادتك، فاعذر أخاك، فو الله ما قلاك «3» ، ولا سلاك، ولا استبدل بك سواك، والسلام.
9- أطال قوم عيادة بكر بن عبد الله المزني، فقال: المريض يعاد، والصحيح يزار.
10- علي بن الجهم:
لا ييئسنّك من تفرج كربة ... خطب رماك به الزمان الأنكد
واصبر فإنّ الصبر يعقب راحة ... في اليوم يأتي أو يجيء به الغد
كم من عليل قد تخطّاه الردى ... فنجا ومات طبيبه والعود
11- النبي صلّى الله عليه وسلّم: ثلاثة في ظل العرش، عائد المرضى، ومشيع(5/34)
الموتى، ومعزي الثكلى.
12- محمد البيدق الشيباني «1» :
قالوا أبو الفضل معتل فقلت لهم ... نفسي الفداء له من كل محذور
يا ليت علته بي غير أن له ... أجر العليل وأني غير مأجور «2»
13- دخل عبد الوارث بن سعيد «3» على رجل يعوده، فقال: كيف أنت؟ قال: ما نمت منذ أربعين ليلة. قال: يا هذا، أحصيت أيام البلاء فهلا أحصيت أيام الرضا.
14- قيل لإسماعيل بن صبيح «4» وهو مريض: كيف أصبحت؟ قال:
أصبحت تحيرت عليّ الأطباء.
15- دخل الجاحظ على علي بن عبيدة الريحاني صاحب المنصور عائدا، فقال له: ما تشتهي؟ قال: أعين الرقباء، وأكباد الحساد، وألسن الوشاة.
16- قيل للنظام «5» في مرضه: ما تشتهي؟ قال: أن اشتهي.(5/35)
17- قيل لأحول: إنكم ترون الشيء شيئين، وكان بين يديه ديك، فقال: كيف لا أرى هذين الديكين أربعة.
18- ولعبد الله الفقير إليه «1» :
ليس يرى ثانيا له أحد ... في العدل إلّا المصاب بالحول
19- مرّ قوم بماء من مياه العرب، فوصفت لهم ثلاث أخوات بالجمال متطببات، فأحبوا أن يروهن، فحكوا ساق أحدهم بعود حتى أدموه، ثم قالوا: هذا سليم هل من راق؟ فخرجت صغراهن كأنها الشمس الطالعة، فقالت: ليس بسليم، ولكن خدشه عود بالت عليه حيّة، إذا طلعت عليه الشمس مات، فكان كما قالت.
20- قال الجماز «2» : لرجل إذا رمدت «3» العين بم تداويها؟ قال:
بالقرآن ودعاء الوالدة، قال: دواءان مباركان، ولكن إجعل معهما شيئا يقال له العزروت «4» .
21- أبو جعفر بن العباس «5» من أبناء الوزراء:
وأطراف المساويك ... تجلت عن مساويك «6»
فما جارحة فيك ... إذن أحوج من فيك
22- إبراهيم التيمي «7» : كفى بالمرء حسرة أن يفسح الله في بصره في الدنيا، وله جار أعمى، فيأتي يوم القيامة أعمى وجاره بصير.(5/36)
23- الحمد لله الذي لم يوحش منك ربعك، ولم يخل مجلسك في قومك، فلا أدبر عنك من الصحّة ما أقبل إليك من السقم ما أدبر عنك، وثبت لك العافية، ومدّ فيها عصارة عيشك، حتى يقبضك على أرذل عمرك، وأحسن عملك.
24- قال معاوية لابن عباس: يا بني هاشم، ما لكم تصابون في أبصاركم؟ فقال: بدلا مما تصابون في بصائركم. وذلك أنه لم يوجد ثلاثة مكافيف على نسق غير عبد الله «1» والعباس «2» وعبد المطلب «3» .
25- الأصمعي: العميان أكثر الناس نكاحا، والخصيان أكثر الناس إبصارا، لأنهما طرفان، ما نقص من أحدهما زاد في الآخر.
26- بشار بن برد، وكان أعمى جاحظ العينين قد تغشّاهما لحم أحمر:
عميت جنينا والذكاء من العمى ... فجئت عجيب الظن للعلم موئلا
وغاض ضياء العين للقلب رافدا ... بقلب إذا ما ضيع الناس حصلا
وشعر كنور الروض لاءمت بينه ... بقول إذا ما أحزن الشعر أسهلا
27- منصور الفقيه:
يا معرضا بهواه ... لما رآني ضريرا
كم ذا رأيت بصيرا ... أعمى وأعمى بصيرا
28- لما قال المؤمل بن أميل المحاربي:
شف المؤمل يوم الحيرة النظر ... ليت المؤمل لم يخلق له بصر
عمي، فرأى في منامه من يقول له: هذا ما تمنيت في شعرك.(5/37)
29- كان سيبويه «1» كثيرا ما يتمثل بهذا البيت:
إذا بل من داء به ظن أنه ... يجاد به الداء الذي هو قاتله
30- المتنبي:
فإن أمرض فما مرض اصطباري ... وإن أحمم فما حمّ اعتزامي
وإن أسلم فما أبقى ولكن ... سلمت من الحمام إلى الحمام
31- وقال آخر «2» :
كانت قناتي لا تلين لغامز ... فألانها الإصباح والإمساء
فدعوت ربي بالسلامة جاهدا ... ليصحني فإذا السلامة داء
قال رجل لفيلسوف: يا أبخر «3» . فقال: لا تعجب من هذا، فقد عفنت مساويك في صدري، وإن أخرجتها لم تجد من ذلك شيئا.
32-[شاعر] :
أنت لو جزت ببيت ... رضّ فيه المسك رضّا
وتنفست لقال النا ... س فيه قد توضّا
33- سارّ أبخر أصم فقال له: قد فهمت قد فهمت. فلما ولى سئل عما قال له، فقال: ما أدري، ولكنه فسا في أذني.
34- كان عمرو بن عدس «4» أبخر، ويقال لولده، أفواه الكلاب.
35- عض عبد الملك على تفاحة ورمى بها إلى امرأته، فدعت بسكين، فقال لها: ما تصنعين به؟ قالت: أميط عنها الأذى. فشق عليه(5/38)
وطلقها «1» .
وكانت الذبان تسقط إذا ألممن بفيه لشدّة بخره، ولذلك لقب بأبي الذبان.
36- وسارّ أبو الأسود الدؤلي سليمان بن عبد الملك، وكان أبخر، فخمر «2» أنفه بكمه، فجذب كمه وقال: لا يصلح للخلافة من لا يصبر على مناجاة الشيوخ البخر.
37- طول انطباق الفم يورث الخلوف «3» ، وكل رطب الفم سائل اللعاب سالم منه. ولذلك لا يعرض للمجانين الذين تسيل أفواههم، وكذلك من سال منه اللعاب نائما، ولذلك كان الزنج أطيب الناس أفواها، وإن كانت لا تعرف سنونا «4» ولا مسوكا.
38- والسباع موصوفة بالبخر، والمثل مضروب بالأسد والصقر، والكلب من بينها طيب الفم. وليس في البهائم أطيب أفواها من الظباء.
39- علي رضي الله عنه: وربما أخطأ البصير قصده، وأصاب الأعمى رشده «5» .
40- سمع أبو العيناء «6» المتوكل يقول: ما يمنعني من نظم أبي العيناء في جملة الندماء إلّا أنه ضرير. فقال: إن أعفاني من المسايفة، ورؤية الهلال، وقراءة الخواتيم صلحت لمنادمته.(5/39)
41- كان الأعمش «1» يقود النخعي «2» فيصيح بهما الصبيان عين بين اثنين «3» ، فكان إبراهيم إذا انتهى إلى مجامعهم خلّى عنه، فقال الأعمش: وما عليك يأثمون ونؤجر! قال: إبراهيم: وما عليك أن يسلموا ونسلم.
42- أنشد ابن الأعرابي «4» لرجل من بني قريع «5» :
يقولون ماء طيب خان عينه ... وما عين ماء خان عينا بطيب
ولكنه أزمان أنظر طيب ... بعيني قطامي نمى فوق مرقب
كأن ابن حجل مدّ فضل جناحه ... على ماء إنسانيهما المتصبب «6»
جرى فوق إنسانيهما فكأنما ... جرى فوق إنسانيهما ماء طحلب
43- أبو علي البصير الأنباري «7» :
لئن كان يهديني الغلام لوجهتي ... ويقتادني للسير إذ أنا راكب
فقد يستضيء القوم بي في وجوههم ... ويخبو ضياء العين والرأي ثاقب
44- وقال آخر:
إذا ما غدت طلابة العلم مالها ... من العلم إلّا ما يخلد في الكتب
غدوت بتشمير وجد عليهم ... ومحبرتي سمعي ودفترها قلبي
45- النبي صلّى الله عليه وسلّم: ثلاثة لا يعادون، صاحب الدمل، والرمد، والضرس.(5/40)
46- الشعبي «1» : عيادة النوكى «2» أشد على المريض من وجعه.
47- عاد أعرابي أعرابيا فقال: بأبي أنت! بلغني أنك مريض، فضاق علي والله الفضاء العريض، وأردت إتيانك فلم يكن بي نهوض، فلما حملتني رجلاي، ولساء ما يحملان، أتيتك بجزرة شيح»
ما مسها عرنين، فاشممها واذكر نجدا، فهو الشفاء بإذن الله.
48- شاعر:
بي السوء والمكروه لا بك كلما ... أراداك كانا بي وكان لك الأجر
49- اعتلّ المسور «4» فجاء ابن عباس فقضى النهار يعوده، فقال المسور: هلا ساعة غير هذه! قال: إن أحب الساعات إلي أن أؤدي فيها الحق إليك أشقها عليّ.
50- المؤمل بن أميل:
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم فنعتذر
51- قال عبد الله بن مصعب:
مالي مرضت فلم يعدني عائد ... منكم ويمرض كلبكم فأعود
فسمي عائد الكلب، وبنوه بنو عائد الكلب.
52- قيل لأعرابي: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي، قيل: فما تشتهي؟
قال: الجنة، قيل: أفلا ندعو لك طبيبا؟ قال: هو الذي أمرضني.(5/41)
53- أبو هارون الأعرابي «1» :
مرضت فلم تعدني في شكاتي ... ولم تبعث لجارتها رسولا
ولو كنت المريض ولا تكوني ... لأكثرت العيادة والعويلا
54- عاد مالك بن أنس عبد السلام النكاح «2» فقال:
عادني مالك فلست أبالي ... بعد من عادني ولم يعدني
55- إذا دخل العواد على الملك فحقهم أن لا يسلموا عليه فيخرجونه إلى الرد، فإذا علموا أنه لاحظهم دعوا له دعاء يسيرا وخرجوا.
56- داووا كل مريض بعقاقير أرضه، فإن الطبيعة تتطلع لهوائها، وتنزع إلى غذائها.
57- نظر الحارث بن كلدة إلى حية، فقال: إن الطبيب العالم ربما قام له علمه مقام الدواء، وأجزأت عنه حكمته في موضع الترياق، فقيل له: فما بالك يا أبا وائل لا تأخذها بيدك إن كان الأمر على ما تصف؟
فحملته النخوة أن مد يده إليها، فنهشته فرقع صريعا، فما برحوا حتى مات.
58- قيل لجالينوس «3» حين نهكته العلة: أما تتعالج؟ قال: إذا كان الداء من السماء بطل الدواء، وإذا نزل قدر الرب بطل حذر المربوب.
59- هرب سليمان بن عبد الملك من الطاعون، فتلي عليه قوله تعالى: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ
- إلى قوله- إِلَّا قَلِيلًا
«4» . فقال: ذلك القليل نريد.(5/42)
60- وقع الطاعون بالكوفة، فخرج فيمن خرج صديق لشريح «1» ، فكتب إليه: أما بعد، فإنك والمكان الذي أنت به بعين من لا يعجزه هرب، ولا يفوته طلب. وإن المكان الذي خلفته لا يعجل أحدا إلى حمامه، ولا يظلمه شيء من أيامه، وأنا وإياكم لعلى بساط واحد، وإن النجف من ذي قدرة لقريب.
61- دعي ابن المقفع إلى الغداء، فقال: لست اليوم أكيلا للكرام، لأني مزكوم، والزكمة قبيحة الجوار، مانعة من عشرة الأحرار.
62- في الحديث: قال الشيطان: ما حسدت ابن آدم إلّا على شيئين الطسأة والحقوة. والطسأة «2» الزكام، والحقوة «3» الهيضة «4» .
63- قيل لأعرابي: ما بال الآباط أنتن موضع في الجسد؟ فقال:
كانت فقاحا فغورن.
64- عبد الرّحمن بن أبي عبد الرّحمن بن عائشة: لي إبطان ترميان جليسي بشبيه السلاح أو بسلاح «5» .
65- عبد الله بن مالك الخزاعي:
ظلت علي الأرض مظلمة ... إذ قيل عبد الله قد وعكا
يا ليت ما بك بي وإن تلفت ... نفسي وقل ذاك لكا
66- قيل لفيلسوف: لم صار الأحدب أخبث الناس؟ قال: لأنه قرّب فؤاده من دماغه، وكبده من فؤاده.
67- قالوا: من قدم أرضا فأخذه من ترابها، فجعله في مائها، ثم(5/43)
شربه، فهو في أمن من وبائها.
68- كان أنوشروان يمسك عما تميل شهوته إليه من الطعام، ويقول: تركنا ما نحبه لنستغني عن العلاج بما نكرهه.
69- كتب الحسن بن سهل إلى أخ له: أجدني وإياك كالجسد الواحد إذا خص عضوا منه ألم عم سائره، فعافاني الله بعافيتك، وأدام لي الامتاع بك.
70- قال أعرابي لمريض: كيف تجدك؟ قال: أجدني أقربكم إلى الله، قال: اللهمّ باعد عبدك منك.
71- كشف الله ما بك من السقم، وطهرك بالعلة من الخطايا، ومتّعك بأنس العافية فأعقبك دوام الصحة.
72- قطعت رجل عروة بن الزبير فقال له عيسى بن طلحة بن عبيد الله: والله ما كنا نعدها للصراع، لقد أبقى الله لك أكثرك، أبقى لك سمعك وبصرك ولسانك وعقلك ويديك وإحدى رجليك. قال: ما عزاني أحد بمثل ما عزيتني به.
73- النبي صلّى الله عليه وسلّم: العيادة قدر فواق «1» ناقة.
74-[شاعر] :
باخوانك الأدنين لا بك كلما ... شكوت إليّ اليوم من ألم الورد
بكل امرىء منهم بقدر احتماله ... فإن عجزوا عنه فحملته وحدي
75- تقول العرب: قالت الحمى أنا أم ملدم «2» ، آكل اللحم وأمص الدم.
76- وجد في لوح:(5/44)
يا أيها المشعر هما لا تهم ... إنك إن تقض لك الحمىّ تحم
ولو علوت شاهقا من العلم ... كيف توقيك وقد جف القلم
وخطّ أيام الصحاح والسقم
77- حموا عند فتح خيبر، فشكوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا أيها الناس، إن الحمى رائد الموت، وسجن الله في الأرض، وقطعة من النار، فإذا وجدتم من ذلك شيئا فبردوا لها الماء في الشنان، ثم صبوا عليكم فيما بين المغرب والعشاء، ففعلوا ذلك فذهبت عنهم.
78- خرج رجلان من خراسان إلى بغداد في متجرهما، فمرض أحدهما، وعزم الآخر على الرجوع، فقال: ما أقول لمن يسألني عنك؟
قال: قل لهم لما دخل بغداد اشتكى رأسه وأضراسه، ووجد خشونة في صدره، وغرزا في طحاله، وخفقانا في فؤاده، وضربانا في كبده، وورما في ركبتيه، ورعشا في ساقيه، وضعفا عن القيام على رجليه. فقال:
بلغني أن الإيجاز في كل شيء مما يستحب، فأنا أكره أن أطول عليهم، ولكني أقول لهم قد مات.
79- قيل بحضرة أعرابي: لا أشد من وجع الضرس، فقال: كل داء شرّ داء.
80- جعفر بن محمد الصادق: ثلاث قليلهن كثير، النار والفقر والمرض.
81- طلق بن حبيب «1» : الهلبلجة في البطن كالكذبانوفة «2» في البيت. أي المرأة التي تصلح أمر البيت وتديره.(5/45)
82- خرجت قرحة في كف محمد بن واسع، فقيل له: إنا نرحمك منها. فقال: وأنا أشكر الله إذا لم تخرج في عيني.
83- أنس «1» : دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على شاب، وهو في الموت، فقال له: كيف تجدك؟ قال: أرجو الله وأخاف ذنوبي. قال: هما لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلّا أعطاه الله ما يرجو، وأمنه مما يخاف.
84- مرضت رابعة القيسية «2» فقيل لها: ما تشتهين؟ فقالت: أشتهي أن يجمع الله بيني وبين محمد بن واسع في عرصات القيامة.
85- عفيرة بنت الوليد البصرية العابدة سمعت رجلا يقول: ما أشد العمى على من كان بصيرا! فقالت: يا عبد الله عمى القلب عن الله أشد من عمى العين على الدنيا. والله لوددت أن الله وهب لي كنه محبته ولم يبق منه جارحة إلّا أخذها.
86- قيل لحسان بن أبي سنان في مرضه: كيف تجدك؟ قال: بخير إن نجوت من النار. وقيل: فما تشتهي؟ قال: ليلة طويلة الطرفين أحيا ما بينهما.
87- رفعت امرأة زوجها إلى القاضي تبغي الفرقة، وزعمت أنه يبول كل ليلة في الفراش، فقال الرجل: لا تعجل، أصلحك الله، حتى أقص عليك قصتي. إني أرى في منامي كأني في جزيرة في البحر، وفيها قصر، وفوق القصر عليّة «3» ، وفوق العليّة قبة، وفوق القبة جمل، وأنا على ظهر الجمل، وأن الجمل يتطأطأ ليشرب من البحر، فإذا رأيت ذلك بلت فرقا «4» . فبال القاضي وقال: يا هذه، أنا قد أخذنى البول من هول(5/46)
حديثه، فكيف بمن رأى الأمر عيانا؟.
88- ربيعة الرقي:
عينا ربيعة رمداوان فاحتسبي ... بنظرة منك تشفيه من الرمد
إن تكتحل منك عيناه فلا رمد ... على ربيعة يخشى آخر الأبد
- قال:
وليس لمكفوف خواطر مبصر ... وذو العين والتمييز جم الخواطر
89- قال عمر: لأدريس بن أنيس القرني، وقيل هو ابن الخليص:
أخرج بك وضح «1» فدعوت الله أن لا يذهبه عنك؟ وقلت: اللهمّ دع لي في جسدي ما اذكر به نعمك علي. قال: وما أدراك يا أمير المؤمنين؟
فو الله ما اطلع على هذا بشر. قال: أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
90- فلج الربيع بن خيثم، فكان بكر بن ما عز يقوم بأمره، فسال لعابه فبكى بكر، فقال الربيع: ما يبكيك؟ فو الله ما أحب أنه باعني الديلم على الله.
وقيل له: لو تداويت! فقال: قد عرفت أن الدواء حق، ولكن عادا وثمودا «2» وقرونا بين ذلك كثيرا كانت فيهم الأوجاع، وكانت لهم الأطباء، فما بقي المداوى ولا المداوي.
91- الثوري: إذا مرض العبد ثم صح فعاد إلى ما كان عليه قالت الملائكة: مسكين! عولج فما أنجع فيه الدواء.
92- أعرابي:
يا ابن التي خمارها في فيها ... أإبلي زعمت لا أرويها(5/47)
يعني أن أمه كانت بخراء «1» فهي تخمر فاها.
93- تزوج أبخر امرأة، فلما ضاجعها عافته وتولت عنه، وقالت:
با حب والرحمن إن فاكا ... أهلكني فولني قفاكا
إذا غدوت فاتخذ سواكا ... من عرفط إن لم تجد أراكا «2»
94- دخل ابن السماك على الرشيد في عقب مرض، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله ذكرك فاذكره، واطلقك فاشكره.
95- عبد الله بن شبرمة: عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء، كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار؟.
96- أصاب إبراهيم بن أدهم بطن فتوضأ في ليلة ستين مرة.
97- اشتكى مدني بالشام، فعاده جيرانه، فقالوا له: ما تشتهي؟
قال: اشتهي أن أرى إنسانا.
98- كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز: كن كالمداوي جرحه، يصبر على شدة الدواء مخافة طول البلاء.
99- نظر معاوية في بئر عادية بالأبواء «3» فلقي «4» ، فخطب بمكة فقال: إن كنت ابتليت فقد ابتلى الصالحون قبلي، وإن مرض عضو مني(5/48)
فما أحصى صحيحي، وما عفويت منه أكثر.
100- عن موسى وداود عليهما السلام: لا مرض يضنيني، ولا صحة تنسيني، ولكن بين ذلك.
101- قباذة بن فيروز: المرض حريق الجسد، والحزن منبت المنايا.
102- قيل للربيع بن خيثم: ألا ندعو لك الطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني، ثم قال:
أصبحت لا أدعو طبيبا لطبه ... ولكنني أدعوك ما منزل القطر
103- عاد الفرزدق مريضا فقال له:
يا طالب الطب من داء تخونه ... إن الطبيب إذا أبلاك بالداء
هو الطبيب الذي يرجى لعافية ... لا من يذوق لك الترياق بالماء
104- علي بن العباس النوبختي:
كيف رأيت الداء أعفاك الله شفاء به من السقم
لئن تخطت إليك نائبة ... مست جميع القلوب بالألم
فالدهر لا بد محدث طبعا ... في صفحتي كل صارم خذم. «1»
105- كان الحسن يتمثل بقول عمران بن حطان:
أفي كل عام مرضة ثم نقهة ... وتنعى ولا تنعى متى وإلى متى
106- دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قيس بن أبي حازم يعوده، فقال:
طهور. فقال: بل حمى تفور، في صدر شيخ كبير، تزيره القبور.
107- قيل لعطاء في مرضه: ما تشتهي؟ فقال: ما ترك خوف جهنم في قلبي موضعا للشهوة.(5/49)
108- النعمان بن بشير: إنما المؤمنون كرجل، إذا اشتكى عضو من أعضائه اشتكى جسده له أجمع، وإذا اشتكى المؤمن اشتكى له المؤمنون.
109- لقمان لا تطيلوا الجلوس على الخلاء فإنه يورث الباسور «1» .
وكانت حكمة مكتوبة على أبواب الحشوش «2» .
110- أبو العتاهية:
بينا الفتى مرح الخطى فرحا بما ... يسعى له إذ قيل قد مرض الفتى
إذ قيل بات بليلة ما نامها ... إذ قيل أصبح مثخنا ما يرتجى
إذ قيل أمسى شاخصا وموجها ... ومعللا إذ قيل حل به الردى
111- أبو النجم العجلي:
والمرء كالحالم في المنام ... يقول إني مدرك مرامي
في قابل ما فاتني في العام ... والمرء يدنيه إلى الحمام
مر الليالي السود والأيام ... إن الفتى يصبح للأسقام
كالغرض المنصوب للسهام ... أخطأ رام وأصاب رامي
112- يقال في المهزول: هو شاحب المتحسر، ما فيه قوت يوم للقراد «3» .
113- هو كأشلاء اللجام.
114- يقال: هو مريض، مهيض، ووصب «4» نصب «5» .(5/50)
115- يقال لمن شرب الدواء: كم لبست نعلك؟ كم تخطيت إلى بيت الكرامة؟ كم جدا برقك وسح سحابك، وكم سارت بك الناقة إلى المنزل الخالي.
116- لو كانت العلة مما يحتمل لتقمصت قميصها دونه، ولو كانت الصحة مما يتحلل لخلعت سربالها عليه.
117- الجرب علّة إذا عرضت للمرء هربت عن فراشه عرسه، بل نفرت عن نفسه نفسه، وهو ربع من أرباع الخسران، وقسم من أقسام الخذلان.
118-[شاعر] :
أعاذك الله من أشياء أربعة ... الموت والعشق والإفلاس والجرب
119- شاعر:
وضنّوا بالعيادة وهي أجر ... كأن عيادتي بذل الطعام
120- عليك بالحمية فإنها طابع الصحة، فلئن تصبر على الحمية مدّة طويلة أحسن من أن تقاسي ساعة نفسا عليلة.
121- كفى بالمرء عارا أن يكون صريع مأكله، وقتيل أنامله، فكم لقمة أكلت نفس حر، وأكلة منعت أكلات دهر.
122- الأكل فوق المقدار يضيق على الروح ساحته.
123- راع غداك تحكم به مناك.
124- من غرس الطعام جنى ثمره السقام.
125- رافد بن الغطريف الطائي:
يقولون لا تشرب نسيا فإنه ... وإن كنت حرانا عليك وخيم
لئن لبن المعزى بماء مؤيسل ... بغاني داء إنني لسقيم
النسيّ المحض يصب عليه ماء فيشرب، وتفسيره في البيت الثاني.(5/51)
126- أبو حكيمة:
أيحسدني إبليس داءين أصبحا ... برأسي ورجلي دملا وزكاما
فليتهما كانا به وأزيده ... زمانة شيخ لا يريد قياما
127- بعض أهل البيت كان إذا أصابته علة جمع بين ماء زمزم وماء السماء، والعسل، واستوهب من مهر أهله شيئا. وكان يقول: قال الله تعالى: وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً
«1» ، وقال: فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ
، وقال عليه السلام: ماء زمزم لما شرب له، وقال تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً
«2» . فمن جمع بين ما بورك فيه، وما فيه شفاء، وبين الهنيء والمريء، يوشك أن يلقى العافية.
128- رجل من بني عجل:
وشى بي واش عند ليلى سفاهة ... فقالت له ليلى مقالة ذي عقل
وخبرها أني عرجت فلم تكن ... كورهاء تجتر الملامة للبعل «3»
وما بي من عيب الفتى غير أنني ... جعلت العصا رجلا أقيم بها رجلي
129- ابن الرقاع العاملي:
لقد تباشر أعدائي بما لقيت ... رجلي وكم من كريم سيد عثرا
رجلي التي كنت أرقى في الركاب بها ... فاستقل وأرضى خطوها الشرا
محبوكة مثل أنبوب القناة لها ... عظم تكمش عنه اللحم فانحسرا
ليت الذي مسّ رجلي كان عارضه ... بحيث ينبت مني الحاجب الشعرا
130- في ديوان المنثور «4» : كم من أعرج في ديوان المعالي أعرج، وكم من صحيح قدم ليس له في الخير قدم. يصبح للأسقام كالغرض(5/52)
للسهام، أخطأ رام وأصاب رام. من الصم من يسمع السرار، وإذا رفعت له الصوت لم يسمع. ورأينا من العمش من لا يثبت صورة الإنسان من قرب ويقرأ الخط الدقيق في حواشي الكتب.
131- مدح طريف بن سوادة عمرو بن هداب، وكان أبرص، فلما انتهى إلى قوله:
أبرص فياض اليدين أكلف ... والبرص أغدى باللهى وأعرف «1»
صاح به الناس وقالوا: قطع الله لسانك. فقال عمرو: مه «2» ، البرص من مفاخر العرب، أما سمعتم قول ابن حبناء:
إني امرؤ حنظلي حين تنسبني ... لا من عتيك ولا أخوالي العوق
لا تحسبن بياضا في منقصة ... إن المهاميم في أقرانها بلق «3»
أو ما سمعتم قول ابن مسهر:
أيشتمني زيد بأن كنت أبرصا ... وكل كريم لا أبالك أبرص
أو ما سمعتم قول الآخر:
يا كأس لا تستنكري نحولي ... ووضحا أوفى على خصيلي
فإن نعت الفرس الرحيل ... يكمل بالغرة والتحجيل «4»
ثم قال لطريف: أما تحفظ فيه شيا؟ فأنشد:
ليس يضر الطرف توليع البهق ... إذا جرى في حلبة الخيل سبق
132- الجاحظ أنشدني أبو نواس لبعض بني نهشل:(5/53)
نفرت سودة مني أن رأت ... صلع الرأس وفي الجلد وضح «1»
قلت يا سودة إني والذي ... يفرج الكربة عنا والكلح «2»
هو زين لي في الوجه كما ... زين الطرف نحاسين القرح
وزعم أبو نواس أنهم كانوا يتبركون به، وجذيمة الوضاح يفتخر به.
ولما شاع في بلعاء بن قيس قيل له: ما هذا با بلعاء؟ فقال: سيف الله جلاه.
133- وعن عمرو بن هدّاب أنه لما كفّ بصره، قال له ابن جامع:
يا أبا أسيد، لا تجزعن من ذهاب عينيك وإن كانتا كريمتيك، فإنك لو رأيت ثوابهما في ميزانك تمنيت أن يكون الله قطع يديك ورجليك وقطع ظهرك. فصيح به. فقال عمرو: معناه صحيح ونيته حسنة، وإن أساء في اللفظ.
134- كانت لرجل جارية يتعشّقها، وبها صنان «3» ، وكان يعجبها منها، فإذا تعالت بالمرتك غاظته، فكان ينهاها. فإذا سألته حاجة ففرط قالت: لأمرتكن الله. فلا يجد بدا من قضائها.
135- الجاحظ: آباط «4» الزنج منتنة العرق، وسائر ذلك الجسم سليم، والتيس إبط كله، ونتنه في الشتاء كنتنه في الصيف. وأنا لندخل السكة فيها تيس فنجد نتنه، فلا نكاد نقطعها إلّا مخمري «5» الأنوف.
136- ومن الناس من يستطيب رائحة التيس لفساد مزاجه، فيتعهد(5/54)
الجلوس على باب التياس، ومنهم من يشتهي ريح الكرباس «1» ، فيحرقه ثم يضع منخريه عليه حتى يقضي وطره «2» .
137- ثلاث يهلكن: الجماع على البطنة، وأكل القديد اليابس، وشرب الماء البارد على الريق.
138- ومما يورث الهزال النوم على غير وطاء، وكثرة الكلام برفع الصوت.
139- وقال النظام: ثلاثة تخلق العقل: طول النظر في المرآة، والاستغراب في الضحك ودوام النظر في البحر.
140- الجاحظ: قال لي من أثق به: ما أخذت شيئا من البلاذر ونازعت أحدا إلّا ظهرت عليه. وهو جيد للعصب. ويقولون: إن الخس للعصب خاصة.
141- كان أعين الطبيب يصرع، واتفق أن كان له بغل يصرع، فربما صرعا جميعا. والصرع قلما يذهب. وقد عرض للأصمعي فداواه ابن بختيشوع فذهب.
142- من الناس من لا يسكر البتة، منهم محمد بن الجهم وأبو عبد الله العمي.
143- أنشد الجاحظ لابن عباس:
إن يأخذ الله من عينيّ نورهما ... ففي لساني وسمعي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل ... وفي فمي صارم كالسيف مأثور
144- الخريمي:(5/55)
أصغي إلى فائدي فيخبرني ... إذا التقينا عمن يحييني
أريد أن أعدل السلام وأن ... أفصل بين الشريف والدون
أسمع ما لا أرى فأكره أن ... أخطىء فالسمع غير مأمون
لله عيني التي فجعت بها ... لو أن دهرا بها يواتيني
لو كنت خيرت ما أخذت بها ... تعمير نوح بملك قارون
145- علي بن هارون بن علي في ابن أبي الحواري، وقد عرضت له سقطة:
كيف نال العثار من لم يزل ... منه مقيلا في كل خطب جسيم
أو ترقى الأذى إلى قدم ... لم يخط إلّا إلى مقام كريم
146- عبد الواحد بن قيس عنه عليه الصلاة والسلام: داء الأنبياء الفالج واللقوة «1» .
147- قال الجاحظ: ومن المفاليج إدريس عليه السلام. وأكثر ما يعتري المتوسطين في الأسنان، لأن الشاب كثير الحرارة، والشيخ كثير اليبس.
148- وممن فلج من الكبراء أبان بن عثمان. وكانوا يقولون: رماه الله بفالج أبان، ولقوة معاوية، وبخر عبد الملك، وبرص أنس بن مالك، وجذام «2» ابن أبي قلابة، وعمى حسان «3» ، وصمم ابن سيرين «4» .
ومنهم أحمد بن أبي داود قاضي قضاة المعتصم والواثق، وكان من الشرف والكرم بمنزلة. ولأبي هفان في رجل ضرب غلاما له:
أتضرب مثله بالسوط عشرا ... ضربت بفالج ابن أبي داود(5/56)
149- وقال علي بن الجهم:
أأرقد الليل مسرورا عدمت إذن ... عيشي وأحمد يرعى ليله وصبا
الله يعلم أني قد نذرت له ... صيام شهر إذا ما أحمد ركبا
ثم لما طال به قال:
لا زال فالجك الذي بك دائما ... وفجعت قبل الموت بالأولاد
150- عزهم بن قيس بن بلغدويه لما فقئت عين مالك بن مسمع:
تقاضوك عينا مرة فقضيتها ... وفي عينك الأخرى عليك خصوم
أجهلا إذا ما الأمن غشّاك ثوبه ... وحلما إذا ما كدحتك كلوم
151- كتب بعضهم إلى محمد بن عبد الملك الزيات: نعمتني بوطء المطهمات حتى أصابني النقرس «1» ، واتخمتني بأكل الطيبات حتى ضربني الفالج، ولولاك لكنت أبعد من النقرس من فتح، وأسلم من الفالج من مكان. وأين شرف أدوائي من جرب الحسن بن وهب، ودود أحمد بن أبي خالد؟ وأين أدواء الملوك والأنبياء من أدواء السفلة والأغبياء؟ فمن كان داؤه أفضل من صحة غيره، وعيبه أحمد من براءة ضده، فما ظنك بغير ذلك من أمره؟ والسلام.
152- شجة «2» عبد الحميد مثل في مستهجن يزيد صاحبه حسنا، وهو عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، كان من أجمل أهل زمانه، فأصابته شجة فزادته زينة وجمالا، حتى أن النساء كن يخططن في وجوههن شجة عبد الحميد.
153- أبو محلم الحراني في عبد الله بن طاهر؛(5/57)
فإن تك حمى الربع شفك وردها ... فعقباك فيها أن يطول لك العمر
وقيناك لو يعطي الهوى فيك والمنى ... لكانت بنا الشكوى وكان لك الأجر
154- كان يقال لعمر بن عبد العزيز أشج بني أمية. وكان عمر رضي الله عنه يقول: إن من ولدي رجلا بوجهه أثر يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.
لما نفحه «1» الحمار برجله فأثر في جبهته قال أصبغ: الله أكبر! هذا أشج بني أميّة، يملك ويملأ الأرض عدلا. ولما قال عمر بن عبد العزيز في يزيد بن المهلب: أي عربي هو لولا عذرة في رأسه، بلغ ذلك يزيد فقال: من يعذرني من لطيم الشيطان؟.
155- الفضل بن إسماعيل العباسي:
أشكو إلى الله ما أصبت به ... من ألم في مفاصل القدم
كأنني لم أطأ بها كبدا ... من حاسد سرّ قلبه ألمي
ما من صحيح إلّا ستنقله ال ... أيام من صحة إلى سقم
156- في الحديث: احتجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أم مغيث. وهي وسط الرأس.
157-[شاعر] :
ففي شؤوني حريق من تنزلة ... وفي الخياشيم ضيق محصد المدر
158- ابن الحجاج:
أيها النزلة بيني ... واصعدي فوق لهاتي «2»
ودعي حلقي بحقي ... فهو دهليز حياتي(5/58)
159- يقال للحمى داء الأسد لأنه قلّ ما يخلو منها. قال أبو تمام:
فإن يك قد نالتك أطراف وعكة ... فلا عجب أن يرعك الأسد الورد
160- وقال البحتري:
وما الكلب محموما وإن طال عمره ... ألا إنما الحمى على الأسد الورد
161- منيع بن لوبك الأسدي الأقطع:
هل أنت على باقي جناح كسرته ... وريش الذنابي مستقل فطائر
وكيف يطير الصقر أودى جناحه ... كسيرا وغالت دابريه المقادر
لقد كنت مما أحدث الدهر آمنا ... ألا ليتني ضمّت علي المقابر
162- الحسن: رحم الله أقواما لم يدروا ما هيليلج ولا بليلج.
163- قال أعرابي كثر عياله وقل ماله: سأنتجع «1» خيبر، عسى أن يخفف عني ثقل هؤلاء. فلما شارفها قال:
قلت لحمى خيبر استعدي ... هاك عيالي فاجهدي وجدي
وباكري بصالب وورد ... أعانك الله على ذا الجند
فلما دخلها حم، وحم حمامه، وعاش أيتامه.
164- القابلة بالأهواز «2» ربما قبلت الصبي فتجده محموما، ولا ترى بها وجبة حمراء لصبي.
165- دماميل الجزيرة داء فاحش لا يكاد يخرج دمل بالجزيرة فعاش صاحبه.(5/59)
166- قال الحجاج لطبيبه: أخبرنا بجوامع الطب، فقال: لا تطأن من النساء إلّا شابة، ولا تأكلن من اللحمان إلّا لحم فتي، وإذا تغذيت فاستلق، وإذا تعشيت فامش ولو على الشوك، ولا يدخلن بطنك طعام حتى تسمرىء ما فيه، ولا تأو إلى فراشك حتى تأتي الخلاء فتنتفض، وكل الفاكهة في إقبالها وذرها في إدبارها.
167- إذا ألم الألم فالمعالجة ترك المعالجة.
168- فتيان العراق يسمون الجرب حب الطرف، وفيه لبعضهم:
طلبت من المشتري ظرف حب ... فعوضني زحل حب طرف
فيا ليتني كنت صفر اليدين ... من كل حب ومن كل طرف
169- دخل العمري على الفضل بن الربيع عائدا، فسلم ثم قال:
أبا العباس، قد والله أمرضني ما أرى بك، وإنك لبعرض خير من أجر عظيم، فأتقبل ذلك بشكر وحسن صبر.
ونظر إلى مجلسه وهو في فسحة فقال: أخبرني أبي عن جدي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: خير المجالس ما سافر فيه النظر، واستروح فيه البدن. ثم قام فقال: عمرك الله العافية، ولا كان بك السوء.
170- عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
جس الطبيب يدي يوما فقلت له ... إن المجسة في قلبي فخلّ يدي
ليس اصفراري لحمى خالطت جسدي ... لكن لطارق هم حل في كبدي
171- قال رجل للقاسم بن محمد وقد ذهب بصره: لقد سلبت أحسن وجهك. فقال: صدقت، غير أني منعت النظر إلى مايلهي، وعرضت الفكرة فيما يجدي.
172-[شاعر] :
حق العيادة يوم بعد يومين ... وخلسة مثل خلس اللحظ بالعين(5/60)
لا تبرمن عليلا في مساءلة ... يكفيك من ذاك تسآل بحرفين
173- كانت بيحيى بن خالد البرمكي علة في جوفه عجز عنها أطبّاء العراق، فأشخص منويل أسقف فارس. وقد تقدم قبل أن يدخل عليه إلى خواصه بأخذ مائهم في قوارير، فأتوا بها، وفيهم مدني مضحك قد وهب له جارية فكان في كثرة الباه «1» الدعاوى العريضة، فأعطاه الوزير مجسته، فقال تناولت الحرف، فجحد، فحلف منويل حتى أقر. ونظر في القوارير فرد كلّ واحدة إلى صاحبها، فتعجب من لطف علمه.
174- وقال للمدني: أنت عنين «2» ، فلحّ، فقال: هو كافر بالمسيح إن كان خرج من صلبك شيء إلّا البول. فاعترف وطلب العلاج، فقال:
هذا ما لا حيلة فيه، ثم قال: إن كان، وما أظنه يكون، فعليك بالكباب والأجر مع نبيذ الصرفان.
175-[شاعر] :
لو أن سلمى أبصرت تخددي ... ودقة في عظم ساقي ويدي
وبعد أهلي وجفاء عوّدي ... عضت من الوجد بأطراف اليد
176- كان جرير في بلاد قيس مريضا فعادوه وتفقدوه، فقال:
نفسي الفداء لقوم زينوا حسبي ... وإن مرضت فهم أهلي وعوّادي
لو خفت ليثا أبا شبلين ذا لبد ... ما أسلموني لليث الغابة العادي
إن تجر طير بأمر فيه عافية ... أو بالرحيل فقد أحسنتم رادي
177- أبو الأطروشي صاحب طبرستان، كلمه رجل فقال: ارفع صوتك فإن بأذني بعض ما بروحك.(5/61)
178- نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الحجامة في نقرة القفا فإنها تورث النسيان. وأمر أن يستنجى بالماء البارد فإنه صحة من الباسور «1» .
179- خطب المأمون بخراسان، فسعل الناس، فنادى بهم: ألا من كان به سعال فليتداو بشرخل الخمر، ففعلوا، فانقطع عنهم السعال.
180- عروة بن الزبير: قلت لعائشة: إني نظرت في أمرك فعجبت من أشياء، ولم أعجب من أشياء، رأيتك من أفقه الناس، فقلت: وما يمنعها وهي زوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبنت أبي بكر؟ ورأيتك من أعلم الناس بالشعر وأيام العرب، فقلت: وما يمنعها وهي بنت أبي بكر وعلامة قريش؟ ولكني رأيتك من أعلم الناس بالطب. فأخذت بيدي، وقالت: يا عروة، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان كثير الأسقام والأوجاع، فكانت العرب والعجم تنعت له، فكنا نعالجه.
181- حكيم: إياك أن تحك بثرة وأن زعزعتك، واحفظ أسنانك من القار بعد الحار، والحار بعد القار، وأن تطيل النظر في عين رمدة «2» وفي بئر عادية، واحذر السجود على خصفة حديدة حتى تمسحها بيدك، فرب شظية حقيرة فقأت عينا خطيرة.
182- كانت الأدوية تنبت في محراب سليمان عليه السلام، فيقول كل نبت: يا رسول الله، أنا دواء لداء كذا.
183- جالينوس: البطنة تقتل الرجال، ومنها يكون الفالج، والبطن الذريع، والأقعاد، وصنف من الجذام يقال له الفهد لا يسمع صاحبه ولا يبصر ولا ينطق، وترك الطعام يغير الطبائع، ويهيج شدة الصداع، والكمد في العينين، والضربان في الأذنين، والقولنج «3» . فعليك بالطريقة(5/62)
الوسطى. واتق الليل وطعامه وشرابه بجهدك.
184- رسطاليس: إن سم الحية حياة لها وتلف لغيرها، والسم ما دام في الحية فهو سخين، فإذا خرج إلى غيرها برد حتى يقتل بشدة برده.
185- جالينوس: الغم المفرط يميت القلب، ويجمد الدم في العروق فيهلك صاحبه. والسرور المفرط يلهب حرارة الدم حتى تغلب الحرارة الغريزية فيهلك.
186- قال أسقف فارس لمحموم: هذا عمل الداذي، قال: ما ذقته منذ فارقت بغداد، قال: ألم تر امرأة حملت ببغداد ووضعت بفارس؟.
187- وضع على مائدة المأمون يوم عيد أكثر من ثلاثمائة لون، فكان يذكر منفعة كل لون ومضرته وما يختص به. فقال يحيى بن أكثم: يا أمير المؤمنين، إن خضنا في الطب فانت جالينوس في معرفته، أو في النجوم فأنت هرمس في حسابه، أو في الفقه فأنت علي بن أبي طالب في علمه، أو في السخاء فأنت حاتم في كرمه، أو في صدق الحديث فأنت أبوذر في لهجته، أو في الوفاء فأنت السموأل بن عاديا «1» في وفائه، فسر بكلامه وقال: يا أبا محمد، إن الإنسان إنما فضل غيره بعقله، ولولا ذاك لم يكن لحم أطيب من لحم، ولا دم أفضل من دم.(5/63)
188- طبيب الهند: منفعة الحقنة للإنسان كمنفعة الماء للشجرة إذا سقي أصلها.
189- ومرض أبو دجانة فنعت الطبيب له الحقنة فأبى، فأنشأ أعرابي عنده يقول:
لقد سرني والله وقاك شرها ... نفارك منها إذ أتاك يقودها
كفى سوءة ألا تزال مجبيا ... على شنة وفراء في أستك عودها
190- سفيان بن عيينة: اجتمع أطباء فارس وابن كلدة على أن الداء إدخال الطعام على الطعام. وقالوا: إدخال اللحم على اللحم يقتل السباع في البر. والشرب في آنية الرصاص أمان من القولنج.
191- حكيم: أربعة تهدم البدن: الجماع على الامتلاء، والاستحمام على الشبع، وأكل القديد، ونكاح العجوز.
192- قال الرشيد حين كان بطوس «1» لرجل: خذ هذه الدرة واعرض هذه القارورة على أسقف فارس، وبختيشوع من غير أن يتشاعرا، وازعم أنها قارورة أخ لك. فقال الأسقف: ما أشبه هذا الماء بماء الرشيد! فانتظر ولا ترحل فإن أخاك ميت غداة غد. وقال: يختيشوع مثله.
193- وعرض رجل على أيوب الطبيب قارورته، فقال: ما هي بقارورتك، لأنه ماء ميت وأنت حي تكلمني. فما فرغ من كلامه أن خرّ الرجل ميتا.
194- صدع ملك فأمره الطبيب بأن يضع قدميه في الماء الحار،(5/64)
فقال خصي عنده: وأين القدم من الرأس؟ فقال: أين وجهك من بيضتيك نزعتا فذهبت لحيتك؟.
195- شكا رجل إلى الطبيب وجع البطن، وقال: أكلت سمكا ولحم بقر وبيضا وماستا، فقال: انظر فإن مت من هذا وإلّا فارم نفسك من حالق.
196- اشترى أعرابي غلاما، فقيل: يبول في الفراش. فقال: إن وجد فراشا فليبل عليه راشدا.
197- قال أعور لأبي الأسود الدؤلي: ما الشيء ونصف الشيء ولا شيء؟ قال: أما الشيء فالبصير كما أنا، وأما لا شيء فالأعمى، وأما نصف الشيء فأنت يا أعور.
198- شم أعرابي إبطيه فقطب وجهه وقال: أخرجني الله من بينكما «1» .
199- صالح بن عبد القدوس:
عزاؤك أيها العين السكوب ... وصبرك إنها نوب تنوب «2»
وكنت كريمتي وسراج وجهي ... وكانت لي بك الدنيا تطيب
فإن أك قد ثكلتك في حياتي ... وفارقني بك الإلف الحبيب
فكل قرينة لا بد يوما ... ستشعب إلفها عنها شعوب «3»
على الدنيا السلام فما لشيخ ... ضرير العين في الدنيا نصيب
يموت المرء وهو بعد حيا ... ويخلف ظنه الأمل الكذوب
يمنيني الطبيب شفاء عيني ... وما غير الإله لها طبيب
إذا ما مات بعضك فابك بعضا ... فإن البعض من بعض قريب(5/65)
200- ذكر أعرابي رجلا توانى في درك ثأره، فقال: كيف يدرك ثأره وفي صدره من البلغم حشو مرفقة؟ والبلغماني يكون سمينا بطينا.
201- جعفر بن سليمان الهاشمي كان لنا ظبي فذبحناه وسلخناه، فإذا جسده قد شرق بالدم، فقال لنا داود الطبيب: هكذا جسد المتخم ولكن لا يراه.
202- افتصد «1» المأمون فسرح والتحم، وعنده بختيشوع وابن ماسويه وميخائيل، فطلب الحيلة، فاعتزلوا ليتناظروا. فقال المأمون لأسود قائم على رأسه: مص موضع الفصد، ففعل، فخرج الدم. فقالوا: لو نشر بقراط «2» وجالينوس ما زادا على هذا.
203- صدع «3» المأمون بطرسوس فلم ينفعه علاج، فوجه إليه قيصر قلنسوة وكتب: بلغني صداعك فضعها على رأسك يسكن. فخاف أن تكون مسمومة، فوضعها على رأس حاملها فلم تضره، ثم وضعت على رأس مصدّع فسكن، فوضعها على رأسه فسكن فتعجب، ففتقت فإذا فيها رق فيه: بسم الله الرّحمن الرّحيم، كم من نعمة في عرق ساكن، حم عسق لا يصدعون عنها ولا ينزفون، من كلام الرّحمن خمدت النيران، لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم.
وجال نفع الدواء فيك كما ... يجول ماء الربيع في الغصن
204- أسامة بن زيد رفعه: إن الطاعون رجز أرسل على بني إسرائيل، فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع في أرض فلا تخرجوا فرارا منه.
205- الهزيمي:(5/66)
قد كنت أنظر قبل اليوم في كتب ... فيها الحكايات والأشعار والخطب
ودفتر الطب فيها لا ألم به ... إذ لم يكن فيه لي من صحتي أرب
فجاءت السبع والخمسون تحوجني ... إلى العلاج فمالي غيرها كتب
206- ابن عباس رفعه: تداووا فإن الله لم يخلق داء إلّا خلق له شفاء ألّا السام.
207- وروي لكل داء دواء إلّا الهرم.
208- أنشد الموصلي:
أعزز علي بأن أزورك عائدا ... أو أن أرى بفنائك العوادا
209- علي عليه السلام رفعه: من أتى أخاه المسلم يعوده مشى في خرافة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة.
210- أنس رفعه: من قاد أعمى أربعين خطوة لم تمسه النار.
211- مرض أحمد بن أبي دؤاد: فعاده المعتصم وقال: نذرت أن عافاك الله أن أتصدق بعشرة آلاف دينار. فقال: يا أمير المؤمنين، فاجعلها لأهل الحرمين فقد لقوا من غلاء الأسعار عنتا. فقال: نويت أن أتصدق بها على من ههنا، وأطلق لأهل الحرمين مثلها. فقال: متع الله الإسلام بك، فإنك كما قال النمري لأبيك الرشيد:
إن المكارم والمعروف أودية ... أحلك الله منها حيث تجتمع
من لم يكن بأمين الله معتصما ... فليس بالصلوات الخمس ينتفع
فقيل للمعتصم: عدته ولا تعود جلة أهلك! قال: وكيف؟ وما وقعت عيني عليه قط إلّا ساق إليّ أجرا، وأوجب لي شكرا، وما سألني حاجة لنفسه قط.
212- دخل أبو الغمر على الداعي وهو يحتجم، فقال بديها:
إذا كتبت يد الحجام سطرا ... أتاك به الأمان من السقام(5/67)
فحسمك داء جسمك باحتجام ... كحسمك داء ملكك بالحسام
فاستجاده وأمر له بعشرة آلاف درهم.
213- علي رفعه: ادهنوا بالبنفسج فإنه بارد في الصيف حار في الشتاء.
- وروي عنه: عليكم بالزيت فإنه يكشف المرة، ويذهب البلغم، ويشد العصب، ويذهب بالأعياء، ويحسن الخلق، ويطيب النفس، ويذهب بالهم.
- وروي عنه: إن يكن في شيء شفاء ففي شرطة حجام، أو شربة من عسل.
214- أبو نواس في أحمد بن روح بن أبي بحر الشاعر، وكان يهاجيه:
لا رعى الله ابن روح ... وسخ اسمي بلعابه
أسقم أسمي ريح فيه ... فأظن اسمي لما به
215- خالد بن عامر الملقب بالقفار:
وهنّ ببخص الداء بدن ... نواعم كالغزلان مرضى قلوبها «1»
بهن من الداء الذي أنا عارف ... ولا يعرف الأدواء إلّا طبيبها
216- خالد بن زيد الجهضمي:
كفى حزنا أني أجالس معشرا ... يخوضون في بعض الحديث وأمسك
وما ذاك من عي ولا من جهالة ... ولكنه ما فيّ للصوت مسلك
فإن سد مني السمع فالله قادر ... على فتحه والله بالعبد أملك(5/68)
217- ربيعة الرقي «1» :
عينا ربيعة رمداوان فاحتسبي ... بكحلة منك تشفيه من الرمد
إن تكتحل منك عيناه فلا رمد ... على ربيعة يخشى آخر الأبد
218- طعن في عين قتادة بن النعمان يوم أحد فندرت في وجنته، فردّها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكانت أحد عينيه نظرا وأحسنها، فقال الخرنق الأوسي:
ومنا الذي سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفى أيّما رد
فعادت كما كانت لأحسن حالها ... فيا طيب ما عين ويا طيب ما يد
219- أبو الحسن الناجم.
قالوا اشتكت نرجستا وجهه ... قلت لهم أحسن ما كانا
حمرة ورد الخد شابتهما ... والصبغ قد ينفض أحيانا
يريد أحسن ما كان وجهه إذا رمد.
220- ولد الأحنف ملتصق الأليتين حتى شق ما بينهما.
221- شراعة بن الزندبود:
قالوا شراعة عنّين فقلت لهم ... الله يعلم أني غير عنّين «2»
فإن ظننتم بي الظن الذي زعموا ... فقربوني من بيت ابن رامين «3»(5/69)
222- أبو الفيض القضافي في المعتضد:
أرقت دما لو تسكب المزن مثله ... لأصبح وجه الأرض أخضر زاهيا «1»
دما طيبا لو يطلق الدين شربه ... لكان من الأسقام للناس شافيا
223- اعتل عثمان بن عمرو القيني فلم يعده العتبي، فكتب إليه:
بأبي أنت إن ذا الفضل محف ... وظ أقل القليل من هفواته
أترى عتبة ابن أبي سف ... يان وصى بنيه عند وفاته
أن يبروا الصحيح ممن أحبوا ... ويعقوا العليل عند شكاته
يا ابن من بالعتاب سمي أعتب ... وأسألن بالعليل إن لم تاته «2»
فحلف العتبي ليأتينه شهرا كل يوم.
224- العباس بن الأحنف:
قالت مرضت فعدتها فتبرّمت ... فهي الصحيحة والمريض العايد
والله لو أن القلوب كقلبها ... ما رق للولد الضعيف الوالد
225- قال سفيان لصاحب له: ما نمت البارحة من ضربان ضرسي.
فقال: وأنت يا عبد الله تشكو؟ قال: يا أحمق، لم أشك، وإنما أنت أخي أخبرتك. قال أبو سليمان: إذا أخبر فقد شكا.
226- أبو صفوان: إن الله خلق جنة، وأعد فيها نعيما، وندبنا إليه بترك الشهوات، فلم نطعه. ثم أصبنا الشهوات فأورثتنا الأدواء، فجئنا إلى بعض خلقه ممن تشتمهم غدوة وعشيا، فقلنا: داوونا. فقالوا: نداويكم على أن تتركوا الشهوات، فأطعناهم.
227- مالك بن دينار: عجبت ممن يحتمي من الطعام مخافة الداء كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار.(5/70)
228- عاد سفيان فضيلا فقال: يا أبا محمد، وأي نعمة في المرض لولا العواد؟ قال: وأي شيء يكره في العواد؟ قال: الشكية.
229- علي عليه السّلام لبعض أصحابه جعل الله ما كان من شكواك حطا لسيئاتك فإن المرض لا أجر فيه، ولكن يحط السيئات ويحتها حت «1» الأوراق، وإنما الأجر في القول باللسان، والعمل بالأيدي والأقدام.
230- كتب مبارك أخو سفيان الثوري إليه يشكو ذهاب بصره. فكتب سفيان: أما بعد، فقد فهمت كتابك فيه شكاية ربك، فاذكر الموت يهن عليك ذهاب بصرك، والسلام.
231- استأذن الربيع بن خثيم على ابن مسعود، فخرجت إليه جارية حسناء، فغمض عينيه، فقالت: على الباب رجل أعمى يقول أنا الربيع بن خثيم، فقال: ليس بأعمى، وإنما غض بصره عما نهاه الله عنه.
232- كان رجل يتعاطى الصراع فلا يصرع أحدا، فترك الصراع وتعاطى الطب، فمر به في بعض الأيام حكيم فقال له: الآن تصرع خلقا كثيرا.
233- كان منيع بن كوثل يقطع بنواحي الحجاز، فقطع، فقال:
هل أنت على باقي جناح كسرته ... وريش الذنابي مستقل فطائر
وكيف يطير الصقر أودى جناحه ... كسيرا وغالت دابريه المقادر
لقد كنت ممّا أحدث الدهر آمنا ... ألا ليتني ضمت عليّ المقابر
234- كان أيمن بن خريم به برص في يده، وكان يصفره بالزعفران، فإذا أكل رجلا لم ينشب «2» أن يصفر الطعام. وكان مداحا لعبد العزيز بن مروان، فامتدحه نصيب «3» بما أعجبه، فقال لأيمن: هو والله(5/71)
أشعر منك، فقال أيمن: لا والله، ولكنك طرف ملول. فقال: أنا ملول وأنا أواكلك مذ كذا وكذا؟.
235- دخل عمر بن عبد العزيز إلى اسطبل أبيه، فضربه فرس على وجهه، فأتى به أبوه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: لئن كنت أشج بني أمية إنك لسعيد.
236- كان المغيرة بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام يطعم الطعام، وكان أعور؛ فجعل أعرابي يديم النظر إليه حابسا نفسه عن طعامه، فقال له المغيرة في ذلك، قال: إنه ليعجبني طعامك وتريبني عينك. قال: وما يريبك من عيني؟ قال: أراك أعور وأراك تطعم الطعام وهذه صفة الدجال. وكانت عينه أصيبت في قتال الروم، فقال: الدجال لا تصاب عينه في سبيل الله.
237- كان أبو أحمد بن جحش من المكافيف، وقد أخذ خطام ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد فتح مكة، وهو يسعى بين الصفا والمروة، وهو يرتجز:
يا حبذا مكة من وادي ... أرض بها أهلي وعوادي
أرض بها ترسخ أوتادي ... أرض بها أمشي بلا هادي
238- علي بن الجهم في مرض المتوكل:
لإمام الهدى البقاء الطويل ... ومنا لا به الصنى والنحول
كادت الأرض أن تميد لشكوا ... ك وكادت لها الجبال تزول
أنا أشكر إليك قسوة قلبي ... كيف لم ينصدع وأنت عليل
239- دخل علي عليه السلام على صعصعة بن صوحان عائدا،(5/72)
فقال علي لصعصعة: والله ما علمتك إلّا خفيف المؤونة، حسن المعونة، فقال صعصعة: وأنت يا أمير المؤمنين، إن الله في عينك لعظيم، وإنك بالمؤمنين لرحيم، وأنك بكتاب الله العليم.
فلما قام ليخرج، قال: يا صعصعة، لا تجعل عيادتي فخرا على قومك، فإن الله لا يحب كل مختال فخور.
وروي: لا تتخذها أبهة على قومك، إن عادك أهل بيت نبيك.
240- ابن عباس: مرضت مرضا شديدا، فحماني أهلي كل شيء حتى الماء، فعطشت ليلة أشد العطش، فحبوت إلى أداوة «1» معلقة، فشربت كما أردت، فما زلت أعرف الصحة منها في جسمي ونفسي. فلا تحرموا مرضاكم شيئا.
241- سلّ الزبير العبسي حتى لم يبق منه إلّا الجلد والعظم، فأخرج ذراعه فنظر إليها، فقال: الحمد لله الذي لم يبق للأرض من جسدي نباتا.
242- مرض بكر بن عبد الله المزني فرأى الناس يدخلون ويخرجون، فغمه ذلك، فلمّا كثر عليه قال: المريض يعاد، والصحيح يزار.
243- أبو هريرة: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ليرعفن جبار من جبابرة بني أمية على منبري هذا. فرؤي عمرو بن سعيد بن العاص يرعف على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتى سال رعافه على درج المنبر.
244- أحمد بن يحيى ثعلب «2» ناله صمم شديد حتى كان يكتب له(5/73)
الشيء في آخر أيامه.
245- قال السفاح لطبيبه في علّة موته وأراد جسّه:
أنظر إلى ضعف الحرا ... ك وذلة بيد السكون
ينبيك أن بيانه ... هذا مقدمة المنون(5/74)
الباب الثامن والسبعون المال، والكسب، والتجارة، والنفاق، والغلاء، والرخص والغبن، والمكاس، وذكر الغنى والفقر وما اتصل بذلك
1- ابن عباس: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والتفت إلى أحد: ما يسرني أنه لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله، لا أموت يوم أموت وعندي منه ديناران إلّا أن أرصدهما لدين إن كان.
قال: فمات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما ترك دينارا ولا درهما، ولا عبدا ولا أمة، وترك درعه التي كان يقاتل فيها رهنا بثلث قفيز «1» من شعير.
2- أنس رفعه: يقول الله عزّ وجلّ: ابن آدم أقبل إليّ املأ قلبك غنى، وانزع الفقر من بين عينيك، واكف عليك ضيعتك، فلا تصبح إلّا غنيا، ولا تمسي إلّا غنيا. وأن توليت عني نزعت الغنى من قلبك، وأنسيت عليك ضيعتك، فلا تصبح إلّا فقيرا، ولا تمسي إلّا فقيرا.
3- عبد الله بن معقل: أتى رجل رسول الله فقال: والله إني لأحبك في الله. قال: إن كنت صادقا فيسر للفقير تجفافا، فالفقر إلى من يحبني(5/75)
أسرع من السيل إلى منتهاه.
4- أبو ذر رفعه: صاحب الدرهمين أشد حسابا يوم القيامة من صاحب الدرهم.
5- أوحى الله إلى موسى عليه السلام: إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته. وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين.
6- لقمان: كان إذا مرّ بالأغنياء قال: يا أهل النعيم، لا تنسوا النعيم الأكبر. وإذا مرّ بالفقراء قال: إياكم أن تغبنوا مرتين.
7- أبو سعيد المخزومي:
وإني لصبار على ما ينوبني ... وحسبك أن الله أثنى على الصبر
ولست بنظار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر
8- دخل الحسن على عبد الله بن الأهتم يعوده، فرآه يصوب بصره ويصعده نحو صندوق له، فقال: يا أبا سعيد، ما قولك في مائة ألف في هذا الصندوق لم توصل منها رحم ولم تؤد زكاة؟ قال الحسن: ثكلتك أمّك، فلم أعددتها؟ قال: لروعة الزمان، وجفوة السلطان، ومفاخرة العشيرة.
فلما مات ضرب الحسن بإحدى يديه على الأخرى، ثم قال لوارثه:
لا تخدعن كما خدع أبوك. أما إنك أتاك هذا المال حلالا فإياك أن يكون عليك وبالا، أتاك ممن كان له جموعا منوعا، يخوض فيه لجج البحار، ومفاوز «1» القفار، من باطل جمعه فأوعاه، ومن حق منعه فأوكاه. إن أعظم الحسرات يوم القيامة أن ترى مالك في ميزان غيرك، فيا لها من توبة لا تنال وعثرة لا تقال!.(5/76)
9- حكيم: من لم يصبر على خيانة الوكلاء، وإضاعة الكفاة فليس بتام الدهقنة.
10- قيل لعبد الله بن جعفر: إنك لتبذل الكثير إذا سئلت، ويضايق في القليل إذا توجرت. فقال: إني أبذل مالي، وأضن بعرضي وبعقلي.
11- النبي صلّى الله عليه وسلّم: من باع دارا أو عقارا فلم يردد ثمنه في مثله فذلك مال قمن «1» أن لا يبارك الله فيه.
12- حكيم: إذا تزين المرء بالذهب والفضة فقد دل على نقصه في نفسه عنها، والفاضل من زين الذهب والفضة بحسن السياسة والتدبير فيها.
13- الحسن: من وسع الله عليه في ذات يده فلم يخف أن يكون ذلك مكرا به من الله فقد أمن مخوفا. ومن ضيق الله عليه في ذات يده فلم يرج أن يكون ذلك نظرا من الله تعالى فقد ضيع مأمولا.
14- العتابي:
إني امرؤ هدم الأقتار مأثرتي ... واجتاح ما بنت الأيام من خطر «2»
أيام عمرو بن كلثوم يسوده ... حيا ربيعة والأحياء من مضر
أرومة عطلتني من مكارمها ... كالقوس عطلها الرامي من الوتر «3»
15- النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا يعجبنك امرؤ كسب مالا حراما، فإنه إن أنفق لم يتقبل منه، وإن أمسك لم يبارك فيه، وإن مات وتركه كان زاده إلى النار.
16- رسطاليس: محبة المال وتد الشر كله، لأن الشر كله متعلق بها.(5/77)
17- نظر أعرابي إلى دينار فقال: ما أصغر قمتك وأكبر همتك!.
18- القنية مخدومة، ومن خدم غير نفسه فليس بحر.
19- ابن السماك «1» : الفطام عن الحطام شديد.
20- أعرابي: من ولد في الفقر أبطره الغنى، ومن ولد في الغنى لم تزده النعمة إلّا تواضعا.
21- يحيى بن معاذ الرازي: الاقتصاد في المعيشة ضيعة لم تتكلف ثمنها.
22- النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما عال من اقتصد.
23- العرب: ينبغي للمشتري أن يستري، أي أن يختار.
24- السري: نهيتك من مسألة أقوام أرزاقهم من ألسن الموازين، وأفواه المكاييل.
25- معاوية: ما رأيت سرفا «2» إلّا وإلى جانبه حق مضاع.
26- من ختم البضاعة أمن الإضاعة.
27- مدح رجل رجلا عند خالد بن عبد الله فقال: دخلت عليه فرأيته أسرى الناس دارا وفراشا وآلة وخدما. فقال خالد: لقد ذممته، هذه والله حال من لم تدع فيه شهوته للمعروف فضلا ولا للكلام موضعا.
28- ونحوه: من عظمت مؤونته على نفسه قل فضله على غيره.
29- الدراهم والدنانير خواتيم الله في الأرض، فمن ذهب بخاتم الله قضيت حاجته.(5/78)
30- أبو الدرداء «1» رضي الله عنه:
يريد المرء أن يعطى مناه ... ويأبى الله إلّا ما أرادا
يقول المرء فائدتي ورزقي ... وتقوى الله أكبر ما استفادا
31- أشتري لابن عمر متاع فرضيه ودفع الثمن إلى من اشتراه له، فجاء وقد استوضع دينارين، فقال ابن عمر: قد رضينا المتاع، فبأي شيء تأخذ الدينارين؟ ردهما على الرجل.
32- النبي صلّى الله عليه وسلّم: الاقتصاد نصف العيش، وحسن الخلق نصف الدين.
33- باع مزبد خمارا، فأقبلوا يقلبونه، فقال: والله لو قلبتم عين الشمس هذا التقليب لأخرجتم فيها صدأ.
34- علي رضي الله عنه: ما كسى عن درهميك فإن المغبون لا محمود ولا مأجور.
35- النبي صلّى الله عليه وسلّم: أشقى الأشقياء من جمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة.
36- قيل لابن عيينة «2» : من أفقر الناس؟ قال: ليس أحد دون أحد، قال الله تعالى: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله.
37- رأى بزرجمهر فقيرا جاهلا، فقال: بئس ما أجتمع على هذا! فقر ينغص دنياه، وجهل يفسد آخرته.
38- في الحديث المرفوع: مثل الفقر للمؤمن كمثل فرس مربوط(5/79)
بحكمته إلى أخيه، كلما رأى شيئا مما يهودى ردته حكمته.
39- قال رجال لفيلسوف: ما أشد فقرك! فقال: لو علمت ما الفقر لشغلك الغم لنفسك عن الغم لي.
40- أعرابي: المال لا يصلح إلّا بالوالي يلي المال ربه وإن كان أحمق.
41- قالوا: الغبن في شيئين، في الغلاء والرداءة، فإذا استجدت فقد أحرزت أفضلهما.
42- شاعر:
خلق المال واليسار لقوم ... وأراني خلقت للإملاق
أنا فيما أرى بقية قوم ... خلقوا بعد قسمة الأرزاق
43- قرىء على درهم في أحد جانبيه:
قرنت بالنجح وبي كلما ... يراد من ممتنع يوجد
وفي الجانب الآخر:
وكل من كنت له آلفا ... فالجن والأنس له أعبد
44- الجاحظ: إنما هو شيء ألقاه الشيطان في قلوب العامة، وأجراه على ألسنتهم حتى قالوا: المغبون لا محمود ولا مأجور، فحملوا الجهلة على النظر في قيمة حبة، والإطلاع في لسان الميزان، وأخذ المعايين بالأيدي. وبالحري أن يكون المغبون محمودا ومأجورا.. وقالت الحكماء: السؤدد التغافل. وأدبنا رسول الله حيث قال: رحم الله رجلا سهل البيع سهل الشرى. وقال معاوية: إني لأجر ذيلي على الخدائع.
وعن الحسن البصري: لا يكون المؤمن مماكسا «1» .(5/80)
45- قال المنصور لرجل: ما مالك؟ قال: ما يكف وجهي ويعجز عن بر الصديق.
46- من حفظ ماله فقد حفظ الأكرمين: دينه وعرضه.
47- إذا استغنى اللئيم بلي به ثلاثة: صديقه القديم يجفوه، وامرأته يطلقها، وخادمه يستبدل به.
48- الحسن: ما أعز أحد الدراهم إلّا أذله الله.
- وعنه رحمه الله: كسب الدرهم الحلال أشد من لقاء الزحف.
49- وذكر بعضهم أبا الشعثاء فقال: كان مسلما عند الدرهم.
50- عبد الله الفقير إليه:
وإذا رأيت صعوبة في مطلب ... فاحمل صعوبته على الدينار
يردده كالظهر الذلول فإنه ... حجر يلين قسوة الأحجار
51- حبس عمرو بن الليث أبا سعيد الكاتب وعلي بن النضر، فتبلح أبو سعيد في أداء ما طولب به، فحلف المطالب ليقلعن أضراسه أن لم يؤده، فلما احتاله من حيث وضع عمد ابن النضر فسرقه، فدعي بالطست «1» والكلبتين «2» فقلعت أضراسه. فنمي الخبر إلى عمرو فاغتم له وأطلقه. فلما كان بعد مدة أتاه علي بالكيس، فقال: ما حملك على ما فعلت؟ دخلت في دمي وفجعتني بأضراسي. قال: اسكت، فإنه إذا لم يكن لك أضراس وكانت لك دراهم اتخذت الهرايس والأخبصة «3» ، وإذا لم(5/81)
يكن لك مال وأنت سالم الأضراس مت جوعا. فضحك وتسلى، وقعد يتنعم.
52- يونس بن عبيد صاحب الحسن: كسبت في هذه السوق ستين ألف درهم، ما منها درهم ألّا وأنا أخاف أن أسأل عنه.
53- أنس رفعه: يقول الله لملائكته: أدنوا أحبائي، فتقول الملائكة: سبحانك من أحباؤك؟ قال: أدنوا مني فقراء المسلمين.
54- الثوري «1» : المال في هذا الزمان عز للمؤمن. وقال: المال سلاح المؤمن في هذا الزمان. وكان بين يديه دنانير يقلبها، فقيل له:
أتحبها؟ فقال: دعنا منك، فلولا هذه لتمندلت بأعراضنا القوم تمندلا.
وقال: لئن أخلف عشرة آلاف يحاسبني الله عليها أحب إلي من أن احتاج إلى الناس.
55- النبي صلّى الله عليه وسلّم: إنما يخشى المؤمن الفقر مخافة الآفات على دينه.
56- ترك ابن المبارك دنانير وقال: اللهمّ إنك تعلم أني لم أجمعها إلّا لأصون بها حسبي وديني.
57- وقيل لآخر: لم تحب هذه الدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟
قال: هي وإن أدنتني منها فقد صانتني عنها.
58- عبد الله الفقير إليه:
لا تلمني إذا وقيت الأواقي ... فالأواقي لماء وجهي واقي
59- ابن عيينة: من كان له مال فليصلحه، فانكم في زمان من احتاج فيه إلى الناس كان أول ما يبذل دينه.
60- عون: صحبت الأغنياء، فلم يكن أحد أكثر غما مني، لأني(5/82)
كنت أرى ثيابا خيرا من ثيابي، ودابة خيرا من دابتي. ثم صحبت المساكين فاسترحت.
61- فضيل: بخس الميزان سواد الوجه يوم القيامة، وإنما أهلكت القرون الأولى لأنهم أكلوا الربا، وعطلّوا الحدود، ونقصوا الكيل والميزان.
62- قال رجل لإبراهيم بن أدهم: أقبل مني هذه الجبة، قال: إن كنت غنيا قبلتها منك، قال: أنا غني، قال: كم مالك؟ قال: ألفان، قال: أيسرك أن يكون أربعة آلاف؟ قال: نعم، قال: أنت فقير، لا أقبلها منك.
63- الحسن في قوله تعالى: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ
«1» ، ينقر أحدهم الدرهم فيعلم كم فيه من حبة، ويضيع دينه، ستعلم يا لكع «2» .
64- حكيم: لا تكن أسوأ المغرورين بجمع المال، فكم رأينا من جامع لبعل حليلته «3» .
65- وفي نوابغ الكلم «4» : أيها القلب الخوّل، إن حيلتك أن تجمع المال لبعل حليلتك.
66- حكيم: إنما مالك لك، أو لجائحة «5» تحدث فيه، أو للوارث، فلا تكن أخسهم حظا.(5/83)
67- وفي نوابغ الكلم: المال للحارث، أو للحادث، أو للوارث، فلا تكن أخس ثالث.
68- أعرابي من بني أسد:
يقولون ثمر ما استطعت وإنما ... لوارثة ما ثمّر المال كاسبه
فكله وأطعمه وخاله وارثا ... شحيحا ودهرا تعتريه نوائبه
69- عبد الرّحمن بن شبل: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: التجار هم الفجار. فقيل: أليس أحل الله البيع؟ قال: بلى، ولكنهم يحدثون فيكذبون، ويحلفون فيحنثون «1» .
70- مر علي عليه السلام في سوق الكوفة ومعه الدرة «2» ، وهو يقول: يا معشر التجار خذوا الحق واعطوا الحق تسلموا، ولا تردوا قليل الحق فتحرموا كثيره، ما منع مال من حق إلّا ذهبت في باطل أضعافه.
71- لقمان: يا بني، قد أكلت الحنظل، وذقت الصبر، فلم أر شيئا أمر من الفقر. فإن افتقرت فلا تحدث به الناس كيما لا ينتقصوك، ولكن سل الله، فمن الذي س سأل الله فلم يعطه؟ أو دعاه فلم يجبه؟ أو تضرع إليه فلم يكشف ما به؟.
72- أعرابي: كن أحسن ما تكون في الظاهر حالا أقل ما تكون في الباطن مالا.
73- إن الكريم من كرمت عند الحاجة طعمته، وظهرت عند الجدة نعمته.
74- يقال للدرهم الأخرس النجيع وخاتم رب العالمين.(5/84)
75- أعرابي هلكت إبل له فقال: إن موتا تخطاني إلى ما لي لعظيم النعمة علي.
76- يقال لمقاسي الفقر: فلان يلاطم حمأة الجفر، أكثر غدارانه قد نضب. أخذ الأفلاس بكظمه.
77- أوصى رجل فقال اكتبوا: خلف فلان ما يسوؤه وينوؤه، مالا يأكله وارثه، ويبقى عليه وزره وإثمه.
78- وفي نوابغ الكلم: ترك مالا يبقي عليه وارثه، وتبقى عليه كوارثه.
79- لكل نافقة كساد.
80- القاسم بين القوم أوشلهم «1» حظا، أي أقلهم.
81- لا مال لمن لا مادة له.
82- كسب المال للولد حسرة الأبد.
83- عيسى عليه السلام: المال فيه داء كبير. قيل يا روح الله: ما داؤه؟ قال: أن يمنع صاحبه حق الله، قيل: فإن أدى حق الله؟ قال: لن ينجو من الكبر والخيلاء، قيل: فإن نجا؟ قال: يشغله إصلاحه عن ذكر الله.
84- حكيم: لا يعد الغرم غرما إذا ساق غنما، ولا يعد غنيا من لم يكن غناه مشتركا.
85- أبو الفضل الميكالي:
وقد تهلك الإنسان كثرة ماله ... كما يذبح الطاووس من أجل ريشه
86- قال أعرابي لرجل: كيف فلان فيكم؟ قال: غني حظي،(5/85)
قال: هذا من أهل الجنة.
87- الجاحظ: التجار أصحاب ترتيح وتدنيق، نظرهم في الطفيف مقرون بصناعتهم، ولذلك كان جود قريش، العالي على الأجواد، من قوم لا كسب لهم إلّا من التجارة عجبا من العجب. وسبب إيثارهم التجارة أنهم من بين العرب دانوا بالتحمس والتشدد في الدين، لأنهم أهل حرم الله وحضنة بيته، فتركوا الغزو، وكراهة السبي، واستحلال النهب، فاقتصروا على التجارة، واتخذوها مكسبة، فضربوا في البلاد، وفتح الله عليهم الرزق بايلافهم الرحلتين.
88-[شاعر] :
وما القطا الكدر إلى الغدر ... أهدى من الفقر إلى الحر «1»
89- من دعاء السلف: اللهمّ إني أعوذ بك من ذل الفقر، ومن بطر الغنى. القنية ينبوع الأحزان.
90- عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
ألم تر أن الدهر يهدم ما بنى ... ويأخذ ما أعطى ويفسد ما أسدى
91- خير الأعمال ما قضى الغرض، وخير الأموال ما وقى العرض.
92- ما بقاء المال بين حوائج الإنسان وجوائج الزمان؟.
93- كانت بربيعة بن عمرو طرقة أي جنون، ولذلك لقب بحوثرة، وهو أبو الحواثر من عبد القيس، فغرس فسيلا «2» فكان يسقيه بالنهار، فإذا كان الليل أقتلعه وأدخله بيته، فقيل له، فقال: أخزى الله مالا لا تطبق عليه بابك.(5/86)
94- ومن الحواثر عامل عمرو بن هند الذي كتب إليه في قتل طرفة، وكان قد وداه «1» بعد ذلك، فقال المتلمس «2» لمعبد أخي طرفة:
لن ترحض السوءات عن أحسابكم ... نعم الحواثر إذ تساق لمعبد
95- قال معاوية للأحنف: مالك؟ قال: لا أخبرك، قال: ولم؟
قال: لأنك من القرشي بين شرتين، إن كنت غنيا حسدك، وإن كنت فقيرا حقرك.
96- يده في الكسب صناع، ولكنها في الإنفاق خرقاء.
97- الغنى أنس الأوطان.
98- إذا أيسرت فكل رحل رحلك، وإذا أعسرت فما أهلك أهلك.
99- الغربة مع الجدة أوطأ من لين الوطن مع الفقر.
100- حكيم: حسن التدبير مع الكفاف أكفى من المال الكثير مع الاسراف.
101- العطوي:
قاتلها الله لقد ... سامتكها إحدى العضل(5/87)
تقول هلا رحلة ... تنفلنا خير نفل
ما الفقر عار إنما ال ... عار المراء والبخل
102- ملك الهياطلة: ما أقبح القنوع عند الحاجة، والتيه عند الاستقراء.
103- عمرو بن الليث: الطير بالطير يصاد، والمال بالمال يكتسب.
104- مكتوب على باب مدينة الرقة: ويل لمن جمع المال من غير حقه، وويلان لمن ورثه من لا يحمده، وقدم على من لا يعذره.
105- أيوب السختياني: قال لي أبو قلابة: يا أيوب الزم سوقك فإن الغني من العافية.
106- قال خالد بن صفوان «1» : يا بني، خلتان «2» إن أنت حفظتهما لم تبال ما ضيعت بعد: دينك لمعادك، ودنياك لمعاشك.
107-[شاعر] :
ذريني للغنى أسعى فإني ... رأيت الناس شرّهم الفقير
وأهونهم وأحقرهم عليهم ... وإن أمسى له حسب وخير
يباعده الندي وتزدريه ... حليلته وينهره الصغير
وقد يلقى الغني له جلالا ... يكاد فؤاد صاحبه يطير(5/88)
قليل ذنبه والذنب جم ... ولكن الغنى رب غفور
108- نزل جبرائيل على لقمان وخيّره بين النبوة وبين الحكمة، فاختار الحكمة، فمسح جبرائيل جناحه على صدره، فنطق بها، فلما ودعه قال: أوصيك بوصية فاحفظها، يا لقمان، لئن تدخل يدك إلى مرفقك في فم التنين خير لك من أن تسأل فقيرا قد استغنى.
109- قال الحجاج لابن القرية «1» : أي المال أنفع؟ قال الذي قدمته في وجهه إلى الله في صحة البدن.
110- قيل لخالد بن صفوان: مالك لا تنفق فإن مالك عريض؟
قال: الدهر أعرض منه.
ودفع إلى سائل درهما فاستقله، فقال: أما علمت أن الدرهم عشر العشرة، والعشرة عشر المائة، والمائة عشر الألف؟ أما ترى كيف ارتفع الدرهم حتى بلغ ما بلغ.
111- قرىء عند المنصور قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا
«2» . فقال: حد الله النفقة فنهى عن الإسراف والتقتير، وأمر بالقصد والتقدير.
112- علي عليه السلام: إن المال والبنين حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد يجمعهما الله لأقوام.
113- الحسن: رحم الله عبدا كسب طيبا، وأنفق قصدا، وقدم فضلا.(5/89)
- وعنه رحمه الله: إن المؤمن قد أخذ عن الله أدبا حسنا، فإذا وسع عليه وسع على عياله، وإذا قتر عليه قتر عليهم. فقال داود بن أبي هند: نفقات ننفقها نجد منها بدا من الطعام واللباس والطيب. قال:
أيها الرجل، أوسع على أهلك مما وسع الله عليك.
114- مالك بن خريم الهمداني جدّ مسروق بن الأجدع:
أنبئت والأيام ذات تجارب ... وتبدي لك الأيام ما لست تعلم
أن ثراء المال ينفع ربه ... ويثني عليه الحمد وهو مذمم
وإن قليل المال للمرء مفسد ... يحز كما حز القطيع المحزم
يرى درجات المجد لا يستطيعها ... ويقعد وسط القوم لا يتكلم
115- علي عليه السلام في ذكر آخر الزمان: ذاك حيث تكون ضربة السيف على المؤمن أهون من الدرهم من حله.
- وعنه: الفقر الموت الأكبر.
- وعنه: يا ابن آدم، ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك.
- وعنه: من أتى غنيا فتواضع له لغناه ذهب ثلثا دينه.
- وعنه: إذا أملقتم «1» فتاجروا الله بالصدقة.
- وعنه: أنا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الفجار. يعني يبتغون المال ولا يريدون الدين.
116- عمر رضي الله عنه: ما يأتيني الموت على حال أحب إليّ من أن يأتيني وأنا بين دفتي رحلي أبغي على عيالي.
117- قيل لميمون بن مهران: إن ههنا أقواما يقولون: نجلس في بيوتنا وتأتينا أرزاقنا. فقال: هؤلاء حمقى! إن كان لهم يقين مثل يقين(5/90)
إبراهيم خليل الرّحمن فليفعلوا.
118- سفيان: يعجبني الرجل يموت ولا يترك كفنا.
119- اشترى سلمان وسقا من طعام وهو ستون صاعا، فقيل له، فقال: النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت.
120- لما افتتحت بلخ «1» في أيام عمر وجدت على بابها صخرة مكتوب فيها: إنما يبين الغني من الفقير عند الانصراف من بين يدي الله بعد العرض.
121- نبيه بن الحجاج:
قصر الناس بي ولو كنت ذا ما ... ل كثير لأجلب الناس حولي
ولقالوا أنت الكريم علينا ... ولحطوا إلى هواي وميلي
ولكلت المعروف كيلا هنيّا ... يعجز الناس أن يكيلوا بكيلي
122- علي عليه السلام قال لابن الحنفية: يا بني إني أخاف عليك الفقر، فاستعذ بالله منه، فإن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعقل داعية للمقت.
- وعنه: إن الله فرض في أموال الأغنياء، أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلّا بما متّع غني، والله سائلهم عن ذلك.
- وعنه: العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى.
- وعنه: ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند الله! وأحسن منه نية الفقراء على الأغنياء اتكالا على الله.
- وعنه: من مات تعبا من كسب الحلال مات والله عنه راض.
- عامر: أحب الناس إلى الله الفقراء، وكان أحب خلقه إليه الأنبياء فابتلاهم بالفقر.(5/91)
123- قعود المرء عن الكسب إلحاف بالمسألة.
124- إبراهيم بن أدهم: اكتسب فإنك إن لم تفعل احتجت فداهنت الناس للطمع، فخالفت حينئذ الحق وأهله.
125- قيل لعروة بن الورد «1» عروة الصعاليك «2» ، لأنه كان إذا شكا إليه فتى من فتيان قومه الفقر أعطاه فرسا ورمحا، وقال: إن لم تستغن بهما فلا أغناك الله يا فتى.
126-[شاعر] :
لا تنظرن إلى ذوي ال ... مال المؤثل والرياش
فتظل موصول النها ... ر بحسرة قلق الفراش
وأنظر إلى من كان دو ... نك أو نظيرك في المعاش(5/92)
127- الفضل بن عبد الرّحمن المطلبي:
ولا ترهبن الفقر ما عشت في غد ... لكل غد رزق من الله واجب
128- أنس: غلا السعر على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول الله، سعر لنا. فقال: إن الله الخالق القابض الرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطالبني بمظلمة ظلمت بها من أهل ولا مال. دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض.
129- المرار بن سعيد الفقعسي:
إذا افتقر المرار لم ير فقره ... وإن أيسر المرار أيسر صاحبه
130- أبو مسلم الحلق البصري:
عجبت لحملي المفتا ... ح إمسائي وإصباحي
وما ساوى الذي في من ... زلي قيمة مفتاحي
131- محمد بن البعيث بن الحليس الربعي:
كم قد قضيت أمورا كان أهملها ... غيري وقد أخذ الأفلاس كالظكم
سأكسب الحمد في عسر وفي يسر ... إن الجواد الذي يسخو على العدم
132- هارون بن جعفر الطالبي:
بوعدت همتي وقورب مالي ... ففعالي مقصر عن مالي
لو أعان السماح مني وقر ... لزكت لي مروءتي وفعالي
ما اكتسى الناس مثل ثوب اقتناع ... وهو من بين ما اكتسوا سربالي
ولقد تعلم الحوادث أني ... ذو اصطبار على صروف الليالي «1»
133- يزيد بن محمد بن يزيد المهلبي في مرثيه المتوكل:
قد كنت أسرف في مالي ويخلفه ... فعلمتني الليالي كيف أقتصد(5/93)
134- اليوسفي الكاتب:
تكسبت بعد الفقر ما لم تمنه ... ولا دونه فيما مضى أنت تأمل
ونفسك تلك النفس أيام فقرها ... وأنت بها ما عشت في الناس تسفل
135- النمر بن تولب:
خاطر بنفسك قد تصيب غنيمة ... إن الجلوس مع العيال قبيح
فالمال فيه نجلة ومهابة ... والفقر فيه مذلة ونصوح
136-[شاعر] :
فلم أر بعد الدين خيرا من الغنى ... ولم أر بعد الكفر شرا من الفقر
ولم أر زين المال إلّا امتهانه ... وتنفيذه في أوجه الحمد والأجر
137- أنس بن إناس:
وباه تميما بالغنى أن للغنى ... لسانا به المرء الهيوبة ينطق
138- أعرابي من باهلة:
وإن الغنى في أهله بورك الغنى ... بغير لسان ناطق بلسان
139- كان لعمر بن عبد العزيز سفينة تحمل فيها الطعام من مصر إلى المدينة، وهو واليهما فحدثه محمد بن كعب القرظي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أيما عامل تجر في رعيته هلكت رعيته. فأمر بما في السفينة فتصدق به، وفكها وتصدق بخشبها على المساكين.
140- عمر بن عبد العزيز: إذا اشترى أحدكم الشيء فليستجده، فإنه إنما يغبن عقله لا درهمه.
141- كان أبو بكر رضي الله عنه إذا خرج في تجارة أخذ بضائع لضعفة قريش فيبيعها لهم ويشتري. ولا يرزأهم «1» شيئا.(5/94)
142- وقف علي عليه السلام على تمّار «1» ، فإذا هو بخادم تبكي عنده، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: باعني هذا تمرا بدرهم، فرده عليّ مولاي، فأبى أن يأخذه مني. قال: أعطها درهمها وخذ تمرك فإنها خادم ليس لها أمر. فدفعه التمار، فعرف أنه أمير المؤمنين، فصب التمر وأعطاها الدرهم، وقال: ارض عني يا أمير المؤمنين، قال: أنا راض إن وفيت المسلمين حقوقهم.
143- أول من وضع لسان الميزان عبد الله بن عامر، وكان الناس يزنون بالشاهين.
144- كان علي عليه السلام يمر في السوق على الباعة، فيقول لهم: أحسنوا، أرخصوا بيعكم على المسلمين فإنه أعظم للبركة.
145- كان غلام من أهل مكة لازما للمسجد، فافتقده ابن عمر رضي الله عنه، فمشى إلى بيته، فقالت أمه: هو على طعيم له يبيعه، فلقيه فقال له: مالك وللطعام؟ فهلا إبلا! فهلا بقرا! فهلا غنزا! إن صاحب الطعام يحب المحل، وصاحب الماشية يحب الغيث.
146- وقف رجل على تاجر يحلف، فقال: يا عبد الله، اتق الله ولا تلقح سلعتك بالأيمان، فإنه لا يأتيك إلّا ما كتب لك.
147- كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين ويجالسهم ويتحدث إليهم، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكنيه أبا المساكين.
148- من استغنى بالله افتقر إليه الناس.
149-[شاعر] :
رضينا قسمة الرّحمن فينا ... لنا أدب وللثقفي مال(5/95)
الباب التاسع والسبعون المدح، والثناء، وطيب الذكر، والحث على اكتسابه، وما مدح به من المساعي الكريمة والخصال الحميدة
1- النبي صلّى الله عليه وسلّم: إذا رأيتم المداحين فاحثوا «1» في وجوههم التراب، قال العتبي: هو المدح بالباطل والكذب، أما مدح الرجل بما فيه فلا بأس به. وقد مدح أبو طالب والعباس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وحسان وكعب وغيرهم، ولم يبلغنا أنه حث في وجه مادح ترابا. ومدح هو صلّى الله عليه وسلّم المهاجرين والأنصار. ومدح هو صلّى الله عليه وسلّم نفسه فقال: أنا سيد ولد آدم. وقال يوسف عليه السلام: إني حفيظ عليم. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا أثنيت على الرجل بما فيه في وجهه لم تزكه.
وفي حثو التراب معنيان: أحدهما التغليظ في الرد عليه، وثانيهما أن يقال له: بفيك التراب.
2- وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا مدح قال: اللهمّ أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهمّ أجعلني خيرا مما يحسبون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون.
3- أبو بكرة عن أبيه: مدح رجل رجلا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال:
ويحك قطعت عنق صاحبك. ثم قال: إن كان أحدكم مادحا صاحبه(5/97)
فليقل: أحسب فلانا ولا أزكي على الله أحدا.
4- أثني على رجل عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: قطعتم ظهره، لو سمعها ما أفلح بعدها.
5- أبو خلف خادم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا مدح الفاسق اهتز العرش، وغضب الرب.
6- مطرف: ما مدحني أحد إلّا تصاغرت في نفسي.
7- سارية بن زنيم الديلي، وهو الذي ولاه عمر فارس وقال: يا سارية الجبل:
فما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبرّ وأوفى ذمة من محمد «1»
وهو أصدق بيت قالته العرب.
8- من أحسن ما مدح به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قول عبد الله بن رواحة «2» :
لو لم تكن فيه آيات مبينة ... كانت بديهته تنبيك بالخبر
9- فضيل «3» : إذا كان قول الناس أنت رجل صدق أحب إليك من قولهم أنت رجل سوء فأنت والله رجل سوء.
- وعنه: من ذا الذي يتكلم فلا يحب أن يجود الناس كلامه.(5/98)
10- ابن عائشة «1» : قلت لأبي: إن الناس يكثرون في عمر بن عبد العزيز. فقال: يا بني، إن الثناء يضاعف كما تضاعف الحسنات.
11- مطرف: كنت جالسا عند مذعور، فمر رجل فقال: من سره أن ينظر إلى رجلين من أهل الجنة فلينظر إلى هذين. فعرفت الكراهة في وجهه، فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهمّ إنك تعلمنا ولا يعلمنا.
12- قال ابن عباس لعمر رضي الله عنه حين طعن: أبشر أمير المؤمنين بالجنة. قد أسلمت حين كفر الناس، وقاتلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين خذله الناس، ومات نبي الله وهو عنك راض، ولا يختلف في خلافتك رجلان، ثم قتلت شهيدا. فقال عمر: إن من تغرونه لمغرور، والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطلع.
13- علي بن هارون بن يحيى المنجم يمدح عليا رضي الله عنه:
وهل خصلة من سؤدد لم يكن بها ... أبو حسن من بينهم ناهضا قدما
فما فاتهم منها به سلموا له ... وما شاركوه كان أوفرهم قسما
14- الحسن: تراهم يهدرون عنده هدير الفحالة، أنت والله، أنت والله، وتراه مقنعا ساكنا، يحسب الحميق أنه كما يقال له.
15- علي عليه السلام في الأنصار: هم والله ربوا الإسلام كما يربى الفلو «2» ، مع غنائهم بأيديهم السباط، وألسنتهم السلاط.
16- مدح هشام بن عبد الملك فقال: يا هذا إنه قد نهي عن مدح الرجل في وجهه، فقال له: ما مدحتك، وإنما أذكرتك نعم الله عليك(5/99)
لتجدد له شكرا. فقال هشام: هذا أحسن من المدح، ووصله وأكرمه.
17- كتب رجل إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان: رأيتني فيما أتعاطى من مديحك كالمخبر عن النهار الباهر، والقمر الزاهر، وأيقنت أني حيث أنتهي من القول منسوب إلى العجز، مقصر عن الغاية، فانصرفت من الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الأخبار عنك إلى علم الله بك.
18- قال قتيبة لنهار بن توسعة: لست تقول كما كنت تقول في آل المهلب. قال: إنهم كانوا والله أهدافا للشعر. قال: هذا والله أمدح مما قلت فيهم.
فتى دهره شطران فيما ينوبه ... ففي بأسه شطر وفي جوده شطر
فلا من بغاة الخير في عينه قذى ... ولا من زئير الحرب في أذنه وقر «1»
19- أعرابي: ما يذم بلد تأويه، ولا يشكى زمان أنت فيه.
20- آخر: كان والله إذا ضيع الأمور مضيعها، وانصرف عن الحسنى ضجيعها، يهين نفسا كريمة على قومها، غير مبقية لغدها ما في يومها، وكان أمارا بالخير، نهاء عن المنكر.
21- قيل: إن فلانا يحسن القول فيك. قال: سأكافئه، قيل:
بماذا؟ قال: بأن أحقق قوله.
22- كان الحجاج يستثقل زياد بن عمر العتكي، فلما قدم على عبد الملك وقال: يا أمير المؤمنين، إن الحجاج سيفك الذي لا ينبو، وسهمك الذي لا يطيش، وخادمك الذي لا تأخذه فيك لومة لائم، لم يكن بعد ذلك أحد أخف على قلبه منه.
23- بعض إياد:
وأي فتى صبر على الأين والضما ... إذا اعتصروا واللوح ماء فظاظها(5/100)
إذا ضرجوها ساعة بدمائها ... وحلّ عن الكوماء عقد شظاظها «1»
فإنك ضحاك إلى كل صاحب ... وأنطق من قس غداة عكاظها «2»
24- أعرابي: كان فلان قوالا للحق، قواما بالقسط.
25- قال رجل لآخر: أنت بستان الدنيا. فقال: وأنت النهر الذي يشرب منه ذلك البستان.
26- وقال رجل لأبي عمر الزاهد صاحب كتاب الياقوتة في اللغة:
أنت والله عين الدنيا. فقال: وأنت بؤبؤ تلك العين.
27- قال أعرابي ليحيى بن خالد: لولا ما أمسكت من رمق المكارم لقامت عليه المآتم.
28- آخر: فلان حتف الأقران يوم النزال، وربيع الضيفان عشية النزول.
29- آخر: فلان بحره مفعم، وخصمه مفحم.
30- آخر: هو نبعة «3» أرومته، وأبلق «4» كتيبته، ومدرة «5» عشيرته.
ونابهم الذي عنه يفترون، وبابهم الذي إليه يضطرون.
31- آخر: ذاك والله مضغة من ذاقها لفظها، وأنه مع ذلك عذب في أفواه الأصدقاء.
32- آخر: ذاك والله مضغة من ذاقها لفظها، وأنه مع ذلك عذب في أفواه كان ماضيا.(5/101)
33- القاسم بن أمية بن أبي الصلت الثقفي:
قوم إذا نزل الحريب بدارهم ... ردوه رب صواهل وقيان
وإذا دعوتهم ليوم كريهة ... سدوا شعاع الشمس بالخرصان
لا ينقرون الأرض عند سؤالهم ... لتطلب العلات بالعيدان
بل يبسطون وجوههم فترى لها ... عند السؤال كأحسن الألوان
34- أنو شروان: من أثنى عليك بما لم توله فغير بعيد أن يعضهك «1» بما لم تجنه.
35- وهب «2» : من مدحك بما ليس فيك فلا تأمن أن يذمك بما ليس فيك.
36- ما مدح أجد إلّا نزا به الشيطان إلّا أن المؤمن يراجع.
37- أيوب السختياني: لو لم نلق الله إلّا بذنب ما يقوله الناس فينا، ويثنون علينا فنرضى به، للقيناه بهلكة إلّا أن يغفر الله.
38- النبي صلّى الله عليه وسلّم: قال لي جبرائيل صلوات الله عليه: يا محمد، من أولاك يدا فكافه، فإن لم تقدر فأثن عليه.
39- وكان يقول لعائشة: أبياتك، أبياتك، فتنشد:
ارفع ضعيفك لا تحزنك ضعفته ... يوما فتدركه العواقب قد نما
يجزيك أو يثني عليك وإن من ... أثنى عليك بما فعلت كمن جزى
40- يقال: هذه المدحة فأين المنحة؟.
41-[شاعر] :
إذا ما المدح سار بلا نوال ... من الممدوح كان هو الهجاء(5/102)
42- قيل: توضحت جباه التواريخ بغرره، وافتتحت صفحات الدواوين بسيره.
43- إنما تمدح عبدك، وتنشر بردك، وتقرظ ملكك، وتفتق مسكك. تقوله لكبير يثني عليك.
44- أوتي فلان خصال الرهان، وأصل البرهان، الأثنية مخيمة بفنائه مطنبة «1» ، والألسنة مسهبة في أطرائه مطنبة، له عنت نواصي المحامد، وأذعنت عواصي المكارم.
45- يزيد بن المهلب: الحياة أحب شيء إلى الإنسان، والثناء الحسن أحب إلي من الحياة، ولو أني أعطيت ما لم يعطه أحد لأحببت أن يكون لي أذن أسمع بها ما يقال غدا إذا مت كريما.
46- ابن عباس في علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان والله يشبه القمر الباهر، والأسد الخادر «2» ، والفرات الزاخر، والربيع الباكر.
فأشبه من القمر ضوءه وبهاءه، ومن الأسد شجاعته ومضاءه، ومن الفرات جوده وسخاءه، ومن الربيع خصبه وحياءه.
47- قيل لناسك: كيف أصبحت؟ قال: بنعمة من الله، وثناء من الناس لم يبلغه عملي.
48- كعب بن زهير في رسول ار صلّى الله عليه وسلّم.
تحمله ناقته الأدماء محتجرا ... بالبرد كالبدر جلى ليلة الظلم «3»
وفي عطافيه أو أثناء ريطته ... ما يعلم الله من دين ومن كرم
49- قطن بن حارثة العليمي فيه عليه السلام:(5/103)
رأيتك يا خير البرية كلها ... تبث نضارا في الأرومة من كعب
أغر كأن البدر يشبه وجهه ... إذا ما بدا للناس في حلل العصب «1»
أقمت سبيل الحق بعد اعوجاجها ... ورشت اليتامى في السغابة والجدب «2»
50- زياد بن أبيه: من مدح رجلا بما ليس فيه، فقد بالغ في هجائه.
51- المأمون: الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق، والتقصير عن الاستحقاق عي أو حسد.
52- سئل حكيم عن أحسن شيء في العالم، فقال: حسن الذكر.
53- كان أبو عبيد الله الوزير يقول: ما رأيت أجمع من خالد، له جمال أهل الشام، وشجاعة أهل خراسان، وأدب أهل العراق، وكتابة أهل السواد «3» .
54- حكى الجاحظ عن إبراهيم، قلت في أيام ولايتي الكوفة لرجل من وجوهها- كان لا يجف لبده، ولا يستريح قلمه، ولا تسكن حركته في طلب حوائج الناس، وإدخال السرور والمرافق على الضعفاء، وكان عفيف الطعمة مفوها-: خبرني عما هون عليك النصب، وقواك على التعب، فقال: والله لقد سمعت غناء الأطيار بالأسحار على الأشجار، وسمعت خفق الأوتار، وتجاوب العود والمزمار، فما طربت من صوت حسن كطربي من ثناء حسن على رجل قد أحسن. فقلت له: لله أبوك! لقد حشيت كرما.
55- أوس بن لام في حاتم:(5/104)
فإن تنحكي ماوية الخير حاتما ... فما مثله فينا ولا في الأعاجم
فتى لا يزال الدهر أعظم همه ... فكاك أسير أو معونة غارم
56- ابن حمدون:
آل المهلب معشر أنجاد ... ورثوا المكارم والوفاء فسادوا
شاد المهلب ما بنى آباؤه ... وأتى بنوه ما بناه فشادوا
وكذاك من طابت مغارس نبتة ... وبنى له الأباء والأجداد
57- مدح خالد بن صفوان إبراهيم بن الأهتم فقال: كان يقري العين جمالا والأذن بيانا.
58- أعرابي في مدح قومه: جعلوا أموالهم مناديل أعراضهم، فالخير بهم زائد، والجود لهم شاهد، يعطون أموالهم بطيب أنفس إذا طلبت إليهم، ويباشرون المكروه باشراق أوجه إذا بغي عليهم.
59- قيل للجمل المصري: هلا مدحت سليمان بن وهب وهو وال! ومدحته وهو معزول. فقال: عزله أكرم من ولاية غيره، وإنما أمدح كرمه لا عمله، وكرمه معه عمل أم عزل.
60- الرشيد: جعفر بحر لا ينزح، وجبل لا يزحزح.
61- الجاحظ: بقتك فيل، وحصاتك جمل.
62- كتب رسطاليس إلى الإسكندر: أما التعجب من مناقبك فقد نسخه تواترها فصارت كالشيء القديم الذي قد نسي، لا كالحديث الذي ينعجب منه.
63- كتب إبراهيم بن المهدي إلى أحمد بن يوسف: لعن الله زمانا أخرك عمن لا يساوي كله بعضك.
64- قالت امرأة عمران بن حطان «1» : أما زعمت أنك لا تكذب في(5/105)
شعر قط؟ فقال: أو فعلت؟ قالت: أنت القائل:
فهناك مجزأة بن ثو ... ر كان أشجع من أسامة
أيكون رجل أشجع من أسد؟ قال: أنا رأيت مجزأة فتح مدينة، والأسد لا يفتح مدينة، 65- سلم الخاسر «1» في الفضل بن يحيى البرمكي:
سأرسل بيتا قد وسمت جبينه ... يقطع أعناق البيوت الشوارد
أقام الندى والبأس في كل منزل ... أقام به الفضل بن يحيى بن خالد
66- كان الفرزدق هجاء لعمر بن هبيرة «2» ، فلما سجن ونقب له السجن، فسار هو وابنه تحت الأرض، قال:
ولما رأيت الأرض قد سد ظهرها ... ولم يبق إلّا بطنها لك مخرجا
دعوت الذي ناداه يونس بعد ما ... ثوى في ثلاث مظلمات ففرجا(5/106)
فقال ابن هبيرة: ما أريت أشرف من الفرزدق، هجاني أميرا ومدحني أسيرا.
اتفقت الألسن على تقريظه إجماعا يدخل فيه صديقه بالامتياز وعدوه بالاضطرار.
67- الأصبغ بن عبد العزيز في عبد العزيز بن المطلب المخزومي:
إذا قيل من للعدل والحق والنهى ... أشارت إلى عبد العزيز الأصابع
أشارت إلى حرّ المحاتد لم يكن ... ليدفعه عن حوزة المجد دافع «1»
68- سوار بن أبي زهدم:
بني تيم بن مرة إن فيكم ... مكارم لسن في أحد سواكم
سبيلكم إلى المعروف نهج ... ولم تحلل إلى جهل حباكم
69- داود بن روح المهلبي في الرشيد:
له همان ما قسما هواه ... جهاد الروم والبيت الحرام
ينام الناس أمنا في ذراه ... ويكلؤهم بعين لا تنام
70- السري بن عبد الرّحمن المدني في يزيد بن حاتم بن قبيصة:
يا واحد العرب الذي دانت له ... قحطان قاطبة وساد نزارا
إني لأرجو إن رأيتك سالما ... أن لا أعالج بعدك الأسفارا
71- عبد الله بن خارجة الشيباني في عبد الملك بن مروان:
رأيتك أمسي خير بني معد ... وأنت اليوم خير منك أمس
وأنت غدا تزيد الخير فضلا ... كذاك يزيد سادة عبد شمس
72- عبد الله بن حمزة بن فروة:
أنت المهذب من قريش والذي ... لفروعه فوق الفروع بسوق(5/107)
ولكل باب ندى بكفك مفتح ... ولكل معروف عليك طريق
وإذا المناسب حصلتك تعطفت ... من كل ذي كرم عليك عروق
73- كعب بن مالك الأنصاري:
يا هاشما إن الإله حباكم ... ما ليس يبلغه اللسان المفصل
قوم لأصلهم السيادة كلها ... قدما وفرعهم النبي المرسل
74- عمرو بن هند النهدي:
ألم تر أولاد الزبير تحالفوا ... على المجد ما صامت قريش وصلّت
قريش غياث في السنين وأنتم ... غياث قريش حيث سارت وحلّت
75- الحطيئة العبسي:
فأثنوا علينا لا أبا لأبيكم ... بإحساننا إن الثناء هو الخلد
76- الحسين بن دعبل الخزاعي:
ملك الأمور بجوده وحسامه ... شرفا يقود عدوّه بزمامه
فأطاع أمر الجود في أمواله ... وأطاع أمر الله في أحكامه
أمن البلاد وأهلها في سلمه ... ومخاوف الثقلين في استلئامه «1»
77- معصب بن عبد الله بن مصعب الزبيري في الحسن بن سهل:
لن ينفذ الكلم المثني عليك به ... ما فيك من كرم أو ينفذ الكرم
78- آخر:
يلقى السيوف بوجهه وبنحره ... ويقيم هامته مقام المغفر «2»
ويقول للطرف اصطبر لشبا القنا ... فعقرت ركن المجد إن لم تعقر «3»(5/108)
وإذا تأمل شخص ضيف مقبل ... متسربل سربال ليل أغبر «1»
أوما إلى الكوماء هذا طارق ... نحرتني الأعداء إن لم تنحري
79- عبد الملك بن مروان في الأشدق: كان والله ذا طيّ لسره، غرما بماله، فارغ القلب لفهم من حدثه، مشغول اللب بمعرفة ما أشكل عليه.
80- قيل لبعض العلماء: إن الناس يكثرون في أمر عمر بن عبد العزيز، فقال: كان يقال: إن الثناء يضاعف كما تضاعف الحسنات.
81- قال رجل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إني أحب أن أحمد، كأنه يخاف على نفسه، فقال: وما منعك أن تحب أن تعيش حميدا أو تموت فقيدا.(5/109)
الباب الثمانون الملح، والمداعبات، والمضاحك، وما جاء من النهي عن المزاح، والترخيص فيه، ونحو ذلك
1- النبي صلّى الله عليه وسلّم: المزاح استدراج من الشيطان، واختداع من الهوى.
2- كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عماله. امنعوا الناس من المزاح، فإنه يذهب بالمروءة، ويوغر «1» الصدور.
3- علي عليه السلام: ما مزح امرؤ مزحة إلّا مج من عقله مجة.
- وعنه: إياك أن تذكر من الكلام ما كان مضحكا وإن حكيت ذلك عن غيرك.
4- مزح رجل عند الحسن فقال: إنما هو عمرك فاقطعه بما شئت.
5- حكيم: تجنب شؤم الهزل، ونكد المزح، فإنما هما بابان إذا فتحا لم يغلقا إلّا بعد عسر، وفحلان إذا لقحا لم ينتجا غير فقر.
6- آخر: لكل شيء بذر، وبذر العداوة المزاح.
7- الحسن: ضحك المؤمن غفلة من قلبه.
8- السري بن يحيى: ما رأيت الحسن ضاحكا قط إلّا مرة، ولا تبسم إلّا أتبعها بعبرة.(5/111)
9- سئل النخعي: كان أصحاب رسول الله يضحكون؟ قال: نعم، والإيمان في قلوبهم أمثال الجبال الرواسي.
10- محمد بن المنكدر «1» : قالت لي أمي: لا تمازح الصبيان فتهون عليهم «2» .
11- غزوان بن غزوان الرقاشي قال: لله عليّ أن لا يراني ضاحكا حتى أعلم أي الدارين أرد، فما رؤي ضاحكا حتى لحق بالله تعالى.
12- إبراهيم: رآني فضيل ضاحكا، فقال: يا إبراهيم، ألا أحدثك حديثا حسنا؟ قلت: بلى، رضي الله عنك، قال: لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين.
13- خرج أعرابي في الليل فإذا هو بجارية مليحة، فراودها، فقالت: يا هذا، أما لك زاجر من عقل إن لم يكن لك واعظ من دين؟
قال: والله ما ترانا إلّا الكواكب. قالت: فأين مكوكبها «3» ؟ فأخجله كلامها فقال: إنما كنت أمزح، فقالت الجارية:
فإياك إياك المزاح فإنه ... يجري عليك الطفل والدنس النذلا «4»
ويذهب ماء الوجه بعد احتقانه ... ويورث بعد العز صاحبه ذلا
14- يزيد بن معاوية قال على منبره: ثلاث يخلقن العقل: سرعة(5/112)
الجواب، وطول الصمت، والاستغراب «1» في الضحك.
15- الأحنف: كثرة الضحك تذهب الهيبة، وكثرة المزاح تذهب المروءة، ومن لزم شيئا عرف به.
16- كان الحجاج إذا استغرب ضحكا والى بين الاستغفار.
17- المغيرة: كنت كثير الضحك فم يقطعه عني إلّا قتل زيد بن علي.
18- ذكر المزاح عند خالد بن صفوان فقال: يصك أحدكم أخاه بأصلب من الجندل، ينشقه أحدّ من الخردل، ويفرغ عليه أحر من المرجل، ثم يقول: إنما أمازحك.
19- لقي يحيى عيسى عليه السلام، فتبسم عيسى في وجه يحيى فقال: ما لي أراك لاهيا كأنك آمن؟ فقال عيسى: ما لي أراك عابسا كأنك قانط؟ فقال: لا تبرح حتى ينزل علينا الوحي، فأوحى الله عزّ وجلّ:
أحبكما إليّ أحسنكما بي ظنا. وروي: أحبكما إليّ الطلق البسام.
20- عبد الله بن سالم: كان يقال: ترك الضحك من العجب أعجب من الضحك من غير عجب.
21- فلان معرب في المفاوهة، مغرب في المفاكهة.
22- عبد الله لبنيه: إياكم والمزاح فإنه يذهب البهاء، وإياكم والقهقهة فإنها تذهب الهيبة.
23- خير المزاح لا ينال، وشره لا يقال.
24- المصنف «2» : العجب ممن هو في سواء الجحيم كيف يضحك(5/113)
ممن هو في بحبوحة الجنة وهو يبكي. كما روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يبكي حتى يبل الأرض.
25- محمد بن عمران التيمي قاضي المدينة: هذه الملح إنما تعجب عقلاء الرجال.
26- الأصمعي: شهرت بالأدب ونلت بالملح.
27- علي بن الجهم «1» : ما حثت الكؤوس بالأوتار «2» كحثها بالملح القصار.
28- إن الأحاديث من السمار أجلب للهو من العقار.
29- ركب يزيد بن نهشل بعيرا له لا يكاد ينهض، فلما استوى عليه قال: اللهمّ إنك قلت: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ
«3» . وإني أشهدك أني لهذا مقرن، فنفر البعير، وتعلقت رجله بالغرز والبعير يجمز «4» به حتى مات.
30- كان جماعة من طلاب الحديث يمشون إلى شيخ لهم، فقال خليع منهم: امشوا رويدا فإن طالب العلم يطأ على أجنحة الملائكة، حتى لا تكسروها. فعثر عثرة عرج منها.(5/114)
31- كان بالمغرب وراق «1» ، فكتب مصحفا في أسبوع، فقيل له:
في كم كتبته؟ فقال: في ستة أيام وما مسنا من لغوب «2» ، فجست يده، وهكذا من أدركه الخذلان، وسلب التوفيق، فاستعمل الهزل في موضع الجد والجد كله حول كتاب الله وسنة رسول الله- وتخطاه أن يتدبر قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ
«3» ، وما روي عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يتحادثون، ويتناشدون الأشعار، فإذا ذكر الله وذكر الدين انقلبت حماليقهم كأنهم مجانين.
32- أبرم الأصمعي أصحابه ثم استزادوه، فقال: لا والله، ولا زغبة من عنفقة «4» جرذ.
33- ظهير بن عبد مناف الهذلي:
إني منحتك يا كدام نصيحتي ... فاقبل وصاة أب عليك شفيق
أما المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق
إني بلوتهما فلم أحمدهما ... لمجاور جارا ولا لرفيق «5»
34- مرّ أعرابي بآخر فقال: من أين أقبلت يا ابن عم؟ قال: من الثنية، قال: فهل أتيتنا منها بخبر؟ قال: سل عما بدا لك، قال: كيف علمك يحيى؟ قال: أحسن العلم، قال: هل لك علم بكلبي نفاع؟
قال: حارس الحي، قال: فبأم عثمان؟ قال: بخ بخ «6» ، ومن مثل أم(5/115)
عثمان؟ لا تدخل الباب إلّا متحرقة بالثياب المعصفرات، قال: بعثمان؟
قال: وأبيك جرو الأسد، يلعب مع الصبيان وبيده الكسوة. قال فبجملنا السقاء؟ قال: إن سنامه ليخرج من الغبيط، قال: فبالدار قال: وأبيك إنها خصيبة الجناب، عامرة الفناء، ثم قام عنه وقعد ناحية يأكل ولا يدعوه، فمر كلب فصاح وقال: يا ابن عم، أين هذا الكلب من نفاع؟ قال: يا أسفا، نفاع قد مات. قال: وما أماته؟ قال: أكل من لحم الجمل السقاء فاغتص بعظم منه فمات، قال: إنّا لله أو قد مات الجمل؟ فما أماته؟
قال: عثر بقبر أم عثمان فانكسرت رجله، قال: ويل أمك! أماتت أم عثمان؟ قال إي والله، أماتها الأسف على عثمان، قال: ويلك! أمات عثمان؟ إي وعهد الله، سقطت عليه الدار. فرمى الأعرابي بطعامه ونثره، وأقبل ينتف لحيته ويقول: فأين أذهب؟ قال الآخر: إلى النار، وأقبل إلى طعامه يلتقطه ويأكله، ويهزأ به ويضحك منه، ويقول: لا أرغم الله إلّا أنف اللئام.
35- كان إسحاق بن فروة مزاحا، فقال لأعرابي يوما وهو يمازحه:
أتشهد بما لم تره عينك؟ قال: نعم، أشهد أن أباك فعل بأمك ولم أر ذلك. فأفحمه، فجعل على نفسه أن لا يمازح أحدا أبدا.
36- حضر مائدة يزيد بن مزيد أعرابي، فقال: أفرجوا لأخيكم، فقال: لا حاجة إلى إفراجكم، إن أطنابي طوال. يريد سواعده. فلما مدّ يده حبق «1» ، فقال يزيد: ما أحسب إلّا أن طنبا من أطنابك قد انقطع.
37- أفلتت من معاوية ريح «2» على المنبر فقال: يا أيها الناس، إن الله خلق أبدانا، وجعل فيها أرواحا فما تمالك الناس أن تخرج منهم. فقام صعصعة بن صوحان فقال: أما بعد فإنّ خروج الأرواح في المتوضئات سنة،(5/116)
وعلى المنابر بدعة، واستغفر الله لي ولكم.
38- كان للعباس بن محمد الهاشمي إبنان، أحدهما ضخم سمين، والآخر قميء صغير الجثة، فقال فيهما محمد بن علي بن عبد العزيز الغربي:
كنت عند الجسر مختبئا ... حين ولّى الليل والغلس «1»
إذ أتاني راكب عجل ... قد علاه البهر والنفس «2»
قال هل جازتك قنبلة ... حولها الأجناد والحرس
قلت مرّت بي قلنسوة ... فوق سرج تحته فرس
حشوها شونيزة معها ... دنفح في ظهره قعس «3»
فشكا العباس إلى المأمون، فأمر بصلبه على خشبة عند الجسر يوما إلى الليل، فلما أنزل، دعا بحمال ليحمل الخشبة، فقيل له، فقال:
أول حملان حملني عليه أمير المؤمنين لا أضيعه، فحملها وباعها بثلاثة دراهم، واشترى بها تينا وعنبا لصبيانه. فرفع خبره إلى المأمون، فضحك وأمر له بخمسة آلاف درهم.
39- أتكأ جحا على جارية أبيه وهي نائمة، فقالت: من ذا؟ فقال:
اسكتي، أنا أبي.
40- وقيل لسفيان الثوري: المزاح هجنة، فقال: بل هو سنة، لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إني لأمزح ولا أقول إلّا حقا.(5/117)
41- قال عليه السلام لامرأة من الأنصار: الحقي زوجك ففي عينيه بياض. فسعت المرأة إلى زوجها مرعوبة، فلما وافته قال لها: ما دهاك؟
قالت: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: إن في عينيك بياضا. قال: إن في عيني بياضا لا لسوء.
أتت عجوز أنصارية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أدع لي بالمغفرة، فقال لها: أما علمت أن الجنة لا تدخلها العجز، فصرخت، فتبسم رسول الله وقال: أما قرأت: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً
«1» .
43- أنس: أتى رجل النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله أحملني، فقال عليه السلام: إنا حاملوك على ولد ناقة. قال: وما اصنع بولد ناقة؟ قال:
وهل تلد الإبل إلّا النوق؟.
44- ذكر نعيمان وهو بدوي، وكان أولع الناس بالمزاح، عند رسول الله وأنه يكثر المزاح والضحك، فقال: يدخل الجنة وهو يضحك.
45- وخرج هو وسويبط بن عبد العزي مع أبي بكر في تجارة قبل وفاة رسول الله بعامين، وكان سويبط على الزاد، فاستطعمه نعيمان، فقال:
حتى يجيء أبوبكر، فمر ركب من نجران فباعه منهم على أنه عبد بعشر قلائص «2» ، وقال: إنه ذو لسان ولغة، ولعله يقول: أنا حر، فقالوا: لا عليك، فوضعوا عمامته في عنقه وذهبوا به، فأخبر بذلك أبوبكر، فرد القلائص وخلصه، وضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه سنة.
46- ورأى نعيمان مع أعرابي عكة «3» عسل فاشتراها منه، وجاء بها(5/118)
بيت عائشة في يومها، وقال: خذوها. فتوهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه أهداها له، ومر نعيمان وترك الأعرابي على الباب. فلما طال قعوده قال: يا هؤلاء، ردوها علي إن لم يحضر ثمنها. فعلم رسول الله بالقصة فوزن له الثمن. وقال لنعيمان: ما حملك على ما فعلت؟ قالت رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحب العسل، ورأيت الأعرابي معه العكة. فضحك عليه السلام ولم يظهر له نكيرا.
47- فلان مغناطيس الصخب، لو ناطقه قيس بن عاصم «1» لعاد دغة، ولو خاطبه أكثم «2» لصار هبنقة «3» .
48- هجت ابن أبي عتيق «4» امرأته عاتكة بنت عبد الرحمن المخزومية بقولها:
ذهب الإله بما تعيش به ... وقمرت ليلك أيما قمر
أنفقت مالك غير محتشم ... في خدر زانية وفي خمر
فكتب البيتين في رقعة وأراها ابن عمر. فاسترجع «5» لما رآها،(5/119)
فقال: والله لو رأيت قائلها لأفعلن به. فأخذ ابن عمر أفكل وأربدّ «1» لونه، وقال: مالك غضب الله عليك!.
فلما كان بعد أيام لقيه، فأعرض عنه، فقال: بالقبر ومن فيه ألا سمعت كلامي، فتحوب ووقف معرضا عنه، فقال: علم أبا عبد الرّحمن أني فعلت بقائل ذلك الشعر. فصعق عبد الله ولبط به. فدنا من أذنه وقال: إنها امرأتي. فقام ابن عمرو قبل ما بين عينيه.
49- قال ابن عمر لجاريته: خلقني خالق الخير، وخلقك خالق الشر. فبكت، فقال: لا عليك، فإن خالق الخير هو خالق الشر.
50- ما سمعت للمهتدي مزحة سوى قوله لسليمان بن وهب، وفي رجله خف واسع يصوت، فقال: يا سليمان؟ خفك هذا ضراط، وهو تعريض بضرطة وهب التي طار خبرها في الآفاق وعلى ألسن الشعراء، فقال: يا أمير المؤمنين ضرطة خير من ضغطة.
51- النبي صلّى الله عليه وسلّم: إن الرجل ليتكلم بكلمة يضحك بها جليسه يهوى بها أبعد من الثريا.
52- قال الحجاج لمحمد بن عبد الله بن نمير الثقفي «2» : أخبرني عن قولك:
ولما رأيت ركب النميري أعرضت ... وكن من أن يلقينه حذرات «3»(5/120)
في كم كنت؟ قال: كنت والله على حمار هزيل، ومعي دقيق على حمار مثله.
53- سمع عبادة من جوف ابن حمدون قرقرة، فقال: ولدت في ساباط. يعني: إنك كثير الرياح.
54- رؤي أعرابي على شاطىء نهر في حزيران يغوص غوصة ثم يخرج فيعقد عقدة، فقيل له: ما هذا؟ فقال: جنابات الشتاء أقضيها في الصيف «1» .
قيل لأعرابي كان يسرف في الجماع: إنا نخاف عليك العمى، فقال: قد وهبت بصري لذكري.
55- استطرقت أعرابية فحلا لحجرها «2» ، فلما أدلى «3» رأت شيئا عظيما، فقالت لقينها: نحّ الحجر، فو الله ما حمله من الرجال حر قط، ولا من الخيل جواد قط.
56- الحسن: ابن آدم تضحك! ولعل كفنك خرج من عند القصار.
57- رأى زبيد اليامي قراء يضحكون، فقال: ما رأيت قراء أغلظ رقابا ولا ألين ثيابا ولا آكل لمخ العيش منكم.
58- حبق كاتب لعمر بن عبد العزيز بين يديه، فرمى بقلمه وقام خجلا، فقال له عمر: لا عليك، خذ قلمك، واضمم إليك جناحك، وليفرخ روعك، فما سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي.(5/121)
59- محمد بن سلامة بن أبي زرعة الدمشقي:
لا يؤنسنك أن تراني ضاحكا ... كم ضحكة فيها عبوس كامن
60- نافع: كان أبو هريرة على المدينة خليفة لمروان، فربما ركب حمارا قد شد عليه برذعة «1» وفي رأسه خلية، فيلقي الرجل في الطريق، فيقول: الطريق قد جاء الأمير! وربما دعاني إلى عشائه، فيقول: دع العراق للأمير. فانظر فإذا هو ثريد «2» بزيت.
61- كان ابن سيرين ينشد:
نبئت أن فتاة كنت أخطبها ... عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول
62- ويضحك حتى يسيل لعابه.
63- كاتب: ونحن نحمد الله إليك، فإن عقدة الإسلام في قلوبنا صحيحة، وأواخيه ثابتة، ولقد اجتهد قوم أن يدخلوا قلوبنا من مرض قلوبهم، وأن يلبسوا يقيننا بشكهم، فعصم الله منهم، وحال توفيقه دونهم. ولنا بعد مذهب في الدعابة جميل، لا يشوبه أذى ولا قذى، يخرج به من الأنس إلى العبوس، وإلى الاسترسال من القطوب، ويلحقنا بأحرار الناس وأشرافهم الذين ارتفعوا عن لبسة الرياء والتصنع.
64- كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله: امنعوا الناس من المزاح، فإنه حمقة تورث الضغينة، وتذهب بالمروءة.
65- أبو رفاعة: أخبرتني زبراء خادم علي عليه السلام، قالت:
وضأت عليا، فلما أراد القيام وضع يده على منكبي، فقال: انظري لا تضرطي يا زبراء.
66- الحسن: ضحك الزمن إنما هو غفلة منه.(5/122)
67- ناصح الملك أكثر عدوا من الخائن، لأن صديق الملك يعاديه لمنزلته، وعدو الملك يعاديه لنصحه.
68- لا تعدن شتم الملك شتما، ولا أغلاظه إغلاظا، فإن ريح العزة تبسط اللسان بالغلظة في غير بأس ولا سخطة.
69- كان العهد لابن عم المنصور عيسى بن موسى، فأراد أن يكون لابنه المهدي، فمناه حتى سلم الأمر إلى المهدي، وولاه لذلك الكوفة.
فقدم إليه مخنث فقال: ما أحسبك تعرفني حين تفعل في عملي! قال:
بلى والله أيها الأمير، أنت الذي كنت غدا فصرت بعد غد، فخجل، وأمر فسحب من بين يديه.(5/123)
الباب الحادي والثمانون الموت وما يتصل به من ذكر القبر والنعش والتعزية، والمرثية، والنعي، وغير ذلك
1- ابن عباس: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا مات لأحدكم الميت فحسنوا كفنه، وعجلوا إنجاز وصيته، وأعمقوا له في قبره، وجنبوه جار السوء. قيل: يا رسول الله وهل ينفع الجار الصالح في الآخرة؟ قال: هل ينفع في الدنيا؟ قالوا: نعم، قال: فكذلك في الآخرة.
2- قال ابن المبارك: أحب إلي أن يكفن في ثيابه التي كان يصلّي فيها.
3- في وصيته عليه السلام لأبي ذر: زر القبور تذكر بها الآخرة، ولا تزرها بالليل، واغسل الموتى يتحرك قلبك، فإن الجسد الخاوي عظة بليغة، وصلّ على الجنائز لعلّ ذلك يحزنك، فإن الحزين في ظل الله.
4- أبو الدرداء «1» : ما من مؤمن إلّا والموت خير له، وما من كافر إلّا والموت خير له. فمن لم يصدقني فإن الله تعالى يقول: وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ
«2» . وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ(5/125)
لِأَنْفُسِهِمْ
«1» .
5- كان عمر رضي الله عنه: إذا سوى على القبر سوى عليه فقال:
اللهمّ، أسلمه إليك الأهل والولد والمال والعشيرة، وذنبه عظيم فاغفر له.
6- محمد بن سعد المدني: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمقبرة، فنادى: يا أهل القبور، ألا أخبركم بما حدث بعدكم، تزوج نساؤكم، وبيعت مساكنكم، وأقتسمت أموالكم، فهل أنتم مخبرون بما عاينتم؟ ثم قال:
ألا إنهم لو أذن لهم في الجواب لقالوا: وجدنا خير الزاد التقوى.
7- كتب على قبر عبد الله بن جعفر:
مقيم إلى أن يبعث الله خلقه ... لقاؤك لا يرجى وأنت قريب
تزيد بلى في كل يوم وليلة ... وتنسى كما تبلى وأنت حبيب
8- كانت تعزية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آجركم الله ورحمكم.
9- خرج علي عليه السلام في ليلة يوم الجمل، ومعه شعلة من نار، يتصفح وجوه القتلى، فعثر على طلحة، فقال: أعزز عليّ أبا محمد أن أراك معفرا تحت نجوم السماء في بطون الأودية! شفيت نفسي، وقتلت معشري، إلى الله أشكو عجري وبجري.
10- نظر الحسن إلى رجل يجود بنفسه، فقال: إنّ امرأ هذا آخره لجدير أن يزهد في أوله، وأنّ امرأ أوله لجدير أن يخاف آخره.
11- نظر فيلسوف إلى ميت ينقل، فقال: حبيب ينقله أحباؤه إلى حبس الأبد.
12- عزى رجل رجلا فقال: جعل الله مصيبتك تاريخ ما تخشى ومفتاح ما تحب.(5/126)
13- معاوية لعمرو بن عتبة: رحم الله أباك، والله لقد لصقت المصيبة بي، وإن كانت قد أخطأتني لقد أصابتني.
14- عمران بن حطان:
يا حمز كيف يذوق الخفض معترف ... بالموت والموت فيما بعده جلل
15- عبد الله الفقير إليه «1» :
حطمتني الخمسون والخمس حطما ... خطمتني إلى المنية خطما «2»
قد ظماني خوف المنيّة لكن ... خوف ما يعقب المنية أظما «3»
16- عبدة بن الطبيب وكان حبشيا من لصوص الرباب، ولما أسنّ «4» جمع بنيه وأنشدهم قصيدته التي منها:
وقد علمت بأن قصري حفرة ... غبراء يحملني إليها مرجع
فبكى بناتي شجوهن وزوجتي ... والأقربون إليّ ثم تصدّعوا «5»
17- أبنّت الخنساء «6» أخاها، فقالت: لقد كان كريم الجدين،(5/127)
واضح الخدين، يأكل ما وجد، ولا يسأل عما فقد.
18- جزعك في مصيبة صديقك أحسن من صبرك، وصبرك في مصيبتك أحسن من جزعك.
19- عزّى رجل فتى عن أبيه فلم يجده كما أحب، فقال: يا بني سوء الخلف أضر علينا من فقد السلف.
20- مصيبة استطارت لبي واستطالت على قلبي.
21- دخل عمرو بن العاص على معاوية في مرضه، فقال: أعائدا «1» جئت أم شامتا؟ فقال عمرو: لم تقول هذا؟ فو الله ما كلفتني رهقا، ولا أصعدتني زلفا، ولا جرّعتني علقا، فلم استثقل حياتك؟ ولم استبطىء وفاتك فقال معاوية:
فهل من خالد إما هلكنا ... وهل بالموت يا للناس عار
22- دخل ابن الجصاص على أبي إسحاق الزجاج بعد وفاة أمه ضاحكا وهو يقول: الحمد لله يا أبا إسحاق قد والله سرني، فدهش الناس، فقال: بلغني أنه هو الذي، فلما صح أنها هي التي سرني، فضحكوا.
23- اعتلت امرأة ابن مضاء الرازي، فقالت: ويلك، كيف تعمل إن مت؟ فقال: ويلي، كيف أعمل إن لم تموتي؟.
24- أبو مروان: كل مصيبة لم يذهب فرح ثوابها حزنها فهي المصيبة العظمى.
25- عزى محمد بن الوليد بن عتبة عمر بن عبد العزيز بابنه(5/128)
عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين لو أن امرأ تركت تعزيته لعلمه وتيقظه لكنته، ولكن الله قضى أن الذكرى تنفع المؤمنين.
26- وبئت «1» خيبر فخرج إليها أعرابي بعياله وقال:
قلت لحمى خيبر استعدي ... هاك عيالي فاجهدي وجدي
وباكري بصالب وورد ... أعانك الله على ذا الجند
فحم ومات، وبقي عياله.
27- عزى رجل الرشيد، فقال: آجرك الله على الباقي، ومتعك بالفاني. فقال: ويحك ما تقول؟ وظن أنه غلط، فتلا: ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ
«2» .
28- أبو ذؤيب:
يقولون لي لو كان بالرمل لم يمت ... نبيشة والطراق يكذب قيلها
ولو أن استودعته الشمس لا رتقت ... إليه المنايا عينها أو دليلها
29- قيل لأعرابي: إنك تموت، قال: وإلى أين يذهب بي؟
قالوا: إلى الله، قال ما أكره أن يذهب بي إلى من لم أر الخير إلّا منه.
30- قيل للكميت: لم لم ترث أخاك؟ فقال: إن مرثيته لا ترد مرزيته.
31- كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمرو بن عبيد يعزيه عن أبيه: أما بعد فإنّا أناس من أهل الآخرة أسكنا في الدنيا، أموات آباء أموات أبناء أموات فالعجب لميت يكتب إلى ميت يعزيه عن ميت.
32- صالح المري: التهنئة بآجل الثواب أولى من التعزية بعاجل المصاب.(5/129)
33- قال عليه الصلاة والسلام: ما تعدّون الرقوب «1» فيكم؟ قالوا:
الذي لا يبقى له ولد. قال: بل الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا.
34- عزى أبو العيناء «2» رجلا فقال: كان العزاء لك لا بك، والفناء لنا لا لك.
35- قيل لرجل: ما ورثت أختك من زوجها؟ قال: أربعة أشهر وعشرا.
36- استنشد عمر رضي الله عنه متمما «3» مرثية أخيه، فأنشده عينيته، فقال: لو كنت أحسن مثل ما تقول لبكيت أخي، فقال: لو صرع أخي مصرع أخيك لما بكيته، فقال: ما عزاني أحد بمثل ما عزيتني به.(5/130)
37- عبد الرّحمن الأعين القرشي يرثي امرأته:
لعمرك أني يوم زيل بنعشها ... ونفسي معي لم ألقها لصبور
38- أعشى همدان:
فما تزود مما كان يملكه ... إلّا حنوطا غداة البين في خرق «1»
وغير نفحة أعواد تشب له ... وقل ذلك من زاد لمنطلق
39- عزّى موسى بن المهدي سليمان بن أبي جعفر عن ابن له فقال:
أيسرك وهو بلية وفتنة ويحزنك وهو صلاة ورحمة؟.
40- وقال آخر: كان لك من زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات.
41- في الحديث المرفوع: من يرد الله به خيرا يصب منه.
42- عزى شبيب بن شيبة يهوديا: أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطى أحدا من أهل ملتك.
43- الأصمعي: هلك ابن لأعرابية، فتبعت جنازته وهي تقول:
رحمك الله يا هيثم، ما كان مالك لبطنك، ولا أمرك لعرسك، وأنت لكما قال:
رحيب ذراع بالتي لا تشينه ... وإن كانت الفحشاء ضاق بها ذرعا
فقلنا: يا أمّ الهيثم فهل لك منه عوض! قالت: نعم، ثواب الله، ونعم العوض الآخرة من الدنيا.
44- المنصور: اللهمّ إن كنت تعلم أني قد ارتكبت الأمور العظام جرأة مني عليك، فإنك تعلم أني قد أطعتك في أحب الأشياء إليك شهادة(5/131)
أن لا إله إلّا الله منّا منك، لا منّا عليك.
45- سأل الشعبي «1» رجلا عن سبب موت أخ له، فقال: عضت فأرة إصبعه فمات، فقال: أشهد أنه لا يرد على الموتى شهيد أنذل من أخيك.
46- كان أبو بكر رضي الله عنه يتمثل كثيرا:
تنفك تسمع ما حيي ... ت بهالك حتى تكونه
والمرء قد يرجو الرجا ... ء مغيبا والموت دونه
47- قيل للحسن: فلان في النزع، قال: وما معنى النزع؟ قالوا:
التقرب إلى لموت. قال: هو في ذلك منذ خلق.
وقيل له في عام وقعت فيه الميلة: أما ترى يا أبا سعيد؟ ما أحسن ما فعل ربنا! أقلع عاص، وأعطى ممسك، ولم يغلط بأحد.
48- نعي الحسن إلى أبي حازم فقال: يرحمك الله أبا سعيد. كنت كالعافية لا يعرف قدرها إلّا بعد فراقها.
49- عمر بن عبد العزيز: ألا ترون أنكم من الدنيا في أسلاب الهالكين، وسيسلبها بعدكم الباقون، حتى يرث ذلك خير الوارثين.
50- بكى الخولاني عند موته، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لطول السفر وقلّة الزاد، وقد سلكت عقبة فما أدري إلى أين يهبط بي، وإلى أي المكانين أسقط.
51- مات ابن لمسلم بن يسار، فقال: شغلني يا بني الحزن لك عن الحزن عليك.
52- مات عبد الله بن مطرف فخرج مطرف في ثياب حسنة وقد(5/132)
أدهن، فأنكروا عليه، فقال: أفأستكين لها؟ وقد وعدني عليها ربي ثلاثا، إحداها أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون.
53- الحسن: دفنا صالحا لنا فمددنا على القبر ثوبا، فجاء صلة بن أشيم العدوي فرفع الثوب ونادى: يا فلان.
إن تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا أخالك ناجيا
54- أبو عبيدة الخواص قال عند قبر: حتى متى تشيع غاديا أو رائحا إلى ربه؟ تجعله في لحد وتحثى عليه التراب، أم والله لتكوننّه عن قريب.
55- ابن المعتزض؛ الموت باب الآخرة.
56- كان الربيع بن خثيم يخرج إلى القبور بالليل، فيقول: يا أهل القبور كنتم وكنا.
57- مالك بن مغول: بلغني أن أول سرور يدخل على المؤمن الموت، لما يرى من كرامة الله.
58- فضيل «1» : ما الموت فيما بعده إلّا كركضة عنز.
59- قيل لإبراهيم: كيف وجدت الموت؟ قال: كأن النفس تنزع بالسلا «2» ، قبل: قد رفقنا بك يا إبراهيم.
60- دخل ملك الموت على داود عليه السلام، قال: من أنت؟
قال: من لا يهاب الملوك، ولا تمنع منه القصور، ولا يقبل الرشى.
قال: فإذن أنت ملك الموت، ولم استعد بعد، قال: يا داود، أين فلان جارك؟ أين فلان قرينك؟ قال: مات. قال: أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد؟.(5/133)
61- كتب أحمد بن يوسف الكاتب إلى عمرو بن سعيد بن مسلم يرثي ببغاء ماتت له:
عجبا للمنون كيف أتتها ... وتخطت عبد الحميد أخاكا
شملتنا المصيبتان جميعا ... فقدنا هذه ورؤية ذاكا
62- لما بلغ معاوية موت الحسن بن علي رضي الله عنه، سجد معاوية وسجد من حوله شكرا. فدخل عليه ابن عباس فقال له: يا ابن عباس أمات أبو محمد؟ قال: نعم، وبلغني سجودك، والله يا ابن آكلة الكبود لا يسدن حسدك إياه حفرتك، ولا يزيد إنقضاء أجله في عمرك.
63- عائشة رضي الله عنها: لما مات عثمان بن مظعون «1» كشف النبي صلّى الله عليه وسلّم الثوب عن وجهه، فقبل ما بين عينيه، وبكى طويلا. فلما رفع على السرير قال: طوباك يا عثمان، لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها.
64- بينما حسان جالس وفي حجره صبي له يطعمه الزبد والعسل إذ شرق الصبي بهما، فمات، فقال:
اعمل وأنت صحيح مطلق مرح ... ما دمت يا مغرور في مهل
يرجو الحياة صحيح ربما كمنت ... له المنية بين الزبد والعسل
65- في الحديث المرفوع: مثل ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون منية، فإذا انفلت منها وقع في الهرم إلى أن يموت.(5/134)
66- عزى رجل سليمان بن عبد الملك فقال: إن رأيت أن تعجل ما أخرته العجزة فتريح نفسك وترضى ربك فافعل.
67- قيل لأعرابي: ما سبب موت أبيك؟ قال: كونه.
68- دخل على المأمون في مرض موته، فإذا هو قد فرش له جل «1» الدابة، وبسط عليه الرماد، وهو يتمرغ عليه ويقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه.
69- قال عمرو بن العاص عند احتضاره لابنه: من يأخذ هذا المال بما فيه؟ قال: من جدع الله أنفه، فقال: احملوه إلى بيت مال المسلمين. ثم دعا بالغل والقيد، فلبسهما ثم قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن التوبة مبسوطة ما لم يغرغر ابن آدم بنفسه، ثم استقبل القبلة فقال: اللهمّ إنك أمرتنا فعصينا، ونهيتنا فارتكبنا، هذا مقام العائذ بك فأهل العفو أنت، وإن تعاقب فبما قدمت يداي، سبحانك لا إله إلّا أنت إني كنت من الظالمين. فمات وهو مغلول مقيد. فبلغ الحسن بن علي فقال: استسلم الشيخ حين أيقن بالموت، ولعلها تنفعه.
70- وقال المنصور حين احتضر: يا ربيع بعنا الآخرة بنومة.
وقال المعتصم، وجعلوا يهونون عليه: هان على النظارة ما يمر بظهر المجلود.
71- عائشة رضي الله عنها: لا أغبط بهون الموت أحدا بعد الذي رأيت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
72- مطرف «2» : إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا نعيما لا موت فيه.(5/135)
73- أبو حازم: انظر العمل الذي يسرك أن يأتيك الموت وأنت عليه فخذه الساعة.
74- ندب رسطاليس الإسكندر فقال: كان أمس يعظنا بكلامه، وهو اليوم يعظنا بسكوته.
75- في الحديث المرفوع: لو أن الطير والبهائم تعلم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا.
76- في مرثية أعشى باهلة للمنتشر بن وهب الباهلي، وهي التي قال الأصمعي ليس في الدنيا مثلها:
فإن جزعنا فمثل الخطب أجزعنا ... وإن صبرنا فإنّا معشر صبر
أما سلكت سبيلا أنت سالكها ... فاذهب فلا يبعدنك الله منتشر
77- عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام:
يا حسرتا من مصيبة عظمت ... أبناء عوف ومالك هلكوا
خلوا فجاجا علي فانخرقت ... لم يستطع سدهن من تركوا
78- في الحديث المرفوع: لا يتمنّ أحدكم الموت إلّا من وثق بعمله.
- وعنه عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا تبع الجنازة أكثر الصمات، وروي عليه كآبة، وأكثر حديث النفس.
79- قيل لإبراهيم بن أدهم: ألا تتبع الجنازة؟ قال: لا أجد صاحبا، إنما صاحبي من يأخذ بعضدي ويقول انتبه فانظر إلى رأس أخيك كيف يبقى على السرير.
80- حاتم الأصم: اتباع الجنائز فضيلة، والصلاة عليها سنة، ومداواة القلب بها فريضة.(5/136)
81- سمع أبو الدرداء رجلا يقول في جنازة: من هذا؟ قال: أنت، وإن كرهت فأنا.
82- سمع الحسن امرأة تبكي خلف جنازة وتقول: يا أبتاه مثل يومك لم أره، فقال لها: بل أبوك مثل يومه لم يره.
83- مكحول كان إذا رأى جنازة قال: اغدوا فإنّا رائحون.
84- وكان مالك بن دينار يقول: سبحان الذي لا يموت.
85- ثوبان رفعه: من شيع جنازة فأخذ بجوانب السرير الأربعة غفر له أربعون ذنبا كلها كبيرة.
86- ابن شوذب: الطلعت امرأة في لحد، فقالت لامرأة معها: ما هذا؟ فقالت: كندوج العمل، تعني خزانة العمل، فكانت تعطيها الشيء وتقول: اذهبي فضعي هذا في كندوج العمل.
87- ابن عباس: أرحم ما يكون الرب لعبده إذا أدخل قبره، وتفرق عنه أهله.
88- عمرو بن ميمون: افتتحنا مدينة بفارس، فدللنا على مغارة فيها بيت، فيه سرير من ذهب، عليه رجل، عند رأسه لوح مكتوب فيه: أنا بهرام بن بهرام «1» ملك فارس كنت أعتاهم بطشا، وأقساهم قلبا، وأطولهم أملا، وأحرصهم على الدنيا، فدوخت البلاد، وقتلت الملوك، وهزمت الجيوش، وأذللت المقاول، وجمعت من الدنيا ما لم يجمعه أحد قبلي، ولم استطع أن أفتدي به من الموت إذ نزل بي.
89- قال أبو بلال: كل ميتة ظنون إلّا ميتة البلجاء «2» . قيل: وما ميتة(5/137)
البلجاء؟ قال: أخذها زياد فقطع يديها ورجليها، فيقل لها: كيف ترين يا بلجاء؟ قالت: قد شغلني هول المطلع عن برد حديدكم هذا. وهي من نساء الخوارج.
90- الأصمعي: أول من نعى المنصور بالبصرة خلف الأحمر. كنا في حلقة يونس فجاء خلف فسلم وقال: قد طرقت ببكرها أم طبق. فقال يونس: وماذا يا أبا محرز؟ فقال: فنتجوها خبرا ضخم العنق، فقال: لم أدر بعد، فقال: موت الإمام فلقة من الفلق. فارتفعت الضجة بالاسترجاع «1» .
91- ابن الرومي:
يا حر صدري على ثلاثة أموا ... هـ أريقت في الترب والمدر
ماء شباب ونعمة مزجا ... بماء ذاك الحياء والخفر
92- عزى أبو بكر عمر رضي الله عنهما عن ولد فقال: عوضك الله منه ما عوضه منك. يعني: عوضه الله منك ما هو خير منك وهو جوار الله، فعوضك منه ما هو خير منه وهو ثواب الله.
93- سكرات الموت به محدقة، وعيون الأمل به محدقة.
94- لا أراك الله بعد مصيبتك ما ينسيها.
95- يحيى بن خالد: التعزية بعد ثلاث تجديد للمصيبة، والتهنئة بعد ثلاث استخفاف بالمودة.
96- مات عكرمة «2» مولى ابن عباس وكثير عزة في وقت واحد، وصلّى عليهما عمارة بن خزيمة بن ثابت. ودفنا في مكان واحد. فقال:(5/138)
اللهمّ كما جمعت بينهما في زيارة القبور فلا تفرق بينهما يوم النشور «1» .
فما بقي في المدينة أحد إلّا استحسن كلامه.
97- لما احتضر إبراهيم عليه السلام قال: هل رأيت خليلا يقبض روح خليله؟ فأوحى الله إليه: هل رأيت خليلا يكره لقاء خليله؟ قال:
فاقبض روحي الساعة.
98- نصر بن سيار «2» : كل شيء يبدو صغيرا ثم يكبر، إلّا المصيبة فإنها تبدو كبيرة ثم تصغر.
99- ابن المعتز: إذا كثر الناعي إليك كثر الناعي بك.
100- وقال نادب الإسكندر: مالك لا تقل عضوا من أعضائك؟
وكنت تستقل بملك العباد والبلاد.
101- وقال رئيس الطباخين: قد نضدت النضائد، وألقيت الوسائد، ونصبت الموائد، ولست أرى عميد المجلس.
102- وقف علي عليه السلام على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والله إن الجزع لقبيح إلّا عليك، وأن الصبر لجميل إلّا عنك، وإن المصيبة بك لأجل، وإما بعدك وما قبلك جلل.
ثم قال:(5/139)
ما غاص دمعي عند نازلة ... إلا جعلت للبكا سببا
فإذا ذكرتك سامحتك به ... مني الجفون ففاض وانسكبا
إني أجل ثرى حللت به ... من أن أرى بسواه مكتئبا
ورويت لمعقل بن عيسى العجلي أخو أبي دلف في جارية توفيت له.
103- مطر بن عكاش رفعه: إذا قضى الله لرجل أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة، وأنشد:
إذا ما حمام المرء كان ببلدة ... دعته إليها حاجة فيطير
104- عزى شبيب بن شيبة المهدي عن أمته فقال: والله، الله خير لها منك، ولثواب الله خير لك منها، وإن أحق ما صبر عليه ما لم يستطع دفعه.
105- وعزى آخر عن ولده فقال: وهبه الله لك فحملت مؤنه وتكاليفه فهنيت به، وقبضه فرفع عنك مؤنه وتكاليفه فعزيت عنه، ولو عمل على الحق لعزيت عما هنيت به، وهنيت بما عزيت عنه.
106- نعيت إلى ابن عباس بنت له في طريق مكة، فنزل عن دابته فصلّى ركعتين، ثم رفع يديه وقال: عورة سترها الله، ومؤونة كفاها الله، وأجر ساقه الله. ثم ركب ومضى.
107- ماتت لبعض ملوك كندة بنت، فوضع بدرة»
بين يديه وقال:
من أبلغ في التعزية فهي له. فدخل أعرابي فقال: عظم الله أجر الملك، كفيت المؤونة، وسترت العورة، ونعم الختن القبر. فقال: أبلغت وأوجزت. وأعطاه البدرة.
108- توفيت أم قاضي بلخ، فقال له حاتم الأصم: إن كانت وفاتها(5/140)
عظة لك فعظم الله أجرك على موت أمك، وإن لم تتعظ بها فعظم الله أجرك على موت قلبك.
وقال: له: أيها القاضي، منذ كم تحكم بين عباد الله؟ قال: منذ ثلاثين سنة، قال: هل رد الله عليك حكما؟ قال: لا، قال: فإن الله لم يرد أحكامك في ثلاثين سنة وترد حكما واحدا حكمه عليك.
109- رأى الحجاج في منامه أن عينيه قلعتا، فطلق هند بنت المهلب وهند بنت أسماء بن خارجة. فلم ينشب أن جاءه نعي محمد أخيه يوم مات إبنه محمد. فقال: والله هذا تأويل رؤياي من قبل، إنّا لله وإنّا إليه راجعون. محمد ومحمد في يوم واحد! ثم أنشأ يقول:
حسبي حياة الله من كل ميت ... وحسبي بقاء الله من كل هالك
110- وقال الفرزدق:
إن الرزية لا رزية مثلها ... فقدان مثل محمد ومحمد
111- مر الاسكندر بمدينة ملكها سبعة وبادوا، فسأل: هل بقي من نسلهم أحد؟ فقالوا: بقي واحد هو في المقابر، فدعا به وقال: لم تلزم المقابر؟ قال: أردت أن أعزل عظام الملوك من عظام عبيدهم فوجدتها سواء. فقال له: هل لك أن تتبعني حتى أبلغ بك بغيتك؟ قال: بغيتي حياة لا موت معها، فهل تقدر عليها؟ قال: لا، قال: فدعني أطلبها ممن يقدر عليها.
112- أبو عارم الكلابي:
أجازعة ردينة أن أتاها ... نعييّ أم يكون لها اصطبار
إذا ما أهل قبري ودّعوني ... وراحوا والأكف بها غبار
وغودر أعظمي في لحد قبر ... تراوحه الجنائب والقطار(5/141)
تهب الريح فوق محطّ قبري ... ويرعى حوله اللهق النوار «1»
مقيما لا يكلمني صديق ... بقفر لا أزور ولا أزار
فذاك النأي لا الهجران حولا ... وحولا ثم تجتمع الديار
113- للإنسان عند الإشراف على الموت حركة من حدوث قوة، نحو ما يعرض للسراج عند انطفائه من حركة سريعة، وضياء ساطع، وتسميها الأطباء النعشة الأخيرة.
114- ولعبد الله الفقير إليه «2» :
قولا لشيخ هز من عطفه ... أن نعشته دولة زاهرة
لا تغترر فالمرء يرمى به ... في النعش بعد النعشة الآخرة
115- جزع الرشيد على حظية «3» ماتت له، فقال مضحك له: ما هذا الجزع الشديد؟ قال: أما ترى ما ابتليت به؟ ما أحب أحدا إلّا مات. قال: فاحببني حتى أموت، قال: أن الحب ليس بشيء يصنع، وتسوقه الأسباب، قال: قل أنا أحبك، فقال: فحم ومات.
116- قال الحجاج حين أرجف «4» الناس بموته عند موت المحمدين: قالوا مات محمد بن الحجاج، ومحمد بن يوسف، والحجاج ميت. فمات الحجاج فمه! والله ما رضي الله البقاء إلّا لأهون خلقه عليه إبليس، فانظره إلى يوم يبعثون. والأسوة برسول الله والتابعين من أولياء الله أحب إلي من الأسوة بإبليس.
117- وقف رجل من ولد أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب على قبر الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال: أما أن أقدامكم قد نقلت(5/142)
وأعناقكم قد حملت إلى هذا القبر وليا من أولياء الله، ليسر نبي الله بمقدمه، وتفتح أبواب السماء لروحه، وتبتهج الحور العين بلقائه، وبشر به سيدات نساء الجنة من إمهاته، ويوحش أهل الحي والدين فقده. رحمة لله عليه، وعند الله تحتسب المصيبة.
118- عزى رجل عمر بن عبد العزيز فقال:
تعزّ أمير المؤمنين فإنه ... لما قد ترى يغذي الصغير ويولد
هل ابنك إلّا من سلالة آدم ... لكل على حوض المنية مورد
فقال: ما عزاني أحد بمثل تعزيتك.
119- جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: أصبت بمصيبة فما وقع بقلبي شيء مما عزيت به، حتى دخل عليّ مجوسي فقال: انظر ما كنت تعزي به الناس فعزّ به نفسك واحتسب.
120- عزى حبيب بن درواس جعفر بن سليمان عن أخيه محمد فقال: انظر مصيبتك في نفسك تنسك فقد غيرك، واذكر قول الله تعالى لنبيه: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ
«1» ، وخذ بقول ابن أراكة الطائي:
تفكّر فإن كان البكا ردّ هالكا ... على أحد فاجهد بكاء على عمرو
ولا تبك ميتا بعد ميت أجنه ... علي وعباس وآل أبي بكر
121- عزت أعرابية قوما فقالت: جافى الله عن ميتكم الثرى، وأعانه على طول البلى، وآجركم ورحمه.
122- أعرابي: إن المؤمن بعرض خبر تستبشر به السماء، وترحب به الأرض، ولن يساء إليه في بطنها وقد أحسن على ظهرها.
123- الثوري: ينبغي لمن كان له عقل إذا أتى عليه عمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يهيأ كفنه.(5/143)
144- أخبر الحسن بموت الحجاج فقال: اللهمّ إنه عقيرك وأنت قتلته، فاقطع سنته وأعماله الخبيثة. ودعا عليه.
125- أم سلمة: قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا، فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون. فلما مات أبو سلمة أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فقال: قولي اللهمّ اغفر لي وله، وأعقبني منه عقبا حسنا. فقلت ذلك، فأعقبني الله منه من هو خير منه رسول الله.
126- عقبة بن عامر: لأن أطأ على جمرة حتى تبرد، أو على حد سيف حتى تنقطع قدمي أحب إليّ من أن أمشي على قبر رجل مسلم، وما أبالي في القبور قضيت حاجتي أو في السوق بين ظهراني الناس.
127- في الحديث المرفوع: كسر عظم المؤمن بعد مماته ككسره في حياته.
128- زيد بن أسلم: لقد كانت تمضي في الزمن الأول أربعمائة سنة وما يسمع بجنازة.
129- مات ابن للرضا فقال أبو العيناء: يا ابن رسول الله، أنت تجل عن عظتنا، وقدرك تقصر عنه صفتنا، وفي علمك بكتاب الله ما كفاك، وفي رسول الله ما عزاك، وفي ثواب الله ما أسلاك.
130- خليد في المنذر بن الجارود:
أقول لما حملوا نعشه ... ما يعلم النعش ولا الحاملون
ما حملوا من حسب ثاقب ... ونائل جزل وجد ولين
131- الربيع بن ضبيع الفزاري:
سيدركني ما أدرك المرء تبعا ... ويغتالني ما أغتال أنسر لقمان
وأفنى ويبقى منطقي بعد أزمن ... وكل امرىء إلّا أحاديثه فان
132- المكعبر الضبي:
وتنفر من عمرو ببيداء ناقتي ... وما كان ساري الليل ينفر من عمرو(5/144)
لقد حبّبت عندي الحياة حياته ... وحبّب سكني القبر سكناه في القبر
133- عبد الله بن عباس في موت الحسن بن علي:
أصبح اليوم ابن هند آمنا ... ظاهر النخوة إذ مات الحسن
ارتع اليوم ابن هند قامصا ... إنما يقمص بالعير السمن «1»
134- علي عليه السلام: فاتقى عبد ربه، نصح نفسه، قدم توبته، غلب شهوته فإن أجله مستور عنه، وأمله خادع له، والشيطان موكل به، يزيّن له المعصية ليركبها، ويمينه التوبة ليسوفها، حتى تهجم منيته عليه أغفل ما يكون عنها.
135- وعنه رضي الله عنه: لقد قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأن رأسه لعلى صدري، ولقد سالت كفه في كفي فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسله والملائكة أعواني؛ ملأ يهبط وملأ يعرج، وما فارقت سعي هنيمة منهم، يصلون عليه، حتى واريناه في ضريحه.
- وعنه: كانوا قوما من أهل الدنيا وليسوا من أهلها، فكانوا فيها كمن ليس فيها، يرون أهل الدنيا يعظمون موت أجسادهم، وهم أشد إعظاما لموت قلوب أحيائهم.
- وعنه: من ضرب يده على فخذه عند مصيبته حبط أجره.
136- قال هرم بن حيان لأويس القرني: أوصني. قال: توسد الموت إذا نمت، واجعله نصب عينيك إذا قمت.
137- قال عبد الله بن مرزوق لسلامة: يا سلامة لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: تحملني وتطرحني على المزبلة لأموت عليها، فلعله يرى مكاني فيرحمني.
138- ميمون بن مهران: شهدت جنازة ابن عباس بالطائف، فلما(5/145)
وضع ليصلّى عليه جاء طائر أبيض حتى وقع على أكفانه، ثم دخل فيها، فالتمس فلم يوجد. فلما سوّي عليه سمعنا من يسمع صوته ولا يرى شخصه: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي
«1» .
139- حاطب بن قيس بن هبشة يرثي عمرو بن حمحمة الدوسي:
سلام على القبر الذي ضمّ أعظما ... تحوم المعالي حوله وتسلم
سلام عليه كلما ذر شارق ... وما امتد قطع من دجى الليل مظلم «2»
فيا قبر عمرو جاد أرضا تعطّفت ... عليك ملث دائم القطر مرزم «3»
140- وقال عتيك بن قيس المدني يرثيه:
برغم العلى والمجد والجود والندى ... طواك الردى يا خير حاف وناعل
لقد غال صرف الدهر منك مرزأ ... نهوضا بأعباء الأمور الأثاقل
يضم العفاة الطارقين فناؤه ... كما ضم أم الرأس شعب القبائل «4»
ويسر ودجى الهيجا مضاء عزيمة ... كما كسف الاصباح طرق الغياطل «5»
ويستهزم الجيش العرمرم باسمه ... وإن كان جرارا كثير الصواهل
ويمضي إذا ما النقع مدّ رواقه ... على الروع وارفضّت صليل العوامل «6»
141- العيزار بن الأخنس السنبسي، وسنبس من طيء:(5/146)
إلى الله أشكو أن كل قبيلة ... من الناس قد أفنى الحمام خيارها
جزى الله زيدا كلما ذر شارق ... وأسكن من جنات عدن قرارها
142- أبو الهيذام العقيلي:
وما زال حكم البيض والسود نافذا ... بأمر الردى في أنفس البيض والسود
فللثكل ترخي حملها كل حامل ... وللموت يغذو والد كل مولود
143- القاسم بن طوق بن مالك التغلبي يشمت بموت الفضل بن مروان:
أبا العباس صبرا واعترافا ... بما يلقى من الظلم الظلوم
رزقت سلامة فبطرت فيها ... وكنت تخالها أبدا تدوم
لقد ولت بدولتك الليالي ... وأنت ملعن فيها ذميم
وزالت لم يعش فيها كريم ... ولا استغنى بثروتها عديم
فبعدا لا إنقضاء له وسحقا ... فغير مصابك الحدث العظيم
144- محمد بن مناذر في مرثية عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي، وهي إحدى المراثي المبرزات، وهي نحو من ثلاثمائة بيت:
ما درى نعشه ولا حاملوه ... ما على النعش من عفاف وجود
145- محمد بن هارون بن مخلد:
كأني بإخواني على حافتي قبري ... يهيلونه فوقي وأدمعهم تجري
فيا أيها المذري عليّ دموعه ... ستعرض في يومين عني وعن ذكري
عفا الله عني يوم أترك ثاويا ... أزار فلا أدري وأجفا فلا أدري
146- طلب يعقوب بن الربيع أخو الفضل بن الربيع جارية اسمها ملك سبع سنين، باذلا فيها ماله وجاهه حتى ملكها، فماتت بعد ستة أشهر، فأنفذ شعره في مراثيها، فمن ذلك قوله:
بليت ملك في التراب فأب ... لاني بلاها وذكر ملك جديد(5/147)
ينقص الوجد كلما قدم العه ... د ووجدي في كل يوم يزيد
147- الفرزدق في امرأة له ماتت حاملا.
وجفن سلاح قد رزيت فلم أنح ... عليه ولم أبعث عليه البواكيا
وفي جوفه من دارم ذو حفيظة ... لو أن المنايا أرجأته ليالي
148- أخت طرفة ترثيه:
عددنا له ستا وعشرين حجة ... فلما توفاها استوى سيدا ضخما
فجعنا به لما رجونا إيابه ... على خير حال لا وليدا ولا قحما
149- أبو الزبرقان الكاتب يرثي أبا تمام:
خبر أتى من أعظم الأنباء ... لما ألم مقلقلا أحشائي
قالوا حبيب قد ثوى فأجبتهم ... ناشدتكم لا تجعلوه الطائي
150- لما احتضر معاوية رفع يديه وقال:
هو الموت لا منجى من الموت والذي ... أحاذر بعد الموت أدهى وأفظع
ثم قال: اللهمّ فأقل العثرة، واعف عن الزلة، وعد بعفوك على من لا يرجو غيرك، ولا يثق إلّا بك، يا واسع المغفرة والرحمة، تعفو بقدرة، وما وراءك مذهب لذي خطيئة موبقة، يا أرحم الراحمين.
فبلغ سعيد بن المسيب فقال: لقد وفق عند الموت، فإن ينج أبو عبد الرّحمن من النار غدا فهو الرجل الكامل. وما أخوفني عليه!.
151-[شاعر] :
سروران مالهما ثالث ... حياة البنين وموت البنات
152- ماتت لرجل بنت فقال: عزوني لتعاهدوا السنة، وهنوني أن تقدم بعض إلى الجنة.(5/148)
153- حفر ثابت البناني قبره، فكان يختلف إليه، يقرأ فيه ويصلّي حتى مات.
154- قال عبد الملك عند موته: يا وليد، لا أعرفنك إذا أنا متّ تجلس وتعصر عينك، وتخن كما تخن الأمة الوكعاء «1» ، لكن ائتزر وشمر وألبس جلد النمر، وضعني في حفرتي، وخلني وشأني، وعليك وشأنك.
وادع الناس إلى بيعتك، فمن قال بوجهه هكذا فقل بسيفك هكذا. ثم بعث إلى محمد وخالد ابني يزيد بن معاوية، فقال لهما: هل بكما من ندامة على بيعة الوليد؟ قالا: ما نعرف أحق بالخلافة منه. قال: أولى لكما! والله لو قلتما غير ذلك لأخذت الذي فيه أعينكما، ثم رفع ثني فراشه فإذا سيف مجرد، ونفسه تتردد في حنجرته، وهو يقول: الحمد لله الذي لا يبالي أصغيرا أخذ من خلقه أم كبيرا، حتى فاضت نفسه.
155- ودخل الوليد ومعه بناته يبكين عليه، فتمثل:
ومستخبر عنّا يريد بنا الردى ... ومستخبرات والعيون سواجم «2»
وكان الطبيب قد حماه الماء، فقال: اسقوني شربة وإن كانت فيها نفسي، فسقوه فمات.
156- ابن عمر رفعه: ما حق امرىء مسلم له مال يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلّا ووصيته مكتوبة عنده، وكانت وصية ابن عمر لا تفارق جيبه.
157- وعن ابن عمر: توشك المنايا تسبق الوصايا.
158- جابر رفعه الذي يوصي عند الموت كالذي يقسم ماله عند الشبع.(5/149)
159- ابن عباس رضي الله عنه: الضرار في الوصية من الكبائر.
160- معاوية بن قرة عن أبيه يرفعه: من حضرته الوفاة فأوصى، وكانت وصيته على كتاب الله، كانت كفارة لما ترك من زكاته في حياته.
161- الفضل بن عباس: جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موعكا قد عصب رأسه، فأخذت بيده حتى جلس على المنبر، ثم قال: ناد في الناس، فاجتمعوا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنه قد دنا مني خفوق من بين أظهركم، من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقدمني «1» ، ومن كنت شتمت له عرضا فليسقدمني، ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه، ولا يقل أحد أني أخشى الشحناء من رسول الله، ألا أن الشحناء ليست من طبيعتي ولا شأني. ألا وان أحبكم إليّ من أخذ حقا إن كان له، أو حللني فلقيت الله وأنا طيبة نفسي، وقد أرى أن هذا غير مغن عنيّ حتى أقوم فيكم مرارا.
وذكر أنه رجع فقال مثله، وأن رجلا ذكر أن له عليه ثلاثة دراهم فقضاها. وأن عكاشة بن محصن قال: رفعت قضيبك الممشوق لتضرب العضباء «2» ، وأنا بقربك، فأصابني، فأتى به فقال: يا هكاشة فاقتص مني قبل القصاص يوم القيامة، فكرر قوله فضوح الدنيا أهون من فضوح يوم القيامة، فقال: ضربتني وأنا عريان، فألقى جبة من صوف كانت عليه، فخر عليه يقبله ويمرغ عليه وجهه ويقول: أعوذ بهذا البطن من النار.
فقال: يا عكاشة أعاذك الله من النار. ثم قال: عفوت عنك يا رسول الله،(5/150)
فقال عفا الله عنك كما عفوت عن نبيه.
162- اجتمع الحسن والفرزدق في جنازة النوار بنت أعين بن ضبيعة امرأته، فقال الفرزدق: يقولون فيها خير الناس وشر الناس. فقال الحسن: لست أنا بخير الناس، ولا أنت بشر الناس، ثم قال له: يا أبا فراس ما أعددت لهذا المضجع؟ قال: شهادة أن لا إله إلّا الله منذ سبعين سنة، قال الحسن: هذا العمود فأين الطنب «1» ؟ فقال الفرزدق:
أخاف وراء القبر إن لم تعافني ... أشد من القبر التهابا وأضيقا
إذا جاءني يوم القيامة قائد ... عنيف وسواق يسوق الفرزدقا
لقد خاب من أولاد آدم من مشى ... إلى الموت مغلول القلادة أزرقا
فبكى الحسن حتى بل كمه.
163- عثمان رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة، قلنا: وثلاثة. قال: وثلاثة، قلنا:
واثنان، قال: واثنان. ولم نسأله عن واحد.
164- ثوبان: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جنازة، فرأى ناسا ركوبا، فقال: ألا تستحيون؟ إن ملائكة الله يمشون على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب.
165- أنس: شكا رجل إلى رسول الله قسوة قلبه، فقال: اطلع على القبور، واعتبر بالنشور «2» .
166- عثمان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ما رأيت منظرا إلّا والقبر أفظع منه. وكان عثمان إذا وقف على قبر بكى ما لا يبكى عند ذكر الجنة والنار. فقيل له، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:(5/151)
القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج فما بعده شر منه.
167- مرّ عبد الله بن عمر بمقبرة فصلّى ركعتين، وقال: ذكرت أهل القبور، وأنهم حيل بينهم وبين هذا، فأردت أن أتقرب بهما إلى الله تعالى.
168- البراء «1» رفعه: في قوله تعالى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ
«2» ، يكسى الكافر في قبره لوحين من نار.
169- معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي قال: أخبرني من شئت من رجال قومي أن جبرائيل عليه السلام أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جوف الليل معتجرا بعمامة من استبرق، فقال: يا محمد، من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟ فقام رسول الله يجر ثوبه مبادرا إلى سعد بن معاذ، فوجده قد قبض.
170- قال جابر: ولما وضع سعد في قبره سبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسبح الناس معه، ثم كبر فكبروا معه. فقالوا: يا رسول الله لم سبّحت؟ قال:
هذا العبد الصالح لقد تضايق عليه قبره حتى فرجه الله عليه.
وروي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن ذلك، فقال: كان يقصر في بعض الطهور من البول.
171- وعن عائشة رفعته: إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجيا منها لنجا سعد بن معاذ.
172- وروى أنس: لو أن بني آدم علموا كيف عذاب القبر ما نفعهم العيش في الدنيا، فنعود بالله من عذاب القبر.(5/152)
173- الإنسان ينسى حمامه ويريد أن يفجر أمامه.
174- محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة رحمهما الله.
ومتعب النفس مرتاح إلى بلد ... والموت يطلبه في ذلك البلد
175- الموت قانص لا يشوى.
قيل للحجاج، وقد أشرف على الموت، وهو على الإسراف: ما تجزع من الموت؟ قال: إن كنت مسيئا فليست ساعة جزع، وإن كنت محسنا فليست ساعة فرح.
176- من يزف كريمته إلى القبر فقد بلغ أمنيته من الصهر.
177- استسلم لأمر الله فيما ذهب، واشكره على ما وهب.
178- الحسن: ما من يوم ألا تصفح ملك الموت وجوه الناس فيه خمس مرّات، فمن رآه على لهو ولعب، أو معصية، أو رآه ضاحكا حرك رأسه وقال: مسكين هذا العبد، ما أغفله عما يراد به! ثم قال: اعمل ما شئت فإن لي فيك غمزة أقطع بها وتينك «1» .
179- معاوية: أتتنا عجوز دهرية نسألها فقالت: حدّثني أشياخ لنا أن الميت إذا وضع في قبره اعتورته «2» أربع نيران، فتجيء الصلاة فتطفىء واحدة منها، ويجيء الصوم فيطفىء واحدة، ويقول: لو أدركتهن لأطفأت كلهن، ولكن أنا لك وأمامك.
180- قعد أبو حازم المدني على شفير قبر، فقال لصاحبه: ماذا ترى؟ فقال: أرى حفيرة يابسة وجنادل «3» صما. فقال: أما والله لتمهدنه(5/153)
لنفسك أو لتكونن معيشتك فيه ضنكا.
181- حاتم الأصم: ما من صباح إلّا ويقول الشيطان لي: ما تأكل؟ وما تلبس؟ وأين تسكن؟ فأقول له: آكل الموت، وألبس الكفن، وأسكن القبر.
182- الصاحب في تعزية عن بنت: لئن كانت الأيام قد فجعتك من المتوفاة بمن يوحش الخدور، فقد تجافت لك من ذكورة الولد عمن يؤنس الصدور.
183- معاذ بن جناب اليربوعي، وعاش مائة وأربعين سنة:
للموت ما يغذى وللموت قصرنا ... ولا بد من موت وإن نفس العمر
فمن كان مغرورا بطول حياته ... فإني كفيل أن سيصرعه الدهر
وليس بباق إن سألت ابن مالك ... على الدهر إلّا من له الدهر والأمر
184- قال مسلم بن عبد الملك: ما وعظني إلّا عمران بن حطان في قوله:
أفي كل عام مرضة ثم نقهة ... وتنعي ولا تنعى فكم ذا إلى متى
فقال له معاوية الصوفي: أما أنا فقد سمعته أمات الموت وما أماته شاعر قبله، حيث يقول:
لا يعجز الموت شيء دون خالقه ... والموت فإن إذا ما جاءه الأجل
وكل شيء أمام الموت متضع ... للموت والموت فيما بعده جلل
185- الأمير نصر بن أحمد عند وفاة أخيه أبي الأشعث:
يعزي المعزي ثم يمضي لشأنه ... ويبقى المعزّى في أحر من الجمر
ويسلو المعزي عن قليل كغيره ... ويبقى المعزى عنه في وحشة القبر
186- كان بعض الصالحين إذا مات له حميم يقول: كدت والله أكون السواد المختوم.(5/154)
187- قيل لحسان «1» : مالك لم ترث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: لأني لم أر شيئا إلّا رأيته يقصر عنه.
188- كان عبد الملك يكرم كثيرا على ما يعلم من رأيه، وكان علوي الرأي، فلما مات دخل كثير على ولده وهم يقتسمون ميراثه، فلم يلتفتوا إليه، فخرج وهو يقول:
أضحت رثاث ابن مروان مقسمة ... في الأقربين بلا حمد ولا ثمن
ورّثتهم فتعزوا عنك إذ ورثوا ... وما ورثتك غير الهم والحزن
189- قال عمر بن عبد العزيز لرجاء بن حيوة: يا رجاء إذا وضعتني في لحدي فاكشف الثوب عن وجهي، فإن رأيت خيرا فاحمد الله، وإن رأيت غير ذلك فاعلم أن قد هلك عمر. فلما دفناه كشفت عن وجهه، فرأيت نورا ساطعا فحمدت الله، وعلمت أنه قد صار إلى خير.
190- ماتت بنت لعمر بن عبد العزيز فأتاه الناس، فقال لحاجبه:
قل لهم إنّا لا نعزى على البنات والأخوات فارجعوا.
191- رجاء بن حيوة: دخلت على عمر حين احتضر، فقال: يا رجاء إني أرى وجوها كراما ليست بوجوه إنس ولا جان، وهو يقلب طرفه يمينا ويصعده ويحدره «2» ، ثم رفع يديه فقال: اللهمّ ربي، أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، فإن عفوت فقد مننت، وإن عذبت فما ظلمت، إلّا أني أشهد أن لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك المصطفى، ورسولك المرتضى، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فعليه السلام والرحمة. ثم قضى رحمه الله.
192- كان عامر بن عبد الله بن الزبير إذا وقف على قبر قال: ألا أراك ضيقا؟ ألا أراك مظلما؟ لئن سلمت لأتأهبن لك أهبتك.(5/155)
192- عن كثير بن زيد: كبر حكيم بن حزام حتى ذهب بصره، ثم اشتكى فاشتدّ وجعه، فقلت: لأحضرنه ولأنظرن ما يتكلم به، فإذا هو يهمهم ويقول: لا إله إلّا أنت، أحبك وأخشاك، حتى مات.
194- أسماء بنت عميس «1» : أنا لعند علي بن أبي طالب بعد ما ضربه ابن ملجم، إذ شهق شهقة ثم أغمي عليه، ثم أفاق فقال: مرحبا، مرحبا، الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الجنة، فقيل له: ما ترى؟
قال: هذا رسول الله، وأخي جعفر، وعمي حمزة، وأبواب السماء مفتحة، والملائكة ينزلون يسلمون عليّ ويبشرون، وهذه فاطمة قد طاف بها وصائفها من الحور، وهذه منازلي في الجنة. لمثل هذا فليعمل العاملون.
195- ووقف على قبره رجل من ولد حاجب بن زرارة «2» فقال: لقد كانت حياتك مفتاح خير ومغلاق شر، ووفاتك مفتاح شر ومغلاق خير. ولو أن الناس قبلوك بقولك لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنهم آثروا الدنيا فانتقض الأمر كما ينتقض الحبل عن مزايره.
196- جعل معاوية لجعدة بنت الأشعث امرأة الحسن مائة ألف حتى(5/156)
سمته، ومكث شهرين وأنه ليرفع من تحته كذا طستا من دم. وكان يقول:
سيقت السمّ مرارا ما أصابني فيها ما أصابني في هذه المرة، لقد لفظت كبدي فجعلت أقلبها بعود كان في يدي. وقد رثته جعدة بأبيات منها:
يا جعد بكيه ولا تسأمي ... بكاء حق ليس بالباطل
إنك لن ترخي على مثله ... سترك من حاف ولا ناعل
وخلف عليها رجل من قريش فأولدها غلاما، فكان الصبيان يقولون له: يا ابن مسممة الأزواج.
ولما كتب مروان بشكاته إلى معاوية بشكاته، كتب إليه: أن أقل المطي إلي بخبر الحسن، ولما مات وبلغه موته سمع تكبير من الخضراء، فكبر أهل الشام لذلك التكبير. وقالت فاختة بنت قرط لمعاوية: أقر الله عينك يا أمير المؤمنين، ما الذي كبّرت له؟ قال: مات الحسن، قالت:
أعلى موت ابن فاطمة تكبرّ؟ قال: والله ما كبرّت شماتة لموته، ولكن استراح قلبي وصفت لي الخلافة.
وكان ابن عباس بالشام، فدخل عليه وقال له يا ابن عباس هل تدري ما حدث في أهل بيتك؟ قال: لا أدري ما حدث إلّا أني أراك مستبشرا ومن يطيف بك وقد بلغني تكبيرك وسجودك. قال: مات الحسن.
قال: إنا لله، رحم الله أبا محمد، ثلاثا. ثم قال: والله يا معاوية أنه لا يسد جسده حفرتك، ولا يزيد يومه في عمرك، ولئن كنا أصبنا بالحسن لقد أصبنا بإمام المتقين، وخاتم النبيين، فسكن الله تلك العبرة، وجبر تلك المصيبة، وكان الله الخلف علينا من بعده.
وقال لأخيه الحسين: إذا أنا متّ فادفني مع رسول الله إن وجدت إلى ذلك سبيلا، وإن منعوك فادفني في بقيع الغرقد «1» ، فلبس الحسين ومواليه(5/157)
السلاح، وخرجوا ليدفنوه مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخرج مروان في موالي بني أميّة فمنعوه من دفنه مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
197- كان لعلي بن الحسين جليس مات له ابن فجزع عليه، فعزاه ووعظه، فقال: يا ابن رسول الله إن ابني كان من المسرفين على نفسه، فقال: لا تجزع إن من وراء إبنك ثلاث خلال «1» ، أما أولهن فشهادة ألا إله إلّا الله محمد رسول الله، والثانية شفاعة جدي عليه الصلاة والسلام، والثالثة رحمة الله التي وسعت كل شيء. فأين يخرج ابنك من واحدة من هذه الخلال؟.
198- قال آدم عليه السلام حين احتضر لابنه شيث: يا بني، أوصيك أن تطلي جسدي بدهن ومرّ ولبان مما هبط به عليّ من الجنة، فإنه إذا طلي به الميت لم ينفصل شيء من أعضائه حتى يبعثه الله. وأوصيك أن يكون معك دهن ومرّ ولبان حيث ما ذهبت، فإن الشيطان لا يقربك، وأوصيك أن تجعل جسدي في تابوت، وتجعلني في مغارة في أوسط الأرض.
ومات يوم الجمعة، وصلى عليه في الساعة التي خرج فيها من الجنة، في ست ليال خلون من نيسان، وعمره تسع مائة وستون سنة.
وناحوا عليه مائة وأربعين يوما.
199- وعن ابن عباس قبره بمسجد الخيف «2» بمنى، قال عطاء بلغني أن قبره تحت المنارة التي وسط مسجد الخيف.
200- وهب بن منبه: إن الكافر إذا وضع في لحده هبط به إلى سجين.
201- وعن طاووس أنه قال لولده: يا بني، إذا وضعتني في لحدي(5/158)
فارفع لبنة وانظر فإن رأيتني فاحمد الله، وإن لم ترني فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
202- دفن طلحة رضي الله عنه على شاطىء المكلا بالبصرة، فرآه مولى له في المنام، فقال: أدركوني فقد غرقني الماء. فابتاعوا له دارا بالبصرة بعشرة آلاف وحوّلوه إليها.
203- مات أبو عيسى أخو المأمون، وقد عزم على أن يعقد له بعده، فعزاه محمد بن عباد، فقال: يا محمد حال القدر دون الوطر، وألوت المنية بالأمنية. فقال: يا أمير المؤمنين، كل مصيبة ما أخطأتك شوى «1» ، فجعل الله الحزن لك لا عليك.
204- عن ابن شهاب: أن رجلا أهدى إلى أبي بكر صفحة من خريز، وعنده الحارث بن كلدة، فأكلا منها، فقال الحارث: فيها سم سنة، فو الذي نفسي بيده لا يمر بي وبك أكثر من حول. فماتا في يوم واحد على رأس السنة.
205- كان أبو هريرة إذا سئل عمن مات قال: أنت فإن كرهت فأنا.(5/159)
الباب الثاني والثمانون الملك والسلطان، والإمارة والبيعة، والخلافة وذكر الولاة وما يتصل بهم من الحجاب، وغير ذلك
1- قال الحسن للحجاج: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وقروا السلاطين وبجلوهم، فإنهم عز الله وظله في الأرض إذا كانوا عدلا. قال الحجاج: لم يكن فيه إذا كانوا عدولا، قلت: بلى.
2- قال عمر للنبي صلّى الله عليه وسلّم: أخبرني عن هذا السلطان الذي ذلت له الرقاب، وخضعت له الأجساد ما هو؟ قال: ظل الله في الأرض، فإذا أحسن فله الأجر وعليكم الشكر، وإذا أساء فعليه الأصر «1» وعليكم الصبر.
- وعنه عليه الصلاة والسلام: أيما راع استرعى رعيته فلم يحطها بالأمانة والنصيحة من ورائها فقد ضاقت عليه رحمة الله التي وسعت كل شيء.
3- مالك بن دينار: وجدت في بعض الكتب يقول الله تعالى: أنا ملك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة. لا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، ولكن توبوا إلى الله أعطفهم عليكم.(5/161)
4- مطرف «1» : لا تنظروا إلى خفض عيش الملوك ولين رياشهم، ولكن انظروا إلى سرعة ظعنهم «2» وسوء منقلبهم.
5- أبو عمران الجويني: بلغنا أنه إذا كان يوم القيامة أمر الله بكل جبار، وبكل من يخاف الناس شره وشدة بأسه، فيوثقون في الحديد، ثم أمر بهم إلى النار فأوصدها عليهم، فلا والله لا تستقر أقدامهم على قرار أبدا، ولا والله لا ينظرون إلى أديم السماء أبدا، ولا والله لا تلتقي جفونهم على غمض أبدا.
6- الأعمش «3» : قال لي أبو وائل شقيق بن سلمة: يا أبا سليمان، ليس لنا من أمرائنا واحدة من ثنتين: لا تقوى في الإسلام، ولا حلم من أحلام الجاهلية.
7- أبو عبيد الله الأشعري وزير المهدي:
لله دهر أضعنا فيه أنفسنا ... بالجهل لو أنه بعد النهي عادا
أفسدت ديني بإصلاحي خلافتهم ... وكان إصلاحها للدين إفسادا
ما قرّبوا أحدا إلّا ونيتهم ... أن يعقبوه من التقريب إبعادا
8- قيل لعبد الملك: أقتلت عمرو بن سعيد الأشدق؟ فقال: قتلته وهو أعز عليّ من دم ناظري، ولكن لا يجتمع فحلان في شول «4» .
9- سمع زياد رجلا يسب الزمان فقال: لو كان يدري ما الزمان لضربت عنقه، إنما الزمان هو السلطان.(5/162)
10- قال جحظة لإسماعيل بن بلبل حين استوزر: الولايات عواري، واصطناع الحر نهزة، فاغتنم الواجدان قبل الفقدان.
11- عزل عمار بن ياسر عن الكوفة فقال: وجدتها حلوة الرضاع مرة الفطام.
12- الإسكندر: السعيد من لا يعرفنا ولا نعرفه، لأنا إذا عرفناه أطلنا يومه وأطرنا نومه.
13- الغاضري: أعطانا الملوك الآخرة طائعين، وأعطيناهم الدنيا كارهين.
14- كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن: أعني بأصحابك.
فأجابه: من كان من أصحابي يريد الدنيا فلا حاجة لك فيه، ومن كان يريد الآخرة فلا حاجة له فيك، ولكن عليك بذوي الأحساب، فإنهم إن لم يتقوا استحيوا، وإن استحيوا تكرموا.
15- فيلسوف: إن الملك الأعظم أن يملك الإنسان شهوته.
16- إبراهيم بن العباس: أصحاب السلطان كقوم رقوا جبلا ثم وقعوا، فأقربهم إلى التلف أبعدهم في المرقى.
17- بزرجمهر: الملوك تعاقب بالهجران، ولا تعاقب بالحرمان.
18- جعفر بن محمد: كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الأخوان.
19- غلب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر على أصبهان في آخر أيام بني أميّة، واجتمع عليه الناس، فكتب بند رجل كان معه إلى عمران بن هند بذلك، فأجابه عمران:
أتاني كتاب منك يا بند سرني ... تخبرني فيه باحدى العجائب
تخبرني أن العجوز تزوجت ... على كبر منها كريم الضرائب
فهناكم الله الكريم نكاحها ... وراش بها كل ابن عم وصاحب(5/163)
كنى عن الخلافة بالعجوز.
20- وقال كسرى لشيرين: ما أحسن هذا الملك لو دام! فقالت: لو دام ما انتقل إلينا.
21- مات بعض ملوك يونان، فطلبوا ملكا، فأشير بواحد، فقال فيلسوف: لا يصلح للملك لأنه كثير الخصومات، فلا يخلو من أن يكون ظالما، والظالم لا يصلح للملك لظلمه، أو مظلوما والمظلوم أحرى أن لا يصلح لضعفه، فقيل له: فأنت أحق بالملك. فملكوه.
22- قيل لرجل: قد ولي أخوك فهلا أتيته. فقال: ما سرني له فأهنّيه، ولا ساءته فأعزيه، فلم آتيه؟.
23- عبيد الله بن زياد: نعم الشيء الامارة لولا قعقعة البريد وتشرف المنبر. الخليع البصري الباهلي:
ألا إنما المأمون لله محنة ... مميزة بين الضلالة والرشد
رأى الله عبد الله خير عباده ... فملّكه والله أبصر بالعبد
24- مرّ طارق الشرطي بابن شبرمة في موكبه، فقال:
أراها وإن كانت تحب كأنها ... سحابة صيف عن قليل تقشع
اللهمّ لي ديني ولهم دينهم. فاستقضى بعد ذلك، فعاتبه ابنه وذكره ما قال: فقال: يا بني، إن أباك أكل من حلوائهم فحط في أهوائهم.
25- سمع أعرابي رجلا يقع في السلطان، فقال: ويحك إنك غفل لم تمسك التجارب، وفي النصح لدغ العقارب، وكأنني بالضاحك إليك باكيا عليك.
26- مكتوب على باب نوبهار «1» ببلخ قال بيوراسف: أبواب الملوك(5/164)
تحتاج إلى ثلاثة: عقل، وصبر، ومال- نوبهار قرية من قرى بلخ- وتحته: كذب عدو الله، من كان له واحد منها لم يقرب باب السلطان.
27- سعيد بن حميد: عمل السلطان كالحمام، من فيه يريد الخروج منه، ومن هو خارج منه يريد الدخول فيه.
28- خالد بن صفوان: من صحب السلطان بالأمانة والنصيحة كان أكثر عدوا ممن صحبه بالغش والخيانة، لأن عدو السلطان وصديقه يتناصران عليه بالعداوة، والعدو يعاديه لنصحه، والصديق ينافسه في منزلته.
29- رأى المأمون رؤوس المحارض مفدمة بالقطن، فقال للخادم:
أحسنت، إنما يباهي بالذهب والفضة من قلّ عنده، وأما نحن فحقنا المباهاة بالأفعال الجميلة، والشيم الكريمة، وذاك بالملوك أبهى وأجمل.
30- أعرابي: حكم جليس الملوك أن يكون حافظا للسمر، صابرا على السهر.
31- حكيم: ينبغي للوالي أن يتفقد أمر خاصته كل يوم وأمر عامته كل شهر، وأمر سلطانه كل ساعة.
32- علي عليه السلام: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لإزالة الجبال أيسر من إزالة ملك مؤجل.
33- قال سفيان الثوري للمهدي بمكة: حدث قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرمي جمرة العقبة يوم النحر «1» ،(5/165)
لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك. وقد رأيت الناس يضربون بين يديك.
34- أبو هريرة: رأيت هندا بمكة جالسة، كأن وجهها فلقة قمر، وخلفها من عجيزتها مثل الرجل الجالس، ومعها صبي يلعب. فمر رجل فنظر إليه فقال: إني لأرى غلاما إن عاش ليسودن قومه. فقالت هند: إن لم يسودن إلّا قومه فأماته الله.
35- سأل كسرى الموبذان «1» : ما شيء واحد يعز به السلطان؟
قال: الطاعة، قال: ما سبب الطاعة؟ قال: التودد إلى الخاصة، والعدل في العامة.
36- كتب عبد الصمد بن المعذل إلى صديق له ولي النفاطات فأظهر تجبرا:
لعمري لقد أحدثت فيها كأنما ... توليت للفضل بن مروان منبرا
وما كنت أخشى لو وليت مكانه ... علي أبا العباس أن تتغيرا
بحفظ عيون النفط أظهرت نخوة ... فكيف به لو كان مسكا وعنبرا
دع الكبر واستبق التواضع إنه ... قبيح بوالي النفط أن يتكبرا
37- من أخلاق الملوك حب التفرد، ويعتقدون أن البهاء والأبهة فيه، حتى أن أمكنهم أن يتفردوا بالماء والهواء لم يشاركوا فيهما.
38- وعن أردشير بن بابك: كان إذا وضع التاج على رأسه لم يضع أحد على رأسه قضيب ريحان، وإذا ركب في لبسة لم ير على أحد مثلها، وإذا تختم بخاتم كان حراما على أهل الملة أن يتختموا بمثله.
39- وكان أبو أحيحة سعيد بن العاص بمكة إذا اعتم لم يعتم أحد بمثل عمامته ما دامت على رأسه.(5/166)
40- وكان الحجاج إذا وضع على رأسه طويلة لم يجترىء أحد من خلق الله أن يدخل عليه في مثلها.
41- وعبد الملك: إذا لبس الخف الأصفر لم يلبس أحد مثله حتى ينزعه.
42- وعن أبي حسان الزيادي: أتاني من قال لي: يقول لك ذو الرياستين «1» : لا تعتم غدا على قلنسوة إن أتيت الدار، فبت واجما، فلما أصبحنا فيها خرج الحاجب فقال: إن أمير المؤمنين يعتم اليوم على قلنسوة فانزعوا عمائمكم.
43- من حق الملك أن يفحص عن أسرار الرعية فحص المرضعة عن منام رضيعها.
44- وكان أردشير متى شاء قال لأرفعهم وأوضعهم: كان عندك في الليل كيت وكيت، حتى كان يقال يأتيه ملك من السماء، وما ذاك إلّا لتفحصه وتيقظه.
45- وعن عمر رضي الله عنه أن علمه كان بمن نأى عنه كعلمه بمن بات معه على وساد واحد. وقد اقتفى معاوية أثره.
46- وتعرف رجل إلى زياد، فقال: أتتعرف إلي وأنا أعرف بك منك بأبيك وأمك؟ وأعرف هذا البرد الذي عليك. فرعب الرجل حتى أرعد «2» .
47- وعن بعض العباسيين: كلمت المأمون في امرأة خطبتها، وسألته النظر إليها، فقال: يا أبا فلان، من قصتها وحالها وفعلها، فو الله إن زال يصفها ويصف أحوالها حتى بهت.(5/167)
ورفع إليه رجل رقعة يسأله إجراء الرزق، فقال له: كم عيالك؟ فزاد في العدد فلم يوقع، ثم كتب إليه في السنة الثانية فصدق، فوقع له.
48- قال ذو الكلاع الحميري لعمر: لقد أذنبت ذنبا ما أرى الله يغفر لي لقد أشرفت على الناس مرة بعد أن طال احتجابي عنهم، فسجد لي مائة ألف.
49- لما بشر هشام بالخلافة سجد، وسجد أصحابه إلّا الأبرش الكلبي. فقال: ما منعك أن تسجد؟ قال: وكيف أسجد وغدا تحلّق في السماء وتتركني؟ قال: فإني أحلّقك معي. قال: الآن وجب السجود.
50- الحمدوني في الحسن بن أيوب والي البصرة:
شر الأخلّاء من ولّى قفاه إذا ... كان المولي وأبدى البشر معزولا
من لم يسمن جوادا كان يركبه ... في الخصب قام به في الجدب مهزولا
51- قيل لسلطاني: مثل السلطان مثل البرمة السوداء، كل من مرّ بها سوّدته. فقال: إن كان ظاهر أسود فإن في باطنها لحما سمينا وطعاما لذيذا.
52- كتب عمر رضي الله عنه إلى عقبة بن غزوان: أما بعد، فإنك أصبحت أميرا تقول فتطاع، وتأمر فيتبع أمرك، فيا لها من نعمة! إن لم ترفعك فوق قدرك، أو تطغك على من دونك. احترس من النعمة أشد من احتراسك من الخطيئة، وهي والله أخوفها عندي عليك أن يقال لك: ومن مثلك؟ فتترفع، فتسقط سقطة لا شوى لها. والسلام.
53- خرج المتوكل إلى بعض متنزهاته، فوقف على جبل كله حصى قد غسله المطر، فاستحسنه، فنزل ودعا بطعامه، فأكل وشرب، ثم قام لصلاة الظهر فصلّى، ثم قعد فسبح، ثم قال في دعائه: اللهمّ إنك خلقتني ولم أك شيئا بقدرتك، ثم صيّرتني فوق هذا الخلق بعزتك، وأنت قادر أن تزيل هذا كله، فارزقهم مني العدل والنصفة، وألق في قلبي(5/168)
لهم الرأفة والرحمة، ثم بكى وأخذ كفا من ذلك الحصى فجعله على رأسه، وجعل يقلّب وجهه وخده على الأرض. ثم قام فركب.
54- ابن عباس: عنه عليه الصلاة والسلام: سيكون أقوام من أمتي يقرأون القرآن، ويتفقهون في الدين، يأتيهم الشيطان فيقول لهم: لو أتيتم السلطان فأصبتم من دنياهم، واعتزلتموهم بدينكم، ولا يكون ذلك، كما لا تجنى من القتاد إلّا الشوك كذلك لا تجنى من قربهم إلّا الخطايا.
55- الثوري: إن دعوك لتقرأ عليهم قل هو الله أحد فلا تأتهم.
وعنه: إن مررت بدورهم فلا تنظر إليها، فإنما بنوها لينظر إليها، ثم تلا قوله تعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا
الآية «1» .
56- أبو حازم قال للزهري «2» : إن الناس كانوا يفرون من السلطان وهو يطلبهم، وأنتم تأتون أبواب السلطان وهو يفر منكم.
57- قال سعيد بن المسيب: مال السلطان من الخمس. ولم يقبله الثوري، وقال: إني لأعلم أنه حلال، ولكن أكره أن يقع لهم في قلبي مودة.
58- كتب عبد الملك إلى ابن المسيب: إلى أخي الخالص دون الناس، إن الناس قد دعوا إلى بيعة ابن أخيك الوليد، فإن رأيت أن تدخل فيما دخل فيه الناس لما أرجو فيه من الاستقامة وإصلاح ذات البيت فافعل، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: من مات وليس في عنقه لإمام المسلمين بيعة فميتته ميتة جاهلية.
فلما قرأ سعيد الكتاب قال: كذب والله الذي لا إله إلّا هو، ما هو بأخي الخالص دون الناس، إنه لعدوي من دون الناس، هو الذي بعث(5/169)
إلى بيت الله الحجاج، فنصب عليه المجانيق «1» وأحرقه بالنار، ولم تحل مكة لأحد من الخلق إلّا لمحمد، أحلت له ثلاث ساعات من نهار.
فدعاني أن أبايع لابنه، يريد أن يجعلها هر قلية.
59- مرّ بريد لبني مروان في سوق المدينة، فقال له سعيد: كيف نركتهم؟ قال: بخير. قال: تركتهم يجيعون الناس ويشبعون الكلاب.
فاشرأب الرسول حتى سكن. فقال له المطلب بن السايب: يغفر الله لك، تشيط بدمك بكليمة تلقيها؟ قال: اسكت يا أحمق، والله لا يسلمني الله ما أخذت بحقوقه.
60- كان ابن سيرين يثبت المهدي، وكان الحسن لا يعرفه، وقال يوما: إن يكن لهذه الأمة مهدي فهو هذا، يعني عمر بن عبد العزيز.
61- أرسل عمر بن عبد العزيز محمد بن سعيد رسولا إلى الروم ليفدي أسارى المسلمين بأسارى المشركين، فقال: دخلت على ملك الروم فإذا هو نازل عن سريره جالس على الأرض، فقلت: ما شأن الملك؟ قال: أو ما تدري ما حدث؟ مات الرجل الصالح. يعني عمر بن عبد العزيز. ثم قال: لست أعجب ممن أغلق بابه وترهب، ولكني أعجب ممن أمكنته الدنيا وقدر عليها ثم زهد فيها. إني لأحسب لو كان أحد يحيي الموتى بعد عيسى لأحياهم عمر.
62- استحضر سليمان بن عبد الملك طاووسا، فسكت طويلا ثم قال: هل تعلمون أول ما خلق؟ قالوا: لاض، قال: القلم، ثم قال:
فهل تعلمون آخر من يموت؟ قالوا: لا، قال: ملك الموت، قال: هل تعلمون أبغض خلق الله؟ قالوا: لا، قال: إن أبغض خلق الله إليه عبد أعطاه سلطانا فعمل بمعصيته. فأخذ سليمان يحك رأسه حتى كاد يجرحه.
63- قال موسى صلوات الله عليه: يا رب، أنت في السماء ونحن(5/170)
في الأرض، فما علامة رضاك من سخطك؟ قال: إذا استعملت عليكم خياركم.
النامي «1» :
سأصبر إن جفوت فكم صبرنا ... لمثلك من أمير أو وزير
رجوناهم فلما أخلفونا ... تمادى فيهم غير الدهور
فبتنا بالسلامة وهي غنم ... وباتوا في المحابس والقبور
ولما لم تنل منهم سرورا ... رأينا فيهم كل السرور
64- مالك بن دينار: إذا غضب الله على قوم سلط عليهم صبيانهم.
65- محمد بن واسع: والله لسف التراب ولقم القصب خير من الدنو من أبواب السلطان.
66- نهى الثوري عن القرب من المنبر، فقيل: أليس يقال ادن واستمع: قال: ذاك لأبي بكر وعمر والخلفاء، فأما هؤلاء فتباعد عنهم، ولا تسمع كلامهم ولا تر وجوههم.
- وعنه: لا تجالسوا الملوك، فإنكم إن باهيتموهم أفقروكم، وإن تفضلوا عليكم حقّروكم.
- وقيل له: لو دخلت عليهم وتحفظت. قال: أفتأمنونني أن أسبح في البحر فلا تبتل ثيابي.
67- كتب يعقوب بن داود وزير المهدي إلى عابد يستقدمه، فاستشار محمد بن النصر وقال: لعل الله أن يقضي ديني. فقال محمد: لأن تلقى(5/171)
الله وعليك دين ولك دين خير من أن تلقاه وقد قضيت دينك وذهب دينك.
68- ابن السماك «1» : الذباب على العذرة «2» أحسن من القارىء على أبواب الملوك.
69- فضيل: لو كانت لي دعوة مستجابة لما جعلتها إلّا في إمام، لأنه إذا صلح الإمام أمن العباد والبلاد. فقبل ابن المبارك رأسه وقال: يا معلم الخير، من يحسن هذا غيرك؟.
- وعنه: رجل لا يخالط هؤلاء ولا يزيد على المكتوبة أفضل عندنا من رجل يقوم الليل ويصوم النهار ويحج ويعتمر ويجاهد في سبيل الله ويخالطهم.
70- سفيان بن عيينة: ما من عملي شيء أرجى عندي من بغض هؤلاء.
71- هوبر التغلبي:
الملك إن لم يقم بالحق سائسه ... عما قليل لأهل الملك ضرار
لا بارك الله في دنيا إذا انصرمت ... لذاتها كان عقبى أهلها النار
72- محمود بن مروان بن أبي الجنوب:
أعاد لنا المعتز أيام جعفر ... وأحيا لنا بالعدل والجود جعفرا
إمام له في كل قلب محبة ... كوالده قولا وفعلا ومنظرا
73- قال ابن السماك للرشيد: إن الله تعالى قد وهب لك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك ببعضها، ولم يجعل فوق قدرك قدرا، فلا تجعل فوق شكرك شكرا.(5/172)
74- علي عليه السلام: إن شر الناس إمام جائر ضلّ وضلّ به، فأمات سنة مأخوذة، وأحيى بدعة متروكة، وإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: يؤتى بالإمام الجائر، وليس معه نصير ولا عاذر، فيلقى في جهنم، فيدور فيها كما تدور الرحى، ثم يرتبط في قعرها.
75- ابن المبارك: دخل أسقف نجران على مصعب بن الزبير، فرماه بشيء فشجه، فقال له الأسقف: إجعل لي أمانا حتى أخبرك بما في الإنجيل، قال: لك ذلك. قال: فيه ما للأمير والغضب ومن عنده يطلب الحلم؟ وما للأمير والجور ومن عنده يطلب العدل؟ وما للأمير والبخل ومن عنده يطلب البذل.
76- يحيى بن يحيى لأن ألقى الله بكل ذنب أحب إلي من أن آخذ منهم، يعني السلاطين.
77- من صحب السلطان قبل أن يتأدب فقد غرر بنفسه.
78- قال سلمة الأحمر للرشيد: يا أمير المؤمنين، لو كنت في فلاة فعطشت بكم تشتري شربة ماء؟ قال: ينصف ملكي. قال: فإن شربتها فأبت أن تخرج؟ قال: بالنصف الآخر. قال: فلعن الله ملكا يباع بشربة وبولة.
79- ابن المبارك:
أنا ما استطعت هدا ... ك الله عن باب الأمير
لا تزرها واجنتبها ... إنها شر مزور
80- أبو هريرة رفعه: ويل للأمراء، ويل للأمناء، ليتمنيين أقوام لو أن ذوائبهم كانت معلقة في الثريا، يتذبذبون بين السماء والأرض، وأنهم لم يلوا عملا.
81- ابن عباس رفعه: إن من أشراط الساعة إماتة الصلوات، واتباع الشهوات، واتباع الهوى، ويكون أمراء خونة، ووزراء فسقة. فوثب(5/173)
سلمان فقال: بأبي وأمي، إن هذا لكائن؟ قال: نعم، عندما يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الملح في الماء، ولا يستطبع أن يغير. قال.
أو يكون ذلك؟ قال: نعم يا سلمان، إن أذل الناس يومئذ المؤمن، يمشي بين أظهرهم بالمخافة، إن تكلم أكلوه، وإن سكت مات بغيظه.
82- عمر رضي الله عنه: عنه عليه الصلاة والسلام: ويل لديان الأرض من ديان السماء، إلّا من أمر بالعدل وقضى بالحق، ولم يقض على هوى ولا قرابة، وجعل كتاب الله مرآة بين عينيه.
83- ربيعة الجرشي: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: اللهمّ إني أعوذ بك من رجل عظيم سلطانه، قليل وفاؤه لدينه هضّام، وعن آخرته نوام.
84- أبو هريرة: أخنع الأسماء عند الله أن يقال له ملك الأملاك.
أي أذلها. ويروى أنخع أي أقتل.
85- قال عمر رضي الله عنه لرجل: من سيد قومك؟ قال: أحوجهم الدهر إلي. فقال عمر: هكذا المخاتلة عن الشرف.
86- نزل عيسى عليه السلام دمشق فوجد ملكها يطعم الناس الطعام في صحاف الذهب والفضة، فذهب هو وأصحابه إلى بردى، فأخرجوا كسرا معهم فأكلوا، وشربوا من الماء. ثم قال عيسى: لا تدخلوا على الملوك، ولا تأكلوا من طعامهم، ولا تعجبوا بما أوتوا، واعجبوا مما يفعل بهم يوم القيامة.
87- لزمت بعض أمراء بلخ كفارة يمين، فسأل فقيها، فقال: كفر بالصيام. فبكى. لأن في أمره بالصيام أن جميع ما يملكه حرام ولا شيء له.
88- لقمان: لا تقارب السلطان إذا غضب، ولا البحر إذا مدّ.
89- لقمان: ثلاث فرق يجب على الناس مداراتهم: الملك المسلط، والمرأة، والمريض.(5/174)
90- أبوذر: قلت يا نبي الله، كم كتابا أنزل الله؟ قال: مائة كتاب وأربعة كتب، أنزل الله على شيت خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف، وعلى موسى عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان. قلت: فما كانت صحف إبراهيم؟ فذكر أن فيها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى
«1» إلى آخر السورة. وفيها:
يا أيها الملك المسلط المبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لن أردها ولو كانت من كافر.
91- علي عليه السلام: تباعد من السلطان الجائر، ولا تأمن خدع الشيطان فتقول متى أنكرت نزعت، فإنه هكذا هلك من كان قبلك، فإن أبت نفسك إلّا حب الدنيا، وقرب السلاطين، وخالفتك عما فيه رشدك، فأملك عليك لسانك، فإنه لا بقية للموت عند الغضب، ولا تسل عن أخبارهم، ولا تنطق بأسرارهم، ولا تدخل فيما بينهم.
92- الثوري: وإياك الأمراء أن تدنو منهم وتخالطهم في شيء من الأشياء، وإياك أن تخدع فيقال له: تشفع وترد مظلمة، فإنما ذلك خديعة إبليس اتخذها فخا.
93- قال الحجاج للحسن: أنت القائل: قاتلهم الله! قتلوا عباد الله على الدرهم والدينار؟ قال: نعم، قال: أما علمت سطوتي؟ أما اعتبرت بقتلي أكفاءك ولم يتكلوا بشطر من ذلك؟ قال: حملني على ذلك ما أخذ الله على العلماء، وتلا قوله تعالى لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ
، فسكن غضبه، وأمر أن يدهنوا شعره. ثم ندم. وتوارى الحسن فلم يقدر عليه.
94- كاتب: أعطي قوس السيادة باريها، وأضيفت إلى كفئها(5/175)
وكافيها، وفسخ به شرط الدنيا الفاسد في إهداء حظوظها إلى أوغادها «1» ، ونقض حكمها الجائر في العدول بها عن نجباء أولادها. رمقته عين الملك وهو جنين، وجهرته وهو ماء مهين، وقد كان يحيى أوتي الحكم صبيا، وعيسى كلّم الناس في المهد.
95- غاية النوك «2» خدمة الملوك.
96- أمارة الطمع أمارة الطبع.
97- صحب عمرو بن عمار الطائي النعمان بن المنذر، وكان النعمان أقشر أحمر الحماليق، معربدا، فعربد على عمرو فقتله. فقال أبو قردودة الطائي:
لقد نهيت ابن عمار وقلت له ... لا تقربن أحمر العينين والشعره
إن الملوك متى تنزل بساحتهم ... تطر بنارك من نيرانهم شرره
يا جفة كإزار الحوض قد كفؤوا ... ومنطقا مثل وشيء اليمنة الحبرة
98- عبد الملك بن عمرو: رأيت في ديوان معاوية بعد موته كتابا من ملك الصين الذي على مربطه ألف فيل، وبنيت داره بلبن الذهب والفضة، والذي تخدمه بنات ألف ملك، والذي له نهران يسقيان الألوة «3» ، إلى معاوية.
99- قيل ليزيد بن المهلب: ما أحسن ما مدحت به؟ قال: قول زياد الأعجم:
فتى زاده السلطان في الحمد رغبة ... إذا غيّر السلطان كل خليل(5/176)
100- قال الأولون: ليس في الأرض عمل أكد لأهله من سياسة العوام.
101- وقد قال الهذلي «1» :
وإن سياسة الأقوام فأعلم ... لها صعداء مطلعها طويل
102- الجاحظ: ليس شيء ألذ ولا أسر ولا أنعم من عز الأمر والنهي، ومن الظفر بالأعداء، ومن اعتقاد المنن في أعناق الرجال. لأن هذه الأمور هي نصيب الروح، وحظ الذهن، وقسمة النفس.
103- أبو الفتح البستي «2» :
يا قوم أرعوني أسماعكم ... حتى أؤدي واجب القرض
أشهد حقا أن سلطانكم ... ليس بظل الله في الأرض
104- الملك خلافة الله في عباده وبلاده، وليس يستقيم أمر خلافته مع مخالفته.
105- كان عمر إذا نظر إلى معاوية قال: هذا كسرى العرب.
106- أنوشروان: كل الناس أحقاء بالسجود، وأحقهم بذلك من رفعه الله عن السجود لأحد من خلقه.
107- ونحو ما أنشدنيه صديق لي من أهل الشام:
قرن الشجاعة بالخضوع لربه ... ما أحسن المحراب في المحراب
108- بعض السلف: يا بني، اتق السلطان، فإنه يغضب غضب الصبي، ويصول صيال الأسد.(5/177)
109- يقال لأتم مدة الخلفاء ميدان الخلفاء، وهي مدة دوران المشتري أربع وعشرون سنة. ولم يستكملها إلّا الرشيد والمقتدر، وقال قال عقال بن شيبة بن عبد الملك بن هلال للرشيد: الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي خصّك بطول البقاء، وجاوز بك ميدان الخلفاء. فتغير وجهه، فما عاش بعدها إلّا أقل من سنة.
وليس من آداب الملوك أن يعرض لهم بما يؤذن بالموت.
110- وعن نصر بن أحمد أن شاعرا جاءه ليلة السذق «1» بقصيدة في أولها عدد أسذاقه وكانت إحدى وعشرين، فأنكر العدد واغتاظ، ولم يسمع ما بعده، ولم يسذق بعدها، إذ لم يدر عليه الحول.
111- كانت خلافة عبد الله بن المعتز يوما وبعض يوم، ولقب بالمنتصف بالله، وضربت مثلا فيما لا تطول مدته، وحين قتل لم يجسر على مرثيته إلّا ابن بسام «2» فقال:
لله درك من ميت بمصيبة ... ناهيك في العلم والآداب والحسب
ما فيه لولا ولا ليت فينقصه ... وإنما أدركته حرفة الأدب
112- في يتيمة ابن المقفع، وهي رسالته المضروب بها المثل في البلاغة، قال: قليل مضار السلطان في جنب كثير من منافعه كمثل الغيث الذي هو سقيا الله، وبركة السماء، وحياة الأرض ومن عليها، وقد يتأذى به السفر، ويتداعى به البنيان، وتدر سيوله فيهلك الناس والدواب، ويموج له البحر، وتكون فيه الصواعق، فلا يمتنعن الناس إذا نظروا إلى آثار رحمة الله في الأرض التي أحيا، والنبات الذي أخرج، والرزق الذي بسط، عن أن يعظموا نعمة ربهم ويشكروها، ويلغوا ذكر خواص البلاء التي دخلت على خواص. ومثل الرياح التي يرسلها الله بشرى بين يدي(5/178)
رحمته فيسوق بها الحساب، ويجعلها لقاح للأشجار، وروحا للعباد، يتنسمون منها، ويتقلبون فيها، وتجري فلكهم، وتقدّ نيرانهم بها، وقد نضر بكثير من الناس في برهم وبحرهم، فيشكوها الشاكي، ويتأذى بها المتأذي، فلا يزيلها ذلك عن منزلتها التي جعلها الله بها، وقدرها سببا لقوام عباده، وتمام نعمته.
113- ومثل الشتاء والصيف، والليل والنهار، وما فيها من قليل المضار وكثير المنافع. ولو أن الدنيا كانت سراء، وكانت نعماؤها من غير كدر، وميسورها من غير معسور، لكانت الدنيا إذن هي الجنة التي لا يشوب «1» مسرّتها مكروه.
114- أبو العيناء «2» في بعض أصحاب السلطان: لله دوره من ناقض أوتار، ومدرك أوتار، يلتهب كأنه شعلة نار. بات على مدرجة الخائفين ينتظر إلى أن تزل بأمره قدمه فيحكم في ماله قلمه، له في الفينة بعد الفينة جلسة عند الخليفة كحسوة طائر، أو خلسة سارق، يقوم عنها وقد أفاد نعما، وأوقع نقما.
115- بعض الأشراف:
فلا تحسب السلطان عارا عقابه ... ولا ذلة عند الحفائظ والأصل
لقد قتل السلطان عمرا ومصعبا ... قريعي قريش واللذين هما مثلي
عماد بني العاص الرفيع عماده ... وقوم بني العوام آنية النحل
أراد قتل عبد الملك عمرو بن سعيد الأشدق ومصعب بن الزبير، وجعل بني العوام أواني النحل لكرمهم وطيبهم.
116- قالوا: السكر ثلاث: سكرة الشباب، وسكرة الولاية، وسكرة(5/179)
الشراب، وهي أهونها. وقد خمسها من قال:
سكرات خمس إذا مني المر ... ء بها صار خلسة الشيطان
سكرة المال والحداثة والعش ... ق وسكر الشراب والسلطان
وسمعه بعض الزهاد فقال: أين هو من سكرة الموت؟ وقرأ:
وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ
«1» .
117- الصابي «2» : وقعت الخلافة في الخلاف، وبرز الشر من الغلاف.
118- سليمان بن المهاجر البجلي حين قتل أبو سلمة الخلال:
إن الوزير وزير آل محمد ... أودى فمن يشناك كان وزير»
119- الحجاج: سلطان تخافه الرعية خير من سلطان يخافها.
120- شياطين السلاطين سلاطين الشياطين.
121- الملك من لا يسلم الإسلام، ولا يفارق الفرقان، ولا يمل الملّة «4» ، ولا يعدل عن العدل، ولا يجور على الجار.
122- إذا ساد اللئام باد «5» الكرام.
123- أجهل الناس من كان على السلطان مدلا.
124- هذه أحوال لم تدر بمثلها أحوال، وأقوال لم يقل مثلها أقوال.(5/180)
125- قال رجل لأسد بن عبد الله: أصلح الله الأمير، إن لي عندك يدا. قال: وما هي؟ قال: دخلت المقصورة وليس لك مجلس فيها فقمت لك عن مجلسي، فقال: إن هذه ليد، فما حاجتك؟ قال: تستعملني على أبيورد «1» . قال: وما تصنع بولايتها؟ قال: أصيب منها مائة ألف.
قال: عليها رجل له منا ناحية، وقد أمرنا لك بمائة ألف درهم، قال: لم تقض ذمامي. قال: كيف؟ قال: منعتني تسليم الإمرة. قال: قد سوّ غناك مائة الألف واستعملناك على أبيورد.
126- أبو ميمون الأنباري الكاتب:
يا وزارء الملك لا تفرحوا ... أيامكم أقصر أيام
وزارة مختصر عمرها ... أطولها يقصر عن عام
127- إبراهيم بن أبي عبلة: دخلت على هشام، فقال: يا غلام، أكتب له على مصر. فقلت: أو يعفيني أمير المؤمنين؟ فغضب حتى اصفر وجهه، وقال: إذا استعنا بخياركم ذكروا نحو هذا، فتركته حتى سكن غضبه ثم قلت: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى يقول: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ
، والله ما أكرههن إذ أبين، ولا عاب عليهن إذ كرهن، فتبسم ثم قال: أبيت يا ابن أبي عبلة إلّا ما أبيت.
128- قال ابن إسحاق: أبو جاد، وهوّز، وحطيّ، وكلمون، وسعفص، وقرشيات، بن والمحض بن جندل، كانوا ملوكا، ملك أبو جاد بمكة، وهوّز وحطي بوج «2» ، والباقون بمدين، وإنما أصاب مدين العذاب في ملك كلمون.(5/181)
129- صالح بن علي الهاشمي: جاءتني امرأة موسوسة بواسط، فقالت لي: بأبي أنتم، ما أكثر ظلم الناس لكم! قلت: فيم ذاك؟
قالت: يزعمون أن الخلفاء منكم ظلمة، ولو كانوا كذلك ما ولاهم الله خلافته، أليس يقول: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ
«1» . فلو كان ظلمة لم ينلهم عهده.
130- راشد الكاتب في علي بن هشام:
صحبتك إذ أنت لا تصحب ... وإذ أنت لا غيرك الموكب
وإذ أنت تكثر ذم الزمان ... ومشيك أضعاف ما تركب
وإذ أنت تفرح بالزائرين ... ونفسك نفسك تسجب
فقلت كريم له همة ... ينال فأدرك ما أطلب
فنلت فأقصيتني عامدا ... كأني ذو عرّة أجرب «2»
ففي الناس إذ ضاق بي ما لدي ... ك ولم ترع لي حرمة مذهب
131- كسرى: موت ألف سيد أهون من ارتفاع سفلة.
132- قيل لرجل أصابته حاجة: لو خالطت هؤلاء فأصبت من دنياهم، فقال: دعوني عنكم، فإني قد أصبت من فقر الدنيا ما لا أحب أن أجمع إليه من فقر الآخرة.
133- ابن شبرمة «3» : قلت لأبي مسلم حين أمر بمحاربة عبد الله بن علي: أيها الأمير، إنك تريد عظيما من الأمور، فقال: يا ابن شبرمة، إنك بحديث تفلق معانيه، وشعر توضح قوافيه، اعلم منك بالحرب. إن هذه دولة قد اطردت أعلامها، وخفقت ألويتها، واتسعت أفئيتها، فليس لمناوئها، والطامع فيها، يد تنيله شيئا من قوة الوثوب عليها. فإذا تولت(5/182)
مدتها قدح الوزع بذنبها فيها.
134- قال رجل لأبي الدوانيق وهو المنصور: أين ما كنت تحدث به في أيام بني أمية أن الخلافة إذا لم تقابل بانصاف المظلومين من الظالمين، وأن لم تعارض بالعدل في الرعية، وقسم الفيء بالسوية، كان عاقبة أمرها بوارا «1» ، وحاق بولاتها سوء العذاب؟ فتنفس ثم قال: قد كان ما تقول، ولكنا استعجلنا ما في الفانية «2» على ما في الباقية «3» ، وكان قد انقضت هذه الدار، فقال له: فانظر على أي حال تنقضي، فقال: لعاعة تقول:
تبا تبا لعالم أصاره علمه غرضا لسهام الخطايا، وهو عالم بسرعة مواقع المنايا، اللهمّ إن تقض للمؤمنين صفحا فاجعلني منهم، وأن تهب الظالمين فرجا فلا تحرمني ما يتطول به المولى على أخس عبيده.
135- جودرز بن سابور: لا تثق بمودة الملوك، فإنهم يوحشونك من أنفسهم آنس ما كنت بهم.
136- خسرو بن فيروز: شر السلاطين من خافه البريء.
137- أردشير قال لابنه: يا بني، الملك والدين أخوان لا غناء لأحدهما عن الآخر. فالدين أسّ، والملك حارس، وما لم يكن له أس فمهدوم، وما لم يكن له حارس فضائع.
138- هرمز بن نرسي: شكا له أهل اصطخر «4» احتباس القطر، فوقّع: إذا بخلت السماء بقطرها جادت يد الملك بدرها.
139- بهرام بن نرسي: أبلغ الأشياء في تشييد الملك تدبيره بالعدل، وحفظه بالعفو.(5/183)
140- هرمز بن سابور: نحن كالنار من قاربها كثر عليه ضررها، ومن باعدها لم ينتفع بها.
141- يزدجرد: نحن معاشر الملوك لا نشبه الآدميين إلّا بالصور والخلق، فأما الأخلاق والهمم فبيننا وبينهم فيها التفاوت البعيد.
142- بهرام جور: لا شيء أضر بالملوك من استخبار من لا يصدق إذا خبّر، واستكفاء من لا ينصح إذا دبّر.
143- أنوشروان: ما عدل من جارت قضاته، ولا صلح من فسدت كفاءته.
144- لا يستغني أعلم الملوك عن الوزير، ولا أحد السيوف عن الصقال «1» ، ولا أكرم الدواب عن السوط، ولا أعقل النساء عن الزوج.
145- جلس الإسكندر يوما فما رفع إليه أحد حاجة، فقال: ما أعدّ اليوم من أيام ملكي.
146- ملك الخزر «2» : من طباع الملوك إنكارهم القبيح من غيرهم، واحتمالهم إياه من أنفسهم.
147- حسان بن تبع الحميري: لا تثقن بالملك فإنه ملول، ولا بالمرأة فإنها خؤون، ولا بالدابة فإنها شرود.
148- عهد أبي بكر الصديق عند موته: هذا ما عهد أبو بكر عند آخر عهده بالدنيا، وأول عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيها الكافر، ويتقي فيها الفاجر، إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فإن برّ وعدل فذلك علمي به، وإن جار وبدّل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت،(5/184)
ولكل امرىء ما اكتسب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
149- عمر رضي الله عنه: أشقى الولاة من شقيت به رعيته.
150- عثمان رضي الله عنه: ما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن.
151- معاوية: ما أخاف على ملكي إلّا ثلاثة: الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، قيل: فلم لا تقتلهم؟ فقال: فعلى من أتأمر؟.
152- زياد بن أبيه: طوبى لمن له دويرة تؤويه، وتجارة تكفيه، وجارية ترضيه، ولا نعرفه نحن فنؤذيه.
153- عبد الملك: أنصفونا يا معشر الرعية، تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر، ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرة رعية أبي بكر وعمر.
نسأل الله أن يعين كلا على كل.
154- الحجاج: جور السلطان خير من ضعفه، لأن ذلك يخص، وهذا يعم.
155- أبو العباس السفاح: ما أقبح بنا أن تكون الدنيا بأيدينا وأولياؤنا خالون من أيادينا!.
156- قرأ الرشيد قوله تعالى: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي
«1» ، فقال: لعنه الله، ادعى الربوبية بملك مصر، والله لأولينها أخس خدمي، فولّاها الخصيب «2» . وكان على وضوئه.
157- أخذ في مبايعة المهتدي بالله قبل أن يخلع المعتز نفسه، فقال المهتدي: لا يجتمع أسدان في غابة، ولا فحلان في عانة.(5/185)
158- ابن المعتز: من شارك السلطان في عز الدنيا شاركه في ذل الآخرة.
- وعنه: إذا زادك الملك تأنيسا وإكراما فزده تهيبا واحتشاما.
- وعنه: من صحب السلطان فليصبر على قسوته كصبر الغواص على ملوحة بحره.
- وعنه: لا تلبس السلطان في أيام الفتنة فإن البحر لا يسلم راكبه في حال سكونه، فكيف إذا عصفت رياحه، والتطمت أمواجه؟.
159- محمد بن زيد الداعي: ما أشبه دولة السامانية في طول ثيابها مع قلّة كفاءتها إلّا بالسماء المرفوعة بغير عمد.
160- أبو علي الصنعاني: إياك والملوك، فإن من والاهم أخذوا ماله، ومن عاداهم أخذوا رأسه.
161- سيف الدولة الحمداني: السلطان سوق يجلب إليها ما ينفق فيها.
162- المطيع لله: باسمنا يدفع عن سواد الأمة وبياض الدعوة.
163- عضد الدولة: الدنيا أضيق من أن تسع ملكين.
164- محمود بن سبكتكين: شكر له أخوه كثرة نفقاته وصدقاته على أهل غزنة «1» عام القحط «2» ، فقال: يا أخي، لو كانوا قوما أجانب لكانت البشرية توجب مواساتهم، فكيف وهم إخواننا في الدين، وأصحابنا في الملك، وجيراننا في البلد؟ فأي عذر لنا مع سعة المال في تمييزهم عن العيال؟(5/186)
165- وعاتب والي خوجان «1» على القتل فقال: إن جرح المال يوسى بتعويض وإخلاف، وليس لإتلاف النفوس تلاف.
166- قيل لبزرجمهر: كيف اضطربت أمور آل ساسان؟ فقال:
استعانوا بأصاغر العمال على أكابر الأعمال، فآل أمرهم إلى شر مآل.
167- السلطان لا يتوخى بكرامته الأفضل ولكن الأدنى، كالكرم لا يتعلق بأكرم الشجر ولكن بأدناها منه.
168- ظفر بن الليث: سمعت أبا داود وقد ولي بلخ ثمانين سنة يقول: والله، ما حللت حبوتي «2» لحرام قط، ولا ارتشيت درهما في الحكم، ولو علمت أن صلاح رعيتي في يميني لبذلتها.
169- هرمز بن نرسي لمّا دنت وفاته وامرأته حامل بسابور «3» عقد التاج على بطنها. وقام الوزراء بتدبير المملكة حتى ولد. وأغار العرب على نواحي فارس في صباه، فلما أدرك انتخب من أهل النجدة وأوقع بالعرب فنهكهم بالقتل. ثم خلع أكتاف سبعين ألفا فسمي ذا الأكتاف.
وأمرهم حينئذ بأرخاء الشعور، ولبس المصبغات والأزر، وأن يسكنوا بيوت الشعر، وأن لا يركبوا الخيل إلّا اعراء.
170- كتب الإسكندر إلى أرسطاليس يعلمه بما افتتح من البلاد، ويعجبه من قبة ذهب وجدها في بلاد الهند. فأجاب: إني رأيتك تتعجب من قبة عملها الآدميون، وتدع التعجب من هذه القبة المرفوعة فوقك، وما(5/187)
زينت به من الكواكب وأنوار الليل والنهار. وأما البلدان فليكن ملكك بالتودد إلى أهلها، لا كقهر الراعي غنمه بالعصا، فإنك في طاعة لمودة أحمد بدءا وعاقبة من طاعة القهر والإستطالة.
171- فحدث به المأمون فقال: لقد حثّ على التودد فأحسن، وقد أدبنا الله قبل معرفتنا بحكمة أرسطاليس بقوله: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك.
172- العتابي في الرشيد:
إمام له كف يضم بنانها ... عصا الدين ممنوعا من البري عودها
وعين محيط بالبرية طرفها ... سواء عليها قربها وبعيدها
173- محمد بن مكرم الكاتب في أحمد بن إسرائيل وزير المعتز:
إن زمانا أنت مستوزر ... فيه زمان عسر أنكد
يذمك الناس جميعا فما ... يلقاك منهم واحد يحمد
طرف الذي استكفاك في ملكه ... أمر الرعايا عائر أرمد «1»
174- لما بويع لأبي العباس السفاح اعترضه المحيس بن أرطأة الأعرجي فقال:
أهلا وسهلا بخيار الناس ... بهاشم أهل الندى والباس
تدولوها يا بني العباس ... تداول الأكفّ للأمراس
فقال: نعم إن شاء الله، وأمر له بمائتي دينار.
175- يوسف الجوهري في المتوكل:
إن الخلافة لم تزل مشتاقة ... يسمو إليك سريرها والمنبر
حتى أتاك بها الذي أعطاكها ... ليعزّها بك إنه بك أخبر(5/188)
ولئن أتتك وتلك أفضل رتبة ... للطالبين لأنت منها أكبر
176- ابن عباس: دخلت على علي بذي قار «1» وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذه النعل؟ فقلت: لا قيمة لها، فقال: والله هي أحب إلي من إمرتكم، إلا أن أقيم حدا من حدود الله، أو أدفع باطلا.
177- وقال للأشتر حين ولاه مصر: وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك، وقدرته منك على ما لا تقدر منه على نفسك، فإن ذلك يطامن إليك من طماحك، ويكف عنك من غربك، ويفيء إليك ما غرب عنك من عقلك.
وليكن أبعد رعيتك منك، وأشنأهم «2» عندك أطلبهم لمعايب الناس، فإن في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم على ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك.
وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرها في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلّا بالعمارة. ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلّا قليلا.
- وعنه: ولقد لقيه دهاقين «3» الأنبار «4» فترجلوا له واشتدوا بين يديه، فقال: ما هذا الذي صنعتموه؟ قالوا: خلق منا نعظم به أمراءنا، فقال: والله ما ينتفع بهذا أمراؤكم، وإنكم لتشقون به على أنفسكم،(5/189)
وتشقون به في آخرتكم. وما أخسر المشقة وراءها العذاب! وما أربح للراحة معها الأمان من النار.
- وعنه: صاحب السلطان كراكب الأسد يغبط بموقعه، وهو أعلم بموضعه.
178- عابد: ينظر أهل البصائر إلى الملوك بالتصغير والرحمة، وأهل الغفلة بالتعظيم والغبطة.
179- وقف ملك من ملوك بني إسرائيل على مريض، فقال:
مالك؟ قال: أرحمك، قال: يا رب مرحوم من سقم هو شفاؤه، ومغبوط بنعمة هي داؤه.
180- تزوج ملك من بني إسرائيل بنت ملك، فقالت له: إن أولى الناس بمعرفة النعم من غذي بالنعم، وما أحسن من طلب نعيم الآخرة بترك نعيم الدنيا! فهل لك أن تدع ما نحن فيه ونتعبد؟ فلبسا المسوح «1» وتعبدا.
181- إسحاق بن إبراهيم:
باب الأمير عراء ما به أحد ... إلا امرؤ واضع كفا على ذقن
182- أبو العرجاء حمال موسى بن عيسى: لما نزلنا بستان بني عامر بعثني محمد بن سليمان إلى الحسين بن علي صاحب فخ «2» لأتجسس له،(5/190)
فمضيت فما رأيت إلّا مصلّيا أو مبتهلا أو ناظرا في مصحف أو معدا لسلاح، فرجعت وقلت: ما أظن القوم إلّا منصورين، وأخبرته بخبرهم.
فصفق بيده وبكى حتى ظننت أنه سينصرف، ثم قال: هم والله أكرم خلق الله، وأحق بما في أيدينا منا، ولكن الملك عقيم، ولو أن صاحب القبر، يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، نازعنا الملك لضربنا خيشومه «1» بالسيف، وسار إليهم وفعل ما فعل.
183- ولما احتضر محمد بن سليمان كانوا يلقنونه الشهادة، وهو يقول: ألا ليت أمي لم تلدني، ولم أكن شهدت حسينا يوم فخ ولا الحسن.
184- إبراهيم بن عبد الله بن رجاء الجلاني في المتوكل:
إذا ما امرؤ طالت إلى المجد كفه ... فكفك منها في ذرى المجد أطول
وحسبك أن الله فوقك وحده ... وأنك فوق الناس بالحق تعدل
185- وقف على الحسن أعمى فقال: تصدقوا على من لا قائد له يقوده، ولا بصر يهديه. فأشار إلى عبيد الله بن زياد وقال: ذاك والله صاحب هذه الدار ما كان له من حشمه قائد يقوده إلى خير، وما كان له من قبل نفسه بصر يبصر به.
186- علي عليه السلام: حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي فريضة فرضها الله لكل على كل، فجعلها نظاما لإلفتهم، وعزا لدينهم، فليست تصلح الرعية إلّا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلّا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه وأدى إليها حقها عز الحق(5/191)
بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على أذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء.
وإذا غلبت الرعية واليها وأجحف الوالي برعيته اختلفت هناك الكلمة، وظهرت معالم الجور، وكثر الادغال في الدين، وتركت محاج السنن، فلا يستوحش لعظيم حق عطل، ولا لعظيم باطل فعل، فهنا لك تذل الأبرار، وتعز الأشرار.
187- أسر مروان بن الحكم يوم الجمل، فكلم فيه الحسن والحسين فخلاه علي، فقالا له: يبايعك يا أمير المؤمنين، فقال: ألم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته، إنها كف يهودية، ولو بايعني بيده لغدر بسيفه، أما إنّ له أمرة كلعقة الكلب أنفه، وهو أبو الأكبش الأربعة، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر.
188- نوف البكالي: خطب أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة، وهو قائم على حجارة نصبت له، وعليه مدرعة «1» من صوف، وحمائل سيفه ليف، وفي رجليه نعلان من ليف، وكأن جبينه ثفنة «2» بعير، ثم قال: أين أخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق؟ أين عمار؟ وأين ابن التيهان؟ وأين ذو الشهادتين «3» ؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية وأبرد برؤوسهم إلى الجنة؟ ثم ضرب بيده إلى لحيته فأطال البكاء، ثم قال: أوه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبروا الفرض فأقاموه، أحيوا السنة، وأماتوا البدعة.
ثم نادى بأعلى صوته الجهاد عباد الله، ألا وأني معسكر في يومي(5/192)
هذا، فمن أراد الرواح إلى الله فليخرج. فعقد للحسين في عشرة آلاف، ولقيس بن سعد في عشرة آلاف، ولأبي أيوب الأنصاري في عشرة آلاف، ولغيرهم على أعداد أخر، وهو يريد الرجعة إلى صفين.
فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم، فتراجعت العساكر فكنّا كالأغنام فقدت راعيها تختطفها الذئاب من كل مكان.
189- أتى جرير بن عبد الله البجلي معاوية لأخذ البيعة لعلي رضي الله عنه، فدافعه فقال له: إن المنافق لا يصلّي حتى لا يجد من الصلاة بدا، ولا أحسبك تبايع حتى لا تجد من البيعة بدا. فقال معاوية: إنها ليست بخدعة الصبي عن اللبن، إنه أمر له ما بعده فأبلعني ريقي. فلما كان من الغد رفع عقيرته «1» بسمع من جرير:
تطاول ليلي واعترتني وساوس ... لآت أتى بالترهات البسابس
أتاني جرير والحوادث جمة ... بتلك التي فيها اجتداع المعاطس
أكايده والسيف بيني وبينه ... ولست لأثواب الدنيء بلابس
إن الشام أعطت طاعة يمنية ... تواضعها أشياخها في المجالس
فإن يفعلوا أصدم عليا بجبهة ... تغثّ عليه كل رطب ويابس
وإني لأرجو خير ما نال نائل ... وما أنا عن ملك العراق بيائس
190- المستعين حين خلع:
كل ملك مصيره للذهاب ... غير ملك المهيمن الوهاب
كل ما قد ترى يزول ويفنى ... وتجازى العباد يوم الحساب
191- أبو زبيد الطائي:
إذا نلت الأمارة فاسم منها ... إلى العيوق بالسبب الوثيق «2»(5/193)
ولا تلك عندها حلوا فتحسى ... ولا مرا فتنشب في الحلوق
وكل إمارة إلّا قليلا ... مغيرة الصديق على الصديق
192- أبو حفص العدوي:
في صاعد وأخيه وابنه عظة ... لمن تسمى وزيرا بعدهم أبدا
فقل لذي نخوة من بعد نخوتهم ... وظالم ظلمهم لا تأمن القردا
193- لما اشتدت شوكة العراق على عبد الملك خطب فقال: إن نيران العراق قد علا لهيبها، وكثر حطبها، فجمرها ذاك، وزنادها وار، فهل من رجل ذي سلاح عنيد، وقلب شديد، يندب لها؟ فقال الحجاج:
أنا يا أمير المؤمنين، فجبهه مرّات. ثم أعاد الكلام فلم يقم غيره، فقال:
كيف تصنع إن وليتك؟ قال: أخوض الغمرات، واقتحم الهلكات، فمن نازعني حاربته، ومن هرب طلبته، ومن لحقت قتلته. أخلط عجلة بأناة، وشدة بلين، وتبسما بإزدراء. وعلى أمير المؤمنين أن يجرب، فإن كنت المطلى قطاعا، وللأرواح نزاعا، وللأموال جماعا، وإلّا استبدل بي. فقال عبد الملك من تأدب وجد بغيته، اكتبوا كتابه.
وروي أنه قال: عليّ بابن القرناء، فلما رآه قال: هذا غلام ثقيف الموصوف في كتاب دانيال. ليكشف عن صدره، فإذا هو بشابة سوداء في وسطها نكت «1» حمر.
فقال: هذا ورب موسى، ليقتلن بعدد كل نكتة في شامته كذا وكذا، وهي النكتة التي يعطاها السفاكون.
وذكر أنه في الكتاب شاب أنزع بطين في اسمه حاء وجيمان.
194- أعرابي: حاجب المرء عامله على عرضه.
195- آخر: حاجب المرء بعضه، وكاتبه كله.(5/194)
196- وكان عمرو بن سعيد بن سلم في حرس المأمون ليلة، فبرز المأمون يتفقد الحرس، فقال له: من أنت؟ قال: عمرو عمرك الله وابن سعيد أسعدك الله، ابن سلم سلمك الله. فقال: أنت تكلؤنا الليلة، قال الله يكلؤك «1» يا أمير المؤمنين، وهو خير حافظ وهو أرحم الراحمين فقال المأمون:
إن أخا هيجاك من يسعى معك ... ومن يضرّ نفسه لينفعك
ومن إذا ريب زمان صدعك ... شتّت فيك شمله ليجمعك
ادفعوا له أربعة آلاف دينار. قال عمرو: فوددت الأبيات طالت.
197- قال زياد لابنه: عليك بالحجاب، فإنما تجرأت الرعاة على السباع بكثرة نظرها إليها.
198- سعيد بن المسيب: نعم الرجل عبد العزيز لولا حجابه، إن داود ابتلى الخطيئة لحجابه.
199- قال بواب المأمون يوما للوقوف على الباب: كم تقفون؟
اختاروا واحدة من ثلاث: إما أن تقفوا ناحية من الباب، وإما أن تجلسوا في المسجد، ثم سكت. قالوا: فالخصلة الثالثة؟ فلم يحسن أن يثلث فقال جئتمونا بكلام الزنادقة. فأنهيت إلى المأمون فضحك. وأمر له بألف درهم وقال: لولا أنها نادرة جهل لاستحق أكثر.
200- استأذن رجل على أمير، فقال: قولوا له إن الكرى «2» قد خطب إلى نفسي، وإنما هي هجعة «3» ثم أهب. فخرج الحاجب فقال:
قد قال كلاما لا أفهمه، إلّا أنه لا يريد أن يأذن لك.(5/195)
201- علي عليه السلام: إنما أمهل فرعون مع دعواه لسهولة إذنه وبذل طعامه.
202- قدم عبد العزيز بن زرارة الكلابي على معاوية، فطال مقامه ببابه فصاح: من يستأذن لي اليوم فأستأذن له غدا؟ فبغت معاوية فأذن له وأكرمه.
203- ولى يزيد بن المهلب إبنه مخلدا جرجان «1» ، وقال له:
استظرف الكاتب، واستعقل الحاجب.
204- أبو الشعيب الكوفي في بشر بن مروان:
بعيد مراد العين مارد طرفه ... حذار النواشي باب دار ولا ستر «2»
ولو شاء بشر كان من دون بابه ... طماطم سود أو صقالبة حمر «3»
ولكن بشرا أيسر الباب للتي ... يكون لها في غبها الحمد والشكر
205- قال عمرو بن مرة الجهمي لمعاوية: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ما من أمير ولا وال يغلق بابه من دون ذوي الحاجة والخلة «4» والمسألة إلّا أغلق الله أسباب السماوات دون حاجته وخلته ومسألته.
206- قيل لأبي سفيان: إن عثمان حجبك، فقال: لأعدمت من قومي من إذا شاء حجبني.
207- من وجد بابا مغلقا وجد إلى جنبه بابا مفتوحا.
208- استأذن النابغة على النعمان «5» . فقال الحاجب: الملك على(5/196)
شرابه، فقال: هو وقت الملق «1» تقبله الأفئدة وهي جذلى للرحيق والسماع، فإن تبلج «2» فلق المجد عن غر مواهبه «3» فأنت قسيم ما أخذت.
209- ابن المبارك:
أرى أناسا بأدنى الدين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيش بالدون
فاستغن بالدين على دنيا الملوك كما ... استغنى الملوك بدنياهم عن الدين
210- قام رجل بين يدي بعض الملوك، فقال له: لم قمت؟ قال:
لأجلس فولّاه.
211- في بعض ولاة بني مروان:
إذا ما قطعتم ليلكم بمدامكم ... وأفنيتم أيامكم بمنام
فمن ذا الذي يغشاكم في ملمة ... ومن الذي يأتيكم لسلام
رضيتم من الدنيا بأيسر بلغة ... بلثم غلام أو بشرب مدام «4»
ولم تعلموا أن اللسان موكل ... بمدح كرام أو بذم لئام
212- قال أبو جعفر لسلم بن قتيبة في قتل أبي مسلم، فتلا: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا
«5» . فقال: حسبك يا أبا قتيبة، هذا الرأي.
213- قال أبو جعفر لشبيب بن شبة: عظني، فقال: إن الله لم يرض لك أن يكون فوقك أحد من خلقه، فلا ترض له من نفسك بأن يكون له عبد هو أشكر منك.(5/197)
214- لا يحمل النير ردفا، ولا يصلح ملك بين نفسين.
215-[شاعر] :
جعل ابن حزم حاجبين لبابه ... سبحان من جعل ابن حزم يحجب
216- قال زياد لعمر رضي الله عنه: أعن خيانة عزلتني أم عن تقصير؟ قال: لا عن واحد منهما، ولكن أكره أن أحمل فضل عقلك على الرعية.
- وعنه رضي الله عنه: العمل كبير فانظر كيف تخرج منه.
217- أشرف عبد الملك على أصحابه وهم يذكرون سيرة عمر، فغاظه ذلك فقال:
إيها عن ذكر عمر فإنه أزرى بالولاة.
218- الملك في أرباب السيوف لا في ربات الشنوف «1» .
219- البديع: نهت الحكماء عن خدمة الملوك، وقالوا أن الملوك إذا خدمتهم ملوك، يستعظمون في الثواب رد الجواب، ويستقلون في العقاب ضرب الرقاب، يعثرون على عثرة فيبنون لها منارا ويستوقدون بها نارا، فكن من الملوك مكانك من الشمس، إنها لتؤذيك والسماء لها مدار، والأرض لها دار. فكيف لو أسفت قليلا ودنت يسيرا؟ العاقل من طلب سربا لواذا منهم وهربا، أو ابتغي في الأرض نفقا، فرارا منهم وفرقا «2» .
220- نحيم: شر السلاطين من أمنه الجريء وخافه البريء.
221- كان الوليد بن عبد الملك صاحب بناء واتخاذ للضياع، فكان الرجل في زمانه يلقى الآخر فلا يسأله إلّا عن بنائه وضيعته. وكان(5/198)
سليمان «1» صاحب أكل ونكاح، فلا يتساءلون إلّا عن التزوج والتسري وصفة الطعام. وكان عمر بن عبد العزيز دينا، فيلقى الرجل الآخر فيقول:
ما وردك الليلة؟ وكم تحفظ من القرآن؟ ومتى يتم ما جعلت على نفسك من الصوم؟.
222- كتب أبو حازم المدني إلى عمر بن عبد العزيز: اتق الله ولا تكن للظالمين وليا، وإياك أن تلقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنت له بتبليغ الرسالة مصدق، وهو عليك بسوء خلافته في أمته شهيد.
223- كان عمر بن عثمان بن معمر يسترسل مع جلسائه ولا يتكبر عليهم، فقال له بعض من يتنصح: إن الوالي ينبغي له أن يمسك نفسه ويتكبر على أهل عمله. فقال: إنكم إذا وليتم ولاية وضعتموها ههنا، وأشار إلى رأسه، ونحن إذ ولينا وضعناها ههنا، وأشار تحت قدميه.
224- سعيد بن العاص: يا بني إن الولايات محن الرجال تبدي محاسنهم ومساويهم، فإن وليت فاستطعت أن تكون ذكرا حسنا فافعل.
225- عمرو بن العاص: يا بني إمام عادل خير من مطر وابل «2» ، وأسد خطوم خير من سلطان غشوم، وسلطان غشوم خير من فتنة تدوم.
226- استأذن سعيد بن مالك على معاوية فحجب فهتف بالبكاء، فسعى إليه الناس وفيهم كعب فقال: ما يبكيك؟ قال: وما لي لا أبكي وقد ذهب الأعلام من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعاوية يتلعب بهذه الأمة.
فقال كعب: لا تبك فإن في الجنة قصرا من ذهب يقال له عدن، أهله الصديقون والشهداء، وأنا أرجو أن تكون من أهله.
227- عمر رضي الله عنه: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما استعجلت أحدا من الطلقاء.(5/199)
228- أراد عمر أن يعزل المغيرة بن شعبة عن العراق بجبير بن مطعم وأن يكتم ذلك. وأمره بالجهاز، فأحس بذلك المغيرة، فأمر جليسا له أن يدس امرأته، وكانت تسمى لقاطّة الحصى، لتدور في المنازل حتى دخلت منزل جبير بن مطعم، فوجدت امرأته تصلح أمره، فقالت: إلى أين يخرج زوجك؟ قالت: إلى العمرة. قالت: كتمك، ولو كانت لك عنده منزلة لأعلمك.
فجلست متغضبة، فدخل عليها جبير وهي كذلك، فلم تزل به حتى أخبرها، وأخبرت لقاطة الحصى، ودخل المغيرة على عمر فقال: بارك الله لأمير المؤمنين في رأيه وتوليته جبيرا. فقال: كأني بك يا مغيرة فعلت كذا، فقص عليه الأمر كأنما شاهده، وقال: أنشدك الله هل كان كذلك؟ قال: اللهمّ نعم. ثم صعد المنبر فقال: أيها الناس من يدلني على المخلط المزيل نسيج وحده؟ فقام المغيرة فقال: ما يعرف ذلك في أمتك أحد غيرك. فولاه، ولم يزل والي العراق حتى طعن عمر.
229- علي عليه السلام: لا يصلح لكم يا أهل العراق إلّا من أخزاكم وأخزاه الله.
ودعا عليهم سعد بن أبي وقاص فقال: اللهمّ لا ترضهم بأمير، ولا ترض أميرا بهم.
230- أبو هريرة: ويل للعرب من شرّ قد اقترب. اللهمّ لا تدركني إمارة الصبيان.
231- لما أراد طاهر أن ينفذ رأس الأمين إلى المأمون قال لمحمد بن الحسين بن مصعب: صر إلى أمير المؤمنين بهذا الرأس والبردة، وقل له:
وجهت إليك الدنيا والآخرة.
232- الحسين بن الضحاك في المأمون:
رأى الله عبد الله خير عباده ... فملكه والله أعلم بالعبد
ألا إنما المأمون للناس عصمة ... مميزة بين الضلالة والرشد(5/200)
الباب الثالث والثمانون المنطق، وذكر الخطب، والشعر، والفصاحة والبلاغة، والعيّ، والإفحام، والإيجاز وما اتصل بذلك
1- النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنا أفصح العرب غير أني من قريش واسترضعت في بني سعد بن بكر.
ولما ردته حليمة السعدية إلى مكة نظر إليه عبد المطلب وقد نما نمو الهلال، وهو يتكلم بفصاحة، فامتلأ سرورا وقال: جمال قريش، وفصاحة سعد، وحلاوة يثرب.
2- وكان شبيب بن شيبة من أفصح الناس وهو من بني سعد، وفيه يقول أبو نخلة:
إذا غدت سعد على شبيبها ... على فتاها وعلى خطيبها
من مطلع الشمس إلى مغيبها ... عجبت من كثرتها وطيبها
3- وعنه صلّى الله عليه وسلّم: سيكون بعدي أمراء يعظون الحكمة على منابرهم قلوبهم أنتن من الجيف.
4- سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم من عمه العباس، فقال له: بارك الله لك يا عم في جمالك. أي في فصاحتك.
- وعنه عليه الصلاة والسلام الجمال في اللسان.(5/201)
- وقال صلّى الله عليه وسلّم لحسان «1» : قل فو الله لقولك أشدّ عليهم من وقع السهام في غلس الظلام «2» .
5- أقبح الكلام إكثار تنبسط حواشيه، وتنقبض معانيه، لا يرى معه أمد، ولا ينتفع به أحد.
6- يونس بن حبيب: ليس لعييّ مروءة، ولا لمنقوص البيان بهاء ولو حك بنافوخه عنان السماء.
7- العجلة قيد الكلام.
8- مطرف «3» : إن للكلام الطيب حول العرش دويا كدوي النحل.
9- أطال خطيب بين يدي الإسكندر فزبره «4» ، وقال: ليس تحسن الخطبة بقدر طاقة الخاطب، ولكن على حسب طاقة السامع.
10- أعرابي: نحن أمراء الكلام: فينا وشجت أعراقه، ولنا تعطفت أغصانه، وعلينا تهدلت ثماره، فنجني منه ما أحلولى وعذب، ونترك منه ما أملولح وخبث.
11- قال المهدي للربيع: أخبرني عن أرق بيت قالته العرب، قال:
بيت أمريء القيس وما ذرفت عيناك «5» . فقال: هذا بيت قد داسته العامة، ولكن:
ومما شجاني أنها يوم أعرضت ... تولت وماء العين في الجفن حائر
فلما أفاهت من بعيد بنظرة ... إليّ التفاتا أسلمته المحاجر(5/202)
12- قيل في عمرو بن الأهتم المنقري وهو المكحل، وكان من الخطباء الشعراء: كأن شعره في مجالس الملوك حلل منشرة.
13- العتابي في أبي نؤاس: لو أدرك الخبيث الجاهلية لما فضل عليه أحد.
أبو نؤاس للمحدثين كامرىء القيس للأوائل، وهو فتح لهم هذه الفطن ودلهم على المعاني.
14- دعبل «1» جمعت بين أبي نؤاس ومسلم «2» فأنشده: أجارة بيتينا أبوك غيور. وأنشده مسلم قصيدته التي فيها:
لله من هاشم في أرضه جبل ... وأنت وابنك ركنا ذلك الجبل
فقلت لأبي نؤاس: كيف رأيته؟ قال: هو أشعر الناس بعدي، وسألت مسلما فقال: أنا أشعر الناس بعده.
15- جرير: أدركت الأخطل وله ناب واحد، ولو أدركته وله نابان لأكلني.
16- سئل علي عليه السلام عن اللسان، فقال: هو معيار أطاشه الجهل وأرجحه العقل.
17- قال المعتصم لأحمد بن داود: إني لأسألك عما أعرف لأسمع حسن ما تصف.
18- قلما ينصف اللسان في وصف إساءة أو إحسان.
19- زياد ابن أبيه: الشعر أدنى مروءة السري، وأسرى مروءة الدني.(5/203)
20- قال معاوية لعبد الرّحمن بن الحكم: بلغني أنك لهجت بقول الشعر، قال: هو ذاك، قال: فإياك والمدح، فإنه طعمة الوقاح من الرجال، وإياك والهجاء، فإنك تحنق به كريما، وتستثير به لئيما، وإياك والتشبيب بالنساء، فإنك تفضح الشريفة، وتغر العفيفة. ولكن أفخر بمفاخر قومك، وقل من الأشعار ما تزين به نفسك، وتؤدب به غيرك.
21- قيل لأبي علي الأموي: دعبل أشعر أم الطائي؟ فقال: أما إني والله خائف أن أصفع دعبلا بنعل الطائي فأضع من قدر صاحبها.
22- سهل بن هارون: اللسان والشعر الجيد لا يكادان يجتمعان في أحد.
23- سمع خالد بن صفوان مكثارا يتكلم، فقال: يا هذا، ليست البلاغة بخفة اللسان، وكثرة الهذيان، ولكنها إصابة المعنى، والقصد إلى الحجة.
24- ابن المعتز:
ليس له ناقد فيعرفه ... وآفة التبر ضعف منتقده «1»
25- عبيد بن سفيان العكلي:
فتى كان يعلو مفرق الحق قوله ... إذا الخطباء الصيد عضل قيلها «2»
26- علي عليه السلام: اللسان سبع إن خلا عقر.
27- سمع الرشيد أولاده يتعاطون الغريب في محاورتهم، فقال: لا تحملوا ألسنكم على الوحشي من الكلام، ولا تعودوها الغريب المستشنع، ولا السفساف «3» المتصنع، واعتمدوا سهولة الكلام ما ارتفع عن طبقات(5/204)
العامة، وانخفض عن درجة المتشدقين، وتمثل ببيت الخطفي جد جرير:
إذا نلت إنسي المقالة فليكن ... به ظهر وحشي الكلام محرّما
28- عرضت على المتوكل جارية شاعرة، فسأل أبا العيناء أن يستجيزها «1» ، قال: أحمد الله كثيرا. فقالت: حين أنشاك ضريرا، فقال: يا أمير المؤمنين قد أحسنت في إساءتها. فاشتراها.
29- قيل للفرزدق: ما صيرك إلى القصار بعد الطول؟ فقال: إني رأيتها في الصدور أولج، وفي المحافل أجول.
30- قال بعض الشعراء:
أزبيدة ابنة جعفر ... طوبى لزائرك المثاب»
تعطين من رجليك ما ... تعطي الأكف من الرغاب
فبادر العبيد ليوقعوا «3» به، فقالت زبيدة: كفوا عنه فإنه لم يرد إلّا خيرا، ومن أراد خيرا فأخطأ خير ممن أراد شرا فأصاب، سمع الناس يقولون: قفاك أحسن وجه غيرك، وشمالك أندى من يمين سواك. فقدر أن هذا مثل ذاك. أعطوه ما أمل وعرفوه ما جهل.
31- قال أبو سفيان لابن الزبعري: لو أسهبت، فقال: حسبك من الشعر غرة واضحة، أو سمة فاضحة.
32- فيلسوف: كما أن الآنية تمتحن بأطنابها «4» ، فيعرف صحيحها من منكسرها، فكذلك الإنسان يتعرف حاله بمنطقه.(5/205)
33- قال عبد الملك لرجل: حدّثني، قال: يا أمير المؤمنين افتتح، فإن الحديث يفتح بعضه بعضا.
34- خالد بن صفوان: لا تكن بليغا حتى تكلم أمتك السوداء، في الليلة الظلماء، في الحاجة المهمة، بما تتكلم به في نادي قومك. وإنما اللسان عضو إذا مرنته مرّن وإذا أهملته حار.
35- حكيم: إن اللسان إذا كثرت حركته رقت عذبته.
36- دعبل:
يسل من فكيه كالحسام ... صفيحة تلعب بالكلام
37- قيل لسهل بن هارون: ما البلاغة؟ فقال: الكلام المنحدر على الغريزة على رسل «1» تحدر الدر من عقد أسلمته كف جارية إلى حجرها، لا يحمل فيه اللسان على غير مذهب السجية فيظهر فيه فج التكلف.
38- أعرابي: أخذ بزمام الكلام فقاده أسهل مقاد، وساقه أحسن مساق، حتى استرجع به القلوب النافرة، واستصرف به الأبصار الطامحة.
39- وقع جعفر البرمكي على ظهر رقعة قصيرة: إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيرا، وإذا كان الإيجاز كافيا كان الإكثار عيا.
40- أعرابي: كان والله مطلول المحادثة، ينبذ إليك الكلام على أدراجه، كأن في كل ركن من أركانه قلبا يعقل.
41- قيل لأعرابي: ما بال مراثيكم أجود؟ فقال: لأنا نقولها وأكبادنا تحترق.
42- سئل بعض العلماء عن بلاغة الأمين فقال: والله لقد أتته الخلافة يوم الجمعة، فما كان إلّا ساعة حتى نودي الصلاة قائمة، فخرج(5/206)
ورقي المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، وخصوصا يا بني العباس، إن المنون مراصد ذوي الأنفاس، حتم من الله لا يدفع حلوله، ولا ينكر نزوله، فارتجعوا قلوبكم من الحزن على الماضي إلى السرور بالباقي تجروا أثواب الصابرين، وتعطوا أجور الشاكرين. فتعجبوا من بلة ريقه وجودة عارضته.
43- ذكر الحسن بني أمية وخطبهم فقال: أخصب ألسنة وأجدب قلوب. قال المبرد: قلت لمجنون أجز لي هذا البيت «1» :
أرى اليوم يوما قد تكاثف يومه ... وإبراقه فاليوم لا شك ماطر
فقال:
وقد حجبت فيه السحائب شمسه ... كما حجبت ورد الخدود المعاجر «2»
44- أعرابي: قد رعى الشيح «3» ، واستروح تلك الريح.
45- رؤبة «4» : ما رأيت أروى لأشعارنا من أبي مسلم من رجل يرتضح لكنة أعجمية.
46- قال أبو زيد: وإذا قال رؤبة لرجل يرتضخ لكنة فهو من أفصح الناس.
47- فيلسوف: من كانت له حكمة أو أدب فلينطق به، فإن السكوت أولى بالجاهل من الأديب.
48- أعرابي: كان لسانه أرق من ورقة، وألين من سرقة.(5/207)
49- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحسان: ما بقي من لسانك؟ فأخرج لسانه حتى ضرب بطرفه جبهته، ثم قال: والله ما يسرني به مقول «1» من معد، والله لو وضعته على صخر لفلقه، أو على شعر لحلقه.
50- عرض عقبة بن رؤبة على أبيه شعرا فقال: كيف تراه؟ قال:
إن أباك ليعرض له مثل هذا يمينا وشمالا فلا يلتفت إليه.
51- قيل لابن المقفع: لم لا تقول الشعر؟ فقال: الذي يجيئني لا أرضاه، والذي أراه لا يجيئني.
52- قال الهيثم بن صالح لابنه: يا بني، إذا أقللت من الكلام أكثرت من الصواب، وإذا أكثرت من الكلام أقللت من الصواب، قال: يا أبت، فإن أكثرت وأكثرت، يعني كلاما وصوابا، قال: يا بني، ما رأيت موعوظا أحق بأن يكون واعظا منك.
53- أنشد الجاحظ:
فإن المنبر الشرقي يشكو ... على العلّاف إسحاق بن شمر
أضبيّ على خشبات ملك ... كمركب ثعلب ظهر الهزبر «2»
54- الأحنف: الكلام أفضل من الصمت، لأن الصمت لا يعدو فضله فاعله، وفضل المنطق ينتفع به من سمعه.
55- الكلمة مربوقة ما لم تنجم من الفم، فإذا نجمت فهي سبع مجرب أو نار تلهّب.
56- حصر خطيب بعد قوله الحمد لله فكرره، فقال مخنث: الذي ابتلانا بك.(5/208)
57- قيل لكثّير «1» : كيف تصنع إذا عز عليك قول الشعر؟ قال:
أطوف في الرباع المحيلة، والرياض المعشبة، فيسهل علي أريضه، ويسرع إلي أحسنه.
58- آخر: ما استدعى شارد الشعر بمثل الماء الجاري، والشرف العالي، والمكان الخضر الخالي. وله أوقات يسرع فيها أتيه ويسمح أبيه.
59- قيل لزيد بن علي: الصمت خير أم الكلام؟ فقال: أخزى الله المساكنة! فما أفسدها للسان وأخلبها للحصر «2» ! فو الله لمماراة ساعة أسرع هدم العي من النار في يبيس العرفج «3» . ومن السيل في الحدور «4» .
60- أفحم النابغة الجعدي أربعين عاما، ثم أن بني جعدة غزوا وظفروا، فاستخفه الفرح، فرام القريض فذل له ما ساتصعب عليه. فقالوا والله لنحن باطلاق لسان شاعرنا أسر منا بالظفر بعدونا.
61- بعض المازنيين:
ختم الإله على لسان عذافر ... ختما فليس على الكلام بقادر
وإذا أراد النطق خلت لسانه ... لحما يحركه لصقر فاقر
62- كان بعض ولد الزبير يسأل عما لا يحفظ من شعر عمر بن أبي ربيعة، فإذا ذكر له شيء كتبه ويده ترتعد من الفرح.
63- كان جرير إذا أنشد شعر عمر بن أبي ربيعة قال: شعر تهام إذا أنجد وجد البرد، حتى إذا سمع قوله:(5/209)
رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأيما بالعشي فيخصر «1»
فقال: ما زال هذا القرشي يهذي حتى قال الشعر.
64- أبو نؤاس: ما قلت الشعر حتى رويت لستين امرأة منهن الخنساء «2» وليلى «3» ، فما ظنك بالرجال؟.
65- قيل للزهري «4» : ههنا قوم نساك يعيبون رواية الشعر، قال نسكوا نسكا أعجميا.
66- وعن مسلم بن يسار سمعت ابن المسيب ينشد شعرا، فقلت:
أتنشد الشعر؟ فقال: أو ما تنشدون؟ قلت: لا، قال: لقد نسكتم نسكا أعجمية، وقد قال رسول الله: شر النسك نسك الأعاجم.
67- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الشعر جزل من كلام العرب يشفى به الغيظ، ويوصل به إلى المجلس، وتقضى به الحاجة.
68- الخليل بن أحمد: الشعراء أمراء الكلام، يصرفونه أنّى شاؤوا وجاز لهم فيه ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده، ومن تسهيل اللفظ وتعقيده، ومد مقصوره وقصر محدوده، والجمع بين لغاته، وترصيف بين صلاته، واستخراج ما كلّت الألسن عن نعته، والأذهان عن فمه.(5/210)
يبعدون القريب، ويقربون البعيد، يحتج بهم ولا يحتج عليهم.
69- بعض الروم: اختصار المعاني وحذف الفضول سلالة البلاغة.
70-[شاعر] :
أبى الشعر إلّا أن يفيء رديئه ... عليّ ويأبى منه ما كان محكما
فياليتني إذ لم أجد حوك وشيه ... ولم أك من فرسانه كنت مفحما
71- مدح الفرزدق هشاما فأجازه بأربعة لآف، فتسخطها وتمثل ببيت زهير:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتقي الشتم يشتم
ومدحه جرير فكان مثل ذلك، فحكي للفرزدق فقال: نعم شيطاننا واحد، يلم به مرة وبي مرة.
72- سئل بعضهم عن البلاغة فقال: من عمد إلى معان كثيرة فأداها بلفظ قليل، أو معان قليلة ففخمها بلفظ جليل.
73- قال سليمان بن زيد العدوي لعمرو بن عبيد: يا أبا عثمان، قلبي متأق من الشعر. فقال له: قل في رفض الدنيا. فجعل شعره في الزهد.
74- قيل لعمرو بن عبيد: ما البلاغة؟ قال: ما بلغ بك الجنة، وعدل بك عن النار، وما بصرك مواقع رشدك، وعواقب غيك. حتى قال:
كأنك تريد تخير اللفظ في حسن إفهام.
75- الشعبي «1» : كنت أحدث عبد الملك وهو يأكل، فيحبس اللقمة، فأقول؛ أجزها أصلحك الله فإن الحديث من ورائك، فيقول:
والله لحديثك أحبّ إلي منها.(5/211)
76- ابن عيينة «1» : الصمت منام العلم، والمنطق يقظته، ولا منام إلّا بيقظة، ولا يقظة إلّا بمنام.
77- ابن المبارك رحمه الله:
وهذا اللسان بريد الفؤاد ... يدل الرجال على عقله
78- ليث بن نصر بن سيار: كنت أجمع بين رؤبة وابنه عقبة فيتسابان، فيقول له عقبة: أنا أشعر منك، فيقول له رؤبة: أسكت فانك ذهبان الشعر. يريد يسقط شعرك فلا يروى، وهو صفة على فعلان من الذهاب، كذلك فرس قطوان وصميان.
79- سئل يونس بن حبيب: أي الثلاثة أشعر؟ يعني جريرا والفرزدق والأخطل. قال: اتفقت العلماء على أن أشعرهم الأخطل. قيل من هم؟
قال: أبو عمرو بن العلاء، وعبد الله بن أبي إسحاق، وميمون الأقرن، وعنبسة الفيل، وعيسى بن عمر، هؤلاء الذين طرقوا الكلام وما شوه، فعلموا أمثلة وأبينة، لا كمن تحكون عنهم لا بدبريين ولا نحويين.
80- الفضل بن الربيع: إن من الشعر بيوتا ملس المتون، قليلة العيون، إن فقدتها لم تبالها، وإن سمعتها لم تفكه لها.
81- وصف رجل قوما بالعي فقال: منهم من ينقطع كلامه قبل أن يصل إلى لسانه، ومنهم من لا يبلغ كلامه أذن جليسه ومنهم من يفسد الآذان فيحملها إلى الأذهان شرا طويلا.
82- قيل لمعافي بن عمران: ما تقول في رجل يقول الشعر يلهج به؟ قال: هو عمرك فافته بما شئت.
83- ابن الرومي:
لقد ذهب الشعر والقائلوه ... وقل البصير بأبصارهم(5/212)
فلو أن محتسبا عادلا ... على الشعراء وأشعارهم
لأفلت من يده عشرهم ... ودرر تسعة أعشارهم
84- لقمان: يا بني، لا تقبل بحديثك على من لا يسمعه، فإن نقل الصخور من رؤوس الجبال أيسر من محادثة من لا يسمع.
85- عمر رضي الله عنه: من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قسا قلبه، ومن قسا قلبه قل ورعه.
86- زياد بن أبيه: لحديث أسمعه من عاقل أحب من سلافة «1» فثئت «2» بماء ثغب «3» في يوم ذي وديقة «4» .
87- يجيش صدره إذا ارتجل كما جاش بجزل الحطب المرجل «5» .
88- إن هذه الأبيان لا تتجاوز الأبيات.
89- ليس من الصيارفة الصيارفة الجهابذة، وما كلامه إلّا من خرافات الهرابذة. الهرابذة جمع هربذ وهو القائم على نار المجوس.
90- يقال: للمسحل «6» : ينحت عن غير عضاهه، ويغرف من غير مياهه.
91- الكلمة إذا ندت من الفم لم يملك مقودها «7» .
92-[شاعر] :(5/213)
القول لا تملكه إذا نما ... كالسهم لا تملكه إذا رمى
93- لقي وجه الصواب ولقن فصل الخطاب.
94- من هو أقل من الصواب في مفرقي يتتبع الصواب في منطقي.
95- قال أعرابي لابنه: مالك ساكتا والناس يتكلمون؟ قال: لا أحسن ما يحسنون. قال: إن قيل لا فقل أنت نعم، وإن قيل نعم فقل أنت لا، وشاغبهم ولا تقعد غفلا لا يشعر بك.
96- كان ذو الرمة «1» يقول: إذا قلت كأن ولم أجد لها مخرجا فقطع الله لساني.
97- أبو جعدة: ما أبرم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمرا قط إلّا تمثل ببيت شعر معقر بن حمار البارقي:
الشعر لب المرء يعرضه ... والقول مثل نوافذ النبل
منه المقصّر عن رميته ... ونوافذ يذهبن بالخبل
98- سئل جرير عن نصيب فقال: هو أشعر أهل جلدته. فقال عمر ابن لجأ: ما يقال لمثله أشعر أهل جلدته، ولا أشعر أهل بلدته. يقال:
أشعر الناس وإن كان فيهم من هو أشعر منه.
99- لكل شيء لسان، ولسان الزمان الشعر.
100- أبو بكر رضي الله عنه: مرّ به رجل معه ثوب، فقال:
أتبيعه؟ قال: لا رحمك الله. فقال أبو بكر: قد قومت ألسنتكم لو تستقيمون، ألا قلت: لا ورحمك الله.
101- ومنه ما حكي أن المأمون قال ليحيى بن أكثم: هل تغديت؟
قال: لا وأيد الله أمير المؤمنين. فقال المأمون: ما أظرف هذه الواو وأحسن موقعها!.(5/214)
102- وكان الصاحب يقول هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ.
103- يقال للحشو الحسن، نحو قوله وبلغتها، حشو اللوزينج، وللحشو القبيح حشو الأكر.
104- قال جحظة: أنشدت أبا الصقر فقال: يا أبا الحسن، لا تزال تأتينا بالغرر الدرر إذا جاءنا غيرك بحشو الأكر.
105- محمد بن الحسين بن علي: إني أكره أن يكون مقدار اللسان من الرجل فاضلا على مقدار علمه، كما أكره أن يكون مقدار علمه زائدا على مقدار عقله.
106- حج مع ابن المنكدر شبان، فكانوا إذا رأوا امرأة جميلة قالوا قد برقنا، وهم يظنون أنه لا يفطن، فرأوا قبة فيها امرأة فقالوا بارقة، وكانت قبيحة، فقال ابن المنكدر صاعقة.
107- وكان أصحاب أبي علي الثقفي إذا رأوا جميلة قالوا: حجة، فعنت لهم قبيحة، فقال لهم داحضة.
108- شر الخطباء من إذا خطب خبط.
109- اللسان سبع صغير الجرم عظيم الجرم.
110- أطال ربيعة الرأي «1» الكلام وعنده أعرابي، فقال له: ما تعدون البلاغة فيكم؟ قال: ضد ما كنت فيه منذ اليوم.(5/215)
111- عمر رضي الله عنه: أقل أهل المروءات أقدارا من كان الشعر دليل مروءته.
112- وفد عمر بن أبي ربيعة على عبد الملك فرحب به وأجلسه على سريره، فقال له: يا أبا الخطاب، هل أطرافتنا ببعض مديحك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن آل المغيرة كانوا يمدحون ولا يمدحون، ولست أول من أبدع ذلك فيهم. فقال: إذا كان الشاعر من قريش فليكن مثله.
113- عيسى بن فرخانشاه:
سحبان يقصر عن بحور بيانه ... عجزا ويغرق منه تحت عباب
وكذاك قس ناطقا بعكاظه ... يعيي لديه بحجة وجواب
114- استوفد الفضل بن سهل مسلم بن الوليد «1» من البصرة إلى مرو فأمره بمعارضة دالية طرفة «2» ، فكان يغدو ويروح يكتب بين كل سطرين سطرا، فلما فرغ قال المأمون: تمنّ. قال: قرية القر بجرجان. فاشتريت له، فهي اليوم لعقبه.
115- كان شبيب بن شيبة المنقري أحد الخطباء المصاقع، فأمره المهدي بقتل رجل من أسارى الروم فأبى، فقال أبو الهول الحميري:
فزعت من الرومي وهو مقيد ... فكيف إذا لا قيته وهو مطلق
فنح شبيبا عن قراع كتيبة ... وأدن شبيبا من كلام يلفق(5/216)
فلم يخطب بعد هذا البيت خطبة إلّا وفيها اضطراب.
116- كتب إبراهيم بن المهدي: إيّاك والتتبع لوحشي الكلام طمعا في نيل البلاغة، فإن ذلك العناء الأكبر، وعليك بما سهل مع تجنبك ألفاظه السفل.
117- قال شبيب بن شيبة: ما رأيت أبين بيانا، ولا أرق لسانا، ولا أربط جأشا، ولا أبل ريقا، ولا أغمض عروقا، ولا أومض بروقا، في تناثر كلامه، إذا وقف للخطبة على مقامه، من صالح ابن أمير المؤمنين أبي جعفر.
118- قال من سمع ذلك: ما رأيت بعد ذلك صالحا إلّا أربدت عيني عنه وعن كنه «1» النظر إليه هيبة وجلالا.
119- قالت جارية ابن السماك له: ما أحسن كلامك لولا أنك تكثر تكراره، وتكرار ترداده! قال: أردده يفهمه من لم يفهمه. قالت: فإلى أن يفهمه من لم يفهمه قد مله من فهمه.
120- بعث إلى الوليد عمه عبد الله بقطيفة، وكتب إليه: بعثت إليك بقطيفة حمراء حمراء حمراء. فكتب إليه: وصلت القطيفة وأنت يا عم أحمق أحمق أحمق.
121- عمر رضي الله عنه: تعلموا محاسن الشعر فإنه يدل على مكارم الأخلاق.
122- مكتوب في التوراة: لا يعاد الحديث مرتين.
123- الشعبي: وجهني عبد الملك إلى أخيه عبد العزيز، فقدمت عليه مصر وهو واليها، فقدمت على رجل سخي صدوق اللسان، فقلت له يوما: أصلح الله الأمير، إنك تبلغ في منطقك وأنت في مجلسك. ولا(5/217)
تفعل ذلك على منبرك، فقال: يا شعبي، إنني لأستحي من الله أن أقول على منبري خلاف ما يعلم الله من قلبي.
124- القول على حسب همة القائل يقع، والسيف بقدر عضد الضارب يقطع.
125- دارا الأكبر: خير الكلام حمد من خلق ورزق، وأنطق ووفق.
126- ابن عمرو الكندي قال لابنه امرىء القيس: يا بني إن أحسن الشعر أكذبه، ولا يحسن الكذب بالملوك.
127- لما ورد قتيبة بن مسلم خراسان قال: من كان في يده شيء من مال عبد الله بن خازم فلينبذه، ومن كان في فيه فيلفظه، ومن كان في صدره فلينفثه. فتعجبوا من حسن تفصيله.
128- تكلم قوم عند سليمان بن عبد الملك فأساؤوا، ثم تكلم رجل فأحسن، فقال: كان كلامه غب كلامهم مطرة لبدت عجاجه «1» .
129- قال المهتدي بالله الخليفة من بني العباس: عاون على الخير تغنم، ولا تجزه فتندم. فقيل له: هذا بيت شعر. فقال والله ما تعمدته.
130- قال المعتضد لأحمد أبي الطيب: يا سرخسي، إن في لسانك طولا وفي عقلك قصرا.
131- قال معاوية لصحار بن عياش العبدي: ما هذه البلاغة فيكم؟
قال: شيء يعتلج في صدورنا فنقذفه على ألسنتنا كما يقذف البحر الزبد.
132- أوفد زياد ابنه عبيد الله على معاوية، فقال له: أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: أفرضت الفرائض؟ قال: نعم، قال: أرويت الشعر؟ قال: لا. فكتب إلى زياد: بارك الله لك في إبنك، فقد وجدته(5/218)
كاملا، فروّه الشعر، فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول: ارووا الشعر فإنه يدل على محاسن الأخلاق وينفي مساوئها، وتعلموا الأنساب فربّ رحم مجهول قد وصلت بعرفان النسب، وتعلموا من النجوم ما يدلكم على سبلكم في البر والبحر ولا تجاوزوا.
ولقد هممت بالهرب يوم صفين فما ثبتني إلّا قول عمرو بن الأطنابة «1» :
أقول لها إذا جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي
133- بعضهم: ما كتبت كتابا إلى ابن المقفع فاجتهدت في إيجازه إلّا كتب أوجز منه. كتبت إليه نحن صالحون فكيف أنتم؟ فكتب: نحن لكم.
134- قيل للعتابي «2» : ما البلاغة؟ قال: كل من أفهمك حاجته دون إعادة ولا حبسة ولا استعانة فهو بليغ. قيل له: وما الاستعانة؟ قال:
أما تره إذا حدث قال: يا هناه، واسمع إلي، وأفهم، وأ لست تفهم؟ هذا كله عي وفساد.
135- أنشد عبد الرحمن بن حسان أباه شعرا، فقال: يا بني، إن شيطاني جاءني بهذا كله البارحة فرددته عليه.
136- قال معاوية لدغفل «3» النسابة: ابغني رجلا يسامرني أعلم(5/219)
منك. استريح منك إليه ومنه إليك. فقال يا أمير المؤمنين، أنا أعلم مني. فضحك معاوية وقال: أظن كثرة الكلام قد أغفل عقل دغفل.
137- أبو عمرو بن العلاء: لا يزال الرجل في فسحة من عقله ما لم يتكلف حوك الشعر.
138- اجتمع الشعراء عند موت المهدي، واندسّ بينهم اسكاف، فأنكروه فسألوه، فقال: شاعر، فاستنشدوه فقال: مات الخليفة أيها الثقلان «1» ، فأعجبوا بمفتتح شعره، فقالوا: تمر في المصراع الثاني، فقال: فكأنني أفطرت في رمضان. فاستضحكوا منه.
139- ورثى عبد الله بن طاهر رجل فقال:
مات الأمير وكان بازا قارحا ... نعم المجبر للطحال الفاسد «2»
140- دخل على المأمون جماعة من بني العباس، فاستنطقهم فوجدهم لكنا «3» مع يسار وهيئة، فقال: ما أبين الخلة «4» فيهم! لا أقول في أيديهم ولكن في ألسنتهم.
141- خطب المأمون فقال: اتقوا الله عباد الله، وأنتم في مهل، بادروا للأجل، ولا يغرنكم الأمل، فكأني بالموت قد نزل، فشغلت المرء شواغله، وتولت عنه بواطله، وهيئت أكفانه، وبكاه جيرانه، وصار إلى المنزل الخالي، بجسدة البالي، قد فارق الرفاهية، وعاين الكراهية، فوجهه في التراب عفير «5» ، وهو إلى ما قدم فقير.(5/220)
142- ما رأيت على امرأة أحسن من شحم، ولا على رجل أحسن من فصاحة.
143- الشعبي: ما سمعت أحدا يخطب إلّا تمنيت أن يسكت مخافة أن يخطىء ما خلا زيادا فإنه لا يزداد إكثارا إلّا إزداد إحسانا.
144- ارتج «1» على خالد بن عبد الله القسري فقال: إن هذا القول يجيء أحيانا ويذهب أحيانا، فيمتد عند مجيئه سببه، ويعز عند غروبه طلبه، وربما كوبر فأبى، وعولج فقسا، وقد يختلج من الجريء جنانه، وقد يرتج على البليغ لسانه.
145- كان أيوب يقول: ما أحد سمع كلام الحسن إلّا ثقل عليه كلام الرجال بعده.
146- أعرابي:
إني إذا استنشدت لا أحنبطي ... ولا أزيد كثرة القميطي
147- الأحنف سمعت كلام أبي بكر حتى مضى، وكلام عمر حتى مضى، وكلام عثمان حتى مضى، وكلام علي حتى مضى، ولا والله ما رأيت فيهم أبلغ من عائشة.
148- قال معاوية: ما رأيت أبلغ من عائشة، ما أغلقت بابا فأرادت فتحه إلّا فتحته، ولا فتحت بابا فأرادت اغلاقه إلّا أغلقته.
149- ابن عون: كنت أشبّه لهجة رؤبة «2» بلهجة الحسن.
150- قال المنتجع لرجل: ما علمت ولدك؟ قال: الفرائض.(5/221)
قال: إنما ذلك علم الموالي لا أبا لك. علّمهم الرجز فإنه يهرت أشداقهم.
151- لم ير قط أعلم بالشعر والشعراء من خلف الأحمر. وكان يعمل الشعر على ألسنة الفحول من القدماء فلا يميز عن مقولهم، ثم نسك وكان يختم القرآن كل يوم وليلة. وبذل له بعض الملوك مالا خطيرا على أن يتكلم في بيت شعر شكّوا فيه فأبى.
152- أنشد أبو مقاتل الضرير الحسن بن زيد بن علي قصيدة أولها:
الله فرد وابن زيد فرد. فزبره «1» وقال: بغيك التراب، هلا قلت: وابن زيد عبد، ونزل عن سريره فسجد لله، وعفر جبينه وكرر: الله فرد وابن زيد عبد.
153- ابن برد الشامي الفقيه:
قد جاءني لك شعر لم يكن حسنا ... ولا صوابا ولا قصدا ولا سددا
وجدت فيه عيوبا غير واحدة ... ولم أزل لعيوب الشعر منتقدا
كأن ذا خبرة بالشعر جمعه ... ثم انتقى لك منه شرّ ما وجدا
إني نصحتك فيما قد أتيت به ... من الفضائح نصح الوالد الولدا
فعدّ عن ذاك وادفنه كما دفنت ... هر خراها ولم تعلم به أحدا
154- كان بين سلمة بن عياش القرشي وبين أبي حية النميري صداقة، فقال لأبي حية يوما: أتدري ما يقول الناس؟ قال: ما يقولون؟
قال: يزعمون أني أشعر منك. فقال أبو حية: إنا لله هلك الناس.
155- محمد بن عبد الله بن أسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم: قال لي أبي: يا بني، أنا شاعر، وأبي شاعر، وجدي شاعر، وجد أبي شاعر. لا ينقطع بك الحبل.(5/222)
156- أتى أمرؤ القيس قتادة بن التوأم اليشكري وإخوته، فقال للحارث أجز: أحار ترى بريقا هب وهنا «1» . فقال: كنار مجوس تستعر استعارا. فقال قتادة:
أرقت له ونام أبو شريح ... إذا ما قلت قد هدأ استطارا
أبو شريح كنية الحارث، فقال الحارث:
كأن هزيزه بوراء غيب ... عشار ولّه لاقت عشارا «2»
فقال أخوهما الثالث:
قلما أن علا شرجي أضاخ ... وهت أعجاز ريقه فحارا
فلم يترك ببطن السرّ ظبيا ... ولم يترك بجلهتها حمارا «3»
فقال امرؤ القيس: إني لأعجب من بيتكم هذا كيف لا يحترق عليكم من جودة شعركم. فقيل لهم بنو النار.
157- عبد الله بن المعتز: شعر آل أبي حفصة كماء أسخن وصب في قدح، فكان أيام مروان الأكبر على حرارته، ثم انتهى إلى عبد الله بن السمط، ففتر، ثم إلى إدريس وأبي الجنوب فبرد، ثم إلى مروان الأصغر فاشتد برده، ثم إلى أبي متوج فثخن لبرده، ثم إلى متوج فجمد.
158- أبو أحمد يحيى بن المنجم:
رب شعر نقدته مثل ما ينقد رأس الصيارف الدينارا
لو تأنى لقالة الشعر ما أس ... قط منه حلوا به الأشعارا(5/223)
159- علي عليه السلام: وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه، ولم يكن من قبل ذلك كائنا، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا.
160- وسئل علي عليه السلام عن أشعر الشعراء، فقال: إن القوم لم يجروا في حلبة تعرف الغاية عند قصبتها، فإن كان ولا بد فالملك الضليل «1» 161- محمد بن أبي عائشة: إذا أراد المتكلم بكلامه غير الله زل عن قلوب جلسائه كما يزل الماء عن الصفا «2» .
162- حسان بن ثابت: إنا إذا نافرتنا «3» العرب فأردنا أن نخرج الحبرات من شعرنا أتينا بشعر قيس بن الخطيم، وكان من النبيت بن مالك بن أوس.
163- الجاحظ: كان واصل بن عطاء ينزع الراء من كلامه المرتجل، ولست أعني خطبه المحفوظة ورسائله المجلدة، لأن ذلك يحتمل الصنعة. وقال فيه أبو الطروق الضبي.
عليم بابدال الحروف وقامع ... لكل خطيب يغلب الحق باطله
164- زعم بشار أن المسلمين كفروا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقيل له:
وعلي أيضا؟ فأنشد: وما شر الثلاثة أم عمرو. فقال واصل عند ذلك: أما لهذا الملحد أما لهذا الأعمى المشنف المكتني بأبي معاذ من يقتله؟ أما والله لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه في(5/224)
جوف منزله في يوم حفله، ثم كان لا يتولى ذلك منه إلا عقيلي أو سدوسي. أبدل الملحد من الكافر، والأعمى من الضرير، والمشنف من المرعث، وأبا معاذ من بشار وابن برد. والغالية من المنصورية والمغيرية، ويبعج من يبقر، وبعث من أرسلت. وذكر بني عقيل وبني سدوس لأنه كان نازلا فيهم.
165- وكان بشار قبل أن يدين بالرجعة يمدح واصلا «1» ، فمن قوله فيه يذكر خطبة ارتجلها ونزع منها الراء:
تكلف القول والأقوام قد حفلوا ... وعبروا خطبا ناهيك من خطب
فقام مرتجلا تغلي بداهته ... كمرجل القين لما حفّ باللهب «2»
وجانب الراء لم يشعر به أحد ... قبل التصفح والإغراف في الطلب
166- قال معاوية يوما: من أفصح الناس! فقام رجل من جرم فقال: قوم تباعدوا عن فراتية العراق، وتيامنوا عن كشكشة تميم وتياسروا عن كسكسة بكر، ليس فيهم غمغمة قضاعة، ولا طمطمانية حمير. قال معاوية: فمن أولئك؟ قال قومي.
167- سئل حماد الراوية عن شعر عمر بن أبي ربيعة، فقال: ذلك الفستق المقشر لا يشبع منه.(5/225)
168- الأصمعي: أنشد ابن أبي ربيعة عبد الله بن عباس أو طلحة بن عبيد الله قصيدة، فما زال شانقا ناقته حتى كتبت له.
169- قحطت «1» البادية في أيام هشام بن عبد الملك، فقدمت عليه العرب، فهابوا أن يتكلموا، وفيهم درواس بن حبيب، ابن ست عشرة سنة، له ذؤابة، وعليه شملتان، فوقعت عليه عين هشام، فقال لحاجبه:
ما يشاء أحد أن يدخل علي إلّا دخل حتى الصبيان! فوثب درواس حتى وقف بين يديه مطرقا، فقال: يا أمير المؤمنين، إن للكلام نشرا وطيا وأنه لا يعرف ما في طيه إلّا بنشره، فإن أذنت لي أن أنشره نشرته. قال: أنشر لا أبالك! وقد أعجبه كلامه مع حداثة سنه، فقال: إنه أصابتنا سنون «2» ثلاث: سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة أنفقت العظم، وفي أيديكم فضول أموال، فإن كانت لله تعالى ففرقوها في عباده، وإن كانت لهم فعلام تحبسونها عنهم؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يجزي المتصدقين. فقال هشام: ما ترك لنا الغلام في واحدة من الثلاثة عذرا. فأمر للبوادي بمائة ألف دينار وله بمائة ألف درهم.
فقال: أرددها يا أمير المؤمنين إلى جائزة العرب، فإني أخاف أن تعجز عن بلوغ كفايتهم. فقال: أما لك حاجة؟ قال: ما لي حاجة في خاصة نفسي دون عامة المسلمين. فخرج وهو أنبل القوم.
170- مرّ الزبير رضي الله عنه بمجلس من الصحابة وحسان ينشدهم من شعره، وهم غير نشاط لما يسمعون، فجلس معهم الزبير وقال: ما لي أراكم غير أذنين لما تسمعون من شعر ابن الفريعة «3» ؟ فلقد كان يعرض به لرسول الله فيحسن استماعه، ويحول عليه أثوابه «4» ، ولا يشتغل عنه بشيء. فقال حسان:(5/226)
أقام على عهد النبي وهديه ... حواريه والقول بالفعل يعدل «1»
وإن امرأ كانت صفية أمه ... ومن أسد في بيتها لمرفل «2»
فكم كربة ذب الزبير بسيفه ... عن المصطفى والله يعطي ويجزل «3»
ثناؤك خير من فعال معاشر ... وفعلك يا بن الهاشيمة أفضل «4»
171- كان الحسين بن علي يعطي الشعراء، فقيل له، فقال: خير مالك ما وقيت به عرضك.
172- أبو الزناد: ما رأيت أروى للشعر من عروة.
فقلت له: ما أرواك يا أبا عبد الله! فقال: ما روايتي مع رواية عائشة؟ ما كان ينزل بها شيء إلّا أنشدت شعرا.
173- تناشدوا عند عمر رضي الله عنه قول طرفة:
ولو ثلاث هن من لذة الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام عوّدي «5»
فمنهن سبقي العاذالات بشربة ... كميت متى تعل بالماء تزبد
وكرّي إذا نادى المضاف مجنبا ... كسيد الغضا نبهته المتورد «6»
وتقصير يوم الدجن والدجن معجب ... ببهكنة تحت الخباء المعمّد «7»
فقال عمر: وأنا والله لولا ثلاث: أن أسير في سبيل الله، أو أضع جبهتي في التراب لله، أو أجالس قوما يتلقطون أطايب الحديث كما يتلقط(5/227)
أطايب الثمر، لأحببت أن أكون قد لحقت بربي.
174- امتدح أبو أسماء عليا عليه السلام بصفين فقال:
وجدنا عليا إذ بلونا فعاله ... صبورا على اللأواء صلب المكاسر «1»
هو الليث إن جرّبته وندبته ... مشى حاسرا للموت أو غير حاسر «2»
يجود بنفس للمنايا كريمة ... علي إذا ما جاد كل مغاور
يصول عليّ حين يشتجر القنا ... ويضرب رأس المستغيث المساور «3»
فقال له عليه السلام: رحمك الله أبا أسماء، وأسمعك خيرا وأراكه، فإنك من قوم نجباء، أهل حسبة ووفاء. ووهب له مملوكا.
ومدحه كعب بن زهير بشعر يقول فيه:
صهر النبيّ وخير الناس كلهم ... فكل من رامه بالفخر مفخور
فأجازه بجائزة سنية، وكساه، ووهب له فرسا.
175- وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتمثل ويقول: كفى الإسلام والشيب للمرء ناهيا. فقال أبو بكر: يا رسول الله، إنما قال الشاعر:
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا، فجعل لا يطيقه، فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله. وتلا: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ
«4» .
176- الفرزدق: ما رأيت أحدا أشعر من ابن حطان «5» . فقال له ابن(5/228)
شبرمة «1» : كيف ذاك؟ قال: لو أراد أن يقول مثل ما نقول لقال، وإنا لا نحسن ما قاله.
177- عن ابن شبرمة: ليتني كويت بكل بيت قلته كية تبلغ العظم، مع ما أني لم أقذف محصنة، ولم أنف رجلا من أبيه.
178- في الحديث: لما فتحت مكة رن إبليس رنة، فاجتمعت إليه ذريته فقال: أيأسوا من أن تردوا أمة محمد إلى الشرك بعد يومهم هذا، ولكن أفتنوهم في دينهم، وافشوا فيهم النوح والشعر.
179- بشّار بن برد يصف نفسه:
زور ملوك عليه أبهة ... يعرف من شعره ومن خطبه
لله ما راح في جوانحه ... من لؤلؤ لا ينام عن طلبه
يخرج من فيه في الندى كما ... يخرج ضوء السراج من لهبه
ترنو إليه الحداث غادية ... ولا تمل الحديث عن عجبه
تلعابة تعكف الملوك به ... تأخذ من جده ومن لعبه «2»
يزدحم الناس كل شارقة ... ببابه مشرعين في أدبه
180- لما ظهر السفاح وصعد المنبر بالكوفة: وعمه داود دونه بمرقاة، أراد الكلام فلم يؤاته، فقال لداود تكلم، فقال: الحمد لله أحمده واستعينه، وأؤمن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.(5/229)
عباد الله، شكرا شكرا، إنا والله ما خرجنا لنحتفر فيكم نهرا، ولا لنبتني قصرا، ولا لنسير سيرة الجبابرة الذين ساموكم الخسف، ومنعوكم النصف. أظن عدو الله مروان أن لن يقدر عليه؟ أرخى له في زمانه حتى عثر في فضل خطامه. فالآن عاد الأمر إلى نصابه، وطلعت الشمس من مطلعها، وأخذ القوس باريها، وثار السهم إلى النزعة، ورجع الحق إلى مستقره، إلى أهل بيت نبيكم، أهل الرأفة والرحمة.
181- خرج الربيع من عند المنصور ومعه رقعة فيها بيت شعر:
وهاجرة نصبت لها جبيني ... يقطع حرها ظهر العظاية «1»
وقال أجيزوه، فما أجازه إلّا بشّار فقال:
وقفت بها القلوص ففاض دمعي ... على خدي وأقصر واعظايه
182- أول شعر قاله الرشيد أنه حج في أول خلافته، فدخل دارا بفيد «2» ، فرأى في صدرها:
ألا يا أمير المؤمنين ألا ترى ... فديتك هجران الحبيب كبيرا
فكتب تحته:
بلى أيها المشعرات وما مشى ... بمكة مرفوع الأطلّ حسيرا
183- إسحاق الموصلي: أنشد الرشيد قولي فيه:
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المؤمنين جميل
فقال: لا كيف، الله درّ أبيات تأتينا بها، ما أحكم أصولها أو أحسن فصولها! وأقل فضولها! فقلت هذا الكلام، والله أحسن من شعري.(5/230)
184- عن محمد بن عباد: قال المأمون: من أحسن المراثي عندي مرثية زياد الأعجم «1» فخذها علي. فأنشدها كلها وترك هذا البيت:
هل ليالي فوقهن بزاته ... يغشى الأسنة فوق نهد قارح «2»
فقال المأمون: هاه هاه، ما أنشدت هذا البيت، وإنه لمن خيرها، يهدد المنايا فيقول: هلّا أتيت في تلك الساعة. فعجبت من حسن علمه بالشعر.
واستنشد لأبي نواس فأنشد:
لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند ... واشرب على الورد من حمراء كالورد
فقال، هذا هو الشعر، لا قوله: ألا هبي بسلحك «3» فالطخينا.
وكان مشغوفا بشعره، ويتأسف على فقده، ويقول: ذهب ظرف الزمان بموته، وانحطت مرتبه الشعر بذهابه.
185- تكلم المأمون فأحسن، فأقبل سهل بن هارون على الناس فقال: ما لكم تسمعون فلا تعون؟ وتشاهدون فلا تفهمون؟ وتفهمون فلا تتعجبون؟ وتتعجبون فلا تصنعون؟.(5/231)
والله أن أمير المؤمنين ليفعل ويقول في اليوم القصير مثل ما فعل بنو مروان وقالوا في الدهر الطويل. على أن عربكم كعجمهم، وعجمكم كعبيدهم، ولكن قدر الدواء مجهول عند من لم يبتل بالداء.
وكان المأمون قد تغيّر له «1» ، فرجع فشكره.(5/232)
الباب الرابع والثمانون النساء، ونكاحهن، وطلاقهن، وخطبهن ومعاشرتهن والاعراس بهن، وما يحمد ويذم منهن وما اتصل بذلك
1- سعيد بن عامر بن حاتم: عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: لو أن امرأة من نساء الجنة أشرفت إلى الأرض لملأت الأرض بريح المسك، ولأهبت ضوء الشمس والقمر. وكان سعيد بن عامر يقول لأمرأته: والله إني لأختارك عليهن، ودفع يده في صدرها.
2- عبد الله رفعه: يسطع نور في الجنة، فإذا هي حوراء ضحكت في وجه زوجها.
3- وعنه صلوات الله عليه وسلامه: أخوف ما أخافه عليكم فتنة النساء. قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: إذا لبسن ريط الشام، وحلل العراق، وعصب «1» اليمن، وملن كما تميل أسنمة البخت «2» ، فإذا فعلن(5/233)
ذلك كلفن المعسر ما ليس عنده.
4- وعنه صلوات الله عليه وسلامه: استعيذوا بالله من شرار النساء، وكونوا من خيارهن على حذر.
5- أبو بكر رضي الله عنه بلغه أن الفرس ملّكت عليها بنت أبرويز فقال: ذل من أسند أمره إلى امرأة.
6- مرّ عمر رضي الله عنه بباب دار فسمع جلبة وزحاما، فقال: ما جمع هؤلاء؟ قالوا: زوج فلان، فقال: أين مناخلكم؟.
7- حكيم: الملك هو المملوك إلّا أن ثمنه عليه.
8- آخر: أعص النساء هواك واصنع ما شئت.
9- تزوجت فاطمة المهلبية عيسى بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، فقال ابن أبي عيينة «1» :
فإنك قد زوجت من غير خبرة ... فتى من بني العباس ليس بعاقل
فإن قلت من رهط النبي فإنه ... وإن كان حر الأصل عبد الشمائل
فقد ظفرت كفاه منك بطائل ... وما ظفرت كفاك منه بطائل
10- قيل لفيلسوف: أي السباع أحسن؟ قال: المرأة.
11- خطب قريش إلى الكميت «2» وأخذ يفتخر عليه، فقال: يا(5/234)
هذا، إن أجبناك لم نبلغ السماء، وإن رددناك لم نبلغ الماء، وقد رددناك.
12- أعرابي: هو أملح من المداري «1» في شعور العذارى.
13- شاور رجل آخر في تزويج امرأة، فقال: إن كنت تريدها خالصة لك من دون المؤمنين فلا تطمع.
14- العرب: شر النساء الحميراء المحياض، والسويداء الممراض.
15- عوتب الكسائي «2» في ترك التزوج فقال: مكابدة العفة عنهن أيسر من الاحتيال لمصلحتهن.
16- قيل لأعرابي يجمع بين ضرائر: كيف تقدر عليهن؟ قال: كان لنا شباب يظأرهن علينا، ومال يصورهن إلينا، ثم قد بقي لنا خلق حسن فنحن نتعايش.
17- عمر رضي الله عنه: البكر كالبرة تطحنها وتعجبها وتخبزها، والثيب «3» عجالة الراكب تمر وأقط «4» .
18- قيل لجارية: أبكر أنت؟ قالت: قد كنت فعافى الله.
19- جاء سلمان رضي الله عنه يخطب قرشية ومعه أبو الدرداء، فدخل(5/235)
وذكر سابقة سلمان وفضله، فقالوا: لا نزوجه، ولكن إن أردت أنت زوجناك، فتزوجها ثم خرج، فقال: يا أخي قد صنعت شيئا وأنا استحي منك، وأخبره، فقال سلمان: أنا أحق أن أستحي منك، أخطب امرأة كتبها الله لك.
20- خطب بنت دقيانوس غني وفقير، فاختار الفقير، فسأله الإسكندر فقال: كان الغني جاهلا فكان يخاف عليه الفقر، وكان الفقير عاقلا فكان يرجى له الغنى.
21- خطب رجل جارية فرد عنها، وقيل: أما سمعت ما قيل فيها:
يظل خطابها ميلا عمائمهم ... كأن أنضاءهم أنضاء حجاج
لها أب سيد ضخم وأخوتها ... مثل الأهلة يستثنيهم الهاجي «1»
22- قال بعض الخلفاء: الإماء ألذ مجامعة، وأغلب شهوة، وأحسن في التبذل، وآنق في التذلل. فقال جليس له: لتردد دماء الحياء في وجه الحرة أحسن من تبذل الأمة.
23- قالت امرأة الجماز «2» له: أي شيء يطيب في هذا اليوم يا سيدي؟ قال: الطلاق يا سيدتي.
24- كانت عند بعض الملوك ثلاث نسوة، فقال للفارسية: أي وقت هذا؟ قالت: سحر قال: وما يدريك؟ قالت: وجدت ريح الرياحين. وقالت العربية: وجدت برد خلخالي، وقالت النبطية «3» : كزني ما في بطني.
25- أيمن بن خريم:(5/236)
يميت الخلاط عتاب النساء ... ويحيي اجتناب الخلاط العتابا
26- قيل لشيخ كانت امرأته تشارّه «1» : أما أحد يصلح بينكما؟ قال:
لا، مات الذي كان يصلح بيننا.
27- النبي صلّى الله عليه وسلّم: أعروا النساء يلزمن الحجال «2» .
28- خطب مغمور مغمورة، فقيل لوليها: تعمم لكم فزوجتموه؟
قال: إنا قد تبرقعنا قبل أن يتعمم لنا.
29- الأصمعي: تكلم أعرابي فطمح به لسانه فقال: لا تنكحن واحدة فتحيض إذا حاضت وتمرض إذا مرضت، ولا تنكحن اثنتين فتكون بين شرتين، ولا تنكحن ثلاثا فتكون بين أثاف «3» ، ولا تنكحن أربعا فيفلسنك ويهرمنك ويبخلنك ويحقرنك.
قيل له: حرمت ما أحل لله؟ قال: سبحان الله كوزان وقرصان وعبادة الرّحمن.
30- قال مصعب لسكينة «4» : أنت مثل البغلة لا تلدين. قالت لا والله، ولكن أبى كرمي أن يقبل لؤمك.
31- بعضهم: رأيت بطريق مكة أعرابية ما رأيت أحسن منها، فقعدت أنظر إليها متعجبا من جمالها، فجاء شيخ قصير فأخذ بأذنها فسارّها ومضى، فقلت من هذا؟ قالت: زوجي، قلت: كيف ترضى مثلك بمثله؟ فقالت:(5/237)
أيا عجبا للخود يجري وشاحها ... تزف إلى شيخ من القوم تنبال
دعاني إليه أنه ذو قرابة ... فويل الغواني من بني العم والخال
32- قيل لأعرابي: ما خلّفت لأهلك؟ قال: الحافظين، قيل: وما هما؟ قال: أعرّيهن فلا يبرحن، وأجيعهن فلا يمرحن.
33- قيل لرجل: مات عدوك، فقال: وددت أنكم قلتم تزوج.
34- قيل لمالك بن دينار: لو تزوجت. قال: لو استطعت لطلقت نفسي.
35- قال طاووس لإبراهيم بن ميسرة: لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر بن الخطاب لأبي الزوائد: ما يمنك من التزوج إلّا عجز أو فجور.
36- دخل ابن أبي علقمة على بلال بن أبي بردة وحمزة بن بيض «1» ينشد:
ومن لا يرد مدحي فإن مدائحي ... توافق عند الأكرمين تؤامي
نوافق عند المشتري الحمد بالندى ... نفاق بنات الحارث بن هشام
فقال: يا ابن أخي: وما بلغ من نفاق بنات الحارث؟ فقال: كان يزوجهن ويسوقهنّ ومهورهن إلى بعولتهن. فقال: والله لو فعل هذا إبليس ببناته لتنافست فيهن الملائكة المقربون.
37- تزوج أعرابي فقيل له: كيف وجدتها؟ فقال: رصوفا رشوفا(5/238)
أنوفا. أراد ضيقة الفرج طيبة المقبل والأنف.
38- ووصف أعرابي امرأة فقال: ما ثديها بناهد، ولا شعرها بوارد، ولا بطنها بوالد، ولا فوها ببارد.
39- جنى شيخ من غسان على بعض ملوكهم، فهرب إلى بلاد تميم، فحالف زرارة بن عدس «1» ، فخطب إليه ابنته على بعض بنيه وقال:
قد علمت أن بنيّ أشرف قومهم، وهم معبد ولقيط وحاجب وعلقمة فاخترا لهذه الحجر «2» أكرم فحل. فكره الشيخ قوله ودافعه. فلما مات زرارة قال لأهله: إن حكيمهم قد هلك، وهؤلاء شباب ولست آمن أن يحملوني على ما أكره من انكاحهم. فاحتمل في جوف الليل. فلما بلغ المأمن أنشأ يقول:
رغبت بها عن حاجب وابن أمه ... لقيط وعن تلك الرجال الركائك
ولو كنت في غسان أبرزت وجهها ... وأنكحتها من بعض تلك الصعالك
40- قال ابن لهيقة: قلت لزيد بن حبيب: إذا دخل رجل المسجد بأي رجليه يبدأ؟ قال: أما سمعت ما يقول للعروس ضعي رجلك اليمنى على المال والبنين؟.
41- لما وجه إلى عبد الملك رأس ابن الأشعث، بعث به مع خادم له إلى امرأة من كندة كانت ناكحا في قريش، فلما رأته قالت: مرحبا بزائر لا يتكلم، وملك بن ملوك طلب ما يستحقه، فأبى عليه القدر. فأراد(5/239)
الخادم أن يرد الرأس، فقالت: كلا والله، ثم أمرت به فغسل ورجل وطيب، ثم قالت: شأنك الآن. فرجع الخادم إلى عبد الملك فأخبره.
فلما دخل عليه زوجها قال له: إن قدرت أن تصيب منها سخلة «1» فأفعل.
42- نظر عامر بن حصين إلى رجل شجاع فأعجبه، وتزوج أخته طمعا في أن ينزع ولدها إليه. فابتكرت بجارية فقال: الحمد لله، ثم ثنت بأخرى فقال: الحمد لله، ثم ثلثت فقال: الحمد لله، ثم ربعت فقال:
لا حول ولا قوة إلّا بالله.
43- مرت بعمر رضي الله عنه عجوز تبيع اللبن، فقال: لا تشوبي «2» لبنك بالماء ولا تغشي المسلمين. قالت: نعم يا أمير المؤمنين.
ثم مرّ فقال: يا عجوز، ألم أعهد إليك؟ قالت: والله ما فعلت. فقالت بنت لها من خبائها: أغشا وكذبا جمعت على نفسك؟ فقال عمر لولده:
أيكم يتزوجها لعل الله أن يخرج منها نسمة طيبة؟ فقال عاصم بن عمر: أنا أتزوجها يا أمير المؤمنين. فولدت له أم عاصم، فتزوجها عبد العزيز بن مروان فولدت له عمر بن عبد العزيز «3» .
44- أبو شمر الغساني:
لا تأمنن على النساء أخا أخ ... ما في الرجال على النساء أمين
حرّ الرجال وان تعفّف جهده ... لا بدّ أن بنظرة سيخون
45- أبو الشعثاء: كانت لي امرأتان، فكنت أعدل بينهما حتى في القبل.
46- زفت معاذة إلى صلة بن أشيم فبات ليلة الزفاف يتهجد «4» ،(5/240)
فقيل له، فقال: دخلت بيتا فذكرت النار، يعني الحمام، ثم دخلت بيتا فذكرت الجنة، يعني بيت العروس، فما زال فكري فيهما حتى أصبحت.
47- النخعي: إن من اقتراب الساعة طاعة النساء.
48- قال الوليد بن يزيد لابن ميادة «1» : من خلفت عند أهلك؟ قال رقيبين لا يخالفانني طرفة عين: الجوع والعري.
49- الأحنف: ولأفعى حالك في يدي أحب إليّ من أيّم «2» رددت عنها كفؤا.
50- لقمان: لا تشهد العرسات فإنها ترغبك في الدنيا وتنسيك الآخرة، وأشهد الجنائز فإنها تزهدك في الدنيا وترغبك في الآخرة.
51- علي عليه السلام: إياك ومشاورة النساء، فإن رأيهن إلى أفن «3» ، وعزمهن إلى وهن. واكفف أبصارهن بالحجاب، فإن شدة الحجاب خير لهن من الارتياب. وليس خروجهن بأضر من دخول من لا يوثق به عليهن. وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل. ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة. ولا تعد بكرامتها نفسها، ولا تطمعها فيما لغيرها. وإياك والتغاير في غير موضع الغيرة، فإن ذلك يدعو الصحيحة إلى السقم، والبريئة إلى الريب.
52- من أطاع عرسه «4» فقد أضاع نفسه.
53- في البكر: أشهى المطي ما لم يركب، وأحب اللآلىء ما لم يثقب.(5/241)
54- في الثيب «1» : تزوج امرأة كفى فيها الصحة.
55- فلان في بيته نمرة، إذا كانت امرأته سيئة الخلق.
56- النبي صلّى الله عليه وسلّم: أوثق إبليس النساء.
57- علي عليه السلام: لا تطيعوا النساء على حال، وتأمنوهن على مال، فانهن إن تركن وما يردن أوردن المهالك، وعصين المالك، وأزلن الممالك، ينسين الخير، ويحفظن الشر، يتهافتن في البهتان، ويتمادين في الطغيان.
58- عمر رضي الله عنه: أكثروا لهن من قول لا، فإن نعم تغريهن على المسألة.
59- هي ممسكة للفضلين. أي تصون الفرج والمال.
60- عبد السلام بن أبي سليمان في النكاح:
تزوجت ألفا ثم طلقت مثله ... فلم أترك مالا ولم أترك وفرا
فأنت أقلنيها فإن عدت بعدها ... فألفيت لي عذرا فلا تقبل العذرا
61- طلق رجل امرأته فلما أرادت الارتحال قال: اسمعي وليسمع كل من حضر: إني والله اعتمدتك رغبة، وعاشرتك بمحبة، ولم توجد منك زلة، ولم تدخلني عنك ملّة، ولكن القضاء كان غالبا.
فقالت المرأة: جزيت خيرا من صاحب ومصحوبة، فما استرثت خيرك، ولا شكوت ضيرك، ولا تمنيت غيرك، ولم أزد إليك إلّا شرها، ولم أجد لك في الرجال شبها، وليس لقضاء الله مدفع، ولا من حكمه علينا ممنع.
62- شكا رجل امرأته، فقيل له: هلّا طلقتها. فقال: هي حسناء فلا تفرك، وأم عيال فلا تترك.(5/242)
63- كأنها أم خارجة يقال لها خطب فتقول نكح «1» .
64- وما هي إلّا نظرة فتذبل رجلاها وتسقط للجنب.
65- بخرّ فلان امرأته بمثلته، وأولاها الهقعة «2» ، وتلقاها الأثافي «3» : إذا طلقها ثلاثا.
66- شكت امرأة إلى عمر بن الخطاب قلّة غشيان زوجها فقالت:
إني أجنب عنه في الشهر مرة. فقال عمر: إن في ذلك شقاء للعاشق، وحملا للتائق.
67- خطب الحسن رابعة، فقالت بشرط أن أدع أنا تسعا وأنت واحدة. قال: وما هي؟ قالت يزعمون أن الشهوة تسع منها للنساء وواحدة منها للرجال، فأبى، فنقمت عليه. فسمعت بعد ذلك موعظته فقالت:
وغير تقي يأمر الناس بالتقى ... طبيب يداوي والطبيب مريض
68- الأبكار أشد حبا وأقل خبا «4» .
69- خالد بن صفوان المنقري:
عليك إذا ما كنت لا بد ناكحا ... ذوات الثنايا الغر والأعين النجل «5»(5/243)
وكل هضيم الكشح خفاقة الحشا ... قطوف الخطا بلهاء وافرة العقل «1»
70- المرأة تشرب النبيذ فيسكر من لبنها الرضيع، وتشرب دواء المشي فتعتريه الخلفة فلذلك اختار الحكماء لأولادهم الظئر «2» البريئة من الأدواء وغيرها.
71- كانت كندة أغلى الناس مهورا، ربما مهرت الواحدة ألف بعير، ولا يمهر بأقل من مائة بعير. فصارت مهور كندة مثلا في الغلاء.
72- وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: اللهمّ أهذب ملك غسان، وضع مهور كندة.
وقال: أعظم النساء بركة أحسنهن وجوها وأرخصهم مهرا.
73- لما زوج الوليد بن عبد الملك ابنه عبد العزيز أم حكيم بنت يحيى بن الحكم، وأمها بنت عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام. وكان يقال لها الواصلة، لأنها وصلت الشرف بالجمال، أمهرها أربعين ألف دينار، وأمر عدي بن الرقاع فقال:
قمر السماء وشمسها اجتمعا ... بالسعد ما غابا وما طلعا «3»
ما وارت الأستار مثلهما ... فيمن رأى منهم ومن سمعا
دام السرور له بهما ولها ... وتهنّيا طول الحياة معا
فقال الوليد: لئن أقللت فقد أحسنت، وأجزل له الجائزة.
74- وكانت بنو مخزوم تسمى ريحانة قريش، وكان هشام بن المغيرة المخزومي أعز نفسا على قريش وكنانة. وكانوا يؤرخون بثلاثة أشياء، يقولون: كان ذلك زمن بناء الكعبة، وعام الفيل «4» ، وعام موت هشام.(5/244)
فكانت الجارية تولد لآل الحارث بن هشام فيتباشرون بها.
75- خرج السيد الحميري فتلقته فرجة بنت الفجاء الخارجية راكبة فرسا، وكانت برزة «1» فصيحة جميلة، فتحاورا أحسن حوار، إلى أن خطب إليها نفسها فقالت: أعلى ظهر الطريق؟ فقال: ألم يكن نكاح أم خارجة أسرع؟ فاستضحكت وقالت: نصبح وننظر ممن. فقال:
إن تسأليني بقومي تسألي رجلا ... في ذروة العز من أحياء ذي يمن
إني امرؤ حميري حين تنسبني ... جدي رعين وأخوالي ذوو يزن «2»
فعرفته وقالت: يمان وتميمية، ورافضي وحرورية، كيف يجتمعان؟
فقال: على أن لا نذكر سلفا ومذهبا. فتزوجته سرا. فأقاما في عيشة راضية «3» .
76- يقال في الاستخبار عن ولادة المرأة: أأحلبت ناقتك أم أجلبت؟ أي أولدت أنثى تحلب أم ذكرا يجلب للبيع؟.
77- قيل لرجل: ما عندك في النكاح؟ قال: ما يقطع حجتها ولا يبلغ حاجتها.
78- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل هم بطلاق امرأته وزعم أنه لا يحبها: أو كلّ بيت بني على الحب؟ فأين الرعاية والذمم؟.(5/245)
79- مسلمة: ثلاثة لا أعذرهم: رجل أحفى «1» شعره ثم أعفاه، ورجل قصر ثيابه ثم أطالها، ورجل كان عنده سراري ثم تزوج حرة.
80- داود عليه السلام: امرأة السوء لبعلها كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير، والمرأة الصالحة له كالتاج المخوص بالذهب، كلما رآها قرّت عينه.
81- مرّ سليمان عليه السلام بعصفور يدور حول عصفورة، فقال:
هل ترون ما يقول؟ يقول: زوجيني نفسك حتى أسكندر غرفة بدمشق، وكذب ما بدمشق غرفة، ولكن كل خاطب كاذب.
82- الجماع يصلع الإنسان، وربما كان أصلع فإذا جامع نبت شعره.
83- قال داود لسليمان عليهما السلام: أمش خلف الأسد ولا تمش خلف امرأة.
84- استشار رجل داود في التزوج، فقال: سل سليمان وأخبرني بجوابه. فصادفه ابن سبع سنين يلعب مع الصبيان يركب قصبة، فقال:
عليك بالذهب الأحمر، والفضة البيضاء، واحذر الفرس لا يضربك. فلم يفهم. فقال له داود: الذهب الأحمر البكر والفضة البيضاء الشيّب الشابة، ومن وراءهما كالفرس الرموح.
85- لقي عيسى عليه السلام إبليس، وهو يسوق خمسة أحمرة عليها أحماله، فسأله، فقال: أحمل تجارة وأطلب مشترين، أما أحدهما فالجور، قال: من يشتريه؟ قال السلاطين. قال: فما الثاني؟ قال:
الكبر، قال فمن يشتريه؟ قال: الدهاقين «2» . قال: فما الثالث؟ قال:(5/246)
الحسد، قال: فمن يشتريه؟ قال العلماء. قال: فما الرابع؟ قال:
الخيانة، قال: فمن يشتريها؟ قال: التجار. قال: فما الخامس، قال:
الكيد، قال: فمن يشتريه؟ قال: النساء.
86- قيل للإسكندر: لو استكثرت من النساء ليكثر ولدك، ويدوم بهم ذكرك. فقال دوام الذكر بتحسين السيرة والسنن، ولا يحسن بمن غلب الرجال أن تغلبه النساء.
87- علي بن أبي طالب عليه السلام: النساء شر كلهن، وشر ما فيهن قلّة الاستغناء عنهن.
88- يحيى بن أكثم: نعم لهو المرأة الغزل.
89- قيل لأعرابي: إن فلانا يخطب فلانة، قال: أموسر من عقل ودين؟ قالوا: نعم، قال: فزوجوه.
90- قال عبد الملك لابن الرقاع: كيف علمك بالنساء؟ قال: أنا والله أعلم الناس بهن، وأنشأ يقول:
قضاعية العينين كندية الحشا ... خزاعية الأطراف طائية الفم
لها حكم لقمان وصورة يوسف ... ومنطق داود وعفّة مريم
91- عمر بن أبي ربيعة، وكان المنصور كثيرا ما ينشده:
إنها بين عامر بن لؤي ... حين تعزى وبين عبد مناف
ولها في المطيبين حدود ... ثم نالت ذوائب الأحلاف
بنت عم النبي أكرم من يم ... شي بنعل على التراب وحافي
لا تراها على التبذل والزي ... نة إلّا كدرة الأصداف
92- سئل المغيرة بن شعبة عن النساء فقال: بنات العم أحسن مؤاساة والغرائب أنجب، وما ضرب رؤوس الأقران مثل ابن السوداء.
93- قال الحجاج لابن القرية: أي النساء أحب إليك؟ قال: الودود(5/247)
الولود، التي أعلاها عسيب «1» ، وأسفلها كثيب، آخذهن من الأرض إذا جلست، وأطولهن في السماء إذا قلمت، التي إن تكلمت رودت، وإن صنعت جودت، وإن مشت تأودت «2» ، العزيزة في قومها، الذليلة في نفسها، الحصان «3» من جارها، الهلوك «4» إلى بعلها.
94- وعن خالد بن صفوان: حصان من جارها، ما جنة على بعلها.
95- النبي صلّى الله عليه وسلّم: إنما النساء لعب فتخيروا.
96- استعمل عثمان رضي الله عنه الوليد بن عقبة بن أبي معيط على صدقات كلب؟ فتزوج له نائلة بنت الفرافصة «5» بن الأحوص النصراني، فقال: زوجتني نصرانية؟ قال: إن رأتك أسلمت، فقدم بها وقد أسلمت.
فلما خلا بها قال لها: أتأتينا أم نأتيك، قالت: بل نأتيك ونعمة عين، تكلفنا إليك السير من أرض قومي وهي أبعد من ناحية البيت. فقال: إنك ترين شيبا وتعليا في السن، وإن عندي بقية من علالة. فقالت: إن أحب الأزواج إلي من ذهبت عنه متعة الشباب، ووثقت برأيه حلمه. فقيل له:(5/248)
كيف رأيت؟ فقال: ما دخلت على امرأة أوفى عقلا منها، ولا أحرى أن تغلبني على عقلي «1» .
97- قال أسماء بن خارجة لبنته ليلة هدائها. عليك بأطيب الطيب وهو الماء، وبأحسن الحسن وهو الكحل والحناء. وإياك وكثرة المعاتبة فهي مقطعة للمودة، والغيرة في غير موضعها فهي مفتاح الطلاق.
98- أهدت أعرابية بنتها فقالت لها: أي بنية، إنك قد فارقت الحواء الذي منه خرجت، والعش الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تأليفه. ثم أوصتها بوصايا منها: عليك بالتعهد لموضع عينيه وأنفه، لا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم أنفه منك إلّا طيب ريح، والتعرف لوقت طعامه، والهدوء عند منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة «2» .
99- تزوج الحسن بن علي امرأة، فبعث إليها مائة خادم، مع كل خادم ألف درهم.
100- حكيم: منيتك نفسك، فإن شئت فأخرجه، وإن شئت فلا.
101- آخر: لا تحقر شيئا يخرج منك مثلك، يعني الجماع.
102- أطول الناس أعمارا الخصيان. ولم ير فيما يعاشر الناس أعمر من البغال، ولا أقصر عمرا من العصافير.(5/249)
103- أراد الحسن تزويج بنته من رجل، فقيل: من حاله ويساره كيت وكيت، وله مائة ألف ما يحركها. فقال: أما والله ما اجتمعت مائة ألف عند رجل إلّا من ظلم، وأبي أن يزوجه.
104- علي عليه السلام: سمعت رسول الله يقول لعثمان: لو أن لي أربعين بنتا لزوجتك واحدة بعد واحدة حتى لا يبقى منهن أحد.
105- سهل بن معاذ الجهني رفعه: من أحب في الله، وأبغض في الله، وأعطى في الله، وأنكح في الله، فقد استكمل الإيمان.
106- وعنه عليه الصلاة والسلام: من ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر تواضعا كساه الله حلة الكرامة، ومن زوج لله توّجه الله تاج الملك.
107- علي عليه السلام رفعه: لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء، فإن اللبن يعدي.
108- قال موسى بن عبد الله بن الحسن لامرأته أم سلمة، وكانت من ولد أبي بكر الصديق:
فإني زعيم أن أجيء بضرّة ... قرّابة فرّامة للضرائر
فأجابه الربيع بن سليمان مولى الحسنين:
أبنت أبي بكر تريد بضرة ... لعمرك قد حاولت إحدى الكبائر
109- الرحال بن النميري:
فلا بارك الرّحمن في عرس أهلها ... عشية زفوها ولا فيك من بكر
فما غرني إلّا خضاب بكفها ... وكحل بعينيها وأثوابها الصفر
أتوني بها قبل المحاق بليلة ... فكان محاقا كله ذلك الشهر «1»(5/250)
ألا ليتهم زفوا إليّ مكانها ... شديد القصيري ذا عرام من النمر
إذا شدّ لم ينكل وإن همّ لم يهب ... شديد الوقاع لا ينهنه بالزجر
110- هو معذور في أقوائه لجاهليته، وشغل بما دهي به عن تسوية القوافي.
111- طاهر بن سيار العجلي:
رأيت مواعيد النساء كأنها ... سراب لمرتاد المناهل خاتل
ومنتظر الموعود منهن كالذي ... يؤمل يوما أن تلين الجنادل «1»
112- زوّج المهلب قتادة بن مقرب اليشكري امرأة من الأزد فقال فيها:
تجهزي للطلاق وانشمري ... هذا جزاء الجوامح الشمس
لليلتي حين بت طالقة ... ألذ عندي من ليلة العرس
بت لديها بشر منزلة ... لا أنا في نعمة ولا فرسي
هذا على الخسف لا قضيم له ... وبتّ ما إن يسوغ لي نفسي
فقال يزيد بن المهلب: راجعها، فقال:
بالله جهد اليمين أحلف ما ... قرّت بها عين من يضاجعها
ظلت عن الخير لا تطيق له ... فعلا فتا لله لا أراجعها
113- كان غيلان بن سلمة الثقفي أحد حكام قيس في الجاهلية، وكانت له ثلاثة أيام يوم يحكم فيه، ويوم ينشد فيه، ويوم ينظر فيه إلى جماله. وجاء الإسلام وعنده عشر نسوة، فأسلم فخيّره رسول الله فاختار أربعا فصارت سنة.
114- علي عليه السلام: لا تهيجوا النساء بأذى وأن شتمن أعراضكم، وسببن أمراءكم، فإنهن ضعيفات القوى والأنفس والعقول. إن(5/251)
كنا لنؤمر بالكف عنهن وانهن لمشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالقهر والهراوة فيعير بها وعقبه من بعده.
- وعنه: المرأة عقرب حلوة اللّسعة.
- وعنه: جهاد المرأة حسن التبعّل.
- وعنه: خيار خصال النساء شرار خصال الرجال الزهو والجبن والبخل، فإذا كانت المرأة مزهوة لم تمكن من نفسها، وإذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال بعلها، وإذا كانت جبانة فرقت من كل شيء يعرض لها.
115- وكان في أصحابه فمرت امرأة جميلة فرمقوها، فقال: إن أبصار هذه الفحول طوامح، وإن ذلك سبب هبابها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فيلمس أهله، فإنما هي امرأة كامرأته. فقال بعض الخوارج:
قاتله كافرا ما أفقهه! فوثبوا ليقتلوه، فقال: رويدا إنما هو سبب بسبب، أو عفو عن ذنب.
- وعنه: المرأة الصالحة ليست من الدنيا، إنما هي من الآخرة، لأنها تفرغك لها. ولو كنت تطبخ وتسرح وتفرش لشغلك ذلك.
116- تميم بن خزيمة التميمي:
قالوا نكحت صغيرة فأجبتهم ... أشهى المطي إليّ ما لم يركب
كم بين حبة لؤلؤ منظومة ... ثقبت وحبة لؤلؤ لم تثقب
فأجابته امرأة:
إن المطية لا يلذ ركوبها ... ما لم تذلل بالزمام وتركب
والدر ليس بنافع أربابه ... ما لم يؤلف في النظام ويثقب
117- خطب بعض الظرفاء خطبة نكاح فقال: الحمد لله الذي جعل في الطلاق اجتلابا للأرزاق، فقال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ(5/252)
سَعَتِهِ
. أوصيكم عباد الله بالسلوة والملالة، والتجني والجهالة، واحفظوا قول الشاعر:
اذهبي قد قضيت فيك فضالي ... وإذا شئت أن تبيني فبيني
تعاهدوا نساءكم بالسب، وعاودوهن بالضرب، وكونوا كما قال الله:
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ
«1» .
ثم إن فلانا في خمول نسبه، ونقصان أدبه، خطب إليكم فازهدوا فيه.
فرق الله بينهما، وعجل لهما حينهما.
118- يقال: أشأم على الأزواج من عاتكة بنت الفرات. رأت في المنام أنها كسرت ثلاثة ألوية، فتزوجها ثلاثة من الرؤساء فماتوا.
119- وأشأم من حبيب بنت قيس، مات عنها عدة أزواج. فقال عمر رضي الله عنه من أراد الشهادة العاجلة الحاضرة فليتزوج بها.
120- كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل «2» عند عبد الله بن أبي بكر الصديق، وكان معجبا بها، فشغلته عن مغازيه، فأمره أبوه بطلاقها، ففعل فقال:
أعاتك لا أنساك ما ذرّ شارق ... وما لاح نجم في السماء محلق(5/253)
ولم أر مثلي اليوم طلق مثلها ... ولا مثلها من غير جرم نطلق
لها خلق جزل ورأي ومنصب ... وخلق سوي في حياء ومصدق
فأمره أبو بكر بمراجعتها. ثم أصابه حجر في حصار الطائف، فمات شهيدا. فرثته بقولها:
أقسمت لا تنفك عيني سخينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
ثم خطبها عمر رضي الله عنه، فلما أو لم بها قال عبد الرحمن بن أبي بكر: يا أمير المؤمنين أتأذن أن أدخل رأسي على عاتكة؟ فأدخل رأسه فقال:
آليت لا تنفك عيني قريرة ... عليك ولا ينفك جلدي أصفرا
فنشجت نشيجا عاليا. فقال عمر: ما أردت إلى هذا غفر الله لك!.
ثم خطبها الزبير بعد عمر، فكانت تخرج إلى المسجد بالليل، فقال لها: لا تخرجي، فقالت: لا أزال أخرج أو تمنعني. وكان يكره أن يمنعها، لقوله عليه السلام: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله. فقعد لها متنكرا في جوف الليل فقرصها، فتركت الخروج. فقال لها: ما بالك لا تخرجين؟ فقالت: كنت أخرج والناس ناس، ففسد الناس، فبيتي أوسع لي.
121- خرج صخر بن عمرو بن الشريد أخو الخنساء في غزاة، فجرح فمرض، فقال بعض عواده لامرأته: كيف أصبح صخر؟ فقالت: لا حي فيرجى ولا ميت فينسى، لقينا منه الأمرين. وسأل أمه فقالت: أصبح بنعمة الله صالحا، ولا يزال بخير ما رأينا سواده بين أيدينا كأصلح ما يكون عليل. فقال صخر:
أرى أم صخر لا تمل عيادتي ... وملت سليمى مضجعي ومكاني «1»(5/254)
وما كنت أخشى أن أكون جنازة ... عليك ومن يغتر بالحدثان «1»
فأي امرىء ساوى بأم حليلة ... فلا عاش ذلا في شقا وهوان «2»
لعمري لقد أيقظت من كان نائما ... وأسمعت من كانت له أذنان «3»
أهمّ بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنزوان «4»
كان قد خبأ سيفه تحت فراشه، فلما جلست رفع السيف ليضربها به فلم يقدر، فهو معنى قوله: أهم بأمر الحزم.
122- شيخ من بلعنبر كان يقول: النساء ثلاث: معينة لينة عفيفة مسلمة. تعين أهلها على العيش، ولا تعين العيش على أهلها. وأخرى وعاء للولد. وأخرى غل قمل يضعه الله في عنق من يشاء.
123- علي عليه السلام: خير نسائكم العفيفة في فرجها، الغلمة لزوجها.
124- عروة بن الزبير: ما رفع أحد نفسه بعد الإيمان بالله بمثل منكح صدق، ولا وضع أحد نفسه بعد الكفر بالله بمثل منكح سوء. ثم قال: لعن فلانة، ألفت بني فلان بيضا طوالا فقلبتهم سودا قصارا.
125- بغثر الأسدي:
وأول خبث الماء خبث ترابه ... وأول خبث القوم خبث المناكح
126- أبو عمرو بن العلاء عن رجل: لا أتزوج امرأة حتى أنظر إلى ولدي منها، قيل: كيف؟ قال: أنظر إلى أبيها وأمها بأنها تجيء بأحدهما.(5/255)
127- عمر رضي الله عنه: يا بني السائب قد أضويتم فانكحوا في النزائع.
128- الأصمعي عن بعض العرب: بنات العم أصبر، والغرائب أنجب، وما ضرب رؤوس الأبطال كابن أعجمية.
129- الزبرقان بن بدر: أحب كنائني إليّ الذليلة في نفسها، العزيزة في رهطها، البرزة «1» الحييّة، التي في بطنها غلام ويتبعها غلام. وأبغض كنائني إليّ الطلعة الخبأة، التي تمشي الدّفقّى «2» ، وتجلس الهبنقعة «3» ، الذليلة في رهطها، العزيزة في نفسها، التي في بطنها جارية وتتبعها جارية.
130- هند: المرأة غل «4» فانظر ما تضع في عنقك.
131- بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أم سليم تنظر إلى امرأة. فقال: شمي عوارضها وانظري إلى عقبيها.
132- قال الأصمعي إذا أسود عقب المرأة أسود سائرها. وقال النابغة:
ليست من السود أعقابا إذا انصرفت ... ولا تبيع بجنبي نخلة البرما «5»
133- حضر أبو طالب نكاح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خديجة رضي الله عنها، ومعه بنو هاشم ورؤساء مضر، فقال الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم(5/256)
وزرع إسماعيل، وضئضىء «1» معد وعنصر مضر، وجعلنا سدنة «2» بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس.
ثم إن محمد بن عبد الله بن أخي، من لا يوزن به فتى من قريش إلّا رجح به برا وفضلا وكرما وعقلا، ومحتدا «3» ونبلا، وإن كان في المال قلّ، فإن المال ظل زائل ورزق حائل، قد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها من الصدقات ما عاجله وآجله في مالي. وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم خطر جليل.
134- تزوج عبد الرّحمن بن ملجم لعنه الله قطام بنت علقمة من تيم الرباب، وكانت خارجية، فقالت: لا أقنع إلّا بصداق أسميه، وهو ثلاثة آلاف درهم وعبد وأمة وأن تقتل علي بن أبي طالب، فقال لها: لك ما سألت إلّا عليا، وكيف لي به؟ قالت: تروم ذلك غيلة، فإن سلمت أرحت الناس من شر وأقمت مع أهلك، وإن أصبت دخلت الجنة. فقال:
ثلاثة آلاف وعدّ وقينة ... وقتل عليّ بالحسام المصمم
فلا مهر أغلى من علي وإن علا ... ولا فتك إلّا دون فتك ابن ملجم
135- النبي صلّى الله عليه وسلّم في الأشراط: وتركب ذوات الفروج على السروج من أمة لعنة الله عندها.
136- يقال في الخاطب المردود: خطب إليهم فرمل أنفه وغسل من الدّرمك «4» فاه. قال:
اغسل من الدرمك عني فاكا(5/257)
137- تزوج الفضل بن الربيع منصرفه من الحج بدوية من بني كلاب، فقال عثمان بن سالم مولى بني لوذان:
نأت شعثاء عنك فما تزور ... ولطت دونها عنك الستور
فراحت في القباب الحمر خود ... مبتلة لها وجه نظير
وأمست دونها حرس شداد ... وأبواب مظاهرة ودور
فقلت لمنكحي شعثاء مولى ... وفي أحيائها حسب وخير
أمن عوز نزوجها الموالي ... لحاك إلهك العالي القدير
138- سئل عبد الله بن الزبير عن المتعة، فقال: الذئب يكنى أبا جعدة. يريد أنها تسمى متعة وهي زنا.
139- سمع عمر رضي الله عنه ذات ليلة من بيت مغنية تقول «1» :
تطاول هذا الليل وإزداد جانبه ... وأرقني أن لا خليل ألاعبه «2»
فو الله لولا الله لا شيء غيره ... لحرك من هذا السرير جوانبه «3»
فأمر برد زوجها.
140- خطب محمد بن الوليد بن عتبة إلى عمر بن عبد العزيز أخته، فقال: الحمد لله ذي العز والكبرياء، وصلّى الله على محمد خاتم الأنبياء. أما بعد فقد أحسن بك ظنا من أودعك حرمته، واختارك ولم يختر(5/258)
عليك، وقد زوجناك على ما في كتاب الله، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
141- دخل الأشعث على علي عليه السلام صبيحة بنائه على بعض نسائه. فقال: كيف وجد أمير المؤمنين أهله؟ قال كالخير من امرأة قباء «1» جباء «2» . قال: وهل يريد الرجال من النساء غير ذلك؟ قال: كلا، حتى تروي الرضيع، وتدفىء الضجيع.
142- وبعث عبد الملك إلى الحجاج يطلب امرأة من أجمل نساء أشراف العراق، فأرسل في كل ناحية حتى وصفت له كاملة في الجمال غير أنها طرطبة «3» . فقال زوجنيها فإنها أدفأ للضجيع وأسقى للرضيع.
143- جاء صياد إلى أبرويز بسمكة أعجبه سمنها، فأجازه بأربعة آلاف درهم، فخطأته شيرين وقالت: إن جاءك فقل أذكر كانت أم أنثى؟
فإن قال ذكرا أو أنثى فاطلب منه الآخر. فسأله، فقال: كانت أنثى، فقال: جئني بذكرها، فقال: عمر الله الملك، كانت بكرا لم تتزوج.
فقال: زه، وأمر له بثمانية آلاف درهم. وقال: اكتبوا في الحكمة: الغدر ومطاوعة النساء يورثان الغرم الثقيل.
144- خطب أبان بن عثمان بن عفان إلى معاوية بنته، فقال: إنما هما إبنتان، فإحداهما عند أخيك عمرو والأخرى عند ابن عامر، فتولى أبان وهو يقول:
تربص بهذا أن يموت ابن عامر ... ورملة يوما أن يطلقها عمرو(5/259)
فإن صدقت أمنيي كنت مالكا ... لإحديهما إن طال بي وبها العمر
145- زوج إبراهيم بن النعمان بن بشير الأنصاري ابنته يحيى بن أبي حفصة، فعيره طلبة بن قيس بن عاصم بقوله:
لعمري لقد جللت نفسك خزية ... وخالف فعل الأكبرين الأكابر
ولو كان جداك اللذان توافيا ... ببدر لما راما صنيع الألائم
فقال إبراهيم:
وما تركت عشرون ألفا لقائل ... مقالا فلا تجهر بذكر الآلائم
وإن أك قد زوجت مولى فقد مضت ... به سنة قبلي وحب الدراهم
146- ابن يزداد بن سويد في جارية له:
أيا من بها أرضى من الناس كلهم ... وإن كنت أخشى تيهها وازورارها
لو أن الأماني خيرت فتخيرت ... من الحسن إنسانا لكنت اختيارها
147- كانت قريش تستحب للخاطب أن يطيل، وللمخطوب إليه أن يوجز. فخطب رجل إلى عمر بن عبد العزيز فأطال، فأجابه عمر بن عبد العزيز فقال: الحمد لله ذي العزة والكبرياء، وصلّى الله على محمد خاتم الأنبياء، إن الرغبة منك دعتك إلينا، والرغبة فيك أجابتك. وقد زوجتك على ما أمر الله به، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
148- أبو دهبل الجمحي في عبد الله بن عثمان من ولد حكيم بن حزام:
تمطت به بيضاء فرع كريمة ... هجان وبعض الوالدات عرام «1»
149- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعبد الرّحمن بن عوف حين جهزه إلى دومة(5/260)
الجندل «1» : إن فتح الله عليك فتزوج بنت ملكهم. فتزوج تماضر بنت الأصبغ بن ثعلبة بن جهضم، وكانت جميلة، وهي التي صولحت عن ربع ثمنها بثمانين ألف دينار.
150- خطب عمر رضي الله عنه أم كلثوم بنت علي من فاطمة عليهما السلام، وقال: زوجنيها وأنا أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد. فقال:
هي صغيرة، وأنا أبعثها إليك، فإن رضيتها فقد زوجتكها. فبعثتها ببرد وقالت لها: قولي له هذا البرد الذي قلت له. فقال: قولي لقد رضيت رضي الله عنك. فتناول قناعها فقالت: لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك. وقالت لأبيها: بعثتني إلى شيخ سوء. فقال: مهلا يا بنية فإنه زوجك.
فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين الأولين في الروضة فقال:
رفئوني، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: كل سبب ونسب وصهر منقطع يوم القيامة إلّا نسبي وسببي وصهري. وصار لي به السبب والنسب فأردت أن أجمع إليه الصهر.
وولد منها لعمر زيد ورقية. وأما زيد الأصغر وعبيد الله بن عمر فقد ولدا من أم كلثوم بنت جرول من خزاعة.
وخرج زيد من عند معاوية فأبصر بسر بن أرطأة «2» على دكان ينال من علي رضي الله عنه، فصعد الدكان واحتمله وضرب به الأرض، وطفر عليه(5/261)
فدق ضلعين من أضلاعه. فقال معاوية: أبعد الله بسرا، أبعد الله بسرا.
أيشتم هذا الرجل وهو يسمع؟ أما علم أن زيدا بين علي وعمر، وأم زيد ابنة علي من فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟.
وماتت أم كلثوم وزيد في وقت واحد، وصلّى على جنازتهما سعيد ابن العاص، وكان والي المدينة. وقال له الحسين بن علي عليهما السلام: تقدم، ولولا أنك أمير ما قدمتك.
151- قال سعيد بن المسيب للمطلب بن السائب: ما يمنعك أن تتخذ أهلا؟ قال: ليس عندي مهر. قال: وكم عندك؟ قال ثلاثة دراهم، قال: زوجتك بها بنت سعيد. ثم قال لأمها زوجته: لو مشطت بنيتي وغيرت يديها، فلما فعلت قال: أخرجي بها إلى المسجد العشاء الآخرة، فلما حاذى بيت المطلب قرع بابه وقال: أهلك بارك الله لك فيهم.
152- قال عبد الله بن عمر لأبيه: أخطب عليّ بنت نعيم النحام، فخطبها، فرده وقال: لي ابن أخ مضعوف لا يزوجه الرجال، فإذا تركت لحمي تربا فمن يذب عنه؟.
153- زوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عثمان رقية ثم أم كلثوم، فلما ماتت عنه قال: ألا أبا أيم، ألا أخا أيم يزوج عثمان، فقد زوجته بنتي، ولو أن عندي عشرا لزوجتهن إياه واحدة واحدة.
154- أتى الحسن بن علي في جارية زفت إلى بيت رجل فوثبت عليها ضرتها، وضبطها بنات عم لها فافتضّتها بإصبعها. فاستفتى الحسن فقال: إحدى دواهيكم يا أهل الكوفة! ولا عليّ لها اليوم فما ترون؟
قالوا: أنت أعلم، قال: فإني أرى أن التي افتضتها زانية، عليها صداقها، وجلدها مائة. وأرى اللائي ضبطنها مفتريات عليهن جلد ثمانين.(5/262)
155- كتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى النجاشي «1» ليخطب له أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان «2» . فبعث إليها امرأة كانت تقوم على نسائه فبشرتها بذلك، فأعطتها سوارين وخواتيم من فضة. واستحضر من بالحبشة من المسلمين، وخطب النجاشي فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، أشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأنه النبي الذي بشر به عيسى بن مريم.
أما بعد، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث إلي أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع شرحبيل بن حسنة.
وسمع بذلك أبو سفيان فقال: ذلك الفحل لا يقرع أنفه.
156- محمد بن كعب القرظي: إنّ المرأة المؤاتية إحدى الحسنيين.
157- رجاء بن حيوة: إذا تزوج العبد صرخ إبليس صرخة يجمع إليه جنوده، فيقولون: ما بك يا سيدنا؟ فيقول: عصم اليوم ابن آدم من فخ كنت أصيده به.
158- عن عمر رضي الله عنه: أنه أتى أهل بيت من الأزد، وفتاتهم في خدرها قريبا منه، فقال: إن مروان بن الحكم يخطب إليكم وهو سيد شباب قريش، وأن جرير بجيلة يخطب إليكم وهو سيد أهل المشرق، وإن أمير المؤمنين يخطب إليكم، يريد نفسه. فقالت الفتاة: أجاد أمير(5/263)
المؤمنين؟ قال نعم، للجد جئت. قالت زوجوا أمير المؤمنين. فتزوجها، وولدت منه.
159- قال أبو الأسود الدؤلي لبنيه: يا بني، أحسنت إليكم صغارا وكبارا وقبل أن تولدوا. قالوا: يا أبانا، قد علمنا إحسانك صغارا وكبارا، أفرأيت قبل أن نولد؟ قال: قد طلبت لكم موضعا في النساء لكي لا تعيروا.
في الحديث: تنكح النساء على أربع: الجمال، والنسب، والمال، والدين، فمن نكح للجمال عاقبه الله بالغيرة، ومن نكح للنسب عاقبه الله بالذل، فلا يخرج من الدنيا حتى يكسر جبينه، ويشج وجهه، وتخرق ثيابه وجيبه عليه. ومن نكح للمال لم يخرجه من الدنيا حتى يبتليه بمالها، ثم يقسي قلبها عليه فلا تعطيه قليلا ولا كثيرا. ومن نكح للدين أعطاه المال والجمال والنسب وخير الدنيا والآخرة.
160- دخل بعض المتقدمين داره، وقد أرضعت امرأة لم يرضها ولده، فأخذه وعلقه وضرب قفاه حتى قاء اللبن، وقال: لا أدعه يتفرق في عروقه، وينشأ على خلقها.
161- أراد نوح بن أبي مريم قاضي مرو الروذ «1» أن يزوج ابنته، فاستشار جارا له مجوسيا فقال: سبحان الله! الناس يستفتونك وأنت تستفتيني! قال: لا بد أن تشير علي، قال: إن رئيسنا كسرى كان يختار المال، ورئيس الروم قيصر كان يختار الجمال، ورئيس العرب كان يختار النسب، ورئيسكم محمد كان يختار الدين، فأنظر أنت لنفسك بمن تقتدي.(5/264)
162- كان شاذان بن عبد في مجلسه وحوله الناس، فجاءته امرأة فقالت: أأنت شاذان بن عبد؟ ففاضت عيناه وقال: ألا من رآني فلا يتزوجن امرأة ذات مال، لأن امرأتي رفعت اسم أبي عني. وكان عبد رجلا غنيا زوج شاذان بنته فنسب إليه، ونسي اسم أبيه.(5/265)
الباب الخامس والثمانون النصيحة، والموعظة، والزجر عن القبيح والشفقة، والرحمة، وما يجري مجراها
1- جرير بن عبد الله: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم.
2- وعنه صلّى الله عليه وسلّم: الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال لله ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم.
3- عمر بن عبد العزيز: من وصل أخاه بنصيحة له في دينه، ونظر له في صلاح دنياه فقد أحسن صلته.
4- مطرف «1» : وجدنا أنصح العباد لله الملائكة، ووجدنا أخشى العباد لله الشياطين.
5- أكثم «2» : رأي النصيح دليل لا يجور.
6- النبي صلّى الله عليه وسلّم: المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه.
7- مسعر: ما نصحت أحدا إلّا فتش عن عيوبي.(5/267)
8- من كتم السلطان نصحه، والأطباء مرضه، والأخوان بثه، فقد خان نفسه.
9- قال بعض الخلفاء لجرير بن يزيد: إني قد أعددتك لأمر.
فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله ورسوله قد أعد لك مني قلبا معقودا بنصيحتك، ويدا مبسوطة بطاعتك، وسيفا مشحوذا على عدوك.
10- أنشد الأصمعي:
النصح أرخص ما باع الرجال فلا ... تردد على ناصح نصحا ولا تلم
إن النصائح لا تخفي مناهجها ... على الرجال ذوي الألباب والفهم
11- آخر:
ومن يكن الأشرار شيعة همّه ... فليس إلى موحي النصيحة سامعا
12- رأي مخضته ونصح محضته.
13- قال رجل لعمر بن عبد العزيز في وفاة ابنه عبد الملك: آجرك الله يا أمير المؤمنين، وأشار بشماله، فقال عمر: أسر بيمينك، فقال:
سبحان الله! أما في موت عبد الملك ما يشغلك؟ قال: لا، ما في موت عبد الملك ما يشغلني عن نصيحة المسلم.
14- نصح الصديق تأديب، ونصح العدو تأنيب.
15- في نوابغ الكلم «1» : وجد قرينا يناصحه فظنه قرنا يناطحه.
16- ما منع قول الناصح أن يروقك، وهو الذي ينصح خروقك.
17- كان معاذ بن مسلم الهراء النحوي- قيل له الهراء لأنه كان يبيع الهروي- صديق الكميت بن زيد، وكانا يتشيعان، فنهاه أن يأتي خالد بن عبد الله القسري، فخالفه، فحبسه وعزم على قتله، فقال معاذ:(5/268)
نصحتك والنصيحة إن تعدّت ... هوى المنصوح عزّ لها القول
فخالفت الذي لك فيه حظ ... فغالك دون ما أمّلت غول
18- آخر:
يخبركم أنه ناصح ... وفي نصحه حمة العقرب
19- سليمان الخواص: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنها فضيحة.
20- محمد بن تمام: الموعظة جند من جنود الله، ومثله مثل الطين يضرب به على الحائط فإن استمسك نفع، وإن وقع أثر.
21- أبو جعفر المصري: إنما القلب بمنزلة القمع الذي يصبّ فيه الزيت أو العسل فيخرج منه وتبقى فيه لطاخته.
22- علي عليه السلام: ولا تكونن ممن لا تنفعه العظة إلّا إذا بلغت في إيلامه فإن العاقل متعظ بالأدب، والبهائم لا تتعظ إلّا بالضرب.
23- أنشد الجاحظ:
وليس يزجركم ما توعظون به ... والبهم يزجره الراعي فينزجر
24- آخر:
أهان وأقصى ثم ينصحونني ... ومن ذا الذي يعطي مودته قسرا
25- آخر:
تنخلت آرائي وسقت نصيحتي ... إلى غير طلق للنصيح ولاهش
26- آخر:
ولقلما تجدي نصيحة قائل ... أفعاله أفعال غير مصيب
27- كتب رجل إلى صديق له: أما بعد، فعظ الناس بفعلك، ولا(5/269)
تعظهم بقولك. واستحي من الله بقدر قربه منك، وخفه بقدر قدرته عليك، والسلام.
28- الأصمعي: كان يقال: منك من نهاك، وليس منك من أغراك، من كان له من نفسه واعظ، كان له من الله حافظ.
29- خذ نفسك عن هواها بالشكائم، وانهها عن رداها بالخزائم.
30- أنشد المبرد:
أهدت لي اللوم أوفى وهي ظالمة ... واللوم تجزع منه جلة الإبل
وما نصحت لحيّ ما نصحت لهم ... واحتلت لو أرشدت عمياءهم حيلي
31- أشار فيروز بن حصين على يزيد بن المهلب أن لا يضع يده في يد الحجاج، فلم يقبل منه، وصار إليه، فحبسه وأهله. فقال فيروز:
أمرتك أمرا حازما فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الإمارة نادما
أمرتك بالحجاج إذ أنت قادر ... فنفسك ولّ اللوم إن كنت لائما
فما أنا بالباكي عليك صبابة ... وما أنا بالداعي لترجع سالما
32- أم الدرداء: من وعظ أخاه سرا فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه.
33- ابن مسعود رفعه: من مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة تمرّ على يده نور يوم القيامة.
34- دخل عامل لعمر رضي الله عنه فوجده مستلقيا وصبيانه يلعبون على بطنه، فأنكر ذلك. فقال: كيف أنت مع أهلك؟ قال: إذا دخلت سكت الناطق. قال: اعتزل، فإنك لا ترفق بأهلك وولدك، فكيف ترفق بأمة محمد.
35- أنس: أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قوما يعودهم: فإذا امرأة تنسج بردا(5/270)
وعندها صبي لها، فتارة تضرب بحقها «1» ، وأحيانا تقبل على صبيها، فقال أترون هذه ترحم صبيها؟ قالوا: نعم، قال الله أرحم بعباده من هذه بصبيها.
36- محيسن بن أرطأة الأعرجي:
عرضت نصيحتي مني ليحيى ... فقال غششتني والنصح مرّ
وما بي أن أكون أعيب يحيى ... ويحيى طاهر الأخلاق برّ
ولكن قد أتاني أن يحيى ... يقال عليه في بقعاء شرّ
فقلت له تجنب كل شيء ... يقال عليك إن الحر حرّ
37- من اصفر وجهه عند النصيحة اسود لونه من الفضيحة.
38- أعرابي: ما أم واحد بين صفين بأشفق مني عليها.
39- النبي صلّى الله عليه وسلّم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
40- أبو موسى رفعه: إذا مرّ أحدكم في مسجدنا وفي سوقنا، ومعه نبل، فليقبض على نصالها بكفه، أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء. قال أبو موسى: والله ما متنا حتى سددناها بعضنا في وجوه بعض.
41- أبو هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة، في شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس.
42- عبد العزيز بن أبي رواد: كان الرجل إذا رأى من أخيه شيئا أمره في ستر، ونهاه في ستر، فيؤجر في نهيه، ويؤجر في ستره.
43- عمر رضي الله عنه: إذا رأيتم أخاكم ذا زلة فقوموه وسدّدوه، وادعوا الله أن يرجع به إلى التوبة فيتوب عليه. ولا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم.(5/271)
44- لقمان: إن الموعظة تشق على السفيه، كما يشق الصعود الوعر على الشيخ الكبير.
45- أوحى الله إلى داود عليه السلام: إنك إن أتيتني بعد لي آبق «1» كتبتك عندي جهبذا «2» ، ومن كتبته عندي جهبذا لم أعذبه بعدها أبدا.
46- لقمان: يا بني، ارحم الفقراء لقلة صبرهم، وارحم الأغنياء لقلّة شكرهم، وارحم الجميع لطول غفلتهم.
47- شاعر:
أدنى الأعاجيب إلى تعسي ... أنصح غيري وأغش نفسي
48- الموصلي:
كأنني حين ألحاها وأزجرها ... في الجهل بالجهل أوصيها وأغريها «3»
49- آخر:
أصبحت في هيئة المرآة يخبرنا ... صفاؤها بالذي فيها من الكدر
50- أنا له كالجفن الواقي لمقلته.
51-[شاعر] :
إني وسعد كالحوار وأمه ... إذ وطئته لم يضره اعتمادها «4»
52- نصح رجل لهشام فقال: لا تعدن يا أمير المؤمنين عدة لا تثق من نفسك بإنجازها، ولا يغرنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعرا، واعلم أن للأعمال جزاء فاتق العواقب، وأن للأمور بغتات فكن على حذر.(5/272)
فحدث الهادي بهذا الخبر، وفي يده لقمة، فأمسك حتى سمعه مرّات.
53- وفي وصية علي عليه السلام: يا بني، أجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وأرض من الناس ما ترضاه لهم من نفسك.
54- قال الرشيد لمنصور بن عمار: عظني وأوجز، فقال يا أمير المؤمنين، هل أحد أحب إليك من نفسك؟ قال: لا. قال: إن رأيت أن لا تسيء إلى من تحبه فافعل.
55- أبو حازم المدني: ثنتان إذا عملت بهما أصبت خير الدنيا والآخرة لا أطول عليكم. قيل: وما هما يا أبا حازم؟ قال: تتحمل ما تكرهه إذا أحبه الله، وتترك ما تحبه إذا كرهه الله.
56- وعظ ابن السماك الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين، إنما هو دبيب من سقم، حتى تزل قدم، ويقع ندم، فلا توبة تنال، ولا عثرة تقال، فاتق الله «1» .
57- علي عليه السلام رفعه: قال الله تعالى: يا ابن آدم، لا يغرنك ذنب الناس عن ذنبك، ولا نعمة الناس عن نعمتك، ولا تقنط الناس من رحمة الله وأنت ترجوها لنفسك.
58- وعظ مجوسي أبا مسلم فقال: قل ما يقبل، وخذ ما يسهل، وافعل ما يجمل.(5/273)
الباب السادس والثمانون النعمة وشكرها، والإشادة بذكرها، وغمطها وكفرانها، والامتنان بها، وما شابه ذلك
1- معاذ بن جبل: أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على رجل وهو يقول: اللهمّ إني أسألك تمام النعمة؟ فقال: أتدري ما تمام النعمة؟ قال: يا رسول الله دعوة دعوتها أريد بها الخير. قال: فإن تمام النعمة الفوز من النار ودخول الجنة.
2- وعنه صلّى الله عليه وسلّم: ما عظمت نعمة الله على أحد إلّا عظمت مؤونة الناس عليه.
3- قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة حين صفح: فعلوا بك وفعلوا، قال: إني سميت محمدا لأحمد.
ولما بلغه صلّى الله عليه وسلّم هجاء الأعشى لعلقمة بن علاثة «1» ، نهى أصحابه أن يرووه، وقال: إن أبا سفيان شعث مني عند قيصر فرد عليه علقمة وكذب(5/275)
أبا سفيان. قال ابن عباس: فشكر له ذلك.
4- قام رجل من الأنصار إلى عمر رضي الله عنه فقال: اذكر بلائي إذا فاجأك ذو سفه يوم السقيفة والصديق مشغول. فقال عمر بأعلى صوته:
ادن مني، فدنا منه، فأخذ بذراعه حتى استشرفه على الناس، وقال: ألا أن هذا رد عني سفيها يوم السقيفة، ثم حمله على نجيب «1» ، وزاد في عطائه، وولاه قومه، وقرأ: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ
«2» .
5- علي عليه السلام: احذروا نفار النعم، فما كل شارد مردود.
- وعنه: إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلّة الشكر.
- وعنه إذا رأيت أخاك يتابع عليك نعمة فاحذره.
6- بعض السلف: إن كفران النعم بوار «3» ، وقلما أقشعت نافرها فرجعت إلى نصابها، فاستدع شاردها بالشكر، واستدم راهنها بكرم الجوار، ولا تحسب أن ستر الله غير مقلص عما قليل إذا أنت لم ترج لله وقارا.
7- أتى عمرو بن معد يكرب مجاشع بن مسعود السلمي بالبصرة، فقال له: اذكر حاجتك، قال: حاجتي صلة مثلي. فأعطاه عشرة آلاف درهم، وفرسا من بنات الغبراء، وسيفا قلعيا ودرعا حصينة وغلاما خبازا.
فلما خرج من عنده قيل له: كيف وجدت صاحبك؟ قال: لله بني سليم! ما أشد في الهيجاء لقاءها! وأكرم في الكرامات عطاءها! وأثبت في المكرمات بناءها! لقد قاتلتها فما أجبنتها، وسألتها فما أبخلتها، وهاجيتها فما أفحمتها.(5/276)
ولله مسؤولا نوالا ونائلا ... وصاحب هيجا يوم هيجا مجاشع
8- إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر.
9- حكيم: الشكر ثلاث منازل: ضمير القلب، ونشر اللسان، ومكافأة اليد.
10- شاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا
11- النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا تصلح الصنيعة «1» إلّا عند ذي حسب ودين، كما لا تصلح الرياضة إلّا في نجيب.
12- مر زياد بن أبيه بأبي العريان المكفوف، فقال: رب أمر قد نقصه الله، وعبد قد رده الله. فكتب به زياد إلى معاوية، فأمر أن يبعث إليه بألف دينار ويمر به، ففعل. فقال: رحم الله أبا سفيان كأنها تسليمته ونعمته، فعرف معاوية ذلك، فكتب إلى أبي العريان:
ما لبثتك الدنانير التي حملت ... أن لوّنتك أبا العريان ألوانا
فكتب إليه جوابا:
من يسد خيرا يجده حيث يطلبه ... أو يسد شرا يجده حيثما كانا
فأبعث لنا صلة تحيا النفوس بها ... قد كدت يا ابن أبي سفيان تنسانا
13- أعرابي: من كان مولى نعمتك فكن عبد شكره عليها.
14- آخر: الكريم يرعى في حق اللفظة وحرمة اللحظة.
15- مسلم بن دارة: ما زلت استجفي عائشة رضي الله عنها في قولها بمنّة الله لا بمنتك. حتى سألت أبا زرعة الرازي فقال: ولّت الحمد أهله.(5/277)
16- أعرابي: رب منع ألذ من عطاء، وشوك أنهد من وطاء «1» .
17- بكر بن عبد الله المزني: كن عدادا لنعم الله، فإنك إن أحصيتها كنت قمنا «2» أن تشكرها، وإذا نسيتها كنت قمنا أن تكفرها.
18- ابن عائشة «3» : كان يقال: ما أنعم الله على عبد نعمة فظلم بها إلّا كان حقيقا على الله أن يزيلها عنه.
19- علي عليه السلام: أقل ما يلزمكم لله أن لا تستعينوا بنعمه على معاصيه.
20- أنشد أبو العباس ابن عمارة:
أعارك ماله لتقوم فيه ... بواجبه وتقضي بعض حقه
فلم تقصد لطاعته ولكن ... قويت على معاصيه برزقه
21- علي عليه السلام: وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنك مدرك قسمك، وآخذ سهمك. وان اليسير من الله أعظم من الكثير من خلقه.
22- كاتب: آجر لساني فضلك المتظاهر، وملك أعضائي إحسانك المتناصر.
23- شاعر:
ولو أن لي في كل منبت شعرة ... لسانا يطيل الشكر فيك لقصرا
24- آخر من الكتبة: طال إحسانه قمم الأقوال، ونظر إلى الشكر من مكان عال.(5/278)
25- عيسى عليه السلام: لو لم يعذب الله أحدا على معصيته لكان ينبغي أن لا يعصى شكرا لنعمه.
26- جعفر بن محمد: إني رأيت المعروف لا يتم إلّا بثلاث:
تعجيله، وستره، وتصغيره. فإنك إذا عجلته هنأته، وإذا سترته أتممته، وإذا صغرته عظمته.
27- خرج قوم إلى الصيد فطردوا ضبعا حتى ألجأوها إلى خباء أعرابي، فأجارها وجعل يطعمها، فبينا هو نائم إذ وثبت عليه فبقرت بطنه ومرّت. وجاء ابن عم له يطلبه فإذا هو بقير «1» ، فتبعها حتى قتلها، وقال:
ومن يصنع المعروف في غير أهله ... يلاقي كما لاقى مجير أم عامر «2»
أعد لها لما استجارت ببيته ... أحاليب ألبان اللقاح الدرائر
وأسمنها حتى إذا ما تمكنت ... فرته بأنياب لها وأظافر «3»
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من ... يجود بمعروف على غير شاكر
28- اشكر لمن أنعم عليك، وانعم على من شكرك.
29- الصاحب «4» : وللنعم من الشكر تمائم، تحرسها من عين النمائم.
30- أعرابي: من خاف أن يسأل عن الشكر طاب نفسا عن النعم.
31- محمد بن حبيب الرواية: إذا قل الشكر حسن المن. ويروى إذا جحدت الصنيعة حسن الامتنان.
32- سابور: من لم ترب معروفه فكأنه لم يصنعه.(5/279)
33- أنو شروان: الإنعام لقاح، والشكر نتاج.
34- قال الحجاج لابن القرية: ما أضيع الأشياء؟ قال: مطر جود في أرض سبخة «1» لا يجف ثراها ولا ينبت مرعاها، وسراج يوقد في الشمس وجارية حسناء تزف إلى عنّين «2» أعمى وصنيعة تسدى إلى من لا يشكر.
35- كان يقال: من عجزت مقدرته على المكافأة، ولسانه عن الشكر، فلا يعجز عن معرفة النعمة، ومودة المنعم.
36- مرّ أبو الديك المعتوه بمن ينشد:
إن الصنيعة لا تكون صنيعة ... حتى تصيب بها طريق المصنع
فقال: كذب شاعركم، بل يصرف المعروف إلى أهله وغير أهله، وإلا كيف ينالني وكنيتي أبو الديك وأنا معتوه؟.
والبيت لقيس بن يزيد بن هلال النخعي، وبعده:
فإذا صنعت صنيعة فاقصد بها ... وجه الإله وما يثيبك أودع
وسمعها جعفر بن محمد عليهما السلام فقال: قاتل الله قائل هذا الشعر يأمر الناس بالبخل، لكني أقول:
يد المعروف غنم حيث كانت ... تحملها كفور أو شكور
فعند الشاكرين لها جزاء ... وعند الله ما كفر الكفور
وقيل إن قائلهما عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وهو الملقب بقطب السخاء.
37- جاء رجل إلى أحمد بن دؤاد، فقال: أيها القاضي، مالي إليك(5/280)
حاجة سوى عموم معرفتك. ثم أنشأ يقول:
مالي إلى ابن دؤاد حاجة ... تدني إليه ولا له عندي يد
إلّا يد عمت فكنت كواحد ... ممن يعين على الثناء ويحمد
نال الأباعد نفعه فشكرته ... والحر يشكر أن ينال الأبعد
38- أبو عصمة: شهدت سفيان وفضيلا فما كانا يتذاكران إلى أن يتفرقا إلّا النعم، يقولان: أنعم علينا بكذا، وفعل بنا كذا.
39- الحسن: إذا استوى يوماك فأنت ناقص. قيل: كيف ذاك؟
قال: إن الله زادك في يومك هذا نعما فعليك أن تزداد له فيه شكرا.
40- عبد الأعلى بن حماد النرسي: دخلت على المتوكل فقال: يا أبا يحيى، هممنا أن نصلك بخير فتدافعت الأيام. فقلت: يا أمير المؤمنين، بلغني عن جعفر بن محمد الصادق: من لم يشكر الهمة لم يشكر النعمة، وأنشد:
لأشكرن لك معروفا هممت به ... إن اهتمامك بالمعروف معروف
ولا ألومك إن لم يمضه قدر ... فالشيء بالقدر المحتوم مصروف
41- قال رجل لسعيد بن العاص وهو أمير الكوفة: يدي عندك بيضاء. قال: وما هي؟ قال: كبت بك فرسك، فتقدمت إليك غلمانك فرفعت بضبعك «1» ، وهززتك مرارا، ثم سقيتك ماء، ثم أخذت بركابك حتى ركبت. قال: فأين كنت؟ قال: حجبت عنك، قال: فقد أمرنا لك بمائتي ألف درهم، وبما يملكه الحاجب تأديبا له أن يحجب مثلك وهذه وسيلتك.
42- أعرابي: اللهمّ إن شكره عظم في نفسي فأعظم في نفسه ثوابك.(5/281)
43- أبو فراس الحمداني:
وما نعمة مكفورة إن صنعتها ... إلى غير ذي شكر بمانعتي أخرى
سآتي جميلا ما حييت فإنني ... إذا لم أفد شكرا أفدت به أجرا
44- خرج أوس بن حجر حتى إذا كان بأرض بني أسد تقحمت به ناقة ظما فاندقت فخذه وشردت. فلما أصبح غدت إلى جوار يجنين الكمأة «1» فرأينه، فأجلين غير واحدة، فقال لها: من أنت؟ قالت حليمة بنت فضالة بن كلدة، فأعطاها حجرا «2» وقال لها: قولي لأبيك يقول ابن هذا أئتني. فبلغته، فقال: لقد أتيت أباك بمدح كبير أو هجاء طويل.
واحتمل بيته فبناه عليه، وأخدمه حليمة. فقال:
لعمرك ما ملّت ثواء ثويها ... حليمة إذ ألقى مراسي مقعد
ولكن تلقت باليدين ضمانتي ... وحل بفلج فالقنافذ عودي «3»
ولم تلهها تلك التكاليف إنها ... كما شئت من أكرومة وتفرد
ساجزيك أو يجزيك عني مثوّب ... وقصرك أن يثنى عليك وتحمد
45- قدم عقفان بن قيس بن عاصم المنقري مكة، فنزل على أروى بنت كريز أم عثمان بن عفان فأكرمته، فقال عند رحيله:
خلّف على أروى سلاما فإنما ... جزاء الثويّ أن يعف ويحمدا
سلاما أتى من وامق غير عاشق ... أراد رحيلا ما أعف وأمجدا «4»(5/282)
46- علي عليه السلام: من امتطى الشكر بلغ به المزيد.
47- جعفر بن محمد: النعم وحشية فاشكلوها بالشكر.
48- الحسن: أوطد الناس نعمة أشد في الشكر نهمة.
49- العتابي: استوثقوا من عرى النعم بالشكر.
50- داود: إلهي كيف أشكر لك وأنا لا أطيق الشكر إلّا بنعمتك؟
فأوحى إليه: يا داود، ألست تعلم أن الذي بك من النعم مني؟ قال: بلى يا رب. قال: فإني اقتصر على ذلك منك شكرا.
51- من جعل الحمد خاتمة للنعمة جعله الله فاتحة للمزيد.
52- كان يقال: أحيوا المعروف بإماتته.
53- بعض الخوارج: ضاع معروف واضع المعروف في غير أهله.
54- النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنا شريك المكفرين. أي الذين تكفر نعمتهم.
55- مرّ عمرو بن يزيد الأسدي على الحسن، فقام إليه فسأله عن حاله، وألطف في سؤاله. فقال عمرو بن عبيد: أتقوم لهذا؟ فقال: إنه صنع إلي جميلا في أيام الخوف، ونقلني من مكان إلى مكان، فأنا أشكر له ذلك وأرعاه.
56- قال وهب: ترك المكافأة من التطفيف.
57- ابن السماك: النعمة من الله على عبده مجهولة فإذا فقدت عرفت.
58- من لم يشكر الله على النعمة فقد استدعى زوالها.
59- فلان يلقح النعمة بشكرها، ويفيحها بدوام ذكرها.
60- الشكر يقي النعمة من الارتجاع، ويجعلها في حمى من الانتزاع.(5/283)
61- موسى صلوات الله عليه: يا رب، دلني على خفيّ نعمتك، فقال: النفسان، يدخل أحدهما وهو بارد، ويخرج الآخر وهو حار، ولولاهما لفسد عيشك. وهل تبلغ قيمة نفس منهما؟.
162- كان الصاحب «1» يقول: أنا استحسن قول البحتري: الشكر نسيم النعم.
63- حكيم: لا تصطنعوا «2» ثلاثة: اللئيم فإنه بمنزلة السبخة «3» ، والفاحش فهو يرى أن الذي صنعت إليه إنما هو لمخافة فحشه، والأحمق فهو لا يعرف قدر ما أسديت إليه.
64- وإذا اصطنعت الكريم فاصنع المعروف واحصد الشكر.
65- من مدحك بما ليس فيك فلا تأمنن بهته إياك، ومن أظهر لك شكر ما لم تأت إليه فاحذر أن يكفر بنعمتك.
66- تعليم الأبله إبطال للعلم، واصطناع الكفور إضاعة للنعمة، فعليك بإرتياد الموضع قبل الإقدام على العمل.
67- الشكر أفضل من النعم لأنه يبقى وتلك تفنى.
68- كان المهدي يقول: ما توسل أحد إليّ بوسيلة، ولا تذرع بذريعة، هي أقرب من تذكيري يدا سلفت مني إليه، أتبعها بأختها، وأحسن ريّها. لأن منع الأواخر يقطع شكر الأوائل.
69- محمود الوراق:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة ... علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلّا بفضله ... وإن طالت الأيام واتسع العمر(5/284)
إذا مس بالسراء عم سرورها ... وإن مس بالضراء أعقبها الأجر
وما منهما إلّا له فيه نعمة ... تضيق بها الأوهام والبر والبحر
70- أبو شراعة القيسي:
بني رياح أعاد الله نعمتكم ... حتى المعاد وأسقى ربعكم ديما «1»
لم يلبسوا نعمة الله مذ خلقوا ... إلّا تلبسها أخوانهم نعما
71- سلمة بن أبان الكاتب:
ليس يجني الثمار من شجر الشوك وغرس الثناء إلّا الكريم.
72- مسعر بن كدام:
العرف من يأته يحمد مغبّته ... ما ضاع عرف ولو أوليته حجرا
73- دخل أبو نخيلة على السفاح ينشده، فقال: وما عسيت تقول فيّ بعد قولك لمسلمة:
أمسلم إني يا ابن كل خليفة ... ويا فارس الهيجا ويا جبل الأرض
شكرتك أن الشكر حبل من التقى ... وما كل من أوليته صالحا يقضي
وأحييت لي ذكري وما كان خاملا ... ولكن بعض الذكر أنبه من بعض
وسمعه الرشيد فقال: هكذا يكون شعر الأشراف! مدح صاحبه ولم يضع من نفسه.
74- البذال بن بذل في علي بن يحيى المنجم:
يا ابن يحيى وما المغالط والجا ... حد مثل المقر بالتقصير
لا أراني بالقول أبلغ من شك ... رك بعض الذي يجن ضميري
أي يوم يمضي ولم تسقني في ... يه بنوء من راحتيك غزير
أنت حصني وحسن رأيك مالي ... وأياديك عزتي ونصيري(5/285)
75- معاوية بن صخر لقريش:
إذا أنا أعطيت القليل شكوتم ... وإن أنا أعطيت الكثير فلا شكر
فكيف أداوي داءكم ودواؤكم ... يزيدكم داء لقد عظم الأمر
سأحرمكم حتى تذل صعابكم ... وأبلغ شيء في صلاحكم الفقر
76- قطري بن الفجاءة الخارجي أسره الحجاج ثم منّ عليه وقال:
أتعاود القتال يا عدو الله؟ قال: هيهات! غل يدا مطلقها، وأرق رقبة معتقها، ثم قال:
أأقاتل الحجاج عن سلطانه ... بيد تقر بأنها مولاته
ماذا أقول إذا وقفت إزاءه ... في الصف واحتجت له فعلاته
أأقول جار علي لا إني إذن ... لأحق من جارت عليه ولاته
وتحدث الأقوام أن صنيعة ... غرست لديه فحنظلت ثمراته «1»
إني إذن لأخو الجهالة الذي ... طمّت على إحسانه جهلاته
هذا وما ظني بجبن فيكم ... إني لمطرق مشهد وغلاته
77- كتب عدي بن أرطأة «2» إلى عمر بن عبد العزيز: إني احتفرت نهرا لأهل البصرة عذب به ماؤهم، ولم أر عليه شكرا، فليأذن لي أمير المؤمنين أن أسكره. فكتب إليه ثكلتك أمك يا عدي، أفما شرب منه أحد فقال الحمد لله؟ إن الله حين أدخل أهل الجنة الجنة رضي الله عنهم أن قالوا الحمد لله، بها ثوابا من نهرك.(5/286)
78- عمر بن عبد العزيز: تذاكر النعم شكر.
79- نصر بن سيار عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: من أنعم على رجل نعمة فلم يشكره فدعا عليه استجيب له.
ثم قال نصر: اللهمّ إني قد أنعمت على بني بسام فلم يشكروا، اللهمّ فاقتلهم. فقتلوا كلهم.
80- محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم: من أنعم عليه نعمة فأنعم على الناس فقد أخذ أمانا من الذم، وخلع ربقة سوء العواقب من عنقه.
81- علي بن الحسين عليهما السلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن المؤمن ليشبع من الطعام فيحمد الله فيعطيه من الأجر ما يعطي الصائم القائم. أن الله يحب الشاكرين.
82- محمد بن علي عليهما السلام: ما أنعم الله على عبد نعمة فعلم أنها من الله ألّا كتب الله له شكرها قبل أن يحمده عليها، ولا أذنب عبدا ذنبا فعلم أن الله قد اطلع عليه، وإن شاء غفر له، وإن شاء آخذه به، إلّا غفر له قبل أن يستغفره.
83- علي عليه السلام رفعه: ما عظمت نعمة الله على عبد إلّا عظمت عليه مؤونة الناس. فمن لم يحتمل تلك المؤونة للناس عرض تلك النعمة للزوال.
84- جعفر بن محمد: أحيوا المعروف بإماتته «1» ، فإن المنّة تهدم الصنيعة.
85- شاعر:
ولا عيب في معروفكم غير أنه ... يبين عجز الجاهدين عن الشكر(5/287)
الباب السابع والثمانون النوم، والاحتلام، والسهر، والرؤيا وما جاء من عجائب التأويلات، وما يتعلق بذلك
1- أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما من أحد ينام إلّا ضرب على صماخه «1» بجرير معقد، فإن هو استيقظ وذكر الله انحلت عقدة، فإن هو توضأ حلت عقدة أخرى، فإن قام فصلّى حلّت العقد كلها. فإن هو لم يستيقظ ولم يتوضأ ولم يصل أصبحت العقد كلها كهيأتها، وبال الشيطان في أذنيه.
2- وقالت أم خالد بن خالد بن سعيد بن العاص لمولاة لها عند السحر: حلّلي عقد الشيطان، ليست بساعة نوم.
3- كان زمعة بن صالح يصلّي ليلا طويلا، فإذا أسحر «2» نادى أهله:
يا أيها الركب المعرسونا ... أكل هذا الليل ترقدونا «3»
فيتواثبون من بين باك وداع ومستغفر ومتوضىء. فإذا أصبح نادى:(5/289)
عند الصباح يحمد القوم السرى «1» .
4- ابن عباس: عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل.
5- قالت أم سليمان بن داود عليهما السلام لسليمان: يا بني، لا تكثر النوم، فإن صاحب النوم يجيء يوم القيامة مفلسا.
6- الثوري «2» : كان يعجبهم إذا كان الرجل فارغا أن ينام طلبا للسلامة. وكان يقول: ما أعرف في زماننا أمثل من النوم.
7- ورؤي الثوري يقول للطبيب: دلني على شيء إذا أردت النوم جاءني، فقال أكثر من دهن رأسك.
8- العرب: نومة الضحى في الصيف مبردة، وفي الشتاء مسخنة.
9- قيل للحسن: إن ابن سيرين «3» ما احتلم قط. فقال: إن الاحتلام عرس «4» النسّاك إذا علم الله منهم العفاف.
10- إن نومة الضحى مخلفة للفم.
11- ابن الجهم: إذا غشيني النعاس في غير وقت نوم تناولت كتابا من كتب الحكم، فأخذ اهتزازي للفوائد، والأريحية «5» التي تعتريني،(5/290)
أشد من نهيق الحمار، وهدة الهدم.
12- شاعر:
إلّا إن نومات الضحى تورث الفتى ... خبالا ونومات العصير جنونا «1»
13- الحارث بن الحارث المكي: إني لأعجب ممن يستلقي على فراشه، ويطبق عينيه يبتغي النوم، كيف لا يقوم يصلّي حتى تغلبه عيناه؟
فلا نوم ألذ من ذلك النوم.
14- طاووس «2» : لئن تختلف السياط على ظهري أحب إلي من أن أنام يوم الجمعة والإمام يخطب.
15- محمد بن النضر الحارثي: ترك النوم قبل مدته بسنتين إلّا القيلولة «3» .
16- مكحول: من آوى إلى فراشه ثم لم يتفكر فيما صنع في يومه، فإن عمل خيرا حمد الله، وإن أذنب استغفر الله، كان كالتاجر الذي ينفق ولا يحسب حتى يفلس ولا يشعر.
17- كان شداد بن أوس الأنصاري على فراشه كأنه حبة على المقلى، وهو يقول: اللهمّ إن النار منعتني النوم.
18- شاعر:
غيرت موضع مرقدي ... ليلا ففارقني السكون
قل لي فأول ليلتي ... في حفرتي أنّي تكون «4»(5/291)
19- خوات بن جبير: نوم أول النهار خرق، وأوسطه خلق، وآخره حمق.
20- وعن العباس بن عبد المطلب أنه مرّ بابنه وهو نائم نومة الضحى، فركله برجله وقال: قم لا أنام الله عينك، أتنام في ساعة يقسم الله فيها الرزق بين عباده؟ أو ما سمعت ما قالت العرب إنها مكسلة مهزلة، منساة للحاجة؟.
21- والنوم على ثلاثة أنواع: نومة الخرق، ونومة الخلق، ونومة الحمق. فنومة الخرق نومة الضحى، ونومة الخلق هي التي أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بها أمته فقال: قيلوا «1» فإن الشياطين لا تقيل. ونومة الحمق بعد العصر، لا ينامها إلّا سكران أو مجنون أو مريض.
22- الصبي إلى أربع سنين لا يحلم حلما يعتد به، ومنهم من لم يحلم إلى أن أسن، ومنهم من لم يحلم البتة.
23- قيل لعبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك: ما أذهب ملككم؟
قال: نوم الغدوات، وشرب العشوات.
24- هشام بن عبد الملك لولده: ولا تصطبحوا «2» فإنه شؤم ونكد.
أبو دلف العجلي:
أمالكتي ردي عليّ فؤاديا ... ونومي فقد شرّدته عن وساديا
ألا تتقين الله في قتل عاشق ... أمتّ الكرى عنه فأحيا اللياليا
25- علي عليه السلام: ينام الرجل على الثكل ولا ينام على الحرب. يعني أنه يصبر على قتل الولد ولا يصبر على سلب المال.
26- ابن سيرين: لا يحتلم ورع إلّا على أهله.(5/292)
27- سلمان الفارسي: إني لاحتسب نومتي كما احتسب قومتي.
28- عمر بن أبي ربيعة:
فلو كنت ماء كنت صوب غمامة ... ولو كنت ليلا كنت رابعة العشر «1»
ولو كنت لهوا كنت تعليل ساعة ... ولو كنت نوما كنت إغفاءة الفجر
29- يقال بات فلان بليلة أنقد، وهو القنفذ، أي ساهرا.
30- قيل للشعبي: كيف بت البارحة؟ فطوّل كساءه في الأرض ثم نام عليه وتوسد يده، وقال: هكذا بت.
31- يحيى بن اليمان: رأيت رجلا نام، وهو أسود الرأس واللحية، شاب يملأ العين، فرأى في منامه كأن الناس قد حشروا، وإذا بنهر من نار وجسر يمر عليه الناس، فدعي فدخل الجسر، فإذا هو كحد السيف، يمور به يمينا وشمالا. فأصبح أبيض الرأس واللحية.
32- رأى رجل في منامه كأنه يصب الزيت في الزيتون. فقال ابن سيرين: إن صدقت فإنك تفعل بأمك. فكان كما قال:
33- أتى دومة بنت معتب آت في المنام فقال لها:
ألا أبشرن لولد ... أشبه شيء بالأسد
إذا الرجال في كند ... تغالبوا على بلد
كان له حظ الأشد فولدت المختار بن أبي عبيد. وذلك في سنة الهجرة.
34- رؤي غزوان الصوفي في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟
فقال:
حاسبونا فدققوا ... طالبونا فحققوا
ثم منّوا ... فأعتقوا(5/293)
35- لما انصرف أبو مسلم من حرب عبد الله بن علي رأى في المنام كأنه على فيل، والشمس والقمر في حجره. فقصه على عابر سبيل، فقال: الرسم. فقبض عشرة آلاف درهم. ثم قال: اعهد عهدك فإنك هالك. وقرأ: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل. وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر.
36- رأى رجل كأنه ينظر في لوح من ذهب. فقيل: يذهب بصرك.
فعمي.
37- قال رجل لسعيد بن المسيب: رأيت كأني بلت خلف المقام.
قال: فهو عبد الملك، قال يلي أربعة من صلبه الخلافة.
وروي أنه قال: رأيت كأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبول في ذيل عبد الملك أربع مرّات. فقال: إن صدقت رؤياك خرج من صلبه أربعة خلفاء.
38- رأى علي بن الحسين مكتوبا على صدره قل هو الله أحد، فاستعبر سعيد فقال: بضعة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نعيت إليه نفسه.
39- الشافعي رحمه الله: رأيت عليا عليه السلام في المنام، فقال لي: ناولني كتبك، فناولته، فأخذها فبددها. فأصبحت أخا كآبة فأتيت الجعد فأخبرته، فقال: سيرفع الله شأنك، وينشر علمك.
4- ابن مسعود رفعه: من رآني في منامه فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي.
41- بات أبو الهندي بمرو على سطح، وكان إذا نام تقلب تقلبا قبيحا، فشدوا رجله بحبل، فتدحرج وبقي معلقا برجله، واختنق فمات.
42- النبي صلّى الله عليه وسلّم: الرؤيا على جناح طائر ما لم تعبر، فإذا وقعت فلا تقصها إلّا على وادّ أو ذي رأي.
43- جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: رأيت كأن رأسي قد قطع(5/294)
وكأني أنظر إليه. فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: بأية عينين كنت تنظر إلى رأسك؟ فلم يلبث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن توفي. فأولوا رأسه بنبيّه، ونظره إلى اتباع سنته.
44- قال رجل لعلي بن الحسين: رأيت كأني أبول في يدي.
فقال: تحتك محرم. فنظروا فإذا بينه وبين امرأته رضاع.
45- كان مع صلة بن أشيم أعرابي، فقال: يا أبا الصهباء، رأيت كأنك أتيت بثلاث شهدات، فأخذت اثنتين وأعطيتني واحدة. فقال:
الشهادة إن شاء الله. فغزوا فاستشهد أبو الصهباء وابنه والأعرابي.
46- أنشد أبو غانم الثقفي:
رقدت رقاد الهيم حتى لو أنني ... يكون رقادي مغنما لفنيت
فقلت: لمن هذا البيت؟ فقال: لرقّاد من رقاد العرب.
47- أبو حنيفة رحمه الله: رأيت كأني نبشت قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضممت عظامه إلى صدري. فهالني، فسألت ابن سيرين، فقال: ما ينبغي لأحد من أهل هذا الزمان أن يرى هذه الرؤيا. قلت: أنا رأيتها.
قال: إن صدقت رؤياك لتحيين سنة نبيك.
48- شاعر:
وليلك شطر عمرك فاغتنمه ... ولا تذهب بنصف العمر نوما
49- آخر:
وكيف يكون النوم أم كيف طعمه ... صفا النوم لي إن كنتما تصفان
50- فلان لا يتصالح جفناه.
51- رأى رجل غرابا وقع على أعظم أطم «1» بالمدينة فقال ابن(5/295)
المسيب: يتزوج أفسق الفاسقين أشرف امرأة بالمدينة.
52- رأى نبطي «1» الحجاج بن يوسف الثقفي في المنام، فقال له:
إلى ما صيرك ربك؟ قال: وماذا عليك يا ابن الفاعلة؟ فقال: ما سلمنا من فعلك حيا ولا من سبك ميتا.
53- نام عبود، وكان عبدا أسود حطّابا في محتطبه أسبوعا، فضرب به المثل فقيل: قد نام نومة عبود.
54- قيل تماوت على أهله وقال: اندبوني لأعلم كيف تندبوني إذا متّ. فسجّي وندب، فإذا به قد مات.
55- وقال عبد الله بن الحجاج:
قوموا فأهل الكهف مع عب ... ود عندكم صراصر
56- يقال إن ملك الرؤيا ينسخ من اللوح المحفوظ ما كتب للعبد فيريه في منامه.
57- رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسيد بن أبي العيص في الجنة بعد موته، فأولها لولده عتاب بن أسيد.
- وعنه صلّى الله عليه وسلّم: الرؤيا الصالحة بشارة للمؤمن بما له عند الله من الكرامة في الآخرة.
58- قال أشعب لرجل: رأيتك مطليا بعذرة. فقال: هو عملك الخبيث ألبسكه الله، وعملي الطيب ألبستنيه. قال: في الرؤيا شيء آخر، قال: وما هو؟ رأيتك تلحسني ورأيتني ألحسك «2» .(5/296)
59- المعلى بن علاء الطائي:
كم ليلة ذدت الرقاد وأنتما ... تتنازعان حواشي الأحلام
وحملتما لوما عليّ وربما ... كان الملام أحق باللّوام
60- رأى نوف البكالي صاحب علي عليه السلام كأنه يسوق جيشا، ومعه رمح طويل في رأسه شمعة تضيء للناس. فتأولها بالشهادة. فخرج إلى الغزو، فلما وضع رجله في الركاب قال: اللهمّ أرمل المرأة وأيتم الولد وأكرم نوفا بالشهادة. فوجدوه وفرسه مقتولين مختلطا دمه بدم فرسه وقد قتل رجلين.
61- أبو سليمان الداراني: إنما يرى العبد الرؤيا ليثبت فإذا أخلص انقطع عنه كثرة الرؤيا.
62- كان أبو سالم يقول: الرؤيا كلام يكلم الله به عبده.
63- رأى عبد الملك في منامه أن أم هشام شقّت رأسه فلطعت من دماغه عشرين لطعة، فطلقها. ثم بعث إلى سعيد بن المسيب فسأله.
فقال: تلد غلاما يملك عشرين سنة. فندم.
64- رأى شرحبيل بن حسنة رؤيا فقصها على أبي بكر رضي الله عنه، فقال: نامت عينك ورأيت خيرا.
65- جابر بن عبد الله: كنا ننام في المسجد ومعنا علي بن أبي طالب، فدخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: قوموا لا تناموا في المسجد، فقمنا لنخرج، فقال: أما أنت يا علي فنم، فإنه قد أذن لك.
66- ابن عمر: تضرعت إلى ربي سنة أن يريني أبي في النوم، حتى رأيته وهو يمسح العرق عن جبينه، فسألته فقال: لولا رحمة الله لهلك أبوك. إنه سألني عن عقال بعير الصدقة، وعن حياض الإبل، فكيف عن الناس؟ فسمع بذلك عمر بن عبد العزيز، فصاح وضرب بيد على يد(5/297)
وقال: فعل هذا بالطاهر التقي، فكيف بابن المترف عمر بن عبد العزيز؟
67- سئل ابن سيرين عن رجل رأى في منامه كأنه يمضغ شدقه، فقال: هذا رجل يغتاب أقرباءه.(5/298)
الباب الثامن والثمانون الوفاء، وحسن العهد، ورعاية الذمم، والأمانة والثقة، وكتمان الأسرار، وما أشبه ذلك
1- أبو بكر رضي الله عنه: قال لي رسول صلّى الله عليه وسلّم: يا أبا بكر، عليك بصدق الحديث، ووفاء بالعهد، وحفظ الأمانة، فإنها وصية الأنبياء.
2- نزل ناس من محارب إلى جنب المدينة، فاشترى منهم رسول الله جزورا «1» بوسق «2» من تمر. فلما ذهب بها وتوارى في بيوت المدينة، قالوا: أعطينا رجلا لا نعرفه. فقالت عجوز منهم: لقد رأيت وجه رجل ما كان ليلبسه غدرا. فما كان إلّا أن أرسل إليهم فدعاهم، ثم أمر بالتمر فنثر على نطع «3» ، ثم قال: كلوا، فأكلوا حتى شبعوا، ثم وفاهم ثمنهم.
فقالوا: ما رأينا كاليوم في الوفاء.
3- أوصت أعرابية أبنا لها فقالت: يا بني، اعلم أنه من اعتقد الوفاء والسخاء فقد استجاد الحلة بربطتها وسربالها، وإياك والنمائم فإنها تنبت(5/299)
السخائم، وتفرق بين المحبين، وتحسي»
أهلها الأمرين.
4- ليس شيء أوفى من قمرية «2» ، فإنها إذا مات ذكرها لم تقرب آخر بعده، ولا تزال تنوح عليه إلى أن تموت.
5- شاعر:
أشدد يديك بمن يلفّ وفاءه ... إن الوفاء من الرجال عزيز
6- علي عليه السلام: الوفاء توأم الصدق، ولا أعلم جنة أوقى منه، وما يغدر من علم كيف المرجع. ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة. ما لهم قاتلهم الله؟ قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونها مانع من الله ونهيه فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها. وينتهز فرصتها من لا خريجة له في الدين.
7- وفد عدي بن حاتم على عمر رضي الله عنه، وكان قد ثبت إسلامه في الردة، فقال: أتعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، أنت الذي آمن إذ كفروا، ووفى إذ غدروا.
8- وكان مع علي عليه السلام في حروبه، وفقئت عينه يوم الجمل، وهو القائل لمعاوية:
يجادلني معاوية بن حرب ... وليس إلى الذي يبغي سبيل
يذكرني أبا حسن عليا ... وحظي في أبي حسن جليل
9- قال المنصور لاسحاق بن موسى العقيلي، وكان قبله خصيصا عند مروان بن محمد، وقد ضمن غلاما من بني أمية: ما ضمانك له إلّا حبا(5/300)
لبني أمية؟ فقال: هذا وفائي لمن له عندي يد «1» وقد زالت عنه الدولة، فكيف وفائي لمن له عندي يد والدولة عليه باقية؟ فاستحسن قوله وأطلق له الغلام من غير ضمان.
10- الوفاء وفاء لمن لا ترجوه ولا تخافه.
11- إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وإلى بكائه على ما مضى من زمانه.
12- أتى حاجب بن زرارة التميمي في جدب أصاب قومه بدعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كسرى فسأله أن يأذن لهم في دخول بلاده حتى يمتاروا «2» .
فقال: إنكم معشر العرب قوم غدر. فقال: إني ضامن للملك ألا يفعلوا، قال: فمن لي بأن تفي؟ قال: أرهنك قوسي. فضحك من حوله، فقال كسرى: ما كان ليخالف، فقبلها منه وقال: يا حاجب، إن قوسك لقصيرة معوجّة، قال: أيها الملك، إن وفائي طويل مستقيم. فمات حاجب، فطلبها ابنه عطارد فردّت عليه، وكساه كسرى حلة. فلما أسلم عطارد أهداها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يقبلها، فباعها بأربعة آلاف درهم.
وبقيت قوس حاجب فخرا لبني تميم، قال أبو تمام:
إذا افتخرت يوما تميم بقوسها ... فخارا على ما وطّدت من مناقب
فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم ... عروش الذين استرهنوا قوس حاجب
13- وقد ملّح المطراني في قوله:
تزهى علينا بقوس حاجبها ... زهو تميم بقوس حاجبها
14- وللمصنف «3» في صباه:(5/301)
أكل وفاء كان في قوس حاجب ... وأنت جمعت الغدر في قوس حاجب
15- أتى عمر رضي الله عنه بتاج كسرى وسيفه ومنطقته وسواريه، فرأى من الدرّ والياقوت شيئا لم ير مثله، فكره أن يمسّه بيده، فأخذ عودا فجعل يقلب ذلك وينظر إليه. فلما أطال النظر قال: إن الذي أدى هذا لأمين. فقال له علي: يا أمير المؤمنين، إنك أديت الأمانة إلى الله، فلما أديتها إلى الله أدّيت إليك.
16- قال لقمان لأبنه: إذا كان خازنك حفيظا وخزانتك أمينة سدت في دنياك وآخرتك.
17- عروة بن محمد عن أبيه رفعه: ثلاث إذا رأيتهن فعندك عندك:
خراب العامر وعمارة الخراب، وأن يكون الغزو رفدا، وأن يتمرس البعير بالشجرة.
18- ابن عباس: أتى رسول الله التجار فقال: يا معشر التجار، إن الله باعثكم يوم القيامة فجارا إلّا من صدق ووصل وأدى الأمانة.
19- ابن عمر رفعه: خلق الله تعالى من الإنسان فرجه وقال: هذه أمانة استودعتكها. الفرج أمانة. والسمع أمانة، والبصر أمانة، واللسان أمانة، ولا إيمان لمن لا أمانة له.
20- أخذ لبنت أبي قحافة طوق يوم الفتح، فقال: أبو بكر فأخذ بيد أخته وقال: أنشدكم الله والإسلام طوق أختي. قالها ثلاثا، فلم يجبه أحد، فقال: يا أخيّة أحتسبي طوقك فإن الأمانة في الناس قليل.
21- مكتوب في التوراة: الأمين من أهل الأديان كلها عائش بخير.
22- لقمان: يا بني كن أمينا تعش غنيا.
23- النبي صلّى الله عليه وسلّم: الأمانة غنى.
24- اتقوا النعمة أن تقول كفرت، والأمانة أن تقول أخفرت.(5/302)
25- شاعر:
سقى الله أطلال الوفاء بكفّه ... فقد درست أحلامه ومنازله «1»
26- قال رجل لسلمان رضي الله عنه: يا أبا عبد الله، فلان يقرئك السلام. فقال: أما أنك لو لم تفعل لكانت أمانة في عنقك.
27- قال حارث بن عوف بن أبي حارثة للنبي صلّى الله عليه وسلّم: أجرني من لسان حسان فلو مزج به البحر لامتزج. فحدث بذلك ابن عائشة فقال: أوجعه قوله:
وأمانة المري حيث لقيته ... مثل الزجاجة صدعها لا يجبر «2»
28- قدم مكة كهمس بن سعد البارقي ورجل من بني زبيد، فظلم البارقي أبي بن خلف، فقال:
أتظلمني مالي بمكة ظالما ... أبي ولا قومي لديّ ولا صحبي
وناديت قومي بارقا لنجيّتي ... وكم دون قومي من فياف ومن سهب «3»
سيأبى لكم حلف الفضول ظلامتي ... بني خلف والحق يؤخذ بالغصب «4»
29- وظلم الزبيدي العاص بن وائل السهمي، فصعد الجبل رافعا عقيرته «5» :
يا للرجال لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدرّ والنّفر
ومحرم أشعث لم يقض عمرته ... يا للرجال وبين الحجر والحجر(5/303)
هل مخفر من أخي سهم بقدرته ... فعادل أم ضلال نال معتمر «1»
إن الحرام لمن تمّت حرامته ... ولا حرام لثوب الفاجر الغدر
فتحالف ثلاث نفر الزبير عم النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد قيل العباس أولهم، والمتحالفون بن وهاشم، وقيل بنو عبد مناف، وزهرة، وتيم بن مرة، وأسد ابن عبد العزى. وزاد بعضهم الحارث بن فهر رهط أبي عبيدة. فقال من عداهم من قريش: لقد دخل هؤلاء في فضول من الأمر فسمي حلف الفضول.
وقيل سمي بذلك تشبيها له بحلف كان بمكة أيام جرهم على التناصف والأخذ من القوي للضعيف، وللغريب من القاطن، قام به رجال من جرهم يقال لهم الفضل بن الحارث، والفضل بن وداعة، والفضل بن فضالة فقيل لهم حلف الفضول جمعا لأسماء هؤلاء كما يقال سعد السعود.
وقيل سمي بذلك لما فيه من الشرف والفضل. وقيل لأنه شيء تفضلوا به.
وشهده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان يقول: لقد شهدت في دار ابن جدعان حلفا لو دعيت إلى مثله اليوم لأجبت. وكانت صورة الحلف: والله القابل، إنا اليد على الظالم حتى نأخذ للمظلوم حقه ما بلّ بحر صوفة.
30- دعا معاوية قيس بن سعد بن عبادة إلى مفارقة علي عليه السلام حين تفرق عنه الناس، فكتب إلى معاوية: يا وثن بن وثن، تدعوني إلى مفارقة علي بن أبي طالب والدخول في طاعتك، وتخوفني بتفرق أصحابه عنه، وانثيال الناس عليك، واجفالهم إليك، فو الله الذي لا إله غيره لا سالمتك أبدا وأنت حربه، ولا دخلت في طاعتك وأنت عدوه، ولا اخترت عدو الله على وليّه، ولا حزب الشيطان على حزبه، والسلام.
31- سأل المنصور بعض بطانة هشام عن تدبيره في بعض حروبه مع(5/304)
الخوارج، فقال: فعل كذا وصنع كذا رحمه الله. فقال المنصور: قم عليك لعنة الله. تطأ بساطي وتترحم على عدوي! فقام الرجل وهو يقول:
والله إن نعمة عدوك لقلادة في عنقي لا ينزعها إلا غاسلي. فقال المنصور:
ارجع يا شيخ، فإني أشهد أنك جهيض حرة، وغراس شريف. ودعا له بمال، فأخذه وقال: لولا جلالة أمير المؤمنين وامتطاء طاعته ما لبست لأحد بعده نعمة. فقال له المنصور: مت إذا شئت، لله أنت! فلو لم يكن في قومك غيرك لكنت قد أبقيت لهم مجدا مخلدا.
32- قال عمرو بن العاص: إذا أفشيت سري إلى صديقي فأذاعه فهو في حل. فقيل له: كيف؟ قال أنا كنت أحق بصيانته.
33- المهلب: أدنى أخلاق الشريف كتمان السر، وأعلى أخلاقه نسيان ما أسرّ إليه.
34- فيلسوف: القلوب أوعية السرائر، والشفاه أقفالها، والألسنة مفاتيحها، فليحفظ كل منكم مفتاح وعاء سره.
35- حكيم: ضع سرك عند من لا سر له عندك.
36- لا يصلح للسر إلّا لسانان وأربع آذان.
37- رجل من بني سعد:
إذا ما ضاق صدرك عن حديث ... فأفشته الرجال فمن تلوم
إذا عاتبت من أفشى حديثا ... وسري عنده فأنا الظلوم
38- أوس بن حجر:
ليس الحديث بنهبي بينهن ولا ... سر يحدثنه في الحي منشور
39- قيل لأعرابي: ما بلغ من حفظك للسر؟ قال: أفرقه تحت شغاف «1» قلبي ثم لا أجمعه، وأنساه كأني لم أسمعه.(5/305)
40- فلان كتوم الرغاء، بعيد مقبل السر، حنيت عليه أضالعه، وتلاقت عليه حيازيمه «1» .
41- الجاحظ: تقول العرب: من ارتاد لسره فقد أشاعه، وأرى الأول قد أذن في واحد وهو قوله:
سرّك دمك فانظر أين تريقه «2» .
42- أبو الشيص:
ضع السر في صماء ليست بصخرة ... صلود كما عاينت من سائر الصخر
ولكنها قلب امرىء ذي حفيظة ... يرى ضيعة الأسرار قاصمة الظهر
43- كان يقال: أحزم الناس الذي لا يفشي سره إلى صديقه، مخافة أن يقع بينهما شر فيفشيه عليه:
44- حكيم: قلوب الأحرار قبور الأسرار.
45- بزرجمهر: الطمأنينة إلى كل أحد قبل الإختيار حمق.
46- نصيب:
وقد طال كتمانيك حتى كأنني ... برجع جواب السائلي عنك أعجم
لأسلم من قول الوشاة وتسلمي ... سلمت وهل حي على الناس يسلم
47- سلمة اليشكري:
إذا ما غفرت الذنب يوما لصاحب ... فلست معيدا ما حييت له ذكرا
ولست إذا ما صاحب حال عهده ... وعندي له سر مذيعا له سرا
48- مرّ أبو بكر رضي الله عنه بجارية سوداء تطحن لمولاتها، فقالت مولاتها: يا أبا بكر اشترها فإنها على دينك. فلما علم أنها مسلمة حكم(5/306)
مولاتها، فاشتراها على المكان ودفع ثمنها، وقال: قومي يا جارية.
فقالت: يا أبا بكر، إن لها علي حقا بقديم ملكها، فأئذن لي أن استتم طحينها. ففعل.
49- عاذ الفرزدق ببكر بن وائل في بعض مخاوفه، ثم ارتحل عنهم ذاما لهم. فقال رجل منهم:
لقد بوأتك الدار بكر بن وائل ... وردت لك الأحشاء إذ أنت مجرم
زمان تمنى أن تكون حمامة ... بمكة واراها الستار المحرّم
فإن تنأ عنا لا تضرنا وإن تعد ... فإنّا على العهد الذي كنت تعلم
50- كان قيس بن الرقيات مع مصعب، فلما قتل تردد هاربا في البلاد، حتى عاذ بعبد الله بن جعفر ليستشفعه إلى عبد الملك. فقام ابن جعفر بين يديه وقال: حاجة. قال: حاجاتك كلها مقضية إلّا دم ابن قيس. قال: فهذه حاجتي، فأطرق هنيهة ثم قال: على أن تضع يده في يدي. فلما دخل عليه وقد أمر قبل بعساس خلنج «1» ، فملئت ألبان البخت «2» يحمل العسّ جمانة، ثم صفت بين يديه- قال له: أين هذه العساس من عساس مصعب حين تقول:
جلب الخيل من تهامة حتى ... وردت خيله جبال زرنج «3»
يلبس الجيش بالجيوش ويسقي ... لبن البخت في قصاع الخلنج «4»
قال: لا أين أمير المؤمنين لو طرحت كلها في أصغر عس من أعساس مصعب لتقلقلت داخله. قال: قاتلك الله! أبيت إلّا كرما. وعفا عنه ووصله.(5/307)
51- كان أبو العاص بن الربيع بن عبد العزي بن عبد شمس، ختن «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بنته زينب، تاجرا تضاربه قريش بأموالها فخرج إلى الشام سنة الهجرة فلما قدم عرض له المسلمون فأسروه، وقدموا به المدينة ليلا. فلما صلوا الفجر قامت زينب على باب المسجد فقالت: يا رسول الله، قد أجرت أبا العاص وما معه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قد أجرنا من أجرت. ودفع إليه جميع ما أخذ منه، وعرض عليه الإسلام، فأبى وخرج إلى مكة. فدعا قريشا وأطعمهم ثم دفع إليهم أموالهم. وقال: هل وفيت؟ قالوا: نعم قد أديت الأمانة ووفيت. قال: اشهدوا جميعا أني أشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله. وما منعني أن أسلم إلّا تقولوا أخذ أموالنا. ثم هاجر فأقره رسول الله على النكاح الأول. وتوفي سنة ثنتي عشرة.
52- قال رجل لراهب: قتلت تسعة وتسعين، فهل لي من توبة؟
قال: لا. قال: لأكملن بك مائة، فقتله. ثم ذهب إلى راهب آخر فقال له: قتلت مائة، فهل لي من توبة؟ قال: نعم، على أن تطيعني ولا تعصيني، فقال له: قاسمني العمل. قال أنا بين يديك. فأراد أن يخبز فقال: عليّ العجين والإلزاق وعليك السجر «2» . فاستجر التنور يوما وقال للراهب: قم فالزق، فقال: اذهب واجلس في التنور، فذهب فجلس فيه، فجاء الراهب ينظر، فإذا الرجل قاعد في التنور، ما به إلّا أنه يشرح عرقا. فقال له: قم فاخرج فأنت خير مني. فجوزي بوفائه.(5/308)
الباب التاسع والثمانون الوقاحة، والسفاهة، والجسارة، وقلّة المبالاة وذكر الغوغاء والحشوة، ونحو ذلك
1- النبي صلّى الله عليه وسلّم: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
2- حكيم: الخرس خير من الكذب، والخصاء خير من الزنا.
والمعيشة بالجهد والفاقة خير من المعيشة بالبذاء وقلّة الحياء.
وذكر رجلا وقحا: لو دق بوجهه الحجارة لرضها، ولو خلا بأستار الكعبة لسرقها.
3- ابن سلام: العاقل شجاع القلب، والأحمق شجاع الوجه.
هو صفيق الدرقة «1» ، صليب الحدقة «2» .
4- الفاقة خير من الصفاقة.
5- الصخر هش عند وجهك في الوقاحة.
6- يقال: وجوههم وأيديهم حديد. أي وقاح بخلاء.(5/309)
7- لمّا حضرت أد بن مر الوفاة عدل بإرثه عن تميم إلى سائر ولده، فعاتبه تميم، فقال: يا بني، إني لم أفعل بك ذلك لذنب استحقيته.
ولكن للثقة بما في يدك من عوض يغنيك عن أخوتك، ويفقرهم إليك، ويكسبك السؤدد. قال: وما هو يا أبه؟ قال: صفاقة وجهك.
8- أنوشروان: أربع قبائح، وهي في أربعة أقبح: البخل في الملوك، والكذب في القضاة، والحدة في العلماء، والوقاحة في النساء.
9- أبو عثمان الناجم:
لك عرض مثلّم من قوا ... رير ووجه ململم من حديد
10- صفاقة العينين خير من غلة دارين.
11- في النصائح الصغار «1» : الوجه ذو الوقاحة من وجوه الرقاحة، يفيء على صاحبه الأنفال، ويفتح الأقفال، ويلقطه الأرطاب، ويلقمه ما استطاب، ويجسره على قول المنطيق، وييسر له فعل ما لا يطيق.
وكل ذي وجه حيي ذو لسان عيي، معتقل لا ينشط لمقال، ولا ينشط من عقال. لا يزال ضيق الذرع، بكي الضرع، يشبع غيره وهو طيان، ويعطش وصاحبه ريان.
ولكن لا كان من يتوقح، ولا ما يتربح ويتوقح. فلعمري ما النائل الوقح إلّا ما ناله الوقح. وأيم الله إن الرشحة في الجبين أحسن من الشمم في العرنين، ولئن تغر عرضك وما في سقائك جرعة خير أن تملك البحر وما في وجهك مزعة.
12- نافر «2» رجل من جرم رجلا من الأنصار إلى قرشي، فقال للجرمي: أبالجاهلية تفاخره أم بالإسلام؟ قال بل بالإسلام، قال: كيف(5/310)
وقد أووا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونصروه حتى أظهر الله الإسلام؟ قال الجرمي:
وكيف يكون قلة الحياء؟.
13- كان يقال: إثنان لا يتفقان أبدا القناعة والحسد. وإثنان لا يفترقان أبدا الحرص والقحة.
14- هجا أبو الهول الفضل بن يحيى، ثم أتاه راغبا إليه، فقال له:
بأي وجه تلقاني؟ قال: بالوجه الذي ألقى به ربي وذنوبي إليه أكثر.
فضحك ووصله.
15- شاعر:
أكول لأرزاق العباد إلى شتا ... صبور على سوء الثناء وقاح
16- من جسر أيسر، ومن هاب خاب.
17- المسترسل موقى، والمحترس ملقى.
18- شاعر:
لا تكونن في الأمور هيوبا ... فإلى خيبة يصير الهيوب
19- آخر:
إذا رزق الفتى وجها وقاحا ... تقلّب في الأمور كما يشاء
20- آخر:
إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا ... وتستح مخلوقا فما شئت فاصنع
21- من سبح في النهر الذي فيه التمساح عرض نفسه للهلكة.
22- علي عليه السلام: إذا هبت أمرا فقع فيه، فإن شدة توقيه أعظم مما تخاف منه.
23- كان الحسن: إذا ذكر أهل السوق والغوغاء قال: قتلة الأنبياء.(5/311)
24- وقال علي عليه السلام فيهم: إذا اجتمعوا ضروا، وإن تفرقوا نفعوا. قيل: قد علمنا مضرة إجتماعهم، فما منفعة افتراقهم؟ يرجع أصحاب المهن إلى مهنهم فينتفع الناس بهم. كرجوع البناء إلى بنائه، والنساج إلى منسجه، والخباز إلى مخبزه.
وعنه: وأنتم معاشر أخفاء الهام «1» ، سفهاء الأحلام.
25- بعض السلف: لا تسبوا الغوغاء، فإنهم يطفئون الحريق، ويخرجون الغريق، ويسدون البثوق.
26- أبو العبر وهو من عقب علي بن عبد الله بن عباس:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز باللّذة المستهتر النّهج
27- الأحنف: ما قل سفهاء قوم إلّا ذلوا.
28- حكيم: لا يخرجن أحد من بيته وقد أخذ في حجزته قيراطين من جهل، فإن الجاهل لا يدفعه إلّا الجهل. أراد السّفه.
29- قال عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
30- الحارث بن حلزة اليشكري: الجاهل من لا جاهل له، أي الجاهل بتدبير أمره لا سفيه له يدفع عنه، قال:
ولا يلبث الجهال أن يتهضموا ... أخا الحلم ما لم يستعن بجهول
31- صالح بن جناح:
إذا كنت بين الجهل والحلم قاعدا ... وخيرت أيّا شئت فالحلم أفضل
ولكن إذا أنصفت من ليس منصفا ... ولم يرض منك الحلم فالجهل أمثل(5/312)
32- ما جزاء السفيه سبّ، ولكن إذا عدا الثور تنتزع أنيابه.
33- الأحنف بن قيس:
وذي ضعن أمت القول عنه ... بحلم فاستمر على المقال
ومن يحلم وليس له سفيه ... يلاق المعضلات من الرجال
34- شاعر:
لا بد لسؤدد من أرماح ... ومن عديد تتقي بالراح
ومن سفيه دائم النباح
35- أتى علي عليه السلام بجان ومعه غوغاء، فقال: لا مرحبا بوجوه لا ترى عند سوءة.
36- الفند الزماني «1» :
وبعض الحلم عند الجه ... ل للذلة اذعان
وفي الشر نجاة حي ... ن لا ينجيك إحسان(5/313)
الباب التسعون الهدية، والرشوة، وما جاء في الاهداء والاستهداء، وذكر من ارتشى في الحكم وغيره
1- أهدى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عمر هدية فردها، فقال: يا عمر، لم رددت هديتي؟ قال: لأني سمعتك تقول: خيركم من لم يقبل شيئا من الناس. فقال: يا عمر، إنما ذاك ما كان عن ظهر مسألة، فأما ما أتاك من غير مسألة فإنما هو رزق ساقه الله إليك.
2- قالت أم حكيم الخزاعية: قلت للنبي صلّى الله عليه وسلّم: أتكره رد اللطف؟
قال: ما أقبحه؟ لو أهدي إلى ذراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت.
قالت: وسمعته يقول: تهادوا فإنه يورث الحب، ويذهب بغوائل الصدر.
3- ابن عباس رفعه: ما أهدى المسلم لأخيه أفضل من كلمة حكمة، يزيده الله بها هدى، ويرده بها عن الردى.
- وعنه رفعه: نعمت العطية، ونعمت الهدية كلمة حكيمة تسمعها فتنطوي عليها، ثم تحملها إلى أخ لك مسلم تعلمه إياها.
4- الحسن: تهاديتم الأطباق ولم تتهادوا النصائح.
5- الجاحظ: ما استعطف السلطان، ولا استرضى الغضبان، ولا(5/315)
استلّت السخائم، ولا استدفعت المغارم بمثل هذه الهدايا.
6- في نشر المهاداة طي المعاداة.
7- التهادي سنة متقبلة، ومكرمة متقيلة.
8- عائشة: اللّطفة «1» عطفة تزرع في القلوب المحبة.
- وعنها: كان رسول الله يقبل الهدية، ويثيب عليها ما هو خير منها.
9- وعنه عليه السّلام: الهدية رزق من الله، فمن أهدي إليه شيء فليقبله.
- وعنه: نعم الشيء الهدية أمام الحاجة.
- وعنه: تهادوا تحابوا.
10- قدم غلام لعلي رضي الله عنه، فأهدى للحسن والحسين دون ابن الحنفية. فتمثل علي بقول عمرو بن كلثوم:
وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصحبينا
فأهدى إليه.
11- الجاحظ:
لو كنت لا أهدي إلى أن أرى ... شيئا على قدرك أو قدري
لكنت أهدي سدرة المنتهى ... ترفل في أنوابها الخضر «2»
12- كتب المؤيد إلى المتوكل مع قارورة دهن: إن الهدية متى كانت من الصغير إلى الكبير فكلما لصقت ودقت كانت أبهى وأحسن. وإذا كانت من الكبير إلى الصغير فكلما عظمت وجلت كانت أوقع وأنفع.(5/316)
13- كتب إبراهيم بن إسماعيل إلى المأمون يوم النيروز «1» : وجهت إلى أمير المؤمنين جام «2» فضة مذهبة، فيها سبع تفاحات من مسك وعنبر ومسك وصندل «3» وكافور وزعفران وعود، وتفاءلت لأمير المؤمنين باجتماعها وفيوح رائحتها أن يملك الأقاليم السبعة، وإن يفوح عدله وحسن سيرته مع رعيته كفيوحها إن شاء الله.
14- أهدى مرة أبو الهذيل إلى مويس بن عمران دجاجة وصفها له بصفات، ثم لم يزل يذكرها كلما ذكر شيء ما بجمال أو سمن قال أحسن وأسمن من الدجاجة التي أهديتها لكم، وإن ذكروا حادثا قال: كان ذلك قبل أن أهدي لكم الدجاجة بشهر، وما كان بين هذا وبين إهداء الدجاجة إلا أيام قلائل. فسارت مثلا لمن يستعظم شيئا يهديه أو يذكره.
15- لبعضهم:
وإن امرأ أسدى إلي صنيعة ... وذكّر فيها مرة للئيم
16- أهدى رجل إلى امرأة الحارث بن يحامر الأشعري قاضي دمشق هدية، فكلمته حتى قضى له، فقال عبد الملك بن مروان:
إذا رشوة من باب بيت تقحّمت ... لتسكن فيه والأمانة فيه
سعت هربا منها وولّت كأنها ... حليم تنحّى عن جوار سفيه
17- سفيان الثوري: إذا أردت أن تتزوّج فأهد للأم.
18- ميمون بن مهران: إذا كانت حاجتك إلى كاتب فليكن رسولك إليه الطمع.
19- النبي صلّى الله عليه وسلّم: الهدية تجلب السمع والبصر والقلب.(5/317)
20- أبو العالية: إذا دخلت الهدية صر الباب وضحكت الأسكفة «1» .
21- كان ابن عباس يروي: من أهديت إليه هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها. فأهدى إليه صديق ثيابا من ثياب مصر، وعنده قوم، فذكر الخبر فقال: إنما ذلك فيما يؤكل ويشرب، أما في ثياب مصر فلا.
22- كعب الأحبار: قرأت فيما أنزل الله على أنبيائه: الهدية تفقأ عين الحكيم.
23- وفي نوابغ الكلم «2» : إن البراطيل «3» تنصر الأباطيل.
24- شفع مسروق لرجل شفاعة، فأهدى له جارية، فغضب وقال:
لو علمت أن في نفسك هذا ما تكلمت فيها، ولا أتكلم فيما بقي منها أبدا، سمعت ابن مسعود يقول: من شفع شفاعة ليرد بها حقا، أو يدفع بها ظلما فأهدي له فقبل بذلك السحت «4» ، قالوا: ما كنا نرضى السحت إلا الأخذ على الحكم. قال: الأخذ على الحكم كفر.
25- كان شقيق يقول لجاريته: يا بركة، إن جاءك أصحابي بشيء فخذيه وإن جاءك يحيى بشيء فردّيه. وكان يحيى ابنه قاضيا على الكناسة «5» .
26- كتب الحمدوني إلى جارية اسمها برهان وقد حج مواليها.
حجوا مواليك يا برهان واعتمروا ... وقد أتتك الهدايا من مواليك(5/318)
فأطرفيني مما أطرفوك به ... ولا تكن طرفتي غير المساويك «1»
ولست أقبل إلا ما جلوت به ... ثنيّتيك وما ردّدت في فيك
27- كان إبراهيم بن أدهم إذا أهدي إليه شيء لم يرده، وكأفأ بمثليه، فإذا لم يجد إلا ثوبه خلعه.
28- شربت الزريقاء جارية ابن رامين الدواء، فأهدى لها ابن المقفع ألف دراجة على جمل قراسية.
29- عمر رضي الله عنه: لا تولوا اليهود والنصارى، فإنهم يقبلون الرشى، ولا تحل في دين الله الرشى، قال الرشيدي: فأصحابنا اليوم أقبل للرشى منهم.
30- أبو إدريس الخولاني: قال موسى عليه السّلام: يا رب، من يسكن حضيرة القدس؟ قال: الذين لا ينظرون بأعينهم في الزنا، ولا يضعون أموالهم في الربا، ولا يأخذون في حكم الله الرشى.
31- شاعر:
إذا أتت الهدية دار قوم ... تطايرت الأمانة من كواها
32- الهدية أجلها أقلها، وأشفها أخفها.
33- لقلة الهدية معنيان يوحيان القبول، وإن كان لك عند المهدي يد فلا تستنقصها لمزيد، وإن كان مبتدئا فالتفضل لا يستقل.
34- شاعر:
تفضل بالقبول علي إنّي ... بعثت بما يقل لعبد عبدك(5/319)
35- كاتب: هذا يوم جرت فيه العادة بإلطاف «1» العبيد السادة، وقدر الأمير يجل عما تحيط به المقدرة، وفي سؤدده ما يوجب التفضل ببسط المعذرة، وقد وجهت ما حضر علما بأنه لا يستكثر ما جلّ، ولا يستقل لعبده ما قلّ، فإن رأى أن يتطول بقبول القليل تطوله بإهداء الجزيل فعل.
36- شاعر:
رأيت كثير ما يهدي قليلا ... لعبدك فاقتصرت على الدعاء
37- بعث إبراهيم بن المهدي بجراب ملح وجراب أشنان «2» إلى المأمون وكتب: قصرت البضاعة عن بلوغ الهمة، وكرهت أن تطوى صحيفة البر خالية من الذكر، فبعثت بالمبدوء لبركته، وبالمختوم به لنظافته.
38- كان كل واحد من أبي صالح كاتب الرشيد، وسعدان بن يحيى كاتب زبيدة صاحب مصانعات. فدخل الرشيد يوما عليها فقال: أما سمعت ما قيل في كاتبك:
صب في قنديل سعدا ... ن مع التسليم زيتا
وقناديل بنيه ... قبل أن يخفي الكميتا «3»
إن سعدان بن يحيى ... قد بنى للقمط بيتا
قالت: ما قيل في كاتبك أشنع، فأنشدته:(5/320)
قنديل سعدان على ضوئه ... فرخ لقنديل أبي صالح
تراه في مجلسه أحولا ... من لمحه للدرهم اللائح
فاستحي الرشيد: ومن ثم قيل: صب في قنديله زيتا إذا رشاه.
وسمّوا المصانعة قندلة، كما تسمى البرطلة. قال:
إذا ما صب في القنديل زيت ... تحولت القضية للمقندل
فبرطل إن أردت الأمر يمشي ... فما يمشي إذا ما تبرطل
39- وقال ابن لنكك:
أراكم تقلبون الحكم قلبا ... إذا ما صب زيت في القنادل
40- متابعة الأرطال تبطل سورة الأبطال، مثل فيمن ارتشى فسكن.
41- في بعض الحديث: استدروا الهدايا برد الظروف، إن حبس الظرف ليس من الظرف.
42- كتب إبراهيم بن المهدي إلى أخ له: لو كانت التحفة على حسب ما يوجبه حقك لأجحف بنا أداء حق من حقوقك، ولكنها على حسب من يخرج من الوحشة، ويوجب الأنس. والسلام.
43- قدم علي بن عيسى بن ماهان على الرشيد من خراسان، فسأله أن يركب مع خواصه إلى الميدان لينظر إلى هداياه. وقد أمر علي بكنس الميدان وفرشه بالآس والرياحين، وأقام في أحد جانبيه أربعة آلاف غلام تركي، وعليهم اللباس المرتفع والمناطق المعرقة بالفضة، وبيد كل واحد شهري «1» من فره «2» الدواب، كلها مجللة مبرقعة بالديباج، وعلى رأس كل(5/321)
غلام عمامة من جنس لباسه. وفي الجانب الآخر أربعة آلاف وصيفة تركية، عليهن الديباج والمناطق المعرقة بالذهب، مسبلات الشعور، على كل واحدة تخت «1» ثياب من الملحم «2» الفاخر وغيره. وقد بسط في صدر الميدان بسط عليها الأنطاع «3» صبت عليها الأموال حتى صارت جبلا عظيما، وبحذائها نوافج «4» المسك مثلها.
فلما رجع (الرشيد) فنزل قال: يا جعفر أين كنا عن هذه الأموال قال: يا أمير المؤمنين، أسرك أن أخذ علي بن عيسى أموال الفقراء والأرامل وجاءك بها نارا يتقرب بها إليك؟ والله لتعلمن إذا وضحت الأمور أنك تستوخم فائدتها، ولتنفقن بدل كل درهم دينارا. ثم لا تنجو.
فقال موسى الهادي: عادلت الرشيد حين خرج إلى خراسان، فتنفس تنفسة كادت نفسه تخرج، ثم قال: لله جعفر بن يحيى! وذكر كلمته، وقال: كانت أقوى الأسباب في تغيري للبرامكة. وقد والله أنفقت بدل كل درهم دينارا، وأراني لا أنجو.
44- أهدى معاوية إلى الدؤلي «5» هدية فيها حلوى، فقالت ابنته:
ممن هذا يا أبه؟ فقال: هذا من معاوية، بعث بها يخدعنا عن ديننا.
فقالت:
أبا لشهد المزعفر يا ابن حرب ... نبيع عليك أحسابا ودينا
معاذ الله كيف يكون هذا ... ومولانا أمير المؤمنينا
45- بلغ الحسن بن عمارة أن الأعشى يقع فيه ويقول: ظالم ولي(5/322)
الظالم. فأهدى إليه. فمدحه الأعشى بعد ذلك وقال: الحمد لله الذي ولى علينا من يعرف حقوقنا. فقيل له: كنت تذمه ثم مدحته. فقال: إن خيثمة حدثني عن عبد الله أن رسول الله قال: جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.
46- أهديت لقتادة نعل رقيقة، فقال: تعرف عقل الرجل بسخف هديته.
47- عبد الملك بن مروان: ثلاثة أشياء تدل على مقدار عقول أربابها: الكتاب يدل على مقدار عقل كاتبه، والرسول يدل على مقدار عقل مرسله، والهدية تدل على مقدار عقل مهديها.
كان يقول: أهدوا إلى الولاة فأنهم إن يقبلوا أحبوا.
48- لم يرتش حكم في الجاهلية غير ضمرة بن ضمرة النهشلي، تنافر إليه عبادة بن أنف الكلب الصيداوي ومعبد بن نضلة الفقعسي، فرشاه عبادة مائة بعير، فنفره على معبد.
49- الأصمعي: وقفت في البدو على شيخ محتب «1» بعقل يقضي بين أهل الحلة بالحق، فقلت: يا أعرابي، هل نظرت في الفقه؟ فقال:
وما الفقه؟ قلت: فما هذه الإصابة؟ قال: تنوي الخير وتقول ويوفق الله.
فقلت: فهل تميل مع أحد الخصمين لجعل؟ فضحك وقال: إذا لا ينزل التوفيق.
50- الحسن: كان القاضي في بني إسرائيل إذا اختصم إليه الخصمان رفه أحدهما الرشوة في كمه فأراها إياه، فلا يسمع إلا قوله:
فأنزل الله قوله: سماعون للكذب أكالون للسحت «2» .(5/323)
51- أهدى عمر بن جوي وكان على الري إلى إسحاق بن سعيد بن عمارة الكلاعي وهو على مصر فقال:
وإن امرأ أهدى إليّ ودونه ... لكل بريد مسرع ألف فرسخ
لمستوجب نصحي ومحض مودتي ... وإنزاله في القلب منزلة الأخ
52- أهدى عمرو بن مسعدة الكاتب إلى المأمون فرسا. وكتب إليه:
يا إماما لا يدا ... نيه إذا عدّ إمام
فضل الناس كما يف ... ضل نقصانا تمام
قد بعثنا بجواد ... مثله ليس يرام
فرس يزهى به لل ... حسن سرج ولجام
دونه الخيل كما دو ... نك في الفضل الأنام
وجهه صبح ولكن ... سائر الخلق ظلام
والذي يصلح لل ... مولى على العبد حرام
53- عبد الوهاب بن رؤبة بن العجاج تعذرت عليه حاجة فرشا دراهم فقضيت له، فقال:
لما رأيت الشفعاء بلدوا ... وسألوا أميرهم فأنكدوا
نافستهم برشوة فأقردوا ... وسهل الله بها ما شددوا
54- أنشد المبرد:
وكنت إذا خاصمت خصما كببته ... على الوجه حتى خاصمتني الدراهم
فلما تنازعنا الخصومة غلبت ... عليّ وقالت قم فإنك ظالم
55- غيره:
إذا توسلت إلى حاجة ... فبالرشى فهي رشاء النجاح
ولا تؤمل غيرها شافعا ... فكل ما دون الرشى كالرياح
56- قدم سليمان بن عبد الملك المدينة، فأهدى له خارجة بن زيد(5/324)
بن ثابت ألف عذق موز، وألف قرعة عسل أبيض، وألف شاة، وألف دجاجة، ومائة أوزة، ومائة جزور. فقال سليمان: أجحفت بنفسك يا خارجة، قال: يا أمير المؤمنين قدمت بلد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونزلت في أهل بيتي مالك بن النجار، وأنت ضيف، وإنما هو قرى. فقال: هذا وأبيكم السؤدد. ثم سأل عن دينه فقيل خمسة وعشرون ألف دينار، فقضاها عنه وأعطاه عشرة آلاف دينار.
57- لما خرج الأحنف مع مصعب أرسل إليه مائة ألف درهم، فجلست زبراء جاريته بين يديه وأرسلت عينها. فقال: ما يبكيك؟ قالت:
مالي لا أبكي عليك إذا لم تبك على نفسك؟ أبعد نهاوند «1» ومرو الروذ «2» صرت تجمع بين غارين من المسلمين؟ قال: نصحتني والله في ديني إذ لم أنتبه لذلك، وأمر بفساطيطه «3» أن تقوّض.
فبلغ ذلك مصعبا فقال: من دهاني في الأخنف؟ قيل: زبراء.
فبعث إليها بثلاثين ألفا، فجلست بين يديه وأرخت عينها. قال: مالك يا زبراء؟ قالت: جئت باخوانك من البصرة تزفهم زفّ العروس، حتى إذا صيرتهم في نحور أعدائهم أردت أن تفت في أعضادهم وتشمت بهم! قال: صدقت. يا غلام رد المضارب مكانها.
58- أهدى عثمان لعائشة هدية، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ابعثي منها إلى النسوة. قالت: ما من واحدة إلا وقد أتاها مثلها، فقال: اللهم لا تنساها لعثمان.
59- أهدى معاوية إلى سعيد بن العاص يوم النيروز كسى كثيرة،(5/325)
وآنية ذهب وفضة. فقال للرسول: ما قدرت لنفسك في طريقك فخذه، ثم فرّق سائرها على أصحابه، ولم يأخذ إلا ثوبا واحدا.
60- عن نافع عن ابن عمر كانت تأتيه جوائز المختار فيأخذها.
61- أهدى ملك الروم إلى المأمون، فقال: اهدوا له ما يكون مائة ضعف، ليعلم عز الإسلام ونعمة الله علينا به. ثم قال: ما أعز الأشياء عندهم؟ قالوا: المسك والسمور «1» . قال: وكم في الهدية منهما؟ قالوا:
مائتا رطل «2» ، ومائتا جلد، قال زيدوهم مثل ذلك.(5/326)
الباب الحادي والتسعون اليأس، والقناعة، والرضا بما رزق الله، والتوكل على الله، والتفويض إليه، والنزاهة عن المطمع
1- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحبّة وسواء ابني خالد: لا تيأسا من روح الله ما تهزهزت رؤوسكما، فإن أحدكم يولد أحمر لا قشر عليه ثم يكسوه الله ويرزقه.
2- وعنه عليه الصلاة والسلام: القناعة مال لا ينفذ.
3- حدث الأعمش عن أبي وائل قال: ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان الفارسي، فجلسنا عنده فقال: لولا أن رسول الله نهانا عن التكلف لتكلفت لكم، ثم جاء بخبز وملح ساذج لا أبزار عليه، فقال صاحبي: لو كان في ملحنا صعتر، فبعث سلمان بمطرته فرهنها على الصعتر، فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي أقنعنا بما رزقنا. فقال سلمان: لو قنعت بما رزقك الله لم تكن مطهرتي مرهونة.
4- لقمان الحيكم: كفى بالقناعة عزا، وبطيب النفس نعيما.
5- عيسى عليه السّلام: اتخذوا البيوت منازل، والمساجد مساكن، وكلوا من بقل البرية، واشربوا من الماء القراح «1» ، واخرجوا من الدنيا بسلام.(5/327)
6- عباد بن منصور: كان بالبصرة من هو أفقه من عمرو بن عبيد وأفصح، ولكنه أصبر عن الدرهم والدينار، فساد أهل البصرة.
7- قال له خالد بن صفوان: لم تأخذ مني؟ قال: لا يأخذ أحد من أحد إلا ذلّ له، وأنا أكره أن أذل لغير الله. وكان معاشه من دار غلتها كل شهر دينار.
8- كان الناس يكسبون الرغائب بعلم الخليل، وهو فيما بين أخصاص البصرة لا يلتفت إلى الدنيا ولا يطلبها.
9- سأل ابن سيرين عن أرخص ما يباع في السوق، فقيل: السمك الصغار. فقال: اجعلوا أدمي منه.
10- وهب: أرملت مرة حتى كدت أقنط، فأتاني آت في المنام ومعه شبه لوزة، فقال: افضض، ففضضتها فإذا حريرة فيها ثلاثة أسطر:
لا ينبغي لمن عقل عن الله أمره، وعرف لله عدله، أن يستبطىء الله في رزقه.
ثم أعطاني فأكثر.
11- قيل للحسن: إن أبا ذر كان يقول: الفقر أحب إليّ من الغنى، والسقم أحب إلي من الصحة. فقال الحسن: رحم الله أباذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن الاختيار من الله لم يتمن أنه في غير الحال التي اختارها الله له.
12- العمري: انقطعتم إلى غير الله فما ضيعكم، فإن انقطعتم إلى الله خفتم الضيعة.
13- في بعض الكتب: يقول الله: يا ابن آدم، أتخاف أن أقتلك بطاعتي هزلا وأنت تتفتق بمعصيتي سمنا؟.
14- قيل لأبي حازم: ما مالك؟ قال: لي مالان لا أخشى معهما(5/328)
الفقر: الثقة بالله، واليأس مما في أيدي الناس. وروى شيئان لا عيلة عليّ معهما: الرضا عن الله والغنى عن الناس.
15- العمري: يا ابن آدم: الطير لا يأكل رغدا، ولا يخبىء لغد، وأنت تأكل رغدا، وتخبىء لغد، فأحسنت الطير الظن بالله، وأسأت ظنك بالله.
16- حبس عمر بن عبد العزيز الغداء على مسلمة حتى برح به الجوع ثم دعا بشربة سويق فسقاه، حتى إذا انتفخ بطنه دعا بالغداء، فلم يقدر على الأكل. فقال: يا مسلمة، أما يكفيك من الدنيا ما ترى؟ قال:
بلى، قال: فعلام التهافت في النار؟ وروي: التقحم.
17- أنشد المبرد:
إن ضن يحيى بما في بطن راحته ... فالأرض واسعة والرزق مبسوط
إن الذي قدّر الأرزاق حكمته ... لم ينسني قاعدا والرحل محطوط «1»
18- عبد الواحد بن زيد: ما أحسب شيئا من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا، ولا أعلم درجة أرفع من الرضا، وهو رأس المحبة.
19- قال ابن شبرمة «2» في محمد بن طارق: لو أن أحدا اكتفى بالتراب لاكتفى به.
20- أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السّلام: قل لعبادي المستخطين لرزقي: إياكم أن أغضب فأبسط عليكم الدنيا.(5/329)
21- قالت رابعة لسفيان: أترى الله عليك غضبان؟ قال: لا أدري، قالت: ومن أعلم بذلك منك؟ أنظر إن كنت عنه راضيا فهو عنك راض.
قيل: متى يكون العبد راضيا عن ربه؟ قالت: إذا سرته المصيبة كما سرته النعمة.
22- كان عبد الله بن مرزوق من ندماء المهدي، فسكر يوما ففاتته الصلوات فجاءت جارية بجمرة فوضعتها على رجله، فانتبه مذعورا، فقالت: له: لم تصبر على نار الدنيا، فكيف تصبر على نار الآخرة؟ فقام فصلى الصلوات، وتصدق بما معه، وذهب يبيع البقل.
ثم دخل عليه فضيل وابن عيينة، فإذا تحت رأسه لبنة وما تحت جنبه شيء، فقالا: إنه لم يدع أحد شيئا إلا عوضه الله منه بدلا، فما عوضك مما تركت له؟ قال: الرضا بما أنا فيه.
23- إبراهيم التيمي: اشترى أبي عبيدا بأربعة آلاف درهم من البصرة فبنوا له داره، ثم باعهم بربح أربعة آلاف درهم. فقلت له: لو عدت إلى البصرة فاشتريت مثل هؤلاء فربحت. فقال يا بني، ما فرحت بذلك حين أصبته، ولا حدثتني نفسي بإصابة مثله.
24- أصابت داود الطائي ضيقة شديدة، فجاءه حماد بن أبي حنيفة بأربعمائة درهم من تركه أبيه، فقال: هي من مال رجل ما أقدم عليه أحدا في زهده وورعه وطيب كسبه، ولو كنت قابلا من أحد شيئا لقبلتها إعظاما للميت وإيجابا للحي، ولكن أحب أن أعيش في عز القناعة.
25- الثوري: ما وضع أحد يده في قصعة «1» غيره إلا ذلّ له.
- وعنه: لم يفقه عندنا من لم يعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة.
26- مسعر بن كدام: من صر على الخل والبقل لم يستعبد.(5/330)
27- فضيل: أصل الزهد الرضا عن الله، ألا تراه كيف يصنع بعبده كما تصنع الوالدة الشفيقة بولدها؟ تطعمه مرة صبرا، ومرة خبيصا، تريد بذلك ما هو أصلح له.
- وعنه: من رضي بما قسم الله له بارك الله له فيه ووسعه، ومن لم يرض لم يبارك له فيه ولم يوسعه.
28- في التوراة: يا ابن آدم، أطعني فيما أمرتك، ولا تعلمني ما يصلحك.
29- إبراهيم بن أدهم كان من أهل النعم بخراسان، وأصله من بني عجل، فبينما هو مشرف من أعلى قصره إذ نظر إلى رجل في فيء قصره، أكل رغيفا وشرب عليه ماء ثم نام. فقال: ما أصنع بالدنيا والنفس تقنع بما رأيت؟ فخرج سائحا إلى الله تعالى.
30- أقبل عليه رجل أثر السفر فقال: أنا غلامك بعثني أخوتك ومعي عشرة آلاف دينار وفرش وبغلة، فقال له: إن كنت صادقا فأنت حر، وما معك لك، اذهب ولا تخبر به أحدا.
31- من باع الحرص بالقناعة فقد ظفر بالغنى.
32- رويم البغدادي: الصبر ترك الشكوى، والرضا استلذاذ البلوى.
33- المحاسبي: من استغنى بشيء دون الله فقد جهل قدر الله تعالى.
34- عيسى عليه السّلام: الشمس في الشتاء صلائي، ونور القمر سراجي، وبقل البرية فاكهتي، وشعر الغنم لباسي، أبيت حيث يدركني الليل، ليس لي ولد يموت، ولا بيت يخرب، أنا الذي كببت الدنيا على وجهها.
35- شاعر:
إن القناعة من يحلل بساحتها ... لم يلق في ظلها هما يؤرقه(5/331)
36- علي عليه السّلام: أكل من تمر دقل «1» ، ثم شرب عليه الماء وضرب على بطنه فقال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله، ثم تمثل:
وإنك مهما تعط بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
37- الحسن: الحريص الراغب والقانع الزاهد كلاهما مستوف أكله، غير مزداد ولا منتقص مما قدر له، فعلام التهافت في النار.
38- جابر رفعه: لا تستبطئوا الرزق، فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغه آخر رزق هو له، فاجملوا في الطلب، أخذ الحلال وترك الحرام.
39- ابن عمر رفعه: أجملوا في الطلب، فو الذي بعثني بالحق إن الرزق ليطلب أحدكم كما يطلبه الموت.
40- ابن مسعود رفعه: ليس أحد بأكيس من أحد، فقد كتب له النصيب والأجل، وقسم المعيشة والعمل، فالناس يجرون فيهما إلى منتهى.
41- عيسى عليه السّلام: أنظروا إلى طير السماء، تغدو وتروح، وليس معها شيء من أرزاقها، لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها، فإن زعمتم أنكم أكبر بطونا من الطير، فهذه الوحوش من البقر والحمر لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها.
42- سويد بن غفلة كان إذا قيل: قد ولي فلان، قال: حسبي كسرتي وملحي.
43- وفد عروة بن أذينة على هشام بن عبد الملك. فقال: ألست القائل:
لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني(5/332)
أسعى إليه فيعييني تطلّبه ... ولو قعدت أتاني لا يعنّيني «1»
كأن حظ أمرىء غيري سأبلغه ... لا بد لا بد أن يجتازه دوني
وقد جئت من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق؟ يا أمير المؤمنين وعظت فأبلغت، فخرج فركب ناقته ونصها «2» إلى الحجاز راجعا.
فلما كان من الليل تعار هشام على فراشه، فذكر عروة فقال: رجل من قريش قال حكمة ووفد علي فجبهته ورددته. ووجه إليه ألفين؟ فقرع عليه الرسول باب داره بالمدينة وأعطاه المال. فقال: أبلغ أمير المؤمنين السلام وقل له: كيف رأيت قولي؟ سعيت فأكديت، فرجعت فأتاني رزقي في منزلي.
44- عمر رضي الله عنه: تعلموا أن الطمع فقر، وأن اليأس غنى، وأن المرء إذا يئس من شيء استغنى عنه.
45- أنس: أهدي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة طيور فأطعم خادمه طائرا فلما كان من الغد أتته به، فقال لها: ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد؟ فإن الله تعالى يأتي برزق كل غد.
46- عبد الله بن عمر رفعه: لقد أفلح من أسلم، ورزقه الله كفافا، وقنعه الله تعالى بما آتاه.
47- مالك بن دينار: لما بعث الله عيسى بن مريم كب الدنيا على وجهها، ثم رفعها الناس حتى بعث الله تعالى محمدا فكب الدنيا على وجهها، ثم رفعناها بعد، فما لقينا منها؟.
48- سليمان عليه السّلام: كل العيش قد جربنا لينه وشدته، فوجدنا يكفي منه أدناه.(5/333)
49- اشترى عمر بن عبد العزيز عنبا بدانقين «1» فأكله هو وامرأته فاطمة بنت عبد الملك بن مروان، فقال: يا فاطمة، كان يأتي أهلك منه أوقار»
البغال، فلم يكن ينالنا إلا بقدر ما أكلنا من هذين الدانقين.
50- لقمان: يا بني، اجعل همك فيما خلقت له، ولا تجعل همك فيما كفيته.
51- في وصية علي عليه السّلام: وألجىء أمورك كلها إلى إلهك، فإنك تلجئها إلى جهف حريز ومانع عزيز.
- وفيها: وأعلم علما يقينا أنك لن تبلغ أملك، ولن تعدوا أجلك، فإنك في سبيل من كان قبلك. فأحسن في الطلب، وأجمل في المكتسب، فإنه ربّ طلب جرّ إلى حرب، وليس كل طالب بمرزوق، ولا كل مجمل بمحروم.
- وفيها: وقد يكون اليأس إدراكا، إذا كان الطمع هلاكا.
52- ولي عبد الله بن عامر العراق، فقصده صديقان له أنصاري وثقفي، فلما سارا تخلف الأنصاري وقال: الذي أعطى ابن عامر العراق قادر أن يعطيني. ووفد الثقفي وقال: أحرز الحظين. فلما دخل قال له:
ما فعل زميلك الأنصاري؟ ووصله بأربعة آلاف دينار، ووصل الأنصاري بضعفها. فخرج الثقفي وهو يقول:
أمامة ما حرص الحريص بنافع ... فعفتي ولا زهد القنوع بضائر
خرجنا جميعا من مساقط روسنا ... على ثقة منا بجود ابن عامر
فلما أنخنا الناعجات ببابه ... تخلف عنا اليثربي ابن جابر
وقال ستكفيني عطية قادر ... على ما يشاء اليوم للخلق قاهر(5/334)
فإن الذي أعطى العراق ابن عامر ... لربي الذي أرجو لسد مفاقري «1»
فقلت خلا لي وجهه ولعله ... سيجعل لي حفظ الفتى المتزاور
فلما رآني سال عنه صبابة ... إليه كما حنّت ظؤور الأباعر «2»
فأبت وقد أيقنت أن ليس نافعا ... ولا ظائرا شيء خلاف المقادر «3»
53- حين حج الرشيد ماشيا أعياه المشي يوما، فاستلقى على قفاه في ظل ميل، فوقف عليه من قال له:
وما تصنع بالدنيا ... وظل الميل يجزيك
54- عائشة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن أردت اللحوق بي فيكفيك من الدنيا كزاد الراكب. ولا تستخلعي ثوبا حتى ترقعيه. وإياك ومجالسة الأغنياء.
55- الحسن: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان أميرا على زهاء ثلاثين ألفا من المسلمين، وكان يخطب في عباءة يفترش نصفها ويلبس نصفها، فإذا خرج عطاؤه تصدق به، وأكل من سفيف يده.
56- جاء جبرائيل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بخزائن الدنيا كلها على بغلة شهباء، فقال له: هذه الدنيا خذها، ولا ينقصك حظك عند الله بها شيئا، فقال: يا جبرائيل، لا حاجة لي فيها، يا جبرائيل، جوعتين وشبعة.
57- وجد مكتوبا على حائط: يا ابن آدم، ما أنت ببالغ أملك، ولا بسابق أجلك، ولا بمغلوب على رزقك، ولا بمرزوق ما ليس لك، فعلام تقتل نفسك؟.
58- قال زاهد لصبيانه يرزقكم الله الذي يرزق العصافير في الدوّ «4» .(5/335)
59- صالح المري: تغدو الطير خماصا «1» ، وتروح بطانا، واثقة بأن لها في كل غدوة رزقا لا يفوتها والذي نفسي بيده إنكم لو غدوتم إلى أسواقكم على مثل إخلاصها رجعتم وأنتم أبطن من بطون الحوامل.
60- أنشد الجاحظ للحسين بن الضحاك:
يا روح من حسمت قناعته ... سبب المطامع في غد وغد
من لم يكن لله متهما ... لم يمس محتاجا إلى أحد
61- أوحي إلى موسى عليه السّلام: أتدري لم رزقت الأحمق؟ قال: لا يا رب، قال ليعلم أن الرزق ليس بالاحتيال.
62- وهب بن منّبه في قوله تعالى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً
«2» ، قال: القناعة. أنشد حماد لبعض العرب:
ولا تجزع إذا أعسرت يوما ... فقد أيسرت في زمن طويل
ولا تظنن بربك سوء ظن ... فإن الله أولى بالجميل
وإن العسر يتبعه يسار ... وقول الله أصدق كل قيل
فلو أن العقول تسوق رزقا ... لكان المال عند ذوي العقول
63- قال الله تعالى ليوسف عليه السّلام: أنظر إلى الأرض، فانفرجت فرأى ذرة «3» على ضخرة معها الطعام، فقال: أتراني لم أغفل عنها وأغفل عنك وأنت نبي بن نبي بن نبي.
64- قال عيسى عليه السّلام للحواريين: أنتم أغنى من الملوك. قالوا:
كيف؟ قال: لأنكم لا تطلبون وهم في الطلب.
65- دخل علي عليه السّلام المسجد، وقال لرجل: أمسك على بغلتي.
فخلع لجامعها وذهب به. وخرج علي وفي يده درهمان ليكافئه فوجدها(5/336)
عطلا، فركبها ومضى، فأعطى غلامه الدرهمين ليشتري بها لجاما، فوجد الغلام اللجام في السوق وقد باعه السارق بدرهمين. فأخذه بالدرهمين.
فقال علي: إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر، ولا يزداد على ما قدر له.
66- قيل لراهب: من أين تأكل؟ فأشار إلى فمه وقال: من خلق هذه الرحى «1» أتاها بالطحين «2» .
67- عاتب الفضل بن الربيع علي بن الهيثم كاتبه يوما على تأخره فقال:
أظن والظنون قد تعدى ... أني لا أصيب منه بدا
أعد منه ألف يد عدا
وانصرف ولم يعمل للسلطان بعد ذلك.
68- أبو شراعة القيسي:
إن الغنى عن لئام الناس مكرمة ... وعن كرامهم أدنى إلى الكرم
68- ذو الحرق الطهوي:
ولما أتاني تغلب قد نبت به ... لقاح بني أرطاة قلت لتغلب «3»
إذا حدثتك النفس أنك قادر ... على ما حوت أيدي الرجال فجرب
69- سليمان بن المهاجر البجلي:
كسوت جميل الصبر وجهي فصانه ... به الله عن غشيان كل بخيل
فلم يبتذل وجهي بخيل ولم أقم ... على بابه يوما مقام ذليل
وإن قليلا يستر الوجه أن يرى ... إلى الناس مبذولا لغير قليل(5/337)
70- عميرة بن طارق التميمي:
ولا تعدليني إن رأيت معاشرا ... لهم نعم دثر وأن كنت مصرما
متى ما نكن في الناس نحن وهم معا ... نكن منهم أكسى جنوبا وأطعما
71- قال العلاء بن زياد لعلي عليه السّلام: يا أمير المؤمنين، أشكو إليك أخي عاصما، لبس العباءة وتخلى عن الدنيا، قال عليّ به، فقال له: يا عدوّ نفسه، لقد استهام بك الخبيث، أما رحمت أهلك وولدك؟ أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره أن تأخذها؟ أنت أهون على الله من ذلك.
قال: يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك، وجشوبة مأكلك! قال: ويحك! إنّي لست كأنت؟ إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كي لا يبيع بالفقير فقره.
- وعنه: إن إستطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنك مدرك قسمك، وآخذ سهمك، وإن اليسير من الله أكرم وأعظم من الكثير من غيره. ومرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس.
- وعنه: يا ابن آدم، لا تحمل يومك الذي لم يأتك على يومك الذي قد أتاك، فإنه إن يكن من عمرك يأت الله فيه برزقك.
72- قال رجل لإبراهيم بن أدهم: بقيت في عظم المؤونة، احتاج في غدائي إلى شاة، وفي عشائي إلى شاة، تلبس امرأتي في حيضها القوهي «1» ، وفي طهرها الشطوي. فقال إبراهيم: ما أتي أهلك إلا من قبلك، لو اقتصرت لاقتصروا فأصبح الرجل صائما وأفطر على فول بدانق «2» . فأخبر إبراهيم أن امرأته تلبس في طهرها الزطي.
73- ورث داود الطائي من أبيه دارا ودنانير، فكان كلما خرب في الدار بيت انتقل إلى غيره ولم يعمره، ولم يزل يتقوت بالدنانير حتى كفن في آخرها.(5/338)
74- وقف الملك على سقراط وهو في المشرقة «1» قد أسند ظهره إلى حب «2» كان يأوي إليه، فقال: سل حاجتك. قال: حاجتي أن تزيل عني ظلك فقد منعني المرفق في الشمس. فدعا له بذهب وبكسى فاخرة من الديباج والقصب، فقال: ليس بسقراط حاجة إلى حجارة الأرض وهشيم النبت ولعاب الدود. إن حاجته إلى شيء يكون معه أنّي توجه «3» .
75- إبراهيم بن متمم بن نويرة:
ولا تهلكنّ النفس لوما وحسرة ... على الشيء سدّاه لغيرك قادره
ولا تيأسن من صالح أن تناله ... وإن كان شيئا بين أيد تبادره
وأنك لا تعطي أمرأ حظّ غيره ... ولا تمنع الشق الذي الغيث ناصره
76- صلى معروف خلف إمام، فلما انفتل قال له: من أين تأكل؟
قال: أصبر حتى أعيد ما صليت خلفك، قال: ولم؟ قال: لأن من شكّ في رزقه شك في خالقه.
77- أبو حازم: ما لم يكتب لي لو ركبت ذنب الريح ما أدركته.
78- التقى عبد الرحمن بن عوف وأبو ذر الغفاري، فقبل عبد الرحمن ما بين عيني أبي ذر لكثرة سجوده، وقبل أبو ذر يمين عبد الرحمن لكثرة صدقته. فلما افترقا بعث عبد الرحمن إليه ببدرة «4» ، وقال لغلامه:
إن قبلها منك فأنت حر. فأبى أن يقبلها، فقال الغلام: إقبل رحمك الله فإن في قبولها عتقي، فقال أبوذر: إن كان عتقك فيه ففيه رقي، ورده.
79- وجد مكتوبا على حائط مدني:
نعم الصديق صديق لا يكلفنا ... ذبح الفراخ ولا شيّ الفراريج(5/339)
يرضى بلونين من كشك ومن عدس ... فإن تشهى فزيتون بطسوج «1»
80- قال علي لعمر رضي الله عنهما: إن سرك أن تلحق بصاحبك فأقصر الأمل، وكل دون الشبع، وانكس الإزار، وارفع القميص، واخصف النعل، تلحق بهما.
81- أبو صالح: حدثت أبا زيد النحوي بقول ابن عباس: ما رضي الله الناس بشيء من أقسامهم كما رضّاهم بأوطانهم. فقال: بلى والله، وبأحسابهم، قلت: كيف؟ قال: تراه من عكل أو سلول أو محارب وهو يفاخر، وهو قوله تعالى: كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
«2» . وقد افتخر الحائك بحياكته فقال:
وما أنا خياط أخرق إصبعي ... ويشغلني التغضين عبد الطبائب
ولكنني ضرّاب حقة حائك ... ورام لسهم أسود الرأس صائب
وقال الأول:
كل امرىء في نفسه ... أعلى وأشرف من قرينه
82- وقال الجاحظ: إن الله تعالى إنما خالف بين طبائع الناس ليوفّق بينهم في مصالحهم، ولولا ذلك لاختاروا كلهم الملك والسياسة أو التجارة والفلاحة، وفي ذلك ذهاب المعاش وبطلان المصلحة. فكل صنف من الناس مزين لهم ما هم فيه، فالحائك إذا رأى من صاحبه تقصيرا أو خرقا قال: يا حجام، والحجام إذا رأى مثل ذلك من صاحبه قال: يا حائك:
فأراد الله تعالى أن يجعل الاختلاف سببا للائتلاف، فسبحانه من مدبّر.
وترى البدوي في بيت من قطعة كساء معمد بعظام الجيف مع كلبه،(5/340)
لباسه شملة من وبر أو شعر، ودواؤه بول الإبل، وطيبه القطران وبعر الظبي، وحلي امرأته الودع «1» ، وثماره المقل «2» ، وصيده اليربوع «3» ، في مفازة «4» لا يسمع فيها إلا تنئيم بومة وزقاء هامة «5» وعواء ذئب، وهو راض بذلك مفتخر به.
83- عمر بن أبي عمر النوفاني:
غلا السعر في بغداد من بعد رخصه ... وإني في الحالين بالله واثق
فلست أخاف الضيق والله واسع ... غناه ولا الحرمان والله رازق
84- التهستاني:
غني بلا دنيا عن الناس كلهم ... وإ الغنى إلا عن الشيء لا به
85- العمركي:
نظرت فلما لم أر الناس كالناس ... أمتّ رجائي واسترحت إلى الياس
86- الحارث النجراني:
صبرت النفس لا أه ... لع من حادثة الدهر
رأيت الرزق لا يك ... سب بالعرف ولا النكر
ولا بالعقل والدين ... ولا بالجاه والقدر
ولا بالسلف الأم ... ثل أهل الفضل والذكر
ولا بالسمر اللو ... ن ولا بالقضب البشر(5/341)
ولا يدرك بالطيش ... ولا الجهل ولا الهذر
ولكن قسم تجري ... بما ندري ولا ندري
87- قيل لعلي عليه السّلام: لو سدّ على رجل باب بيت وترك فيه من أين يأتيه رزقه؟ قال: من حيث يأتيه أجله.
- وعنه عليه السّلام: ولقد كان في رسول الله كاف لك في الأسوة، ودليل على ذم الدنيا وكثرة مساوئها، إذ قبضت عنه أطرافها، ووطئت لغيره أكنافها.
وإن شئت ثنّيت بموسى كليم الله إذ يقول: إني لما أنزلت إليّ من خير فقير. والله ما سأله إلا خبزا يأكله، لأنه كان يأكل بقلة الأرض. ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه، لهزاله وتشذب لحمه.
وإن شئت ثلّثت بداود صاحب المزامير وقارىء أهل الجنة، فقد كان يعمل سفائف الخوص بيده، ويقول لجلسائه: أيكم يكفيني بيعها؟ ويأكل قرص الشعير من ثمنها.
وإن شئت قلت في عيسى بن مريم، فلقد كان يتوسد الحجر، ويلبس الخشن، وكان إدامه الجوع، وسراجه بالليل القمر، وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم. ولم تكن له زوج تفتنه، ولا ولد يحزنه، ولا مال يلفته، ولا طمع يذله، دابته رجلاه، وخادمه يداه.
فتأسّ بنبيك، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها، وعلم أن الله أبغض شيئا فأبغضه، وصغر شيئا فصغره. ولو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبغض الله، وتعظيمنا ما صغر الله لكفى به شقاقا لله ومحادة عن أمره.
ولقد كان صلّى الله عليه وسلّم يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العري، ويردف خلفه.
ويكون الستر على باب بيته فيه التصاوير، فيقول: يا فلانة غيبيه عني، فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها. فأعرض عن الدنيا بقلبه،(5/342)
وأمات ذكرها عن نفسه، وأحب أن يغيب زينتها عن عينه. ولقد كان لك في رسول الله ما يدلك على مساوئها وعيوبها، إذ جاع فيها مع خاصته، وزويت عنه مع عظيم زلفته، فلينظر ناظر بعقله أأكرم الله محمدا بذلك أم أهانه؟ فإن قال أهانه، فقد كذب والعظيم، وإن قال أكرمه فليعلم أن الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له وزواها عن أقرب الناس إليه. خرج من الدنيا خميصا «1» ، وورد الآخرة سليما. ثم يضع حجرا على حجر، فما أعظم منّة الله عندنا حين أنعم به علينا سلفا نتبعه، وقائدا نطأ عقبه! والله لقد رقعت مدرعتي «2» هذه حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل:
ألا تنبذها؟ فقلت: أغرب عنّي، فعند الصباح يحمد القوم السّرى.
88- جاء فتح الموصلي إلى أهله بعد العتمة فلم يجد عندهم شيئا للعشاء وهم بغير سراج، فجلس ليله يبكي من الفرح، يقول: بأي يد كانت مني؟ بأي شيء يترك مثلي على هذه الحال؟.
89- لما لقى هرم أويسا قال: السلام عليك يا أويس بن عامر، قال: وعليك السلام يا هرم بن حيان. قال هرم: أما أني عرفتك بالصفة، فكيف عرفتني؟ قال: أرواح المؤمنين تشامّ كما تشامّ الخيل، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف. قال: أوصني، قال: عليك بالأسياف، يعني السواحل، قال: فمن أين المعاش؟ قال: أف، خالط الشك الموعظة، أتفرّ إلى الله بدينك وتتهمه في رزقك؟.
90- اليأس واقع والرجاء بلاقع.
91- منصور الفقيه:
الموت أسهل عندي ... بين القنا والأسنّة
والخيل تجري سراعا ... مقطعات الأعنّة(5/343)
من أن يكون لنذل ... عليّ فضل ومنّه
92- طلبت الرزق في مظانه «1» فأعياني رزقي إلا يوما بيوم.
93- عمر بن عبد العزيز في خطبته: أيها الناس، إنه من يقدر له رزق برأس جبل أو بخضيض أرض يأته، فاجملوا في الطلب.
94- وقّع ذو الرياستين «2» : أجمل في الطلب تكفك المقادير، ما هو كائن لك أتاك على ضعفك وما هو عليك لم تدفعه بقوتك.
95- أنشد ابن الأعرابي:
أبا مالك لا تسأل الناس والتمس ... بكفّيك رزق الله فالله أوسع
فلو تسأل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يملّوا ويمنعوا
96- أعرابي:
أتيأس أن يقارنك النجاح ... فأين الله والقدر المتاح
97- قال رجل لرسول الله صلوات الله عليه وسلامه: أوصني، فقال: عليك باليأس مما في أيدي الناس، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر.
98- إذا وجدت الشيء في السوق فلا تطلبه من صديق.
99- عبد الأعلى القاص: المؤمن ثوبه علقة، ومرقته سلقة، وسمكته شلقة، وخبزته فلقة.
100- قيل لأعرابية: من أين معاشكم؟ فقالت: لو لم نعش إلا من حيث نعلم لم نعش.
101- أعرابي: أحسن الأحوال حال يغبطك بها من دونك، ولا يحقرك بها من فوقك.(5/344)
102- المعري:
إذا كنت تبغي العيش فابغ توسطا ... فعند التناهي يقصر المتطاول
توفى البدور النقص وهي أهلة ... ويدركها النقصان وهي كوامل
103- أعرابي: استظهر على الدهر بخفة الظهر.
104- أصيب أعرابي ببعير لم يكن له غيره، فقال: يا رب اصنع ما شئت فإن رزقي عليك.
105- قيل لرابعة: ألا نكلّم السلطان يصلح منزلك؟ فقالت: والله إني لأستحي أن أسأل الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها؟.
106- حجت أعرابية على ناقة لها، فقيل لها: أين زادك؟ فقالت:
ما معي إلا ما في ضرعها.
107- قال رجل لابن سيرين: ما فعلت بغلتك؟ قال: بعتها، قال: ولم؟ قال: لمؤونتها، قال: أفتراها خلقت ورزقها عندك؟.
108- النبي صلّى الله عليه وسلّم: لو أنكم توكلون على الله حق توكّله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا «1» .
109- خالد بن صفوان: كن أحسن ما تكون في الظاهر حالا أقل ما تكون في الباطن مالا، فإن الكريم من كرمت عند الحاجة خلته، والليئم من لؤمت عند الفاقة طعمته.
110- دخل رجل على خالد بن عبد الله القسري، فقال: أيها الأمير، أكلمك بجرأة اليأس أم بهيبة الأمل؟ فقال: بل بهيبة الأمل، فأكرمه وقضى حاجته.
111- هشام بن إبراهيم البصري:(5/345)
وكم ملك جانبته عن كراهة ... لإغلاق باب أو لتشديد حاجب
ولي في غنى نفسي مراد ومذهب ... إذا انصرفت عني وجوه المذاهب
112- ليس ينبغي للمرء أن يكون في دنياه إلا كالمدعو إلى وليمة، إن أتته صحفة تناولها، وإن فاتته لم يرصدها ولم يطلبها.
113- محمد بن وهيب:
أجارتنا إن القداح كواذب ... وأكثر أسباب النجاح مع اليأس
114- آخر:
رخي البال ليس له عيال ... خلي من حربت ومن دهيت
وأكبر همه مما عليه ... تذابح من ترى خلق وقوت
115- آخر:
قطعي يدي بيدي أخف عليّ من ... مدي إلى نكد لأخذ يد يدا
غضب الإله عليّ إن أك راضيا ... ليدي بأن تمتاح من يده يدا «1»
116- عثمان بن عفان رضي الله عنه:
غنى النفس يغني النفس حتى يكفها ... وإن مسها حتى يضر بها الفقر
وما عسرة فاصبر لها إن لقيتها ... بكائنة إلا سيتبعها يسر
117- قال أبو نيزر وهو من أبناء ملوك العجم، رغب في الإسلام وهو صغير، فأتى رسول الله فأسلم، وكان معه، فلما توفي رسول الله صار مع فاطمة وولدها: جاءني علي عليه السّلام، وأنا أقوم بالضيعتين عين أبي نيزر والبغيبغة «2» ، فقال: هل عندك من طعام؟ قلت: طعام لا أرضاه لك،(5/346)
قرع من قرع الضيعة صنعته بإهالة سنخة. فقال عليّ به. فقام إلى الربيع فغسل يده ثم أصاب منه شيئا، ثم رجع إلى الربيع فغسل يده بالرمل، ثم ضمّ يديه فشرب بهما حسى من الماء وقال: يا نيزر: إن الأكف أنظف من الآنية، ثم مسح ندى الماء على بطنه، ثم قال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله.
ثم أخذ المعول فجعل يضرب بالمعول في العين، فأبطأ عليه الماء، فخرج وجبينه ينضح عرقا وهو ينشفه بيده. ثم عاد فأقبل يضرب فيها وهو يهمهم، فانثالت كأنها عنق جزور. فخرج مسرعا وقال: أشهد أنها صدقة. علي بدواة وصحيفة، فكتب: هذا ما تصدق به عبد الله علي أمير المؤمنين، تصدق بالضيعتين المعروفتين بعين أبي نيزر والبغيبغة على أهل المدينة وابن السبيل، ليقي الله وجهه حر النار يوم القيامة، لا تباعان ولا ترهنان حتى يرثهما الله وهو خير الوارثين. إلا أن يحتاج الحسن والحسين فهما طلق لهما، وليسا لأحد غيرهما.
فركب الحسن دين فحمل إليه معاوية بعين نيزر مائتي ألف دينار، فقال: إنما تصدق بها أبي ليقي الله بها وجهه حر النار، ولست بائعها بشيء.
118- قارف الزهري ذنبا فساح، فلقيه علي بن الحسين، فقال: يا زهري لقنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أعظم من ذنبك، فقال الزهري: الله أعلم حيث يجعل رسالاته.(5/347)
الباب الثاني والتسعون الخيل، والبغال، والحمير، وذكر الفروسية، وما اتصل بذلك
1- النبي صلّى الله عليه وسلّم: عليكم بإناث الخيل، فإن ظهورها حرز، وبطونها كنز.
2- قيل للنبي صلّى الله عليه وسلّم: أي المال خير؟ قال: سكة مأبورة، ومهرة مأمورة.
- وعنه عليه الصلاة والسلام: لا تقصوا نواصي الخيل ولا معارفها ولا أذنابها، فإن معارفها أدفاؤها، وأذنابها مذابها، والخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة.
3- جرير بن عبد الله البجلي: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلوي ناصية فرس بإصبعه وهو يقول: الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة.
- وعنه: الخيل ثلاثة أجر وستر ووزر، فأمّا الذي له الأجر فرجل حبس خيلا في سبيل الله فما سنت له شرفا إلا كان له أجر. ورجل استعف بها وركبها ولم ينس حق الله فيها فذلك الذي له ستر. ورجل حبس خيلا فخرا ونواء على أهل الإسلام فذلك الذي عليه الوزر.
- وعنه في صفة البراق «1» : يضع حافره منتهى طرفه.(5/349)
4- أعرابي في وصف فرسه: ما طلبت عليها إلا لحقت، وما طلبت إلا فت.
5- أرسل بعض الأمراء ابن عم له، وكان صاحب قنص، إلى الشام يشتري له خيلا، فقال: لا علم لي بها. فقال: كل شيء تستحسنه في الكلب فاشترطه في الفرس. فقدم بخيل لم يكن في العرب مثلها.
6- إذا بلغ الفارس المنزل لم يكن له هم إلا التمدد، وقود الفرس، والاستراحة من اللغوب «1» . وترى التركي إذا عاين في ذلك الوقت بعض الصيد ابتدأ الركض بمثل نشاطه الأول قبل السير.
7- ورث سليمان عليه السّلام عن أبيه ألف فرس، فاستعرض تسعمائة منها فشغلته عن ذكر الله تعالى، فمسح بالسوق والأعناق، وبقيت مائة. ثم أن وفدا من أهل مصر قدموا عليه، فلمّا رجعوا طلبوا زادا يبلغهم بلادهم، فأعطاهم فرسا، وقال هذا زادكم، وهو مصيب لكم من الصيد في كل منزل ما يكفيكم، فكانوا لا ينزلون منزلا إلا حملوا عليه واحدا، فيصيد لهم كل صيد أرادوه، فسموه زاد الركب. ومنه أصل كل فرس عربي.
8- لم يكن فرس مثل شبذير كسرى أبرويز في زمانه عظم خلق، وكرم خلق، وجمعا لشرائط العنق. ولما نفق «2» لم يركب إلّا الفيل، وكان هذا الفرس من خصائص أبرويز. وما قدروا أن ينعوه إليه، فسألوا فلهبذ المغني أن يعرض به، فغنى بشيء معناه: شبذير لا يسعى ولا يرعى ولا ينام، فقال: قد مات إذن. فقال فلهبذ: من الملك سمعت.
وكان أشقر مروان يشبه به، واشتراه مروان بثلاثمائة ألف درهم، وصار(5/350)
إلى السفاح بعده. وهرم وتحطّم، فكان لكرامته عليهم يحمل في محفّة «1» عاج وينقل من مرج إلى مرج.
9- ساير عبد الحميد مروان، فقال له: طالت صحبة هذه الدابة لك. فقال: من بركة الدابة طول صحبتها وقلة علتها، قال: كيف سيرها؟ قال: همها أمامها، وسوطها عنانها، وما ضربت قط إلا ظلما.
10- أراد علي بن هشام مسايرة شبيب بن شيبة، فقال: كيف لي بها وأنا على برذون إن تركته وقف، وإن ضربته قطف «2» ، وأنت على فرس إن تركته سار وإن ضربته طار؟ فحمله على فرس عتيق.
11- أسامة بن سفيان البجلي:
أمست بأكناف ذي قار مخيمة ... وأنت في جحفل يهدى إلى الشام
يخرجن من مستطير النقع دامية ... كأنّ آذانها أطراف أقلام
12- كتب الأخفش سعيد بن مسعدة النحوي إلى المعذل بن غيلان:
أردت الركوب إلى حاجة ... فمر لي بفاعلة من دببت
فأجابه:
بريذننا يا أخي غامز ... فأنعم وكن فاعلا من عذرت «3»
13- لما غلب المختار بن عبيد الله على الكوفة وقع بينه وبين عدي ابن حاتم، فهمّ عدي بالخروج عليه، ثم عجز لكبر سنه، وقد بلغ مائة وعشرين سنة، فقال:(5/351)
أصبحت لا أنفع الصديق ولا ... أملك ضرا للشانىء الشرس «1»
وإن جرى بي الجواد منطلقا ... لم تلمك الكف رجعة الفرس
14- عمرو بن الأسلع:
أتتك كأنها عقبان دجن ... تجاذب في جناجرها اليراع «2»
15- عمرو بن معاوية بن المنتفق فارس مشهور من بني عامر قلده معاوية أرمينية وأذربيجان والأهواز «3» :
إني امرؤ للخيل عندي مزية ... على فارس البرذون أو فارس البغل
وإني على هول الجنان لنازل ... منازل لم ينزل بها نازل قبلي
16- عن بعض الراضة: إنما يجمح البرذون ليصرع راكبه فقط، ألا ترى أنه إذا رمى به وقف؟ إلا برذونا واحدا فإني رأيته شد عليه بعد أن ألقاه يكدمه ويرمحه «4» . وكان الناس يشدون عليه فيتنحى عنه ويشد عليهم، فإذا جفلوا من بين يديه رجع إليه يكدمه ويرمحه.
17- شك عمر رضي الله عنه في العتاق «5» والهجن «6» ، فدعا سليمان ابن ربيعة الباهلي بطست فيه ماء، ثم قدمت الخيل فما ثنى سنبكه فشرب هجنه. وما شرب ولم يثن سنبكه عربه، وذلك أن العتاق قود دون الهجن.
18- النبي صلّى الله عليه وسلّم: ارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها وأعجازها، وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار.(5/352)
19- أبو هريرة رفعه: إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر، فإن الله سخرها لكم لتبلغكم بلدا لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنقس، وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجاتكم.
20- وقف الهيثم بن المطهر على باب الخيزران «1» على دابته، فبعث إليه الكاتب في دارها: إنزل عن ظهر دابتك، فقد جاء في الأثر: لا تجعلوا ظهور دوابكم مجالس، فبعث إليه: إني رجل أعرج وإن خرج صاحبي خفت أن لا أدركه. فبعث إليه: إن لم تنزل أنزلناك. قال: هو حبيس أن أنزلتني عنه أقضمه شهرا، فانظر أيهما خير له تعب ساعة أو جوع شهر؟ قال: هذا شيطان فاتركوه.
21- نظر ابن سيابة إلى مبارك التركي على دابة، فرفع رأسه إلى السماء وقال: يا رب، هذا حمار وله دابة، وأنا إنسان وليس لي حمار!.
22- وأنشد أبو محلم لنفسه:
ما يصنع الليل والنهار ... ما للفتى منهما انتصار
من لم يؤدبه والداه ... أدبه الليل والنهار
كم من حمار له جواد ... وسيد ما له حمار
23- الفرس لا يحب الماء الصافي فلا يضرب بيديه كما يضرب بهما(5/353)
عند الكدر فرحا به، لأنه يرى فيه شخصه فيفزعه ولا يراه في الكدر، كما أن الإبل لا يعجبها إلا الماء الغليظ. وأما الثور فيجب الماء الصافي.
24- كان يقال لعبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب روّاض البغال، لأنه كان ركابا لها. قال له صفوان بن عمرو بن الأهتم: مالك ولهذا المركب الذي لا يدرك عليه الثأر، ولا ينجيك يوم الفرار؟ فقال: إنه نزل عن خيلاء الخيل، وارتفع عن ذلة العير، «1» وخير الأمور أوساطها. فقال صفوان: إنا نعلمكم فإذا علمتم تعلمنا منكم.
25- بعضهم: إذا اشتريت بغلة فاشترها طويلة العنق ثجدة في نجابها، مشرفة الهادي تجده في طاعتها، مجفرة الجوف تجده في صبرها.
26- رأيتك على عير لئيم، ثم رأيتك قد أدمت ركوب هذه البغلة.
فقال: البغال أعدل، وسيرها أقصد.
27- كانت لابن سيرين بغلتان، بغلة لخاصة نفسه وبغلة للعارية.
28- الهدايا النفسية والطرف العجيبة التي أهدتها بلقيس إلى سليمان عليه السّلام إنما كانت على البغال الشهب.
29- نظر أعرابي إلى بغل قد تفاج «2» ليبول فاستحثه صاحبه، فقال:
إنها إحدى الغوائل قطع الله منك الوتين «3» .
30- ابن خازم الباهلي:
مالي رأيتك لا تدو ... م على المودة للرجال
خلق جديد كل يو ... م مثل أخلاق البغال(5/354)
- وله:
ومتى اختبرت أبا العلاء وجدته ... متلوّنا كتلون البغل
31- كان خالد بن عثمان بن عفان بالسقيا، فقال: هذا يوم الجمعة، لم لا أجمع «1» مع أمير المؤمنين؟ إنها للسوءة السوآء. فركب بغلة له لا تساير فسار تسعين ميلا، فأتى المدينة وقت الصلاة فخر ميتا، ونفقت البغلة.
32- حمل زيد الضبي البردخت الشاعر على بغل فصرعه فقال:
أقول للبغل لما كاد يقتلني ... لا بارك الله في زيد وما وهبا
أعطاني الحتف لما جئت أسأله ... وأمسك الفضة البيضاء والذهبا
33- الجاحظ: كان بعض الراضة يكوم «2» بغلة، فأدغم عليها ذات يوم فتأخرت حتى أسندته إلى زواية وضغطته حتى مات.
34- وجه المأمون ثمامة ليتعرف على أخبار البريد فقال: رأيت بغلا على معلف وهو يقرأ. وما دابة في الأرض إلى على الله رزقها، وآخر قد عدا على رجل عليه طيلسان أخضر ظن أنه حزمه من علف فطرحه فوقف يشمه، وآخر يغني بقوله:
ولقد أبيت على الطوى وأظله ... كيما أنال به كريم المأكل «3»
35- بعض أهل العراق: كنت عند قاضي مصر فسمعته يقول لبعض جلسائه: أريد بغلة أصيب منها، فقلت: هو أمجن الناس! يتكلم بنحو هذا وهو قاضي المسلمين! فقيل لي: عافاك الله! ما منّا أحد إلا وعنده بغلات يصيب منهن. فزدت إنكارا حتى فسر لي أن البغلات جوار من رقيق(5/355)
مصر، نتاج ما بين الصقالبة «1» وجنس آخر، لهن أبدان ودثارة وجدارة.
36- كان لعكرمة بن ربعي الفياض بغل يؤثره على كل مركوب، وله فيه:
لم أر شيئا بين شيئين مثله ... أشد انتزاعا للتشابه في الأصل
تقسمه أطرافه فاستوى له ... بقسمة عدل من يدي حكم عدل
37- قال أهل التجربة: ليس في جميع الحيوان الذي يعايش الناس أطول عمرا من البغل، ولا أقصر عمرا من العصفور، لكثرة سفاد «2» العصفور وقلة ذلك من البغل.
قالوا: ولذلك وجدنا طول الأعمار في الرهبان وأصحاب الصوامع وفي الخصيان.
38- ابن عباس: نهى رسول الله أن ننزي حمارا على فرس، ونهانا أن نأكل الصدقة، وأمرنا أن نسبغ الوضوء.
39- أبو هريرة: إن رسول الله كان يسمي الأنثى من الخيل فرسا.
40- قيل لوهرز الفارسي حين أراد رمي مسروق بن أبرهة الأشرم:
وقد نزل عن الفيل وركب الفرس، فقال: دعوه فإنه على مركب من مراكب الفرسان، فأطال الوقوف حتى ملّ ظهر دابته فأتوه ببغل فركبه، فقيل لوهرز:
نزل عن الفرس وركب البغل، فقال: نزل عن مراكب الملوك ومعاقل الفرسان ثم ركب البغل ابن الحمار.
41- شاعر:
وإني إذا ما المرء آثر بغله ... على نفسه آثرت نفسي على بغلي
وأبذله للمستعيرين ظهره ... بلا علة ما دام ينقاد في الحبل(5/356)
42- الفرس يشم رائحة الحجر «1» من مسافة ميل فيقلق في مكانه ويحمحم، ويقف عن القضم وقد خبط بيده آنفا وحمحم إلى ناسفه.
43- بغلة أبي دلامة مثل في كثرة العيوب، وفيها يقول:
وتفزع من صقاع الديك شهرا ... وتنفر للصفير وللخيال
إذا استعجلتها عثرت وبالت ... وقامت ساعة عند المبال
شفّار تقدم كل سرج ... تصيّر دفتيه على القذال
وتضرط أربعين إذا وقفنا ... على أهل المجالس للسؤال
فتقطع منطقي وتحول بيني ... وبين حديثهم مما توالي
وألف عصا وسوط أصبحي ... ألذّ لها من الماء الزلال
وكانت قارحا أيام كسرى ... وتذكر تبعا عند الفصال «2»
وتذكر إذ نشا بهرام جور ... وذو الأكتاف في الحقب الأوالي «3»
44- أبو قموص كنية البغل. وقدّم بغل إلى أعرابية لتركبه فقالت:
أبو قموص لعله شحدود أو حبوص، أو كما يكنى به قموص.
45- الشحدود: السيء الخلق بالدال غير المعجمة، والحبوص الشديد العدو.
46- تساير مروان بن أبي حفصة وعباد بن شبل الصنعاني على بغليتهما وكانت بينهما صداقة، فقال ابن شبل في بغلة مروان:
أرى الشهباء تخبز إذ غدونا ... برجليها وتعجن باليدين
فقال مروان:(5/357)
أرى خلق القطاة فازدريها ... ويملأ منظر الشهباء عيني
وقال أيضا:
لعمر أبيك لو غير ابن شبل ... هجا الشهباء قطّعه الهجاء
ولكن عرضه عندي وعرضي ... إذا ميلّت بينهما سواء
47- في رسالة عبيد الله بن سليمان بن وهب: رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا سفيان مقبلا على حمار ومعه ابنه (معاوية) يقوده ويزيد يسوقه: لعن الله الراكب والقائد والسائق.
48- عبد الحميد الكاتب: لا تركب الحمار، فإنه إن كان فارها «1» أتعب يدك، وإن كان بليدا أتعب رجلك.
49- فضل الرقاشي: نظر يوما إلى حمار فاره تحت ابن قتيبة، فقال: قعدة نبي وبذلة جبار.
50- كان عيسى عليه السّلام يسيح في الأرض، فقيل له: لو اتخذت حمارا. فقال: أنا أكرم على الله من أن يبتليني بحمار.
51- العير عار لا يركبه إلا عيار.
52- ما ينبغي لمركب الدجال أن يكون مركب الرجال. يقولون إن الحمار مطية الدجال.
53- المصنّف:
فإن الحمار ومن فوقه ... حماران شرّهما الراكب
54- حمار عثرة نخرة، تبوع للحجرة، أي كثير العثار والتحير.
55- قال ابن مكرم لنخاس: أريد أن تبتاع لي عيرا ليس بالصغير المحتقر، ولا بالكبير المشتهر. إن خلا الطريق تدفق، وإن كثر الزحام(5/358)
ترفق، يصر إذا ركبته بأذنيه، ويلعب بيديه، ويمرح برجليه إن استنهضته هام، وإن استوقفته قام، وإن أقللت علفه صبر وإن أكثرته شكر. فقال اصبر قليلا فإن مسخ القاضي حمارا اشتريته.
56- قال موسى للخضر: أي الدواب أحب إليك؟ قال الفرس والحمار والبعير، لأن الفرس مركب أولي العزم من الرسل، والبعير مركب هود وصالح وشعيب ومحمد، والحمار مركب عيسى وعزير. وكيف لا أحب شيئا أحياه الله بعد موته قبل الحشر.
57- تمنّع الحمار لعسره ونكده أن يدخل السفينة، وإبليس لعنه الله آخذ بذنبه، فقال نوح عليه السّلام: أدخل يا ملعون، فدخل ودخل معه إبليس، فقال نوح: ما أدخلك؟ قال أمرتني، قال: ومتى أمرتك؟ قال: حين قلت أدخل يا ملعون، ولم يكن ثم ملعون غيري.
58- عير أبي سيارة مثل في القوة والصحة، وهو حمار أسود أجاز عليه الناس من منى إلى المزدلفة أربعين سنة.
وكان خالد بن صفوان والفضل بن عيسى الرقاشي يختاران ركوب الحمار، ويجعلان أبا سيارة قدوة لهما وحجة.
وقيل للفضل: لم تركبه؟ فقال: لأنه أقل الدواب مؤونة، وأكثرها معونة، وأسلمها جماحا، وأخفضها مهوى، وأقربها مرتقى، يزهى راكبه وقد تواضع، ويدعى مقتصدا وقد أسرف في ثمنه، ولو شاء أبو سيار لركب جملا مهريا «1» ، أو فرسا عربيا، ولكنه امتطى عيرا أربعين سنة.
59- وقال خالد: عير من نسل الكداد، أصحر السربال، محملج القوائم، مفتول الأجلاد، يحمل الرجلة، ويبلغ العقبة، يقل داؤه،(5/359)
ويمنعني أن أكون جبارا، ولولا ما في الحمار من المنافع لما امتطاه أبو سيارة أربعين سنة.
فعارضهما أعرابي فقال: الحمار إن أوقفته أدلى «1» ، وإن تركته ولّى، كثير الروث، قليل الغوث، سريع إلى الفرارة، بطيء في الغارة، لا ترقأ به الدماء، ولا تمهر به النساء، ولا يحلب في الأناء.
60- وحمار طيّاب مثل في الضعف والهزال، وكان طياب سقاء، قد استقى عليه زمانا طويلا، وكان في جوار أبي علالة المخزومي، فتولّع به في شعره، وله فيه:
يا سائلي عن حمار طيّاب ... ذاك حمار حليف أوصاب
كأنه والذباب تأخذه ... من وجه تيغار دوشاب
61- وحمار القصار مثل في سوء الحال، يقال: كان يوم فلان كيوم حمار القصار، إن جاع شرب وإن عطش شرب.
62- حمير مصر لا تخرج البلاد أمثالها، وكان الخلفاء لا يركبون غيرها في دورهم وبساتينهم. وكان المتوكل يصعد في منارة سرّ من رأى «2» على حمار مريسي، ومريس قرية من قرى مصر، وطول المنارة تسع وتسعون ذراعا.
63- حكيم: خذ من الحمار شكره وصبره، ومن الكلب نصحه لأهله، ومن الغراب كتمانه للسفاد.
64- رأى عبادة تحت مخارق «3» برذونا يقرمط، فقال: برذونك هذا يمشي على استحياء.(5/360)
65- الأقيشر في حماره:
إذا ما انتحي في لجة الماء لم ترم ... قوائمه حتى يؤخر بالحمل
وإن بلغ الضحضاح فحّج بائلا ... صبورا على ضرب الهراوة والركل «1»
66- وآخر:
أيا منزلي مالي عليك كرامة ... إذا أنت لم تكرم عليّ جوادي
67- أبو المهوش الأسدي:
نجى إيادا ولخما كل سلهبة ... واستلحم الموت أصحاب البراذين «2»
68- عداوة الحمار للغراب مثل، قال:
عاديتنا لا زلت في قباب ... عداوة الحمار للغراب
69- يزيد بن مسلمة بن عبد الملك:
عودته فيما أزور حبائبي ... إهماله وكذاك كل مخاطر
فإذا احتبى قربوسه بعنانه ... علك الشكيم إلى انصراف الزائر «3»(5/361)
70- شاعر:
جرى والجياد فلما جرى ... حثا في وجوه الجياد الثرى
71- روث الحمار إذا عصر وهو حار وشرب ماؤه نفع من الحصاة، وهو دواء للضرس المأكول.
72- وقيل لميسرة الفراس وهو أحد الأكلة: كيف تصنع إذا جهدتك الكظة والعرب تقول: إذا كنت بطنا فعدك زمنا؟ قال: آخذ روثا حارا وأعصره وأشرب ماؤه، فأختلف عليه مرارا، فلا ألبث أن يلصق بطني بصلبي، وأشتهي الطعام.
73- زياد بن وهب في صفة الفرس:
شديد الفقار طويل العذار ... أمين الشظا لا يخاف العثارا
بعيد مداه كما أمرّت قواه ... إذا السوط أفزعه قلت طارا
مبين له السبق عند الرهان ... في الحرب ترزق منه الوقارا
74- كان لغني فرس مشهور يعرف بالضاري. قال أبو عبيدة: هو الضاري بن الأوج بن الدينار بن هجنس بن زاد الراكب. فلما نفق «1» نعته عجوز من بني عامر إلى نسائهم، وقالت: أربعن يا نساء بني عامر فقد رزئتنّ غرة من غرر المجد، ألا إن الضاري قد نفق. فما بقيت امرأة من نساء بني عامر إلا كسرت رباعتها «2» عليه. وفيه قيل:
غداة صبّحنا بطرف أعوجي ... من نسب الضاريّ ضاريّ غني
75- كان لعمر بن عبد العزيز برذون يحتطب عليه ويستقي، وكان يركبه.
76- جاءت فرس لهشام سابقة فسأل الشعراء أن يقولوا فيها(5/362)
فاستمهلوا، فقال أبو النجم: هل لك فيمن ينقذك إذ استنسؤوك، قال:
هات، فقال:
أشاع للطراد فيه ذكرها ... قوائم عوج أطعن أمرها
مليونة شد المليك أسرها ... أسفلها وبطنها وظهرها
يكاد هاديها ... يكون شطرها
فأمر له بجائزة سنية.
77- كان يزيد بن عبد الملك وهو يزيد الناقص «1» مغرما بالخيل، فبلغه عن فرس لرجل من عبد القيس فراهة واستيلاء في الحلب على القصب، فوجه إليه من يشتريه له، فقال: لا أبيعه إلا بحكمي، فبذلوا له عشرة آلاف دينار. فقال: لو أعطيتموني بوزن الفرس مائة مرة دنانير ما بعته إلا بحكمي. قالوا: فما حكمك؟ قال: ترك لعن علي بن أبي طالب.
فكتب يزيد إلى الآفاق بذلك وأخذ الفرس. فترك لعنه إلى اليوم.
78- عبد الله بن عمران بن أبي فروة: كنت أسير مع الغمر بن يزيد، فاستنشدني فأنشدته لعمر ابن أبي ربيعة: ودع لبابة قبل أن تترحّلا «2» . فأمر غلامه فحملني على بغلة فلما أراد غلامه أن يأخذها قلت: هو(5/363)
أشرف من أن يحملني على بغلة ثم يأخذها. فقال له: دعها، ذهبت لبابة والله ببغلة مولاك.
79- سوبق بين الخيل فجاء فرس من بني جعدة متقدّما، فارتجز الجعدي يقول:
غاية مجد رفعت فمن لها ... نحن حويناها فكنا أهلها
لو ترسل الطير ... لجئنا قبلها
فلم ينشب «1» أن سبقه فرس ابن طلحة فقال عمر بن عبد العزيز للجعدي: سبقك والله ابن السباق إلى الخيرات.
80- عثر بالعباس بن محمد بن علي فرسه فمات، فقيل: قتل الجواد الجواد «2» .
81- قال محمد بن سليمان بن علي لبشار: ما حسبك عنا؟ قال:
ركبت حماري فسقط ميّتا في الطريق، فلم أعرف سبب موته حتى رأيته البارحة في المنام فسألته، فقال لي:
سيدي خذ بي أتانا ... عند باب الأصبهاني
سحرتني برقاها ... وثناياها الحسان
وبخدين أسيلي ... ن وجيد الشيفران
ولها إذن ذراع ... بذراع الشاهمان
فبها مت ولو عش ... ت بها طال هواني(5/364)
فضحك محمد وقال: وما الشيفران يا أبا معاذ؟ قال: ومن يدري غريب الحمار؟ فأمر له بحمار فاره «1» .
82- أنس: ركب عمر رضي الله عنه برذونا فهزه، فنزل عنه وقال:
ما يصلح هذا إلا أن يذهب عليه صاحبه إلى الغائط.
83- شاعر:
............... ......... ... إيجاف كلّ منير الوجه بسام «2»
يخرجن من مستطير النقع دامية ... كأن آذانها أطراف أقلام «3»(5/365)
الباب الثالث والتسعون الابل، والبقر، والغنم، وما يتصل بها وينسب إليها
1- عبد الله بن جعفر رضي الله عنه: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حائطا لرجل من الأنصار، فإذا جمل، فلما رأى رسول الله جن وذرفت عيناه، فأتاه فمسح ذفريه فسكت، فقال: لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه.
2- سهل بن الحنظلية: مر رسول الله ببعير قد لصق ظهره ببطنه «1» ، فقال: اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة وكلوها صالحة.
3- أبو هريرة رفعه: تكون إبل للشياطين وبيوت للشياطين، فأما إبل الشياطين فقد رأيتها يخرج أحدكم بنجيبات «2» معه قد أسمنها فلا يعلو بعيرا منها ويمر بأخيه قد انقطع به فلا يحمله. وأمّا بيوت الشياطين فلم أرها.
كان سعيد بن هند يقول: ما أراها إلا هذه الأقفاص التي تستر بالديباج.(5/367)
4- ما خلق الله خيرا من الإبل، إن حملت أثقلت، وإن سارت أبعدت، وإن حلبت أروت، وإن نحرت أشبعت.
5- قيل لأعرابي: ما الناقة القرداح؟ قال: التي كأنها تمشي على أرماح. يريد طول القوائم.
6- أهدى الرعيل بن الكلب ناقة لهشام بن عبد الملك فلم يقبلها.
فقال: يا أمير المؤمنين، أرددت ناقتي وهي هلواع، مرياع، مرباع، مقراع، مسياع، ميساع، حلبانة ركبانة. فضحك وقبلها وأمر له بألف درهم.
7- المرياع: التي تقدم الإبل ثم تعود. والمرباع التي تعجل اللقاح، والمقراع: التي تلقح أول ما يقرعها الفحل. والمسياع: السمينة من السياع، قال القطامي:
فلما أن جرى سمن عليها ... كما بطنت بالفدن السباعا
والهلواع: الخفيفة. والمسياع: الواسعة الخطو.
8- دجاجة بن ذروة الضبي جاهلي:
إبلي بحمد الله ضامنة القرى ... إذا طرقتها بالعشي الطوارق «1»
محبسة لابن السبيل تنوبها ... حقوق وتبريها السنون العوارق
9- الجمل يجب في المجهدة سنامة، والكبش تقطع إليته، وهما يصبران.
10- الغنوي: إذا تصوب المرزم «2» أرسلت الفحول في النعم، فضربت في خيار الإبل ومتعطراتها، وهي التي تتحسن للفحل بنقيها وحسن حالها.(5/368)
11- عطاء رفعه: الغنم بركة موضوعة: والإبل جمال لأهلها.
12- قيل لبنت الخس «1» : ما تقولين في مائة من المعز؟ قالت:
قنى. قيل: ففي مائة من الضأن؟ قالت: غنى. قيل: ففي مائة من الإبل؟ قالت: منى.
13- بعض القصاص: مما أكرم الله به الكبش أن خلقه مستور العورة من قبل ومن دبر، ومما أهان به التيس أن جعله مهتوك الستر مكشوف القبل والدبر.
14- النبي صلّى الله عليه وسلّم: إمسحوا رغام الشاء، ونقوا مرابضها من الشوك والحجارة، فإنه ما من مسلم له شاة إلا قدس كل يوم مرة، فإن كانت له شاتان قدس كل يوم مرتين.
15- أكل أبو الدرداء طعاما دعاه إليه رجل من أصحابه، ثم قال:
الحمد لله الذي أطعمنا الخمير وألبسنا الحبير بعد الأسودين الماء والتمر.
ورأى عنده ضانية فقال: أطب مراحها، واغسل رغامها، فإنها من دواب الجنة، وهي صفوة الله من البهائم.
16- يقال: أقفط «2» من تيس بني حمان. ومن تكذبهم أنه قفط(5/369)
سبعين عنزا بعد ما فريت «1» أوداجه «2» . قال الفرزدق:
لعمرك ما تدري فوارس منقر ... أفي الأست أم في الرأس تلقي الشكائم «3»
وألهى بني حمان عسب عتودهم ... عن المجد حتى أحرزته الأكارم «4»
17- وفي ديوان المنثور «5» : هم أفخر به من بني تميم بقوسها، ومن بني حمان بتيسها.
18- تقول العرب: قالت الضانية: أولا رخالا، وأجز جفالا، واحلب كثبا عجالا، ولم تر مثلي مالا.
19- أبو سعيد الخدري: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضحي بكبش أملح أقرن فحيل. ينظر في سواد ويأكل في سواد ويمشي في سواد.
20- الضأن تلد في السنة مرة، وتفرد ولا تتئم. والمعز تلد مرتين، وتضع الثلاث وأكثر. والنماء والبركة في الضأن. والخنزيرة ربما ولدت عشرين خنوصا ولا نساء فيها.
21- يقال في المدح هو كبش من الكباش، وفي الذم هو تيس من التيوس.(5/370)
22- إسحاق بن حسان في الثور:
وأغلب فضفاض جلد اللبان ... يدافع غبغبه بالوظيف «1»
23- شاة سعيد مثل في الهزال، وهي شاة أهداها سعيد بن أحمد إلى الحمدوني، فنثر فيها كنانته «2» ، منها قوله:
يقول لي الأخوان حين طبختها ... أتطبخ شطرنجا عظاما باللّحم
وكذلك شاة منيع، وهي شاة جار لمحمد بن بشير عبثت ببستان له في منزله، فوصفها بجميع أوصاف الرداءة.
24- أبو أيوب كنية الجمل، كني بذلك لصبره على البلاء. قال ابن الرومي في أبي أيوب سليمان بن عبد الله بن طاهر وكان قد مدحه فلم يجزه:
يا أبا أيوب هذي كنية ... من كنى الأنعام قدما لم تزل
ولقد وفق من كناكها ... وأصاب الحق فيها وعدل
أنت شبه للذي تكنى به ... ولبعض الخلق من بعض مثل
قد قضى قول لبيد بيننا ... إنما يجزى الفتى ليس الجمل
25- عمر بن نصر القصافي التميمي:
خوص نواج إذا صاح الحداة بها ... رأيت أرجلها قدام أيديها
26- قال دعبل: قال القصافي الشعر ستين سنة فلم يعرف له إلا هذا البيت.
27- الجاموس أجزع خلق الله من عض جرجسة وبعوضة، وأشده(5/371)
هربا منها إلى الماء، وهو يمشي إلى الأسد رضي البال، رابط الجأش، ثابت الجنان «1» .
28- علي عليه السّلام: إنما مثلي ومثل عثمان كمثل أثوار كن في غيضة «2» ، أسود وأحمر وأبيض ومعهن أسد، فكان إذا أراد واحدا منهن اجتمعن عليه فلم يطقهن. فقال للأسود والأحمر: إن هذا الأبيض يفضحنا في غيضتنا بياضه فخلّيا عني آكله، ففعلا، فلم يلبث أن قال للأسود: إن هذا الأحمر يفضحنا فلو خليتني آكله، فخلاه. ثم قال للأسود: إني آكلك، قال: خلني أصوّت ثلاثة أصوات، فصاح ثلاثا: ألا إنما أكلت يوم أكل الأبيض. ألا إنما دهيت يوم قتل عثمان.
29- كان لأبي الدرداء جمل اسمه دمون، فكان إذا أعاره لأحد قال:
لا تحملوا على جملي إلا كذا فإنما يطيق ذلك، فلما حان قال: لا تحملوا على جملي إلا كذا فإنما يطيق ذلك. فلما حان ما تطيق.(5/372)
الباب الرابع والتسعون الوحوش من السباع وغيرها، وذكر أحوالها، وما يصطاد منها ويتألف، وما أشبه ذلك
1- لما تلا رسول الله وَالنَّجْمِ إِذا هَوى
«1» قال عتبة بن أبي لهب: كفرت برب النجم. فقال صلّى الله عليه وسلّم: سلّط الله عليك كلبا من كلابه.
فخرج مع أصحابه في عير إلى الشام، حتى إذا كانوا بمكان يقال له الزرقاء زأر الأسد، فجعلت فرائصه ترعد، فقالوا: من أي شيء ترعد فرائصك؟
فو الله ما نحن وأنت إلا سواء، فقال لهم: إن محمدا دعا علي، ولا والله ما أظلت السماء من ذي لهجة أصدق من محمد. ثم وضعوا العشاء فلم يدخل يده فيه، ثم جاء النوم فحاطوا أنفسهم بمتاعهم ووسطوه بينهم وناموا. فجاء الأسد يهمس يستنشي رؤوسهم رجلا رجلا حتى انتهى إليه فضغمه ضغمة كانت إياها. فسمع وهو بآخر رمق يقول: ألم أقل لكم أن محمدا أصدق الناس.
2- دخل أبو زبيد الطائي على عثمان رضي الله عنه، فقال: من أين؟ فقال: خرجت في صبابة من أفناء قريش وقبائل العرب ذوي شارة حسنة، ترتمي بنا المهاري بأكسائها القيروانات، على فتو البغال عليها العبدان تقود جياد الخيل، نريد الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشام.(5/373)
فاخروط بنا السير في حمّارة القيظ، حتى إذا عصبت الأفواه، وذبلت الشفاه، وسالت المياه، وأذكت الجوزاء العزاء، وذات الصيهد «1» ، وصر الجندب، وضاف العصفور الضب في وجاره «2» ، قال قائلنا: أيها الركب غوروا بنا في صنوج هذا الوادي، فإذا واد قد بدا عن يميننا، كثير الدغل، دائم الغلل، أشجاره مغنة، وأطياره مرنة «3» ، فحططنا رحالنا في أصول دوحات كنهيلات متهدلات، فأصبنا من فضلات المزاود وأتبعناها بالماء البارد. فإنّا لنصف حر يومنا ومصاولته ومطاولته إذ صر أقصى الخيل بأذنيه، وفحص الأرض بيديه، ثم ما لبث أن جال فال، وفعل فعله الذي يليه واحدا إثر واحد، فارتدّت الخيل وتقهقرت البغال، وتكعكعت «4» الإبل، فمن نافض لشكاله، وناهض بعقاله، فعلمنا أن قد أتينا، وأنه السبع، ففزع «5» كل منا إلى سيفه فاستله من جربانه، ثم وقفنا له رزدقا، فأقبل يتطالع في مشيته كأنه مجنوب في هجار، لبلاعيمه غطيط، ولصدره نحيط، ولطرفه وميض، ولأرساغه نقيض، كأنه يحبط هشيما، أو يطأ صريما. وإذا هامة كالمجن، وخذ كالمسن، وعينان سجروان «6» ، كأنهما سراجان يتّقدان، وكتد مغبط، وزور مفرط وقصرة ربلة «7» ، ولهزمة «8» رهلة، وعضد مفتول، وساعد مجدول، وكف خشنة البراثن، إلى مخالب كأنها المحاجن «9» . ثم كشر فأفرج، وزأر فأرهج، ونهم فبربر، ونحط(5/374)
فجرجو، فاستقدم تخال البرق تتطاير من خلال جفونه، من عن شماله ويمينه، فلا وذي بيته في السماء، ما اتقيناه إلا بأخ لنا من فزارة، ضخم الجزارة، فوقصه وقصة مفظعة، فتفضفض متنه، وبقر بطنه، وجعل يلغ في دمه.
فذمرت أصحابي، فبعد لأي ما أجابوا، فهجهجنا به، فكر مقشعرا زئيره، كأن به شيهما حوليا، فاختلج من دوني رجلا أعجز ذا حوايا، فنفضه نفضة تزايلت منها الأوصال، فأرعشت الأيدي، واصطكت الأرجل، وانخزلت المتون، ولصقت البطون وساءت الظنون، هناك ابتلى المؤمنون، ثم قال:
عبوس شموس مصلخد مكابر ... جريء على الأقران للقرن قاهر «1»
براثنه شثن وعيناه في الدجى ... كجمر الغضا في وجهه الشر ظاهر «2»
يدل بأنياب حداد كأنها ... إذا قلص الأشداق عنها خناجر
فقال عثمان: أسكت، أسكت الله نأمتك، فقد خشيت أن يثب عليّ.
3- عارض أسد رفقة، فخرج إليه رجل فاختطفه وبرك عليه، فهاجوه ثم قالوا للرجل: ما حالك؟ قال: لا بأس علي، ولكن سلح الأسد في سراويلي.
4- قد يجيء الأسد إلى قلس «3» السفينة بالليل فيتشبث به، فيحسب الملاحون أنه التف على شجرة أو صخرة، فيذهب المداد ليخلّصه، فيتمدد الأسد ويلتصق بالأرض ويغمض عينيه ليخفي وميضهما. فإذا دنا وثب عليه(5/375)
فحطمه، فلا يكون للملاحين هم إلا العبور والفرار.
5- بنو أسد حراص على أكل الكلاب، وقد أكل أسدي جرو كلب، فقيل له: أتأكل الكلب وقد قيل فيكم:
إذا أسدي جاع يوما ببلدة ... وكان سمينا كلبه فهو آكله
فقال:
رضينا بحظ الليث طعما وشهوة ... فسائل أخا الحلفاء إن كنت لا تدري «1»
وذلك أن الأسد أحرص شيء على لحم الكلاب، وقيل لا يحرص على أكل الكلاب حبا للحمه، ولكنه يقصد القرية أو الصرم ليتطرف من النعم، فتنبح الكلاب فتهيج الناس، فيحرص عليها حنقا وغيظا.
6- الأسد لا يدنو من النار، ولا يأكل الحار ولا الحامض وكذلك أكثر السباع.
7- وتقول الروم: إن الأسد يذعر من صوت الذئب، ولا يدنو من المرأة الطامث، وهو قليل الشرب للماء. وثلاثة من الحيوان ترجع في فيئها، الأسد والكلب والسنور، وأربع أعين تضيء بالليل. عين الأسد والنمر والسنور والأفعى.
8- السباع العادية تصاد بالمغويات وهي آبار تحفر في أنشاز من الأرض، ولذلك يقال: قد بلغ السيل الزبى.
9- الأسد والنمر متعاديان، وأما الببر فلا يعادي واحدا منهما لسلامة ناحيته وقلة شره، وهما لا يعرضان له لما يعرفان من عجزهما عنه.
10- الهند أصحاب الببور والفيل، كما أن النوبة أصحاب الزرافات دون غيرهم من الأمم. وأهل غانة تكثر النمور في بلادهم، ولذلك كان(5/376)
لباسهم جلود النمور.
11- أشراف السباع ثلاثة الببر والأسد والنمر، وأشراف البهائم ثلاثة الكركدن والفيل والجاموس.
12- الأسد يأكل الملح على سبيل التملّح والتحمض كالفرس. لا شيء أشد حضرا من الأسد يمشي ثلاثين فرسخا في ليلة لطلب الملح.
13- شاعر:
الليث ليث وإن جزّت براثنه ... والكلب كلب وإن طوقته ذهبا
14- الذئب يأتي الجمل فيقبض بفقميه «1» على حجامي عينه فيلحس عينه بلسانه حاسيا فكأنما قورت عينه تقويرا لما أعطي من قوة النفس، ولسانه أشد بريا للحم والعصب من لسان البقر للخلي. وليس في الأرض يعض على عظم إلا ولتكّسر العظم صوت بين لحييه إلا الذئب، فإن لسانه يبري العظم بري السيف ولا يسمع له صوت. كما قال الزبير بن عبد المطلب:
وينهي نخوة الجهال عني ... غموض الحد ضربته صموت
وفي أمثالهم: ضربه ضربة كأنما أخطأه، يريدون سرعة المر.
15- إذا دمي الذئب وثب عليه صاحبه فأكله. وربما رأيت الذئبين متساندين على من يتعرضان له، فإذا أصاب أحدهما خدشة أنحى عليه صاحبه وترك التعرض له.
16- وإذا دمي الإنسان فشم الذئب منه رائحة الدم، لم ينج منه، وإن كان أشد الناس قلبا وأتمهم سلاحا.
17- والببر إذا دمي استكلب حتى خافه السباع.(5/377)
18- والحية إذا خدشت طلبها الذر «1» فلا تكاد تنجو منه.
19- وإذا عض الإنسان الكلب طلبه الفأر فبال عليه، وفيه هلكته، فيحتال له بكل حيلة وإذا أغد «2» البعير طلبته القردان.
20- في صفة الذئب:
هو الخبيث عينه فزاره ... أطلس يخفي شره غباره
في رأسه شفرته وناره ... بهما بنو محارب مزداره
21- حميد بن ثور:
ترى طرفيه يعملان كلاهما ... كما اهتز عود الساسم المتتابع «3»
ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع
22- يزعمون أن النمرة لا تضع ولدها إلا وهو متطوق بأفعى، وأنها تعيش وتنهش إلا أنها لا تقتل.
23- خلا معاوية بجارية له خراسانية، فلما همّ بها نظر إلى وصيفة له مقبلة، فتركها وخلا بالوصيفة. ثم قال للخراسانية: ما اسم الأسد بالفارسية؟ قالت: كفتار. فخرج وهو يقول: أنا الكفتار. فقيل له: يا أمير المؤمنين، الكفتار الضبع، فقال: قاتلها الله! أدركت ثأرها. والفرس إذا استقبحت صورة قالت: روى كفتار.
24- كتب عمر بن يزيد بن عمير الأسدي إلى قتيبة بن مسلم حين(5/378)
عزل وكيع بن أبي سود عن رئاسة بني تميم وولاها ضرار بن حصين الأسدي: عزلت السباع ووليت الضباع.
25- سئل أبو هريرة عن الضبع، فقال: الفرغل؟ تلك نعجة من الغنم. يعني أنها حلال الأكل، وهو مذهب الشافعي رحمه الله. وعند أبي حنيفة لا تحل لأنها سبع كالذئب.
26- زعموا أن الطبع تكون عاما ذكرا وعاما أنثى.
27- لا يعرف الإلتحام عند السفاد إلّا في الكلاب والذئاب. وإذا هجم الصائد على الذئب والذئبة متسافدين قتلهما كيف شاء.
28- وحدث الجاحظ عن أحمد بن المثنى قال: كنت في بعض صحاري جوخى «1» إذ عرض لي ذئب فلم يزل يراوغني حتى ديرني وأيقنت بالهلكة، إذا ذئبة مستسفدة «2» ، فما تلعثم أن ركبها وتركني. فلما تلاحما مشيت إليهما بسيفي حتى قتلتهما، وكان ذلك من صنع الله تعالى وتأخر الأجل.
29- قال المنتجب محمد بن أرسلان في صفة أهل الزمان:
هم ما هم سباع ضاريات ... وتأبى أن تشاكلها السباع
فأجابه عبد الله الفقير إليه «3» :
هم شرّ السباع فلا ذئاب ... مكلحة الوجوه ولا ضباع
هم ضرر أناخ بغير نفع ... عليك وربما نفع السباع
معلمها يحوش عليك صيدا ... ونفسك بينهم صيد شعاع(5/379)
فيا نهشا بأنياب وفرسا ... تحلّم عنده العبس الجياع
30- الأسد لا يثب على الإنسان للعداوة ولكن للطعم، ولو مر به وهو شبعان لم يعرض له.
31- الفهد أنوم الخلق، وأما الكلب فنومه نعاس، ونومة الفهد مصمت، قال حميد بن ثور.
ونمت كنوم الفهد عن ذي حفيظة ... أكلت طعاما دونه وهو جائع
32- ويقال إن السباع تشتهي ريحه تستدل بريحه على مكانه، وتعجب بصوته فتصغي إليه إصغاء شديدا. وقد علم شهوة الأسد والنمر السباع لريحه فلا يكون على علاوة الريح. وإذا اصطيد مسنا كان أنفع في الصيد لأهله من الجرو الذي يربونه. لأن الجرو يخرج خبا، ويخرج المسن على التأديب صيودا غير خب ولا مواكل.
33- وتعتقد العامة أن الفهود مسخ اليهود، والصبيان يصيحون بالفهد يا يهودي. والصائد يشد وراءه شدا حتى ينبهر ويحفى فيأخذه. فإذا أخذه غطى عينيه وأدخله في وعاء، ثم أدخله بيتا مظلما ووضع عنده مصباحا، ولازمه الليل والنهار، ولم يدعه يرى الدنيا، وهيأ شيئا كظهر الدابة وأخذه بركبوبه. وأطعمه بيده حتى يستأنس. وإناث الفهود أصيد، وكذلك إناث عامة الجوارح.
34- الثعلب يعلم أن تماوته يجوز على الصائد ولا يجوز على الكلاب فإذا أحس بصائد استلقى ونفخ خواصره حتى لا يشك أنه ميت فيجوزه، فإذا أحس بالكلب وثب كأنه البرق، لأن الكلب لا يخفى عليه الميت من المغشي عليه من المتماوت، ولذلك لا يحمل من مات من المجوس إلى الناووس حتى يدني منه كلب فيعمل ما يستدل به على حاله.
35- وقد يتماوت الكلب، قال بعضهم: رأيت جروا مهزولا ضربه الصبيان وعقروه، فتمدد لهم كالميت، فضربوه بأرجلهم فلم يتحرك حتى(5/380)
أيقنوا بالموت فخلوه. فنظرت فإذا هو قد فتح عينيه وتأمل، ثم وثب وهرب.
36- وسلاح الثعلب سلاحه «1» ، وهو أنتن من سلاح الحبارى «2» ، فإذا تعرض للقنفذ، ولقيه شوكه واستدار كالكرة سلح عليه، فانسدخ مما يغشى عليه من نتن سلاحه، فعندها يقبض على مراق بطنه.
37- وإذا كثرت البراغيث في فروة الثعلب تناول بفيه صوفة، ثم يدخل في الماء قليلا قليلا. والبراغيث ترتفع إلى أن يغمس خطمه، فتجتمع في الصوفة، ثم يرميها في الماء ويثب إلى الشط.
38- ربما كانت الأرض ملبسة بالجليد، مغطّاة بالثلج، والكلّاب العاقل المجرب لا يدري أين مكان الوحش، فلا يزال يتبصر ويتشمم حتى يقف على أفواه الحجرة ويثير الذي فيها.
39- أبو عبيدة: خرج رجل إلى جبانة بلده مع أخيه وجار له ينتظر الرفاق وتبعه كلب له. فضربه ورماه بحجر فلم ينته، فلما قعد ربض بين يديه، وجاء عدو له يطلب بطائلة، فجرح جراحات، وطرح في بئر قريبة القعر، وحثي عليه التراب، وقد فر أخوه وجاره، والكلب ينبح حوله. ثم أتاه عند انصراف العدو وكشف التراب عن رأسه حتى تنفس، ومر ناس فاستشالوه وأدوه إلى أهله، وسمي الموضع ببئر الكلب، وقيل في ذلك:
يعود عنه جاره وشقيقه ... وينبش عنه كلبه وهو ضاربه
40- اقتنى رجل جروا ثم غاب عنه سنة ورجع وهو كلب شاغر، فعرفه وتبصبص حوله، وصاح صيحة السرور بقدومه، وكان يثب على كل أحد ويتوعده، وقد زجره صاحبه عن صديق له ثلاث مرات، فاستثناه بعد(5/381)
ذلك عن الناس فلم يهر عليه.
41- الكلبة تحيض في كل سبعة أيام، وأكثر ما تضع اثنا عشر جروا وذلك في القرط، والغالب خمسة أو ستة، وربما وضعت واحدا.
42- ويعيش الكلب في الأكثر أربع عشرة سنة، وربما بلغ عشرين سنة. وللكلب ثلاثة أصناف من المرض: الكلب، والذبحة، والنقرس.
ويكنى أبا خالد، قال ابن الرومي:
أخالد لا تكذب فلست بخالد ... بزعمك بل أنت المكنى بخالد
وللكلب خير منك لؤمك شاهدي ... عليه وما دهري بإبعاد شاهدي
43- آخر:
هو الكلب إلا أن فيه ملالة ... وسوء مراعاة وما ذاك في الكلب
44- كان يقال لمالك بن مسمع ابن قتيل الكلاب لأن أباه مسمع بن سنان لجأ في الردة إلى قوم من عبد القيس، فكان كلبهم ينبح، فخاف أن يدل على مكانه فقتله، فقتل به.
45- قال بعضهم «1» :
تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتّقي مربض المستأسد الحامي
46- وعن عمر بن أبي ربيعة أنه عرض لبعض الحواجّ، فلما أرادت الطواف استصحبت أخا لها فتمثلّت به.(5/382)
47- يقال: عليه واقية كواقية الكلاب للّئيم تطول سلامته، قال دريد ابن الصمة حين ضرب امرأته بالسيف فسلمت:
وأبقاهن أن لهنّ لؤما ... ووافية كواقية الكلاب
48- محمد بن الجهم: دعاني المأمون يوما فقال: قد نبغ لك أخ بقول الشعر فأنشدني له، فلم أذكر ألا قوله في الكلب:
أوصيك خيرا به فإن له ... سجية لا أزال أحمدها
يدل ضيفي علي في غسق اللي ... ل إذا النار نام موقدها
فقال: أحسن الموصي بالكلب، وأمر لي بمال.
49- وكانت العرب تسمي الكلب داعي الضمير، وهادي الضمير، وداعي الكرم، ومتمم النعم، ومشيد الذكر، لما يجلب من الأضياف بنباحه. والضمير الضيف الغريب، من أضمرته البلاد إذا غيبته. وكانوا إذا اشتدّ البرد وهبت الرياح ولم تثبت النيران فرقوا الكلاب حوالي الحي، وجعلوا لها مظال وربطوها إلى العمد لستوحش فتنبح فتهدي الضلّال.
50- وصف للمتوكل كلب بأرمينية يفترس الأسد، فأرسل من جاء به. فقال له الطريحي. يا أمير المؤمنين، هنأك الله بما خصك به من نيل مباغيك، وإدراك محابيك، فما شيء يصغر مع طلب أمير المؤمنين عن أن يهنأ به، أو يرغب إلى الله في زيادته.
فقال المتوكل: هو لك جزاء عن هذه التهنئة، فبعه مني بحكمك.
فباعه منه بألفي دينار. فألقاه على أسد فتواثبا وتناهشا حتى وقعا ميتّين.
51- كلب القصاب يشبه به الفقير يجاور الغني، فيرى من نعيمه وبؤس نفسه ما يفت كبده، ويقال: كلاب القصابين أسرع عمى من غيرها بعشر سنين.
52- خرج المهدي يوما يتصيّد فصاد ظبيا، ورمى علي بن سليمان(5/383)
فأصاب كلبا، فضحك المهدي، وقال لأبي دلامة: قل. فقال:
قد رمى المهدي ظبيا ... رمية شك فؤاده
وعلي بن سليما ... ن رمى كلبا فصاده
فهنيئا لهما كل ام ... رىء يأكل زاده
فأمر له بعشرة آلاف.
53- شاعر:
تخيرت من الأخلا ... ق ما ينفي عن الكلب
فإن الكلب مجبو ... ل على النصرة والذب
وفي يحفظ الدا ... ر وينجيك من الكرب
فلو أشبهته لم ت ... ك طاعونا على القلب
54- كان لأعرابي بنيان، أحدهما مستهتر بالكلاب والثاني بالحملان، فقال:
مالي أراك مع الكلاب جنيبة ... وأرى أخاك جنيبة الحملان
فأجابه:
لولا الكلاب وهرشها من دوننا ... كان الوقير فريسة الذؤبان
55- قيل لرجل: ما با الكلب يشغر «1» إذا بال؟ قال: يخاف تتلوث دراعته «2» . قيل: أو للكلب دراعة؟ قال: هو يتوهم أنه بدراعة.
56- الخنزير يحتمل من السهم النافذ والطعن الجائف ما لا يحتمله غيره. والخنفساء في ذلك أعجب. وكذلك الضب.
57- رأى أحدهم أثر ست أرجل في مواضع كثيرة، فقال: ما أعرف(5/384)
دابة لها ست أرجل، فسأل عن ذلك، فقيل له: إن الخنزير يركب الخنزيرة وهي ترتع، فربما قطعت أميالا ويداه على ظهرها ورجلاه خلف رجليها.
58- المهاجر بن حبيب يكره الضحك في موطنين: عند اطلاعك في القبر فإنه مدخل عظيم، وعند رؤية القردة لأنهم كانوا عبادا لله فمسخوا.
59- التفت ابن الرومي يوما إلى أبي الحسن الأخفش وهو يحكي مشيته، فقال:
هنيئا يا أبا حسن هنيئا ... بلغت من الفضائل كل غاية
شركت القرد في قبح وسخف ... وما قصرت عنه في الحكاية
- وله:
ليتهم كانوا قرودا فحكوا ... شيم الناس كما تحكي القرود
60- الدب يقيم أولاده تحت شجرة الجوز فيصعد ويرمي بالجوز إليها إلى أن تشبع، وربما قطع من الشجرة الغصن العبل الضخم الذي لا يقطع إلا بالفأس والجهد، ثم يشد به على الفارس فلا يصيب منه شيئا إلا هتكه.
61- الدبة تضع ولدها كندرة لحم غير متميزة الجوارح. فهي تخاف عليه الذر، فلا تزال رافعة له في الهواء أياما حتى يشتد وتفرج أعضاؤه.
62- الوعل يأكل الحيات والأفاعي أكلا ذريعا، وقد يجد القناص رؤوسها ناشبة الأسنان في عنقه وجلد وجهه، لأنه إذا هم بأكلها بدرته فعضته وهو يأكلها، فتبقى الرؤوس معلقة به. ويصيبه العطاش العظيم عند أكلها.
63- وعن داود عليه السّلام: شوقي إلى المسيح مثل الأيّل الذي أكل الحيات فاعتراه العطش الشديد، تراه كيف يدور حول الماء.(5/385)
64- وليس من الدواب شيء ينصل قرنه كل عام إلا الوعل، فإذا علم أنه غير ذي قرن عديم السلاح لم يظهر مخافة السباع. فإذا نجم قرنه لم يجد بدا من أن يمضغه ويعرضه للشمس والريح. فإذا اشتد ظهر.
ويبقى في مكان واحد إلى أن يشتد قرنه يركبه الشحم ويسمن فيكثر من الجولان والتردد حتى يذهب شحمه ويشتد لحمه، ويحتال في التحفظ من السباع عند ذلك. فإذا كان صدعا برز وأمن. قال عصام بن زفر:
ترجو الثواب من صبيح يا جمل ... قد مصه الدهر فما فيه بلل
إن صبيحا ظاعن محتمل ... فلائذ منك بشعب من جبل «1»
كما يلوذ من أعاديه الوعل
65- أحضر جعفر بن سليمان على مائدته بالبصرة يوم زاره الرشيد ألبان الظباء وزبدها وسلاها «2» ولبأها «3» ، فاستطاب الرشيد طعومها، فسأل عنها، فأمر جعفر غلمانه فأطلقوا عن سرب من الظباء ومعها الخشفان «4» حتى مرت تجاه الرشيد، فاستخفه الفرح والتعجب، فقال جعفر: هي من حلب هذه الظباء. وكان جعفر قد أخذها وهي صغار فرباها حتى تناتجت عنده.
66- والظبي يخضم «5» الحنظل خضما ويمضغه وماؤه يسيل من شدقيه، وأنت تتبين فيه الاستلذاذ والاستحلاء لطعمه، ويرد البحر فيشرب الماء الإجاج، كما تغمس الشاة لحيها «6» في الماء العذب. فأي شيء أعجب من حيوان يستعذب ملوحة البحر ويستحلي مرارة الحنظل؟.(5/386)
67- أنشد الجاحظ:
إذا ابتدر الناس المعالي رأيتهم ... قياما بأيديهم مسوك الأرانب
أي لا كسب لهم إلا صيد الأرنب وبيع جلدها.
68- يقال للأرنب مفزعة الجن. أي أنها تحيض فلا يقربها. ومن شأنها إذا طلبت أن تقلب أكفها فتطأ على مآخيرها لئلا يقتص أثرها. وهو توبيرها، يقال: وبرت الأرنب، وهو من الوبر، لأنها تمشي على وبر أكفها.
69- يقال للسنور أبو سعد، وعطسة الأسد. لأنهم يزعمون أن أصحاب السفينة تأذوا بالفأرة، فأخرج الله من عطسة الأسد السنور فأفناه.
70- الهر يجمع العض بالناب والخمش بالمخالب، لأنه يجمع الأنياب والمخالب. وليس كل سبع كذلك. وهو يناسب الإنسان فيعطس، ويتمطى، ويغسل وجهه بلعابه، ويلطع وبر ولده حتى يصير كأن الدهن يجري في جلده.
71- السنانير يترددن صارخات في طلب السفاد، فكم من حرة خجلت، وذي غيرة هاجت حميته، وعزب حرك منه شبقه. والسنور يألف الدار. والكلب يألف أهل الدار. وهو ضعيف الهامة وهي من مقاتله، وفوه كفم الكلب، وهو طيب النكهة. والفتيات يقبلن السنانير ويخبرن عن طيب أفواهها.
72- قال السندي بن شاهك: ما أعياني أحد من التجار إلا باعة السنانير يأخذون السنور الأكال للفراخ، العباث في الطيور، الوثاب على الأقفاص، فيدخلونه في دن ويشدون رأسه، ثم يدحرجونه حتى يغلبه الدوار، ثم يدخلونه في قفص فيه الطير، فإذا رآه المشتري رأى شيئا عجبا، وظن أنه ظفر بحاجته. فإذا مضى به إلى البيت تبين أنه اشترى شيطانا يأكل طيره وطير جيرانه، ولا يبقى ولا يذر.(5/387)
83- وزعموا أن كل من أكل هرا أسود لم يعمل فيه سحر. وزعموا أن السكينة التي في تابوت موسى رأس هرّ.
والهرة تحمل خمسين يوما.
74- سنور عبد الله مثل في مرجو في صغره فإذا شب تراجع. ومن أمثال العامة: السنور في صغره يباع بدرهم فإذا كبر بيع بثلث درهم.
75- قال بشّار:
كسنور عبد الله بيع بدرهم ... صغيرا فلما شبّ بيع بقيراط
76- أبو بكر العلاف في مرثية الهر:
يا من لذيذ الفراخ أوقعه ... ويحك هلا قنعت بالغدد
أطعمك الغي لحمها فرأى ... قتلك أربابها من الرشد
ولم تزل للحمام مرتصدا ... حتّى سقيت الحمام بالرصد
ما كان أغناك عن تسوّرك ... البرج ولو كان جنة الخلد
لم يرحموا صوتك الضعيف ... كما لم ترث منها لصوتها الغرد
أذاقك الموت من أذاق كما ... أذقت أطياره يدا بيد
لا بارك الله في الطعام إذا ... كان هلاك النفوس في المعد
عاقبة البغي لا تنام وإن ... تأخرت مدة من المدد
كم أكلة أدخت حشا شره ... فأخرجت روحه من الجسد
إن الزمان استفاد منك ومن ... يظلم بعين الزمان يستفد
77- قد جعل الله في طبع الفيل الهرب من السنور والوحشة منه.
وحكي عن هارون مولى الأزد، الذي كان يرد على الكميت «1» ويخفر بقحطان وكان شاعر أهل المولتان «2» ، أنه خبأ معه هرا تحت حضنه،(5/388)
ومشى بسيفه إلى الفيل والسيف في خرطومه، والفيالون يذمرونه، فلما دنا منه رمى بالهر في وجهه، ففر هربا وتساقط الذين على ظهره، وكبر المسلمون، وكان سبب الهزيمة.
78- الفيلة تضع لسبع سنين ولدا مستوي الأسنان، فيحتالون لأخذ ذلك الولد، فيعيش عندهم ثمانين سنة إلى المائة، وعمر الوحشية أطول.
79- وإذا احتمت المرأة من نجوها مع العسل لم تحبل أبدا، وإذا علق على شجرة لم تحمل في تلك السنة.
80- ويزعمون أن الغوغاء إذا صاحوا بها: يا حجام بابك! غضبت وركلت الصائح، ولا غرو أن تفهم ذلك كما يفهم كثير من الحيوان اسمه وما يخاطب به.
81- ويعملون من جلد الفيل ترسا، فيكون أصلب من كل ترس.
82- طرف لسان الفيل إلى داخل، وأصله إلى خارج، بخلاف جميع الحيوان. وتقول الهند لولا أن لسان الفيل مقلوب لتكلم إذا لقّن.
83- لا ثدي لحيوان في صدره إلا الإنسان والفيل.
84- والفيل أضخم الحيوان وأعظمه جرما، وما ظنّك بخلق ربما كان في نابيه أكثر من ثلاثمائة من «1» وهو مع ذلك أملح وأظرف وأطرب من كل خفيف الجسم رشيق، حتى فضل في رشاقته على الببغاء، وهو من أعجب العجب. وربما مر الفيل مع عظم بدنه خلف القاعد فلا يشعر بوطئه، ولا يحس بممره، لخفة همسه، واحتمال بعض بدنه لبعض.
85- أركب أبو الجلال الهدادي الفيل أيام الحجاج، فصاح:
الأرض. وأراد أن يرمي بنفسه فرقا «2» حتى أنزلوه، فقال:(5/389)
وما كنت يوم الفيل فوق مطية ... ولكن على وطفاء جون ربابها
86- أنشد ابن الأعرابي:
هو البعوضة إن كلفته كرما ... والفيل في كل أمر خالط اللوما
87- أنشد الجاحظ:
ولو أبصرت الستر ... لوجيهه تهاويل
وفيه الفيل منقوشا ... وفي مشفره طول
لقالت ابعدوا الستر ... فلا يأكلني الفيل
88- زعم هارون مولى الأزد أنه مشى إلى الفيل، فلما دنا منه وثب عليه وثبة فتعلق بنابيه، والهند يزعمون أنهما قرناه يخرجان مستبطنين حتى يخرقا الحنك ويخرجا أعقفين، فجال به جولة كاد يحطمه، وكان رجلا أيّدا «1» رابط الجأش، فاعتمد على أصول النابين فانقلعا من أصلهما، وأدبر الفيل، وبقي القرنان في يده، وكانت الهزيمة. وأنشأ يقول:
ولما رأيت السيف في رأس هضبة ... كما لاح برق من خلال غمام
تغامسته حتى لزقت بصدره ... فلما هوت لازمت أي لزام
وعذت بقرنيه أريد لبانة ... وذلك من عادات كل محامي
فجال وهجيراه صوت مخضرم ... وأبت بقرني يذبل وشمام «2»
89- خرطوم الفيل أنفه، وبه يوصل الطعام إلى جوفه، وبه يقاتل،(5/390)
ومنه يصيح، وصياحه ليس في مقدار جرمه، ويضرب به الأرض، ويرفع به إلى السماء، وهو مقتل من مقاتله، وهو جيد السباحة، وإذا سبح رفعه صعدا، كما يغيب الجاموس جميع بدنه إلا منخريه. ويقوم خرطومه أيضا مقام عنقه. والخرق الذي فيه لا ينفذ، وإنما هو وعاء إذا ملأه من طعام أو ماء أو لجه فيه، لأنه قصير العنق لا ينال ماء ولا مرعى.
90- وللبعوضة خرطوم إلا أنه أجوف، فإذا طعنت به في جلد فاسقت الدم قذفت به إلى جوفها، فهو لها كالبلعوم.
91- أبو الشمقمق:
يا قوم أني رأيت الفيل بعدكم ... فبارك الله لي في رؤية الفيل
رأيت بيتا له شيء يحركه ... فكدت أصنع شيئا في السراويل «1»
92- الزندبيل «2» مختلف فيه، بعضهم يجعله نوعا فيقول: الفيلة نوعان، فيل وزندبيل، كالبختي «3» والعربي، والجاموس والبقر، ويجعله بعضهم الذكر منها، ويعضهم الأنثى، وبعضهم العظيم منها.
93- إذا اغتلم الفيل لم يكن لسوّاسه هم إلا الهرب بأنفسهم، وربما رجع وحشيا. وقد اغتلم فيل لكسرى فلم يقم له شيء، حتى دنا من مجلس كسرى فأمتنع عنه كل من معه إلا رجل من خواصه شد عليه بطبرزين في يده، فضربه في جبهته ضربة غاب فيها، فصدف عنه. فقال له كسرى: ما أنا بما وهب الله لي من الحياة على يدك بأسر مني بالذي رأيت من الجلد والوفاء، وحين لم تخطىء فراستي فيك، ولم يزل رأيي فيك إذا اختصصتك.(5/391)
94- الجاحظ: وقد رأيت أنا في عين الفيل صحة الفهم والتأمل، وما شبّهت نظره إلا بنظر ملك عظيم الكبر راجح الحلم.
95- وقال سهل بن هارون:
إذا ما رأيت الفيل ينظر قاصدا ... ظننت بأن الفيل يلزمه الفرض
96- الفيل ضئيل الصوت ليس صوته على قدر جرمه.
97- وعن جابر الجعفي: رأيت الشعبي خارجا، فقلت: إلى أين؟
قال: أنظر الفيل. فأتى الحيرة فنظر إليه.
98- كما يبصبص الكلب بذنبه إذا ألقيت إليه الكسرة كذلك الفيل إذا قدم إليه علفه تمسح وتملق.
99- ومن أعاجيب الفيل أن سوطه الذي يحث به ويضرب محجن «1» حديد، أحدّ طرفيه في جبهته والآخر في يد راكبه، فإذا أراد منه شيئا غمزه في لحمه.
100- أول شيء يؤدبون به الفيل ويعلمونه السجود للملك. خرج كسرى أبرويز لبعض الأعياد، وقد صفوا له ألف فيل، وقد أحدقت به وبها ثلاثون ألف فراس، فلما بصرت به الفيلة سجدت له، فما رفعت رؤوسها حتى جذبت بالمحاجن وراطنها الفيالون.
101- الفيل يعرق عرقا غليظا غير سائل، أطيب رائحة من المسك، وربما وجد الناس في بيوتهم جرذا أسود يجدون منه ريح المسك. وقيل هو الذي يخبّىء الدراهم. ولا تعرض لعرق الفيل تلك الريح إلا في بلاد خاصة.(5/392)
102- عظام الفيل كلها عاج، إلا أن جوهر نابه أكرم وأثمن. ولولا شرف العاج وقدره لما فخر الأحنف بن قيس على أهل الكوفة في قوله:
نحن أكثر منكم عاجا وساجا وديباجا وخراجا.
103- كنية الفيل أبو الحجاج، وكانت كنية محمود فيل الحبشة أبا العباس.
104- لسان الفيل صغير بالقياس إليه وقليلا ما يدلعه.
105- قال أبو علي بن سيناء: رأيت الفيل نزا «1» على الفيل بجرجانية خوارزم، فألصق نابه بكفلها «2» واستعان به حتى علاها فضربها.
ولا عادة للفيل في السفاد في غير بلاده. ومن غريب ما رأيت هناك أن الأسد المجلوبة إليها كانت تتسافد وتلد، وكذلك الفهود.
106- عنبسة الفيل النحوي سمي بذلك لأن معدان أباه كان يروض فيلا للحجاج. فلما أنشد عنبسة هجاء جرير للفرزدق قال الفرزدق:
لقد كان في معدان والفيل زاجر ... لعنبسة الراوي عليّ القصائدا
جرى عليه النّبز «3» .
107- وقيل لغيلان الراجز راكب الفيل، ولسعدوية الطيوري عين الفيل لأن الحجاج كان يحسبهما عليه. فإذا سمي أهل البصرة إنسانا بفيل فصغروه قالوا: فيلويه، كما يجعلون عمرا عمروية وحمدا حمدوية.
108- الطرماح في صفة ثور وحش:
يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيف على شرف يسل ويغمد(5/393)
109- ابن عرس «1» صعب وحشي لا يكاد يتدرب، وهو مع ذلك يصيد لصاحبه العصافير، يقابل به بيت العصفور فيلج عليه فيأخذه وفراخه ولا يقتله حتى يأخذه منه، ولا يزال كذلك ولو طاف به على ألف جحر.
110- القنفذ وابن عرس إذا ناهشا الأفاعي والحيات تعالجا بأكل السعتر البري.
111- الكركدنة تكون نزورا «2» ، وأيام حملها كأيام حمل الفيلة، ولذلك قل هذا الجنس. وما من حيوان إلا وهو ناقص عند غايته النقص الفاحش.
112- وتزعم الهند أنه إذا كان ببلاد لم يدع فيها شيئا من الحيوان حتى يكون بينه وبينه مائة فرسخ من جميع جهات الأرض هيبة له وهربا منه. ويسمى الحمار الهندي. وله قرن واحد في وسط جبهته. ويزعمون أنه يخرج رأسه من بطن أمه فيأكل من أطراف الشجر، فإذا شبع أدخل رأسه. ويزعمون أنه ربما نطح الفيل فرفعه بقرنه، فلا يشعر بمكانه حتى يتقطع على الأيام.
113- قالوا في قرن الكركدن إن غلظه يبلغ شبرين، وليس بطويل جدا، وهو محدد الرأس شديد الملاسة في مدمج صلب لا يمتنع عليه شيء. وإذا قطعوه ظهرت في مقاطعه صور عجيبة.
114- إذا اجتمع في الفيل أن يكون وحشيا ومغتلما لم يقم له شيء إلا الكركدن، وإنه ليهجم عليه فيحجم عنه حتى تذهب عنه سكرة الغلمة فلا يطور طواره ولا يحل بأداني أرضه.
115- في أعلى بلاد النوبة تجتمع السباع والوحوش والدواب(5/394)
الكثيرة، وذلك في حمارة القيظ «1» إلى شرائع المياه فيتسافدن «2» ، فمن ذلك الزرافة «3» وفلفل وقيل هي ولد النمر من الجمل.
116- ابن عرس أشد عداوة للفأر من السنور، والشاة أشد فرقا «4» من الذئب منها من الأسد والنمر والببر، مع كون هؤلاء أقوى عليها.
والحمام أفرق من الشاهين منه من الصقر والبازي.
117- وإذا نبح كلب على رجل بالليل وألح عليه، ولا حارس ولا سبيل إلى الفوت، فدواؤه أن يقعد بين يديه مستخذيا مستسلما، فإنه إذا رآه كذلك شغر «5» عليه ولم يهجه، كأنه حين رآه تحت قدرته أراد أن يسمه بميسم ذل، كما يجز الآسر ناصية الأسير «6» .
118- يرى الكلب العظم المدملج فيعلم أنه إن عضه رضه وإن ابتلعه استمرأه.(5/395)
119- كان في بني ضبة كلب زبني يوضع السراج على رأسه، وهو منتصب على عجب «1» ذنبه معلق يديه، فيدعى باسمه ويلقى له اللحم فلا يتحرك، فإذ أخذ عنه السراج وثب على اللحم، ويعلق في عنقه المكتل «2» وتوضع فيه الرقعة فيمضي إلى البقال ويأتي بالحاجة. ويطحنون عليه، فإذا فرغ من طحنه مضى إلى المتمعك فتمعك فيه كحمار الطحان.
120- تلقح الكلبة من كلاب مختلفة الألوان، وتأتى بالجراء على شيات مختلفة، وتلقح أيضا من غير الكلب، وليس ذلك إلا لأرحام الكلاب.
121- أبو السري المحبي في دليل بن إسماعيل:
أيها المبتلي بحب كلاب ... لا يحب الكلاب غير الكلاب
لو تعريت بينها كنت منها ... إنما فقتها بلبس الثياب
122- رفع إلى الحسن بن سهل أن الدواب وبئت، فوقّع: تقتل الكلاب، فقال أبو العواذل.
له يومان من خير وشر ... يسل السيف فيه من القراب
فأما الجود منه فللنصارى ... وأما شرّه فعلى الكلاب
وفرط الناس في قتلها فأكلت لحوم الدواب فكلبت على الناس، واضطروا إلى قتلها، وعلموا الصواب في توقيع الحسن.
123- تكون بالبادية دابة من جنس السباع، دقيقة الخطم، على قدر ابن عرس، تدنو من الناقة وهي باركة ثم تثب فتدخل حياءها فتندمس فيه حتى تصل إلى الرحم فتجذبها، وتسقط الناقة ميتة. ويزعمون أنه شيطان، وقلّ ما ترى، واسمها العنزة.(5/396)
الباب الخامس والتسعون دواب البحر من السمك وسائر الحيوان المختلف فيه وما وضع الله فيها العجائب
1- جابر بن عبد الله: بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمر علينا أبا عبيدة نتلقّى عيرا لقريش، وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة نمصها كما يمص الصبي، ثم نشرب عليها من الماء، فيكفينا يومنا إلى الليل، وكنا نضرب بعصيّنا الخبط «1» ثم نبلله بالماء فنأكله. فانطلقنا على ساحل البحر، فرفع لنا كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العنبر، فأقمنا عليه شهرا ونحن ثلاثمائة حتى سمنا، ولقد رأيتنا نغترف من وقب «2» عينيه بالقلال الدهن، ونقتطع منه الفدرة «3» كالثور. ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينه، وأخذ ضلعا من أضلاعه فأقامها، ثم رجل أعظم بعير منا فمر من تحتها. وتزودنا من لحمه وسائق. فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: هذا رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ فأرسلنا إلى رسول الله منه فأكله.
2- القرش دابة عظيمة من دواب البحر تمنع السفن من السير، وتدع(5/397)
السفينة فتقلبها، وتضربها فتكسرها.
وسمعت أنا من بعض البحارين بمكة: ونحن قعود عند باب بني شيبة، يصف لي القرش فيقول: هو مدور الخلقة، وعظمه كما بين مقامنا هذا إلى الكعبة، ومن شأنه أن يتعرض للجلاب، وهي السفن الكبار، فلا يرده شيء إلا أن يأخذ أهلها المشاعل، فثم الحذر والمرور على وجهه كالبرق، كل شيء عنده جلل إلا النار.
وقال: رأيت ملاحا يصعد في المردي فلما نصفه خرّ مقطوعا نصفين فنظرنا فإذا القرش قد ضربه بذنبه.
وبه سميت قريش، قال المشمرج بن عمرو الحميري:
وقريش هي التي تسكن البح ... ربها سميت قريش قريشا
تأكل ألغث والسمين ولا تت ... رك فيه لذي جناحين ريشا
3- وللشريف الرضي ذي المناقب في قطعة له مليحة:
يبرهن العدلي وال ... مجبر في وعاوعه
والقرش لا يروعه ال ... نقيق من ضفادعه
4- حكي أن تمساحا وأسدا اعتلجا على شريعة «1» ، فضربه التسماح بذنبه، وضغم الأسد رأسه، فماتا جميعا.
5- ذل التمساح على وجه الأرض شبيه بذل الأسد في الماء الغمر، يذل حتى يركب الصبي ظهره، ويقبض على أذنيه كيف شاء، ويفعل ذلك غلمان السواد بشاطىء الفرات إذا احتملت الأسود المدود.
6- ويكون في النيل وخلجانه خيل في صور خيل البر، وهي تأكل التماسيح، وربما خرجت فرعت الزروع، وإذا رأى أهل مصر حوافراها علموا أن ماء النيل ينتهي في طلوعه إلى ذلك المكان. وإذا أصابوا منها(5/398)
صغيرا ربوه في البيوت.
7- وفي سن من أسنان فرس الماء شفاء من وجع المعدة، وأعفاجه «1» تبرىء من الجنون والصرع كما تبرىء لحوم بنات عرس.
8- كل ماضغ يحرك فكه الأسفل إلا التمساح فإنه يحرك فكه الأعلى.
9- سمك البحر كله ليس له لسان ولا دماغ.
10- الكوسج سمكة غليظة الجلد تشبه الجرّي، إن اصطادوها ليلا وجدوا في جوفها شحمة طيبة، وإن اصطادوها نهارا لم يجدوها.
11- الشبوطة تنتهي في النهر إلى الشبكة فلا تستطيع النفوذ، فتتأخر قاب «2» رمح ثم تجمع جراميزها حتى تطفر «3» الشبكة، وربما كان ارتفاع وثبتها أكثر من عشرة أذرع.
12- أكثر البياضة بيضا السمك، ثم الجراد، ثم العقارب، ثم الضباب، لأن السمكة لا تزن ولا تلقم ولا تحضن ولا ترضع فكثر الله ذرها. وما زق وحضن- والزق ضرب من القيء وفيه عليه وهن وشدة- قلّل الله نسله، كالحمامة لا تبيض إلا بيضتين. والدجاجة تحضن ولا تزق فزاد الله في بيضها وفراخها. والحية تضع ثلاثين بيضة، ولها ثلاثون ضلعا ولذلك قويت أصلابها. فسبحان من دبر هذا التدبير اللطيف، وأحكم هذه الحكمة البالغة.
13- من السمك قواطع كما في الطير، منها الأسبور والنرسوج يقطع(5/399)
من بحر الزنج إلى دجلة البصرة تستعذب الماء، تتملح بعذوبة الماء كما تتحمض الإبل. تقطع في السنة مرتين. فتقيم في دجلة شهرين، وهي في إحدى المرّتين أسمن منها في الثانية. ويزعمون أن بين بحر الزنج والبصرة أبعد مما بين الصين ومنها.
14- الدخس دابة في البحر تنجي الغريق، تدنو منه حتى يضع يده على ظهرها، يستعين بالإتكاء عليها والتعلق بها وهي تسبح.
15- قالوا إنّ ببحر طبرستان سرطانا على جلده من الوشي والنقوش الدقيقة العجيبة ما يتحير فيها الناظر.
16- زعموا أن السمك يتجه نحو الغناء والصوت الحسن ويقرّ قرار المستمع، فإذا قطع نفر، وإذا أعيد عاد. وإذا سمع الدلفين وأنواع السمك صوت الرعد هرب إلى القعر وسدر «1» .
17- والضفدع لا يمكنه الصياح حتى يدخل حنكه الأسفل في الماء، فإذا صار في حنكه الأسفل بعض الماء صاح، ولذلك لا تسمع له نقيقا خارج الماء. وهو يعيش في الماء، ويبيض في الشط كالسلحفاة والرق «2» .
18- الميخ بخراسان «3» يكبس في الأزاج «4» . ويحال بينه وبين الريح والهواء بأحكم ما يقدر عليه ومتى انخرق من تلك الخزانة في مقدار منخر الثور حتى يدخله استحال الميخ كله ضفادع.(5/400)
19- ويرى في غب المطر ما لا يحصى من الضفادع، إذا كان المطر ديمة في مواضع لا يقربها بحر ولا نهر ولا شيء من معادن الماء، تجدها في الضحاضح «1» وعلى ظهور المساجد، وتذهب العامة إلى أنها كانت في السحاب، وإنما تخلق عقب المطر في الأرض بعد وقوعه.
20- وزعم بعضهم أن أهل إيذج «2» مطروا مرة أكبر شبابيط في الأرض وأسمنها وأعذبها.
21- والضفادع من الخلق المائي الذي يصبر عن الماء أياما صالحة، وتعظم ولا تسمن كالدراج «3» والأرنب، فإن سمنهما أن يحملا اللحم.
22- وفي سواحل فارس ناس يأكلونها، وهي أجحظ الخلق عينا.
والأسد ينتابها في مظانها «4» فيأكلها أكلا شديدا. والحية تطلبها في الشرائع. قال الأخطل:
ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدل عليها صوتها حية البحر
23- عبد الرحمن بن عثمان الليثي: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قتل الضفدع.
24- ابن عمر: لا تسبوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح.
25- في خرافات مسيلمة «5» : يا ضفدع نقي ما تنقين، نصفك في(5/401)
الماء ونصفك في الطين، لا الماء تكدرين، ولا الشارب تمنعين، وكان يدعيها تنزيلا من لدن حكيم عليم، فسمع بها أبو بكر فقال: ما خرجت من إله.
26- شاعر:
قالت الضفدع قولا ... فهمته الحكماء
في فمي ماء وهل ين ... طق من في فيه ماء
27- الماء الراكد إذا صار رقراقا وضحضاحا استحال دعاميص «1» ، وانسلخت الدعاميص فصارت فراشا وبعوضا.
28- من شأن الدلفين أن يقتل السمكة الكبيرة، فإذا طفت استجن بها مندسا تحتها، فعل الصائد بالذريعة، فيقع عليها الطير يأكلها، فيثب عليها من تحت فيأخذها. وفي المحرضات:
لعمرك ما عبد العزيز بكافل ... تقيّ ولا عبد العزيز رضا كافي
وإنك واستكفاء مثلك مثله ... كما استظهر الدلفين بالسمك الطافي(5/402)
الباب السادس والتسعون الطيور وما أوتيت من أعاجيب الإلهام في حضنها ورزقها ورفرفتها على فراخها وتدبير أمرها
1- النبي صلّى الله عليه وسلّم: الديك الأبيض صديقي، وعدو عدو الله، يحرس دار صاحبه ويسمع أدؤر «1» حواليه، وكان يبيته معه في البيت.
2- زعم أهل التجربة أن الرجل إذا ذبح الديك الأبيض الأفرق «2» لم يزل ينكب في أهله وماله.
3- قال لقيم الدجاج في رسول الله عند افتتاح خيبر:
رميت نطاة «3» من الرسول بفيلق ... شهباء ذات مناكب وفقار
فوهب له دجاج خيبر عن آخرها. ولذلك قيل له لقيم الدجاج.(5/403)
4- كل ديك يقبض على الحبة فيحذف بها قدام الدجاجة، ومن ذلك قيل أسمح من لاقطة، إلا ديك مرو فإنه يطرد الدجاج عن الحب وينزع الحب من أفواه الدجاج، لبخل المراوزة.
5- ساوم مدني دجاجة بعشرة دراهم، فقال والله لو كانت في الحسن كيوسف وفي العظم ككبش إبراهيم، وكانت كل يوم تبيض ولي عهد للمسلمين ما ساورت أكثر من درهمين.
6- يوضع تحت الدجاجة بيضتان من بيض الطاووس، لا تقوى على تسخين أكثر منهما، ويتفقدونها حتى لا تقوم فيفسدها الهواء. وربما باضت الدجاجة بيضتين في يوم واحد، وهو من أسباب موتها.
7- الحمامة تحضن بيضة الدجاجة فيخرج الفروج أكيس.
8- أبو عثمان الخالدي:
وأنكر من بوم يصرصر غدوة ... وأشأم من ديك يصيح عشاء
9- إذا هرمت الدجاجة لم يكن لأواخر ما تبيض صفرة، وإذا لم يكن للبيضة مح لم يخلق منها فروج، لأنه غذاؤه المح ما دام في البيضة. وقد يكون للبيضة محّان فتفقس عن فروجتين يخلقهما الله من البياض، ويتغذيان بالمحين، لأن الفراريج تخلق من البياض والصفرة غذاؤها.
10- الطرماح:
فيا ليل كمش غبّر الليل مصعدا ... ببم ونبه ذا العفاء الموشح
إذا صاح لم يخذل وجاوب صوته ... حماش الشوى يصدحن من كل مصدح
11- جران العود «1» :(5/404)
ماذا يؤرقني والنوم يعجبني ... من صوت ذي رعثات ساكن الدار
كأن حماضة في رأسه نبتت ... من آخر الصيف قد همت بإثمار
12- كان لمزيد ديك قديم كان يكرم عليه، فحضر العيد وليس معه شيء، فخرج إلى المصلى وأمر امرأته بذبحه واتخاذه طعاما. فأرادت أخذه فذهب يخرق السطوح وهي تتبعه، فسألها جيرانه وهم قوم هاشميون عن موجب ذبحه، فوصفت لهم الحال، فقالوا: ما نرضى بأن يبلغ الاضطرار بأبي إسحاق ما نرى. فأرسل إليه هذا شاة، وهذا شاتين، وهذا بقرة، حتى امتلأت داره. فجاء وسمع الثغاء والخوار، فقال: ما هذا؟ فقصت القصة؟ فقال: كان هذا الديك أكرم على الله من نبيه إسماعيل، فدي بذبح واحد وفدي هذا بما أرى.
13- أهدى هلال بن الحريش إلى عبد الرحمن بن الأشعث دجاجة فائقة قد أعجب بسمنها، فأخرج إليه كتابا من الحجاج أن أبعث إليّ برأس هلال، فتغير وأرعد. فقال: لا عليك يا هلال، لا نأكل دجاجتك ونبعث إليه برأسك، والله لا يصل إليك حتى يصل إليّ. فأنشأ يقول:
وابنفسي دجاجة لم تخني ... وضعت لي نفسي مكان الأنوق
فرجت كربة المنية عني ... بعد ما كدت أن أغص بريقي
يا ابن قيس ويا ابن خير بني كن ... دة بين الأشج والصديق
إن شكري شكر الطليق من القت ... ل ووجدي عليك وجد الشفيق
14- أبو المنذر، وأبو اليقظان، وأبو برايل، وأبو عقبة، كنى(5/405)
الديك. الموصلي: سمعتني أعرابية وأنا أنشد:
وكأس مدام يحلف الديك أنها ... لدى المزج من عينيه أصفى وأنور
فقالت يا أبا محمد، إن الديك من صالح طيوركم ما كان ليحلف بالله كاذبا.
15- إسماعيل بن أبير الواقدي:
نبهتها سحرا والليل معتكر ... والديك يمزج تصفيقا بتصويت
16- ابن الأعرابي: قلت لشيخ من قريش: من علمك هذا؟ قال:
علمني من علم الحمامة على بلهها تقليب بيضها كي تعطي الوجهين جميعا نصيبهما من الحضن.
17- كان الصحابة يقولون: كونوا بلها كالحمام، عنوا أنها مع بلهها مصلحة أمر نفسها وفراخها.
18- خرؤ الحمام «1» نافع من الرمل والحصا، يقتمح منه وزن درهمين مع مثله دار صيني.
19- الهداية في الحمام لا تكون إلا في الخضر والثمر منها، وأما الشديد السواد فكالزنجي القليل المعرفة. والأبيض ضعيف القوة. وإذا خرج الجوزل «2» عن بيضته علم أبواه أن حلقه لا يتسع للغذاء، فلا يكون لهما هم إلا أن ينفخا في حلقه الريح لتتسع حوصلته بعد التحامها، ثم يعلمان أنه لا يحتمل في أول غذائه أن يزق بالطعم فيزقانه باللعاب المختلط بقواهما وقوى الطعم ويسمى اللبأ. ثم يعلمان أن حوصلته تحتاج إلى دبغ(5/406)
فيأكلان من شورج أصل الحيطان. وهي شيء بين الملح الخالص والتراب، فيزقانه به فإذا علما أنه قد دبغ زقاه الحب الذي قد غب في حواصلهما ثم بالذي هو أطرأ فأطرأ حتى يتعود، فإذا علما أنه قد أطاق اللقط منعاه بعض المنع ليحتاج ويتشوف فتطلبه نفسه وتحرص عليه. فإذا فطماه وبلغا منتهى حاجته إليهما نزع الله تلك الرحمة منهما، وأقيل بهما على طلب نسل آخر. فسبحان من عرف الخلائق وأتقنها وسواها، وجعلها دلالة لمن استدل بها عليه، ومخبرا صادقا لمن استخبرها عنه. ذلك الله رب العالمين.
20- بعضهم: رأيت حمامة ذكرا له أنثيان، وقد باضتا منه، فهو يحتضن مع هذه وهذه، ويزق معهما.
21- الجاحظ: وللحمام من الفضيلة والمفخر أن الواحدة تباع بخمسمائة دينار، ولم يبلغ ذلك شيء من الطير غيره، وهو الهادي الذي جاء من الغابة. قال: ولو دخلت بغداد والبصرة وجدت ذلك بلا معاناة.
ولو حدث أن برذونا أو فرسا بلغ خمسمائة دينار لكان سحرا.
وتباع البيضة الواحدة منه بخمسة دنانير، والفرخ بعشرين. فمن كان له زوجان منه قاما في الغلة مقام ضيعة. وأصحابه يبنون من أثمانه الدور الجياد والحوانيت المغلّة، هو مع ذلك ملهى عجيب، ومنظر أنيق، ومعتبر لمن فكر.
22- جهم بن خلف:
وقد هاج شوقي أن تغنت حمامة ... مطوقة ورقاء تصدح في الفجر
هتوف تبكي ساق حر ولن ترى ... لها دمعة يوما على نحرها تجري «1»(5/407)
تغنت بصوت فاستجاب لصوتها ... نوائح بالأصناف في فنن السدر «1»
إذا فترت كرت بلحن شج لها ... يهيج للصب الحزين جوى الصدر
دعتهن مطراب العشيات والضحى ... بصوت يهيج المستهام على الذكر
فلم أر ذا وجد يزيد صبابة ... عليها ولا ثكلى تبكي على بكر
فأسعدتها بالنوح حتى كأنها ... نوائح هبت يلتدمن على قبر «2»
بسرة واد من تبالة مونق ... كسا جانبيه الطلح واعتم بالزهر «3»
فقلت لقد هجتن صبا متيما ... حزينا وما منكن واحدة تدري
23- أكلت حية بيض مكّاء «4» ، فجعل المكاء يشرشر على رأسها ويدنو منها، حتى إذا فتحت الحية فاها تريده وهمت به ألقى فيه حسكة، فأخذت بحلقها حتى ماتت.
24- كان من دعاء مكحول: يا رازق الغراب في عشه. وذلك أن الغراب إذا فقس عن فراخه فقس عنها بيضا فينفر عنها، فتفتح أفواهها فيرسل ذبابا تدخل في أفواهها فتكون غذاء لها، حتى إذا اسودت انقطع الذباب وعاد الغراب يغذيها.(5/408)
25- أنشد ثعلب:
وصاح ببينهم من بطن قوّ ... من الغربان شحاج حجول «1»
من اللائي لعنّ بكل أرض ... فليس لهن في أرض قبول
يناصرن النوى فإذا اتلأبت ... ركاب القوم واقلولى الحمول
يبادرن الديار يجلن فيها ... وبئس من المليحات البديل
26- الحارثي:
أقول وقد صاح ابن دأية غدوة ... بين النوى لا أخطأتك الشبائك
أفي كل يوم رائعي أنت روعة ... ببيونة الأحباب عرسك فارك «2»
ولا بضت في خضراء ما عشت بيضة ... وضاقت برحباها عليك المسالك
27- تعلم الحبارى «3» أن سلاحها يدبق ريش الصقر، فترميه به، ثم تجتمع عليه الحباريات فينتفن ريشه طاقة طاقة حتى يموت. وكذلك الحبارى تموت كمدا إذا انحسر عنها ريشها ورأت صويحباتها تطير.
28- وفي ديوان المنظوم «4» :(5/409)
وهل للحبارى بعد عشرين ريشة ... تساقطها حمقا فتتلف بالكمد
مطايرة الشهم الأثيث جناحه ... إذا ساق كدري السماوة فاطرد
وهل يستطيع القرد والقرد ما به ... لضابثه طرف مصاولة الأسد
29- الطركلة «1» تتسافد بالأستاه. والحجلة تكون في سفالة الريح، واليعقوب في علاوتها، فتلقح كما تلقح النخلة من الفحال «2» بالريح.
30- الجاحظ: أي شيء أعجب من العقعق، وصدق حسه، وشدة حذره، وحسن معرفته، ثم ليس في الأرض طائر أشد تضييعا لبيضه وفراخه منه.
31- والحبارى مع أنها أحمق تحوط بيضها وفراخها أشد الحياطة.
32- استلب عقعق مرة سخابا «3» كريما لقوم، فاتهموا به أعرابية، فبينا هي تضرب إذ مر العقعق والسخاب في منقاره، فصاحوا به فرمى به.
فقالت الأعرابية:
ويوم السخاب من تعاجيب ربنا ... كما أنه من بلدة السوء نجّاني
33- شاعر:
إذا بارك الله في طائر ... فلا بارك الله في العقعق
طويل الذنابي قصير الجناح ... متى ما يجد غفلة يسرق
يقلب عينين في رأسه ... كأنهما قطرتا زئبق(5/410)
34- القطاة لا تبيض إلا أفرادا. قال أبو وجزة:
وهن ينسبن وهنا كل صادقة ... باتت تباشر عرما غير أزواج
35- آخر:
ويصاد القطا فينجو سليما ... بعد يأس ويهلك الصيّاد
36- ومن الطير ما يؤثر التفرد كالعقاب، ومنه ما يتعايش معا كالكراكي، ومنه ما يتعايش أزواجا كالقطا.
37- كان الرشيد في متصيد له، فأتاه البازيار بدراج أبيض وقال: ما رأيت مثله قط، فقال: أطلقه من يدك، فإن الشيء إذا جاوز حده سمج.
38- تغدى مع الحكم بن أيوب بعض عماله، فتناول من بين يديه درلجة، فاحتقدها عليه فعزله عن عمله، وفيه يقول الفرزدق:
قد كان بالعرض صيد لو قنعت به ... فيه غنى لك عن دراجة الحكم
39- وصف علي بن عبيدة الريحاني الطاووس، ثم قال في آخره:
وما يروق العين منه أكثر مما يحكي اللسان.
40- الصاحب في خط قابوس: هذا جناح الطاووس أم خط قابوس.
41- سأل أعرابي جعفر الصادق عن التوحيد، فتناول بيضة بين يديه فوضعها على راحته وقال: هذا حصن مملق لا صدع فيه، ثم من ورائه عرقيء مستشف، ثم من ورائه دمعة سائلة، ثم من ورائها ذهب مائع، ثم لا تنفك الأيام والليالي حتى تنفلق عن طاووس ملمع. فأي شيء في العالم إلا وهو دليل على أنه ليس كمثله شيء.
42- الظليم «1» يبتلع الحديد المحمّى، ثم يميعه بحر قانصته، ثم(5/411)
يحيله كالماء الجاري. وفي ذلك أعجوبتان: الغذي بما لا يغذو، واستقراؤه لشيء لو طبخ في قدر أبدا لما انحل.
والذي سخر الحديد لجوف الظليم هو الذي سخر الصمّ الصلاب لأذناب الجراد، إذا أرادت الجرادة أن تلقي بيضها غمزت ذنبها في ضاحي الصخرة فانصدعت لها، وليس ذلك من جهة القوة، ولكن من جهة التسخير. وعود الحلفاء «1» يتلقاه مع رخاوته ودقته في منابته الآجرّ والخزف الغليظ فيثقبه. وهو الذي سخر القمقم والطنجير والطست لإبرة العقرب حتى نفذت فيها.
وهو كالبعير من جهة المنسم والوظيف والخزامة التي في أنفسه، وكالطائر من جهة الريش والجناحين والذنب والمنقار، ثم ما فيه من شكل الطائر جذبه إلى البيض، وما فيه من شكل البعير لم يجذبه إلى الولادة.
43- ويضربون المثل بالنعامة في التعلق بالعلل، إذا قيل لها إحملي؟ قالت: أنا طائر، وإذا قيل لها طيري، قالت: أنا بعير.
44- قال يحيى بن نوفل:
ومثل نعامة تدعى بعيرا ... تعاظمها إذا ما قيل طيري
وإن قيل إحملي قالت فإني ... من الطير المرّبة بالوكور
45- ومن أعاجيب النعامة أنها مع عظم عظامها وشدّة عدوها لا مخّ فيها ومن أعاجيبها أنها مع عظم بيضها تلزّه ثم تضعه طولا، حتى لو مددت عليه خيط المطمر مع وجدت لشيء منه خروجا عن الإستواء ثم تعطي كل واحدة نصيبها من الحضن، قال ذو الرمة:
ذاك أم خاضب بالسي مرتعه ... أبو ثلاثين أمسى وهو منفرد(5/412)
46- وقال ابن أحمر:
وضعن وكلهن على غرار ... حصان الجيب قد وسقت جنينا
ومنها: أن أشدّ ما يكون لعدوها أن تستقبل الريح، وكلما كان أشعر لعصوفها كان أشد لحضرها، تضع عنقها على ظهرها ثم تخترق الريح.
ومنها: أن الصيف إذا دخل وابتدأ البسر في الحمرة ابتدأ لون وظيفيها في الحمرة، فلا يزالان يزدادان حتى تنتهي حمرة البسر. ولذلك قيل لها خاضب.
ومنها: أنها لا تأنس بالطير ولا بالإبل، وهي مشاكلة للقبيلين.
47- الذئب لا يعرض لبيض النعام وفراخه ما دام الأبوان حاضرين فانهما متى ثقفاه ركبه الذكر فطحره، وأعجلته الأنثى فتركضته، وتسلمه الذكر، فلا يزالان كذلك حتى يقتلاه أو يعجزهما هربا.
48- والنعام يتخذ في الدور، وضرره شديد، لأن النعامة ربما رأت في الجارية قرطا فيه حجر أو حبة لؤلؤ فخطفته فأكلته، وخرمت الأذن. أو رأت ذلك في ليتها فضربت بمنقارها فخرقته.
49- وتقول العرب: ضربان من الحيوان أصمان لا يسمعان: النعام والأفاعي. وعن ابن الأعرابي: كلم أعرابي صاحبه فرآه لا يسمع كلامه ولا يفهم، فقال: أصلخ كصلخ «1»
النعامة.
50- وسأل أبو عمرو الشيباني بعض العرب عن الظليم هل يسمع؟
فقال: يعرف بعينيه وأنفه، لا يحتاج معهما إلى سمع.
51- كل ذي رجلين إذا انكسرت إحداهما استعان في حركته ونهوضه(5/413)
بالباقية إلا النعامة، فإنها تبقى جاثمة لا تمشي. ولبعض الأعراب وكان له أخ اسمه دحية وكانت امرأته تطرده:
أدحية عني تطردين تبددت ... بلحمك طير طرن كل مطير
فأني وإياه كرجلي نعامة ... على كل حال من غنى وفقير
52- الطرماح في وصف الظليم:
مجتاب شملة برجد لسراته ... قدرا وأسلم ما سواه البرجد
53- الكراكي يجمعها أمير لها كيعسوب «1» النحل، ولا يجمعها إلا أزواجا.
54- العقاب إذا اشتكت كبدها من رفع الأرانب والثعالب في الهواء أكلت من الأكباد حتى تبرأ.
55- قال بشر أخو بشار بن برد له، وكانوا ثلاثة لأم حنفي وسدوسي وعقيلي: لو خيرك الله أن تكون شيئا من الحيوان أي شيء كنت تحب أن تكون؟ قال: عقاب، لأنها تبيت حيث لا ينالها سبع ولا ذو جناحين، وهي معمرة، إن شاءت كانت فوق كل شيء، وإن شاءت كانت بقرب كل شيء، تغدى باليمن. وتعشى بالعراق، ريشها فروها في الشتاء، وخيشها في الصيف. وهي أبصر خلق الله تعالى.
56- العرب: قيل للخفاش: لماذا ليس لك جناح؟ قال: لأني تصوير مخلوق، قيل: فلماذا لا تخرج نهارا؟ قال: حياء من الطيور.
57- العصافير أوالف للناس أوانس: لا تسكن دارا حتى يسكنها إنسان، ومتى سكنتها لم تقم فيها إذا خرج الإنسان فبفراقه تفارق.
وإذا كان زمن الخروج إلى البساتين لم يبق في البصرة عصفور إلا(5/414)
خرج إليها، إلا ما أقام على بيضه وفراخه، ولذلك قال أبو يعقوب الخريمي:
فتلك بغداد ما تبيت من الوح ... شة في دورها عصافرها
ويدرب العصفور فيستجيب من المكان البعيدة ويرخن. قال الجاحظ: بلغني أن عصفورا درب من ميل.
وليس في الأرض رأس أشبه برأس الحية من رأس العصفور.
وليس في الحيوان الذي يعايش الناس أقصر عمرا منه لكثرة السفاد.
58- أبو منصور الثعالبي:
سقيا لأيام الصبا إذ أنا ... في طلب اللذات عفريت
أصيد كالبازي ولكنني ... أسفد كالعصفور ما شيت «1»
59- ويتميز الذكر من العصافير من أنثاها تميز الديك من الدجاجة، لأن له لحية سوداء، ولا شيء آخر أحنى على ولده من العصفور، وإذا عرض له شيء صاح، فأقبلت العصافير تساعده، وليس لشيء في مثل جسم العصفور مرارا ماله من شدة الوطء «2» ، إذا كنت تحت السطح حسبت وقعه على حجر. والكلب منعوت بشدة الوطء أيضا، والخصيان من كل شيء. وذكورتها لا تعيش إلا سنة. وتجلب الحيات إلى المنازل لحرص الحيات على ابتلاع بيضها وفراخها.
60- كلثوم بن عمرو العتابي:
يا ليلة لي بحوارين ساهرة ... حتى تكلم في الصبح العصافير
61- ويضرب المثل به في سخافة الحلم، قال حسان:(5/415)
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم ... جسم البغال وأحلام العصافير «1»
62- جنس من العصافير الصغار فرخ طائر يقال له كيول في وزن الحمامة يزقه ويربيه.
63- يعقوب بن الربيع أخو الفضل:
يقطع قلبي بالصدود تجنيا ... ويزعم أني مذنب وهو مذنب
كعصفورة في كف طفل يسومها ... ورود حياض الموت والطفل يلعب
64- نعت إلى أشرف الأشراف أبو الحسن ببغاء في دار الإمارة بمكة مجلوبة من اليمن، وقال: ربما دخلنا وهي تنطق فيحسبه نطق إنسان، وهي تعقد القاف كما يعقدها خلّص العرب. وقد وعدني أن تحمل إليّ لأشاهدها فما اتفق.
65- قال الجاحظ: وقد يتهيأ لبعض الغربان من الحروف ما لا تفسّره الببغاء.
66- جنيد الكاتب الملقب باذنجانة في غلبة وصيف وبغا على المستعين وصدوره عن رأيهما:
مقتسم معتبد ... بين وصيف وبغا
يقول ما قالا له ... كما تقول الببغا
67- كان لسعيد بن خالد القرشي طائر اسمه كسرى وفرخ اسمه ساسان، فأكل الفرخ سنور جار يعرف بأنس، فكتب إلى العلاء بن منظور صاحب شرطة الكوفة وهو الذي وهب له كسرى:
يا ابن منظور بن قيس دعوة ... ضوؤها أنور من ضوء القبس
إن ساسان بن كسرى غاله ... في سواد الليل سنور أنس(5/416)
فأقدنا منه أو أخلفه أو ... خل بين الناس من عز افترس
68- أكثر الحضن في الطيور على الأنثى منها، والذكر لا يحضن إلا في صدر النهار يسيرا، وأما الزق فأكثره على الذكر.
69- وفي الطير جنس لا يقع على الأرض إلا ريثما يضع بيضه في تراب ويغطيه، ثم هو طيار في الهواء أبدا. وبيضه يفقس من نفسه عند انتهاء مدته، فإذا بلغ فرخه الطيران كان كأبويه.
70- الجاحظ: وأي شيء أعجب من طائرين يأتيان من ناحية السند، أحدهما كبير الجثة، يرتفع في الهواء صعدا، والآخر صغير لا يزال يرفرف حوله، ويربق على رأسه، ويطير عند ذناباه، ويدخل تحت جناحه وبين رجليه، فلا يزال حتى يتقيه بذرقه «1» ، فإذا ذرق شحا له فاه، والصغير يعلم أن رزقه وما يعيش في بطنه، فإذا وعاه رجع آخذا فلا يخطىء حلقه. فالكبير يعلم أنه لا يخلصه منه إلا اتقاؤه بذرقه، والصغير يعلم أن رزقه وما يعيش به في بطنه فإذا دعاه رجع آخذا قوت يومه.
71- قيل لجيش ابن الأشعث جيش الطواويس. لكثرة ما كان فيه من الفتيان المنعوتين بالجمال.
72- شاعر:
تظل به الطير صداحة ... تطارح فيه صنوف الغناء
73- النخعي: كانوا يكرهون أن يدفع الطير إلى الصبي يلعب به.
74- زعم الأطباء أنهم استفادوا معرفة الحقنة من الطائر الذي أصابه الحصر، أتى إلى البحر فأخذ بمنقاره من الماء الزعاف ثم مجه في جوفه من قبل ذنبه، وأمكنه ذلك لطول عنقه ومنقاره، ذم ذرق فاستراح.(5/417)
75- عن ابن عباس: إن الله خلق من زمان موسى عليه السّلام طائرا اسمها العنقاء «1» ، لها أربعة أجنحة من كل جانب، وجهها كوجه الإنسان، وأعطاها من كل شيء حسن قسطا، وخلق لها ذكرا مثلها، وأوحى إليه أني خلقت طائرين عجيبين، وجعلت رزقهما في الوحوش التي حول بيت المقدس، وآنستك بهما وجعلتهما زيادة فيما فضلت به بني إسرائيل.
فتناسلا وكثر نسلهما.
فلما توفي موسى عليه السّلام انتقلت فوقعت بنجد والحجاز، فلم تزل تأكل الوحوش وتخطف الصبيان إلى أن تنبأ خالد بن سنان العيسى بين عيسى ومحمد. فشكوها إليه. فدعا الله تعالى فقطع نسلها وانقرضت.
76- الجاحظ: الظن يسرع إلى أن البيضة تخرج من جهة التحديد والتلطيف، وإنما تخرج من الجانب الغليظ.
77- ثلاثة أشياء تخبىء الدراهم والدنانير وتفرح بها: العقعق، وابن مقرض «2» ، والفأرة.
78- يدرب العقعق فيتجسيب إذا دعي، وينزجر إذا زجر، ويخبىء الحلى فيصيح به صاحبه فيمضي به حتى يقفه على المكان الذي خبأه فيه، ولكنه لا يتولى البحث عنه.
79- جرف الطاعون أهل بيت فسدوا بابه، وثم طفل لم يشعروا به.
ففتح بعد شهر فإذا الطفل، وثم كلبة مجر قد عطفها الله عليه فكانت ترضعه مع جرائها.
80- وسجن رجل شهرا وقد أغلق بيته على زوجي حمام طيارين وزوجين(5/418)
مقصوصين، وهو لا يشك في هلاك المقصوصين، فإذا بهما سالمين، قد هدى الله الطيارين إلى رزقهما حتى عاشا.
81- ومن شأن طائر يقال له كاسر العظام أن يزق «1» كل فرخ ضائع بعد التوفر على فراخه.
82- والعقاب تبيض في الغالب ثلاث بيضات، فإذا أفرخت خرجت من عشها واحدا لا تزقه، وتقتصر على الاثنين فيعطف عليه كاسر العظام ويزقه مع شرهه وعظم بطنه.
83- اليراعة: طائر صغير إن طار بالنهار كان كبعض الطير، وإن طار بالليل فكأنه شهاب ثاقب قد قذف به، أو مصباح انفصل عن ذبالة «2» .
84- جاءت عبد الله بن جعفر أعرابية بدجاجة، فقالت: أصلحك الله، إن هذه دجيجة «3» دجنت في حجري، كنت أطعمها من فتوتي، وأنومها على فراشي، والمسها في آناء الليل فكأنما ألمس بنتا على كبدي، وإني نذرت لله عز وجلّ أن أدفنها في أكرم بقعة، فلم أجد تلك البقعة إلا بطنك، فضحك من قولها، وأمر لها بعشرة أوقار «4» من زبيب وبر.
فقالت: أصلحك الله أن الله لا يحب المسرفين.(5/419)
الباب السابع والتسعون البعوض، والهمج، والذبان، والفراش والزنابير، والجراد، والجنادب، وما أشبه ذلك
1- النبي صلّى الله عليه وسلّم: خلق الله ألف أمة، منها ستمائة في البرّ، وأربعمائة في البحر. فأول ما يهلك الجراد، فإذا هلك تتابعت الأمم.
2- في الجراد نفع للعباد، لأنه يؤكل ويعاش به، ولأنه إذا أصاب زرعا كان لصحابه الثواب إذا صبر والعوض.
3- علي عليه السّلام: وإن شئت قلت في الجرادة، إذا خلق لها عينين حمراوين، وأسرج لها حدقتين قمراوين، وجعل لها السمع الخفي، وفتح لها الفم السوي، وجعل لها الحس القوي، ونابين بهما تقرض، ومنجلين بهما تقبض، يرهبها الزراع في زرعهم، ولا يستطيعون ذبها «1» ولو أجلبوا بجمعهم، حتى ترد الحرث في نزواتها، وتقضي شهواتها، وخلقها لا تكون إصبعا مستدقة.
4- أبو زهير الكلبي:
قل لأبي الجودي عند الفجر ... أتاك حصاد بغير أجر
مسربلين في ملاء صفر ... لا يتشكين انقلاب الدهر(5/421)
5- لعاب الجراد سمّ لا يقع على شيء إلا أحرقه.
6- المأمون: قالوا أن الذباب إذا دلّك على موضع لسعة الزنبور سكن. فلسعني زنبور فحككت على موضع لسعة عشرين ذبابة فما سكن، فقالوا: هذا الزنبور كان حتفا قاضيا، ولولا هذا العلاج لقتلك.
7- زعموا أن رجلا من ولد حليمة «1» ظئر «2» رسول الله كان أصيد خلق الله كلهم، وأحذقهم بالتدريب، وبلغ من حذقه أنه ضرى «3» ذئبا يصطاد به الظباء والثعالب، وسرق منه فرجع إليه من ثلاثين فرسخا.
وضرى أسدا حتى صار أهليا واصطاد به الحمر والبقر وعظام الوحش.
وضرى الزنابير حتى اصطاد بها الذبان.
8- قالوا: إن الزنبور يأخذ الشيء الذي يتخذ منه بيته من زبد المدود، ولا يدري أمن نفس الزبد أم شيء يكون في الزبد. فسبحان من علمه ذلك البناء العجيب، ودلّه على ذلك الجوهر الغريب.
9- عمر بن أبي ربيعة المخزومي:(5/422)
بخصور تحكي خصور الزنا ... بير رقاق هممن بالانقصاف
10- النحل لا يقع على شيء منتن ولا ينزل على العطر.
11- خطب المأمون فوقع ذباب على عينه فطرده، ثم عاد مرارا حتى قطع عليه الخطبة، فلما صلى أحضر أبا الهذيل فقال له: لم خلق الله الذباب؟ قال: ليذل به الجبابرة. قال: صدقت، وأجازه بمال.
12- قالوا منّ الله على الناس بالذباب، لأنها تأتي على البخارات التي في الهواء بأجنحتها، ولولاها لتكدر عيشهم من الروائح العفنة التي تتحلل في الحر، وأما في الشتاء فالبرد مانع من تحلّل الروائح.
13- الجاحظ: من منافع الذبان أنها تحرق وتخلط بالكحل، فإذا اكتحلت بها المرأة كانت عينها أحسن. ونرى المواشط «1» يستعلمنه ويأمرن به العرائس.
14- من لم يرض بالكفاف وطمحت عيناه إلى ما فوقه، ولم ينظر إلى ما يتخوف أمامه كان مثل الذباب الذي لم يرض بالشجر والرياحين حتى طلب الماء الذي يسيل من أذن الفيل المغتلم «2» ، فيضربه بأذنه فيهلك.
15- ذبان الأسد لا يقوم له شيء، أشد من الزنابير وأضرب من العقارب الطيارة، وهي تعض الأسد كما يعض الكلب ذباب الكلب. ومتى رأت بالأسد أدنى خدش اجتمعن عليه، فلا يقلعن حتى يقتلنه.
16- تأذى الصاحب «3» بالذباب فقال: هذا ذباب «4» السيف لا ذباب الصيف.
17- عنترة:(5/423)
وخلا الذباب به فليس ببارح ... هزجا كفعل الشارب المترنم
غردا يحك ذراعه بذراعه ... قدح المكب على الزناد الأجذم
18- النحل تجتمع فتقسم الأعمال بينها، فبعضها يعمل العسل، وبعضها يعمل الشمع، وبعضها يبني البيوت، وبعضها يستقي الماء.
19- الجاحظ: من علم البعوضة أن وراء جلد الجاموس دما، وأن ذلك الدم غذاء لها، وأنها متى طعنت في ذلك الجلد الغليظ المتين الصلب نفذ فيه خرطومها مع ضعفه على غير معاناة. ولو أنك طعنت فيه بسلاءة «1» شديدة المتن، رهيفة الحد لانكسرت.
20- الجاحظ: غضب صاحب المسلحة على ملاح في أجمة البصرة، فجرده للبعوض مقموطا، فصاح: اقتلني أي قتلة شئت وأرحني، فأبى، فصاح ساعة، ثم عاد صياحه إلى الأنين ثم خفت. فنظرت فإذا هو ميت، وهو أشد سوادا من الزنجي، وأشد انتفاخا من الزق المنفوخ وذلك كله بين العشاءين.
وحكيت أنا الحكاية لعربي، فذكر أن البعوض يقتل البرذون في ساعة.
21- شاعر:
لنعم البيت بيت أبي دثار ... إذا ما خاف بعض القوم بعضا
22- البعض عض البعوض، أو دثار كنية البيت الرقيق الذي يقال له الكلّة «2» .(5/424)
23- بق البطاح مثل، كجرارات الأهواز «1» ، وعقارب شهرزور «2» ، وربما ظفرت بالسكران النائم فلا يبقى منه إلا عظام عارية.
24- أبو إسحاق الصابي:
وليلة لم أذق من حرها وسنا ... كأن في جوها النيران تشتعل
أحاط بي عسكر للبق ذو لجب ... ما فيه إلا شجاع قاتل بطل «3»
من كل شائلة الخرطوم طاعنة ... لا تمنع الحجب مسراها ولا الكلل «4»
طافوا علينا وحرّ الصيف يطبخنا ... حتى إذا نضجت أجسادنا أكلوا
25- يقال للبعوض الأحدب الطنان، والمغنى المعنى.
26- راجز:
إذا تغنين غناء الزط ... وهن مني بمكان القرط
فثق بوقع مثل وقع الشرط.
27- آخر:
يلدغ جلدي شرر النيران ... من طائر يزمر في الآذان
28- في ديوان المنظوم «5» :
أقول لنازل البستان طوبى ... لعيشك ثم يسكتني البعوض
يململه فليس به قرار ... ويثخنه فليس به نهوض
عماه قرصه وطنينه أنّى ... يبيت وعينه فيها غموض(5/425)
كأنك حين يهذي بالأغاني ... تكرر في مسامعك العروض
29- حدث شيخ من أهل اليمامة قال: رأيت بعيرا قد نهشته أفعى فقتلته، وكل شيء حواليه من الطير والسباع التي أكلت منه ميت، وإذا عليه بعوض كثير. فقلت في نفسي:
ما الذي مجته في هذا الجسم العظيم وما هي إلّا في وزن عرق من عروقه حتى قتلته وفسخته؟ وحتى ذاقت هذه السباع منه فهلكت. وأعجب من ذلك أن هذا الخلق الضعيف المهين يأكل منه فلا يضره. فطارت واحدة فوقعت على وجهي، فتورم رأسي، وحملت إلى منزلي في محمل، وتناثر شعر وجهي ورأسي، وعولجت بأنواع العلاج فبقيت أقرع أمرط «1» .
30- لرجل من بني حمان وقع في جند الثغور. «2»
أأنصر جند الشام ممن يكيدهم ... وأهلي بنجد ذلك حرص على النصر
براغيث تؤذيني إذا الناس نوموا ... وبق أقاسيه على ساحل البحر
فإن يك فرض بعدها لا أعدّله ... وإن بذلوا حمر الدنانير كالجمر
31- ضرب من الفراش إذا طار بالليل حسبت أن شرارا يطير.
32- إذا نهق الحمار صعق الذباب. قال ابن مقبل:
ترى النعرات الحمر حني لبانه ... أحاد ومثنى أصعقتها صواهله(5/426)
الباب الثامن والتسعون الحشرات والهوام ونحوها من دواب الأرض، وما اتصل بها وذكر منها
1- خالد بن الوليد سيف الله: دخلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ميمونة «1» زوج النبي فوجدت عندها ضبا محنوذا قدمت به أختها حفيدة بنت الحارث من نجد، فقدمت الضب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان قلما يقدم إليه الطعام حتى يحدث به أو يسمي له. فأهوى بيده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله بما قدمتن له، قلن: هو الضب يا رسول الله. فرفع يده، قلت: أحرام الضب يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه، فاجتررته فأكلته ورسول الله ينظر فلم ينهني.
2- جابر: أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بضب، فأبي أن يأكل منه، وقال: لا أدري لعله من القرود التي مسخت.
3- وروى الخدري أن أعرابيا قال له: إني في غائط مضبة وأنه عامة(5/427)
طعام أهلي، فلم يجبه، فعادوه حتى قال في الثالثة: يا أعرابي، إن الله غضب على سبط من بني إسرائيل فمسخهم دواب يدبون في الأرض، فلا أدري لعل هذا منها، فلا آكله ولا أنهى عنه.
4- وعن عمر رضي الله عنه: إن الله لينفع به غير واحد، وأنه لطعام عامة الرعاع «1» ، ولو كان عندي لطعمته، وإنما عافه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
5- وقال أبو الهندام ولد شبث بن ربعي:
أكلت الظباء فما عفتها ... وإني لأشهى قديد الغنم «2»
وركبت زبدا على تمرة ... فنعم الطعام ونعم الأدم
فأما البسط وحياتكم ... فما زلت منها كثير السقم
وما نلت منها كما نسلتم ... فلم أر فيها كضب هرم
وما في البيوض كبيض الدجا ... ج وبيض الجراد شفاء القرم «3»
ومكن الضباب طعام العريب ... ولا تشتهيه نفوس العجم
6- أطعم جران «4» العود ضيفه ضبا، فهجاه ابن عم له فقال:
وتطعم ضيفك الجوعان ضبا ... كأن الضب عندهم غريب
فأجابه:
ولولا أن أصلك فارسي ... لما عبت الضباب ومن قراها «5»
7- آخر:
قربت للضيف من أضب كشاها ... وأي لوية إلا كشاها «6»(5/428)
اللوية ما يرفع للشيخ أو الصبي من الطعم الطيب.
8- وأنشد الجاحظ:
إنك لو ذقت الكشي بالأكباد ... لما تركت الضب يمشي بالواد
9- حضر بدوي من بني هلال مائدة الفضل البرمكي، فذم الفضل أكله وأفرط، وتابعه القوم فأفرطوا، فغاظ ذلك الهلالي، فلم يلبث الفضل أن أتى بصحفة من فراخ الزنابير ليتخذ منها زماورد، وقد رأى ذلك بخراسان فاستظرفه. فخرج الهلالي وهو يقول:
وعلج يعاف الضب لؤما وخسة ... وبعض أدام العلج هام ذئاب «1»
ولو أن ملكا كابر الحق معلنا ... لقالوا لقد أوتيت فصل خطاب
10- آخر:
لعمري لضب بالعنيزة صائعة ... تضحى عرار فهو ينفخ كالقرم
أحب إلينا أن يجاور أرضنا ... من السمك النهري والسلجم الوخم «2»
11- الأصمعي: يبلغ الحسل «3» مائة سنة ثم تسقط سنة فحينئذ يسمى ضبا.
12- لا يحفر الضبّ إلا في كدية «4» ويطيل الحفر حتى تفنى براثنه، ويتوخى الارتفاع عن مجاري الماء ومداق الحوافر. وقد علم أنه قليل الهداية فلا يحفر إلا عند أكمة أو صخرة أو شجرة، ويمعن في حجره، ويجعل عند ذنبه عقربا يتقي بها يد الحارض «5» .(5/429)
13- أنشد يحيى بن منصور الذهلي:
وبعض الناس أنقض رأي حزم ... من اليربوع والضب المكون
يرى مرداته من رأس ميل ... ويأمن سيل بارقة هتون
ويحفر في الكدى خوف انهيار ... ويحمل مكره رأس الوجين «1»
ويخدع أن رأيت له احتيالا ... رواغ الفهد من أسد كمين
ويدخل عقربا تحت الذنابي ... ويعمل كيد ذي خدع ضنين
14- رأى بعض الفقهاء رجلا يأكل الضب، فقال: اعلم أنك أكلت شيخا من مشيخة بني إسرائيل.
15- أخذ لبدوية ضب تشق في حبالتها، فاسعدت الوالي، فعرض عليها عشرة أضب، فأبت أن ترضى، وقالت، إن ضبي ليس كالضباب، ضبي سبحل «2» حائل أعور عنين «3» ، ضب بكلدة، لم ير ضبة ولم تره، فلم تزل حتى افتدوا منها ببكر من الإبل.
16- أعرابي:
فلو كان هذا الضب لا ذنب له ... ولا كشية ما مسه الدهر لامس
ولكنه من أجل طيب ذنيبه ... وكشيته دبت إليه الدهارس «4»
17- الضبة ترمي بمكنها «5» ثمانين وتدعه أربعين يوما، ثم تجيء بعد الأربعين فتبحث عن مكنها فإذا حسلة يتعادين، فتأكل منه ما قدرت عليه.
18- وذنب الضب أخشن من السفن، وهو سلاحه وقد أعطي فيه من(5/430)
القوة نحو ما أعطيت العقاب في كفها، فربما ضرب الحية فقطعها أو قدها.
19- وخرء «1» الضب صالح للكوكب «2» في العين، وقد يتداوى به الأعراب من وجع الظهر.
20- أبو حية العكلي: كانت الضبة دجاجة، وكانت الأرنب دراجة «3» ، يعني أن الطعمين متشابهان.
21- شاعر:
شديد اصفرار الكشيّين كأنما ... تطلى بورس بطنه وشمائله «4»
فذلك أشهى عندنا من نتاجكم ... لحى الله شاريه وقبح آكله «5»
21- إعرابي:
سقى الله أرضا يعلم الضب أنها ... بعيد من الآفات طيبة البقل
بنى بيته فيها على رأس كدية ... وكان أمرا في حرفة العيش ذا عقل
22- وأنشد الأصمعي:
ذكرتك ذكرة فاصطدت ضبا ... وكنت إذا ذكرتك لا أحيب
منحتكم المودة من فؤادي ... ومالي من مودتكم نصيب
23- ومن خصائص الضب طول الذماء بعد الذبح، وهشم الرأس، والطعن الجائف، وطول العمر. ومنه المثل: لا آتيك سن الحسل وإن له نزكين ولأنثاه قرنان. قال:(5/431)
سبحل له نزكان كانا فضيلة ... على كل حاف في الأنام وناعل «1»
ويشركه في هذا الحرذون والسنقور «2» . ومن الضباب ما له لسانان، ويأكل أولاده كالهرة.
24- الورل «3» يقتل الضب، وهو أشد منه سلاحا. وقد يزيف إلى الإنسان وينفخ ويتوعد.
25- وعن بعض العرب: نجعت ورلا بطرره فنظرت فإذا هو قد عض إبهامي حتى اختفت فيها أسنانه، فلم يخلها حتى عضضت على رأسه، وشققته فإذا في قانصته حيتان عظيمتان، يشدخ رأس الحية ثم يبتلعها، وليس في الحيوان أقوى على أكل الحيات منه، ولا أكثر سفادا حتى لقد طم «4» على العصفور والخنزير والذباب في ذلك. ويغتصب الحية بيتها كما تغتصب الحية بيوت سائر الأحناش والطير.
26- كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحب بلالا ويمازحه، فرآه يوما وقد خرج بطنه فقال: أم حبين، وهي عظاية لها بطن بارز، وذكرها الحرباء، ويقال لها أم عويف، ويقول لها صبيان العرب:
أم عويف شمّري برديك ... إن الأمير غاضب عليك
وضارب بالسوط صفحتيك
فتنشر برديتها وتقوم على رجليها.
وهذا كما تقول للطحن، وهو يشبه أم حبين: أطحن لنا جرابنا، فيطحن بنفسه الأرض حتى يغيب فيها.
27- خطب ابن الأشعث فقال: أيها الناس، أنه ما بقي من عدوكم إلا كما بقي من ذنب الوزغة «5» تضرب بها يمينا وشمالا ثم لا تلبث حتى(5/432)
تموت. فمر به رجل من بني قشير فقال: قبح الله هذا ورأيه، يأمر أصحابه بقلة الاحتراس وترك الاستعداد.
28- ابن عباس: الوزغ بريد الشيطان لأنه يرسله ليفسد على الناس ملحهم. ورأيت أهل مكة أحرص شيء على قتل الوزغ، وعلى تحصين الملح وحفظه منه. ويقولون: إذا تمرغ فيه تمرغ الدابة في التراب أفسده على صاحبه وحوله إلى مادة لتولد البرص.
29- دخل أعرابي البصرة فاشترى خبزا فأكله الفار، فقال:
عجل رب الناس بالعقاب ... لعامرات البيت بالخراب
كحل العيون وقص الرقاب ... مجررات أجبل الأذناب
كيف لنا بأنمر الإهاب ... منهرت الشدق حديد الناب «1»
كأنما برثن بالحراب ... تفرسها كالأسد الوثاب
30- تزعم العامة أن الفأرة كانت طحانة، والأرضة «2» كانت يهودية، ولذلك يلطخون الأجداع بمرقة لحم الجزور.
31- يجمع بين الفأرة والعقرب في زجاجة، فتقرض إبرتها أولا حتى تتعجل السلامة من لدغتها، ثم تأكلها بعد ذلك.
32- الجرذ إذا خصي أكل الجرذان أكلا لا يقوم له شيء منها. قالوا: الخصي من كل جنس أضعف من الفحل إلا الجرذ، فإن الخصاء يحدث فيه شجاعة وجرأة لا يدع الجرذان الكبار التي غلبت الهررة وبنات عرس «3» إلا قتلها.(5/433)
33- خرء «1» الفأره نافع من داء الثعلب «2» .
34- من الناس من يمشي إلى الأسد، ويقبض على الثعبان، ولا يقدر أن ينظر إلى الجرذ، ويعتريه عند رؤيته من النفضة «3» والاصفرار ما لا يعتري الصبور على السيف وهو يلاحظ بريقه عند قفاه.
35- بينا عبد الله بن خازم السلمي عند عبيد الله بن زياد إذا هو بجرذ أبيض دخلوا به للتعجب فتجمع ابن خازم حتى كأنه فرخ، واصفرّ وجهه فقال عبيد الله: أبو صالح يعصى الرحمن، ويتهاون بالشيطان، ويقبض على الثعبان، ويمشي إلى الأسد، ويلقى الرماح بوجهه، وقد اعتراه من جرذ ما ترون. أشهد أن الله على كل شيء قدير.
36- جرذان الأنابير «4» تخرج أرسالا إلى الماء، والجريّ «5» قد كمن لها وهو فاتح فاه، فإذا عب الجرذ في الماء التهمه.
37- ربما قطعت الفأرة أذن النائم، وفي الفأر ما إذا عضّ قتل. قال الجاحظ: وأنا رأيت عند ذلك من العظاظ والعفاس «6» ما لا يكون بين شيئين. ويزعمون أنهم لم يروا بين سبعين أو بهيمتين أشد من قتال بين جرذين. ويأتي الجرذ إلى القارورة الضيقة الرأس فيها الدهن، فيضرب بذنبه، فكلما ابتل أخرجه فلطعه، حتى لا يبقى فيها شيئا.
38- الهرة إنما تحتاط في دفن رجيعها «7» وإخفاء رائحته لئلا تشمها(5/434)
الفأرة فتهرب. وأحسن من هذا أن يلهمها الله ذلك لأنها من الطوافين عليهم والطوافات، لينظروا إلى فعلها فيتعلموا منها إخفاء عذرتهم، ولا يتركوها بارزة مكشوفة، كما هي عادة أكثرهم الذين هم شر من البهائم.
39- ربما كان السنور في الأرض، والفأرة في السقف، فلا يومىء لها ثلاث مرات إلا دير بها فزعا وطاحت فأكلها.
40- أبو زيد الأنصاري: دخلت على رؤبة «1» وإذا هو يمل جرذانا ويأكلها، وقال: إنها خير من اليرابيع والضباب إنها تأكل التمر والخبز.
41- سمع قاص يقول: اللهم أكثر جرذاننا وأقلل صبياننا.
42- الحيات تبتلع الجرذان، وزعموا أنها منتنة الجلود والجروم لذلك، بخلاف الأفاعي فإنها تأكل الفار. وربما كانت الحية في غلظ الإبهام وقد ابتلعت جرذا أغلظ من الذراع.
43- يسقى صاحب الأسر خرء الفار فيطلق، ويحتمله الصبي فيشفيه من الحصر.
44- اطلع رجل من أهل الشام على جرذ أخرج من جحره دنانير كثيرة فركمها وأخذ يلعب بها. ثم أخذ يدخلها في جحره فقام وأخذ الدنانير.
فأقبل الجرذ يثب ويضرب بنفسه الأرض حتى مات.
45- يزعم أهل القاطول «2» أن الفأر يخلق من طينة، وأنهم ربما رأوا الفأرة لم يتم خلقها بعد، فلا يريمون «3» حتى يتم وتتحرك.
46- قال عمرو بن كركرة لأعرابي: أتأكلون القرنبي «4» ؟ قال: طال(5/435)
والله ما سال ماؤه على شدقيه.
47- الخلد أعمى أصم، يخرج من جحره فيقف على بابه ويفتح فاه، فيجيء الذباب فيسقط على شدقيه أو يمر بين لحييه، فيستدخلها بجذبه النفس، يعلم أنه رزقه وقسمته. ويخرج من جحره ترابا فيضعه حوله، وهو صالح للنقرس «1» يبل بالماء ويطلى به موضعه.
48- من اليربوع واحتياله بما يسوي من محافره التي إذا طلب من هذا خرج من هذا، ومن هذا أخذت الزباء «2» عمل الأنفاق. ومن شأنه أن يمشي على زمعاته في السهولة لئلا يتقصى أثره، كما تؤبر الأرنب.
49- القنفذ إذا نزعت فروه فما هو إلا شحمة قاعدة، والأعراب تستطيبه، وهو صالح للرياح. يشّبه به كل دخاس «3» ونمام وناموس لأنه لا يظهر إلا بالليل. قال عبدة بن الطبيب:
قوم إذا دمس الظلام عليهم ... خرجوا قنافذ بالنميمة تمزع
50- ومن القنافذ جنس أعظم من هذه القنافذ، له شوك كصياصي «4» الحاكمة والمداري «5» ، وقد سخر له وذلل وهيئت له، لأنه متى شاء أن يعمل منها شيئا يرمي به الشخص الذي يخافه فعل، وخرج كالسهم الذي(5/436)
يحفزه الوتر. ونحو شجر الخروع إذا جف حبه في أكمامه تصدّعت عنه بعض التصدع حذف به، فربما وقع على أكثر من قاب مح طويل.
51- والبرذون يسقط عليه الذباب فيحرك ذلك الموضع من جسده أي موضع كان، سخره الله له كما مكنه من تحريك ذنبه.
52- ومن الناس من يحرك أذنيه، وربما حرك إحديهما، ومنهم من يبكي بإحدى عينيه، وبالتي يقترحها عليه المعنت. ويحكى عن جوار باليمن أن إحداهن تشخص قرنا من قرون رأسها أي قرن شاءت حتى ينتصب.
53- شاعر:
حمحم بعد حلقه ونورته ... كقنفذ القف اختبى في فروته «1»
54- اعترض رجل عبد الله بن الزبير في خطبته بكلمة، ثم طأطأ رأسه، فقال: ما له قاتله الله ضبح «2» ضبحة الثعلب وقبع قبعة القنفذ.
55- بعضهم: رأيت حية ابتلعت كبشا عظيم القرنين، فلم تقدر على ابتلاع القرنين، فجعلت تضرب به يمنة ويسرة حتى كسرت القرنين وابتلعتهما.
56- يقطع ذنب الحية فتعيش إن أفلت من الذر «3» .
57- قيل إن بالحبشة حيات تطير بها. ويزعمون أن الكمأة تعفن فيخلق منها أفاعي. ومن العجب أن الأفعى لا ترد الماء، ولا تريده، وهي مع ذلك إذا وجدت الخمر شربت منها حتى تسكر.
58- الثعبان عجيب الشأن في إهلاك بني آدم، يلّوي على ساق(5/437)
الإنسان فيكسرها. وليس له إلا النمس، وهي دويبة تدنو منه فينطوي عليها يريد أكلها، فتحتشي ريحا وتزفر زفرة، فينقد الثعبان قطعا. ولولا النمس لأكلت الثعابين أهل مصر.
59- أبو حيان وأبو يحيى كنية الأفعوان لأنه يعيش ألف سنة.
60- ابن الحجاج وقد وهبت له دابة:
فديت من صيرني راكبا ... ولم أزل أرجل من حية
فديته إن فدائي له ... في قلب من يحده كية
61- رجلة الحية مشيها على بطنها.
62- جلود الحيات لا تفارقها، وإنما الذي يسلخ قشر فوق الجلد، وغلاف يخلق كل عام، كما يسلخ الجنين المشيمة. والطير سلخها تحسيرها. والحوافر سلخها عقائقها. وسلخ الإبل طرحها أوبارها. وسلخ الأيائل نصول قرونها. وسلخ الأشجار إلقاء ورقها.
63- النابغة:
صلّ صفا لا ينطوي من القصر ... جارية قد صغرت من الكبر
مهروقة الشدقين حولاء النظر ... يفتر عن عوج حداد كالأبر
64- الحرباء ربما رآه الإنسان فتوعّده ونفخ وتطاول له حتى يفزع منه من لا يعرفه. وما عنه خير ولا شر.
65- السنقور «1» إنما ينفع أكله إذ صيد في أيام سفاده، لأن لحم الهائج أهيج لآكله.
66- مر ماجن بالمدينة على ملسوع، فقال: أتريد أن أصف لك دواؤك؟ قال: نعم، قال: عليك بالصياح إلى الصباح.(5/438)
67- سمع عالم رجلا يقول: أنا مثل العقرب أضر ولا أنفع. فقال:
ما أقل علمك! بل لعمري إنها تنفع، إذا شقّ بطنها ثم شدّت على موضع اللسعة، وتجعل في جوف فخار ويشدّ رأسه وتطيّن جوانبه ثم توضع في التنور، فإذا صارت رمادا سقي منه من به الحصاة مقدار نصف دانق «1» فتتت الحصاة. وقد تلسع أصحاب ضروب من الحيات فيشفون. وتلقى في الدهن فيجتذب الدهن قواها فيكون مفرقا للأورام الغلاظ. وتلسع الأفاعي فتموت.
68- بعضهم: رأيت بالبادية ناقة قد نهشت الأفعى مشفرها والفصيل يرضعها، فبقيت الناقة سادرة «2» واقفة، وخرّ الفصيل ميتا قبلها، فتعجبت من سرعة ما سرى السم في لبن ضرعها حتى قتل الفصيل قبل أمه.
69- عقارب القاطول «3» يموت بعضها عن لسع بعض، ولا يموت عن لسعها غير العقارب.
70- لسع أعرابي فخيف عليه، فقيل: ليس شيء خير له من أن تغسل خصية زنجي عرق ويسقى غسالتها، فلمّا سقوه قطب، فقيل له:
طعم ماذا تجد؟ فقال: طعم قربة جديدة.
71- أرض حمص لا تعيش فيها العقارب، يزعم أهلها أن ذلك لطلسم. وإن طرحت فيها عقرب ماتت من ساعتها.
72- النبي صلى الله عليه وسلّم: لعن الله العقرب ما أخبثها! تلسع المؤمن والمشرك، والنبي والذمي.(5/439)
73- الصاحب: كتبت من قاشان «1» وقد قاسيت من خوف عقاربها ما يقاسيه شيخنا أبو عبد الله من عقارب الأصداغ.
74- ذكروا أن أقتل العقارب عقارب عسكر مكرم «2» ، وأهله يرون أن أصلح ما يعالج به موضع اللسعة مص الحجام «3» ، وربما فصلت ثنايا الحجام من مصه.
75- لسعت عقرب مفلوجا فذهب عنه الفالج. وولد الحامل التي لسعت وربما ماتت ولم تضره. وأشدّ اللسع أن تلسع أول ما تخرج من جحرها بعد أن أقامت فيه فتوّتها.
76- مشايخ الأعراب لا يقتلون ورلا «4» ولا قنفذا، ولا يدعون أحدا يصطادهما، لأنهما يقتلان الأفاعي ويريحان منها.
77- شتم رجل الأرضة. فقال له بكر بن عبد الله المزني: «مه «5» ، فهي التي أكلت الصحيفة التي تعاقد المشركون فيها على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبها تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.
78- الجاحظ: وإن الذي يعجز عن صنعة السرفة «6» وعن تدبير(5/440)
العنكبوت في قلتها ومهانتها وصغر جرمها، ما ينبغي أن يتكبر في الأرض، ويمشي الخيلاء، ويتهكم في القول، ويتعالى ولا يستثني. وليعلم أن عقله منحة من ربه. وأن استطاعته عارية عنده.
79- إذا قدم القوم ليلة القرب من يصلح لهم أدوات السقي، عرفوا بانتعاش القردان دنوهم، من غير أن يحسوا حسا، فائتزروا وتهيّأوا للعمل.
قال ذو الرمة:
إذا سمعت وقع المطي تنعشت ... غشاشها من غير لحم ولا دم
80- احفظ بالأعجام في الغين فقد قلّ في زماننا المحتفظون به وبأمثاله.
81- الحرقوص دويبة أكبر من البرغوث، وعضها أشد من عضّه، وهي متولعة بفروج النساء تولع النملة بالمذاكير. وينبت لها جناحان فتصير فراشة، كما ينبتان للنحلة والجعل «1» .
وقيل الحرقوص البرغوث بعينه، واحتجّ يقول الطرماح:
ولو أن حرقوصا على ظهر قملة ... يكسر على صفي تميم لولّت
ويقال له النهيك، قال أعرابي وقد عض بهن امرأته:
وإني من الحرقوص أن عض عضة ... لما بين رجليها لجدّ غيور
تطيب نفسي عندما يستفزني ... مقالتها إن النهيك صغير
82- أعرابية:
يا أيها الحرقوص مهلا مهلا ... أإبلا أعطيتني أم نخلا
أم أنت شيء لا- يبالي الجهلا
83- كان أبو هريرة يفلي ثوبه فيلتقط البراغيث ويدع القمل، فقال له أنس، فقال: أبدأ بالفرسان ثم أعكر على الرجالة.(5/441)
84- الجاحظ: البرغوث أسود أحدب نزاء، قال بعضهم: دبيبها من تحتي أشد علي من عضها. وليس ذلك بدبيب، والكن البرغوث خبيث، يستلقي على ظهره ويرفع قوائمه فيدغدغ بها، فيظن من لا علم له أنه يمشي تحت جنبه.
85- أعرابي:
ليل البراغيث عناني وأنصبني ... لا بارك الله في ليل البراغيث
كأنهن وجلدي إذ خلون له ... أيتام سوء أغاروا في المواريث
86- محبوب بن أبي العشنط النهشلي:
الليل نصفان نصف للهموم فما ... أقضي الرقاد ونصف للبراغيث
أبيت حتى تساميني أوائلها ... أنزو وأخلط تسبيحا بتغريث «1»
سود مداليج في الظلماء مؤذية ... قال المليك لها في جلده عيثي
87- أعرابي:
ألا يا عباد الله من لقبيلة ... إذا ظهرت في الأرض شد مغيرها
فلا الدين ينهاها ولا هي تنتهي ... ولا ذي سلاح من معدّ يضيرها
88- لقي قوم الجهد من براغيث دمشق وأنطاكية، فما خلصهم منها إلا قمص الحرير الصيني، جعلوها طويلة الأردان والأبدان، فناموا مستريحين.
89- أبو الرماح الأسدي:
تطاول بالفسطاط ليلي ولم يكن ... بحنو الغضا ليلي عليّ يطول
يؤرقني حدب قصار أذلة ... وإن الذي يؤذينه لذليل
إذا جلت بعض الليل منهن جولة ... تعلقن بي أو جلن حيث أجول
إذا ما قتلناهن أضعفن كثرة ... علينا ولا ينعى لهن قتيل
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... وليس لبرغوث عليّ سبيل(5/442)
90- آخر:
هنيئا لأهل الري طيب بلادهم ... وأن أمير الري يحيى بن خالد
بلاد إذا جن الظلام تظافرت ... براغيثها من بين مثنى وواحد
ديازجة سود الوجوه كأنها ... بغال بريد أرسلت من مذاود «1»
91- القمل لا يحدث من الوسخ أو العرق إذا علاهما ثوب أو ريش أو شعر حتى يكون لذلك المكان عفن وخموم.
92- وعن يحيى بن خالد البرمكي: شيئان يورثان القمل، الإكثار من أكل التين اليابس، وبخار اللبان. وثياب أكثر الناس تقمل إلا ثياب المخدمين المترفين، وربما كان الإنسان قمل الطبع وإن تنظّف وتعطّر وبدّل الثياب.
93- كساء عرض لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام حتى استأذنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في لبس الحرير، فأذن لهما.
94- ويسرع القمل إلى الدجاج والحمام إذا لم يغسل ولم ينظف بيته. ويعرض للقرد، فإذا أصاب قملة رمى بها في فيه.
95- وخرج محمد بن زبيدة في أيام محاربته المأمون متنّزها، فرأى دعارا قد تطافروا من الحانات، فأراد أن يدخل عليهم في مساكنهم ويسمع من حديثهم، فقعد ساعة فدبت قملة على ثوبه فتناولها بعض خدمه، فقال: أي شيء تناولت؟ فأخبره، فقال: أرنيها فقد والله سمعت بها وما رأيتها. قال الخادم: فتعجبت من المقادير كيف ترفع رجلا في السماء وتحط آخر في الثرى.
96- وألوان القمل على حسب مقارّه، فهو في رأس الأسود أسود، وفي رأس الأبيض أبيض، وفي رأس المختضب أحمر، وفي رأس الأشمط(5/443)
أبرق، وفي وقت فصول الخضاب يكون أشكل، فإذا أبيض عاد أبيض.
وهكذا تخضرّ دود البقل وجراده وذبابه.
97- وليس ذلك بأعجب من حرة بني سليم «1» حيث اسودّ كل شيء فيها من إنسان وبهيمة وطائر وهامة. وبلاد الترك جميع حيواناتها على صور الترك.
98- علي عليه السّلام: ألا تنظرون إلى صغير ما خلق الله كيف أحكم خلقه وأتقن تركيبه؟ وفلق له السمع والبصر، وسوى له العظم والبشر، أنظروا إلى النملة كيف في صغر جثتها ولطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا يستدرك الفكر، كيف دبت على أرضها، وصبت على رزقها، تنقل الحبة إلى جحرها، وتعدها في مستقرها، تجمع في حرّها لبردها، وفي وردها لصدرها «2» ، لا يغفلها المنان، ولا يحرمها الديدان، ولو في الصفا «3» اليابس، والحجر الجامس.
ولو فكرت في مجاري أكلها، وفي علوها وسفلها، وما في الجوف من شراشيف بطنها، وما في الرأس من عينها وأذنها، لقضيت من خلقها عجبا، ولقيت من وصفها تعبا، فتعالى الذي أقامها على قوائمها، وبناها على دعائمها. لم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه على خلقها قادر.
99- إذا خافت الذرة على الحب أن يفعن أخرجته إلى ظهر الأرض ليجف.
وربما اختارت لذلك الليل، لأن الليل أخفى، وفي القمر لأنها فيه أبصر، وإذا خافت أن ينبت في مكان ند نقرت موضع القطمير «4» من وسط الحبة، وهي تعلم أنها من ذلك الموضع تبتدىء في البنات.(5/444)
100- وعن لقمان: يا بني لا تكونن الذرّة أكيس منك تجمع في صيفها لشتائها.
101- وعن عمر بن عبد العزيز: قاتل الله زيادا، جمع لهم كما تجمع الذرة وحاطهم كما تحوط الأم البرة.
102- الذرة تفلق الحب أنصافا لئلّا ينبت فيفسد، وأما الكزبرة فتفلقها أرباعا، لأنها من بين الحب ينبت نصفها. قال الجاحظ: وهذا علم غامض إذا عرفه الفلاح المجرب والأكار «1» الحاذق فقد بلغ الغاية.
103- وتجد من بعيد رائحة شيء لو وضعته على أنفك لم تجد له رائحة، كرجل دجاجة يابسة، تجد رائتحها من جوف جحرها، فإذا تكلفت حملها وأعجزتها استدعت إليها سائر الذر واستعانت بها.
104- إذا نضح باب قرية النمل بماء فيه زرنيخ أو كبريت هجرتها وهربت منها. وتهرب من دخان الميعة «2» ودخان قرن الأيل.
105- الظربان «3» أنتن خلق الله فسوة، تصيب الثوب فلا تذهب حتى يبلى، ويفسو في الهجمة «4» وهي باركة فتتفرق، فلا تجمع إلا بجهد.
ويقال: هما يتسمان ظربانا، إذا تهاجرا. ويدخل جحر الضب فيسد خصاصه وفروجه ببدنه، وهو مستدير لأسفل الجحر حيث أمعن فيه، فما يرسل ثلاثا إلا خرج الضب وأعطى بيده، وكان الموت أهون عليه.
106- ليث عفرين ضرب من العناكب له ست أعين، يصيد الذباب صيد الفهود. إذا رأى الذباب لطى بالأرض وسكن أطرافه، فمتى وثب لم يخطىء.(5/445)
107- شحمة الأرض: دويبة منقطة بحمرة، كأنها سمكة بيضاء، أعرض من الغطاية «1» ، تشبه كف المرأة بها.
108- قملة النسر إذا سقطت استحالت منها دويبة خبيثة أكبر من القملة تكون بمهرجان «2» تفسخ الإنسان بأوحى من الإشارة باليد.
109- إذا أقربت «3» العقرب أكل أولادها جلد بطنها وخرقته حتى تخرج، وقد ماتت الأم وقيل في ذلك:
وحاملة لا تكمل الدهر حملها ... تموت وينمى حملها حين تعطب
110- العقارب القتالة تكون بشهزور «4» ، وقرى الأهواز، وعقارب نصيبين «5» من شهرزور، لأنهم حوصروا ورموا في المجانيق بكيزان محشوة من عقارب حتى توالدت هناك.
111- صيد العقرب أن تشك جرادة في طرف عود، وتدخل في جحرها، فتعلق بها. وتدخل فيه خوط كراث فلا تبقى فيه عقرب إلا تبعته.
وهذا آخر الكتاب. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلّم تسليما كثيرا.(5/446)