بسم الله الرحمن الرحيم
قاعدة الاحتياط في الشريعة الإسلامية
وتطبيقاتها لدى بعض مفسري العصر الحديث (1)
الدكتور / عبد رب النبي صلى الله عليه وسلم عالم
قاعدة الاحتياط من القواعد التي لم تحظ بعناية الأصوليين والفقهاء كما حظيت بقية القواعد والأصول · فلا نكاد نعثر في كتب الأصول والتنظير الفقهي على ما يمكن أن يكون تعريفاً دقيقاً لها ، ولا ضابطاً صحيحاً لمعالمها وحدودها ، ولا تمييزاً واضحاً للفروق القائمة بينها وبين غيرها من القواعد المشابهة لها ، أو ذات الصلة الحميمة بها ، ولا توضيحاً شافياً لعلاقاتها بغيرها ، ولذلك بقي أمرها ملتبساً يحتاج إلى بيان وتوضيح(1)· فهل هي قاعدة شرعية ؟ أو أصولية ؟ أو فقهية ؟
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة سأحاول أن أجمع ما يتيسر من الإشارات واللمع المتفرقة في بعض كتب الأصول، وأن أنظِّم متناثرها، حسب الإمكان، في سلك واحد يجمع شتاتها، ويحدد بعض معالمها، ويضبط بعض علاقاتها·
أدلة ثبوت قاعدة الاحتياط (2):
لقد استقيت هذه الأدلة من كتاب الإحكام لابن حزم حيث أورد مجموعة من الأحاديث النبوية اعتمدها الذين أخذوا بهذه القاعدة على أنها الحجة عليها · وأهمها هي :
1- حديث النعمان بن بشير الذي سمع الرسول يقول: (إن الحلال بيِّن وإنّ الحرام بيِّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ، وإنَّ لكل ملك حمَى، وإنّ حمى الله محارمه) (1)· وساقه برواياته المختلفة ·
2- -حديث عطية السعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يَدَع ما لا بأس به حذراً لما به بأس) (2)·
__________
(1) منشورات مجلة البحوث الفقهية المعاصرة(1/1)
3- حديث النواس بن سمعان الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (البرُّ حسن الخلق ، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس) (3)·
4- حديث أيوب بن مكرز الذي جاء فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال لغلام من الأزد وقد أتاه يسأله عن الحرام والحلال: (إن الحلال ما اطمأنَّت إليه النفس ، وإن الإثم ما حاك في صدرك وكرهته ، أفتاك الناس ما أفتوك)(4)·
5- حديث تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل مشكلٍ حرام، وليس في الدين إشكال) (1)·
6- يضاف إلى هذا حديث: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) (2)، الذي ذكره الإمام ابن عبد السلام (3)·
بما أنني استقيت غالب هذه الأدلة من ابن حزم فلا بأس أن ألخص رأيه فيها ، إذ مزج في مناقشته بين قاعدة الاحتياط وقاعدة سد الذرائع، فأحاول تخليص ما يتعلق بقاعدة الاحتياط مما امتزج به من قاعدة سد الذرائع فأقول :
لقد أنكر ابن حزم دلالة هذه الأحاديث على وجوب الأخذ بقاعدة الاحتياط، ولكنه أقر أنها تحض على الورع، وأن ذلك (مستحب للمرء خاصة فيما أشكل عليه ، وأن حكم من استبان له الأمر بخلاف ذلك)· وأوضح أن النهي عن مواقعة الشبهات ليس لكونها حراماً ، بل خوفاً من الجسارة على الحرام ، أو لأن مقتحمها على يقين بأن فعله مؤد إلى حرام(4)·(1/2)
والذي ينبغي توكيده هو أن ما ينكره ابن حزم من قاعدة الاحتياط ، هو ما يؤدي بصاحبه إلى تحريم ما لم يحرمه الله تعالى ، لأنه يكون حينئذ مفترياً في الدين (5)، مخالفاً لقوله تعالى: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب (6)· ولقوله تعالى: قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون (1)· وقرر أن كل يقين لا يُرفع إلا بيقين آخر من نص أو إجماع ، ولذلك (فكل من حكم بتهمة أو باحتياط لم يستيقن أمره ، أو بشيء خوف ذريعة إلى ما لم يكن بعد - فقد حكم بالظن ، وإذا حكم بالظن فقد حكم بالكذب والباطل ، وهذا لا يحل ، وهو حكم بالهوى وتجنب للحق) (2)·
أنواع الاحتياط :
قرر الإمام ابن عبد السلام أن الاحتياط ضربان (3): ضرب مندوب وهو المعبر عنه بالورع ، ويدخل فيه الخروج من خلاف العلماء عند تقارب المأخذ، والشك في فعل الشيء أو تركه ، أو في أركانه أو شروطه (4)·
وضرب واجب ، وهو إذا كان الفعل وسيلة إلى ما تُحُقِّق تحريمه؛ فالمصلحة الدائرة بين الإيجاب والندب تُحمَل على الإيجاب احتياطاً، والمفسدة الدائرة بين الكراهة والتحريم تُحمَل على التحريم احتياطاً (5)·
علاقة قاعدة الاحتياط بغيرها من القواعد :
قاعدة الاحتياط ترتبط بكثير من الأصول والقواعد ، وتتصل بأبواب كثيرة من الفقه· فهي يُرجع إليها للترجيح بين الأحكام التكليفية الخمسة(6)، وبين ما يترتب على هذه الأحكام من مصلحة أو مفسدة (1)، وبين بعض الأحكام الوضعية كالرخصة والعزيمة (2)·(1/3)
ولها علاقة بقاعدة سد الذرائع · بل إن ابن حزم جمعهما في فصل واحد وناقش القائلين بهما دون تمييز واضح بينهما ، والشاطبي ذكرهما في سياق واحد عندما قال: (الشريعة مبنية على الاحتياط والأخذ بالحزم، والتحرز مما عسى أن يكون طريقاً إلى مفسدة · فإذا كان هذا معلوماً على الجملة والتفصيل ، فليس العمل عليه ببدع في الشريعة ، بل هو أصل من أصولها ، راجع إلى ما هو مكمل إما لضروري أو حاجي أو تحسيني) (3)·
ولها علاقة بقاعدة مراعاة الخلاف والخروج من خلاف العلماء ؛ إما لأن قاعدة مراعاة الخلاف مبنية على النظر في مآلات الأفعال (4) - وهو يقتضي الاحتياط تارة لحق المكلف ، وتارة لحق الله تعالى - كما هو الشأن في بعض الحالات · وإما لتقارب المأخذ (5)، كما هو الشأن في حالات أخر ·
ولها علاقة بأصل المتشابهات · بل يستمد أحدهما من الآخر ؛ لأن قسم المتشابهات مركب من تعارض النفي والإثبات (6)، والاحتياط أسلم الحلول للخروج من ورطتها · فالاحتياط إذاً لا يكون إلا إذا وجدت المتشابهات، والمتشابهات لا يُتخلص منها غالباً إلا به ·
ولها علاقة بأصل الإباحة الشرعية ، وبأصل رفع الحرج (7)، وببعض العلل والأسباب التي تُبنى عليها الأحكام (8)·
وأخيراً بالمقاصد ؛ إذ يُعمل بها لتحقيق مقاصد الشرع في التشريع، كمقصده في عدم التسوية بين المندوب والواجب عملاً واعتقاداً (1)·
بعد هذا أرجع إلى الأسئلة التي طرحتها في البداية عن حقيقة قاعدة الاحتياط : هل هي قاعدة شرعية أو أصولية أو فقهية ؟
وللإجابة لابد من تعريف هذه القواعد ليمكن معرفة المجال الذي توضع قاعدة الاحتياط في إطاره ·
فالقواعد الشرعية -ويطلق عليها الأصول أيضاً- (هي القواعد الكلية التي تستفاد من جملة نصوص الشرع عن طريق الاستقراء والتتبع ، أو تُعلم من الدين بالضرورة ، وذلك كحلِّية الطيبات ، وحرمة الخبائث ، ورفع الحرج في الدين ، ومراعاة مقاصد المكلفين ··) (2)·(1/4)
والقواعد الأصولية هي (قواعد لغوية وضعت على أسس علمية لتقعيد تفسير النصوص وضبط الاستنباط والاجتهاد · هذا هو الغالب فيها) (1)· فهي (تُكوِّن بمجموعها منهاجاً علمياً شمولياً لتفسير النصوص الشرعية وفقهها واستنباط الأحكام منها) (2)·
والقواعد الفقهية: (أحكام شرعية كلية مستنبطة من المصادر الشرعية النقلية أو العقلية) (3)·
فإذا نظرنا إلى قاعدة الاحتياط نجد المجتهدين ، والمكلَّفين من بعدهم، يلجؤون إليها:
- عند وقوع الالتباس والاشتباه ؛ إما لتكافؤ الأدلة (4)، وإما لتقاربها(5)، وإما لعدم انضباط العلل والأسباب (6)· أو عند توقع الالتباس والاشتباه(7)·
- وعند حصول الشك في شرط أو ركن (8)، أو الريبة في فعل (9)·
- وعند دوران الفعل بين حكمين من أحكام التكليف كالوجوب والندب، والتحريم والكراهة ·· إلخ (01)· أو بين حكم ومفسدة واقعة أو متوقعة (11)·
فتبيَّن من هذا أنها تتصل بأحكام شرعية كثيرة ، وترتبط بقواعد شرعية متعددة ، وترجع إليها قواعد فقهية مهمة (21)· وبناء على هذا فلا يصح مطلقاً أن تكون قاعدة فقهية ؛ لأنها أولاً ليست حكماً شرعياً كلياً تندرج تحته مجموعة من الفروع الفقهية المتجانسة ، بل هي أصل يدخل في كثير من الوقائع والأحكام المختلفة · ولأنها لا تستند إلى نص شرعي واحد، بل إلى نصوص متعددة ·
كما أنها لا يمكن أن تكون قاعدة أصولية ؛ لأنها ليست من القواعد اللغوية المستعملة في تفسير النصوص وفقهها ·
فهل تكون قاعدة شرعية ؟(1/5)
للإجابة أقول: إنه بناء على المعطيات السابقة التي تبيَّن منها أن قاعدة الاحتياط ليست قاعدة فقهية ، لكونها مستقاة من نصوص شرعية متعددة ومن وقائع كثيرة ، ولكونها أصلاً يدخل في كثير من الأحكام والوقائع المختلفة ، بخلاف ما عليه القاعدة الفقهية التي هي حكم شرعي كلي تندرج تحته مجموعة من الفروع الفقهية المتجانسة ، ومستند في الغالب إلى نص آحادي أو استنباط ظني · ولا هي قاعدة أصولية ، لأنها ليست أداة من أدوات تفسير النصوص وفقهها، وبناء على ما يُستأنس من كلام الشاطبي الذي أضاف لفظ (أصل) إليها (1)، وذلك في قوله: (وكثيراً ما يُرجَع هنا إلى أصل الاحتياط ؛ فإنه ثابت معتبر) (2)· وقوله: (الشريعة مبنية على الاحتياط والأخذ بالحزم ، والتحرز مما عسى أن يكون طريقاً إلى مفسدة· فإذا كان هذا معلوماً على الجملة والتفصيل ، فليس العمل عليه بدع (3) في الشريعة ، بل هو أصل من أصولها ، راجع إلى ما هو مكمل إما لضروري أو حاجي أو تحسيني) (4) بناء على ذلك كله فإن الراجح المعتبر هو أن الاحتياط قاعدة من قواعد الشريعة ، وأصل من أصولها (5)·
المفسرون المحدثون والأخذ بالأحوط :
اختلف استخدام هذه القاعدة في تطبيقات المفسرين الذين وقفت عندهم قلة وكثرة (1)· فالذي حاز قصب السبق فيها هو الشيخ محمد الأمين الشنقيطي بتسع عشرة حالة (2)، وجاء بعده الشيخ رشيد رضا بتسع حالات (3)، فالشيخ محمد علي السايس ومن معه بأربع (4)، فالمشايخ محمود الآلوسي والطاهر بن عاشور ومحمد علي الصابوني ووهبة الزحيلي بثلاث لكل واحد (5)، فالشيخ محمد عبد العزيز حكيم والأستاذ محمد عزة دروزة بواحدة لكل واحد منهما (6)·(1/6)
والمجالات التي دارت فيها هذه التطبيقات مختلفة ، فعند الشيخ محمد الأمين الشنقيطي هناك حالتان في الطهارة (7)، ومثلهما في الصلاة(8)، والزكاة (9)، والأطعمة (01)، وست حالات في الحج والحرم (11)، وحالة واحدة في الأضحية (21)، ومثلها في النذر (31)، وكفارة الظهار (41)، والبيوع(1)، والزينة (2)·
وعند الشيخ رشيد رضا توجد ثلاث حالات في الطهارة (3)، وحالتان في الحج (4)، وثلاث حالات في كل من النكاح (5)، والعدة(6)، والمتعة(7)، وحالة واحدة في كفارة اليمين (8)·
وعند الشيخ محمد علي السايس ومن معه ، توجد حالة في كل من الصوم (9)، والذبائح (01)، والنكاح (11)، وحد السرقة (21)·
وعند العلامة محمود الآلوسي هناك حالتان في الطهارة (31) وحالة في الصلاة (41)·
وعند الشيخ الطاهر بن عاشور توجد حالة في الذبائح (51)، وحالة في أجزاء الميتة (61)، وحالة في البيوع (71)·
وعند الشيخ محمد علي الصابوني هناك حالة في الصوم (81)، واثنتان في أحكام الحيض (1) والظهار (2)·
وعند الدكتور وهبة الزحيلي توجد حالة في كل من الطهارة (3) والصلاة (4) والصوم (5)·
وعند الشيخ محمد عبد العزيز حكيم والأستاذ محمد عزة دروزة حالة في الصوم لكل واحد منهما (6)·
الأسباب والغايات :
عند النظر في الأسباب التي جعلت هؤلاء المفسرين يأخذون بالاحتياط في تلك المسائل التي فُصّل الحديث في مجالاتها ، تبين لي أنها تعود إلى ثلاثة أسباب هي : 1- وجود التعارض أو الخلاف · 2- وجود الاحتمال ·
3- وجود الشبهة أو الريبة ·
وعند تبيُّن الغايات التي يهدفون إليها من وراء ذلك ظهر لي أنها ثلاث أيضاً ، وهي :
1- الخروج من الخلاف · 2- الأخذ باليقين · 3- اتقاء الشبهة ·
أولاً : وجود التعارض أو الخلاف :
إن أوجه التعارض وقضايا الخلاف التي ذكرها المفسرون في المسائل التي درسوها وتخلصوا من إشكالاتها باللجوء إلى الاحتياط بوصفه المخرج الراجح فيها ، يمكن حصرها فيما يلي :(1/7)
التعارض بين الحظر والإباحة ، وبين الوجوب والندب ، وبين الرخصة والعزيمة ، وبين الأخبار · وفيما يلي نماذج من ذلك :
1- التعارض بين الحظر والإباحة (1)·
- اختلف الفقهاء بين مانع ومبيح ، في قطع المغروس في الحرم من غير المأكول والمشموم ، وقطع اليابس من الشجر والحشيش ، وأخذ الورق، نظراً لتعارض الأدلة· وفي هذه المسألة ذهب الشيخ محمد الأمين الشنقيطي إلى أن الأحوط ترك قطع ذلك ، تغليباً لأدلة الحظر (2)·
- ووقع الخلاف بين الفقهاء في الأكل من الشاة المذبوحة في الفدية لترك واجب أو فعل محظور في الحج ، وفي ذلك ذهب الشيخ محمد الأمين الشنقيطي إلى عدم جواز الأكل منها لأنه الأحوط (3)·
- ووقع الخلاف بين الأئمة فيمن عنده ربيبة ليست في حجره هل يحل له الزواج منها بعد وفاة أمها أو لا ؟ وذلك الخلاف بسبب القيد في قوله تعالى: وربائبكم اللاتي في حجوركم (4)· فذهب الشيخ رشيد رضا إلى أن الاحتياط يقتضي أن لا يتزوجها ، وأيضاً أن لا يخلو بها ، ولا سيما إذا لم يجد لها في نفسه عاطفة الأبوة (5)·
ويلاحظ في ما ذهب إليه الشيخ رشيد رضا أمران :
الأول: أنه أخذ بالاحتياط وراعى الخلاف من جهتين : جهة تحريم الزواج ، وهو مذهب الجمهور ، فمنع الزواج بها · وجهة شبهة الإباحة التي قال بها بعض العلماء ، فاستعملها في الجانب الآخر بأن منع الخلوة بها· وهذا يشبه قوله لزوجه سودة بنت زمعة رضي الله عنها: (واحتجبي منه يا سودة) ، أي من الرجل المتنازع في نسبه أهو ابن زمعة أم ابن غيره، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ابن زمعة ، بناء على أن الولد للفراش(1)· وعليه فهو أخ لسودة بهذا الحكم المستند إلى ظاهر الأمر ، ولكن نظراً للشبهة القائمة أمرها بالاحتجاب منه ·
الثاني : أنه أخذ بذلك لأن الشبهة قائمة من وجهين :
أ- تجويز أن يكون الوصف في الآية -وهو كون الربيبة في الحجر- ... ... لبيان الشأن الغالب ، ولذلك قال بالتحريم ·(1/8)
ب- تجويز أن يكون الوصف قيداً معتبراً ، ولذلك منع الخلوة بها ·
2- التعارض بين الوجوب والندب :
- اختلف الفقهاء في مسح الرأس في الوضوء هل يجب تعميمه أو لا يجب ، فذهب الشيخ محمد الأمين الشنقيطي إلى أن الأحوط هو التعميم خروجاً من عهدة التكليف بالمسح (2)·
- واختلف الفقهاء في الموالاة في الوضوء هل هي واجب أو مندوب، وذلك لتعارض الأحاديث التي فيها الأمر بإعادة الوضوء من ترك لمعة مما يفيد وجوب الموالاة ، وتلك التي فيها الأمر بإحسانه مما يفيد استحبابها، فذهب الشيخ رشيد رضا إلى أن الاحتياط أن لا تترك الموالاة (3)·
- واختلف الفقهاء في غسل الكعبين والمرفقين هل هو واجب أم لا، فذهب الدكتور الزحيلي تبعاً للجمهور إلى وجوب غسلهما احتياطاً للعبادات(4)·
- واختلف الفقهاء في المتعة هل هي مشروعة لكل مطلقة ، وإذا كانت كذلك فهل هي واجبة لكل مطلقة أم أنها واجبة لبعض دون بعض · ذهب الشيخ رشيد رضا إلى أن (أحوط الأقوال وأوسطها قول من جعل المتعة غير المهر ، وأوجبها لمن لا تستحق مهراً ، وندبها لغيرها) (1)·
3- التعارض بين الرخصة والعزيمة :
- ذهب الشيخ رشيد رضا إلى تجويز التيمم في السفر ولو كان الماء موجوداً ، ولكن الاحتياط جعله يفضل الأخذ بالعزيمة وعدم ترك الطهارة بالماء إلا لمشقة شديدة (2)·
4- التعارض بين النصوص :
- اختلف الفقهاء في نصاب حد السرقة لاختلاف الأخبار الواردة فيه، فذهب الشيخ محمد علي السايس ومن معه إلى ترجيح الحديث الذي يحدد النصاب في عشرة دراهم فما فوقها على حديث ربع الدينار ، احتياطاً لعقوبة القطع (3)·
- مسافة السفر المبيح للفطر في رمضان وردت فيه أحاديث متعارضة، فقد ورد في بعضها أنها يوم وليلة ، وفي بعضها أنها ثلاثة أيام · فرجح الشيخ محمد علي الصابوني أحاديث الثلاثة الأيام أخذاً بالأحوط (4)·(1/9)
- وقع الخلاف في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها : هل تعتد بأبعد الأجلين - وهو مذهب علي وابن عباس رضي الله عنهما- أو بوضع الحمل - وهو مذهب الجمهور · وذلك لورود آيتين في الموضوع هما: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً(5)، وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن (6)· فذهب الشيخ رشيد رضا إلى أن (الاحتياط الذي قال به الحبران لا ينكره منكر) (1)·
ويبدو لي أن الذي حمله على جعل ما ذهب إليه الصحابيان الجليلان أنه من قبيل الاحتياط ، لا من قبيل الجمع بين النصوص -كما فهمه بعض العلماء- هو ما يرِد على الجمع من اعتراضات أهمها: أن الجمع المذكور هو جمع بين المدتين ، لا جمعاً بين النصين ، ولا إعمالاً لعموم كل منهما في مقتضاه · وذلك أنها إذا وضعت الحمل قبل أربعة أشهر وعشر ثم حكمنا عليها بأنها لا تزال في العدة ، كان ذلك إهداراً لمقتضى الحصر والتوقيت في قوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن فإنه ظاهر في أنه لا عدة عليها بعد وضع الحمل · وكذلك يقال فيمن مضى عليها أربعة أشهر وعشر ولم تضع حملها إذا ألزمناها الاعتداد إلى وضع الحمل، كان ذلك إهداراً لمقتضى الحصر والتوقيت في قوله تعالى: يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً · فلم يكن في هذا المذهب جمع بين النصين، بل إهدار لأحدهما لا محالة (2)·
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن حديث سُبَيعة الأسلمية الذي رواه الشيخان (3) يدل على أن الحامل المتوفى عنها زوجها إذا وضعت تمت عدتها ، فهل القول بخلاف ذلك يعد احتياطاً ؟
5- وجود الخلاف :
- اختلاف أقوال أهل العلم واختلاف أدلتهم ، في القدر الذي يعطي المسكين من إطعام كفارة الظهار ، جعل الشيخ محمد الأمين الشنقيطي يذهب إلى ترجيح رأي أبي حنيفة ومن وافقه ، لأنه أحوط الأقوال في الخروج من عهدة التكليف (4)·
ثانياً : وجود الاحتمال :(1/10)
وجود الاحتمال قد يكون بسبب الغموض الذي يكتنف بعض النصوص أو الأفعال ، أو بسبب وجود شبهة التعارض ، وهي شبهة لا تغيب -غالباً- عن المسائل التي فيها الاحتمال · وأفردته بالذكر مراعاة للسبب الأول · وفيما يلي نماذج من ذلك :
- اختلف العلماء في الدخول المذكور في قوله تعالى: وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن (1)· هل هو شرط في تحريم أمهات النساء كما هو شرط في الربيبة أم ليس شرطاً ؟ فذهب محمد علي السايس ومن معه ، إلى أن ذلك يحتمل أن يكون شرطاً في تحريم الربيبة فقط ، وأن يكون شرطاً في تحريم أمهات النساء أيضاً ، ولكن (لا تُحَلُّ الفروج بالاحتمال ، فالاحتياط يقضي أن يُجعَل شرطاً في الربيبة فقط) (2)·
- صحح الشيخ رشيد رضا جواز صيام الأيام السبعة للمتمتع غير الواجد هدياً ، عند الشروع في الرجوع إلى وطنه لقوله تعالى: وسبعةٍ إذا رَجعتم (3)، لأن الرجوع يصدق بالشروع فيه · ولكنه مع ذلك رجح صومها بعد الوصول إلى أهله أخذاً بالاحتياط ، لأنه المتبادر من العبارة الواردة في قوله : (فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله) (4)· ولأن الصيام في السفر خلاف الأصل (5)·
- رجح الشيخ محمد الأمين الشنقيطي أن الأحوط للحاج المتمتع إراقة دم التمتع ، ولو سافر بعد عُمرته ليُهِل بالحج من غير مكة ، لعدم صراحة دلالة الآية في إسقاطه ، ولأن الإشارة فيها - وهي قوله تعالى: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام (1)- تحتمل رجوعها إلى التمتع (2)·(1/11)
- رجح الشيخ محمد الأمين أيضاً تجنب ترك الأضحية للقادر عليها، وذلك في قوله: (هذا الذي لم تتضح فيه دلالة النصوص على شيء معيَّن إيضاحاً بيِّناً ، أنه يتأكد على الإنسان الخروج من الخلاف فيه ، فلا يترك الأضحية مع قدرته عليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) ، فلا ينبغي تركها لقادر عليها لأن أداءها هو الذي يتيقن به براءة ذمته) (3)·
- رجح الشيخ محمد الأمين تقديم الصلوات الفوائت على الصلاة الحاضرة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في غزوة الخندق (4)؛ لأن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة من قرينة الوجوب تُحمَل على الوجوب ، ولأن الاحتياط بالخروج من عهدة التكليف لا يتم إلا بذلك (5)·
- ورجح الدكتور الزحيلي أخذ السلاح في صلاة الخوف ، وذكر أن ذلك إن لم يكن واجباً فهو مستحب للاحتياط (6)·
ثالثاً : وجود الشبهة أو الريبة :
- اختلف الفقهاء في حكم بيع دور مكة وشرائها واستئجارها لاختلاف الأدلة في ذلك ، فرجح الشيخ محمد الأمين الشنقيطي جواز ذلك كله لأدلة ذكرها ، ولكنه مع ذلك استظهر أن الورع يقتضي العزوف عن ذلك خروجاً من الخلاف واتقاء للشبهة (1)·
- ذكر محمد علي السايس ومن معه ، أن الصائم إذا لم يستطع تحصيل العلم بدخول الفجر لسبب من الأسباب- وهو المراد بالتبيُّن المذكور في الآية (2)- فهو مأمور بالاحتياط للصوم ، فالواجب عليه الإمساك استبراء لدينه (3)·
- وقرر الدكتور الزحيلي أن المرأة إذا طهرت ليلاً في رمضان ، فلم تدر أكان ذلك قبل الفجر أم بعده ، صامت وقضت ذلك اليوم احتياطاً ، ولا كفارة عليها (4)·
- وذهب الشيخ الطاهر بن عاشور إلى اجتناب الأكل من متروك التسمية عمداً من مسلم ولو لم يكن استخفافاً أو تجنباً أخذاً بالأحوط (5)·
رابعاً : الأخذ بالمتيقن والمجمع عليه :(1/12)
- ذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي أحاديث متعارضة في توقيت المسح على الخفين ، فبعضها مطلقة عن التوقيت وبعضها مقيدة بثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة للمقيم ، ورجح أدلة التوقيت لكونها أحوط (6)، إذ هو المقدار المجمع عليه ·
- ذهب أبو حنيفة إلى عدم جواز الجمع بين الصلاتين في غير عرفة والمزدلفة في أثناء الحج ، وهو ما رجحه العلامة الآلوسي لأنه المتيقِّن، والمتيقن أحوط، وذلك في قوله: (وأنت تعلم أن الاحتياط فيما ذهب إليه الإمام، فالمحتاط لا يُخرج صلاة الظهر مثلاً عن وقتها المتيقن الذي لا خلاف فيه إلى وقت فيه خلاف · وقد صرح غير واحد بأنه إذا وقع التعارض يقدَّم الأحوط ، وتعارضُ الأخبار في هذا الفصل مما لا يخفى على المتتبع) (1)·
- وقع الخلاف بين الفقهاء في الرقبة المجزئة في كفارة اليمين هل يشترط أن تكون مؤمنة أم لا · وعلق الشيخ رشيد رضا على ذلك بقوله: (ومن قال بإجزاء عتق الكافرة لا يُنكر الاحتياط بتقديم المجمع عليه المتيقن إجزاؤه على المظنون المختلف فيه إن وُجِدا) (2)·
خامساً : الخروج من الخلاف :
- بالرغم من أن الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رجح إباحة أكل لحوم الخيل بأدلة كثيرة ، وبيَّن ضعف ما يخالفها ، فقد ذهب إلى أن الخروج من الخلاف أحوط ولو كان المعارض ضعيفاً (3)·
- وبالرغم من ضعف الأحاديث في زكاة العسل فقد رجح إخراجها، أخذاً بالأحوط (4)·
- بينما نجد الشيخ الطاهر بن عاشور لا يُعمل دليل الاحتياط في مسألة تحريم الانتفاع بكل أجزاء الميتة كما ذهب إليه الشافعي ، لأن القرائن على إعماله غير متوافرة (5)· مما يدل على أنه لا يراعي الخلاف إذا كان في رأيه ضعيفاً ، وعلى أن عدم مراعاته إذا كان كذلك ليس بالضرورة مخالفاً للورع · ويؤكد هذا المسلك عنده ، نظره إلى بيوع الآجال الخالية من تهمة التحيل على الربا ، فقد قرر في شأنها :(1/13)
(أن ما راعاه مالك من إبطال ما يفضي إلى تعامل الربا (كذا) إن صدر من مواقع التهمة رَعي حسن ، وما عداه إغراق في الاحتياط) (1)·
سادساً : الاحتياط للواجب في الوقت والمقدار والهيئة :
- بعدما ذكر الشيخ رشيد رضا الاختلاف في الحج هل هو على الفور أو على التراخي ، قال: (والاحتياط أن لا يؤخر الحج بغير عذر صحيح لئلا يفاجئه الموت قبل ذلك) (2)·
- ورجح الشيخ محمد عبد العزيز حكيم قبول شهادة العدل الواحد في ثبوت شهر الصيام ، احتياطاً لهذا الواجب (3)·
- ورجح الشيخ محمد الأمين الشنقيطي إخراج العُشر في الزكاة من المسقي بماء السماء وغيره إذا جُهل مقدار ذلك الغير ، لأنه الأحوط (4)·
- وذهب الشيخ محمد الأمين أيضاً إلى أن الزينة الظاهرة المشار إليها في قوله تعالى: ولا يُبدين زينتهنّ إلا ما ظهر منها(5)، هي ما لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدن المرأة الأجنبية، لأنه أحوط الأقوال (6)·
سابعاً : الاحتياط بمراعاة جميع الروايات :
- ذهب الشيخ رشيد رضا إلى أن الذين يحتنكون(7) بالعمائم، عليهم من باب الاحتياط أن يُظهروا ناصيتهم كلها، أو بعضها، ويمسحوا ثم يُتمموا المسح على العمامة، ليكون وضوؤهم صحيحاً على جميع الروايات(8)·
النتائج :
لقد تم تداول قاعدة الاحتياط من زاويتين : نظرية وتطبيقية :
ففي الجانب الأول خلصنا إلى ما يلي :
1- بناء على المعطيات السابقة التي تَبيَّن منها أن قاعدة الاحتياط ليست قاعدة فقهية ، لكونها مستقاة من نصوص شرعية متعددة ومن وقائع كثيرة ، ولكونها أصلاً يدخل في كثير من الأحكام والوقائع المختلفة، بخلاف ما عليه القاعدة الفقهية التي هي حكم شرعي كلي تندرج تحته مجموعة من الفروع الفقهية المتجانسة ، مستند في الغالب إلى نص آحادي أو استنباط ظني · ولا هي قاعدة أصولية ، لأنها ليست أداة من أدوات تفسير النصوص وفقهها ·(1/14)
2- وبناء على ما يُستأنس به من كلام الشاطبي الذي أضاف لفظ (أصل) إليها ، وقرر أن الشريعة مبنية عليها ·
3- وبناء على ملاحظتنا أن المجتهدين ، والمكلَّفين من بعدهم ، يلجؤون إليها :
- عند وقوع الالتباس والاشتباه ؛ إما لتكافؤ الأدلة ، وإما لتقاربها، وإما لعدم انضباط العلل والأسباب · أو عند توقع الالتباس والاشتباه ·
- وعند حصول الشك في شرط أو ركن ، أو الريبة في فعل ·
- وعند دوران الفعل بين حكمين من أحكام التكليف كالوجوب والندب، والتحريم والكراهة ·· إلخ · أو بين حكم ومفسدة واقعة أو متوقعة ·
بناء على ذلك كله فقد تبين لنا أن الراجح المعتبر هو أن الاحتياط قاعدة من قواعد الشريعة ، وأصل من أصولها ·
وفي الجانب الثاني - وهو المتعلق باستعمال المفسرين المحدثين لهذه القاعدة - لاحظنا أن المفسرين قد استعملوا هذه القاعدة مع تفاوت بينهم في الأخذ بها ، وظهر أن الشيخ محمد الأمين الشنقيطي قد أكثر من الأخذ بها في كثير من مسائل الفقه ، وأن أخذه بها في الغالب ليس لأن الدليل المعارض قوي ، بل مراعاة للخلاف ولو كان ضعيفاً · ولعل التفسير الذي يمكن أن نقدمه لهذا المسلك هو أن الشيخ رحمه الله غلب عليه الورع، واتقاء الشُّبَه ، ومراعاة خلاف العلماء ، والأخذ باليقين فمال إلى الاحتياط ·
بينما رأينا لدى الشيخ الطاهر بن عاشور مسلكاً مغايراً ؛ إذ لم يُعمِل دليل الاحتياط في بعض المسائل لأن القرائن على إعماله غير متوافرة ، مما يدل على أنه لا يراعي الخلاف إذا كان في رأيه ضعيفاً ، وعلى أن عدم مراعاته إذا كان كذلك ليس بالضرورة مخالفاً للورع ·
الهوامش:
(1) بلغني أن بعض الدراسات والرسائل الجامعية قد تناولت هذه القاعدة بالبحث والتصنيف ؛ إما ضمن أصل أشمل كقاعدة رفع الحرج ، وإما بإفراد دراسة خاصة بها ، ولكنني -للأسف- لم أتمكن من الوقوف عليها · فهذه محاولة نرجو أن تكون قد أضافت جديداً ·(1/15)
(2) كان الإمام ابن حزم الظاهري هو أقدم من وقفتُ عليه ممن تناول هذه القاعدة ، وخصص لها مع قاعدة سد الذرائع فصلاً مستقلاً ، ذكر فيه الأدلة الشرعية التي اعتمد عليها من أخذ بها · بينما كان تناول أصوليين آخرَين - وهما: الإمام عز الدين بن عبد السلام ، والعلامة أبو إسحاق الشاطبي - مختصاً بالجانب التطبيقي ، مع كونه مفرقاً على مواضع مختلفة بحسب المسائل الأصولية والفقهية المعروضة للدرس · أما بقية الأصوليين الذين اطلعت على كتبهم فإما أنهم لم يشيروا إليها ، وإما أنهم ذكروها بوصفها أحد المرجحات في باب التعارض والترجيح · وما ذكرته هنا خاص بكتب الأصول التي تيسر الاطلاع عليها لدى أهل السنة ·
(1) رواه البخاري في الإيمان ، باب فضل من استبرأ لدينه رقم 05، ومسلم في المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، والترمذي في البيوع رقم 6211، وأبو داود في البيوع رقم 9233، والنسائي في البيوع رقم 7734، وهذا لفظ مسلم· وقد استدل ابن عبد السلام أيضاً بهذا الحديث (قواعد الأحكام: 2/562)·
(2) الإحكام : 6/4 · قال الشيخ أحمد شاكر معلقاً في الهامش: (الحديث رواه ابن ماجة 2/782، ونسبه ابن رجب في جامع العلوم 25، إلى الترمذي، ورواه الحاكم في المستدرك 4/913 وصححه، ووافقه الذهبي في مختصره) · وقد وهَّن ابن حزم هذا الحديث 6/6 من جهة السند بتجريحه لأحد رجاله، ولكن الشيخ أحمد شاكر ذكر توثيقه عن أئمة الجرح والتعديل، إلا ما كان من ابن معين فقد اختلفت الرواية عنه ·
(3) رواه مسلم 2/772 · وذكر ابن حزم أن في سنده معاوية بن صالح وليس بالقوي 6/6 · وقال الشيخ أحمد شاكر في الهامش معلقاً عليه: (معاوية إمام ثقة · قال ابن سعد: كان بالأندلس قاضياً لهم ، وكان ثقة كثير الحديث · اهـ · وقد روى الحديث الترمذي 2/36 وصححه أيضاً ، فلا عبرة بتضعيف ابن حزم إياه) ·(1/16)
(4) رواه ابن حزم 6/7 عن محمد بن جرير الطبري -ولم يذكر في أي كتاب له- وقال: في سنده مجهولون ، وهو منقطع أيضاً · وعلق عليه الشيخ أحمد شاكر في الهامش قائلاً: (لأن أيوب بن عبدالله ابن مكرز ليس صحابياً) ·
(1) الإحكام: 6/51 · وقد ضعفه ابن حزم من جهة السند ، ووافقه الشيخ أحمد شاكر · وانظر مجمع الزوائد للهيثمي 1/551، وضعيف الجامع الصغير للألباني رقم 816 حيث قال عنه: ضعيف ·
(2) رواه الترمذي والنسائي وأحمد: 1/002، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح ·
(3) ذكر ابن عبد السلام معناه فقط (القواعد: 2/132) · أما الشاطبي فكلامه يشير إلى معاني هذه الأحاديث وإن لم يوردها ، وقد قرر في مواضع مختلفة أن الاحتياط أصل ثابت معتبر 1/543، وأنه مخصص لعموم الإباحة 1/681 ، وأن الشريعة مبنية عليه 2/463 ·
(4) الإحكام: 6/3 · وانظر أيضاً 6/4، 5 ، 51 ·
(5) الإحكام 6/01، 21 ·
(6) سورة النحل الآية 116 ·
(1) سورة يونس الآية 59 ·
(2) الإحكام 6/31 ·
(3) وهو ما قرره ابن حزم أيضاً ، لكن ذلك لا يتضح إلا بعد قراءة كل ما قاله في الموضوع: انظر حديثه عن الضرب الأول في الإحكام: 6/4 ، 5، 7 · وعن الثاني في: 6/3، 51 · وهو صنيع الشاطبي في مواضع متفرقة من الموافقات (1/833، 2/173، 3/423، 4/451-751، 932-042) ·
(4) القواعد: 2/991 · وانظر أيضاً: 2/132 ·
(5) القواعد: 2/002· هذا وقد مزج الضربين معاً في موضع آخر دون ذكر هذا التقسيم (1/74-84)·
(6) الموافقات: 1/681 ، 4/451 ، 932-042 · قواعد الأحكام: 1/74-84، 2/991-002· كتب الأصول الأخرى في مبحث التعارض والترجيح (مثلاً: البرهان للجويني: 2/977 ، المستصفى للغزالي: 2/744 ، المحصول للرازي: 4/4431 ، الإحكام للآمدي: 4/874، نهاية السول للإسنوي: 3/342، مناهج العقول للبدخشي: 3/142 ، وغيرها) ·
(1) الموافقات: 2/463، 173 · القواعد: 1/74-84، 2/991-002 ·
(2) الموافقات: 1/833، 543 ·
(3) 2/463 ·(1/17)
(4) الموافقات: 4/891-202، 4/451 ·
(5) قواعد الأحكام: 2/862 ·
(6) القواعد 2/562-862 ، الموافقات : 1/681، 4/751 ·
(7) الموافقات : 1/181 ·
(8) الموافقات: 1/543 ·
(1) الموافقات: 3/423 ·
(2) نظرية التقعيد الفقهي للدكتور محمد الروكي: 94 ·
... الأصل - كما جاء في تعريفات الجرجاني (82) : (ما يثبت بنفسه ، وينبني عليه غيره) ، فهو لا يحتاج إلى الاستدلال عليه بدليل خارجي ، بل يستدل به على غيره المبني عليه · فالأصول الشرعية هي القواعد الكلية التي تستفاد من جملة نصوص الشرع عن طريق الاستقراء والتتبع ، أو تعلم من الدين بالضرورة ، فما ثبت عن طريق أصل شرعي لا يحتاج إلى البحث عن ثبوته كما هو الحال في النص الآحادي ، فكانت الأصول الشرعية بذلك أقوى دلالة على الحكم من النص الشرعي الواحد · وهذه الخصائص توجب في بعض القواعد التي قيل عنها إنها قواعد فقهية ولكنها لا توجد في كلها، فاقتضى الحال إذاً التمييز بين نوعين مما سمي في كتب القواعد بالقواعد الفقهية: نوع يستند إلى نصوص كثيرة تصل إلى درجة القطع ، وآخر يستند إلى نص آحادي -قد يكون مختلفاً فيه- أو إلى استنباط ظني ، ولذلك وقع الخلاف بين المذاهب الفقهية في قدر لا بأس به منها · فالنوع الأول ؛ كقاعدة الأمور بمقاصدها ، والمشقة تجلب التيسير ، والضرر يزال ، والضرورات تبيح المحظورات ، وغيرها ، يجب أن تدرج تحت مسمى الأصول أو القواعد الشرعية لأنها قطعية لا مجال للاختلاف فيها من جهة أصل تقعيدها ، ولأنها من السعة والشمول وقوة الاستيعاب ما جعل مُدرجيها ضمن كتب القواعد الفقهية يجعلونها قواعد كلية أو عامة أو أساسية · فكان الأجدر بمثل هذه الكتب التي جمعت بين النوعين أن تسمى بكتب القواعد الشرعية والفقهية · وأما النوع الثاني الذي يتوصل إليه عن طريق الاستنباط من آحاد النصوص أو من دليل عقلي ، فهو قواعد ظنية إما في الثبوت أو الدلالة ، وفي هذا النوع مجال واسع لاختلاف(1/18)
الفقهاء · (وللتأكد من وجهة النظر هذه ينظر: الموافقات: 1/043 و2/911 فيما يتعلق برفع الحرج ، و2/253 فيما يختص رفع الضرر ، وتعليق الشيخ عبد الله دراز في الهامش الأول من 1/92 حيث سمى القواعد الآنفة الذكر أصولاً وكليات وذكر بأنها قطعية بلا نزاع · وأيضاً إدراج الشيخ علي حسب الله هذه القواعد وغيرها -في كتابه أصول التشريع الإسلامي 343- تحت عنوان القواعد الشرعية · ولمزيد من التوسع في الموضوع ينظر كتاب نظرية التقعيد الفقهي للدكتور محمد الروكي فقد أجاد وأفاد) ·
(1) نظرية التقعيد الفقهي ص75 ·
(2) نظرية التقعيد الفقهي ص75 ·
(3) نظرية التقعيد الفقهي ص75 ·
(4) قواعد الأحكام: 1/74-84 ، الموافقات: 4/551-751 ·
(5) القواعد 2/991، 862 · الموافقات: 2/163 ·
(6) الموافقات: 1/543 ·
(7) الموافقات: 3/423 ·
(8) القواعد: 2/991 ، الموافقات: 1/733-833 ·
(9) القواعد: 2/132 ·
(01) القواعد: 2/002 ·
(11) الموافقات: 1/181، 581-681 ، 1/173 ·
(21) مثل بعض القواعد التي يرجع تقعيدها إلى الترجيح· (انظر: نظرية التقعيد الفقهي: 361 وما بعدها) ·
(1) لم يُضف الإمام ابن عبد السلام إليها لفظ أصل أو قاعدة ، ولكن ذلك لا يقلل من قيمة الاستنتاج الذي توصلنا إليه بناء على ما ذكرنا ، والعبرة بالمعنى لا بالألفاظ ·
(2) الموافقات 1/543 ·
(3) هكذا في الأصل ، ولعل حرف الباء قد سقط من الكلمة ، فيكون إذاً : بِبِدعٍ ·
(4) الموافقات 2/463 ·
(5) إن الاحتياط يؤول إلى التعارض والترجيح ، فهل يصح أن نعد التعارض والترجيح نظرية تدخل في علوم كثيرة والاحتياط أحد أركانها وأسسها ؟ بل هل يصح جعل الاحتياط نفسه نظرية ؟ لا أستطيع الجواب بنفي أو إيجاب لأن ذلك يتطلب دراسة مستقلة ·
(1) هذا إحصاء تقريبي ، وبحسب الطاقة ، إذ يجوز أن تكون بعض النماذج شذت عن النظر ·(1/19)
(2) الأضواء: 2/03، 53، 651-751، 222، 132، 752، 383، 4/622، 423، 5/764، 205، 705، 615، 785، 806، 816، 966، 6/002، 665 ·
(3) المنار: 2/322، 914، 354، 4/21، 874، 5/921، 6/522، 942، 7/93 ·
(4) تفسر آيات الأحكام: 1/471-571 ، 324، 685، 246 ·
(5) التحرير: 2/611، 3/98، 8/04 · روح المعاني: 6/08، 01/67، 51/431 · روائع البيان: 1/502، 992 ، 2/825 · التفسير المنير: 2/751، 5/052، 6/401 ·
(6) الفتوحات الربانية : 1/88 · التفسير الحديث : 7/482 · هذا وقد رجعت إلى تفاسير أخرى كفتح القدير للشوكاني، وفتح البيان ونيل المرام لصديق حسن خان، ومحاسن التأويل للقاسمي، وتفهيم القرآن للمودودي (سور البقرة وآل عمران والنور والأحزاب) فلم أجد فيها ما يمكن إدراجه ضمن هذه التطبيقات·
(7) الأضواء: 2/03، 53 ·
(8) 4/622، 423 ·
(9) 2/222 ، 132 ·
(01) 2/752، 5/806 ·
(11) 2/651-751 ، 5/764، 205، 705، 615، 785 ·
(21) 5/815 ·
(31) 5/966 ·
(41) 6/665 ·
(1) 2/383 ·
(2) 6/002 ·
(3) المنار: 5/921، 6/522· 942 ·
(4) 2/322، 4/21 ·
(5) 4/874 ·
(6) 2/914 ·
(7) 2/354 ·
(8) 7/93 ·
(9) تفسير آيات الأحكام: 1/471-571 ·
(01) 1/246 ·
(11) 1/324 ·
(21) 1/685 ·
(31) روح المعاني: 6/08 ، 01/67 ·
(41) 51/431 ·
(51) التحرير: 8/04 ·
(61) 2/611 ·
(71) 3/98 ·
(81) روائع البيان: 1/502 ·
(1) 1/992 ·
(2) 2/825 ·
(3) التفسر المنير: 6/401 ·
(4) 5/052 ·
(5) 2/751 ·
(6) الفتوحات الربانية : 1/88 · التفسير الحديث: 7/482 ·
(1) هناك نماذج أخرى غير ما ذكرته ، انظرها في: تفسير آيات الأحكام: 1/246 · روائع البيان: 1/992، 2/825 ، التفسير الحديث: 7/482 · وقريب من هذا تعارض الأمر والإباحة (ن: الأضواء: 5/966)·
(2) الأضواء: 2/651-751 ·
(3) الأضواء: 5/806 ·
(4) سورة النساء الآية 23 ·
(5) المنار: 4/874 ·(1/20)
(1) صحيح مسلم ، كتاب الرضاع ، باب الولد للفراش وتوقي الشبهات · 01/73 بشرح النووي· وانظر في الكلام على القاعدة المستنبطة من هذا الحديث في إحكام الأحكام لابن دقيق العيد : 4/07 ·
(2) الأضواء : 2/53 ·
(3) المنار: 6/942 ·
(4) التفسير المنير : 6/401 ·
(1) المنار : 2/354 ·
(2) المنار : 5/921 ·
(3) تفسير آيات الأحكام : 1/685 ·
(4) روائع البيان: 1/502 · وانظر أمثلة أخرى في: المنار: 6/522 · وروح المعاني: 51/431 ·
(5) سورة البقرة الآية 234 ·
(6) سوة الطلاق الآية 4 ·
(1) المنار: 2/914 ·
(2) تفسير آيات الأحكام : 2/275-375 ·
(3) البخاري ، كتاب الطلاق ، باب (واللائي يئسن من المحيض) · مسلم ، في الطلاق ·
(4) الأضواء : 6/665 ·
(1) سورة النساء الآية 23 ·
(2) تفسير آيات الأحكام : 1/324 · شبهة التعارض هنا هي بين الحظر والإباحة · ولكن قولهم بأن الاحتياط يقتضي أن يُجعل الدخول شرطاً في الربيبة فقط ، فيه نظر ، إذ هذا ليس احتياطاً بل هو إباحة للزواج بأمهات الربائب إذا لم يُدخل بالربيبة ، وهذا إحلال للفروج بالاحتمال ، فكان الأولى أن يقولوا: فالاحتياط أن يُجعل شرطاً في الأمهات أيضاً ·
(3) سورة البقرة الآية 196 ·
(4) أخرجه البخاري في الحج رقم 8751 ، ومسلم في الحج ، باب وجوب الدم على المتمتع ، رقم 9512، وأبو داود في المناسك ، باب في الإقران ، رقم 5081 ، والنسائي في مناسك الحج ، باب التمتع ، رقم 2862 ، وغيرهم ·
(5) المنار : 2/322 ·
(1) سورة البقرة الآية 691 ·
(2) الأضواء : 5/705 ، وانظر له نموذجاً آخر في : 5/615 ·
(3) الأضواء : 5/816 ·
(4) كما في مسلم : كتاب المساجد ، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ، رقم 699 ·
(5) الأضواء : 4/423 · وانظر نموذجاً غيره في روح المعاني : 6/08 ·
(6) التفسير المنير : 5/052 ·
(1) الأضواء : 2/383 · وانظر له نموذجاً آخر في: 2/132 ·(1/21)
(2) في قوله تعالى: حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، البقرة الآية 781·
(3) تفسير آيات الأحكام : 1/471-571 ·
(4) التفسير المنير :2/751 ·
(5) التحرير : 8/04 ·
(6) الأضواء : 2/03 ·
(1) روح المعاني : 51/431 ·
(2) المنار : 7/93 ·
(3) الأضواء : 2/752 · وانظر أيضاً : 2/383 ، 4/622 ·
(4) الأضواء : 2/222 · ذكر ابن حجر في التلخيص الحبير أن حديث ابن عمر المرفوع (في العسل في كل عشرة أزقاق زق) أنه لا يصح ، وأن في إسناده صدقة السمين وهو ضعيف الحفظ ، وذكر أن النسائي قال: هذا حديث منكر ، ونُقل عن أحمد تضعيفه · كما ذكر عن البخاري أنه قال: ليس في زكاة العسل شيء يصح ·
(5) التحرير : 2/611 ·
(1) التحرير : 3/98 ·
(2) المنار : 4/21 ·
(3) الفتوحات الربانية : 1/88 ·
(4) الأضواء : 2/132 ·
(5) سورة النور الآية 31 ·
(6) الأضواء : 6/002 ·
(7) التحنُّك والاحتناك هو إدارة العمامة من تحت الحَنَك بإحكام · اللسان 01/714 ·
(8) المنار : 6/522 ·(1/22)