منزلة السنة في التشريع
تأليف :
إبراهيم بن فتحي عبد المقتدر
قدم لها فضيلة الشيخ :
وحيد عبد السلام بالي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق فسوى ، وقدر فهدى ، وأخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله ، بلغ الرسالة أتم البلاغ ، وأدى الأمانة خير أداء ، ونصح الأمة أفضل نصيحة ، فتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك.
وبعد ؛
فقد قرأ عليّ الأخ إبراهيم بن فتحي حفظه الله تعالى رسالته عن السنة ومنزلتها في التشريع الإسلامي فألفيتها مفيدة نافعة ، فأسأل الله تعالى أن يجعلها من العلم النافع والعمل الصالح ، وأن ينفع بها الإسلام والمسلمين وصل اللهم على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين .
وكتبه / وحيد بالي
منشأة عباس في 8 رجب 1419 هـ
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } [ آل عمران : 102 ]
{ يا أيها الناسُ اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } [ النساء : 1 ].
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } [ الأحزاب : 70-71 ].
أما بعد(1/1)
فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى وخير الهدي هدي محمد ( (1) وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فإن الله تبارك وتعالى تكفَّلَ لهذه الأمة بحفظ دينها فقال تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [ الحجر : 9 ].
وقال ( : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتيَ أمرُ الله وهم كذلك"(2)
وقد صدق الله وعده وأنجزه بأن حفظ لنا ديننا حتى وصلنا صافياً نقياً لم يلحقه عبث العابثين ولم تمتد إليه أيدي المبطلين بالتحريف والتبديل فلله الحمد على ما أنعم به على هذه الأمة من حفظ دينها.
وحفظ الله تعالى لهذه الأمة دينها كان ولا يزال على وجهين هما :
* الأول : حفظه للقرآن العظيم بأن يسره للذكر كمال قال تعالى : { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } [ القمر : 17 ] فحَفِظَهُ سبحانه بأن جعله محفوظاً في صدور الأمة يتناقله الكافة عن الكافة حتى بلغنا كاملاً غير منقوص لم يُحَرَّفْ ولم يبدل منه حرفٌ واحدٌ نقطع بذلك وسيبقى كذلك إلى أن يأذن الله تعالى برفعه من بين خلقه(1).
* الثاني : حِفْظُهُ تبارك وتعالى للسنة المباركة المصدر الثاني للتشريع ونحن نقطع أنها محفوظة كالقرآن سواء لأن الله تعالى قال : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } [ النحل : 44 ] ، وقال تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } [ الحجر : 9 ] ، قال ابن حزم(2) : ( الذكر قرآن وسنة فالله حافظ للسنة كما حفظ القرآن ).(1/2)
لكن هذا الصرح الشامخ - السنة النبوية - المصدر الثاني للتشريع الإسلامي حنق عليه كثير من أهل البدع والأهواء والفرق الضالة فردوا منها ما لم يوافق أهواءهم وضربوا بعرض الحائط منها ما لم يؤيد باطلهم فوضعوا أحاديث على النبي ( وعملوا بشتى السبل على ترويجها بين الناس وخاصة الذين لا باع لهم في العلم ، وحاولوا أن يُذْهِبُوا بهاءَ الإسلام وجماله وأن يطمسوا نوره وأصَّلوا في العلوم أصولاً من عندهم لم ينزل الله بها من سلطان وليس لها أصل في كتاب ولا سنة وبعضهم لا يعتمد في الأحاديث إلاَّ الأحاديث المنسوبة لآل البيت وبعض الأحاديث لمن كانوا مع عليٍّ ( في معاركه السياسية ويرفضون ما سوى ذلك ولا يهتمون بصحة السند ولا الأسلوب العلمي فكثيراً ما يقولون مثلاً - وهم الشيعة - : ( عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابنا عن رجلٍ عنه أنه قال : .... ) وكتبهم مليئة بعشرات الآلاف من الأحاديث التي لا يمكن إثبات صحتها وقد بنوا عليها دينهم وبذلك أنكروا أكثر من ثلاثة أرباع السنة النبوية.
ويدعون عباداً غير الله ويقولون : ( يا عليُّ . يا حسينُ . يا زينبُ ) وينذرون ويذبحون لغير الله ويطلبون من الأموات قضاءَ الحوائج ... ولهم أدعية وقصائد كثيرة تؤكد هذا المعنى وهم يتعبدون بها .
ويعتقدون أن أئمتهم معصومون وأنهم يعلمون الغيب ولهم في الكون تدبير ويزعمون أن هناك قدرة خاصة للأولياء والأقطاب وآل البيت وأكدوا في إتباعهم معاني الامتياز الطبقي في الدين . ومعرفةُ الله تجب عندهم بالعقل لا بالشرع وما جاء في القرآن هو مجرد تأكيد لحكم العقل وليس تأسيساً جديداً.
ويزعمون أن رؤية الله ( غير ممكنة في الدنيا ولا في الآخرة.(1/3)
ويزعمون أن معرفة الغيب من حق أئمتهم وحدهم وليس من حق النبيِّ أن يخبر عن الغيب ولذلك فَإنَّ بعضهم ينسب الألوهية لهؤلاء الأئمة ويرون أن الشريعة هي الأحكام التي جاء بها النبي ( وهي التي تهم العوام والسطحيين فقط لكن الحقيقة أو العلم الخاص عن الله فلا يعلمه إلا أئمة أهل البيت فقط وأنهم يتلقون علوم الحقيقة بالوراثة.
وأما في الفقه فهم يعتمدون على مصادرهم الخاصة مما نسبوه لأئمتهم ( المجددين ) وما تأولوه في آيات الله تعالى وما تعمَّدوه من مخالفة غالبية الأمة ويرون أن لأئمتهم المجتهدين والمعصومين الحق في استحداث أحكام جديدة كما حصل فعلاً في الأمور الآتية :
1- الأَذان وأوقات الصلاة وهيآتها وكيفيتها .
2- أوقات الصيام والفطر .
3- أعمال الحج والزيارة.
4- بعض أحوال الزكاة ومصارفها .
5- المواريث.
وأهل البدع والأهواء والفرق الضالة حريصون على مخالفة أهل السنة والجماعة وتوسيع دائرة الخلاف دائماً(1).
وبعضهم تعمد الكذب على النبي ( كعمر بن صبح بن عمران التميمي أنه قال : ( أنا وضعتُ خطبة النبي ( )(1).
وكما أقر ميسرةُ بن عبد ربه الفارسيِّ : أنه وضع أحاديث في فضائل القرآن ، وأنه وضع في حق عليٍّ سبعين حديثاً .
وكاعتراف نوح بن أبي مريم أبو عصمة الملقب بنوح الجامع أنه وضع على ابن عباس أحاديث في فضائل القرآن سورة سورة .
وكما فعل محمد بن عكاشة الكرماني الكذاب قال الحاكم : ( بلغني أنه كان ممن يضع الحديث حسبةً . فقيل له : إن قوماً يرفعون أيديهم في الركوع وعند الرفع منه . فقال : حدثنا المسيبُ بنُ واضح حدثنا عبد الله بن المبارك عن يونس عن يزيد عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : قال رسول الله ( : من رفع يديه في الركوع فلا صلاة له ! وهذا من أنجس الكذب )(2).(1/4)
وبعضهم أراد تشويه الدين طلباً لمتاع زائل ودريهمات زهيدة فقد روى ابن الجوزي من طريق محمد بن شجاع الثلجي - بالثاء المثلثة والجيم - عن حبان بن هلال عن حماد بن سلمة عن أبي المهزم عن أبي هريرة مرفوعاً : ( إن الله خلق الفرسَ فأجراها فعرقت فخلق نفسه منها !! ).
قال السيوطي : في" التدريب " : ( هذا لا يصنعه مسلم والمتهم به محمد بن شجاع كان زائغاً في دينه .
وفيه أيضاً أبو المهزم قال فيه شعبة : ( رأيته لو أعطي درهماً وضع خمسين حديثاً ).
فوضعوا أحاديث وغيروا وجه السنن إرادة أن يفسدوا على الناس دينهم لما وقر في نفوسهم من الحقد على الإسلام وأهله يظهرون بين الناس بمظهر المسلمين وهم المنافقون حقاً.
قال حماد بن زيد : ( وضعت الزنادقة على رسول الله ( أربعة عشر ألف حديث ).
كعبد الكريم بن أبي العوجاء الذي قتله محمد بن سليمان العباسي أمير البصرة قال : ( لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أُحَرِّمُ فيها الحلالَ وأُحَلِّلُ فيها الحرامَ ).
وكيان بن سمعان النهدي ، ومحمد بن سعيد بن حسان الأسدي الشامي المصلوب .
ومن أصحاب الأهواء التي لا دليل عليها من الكتاب والسنة وضعوا أحاديث نصرةً لأهوائهم كالخطابية والرافضة وغيرهم.
قال عبد الله بن يزيد المقريء : ( إن رجلاً من أهل البدع رجع عن بدعته فجعل يقول : انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه ! فإنا كنا إذا رأينا رأياً جعلنا له حديثاً ).
وقال حماد بن سلمة : ( أخبرني شيخ من الرافضة أنهم كانوا يجتمعون على وضع الأحاديث ) .
وحاولوا جاهدين في الحط من قدر هذه السنة المباركة .
ثم ظهر بعض أهل الأهواء من أصحاب المنهج العقلي الذين يردون أحاديث النبي ( لمجرد مخالفتها لعقولهم حتى لقد حُدِّثتُ عن بعض هؤلاء وأعرفه إذا ناقشته في الدين يقول لك : ضع القرآن في اليمين والسنة في الشمال.
- يعني ائتني بأدلتك من القرآن فقط أما السنة فلا حجة فيها عنده نعوذ بالله من الخذلان والضلال.(1/5)
إلى غير ذلك مما يَقَفُّ له الشعر ويقشعر له البدن . لكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
ولولا رجال صدقوا في الإخلاص لله تعالى ونصبوا أنفسهم للدفاع عن دينهم وتفرغوا للذب عن سنة رسول الله ( وأفنوا أعمارهم في التمييز بين الحديث الثابت وبين الحديث المكذوب وهم أئمة السنة وأعلام الهدي. لولا هؤلاء لاختلط الأمر على العلماء والدهماء ولسقطت الثقة بالأحاديث التي هي ميراث النبي ( .
رسموا قواعد النقد ووضعوا علم الجرح والتعديل وكان من نتاج جهدهم علم مصطلح الحديث وهو أدق الطرق التي ظهرت في العلم للتحقيق التاريخي ومعرفة النقل الصحيح من الباطل .
فجزاهم الله عن الأمة والدين خير الجزاء ورفع درجاتهم في الدنيا والآخرة.
وقد قيل لعبد الله بن المبارك الإمام الكبير : ( هذه الأحاديث الموضوعة ؟ فقال : تعيش لها الجهابذة . {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } )(1).
وجمهور المسلمين الأعظم من صدر الإسلام إلى الآن يتألف من أهل السنة والجماعة وهم الذين يتلقون دينهم وأحكامه عن كتاب الله تعالى كما فهمه الصحابة والتابعون ومن صحيح السنة النبوية التي محَّصَهَا الأئمة والحفاظ الأمناء ودونها في دواوين معتنى بها.
ثم ما يزال العلماء إلى يومنا هذا رافعين لواء الذود عن سنة النبي ( معلين بذلك راية العلم وشأنه .
فما زالوا يكتبون ويحاضرون ويردون وغرضهم من ذلك حفظ السنة من التحريف والتبديل وإرجاع الناس مرة ثانية إلى كتاب الله وصحيح سنة النبي ( .
وقد وقفت على الشيء الكثير من هذا - أي من دفاع العلماء عن السنة المباركة - الذي نسأل الله أن يكون شاهداً لهم بخير عند ربهم .
ولما كان السواد الأعظم من أبناء المسلمين لا همة عندهم في قراءة الكتب المطولة التي ترد على هؤلاء المبتدعين المجرمين وتفند شبههم وإن كانت واهية وترد على أدلتهم وإن كانت متداعية .(1/6)
رأيت أن أسطر هذه الوريقات على عجالة وأن أضرب بعض الأمثلة على وجه الاختصار لكنها في صلب الموضوع كي يقف إخواني على جلية الأمر ويعرفوا مكانة هذا الصرح الشامخ المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بأصرح عبارة وألطف إشارة وأقرب طريق لينشطوا فيطالعوا ما كتبه جهابذة العلماء طوال النفس في هذا الموضوع.
وعساني بذلك أكون قد نلت عند الله نصيباً من هذا الاسم الشريف : ( خدمة السنة ) وأن يكون ذلك دليل المحبة ، وأن أُحْشَرُ يوم القيامة في زمرة المدافعين عن السنة المباركة وإن لم أعمل بمثل عملهم.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ……إن التشبه بالكرام فلاح
وحسبي أني وضعت حصاةَ في هذا البناء المبارك .
وطرقت هذا الباب ومن أَدْمَنَ طرق كان يلج
أخلق بذي الكدِّ أن يحظى بحاجته ومُدْمِن القرع للأبواب أن يلجا
فالله نسأل الولوج في رحمته والوصول لمحبته ودخول جنته وهو حسبي ونعم الوكيل . والحمد لله رب العالمين .
وكتب
أبو إسماعيل الحمراويُّ
إبراهيم بن فتحي عبد المقتدر محمد
الحمراوي في صبيحة الجمعة
18 / 6 / 1419 هـ
9 / 10 / 1998 م
توطئة لابد منها
أجمع علماء المسلمين لا نزاع بينهم في ذلك أن أحد أركان الإيمان هو التسليم لكلام النبي ( وعدم التقدم بين يديه بكلام يخالفه . ووجوب طاعة النبي ( ضرورة إيمانية إذ لا يتم إيمان امرئٍ ولا إسلامه إلا بهذا الركن.
وجعله الله تعالى دليلَ المحبة فقال جل جلاله : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم } [آل عمران : 31 ].(1/7)
وجعل الله تبارك وتعالى ذلك ركناً في الإيمان فقال تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } [ النساء : 65 ] هذه الآية نزلت في وجوب الرضا بحكم النبي ( قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله حدثنا محمد بن جعفر أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة قال : ( خاصم الزبير بن العوام رجلاً من الأنصار في شريج من الحرة . فقال النبي ( : " اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك " فقال الأنصاري : يا رسول الله إن كان ابن عمتك ؟ فتلون وجهه ( ثم قال : ( اسق يا زبير ثم أحبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ، ثم أرسل الماء إلى جارك واستوعى النبي ( للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظهُ الأنصاري وكان أشار عليهما بأمر فيه سعة . قال الزبير - ابن العوام - فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ... } الآية.(1)
نزلت هذه الآية في أقضية قضى بها النبي ( للزبير بن العوام وهي في سقيا الأرض . أرض الزبير بن العوام في مكانٍ مرتفع وأرض جاره الأنصاري في مكان أخفض منه فإذا جاء السيلُ فإن الماء لا يصعد في العالي فمن مصلحة صاحب الأرض التي في المكان العالي أن يستوعب الماء حال قوته فإن الماء إذا قلَّ لم يصعد . فقال النبي ( للزبير وكانت أرضه إلى فوق : اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك . فغضب الأنصاري وقال : إن كان ابن عمتك ؟ - أي - حكمت له لأنه ابن عمتك . فغضب النبي ( واحمر وجهه لذلك وقال : اسق يا زبير ثم احبس الماء لا ترسله إليه حتى يبلغ الجدر .
قال الزبير : فما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ... } الآية.(1/8)
فنفى الإيمان عن الذي لا يُحكِّم النبي ( فيما شجر بينه وبين أخيه وليس هذا فقط فإنك قد تُحَكِّمَ السنة وأنت كارهٌ فنفى الله ذلك أيضاً { ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت } وليس هذا فقط بل { ويسلموا تسليماً } يعني يصل الأمر ليس لمجرد الإذعان بحكم النبي ( بل بالرضا فإن المرء قد يزعن وهو كاره فقال تبارك وتعالى : { ويسلموا تسليماً } . أي لا بد أن تشعر ببرد الرضا ليس مجرد الإذعان فقط هذا هو المؤمن .
وقال تبارك وتعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } [ الأحزاب : 36 ] فقدم الإيمان أيضاً { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة } لأن الذي يدفع بالرأي الفاسد في نحر النص إنسان لم يكتمل إيمانه لاسيما إن كان الذي يدفع في نحر النص سيء الأدب يدفع دفعاً صريحاً لا التواء فيه كالذي سمع قول النبي ( - وهو رجل مشهور وله كتب - في حديث عبد الله بن الصامت رحمه الله عن أبي ذر ( عن النبي ( : ( يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه كمؤخرة الرَّحْل : المرأة ، والحمار ، والكلب الأسود . الكلب الأسود شيطان )(1) ، وفي رواية ابن عباس : ( يقطع الصلاة : المرأة الحائض والكلب الأسود )(2).
المرأة الحائض : ليس المقصود أن تكون المرأة حائضاً حال مرورها - إنما المعنى - المرأة الحائض أي : المرأة البالغة . ومثله قوله ( : ( لا صلاة لحائض إلا بخمار )(3) فلا يُتَصوَّرُ أن الحائض لو ارتدت الخمار وصلت أن ذلك يقبل منها. إنما ( لا صلاة لحائض ) أي المرأة البالغة .(1/9)
فيفهم من هذا الحديث أنه إذا مرت طفلة صغيرة دون البلوغ أن ذلك لا يقطع الصلاة ولا جناح في مرورها. هذا ودلالة المفهوم على منطوق حديث أبي ذرٍ ( ( يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه كمؤخرة الرحل : المرأة الحائض والحمار والكلب الأسود ) قال عبد الله بن الصامت : فقلت لأبي ذر : فما بال الكلب الأسود ؟ ... - لماذا الكلب الأسود بالذات ؟ - قال : يا ابن أخي سألت النبي ( هذا السؤال كما سألتني . فقلت : يا رسول الله فما بال الكلب الأسود من الأحمر من الأصفر ؟ فقال النبي ( - كلاماً عربياً واضحاً فصلاً في الخطاب - : " الكلب الأسود شيطان " فيأتي هذا الرجل الداعية فيقول بالنص : ( الكلاب أبيضها و أسودها سواء )(4).
ما يقال في هذا الذي يدفع هذا الدفع الواضح في نحر النص . ( الكلب الأسود شيطان ) كلا بل الكلاب أبيضها وأسودها سواء . قول عظيم يجر على صاحبه الهلكة .
فإن الله تبارك وتعالى أنذر أقواماً وتوعَّدهم بمثل هذا الذي قاله ذاك فقال عز من قائل: { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } [ النور : 63 ].
هذا الصرح الشامخ - السنة النبوية - المصدر الثاني للتشريع الإسلامي صَوَّبَ كثير من المسلمين المبتدعة إليه سهامهم . وأصلوا أصولاً غريبة لم يعرفها أسلافهم في رد الأحاديث التي لا توافق آرائهم ولا أصولهم .
أهل البدع يأصلون الأصول من عندهم ثم يأتون بالأحاديث التي توافقهم ، ثم يأتون بالأحاديث التي ظاهرها المخالفة لأصلهم فيتكلفون الجواب عنها فإذا ما ذكر الأصل وذكر الأحاديث التي تؤيده في الظاهر اعترضت عليه أنت بعدة أحاديث يأتيك بالشبه التي وضعها على هذه الأحاديث حتى يصدك عن العمل بالحديث النبوي .
من أوسع الأبواب التي دخل منها كثير من المسلمين إلى هذا المهيع الواسع في الطعن في السنة النبوية قولهم : ( إن أحاديث الآحاد ليست بحجة في العقائد ).
الأحاديث قسمان :
أ- متواتر .…………………ب- آحاد(1/10)
وبينهما قسم وسط وهو المشهور أو المستفيضي .
( تعريف المتواتر
* لغةً : هو اسم فاعل مشتق من التواتر أي التتابع تقول : تواتر المطر أي تتابع نزوله .
* اصطلاحاً : ما رواه عدد كثير تحيل العادة تواطؤهم على الكذب.
ومعنى التعريف : أي هو الحديث أو الخبر الذي يرويه في كل طبقة من طبقات سنده رواةٌ كثيرون يحكم العقل عادةً باستحالة أن يكون أولئك الرواة قد اتفقوا على اختلاق هذا الخبر .
* شروطه :
1- أن يرويه في كل طبقة من طبقاته عدد كثير يبلغ حد التواتر وقد اختلف في أقل الكثرة على أقوال ، المختار أنه عشرة أشخاص (1) أو تسعة وهو أن يروي الحديث تسعة من الصحابة وعنهم تسعة من التابعين وعنهم تسعة من أتباعهم ودواليك .
2- أن توجد هذه الكثرة في كل طبقات السند من الابتداء إلى الانتهاء .
3- أن تحيل العادة تواطؤهم على الكذب كأن يكونوا من بلاد مختلفة ، وأجناس مختلفة ومذاهب مختلفة وما شابه ذلك وبناءً على ذلك فقد يكثر عدد المخبرين ولا يثبت للخبر حكم التواتر ، وقد يقل العدد نسبياً ويثبت للخبر حكم المتواتر وذلك حسب أحوال الرواة .
4- أن يكون مستند خبرهم الحس . كقولهم : سمعنا ، أو رأينا ، أو لمسنا .
* أقسامه : ينقسم إلى قسمين ، هما :
أ- لفظي .……………ب- معنوي .
* حكمه :
المتواتر يفيد العلم الضروري أي اليقيني الذي يضطر الإنسان إلى التصديق به تصديقاً جازماً كمن يشاهد الأمر بنفسه (2).
هذا هو الحديث المتواتر وأعظم درجات التواتر قوة ما رواه الكافة عن الكافة وهو القرآن العظيم.
( تعريف حديث الآحاد
هو : ما لم يجمع شروط المتواتر ورواه عدد لا يبلغ نقلته في الكثرة حد التواتر (3).(1/11)
قال هؤلاء المبتدعة : ( أحاديث الآحاد التي لم تبلغ حد التواتر لا نقبلها في العقائد لأن هذه الأحاديث جائز أن تكون كذباً في نفس الأمر إذا المرء ليس بمعصوم . فكيف أبني عقيدةً على شيءٍ يمكن أن يُظَنَّ أنه كذب؟ لأن العقائد قطعية فلابد في العقائد أن لا نقبل فيها إلا التواتر . كلام ظاهره الرحمة وباطنه من قبله العذاب.
( حُجِّيةُ خبر الآحاد
والذي عليه المحققون من أهل العلم بالحديث أن خبر الآحاد إذا كان مقبولاً بأن كان صحيحاً أو حسناً أنه حجة يجب العمل به يفيد العلم اليقيني الضروري لأدلة كثيرة منها :
- الدليل الأول : مما يعلم بضرورة الحس وقد أتى الشرع بهذا : أن أمير المؤمنين لو أرسل رجلاً ثقة أميناً إلى بلدٍ من بلاد الكفار فأنذرهم وتلا عليهم القرآن وعلّمهم الشرائع فأَبَوْا أن يقبلوا خبره فهم كفرة مرتدون عند جميع أهل الإسلام على أمير المؤمنين أن يباغتهم وأن يضرب عليهم الجزية . وهذا بخبرٍ واحدٍ .
- الدليل الثاني : قد صح أن النبي ( أرسل معاذاً وحده إلى اليمن كما في الصحيحين من حديث ابن عباس . وقال له : " إنك تَقْدَمُ على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله ، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة ... " الحديث (1).
وفي رواية أخرى عن ابن عباس أيضاً : " إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ... " الحديث ، وفي رواية : " إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ".
فالنبي ( قال لمعاذ ( : " فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله " هذه عقيدة أم لا ؟!
أو ليست هذه هي كلمة التوحيد التي يُبْنَى عليها الإسلام كله ؟(1/12)
لو أن أهل اليمن بعد دخول معاذٍ ودعوته للتوحيد فيهم أبوا أن يقبلوا خبره لكانوا كفرة مرتدين .
فهل يُعْقَلَ أن يقول أهل اليمن لمعاذٍ : خبر رسول الله ( على العين والرأس لكنَّ كلامك لا يفيد علماً لاحتمال أن تكون مخطئاً أو كاذباً لذلك فنحن لا نقبل منك إلا إذا أرسل معك ما يبلغ عدد التواتر ؟!
ما قاله أهل اليمن ، ولا يُقْبَلَ أن يقوله أحد . وهذه عقيدة .
- الدليل الثالث : بل قد ثبتَ أن المسلمين تركوا الشيء المقطوع به لديهم لخبر واحدٍ . وذلك في مسألة تحويل القبلة . قال البخاري : ( حدثنا أبو نعيم سمع زهيراً عن أبي إسحاق عن البراء ( أن رسول الله ( صَلَّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً . وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَلَ البيت وأنه صلَّى - أو صلاّها - صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمرَّ على أهل المسجد وهم راكعون ، قال : أشهد بالله لقد صليت مع النبي ( قِبَلَ مكة فداروا كما هم قِبَلَ البيت وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قِبَلَ البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله : { وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم } [ البقرة : 143 ] )(2).
وهذا خبر واحدٍ وكانوا على أمر مقطوع به لديهم وهو الصلاة قِبَلَ بيت المقدس .
فما توقف أحد منهم ولا قال : أتم صلاتي حتى استوثق بعد ذلك أَحُوِّلَتِ القبلة أم لا لاحتمال أن يكون كاذباً . ما خطر هذا في بال أحدهم .(1/13)
- الدليل الرابع : وكان حسناً ما ذهب إليه الإمام البارع محمد بن إدريس الشافعي من الاستدلال على حجية خبر الآحاد بقول النبي ( في الحديث الصحيح : ( نضَّرَ الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها .. ) الحديث(3) . ولنستمع إليه مرة أخرى يستدل على ما أراد : قال رحمه الله : ( فلما ندب رسول الله ( إلى استماع مقالته وحفظها امرءاً - والأمروء واحد - دَلَّ على أنه لا يأمر أن يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه لأنه إنما يؤدي عنه حلال وحرام يُتَجَنَّبُ وحد يُقام ومال يُؤْخذ ويُعطى ونصيحة في دين ودنيا ودَلَّ على أنه قد يحمل الفقه غير فقيه يكون له حافظاً ولا يكون فقيهاً )(1).
- الدليل الخامس : واعتبار خبر الآحاد الذي تتوفر فيه شروط القبول حجة في دين الله هو ما درج عليه أصحاب رسول الله ( ومن بعدهم فمن ذلك ما روي أن عمر بن الخطاب ( كان لا يُوَرِّثُ المرأة من دية زوجها ثم ترك ذلك لخبر أحد الصحابة عن رسول الله ( وهو الضحاك بن سفيان ، روى الإمام الشافعي عن سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب : " أن عمر بن الخطاب كان يقول : الدية للعاقلة (2) ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن رسول الله ( كتب إليه : أن يُورِّث امرأة أشيم الضِّبابي من ديته فرجع إليه عمر )(3).
والأدلة على ذلك كثيرة تصل إلى ثلاثين دليلاً كل دليل منها قائم بذاته حجة بمفرده أن خبر الواحد يفيد العلم والعمل جميعاً .
إذاً فمن أين أتتنا هذه البدعة ؟
أتتنا من المعتزلة من أصحاب الكلام . وبكل أسف هذه العقيدة هي التي تدرس في مدارسنا وهي عقيدة الأشاعرة - أن خبر الواحد لا يُحتج به في العقائد - إنما يُحتجُّ به في الأحكام الشرعية العملية كالصلاة ، ووجوب الزكاة ، والأنصبة ، وعدد الركعات ، وصفة الصلاة وهذه الأحكام ، أما الخبريات العلميات - العقائد - لا يحتجون بخبر الآحاد في العقائد .(1/14)
ولذلك إذا قيل لواحدٍ منهم : أين الله ؟ قال : في كل مكان ! لماذا لم تجب بجواب الجارية الذي أقرها عليه رسول الله ( وأعتقها لذلك ، بلغ بعض غلاة هؤلاء أنه قال : لا يجوز لك أن تقول : أين الله ؟ لأن ( أين ) تفيد مكاناً أو تفيد زماناً وكلاهما ممتنع على الله ( . فأنكروا ما علمه النبي ( بل ما سأله للجارية كما في ( صحيح مسلم ) من حديث معاوية بن الحكم السلمي ( قال في حديث طويل : ( ... وكانت لِيَ جاريةٌ ترعى غنماً لي قِبَلَ أُحدٍ والجَوَّانِيِّةِ (4) فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون(5) لكني صككتها صكة (6) فأتيت رسول الله ( فعَظّم ذلك عليّ ، قلت : يا رسول الله أفلا أعتقها ؟ قال : ( ائتني بها ) فأتيته بها فقال لها : ( أين الله ) ؟ قالت : في السماء . قال : ( من أنا ) ؟ قالت : أنت رسول الله . قال : ( اعتقها فإنها مؤمنة ) "(1).(1/15)
ولو كان الله تبارك وتعالى في كل مكان كما قال الإمام أبو الحسن الأشعري (2) قال : ( لو جاز أن يكون الله في كل مكان لجاز أن يكون في المستنقعات) أو ليس هذا مكان ؟ فإن قلت : إنه سبحانه وتعالى في كل مكان جعلته في الحمامات وأماكن القمامة وغيرها مما لا يليق بمكان الله تعالى عن ذلك علواً كبيراً . وهو سبحانه وتعالى لما قال : { الرحمن على العرش استوى } [ طه : 5 ] وهذا مدح من الله تعالى لنفسه بأنه استوى على العرش فلو كان العرش كهذه الأرض لا فرق بينهما أن يستوي على العرش أو يستوي على الأرض لما كان للمدح بذكر الاستواء على العرش معنى . فدل على أنه لما امتدح نفسه تبارك وتعالى بأنه استوى على العرش أن فرقاً بين العرش وغيره بل كما قال الإمام أحمد وعليه أهل السنة جميعاً : ( إن الله بذاته في السماء بلا كيف وعلمه في كل مكان)(3)كما قال تبارك وتعالى : { وهو معكم أينما كنتم } [ الحديد: 4 ] ، وقوله تبارك وتعالى : { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } [ الزخرف : 84 ] معناه : وهو إله في السماء كما أنه إله في الأرض.
قالوا : ما نأخذ بحديث معاوية لأنه حديث آحاد.
دخلوا بهذا الأصل الذي أصّلوه من عند أنفسهم فهدموا ركناً عظيماً من هذه السنة إننا نستطيع وبمنتهى التواضع أن نتحدى أي مخلوق أن يأتي بواقعة واحدة بحديث واحدٍ في أصول العقائد أن صحابياً روى حديثاً في العقائد فأنكره عليه صحابيٌّ آخر.
هذا غير موجود على الإطلاق في الكتب.
إنما في باب الأحكام الشرعية اختلفوا كثيراً على بعض . أبو هريرة ( يقول : ( توضَّؤا مما مست النار)(4) ابن عباس يقول : " لا أتوضأ من طعام أجده في كتاب الله حلالاً "0
عمر بن الخطاب يقول : " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه "(1) .
عائشة تقول : " لا { ولا تزر وازرة وزر أخرى }[ الإسراء : 15 ] ".
كانوا يجتهدون كل حسب علمه رضي الله عنهم. أما في العقائد ما تجد لهذا أثر كانوا يسلمون.(1/16)
وأضيف إلى ما سبق من حجية خبر الواحد هذا الدليل العملي في الواقع وهو : إننا نعلم بضرورة الحس أن النبي ( إذا أراد أن يبلغ حكماً عن الله لم يكن يجمع له أهل المدينة كلهم حتى يفتي . بل كان يتكلم بحضرة من حضر والموجود يبلغ . وكانوا مشاغيل لهم حرث ولهم زرع ولهم تجارة ، فما قال لأحد منهم قط إذا أردت أن أبلغ وأفتي فلابد أن تجتمعوا . فما نقل هذه السنن ولا هذه الأحاديث إلا الواحد بعد الواحد وهذا على عين النبي ( والأحاديث كثيرة جداً في هذا الباب ولكن هذا مَهْيَعٌ متسع (2) ردوا منه أحاديث النبي ( بأصل أصّلوه من عند أنفسهم . والأصل ما لم يكن له ذكر في الكتاب والسنة فلا نخاع له . فهذا باب ردوا منه أحاديث ، لذلك علماء السنة قاموا وهبوا وكان على رأسهم الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقولون : ( إن جميع ما في السنة في القرآن ولو إجمالاً ) .
ومن أصحاب هذا المذهب الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ( كما في الصحيحين عنه ( أنه قال : ( لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ). قال : فبلغ ذلك امرأة من بني أسدٍ يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت : ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ؟ قال عبد الله : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله ( وهو في كتاب الله ( ؟! فقالت المرأة : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته ، فقال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه قال الله ( : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } [الحشر : 7 ] فقالت المرأة : فإني أرى شيئاً من هذا على امرأتك الآن ! قال : اذهبي فانظري قال : فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئاً ، فجاءت إليه فقالت : ما رأيت شيئاً ، فقال: أما لو كان ذلك لم نجامعها (2) ، ثم قال لها: فهذا مما آتانا رسول الله ( )(3) .(1/17)
وعبد الرحمن بن زيد حيث قال : ( لَقِيَ ابنُ مسعود رجلاً مُحْرِمًا وعليه ثيابه فقال له : انزع عنك هذا . فقال الرجل : أتقرأ عَليَّ بهذا آية من كتاب الله تعالى ؟ قال ابن مسعود : نعم { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } )(4).
والشافعي فقد قال عنه عبد الله بن محمد بن هارون الفريابي : ( سمعت الشافعي ( يقول : سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب الله تعالى وسنة نبيكم ( ، قال : فقلت له : ما تقول - أصلحك الله - في المُحْرِم يقتل الزنبور ؟ قال :فقال : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } . وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن رِبْعِيِ بن خراش عن حُذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله ( : " اقتدوا باللذيْن من بعدي أبي بكر وعمر " (5). حدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب ( أنه أمر بقتل الزنبور. قال علماؤنا : وهذا جواب في نهاية الحُسْنِ ، أفتى بجواز قتل الزنبور في الإحرام وبيّن أنه يقتدي فيه بعمر ، وأن النبي ( أمر بالإقتداء به ، وأن الله سبحانه أمر بقبول ما يقوله النبي ( ؛ فجواز قتله مستنبط من الكتاب والسنة )(1).
ومن أصحاب هذا المذهب أيضاً عكرمة فقد روى سفيان بن عيينة عن الحكم بن أتان ( أنه سأل عكرمة عن أمهات الأولاد فقال : هن حرائر . فقلت بأي شيء ؟ قال : بالقرآن . قلت : بأي شيء في القرآن ؟ قال : قال الله تعالى : { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } [ النساء : 59 ] وكان عمر من أولي الأمر ، قال : عتقت ولو بسقط )(2).(1/18)
وروي أن طاوس بن كيسان أحد التابعين وأحد الذين أكثروا عن ابن عباس رضي الله عنهما . أنه صلى بعد العصر ركعتين فنهاه ابن عباس ، فقال له طاوس : إنما نهى النبي ( عنهما كي لا تُتَّخذا سنة فقال له ابن عباس : والله ما أدري أتؤجر عليهما أم تعذب وقد قال الله تبارك وتعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } [ الأحزاب : 36 ] وقد نهى النبي ( عن الصلاة بعد العصر ).
وروى ابن عبد البر في كتاب ( جامع بيان العلم ) أن رجلاً أورد هذه الشبهة على عمران بن حصين الصحابي الجليل فقال له عمران : إنك امرؤٌ أحمق . أين تجد في كتاب الله أن الظهر أربعاً وأن العصر أربعاً لا قراءة فيها وأن المغرب ثلاثاً وأن العشاء أربعاً وأن الفجر ركعتين فيها قراءة - أي في الركعتين الأوليين ؟ )(3) كان هناك من الصحابة من يرى هذا المذهب ونصره الإمام الشاطبي في ( الموافقات ) عند كلامه عن استقلالية السنة في تشريع الأحكام.
فالسنة مجملة في كتاب الله عز وجل وهي وحيٌ كما قال تعالى : { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى } [ النجم : 3-4 ] ما ينطق عن هوى نفسه فما بلغه لفظاً عن الله تعالى هو القرآن وما بلغه بلفظه فهو وحي غير متلوٍّ إنما أُمرَ به كلاهما من الوحي لذلك نقطع أنها محفوظة وقد ذكر ابن حزم رحمه الله تعالى عند قوله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ( قال : الذكر قرآن وسنة فالله حافظ للسنة كما حفظ القرآن ).
ولذلك قال يحي بن معين وغيره : ( يستحيل أن يوجد كذب يمر على الأمة جميعها وينقق عليهم فلا يعرفه أحد لأن الله تعالى قال : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } فقد يخفى على أناس لكن لا يخفى على الأمة جميعها كذب على النبي ( .
هذا مدخل مهم لهذا الموضوع :
أما بالنسبة للموضوع فنبدأه بعبارة ذكرها علماء أصول الفقه وهي :
نصوص السنة(1/19)
( إن نصوص السنة على ثلاثة أنحاء لا نزاع بين العلماء فيها )
كل نص يأتي عن النبي ( فهو لا يخرج عن أحد ثلاثة أشياء وهي :
1- إما أن يأتي بما في القرآن .
2- وإما أن يبين ما في القرآن.
3- وإما أن يأتي بشيء زائد على ما في القرآن.
هذه الثلاثة لا رابع لها فإن كان من رابع فهو داخلٍ تحت واحدٍ منها .
القسم الأول
أن تأتي السنة بما في القرآن
وفي هذا القسم تأتي أحاديث هي هي آيات في القرآن كالأحاديث التي تحرم الشرك وعقوق الوالدين وتحرم شهادة الزور وكالأحاديث التي تقضي بوجوب الزكاة والصلاة والصيام والحج فهذه موجودة بنصّها في القرآن وإليك طرفاً من ذلك :
1- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ( : ( بني الإسلام علي خمس : شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله , وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة , وحج البيت ، وصوم رمضان )(1) فهذا الحديث هو عين قول الله تبارك وتعالى : { شهد الله أنه لا إله إلا هو } [ آل عمران : 18 ].
وعين قوله تبارك وتعالى : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } [ الأحزاب : 40 ] ، وعين قوله ( : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } [ المزمل : 18 ] ، وعين قوله سبحانه : {ولله على الناس حج البيت } [آل عمران : 97 ] ، وقوله : { كتب عليكم الصيام } [ البقرة : 183].
2- عن جابر ( قال : قال رسول الله ( : " من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار " (2) فهذا الحديث هو عين قوله تعالى : { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك } [ الزمر : 65 ] ، وقوله : { إن الشرك لظلم عظيم } [ لقمان : 13 ].
3- عن أبي هريرة ( قال: قال رسول الله ( : " رَغِمَ أنفه ثم رَغِمَ أنفه ثم رَغِمَ أنفه من أدرك أبويه عند الكبر : أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة " (3) فهذا مقتضى قوله تعالى : { وبالوالدين إحساناً } [ الإسراء : 23 ].(1/20)
4- عن أبي بكرة ( قال : قال رسول الله ( : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟! " قلنا : بلى يا رسول الله قال : " الإشراك بالله وعقوق الوالدين " وكان متكئاً فجلس وقال : " ألا وقول الزور وشهادة الزور " فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت(1) هذا هو قوله تعالى : { واجتنبوا قول الزور } [ الحج : 31 ].
5- عن أبي هريرة ( قال : قال رسول الله ( : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " (2) ، هذا هو قوله تعالى : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } [ التوبة : 5 ].
6- وكحديث أبي حميد الساعدي أن النبي ( قال : " لا يحل لامرئٍ مسلم أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه " (3) يُنَبِّه على الحقير فأنت ممنوع من الخطير من باب أولى . فلما تسمع قوله تعالى : { فلا تقل لهما أفٍ } [ الإسراء : 24 ] تعلم أن الضرب لا يجوز . إذا منعك أن تقول { أفٍّ } فلئن يمنعك من أن تضرب من باب أولى. فإن لم يجز لك أن تأخذ عصا أخيك إلا بطيب نفس منه فماله ودمه وعرضه من باب أولى . هذا المعنى موجود في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم } [النساء : 29].
7- وكقوله ( في الحديث الذي رواه الشيخان في حجة الوداع قال : " استوصوا بالنساء خيراً " (4) ... الحديث ، هذا المعنى موجود في قوله تعالى : { وعاشروهن بالمعروف } [النساء : 19 ] ، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة مع آيات . ما يوجد في الحديث هو ما يوجد في الآية كأنما هذا يؤكد ذاك.
القسم الثاني
أن تَأْتِيَ السنة لتبين ما في القرآن.
وهذا النوع هو أكثر الأحاديث وروداً . أن تأتي السنة فتبين ما في القرآن العظيم من الإجمال والإبهام وهذه هي وظيفة النبي ( بعد تبليغه لفظ القرآن يبقى بيانه.(1/21)
كما قال تبارك وتعالي : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزّل إليهم}[ النحل :44 ] فبغير هذا البيان لا تصل إلي مراد الله ( .
لذلك قال علماؤنا - وهذا ما أشرنا إليه في المقدمة الذي ردّ في نحر النص برأيه الفاسد له هنا أيضاً مزلق - من سلفنا من قال ومنهم : مكحول , ويحي بن أبي كثير والدارمي وابن عبد البر وجماعه من العلماء لهم عبارة مشهورة وهي : (أن السنة تقضي علي الكتاب )(1) وقد تأتي هذه العبارة في بعض المواضع بلفظ آخر وهو : (السنة قاضيه علي الكتاب ) فقال هذا الرجل : (من قال إن السنة قاضيه علي الكتاب فهو مغرور ) وليس في العبارة ما يستنكر لكن الجاهل عدو نفسه إذ ليس في العبارة شيء يقتضي الرد.
ما معني السنة قاضية علي الكتاب ؟
هل هي مقدمة علي الكتاب ؟
هذا هو الذي فهمه ذاك !!.
أما معني السنة قاضية علي الكتاب : أن آيةً من كتاب الله قد تأتي تحتمل معنيين فتقضي السنة لأحد المعنيين علي الآخر .
فهي إذاً قاضي علي الكتاب . هذا معنى .
أو ترجح أحد المعنيين علي الآخر فيؤخذ بها ويترك ظاهر الكتاب ، وإليك مثال لبيان المعنى :
قال الله تبارك و تعالى : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } [ البقرة : 223 ] .
{ أنَّى } معناها : ( أين )(2) تعني المكان . فيفهم بهذا المعنى أنه يجوز أن تؤتى المرأة في دبرها . قال بذلك الشافعي والمازري وغيرهما : أن هذه الآية بظاهرها تقتضي ذلك . قال الشافعي : لكني أحرم ذلك لورود حديثٍ ثابتٍ في المنع(3) .
فيبدو لك أن الشافعي حرم الدبر بالحديث وترك مقتضى ظاهر الكتاب لأن ظاهر القرآن يقتضي الجواز.(1/22)
وهناك معنى آخر وهو : أن { أنَّى } تعني موضع الحرث . { نساؤكم حرث لكم } فموضع الحرث هو موضع الإنبات . فلا يمكن هذا الحرث يأتي إلا إذا أتى الرجل أهله في محل الولد لأنه لو أتاها في دبرها لما أولدها أبداً أبداً . إذاً فالدبر ليس بحرث لأن الإنبات لا يمكن أن يكون إلا في محل الولد . { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم } .
فهذه الآية تحتمل هذا المعنى وذاك . فرجحنا المنع بحديث خزيمة بن ثابت : " لا تأتوا النساء في أدبارهن"(1).
قال المازري : الآية حجة في الجواز لكن وردت أحاديث كثيرة بالمنع فتكون مخصصة لعموم الآية (2).
إذن تُرِكَ مقتضى ظاهر الكتاب أم لا ؟
الجواب : ترك .
ترك بماذا ؟
الجواب : ترك بالسنة .
فهذا هو معنى : ( السنة قاضية على الكتاب ).
* مثال آخر لبيان أن ( السنة قاضية على الكتاب ) :
قال تعالى : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروءٍ } [ البقرة : 228 ] ، القرءُ هذا طهر أم حيض؟
إذا طلقت امرأتك تلبث ثلاثة حيضات أم ثلاثة أطهار ؟
نرجع إلى اللغة العربية لأن هذا كلام عربي مبين . فنجد في اللغة العربية أن كلمة ( قرء ) معناها : حيض ومعناها : طهر . المعنى وعكسه واللغة العربية من الأبواب التي تتميز بها عن لغات العالم الأخرى هذا الباب ( باب الأضداد ) لفظة واحدة تحمل المعنى وعكسه . كقوله تعالى : { وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً } [ الكهف : 79 ] ( وراءهم ) بمعنى : أمامهم . لأنه لو كان ورائهم على الحقيقة فلم يخرقون السفينة وقد تجاوزوه إنما خرقها لأنهم سيمرون عليه إذاً فهو أمامهم . فهذا مما تنفرد به لغتنا العربية وكلمة ( قرء ) من هذا الباب تعني : حيضٌ وطهرٌ . فمن أين لنا أن نرجح أنها حيض أو طهر ؟ نأتي السنة فنجد النبي ( قال للمستحاضة : ( تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي ... ) (3) الحديث .(1/23)
فبهذا الحديث يكون القرء حيض إذ لا يُتَصَوَّرُ أن المرأة تدع الصلاة أيام الطهر ! وأنشدوا قول ابن الأعرابي في الرجز :
يا رُبَّ حاسدٍ عَليَّ باغضٍ………لهُ قروءٌ كقروءِ الحائض(1)
يقول : رُبَّ إنسان حاسد عليَّ يهيج في فترات ويظهر لي عداوته كما تهيج المرأة في وقت الحيض فظهر بذلك أن القرء حيض وبهذا قال خلق كثير من سلف الأمة ومن الصحابة . فممن قال إن القرء حيض :
1- أبو بكر الصديق ……2- عمر بن الخطاب ……3- عثمان بن عفان
4- عليُّ بن أبي طالب……5- أبو الدرداء………6- عبادة بن الصامت
7- أنس بن مالك……8- عبد الله بن مسعود……9- معاذ بن جبل
10- وأُبيّ بن كعب……11- أبو موسى الأشعري……12- عبد الله بن عباس
13- سعيد بن المسيب……14- وعلقمة………15- والأسود
16- وإبراهيم………17- ومجاهد بن جبر……18- وعطاء
19- وطاوس بن كيسان……20- وسعيد بن جبير……21- وعكرمة
22- ومحمد بن سيرين……23- والحسن………24- وقتادة بن دعامة السدوسي
25- والشعبي………26- والربيع………27- ومقاتل بن حيان
28- والسُّدِّيُّ………29- ومكحول………30- والضَّحاك
31- وعطاء الخرساني
جميع هؤلاء قالوا : الأقراء : الحيض.
وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه وأصح الروايتين عن الإمام أحمد بن حنبل وحكى عنه الأثرم أنه قال : ( الأكابر من أصحاب رسول الله ( يقولون : الأقراء : الحيض . وهو مذهب الثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى وابن شبرمة والحسن بن صالح بن حي وأبي عبيد وإسحاق بن راهوية ويؤيد هذا ما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي من طريق المنذر بن المغيرة عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش أن رسول الله ( قال لها : " دعي الصلاة أيام أقرائك " (2).(1/24)
- وأما الوجه الثاني الذي يقول : إن القرء طُهْرٌ فبه قال مالك وقال في ( الموطأ ) : ( عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت : صدق عروة . وقد جادلها في ذلك ناس فقالوا : إن الله تعالى يقول في كتابه { ثلاثة قروء } فقالت عائشة : صدقتم وتدرون ما الأقراء ؟ إنما الأقراء الأطهار )(1).
وقال مالك : عن ابن شهاب سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول : ما أدركت أحداً من فقهائنا إلاّ وهو يقول ذلك يريد قول عائشة (2).
وقال مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها . وقال مالك : وهو الأمر عندنا (3) ، وروي مثله عن :
1- ابن عباس……2- وزيد بن ثابت…3- وسالم مولى أبي حذيفة…4- والقاسم
5- وعروة……6- وسليمان بن يسار…7- وأبي بكر بن عبد الرحمن…8- وأبان بن عثمان
9- وعطاء بن أبي رباح…10- وقتادة……11- والزهري……12- وبقية الفقهاء السبعة(4)
13- وهو مذهب مالك…14- والشافعي……15- وغير واحدٍ وداود وأبي ثور ، وهو رواية عن أحمد واستدلوا عليه بقوله تعالى : { فطلقوهن لعدتهن } [ الطلاق : 1 ] أي في الأطهار.
ولما كان الطهر الذي يُطَلَّق فيه محتسباً دَلّ على أنه أحد الأقراء الثلاثة المأمور بها ولهذا قال هؤلاء : إن المعتدة تنقضي عدتها وتبين من زوجها بالطعن في الحيضة الثالثة .
واستدلوا بأدلة أخرى منها حديث ابن عمر في ( الصحيحين ) أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله ( فسأل عمر بن الخطاب رسول الله ( عن ذلك فقال رسول الله ( : " مُرْهُ فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء " (5).
واستدلوا من العربية بقول الأعشى :
ففي كل عام أنت جاشم غزوة………تشد لأقصاها عزيم عزائكا(1/25)
مورثة مالاً وهي في الحيِّ رفعة………لما ضاع فيها من قروء نسائكا
يمدح أميراً من أمراء العرب آثر الغزو على المقام حتى ضاعت أيام الطهر من نسائه لم يواقعهن فيها (6) . فعلى هذا يكون القرء طهراً .
وبالنظر في مجموع الأحاديث تبين أن القرء : حيض .
وبالنظر أيضاً نجد أن الأوفق والأرفق بالمرأة أن يكون القرء حيضاً وإليك هذه الصورة :
امرأة طلقها زوجها في طُهْرٍ لم يمسها فيه وهذا هو الطلاق الشرعي أن يطلقها في طهرٍ لم يمسها فيه .
أ . فلو كان القرء حيضاً فتكون عدتها : حيض ثم طهر ثم حيض ثم طهر ثم حيض ، وفي أول الحيضة الثالثة تنقضي العدة.
ب . ولو كان القرء طُهْراً فتكون عدتها : حيض ثم طهر ثم حيض ثم طهر ثم حيض ثم طهر .
فلو كان القرء طهراً لطالت المدة على المرأة ومعلوم أن تقصير مدة العدة على المرأة أفضل من تطويلها . لأن طويل مدة العدة فيه نوع إعنات للمرأة في أن تنكح زوجاً غيره والشريعة لم تأت بهذا .
قال أبو عمرو بن العلاء : ( العرب تسمي الحيض قرءاً ، وتسمي الطهر قرءاً ، وتسمي الطهر والحيض جميعاً قرءاً ).
وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر : ( لا يختلف أهل العلم بلسان العرب والفقهاء أن القرء يراد به الحيض ويراد به الطهر وإنما اختلفوا في المراد من الآية ما هو على قولين )(1).
قلت : وقد ظهر أن القرء حيض وهو الأوفق والأرفق بالمرأة .
فهذه لفظة فيها معنيان رجحنا أحد المعنيين على الآخر وهو أن القرء حيض بالحديث . فصارت ( السنة قاضية على الكتاب ) فليس في العبارة ما يُسْتَنْكَرَ لكن كما قلت : الجاهل عدو نفسه .
كيفية قضاء السنة على القرآن
السنة تقضي على القرآن بثلاثة أوجه :
1- الأول : إما أن تُبَيِّنَ مجمله .
2- الثاني : وإما أن تخصص عامه .
3- الثالث : وإما أن تقيِّد مطلقه .
الوجه الأول
أن تأتي السنة فَتُبَيِّنَ مجمل القرآن
( تعريف المجمل :
لغة : هو المبهم مأخوذ من أجمل الأمر أبهمه .(1/26)
اصطلاحاً : هو لفظ لا يفهم المراد منه إلا باستفسار من المجمل وبيان من جهته يعرف به المراد (1). إذاً فهو : ما لم تتضح دلالته . والمراد ما كان له دلالة في الأصل ولم تتضح(2).
( تعريف المُبَيَّن :
لغة : هو المُظْهَرُ الواضح .
اصطلاحاً : هو العلم الذي يتبين به المعلوم (3) أي هو الذي ظهر المراد منه بنفسه من غير توقف على أمر خارجي(4).
فمن المجمل في القرآن : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } فجاءت السنة فبينت لنا عدد الركعات والسجدات ومواعيد الصلاة وكيفيتها وما أخطأت فيه وواجباتها وما تبطل به ، والطهارة كيف تكون . وأنصبة الزكاة وأنواعها ، والصيام مفسداته ومكروهاته والحج والعمرة إلى غير ذلك من الأحكام التي جاءت مجملة في كتاب الله تعالى فبينتها السنة .
ويحسن هنا إيراد كلام عمران بن حصين المتقدم لما قال للمعترض عليه : إنك امروءٌ أحمق أين تجد في القرآن أن : الظهر أربعاً والعصر أربعاً لا قراءة فيها وأن المغرب ثلاثاً وأن العشاء أربعاً وأن الفجر اثنتان فيها قراءة؟ فكل هذا مجمل في القرآن فبينته السنة المباركة .
الوجه الثاني
أن تأتي السنة فتخصص عموم القرآن
( تعريف الخاص :
لغة : هو المنفرد من قولهم : اختص فلان بكذا أي انفرد به .
اصطلاحاً : هو كل لفظ وضع لمعنى واحد على الانفراد(1) ، أو هو : قصر العام على بعض مسمياته(2) يعني قصر اللفظ على بعض أفراد العام .
( تعريف العام :
لغة : هو شمول أمر لمتعددٍ سواءً كان الأمر لفظاً أو غيره(3) .
اصطلاحاً : هو لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر(4) ، وقيل : هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب واحد دفعة واحدة (5).
( صيغ العموم :
من صيغ العموم : ( أل - كل - ما - من - الذي - الذين - اللائي - اللاتي - الذان - ... الخ )
فلو قلت : يا معشر الرجال فكلمة الرجال جمعٌ ومحلى بـ ( أل ) فيشمل كل من يقع تحت وصف الرجل .(1/27)
فهذا عموم لا تستشعره في قوله تعالى : { من المؤمنين رجال } فكلمة { رجال } لا تشمل كل رجل ويدل على هذا قوله تعالى : { من } التي تفيد البعضية .
ولبيان العموم في القرآن الكريم وكيف خصَّصته السنة إليك هذه الأمثلة :
? الأول :
بعد أن ذكر الله تبارك وتعالى آية المحرمات وهي : { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعمّاتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم التي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً . والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم } [ النساء : 23-24 ] ثم قال تبارك وتعالى بعد هذا التحريم مباشرة : { وأحل لكم ما وراء ذلكم }.
فالمعنى على مقتضى ظاهر الكتاب : أن كل امرأة لم يَحْرُم عليك نكاحها في هذه الآية فنكاحها حلال لك هذا هو مقتضى ظاهر القرآن لأنه تبارك وتعالى بعد ذكر المحرمات بلفظ الحرمة الصريح : { حُرِّمَتْ } قال: { وأحل لكم ما وراء ذلكم } بلفظ الحِلِّ الصريح أيضاً ، ولأن ( ما ) في الآية من صيغ العموم فإن جميع النساء بخلاف المنصوص على حرمة نكاحهن في الآية يحل لك نكاحهن .
على هذا فهل يجوز لك إذا تزوجت بامرأة أن تتزوج عمتها أو خالتها وهي تحتك ؟
الجواب : لا يجوز . يَحْرُم عليك أن تتزوج عمة أو خالة زوجتك التي هي تحتك . إذاً فمن أين جئنا بهذا التحريم وليس في القرآن ؟
الجواب : جئنا به من السنة .
جئنا به من حديث أبي هريرة وجابر وأبي موسى وأبي سعيد أن النبي ( قال : " لا تُنكح المرأةُ على عمتها ولا على خالتها " (1).(1/28)
والحديث الآخر : " لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على ابنة أخيها ، ولا المرأة على خالتها ولا الخالة على بنت أختها لا الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى " (2).
فهذا عموم الآية إباحة نكاح النساء عدا المنصوص فيها على حرمة نكاحهن . فجاءت السنة فخصصت من هذا العموم ما قد ذكرنا.
? الثاني :
قال تبارك وتعالى : { إنما حرَّم عليكم الميتةَ والدَّمَ } [ البقرة : 173 ]
فهذا أيضاً عموم . ومعنى الآية على مقتضى ظاهر القرآن هو : تحريم جميع الميتات وجميع الدماء لكن جاء في هذه الآية مخصصان هما :
* الأول من القرآن وهو : قوله تعالى : { قل لا أجد في ما أوحي إلىّ محرماًعلى طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً } [ الأنعام : 145 ] فبقيت الميتة على عمومها محرمة واستثنى من الدماء نوعاً وحرَّمه وهو الدم المسفوح - السائل المتدفق - فلو نظرنا مثلاً إلى الكبد والطحال لوجدناهما دماً لكنه غير مسفوح - متجمد - والدم المحرم هو الدم المسفوح فبدلالة الآية إذا حرّم الدم المسفوح فيكون أجاز الدم غير المسفوح .
* الثاني : ولو نظرنا في السنة لوجدنا النبي ( قال: " أُحِلَّت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال " (1).
إذاً كيف تفهم الآية ؟
تفهم هكذا : { إنما حرم عليكم الميتة } إلاّ : الحوت والجراد ، { والدم } إلاّ : الكبد والطحال .
فجاءت السنة هنا فخصصت عموم القرآن .
جاء القرآن بتحريم الميتة والدم فاستثنت السنة من كلٍ منهما نوعين كما ظهر .
? فائدة هامة ?
هب أنه ليس عندك نص خاص وليس عندك إلاّ العموم فهل تعمل به أم تتوقف ؟(1/29)
الجواب : تعمل به ولا تتوقف . تعمل بالعموم ولا تتوقف إنما تعمل بما جاءك من الوحي والدليل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر قال : بعثنا رسول الله ( وأمَّرَ علينا أبا عبيدة ابن الجراح نتلقى عيراً لقريش وزودنا جراباً من تمرٍ لم نجد له غيره فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة كنا نمصها كما يمص الصبي ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا إلى الليل وكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نبله بالماء فنأكله وانطلقنا على ساحل البحر فَرُفِعَ لنا كهيئة الكثيب الضخم فأتيناه فإذا هو دابة تدعى العنبر فقال أبو عبيدة : ميتة ولا تحل لنا ، ثم قال : لا بل نحن رسل رسول الله ( وفي سبيل الله وقد اضطررتم إليه فكلوا فأقمنا عليه شهراً ونحن ثلاثمائة حتى سمنا فلما قَدِمْناَ إلى رسول الله ( ذكرنا ذلك له فقال : " هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شيءٌ فتطعمونا منه ؟ " فأرسلنا منه إلى رسول الله ( فأكل )(2).
وعند مسلمٍ في صحيحه : ( قال : ولقد رأيتنا نغترف من وَقْبِ عينه (3) بالقِلالِ الدهن ونقتطع منه الفِدَرَ(1) كالثَوْر أو قدر الثور فلقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً فأقعدهم في وقْبِ عينه وأخذ ضِلْعاً من أضلاعه فأقامها ثُمَّ رَحَلَ أعظم بعير معنا فمرَّ من تحتها وتزودنا من لحمه وشائق (2) فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله ( .... ) الحديث.
فهذا أبو عبيدة أحد العشرة المبشرين بالجنة ( خفيت عليه سنة التخصيص فقال : ( ميتة ولا تحل لنا ) عملاً بالعموم { حرمت عليكم الميتة } لكنه استخدم الرخصة في نفس الأمر : { فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه } فعمل بالعموم الذي جاءه ولم يتوقف حتى يأتيه المخصص .
فيجب عليك إذا كان عندك في أي حكمٍ نصٌّ عام وليس عندك مخصص له أن تعمل بالعام ولا تنتظر حتى يأتيك المخصص لأنك لو انتظرت حتى يأتيك المخصص قد تموت ولا يتهيأ لك معرفته فتكون قصرت فيما أُمِرْتَ بتمامه. والله أعلم.
? الثالث :(1/30)
ومن العموم أيضاً في القرآن العظيم الذي خُصَّ بالسنة النبوية قول الله تبارك وتعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفسَ بالنفسِ والعينَ بالعينِ والأنف بالأنفِ والأذنَ بالأذنِ والسنَ بالسنِ والجروح قصاصٌ } [ المائدة : 45].
فلو نظرنا في الآية لوجدنا الألفاظ : ( النفس - العين - الأنف - الأذن - السن - الجروح ) كلها محلاة بالألف واللام فتفيد العموم فيكون مقتضى هذه الآية : أن أي رجل قتل أي رجل يُقْتَلُ به وهذا هو نصُّها : { أن النفس بالنفس } فلو قتلت أي رجل تقتل به فجاءت السنة فخصصت من هذا العموم ما يأتي :
1- قال ( : " لا يُقْتَلُ مسلمٌ بكافرٍ " (3) فخصّصت أنه لا يجوز أن يُقْتَلَ مسلمٌ بكافرٍ.
2- وخصّصت السنة من عموم هذه الآية أنه : ( لا يقتل والدٌ بولده )(4) فلو أن الوالد قتل ولده لا يقتل به لما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : ( نحلتُ لرجلٍ من بني مدلج جارية ، فأصاب منها ابناً ، فكان يستخدمها فلما شبَّ الغلام دعاها يوماً ، فقال اصنعي كذا وكذا ، فقال : لا تأتيك ، حتى متى تستأمي أمي(5) ؟! قال : فغضب ، فحذفه بسيفه ، فأصاب رجْلَهُ ، فنزف الغلام فمات ، فانطلق في رهطٍ من قومه إلى عمر بن الخطاب ( فقال : يا عدو نفسه أنت الذي قتلت ابنك ؟! لولا أني سمعت رسول الله ( يقول : " لا يُقاَدُ الأَبُ من ابنه " لقتلتك هَلُمّ ديته ، قال : فأتاه بعشرين أو ثلاثين ومائة بعير ، قال : فخير منها مائه فدفعها إلى ورثته وترك أباه )(1).
فعلى هذا يكون مفهوم الآية بعد التخصيص هكذا : { أن النفس بالنفس } إلا أن يكون المقتول كافراً ، أو ولداً ، فلا يُقْتَلُ القاتل بأحدهما.
? الرابع :
قال تعالى : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } الآية [ النساء : 11 ].
هذه الآية خُصَّصت بحديثين كل حديث منهما ورد على معنى وهما :(1/31)
- الحديث الأول : قوله ( عن عائشة رضي الله عنها : أن فاطمة والعباس عليهما السلام أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله ( وهما حينئذٍ يطلبان أرضيهما من فَدَكٍ وسهمهما من خيبر . فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله ( يقول : " لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمدٍ من هذا المال " قال أبو بكر : والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله ( يصنعه فيه إلا صنعته . قال : فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت )(2).
إذاً فكيف تؤخذ الآية ؟
تؤخذ هكذا : { للذكر مثل حظ الأنثيين } إلا أن يكون وَلَدَ نَبِيٍّ فلا يرث .
- الحديث الثاني : قوله ( : " لا يرث القاتل شيئاً " (3).
فتفهم الآية هكذا : { للذكر مثل حظ الأنثيين } إلا أن يكون ولد نبيٍّ أو قاتل .
فخصَّصنا القرآن بالسنة والأحاديث في هذا المعنى أشهر من أن تسطر وأكثر من أن تحصر في مثل هذه العجالة وفي ذلك ذكرى لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
فالأمثلة السابقة دلت على أن القرآن العظيم فيه عموم والسنة تقضي عليه بتخصيص بعض أفراده وذلك بقصر اللفظ على بعض أفراد العام .
الوجه الثالث
أن تأتي السنة فتقيد مطلق القرآن
( تعريف المقيد :
هو ما دلّ لا على شائع في جنسه أو هو ما دل على الماهية بقيد من قيودها (1) .
أو هو اللفظ الدال على مدلول شائع في جنسه مع تقييده بوصف من الأوصاف (2).
( تعريف المطلق :
هو ما دَلَّ على شائع في جنسه(3) أو هو اللفظ الدال على فرد أو أفراد غير معينة وبدون أي قيد لفظي (4) مثل رجل ورجال وكتاب رقبة .
وهو ورود النكرة في صيغة الإثبات (5).
? مثال على ذلك ?(1/32)
قال تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقَّدتُّم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة } [ المائدة : 89] فهذه الآية جاءت فيها هذه الألفاظ : ( مساكين - رقبة ) فهاتان نكرتان في سياق إثبات تفيد الإطلاق فإطعامك المسكين هنا يجزئك فيه أي مسكين رجلاً كان أو امرأة حُرّاً كان أو عبداً كما أن عتقك الرقبة أيضاً يجزئك فيها أي رقبة ذكراً كان أو أنثى مسلماً كان أو كافراً .
هذا الإِطلاق قد لا تستشعره في قوله تعالى : { وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً إلاَّ خطئاً ومن قتل مؤمِناً خطئاً فتحرير رقبة مؤمنة } [ النساء : 92 ] فلا تجزئ الرقبة الكافرة لأن الله ( قيدها بالإيمان بخلاف كفارة اليمين تجزئ أي رقبة على إطلاقها أما هنا فلا يجزئ غير وصف الإيمان في الرقبة .
? مثال آخر ?
قال تعالى : { والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير (3) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله } الآية [ المجادلة : 3-4 ] .
الرجل إذا ظاهر من امرأته يعاقب بتحرير رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً.
فقيد الصوم بالتتابع فلو صامها متفرقات لم يجزئه ذلك . وهذا خلاف قوله تعالى : { فعدة من أيام أخر} [ البقرة : 184 ] فإن صامها متفرقات أو متتابعات أجزأه ذلك لأن اللفظ مطلق فلك الخيار .
بعد أن اتضح لك المطلق والمقيد خذ بارك الله فيك هذا المثال :
قال تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } [ المائدة : 38 ](1/33)
فكلمة : { أيديهما } نكرة وجاءت في سياق الإثبات فتفيد الإطلاق . واليد لفظ عام يطلق على اليد من الكف إلى الكتف . فإذا سرق سارق نقطع يده من أين ؟! من الرسغ أم من المرفق أم من الكتف ؟ وكل هذه يدٌ . من أين نقطع يد السارق وليس في القرآن نصٌ يبين مكان القطع ؟
فهذا إطلاق في كتاب الله تعالى قيدته السنة بثلاثة قيود وهي :
1- قيمة المسروق.
2- المكان الذي سرق منه - الحرز - .
3- أن لا يكون للسارق شبهة حق في المسروق .
إذا نفينا هذه الثلاثة نقطع يده.
? أولاً : متى يقال هذا سارق ؟ هل ورد فيها نص من كتاب الله ( ؟
الجواب : لم يرد .
إذاً فهيا بنا إلى هذا الصرح الشامخ - السنة النبوية المباركة - لنرى هل ورد فيها نص بذلك فنجد أن النبي ( قال : " تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً " (1) فلو سرق أقل من ربع دينار لا يسمى سارقاً ، ولو سمي سارقاً لا تقطع يده لأن قيمة نصاب القطع لم تبلغ ، والنبي ( قطع يداً في مجنٍ قيمته ثلاثة دراهم " تقطع اليد في ثمن المجنَّ " (2) ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : " أن رسول الله ( قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم " (1) فلا تعارض بين الحديثين لأن ثلاثة دراهم تعدل ربع دينار .
إذن فلا بد من مراعاة نصاب المسروق وأن يكون ربع دينار فصاعداً وهذا غير موجود في كتاب الله تعالى.
? ثانياً : لابد أن يكون المسروق حرزاً - يعني محفوظاً في مكان - لما صح عن النبي ( عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله ( أنه سُئِلَ عن الثمر المعلق فقال : " من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذٍ خُبْنَةً فلا شيء عليه ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مِثْلِيَّةٍ والعقوبة ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع "(2).(1/34)
والمعنى : إذا أخذ أي رجل صاحب حاجة - جوع - ثمراً أو غيره من بستان ليسد حاجته الضرورية حتى لا يموت فلا شيء عليه فإذا أخذ منه شيئاً بعد أن أكل وسد جوعه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ، فإن أخذه من الجرين وهو الجوخان - مكان حفظ الثمر - وبلغت قيمته ربع دينار تقطع يده.
فإن أخذ ثمراً أو نحوه ليسد حاجته الضرورية فلا يكون سارقاً ولا شيء عليه حتى لو كان صاحب الثمر كارهاً لذلك ، بشرط أن لا يبغي - يعني لا يأخذ شيئاً بعد سد رمقه لما صح عن النبي ( : " أن عبداً سرق وَدِيَّاً(3) من حائط رجل فغرسه في حائط سيده فخرج صاحب الوَدِيِّ يلتمس وَدِيَّه فوجده ، فاستعدى على العبد مروان بن الحكم وهو أمير المدينة يومئذٍ فسجن مروانُ العبدَ ، وأراد قطع يده ، فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج فسأله عن ذلك ، فأخبره أنه سمع رسول الله ( يقول : " لا قطع في ثمرٍ ولا كثر " (4) فقال الرجل : إن مروان أخذ غلامي وهو يريد قطع يده وأنا أحب أن تمشي معي إليه لتخبره بالذي سمعت من رسول الله ( ، فمشى معه رافع بن خديج حتى أتى مروان بن الحكم ، فقال له رافع : سمعت رسول الله ( يقول : " لا قطع في ثمرٍ ولا كثر " فأمر مروان بالعبد فأُرْسِلَ .(5) قال أبو داود : ( الكثر : الجمار ) . فقطع اليد مربوط بأن يكون المسروق محرزاً وهذا ليس في القرآن ، ومما يؤيد مسألة الحرز حديث صفوان بن أمية ( قال : كنت نائماً في المسجد على خميصة ليَ ثمن ثلاثين درهماً فجاء رجل فاختلسها مني ، وفي رواية : فاستله من تحت رأسه ، فاستيقظ فصاح به فأخذ الرجل فأُتيَ به رسول الله ( ، فأمر به ليقطع قال صفوان : فأتيته فقلت : أتقطعه من أجل ثلاثين درهماً أنا أبيعه وأنسأه ثمنها قال ( : " فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به " وقطعت يده.(6)(1/35)
? ثالثاً : أن لا يكون للسارق شبهة حق في المسروق : كأن يكون شريكاً معه في تجارة وادّعى أنه جار عليه ، أو أي شبهة أخرى ، فلا يقام عليه الحد لقول ابن مسعود ( : ( ادرؤوا الجلد والقتل عن المسلمين ما استطعتم )(1) إذا قامت شبهة ، فلا تقم الحد لأن دم المسلم معصوم بيقين والشبهة عارضة ، فيقدم اليقين على الشبهة ، فحفظ دمه وعضوه آكد وأيقن من الشبهة الواردة .
ولذلك قال عمر ( : ( لأن أعطل الحدود بالشبهات أحبُّ إليَّ من أقيمها في الشبهات )(2).
قال ابن المنذر : ( أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الحدود تدرأ بالشبهات )(3) ، لحديث : "ادرؤوا الحدود بالشبهات " (4).
فهذه ثلاثة شروط(5) لابد أن تتوفر في الشخص حتى يسمى سارقاً : قيمة المسروق أي بلوغه نصاب القطع ( ربع دينار ) ، الحرز ، وأن لا يكون للسارق شبهة حق في المسروق .
هل في القرآن الكريم كل هذا ؟! ليس فيه منه شيءٌ ، إنما حكمنا بهذا من السنة المباركة .
بعد أن حققنا أنه سارق يريد الحاكم أن يقطع يده فمن أين نقطعها ؟ وليس بيان ذلك في القرآن ؟
فجاءت السنة المباركة فبينت أن القطع من الرسغ وهو مفصل الكف .
قال في ( المغني ) : ( وابتداء قطع السارق أن تقطع يده اليمنى من مفصل الكف ويحسم (6) فإن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب وحسمت )(7).
وروي أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قالا : ( إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من مفصل الكوع )(8).
وفي ( كتاب الحدود ) لأبي الشيخ من طريق نافع عن ابن عمر ( : ( أن النبي ( ، وأبا بكر ، وعمر وعثمان كانوا يقطعون من المفصل ).
قال العلامة الألباني : وله شواهد :
منها عن عبد الله بن عمرو قال : ( قطع النبي ( سارقاً من المفصل )(9) ومنها عن رجاء بن حيوة عن عدي أن النبي ( قطع رجلاً من المفصل والعمل منذ عهد النبوة على هذا .
? دمغ شبهة :(1/36)
بعد العلم بهذا البحث السابق الخاص بحد السرقة لك أيها المسلم أن تصحِّح هذه الجزئية إن كانت عندك غير صحيحة وهي :
القول الساقط المتهافت الذي لا يحتاج إلى أدلة لتسقطه ، فهو ساقط بنفسه وهو : القول المشهور : ( أن عمر بن الخطاب ( أسقط وأوقف حَدَّ السرقة في عام الرمادة فأوقف النص للمصلحة )
الهالك الجاهل الذي قال هذا الهراء الذي يهرف بما لا يعرف كان يقول : نحن يجوز لنا ولنا الحق في أن نأكل الربا إذا كانت الدولة تحتاج إلى ذلك ، لأن هذه مصلحة ، وكما أن عمر ( ترك الحد الذي في كتاب الله للمصلحة ، فلنا أن نأكل الربا للمصلحة .
وهذا كقياس إبليس إذ قاس النار على الطين ، قاس النار التي هي مادة الخراب على الطين الذي هو مادة الحياة. قياس معكوس ، وكل قياس معكوس هو من قياس إبليس.
? السؤال الآن هو : " هل عمر فعلاً أوقف الحد للمصلحة ؟ "
? الجواب : لا حاشا وكلا .
? إذن ما الذي حدث ؟
? الجواب : أن عمر ( قال : ( لا قطع في عام سنة ) (1)
قال الإمام أحمد رحمه الله : (( لا قطع في المجاعة ، يعني : أن المحتاج إذا سرق ما يأكله فلا قطع عليه ، لأنه مضطر وروى الجوزجاني عن عمر ( أنه قال : ( لا قطع في عام سنة ) . وقال : سألت أحمد عنه فقلت : تقول به ؟ قال : أي لعمري لا أقطعه إذا حملته الحاجة والناس في شدة ومجاعة )).
وعن الأوزاعي مثل ذلك.
قال في ( المغني ) : ( وهذا محمول على من لا يجد ما يشتريه ، أو لا يجد ما يشتري به ، فإن له شبهة في أخذ ما يأكله ، أو ما يشتري به ما يأكله وقد روي عن عمر ( أن غلمان حاطب بن أبي بلتعة انتحروا ناقةً للمزني فأمر عمر بقطعهم ، ثم قال لحاطب : إني أراك تجيعهم فدرأ عنهم القطع لما ظنه يجيعهم ، فأما الواجد لما يأكله أو الواجد لما يشتري به ، وما يشتريه فعليه القطع ، وإن كان بالثمن الغالي . ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي )(2).(1/37)
فالذي قاله عمر ( : أن الذي يأتيني في هذه المجاعة وقد أخذ شيئاً فليس هو بسارق إنه يريد أن يأكل حتى لا يموت إذن فهو مضطر ، وقد قال تعالى : { فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فإن ربك غفور رحيم } [الأنعام : 145 ] ، فليس بسارق إذن عند عمر ( ، وهو الحق ، ولو ثبت أنه مستغنٍ فسرق لقطع عمر ( يده.
ثم : ليس من سلطان عمر ( ولا من سلطان أحد على الإطلاق أن يُوقِفَ حداً أجراه الله تعالى في كتابه ، فإن النبي ( قال لِحِبِّهِ وابن حِبِّهِ أسامة بن زيد رضي الله عنهما : " أتشفع في حدٍّ من حدودِ الله يا أسامة .. وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها " (1) ، أفيحل لعمر أو غيره بعد هذا القسم المغلَّظ أن يوقف حدّاً حدَّه الله ( في كتابه ؟! سبحانك هذا بهتان عظيم .
فالحد إذا رُفِعَ للحاكم صار حقاً لله وليس من حق أحد .
? رد على بعض العلمانيين :
إن بعض العلمانيين اللادينيين ينكرون حديث النبي ( : " تقطع اليد في ربع دينار " فيقولون : يَدٌ تمثل حياة الإنسان نقطعها في ربع دينار ؟!
هؤلاء الذين سماهم الأديبُ كامل كيلاني رحمه الله يوماً بـ : " المجددينات " فقال له سامعه : ما هذا الجمع الجديد لا هو جمع مذكر سالم " مجددون " ولا جمع مؤنث سالم " مجددات " فقال له الأديب قولاً أروع من التسمية نفسها فقال رحمة الله عليه : هذا جمع " مخنث سالم " فأقسم له سامعه أن اللغة العربية في أشد الحاجة إلى هذا الجمع خصوصاً في هذه الأيام .
هؤلاء الذين تربوا على موائد الغرب فأكلوا من أوساخ فكرهم وشربوا من عفن معتقدهم ، فلما أرادوا أن يتغوطوا جاءوا إلى بلادنا لذلك لا نشم منهم إلاَّ العفن وليس لهؤلاء المجددينات سلف في ذلك إلاّ ذلك العمي أعمى البصر أعمى البصيرة أبو العلاء المعري الذي صدق فيه قول الشاعر :
تعس العميُّ أبو العلاء فإنه ………قد صار مجموعاً له العميان
وصدق فيه قول نفسه لا رحمه الله :(1/38)
دُعيتُ أبا العلاء وذاك مَيْنٌ ………ولكن الصحيح أبا النزول(2)
وما صدق إلا في هذا البيت.
هذا العميُّ اعترض على هذا الحديث قبل ذلك لما رحل إلى العراق ببيتين من الشعر ، وطلبه الفقهاء ليقتلوه ففر هارباً والبيتان هما :
تناقض ما لنا إلاّ السكوت له ………وأن نعوذ بمولانا من النار
يد بخمس مىءٍ(1) من عسجد وُدِيَتْ……ما بالها قُطِعَتْ في ربع دينار
اعتراض هذا مُحَصِّلتهُ : ( لما كانت دية اليد الواحدة على النصف من دية الرجل لأن كما هو معروف أن العضو الذي لا يوجد في الجسم إلا مرة واحدة ففيه دية كاملة كاللسان والأنف ، أما العضو الذي يوجد مرتين كاليدين والأذنين والرجلين والعينين ففي قطعه ظلماً نصف دية ، ودية الرجل ألف دينار من ذهب فتكون دية اليد خمسمائة دينار من ذهب ، فَيَدٌ بهذه القيمة تقطعها في ربع دينار ؟!) كلام ظاهره الرحمة وباطنه من قِبَلِهِ العذاب . وقد تنطلي هذه الشبهة على ضعفاء العقول .
لكن رد عليه القاضي عبد الوهاب من المالكية ردَّاً قصيراً رائعاً جداً فقال له : ( لما كانت أمينة كانت ثمينة ، فلما خانت هانت. ثم قال له :
صيانة العضو أغلاها وأرخصها……صيانة المال فافهم حكمة الباري(2)
وهذا مقتضى حفظ حقوق العباد لقوله تعالى : { ولكم في القصاص حياة } [ البقرة :179 ] ، ولقول العرب المشهور : ( القتل أنفى للقتل ) فلو علم السارق أنه لو سرق سَتُقْطَعُ يده أو قَتَل سيُقتل فلن يفعل ذلك .
فهذه كلمة اعتراضية في الرد على هؤلاء المضللين ، ولا ينكر القطع إلاّ من لا حظ له في الإسلام.
القسم الثالث
أن تأتي السنة بشيءٍ زائد على ما في القرآن
الذي عليه أهل العلم أن الزيادة من السنة على ما في القرآن مقبولة لا شك فيها كما قال الإمام الشوكاني رحمه الله :(1/39)
( اعلم أنه قد اتفق من يُعْتَدُّ به من أهل العلم على أن السنة المطهرة مستقلة بتشريع الأحكام ، وأنها كالقرآن في تحليل الحلال وتحريم الحرام ، وقد ثبت عنه ( أنه قال : " ألا وإني أوتيتُ القرآن ومثله معه " (1) أي أوتيت القرآن وأوتيتُ مثله من السنة التي لم ينطق بها القرآن . وذلك كتحريم لحوم الحمر الأهلية وتحريم كل ذي ناب من السباع ومُخْلَبٍ من الطير ، وغير ذلك مما لم يأت عليه الحصر ، وأما ما يُرْوى من طريق ثوبان في الأمر بعرض الأحاديث على القرآن فقال يحي بن معين : إنه موضوع وضعته الزنادقة ، وقال الشافعي رحمه الله : (ما رواه أحد عمن يثبت حديثه في شيءٍ صغير ولا كبير ).
وقال ابن عبد البر في ( جامع بيان العلم ) : ( قال عبد الرحمن بن مهدي : الزنادقة والخوارج وضعوا حديث : " ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق كتاب الله فأنا قلته ، وإن خالف فلم أقله " . وقد عارض حديث العرضِ قومٌ فقالوا : وعرضنا هذا الحديث الموضوع على كتاب الله فخالفه لأنا وجدنا في كتاب الله : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } [ الحشر :7 ] ، ووجدنا فيه : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } [ آل عمران : 31 ] ، ووجدنا فيه : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } [ النساء : 80 ] . انتهى(2).
فالزيادة إذن من السنة على ما في القرآن ثابتة ومقبولة والتسليم بها من ضروريات الإيمان . وهذا مما انفردت به السنة في الزيادة على القرآن مثل :(1/40)
1- قال تعالى : { قل لا أجد في ما أوحي إليَّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير } الآية [ الأنعام : 145 ]. فهذه المحرمات من المطعومات في الآية ، فمقتضى ظاهر القرآن إباحة ما عداها ، فجاءت السنة فحرمت غيرها كما في حديث أنس ( قال : لما كان يوم خيبر أمر رسول الله ( أبا طلحة فنادى : ( إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس ) (3) فنهى عنها رسول الله ( وليس في القرآن نص بتحريمها .
2- ومن ذلك نهيه ( عن : ( أكل كل ذي ناب من السباع وعن أكل كل ذي مُخْلَب من الطير )(1).
3- ومنه : نهيه ( : ( نهى أن يبال في الماء الراكد )(2).
4- ونهيه ( عن التزعفر للرجل (3).
5- ونهى ( أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده اليسرى ، وقال : " إنها صلاة اليهود"(4).
هذا وأحاديث أخرى كثيرة سواء في النهي أو الإباحة لا تتسع هذه العجالة لذكرها نتعبَّدُ لله بها وليس في القرآن ذكر لشيء منها . فهي زائدة قطعاً على ما في القرآن .
* قال الإمام الأوزاعي رحمه الله : ( الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب ).
* قال أبو عمر ابن عبد البر : ( أنها - أي السنة - تقضي عليه - أي القرآن - وتبين المراد منه ).
* قال يحي بن أبي كثير : ( السنة قاضية على الكتاب ).
* قال الشوكاني رحمه الله : ( والحاصل أن ثبوت حجية السنة المطهرة ، واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية ولا يخالف في ذلك إلاّ من لا حَظَّ له في دين الإسلام )(5).
قلتُ : فقد استبان بفضل الله وحسن توفيقه من خلال هذه الأمثلة التي ضربناها مكانة السنة المباركة في التشريع وأنه لا مدخل لأحدٍ للطعن فيها إلا الكفر أو الجهل وسوء الطوية وما تجرأ أحد على الطعن في هذا الصرح الشامخ إلاّ هؤلاء الشرذمة اللادينيون العلمانيون الذين تجرأوا على الصحابة بل وعلى النبي ( ، فاللهم هداك .(1/41)
ثم خرج بعض هؤلاء المغرورين بهؤلاء فأرادوا أن يواصلوا السير على دربهم يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون .
إن هؤلاء المارقين ما ظهرت لهم شوكة ولا علت لهم كلمة إلاّ بسبب جهل أبناء الإسلام وقلة معرفتهم بدينهم وواقعهم وعجز علمائه الذين أصبح غالبهم علماء سلطة وطلاَّب دنيا والذين صدق فيهم قول الشاعر :
يقولون لي : فيك انقباض وإنما
أرى الناس من دناهم هان عندهم
ولم أقض حق العلم إن كان كلما
وما كل برق لاح لي يستفزُّني
إذا قيل : هذا منهلُ قلت قد أرى
أنهنهها عن بعض ما لا يشينها
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي
أأشقى به غرساً وأجنيه ذلة
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
ولكن أهانوه فهان ودنسوا
رأَوْا رجلاً عن موقف الذل أحجما
ومن أكرمته عزةُ النفس أكرما
بدا طمعٌ صيرته لي سلما
ولا كل من لاقيت أرضاه منعماً
ولكن نفس الحر تحتمل الظما
مخافة أقوال العِدا فيما أولما
لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
إذن فاتباع الجهل قد كان أحزما
ولو عظَّموه في النفوس لُعظِّما
مُحَيَّاه بالأطماع حتى تجهما
فزلّت أقدام أكثرهم إلاّ من رحم الله وقليل ما هم ، زلت أقدامهم رغبة أو رهبة فضلوا وأضلوا مع سوء العاقبة وقبح الآثار هذا والله نسأل أن لا يجعل ما كتبناه علينا وبالاً وأن يرزقنا العمل به سبحانه وتعالى .
وصلي اللهم وسلم وبارك على النبي وآله
والحمد لله أولاً وآخراً ظاهراً وباطناً
والحمد لله رب العالمين
وكتب
أبو إسماعيل الحمراويُّ
إبراهيم بن فتحي عبد المقتدر
في عشية يوم الأحد قبيل العشاء الأخرة
27 / 6 / 1419 هـ
الفهرس
? تقديم فضيلة الشيخ وحيد عبد السلام بالي ...........................................
2
1- المقدمة ...............................................................................
3
2- توطئة لا بد منها ......................................................................
9(1/42)
3- أقسام الحديث .........................................................................
11
4- تعريف المتواتر : شروطه - أقسامه - حكمه ......................................
11
5- تعريف حديث الآحاد .................................................................
12
6- حجية خبر الآحاد .....................................................................
12
7- تقسيم نصوص السنة .................................................................
19
8- القسم الأول : أن تأتي السنة بما في القرآن .........................................
20
9- القسم الثاني : أن تأتي السنة لتبين ما في القرآن ....................................
22
10- السنة تقضي على الكتاب ..........................................................
22
11- كيفية قضاء السنة على الكتاب .....................................................
27
12- الوجه الأول : ( أنها تبين مجمله ) ................................................
28
13- تعريف المجمل .....................................................................
28
14- تعريف المبيَّن ......................................................................
28
15- الوجه الثاني : ( أنها تخصَّص عامَّه ) ............................................
29
16- تعريف الخاص .....................................................................
29
17- تعريف العام ........................................................................
29
18- صيغ العموم ........................................................................
29
19- أمثلة لبيان العموم وكيف خصصته السنة .........................................
29(1/43)
20- فائدة هامة ...........................................................................
31
21- الوجه الثالث : ( أنها تقيد مطلقه ) .................................................
34
22- تعريف المقيد .......................................................................
34
23- تعريف المطلق ......................................................................
34
24- مثال لتوضيح المطلق والمقيد ......................................................
34-35
25- دمغ شبهة ...........................................................................
38
26- رَدٌّ على بعض العلمانيين ..........................................................
39
27- القسم الثالث من أقسام نصوص السنة ( أن تأتي بشيءٍ زائد على ما في القرآن) ....................................................................................
41
28- أقوال العلماء في قضاء السنة على القرآن ........................................
42
29- الخاتمة .............................................................................
43
30- الفهرس ..............................................................................
44
(1) رواه مسلم ( في كتاب الجمعة ) باب ( خطبته ( في الجمعة ).
(2) حديث صحيح رواه مسلم ( الأمارة ) باب ( قول النبي ( لا تزال طائفة من أمتي ) ( 1920 ) ، وأبو داود ( 4252 ) والترمذي ( 2177 ) و ( 2230 ) ، وابن ماجة ( 10 ) في "المقدمة" باب ( إتباع السنة ) وأحمد في المسند ( 5/278 و 279 ) والحاكم ( 4/449-450 ) من حديث ثوبان مرفوعاً ، وصححه الألباني في ( السلسلة الصحيحة ) رقم ( 1957 ) والحديث رواه أيضاً البخاري ( 13/250 ) في كتاب ( الاعتصام ) باب ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ).(1/44)
(1) والدليل على أن القرآن سيرفعه الله تعالى من بين خلقه في آخر الزمان ما رواه حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله ( : ( يُدرسُ الإسلام كما يُدرَسُ وَشْيُ الثوب حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة ولا نُسك ولا صدقة وليُسْرِىَ على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية وتبقى طوائف من الناس : الشيخ الكبير والعجوز يقولون : أدركنا آباءَنا على هذه الكلمة : " لا إله إلا الله " فنحن نقولها) أخرجه ابن ماجة ( 4049 ) والحاكم ( 4/473 ) من طريق أبي معاوية عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي بن خراش عن حذيفة ، وصححه الألباني في ( الصحيحة ) ( 87 ) .
يُدرسُ : من دَرَسَ الرسمُ دروساً إذ عفا وهلك. وشيُ الثوب : نقشه.
قال الألباني حفظه الله تعليقاً على هذا الحديث : ( وفي هذا الحديث نبأٌ خطير وهو أنه سوف يأتي يومٌ على الإسلام يمحى أثره وعلى القرآن فيرفع فلا يبقى منه ولا آية واحدة وذلك لا يكون قطعاً إلا بعد أن يسيطر الإسلام على الكرة الأرضية جميعها ، وتكون كلمته فيها هي العليا . كما هو نص قول الله تبارك وتعالى : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله } [ الفتح : 28 ] وكما شرح رسول الله ( ذلك في أحاديث كثيرة سبق ذكر بعضها في المقال الأول من هذه المقالات ( الأحاديث الصحيحة ) وما رَفْعُ القرآن الكريم في آخر الزمان إلا تمهيداً لإقامة الساعة على شرار الخلق الذين لا يعرفون شيئاً من الإسلام البتة حتى ولا توحيده وفي الحديث إشارة إلى عظمة القرآن وأن وجوده بين المسلمين هو السبب لبقاء دينهم ورسوخ بنيانه وما ذلك إلا بتدارسه وتدبره وتفهمه ولذلك تعهد الله تبارك وتعالى بحفظه إلى أن يأذن الله برفعه .(1/45)
فما أبعد ضلال بعض المقلدة الذين يذهبون إلى أن الدين محفوظ بالمذاهب الأربعة وأنه لا ضير على المسلمين من ضياع قرآنهم لو فرض وقوع ذلك... فتأمل أيها القاريء اللبيب مبلغ ضرر ما نشكو منه لقد جعلوا القرآن في حكم المرفوع وهو لا يزال بين ظهرانينا والحمد لله فكيف يكون حالهم حين يسرى عليه في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية ؟! فاللهم هُداك ) أ.هـ ( السلسلة الصحيحة 1 / 127-130 ).
(2) ابن حزم هو أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري . مولده بقرطبة سنة 384 وكان وزير المنصور أبي عامر محمد بن أبي عامر وكان متفنناً في علوم جمة عاملاً بعلمه زاهداً في الدنيا بعد الرياسة وله تآليف كثيرة منها في فقه الحديث ( الإيصال إلى فهم الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام والسنة والإجماع ، والمحلى وهو الذي دون فيه مذهبه ، والفصل في الملل والأهواء والنحل ، وطوق الحمامة وغيرها ) توفي سنة 456 رحمه الله ورضي عنه. راجع ترجمته في ( وفيات الأعيان ).
(1) نقلاً على كتاب ( الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة ) بتصرف يسير.
(1) رواه البخاري في ( التاريخ الأوسط ).
(2) راجع ( لسان الميزان ) ( 5/288-289 ).
(1) نقلاً عن ( الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ) بتصرف.
(1) رواه البخاري ( 4585 ) ومسلم في ( كتاب الفضائل ) باب ( وجوب إتباعه ( ).
(1) رواه أحمد وأصحاب السنن وابن حبان عن أبي ذر ورواه مسلم في كتاب ( الصلاة ) باب ( سترة المصلي ) ( 4/226-227 ).
(2) رواه أبو داود وابن ماجة عن ابن عباس وصححه الألباني في ( صحيح أبي داود ) ( 700 ).(1/46)
(3) رواه أبو داود وهو في صحيح أبي داود ( 641 ) والترمذي ( 2/ 215 - 216 ) وابن ماجة ( 655 ) وابن أبي شيبة ( 2/28/1 ) والبيهقي ( 2/233 ) وأحمد ( 6/150 ، 218 ، 259 ) عن عائشة وصححه الألباني في الإرواء ( 196 ) قال في ( فقه المرأة المسلمة ) : ( وقوله : حائض : أي التي بلغت الحيض أي بالغة ويوضحه لفظ الطبراني في الصغير والكبير من حديث أبي قتادة بلفظ : ( لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى تواري زينتها ولا من جارية بلغت الحيض حتى تختمر ) أ.هـ ( فقه المرأة المسلمة ) ( ص / 72 ) فالمرأة البالغة تقطع صلاة الرجل إذا مرت بين يديه من دون السترة كانت حائضاً أو لم تكن.
(4) ولمثل هذا الرجل شَبَهُ وأضراب قال عن بعضهم شيخُنا العلامة أبو إسحاق الحويني في معرض كلامه عن حديث : ( إذا وقع الذباب في إناء أحدكم ... ) الحديث : ( وجمعني مجلس بواحدٍ من هؤلاء " المجددينات " فقال لي : كيف نقدم ديننا إلى الكافرين ؟ أبمثل هذا الحديث =ونحن نصرخ في الآفاق بأن ديننا دين النظافة ؟! فقلت له : وهل قال النبي ( : إذا رأيتم الذباب فاصطادوه ثم اغمسوه حتى تلزمني بهذا القول المنكر ؟! ثم إن النبي ( لم يوجب عليك أكله ، وإنما أوجب غمسه فإن طابت نفسك فكل و إلا فما أجبرك أحد ، وقد علل النبي ( وجوب الغمس بقوله : " إنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء " فإذا غمسته انفجر ذاك " الكيس " الذي فيه الدواء بفعل مقاومة المأكول ، فتكون النتيجة براءة الطعام من الضرر .(1/47)
فما كاد يسلم حتى أخرجت له بحثاً لأحد الأطباء المشهورين في المجامع الطبية العالمية يقرر ما ذكره النبي ( فحينئذٍ سكت وأطرق ، ثم قال : نحن نسلم لأهل العلم لاسيما إذا كان من المشهود لهم . فصرخت فيه قائلاً : إن رسول الله ( هو سيد كل من يُنسب إلى علم في الدنيا ، فكيف لم تسلم له لما أخبرك وسلمت " للخواجة " الكافر الذي لا يعرف شيئاً عن الاستنجاء ؟! الواقع أننا مصابون في إيماننا وإن كثيراً من هؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى : { وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون } [ الزمر : 45 ] أ.هـ نقلاً عن ( الجزء فيه من الفوائد المنتقاه الحسان العوالي ) للسمرقندي بتحقيق شيخنا أبي إسحاق ( ص / 103 ) .
(1) تدريب الراوي ( 1/177 ).
(2) تيسير مصطلح الحديث للطحان ( ص / 19 - 22 ).
(3) راجع ( نزهة النظر ) ( ص / 26 ) و ( لمحات في أصول الحديث ) ( ص / 88 - 89 ).
(1) رواه البخاري ( 1496 ) ومسلم في باب ( الدعاء إلى الشهادتين ) من ( كتاب الإيمان ) .
(2) رواه البخاري ( 4486 ).
(3) رواه أحمد وابن ماجة عن أنس وصححه الألباني في ( صحيح الجامع ) ( 6640 ) ورواه الترمذي وقال : ( حديث حسن صحيح ) .
(1) " الرسالة " للإمام الشافعي ( ص / 402 - 403 ) ، ( لمحات في أصول الحديث ) لمحمد أديب صالح ( ص/ 99 ).
(2) العاقلة : هي العصبة والأقارب من قبل الأب الذين يُعْطَوْنَ دية القتيل الخطأ ( النهاية ).
(3) رواه أحمد وأبو داود ( 2927 ) والترمذي وانظر " الرسالة " للشافعي ( ص/ 426 ).
(4) الجوَّانية : بالجيم موضع في شمال المدينة بقرب أُحد.
(5) آسف : أغضب .
(6) صككتها : أي ضربت وجهها بيدي مبسوطة .
(1) رواه مسلم ( 537 ) باب ( تحريم الكلام في الصلاة ) وأبو داود ( 930 ) والنسائي ( 3/14-19 ) في ( الصلاة ) باب الكلام في الصلاة ، وأحمد ( 5/447-448 ) .(1/48)
(2) الإمام أبو الحسن الأشعري هو العلامة إمام المتكلمين أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أمير البصرة بلال بن أبي بردة بن صاحب رسول الله ( أبي موسى عبد الله بن قيس بن حضار الأشعري اليماني البصري ولد سنة ستين ومئتين وكان عجباً في الذكاء وقوة الفهم ولما برع في معرفة الاعتزال كرهه وتبرأ منه وصعد إلى الناس فتاب إلى الله تعالى منه ثم أخذ يرد على المعتزلة ويهتك عوارهم .
قال الفقيه أبو بكر الصرفي : ( كانت المعتزلة قد رفعوا رؤسهم حتى نشأ الأشعري فحجرهم في أقماع السمسم ). ( ترجمته في السير ).
(3) راجع ( العقيدة الطحاوية ) ( 290 - 306 ).
(4) رواه مسلم في ( كتاب الحيض ) باب ( الوضوء مما مست النار ) ( 352 ، 353 )(1/49)
قلت : وهذا الحديث منسوخ قال الإمام النووي رحمه الله في ( شرح صحيح مسلم ) ( 4/42-44 ) : ( ذكر مسلم رحمه الله تعالى في هذا الباب الأحاديث الواردة بالوضوء مما مست النار ثم عقبها بالأحاديث الواردة بترك الوضوء مما مست النار فكأنه يشير إلى أن الوضوء منسوخ وهذه عادة مسلم وغيره من أئمة الحديث يذكرون الأحاديث التي يرَوْنها منسوخة ثم يعقبونها بالناسخ وقد اختلف العلماء في قوله ( : " توضؤا مما مست النار فذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أنه لا ينتقد الوضوء بأكل ما مسته النار ، ممن ذهب إليه : =( أبو بكر الصديق ( وعمر بن الخطاب ( وعثمان بن عفان ( وعلي بن أبي طالب ( وعبد الله بن مسعود وأبو الدرداء وابن عباس وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وجابر بن سمرة وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو هريرة وأبيّ بن كعب وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وعائشة - رضي الله عنهم أجمعين - وهؤلاء كلهم صحابة وذهب إليه جماهير التابعين وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه ويحي بن يحي وأبي ثور وأبي خثيمة - رحمهم الله - وذهب طائفة إلى وجوب الوضوء الشرعي وضوء الصلاة بأكل ما مسته النار وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري والزهري وأبي قلابة وأبي مجلز واحتج هؤلاء بحديث : " توضؤا مما مست النار " . واحتج الجمهور بالأحاديث الواردة بترك الوضوء مما مسته النار وقد ذكر مسلم هنا منها جملة وباقيها في كتب أئمة الحديث المشهورة وأجابوا عن حديث : " الوضوء مما مست النار " بجوابين :-
أحدهما : أنه منسوخ بحديث جابر ( قال : " كان آخر الأمرين من رسول الله ( ترك الوضوء مما مست النار " وهو حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من أهل السنن بأسانيدهم الصحيحة .
الجواب الثاني : أن المراد بالوضوء : غسل الفم والكفين.(1/50)
ثم إن هذا الخلاف الذي حكيناه كان في الصدر الأول ثم أجمع العلماء بعد ذلك على : أنه لا يجب الوضوء بأكل ما مسته النار . والله أعلم.
قال صاحب المغني ( 1 /252 ) :( وما عدا لحم الجزور من الأطعمة لا وضوء فيه سواء مسته النار أو لم تمسه هذا قول أكثر أهل العلم وروي ذلك عن الخلفاء الراشدين وأبيّ بن كعب وابن مسعود وابن عباس وعامر ابن ربيعة وأبي الدرداء وأبي أمامه وعامة الفقهاء ولا نعلم اليوم فيه خلافاَ . وذهب جماعة من السلف إلى إيجاب الوضوء مما غيرت النار منهم ابن عمر وزيد بن ثابت وأبو طلحة وأبو موسى وأبو هريرة وأنس وعمر بن عبد العزيز وأبو مجلز وأبو قلابة والحسن والزهري لما روى أبو هريرة وزيد وعائشة أن رسول الله ( قال : " توضؤا مما مست النار " وفي لفظ : " إنما الوضوء مما مست النار " رواه مسلم ( 90 ) رواهن مسلم ولنا قول النبي ( : " ولا تتوضؤا من لحوم الغنم " وقول جابر : " كان آخر الأمرين من رسول الله ( ترك الوضوء مما مست النار " رواه أبو داود والنسائي ) أ.هـ ورواه أبو داود ( 192 ) والترمذي ( 80 ) والنسائي ( 1/107 ) وقال الألباني : ( صحيح ) .
قلت : فعلى كلام الإمام النووي المتقدم يكون في الوضوء مما مسته النار ثلاثة أقوال ، وهي :
الأول : أنه لا وضوء مما مست النار وأن الحديث منسوخ بحديث جابر وهذا قول الجمهور.
الثاني : إيجاب الوضوء مما مست النار لحديث : " توضؤا مما مست النار " .
الثالث : أن المقصود بالوضوء ليس الوضوء الشرعي الذي هو وضوء الصلاة وإنما المراد بالوضوء هنا غسل الفم والكفين . والراجح القول الأول وهو قول الجمهور لأن الحديث منسوخ بحديث جابر : " كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار " . والله أعلم .
(1) حديث : " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" ضعيف ضعفه الألباني في ( السلسلة الضعيفة ) ( 3151 ) .
(2) المهيع : هو الطريق الواسع.(1/51)
(2) نجامعها : يعني لم نصاحبها ولم نجتمع نحن وهي بل كنا نطلقها ونفارقها.
(3) والحديث رواه البخاري ( 4886 ) ومسلم في كتاب ( اللباس والزينة ) باب ( تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة ).
(4) الجامع لأحكام القرآن ( 18/17 ).
(5) حديث حسن رواه الترمذي ( 3663 و 3664 ) وابن ماجة ( 97 ) وأحمد ( 5/382 و 385 و 399 و 402 ) وقال الترمذي : حسن ، وانظر ( جامع الأصول ) ( 6383 ) .
(1) الجامع لأحكام القرآن ( 18/18 ).
(2) الجامع لأحكام القرآن ( 5/259 ).
(3) ( جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله ) لابن عبد البر ( 2/189 ).
(1) رواه البخاري ( 8 ) ومسلم في كتاب ( الإيمان ) باب ( أركان الإسلام ودعائمه ) والنسائي ( 2/268 ) والترمذي ( 2/101 ) وأحمد ( 2/143 ) وقال الترمذي : حسن صحيح .
(2) روى البخاري الشطر الأول منه ( 129 ) عن أنس بن مالك ، ورواه مسلم بهذا اللفظ عن جابر في كتاب ( الإيمان ) باب ( من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ) . ورواه أحمد عن أنس أيضاً بلفظ البخاري ( 12195 ) .
(3) رواه مسلم في كتاب ( البر والصلة ) باب ( تقديم الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها ).
(1) رواه البخاري ( 5976 ) ومسلم في كتاب ( الإيمان ) باب ( الكبائر وأكبرها ).
(2) رواه البخاري ( 25 ) ومسلم في كتاب ( الإيمان ) باب ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ) والترمذي ( 2610 ) وأبو داود ( 2640 ) والنسائي ( 5/14 ) .
(3) رواه ابن حبان ( 1166 ) وأحمد ( 5/425 ) والهيثمي ( 4/171 ) .
(4) رواه البخاري ( 5186 ) ومسلم في ( كتاب الرضاع ) باب ( الوصية بالنساء ).
(1) ( إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول )(ص/29) للشوكاني
(2) فتح الباري ( 8/39 ).
(3) هو حديث خزيمة بن ثابت وسيأتي.(1/52)
(1) صحيح رواه ابن ماجة ( 1924 ) وأحمد ( 5/213 ) والبيهقي ( 7/197 ) والنسائي في ( العشرة ) (77/1 ) وابن حبان ( 1299 و 1300 ) وغيرهم .
(2) فتح الباري ( 8/39 ).
(3) صحيح رواه أبو داود ( 297 ) وأبو عوانة ( 1/322 ) والنسائي ( 1/65 ) وغيرهم وله لفظ أوضح منه لفظاً وهو : ( إذا أتى قرؤك فلا تصلي ، وإذا مرّ قرؤك فتطهري ثم صلي مابين القرء إلى القرء ) رواه النسائي ( 1/44-45 ) وأبو داود ( 280 ) وابن ماجة ( 620 ) وراجع ( إرواء الغليل ) للألباني ( 2118 ).
(1) وهذا البيت له رواية أخرى بلفظ :
يا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ عليَّ فارضِ………له قروءٌ كقروءِ الحائضِ
(2) سبق تخريجه فراجعه غير مأمور.
(1) رواه مالك في كتاب ( الطلاق ) باب ( ما جاء في الأقراء وعدة الطلاق وطلاق الحائض ) ( 54 ) ( 2/576-577 ) ورواه الدارمي.
(2) المصدر السابق ( 55 ) .
(3) المصدر السابق نفسه ( 58 ) ( ج2 / 578 ) .
(4) …إذا قيل : من في العلم سبعة أبحر………روايتهم ليست عن العلم خارجة
فقل : هم عبيد الله عروة قاسم………سعيد أبو بكر سليمان خارجة
(5) رواه البخاري ( 5251 ) ومسلم في كتاب ( الطلاق ) باب ( تحريم طلاق الحائض بغير رضاها ).
(6) راجع في هذا البحث الرائق : ( تفسير القرآن العظيم ) ( 1/277-278 ) و ( الجامع لأحكام القرآن ) ( 3/113-117 )
(1) ( تفسير القرآن العظيم ) ( 1/278 ).
(1) أصول السرخسي ( 1/168 ).
(2) ( إرشاد الفحول ) ( ص/147 ) للشوكاني .
(3) المصدر السابق ( ص/ 148 ).
(4) ( أصول السرخسي ) ( 1/163-164 ) و ( شرح المنار ) ( ص/ 349- 350 ) وعبد الوهاب خلاف ( ص/ 188-189 ).
(1) ( أصول السرخسي ) ( 1/125 ) و ( شرح المنار ) ( ص/ 64-65 ) .
(2) ( إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول ) للشوكاني ( ص/ 125 ).
(3) المصدر السابق ( ص/ 98 ).
(4) ( الإتقان في علوم القرآن ) ( 2/16 ) و ( إرشاد الفحول ) ( ص/ 98 ).(1/53)
(5) ( إرشاد الفحول ) ( ص/99 ) و ( البيضاوي ) ( ص/50 ) و( المحلاوي ) ( ص/36 ) و(المسودة ) ( ص/574 ) و ( الآمدي ) (2/286 - 287).
(1) رواه البخاري ( 5108 و 5109 و 5110 ) ومسلم ( 1408 ) ومالك في ( الموطأ ) في كتاب ( النكاح ) باب ( ما لا يجمع بينه من النساء ) ( 20) وأبو داود ( 2065 و 2066 ) والترمذي ( 1126 )والنسائي ( 6/96-98 ) وأحمد ( 2/229 و 423 و 426 و 432 و 474 و 489 و 506 و 508 ) وابن ماجة ( 1929 ).
(2) رواه أبو داود ( 206 ) موصولاً وكذا النسائي ( 2/ 82 ) والترمذي ( 1/210 ) وعبد الرزاق ( 10758 ) وابن أبي شيبة (7/33/2 ) وابن الجارود ( 685 ) والبيهقي ( 7/166 ) وأحمد ( 2/426 ) وقال الترمذي : ( حديث حسن صحيح ).
(1) رواه أحمد ( 2/97 ) وعبد بن حميد في ( المنتخب من المسند ) ( 89 / 2 ) والعقيلي ( 231 ) وابن ماجة ( 3314 ) والحاكم والبيهقي ( 1/254 ) عن ابن عمر وصححه الألباني في ( الصحيحة ) ( 1118 ).
(2) رواه البخاري ( 4360 و 4361 و 4362 ) ومسلم في كتاب ( الصيد والذبائح ) باب ( إباحة ميتات البحر ) وأبو داود ( 3840).
(3) وَقْب عينه : الوَقب بفتح الواو وإسكان القاف وبالباء الموحدة هو داخل عينه ونقرتها .
(1) الفِدَر بكسر الفاء وفتح الدال : القطع .
(2) الوشائق : بالشين المعجمة والقاف هو اللحم يؤخذ فيغلى إغلاءً ولا ينضج ويحمل في الأسفار يقال : وشقت اللحم فاتشق والوشيقة الواحدة منه والجمع وشائق ووشق وقيل : الوشيقة : القديد ، والخبط هو ورق شجر السَلَم اليابس.
(3) رواه البخاري ( 6915 ) وأبو داود ( 4530 ) والترمذي ( 1/265 ) وأحمد ( 1/79 ) وابن الجارود ( 794 ) والدارمي (2/190) والطحاوي ( 2/110 ) ولفظه عند أبي داود : ( لا يقتل مؤمن بكافر ).
(4) صحيح رواه ابن ماجة ( 2662 ) وابن أبي عاصم ( 32 ) والدار قطني ( 347 ) وراجع ( إرواء الغليل ) للألباني ( 2214 ).
(5) تستأمي أمي : يعني تسترقها .(1/54)
(1) رواه ابن الجارود ( 788 ) والبيهقي ( 8/38 ) بهذا التمام والدار قطني ( 347 ) . وراجع ( إرواء الغليل ) ( 2214 ).
(2) رواه البخاري ( 6725 و 6726 ) ومسلم في كتاب ( الجهاد والسير ) باب ( حكم الفيء ).
(3) رواه الترمذي ( 2/14 ) وابن ماجة ( 2645 و 2735 ) وراجع ( الإرواء ) ( 1670 و 1671 و 1672).
(1) ( إرشاد الفحول ) ( ص/ 144 ).
(2) المصدر السابق و (الآمدي ) ( 3/ 3-4 ) في (الأحكام ) .
(3) إرشاد الفحول ( ص/ 144 )
(4) شرح مسلم الثبوت ( 1/360 )
(5) إحكام الأحكام للآمدي.
(1) رواه البخاري (6789 ) وأبو داود ( 4384 ) والنسائي وصححه الألباني في ( صحيح الجامع ) ( 2979 ) والدينار يساوي اليوم بالجرامات الذهبية ( 4.24 ) جرام ذهب وراجع ( الإكليل في شرح منار السبيل ) لشيخنا وحيد بالي ( 1 / 249 ).
(2) رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني في ( الصحيحة ) ( 2197 ).
(1) رواه البخاري ( 6795 ).
(2) رواه أبو داود ( 4390 ) وصححه الألباني في الإرواء ( 2481 ).
(3) الوَدِيُّ : بفتح الواو وكسر الدال وتشديد الياء - هو ما يقطع مما يخرج في أصول النخل ينقل ليزرع في مكان آخر .
(4) الكَثَرُ : بفتح الكاف والثاء المثلثة والراء - الجمار وهو شحم النخل .
(5) رواه أبو داود ( 4388 ) وأحمد ( 3/463 ) والنسائي ( 2/261 ) وغيرهم وصححه الألباني في الإرواء ( 2414 ).
(6) رواه أبو داود ( 4394 ) والنسائي ( 2 / 255 ) وابن الجارود ( 828 ) وصححه الألباني في الإرواء ( 2317 ).
(1) حديث ضعيف مرفوعاً ، صحيح موقوفاً على ابن مسعود وراجع ( الإرواء ) ( 2316 ) وهو وإن كان ضعيفاً إلا أنه صحيح المعنى وعليه العمل.
(2) قال السخاوي : ( وكذا أخرجه ابن حزم في ( الإيصال ) له بسند صحيح ) ، وراجع الإرواء ( 7/344 ).
(3) ( العدة ) ( ص/ 552 ).
(4) راجع الإرواء ( 2355 ).(1/55)
(5) هذه الثلاثة شروط هي أهم شروط القطع في السرقة وإلا فشروط القطع ثمانية وليست ثلاثة وهي : ( السرقة ، كون السارق مكلفاً ، كون المسروق مالاً ، بلوغه نصاب القطع " ربع دينار " إخراجه من حرز ، انتفاء الشبهة ، ثبوتها بشهادة عدلين أو الإقرار ، مطالبة المسروق منه بماله ) والله أعلم.
(6) يحسم : الحسم هو : وضع اليد بعد قطعها في زيت مغلي لتنسد أفواه العروق لئلا ينزف الدم .
(7) ( المغني ) ( 12 / 355 )
(8) راجع الإرواء ( 2430 )
(9) وراجع الإرواء ( 2430 ) وإن كان في أسانيدها مقال إلا أن العمل قد جرى على ذلك عند جماهير العلماء .
(1) حديث ضعيف ضعفه الألباني في ( الإرواء ) ( 2428 ) وأنا لم أورده احتجاجاً به واعتماداً عليه وإنما أوردته استئناساً لأن العمل عند العلماء منذ عهد الصحابة عليه .
(2) ( المغني ) ( 12 / 388 ) ، و ( منار السبيل ) ( 3 / 271 ).
(1) رواه البخاري ( 6788 ).
(2) وقد كان هذا الخبيث منكراً للنبوات والملائكة وكان يعرِّض بالإسلام وكان ظاهر الإلحاد ، ويبالغ في عداوة الأنبياء ، ولم يزل متخبطاً في تعثيره مشهور بالزندقة إلى أن هلك ، ومن أقبح شعره قبحه الله :
فلا تحسب مقال الرسل حقاً ……ولكن قول زور سطروه
وكان الناس في عيش رغيد……فجاءوا بالمحال فكدروه
فلربما قال قائل : فإذا كان هذا الخبيث بهذه المثابة من الكفر والزندقة فلماذا فُرِض علينا في المناهج الدراسية دراسة سيرته العفنه وأشعاره وغيره من سلفنا الصالح أولى منه بهذا الاهتمام ؟
قلنا : الجواب وإن كان مُحْرِجاً هو : أننا ما زلنا حتى اليوم نسير على مناهج " دنلوب " الملعون الإنجليزي وزير المعارف في مصر أيام الاحتلال البريطاني لمصر . وما زال في بلدنا وللأسف دناليب كثيرة .
(1) مىءٍ بميم مكسورة وهمز منونة : من جموع المئه وفي ( اللزوم ) ( 1/544 ) : بخمس مئين .
(2) ( ابن كثير ) ( 2/85 ) ، ( فتح الباري ) ( 12 / 100 ).(1/56)
(1) رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في ( صحيح الجامع ) ( 2640 ).
(2) إرشاد الفحول ( ص/ 29 )
(3) رواه البخاري ( 2991 ) ومسلم ( 1940 ).
(1) رواه مسلم في كتاب ( الصيد والذبائح ) باب ( تحريم أكل كل ذي ناب من السباع ... )
(2) رواه مسلم في كتاب ( الطهارة ) باب ( النهي عن البول في الماء الراكد ) .
(3) متفق عليه.
(4) رواه الحاكم ( 1 /230 ) وأبو داود ( 992 ) وصححه الألباني في ( الإرواء ) ( 2 / 103 ).
(5) ( إرشاد الفحول ) ( ص/29 ) ، و ( جامع بيان العلم ) ( 2 / 191 ).
??
??
??
??
10
منزلة السنة في التشريع ……(1/57)