بسم الله الرحمن الرحيم
موسوعة هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
علم أصول الفقه في سطور
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده المصطفى , له الحمد والمنة أن جعل في هذه الأمة علماء حافظوا على سنة نبيه صلى الله عليه وسلم من فقهاء ومحدثين ، علماء حرصوا على دين الله عز وجل من التبديل والتحريف فحافظوا على دين الله سنداُ ومتناُ , فوضعوا لكل علم القواعد والأسس , ومن هذه العلوم علم أصول الفقه , فعندما كثرت الفتوحات الإسلامية واتسعت رقعة الإسلام أدى ذلك إلى اختلاط الأمة العربية بغيرها من الأمم فدخل في اللغة العربية الكثير من المفردات غير العربية فكثر تبعاً لذلك الاشتباه والاحتمال في فهم النصوص , كما أدت كثرة الفتوحات إلى وجود الكثير من الحوادث التي لم تكن موجودة من قبل والتي لم يرد ما يبين حكمها , فكان ذلك سبباً في وضع هذا العلم وكان أول من وضع هذا العلم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في أواخر القرن الثاني الهجري ثم توالت جهود العلماء فكانت المرحلة الثانية على يد إمامين جليلين هما الخطيب البغدادي وابن عبد البر ثم كانت مرحلة برز فيها جانب الإصلاح وتقويم الاعوجاج لهذا العلم على يد شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم , هذا ولاصول الفقه تعريفات كثيرة باعتبارات مختلفة ومن أدق هذه التعريفات تعريف أصول الفقه بأنه معرفة الأحكام الشرعية العملية بأدلتها التفصيلية , ومن هذا التعريف يتضح ان الأصولي يبحث عن القواعد الكلية , والنظر في الأدلة الإجمالية من حيث دلالتها على الحكم فهو ينظر في كيفيات هذه الأدلة وأحوالها من حيث كونها عامة أو خاصة , مطلقة أو مقيدة , أمراً أو نهياً مجملاٌ أو مبيناٌ , ظاهراٌ أو مؤولاٌ , ناسخاٌ أو منسوخاٌ , ويضع القواعد التي تبين الحكم لكل منها , أما الفقيه فهو يبحث في أدلة الفقه الجزئية ليصل من خلال ذلك إلى معرفة حكم من الأحكام الشرعية(1/1)
العملية , فالحكم الشرعي هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على جهة الطلب أو التخيير أو على جهة الوضع , ومن خلال هذا التعريف يتضح أن الأحكام الشرعية تنقسم إلى قسمين تكليفية , ووضعية , فالقسم الأول هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على جهة الطلب أو التخيير , والثاني هو جعل الشيء سبباً لشيء آخر أو شرطاً أو منعاً أو صحيحاً أو فاسداً , والحكم التكليفي ينقسم إلى خمسة أقسام وهي الواجب , و المندوب , و المحرم , و المكروه , و المباح , فما أمر به الشارع على وجه الإلزام هو الواجب , أما ما لم يكن علي وجه الإلزام فهو المندوب , وما نهى عنه الشارع على وجه الإلزام , فهو الحرام , أما ما نهى عنه الشارع لا على وجه الإلزام فذلك المكروه , والمباح هو ما لا يتعلق به أمر و لا نهى لذاته فالواجب يثاب فاعله امتثالاً ويستحق العقاب تاركه , والمندوب يثاب فاعله امتثالاً ولا يعاقب تاركه , أما المحرم فيثاب تاركه امتثالاً ويستحق العقاب فاعله , والمكروه يثاب تاركه امتثالاً ولا يعاقب فاعله , والمباح لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب , أما القسم الثاني وهو الأحكام الوضعية فينقسم إلى خمسة أقسام هي السبب , و الشرط , و المانع , والصحة , و الفساد , فالسبب هو ما يلزم من وجوده الوجود ويلزم من عدمه العدم , و الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم وكان خارجاً عن الماهية , و أما ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم فهو المانع , والصحة هي الفعل الذي يترتب عليه أثره المقصود منه سواء أكان عبادة أو معاملة , أما ما لا تترتب عليه آثار فعله عبادة كان أو معاملة فهو الفساد , ويري جمهور العلماء أنه لا فرق بينه وبين الباطل , هذا ويمكن تقسيم الحكم باعتبار وفق الدليل أو خلافه فينقسم الحكم بهذا الاعتبار إلى قسمين هما الرخصة , و العزيمة , فالرخصة هي الحكم الثابت بدليل على خلاف دليل آخر لعذر , وهي(1/2)
أربعة أنواع الإيجاب , والندب ,و الإباحة ,و خلاف الأولى , أما العزيمة فهي الحكم الثابت على وفق الدليل أو خلاف الدليل , ومصادر الاستدلال منها ما أتفق أهل السنة على أنه أدلة معتبرة شرعاً وهي الكتاب , والسنة , والإجماع والقياس , وهناك أدلة اختلف العلماء عليها وهى, قول الصحابي , و شرع من قبلنا و العرف ,والاستحسان , و المصالح المرسلة ولكل نوع منها أقسامها وشروط يجب توفرها لمن أراد أن يستدل بها ,فالمستدل بكتاب الله عز وجل يجب عليه توفير شرط لكي يصح هذا الاستدلال , أما المستدل بالسنة النبوية يجب عليه بالإضافة إلى شرط المستدل بالكتاب شرط آخر فيكون عليه أن يوفر شرطين حتى يكون استدلاله صحيح فأما شرط الاستدلال بالكتاب فهو صحة الاستدلال ومعنى صحة الاستدلال أن لا يحمل الدليل مالا يحتمل , أما السنة فبالإضافة إلى هذا الشرط يجب ان يكون دليله صحيح ومعنى صحة الدليل هي سلامته من العلل , وكذلك الإجماع والقياس يجب على المستدل بهما توفير شروط سوف تجدها وغيرها من المباحث في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى , و الله أسأل أن يجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم موافقاً لمرضاته إنه جواد رحيم .
محتويات الكتاب
الدس الأول : تعريف أصول الفقه .
الدرس الثاني : الأحكام الشرعية وأقسامها .
الفصل الأول : تعريف الأحكام الشرعية .
الفصل الثاني : أقسام الأحكام الشرعية وتنقسم إلى :
القسم الأول : تكليفية .
القسم الثاني : وضعية .
الفصل الثالث : تقسيم الأحكام الشرعية باعتبارها على وفق الدليل أو خلافه وتنقسم الي:
القسم الأول : الرخصة .
القسم الثاني : العزيمة .
الدرس الثالث : مصادر الاستدلال .
الفصل الأول : أدلة متفق عليها .
القسم الأول : الكتاب .
القسم الثاني : السنة.
القسم الثالث : الإجماع .
القسم الرابع : القياس .
القسم الخامس : شروط الاستدلال بالأدلة المتفق عليها .
الفصل الثاني : أدلة مختلف فيها .(1/3)
القسم الأول : قول الصحابي .
القسم الثاني : شرع من قبلنا .
القسم الثالث : العرف .
القسم الرابع : الاستحسان .
القسم الخامس : المصالح المرسلة .
الدرس الرابع : الأمر والنهي .
الفصل الأول : الأمر .
الفصل الثاتي : النهي .
الدرس الخامس : العام والخاص.
الفصل الأول : العام.
الفصل الثاني : الخاص.
الدرس السادس : المطلق والمقيد.
الفصل الأول : المطلق .
الفصل الثاني : المقيد .
الدرس السابع : المجمل والمبين.
الفصل الأول :المجمل .
القصل الثاني :المبين .
الدرس الثامن: الظاهر والمؤول النص والمشترك.
الفصل الأول :الظاهر .
الفصل الثاني :المؤول .
الفصل الثالث : النص .
الفصل الرابع : المشترك.
الدرس التاسع: النسخ.
الدرس العاشر : الاستدلال بالمفهوم .
الفصل الأول : مفهوم الموافقة .
القسم الأول : المفهوم الأولوي .
القسم الثاني : المفهوم المساوي .
الفصل الثاني : مفهوم المخالفة .
القسم الأول : مفهوم الصفة .
القسم الثاني : مفهوم الشرط .
القسم الثالث : مفهوم الغاية .
القسم الرابع : مفهوم اللقب .
القسم الخامس : مفهوم العدد
الدرس الحادي عشر : الإجتهاد والتقليد .
القسم الأول : الإجتهاد .
القسم الثاني: التقليد .
الدس الأول تعريف أصول الفقه
باب في تعريف أصول الفقه
س1) عرف أصول الفقه؟
نظروا علماء الأصول إلى أصول الفقه بنظرتين وعلى ضوء هذين النظرتين يمكن تعريف أصول الفقه.
النظرة الأولى - نظرة باعتبار مفرديه (أي باعتبار كلمة أصول وكلمة فقه) ويعرف بما يأتي:
فالأصول جمع ومفردها أصل وهو ما يبنى عليه غيره مثل اصل الشجرة الذي يتفرع منه أغصانها قال الله تعالى (أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)إبراهيم 24.
والفقه لغة الفهم قال الله تعالى (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي)طه27 . أي يفهموا.(1/4)
أما اصطلاحاً فهو معرفة الأحكام الشرعية العملية بأدلتها التفصيلية.
فالمراد بالمعرفة هي ( العلم والظن ) لان إدراك الأشياء إما أن يكون:-
علم : وهو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً.
ظن : وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح.
شك : وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مساو.
وهم : وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد راجح.
جهل : وهو عدم الإدراك بالكلية.
جهل مركب : وهو إدراك الشيء على وجه يخالف ما هو عليه في الواقع.
والأحكام الشرعية هي الأحكام المتلقاة من الشرع كالوجوب والتحريم , و الأحكام ثلاثة أنواع:
عقلية : مثل الواحد نصف الاثنين.
حسية : مثل النار محرقة.
شرعية : مثل الصلاة واجبة.
والشرعية وهى ما تتوقف معرفتها من الشرع ولا تدرك إلا عن طريقه , وتقييد الأحكام بكونها شرعية يُخرج الغير شرعية كالأحكام الحسية و العقلية.
والعملية وهو ما يصدر عن المكلف من الأفعال , لأن الأحكام الشرعية بحسب متعلقاتها تنقسم إلى:
إعتقادية : وهى ما يتعلق باعتقاد الناس وتسمى أحكام إعتقاديه مثل الإيمان بالله وملائكته.
عملية: وهى ما يتعلق بأفعال الناس التي تصدر عنهم وتسمى أحكاما عملية مثل وجوب الصلاة.
أخلاقية : وهى ما تتعلق بتهذيب النفوس وتزكيتها وتسمى الأحكام الأخلاقية مثل وجوب الصدق وتحريم الكذب.
وتقييد الأحكام الشرعية بالعملية يخرج غير العملية وهى الاعتقادية والأخلاقية.
والمراد بقولنا - بأدلتها التفصيلية : أي أدلة الفقه المقرونة بمسائل الفقه التفصيلية , فيخرج به أصول الفقه لأن البحث فيه إنما يكون في أدلة الفقه الإجمالية.
النظرة الثانية - نظرة باعتبار كونه لقباً لهذا الفن المعين فعرفه الأصوليون بعدة تعريفات نذكر منها ما يأتي:
التعريف الأول - هي القواعد التي يتوصل بها المجتهد إلى استنباط الأحكام الشرعية العملية من الأدلة التفصيلية.
شرح التعريف:(1/5)
1) القواعد : والقواعد جمع مفرده قاعدة و القاعدة عبارة عن قضية كلية تشمل جزئيات كثيرة كقاعدة (الأمر للوجوب) و (النهى للتحريم) وغيرها من القواعد و بأخذ القاعدة في التعريف يخرج الأمور الجزئية.
2) التي يتوصل بها المجتهد : أي أن المجتهد يستطيع بواسطة هذه القواعد الأصولية أن يأخذ الأحكام الفقهية من الدليل التفصيلي.
3) الأحكام : جمع مفرده حكم والحكم إثبات أمر لآخر أو نفيه عنه , والأحكام بحسب طريق إثباتها ثلاثة أنواع.
النوع الأول - عقلي مثل الواحد نصف الاثنين.
النوع الثاني - حسي مثل النار محرقة.
النوع الثالث - شرعي مثل الصلاة واجبة.
4) الشرعية : وهى ما تتوقف معرفتها على الشرع ، وتقييد الأحكام بكونها شرعية يخرج الأحكام الغير شرعية وهى الأحكام العقلية والحسية.
5) العملية : وهو ما يصدر عن المكلف من الأفعال , لأن الأحكام الشرعية بحسب متعلقاتها تنقسم إلى الاعتقادية والعملية والأخلاقية , وتقييد الأحكام الشرعية بالعملية يخرج غير العملية وهى الاعتقادية والأخلاقية .
6) من الأدلة التفصيلية : والمراد بالأدلة التفصيلية الأدلة الجزئية , وهى التي يتعلق كل دليل منها بمسألة مخصوصة , ويدل كل واحد منها على حكم معين , كقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) فإنه دليل تفصيلي تعلق بمسألة معينة وهى الزواج بالأمهات , وتفيد حكماً معيناً وهو حرمة الزواج بالأم.
التعريف الثاني - هو علم يبحث عن أدلة الفقه الإجمالية وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد.
شرح التعريف :
فبقول الإجمالية (وهى القواعد العامة) مثل الأمر للوجوب و النهى للتحريم , فيخرج به أدلة الفقه التفصيلية فلا تذكر في أصول الفقه إلا على سبيل التمثيل للقاعدة.(1/6)
وبقولنا - وكيفية الاستفادة منها : أي أن المجتهد يستطيع بواسطة هذه القواعد الأصولية أن يأخذ الحكم , وبتقييد الاستفادة منها يخرج القواعد التي لا يوصل البحث فيها إلى شئ بأن تكون مقصودة لذاتها مثل قاعدة (العدل أساس الملك) والقواعد يجب أن تكون شرعية وكونها شرعية تخرج القواعد التي ليست شرعية كقواعد النحو مثلاً.
وبقولنا - وحال المستفيد : والمستفيد هو المجتهد لأنه يستفيد بنفسه من الأحكام , فمعرفة المجتهد وشروط الاجتهاد وحكمه يبحث في أصول الفقه.
باب ما جاء في الفرق بين الأصولي والفقيه
س2) ما الفرق بين الأصولي والفقيه؟
الأصولي يبحث عن القواعد الكلية , والنظر في الأدلة الإجمالية من حيث دلالتها على الحكم فهو ينظر في كيفيات هذه الأدلة وأحوالها من حيث كونها عامة أو خاصة مطلقة أو مقيدة , أمراً أو نهياً , ويضع القواعد التي تبين الحكم لكل منها , فيبحث مثلاً في الأوامر فيجد قاعدة كلية وهى (كل أمر - إذا تجرد من قرينة - يفيد الوجوب) وهكذا النواهي يجد (كل نهى - إذا تجرد من قرينة - يفيد التحريم) ويبحث في العام فيجد أن (العام يتناول أفراده قطعاً) ، فإذا ما أراد معرفة أي حكم من الأحكام الجزئية اخذ هذه القواعد الأصولية ، وطبقها على الأدلة الجزئية ، فلو أراد مثلا استنباط حكم الصلاة فانه يبحث في الأدلة التفصيلية المتعلقة بالصلاة فيجد مثلا قول الله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)البقرة43 ، فينظر في هذا الدليل الجزئي فيجد فيه الأمر بالصلاة ، فيستخدم القاعدة الأصولية (كل أمر - إذا تجرد من قرينة - يفيد الوجوب) وبذلك يستطيع ان يقيم قياسا وصورته :
أَقِيمُوا الصَّلَاةَ أمر ، وكل أمر يدل على الوجوب ، وعليه فتكون الصلاة واجبة.(1/7)
أما الفقيه فهو يبحث في أدلة الفقه الجزئية ليصل من خلال ذلك إلى معرفة حكم من الأحكام الشرعية العملية , فإذا ما أراد مثلاً معرفة حكم الصلاة , فإنه يبحث في الأدلة التفصيلية المتعلقة بالصلاة فيجد فيما يجد قول الله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)البقرة43 , فينظر في هذا الدليل الجزئي فيجد فيه الأمر بالصلاة.
باب في موضوع أصول الفقه و فائدته
س3) ما موضوع أصول الفقه وما هي فائدته؟
موضوع كل علم هو الشيء الذي يبحث هذا العلم ، فعلم الطب مثلا يبحث أحوال بدن الإنسان من حيث كونه صحيح او مريض ، وعلم مصطلح الحديث علم يبحث عن حال الراوي والمروي عنه من حيث القبول والرد ، وموضوع علم أصول الفقه هو أدلة الفقه الإجمالية التي استنبطها المجتهد من الأدلة الجزئية.
أما فوائد أصول الفقه فمنها :
1) ضبط أصول الاستدلال وذلك ببيان الأدلة الصحيحة من الزائفة.
2) التمكن من الحصول على قدرة نستطيع بها استخراج الأحكام الشرعية من أدلتها على أساس سليم.
3) تيسير عملية الاجتهاد وإعطاء الحوادث الجديدة ما يناسبها من الحكم.
4) معرفة الأسباب التي أدت إلى وقوع الخلاف بين العلماء والتماس الأعذار لهم.
5) بيان ضوابط الفتوى وشروط المفتى وآدابه.
6) الوقوف على سماحة الشريعة ويسرها , والابتعاد عن الجمود المترتب على دعوى إغلاق باب الاجتهاد.
باب في سبب وضع العلماء لعلم أصول الفقه
س4) ما سبب وضع العلماء لعلم أصول الفقه ومن أول من وضعه؟
السبب الذي حمل العلماء على إنشاء هذا العلم أنه عندما كثرت الفتوحات الإسلامية واتسعت رقعة الإسلام أدى ذلك إلى اختلاط الأمة العربية بغيرها من الأمم فدخل في اللغة العربية الكثير من المفردات غير العربية فكثر تبعاً لذلك الاشتباه والاحتمال في فهم النصوص , كما أدت كثرة الفتوحات إلى وجود الكثير من الحوادث التي لم تكن موجودة من قبل والتي لم يرد ما يبين حكمها.(1/8)
أما أول من وضع هذا العلم فهو الأمام الشافعي رحمه الله تعالى في أواخر القرن الثاني الهجري ثم توالت جهود العلماء فكانت المرحلة الثانية على يد إمامين جليلين هما الخطيب البغدادي وابن عبد البر ثم كانت مرحلة برز فيها جانب الإصلاح وتقويم الاعوجاج لهذا العلم على يد شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم.
الدرس الثاني الأحكام الشرعية وأقسامها
الفصل الأول تعريف الأحكام الشرعية
س1) ما معنى الحكم الشرعي؟
معنى الحكم الشرعي لغة المنع ومنه قيل للقضاء حكم لأنه يمنع من غير المقتضى به.
واصطلاحاً هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على جهة الطلب أو التخيير أو على جهة الوضع.
شرح التعريف :
1) خطاب : والخطاب يشمل خطاب الله وخطاب غيره من الإنس والجن والملائكة , وبإضافة لفظ الجلالة قيد يخرج خطاب غير الله سبحانه وتعالى ، والمراد بخطاب الله تعالى هو القران والسنة كما يراد به ايضا سائر الأدلة الشرعية كالإجماع والقياس وغيرها من مصادر الاستدلال ، فكل هذه الأدلة تعتبر من خطاب الله تعالى ، لان مرجعها عند التحقيق إلى النصوص فهي في الحقيقة خطاب من الشارع ولكنه غير مباشر .
2) المتعلق بأفعال المكلفين : والمكلفين جمع مفرده مكلف , والمكلف هو كل بالغ عاقل بلغته الدعوة وكان أهلاً للخطاب , ولم يمنعه من التكليف مانع ،وتقييد بالمتعلق بأفعال المكلفين قيد يخرج الخطاب المتعلق بغير أفعال المكلفين كالتعلق بذات الله عز وجل في مثل قوله تعالى (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)آل عمران18 ومثل المتعلق بالجمادات كقوله تعالى (وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي)هود44.
3) على جهة الطلب أو التخيير أو الوضع : يعنى أن خطاب الشرع تارة يقتضى الطلب وتارة يقتضى التخيير وتارة يكون شيئاً موضوعاً للدلالة على شئ.(1/9)
فالطلب يدخل فيه الأمر والنهى (الأمر طلب فعل والنهى طلب ترك) وقد يكون الطلب على سبيل الإلزام وهو الواجب أو على سبيل الأفضلية وهو المندوب , وكذلك النهى قد يكون على سبيل الإلزام وهو الحرام وقد يكون على سبيل الأفضلية وهو المكروه , أما على سبيل التخيير فهو المباح.
وأما على جهة الوضع فهو وضع الشرع شيئاً للدلالة على شئ آخر مثل الشرط والسبب والمنع والصحيح والفاسد ، وهذا القيد - على جهة الطلب أو التخيير أو الوضع- يخرج به الخطاب الذي يتعلق بأفعال المكلفين ، ولكن ليس على جهة الطلب او التخيير كما في قوله تعالى (وَاللّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)الصافات 96 ، فان هذا الخطاب يتعلق بأفعال المكلفين إلا انه لم يكن على جهة الطلب او التخيير ، وإنما كان على جهة الأخبار.
الفصل الثاني أقسام الأحكام الشرعية
س2) ما هي أقسام الأحكام الشرعية؟
من خلال التعريف السابق للأحكام الشرعية يتضح أنها تنقسم إلى قسمين هما:
أ) التكليفي : وهو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على جهة الطلب أو التخيير .
كما يعرف بأنه الوصف الشرعي للأفعال الصادرة من المكلفين بناء على طلب الشارع فعلها او تركها او تخييره بينهما.
والفرق بين التعريفين لان للحكم جانبين :
مصدرا : وهو الله سبحانه وتعالى.
متعلقا : وهو فعل المكلف.
فمن نظر إلى مصدره عرفه بأنه خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على جهة الطلب أو التخيير ، ومن نظر إلى متعلقه عرفه بأنه الوصف الشرعي للأفعال الصادرة من المكلفين بناء على طلب الشارع فعلها او تركها او تخييره بينهما.
ووجه تسمية هذا النوع من الحكم بالتكليفي لان المقصود منه التكليف بالفعل او الترك ، وأطلق على التخيير ايضا تغليبا.
ب) الوضعي : وهو جعل الشيء سبباً لشيء آخر أو شرطاً أو منعاً أو صحيحاً أو فاسداً.
وذلك كجعل الطهارة شرطا في صحة الصلاة ، وجعل الحدث مانعا من صحتها ، وجعل النصاب سببا في وجوب الزكاة.(1/10)
هذا وكون الشيء سببا لشيء آخر او شرطا له او مانعا منه إنما مرده إلى اعتبار الشارع ، و إلا لما كان كذلك.
باب في الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي
س3) ما الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي؟
الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي:
1- أن المقصود من الحكم التكليفي طلب الفعل او الترك من المكلف ، او تخييره بين الأمرين ، أما الحكم الوضعي فهو جعل الشيء سببا لشيء آخر او شرطا له او مانعا منه او صحيح او فاسد.
2- أن ما طلب من المكلف او خير فيه في الحكم التكليفي لابد ان يكون قادرا عليه ، لأنه لا تكليف إلا بالقدرة ، ولا تخيير إلا بين مقدورين ، أما ما جعل سببا او شرطا او مانعا في الحكم الوضعي فقد يكون مقدورا للمكلف ، وذلك كما في السرقة مثلا فإنها سبب لقطع اليد ، وهي مقدورة للمكلف ، إذ في إمكانه ان يسرق ، وان لا يسرق ، وقد لا يكون مقدورا له ، وذلك كما هو الحال في دلوك الشمس ، فانه سبب لوجوب صلاة الظهر ، وهو ليس في مقدور المكلف.
3- ان الحكم التكليفي خاص بأفعال المكلفين ، أما الوضعي فهو يشمل المكلفين وغيرهم.
باب في تمثيل للحكم التكليفى والحكم الوضعي
س4) اذكر أمثلة لكل من الحكم التكليفى والحكم الوضعي؟
يمكن أن يجتمع الحكم التكليفى والحكم الوضعي في نص واحد ويمكن أن يفترقا , وسنذكر أمثلة يجتمع فيها الحكم التكليفى والحكم الوضعي وأمثلة أخرى ينفرد فيها كل من الحكم التكليفى والحكم الوضعي.
أولا ) أمثلة يجتمع فيها كل من الحكم التكليفى والحكم الوضعي.
المثال الأول : قول الله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)المائدة38 فإن في هذا المثال وجوب قطع اليد وهو حكم تكليفي وفيه جعل السرقة سبباً في قطع اليد وهو حكم وضعي.(1/11)
المثال الثاني : قول الله تعالى (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا)المائدة2 , فالحكم التكليفى هو إباحة الصيد بعد التحلل من الإحرام , والحكم الوضعي هو جعل هذا التحلل سبباً في الإباحة.
ثانياً ) مثال ينفرد فيه الحكم التكليفى:
مثل قول الله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)البقرة43 , فإن هذه الآية تتضمن حكماً تكليفاً فقط وهو وجوب الصلاة والزكاة.
ثالثاً ) مثال ينفرد فيه الحكم الوضعي :
المثال الأول : كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ) فإن هذا الحديث متضمن حكماً وضعياً فقط وهو جعل الطهارة شرطاً لصحة الصلاة.
المثال الثاني : هو قوله صلى الله عليه وسلم (الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ) فإن هذا الحديث يشمل على حكم وضعي , وهو جعل القتل مانعاً من الميراث.
باب في أقسام الأحكام التكليفية
س5) ما هي أقسام الأحكام التكليفية؟
ينقسم الحكم التكليفى إلى خمسة أقسام هي:
القسم الأول - الواجب ويسمى (فرضاً - فريضة - حتماً - لازماً).
القسم الثاني - المندوب ويسمى (سنة - مسنوناً - مستحباً - نفلا ً).
القسم الثالث – المحرم.
القسم الرابع - المكروه.
القسم الخامس - المباح ويسمى (حلالاً – جائزاً).
باب في تعريف الواجب وأقسامه
س6) عرف الواجب؟
الواجب هو ما أمر به الشرع على وجه الإلزام (وفاعله يثاب امتثالاً ويستحق العقاب تاركه). نحو قوله تعالى?يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا أَطِيْعُوْا الله وَأَطِيْعُوْا الرَّسُوْلَ وَلاَ تُبْطِلُوْا أَعْمَالَكُمْ?محمد 33.
شرح التعريف:
1) ما أمر به الشرع : يخرج ما نهى عنه الشرع وأباحه فيخرج من هذا القيد كل من المحرم والمكروه والمباح.
2) على وجه الإلزام : يخرج ما أمر به الشرع لا على وجه الإلزام وهو المندوب.
3) ويثاب فاعله امتثالاً : يخرج به من فعله لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له.(1/12)
4) ويستحق العقاب تاركه : أي أن تاركه يستحق العقاب ولكن قد يعفو الله عنه فقد يعاقب وقد لا.
س 7) ما هي أقسام الواجب؟
يمكن تقسيم الواجب باعتبارين:
1) باعتبار المكلف : وينقسم إلى واجب عين وواجب على الكفاية.
فالواجب العيني: هو ما وجب على كل شخص بعينه كالصلاة والصيام.
وواجب الكفاية : هو ما كان الفرض فيه مقصوداً به قصد الكفاية فيما ينوبه فإذا قام به البعض سقط على الآخرين كصلاة الجنازة.
2) باعتبار وقت أدائه : وينقسم إلى قسمين مطلق ومقيد.
مطلق : وهو ما طلب الشرع فعله ولم يعين وقتاً لادائه مثل الكفارات فإن وجبت كفارة اليمين على شخص فإن له أن يؤديها متى شاء.
مقيد : ما طلب الشارع أدائه وعين لهذا الأداء وقتاً محدداً كالصلوات الخمس وصيام رمضان.
س 8) ما هو الفرق بين الواجب والفرض؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن لا فرق بين الفرض والواجب وقالوا إن هذين اللفظين مترادفين , وذهب فريق آخر من العلماء إلى أن الفرض غير الواجب فالفرض ما ثبت بدليل قطعي , والواجب ما ثبت بدليل ظني.
وعلى هذا يكون من ترك قراءة شئ من القرآن في الصلاة تكون صلاته باطلة , لأن القراءة فرض لثبوتها بدليل قطعي وهو قول الله تعالى (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ)المزمل20 , وأما من ترك قراءة الفاتحة فقط فإن صلاته تكون صحيحة لأن قراءتها ليست فرضاً وإنما هي واجبة فقط لأنها ثابتة بدليل ظني وهو قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ).
باب في تعريف المندوب
س9) عرف المندوب؟
المندوب هو ما أمر به الشارع لا على وجه الإلزام (ويثاب فاعله امتثالاً ولا يعاقب تاركه). نحو قوله تعالى? يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بَدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوْهُ?البقرة 282 .
شرح التعريف :(1/13)
1) ما أمر به الشرع : يخرج ما نهى عنه الشرع وأباحه فيخرج من هذا القيد كل من المحرم والمكروه والمباح.
2) لا على وجه الإلزام : يخرج ما أمر به الشارع على وجه الإلزام وهو الواجب.
3) ويثاب فاعله امتثالاً : يخرج به من فعله لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له.
4) ولا يعاقب تاركه : أي أن تارك المندوب لا يعاقب على تركه له.
باب في تعريف المحرم
س10) عرف المحرم؟
المحرم ما نهى عنه الشارع على وجه الإلزام (يثاب تاركه امتثالاً ويستحق العقاب فاعله). نحو قوله تعالى : ? وَلاَ تَمْشِ فِيْ الأَرْضِ مَرَحاً?الإسراء 37 ، وهو في مقابلة الفرض من المأمورات .
شرح التعريف :
1) ما نهى عنه الشارع : يخرج ما أمر به الشارع وأباحه وهو الواجب والمندوب والمباح.
2) على وجه الإلزام : يخرج ما نهى عنه الشارع لا على وجه الإلزام وهو المكروه.
3) يثاب تاركه امتثالاً : يخرج به من تركه لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له.
4) ويستحق العقاب فاعله : أي إن فاعله يستحق العقاب ولكن قد يعفو الله عنه فقد يعاقب وقد لا.
باب في تعريف المكروه
س11) عرف المكروه؟
المكروه ما نهى عنه الشارع لا على وجه الإلزام (يثاب تاركه امتثالاً ولا يعاقب فاعله).
شرح التعريف :
1) ما نهى عنه الشارع : يخرج ما أمر به الشارع وأباحه وهو الواجب والمندوب والمباح.
2) لا على وجه الإلزام : يخرج ما نهى عنه الشارع على وجه الإلزام وهو المحرم.
3) يثاب تاركه امتثالاً : يخرج به من تركه لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له.
4) ولا يعاقب فاعله : أي أن فاعل المكروه لا يعاقب ولكن هذا لا يعنى أن نتهاون بالمكروه لأنه يخشى أن يكون هذا المكروه سلماً إلى المحرم كما أن المعاصي الصغار وسيلة للكبائر والكبائر وسيلة إلى الكفر ولهذا يقولون المعاصي بريد الكفر أي موصلة للكفر.
باب في تعريف المباح
س12) عرف المباح؟(1/14)
المباح هو ما لا يتعلق به أمر ولا نهى لذاته (لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب). قوله تعالى? الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِيْنَ أُوْتُوْا الْكِتَابَ حِلٌ لَّكُمْ?المائدة5.
شرح التعريف :
1) ما لا يتعلق به أمر : خرج به الواجب والمندوب.
2) ولا نهى : خرج به المحرم والمكروه.
3) لذاته : يخرج ما لو تعلق به أمر لكونه وسيلة لمأمور به أو نهى لكونه وسيلة لمنهي عنه فإن له حكم ما كان وسيلة له من مأمور أو منهي وهذا لا يخرج عن كونه مباح في الأصل (مثل شراء الماء الأصل فيه الإباحة لكن إذا كان يتوقف على الوضوء للصلاة صار شراؤه واجباً فإذا أمر الشرع بشيء فهو أمر به و أمر بما لا يتم إلا به).
4) لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب : أي أن فعله وتركه لا يترتب عليه عقوبة ولا ثواب.
باب في أقسام الأحكام الوضعية
س13) ما هي أقسام الأحكام الوضعية؟
الحكم الوضعي ينقسم إلى خمسة أقسام هي:
القسم الأول - السبب .
القسم الثاني - الشرط .
القسم الثالث – المانع .
القسم الرابع - الصحة .
القسم الخامس - الفساد .
وسميت هذه الأمور وضعية ، لأن الشارع وضعها لتكون علامات لأحكام تكليفية وجودا او عدما ، فالسببية هي اعتبار الشيء سببا كجعل الدلوك سببا لإيجاب الصلاة ، والقتل العمد العدوان سببا لإيجاب القصاص ، والشرطية هي اعتبار الشيء شرطا ، كجعل الطهارة شرطا لصحة الصلاة ، والمانعية هي اعتبار الشيء مانعا ، كجعل الحيض والنفاس مانعين من صحة الصلاة والصوم ، وكجعل قتل الوارث مورثه مانعا من إرثه منه ، وكون الشيء صحيحا او فاسدا اعتباره كذلك في نظر الشارع ، إذا أديت مستوفية لشروطها ، مستكملة لأركانها ، واعتبارها فاسدة إذا لم تؤد كذلك ، بأن اختل شرط من شروطها او فقد ركن من أركانها.
باب في تعريف السبب
س14) عرف السبب؟(1/15)
السبب هو ما يلزم من وجوده الوجود ويلزم من عدمه العدم , (أي أنه الوصف الظاهر الذي يلزم من وجوده وجود الحكم ومن عدمه عدم الحكم , مثل دخول وقت الصلاة فإنه سبب في وجوبها فيلزم من دخول الوقت وجوب الصلاة متى ما توفرت الشروط وانتفت الموانع , ويلزم من عدم دخول الوقت عدم الوجوب).
ومن الجدير بالعلم انه إن كان مناسبته للحكم معلومة كالإسكار لتحريم الخمر سمي علةً ، وإن لم تكن معلومة كالأوقات للعبادات المؤقتة في مثل قوله تعالى ?الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُوْمَاتٌ?البقرة 197 و قوله تعالى ?أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوْكِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ?الإسراء 78 ، سمي سبباً.
باب في تعريف الشرط
س15) عرف الشرط؟
الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم وكان خارجاً عن الماهية (أي إنه الوصف الظاهر الذي يلزم من عدمه عدم الحكم ولا يلزم من وجوده وجود الحكم ولا عدمه كالطهارة بالنسبة للصلاة فإنه يلزم من عدم الطهارة عدم صحة الصلاة ولا يلزم من وجودها وجود الصحة إذ قد توجد الطهارة وتكون الصلاة باطلة كما لو صلى مستدبراً القبلة مثلاً فهاهنا الشرط موجود وهو الطهارة لكن الحكم غير موجود كما لا يلزم من وجود الشرط وجود الحكم فلا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة إذ قد يتوضأ لقراءة القران مثلاً).
باب في تعريف المانع
س16) عرف المانع؟
المانع هو ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم (أي أنه الوصف الظاهر الذي يلزم من وجوده عدم الحكم ولا يلزم من عدمه وجود الحكم ولا عدمه مثل الحيض فإنه يلزم من وجوده عدم صحة الصلاة ولا يلزم من عدمه صحة الصلاة ولا عدمها).
وعلى هذا فلا بد في وجود الحكم الشرعي من توفر ثلاثة أمور وهى:
(1) وجود السبب .
(2) وجود الشرط .
(3) انتفاء الموانع .
فإذا تخلف أمر من هذه الأمور انتفى الحكم الشرعي ولا بد.
ومثال لذلك وجوب الزكاة :(1/16)
السبب : بلوغ النصاب .
الشرط : حولان الحول .
المانع : وجود الدين .
فإذا وجد النصاب وحال الحول وانتفى الدين وجب أداء الزكاة.
باب في تعريف الصحة
س17) عرف الصحة؟
الصحة هو الفعل الذي يترتب عليه أثره المقصود منه سواء أكان عبادة أو معاملة.
فالصحيح من العبادات ما برئت به الذمة وسقط به المطلب , مثل ذلك أن رجلاً صلى الصلاة على إنه طاهر من الحدث والنجاسة واستقبل القبلة وأتى بكل شئ وبكل ما يلزم فهذه الصلاة صحيحة , والصحيح من المعاملات هو ما ترتب أثره على وجوده كترتب الملك على عقد البيع مثلاً.
باب في تعريف الفساد
س18) عرف الفساد؟
الفساد ما لا تترتب آثار فعله عبادة كان أو معاملة.
فالفاسد من العبادات : ما لا تبرأ به الذمة ولا يسقط به الطلب كالصلاة قبل وقتها.
والفاسد من العقود : ما لا تترتب آثاره عليه كبيع المجهول.
س19) ما الفرق بين الباطل والفاسد؟
جمهور العلماء يرى أنه لا فرق بين الباطل والفاسد, ويذهب فريق آخر إلى أن بينهما فرق وهو:
أن الباطل : ما لم يشرع أصلا لا بأصله ولا بوصفه كصلاة الحائض وصومها فإنهما لم يشرع لهما أصلا.
أما الفاسد : ما شرع بأصل دون وصف مثل الصيام يوم النحر , فإن الصيام مشروع بأصله لكنه ليس مشروعاً بوصفه وهو كونه في يوم النحر.
ومن ثمرة هذا التفريق - عند القائلين بذلك - في أن الباطل لا يعتد به أصلا ولا يترتب عليه أي أثر بل يفسخ متى اطلع عليه , وأما الفاسد تترتب عليه آثار مع الإثم مثل بيع الربا يفيد الملك للزيادة بالقبض مع الإثم فإن ألغيت الزيادة فلا إثم.
الفصل الثالث : تقسيم الأحكام الشرعية باعتبارها على وفق الدليل أو خلافه
س23) ما هي أقسام الحكم باعتباره على وفق الدليل أو على خلافه؟
يمكن تقسيم الحكم باعتباره على وفق الدليل أو على خلافه إلى قسمين هما:
القسم الأول : الرخصة .
القسم الثاني : العزيمة .
باب في تعريف الرخصة
س24) ما هي الرخصة؟(1/17)
الرخصة هي الحكم الثابت بدليل على خلاف دليل آخر لعذر.
شرح التعريف :
1) الحكم : المراد به الحكم الشرعي.
2) الثابت بدليل : أي أن الرخصة لا بد لها من دليل فإذا لم تثبت بدليل فلا يجوز الإقدام عليها.
3) على خلاف دليل آخر : قيد تخرج به الأحكام الثابتة على وفق الدليل مثل إباحة الأكل والشرب والنوم إذ لا يوجد دليل يقتضي منع هذه الأشياء حتى تكون إباحتها على خلافه بل هي موافقة للأصل إذ الأصل في الأشياء الإباحة.
4) لعذر : والمراد بالعذر ما تتحقق معه مشروعية الحكم , مثل المشقة والحاجة والضرورة وعليه فلا يدخل المانع في العذر كالحيض مثلاً لأن إسقاط الصلاة عن الحائض لا يسمى رخصة لأن الحيض مانع.
5) ويخرج بهذا القيد - لعذر- بعض أنواع العزيمة كوجوب الصلاة والزكاة مثلاً فإن هذه الأحكام ثابتة على خلاف الدليل وهو الأصل إذ الأصل عدم التكليف ومع ذلك فلا تسمى رخصة.
فالرخصة فسحة في مقابلة التضييق ويتردد بين هاتين الدرجتين صور بعضها أقرب إلى الحقيقة وبعضها أقرب إلى المجاز منها القصر والفطر في حق المسافر وهو جدير بأن يسمى رخصة حقيقة لأن السبب هو شهر رمضان وهو قائم وقد دخل المسافر تحت قوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)البقرة 185 ، وأخرج عن العموم بعذر وعسر ، أما التيمم عند عدم الماء فلا يحسن تسميته رخصة لأنه لا يمكن تكليف استعمال الماء مع عدمه فلا يمكن أن يقال السبب قائم مع استحالة التكليف ، نعم تجويز ذلك عن المرض أو الجراحة أو بعد الماء عنه أو بيعه بأكثر من ثمن المثل رخصة.
باب في أقسام الرخصة
س25) ما هي أقسام الرخصة ؟
الرخصة تنقسم إلى أربعة أقسام هي :
(1) الإيجاب . (2) الندب . (3) الإباحة . (4) خلاف الأولى .(1/18)
فالإيجاب : مثاله أكل الميتة للمضطر إذا خاف على نفسه الهلاك , فإن هذا الحكم ثابت بدليل وهو قول الله تعالى (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) البقرة195 , مع قوله تعالى ( فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)البقرة173 وهذا الدليل يخالف الدليل على حرمة أكل الميتة وهو قول الله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ)المائدة3 فوجوب أكل الميتة للمضطر رخصة لأنه ثابت بدليل على خلاف دليل آخر لعذر وهو الاضطرار.
وأما الندب : كقصر المسافر الصلاة عند من يقول بذلك إذا اجتمعت الشروط وانتفت الموانع.
وأما خلاف الأولى : فمثاله الفطر في نهار رمضان للمسافر الذي لا يتضرر بالصوم , فإن جواز الفطر - والحال هذه - ثابت بقوله تعالى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)البقرة 184 , فهذا الدليل مخالف لدليل آخر وهو قوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)البقرة 185 , وهذا مخالف لعذر وهو مشقة السفر , وإنما كان الفطر لمن لا يتضرر بالسفر خلاف الأولى لقوله تعالى (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)البقرة 184.
ومما سبق من أنوع الرخصة يتضح انه لا يمكن ان تكون الرخصة محرمة ولا مكروهة.
باب في تعريف العزيمة
س26) عرف العزيمة؟
العزيمة هي الحكم الثابت على وفق الدليل أو خلاف الدليل. فهي الحكم الثابت بدليل شرعي، خالٍ عن معارض راجح. وذلك يشمل الواجب ، والمندوب، والمحرم، والمكروه، والمباح، إذ الجميع حكم ثبت بدليل شرعي.
باب في أقسام العزيمة
س27) ما هي أقسام العزيمة؟
العزيمة تنقسم إلى نوعين:
النوع الأول أحكام ثابتة على وفق الدليل : مثل إباحة الأكل والشرب والنوم فإن هذه الأحكام ونحوها جاءت على وفق الدليل , وهو الأصل في الأشياء الإباحة.(1/19)
النوع الثاني أحكام ثابتة على خلاف الدليل ولكن لغير عذر : ومثال ذلك وجوب الصلاة والزكاة والصوم وغيرها من التكاليف الأخرى فإن هذه الأحكام جاءت على خلاف الدليل وهو أن الأصل عدم التكليف , ولكن هذه المخالفة كانت للابتلاء ولم تكن لعذر المشقة ونحوها.
الدرس الثالث مصادر الاستدلال
الفصل الأول أدلة متفق عليها الكتاب - السنة - الإجماع – القياس
س28) ما هو تعريف الكتاب ؟
الكتاب هو القرآن لقوله تعالى (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ)الأحقاف29 , ويمكن تعريف القرآن بأنه كلام الله عز وجل حقيقة حروفه ومعانيه , ليس كلامه الحروف دون المعاني ولا المعاني دون الحروف , تكلم الله به قولاً وأنزله على نبيه وحياً وآمن به المؤمنون حقاً, وهو كتاب الله تعالى الذي جعله آية باهرة , ومعجزة قاهرة , وحجة باقية إلى قيام الساعة , وقد تكفل الله سبحانه وتعالى القرآن من التبديل و التحريف فقال جل شأنه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)الحجر9, نزل به الروح ا لأمين جبريل عليه السلام على النبي الأمي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه.(1/20)
وكان أول نزول القران على الرسول صلي الله عليه وسلم في ليلة القدر في رمضان ، قال الله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) القدر1 ، و قال تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)الدخان3-4 ، و قال تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)البقرة 185.
و أول ما انزل من القران ً الآيات الخمس الأولي من سورة العلق، وهي قوله تعالي : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)العلق1- 5 ، ثم فتر الوحي مدة ، ثم نزلت الآيات الخمس الأولى من سورة المدثر ، وهي قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر ، قُمْ فَأَنْذِرْ ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)المدثر:1-5.
وقد نزل القران على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقا في خلال ثلاث وعشرين سنة ، قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثرها بمكة ، قال الله تعالى (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً)الإسراء 106 ، ولذلك قسم العلماء رحمهم الله تعالى القرآن إلى قسمين : مكي ومدني ، فالمكي : ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قبل هجرته إلى المدينة ، والمدني : ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة.(1/21)
ويتميز القرآن الكريم عن بقية الكتب السماوية الأخرى ( التوراة و الإنجيل وغيرهما ) بأنه نزل باللغة العربية قال الله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ)إبراهيم4 , وقوله تعالى (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)الشعراء195 , وقوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا)الرعد37 , وبمقتضى هذه الخاصية فإن ما ترجم من القرآن إلى غير اللغة العربية لا يسمى قرآناً وبالتالي لا يصح الاعتماد عليه في استنباط الأحكام الشرعية سواء كانت الترجمة حرفية أو غير حرفية.
باب في معنى المحكم والمتشابه
س31) ما معنى المحكم والمتشابه في القرآن الكريم ؟(1/22)
قد ورد وصف القرآن أنه كله محكم فقال تعالى (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ)هود1 , بمعنى أنه متقن غاية الإتقان في أحكامه وألفاظه ومعانيه , فهو غاية في الفصاحة والإعجاز , كما ورد وصفه أنه متشابه قال تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا)الزمر23 , بمعنى أن آياته تشبه بعضها بعضاً في الإعجاز والصدق والعدل , وورد أيضا من أن القرآن منه ما هو محكم ومنه ما هو متشابه قال الله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)آل عمران7 , وقد ذهب بعض السلف إلى أن المحكم هو ما لا يحتمل من التأويل غير وجه واحد والمتشابه ما احتمل من التأويل أكثر من وجه , وذهب بعضهم إلى أن المحكم ما أتضح معناه والمتشابه ما لم يتضح معناه وغيرها من الأقوال . ولكن كانت طريقتهم في التعامل مع المحكم والمتشابه متفقه وقالوا الواجب أن يرد المتشابه إلى المحكم كما قالوا إن القرآن ليس فيه ما لا معنى له , كما اتفقوا على أن جميع ما في القرآن يفهم معناه ويمكن تدبره وإنه ليس في القرآن مالا يمكن أن يعلم معناه أحد.
س31) ما معنى النسخ في القرآن الكريم ؟
النسخ الواقع في القرآن يتنوع إلى أنوع ثلاثة :
1-نسخ الحكم والتلاوة جميعا : نحو ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات وتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن).(1/23)
2-نسخ الحكم دون التلاوة : كقوله تعالى (يأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) منسوخة بقوله سبحانه (ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله) على معنى أن حكم الآية الأولى منسوخ بحكم الآية الثانية مع أن تلاوة كلتيهما باقية
3-نسخ التلاوة دون الحكم : نحو ما جاء عن عمر ابن الخطاب وأبي بن كعب أنهما قالا كان فيما أنزل من القرآن (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها ألبتة) وهذه الآية لم يعد لها وجود بين دفتي المصحف ولا على ألسنة القراء مع أن حكمها باق على إحكامه لم ينسخ.
باب في دلالة القرآن على الأحكام
س32) ما هي دلالة القرآن على الأحكام؟
للقرآن الكريم جانبان : جانب ثبوت وجانب دلالة.
أما من حيث الثبوت فقد أتضح مما سبق أن القرآن كله متواتر ثابت , وأما من حيث دلالته على الأحكام فإنه يكون إما قطعي الدلالة , وإما ظني الدلالة.
س33) ما معنى أن يكون القرآن قطعي الدلالة وما معنى أن يكون ظني الدلالة؟
أي لا يحتمل اللفظ إلا معناً واحداً فيتعين حمله عليه.
ومن أمثلة ذلك :
1) آيات المواريث : ومنها قوله تعالى (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ)النساء 12.(1/24)
فإن النصف والربع والثمن والثلث و السدس مقادير محدودة لا تحتمل أكثر من معناً واحد ولا مجال فيها للرأي والاجتهاد.
2) آيات الحدود : ومنها قوله تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)النور2 , وقوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)النور4.
فإن المائة والثمانين ومثلهما ليس لها سوى معنى واحد وليس للاجتهاد فيها مجال.
ومعنى أن يكون ظني الدلالة : هو أن يحتمل هذا الحكم ويحتمل غيره (أي أن اللفظ يحتمل عدة معاني).
ومن أمثلة ذلك : قول الله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ)النساء23 , فإن الإرضاع يحتمل أن يكون المرة الواحدة , ويحتمل المرات المتعددة , ولذلك اختلف الفقهاء في القدر المحرم من الرضاعة فدلالة الآية على أن الرضاعة مرة واحده محرم دلالة ظنية.
هذا وقد يكون النص الواحد من القرآن قطعي الدلالة باعتبار وظني باعتبار آخر.
ومثال ذلك : قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)المائدة6.
فإن دلالة هذه الآية على أصل المسح قطعية , ودلالتها على القدر المطلوب مسحه من الرأس ظنية , ولذلك اتفق الفقهاء على أن مسح الرأس في الوضوء مطلوب واختلفوا في القدر المطلوب مسحه.
باب في أنه لا مجاز في القرآن
س34) هل في القرآن مجاز؟(1/25)
المجاز هو اللفظ المستعمل في غير موضوعه على وجه يصح كاستعمال لفظ (أسد) في الرجل الشجاع ، وقد اختلف العلماء في المجاز في القرآن ، فقال فريق من العلماء لا مجاز في القرآن , قال ابن القيم : المجاز طاغوت ، وقال فريق آخر : بأن المجاز جائز في القرآن ولكن على النحو الآتي:
يقع المجاز في القرآن كما في قوله تعالى (وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)الأعراف 163.
فبدأ الأمر بمسألتهم عن القرية الحاضرة البحر إنما أراد به أهل القرية , لأن القرية لا تكون عادية ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا غيره , وإنه إنما أراد بالعدوان أهل القرية الذين بلاهم بما كانوا يفسقون ، وعلى هذا يجب من وجود قرينة من إثبات المجاز.
أما في آيات الصفات فلا مجاز ويجب حملها على حقيقتها.
س35) عرف السنة؟
السنة في اللغة هي الطريقة والسيرة , حميدة كانت أو ذميمة , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ)مسلم.
أما في الاصطلاح , هي ما صدر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير القرآن , وهذا يشمل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعله وتقريره وكتابته وإشارته وهمه وتركه.
مثال للسنة القولية :(1/26)
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)البخاري.
ومثال السنة الفعلية :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ)البخاري.
ومثال السنة التقريرية :
قوله صلى الله عليه وسلم للجارية (أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ)مسلم , فأقرها الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك.
ومثال كتابته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ وَقَالَ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ)البخاري.
ومثال إشارته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا)البخاري.
ومثال همه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(1/27)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى مَنَازِلِ قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ)البخاري.
والمقصود بالترك : هو تركه صلى الله عليه وسلم فعل أمر من الأمور , وهى أنواع:
منها التصريح من الصحابة بأنه صلى الله عليه وسلم ترك كذا , أو لم يفعل كذا , كقول الصحابي في صلاة الْعِيدَ , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَّى الْعِيدَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ) . ومنها عدم نقل الصحابة للفعل الذي لو فعله صلى الله عليه وسلم لنقلوه إلينا , مثال ترك النبي صلى الله عليه وسلم التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة.
وهذه الأنواع السابقة (القولية , والفعلية , والتقريرية , والكتابية , والإشارة , والهمية , والتركية) قد يدخل بعضها في بعض , فيدخل كل من الكتابة و الإشارة والهم والترك في الفعل.
باب فيما يدل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم
س36) ما الذي يدل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟
يمكن تصنيف أفعال النبي صلى الله عليه وسلم على النحو الآتي:
1) أفعال جبليه تصدر عنه بحكم الطبيعة كإنسان:(1/28)
وذلك مثل المشي والأكل والشرب والنوم ونحو ذلك وهذا القسم مباح , لأن ذلك لم يقصد به التشريع , لكن لو تأسى به متأسٍ فلا بأس بذلك ويثاب على قصد التأسي , كما ورد عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا قَالَ مَا هِيَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ (رَأَيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنْ الْأَرْكَانِ إِلَّا الْيَمَانِيَيْنِ وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا الْهِلَالَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَمَّا الْأَرْكَانُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ إِلَّا الْيَمَانِيَيْنِ وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ)البخاري.
كما ورد عن الإمام أحمد أنه اختفى ثلاثة أيام ثم انتقل إلى موضع آخر إقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في اختفائه في الغار ثلاثة أيام وقال : ما بلغني حديث إلا عملت به حتى أعطي الحجام ديناراً.
2) أفعال خاصة به صلى الله عليه وسلم , واختصاصيتها ثابتة بدليل:(1/29)
كالجمع بين تسع نسوة وهذا القسم يحرم فيه التأسي به.
3) أفعال يقصد بها بيان التشريع:
كأفعال الصلاة والحج وغيرهما , وحكم هذا القسم تابع لما بينه فإن كان المبين واجباً كان الفعل المبين له واجباً وإن كان مندوباً فمندوب.
باب في وجوب إتباع السنة و الأدلة على ذلك
س37) ما هي الأدلة على وجوب إتباع السنة؟
الأدلة على وجوب إتباع السنة هي:
أولاً القرآن :
الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)آل عمران 32.
ترتب الوعيد على من يخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)النور63.
الأمر بالرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) , وغيرها من الأدلة على وجوب اتباع السنة.
ثانياً السنة :(1/30)
َقولهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَالْمُحْدَثَاتِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ و قَالَ أَبُو عَاصِمٍ مَرَّةً وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) , وقَولهَِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)البخاري.
باب في علاقة السنة بالقرآن الكريم
س38) ما علاقة السنة بالقرآن الكريم؟
علاقة السنة بالقرآن الكريم هي :
1) التأكيد :
وتسمى السنة المؤكدة وهى الموافقة للقرآن من كل وجه , ومن أمثلة ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) , فإن الحديث يؤكد النهى في قوله جل وعلا (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)النساء29.
2) البيان :
وتسمى السنة المبينة أو المفسرة لما أجمل في القرآن , كما هو الحال في الصلاة فإن القرآن أمر بها على وجه الإجمال ثم جاءت السنة لبيان أوقاتها وشروطها وموانعها , وكذلك الحال في الزكاة والصيام والحج وغير ذلك من كل ما جاء مجملاً في القرآن ثم تولت السنة شرحه وإيضاحه ومنها (السنة البيانية) تخصيص ما ورد عاماً في القرآن وتقييد ما أطلق في القرآن.
3) السنة الاستقلالية :(1/31)
أو الزائدة على ما في القرآن , ومن أمثلة ذلك تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في عصمة واحدة فإن ذلك الحكم لم ينص عليه في القرآن وإنما بينت السنة ذلك وذلك لما يترتب عليه من العداوة والبغضاء بين ذوى الأرحام , وغير ذلك من الأحكام التي استقلت بها السنة عن القرآن.
س39) عرف الإجماع ؟
يعرف الإجماع اصطلاحاً بأنه اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي .
شرح التعريف :
1) اتفاق : خرج به الاختلاف ولو من واحد فإذا خالف ولو واحد فلا ينعقد الإجماع.
2) مجتهدي : خرج به العوام والمقلدون فلا يعتبر وفاقهم ولا خلافهم.
3) هذه الأمة : خرج به إجماع غير هذه الأمة فلا عبرة بإجماعهم.
4) بعد النبي صلى الله عليه وسلم : خرج به اتفاقهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعتبر إجماعا لأن قول الصحابي كنا نفعل أو كانوا يفعلون كذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يكون مرفوع حكماً لا نقلاً للإجماع.
5) على حكم شرعي : خرج به اتفاقهم على حكم غير شرعي فلا دخل له هنا.
باب في أنواع الإجماع
س40) ما هي أنواع الإجماع؟
يمكن تقسيم الإجماع باعتبارين هما :
أولاً باعتبار ذاته
وينقسم إلى :
1) الإجماع القولي : وهو أن يتفق قول الجميع على حكم , بأن يقول الجميع مثلاً (هذا حرام أو هذا حلال).
2) الإجماع العملي : وهو أن يتعامل المجتهدون جميعاً في عصر ما بنوع من المعاملة كأن يتعاملوا بالتجارة مثلاً فإن عملهم هذا يدل على أن ما عملوه مشروع ويفيد جوازه.
3) إجماع السكوت : وهو أن يشتهر القول أو الفعل من البعض فيسكت الباقون عن إنكاره.
وقد اختلف العلماء على حجية إجماع السكوت فبعضهم اعتبره حجة والبعض الآخر لم يعتبره حجة وسبب الخلاف هو أن السكوت محتمل للرضا وعدمه , فمن رجح جانب الرضا وجزم به قال إنه حجة , ومن رجح جانب المخالفة وجزم به قال إنه لا يكون حجة.(1/32)
لذلك لا يمكن إطلاق الحكم على إجماع السكوت بل لا بد من النظر في القرائن وأحوال الساكتين وملابسات المقام.
ثانياً باعتبار قوته : وينقسم إلى :
1) القطعي : وهو ما يعلم وقوعه من الأمة بالضرورة كالإجماع على وجوب الصلوات الخمس وتحريم الزنا , وهذا النوع لا أحد ينكر ثبوته ولا كونه حجة , ويكفر مخالفه إذا كان ممن لا يجهله.
2) الظني : وهو ما لا يعلم إلا بالتبليغ والاستقراء وقد اختلف العلماء في إمكانية ثبوته وأصح الأقوال ما قاله شيخ الإسلام ابن تيميه وهو أن الإجماع الذي ينضبط هو إجماع السلف الصالح وهم الصحابة والتابعون وتابع التابعون (أي القرون الثلاثة المفضلة) إذ بعدهم كثرت الاختلافات وانتشرت الأمة.
باب قي الأدلة على حجية الإجماع
س41) ما هي الأدلة على حجية الإجماع ؟
الأدلة على حجية الإجماع هي :
قول الله تعالى (وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)النساء115 , ووجه الدلالة بهذه الآية أن الله توعد من يتبع غير سبيل المؤمنين بالعذاب الشديد , ولا يكون هذا الوعيد إلا على شيء محرم , فيكون إتباع سبيل غير المؤمنين محرماً , ويلزم من وجوب إتباع سبيل المؤمنين حجية الإجماع إذ المراد بسبيل المؤمنين ما يختارونه من قول أو فعل أو اعتقاد.
وقوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)البقرة143.
ووجه دلالة هذه الآية أن الله امتدح هذه الأمة بأن جعلها خياراً , ولا يحسن هذا المدح إلا إذا كانوا على صواب , والصواب يجب اتباعه , وهو يدل على حجية الإجماع.
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمََ (لَا يَجْمَعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ).
س42) عرف القياس؟(1/33)
القياس هو حمل فرع على أصل في حكم لعلة جامعة بينهما.
ومن هذا التعريف نستنتج أن للقياس أربعة أركان هي :
الركن الأول الأصل وهو المحل الذي ثبت فيه الحكم , ويسمى المقيس عليه , والمشبه به والملحق به.
الركن الثاني الفرع وهو المحل الذي لم يرد فيه نص , ويراد معرفة حكمه , ويسمى المقيس والمشبه , والملحق.
الركن الثالث حكم الأصل وهو الحكم الشرعي الثابت للأصل بالكتاب أو السنة أو الإجماع , أما حكم الفرع فلا يعتبر ركناً لأن حكم الفرع ليس جزءاً من ماهية القياس , وإنما هو ثمرة القياس ونتيجته , لأن ظهوره للمجتهد متأخر عن حكم الأصل , فهو لم يظهر له إلا بعد عملية القياس والركن لا يتأخر عن الماهية.
الركن الرابع العلة وهى الوصف الذي شرع الله من أجله حكم الأصل ووجده المجتهد في الفرع أيضا.
وإليك هذا المثال الذي يبين هذه الأركان الأربعة :
وهو قوله صلى الله عليه وسلم (الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ) فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الوارث إذا قتل موروثه ظلماً وعدواناً فإنه لا يرثه , فحرمان الوارث القاتل من الميراث حكم شرعي فإذا بحث المجتهد عن علة هذا الحكم فإنه يجد إنها القتل المحرم , وحيثما وجدت هذه العلة غلب على ظنه وجود الحكم معها , لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
ولذلك إذا قتل الموصى له الموصى فانه يمنع من اخذ الوصية لوجود العلة وهى (القتل غير المشروع).
فقتل الوارث موروثه : هو الأصل المنصوص على حكمه.
ومنع القاتل من الميراث : هو حكم الأصل.
والقتل المحرم : هو علة الحكم .
وقتل الموصى له الموصى : هو الفرع .
باب في معنى تنقيح المناط و تخريج المناط و تحقيق المناط
س43) ما معنى كل من (تنقيح المناط - تخريج المناط - تحقيق المناط) عند الأصوليين؟
1) تنقيح المناط :(1/34)
معنى تنقيح المناط تخليصه من كل ما ليس له دخل في العلية , ويكون ذلك عندما تكون العلة منصوصاً عليها وتكون مشتملة على أوصاف متعددة ولم يوجد ما يعين أحد هذه الأوصاف للعلية.
وإليك هذا المثال الذي يبين هذا :
قصة الأعرابي الذي جاء فزعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم واخبره بأنه جامع زوجته في نهار رمضان عمداً فأوجب عليه النبي صلى الله عليه وسلم الكفارة.
فإيجاب الكفارة حكم شرعي على الأعرابي , والذي وقع فيه الأعرابي أمور متعددة هي :
(1) الوقاع . (2) كونه من الأعراب . (3) كونه في زوجته . (4) كونه في رمضان معين . (5) كونه في نهار رمضان متعمداً.
فلكي يصل المجتهد إلى معرفة العلة التي أنيط بها هذا الحكم عليه أن ينقح هذه الأوصاف ويخلصها من كل مالا يصلح لأن يكون علة.
وبالبحث يتضح له أنه لا يصح واحد من تلك الأوصاف أن تكون علة لوجوب الكفارة سوى واحد وهى الوقاع في نهار رمضان عمداً , وبذلك يتعين أن يكون هذا الوصف هو مناط الحكم الذي هو إيجاب الكفارة , غير أن الفقهاء اختلفوا في أن علة إيجاب الوقاع عمداً في نهار رمضان للكفارة هل هو لخصوصية فيه فلا يجب في غيره بالأكل ونحوه عمداً ؟ أم إنه إنما كان علة لما فيه من انتهاك حرمة الشهر وعليه فإن الكفارة تجب في ما وجد الانتهاك؟
2) تخريج المناط :
هو الاجتهاد في استخراج علة الحكم المنصوص عليه , ولم تثبت علته بنص ولا إجماع , ويتم تخريج المناط بأي مسلك من مسالك العلة عدا النص والإجماع .
وإليك هذا المثال الذي يبين هذا :
إذا ورد نص بتحريم الخمر , ولم تثبت علته بنص ولا إجماع , فإن المجتهد سيبحث عن علة التحريم , وهذا البحث يسمى تخريج المناط.
فتخريج المناط إذاً هو استنباط علة لحكم شرعي ورد به النص ولم يكن هناك نص ولا إجماع يثبت علته.
3) تحقيق المناط :
هو البحث لغرض إثبات علة الحكم المنصوص عليه في واقعة لم ينص على حكمها.
وإليك هذه الأمثلة :(1/35)
المثال الأول : ورد النص بأن علة اعتزال النساء في المحيض هو الأذى بقوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ)البقرة222 فينظر المجتهد في تحقيق الأذى في النفاس , فإذا ما تحقق ثبت الحكم المنصوص عليه.
المثال الثاني : ثبت أن علة تحريم الخمر هي الإسكار , فإذا ما أرد المجتهد أن يعرف حكم شرب النبيذ , فعليه أن يثبت أنه مسكر , فمتى ما اثبت هذه العلة ظهر الحكم.
باب قي الأدلة على حجية القياس
س44) لقد دل الكتاب والسنة وأقوال الصحابة على أن القياس أحد الأدلة التي تثبت بها الأحكام الشرعية . اذكر هذالأدلة؟
قد دل الكتاب والسنة وأقوال الصحابة على أن القياس أحد الأدلة التي تثبت بها الأحكام الشرعية وهي علي النحو الاتي:-
الكتاب :
قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ)الشورى17 , والميزان ما توزن به الأمور ويقاس به بينها.
وقوله تعالى (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ)الأنبياء104 , فشبه الله تعالى إعادة الخلق بابتدائه.
وقوله عز وجل (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ)فاطر9 , فشبه إحياء الأموات بإحياء الأرض وهذا هو القياس.
السنة :(1/36)
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ (أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكِ عَنْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ)مسلم , ووجه الدلالة هي أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاس دين الله تعالى على دين الآدمي.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ فَقَالَ (هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ قَالَ أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ قَالَ فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ)البخاري , فهذا قياس مقنع لان البشر كالإبل في هذه الناحية فلا فرق.
وقد استعمل الصحابة القياس ومنها ما ذكر عن عمر بن الخطاب في كتابه إلى موسى الأشعري في القضاء.
باب في أنواع القياس
س45) ما هي أنواع القياس؟
يمكن تقسيم القياس إلى ثلاثة أقسام بثلاثة اعتبارات وهى:
الأول باعتبار قوته وضعفه
وينقسم القياس باعتبار قوته وضعفه إلى قسمين هما:
1) قياس جلي :
وهو ما ثبتت علته بنص أو إجماع أو كان مقطوعاً فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع.
من هذا التعريف يتضح أن العلة يجب أن تكون ثابتة بأحد الأمور الآتية:
النص: وهو الكتاب والسنة .
إجماع العلماء على أن هذه هي العلة : لأن الإجماع سبق لنا أنه حجة ودليل شرعي فإذا أجمع العلماء على أن هذه العلة لهذا الحكم صارت كالعلة التي نص عليها الشارع .(1/37)
ما يقطع فيه : (أي يعلم علم اليقين أنه لا فرق بين الأصل والفرع).
وإليك هذا الأمثلة لهذه الأنواع الثلاثة :
أولا ًما ثبتت علته بالنص : وهو قياس المنع من الاستجمار بالدم النجس إلحاقاً على المنع من الاستجمار بالروثة , فإن علة حكم الأصل ثابتة بنص الدليل وهو حديث عبدالله رضي الله عنه قال (أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبرز فقال ائتني بثلاثة أحجار فوجدت له حجرين وروثه حمار فامسك الحجرين وطرح الروثه وقال : هي رجس)صححه الألباني , والرجس هي النجس .
ثانياً ما ثبتت علته بالإجماع : وهو نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضى القاضي وهو غضبان , فإن قياس منع الحاقن من القضاء على منع الغضبان ثبتت علته بالإجماع وهي تشويش الفكر وانشغال القلب.
ثالثاً ما كان مقطوع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع : ومثاله قياس تحريم إتلاف مال اليتيم بالبس على تحريم إتلافه بالأكل للقطع بنفي الفارق بينهما.
2) القياس الخفي :
وهو ما ثبتت علته باستنباط ولم يقطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع.
ومثال ذلك قياس الأشنان على البر في تحريم الربا بجامع الكيل فإن التعليل بالكيل لم يثبت بنص ولا إجماع ولم يقطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع إذ من الجائز أن يفرق بينهما بأن البر مطعوم بخلاف الأشنان.
الثاني باعتبار إثبات أو نفي الحكم
ينقسم القياس باعتبار إثبات أو نفي الحكم إلى قسمين هما :
1) القياس الطردي :
وهو ما اقتضى إثبات الحكم في الفرع لثبوت علة الأصل فيه.
ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ) , فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الوارث إذا قتل موروثه ظلماً وعدواناً فإنه لا يرثه ولذلك إذا قتل الموصي له الموصي فإنه يمنع من أخذ الوصية لوجود العلة وهى (القتل غير المشروع).
2) القياس العكسي :
وهو إثبات نقيض حكم الأصل للفرع لوجود نقيض علة حكم الأصل فيه.(1/38)
ومثال ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا)مسلم.
فاثبت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للفرع وهو الوطء الحلال نقيض علة الأصل وهو الوطء الحرام لوجود نقيض علة حكم الأصل فيه , وإثبات أجر للفرع لأنه وطء حلال كما أن الأصل وزراً لأنه وطء حرام.
باعتبار صحته وبطلانه
ينقسم القياس باعتبار صحته وفساده إلى ثلاثة أقسام هي :
1) القياس الصحيح :
وهو ما جاءت به الشريعة في الكتاب والسنة وهو الجمع بين المتماثلين (أن تكون العلة موجودة في الفرع من غير معارض يمنع حكمها).
2) القياس الفاسد :
وهو كل قياس دل النص على فساده , وكل من الحق منصوصاً بمنصوص يخالف حكمه فقياسه فاسد.
3) قياس الشبه (القياس المتردد فيه بين الصحة والفساد):
وهو أن يتردد فرع بين أصلين مختلفي الحكم وفيه شبه بكل منهما , فيلحق بأكثرهما شبهاً به.
ومثال ذلك العبد هل يملك بالتمليك قياساً على الحر أو لا يملك قياساً على البهيمة؟
إذا نظرنا إلى هذين الأصلين (الحر والبهيمة) وجدنا أن العبد متردد بينهما , فمن حيث أنه إنسان عاقل يثاب ويعاقب وينكح ويطلق يشبه الحر , ومن حيث أنه يباع ويرهن ويوقف ويوهب ويورث ويضمن بالقيمة ويتصرف فيه يشبه البهيمة وقد وجد أنه من حيث التصرف المالي أكثر شبهاً بالبهيمة فالحق بها.
س46) ما هي شروط الاستدلال بالكتاب والسنة والإجماع والقياس؟
سبق وأن عرفنا أن الكتاب والسنة والإجماع والقياس من الأدلة المتفق عليها , ولكن هناك شروطاً يجب مراعاتها عند الاستدلال بكل منها وهذه الشروط هي :
شروط الاستدلال بالكتاب(1/39)
صحة الاستدلال : إن المستدل بالقرآن الكريم يحتاج إلى ثبوت دلالته على الحكم لأنه قد يستدل به مستدل ويكون هذا الدليل لا دلالة فيه على ما زعم.
شروط الاستدلال بالسنة
1) صحة الدليل : وهى ثبوت سندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم , لأن الأحاديث منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف.
2) صحة الاستدلال : لأن المستدل بالسنة يحتاج إلى ثبوت دلالته على الحكم كما هو الحال في القرآن الكريم.
شروط الاستدلال بالإجماع
1) أن يثبت بطريق صحيح : بأن يكون إما مشهوراً بين العلماء , أو ناقله ثقة واسع الإطلاع.
2) ألا يسبقه خلاف مستقر : فإن سبقه خلاف ولم يتراجع المخالف عن قوله فلا إجماع لأن الأقوال لا تبطل بموت قائليها أما إن تراجع المخالف عن قوله ووافق ما أجمع عليه يكون إجماعاً لأن الخلاف لم يستقر.
شروط الاستدلال بالقياس
1) أن لا يصادم دليلاً أقوى منه : فلا اعتبار بقياس يصادم النص (الكتاب والسنة) أو الإجماع , ويسمى هذا القياس (فاسد الاعتبار).
2) أن يكون حكم الأصل ثابتاً بنص أو إجماع : فإن كان ثابتاً بقياس لم يصح القياس عليه.
3) أن يكون لحكم الأصل علة معلومة ليمكن الجمع بين الأصل والفرع فيها : فإن كان حكم الأصل تعبدياً محضاً لم يصح القياس عليه.
4) أن تكون العلة مشتملة على معنى مناسب للحكم يعلم من قواعد الشرع اعتباره : ومثاله ما ثبتت علته بنص أو إجماع أو ما كان مقطوع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع.
5) أن تكون العلة موجودة في الفرع كوجودها في الأصل : ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ) فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الوارث إذا قتل موروثه ظلماً وعدواناً فإنه لا يرثه ولذلك إذا قتل الموصي له الموصي فإنه يمنع من اخذ الوصية لوجود العلة في كل من الأصل والفرع وهى (القتل غير المشروع).
الفصل الثاني أدلة مختلف فيها - قول الصحابي - شرع من قبلنا - العرف - الاستحسان - المصالح المرسلة(1/40)
س47) عرف الصحابي؟
الصحابي هو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم أو رآه مؤمناً به ومات على ذلك فيدخل فيه من ارتد ثم رجع إلى الإسلام.
باب ما جاء في حجية قول الصحابي
س48) هل قول الصحابي حجة؟
العلماء اتفقوا على أن :
1 - قول الصحابي (الذي لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب) قولاً لا مجال للاجتهاد فيه ولا يتعلق ببيان لغة أو شرح غريب.
2 - فعل الصحابي إذا لم يكن من قبيل الرأي .
له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويعتبر من السنة التى يجب إتباعها.
واختلفوا في قول الصحابي الذي ليس له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم هل هو حجة أم لا على قولين فمنهم من قال إنه حجة وعلل ذلك بأن الصحابة أقرب إلى الصواب , لكونهم شاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا من أقواله وأفعاله وأحواله ما لم يعرفه أحد , ولأنهم أخلصوا لله النية و أبتعدوا عن الهوى , ولأنهم خير هذه الأمة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)البخاري ، ولأنهم مقدمون على غيرهم في كتاب الله تعالى قال تعالى (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)التوبة100 ، وهذا يدل على أن لهم قولاً متبوعاً , فهذه الوجوه تدل على أن قول الصحابة حجة.(1/41)
وقال البعض إنه لا حجة إلا فيما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى قال (لِألَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)النساء165 , وقال تعالى (مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)النساء80 وقال تعالى (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)الحشر7 ، ومعلوم أننا لو اتبعنا الصحابة لكنا أطعنا غير الرسول صلى الله عليه وسلم , فأخذنا بغير ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا لا دليل على وجوبه ، وما ذكر من الأوصاف السابقة في الصحابة فنحن نؤمن بها لكن هذا لا يقتضي أن يكون ما قالوه مما لم يرد به نص حجة يجب إتباعها.
باب في ذكر القول الراجح في حجية قول الصحابي
س49) ما هو القول الراجح في حجية قول الصحابي؟
يمكن تقسيم حجية أقوال الصحابة إلى ثلاثة أقسام حسب اختلاف أحوالهم:
القسم الأول : من نص الشرع على أن أقوالهم حجة فهذا واضح في أن قولهم حجة بنص الشرع.
ومثال ذلك : قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ) فهذا نص في أن قولهما حجة لأنه قال اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي , وهذا لا يعني أن الإقتداء بهما فيما فعلاه من سنته صلى الله عليه وسلم , إذ لو كان هذا هو المعنى لكان الحديث عديم الفائدة , لأن الإقتداء بمن أخذ بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم أمر مأمور به ولو كان الذي اقتدى به من القرن السابع أو العاشر.
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا)البخاري . وهذا الحديث صريح في الإقتداء بهما.(1/42)
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ) , فهذا الحديث يدل على إتباع سنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و إتباع سنة الخلفاء الراشدين من بعده.
القسم الثاني : من عرفوا بالإمامة في الدين والفقه في العلم , فهؤلاء أيضا يعتبر قولهم حجة ولكن ليس مثل من نص الشرع على الإقتداء بهم.
القسم الثالث : من لم يتصفوا بهذه الأوصاف السابقة (القسم الأول والثاني) , فقول هذا القسم من الصحابة ليس بحجة على القول الراجح.
وقول الصحابي الذي ذهب الأئمة إلى الاحتجاج به لا يكون مخالفاً للنص , فإذا خالف النص أخذ بالنص وترك قول الصحابي.
وهذا المثال يوضح ذلك : كان على بن أبى طالب و هو (من القسم الأول) , وابن عباس و هو (من القسم الثاني) رضى الله عنهما يريان أن المرأة الحامل إذا توفى عنها زوجها اعتدت بأطول الأجلين (الأشهر أو وضع الحمل) فيقولان : إن وضعت قبل أربعة أشهر وعشرة أيام انتظرت حتى تتم أربعة أشهر وعشرة أيام , إن تم لها أربعة أشهر وعشرة أيام ولم تضع انتظرت حتى تضع. وقد خالف قولهما هذا النص وهو : (إن سبيعة الأسلمية نفست بعد موت زوجها بليال , فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزوج).
أما إذا خالف قول الصحابي قول صحابي آخر نأخذ بالراجح منهما والراجح هو الأقرب إلى النص.
س50) ما المراد بشرع من قبلنا؟
المراد بشرع من قبلنا تلك الأحكام التي شرعها الله تعالى للأمم السابقة على لسان الأنبياء الذين أرسلهم الله إلى تلك الأمم , مثل سيدنا نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم.
ملاحظة :(1/43)
إن المقصود من الأحكام الواردة فيما سبق هي تلك الأحكام التي قصها علينا القرآن الكريم أو جاءت على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم , أما ماعدا ذلك من أحكام الشرائع السابقة فالإجماع منعقد على عدم العمل بها , ولذلك فلا يعمل بحكم ثبت بالتوراة أو الإنجيل ولم يرد ذكره في الكتاب ولا في السنة لأن كلاً من التوراة والإنجيل قد تعرضا للتحريف والتغيير.
باب في هل يعتبر شرع من قبلنا شرعاً لنا أم لا
س51) هل يعتبر شرع من قبلنا شرعاً لنا أم لا؟
أن أحكام من قبلنا تتنوع إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول : أحكام ورد في القرآن الكريم أو في السنة النبوية الشريفة ما يفيد أنها منسوخة بالنسبة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وهذه لا تعتبر شرعاً لنا باتفاق العلماء.
ومثال ذلك :
كان العاصي في شريعة موسى عليه السلام لا يكفر ذنبه إلا أن يقتل نفسه قال تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)البقرة54 , أما العاصي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فتكفيه التوبة الصادقة إلى الله تعالى ليكفر عن ذنبه.
النوع الثاني: أحكام أقرتها الشريعة الإسلامية , ووافقت فيها الشرائع السابقة وإن اختلفت معها أحيانا في الشكل والكيفية , وقد اتفق العلماء على إنها شرعاً لنا.
ومثال ذلك:
الصيام فإنه كان واجباً في الشرائع السابقة وقد أبقت الشريعة الإسلامية على هذا الحكم ,قال تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)البقرة183 , ولا شك أن كيفية أداة هذا الحكم تختلف في الشريعة الإسلامية عن الشرائع السابقة.
ومثال آخر:(1/44)
الأضحية فقد كانت مشروعة في ملة إبراهيم عليه السلام وقد أقرها الإسلام.
النوع الثالث : أحكام قصها الله علينا في كتابه العزيز أو جاءت على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولم يوجد في سياق النص أو في نص آخر ما يفيد أنها منسوخة عنا ولا ما يفيد أنها مقررة علينا.
وقد اختلف العلماء في الاحتجاج بها , فذهب الأكثر إلى أنها شرع لنا وهذا هو القول الراجح.
س52) ما المراد بالعرف؟
يطلق العرف لغة على كل ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه , ويطلق أيضا على المعروف , وهو الخير والرفق والإحسان.
أما اصطلاحاً فهو ما اعتاد جمهور الناس وألفوه من فعل شاع بينهم أو لفظ تعارفوا إطلاقه على معناً خاص , بحيث لا يتبادر غيره عند سماعه.
باب في الفرق بين العرف والعادة
س53) ما الفرق بين العرف والعادة؟
بعض الفقهاء ذهب إلى أنه لا فرق بين العادة والعرف , فهما لفظان مترادفان , وذهب المحققون منهم إلى أن العادة أعم من العرف لأنها تكون من الفرد ومن الجماعة , أما العرف فلا يكون إلا من جميع الناس أو أغلبهم.
باب في الفرق بين العرف والإجماع
س54) ما الفرق بين العرف والإجماع؟
قد يتبادر إلى الذهن أن العرف والإجماع شئ واحد , لأن كلاً منهما يتمثل في قول أو فعل طائفة من الناس , ولكن بشيء من التأمل في حقيقة كل واحد منهما ونوع الحكم المترتب عليه ومدى صلاحيته يتضح أن بينهما عدة فروق سواء من حيث الماهية أو من حيث قوة الحكم الثابت بهما , أو من حيث بقاء ذلك الحكم واستمراره.
ومن هذه الفروق ما يلي :
1) أن العرف يتحقق باتفاق أغلب الناس على قول أو فعل بغض النظر عن صفتهم , فهو يتحقق باتفاق المجتهدين وباتفاق غيرهم من الأميين والعوام , أما الإجماع فلا يتحقق إلا باتفاق المجتهدين خاصة على حكم شرعي عملي , و لا يعتد باتفاق من سواهم.(1/45)
2) أن العرف يتحقق باتفاق أغلب الناس ولا يتأثر بمخالفة بعضهم له , أما الإجماع فلا يتحقق إلا باتفاق جميع المجتهدين , فإذا خالف مجتهد واحد في المسألة فإنه لا ينعقد.
3) أن الحكم الثابت بالإجماع الصريح يكون كالحكم الثابت بالنص , فلا مجال فيه للاجتهاد , ولا يقبل التغيير بحال أما الحكم الثابت بالعرف فهو على خلاف ذلك.
باب في أنواع العرف
س55) ما هي أنواع العرف؟
يمكن تقسيم العرف إلى ثلاثة أنواع بثلاثة اعتبارات وهى:
النوع الأول القولي والعملي
1) العرف القولي : وهو أن يتعارف جمهور الناس على إطلاق لفظ معين خاص بحيث إذا أطلق هذا اللفظ انصرف الذهن إلى ذلك المعنى المتعارف عليه دون حاجة إلى قرينة.
مثال ذلك :
أ- إطلاق لفظ الولد على الذكر دون الأنثى مع أنه في اللغة يشملهما معاً قال الله تعالى (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ)النساء11.
ب- إطلاق لفظ اللحم على ما عدا السمك مع إنه يسمى في اللغة لحماً يشهد لذلك قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا)النحل14 , فقد سماه لحماً.
2) العرف العملي : وهو ما اعتاده جمهور الناس في تصرفاتهم , وساروا عليه في معاملاتهم.
مثال ذلك :
تعارفهم على البيع بالتعاطي من غير صيغة لفظية بالإيجاب و القبول , وذلك بأن يدفع المشترى الثمن للبائع في السلع المعلومة الثمن , ويأخذ السلعة دون أن يقع منهما صيغة لفظية.
النوع الثاني العام والخاص
1) العرف العام : وهو الذي يتعارفه أهل البلاد جميعاً في زمن من الأزمنة.
ومثال ذلك :
تعارفهم على أن أجرة دخول الحمام لا تتعلق بمدة المكث فيه , ولا مقدار الماء المستهلك.
2) العرف الخاص : وهو ما كان سارياً في بعض البلدان دون باقيها , أو طائفة دون غيرها من الطوائف.
ومثال ذلك :
تعارف أهل العراق على إطلاق لفظ الدابة على الفرس فقط.
النوع الثالث الصحيح والفاسد(1/46)
1) العرف الصحيح : وهو ما تعارف عليه الناس , وليس فيه مخلفة لنص ولا تفويت لمصلحة , ولا جلب لمفسدة.
ومثال ذلك :
تعارف الناس على أن ما يقدمه الخاطب إلى خطيبته من ملابس ونحوها إنما هو هدية فقط وليس له علاقة بالمهر.
2) العرف الفاسد : وهو ما خالف نصاً شرعياً أو فوت مصلحة أو جلب مفسدة.
مثال ذلك :
تعارف الناس على بعض العقود الربوية , وعلى بعض العادات المستنكرة التي تفعل في الأفراح والمآتم , ولا شك أن هذا النوع من العرف لا يلتفت إليه ولا يعول عليه , بل يجب محاربته والقضاء عليه.
باب في حجية العرف
س56) هل يعتبر العرف حجة أم لا؟
لا خلاف بين الفقهاء في أن العرف إذا كان مخالفاً لأدلة الشرع مناقضاً لحكمة وأهدافه , لا يعتد به بل يجب إلغاؤه , لأنه في بقائه من المفاسد ما لا يعلمها إلا الله , ولذلك فإن الشرع الحكيم قد ألغى جميع الأعراف الفاسدة الموجودة عند العرب قبل الإسلام مثل الطواف بالبيت عراة , و وأد البنات , وحرمان النساء من الميراث , ونكاح الرهط , ونحو ذلك من الأعراف التي كانت قبل مجيء الإسلام.
ولا خلاف أيضا بينهم في أن العرف إذا كان صحيحاً بأن كان لا يخالف دليلاً من الأدلة الشرعية ولا قاعدة من قواعد الدين فإنه يجب الاعتداد به واعتباره.
أما إذا كان خاصاً فإنه محل خلاف بينهم , فقد ذهب فريق منهم إلى عدم الاعتداد به , وذهب فريق آخر إلى القول بوجوب الاعتماد عليه , وهذا هو القول الراجح الذي يدل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه من بعده.
باب في شروط العمل بالعرف
س57) ما هي شروط العمل بالعرف؟
للعمل بالعرف شروطاً ثلاث يجب مراعاتها وهى:
1) أن يكون سابقاً أو مقروناً لإنشاء التصرف , فإذا حصل نزاع بين شخصين مثلاً في أي تصرف من التصرفات فإن العرف الذي يحكم به في هذا النزاع هو الموجود وقت النزاع , وبناءاً على ذلك فلا يعتد بأي عرف طرأ بعد النزاع.
مثال ذلك:(1/47)
لو حلف شخص أن لا يأكل لحماً وكان عرف أهل البلد أن اللحم كل لحم سوى السمك , فإذا ما تغير هذا العرف في هذه البلدة بعد ذلك واصبح يطلق على السمك لحماً , فإن هذا العرف المتغير لا يؤثر على هذا الشخص لأن اليمين سبق هذا العرف , وإنما يؤثر فيما يحدث بعده.
2) أن لا يكون مخالفاً لشرط صريح , فإذا خالف العرف شرطاً صريحاً لا يعمل به.
مثال ذلك :
إذا كان عرف أهل البلد تعجيل نصف الصداق وتأجيل النصف الآخر , واشترطت الزوجة على الزوج تعجيله كله وقبل هو هذا الشرط وجب عليه تعجيله كله , ولا يلتفت إلى العرف في هذه الحالة.
3) أن لا يكون معطلاً لنص ولا مناقضاً لأصل شرعي فإذا كان هناك نص يمنع من فعل الشيء المتعارف عليه فإنه لا يعمل بهذا العرف.
ملاحظة :
إن السيمة المميزة للأحكام المستندة إلى العرف إنها غير ثابتة بل إنها تتغير بتغير العرف , وعلى هذا قد يتغير رأى الفقيه في القضية الواحدة بتغير العرف ويعبر الفقهاء عن هذا الاختلاف بأنه (اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان).
ومثال ذلك :
ما فعله الإمام الشافعي رحمة الله حينما جاء إلى مصر فإنه قد غير رأيه في كثير من الأحكام التي بناها على عرف أهل بغداد , وكان هذا التغير نتيجة حتمية لاعتبار عرف أهل مصر المخالف لعرف أهل بغداد.
س58) ما هو الاستحسان؟
الاستحسان هو العدول بالمسألة عن حكم نظائرها إلى حكم آخر أقوى يقتضي هذا العدول.
شرح التعريف :
من هذا التعريف يتضح أنه يوجد في المسألة دليلان أحدهما عام أو ظاهر والآخر خاص أو خفي وكان مقتضى هذا الظاهر أن هذه المسألة تأخذ حكم نظائرها بما دل عليه الدليل الظاهر , ولكن بعد التأمل وجد المجتهد أن الدليل الآخر أقوى و أوضح فعدل بها عن حكم نظائرها إلى حكم آخر , فهذا العدول هو المسمى بالاستحسان.
باب في حجية الاستحسان
س59) هل الاستحسان حجة أم لا؟(1/48)
ينسب إلى طائفة من الفقهاء القول بحجية الاستحسان والاعتماد عليه في إثبات الأحكام الشرعية , وينسب إلى طائفة أخرى منهم القول بعدم الاحتجاج به , بل والتشنيع على من يحتج به.
ومن يقف على هذه الأقوال يتبادر إلى ذهنه أن مسألة الاستدلال بالاستحسان مسألة خلافية , ولكن بعد التدقيق يتضح أن للاستحسان نوعان هما:
النوع الأول وهو الاستحسان الصحيح باتفاق العلماء:
وهو ترجيح دليل على دليل أو هو العمل بالدليل الأقوى أو الأبين , وهذا ما يعبر عنه الفقهاء بقولهم (العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل خاص من الكتاب أو السنة).
النوع الثاني وهو الاستحسان الباطل باتفاق العلماء:
وهو ما استحسنه المجتهد بعقله دون استناد إلى شيء من أدلة الشرعية المعتبرة.
ومما سبق يتضح أن لفظ الاستحسان من الألفاظ المجملة فلا يصح الحكم عليها بالصحة أو الفساد إلا بعد معرفته من أي الأنواع.
باب في أنواع الاستحسان الصحيح
س60) ما هي أنواع الاستحسان الصحيح؟
يمكن تقسيم الاستحسان باعتبار نوع الدليل الذي ثبت به إلى:
1) استحسان ثبت بالنص (القران أو السنة):
مثال ما ثبت بالقرآن :
عقد الإجارة فإن مقتضى القياس الظاهر أن هذا العقد لا يجوز لأن المعقود عليه غير موجود , والعقد على المعدوم يؤدى إلى الغور فيكون باطلاً , ولكن جاز استحساناً وسند هذا الاستحسان النص القرآني الكريم وذلك في قوله تعالى (عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ)القصص27.
مثال ما ثبت بالسنة :(1/49)
الأكل والشرب نسياناً في نهار رمضان فإن ظاهر القياس يقتضي فساد الصوم , لأن الإمساك عن المفطرات من أركان الصوم ولكن صح الصوم استحساناً , وسند هذا الاستحسان قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ)البخاري , فقد عدل الفقهاء عن ظاهر القياس إلى النص وهذا العدول يسمى استحساناً , والنص المعدول إليه هو وجه الاستحسان ودليله.
2) استحسان ثبت بالإجماع :
ومثال ذلك :
لو اتفق شخص مع آخر على أن يصنع له شيئاً ما فإن مقتضى القياس الجلي أن هذا العقد باطل لأنه عقد على شيء غير موجود , وقد عدل عن مقتضى هذا القياس إلى القول بجوازه استحساناً , فقد جرى التعامل به في جميع الأعصار والأمصار دون أن ينكر أحد.
3) استحسان ثبت بالعرف :
ومثال ذلك :
لو حلف شخص أن لا يأكل لحماً واكل سمكاً , فان مقتضى اللفظ انه يحنث لان القرآن سمى السمك لحماً قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا)النحل14 , ولكن الفقهاء نصوا على أنه لا يحنث (إذا كان عرف أهل البلد لا يسمي السمك لحماً) , فالعدول إلى عدم الحنث هو الاستحسان ودليله العرف.
باب في أقسام مطلق المصلحة
س61) ما هي أقسام مطلق المصلحة؟
المصلحة تتنوع من حيث اعتبار الشارع لها وعدم اعتباره إلى ثلاثة أنواع هي:
النوع الأولى المصلحة المعتبرة : وهي التي ورد دليل شرعي من الكتاب أو السنة أو الإجماع يفيد أن الشارع قد رعاها , فشرع من الأحكام ما يحقق تلك المصلحة.
وهذا النوع يدخل في عموم القياس , ولذلك يتفق جميع القائلين بحجية القياس على جواز التعليل به وبناء الحكم عليه.
ومثال ذلك ما يسمى بالضروريات الخمس وهى :
1) حفظ الدين . 2) حفظ النفس . 3) حفظ العقل .
4) حفظ النسب . 5) حفظ المال .(1/50)
فمثلاً من أجل حفظ المال وحمايته حرمت السرقة , وشرع حد قطع يد السارق.
ومن أجل حفظ النفس شرع القصاص , وحرم الاعتداء عليها.
ومن أجل حفظ العقول حرم شرب الخمر وغيرها من المسكرات وواجب الحد على شاربها.
إلى غير ذلك من المصالح التي اعتبرها الشارع وشرعت الأحكام لتحقيقها.
النوع الثاني المصلحة الملغاة : هي المصلحة التي يرها العبد (بنظرة القاصر) مصلحة ولكن الشرع ألغاها و أهدرها ولم يلتفت إليها , بل جاءت الأدلة الشرعية بمنعها والنهي عنها من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس.
و من أمثلتها :
1) الاستسلام للعدو : فقد يظهر لأول مرة أن فيه مصلحة وهى حفظ النفس من القتل , ولكن هذه المصلحة لم يعتبرها الشارع , لأن هناك مصلحة أرجح منها , وهي احتفاظ الأمة الإسلامية بالعزة والكرامة فشرع الله القتال لتحقيق هذه المصلحة العظيمة ودفعاً للمفاسد المترتبة على الخضوع و الاستسلام للعدو.
2) تعدد الزوجات : قد يبدو لأول وهلة أن في منع تعدد الزوجات مصلحة وهي تلافي ما يحدث بين الضرائر من منازعات وخصومات قد تؤدى إلى حل الروابط بين أفراد الأسرة الواحدة , ولكن الشارع الحكيم لم يعتبر هذه المصلحة ولم يعتد بها حيث أباح التعدد , واكتفى باشتراط العدل بين الزوجات فقال تعالى (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً)النساء3 , وذلك لما يترتب على التعدد من المصالح التي لا تكاد تحصى والتي من أهمها:
1) كثرة النسل والتوالد الذي هو المقصود الأول من تشريع الزواج.
2) صون أصحاب الشهوات الحادة من الوقوع في رذيلة الزنا واتخاذ الخليلات.
3) أنه علاج اجتماعي عندما تتعرض الأمة إلى النقص في رجالها وبخاصة في أعقاب الحروب.
وبهذا يدرك أن الشارع لم يلغ أية مصلحة من المصالح إلا إذا ترتب على اعتبارها ضياع مصلحة أرجح منها.
النوع الثالث المصلحة المسكوت عنها :(1/51)
وهى المصلحة التى لم يرد من الشارع ما يفيد اعتبارها ولا إلغاءها , وتسمى المصلحة المرسلة.
فالمصلحة المرسلة : هي التي لم يشرع حكم لتحقيقها ولم يشهد لها أصل خاص بالاعتبار أو الإلغاء.
فإن شهد لها اصل خاص باعتبار دخلت في عموم القياس , وأن شهد لها بعدم الاعتبار كانت باطلة.
وإليكم هذا المثال :
قتل الجماعة بالواحد : فلم يرد دليل خاص باعتباره ولا بإلغائه , ولكن في قتلهم من المصلحة ما هو واضح , إذ لو لم يقتل الجماعة بالواحد عند اشتراكهم في القتل لأدى ذلك إلى إهدار الدماء , وفيه من المفاسد ما لا يخفى.
باب في أنواع المصلحة المرسلة
س62) ما هي أنواع المصلحة المرسلة؟
يمكن تقسيم المصلحة المرسلة إلى ثلاثة أقسام وذلك حسب قوتها:
1) المصلحة الضرورية (درء المفاسد) :
وهي ما كانت المصلحة فيها في محل الضرورة بحيث يترتب على تفويت هذه المصلحة تفويت شيء من الضروريات أو كلها وهذه أعلى المصالح.
2) المصلحة الحاجية (جلب المصالح) :
وهى ما كانت المصلحة فيها في محل الحاجة لا الضرورة فيحصل بتحقيق هذه المصلحة التسهيل وتحصيل المنافع , ولا يترتب على فواتها فوات شيء من الضروريات.
3) المصلحة التحسينية (التتميمات) :
وهي ما ليس ضروريا ولا حاجيا , ولكن من باب الجري على مكارم الأخلاق و إتباع أحسن المناهج.
باب في الأدلة على اعتبار المصلحة المرسلة
س63) ما هي الأدلة على اعتبار المصلحة المرسلة؟
الأدلة على اعتبار المصلحة المرسلة هي:
1) عمل الصحابة رضي الله عنهم بها في وقائع كثيرة مشهورة مثل:
أ- استخلاف أبي بكر رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه بعد أن أحس بدنو أجله , فلا يوجد في القرآن ولا في السنة ما يفيد ذلك , ولكن أبا بكر رضي الله عنه راعى في هذا الاستخلاف مصلحة الناس المتمثلة في حفظ كلمتهم من التفرق واختلافهم في اختيار الخليفة.(1/52)
ب- جمع القرآن في مصحف واحد في عهد أبي بكر رضي الله عنه , وليس في القرآن ولا في السنة ما يدل على ذلك , وإنما هو عمل مبني على المصلحة , وهي المحافظة على القرآن من الضياع.
باب في شروط العمل بالمصلحة المرسلة
س64) ما هي شروط العمل بالمصلحة المرسلة؟
العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب فيه من التحفظ والحذر حتى يتحقق صحة المصلحة , ومن شروط العمل بالمصلحة المرسلة ما يلي:
1) ألا تكون المصلحة مصادمة لنص أو إجماع .
2) أن تعود على المقاصد بالحفظ و الصيانة.
3) ألا تكون المصلحة في الأحكام التي لا تتغير كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود والمقدرات الشرعية.
4) ألا تعارضها مصلحة أرجح منها أو مساوية لها , وألا يستلزم من العمل بها مفسدة أرجح منها أو مساوية لها.
الدرس الرابع الأمر و النهي
س65)- عرف الأمر؟
الأمر: قول يتضمن طلب الفعل على وجه الاستعلاء.
شرح التعريف:
فخرج بقولنا (قول) الإشارة، فلا تسمى أمراً وإن أفادت معناه.
وخرج بقولنا (طلب الفعل) النهي لأنه طلب ترك. والمراد بالفعل الإيجاد، فيشمل القول المأمور به.
وخرج بقولنا (على وجه الاستعلاء) الالتماس والدعاء وغيرهما مما يستفاد من صيغة الأمر بالقرائن.
باب في صيغ الأمر
س66)- ما هي صيغ الأمر؟
المقصود بصغة الأمر الألفاظ التي تستعمل في لغة العرب ويستفاد منها طلب الفعل ، وقد دل الاستقراء على ان الألفاظ التي تستعمل لطلب الفعل أربع صيغ أصلية وخمسة غير الأصلية.
اولاً)- صيغ أصلية:
(1) فعل الأمر : وهو ما جاء على وزن (افعل) نحو قوله تعالى ?أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِيْ السَّرْدِ وَاعْمَلُوْا صَالِحاً?سبأ11 ، و قوله (أَقِمِ الصّلاَةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ)الإسراء78 ، وهذه الصيغة أكثر الصيغ استعمالا في لغة العرب وفي النصوص الشرعية(1/53)
(2) اسم فعل الأمر : وهو ما ناب عن الفعل ودل عليه مثل كلمة « عليكم » في قوله تعالى ?يَاأَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ?المائدة105 ، وكلمة « عليك » في قوله عليه السلام (عليك بالرفق ، وإياك والعنف)صححه الألباني.
(3) المضارع المجزوم بلام الأمر : أي فعل المضارع المقترن بلام الأمر نحو قوله تعالى ?وَلْيَكْتُبْ بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ?البقرة282 ، وقوله صلى الله عليه وسلم (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)متفق عليه.
(4) المصدر النائب عن فعل الأمر : وهو الذي يقع جزاءً لشرط وهو المصدر الدال على الطلب نحو قوله تعالى ?فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا فَضَرْبَ الرِّقَابِ?محمد 4, أي : فاضربوا رقابهم ، ونحو قوله تعالى ?فَمَنْ لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَّتَمَاسَّا فَمَنْ لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّيْنَ مِسْكِيْناً?المجادلة4 , أي: فليصم شهرين متتابعين، أو فليطعم ستين مسكيناً ، وقوله صلى الله عليه وسلم (صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة)صححه الألباني.
ثانياً الصيغ غير الأصلية هي:
(1) بلفظ الأمر : نحو قوله تعالى ?إِنَّ الله يَأمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوْا الأَمَانَاتِ إِلى أَهْلِهَا ?النساء58.
(2) وبلفظ الفرض ، نحو قوله صلى الله عليه وسلم (فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِيْ يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ)البخاري.
(3) وبلفظ الكتب ، نحو قوله تعالى ?كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلى الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ ?البقرة183.
(4) وبلفظ الوجوب ، نحو قوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِيْ مَمْلُوْكٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُّعْتِقَ كُلَّهُ)البخاري.(1/54)
(5) أن يكون تركه مقروناً بوعيد ، نحو قوله تعالى ?وَمَنْ لَّمْ يُؤْمِنْ بِالله وَرَسُوْلِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِيْنَ سَعِيْراً?الفتح12.
باب فيما تقتضيه صيغ الأمر
س 67)- صغة الأمر عند الإطلاق هل تفيد الوجوب أو الاستحباب؟
صيغة الأمر عند الإطلاق تقتضي وجوب المأمور به ، وقد يخرج عن الوجوب إلى معانٍ، منها :
الندب ، نحو قوله تعالى ?وَأَنْكِحُوْا الأيَامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِيْنَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُمْ?النور32.
الإباحة ، نحو قوله تعالى ?كُلُوْا وَاشْرَبُوْا مِنْ رِّزْقِ الله وَلاَ تَعْثَوْا فِيْ الأرْضِ مُفْسِدِيْنَ?البقرة60.
الوعيد ، نحو قوله تعالى ?فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ?الكهف29.
الامتنان ، نحو قوله تعالى ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوْا مِمَّا فِيْ الأرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً?البقرة168.
التعجيز ، نحو قوله تعالى ?قُلْ فَادْرَءُوْا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ?آل عمران168.
التهديد ، نحو قوله تعالى ?إِعْمَلُوْا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُوْنَ بَصِيْر?السجدة40.
الإرشاد إلى ما فيه مصلحة ، نحو قوله تعالى ?وَاسْتَشْهِدُوْا شَهِيْدَيْنِ مِنْ رِّجَالِكُمْ?البقرة282.
التأديب ، نحو قول الرسول صلى الله عليه وسلم (يَا غُلاَمُ ! سَمِّ الله وَكُلْ بِيَمِيْنِكَ ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيْكَ)البخاري.
الدعاء ، نحو قوله تعالى ?وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِيْنَ?المؤمنون118.
س 67)- صغة الأمر عند الإطلاق هل التكرار أو المرة؟
لصغة الأمر ثلاث حالات :
الحالة الأولي : ان ترد مقيدة بالمرة ، كقولك مثلا (أكرم خالدا مرة واحدة) ، أو كقولك (أكرم محمدا مرات) ، ففي هذه الحالة يعمل بمقتضى القيد.(1/55)
الحالة الثانية : ان ترد مقيدة بالشرط كقوله تعالى (وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطّهّرُواْ)المائدة 6 ، وقوله تعالى (وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوَاْ أَيْدِيَهُمَا)المائدة 38 ، ففي هذه الحالة يتكرر فعل المأمور به بتكرر الشرط أو الصفة.
الحالة الثالثة : أن ترد مجردة من أي قيد من هذه القيود ، وذلك بان ترد مطلقة غير مقيدة بمرة ولا بمرات ولا بشرط ولا بصفة ، ففي هذه الحالة تدل على طلب الماهية وإدخالها في حيز الوجود دون إشعار بتكرار ولا بمرة ، غير انه يشترط لتحقيق الماهية المرة الواحدة.
س 67)- صغة الأمر عند الإطلاق هل تفيد الفور أو التراخي؟
صغة الأمر عند الإطلاق تفيد المبادرة بفعل والفورية ومن الأدلة على أنه للفور قوله تعالى (وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ)البقرة148 ، والمأمورات الشرعية خير ، والأمر بالاستباق إليها دليل على وجوب المبادرة ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كره تأخير الناس ما أمرهم به من النحر والحلق يوم الحديبية ، حتى دخل على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس ، ولأن المبادرة بالفعل أحوط وأبرأ ، والتأخير له آفات ويقتضي تراكم الواجبات حتى يعجز عنها.
س68)- عرف النهي؟
النهي قول يتضمن طلب الكف على وجه الاستعلاء، بصيغة مخصوصة هي المضارع المقرون بلا الناهية.
شرح التعريف:
فخرج بقولنا ( قول ) الإشارة، فلا تسمى نهياً وإن أفادت معناه.
وخرج بقولنا ( طلب الكف ) الأمر، لأنه طلب فعل.
وخرج بقولنا ( على وجه الاستعلاء ) الالتماس والدعاء وغيرهما مما يستفاد من النهي بالقرائن.
وخرج بقولنا ( بصيغة مخصوصة هي المضارع.. إلخ ) ما دل على طلب الكف بصيغة الأمر مثل ( دع، اترك، كف، ونحوها )، فإن هذه وإن تضمنت طلب الكف لكنها بصيغة الأمر فتكون أمراً لا نهياً.
باب في صيغ النهي
س69)- ما هي صيغ النهي؟
النهي له صيغة أصلية واحدة , وصيغ غير الأصلية.(1/56)
إما صيغة الأصلية: فهي المضارع المجزوم ب «لا» الناهية نحو قوله تعالى ?فَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلهاً آخَرَ فَتَكُوْنَ مِنَ الْمُعَذَّبِيْنَ?الشعراء213.
والصيغ غير الأصلية هي:
(1) بلفظ التحريم ، نحو قوله تعالى ?قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ?الأعراف33.
(2) بلفظ الكراهة ، كقوله صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الله كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثاً: قِيْلَ وَقَالَ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ)البخاري.
(3) بلفظ النهي ، نحو قوله تعالى ?وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ?النحل90.
(4) وبلفظ لا يحل ، نحو قوله تعالى ?يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوْا النِّسَاءَ كَرْهاً?النساء19.
(5) أن يكون فعله مقروناً بوعيد ، نحو قوله تعالى ?إِنَّ الَّذِيْنَ فَتَنُوْا الْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوْبُوْا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيْقِ?البروج10 , و نحو قوله صلى الله عليه وسلم (لَنْ يُّفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً)البخاري.
كما يلحق بهذه الصيغ اسم الفعل الدال على طلب ترك الفعل ، مثل (صه) بمعنى أسكت ، (ومه) بمعنى أكفف ، ونحوهما من أسماء فعل الأمر.
باب فيما تقتضيه صيغ النهي
س 70)- ما الذي تقتضيه صيغة النهي؟
صيغة النهي عند الإطلاق تقتضي تحريم المنهي عنه وفساده ، فمتى ما ورد النهي في نص شرعي من كتاب أو سنة وكان عارياً عن القرينة فإنه يفيد تحريم المنهي عنه ، وهذا الذي يجب أن يكون قاعدة أساسية في فهم نواهي الكتاب والسنة.
هذا وقد يخرج عن ذلك لدليل يقتضي ذلك إلى معانٍ، منها:(1/57)
الكراهة ، وهي أقل قبحاً وأخف طلباً من التحريم ، نحو قوله تعالى ?وَلاَ تَيَمَّمُوْا الْخَبِيْثَ مِنْهُ تُنْفِقُوْنَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيْهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوْا فِيْهِ?البقرة267 ، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم انه قال (لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشِيبُ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)صححه الألباني.
الإرشاد إلى ما فيه مصلحة ، نحو قوله تعالى ?لاَ تَسْئَلُوْا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ?المائدة101.
الدعاء ، نحو قوله تعالى ?رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَّسِيْنَا أَوْ أَخْطَأنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً?البقرة286.
التحذير ، نحو قوله تعالى ?وَلاَ تَمُوْتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُوْنَ?آل عمران102.
بيان تحقير الشيء وتقليله ، نحو قوله تعالى ? وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيْهِ?طه131.
س 70)- ما اثر النهي في المنهي عنه؟(1/58)
قد يرد النهي مصحوبا بقرينة تفيد دلالته على فساد المنهي عنه أو عدم فساده ، ولا جدال والحالة هذه في العمل بما تفيده تلك القرينة ، ولكن قد يرد المنهي مجردا عن القرينة ، فمعلوم ان للنهي أثران ، أثر دنيوي ، وهو عدم ترتب آثار عليه ، وأثر أخروي ، وهو تحريمه واستحقاق فاعله العقاب في الآخرة ، والذي يعنينى في هذا البحث هو الأثر الدنيوي فقد ، وحول تحديد هذا الأثر وبيان نوعه اختلفت وجهات نظر العلماء فمنهم من ذهب الى أنه يدل على الفساد مطلقاً ، ومنهم من ذهب إلى أنه لا يدل عليه مطلقاً ، ومنهم من ذهب إلى أنه يدل على فساد العبادات دون المعاملات ، والراجح ما ذهب إليه الشوكاني حيث قال : (أن كل نهي من غير فرق بين العبادات و المعاملات يقتضي تحريم المنهي عنه وفساده المرادف للبطلان اقتضاءً شرعياً ، ولا يخرج عن ذلك إلا ما قام الدليل على عدم اقتضائه لذلك ، فيكون هذا الدليل قرينة صارفة له عن معناه الحقيقي إلى معناه المجازي ، ومما يستدل به على هذا ما ورد في الحديث المتفق عليه وهو قوله صلى الله عليه وسلم {كل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد} ، والمنهي عنه ليس عليه أمرنا فهو رد ، وما كان ردا كان باطلا ، وقد أجمع العلماء مع اختلاف أعصارهم وأمطارهم على الاستدلال بالنواهي على أن المنهي عنه ليس من الشرع ، وأنه باطل لا يصح ، وهذا هو المراد بكون النهي يقتضي الفساد)انتهي كلامه من كتاب إرشاد الفحول.
الدرس الخامس العام والخاص
س71) عرف العام؟
العام لغة الشامل .
واصطلاحاً اللفظ المستغرق لجميع أفراده بلا حصر .
الشرح :
1- فخرج بقولنا المستغرق لجميع أفراده : ما لا يتناول إلا واحداً، كالعلم والنكرة في سياق الإثبات ، كقوله تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)النساء92 لأنها لا تتناول جميع الأفراد على وجه الشمول ، وإنما تتناول واحداً غير معين.
2- وخرج بقولنا بلا حصر : ما يتناول جميع أفراده مع الحصر، كأسماء العدد : مئة وألف ونحوهما.(1/59)
فالعام هو اللفظ الذي يدل بحسب وضعه اللغوي على شمولية واستغراقه لجميع الأفراد التي يصدق عليها معناه والتي تندرج تحته من غير حصر في كمية معينة منها.
باب في صيغ العموم
س72) ما هي صيغ العموم؟
صيغ العموم كثيرة فنذكر بعضاً منها:
أولاً - من الأسماء:
1) كل: وهي أقوى صيغ العموم ، نحو قوله تعالى ?كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوْكُمْ?الأنبياء35 ، وقوله صلى الله عليه وسلم (كل شراب أسكر فهو حرام)صححه الألباني ، وهذا الحديث من حجج القائلين بتحريم النبيذ ، وكما في القاعد ة (كل خطأ يحدث ضرراً بالغير يلزم فاعله التعويض).
2) جميع: نحو قوله تعالى ?إِنْ كَانَتْ إلاَّ صَيْحَةً وَّاحِدَةً فَإذَا هُمْ جَمِيْعُ لَّدَيْنَا مُحْضَرُوْنَ?يس53.
3) كافة: نحو قوله تعالى ?يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا ادْخُلُوْا فِيْ السِّلْمِ كَافَّةٍ وَلاَ تَتَّبِعُوْا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ?البقرة208.
4) معشر: نحو قوله تعالى ?يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوْا مِنْ أَقْطَارِ السَّموتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوْا لاَ تَنْفُذُوْنَ إلاَّ بِسُلْطَانٍ?الرحمن33.
5) سائر: نحو حديث جابر (كَانَ النَّبِيُّ يَأخُذُ ثَلاَثَةَ أَكُفٍّ ، وَيُفِيْضُهَا عَلَى رَأْسِهِ ، ثُمَّ يُفِيْضُ عَلى سَائِرِ جَسَدِهِ)البخاري.
6) مَنْ الشرطية : نحو قوله تعالى ?وَمَنْ يُّؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ?التغابن11 , والموصولة نحو قوله تعالى ?لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ?الأنبياء19 , والاستفهامية نحو قوله تعالى ?وَمَنْ يَّقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إلاَّ الضَّآلُّوْنَ?الحجر56.(1/60)
7) ما الشرطية: نحو قوله تعالى ?مَا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا?فاطر2 ، والاستفهامية نحو قوله تعالى ?وَمَا تِلْكَ بِيَمِيْنِكَ يَا مُوْسى?طه27 ، والموصولة نحو قوله تعالى ?وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ?النحل49.
ثانياً - من الحروف :
حرف « أل » وهي على نوعين :
1) لتعريف العهد ، ومعناه : أن يكون عند السامع علم بشيء قد جرى ذكره ، أو هو معلوم عنده ؛ فيعرفه ب« أل » دلالةً على معلوميته , نحو قوله تعالى ?كَمِشْكَاةٍ فِيْهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ?النور35 , وهذا النوع لا يفيد العموم والاستغراق.
2) لتعريف الجنس: وهي التي يكون المقصود بها إحاطة أفراد الجنس ، وهي من صيغ العموم ، فيصح أن يخلفها لفظ «كل» لإفادة معنى العموم ، نحو قوله تعالى ?وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيْفاً?النساء 28 , و قوله عز وجل ?إنَّ الإِنْسَانَ لَفِيْ خُسْرٍ?العصر2.
ثالثاً - العموم المستفاد من الأساليب وهي :
1) النكرة في سياق النفي: نحو قوله تعالى ?وَمَا مِنْ إلهٍ إلاَّ الله?آل عمران62 ، ونحو قوله صلى الله عليه وسلم : ?لاَ صَلاَةَ لِمَن لَّمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ?البخاري ، وكقولك مثلا (لا ثقة في أحمق).
2) النكرة في سياق الشرط : نحو قوله تعالى ?وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوْزاً?النساء128.
3) النكرة في سياق النهي: نحو قوله تعالى ?وَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلهاً آخَرَ?القصص88.
4) النكرة في سياق الاستفهام الإنكاري : نحو قوله تعالى ?هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا?مريم65.
5) المعرَّف بإضافة معنوية : نحو قوله تعالى ?وَإنْ تَعُدُّوْا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوْهَا?ابرهيم34 , وقوله صلى الله عليه وسلم ?اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيْ ذَنْبِيْ كُلَّهُ?مسلم.
باب في حكم العمل بالعام(1/61)
س73) ما حكم العمل بالعام؟
يجب الاعتبار بالعموم من العام ، ولا يصار إلى تخصيصه إلا بدليل , لأن العمل بنصوص الكتاب والسنة واجب على ما تقتضيه دلالتها حتى يقوم دليل على خلاف ذلك.
وإذا ورد العام على سبب خاص وجب العمل بعمومه ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، إلا أن يدل دليل على تخصيص العام بما يشبه حال السبب الذي ورد من أجله فيختص بما يشبهها.
مثال ما لا دليل على تخصيصه آيات الظهار، فإن سبب نزولها ظهار أوس بن الصامت والحكم عام فيه وفي غيره.
ومثال ما دل الدليل على تخصيصه قوله صلى الله عليه وسلم (ليس من البر الصيام في السفر) فإن سببه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه، فقال (ما هذا ؟) قالوا (صائم) فقال (ليس من البر الصيام في السفر) . فهذا العموم خاص بمن يشبه حال هذا الرجل، وهو من يشق عليه الصيام في السفر، والدليل على تخصيصه بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر حيث كان لا يشق عليه ، ولا يفعل صلى الله عليه وسلم ما ليس ببر.
س74) عرف الخاص لغة وشرعاً؟
الخاص لغة ضد العام.
واصطلاحاً اللفظ الدال على محصور بشخص أو عدد ، كأسماء الأعلام والإشارة والعدد.
باب فيما جاء في أنواع أدلة التخصيص
س76) ما هي أنواع أدلة التخصيص؟
دليل التخصيص نوعان : متصل ومنفصل.
فالمتصل : هو الكلام الذي يشتمل على معنى التخصيص إلا أنه مرتبط بالكلام الدال على العموم ارتباطاً لو فصلناه عنه لم يستقل بإفادة معناه.
وله أربعة أنواع :(1/62)
1) الاستثناء : نحو قوله تعالى (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنّ بِالإِيمَانِ وَلََكِن مّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)النحل 106 ، فإن لفظ (مَن) في قوله تعالى (مَن كَفَرَ) ، من صيغ العموم ، فيشمل كل كفر ، مكرهاً كان أو راضياً ، ولكن الاستثناء في قوله تعالى (إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ) ، صرف الاكراه عن العموم ، واقتصر على من كان راضياً بالكفر غير مكره عليه.
2) الشرط : نحو قوله تعالى ?وَلَكُمْ نِصْفُ مَاتَرَكَ أزْوَاجُكُمْ إنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ?النساء12. فإن استحقاق الزوج النصف من تركة زوجته مشروط بعدم وجود ولد لها ، ولولا هذا الشرط لاستحقه في جميع الأحوال ، فقد خصص هذا الشرط استحقاق الزوج للنصف بحالة معينة ، وهي ما إذا لم يكن للزوجة ولد.
3) الصفة: نحو قوله تعالى ?وَمَنْ لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أنْ يَّنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ?النساء25 ، فإن لفظ (الفتيات) ، في الآية عام يشمل المؤمنات وغير المؤمنات ، ولكن وصف الفتيات بالإيمان يجعل جواز النكاح بملك اليمين لمن لم يستطع الزواج من الحرائر قاصراً على الفتيات المؤمنات.
4) الغاية : وهي نهاية الشيء المقتضية لثبوت الحكم قبلها وانتفائه بعدها ، ولها لفظان وهما إلى و حتى ، غير انه يشترط لدلالة حتى على الغاية أن تكون جارة فلو كانت عاطفة فلا تدل عليها.
ومثل حتى قوله تعالى (سَلاَمٌ هِيَ حَتّىَ مَطْلَعِ الْفَجْرِ)القدر5 ، فإن الغاية هنا -وهي حتى- قررت فضل ليلة القدر ، وأثبتته لما بعد طلوع الفجر ، وبينت أن ليلة القدر تمتد بعد مطلع الفجر ، بحيث تكون صلاة الفجر واقعة في تلك الليلة.(1/63)
والمخصص المنفصل : هو الكلام الذي يشتمل على معنى التخصيص إلا أنه مستقل ومنفصل عن الكلام الذي يشتمل على العموم.
و للمخصص المنفصل عدة أنواع منها :
1- الحس والمشاهدة : وذلك كما في قوله تعالى في الريح المرسلة على عاد قال تعالى: (تُدَمّرُ كُلّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبّهَا)الأحقاف 25 ، فإن كلمة (شَيْءٍ) ، عامة ، تشمل السموات والأرض وغيرهما ، ولكن الحس يشهد باختصاصها ببعض ما تشتمل عليه ، حيث إننا نشاهد أشياء كثيرة لم يتم تدميرها ومن ضمنها السموات والأرض.
2- العقل : ومن أمثلته قوله تعالى (وَللّهِ عَلَى النّاسِ حِجّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)آل عمران97 ، فإن لفظ (مَنِ) من صيغ العموم ، وبمقتضى هذا العموم يكون الخطاب بالحج موجهاً لجميع الناس ، بمن فيهم الصبيان والمجانين ، ومن في حكمهم ، ولكن العقل يقضي بإخراجهم منه ، إذ يستحيل عقلاً توجيه الخطاب لمن لا يفهم المراد منه.
3- النص : وهو القرآن أو السنة وله عدة حالات :
الحالة الأولى تخصيص الكتاب بالكتاب :
أ- المخصص المتصل كما في قوله تعالى (وَالْعَصْرِ ، إِنّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ ، إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْرِ)سورة العصر ، فإن لفظ الإنسان عام يشمل المؤمنين وغيرهم ، وقد خصص العموم بقوله (إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْرِ)سورة العصر ،(1/64)
ب- المخصص المنفصل كما في قوله تعالى (وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ)البقرة 228 ، فإن لفظ (الْمُطَلّقَاتُ) ، عام يشمل كل مطلقة ، وبمقتضى هذا العموم تجب العدة على كل مطلقة ، سواء كان الطلاق قبل الدخول أو بعده ، وقد خصص عمومها بقوله (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسّوهُنّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّونَهَا فَمَتّعُوهُنّ وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحاً جَمِيلاً)الأحزاب 49 ، حيث قصرت هذه الآتة وجوب العدة على المطلقة المدخول بها.
الحالة الثانية : تخصيص الكتاب بالسنة : كقوله تعالى قال تعالى: (حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)المائدة3 ، فإن كلمة (ميتة) تشمل ميتة البر والبحر ، وقد خصص عمومها قوله صلى الله عليه وسلم (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)صححه الألباني ، حيث أحل ميتة البحر ، وبقى التحريم فيما سوى ذلك.
الحالة الثالثة : تخصيص السنة بالكتاب : كقوله صلى الله عليه وسلم (ما قطع من حي فهو ميت)صححه الالباني ، فهذا يشمل كل ما قطع منه ، وقد خصص الكتاب الصوف والوبر والشعر في قوله تعالى (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مّن جُلُودِ الأنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىَ حِينٍ)النحل80 ، فقوله صلى الله عليه وسلم (ما قطع من حي فهو ميت) يشمل كل مقطوع بما في ذلك الصوف والوبر والشعر ، غير ان الآية الكريمة خصص عموم هذا الحديث ، لأن الله أجاز قطع هذه الأشياء من مأكول اللحم ، حيث امتن بها على عباده ، وهو لا يمتن عليهم بما هو نجس ، فدل ذلك على أنها لا تتنجس بالقطع.
باب في الفرق بين التخصيص والنسخ
س77) ما الفرق بين التخصيص والنسخ؟(1/65)
قد يلتبس التخصيص بالنسخ ، غير انه يوجد عدة فورق بين التخصيص والنسخ منها:
1- أن التخصيص يدل على أن المخرج لم يكن مراداً بالحكم ابتداءً ، وأما النسخ فإنه يدل على أن المنسوخ كان مراداً.
2- أن المخصص قد يكون مقارناً للعام ، وقد يكون متأخراً عنه ، أما النسخ فلا يصح أن يكون مقارناً للمنسوخ ، بل لا بد أن يكون متأخراً عنه.
3- أن التخصيص لا يؤثر في حجية العام ، أما النسخ فإنه يبطل حجية المنسوخ ، فلا يكون حجة بعد النسخ.
الدرس السادس المطلق والمقيد
س78) عرف المطلق لغة وشرعاً؟
المطلق لغة ضد المقيد .
واصطلاحاً ما دل على الحقيقة بلا قيد .
الشرح :
خرج بقولنا ما دل على الحقيقة : العام ، لأنه يدل على العموم لا على مطلق الحقيقة فقط.
وخرج بقولنا بلا قيد : المقيد .
باب في ذكر بعض أمثلة للمطلق
س79) أذكر أمثلة للمطلق ؟
من أمثلة المطلق ما يأتي :
1) كلمة « الدم » في قوله تعالى ?إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ?البقرة 173 .
2) وكلمة « رقبة » في قوله تعالى ?فَتَحْرِيْرُ رَقَبَةٍ مِّنْ قَبْلِ أَنْ يَّتَمَاسَّا?المجادلة4 .
3) وكلمة «بقرة» في قوله تعالى ?إِنَّ الله يَأمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوْا بَقَرَةً?البقرة67 .
باب في الفرق بين المطلق والعام
س79) ما الفرق بين المطلق والعام؟
قد يلتبس اللفظ المطلق باللفظ العام ، من حيث أن كلا منهما يصدق على أفراد متعددة ، ولكن بإمعان شيء من النظر في دلالة كل منهما على أفراده يتضح الفرق بينهما ، وهو أن المطلق يدل على كل فرد من أفراده دلالة بدلية ، باعتبار شيوع لفظه في جميع الأفراد ، أما العام ، فإنه يدل على جميع أفراده دفعة واحدة ، دلالة شمولية استغراقية.
باب في حكم المطلق
س80) ما حكم المطلق ؟
إذا ورد اللفظ مطلقا فله حالتان :(1/66)
الحالة الأولى : أن يوجد ما يقيده ، ففي هذه الحالة يجب مراعاة هذا المقيد ولو كان منفصلاً عنه ، وذلك كما في قوله تعالى (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِيَ أَوْلاَدِكُمْ لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الاُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنّ نِسَآءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النّصْفُ وَلأبَوَيْهِ لِكُلّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا السّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لّمْ يَكُنْ لّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلاُمّهِ الثّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلاُمّهِ السّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مّنَ اللّهِ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)النساء11 ، فإن الوصية وإن جاءت مطلقة في القدر والموصى له ، إلا أن السنة قيدت القدر الموصى به بالثلث ، وذلك في حديث (نهيه صلى الله عليه وسلم لسعد عن الزيادة على الثلث)متفق عليه ، كما قيدت الموصى له بكونه غير وارث وذلك كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم (لا وصية لوارث)صححه الالباني.
الحالة الثانية : أن لا يوجد ما يقيده وفي هذه الحالة يبقى على إطلاقه ، ويجب العمل بمقتضى هذا الإطلاق ، وذلك كما في الأمثلة التالية:(1/67)
1- قوله تعالى في بيان المحرمات من النساء قال تعالى: (حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأخِ وَبَنَاتُ الاُخْتِ وَأُمّهَاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مّنَ الرّضَاعَةِ وَأُمّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مّن نّسَآئِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنّ فَإِن لّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاخْتَيْنِ إَلاّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رّحِيماً)النساء23 ، فإن الآية في قوله (وَأُمّهَاتُ نِسَآئِكُمْ) ، مطلقة ولم تقيد تحريم أمهات النساء بالدخول ببناتهن ، ولم يوجد دليل يقيدها بذلك ، وعملا بهذا الإطلاق يكون مجرد العقد على البنات يحرم الأمهات.
2- قوله تعالى في بيان عدة الوفاء (وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً)البقرة234 ، فإن لفظ (أَزْوَاجاً) ، في الآية جاء مطلق ، ولم يرد ما يفيد تقييده بالدخول ، وعملا بهذا الإطلاق تكون عدة الوفاة واجبة على الزوجة مطلقاً تم الدخول بها أو لم يتم.
س81) عرف المقيد ؟
المقيد هو الشيء الذي ذكر باسمه مقروناً بشيء من صفاته أو متعلقاته ، إما بإثباتها له أو نفيها عنه.
س 82) أذكر أمثلة للمقيد ؟
من أمثلة المقيد ما يأتي :(1/68)
1) كلمة « الدم » في قوله تعالى ?قُلْ لاَّ أَجِدُ فِيْ مَا أُوْحِيَ إِليَّ مُحَرَّماً عَلى طَاعِمٍ يَّطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَّكُوْنَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوْحاً?الأنعام 145 , حيث وردت مطلقة في قوله تعالى ?إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ?البقرة173.
2) وكلمة « رقبة » في قوله تعالى ?وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيْرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ?النساء92 , حيث وردت مطلقة في قوله تعالى ?وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ?المجادلة3.
3) وكلمة « بقرة » في قوله تعالى ?إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعُ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِيْنَ?البقرة69 , حيث وردت مطلقة في قوله تعالى ?إِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ?البقرة67.
باب في حكم المقيد
س 83) ما حكم المقيد؟
إذا ورد اللفظ مقيداً ، وجب اعتبار هذا القيد وعدم إغفاله ما لم يرد ما يفيد إلغاءه ، ومن أمثلة ذلك :(1/69)
1- قوله تعالى في كفار القتل الخطأ (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مّسَلّمَةٌ إِلَىَ أَهْلِهِ إِلاّ أَن يَصّدّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوّ لّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مّسَلّمَةٌ إِلَىَ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مّؤْمِنَةً فَمَن لّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً) النساء92 ، فهذه الآية قيدت وجوب الكفارة في القتل بما إذا كان خطأ ، وذلك في قوله (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً) ، وعملا بهذا القيد لا تجب الكفارة في القتل العمد ، كما قيدت الرقبة بكونها مؤمنة مما يفيد أن عتق الرقبة الكافرة لا يجزىء.
2- قوله تعالى في كفارة الظهار (فَمَن لّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسّا)المجادلة4 ، فقد يقيد الآية التكفير بالصيام بقيدين:
القيد الأول : أن يكون متتابعاً ، وعملا بهذا القيد لا يجزىء الصيام المفرق في كفارة الظهار.
القيد الثاني : أن يكون قبل الاستمتاع.
س 83) ما حكم ما إذا ورد اللفظ مطلقاً في نص ومقيداً في آخر؟
إذا ورد اللفظ مطلقاً في نص وورد مقيداً في نص آخر ، واتفق اللفظان في الحكم والسبب وجب حمل المطلق على المقيد ، ومن أمثلة ذلك .(1/70)
1- قوله تعالى في سورة المائدة (حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدّمُ)المائدة3 ، مع قوله تعالى في سورة الأنعام (قُل لاّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيّ مُحَرّماً عَلَىَ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مّسْفُوحاً)الأنعام145 ، فإن لفظ (الدم) ورد في الآية الأولى مطلقاً ، وورد في الثانية مقيداً بكونه مسفوحاً ، والحكم في الآيتين واحد ، وهو حرمة تناول الدم ، وسبب الحكم واحد وهو الضرر المترتب على تناول ، كما أن المقام مقام إثبات ، ولذلك حمل الفقهاء اللفظ المطلق على المقيد وقالوا بتحريم الدم إذا كان مسفوحاً ، أما إذا لم يكن مسفوحاً وهو الذي يبقى في اللحم والعروق بعد الذبح فإنه حلال لا شيء فيه.
2- حديث سلمة بن صخر الأنصاري عندما جامع زوجة في رمضان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (صم شهرين)صححه الالباني ، مع حديث أبي هريرة رضى الله عنه من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لمن أفطر بوقاع امرأته في نهار رمضان (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين)متفق عليه ، فقد جاء لفظ (شهرين) مطلقاً في النص الأول ، وجاء في النص الثاني مقيداً بالتتابع ، والسبب واحد وهو الوقوع ، والحكم واحد وهو وجوب صيام شهرين ، وقد دخل الإطلاق والتقييد على الحكم مقام الإثبات ، فحمل المطلق على المقيد ، وبذلك يجب التتابع في كفارة الإفطار في نهار رمضان.
الدرس السابع المجمل والمبين
س84) عرف المجمل لغة وشرعاً؟
المجمل لغة المبهم والمجموع.
وشرعاُ ما احتمل معنيين أو احتمالين فأكثر على السواء أي من غير ترجيح أحدهما على الآخر.
باب في أسباب الإجمال
س 85) ما هي أسباب الإجمال؟
أسباب الإجمال هي :
1) الاشتراك مثل كلمة « القرء» في قوله تعالى ?وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوْءٍ?البقرة228 ، فإنها مشتركة بين الطهر والحيض.(1/71)
2) غرابة اللفظ ، نحو قوله تعالى ?إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوْعاً إذَا مَسَّهُ الشَّرُ جَزُوْعاً?المعارج19- 20 ، فلفظ (هَلُوْعاً) غريب لم يفهم المعنى المراد منه إلا بعد أن بينته الاية التى بعده (إِذَا مَسّهُ الشّرّ جَزُوعاً ، وَإِذَا مَسّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً)المعارج21.
3) عدم معرفة الصفة نحو قوله تعالى ?وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ?البقرة43 فإن صفة إقامة الصلاة مجهولة تحتاج إلى بيان.
4) عدم معرفة المقدار ، نحو قوله تعالى ?وَآتُوا الزَّكَاةَ?البقرة43 ، فإن مقدار الزكاة الواجبة مجهول يحتاج إلى بيان.
باب في حكم العمل بالمجمل
س86) ما حكم العمل بالمجمل؟
حكم المجمل التوقف فيه حتى يتبن المراد منه من جهة الكتاب والسنة ، فإن كان بيانه وافياً صار المجمل بعد البيان مفسَّراً ، وإن كان بيانه غير كاف بل فيه بقية خفاء صار المجمل من قسم المشكل ، فيحتاج من المجتهد إلى نظر وتأمل لإزالة إشكاله ومعرفة المراد منه , فإن كان اللفظ مجملاً من جهة ومبيناً من جهة أخرى فإنه يعمل بما كان مبيناً منه ، ويطلب بيان ما أجمل منه من غيره.
وأعلم أن الأحكام التي تحتاج الأمة إلى معرفتها لا بد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا بد أن تنقلها الأمة ، فما ترك الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم حلالاً إلا بينه الله و بينه رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا حراماً إلا بينه الله و بينه رسوله صلى الله عليه وسلم ، لكن قد يكون بعضه أظهر بياناً من بعض.
س87) عرف المبين لغة وشرعاً؟
المبين لغة المظهر والموضح.
واصطلاحاً ما يفهم المراد منه إما بأصل الوضع أو بعد التبيين.
مثال ما يفهم المراد منه بأصل الوضع لفظ : سماء ، أرض ، جبل ، عدل ، ظلم ، صدق , فهذه الكلمات ونحوها مفهومة بأصل الوضع ولا تحتاج إلى غيرها في بيان معناها .(1/72)
ومثال ما يفهم المراد منه بعد التبيين قوله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)البقرة43 فإن الإقامة والإيتاء كل منهما مجمل ، ولكن الشارع بينهما فصار لفظهما بينا بعد التبيين.
باب في حكم تأخير البيان بعد وقت الخطاب
س87) ما حكم تأخير البيان بعد وقت الخطاب؟
قد يتأخر وقت البيان عن وقت الخطاب الى وقت الفعل ومن الادلة على ذلك :
1- قوله تعالى (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتّبِعْ قُرْآنَهُ ، ثُمّ إِنّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)القيامة19 ، فإن معنى (قَرَأْنَاهُ) : أنزلناه ، وقد رتب الله البيان على الإنزل بـ(ثم) في قوله تعالى (ثُمّ إِنّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) ، و (ثم) تفيد التراخي ، فدل ذلك على جواز تأخير البيان عن وقت الإنزال.
2- قوله تعالى (إِنّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ)الأنبياء98 ، فإن (ما) في قوله تعالى (وَمَا تَعْبُدُونَ) ، تشمل عيسى والملائكة ، فلما سأل ابن الزبعري عن عيسى والملائكة ، نزل قوله تعالى (إِنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنّا الْحُسْنَىَ أُوْلََئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ)الأنبياء101.
الدرس الثامن الظاهر والمؤول والنص والمشترك
س88) عرف الظاهر لغة وشرعاً؟
الظاهر لغة الواضح والبين.
واصطلاحاً : ما دل بنفسه على معناً راجح مع احتمال غيره.
الشرح :
1) خرج بقولنا ما دل بنفسه على معناً : المجمل ، لأنه لا يدل على المعنى بنفسه.
2) وخرج بقولنا راجح : المؤول ، لأنه يدل على معناً مرجوح لولا القرينة.
3) وخرج بقولنا مع احتمال غيره : النص الصريح ، لأنه لا يحتمل إلا معناً واحداً.
باب في ذكر بعض أمثلة للظاهر
س89) أذكر أمثلة للظاهر؟
من أمثلة الظاهر ما يأتي :
1) من جهة اللغة : مثل كلمة « صعيد » في قوله تعالى ?فَتَيَمَّمُوْا صَعِيْداً طَيِّباً?النساء43 , فإنها ظاهرة في كل ما صعد على وجه الأرض.(1/73)
2) من جهة الشرع : مثل كلمة « النكاح » في قول الرسول صلى الله عليه وسلم ?لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ?مسلم , فإنه ظاهر في العقد.
3) من جهة العرف : مثل كلمة « اليتيم » في قوله تعالى ?وَابْتَلُوْا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوْا النِّكَاحَ?سورة النساء6 , فإنه ظاهر في من لا أب له.
باب في حكم العمل بالظاهر
س90) ما حكم العمل بالظاهر؟
يجب العمل بالمعنى الظاهر إلا بدليل يصرفه عن ظاهره ، من تأويل أو تخصيص أو تقييد ونحوها.
س91) عرف المؤول لغة وشرعاً؟
المؤول لغة من الأول وهو الرجوع.
واصطلاحاً : ما حمل لفظه على المعنى المرجوح.
الشرح :
1) خرج بقولنا على المعنى المرجوح : النص والظاهر ، أما النص فلأنه لا يحتمل إلا معناً واحداً ، وأما الظاهر فلأنه محمول على المعنى الراجح.
باب في أقسام التأويل
س92) ما هي أقسام التأويل؟
التأويل قسمان :
صحيح مقبول ، وفاسد مردود .
1- فالصحيح ما دل عليه دليل صحيح : كتأويل قوله تعالى : (واسأل القرية) إلى معنى : واسأل أهل القرية ، لأن القرية نفسها لا يمكن توجيه السؤال إليها.
2- والفاسد ما ليس عليه دليل صحيح : كتأويل المعطلة قوله تعالى : (الرحمن على العرش استوى) إلى معنى استولى والصواب أن معناه العلو والاستقرار من غير تكييف ولا تمثيل.
ويتفق التفسير مع التأويل بمعنى التفسير في أن كلاً منهما فيه بيان للمراد من النص ، لكن المفسَّر جاء بيانه من قبل الشارع فهو قطعي في بيان المراد ، أما المؤول فهو تبيين من المجتهد ، فلا يكون قطعياً في تعيين المراد.
س93) عرف النص لغة وشرعاً؟
النص لغة الظهور والرفع.
واصطلاحاً هو الكلام الذي لا يحتمل إلا معناً واحداً.
باب في ذكر بعض أمثلة للنص
س94) أذكر أمثلة للنص؟
أمثلة النص ما ياتي :
ما جاء بأصل الوضع كأسماء الأعداد ، نحو قوله تعالى ?فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً?المائدة26.(1/74)
والأعلام نحو قوله تعالى ?وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيْسى وَإلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِيْنَ?الأنعام85.
والأجناس نحو قوله تعالى ?كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِيْ إِسْرَآئِيْلَ إلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَآئِيْلُ عَلى نَفْسِهِ?آل عمران93.
وكذلك الألفاظ المتباينة والمترادفة.
وأما ما جاء بموجب القرائن كأن يكون اللفظ محتملاً لمعان متعددة ولكنه ورد من الشارع ما يعين أحد معانيه وينفي غيره مثل قوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ)البخاري , فالنهي حقيقة في التحريم والأمر في الوجوب عند الجمهور ويحتملان غيرهما ولكن الوعيد دل على أنهما على الحقيقة في الحديث المذكور ، فصار الحديث بذلك نصاً في مسألة الباب.
باب في حكم العمل بالنص
س95) ما حكم العمل بالنص؟
يجب العمل به ، ولا يعدل عنه إلا بدليل يصرفه عن ظاهره من تخصيص أو تقييد أو تأويل.
س95) ما هو المشترك؟
المشترك هو اللفظ الذي وضع لمعنيين أو معان مختلفة بأوضاع متعددة.
س95) أذكر أمثلة للمشترك؟
من أمثلة الألفاظ المشتركة :
1- لفظ (العين) ، فإنه مشترك ، يطلق على العين الباصرة ، وعلى عين الماء ، كما تطلق على الجاسوس ، وعلى الذهب والفضة.
2- لفظ (القرء) ، لفظ مشترك يطلق على الحيض وعلى الطهور وهو الفترة الزمنية بين الحيضتين.
باب في حكم العمل بالمشترك
س95) حكم العمل بالمشترك؟
الأصل في الألفاظ عدم الاشتراك فإذا احتمل الاشتراك وعدمه ، كان الراجح عدم الاشتراك ، أما إذا تحقق الاشتراك فلا يخلو من أمرين:(1/75)
الأمر الأول : أن يكون الاشتراك بين معنى لغوى ومعنى شرعي ، ففي هذه الحالة يجب حمل اللفظ على معناه الشرعي ، ومثال ذلك ما جاء عن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ قَالَ إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ قَالَ أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ قَالَ نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ)مسلم ، فالفظ الوضوء المذكور في هذا الحديث مشترك بين معناه اللغوي ، وهو غسل اليدين ، وبين معناه الشرعي ، وهو غسل أعضاء الوضوء كما جاء بها الشرع ، وعلى ذلك فإنه يجب حمل هذه اللفظ على معناه الشرعي ، وعليه يجب على من أكل لحم الإبل أن يتوضأ إذا ما أراد الصلاة.
الأمر الثاني : أن يكون اللفظ مشتركاً بين معنيين أو عدة معان ، ولم يوجد في الشرع ما يعينه ، ففي هذه الحالة يجب على المجتهد البحث عن مرجح يرجح المعنى المراد لدى الشارع.
ملاحظة : يجوز أن يرد اللفظ مشتركاً ، ويراد به جميع المعاني المشترك بينها ، بحيث يكون الحكم الوارد عليها متعلقاً بكل واحد منها ، بشرط أن لا يوجد مانع يمنع الجمع بينها كما هو الحال في استعمال لفظ (القرء) في الحيض والطهر ، فلا يصح إرادة جميع المعاني والحالة هذه ، لأنه يفضي إلى الجمع بين النقيضين.
الدرس التاسع النسخ
س96) عرف النسخ؟
النسخ لغة الإزالة والنقل.
واصطلاحاً : رفع حكم دليل شرعي أو لفظه بدليل من الكتاب والسنة.
الشرح :
1) المراد بقولنا رفع حكم : أي تغييره من إيجاب إلى إباحة، أو من إباحة إلى تحريم مثلاً ، فخرج بذلك تخلف الحكم لفوات شرط أو وجود مانع ، مثل أن يرتفع وجوب الزكاة لنقص النصاب أو وجوب الصلاة لوجود الحيض ، فلا يسمى ذلك نسخاً.
2) والمراد بقولنا أو لفظه : لفظ الدليل الشرعي , لأن النسخ إما أن يكون للحكم دون اللفظ ، أو بالعكس ، أو لهما جميعاً كما سيأتي.(1/76)
3) وخرج بقولنا بدليل من الكتاب والسنة : ما عداهما من الأدلة كالإجماع والقياس، فلا ينسخ بهما.
باب في جواز النسخ
س97) ما الدليل على جواز النسخ؟
النسخ جائز عقلاً وواقع شرعاً.
أما جوازه عقلاً فلأن الله بيده الأمر وله الحكم لأنه الرب المالك ، فله أن يشرع لعباده ما تقتضيه حكمته ورحمته ، وهل يمنع العقل أن يأمر المالك مملوكه بما أراد ؟! ثم إن مقتضى حكمة الله ورحمته بعبادة أن يشرع لهم ما يعلم تعالى أن فيه قيام مصالح دينهم ودنياهم ، والمصالح تختلف بحسب الأحوال والأزمان ، فقد يكون الحكم في وقت أو حال أصلح للعباد ويكون غيره في وقت أو حال أخرى أصلح ، والله عليم حكيم.
وأما وقوعه شرعاً فلأدلة ، منها :
1- قوله تعالى (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)البقرة106.
2- قوله تعالى (الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ)الأنفال66 , و قوله تعالى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ)البقرة187 فإن هذا النص في تغيير الحكم السابق.
3- قوله صلى الله عليه وسلم (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها) فهذا نص في نسخ النهي عن زيارة القبور.
باب فيما يمتنع نسخه
س98) ما الذي يمتنع نسخه؟
الذي يمتنع نسخة :
1- الأخبار : لأن النسخ محله الحكم ، ولأن نسخ أحد الخبرين يستلزم أن يكون أحدهما كذباً ، والكذب مستحيل في أخبار الله ورسوله.(1/77)
اللهم إلا أن يكون الحكم أتى بصورة الخبر فلا يمتنع نسخه ، كقوله تعالى (إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ)الأنفال65، فإن هذا خبر معناه الأمر، ولذا جاء نسخه في الآية التي بعدها وهي قوله تعالى (الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ)الأنفال66.
2- الأحكام التي تكون مصلحة في كل زمان ومكان : كالتوحيد وأصول الإيمان وأصول العبادات ومكارم الأخلاق من الصدق والعفاف والكرم والشجاعة ونحو ذلك ، فلا يمكن نسخ الأمر بها ، وكذلك لا يمكن نسخ النهي عما هو قبيح في كل زمان ومكان ، كالشرك والكفر ومساوئ الأخلاق من الكذب والفجور والبخل والجبن ونحو ذلك , إذ الشرائع كلها لمصالح العباد ودفع المفاسد عنهم.
باب في شروط النسخ
س99) ما هي شروط النسخ؟
يشترط للنسخ فيما يمكن نسخه شروط ، منها:
1- تعذر الجمع بين الدليلين : فإن أمكن الجمع فلا نسخ لإمكان العمل بكل منهما.
2- العلم بتأخر الناسخ : ويعلم ذلك إما بالنص أو بخبر الصحابي أو بالتاريخ.
مثال ما علم تأخره بالنص قوله صلى الله عليه وسلم (كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة).
ومثال ماعلم بخبر الصحابي قول عائشة رضي الله عنها (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات).
ومثال ما علم بالتاريخ قوله تعالى (الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ)الأنفال66 ، فقوله (الآن) يدل على تأخر هذا الحكم ، وكذا لو ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بشيء قبل الهجرة ثم حكم بعدها بما يخالفه ، فالثاني ناسخ.
3- ثبوت الناسخ .
باب في أقسام النسخ
س100) ما هي أقسام النسخ ؟(1/78)
النسخ ينقسم باعتبار النص المنسوخ إلى ثلاثة أقسام :
الأول ما نسخ حكمه وبقي لفظه : وهذا هو الكثير في القرآن ، مثاله آيتا المصابرة ، وهما قوله تعالى (إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ)الأنفال65 ، نسخ حكمها بقوله تعالى (الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ)الأنفال66.
وحكمة نسخ الحكم دون اللفظ بقاء ثواب التلاوة وتذكير الأمة بحكمة النسخ.
الثاني: ما نسخ لفظه وبقي حكمه : كأية الرجم ، فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال (كان فيما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء ، وقامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف).
وحكمة نسخ اللفظ دون الحكم اختبار الأمة في العمل بما لا يجدون لفظه في القرآن ، وتحقيق إيمانهم بما أنزل الله تعالى عكس حال اليهود الذين حاولوا كتم نص الرجم في التوراة.
الثالث ما نسخ حكمه ولفظه : كنسخ عشر الرضعات السابق في حديث عائشة رضي الله عنها.
وينقسم النسخ باعتبار الناسخ أربعة أقسام :
الأول نسخ القرآن بالقرآن : ومثاله آيتا المصابرة .
الثاني نسخ القرآن بالسنة : وليس له مثالاً سليماً .
الثالث نسخ السنة بالقرآن : ومثاله نسخ استقبال بيت المقدس الثابت بالسنة باستقبال الكعبة الثابت بقوله تعالى (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)البقرة144.
الرابع نسخ السنة بالسنة : ومثاله قوله صلى الله عليه وسلم (كنت نهيتكم عن النبيذ في الأوعية ، فاشربوا فيما شئتم ولا تشربوا مسكراً).(1/79)
باب في الحكمة من النسخ
س101) ما الحكمة من النسخ؟
الحكمة من النسخ:
1- مراعاة مصالح العباد بتشريع ما هو أنفع لهم في دينهم ودنياهم.
2- التطور في التشريع حتى يبلغ الكمال.
3- اختبار المكلفين باستعدادهم لقبول التحول من حكم إلى آخر ورضاهم بذلك.
4- اختبار المكلفين بقيامهم بوظيفة الشكر إذا كان النسخ إلى أخف ، ووظيفة الصبر إذا كان النسخ إلى أثقل.
الدرس العاشر الاستدلال بالمفهوم
باب في معني المفهوم لغة وشرعاً
س102) ما معنى المفهوم لغة وشرعاً؟
المفهوم مأخوذ من الفهم ، وهو جودة استعداد الذهن للاستنباط .
واصطلاحاً : ما فهم من اللفظ في غير محل النطق.
باب في أقسام المفهوم
س103) ما هي أقسام المفهوم؟
المفهوم قسمين : موافق ، ومخالف.
باب في معني مفهوم الموافقة وأنواعه
س104) ما هو مفهوم الموافقه وما هي أنواعه؟
مفهوم الموافقة هو ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت موافقاً لمدلوله في محل النطق.
وهو على نوعين :
(1) المفهوم الأولوي : وهو ما كان المسكوت عنه أولى بحكم المنطوق به ، نحو قوله تعالى ?فَمَنْ يَّعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ?الزلزلة7 , فما فوق الذرة من أعمال الخير هو أولى للأجر والثواب.
(2) المفهوم المساوي : وهو ما كان المسكوت عنه مساوياً لحكم المنطوق به نحو قوله تعالى ?إِنَّ الَّذِيْنَ يَأكُلُوْنَ أَمْوَالَ الْيَتَامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأكُلُوْنَ فِيْ بُطُوْنِهِمْ نَاراً?النساء10 , فتضييع مال اليتيم بالأكل يساوي تضييعه حكماً في أي صورة أخرى.
باب في معني مفهوم المخالفة وأنواعه
س105) ما هو مفهوم المخالفة وما هي أنواعه؟
مفهوم المخالفة هو ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت مخالفاً لمدلوله في محل النطق.
وله عدة أقسام منها:
1) مفهوم الصفة : هو دلالة النص الذي قيد فيه الحكم بصفة على انتفاء الحكم عما انتفت عنه هذه الصفة.(1/80)
والمراد بالصفة الصفة النحوية مثل قوله تعالى ?إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوْا?الحجرات6 , فإنه دل بمنطوقه على وجوب التبين في خبر الفاسق ، وبمفهومه على عدم الوجوب في خبر العدل.
والحال ، نحو قوله تعالى ?لاَ تَقْرَبُوْا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكارَى?النساء43.
والظرف ، نحو قوله تعالى ?وَلاَ تُبَاشِرُوْهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُوْنَ فِيْ الْمَسَاجِد ?البقرة187.
والجار والمجرور، نحو قوله تعالى ?وَلاَ تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ?التوبة84.
2) مفهوم الشرط : هو دلالة النص الذي علق فيه الحكم على شيء بأداة من أدوات الشرط على نفي الحكم عند انتفاء الشرط.
ومثاله قوله تعالى ?وَإِنْ كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوْا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ?الطلاق6 , و قوله تعالى ?وَآتُوْا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوْهُ هَنِيْئاً مَرِيْئاً?النساء4.
3) مفهوم الغاية : هو دلالة النص الذي قيد فيه الحكم بغاية على انتفاء الحكم بعد هذه الغاية.
ومثاله قوله تعالى ?فَاعْتَزِلُوْا النِّسَاءَ فِيْ الْمَحِيْضِ وَلاَ تَقْرَبُوْهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ?البقرة222 .
وقوله تعالى ?وَكُلُوْا وَاشْرَبُوْا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوْا الصِّيَامَ إلى اللَّيْلِ?البقرة187.
4) مفهوم اللقب : هو دلالة النص الذي قيد فيه الحكم بما يدل على الذات على انتفائه عند انتفاء اللقب.
والمقصود باللقب هنا الاسم الذي عبر به عن ذات من الذوات نحو قوله صلى الله عليه وسلم (جُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِداً وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُوْراً إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ)مسلم , فإن مفهومه أن غير التراب لا يكون طهوراً ، فلا يتيمم به.(1/81)
5) مفهوم العدد : هو دلالة النص الذي قيد فيه الحكم بعدد معين على انتفاء الحكم عند انتفاء العدد.
مثاله : قوله صلى الله عليه وسلم (فِيْ كُلِّ أَرْبَعِيْنَ شَاةً شَاةٌ إلى عِشْرِيْنَ وَمِئَةٍ) , ومفهومه في ما تحت العدد المذكور.
وقوله صلى الله عليه وسلم (خَمْسُ صَلَوتٍ افْتَرَضَهُنَّ الله عَزَّوَجَلَّ) ومفهومه في ما فوق العدد المذكور.
الدرس الحادي عشر الاجتهاد والتقليد
س106) عرف الاجتهاد لغة واصطلاحاً؟
الاجتهاد لغة بذل الجهد واستفراغ الوسع في أي فعل من الأفعال.
واصطلاحاً بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بالحكم الشرعي بطريق الاستنباط من أدلة الشرع.
باب في شروط الاجتهاد
س107) ما هي شروط الاجتهاد؟
للمجتهد شروط ستة :
1 - أن يكون عالماً بالقدر اللازم لفهم الكلام من اللغة والنحو والصرف والبلاغة.
2 - أن يكون عالماً بكتاب الله تعالى ، وذلك بمعرفة آيات الأحكام ، وأسباب النزول ، والناسخ والمنسوخ ، وما يحتاج إليه من اختلاف القراءات.
3 - أن يكون عالماً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بمعرفة أحاديث الأحكام ، والناسخ والمنسوخ ، وما يتعلق بصحة الحديث وضعفه مما هو مدون في علوم الحديث.
4 - أن يكون عالماً بأصول الفقه ، لأن هذا العلم هو عماد الاجتهاد وأساسه.
5 - أن يكون عالماً بمواقع الإجماع لئلا يفتي بما يخالف الإجماع.
6 - إدراك مقاصد الشريعة في وضع الأحكام ، ومعرفة أحوال الناس وأعرافهم.
باب في جواز المجتهد تغيير اجتهاده وان المجتهد يصيب ويخطئ
س108) هل يجوز للمجتهد تغيير اجتهاده , وما حكم من اجتهد واخطى؟
يجوز للمجتهد تغيير اجتهاده ، لكن لا ينقض ما مضى إلا إن خالف دليلاً قاطعاً من نص أو إجماع أو قياس جلي ، وأما الاجتهاد فلا ينقض اجتهاداً قبله , و المجتهد يصيب ويخطئ ، والمصيب من أصاب حكم الله تعالى ، وله باجتهاده وإصابته أجران ، والمخطئ بعد بذل الجهد له أجر واحد ، وخطؤه مغفور له.(1/82)
باب في تعريف التقليد لغة وشرعاً
س109) عرف التفليد لغة وشرعاً؟
التقليد لغة وضع الشيء في العنق محيطاً به.
واصطلاحاً : اتباع من ليس قوله حجة.
فالناس صنفان :
1 - عالم مجتهد . 2 - وعامي مقلد .
فأما المجتهد فيلزمه بذل جهده في استنباط الحكم ، ولا يجوز له أن يقلد غيره ، لقدرته على النظر والاستدلال ، إلا إذا نزلت به حادثة تقتضي الفورية ولا يتمكن من النظر فيها ، أو نظر وعجز عن معرفة الحق ، فله أن يقلد حينئذ للضرورة ، وأما العامي فإنه يقلد أفضل أهل العلم علماً وورعاً ، إذ لا يمكنه النظر والاستدلال ، فإن تساوى عنده اثنان خير بينهما لكن لا يتقيد بمذهب معين يأخذ برخصه وعزائمه ، وإنما يكون مذهبه مذهب من يستفتيه.(1/83)