بيان الأول: أن القياس لم يكن حجةً إلا بالنصوص، فهو فرعها، ولأن المقيس عليه لابد وأن يكون منصوصاً عليه، فصار القياس فرع النصوص من هذين الوجهين، وأما أن الفرع لا يُقدَّم على أصله؛ فلأنه لو قُدِّم (1) على أصله لأبْطَل أصله، ولو أبطل أصله لبطل (2) ، [فلا يَبْطُل أصله] (3) .
والجواب عن هذه النُّكْتة: أن النصوص التي هي أصل القياس غيرُ النص الذي قُدِّم عليه القياس فلا تناقض، ولم يُقدَّم الفرع على أصله بل على غير أصله.
تنقيح المناط وتخريجه وتحقيقه
ص: وهو إن كان (4) بإلغاء الفارق (5) فهو تنقيح المناط* عند الغزالي، أو باستخراج الجامع من الأصل، ثم تحقيقه في الفرع، فالأول: تخريج المناط، والثاني: تحقيقه (6) .
الشرح
المناط اسم مكان الإناطة، والإناطة التعليق والإلصاق (7) ، قال حسَّان بن ثابت
_________
(1) في ق: ((تَقَدَّم)) .
(2) ساقطة من ن.
(3) ساقط من ن، س.
(4) هنا زيادة ((الحكم)) في ن، وهي زيادة لا معنى لها.
(5) القياس بإلغاء الفارق: هو بيان أنّ الفرع لم يفارق الأصل إلا فيما لا يُؤَثِّر، فيلزم اشتراكهما في المؤثر. انظر: تشنيف المسامع 3 / 321، مفتاح الوصول ص 717.
(6) محل الكلام عن هذه المسائل حسب الترتيب المألوف أن يكون في مباحث مسالك العِلَّة، ولهذا نجد المصنف كرَّر مبحث " تنقيح المناط " في الفصل التالي لهذا، في المسلك الثامن ص (348) . ولكن ربما كانت مناسبة البحث فيها هنا الوقوف على أيّ ضَرْبٍ من أضرب الاجتهاد في العلة يُسمَّى قياساً، ثم أيّ ضربٍ منها وقع الاتفاق على الاحتجاج به؟ والله أعلم. انظر تعريفات هذه المصطلحات في: رسالة في أصول الفقه للعكبري ص 80، أساس القياس للغزالي ص 37، الإحكام للآمدي 3 / 302، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 233، الإبهاج 3 / 80، تيسير التحرير 3 / 42، نشر البنود 2 / 164.
(7) جاء في مصباح المنير ص (324) قوله: ((ناطه من باب قال: علَّقه. واسم موضع التعليق مَنَاط بفتح الميم)) . وفي المعجم الوسيط ص (963) ((أناط الشيءَ به، وعليه: ناطه)) . فعلى هذا يكون اسم المكان من الثلاثي ناط: مَنَاط، ومن الرباعي أناط: مُنَاط، وبهذا يكون: المَنَاط اسم مكانٍ من النَّوْط لا من الإناطة كما ذكره المصنف. انظر: حاشية العطار على شرح المحلي لجمع الجوامع 2 / 337، وانظر: مادة ((نوط)) في: معجم المقاييس في اللغة، لسان العرب.(2/314)
فيمن هجاه (1) :
وأنْتَ زَنِيْمٌ نِيْطَ في آلِ هَاشِمٍ كما نِيْطَ خَلْفَ الراكبِ القَدَحُ الفَرْدُ (2)
أي: عُلِّق، وقال حبيب (3) الطائي (4) :
بِلادٌ بها نِيْطَتْ عَليَّ تمائمي وأولُ أرضٍ مَسَّ جِلْدِي تُرَابُها (5)
أي: عُلِّقتْ عليَّ الحُروز (6) فيها، والعلة رُبِط بها الحكم وعُلِّق عليها، فسُمِّيتْ
_________
(1) هنا زيادة في نسخة " ق " - جاءت في أصل الكتاب - وهي: ((وهو أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف فليس له ببني هاشم تعلُّقٌ ألبتة، وإنما يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبد مناف وهذا معلوم)) .
والصحيح أن المَهْجُوَّ هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، ابن عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم، وأخوه من الرضاعة، كان يهجو النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه عشرين سنة، ثم أسلم عام الفتح، وصمد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين. انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 4 / 49، الإصابة في تمييز الصحابة 7 / 151.
ومطلع القصيدة:
لقد عَلِم الأقوامُ أنَّ ابنَ هاشمٍ هو الغُصْنُ ذو الأَفْنَانِ لا الواحدُ الوَغْدُ
انظر: شرح ديوان حسان بن ثابت ص 212.
(2) البيت بحره من: الطويل. وهو مسطَّر في ديوانه بشرح البرقوقي ص (213) ، وورد في لسان العرب
(
7 / 420) ، ولفظه: وأنت دَعِيٌ نيط ... ، وفي الاستيعاب لابن عبد البر (1 / 336) لفظه: وأنت هَجِيْنٌ نيط ... ، والزَّنيم: هو المُسْتَلْحق بالقوم وليس منهم، لا يُحتاج إليه، تشبيهاً له بزنمتيِّ شاة المَعْز اللتين في عُنُقها. انظر: عمدة الحفاظ 2 / 149، مختار الصحاح مادة ((زنم)) . والمراد بقوله: كما نيط خلف الراكب القدح الفرد، أي تأخيره في الذِّكْر، كما يعلّق الراكب قدحه في آخر رَحْله عند فراغه من ترحاله. انظر: شرح ديوان حسان بن ثابت ص 214.
(3) في س: ((خلف)) وهو تحريف.
(4) هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، المعروف بأبي تمام، الشاعر الشهير، ولد عام 188 هـ، استقدمه المعتصم إلى بغداد، وقدَّمه على من حوله من الشعراء، توفي عام 231 هـ في الموصل. له ديوان الحماسة (ط) ، فحول الشعراء. أُفْرِدتْ سيرته بالتأليف من ذلك: أخبار أبي تمام للصولي، أبو تمام الطائي حياته وشعره لنجيب الهبيتي. انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8 / 248، خزانة الأدب 1 / 356.
(5) البيت بحره من: الطويل، والمصنف نسب هذا البيت لحبيب (أبي تمام) ، وكذا في: نفائس الأصول 7 / 3087، وفي نهاية السول للإسنوي 4 / 138. ولم أعثر عليه في ديوانه. لكنه في لسان العرب، وتاج العروس كلاهما في مادتيْ: ((نوط)) ، و ((تمم)) منسوب إلى رِقَاع بن قيس الأسدي. والبيت جاء في مقدمة كتاب " أخبار أبي تمام " للصولي ص (22) غير منسوبٍ لأحدٍ، وربما جاء اللَّبْس من هذا.
(6) حروز: جمع حِرْز؛ لأن الاسم الذي جاء على وزن " فِعْل " فإنه يجمع على " فُعُول " و " أفْعَال ".
انظر: شرح شافية ابن الحاجب (2 / 92) ، والحِرْز: الموضع الحصين، يقال: هذا حِرْزٌ حَرِيْزٌ، ويُسمى التعويذُ حِرْزاً. والحِرْز: العُوذة. انظر: مادة ((حرز)) في: القاموس المحيط، مختار الصحاح.(2/315)
مناطاً على وجه التشبيه (1) والاستعارة.
واختلف الناس في تنقيح المناط، فقال الغزالي: هو إلغاء* الفارق، كما تقول لا فارق بين بيع (2) الصفة (3)
و (4) بيع الرؤية إلا الرؤية، وهي لا تصلح أن تكون فارقاً
في متعلَّقات (5) أغراض المبيع، فوجب استواؤهما في الجواز، ولا فارق بين الذكور والإناث في مفهوم الرِّقِّ (6) وتشطير (7) الحَدِّ، فوجب استواؤهما فيه، وقد ورد النص بذلك في أحدهما في قوله تعالى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ (8) } (9) [ولا فارق بين الأَمَة والعبد في التقويم (10) على مُعْتِق الشِّقْص (11) ، فوجب استواؤهما في ذلك (12) ، فإن النص إنما ورد في العبد الذَّكَر خاصة] (13) في قوله
_________
(1) انظر: البحر المحيط للزركشي 7 / 322.
(2) ساقطة من س.
(3) بيع الصفة نوعان، أحدهما: بيع عَيْنٍ معينة، مثل أن يقول: بِعْتُك عبدي التُرْكِي، ويذكر سائر
صفاته ... ، والثاني: بيع موصوفٍ غير معين، مثل أن يقول: بِعْتك عَبْداً تُرْكياً، ثم يستقْصي صفات السَّلَم، فهذا في معنى السلم. المغني لابن قدامة 6 / 34. وانظر آراء العلماء في حكمه في: الحاوي
5 / 14، بدائع الصنائع 6 / 607، المغني 6 / 31، مواهب الجليل 6 / 118.
(4) هنا زيادة ((بين)) وهناك من يخطِّيء تكرير " بين " بين اسمين ظاهرين، لكن قال أفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وسلم ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) رواه مسلم (134) . انظر: درة الغواص للحريري ص 72، معجم الخطأ والصواب د. أميل يعقوب ص 95.
(5) في ن: ((معلَّقات)) والمثبت أنسب لكثرة استعماله فيما ذُكر.
(6) أي في سراية العتق.
(7) التّشْطير: التنصيف، وشَطْر كل شيء: نِصْفه. المصباح المنير مادة ((شطر)) .
(8) سورة النساء، من الآية: 25.
(9) مسألة تشطير الحَدِّ انظرها في: المغني 12 / 331، مغني المحتاج 5 / 450، مواهب الجليل 8 / 397، رد المحتار (حاشية ابن عابدين) 6 / 17.
(10) في ن: ((التقديم)) وهو تحريف.
(11) الشِّقْص والشَّقِيْص: هو الطائفة من الشيء والقطعة من الأرض، وهو النصيب من العين المشتركة في كل شيء. انظر: النهاية لابن الأثير، لسان العرب كلاهما مادة ((شقص)) .
(12) انظر المسألة في: الحاوي 18 / 5، بداية المجتهد 5 / 458، بدائع الصنائع 5 / 313، المغني 14 / 369، الذخيرة 11 / 149.
(13) ما بين المعقوفين ساقط من ق.(2/316)
عليه الصلاة والسلام: ((من أعتق شِرْكاً له في عبد)) (1) ونحو ذلك، فهذا القياس يُسمى (2) : تنقيح المناط على اصطلاح (3) هؤلاء.
وقال الحَسْكَفِي (4) في " جَدَلِهِ " (5) وغيره (6) : تنقيح المناط: هو تعيين علة من أوصاف مذكورة، وتخريج المناط: هو استخراجها من أوصاف غير مذكورة (7) (8) . مثال الأول: [حديث الأعرابي] (9) ((جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يَضْرِب صَدْره ويَنْتِفُ شَعْرَه فقال: هلكْتُ وأهلكْتُ؛ واقعتُ أهلي في شهر رمضان. فأوجب عليه الصلاة والسلام عليه (10) الكفارة)) الحديث المشهور (11)
فذُكِر في الحديث كونه أعرابياً،
_________
(1) تتمة الحديث: ((فكان له مال يبلغ ثمن العبد قُوِّم العبد عليه قيمة عَدْلٍ فأَعْطى شركاءهم حصصهم، وعَتَق عليه العبد، وإلاَّ فقد عَتَق منه ما عَتَق)) رواه البخاري (2522) ، ومسلم (1501) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2) ساقطة من ن.
(3) في ن: ((استواء)) وهي خطأ؛ لعدم إفادتها المعنى المطلوب.
(4) هكذا في س، ن، ق، ش، وفي و، ص: ((المسكفي)) ، وفي م، ز: ((الخِلفي)) . والصواب
أنه: ((الحَصْكَفِي)) هكذا ضبطه ابن عاشور في حاشية التوضيح 2 / 158. ولعلَّه: أبو الفضل يحيى بن سلامة بن الحسين الخطيب الحَصْكَفِي - نسبة إلى حِصْن كَيْفَا في ديار بكر - ولد عام 459 هـ وتأدب على الخطيب التبريزي، وتفقه على مذهب الشافعي، كان أديباً شاعراً، وصار إليه أمر الفتوى. توفي عام 551 هـ. انظر: وفيات الأعيان 6 / 205، شذرات الذهب 4 / 168.
(5) لم أقف عليه. لكن ممن عزاه إليه أيضاً المصنف في كتابه نفائس الأصول 7 / 3088 وفيه " الحصكفي "، والطوفي في شرح مختصر الروضة 3 / 243 وفيه " الحسكفي ".
(6) انظر: الإحكام للآمدي 3 / 303، الإبهاج 3 / 89.
(7) في ن: ((المذكورة)) .
(8) قال الطوفي - عن هذا التعريف -: ((فيه نظر، إذ لا يلزم في تخريج المناط تعداد الأوصاف، بل قد لا يكون في محل الحكم إلا وصف واحد هو العلّة، فتُسْتَخرج بالاجتهاد. فالأولى أن يقال: هو استخراج العلة غير المذكورة بالاجتهاد)) شرح مختصر الروضة 3 / 244.
(9) ساقط من ق.
(10) ساقطة من ق، س.
(11) حديث الأعرابي جاء في صحيح البخاري في مواضع عِدَّة منها (1936) ، وصحيح مسلم (1111) ، وكذلك ورد في السنن، لكن ليس في ألفاظ تلك الروايات ((يضرب صدره، وينتف شعره)) وقد نبه إليها الحافظ ابن حجر في شرحه فتح الباري (4 / 206) ..لكن جاء في مصنف عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب مرسلاً ((يضرب صدره، وينتف شعره)) . كما جاء في سنن البيهقي الكبرى (4 / 226) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ((وهو ينتف شعر رأسه ويَدُقُّ صدره)) .(2/317)
وضرْبُ الصدرِ ونتْفُ الشَّعْر، وهي لا تصلح للتعليل، وكونُه (1) مفسِداً للصوم مناسبٌ للكفارة، فعيَّن علةً من أوصاف مذكورة.
ومثال الثاني: نهيه عليه السلام عن بيع البر بالبر إلا مثلاً بمثل يداً بيدٍ (2) ، ولم يذكر العلة ولا أوصافاً هي مشتملة عليها، فتعْيِيْنُ (3) الطعمِ (4) أو الكيل أو القوت أو الماليَّة للعليَّة (5) إخراجُ علةٍ من أوصاف غير مذكورة، فهذا هو تخريج المناط، لأنا أخرجنا العلة من غيب (6) ، والأول تنقيحٌ؛ لأنه تصفية وإزالة لما لا يصلح عما (7) يصلح، وتنقيح الشيء إصلاحه (8) ، فهذا اصطلاح مناسب، فيحْصُل لنا في تنقيح المناط مذهبان (9) ، وفي تخريج المناط قولان (10) .
وأما تحقيق المناط: فهو تحقيق العلة المُتَّفق عليها في الفرع، مثاله: أن يُتَّفق (11) على أن العلة في الربا هي (12) القوت الغالب (13) ، ويُخْتَلف (14) في الربا في التِّيْن بناء على
_________
(1) أي: كون الجماع والوقاع.
(2) سلف تخريجه انظر هامش (1) ص (302) .
(3) في س: ((فيتعين)) وهي غير مستقيمة مع السياق.
(4) هنا زيادة ((للعلَّة)) في س، وفي ن ((القلة)) وهي محرَّفة.
(5) ساقطة من س، ن.
(6) في ن: ((عيب)) وهو تصحيف.
(7) في س: ((عملاً بما)) وهو متجهٌ أيضاً.
(8) التنقيح: مصدر " نقَّح "، يقال: نقحت الشيء بمعنى خلصته وشذبته وهذبته. انظر: مادة ((نقح)) في القاموس المحيط، المصباح المنير.
(9) الأول: أن تنقيح المناط هو إلغاء الفارق وهو للغزالي، والثاني: هو تعيين علةٍ من أوصافٍ مذكورة وهو ما ذكره الحصكفي. وانظر: نفائس الأصول 7 / 3087.
(10) الأول: هو ما ذكره المصنف في المتن وهو: استخراج الجامع من الأصل. والثاني: هو ما ذكره في الشرح نقلاً عن الحصكفي وهو: استخراج العلة من أوصاف غير مذكورة. والقولان بمعنى واحد.
(11) في ن: ((تتفق)) ، وفي س: ((نتفق)) .
(12) ساقطة من س.
(13) في س: ((المخالف)) وهو تحريف.
(14) في س، ن: ((تختلف)) .(2/318)
أنه يقتات غالباً في الأندلس أو لا، نظراً إلى الحجاز وغيرها، فهذا تحقيق المناط (1) ، يُنْظر (2) هل هو محقَّق أم لا بعد الاتفاق عليه؟. فقد ظهر الفرق بين تخريج المناط وتنقيح المناط، وتحقيق المناط، وهي اصطلاحات لفظية.
_________
(1) وهناك نوع آخر من تحقيق المناط، وهو: أن يَثْبُت الحكمُ بمدركه الشرعي ولكن يبقى النظر في تعيين محلِّه، مثل: استقبال القبلة واجب ثابت بالنص والإجماع، أما تعيين جهتها فيحتاج إلى اجتهادٍ من
المكلف. انظر: رسالة في أصول الفقه للعكبري ص 82، المستصفى 2 / 238، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 233، الموافقات للشاطبي 5 / 12.
(2) في ق: ((فانظر)) .(2/319)
الفصل الثالث
في الدال على العلة (1)
ص: وهو ثمانية (2) :
النص، والإيماء، والمناسبة، والشَّبَه، والدوران، والسَّبْر، والطَّرْد، وتنقيح المناط (3) .
المسلك الأول: النص
فالأول (4) : النص على العلة، وهو ظاهر.
المسلك الثاني: الإيماء
والثاني (5) : الإيماء (6) ، وهو خمسة: الفاء (7) نحو قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي
_________
(1) العلة لغةً: المرض، واعتلَّ إذا تمسك بحجةٍ، وتُطلق على سبب الشيء والداعي إليه. والعَلَل: تكرار
الشرب. انظر: مادة ((علل)) في لسان العرب، القاموس المحيط، المصباح المنير.
وأما اصطلاحاً: فاختلفت عبارات الأصوليين تبعاً لمواقفهم من تعليل أفعال الله تعالى. فمنهم من عرَّفها بقوله: هي الوصف المُعرِّف للحكم، ومنهم من قال: هي الباعث على شرع الحكم، وقيل: هي الوصف المؤثر في الحكم بجعل الشارع لا بذاته. وعرفها الشيخ محمد الأمين الشنقيطي بأنها: ((الوصف المشتمل على الحكمة الباعثة على تشريع الحكم)) مذكرة أصول الفقه ص 474، وانظر: المغني لعبد الجبار 17 / 285 - 330، ميزان الأصول للسمرقندي 2 / 827، المحصول للرازي 5 / 127، الكاشف عن المحصول للأصفهاني 6 / 289، البحر المحيط للزركشي 7 / 143، الضياء اللامع لحلولو 2 / 308، شرح الكوكب المنير 4 / 39، الحدود للباجي ص 72.
(2) أوصلها الإمام الرازي إلى عشرة مسالك، ونبه أخيراً على طرقٍ أخرى لكنها فاسدة. انظر المحصول 5 / 137 - 234.
(3) أغفل المصنف مسلكاً مهماً وهو: الإجماع، مع أن الرازي ذكره في المحصول (5 / 137) ولم يشرحه. انظر: الإحكام للآمدي 3 / 251، البحر المحيط للزركشي 7 / 234، تشنيف المسامع 3 / 257، التوضيح لحلولو ص 338، شرح الكوكب المنير 4 / 114، فواتح الرحموت 2 / 356، دراسات حول الإجماع والقياس لشيخنا د. شعبان محمد إسماعيل ص 285.
(4) مثبتة من نسخة ز، وقد خلتْ جميع النسخ منها.
(5) مثبتة من ز، م، وعَرَتْ عنها جميع النسخ.
(6) الإيماء لغة: الإشارة، مصدر أومأ. انظر: لسان العرب مادة ((ومأ)) واصطلاحاً: هو اقتران الحكم بوصفٍ على وجهٍ لو لم يكن هو أو نظيره صالحاً للعلية لكان الكلام معيباً عند العقلاء. من العلماء من جعله قسماً من النص، ومنهم من جعله قسيماً له. انظر: نهاية السول 4 / 64، بيان المختصر للأصفهاني 3 /92، التوضيح لحلولو 338، شرح الكوكب المنير 4 / 125، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي 443.
(7) هذا الأول من أنواع الإيماء، ومراده: ترتيب الحكم على الوصف بالفاء في أحدهما. انظر: التمهيد لأبي الخطاب 4 / 11، المحصول للرازي 5 / 143، التلويح للتفتازاني 2 / 157، نشر البنود 2 / 150.(2/320)
فَاجْلِدُوا} (1) . وترتيب (2) الحكم على الوصف (3) ، نحو: ترتيب الكفارة
على قوله: ((واقعتُ أهلي في شهر (4) رمضان)) (5) . قال الإمام: سواء كان مناسباً أو لا (6) . وسؤاله عليه الصلاة والسلام عن وصف المحكوم عليه (7)
نحو قوله صلى الله عليه وسلم ((أينْقُصُ الرُّطَبُ إذا جَفَّ)) (8) . أو تفريق الشارع بين شيئين في الحكم (9) ، نحو قوله صلى الله عليه وسلم ((القاتل لا يرث)) (10) . أو ورود (11) النهي عن فعلٍ
_________
(1) سورة النور، من الآية: 2.
(2) في س: ((ترتب)) . وهذا هو النوع الثاني من أنواع الإيماء.
(3) أي: أن يُثْبِتَ الشارع حُكْماً عقيب علمه بصفة المحكوم عليه. انظر: بذل النظر ص 618، نهاية الوصول للهندي 8 / 3271، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 368، مفتاح الوصول ص 695.
(4) ساقطة من ق.
(5) سبق تخريجه.
(6) انظر: المحصول 5 / 145.
(7) هذا النوع الثالث عند المصنف من الأنواع الخمسة للإيماء. أما في المحصول (5 / 149) فالنوع الثالث هو: ((أن يذكر الشارع في الحكم وَصْفاً لو لم يكن مُوجِباً لذلك الحكم لم يكن لذكره فائدة)) ، وجعل تحته أربعة أقسام. القسم الثالث منها هو ما ذكره المصنف هنا على أنه نوع ثالث. انظر: منهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط 2 / 156، وانظر: المستصفى 2 / 300، التمهيد لأبي الخطاب
4 / 13، المحصول لابن العربي ص 537، الإبهاج 3 / 50.
(8) رواه الأربعة، أبو داود (3359) ، النسائي (4559) ، الترمذي (1225) ، ابن ماجه (2264) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بلفظ ((أينقص الرطب إذا يبس؟)) . ولفظ المصنف عند الطحاوي في شرح معاني الآثار 4 / 6، والحديث صحيح. انظر: إرواء الغليل للألباني 5 / 199.
(9) هذا النوع الرابع من أنواع الإيماء. وقد ذكر المحصول (5 / 152) له ضَرْبين، الأول: أن لا يكون حكم أحدهما (أي أحد الشيئين) مذكوراً في الخطاب، ومثَّل له بحديث ((القاتل لا يرث)) وهذا ذكره المصنف. والثاني: أن يكون حكمهما مذكوراً في الخطاب، وهو على خمسة أوجهٍ، وعدَّها. وانظر: المعتمد 2 / 253، الإحكام للآمدي 3 / 259، التوضيح لحلولو 339، شرح الكوكب المنير 4 / 135، فواتح الرحموت 2 / 358.
(10) رواه الترمذي (2109) ، وابن ماجه (2645، 2735) عن أبي هريرة مرفوعاً. ورواه البيهقي في سننه الكبرى (6 / 220) وقال: ((فيه إسحاق، وله شواهد تقويه)) . وأخرجه مالك في الموطأ
(2 / 867) بلفظ ((ليس لقاتلٍ شيء)) . وصححه الألباني لطرقه، انظر: إرواء الغليل 6 / 117.
(11) في ق، ن: ((ورد)) .(2/321)
يَمْنَع ما تقدَّم وجوبُه (1) .
الشرح
النص على العلة: نحو قوله (2) : العلة كذا (3) أو فعلْتُه (4) لأجل كذا، فهذا نصٌّ في التعليل.
والفاء تدخل على المعلول (5) نحو ما تقدَّم (6) ، فإن الجَلْد معلول الزنا، وتدخل (7) على العلة نحو قوله عليه الصلاة والسلام ((لا تمِسُّوه بطيبٍ فإنه يُبعث يوم القيامة مُحْرِماً)) (8) فالإحرام هو (9) علة المنع من الطيب. ومعنى قول الإمام فخر الدين:
((سواء كان مناسباً أو لا)) : يشير إلى أن المناسبة مستقِلَّة بالدلالة على العليَّة (10) ، وكذلك الترتيب (11) ، فإن القائل لو قال: أكْرِمِ الجُهَّال وأهِنِ العلماء، أنكر السامعون هذا القول وعابوه، ومدرك الاستقباح أنهم فهموا أنه جعل الجهل علة الإكرام والعلم علة الإهانة، وليس لهم مستند في اعتقاد التعليل إلا ترتيب الحكم على الوصف لا
_________
(1) عبر ابن قدامة عن هذا النوع الخامس من أنواع الإيماء بقوله: ((أن يذكر في سياق الكلام شيئاً لو لم يُعلل به صار الكلام غير منتظم)) روضة الناظر 3 / 845، وانظر: المعتمد 2 / 254، بذل النظر ص 619، المحصول للرازي 5 / 154، الإحكام للآمدي 3 / 260، التوضيح لحلولو ص 339.
(2) ساقطة من ق.
(3) هذا على سبيل التقدير والفَرْض، ومثله أيضاً: الموجب كذا، والسبب كذا، والأصوليون لم يجدوا لها أمثلة في الكتاب والسنة. والله أعلم. انظر: نشر البنود 2 / 194.
(4) ساقطة من ق.
(5) في س: ((المعلق)) وهو تحريف.
(6) كما في المتن في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] .
(7) ساقطة من ق وفي س: ((ويدخل)) وهي صحيحة، لأن التذكير على معنى الحرف، والتأنيث على معنى الكلمة، والتأنيث أرجح. انظر: المذكر والمؤنث للأنباري ص 449.
(8) قطعة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الرجل المحرم الذي وقصته دابته، أخرجه البخاري
(1267) ، ومسلم (1206) ، وسياق المصنف هنا هو لفظ النسائي في سننه الصغرى (1903) .
(9) ساقطة من ق.
(10) في س: ((العلة)) .
(11) في ن: ((الرتيب)) وهو تحريف.(2/322)
المناسبة، فإن المناسبة مفقودة ها هنا، فدل ذلك على أن الترتيب (1) يدل على العلية (2) وإن فُقِدتْ المناسبة (3) .
وما سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن (4) نقصان الرُّطَب إذا جَفَّ لأنه لا يعلم ذلك بل ليعرف (5) به (6) السامعون، فيكون ذلك (7) تنبيهاً على علة المنع، فيكون السامع مستحضراً لعلة الحكم حالة وروده عليه، فيكون ذلك أقرب لقبوله الحكم، بخلاف إذا غابت العلة عن السامع ربما (8) صَعُب عليه تَلقِّي الحكم واحتاج لنفسه من المجاهدة ما لا يحتاجها إذا علم العلة وحضرتْ له.
ومعنى التفريق بين الشيئين: أن الآية وردت [بتوريث الأبناء] (9) مطلقاً بقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} (10) فلما قال عليه السلام ((القاتل لا يرث)) (11) علم أن ذلك [لأجل علة] (12) القتل، مع أن هذا أيضاً فيه (13) ترتيب الحكم على الوصف.
ومثال النهي عن الفعل الذي يمنع ما تقدَّم وجوبُه: قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
_________
(1) هنا زيادة ((حكم)) في ن، ولا حاجة لها.
(2) في س: ((العلة)) .
(3) اختلف في اشتراط المناسبة في الوصف المومأ إليه على مذاهب. انظرها في: شفاء الغليل للغزالي ص 47، منتهى السول والأمل ص 180، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 364، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 271، البحر المحيط للزركشي 7 / 258، التوضيح لحلولو ص 339، فواتح الرحموت 2 / 359.
(4) في ق: ((على)) .
(5) في ق: ((ليعترف)) وهي غير مناسبة.
(6) ساقطة من س.
(7) ساقطة من س.
(8) في س، ن: ((وربما)) بزيادة الواو، ولا داعي لها.
(9) في س: ((بثبوت الأولاد)) أي في الإرث.
(10) سورة النساء، من الآية: 11.
(11) سبق تخريجه.
(12) في ق: ((لعلة)) .
(13) ساقطة من س.(2/323)
آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (1) فهذا وجوبٌ للجمعة، فقوله تعالى بعد ذلك {وَذَرُوا الْبَيْعَ} (2) نهي عن البيع؛ لأنه يمنع من فعل الجمعة بالتشاغل بالبيع، فيكون هذا إيماءً؛ لأن العلة في تحريم البيع هي التشاغل عن فعل الجمعة.
المسلك الثالث: المناسب
ص: والثالث (3) : المناسب (4)
ما تضمَّن (5) تحصيلَ مصلحةٍ (6) أو دَرْءَ مفسدةٍ،
فالأول كالغِنَى علة (7) لوجوب الزكاة، والثاني كالإسكار علة لتحريم
الخمر، والمناسب ينقسم (8) إلى [ما هو في محل الضرورات (9) ،
_________
(1) سورة الجمعة، من الآية: 9.
(2) سورة الجمعة، من الآية: 9.
(3) ساقطة من جميع النسخ ما عدا ز، م.
(4) قال الزركشي: ((وهي من الطرق المعقولة، ويُعبَّر عن المناسة " بالإخالة "، و " بالمصلحة "،
و" بالاستدلال "، و " برعاية المقاصد ". ويسمى استخراجها: " بتخريج المناط "؛ لأنه إبداء مناط الحكم، وهي عمدة كتاب القياس وغمرته ومحل غموضه ووضوحه ... )) . البحر المحيط 7 / 262. والمناسب لغة: الملائم والمقَارب. انظر: لسان العرب، المعجم الوسيط كلاهما مادة ((نسب)) . واصطلاحاً: هو وصفٌ ظاهرٌ منضبطٌ يحصل عقلاً من ترتيب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصوداً من حصول مصلحة أو دفع مفسدة. انظر: شفاء الغليل للغزالي ص 142، نهاية الوصول للهندي 8 / 3287، شرح مختصر الروضة 3 / 382، كشف الأسرار للبخاري 3 / 623، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 239، التوضيح لحلولو ص 340، نثر الورود 2 / 493.
(5) في ن: ((يتضمن)) ، وفي س: ((ما تقدم وجوبه)) وهي خطأ بلا شك وقع فيها الناسخ بسبب أن آخر كلمتين في المتن السابق هما: ((ما تقدم وجوبه)) فوقع الغلط من هذا.
(6) في س: ((منفعة)) .
(7) في س: ((لعلة)) وهو تحريف.
(8) للمناسب تقسيمات ثلاثة باعتبارات مختلفة. ذكر المصنف هنا نوعاً واحداً من أحد هذه التقسيمات
الثلاثة. انظرها في: شفاء الغليل ص 144 - 177، المحصول للرازي 5 / 159 - 167، الإحكام للآمدي 3 / 271، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 240، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/ 281، التقرير والتحبير 3 / 191، التوضيح لحلولو ص 340، نبراس العقول ص 276.
(9) الضرورات: هي المصالح التي تتضمن حفظ مقصودٍ من المقاصد الخمسة: الدين، النفس، العقل،
النسب، المال. انظر: المستصفى 1 / 417، المحصول للرازي 5 / 159، الإبهاج 3 / 55.
وعرفها الشاطبي بأنها: ((مالابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فُقِدت لم تَجْرِ مصالح الدنيا على استقامةٍ، بل على فسادٍ وتهارجٍ وفوت حياةٍ، وفي الأخرى: فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين)) . الموافقات 2 / 17. وانظر: رفع النقاب القسم 2 / 815.(2/324)
وإلى] (1) ما هو في محل الحاجات (2) ، وإلى ما هو في محل التَّتِمَّات (3) ، فيُقدَّم الأول على الثاني، والثاني على الثالث عند التعارض، فالأول: نحو الكليَّات الخمس: وهي حفظ النفوس والأديان والأنساب والعقول والأموال، وقيل: والأعراض، والثاني: مثل تزويج الوليِّ الصغيرةَ، فإن النكاح غير ضروري، لكن الحاجة تدعو إليه* في تحصيل الكفء لئلا يفوت، والثالث: ما كان حَثّاً على مكارم الأخلاق، كتحريم تناول القاذورات وسَلْب أهلية الشهادات عن الأرقاء* (4) ونحو الكتابات (5) (6)
ونفقات القرابات.
وتقع أوصافٌ متردِّدة بين هذه المراتب كقطع الأيدي باليد الواحدة، فإن شرعيته ضرورية صوناً للأطراف (7) (8) وأمكن أن يقال ليس منه؛ لأنه يحتاج
_________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من س.
(2) الحاجيات: هي ما كان مُفْتَقَراً إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراع دخل على المكلفين - في الجملة - الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة. انظر: الموافقات 2 / 21. وقال الشوشاوي: ((الحاجي: هو الذي يُحْتاج إليه في بعض الأحوال)) رفع النقاب القسم 2 / 815.
(3) التتمات أو التحسينات أو المكمِّلات، قال الغزالي هي: ((مالا يرجع إلى ضرورةٍ ولا إلى حاجة، ولكن يقع موقع التحسين والتزيين والتوسعة والتيسير للمزايا والمراتب ورعاية أحسن المناهج في العبادات والمعاملات والحمل على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات)) شفاء الغليل ص 169، وانظر: الموافقات
2 / 22.
(4) قال الشوشاوي: ((ترتب منع الشهادة على هذا الوصف - الذي هو الخِسة - لمصلحةٍ هي: مكارم الأخلاق، لأن الشهادة منصب فلا يناسبه العبد لخِسته، وليس سلبُ ذلك بضروري ولا حاجي ... )) رفع النقاب القسم 2 / 827.
(5) في س: ((الكتاب)) .
(6) الكتابة لغةً: الضمُّ والجمع؛ لأن فيها ضَمَّ نَجْمٍ إلى نجمٍ، والنَّجْم يطلق على الوقت الذي يحل فيه
مال الكتابة. انظر: المصباح المنير مادة ((كتب)) ، وانظر: مغني المحتاج 6 / 483. واصطلاحاً: قال ابن عرفة: ((هي عِتْقٌ على مالٍ مؤجَّلٍ من العبد موقوفٍ على أدائه)) شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع
2/676.
(7) في س، متن هـ: ((للأعضاء)) .
(8) إذ لو قلنا بعدم قطع الأيدي باليد الواحدة لأدَّى ذلك إلى عدم صيانة الأعضاء، ولكان كل من أراد قطع عضو إنسان استعان بغيره، فينتفي القِصاص ويختلُّ الضروري.(2/325)
الجاني فيه إلى الاستعانة بالغير وقد يتعذَّر (1) .
ومثال اجتماعها كلها في وصف واحد: أن نفقة النفس ضرورية، والزوجات حاجية، والأقارب* تتمة، واشتراط العدالة في الشهادة (2) ضروري [صوناً
للنفوس] (3) والأموالِ، وفي الإمامة - على الخلاف (4) - حاجية؛ لأنها شفاعة، والحاجة (5) داعية لإصلاح حال الشفيع (6) ، وفي النكاح تتمة لأن الولي قريب يزعه (7) طَبْعه عن الوقوع في العار والسعي في الإضرار، وقيل: حاجية (8) على الخلاف، ولا تشترط (9) في الإقرار (10) ؛ لقوة الوازع الطبعي ودفع المشقة عن النفوس مصلحة ولو أفضتْ إلى مخالفة (11) القواعد. وهي ضرورية مؤثرة في الترخيص (12) كالبلد الذي
_________
(1) انظر: البرهان 2 / 604 - 605، الإبهاج 3 / 59.
(2) هذا مثال آخر على اجتماع المراتب الثلاثة، وهو العدالة، فهي ضرورية في الشهادة، وحاجية في الإمامة، وتحسينية في ولي النكاح.
(3) في ن: ((في النفوس)) وهو مستقيم أيضاً.
(4) المراد بالإمامة هنا: الإمامة الصغرى، إمامة الصلاة. واشتراط العدالة فيها هو مذهب مالك، وأصح الروايتين عن أحمد، خلافاً للشافعية والحنفية. انظر: الذخيرة 2 / 238، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 23 / 353، 358، معونة أولي النُهى 2 / 150، بدائع الصنائع 1 / 666، المجموع شرح المهذب 4 / 150.
(5) في ق: ((والشفاعة)) وهي لا تفي بالمطلوب.
(6) انظر: الفروق 4 / 35، ترتيب الفروق للبقوري 2 / 309.
(7) يَزَعُه: يمنعه ويكفُّه. والوَزْع: كف النفس عن هواها. انظر: مادة " وزع " في: لسان العرب.
(8) في س، متن هـ: ((حاجة)) .
(9) في ن، متن هـ: ((يشترط)) وهو خطأ؛ لأن الفاعل ضمير عائد إلى " العدالة " راجع هامش (6)
ص (109) .
(10) الإقرار لغة: الاعتراف والإذعان للحق. انظر: مادة ((قرر)) في القاموس المحيط، مختار الصحاح. واصطلاحاً: عرَّفه ابن عرفة بأنه: خبرٌ يوجب حُكْمَ صِدْقِه على قائله فقط بلفظه أو لفظ نائبه. شرح حدود ابن عرفة للرصاع 2 / 443.
(11) في ق: ((خلاف)) .
(12) هكذا بينما في س: ((الرخص)) ، وفي ق: ((الترخُّص)) وهما صالحتان.(2/326)
يتعذَّر فيه العدول (1) ،
قال ابن أبي زيد (2) في " النوادر " (3) :
تقبل شهادة أمْثَلِهم* حالاً؛ لأنها ضرورة، وكذلك يلزم في القضاة وولاة الأمور (4) ، وحاجية (5) على الخلاف في الأوصياء في عدم اشتراط العدالة، وتماميَّة في السَّلَم (6) والمُسَاقاة (7) وبيع الغائب، فإن في مَنْعِها مشقةً على الناس وهي من تتمات معايشهم.
_________
(1) عقد ابن فرحون باباً واسعاً: في القضاء بشهادة غير العدول للضرورة، فانظره في كتابه: تبصرة الحكام
2 / 21.
(2) هو أبو محمد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن القيرواني، عالم أهل المغرب، وإمام المالكية في وقته. لُقِّب بمالكٍ الصغير. توفي عام 386 هـ من تآليفه: الرسالة (ط) وقد كُتبت بأسلوب سهل واضح وذاعت وشاعت وتكاثر عليها الشُّراح. وله كتاب: الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ (ط) . انظر: ترتيب المدارك 2 / 492، الديباج المذهب ص 222، سير أعلام النبلاء 17 / 10.
(3) في س: ((النادر)) وهو تحريف.
واسم كتاب النوادر هو: " النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات " ويقع في أزيد
من مائة جزء، ويعتبر بمثابة تلخيصٍ للكتب الفقهية المهمة للمذهب المالكي حتى ذلك الوقت.
والكتاب موسوعة يفوق المدونة حجماً ومسائل، وفيه مقارنة فقهية داخل المذهب، وفيه أقوال مالك في العقيدة وفيه أخبارٌ وسِيَرٌ. وله مخطوطات ذكر مواطنها صاحب كتاب: دراسات في مصادر الفقه المالكي ص 72 - 99. وانظر: اصطلاح المذهب عند المالكية (دور التطور) د. محمد إبراهيم أحمد علي. مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد (22) عام 1415 هـ.
(4) لم أقف على كتاب النوادر لابن أبي زيد - لكن هذا النقل موجود في: الذخيرة 5 / 244، رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 / 835. وجاء في كتاب " نهاية المحتاج " للرملي (7 / 409) : ((إذا تعذر العدل واضطرت الأمة إلى ولاية الفاسق، قُدِّم أقلُّهم فسقاً إذ لا سبيل إلى جعل الناس فوضى)) . وانظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 20، الغياثي للجويني ص 88، 98، 327، إكليل الكرامة في بيان مقاصد الإمامة لصديق حسن خان ص 115.
(5) في ق، متن هـ: ((حاجة)) .
(6) السَّلم لغة: هو السَّلَف وزناً ومعنىً، تقول: أسْلمتُ إليه، بمعنى أسلفْتُ إليه. انظر: المصباح المنير مادة ((سلم)) . واصطلاحاً: عرفه ابن عرفة بقوله: ((عَقْد معاوضةٍ يوجب عِمارة ذمّةٍ بغير عين ولا منفعة غيرَ متماثل العِوَضين)) شرح حدود ابن عرفة للرصاع 2 / 395. وعُرِّف أيضاً بأنه: عقْدٌ على موصوفٍ في الذِّمة مؤجلٍ بثمنٍ مقبوضٍ في مجلس العقد. الدر النقي لابن المبرد الحنبلي ص 480.
(7) المساقاة لغة: مفاعلة من السقي يقال: ساقى فلان فلاناً نخله إذا دفعه إليه ليسقيه. انظر: لسان العرب مادة ((سقى)) . واصطلاحاً: قال ابن عرفة: ((عقدٌ على عمل مُؤْنةِ النبات بقَدْرٍ - لا من غَلَّته - لا بلفظ بيعٍ أو إجارةٍ أو جُعْلٍ)) شرح حدود ابن عرفة للرصاع 2 / 508. وعُرِّف أيضاً بأنه: دَفْع الرجلِ شَجَرَه لمن يقوم بسقيه بجزءٍ معلوم من ثمره. انظر: الدر النقي لابن المبرد ص 531.(2/327)
الشرح
الكليات الخمس: حكى الغزالي (1) وغيره (2) إجماع الملل على اعتبارها، فإن الله تعالى ما أباح النفوس ولا شيئاً من الخمسة المتقدمة في ملة من الملل، وإنَّ المسكرات حرام في جميع الملل، وإنْ وقع الخلافُ في اليسير الذي لا يُسْكر، ففي الإسلام هو حرام (3) ، وفي الشرائع المتقدمة حلال، أما القدر المسكر فحرام إجماعاً من الملل (4) ،
واختلف العلماء في عدِّها (5) ، فبعضهم (6) يقول الأديان عِوَضَ الأعراضِ، وبعضهم يذكر الأعراض ولا يذكر الأديان (7) وفي التحقيق الكل متّفق على تحريمه فما أباح الله
_________
(1) انظر: المستصفى 1 / 417.
(2) انظر: الإحكام للآمدي 3 / 274، الموافقات 1 / 20، 2 / 20، شرح الكوكب المنير 4 / 159، تيسير التحرير 3 / 306، نشر البنود 2 / 173.
(3) نقل الشوشاوي عبارة المصنف هذه بألفاظ أخرى فقال: ((قال المؤلف: لم يُبِحِ اللهُ تعالى شيئاً من هذه الكليات في ملةٍ من الملل بالإجماع إلا في القدر الذي لا يسكر من المسكرات، ففيه خلاف في ملَّتنا، وهو مباح في الملل المتقدمة قبل الإسلام، وأما المقدار الذي يسكر فهو حرام بإجماع الملل)) . وهذا التعبير أدق لأن القدر اليسير من غير عصير العنب فيه خلاف الحنفية المشهور مع الجمهور. انظر: المبسوط 24/ 4، بدائع الصنائع 6 / 475، شرح فتح القدير 10 / 115، الحاوي 13 / 387، المغني 12 / 495، بداية المجتهد 4 / 174، الذخيرة 12 / 47.
(4) من العلماء من نازع في ادعاء تحريم المسكرات في الملل السابقة. قال النووي: ((أما أصل الشرب والسكر فكان مباحاً، لأنه قبل تحريم الخمر، وأما ما قد يقوله بعض من لا تحصيل له: إن السكر لم يزل محرماً فباطل لا أصل له، ولا يعرف له أصلاً)) . شرح صحيح مسلم 13 / 123. وكذا في البحر المحيط للزركشي 7 / 267. وقال الشوكاني: ((وقد تأملت التوراة والإنجيل، فلم أجد فيها إلا إباحة الخمر مطلقاً من غير تقييد بعدم السكر ... فلا يتم دعوى اتفاق الملل على التحريم ... )) . وانظر: نبراس العقول ص 379. وهناك مناقشة لهذه الأقاويل في: رفع النقاب القسم 2 / 817، وحاشية الشيخ
عبد الله دراز على الموافقات 2 / 20، نشر البنود 2 / 174.
(5) في ق: ((عددها)) .
(6) في ن: ((فمنهم)) .
(7) وبعضهم يجعلها ستةً " بالأعراض "، ومنهم من يُدْرج الأعراض في النسل. انظر: الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع للكوراني (رسالة دكتوراه بالجامعة الإسلامية تحقيق / سعيد المجيدي) ص 619، البحر المحيط للزركشي 7 / 267، التوضيح لحلولو ص 241، شرح الكوكب المنير 4 / 162، الآيات البينات للعبادي 4 / 133، نشر البنود 2 / 172، بدائع السلك لابن الأزرق 1 / 195.
قال الشاطبي: (( ... وإن ألحق بالضروريات حفظ العرض؛ فله في الكتاب أصلٌ شرحَتْه السنة في اللعان والقذف)) الموافقات 4 / 349، وقال ابن عاشور: ((وأما عدُّ حفظ العرض في الضروري فليس بصحيح، والصواب أنه من قبيل الحاجي ... ونحن لا نلتزم الملازمة بين الضروري وبين ما في تفويته حد ... )) مقاصد الشريعة ص 81.(2/328)
تعالى العرض (1) بالقذف (2) والسباب قط (3) ، وكذلك (4) لم يبح الأموالَ بالسرقة والغصب (5) ، ولا الأنساب [بإباحة الزنا] (6) ، ولا العقولَ بإباحة المسكرات، ولا النفوسَ والأعضاءَ بإباحة القطع والقتل، ولا الأديان بإباحة الكفر وانتهاك حرم (7) المحرمات.
وجَعْلُهم الكتاباتِ (8) تتمة؛ لأنها عون على حصول العتق وإزالة الرق عن البشرية المكرمة من بني آدم، فهو من مكارم الأخلاق وتتمات المصالح، وكذلك نفقات الأقارب من تتمات مكارم الأخلاق.
وقولي: ((إن (9) العدالة شرط في الولي على الخلاف)) إشارة إلى ما وقع في الفقه في الولي إذا كان فاسقاً: هل تسقط ولايته بفسقه أم لا؟. قولان في مذهب مالك (10) ، والمشهور عدم سلبها اكتفاء بالوازع الطبعي عن (11) العدالة، وعدم اشتراط العدالة في الإقرار، فيُقْبل إقرار البَرِّ والفاجر؛ لأنه إلزامٌ لنفسه [ومُضِرٌّ بها] (12) ، ولا يقع
الإقرار إلا كذلك، وإلا كان دعوى أو شهادة، والوازع الطبعي (13) يمنع من
_________
(1) ساقطة من ن.
(2) في ن: ((للقذف)) .
(3) ساقطة من ن.
(4) كذلك)) ساقطة من ق.
(5) في ن: ((ولا الغصب)) .
(6) في ق: ((بالزنا)) .
(7) في ق: ((حرمة)) .
(8) في ق: ((الكتابة)) .
(9) ساقطة من ق.
(10) مشهور مذهب المالكية عدم اشتراط العدالة في ولي النكاح، وعليه الجمهور، خلافاً للشافعية، وأحمد في رواية. انظر: المنتقى للباجي 3 / 272، الذخيرة 4 / 245، الشرح الصغير 2 / 371، الحاوي
9 / 61، المغني 9 / 368، رد المحتار (حاشية ابن عابدين) 4 / 153.
(11) في س: ((من)) .
(12) ساقط من س.
(13) ساقط من س.(2/329)
الإضرار (1) بغير موجب، فما أقرَّ إلا والمُقَرُّ به حقٌّ، فيقبل منه، وإن كان فاجراً أو كافراً من غير خلاف بين الأمة (2) .
وقولي في الأوصياء: ((حاجة)) (3) معناه: أن الناس قد (4) يحتاجون إلى أن يوصوا (5) لغير العَدْل وفيه خلاف (6) ،
مذهب مالك يشترط فيه أن يكون مستور الحال (7) ، وعلى القول بعدم اشتراط العدالة مع أنها ولاية، والولاية لابد فيها من العدالة، فقد
خالفنا (8) القواعد في عدم اشتراط العدالة في الأوصياء، دفعاً للمشقة الناشئة من الحيلولة بين الإنسان وبين من يريد أن يعتمد عليه، وكذلك خولفت القواعد في السَّلَم والمُسَاقاة
_________
(1) في ن: ((الإقرار)) وهو تحريف.
(2) حُكي الإجماع في الإفصاح لابن هبيرة ص 14، 15، مراتب الإجماع لابن حزم 86، 95، المغني
7 / 262.
(3) في س: ((خاصة)) وهو تحريف.
(4) ساقطة من ن.
(5) في ن: ((يوصون)) بإثبات النون على لغة من أهمل " أن "، قال ابن مالك:
وبعضُهم أهمَلَ " أنْ " حَمْلاً على " ما " أُخْتِها حيث استَحَقَّتْ عَمَلا
انظر: شرح الأشموني بحاشية الصبان 3 / 420، شرح المفصل لابن يعيش 7 / 8، 15،
8 / 143.
(6) اشتراط العدالة في الوصي هو مذهب الجمهور، وعند أبي حنيفة ورواية عن أحمد تصح ولاية الوصي
الفاسق. انظر: المغني 8 / 554، المجموع شرح المهذب 16 / 494، 497، 499، البناية في شرح الهداية للعيني 12 / 631، كشاف القناع 4 / 478، الذخيرة 7 / 159.
(7) مستور الحال: هو من كان عدلاً في الظاهر، ولا تُعرف عدالة باطنه. انظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص 112، وسماه ابن حجر بمجهول الحال. انظر: شرح شرح نخبة الفكر ص 518. والمصنف أراد بهذه العبارة أن يبين بأن اشتراط العدالة في الوصي إنما يراد بها أن يكون مستور الحال. قال ابن
عرفة: ((المراد هنا بالعدالة: الستر لا العدالة المشترطة في الشهادة، يدل عليه لفظ المدونة)) . انظر: حاشية البناني على شرح الزرقاني لمختصر خليل 8 / 200.
(8) في ق: ((خالف)) .(2/330)
وبيع الغائب والجُعَالة (1) والمُغَارسة (2) والصيد وغير ذلك مما فيه جهالةٌ في الأجرة
وغَرَرٌ (3) ،
وأما الصيد فلبقاء الفَضَلات وعدم تسهيل الموت على الحيوانات (4) ،
فقد خولفت القواعد لتتمَّة المعايشِ (5) ، فإن من الناس من يحتاج في معايشه (6) إلى
أحد هذه الأمور، فجُعلتْ شرعاً عاماً لعدم الانضباط في مقادير الحاجات. وهذه الرُّتَب يظهر أثرها (7) عند تعارض الأقيسة، فيُقدَّم الضروري على الحاجي، والحاجي (8) على التتمة.
تقسيم المناسب
ص: وهو أيضاً ينقسم إلى: ما اعتبره الشرع، وإلى ما ألغاه، وإلى ما جُهِل حاله (9) .
_________
(1) الجعالة لغة: بتثليث الجيم، وهي ما جُعل للإنسان من شيءٍ على فعلٍ ما. انظر مادة ((جعل)) في: لسان العرب، مختار الصحاح.
واصطلاحاً: عرَّفها ابن عرفة بقوله: ((عقد معاوضةٍ على عمل آدميٍّ بعوضٍ غير ناشيء عن مَحَلِّه به، لا يجب إلا بتمامه)) . شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع 2 / 529.
(2) في ن: ((الغراسة)) . والمغارسة لغةً: مفاعلة من الغرس، وغرس الشجر يغرسه: أثبته في الأرض.
انظر: القاموس المحيط مادة ((غرس)) .
واصطلاحاً: بيع منفعةِ عاقلٍ في عِمَارةِ أرضٍ بشجرٍ بقدر إجارةٍ أو جعالةٍ أو بجُزْءٍ من أصل. شرح حدود ابن عرفة للرصاع 2 / 515.
(3) قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: ((هكذا قالوا، والظاهر أنه لا ينبغي أن يقال في شيء نزل به
القرآن وجاءت به السنة الصحيحة أنه مخالف للأصول، إذ لا أصل أكبر من الكتاب والسنة)) . نثر الورود 2 / 500.
(4) في ن: ((الحيوان)) .
(5) في ن: ((المعاش)) .
(6) في ن: ((معاشه)) .
(7) في ن: ((تعارضها)) .
(8) ساقطة من س.
(9) هذا شروع في تقسيم المناسب بحسب اعتبار الشارع له، وقد اختلف الأصوليون في هذا التقسيم كثيراً، فغالبهم قسمَّه إلى أربعةٍ، الأول: مناسب مؤثر وهو: اعتبار عين (نوع) الوصف في عين (نوع) الحكم. والثاني: مناسب ملائم وهو ثلاثة أنواع: اعتبار نوعه في جنسه، وعكسه، واعتبار جنسه في جنسه. والثالث: مناسب غريب، وهو: ما علم من الشارع إلغاؤه. والرابع: مناسب مُرْسل وهو: مالم يعلم من الشارع إلغاؤه أو اعتباره. فالمصنف ارتضى هذا التقسيم في نفائس الأصول (7 / 3273، 3277، 3322) ، إذْ جَعَل المناسب المؤثر قسيماً للملائم. وهنا دمج بينهما - تبعاً للرازي - فجعلهما قسماً واحداً تحته أربعة أقسام. انظر: المستصفى 2 / 386، شفاء الغليل ص 144، المحصول 5 / 163، الإحكام للآمدي 3 / 282، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 243، البحر المحيط للزركشي 7 / 272، مفتاح الوصول ص 701، فتح الغفار 3 / 21، شرح الكوكب المنير 4/173، فواتح الرحموت 2 / 323، نشر البنود 2 / 177، إجابة السائل للصنعاني ص 201. وقد سعى الشيخ عيسى بن منون إلى التوفيق بين هذه التقاسيم، انظر: نبراس العقول ص 298 وما بعدها.(2/331)
فالأول ينقسم إلى: [ما اعتُبِر] (1) نوعه في نوع الحكم كاعتبار نوع الإسكار في نوع التحريم، وإلى ما اعتُبِر جنسه [في جنسه] (2) كالتعليل بمطلق المصلحة كإقامة الشُّرْب مُقَام القَذْف؛ لأنه مظنته، وإلى ما اعتُبِر نوعه في جنسه كاعتبار الأخوة [في
التقديم] (3) في الميراث (4) ، فيقدمون (5) في النكاح، وإلى ما اعتُبِر جنسه في نوع الحكم كإسقاط الصلاة عن الحائض بالمشقة، فإن المشقة جنس وهو (6) نوع من الرخص. فتأثير النوع في النوع مقدَّم على تأثير النوع في الجنس. وتأثير النوع في الجنس مقدَّم على تأثير الجنس في النوع (7) ، وهو مقدَّم على تأثير الجنس في الجنس.
والمُلْغَى (8) نحو: المنع من زراعة العنب خشية الخمر.
والذي جُهِل أمره (9) هو المصلحة المرسلة (10) التي نحن نقول بها، وعند التحقيق هي عامة في المذاهب.
_________
(1) في متن هـ: ((اعتبار نوعه في نوع الحكم)) .
(2) ساقط من س.
(3) ساقط من س.
(4) في متن هـ: ((الميزان)) وهو تحريف ظاهر.
(5) في متن " هـ ": ((فيُقدم)) وهو سائغ باعتبار أن فاعله ضمير عائد إلى " اعتبار ". وفي س، ن: ((فيقدموا)) بحذف النون بغير جازم أو ناصب. وقد سبق الكلام عن توجيه ذلك.
(6) في س: ((وهي)) وهو خطأ؛ لأن مرجع الضمير يجب أن يكون ((إسقاط)) وهو مذكر.
(7) سيأتي في شرحه ص (235) أن هذا وقع منه سهواً، وإلا فهما متساويان عنده. وانظر هامش (5)
ص (432) .
(8) هذا القسم الثاني من أقسام المناسب وهو المناسب الغريب.
(9) هذا القسم الثالث وهو المناسب المرسل.
(10) سيأتي تعريفها ومبحثها ص (494) .(2/332)
الشرح
الحكم أعَمُّ أجناسه كونُه حكماً، وأخصُّ منه كونه طلباً أو تخييراً وأخصُّ منه كونه تحريماً أو إيجاباً، وأخص منه كونه تحريم الخمر أو إيجاب الصلاة، وأعم أحوال الوصف كونه وصفاً، وأخص منه كونه مناسباً، وأخص [من المناسب] (1) كونه معتبراً، وأخص منه كونه مشقة أو مصلحة أو مفسدة خاصة، ثم أخص من ذلك كون تلك المفسدة في محل الضرورات أو الحاجات أو التتمات (2) ، فبهذا (3) الطريق تظهر (4) الأجناس العالية والمتوسطة والأنواع السافلة (5) للأحكام والأوصاف من المناسب وغيره (6) ، فالإسكار نوع من المفسدة، والمفسدة جنس له (7) .
_________
(1) في ق: ((منه)) .
(2) في ن: ((التتميمات)) .
(3) في ن: ((فهذا)) ، وفي س: ((فهذه)) .
(4) في ق: ((يظهر)) وهو جائز أيضًا. انظر: هامش (11) ص 67.
(5) في ق: ((الشاملة)) وهو تحريف.
(6) قال حلولو: ((اعلم أن للجنسية في الوصف والحكم مراتب، بعضها أعم وبعضها أخص وإلى العين أقرب، فأعم أجناس الحكم كونه حكماً، ثم كونه وجوباً، ثم وجوب الصلاة، ثم وجوب الظهر مثلاً، وأعم أجناس الوصف كونه وصفاً تناط الأحكام بجنسه حتى تدل عليه الأشياء، وأخص منه كونه مصلحة حتى يدخل فيه المناسب دون الشبهة وأخص منه كونه مصلحة خاصةً كالردع والزجر. وليس كل جنسٍ على مرتبةٍ واحدة، بل لها درجات متفاوتة في القرب والبعد لا تنحصر، فلأجل ذلك تفاوتت درجات الظن، والأقرب مقدم على الأبعد في الجنسية، ولكل مسألةٍ ذوق مفرد ينظر فيه المجتهد)) . التوضيح شرح التنقيح ص (344) . وقال الغزالي: ((ومن حاول حصر هذه الأجناس في عدد وضبطٍ فقد كلَّف نفسه شططاً لا تتسع له قوة البشر)) . المستصفى (2 / 329) . وللشوشاوي توضيح بديع لمراتب هذه الجنسية من حيث العموم والخصوص، فانظره في: رفع النقاب القسم 2 / 840.
(7) والتحريم نوع من الطلب، والطلب جنس له، فاعتُبِر هاهنا النوع في النوع.(2/333)
ويحكى عن علي رضي الله عنه أنه قال لما سُئِل عن حدِّ (1) شارب الخمر: ((إذا شَرِب سَكِر وإذا سَكِر هَذَى، وإذا هَذَى افترى، فأرى عليه حَدَّ المفتري)) (2) ، فأخذ علي رضي الله عنه مطلق المناسبة، ومطلق المظنة (3) .
والأُخُوَّة نوع من الأوصاف (4) ، والتقدُّم في الميراث نوع من الأحكام، فهو نوعٌ في نوعٍ (5) ، وكذلك التقديم* في النكاح (6) أو صلاة الجنازة نوع من الأحكام، فيقاس أحد النوعين على الآخر.
وجُعِلت المشقة جنساً؛ لأنها متنوعة إلى مشقة قضاء الصلاة، ومشقة الصوم، ومشقة القيام في الصلاة، وغير ذلك من أنواع المشاق، فمطلق المشقة جنس، وهو نوعٌ باعتبار الوصف المصلحيِّ أو المناسب، وإسقاط الصلاة عن الحائض نوع من الأحكام والإسقاطات والرخص.
وتأثير النوع في النوع مقدَّم على الجميع؛ لأن الخصوصِيَّيْن قد حصلا فيه: خصوصُ الوصف وخصوصُ الحكم، والأخص بالشيء مقدَّمٌ على الأعم، ولذلك
_________
(1) ساقطة من ن.
(2) رواه الإمام مالك في الموطأ (2 / 842) . وقال ابن عبد البر: ((هذا حديث منقطع من رواية مالك. وقد رُوي متصلاً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما)) . ورواه البيهقي في سننه الكبرى (8 /320) ، والدارقطني في سننه (3 / 157، 166) قال ابن حجر: ((وهو منقطع ... لكن وصله النسائي في الكبرى، والحاكم من وجهٍ آخر)) . تلخيص الحبير (4/75) . وانظر: سنن النسائي الكبرى
(3 / 252) ، والمستدرك على الصحيحين للحاكم (4 / 375) وقال: هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال ابن حجر في فتح الباري (12 / 82) : ((وهذا مُعْضَل، وقد وصله النسائي والطحاوي - ثم قال - ولهذا الأثر عن علي طرق أخرى ... )) وضعَّفه الألباني في: إرواء الغليل 8 / 45.
(3) هذا اعتبار جنس الوصف في جنس الحكم، وذلك أن شرب الخمر جنس الوصف الذي هو المصلحة، والحد جنس الحكم.
(4) لأن النسب أو القرابة جنس للأخوة.
(5) في المتن مثلَّه المصنف على اعتبار النوع في الجنس، فالصواب أن يقول هنا: والتقديم جنس في الأحكام؛ لأنه يحتوي على أنواع كالتقديم في الميراث والتقديم في النكاح وصلاة الجنازة، وبهذا يستقيم المثال. والله أعلم.
(6) في ن: ((نكاح)) .(2/334)
قُدِّمت البنوة في الميراث على الأخوة، والأخوة على العمومة (1) ، وكذلك قُدِّم لُبْس النَّجس على الحرير (2) ، فمُنِع (3) في الصلاة؛ لأنه أخص بالصلاة من الحرير، ولأن تحريم (4) الحرير لا يختص بالصلاة، فكان تحريم النجس (5) أقوى منه؛ لأنه مختص بها (6) ، وكذلك (7) إذا لم يجد المُحْرِم إلا مَيْتةً وصيداً أكل الميتة دون الصيد، لأن تحريم الصيد خاص بالإحرام (8) ، فالقاعدة: أن الأخص أبداً مقدَّمٌ [على الأعم] (9) ،
فكما أن النوع في النوع أخص الجميع، فالجنس في الجنس أعم الجميع، والمنقول: أن النوع في الجنس والجنس في النوع متساويان (10) متعارضان (11) مقدَّمان على الرابع (12) لوجود الخصوص فيهما من حيث الجملة، [والذي في الأصل (13) ما أرى نَقْلَه إلا سهواً] (14) .
_________
(1) في ن: ((العمومات)) .
(2) مفاد العبارة: قُدِّم في المنع لبس النجس على لبس الحرير في الصلاة.
(3) ساقطة من ق.
(4) في ق: ((تقديم)) وهو متَّجه أيضًا بحسب المعنى.
(5) في ن: ((التنجيس)) وهي غير مناسبة.
(6) المشهور تقديم لبس الحرير في الصلاة على النجس؛ للعلة التي ذكرها المصنف. ومن العلماء من قدَّم النجس، ووجهه: أن النجس يجوز لبسه في غير الصلاة، فهو أخف من هذا الوجه من الحرير؛ لأن الحرير لا يجوز لبسه في الصلاة ولا في غيرها. انظر: الذخيرة 2 / 110، حاشية البيجوري على شرح ابن قاسم على متن أبي شجاع 1 / 269، رفع النقاب القسم 2 / 847.
(7) في س: ((ولذلك)) .
(8) وهناك وجهة أخرى في تقديم الميتة على الصيد للمحرم ألا وهي: إذا اجتمع مُحَرَّمان للمضطر وجب تقديم أخفِّهما مفسدةً وضرراً، فالصيد فيه جنايات ثلاث: صيده، وذبحه، وأكله، ثم إن النص أباح الميتة للمضطر. وهناك من قدَّم الميتة على الصيد؛ لأن كلاً منهما جناية يباحان عند الضرورة، فيتميز الصيد بكونه مُذكّىً. انظر: الكافي لابن عبد البر 1 / 439، تقرير القواعد لابن رجب 2 / 464، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 178، غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر للحموي 1/289.
(9) ساقط من س، ق..
(10) في ق: ((مستويان)) .
(11) الحكم بالتعارض بينهما فيه نظر. انظر مبحثه في باب التعارض والترجيح هامش (5) ص (432) .
(12) في ق، س: ((اللوازم)) وهو تحريف.
(13) أي: في المتن السابق. انظر: ص 332، هامش (7) .
(14) ما بين المعقوفين ساقط من س.(2/335)
وأما المصلحة المرسلة: فالمنقول أنها خاصة بنا، وإذا افتقدْتَ (1) المذاهب وجدْتَهم إذا قاسوا أو جمعوا وفرقوا بين المسألتين لا يطلبون شاهداً بالاعتبار لذلك المعنى الذي به جمعوا أو فرقوا، بل يكتفون بمطلق المناسبة، [وهذه هي] (2) المصلحة المرسلة، فهي حينئذٍ في جميع المذاهب (3) .
ومن المعلوم أن المصلحة المرسلة أخص من مطلق المناسب* ومطلق المصلحة؛ لأن مطلق (4) المصلحة قد تلْغى كما تقدَّم في زراعة العنب، فإن المناسبة تقتضي ألاَّ يُزْرع سدّاً لذريعة الخمر، لكن أجمع المسلمون على إلغاء ذلك (5) ، وكذلك المنع من التجاور في البيوت خشية الزنا فإنه مناسب، لكن أجمع المسلمون على جواز المجاورة بالنساء في الدُّوْر الجامعة وإلغاء هذا المناسب (6) ، فالمناسب حينئذٍ أعم من المرسلة، لأن المرسلة مصلحة بقيد (7) السكوت* عنها فهي أخص.
المسلك الرابع: الشبه
ص: الرابع: الشَّبَه (8) قال القاضي أبو بكر: هو الوصف الذي لا يناسب
_________
(1) في ق: ((اعتبرت)) .
(2) في ق، ن: ((وهذا هو)) .
(3) سيأتي مزيد بحثٍ لهذه المسألة. انظر هامش (7) ص (496) .
(4) ساقطة من ق.
(5) سيأتي ذلك في مبحث سد الذرائع. انظر ص (503، 505) .
(6) انظر: نفائس الأصول 9 / 4086.
(7) في ق: ((تفيد)) وهو تحريف.
(8) الشبه لغة: المماثلة والشبيه والمثيل، وهو المشاركة بين اثنين في أمرٍ من الأمور حسياً أو معنوياً. انظر: مادة ((شبه)) في لسان العرب، المصباح المنير.
أما حقيقته الاصطلاحية فقال حلولو: ((فقد شكا صعوبته جماعة من المحققين ... )) التوضيح ص (344) ، وقال الجويني: ((لا يتحرّر في ذلك عبارة خِدْبة (مُحكمة) مستمرة في صناعة الحدود ... )) البرهان 2 / 561، وقال الغزالي: ((عبارة الشبه مستكرهة)) شفاء الغليل ص (373) ، وقال الأبياري: ((لست أرى في مسائل الأصول مسألةً أغمض من هذه)) البحر المحيط للزركشي (7 / 293) ، وقال ابن
السبكي: ((وقد تكاثر التشاجر في تعريف هذه المنزلة، ولم أجد لأحدٍ تعريفاً صحيحاً فيها)) . انظر: شرح المحلي على جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 287.
قيل في حَدِّه: ما يوهم المناسبة من غير اطلاعٍ عليها بعد البحث التام ممن هو أهل الاطلاع عليها. قال الآمدي: ((هذا أقربها إلى قواعد الأصول، وهو الذي ذهب إليه أكثر المحققين)) الإحكام 3 / 296، وكذا قال الهندي في نهاية الوصول 8 / 3342. وانظر: الوصول لابن بَرْهان 2 / 294، نهاية السول 4 / 106، البحر المحيط للزركشي 7 / 293، شرح الكوكب المنير 4 / 187، تيسير التحرير 4 / 53، فواتح الرحموت 2 / 363، نشر البنود 2 / 186، نبراس العقول ص 330.(2/336)
لذاته (1) ويستلزم المناسب لذاته (2) ، وقد شهد الشرع لتأثير (3) جنسه القريب (4) في جنس الحكم القريب (5) .
والشبه يقع في الحكم (6) :
كمشابهة (7) العبد المقتول بالحُرِّ، أو شَبَهِهِ (8) بسائر المملوكات. وعند ابن عُلَيَّة (9) يقع الشَّبَه في الصورة كرد الجلْسة الثانية إلى
_________
(1) في متن هـ: ((بذاته)) .
(2) انظر حدّ القاضي أبي بكر في: البرهان 2 / 565 فقرة (832) ، المحصول للرازي 5 / 201، البحر المحيط للزركشي 7 / 295. لكن قال الآمدي عن هذا الحدِّ بأنه تفسير له بقياس الدلالة. انظر: الإحكام 3 / 295. وقياس الدلالة: هو الجمع بين الأصل والفرع بلازم من لوازم العلة أو بأثر من آثارها أو بحكمٍ من أحكامها. انظر: البحر المحيط 7 / 64، الشرح الكبير للورقات للعبادي 2 / 474، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص 467.
(3) في ق: ((بتأثير)) .
(4) الجنس القريب، ويسمى بالجنس السافل هو: ما كان فوقه جنس ولا جنس تحته بل أنواع. كالحيوان، فإن فوقه الجسم النامي وهو جنس، وتحته: إنسان وهو نوع. انظر: حاشية الصبان على شرح السُّلَّم للملَّوي ص 71، شرح المطلع على متن إيساغوجي لأبي زكريا الأنصاري ص 27.
(5) ساقطة من ن.
(6) هذا بيانٌ لأقسام الشبه، وهو على قسمين؛ شبهٌ في الصورة أو الشبه الصوري (الخَلْقي) ، وشبهٌ في الحكم أو الشبه الحكمي (المعنوي) . فإذا اجتمعا كما في العبد المقتول، فبأيهما يقع الاعتبار؟ . ذكر المصنف فيه ثلاثة مذاهب، وفي البحر المحيط للزركشي (7 / 301) ستة مذاهب. انظر: المعتمد
2 / 298، شرح اللمع للشيرازي 2 / 812، البرهان 2 / 562، المحصول لابن العربي ص 530، المحصول للرازي 5 / 202، مفتاح الوصول ص 706، التوضيح لحلولو ص 345، الآيات البينات للعبادي 4 / 146، شرح الكوكب المنير 4 / 188.
(7) في متن هـ: ((كشبه)) .
(8) ساقطة من ق.
(9) ابن عُليَّة يطلق على الأب: إسماعيل، وعلى ابنه: إبراهيم، فأيهما المراد هنا؟ أغلب كتب الأصول التي ذكرتْهُ أطلقتْ التسمية هكذا، بينما في شرح الكوكب المنير (4 / 189) صرَّح بأنه أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم بن عُلية، أي الأب وهكذا في: نشر البنود (2 / 193) ، ونثر الورود (2 / 514) . وفي التمهيد للإسنوي ص (479) أنه أبو بكر بن عُلية، وهو أحد أولاد إسماعيل واسمه محمد (سير أعلام النبلاء 9 / 112) ثم إني وجدتُ في: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي أنه إبراهيم بن علية أي الابن، وهو الظاهر عندي لما له من شذوذات فقهية كهذه المسألة.
ولهذا قال الأستاذ أبو منصور: ((ذهب قوم من أهل البدع إلى اعتبار المشابهة في الصورة، وهو قول
الأصم، ولهذا زعم أن ترك الجلسة الأخيرة من الصلاة لا يضر كالجلسة الأولى، ولا يعتد بخلافه)) نقله(2/337)
الجلْسة (1)
الأولى في الحكم (2) . وعند الإمام التسويةُ بين الأمرين إذا غلب* على الظن أنه مستلزم للحكم (3) ، وهو ليس بحجة عند القاضي منا (4) .
الشرح
مثال الشبه عند القاضي: قولنا في الخَلِّ مائعٌ لا تُبْنى (5) القنطرة على جنسه فلا تزال به النجاسة كالدُّهْن، فقولنا: لا تبنى (6) القنطرة على جنسه ليس مناسباً في ذاته،
_________
(1) عنه الزركشي في البحر المحيط 7 / 302. وابن عُلية الابن تلميذٌ لابن كيسان الأصم المعتزلي. كما أن ابن علية الابن له شذوذاتٌ في مسائل الأصول كمنع التعبد بخبر الواحد، انظر: قواطع الأدلة
(2 / 265) . وكقوله بتأثيم المجتهد المخطيء في الفروع، انظر: المستصفى (2 / 405) . وله شذوذاتٌ عَقَديَّة، ولهذا قال الشافعي فيه: ((إن ابن علية ضالٌ قد جلس بباب الضوالِّ يُضِلّ الناس)) انظر: مناقب الشافعي للبيهقي (1 / 457) وقال الذهبي: ((كان إبراهيم (ابن علية) من كبار الجهمية، وأبوه إسماعيل شيخُ المحدثين إمامٌ)) سير أعلام النبلاء (10 / 24) .
قال ابن عبد البر: ((له شذوذ كثير، ومذاهبه عند أهل السنة مهجورة، وليس في قوله عندهم مما يُعدّ
خلاف)) انظر: لسان الميزان 1 / 130.
هذا الابن وهو إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم أبو إسحاق الأسدي المعروف بابن عُليَّة،
ت: 218 هـ وله تصانيف في الفقه والجدل. انظر: ميزان الاعتدال 1 / 137، لسان الميزان
1 / 130، المعتبر للزركشي ص 284.
وأما الأب فهو: أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم بن مِقْسَم الأسدي مولاهم البصري ينسب إلى أمه " عُلية " كان فقيهاً إماماً من أئمة الحديث ثقة ورعاً، ولي المظالم في خلافة هارون الرشيد، روى عنه الشافعي وابن حنبل وابن المديني وغيرهم قد بدتْ منه هفوة ثم تاب منها توفي عام 193 هـ. انظر: تاريخ بغداد 6 / 229، ميزان الاعتدال 1 / 373، تهذيب التهذيب 1 / 176.
() ساقطة من ق.
(2) انظر النسبة إليه في: شرح العمد 2 / 161، المعتمد 2 / 298، المحصول للرازي 5 / 203، شرح الكوكب المنير 4 / 189، التمهيد لابن عبد البر 10 / 195، 214.
(3) وهذا النقل عن الرازي فيه تصرفٌ كبير، ونصه ((والحق أنه متى حصلت المشابهة فيما يُظن أنه علةُ الحكم، أو مستلزمٌ لما هو عِلةٌ له صح القياس، سواءٌ كان ذلك في الصورة أو في الحكم)) . المحصول 5 / 203.
(4) انظر خلاف العلماء في حجية هذا المسلك في: قواطع الأدلة 4 / 253، المنخول ص 378، الوصول
لابن برهان 2 / 295، ميزان الأصول 2 / 864، المسودة ص 375، تحفة المسؤول القسم 2/672.
(5) في س: ((تنبني)) .
(6) في س: ((تنبني)) .(2/338)
غير أنه [مستلزم للمناسب] (1) ، فإن العادة أن القنطرة لا تبنى (2) على الأشياء القليلة بل على الكثيرة كالأنهار، والقِلَّة مناسبة لعدم مشروعية (3) المتَّصِف بها من المائعات للطهارة (4) العامة، فإن [الشرع العام يقتضي] (5) أن تكون أسبابه عامة الوجود (6) . أما تكليف الكل بما لا يجده إلا البعض فبعيدٌ عن (7)
القواعد، فصار قولنا: [لا تبنى القنطرة على جنسه] (8) ليس بمناسب (9) ، وهو مستلزم للمناسب، وقد شهد الشرع بجنس القلة والتعذّر في عدم مشروعية الطهارة، بدليل أن الماء إذا قلَّ واشتدت إليه (10) الحاجة فإنه يسقط الأمر به، ويتوجه التيمم (11) .
قال القاضي أبو بكر في هذا التقسيم: الوصف إن كان مناسباً بذاته فهو المناسب، وإن لم يكن مناسباً في ذاته، فلا يخلو إما (12) أن يكون مستلزماً للمناسب أو لا. الأول الشبه. والثاني الطَّرْدِي (13) المُلْغى إجماعاً.
والعبد المقتول: فيه (14) كونُه مملوكاً، والمِلْك حكم شرعي، وكونه آدميّاً، وهذا
_________
(1) في ق: ((يستلزم المناسبة)) .
(2) في س: ((تنبني)) .
(3) في ن: ((شرعية)) .
(4) في س: ((للطاهرات)) .
(5) في ن: ((الشريعة العامة تقتضي)) .
(6) في ن: ((الموجود)) وهو تحريف.
(7) في س: ((على)) . ولم أجد أن " بَعُد " يتعدى بـ" على " بل يتعدى بالباء وعن. انظر: مادة ((بعد))
في: لسان العرب، المصباح المنير وغيرهما.
(8) ما بين المعقوفين ساقط من ن.
(9) في س: ((مناسب)) وهو خطأ نحوي، لأنه خبر " ليس " منصوب.
(10) في ن: ((به)) .
(11) للطوفي تعقيب على هذا المثال، إذ جعله ليس من المناسب، ولا المستلزم للمناسب بل هو طَرْدٌ محضٌ. انظر: شرح مختصر الروضة 3 / 427.
(12) ساقطة من ن، ق.
(13) الوصف الطردي: هو كل وصف عُلِم من الشارع إلغاؤه أو عدم الالتفات إليه في شرع الحكم، كالطول والقصر والسواد والبياض.. إلخ. انظر: شرح مختصر للطوفي 3 / 428، 430.
(14) في ق: ((في)) وهو خطأ؛ لا يتحقق به تمام الكلام.(2/339)
وصف حقيقي لا حكم شرعي، فقد حصل فيه الشَّبَهان. فمن غَلَّب شَبَه الحكم الشرعي - وهو (1) مالك (2) والشافعي (3) - أوجب فيه قيمته بالغة [ما بلغتْ] (4) ، وإن زادتْ على دية الحُرِّ، ومن لاحظ شَبَه الحُرِّ وهو الآدميَّة لم يوجب (5) فيه الزيادة على دِيَة الحرِّ، وهو أبو حنيفة (6) .
وابن عُليَّة أوجب الجلْسة الأولى قياساً على الثانية في الوجوب بجامع أنها جلسة (7) ،
وهذا شَبَهٌ صُوْري لا حكم شرعي.
قال الإمام فخر الدين: إذا غلب على الظن أن شيئاً من هذه الشَّبَهَات علة (8) الحكم ومستلزم له شرعاً جعلناه علة (9) كان صورة أو حكماً أو غير ذلك عملاً بموجب الظن (10) .
_________
(1) هنا زيادة ((قول)) في س.
(2) انظر: المدونة 4 / 480، بداية المجتهد 6 / 68، الشرح الصغير للدردير 4 / 377.
(3) انظر: الأم 7 / 328، مغني المحتاج 5 / 333. وهو أيضاً المذهب عند الحنابلة، انظر: المغني 11 / 504، كشاف القناع 6 / 24.
(4) ساقط من س.
(5) في س: ((يوجبه)) وهو تحريف، لعدم استقامتها مع السياق.
(6) قول أبي حنيفة ومحمد أنه إذا بلغت قيمة العبد دية الحر أو زادت فإنه يُنقص منها عشرة دراهم. وأما أبو يوسف فقال بقول الجمهور تجب القيمة بالغةً ما بلغت. انظر: رد المحتار (حاشية ابن عابدين) 10 / 294، البناية في شرح الهداية 12 / 374.
(7) انقلب على المصنف مذهب ابن عُلية، وتابعه الطوفي في شرح مختصر الروضة (3 / 434) . وحقيقة مذهبه ما قرره المصنف في المتن. قال القرطبي - عندما ذكر اختلاف العلماء في حكم الجلوس الأخير
في الصلاة - قال: ((القول الثاني: أن الجلوس والتشهد والسلام ليس بواجب، وإنما ذلك كلّه
سنة مسنونة، هذا قول بعض البصريين، وإليه ذهب إبراهيم بن عُلية وصرَّح بقياس الجلسة الأخيرة على الأولى، فخالف الجمهور وشذَّ ... )) الجامع لأحكام القرآن 1 / 173. وانظر: المراجع المذكورة في هامش (2) ص (338) .
أما قياس الأولى على الثانية في الوجوب فهو مذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه. قال ابن قدامة:
((لأنه أحد التشهدين فكان واجباً كالآخر)) المغني 2 / 217، وانظر: البرهان للجويني 2 / 562، الإبهاج 3 / 68، شرح الكوكب المنير 4 / 190.
(8) في س: ((علته)) وهو تحريف.
(9) هنا زيادة ((الحكم)) في ن: ((حاجة لها)) .
(10) انظر: المحصول 5 / 202.(2/340)
حجة القاضي في أن الشَّبَه ليس بحجة: أن الدليل ينفي العمل بالظن مطلقاً، لقوله تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (1) خالفناه في قياس المناسبة، فبقينا في قياس الشبه على موجب الدليل، ولأن الصحابة إنما أجمعت (2) على المناسبة (3) ، أما الشبه فلا نُوجب (4) أن (5) يكون حجة.
جوابه: أنه مُعارَضٌ بقوله تعالى {فَاعْتَبِرُوا} (6) ، وبقوله عليه الصلاة والسلام ((نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر)) (7) وهو يفيد الظن فوجب أن يندرج في عموم النص، ولأنه (8) مندرج في عموم قول معاذ بن جبل اجتهد رأيي (9) ، وهذا (10) نوع من الاجتهاد.
المسلك الخامس: الدوران
ص: الخامس: الدَّوَرَان (11) ، وهو عبارة عن اقتران ثبوت الحكم مع ثبوت الوصف وعدمه مع عدمه. وفيه خلافٌ، والأكثرون من أصحابنا وغيرهم
_________
(1) سورة يونس، من الآية: 36، سورة النجم، من الآية: 28.
(2) في س: ((اجتمعت)) .
(3) في ن: ((المناسب)) .
(4) في س، ن: ((يُوجب)) .
(5) هكذا في س، م، ز، وهو الصحيح. بينما في س، ق: ((ألاَّ)) ، وفي ن: ((إلاَّ أن)) وكلاهما خطأ ظاهر؛ لأن المعنى ينقلب بهما. وجاءت في شرح مختصر الروضة للطوفي (3 / 433) عبارة متقنة قريبة من هذه وهي: ((ولأن الصحابة رضي الله عنهم إنما اجتمعت على المناسبة لا على الشبه، فوجب ألاَّ يكون حجة))
(6) سورة الحشر، من الآية: 2.
(7) سبق تخريجه.
(8) في ن: ((ولا)) وهو نقص.
(9) سبق تخريجه.
(10) في ن: ((وهو)) .
(11) الدوران لغة: مصدر دار، ودار حول البيت: طاف به، ومنهم قولهم: دارت المسألة أي كلما تعلقت بمحل توقف ثبوت الحكم على غيره، فيُنقل إليه ثم يتوقف على الأول وهكذا. انظر: المصباح المنير مادة
((دور)) .(2/341)
يقولون (1) بكونه حجة (2) .
الشرح
مثاله (3) : العنب حين كونه عصيراً ليس بمسكر ولا حرام، فقد اقترن العدم بالعدم، وإذا صار مسكراً صار حراماً، فقد اقترن الثبوت بالثبوت، فإذا تخلَّل لم يبْقَ مسكراً ولا حراماً، فقد اقترن العدم بالعدم، فهذا هو الدوران في صورة واحدة وهي الخمر.
وقد يقع في صورتين وهو دون الأول، مثاله: أن (4) ندَّعي (5) وجوب الزكاة في الحُلِيّ المُتَّخَذ (6) لاستعمالٍ مباحٍ، فنقول الموجِب لوجوب الزكاة في النقدين كونهما أحد الحَجَرين (7) ؛ لأن وجوب الزكاة دار مع* [كونه أحد الحجرين] (8) وجوداً وعدماً، أما وجوداً ففي المَسْكُوك (9) هو (10) أحد الحجرين والزكاة واجبة فيه، وأما عدماً فالعقار (11) ليس أحد الحجرين ولا تجب الزكاة فيه، وإنما رَجَحَتْ (12) الصورة
_________
(1) لضرورة مطابقة الخبر لمبتدأه في الجمع.
(2) اختلف الأصوليون في إفادة الدوران بمجرده العِلِّية على أربعة أقوال، الأول: أنه يفيد العلية قطعاً، وهو لبعض المعتزلة وبعض الشافعية. والثاني: يفيدها ظناً، وهو للجمهور. والثالث: إن تكرر كثيراً أفادها قطعاً وإلا أفادها ظناً. والرابع: لا يفيدها مطلقاً، وهو اختيار السمعاني والغزالي والآمدي وابن
الحاجب. انظر: المغني لعبد الجبار 17 / 333، المعتمد 2 / 449، أصول السرخسي 2 / 176، قواطع الأدلة 4 / 230، المستصفى 2 / 315، شفاء الغليل ص 266، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 24، المحصول لابن العربي ص 533، الإحكام للآمدي 3 / 299، منتهى السول والأمل ص 185، مفتاح الوصول ص 705، البحر المحيط للزركشي 7 / 309، رفع النقاب القسم 2 / 868، فواتح الرحموت 2 / 364.
(3) في ن: ((مثال ذلك)) .
(4) ساقطة من ن، ق.
(5) في ق: ((يدعى)) .
(6) في ق: ((المُعدِّ)) .
(7) الحجران هما: الذهب والفضة. انظر: مختار الصحاح مادة ((حجر)) .
(8) ما بين المعقوفين في ق: ((ذلك)) .
(9) في س: ((المشكوك)) وهو تصحيف. والمَسْكُوك: اسم مفعول من سك، والسِّكَّة: حديدة منقوشة تطبع بها الدنانير والدراهم، والجمع سِكَك. انظر: المصباح المنير مادة ((سكك)) .
(10) في ق: ((وهو)) والواو هنا مخلَّة بالمعنى.
(11) العقار: هو المنزل والأرض والضِّياع، مأخوذ من عُقْر بضم العين وفتحها، وهو: أصلها. انظر: تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص 197، الدر النقي لابن المبرد ص 534.
(12) في ن: ((وجبت)) وهو متجهٌ أيضاً.(2/342)
الأولى على هذه؛ لأن انتفاء الحكم بعد ثبوته في الصورة المعينة يقتضي أنه لم يبق (1) معه ما يتقضيه في تلك الصورة وإلا لثبت (2) فيها. أما إذا انتفى من (3) صورة أخرى غير صورة الثبوت أمكن أن يقال: إن موجِبَ الحكم غيرُ الوصف المدَّعَى علةً، وأن ما ذكرتموه من الوصف لو فرض انتفاؤه لثبت الحكم بذلك الوصف الآخر، فما تعين عدم اعتبار غيره بخلاف الصورة الواحدة.
[حجة أن الدوران] (4) دليل العِلِّية (5) : أن اقتران الوجود بالوجود والعدمِ بالعدم يغلب على الظن أن المَدَار (6) علة الدَائِر (7) ، بل قد يحصل القطع بذلك، لأن من ناديناه باسم فغضب ثم سَكَتْنا عنه فزال غضبه ثم ناديناه به فغضب (8) كذلك مراراً كثيرة، حصل (9) لنا (10) الظن الغالب بأن علة غضبه إنما هو ذلك الاسم الذي ناديناه به. ولذلك جزم الأطباء بالأدوية المُسْهِلة والقابضة وجميع ما يعطونه (11) من المبرِّدات وغيرها بسبب وجود تلك الآثار (12) عند وجود تلك العقاقير وعدمها عند عدمها.
فالدوران أصل كبير في أمور الدنيا والآخرة، فإذا وُجِد بين الوصف والحكم جَزَمْنا بعليَّة الوصف للحكم، أو نقول: بعض الدوران حجة قطعاً، كدوران قطع الرأس مع الموت في مجرى العادة، فوجب أن تكون (13) جميع الدَّوَرَانات حجةً لقوله تعالى
_________
(1) في س: ((يمكن)) .
(2) في ن: ((لثبتت)) وهو خطأ؛ لأن الضمير يعود على ((الحكم)) وهو مذكر. انظر: هامش (7)
ص 112.
(3) في ق: ((في)) وهو سائغ أيضاً.
(4) في ن: ((حجته أن)) .
(5) في س: ((العلة)) .
(6) المدار: هو الوصف. قال الزركشي: ((هو المُدَّعى عِلِّيتَّه)) البحر المحيط 7 / 313.
(7) الدائر: هو الحكم. قال الزركشي: ((هو المُدَّعى معلوليته)) البحر المحيط 7 / 313.
(8) هنا زيادة: ((ثم)) في ق، وهي من انفراداتها.
(9) في ق: ((يحصل)) .
(10) ساقطة من ق.
(11) في ق: ((يصفونه)) .
(12) في ن: ((الأثر)) وهو غير مُستقيم بما قبله.
(13) في س: ((يكون)) وهو جائز أيضاً. انظر: هامش (9) ص (216) .(2/343)
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} (1) والعدل التسوية (2) ، وعدم الاختلاف إحسان للخلق بتوفير خواطرهم عن الفحص عن (3) الفكرة في مدارك (4) الفروق.
حجة المنع: أن بعض الدورانات ليس بحجة، فوجب أن يكون الجميع ليس بحجة إلا ما أجمعنا عليه، أما أن بعض الدورانات ليس بحجة، فلأن الجوهر (5) والعَرَض (6)
دائران كلُّ واحدٍ منهما مع (7) الآخر وليس أحدهما علة للآخر، والحكم دائر مع السبب (8) وشرطه وجزء علته، وليس أحدهما علة للآخر، وحركات الأفلاك دائرة مع الكواكب وليس أحدهما علة للآخر. وأما أنه إذا كان كذلك وجب ألاَّ يكون فيها شيءٌ حجةً، فلأنه لو كان حجة للزم النقض بذلك البعض الآخر والنقض خلاف الدليل.
والجواب: أنا لا ندعي أن الدوران حجة إلا بوصف كونه لا يُقطع بعدم عليَّته (9) ،
_________
(1) سورة النحل، من الآية: 90.
(2) تتمة الاستدلال: ولا تسوية إلا بجعل الدورانات كلها دليل عِلِّيَّة المدار (الوصف) . انظر: الحاصل لتاج الدين الأرموي (2 / 897) . لكن المصنف ضعَّف الاستدلال بالآية في موضعين من كتابه: نفائس الأصول، في: (8 / 3343) ، وفي (8 / 3350) ، فلا أدري لماذا أتى به هنا؟! قال في الموضع الثاني: ((وأما التمسك بالآية ففي غاية الضعف، ولولا صدوره عن مثله - (يريد الرازي) - وولوع أبناء الزمان بأمثاله لكان الإعراض عنه أولى من الاعتراض عليه، إذْ يعزُّ على أهل النظر السديد صَرْفُ الزمان إلى ما يَبْدَهُ للعاقل فساده، لكني أقول مكرهاً لا بطلاً: تفسير العدل بالتسوية المطلقة ظلم؛ لأنه يلزم منه جهل كلِّ إنسان، وحِمَاريّة كل حيوان ... وحلِّ كل مأكول ... وبطلان كل دِيْن ... إلى غير ذلك مما لا يُعَدُّ كثرةً، لأن بعضها كذلك عملاً بالآية ... )) وانظر: الكاشف عن المحصول 6 / 409.
(3) في ق: ((على)) . ولم أجد فيما اطلعت عليه أن " فحص " يتعدَّى بـ" على ".
(4) في ن: ((مدار)) وفيها نقص.
(5) الجوهر: هو ما قام بنفسه، سواء كان بسيطاً لا يتجزأ أصلاً، وهو الجوهر الفرد. أو مركباً وهو الجسم الطبيعي. وقيل غير ذلك. انظر: حاشية الصبان على شرح السلم للملوي ص 71، التعريفات
ص 112.
(6) العرض: هو ما لا يقوم بذاته، أو هو الوجود القائم بالجوهر، وقيل: هو الكلي الخارج عن الماهية.
انظر: حاشية الصبان على شرح السلم للملوي ص 70، الكليات ص 625.
(7) في س: ((على)) وهي غير مناسبة هنا.
(8) ساقطة من ن، س.
(9) عبارة المصنف غير موفية بالمطلوب. وأوضح منها عبارة الحاصل (2 / 899) ((أنا لا ندعي علية المدار مطلقاً، بل حيث لا يُعلم عدم عليته قطعاً)) . وعبارة التحصيل (2 / 205) : ((أنا ندعي إفادة ظن العلية في دورانٍ لم يقم عليه دليل عدم العلية، فسقط ما ذكرتم)) .(2/344)
والدوران الموصوف بهذه الصفة لم يوجد في صورة النقض، فلا يتجه النقض؛ لأن من شرط النقض وجود الموجب بجميع صفاته، ولم يوجد فلا نقض، فاندفع السؤال.
المسلك السادس: السَّبْر والتقسيم
السادس: السَّبْر والتَّقْسيم (1) . وهو أن نقول (2) : إما أن يكون الحكم معللاً بكذا أو بكذا، والكل باطل إلا كذا، فيتعيَّن (3) .
الشرح
السبر معناه في اللغة: الاختبار ومنه سُمِّي (4) ما يُخْتبر (5) به طولُ الجُرْح وعرْضُه مِسْباراً، وتقول العرب: هذه القضية يُسْبر بها غَوْر العقل: أي يختبر (6) .
والأصل أن نقول (7) : التقسيم (8) والسبر، لأنَّا نقسِّم أولاً ثم نقول في معرض الاختبار لتلك الأوصاف الحاصلة في التقسيم هذا لا يصلح، وهذا لا يصلح، فيتعيَّن (9) هذا، فالاختبار واقع* بعد التقسيم، لكن التقسيم لما كان وسيلة للاختبار، والاختبار
_________
(1) والتقسيم)) ساقطة من ن، وبعضهم يعبر عن ((السبر والتقسيم)) : بالسبر فقط، وبعضهم: بالتقسيم. والكلُّ مؤدٍّ للغرض. والمناطقة يسمونه: بالقياس الشرطي المنفصل. انظر: تقريب الوصول ص 126، البحر المحيط للزركشي 7 / 282، سلم الوصول للمطيعي حاشية على نهاية السول 4 / 128.
(2) في س، متن هـ: ((يقول)) .
(3) ويمكن أن يقال في تعريفه أيضاً هو: حصر الأوصاف التي في الأصل (المقيس عليه) وإبطال ما لا يصح منها للعلية بدليلٍ، فيتعيّن الباقي. انظر: منتهى السول والأمل ص 180، جمع الجوامع بحاشية البناني
2 / 271، شرح الكوكب المنير 4 / 142، فواتح الرحموت 2 / 361.
(4) هنا زيادة: ((به)) ولا داعي لها.
(5) في ق: ((نختبر)) .
(6) انظر مادة: ((سبر)) في: معجم المقاييس في اللغة، لسان العرب، تاج العروس.
(7) في ن: ((تقول)) .
(8) التقسيم لغةً: مصدر قسَّم، وهو تجزئة الشيء، وتفريقه، وفرزه. انظر مادة " قسم " في: المصباح
المنير، القاموس المحيط.
(9) في ن: ((فتعين)) .(2/345)
هو المقصد، وقاعدة العرب تقديم الأهم والأفضل، [قُدِّم السبر] (1) ؛ لأنه المقصد الأهم، وأخَّر التقسيم؛ لأنه وسيلة أخْفضُ رتبةً من المقصد (2) .
وهذه الطريقة* مفيدة للعلة (3) ؛
لأن الحكم مهما أمكن أن يكون معللاً لا يُجْعل تعبُّداً، وإذا أمكن إضافته للمناسب فلا يضاف لغير المناسب، ولم نجد مناسباً إلا ما بقي بعد السَّبْر، فوجب كونه علة بهذه القاعدة (4) .
المسلك السابع: الطرد
ص: السابع: الطَّرْد (5) : وهو عبارة عن اقتران الحكم بسائر صور الوصف،
_________
(1) ساقط من س.
(2) بل جاء في تشنيف المسامع (3 / 275) بأن الأولى أن يقال: السبر والتقسيم؛ لأنه يُسبر المحلّ أولاً، هل فيه أوصاف أو لا؟ ثم يُقسَّم، ثم يُسبر ثانياً. وانظر: نهاية السول 4 / 129، شرح الكوكب المنير
4 / 143.
(3) قبل بيان حجية هذا المسلك يجدر ذكر أقسامه، فهو ينقسم إلى نوعين، الأول: التقسيم الحاصر،
ويسمى: التقسيم غير المنتشر، وهو: جمع الأوصاف التي يُظن كونها علَّةً مع الترديد بينها بالنفي والإثبات بحيث لا يجوِّز العقل وصفاً آخر غيرها. والثاني: التقسيم غير الحاصر، ويسمى بالتقسيم المنتشر، وهو جمع الأوصاف التي يظن كونها علّة مع عدم الترديد بينها بالنفي والإثبات أو دار بينهما ولكن كان الدليل على نفي عليَّة ما عدا الوصف المعيَّن فيه ظنّاً. فعلى هذا، إذا كان دليل الإبطال فيما عدا الوصف المستبقى قطعياً، وكان التقسيم منحصراً كان التقسيم قطعياً، فيكون حكمه: حجةً بلا خلاف. ويكون ظنياً إذا كان التقسيم منتشراً، أو كان منحصراً لكن دليل إبطال الأوصاف غير المعتبرة ظني، وهو حجة في العقليات، أما الشرعيات فهو الذي جرى فيه خلاف العلماء على مذاهب أربعة، الأول: هو حجة مطلقاً، لأكثر الشافعية والمالكية ومن وافقهم. الثاني: ليس حجةً مطلقاً، لأكثر الحنفية. الثالث: حجة على المستدل (الناظر) دون المعترض (المناظر) ، اختاره الآمدي. الرابع: يكون حجة إذا كان تعليل الحكم في الأصل مجمعاً عليه، ارتضاه الجويني. انظر المسألة في: البرهان 2 / 534، المحصول للرازي 5 / 217، الإحكام للآمدي 3 / 264، نهاية الوصول للهندي 8 / 3361، شرح مختصر الروضة 3 / 404، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 236، نهاية السول 4 / 128، البحر المحيط للزركشي 7 / 283، التوضيح لحلولو ص 246، شرح الكوكب المنير 4 / 142، نشر البنود
2 / 158.
(4) في ن: ((القواعد)) وما هاهنا إلا قاعدة واحدة.
(5) الطَّردْ لغة: الإبعاد، مصدر طَرَد، وطَرَدْتُ الخلاف في المسألة: أجريته، مأخوذ من المطاردة، وهي الإجراء للسياق. انظر مادة " طرد " في: مختار الصحاح، المصباح المنير.(2/346)
وليس مناسباً ولا مستلزماً للمناسب (1) ، وفيه خلاف (2) .
الشرح
لأنه متى كان مناسباً كان ذلك طريقاً آخر غير الطرد (3) ، ونحن نقصد أن (4) نثبت طريقاً غير المناسبة (5) ، وكذلك لا يكون مستلزماً للمناسب، إذ لو [كان مستلزماً للمناسب] (6) لكان هو: الشَّبَه، ونحن نقصد طريقاً غير الشبه، فمجرد (7) الاقتران هو (8) طريق مستقل على الخلاف.
حجة الجواز: أن (9) الحكم لابد له من علة - وليس غير هذا الوصف علةً (10) - عملاً بالأصل (11) ، فتعيَّن (12) هذا الوصف؛ نفياً للتعبُّد بحسب الإمكان، ولأن الاقتران بجميع الصور مع انتفاء ما يصلح للتعليل بغير (13) المقْترِن يغلب على الظن عِليَّة (14) ذلك
المُقْترِن، والعمل بالراجح متعيِّن.
_________
(1) ويُعرَّف بعبارة أخرى بأنه: مقارنة الحكم للوصف بلا مناسبة لا بالذات ولا بالتبع. انظر: شرح الكوكب المنير (4 / 195) . وعبارة الرازي هي: هو الوصف الذي لم يعلم كونه مناسباً ولا مستلزماً للمناسب إذا كان الحكم حاصلاً مع الوصف في جميع الصور المغايرة لمحلّ النزاع - ثم قال - ومنهم من بالغ فقال: مهما رأينا الحكمَ حاصلاً مع الوصف في صورةٍ واحدة حصل ظن العلِّيَّة. المحصول 5/21.
(2) انظر مسلك الطرد وخلاف العلماء في حجيته في: إحكام الفصول ص 649، التبصرة ص 360، البرهان 2 / 517، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 30، الوصول لابن برهان 2 / 303، ميزان الأصول
2 / 860، التوضيح لحلولو ص 347.
(3) وهو المناسبة.
(4) ساقطة من ن.
(5) في ن: ((المناسب)) .
(6) ما بين المعقوفين في ق: ((استلزمه)) .
(7) في س: ((لمجرد)) والمثبت هو الصواب؛ لاستقامة الأسلوب والمعنى.
(8) ساقطة من ق.
(9) ساقطة من س.
(10) ساقطة من س، ن.
(11) ساقطة من س.
(12) في ق: ((فيتعين)) .
(13) في س، ن: ((غير)) .
(14) في س: ((غلبة)) وهو تصحيف.(2/347)
حجة المنع: أن الأصل ألا (1) يعتبر في الشرائع إلا المصالح أو درء المفاسد، فما لم يعلم فيه تحصيل مصلحة ولا درء مفسدة وجب ألاَّ يعتبر، ولأن الصحابة رضوان الله عليهم إنما نُقِل عنهم العمل بالمناسب، أما غير المناسب فلا، فوجب بقاؤه على الأصل في عدم الاعتبار (2) .
المسلك الثامن: تنقيح المناط
ص: الثامن: تنقيح المناط، وهو إلغاء الفارق فيشتركان في الحكم (3) .
الشرح
قد تقدَّم الخلاف (4) في موضوع تنقيح المناط (5) هل هو إلغاء الفارق أو تعيين العلة من أوصاف مذكورة؟.
والدليل على أنه حجة بهذا التفسير: أن الأصل في كل مِثْلين أن يكون حكمهما واحداً، فإذا استوت (6) صورتان، ولم (7) يوجد بينهما فارق، فالظن القوي القريب من القطع أنهما مستويان في الحكم، ونجد في أنفسنا من اعتقاد الاستواء في الحكم ها هنا أكثر مما نجده في الطرد والشبه، والعلم بهذا التفاوت ضروري عند من سلك مسالك الاعتبار والنظر، فوجب كونه دليلاً على عليَّة (8) المشترك على سبيل الإجمال، وإن كُنَّا لا نعيِّنه، بل نجزم بأن ما اشتركا فيه هو موجب العلة (9) .
_________
(1) في ن: ((لا)) .
(2) وقد ذكر المانعون للطَّرد صوراً سخيفة فجَّة، انظرها في: البحر المحيط للزركشي 7 / 314 - 316، شرح الكوكب المنير 4 / 196.
(3) أي: يشترك الأصل والفرع في الحكم لعدم الفارق بينهما. وقد تقدم الكلام عنه ص (314) .
(4) انظر: ص (316) .
(5) هنا زيادة: ((ماذا هو)) في س، وفي ن زيادة: ((ماذا)) .
(6) في س، ن: ((استوى)) وهو جائز، لأن المؤنث مجازي. انظر: هامش (11) ص 27.
(7) في ن: ((لم)) بدون الواو.
(8) في س: ((علة)) .
(9) في ق: ((العلية)) .(2/348)
الفصل الرابع
في الدال على عدم اعتبار العلة (1)
وهو خمسة (2) :
القادح الأول: النّقض
ص: الأول: النَّقْضُ (3) : وهو وجود الوصف بدون الحكم (4) ، وفيه أربعة مذاهب (5) :
_________
(1) أورد المصنف تحت هذا الفصل القوادح التي تقدح في علِّية الوصف، وهناك من يسميها: الوجوه المُفْسِدة للعلية، وبعضهم يقول: الأسئلة الواردة على القياس، وآخرون يقولون: الاعتراضات على القياس، والمؤدَّى واحد. ومن العلماء من اعتبر البحث في هذه القوادح يختص بعلم الجدل. انظر: المستصفى
2 / 377، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 458 لكن قال الزركشي: ((. . . وذكرها جمهور الأصوليين؛ لأنها من مكمِّلات القياس الذي هو من أصول الفقه، ومكمِّل الشيء من ذلك الشيء، لهذه الشبهة أكثَرَ قومٌ من ذكر المنطق، والعربية، والأحكام الكلامية؛ لأنها من موادّه ومكملاته)) . البحر المحيط 7 / 328.
(2) وهي: النقض، عدم التأثير، والقَلْب، والقول بالموجَب، والفَرْق. والأصوليون يتفاوتون في تعدادها، أوصلها الآمدي في الإحكام (4 / 69) ، وابن الحاجب في منتهى السول ص (192) إلى خمسةٍ وعشرين قادحاً. وقال الزركشي: ((وقد أطنب الجدليون فيها لاعتمادهم إياها، ومنهم من أنهاها إلى الثلاثين، وغالبها يتداخل)) . البحر المحيط (7 / 328) . وانظر: شرح مختصر الروضة 3 / 566، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 257.
(3) النقض: لغةً: الإبطال، نقضتُ كلامه: أبطلته. انظر: المصباح المنير مادة " نقض ".
(4) أي أن الوصف الذي أبداه المستدل وادَّعى عليّته قد تَخلَّف الحكم عنه في بعض الصور. مثاله: كقول المستدلِّ في حقّ من لم يبيّت النية: تعرَّى أول صومه عنها فلا يصح، فيجعل عراء أول الصوم عن النية علةً لبطلانه. فيقول المعترض: هذا منقوض بصوم التطوع؛ فإنه يصح بدون التبييت، فقد وجدت العلة - وهي العراء - بدون الحكم، وهو: الصحة. انظر: المنهاج في ترتيب الحِجَاج للباجي ص 185، المعونة في الجدل للشيرازي ص 242، الكافية في الجدل للجويني ص 172، كتاب الجدل لابن عقيل
ص 430، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 218، نهاية السول 4 / 146، فتح الغفار 3/ 38، شرح الكوكب المنير 4 / 56.
(5) قال الزركشي: ((وقد اختلفوا فيه على بضعة عشر مذهباً، طرفان، والباقي أوساط)) ثم عدَّها. انظر: البحر المحيط 7 / 330، وانظر: المحصول للرازي 5 / 258، منهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط
2 / 164.(2/349)
ثالثها (1) : إنْ وجد المانع في صورة النقض فلا (2) يقدح، وإلا قدح (3) ، [ورابعها: إنْ نَصَّ عليها لم يقدح وإلا قدح] (4) (5) .
الشرح
النقض قد يكون على العلة وعلى الحدِّ وعلى الدليل، فوجود الحدِّ بدون المحدود نقض عليه، ووجود الدليل بدون المدلول نقض عليه*، والألفاظ اللغوية كلها أدلة، فمتى وُجد لفظٌ بدون مسماه لغة فهو نقض عليه، ويجمع الثلاثة: وجود المستلْزِم بدون المستلْزَم.
حجة المنع مطلقاً (6) : أن الوصف لو كان علة لثبت الحكم معه في جميع صوره عملاً به، ولم يثبت معه في جميع صوره، فلا يكون علة. ولأن الوصف من حيث هو هو إما أن يكون مستلزماً للعلة [أو لا يكون، فإن كان لزم (7) وجود (8) الحكم معه في
_________
(1) المذهب الأول والثاني طرفان، فالأول: اعتبار النقض قادحاً يمنع من التعليل بالوصف المدَّعى مطلقاً سواء كانت العلة منصوصة أو مستنبطة، وسواء كان تخلُّف الحكم عن الوصف لمانعٍ أو لا. وهذا مذهب من لا يجوِّز تخصيص العلة الشرعية، وهم بعض الحنفية، وجميع مشايخ المالكية كما قاله الباجي، وأكثر الشافعية، ورواية عن أحمد. انظر: المعتمد 2 / 284، إحكام الفصول ص 654، شرح اللمع للشيرازي 2 / 882، أصول السرخسي 2 / 208، المسودة ص 412، كشف الأسرار للبخاري 4 / 77، البحر المحيط للزركشي 7 / 330. والمذهب الثاني: عكسه مطلقاً، وهو قول بعض الحنفية، وعليه أكثر أصحاب الإمام أحمد، ونسبه العلوي في نشر البنود (2 / 205) والولاتي في نيل السول
ص (186) لأكثر المالكية. انظر: المراجع السابقة، وانظر: جامع الأسرار للكاكي 4 / 1080، شرح الكوكب المنير 4 / 58، تيسير التحرير 4 / 9، نثر الورود 2 / 527.
(2) في ق: ((لم)) .
(3) وهو مختار البيضاوي في المنهاج. انظر: الإبهاج (3 / 85) ، وعليه الشريف التلمساني من المالكية. انظر: مفتاح الوصول له ص 682.
(4) ما بين المعقوفين ساقط من س.
(5) المذهب الرابع حكاه الجويني عن معظم الأصوليين. انظر: البرهان 2 / 634. وفيه نظر، كما عُلم من المذاهب السابقة.
(6) أي: المنع من التعليل بالوصف المدَّعى، فهؤلاء يعتبرون النقض قادحاً مطلقاً.
(7) في ن: ((يلزم)) والمثبت أوفق للسياق.
(8) ساقطة من ن.(2/350)
جميع صوره، وإنْ لم يكن كان] (1) الوصف وحده ليس بعلة حتى ينضاف (2) إليه
غيره، والمقدَّر أنه علة، وهذا خُلْفٌ.
حجة الجواز مطلقاً (3) : أن الموجِب للعلية هو المناسبة، فالمناسبة (4) تقتضي أنها حيث وجدت ترتَّب الحكم معها وقد وجدت فيما عدا صورة النقض، فوجب (5) ثبوت الحكم معها، وإن لم يوجد (6) معها في صورة النقض - وتكون العلة كالعام المخصوص إذا خرجت عنه بعض الصور - بقي حجةً فيما عدا صورة التخصيص، سواء علم موجب التخصيص أم (7) لا، كذلك ها هنا. فإن (8) تناول المناسبة لجميع الصور [كتناول الدلالة اللغوية لجميع الصور] (9) ، فهو في الحقيقة تخصيص، ولذلك يقول كثير من الأصوليين والجدليين في النقض: إنه تخصيص للعلة (10) ، وهذا هو المذهب المشهور (11) .
_________
(1) ما بين المعقوفين كتب في ق هكذا: ((فيلزم وجود الحكم معه في جميع صوره، أو لا يستلزم العلة فيكون)) .
(2) في س: ((يضاف)) .
(3) أي: جواز التعليل بالوصف المدّعى، فهؤلاء لا يعتبرون النقض قادحاً.
(4) في ق: ((وهي)) .
(5) في ق: ((فيجب)) .
(6) في ق: ((يكن)) .
(7) في س، ق: ((أو)) قال ابن هشام ((وقد أوِلع الفقهاء وغيرهم بأن يقولوا: سواء كان كذا أو كذا ... والصواب العطف بـ" أمْ ")) مغني اللبيب (1 / 95) وخالفه الهروي فقال: ((فإن قلتَ: سواء عليَّ قمتُ أو قعدتُ، بغير استفهام، لم تعطف إلا بـ" أو ")) الأزهيّة في علم الحروف ص 138. والصواب - والله أعلم - أن الكلّ صواب. انظر: موسوعة الحروف في اللغة العربية د. إميل بديع يعقوب ص 125 - 126.
(8) في ق: ((لأن)) .
(9) ما بين المعقوفين ساقط من س.
(10) مسألة تخصيص العلة انظرها في: شرح العمد 2 / 132، العدة لأبي يعلى 4 / 1386، شرح اللمع
2 / 883، أصول السرخسي 2 / 408، المحصول للرازي 5 / 323، مفتاح الوصول ص 680، كتاب الجدل لابن عقيل ص 301.
(11) انظره في: هامش (1) ص 350.(2/351)
حجة الثالث: أن الفرق (1) إذا وجد في صورة النقض كان ذلك الفارق مانعاً من ثبوت الحكم مع العلة في صورة النقض، فكان العذر منتهضاً (2) في عدم ثبوته في صورة النقض، أما إذا لم يوجد فارق كان عدم الحكم في صورة النقض مضافاً لعدم عليَّة الوصف لا لقيام المانع، فلا يكون الوصف علة (3) .
حجة الرابع: أن الوصف إذا نُصَّ على كونه علة تعين الانقياد لنص صاحب الشرع وهو أعلم بالمصالح، فلا عبرة بالنقض مع نص صاحب الشريعة (4) ، بل النص مقدم، أما إذا لم يوجد (5) نص تعيَّن أن الوصف ليس بعلة؛ لأنه لو كان علة لثبت الحكم معه في جميع صوره، وليس فليس.
وجواب النقض (6) : إما بمنع وجود الوصف في صورة النقض، أو بالتزام الحكم فيها.
لما كان النقض لا يتم إلا بأمرين، أحدهما: وجود الوصف في صورة النقض، والثاني: عدم الحكم فيها (7) ، [كان انتفاء] (8) أحد هذين يمنع تحقُّق النقض، فإنه إن لم يوجد الوصف لا يقال وجد الوصف بدون الحكم، وكذلك إذا وجد الحكم فلَكَ منع وجود الوصف في صورة النقض، بأن تعتبر (9) بعض قيود العلة، فلا تجده في صورة
_________
(1) أي: الفرق بين وجود المانع من الحكم في صورة النقض وعدم المانع.
(2) في ن: ((منتظماً)) .
(3) ساقطة من س.
(4) في ن: ((الشرع)) .
(5) في ق: ((نجد)) .
(6) قال ابن قدامة: ((واختلف في وجوب الاحتراز في الدليل عن صورة النقض، والأليق وجوب الاحتراز، فإنه أقرب إلى الضبط، وأجمع لنشر الكلام، وهو هيّن)) . روضة الناظر (3 / 938) ، ثم ذكر طرقاً أربعة لدفع النقض. انظر: المنهاج في ترتيب الحجاج ص 186، المعونة في الجدل ص 42، الكافية في الجدل ص 191، الايضاح لقوانين الاصطلاح لابن الجوزي ص 327، البحر المحيط للزركشي 7/341، التوضيح لحلولو ص 352 - 353.
(7) ساقطة من ق.
(8) في ق: ((فمتى انتفى)) .
(9) في س: ((يعتبر)) .(2/352)
النقض، والمُوْرِد للنقض تخيّل (1) أنه موجود، فتمنعه (2) حينئذٍ، مثاله قولك (3) في (4) الوقف: عقد نَقْلٍ (5) ، فوجب أن يفتقر للقبول قياساً على البيع، فيقول السائل: يُشْكل بالعتق (6) ، فنقول له: لا نسلم أن العتق نَقْلٌ بل هو إسقاط كالطلاق، والإسقاط لا يفتقر للقبول بخلاف النقل والتمليك (7) . ولك منع عدم الحكم في صورة النقض بناءً على أحد القولين عندك في مذهبك بناءً على الخلاف من حيث الجملة (8) .
القادح الثاني: عدم التأثير
ص: الثاني: عدم التأثير، وهو: أن يكون الحكم موجوداً مع وصف، [ثم
يُعْدم] (9) ذلك الوصف ويبقى الحكم (10) ، فيقدح، بخلاف " العكس ": وهو وجود
الحكم بدون الوصف في صورة أخرى (11) فلا يقدح؛ لأن العلل الشرعية يخلف
_________
(1) في ق: ((يحتمل)) ، وفي س: ((يُخيَّل)) وكلاهما محتملان.
(2) في ق، س: ((فيمنعه)) وهو تصحيف.
(3) في ق: ((قولنا)) .
(4) ساقطة من س.
(5) المراد بالنَّقْل: نقل للمِلْك أو الملكية، وسيورد المصنف فصلاً بديعاً في آخر الكتاب ص (525 - 527) يفرِّق فيه بين: النقل، والإسقاط، والقبض والإقباض ... إلخ.
(6) أي يقول المعترض: هذا منقوض بالعتق، فهو عقد نَقْلٍ مع أنه لا يفتقر إلى القبول اتفاقاً.
(7) مسألة الوقف هل يفتقر إلى القبول؟ فيها تفصيل. انظره في: المغني 8 / 187، الذخيرة 6 / 316، مغني المحتاج 3 / 534، مواهب الجليل 7 / 648.
(8) ذكر الشوشاوي له مثالاً في: رفع النقاب القسم (2 / 883) ، فانظره ثمَّة
(9) في متن هـ: ((يُقدَّم)) وهو تحريف.
(10) بعبارة أخرى: هو بقاء الحكم بعد زوال الوصف الذي فُرِض علّةً. انظر هذا القادح في: المعتمد
2 / 261، المنخول ص 411، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 265، التمهيد لأبي الخطاب
4 / 125، الإحكام للآمدي 4 / 85، التوضيح لحلولو ص 353، تيسير التحرير 4/134، 151، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 195، المعونة في الجدل ص 237، الكافية في الجدل ص 290، كتاب الجدل لابن عقيل ص 423.
(11) المصنف اتبع الرازي في تسمية هذا الطريق " بالعكس " وهكذا سار الشارحون والمختصرون للمحصول، بَيْد أن البيضاوي لم يرتضِ هذه التسمية، فسماه: " عدم العكس " وصوّبه الإسنوي معللاً بأن العكس: هو انتفاء الحكم لانتفاء العلة، أما عدم العكس: فهو ثبوت الحكم في صورةٍ بعلّةٍ أخرى غير العلة الأولى. لكن تعقَّبه المطيعي بأن العكس تارة يطلق ويراد به تخلفه، أي: عدم العكس، وذلك في مقام عَدِّه من=(2/353)
بعضها بعضاً (1) .
الشرح
مثال عدم التأثير: أن تحريم الخمر ثابت مع اللون الخاص للخمر، فإذا (2) تغيَّرتْ إلى لون آخر والتحريم باقٍ، فيُعلم أن علة التحريم ليس هو ذلك اللون. والعكس: هو عكس النقض، فإن النقض وجود العلة بدون الحكم، والعكس وجود الحكم بدون العلة. مثال النقض: تعليل الزكاة بالغنى، فيُنْقض (3) بالعَقَار الذي فيه الأجرة العظيمة والمنافع الجزيلة مع عدم وجوب الزكاة، فهذا نقض؛ لأنه وجود العلة التي هي الغنى بدون الحكم الذي هو وجوب* الزكاة.
ومثال العكس: تعليل الحد بجناية القذف، فينقض بشرب الخمر أو بغيره، فلا يرد؛ لأن [علل الشريعة] (4) يَخْلُف بعضها بعضاً، وكما لو قال قائل: الإنزال سبب وجوب (5) الغسل، فيُنقض بانقطاع دم الحيض، فإن الغسل واجب ولا إنزال، فلا يرد هذا السؤال؛ لأن الأسباب يخلف بعضها بعضاً، وكذلك الأسباب والأدلة.
قال الشيخ سيف الدين الآمدي رحمه الله: يرد سؤال النقض ولا يرد سؤال العكس، إلا أن يتفق (6) المناظران على اتحاد العلة، فيرد النقض والعكس (7) .
_________
(1) = القوادح على القول بذلك، وتارة يُراد نفسُه في مقام عَدِّه شرطاً - أي من شروط العلة (الطرد
والعكس) - على القول به ... إلخ انظر: سلم الوصول حاشية على نهاية السول 4 / 184. وانظر هذا القادح في: المحصول للرازي 5 / 261، تشنيف المسامع 3 / 341، التوضيح لحلولو ص 354، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 212، المعونة في الجدل ص 237، الايضاح لقوانين الاصطلاح ص 345.
() لم يعُدّ المصنف عدم العكس قادحاً، وهو تفريع على القول بتعدد العلل لمعلول واحد. وسيأتي مبحث تعدد العلل ص (363) .
(2) في ن: ((فإن)) وهو سائغ كما سبق الكلام عنه.
(3) في ق: ((فينتقص)) .
(4) في ن: ((العلل الشرعية)) .
(5) في ق: ((وجود)) .
(6) في س: ((تتفق)) وهي مستقيمة بما بعدها، إذْ جاء فيها " المناظرات ".
(7) لم أجده في كتابيه: " الإحكام " و" منتهى السول في علم الأصول " لا بلفظه ولا بمعناه. لكن أشار الآمدي في منتهى السول (3 / 43) بأن له كتاباً في " الجدليات " اسمه: غاية الأمل في علم الجدل، فلعل النقل كان منه، أو من كتابه " الترجيحات " فإنه من موارد المصنف، كما جاء في كتابه نفائس الأصول (1 / 92) .(2/354)
وكثيراً (1) ما يغلط (2) طلبة العلم في إيراد العكس، فيوردونه (3) كما يوردون (4)
النقض، وهو غلط كما بيَّنْتُ لك، فقد ظهر الفرق بين النقض والعكس وعدم التأثير، فتأمَّلْ ذلك (5) .
القادح الثالث: القَلْب
ص: الثالث: القَلْب (6) :
وهو إثبات نقيض الحكم بعين العلة، كقولنا (7) في الاعتكاف: لُبْثٌ في مكان مخصوص، فلا يستقلُّ بنفسه (8) قياساً على الوقوف بعرفة (9) ، فيكون الصوم شرطاً فيه، فيقول السائل: لُبْثٌ في مكان مخصوص، فلا يكون الصوم شرطاً فيه كالوقوف بعرفة (10) ، وهو إما أن يُقْصد به (11) إثبات مذهب
_________
(1) في س، ن: ((وكثير)) . ولست أعلم لها وجهاً نحوياً. أما المثبت فهو واضح؛ لأنه مفعول مطلق أو صفة نابت مناب مصدر محذوف تقديره " غلطاً كثيراً ". انظر: شرح ملحة الإعراب للحريري ص 167.
(2) في س: ((تغلط)) وهو جائز. انظر: هامش (11) ص 67.
(3) في ن: ((فيردونه)) وهو تحريف؛ لأن الكلام في الإيراد.
(4) في ن: ((يردون)) وهو تحريف؛ لأن الكلام في الإيراد.
(5) انظر: نفائس الأصول 8 / 3398.
(6) القلب لغة: تحويل الشيء عن وجهه، وقلبْتُ الرداء: حوَّلتُه، وجعلت أعلاه أسفله. انظر مادة
" قلب " في: لسان العرب، المصباح المنير. والمناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي ظاهرة، انظرها
في: التلويح للتفتازاني 2 / 203. وانظر هذا القادح في: إحكام الفصول ص 663، أصول السرخسي 2 / 238، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 202، المحصول للرازي 5 / 263، نهاية الوصول للهندي 8 / 3449، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 519، التوضيح لحلولو ص 354، فواتح الرحموت 2 / 408، نشر البنود 2 / 214، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 174، المعونة في الجدل ص 259، الكافية في الجدل ص 217، كتاب الجدل لابن عقيل ص 449.
(7) في متن هـ: ((لقولنا)) وهو تحريف.
(8) هنا زيادة ((قربة)) في ن.
(9) هذه العبارة جاءت في ق هكذا ((فلا يستقل بنفسه كالوقوف بعرفة)) .
(10) وقع خلاف قديم في اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف، انظره في: الحاوي 3 / 486، بدائع الصنائع
3 / 6، بداية المجتهد 3 / 241، المغني 4 / 459، الذخيرة 2 / 536.
(11) في ن: ((فيه)) وهو غير مناسب هنا، لأن القصد في الشيء خلاف الإفراط، وهذا المعنى غير مقصود
هنا. انظر: مادة " قصد " في لسان العرب.(2/355)
السائل، أو إبطال مذهب المستدل (1) . فالأول كما سبق، والثاني كما يقول الحنفي: المسح (2) ركنٌ من أركان الوضوء، فلا يكفي (3)
فيه أقلُّ ما يمكن، أصله الوجه، فيقول الشافعي: ركن من أركان الوضوء، فلا يُقدَّر بالرُّبْع، أصله الوجه (4) .
الشرح
القلب: يُبْطل العلة من جهة أنه مُعارَضة في أنها موجبة لذلك
الحكم، فإذا أثْبتَ (5) بها القالب نقيض ذلك الحكم في صورة النزاع استحال [إيجابها لذلك الحكم] (6) في صورة النزاع، وإلا لاجتمع النقيضان في صورة النزاع* وهو
محال.
ومعنى قوله (7) ((فيكون الصوم شرطاً فيه)) : معناه أنه إذا لم يستقل بنفسه، وكل من قال: إن الاعتكاف لا يستقل بنفسه قال الذي يضاف إليه هو الصوم، فالمقدمة
_________
(1) وهناك أقسام أخرى للقلب انظرها في: شرح اللمع للشيرازي 2 / 944، البحر المحيط للزركشي
7 / 369، شرح الكوكب المنير 4 / 332.
(2) ساقطة من س، ق، ن. وهو سقط مُخلٌّ لافتقار الجملة إلى المسند إليه (المبتدأ) . وفي متن هـ:
((وللنسخ)) وهو تحريف. وهي مثبتةٌ في م، ز، ومقدمة الذخيرة (1 / 130) . أمّا المتن ر، والمتن د ففيهما: ((مسح الرأس)) .
(3) في س: ((يُكتفى)) وهو فعل لازم يتعدّىبالباء، فكان لابد أن يقول بعد ذلك " بأقل "، ولهذا لا
تُرجَّح هنا. انظر: مادة " كفى " في: مختار الصحاح، المصباح المنير.
(4) مذهب أبي حنيفة في مسح الرأس الاكتفاء بربع الرأس، ومن الأحناف من قدَّره بالناصية، وبعضهم بمقدار ثلاثة أصابع. والمشهور عند الشافعية الاكتفاء بأقل ما يصدق عليه اسم المسح، وهو ثلاث شعرات
فصاعداً. ومذهب مالك وظاهر مذهب أحمد وجوب تعميم الرأس بالمسح، وخصّ أحمد الرجل بذلك دون المرأة. انظر: الحاوي 1 / 114، بدائع الصنائع 1 / 102، بداية المجتهد 1 / 368، المغني
1 / 175، الذخيرة 1 / 259، مغني المحتاج 1 / 176، كشاف القناع 1 / 114، رد المحتار (حاشية ابن عابدين) 1 / 213.
(5) في ن: ((ثبت)) وهو تحريف.
(6) في ن: ((إلحاقها كذلك للحكم)) .
(7) في ن: ((قولهم)) .(2/356)
الأولى: ثابتة بقياس القلب (1) ، والثانية: ثابتة بالإجماع، من باب لا قائل بغير ذلك، فلو ثبت أن المضاف غير الصوم لزم خلاف الإجماع*.
وأما قول الحنفي: ركن من أركان الوضوء فلا يكفي فيه أقل ما يمكن [أصله الوجه] (2) ، هو استدلال على الشافعي، لأنه هو (3) القائل (4) : يكفي في الرأس أقلُّ ما يسمى مسحاً، فيُبْطِل بهذا القلب مذهب الشافعي، ولا يُثبت مذهب الحنفي في إيجاب مسح الربع [من الرأس] (5) ، بل جاز أن يكون الواقع [مذهب مالك، وهو إيجاب الجميع، ولا يكفي أقل ما يمكن من المسح (6) . وكذلك قول الشافعي لما قلب فلا يُقدَّر بالربع أصله الوجه، لا يلزم من عدم تمثيله بالربع الاكتفاء بأقل ما يمكن، بل جاز أن يكون الواجب] (7) مسح الجميع، فليس في هذا القلب إثبات مذهب القالب، بل إبطال مذهب المستدل فقط.
القادح الرابع: القول بالمُوجب
ص: الرابع: القول بالموجَب (8) : وهو تسليم ما ادَّعاه المستدل موجَب علته
_________
(1) المقدمة الأولى هي: أن الاعتكاف لا يستقل بنفسه. كان طريق ثبوتها قياس القلب أي قياس العكس، وحَدُّه: إثبات نقيض حكم معلومٍ في معلومٍ آخر لتنافيهما في العلة. فالحنفي استدلّ بقياس العكس على أن الاعتكاف لا يستقل بنفسه، بل لابد من ضميمة الصوم، فقال: لو لم يشترط الصوم في صحة الاعتكاف عند الاطلاق، لم يَصِرْ شرطاً له بالنذر، كالصلاة لمَّا لم تكن شرطاً له عند الإطلاق، لم تصر شرطاً له بالنذر. ومن الأصوليين من خرم قياس العكس. انظر: التمهيد لأبي الخطاب 3 / 358، الإحكام للآمدي 3 / 183، السراج الوهاج 2 / 848، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 205، مفتاح الوصول ص 731، فصول البدائع للفناري 2 / 275، التقرير والتحبير 3 / 162.
(2) في ق: ((كالوجه)) .
(3) ساقطة من ق، ن.
(4) في ق: ((يقول)) .
(5) في ق: ((منه)) .
(6) انظر: هامش (4) ص 356.
(7) ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(8) بفتح الجيم، اسم مفعول بمعنى ما توجبه العلة أو الدليل، أي: الحكم الذي أوجبته العلة أو الدليل. والمُوجِب بكسر الجيم: هو نفس العلة أو الدليل. انظر: البحر المحيط للزركشي 7 / 372، رفع النقاب القسم 2 / 889. وفي المصباح المنير مادة " وجب ": الموجِب بالكسر: السبب، وبالفتح: المُسبَّب. انظر هذا القادح في: العدة لأبي يعلى 5 / 1462، المنخول ص 402، المحصول للرازي 5 / 269، تقريب الوصول ص 384، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 279، التلويح للتفتازاني 2 / 210، البحر المحيط للزركشي 7 / 372، التقرير والتحبير 3 / 340، التوضيح لحلولو ص 355، نثر الورود
2 / 541، المنهاج للباجي ص 173، المعونة للشيرازي 246، الكافية للجويني ص 161، كتاب الجدل لابن عقيل ص 443.(2/357)
مع بقاء الخلاف في صورة النزاع.
الشرح
القول بالموجَب يدخل في العلل والنصوص وجميع ما يستدل به، ومعناه الذي يقتضيه ذلك الدليل ليس هو المتنازع فيه، وإذا لم يكن المتنازع فيه أمكن تسليمه واستبقاء الخلاف على حاله في صورة النزاع.
مثاله في العلل: قول القائل الخيل (1) حيوان يُسابق عليه فتجب (2) فيه الزكاة كالإبل؛ فإن الخيل يُسابق عليها كالإبل، فيقول السائل: أقول بموجَب هذه العلة، فإن الزكاة عندي واجبة (3) في الخيل إذا كانت للتجارة، فإيجاب الزكاة (4) من حيث الجملة أقول به، إنما النزاع إيجاب الزكاة في رقابها من حيث هي خيل (5) ، فسلَّم ما اقتضته العلة، ولم يضره (6) ذلك في صورة النزاع.
ومثاله في النصوص: قول المستدل: إن المُحْرم لا يُغَسَّل ولا يُمَسُّ بطيبٍ، لقوله صلى الله عليه وسلم في محرم وَقَصَتْ به ناقته: ((لا تُمِسُّوه بطيبٍ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)) (7) يقول السائل: النزاع ليس في ذلك المحرم الذي ورد فيه النص، وإنما النزاع في المحرمين في زماننا، والنص ليس فيه عموم يتناولهم، إنما هو في شخص مخصوص (8) ، فلا يضرنا
_________
(1) ساقطة من س، ق، ن، ش. وهي مثبتة في م، ز، وفي ص، و: ((جواد يسابق عليه ... )) .
(2) في س: ((فيجب)) وهو جائز. انظر هامش (11) ص 27.
(3) ساقطة من س.
(4) وضع مصحح نسخة ق علامة هنا وأشار في الهامش بزيادة: ((في رقابها)) وهو سهو بيّن. والصواب بدونها كما في الأصل، ولعلّ مردَّ السهو قَفْزُ نظر الناسخ إلى السطر التالي لهذا.
(5) قول أكثر أهل العلم لا زكاة في غير بهيمة الأنعام، إلا أن تكون عروض تجارة. وقال أبو حنيفة بالزكاة في الخيل إذا كانت سائمة غير معدَّة للجهاد أو حمل الأثقال، أو الركوب، بل اقتنيت لمجرد الاستيلاد والنتاج. انظر المسألة في: الحاوي 3 / 191، بدائع الصنائع 2 / 445، بداية المجتهد 3 / 73، المغني 4 / 66، الذخيرة 3 / 94، شرح فتح القدير 2 / 192، فقه الزكاة للقرضاوي 1 / 222.
(6) في س: ((يضر)) .
(7) سبق تخريجه.
(8) في ق: ((مخصص)) .(2/358)
التزام موجَبه (1) ، وكذلك لو استدل بعضهم على وجوب الزكاة بسورة الإخلاص، فإنا نقول بموجَبها الذي هو التوحيد، ولا يلزم من ذلك وجوب الزكاة في صورة النزاع.
القادح الخامس: الفرق
ص: الخامس: الفَرْق (2) : وهو إبداء معنىً مناسبٍ للحكم في إحدى الصورتين مفقود في الأخرى (3) .
وقَدْحه مبنيٌ (4) على أن الحكم لا يُعلَّل بعلتين، لاحتمال أن يكون الفارق إحداهما، فلا يلزم من عدمه عدم الحكم، لاستقلال الحكم بإحدى
العلتين.
الشرح
قولنا: ((مناسب)) احتراز من غير المناسب، وقد يكون الشيء مناسباً لحكم غير الحكم المتنازع فيه.
مثال غير المناسب: أن نقيس (5) الأرز على البر في حكم الربا، فيقول السائل: الفرق بينهما أن الأرز أشد بياضاً أو أيسر تقشيراً من سنبله (6) .
_________
(1) يرى الأحناف والمالكية جواز تطييب المحرم وتغطية رأسه كالحلال، لانقطاع إحرامه بالموت، ويجيبون عن الحديث بأنه واقعة عين، والشافعية والحنابلة يرون عدم تطييبه وتغطية رأسه. انظر: الحاوي 3 / 13، بدائع الصنائع 2 / 329، المغني 3 / 478، الذخيرة 2 / 455، نيل الأوطار 4 / 40.
(2) يسمى أيضاً بسؤال المعارضة، وبسؤال المزاحمة. انظر: البحر المحيط للزركشي (7 / 378) . والفَرْق لغةً: الفَصْل مصدر فَرَق. انظر: المصباح المنير مادة " فرق ". وانظر هذا القادح في: قواطع الأدلة
2 / 229، المنخول ص 417، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 217، المحصول للرازي 5 / 271، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 276، نشر البنود 2 / 223، المنهاج للباجي ص 201، المعونة للشيرازي ص 262، الكافية للجويني ص 298، الإيضاح لابن الجوزي ص 321.
(3) ومن تعريفاته الأوضح: بيان مانعٍ من الحكم في الفرع مع انتفاء ذلك المانع في الأصل. تيسير التحرير
(
4 / 148) ، ومنها: إبداء المعترض معنىً يحصل به الفرق بين الأصل والفرع حتى لا يلحق به في حكمه. شرح الكوكب المنير (4 / 320) .
(4) في ق: ((بني)) .
(5) في ق: ((يقيس)) .
(6) هذا الفارق غير قادح، لأنه فارق بوصف طردي، وقد عُهِد من الشارع عدم التفاته إليه، وما من جامعٍ بين أصلٍ وفرعٍ إلا ويمكن قطعه بالأوصاف الطردية، لكنه باطل.(2/359)
مثال المناسب (1) لغير الحكم المذكور: أن نقيس (2) المساقاة على القِرَاض (3) في جواز المعاملة على جزء مجهول، فيقول السائل: الفرق أن الشجر إذا تُرِك العمل فيها هلكتْ بخلاف النَّقْدين، وهذا [مناسب لأَنْ يكون] (4) عقد المساقاة [لازماً لا جائزاً
بخلاف] (5) القراض، فإن القول بجوازه يؤدي إلى جواز رده بعد مدة، فيَتْلَف الشجر، أما باعتبار الغرر فلا مدخل لمناسبة هذا الفرق فيه.
مثال المناسب للحكم المذكور: أن نقيس الهبة (6)
على البيع في منع الغرر فيها، فيقول المالكي: الفرق أن البيع عقد معاوضة، والمعاوضة مكايسة (7) يُخلُّ بها الغرر، والهبة إحسانٌ صِرْفٌ لا يُخلُّ به الغرر، فإن لم يحصل شيء لا يتضرر الموهوب له، بخلاف المشتري (8) .
قال الإمام فخر الدين: وقَدْحُه في القياس مبني على أن الحكم لا يعلل بعلتين (9)
_________
(1) في ق: ((التناسب)) وهو تحريف.
(2) في ق: ((يقيس)) .
(3) القِراض هي تسمية أهل الحجاز، وهي المضاربة بتسمية أهل العراق. والقِراض مشتق من القَرْض بمعنى القطع انظر مادة " قرض " في: لسان العرب، المصباح المنير. واصطلاحاً: قال ابن عرفة: تمكين مالٍ لمن يتّجر به بجزءٍ من ربحه لا بلفظ الإجارة. شرح حدود ابن عرفة للرصّاع 2 / 500.
(4) ساقط من ق.
(5) ساقط من ق.
(6) الهبة لغة: العطية الخالية من الأغراض والأعواض، من وهَب يَهَب وَهْباً وهبةً. انظر: لسان العرب مادة " وهب ". واصطلاحاً: تمليكُ ذي منفعةٍ لوجهِ المُعْطَى بغير عوض. شرح حدود ابن عرفة للرصّاع
2 / 552.
(7) المكايسة: مفاعلة من كايس، يقال: كايَسْتُ فلاناً فكِسْتُه أَكِيْسُهُ كَيْساً أي: غلبْتُه بالكَيْس، أي:
العقل. والمماكسة: المساومة لانتقاص الثمن. فالبيع فيه مكايسة ومماكسة. انظر: مادة " مكس " في لسان العرب، النهاية في غريب الحديث والأثر.
(8) انظر الخلاف في هبة الغرر في: الحاوي 7 / 535، بدائع الصنائع 8 / 95، المغني 8 / 249، الذخيرة
6 / 243 - 244.
(9) عبارة الرازي في محصوله (5 / 571) : ((والكلام فيه (أي الفرق) مبني على أن تعليل الحكم الواحد بعلتين، هل يجوز أم لا؟ وفيه مسألتان)) . ثم شرحهما وقال أخيراً في (5 / 279) : ((وهو (أي الفرق) يقدح في جواز تعليل الحكم الواحد بعلتين مستنبطتين)) فالمصنف يبدو أنه دمج بين العبارتين، واستخلص مذهب الرازي في أن القدح بالفرق يكون في الحكم المعلَّل بعلَّة واحدة أو معلل بعللٍ متعددة مستنبطة، أما الحكم المعلل بعلل منصوصة فلا يقدح. وربما كان النقل من غير المحصول والمنتخب والمعالم والله أعلم.(2/360)
[فإن شأن تعليل الحكم بعلتين] (1) أن انفراد (2) إحداهما (3) يوجب (4) ثبوت الحكم، وعدم الأخرى لا يضر، كما نقول في تعليل إجبار الأب: إنه معلل بالصِّغَر والبكارة، فإذا انفردت إحدى العلتين وهي البكارة ثبت الجبر [كالمُعَنَّسة (5) على الخلاف (6) ،
أو الصغر ثبت الجبر] (7) كالثيب الصغيرة، أو اجتمعتا معاً ثبت الجبر كالبِكْر الصغيرة، فإذا أورد السائل الفرق، يقول القائس: فَرْقُه معنى (8) مناسب هو علة أخرى في الأصل مع المشترك بين صورة الأصل وصورة النزاع، [وقد اجتمعتا (9) معاً في الأصل، فترتَّب الحكم، وانفرد المشترك في صورة النزاع] (10) ، وهو إحدى (11) العلتين، فترتب الحكم عليه، ولا يضر عدم الفارق في (12) صورة (13) النزاع، لأن عدم إحدى العلتين لا يمنع ترتب الحكم، فلذلك قال (14) : إن سماع الفرق مبني على أن الحكم لا يعلل بعلتين.
[غير أن ها هنا إشكالاً وهو: أن الجمهور على جواز تعليل الحكم بعلتين] (15) ،
_________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من س.
(2) في ق: ((انفرد)) وهي تحريف.
(3) في ق: ((أحدهما)) وهو خطأ نحوي. انظر: هامش (3) ص 58.
(4) في ن: ((توجب)) وهو خطأ؛ انظر: هامش (7) ص 112.
(5) المُعَنَّسة: اسم مفعول من عَنَّس، وعَنَست المرأة تَعْنِسُ وتَعْنُسُ عنوساً، وهي عانس. وعَنَّسها أهلُها: أمسكوها عن التزويج، فالمعنَّسة هي المرأة التي طال مكثها في منزل أهلها بعد إدراكها، ولم تتزوج حتى خرجت من عداد الأبكار. انظر مادة " عنس " في: لسان العرب، المصباح المنير.
(6) انظر خلاف أهل العلم في تعليل إجبار الأب موليّته على النكاح في: الحاوي 9 / 52، بدائع الصنائع
3 / 357، بداية المجتهد 4 / 209، المغني 9 / 398. وفي خصوص البكر المعنَّسة قال الصنف في الذخيرة (4 / 217) ((لا تجبر الثيّب البالغ عندنا لعدم العلتين، وفي البكر المعنَّسة روايتان)) .
(7) ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(8) في ق: ((منعى)) وهو تحريف.
(9) هكذا في س وهو الصواب؛ لعود الضمير على مثنى مؤنث (العلتان) ، وفي س، ن: ((اجتمعا)) .
(10) ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(11) في س، ن: ((أحد)) والمثبت من ق هو الصواب. انظر: هامش (3) ص 58.
(12) هكذا في س، ز، وفي سائر النسخ ((من)) وهي لا تعطي معنى مناسباً.
(13) هنا زيادة ((عدم)) في ق وهي مقحمة بطريق السهو.
(14) أي: الفخر الرازي. انظر المحصول 5 / 271، 279.
(15) ساقط من ق.(2/361)
والجمهور على سماع الفرق (1) ،
فيبطل قوله: إن سماع الفرق ينافي تعليل الحكم بعلتين (2) ؟.
والجواب: أن الفرق قد (3) يصلح للاستقلال (4) بالعليَّة، كما نقول (5) في الصغر مع* البكارة، وقد لا يصلح للاستقلال (6) كما يفرق بزيادة المشقة ومزيد الغرر من باب صفة الصفة التي لا تصلح للتعليل المستقل، فما (7) لا يصلح للاستقلال (8) يمكن أن يسمع مع جواز التعليل بعلتين؛ لأن السؤال السابق حينئذٍ لا يتجه، وهو الذي قال به الجمهور، وما (9) يصلح للاستقلال (10) لا يمكن إيراده إذا جوَّزنا التعليل بعلتين، فهذا تلخيص هذا الموضع (11) .
_________
(1) اختلفت مذاهب الأصوليين في القدح بالفرق على ثلاثة مذاهب، الأول: أنه ليس قادحاً، نقله الجويني عن طوائف من الجدليين والأصوليين. والثاني: يرى أن الفرق ليس سؤالاً إنما هو معارضة الأصل بمعنى، ومعارضة العلة التي نصبها المستدل بعلةٍ أخرى مستقلة، والمعارضة مقبولة، وهو معزوٌّ إلى ابن سريج والأستاذ أبي إسحاق. الثالث: مذهب الجمهور أن الفرق يقدح في العلة ويبطلها، وهو سؤال صحيح، نص الجويني على أنه مذهب جماهير الفقهاء والمحققين. انظر: البرهان 2 / 686 وما بعدها، المنخول
ص 417، البحر المحيط للزركشي 7 / 80.
(2) في س: ((بمثلين)) ولا مناسبة لها هنا.
(3) ساقطة من ن.
(4) في ق: ((للاستقبال)) وهو تحريف.
(5) في س: ((تقول)) .
(6) في ق: ((للاستقبال)) وهو تحريف.
(7) في ق: ((فيما)) ، وفي س: ((لما)) وكلاهما تحريف.
(8) في ن: ((للاستقبال)) وهو تحريف.
(9) هنا زيادة ((لا)) في س وهي خاطئة؛ لأنها تقلب المعنى المراد.
(10) في ق: ((للاستقبال)) وهو تحريف.
(11) انظر توضيحاً لما سبق في: نفائس الأصول 8 / 3459.(2/362)
الفصل الخامس
في تعدد العلل (1)
ص: يجوز تعليل الحكم الواحد (2) بعلتين منصوصتين (3) خلافاً لبعضهم، نحو وجوب الوضوء على مَنْ بَالَ ولاَمَسَ (4) ، ولا (5) يجوز بمستنبطتين؛ لأن الأصل عدم الاستقلال (6) فيُجْعلان علةً واحدة (7) .
الشرح
حجة الجواز في المنصوصتين (8) : أن لصاحب الشرع أن يربط الحكم بعلة،
_________
(1) لشيخ الإسلام كلام نفيس جداً في هذه المسألة يجدر الرجوع إليه، ومفاده أن النزاع في هذه المسألة تنوعي لفظي. انظر: مجموع الفتاوى 20 / 167 - 175، المسودة ص 416 - 418. وانظر: سلم الوصول للمطيعي بحاشية نهاية السول 4 / 196 - 202.
(2) ساقطة من س.
(3) في س: ((منصوصين)) وهو خطأ نحوي؛ لأن الصفة تتبع الموصوف " علتين " في التأنيث والتذكير.
(4) هذا استدلال بالوقوع الشرعي، وهو أقوى دليل على الجواز. أما مسألة وجوب الوضوء من الملامسة فممَّا وقع فيها خلاف الفقهاء. انظر: الحاوي 1 / 189، بدائع الصنائع 1 / 244، المغني 1 / 256، الذخيرة 1 / 225.
(5) ساقطة من س، وهو سقط قبيح؛ لأنه يقلب المعنى.
(6) في ق: ((الاستقبال)) وهو تحريف.
(7) الخلاف في تعدد العلل لمعلولٍ واحد تشعَّب إلى أربعة مذاهب، الأول: يجوز مطلقاً، وهو للجمهور. الثاني: لا يجوز مطلقاً، اختاره الآمدي في الإحكام (3 / 341) ، وابن السبكي في جمع الجوامع بحاشية البناني (2 / 245) . الثالث: يجوز في المنصوصة دون المستنبطة، وهو مذهب الرازي في المحصول
(5 / 271) ، وتبعه المصنف هنا، الرابع: عكسه، يجوز في المستنبطة دون المنصوصة. انظر: البرهان 2 / 537، المستصفى 2 / 364، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 339، كشف الأسرار للبخاري
4 / 78، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 223، التمهيد للإسنوي 467، البحر المحيط للزركشي 7 / 221، التوضيح لحلولو ص 357، شرح الكوكب المنير 4 / 71، فواتح الرحموت
2 / 342، نشر البنود 2 / 139.
(8) في س: ((المنصوصين)) وهو خطأ نحوي لما ذكر في هامش (3) ص (363) .(2/363)
وبعلتين فأكثر، [وبغير علة] (1) وبعلتين فأكثر، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ثم إن المصالح قد تتقاضى ذلك في وصفين، كما قلنا في الصغر والبكارة، فينص الشرع (2) عليهما، وعلى استقلال كل واحد (3) منهما تحصيلاً لتلك المصلحة وتكثيراً لها.
حجة المنع: أنه (4) لو عُلِّل الحكم بعلتين لاجتمع على الأثر الواحد مؤثران مستقلان وهو محال، وإلا لاسْتُغْني بكل واحد منهما عن كل واحد (5) منهما، فيلزم أن يقع بهما حالة عدم وقوعه بهما، [وأن لا يقع بهما حالة وقوعه بهما] (6) ، وهو جمع بين النقيضين؛ لأن [الوقوع بكل] (7) واحد منهما سَبَّبَ (8) عدم الوقوع من الآخر، فلو حصل العلتان وهو الوقوع بهما لحصل المعلولان وهو عدم الوقوع بهما.
ولأن تعليل الحكم بعلتين يفضي إلى نقض العلة وهو خلاف الأصل (9) .
_________
(1) ساقطة من س، ن. ومسألة جواز خلو الحكم عن علّة يقول بها من يجوّز خلو أفعال الله تعالى وأحكامه عن الحِكَم والمصالح، وهم الأشاعرة والظاهرية. انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري ص 470، الإرشاد للجويني ص 247، الفصل في الملل والنِحَل لابن حزم 3 / 210. وهذا القول منهم أوقعهم في التناقض إذ مبنى القياس على العلّة، أشار إليه الشاطبي في الموافقات (2 / 11) . بل إن ابن الحاجب
- وهو أشعري - حكى الإجماع على أن حكم الأصل لابد له من علّة، انظر: منتهى السول والأمل
ص (181) . والحق أن أفعال الله تعالى وأحكامه جميعها معللة، خَلَق وأمر لغاياتٍ مقصودة وحِكَمٍ محمودة ولو خفيت علينا، لكن لا يخلو حُكْم عن علة أو حكمة، وهذا قول السلف وأكثر أهل
الحديث، ونسبه ابن تيمية إلى أكثر الناس من أتباع المذاهب الأربعة، ونسبه ابن القيم إلى أهل التحقيق من الأصوليين والفقهاء والمتكلمين، وبه قالت المعتزلة، لكن ليس على طريقة أهل السنة. انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص 509، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 8 / 89، مفتاح دار السعادة لابن القيم 2 / 410، المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين للشيخ د. محمد العروسي ص 71.
(2) في ق: ((الشارع)) .
(3) في ق: ((الواحدة)) والمثبت أولى؛ لأنه صفة " للوصف " وهو مذكر.
(4) هذا الدليل الأول
(5) في ق: ((واحدة)) وهو خطأ؛ لأنها لم تأتِ على نسقٍ واحد مع ما قبلها وما بعدها، والأولى التذكير وصفاً للأثر.
(6) ما بين المعقوفين ساقط من س.
(7) في ق: ((وقوع كلّ)) .
(8) في ق: ((يُسبِّب)) ، وفي ن: ((سَلَب)) وكلاهما متَّجه.
(9) هذا الدليل الثاني.(2/364)
بيانه: أنه إذا وجدت إحدى العلتين ترتَّب عليها (1) الحكم، فإذا وُجِدت
الأخرى بعدها لا يترتب عليها شيء، فقد وجدت العلة الثانية بدون الترتُّب (2) لتقدُّم الترتّب (3) عليها بناء على العلة الأخرى، فيلزم وجود العلة بدون مقتضاها، وهو نقض
عليها (4) .
والجواب عن الأول: أن علل الشرع معرِّفات لا مؤثرات (5) ، والمحال المذكور إنما يلزم من المؤثرات، ويجوز اجتماع معرِّفين (6) فأكثر على مدلول واحد، كما يُعرَف (7) الله تعالى وصفاته العُلا بكل جزء من أجزاء العالم (8) .
_________
(1) ساقطة من س.
(2) في س، ن: ((الترتيب)) وهو صحيح أيضاً، لكن مصدر ترتَّبَ هو الترتُّب، والترتيب هو اسم المصدر منه. انظر قاعدة اشتقاق المصدر واسم المصدر في: شرح التسهيل لابن مالك 3 / 122.
(3) في ن: ((الترتيب)) .
(4) في ق: ((عِلِّيَّتها)) وهو صواب أيضاً.
(5) سبقت الإشارة في تعريف العلة أن الاختلاف في تعريفها مبني على مسألة تعليل أفعال الله وأحكامه. انظر: هامش (1) ص (320) ، وهامش (1) ص (364) . فالتعبير عن العلة الشرعية بأنها مؤثرة وموجبة للحكم بجعل الله لها ذلك، أو باعثة على الحكم، أو معرِّفة له كل هذه المعاني صحيحة ومقبولة، ومن قال بأنها مؤثرة بذاتها - وهو منسوب إلى المعتزلة - فقوله باطل؛ لأن فيه سلباً لقدرة الله تعالى، وربما كان هذا مبالغةً منهم في مقابل خصومهم الأشاعرة الذين نفوا تعليل أحكام الله وأفعاله، وتأثير الأسباب في مسببَّاتها. ولهذا لا يرتضي أهل السنة أن تكون علل الأحكام مجردَ علاماتٍ معرِّفةٍ وأماراتٍ سَاذَجةٍ عاطلةٍ عن الإيجاب، مسلوبةِ التأثير، بل هي موجِبةٌ للمصالح ودافعةٌ للمفاسد. أما وجه كون هذه الإطلاقات للعلة مقبولة فبالنظر إلى اعتبارات مختلفة، فمن حيث إن المكلف يتعرف بواسطتها على الحكم فهي معرِّفة وعلامة وأمارة، ومن حيث إن الحكم المبني عليها يحقق مصلحة للعباد فهي موجبة ومؤثرة وباعثة على الحكم لكن بجعل الله لا بذاتها. والله أعلم. انظر: المسودة ص 385، بحث:
" حقيقة الخلاف في التعليل بالحكمة وأثره في الفقه الإسلامي " لفضيلة شيخنا الدكتور علي الحكمي، بمجلة جامعة أم القرى، السنة السابعة، العدد التاسع 1414 هـ، المسائل المشتركة للشيخ الدكتور / محمد عبد القادر.
(6) في س: ((معرفتين)) .
(7) في ن: ((نَعْرِف)) .
(8) في س: ((العلة)) وهو تحريف.(2/365)
وعن الثاني: أن النقض لقيام المانع لا يقدح في العلة (1) كما تقدَّم (2) في النقض (3) ، فنقول به.
هذا في المنصوصتين، أما المستنبطتان فلا سبيل إلى التعليل بهما؛ لأن الشرع إذا ورد بحكم مع أوصاف مناسبة وجب جعل كل واحد منهما (4) جزءَ علةٍ لا علةً
مستقلةً؛ لأن الأصل عدم الاستقلال حتى ينص صاحب الشرع على استقلالهما، أو
[أحدهما فيستقل] (5) .
_________
(1) في ق: ((العلية)) .
(2) في س: ((يقدم)) وهو تصحيف.
(3) انظره في ص 352.
(4) ساقط من ن.
(5) في ق: ((إحداهما فتستقل)) .(2/366)
الفصل السادس
في أنواعها
وهي أحَدَ عَشَرَ نوعاً:
حكم التعليل بالمحل
ص: الأول: التعليل بالمحلِّ، فيه خلاف (1) ، قال الإمام: إنْ جوَّزنا أن تكون العلةُ قاصرةً جوَّزناه، كتعليل الخمر بكونه خمراً، أو البُرِّ يحرم الربا فيه لكونه بُرّاً (2) .
الشرح
العلة* القاصرة: هي العلة (3) التي لا توجد في غير محلِّ النص، كوصف البرِّ والخمر إذا قلنا إن الخمر خاص بما عُصِر من العنب (4) على صورة خاصة. والخلاف في العلة القاصرة هو مع الحنفية، منعوها وأجازها الجمهور (5) . غير أن الفرق بين المحلِّ والعلة القاصرة - من حيث الصورةُ والمعنى لا من حيث جوازُ التعليل - أن (6) العلة القاصرة قد تكون وصفاً اشتمل عليه (7) محل النص لم يوضع اللفظ له، والمحل ما وضع اللفظ له، كوصف البُرِّيَّة مثلاً (8) إذا قيل: إنَّ البر اشتمل على نوع من الحرارة والرطوبة لاءم به
_________
(1) الخلاف يؤول إلى ثلاثة مذاهب، وهي: منع التعليل بالمحل مطلقاً، جوازه مطلقاً، جوازه في العلة القاصرة المنصوصة دون المستنبطة أو المتعدية. انظر: المحصول للرازي 5 / 285، الإحكام للآمدي 3 / 201، السراج الوهاج 2 / 954، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 217، نهاية السول ومعه سلم الوصول 4 / 245، سلاسل الذهب ص 411، شرح الكوكب المنير 4 / 51، التوضيح لحلولو
ص 358، رفع النقاب القسم 2 / 901، الصالح من مباحث القياس لشيخنا الدكتور السيد صالح عوض ص 242.
(2) انظر: المحصول 5 / 285.
(3) ساقطة من ن.
(4) هنا زيادة ((أو)) في س.
(5) سيأتي مبحثها في النوع الثامن ص (378) .
(6) في ن: ((لأن)) وهو تحريف، يفضي إلى إعطاء معنىً غير مراد.
(7) في س: ((عليها)) وهو خطأ؛ لأن الضمير يرجع إلى مذكر وهو " وصف ".
(8) هنا زيادة: ((أما)) لا داعي لها.(2/367)
مزاج الإنسان ملاءمةً لا تحصل بين الإنسان والأرز، فإنَّ الأرز حارٌّ يابِسٌ [يُبْساً شديداً ينافي مزاج الإنسان] (1) ، فحَرُم الربا في البرِّ، ومُنِع بَدَلُ واحدٍ منه باثنين؛ لأجل هذه الملاءمة الخاصة التي لا توجد في غير البرِّ (2) ، فهذه (3) علة قاصرة لا محلٌّ، وأما وصف البُرِّيَّة بما هي بُرِّيَّة فهو المحل (4) ، فلذلك حسن من الإمام تخريج التعليل بالمحل على التعليل بالعلة القاصرة، ولو كانا شيئاً واحداً لم يحسن التخريج ولا التفريع، إذا ظهر لك الفرق بينهما فكل ما يذكر في العلة القاصرة من الحِجَاج بين الفريقين نفياً وإثباتاً هو بعينه ها هنا، فيكتفى بذلك عن ذكره ها هنا.
حكم التعليل بالحكمة
ص: الثاني: الوصف إن لم يكن منضبطاً جاز التعليل بالحكمة (5) ، وفيه خلافٌ (6) ،
_________
(1) ساقطة من ق.
(2) انظر: المحصول للرازي 5 / 285، نفائس الأصول 8 / 3489.
(3) في ق: ((فهذا)) والمثبت هو الصواب مراعاةً للتأنيث.
(4) في س: ((المحال)) وهو تحريف.
(5) الحكمة لغةً: عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم. والحكمة: العدل، والحكمة: تمنع الرجل من أخلاق الأرْذال، وأحكمتُ الشيء: اتقنْتُه. انظر: مادة " حكم " في: لسان العرب، المصباح المنير. وفي اصطلاح الأصوليين لها معنيان: الأول: المعنى الذي لأجله جُعل الوصف الظاهر علةً، كالمشقة بالنسبة للسفر، فإنها أمرٌ مناسب لشرع قصر الصلاة. والثاني: هي الثمرة المترتبة على تشريع الحكم لتحقيق مصلحة أو دفع مفسدة، كدفع المشقة المترتبة على إباحة الفطر في السفر. انظر: نهاية السول للإسنوي 4 / 260، تشنيف المسامع 3 / 215، بحث لفضيلة شيخنا الدكتور / علي الحكمي:
" حقيقة الخلاف في التعليل بالحكمة " بمجلة جامعة أم القرى، السنة السابعة، العدد التاسع عام 1414هـ.
(6) ينحصر الخلاف في حكم التعليل بالحكمة في ثلاثة أقوال، الأول: الجواز مطلقاً، سواء كانت الحكمة منضبطةً أم مضطربةً، ظاهرةً أم خفيةً. الثاني: المنع مطلقاً. الثالث: التفصيل، فيجوز التعليل بها إذا كانت ظاهرة منضبطة وإلا فلا. انظر: المحصول للرازي 5 / 287، الإحكام للآمدي 3 / 202، المسودة ص 423، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 213، التوضيح لحلولو ص 359، شرح الكوكب المنير 4 / 47، فواتح الرحموت 2 / 333، دراسات حول الإجماع والقياس لفضيلة شيخنا الدكتور / شعبان محمد إسماعيل ص 202.
ولقد أطنب الدكتور / محمد مصطفى شلبي في هذه المسألة، فجاء فيها بالبدائع والروائع، ودلَّل بالوقائع على أن الأئمة الأربعة ومن سبقهم كانوا يسلكون مسلك التعليل بالحكمة، انظر كتابه: " تعليل الأحكام " ص 135 - 153. وانظر بحث الدكتور / علي الحكمي، المشار إليه في الهامش قبل السابق.(2/368)
والحكمة هي التي لأجلها صار الوصف علةً، كذهاب (1) العقل الموجِب لجعل الإسكار علةً.
الشرح
ومن الحكمة اختلاط الأنساب، فإنه سبب جَعَل وصف الزنا سببَ وجوب (2) الحدِّ، وكضياع المال الموجب لجعل وصف السرقة سبب القطع.
حجة الجواز: أن الوصف إذا جاز التعليل به فأولى بالحكمة؛ لأنها أصله، وأصل الشيء لا يَقْصُر عنه، ولأنها نفس المصلحة والمفسدة وحاجات الخَلْق، وهذا هو سبب ورود الشرائع، فالاعتماد عليها أولى من الاعتماد على فرعها.
حجة المنع: أنه لو جاز التعليل بالحكمة لما جاز التعليل بالوصف، لأن الأصل لا يُعْدل عنه إلى فرعه إلا عند تعذُّره، والحكمة ليست متعذِّرة، فلا يجوز العدول عنها فيُعلَّل بها، [ومتى عُلِّل بها] (3) سقط التعليل بالوصف، فظهر أنه لو صحَّ التعليل بالحكمة لامتنع التعليل بالوصف، لكن (4) المنع من الوصف خلاف إجماع (5) القائسين (6) ، ولأنه لو جاز التعليل بالحكمة (7) للزم تخلُّف الحكم عن علته وهو خلاف الأصل.
بيانه: أن وصف الرضاع سبب حرمة النكاح (8) ، وحكمتُه (9) : أن جُزْء المرأة صار جزءاً (10) للرضيع؛ لأن لبنها جزؤها، وقد صار لَحْماً للجنين، فأشْبَه مَنِيَّها الذي
_________
(1) في متن هـ: ((كإذهاب)) .
(2) في س: ((وجود)) والمثبت أدلّ على الحكم.
(3) ساقط من س.
(4) في س: ((لأن)) وهو تحريف.
(5) في س: ((اجتماع)) .
(6) في س: ((القياسِيِّيْن)) ، وفي ق: ((القَيَّاسِيْن)) وكلاهما صالح، فالأُوْلى مفردها " قِياسيّ "، والثانية
" قيَّاس " وكلاهما نسبة إلى " قياس ". انظر قاعدة المنسوب في: شرح شافية ابن الحاجب لرضي الدين الاستراباذي 2 / 4، 84. والمثبت من نسخة ن مفرده: ((قائس)) وهو الأشهر على لسان الأصوليين.
(7) في س: ((الحِكَم)) وهو صحيح، جمع " حِكْمة "، وفي ن: ((الوصف)) وهو خطأ جليّ؛ لأن الدليل مسوقٌ لإبطال التعليل بالحكمة لا بالوصف.
(8) في ن، ق: ((الرضاع)) وهو خطأ؛ لأن الرضاع يكون سبباً في حرمة النكاح.
(9) ساقطة من س، وهو سَقْط مخلّ.
(10) هنا زيادة ((لمن)) وهي مقحمة خطأ.(2/369)
صار جزءاً للجنين، فكما أن ولد الصُّلْب حرام فكذلك ولد الرضاع، وهو سر قوله عليه الصلاة والسلام ((الرضاع لُحْمَةٌ كلُحْمَة النسب)) (1)
إشارة إلى الجزئية، فإذا كانت هذه هي الحكمة، فلو أكل جَنينٌ (2) قطعةً من لحم امرأة فقد صار جزؤها جزأه، فكان يلزم التحريم وهو لم يقل به أحد، وكذلك إذا كانت الحكمة في وصف الزنا هي (3) اختلاط الأنساب، فإذا أخذ رجل صِبْياناً (4) ، وفرَّقهم [إلى حيث لم يرهم] (5) آباؤهم، حتى صاروا رجالاً ولم يعرفْهم (6) آباؤهم، فاختلطت أنسابهم حينئذٍ، فينبغي أن يجب (7) عليه حدُّ الزنا لوجود حكمة وصف الزنا، لكنه خلاف الإجماع، فعلمنا أنه لو جاز التعليل بالحكمة [للزم النقض وهو خلاف الأصل، فلا يجوز التعليل بالحكمة] (8) ، وهو (9) المطلوب.
_________
(1) لم أجد هذا الحديث فيما اطلعت عليه في دواوين السُّنة. لكن ورد حديث في الوَلاَء، ربما وقع اللّبس بسببه، وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً ((الولاء لُحمةٌ كلحمة النسب لا يُباع ولا يُوهب)) أخرجه ابن حبان في صحيحه بترتيب ابن بلبان 11 / 326، والحاكم في مستدركه وصححه 4 / 341، والبيهقي في سننه الكبرى (10 / 292) ، وصححه الألباني في إرواء الغليل (6 / 109) . ومعنى
" اللُّحمة ": القرابة، والمراد المخالطة والمداخلة الشديدة، كأنهم شيء واحد. انظر مادة " لحم " في: لسان العرب، النهاية في غريب الحديث والأثر. ويمكن أن يُستدلَّ للمصنف على معنى الجزئية بحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يحرم من الرضاع إلا ما فَتَق الأمعاء وكان قبل الفطام)) رواه الترمذي (1151) وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في الإرواء (7 / 221) ، وحديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً ((لا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم)) رواه أبو داود
(
2059) وضعفه الألباني في الإرواء (7 / 223) .
(2) قال ابن عاشور: ((صوابه: طفل؛ لأن الجنين الولدُ في الرَّحِم خاصةً)) حاشية التوضيح 2 / 182.
(3) في ن، ق: ((هو)) وهي مقبولة باعتبار التذكير الذي بعدها. انظر: النحو الوافي لعباس حسن
1 / 265.
(4) هنا زيادة: ((صغاراً)) في ق.
(5) ما بين المعقوفين في ق: ((من)) .
(6) في ق: ((تعرفهم)) وهو جائز. انظر هامش (11) ص (67) .
(7) في ن: ((يحد)) .
(8) ما بين المعقوفين كتب في ق هكذا: ((لما جاز بالوصف)) .
(9) هنا زيادة: ((خلاف)) في ن وهي شاذة عن جميع النسخ، وربما كان وجهها أن يقال: والتعليل بالحكمة خلاف المطلوب.(2/370)
حكم التعليل بالعدم
ص: والثالث: يجوز التعليل بالعدم خلافاً لبعض الفقهاء، فإنَّ عدم العلة علةٌ لعدم المعلول (1) .
الشرح
حجة المنع: أن (2) العدم نفي (3) محض لا تمييز فيه، [وما لا تمييز فيه] (4) لا يمكن (5) جعله علة، فإن العلة فرع التمييز.
_________
(1) التعليل بالنظر إلى ما يُعلَّل به - باعتبار الوجودي والعدمي - لا يخرج عن أربع صور، الأولى: تعليل الحكم الوجودي (الثبوتي) بالوصف الوجودي، مثل تعليل تحريم الخمر بعلة الإسكار، أو ثبوت الربا بعلة الطعم. الثانية: تعليل الحكم العدمي بالوصف العدمي، مثل: تعليل عدم نفاذ تصرف المجنون بعلة عدم العقل، أو عدم صحة البيع لعدم الرضا. فهاتان الصورتان حُكِي الإجماع على جوازهما، أما الأولى
فنعم، وأما الثانية فنُقل عن الحنفية مَنْعُهم من التعليل بالعدم مطلقاً. انظر: أصول السرخسي 2 / 230، المحصول للرازي 5 / 283، نهاية الوصول للهندي 8 / 3491، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب
2 / 214، التقرير والتحبير 3 / 222، فتح الغفار 3 / 23.
الصورة الثالثة: تعليل الحكم العدمي بالوصف الثبوتي، وهو ما يسمّيه الفقهاء: بالتعليل بالمانع كتعليل عدم وجوب الزكاة بثبوت الدين، وتعليل عدم نفاذ التصرف بالإسراف أو السفه. اختلفوا فيه، هل من شرطه وجود المقتضي أم لا؟ وادَّعى الزركشي في البحر المحيط (7 / 189) الاتفاق على جوازه. وستأتي هذه الصورة عند المصنف في النوع الحادي عشر ص (384) .
الصورة الرابعة: تعليل الحكم الوجودي بالوصف العدمي، كما سماها المصنف هنا " التعليل
بالعدم "، كتعليل استقرار الملك لعدم الفسخ في زمن الخيار، وكتحريم الذبيحة لعدم التسمية، وتعليل إجبار البكر على الزواج لعدم الثيوبة. هذه الصورة وقع فيها النزاع على قولين: جواز التعليل وهو للجمهور، وعدم الجواز وهو للأحناف ومختار الآمدي وابن الحاجب وابن السبكي وغيرهم. انظر المسألة في: شرح اللمع للشيرازي 2 / 840، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 48، المعالم للرازي ص 170، الإحكام للآمدي 3 / 206، منتهى السول والأمل ص 169، المسودة ص 418، مفتاح الوصول
ص 673، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 240، التوضيح لحلولو ص 359، تيسير التحرير 4 / 3، فواتح الرحموت 2 / 334، نشر البنود 2 / 129.
(2) هذا الدليل الأول.
(3) في ق: ((بقي)) وهو تحريف.
(4) ساقطة من ق.
(5) في ن: ((يمكنه)) وهو تحريف.(2/371)
ولأن (1) العلة وصف وجودي؛ لأنها نقيض [أن لا عليَّة] (2) المحمولةِ على العدم و (3) ((لا عليَّة)) عَدَمٌ، فتكون العلة (4) وجودية (5) ، والصفة الوجودية لا تقوم بالعدم ولا المعدوم، وإلا لزمنا الشكُّ في وجود الأجسام؛ لأنا لا نرى من العالم إلا أعراضه، فإذا جوَّزنا قيام الصفات الوجودية بالمعدوم، جوَّزنا أن تكون هذه الألوان قائمة بالمعدوم فلا يوجد شيءٌ من أجزاء العالم، وهو خلاف الضرورة.
والجواب عن الأول: أن العدم* الذي يقع (6) التعليل** به لابد أن يكون عدم شيءٍ بعينه، فهو عَدَمٌ متميِّزٌ فيصح التعليل به، كما تقول عدم علة التحريم علة الإباحة في جميع موارد الشريعة؛ لأن الإسكار علة التحريم والتنجيس، فإذا عُدِم ثَبَت التطهيرُ والإباحة. وعن الثاني: قولنا " لا عليّة "، حَرْف سَلْبٍ دخل على اسم سَلْبٍ؛ لأن العليَّة عندنا نِسْبة وإضافة (7) ، والنسب والإضافات عدمية عندنا، والسلب
_________
(1) هذا الدليل الثاني.
(2) في ن: ((لا علة)) .
(3) هنا زيادة: ((أن)) في ق، ولا داعي لها.
(4) في س: ((العلية)) .
(5) في ن: ((وجود)) وهو خطأ نحوي، لأنه خبر كان ولنقص الحروف.
(6) في ن: ((يقوم)) .
(7) النِّسَب والإضافات سيشير إليها المصنف في شرحه للمتن التالي، وهي أمور اعتبارية عدمية لا وجودية، والنسبة والإضافة من باب عطف الخاص على العام؛ لأن الإضافة من أقسام النسبة. والمراد بالنسبة هنا: أن يكون الشيء لا يُعْقل إلا بالقياس إلى غيره. وهي سبع في المشهور: الإضافة، والأين، والمتى، والوَضْع، والمِلْكِ، والفعل، والانفعال. وقد جاءت في المقولات العشر: الجوهر، والكم، والكيف، والسبع المذكورة سلفاً، جاءت على الترتيب في هذين البيتين:
زيدُ الطويلُ الأزرقُ ابنُ مالكِ *في بيتِهِ بالأمسِ كان مُتَّكِي
بيدهِ غُصْنٌ لواه فالْتَوَى* فهذه عَشْرُ مقولاتٍ سَوَا
والإضافة: هي النسبة العارضة للشيء بالقياس إلى نسبةٍ أخرى لا تُعْقل إحداهما إلا مع الأخرى، كالأبوة والبنوة وتسمى بالمتضايفين. انظر: المُبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدي
ص 112، طوالع الأنوار من مطالع الأنظار للبيضاوي ص 187، تسهيل المنطق ص 26، شرح المحلِّي لجمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 427، تشنيف المسامع 4 / 887.
أما وجه كون " العلية " نسبة إضافية عدمية، فلأنها معنىً وعَرَضٌ لا تكون إلا بمعلولٍ، ولا تعقل بدونه. والله أعلم.(2/372)
إذا دخل على السلب صار ثبوتاً، فـ" لا عليَّة " ثبوتٌ لا سلبٌ، فلا يتمُّ مقصودكم، فتكون العلية عدمية، لأن نقيضها ثبوت.
حكم التعليل بالإضافات
ص: الرابع: المانعون من التعليل بالعدم امتنعوا من التعليل بالإضافات (1) ؛ لأنها عدم (2) .
الشرح
النسب والإضافات كالأبوة والبنوة، و [التقدُّم والتأخُّر] (3) ، والمعية والقبلية والبعدية، وجوديةٌ عند الفلاسفة عدميةٌ عندنا، غير أن (4) وجودها ذهني فقط (5) ، فهي موجودة في الأذهان لا (6) في الأعيان، والأوصاف العدمية عَدَمٌ مطلقٌ (7) في الذهن والخارج، فهذا هو الفرق بينهما، واستوى القسمان في العدم في الخارج، فلذلك من منع هناك (8) منع هنا (9) .
_________
(1) في ن: ((بالإضافة)) .
(2) انظر: المحصول للرازي 5 / 299، الإحكام للآمدي 3 / 209، تشنيف المسامع 3 / 218، البحر المحيط للزركشي 7 / 191.
(3) في ن: ((التقديم والتأخير)) .
(4) في ن، ق: ((أنها)) وهو جائز؛ لأن الهاء حينئذٍ ستكون اسم " إن "، وهي مبدل منه في نية الطَّرح،
و" وجودها " بدل اشتمال. انظر: الكواكب الدرِّية على متممة الآجرومية لمحمد الأهدل ص 573، 575.
(5) اختُلِف في النسب والإضافات، أهي وجودية أم عدمية؟ فالفلاسفة يرون أنها وجودية في الأعيان والأذهان، وعامة المتكلمين يرون أنها عدمية خارجاً لا ذهناً. انظر أقوال الفريقين مع أدلتهم في: مقاصد الفلاسفة للغزالي ص 164، 174، جمع الجوامع بحاشية العطار 2 / 498، شرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني 2 / 465، المعجم الفلسفي د: جميل صليبا 1 / 101، مجموع الفتاوي لابن تيمية
16 / 104 - 106.
(6) في ن: ((مقدرة)) .
(7) في جميع النسخ ما خلا نسخة ص: ((مطلقاً)) ولستُ أعلم لها وجهاً. أما المثبت فهو نعت " عدم ".
(8) في ق: ((هذاك)) وهو اسم إشارة للبعيد، والجمع بين هاء التنبيه والكاف قليل. انظر: شرح الأشموني بحاشية الصبان 1 / 208، وفي ن: ((هذا)) .
(9) في س، ن، ق: ((هذا)) وهو صحيح. والمثبت من النسخة م أنسب للسياق.(2/373)
حكم التعليل بالحكم الشرعي
ص: الخامس: يجوز التعليل بالحكم الشرعي [للحكم الشرعي] (1) خلافاً
لقوم، كقولنا (2) نَجِسٌ فيحرم (3) .
الشرح
حجة الجواز: أن (4) علل الشرع معرِّفات، فللشارع أن يَنْصِب حكماً عَلَمًا على حكم آخر (5) كما يَنْصِب النجاسة (6) التي هي حكم شرعي على تحريم البيع أو الأكل الذي هو حكم شرعي.
حجة المنع: أن (7) الحكم شأنه أن يكون معلولاً، فلو صار علة لانقلبت الحقائق.
ولأن (8) الحكمين متساويان (9) في أن كل واحد منهما حكم (10) ، فليس جعل أحدهما علة للآخر (11) أولى من العكس.
_________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من ق. والعبارة السابقة جاءت في متن هـ هكذا: ((الخامس: يجوز تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي ... )) .
(2) في س: ((كقوله)) .
(3) في مسألة التعليل بالحكم الشرعي مذهبان، الأول: الجواز، وهو للجمهور، وللآمدي وابن الحاجب تفصيل وقيود في المسألة؛ جعله الشيخ محمد جعيط في منهج التحقيق والتوضيح (2/171) مذهباً ثالثاً. الثاني: عدم الجواز، وهو مذهب الأقلين كما في الإبهاج (3 / 143) ، وفي شرح الكوكب المنير
(4 / 92) : ((ويُعْزى إلى بعض المتكلمين ... )) . انظر المسألة بأدلتها في: المعتمد 2 / 261، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 44 الواضح لابن عقيل 2 / 63، المحصول للرازي 5 / 301، الإحكام للآمدي
3 / 210، كشف الأسرار للبخاري 3 / 615، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 230، تحفة المسؤول للرهوني القسم 2 / 620، البحر المحيط للزركشي 7 / 209، التوضيح لحلولو ص 360، تيسير التحرير 4 / 34.
(4) ساقطة من س.
(5) ساقطة من ن.
(6) في ن: ((النجاسات)) .
(7) هذا الدليل الأول.
(8) هذا الدليل الثاني.
(9) في ق: ((متساويين)) وهو خطأ نحوي؛ لأن خبر " إن " مرفوع.
(10) هنا زيادة: ((شرعي)) في ق، ولا حاجة لها.
(11) في ق: ((الأخرى)) وهو خطأ نحوي؛ لأن " الحكم " مذكر.(2/374)
والجواب عن الأول: ليس في ذلك قلْبٌ للحقائق، بل يكون ذلك الحكم معلولاً لعلَّته (1) ، وعلَّته (2) معرِّفةٌ لحكمٍ آخر غير علته وغيره. فإن ادعيتم أن شأن الحكم أن (3) لا يكون علةً ألبتة، فهذا محل النزاع.
وعن الثاني: أن المناسبة تعيِّن (4) أحدهما للعلية والآخر للمعلولية، كما تقول: نجس فيحرم، وطاهر فتجوز به الصلاة، فإن النجاسة مناسبة للتحريم، والطهارة مناسبة لإباحة الصلاة، فما وقع الترجيح [إلا بمرجّح] (5) ، ولو عُكِس هذا وقيل: لا يجوز بيعه [فيحرم لم ينتظم (6) ؛ لإنه قد يحرم بيعه لغصبه أو لعجزه عن تسليمه أو غير ذلك] (7) .
حكم التعليل بالأوصاف العُرْفيَّة
ص: السادس: يجوز التعليل بالأوصاف العُرْفية كالشَّرف، والخِسَّة (8) ،
بشرط
[اطِّرادها وتميُّزِها عن غيرها] (9) .
_________
(1) في ق: ((بعلته)) .
(2) في س: ((علة)) وهو تحريف.
(3) ساقطة من ن.
(4) في ق: ((بغير)) وهو تحريف.
(5) ساقطة من ن.
(6) لو قال المصنف في العكس: ((يحرم فينجس، أو لا يجوز بيعه فيكون نجساً لم ينتظم)) - لو قال هكذا - لكان دالاًّ على المراد؛ لأن المراد دفع حجة المانعين في قولهم: ((فليس جعل أحدهما علةً للآخر أولى من
العكس)) . وعبارة المصنف: ((لا يجوز بيعه فيحرم)) لا تدل على المطلوب، إذ " لا يجوز " بمعنى " يحرم".
(7) ما بين المعقوفين ساقط من س.
(8) الشرف: العلو، والخِسَّة: الحقارة والدناءة. انظر: المصباح المنير مادتي " شرف، خسس ". وقال الشوشاوي: المراد بالشرف: ما لا تتقزَّزه النفوس. ومثَّل له باللّبن والعسل؛ فإنهما طاهران لشرفهما، لكن اعترض عليه بالخمر، فإنها لا تقزَّزها النفوس ومع ذلك فهي نجس (عنده) . وقال: المراد بالخِسَّة: ما تقزَّزه النفوس، كالخمر والبول نجسان لخستهما، واعترض عليه بالمُخَاط فالنفوس تتقززه، ومع هذا فهو طاهر. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 913. وانظر المسألة في: نهاية الوصول للهندي
8 / 3512، نهاية السول 4 / 255، التوضيح لحلولو ص 361، شرح الكوكب المنير 4 / 46، نشر البنود 2 / 127.
(9) ما بين المعقوفين كتب في ن ((اطراده وتميزه عن غيره)) وربما كان وجهه عود الضمير على مفرد
" الأوصاف ". وفي س، ومتن هـ ((اطرادها وتمييزها عن غيرها)) .(2/375)
الشرح
أما الجواز: فإن الشرف يناسب التكريم والتعظيم وتحريم الإهانة ووجوب الحفظ، والخسة تناسب ضِدَّ هذه الأحكام من تحريم التعظيم وإباحة الإهانة، فهذا وجه (1) جواز (2) التعليل بها.
وأما اشتراط اطِّرادها: فلأن (3) ذلك الحكم إذا لم يوجد في جميع صور ذلك الوصف، ووجد (4) الحكم بدونه ومعه، فهو عدم التأثير (5) ، وهو يدل على [عدم اعتبار] (6) ذلك الوصف.
وأما التمييز: فلأن التعليل بالشيء فرع تمييزه (7) عن غيره، لأن الحكم يعتمد التصور (8) (9) .
حكم التعليل بالعلة المركبة
ص: السابع: يجوز التعليل بالعلة المركبة (10) عند الأكثرين، كالقتل العمد
_________
(1) في ق: ((وجوه)) .
(2) في ن: ((إجازة)) .
(3) في س، ن: ((فإن)) .
(4) في ق، س: ((ويوجد)) .
(5) فسَّر الرازي الاطراد بألاَّ يختلف باختلاف الأوقات، فلو لم يكن ذلك العُرْف حاصلاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز التعليل به. انظر: المحصول (5 / 305) . لكن المصنف لم يرتض ذلك كما في نفائس الأصول (8 / 3521) . وقال حلولو: ((الأقرب أنه لا يشترط ثبوت ذلك العُرْف في زمانه صلى الله عليه وسلم بل الشرط معرفة كون الشرع رتَّب الحكم على ذلك الوصف المُدْرك بالعرف ... )) التوضيح ص 361.
(6) في س: ((اعتماد)) وهو خطأ؛ لأنه يقلب المعنى.
(7) في ق: ((تميُّزه)) ، وفي ن: ((يميزه)) وكلاهما متجه.
(8) في ق: ((النصوص)) ولعلَّها تحرَّفت بسبب أن بعد هذا الكلام يأتي المتن مسبوقاً بحرف " ص " وأسقط الراء.
(9) هذان الشرطان وهما: اطراد العلة، وتمييزها عن غيرها ليسا مخصوصين بهذه الصورة، بل هما شرطان في جميع صور التعليل. انظر: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 / 914.
(10) تنقسم العلة باعتبار كميتها إلى قسمين، الأول: العلة البسيطة؛ وهي التي لم تتركب من أجزاء مثل: علة الإسكار في تحريم الخمر. الثاني: العلة المركبة: وهي ما تركّبت من جزأين فأكثر بحيث لا يستقلُّ كلُّ واحدٍ منها بالعلية، مثل: القتل العمد العدوان في وجوب القصاص. انظر السراج الوهاج 2 / 953، تشنيف المسامع 3 / 212، الصالح في مباحث القياس ص 239.(2/376)
العدوان (1) .
الشرح
حجة (2) الجواز: أن المصلحة قد لا تحصل إلا بالتركيب، فإن الوصف الواحد (3) قد يقصر، كما تقول: إن وصف الزنا لا يستقل بمناسبة وجوب (4) الحدِّ إلا بشرط أن يكون الواطيء عالماً بأنها أجنبية، فلو (5) جهل ذلك لم يناسب وجوب الحد، وكذلك القتل وحده لا يناسب وجوب القصاص حتى ينضاف إليه العمد العدوان.
حجة المنع: أن القول بتركيب العلة الشرعية يفضي إلى نقض العلة العقلية (6) .
[بيانه: أن القاعدة* العقلية] (7) أن عدم جزء المركَّب علةٌ (8) لعدم ذلك المركب، فإذا فرضنا علةً شرعية مركبة أو عقلية فعُدِم جزء منها فلا شك أن ذلك المركب يُعْدم وتعدم تلك العلية (9) تبعاً (10) له، فإذا عُدِم جزء آخر بعد ذلك لم يترتب عليه عَدَم ذلك
_________
(1) مسألة التعليل بالوصف المركب فيها ثلاثة أقوال، الأول: يجوز وهو للأكثرين. الثاني: لا يجوز. الثالث: يجوز بشرط ألا تزيد الأجزاء عن خمسة أو سبعة، وهو قول غريب ولا حجة على الحصر. انظر: شرح اللمع للشيرازي 2 / 837، المحصول للرازي 5 / 305، الإحكام للآمدي 3 / 212، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 230، التوضيح لحلولو ص 361، شرح الكوكب المنير 4 / 94، تيسير التحرير 4 / 35، فواتح الرحموت 2 / 352، نثر الورود 2 / 464. وقيل: الخلاف لفظي؛ لأن من أجاز التعليل بالمركب جعل جميع الأوصاف علة، ومَنْ مَنَع تعلَّق بوصفٍ واحد، وجعل الباقي شروطاً لذلك الوصف. وقيل: الخلاف معنويٌ. انظر: جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 235، سلم الوصول للمطيعي بحاشية نهاية السول 4 / 93، الخلاف اللفظي د. عبد الكريم النملة 2 / 156.
(2) ساقطة من س.
(3) هنا زيادة: ((حجة)) في ن، وهي مقحمة لا حاجة لها.
(4) في س، ن: ((وجود)) .
(5) في س: ((فإن)) .
(6) العلة العقلية هي: العلة التي توجب الحكم بذاتها، كالحركة علةٌ في كون المتحرِّك متحرِّكاً. انظر: التلخيص للجويني 3 / 289، البحر المحيط للزركشي 7 / 145.
(7) ما بين المعقوفين ساقط من س.
(8) ساقطة من ن.
(9) في س: ((العلة)) .
(10) في س، ن: ((تبع)) وهو خطأ نحوي؛ لأنها منصوبة على أنها مفعول لأجله.(2/377)
المركب، ولا تلك العلية (1) ؛ لتقدُّم ذلك على عدمه، وإلا لزم تحصيل الحاصل (2) ، فقد وُجِدت العلة العقلية بدون أثرها وهو نقض (3) العلة العقلية، وهو محال.
فإن قلت: هذا يقتضي ألاّ يوجد مركب في العالم، وهو خلاف الضرورة.
قلتُ: لا معنى للمركّب في (4) الخارج إلا تلك الأجزاء، والمجموع إنما هو صورة (5) ذهنية، أما العليَّة (6) فهي حكم شرعي خارجيٌّ عَرَضيٌّ (7) لذلك المركب فافترقا.
والجواب: أن نقض العلة العقلية غير لازم؛ لأنه إذا عُدِم جزءٌ من الثلاثة عُدِمت الثلاثة، والباقي بعد ذلك هو جزء الاثنين لا جزء الثلاثة (8) ، فإذا عُدِم أحد (9) الاثنين الباقيين الآن يُعدم مجموع الاثنين، فعَدَمه علةٌ لعدم الاثنين لا لعدم الثلاثة (10) ؛ لأن عدم الباقي ليس جزء الثلاثة؛ فإن جزئية الثلاثة أمر نسبي يذهب عند ذهاب أحد الطرفين وهو الثلاثة (11) .
حكم التعليل بالعلَّة القاصرة
ص: الثامن: يجوز التعليل بالعلة القاصرة (12) عند
_________
(1) في س: ((العلة)) .
(2) لأنا إذا جعلنا عدم الجزء الثاني علةً في عدم العلية، كان ذلك تحصيلاً للحاصل ضرورةَ أن عدم العلية قد تحقق بعدم الجزء الأول.
(3) وجه النقض: أننا جعلنا عدم الجزء الثاني غير مؤثر في عدم العلية، والمؤثر هو عدم الجزء الأول.
(4) ساقطة من س.
(5) في ق: ((ضرورة)) .
(6) في س: ((العلة)) ، وفي ق: ((العقلية)) .
(7) ق: ((عَرَض)) .
(8) أي أن الاثنين الباقيين من الثلاثة هو ماهية أخرى غير ماهية الثلاثة.
(9) ساقطة من س.
(10) فلم توجد العلة بدون أثرها فلا نقض.
(11) انظر: نفائس الأصول 8 / 3526.
(12) سبق تعريفها عند المصنف بأنها العلة التي لا توجد في غير محل النص، وشَرَحها هناك فانظره
ص (367) . ويسميها بعضهم: ((بالعلة اللازمة)) لأنها تلزم المحل ولا تتعدَّاه، وتسمَّى: ((بالعلَّة الواقفة)) لأنها واقفة في مكانها دون أن تبرحه إلى غيره. انظر: إحكام الفصول ص 633، شرح اللمع للشيرازي (2 / 841) . ويقابلها العلة المتعدِّية. انظر: نهاية السول للإسنوي 4 / 256.(2/378)
الشافعي (1) وأكثر المتكلمين (2)
خلافاً لأبي حنيفة وأصحابه (3) ، إلا أن تكون منصوصة (4) ؛ لأن فائدة التعليل عند الحنفية التعدية للفرع وقد انتفتْ (5) .
وجوابهم: بقاء (6) سكون النفس للحكم والاطلاع على مقصود الشرع فيه.
الشرح
قال القاضي عبد الوهاب: القاصرة (7) قال [بها بعض] (8) أصحابنا وأصحاب الشافعي، وانبنى على ذلك تعليل الذهب والفضة بأنهما أصول الأثمان* والمتمولات،
_________
(1) انظر النسبة إليه في: التلخيص (3 / 284) وقال إمام الحرمين بأنه مذهب معظم المحققين من الأصوليين، البرهان 2 / 699، شفاء الغليل ص 537، المحصول للرازي 5 / 312، الإحكام للآمدي 3 / 216، سلاسل الذهب ص 276.
(2) انظر النسبة إليهم في: المعتمد 2 / 269، المحصول للرازي 5 / 312، نهاية الوصول للهندي 8 / 3519. وممن ذهب إلى جواز التعليل بالقاصرة المالكية، وأكثر الشافعية، ومشايخ سمرقند من الحنفية، وإحدى الروايتين عند أحمد. انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار، إحكام الفصول ص 633، المستصفى
2 / 368، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 62، ميزان الأصول للسمرقندي 2 / 904، المسودة 411، كشف الأسرار للنسفي 2 / 186، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 47.
(3) انظر: أصول السرخسي 2 / 158، بذل النظر ص 613، كشف الأسرار للبخاري 3 / 567، التوضيح لصدر الشريعة مع التلويح 2 / 152، جامع الأسرار للكاكي 4 / 1047. وممن منع التعليل بالقاصرة بعض الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد عليها أكثر الحنابلة. انظر: العدة لأبي يعلى
4 / 1379، قواطع الأدلة 2 / 116، شرح الكوكب المنير 4 / 53.
(4) محل النزاع في التعليل بالعلة القاصرة فيما إذا كانت مستنبطة، أما المنصوصة أو المجمع عليها فلا خلاف في جواز التعليل بها إلا ما حكاه القاضي عبد الوهاب في " الملخص " عن أكثر فقهاء العراق بالمنع مطلقاً، واستغربه ابن السبكي في الإبهاج (3 / 144) وقال بأنه لم يره فيما وقف عليه من كتب الأصول. وهل الخلاف فيها لفظي أو معنوي؟ انظر: تعليل الأحكام د. محمد شلبي ص 164 - 174، وكتاب: الخلاف اللفظي د. عبد الكريم النملة 2 / 160.
(5) في ن: ((امتنعت)) .
(6) في ن، متن هـ: ((بقي)) .
(7) في س، ق: ((بالقاصرة)) .
(8) ساقط من س، ق.(2/379)
ومنعها أكثر العراقيين (1) ، وفصَّل بعضهم بين المنصوصة والمستنبطة، فمنع المستنبطة، إلا أن ينعقد (2) فيها إجماع (3) .
حجة المنع مطلقاً: أن القاصرة غير معلومة من طريق (4) الصحابة رضوان الله عليهم فلا تثبت؛ لأن القياس وتفاريعه إنما تُلُقِّي (5) من الصحابة، ويلزم من عدم المدرك (6) عدم الحكم.
حجة من فصَّل بين المنصوصة وغيرها: أن النص تعبُّد من الشارع يجب تلقيه بالقبول، أما استنباطنا نحن فلا يجوز (7) أن يكون إلا للتعدية (8) .
والجواب عن الأول (9) : أن المنقول عن الصحابة رضوان الله عليهم الفحص عن حِكَم (10) الشريعة وأسرارها بحسب الإمكان، ومن حِكَم (11) الشريعة الاطلاع على حكمة الشرع في الأصل، فيكون ذلك أدعى لطواعية العبد وسكون نفسه للحكم (12) .
وعن الثاني (13) : أنا نستنبط لما تقدَّم من الفوائد (14) ، ولأنه قد يجتمع (15) في الأصل مع القاصرة وصْفٌ متعدٍّ، والحكم منفيٌّ عنه (16) بالإجماع، فيكون ذلك الوصف
_________
(1) انظر تعليقاً على هذا المنع في: هامش (4) ص 379.
(2) في س: ((يعتقد)) ، وفي ن: ((يعقد)) .
(3) انظر النسبة إليه في: البحر المحيط للزركشي 7 / 200، التوضيح لحلولو ص 361، رفع النقاب القسم
2 / 917، نشر البنود 2 / 132.
(4) في س: ((طريقة)) .
(5) في ق: ((يُلقَّى)) .
(6) في ن: ((المدلول)) وهي غير موفية بالغرض.
(7) هنا زيادة: ((إلا)) في س تغني عنها التالية بعد ذلك.
(8) في ن: ((لتعدية)) .
(9) أي: عن حجة المنع مطلقاً.
(10) في ن، ق: ((حكمة)) .
(11) في س: ((حكمة)) .
(12) في ق: ((في الحكم)) .
(13) أي: عن حجة من فصَّل.
(14) عدَّ الزركشي في البحر المحيط (7 / 201) تسع فوائد للتعليل بالعلة القاصرة، فانظرها ثمَّة.
(15) في ن: ((تجتمع)) وهو تصحيف؛ لأن فاعله مذكَّر.
(16) في س: ((منه)) .(2/380)
المتعدي (1) إنما تُرِك لأجل عدم (2) القاصرة، فإنَّ عدم العلة علةٌ لعدم المعلول، فإذا لم يُعتبر القاصر يكون المتعدي قد تُرِك [بلا معارض] (3) . فهذه فائدة أخرى في اعتبار القاصرة (4) .
حكم التعليل بالاسم وبالأوصاف المقدَّرة
ص: التاسع: اتفقوا على أنه لا يجوز التعليل بالاسم (5) .
_________
(1) ساقطة من س.
(2) ساقطة من ن، وهي مثبتة في جميع النسخ.
(3) في س: ((لا لمعارض)) ، وفي ن: ((لا لعارض)) .
(4) عبارة المصنف هنا فيها عُسْر، حاول الشيخ محمد جعيط تيسيرها في كتابه: منهج التحقيق والتوضيح
(
2 / 174) ، وعبارة المحصول (5 / 316) ، أوضح مما هاهنا إذ يقول: ((يجوز أن يوجد في الأصل وصف متعدٍّ مناسب لذلك الحكم، فلو لم يجز التعليل بالعلة القاصرة لبقي ذلك الوصف المتعدِّي خالياً من المعارض، فكان يجب التعليل به، وحينئذٍ كان يلزم ثبوت الحكم في الفرع. أما لو جاز التعليل بالوصف القاصر صار معارضاً لذلك الوصف المتعدِّي، وحينئذٍ لا يثبت القياس، ويمتنع الحكم)) . وانظر: الإحكام للآمدي 3 / 217.
(5) التعليل بالاسم كما لو قيل: علة الربا في البُرِّ تسميته بُراًّ، وعلة التحريم في الخمر لأن اسمها خمر، ومسألة التعليل بالاسم تُغَاير مسألة القياس في اللغات. فالأولى: لبيان هل يناط حكم شرعي باسمٍ؟ والثانية: لبيان هل يُسمَّى شيءٌ باسم شيءٍ آخر لغةً لجامعٍ؟. انظر: البحر المحيط للزركشي (7 / 83) . أما حكاية الاتفاق هنا فقد تبع المصنف فيها المحصول (5 / 311) ، وحكاها الهندي في نهاية الوصول (8 / 3527) ، لكنها منقوضة بما نُقِل فيها من خلافٍ، وهو على ثلاثة مذاهب، الأول: الجواز مطلقاً سواء كان الاسم مشتقاً كسارق ومملوك، أو كان الاسم جامداً لقباً أو علماً كحمار وفرس ودينار وتراب، وهو مذهب أكثر المالكية، وبعض الشافعية، وهو للحنابلة. انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 192، إحكام الفصول ص 646، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 41، الوصول لابن برهان 2 / 283، المسودة ص 393، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 244. الثاني: المنع مطلقاً وهو مذهب الحنفية وقول الرازي والمصنف والهندي. انظر: ميزان الأصول للسمرقندي 2 / 910، المحصول 5 / 311، نهاية الوصول 8 / 3527، كشف الأسرار للبخاري 3 / 564. الثالث: التفصيل بين المشتق فيجوز، واللقب فلا يجوز، وهو قول بعض الشافعية، انظر: إحكام الفصول ص 646، شرح اللمع للشيرازي 2 / 838، الكاشف عن المحصول 6 / 554، غاية الوصول للأنصاري ص 115، نثر الورود 2 / 471.
الغريب في شأن المصنف أنه نقل الخلاف في كتابه: نفائس الأصول (8 / 3535) في هذه المسألة عن الباجي وغيره ثم قال: ((فهذه ثلاثة أقوال لم يَحْكِها المصنف)) يعني الرازي. وهاهو هنا يحكي الاتفاق ولم يحْكِ خلافاً.(2/381)
العاشر: اختار الإمام (1) أنه لا يجوز التعليل بالأوصاف المقدرة (2) خلافاً لبعض الفقهاء (3) ، كتعليل العتق عن الغير بتقدير المِلْك (4) .
الشرح
أما الاسم بمجرده؛ فلأنه طَرْديٌ، مَحْضٌ والشرائع شأنها رعاية المصالح ومظانها. أمَّا ما لا يكون مصلحة ولا مظنة للمصلحة فليس دَأْب الشرائع (5) اعتباره.
وأما المقدرات فقد اشتد نكير الإمام فخر الدين عليها، وأنها من الأمور التي لا يجوز أن تُعْتقد في الشرائع، وأنكر كون الولاء (6) للمُعْتِق عن* الغير معلَّلاً بتقدير الملك له، وأنكر تقدير الأعيان في الذمَّة، وأنها لا تُصوَّر (7) .
واعلم أن [المقدَّرات في] (8) الشريعة لا يكاد يعرى عنها باب من أبواب الفقه،
_________
(1) انظر: المحصول 5 / 318.
(2) في متن هـ: ((المتقدرة)) ، والأوصاف المقدَّرة هي: المعبَّر عنها بالتقادير الشرعية، مثل: إعطاء الموجود حكم المعدوم، وعكسه، وإعطاء المتأخر حكم المتقدم، وعكسه. مثال الأول: وجود الماء في حق من لا يقدر على استعماله، والغرر اليسير في البيع، وقاتل مورِّثه، فوجود ذلك كله كعدمه، أي: نقدِّر عدميته. ومثال إعطاء المعدوم حكم الموجود: الحمل في الميراث يوقف ميراثه حتى يولد، ومن ذلك الذمم إنما هي تقديرات شرعية في الإنسان تقبل الإلزام والالتزام، والحقوق في الذمم مقدرات ... إلخ. انظر: الأمنية في إدراك النية للمصنف ص 100 - 107، نفائس الأصول 8 / 3545، رفع النقاب القسم 2 / 920، وذكر العز بن عبد السلام صوراً أخرى على المقدرات كإعطاء الآثار والصفات حكم الأعيان والموجودات، فانظره في: قواعد الأحكام في مصالح الأنام ص 552.
(3) لم أقف على تسميتهم. انظر المسألة في: نهاية الوصول للهندي 8 / 3530، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 251، البحر المحيط للزركشي 7 / 187، 192، التوضيح لحلولو ص 363، شرح الكوكب المنير 4 / 90، نشر البنود 2 / 145.
(4) إذا قال من أراد التكفير بالعتق لمن عنده رقبة: ((أعتق عبدك عني)) فأعْتَقه عنه، أجزأ عن كفارته، وثبت الولاء للمُعْتَق عنه، وكل ذلك على تقدير التمليك، إذ لا يصح العتق إلا بعد التملك، كأنه قال له: ملّكْني عبدك بكذا، ثم وكَّلتُك في إعتاقه عني. انظر: الأمنية في إدراك النية للمصنف ص 89.
(5) في س: ((الشرع)) .
(6) هنا زيادة: ((يكون)) في ق.
(7) انظر: المحصول 5 / 319.
(8) ساقط من ق.(2/382)
وقد بسطتُ ذلك في كتاب " الأمنية " (1) . وكيف يتخيَّل عاقل أن المطالبة تتوجه على أحدٍ بغير أمر (2) مطالَب به، وكيف يكون الطلب بلا مطلوب؟! وكذا المطلوب يُمنع أن يكون معيَّناً في السَّلَم وإلا لما كان سَلَماً، فيتعين أن يكون في الذمة، ولا نعني بالتقدير إلا هذا، وكيف يصح (3) العَقْد على إرْدَبٍّ (4) من الحِنْطة وهو غير معيَّن ولا مقدَّر في الذمة، [فحينئذٍ هذا عقدٌ] (5) بلا معقودٍ عليه، بل لفظ بلا معنى؟. وكذلك إذا باعه بثمنٍ إلى أجَلٍ هذا الثمنُ غير معيَّن، فإذا لم يكن مقدَّراً في
الذمة كيف يبقى بعد ذلك ثمنٌ (6) يُتصوَّر؟. وكذلك الإجارة لابد من تقدير
منافع في الأعيان حتى يصح أن تكون (7) موردَ العقد، إذ لولا (8) تُخيِّل ذلك فيها امتنعت إجارتها ووقْفُها وعاريتها وغير لك من عقود المنافع، وكذلك الصُّلْح على (9) الدَّيْن (10) وغيره لابد من تَخيُّل المصالح عليه حتى يقابل بالطرف الآخر ويكون متعلَّقَ عقدِ الصلح، وإذا لم يُقدَّر الملِكُ للمعتَق عنه كيف يصحُّ القول ببراءة ذمته (11) من الكفارة (12) التي أعْتق عنها؟ وكيف يكون له الولاء في غير عبد يملكه وهو لم يملكه
_________
(1) ص 85 -120، وانظر: كتابه الفروق 1/70، 2/27، وانظر التعريف به في القسم الدراسي ص 53.
(2) ساقطة من س.
(3) في ن، ق: ((صح)) .
(4) الإرْدب: مِكْيال ضخم يَسَع أربعة وعشرين صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: مادة " ردب " في المصباح المنير، القاموس المحيط. وهو ما يعادل 48.864 كيلوغراماً. انظر: المقادير الشرعية والأحكام الفقهية المتعلّقة بها لمحمد نجم الدين الكردي ص 176، 230.
(5) في ق: ((فيكون عقداً)) .
(6) في س: ((ثم)) وهو نقص في الحروف.
(7) في ن: ((يكون)) وهو تصحيف.
(8) في ن: ((لو)) بدون " لا " وهو خطأ؛ لأن المراد هنا التعبير بحرف الامتناع لوجود وهو " لولا ".
(9) في س: ((عن)) .
(10) الصُّلح لغة: هو السِّلم. واصطلاحاً: هو انتقالٌ عن حقٍّ أو دعوى بعوضٍ لرفْع نزاعٍ أو خوفِ وقوعه. شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع 2 / 421.
(11) في ن: ((الذمة)) .
(12) في ن: ((الكفارات)) .(2/383)
محققا؟! فتعيَّن (1) أن يكون مقدراً، وكذلك لا يكاد (2) يعرى باب من أبواب الفقه عن التقدير، فإنكار الإمام مُنْكر، والحق التعليل بالمقدرات.
حكم التعليل بالمانع
ص: الحادي عشر: يجوز تعليل الحكم (3) العدمي بالوصف الوجودي (4) ، ولا يتوقف على وجود المُقْتضِي عند الإمام (5) خلافاً للأكثرين في التوقف (6) . وهذا هو تعليل انتفاء (7)
الحكم بالمانع، فهو يقول: المانع (8) هو (9) ضد علة الثبوت والشيء لا يتوقف على ضده.
_________
(1) في ن: ((فيتعين)) .
(2) ساقطة من س.
(3) ساقطة من س.
(4) مرَّت هذه الصورة في الكلام عن الصور الأربع لتعليل الوجودي والعدمي، انظر هامش (1) ص (371) . وتسمّى هذه الصورة " بالتعليل بالمانع أو عدم شرط ". مثالها في العاديات: الطَّيْر لا يطير لكونه في القفص. وفي الشرعيات: كتعليل عدم الميراث بالرِّق والقتل، وتعليل عدم وجوب الزكاة بالدين، ومثال انتفاء الحكم لعدم شرط: تعليل عدم الرجم بعدم الإحصان. انظر التوضيح لحلولو 364.
(5) انظر: المحصول 5 / 323.
(6) اختلف الأصوليون في التعليل بالمانع، هل من شرطه وجود المقتضي أم لا؟ على فريقين، الأول: لا يشترط، بمعنى لا يتوقف التعليل بالمانع على وجود السبب المقتضي لثبوت الحكم، وهو اختيار الرازي والبيضاوي وابن الحاجب وابن السبكي وابن الهمام. انظر: المحصول 5 / 323، منتهى السول والأمل ص 177، الإبهاج 3 / 150، تيسير التحرير 4 / 37. الثاني: يشترط وجود المقتضي، نسبه ابن السبكي والزركشي للجمهور، وقال التلمساني وابن النجار بأنه قول الأكثر، وهو اختيار الآمدي والمصنف. انظر: الإحكام للآمدي 3 / 242، مفتاح الوصول ص 675، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 262، البحر المحيط 7 / 192، شرح الكوكب المنير 4 / 101. فعلى المذهب الأول: لا يتوقف تعليل عدم طيران الطير بعلَّة القَفَصِيّة على وجود المقتضي للطيران وهو الحياة. وعلى المذهب الثاني: لا يصح هذا التعليل إلا مع وجود المقتضي وهو الحياة، إذ لا يقال للطائر الميت أو مقصوص الجناح المحبوس في قفصه أنه لا يطير لعلة كونه في القفص. من العلماء من نبَّه إلى أن الخلاف في المسألة لفظي. انظر: سلم الوصول للمطيعي بحاشية نهاية السول 4 / 295.
(7) ساقطة من س، ن، ق..ولا يضيرها هذا السقط إذا عُلم أن مراد المصنف هو: ((وهذا هو تعليل الحكم العدمي بالمانع)) .
(8) ساقطة من متن هـ.
(9) ساقطة من ن، ق.(2/384)
وجوابه: أنه لا يَحْسُن في العادة أن يقال للأعمى: إنه لا يبصر زيداً للجدار الذي بينهما، وإنما يَحْسُن ذلك في البصير.
الشرح
مدرك الجماعة (1) : العوائد والشرائع، أما العوائد فكما تقدم في الضرير (2)
ونحوه، أما الشرائع فلا نقول في الفقير: إنه (3) لا يجب عليه الزكاة؛ لأن عليه ديناً، وإنما نقول: لأنه (4) فقير، ولا نقول في (5) الأجنبي: إنه لا يرث؛ لأنه عبد بل لأنه أجنبي.
وأما حجة الإمام: فلأن (6) المانع ضد المقتضي، وأحد الضدين لا يكون [شرطاً في الآخر] (7) ؛ لأن من شَرْط الشرط إمكانَ اجتماعه مع المشروط، والضدّ لا يمكن اجتماعه مع ضده (8) .
فالجواب عنه: أن المانع ليس ضد المقتضى، بل أثره ضد أثره، فالتضادُّ بين الأثرين لا بين المؤثِّرين، فالدَّيْن والنِّصاب لا تضاد بينهما، فيكون مديوناً وله نصاب من غير منافاة، لكن أثر الدين عدم وجوب الزكاة، وأثر النصاب وجوب الزكاة، والزكاة وعدمها متناقضان، ونحن لم نقل بأن أحد الأثرين شرطٌ في الآخر [بل نَفَيْنا أحدَ الأثرين جَزْماً، وإنما قلنا أحدُ المؤثِّرين شرطٌ في الآخر] (9) ، فأين أحد البابين من الآخر؟!
_________
(1) هنا زيادة: ((في)) في ن.
(2) في س، ن: ((الضرر)) وهو تحريف.
(3) ساقطة من ن.
(4) في ن: ((إنه)) .
(5) ساقطة من ق.
(6) في ق: ((بأن)) .
(7) في ق: ((شرط الآخر)) ثم أقحم المصحح لها حرف " في " بين شرط والآخر، ولم يُصْلِح " شرط " لتكون " شرطاً " لأنها خبر: يكون، ولكن وجه بقائها كما هي جائز بأن تقرأ على أنها فعل مبني للمجهول " شُرِط ".
(8) لأن المانع يمنع من ثبوت الحكم، والمقتضى يوجب ثبوت الحكم، فهما ضدان، فكيف يكون أحدهما شرطاً للآخر؟
(9) ما بين المعقوفين ساقط من ق.(2/385)
الفصل السابع
فيما يدخله القياس
وهو ثمانية أنواع:
القياس في العقليات
ص: الأول: اتفق* أكثر (1) المتكلمين على جوازه في العقليات ويسمونه (2) :
((إلحاق الغائب بالشاهد)) (3) .
الشرح
جعلوا الجامع في إلحاق الغائب بالشاهد (4) أربعة (5) :
الجمع بالحقيقة (6) : كقولنا ((حقيقة العالِم مَنْ قام به العلم)) ، والله تعالى عالم فيقوم به العلم.
والجمع (7) بالدليل: كقولنا ((الاتقان في الشاهد دليل العلم)) ، والله تعالى مُتْقِنٌ
_________
(1) ساقطة من س.
(2) في ق: ((وسموه)) .
(3) العلماء في إثبات الأحكام العقلية بالقياس على ثلاث طوائف، طائفة منعت ذلك مطلقاً؛ لأن الأحكام العقلية قطعية والقياس ظني، وطَرَدت المنع في الصفات الإلهية. وطائفة أجازت ذلك مطلقاً. وطائفة توسَّطتْ فأجازت أن يدلّ القياس على الأحكام العقلية والصفات الإلهية، لكنه لا يستقلُّ بإثباتها، وأجازوا ذلك في قياس الأولى مستدلّين بقوله تعالى: {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ} [النحل: 60] . انظر: التبصرة ص 116، البرهان للجويني 1 / 104، أساس القياس للغزالي ص 13، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 207، نهاية السول 4 / 42، مجموع الفتاوى لابن تيمية 12 / 345، الرسالة التدمرية له أيضاً ص 93 وما بعدها.
(4) ساقطة من ن.
(5) في ق: ((أربع)) وهو مما انفردت به عن جميع النسخ، وصوابه: ((أربعاً)) مفعول ثانٍ لجعلوا، فهي تنصب فعلين. انظر: أوضح المسالك لابن هشام 2 / 32، 45. وانظر هذه الجوامع الأربعة في: البرهان للجويني 1 / 104، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 14 / 51.
(6) يعبّر بعضهم عنها بالحد، كما في نهاية السول للإسنوي 4 / 43.
(7) ساقطة من ن.(2/386)
لأفعاله (1) فيكون عالماً.
والجمع بالشرط: كقولنا العلم في الشاهد مشروط بالحياة، والله تعالى عالم، فيكون حياً.
والجمع بالعلة: كقولنا العلم في الشاهد علة للعالِمِيَّة، والله تعالى له علم، فيكون عالماً (2) . وكثير من مباحث أصول الدين مبني (3) على قياس الشاهد على الغائب (4) .
حجة المنع: أن* صورة المقيس (5) إنْ كانت بعينها (6) صورة المقيس عليه فهما واحدةٌ فلا قياس حينئذٍ، وإن تغايرا (7) فلكل واحدٍ منهما تعيُّنٌ، فلعل تعينَ الأصل شرطٌ، فلأجل ذلك صح ثبوت الحكم، [وتعيُّن الفرع مانعٌ (8) فلا يثبت الحكم (9) ] (10) ومع الاحتمال لا يقين (11) ، والمطلوب بهذا القياس اليقين.
والجواب: أن العقل قد يقطع بسقوط (12) الخصوصيات عن الاعتبار، كما نقول (13) : إن اللون الذي قام بزيْدٍ مُفْتقرٌ للجوهر، وكذلك الجماد والنبات، وإن خصوصية الحيوان والجماد والنبات لا مدخل لها (14) في افتقار اللون للمحل لا شرطاً
_________
(1) في ن: ((علمه)) وهو لا يدلُّ على المراد.
(2) ذكر شيخ الإسلام أنه يمكن إثبات كثير من الصفات بالعقل، سواء في ذلك الصفات السبع أو غيرها من الحب والرضا والغضب: ونحوها. انظر: التدمرية 149 - 151.
(3) في ق: ((ينبني)) .
(4) الصواب أن يقال: وكثير من مباحث أصول الدين يجوز فيه قياس الغائب على الشاهد، لأن أصول الدين مبنية على التوقيف والسماع، والعقل الصحيح يوافق النقل الصريح.
(5) في ن: ((القياس)) وهو تحريف.
(6) في ق: ((نفسها)) .
(7) في ن: ((تغاير)) وهو تحريف.
(8) في ن: ((مانعاً)) وهو خطأ نحوي؛ لأن الواو في قوله: ((وتعين الفرع..)) إن كانت عاطفة فتكون
" مانع " معطوفة على خبر " لعل ". وإن كانت مستأنفة صارت خبر للمبتدأ " تعيّن ".
(9) في ن: ((الحمل)) .
(10) ما بين المعقوفين ساقط من س.
(11) في ن: ((يتعيَّن)) .
(12) في ن: ((سقوط)) .
(13) في س: ((تقول)) .
(14) في ن: ((له)) وهو تحريف.(2/387)
ولا مانعاً ولا* موجباً، بل ذلك لذات اللون من حيث هو لون، وكذلك عِلْم زَيْدٍ إنما هو مشروط بالحياة؛ لأنه علم لا بخصوص محل، ونحن إنما نقيس فيما هذا شأنه، فاندفع الاحتمال، وحصل القطع [باستواء الموضعين] (1) في الحكم.
القياس في اللغات
ص: الثاني: اختار (2) الإمام (3) وجماعة (4) جواز (5) القياس في اللغات (6) ، وقال ابن جِنِّي (7) : هو قول أكثر الأدباء (8) ،
خلافاً للحنفية (9) وجماعة من الفقهاء (10) .
_________
(1) في ن: ((فاستوى الموضعان)) .
(2) في متن هـ: ((أجاز)) .
(3) انظر: المحصول 5 / 339.
(4) منهم جماعة من المالكية، قال ابن القصار: ((عند مالك يجوز أن تؤخذ الأسماء من جهة القياس)) . المقدمة في الأصول ص 194، وكذلك جماعة من الشافعية وأكثر الحنابلة. انظر: إحكام الفصول ص 298، التبصرة ص 444، قواطع الأدلة 1 / 112، المسودة ص 173، الإبهاج 3 / 33، شرح الكوكب المنير 1 / 223.
(5) ساقطة من متن هـ.
(6) المراد بالقياس في اللغات: إثبات وضع لفظٍ مسكوتٍ عنه بالقياس على معلوم الوضع لمناسبةٍ، كالخمر للنبيذ للتخمير، والسارق للنباش قياساً عليه للأخذ خُفيةً. انظر: فواتح الرحموت 1 / 154.
(7) هو أبو الفتح عثمان بن جِنِّي الأزْدي مولاهم، وجِنِّي - اسم أبيه - بكسر الجيم، والنون المشدَّدة، والياء ساكنة ليست كياء النسب، ولد بالموصل، وصحب أبا علي الفارسي طويلاً، وأفاد منه حتى صار من أعلام العربية نحواً وصرفاً وغيرهما. من تآليفه: الخصائص (ط) ، التصريف (ط) ، سر صناعة الإعراب (ط) وغيرها كثير. توفي عام 392 هـ. انظر: معجم الأدباء 12 / 81، إنباه الرواة على أنباه النحاة 2 / 335، وفيات الأعيان 3 / 246.
(8) منهم أبو علي الفارسي، وأبو عثمان المازني. انظر: الخصائص لابن جني 1 / 114، 2 / 43، الاقتراح في أصول النحو وجدله للسيوطي ص 236..
(9) انظر: الفصول للجصاص 4 / 109، أصول السرخسي 2 / 157، التوضيح لصدر الشريعة مع التلويح 2 / 132، التقرير والتحبير 1 / 102، فواتح الرحموت 1 / 154.
(10) منهم: الجويني والغزالي وأبو الخطاب والآمدي وابن الحاجب ومحققو المالكية وغيرهم. انظر: إحكام الفصول ص 298، البرهان 1 / 132، المستصفى 2 / 346، شفاء الغليل ص 600، التمهيد لأبي الخطاب 3 / 455، الإحكام للآمدي 1 / 57، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 1 / 183، التوضيح لحلولو ص 365.(2/388)
الشرح
قال سيف الدين الآمدي (1) :
لا يجوز القياس في اللغات، وقال بعضهم (2) : جميع اللغات اليوم ثابتة بالقياس؛ لأن العرب إنما وَضعتْ أسماء الأجناس للأعيان التي شاهدوها، فإذا هلكتْ تلك الأعيان وجاءت أعيان أُخْر (3) فإنما يطلق عليها الاسم بالقياس، فلفظ (4) الفرس وغيره من الحيوانات اليوم إنما يطلق بالقياس.
وهذا غلط، فإن (5) العرب إنما وضعتْ لما تصورتهُ بعقولها، لا لما شاهدته بأبصارها، والمتصوَّر بالعقل موجود في الأشخاص الماضية والحاضرة على حدٍّ واحدٍ، فمفهوم الفرسِ المعقولُ هو الموضوع له، ويصير معنى ذلك: أن الواضع قال: كلُّ ما تنطبق عليه هذه الصورة الذهنية هو المسمَّى بالفرس عندي، وكذلك بقية أسماء الأجناس. ولم توضع لما في الخارج من المُشَاهد بالبصر إلا أعلامُ الأشخاص (6) دون أعلام الأجناس (7) ، فهذا ذكره الشيخ أبو إسحاق في " اللمع " (8) ، وعَليه ما ترى.
_________
(1) تحرير محل النزاع: محل النزاع إنما هو في الأسماء الموضوعة للمعاني المخصوصة الدائرة مع الأوصاف وجوداً وعدماً، وهي التي تسمَّى بأسماء الأجناس كالخمر مثلاً. أما أسماء الأعلام المشخصة بالذات، وأسماء الصفات، والأحكام النحوية فلا خلاف في عدم القياس عليها؛ لأن الأُولى: لا يمكن القياس فيها، والثانية: مطَّردة بوضع اللغة كالعالِم والكريم ونحوهما، والثالثة: مبنيَّة على الاستقراء والتتبّع. انظر: المنخول ص 71، الإحكام للآمدي 1 / 57، البحر المحيط للزركشي 2 / 258، تشنيف المسامع
1 / 397، التوضيح لحلولو ص 366، نبراس العقول ص 197 وبحثه في هذه المسألة قيّم وبديع. أما ثمرة الخلاف فقد أشار إليها حلولو في التوضيح ص 366، والشيخ الشنقيطي في نثر الورود 1 / 123.
(
) انظر: الإحكام 1 / 57.
(2) يريد به أبا إسحاق الشيرازي في اللُّمع ص (44) كما سيصرِّح به بعد قليل.
(3) في ق: ((أخرى)) .
(4) في س: ((كلفظ)) .
(5) في ق: ((لأن)) .
(6) عَلَم الشخص: هو ما وضع لشيءٍ بعينه بقيد التشخيص الخارجي، كزيدٍ وعمرو. انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 33، البحر المحيط للزركشي 2 / 296، شرح الحدود النحوية للفاكهي ص 112.
(7) عَلَم الجنس: هو ما وضع لشيءٍ بعينه ذهناً. أو هو لفظ موضوع لكلِّيٍّ بقيد تشخصه في الذهن، كأسامة علم جنس يصدق على كل أسدٍ في العالم، وله صورة مشخصة في الذهن. انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 33، شرح الحدود النحوية للفاكهي ص 117، التعريفات ص 202.
(8) انظره فيه ص 44، وانظر كتابه: شرح اللمع 1 / 186.(2/389)
إنما (1) القياس في اللغة مثل: كون العرب وضعتْ السرقة لأخذ المال على صورة مخصوصة، حتى فرَّقتْ بين الغاصب والمُحارب والجاحد والخائن والمخْتلِس والسارق (2) ، فحينئذٍ السرقة (3) موضوعة (4) لشيء مخصوص، فهل يُسمَّى النَّبَّاش (5) للقبور
سارقاً لأجل مشابهته للسارق أو يسمى اللائط (6) زانياً لمشابهته للزاني؟ هذا موضع الخلاف.
حجة المنع: أنه (7) لو صح القياس لبطل المجاز خصوصاً المستعار، فإن المشابهة هي علاقته، [فحينئذٍ إن] (8) أرادوا بالقياس أنه يصير حقيقةً بطل هذا المجاز كله، وقد أجمعنا على ثوبته (9) ، وإن أرادوا جواز الإطلاق على سبيل المجاز فهو متفق عليه، فعلم (10) بأن القول بالقياس لا سبيل إليه، ولأن الأَبْلَق (11) يقال للفرس لاجتماع السواد
_________
(1) في س: ((إن)) .
(2) الغَصْب: استيلاءٌ على مال الغير قهراً ظلماً، فإن كان من حرز مثله خُفْيةً سُمي: سرقةً، أو مكابرة
في صحراء سمي: حرابةً، أو مجاهرةً واعتمد الهرب سُمي: اختلاساً، فإن جحد ما ائتمن عليه سُمي: خيانةً. انظر: حاشية الجمل على شرح المنهج 5 / 398، الموسوعة الفقهية (الكويتية) 2 / 288.
(3) في ق: ((السارق)) وهو مقبول، وإن كان الأصل في الوضع يكون للمصدر.
(4) في ق: ((موضوع)) انظر الهامش السابق.
(5) نبش الشيء يَنْبُشه نَبْشاً: استخرجه بعد الدَّفن، ونَبْشُ الموتى: استخراجهم وأخذ أكفانهم، والنَّبَّاش الفاعل لذلك، وحِرْفتُه النِّبَاشة. انظر مادة " نبش " في: لسان العرب، المصباح المنير، الدر النقي
ص 755.
(6) لاط الشيءُ بقلبي، يلوط ويليط إذا لصق، ولاَطَ الرجلُ لِوَاطاً ولاَوَطَ، أي: عَمِل عَمَل قوم لوط. انظر: لسان العرب مادة " لوط ". وللشيخ الدكتور / بكر أبو زيد تنبيهٌ نفيس على رفع التحرُّج عمَّنْ يطلق لفظة: اللِّواط أو اللوطي أو اللوطيَّة، وأنها جاءت في السُّنة وأقوال العلماء وكتبهم. راجع: معجم المناهي اللفظية ص 476.
(7) في ن: ((إذ)) .
(8) في ق: ((فإن)) .
(9) القول بالإجماع على ثبوت المجاز دعوى ينقضها الخلاف العريض قديماً وحديثاً، وقد ألِّفتْ فيها أسفارٌ كثيرة، منها: منع جواز المجاز في المنزَّل للتعبُّد والإعجاز للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، بطلان المجاز لمصطفى الصياصنة، المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع للشيخ عبد العظيم المطعني.
(10) في ق، ن: ((فيعلم)) .
(11) الأَبْلق مشتق من البَلَق، وهو السواد والبياض، يقال للدابة: أبلق وبلقاء. انظر: المخصص لابن سيده
6 / 150، 7 / 55، لسان العرب مادة " بلق ".(2/390)
والبياض فيه، ولا يقال ذلك لغيره من الحيوانات (1) ، فلو كان القياس سائغاً لساغ ذلك، لكن أهل اللغة منعوه، وكذلك " القارورة " تقال (2) للزُّجاجة لأجل ما يستقر فيها (3) ، ولا يقال ذلك للنهر ولا لغيره وإن استقرت فيه (4) المائعات.
حجة الجواز: أن الفاعل يُرفع في زماننا، والمفعول يُنْصب، وغير ذلك من المعمولات، وذلك في* أسماء لم تسمعْها العرب من الأعلام وغيرها، فلا يمكن أن يقال ذلك بالوضع؛ لأن العرب لم تسمع هذه الأسماء. والوضع فرع التصوُّر، فيتعيَّن أن يكون بالقياس.
والجواب: أن ذلك بالوضع، والعرب لما وَضَعت الفاعل ورفعتْهُ لم تضعْه لشيء بعينه بل للحقيقة الكلية، وتلك الحقيقة الكلية - وهو (5) كونه مُسنداً (6) إليه الفعلُ وما في معنى الفعل من اسم الفاعل ونحوه - موجود في جميع هذه الصور (7) ، فلا جَرَم صحَّ الإطلاق، وكان عربياً حقيقة لا مجازاً ولا قياساً.
القياس في الأسباب
ص: الثالث: الشهير (8) أنه لا يجوز إجراء القياس في الأسباب (9) ، كقياس
_________
(1) يدلُّ على ذلك ما جاء في: " فقه اللغة وسر العربية " للثعالبي ص 127 قال: ((فصل: في تقسيم السواد والبياض على ما يجتمعان فيه: فرس أَبْلق، تَيْس أَخْرَج، كَبْش أَمْلح، ثوْر أَشْيَه، غُراب أَبْقَع، جبل
أَبْرق، دجاجة رَقْطَاء ... )) .
(2) في س، ن: ((يقال)) وهو على تقدير كلمة " لفظ ".
(3) انظر: القاموس المحيط مادة " قرر ".
(4) ساقطة من س.
(5) في س، ق: ((هو)) ، ويُسمى ضمير الشأن، والتعبير هنا بـ ((هو)) ، و ((هي)) جائز بحسب النظر للمتقدم عليها أو المتأخر عنها. انظر: النحو الوافي 1 / 265.
(6) في س: ((مستنداً)) ، وفي ق: ((مسند)) وهو خطأ نحوي، لأن خبر " كان " منصوب.
(7) يوضح هذا المعنى ما ذكره المصنف في نفائس الأصول (8 / 3591) : ((وتارة تضع (أي العرب) الكلية كقولهم: كل فاعل مرفوع، كما قالوا: كل جسمٍ حسَّاسٍ اسمه حيوان، فليس هاهنا قياس ألبتة، بل كل فاعل يُرفع بالوضع الأول لا بالقياس ... كما إذا قال الشارع: اقتلوا كل مُشْرك، فإنَّا نقتل ما نجده منهم بنص الشارع لا بالقياس، فالكليات اللغوية أو الشرعية لا يدخلها القياس ... )) .
(8) في متن هـ: ((المشهور)) .
(9) هذه المسألة عنوانها: القياس في الأسباب، ويمكن أن يُضمّ إليها الشروط والموانع. والمراد منها: ما إذا أضيف حكمٌ إلى سببٍ عُلمتْ فيه علة السبب، فإذا وجدت هذه العلة في محلٍّ آخر، فهل يقاس على المحل الأول في سببيته؟(2/391)
اللِّواط على الزنا (1) في وجوب الحدِّ (2) لأنه لا يَحْسُن أن يقال في (3) طلوع الشمس: إنه مُوجِبُ للعبادة كغروبها (4) .
الشرح
حجة الجواز: أن السببية حكم شرعي، فجاز القياس فيها كسائر الأحكام، ولأن السبب إنما يكون سبباً لأجل الحكمة التي اشتمل عليها، فإذا وجدت في غيره وجب أن يكون سبباً تكثيراً لتلك الحكمة.
[حجة المنع: أن الحِكَم] (5) غير منضبطة (6) ؛ لأنها مقادير من الحاجات، وإنما المنضبط الأوصاف، ولذلك إنما (7) ترتب الحُكْم على سببه وُجدتْ حكمته أم لا، بدليل أنا نقطع بالسرقة وإن لم يتلف المال بأن وجد مع السارق، ونحدُّ الزاني (8) وإن لم يختلط نسب (9) بل (10) تحيض ولا يظهر حَبَل (11) ، فعلمنا أن الحِكَم إنما هي مَرْعِيَّة في
_________
(1) توضيح هذا المثال بما يتفق مع ترجمة المسألة هو: أن سبب وجوب الحدّ في الزنا كونه إيلاجاً في فرج محرّم مشتهىً طبعاً، واللّواط موجود فيه هذا الوصف، فهل يقاس على الزنا، فيكون اللواط سبباً في وجوب الحد؟ اختلف العلماء في ذلك على مذهبين: الأول: عدم الجواز، وهو مذهب أكثر الأحناف وكثير من المالكية، واختاره بعض الشافعية كالرازي والآمدي والبيضاوي. انظر: المحصول للرازي 5 / 345، الإحكام للآمدي 4 / 65، فواتح الرحموت 2 / 382، تقريب الوصول ص 349، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 255، الإبهاج 3 / 34، التوضيح لحلولو ص 367، تيسير التحرير 4/99، نثر الورود 2 / 445. الثاني: الجواز، وهو مذهب كثير من الشافعية، والحنابلة، وبعض الحنفية. انظر: الوصول لابن برهان 2 / 256، روضة الناظر 3 / 920، المسودة ص 399، البحر المحيط للزركشي 7 / 85، فواتح الرحموت 2 / 382. بيَّن الدكتور عبد الكريم النملة أن الخلاف لفظي، راجع كتابه: الخلاف اللفظي عند الأصوليين 2 / 188.
(2) ساقطة من ق، وهنا زيادة ((به)) في متن هـ.
(3) ساقطة من ن.
(4) قال الشوشاوي: ((فيه نظر؛ لأنه قياس بغير جامع، وهو ممنوع باتفاق، وليس محل النزاع)) رفع النقاب القسم 2 / 936.
(5) ساقط من س.
(6) في س: ((متضمنة)) وهو تحريف.
(7) في س: ((إذا)) وهو تحريف.
(8) في ن: ((الزانيين)) .
(9) في س: ((نسبه)) .
(10) في س: ((بأن)) .
(11) في س: ((حِكَمٌ)) وهو متّجهٌ.(2/392)
الجملة، والمعتبر إنما هو الأوصاف، فإذا قسنا إنما نجمع بالحكمة وهي غير منضبطة، والجمع بغير (1) المنضبط لا يجوز.
حكم القياس في العدم الأصلي
ص: الرابع: اختلفوا في جواز (2) دخول القياس في العدم الأصلي. قال الإمام (3) : والحق أنه يدخله قياس الاستدلال (4)
بعدم (5) خواص (6) الشيء على عدمه دون قياس العلة (7) ، [وهذا] (8) بخلاف الإعدام فإنه حكم شرعي (9) .
_________
(1) في ن: ((بين)) .
(2) ساقطة من متن هـ.
(3) عبارة الإمام في المحصول (5 / 346 - 347) أوضح مما هنا، وهي: ((والحق أنه يستعمل فيه " قياس الدلالة " لا " قياس العلة ". أما قياس الدلالة فهو: أن يستدلَّ بعدم آثار الشيء وعدم خواصه على
عدمه. وأما تعذُّر قياس العلّة؛ فلأن الانتفاء الأصلي حاصل قبل الشرع، فلا يجوز تعليله بوصفٍ يوجد بعد ذلك - ثم قال - واعْلم أن هذا الكلام يختص بالعدم، فأما الإعدام فإنه حكم شرعي يجري فيه القياس)) .
(4) قياس الاستدلال أو الدلالة هنا له اصطلاح خاص، غير المشتهر المعروف، فالمشتهر هو: الجمع بين الأصل والفرع بلازم من لوازم العلة أو بأثر من آثارها أو بحكم من أحكامها. انظر: هامش (2)
ص (337) .
ومثال قياس الاستدلال على اصطلاح الرازي والمصنف أن يقال: تَرتُّب الوعيد من خواص الوجوب، وهو منتفٍ في صلاة الضحى، وصوم أيام البيض، فلا تكون واجبة. انظر: شرح مختصر الروضة
3 / 454.
(5) في س: ((بعد)) وهو نقص في الحروف.
(6) في ن: ((خاص)) وهو تحريف.
(7) قياس العلة هو: القياس الذي يُصرَّح فيه بالعلة الجامعة بين الأصل والفرع، كقياس النبيذ على الخمر في التحريم للإسكار. انظر: الإحكام للآمدي 4 / 4، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 223، زوائد الأصول للإسنوي ص 375.
(8) في ق: ((وهو)) ، وفي س: ((من هذا)) وهو تحريف.
(9) ينحصر الخلاف في مسألة دخول القياس في العدم الأصلي - بعد اتفاقهم على أن استصحاب حكم العقل كافٍ فيه - إلى ثلاثة أقوال، قولٌ بالجواز، وهو اختيار المحققين. والثاني: المنع. الثالث: التفصيل، فيجوز دخول قياس الدلالة دون قياس العلة. أما العدم أو النفي الطاريء فيجري فيه القياسان وفاقاً؛ لأنه حكم شرعي حادث كسائر الأحكام الوجودية، انظر مثاله في: شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 454. وانظر المسألة في: المستصفى 2 / 452، نهاية الوصول 8 / 3211، تشنيف المسامع 3 / 167، التوضيح لحلولو ص 368، شرح الكوكب المنير 4 / 227، تيسير التحرير 3 / 286.(2/393)
الشرح
العدم الأصلي كعدم صلاةٍ سادسةٍ، وعدم وجوب صوم شهرٍ غير (1) رمضان، ونحوه.
حجة الجواز: أنه يمكن أن يقال: إنما لم يجب الفعل الفلاني؛ لأن فيه مفسدة خالصة أو راجحة، وهذا الفعل مشتمل (2) على مفسدة خالصة أو راجحة، فوجب أن لا يجب.
حجة المنع: أن العدم الأصلي ثابت مستمر بذاته، وما هو مستمر بذاته يستحيل إثباته (3) بالغير، فلا يمكن إثباته بالقياس (4) .
حجة الإمام (5) أن العلة إنما تكون في المعاني الوجودية، والعدم نفي محض، فلا نتصوّر فيه العلل.
وجوابه (6) : ما تقدّم أن العدم قد يُعلل* بدرء المفسدة، كما تقول: إنما لم يبح الله تعالى الزنا ونحوه لما فيه من المفاسد.
وأمَّا الإعدام فهو رفع الحكم بعد ثبوته، ولا شك أن رفع الحكم (7) الثابت يحتاج إلى رافعٍ، بخلاف تحقيق ما هو متحقق، فإنه يلزم منه تحصيل الحاصل، فظهر الفرق بين العدم والإعدام (8) .
_________
(1) ساقطة من س.
(2) في ن: ((مجتمع)) .
(3) في ن: ((بذاته)) وهو سهو واضح.
(4) لأن فيه إثبات الثابت، وهو تحصيل الحاصل. والجواب عنه: دخول القياس في العدم الأصلي إنما هو مؤكِّد له لا مُثْبتٌ له. انظر: شرح مختصر الروضة 3 / 457.
(5) هذه حجة القول بالتفصيل، وهو جواز دخول قياس الاستدلال في العدم الأصلي دون قياس العلة. وهذا السياق لحجة الإمام الرازي إنما هو من صنيع المصنف. أما عبارة الرازي فهي: ((وأما تعذر قياس العلة؛ فلأن الانتفاء الأصلي حاصلٌ قبل الشرع، فلا يجوز تعليله بوصفٍ يوجدُ بعد ذلك)) . المحصول 5/347.
(6) في ن: ((وجواب)) وهو مستقيم بالإضافة لما بعده.
(7) ساقطة من س، ق.
(8) انظر: نفائس الأصول 8 / 3604، رفع النقاب القسم 2 / 938.(2/394)
حكم إثبات أصول العبادات بالقياس
ص: الخامس: قال الجُبَّائي (1) والكرخي (2) لا يجوز إثبات أصول العبادات (3)
بالقياس (4) .
الشرح
حجة المنع: أن الدليل ينفي العمل بالظن (5) ، خالفناه في إثبات فروع العبادات بالقياس (6) ، فيبقى على مقتضى الدليل في أصولها (7) . والفرق أن أصل العبادة أمر مهمٌّ في الدين، فيكون بالتنصيص من جهة صاحب الشرع لاهتمامه به. والفرع بعد ذلك ينبه عليه أصله، فيكفي فيه القياس.
حجة الجواز: أن الشريعة إذا وجد فيها أصل عبادة لنوع من المصالح، ووجد ذلك النوع من المصالح في فعل آخر، وجب أن يكون مأموراً به عبادة قياساً على ذلك النوع الثابت بالنص تكثيراً للمصلحة. والأدلة الدالة على القياس لم تُفرِّق بين مصلحة ومصلحة، وما ذكرتموه من الفرق معارَضٌ بأن مصلحة أصل العبادة إمَّا أعظم من مصلحة الفرع أو مثلُها (8) ؛ لأن الأصل لا يكون أضعف من فرعه، وعلى كل تقدير
_________
(1) المراد به الأب: أبو علي الجبائي. انظر النسبة إليه في: المعتمد 2 / 264، المحصول للرازي 5 / 348، الإبهاج 3 / 30.
(2) انظر النسبة إليه في المراجع السابقة، وانظر أيضاً: بذل النظر ص 623، الأقوال الأصولية للإمام أبي الحسن الكرخي ص 111.
(3) قال ابن قاسم العبادي: ((المراد بها أعظم العبادات وأدْخلها في التعبد كالصلوات بخلاف نحو الكفارات)) الآيات البينات (4 / 8) . ومُثِّل له بإيجاب الصلاة إيماءً في حقِّ العاجز عن الإتيان بها قياساً على إيجابها قعوداً في حق العاجز عن القيام بجامع العجز عن الإتيان بها على الوجه الأكمل. أو قياس إثبات الصلاة إيماءً بالحاجبين على الإيماء بالرأس عند العجز. انظر: شرح العمد 2 / 206، نهاية السول للإسنوي
4 / 37، تشنيف المسامع 3 / 164. وقد بيّن الدكتور / عبد الكريم النملة أن الخلاف في هذه المسألة لفظيّ 2 / 183.
(4) القول الآخر في المسألة هو: جواز إثبات أصول العبادات بالقياس. وهو لجمهور الأصوليين. انظر: إحكام الفصول ص 625، شرح اللمع للشيرازي 2 / 791، التبصرة ص 443، التمهيد لأبي الخطاب 3 / 440، التوضيح لحلولو ص 368.
(5) في ق: ((بالقياس)) وهو من مفرداتها، ولعلّه سهو من الناسخ.
(6) في ن: ((بالقرائن)) وهي غير مناسبة هنا في الاستدلال.
(7) في س: ((أصولنا)) وهو تحريف.
(8) هكذا في ص، م، ز، وفي باقي النسخ: ((مثله)) ويكون مرجع الضمير حينئذٍ إلى الفرع. والأول أنسب لعود الضمير إلى المصلحة.(2/395)
وجب القول بالقياس تحصيلاً لتلك المصلحة التي هي أعظم بطريق الأولى، أو (1) المصلحة المساوية، لأن حكم أحد المثلين حكم للآخر.
القياس في المقدرات والحدود والكفارات
ص: السادس: يجوز عند ابن القصار (2) والباجي (3) والشافعي (4) جريان القياس في المقدَّرات [والحدود والكفارات] (5) خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله وأصحابه (6) لأنها أحكام شرعية.
الشرح
[حجة المنع: أن المقدَّرات كنُصُب الزكوات، والحدود كجلد (7) الزاني مائةً، والكفارات] (8) كصيام ثلاثة أيامٍ، لا يعقل معناها (9) دون (10) ما هو أقل منها كتسعة عشر ديناراً في الزكاة، أو تسعة وتسعين سوطاً، أو يومين، أو [واحدٍ وستين] (11) في كفارة الظهار مثلاً، وما لا يُعقل معناه يتعذر القياس فيه (12) .
_________
(1) في ن، ق: ((و)) . والمثبت أولى لاستقامة السياق به.
(2) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 199.
(3) انظر: إحكام الفصول ص 622، ونسبه إلى عامة المالكية، وانظر: الإشارة للباجي ص 309، المنهاج في ترتيب الحجاج له أيضاً ص 153.
(4) وممن نسبه إليه الرازي في المحصول 5 / 349، والآمدي في الأحكام 4 / 62، والزركشي في البحر المحيط 7 / 68. وهذا هو مذهب الجمهور، انظر: العدة لأبي يعلى 4 / 1409، شرح اللمع للشيرازي 2 / 793، التلخيص 3 / 391، الوصول لابن برهان 2 / 249، روضة الناظر 3 / 926، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 254، نشر البنود 2 / 104.
(5) ساقط من س.
(6) انظر: الفصول في الأصول للجصاص 4 / 105 وما بعدها، أصول السرخسي 2 / 163، كشف الأسرار للبخاري 2 / 414، التقرير والتحبير 3 / 320، فواتح الرحموت 2 / 381. وقد تتبع الشافعي مذهب الحنفية، وأبان أنهم لم يفوا بشيءٍ مما منعوه. انظر: البرهان للجويني 2 / 584 وما بعدها.
(7) في ق: ((كحدّ)) .
(8) ما بين المعقوفين ساقط من ن.
(9) في س، ن: ((معنى هذه الحدود)) ، ويكون المراد بالحدود هنا أي التحديد بهذه الأعداد.
(10) ساقطة من ن.
(11) في ن: ((واحدٍ أو خمسين)) وهو محتمل، تقديره: أو يومٍ واحدٍ أو خمسين مسكيناً، وفي س: ((أحد وستون)) وهو خطأ نحوي؛ لأنها معطوفة على مجرور.
(12) ساقطة من ن.(2/396)
والجواب: أنا إنما نقول بالقياس حيث ظفرنا بالمعنى الذي لأجله ثبت الحكم فحيث تعذر ذلك وكان تعبداً فإنا لا نقيس، فلا ترد علينا مواطن التعبد (1) .
القياس في الرخص
ص: السابع: يجوز القياس عند الشافعي على الرخص (2) ،
خلافاً لأبي حنيفة
وأصحابه (3) .
الشرح
حكى المالكية عن مذهب (4) مالك قولين في جواز القياس على الرخص (5) ،
_________
(1) لمعرفة ما يتخرج على هذه المسألة من تفاريع فقهية، انظر: التمهيد للإسنوي ص 463، التوضيح لحلولو ص 368، كتاب: إثبات العقوبات بالقياس للدكتور عبد الكريم النملة.
(2) لم يُصب المصنف في نسبة جواز القياس في الرخص للشافعي، وهكذا جَمْع من الأصوليين ينسبون هذا الرأي للشافعي مع أنه صرَّح في الرسالة (545 - 560) بقوله: ((ما كان لله فيه حكم منصوص ثم كانت لرسول الله سنة بتخفيفٍ في بعض الفرض دون بعض عُمِل بالرخصة فيما رخَّص فيه رسول الله دون ما سواها، ولم يُقسْ ما سواها عليها ... )) ثم بنى على ذلك عدم جواز المسح على العمامة والبرقع والقفازين قياساً على الخفين ... إلخ. انظر: التمهيد للإسنوي ص 463، البحر المحيط للزركشي 7 / 74.
ومع هذا فمذهب الجمهور - خلافاً للأحناف - جواز القياس في الرخص. انظر: البرهان 2 / 588، البحر المحيط 7 / 74، شرح الكوكب المنير 4 / 220، كتاب الرخص الشرعية وإثباتها بالقياس للدكتور عبد الكريم النملة.
(3) جاء في حاشية يحيى الرهاوي على شرح المنار لابن ملك ص (766) ((فإنّا نعلم أن المسح على
الخفين إنما جوّز لعسر النزع ومسيس الحاجة إلى استصحابه، ولكن لا نقيس عليه العمامة والقفازين وما يستر القدم؛ لأنها لا تساوي الخف في الحاجة وعسر النزع وعموم الوقوع، فهذه الأقسام لا يجري فيها القياس بالاتفاق)) . وانظر: الفصول للجصاص 4 / 116، المغني للخبازي ص 289، كشف الأسرار للبخاري 3 / 562. وانظر: الوصول لابن برهان 2 / 249، نهاية السول 4 / 35، رفع الحاجب
4 / 402.
(4) ساقطة من ق.
(5) مشهور مذهب مالك امتناع القياس في الرخص. انظر: تقريب الوصول ص 351، نيل السول 2/11، نثر الورود 2 / 445. وقال حلولو: ((الذي تقتضيه مسائل مذهبنا جريان القياس في ذلك - أي الحدود والكفارات والرخص والتقديرات - على خلافٍ في الرخص)) . التوضيح ص 368. وانظر: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 / 944، لكن قال ابن عاشور: ((القياس على الرخص هو صريح مذهب مالك رحمه الله)) حاشية التوضيح 2 / 190.(2/397)
وخرَّجوا على القولين فروعاً كثيرة في المذاهب، منها لُبْس خُفٍّ على خُفٍّ (1) وغير ذلك (2) .
حجة المنع: أن الرخص مخالِفَة للدليل، فالقول بالقياس عليها يؤدي إلى كثرة مخالفة الدليل، فوجب ألاَّ يجوز.
حجة الجواز: أن الدليل إنما يخالفه (3) صاحبُ الشرع لمصلحةٍ تزيد على مصلحة ذلك الدليل عملاً بالاستقراء، وتقديمُ الأرجح هو شأن صاحب الشرع، وهو مقتضى الدليل، فإذا وجدنا تلك المصلحة التي لأجلها [خولف الدليل] (4) في صورةٍ وجب أن يُخَالَف [الدليلُ بها] (5) عملاً برجحانها، فنحن حينئذٍ كَثَّرْنا موافقة الدليل لا مخالفته (6) .
القياس في العاديات ونحوها
ص: الثامن: لا يدخل القياس فيما طريقه الخِلْقَة (7) والعادة (8) كالحيض، [وفيما لا] (9)
_________
(1) في مسح الخف على الخف قولان للمالكية، والمذهب على جوازه. انظر: المنتقى للباجي 1 / 82، مواهب الجليل 1 / 466، نثر الورود 2 / 445.
(2) مثل: قياس عادم الماء في الحضر على عادمه في السفر في جواز التيمم للنافلة، وقياس غير التمر كالزبيب على التمر في بيع العَرِيَّة. انظر: نشر البنود 2 / 106، نثر الورود 2 / 445.
(3) في ن: ((يخالف)) وهو تحريف.
(4) ساقط من ن.
(5) في ق: ((في غيرها)) وهو متّجه.
(6) قال المصنف في نفائس الأصول (8 / 3614) : ((إذا فهمنا أن الله تعالى منح عباده منحةً لأجل معنىً مشترك بينها وبين صورة أخرى؛ جعلنا تلك الصورة الأخرى منحة من الله تعالى بالقياس تكثيراً لمنح الله تعالى، وحفظاً لحكمة الوصف عن الضياع)) .
(7) الخِلْقة: الفطرة. والخليقة: الطبيعة التي يخلق بها الإنسان. انظر: لسان العرب مادة " خلق ".
(8) في متن هـ: ((والعبادة)) وهو غلط فاحش من الناسخ.
(9) هكذا في النسخ ن، و، ش، ز، م. وبينما في ص، ومتن ر، ومتن هـ، ومتن ف: ((ولا فيما لا)) وهو صحيح. وفي س، ق، ومتن أ: ((ولا فيما)) وهو خطأ لسقوط " لا " الثانية المُخِلِّ بالمعنى.(2/398)
يتعلق به عمل كفتح مكة عَنْوةً (1) ،
ونحوه (2) .
الشرح
لا يمكن أن نقول فُلاَنة* تحيض عشرة أيام وينقطع دمُها فوجب أن تكون الأخرى كذلك قياساً عليها (3) ، فإن هذه الأمور تتبع الطِّباع والأمزجة والعوائد في الأقاليم، فرُبَّ إقليم يَغْلِب عليه معنىً لا يَغْلِب على غيره من الأقاليم.
وأما فتح مكة عَنْوة فإن أريد به [أنَّه وجب أن يكون الواقع] (4) العَنْوةَ في دمشق كما وقعتْ في بلدٍ عُلم أنه (5) عنوةٌ فهذا صحيح (6) ، فإنَّ العَنْوة تَتْبع أسبابها، ولا يمكن
_________
(1) العَنْوة: اسم مرَّة مِنْ عَنَا يعنو إذا ذلَّ وخضع. وفُتحت البلاد عَنْوةً، أي: بالإذلال والقهر والغلبة
بالقتال. وفتحت صُلْحاً أي: لم يُغلبوا، ولكن صُولحوا على خَرْجٍ يؤدونه. انظر مادة " عنا " في: لسان العرب، النهاية في غريب الحديث والأثر.
أما فتح مكة، فكان في السنة الثامنة للهجرة، وقد اختلف العلماء في فتحها أكان عَنْوة أم صُلْحاً؟ فمذهب جماهير العلماء وأهل السير أنها فُتحت عنوةً، ومذهب الشافعي ومن معه أنها فُتحت صُلْحاً. انظر: الحاوي 14 / 70، شرح صحيح مسلم للنووي 12 / 111، الاستذكار لابن عبد البر 14 / 332، زاد المعاد لابن القيم 3 / 429، جوامع السيرة لابن حزم ص 229، الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لابن كثير ص 178.
(2) الذي ذكره المصنف هنا من إطلاق المنع من دخول القياس فيما طريقه العادة، ينبغي أن يُقيَّد بما إذا لم توجد عليه أمارة ولا دلالة؛ فإنه وقع الخلاف في جريان قياس الشَّعْر والعظم في النماء وحلول الروح على سائر الأعضاء، والخصم يقيسهما على أغصان الشجر من حيث عدم الإحساس والتألم. وكذلك الحامل هل تحيض؟ فلو مَنَع الحملُ دمَ الحيض لمنَعَ دمَ الاستحاضة، ألا ترى أن الصِّغَر لمَّا مَنَع أحدهما منع الآخر، وكذا الآيسَة، والخصم يقول: لو كان دم حيض لانقضتْ به العِدَّة وحرم الطلاق. انظر: المنهاج في ترتيب الحجاج ص 152، شرح اللمع للشيرازي 2 / 797، الإبهاج 3 / 36، التوضيح لحلولو
ص 369.
(3) اعتُرِض على المصنف بحيض المبْتَدأة، فإنه رُوي عن مالك في المبتدأة - التي ترى الدم أول بلوغها - أنَّ الدم إنْ تمادى بها أنها تقعد قدر أيام لِدَاتها (جمع لِدَة وهي التي وُلدتْ معها في عام واحد) ، ثم تغتسل وتكون مستحاضة. والرواية الثانية أنها تقعد أيام لِدَاتها ثم تستظهر بثلاثة أيام، ثم تكون مستحاضة، والرواية الثالثة: تقعد خمسة عشر يوماً ثم تكون مستحاضة. انظر: المدونة 1 / 54، المنتقى 1/ 124، الذخيرة 1 / 382.
(4) ما بين المعقوفين في ق: ((أن)) .
(5) في س، ن: ((أنها)) وهي صحيحة أيضاً؛ لأن البلد يذكَّر ويؤنث. انظر: مادة " بلد " في المصباح المنير.
(6) أي صحيح أنه لا يجري القياس فيما لا يتعلَّق به عَمَلٌ كفتح بلدٍ عَنْوةً أو صلحاً.(2/399)
إثبات عَنوةٍ ولا صلحٍ بالقياس، وإن أُريد أن العنوة ليس فيها حكم شرعي، فليس كذلك، بل لنا أن نثبت للعَنْوة أحكاماً شرعيةً بالقياس (1) كالحُبُس (2) في الأراضي (3) وغيرها من الإجارات والشُّفْعات (4) وصحة القِسْمة (5)
والإرث (6) وغير ذلك، فقد قال مالك: إن أرض العنوة يمتنع فيها جميع (7) ذلك (8) ، وقال الشافعي: يجوز فيها جميع ذلك (9) ، [فهذا تعلَّق به] (10) أحكامٌ شرعية، أمكن التمسك في بعضها بالقياس إذا وُجد جامعٌ يقتضيه، غير أن الإمام فخر الدين أطلق القول في ذلك (11) ، والحق (12) هذا (13) التفصيل.
_________
(1) ساقطة من ن.
(2) الحُبُس لغة جمع حَبْس وهو المَنْع، وهو مرادف للوَقْف أيضاً. انظر: المصباح المنير مادة " حبس ". واصطلاحاً: هو إعطاء منفعةِ شيءٍ مدةَ وجودِه لازماً بقاؤه في مِلْك مُعْطِيهِ ولو تقديراً. شرح حدود ابن عرفة للرصاع ص 539.
(3) في ن: ((الأَرَضين)) وهو صحيح؛ لأن " أرْض " تجمع على: آراض، وأُروُض، وأَرَضون، وأراضي.
انظر: لسان العرب مادة " أرض ".
(4) جمع شُفْعة هي لغة: الضم والزيادة؛ لأن الشفيع يضم المبيع إلى ملكه، فيشْفَعُه به كأنه كان واحداً وتراً فصار زَوْجاً شَفْعاً. انظر: مادة " شفع " في: لسان العرب، النهاية في غريب الحديث والأثر. واصطلاحاً: هي استحقاق شريكٍ أَخْذَ مبيعِ شريكِهِ بثمنه. شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع ص 474.
(5) القِسْمة لغة: اسم مصدر لـ" قَسَم " ومصدره: قَسْماً وهو الفرز أجزاءً. انظر: المصباح المنير مادة
" قسم ". واصطلاحاً: تَصْييْر مُشاعٍ من مملوكِ مالكين معيناً ولو باختصاصِ تصرُّفٍ فيه بقُرْعةٍ أو تراضٍ. شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع ص 492.
(6) في ن: ((الشفعة)) وهو تكرار لا داعي له.
(7) ساقطة من ن.
(8) انظر: المدونة 3 / 280، المقدمات الممهدات لابن رشد 2 / 218.
(9) انظر: الأحكام السلطانية للماوردي ص 217، الشرح الكبير للرافعي 11 / 247.
(10) في ق: ((فقد تعلقت به)) .
(11) انظر: المحصول 5 / 354.
(12) هنا زيادة: ((في)) في ن.
(13) في ق: ((هو)) .(2/400)
الباب الثامن عشر
في التعارض (1) والترجيح (2)
وفيه خمسة فصول:
الفصل الأول
هل يجوز تساوي الأمارتين؟
ص: اختلفوا هل يجوز (3) تساوي الأمارتين (4) ؟. فمنعه الكَرْخي (5) ، وجوَّزه الباقون (6) ، والمجوِّزون اختلفوا، فقال القاضي أبوبكر (7) منا وأبو علي وأبو هاشم (8)
_________
(1) التعارض لغة: التقابل والممانعة، انظر: معجم المقاييس في اللغة، لسان العرب كلاهما مادة " عرض ". واصطلاحاً: هو التقابل بين الدليلين على سبيل الممانعة. انظر: بديع النظام (نهاية الوصول) لابن الساعاتي 2 / 695، البحر المحيط للزركشي 8 / 120، شرح الكوكب المنير 4 / 605. وعرَّفه صاحب نشر البنود (2 / 267) بأنه: أن يدل كلٌّ من الدليلين على منافي ما يدل الآخر.
(2) الترجيح لغة: التَمْييل، انظر مادة "رجح " لسان العرب. واصطلاحاً: عرَّفه الآمدي بأنه: اقتران أحد الصالحين للدلالة على المطلوب مع تعارضهما بما يوجب العمل به وإهمال الآخر. الإحكام 4/239.
(3) هنا زيادة ((اختلاف)) في ن وهي مدرجة خطأ؛ لاعوجاج المعنى بها.
(4) تساوي الأمارتين وتكافؤ الأدلة من وجهة نظر المجتهد متفق على وقوعه، إنما محل النزاع ما في نفس الأمر والواقع. انظر: الموافقات للشاطبي 5/342، تشنيف المسامع 3/475، شرح البدخشي 3/204، وللمطيعي بحث نفيس في هذا، فراجعه في: سلم الوصول بحاشية نهاية السول 4/433-435.
(5) انظر النسبة إليه في: بذل النظر ص658، فواتح الرحموت 2/243، الأقوال الأصولية للإمام أبي الحسن الكرخي ص121. والقول بالمنع هو مذهب الحنابلة واختيار بعض الشافعية وقال الزركشي: ((وهو الظاهر من مذهب عامة الفقهاء)) سلاسل الذهب ص432، انظر: شرح العمد 2/293، العدة لأبي يعلى 5/1536، شرح اللمع للشيرازي 2/1071، المسودة ص446، 448، الإبهاج 3/199، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/360، التوضيح لحلولو ص370، شرح الكوكب المنير 4/608، نثر الورود 2/582.
(6) انظر: الوصول لابن برهان 2/333، 351، نهاية الوصول للهندي 8/3617، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/298، التمهيد للإسنوي ص505، نشر البنود 2/367.
(7) انظر: إحكام الفصول ص755، المنهاج للباجي ص234، تقريب الوصول ص466.
(8) انظر: شرح العمد 2/294، المعتمد 2/306.(2/402)
يتخيَّر، ويتساقطان عند بعض الفقهاء (1) ، قال الإمام رحمه الله: إن وقع التعارض في فعل واحد باعتبار حكمين فهذا متعذِّر (2) ،
وإن وقع في فعلين والحكم واحد كالتوجُّه إلى جهتين للكعبة (3) فيتخيَّر (4) . قال الباجي في القسم الأول (5) : إذا تعارضا في الحظر (6) والإباحة يتخيَّر (7) ، وقال الأَبْهَري: يتعين الحظر (8) بناءً (9) على أصله أن الأشياءعلىالحظر (10) ، وقال أبو الفرج: تتعين (11) الإباحة بناءً (12) على أصله أن الأشياء على الإباحة (13) ، فالثلاثة رجعوا إلى حكم العقل (14)
بناءً (15) على أصولهم (16) .
_________
(1) أي: إن عجز عن الجمع والترجيح تساقط الدليلان كالبينتين إذا تعارضتا، ووجب التوقف حيئنذٍ. هذا الرأي نسبه الزركشي إلى ابن كُجّ. انظر: البحر المحيط 8/127.
(2) في ق: ((يتعذر)) ..
(3) في س: ((في الكعبة)) وليس في بقية النسخ ما يعضدها سوى: متن د، وفَرْقٌ بين التعبيرين، فالمثبت هو الصواب، لأن المراد - لإمكان حصول التعارض - التوجه إلى جهتين للقبلة، وهو تعبير المحصول (5/380) . أما التعبير بـ"في الكعبة" فهو لا يُحصِّل المراد لعدم تصوُّر التعارض في التوجّه إلى أي وجهٍ داخل الكعبة.
(4) ساقطة من ن. هذا النقل عن الإمام بمؤدى كلامه. انظر المحصول 5/380 - 388.
(5) وهو إذا وقع التعارض في فعل واحدٍ بين حكمين، وهما: الحظر والإباحة.
(6) في س: ((الحضر)) وهو خطأ إملائي.
(7) انظر: إحكام الفصول ص755، المنهاج للباجي ص234.
(8) انظر النسبة إليه في: إحكام الفصول ص755، المنهاج للباجي ص234، تقريب الوصول ص466.
(9) ساقطة من ن.
(10) سبق بحث مسألة " حكم الأشياء قبل ورود السمع " عند المصنف ص 88 - 93 من هذا الكتاب
(المطبوع) .
(11) في س ظ، ومتن هـ: ((يتعين)) ، وهو جائز، انظر: هامش (11) ص 27.
(12) ساقطة من ن.
(13) انظر النسبة إليه في: تقريب الوصول ص (467) . أما أبو الفرج فهو: عمرو بن محمد الليثي البغدادي. إمام في القضاء. عنه أخذ أبو بكر الأبهري، من تآليفه: الحاوي في مذهب الإمام مالك، اللمع في الأصول. توفي عام 331هـ. انظر الديباج المذهب ص 309، شجرة النور الزكية 1 / 79.
(14) مقتضى هذه العبارة أن مدرك هؤلاء الثلاثة في حكم الأشياء قبل ورود السمع هو حكم العقل. وهذا
- في الحقيقة - ما نفاه المصنف بعينه عنهم، وأثبت أن مداركهم في أصلهم هذا مدارك شرعية، خلافاً لأهل الاعتزال فإن مدركهم العقل. فصواب العبارة أن تكون: فالثلاثة رجعوا إلى حكم النص على أصولهم. والله أعلم. انظر ما قررَّه المصنف ص (92) من المطبوع. وانظر: رفع النقاب القسم 2/953.
(15) ساقطة من متن هـ.
(16) وجه هذا الرجوع أن الأمارتين عندهم لما تعارضتا تساقطتا، فلما تساقطتا رجع كل واحدٍ منهم إلى أصله في حكم الأشياء قبل ورود الشرائع.(2/403)
الشرح
حجة منع تساويهما: أن (1) الظنون لها مراتب تختلف باختلاف العقول (2) والسجايا، [ولكن العقول والسجايا] (3) غير منضبطة المقدار، [فما (4) نشأ (5) عنها غير منضبط المقدار] (6) ، فيتعذَّر (7) تساوي الأمارتين (8) .
حجة الجواز: أن الغيم الرَّطْب المُسِفَّ (9) في زمن الشتاء يستوي العقلاء أو
عاقلان (10) فقط (11) في موجَبه وما يقتضيه حاله (12) ، وكذلك الجدار المتداعي للسقوط لابد أن يجتمع في العالم اثنان على حكمه، وإن خالفهما (13) الباقون، فيحصل المقصود، فإنا لا ندعي وجوب (14) التساوي بل [جواز التساوي] (15) وذلك (16) كافٍ فيما
ذكرناه.
_________
(1) ساقطة من ن.
(2) في س: ((القبول)) وهو تحريف.
(3) ما بين المعقوفين ساقط من س، ق.
(4) في ق: ((فيما)) وهو تحريف.
(5) في ن: ((ينشأ)) .
(6) ما بين المعقوفين ساقط من س
(7) هنا زيادة: ((عدم)) في ن، وهي مفسدة للمعنى.
(8) معنى هذا أنه لابد أن تكون إحدى الأمارتين راجحة، والأخرى مرجوحة فيُعمل بالراجحة.
(9) أسَفّ الطائر والسحابة وغيرهما: دنا من الأرض. والسحاب المُسِفّ هو المتداني من الأرض. انظر: لسان العرب مادة "سفف "، الإفصاح في فقه اللغة ص 478.
(10) في ق: ((عاقلين)) وهو خطأ نحوي؛ لأنها معطوفة على مرفوع.
(11) في س: ((قط)) وهو تحريف.
(12) وهو هطول المطر.
(13) في ن، ق: ((خالفهم)) وهو جائز، لأنه قد يقع لفظ الجمع على التثنية، كما في قوله تعالى: { ... إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21] انظر: كتاب سيبويه 2/201، 296 شرح المفصل لابن يعيش 3/3.
(14) في ن: ((وجود)) وهو تحريف.
(15) في ق: ((جوازه)) .
(16) هنا زيادة: ((فقط)) في ن.(2/404)
حجة القول بالتخيير (1) : أن (2) التساوي يمنع الترجيح، والعمل بالدليل الشرعي واجب بحسب الإمكان، فإذا خيَّرناه بينهما فقد أعملنا (3) الدليل الشرعي من حيث الجملة، بخلاف إذا قلنا بالتساقط فإنه إلغاء بالكلية.
حجة التساقط: أنا (4) إذا خيرناه فقد أعملنا (5) دليل* الإباحة، والتقدير أنه (6) مساو (7) لأمارة الحظر، فيلزم الترجيح [من غير مرجِّح] (8) .
ولأنهما (9) إذا تعارضا لم يحصل في نفس المجتهد ظن، وإذا فُقِد الظنُّ والعلم حَرُمت الفتيا.
والجواب عن الأول: لا نسلم أنه ترجيح لأمارة الإباحة من حيث هي أمارة إباحة، بل هذا التخيير نشأ عن التساوي لا عن أمارة الإباحة، وقد تشترك المختلفات في لازم واحد (10) ، فلم (11) يلزم الترجيح من غير مرجح.
وعن الثاني: أن ظن اعتبار أحدهما عيناً منفي (12) ، أما ظن التخيير الناشيء عن التساوي فلا نسلم أنه غير حاصل.
وقول الإمام: ((هذا يتعذر في حكمين في فعل واحد)) ليس كما قال، المتعذِّرُ ثبوت حكمين لفعل واحد من وجهٍ، أما ثبوتهما له من وجهين فليس كذلك، كالصلاة
_________
(1) في ق: ((التخير)) .
(2) في س: ((أو)) وهو تحريف.
(3) في ن: ((عمَّلنا)) .
(4) هذا الدليل الأول
(5) في ن: ((عمَّلنا)) .
(6) في ن، س: ((أنها)) ويكون مرجع الضمير "الإباحة" أو "أمارة" المضمَّنة في معنى " الدليل ".
(7) في ن: ((مساوية)) ، وفي س: ((متساوية)) .
(8) ساقط من س
(9) هذا الدليل الثاني
(10) كاشتراك الإنسان والفرس في الحيوانية.
(11) في س، ن: ((ولا)) .
(12) في ن: ((منفياً)) وهو خطأ؛ لأن خبر " إن " مرفوع.(2/405)
في الدار المغصوبة حرام وواجبة، وليس (1) من ذلك تعارض الأمارتين فإنَّا [لم نقل] (2) بمقتضاهما (3) ، بل قلنا اقتضيا (4) حكمين متضادين، فلو امتنع ذلك (5) لامتنع وجود المقتضي والمانع في جميع صور (6) الشريعة وليس كذلك (7) ، فلا محال حينئذٍ. ومثاله في حكم واحد في فعلين: أن تدلَّه أمارة على أن القبلة في استقبال جهةٍ (8) وأمارة أخرى على أنها في استدبار تلك الجهة، فالاستقبال والاستدبار فعلان وحكمهما واحد، وهو وجوب التوجه، فيتخيَّر في الجهتين (9) كما قاله الإمام.
ورجَّح السيف الآمدي الحظر على الإباحة عند التعارض بثلاثة أوجهٍ (10) :
أحدها: أن الحظر إنما يكون لتضمن المفاسد، وعناية (11) الشارع والعقلاء بدرء (12) المفاسد أعظم من رعايتهم (13) لتحصيل المصالح، فيقُدَّم الحظر عنده على الواجب والمندوب والمباح.
وثانيها: أن القول بترجيح الحظر يقتضي موافقة الأصل، فإن موجبه عدم الفعل، وعدم الفعل هو الأصل، أما الوجوب ونحوه فموجِبه الفعل (14) وهو خلاف الأصل.
_________
(1) في س: ((وأيسر)) وهو تحريف؛ ولهذا قال ابن عاشور، حسب النسخة التي اطلع عليها ((لم أفهم كونه أيسر ... )) حاشية التوضيح 2 / 93.
(2) في ن: ((لا نقول)) .
(3) في ن: ((لمقتضاهما)) وهو تحريف.
(4) في ق: ((اقتضا)) وهو تحريف.
(5) ساقطة من ن
(6) في ن: ((الصور)) وهي مختلَّة بما بعدها.
(7) قول المصنف هنا ((فلو امتنع ذلك لامتنع وجود المقتضي والمانع ... إلخ)) ، هو استدلال بمحل النزاع، فإن مذهب الإمام الرازي منع اجتماعهما، وقد تقدَّمت شبهة الإمام والرَّد عليها في باب القياس. انظر
ص 384 - 385.
(8) في ن، س: ((وجهة)) .
(9) في ن: ((الوجهين)) .
(10) انظر: الإحكام 4/259-260. علماً بأن الآمدي رجَّح تقديم الحظر على الإباحة بوجهٍ واحد، وتقديم الحظر على الوجوب بوجهين، فالمصنف دمج الأمرين معاً، ولو قال: رجَّح الآمدي الحظر على الإباحة والوجوب عند التعارض بثلاثة أوجهٍ، لكان أسدّ.
(11) في ق: ((رعاية)) .
(12) في ق: ((لدرء)) .
(13) في س: ((عنايتهم)) .
(14) في س، ن: ((العقل)) . وهو تحريف(2/406)
وثالثها: أن الحظر يُخْرج الإنسان عن عهدته وإن لم يشعر به (1) ، فهو أهون (2) وأقرب للأصول، بخلاف الوجوب ونحوه لابد فيه من الشعور حتى يخرج عن العهدة، فهذه ترجيحاتٌ غير تلك الأصول المتقدمة.
تعدد أقوال المجتهد في المسألة الواحدة
ص: وإذا نُقل عن مجتهدٍ قولان (3) ، فإن كانا في موضعين وعُلم التاريخ عُدَّ الثاني رجوعاً عن الأول (4) . وإن لم يُعلم حُكي عنه القولان (5) ، ولا (6) يُحكم عليه برجوعٍ (7) ، وإن كانا (8)
في موضع* واحد بأن يقول: في المسألة قولان (9) ، فإن أشار
_________
(1) أي: إذا قدَّم المكلف الدليل الحاظر في العمل على دليل الإباحة أو الوجوب، فإن ذمته تبرأ من التأثم، ولو كان تركه للحرام بلا نية ولا شعور منه لغفلته.
(2) لأن ترك الفعل فيه ترك للمشقة، إذ الفعل يتضمن مشقة الحركة.
(3) مناسبة ذكر المصنف لهذه المسألة عقب التي قبلها؛ لأن تعارض قولي المجتهد في حقَّ من قلَّده بمثابة تعارض أدلة الشرع.
(4) وحينئذٍ لا يجوز نسبة القول المتقدم إليه، وهذا قول جمهور العلماء. انظر: المحصول للرازي 5/391، روضة الناظر 3/1013، الإحكام للآمدي 4/201، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/299، التوضيح لحلولو ص371، تيسير التحرير 4/232.
(5) في ن: ((قولان)) .
(6) في ن: ((فلم)) .
(7) هذه صورة أخرى لتعارض قولي المجتهد ولم يُعلم المتقدم منهما، ولا يمكن الجمع بينهما. فالمصنف نقل فيها قولاً واحداً، وهو أن يُنسب إليه القولان ولا يحكم برجوعه عن أحدهما بعينه، وهو اختيار الرازي في المحصول 5/391. وانظر: تقريب الوصول ص (424) . وفي المسألة مذهبان آخران، أحدهما: أن مذهب المجتهد هو الأشبه بأصوله وقواعده، الأقوى دلالة، الأقرب إلى ظاهر الكتاب والسنة، وأما القول الآخر للمجتهد فنكون شاكّين في نسبته إليه، وهو اختيار أبي الخطاب في التمهيد (4/370) ، وابن الصلاح في كتابه: أدب الفتوى ص (86) ، وابن حمدان في كتابه: صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص (87) ، والشريف التلمساني على تفصيلٍ عنده في مفتاح الوصول ص (207) القسم الدراسي. وثانيهما: أنه يجب اعتقاد نسبة أحد القولين إليه من غير تعيين، واعتقادُ أنه رجع عن واحدٍ غير معين، فيمتنع العمل بأحدهما تقليداً إلا بعد معرفة التاريخ، وهو مذهب الآمدي في الإحكام (4/200) . وانظر بحثاً نفيساً في المسألة في كتاب: تحرير المقال فيما تصح نسبته للمجتهد من الأقوال لفضيلة الشيخ د. عياض السلمي ص 82-86.
(8) في س: ((كان)) وهو تحريف..
(9) في ن: ((قولين)) وهو جائز على أنه مفعول به. والمثبت على أنه مبتدأ مؤخر وخبره " في المسألة ".(2/407)
إلى تقوية أحدهما فهو قوله، [وإن لم] (1) يعلم فقيل (2) : يتخيَّر السامع بينهما (3) .
الشرح
إذا عُلِم الرجوع عن الأول [لم يجز] (4) الفتيا به، ولا تقليده فيه، ولا بقي (5) يُعَدُّ (6) من الشريعة، بل هو كالنص المنسوخ من نصوص (7) صاحب الشريعة (8) [لم يبق (9) منها] (10) .
فإن قلتَ: لأيِّ شيءٍ جَمَع الفقهاء الأقوال كلها السابقة واللاحقة في كتب الفقه، بل كان ينبغي ألاّ يُثْبَت (11) لكل إمام إلا قوله الذي لم يَرْجع عنه؟
قلتُ: ما ذكرتموه أقرب للضبط، غير أنهم قصدوا معنى آخر، وهو الاطلاع على المدارك واختلاف الآراء، وأنَّ مِثْل هذا قد صار إليه المجتهد في وقت، فيكون ذلك أقرب للترقي لرتبة (12) الاجتهاد. وهو مطلب عظيم أهم من تيسير الضبط، فلذلك جُمِعت الأقوال في المذاهب.
وإذا لم يُعْلم التاريخ ولم يُحْكم عليه برجوع ينبغي ألاّ يعمل بأحدهما، فإنا نجزم بأن أحدهما مرجوع عنه منسوخ، وإذا اختلط الناسخ بالمنسوخ (13) حَرُم العمل بهما، كاختلاط المذكَّاة بالميتة، وأختِ الرَّضاع بالأجنبية، فإن المنسوخ لا يجوز الفتيا به
_________
(1) في س: ((وإلا)) .
(2) ساقطة من متن هـ.
(3) وقيل: يتساقطان، ويكون كمن لا قول له في المسألة. انظر: التمهيد لأبي الخطاب 4/359، المحصول للرازي 5/391، الإحكام للآمدي 4/201
(4) في س: ((لا تجوز)) ، وفي ن: ((لا يجوز)) وكلُّه جائز.
(5) في ق: ((يبقى)) ، وفي ن: ((يقرّ)) .
(6) في ق: ((بَعْد)) .
(7) تحرَّفت في ن إلى: ((خصوص)) .
(8) لكن غلَّط الشريف التلمساني من اعتقد من الأصوليين أن القول الثاني من إمام المذهب حكمه حكم الناسخ من قول الشارع، وجوَّز الأخذ بالاجتهاد الأول ما لم يكن نصٌّ قاطع يُرجع إليه. كما أنه فرَّق بين نص المجتهد ونص الشارع. انظر: مقدمة محقق كتاب: مفتاح الوصول للتلمساني تحقيق محمد علي فركوس ص 207-214، وانظر: المعيار المعرب 11/364-371.
(9) في ق: ((يُنْفَ)) وهو تحريف
(10) ساقط من س
(11) في ق: ((يوضع)) .
(12) في س: ((لدرجة)) .
(13) في س، ن: ((والمنسوخ)) وهو صحيح أيضاً.(2/408)
فذلك (1) كله من باب اختلاط الجائز بالممنوع (2) فتحرم (3) الفتيا حينئذٍ بتلك الأقوال حتى يتعيَّن (4) المتأخر منها (5) ، أو يعلم (6) أنها محمولة على أحوال مختلفة أو أقسام متباينة، فيحمل [كلُّ قولٍ] (7) على حالةٍ أو قِسْمٍ، ولا تكون (8) حينئذٍ أقوال (9) في مسألة واحدة، بل كل مسألة فيها قول.
وأما القولان في الموطن الواحد إذا لم يُشِرْ إلى تقوية أحدهما توجَّه (10) التخيير بينهما قياساً على تعارض الأمارتين، فإن نصوص المجتهد بالنسبة إلى المقلد كنسبة نصوص صاحب الشرع للمجتهد (11) ، ولذلك (12) يُحمل عامُّ (13) المجتهد على خاصِّهِ، ومطلقُه على مقيَّدِه، وناسخُه على منسوخه، وصريحُه على مُحْتَمله (14) ، كما [يُعمل ذلك في نصوص صاحب الشرع] (15) . وأما كيف يُتصَوَّر أن يقول المجتهد في المسألة قولان، مع أنه لا يُتصوَّر عنده (16) الرجحان إلا في أحدهما؟ فقيل معناه: أنه أشار إلى أنهما قولان للعلماء (17) وأنهما احتمالان يمكن أن يقول بكل واحد منهما عالم لتقاربهما من الحق، وأما أنه جازم بهما فمحال ضرورة (18) .
_________
(1) في س: ((فكذلك)) وهو تحريف.
(2) في س، ن: ((والممنوع)) .
(3) في ن: ((يحرم)) وهي غير مناسبة للسياق.
(4) في ق: ((يعلم)) .
(5) في ن: ((عنها)) وهي غير مناسبة للسياق.
(6) في ق: ((نعلم)) .
(7) ساقط من س
(8) في س: ((يكون)) .
(9) في ق: ((أقوالاً)) وهو سائغ باعتبار كلمة " تكون " ناقصة
(10) في ن: ((فوُجِّه)) ، وفي س: ((فوجب)) .
(11) انظر: الموافقات للشاطبي 5/68، 76.
(12) في ن: ((وكذلك)) .
(13) في س: ((على)) وهو تحريف
(14) في ق: ((مجمله)) .
(15) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((كما فعل بنصوص الشرع)) .
(16) في ق، ن: ((عند)) سقط منها الضمير المتصل
(17) ساقطة من س
(18) انظر: شرح اللمع 2 / 1077، التلخيص 3 / 411، قواطع الأدلة 5 / 62، الإبهاج 3 / 202، فواتح الرحموت 2 / 439، تحرير المقال فيما تصح نسبته للمجتهد من الأقوال ص 72 - 73.(2/409)
الفصل الثاني
في الترجيح
ص: والأكثرون (1) اتفقوا على التمسك به (2) ،
وأنكره بعضهم (3) وقال: يلزم التخيير أو التوقف (4) .
الشرح
حجة الجواز (5) : قوله عليه الصلاة والسلام: ((عليكم بالسواد الأعظم)) (6) ، وهو يقتضي تغليب الظاهر الراجح (7) ، وقوله عليه الصلاة والسلام ((نحن نحكم بالظاهر)) (8) ، وقياساً على البناء على الظاهر في الفتيا والشهادة وقيم المتلفات وغيرها، فإن الظاهر الصدق في ذلك والكذب مرجوح، وقد اعتبر الراجح إجماعاً، فكذلك هاهنا (9) .
حجة المنع (10) : أن الدليلين إذا تعارضا ورجح أحدهما ففي كل واحد منهما مقدار هو مُعارَض بمثله، فيسقط (11) المِثْلان، ويبقى مجرد الرُّجْحان، [ومجرد الرجحان] (12) ليس
_________
(1) هنا زيادة: ((على أنهم)) في ن، ولا حاجة لها.
(2) بل حكى بعض الأصوليين الإجماع على القول بالترجيح انظر: البرهان للجويني 2/741، شرح المعالم لابن التلمساني 2 / 414، فواتح الرحموت 2/259. وانظر المسألة في: المنخول ص 426، المحصول للرازي 5/397، الإحكام للآمدي 4/239، نهاية الوصول للهندي 8/3649، شرح مختصر الروضة للطوفي
3 / 679، كشف الأسرار للبخاري 4 / 131، تقريب الوصول ص 468، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 309، التوضيح لحلولو ص 372، فتح الغفار 3/51، شرح الكوكب المنير 4/619.
(3) يَنْسبُ فِئامٌ من الأصوليين هذا الإنكار إلى أبي عبد الله البصري الملقَّب بـ " جُعْل " لكن قال إمام الحرمين:
((ولم أر ذلك في شيء من مصنفاته مع بحثي عنها)) البرهان 2/741، وانظر: المسودة ص 309، الإبهاج 3/209، تشنيف المسامع 3/487، نشر البنود 2/273.
(4) في س: ((الوقف)) .
(5) هنا زيادة: ((أن)) في ن وهي مخلِّة، لم يتم الكلام بها.
(6) سبق تخريجه.
(7) في ق: ((للراجح)) وهو تحريف.
(8) سبق تخريجه.
(9) من الأدلة الظاهرة قوة وبرهاناً - ولم يذكره المصنف - إجماعُ الصحابة وسلف الأمة على وجوب العمل بالراجح، وفي ذلك وقائع كثيرة. انظر: المحصول للرازي 5/397، الإحكام للآمدي 4/239
(10) ساقطة من س
(11) في ن: ((فسقط)) .
(12) ساقط من س(2/410)
بدليل، وما ليس بدليل لا يجوز الاعتماد عليه، فلا يُعْتمد* على (1) الرجحان، بل ينبغي تخريج هذه الصورة على صورةِ تَسَاوي الأمارتين، والحكم* هناك التخيير على المشهور، والتوقف على الشاذِّ، فكذلك يجري هاهنا القولان.
والجواب: أن القول بالترجيح ليس حكماً بمجرد الرجحان بل بالدليل الراجح، ولا نُسلِّم أن الجهة (2) المتساوية في (3) جهة الرجحان تسقط بمقابلها إذا عَضَدها الرجحان، وإنما نُسلِّم السقوط مع المساواة، وهذا كما نقضي (4) بأَعْدل البيِّنتين، ليس معناه أنَّا (5) نقضي بمزيد العدالة دون أصلها، بل [بأصل العدالة] (6) مع الرجحان، فيُقضَى بالبيِّنة الراجحة (7) لا برجحانها مع قطع النظر عنها، فكذلك هاهنا.
الترجيح في العقليات
ص: ويَمْتَنِع الترجيح في العقليات؛ لتعذُّر (8) التفاوت بين القَطْعِيَّيْن (9) .
_________
(1) ساقطة من ن، س.
(2) في ق: ((الصحة)) ولعلَّها انقلبت على الناسخ من: ((الحصة)) .
(3) في ن: ((من)) .
(4) في ق: ((يقضى)) .
(5) في ن: ((أنما)) .
(6) في ق: ((بأصلها)) .
(7) ساقطة من ن
(8) في ن: ((لعدم)) .
(9) مسألة الترجيح في العقليات أخص من الترجيح بين القطعيات، وللعلماء فيها مذهبان، الأول: لا يجوز الترجيح بينها سواء كان الدليلان عقليين أو نقليين أو أحدهما عقلياً والآخر نقلياً، وهو ما ذهب إليه جمع غفير من الأصوليين، لكن لبعضهم كالجويني والغزالي والرازي تفصيل كما في اعتقاد العوام، إذا كان على سبيل التقليد فإنه لا يمتنع تطرق التقوية إلى هذا الاعتقاد. المذهب الثاني: يجوز الترجيح بينها ولا فرق بين الظنيات والقطعيات، وهو مذهب الصفي الهندي وابن الهمام، وقال الإسنوي ((واعلم أنَّ إطلاق هذه المسألة - وهو عدم الترجيح في القطعيات - فيه نظر)) نهاية السول 4/447. وانظر: شرح اللمع للشيرازي 2/950، البرهان 2/742، المستصفى 2 / 472، المحصول 5 / 400، الإحكام للآمدي 4/241، المسودة ص 448، الفائق في أصول الفقه للهندي 4 / 393، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/310، تقريب الوصول ص469، التلويح للتفتازاني 2/227، البحر المحيط للزركشي 8/148، التقرير والتحبير 3/3، 22، التوضيح لحلولو ص 373، رفع النقاب القسم 2 / 962، شرح الكوكب المنير 4 / 607.
كلام المصنف هنا بتعذر التفاوت بين القطعيات ظاهره يتناقض مع ما ذكره في باب الخبر
ص (269 - 267) إذ قال: ((فإن اليقين بما ورد فيه السمع والعقل أشد، بخلاف العقل وحده)) ، وكذلك مع قوله في نفائس الأصول (6 / 2812) ((نحن نجد بالضرورة التفاوت بين الجزم بكون الواحد نصف الاثنين، وبين المشاهدات وجميع الحسيات، ومع ذلك فاليقين حاصل في الكلّ، فعلمنا أن التفاوت لا يخلُّ باليقين، وهي مسألة خلاف بين العلماء: هل العلوم تقبل التفاوت أم لا؟)) . وانظر:
هامش (2) ص 267.(2/411)
الترجيح بكثرة الأدلة:
ومذهبنا (1) ومذهب الشافعي (2) الترجيح بكثرة الأدلة (3) ، خلافاً لقوم (4) .
الشرح
لأن (5) كثرة الأدلة توجب مزيد (6) الظن بالمدلول، فيكون من باب القضاء (7) بالراجح كما تقدَّم بيانه (8) .
حجة المنع: القياس على المنع من الترجيح بالعدد في البيِّنات، فإن المشهور المنع منه (9) بخلاف* الترجيح بمزيد العدالة.
والجواب: أن الفرق بأن الترجيح بكثرة العدد يمنع سدَّ باب الخصومات، ومقصود صاحب الشرع سدُّه، بأن يقول الخصم: أنا (10) آتي (11) بعددٍ أكثر من
_________
(1) انظر: منتهى السول والأمل ص 222، التوضيح لحلولو ص 373، رفع النقاب القسم 2 / 966، حاشية البناني على شرح المحلى لجمع الجوامع 2 / 362.
(2) انظر: التبصرة ص 348، المنخول ص 428، المحصول 5/401، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني
ص 376، تشنيف المسامع 3/487. وهو مذهب الحنابلة أيضاً، انظر: العدة لأبي يعلى 3/1019، التمهيد لأبى الخطاب 3/202.
(3) بعض الأصوليين ألحق الترجيح بكثرة الرواة بالترجيح بكثرة الأدلة. انظر: المحصول 5/401، نفائس الأصول 8/3679، التوضيح لحلولو ص 373. والمراد بكثرة الأدلة: أن يتقوى أحد الدليلين المتعارضين بغيره، ولو كان دليلاً واحداً موافقاً له. انظر: دراسات في التعارض والترجيح عند الأصوليين لشيخنا الدكتور/ السيد صالح عوض ص 437.
(4) وهم الحنفية، انظر: أصول السرخسي 2/264، كشف الأسرار للبخاري 4/135، التلويح ومعه التوضيح 2 / 255، التقرير والتجبير 3/44، فواتح الرحموت 2/260.
(5) في ن: ((لكن)) وهو تحريف.
(6) في ق: ((يزيد)) وهو تحريف.
(7) في ن: ((القطع)) .
(8) انظر: بداية هذا الفصل ص (410)
(9) ساقطة من س. وانظر مسألة المنع من الترجيح بالعدد في البينات والخلاف فيها في: المحلَّى 9 / 438، الفروع لابن مفلح 6 / 465، أدب القضاء لابن أبي الدم ص 337، تبصرة الحكام لابن فرحون 1 / 264، شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب للمنجور ص 556، مجمع الأنهر لداماد 2 / 280.
(10) في س: ((إذا)) وهو تحريف.
(11) في س: ((أتا)) وهو تحريف.(2/412)
عدده، فيتحيَّل ويأتي به، فيقول الآخر: وأنا أفعل ذلك، فلا تنفصل خصومة، بخلاف الترجيح بمزيد العدالة، ليس في قدرة الخصم أن يُصيِّر (1) بيِّنته أعدل من بينة خصمه، وكذلك الأدلة لا تقبل أن يَصِيْر مرجوحها راجحاً ولا قليلها كثيراً، فإن الأدلة قد استقرَّتْ من جهة صاحب الشرع فتتعذَّر (2) الزيادة فيها، فالترجيح بكثرة الأدلة كالترجيح بالعدالة [لا كالترجيح بالعدد] (3) ، فظهر الجواب والفرق.
العمل عند تعارض الدليلين
ص: وإذا تعارض دليلان (4) فالعمل بكل واحدٍ منهما من وَجْهٍ أولى من العمل بأحدهما دون الآخر (5) .
وهما (6) إن كانا عامَّيْن معلومين والتاريخ معلوم نَسَخ المتأخرُ المتقدِّمَ، وإن كان مجهولاً سقطا، وإن علمت المقارنة خُيِّر بينهما. وإن كانا مظنونين فإن عُلِم المتأخر نَسَخ المتقدِّمَ وإلا رُجِعَ إلى الترجيح (7) . وإن كان أحدهما معلوماً والآخر مظنوناً
_________
(1) في س: ((تَصِيْر)) وهو متجه
(2) في ق: ((فيعذر)) ، وفي ن: ((تعذر)) وكلاهما تحريف
(3) ساقط من ن
(4) هذا التقسيم الذي سيذكره المصنف مستَمدٌّ من المحصول للرازي (5/406، 408) . ويمكن حصر القسمة كما يلي: إذا تعارض الدليلان، فإما أن يُمكن الجمع بينهما أو لا؟ فإن لم يمكن الجمع بينهما ففيه أربعة أقسام، وهي: إما أن يكونا عامَّين، أو خاصَّين، أو أحدهما عامّاً والآخر خاصاً، أو أحدهما عامّاً من وجه خاصاً من وجه والآخر كذلك. فهذه أربعة أقسام، وكل واحدٍ منها إمَّا أن يكونا معلومين، أو مظنونين، أو أحدهما معلوماً والآخر مظنوناً. فثلاثة في أربعةٍ باثني عشر قسماً. وفي كل قسم من هذه الأقسام إما أن يُعلم التاريخ أو يجهل، فهذه أربعة وعشرون قسماً. انظر: رفع النقاب القسم 2/968، وانظر: السِّراج الوهَّاج 2/1035، البحر المحيط للزركشي 8/157.
(5) هذا ما يسمَّى بمسلك الجمع والتوفيق بين الدليلين المتعارضين، فمهما أمكن العمل بهما تعيّن ذلك؛ لأن الإعمال أولى من الإهمال. وأوجه الجمع كثيرة، منها: الجمع بالتخصيص أو التقييد أو بتغاير الحال أو بالتأويل أو بالتخيير ... إلخ. انظرها مستوفاة في: منهج التوفيق والترجيح بين مختلف الحديث د/ عبد المجيد محمد السوسوة ص (155-274) ، وانظر الشروط المتوخَّاة في الجمع بين الدليلين المتعارضين في: التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية د/ عبد اللطيف البرزنجي ص (218 - 243) .
(6) ساقطة من ن
(7) أي: إن لم يُعلم المتأخر منهما رُجع إلى الترجيح، ولا سبيل هنا إلى التساقط، بخلاف المعلومين، لتعذر التفاوت بينهما، كما هو مذهب المصنف.(2/413)
والمتأخرُ المعلومُ نَسَخ (1) أو المظنونُ لم يَنْسَخْ، وإن جُهِل الحال تعيَّن المعلوم.
وإن كانا خاصَّيْن فحكمهما (2) حُكْمُ العامَّيْن، وإن كان أحدهما عاماً والآخر خاصاً، قُدِّم الخاص على العام؛ لأنه لا يقتضي (3) إلغاء أحدهما بخلاف العكس، وإن كان أحدهما عاماً من وجْهٍ كما في قوله تعالى {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} (4) مع قوله تعالى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (5) وجب الترجيح إن كانا مظنونين (6) .
الشرح
إنما يرجح (7) العمل بأحدهما من وجهٍ؛ لأن كل واحد منهما يجوز إطلاقه بدون إرادة ذلك الوجه الذي تُرِك، ولا يجوز إطلاقه بدون (8) جميع ما دلَّ (9) عليه، فإن ذلك هَدَرٌ بالكلية؛ فكان الأول أولى، كقوله (10) عليه الصلاة والسلام ((لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها لبولٍ أو غائطٍ)) (11) ورَوَى ابن عمر رضي الله عنه أنه (12) رأى رسول الله
_________
(1) هنا زيادة: ((المظنون)) في س، وهي صحيحة، وتركتُ إثباتها محافظةً على نَظْم الكلام.
(2) في ق: ((حكمهما)) وهو خطأ نحوي، انظر: هامش (7) ص 22.
(3) هنا زيادة: ((عدم)) في س، وهي خطأ؛ لانقلاب المعنى بها.
(4) النساء، من الآية: 23
(5) النساء، من الآية: 3
(6) في هذا القسم الأخير - عند المصنف - اختلال، نتج عن شدة اختصاره للمحصول (5/410-412) . وحاصله وتحصيله: إنْ كان أحد الدليلين عاماً من وجهٍ وخاصاً من وجهٍ والآخر عكسه، فإن علم المتأخر منهما كان ناسخاً للمتقدم سواء كانا معلومين أو مظنونين. أما إن كان المتقدم مظنوناً والمتأخر معلوماً فقيل بالنسخ، وقيل: بالترجيح، وعكسه: بالترجيح قولاً واحداً. وإن جُهل التاريخ فإن كانا معلومين لم يمكن الترجيح بقوة الإسناد بل بما تضمنه الحكم (وهو مثال المصنف هنا بالجمع بين الأختين المملوكتين في النكاح) ، وإن لم يوجد الترجيح فالتخيير، وإن كانا مظنونين أمكن الترجيح بقوة الإسناد وبما تضمنه الحكم، فإن لم يوجد فالتخيير. انظر: الحاصل من المحصول لتاج الدين الأرموي 2/974، التحصيل من المحصول لسراج الدين الأرموي 2/262.
(7) في ق: ((ترجح)) .
(8) ساقطة من ن
(9) في س: ((دلَّت)) وهو خطأ؛ لأن فاعله مذكَّر.
(10) في س: ((لقوله)) وهو ليس مناسباً؛ لأن المقصود هو التمثيل.
(11) أخرجه مسلم (264) من حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببولٍ ولا غائط، ولكن شرّقوا أو غرِّبوا)) وبلفظِ نحوه عند البخاري (144، 394) .
(12) هنا زيادة: ((قال)) ولا داعي لها.(2/414)
صلى الله عليه وسلم فَعَل ذلك في بيته (1) ، الحديثين المشهورين، فَحَمَلْنا الأول على الأَفْضية، والثاني على الأبنية (2) .
وإذا كانا عامَّيْن لا يمكن حملهما على حالين تعيَّن نسخُ المتأخرِ للمتقدم كانا معلومين أو مظنونين (3) ؛ لأنا نشترط في الناسخ أن يكون مساوياً أو أقوى (4) ، ويسقطان مع الجهل لاحتمال النسخ، فكل واحد منهما دائر بين أن يكون ناسخاً حجة أو منسوخاً ليس بحجة، والأصل عدمُ الحكم وبراءة الذمة، فيجب التوقف حتى يتعين موجِب الشَّغْل، وإذا عُلمتْ المقارنة خُيِّر بينهما؛ لأن من (5) شرط النسخ التراخي، والمقارنة ضِدُّه فلا نسخ، فكل واحد منهما حجة قطعاً فتعيَّن التخيير (6) ، وإذا (7) كان المتأخر هو المظنون لم يَنْسَخ المعلومَ، لما تقدَّم: أن القاعدة أنا نشترط في الناسخ أن يكون مساوياً أو أقوى (8) ، والمظنون أضعف من المعلوم، ويتعين (9) المعلوم عند جهل التاريخ لرجحانه بكونه معلوماً، ومهما (10) ظَفِرْنا بجهة ترجيح تعيَّن العملُ بالراجح.
_________
(1) في ن: ((في بيته يفعل ذلك)) .
* والحديث لفظه عند البخاري (145، 148) ، ومسلم (266) وخاص (62) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ارتقيت فوق ظهر بيت حفصة لبعض حاجتي، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام.
(2) انظر اختلاف العلماء في مسألة استقبال القبلة واستدبارها ببولٍ أو غائط في: المدونة 1/7، المحلَّى 1/193، بداية المجتهد 2/95، المغني 1/220، المجموع 2/81، شرح فتح القدير 1/432.
(3) انظر مثاله في: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2/972.
(4) سبق التعليق على هذا الاشتراط.
(5) ساقطة من ن.
(6) لئلا يتهافت الخطاب، إذْ فَرْض المسألة العلم باقترانهما معاً، وليعلم بأن تعيُّن التخيير هنا - وفي المظنونين - إنما يتخرَّج على مذهب القائلين به عند تساوي الأمارتين. لكنْ يجري القول الآخر هنا أيضاً، وهو التساقط والتوقف. انظر: نفائس الأصول 8/3691.
(7) في س: ((وإن)) وهو جائز أيضاً. انظر: هامش (7) ص 16.
(8) انظر هذه القاعدة والتعليق عليها ص (83) هامش (3) .
(9) في ق: ((فيتعيّن)) وهو خطأ؛ لأن العطف بالفاء يخلُّ بالمعنى، فلا معنى للترتب والتعقيب، وإنما المراد هنا الاستئناف.
(10) في ق: ((ومتى)) وهي ظرف زمان شرطية، تصلح أن تثبت هنا أيضاً. وابن مالك يجوِّز ورود " مهما " ظرف زمانٍ أيضاً، لكن ابنه وابن هشام لم يوافقاه على ذلك، بل تحمل على معنى المصدريَّة. انظر: شرح التسهيل 4 / 69، مغني اللبيب 1 / 628، همع الهوامع 2 / 449، 451.(2/415)
وتقديم (1) الخاص على العام كقوله عليه الصلاة والسلام ((لا تقتلوا الصبيان)) (2) مع قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (3) فإن تقديم الحديث لا يقتضي إلغاءه (4) ولا إلغاء الآية، وتقديم عموم الآية يقتضي إلغاء الحديث، ولأن الآية يجوز إطلاقها بدون [إرادة الصبيان] (5) ، [ولا يجوز إطلاق الحديث بدون إرادة الصبيان] (6) ، لأنهم جميع مدلوله فيبقى هَدَراً، فالأول أولى.
وقوله تعالى: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} (7) يتناول المملوكتين والحُرَّتين، وقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (8) يتناول الأختين والأجنبيتين، وضابطُ الأعمِّ والأخصِّ من وجهٍ: أن يوجد كل واحد منهما مع الآخر وبدونه، وقد وجد الأول في الأختين الحرتين بدون المِلْك، ووجد الثاني في المملوكات الأجنبيات بدون الأُخُوَّة (9) ، واجتمعا معاً في الأختين المملوكتين، [فكلٌّ منهما حينئذ] (10) أعم من الآخر من وجهٍ وأخص من وجهٍ، فلا رجحان لأحدهما على الآخر من هذا الوجه
_________
(1) في ق: ((تقدُّم)) .
(2) لم أجدْه بهذا اللفظ، ولكن بلفظ (( ... ولا تقتلوا الوِلْدان ... )) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/300) ، وأبو يعلى في مسنده (4/422) ، والبيهقي في سننه (9/90) ، والطبراني في المعجم الكبير (11/224) وضعَّفه ابن حجر في تلخيص الحبير4 / 103، وكذلك ورد من طريق عبد الله البجلي رضي الله عنه عند أبي يعلى في مسنده (13/494) ، والطبراني في المعجم الكبير (2/313) ، قال عنه أبوحاتم: ((هذا حديث منكر)) . انظر: علل الحديث لابن أبي حاتم (1 / 320) ، لكن ورد في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان. انظر: صحيح البخاري (3015) ، صحيح مسلم (1744) وخاص (25) .
(3) التوبة، من الآية: 5. وقد جاءت مثبتةً في جميع النسخ: اقتلوا المشركين. انظر: القسم الدراسي
ص 157.
(4) ساقطة من ن
(5) في ق: ((إرادتهم)) .
(6) ما بين المعقوفين ساقط من ن
(7) النساء، من الآية: 23
(8) النساء، من الآية: 3
(9) في ق: ((الآخر)) وهو تحريف.
(10) في س، ن: ((فهما حينئذٍ كلُّ واحد منهما)) .(2/416)
بل من خارج، و [قد رُجِّحَ] (1) المشهور من المذاهب التحريمُ في الأختين المملوكتين (2) بأنَّ آيتهما لم يدخلها التخصيص بالإجماع، بل قيل: لا تخصيص فيها وهو المشهور، وقيل: يباحان (3) ، وقيل: بالتوقف (4) كما قال بعض الصحابة رضوان الله عليهم،
((
أحلَّتْهما آيةٌ وحرَّمَتْهما آية)) (5) . وأما آية المِلْك فمخصوصةٌ إجماعاً بملك اليمين من موطوءات الآباء وغيرهم (6) ، وما لم يُخَصَّص (7) بالإجماع مقدَّم على ما خُصِّص (8) بالإجماع، فتُقدَّم آية الأختين، فيحرم الجمع بينهما.
_________
(1) ساقط من س
(2) اتفق العلماء على جواز الجمع بين الأختين المملوكتين في الملك دون الوطء، فإن وطيء إحداهما جرى الخلاف في الثانية. وجمهور الفقهاء والأئمة الأربعة على تحريم الجمع بينهما، ورويت الكراهة عن أحمد وبعض الصحابة. انظر: الإجماع لابن المنذر ص 106، الحاوي 9/201، بداية المجتهد 4/279، الاستذكار 16/248، بدائع الصنائع 3/440 المغني 9/538، الذخيرة 4/313، التفسير الكبير للرازي 10/30.
(3) في ق: ((مباحان)) والقائلون بالإباحة هم أهل الظاهر غير أن ابن حزم مع الجمهور، انظر: المحلَّى
9/522 - 523، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/117.
(4) رُوِي ذلك عن بعض الصحابة، انظر: المحلَّى 9/522، أحكام القرآن للجصاص 2/164.
(5) روي هذا الأثر عن عثمان وعلي وابن عباس رضي الله عنهم، انظره في: الموطأ 2/538، المصنف
لعبد الرزاق 7/189، 192، المصنف لابن أبي شيبة 4/169، سنن سعيد بن منصور 1/396، 397، سنن البيهقي الكبرى 7/164. قال ابن عبد البر: ((وقول بعض السلف في الجمع بين الأختين بملك اليمين
((أحلتهما آية وحرمتهما آية)) معلوم محفوظ)) الاستذكار 16/252
(6) ساقطة من ن
(7) في س: ((تُخصصْ)) .
(8) في س: ((تخصَّص)) .(2/417)
الفصل الثالث
في ترجيحات الأخبار
ترجيح الأخبار في الإسناد
ص: وهي إما في الإسناد (1) [وإما] (2) في المتن، فالأول: قال الباجي رحمة الله عليه: يترجَّح بأنه في قصة (3) مشهورة والآخر ليس كذلك. أو رُواته (4) أحفظ أو أكثر، أو مسموعٌ منه (5) عليه الصلاة والسلام، والآخر مكتوب به، أو متَّفَق (6) على رفعه إليه عليه الصلاة والسلام، أو تتفق رواته عند (7) إثبات الحكم به، أو رَاوِيْه (8) صاحب القصة (9) ، أو إجماعُ (10)
أهل المدينة على العمل به، أو روايته أحسن نَسَقاً، أو سالمٌ من الاضطراب، أو موافق لظاهر الكتاب، والآخر ليس كذلك (11) .
_________
(1) انظر مسألة ترجيح الأخبار في الإسناد في: المعتمد 2/178، العدة لأبي يعلى 3/1019، شرح اللمع للشيرازي 2/657، المحصول للرازي 5/414، تقريب الوصول ص475، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/310، مفتاح الوصول ص621، التعارض والترجيح بين الأدلة لعبد اللطيف البرزنجي 2/151، دراسات في التعارض والترجيح لشيخنا الدكتور/ السيد صالح عوض ص 453، منهج التوفيق والترجيح بين مختلف الحديث د. عبد المجيد السوسوة ص 354.
(2) في ق، س، متن هـ: ((أو)) والمثبت أقعد؛ لأن ((إما)) التفصيلية الغالب تكررها بنفسها مسبوقة بحرف العطف، وقد يستغنى عن الثانية بذكر ما يغني عنها نحو ((أو)) . انظر: مغني اللبيب 1 / 128.
(3) في س: ((قضية)) .
(4) في س: ((روايه)) .
(5) في ن: ((عنه)) .
(6) في ق: ((يتفق)) .
(7) في ق: ((على)) وهو متجه، لكن المعنى المراد يتحقق بإختيار ((عند)) ، إذ المراد أن الخبر الذي يتفق الرواة على روايته بلا اختلاف بينهم في دلالته على الحكم يقدَّم على ما اختلف فيه الرواة. انظر: الإشارة للباجي ص 334، وشرح المصنف لهذه العبارة ص 419.
(8) في ن: ((رواية)) .
(9) في س، ن: ((القضية)) .
(10) في ق: ((أجمع)) ..
(11) انظر هذه الأقسام والأمثلة عليها - بالتفصيل - عند الباجي في كتبه: إحكام الفصول ص 735 - 744، الإشارة في معرفة الأصول ص331 - 336، المنهاج في ترتيب الحجاج 221 - 227، وقد عَدَّ منها ثلاثة عشر مرجّحاً. وانظر: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2/981-994.(2/418)
الشرح
القصة المشهورة يبعد الكذب فيها بخلاف القصة الخفية.
والكتابة تحتمل التزوير بخلاف المسموع.
والمرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حجةٌ إجماعاً، أما الموقوف على بعض الصحابة [يقوله من قِبَل نفسه، ولا يقول: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم] (1) ، فيحتمل أن يكون سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون حجة إجماعاً، أو هو من اجتهاده فيُخرَّج على الخلاف في قول الصحابي وفعله هل هو حجة أم لا (2) ؟، والحجة إجماعاً مقدَّم على المتردِّد بين الحجة وغيرها.
واتفاق الرواة عند إثبات الحكم دليلُ قوة الخبر وضَبْطِه عندهم، وإذا اختلفوا دل ذلك على ضعف السَّند أو (3) الدلالة أو وجود (4) المعارض، فكان الأول أرجح.
وصاحب* القصة إذا رواها كان (5) أعلم بها وأبعد عن (6) الذهول والتخليط فيها (7) ، بخلاف [إذا روى] (8) غيرُه.
وإجماع أهل (9) المدينة مرجِّح (10) ؛ لأنهم (11) مهبط الوحي، ومعدن الرسالة، وإذا وقع شَرْعٌ كان ظاهراً فيهم، وعنهم يأخذ غيرهم، فإذا لم يوجد شيءٌ بين أظهرهم دل ذلك (12) على بطلانه أو نسخه.
_________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(2) سيأتي مبحث حجية قول الصحابي في: ص 492.
(3) في ن: ((و)) والمثبت أنسب للدلالة على التنويع.
(4) في ن: ((وجوب)) وهو تحريف.
(5) ساقطة من ق.
(6) في س: ((من)) وهو صحيح؛ لأن "بَعُد" يتعدَّى بـ " عن " و "من ". انظر: لسان العرب مادة " بعد ".
(7) في ق: ((منها)) وهو تحريف
(8) ساقط من ق
(9) ساقطة من ق
(10) في ق: ((راجح)) وهو سائغ أيضاً.
(11) في ن: ((لأنه)) وهو صحيح أيضاً؛ لأن " أهل " لفظه مفردٌ، والمثبت على اعتبار معنى الجمع.
(12) ساقطة من ق.(2/419)
وحُسْن النَّسَق (1) أنسب للفظ النبوة، فإنه عليه الصلاة والسلام أفصح العرب، فإضافة الأفصح إليه أنسب من ضدِّه (2) .
والاضطراب (3) : اختلاف ألفاظ الرواة (4) ، وهو يوجب خللاً في الظن عند السامع، فما لا خلل فيه أرجح.
والمعضود بالكتاب العزيز أقوى* في الظن من المنفرد بغير عاضد فيُقدَّم.
_________
(1) حُسنْ النَّسَق يُسمى بالتنسيق وهو من محاسن الكلام وهو: أن يأتي المتكلم بالكلمات من النثر، والأبيات من الشعر، متتاليات متلاحمات تلاحماً مستحسناً مستبهجاً، وتكون جملها ومفرداتها منسَّقة متوالية. انظر: خزانة الأدب وغاية الأرب لابن حجة الحموي 2/388.
(2) تفسير المصنف هنا لحُسْن النَّسق بالفصاحة ليس سديداً؛ لأننا كنا في السند. وقد سبق تعريف "حسن
النَّسق " في الهامش السابق. أما الفصاحة التي أوردها هنا فهي الفصاحة التي أوردها بعد متنين لهذا المتن عندما قال: ((قال الإمام رحمه الله أو يكون فصيح اللفظ ... )) ص (425) ، والمراد هنا بحسن النَّسق من جهة السند (الرواة) ما قاله الباجي: ((أن يكون أحد الراويين أشدَّ تقصِّياً للحديث، وأحسن نسقاً له من الآخر، فيُقدَّم حديثه عليه. وذلك مثل تقديمنا لحديث جابر رضي الله عنه في إفراد الحج [رواه مسلم (1218) ] على حديث أنس رضي الله عنه في القِران [رواه البخاري (4353) ، ومسلم (1232) ] ؛ لأن جابراً رضي الله عنه تقصَّى صفة الحج من ابتدائه إلى انتهائه، فدلّ ذلك على تهمُّمِهِ وحفظه وضبطه وعلمه بظاهر الأمر وباطنه. ومن نَقَل لفظةً واحدة من الحج يجوز أن لم يعلمْ سببها)) إحكام الفصول ص 742.
(3) هنا زيادة: ((في)) في س، والأحسن حذفها؛ لاستقامة التركيب بدونها.
(4) الاضطراب لغة: الاختلال والتحرك، يقال: اضطرب الموج، إذا تحرَّك وضرب بعضه بعضاً. انظر مادة
"ضرب " في: لسان العرب
والحديث المضطرب: هو ما رُوي على أوجهٍ مختلفة متساوية في القوة. والاضطراب يقع في الإسناد، ويقع في المتن. انظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص 93، تدريب الراوي 1/308، تيسير مصطلح الحديث
ص 112. والمعنى الذي ذكره المصنف هنا للاضطراب أقرب ما يكون للاضطراب في المتن، وهو ما سيكرره أيضاً في ص (424) . والمراد بالحديث السالم من اضطراب الإسناد: هو الذي لم يوجد خلل في إسناده عند كلَّ مَنْ رواه، لا بزيادةٍ ولا نقصٍ، ولا رواية عمَّنْ لا يمكن الرواية عنه. انظر: العدة لأبي يعلى 3/1029.(2/420)
ص: قال الإمام فخر الدين: أو يكون راويه (1) فقيهاً، أو عالماً بالعربية، أو عُرِفت عدالته بالاختبار، أو عُلِمت (2) بالعدد الكثير، أو ذكِر [سبب عدالته] (3) ، أو لم يَخْتَلط (4) عقله في بعض الأوقات، أو كونه (5) من أكابر الصحابة (6) رضوان الله عليهم، أو له اسم واحد، أو لم تُعرف له رواية في زمن الصبا (7) والآخر ليس كذلك أو يكون مدنياً والآخر مكياً، أو راويه (8) متأخر الإسلام (9) .
الشرح
العلم بالفقه أو بالعربية مما يُبْعد الخطأ في النقل، فيُقدَّم على الجاهل بهما.
وعدالة الاختبار هي عدالة* الخُلْطة، فهي أقوى من عدالة التزكية من غير خلطة للمزكِّي عنده.
والمذكورُ سببُ عدالته دليلُ قوة سبب التزكية، فإنه لا يُذكر (10) إلا مع قوته. وأما إذا سكت المزكِّي عن سبب العدالة احتمل الضعف.
_________
(1) في س زيادة: ((الإمام)) ، وهو مما شَذت به، والظاهر أن ناسخها التبس عليه الأمر لقرب كلمة " الإمام " التي سبقتها.
(2) ساقطة من ق.
(3) في ق: ((سببها)) .
(4) في س: ((يُخلط)) .
(5) في ق: ((كان)) .
(6) المراد بأكابر الصحابة رؤساؤهم، كالخلفاء الأربعة. وتقديم روايتهم هو رأي الجمهور، أما أبو حنيفة وأبو يوسف فإنهما يقيدانه بكون الأكبر فقيهاً، ولهذا وقع منهما تقديم رواية الأصاغر على الأكابر. انظر: المسودة ص 307، شرح مختصر الروضة 3/697، تشنيف المسامع 3/505، شرح الكوكب المنير 4/642، تيسير التحرير 3/163 فواتح الرحموت 2/263
(7) في متن هـ: ((الصبي)) وهو متجه. والمثبت أنسب.
(8) في ق، متن هـ: ((رواية)) .
(9) النقل هنا من المحصول (5/415 - 425) بانتخاب واقتضاب. وانظر هذه المسائل في: الإبهاج 3/220 وما بعدها، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/364 وما بعدها، مفتاح الوصول ص 621 وما بعدها، التقرير والتحبير 3/36 وما بعدها، شرح الكوكب المنير 4/635 وما بعدها
(10) في ن: ((لا يَذْكره)) .(2/421)
والذي اختلط (1) عقله (2) في بعض (3) الأوقات يُخْشى أن يكون ما يرويه لنا الآن ما سمعه في تلك الحالة، والذي لم يختلط عقله أمِنَّا فيه ذلك.
والذي له اسم واحد يَبْعد التدليس (4) به، والذي له اسمان يَقْرُب اشتباهه بغيره ممن ليس بعَدْلٍ وهو مسمىً (5) بأحد اسْمَيْه، فتقع الرواية عن ذلك الذي ليس بعدل، فيظن السامع أنه العدل [ذو (6) الاسمين] (7) فيقبله (8) .
والذي وقعت له روايةٌ في زمن الصبا إذا رُوِي عنه، فإنه (9) يجوز أن يكون مما نُقِل (10) عنه في زمن (11) الصِّبَا، ورواية الصبي (12) غير موثوق بها بخلاف الذي لم يرو إلا بعد البلوغ.
وما رُوي بالمدينة ظاهر حاله التأخُّر (13) عن المكي (14) ؛ لأنه (15) بعد الهجرة،
_________
(1) في ن: ((أُخِلط)) .
(2) الاختلاط: هو فساد العقل أو الاختلال في الأقوال، إما لكبر وخَرَفٍ أو لذهاب بصر، أو لخللٍ في كتبه باحتراقها أو اغتراقها أو استراقها أو اختراقها أو غير ذلك. انظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص 391، شرح شرح نخبة الفكر للقاري ص 535، تيسيرمصطلح الحديث للطحان ص 227
(3) ساقطة من ق
(4) التدليس لغة: أصله من الدَّلَس، وهو الظلمة والستر والخديعة. انظر مادة "دلس " في معجم المقاييس في اللغة، المصباح المنير. واصطلاحاً: إخفاءُ عيبٍ في الإسناد وتحسين ظاهره. انظر: ظفر الأماني للكنوي
ص 376، تيسير مصطلح الحديث ص 79، وانظر: نفائس الأصول 8/3708
(5) في س: ((يُسمَّى)) .
(6) في ن: ((و)) سقط منها حرف الذال
(7) ساقط من س
(8) التدليس أقسام وأنواع، والذي ذكره المصنف هنا مقارب لتدليس الشيوخ، وهو: أن يروي الراوي عن شيخٍ حديثاً سمعه منه، فيسمِّيه باسم آخر له أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف. وفي هذا الصنيع تَوْعِيرٌ لطريق معرفته على السامع. انظر علوم الحديث لابن الصلاح ص 73، 79.
(9) هكذا في ز، م، وفي سائر النسخ "لنا" وهي ليست مناسبة؛ لعدم استقامة الأسلوب بها.
(10) في س: ((بذل)) وهو تحريف
(11) في ن: ((حال)) .
(12) في ن: ((الصِّبا)) .
(13) في ن: ((التأخير)) .
(14) في ن: ((الأول)) وهي ليست مناسبة، ولا سيما مع السقط الذي بعدها
(15) ساقطة من ن وهو مُخِلّ بالمعنى(2/422)
والمتأخَّر يُرَجَّح؛ لأنه قد يكون الناسخ، ولقول (1) ابن عباس رضي الله عنهما: ((كنَّا نأخذ بالأحدث فالأحدث من أمر (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (3) .
ورواية متأخر الإسلام يتعيَّن تأخُّرها (4) ، (5) فهو كالمدني (6) ، ومتقدِّمُ الإسلام يحتمل أن يكون حديثه مما سمعه في [آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم] (7) ، فيكون مساوياً لمتأخر الإسلام، ويحتمل [سماعه أول إسلامه، فيكون متقدماً في الزمان مرجوحاً في
العمل] (8) ، والذي لا احتمال فيه أولى مما فيه احتمال المرجوحِيَّة (9) .
_________
(1) في ن: ((كقول)) وهو تحريف
(2) في س، ق: ((فعل)) .
(3) لم أجده بهذا اللفظ فيما وقفْتُ عليه، ولفظ الموطأ (1/294) ((كانوا يأخذون ... )) . والحديث جاء في صحيح مسلم (1113) من طريق ابن شهاب عن عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكَدِيْد ثم أفطر. وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتَّبِعون الأحدث فالأحدث من أمره، وهذه الزيادة في آخر الحديث ((وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث ... )) مدرجة من كلام الزهري في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وبهذا جزم البخاري (4276) فقال: ((قال الزهري: وإنما يؤخذ من أمر النبي صلى الله عليه وسلم الآخِرُ فالآخِر)) . انظر: " الفَصْل للوصل المُدْرج في النقل " للخطيب البغدادي 1/322، موافقة الخُبْر الخَبَر لابن حجر 2/82، المعتبر للزركشي ص165، فتح الباري لابن حجر 4/227.
(4) في س: ((تأخيرها)) .
(5) هنا زيادة: ((وأن حديثه متأخر)) في س، ن، وهي تكرار في المعنى.
(6) في ق: ((كالمديني)) وهو خطأ؛ لأن النسبة إلى فَعِيْلة فَعَلِيّ إذا لم يكن معتلَّ العين أو مضاعفاً. لكن فرَّقوا بين المنسوب إلى المدينة المنورة وإلى مدينة المنصور (بغداد) فقالوا في الأول: مَدَنِيّ، وفي الثاني: مَدِيْنِيّ. انظر: همع الهوامع للسيوطي 3/361
(7) ما بين المعقوفين في ق: ((الآخر)) .
(8) ما بين المعقوفين في ق: ((التقدم، فيكون مرجوحاً)) .
(9) قدَّم الآمدي وابن الحاجب والهندي وجَمْعٌ الترجيح بمتقدم الإسلام على المتأخر؛ لزيادة أصالته في الإسلام وتحرزه. انظر: الإحكام 4/244، منتهى السول والأمل ص223، الفائق 4/413. وعند المجد ابن تيمية والطوفي وغيرهما أنهما سواء؛ لأن كل واحد منهما اختص بصفةٍ، فالمتقدم اختص بأصالته في الإسلام، والمتأخر اختص بأنه لا يروي إلا آخر الأمرين. انظر: المسودة ص 311، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/696، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص169. وما اختاره المصنف هو اختيار أبي يعلى والشيرازي وابن السبكي وغيرهم، انظر العدة 3/1040، شرح اللمع 2/659، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/365. وللفخر الرازي تفصيل في المسألة، انظره في: المحصول 5/425، والمصنف له تفصيل آخر ذكره في: نفائس الأصول (8/3714) فقال: ((إذا عُلِم تأخُّرُ رواية متقدم الإسلام رُجِّحتْ بقدم هجرته، وإن جُهل تقدُّمها وتأخُّرها قُدم المتأخرُ الإسلام)) .(2/423)
ترجيح الأخبار في المتن
ص: وأما ترجيح المتن (1) قال (2) الباجي رحمة الله عليه: يترجَّح السالمُ من الاضطراب*، والنصُّ في المراد، أو غير متَّفقٍ على تخصيصه، أو ورد (3) على غير (4) سببٍ، أو قُضِي به على الآخَر في موضع، أو ورد بعباراتٍ مختلفة، أو يتضمن نفي النقص (5) عن الصحابة رضوان الله عليهم (6) والآخر ليس كذلك (7) .
الشرح
الاضطراب اختلاف ألفاظ الرواة (8) .
والنص هو الذي لا يحتمل
المجاز. والذي لم يُتَّفق على تخصيصه [كما تقدَّم في آية الأختين] (9) . والوارد
على سببٍ: اختلف العلماء (10) فيه، هل يُقْصَر (11) على سببه أو (12)
_________
(1) انظر مسألة ترجيح الأخبار في المتن في المعتمد: 2/181، شرح اللمع للشيرازي 2/660، بذل النظر ص488، تقريب الوصول ص 480. شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/312، مفتاح الوصول
ص 637، رفع النقاب القسم 2/1003، شرح الكوكب المنير 4/659، دراسات في التعارض والترجيح لشيخنا د. السيد صالح عوض ص 471، التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية د. عبد اللطيف البرزنجي 2/186، منهج التوفيق والترجيح بين مختلف الحديث د. عبد المجيد السوسوة ص 429.
(2) هكذا في جميع النسخ، والصواب وجوب اقتران جواب "أما" الشرطية بالفاء ولا يعرى عنها إلا لضرورة أو ندرة. انظر: هامش (2) ص 79.
(3) في ن: ((وروده)) .
(4) ساقطة من ق، وهو سقط يقلب المعنى.
(5) في ق: ((البعض)) وهو تحريف، وفي ن: ((النقض)) وهو تصحيف.
(6) قال الشوشاوي: ((لو عبَّر المصنف بقوله: أو لا يتضمن إضافة النقص إلى الصحابة رضي الله عنهم لكان أولى، فإنه أعم من نفيه عنهم)) رفع النقاب القسم 2/1010
(7) انظر هذه المرجِّحات في المتن مع أمثلتها عند الباجي في: إحكام الفصول ص745-753، الإشارة في معرفة الأصول ص337-341، المنهاج في ترتيب الحجاج ص228-232
(8) المراد بالاضطراب هنا الاضطراب في المتن، والمراد به الذي يقع الاختلاف فيه على الراوي المؤدي إلى اختلاف المعاني. انظر: إحكام الفصول ص746، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/699. قال السخاوي
((
قلَّ أن يوجد مثالٌ سالم له)) فتح المغيث 1/279.
(9) ما بين المعقوفين في ق: ((كآية الأختين المتقدمة)) . انظر ما ذكره في آية الأختين: ص 414، 416-417.
(10) ساقطة من ق
(11) في ن: ((يقضي)) .
(12) في س: ((أم)) وهو مالا يجوِّزه أكثر النحاة. انظر: هامش (6) ص 29.(2/424)
يبقى (1) على عمومه؟ (2) [والذي لم يرد على سببٍ سَلِم من (3) هذا الاختلاف، ويحمل على عمومه] (4) إجماعاً. وإذا قُدِّم أحد الخبرين على الآخر في موطن كان ذلك ترجيحاً له عليه (5) ؛ لأنه (6) مزيَّة له (7) . وإذا ورد بعبارات مختلفة والمعنى واحد قَوِي ذلك المعنى في النفس، وبَعُد اللفظ عن المجاز، والعبارة الواحدة تحتمل المجاز، وأن يراد غير ذلك المعنى الظاهر، وهذا غير (8) الاضطراب، فإنه اختلاف اللفظ واختلاف المعنى بالزيادة والنقصان.
ص: قال الإمام رحمه الله: أو يكون فصيحَ اللفظ، أو لفظه حقيقةً، أو يدل على المراد من وجهين، أو تأكَّد (9) لفظه بالتكرار، أو يكون ناقلاً عن حكم العقل، أو لم يعمل بعض الصحابة أو السلف على (10) خلافه مع الاطلاع (11) عليه، أو كان (12) مما (13) لا تعمُّ به البلوى، والآخر ليس كذلك (14) .
_________
(1) في س، ن: ((يُخلَّى)) .
(2) مسألة هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب، سبق أن بحثها المصنف ص (216) من المطبوع. وانظر أيضاً: المعتمد 1 / 279، إحكام الفصول ص 269، أصول السرخسي 1 / 271، المستصفى
2 / 131، الواضح لابن عقيل 3 / 41، رفع الحاجب لابن السبكي 3 / 116، مفتاح الوصول
ص 539.
(3) في ن: ((عن)) .
(4) ما بين المعقوفين ساقط من س
(5) ساقطة من س
(6) في ن: ((لأنها)) وهو تحريف
(7) ساقطة من ن
(8) في ن: ((عين)) وهو تحريف يقلب المعنى
(9) في متن هـ: ((يؤكد)) ، وفي ق: ((تأكيد)) .
(10) في ن: ((عن)) وهو تحريف
(11) في ق: ((الإطلاق)) وهو تحريف
(12) في ن: ((يكون)) .
(13) في ق، متن هـ: ((فيما)) .
(14) النقل هذا عن المحصول (5/428 - 433) باختيار واختصار. وانظر أيضاً: الإبهاج 3/229 وما بعدها جمع الجوامع بحاشية البناني 2/367، نهاية السول للإسنوي 4/497، التوضيح لحلولو ص378، رفع النقاب القسم 2/1011 وما بعدها.(2/425)
الشرح
الناقل عن البراءة الأصلية أرجح؛ لأنه مقصود بعثة الرسل، وأما استصحاب حكم العقل (1) فيكفي فيه العقل فيقدم الناقل كما يقدم [المنشيء على المؤكِّد] (2) .
وعمل بعض (3) الأكابر على خلاف الخبر مع اطلاعهم (4)
عليه يدلُّ على اطلاعهم (5) على (6) نسخه، فالسالم من ذلك مقدَّم عليه، أما إذا لم يطَّلع جاز أن يكون تركه لعدم اطلاعه عليه، فيسقط الترجيح.
والذي تعمُّ به البلوى: اختلف العلماء في قبوله، منعه الحنفية من أخبار الآحاد
[وتقدم الكلام فيه] (7) فيضعف للخلاف في قبوله، فالسالم عن هذا الخلاف مقدّم.
_________
(1) ساقطة من ن.
(2) في ن، س: ((المؤكد على المنشيء)) وهو خطأ بيّن. وقاعدة: تقديم التأسيس على التأكيد تعرَّض لها المصنف في ص (112) من هذا الكتاب (المطبوع) . وانظرها أيضاً في: مفتاح الوصول ص 483، التمهيد في تخريج الفروع على الأصول للإسنوي 167، تقرير القواعد لابن رجب 3/189، القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحَّام ص144، 147، كتاب القواعد للحصني 3/50.
(3) ساقطة من ق
(4) في ن، س: ((اطلاعه)) وهو صحيح أيضاً باعتبار لفظ الإفراد في ((بعض)) . والمثبت هنا مراعاةً لمعنى
الجمع. انظر: هامش (9) ص 216.
(5) في ن، س: ((اطلاعه)) . انظر الهامش السابق.
(6) ساقطة من ن. والفعل " اطلاع " يتعدى بنفسه وبعلى.
(7) ساقط من ق. وانظر بحث المسألة في: ص 267.(2/426)
الفصل الرابع
في ترجيح الأقيسة (1)
ص: قال الباجي: يترجَّح أحد القياسين على الآخر بالنص [على عِلَّتِهِ] (2) ، أو لا يعود على أصله بالتخصيص، أو علته مطَّردة منعكسة (3) ،
أو شهد لها أصول كثيرة، أو يكون [أحدُ القياسين فَرْعُه] (4) من جنس أصله، أو علته متعدِّية، أو تعمُّ فروعَها، أو هي أعم، أو هي (5) مُنْتَزَعة من أصلٍ منصوصٍ عليه، أو أقلُّ أوصافاً والقياس الآخر ليس كذلك (6) .
الشرح
النصُّ على العلة يدل على العلية أكثر من الاستنباط، فإن اجتهادنا يحتمل الخطأ،
[والنص صواب جزماً] (7) .
ومثال ما يعود على أصله بالتخصيص: جَعْلُنا علة منع بيع الحيوان باللحم (8)
_________
(1) قد يتعارض قياسان أو أكثر في حكم حادثةٍ، ويتردد الفرع بين أصلين يصحّ حمله على أحدهما بعلَّةٍ مستنبطة منه، ويصحّ حمله على الثاني بعلةٍ مستنبطةٍ منه، فيحتاج الناظر إلى ترجيح إحدى العلتين على الأخرى. انظر: الإشارة في معرفة الأصول للباجي ص 342. وانظر مسألة التراجيح بين الأقيسة في: المعتمد 2/300، 457، شرح اللمع للشيرازي 2/950، قواطع الأدلة 4/428، التمهيد لأبي الخطاب 4/226، المحصول للرازي 5/444، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/713، تقريب الوصول ص 486، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/316، تشنيف المسامع 3/538، التوضيح لحلولو ص 379، تيسير التحرير 4/87، فواتح الرحموت 2/387.
(2) في س: ((عليه)) وليس هو المراد.
(3) العلة المطردة المنعكسة هي التي توصف بالطرد والعكس. والطرد: وجود الحكم لوجود العلة،
والعكس: عدم الحكم لعدم العلة. الحدود للباجي ص 74، 75.
(4) ما بين المعقوفين في ق: ((فرع أحد القياسين)) .
(5) ساقطة من س
(6) انظر: إحكام الفصول للباجي ص (757 - 766) ، فقد ذكر اثني عشر مرجِّحاً بأمثلتها. وانظر أيضاً كتابيه: المنهاج في ترتيب الحجاج ص (234 - 237) ، الإشارة في معرفة الأصول ص (342 - 347)
(7) ما بين المعقوفين في ق: ((بخلاف النص)) .
(8) نقل ابن عبد البر عن الإمام مالك في معنى النهي عن بيع الحيوان باللحم أنه تحريم التفاضل في الجنس الواحد حيوانِهِ بلحمه، لما فيه من المزابنة والغرر والقمار؛ لأنه لا يُدرى: هل في الحيوان مثل اللَّحم الذي أُعطي أو أقل أو أكثر، فهو بيع لحم مغيَّبٍ في جِلْدِه بلحمٍ. انظر: الاستذكار 20/106.(2/427)
معلَّلاً بالمزابنة (1)
- وهي بيع المعلوم بالمجهول من جنسه (2) - فاقتضى ذلك حمل الحديث على الحيوان الذي يقصد لِلَّحمْ، فخرج (3) بسبب هذه العلة أكثر الحيوانات، وبطل حكم النهي فيها.
وكذلك تعليل منع بيع الحاضر للبادي (4) ، بأن الأعيان على أهل البادية تُقوَّم بغير مالٍ كالحَطَب والسَّمْن وغيرهما (5) ، فاقتضى هذا التعليل أن تَخْرُج (6) الأعيان التي (7) اشتراها البدوي، وأنَّ نُصْحَه فيها متعيَّن أو إعانته، بخلاف القسم الأول (8) [يترك فيه] (9) مع الحضري ولا ينصح، فالعلة التي لا تعود (10) على أصلها بالبطلان
أولى.
والعلة المتعدية أولى من القاصرة (11) ، غير أن هذا لا يستقيم من جهة أن القاصرة
_________
(1) في ن: ((المزاعة)) وهو تحريف. والمُزابنة لغة: مفاعلة من الزَّبْن وهو: الدَّفْع، كأن كل واحد من المتبايعين يَزبن صاحبه عن حقِّه بما يزداد منه، وإنما نهى عنها لما يقع فيها من الغبن والجهالة. انظر مادة
" زبن " في: النهاية في غريب الحديث والأثر، لسان العرب.
(2) انظر تعريفها اصطلاحاً عند المالكية في: شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع 1/347، حاشية الرهوني على شرح الزرقاني لمختصر خليل 5/135، وبعض كتب المالكية تعبِّر عن المزابنة بأنها: بيع مجهول بمعلوم أو مجهول بمجهول من جنسه انظر: مختصر خليل بشرح الزرقاني 5/80
(3) في س، ق: ((فيخرج)) .
(4) عرَّفه بعض المالكية بأنه: أن يتولَّى الحاضر العقد أو يقف مع ربِّ السلعة ليزهَّده في البيع ويعلمه أن السلعة لم تبلغ ثمنها ونحو ذلك. انظر: مواهب الجليل (6/250) . وعرَّفه بعضهم: بأن يبيع حاضر سِلَعاً لعموديٍّ (بدوي) قَدِمَ بها الحاضرةَ ولا يعرف ثمنها، وكان البيع لحاضرٍ. انظر: الشرح الكبير للدردير 3 / 69 فاللاَّم في ((البادي)) للتعليل لا للتعدية، ويكون الحاضر سمسرياً أو مرشداً. انظر: حاشية التوضيح لابن عاشور 2 / 198.
(5) في ن: ((وغيرها)) والمثبت أولى لعود الضمير على اثنين: الحطب والسمن.
(6) في س: ((يخرج)) وهو جائز. انظر هامش (11) ص 67.
(7) في ن: ((الذي)) وهو خطأ؛ لأن الموصوف وهو ((الأعيان)) مؤنث، والصفة تتبع الموصوف.
(8) وهو أن يكون البدويُّ بائعاً والثمن غير مالٍ كالحطب والسمن. والقسم الثاني: أن يكون البدوي مشترياً.
(9) ما بين المعقوفين في ن، س: ((التحامل عليه فيه)) .
(10) في س، ق: ((تعكِّر)) .
(11) هذا مذهب الجمهور، ووجهه أن النص يغني عن القاصرة. والمذهب الثاني: تقديم القاصرة على المتعدية، ووجهه أن النص يقوّيها. والمذهب الثالث: هما سواء، لتعارض المدركين. انظر: البرهان للجويني 2/822، المحصول للرازي 5/467، المسودة ص378، كشف الأسرار للبخاري 4/172، البحر المحيط للزركشي 8/210(2/428)
لا قياس فيها، والكلام [إنما هو] (1) في ترجيح الأقيسة، فإن كان في ترجيح العلل من غير قياس صح (2) .
والعلل التي تعمُّ فروعها متقدِّمةٌ بسبب أنها إذا لم تعم تكون بقية الفروع معللةً بعلة أخرى، وتعليل الأحكام المستوية بالعلل (3) المختلفة مُخْتَلفٌ (4) فيه، والمتفق عليه
أولى.
والتي هي أعم تكون فائدتها أكثر، فتُقدَّم.
والمُنْتَزَعةُ من أصلٍ منصوصٍ عليه مقدَّمةٌ على ما أُخِذ من أصلٍ (5) اتفق عليه الخصمان فقط.
والعلة إذا قلَّت أوصافها أو كانت ذاتَ (6) وصفٍ* واحدٍ [كانت مقدَّمةً] (7) ؛ لأن المركَّب يُسْرِع (8) إليه العَدَمُ بطريقين، من جهة عدم كل واحد من أوصافه، وما كثرت شروطه كان مرجوحاً (9) .
_________
(1) ساقط من ق
(2) أجاب الزركشي عن هذا بأن نتيجة الترجيح بين القاصرة والمتعدية ينبني عليها إمكان القياس وعدمه. مثاله: الثمنية والوزن في النقدين، فمن رجَّح الوزن رتَّب على ترجيحه إمكان القياس، ومن رجَّح الثمنية رتَّب على ترجيحه امتناع القياس، وهذه فائدة. انظر: البحر المحيط 8/212. وانظر توجيهاً آخر للمصنف في: نفائس الأصول 9/3779
(3) في س: ((بالعلة)) وهي غير مناسبة مع السياق.
(4) ساقطة من ن
(5) في س: ((الأصل الذي)) .
(6) في ن: ((ذا)) وهو خطأ؛ لأن الموصوف وهو ((العلة)) مؤنث.
(7) في ق: ((قُدِّمتْ)) .
(8) في س: ((يشرع)) وهو تصحيف
(9) ما ذكره المصنف من تقديم العلَّة قليلة الأوصاف على كثيرتها هو قول الجمهور. والقول الثاني: ترجيح العلة الأكثر أوصافاً؛ لأنها أكثر مشابهةً للأصل. والقول الثالث: هما سواء؛ لأنهما سواء في إثبات الحكم. انظر: إحكام الفصول ص 763، شرح اللمع للشيرازي 2/957، نفائس الأصول 9/3748، المسودة ص378، 381 كشف الأسرار للبخاري 4/173.(2/429)
ص: قال الإمام رحمه الله: أو يكون أحد القياسين متفقاً (1) على علته، أو أقلَّ خلافاً، أو بعضُ مقدماته يقينية، أو علَّتُه وصفٌ حقيقي. ويترجَّح (2) التعليل بالحكمة على العدم والإضافيِّ والحكمِ الشرعيِّ والتقديريِّ، والتعليل* بالعدم أولى من التقديري، وتعليلُ الحكم الوجودي [بالوصف الوجودي] (3) أولى من العدمي بالعدمي (4) ومن العدمي بالوجودي و [من] (5) الوجودي بالعدمي؛ لأن التعليل بالعدم يستدعي تقدير الوجود، وبالحكم الشرعي أولى من التقديري (6) ؛ [لكون التقدير] (7) على خلاف الأصل. والقياس الذي يكون ثبوت الحكم في أصله أقوى (8) أو بالإجماع أو بالتواتر أقوى مما ليس كذلك (9) .
الشرح
الوصف الحقيقي كالإسكار، والعدمي كقولنا: غير مستحقّ أو عدوان، فإنه سلب محض، والإضافي (10) نحو قولنا: البنوة مقدَّمة على الأبوة، وهما علة الميراث، وهما إضافيتان ذهنيتان لا وجود لهما في الأعيان (11) . وتقدَّم (12) أن الحكمة هي [علة علية العلة] (13) ، كإتلاف المال في السرقة، واختلاط الأنساب في الزنا، فهي أولى من
_________
(1) في ن: ((متفق)) وهو خطأ نحوي؛ لأن خبر "كان " منصوب.
(2) في ن: ((ترجح)) .
(3) ساقط من س
(4) ساقطة من ق
(5) ساقطة من جميع النسخ ما عدا النسخ: ص، و، ش
(6) سبق تعريف هذه المصطلحات بأمثلة.
(7) ساقط من ق
(8) هنا زيادة ((بالنص)) في س، وكان الأولى أن تأتي قبل الكلمة التي سبقتها ليستقيم سياق العبارة.
(9) انظر هذه المرجحات عند الإمام الرازي في: المحصول 5/445 - 448، 462 وانظر: الإبهاج 3/237، نهاية السول للإسنوي 4/ 510، التوضيح لحلولو ص 381. وهناك أمثلة توضيحية لهذه المرجحات، انظرها في: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2/1031- 1040.
(10) سبق تعريف الإضافي.
(11) راجع هامش (5) ص 373.
(12) انظر: ص 369.
(13) في ق: ((علية العلية)) وهو غير مناسب، ولو قال ((علة العلة)) لكان أسدّ(2/430)
العدم الصِّرْف، والحكم الشرعي كتعليل منع البيع بالنجاسة (1) ، والتقديري كتعليل ثبوت الولاء للمُعْتَق عنه بتقدير الملك له (2) ، وتوريث الدِّيَة في الخطأ بتقدير ثبوت الملك للمقتول قبل موته في الزمن الفَرْد، فإنه حي لا يستحقها، وما لا يملكه لا يُورث عنه، والمِلْك بعد الموت محال، فيتعين تقدير الملك قبل الزهوق بالزمن الفَرْد.
وقُدِّم العَدَم على التقديري (3) ؛ [لأن التقدير] (4) : هو إعطاء الموجود حكم المعدوم أو المعدوم حكم الموجود، ووضع المعلوم (5) على خلاف ما هو عليه خلاف الأصل، والعدم هو على وضعه (6) لم يُخَالَف فيه أصلٌ فكان مقدَّماً.
وإنما استدعى العدم تقدير الوجود؛ لأن العلة العدميَّة (7) لابد أن تكون عدماً مضافاً لشيء معينٍ كقولنا: عدم الأسكار علة (8) إباحة الخمر ونحو ذلك، فلابد أن نقدِّر (9) معنىً هذا عدمه (10) .
والحكم الشرعي حقيقي، بخلاف التقديري فيه مخالفة الأصل كما تقدَّم.
_________
(1) انظر: ص 374.
(2) انظر: ص 382.
(3) في ن: ((التقدير)) والمثبت أولى تمشياً مع عبارة المتن.
(4) ساقط من ن
(5) في ق: ((المعلول)) وهو تحريف
(6) في ق: ((أصله)) .
(7) في ق: ((بالعدمية)) ويكون المراد: لأن التعليل بالعلة العدمية
(8) ساقطة من س
(9) في ق: ((يُقدَّر)) .
(10) ساقطة من ن.(2/431)
الفصل الخامس
في ترجيح طرق العلة
ص: قال الإمام رحمه الله: المناسبة أقوى من الدوران خلافاً لقوم (1) ، ومن التأثير والسَّبْر المظنون والشَّبَه والطَّرْد (2) . والمناسب الذي اعْتُبر نوعه في نوع الحكم مقدَّم (3) على ما اعتبر جنسه في [نوع الحكم] (4) ، ونوعُه في جنسه، وجنسُه في جنسه؛ لأن الأخص بالشيء أرجح وأولى به*، والثاني والثالث متعارضان (5) ،
_________
(1) لم أعثر على تسميةٍ لهم، وقد جاءت الإشارة إلى هذا الخلاف في: نهاية الوصول للهندي 8/3759، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/376، البحر المحيط للزركشي 8/218، تشنيف المسامع 3/547، التوضيح لحلولو ص 382
(2) مراتب هذه المسالك وقع اختلاف بين العلماء في تقديم بعضها على بعض، فمنهم من قدَّم المناسبة على الدوران، ومنهم من عكس. ومنهم من قدَّم السبر على الدوران، ومنهم من عكس. ومنهم من قدَّم السبر على المناسبة، ومنهم من عكس. ومنهم من أخَّر الإيماء عن الجميع إلا عن الطرد.. وهكذا. انظر: الإحكام للآمدي 4/272، الإبهاج 3/242-244، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/376، نهاية السول للإسنوي 4/513-516، البحر المحيط للزركشي 8/217، التوضيح لحلولو ص 381، شرح الكوكب المنير 4/718، تيسير التحرير 4/87-89.
(3) ساقطة من ق، متن هـ.
(4) في متن هـ: ((نوعه)) .
(5) وجه تعارضهما: أن كلَّ واحدٍ من القسمين فيه خصوص من وجه واحد، إذ في أحد القسمين خصوص الوصف، وفي الآخر خصوص الحكم، فليس تقديم أحد القسمين على الآخر بأولى من العكس. انظر: رفع النقاب للشوشاوي القسم (2/1049) . لكن من العلماء من رأى تقديم " النوع في الجنس " على عكسه، ولم يحكم بتعارضهما. والمصنف حكم أولاً بتقديم النوع في الجنس على عكسه ص (332) ، ثم تراجع عنه، وبيَّن أنه وقع منه سهواً ص (335) ..وحجة التقديم: أن تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع إنما هي فرع تعدية العلة، فالعلة أصلٌ في التعدية وعليها المدار، أو بعبارة أخرى: أن الوصف أصلٌ للحكم؛ لأن الحكم إنما جيء به لأجل الوصف والحكم فرعٌ له، وإذا تعارض الفرع مع الأصل قُدّم الأصل، فخصوص الأصل أولى بالاعتبار من خصوص الحكم.
ويلاحظ هنا بأن الرازي عبَّر في محصوله (5/459) عن هذين القسمين بقوله: ((فهما كالمتعارضين)) . وتعبير تاج الدين الأرموي في: الحاصل (2/995) ، وسراج الدين الأرموي في التحصيل (2/274) قولهما
((بأنهما متقاربان)) . وكذا تعبير صفي الدين الهندي في: نهاية الوصول (8/3303) ، وقال: ((لكن اعتبار النوع في الجنس أولى؛ لأن الإبهام في العلة أكثر محذوراً من الإبهام في المعلول)) . انظر المسألة في: الإحكام للآمدي 4/279، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/318، الإبهاج 3/242، التوضيح لحلولو
ص 382، فواتح الرحموت 2/387.(2/432)
والثلاثة راجحة على الرابع، ثم الأجناس عالية وسافلة ومتوسطة، وكلما قرب كان أرجح. والدوران في صورة أرجح منه في صورتين*، والشبه في الصفة أقوى منه في الحكم، وفيه خلاف (1) .
الشرح
المناسبة المصلحة بادية فيها، والدوران ليس فيه إلا مجرد الاقتران، والشرائع مبنية على المصالح.
حجة المنع: أن الدوران فيه طرد وعكس؛ لاقتران الوجود بالوجود والعدم بالعدم، والعلة المطردة المنعكسة أشبه بالعلل العقلية فيكون (2) أرجح.
والجواب: المناسب المطَّرد المنعكس أرجح من المناسب الذي لا يكون كذلك، أما مجرد الطرد والعكس فممنوع.
والتأثير هو اعتبار الجنس في الجنس، والاعتبار أضعف من المناسبة لما تقدم (3) .
والشَّبَه هو المستلزم للمناسب، فالمناسب مقدَّم عليه، وقد تقدَّم تمثيله في طرق العلة (4) . والسَّبر والتقسيم وقع التعيين فيه بإلغاء الغير أو بعدم اعتباره، والمناسب الاعتبار فيه بالذات (5) . وتقدَّم في طرق العلة تقرير (6) الطرد وهو مجرد اقتران الحكم بجملة صور الوصف (7) ، والاقتران بمجرده أضعف من المناسب؛ لمَّا تقدَّم أنه مَعْدن الحكمة.
_________
(1) انظر هذا النقل عن الإمام الرازي في: المحصول (5/454-461)
(2) في ن: ((فتكون)) ووجهه: أن العلة المطردة المنعكسة تكون أرجح. ووجه المثبت عود الضمير على
((الدوران)) .
(3) وهو قوله في أول شرح هذا المتن: ((المناسبة المصلحة بادية فيها)) . أي ما ظهرت فيه المناسبة والمصلحة أولى من مجرد الاعتبار.
لكن المصنف لم يعدَّ التأثير أو المؤثر على أنه طريق من طرق العلة، بل الذي عدَّه طريقاً مستقلاً هو الرازي في المحصول (5/199) ، وعرَّفه هناك بما يختلف عن تعريف المصنف له هنا. والغريب أن المصنف لم يرتضِ صنيع الرازي في اعتبار التأثير أو المؤثر مسلكاً مستقلاً، ثم هو يتبعه هنا. انظر: نفائس الأصول 7/3273، 3277، 3322. وانظر: هامش (9) ص 331 - 332.
(4) انظر: ص 339.
(5) في ن: ((بالذوات)) ولا داعي للجمع.
(6) في س: ((تقدير)) وهو تحريف
(7) انظر: ص 347.(2/433)
وتقدَّم في المناسب تمثيلُ أجناس الأوصاف والأحكام عاليةً وسافلة (1) ، وتمثيلُ الدوران في صورتين وفي صورة ووجه الترجيح بينهما (2) .
ويُقدَّم (3) الشَّبَه في الصفة (4) ؛ لأن الأوصاف هي أصل العلل، والأصل أن تكون الأحكام معلولاتٍ (5) لا عِلَلاً (6) .
وقيل: لا، وحجته أن الحكم يستلزم علته، فيقع الشبه في أمرين (7) ، فيكون أرجح (8) .
وجوابه: أنه لا يلزم من الشبه في الحكم الشبه في العلة؛ فإن الأحكام المتماثلة (9) (10) تعلل بالعلل المختلفة.
_________
(1) انظر: ص 333.
(2) انظر: ص 342، وانظر: نفائس الأصول 9/3765.
(3) في ق، س: ((تقدّم)) وهو تصحيف.
(4) في س: ((الوصف)) .
(5) في ن: ((معلولة)) .
(6) فصار الحكم فرعاً للوصف، والوصف أصلٌ له، فيقدم الشبه الوصفي على الحكمي تقديم الأصل على الفرع
(7) هما الحكم والصفة.
(8) لأن الشبه الذي اجتمع فيه أمران (الحكم والصفة) أولى مما فيه وجه واحد
(9) في ن: ((المماثلة)) .
(10) هنا زيادة: ((لا)) في ن. وهي منكرة.(2/434)
الباب التاسع عشر
في الاجتهاد(2/435)
تعريف الاجتهاد
ص: وهو استفراغ الوُسْع (1) في المطلوب لغةً (2) . واستفراغ الوُسْع في النظر فيما لا (3) يلحقه فيه لَوْمٌ شرعي اصطلاحاً (4) .
وفيه تسعة فصول (5) :
_________
(1) في س: ((الجهد)) .
(2) انظر مادة " جهد " في: لسان العرب، المصباح المنير، القاموس المحيط
(3) ساقطة من جميع النسخ ما عدا النسخ ق، ز، م. والصواب إثباتها؛ لأنها مثبتة في: المحصول (6/6) ، وفي: نفائس الأصول (9/3789) ، ولأن المعنى في الحدّ بدونها يختلُّ، فإن كان المراد أنه يلحق المجتهدَ لومٌ شرعي على تقدير تركه الاجتهاد في تحصيل الحكم الشرعي إذا تعيَّن عليه، كان الحدُّ غير مانع؛ لأنه يندرج فيه كل ما يُجْتَهد فيه من أصول الديانات وتعيين القبلة ... إلخ، وهذا لا يُسمى اجتهاداً بالاصطلاح بل باللغة. وإن كان المراد أنه يلحق المجتهد لومٌ شرعي بترك العمل به بعد حصول الاجتهاد، كان الحدُّ غير جامع؛ لأنه لم يتناول إلا الواجبات. انظر: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2/1060. وانظر: التوضيح لحلولو ص 382 أما إذا أثبتت "لا" في الحدّ، فيكون قوله ((فيما لا يلحقه فيه لومٌ شرعي)) قيداً في التعريف يُدْخِل الفروع، ويُحترز به عما يكون فيه اللوم وهو ما يتعلَّق بالأصول. ولهذا قال الرازي عقب تعريفه هذا: وهذا سبيل مسائل الفروع، ولذلك تُسَمى هذه المسائل مسائل الاجتهاد، والناظر فيها مجتهد. وليس هذا حال الأصول. المحصول 6/6. وانظر: نهاية الوصول للهندي 8/3785
(4) لم يرتضِ المصنف هذا التعريف ولم يستحسنه في نفائس الأصول (9/3790-3792) ، وأورد عليه إشكالاً، وناقش عدداً من التعريفات، ثم قال: ((والذي أراه أنه: بذل الوسع في الأحكام الفروعية الكلية ممن حصلت له شرائط الاجتهاد)) وشَرَحَه هناك.
ومن تعريفات الاجتهاد المناسبة هو ((بذل الفقيه الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط)) ذكره الشوكاني وشرحه في: إرشاد الفحول 2/295 وانظر: الإحكام لابن حزم 2/629، الحدود للباجي ص 64، اللمع للشيرازي ص 258، الضروري في أصول الفقه لابن رشد ص 137، منتهى السول والأمل ص 209، التقرير والتحبير 3/388، شرح الكوكب المنير 4/458، فواتح الرحموت 2/415
(5) نبَّه الشوشاوي تنبيهاً لطيفاً وقال بأن الصواب أن يقول المصنف: ((الباب التاسع عشر في الاجتهاد، وفيه عشرة فصول. الفصل الأول: في حقيقته، وهو استفراغ الوسع في المطلوب ... إلخ)) . ثم يقول: الفصل الثاني: في النظر وهكذا ... ، وهذا التفطن من الشوشاوي جاءه مِنْ حَصْرِ عدد فصول الكتاب؛ لأن المصنف ذكر في مقدمة متنه " تنقيح الفصول " بأنه لخَّصه في مائة فصل وفصلين، فبهذا الفصل المشار إليه في حقيقة الاجتهاد يكتمل العدد، وإلا فليس في الكتاب إلا مائةُ فَصْلٍ وفصلٌ واحد.(2/436)
الفصل الأول
في النظر (1)
ص: وهو الفكر (2) ، وقيل: تَرَدُّدُ الذهن بين أنحاء الضرورات (3) ، وقيل: تَحْديق العقل إلى جهة الضروريات (4) ، وقيل: ترتيب تصديقاتٍ يُتَوصَل بها إلى علم أو ظنٍ (5) ، وقيل: ترتيب تصديقين (6) ، وقيل: ترتيب معلومات (7) ، وقيل: ترتيب معلومين (8) . فهذه سبعة (9) مذاهب (10) ، وأصحُّها الثلاثة الأُوَل.
وهو (11) يكون في التصورات (12) ؛ لتحصيل الحدود الكاشفة عن الحقائق المفردة على ترتيبٍ خاصٍّ تَقدَّمَ أولَ الكتاب (13) ،
_________
(1) لعل مناسبة عقد هذا الفصل هنا أن لفظة " النظر " وردت في حدِّ الاجتهاد، والمجتهد أحوج ما يكون إلى النظر. لكن جلُّ الأصوليين يذكرون "النظر" في أوائل تصانيفهم. انظر تعريفاته في: التقريب والإرشاد للباقلاني 1/210، التلخيص 1/122، قواطع الأدلة 1/41، الإحكام للآمدي 1/10، منتهى السول والأمل ص4، مراقي السعود للمرابط 1/86، إرشاد الفحول 1/52.
(2) هذا تعريف أبي الحسين البصري في المعتمد 1 / 6، وبزيادة: ((في حال المنظور فيه)) ، جاء في العدة لأبي يعلى 1/184، وفي شرح اللمع للشيرازي 1/153.
(3) هذا تعريف الجويني في: البرهان 1/103.
(4) هذا تعريف أبي إسحاق الإسفراييني، هكذا النسبة إليه في نفائس الأصول 1/211.
(5) هذا قريب من تعريف الرازي في: المحصول 1/87، معالم أصول الدين ص20.
(6) هذا تعريف تاج الدين الأرموي في الحاصل (1/232) وتمامه: ((يتوصل بهما إلى استعلامِ مجهول)) .
(7) لم أجده منسوباً لأحد، وهو مذكور في: نفائس الأصول (1/211) ، وتمامه: ليتوصل بها إلى معلوم آخر.
(8) لم أجده منسوباً لأحد. وانظر: نفائس الأصول 1/211
(9) في س: ((ثلاثة)) وهو خطأ بيّن.
(10) قال حلولو: ((كلها مدخولة، وأسدُّ عبارة فيه ما قيل إنه: الفكر المؤدي إلى علم أو ظن)) . التوضيح
ص 383
(11) هنا زيادة: ((أن)) في س، وهي منكرة؛ لأن المراد هنا الشروع في بيان مجالات النظر لا بيان أصح التعريفات.
(12) التصور: حصول صورة الشيء في الذهن. أو إدراك ماهية الشيء من غير حكمٍ عليه بنفي أو إثبات. انظر: شرح السلم للملَّوي بحاشية الصبان ص 45، التعريفات ص 78
(13) انظر: ص (11) من المطبوع. والمراد بالحدود: المعرفات الخمسة وهي: الحد التام، والناقص، والرسم التام، والناقص، والحد اللفظي. والمراد بالحقائق المفردة: المعاني المتصورة في النفس، والمفردة: احتراز من المركبَّة فإنها من شأن التصديقات. والمراد بقوله: على ترتيب خاص، أي: تقديم الجنس على الفَصْل أو الخَاصَة. انظر: رفع النقاب القسم 2/1068(2/437)
وفي التصديقات (1) ؛ لتحصيل المطالب التصديقية على ترتيب خاصٍّ (2) وشروطٍ خاصة (3) حُرِّرتْ في علم المنطق (4) ، ومتى كان في الدليل مقدمة سالبة أو جزئية أو مظنونة كانت النتيجة كذلك؛ لأنها تتبع أخسَّ المقدِّمات (5) ولا يُلْتفت إلى ما صحبها من أشرفها.
الشرح
الثلاثة في النظر متقاربة في (6) المعنى، واختلافها في العبارات، والضروريات: هي القضايا البديهية، فإن العقل يقصدها ابتداءً ليستخرج منها (7) التصديقات النظرية.
وأما قولهم: ((ترتيب تصديقات)) فهو قول الإمام فخر الدين (8) ، وهو باطل، فإن النظر إن كان في الدليل كَفَى فيه (9) مقدمتان، وتصديقاتٌ جَمْعٌ ظاهرٌ في الثلاث (10) . ولذلك (11) قال القائل الآخر: ((تصديقين)) ، وبَطَل أيضاً، فإن النظر كما (12) يقع في
_________
(1) أي: ويكون النظر في التصديقات والتصديق: هو إدراك النسبة بين شيئين، أو حكم العقل بنسبةٍ بين مفردين سلباً أو إيجاباً. انظر: شرح السلم للملوي ص 45، المبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدي ص 69.
(2) المراد بالترتيب الخاص، هو تقديم المقدمة الصغرى على الكبرى. انظر: رفع النقاب القسم 2/1070
(3) المراد بشروط خاصة، كقولهم: يشترط في إنتاج الشَّكْل الأول إيجاب الصغرى، وكلِّية الكبرى. مثل: كل إنسان حيوان وكل حيوان متحرك. انظر: رفع النقاب القسم 2/1070، وانظر: تحرير القواعد المنطقية لقطب الدين الرازي ص141 وما بعدها، شرح البنَّاني على السلم ص 176.
(4) علم المنطق ويسمى علم الميزان وهو: علم يُتعرَّف منه كيفية اكتساب المجهولات التصورية والتصديقية من معلوماتها. انظر: أبجد العلوم لصديق حسن القنوجي 2/521، وانظر تعريفات أخرى له في: شرح المطلع على متن إيساغوجي في المنطق لزكريا الأنصاري ص 9، مقدمة ابن خلدون 3/1136.
(5) قال المصنف في نفائس الأصول 1/212 ((النتيجة تتبع أخس المقدمات، والخِسَّات ثلاث: الظن، والسلب، والجزئي، فظنية وقطعية النتيجة: ظنية، وسالبة وموجبة النتيجة: سالبة، وجزئية وكلية النتيجة: جزئية ... )) .
(6) ساقطة من ق
(7) في ن: ((منه)) وهو تحريف
(8) انظر: المحصول 1/87، محصّل أفكار المتقدِّمين والمتأخرين ص 38
(9) في ق: ((به)) وهو غير مناسب للسياق
(10) أورد المصنف في نفائس الأصول (1/196-209) ستة مطاعن على تعريف الرازي، فراجعها ثمة.
(11) في ن: ((وكذلك)) وهو تحريف
(12) ساقطة من ن(2/438)
التصديقات في البراهين يقع في التصورات في الحدود، والتصديقات لا تتناول التصورات التي في الحدود.
فلذلك قال الآخر: ((ترتيب معلومات)) حتى يشمل (1) التصديقات والتصورات، فقيل له: إن معلومات جَمْع، وقد يكفي معلومان، في الدليل من تصديقين، والحدِّ من تصورين.
فلذلك قال الآخر: ((ترتيب معلومين)) فقيل له: إن النظر قد لا يتحصَّل منه إلا الحدُّ الناقص (2) : وهو [ذكر الفصل (3) وَحْده، أو الرَّسْم الناقص (4) ] : (5) وهو ذكر (6) الخاصَّة (7) وحدها، ومع الوَحْدة لا ترتيب [فقَيْد الترتيب لا يسوغ (8) أصلاً لتوقفه] (9)
على التعدد (10) ، فلذلك لم يصح إلا الثلاثة الأُوَل، لعدم اشتراطه الترتيب فيها والتعدد.
_________
(1) في س: ((تشمل)) .
(2) الحد الناقص: هو تعريف الشيء مركباً من جنسه البعيد وفَصْله القريب، كتعريف الإنسان بأنه جسم ناطق. ويطلق الحد الناقص - وهو المراد هنا - على تعريف الشيء بفصله القريب فقط، على خلافٍ في التعريف بالمفرد، كتعريف الإنسان بأنه: ناطق، وكونه ناقصاً؛ لعدم ذكر جميع الذاتيات فيه. انظر فتح الرحمن على مقدمة لقطة العجلان للأنصاري ص 45، شرح المطلع على متن إيساغوجي للأنصاري ص 35، حاشية العطار على شرح الخبيصي ص 131.
(3) الفصل: هو كلّي مَقُول على الشيء في جواب: أي شيء هو في ذاته، كالناطق للإنسان. أو هو: جزء الماهية الصادق عليها في جواب: أي شيء هو. انظر: حاشية العطار على شرح الخبيصي ص 107، شرح السلَّم المُنَوْرق بحاشية الصبان ص 69.
(4) الرسم الناقص: هو الذي يكون مركباً من الجنس البعيد والخاصَّة، كتعريف الإنسان بأنه: جسم ضاحك. أو بالخاصَّة وحدها، كتعريف الإنسان بأنه: الضاحك. انظر: حاشية العطار على شرح الخبيصي ص 131، تسهيل المنطق للبدخشاني ص 57
(5) ما بين المعقوفين ساقط من س
(6) ساقطة من س، ق
(7) الخاصَّة: هي كُلِّي مَقُول على أفرادٍ حقيقةً واحدةً قولاً عرضياً. كالضاحك أو الكاتب للإنسان. وله تعريفات أخرى. انظر: شرح السلم المنورق للملوي بحاشية الصبان ص71، شرح الخبيصي بحاشية العطار ص 111، فتح الرحمن على مقدمة لقطة العجلان للأنصاري ص 45
(8) في ن: ((يصح)) بدلاً من: ((يسوغ)) وهو صحيح أيضاً
(9) ما بين المعقوفين في ق: ((لتوقف الترتيب)) ..
(10) في ن: ((التحديد)) وهو تحريف(2/439)
مثال المقدمة (1) السالبة والموجبة (2) : كل إنسانٍ حيوانٌ، ولا شيء من الحيوان بجمادٍ*، فلا شيء من الإنسان بجمادٍ.
ومثال الجزئية والكلية: بعض الحيوان إنسانٌ، وكلُّ إنسانٍ ناطقٌ، فبعض الحيوان
ناطقٌ.
ومثال المظنونة والقطعية: في البيت عُصْفور عملاً بأخبار زَيْدٍ، وهذه ظنية، وكلُّ عصفور حيوان، وهذه قطعية، ففي البيت حيوانٌ (3) ظناً لا قطعاً. والضابط
في الإِنْتَاج أنك أبداً تحذف المتكرر (4) وتحكم بالثاني على الأول كما تقدَّم في المُثُل
السابقة.
والسبب في كون النتيجة تتبع أخسَّ المقدمات أن تلك المقدمة [القوية متوقِّفة] (5) على تلك الخسيسة، ولا تستقل بنفسها، فلذلك صارت مع قوتها كالضعيفة.
_________
(1) ساقطة من ق ...
(2) ساقطة من س
(3) في ق: ((عصفور)) وهو خطأ؛ لما سيُذكر بعد هذا من أن النتيجة من المقدمتين تكون بحذف المكرر، وهو الحد الأوسط، وهو هنا: ((عصفور)) .
(4) في ق: ((المكرر)) .
(5) في ق: ((متقدمة)) . وهو تحريف.(2/440)
الفصل الثاني
في حكمه
ص: مذهب مالك وجمهور العلماء رضي الله عنهم وجوبه وإبطال التقليد (1) ؛ لقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) (3) .
الصور المستثناة من تحريم التقليد:
وقد استنثى مالك رحمه الله أربع عشرة (4) صورة (5) لأجل الضرورة.
الأولى (6) : قال ابن القصار (7) :
قال مالك يجب على العوام تقليد المجتهدين في الأحكام، ويجب عليهم الاجتهاد في أعيان المجتهدين، كما يجب على المجتهدين الاجتهاد (8) في أعيان الأدلة، وهو قول جمهور العلماء (9) خلافاً لمعتزلة بغداد (10) ، وقال
_________
(1) المراد بالاجتهاد الواجب والتقليد الباطل في حق كل أحد هو ما كان في أصول الدين. أمَّا في الفروع فالعوام مستثنون من ذلك بل الواجب في حقهم التقليد. انظر مذهب مالك في وجوب الاجتهاد في العقائد في: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 7، التوضيح لحلولو ص384، وانظر مذهب الجمهور في: المعتمد 2/365، شرح اللمع 2/1007، التمهيد لأبي الخطاب 4/396، المحصول للرازي 6/91، نهاية الوصول (بديع النظام) لابن الساعاتي 2/689
(2) التغابن، من الآية: 16.
(3) وجه الدلالة منها: أنها أمرت باتقاء الله في حدود الاستطاعة، ومن الاستطاعة ترك التقليد.
(4) في س، ن: ((عشر)) وهو خطأ نحوي؛ لأن العدد "عشرة" يوافق المعدود إذا استعمل مركباً. انظر: شرح قطر الندى لابن هشام ص291
(5) في س: ((مسألة)) .
(6) ساقطة من س
(7) هذا النقل عن ابن القصار من مواضع متفرقة، ضمّنها المصنف هنا باختصار. انظر: المقدمة في الأصول
ص 7، 14، 26
(8) ساقطة من ن
(9) انظر: إحكام الفصول ص 723، 727، شرح اللمع للشيرازي 2/1010، قواطع الأدلة 5/99، المستصفى 2/466، التمهيد لأبي الخطاب 4/399، المحصول للرازي 6/73، المسودة ص 459، فواتح الرحموت 2/446
(10) أمثال: بشر بن المُعْتمِر ت 210هـ، وجعفر بن مبشِّر ت 234هـ، وجعفر بن حرب ت 246هـ، وأحمد ابن أبي دؤاد ت 240هـ، وأبي القاسم البلخي الكعبي ت 391هـ وغيرهم. انظر: شرح العمد 2/303، المعتمد 2/360، منهاج الوصول للمهدي بن المرتضى ص 780. وممن منع التقليد جملةً وتفصيلاً ابن حزم في الإحكام 2/233، وتبعه الشوكاني على ذلك انظر: إرشاد الفحول 2/351، وله رسالة موسومة بـ" القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد " بتحقيق / عبد الرحمن عبد الخالق، دار القلم - الكويت.(2/441)
الجُبَّائي (1) يجوز (2) في مسائل الاجتهاد فقط.
الشرح
التقليد في أصول الدين:
قال إمام الحرمين في " الشامل " (3) : لم يقل بالتقليد في الأصول إلا الحنابلة (4) وقال الأستاذ أبو إسحاق من اعتقد ما يجب عليه من عقيدة دِيْنِهِ (5) بغير (6) دليل لا يستحق بذلك اسم الإيمان، ولا دخول الجنة والخلوص من الخلود في النيران ولم يخالف في ذلك إلا أهل الظاهر (7) .
حجة الجمهور: قولُه تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} (8) أمر بالعلم دون
_________
(1) وهو الأب: أبو علي. انظر: شرح العمد 2/306، المعتمد 2/360
(2) في س: ((يجب)) وهو تعبير انفردت به عن سائر النسخ، وهو صحيح، وإنما جرى التعبير بالجواز في مقابلة قول معتزلة بغداد بأنه لا يجوز، وكذلك في مقابلة ما ليس من مسائل الاجتهاد كالعبادات الخمس، فإن التقليد فيها عنده لا يجوز. والله أعلم
(3) كتاب: الشامل في أصول الدين. يعتبر موسوعة في تقرير العقيدة الأشعرية. طبع منه جزء بتحقيق المستشرق: هلموت كلوبفر مطبعة دار العلوم بالقاهرة عام 1988، وله طبعة أخرى بتحقيق د. علي سامي النشار، وفيصل بدير، وسهير محمد. الناشر: دار المعارف بالأسكندرية عام 1969م
(4) استدرك المصنف على هذا النقل عن الحنابلة، وبيّن أن مشهور مذهبهم المنع من التقليد. انظر:
ص (489) وانظر هامش (3) في نفس الصفحة.
(5) في س، ن: ((دينية)) .
(6) في ق: ((لغير)) .
(7) ابن حزم ممن يرى حرمة التقليد في الفروع والأصول. انظر الإحكام 2/307 فلعلَّ المخالفين هم بعض أهل الظاهر كداود الأصبهاني وغيره انظر: الشفا للقاضي عياض 2/601. وممن جوّز التقليد في العقائد بعض الشافعية. انظر: المعتمد 2/365، وقال الرازي في المحصول (6/91) بإنه قول كثير من الفقهاء.
وينبه هنا إلى أن القول بعدم صحة إيمان المقلد وإلزام العامي بالنظر والاستدلال في كل مسائل الاعتقاد فيه شَطَطٌ وتكلُّف غير مرضي. انظر: قواطع الأدلة 5/112، المنخول ص451، المسودة ص 461، النبوات لابن تيمية ص 61 - 62، 69، 72، فتاوى عز الدين بن عبد السلام ص282، 286، تحفة المسؤول القسم 2/866، تشنيف المسامع 4/622، الضياء اللامع 3/262، رفع النقاب القسم 2/1081، نيل السول
ص 207.
(8) سورة محمد، من الآية: 19.(2/442)
التقليدِ (1) وقولُه تعالى {قُلِ انظُرُواْ} (2) و {أَفَلَمْ يَنظُرُوا} (3) و {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا} (4) وهو كثير في الكتاب العزيز. وذمَّ التقليدُ [بقوله تعالى ذَمّاً] (5) لمن قال: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُون} (6) ، وقال تعالى أيضاً {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُون} (7) ، وقال تعالى {قُلْ (8) أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُم} (9) ، فأمر بالنظر في
ذلك، وقال (10) : {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (11) } (12) .
حجة الشاذ: أنه عليه الصلاة والسلام كان يقبل إيمان (13) الأعراب الجُلفُ (14) البعيدين عن (15) النظر، ولو صحَّ ما قلتموه ما أقرَّهم على ذلك وحَكَم بإيمانهم (16) ،
_________
(1) في ن: ((تقليد)) .
(2) يونس، من الآية: 101
(3) ق، من الآية: 6
(4) النمل، من الآية: 69، والعنكبوت، من الآية: 20، والروم، من الآية: 42.
(5) ساقط من ن، والعبارة في ق هكذا: ((وذمَّ من قال)) .
(6) الزخرف، من الآية: 22
(7) الزخرف، من الآية: 23
(8) هكذا في جميع النسخ، وهكذا قرأها أكثر القراء على أنها فعل أمر، بينما قراءة ابن عامر، وحفص ((قال ... )) على أنها فعل ماضٍ. انظر: اتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر للشيخ أحمد البنا 2/455
(9) الزخرف، من الآية: 24
(10) في ن: ((وقوله تعالى)) .
(11) يُهرعون: يتبعونهم مسرعين، والإهراع: إسراعٌ في رِعْدة. انظر: مادة " هرع " في: عمدة الحفاظ، لسان العرب
(12) الصافات، من الآية: 70
(13) ساقطة من ن
(14) الجِلْف: الجافي في خَلْقه وخُلُقه. وجمعه: أجْلاف. أمَّا جُلُف فهو جمع: جَلِيْف وهو الذي قُشِر. انظر مادة " جلف " في: لسان العرب.
(15) في ق: ((على)) وهي ليست مناسبة. انظر: هامش (6) ص (419)
(16) منها حديث أنس رضي الله عنه في إسلام ضمام بن ثعلبة في البخاري (63) ، ومنها حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه في إسلام رجل من أهل نجد في البخاري (46) ، وكذلك حديث أنس في إسلام رجل من أهل البادية في مسلم (12) وغيرها.(2/443)
وسأل (1) عليه الصلاة والسلام الجارية (2) ((أين الله؟)) فقالت: في السماء. فقال للسائل: ((أعْتِقْها فإنها مؤمنة)) (3) ، وهذا كله يدل على عدم اشتراط النظر.
أجاب الجمهور عن هذه الصور (4) : بأن ذلك كان من أحكام أوائل الإسلام لضرورة المباديء. أما بعد تقرُّر الإسلام فيجب العمل بما (5) ذكرناه من موجب الآيات، ولذلك كان (6) عليه الصلاة والسلام يكتفي في قواعد الشرع والتوحيد بأخبار الآحاد، فيبعث الواحد إلى الحي من أحياء العرب يعلمهم القواعد والتوحيد والفروع، وقد لا يفيد خبره إلا الظن غالباً، ومع ذلك فيُكتفى به في أول الإسلام، بخلاف (7) الآن لا يُكتفى بمثل هذا في الدين، ولا يَحِلُّ أن يظن الإنسان نفي الشريك والوحدانية مع تجويز النقيض.
التقليد في الفروع
وأما التقليد في الفروع فحجة الجمهور قوله تعالى {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (8) فأمرهم بالحذر عند إنذار علمائهم، ولولا وجوب التقليد لما وجب ذلك، ولقوله تعالى: {أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (9) قال المفسرون: هم العلماء، وقيل: ولاة الأمر والنهي من الملوك وغيرهم (10) ، أوجب الطاعة وهو وجوب التقليد (11) .
_________
(1) في س: ((قال)) .
(2) في س: ((للجارية)) .
(3) حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم للجارية أخرجه مسلم (537) وغيره من حديث معاوية بن الحكم السلمي، وفيه أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم سألها: ((من أنا؟ قالت: أنت رسول الله ... )) إلخ.
(4) في ق: ((الصورة)) والواقع أنها صور.
(5) في س: ((عما)) وهو تحريف.
(6) في ن: ((قال)) وهو خطأ؛ لعدم مناسبتها للسياق.
(7) ساقطة من ق
(8) التوبة، من الآية: 122
(9) النساء، من الآية: 59، وصدرها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}
(10) ذكر ابن القيم بأن القولين ثابتان عن الصحابةرضي الله عنهم في تفسير الآية، وقال بأن الصحيح أنها متناولة للصنفين جميعاً، فإن العلماء ولاة الأمر حفظاً وبياناً وذبّاً عنه وردّاً على من ألْحد فيه وزاغ عنه ... والأمراء ولاة الأمر قياماً وعنايةً وجهاداً وإلزاماً للناس به وأخذهم على يد من خرج عنه. انظر: إعلام الموقعين 2/216، بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن قيم الجوزية جَمْع/ يُسري السيد محمد 2/29. وانظر: أحكام القرآن لابن العربي 1/573، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/259، تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/301
(11) في ق: ((التقليل)) وهو تحريف(2/444)
حجة المعتزلة: قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) ومن الاستطاعة ترك التقليد (2) ، ولأن العامي متمكِّنٌ من كثير من وجوه النظر، فوجب ألا يجوز له تركها قياساً على المجتهد (3) .
والجواب عن الأول*: أن الخطأ متعَيِّنٌ في حق العوام إذا انفردوا بالأحكام؛ لأنهم لا* يعرفون الناسخ والمنسوخ ولا المخصِّص ولا المُقيَّد ولا [كثيراً مما] (4) تتوقف عليه الألفاظ، وما لا يضبطونه (5) لا يحل لهم (6) محاولته لفَرْط الغَرَر فيه. وهو الجواب عن الثاني.
حجة الجبائي: أن شعائر الإسلام الظاهرة لا تحتاج لمنصب المجتهد، فلا حاجة إلى التقليد فيها كالصلوات الخمس وصوم رمضان ونحو ذلك، وأما الأمور الخفيَّة من المجتَهَد فيه فيتعيَّن التقليد فيه لغموضه.
والجواب: أن تلك الأمور إن (7) انتهت إلى حدِّ الضرورة بطل التقليد بالضرورة، ولا نزاع في ذلك؛ لأن تحصيل الحاصل محال لاسيما والتقليد إنما يفيد الظن الذي هو دون الضرورة بكثيرٍ (8) وإنْ لم يَنْتَهِ إلى حدِّ الضرورة تعيَّن التقليد للحاجة في النظر إلى أدواتٍ مفقودة في حق العامي (9) .
فروع ثلاثة:
الفرع الأول: هل يعيد العامي استفتاءه إذا عادت النازلة به؟
الأول: قال ابن القصار: إذا استفتى العامي في نازلة (10) ثم عادتْ، يحتمل أن
_________
(1) التغابن، من الآية: 16
(2) هذا الدليل الأول
(3) هذا الدليل الثاني
(4) في ق: ((كلَّ ما)) .
(5) في س: ((يضيعونه)) وهو تحريف
(6) ساقطة من ن
(7) ساقطة من ن
(8) ساقطة من س
(9) انظر: المعتمد 2/365، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 2/132، شرح اللمع للشيرازي 2/1009، التمهيد لأبي الخطاب 4/398
(10) في س: ((مسألة)) .(2/445)
يعتمد على تلك الفتوى لأنها حق، ويحتمل أن يعيد الاستفتاء لاحتمال تغيُّر الاجتهاد (1) .
الفرع الثاني: التنقل من مذهب إلى آخر
الثاني: قال الزَّنَاتيَ (2) : يجوز تقليد المذاهب في النوازل، والانتقالُ من مذهبٍ إلى مذهب (3) بثلاثة شروط:
- ألاَ يَجْمع بينهما على [وجهٍ يخالف] (4) الإجماع، كمن تزوَّج بغير صَدَاقٍ ولا ولي ولا شهود، فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد (5) .
_________
(1) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص (32) . وهذه المسألة فيها ثلاثة أقوال، الأول: لا يعيد السؤال اختاره ابن الصلاح في كتابه "أدب الفتوى" ص (149) ، والرهوني في تحفة المسئول (2/874) ، القول الثاني: يلزمه تجديد الاستفتاء، صححه ابن القصار في مقدمته ص (32) وجزم به ابن العربي في محصوله ص (616) القول الثالث: التفصيل إن كانت الفتوى استقرَّتْ على نص أو إجماع، وعَسُرت المراجعة لبعد مسافةٍ أو شدة تكرر المسألة أو كان المقلَّد ميتاً - عند من يجوزّه - فلا يلزم تكرار السؤال، وإلا لزم، وهو ما اختاره الجويني والغزالي وابن النجار وزكريا الأنصاري وغيرهم. انظر: البرهان 2/878، المنخول
ص 482، شرح الكوكب المنير 4/555، غاية الوصول ص 151. وانظر المسألة في: المسودة ص 467، البحر المحيط للزركشي 8/355، فواتح الرحموت 2/438، إعلام الموقعين 4/232، صفة الفتوى لابن حمدان ص 82.
(2) في س: ((الرزباني)) وهو تحريف. أما ترجمته فلعلَّه: أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن عيَّاش الزَّناَتي - نسبة إلى زَنَات ناحية بَسَرَقُسْطة بالأندلس - الغرناطي يُعرف بالكمَّاد شيخ المالكية، كان إماماً فقيهاً قائماً على المدونة ت 618هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 22/175. ومما دفعني إلى ترجيح كون الزناتي هو المترجم له أن القرافي ذكره باسمه في الذخيرة 6/354، وأن له رسالة بعنوان: " الكشط عن المقلدين والنشط في إفحام الملحدين " مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط، ضمن مجموع (1278) ص 354 - 374.
(3) هذه مسألة: العامي هل يجب عليه التزام مذهب معين في كل نازلة لا يبرحه؟ فيها قولان، الأول: يجب، ووجهه أنه ما قلَّده إلا لاعتقاده بأنه حق، فوجب أن يعمل بمقتضى اعتقاده. الثاني: لا يجب عليه، فالعامي لا مذهب له بل له أن يقلد أيَّ مجتهد شاء، فإن الأئمة لم يأمروا أصحابهم بالتزام مذهب معين، بل المنقول عنهم تقريرهم الناسَ على العمل بفتوى بعضهم بعضاً. انظر: المسودة ص 465، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/401، البحر المحيط للزركشي 8/373، 375، التوضيح لحلولو ص 387، تيسير التحرير 4/253، الدرَّة البهية في التقليد والمذهبية من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، إعداد/ محمد شاكر الشريف ص (26) ، أدب الفتوى لابن الصلاح ص 138، إعلام الموقعين 4/232
(4) في ن، ق: ((جهة تخالف)) .
(5) بمعنى أنه لو سئل كل عالم عن حكم هذا النكاح لأفتاه ببطلانه. ومع ذلك لم ينقل عن أحدٍ من العلماء عدم اشتراط الصداق في النكاح ألبتة. انظر: التوضيح لحلولو ص 378، وانظر: مراتب الإجماع لابن حزم
ص 123، بداية المجتهد 4/235(2/446)
- وأن (1) يعتقد فيمن يُقلِّده الفَضْلَ بوصول أخباره إليه، ولا يقلده* رَمْياً في
عَمَاية (2) .
- ألاَّ يتتبَّع رُخَصَ المذاهب.
قال: والمذاهب كلها مسالك إلى الجنة، و [طرق إلى الخيرات] (3) ، فمن سلك منها طريقاً وصله (4) .
تنبيه: قال غيره (5) : يجوز تقليد المذاهب والانتقال إليها في كل ما لا (6)
يُنْقَض فيه [حكم الحاكم] (7) وهو أربعة: ما خالف الإجماع، أو القواعد،
أو النص، أو القياس الجلي (8) . فإن أراد رحمه الله (9) بالرُّخَص هذه الأربعة فهو
حَسَنٌ متعيِّنٌ، فإن ما لا نُقِرُّه (10) مع تأكده بحكم الحاكم فأولى ألاَّ نُقِرُّه (11)
قبل ذلك، وإن أراد بالرخص ما فيه سهولة على المكلَّف -كيف كان -
يلزمه أن يكون (12) مَنْ قَلَّد مالكاً رحمه الله في المِيَاه (13) والأَرْوَاث (14)
_________
(1) هنا زيادة: ((لم)) في س، وهي شاذة منكرة.
(2) العَمَاية: الغواية واللجاجة في الباطل والجهالة. انظر مادة "عمي " في: لسان العرب. وستأتي هذه المسألة مرة أخرى ص 480 - 481.
(3) في ن: ((طريق السعادة)) ، وفي متن هـ: ((طرق إلى السعادة)) .
(4) هذا النقل عن الزَّناَتي لم أقف عليه، بَيْد أنه مثبت في: البحر المحيط للزركشي 8/378.
(5) وهو شيخ المصنف: العز بن عبد السلام، كما صرح به في نفائس الأصول 9/3964، وانظر: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص605
(6) ساقطة من س، وهو قبيح، لأنه يقلب المعنى.
(7) في ق، ن: ((قضاء القاضي)) . وهو صحيح أيضاً.
(8) انظر: هامش (13) ص 238، وهامش (5) ص 479.
(9) أي: الزَّناَتي.
(10) في س: ((يقرّ)) ، وفي ن: ((نغيره)) .
(11) في س: ((يُقرّ)) ، وفي ن: ((نغيره)) .
(12) ساقطة من ق
(13) وهو ترخيصه في ماءٍ قليل تحلُّه نجاسة يسيرة ولم تغيّره. انظر: المقدمات الممهدات لابن رشد 1/86، رفع النقاب القسم 2/1102
(14) وهو ترخيصه في الصلاة بالخُفِّ أو النعل تتلطخ بأرواث الدواب وأبوالها بعد دَلْكها، والباقي بعده معفوٌ عنه. انظر: المدونة 1/21، رفع النقاب القسم 2/1102.(2/447)
وترك (1) الألفاظ في العقود (2) مخالفاً لتقوى الله تعالى وليس (3) كذلك.
قاعدة (4) : انعقد الإجماع على أنَّ من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حَجْرٍ (5) . وأجمع الصحابة (6)
رضوان الله عليهم على أنَّ من استفتى أبا بكرٍ وعمرَ رضي الله عنهما وقلَّدهما فله أن يستفتي أبا هريرةَ ومعاذَ بن جبل وغيرهما، ويعمل بقولهم (7) من غير نكيرٍ. فمن ادعى رفع هذين الإجماعين فعليه الدليل.
الفرع الثالث: هل يؤثم المكلف إذا فعل فعلاً مخْتَلَفاً في تحريمه غيرَ مقلدٍ لأحدٍ؟
الثالث: إذا (8) فَعَل المكلَّف فِعْلاً (9) مخَتَلفاً في تحريمه غير مقلِّد لأحدٍ، فهل نؤثمه بناءً على القول (10) بالتحريم، أو لا نؤثمه بناءً على القول بالتحليل، مع أنه ليس إضافته إلى أحد المذهبين أولى من الآخر، ولم يَسْألنا عن مذهبنا فنجيبه؟. ولم أرَ
[لأحدٍ من أصحابنا فيه نقلاً] (11) .
_________
(1) في س: ((وتلك)) وهو تحريف.
(2) نحو انعقاد البيع في المعاوضة من غير قول. انظر: مواهب الجليل 6/13، رفع النقاب القسم 2/1102
(3) في ن: ((فليس)) والفاء هنا غير مناسبة للسياق.
(4) في ن: ((فائدة)) وهو موافق لما جاء في نفائس الأصول 9/3963
(5) في س: ((حجة)) والمثبت أظهر في المراد.
(6) حكى المصنف هذين الإجماعين عن شيخه العز بن عبد السلام، كما صرح بذلك في: نفائس الأصول (9/3963) . لكن في ادعائها نظر، بدليل أن المصنف ذكر خلافاً في هذه المسألة في الفصل الثامن
ص (480 - 481) عند تعدد المفتين، هل يتخيّر المقلد من بينهم من شاء أو يتحرَّى الأعلم الأورع؟
... ثم إن ما قرره هنا تحت هذه القاعدة مناقض لما تقدم قريباً في قوله ((ولا يقلده رمياً في عماية))
ص (447) وقوله في أول هذا الفصل ص (441) ((يجب على العوام تقليد المجتهدين في الأحكام، ويجب عليهم الاجتهاد في أعيان المجتهدين ... )) . وقد حاول الشوشاوي الاعتذار عن المصنف بأن كلامه هنا محمول على من أسلم وضاق عليه الوقت ولم يمهله الوقت إلى استفحاص أحوال العلماء. انظر: رفع النقاب القسم 2/1104، 1169.
(7) في ن، س متن هـ: ((بقولهما)) والمثبت أصحُّ، لعود الضمير على أكثر من اثنين.
(8) في س: ((إن)) انظر هامش (7) ص (16) .
(9) ساقطة من ق.
(10) ساقط من س.
(11) في س، متن هـ: ((لأصحابنا فيه نصاً)) .(2/448)
وكان الشيخ الإمام عِزُّ الدين بن عبد السلام (1) قدّس الله روحه من الشافعية يقول في هذا الفرع: إنه آثمٌ من جهة [أن كل واحد يجب عليه] (2) ألاَّ يُقْدِم على فعلٍ حتى يعلم حكم الله تعالى فيه، وهذا أَقْدَم غير عالم، فهو آثم بترك التعلُّم (3) ، وأما تأثيمه بالفعل نفسه، فإن كان مما عُلِم من الشرع قُبْحُه أثَّمْنَاه وإلا فلا (4) .
وكان يُمثِّلهُ بما اشْتَهر قُبْحه كتلقي الرُّكْبَان (5) وهو من الفساد على الناس ونحو ذلك.
الصورة الثانية وما بعدها من الصور المستثناة من تحريم التقليد
ص: الثانية: قال ابن القصار: يُقلَّد القائِفُ (6) العَدْل عند مالك رحمه الله، ورُوِى لابدَّ من اثنين (7) .
_________
(1) هو عبد العزيز بن عبد السلام بن القاسم بن الحسن السُّلَمي الشافعي، المشهور بالعز بن عبد السلام، وسلطان العلماء، الفقيه الأصولي المحدِّث، درس الأصول على الفخر الرازي وسيف الدين الآمدي، والحديث على ابن عساكر، تولَّى قضاء مصر عدة مرات وكان يُعزل أو يعزل نفسه، وكان صارماً على الولاة لا تأخذه في الله لوم لائم. من مؤلفاته: قواعد الأحكام في مصالح الأنام (ط) ، الإمام في بيان أدلة الأحكام (ط) وغيرهما. ت سنة 660 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى 8 / 248، النجوم الزاهرة 7 / 208.
(2) ن، ق: ((أنه يجب على كل أحدٍ)) .
(3) في ق: ((التعليم)) وهو تحريف، لأن المراد أن يكوم متعلماً: ((لامعلَماً)) .
(4) قال الشوشاوي: ((أما تأثيمه من جهة نفسه، فالأولى ألاَّ يؤثم - وإن كان مما عُلم في الشرع قبحه - إذا كان الفاعل غير عالم؛ لأن التكليف مع عدم العلم تكليف بما لا يطاق، فالأولى تفويض ذلك إلى الله حتى يدل الدليل القاطع على التأثيم)) . رفع النقاب القسم 2/1105.
(5) تلقي الرُّكْبان هو تلقي السِّلَع من القادمين بها فيُبْتاع منهم قبل ورود أسواقها ومواضع بيعها. انظر: المنتقي للباجي 5/101
(6) القائف لغة: اسم فاعل من قاف يقوف قيافةً، وهو الذي يتتبع الآثار ويعرف شَبَه الرَّجِل بأخيه وأبيه. انظر مادة "قوف " في: النهاية في غريب الحديث والأثر، لسان العرب. واصطلاحاً القيافة: اعتبار الشبه في إلحاق النسب. حاشية البناني على شرح الزرقاني لمختصر خليل 6/110.
(7) وانظر: المقدمة في الأصول ص 14 - 15، وانظر: تقريب الوصول ص451، التوضيح لحلولو ص 388.(2/449)
الشرح
اخْتُلف في مدرك هذه* المسألة، فقال أصحابنا: إنه كالرواية فيكفي الواحد، أو الشهادة فلابد من اثنين، وقال الشافعية: المدرك أنه حاكم، والحاكم (1) يكفي (2) واحد، أو شهادة فلابد من اثنين (3) .
ص: الثالثة (4) : قال: يجوز عنده (5) تقليد التاجر في قيم المُتْلَفات إلا أن تتعلق القيمة بحدٍّ من حدود الله تعالى، فلابد من اثنين لدُرَبْة التاجر بالقيم (6) ، ورُوِي عنه أنه لابد من اثنين في كل موضع.
الشرح
يريد بالقيمة التي يتعلق بها حَدٌّ، كتقويم العَرَض المسروق، هل (7) وصلتْ قيمته إلى نصاب السرقة أم لا؟ فهذه الصورة لابد فيها من اثنين؛ لأن الحدود تُدْرأ بالشبهات، ولأنه عضو يُبَان فيُحتاط فيه لشرفه (8) .
ص: الرابعة: قال: ويجوز عنده (9) تقليد القَاسِم (10)
_________
(1) ساقطة من ق
(2) في ق: ((فيكفي)) .
(3) اشتراط التعدد في القائف هو رواية عند مالك، وقول لأحمد، وقول عند الشافعية في مقابل الأصح. انظر: المنتقي للباجي 6/14، المغني 8/376، تبصرة الحكام لابن فرحون 1/247، 2/99، نهاية المحتاج للرملي 8/351، القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحَّام ص 245. لكن المصنف في كتابه: الفروق (1/8-9) غلَّب مدرك الشهادة على الرواية، وأثبت أن اعتبار قول القائف شهادة أقوى من اعتباره روايةً.
(4) في ن: ((الثالث)) وهو خطأ نحوي؛ لأن العدد إذا كان اسم فاعل فإنه يوافق معدوده، والمعدود هنا مؤنث وهو: صورة أو مسألة. انظر: شرح قطر الندى لابن هشام ص 291
(5) في ن: ((عند الناس)) وهو غير مراد هنا، بل المراد عند الإمام مالك رحمه الله
(6) هذا تعليلٌ لجواز تقليد التاجر، أما تعليل اشتراط الاثنين فسيذكره في الشرح.
(7) في س: ((مثل)) وهو تحريف.
(8) انظر: تبصرة الحكام 1 / 247، الفروق 1 / 9.
(9) ساقطة من ن، متن هـ.
(10) القاسم: اسم فاعل من القِسْمة، وهي: تصْيِيْرُ مُشاعٍ من مملوكِ مالِكَيْن مُعيَّناً - ولو باختصاص تصرُّفٍ
فيه - بقرعةٍ أو تراضٍ. شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع 2/492(2/450)
[بين اثنين] (1) ، وابن القاسم (2) لا يقبل قول القاسم؛ لأنه شاهِدٌ على فعل* نفسه (3) .
الشرح
مالكٌ يُجْرِيه مُجرَى الحاكم أو نائب الحاكم يخبره بما ثبت عنده.
ص: الخامسة: قال: ويجوز تقليد المقوِّم (4) لأَرْش (5) الجنايات عنده (6) .
السادسة: قال: [يجوز تقليد] (7) الخارص (8) الواحد فيما يَخْرُصه عند مالك (9) رحمه الله.
_________
(1) ساقط من ن.
(2) هو: أبوعبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد العُتَقِيّ - نسبة إلى قبيلة العتقيين - المصري، من أعلم تلاميذ مالك بفقهه وله "المدوَّنة" (ط) التي جمع فيها أقوال مالك. جمع بين الزهد والصلاح، وله آراء يخالف فيها مالكاً. ولد عام 132هـ، توفي في عام 191هـ انظر: ترتيب المدارك 1/433، الديباج المذهب ص239، سير أعلام النبلاء 9/120
(3) صنيع المصنف هنا وفي الفروق (1 / 10) أن القول بعدم قبول قول القاسم منسوب لابن القاسم. لكن الذي في " المقدمة في الأصول " لابن القصار ص 16 - 17 أنهما روايتان عن مالك، الأولى برواية ابن نافع، والثانية برواية ابن القاسم. وانظر المسألة في الذخيرة 10 / 276.
(4) في س: ((المقدم)) وهو تحريف
(5) الأرش: هو جزء من الثمن نسبته إليه نسبة ما ينقص العيب من قيمة المبيع لو كان سليماً إلى تمام القيمة.
وسمي أرْشاً، لأنه من أسباب النزاع، يقال: أَرَشْتُ بين القوم، إذا أوقع بينهم وحرَّش. والأَرْش في الجنايات:
أن يقوَّم العبد سليماً صحيحاً ثم تقوَّم الجناية، فيؤخذ الفرق من قيمته. انظر مادة "أرش " في: النهاية غريب
الحديث والأثر، لسان العرب، القاموس الفقهي لسعدي أبو جيب.
(6) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 17. ويجرى هنا الخلاف السابق، هل يكتفي فيه بالوحد أم لا؟ انظر: الفروق 1/9، رفع النقاب القسم 2/1112
(7) في س متن هـ: ((لا يقلَّد)) .
(8) الخارص: اسم فاعل من خَرَص يخرُص خَرْصاً. والخَرصْ: هو الحَرْز والقول بالظن والكذب. انظر: مادة "خرص " في: لسان العرب. والخرص عند الفقهاء: هو حَرْز ما على النخل من الرُّطّب تمراً، وما على الكَرْم من العنب زبيباً، أي هو: حَرْزُ للثمار قبل الجذاذ من غير وزن ولا كيل. انظر: مادة "خرص " في عمدة الحفاظ، معجم لغة الفقهاء للدكتور محمد رواس قلعجي، القاموس الفقهي.
(9) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص18، وانظر: تقريب الوصول ص 452، الذخيرة 3/90، القواعد للمقرَّي 2/524، تبصرة الحكَّام 1/247.(2/451)
السابعة: قال يُقلَّد عنده الراوي فيما يرويه (1) .
الثامنة: قال يُقلَّد عنده الطبيب فيما يدَّعيه. (2)
التاسعة: قال يُقلَّد المَلاَّح (3) في القبلة إذا خَفِيَتْ أدلتها وكان عَدْلاً دَرِيّاً بالسير في البحر، وكذلك كل من كانت صناعته في الصحراء وهو عَدْل. (4)
العاشرة: قال: ولا يجوز عنده أن يقلِّد عاميٌّ عامياً إلا في رؤية الهلال لضبط (5) التاريخ دون العبادة (6) .
الحادية (7) عشرة (8) : قال: يجوز عنده (9) تقليد الصبي والأنثى والكافر والواحد في الهدية والاستئذان (10) .
الشرح
قال الشافعية: هذه الصورة ونحوها احتَفَّتْ بها (11) القرائن فنابت عن العدد والإسلام، وربما حصل العلم (12) .
_________
(1) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 19، تبصرة الحكام 1/248. وانظر باب الخبر، الفصل السابع من هذا الكتاب ص 254.
(2) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 19، تبصرة الحكام لابن فرحون 1/248.
(3) الملاَّح: هو السَّفَّان صاحب السفينة، وحِرْفته: المِلاحة والمَلاَّحِيَّة. وسمي بذلك إما لملازمته الماء المالح بإجراء السفن فيها، أو من الريح المِلاح التي تجري بها السفينة. انظر مادة "ملح " في: لسان العرب.
(4) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 19، وانظر الفروق 1/10، 13
(5) في ن: ((لربط وهو تحريف
(6) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 23، تبصرة الحكام لابن فرحون 1/248، ويُلاحظ هنا أنَّ علم التاريخ وضبط الأيام والشهور يكفي فيها الواحد؛ لأن بابه باب إخبار، وأما أبواب العبادة من صوم وحج ونحوهما مما يترتب عليه فرض العبادة فلابد من شاهدين عدلين عند مالك. انظر: المدونة 1/174، الفروق 1/12
(7) في متن هـ: ((الحادي)) وهو خطأ نحوي. انظر هامش (3) ص (58) .
(8) هكذا في متن هـ، ومتن د، وهو الصواب. وفي سائر النسخ: ((عشر)) وهو خطأ نحوي. انظر هامش (4) ص (441) .
(9) ساقطة من س.
(10) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 24، تبصرة الحكام لابن فرحون 1/248.
(11) في ق: ((فيها)) والمثبت أظهر.
(12) الصحيح عند الشافعية عدم اشتراط احتفاف القرائن. انظر: مغني المحتاج 3/234، الأشباه والنظائر لابن السبكي 2/165. وانظر: الفروق 1/14(2/452)
ص: الثانية عشرة: (1) قال: يُقلَّد القَصَّاب (2) في الذكاة ذكراً كان أو أنثى، مسلماً أو كتابياً، ومَنْ مِثْلُه يَذْبح. (3)
الثالثة عشرة: (4) [قال: تُقلَّد] (5) محاريبُ البلاد العامرة التي تتكرر الصلاة فيها (6) ، ويُعلم أن إمام المسلمين بناها ونَصَبَها أو اجتمع أهل البَلْدة (7) على بنائها، قال: لأنه قد عُلِم أنها لم تُنْصب إلا بعد اجتهاد العلماء في ذلك، ويقلِّدها العالم والجاهل، وأما غير ذلك (8) فعلى العالم الاجتهاد، فإن تعذَّرت عليه الأدلة صَلَّى إلى المحراب إذا كان البلد عامراً؛ لأنه أقوى من الاجتهاد بغير دليل، وأما العامي فيُصلِّي في سائر المساجد. (9)
الشرح
قلت: وهذا بشرط أن لا يشتهر الطعن (10) فيها كمحاريب القرى (11) وغيرها بالديار المصرية، فإن أكثرها ما زال العلماء قديماً وحديثاً ينبِّهون (12) على فسادها، وللزَّيْن الدِّمْياطي (13)
في ذلك
_________
(1) هكذا في متن هـ، وهو الصواب. وفي س، ق، ن: ((عشر)) وهو خطأ نحوي. انظر هامش (4) ص (441)
(2) القصَّاب: اسم منسوب إلى القصابة، وهي: الجِزَارة يقال: قَصَب الجزَّارُ الشاةَ يَقْصِبها قَصْباً بمعنى: قَطَّعها عضواً عضواً. انظر: لسان العرب مادة: ((قصب)) .
(3) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 24، تقريب الوصول ص 453، تبصرة الحكام لابن فرحون 1/248. وللمصنف تعليق مفيد حول هذه المسألة في كتابه: الفروق (1/15) وانظر معه تعقيب ابن الشاط بحاشيته.
(4) هكذا في متن هـ، وهو الصواب. وفي س، ق، ن: ((عشر)) وهو خطأ نحوي. انظر هامش (4)
ص (441) .
(5) في ن: ((تقليد)) ولا خبر لها.
(6) ساقطة من س.
(7) في ن: ((البلد)) .
(8) في ق: ((تلك)) والَخْطب سهل، فهو بحسب التقدير
(9) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 28، الذخيرة 2/123، المعيار المعرب للونشريشي 1/22
(10) في ن: ((الظن)) فهو بمعنى الشك هنا.
(11) في س: ((الغرباء)) .
(12) في س، ق: ((يشهدون)) .
(13) هو الحسين بن الحسن بن منصور القاضي زين الدين أبوعبد الله السَّعْدي، المقدسي الأصل، الدمياطي
- نسبة إلى دمياط بمصر - كان صالحاً زاهداً، وهو شيخ الحافظ شرف الدين الدمياطي، له تصنيف في البدع والحوادث. توفي بصعيد مصر سنة 648هـ. انظر: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/131.(2/453)
كتابٌ (1) ولغيره (2) ، وقد قصد الشيخ عِزُّ الدين بن عبد السلام تغيير (3) محراب قبة (4) الشافعي رضي الله عنه والمدرسة (5) [
ومصلَّى خَوْلان] (6) ، فعاجله ما منعه من ذلك، وهو قضيَّته (7) مع بني الشيخ وإسقاطه (8) معين الدين (9) ، وعَزَل نَفْسَه عقيب ذلك (10) ،
_________
(1) لعله الكتاب المذكور في ترجمته السالفة، وهو: "درر المباحث في أحكام البدع والحوادث ". انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة 1/749
(2) كالمقريزي في خططه، المعروف بـ: "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"، فإنه قسَّم محاريب ديار مصر إلى أربعة محاريب بحسب اتجاهها نحو القبلة، وزيَّف كثيراً من محاريب مساجد القرافة والفُسْطاط، وبيَّن أسباب اختلاف هذه المحاريب. فانظره في "خططه " 3/126 - 139 مطبعة دار التحرير للطبع والنشر. وانظر: كلام المصنف عن هذه المحاريب في الذخيرة: 2/124- 125
(3) في س: ((يُغيِّر)) .
(4) ساقطة من ن
(5) قبة الشافعي: أنشأها الملك الكامل محمد بن الملك العادل الأيُّوُبي سنة 608هـ على قبر الشافعي رحمه الله عندما دَفَن بجواره ولده، ثم بُني جامع الشافعي عندها في القرافة (بالقاهرة) . انظر: خطط المقريزي 3/453، عجائب الآثار للجبرتي 1/28. وانظر ما قيل في القبة والجامع في: الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة وبلادها القديمة والشهيرة، تأليف: علي باشا مبارك (5/22) . مع أن هذا الفعل بدعة في الدين محدثة لا تجوز.
أما المدرسة فلعلها المدرسة الناصرية التي بناها السلطان الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي بالقرافة الصغرى بالقاهرة بجوار قبر الإمام الشافعي رحمه الله. انظر: خطط المقريزي 3/197، 377
(6) ساقط من ق. ومصلَّى خَوْلان: يقع في القرافة، وفيها عدة مصلَّيات ومحاريب. وعُرف "مصلّى خولان " بهذا نسبةً إلى طائفة من العرب الذين شهدوا فتح مصر، يقال لهم: خولان، وهم من قبائل اليمن. انظر: خطط المقريزي 3/468.
(7) في ق: ((قصته)) .
(8) في ق: ((إسقاط)) .
(9) هو معين الدين الحسن بن شيخ الشيوخ. كان وزيراً للملك الصالح نجم الدين أيوب (ت 647هـ) ، وكان نائباً له في دمشق، توفي بدمشق سنة 643هـ انظر: البداية والنهاية لابن كثير 13/182، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي 6/352
(10) خلاصة القصة أن معين الدين بنى بيتاً على سطح مسجدٍ بمصر، وجعل فيه دار لهوٍ وغناءٍ، فأنكر ذلك العز ابن عبد السلام، ومضى بأبنائه وجماعته وهدم البنيان، ولما علم أن السلطان والوزير يغضبان من ذلك، أسقط عدالة الوزير، وعَزَل نفسه عن القضاء، وهي المرة الأخيرة، وكانت هذه الحادثة سنة640هـ. انظر: فوات الوفيات والذيل عليها لمحمد بن شاكر الكتبي 2/351، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 8/210(2/454)
وكذلك محاريب (1) الَمَحلَّة مدينة الغربية (2) ،
والفَيُّوم (3) ، ومُنيْة ابن خُصَيْب (4) ، وهي لا تُعدُّ، ولا تُحْصى لا يجوز أن يقلدها عالم ولا عامي.
ص: [الرابعة عشرة] (5) : قال: يُقلَّد العامي في ترجمة الفتوى باللسان العربي أو العجمي وفي قراءتها أيضاً (6) ، ولا يجوز لعالمٍ (7) ولا لجاهلٍ التقليد في زوال الشمس لأنه مُشَاهد (8) .
_________
(1) في ق، ن: ((محراب)) .
(2) لعلَّها المحلّة الكبرى سمّيت بهذا لأنها أكبر البلاد المسماة بالمحلَّة، فإن هذا الاسم يطلق على نحو 100 قرية ببلاد مصر. والمحلَّة هي قاعدة محافظة الغربية، تقع غربي فرع النيل بين القاهرة ودمياط..انظر: الانتصار لواسطة عقد الأمصار لابن دقماق ص57، محافظات الجمهورية العربية المتحدة وآثارها الباقية في العصر الإسلامي للدكتورة سعاد ماهر ص 90
(3) الفَيُّوم: مدينة مصرية قديمة سيق إليها نهر النيل، وهي قاعدة محافظة الفيوم، تقع في الجنوب الغربي للقاهرة انظر: الخطط التوفيقية الجديدة 14/84، محافظات الجمهورية العربية المتحدة ص 68
(4) مُنْية ابن خُصيب: مدينة كبيرة في مصر على شاطيء النيل من بلاد الصعيد وهي المسماة الآن "بالمِنيْا" تقع في منتصف الطريق بين بني سُويف وأسيوط. وسميت بذلك نسبة إلى الخُصَيْب بن عبد الحميد صاحب خراج مصر من قِبَل هارون الرشيد، ويقال: إنه أنشأها لابنه، وفي معجم البلدان (8/188) هي: مُنية أبي الخُصيب، وهي موافقة لنسخة ز. انظر: خطط المقريزي 1/385، وصف أفريقيا لابن الوزان الفاسي 2/235، رحلة ابن بطوطة 1/224.
(5) في س: ((الرابع عشر)) ، وفي ن: ((الرابعة عشر)) وكلاهما خطأ نحوي. انظر هامش (4) ص (441)
(6) لكن هل يكفي واحد؟. به قال مالك؛ لأنه أَشْبَه الرواية لعموم الناس، وقيل: لابد من اثنين. انظر: الفروق 1/8.
(7) في س: ((لعامي)) وهو خطأ، للتكرار بما بعده، وهو غير مراد.
(8) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 38، تبصرة الحكام 1/248. لكن قال حلولو في مسألة عدم التقليد في زوال الشمس ((فيه نظر فإن من الناس من لا يُحْسن ذلك ... )) التوضيح ص 388 وانظر الذخيرة 2/80، الفروق 4/458، مواهب الجليل 2/16.(2/455)
الفصل الثالث
فيمن يتعيَّن (1) عليه الاجتهاد
ص: أفتى أصحابنا رضي الله عنهم بأن العلم على قسمين: فَرْض عينٍ، وفَرْض كفايةٍ (2) .
وحكى الشافعي رضي الله عنه في " رسالته " (3) والغزالي في " أحياء علوم الدين " (4) الإجماعَ على ذلك (5) ، ففْرض العين الواجبُ (6) على كل أحد [هو علمه] (7)
بحالته التي هو فيها، مثاله: رجل أسلم، ودخل عليه (8) وقت الصلاة، فيجب عليه أن يتعلم الوضوء والصلاة، فإن أراد أن يشتري طعاماً لغذائه قلنا له (9) : يجب عليك أن تتعلم ما تعتمده في ذلك، [وإن أراد الزواج وجب عليه أن يتعلم ما يعتمده (في ذلك) (10) ،
_________
(1) في س: ((تعيّن)) .
(2) انظر: كتاب الفروق للمصنف (1/116) لمعرفة ضابط الفرق بين فرض العين، وفرض الكفاية، وانظر مبحثهما من هذا الكتاب: ص 155 (المطبوع) .
(3) انظره في: ص (357) وما بعدها، ص (478) وما بعدها. "والرسالة" أول مصنف دُوِّن في أصول الفقه، جمع فيها قواعده الكلية، وشهرتها تغني عن التعريف بها. حققها شيخ المحققين أحمد محمد شاكر، وعليها شروحات لكنها مفقودة. انظر: مقدمة الرسالة، الفكر الأصولي د. عبد الوهاب أبو سليمان ص 67-89
(4) انظره في: 1/29. وهو كتاب شهير جداً في الوعظ والرقائق، له طبعات متعددة مع تخريج أحاديثه للزين العراقي، وعليه شرح كبير وهو: اتحاف السادة المتقين للمرتضى الزبيدي، وهو مطبوع. وله عدة اختصارات منها: منهاج القاصدين لابن الجوزي (المطبوع مختصره) ، وموعظة المؤمنين للقاسمي (ط) . وقد طال الجدل في الحكم على الكتاب ما بين قادح ومادح، والإنصاف أن يقال بأنه يحتوي علي فوائد كثيرة نفيسة، ولكن فيه موادُّ مذمومة من كلام الفلاسفة وشطحات الصوفية وأحاديث موضوعة. انظر: مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية 10/ 551، رسالة بعنوان: كتاب إحياء علوم الدين في ميزان العلماء والمؤرخين بقلم: علي حسن علي عبد الحميد. دار ابن الجوزي بالدمام.
(5) وممن حكى الإجماع أيضاً ابن عبد البر في كتابه: جامع بيان العلم وفضله 1/56، وانظر: الذخيرة 6/28
(6) ساقطة من ق
(7) في س: ((وهو علم)) ، وفي ق: ((عمله)) وهو تحريف..
(8) ساقطة من ق، وفي س، ن: ((في)) وهكذا باقي النسخ ماعدا النسختين ز، م فالمثبت منهما، وهو الأنسب لكثرة إسناد الدخول إلى الوقت.
(9) ساقطة من ق، ن.
(10) ساقط من ن.(2/456)
وإن أراد أن يؤدي شهادة وجب (1) عليه أن يتعلم (2) شروط التحمل والأداء، وإن أراد أن يصرف ذهباً وجب عليه أن يتعلم حكم الصَّرْف (3) ] (4) ، فكل حالة يتصف بها يجب (5) عليه [أن يعلم] (6) حكم الله تعالى فيها، فعلى هذا لا ينحصر فرض العين في العبادات، ولا في (7) باب من أبواب الفقه، كما يعتقده كثير من الأغبياء (8) ،
وعلى هذا القسم يُحمل قوله عليه الصلاة والسلام ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)) (9) فمن توجَّهت عليه حالة فعلم وعمل بمقتضى علمه فقد أطاع الله طاعتين، ومن (10) لم يعلم ولم يعمل* فقد عصى الله معصيتين، ومن (11) علم ولم يعمل فقد أطاع الله طاعة وعصاه معصية، ففي هذا المقام يكون العالم خيراً (12) من الجاهل، والمقام
_________
(1) في متن هـ: ((فيجب)) .
(2) في ن: ((يتحمل)) وهو لا يؤدي الغرض؛ لأن المقام مقام تعلَّم.
(3) الصرف، لغة: ردُّ الشيء عن وجهه. انظر: لسان العرب مادة: ((صرف)) . واصطلاحاً: هو بيع الذهب بالفضة أو أحدهما بفلوس. شرح حدود ابن عرفة 1/37
(4) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((وإن أراد الزواج أو الشهادة أو الصرف وجب عليه أن يتعلم أحكامها)) .
(5) في ن: ((وجب)) .
(6) ساقط من ن
(7) ساقطة من ن، س، متن هـ.
(8) في ق: ((الأغنياء)) . والظاهر أنها غير مرادة هنا..
(9) الحديث مشهور، وله طرق متعددة، ممن أخرجه ابن ماجه (224) ، والطبراني في المعجم الصغير (1/16) وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/23-53) ولا تخلو هذه الطرق من طعن وعلة، قال ابن عبد البر ((كلها معلولة ولا حجة فيها من حيث الإسناد)) وقال البيهقي في كتابه: المدخل إلى السنن الكبرى ص 242، ((هذا حديث متنه مشهور وأسانيده ضعيفة ... )) وقال السيوطي في الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ص (137) ((رُوي من حديث أنس وجابر وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وعلي وأبي سعيد، وفي كل طرقه مقال - ثم قال - فالحديث حسنٌ)) . وجمع من العلماء صححه أو حسنه، إما لاعتضاد طرقه أو لشواهده، منهم: المِزِّي، والزركشي، والألباني. انظر: التذكرة في الأحاديث المشتهرة للزركشي ص 40، المقاصد الحسنة للسخاوي ص 328، تخريج أحاديث مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام للألباني ص 48.
(10) في ق: ((وإن)) .
(11) في ق: ((وإن)) .
(12) في س: ((خير)) وهو خطأ نحوي، لأن خبر "كان " منصوب.(2/457)
الذي يكون الجاهل فيه خيراً (1) من العالم مَنْ شَرِب خمراً [يعلمها، وشربها] (2) آخر يجهلها (3) ، فإنَّ العالم (4) آثم (5)
بخلاف الجاهل، وهو أحسن حالاً من العالم وكذلك من اتَّسَع في العلم باعُه تعظُم مؤاخذته؛ لعلوِّ منزلته، بخلاف الجاهل فهو أسعد حالاً من العالم في هذين الوجهين (6) .
وأما فرض الكفاية: فهو العلم الذي لا يتعلق بحالة الإنسان، فيجب على الأمة أن تكون منهم طائفة يتفقهون (7) في الدين، ليكونوا قدوة للمسلمين حفظاً للشرع من (8) الضياع، والذي يتعيَّن لهذا (9) من الناس من جاد حِفْظُه، وحَسُن إدراكُه، وطابت سجيته وسريرته، ومن لا فلا.
الشرح
لأن من لا يكون كذلك لا يحصل منه المقصود، [إمَّا لتعذره كسيِّيء الفهم
يتعذر عليه أن يصل لرتبة الاقتداء، أو لسوء الظن به، فينفر الناس عنه، فلا يحصل منه (10) مقصودُ] (11) الاقتداء (12) .
_________
(1) في ن، س، ق: ((خير)) وهو خطأ نحوي؛ لأن خبر كان منصوب.
(2) في ن، س: ((يعلمه وشربه)) وهو صحيح أيضاً؛ لأن الخمر تذكر وتؤنث، والتأنيث أغلب عليها. انظر: المذكر والمؤنث للأنباري ص 337
(3) في س، ن: ((يجهله)) وهو جائز للعلة السابقة.
(4) هنا زيادة: ((بها)) في س
(5) في متن هـ: ((يأثم)) ..
(6) انظر: الذخيرة للمصنف 6/28-29
(7) في س: ((يتفقَّهوا)) وقد سبق التعليق على مثلها.
(8) في ن: ((عن)) .
(9) في ق: ((لهذه)) وربما كان وجهه الإشارة إلى ((حالة)) .
(10) ساقطة من ق
(11) ما بين المعقوفين ساقط من ن
(12) في ن: ((والاقتداء)) .(2/458)
الفصل الرابع
في زمانه
ص: واتفقوا على جواز الاجتهاد بعد وفاته عليه الصلاة والسلام (1) ، وأما في زمانه [فوقوعه منه عليه الصلاة والسلام قال به] (2) الشافعي (3) وأبو يوسف (4) ، وقال أبو علي وأبو هاشم (5) : لم يكن متعبَّداً به؛ لقوله تعالى {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} (6) ، وقال بعضهم: كان له عليه الصلاة والسلام أن يجتهد في الحروب والآراء (7) دون الأحكام (8) ،
قال الإمام: وتوقف أكثر المحققين في الكل (9) .
_________
(1) انظر حكاية الاتفاق في: المحصول للرازي 6/18، الإحكام للآمدي 4/175، نهاية الوصول للهندي 8/3816، تقريب الوصول ص 422، الإبهاج 3/252.
(2) ما بين المعقوفين في ق: ((فقال بوقوعه)) .
(3) انظر النسبة إليه في: المحصول للرازي 6/7، السراج الوهاج للجاربردي 2/1068، تشنيف المسامع 4/578 وهذا رأي جماهير الأصوليين، انظر: شرح اللمع للشيرازي 2/1091، التلخيص 3/399، المنخول ص 468، التمهيد لأبي الخطاب 3/412، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/91. وقد حرَّر المصنف في كتابه: نفائس الأصول (9/3806) محل الخلاف، فحصره في الفتاوى، أما اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الأقضية وفصل الخصومات فيجوز بلا نزاع. وانظر أيضاً: التوضيح لحلولو ص 389، الآيات البينات للعبادي 4/344، سلم الوصول للمطيعي بحاشية نهاية السول للإسنوي 4/533. لكن الزركشي في البحر المحيط (8/51) نازع في هذه الدعوى. وانظر: التقرير والتحبير 3/401.
(4) انظر النسبة إليه في: ميزان الأصول للسمرقندي 2/678، كشف الأسرار للبخاري 3/246، تيسير التحرير 4/185. ومذهب أكثر الحنفية جواز اجتهاده إن انقطع طمعه في الوحي وخاف فوات الوقت. انظر: أصول السرخسي 2/91، المغني للخبازي ص264، التقرير والتحبير 3/394.
(5) انظر النسبة إليهما في: شرح العمد 2/348، المعتمد 2/210، 240. وهو مذهب أكثر المعتزلة. ومن المانعين أيضاً ابن حزم في: الإحكام 2/125.
(6) النجم، الآية: 4.
(7) ساقطة من متن هـ.
(8) ومنهم من حكي الإجماع على ذلك..انظر: البحر المحيط للزركشي 8/247، التوضيح لحلولو ص389، شرح الكوكب المنير 4/474
(9) انظر: المحصول 6/7، وانظر: نهاية السول للإسنوي 4/531. وهناك كتاب مستقل في هذه المسألة، عنوانه: اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم للدكتورة نادية العمري(2/459)
وأما وقوع الاجتهاد في زمانه عليه الصلاة والسلام من غيره فقيل (1) : هو (2) جائز عقلاً في الحاضر عنده عليه الصلاة والسلام والغائب عنه (3) ، فقد قال له* معاذ ابن جبل: أجْتَهدُ رأيي (4) .
الشرح
حجة كونه عليه الصلاة والسلام كان يجتهد: ما رُوِي أنه عليه الصلاة والسلام لما قال في تحريم مكة: ((لا يُعْضَد شجرُها ولا يُخْتَلى خَلاَها)) : فقال له العباس: إلا الإِذخِر يا رسول الله، فإنَّا نحتاجه لدوابِّنا، فقال: ((إلا الإِذْخِر)) (5) وهذا يدل على أنه لما بيّن له الحاجة إليه أباحه بالاجتهاد للمصلحة.
_________
(1) ساقطة من ق، وفي متن هـ: ((فعليلٌ)) وهو محتمل إذا كان المراد أن الخوض في هذه المسألة لا ثمرة له، كما سيظهر في هامش (3) من هذه الصفحة.
(2) في متن هـ: ((وهو)) وهي مستقيمة بما جاءت في سياقه، وفي ق: ((فهو)) .
(3) اقتصر المصنف في مسألة حكم اجتهاد غير النبي صلى الله عليه وسلم في حياته على قولٍ واحد، وهو الجواز مطلقاً في حضرته وغيبته، بإذنه وبدونه. أما القول الثاني فهو: المنع مطلقاً. والثالث: الجواز للغائب من الولاة والقضاة، والرابع: الجواز للغائب مطلقاً. والخامس: الجواز للغائب مطلقاً، وللحاضر بإذنه. والسادس: الوقف. انظر: المستصفى 2/390، الوصول لابن برهان 2/376، الإحكام للآمدي 4/175، شرح مختصر الروضة 3/589، تشنيف المسامع 4/580، التوضيح لحلولو ص390، تيسير التحرير 4/191، نشر البنود 2/320 قال الرازي في المحصول 6/18: ((الخوض فيه قليل الفائدة؛ لأنه لا ثمرة له في الفقه)) .
(4) سلف تخريجه في هامش (1) ص (38) .
(5) أخرجه البخاري في صحيحه (1349، 1833) ، ومسلم (1353، 1355) وغيرهما من حديث أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم. لكن لم أجدْ في جميع ما وقفت عليه من الروايات لفظ ((لدوابِّنا)) ، بل الموجود فيها: ((لقبورنا وبيوتنا)) البخاري (2434) ، أو ((لِقَيْنهم وبيوتهم)) البخاري (1834) ، أو ((لصاغتنا وقبورنا)) البخاري (1833) . والإِذخر: نَبْتٌ معروف عند أهل مكة، له أصل مُنْدفن وقُضْبان رِقَاقٌ، ينبت في السَّهْل والحزْن، تُسْقَف به البيوت بين الخشب، ويسدُّون به الخلل بين اللَّبنات في القبور، ويحتاج إليه القَيْن (الحدَّاد) والصائغ في وقود النار. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 9/108، فتح الباري لابن حجر 4/60. والخَلاَ: هو الرَّطْب من النبات، أي: العُشب، واخْتِلاؤه: قَطْعه واحتشاؤه. انظر: فتح الباري لابن حجر 4/60. يُعْضَد: يُقْطَع. انظر: مختار الصحاح مادة "عضد"(2/460)
وكذلك ما أنشدَتْه المرأة لمَّا قَتَل أخاها (1) :
أَمحمَّدٌ والنَّجْلُ نَجْلُ كريمةٍ (2) في قومها والفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرِقُ (3)
ما كان ضرَّك لو مَنَنْتَ (4) ورُبَّما مَنَّ الفتى وهو المَغِيْظُ المُحْنَقُ (5)
فقال عليه الصلاة والسلام ((لو سمعتُ شِعْرها قبْل قَتْلِه ما قَتَلْتُه)) (6) ، وهذا يدل على الاجتهاد.
_________
(1) المرأة هي: قُتَيلْةَ بنت النَّضْر بن الحارث القرشية العبدرية. وقيل: قُتيلة بنت الحارث، والنَّضر هو أخوها، والصواب الأول، وأنها ترثي أباها لما قُتِل في أعقات غزوة بدر، فقد كان شديد الإيذاء للرسول صلى الله عليه وسلم قيل: إنها أسلمت وصارت صحابية. انظر: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحي الشامي 4/63، الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر 4/457، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر8/285.
(2) هكذا جاء المصراع الأول من البيت في جميع النسخ ما عدا النسختين م، ز ففيهما: أمحمدٌ يا خير بَطْنِ كريمةٍ. ولم أجده فيما وقفتُ عليه بهذه الألفاظ. وإنما الذي وجدته: أمحمدٌ يا خير ضَنْءِ كريمةٍ. انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/63) ، والضَّنْءِ: بالفتح والكسر، الولد. انظر: لسان العرب مادة "ضنأ". وكذلك: أمحمدٌ ولأنْتَ نجلُ نجيبةٍ. انظر: شرح ديوان الحماسة لأبي علي المرزوقي 2/966. والنَّجْل: النَّسل. مختار الصحاح مادة "نجل "، ونجيبة: كريمة. مختار الصحاح مادة "نجب "، وكذلك: أمحمدٌ ولأنْتَ نَسْلُ نجيبةٍ. انظر: الأغاني للأصفهاني 1/30، وكذلك: أمحمدٌ ولأنْتَ صِنْوُ نجيبةٍ. انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/427، والمراد بالصِّنْو هنا: الابن، انظر: لسان العرب مادة "صنا". وكذلك: أمحمدٌ وَلَدَتْك خيرُ نجيبةٍ. انظر: الاستيعاب لابن عبد البر 4/458، وكذلك: أمحمدٌ ولأنْتَ ضِنْءُ نجيبةٍ. انظر: معجم البلدان 1/94، شرح ديوان الحماسة للتبريزي 3/15وكذلك: أمحمدٌ ها أنت ضِنْءُ نجيبةٍ. انظر: البيان والتبيين للجاحظ 4/44 وكذلك: أمحمدٌ أَوَ لَسْتَ ضنء نجيبة. انظر: السيرة الحلبية 2/186
(3) البيت من البحر الكامل. والفَحْل: الذَّكَر من كل حيوان. لسان العرب مادة "فحل "، مُعْرِق: أي عريق النَّسَب أصيل. النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير مادة "عرق ".
(4) في ق: ((عفوت)) .
(5) المَغِيْظ: اسم مفعول من غاظ، والغَيْظ: فوق الغضب. المُحْنَق: اسم مفعول من أحنق، والحَنَق: شدة الاغتياظ. انظر: لسان العرب مادة "حنق ". ومعنى البيتين: يا محمدُ أنت كريم الطرفين والنسب من جهة العمومة والخؤولة، فأيُّ شيء يضرك لو عفوت، فإن الفتى وإن كان مُغْضَباً منطوياً على حَنَقٍ وعداوة قد يَمُنُّ ويصفح. انظر: شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 2/967
(6) جاء في الاستيعاب لابن عبد البر 4/458 في رواية عبد الله بن إدريس: فلما بلغ رسول الله ذلك بكى حتى اخضلَّت لحيته، وقال ((لو بلغني شِعْرها قبل أن أقتله لعفوت عنه)) . ورواية الزبير بن بَكَّار: فَرَقَّ صلى الله عليه وسلم حتى دَمعت عيناه، وقال لأبي بكر: ((يا أبا بكر، لو كنتُ سمعتُ شعرها ما قتلت أباها)) . قال الزبير: سمعت بعض أهل العلم يغمز أبياتها هذه، ويذكر: أنها مصنوعة)) وقال ابن الملقِّن في: غاية مأمول الراغب في معرفة أحاديث ابن الحاجب (ورقة 38 أ) ((لم يثبت لنا بإسنادٍ صحيحٍ)) .(2/461)
وحُكْم سَعْدٍ في بني قُرَيْظة (1) ،
فحَكَم بأن تُقْتَل مقاتِلتُهم وتُسْبَى ذَرَارِيْهم (2) ، وما جُعِل لغيره أن يفعله فله هو (3) عليه الصلاة والسلام أن يفعله؛ لأن* الأصل مساواة أمته له في الأحكام إلا ما دل الدليل على تخصيصه من ذلك.
ويرد على الكلِّ أن هذه الصور (4) يجوز أن [تقارنها نصوص] (5) نَزَلتْ فيها، أو تقدَّمتْها نصوص بأن يُوحى إليه (6) : إذا كان كذا فافعلْ كذا، وحينئذٍ هي بالوحي
لا بالاجتهاد.
حجة القول بالفرق بين الحروب فيجوز: أنَّ الحروب أمرُها على الفَوْر؛ لعظم المفسدة في التأخير من جهة استيلاء (7) العدوِّ، فيُفَوَّض إليه، وقضية (8) [سعد بن] (9) معاذ تدل عليه، والأحكام يجوز التراخي فيها، فلا يُجْتَهد فيها.
_________
(1) ومن العلماء من وجَّه هذا القول بأن كلامه صلى الله عليه وسلم هذا ليس معناه الندم، لأنه لا يقول ولا يفعل إلا حقاً، والحق لا يُنْدم على فعله، ولكن معناه: لو شَفَعت هذه المرأة عندي بهذا القول لقبلتُ شفاعتها ولا سيما الاستعطاف بالشعر، فإن مكارم الأخلاق تقتضي إجازةَ الشاعر وتبليغَه قصده. انظر: سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي 4/63، 87، شرح الزرقاني على المواهب اللدنية للقسطلاني 1/450
(
) بنو قريظة: حيٌّ من اليهود، وهم والنضير قبيلتان من يهود خيبر، وقد دخلوا في العرب على نسبهم إلى هارون عليه السلام، وكانوا يسكنون في ضواحي المدينة. انظر: التاريخ لليعقوبي 2/52، لسان العرب مادة " قرظ ".
(2) حكْم سعد بن معاذ رضي الله عنه في بني قريظة أخرجه البخاري (3043، 4122) ومسلم (1768) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وانظر: السيرة النبوية لابن هشام 3/331
(3) ساقطة من ق
(4) في ق: ((الصورة)) والواقع أنها صورٌ عديدة
(5) في ق: ((يقارنها بنصوص)) .
(6) ساقطة من س
(7) ساقطة من س
(8) في ق: ((قصة)) .
(9) ساقط من ق، ن، وهو سقطٌ مُخِلٌّ.(2/462)
والجواب: أن المفسدة تَنْدفع (1) بتقدِّم (2) نصوصٍ (3) في مثل هذه الصور (4) ، ويقال له: إذا وقع كذا فافعل كذا، ولا اجتهاد حينئذٍ.
ويظهر مِنْ تعارُض هذه المدارك حجة التوقف.
_________
(1) في س: ((ترفع)) ، وفي ق: ((تتوقع)) .
(2) ساقطة من ق
(3) في ق: ((بنصوص)) .
(4) في ق: ((الصورة)) .(2/463)
الفصل الخامس
في شرائطه (1)
ص: وهي: (2) أن يكون عالماً بمعاني الألفاظ وعوارضِها من التخصيص والنسخ وأصول الفقه، ومن كتاب الله تعالى ما يتضمن الأحكامَ، وهي (3) خمسمائة آيةٍ، ولا يشترط الحفظ بل العلم بمواضعها (4) لينظرها عند الحاجة إليها، ومن السنة مواضع أحاديث الأحكام دون حفظها، ومواضع الإجماع (5) والاختلاف، والبراءة الأصلية، وشرائط الحدِّ والبرهان، والنحو واللغة والتصريف، وأحوال الرواة، ويقلِّد مَنْ تقدَّم في ذلك (6) .
تجزُّؤ الاجتهاد:
ولا يشترط عموم النظر، بل يجوز أن تَحْصُل صفة الاجتهاد في فَنٍّ دون فَنٍّ، وفي مسألة دون مسألة، خلافاً لبعضهم (7) .
_________
(1) انظر شروط الاجتهاد في: المعتمد 2/357، العدة لأبي يعلى 5/1594، إحكام الفصول ص 722، شرح اللمع للشيرازي 2/1033، قواطع الأدلة 5/4، الإحكام للآمدي 4/162، تقريب الوصول ص 427، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/383، التقرير والتحبير 3/389، التوضيح لحلولو ص 390، فتح الغفار لابن نجيم 3/34، شرح الكوكب المنير 4/459
(2) في س، ن: ((وهو)) . والمثبت أظهر لعوده على " شرائطه ".
(3) في ق، متن هـ: ((وهو)) ووجهه عود الضمير على لفظ: ((ما)) .
(4) في ن: ((بمواضعه)) ولعلها تحريف؛ لأن مرجع الضمير إلى الآيات الخمسمائة.
(5) في ن، س، متن هـ: ((الاجتماع)) .
(6) ساقطة من ق.
(7) هذه مسألة تجزؤ الاجتهاد، بمعنى هل يصحّ أن يُجتهد في بعض الفنون أو الأبواب أو المسائل دون البعض الآخر أو لابد أن يكون المجتهد مطلقاً لديه القدرة على استنباط الأحكام في جميع أبواب الفقه؟. وقد اختلفوا في تحرير محل النزاع، والأقوال في المسألة أربعة. الجواز وهو للجمهور، عدم الجواز، الجواز في مسائل الميراث وحدها؛ لأنها منفصلة عن غيرها، التوقف. انظر: المحصول للرازي 6/25، شرح مختصر الروضة للطوفي 2/585، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/416، البحر المحيط للزركشي 8/242، التوضيح لحلولو ص 392 تيسير التحرير 4/182، فواتح الرحموت 2/416، نشر البنود 2/318، إعلام الموقعين 4/190، أصول الفتوى وتطبيق الأحكام الشرعية في بلاد غير المسلمين لشيخنا د. علي الحكمي ص 34 - 37، الاجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهية لشيخنا د. شعبان محمد إسماعيل ص 49 - 53.(2/464)
الشرح
حَصْر المتعيِّن في خمسمائة آيةٍ قاله الإمام فخر الدين (1) وغيره (2) ، ولم يَحْصُر غيرهم ذلك، وهو الصحيح (3) ، فإن استنباط الأحكام إذا حُقِّق لا يكاد تَعْرَى (4) عنه آية، فإن القصَص أبعدُ الأشياء عن ذلك، والمقصودُ منها (5) الاتِّعاظ والأمْرُ به، وكلُّ آيةٍ وقع فيها ذِكْرُ عذابٍ أو ذَمٍّ على فعلٍ كان (6) [ذلك دليلَ] (7) تحريمِ ذلك (8) الفعل، أو [مدح أو ثواب] (9) على فِعْلٍ، فذلك دليل طَلَبِ ذلك الفعل وجوباً أو ندباً، وكذلك ذِكْرُ صفاتِ الله عز وجل والثناءِ عليه المقصودُ به الأمرُ بتعظيم ما عظَّمه الله تعالى وأن نثني عليه بذلك، فلا [تكاد تجد] (10) آيةً إلا وفيها حُكْم، وحَصْرُها في خمسمائة آية بعيد (11) .
وشرائط الحَدِّ: حتى يتحقق له الضوابطُ، فيعلم ما خرج عنها [فلا يعتبره] (12) ، وما اندرج فيها أَجْرَى عليه أحكام تلك الحقيقة. وشرائط البرهان مقررة في علم المنطق (13) .
_________
(1) انظر: المحصول 6/23.
(2) منهم الغزالي في المستصفى 2/383، وابن رشد (الحفيد) في الضروري في أصول الفقه ص 137، والنسفي في كشف الأسرار 2/302، ونُسِب إلى ابن العربي كما في البحر المحيط للزركشي 8/230
(3) انظر: نفائس الأصول 9/3829-3832، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/573، شرح الكوكب المنير 4/460.
(4) في ق: ((يعري)) وهو جائز. انظر هامش (11) ص (27) .
(5) في ق: ((عنها)) وهو تحريف.
(6) ساقطة من ق.
(7) في ن: ((دليلاً على)) .
(8) ساقطة من س.
(9) في س، ن: ((مدحاً أو ثواباً)) وربَّما كان وجهة العطف على محلِّ عذاب في قوله: ((ذكر عذاب)) فإنها
مجرورة لفظاَ ومنصوبة محلاً. والمثبت أبْين، لأنه معطوف على فاعل " وَقَع " أو على المضاف إليه " عذاب "
(10) في س: ((يكاد توجد)) .
(11) في ق: ((تعبد)) وهو تحريف
(12) ساقط من س
(13) أجلى المصنف وجه احتياج المجتهد لشرائط الحدِّ وشرائط البرهان في كتابه: نفائس الأصول (9/3835 - 3836) ، فذكر من شرائط الحد: الاطراد والانعكاس، والجمع والمنع، وألا يُحدَّ بالأخفى، ولا بالمساوي في الخفاء، ولا بما لا يُعرف المحدود إلا بعد معرفته وهو الدور، وألا يأتي بلفظٍ مجمل أو بمجاز بعيد، وأن يقدِّم الأعم على الأخص. وأما شرائط البرهان فكتقديم المقدمة الصغرى على الكبرى ثم النتيجة، وأن يعلم المُنْتِج والعقيم.. إلخ وانظر في هذا: معيار المعلم في فن المنطق للغزالي ص 98 - 114، 192 - 205، آداب البحث والمناظرة للشنقيطي 1/42، 72 وما بعدهما.(2/465)
وأما النحو والتصريف واللغة: فلأن الحكم يتبع الإعراب، كما قال عليه الصلاة والسلام ((ما تركنا صدقةٌ)) (1)
بالرَّفْع (2) ، فرواه الرافضة بالنَّصْب (3) أي لا يُورث
ما تركناه (4) وَقْفاً، ومفهومه: أنهم يُورَثون في غيره. وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام ((اقتدوا باللَّذَيْن من بعدي أبي (5) بكر وعمر)) (6)
_________
(1) أما اشتراط المعرفة بعلم المنطق على المجتهد، فمن العلماء من أنكره، لأن أفضل هذه الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين عرفوا ما يجب عليهم ويُكمِّل علمهم دون حاجة إلى منطق اليونان. انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 9/172، جامع الأسرار للكاكي 4/1072، الرد على من أخلد إلى الأرض للسيوطي ص (153) . لكن حاول الطوفي أن يوازن بين الفريقين، فانظر كلامه في: شرح مختصر الروضة 3/583
(
) رواه البخاري (4033، 6727) ، ومسلم (1759) بلفظ: ((لا نُوْرث، ما تركنا صدقةٌ)) والحديث من رواية ثلاثةَ عشر صحابياً بينهم ثمانية من العشرة المبشَّرين بالجنة، ولهذا عدَّه السيوطي من الأحاديث المتواترة. انظر: قَطْف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة ص (273) وانظر: نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني ص 227
(2) على أن ((صدقة)) خبرٌ مبتدؤه "ما" الموصولة، والمعنى: المتروك عنَّا صدقةٌ. انظر: فتح الباري 12/6، عون المعبود للعظيم أبادي 8/129
(3) فتكون ((صدقة)) حالاً. وممن أشار إلى رواية الرافضة هذه: أبو جعفر أحمد الطبري في كتابة: الرياض النَّضِرة في مناقب العشرة 2/126، وابن كثير في: البداية والنهاية 5/254، وابن حجر في: فتح الباري 12/6، والباجي في: المنتقي 7/317 - 318،، وذكر مناظرةً طريفةً بين سُنِّي جاهلٍ بالنحو وإمَامِيٍّ رافضيّ عالمٍ بالنحو، وقد خَصَمه السُّنِّي. وانظر: نفائس الأصول 9/3834.
(4) في ق: ((تركناها)) وهو تحريف
(5) في س، ن: ((أبو)) وهي مطابقة لما جاءت في مسند الإمام أحمد 5/382 والتاريخ الكبير للبخاري 8/209، والكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي 2/249.
(6) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/382، 399، 402) ، والترمذي (3662) ، وابن ماجة (97) ، وابن حبان في صحيحه بترتيب ابن بلبان 15/327، والحاكم في مستدركه (3/75) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وغيره. قال العقيلي: ((وهذا يروى عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد ثابت)) الضعفاء (4/94) ، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/233) ، برقم (1233) .(2/466)
رواه الشيعة (1) ((أبا بكر وعمر))
[فانعكس المعنى، أي: يا أبا بكرٍ وعمرُ] (2) فيكونان مُقْتَدِيَيْن (3) لا مُقْتَدَىً بهما، وهو كثير (4) ، واسم الفاعل من المفعول إنما يُعْلم من جهة التصريف.
وإنما قُلِّد من مضى في أحوال الرواة: لبُعْد (5) أحوالهم عنَّا، فتعيَّن التقليد لمن اطَّلع
[على حالهم] (6) ، لتعذِّر ذلك علينا.
حجة عدم اشتراط عموم النظر: أن المقصود البعد عن الخطأ بتحصيل شرائط الاجتهاد، فإذا حصل ذلك في فَنٍّ واحدٍ كان كحصوله في جميع الفنون.
حجة المنع: أن العلوم والفنون يمدُّ بعضُها بعضاً (7) ، فمن غاب عنه فَنٌّ (8) فقد غاب عنه نورٌ فيما (9) هو (10) يعلمه، وحينئذٍ لا يكمل النظر إلا بالشمولِ، ولذلك أنَّ النحوي الذي لا يُحْسِن الفقه ولا المعقولات تجده قاصراً في نَحْوِه بالنسبة (11) لمن يعلم ذلك، وكذلك جميع الفنون.
_________
(1) لم أقف عليه في كتبهم، لكن انظر: نفائس الأصول 9/3835
(2) ما بين المعقوفين ساقط من ق
(3) في س، ن: ((مقتديان)) وهو خطأ نحوي، لأن اسم كان منصوب
(4) انظر مزيداً من الأمثلة في: شرح مختصر الروضة للطوفي 3/581
(5) في ن: ((لبعض)) وهو تحريف
(6) في س: ((عليهم)) .
(7) ساقطة من س
(8) ساقطة من س، ن
(9) في ق: ((مما)) .
(10) ساقطة من ن
(11) ساقطة من ن(2/467)
الفصل السادس
في التصويب
ص: قال الجَاحِظُ وعُبيد (1) الله العَنْبَرِي (2) بتصويب المجتهدين في أصول الدين (3) ، بمعنى نفي (4) الإثم لا بمعنى مطابقة الاعتقاد، واتفق سائر العلماء على فساده (5) .
وأما في الأحكام الشرعية فاختلفوا: هل لله تعالى في نفس الأمر حكم معين في الوقائع أمْ لا؟. والثاني قول من قال: ((كل مجتهد مصيب)) وهو قول جمهور المتكلمين (6) ، ومنهم الأشعري (7) والقاضي أبوبكر (8) منا (9) ، وأبو علي وأبو هاشم من المعتزلة (10) .
_________
(1) في ن، ق، متن هـ: ((عبد)) . وهو تحريف.
(2) هو عبيد الله بن الحسن بن الحصين العنبري التميمي، محدث ثقة، أخرج له الإمام مسلم في صحيحه، كان فقيهاً، ولي قضاء البصرة. ولد عام 105هـ وتوفي عام 168هـ، وقيل غير ذلك. شنَّع عليه العلماء في قوله: كل مجتهد مصيب، ونقل ابن حجر عنه قولاً برجوعه في هذه المسألة لما تبين له الصواب. انظر: تاريخ بغداد 10/306، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 91، تهذيب التهذيب 4 / 8
(3) انظر النسبة إلى الجاحظ في: المستصفى 2/401، المحصول للرازي 6/129، المسودة ص 495، جامع الأسرار للكاكي 4/1073، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/389. وانظر النسبة للعنبري في: المراجع السابقة، وأيضاً العدة لأبي يعلى 5/1540، التبصرة ص496، التلخيص 3/335، المنخول ص451. وقد اختلف الأصوليون في حمل كلام الجاحظ والعنبري في تصويب كل مجتهد في الدين، هل يشمل المخالفة لملة الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس أو ينحصر في الخلاف الجاري بين أهل القبلة من المعتزلة والخوارج والروافض ونحوهم، كمسألة القدر أو الرؤية أو الصفات؟ . أكثر الأصوليين على الثاني. انظر: المعتمد 2/398، البرهان للجويني 2/860، قواطع الأدلة 5/11، الوصول لابن برهان 2/338، روضة الناظر 3/981، كشف الأسرار للبخاري 4/30، البحر المحيط للزركشي 8/276، التوضيح لحلولو ص 393
(4) في ق: ((عدم)) .
(5) انظر: المراجع المذكورة في الهامش قبل السابق، وانظر: شرح اللمع للشيرازي 2/1043، التمهيد لأبي الخطاب 4/307، نهاية الوصول للهندي 8/3837، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/293، شرح الكوكب المنير 4/488، نيل السول للولاتي ص 205..لكن دعوى الاتفاق هذه فيها نظر، فإن طائفة من العلماء ترى عدم تأثيم أو تكفير المجتهد المخطيء في المسائل العلمية، كالمسائل العملية على حد سواء. انظر: الفصل في الملل والنحل لابن حزم 3/291، درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 2/315، مجموع الفتاوى لابن تيمية 11/407، 413، 23/146
(6) انظر: إحكام الفصول ص 707، التبصرة ص 498، المحصول للرازي 6/34، الإحكام للآمدي 4/183، التلويح للتفتازاني 2/260، التوضيح لحلولو ص 394، فواتح الرحموت 2/428
(7) انظر: شرح اللمع للشيرازي 2/1048، المنخول ص 453، الفائق 5/35
(8) انظر: إحكام الفصول ص 708، تقريب الوصول ص 443، نشر البنود 2/322
(9) في ق: ((مني)) وهو تحريف
(10) انظر: شرح العمد 2/238، المعتمد 2/370(2/468)
وإذا لم يكن لله تعالى حكم معين، فهل في الواقعة حُكْمٌ لو كان لله تعالى
حُكْمٌ معين لحكَمَ به فيها (1) أم لا؟. والأول هو القول: بالأشبه، وهو قول
جماعةٍ من المُصَوِّبين (2) ، والثاني قول بعضهم (3) . وإذا قلنا بالمعيَّن فإمَّا أن يكون
عليه دليل ظني أو قطعي أو ليس عليه واحد منهما، والثاني (4) : قول جماعة
من الفقهاء والمتكلمين (5) ، ونُقِل عن الشافعي (6) رضي الله عنه، وهو عندهم
كدَفِيْنٍ يُعْثر عليه بالاتفاق. والقول بأن عليه دليلاً ظنياً فهل كُلِّف بطلب ذلك (7) الدليل، فإنْ أخطأه تعيَّن (8) التكليف بما (9) غلب على ظنه وهو قول بعضهم (10) ،
أو لم يُكَلَّف بطلبه لخفائه وهو قول كافة الفقهاء (11) منهم الشافعي (12)
_________
(1) ساقطة من س، ن، متن هـ
(2) انظر: المعتمد 2/371، التمهيد لأبي الخطاب 4/314، الوصول لابن برهان 2/343، كشف الأسرار للبخاري 4/33، التوضيح لحلولو ص 394
(3) عبر عنهم الرازي في محصوله (6/34) بأنهم الخُلَّص من المصوِّبين
(4) في ق: ((وأما الثاني)) بزيادة: ((أما)) ، وفي ن: ((والثاني هو)) بزيادة: ((هو)) . ومقصود المصنف بالثاني هنا هو القول بأنه ليس على الحكم أي دليل لا ظني ولا قطعي، لأنه يُعدُّ ثانياً بالنسبة إلى اشتراط الدليل سواء كان قطعياً أم ظنياً.
(5) انظر: المستصفى 2/409، المحصول للرازي 6/34، الإحكام للآمدي 4/183، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/294، نهاية السول للإسنوي 4/562، تشنيف المسامع 4/588
(6) انظر: المحصول للرازي 6/34. والغريب أن المصنف في نفائس الأصول (9/3878 - 3880) ينازع الرازي في هذه النسبة للشافعي، وينقل صفحاتٍ من كتب الأصوليين تناقض نقل المحصول (6/34) هذا ويَخْلُص أخيراً بأن النسبة الصحيحة للشافعي إنما هي في القول بأن لله تعالى أمارةً (دليلاً ظنياً) على الحكم، كما سيأتي بعد قليل.
(7) ساقطة من ق
(8) في س: ((تغير)) تحرَّفت عن: ((تعين)) .
(9) في س، ن، متن هـ: ((إلى ما)) .
(10) ساقطة من س، ن، متن هـ. وانظر هذا القول في: المستصفى 2/409، التمهيد لأبي الخطاب 4/310، المحصول للرازي 6/34، الإبهاج 3/255، فواتح الرحموت 2/428
(11) منهم الإمام مالك، والإمام أحمد، انظر: إحكام الفصول ص 707، المسودة ص 497، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/602، تقريب الوصول ص443، جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/885
(12) اضطرب بعضهم في النقل عن الشافعي، فمنهم من نسب إليه تصويب المجتهد بكل حال. والنقل الصحيح عنه أن الحق واحد لا يتعدد، وأن المصيب واحد. قال في إبطال الاستحسان (بذيل الأم 7/302) ((لا يجوز فيه عندنا - والله تعالى أعلم - أن يكون الحق فيه عند الله كله إلا واحداً)) . وانظر كلامه في الرسالة ص 489 وما بعدها. وانظر: شرح اللمع 2/1046، التلخيص 3/338، قواطع الأدلة 5/16، البحر المحيط للزركشي 8/283(2/469)
وأبو حنيفة (1) رضي الله عنهما. والقائلون بأن عليه دليلاً قطعياً (2) : اتفقوا على أن المكلف مأمور بطلبه، وقال بِشْر المَرِيْسِيّ (3) : إن أخطأه استحق العقاب (4) ، وقال غيره: لا يستحقُّ العقاب (5) .
واختلفوا أيضاً هل يُنقَض قضاء القاضي إذا خالفه قاله الأَصَمُّ (6) خلافاً للباقين، والمنقول عن مالك رحمه الله أن المصيب واحد (7) ، واختاره الإمام (8) ، وقال الإمام:
_________
(1) اضطرب بعضهم في نقل مذهب أبي حنيفة، فهناك من نسب إليه التصويب. والتحقيق - عند الحنفية - أن الحق واحد لا يتعدد، وربما جاء اللبس مما روي عنه، وهو قوله: ((كل مجتهد مصيب، والحق عند الله
واحد)) . انظر: ميزان الأصول 2/1051، بذل النظر ص 695 كشف الأسرار للبخاري 4/33-34 التوضيح لصدر الشريعة ومعه التلويح للتفتازاني 2/265، التقرير والتحبير 3/409
(2) في ق: ((ظنياً)) وهو خطأ؛ لأنه تكرار، فقد تقدم القول فيه.
(3) هو بشْر بن غِيَاث بن أبي كريمة العدوي مولاهم، المَرِيْسِيّ نسبة إلى مريس بمصر، وإليه تنسب الفرقة
" المَرِيْسِيَّة " من مرجئة بغداد، تفقَّه على أبي يوسف، وروى عن حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة. ثم نظر في الكلام، فغلب عليه وصار رأساً في الابتداع والاعتزال، ودعا إلى خَلْق القرآن وإنكار الصفات،
ت 218هـ. ومن أنفس الردود عليه كتاب: " نَقْض الإمام أبي سعيد على بشر المريسي العنيد " للدرامي بتحقيق: رشيد بن حسن محمد نشر: مكتبة الرشد - الرياض. انظر: تاريخ بغداد 7/56، وفيات الأعيان 1/277، الجواهر المضية ص 164، الفَرْق بين الفِرَق للبغدادي ص124
(4) انظر النسبة إليه في: شرح العمد 2/235، المعتمد 2/371
(5) انظر: المحصول للرازي 6/36، الإحكام للآمدي 4/183
(6) انظر النسبة إليه في: شرح العمد 2/235، المعتمد 2/371، والأصمُّ هو: أبوبكر عبد الرحمن بن كَيْسان، كان ديِّناً وقوراً صبوراً على الفقر لكن كان شيخاً في الاعتزال، يخطِّيء عليّاً رضي الله عنه، أخذ عنه ابن علية (الابن) ، وله كتاب في التفسير، وفي خَلْق القرآن. توفي سنة 201هـ. انظر: طبقات المعتزلة لابن عبد الجبار ص 267، سير أعلام النبلاء 9/402، لسان الميزان 3/427
(7) اختلف عن الإمام مالك، وسبب اختلافهم بحسب ما يستنبطونه من أقواله، فنُقل عنه لما سُئل عن اختلاف الصحابة قوله: ليس إلا خطأ وصواب. وقال: قولان مختلفان لا يكونان قطُّ صواباً. فهذا يدل على أن المصيب واحد، ومما يدل على أن مذهبه ((أن كل مجتهد مصيب)) : أن الخليفة العباسي وقتذاك لما أراد أن يحمل الناس على موطأ مالك، امتنع مالك، واحتج بتفرق الناس في الأمصار، وقد أخذوا بآراء الصحابة، وكلٌّ عند نفسه مصيب. ونقل ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/885) عن بعضهم قوله
((ولا أعلم خلافاً بين الحُذَّاق من شيوخ المالكيين البغداديين والمصريين، كلٌّ يحكي أن مذهب مالك رحمه الله في اجتهاد المجتهدين والقياسيين إذا اختلفوا فيما يجوز فيه التأويل من نوازل الأحكام أن الحق من ذلك عند الله واحد من قولهم ... )) . انظر: إحكام الفصول ص 707، منتهى السول والأمل ص 212، تقريب الوصول ص 443، تحفة المسؤول للرهوني القسم 2 / 832، رفع النقاب القسم 2/1155 - 1157، نشر البنود 2/320
(8) انظر: المحصول 6/36(2/470)
عليه دليل ظني ومخالِفُه معذور والقضاء لا يُنقَض (1) .
لنا: أن الله تعالى شرع الشرائع لتحصيل المصالح الخالصة أو الراحجة أو درء المفاسد الخالصة أو الراجحة ويستحيل وجودها في النقيضين فيتَّحِدُ الحكم (2) :
احتجوا بانعقاد* الإجماع على أن المجتهد يجب عليه أن يَتْبَع ما غلب على ظنه ولو خالف الإجماع، وكذلك من قلَّده، ولا نعني بحكم الله تعالى إلا ذلك، فكلُّ مجتهد مصيب، وتكون ظنون المجتهدين تَتْبعها الأحكام كأحوال المضطَّرين والمختارين* بالنسبة إلى الميتة، فيكون الفعل الواحد حلالاً حراماً بالنسبة إلى شخصين كالميتة.
الشرح
حجة الجاحظ: أن المجتهد في أصول الدين (3) إذا بذل جهده فقد فَنِيَتْ قدرته، فتكليفه بعد ذلك بما زاد على ذلك تكليفٌ بما لا يطاق، وهو منفي في الشريعة، وإن قلنا بجوازه لقوله تعالى {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (4) .
حجة الجمهور: أن أصول الديانات مهمة عظيمة، فلذلك شرع الله تعالى فيها الإكراه دون غيرها، فيُكْره على الإسلام بالسيف والقتال والقتل وأخذ الأموال والذراري، وذلك أعظم الإكراه (5) ، وإذا حصل الإيمان في هذه الحالة (6) اعْتُبِر في ظاهر
_________
(1) انظر: المحصول 6/36
(2) هذا دليل القائلين بأن المصيب واحد. ومفاده: أنه يستحيل أن يوجد في حكم واحد مصلحة ومفسدة فيكون حلالاً حراماً؛ لأنه جمع بين النقيضين، فيلزم أن يكون الحكم واحداً إما حلالاً أو حراماً.
(3) في ق: ((الفقه، وهو خطأ، لأن المراد: ((الدين)) كما جاء في المتن.
(4) البقرة، من الآية: 286
(5) المبدأ الإسلامي يقوم على قاعدة: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] ، وقوله تعالى {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99] ، فالإسلام لم يحمل سيفه ليُكره الناسَ على اعتناقه عقيدةً، وإنما جاهد وحارب وناضل، أولاً: ليدفع عن المؤمنين الأذى والفتنة التي كانوا يُسَامونها، وثانياً: لإزالة العقبات من طريق إبلاغ الدعوة للناس كافة، كإزالة النُّظُم الطاغوتية التي تصدُّ الناس عن الاستماع إلى الهدى وتفتنهم عنه، وثالثاً: ليقيم نظاماً عادلاً آمناً يعيش أصحاب العقائد في كنفه، خاضعين له وإن لم يعتنقوا عقيدته. انظر: في ظلال القرآن لسيد قطب 1/290 - 296. ولكن ما ذهب إليه المصنف هو أحد أقوال المفسرين، وأن آية {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] منسوخة بآيات القتال، فالواجب دعوة الناس إلى الإسلام، فإن لم يستجيبوا قوتلوا وأجبروا على الإسلام. انظر: أحكام القران لابن العربي 1/310، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/280، تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/460، دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ص 44 - 49
(6) في ن: ((الحال)) وهو صحيح أيضاً، فهو يذكر ويؤنث انظر: هامش (4) ص 122.(2/471)
الشرع، وغيره (1) لو وقع بهذه الأسباب لم يُعْتَبر، ولذلك (2)
لم يَعْذر اللهُ بالجهل في أصول الدين إجماعاً (3) ،
ولو شرب خمراً يظنه جُلاَّباً (4) أو وَطِيء امرأة يظنها امرأته عُذِر بالجهل، ولذلك جُعِل النظر الأول واجباً (5) مع الجهل بالموجَب، وذلك تكليف
_________
(1) أي غير الإيمان، كالأحكام العملية. انظر: نفائس الأصول 9/3869 - 3770
(2) في س: ((وكذلك)) ..
(3) دعوى الإجماع فيها نظر، والمصنف نفسه في كتابه الفروق (2/149 - 151) أورد تحت قاعدة: ((الفرق بين ما لا يكون الجهل عذراً فيه وما يكون)) أن الجهل في أصول الدين لا يعذر الله صاحبه به، بل هو آثم كافر يخلد في النار على المشهور من المذاهب. ثم إن عدم العذر بالجهل لا ينبغي إطلاقه هكذا، بل له حالات يختلف الحكم فيها باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فمنهم حديثُ عَهْدٍ بالإسلام، ومنهم من نشأ في بادية بعيدة، ومسائل أصول الدين منها ما هو معلوم من الدين بالضرورة وما هو دون ذلك. وابن حزم وابن تيمية وغيرهما ممن نصر القول بأن المجتهد المخطيء في الأصول معذور إذا كان من المسلمين ولم تقم عليه الحجة.
انظر: الفِصَل في الملل والنحل لابن حزم 3/291، 292، 301، الدرَّة فيما يجب اعتقاده له أيضاً
ص 414، 440، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/125، 20/33، 23/346، وانظر: نواقض الإيمان الاعتقادية د. محمد الوهيبي 1/225 - 293. وقد أُلِّفَتْ كُتُب ورسائل خاصة في هذا الموضوع منها: الجهل بمسائل الاعتقاد وحكمه لعبد الرزاق معاش. دار الوطن - الرياض، العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي لمدحت آل فراج. دار الكتاب والسنة - كراتشي.
(4) في ن: ((خَلاًّ)) . والجُلاَّب: ماء الورد، فارسي معرَّب. انظر مادة " جلب " في: لسان العرب، المعرَّب للجواليقي ص 154 وهو الآن شراب يُصنع من الزبيب المدقوق والمنقوع في الماء ويُصفَّى ويُطيِّب بالبخور. انظر: قاموس الغذاء والتداوي بالنبات لأحمد قدامة ص 9
(5) مذهب الأشاعرة أن أول واجب على المكلف هو: النظر، وبعضهم قال: القصد إلى النظر، وبعضهم: المعرفة. والذي عليه أهل السنة والجماعة والسلف والأئمة أن أول واجب يؤمر به العباد الشهادتان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذٍ رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن ((فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أنْ لا إله إلا الله، وأني رسول الله ... )) رواه البخاري (1395) ومسلم (19) . انظر: الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به للباقلاني ص 33، الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد للجويني ص 25، شرح جوهرة التوحيد للباجوري ص7، الانتصار لأصحاب الحديث للسمعاني ص 60 - 64، درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 8/11، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز ص 23. وللشيخ عبد الله الغنيمان بحث قيم بعنوان " أول واجب على المكلف عبادة الله ". انظره في: مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في العددين: 62، 63.(2/472)
ما لا يطاق (1) ،
فكذلك [إذا حصل] (2) الكفر مع بذل الجهد (3) يؤاخذ الله تعالى به، ولا ينفعه بذل جهده؛ لعظم خطر الباب وجلالة رتبته (4) ، وظواهر النصوص تقتضي أنه من لم يؤمن بالله ورسوله ويعمل صالحاً فإن له نار جهنَّم خالداً (5) فيها، وقياسُ الخصمِ* الأصولَ على الفروع غَلَطٌ لعظم التفاوت بينهما (6) .
وإذا قلنا ليس لله تعالي في نفس الأمر حكم معين: فليس هناك إلا ما ظهر في ظنون (7) المجتهدين [فقد أصابوه] (8) ، فكل مجتهد مصيب، أي: إذا أَفْتَى بشيء فقد أصابه أما لو انتهى به الحال للوقف (9) فتمَادَتْ (10) مهلة النظر فلا يقال له (11) : إنه مصيب ولا مخطيء. وإذا قلنا في نفس الأمر حكم معين وهو ما تضمن المصلحة الخالصة أو الراجحة، فمن صادفه فهو المصيب ومن لم يصادفه فهو مخطيء له، فليس كل مجتهد مصيباً (12) .
_________
(1) أي مما يدل على أن الشرع شَدَّد في الاعتقاد أنه أوجب عليه النظر لمعرفة الله، ولو صار الجهل له ضرورياً
لا يمكن دفعه عن نفسه انظر: الفروق 2/150 - 151، تهذيب الفروق والقواعد السنية " بهامش
الفروق " لابن حسين المكي 2/163
(2) في ن: ((تحصيل)) .
(3) في ق: ((الجهل)) وهو تحريف
(4) ساقطة من س
(5) في ن: ((خالدين)) .
(6) لابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومن تابعهما رأيٌ في تفريق المتكلمين بين مسائل الأصول ومسائل الفروع، وبيّنا أنه اصطلاحٌ من إحداث المعتزلة والجهمية، وأنه ترتَّبتْ عليه أمور باطلة. انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية 5/84 - 95، مجموع الفتاوى له أيضاً 13/126، 19/207 - 212، 23/346.
مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم ص 755، التفريق بين الأصول والفروع، د. سعد بن ناصر الشثري 1/169 - 193
(7) في ن: ((نفس)) ، وفي س: ((ظن)) .
(8) ساقط من ق
(9) في ن: ((للوقوف)) .
(10) في ق: ((وبقي في)) .
(11) ساقطة من ق
(12) هكذا في و، ص، م، ز وهو الصواب. وفي باقي النسخ: ((مصيب)) وهو خطأ، لأن خبر " ليس " منصوب.(2/473)
ومعنى المذهب الثالث (1) ، وهو القول بالأشْبَه: أنه ليس في نفس الأمر حكم (2) معين وإنما في نفس الأمر ما لو عيَّن الله شيئاً لعيَّنه، فهو أشبه الأمور بمقاصد الشريعة، كما تقول (3) : لا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الزمان رجل صِدِّيق [خَيِّر، لو أن الله تعالى يبعث نبياً لبعثه] (4) . والقول (5) الآخر يقول: ليس في نفس الأمر شيء هو أشبه، والظاهر هو الأول، فإن الأفعال المُتَخيَّلة لا تخلو عن الرجحان في بعضها. والقول الثاني يقول (6) : إذا لم يُعيِّن الله تعالى شيئاً استوت الأفعال، كما أن المباحات كلها مباحة (7) لم تختلف وإن كانت مصالحها مختلفة.
حجة الدليل القطعي على الحكم في نفس الأمر: أن تكليف الكل بشيء معين يعتمد دليلاً يظهر (8) للكل وما ذاك إلا القطعي، أما الظني فتختلف فيه القرائح.
حجة الدليل الظني: أن الله سبحانه وتعالى امتحن الخلق بذلك الحكم في نفس الأمر، وأمرهم ببذل الجهد في طلبه، فلولا أنه ودليلَهُ في غاية الخفاء لعَرَفَه الكلُّ، فزال الامتحان، وليس كذلك.
حجة أنه ليس عليه دليل لا ظني ولا قطعي: أنه لو كانت عليه أمارة لفهمها الكل، ألا تري أن المطر إذا كانت عليه أمارة علمها الكلُّ، لكن الحكم ليس كذلك، فلا أمارة عليه.
وقول بِشْرٍ باستحقاق العقاب إذا أخطأه؛ لأنه يجعل التقصير من جهته، ومن قَصَّر استحقَّ العقاب.
حجة الجمهور: قوله عليه الصلاة والسلام ((إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجْرٌ وإنْ
_________
(1) اعتبار هذا المذهب ثالثاً أمرٌ نسبيٌ، وهو يختص بالأحكام الشرعية. فالمذهب الأول (للمخطئة) هو: أن لله حكماً معيناً في نفس الأمر. والمذهب الثاني (لبعض المصوّبة) هو: ليس لله حكمٌ معينٌ راجحٌ هو أشبه، بل هي على السواء. وسيتضح هذان المذهبان في الشرح التالي.
(2) ساقطة من ن
(3) ساقطة من ق
(4) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((لو بعث الله تعالى نبياً لبعثه)) .
(5) ساقطة من ق
(6) ساقطة من ق
(7) هكذا في ص، و، ش. وفي ن: ((مباحات)) وهو صحيح أيضاً. وفي ق، س: ((مباحت)) وهو تحريف.
(8) في ن: ((ظاهراً)) .(2/474)
أصاب فله أجران)) (1) فجعل الثواب مع الخطأ، فلا عقاب حينئذٍ.
وأما قول الأصمِّ: إنه (2) يُنْقَض قضاء القاضي إذا خالفه، فهو في غاية العُسْر من جهة تصوُّره، بسبب أن هذا الحكم غير معلوم، [وكذلك دليله. ونحن وإن قلنا إن المصيب واحد، فهو غير معلوم] (3) ، ونقض قضاء (4) القاضي إنما يكون بما يتحقق،
وما لا يتحقق كيف يُنْقَض به القضاء؟! فهذا المذهب مُشْكل (5) .
وأما قول المصوِّبة: إنه يجب عليه اتباع ظنه وإن خالف الإجماع فمسلَّمٌ، ولكن الأحكام التي على ألْسنة المجتهدين وظنونهم متَّفقٌ عليها وأنها أحكام الله تعالى، والنزاع في ثبوت أمر آخر في نفس الأمر غيرها، فما أقاموا فيه الدليل لا نزاع فيه، وما فيه النزاع لم يقيموا الدليل عليه، فلا ينبغي أن يقيموا الدليل على أن هذه أحكام الله تعالى، بل [يقيمون (6) الدليل] (7) على أنه ليس لله تعالى حُكْمٌ آخر (8) غيرها فإنه محل النزاع،
_________
(1) رواه البخاري (7352) ، ومسلم (1716) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)) . وأقرب لفظ وجدته قريباً من لفظ المصنف ما رواه أبو يعلى في " المعجم " ص (194) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه ((إذا اجتهد الحاكم فأخطأ كان له أجر، وإذا اجتهد فأصاب كان له أجران)) . وكذلك ما رواه ابن الجارود في " المنتقى " ص (249) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه ((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران اثنان، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد)) .
(2) ساقطة من ن
(3) ما بين المعقوفين ساقط من س
(4) ساقطة من س
(5) وأيضاً يلزم من نقض قضاء القاضي في الاجتهاد تسلسل النقض إلى غير نهاية، مما يؤدي إلى اضطراب الأحكام، وتفويت مصلحة نصب الحاكم، وحطِّ منزلة القضاء في نفوس الناس. انظر: المستصفى 2/606، منتهى السول والأمل ص 216، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/392، تيسير التحرير 2/234. وستأتي هذه المسألة في الفصل التالي ص 477.
(6) في س: ((يقيموا)) والمثبت هو الصواب، لأن ((بل)) إذا دخلت على الجملة صارت حرف ابتداءٍ لا عاطفة على الصحيح. انظر: مغني اللبيب لابن هشام 1 / 221.
(7) ساقط من ق
(8) ساقطة من ن، س(2/475)
والقائلون بالتصويب يقولون: إن الحكم إنما يَتْبع المصلحة الخالصة أو الراجحة في مواقع الإجماع، [أما في (1) محلِّ الاختلاف فلا يُسلِّمون ذلك، فهذا مَنْعٌ حَسَن أيضاً على دليل المُخَطِّئة] (2) (3) .
_________
(1) ساقطة من ن
(2) ما بين المعقوفين في س هكذا: ((أو في محل الاختلاف فلا)) .
(3) نقل المصنف في نفائس الأصول (9/3901) جواباً ذكياً لطيفاً عن قول المصوبة، وهو: إذا أجمع المصوبة على تصويب كل مجتهد فقد اعترفوا بإصابة المُخطِّئة في أن الحق واحد، فيصير هذا القول مجمعاً عليه، وخلاف المجمع عليه باطل إجماعاً.(2/476)
الفصل السابع
في نقض الاجتهاد (1)
ص: أما المجتهد في نفسه فلو تزوَّج امرأةً علَّق طلاقها الثلاث (2) على (3) المِلْك (4) بالاجتهاد، فإنْ حكم به حاكم (5) ثم تغيَّر (6) اجتهاده لم يُنْقض، وإن لم يحكم به (7) نُقِضَ ولم يجز له إمساك المرأة (8) .
_________
(1) نقض الاجتهاد: هو إبطال الاجتهاد وإفساده بعد أن وجد. وهو مما يحتاجه القاضي والمفتي. ولنقض الاجتهاد حالتان. الحالة الأولى: أن يكون الاجتهاد الثاني مستَنِداً إلى دليل متفق عليه من نص أو إجماع أو قياس جلي أو قواعد شرعية. فحكم الاجتهاد الأول أن يُنْقض بالثاني. الحالة الثانية: أن يكون الاجتهاد الثاني مستنداً إلى دليل ظني، كالاجتهاد الأول. وحكم النقض في هذه الحالة يتحدد بحسب الصورة، والصور أربع، الأولى: أن يكون الاجتهاد لنفسه، ولم يتصل به حكم حاكم. الثانية: أن يكون الاجتهاد لنفسه ويتصل به حكم حاكم. الثالثة: أن يكون الاجتهاد لغيره كعامي ولم يتصل به حكم حاكم. الرابعة: أن يكون الاجتهاد لغيره ويتصل به حكم حاكم. انظر: في هذا كتاباً نفيساً للدكتور: أحمد العنقري، وهو: نقض الاجتهاد: دراسة أصولية. ص 35
(2) في س: ((بالثلاث)) ولست أعلم لها معنى مناسباً هنا.
(3) في س، متن هـ: ((قبل)) .
(4) صورة هذا التعليق: أن يقول لها: إن تزوجتك فأنت طالق ثلاثاً. فإذا تزوجها وكان اجتهاده الأول أن هذا التعليق لا يلزم أي لا يقع، كما هو مذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية [انظر: الحاوي 10/23، المغني 13/488، المحلَّى 1/205] ثم تغير اجتهاده بعد ذلك، ورأى أن التعليق يلزم ويقع كما هو مذهب الحنفية والمالكية [انظر: بدائع الصنائع 4/289، الاستذكار 18/119، الشرح الصغير 2/550] فما الحكم؟
(5) في ق: ((حكم)) .
(6) في ق: ((يُغيِّر)) .
(7) ساقطة من متن هـ.
(8) هاتان هما الصورتان الأوليان المذكورتان في هامش (1) من هذه الصفحة. والحكم عليهما بما ذكره المصنف هو رأي جماهير العلماء. انظر: المستصفى 2/454، المحصول للرازي 6/64، روضة الناظر 3/1015، الإحكام للآمدي 4/203، البحر المحيط للزركشي 8/312، التوضيح لحلولو ص 396، فواتح الرحموت 2/440، نشر البنود 2/324. والقول الثاني: يُنْقض اجتهاده الأول بالثاني مطلقاً، سواء تقرر الأول بقضاء القاضي أم لا، وهو ما ذهب إليه ابن الحاجب وابن النجار، انظر: منتهى السول والأمل ص216، شرح الكوكب المنير 4/510. والقول الثالث: لا يُنْقض مطلقاً: انظر: رفع النقاب للشوشاوي 2/1163، شرح الكوكب المنير 4/510(2/477)
وأما العامي إذا فعل ذلك بقول المفتي ثم تغيَّر اجتهاده فالصحيح أنه تجب (1) المفارقة (2) (3) قاله (4) الإمام.
وكلُ حُكْمٍ اتَّصَل به قضاء القاضي استقرَّ، إلا أن يكون ذلك القضاء ما يُنْقَض في نفسه.
الشرح
حُكْم الحاكم في مسائل الاجتهاد يُعيِّن ذلك الحكم الذي حكم به الحاكم، فإن الحاكم نائب الله تعالى (5) في مسائل الخلاف، فإذا أنشأ حكماً في مسائل الاجتهاد كان ذلك كالنص الوارد في خصوص (6) تلك الواقعة من تلك القاعدة العامة، والدليل الخاص مقَدَّمٌ على العامِّ في الصورة التي تناولها الخاص، كما تقرَّر في أصول الفقه، وقد بَسَطْتُ ذلك في كتاب: " الإحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام " (7) .
وإذا لم يَحْكم بالاجتهاد الأول حاكمٌ نُقِض؛ لأن تغيُّر (8) الاجتهاد يصيِّره (9) كالمنسوخ، والمنسوخُ لا عبرة به.
_________
(1) في ق: ((يجب)) .
(2) في س: ((الموارثة)) وهو تحريف
(3) ينبغي هنا تقييد هذه الصورة بما إذا لم يتصل بهذا الاجتهاد حكم الحاكم وإلا لم ينتقض اتفاقاً. انظر: الإحكام للآمدي 4/203، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/646، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/300، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/293، شرح الكوكب المنير 4/503، نقض الاجتهاد للدكتور أحمد العنقري ص100، وسيأتي في شرح المصنف الخلاف في هذه الصورة.
(4) هكذا في س، ش، وكل نسخ المتن الخطية. وفي باقي النسخ: ((قال)) ، وكلاهما صحيح؛ لأن ما سلف وما سيأتي قاله الرازي. انظر: المحصول 6/64 - 65
(5) من العلماء من تحفَّظ على هذا التعبير، وكذا نظيره " خليفة الله " راجع المسألة بتوسُّع في: معجم المناهي اللفظية د. بكر أبو زيد ص 252، 537، الخلافة في الأرض د. أحمد حسن فرحات ص 11 وما بعدها، بصائر للمسلم المعاصر د. عبد الرحمن الميداني ص 142
(6) في ن: ((تخصيص)) .
(7) انظره في: ص 38، 43، 97. وقد سبق التعريف بالكتاب في القسم الدراسي.
(8) في ن: ((تعيين)) وهو تحريف
(9) في س: ((يصير)) ، وهي ساقطة من ن(2/478)
وكذلك تجب مفارقة المرأة من العامي إذا تغيَّر اجتهاد من أفتاه؛ لأن اجتهاده نُسِخ (1) ، وقيل: لا يجب (2) ؛ لأن الثاني اجتهاد أيضاً، وليس إبطال أحدهما بالآخر أولى من العكس، فلا يُنْقض الاجتهاد بالاجتهاد، نعم لو قُطِع بخطأ الأول وجبت المفارقة.
والحكم الذي يُنْقض (3) في نفسه ولا يَمْنع النقض هو ما خالف أحد أمور أربعة: الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس الجلي (4) (5) .
_________
(1) هذا مذهب الغزالي والرازي والآمدي وابن الحاجب وغيرهم. انظر: المستصفى 2/454 المحصول 6/64، الإحكام 4/203، منتهى السول والأمل ص 216، البحر المحيط للزركشي 8/313، التوضيح لحلولو ص 396
(2) وهو مذهب ابن قدامة والطوفي وابن القيم وابن النجار وغيرهم. انظر: روضة الناظر 3/1015، شرح مختصر الروضة 3/646، 649، إعلام الموقعين 4/196 - 197، شرح الكوكب المنير 4/511، فواتح الرحموت 2/440
(3) في ن: ((نقض)) .
(4) ساقطة من س
(5) سبق التعليق عليها في هامش (13) ص (238) . ولكن أنبِّهُ هنا إلى أن من العلماء من فرَّق في النقض بالكتاب بين ما كان منه قطعي الدلالة أو ظنيها، وكذا وقع التفريق عند بعضهم بين السنة المتواترة والمشهورة والآحادية، وكذا التفريق بين الإجماع القطعي والظني، وكذا بين القياس الجلي والخفي. أما نقض الاجتهاد بالقواعد فهذا ما صرَّح به المالكية، وربما لم يذكره غيرهم، والمراد بها - كما ذكره الشوشاوي في رفع النقاب القسم 2/1098 - الكليات الخمس، وقيل: هي الضوابط التي تجري عليها أحكام الأبواب الفقهية، كقاعدة المِثْلِيَّات والمقُوَّمات.. إلخ. انظر كلاماً مستوعباً عن هذه الأربعة في كتاب: نقض الاجتهاد د. أحمد العنقري ص 36 - 67، وانظر: المستصفى 2/455، الإحكام للآمدي 4/203، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/300، جمع الجوامع بحاشية البناتي 2/392، إعلام الموقعين 4/197، تشنيف المسامع 4/591، التقرير والتحبير 3/446، التوضيح لحلولو ص 396، شرح الكوكب المنير 4/505، نيل السول للولاتي ص 209، نثر الورود 2/637(2/479)
الفصل الثامن
في الاستفتاء
ص: إذا اسْتُفْتِي* مجتهدٌ فأفْتَى، ثم سُئِل ثانيةً عن تلك الحادثة: فإن كان
ذاكراً لاجتهاده الأول أفْتى، وإن نسي استأنف الاجتهاد (1) ، فإن أدَّاه (2)
إلى خلاف الأول أفتى بالثاني، قال الإمام: والأحسن أن يعرف العامي
ليرجع (3) .
ولا يجوز لأحدٍ الاستفتاء إلا إذا غلب على ظنه أن الذي يستفتيه
من أهل العلم والدين والورع (4) ،
فإن اختلف عليه العلماء في الفتوى فقال قوم:
يحب عليه الاجتهاد في أعلمهم وأورعهم لتمكنه من ذلك (5) ، وقال قوم:
_________
(1) تحرير محل النزاع في مسألة تجديد الاجتهاد هو: أن المجتهد لا يخلو إما إن يتجدد له ما يوجب تغيُّر اجتهاده أو لا، فإن ظهر له ما يوجب تغيُّر اجتهاده لم يجز له البقاء على القول الأول، بل يجب عليه أن يجتهد ثانياً بغير نزاع، ولا يجب عليه نقض الاجتهاد الأول. ومحل النزاع فيما إذا لم يظهر له ما يوجب تغيُّر اجتهاده، وللعلماء ثلاثة أقوال في ذلك، الأول: يجب عليه تجديد اجتهاده مطلقاً سواء أكان ذاكراً لاجتهاده الأول أم لا، وسواء أكان ذاكراً لدليله أم لا. والثاني: لا يجب عليه مطلقاً. والثالث: التفصيل، فيجب إن كان ناسياً لاجتهاده الأول أو لدليله أو لهما معاً، وقال بعضهم: يجب إن وجد عند المجتهد احتمال العثور على ما يوجب رجوعه. انظر الأقوال بأدلتها في: شرح اللمع للشيرازي 2 / 1035، الإحكام للآمدي
4 / 233، نهاية الوصول للهندي 8 / 3882، 8 / 3882، زوائد الأصول للإسنوي ص 435، التمهيد للإسنوي ص 529، البحر المحيط للزركشي 8/354، التوضيح لحلولو ص 397، تيسير التحرير 4/232، فواتح الرحموت 2/438، إعلام الموقعين 4/204، صفة الفتوى لابن حمدان ص 37، التقليد والافتاء والاستفتاء لعبد العزيز الراجحي ص102
(2) في س: ((أداته)) ولا وجه لها
(3) انظر: المحصول 6/69
(4) تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى ص (447) . وهذا الأمر حكى بعض الأصوليين الاتفاق عليه. انظر: المعتمد 2/363، إحكام الفصول ص 729، شرح اللمع للشيرازي 2/1037، التمهيد لأبي الخطاب 4/403، المحصول للرازي 6/81، المسودة ص 464، تشنيف المسامع 4/611، التوضيح لحلولو
ص 398، تيسير التحرير 4/248، نشر البنود 2/332
(5) سبق ذكر هذه المسألة، وهذا مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد، وهو مذهب بعض الشافعية انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 26، قواطع الأدلة 5/98، 111، 143، المحصول لابن العربي ص 613، الإحكام للآمدي 4/237، المسودة ص 462، شرح مختصر الروضة للطوفي 3/666، البحر المحيط للزركشي 8/365، التوضيح لحلولو ص 398، إعلام الموقعين 2/226، 232، أدب الفتوى لابن الصلاح ص 137، صفة الفتوى لابن حمدان ص 69(2/480)
لا يجب (1) ؛
لأن الكل طُرُقٌ إلى الله تعالى، ولم ينكر أحدٌ على العوام في كل (2) عصرٍ تَرْكَ النظر في أحوال العلماء (3) . وإذا فرَّعنا على الأول فإن حصل ظن الاستواء مطلقاً فأمكن أن يقال: ذلك (4) متعذِّر، كما قيل في الأمارات (5) ، وأمكن أن يقال: يسقط عنه التكليف، ويفعل ما يشاء (6) منها (7) . وإن حصل ظنُّ الرُّجْحان مطلقاً تعيَّن العمل (8) بالراجح (9) ، وإن حصل من وَجْهٍ فإن كان في العلم - والاستواء في الدين - فمنهم من خَيَّر، ومنهم من أوجب الأخذ بقول الأعلم (10) ، قال الإمام: وهو الأقرب؛ ولذلك قُدِّم من إمامة الصلاة (11) ، وإن كان في الدين - والاستواء في العلم - فيتعيَّن الأدْيَن (12) ، فإن رَجَح أحدهما في دينه والآخر في علمه، فقيل: يتعيَّن الأدْيَن، وقيل: الأعْلَم، قال (13) : وهو الأرجح كما مرَّ (14) .
_________
(1) هذا مذهب جماهير العلماء، والرواية الأخرى عن أحمد عليها أكثر الحنابلة، واختاره الباجي وابن الحاجب من المالكية. انظر: رسالة في أصول الفقه للعكبري ص 131، إحكام الفصول ص 729، شرح اللمع للشيرازي 2/1011، 1038، التلخيص 3/465، روضة الناظر 3/1024، منتهى السول والأمل
ص 221، تقريب الوصول ص 460، التقرير والتحبير 3/465، فواتح الرحموت 2/448، أدب الفتوى لابن الصلاح ص 137، صفة الفتوى لابن حمدان ص 69
(2) ساقطة من متن هـ.
(3) حكى المصنف الإجماع على هذا القول في ص (448) . وها هو هنا ينقض ادعاء الإجماع بحكاية الخلاف في المسألة. راجع هامش (6) ص 448.
(4) في ق: ((هو)) .
(5) في ق: ((الأمارة)) . وانظر مبحث تساوي الأمارتين في: ص 402.
(6) انظر: المعتمد 2/364، اللُّمع ص 256، التمهيد لأبي الخطاب 4/405، المحصول للرازي 6/81، التوضيح لحلولو ص398
(7) ساقطة من ق، س
(8) في ق: ((العلم)) وهو خطأ، لعل الناسخ التبس عليه العمل بالعلم
(9) انظر: البرهان للجويني 2/879، المنخول ص 483، المحصول للرازي 6/82، جمع الجوامع بحاشية البناني 2/396، زاوئد الأصول للإسنوي ص 449
(10) انظر المراجع السابقة، وكذا: المعتمد 2/264، شرح الكوكب المنير 4/573، نشر البنود 2/335، أدب الفتوى لابن الصلاح ص 138
(11) انظر: المحصول 6/82
(12) وقيل: يخيّر. انظر: التمهيد لأبي الخطاب 4/405، المسودة 463
(13) أي: الإمام الرازي. انظر: المحصول 6/82
(14) وهو قوله: ((وهو الأقرب)) . وقيل: يخيّر..انظر: التمهيد لأبي الخطاب 4/406، المسودة ص 463، وانظر المسألة في: التمهيد للإسنوي ص 530، البحر المحيط للزركشي 8/366، نثر الورود 2/647، صفة الفتوى لابن حمدان ص 70(2/481)
الشرح
إذا كان (1) المجتهد ذاكراً للاجتهاد ينبغي ألاَّ يَقْتَصِر (2) على مجرد الذِّكْر، بل
يُحرِّكُه، لعله يَظْفر فيه بخطأ أو زيادةٍ بمقتضى (3) قوله (4) تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (5) ، ولأن (6) رتبة المجتهد ألاَّ يُقَصِّر ولا يترك من جهده شيئاً، فإذا استقرَّ له اجتهاد في زمن لا يلزمه استقراره دائماً، بل الله تعالى خَلاَّقٌ (7) على الدوام، فيخْلُق (8) في نفسه علوماً (9) ومصالحَ لم يكن يشعر بها قبل ذلك، فإهمال (10) ذلك تقصير.
وإنما قال* الإمام: ((الأحسن أن يعرف العامي إذا تغير (11) اجتهاده)) : لأن الاجتهاد (12) لا يُنْقَض بالاجتهاد (13) ، ولكنَّ الثاني أغلبُ على الظن من الأول، فلو قَطَع ببطلان الأول وجب عليه تعريف العامي.
_________
(1) في س: ((اجتهد)) .
(2) في ن: ((يقتضي)) وهو تحريف
(3) في س: ((لمقتضى)) وهو مما انفردت به، وهو صحيح أيضاً؛ لأن التعليل كما يقع بالباء يقع باللام أيضاً. وهي ساقطة من ق
(4) في ق: ((لقوله)) .
(5) التغابن، من الآية: 16
(6) في ق: ((ولأنها)) .
(7) في ن: ((خالق)) وهو صحيح، والمثبت أبلغ. وفي ق: ((خَالِفٌ)) وهو متجه، فهو من باب الإخبار عن فعل الله تعالى وليس من أسمائه، والمعنى إذا ذهب عنه علم عَوَّضه وأخلف له علوماً أخرى. وفي الحديث: ((اللهم أعط منفقاً خلفاً)) رواه البخاري (1442) انظر مادة " خلف " في النهاية في غريب الحديث والأثر.
(8) في ق: ((فتختلف)) وهو مقبول أيضاً، لما ذُكر في الهامش السابق.
(9) في ق: ((علوم)) وهو مستقيم بما جاء في الهامش السابق
(10) في ق: ((احتمال)) وهو تحريف
(11) في ق: ((قصر)) وهي غير مناسبة للمراد.
(12) في س: ((اجتهاده)) .
(13) قول الإمام هنا بأن الأحسن أن يعرف العامي بتغير الاجتهاد معناه: أنه لا يجب تعريفه بذلك، لأن الاجتهاد الأول لا يُنْقض بالثاني، هذا القول منه يخالف قوله السابق الذي نقله عنه المصنف ص (478) إذ قال: ((وأما العامي إذا فعل ذلك بقول المفتي ثم تغيَّر اجتهاده، فالصحيح أنه تجب المفارقة)) أي يجب إخباره بذلك. انظر: المحصول 6/64، 69. وانظر مسألة وجوب إعلام المستفتي عند تغيِّر الاجتهاد من عدمه في: إعلام الموقعين 4/197، صفة الفتوى لابن حمدان ص 30(2/482)
ومدرك العامي في أن الذي يستفتيه من أهل العلم والدين والورع: الأخبارُ*، وقرائنُ الأحوال، فذلك عند العامة متيسر (1) ، وأما إذا لم يتضح له ذلك فلا يَحِلُّ (2) له الاستفتاء؛ لأن دين الله لا يؤخذ من (3) غير أهله، قال الله تعالى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} (4) قال تعالى {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (5) فتعيين (6) أهل الذكر بالنطق يقتضي بالمفهوم تحريم (7) سؤال غيرهم.
والتخيير والسقوط عند (8) استواء المفتين، قد قيل بهما في الأمارتين إذا اسْتَوتا (9) ، مذهب القاضي والجمهور: التخير، [ومذهب بعض الفقهاء: السقوط (10) .
وجه التخير] (11) عند الرجحان في العلم والاستواء في الدين: إن تقليد (12) الأعلم غير واجب على المشهور، وغاية هذا أن يكون أعلم فيتخيَّر المستفتي.
حجة تقديم الأعلم: أن المُقدَّم في كل موطن [من مواطن] (13) الشريعة [من هو أقوم بمصالح ذلك الموطن، فيُقدَّم في الحروب] (14) من هو أعلم [بمكايد الحروب] (15) وسياسة الجيوش، وفي القضاء (16) من هو أعلم بالتفطن بحجاج الخصوم، ولأمانة الحكم من هو أعلم بتنمية (17) الأموال وضبطها وأحوال الأيتام في مصالحها.
_________
(1) انظر هذه القرائن في: نشر البنود 2/332، أدب الفتوى لابن الصلاح ص 135، صفة الفتوى لابن حمدان ص 68، التقليد وأحكامه د. سعد بن ناصر الشثري ص 117
(2) في ق: ((يصح)) .
(3) في س: ((عن)) وهو صحيح؛ لأن أخذ يتعدى بكليهما. انظر مادة " أخذ " في: لسان العرب.
(4) الزمر، من الآية:9
(5) النحل، من الآية: 43
(6) في ن، س: ((فتعين)) .
(7) ساقطة من س، وهو سقط فاحش
(8) في س: ((لا تعلمون)) وهو بعيد جداً، لعله جاء للناسخ من السطر الذي قبله
(9) في ق: ((استويا)) وهو خطأ، انظر هامش (6) ص (109)
(10) انظر مبحث تساوي الأمارتين ص 402.
(11) ما بين المعقوفين ساقط من س
(12) في ق: ((يقلد)) وهو تخريف
(13) ساقط من ق
(14) ما بين المعقوفين ساقط من ق
(15) في ق: ((بمكايدها)) .
(16) في س: ((القصاص)) تحرفت من ((القضاء))
(17) في ق: ((قيمة)) .(2/483)
ولذلك قُدِّم في الصلاة الفقيه على القاريء؛ لأن الفقيه أقوم بمصالح الصلاة في سهوها وعوارضها (1) ، وكذلك الفتوى العلمُ أخصُّ بها من الدين.
_________
(1) تقديم الأفقه على الأقرأ هو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية وإحدي الروايتين عن أحمد، وتقديم الأقرأ هو مذهب الحنابلة وبه قال ابن سيرين والثوري وابن راهويه. انظر: بدائع الصنائع 1/669، والمغني 3/11، المجموع 4/177 الذخيرة 2/253(2/484)
الفصل التاسع
فيمن يتعين (1) عليه الاستفتاء
ص: الذي تنزل به (2) الواقعة: إن كان عامياً وجب عليه الاستفتاء. وإن كان عالماً لم يبلغ درجة الاجتهاد قال: فالأقرب أنه يجوز له الاستفتاء (3) . وإن بلغ درجة الاجتهاد (4) وكان قد اجتهد وغلب على ظنه حكم فاتفقوا على تعيُّنه (5)
في حقه (6) ، وإن كان (7) لم يجتهد فأكثر أهل السنة (8) على (9) أنه لا يجوز له التقليد، وهو مذهب
_________
(1) في ن: ((يتعلق)) وهو تحريف
(2) في ن: ((عليه)) .
(3) المتبادر إلى الذهن أن يكون القائل هو الإمام فخرالدين الرازي، لكن لم أعثر على هذا القول عنده في المحصول 6/83، ولا في المعالم، فإن الرازي نفسه سها أن يتكلم عن العالم الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد. لكن وجدت في " التحصيل " لسراج الدين الأرموي 2/305 قوله ((المسألة الثانية: الأقرب جواز الاستفتاء لعالم غير مجتهد ... )) وفي " الحاصل " لتاج الدين الأرموي 2/1027 قوله ((المستفتي إن كان عامياً جاز له الاستفتاء، وإن كان عالماً لكنه لم يبلغ درجة الاجتهاد جاز أيضاً ... إلخ)) ثم بعد ذلك اطلعت على كتاب " المنتخب " للرازي (رسالة دكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) فوجدته قال ((العالم الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد إذا وقعت له واقعة فالأقرب أنه يجوز له الاستفتاء)) وهو نص نقل المصنف عنه هنا، ولكن بقي إشكالٌ وهو أن المصنف لا يصحِّح نسبة " المنتخب " إلى الإمام الرازي، وإنما هو من اختصار ضياء الدين حسين، فكيف حازت النسبة إلى الرازي هنا؟! انظر: نفائس الأصول 1/ 105 - 106
(4) ما بين المعقوفين ساقط من ق
(5) في س، ن: ((تعيينه)) ..
(6) انظر حكاية الاتفاق في: المحصول للرازي 6/83، روضة الناظر 3/1008، شرح العضد لمختصر بن الحاجب 2/300، التوضيح لحلولو ص 399، تيسير التحرير 4/227
(7) ساقطة من س
(8) لست أرى داعياً إلى نسبة هذا القول لأكثر أهل السنة، فإن الخلاف ما يزال في دائرتهم لا مع خصمائهم من المعتزلة والمتكلمين، والدليل على ذلك أن المصنف ذكر القول المضاد لهذا القول، وأن القائل به أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وسفيان الثوري، وهؤلاء أساطين وعُمَد أهل السنة والجماعة. وعلى كل حال، هذا القول لكثير من الأصوليين والعلماء. انظر: المعتمد 2/366، والتلخيص 2/434، المحصول للرازي 6/83، والإحكام للآمدي 4/204، تقريب الوصول ص 456، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/300، البحر المحيط للزركشي 8/334، فواتح الرحموت 2/437
(9) ساقطة من ن(2/485)
مالك (1) رحمه الله، وقال الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه (2)
وسفيان الثوري (3) رحمهم الله: يجوز (4) مطلقاً (5) ، وقيل: يجوز تقليد العالم الأَعْلمَ (6) وهو قول محمد بن الحسن (7) رحمه الله، وقيل: يجوز فيما يخصُّه دون ما يفتي به (8) ،
_________
(1) انظر مذهبه في: المقدمة في الأصول لابن القصار ص10، إحكام الفصول ص721، التوضيح لحلولو ص399
(2) هو أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مَخَلد الحَنْظَلى نسبة إلى بطن من تميم، المعروف بابن رَاهُوْيه وضُبِط أيضاً رَاهوَيْه، وهو لقب أبيه، كلمة فارسية معناها: وجد في طريق، وابن راهويه ولد في طريق مكة، وهو من كبار الحفاظ والمحدثين، جمع بين الفقه والحديث مع الورع، سمع من ابن عُيينه وعبد الرازق، وأخذ عنه البخاري ومسلم والترمذي وابن حنبل وكان من أقرانه..له مسند مشهور (ط) وتفسير، توفي عام 237هـ انظر: وفيات الأعيان 1/199، تذكرة الحفاظ 2/433، تاريخ بغداد 6/345
(3) هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري نسبة إلى بطن من تميم، أجمع الناس على إمامته في الحديث وغيره من العلوم، وفي دينه وزهده وثقته، وكان من المجتهدين، من شيوخه الأعمش وغيره، ومن تلاميذه الأوزاعي ومالك وغيرهما. توفي عام 161هـ انظر: تاريخ بغداد 9/151، وفيات الأعيان 2/127، تذكرة الحفاظ 1/203
(4) هنا زيادة: ((له)) في ن لا حاجة لها.
(5) أما النسبة إلى الإمام أحمد فقد ذُكِرتْ في بعض كتب الأصول. لكنَّ أبا الخطاب في التمهيد (4/409) ساق الروايات عنه بعدم جواز تقليد العالم للعالم، وقال: ((وحكى أبو إسحاق الشيرازي عن مذهبنا جواز تقليد العالم للعالم، وهذا لا نعرفه عن أصحابه..)) . وقال الطوفي في شرح مختصر الروضة (3/631) ((ما حكاه-يريد الآمدي-عن أحمد من جواز تقليد العالم للعالم مطلقاً غير معروف عندنا، وإنما المشهور عنه الأخذ بقول الصحابي لاتقليداً له، بل بنوع استدلال)) وانظر: روضة الناظر 3/1008، المسودة ص 468-469، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص 167، شرح الكوكب المنير 4/516 أما النسبة إلى سفيان وابن راهويه فانظرها في: شرح اللمع للشيرازي 2/1013، المستصفي 2/458، المحصول للرازي 6/83، المسودة ص 469، تقريب الوصول ص 457، البحر المحيط للزركشي 8/335. وذكر الخطيب البغدادي في كتابه الفقيه والمتفقه (2/135) رواية مسندة إلى سفيان الثوري في هذه المسألة
(6) معناها: يجوز للعالم تقليد الأعلم منه.
(7) في ق، متن هـ: ((الحسين)) وهو خطأ، سبقت ترجمته في هامش (3) ص (251) . انظر نسبة هذا القول إليه في: أصول الفقه للاَّمشي ص 201، التقرير والتحبير 3/440، فواتح الرحموت 2/438.
(8) نُسِب إلى بعض أهل العراق..انظر: نهاية السول 4/89.(2/486)
وقال ابن سُرَيْج (1) : إن ضاق وقته عن الاجتهاد جاز وإلا فلا (2) ، فهذه خمسة (3) أقوال (4) . لنا: قوله تعالي: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (5) .
التقليد في أصول الدين:
ولا يجوز التقليد في أصول الدين لمجتهدٍ ولا للعوام عند الجمهور؛ لقوله تعالى:
{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (6) ، ولعظم [الخطر في الخطأ] (7) في جانب الربوبية، بخلاف الفروع: فإنه رُبَّما كَفَر في الأول ويثاب في الثاني جَزْماً.
الشرح
العامي ليس له أهلية الاجتهاد (8) فيتعين أن يقلد كما في القِبْلة، والعالم الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد احتمالات الخطأ في حقه موجودة غير أنها أقل من العامي، فهذا وجه التردد، وكما اتفقوا على تعيُّن (9) الحكم في حق المجتهد فكذلك من قلده، ومعناه لو فُرِضَ موصوفاً بسببه (10) وإلا فقد يجتهد في الغَنَم وزكاتها ولا غَنَم له، أو في الجنايات
_________
(1) في ق، ن: ((ابن شريح)) وهو تصحيف. وابن سريج هو: أحمد بن عمر بن سريج البغدادي أبو العباس فقيه الشافعية في عصره والذاب عنه والناشر له. من شيوخه: المزني، ومن تلاميذه: الحافظ الطبراني. من تآليفه: كتاب الرد على ابن داود الظاهري في إبطال القياس، والتقريب بين المزني والشافعي، وغيرهما، ت306هـ. انظر طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 3/21 تاريخ بغداد 4/287، سير أعلام النبلاء 14/201
(2) انظر النسبة إليه في: المعتمد 2/266، التبصرة ص 412، قواطع الأدلة 5/109، الوصول لابن برهان 2/362، نهاية الوصول للهندي 8/3911
(3) في متن هـ: ((أربعة)) وهو خطأ؛ لأن الأقوال خمسة.
(4) حكى الزركشي في البحر المحيط 8/334-337 أحد عشر قولاً في المسألة.
(5) التغابن، من الآية: 16.
(6) الإسراء، من الآية:36
(7) في ق: ((الخطر والخطأ)) ، وفي س: ((الخطأ في الخطر)) وهو مقلوب
(8) ساقطة من ق
(9) في ق: ((تعيين)) .
(10) في ن: ((لسببه)) .(2/487)
ولا جناية له ولا عليه، بل قد يجتهد في أحكام الحيض والعِدَّة وغيرها مما لا يوصف به، لكنه بحيث (1) لو اتَّصَف بسببه لكان (2) ذلك الحكمُ حكمَ الله تعالى في حقه، فهذا لابد منه.
وقد تقدَّم أول الكتاب (3) حجةُ منع التقليد على (4) المجتهد مطلقاً: أن الأصل ألاَّ يجوز الظن لقوله تعالى {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (5) خالفناه في أعلى مراتب الظنون الناشئة عن الاجتهاد، فيبقى ظن التقليد الضعيف على مقتضى الدليل.
حجة الجواز مطلقاً: أن غاية المجتهد في اجتهاده أن يُحصِّل مِثْلَ ما حصَّله غيره، وكما يجوز أن يكون الثاني أقوى يجوز أن يكون أضعف فيتساقطان، فيبقى التساوي، وأحد المِثْلين يقوم مقام الآخر. وبهذا يظهر تقليد العالمِ الأعلمَ؛ لأن الظاهر أن اجتهاد الأعلم أقرب للصواب. وأما ما يخصُّه فلأن الحاجة تدعو إليه بخلاف الفُتْيا، فله أن يُحِيْل (6) المستفتي على غيره، وكذلك إذا ضاق الوقت كانت حالةَ ضرورةٍ بخلاف اتساعه.
وأما أصول الدين فقد تقدَّم (7) حكاية إمام الحرمين في " الشامل " أنه لم يخالف في ذلك إلا الحنابلة، [وقول الإسفراييني: أنه لم يخالف فيه (8) إلا أهل الظاهر (9) ، مع أني
_________
(1) في ق: ((يحنث)) وهو تصحيف
(2) في ق: ((كان)) ، وفي س: ((فإن)) .
(3) لو قال: أول الباب لكان أولى أَمنْاً من اللبس. انظر: الفصل الثاني من هذا الباب ص 441.
(4) هنا زيادة: ((أن)) في ن، وهي مخلَّة بالمعنى.
(5) الإسراء، من الآية: 36
(6) في ق: ((يلد)) ولعلها تحرفت من: ((يَدلُّ)) .
(7) انظر: ص 442.
(8) ساقطة من س
(9) تقديم التعليق عليه في هامش (7) ص (442) .(2/488)
سألْتُ الحنابلة] (1) فقالوا: مشهور مذهبنا منع (2) التقليد (3) ، والغزالي يميل إليه (4) وجماعة، وقد حكى القاضي عياض في " الشفاء " (5)
ذلك عن غيره (6) .
_________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من ق
(2) ساقطة من س، وهو سقط قبيح.
(3) انظر: رسالة في أصول الفقه للعكبري ص 128، العدة لأبي يعلي 4/1217، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 5/237، روضة الناظر لابن قدامة 3/1017، المسودة ص 457، أصول الفقه لابن مفلح 4/1533
(4) ربما كان استشفاف هذا الميل استناداً إلى ما ذكره القاضي عياض في كتابه: الشِّفَا بتعريف حقوق المصطفى 2/601 ((وقد نحا الغزالي قريباً من هذا المنحى في كتابه: التفرقه)) . لكن بعض العلماء انبروا إلى الذبِّ عن الغزالي وتغليط من نسب إليه ميلاً إلى جواز التقليد في أصول الدين. انظر: نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض للشهاب الخفاجي 4/494-495، البحر المحيط للزركشي 8/279. وللوقوف على عبارات الغزالي الموهمة في هذه المسألة انظر كتابيه: فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة بتحقيق د. سليمان دنيا، ص 206-208، والمستصفي 2/401
(5) كتاب: الشَّفا بتعريف حقوق المصطفى عليه الصلاة والسلام كتابٌ في السيرة النبوية، ألَّفه بمنهجٍ فريدٍ وطريقة مبتكرة..قال فيه حاجي خليفة ((وهو كتاب عظيم النفع، كثير الفائدة، لم يؤلف مثله في الإسلام)) كشف الظنون 2/1053، والكتاب مطبوع في مجلدين بتحقيق خمسة محققين، إصدار مؤسسة علوم القرآن، ودار الفيحاء بعمَّان ط (2) - 1407هـ والكتاب عليه شروحات منها: نسيم الرياض في شرح شفا القاضي عياض لشهاب الدين الخفاجي، وبهامشه شرح له يتعلق بالبناء والإعراب والكلمات لملاَّ علي القاريء، مطبوع بدار الكتاب العربي ببيروت.
(6) كداود الأصبهاني الظاهري، وثمامة بن أشرس. انظر: الشفا 2/601 - 602.(2/489)
الباب العشرون
في جميع أدلة المجتهدين وتصرفات المكلفين
وفيه فصلان:(2/490)
الفصل الأول
في الأدلة (1)
ص: وهي على قسمين: أدلة مشروعيتها، وأدلة وقوعها. فأما أدلة مشروعيتها فتسعة عشر بالاستقراء (2) ، وأما أدلة وقوعها فلا يحصرها عَدَدٌ (3) .
فلنتكلَّمْ أولاً على أدلة مشروعيتها فنقول: هي الكتاب، والسنة، وإجماع* الأمة، وإجماع أهل (4) المدينة، والقياس، وقول الصحابي، والمصلحة المرسلة، والاستصحاب، والبراءة الأصلية، والعوائد، والاستقراء، وسدُّ الذرائع، والاستدلال، والاستحسان، والأخذ بالأخفِّ، والعصمة، وإجماع أهل الكوفة، وإجماع العِتْرة (5) ، وإجماع الخلفاء الأربعة. فأما الخمسة الأُوَل (6) فقد تقدَّم الكلام عليها (7) .
_________
(1) أي: الأدلة التي يستدل بها المجتهدون، والمراد هنا الكلام عن الأدلة المختلف فيها.
(2) هذا الاستقراء ناقص بدليل أن بعض علماء الأصول زاد على التسعة عشر التي ذكرها المصنف، مثل: إجماع المِصْرين (الكوفة والبصرة) ، وإجماع الحرمين، والتحرِّي، والأخذ بالاحتياط، والقرعة، ودلالة
الاقتران، ودلالة السياق، وعموم البلوى، والعمل بالشَّبَهين، والأخذ بأقل ما قيل، ومفهوم اللَّقب، والتعلُّق بالأولى ... إلخ. انظر: البحر المحيط للزركشي 8 / 5 - 118، حاشية على منهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط 2 / 208.
(3) سيتكلم عنها المصنف في آخر هذا الفصل ص 524.
(4) ساقطة من ق، متن هـ.
(5) في س: ((العشرة)) وهو تصحيف.
(6) في س: ((الأولى)) .
(7) تقدم الكلام عن الكتاب في حكم تخصيص الكتاب والتخصيص به في باب العمومات ص 202
(
المطبوع) ، وعن السنة في باب الخبر ص (189) ، وعن الإجماع ص (119) ، وعن إجماع أهل المدينة ص (153) ، وعن القياس ص (300) والمصنف لم يقتصر كلامه عن الخمسة الأول، بل تحدَّث أيضاً عن إجماع أهل الكوفة ص (155) ، وإجماع العترة ص (155) ، وإجماع الخلفاء الراشدين ص (157) .(2/491)
قول الصحابي
وأما قول الصحابي (1) : فهو حجة (2) عند مالكٍ (3)
والشافعي في قوله القديم (4) مطلقاً (5) ؛
لقوله عليه الصلاة والسلام ((أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)) (6) .
_________
(1) ينحصر محل النزاع في قول الصحابي فيما للرأي فيه مجال، ولم يشتهر، وليس مما تعمُّ به البلوى، ولم يُعْرف له مخالف، ولا رجوعه عنه. انظر: الإحكام للآمدي 4 / 149، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 287، إعلام الموقعين 4 / 103، البحر المحيط 8 / 55، فواتح الرحموت 2 / 239، أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي د. مصطفى البغا ص 338، قول الصحابي وأثره في الفقه الإسلامي لشيخنا د. شعبان محمد إسماعيل ص 54، حجية مذهب الصحابي دراسة أصولية مقارنة لعبد الرحمن حللي ص 12.
(2) في متن هـ: ((وجه)) ولها وجه كما سيتضح من الهامش التالي.
(3) هذا هو المشهور عن الإمام مالك، وكتابه " الموطأ " حافل بالاحتجاج بآثار الصحابة، وروي عنه المنع مطلقاً، وزعم القاضي عبد الوهاب - كما في البحر المحيط للزركشي (8 / 57) - أنه هو الصحيح الذي يقتضيه مذهب مالك؛ لأنه نَصَّ على وجوب الاجتهاد واتباع ما يؤدي إليه صحيح النظر، وقيل مذهبه: التفصيل، وهو إن اشتهر قول الصحابي ولم يظهر له مخالف كان حجةً - وليس هو إجماعاً سكوتياً - وإلا فلا. انظر: المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص 23، 143، التوضيح لحلولو ص 400، الضياء اللامع 3 / 146، نشر البنود 2 / 257، نيل السول ص 169، نثر الورود 2 / 572، الجواهر الثمينة للمشّاط ص 215. أما المالكية فمنهم من احتجَّ بقول الصحابي، ومنهم من لم يحتج به. انظر: الضروري في أصول الفقه لابن رشد ص 97، منتهى السول والأمل ص 206، تقريب الوصول
ص 341، مفتاح الوصول ص 753، الموافقات 4 / 446.
(4) اضطرب النقل عن الشافعي في هذه المسألة، ومن العلماء من ردّ هذا الاضطراب إلى الاشتباه بين مسألتين هما: اعتبار قول الصحابي حجة، وجواز تقليده. انظر تحريره في: نهاية السول 4 / 410. وعبارة الشافعي في رسالته ص (597) تدل على حجية قول الصحابي، وكذا في الأم 4 / 34. وقد أطال ابن القيم في إعلام الموقعين (4 / 104 - 106) في تحقيق مذهب الشافعي، وأنه يقول بحجية قول الصحابي في القديم والجديد، وعلّل وجهة نظر كل فريق في حكاية مذهبه، ونقل أقوالاً عن الشافعي نفسه تؤكّد مذهبه. وانظر: التبصرة ص 395، التلخيص 3 / 451، قواطع الأدلة 3 / 290، جمع الجوامع بحاشية العطار 2 / 396، التمهيد للإسنوي ص 499، البحر المحيط للزركشي 8 / 57 - 69، إجمال الإصابة في أقوال الصحابة للعلائي ص 41.
(5) المراد بالإطلاق هنا أي من غير تقييد ببعض الصحابة، ولا بمخالفة القياس، كما سيعلم مما بعده. وممن ذهب إلى حجية قول الصحابي بإطلاقٍ جماعةٌ من الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد عليها جمهور أصحابه. انظر: العدة لأبي يعلى 4 / 1181، أصول السرخسي 2 / 105، ميزان الأصول 2 / 697، جامع الأسرار للكاكي 3 / 911، القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص 240، شرح الكوكب المنير
4 / 422.
(6) سبق تخريجه في هامش.(2/492)
ومنهم من قال: إن خالف القياس فهو (1) حجة وإلا فلا. ومنهم من قال: قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حجة دون غيرهما. وقيل: قول الخلفاء الأربعة حجة إذا اتفقوا (2) .
الشرح
حجة (3) كونه حجة (4) : أنه إذا خالف القياس يقتضي أنه إنما [قال به] (5) لنصٍّ فاشٍ (6) ، أما إذا لم يخالف القياس (7) فأمكن أن يكون عن اجتهاد فيكون كقول غير الصحابي، فيصير دليلاً لدلالته على الدليل عند هذا القائل، لا لكونه دليلاً في نفسه.
حجة الآخر (8) : قوله عليه الصلاة والسلام ((اقتدوا باللَّذَيْن من بَعْدي أبي (9) بكر وعمر)) (10) ومفهومه يقتضي أن غيرهما ليس كذلك.
حجة الآخر (11) : قوله عليه الصلاة والسلام ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عَضُّوا عليها بالنَّواجِذ)) (12) ومفهومه أن غيرهم ليس كذلك.
_________
(1) في متن هـ: ((فلا)) وهو خطأ بَيِّن بدليل ما بعدها.
(2) نقل المصنف أربعة أقوال في المسألة، وهناك أقوال أخرى، منها: أن مذهبه ليس بحجةٍ مطلقاً، ومنها: أنه حجة إذا انضم إليه قياس، ومنها: أنه حجة إذا كان معه خبر مرسل. انظر: شرح العمد 1 / 258، الإحكام لابن حزم 1 / 620، 2 / 258، اللمع للشيرازي ص 194 - 195، التمهيد لأبي الخطاب 3 / 331، كشف الأسرار للبخاري 3 / 407، البحر المحيط للزركشي 8 / 57، 60، التوضيح لحلولو ص 401، قول الصحابي وأثره في الفقه الإسلامي لشيخنا د. شعبان محمد إسماعيل ص 56.
(3) ساقطة من س.
(4) هذه حجة القائلين بأن قول الصحابي حجة إذا خالف القياس.
(5) في س، ن: ((عمل)) وهو ممكن، لكن المثبت أنسب؛ لأن المسألة في قول الصحابي لا عمله.
(6) ساقطة من ق.
(7) ساقطة من ن، ق.
(8) حجة القائلين بأن قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حجة دون سواهما.
(9) في س: ((أبو)) انظر هامش: (5) ص (466) .
(10) مرَّ تخريجه في هامش: (6) ص (466) .
(11) حجة القائلين بأن أقوال الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم حجة دون غيرهم.
(12) سلف تخريجه في هامش: (8) ص (157) .(2/493)
المصلحة المرسلة
ص: المصلحة المرسلة (1) ،
والمصالح بالإضافة إلى شهادة الشرع لها بالاعتبار على ثلاثة أقسام (2) : ما شَهِد الشرع باعتباره، وهو القياس الذي تقدَّم (3) ، وما شهد الشرع بعدم (4) اعتباره، نحو: المنع من زراعة العنب لئلا يعصر (5) خمراً (6) ، وما لم يشهد له الشرع (7) باعتبارٍ (8) ولا بإلغاءٍ (9) وهو المصلحة المرسلة، وهي (10) عند مالك رحمه الله حجة (11) .
وقال الغزالي (12) : إن وقعت في محل (13) الحاجة [أو التتمة] (14) فلا (15) تعتبر،
_________
(1) المصلحة لغة: ضد المفسدة، وهي كالمنفعة وزناً ومعنى. انظر: مادة " صلح " في: لسان العرب، المصباح المنير، المعجم الوسيط. والمرسلة لغة: المُطْلقة، إذ الإرسال هو الإطلاق والإهمال. انظر مادة " رسل " في لسان العرب. واصطلاحاً: هي الوصف الذي يلائم تصرفات الشارع ومقاصده، لكن لم يشهد له دليلٌ معيّن خاص من الشرع باعتبارٍ ولا بإلغاءٍ، ولكن يحصل من ربط الحكم به جلب مصلحة أو دفع مفسدة. وتسمّى بالاستصلاح، وبالمناسب المرسل. انظر: المستصفى 1 / 416، الموافقات
1 / 32، التوضيح لحلولو ص 344، الاستصلاح والمصالح المرسلة في الشريعة الإسلامية د. مصطفى الزرقا ص 37.
(2) سبق ذكر هذا التقسيم.
(3) وهو المسلك الثالث من مسالك العلة، وهو المناسب. انظر: ص 324.
(4) ساقطة من ق.
(5) هنا زيادة: ((منها)) في ن.
(6) في ن، س، متن هـ: ((الخمر)) .
(7) ساقطة من ق، متن هـ.
(8) هنا زيادة: ((ولا عدم)) في ن، ولا داعي لها، لأنها تكرار لما بعدها.
(9) في ق: ((بإلغائه)) .
(10) ساقطة من متن هـ.
(11) لم يختلف الأصوليون في نسبة القول بحجية المصلحة المرسلة إلى الإمام مالك، وأنه في طليعة الآخذين بها، وأنه يعوِّل عليها كثيراً في استنباط الأحكام. انظر: منتهى السول والأمل ص 183، 208، تقريب الوصول ص 410، الاعتصام للشاطبي 2 / 135، التوضيح لحلولو ص 401، نيل السول ص 191، نثر الورود 2 / 505، الجواهر الثمينة للمشاط ص 249.
(12) هذا النقل بمعناه في: المستصفى 1 / 420 - 422.
(13) في ن، ق: ((موضع)) .
(14) ساقط من ق.
(15) في ق: ((لم)) .(2/494)
وإن وقعت في محل (1) الضرورة فيجوز أن يؤدِّي إليها اجتهادُ مجتهدٍ، ومثاله: تَتَرُّس (2) الكفار بجماعةٍ (3) [من المسلمين] (4) ، فلو كَفَفْنا عنهم لصَدَمُونا (5)
[واستولوا علينا] (6) وقتلوا كافة المسلمين، ولو رميناهم لقتلنا التُّرْس (7) معهم (8) ، قال: فيُشْترط في هذه المصلحة (9) أن تكون كليةً* قطعيةً ضروريةً، فالكليَّة: احتراز (10) عما إذا تترّسوا في قلعة (11) بمسلمين، فلا يَحِلُّ رمي المسلمين إذ لا يلزم من ترك تلك القلعة (12) [فساد عام] (13) (14) ، والقطعية: احتراز (15) عما إذا لم يُقطع
_________
(1) في ن، ق: ((موضع)) .
(2) التَّتَرُّس لغة: التستر بالتُّرس، والترس: صفحة من الفولاذ تُحمل في اليد للوقاية من السيف ونحوه. انظر مادة " ترس " في: لسان العرب، تاج العروس.
(3) في ق: ((بالمسلمين)) .
(4) ساقط من س، ق.
(5) الصَّدْم: الضَّرْب بالجسم، والجيشان يتصادمان: إذا أصاب كلُّ واحدٍ الآخر بثِقْله وحِدَّته. انظر مادة
" صدم " في: لسان العرب، المصباح المنير.
(6) ساقط من ق.
(7) في ق: ((أكثر من)) .
(8) انظر تفصيل الفقهاء في أحكام التترُّس في أبواب الجهاد في: بدائع الصنائع 9 / 394، الحاوي 14/187، المغني 13 / 141، الذخيرة 3 / 408.
(9) في ن: ((المسألة)) .
(10) في ن: ((احترازاً)) سبق توجيهه.
(11) في ق: ((قطعة)) وهي ليست مناسبة هنا.
(12) في ق: ((قطعة)) وهي ليست مناسبة هنا.
(13) في س: ((فساداً عاماً)) ، وهو خطأ نحوي؛ لأنه فاعل للفعل: ((يلزم)) .
(14) هذا الاحتراز جعله الغزالي احترازاً بالضرورية لا بالكُليِّة. وعبارته: ((وليس في معناها ما لو تترَّس الكفار في قلعةٍ بمسلم، إذ لا يحلُّ رمي التُّرس، إذ لا ضرورة، فَبنا غُنيةٌ عن القلعة، فنعدل عنها)) المستصفى
1 / 421. وأمّا الاحتراز بالكلية فما ذكره هو: ((وليس في معناها: جماعةٌ في سفينة لو طرحوا واحداً منهم لنجوا وإلا غرقوا بجملتهم؛ لأنها ليست كُلِّية، إذ يحصل بها هلاك عددٍ محصورٍ. وليس ذلك كاستئصال كافة المسلمين ... وكذلك جماعةٌ في مَخْمصةٍ لو أكلوا واحداً منهم بالقرعة لنجوا، فلا رخصة فيه؛ لأن المصلحة ليست كُليِّة)) المصدر السابق.
(15) في ن: ((احترازاً)) انظر وجهها في: هامش (4) ص (45) .(2/495)
باستيلاء الكفار علينا إذا لم نقصد الترس، وعن المضطر يأكل قطعة من فخذه (1) ،
والضرورية: احتراز (2) عن المناسب الكائن في محل الحاجة (3) والتتمة* (4) .
لنا أن الله تعالى إنما بعث الرسل عليهم الصلاة والسلام لتحصيل مصالح العباد
[عملاً بالاستقراء] (5) ، فمهما وجدنا مصلحة غلب على الظن أنها مطلوبة للشرع.
الشرح
قد تقدَّم (6) أن المصلحة المرسلة في جميع المذاهب عند التحقيق (7) ؛ لأنهم يقيسون ويفرِّقون بالمناسبات ولا يطلبون شاهداً بالاعتبار، [ولا نعني بالمصلحة المرسلة إلا
ذلك.
ومما يؤكد العمل بالمصالح المرسلة أن* الصحابة رضوان الله عليهم عملوا أموراً
_________
(1) عبارة المستصفى (1 / 422) أوضح مما ها هنا ((وكذا قطْع المضطّر قطعةً من فخذه إلى أن يجد الطعام
- فهو كقطع اليد - لكن ربما يكون القطع سبباً ظاهراً في الهلاك، فيمنع منه؛ لأنه ليس فيه يقين
الخلاص، فلا تكون المصلحة قطعية)) .
(2) في ن: ((احترازاً)) انظر وجهها في: هامش (4) ص (45) .
(3) في ن: ((الحاجات)) .
(4) في اشتراط هذه القيود الثلاثة للحمل بالمصلحة نظر، وهو أمر لا يُتصوَّر ولا وقوع له في الشريعة. انظر: الضياء اللامع لحلولو 3 / 46 - 47.
(5) ساقط من متن هـ.
(6) انظر: ص 336.
(7) قال الزركشي: (( ... والمشهور اختصاص المالكية بها، وليس كذلك، فإن العلماء في جميع المذاهب يكتفون بمطلق المناسبة، ولا معنى للمصلحة المرسلة إلا ذلك)) البحر المحيط 7 / 274، وانظر أيضاً ما نقله عن غيره في (8 / 84) . وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: ((والحق أن أهل المذاهب كلهم يعملون بالمصلحة المرسلة وإن قرَّروا في أصولهم أنها غير حجة..)) مذكرة أصول الفقه ص 304، وانظر مذاهب العلماء في هذه المسألة في: البرهان للجويني 2 / 721، قواطع الأدلة 4 / 492، شفاء الغليل للغزالي ص 207، المحصول للرازي 6 / 165، 167، المسودة ص 450، نفائس الأصول 9 / 4095، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 320، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 289، التقرير والتحبير 3 / 381، ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية د. محمد سعيد البوطي ص 307 - 357، نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي د. حسين حامد ص 47، 307، 466، 569، أصول الإمام أحمد د. عبد الله التركي ص 471.(2/496)
لمطلق المصلحة لا لتقدم شاهدٍ بالاعتبار] (1) نحو: كتابة المصحف (2) ، ولم يتقدَّم فيها أمر ولا نظير، وولاية العهد من أبي بكر لعمر رضي الله عنهما (3) ولم يتقدم فيه أمر ولا نظير، وكذلك ترك الخلافة شورى (4) ، وتدوين الدواوين (5) ، وعمل السِّكَّة (6) للمسلمين، واتخاذ السجن (7) فعل ذلك عمر رضي الله عنه، وهَدّ (8)
الأوقاف التي بإزاء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والتوسعة بها في المسجد عند ضيقه (9) فعله عثمان رضي الله عنه (10) ، وتجديد الأذان في الجمعة بالسوق، وهو الأذان الأول فعله (11) عثمان رضي الله عنه (12) ثم نقله هشام (13) إلى المسجد (14) ، وذلك كثير جداً لمطلق المصلحة.
_________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(2) كُتِبَ المصحف في عهد عثمان رضي الله عنه. انظر: صحيح البخاري (4987) ، الطبقات الكبرى لابن سعد 3 / 280. وقد جُمِع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه. انظر: صحيح البخاري (4986) ، الاعتصام للشاطبي 2 / 135، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1 / 181.
(3) انظر: المصنف لعبد الرزاق 5 / 449، السنن الكبرى للبيهقي 8 / 149، تاريخ الأمم والملوك للطبري
2 / 618، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 86، 144.
(4) انظر: المصنف لعبد الرزاق 5 / 480، تاريخ الأمم والملوك 3 / 392، تاريخ الخلفاء ص 146.
(5) الدواوين: جمع ديوان وهو مجتمع الصحف، والسجل أو الدفتر يُكتب فيه أهل الجيش وأهل العطية، وهو فارسي معرّب. انظر مادة " دون " في: لسان العرب. وانظر تدوين الدواوين في عهد عمر رضي الله عنه في: الطبقات الكبرى لابن سعد 3 / 294، الأحكام السلطانية للماوردي ص 307، الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 236.
(6) انظر: مقدمة ابن خلدون تحقيق د. علي عبد الواحد وافي 2 / 700.
(7) انظر: الطرق الحكمية لابن القيم ص 149.
(8) في ن: ((هدم)) وهو صحيح؛ لأن الهدّ هو الهدم الشديد. انظر: لسان العرب، مادة " هدد "،
وفي س: ((هذه)) وهو تحريف.
(9) انفردت نسخة ق هنا بزيادة: ((بدور الأوقاف)) .
(10) انظر: تاريخ الأمم والملوك 3 / 310، 322، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 172. وفي الطبقات الكبرى لابن سعد (3 / 283) أن عمر رضي الله عنه قام بتوسعة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(11) في ق: ((أحدثه)) .
(12) انظر: صحيح البخاري (912) ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 182.
(13) هو أبو الوليد هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي، كانت خلافته 20 سنة، توفي سنة 125 هـ.
انظر: شذرات الذهب 1 / 163، تاريخ الخلفاء ص 285.
(14) انظر: المدخل لابن الحاج 2 / 380، 404، 406، الاعتصام للشاطبي 2 / 20، الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة للألباني ص 17 - 31.(2/497)
وإمام الحرمين قد عمل في كتابه المسمى بالغِيَاثِيّ (1) أموراً وجَّوزها وأفتي بها، والمالكية بعيدون عنها [وجَسَر عليها وقالها] (2) للمصلحة المطلقة (3) ،
وكذلك الغزالي في شفاء الغليل (4) مع أن الاثنين شديدان الإنكار علينا في المصلحة المرسلة (5) .
الاستصحاب
الاستصحاب (6) : ومعناه أن اعتقاد كون الشيء في الماضي أو الحاضر
يوجب ظن ثبوته في الحال أو الاستقبال (7) . فهذا الظن عند
_________
(1) هو كتاب شهير في موضوع فقه السياسة الشرعية، ألّفه الجويني لغياث الدولة نظام الملك الحسن الطُّوسي
(ت: 485 هـ) ، وزير السلطان السلجوقي أَلْب أَرْسلان. ويُسمّى أيضاً بـ: غياث الأمم في التياث الظُّلَم. مطبوع بتحقيق د. عبد العظيم الديب، مكتبة ابن تيمية - القاهرة - ط (2) - 1401 هـ.
(2) ما بين المعقوفتين ساقط من ق.
(3) ذكر المصنف أمثلة منها في كتابه: نفائس الأصول 9 / 4096 - 4098، وانظرها مبثوثةً في كتاب
" الغياثي " في الصفحات: 283، 288، 308، 310، 312.
(4) انظر أمثلة عليها في الصفحات الواقعة بين (211 - 266) . وكتاب: " شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل " كتاب فريد في بابه، عظيم الفائدة، أقامه في بيان معنى القياس وأركانه مع تركيزه على مباحث العلة. مطبوع بتحقيق د. حمد الكبيسي - مطبعة الإرشاد - بغداد - 1390 هـ.
(5) كان الجويني والغزالي ممن نسبا إلى الإمام مالك الإفراط في أخذه بالمصلحة المرسلة، حتى أخرجاه عن حدِّ الاعتدال بزعمهم. انظر: البرهان 2 / 721 وما بعدها، المستصفى 1 / 422، شفاء الغليل ص 228 وما بعدها. قال الشاطبي: ((حتى لقد استشنع العلماء كثيراً من وجوه استرساله (مالك) زاعمين أنه خلع الربقة، وفتح باب التشريع، وهيهات ما أبعده من ذلك! رحمه الله)) الاعتصام (2 / 158) . ونقل الزركشي عن القرطبي قوله: ((وقد اجترأ إمام الحرمين وجازف فيما نسبه إلى مالك من الإفراط
في هذا الأصل. وهذا لا يوجد في كتاب مالك، ولا في شيء من كتب أصحابه)) البحر المحيط
(8 / 84) . ونقل حلولو عن الأبياري قوله: ((ما ذهب إليه الشافعي هو عين مذهب مالك، وقد
رام الإمام (إمام الحرمين) التفريق بين المذهبين، وهو لا يجد إلى ذلك سبيلاً أبداً ... )) الضياء اللامع
3 / 43.
(6) الاستصحاب لغة: الملازمة والمقارنة، واستصْحَبْتُ الكتاب وغيره: جعلتُه في صحبتي. انظر مادة
" صحب " في: أساس البلاغة، لسان العرب، المصباح المنير. وانظر ما قاله المصنف في بيان الحقيقة اللغوية للاستصحاب في: نفائس الأصول 9 / 4014 - 4015.
(7) انظر تعريفات أخرى له في: تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 172، تقريب الوصول ص 391، إعلام الموقعين 1 / 315. وما ذكره المصنف هنا هو أحد أنواع الاستصحاب، ويسمى استصحاب ثبوت الحكم الشرعي، كاستصحاب بقاء المِلْك بناءً على عقد صحيح في بيْع أو هبة، وكاستدامة حِلّ النكاح ... إلخ، ويُعبِّر عنه بعضهم: بأن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت خلافه. انظر الاستصحاب وأنواعه وحكمها في: العدة لأبي يعلي 4 / 1262، الإشارة للباجي ص 322، أصول السرخسي 2 / 224، المستصفى 1 / 378، ميزان الأصول 2 / 932، مفتاح الوصول ص 647، الإبهاج 3 / 168، البحر المحيط للزركشي 8 / 17، شرح الكوكب المنير 4 / 404.(2/498)
مالك (1)
والإمام (2) والمزني (3) وأبي بكر الصيرفي رحمهم الله تعالى حجة (4) خلافاً لجمهور الحنفية (5) والمتكلمين (6) .
لنا: أنه قضاء (7) بالطرف (8) الراجح، فيصح كأُرُوش الجنايات [واتباع
الشهادات] (9) .
الشرح
حجة المنع: أن الاستصحاب أمر عام يشمل كل شيء، وإذا كثر عموم الشيء كثرتْ مخصصاته [وما كثرت مخصصاته] (10) ضعفت دلالته، فلا يكون حجة.
_________
(1) انظر: المقدمة في الأصول لابن القصار ص 157، إحكام الفصول ص 694، المحصول لابن العربي
ص 541، التوضيح لحلولو ص 402، نشر البنود 2 / 253.
(2) انظر: المحصول 6 / 109.
(3) في ن: ((المازني)) وهو تحريف. والمُزني هو أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المُزَني نسبةً إلى مُزَيْنة، قبيلة من قبائل اليمن. صاحب الشافعي وأحد أعمدة المذهب، روى عن الشافعي ونعيم بن حماد وغيرهما، وروى عنه ابن خزيمة وابن أبي حاتم وغيرهما، له اجتهادات خاصة، وله كتاب: " مختصر المزني " (ط) ، اختصره من علم الشافعي، توفي سنة 264 هـ. انظر: طبقات الشافعية للإسنوي 1 / 34، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 1 / 438، وفيات الأعيان 1 / 217.
(4) انظر مذهبهما ومذهب الجمهور في: الإحكام لابن حزم 2 / 3، شرح اللمع للشيرازي 2 / 986، البرهان للجويني 2 / 735، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 251، نهاية الوصول للهندي 8 / 3953، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 148، سلاسل الذهب ص 425، التحقيقات في شرح الورقات لابن قاوان ص 578، أبو بكر الصيرفي وآراؤه الأصولية (رسالة جامعية) لأحمد بن جاسم الراشد ص 344.
(5) انظر: كتاب في أصول الفقه للاَّمشي ص 118، بذل النظر ص 673، بديع النظام (نهاية الوصول) لابن الساعاتي 2 / 611، كشف الأسرار للبخاري 3 / 662.
(6) انظر: المعتمد 2 / 325، المحصول للرازي 6 / 109، الإحكام للآمدي 4 / 127.
(7) في ق: ((قُضي)) .
(8) في ز، م: ((الظن)) .
(9) ساقط من ق ومتن هـ. ومعنى هذه الحجة: أن القضاء بالاستصحاب راجحٌ على منعه قياساً على القضاء بصدق مقوِّم أروش الجنايات، وقيم المتلفات؛ إذ الظاهر صدقه في ذلك لعدالته، فذلك راجح على
كذبه، وكذلك صدق الشاهد راجح على كذبه لعدالته. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1192.
(10) ساقط من ن.(2/499)
والجواب: أن الظن الضعيف يجب اتباعه حتى توجد (1) معارضة الراجح عليه، كالبراءة الأصلية، فإن شمولها لم يمنع من التمسك بها حتى يوجد رافعها.
البراءة الأصلية
ص: البراءة الأصلية (2) : وهي استصحاب حكم العقل (3) في (4) عدم الأحكام خلافاً للمعتزلة والأَبْهَري وأبي الفَرَج منا.
لنا: أن ثبوت العدم في الماضي يوجب ظن [عدم ثبوته] (5) في الحال، فيجب الاعتماد على هذا الظن بعد الفحص عن رافعه، وعدم وجوده عندنا وعند طائفة من الفقهاء (6) .
الشرح
المعتزلة بنوا على مسألة التحسين والتقبيح، وأن كل ما هو ثابت بعد الشرع (7) ثابت قبله بالعقل، وقد تقدَّم حِجَاجهم وأجوبتها أول الكتاب (8) .
وأما الجمهور منا فعلى عدم الحكم إلا بعد البعثة، وأما الأَبْهَري وأبو الفَرَج وجماعة من الفقهاء فقالوا بالحَظْر مطلقاً وبالإباحة مطلقاً، وقد تقدم تفصيل مذاهبهم (9) ، وليس ذلك منهم موافقة للمعتزلة في تحكيم (10) العقل بل قالوا بذلك لأدلة سمعية وردت
_________
(1) في ن، س: ((يوجد)) وهو جائز والمثبت أرجح. انظر: هامش (11) ص 27.
(2) وهي ضَرْب من الاستصحاب ويُعبَّر عنها باستصحاب النفي أو استصحاب العدم الأصلي، وبالإباحة العقلية، ومنها قولهم: الأصل براءة الذمة.
(3) في ق: ((العقلي)) .
(4) في ق: ((و)) بدلاً من ((في)) وهو مقبولٌ أيضًا.
(5) في ن، متن هـ: ((عدمه)) .
(6) انظر: شرح اللمع 2 / 986، المستصفى 1 / 377، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 147، تقريب الوصول ص 394، الإبهاج 3 / 168، تشنيف المسامع 3 / 418، شرح الكوكب المنير 4 / 404، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص 286.
(7) في ن: ((البعثة)) .
(8) انظر ص 88 وما بعدها (المطبوع) .
(9) انظر ص 88، 92 (المطبوع) .
(10) في ن: ((حكم)) .(2/500)
فقالوا بذلك لأجلها، فمن الوارد في الحَظْر قوله تعالى {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} (1) وذلك يقتضي أن المتقدِّم التحريم على العموم، وكذلك قوله تعالى
{أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} (2) . و [من أدلة الإباحة قوله تعالى] (3) : {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} (4) ، وقوله تعالى {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} (5) [ونحو ذلك مما يدل على الإباحة العامة] (6) ، فهم سُنِّيَّة لا معتزلة.
العُرْف والعادة
ص: العوائد (7) ، والعادة: غَلَبةُ معنىً من المعاني على الناس (8) .
وقد تكون هذه الغلبة (9) في سائر (10) الأقاليم كالحاجة للغذاء والتنفس في الهواء، وقد تكون خاصة ببعض البلاد [دون بعض] (11) [كالنقود والعيوب] (12) ، وقد تكون خاصة
_________
(1) المائدة، من الآية: 4.
(2) المائدة، من الآية: 1.
(3) ساقط من ق.
(4) البقرة، من الآية: 29.
(5) طه، من الآية: 50.
(6) ما بين المعقوفين جاء في ق هكذا: ((وذلك لا يدلُّ على الإباحة العقلية)) وهو صحيح أيضاً.
(7) جمع عادة، وتجمع على عاداتٍ، وعادٍ، وعِيْدٍ، سُميتْ بذلك؛ لأن صاحبها يعاودها، أي يرجع إليها مرةً بعد أخرى، وهي الدَّيْدَن. انظر مادة " عود " في: معجم المقاييس في اللغة، لسان العرب.
(8) هذا تعريفها الاصطلاحي، والعادة هي ما يطلق عليها بعضهم بالعُرْف، وقيل: بينهما عموم وخصوص مطلق، فالعادة أعم، والعرف أخص. انظر: كشف الأسرار للنَّسفي 1 / 182، تيسير التحرير
1 / 317، نَشْر العَرْف (رسائل ابن عابدين) 2 / 112، العُرْف والعادة د. أحمد فهمي أبو سنة
ص 11، العرف حجيته وأثره ... لعادل قوته 1 / 115.
(9) هذا شروع في تقسيم العُرف باعتبار من يصدر عنه، فهو ينقسم إلى: عُرْفٍ عامٍّ، كبيع المعاطاة. وعُرْفٍ خاصٍ، سواء كانت الخصوصية من جهة أهل بلدٍ معينٍ أم من طائفةٍ وفِرْقةٍ أم من أهل حِرْفةٍ وصناعة ... إلخ. انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 102، العرف والعادة د. أحمد أبو سنة ص 24، أثر العرف في التشريع الإسلامي لفضيلة شيخنا الدكتور / السيد صالح عوض ص 136، العرف حجيته وأثره ... لعادل قوته 1 / 261، المدخل الفقهي العام للشيخ مصطفى الزرقا 2 / 877.
(10) في ن، ق: ((جميع)) .
(11) ساقط من س، ن.
(12) في ن: ((كالدنانير والدراهم)) .(2/501)
ببعض الفِرَق كالأذان للإسلام (1) ، والناقوس (2) للنصارى، فهذه العادة يُقْضَى بها عندنا (3) لما تقدَّم في الاستصحاب (4) .
الاستقراء
الاستقراء: وهو تتبُّع الحكْم في جزئياته على حالة يغلب على الظن أنه في صورة النزاع على تلك الحالة (5) ، كاستقراء الفَرْض في جزئياته (6) بأنه لا يُؤدَّى على الراحلة [فيغلب على الظن أن الوتر لو كان فرضاً لما أُدِّي على الراحلة*] (7) ، وهذا
_________
(1) في س: ((والإسلام)) وهو خطأ؛ لعدم دلالتها على المراد.
(2) الناقوس: هو مضراب النصارى الذي يضربونه لأوقات الصلاة، وهو قطعة طويلة من حديد أو خشب، وربما استعملت كلمة الناقوس للجرس. انظر مادة " جرس " في: لسان العرب، المنجد في اللغة.
(3) ساقطة من س.
(4) وهو قوله: ((لنا أنه قضاء بالطرف الراجح فيصحُّ ... )) ص (499) . وقد اتفقت المذاهب الفقهية على الاحتجاج بالعرف إجمالاً، وإنْ وُجد بينهم تفاوت في مدى اعتباره. وليس معنى حجية العُرْف كونه مصدراً للتشريع وإنشاء الأحكام كالكتاب والسنة، إنما المراد بحجيّته أن نصوص الشارع، وعبارات المتعاملين تُفسَّر وفْقاً للعُرْف الجاري بينهم. ويلاحظ أن كتب الأصول قلَّ أن تبحث في العوائد باعتبارها دليلاً مستقلاً، ولكنّها تبحثها في كونها من مخصَّصات العموم المنفصلة، لكن كتب القواعد الفقهية
تبحثها تحت قاعدة: ((العادة مُحكَّمة)) وما يتفرّع عنها. انظر: المسودة ص 123، تقريب الوصول
ص 404، الموافقات 2 / 483، الضياء اللاّمع 2 / 48، 3 / 57، التوضيح لحلولو ص 182، شرح الكوكب المنير 4 / 448، نشر البنود 2/265، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 564، 577، 584، الفروق 1 / 171، الإحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكام ... للقرافي ص 218، 232، إعلام الموقعين 3 / 71، 4 / 200، المنثور في القواعد للزركشي 2 / 256، 377، القواعد للحصني 1 / 357، غمز عيون البصائر شرح كتاب الأشباه والنظائر (لابن نجيم) لأحمد الحموي 1 / 295. وللوقوف على الشروط والضوابط المعتبرة للعمل بالعُرْف انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص 182، نَشْر العرف (رسائل ابن عابدين) 2 / 114، المدخل الفقهي العام للزرقا 2 / 873، العرف والعادة د. أحمد فهمي ص 73، أثر العرف في التشريع الإسلامي د. السيد صالح ص 189، العرف حجيته وأثره ... لعادل قوته 1 / 231.
(5) هذا تعريف الاستقراء غير التام (الناقص) . وقد سبق التعريف به لغةً واصطلاحاً، كما سبق ذكر قسميه: التام والناقص في: هامش (5) ص (126) .
(6) جزئيات صلاة الفريضة: هي حالاتها من الأداء والقضاء والإتمام والقصر. انظر: رفع النقاب القسم
2 / 1201.
(7) ما بين المعقوفتين ساقط من س.(2/502)
الظن حجة عندنا وعند الفقهاء (1) .
الشرح
في الاستدلال على عدم وجوب الوتر (2) بفعله عليه الصلاة والسلام إياه على الراحلة (3)
إشْكالٌ من جهة أنه لم يكن ذلك إلا في السفر، والمنقول أنه لم يكن واجباً هو ولا القيام (4) على رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فما فعل على الراحلة إلا وهو غير واجب (5) .
سد الذرائع
ص: سد الذرائع: والذريعة (6) الوسيلة للشيء (7) ، ومعنى (8) ذلك: حسم مادة وسائل الفساد دفعاً له (9) ، فمتى كان الفعل السالم عن المفسدة وسيلةً إلى المفسدة
_________
(1) انظر: دليل الاستقراء واختلاف المذاهب فيه في: المستصفى 1 / 103، المحصول للرازي 6 / 161، نهاية الوصول للهندي 8 / 4050، تقريب الوصول ص 397، البحر المحيط للزركشي 8 / 6، التوضيح لحلولو ص 404، شرح الكوكب المنير 4 / 417، فواتح الرحموت 2 / 413، الآيات البينات للعبادي 4 / 244، نثر الورود 2 / 566.
(2) سبقت الإشارة إلى خلاف العلماء في حكم صلاة الوتر.
(3) ثبتت في أحاديث عدة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على الراحلة. انظر: صحيح البخاري (999، 1000،
1098) ، وصحيح مسلم برقم عام (700) وخاص (36، 37، 39) .
(4) اختلف العلماء في نسخ وجوب صلاة الليل (التهجد) عليه صلى الله عليه وسلم على قولين. انظر الناسخ والمنسوخ للنحّاس 3 / 126، الناسخ والمنسوخ لابن العربي 2 / 403، زاد المعاد 1 / 322، الخصائص الكبرى للسيوطي 2 / 396، أحكام القرآن للجصاص 3 / 627، الحاوي 2 / 3، المغني لابن قدامة 2 / 555.
(5) انظر هذا الإشكال في: نفائس الأصول 9 / 4078، رفع النقاب القسم 2 / 1202.
(6) ساقطة من ن.
(7) هذا معناها اللغوي، وهي مأخوذة من " ذَرَع " وهو أصلٌ يدلُّ على الامتداد والتحرك إلى أمام، انظر: لسان العرب، معجم المقاييس في اللغة.
(8) في متن هـ: ((فسدُّ)) وهو صحيح أيضاً.
(9) هذا إشارة إلى ثمرة وفائدة سد الذرائع؛ لأن الذريعة اصطلاحاً: التوصل بمباح إلى ما فيه جناح، أو هي عبارة عن أمرٍ غير ممنوع في نفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع. انظر تعريفات الذريعة اصطلاحاً
في: الحدود للباجي ص 68، الموافقات 5 / 183، رفع النقاب القسم 2 / 1204، مجموع الفتاوي لشيخ الإسلام ابن تيمية 3 / 139، الجامع لأحكام القرآن 2 / 57 - 58.(2/503)
منعنا من ذلك الفعل، وهو مذهب مالك رحمه الله (1) .
تنبيه: يُنْقل عن مذهبنا أن من خواصِّه اعتبار العوائد، والمصلحة المرسلة، وسد الذرائع (2) ، وليس كذلك.
أما العرف فمشترك بين المذاهب ومن استقرأها (3) وجدهم يصرِّحون بذلك فيها (4) .
وأما المصلحة المرسلة فغيرنا يصرِّح بإنكارها، ولكنهم عند التفريع نجدهم (5) يعلِّلون بمطلق المصلحة، ولا يطالبون أنفسهم عند الفروق والجوامع بإبداء الشاهد (6) لها بالاعتبار، بل يعتمدون على مجرد المناسبة، وهذا هو المصلحة المرسلة (7) .
وأما الذرائع* فقد أجمعت الأمة على أنها ثلاثة أقسام:
أحدها: معتبرٌ إجماعاً، كحفر الآبار في طُرُق المسلمين، وإلقاء السمِّ في أطعمتهم، وسبّ الأصنام عند من يعلم من حاله أنه [يسبُّ الله تعالى] (8) حينئذٍ (9) .
_________
(1) انظر: إحكام الفصول ص 689، الإشارة في معرفة الأصول ص 314، تقريب الوصول ص 415، الموافقات 3 / 75، 130، 5 / 182، نشر البنود 2 / 259، منهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط
2 / 213، أحكام القرآن لابن العربي 2 / 265، 331، الفروق 2 / 33، 3 / 266، القواعد للمقري 2 / 471.
(2) ذكر الشوشاوي أن أرباب المذهب ذكروا انفراد مالك بخمسة أشياء: هذه الثلاثة المذكورة، ومراعاة الخلاف، والحكم بين الحكمين. فأما الثلاثة المذكورة فليست من خصوصياته، وأما الأخيران فمن انفراداته. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1205.
(3) في ق: ((استقرارها)) وهو تحريف.
(4) ذكر ابن العربي بأن العادات أصل من أصول مالك، أباها سائر العلماء لفظاً، ولكنهم يرجعون إليها على القياس معنىً. انظر: القبس في شرح الموطأ 2 / 819، وانظر: هامش (4) ص (502) .
(5) ساقطة من ن، وفي متن هـ: ((تجدهم)) .
(6) في س: ((الشواهد)) .
(7) انظر: هامش (7) ص (496) ، وهامش (6) ص (498) .
(8) في ق: ((سبب)) .
(9) ضابط ما أجمعوا على سدّه أن المنع فيه يرجع إما لنصٍّ أو إجماعٍ على قطعية إفضائه لمفسدة. انظر: سد الذرائع في الشريعة الإسلامية لمحمد هشام البرهاني ص 107.(2/504)
وثانيها: مُلْغىً إجماعاً، كزراعة العنب، فإنه لا يُمْنع خشية الخمر، والشَّرِكة في سكنى الدُّوْر خشية الزنا (1) .
وثالثها: مختلفٌ فيه، كبيوع الآجال (2) ، اعتبرنا نحن الذريعة فيها وخَالَفَنا
غيرُنا، فحاصل القضية أنَّا قلنا بسد الذرائع أكثر من غيرنا، لا أنها خاصة بنا (3) .
علاقة الوسائل بالمقاصد
واعلم أن الذريعة كما يجب سدُّها، يجب فتحها، ويكره، ويندب، ويباح (4) ، فإن الذريعة هي الوسيلة، فكما أن وسيلة المحرم محرمة، فوسيلة الواجب واجبة كالسعي للجمعة والحج (5) . وموارد الأحكام على قسمين (6) : مقاصد: وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها، ووسائل: وهي الطرق المُفْضية إليها، وحكمها كحكم ما أفْضَتْ إليه من تحريمٍ أو تحليلٍ، غير أنها أخفض رتبةً من المقاصد في حكمها (7) ، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما [هو متوسط] (8) متوسطة (9) ، وينبِّهُ على اعتبار الوسائل قولُهُ
_________
(1) ضابط ما أجمعوا على عدم سدّه ندرة إفضائه إلى المحظور، وأن الإفضاء إليه ليس مباشراً. انظر: المرجع السابق ص 106.
(2) هي: بيع المشتري ما اشتراه لبائعه أو وكيله لأَجَلٍ. الشرح الصغير على أقرب المسالك للدردير 3 / 116. ولها صور كثيرة، منها الجائز، ومنها الممنوع. انظر: بداية المجتهد 4 / 521، جامع الأمهات لابن الحاجب ص 352، القوانين الفقهية لابن جزي ص 275، تهذيب الفروق للمكي (بهامش الفروق)
3 / 275، شرح الزرقاني على مختصر خليل 5 / 98. وانظر: المغني 6 / 260، المجموع 10/141، 148، تبيين الحقائق 5 / 125.
(3) انظر مذهب غير المالكية في سد الذرائع في: إبطال الاستحسان للشافعي (بذيل الأم: طبعة بولاق)
7 / 267 - 270، الإحكام لابن حزم 2 / 180، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 214، البحر المحيط للزركشي 8 / 89، شرح الكوكب المنير 4 / 434، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام
ص 182، إعلام الموقعين 3 / 121، الأشباه والنظائر لابن السبكي 1 / 119، بدائع الصنائع 3 / 34.
(4) انظر الأمثلة عليها في: رفع النقاب القسم 2 / 1214.
(5) ساقطة من ن.
(6) انظر: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 88، الفروق 2 / 33، إعلام الموقعين 3 / 121.
(7) في ن: ((أحكامها)) .
(8) في س: ((يتوسط)) ، وفي ن: ((توسط)) .
(9) انظر الأمثلة على ما سبق في: رفع النقاب القسم 2 / 1215.(2/505)
تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} (1) فأثابهم [الله على الظمأ والنَّصَب وإن لم يكونا] (2) من فعلهم؛ [لأنهما حصلا لهم] (3) بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين وصَوْن المسلمين، فالاستعداد وسيلة الوسيلة.
قاعدة (4) : كلما (5) سقط اعتبار المَقْصد سقط اعتبار الوسيلة، فإنها تَبَع [له في الحكم] (6) ، وقد خولفت هذه القاعدة في الحج في إمرار الموسى على رأس من لا شَعْر له مع أنه وسيلة إلى إزالة الشعر، فيُحتَاج إلى ما يدل على (7) أنه مقصود في نفسه، وإلا* فهو مُشْكل (8) .
تنبيه: قد تكون (9) وسيلة المحرم غير محرَّمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة،
_________
(1) التوبة، من الآية: 120. والنَّصَب: التعب، والمَخْمصة: المجاعة الشديدة، ولا يطؤون موطئاً: لا يدوسون مكاناً من أمكنة الكفار، نيلاً: قتلاً أو أسراً أو هزيمةً أو غنيمةً. انظر: فتح القدير للشوكاني
2 / 433.
(2) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((على ما ليس)) .
(3) ساقط من ق.
(4) انظرها في: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 178، الفروق 2 / 33، الموافقات 2 / 34، القواعد للمقري 1 / 329.
(5) في ق: ((كما)) .
(6) ساقط من ن، ق، متن هـ.
(7) ساقطة من ن.
(8) ونظير هذا الفرع من ولد مختوناً، فهل يجب إمرار الموسى على حشفته أم لا؟ في كلا الفرعين قولان. وسبب الخلاف هو: هل إجراء الموسى مقصود لنفسه أو هو وسيلة لإزالة الشعر وإزالة الغُرْلة؟ فمن جعله مقصوداً أوجبه، ومن جعله وسيلةً أسقطه، ومن لم يوجب إمرار الموسى على رأس من لا شعر له عَلَّل بأنه عبادة تتعلّق بجزءٍ من البدن، فتسقط بذهابه قياساً على طهارة اليد إذا قطعت. ومن أوجب علّل بأنه عبادة تتعلق بالشعر فتتعلق بالبشرة عند ذهابه قياساً على مسح الرأس في الوضوء. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1219. وانظر المسألة في: المبسوط 4 / 70، بدائع الصنائع 3 / 99، الحاوي 4/ 162، حلية العلماء 1 / 296، المغني 5 / 306، مواهب الجليل 4 / 181.
(9) في ق، متن (هـ) : ((يكون)) وهو جائز والمثبت أرجح، انظر: هامش (11) ص 27.(2/506)
كالتوسل إلى فِداء الأُسارى بدفع (1) المال إلى العدو والذي [هو محرَّم] (2) عليهم للانتفاع به لكونهم مخاطبين بفروع الشريعة عندنا، وكدفع مالٍ لرجلٍ يأكله حراماً حتى لا يزني بامرأةٍ إذا عُجِزَ عن ذلك إلا به، وكدفع المال للمُحارِب (3) حتى لا يَقْتَتِل (4) هو وصاحب (5) المال، واشترط مالك رحمه الله فيه اليسارة (6) .
عذر العالم في مخالفة الدليل
ومما شُنِّع على (7) مالك رحمه الله مخالفته لحديث بيع الخيار مع روايته له* (8) ، وهو مَهْيَع (9) مُتَّسِع، ومسلك غير ممتنع، فلا يوجد عالم إلا وقد خالف من كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام أدلةً كثيرةً ولكن لمعارضٍ راجحٍ عليها عند مخالِفِها (10) ، وكذلك مالكٌ ترك هذا الحديث لمعارضٍ راجحٍ عنده (11) ، وهو عمل أهل المدينة (12) . فليس هذا باباً اخترعه، ولا بِدْعاً ابتدعه (13) .
_________
(1) ساقطة من ق.
(2) في متن هـ: ((حرم)) .
(3) المحارب هو: كل من قصد بفعله أخذ مالٍ على وجهٍ تتعذّر معه الاستغاثة عادةً من رجلٍ أو امرأةٍ أو حرٍّ أو عَبْدٍ أو مسلم أو ذِمِّي أو مُسْتأْمَر، أو مُخِيْفٌ للسبيل وإن لم يَقْتل، وإن لم يأخذْ مالاً. انظر: جامع الأمهات لابن الحاجب ص 523.
(4) في ق: ((يقبل)) والمثبت هو الصواب.
(5) في ن: ((وربّ)) .
(6) في ق: ((السادسة)) وهو خطأ، لا معنى له. وانظر: الفروق 2 / 33.
(7) في ن، ق: ((عن)) والذي رأيته في: لسان العرب مادة " شنع " تعدِّيه بنفسه، وبعلى، وبالباء. والله أعلم.
(8) تقدَّمت هذه المسألة في ص 264، هامش (2) ، (3) .
(9) ساقطة من ق. والمَهيْع: الواضح، الواسع، البيِّن، أوصاف للطريق. ويقال للطريق المنبسط الواسع: مَهْيَع. انظر: مادة " هيع " في لسان العرب.
(10) في متن هـ: ((مخالفتها)) وهو مستقيم أيضاً، من باب إضافة المصدر إلى مفعوله.
(11) ساقطة من متن هـ.
(12) انظر: المدونة 3 / 234، المقدمات الممهدات لابن رشد 2 / 95.
(13) في متن هـ: ((افترعه)) وهو متَّجه؛ لأن الافتراع: ابتداء الشيء. انظر: مادة " فرع " في لسان
العرب.(2/507)
ومن هذا الباب (1) ما يُروى* عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: ((إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي)) (2) أو ((فاضربوا بمذهبي عُرْض (3) الحائط)) (4) ،
فإن كان مراده مع (5) عدم المعارض، فهذا مذهب العلماء كافة وليس خاصاً به، وإن كان مع وجود المعارض، فهو خلاف الإجماع، فليس هذا القول [خاصاً بمذهبه] (6) كما ظنه بعضهم (7) .
الشرح
كثير من فقهاء الشافعية يعتمدون على هذا، ويقولون (8) : مذهب الشافعي كذا؛ لأن الحديث صحَّ فيه، وهو غَلَطٌ؛ فإنه لابد من انتفاء المعارض، والعلم بعدم المعارض
_________
(1) أي من باب: مخالفة العالم للحديث.
(2) قال تقي الدين السبكي في كتابه: " معنى قول الإمام المطَّلبي: إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي " ص (71) ، ((وهو قولٌ مشهور عنه، لم يختلف الناس أنه قاله، وروي عنه معناه أيضاً بألفاظٍ مختلفة)) . وهي تنسب أيضاً للإمام أبي حنيفة. انظر نسبتها للشافعي في: المجموع للنووي 1 / 104، أدب الفتوى لابن الصلاح ص 81، إيقاظ همم أولي الأبصار للفلاني ص 107. وانظر نسبتها إلى أبي حنيفة في: رَسْم المفتي (من مجموعة رسائل ابن عابدين) 1 / 4، رد المحتار (حاشية ابن عابدين) 1 / 167، إيقاظ همم أولي الأبصار ص 62.
(3) عُرْض الحائط: أي جانبه وناحيته وجهته. انظر: لسان العرب مادة " عرض ".
(4) انظر عبارات الشافعي حول هذا المعنى في: " الرسالة " الفقرات: 598، 905، 1168، كتاب:
" اختلاف الحديث " مطبوع مع مختصر المزني (بذيل الأم) ص 8 / 481.
(5) ساقطة من ق.
(6) في ق: ((خاصة به)) .
(7) لتقي الدين السبكي وقفة طويلة يعارض فيها توجيه القرافي لقول الشافعي: ((إذا صح الحديث فهو مذهبي)) وأثبت أن مقولة الشافعي من خصوصيات مذهبه، لا كما قال المصنف هنا، فكان مما قال في هذا الصَّدد بأن العلماء كافة متّبعون للحديث إذا سلم من المعارض، فإذا لم يبلغهم كانوا في أوسع العذر، والشافعي يشترك معهم في ذلك، ويمتاز عنهم بأنه علّق القول بالحديث على صحته، فمتى صحّ كان مذهباً له، وصحّ نسبته إليه. والأمر الآخر أن بعض العلماء وضعوا أصولاً وقواعد بنوا مذاهبهم عليها، ولأجلها ردّوا بعض الأحاديث، كمن قدّم عمل أهل المدينة أو القياس على الخبر، أما الشافعي فليس له قاعدة يردُّ بها الحديث، فمتى صحَّ كان قائلاً به وهو مذهبه. انظر: معنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي ص 141 - 172.
(8) في س: ((ويقول)) وهو جائز بالنظر إلى لفظ الإفراد في " كثير ".(2/508)
يتوقف على من له أهلية استقراء الشريعة حتى يحسن أن يُقال لا معارض لهذا الحديث، وأما استقراء غير المجتهد المطلق فلا عبرة به، فهذا القائل من الشافعية ينبغي أن يُحصِّل لنفسه أهلية هذا الاستقراء قبل أن يُصرِّح بهذه الفُتْيا، لكنه ليس كذلك، فهم مُخْطئون في هذا القول (1) .
الاستدلال
ص: الاستدلال (2) : وهو محاولة الدليل المفضي إلى الحكم الشرعي من جهة القواعد (3) لا من جهة الأدلة المنصوبة (4) ، وفيه قاعدتان:
القاعدة الأولى: في الملازمات (5) ، وضابط الملزوم ما يحسن فيه " لو "، واللازم
_________
(1) ناقش الزركشي المصنف في هذا القول، ووصمه بأنه تحجير منه. انظر: البحر المحيط 8 / 344.
(2) الاستدلال لغةً: طلب الدليل. انظر: مادة " دلل " في لسان العرب.
(3) معناه: أن الاستدلال هو إقامة الدليل الموصل إلى الحكم الشرعي من جهة القوانين العقلية، لا من جهة الأدلة التي نصبت لذلك من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الشرعي. انظر: رفع النقاب القسم
2 / 1229. وللاستدلال اطلاقات أخر متباينة فيما بينها. وله أنواع كثيرة يتفاوت العلماء في عدّها وحصرها، لأنه مصطلح فَضْفَاض. انظر بحث الاستدلال تحديداً وتقسيماً واحتجاجاً في: إحكام الفصول ص 672، شرح اللمع 2 / 815، الإحكام للآمدي 4 / 118، نهاية الوصول للهندي 8 / 4039، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 280، تقريب الوصول ص 387، تشنيف المسامع
3 / 408، التقرير والتحبير 3 / 381، التوضيح لحلولو ص 405، شرح الكوكب المنير 4 / 397، الآيات البينات للعبادي 4 / 239، نشر البنود 2 / 249، إرشاد الفحول 2 / 45، الاستدلال عند الأصوليين د. علي العميريني ص 18 - 51.
(4) في س: ((المنصوصة)) .
(5) يسمى هذا بالاستدلال بالتلازم، ويسميه المناطقة بالقضية الشرطية، وبالقياس الاستثنائي، وهو مركّب من مقدمتين، الأولى: منهما مركّبة من قضيّتين، تُقْرَن الأولى بحرف شرطٍ كـ" لو " أو " إنْ " ونحوهما، وتسمّى بالملزوم أو المقدَّم، والقضية الأخرى هي جواب الشرط، قد تُقْرن بالفاء ونحوها، وتُسمَّى باللازم أو التالي. والمقدمة الثانية: استثناء من قضية واحدة يُقرن بها حرف استثناء مثل: " لكن " أو لا يُقْرن ويكون الكلام في معناه. مثاله: لو كان هذا إنساناً فهو حيوان، لكنه إنسان فهو حيوان أو لكنه ليس إنساناً فليس بحيوان. انظر: تقريب الوصول ص 124، شرح الكوكب المنير 4 / 398، نثر الورود 2 / 563، حاشية الصبان على شرح السُّلم للملّوي ص 141، حاشية العطار على شرح الخبيصي ص 247، شرح المطلع على متن إيساغوجي للأنصاري ص 62، آداب البحث والمناظرة للشنقيطي القسم الأول ص 90.(2/509)
ما يحسن فيه " اللاَّم " كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (1) ، وكقولنا: لو (2) كان هذا الطعام مُهْلكاً فهو حرام، تقديره: لو كان مهلكاً لكان حراماً.
والاستدلال إما بوجود الملزوم أو بعدمه، أو بوجود اللازم أو بعدمه، فهذه الأربعة منها [اثنان منتجان واثنان عقيمان، فالمنتجان] (3) :
الاستدلال بوجود الملزوم على وجود اللازم وبعدم اللازم على عدم (4) الملزوم (5) ، فكل ما أنتج [عدمُه فوجوده عقيم، وكل ما أنتج] (6) وجودُه فعدمه عقيم، إلا أن يكون اللازم مساوياً للملزوم فتنتج الأربعة، نحو قولنا: لو كان هذا إنساناً (7) لكان ضاحكاً بالقوة (8) ، ثم الملازمة قد تكون: قطعية، كالعَشَرة مع الزوجية، وظنية، كالنجاسة مع كأس الحَجَّام (9) ،
وقد تكون: كليَّة، كالتكليف مع العقل، فكل مكلف عاقل في سائر
_________
(1) الأنبياء، من الآية: 22.
(2) في ن، س، متن هـ: ((إنْ)) وهو صحيح أيضًا.
(3) ما بين المعقوفين في س هكذا: ((اثنتان منتجتان، واثنتان عقيمتان، فالمنتجتان)) والمثبت هو الصواب،
لأن المعدود مذكّر، يدلُّ عليه العدد " الأربعة " والعدد " اثنان " يتبع معدوده تذكيراً وتأنيثاً. انظر: أوضح المسالك لابن هشام 4 / 231.
(4) ساقطة من ن.
(5) والعقيمان: هما الاستدلال بعدم الملزوم، والاستدلال بوجود اللازم. فمثلاً؛ في قولنا: لو كان هذا الطعام مهلكاً لكان حراماً، هنا الاستدلالان المنتجان هما: بأن يستدلّ بوجود الهلاك على وجود التحريم، ويستدل بعدم التحريم على عدم الهلاك. والاستدلالان العقيمان هما: بأن يستدل بعدم الهلاك على عدم التحريم أو وجوده، فإنه عقيم لا ينتج؛ لأن الطعام غير المهلك قد يكون حلالاً كالطعام غير المسموم لا النجس، وقد يكون حراماً كالمغصوب أو النجس. وكذلك الاستدلال بوجود التحريم على وجود الهلاك أو عدمه استدلال عقيم؛ لأن الطعام المحرم قد يكون مهلكاً كالسموم، وقد يكون غير مهلك كالمغصوب أو النجس. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1231.
(6) ما بين المعقوفين ساقط من ن.
(7) في س: ((إنسان)) وهو خطأ نحوي، لعدم انتصابه على أنه خبر ((كان)) .
(8) في هذا المثال - لو كان هذا إنساناً لكان ضاحكاً بالقوة - تنتج الأربعة، وهي: لكنه إنسان فهو ضاحك، لكنه ضاحك فهو إنسان، لكنه ليس بإنسان فليس بضاحك، لكنه ليس بضاحك فليس بإنسان، وكل هذا بسبب تساوي اللازم والملزوم. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1233.
(9) أي: ملازمة النجاسة لكأس الحجّام، فلا توجد كأس الحجّام إلا ومعها نجاسة ظنية، فنقول: لو كان هذا كأس حجّام لكان نجساً، وإنما كانت هذه الملازمة ظنية؛ لأن كأسه قد لا تكون نجسة لأنه لم يَحْجِم بها أحداً بَعْد، أو حجم بها ثم غسلها..انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1233.(2/510)
الأزمان والأحوال، فكليتها [باعتبار ذلك] (1) لا باعتبار الأشخاص، وجزئية، كالوضوء مع الغُسْل، فالوضوء لازم للغسل إذا سَلِم من النواقص حالة إيقاعه فقط، فلا جَرَم* لم يلزم من انتفاء اللازم الذي هو الوضوء انتفاء الملزوم الذي هو الغسل؛ لأنه ليس كلياً، بخلاف انتفاء العقل فإنه (2) يوجب انتفاء التكليف في سائر الصور.
الشرح
استدل مرَّة (3) بعض الفضلاء على [أن المغتسِل] (4) لا يكفيه غُسْله للصلاة حتى يتوضأ - وهو قول بعض العلماء (5) - بإن قال: القاعدة العقلية أنه يلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم، فلو كان الوضوء لازماً للغسل [لكان يلزم من انتفائه انتفاء
الغسل] (6) ، [فيلزم من انتفاء الطهارة الصغرى انتفاء الطهارة الكبرى] (7) فإذا أحْدث الحَدَث الأصغر يلزمه (8) الغسل، وهو خلاف الإجماع، فلا تكون الطهارة الصغرى لازمة للطهارة الكبرى وهو المطلوب.
والجواب: ما تقدَّم أن الملازمة جزئية في بعض (9) الأحوال، وهي حالة الابتداء فقط، وأما بعد ذلك فليست لازمة، فلا يلزم من انتفاء ما ليس بلازمٍ انتفاء شيء
ألبتة.
_________
(1) في متن هـ: ((بذلك)) .
(2) ساقطة من جميع النسخ ما عدا النسختين م، ز، وإثباتها أليق بالسياق.
(3) ساقطة من س.
(4) في ق: ((الغسل)) .
(5) هذا القول أحد الأوجه عند الشافعية، وهو الرواية المقدَّمة عند الحنابلة عليها المذهب. انظر: المجموع
2 / 223 وما بعدها، مغني المحتاج 1 / 223، المغني 1 / 289، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 1 / 259. وانظر المسألة في: المبسوط 1 / 44، الحاوي 1 / 221، الذخيرة 1 / 307، 310، مواهب الجليل 1 / 459.
(6) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((لانتفى الغسل بانتفائه)) .
(7) ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(8) في ن: ((يلزم)) .
(9) ساقطة من ق.(2/511)
وكذلك نقول (1) : إن كل مؤثر فهو لازم لأثره حالة إيقاعه، وقد ينتفي الصانع وتبقى الصَّنْعة بعده؛ لأن الملازمة بينهما جزئية في بعض الأحوال، وهي حالة الحدوث فقط، وما عدا تلك الحالة لا ملازمة بينهما فيها، فلا يلزم النفي من النفي، فكذلك لا يلزم من انتفاء (2) الطهارة [الصغرى انتفاء الطهارة] (3) الكبرى بعد زمن الابتداء لعدم الملازمة في بقية الأحوال غير الابتداء بشرط السلامة عن النواقض.
ص: القاعدة الثانية: أن (4) الأصل في المنافع الإذن (5) وفي المضارِّ المنع بأدلة السمع لا بالعقل، خلافاً* للمعتزلة (6) ، وقد تعظم المنفعة (7) فيصحبها الندب (8) ، أو الوجوب مع الإذن، وقد تعظم المضرَّة فيصحبها التحريم على قدر رُتْبتها (9) فيستدل على الأحكام بهذه القاعدة.
الشرح
يعلم ما يصحبه الوجوب أو الندب أو التحريم أو الكراهة بنظائره من الشريعة وما عهدناه في تلك المادة.
_________
(1) في ق: ((تقول)) .
(2) في س، ق: ((نفي)) .
(3) ساقط من س.
(4) ساقطة من ق، متن هـ.
(5) من العلماء من نبّه على استثناء: الدم، والمال، والفرج، والعِرْض من قاعدة: ((الأصل في المنافع الإباحة)) . انظر: البحر المحيط للزركشي 8 / 12، التوضيح لحلولو ص 408.
(6) سبق بحث مسألة: حكم الأشياء قبل ورود الشرائع. أما هذه المسألة فهي مسألة: الأصل في الأشياء بعد ورود السمع. وقد خلط بعضهم بين المسألتين وأجرى نفس الخلاف. انظر: المحصول للرازي 6 / 97، نهاية الوصول للهندي 8 / 3938، الإبهاج 3 / 165، نهاية السول للإسنوي 4 / 352، البحر المحيط للزركشي 8 / 8، الضياء اللامع 3 / 141، الآيات البينات للعبادي 4 / 264. وانظر: تحكيم المعتزلة للعقل في مسألة المنافع والمضار في: المعتمد 2 / 315، منهاج الوصول للمهدي بن المرتضى ص 813.
(7) في ن: ((المصلحة)) .
(8) في ق: ((الثواب)) وهو غير مناسب؛ لأن المراد هنا تقرير الأحكام لا الجزاء.
(9) أو الكراهة. وإذا استوت المنفعة والمضرة صار مباحاً.(2/512)
الاستحسان
ص: الاستحسان (1) ، قال الباجي: هو القول بأقوى الدليلين (2) ، وعلى هذا يكون حجة إجماعاً، وليس كذلك (3) . وقيل: هو الحكم بغير دليلٍ، وهذا (4) اتباع (5) للهوى، فيكون حراماً إجماعاً. وقال الكرخي: هو العدول عما حُكِم به في نظائر مسألة (6) إلى خلافه لوجهٍ أقوى منه (7) ،
وهذا يقتضي أن يكون العدول عن (8) العموم إلى الخصوص استحساناً (9) ، ومن [المنسوخ إلى النَّاسِخ] (10) . وقال أبو الحسين: ((هو ترك وجه من وجوه الاجتهاد (11) غير شاملٍ شمولَ الألفاظ لوجه أقوى منه وهو في حكم الطاريء على الأول)) (12) ، فبالأول: خرج العموم، وبالثاني: تُرِك القياس المرجوح للقياس الراجح لعدم طريانه عليه.
_________
(1) الاستحسان لغةً: استفعال مأخوذ من الحُسْن وهو نقيض القبح. والاستحسان عَدُّ الشيء حسناً. انظر مادة " حسن " في: لسان العرب، وتاج العروس.
(2) هذا القول ليس للباجي نفسه، وإنما نقله عن محمد بن خُوَيْزمِنْداد المالكي. انظر: إحكام الفصول
ص 687، الإشارة في معرفة الأصول له ص 312.
(3) أي: لم يقع الإجماع على حجية الاستحسان، فلا يصحّ حدُّه بما ذكر.
(4) في ن: ((وهو)) ، وفي ق: ((فيكون)) .
(5) في ق: ((اتباعاً)) وهي مستقيمة بحسب سياق هذه النسخة.
(6) في ق: ((مثلٍ)) وهي لا تُعطي وضوحاً في معنى الحدّ.
(7) انظر تعريفه في: بذل النظر ص 648، كشف الأسرار للبخاري 4 / 7، التلويح إلى كشف حقائق التنقيح للتفتازاني 2 / 182، الأقوال الأصولية للإمام الكرخي لشيخنا الدكتور / حسين الجبوري
ص 112.
(8) في ق: ((من)) .
(9) في نسخة ق انتقلت هذه الكلمة إلى ما بعد كلمة: ((الناسخ)) ، وهو صحيح أيضاً.
(10) في س: ((الناسخ إلى المنسوخ)) وهو انقلاب لعلّه وقع من الناسخ.
(11) في ن: ((الاستدلال)) وهي ليست في تعريف أبي الحسين. انظر: المعتمد 2 / 296.
(12) انظر: المعتمد 2 / 296.(2/513)
وهو حجة (1)
عند الحنفية (2) وبعض المصريين (3) منا، وأنكره العراقيون (4) .
الشرح
حجة الجواز: أنه راجح على ما يقابله على ما تقدَّم تحريره (5) ، فيعمل به كسائر الأدلة الراجحة، ولقوله عليه الصلاة والسلام ((نحن نقضي بالظاهر)) (6) .
حجة المنع: أنه لم تتحقق له حقيقة في الحقائق الشرعية فيعمل به، إنما هو
شيء يهجس (7) في النفس، وليس قياساً ولا مما دلَّت النصوص عليه حتى
_________
(1) الجمهور على حجية الاستحسان، وقال الشافعي بعدم حجيته، ونُقِل عنه: من استحسن فقد شرَّع. ورغم هذا الخلاف المشهور والجدل الطويل يظهر أن النزاع بين الفريقين لفظي، وأن الجميع قائلٌ به؛ لأن الاستحسان الذي أنكره المنكرون ليس هو الذي أثبته القائلون به. ولهذا قال الشيرازي وغيره: ((إن كان مذهبهم - أي الأحناف - على ما قال الكرخي فنحن نقول به وارتفع الخلاف)) شرح اللمع 2 / 970. وانظر: الرسالة ص 503، كتاب إبطال الاستحسان للشافعي (بذيل الأم: طبعة بولاق) 7 / 267، المعتمد 2 / 295، الإحكام لابن حزم 2 / 195، التلخيص 3 / 308، أصول السرخسي 2 / 199، قواطع الأدلة 4 / 514، التمهيد لأبي الخطاب 4 / 87، المحصول للرازي 6 / 123، شرح مختصر الروضة للطوفي 3 / 190، تقريب الوصول ص 399، الموافقات 5 / 193، جامع الأسرار
4 / 1054، 1063، التوضيح لحلولو ص 409، قاعدة في الاستحسان لشيخ الإسلام ابن تيمية
ص 47، الاستحسان عند علماء أصول الفقه د. السيد صالح عوض ص 57، نظرية الاستحسان لأسامة الحموي ص 99، الاستحسان بين النظرية والتطبيق د. شعبان محمد إسماعيل ص 57.
(2) انظر: الغنية في الأصول للسجستاني ص 176، بديع النظام (نهاية الوصول) لابن الساعاتي 2 / 619، كشف الأسرار للبخاري 4 / 7، فتح الغفار 3 / 30، فواتح الرحموت 2 / 384.
(3) هكذا في ن، س، و، متن د، وهو ما أُرجِّحه، بينما في باقي النسخ: ((البصريين)) . أما سبب الترجيح؛ فلأن المدارس المالكية هي: المدنيّة، والمصرية، والعراقية، والمغربية (القيروانية) ، والأندلسية، ولم أجد من جعل من المدارس: البصرية في مقابلة الكوفية أو العراقية. والمراد بالمصريين: ابن القاسم، وأشهب، وابن وهب، وأصبغ، ونظرائهم، وبالعراقيين: القاضي إسماعيل، وابن القصار، وأبي بكر الأبهري، والقاضي عبد الوهاب ونظرائهم. انظر هذه المدارس وأصحابها في بحث: اصطلاح المذهب عند المالكية د. محمد إبراهيم ص 59 - 73 في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة - السنة (4) ، العدد
(15) ، عام 1413 هـ.
(4) انظر: الإشارة للباجي ص 313.
(5) تقدَّم تحريره يحتمل أن يكون في المتن، ويحتمل أن يكون في حجية الاستصحاب: أنه قضاء بالطرف الراجح ص 499.
(6) سبق تخريجه.
(7) ساقطة من ق.(2/514)
يُتَّبع (1) ، وقد قال به مالك (2) رحمه الله في عدة مسائل في تَضْمِين الصناع المؤثرين في الأعيان بصنعتهم (3) ،
وتضمين الحَمَّالين للطعام والإدام دون غيرهم من الحَمَّالين (4) ، وهو الذي قاله أبوالحسين (5) ((تَرْك وجهٍ من وجوه الاجتهاد)) : وهو ترك عدم التضمين الذي هو شأن الإجارة. ((غير شامل شمول الألفاظ)) ؛ لأن عدم التضمين قاعدة لا لفظ. ((لوجه أقوى منه)) : إشارة إلى الفرق الذي لوحظ في صورة الضمان، اعتبارُه راجح على عدم اعتباره وإضافة الحكم* إلى المشترك الذي هو قاعدة الإجارة و (6) عدم التضمين، وهذا الفرق في حكم الطاريء على قاعدة الإجارات؛ فإن المستثنيات (7) طارئات على الأصول، وأما أحد القياسين مع (8) الآخر، فليس أحدهما أصلاً للآخر (9) حتى يكون في حكم الطاريء عليه.
_________
(1) حجة المنع هذه غير متَّجهة؛ لأن الكل مجمعٌ على بطلان التقوّل في الشريعة بمجرد التشهّي، ثم إن المستحسنين لا يستحسنون بغير مستندٍ أو حقيقة شرعية، بل لابد أن يكون منزع استحسانهم نصاً أو إجماعاً أو قياساً أو مصلحةً أو عرفاً ونحو ذلك. انظر: المعتمد 2 / 295، اللمع للشيرازي ص 445، الموافقات 5 / 194، إرشاد الفحول 2 / 261 - 263.
(2) قال مالك عن الاستحسان بأنه تسعة أعشار العلم. انظر: الاعتصام للشاطبي 2 / 164، الموافقات
5 / 198.
(3) للفقهاء تفريقٌ بين يد الأجير الخاص والأجير المشترك، فالأول لا ضمان عليه إذا تلفت العين عنده من غير تعدٍّ ولا تفريط. والثاني - ومنهم الصُّنَّاع - اختلفوا في تضمينهم، فمن قال به إنما قاله استحساناً بعد أن شاع الفساد بينهم؛ لأنهم يَخْتَلُون بما يصنعونه عن أعين أصحابها، وليس من شأنهم الاحتياط في حفظ ما يصنعون. انظر: المدونة 3 / 373 - 374، بداية المجتهد 5 / 153، الذخيرة 5 / 502، 517، 523، القوانين الفقهية ص 349، الحاوي 7 / 425، المغني 8 / 103، ردّ المحتار لابن عابدين
9 / 88.
(4) لأن حمّالين الطعام تُسرع أيديهم إليه غالباً بالأكل، بخلاف من يحمل غير الطعام. انظر: المدونة 3/ 413، الذخيرة 5 / 512.
(5) أي: عبارة أبي الحسين في تعريف الاستحسان هي التي تنطبق على ما قاله الإمام مالك في تضمين الصنَّاع وحمَّالين الطعام.
(6) في ق: ((من)) بدلاً من الواو.
(7) في ن: ((المثبتات)) وهو تحريف.
(8) في ن: ((على)) .
(9) ساقطة من ن.(2/515)
الأخذ بأقل ما قيل
ص: الأخذ بالأخف (1) ،
وهو عند الشافعي رحمه الله حجة (2) كما قيل - في دية اليهودي - إنها مساوية لدِيَة المسلم (3) . [ومنهم من قال: نصف دية المسلم، وهو
_________
(1) هكذا ترجم المصنف لهذه المسألة هنا، وكذا في نفائس الأصول 9 / 4070، ثم أخذ يشرح بما يدلُّ على مسألةٍ أخرى وهي: ((الأخذ بأقل ما قيل)) . وعنوانهما متقاربان لا يُؤْمن من الوقوع في اللَّبس بسببه، وفي الحقيقة هما مسألتان متغايرتان. فالأخذ بأقل ما قيل حقيقته - كما قال السمعاني -: أن يختلف المختلفون في مقدَّرٍ بالاجتهاد على أقاويل، فيؤخذ بأقلّها عند إعواز الدليل. انظر: قواطع الأدلة (3 / 394) وهي ما سيذكرها المصنف. أما مسألة الأخذ بالأخف فصورتها: أن يقوم دليلٌ على وجوب شيءٍ يمكن تحقيقه بأحد وجهين، أخفّ أو أثقل، ولم يقم دليل على خصوص أحدهما، وتعارضت فيها الاحتمالات أو تعارضت مذاهب العلماء، والأخفّ في هذه الحالة لا يدخل في الأثقل، كما هو الحال في المسألة السابقة. مثالها: من نَذَر هَدْياً، فهل تجزيه شاة أو لابدّ من بدنة؟ ومن نذر صوم شهرٍ - وصام بغير الهلال - فهل يكتفي بتسعةٍ وعشرين يوماً أو لابد من ثلاثين؟ . في المسألة ثلاثة مذاهب، الأول: يجب الأخذ بالأخف. الثاني: وجوب الأخذ بالأشقّ. الثالث: التخيير. والفخر الرازي في المحصول
(6 / 160) فرَّق بين المسألتين، بأن جعل مسألة الأخذ بأقل ما قيل: هو ما كان الأقل فيها جزءاً من ماهية الأصل، بينما مسألة الأخذ بالأخف: هو ما لم يكن فيها الأخف جزءاً من ماهية الأصل. انظر: نهاية الوصول للهندي 8 / 4036، جمع الجوامع بحاشية البناني 2 / 352، البحر المحيط للزركشي
8 / 31، تشنيف المسامع 3 / 430، الضياء اللامع 3 / 139، التوضيح لحلولو ص 412، إرشاد الفحول 2 / 275.
(2) انظر مذهب الشافعي في الأم 6 / 105، ونسب ابن السبكي الأخذ بأقل ما قيل إلى الجمهور والباقلاني. انظر: الإبهاج 3 / 175، ونقل المصنف في نفائس الأصول (9 / 4071) عن القاضي عبد الوهاب أن مذهب المالكية التفصيل، فتارة يؤخذ بالأقل وتارة لا يؤخذ به، وقال: هذه المسألة تتعلق باستصحاب الحال أكثر من تعلُّقها بالإجماع. وذهب ابن حزم إلى ردّ القول بأقل ما قيل، وحكى قولاً بالأخذ بأكثر ما قيل ليخرج من عهدة التكليف بيقين. وهناك من قال: يمكن الأخذ بالأوسط من الأقوال كما يحدث في تقويم السلع وأروش الجنايات. انظر: شرح اللمع 2 / 993، قواطع الأدلة 3 / 394، المحصول للرازي 6 / 154، الإحكام للآمدي 1 / 281، المسودة ص 490، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2/ 43، تقريب الوصول ص 395، الضياء اللاَّمع 2 / 246، شرح الكوكب المنير 2 / 257، فواتح الرحموت 2 / 412.
(3) هذا مذهب الحنفية. انظر: المبسوط 26 / 84، بدائع الصنائع 10 / 310، البناية في شرح الهداية
12 / 214.(2/516)
قولنا (1) ] (2) ومنهم من قال: ثلثها (3) [أخذاً بالأقل] (4) ، فأوجب الثلث فقط؛ لكونه مجمعاً (5) عليه، وما زاد منفي بالبراءة الأصلية (6) .
تفويض الحكم إلى المجتهد
العصمة (7) ، وهي أن العلماء اختلفوا: هل يجوز أن يقول الله تعالى
لنبيٍّ أو عالم أحكم فإنك لا تحكم إلا بالصواب (8) ،
قطع [بوقوع
_________
(1) هذا مذهب المالكية والحنابلة. انظر: الاستذكار 25 / 161، الذخيرة 12 / 356، المغني 12 / 51، كشاف القناع 6 / 23.
(2) ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((وعندنا نصفها)) .
(3) هذا مذهب الشافعية. انظر: الحاوي الكبير للماوردي 12 / 308، العزيز شرح الوجيز (الشرح
الكبير) للرافعي 10 / 330، حاشية الجمل على شرح المنهج 7 / 462.
(4) ساقط من ق.
(5) في ن: ((مجمع)) وهو خطأ نحوي؛ لأن خبر ((كون)) حقُّه الانتصاب.
(6) انظر: المستصفى 1 / 376.
(7) سمَّاها حلولو في التوضيح ص (413) بـ" التوفيق ". ويسمّيها كثير من الأصوليين بـ" التفويض "، أي: تفويض الله الحكمَ إلى نبي أو عالم ليحكم بما شاء وكيفما اتفق دون الاستناد إلى مدارك شرعية، ويكون صواباً. لكن من الأصوليين مَنْ عدَّ هذه المسألة من علم الكلام وليست معروفة عند الفقهاء، وقال السمعاني: ((ليس فيها كبير فائدة؛ لأن هذا في غير الأنبياء لم يوجد، ولا يتوهم وجوده في المستقبل)) قواطع الأدلة 5 / 96، وانظر تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي على الإحكام للآمدي 4 / 209.
(8) الخلاف هنا في أمرين: في الجواز العقلي، وفي الوقوع الشرعي. أما الجواز العقلي فأكثر الشافعية والمالكية وبعض الحنفية يقولون به، وتردد الشافعي في ذلك، ومنهم من ينقل توقفه في الوقوع. وقال أبو علي الجبائي - وقيل رجع عنه - وأبو يعلى والسمعاني وابن عقيل بجواز ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة دون
غيره. وأكثر المعتزلة على عدم الجواز وبه قال الجصاص. أما الوقوع الشرعي فالمختار عند الأحناف وأصحاب الأئمة الثلاثة عدم وقوعه، وقال النظّام ومُوَيْس بن عمران والروافض بالوقوع جزماً، ومثَّلوا له بقصة الإذخر، وقتل النّضر بن الحارث، وحديث الأقرع بن حابس عن الحج (انظرها في المحصول
6 / 141 - 148) ، وقيل: بالتوقف في الوقوع. انظر: الرسالة ص 92 - 104، 508، الفصول في الأصول للجصاص 2 / 242، المعتمد 2 / 329، العدة لأبي يعلى 5 / 1587، اللمع للشيرازي
ص 267، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 5 / 410، الوصول لابن برهان 2 / 209، الإحكام للآمدي 4 / 209، منتهى السول والأمل ص 217، المسودة 510، تقريب الوصول ص 419، الإبهاج 3 / 196، البحر المحيط للزركشي 8 / 51، التقرير والتحبير 3 / 447، التوضيح لحلولو
413، التحقيقات في شرح الورقات لابن قاوان ص 627، فواتح الرحموت 2 / 441.(2/517)
ذلك] (1) مُوَيْس (2) بن عمران، وقطع جمهور المعتزلة بامتناعه (3) ، وتوقَّف الشافعي رضي الله عنه في امتناعه وجوازه (4) ووافقه الإمام (5) .
الشرح
حجة الجواز والوقوع: قوله تعالى: {إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} (6)
[فأخبر الله تعالى أنه حرم على نفسه] (7) ، ومقتضى السياق أنه صار (8) حراماً (9) عليه، وذلك يقتضي أنه ما حَرَّم على نفسه إلا ما جعل الله له أن يفعله، ففعل التحريم، ولو أن الله تعالى هو المُحرِّم لقال إلا ما حرَّمنا على إسرائيل.
حجة المنع: أن ذلك يكون تصرفاً في الأديان بالهوى، والله تعالى لا يشرع إلا المصالح لا اتباع الهوى. وأما قصة إسرائيل عليه السلام فلعله حرَّم على نفسه بالنذر، ونحن نقول به.
حجة التوقف: تعارض المدارك.
_________
(1) في ن: ((بذلك)) .
(2) هكذا في نسخة متن ف، وهو مما انفردت به، وهو الصواب كما في المعتمد 2 / 329، والمعتبر للزركشي ص 287 وغيرهما. وقد تحرَّفت في جميع النسخ إلى ((موسى)) وهو ما تتابع عليه كثير من الأصوليين. أما ترجمته فهو أبو عمران مُوَيْس بن عمران المعتزلي صاحب النظّام، ومن شيوخ الجاحظ، كان واسع العلم والكلام والإفتاء، ويقول بالإرجاء عاش بين القرنين الثاني والثالث. انظر: طبقات المعتزلة ص 76.
(3) انظر: المغني للقاضي عبد الجبار 17 / 123، المعتمد 2 / 329، منهاج الوصول للمهدي بن المرتضى ص 668.
(4) وقع اضطراب بين العلماء في موقف الشافعي من مسألة التفويض، فمنهم من يذكر تردد الشافعي في الجواز العقلي، وآخرون: في الوقوع مع الجزم بالجواز. والذي وجدْتُه في الرسالة ص (92 - 104) ما يدلُّ على أن التفويض للنبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ محتمل وجائز. والله أعلم. وانظر: المعتمد 2 / 329، قواطع الأدلة 5 / 91 - 92، البحر المحيط للزركشي 8 / 52.
(5) انظر: المحصول 6 / 137.
(6) آل عمران، من الآية: 93.
(7) ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(8) ساقطة من ق.
(9) في ق: ((حرام)) وهو مستقيم؛ لأن كلمة " صار " التي قبلها ساقطة منها.(2/518)
إجماع أهل الكوفة
ص: إجماع أهل (1) الكوفة، ذهب قوم إلى (2) أنه حجة؛ لكثرة من وَرَدَها من الصحابة رضوان الله عليهم، كما قاله (3) مالك رحمه الله في المدينة (4) .
فهذه أدلة مشروعية الأحكام.
قاعدة في التعارض
قاعدة (5) : يقع التعارض في الشرع بين الدليلين، والبينتين، والأصلين، والظاهرين، والأصل والظاهر (6) . ويختلف العلماء في جميع (7) ذلك.
تعارض الدليلين
الدليلان نحو قوله تعالى: {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (8) ، وهو يتناول الجمع بين الأختين في الملك. وقوله تعالى: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} (9) يقتضي تحريم الجمع مطلقاً (10) ، ولذلك قال علي رضي الله عنه: ((حرَّمتهما آية وأحلَّتهما (11) آية)) (12) . وذلك كثير في الكتاب والسنة، واختلف العلماء هل يتخير بينهما أو يتساقطان؟ * (13) (14) .
_________
(1) ساقطة من س، ق، متن هـ.
(2) في ق: ((على)) .
(3) في ن، ومتن هـ: ((قال)) والمثبت أصحّ لتمام المعنى.
(4) سبق بحث هذه المسألة في باب الإجماع.
(5) هذه القاعدة اقتبسها المصنف باختصار من كتاب شيخه العز بن عبد السلام " قواعد الأحكام "
ص 456 - 461، فانظرها ثمَّة موضحةً مفصَّلة.
(6) كان الأليق بهذه القاعدة في " التعارضات " أن تبحث في باب التعارض والترجيح ص 402؛ لأنها ألصق بتلك المباحث.
(7) في ق: ((جمع)) وهو متَّجه، أي في الجمع بين المتعارضين.
(8) النساء، من الآية: 24.
(9) النساء، من الآية: 23.
(10) سبق بحث هذه المسألة.
(11) في ن، س متن هـ: ((حلَّلتها)) ولم أجدها فيما وقفتْ عليه من ألفاظ الأثر.
(12) سبق تخريجه.
(13) في س، ق، متن هـ: ((يسقطان)) .
(14) هذا الاختلاف مبنيٌّ على تساوي الدليلين، وعدم إمكان الترجيح بينهما، حينئذٍ يجري هذا الخلاف، وقد مرَّ ذكره في ص (402) . أما ما مثَّل به المصنف هنا على التعارض بمسألة الجمع بين الأختين المملوكتين فلا يتجه فيه التخير أو التساقط، بل يجب الترجيح، كما بيّنه في تعارض الدليلين كل واحدٍ منهما أعم من وجه. انظر: ص 416.(2/519)
الشرح
حجة السقوط: التعارض، وليس أحدهما أولى من الآخر.
حجة التخيير: أن العمل بالدليل الشرعي واجب بحسب الإمكان، والتخيير عمل (1) بالدليل، فإنه أيُّ (2) شيء اختاره فهو فيه (3) مُسْتنِدٌ إلى دليل شرعي، فلم يحصل الإلغاء، فهو أولى.
تعارض البينتين
ص: البيِّنتان (4) ،
نحو* شهادة (5) بيِّنةٍ بأن هذه الدار لزيدٍ، وشهادة أخرى بأنها (6) لعَمْرو، فهل [تترجح إحدى البينتين] (7) ؟ فيه (8) خلاف (9) .
_________
(1) في ن: ((عملاً)) وهو خطأ نحوي، لأنها منتصبة، وهي خبر.
(2) في ن: ((أول)) .
(3) ساقطة من س.
(4) تعارض البينتين: هو اشتمال كلٍّ منهما على ما ينافي الأخرى. حدود ابن عرفة مع شرحه للرصّاع
2 / 604. بمعنى أن يُقدِّم كلُّ طَرَف في الخصومة دليلاً يؤيد دعواه وينفي دعوى الآخر بحيث لو انفرد دليل أحدهما لحُكِم له به. انظر: وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية ... د. محمد الزحيلي
ص 803. وهناك فروقات بين تعارض الأدلة وتعارض البيِّنات، فالأول من مباحث أصول الفقه، ومن وظائف المجتهدين، والثاني من مباحث الفقه، ومن وظائف القضاة، انظر الفروقات بينهما في: تعارض البيِّنات في الفقه الإسلامي ... لمحمد بن عبد الله الشنقيطي ص 57.
(5) هنا زيادة: ((بأنها)) في ن، ولا داعي لها.
(6) ساقطة من ق.
(7) ما بين المقعوفين في ق هكذا: ((يترجَّح أحدهما)) والصواب أن يقول: إحداهما؛ لأن الشهادة مؤنث.
(8) ساقطة من س، ومتن هـ.
(9) طريقة الأحناف: الترجيح بينهما، فإن تعذَّر فالجمع، فإن تعذَّر فالتساقط. وطريقة الجمهور: الجمع، فإن تعذَّر فالترجيح، فإن تعذَّر اختلفوا فيما يفعله القاضي، فقيل: تتساقط البينات، وقيل: تستعمل طريقة القِسْمة إذا كان المحلّ يقبلها، وقيل: تستعمل القرعة، وقيل: يتوقف حتى ينكشف الأمر فتظهر البينة الراجحة أو يصطلح المتنازعان، وهذا ما يُعبّر عنه في المحاكم بـ" تأجيل الدعوى " حتى تكتمل الأدلة، ولو قيل: يترك الأمر لتقدير القاضي ومدى فطنته لما كان هذا بعيداً عن الصواب. انظر: المحلّى
9 / 436، بدائع الصنائع 8 / 443، المغني 14 / 285، العزيز شرح الوجيز (الشرح الكبير) للرافعي 13/219، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 457، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 254، تبصرة الحكام لابن فرحون 1 / 263 - 265، تعارض البينات في الفقه الإسلامي ... لمحمد بن عبد الله الشنقيطي ص 179 - 181، 261 - 266.(2/520)
تعارض الأصلين
الأصلان (1) نحو رجل قَطَع رجلاً ملفوفاً (2) نصفين، ثم نازع أولياؤه (3) [أنه كان حياً] (4) حالة القطع، فالأصل: براءة الذمة من القصاص، والأصل: بقاء الحياة.
فاختلف العلماء في نفي القصاص وثبوته، أو التفرقة بين أن يكون ملفوفاً في ثياب الأموات أو الأحياء (5) . ونحو العبد إذا انقطع خبره، فهل تجب زكاة فطره لأن الأصل بقاء حياته أو لا تجب لأن الأصل براءة الذمة؟ فيه (6) خلاف (7) .
تعارض الظاهرين
الظَّاهران (8) ، نحو اختلاف الزوجين في متاع البيت، فإن اليد ظاهرة في الملك ولكل واحد منهما يد، فسوَّى* الشافعي بينهما (9) ورجَّحنا نحن بالعادة (10) . ونحو
_________
(1) المراد بهما: الأصلان العقليان، وانظر مسألة تعارض الأصلين في: الأشباه والنظائر لابن السبكي 1/ 36، المنثور في القواعد للزركشي 1 / 330، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 149، شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب للإمام المنجور ص 578، رفع النقاب القسم 2 / 1256.
(2) أي: في ثيابه، ولا يُدرى أحيٌّ هو أم ميت؟
(3) في ق: ((أولياء المقتول)) .
(4) في ق: ((في حياته)) .
(5) انظر مذاهب العلماء في قدِّ الملفوف في: المجموع 21/ 4، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 460، الذخيرة 10 / 278، المبدع لابن مفلح 7 / 222، القواعد للحصني 1 / 278.
(6) ساقطة من ن، ق، متن هـ.
(7) انظر مذاهب العلماء في زكاة الفطر عن العبد الغائب في: المجموع 6 / 70، المغني 4 / 304، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 153، بدائع الصنائع 2 / 537، مواهب الجليل 3 / 264.
(8) المراد بهما: الغالبان العرفيان. انظر: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 / 1257.
(9) أي: أن كلَّ ما في البيت من الأمتعة يُقْسم بين الزوجين نصفين - بعد أن يتحالفا - ولا بينة لأحدهما؛ لأن الاشتراك في اليد يمنع من الترجيح بالعُرْف. انظر: الأم 5 / 95، التهذيب في فقه الإمام الشافعي للبغوي 8 / 349، قواعد الأحكام ص 460، الأشباه والنظائر لابن السبكي 1 / 38.
(10) أي المالكية عملوا بظاهر العُرْف والعادة، فما يُعرف للنساء ويستعملنه كالحُليّ والمغازل يقضى به للزوجة، وما يعتاد للرجال ويصلح لهم كالسلاح والعمائم يقضى به للزوج. وهذا القدر قال به الحنفية والحنابلة، إلا أن الحنفية استدركوا فيما إذا كان كلٌّ منهما يفعل أو يبيع ما يصلح للآخر؛ فالقول له لتعارض الظاهرين. أما حكم ما يصلح لهما وجرى العُرْف باستعمال كلٍّ منهما له كالأواني والبُسُط ونحوهما فالمالكية والحنفية يقضون بأنه للزوج؛ لأن الشأن أن ما في البيوت للرجال وتحت أيديهم، بينما الحنابلة يقضون فيما يصلح لهما بالمناصفة. انظر: المدونة 2 / 196، المغني 14 / 333، الفروق 3 / 148، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 109، معونة أولي النّهى لابن النجار الفتوحي 9 / 272، مواهب الجليل 5 / 237، شرح فتح القدير (التكملة) 8 / 245، حاشية قرة عيون الأخيار (تكملة حاشية رد المحتار) 11 / 644.(2/521)
شهادة عَدْلين منفردين (1) برؤية الهلال والسماء مصحية، فظاهر العدالة الصدق، وظاهر الصحو اشتراك (2) الناس في الرؤية (3) ،
فرجَّح مالك العدالة، ورجح سَحْنون (4) الصحو (5) .
تعارض الأصل والظاهر
الأصل والظاهر (6) كالمقبرة (7) القديمة الظاهر: نبشها (8) فتحرم الصلاة فيها، والأصل: عدم النجاسة (9) . وكذلك اختلاف الزوجين في النفقة: ظاهر
_________
(1) ساقطة من ق.
(2) في ق: ((استواء)) .
(3) في ق: ((الرواية)) وهو تحريف..
(4) هو عبد السلام بن سعيد التَّنُوخي - نسبة إلى عدة قبائل اجتمعوا في البحرين وتحالفوا، والتَّنُوخ: الإقامة. وأصلُه شاميّ، لُقّب بسَحْنون باسم طائر حديد؛ لحِدَّته في المسائل، من كبار علماء المالكية، سمع من ابن القاسم وابن وهب وأشهب، ولي قضاء إفريقية، صنَّف كتاباً سمَّاه: المدونة، وعليها يعتمد أهل قيروان. ت 240 هـ. انظر: ترتيب المدارك 2 / 585، الديباج المذهب ص 263، وفيات الأعيان 1 / 291.
(5) إذا كانت السماء مصحية فمذهب مالك ثبوت الرؤية بعدْلين، ومذهب سحنون عدم ثبوتها وعليه الحنفية. والحنابلة والصحيح من مذهب الشافعية ثبوتها بالعدل الواحد. انظر: المنتقى للباجي 2 / 36، جامع الأمهات لابن الحاجب ص 170، الذخيرة 2 / 488، مواهب الجليل 3 / 282، المجموع 6 / 292، بدائع الصنائع 2 / 573، المغني 4 / 416.
(6) انظر هذه القاعدة في: أصول الكرخي (المطبوع بآخر: تأسيس النظر للدبوسي) ص 161، الأشباه والنظائر لابن الوكيل 2 / 169، القواعد للمقري 1 / 264، إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك للونشريسي ص 178، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 162.
(7) في ن: ((المقبرة)) .
(8) في ق، ن: ((تنجيسها)) وهومتّجه؛ لتلازم التنجيس النبش. لكن المثبت أقوى لموافقتها كتاب: قواعد الأحكام ص 458، وأكثر النسخ عليه، وهو المعبَّر عنه في كتب الفقه.
(9) نبش المقابر القديمة له ثلاث حالات، إما أن يُتيقَّن النبش فلا تجوز فيها الصلاة اتفاقاً، وإما أن يُتحقَّق عدم النبش، فالحنفية والحنابلة يمنعون بكل حال الصلاة في المقابر قديمة كانت أم حديثة، منبوشة كانت أم لا، والمالكية والشافعية على جواز الصلاة فيها. والحالة الثالثة: الشك في النبش، فالمالكية رجّحوا الأصل وهو طهارة الأرض، وهو أظهر الوجهين للشافعية، والوجه الآخر عندهم المنع؛ لأن الغالب في القبور القديمة النبش. انظر: الحاوي 2 / 261، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 458، بدائع الصنائع 1 / 540، رد المحتار (حاشية ابن عابدين) 2 / 42، الذخيرة 2 / 96، مواهب الجليل 2 / 63، المغني 2 / 470، الفروع لابن مفلح 1 / 330، 333.(2/522)
العادة (1) دفعها، والأصل بقاؤها، فغلَّبنا الأول والشافعي الثاني (2) . ونحو (3) اختلاف الجاني مع المجني عليه في سلامة العضو أو وجوده، الظاهر: سلامة الأعضاء في الناس ووجودها، والأصل: براءة الذمة (4) ، اختلف العلماء في جميع ذلك، واتفقوا على تغليب الأصل على الغالب في الدعاوى، فإن الأصل: براءة الذمة، والغالب: المعاملات ولا سيما إذا كان المدعي من أهل الدين والورع (5) ، واتفقوا على تغليب الغالب على الأصل في البينة، فإن الغالب صدقها والأصل براءة الذمة (6) .
فائدة (7) : الأصل أن يحكم الشرع (8) بالاستصحاب أو بالظهور إذا انفرد عن المعارض. وقد اسْتُثني من ذلك أمور لا يُحْكم فيها إلا بمزيد ترجيح يُضمُّ إليه:
أحدها: ضَمُّ اليمين إلى النُّكُول (9) ، فيجتمع الظاهران (10) . وثانيها: تحليف
_________
(1) في س، ق: ((العدالة)) وهو مما انفردت به، وهو متّجه بمعنى: ظاهر العدالة الصدق.
(2) تمسّك الحنفية والشافعية والحنابلة بالأصل، وأخذ المالكية وشيخ الإسلام ابن تيمية بالظاهر؛ لأن الغالب فيمن يُشَاهد وهويُدخل الأطعمة بيته يثير الظن بصدقه. انظر: بدائع الصنائع 5 / 164، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 58، تبصرة الحكام 1 / 266، مواهب الجليل 5 / 579، الحاوي 11 / 446، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 166، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 34 / 77.
(3) في ق: ((وهو)) وهو تحريف.
(4) انظر: قواعد الأحكام ص 459، مغني المحتاج 5 / 272، كشاف القناع 5 / 658، رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 / 1261.
(5) عبارة المصنف في كتابه الفروق (4 / 76) أوضح مما هاهنا، إذ يقول: ((بل اجتمعت الأمة على اعتبار الأصل وإلغاء الغالب في دعوى الدَّيْن ونحوه، فالقول قول المدّعى عليه، وإن كان الطالب أصلح الناس وأتقاهم لله تعالى، ومن الغالب عليه ألاَّ يدعي إلا ماله ... )) . وانظر: حكاية الاتفاق في: المنثور في القواعد للزركشي 1 / 315، تقرير القواعد لابن رجب 3 / 162، تبصرة الحكام 1 / 106.
(6) انظر: المراجع السابقة
(7) انظرها في: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 462 - 463.
(8) ساقطة من ق.
(9) النكول لغة: النكوص والامتناع. انظر: مادة " نكل " في: لسان العرب. واصطلاحاً: امتناعُ مَنْ وَجَبتْ عليه أو له يمينٌ منها. حدود ابن عرفة بشرحه للرصَّاع 2 / 611.
(10) هما: ظاهر اليمين وهو: الصدق، وظاهر النكول وهو: الكذب. ومع ذلك لا يحكم بمجرد نكول المدَّعى عليه، بل لابد من ضميمة أخرى وهي: تحليف المدَّعي. انظر: المدونة 4 / 102.(2/523)
المدعَى عليه، فيجتمع استصحاب البراءة مع ظهور اليمين. وثالثها: اشتباه الأواني والأثواب يُجْتهد فيها على الخلاف (1) ، فيجتمع الأصل مع ظهور الاجتهاد (2) ويُكتفى في القِبْلة بمجرد الاجتهاد؛ لتعذر انحصار القبلة في جهةٍ حتى (3) تسْتصحب فيها.
أدلة وقوع الأحكام
وأما أدلة وقوع الأحكام (4) بعد مشروعيتها فهي: أدلة وقوع أسبابها، وحصول شروطها، وانتفاء موانعها، وهي غيرمحصورة*. وهي إما معلومة بالضرورة كدلالة زيادة الظل (5) على الزوال (6) ، أو كمال العِدَّة على الهلال، وإما مظنونة كالأقارير (7) والبينات والأيمان والنكولات والأيدي على الأملاك (8) ، وشعائر الإسلام عليه (9) [الذي هو شرط في الميراث] (10) ، وشعائر الكفر عليه وهو مانع من الميراث، وهذا باب لا يُعدُّ ولا يحصى.
_________
(1) انظره في: المغني 1 / 82، العزيز شرح الوجيز (الشرح الكبير) للرافعي 1 / 72، الذخيرة 1 / 178.
(2) الأصل هو استصحاب الطهارة، وظهور الاجتهاد هو التحرِّي.
(3) ساقطة من ن.
(4) هذا القسم الثاني من أقسام أدلة الأحكام، ابتدأ القسم الأول - وهو أدلة مشروعية الأحكام - ص 491. وللمصنف تفريق لطيف وواضح بينهما ذكره في: الفروق 1 / 128، وانظر: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام ص 451 وما بعدها، ومنهج التحقيق والتوضيح لمحمد جعيط 2 / 223.
(5) في ق: ((الظن)) وهو تحريف.
(6) والزوال سبب لوجوب الظهر، وهذا والذي بعده مثال على دليل وقوع الأسباب.
(7) في ق: ((الأقارين)) ، وفي ن: ((الأقادير)) وكلاهما تحريف. والأقارير جمع " إقرار " على صيغة منتهى الجموع " أفاعيل " كإعصار، وتجمع أيضاً على إقرارات.
(8) أي: إن هذه الأشياء (الإقرار، البينة، النكول ... ) دليل على الملك، الذي هو شرط في التصرف، الذي هو الحكم. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1268.
(9) معناه: أن شعائر الإسلام كالصلاة مثلاً دليلٌ على الإسلام، والإسلام شرطٌ في الميراث.
(10) ما بين المعقوفين ساقط من ق.(2/524)
الفصل الثاني
في تصرفات المكلفين في الأعيان (1)
ص: وهي: إما نقل، أو إسقاط، أو قبض، أو إقباض، أو التزام، أو خلط، أو إنشاء ملك، أو اختصاص، أو إذن، أو إتلاف، أو تأديب و (2) زجر.
النقل
النقل (3) ينقسم إلى: ما هو بعوض في الأعيان كالبيع والقرض (4) ، أو في المنافع كالإجارة، ويندرج فيها المساقاة والقراض والمزارعة (5) والجعالة، وإلى ما هو بغير عوض كالهدايا والوصايا والعُمْرَى (6) (7)
والهبات والصدقات والكفارات والزكوات والغنيمة (8) ، والمسروق من أموال الكفار (9) .
_________
(1) وكذلك المنافع. وجملة مباحث هذا الفصل مستمدة من كتاب شيخ المصنف العز بن عبد السلام " قواعد الأحكام " ص 501 - 509.
(2) في ق، س: ((أو)) . ولكن المصنف جعل التأديب والزجر شيئاً واحداً، انظر: ص 538.
(3) النَّقْل لغة: تحويل الشيء من مَوْضع إلى مَوْضع. لسان العرب مادة " نقل ". واصطلاحاً: تحويل المِلْك أو الحق من مالكه أو مستحِقِّه إلى غيره. وهو تصرُّف يفتقر إلى القبول. انظر: تهذيب الفروق والقواعد السنية لابن حسين المكي (بهامش الفروق) 2 / 135.
(4) في ن: ((القراض)) وهو تحريف، والقراض يندرج في النقل بعوض في المنافع. والقَرْض: إعطاءُ متموَّلٍ في عِوَض متماثِلٍ في الذمَّة لنفع المُعْطَى فقط. أقرب المسالك للدردير 3 / 291.
(5) المزَارعة لغة: مفاعلة من الزَّرع، وهو حَرْث الأرض للزِّراعة. انظر: المصباح المنير مادة " زرع ". واصطلاحاً: شِرْكةٌ في الحَرْث. حدود ابن عرفة بشرح الرصَّاع 2 / 513.
(6) العُمْرَى لغة: ما تجعله للرجل طول عُمرك أو عمره، وقد عَمرْتُه الدار وأَعْمَرْتُه، والمصدر: العُمْرى كالرُّجْعَى. انظر: لسان العرب مادة " عمر " واصطلاحاً: تمليك منفعةٍ حياةَ المُعْطَى بغير عِوَضٍ إنشاءً. حدود ابن عرفة بشرحه للرصَّاع 2 / 550.
(7) هنا زيادة: ((الرُّقْبَى)) في س، وقد خلت منها جميع النسخ. انظر تعريفها في: شرح حدود ابن عرفة
2 / 551.
(8) تحرفت في ق إلى: ((القسمة)) وهي من انفراداتها، والقسمة ليس فيها نَقْلٌ أصلاً.
(9) المقصود منه ما سرقه المسلمون من أموال الكفار الحَرْبيين. انظر: قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام
ص 503.(2/525)
الإسقاط
الإسقاط (1) إما بعوض كالخُلْع، والعفو على مال، والكتابة، وبيع العبد من نفسه، والصلح على الدين، والتعزير (2) ، فجميع هذه (3) (4) تُسْقِط (5) الثابتَ ولا تنقله (6) للباذل، أو بغير عوض كالإبراء (7) من الديون (8) ، والقصاص أو التعزير أو حدِّ القذف والطلاق والعتاق (9) وإيقاف المساجد (10) ، فجميع هذه تُسْقِط (11) الثابت ولا تنقله.
الشرح
مع العوض يقع النقل من (12) أحد الجانبين في العوض، والإسقاط من الجانب الآخر، وقد يُقابَل الإسقاطُ بالإسقاطِ عند تساوي الديون في باب المقاصَّة (13) ولا نقل فيها، فإن ما كان لأحدهما من المطالبة لا ينتقل للآخر فيصير يطالب نفسه، كما
_________
(1) الإسقاط لغة: الإلقاء والرمي. انظر مادة " سقط " في لسان العرب. واصطلاحاً: إزالة المِلْك أو الحق لا إلى مالكٍ أو مُستحِقٍّ. انظر: الموسوعة الفقهية (الكويتية) 1 / 143. وهو تصرُّف لا يفتقر إلى القبول. انظر: تهذيب الفروق (بهامش الفروق) 2 / 135.
(2) أي: الصلح على التعزير بأن يُسْقط المجني عليه العقوبة عن الجاني ببذل مالٍ.
(3) ساقطة من ق.
(4) هنا زيادة: ((الصور)) في س.
(5) في س: ((يسقط فيها)) .
(6) في ق: ((مقلد)) وهي محرَّفة.
(7) في ق، ن: ((كالبراءة)) .
(8) ذكر المصنف في كتابه: الفروق (2 / 110) خلافاً في الإبراء من الدَّيْن، هل هو إِسْقاط فلا يفتقر إلى القبول كالطلاق والعتاق ينفذان ولو كرهت المرأة والعبد أم هو نَقْل وأنه تمليك لما في ذمّة المدين فيفتقر إلى القبول كالهدية ونحوها لابد فيها من الرضا. وقال بأن ظاهر المذهب اشتراط القبول، وعلَّله: بأن المِنَّة قد تعظم في الإبراء، وذوو المروءات والأَنَفَات يضرُّ ذلك بهم ولاسيما من السَّفَلة، فجعل صاحب الشرع لهم قبولَ ذلك أو ردَّه.
(9) في ق: ((العتق)) .
(10) نقل المصنف خلافاً في الوقف: هل هو إسقاط أم نقل، وهل ذلك في منافعه أم في العين الموقوفة، وما حكمه في الوقف إلى مُعيَّن وإلى لا مُعيَّن؟ انظر: الفروق 2 / 111.
(11) في س، ق: ((يسقط)) ويكون مرجع الضمير إلى " جميع ".
(12) في ن: ((في)) .
(13) في ن: ((المقاصَّات)) . والمقاصَّة لغة مصدر: قاصَّ إذا كان لك دَيْنٌ على أحدٍ مِثْل مالَهُ عليك، فجعلت الدَّيْن في مقابلة الدَّين. المصباح المنير مادة " قصص ". واصطلاحاً: مُتَاركة مَدِيْنَين بمُتماثِلَيْن عليهما. أقرب المسالك مع الشرح الصغير 3 / 297.(2/526)
حصل النقل في العوض الذي كان للباذل فيه من التصرف صار لمن بُذِل له، وبهذا (1) يمتاز لك النقل من الإسقاط، ولهذا قلنا الطلاق والعتاق إسقاط؛ لأن المرأة لم تنتقل (2) إليها إباحة وطء نفسها، ولا للعبد إباحة بيع نفسه، بل سقط ما كان على المرأة من العصمة، وما كان على العبد من الملك ولم يصر يملك نفسه، فالمُقاصَّة* سقوطٌ قُبَالة سقوط، كما أن البيع نَقْل قُبَالة نَقْل، أو يقال المقاصَّة: مقابلة إسقاط بإسقاط (3) .
القبض
ص: القبض (4) وهو إما بإذن الشرع وحده كاللقطة (5) ، والثوب إذا ألقته الريح في (6) دار إنسان، ومال اللقيط (7) ، وقبض المغصوب من الغاصب، وأموال الغائبين، وأموال بيت المال، والمحجور عليهم، والزكوات، [وإما] بإذن غير
_________
(1) في ن: ((ولهذا)) والمثبت أدلُّ على المراد.
(2) في س، ق: ((ينتقل)) وهو جائز. انظر: هامش (11) ص (27) .
(3) هذه محاولة سديدة من المصنف رحمه الله للتفريق بين النَّقل والإسقاط، استلهمها من كتاب شيخه العز بن عبد السلام " قواعد الأحكام " ص 504. وانظر: الفروق 2 / 110، ترتيب الفروق واختصارها للبقُّوري 2 / 108، وللشوشاوي تفريق واضح ولطيف وتقسيمات بديعة بيَّن فيها علاقة النقل بالإسقاط. فانظره في: رفع النقاب القسم 2 / 1272.
(4) القَبْض لغة: الأخذ والتناول، وهو تحويلُك المتاعَ إلى حيِّزك. انظر مادة " قبض " في: لسان العرب. واصطلاحاً: قال ابن جزي: القبض هو الحَوْز. القوانين الفقهية ص 334. ويمكن تعريفه أيضاً بأنه: حيازة الشيء والتمكُّن منه حقيقة كالأخذ باليد أو حكماً كالتخْلية. انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السادس، الجزء الأول ص 495، 711.
(5) اللُّقطة لغة مشتقة من اللَّقْط وهو أخذ الشيء من الأرض. انظر: مادة " لقط " في لسان العرب. واصطلاحاً: هو مالٌ وُجد بغير حِرْزٍ محترماً ليس حيواناً ناطقاً ولا نَعَمَاً. حدود ابن عرفة مع شرحه للرصّاع 2 / 562.
(6) في ق، ن، ومتن هـ: ((من)) والمثبت أولى؛ لأن الغرض هو قبض الثوب الذي ألقته الريح في داره من غير اعتبار لمصدره.
(7) اللقيط لغة: فعيل بمعنى مفعول، من اللِّقط، وهو الأخذ. انظر مادة " لقط " في: المصباح المنير. واصطلاحاً: هو صغيرٌ آدميٌّ لم يُعْلم أبواهُ ولا رقُّهُ. حدود ابن عرفة مع شرحه للرصَّاع 2 / 565.(2/527)
الشرع كقبض المبيع (1) بإذن البائع والمُسْتَام (2) والمبيع الفاسد والرهون والهبات والصدقات والعواري والودائع، أو بغير إذن من الشرع ولا من غيره كالغَصْب.
الشرح
يَقْبِض المغصوبَ من الغاصب ولاة (3) الأمور إجماعاً، وفي قبض آحاد الناس خلاف بين العلماء (4) ، ويُلْحق بالغائبين المحبوسون (5) الذين لا يلحقون بأموالهم ولا يقدرون على حفظها فتحفظ لهم، وكذلك المُوْدِع إذا مات وترك الوديعة وورثته غائبون ومات الذي هي (6) عنده (7) ، فإن كان حياً (8) فيحتمل (9) أن يقال: الإمام أولى من الذي هي تحت يده؛ لأن إذن الأول انقطع بموته، وهو لم يُوْصِ (10) للثاني، وهذا هو ظاهر الفقه. ويحتمل أن (11) يستصحب (12) حفظه لها حتى يوصلها إلى مستحقها. وقبض المُضْطر لما يَدْفع به ضرورته هو بإذن الشرع، وكذلك قبض الإنسان إذا ظَفِر بجنس حقه أو بغير جنسه على الخلاف في ذلك (13) والمذهب منعه (14) .
والقبض بغير إذن من الشرع قد
_________
(1) جاءت هذه الجملة السابقة في س: ((أو بغير إذن الشرع كالمبيع)) .
(2) في ن: ((المُسْتَأْجَر)) وهو من انفراداتها. ووجهها: أن القبض يقع على العَيْن المستأجرة للانتفاع بها. وأما المثبت فالمراد به: السِّلعة المتساوَم عليها. وعبارة " قواعد الأحكام " - كما في ص (505) :
((وقبض المتساوم عليه)) - أوضح مما هاهنا.
(3) في ن: ((أولات)) وهو خطأ؛ لأنه جَمْع للإناث، واحدتها ذات. انظر: مختار الصحاح مادة " أول ".
(4) انظر: قواعد الأحكام ص 504، إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة لسيد صديق ص 165 - 166.
(5) في ن، س: ((المحبوسين)) وهو خطأ نحوي؛ لأنها ليست مرفوعة، ونائب الفاعل حكمه الرفع.
(6) في ق: ((هو)) .
(7) أي كذلك يكون الحكم في حفظ الوديعة إذا مات المودِع والمودَع، فإنَّ حِفْظها يؤول إلى الإمام.
(8) أي: المودَع.
(9) في ن، س: ((احتمل)) .
(10) في ن: ((يرض)) ، وفي س: ((يعوض)) وهو تحريف.
(11) اقحمت هنا: ((لا)) في ق، وهو خطأ؛ لانقلاب المعنى.
(12) في ق: ((تستصحب)) وهو خطأ. انظر: هامش (7) ص 112.
(13) هذه تُعرف بـ" مسألة الظَّفَر " والحكم فيها يختلف باختلاف الحقوق. انظر: المغني 14 / 339، المحلى 8 / 180، الوسيط في المذهب للغزالي 7 / 400، مختصر اختلاف العلماء للطحاوي 4 / 171، إغاثة اللهفان 2 / 98، سبل السلام 3 / 141.
(14) نقل المصنف عن المالكية - في هذه المسألة - خمسة أقوال، ورجَّح جواز الأخذ انظر: الذخيرة 8/213، 9 / 159، 6 / 157..وفي كتابه: الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام.. . ص (112) نقل بأن مشهور المذهب عدم جواز الأخذ، وكذا في الفروق 1 / 208. ولكنه استدرك عليه ابن حسين المكي في: تهذيب الفروق (بهامش الفروق 1 / 207) وأبان أن المعتمد عند المالكية جواز الأخذ. وانظر: شرح الخرشي لمختصر خليل 7 / 235، التاج والإكليل للموّاق (بهامش: مواهب الجليل) 7/292.(2/528)
يكون مع العلم كالغصب فيأثم أو بغير علم فيعتقد أنه ماله، فلا يقال: إن الشرع أذن له في قبضه، بل عفا عنه بإسقاط الإثم، كما إذا وطيء أجنبية يظنها امرأته لا يقال: إن الشارع أذن له بل عفا عنه، ولا حُكْم (1) لله تعالى في فعل المخطيء والناسي،
ولا وَطْءِ الشبهات، بل العفو فقط [وكذلك قتل الخطأ] (2) ، بل هذه الأفعال في حق هؤلاء كأفعال البهائم ليس فيها إذن ولا منع (3) .
الإقباض
ص: الإقباض (4) كالمناولة: في العروض والنقود (5) ، وبالوزن والكيل في (6) الموزونات والمكيلات (7) ، وبالتمكين: في العقار والأشجار، أو بالنية فقط: كقبض الوالد (8) وإقباضه لنفسه من نفسه لولده (9) .
الشرح
ومن الإقباض أن يكون للمديون (10) حقٌّ في يد رَبِّ الدَّيْن، فيأمره بقبضه من يده لنفسه، فهو إقباض بمجرد الإذن.
_________
(1) في ق: ((فِعْل)) وهو مما شذت به، ولعلَّه سَبق قلم الناسخ، وإلا فإنها غير لائقة بالله تعالى، فالقول بأن أفعال العباد ليست من فعل الله هو قول القدريّة نفاة القدر. انظر: شفاء العليل لابن القيم 1 / 149.
(2) في ن: ((وكان مثل الخطأ)) وهو تكرار.
(3) انظر: مرتبة العفو بالتفصيل في: الموافقات 1 / 253 - 278.
(4) قال الشوشاوي: ((القَبْض والإِقْباض متلازمان، فما كان من جهة الدافع فهو إقباض، وما كان من جهة المدفوع إليه فهو قبض، وإنما جعلهما المؤلف قسمين لما بينهما من العموم والخصوص، فإن القبض قد يوجد من غير إقباض كاللقطة ونحوها، ولا يوجد الإقباض إلا ومعه قبض. فكلّ إقباض معه قبض وليس كلُّ قبض معه إقباض، فالقبض أعم)) رفع النقاب القسم 2 / 1279.
(5) ساقطة من ق، س.
(6) ساقطة من متن هـ.
(7) هنا زيادة: ((والمنقولات)) في ن، س. وموضعها المناسب في قسم المناولة بعد النقود.
(8) تحرَّفت في ن إلى: ((الولد)) .
(9) فيما وهبه له أو باعه عليه أو تصدق به عليه أو حبسه عليه، فالأب قابضٌ ومُقْبض في آنٍ واحد.
(10) في ن: ((للمِديان)) وهي صحيحة، ومعناها: كثير الاستقراض، وكذلك كثير الإقراض، فهي من الأضداد. انظر: القاموس المحيط، مختار الصحاح. كلاهما مادة " دين ".(2/529)
ويصير قبضه له بالنية كقبض الأب [من نفسه لنفسه] (1) مالَ ولده إذا اشتراه منه.
الالتزام
الالتزام (2) بغير عوض (3) كالنذور، والضمان بالوجه أو بالمال (4) .
الخلط
الخلط (5) إما بشائع (6) ، وإما بين الأمثال، وكلاهما شركة (7) .
الشرح
الشائع (8) : كنصيبٍ من دار يُقَايَضُ (9) به بنصيب آخر، فيصير قد خلط [ملكه بملك] (10) من صارت الشركة معه. والأمثال: كالزيت الذي يخلط بمثله، [أو البُرِّ
ونحوه] (11) ، بخلاف خَلْط الغنم ونحوها، فليست شركةً، بل خلط يوجب أحكاماً أخرى* غير الشركة (12) .
_________
(1) في ن: ((لنفسه من نفسه)) .
(2) الالتزام لغة: الثبات والدوام. انظر: لسان العرب، مادة " لزم ". واصطلاحاً: هو إلزام الشخص نفسه شيئاً من المعروف مطلقاً أو معلقاً على شيءٍ. فتح العلي المالك للشيخ محمد عليش 1 / 217.
(3) سكت المصنف عن الالتزام بعوض، ومثاله: الضمان برهنٍ يكون عنده. انظر: رفع النقاب القسم
2 / 80.
(4) ضمان الوجه أو الذات: هو التزام الإتيان بالغريم عند حلول الأجل. وضمان المال: التزام مكلَّفٍ غير سفيهٍ دَيْناً على غيره. انظر: الشرح الصغير على أقرب المسالك للدردير 3 / 430، 450.
(5) الخَلْط لغة: المزج. والمراد بها هنا الشركة؛ ولهذا قال العز بن عبد السلام: ((الخلط والشركة ضربان؛ أحدهما: شركة شياع، والثاني: شركة خلط فيما لا يتميّز من ذوات الأمثال)) قواعد الأحكام
ص 506.
(6) في ن، ق: ((شائع)) .
(7) الشَّركة والشِّرْكة سواءٌ، وهي: مخالطة الشريكين. لسان العرب مادة " شرك ". واصطلاحاً: عَقْد مالِكَيْ مالين فأكثر على التَّجْر فيهما معاً أو على عملٍ بينهما، والربْح بينهما بما يدلُّ عُرفاً. أقرب المسالك مع الشرح الصغير 3 / 455.
(8) في ن: ((الشياع)) .
(9) قايضه مقايضة: إذا أعطاه سِلعةً وأخذ عِوضها سلعة. لسان العرب مادة " قيض ". والمقايضة اصطلاحاً: بيع عين بعين. طلبة الطلبة ص 296.
(10) في ن: ((نصيبه بنصيب)) .
(11) ساقطة من ق.
(12) كزكاة الخليطين، انظر تعريفها في: شرح حدود ابن عرفة للرصَّاع 1 / 146.(2/530)
إنشاء المِلْك
ص: إنشاء (1) الأملاك في غير مملوكٍ: كإرقاق الكفار، وإحياء الموات، والاصطياد، والحيازة (2) في الحشيش ونحوه.
الشرح
ومن ذلك حيازة المعادن والجواهر من البحار وغيرها.
الاختصاص
الاختصاص (3) بالمنافع: كالإقطاع (4) ،
والسبق إلى المباحات (5) ، ومقاعد الأسواق والمساجد (6) ، ومواضع النسك* كالمطاف والمسعى وعرفة ومزدلفة ومنى ومرمى الجمار والمدارس والرُّبُط (7) والأوقاف.
الشرح
يلحق بذلك الاختصاص بالخانات (8) المُسَبَّلة في الطرقات، والاختصاص [بالكلاب
_________
(1) الإنشاء لغة: ابتداء الشيء. انظر: لسان العرب، مادة " نشأ ". وهو المراد به هنا، ابتداء المِلْك.
(2) الحيازة لغة: الضمُّ والجمع، وكل من ضم شيئاً إلى نفسه من مالٍ وغيره فقد حازه. انظر مادة " حوز " في: لسان العرب، المصباح المنير. واصطلاحاً: وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه. الشرح الصغير على أقرب المسالك 4 / 319.
(3) الاختصاص: هو الانفراد بالشيء دون الغير. انظر مادة " خصص " في: لسان العرب. وهو المراد هنا.
(4) الإقطاع: إعطاء قطعة أرضٍ للإرفاق، واستقطع الإمامَ إذا سأله إقطاعاً يستبدُّ وينفرد به. انظر مادة
" قطع " في: لسان العرب، وهو المراد به هنا، فإذا كانت الأرض أرض عُنْوة فلهم الانتفاع بها من زراعة ونحوها دون تمليك رقبتها، وإن كانت من الفيافي البعيدة أو غير أراضي العنوة فللإمام تمليكهم رقبتها. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1282.
(5) كالسَّبْق إلى منافع المواضع المباحة كالحطب والحشيش.
(6) الاختصاص بمقاعد المساجد للصلاة والعزلة والاعتكاف ونحو ذلك. انظر: قواعد الأحكام للعز بن
عبد السلام ص 507.
(7) الرُّبُط: جمع رباط، ويجمع على رِباطات، وهي مُولَّدة، وهي: ما يُبنى للفقراء أو المنقطعين للعبادة أو العلم. انظر مادة " ربط " في: المصباح المنير، تاج العروس.
(8) جمع " خان " وهو النُّزُل أو الفندق الذي ينزله المسافرون، وهي معرَّبة. انظر مادة " خون " في: مختار الصحاح، المصباح المنير، المعجم الوسيط.(2/531)
التي للصيد] (1) ، وجلد الميتة، فإنَّا وإن مَنَعْنا (2) [بيعَ الكلب وجلْد الميتة] (3) فإنا نمنع من (4) أخذهما (5) ممن هما (6) بيده، وكذلك الأرواث وإن منعنا بيعها (7) [فإنا نمنع
من] (8) أخذها (9) ممن حازها لبستانه، وإذا (10) قلنا بالاختصاص ببيوت المدارس والخوانق (11) فمعناه أنَّ لهم أن ينتفعوا [لا أنهم] (12) ملكوا تلك المنافع، فلذلك له أن يسكن، وليس له أن يؤجر (13) ولا يُسْكِن غيره ممن لم* يقم (14) بشرط الواقف، فإنَّ بَذْل المنفعة للغير بعوض أو بغير عوض فرع (15) ملكها، وهو (16) ليس بحاصل، بل له أن ينتفع بنفسه (17) إذا قام بشرطها فقط دون أن ينقل المنفعة لغيره.
_________
(1) في ق: ((بكلاب الصيد)) .
(2) في ق: ((معنا)) وهو تحريف.
(3) ما بين المعقوفين في ق: ((بيعها)) .
(4) ساقطة من ن، ق.
(5) في س، ن: ((أخذه)) .
(6) في س، ن: ((هو)) .
(7) ساقطة من ق.
(8) في ق: ((منعنا)) .
(9) في ق: ((أحدهما)) وهو تحريف.
(10) في س: ((إن)) وهو مقبولٌ أيضاً. انظر: هامش (7) ص 16.
(11) في ق: ((الخوانك)) ولعلَّها لهجة. والخوانق جَمْع إمَّا لخانق وهو الشِّعْب الضيِّق بين جبلين ويُسمَّى بالزُّقاق على لغة اليمن. وإما لخَانِقَاه، وهو الأقرب، وهي بقعة يسكنها أهل الصلاة والخير والصوفية وجعلت علماً لهم، وهي فارسية معرَّبة. انظر مادة " خنق " في: تاج العروس، المعجم الوسيط.
وانظر: منادمة الأطلال لابن بدران ص 272.
(12) في س، ن: ((لأنهم)) وهي محرَّفة.
(13) في ن: ((يؤاجر)) وهي صحيحة، تقول: آجرته الدار: أكريتُها. لسان العرب، مادة " أجر ".
(14) ساقطة من س.
(15) ساقطة من س.
(16) في ق: ((وهي)) وهي خطأ؛ لأن " مِلْك " مذكر، فالضمير العائد عليه لابد أن يكون للمذكر.
(17) في ن، س: ((لنفسه)) .(2/532)
الإذن
ص: الإذن (1) إما في الأعيان: كالضيافات و (2) المنائح، أو في المنافع: كالعواري والاصطناع بالحَلْق (3) والحِجَامة (4) ، أو في التصرف: كالتوكيل والإبضاع (5) والإيصاء (6) .
الشرح
الصحيح أن عرض الطعام وتقديمه للضيف إذن له في تناوله، واشترط بعضهم الإذن بالقول (7) - وهو بعيد - قياساً على البيع (8) ،
وله أن يأكل بنفسه، وليس له أن يبيع ولا يحوله لغيره، ولا يأكل فوق حاجته؛ لأن العادة إنما دلت على تناوله بنفسه خاصةً (9) مقدار حاجته، فلا يتعدَّى موجب الإذن؛ لأن الأصل استصحاب الملك السابق بحسب الإمكان. ونُقِل عن الشافعية خلاف في الزمن الذي يحصل به الملك
_________
(1) الإذن لغة: الإباحة والإطلاق. انظر مادة " أذن " في: لسان العرب، المصباح المنير. واصطلاحاً: إباحة التصرف للشّخص فيما كان ممنوعاً منه شرعاً لحقِّ غيره. انظر: معجم لغة الفقهاء ص 52، أحكام إذن الإنسان في الفقه الإسلامي للشيخ محمد عبد الرحيم 1 / 37.
(2) هنا زيادة: ((في)) في ق.
(3) في ق: ((في الحلق)) .
(4) أي يقع الإذن للصانع (الأجير) في أن يحلق شعر أحدٍ، أو أن يحجمه.
(5) ساقطة من س، ومتن هـ. والإبْضَاع: إعطاء البِضَاعة. انظر مادة " بضع " في: لسان العرب. واصطلاحاً: هو بَعْث المال مع من يتَّجربه تبرعاً، والرِّبح كله لربِّ المال. انظر: تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص 215، الموسوعة الفقهية الكويتية 1 / 172.
(6) ساقطة من ق.
(7) ساقطة من ق، وفي ن: ((بالقبول)) .
(8) يرى جماهير الفقهاء أن تقديم الطعام للضيف يقوم مقام الإذن، فلا يشترط الإذن لفظاً، ونقل ابن قدامة عدم الخلاف فيه بحسب علمه، لكن الغزالي ذكر قولاً باشتراط الإذن لفظاً، وضعَّفه النووي وقال بأنه
شاذ. انظر: الوسيط في المذهب للغزالي 5 / 279، المغني 8 / 246، روضة الطالبين للنووي
7 / 338، مواهب الجليل 5 / 246 - 247.
(9) ساقطة من ق.(2/533)
للضيف: هل هو (1) بالتقديم أو بالازدراد (2) ؟. ولا معنى للقول بالازدراد؛ لأن الملك هو إذن الشارع في التصرف وبعد (3) الازدراد انقطع ذلك، بل مقتضى الفقه أن يقال: لا ملك هنا ألبتة بل إذنٌ في أن يتناول بأكله مقدارَ حاجته.
ويلحق بذلك ما دلَّت العادة على الإذن فيه من إطعام الهِرِّ ونحو ذلك، فالعادة كالقول في الإذن، فكلُّ ما دلَّتْ العادة عليه فهو كالمصرَّح به في هذا وفي غيره، وكذلك [إنَّ كُتُب الرسائل التي تسير للناس، تلك الأوراق] (4) كانت على مِلْك مُرْسِلها، وذكر الغزالي (5) أنها بعد الإرسال يحتمل أن يكون انتقلت إلى مِلْك المُرْسَل إليه، ويحتمل أن يقال: إنه لم يحصل فيها إلا إسقاط الملك السابق فقط، وبقيت بعد تحصيل المقصود منها مباحةً للناس أجمعين ما لم يكن فيها سِرٌّ وما (6) يحافظ عليه، فإن كان ذلك فقد تدل العادة على ردِّه لمرسله بعد الوقوف عليه، وقد تدل على تحفظ الثاني به من غير رد، وقد تدل العادة (7) على تمليك الثاني لتلك الرقعة كالتواقيع (8)
التي
_________
(1) ساقطة من جميع النسخ ما عدا النسختين ز، م.
(2) الازدراد: الابتلاع، يقال: زَرِد الشيءَ واللقمة زَرَداً، وزَرَده وازْدَرَده زَرْداً: ابتلعه. انظر مادة
" زرد " في: لسان العرب. أمَّا مسألة مِلْك الضيف للطعام ووقته، فقد حكى النووي عن الشافعية قولين، الأول: أنه لا يملكه، بل هو إتلاف بإذن المالك. والثاني: القول بالملك، ثم بِمَ يكون المِلْك؟ نقل فيه أربعة أوجه، أولها: بالوضع بين يديه، وثانيها: بالأخذ، وثالثها: بوضعه في الفم، ورابعها: بالازدراد يتبين حصول الملك قُبيله. ثم قال النووي: وضعَّف المتولِّي ما سوى الوجه الأخير. انظر: روضة الطالبين 7 / 338 - 339.
(3) في س: ((وهو)) وهي تحريف.
(4) ما بين المعقوفين اختصر في ق إلى: ((أوراق الرسائل)) .
(5) لم أعثر على نصِّ الغزالي بعد بحث طويل. ولكن الكلام المتعلِّق بحكم الرسائل موجود في: العزيز شرح الوجيز للرافعي 6 / 335، روضة الطالبين 5 / 368، مغني المحتاج 3 / 574، المجموع (التكملة)
16 / 361.
(6) أقحمت هنا: ((لا)) في ق وهي خطأ، لانقلاب المعنى بها.
(7) ساقطة من ق.
(8) في ن: ((التراقيع)) وهي مما انفردت به. فإن كان المراد بها جمع " الرُّقْعة " فإني لم أجده. والذي
وجدته: " رُقَع " و" رِقَاع ". انظر مادة " رقع " في: لسان العرب القاموس المحيط، مختار الصحاح، تاج العروس وغيرها.(2/534)
يكتبها الخلفاء والملوك لتشريف المكتوب إليه، فإنها تبقى عند (1) الأعقاب تذكيراً (2) بذلك الشرف وعظم المنزلة، فكل ما دلت عليه العادة (3) من ذلك اتُّبع وكان كالمنطوق، والمنائح (4) : الشاة (5) تعطى لمن يأكل لبنها مع بقائها على ملك رَبِّها، والإِفْقار (6) : الإذن في ركوب البعير، والإسكان: الإذن في سكنى الدار، والعُمْرى (7) : إسكانه عمره، والعَريَّة (8) : هبة ثمر النخل.
الإتلاف
ص: الإتلاف (9) :
إما للإصلاح (10) في الأجساد والأرواح كالأطعمة والأدوية والذبائح وقطع الأعضاء المتآكلة، أو للدفع كقتل الصُّوَّال (11) والمؤذي من الحيوان،
_________
(1) في ق: ((بعد)) وهو تحريف.
(2) في ن: ((تذكير)) وهي خطأ نحوي، لأنها غير منتصبة، والمفعول لأجله حكمه النَّصب.
(3) ساقطة من ق.
(4) جمع منيحة، ويُقال: مِنْحة، وكلّ عطيّة منيحة، والعرب تضع أربعة أسماء مواضع العارية، وهي: المَنِيحة، والعَرِيَّة، والإفْقار، والإِجْنال. انظر: مادة " منح " في: لسان العرب.
(5) في ن: ((كالشاة)) .
(6) الإفقار: إعارة الدابَّة ليركبها، مأخوذ من ركوب فِقار الظهر. ويقال: الفُقْرى كالعُمْرى. انظر مادة
" فقر " في: لسان العرب.
(7) سبق التعريف بها.
(8) العَرِيَّة: النخلة المُعْراة، وأَعْراه النخلة: وهب له ثمرة عامها. وليس في هذا بيع، وإنما فضل ومعروف، ثم أُرْخص للمُعْري في بيع ثمر نخلةٍ في رأسها بخرْصها من التمر. وسُميت عريةً لعروُّها من جملة التحريم. انظر مادة " عرا " في: لسان العرب. وانظر تعريفها في الاصطلاح في: المنتقى للباجي 4 / 226، شرح حدود ابن عرفة 2 / 389.
(9) الإتلاف لغة: الإفناء، مصدر أَتْلف، والتَّلف: الهلاك والعطب. انظر مادة " تلف " في: لسان العرب. واصطلاحاً: إخراج الشيء من أن يكون منتفعاً به منفعة مطلوبةً منه عادة. انظر: بدائع الصنائع
10 / 70.
(10) في متن هـ: ((في الاصطلاح)) ، والمثبت أنسب من جهة تركيب العبارة.
(11) الصُّوَّال: جمع صائل كالصُّوَّام، والصائل: هو القاصد للوثوب على الشخص. وصال عليه: وثب عليه صَوْلاً وصيالاً وصيالةً ومصاولة. انظر مادة " صول " في: لسان العرب، وانظر: الفروق
4 / 183.(2/535)
أو لتعظيم الله تعالى كقتل الكفار لمحو الكفر من قلوبهم (1) وإفساد الصُّلْبان، أو لتعظيم الكلمة كقتل البغاة، أو للزجر كرجم (2) الزناة وقتل الجناة.
الشرح
البغاة: هم الذين يقاتلون بالتأويل من أهل الإسلام (3) ، سُمُّوا بغاةً: إما لبغيهم، أو لأنهم يبغون الحق على زعمهم، وكان قتالهم للكلمة (4) ؛ لأنهم فَرَّقُوها بخروجهم عن الطاعة.
ومن ذلك - أعني القتال للإتلاف - قتال الظلمة؛ لدفع ظلمهم، [وحسم] (5) مادة فسادهم، وتخريب ديارهم، وقطع أشجارهم، وقتل دوابهم، إذا لم يمكن* (6) دفعهم إلا بذلك.
[ومن ذلك] (7) قتل من كان دَأْبه أذية المسلمين طَبْعاً له، وذلك متكرر منه لا لعذر، وعَظُم ضرره وفساده في الأرض، ولم يمكن (8) دفعه إلا بقتله قُتِلَ بأيسر الطرق المزهقة لروحه. وكذلك من طلَّق امرأته ثلاثاً وكان يهجم على الزنا [بها، فإنَّ
لها] (9) مدافعته بكل طريق، [ولو لم] (10) تقدر إلا بقتله قتلته بأيسر الطرق في ذلك. وكذلك إتلاف ما يُعصى الله تعالى به من الأوثان والملاهي.
_________
(1) لا أعلم كيف يُمحى الكفر من القلب؟! ولو قال: لمحو الكفر من الأرض لكان مقبولاً. وعبارة " قواعد الأحكام " ص (508) هي: ((قتل الكفار دفعاً لمفسدة الكفر في قتال الطلب، ودفْعاً لمفسدتي الكفر والإضرار بالمسلمين في قتال الدَّفْع)) . ولكن ما سطَّره المصنف هنا لعلَّه يتمشَّى مع مذهبه في وجوب إجبار الكفار على الإسلام. انظر هامش (5) ص (471) . وانظر: الذخيرة 3 / 387.
(2) في ق: ((كقتال)) والمثبت أصح؛ لأن الزناة يرجمون.
(3) انظر: الذخيرة 12 / 5، الفروق 4 / 171.
(4) في ق: ((لعظيم)) .
(5) ساقطة من ق.
(6) في ق: ((يكن)) .
(7) في س: ((كذلك)) .
(8) في ق: ((يكن)) .
(9) في ق: ((فلها)) .
(10) في ق: ((لم)) .(2/536)
فائدة: سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله عن قتل الهِرِّ المؤذي: هل يجوز أم لا؟. فكتب رحمة الله عليه وأنا حاضر: إذا خرجتْ أذيَّته عن عادة القطط، وتكرر ذلك منه قتل، فاحترز بالقيد الأول عما هو في طبع الهر من أكل اللحم إذا تُرك سائباً أو عليه شيء يمكن رفعه للهر، فإذا رفعه وأكله لا (1) يقتل ولو تكرر ذلك منه؛ لأنه طبعه، واحترز بالقيد الثاني من (2) أن يكون ذلك منه على وجه الفَلْتة (3) ، فإن ذلك لا يوجب قتله، بل القتل إنما يكون في الميئوس من صلاحه واستصلاحه من الآدميين والبهائم (4) .
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إذا أذتْ الهرة وقُصِد قتلها، فلا تعذَّب ولا تُخْنق، بل تذبح بموسى حادَّة (5) ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحة)) (6) .
ومن هذا الباب مسألة السفن وما يُطْرح منها خوف الغرق على المال أو النفس، فإنه إتلاف لصون النفس والمال (7) .
مسألة: الحيوان الذي لا يؤكل إذا وصل في المرض لحدٍّ لا يُرجى، هل يُذبح تسهيلاً عليه وإراحة له من ألم الوجع؟. الذي رأيته المنع (8) (9) إلا أن يكون مما يُذكَّى
_________
(1) في ق: ((لم)) .
(2) في ق: ((عن)) .
(3) الفَلْتَة هي: البَغْتة، والخَلْسة، والفَجْأة. انظر مادة " فلت " في: لسان العرب.
(4) لم أعثر على هذه المسألة فيما وقفت عليه من كتب العز بن عبد السلام، ولا في كتب الشافعية، ولكنها موجودة في: مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب 4 / 357، وانظر: المحلى 7 / 239.
(5) انظر النسبة إلى أبي حنيفة في: مواهب الجليل 4 / 358. ولم أهتدِ إلى توثيقها من كتب الحنفية، وإن كانت المسألة موجودة من غير عزوٍ في: البحر الرائق لابن نجيم 8 / 232، 554.
(6) رواه مسلم (1955) عن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه بلفظ: (( ... فأحسنوا الذَّبْح)) . ورواه الترمذي (1409) بنفس لفظ المصنف.
(7) قرَّر المصنّف مسألة الطَّرح من السفن أحسن تقرير في كتابه: الفروق (4 / 8 - 10) . وانظر: ترتيب الفروق واختصارها للبقوري 2 / 177.
(8) في ن: ((لا يذكَّى)) .
(9) ما رآه المصنف هو المنع. لكن ما رآه الحَطَّاب هو الإجهاز عليه لإراحته. انظر: مواهب الجليل 4/358.(2/537)
لأخذ جلده كالسباع. وأجمع الناس على منع ذلك في [حق الآدمي] (1) وإن اشتدت* آلامه (2) ، واحتمل أن يكون ذلك لشرفه عن (3) الإهانة بالذبح، فلا يتعدى ذلك إلى غيره (4) .
التأديب والزجر
ص: التأديب والزجر: إما مقدَّر كالحدود، أو غير مقدَّر كالتعزير، وهو مع الإثم في المكلفين، أو بدونه في الصبيان والمجانين والدواب (5) .
خاتمة متن الكتاب
فهذه أبواب مختلفة الحقائق والأحكام، فينبغي للفقيه الإحاطة بها (6) ؛ لتنشأ له الفروق والمدارك في الفروع (7) .
الشرح
يلحق بالتأديب تأديب (8) الآباء والأمهات للبنين والبنات، والسادات للعبيد والإماء، بحسب جناياتهم واستصلاحهم على القوانين الشرعية من غير إفراط، وكذلك
_________
(1) في ق: ((الآدميين)) .
(2) في س: ((الأمر)) وهو تحريف.
(3) في ق: ((على)) ولست أعلم لها وجهاً هنا.
(4) ذكر ابن حزم الاتفاق على حرمة قتل الإنسان نفسه أو أن يقطع عضواً منه أو أن يؤلم نفسه إلا للتداوي خاصةً. انظر: مراتب الإجماع ص 252.
(5) أي: إن المكلفين يأثمون على المعصية مع زجرهم وتأديبهم عليها. بينما الصبيان والمجانين والدواب لا يأثمون على فعل المعصية، بل ما فعلوه من المنكر لا يسمَّى في حقّهم معصية لعدم التكليف، ولكن يزجرون ويؤدبون لا للإثم، وإنما استصلاحاً لحالهم، ودَرْءاً للمفسدة، فالمنكر يجب تغييره، ولهذا يُمنعون من شرب الخمر والزنا ونحو ذلك. انظر: قواعد الأحكام ص 509، الفروق 1 / 213، 4 / 180. لكن من العلماء من منع تأديب وضرب المجانين والصغار الذين لا يعقلون. انظر: بدائع الصنائع
9 / 270، الآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح 1 / 477.
(6) في ن: ((لها)) وهو تحريف.
(7) اتفقت نسخ الشرح على هذه النهاية من كلام المصنف في متنه. ولكن اختلفت نسخ المتن في خواتيم النهاية. والذي جاء في نسخة متن (هـ) - التي تمَّت المقابلة بها - ما يلي: ((وهذا آخره، والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. آمين.
(8) ساقطة من ن.(2/538)
تأديب الأزواج للزوجات على نحو ذلك، وكذلك تأديب الدواب بالرياضات، ومهما حصل ذلك بالأخف من القول [لم يجز] (1) العدول إلى ما هو أشد منه لحصول المقصود بذلك، فالزيادة مَفْسدة بغير مصلحة فتحرم (2) ، حتى قال " إمام الحرمين ": إذا كانت (3) العقوبة المناسبة لتلك (4) الجناية (5) لا تؤثر في استصلاحه عن تلك المفسدة، فلا يَحلُّ أن يُزجر أصلاً، أما بالمرتبة (6) المناسبة فلعدم الفائدة، وأما ما هو أعلى منها فلعدم المبيح له، فيحرم الجميع حتى يتأتَّى استصلاحه بما يجوز أن يُرَتَّب (7) على تلك الجناية (8) .
_________
(1) في س، ن: ((لا يجوز)) .
(2) في ن، ق: ((فيحرم)) وهو غير سديد إلا على تقدير عود الضمير الغائب إلى: التأديب، والأَوْلى خلافه. انظر: هامش (6) ص 109.
(3) في س: ((كثرت)) وهي غير مستقيمة مع السياق.
(4) في ق: ((لملك)) وهي محرَّفة.
(5) في س: ((المصلحة)) .
(6) في س: ((بالتربية)) ، وفي ن، ق: ((والريبة)) وهي تحريف. والمثبت من م، ز.
(7) في ق: ((تياب)) وهو تحريف.
(8) لم أجد هذا النص بحروفه، ولكن المصنف استوحاه من كلام الجويني في: ((الغياثي)) ص 229. كما أن المصنف أورد كلام الجويني بعبارات مقاربة له في كتابه " الفروق " 4 / 181، وانظر: روضة الطالبين للنووي 10 / 175، قواعد الأحكام ص 509، ويلاحظ هنا أن القول بعدم فائدة العقوبة المناسبة لأنها لا تستصلحه ولا تزجره غير مُسلَّم، فقد تكون الفائدة زجر غيره عن الوقوع في مثل ما وقع فيه الجاني. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1296.(2/539)
خاتمة شرح الكتاب
فهذه فوائد جليلة، وقواعد جميلة، نفع الله به واضعها وكاتبها وسامعها وقارئها (1) ، وختم لنا بخير أجمعين [في القول والعمل بمنه وكرمه] (2) . وهو حسبنا ونعم الوكيل (3) .
_________
(1) ساقطة من س، ق.
(2) ما بين المعقوفين في س هكذا: ((وهو المعين على الخير كله)) .
(3) إلى هنا اتفقت نسخ الشرح على هذه النهاية. ثم اختلفت فيما بعد ذلك.
- فالنسخة (س) ختمت بما يلي: ((وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً. تمَّ شرح الكتاب، نفع الله به المسلمين، إنه على كل شيء قدير)) .
- وختام النسخة (ق) هو: ((هذا آخر شرح الكتاب، الذي هو: تنقيح الفصول في علم الأصول كتبه بيده الفانية أحمد بن حسن بن عثمان الدميري غفر الله له ولوالديه، ولمن قرأ فيه. وكان الفراغ من كتابته يوم الإثنين سابع عشر شهر ربيع الآخرة سنة إحدى وستين وثمانمائة. أحسن الله عاقبتها. والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد)) .
- وأما خاتمة النسخة (ن) فهي: ((كمل شرح التنقيح على بركة الله تعالى وحسن عونه، وكتبه عَبْدٌ ذليل لربٍّ جليل محمدُ بن محفوظ - كلمة غير واضحة - كتبه لصاحبه في الله تعالى: علي بن محمد الجزولي أراده لنفسه، وأراد أن يستفيد منه، نفعه الله به، وكان الفراغ منه يوم الأربعاء في شهر شوال عام خمس وثلاثين بعد سبعمائة. والحمد لله كثيراً، والصلاة على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً. تمَّ الكتاب بحمد الله ذي الجود ربِّ العباد، ومُجري الماء - كلمة غير واضحة - يا قاريء الخَطِّ قُلْ بالله مجتهداً اغفر لكاتبه يا خير مُعبَّدي، غيره! إلى الله تعالى.
وهذا كتابٌ باليمين كتبْتُه *ستُبلى يميني والحروفُ رواتبُ
رعى الله أقواماً قَرَوْا فترحَّموا *على من لهذا الخطِّ بالكفّ كاتبُ
فاسأل الله الذي احتجب بالحجاب، وخلق آدم من التراب، أن ينفعنا بما علّمنا، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه. والحمد لله رب العالمين)) .(2/540)