فَطَفِقَ مُوسَى يَقُولُ: وَاَللَّهِ يَا رَبِّ مَا أَفْقَهُ هَذَا، حَتَّى كَلَّمَهُ بِلِسَانِهِ آخِرَ الأَلْسِنَةِ1 بِمِثْلِ صَوْتِهِ.
قَالَ: وَهُوَ مَحْفُوظٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ2. رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ3 وَالزُّبَيْدِيُّ4 وَمَعْمَرٌ5 وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ6.
ـــــــ
1 في ع: الألسنة كلها.
2 روى هذا الحديث الطبريُّ بسنده عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. قال: أخبرني جزْءُ بن جابر الخثعمي، قال: سمعت كعباً يقول ...." "تفسير الطبري 6/ 29". وهذا السند يتفق مع ما أثبتناه أعلاه، مع استبدال جَزْء بن جابر بجرير.
3 هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق، واسم جده محمد، روى عنه أبو داود وابن ماجه، وذكره ابن حبان في الثقات.
"انظر: الخلاصة ص 345، 477، ميزان الاعتدال 3/ 595، لسان الميزان 5/ 218، التاريخ الكبير 1/ 126".
4 هو محمد بن الوليد بن عامر الزُّبَيْديّ، أبو الهذيل الحمصي القاضي. روى عن الزهري ونافع وخلق. قال الأوزاعي: "لم يكن من أصحاب الزهري أثبت من الزبيدي". وقال ابن سعد: "كان أعلم أهل الشام بالفتوى والحديث". وهو من أتباع التابعين, والحفاظ المتقنين، والفقهاء في الدين. روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. توفي سنة 148، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء ص 77، مشاهير علماء الأمصار ص 182، الخلاصة ص363، تذكرة الحفاظ 1/ 162، طبقات الحفاظ ص 71، شذرات الذهب 1/ 224".
5 هو مَعْمَر بن راشد الأزدي الحراني البصري، أبو عروة، نزيل اليمن. روى عن الأعمش ومحمد بن المنكدر وقتادة والزهري وخلق. قال ابن حبان: "كان فقيهاً متقناً، حافظاً ورعاً". وهو أول من ارتحل إلى اليمن في طلب الحديث، فلقي بها همام بن منبه، وله "الجامع" المشهور في السير. وهو أقدم من "الموطأ". له أوهام احتملت له في سعة ما أتقن. توفي سنة 152هـ.
انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 4/ 154، مشاهير علماء الأمصار ص 192، شذرات الذهب 1/ 235، تذكرة الحفاظ 1/ 190, الخلاصة ص 384، طبقات الحفاظ ص 82".
6 هو يونس بن يزيد الأيلي، الأموي مولاهم، أبو يزيد الرقاشي. روى عن.......=(2/82)
وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ1، وَهُمْ أَئِمَّةٌ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ2.
وَقَوْلُهُ "بِمِثْلِ صَوْتِهِ" مَعْنَاهُ: أَنَّ مُوسَى حَسِبَهُ مِثْلَ صَوْتِهِ فِي تَمَكُّنِهِ مِنْ سَمَاعِهِ وَبَيَانِهِ عِنْدَهُ، وَيُوَضِّحُهُ قَوْله تَعَالَى: "لَوْ كَلَّمْتُك بِكَلامِي لَمْ تَكُ شَيْئًا وَلَمْ تَسْتَقِمْ لَهُ3".
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ: أَنَّ أَبَاهُ أَبَا يَعْلَى: ذَكَرَ فِي "الْمُرْتَضَى مِنْ
ـــــــ
= الزهري ونافع وجماعة. وروى عنه ابن وهب والأوزاعي والليث. قال ابن العماد: "صاحب الزهري، وأوثق أصحابه، وهو حجة ثقة". وقال ابن مهدي: "كتابه صحيح". لكن الإمام أحمد استنكر له أحاديث، مات بالصعيد بمصر سنة 159هـ.
انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 4/ 484، تذكرة الحفاظ 1/ 162، طبقات الحفاظ ص 71، الخلاصة ص 441، شذرات الذهب 1/ 233، حسن المحاضرة 1/ 345".
1 هو شعيب بن أبي حمزة دينار، الأموي مولاهم، أبو بشر الحمصي. روى عن الزهري ونافع وابن المنكدر. أحد الأثبات المشاهير. قال يحيى بن معين: "هو أثبت الناس في الزهري". روى عن الزهري 1600 حديث. قال أحمد بن حنبل: "رأيت كتبه وقد ضبطها وقيّدها". وهو ممن صنف في العبادة. وذكر ابن سعد والسيوطي أن اسم أبي دينار حمزة. وقال الذهبي وابن العماد: "إن أبا حمزة هو ابن دينار". مات شعيب سنة 163هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 94، تذكرة الحفاظ 1/ 221، الخلاصة ص 166، العبر 1/ 242، شذرات الذهب 1/ 257، طبقات ابن سعد 7/ 468 ط صادر".
وفي ش ض: ابن أبي ضمرة. وهو تصحيف.
2 انظر تفسير الطبري 6/ 29، الأسماء والصفات 1/ 189 وما بعدها.
3 يظهر أن هذا الخبر من الإسرائيليات، وأن قوله تعالى: "لو كلمتك بكلامي ..." من التوراة. وليس من القرآن الكريم يقيناًَ. وقد روى البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا...} ... الآية". رواه أبو داود في سننه.
"انظر: صحيح البخاري 4/ 307، تفسير الطبري 6/ 29، سنن أبي داود 2/ 286".(2/83)
الدَّلائِلِ": أَنَّ الْقَادِرَ بِاَللَّهِ1 جَمَعَ الْعُلَمَاءَ مِنْ سَائِرِ الْفِرَقِ. وَكَتَبَ رِسَالَةً فِي الاعْتِقَادِ، وَقُرِئَتْ عَلَى الْعُلَمَاءِ كُلِّهِمْ وَأَقَرُّوا بِهَا. وَكَتَبُوا خُطُوطَهُمْ عَلَيْهَا. وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ2 اعْتِقَادٌ إلاَّ هَذَا، وَقُرِئَتْ مِرَارًا فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ، وَفِيهَا:
"أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ تَكَلَّمَ بِهِ تَكَلُّمًا، وَأَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ جِبْرِيلُ مِنْ اللَّهِ. فَتَلاهُ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَتَلاهُ مُحَمَّدٌ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَتَلاهُ أَصْحَابُهُ عَلَى الأُمَّةِ، وَلَمْ يَصِرْ بِتِلاوَةِ الْمَخْلُوقِينَ لَهُ مَخْلُوقًا؛ لأَنَّ ذَلِكَ الْكَلامَ بِعَيْنِهِ الَّذِي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ3"، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ4.
وَحَكَى ابْنُ حَجَرٍ الإِجْمَاعَ مِنْ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ5 مَخْلُوقٍ، تَلَقَّاهُ جِبْرِيلُ عَنْ اللَّهِ، وَبَلَّغَهُ جِبْرِيلُ إلَى مُحَمَّدٍ، وَبَلَّغَهُ مُحَمَّدٌ إلَى أُمَّتِهِ6.
ـــــــ
1 هو أحمد بن إسحاق بن جعفر، أبو العباس الخليفة العباسي، القادر بالله. بويع له بالخلافة سنة 381هـ، وكان غائباً. قال الخطيب: "كان له من الشعر والديانة والسيادة وإدامة التهجد بالليل والصدقات، مع حسن المذهب وحسن الاعتقاد، تفقه على المذهب الشافعي". وصنف كتاباً في "الأصول" ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب أهل الحديث، وأورد فيه فضائل عمر بن عبد العزيز، وكان الكتاب يقرأ كل جمعة، وفيه تكفير المعتزلة والقائلين بخلق القرآن، وهو أطول الخلفاء العباسيين مدة في الخلافة، إذ استمر فيها 41 سنة. توفي سنة 422هـ.
"انظر: تاريخ الخلفاء ص 411، شذرات الذهب 3/ 221، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 5، تاريخ بغداد 4/ 37".
2 ساقطة من د ب.
3 وجاء في تتمة الكلام أيضاً: "فهو غير مخلوق في كل حال، متلوًّا ومحفوظاً ومكتوباً ومسموعاً. "انظر مقالات الإسلاميين، المقدمة 1/ 27، التعرف لمذهب أهل التصوف ص 18".
4 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 61، 123، مقالات الإسلاميين 1/ 26، التعرف ص 18 وما بعدها.
5 في ض: وغير.
6 فتح الباري 13/ 357، وانظر مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 23 .(2/84)
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "صَيْدِ الْخَاطِرِ": "نَهَى الشَّرْعُ عَنْ الْخَوْضِ فِيمَا يُثِيرُ غُبَارَ شُبْهَةٍ، وَلا يَقْوَى عَلَى قَطْعِ طَرِيقِهِ إقْدَامُ الْفَهْمِ. وَإِذَا كَانَ قَدْ نَهَى عَنِ1 الْخَوْضِ فِي الْقَدَرِ. فَكَيْفَ يُجِيزُ الْخَوْضَ فِي صِفَاتِ الْمُقَدِّرِ؟ وَمَا ذَاكَ2 إلاَّ لأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا لِخَوْفِ إثَارَةِ شُبْهَةٍ تُزَلْزِلُ الْعَقَائِدَ، أَوْ لأَنَّ قُوَى الْبَشَرِ تَعْجِزُ عَنْ إدْرَاكِ الْحَقَائِقِ3".
وَاسْتُدِلَّ لأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ عَبْدِ اللَّهِ4 وَعُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ5 وَأَئِمَّةِ السَّلَفِ وَالْحَدِيثِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالآثَارِ وَالْفِطْرَةِ وَالْعَقْلِ.
ـــــــ
1 في ب ز ض: أهل.
2 في ش ز: ذلك. والأعلى من ب ع ض، ومن صيد الخاطر.
3 صيد الخاطر ص 184. وانظر: نفس المرجع ص 181.
4 هو عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي، التميمي مولاهم، أبو عبد الرحمن المروزي، أحد الأئمة الأعلام. قال ابن العماد: "الإمام العالم الفقيه الحافظ الزاهد ذو المناقب ... ذو التصانيف النافعة، والرحلة الواسعة، جمع العلم والفقه والأدب والنحو واللغة والشعر وفصاحة العرب، مع قيام الليل والعبادة". وكان رحمه الله يحج عاماً ويغزو عاماً. وكانت له تجارة واسعة ينفق معظمها على الفقراء. قال ابن مهدي: "الأئمة أربعة: سفيان، ومالك، وحماد بن زيد، وابن المبارك". له مصنفات كثيرة، منها: "السنن"، و"التفسير"، و"التاريخ"، و"الزهد"، و"الجهاد". مات عند منصرفه من الغزو سنة 181هـ بهيت بالعراق.
انظر ترجمته في "تاريخ بغداد 10/ 152، تذكرة الحفاظ 1/ 274، حلية الأولياء 8/ 162، الديباج المذهب 1/ 407، أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 134، طبقات الحفاظ ص 117، طبقات القراء 1/ 446، طبقات المفسرين 1/ 243، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 94، المعارف ص 511، مشاهير علماء الأمصار ص 194، الخلاصة ص 211، وفيات الأعيان 2/ 236، الفهرست ص 319، تهذيب الأسماء 1/ 285".
5 هو عثمان بن سعيد بن خالد، أبو سعيد الدارمي السجستاني، الإمام الحافظ الحجة، محدث هراة، جمع بين الحديث والفقه، وكان ثقة حجة ثبتاً، وله تصانيف كثيرة. قال أبو زرعة: "رُزِق حسن التصنيف". ومن مصنفاته: "سؤالات في الرجال"، و"المسند" الكبير، و"الرد على الجهمية". وقال أبو الفضل الجارودي: "كان إماماً يقتدى به في حياته وبعد مماته". مات سنة 280هـ.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 2/ 621، البداية والنهاية 11/ 69، طبقات الحفاظ ص 274، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 302، طبقات الحنابلة 1/ 221".(2/85)
وَتَوَلُّدُهُ تَنَوُّعُهُ إلَى مَاضٍ وَأَمْرٍ وَمُضَارِعٍ وَمُشْتَقٍّ وَغَيْرِهِ، وَمَصْدَرٍ وَقَوْلٍ 1وَأَدَاةِ تَأْكِيدٍ6 وَغَيْرِ ذَلِكَ عَنْ "تَكْلِيمًا".
وَالْمُنَادَاةُ وَالْمُنَاجَاةُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ لا تُرْجُمَانَ بَيْنَهُمَا، وَإِسْمَاعُ الْبَشَرِ حَقِيقَةً لا يَقَعُ إلاَّ لِلأَصْوَاتِ.
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ غَيْرَ الصَّوْتِ يَجُوزُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَسْمَعَهُ مَنْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الْبُنْيَةِ الَّتِي نَحْنُ عَلَيْهَا احْتَاجَ إلَى دَلِيلٍ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى} 2 وَالنِّدَاءُ عِنْدَ الْعَرَبِ، لا يَكُونُ إلاَّ بِصَوْتٍ، وَلَمْ يَرِدْ عَنْ اللَّهِ وَلا رُسُلِهِ3، وَلا عَنْ4 غَيْرِهِمْ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ غَيْرُ صَوْتٍ. وَكَلَّمَ مُوسَى بِلا وَاسِطَةٍ إجْمَاعًا.
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِ طَهَ:، "قَالَ وَهْبٌ5: وَ6نُودِيَ مِنْ الشَّجَرَةِ فَقِيلَ:
ـــــــ
1 في ب: وإرادة وتأكيد.
2 الآية 11 من طه. وفي ز ع ب ض: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ} [الآية].
3 في ض: رسوله.
4 ساقطة من ب ع ض.
5 هو وهب بن مُنَبِّه، أبو عبد الله الصنعاني اليماني، التابعي، صاحب الأخبار والقصص. كانت له معرفة بأخبار الأوائل وأحوال الأنبياء، وسير الملوك. وكان شديد الاعتناء بكتب الأولين، وتاريخ الأمم، وصنف كتاباً في ذكر ملوك حمير وأخبارهم وقصصهم وقبورهم وأشعارهم. وهو من أبناء الفرس الذين قدموا إلى اليمن. وله إخوة منهم: همام بن منبه، وهو أكبر من وهب. ولي وهب القضاء لعمر بن عبد العزيز. وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه. توفي بصنعاء سنة 110هـ، وقيل سنة 114، 116.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 5/ 88، طبقات الحفاظ ص 41، تذكرة الحفاظ 1/ 100، تهذيب الأسماء 2/ 149، حلية الأولياء 4/ 23، المعارف ص 459، الخلاصة ص 419، شذرات الذهب 1/ 150، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 74".
6 ساقطة من ع ض.(2/86)
يَا مُوسَى. فَأَجَابَ سَرِيعًا -لاَ1 يَدْرِي مَنْ دَعَاهُ-. فَقَالَ: إنِّي أَسْمَعُ صَوْتَك وَلا أَرَى مَكَانَك. فَأَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا فَوْقَك وَمَعَك وَأَمَامَك وَخَلْفَك، وَأَقْرَبُ إلَيْك مِنْ نَفْسِك. فَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لا يَنْبَغِي إلاَّ لِلَّهِ. فَأَيْقَنَ بِهِ2.
قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي قِصَّةِ مُوسَى: إنَّهُ لَمَّا رَأَى النَّارَ هَالَتْهُ وَفَزِعَ مِنْهَا. فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا مُوسَى. فَأَجَابَ سَرِيعًا اسْتِئْنَاسًا بِالصَّوْتِ. فَقَالَ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، أَسْمَعُ صَوْتَك وَلا أَرَى مَكَانَك. فَأَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: فَوْقَك وَأَمَامَك وَوَرَاءَك، وَعَنْ يَمِينِك وَعَنْ شِمَالِك. فَعَلِمَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لا تَنْبَغِي إلاَّ لِلَّهِ. قَالَ: فَكَذَلِكَ أَنْتَ يَا إلَهِي، كَلامَك أَسْمَعُ أَمْ كَلامَ رَسُولِك؟ قَالَ: بَلْ كَلامِي يَا مُوسَى. وَقَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى: بِمَ شَبَّهْتَ صَوْتَ3 رَبِّك؟ قَالَ: إنَّهُ لا شَبَهَ لَهُ.
وَرُوِيَ: أَنَّ مُوسَى لَمَّا سَمِعَ كَلامَ الآدَمِيِّينَ مَقَتَهُمْ، لِمَا وَقَرَ فِي مَسَامِعِهِ مِنْ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلأَنَّ حَقِيقَةَ التَّكَلُّمِ وَالْمُنَادَاةِ4 وَالْمُنَاجَاةِ شَيْءٌ تَوَارَدَتْ الأَخْبَارُ5 وَالآثَارُ بِهِ. فَمَا إنْكَارُهُ إلاَّ عِنَادٌ وَاتِّبَاعٌ لِلْهَوَى، وَصُدُوفٌ عَنْ الْحَقِّ، وَتَرْكٌ لِلصِّرَاطِ6 الْمُسْتَقِيمِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى لا يُفَارِقُ ذَاتَ اللَّهِ، وَلا يُبَايِنُهُ كَلامُهُ، وَلا شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ، بَلْ لَيْسَ صِفَةُ شَيْءٍ مِنْ
ـــــــ
1 في ز ش ب ع ض: ما. وما أثبتناه في الأعلى من تفسير البغوي.
2 تفسير البغوي 4/ 265. وانظر: تفسير الخازن 4/ 265.
3 في ض: كلام.
4 ساقطة من ض.
5ساقطة من ض.
6 في ب ز ع ض: الصراط.(2/87)
مَوْصُوفٍ تُبَايِنُ مَوْصُوفَهَا وَتَنْتَقِلُ عَنْهُ1 إلَى غَيْرِهِ. فَكَيْفَ يَتَوَهَّمُ عَاقِلٌ أَنَّ كَلامَ اللَّهِ يُبَايِنُهُ، وَيَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ؟
وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: كَلامُ اللَّهِ مِنْ اللَّهِ لَيْسَ بِبَائِنٍ مِنْهُ. وَقَدْ جَاءَ فِي الأَحَادِيثِ وَالآثَارِ "أَنَّهُ مِنْهُ بَدَأَ، وَمِنْهُ خَرَجَ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ" نَصًّا مِنْهُ، وَمِنْ غَيْرِهِ عَلَيْهِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ، أَوْ2 الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ، وَلا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُبَايِنُهُ3 وَانْتَقَلَ عَنْهُ4.
وَقَالَ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَلامَ الْمَخْلُوقِ لا يُبَايِنُ مَحَلَّهُ5.
قَالَ أَحْمَدُ: مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ6.
وَقَالَ: مِنْهُ بَدَأَ عِلْمُهُ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ حُكْمُهُ.
وَقَالَ تَارَةً: مِنْهُ خَرَجَ، وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ، وَهُوَ الْقُرْآنُ7.
وَقَالَ تَارَةً: الْقُرْآنُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ.
قَالَ ابْنُ جَلَبَةَ8، مِنَّا. يَعْنِي: عَلَى حَدِّ حَقِيقَةِ الْعُلُومِ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى
ـــــــ
1 ساقطة من ب ز ع ض.
2 في ض: و.
3 في ش: باينه.
4 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 52، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 35.
5 انظر: مسائل الإمام أحمد ص 266.
6 انظر فتاوى ابن تيمية 2/ 517.
7 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 40، 235، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 37.
8 هو عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب بن جلبة البغدادي، ثم الحراني، أبو الفتح، قاضي حران. تفقه في بغداد على القاضي أبي يعلى، ثم ولاه القضاء بحران. قال العليمي: "وكان فقيهاً واعظاً فصيحاً، كتب الكثير من مصنفات القاضي، وكان ناشراً للمذهب، داعياً إليه، وكان مفتي حران وواعظها وخطيبها ومدرسها". له مصنفات كثيرة، منها: "مختصر المجرد"، و"رؤوس المسائل"، و"أصول الفقه"، و"أصول الدين"، و"كتاب النظام بخصال الأقسام". قتل مع ولديه وجماعة، وصلبوا على يد ابن قريش العقيلي الرافضي لما أظهر سب السلف، فأنكروا عليه ذلك سنة 476هـ. وسماه ابن العماد: "عبد الله بن أحمد".
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 2/ 245، ذيل طبقات الحنابلة 1/ 42، المنهج الأحمد 2/ 146، شذرات الذهب 3/ 352".
وفي ش: ابن جلية. وفي الهامش: كذا في الأصل. وفي ض: ابن جلية.(2/88)
اللَّهِ، وَارْتِفَاعُ الْقُرْآنِ دُفْعَةً وَاحِدَةً عَنْ النَّاسِ، وَتَرْتَفِعُ تِلاوَتُهُ وَأَحْكَامُهُ. فَيَعُودُ إلَى اللَّهِ حَقِيقَةً بِهِمَا1.
وَقَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: "الْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ".
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ2: سَمِعْت عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ3 يَقُولُ: أَدْرَكْت
ـــــــ
1 انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 44.
2 هو سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون، الكوفي، ثم المكي، الهلالي مولاهم، أبو محمد. وهو من تابعي التابعين. قال النووي: "روى عنه خلائق لا يحصون من الأئمة، واتفقوا على إمامته وجلالته وعظم مرتبته، ولم يكن له كتب، وحجّ سبعين حجة، ومناقبه كثيرة مشهورة". وكان إماماً مجتهداً حافظاً وشيخ الحجاز، وكان ورعاًَ زاهداً واسع العلم، كبير القدر، توفي بمكة سنة 198هـ، ودفن بالحجون.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 262، تاريخ بغداد 9/ 174، حلية الأولياء 7/ 270، طبقات القراء 1/ 308، طبقات المفسرين 1/ 190، طبقات الحفاظ ص 113، وفيات الأعيان 2/ 129، الخلاصة ص 145، تهذيب الأسماء 1/ 224، شذرات الذهب 1/ 354، ميزان الاعتدال 2/ 170، الفهرست ص 316".
3 هو عمرو بن دينار، أبو محمد الجُمَحي مولاهم، المكي التابعي. قال النووي: "وأجمعوا على جلالته وإمامته وتوثيقه، وهو أحد أئمة التابعين وأحد المجتهدين أصحاب المذاهب". روى عن جابر وأبي هريرة وابن عمر وغيرهم. وروى عنه شعبة والحمادان والسفيانان وقتادة وغيرهم. وكان عالم مكة، وكان مولى، ولكن شرفه بالعلم. وقال عنه سفيان ين عيينة: هو ثقة ثقة ثقة ثقة أربع مرات. وقال: وحديث أسمعه من عمرو أحبّ إليّ من عشرين من غيره. توفي سنة 126هـ.
انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ 1/ 113، طبقات الفقهاء ص 70، طبقات الحفاظ ص 43، تهذيب الأسماء 2/ 27، طبقات القراء 1/ 600، الخلاصة ص 288، المعارف ص 468، شذرات الذهب 1/ 171.(2/89)
مَشَايِخَنَا وَالنَّاسَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ 1".
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ2 أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إنَّكُمْ لَنْ تَتَقَرَّبُوا إلَى اللَّهِ بِأَفْضَلَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ - يَعْنِي الْقُرْآنَ" 3.
ـــــــ
1 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 505، السنة ص 25، شرح الكافية 1/ 205.
2 هو الصحابي خباب بن الأرت بن جندلة التميمي، ويقال الخزاعي، أبو عبد الله. سبي في الجاهلية، فبيع في مكة، وحالف بني زهرة، وكان يألف رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، ويألفه رسول الله، وكان من السابقين الأولين، أسلم سادس ستة، وهو أول من أظهر إسلامه مع أبي بكر وعمار، وكان من المستضعفين، وعذب عذاباً شديداً لأجل ذلك، ثم شهد المشاهد كلها. روى الطبراني قال: "لما رجع علي من صفين مر بقبر خباب فقال: رحم الله خباباً، أسلم راغباً، وهاجر طائعاً ، وعاش مجاهداً، وابتلي في جسمه أحوالاً، ولن يضيع الله أجره". وكان يعمل السيوف. مات سنة 37 هـ. وهو أول من دفن بظهر الكوفة.
"انظر: الإصابة 1/ 416، الاستيعاب 1/ 423، تهذيب الأسماء 1/ 174، شذرات الذهب 1/ 47، الخلاصة ص 104".
3 رواه الترمذي عن جبير بن نفير أيضاً بلفظ: "إنكم لن ترجعوا إلى الله بأفضل مما خرج منه ...." ورواه أحمد عن أبي أمامة الباهلي في "المسند". ورواه عن جبير في "الزهد"، وفي سنده بكر بن خنيس، وهو متكلم فيه. ورواه أحمد في "السنة". ورواه البخاري في "خلق أفعال العباد" عن خباب بن الأرت موقوفاً عليه، ثم قال: هذا الخبر لا يصح لإرساله وانقطاعه. وقد مر صفحة 75.
"انظر: تحفة الأحوذي 8/ 230، مسند أحمد 5/ 268، السنة ص 17، 20، فيض القدير 2/ 552، خلق أفعال العباد ص 13، 65".(2/90)
وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ إلَى أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْمَقْرُوءُ، وَالتِّلاوَةَ هُوَ الْمَتْلُوُّ1.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا. فَإِنَّمَا أَرَادَ حَسْمَ الْمَادَّةِ، لِئَلاَّ يَتَدَرَّجَ أَحَدٌ إلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ. كَمَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. حَسْمًا لِلْمَادَّةِ2. اهـ. وَإِلاَّ فَلا يَخْفَى الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ ظَاهِرٌ3.
وَقَالَ مَالِكٌ الصَّغِيرُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ4: "إنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ بِذَاتِهِ. وَأَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى بِذَاتِهِ، وَأَسْمَعَهُ كَلامَهُ، لا كَلامًا قَامَ فِي غَيْرِهِ" اهـ.
ـــــــ
1 انظر: فواتح الرحموت 2/ 6، الإنصاف للباقلاني ص 112، فتاوى ابن تيمية 12/ 75، 211، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 23، فتح الباري 13/ 391، 397.
2 قال البخاري: "من نقل عني أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق، فقد كذب، وإنما قلت: إن أفعال العباد مخلوقة". "انظر: فتح الباري 13/ 387" وانظر: صيد الخاطر لابن الجوزي ص 102، السنة ص 29، فتاوى ابن تيمية 12/ 242.
3 بين الحافظ ابن حجر الفرق بين هذه الأمور فقال: "إن حركة لسان القارئ بالقرآن من فعل القارئ، بخلاف المقروء، فإنه كلام الله القديم، كما أن حركة لسان ذاكر الله حادثة من فعله، والمذكور هو الله سبحانه وتعالى قديم". "فتح الباري 13/ 385". ثم نقل كلام البخاري في "خلق أفعال العباد" أنه قال: "القرآن مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، مقروء على الألسنة، فالقراءة والحفظ والكتابة مخلوقة، والدليل عليه أنك تكتب "الله" وتحفظه وتدعوه، فدعاؤك وحفظك وكتابتك وفعلك مخلوق، والله هو الخالق. "فتح الباري 13/ 387-388".
وانظر: فتح الباري 13/ 391، 397، فواتح الرحموت 2/ 6، فتاوى ابن تيمية 12/ 74، 170، 424 وما بعدها، مجموعة الرسائل والمسائل 23/ 24.
4 هو أبو محمد، عبد الله بن عبد الرحمن، وكنية عبد الرحمن أبو زيد، نفري النسب، سكن القيروان، وكان إمام المالكية في وقته، وقدوتهم، وجامع مذهب مالك، وشارح أقواله، وكان واسع العلم، كثير الحفظ والرواية، يقول الشاعر ويجيده مع الصلاح والورع، وهو الذي لخص المذهب ونشره، فكان يعرف: بمالك الصغير. وكان سريع الانقياد للحق والرجوع إليه. ومن مصنفاته: "مختصر المدونة"، و"النوادر الزيادات على المدونة"، و"الاقتداء بأهل المدينة"، و"الرسالة"، و"التنبيه"، و"المناسك"، و"الذب عن مذهب مالك". توفي سنة 386 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب 1/ 127، شجرة النور الزكية ص 96، الفهرست ص 283، شذرات الذهب 3/ 131".(2/91)
وَ1قَالَ الطَّحَاوِيُّ2: "إنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ، مِنْهُ بَدَأَ بِلا كَيْفِيَّةٍ قَوْلاً. وَأَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَحْيًا وَصَدَّقَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى ذَلِكَ حَقًّا، وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ كَلامُ اللَّهِ بِالْحَقِيقَةِ3"، وَهُوَ صَرِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ 4بْنُ خُزَيْمَةَ5 - مِنَّا - لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا، وَلا مِثْلَ لِكَلامِهِ، وَاسْتَصْوَبَاهُ. وَمِنْ الْمُسْتَبْعَدِ جِدًّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلامُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كُلُّهُ مَجَازٌ لا حَقِيقَةَ فِيهِ، وَلَوْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْهُ، وَبِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ
ـــــــ
1 ساقطة من ع.
2 هو أحمد بن محمد بن سلامة، أبو جعفر الطحاوي الأزدي المصري، الإمام العلامة الحافظ، الفقيه الحنفي، ابن أخت المزني، وهن صاحب التصانيف البديعة، وكان ثقة ثبتاً، انتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة. ومصنفاته كثيرة، منها: "أحكام القرآن"، و"معاني الآثار"، و"بيان مشكل الآثار":، و"المختصر في الفقه"، و"اختلاف الفقهاء"، و"العقيدة"، وحكم أراضي مكة". توفي بمصر سنة 321هـ.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 116، تذكرة الحفاظ 3/ 808، طبقات المفسرين 1/ 73، طبقات الفقهاء ص 142، الفوائد البهية ص 31، وفيات الأعيان 1/ 53، طبقات الحفاظ ص 337، تاج التراجم ص 8، أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 162، حسن المحاضرة 1/ 350، الفهرست ص 292".
3 شرح العقيدة الطحاوية ص 117.
4 في ز ع: وابن.
5 الغالب أنه أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة المحدث الشافعي، لكن ابن أبي يعلى ذكر محمد بن إسحاق في تراجم الحنابلة. وقال عنه: من جملة من نقل عن إمامنا.
انظر: "طبقات الحنابلة 1/ 270".(2/92)
مِنْهُ1 يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ.
قَالَ الطُّوفِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: هُوَ حَقِيقَةٌ، وَلَكِنْ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْكَلامِ النَّفْسِيِّ بِالاشْتِرَاكِ، كَمَا قُلْتُمْ: إنَّ الصِّفَاتِ الْوَارِدَةَ فِي الشَّرْعِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَقِيقَةٌ، لَكِنْ مُخَالِفَةٌ لِلصِّفَاتِ الْمُشَاهَدَةِ، وَهِيَ مَقُولَةٌ بِالاشْتِرَاكِ.
قُلْنَا: نَحْنُ اُضْطُرِرْنَا إلَى الْقَوْلِ بِالاشْتِرَاكِ، فِي الصِّفَاتِ2 لِوُرُودِ نُصُوصِ الشَّرْعِ الثَّابِتَةِ بِهَا. فَأَنْتُمْ مَا الَّذِي اضْطَرَّكُمْ إلَى إثْبَاتِ الْكَلامِ النَّفْسِيِّ؟
فَإِنْ قِيلَ: دَلِيلُ الْعَقْلِ3 الدَّالُّ عَلَى أَنَّهُ لا صَوْتَ وَلا حَرْفَ إلاَّ مِنْ جِسْمٍ، قُلْنَا: فَمَا أَفَادَكُمْ إثْبَاتُهُ شَيْئًا؛ لأَنَّ الْكَلامَ النَّفْسِيَّ الَّذِي أَثْبَتُّمُوهُ لا يَخْرُجُ فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ أَنْ يَكُونَ عِلْمًا أَوْ تَصَوُّرًا، عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ عَنْ أَئِمَّتِكُمْ. فَإِنْ كَانَ عِلْمًا فَقَدْ رَجَعْتُمْ مُعْتَزِلَةً، وَنَفَيْتُمْ الْكَلامَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَوَّهْتُمْ عَلَى النَّاسِ بِتَسْمِيَتِكُمْ الْعِلْمَ كَلامًا. وَإِنْ كَانَ تَصَوُّرًا، فَالتَّصَوُّرُ فِي الشَّاهِدِ حُصُولُ صُورَةِ الشَّيْءِ فِي الْعَقْلِ. وَإِنَّمَا يُعْقَلُ فِي الأَجْسَامِ. وَإِنْ عَنَيْتُمْ تَصَوُّرًا مُخَالِفًا لِلتَّصَوُّرِ فِي الشَّاهِدِ، لائِقًا بِجَلالِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَثْبِتُوا كَلامًا عِبَارَةً عَنْ خِلافِ الشَّاهِدِ4، لائِقَةً5 بِجَلالِهِ تَعَالَى.
وَهَذَا كَلامٌ مَتِينٌ لا مَحِيدَ لِلْمُنْصِفِ عَنْهُ.
ـــــــ
1 ساقطة من ش ز.
2 في ز ع: ورود. وفي ب ض: وورود.
3 في ز ع ض: العقلي.
4 قال الآمدي: "الكلام في الشاهد، أعني كلام اللسان والنطق اللساني". "غاية المرام ص 117".
5 في ب: لائق.(2/93)
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ1: "أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ2 عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى، وَعَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ، وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَالصُّحُفِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا. فَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: إنَّ كَلامَ اللَّهِ صِفَةُ فِعْلٍ مَخْلُوقٍ3، وَأَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى بِكَلامٍ أَحْدَثَهُ فِي الشَّجَرَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَتْبَاعُهُ4: كَلامُ اللَّهِ هُوَ عِلْمُهُ لَمْ يَزَلْ، وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.
5وَقَالَتِ الأَشَاعِرَةُ6: كَلامُ اللَّهِ صِفَةُ ذَاتٍ لَمْ تَزَلْ7، وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ7، وَهُوَ غَيْرُ8 عِلْمِ اللَّهِ، وَلَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى إلاَّ كَلامٌ وَاحِدٌ9. وَاحْتُجَّ لأَحْمَدَ: بِأَنَّ الدَّلائِلَ الْقَاطِعَةَ قَامَتْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يُشْبِهُهُ
ـــــــ
1 هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، أبو محمد الأموي الظاهري. قال ابن خلكان: "كان حافظاً عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب، وكان متفنناً في علوم جمة، عاملاً بعلمه، زاهداً في الدنيا بعد الرئاسة التي كانت له ولأبيه، متواضعاً". له مصنفات كثيرة، منها: "الإيصال في فهم الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام"، و"المحلى"، و"الإحكام لأصول الأحكام"، و"الفصل في الملل والنحل"، و"الإجماع"، و"طوق الحمامة" وغيرها. توفي سنة 456هـ.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 3/ 1146، وفيات الأعيان 3/ 13، الفتح المبين 1/ 243، الصلة 2/ 415، بغية الملتمس ص 403، شذرات الذهب 3/ 299، طبقات الحفاظ ص 436".
2 في "الفصل في الملل": أهل الإسلام.
3 في ش ز ع ب ض: مخلوقة. وما أثبتناه في الأعلى من "الفصل في الملل".
4 في "الفصل": وقال أهل السنة ... وهو قول أحمد.
5 ساقطة من ش ز.
6 في "الفصل": الأشعرية.
7 في ش ز ع ب ض: يزل.
8 في ش ز ع ب ض: عين. وما أثبتناه في الأعلى من "الفصل في الملل".
9 الفصل في الملل 3/ 5. وانظر: فتح الباري 13/ 350-351، الإبانة للأشعري ص 19، الإنصاف للباقلاني ص 110 وما بعدها.(2/94)
شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، فَلَمَّا كَانَ كَلامُنَا غَيْرَنَا وَكَانَ مَخْلُوقًا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَلامُ اللَّهِ لَيْسَ غَيْرَهُ، وَلَيْسَ مَخْلُوقًا1. وَأَطَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِينَ لِذَلِكَ2.
وَقَالَ أَيْضًا: اخْتَلَفُوا. فَقَالَتِ3 الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَبَعْضُ الزَّيْدِيَّةِ، وَالإِمَامِيَّةِ، وَبَعْضُ الْخَوَارِجِ: كَلامُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ، خَلَقَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ فِي بَعْضِ الأَجْسَامِ، كَالشَّجَرَةِ حِينَ كَلَّمَ مُوسَى4.
وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يَتَكَلَّمُ، وَإِنْ نُسِبَ إلَيْهِ ذَلِكَ فَبِطَرِيقِ الْمَجَازِ. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: يَتَكَلَّمُ حَقِيقَةً، لَكِنْ يَخْلُقُ ذَلِكَ الْكَلامَ فِي غَيْرِهِ5.
وَقَالَتْ الْكَرَّامِيَّةُ: الْكَلامُ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ قَدِيمَةُ الْعَيْنِ، لازِمَةٌ لِذَاتِ اللَّهِ. كَالْحَيَاةِ، وَأَنَّهُ لا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَتَكْلِيمُهُ مَنْ كَلَّمَهُ: إنَّمَا هُوَ خَلْقُ إدْرَاكٍ لَهُ يَسْمَعُ بِهِ الْكَلامَ، وَنِدَاؤُهُ لِمُوسَى لَمْ يَزَلْ، لَكِنَّهُ أَسْمَعَهُ ذَلِكَ حِينَ نَادَاهُ6.
ـــــــ
1 الفصل في الملل والنحل 3/ 5، وانظر: فتح الباري 13/ 351.
2 المراجع السابقة.
3 في ع: قال.
4 في ض: كلَّمه.
5 يقول ابن تيمية عن المعتزلة: "لكن معنى كونه سبحانه متكلماً عندهم أنه خلق الكلام في غيره. فمذهبهم ومذهب الجهمية في المعنى سواء، لكن هؤلاء يقولون: هو متكلم حقيقة، وأولئك ينفون أن يكون متكلماً حقيقة، وحقيقة قول الطائفتين أنه غير متكلّم، فإنه لا يعقل متكلم إلا من قام به الكلام". "مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 27".
6 انظر: فتح الباري 13/ 351، منهاج السنة 1/ 38، فتاوى ابن تيمية 12/ 149.(2/95)
وَيُحْكَى عَنْ الْمَاتُرِيدِيِّ الْحَنَفِيِّ أَبِي مَنْصُورٍ1 نَحْوُهُ، لَكِنْ قَالَ: خَلَقَ صَوْتًا حِينَ نَادَاهُ فَأَسْمَعَهُ كَلامَهُ.
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ هَذَا مُرَادُ السَّلَفِ الْقَائِلِينَ: إنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ2.
[وَقَالُوا إذَا كَانَ الْكَلامُ قَدِيمًا لِعَيْنِهِ، لازِمًا لِذَاتِ الرَّبِّ، وَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ] 3 فَالْحُرُوفُ لَيْسَتْ قَدِيمَةً؛ لأَنَّهَا مُتَعَاقِبَةٌ، وَمَا كَانَ مَسْبُوقًا بِغَيْرِهِ وَمَفْقُودًا حِينَ التَّلَفُّظِ بِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا4، وَالْكَلامُ الْقَدِيمُ مَعْنًى قَائِمٌ بِالذَّاتِ لا يَتَعَدَّدُ وَلا يَتَجَزَّأُ، بَلْ هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ إنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ:
ـــــــ
1 هو محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي، من كبار العلماء، وكان إمام المتكلمين، وعرف بإمام الهدى، وكان قوي الحجة، مفحماً في الخصومة. دافع عن عقائد المسلمين، ورد شبهات الملحدين، له كتاب "التوحيد"، و"المقالات"، و"رد أوائل الأدلة"، للكعبي، و"بيان وهم المعتزلة"، و"تأويلات القرآن"، و"مأخذ الشرائع في الفقه"، و"الجدل" في أصول الفقه. ورأيه وسط بين المعتزلة والأشاعرة. مات بسمرقند سنة 333هـ.
انظر ترجمته في "الجواهر المضيئة 2/ 130، الفوائد البهية ص 195، تاج التراجم ص 59، الفتح المبين 1/ 182، الفكر السامي 3/ 93".
2 انظر: فتح الباري 13/ 351.
3 ما بين القوسين إضافة من فتح الباري 13/ 351. وهي إضافة ضرورية لصحة السياق والمعنى، ولأن المصنف نقل هذه الفقرات بأكملها من فتح الباري وحكى هذا النص الأخير عن ابن كلاب والقلانسي والأشعري.
4 قال السبكي: "ثم زاد ابن كلاب وأبو العباس القلانسي على سائر أهل السنة، فذهبا إلى أن كلام الله تعالى لا يتصف بالأمر والخبر في الأزل، لحدوث هذه الأمور، وقد الكلام النفسي، وإنما يتصف فيما لا يزال، فألزمهما أئمتنا أن يكون القدر المشترك موجوداً". "طبقات الشافعية الكبرى 2/ 300".
والقلانسي هو أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن خالد، إمام أهل السنة في القرن الثالث، وصنف في الكلام مائة وخمسين مصنفاً.
"انظر: طبقات الشافعية الكبرى 2/ 300، فتاوى ابن تيمية 12/ 165، الإنصاف للباقلاني ص 99".(2/96)
فَقُرْآنٌ، أَوْ1 بِالْعِبْرَانِيَّةِ: فَتَوْرَاةٌ مَثَلاً2.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ كَلامُ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ التَّوْرَاةُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ، وَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِحُرُوفِ الْقُرْآنِ، وَأَسْمَعَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمَلائِكَةِ وَالأَنْبِيَاءِ صَوْتَهُ.
وَقَالُوا: إنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ وَالأَصْوَاتَ قَدِيمَةُ الْعَيْنِ، لازِمَةٌ لِلذَّاتِ3، لَيْسَتْ مُتَعَاقِبَةً، بَلْ لَمْ تَزَلْ قَائِمَةً بِذَاتٍ مُقْتَرِنَةٍ لا تُسْبَقُ، وَالتَّعَاقُبُ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ، بِخِلافِ الْخَالِقِ4.
وَذَهَبَ أَكْثَرُ هَؤُلاءِ إلَى أَنَّ الأَصْوَاتَ وَالْحُرُوفَ هِيَ الْمَسْمُوعَةُ مِنْ الْقَارِئِينَ، وَأَبَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، فَقَالُوا: لَيْسَتْ هِيَ الْمَسْمُوعَةَ مِنْ الْقَارِئِينَ5.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ6 بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بِالْحُرُوفِ وَالأَصْوَاتِ الْقَائِمَةِ بِالذَّاتِ7، وَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، لَكِنَّهُ فِي الأَزَلِ لَمْ يَتَكَلَّمْ، لامْتِنَاعِ وُجُودِ الْحَادِثَاتِ8 فِي الأَزَلِ، فَكَلامُهُ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ، لا مُحْدَثٌ9.
ـــــــ
1 في ض: و.
2 انظر: فتح الباري 13/ 351، فتاوى ابن تيمية 12/ 44، 52.
3 في ع ب ض: الذات.
4 انظر: فتح الباري 13/ 351، فتاوى ابن تيمية 12/ 49، تفسير القرطبي 1/ 55.
5 انظر: فتح الباري 13/ 351، فتاوى ابن تيمية 12/ 138.
6 في ع: يتكلم.
7 في ب ع ض: بذاته. وهو متفق مع "فتح الباري".
8 في "فتح الباري": الحادث.
9 انظر: فتح الباري 13/ 351، فتاوى ابن تيمية 12/ 49.(2/97)
وَذَهَبَ الْكَرَّامِيَّةُ: إلَى أَنَّهُ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ وَمُحْدَثٌ1.
وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ2: أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: "إنَّهُ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ3 بِكَلامٍ يَقُومُ بِذَاتِهِ وَمَشِيئَتِهِ4 وَاخْتِيَارِهِ": هُوَ أَصَحُّ الأَقْوَالِ نَقْلاً وَعَقْلاً، وَأَطَالَ5. وَالْمَحْفُوظُ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ تَرْكُ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ وَالتَّعَمُّقِ6 فِيهِ، وَالاقْتِصَارُ7 عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، ثُمَّ السُّكُوتُ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ. قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ8.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ أَيْضًا9: "اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكَلامِ فِي أَنَّ كَلامَ اللَّهِ هَلْ هُوَ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ أَمْ لا؟
فَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لا يَكُونُ الْكَلامُ إلاَّ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ. وَالْكَلامُ الْمَنْسُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَائِمٌ بِالشَّجَرَةِ.
وَقَالَتْ الأَشَاعِرَةُ: كَلامُهُ10 لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلا صَوْتٍ، وَأَثْبَتَتْ الْكَلامَ
ـــــــ
1 انظر: فتح الباري 13/ 351.
2 قال ابن حجر: وذكر الفخر الرازي في "المطالب العالية". "فتح الباري 13/ 351".
3 في فتح الباري: متكلم.
4 في ش ب ض: بمشيئته.
5 انظر فتح الباري 13/ 351.
6 في ب ع ض: التعميق.
7 في ش ض: والاختصار.
8 فتح الباري 13/ 351. وانظر: الإيمان لابن تيمية ص 344، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 17، 23، الإبانة للأشعري ص 33، الإنصاف للباقلاني ص 71.
9 فتح الباري 13/ 356 في آخر باب: قول الله: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ} من كتاب التوحيد.
10 في فتح الباري: كلام الله.(2/98)
النَّفْسِيَّ، وَحَقِيقَتُهُ: مَعْنًى قَائِمٌ بِالنَّفْسِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ عَنْهُ الْعِبَارَةُ، كَالْعَرَبِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ، وَاخْتِلافُهَا لا يَدُلُّ عَلَى اخْتِلافِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ، وَالْكَلامُ النَّفْسِيُّ هُوَ ذَلِكَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ.
وَأَثْبَتَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ1 بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ. أَمَّا الْحُرُوفُ2: 3فَلِلتَّصْرِيحِ بِهَا فِي ظَاهِرِ4 الْقُرْآنِ3، وَأَمَّا الصَّوْتُ: فَمَنْ مَنَعَ مِنْهُ5 قَالَ: إنَّ الصَّوْتَ هُوَ الْهَوَاءُ الْمُتَقَطِّعُ6 الْمَسْمُوعُ مِنْ الْحَنْجَرَةِ.
وَأَجَابَ مَنْ أَثْبَتَهُ بِأَنَّ الصَّوْتَ الْمَوْصُوفَ بِذَلِكَ هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ الآدَمِيِّينَ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَصِفَاتُ الرَّبِّ بِخِلافِ ذَلِكَ. فَلا يَلْزَمُ7 الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ، مَعَ اعْتِقَادِ التَّنْزِيهِ وَعَدَمِ التَّشْبِيهِ8. وَيَجُوزُ9 أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْحَنْجَرَةِ، فَلا يَلْزَمُ التَّشْبِيهُ.
وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ 10بْنُ أَحْمَدَ10: سَأَلْت أَبِي عَنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ: لَمَّا كَلَّمَ
ـــــــ
1 في "فتح الباري": متكلم.
2 في ش: الحرف. والأعلى من "فتح الباري" ومن ع ب ز ض.
3 في ع: فالتصريح بها في ظاهر القرآن. والأعلى من "فتح الباري". وفي ش ب ز ض: فلا تصريح به في ظاهر القرآن.
4 ساقطة من ش ع ز. والأعلى من ب و"فتح الباري".
5 ساقطة من ب ع ض.
6 في ز ع ب ض: المنقطع. وكذا في "فتح الباري".
7 في ز ع ب ض: يلزمه.
8 في ز: الشبيه.
9 في في ب ع ض: وأنه يجوز. وكذا في "فتح الباري".
10 ساقطة من ز ع ب ض. وفي "فتح الباري": ابن أحمد بن حنبل في كتاب "السنة".(2/99)
اللَّهُ مُوسَى لَمْ يَتَكَلَّمْ بِصَوْتٍ"؟ فَقَالَ لِي أَبِي: بَلْ يَتَكَلَّمُ1 بِصَوْتٍ، وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ تُرْوَى كَمَا جَاءَتْ. وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ2".
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ 3ابْنُ تَيْمِيَّةَ13 فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ4: اضْطَرَبَ النَّاسُ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلامِ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَكْثَرُهُمْ قَوْلَ السَّلَفِ فِيهَا، بَلْ يَذْكُرُونَ قَوْلَيْنِ وَثَلاثَةً وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، مَعَ أَنَّهَا بَلَغَتْ أَقْوَالُهُمْ فِيهَا إلَى تِسْعَةٍ5.
أَحَدُهَا: أَنَّ كَلامَ اللَّهِ هُوَ مَا6 يَفِيضُ عَلَى النُّفُوسِ مِنْ الْمَعَانِي، إمَّا مِنْ
ـــــــ
1 في "فتح الباري": تكلم.
2 انتهى كلام ابن حجر في "فتح الباري 13/ 356". وانظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 243 وما بعدها.
3 ساقطة من ب ع ض.
4 هو ابن المطهّر، جمال الدين أبو منصور، الحسن و"قيل الحسين" بن يوسف بن على بن المطهر الحلي، المشهور عند الشيعة بالعلامة. وهو الذي ألف كتاباً باسم "منهاج الاستقامة في إثبات الإمامة" ورد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية بكتاب عظيم "منهاج السنة النبوية" في أربع مجلدات. ولابن المطهر مصنفات كثيرة، منها: "منتهى المطلب في تحقيق المذهب"، و"تلخيص المرام في معرفة الأحكام"، و"تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية"، و"شرح مختصر ابن الحاجب" في أصول الفقه. توفي سنة 726هـ".
"انظر: الأعلام للزركلي 2/ 244، مرآة الجنان 4/ 276، الدرر الكامنة 2/ 71، روضات الجنات ص 172، لسان الميزان 2/ 317، مقدمة منهاج السنة النبوية 1/ 2، 5، 16 مطبعة المدني".
وفي ش: الرافضة.
5 انظر هذه الأقوال باختصار في "فتاوى ابن تيمية 12/ 42، 162 وما بعدها، منهاج السنة 1/ 221، شرح العقيدة الطحاوية ص 117 وما بعدها، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 113، التعرف ص 18 وما بعدها". وانظر منهاج السنة 2/ 278 تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم، مطبعة المدني، فإن المحقق استكمل النقص الموجود في الطبعة الأولى.
6 ساقطة من ز ع ب ض. وفي ش: أن. والأعلى من د و"شرح العقيدة الطحاوية" و"منهاج السنة".(2/100)
الْعَقْلِ الْفَاعِلِ1 عِنْدَ بَعْضِهِمْ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَ بَعْضٍ آخَرَ، وَهُوَ قَوْلُ الصَّابِئَةِ2 وَالْمُتَفَلْسِفَة، كَابْنِ سِينَا3 وَأَمْثَالِهِ4.
الثَّانِي: قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ: أَنَّهُ5 مَخْلُوقٌ6 خَلَقَهُ اللَّهُ مُنْفَصِلاً عَنْهُ7.
الثَّالِثُ: لِلْكُلاَّبِيَّةِ8 وَالأَشْعَرِيَّةِ وَنَحْوِهَا: أَنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ، لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلا صَوْتٍ9، وَالْكَلامُ الَّذِي بَيْنَ النَّاسِ عِبَارَةٌ عَنْهُ، وَهُوَ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ10 وَالاسْتِخْبَارُ، فَإِنْ11 عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: كَانَ قُرْآنًا.
ـــــــ
1 في فتاوى ابن تيمية، ومنهاج السنة، ومجموعة الرسائل والمسائل: الفعال.
2 ساقطة من ز ع ب ش ض. وأثبتنا من د ومنهاج السنة وفتاوى ابن تيمية.
3 هو الحسين بن عبد الله بن سينا، أبو علي الرئيس الحكيم المشهور، صاحب التصانيف الكثيرة في الفلسفة والطب، أبوه من بلْخ، ثم انتقل إلى بخارى. وانتقل ابن سينا في البلاد، واشتغل بالعلوم، وحصل الفنون، وأتقن علم القرآن والأدب، وحفظ أشياء من أصول الدين والحساب والجبر. ثم نظر في علوم المنطق واليونان، ثم رغب في علم الطب، فمارسه ودرسه حتى فاق فيه غيره. ومن مصنفاته: "الشفا" في الحكمة والفلسفة، و"النجاة"، و"الإشارة"، و"القانون"، و"الأوسط الجرجاني"، وله شعر. توفي بهمذان سنة 428هـ. وقد طعن به الكثير كاليافعي وابن الصلاح، وكفره الغزالي، وأثنى عليه ابن خلكان.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 1/ 419، شذرات الذهب 3/ 234، مرآة الجنان 3/ 47".
4 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 117، منهاج السنة 1/ 221.
5 في ع: هو أنه.
6 في ز: غير مخلوق. وهو خطأ.
7 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 118، فتاوى ابن تيمية 12/ 163، منهاج السنة 2/ 280 مطبعة المدني، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 42.
8 في ز ع ب ض: الكلابية.
9 في ع: بصوت.
10 ساقطة من ز ع ب ض: وما أثبتناه من د ومنهاج السنة الطبعة الجديدة فقط.
11 في ز ع ب: وإن.(2/101)
وَإِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعِبْرِيَّةِ: كَانَ تَوْرَاةً1.
الرَّابِعُ: لِلسَّالِمِيَّةِ2 وَطَائِفَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُحَدِّثِينَ:3أَنَّهُ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ مُجْتَمِعَةٌ فِي الأَزَلِ8، وَذَكَرَهُ الأَشْعَرِيُّ عَنْ طَائِفَةٍ نَحْوِ4 السَّالِمِيَّةِ5، فَهُوَ مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ عِنْدَهُمْ6. الْخَامِسُ: لِلْكَرَّامِيَّةِ7 وَنَحْوِهِمْ: أَنَّهُ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ؛ لَكِنْ تَكَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا8 بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا9.
السَّادِسُ: لِلرَّازِيِّ فِي10 "إشْكَالِهِ"11 مَثَلاً، وَصَاحِبِ "الْمُعْتَبَرِ"12: أَنَّ
ـــــــ
1 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 118، فتاوى ابن تيمية 12/ 165، منهاج السنة 1/ 221، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 113.
2 في ض: السالمية.
3 ساقطة من ز ع ب ض. وفي منهاج السنة 1/ 221: أنه حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل.
4 في ب ز ض: ونحو.
5 في ب ز: السلامة. وانظر: مقالات الإسلاميين 2/ 234.
6 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 118، منهاج السنة 1/ 221، مجموعة الرسائل والمسائل 2/ 39.
7 في ز ع ب ض: الكرامية.
8 ساقطة من ش ز ع ب ض.
9 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 118، فتاوى ابن تيمية 12/ 172، منهاج السنة 1/ 221.
10 في ع: و.
11 في شرح "العقيدة الطحاوية ص 118": في المطالب العالية.
12 هو هبة الله بن علي بن ملْكا، أبو البركات البغدادي، الفيلسوف والطبيب. كان يهوديًّا ثم أسلم، وحسن إسلامه، وخدم الملوك والخلفاء بصناعته، وخدم العامة بحسن تدبيره. قال عنه ابن تيمية: أقرب الفلاسفة إلى السنة والحديث. وقال: وكان ابن سينا نشأ في بين المتكلمين والنفاة للصفات، وابن رشد نشأ بين الكلابية، وأبو البركات نشأ ببغداد بين............=(2/102)
كَلامَهُ يَرْجِعُ إلَى مَا يُحْدِثُهُ1 مِنْ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ2.
السَّابِعُ: لأَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ: أَنَّ كَلامَهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنًى قَائِمًا بِذَاتِهِ هُوَ3 مَا خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ4.
الثَّامِنُ: لأَبِي الْمَعَالِي وَمَنْ تَبِعَهُ: أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَعْنَى الْقَدِيمِ الْقَائِمِ بِالذَّاتِ، وَبَيْنَ مَا يَخْلُقُهُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الأَصْوَاتِ5.
التَّاسِعُ: أَنَّهُ يُقَالُ6: لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَمَتَى شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ بِكَلامٍ يَقُومُ بِهِ، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ يُسْمَعُ، وَأَنَّ نَوْعَ الْكَلامِ قَدِيمٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الصَّوْتُ الْمُعَيَّنُ قَدِيمًا. وَهَذَا الْقَوْلُ: هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ7. وَمِنْ أَعْظَمِ الْقَائِلِينَ8 بِهِ: إمَامُنَا أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ وَنَحْوُهُمْ.
ـــــــ
=المسلمين. "منهاج السنة 1/ 98". ونقل عنه ابن تيمية كثيراً وناقشه. وصنف أبو البركات عدة كتب أهمها "المعتبر" في الحكمة. وهو من أجل كتبه وأشهرها، و"النفس" وغير ذلك. عمي في آخر عمره. توفي سنة 547هـ. "انظر: مقالة السيد سليمان الندوي في آخر كتاب المعتبر المطبوع في الهند 1357هـ، الرد على المنطقيين ص 125، منهاج السنة 2/ 281 مط المدني، نكت الهميان ص 304".
1 في جميع النسخ: يحدث. والذي أثبتناه في الأعلى من "شرح العقيدة الطحاوية ص 118".
2 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 118، منهاج السنة 2/ 281 مطبعة المدني.
3 في "منهاج السنة 2/ 282 مطبعة المدني": وهو.
4 انظر: منهاج السنة 2/ 282 مطبعة المدني، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 39.
5 انظر: منهاج السنة 2/ 282 مطبعة المدني.
6 في "فتاوى ابن تيمية 12/ 173": أن الله تعالى. وفي "شرح العقيدة الطحاوية ص 118": أنه تعالى.
7 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 118، فتاوى ابن تيمية 12/ 173، منهاج السنة 1/ 221.
8 في ب ع ض: القائل.(2/103)
وَ1قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: نَصَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ "الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ": "أَنَّ كَلامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ كَيْفَ شَاءَ وَ2مَتَى شَاءَ بِلا كَيْفٍ"3.
قَالَ الْقَاضِي: قَوْلُهُ: "إذَا شَاءَ"، أَيْ أَنْ يُسْمِعَنَا. قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَزَلْ اللَّهُ يَأْمُرُ بِمَا شَاءَ4 وَيْحُكُمْ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَافْتَرَقَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ فِرْقَتَيْنِ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَلامُهُ لازِمٌ لِذَاتِهِ. وَالْحُرُوفُ وَالأَصْوَاتُ مُقْتَرِنَةٌ لا مُتَعَاقِبَةٌ. وَيُسْمِعُ كَلامَهُ مَنْ شَاءَ، وَأَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَا شَاءَ إذَا شَاءَ. وَأَنَّهُ نَادَى مُوسَى حِينَ كَلَّمَهُ، وَلَمْ يَكُنْ نَادَاهُ مِنْ قَبْلُ5.
وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الأَشْعَرِيَّةِ: أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مَكْتُوبٌ فِي الْمَصَاحِفِ، مَحْفُوظٌ فِي الصُّدُورِ، مَقْرُوءٌ بِالأَلْسِنَةِ. قَالَ تَعَالَى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} 6 {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} 7 وَفِي الْحَدِيثِ "لا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ
ـــــــ
1 ساقطة من ب ع ض.
2 ساقطة من ب ز ع ض.
3 انظر: الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد ص 232، 248 من العدد الثامن من مجلة أضواء الشريعة بالرياض.
4 في ب: يشاء.
5 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 73.
6 الآية 6 من التوبة.
7 الآية 49 من العنكبوت.(2/104)
كَرَاهَةَ 1 أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ" 2 وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا فِي الصُّدُورِ، بَلْ مَا فِي الْمُصْحَفِ3. وَأَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى أَنَّ الَّذِي بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى4.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْقُرْآنُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَقْرُوءُ، وَهُوَ الصِّفَةُ الْقَدِيمَةُ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْقِرَاءَةُ. وَهِيَ الأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ. وَبِسَبَبِ ذَلِكَ وَقَعَ الاخْتِلافُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ عَنْ الْحُرُوفِ وَالأَصْوَاتِ: فَمُرَادُهُمْ الْكَلامُ النَّفْسِيُّ الْقَائِمُ بِالذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ، وَهُوَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمَوْجُودَةِ الْقَدِيمَةِ5. وَأَمَّا الْحُرُوفُ: فَإِنْ كَانَتْ بِحَرَكَاتٍ6 أَوْ7 أَدَوَاتٍ، كَاللِّسَانِ وَالشَّفَتَيْنِ، فَهِيَ أَعْرَاضٌ؛ وَإِنْ كَانَتْ كِتَابَةً فَهِيَ أَجْسَامٌ، وَقِيَامُ الأَجْسَامِ وَالأَعْرَاضِ بِذَاتِ اللَّهِ مُحَالٌ8، وَيَلْزَمُ مَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ يَأْبَى ذَلِكَ وَيَفِرُّ مِنْهُ. فَأَلْجَأَ ذَلِكَ بَعْضَهُمْ
ـــــــ
1 في ش ب ش ب ز ع: كراهية.
2 رواه مسلم عن ابن عمر بلفظ: "لا تسافروا بالقرآن، فإني لا آمن أن يناله العدو". وفي رواية: "أنه كان ينهى أن يُسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو. وفي رواية: "فإني أخاف". ورواه البخاري في "خلق أفعال العباد", عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُسافر بالقرآن إلى أرض العدو". رواه أحمد.
"انظر: صحيح مسلم 3/ 1491، خلق أفعال العباد ص 48، مسند أحمد 2/ 6، الفتح الكبير 3/ 323".
3 في ض: المصاحف.
4 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 241، الإبانة للأشعري ص 34، الأربعين في أصول الدين للغزالي ص 20.
5 ساقطة من ش ب ز ض.
6 في ع ب ز ض: حركات.
7 في ش: و.
8 انظر بحث الجسم ومعناه ونفيه عن الله تعالى في "مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 30 وما بعدها".(2/105)
إلَى أَنْ ادَّعَى قِدَمَ الْحُرُوفِ، كَمَا الْتَزَمَتْهُ1 السَّالِمِيَّةُ. وَمِنْهُمْ مَنْ الْتَزَمَ قِيَامَ ذَلِكَ بِذَاتِهِ2. وَمِنْ شِدَّةِ اللَّبْسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَثُرَ نَهْيُ السَّلَفِ عَنْ الْخَوْضِ فِيهَا3. وَاكْتَفَوْا بِاعْتِقَادِ أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا، وَهُوَ أَسْلَمُ الأَقْوَالِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَيْضًا: لَمْ يَكُنْ فِي كَلامِ الإِمَامِ4 أَحْمَدَ وَلا الأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّوْتَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ قَدِيمٌ، بَلْ يَقُولُونَ: لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ بِمَا شَاءَ وَ5كَيْفَ شَاءَ، كَقَوْلِ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ6.
وَقَالَ: رَادًّا عَلَى الرَّافِضِي7: مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ: لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ. كَقَوْلِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ: كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ8.
وَقَالَ: قَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي مَعْنَى كَوْنِ الْقُرْآنِ غَيْرَ مَخْلُوقٍ. هَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ نَفْسَ الْكَلامِ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ كَالْعِلْمِ، أَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ
ـــــــ
1 في ز: التزمه.
2 انظر: مجموعة الرسائل المسائل 3/ 33.
3 ساقطة من ز ع ب ض.
4 ساقطة من ب ع ض.
5 ساقطة من ز ع ب.
6 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 22، 46.
7 هو ابن المطهر الرافضي أحد شيوخ الشيعة الرافضة في عصر ابن تيمية. ألف كتابه "منهاج الاستقامة في معرفة الإمامة" فردّ عليه ابن تيمية في كتابه القيم الكبير "منهاج السنة النبوية"، وسبق بيان ذلك صفحة 100.
8 في ز ع ب ض: السنة.(2/106)
يَتَكَلَّمُ إذَا شَاءَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. ذَكَرَهُمَا الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي كِتَابِ الشَّافِي1 عَنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ. وَذَكَرَهُمَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ فِي "أُصُولِهِ" ا هـ2.
وَقَالَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ بْنُ رَجَبٍ3 فِي "الْمَنَاقِبِ": وَمِنْ الْبِدَعِ الَّتِي أَنْكَرَهَا أَحْمَدُ فِي الْقُرْآنِ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ صَوْتٍ. فَأَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ وَبَدَّعَ قَائِلَهُ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْحَارِثَ الْمُحَاسِبِيَّ إنَّمَا هَجَرَهُ أَحْمَدُ لأَجْلِ ذَلِكَ. اهـ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَهَذَا سَبَبُ تَحْذِيرِ أَحْمَدَ مِنْ الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَنَحْوِهِ مِنْ الْكِلابِيَّةِ. كَمَا أَمَرَ بِهَجْرِ الْقَائِلِ بِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الْحُرُوفَ انْتَصَبَتْ الأَلِفُ وَسَجَدَتِ الْبَاءُ، وَشَدَّدَ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهُ4. وَلَمَّا أَظْهَرُوا ذَلِكَ أَمَرَ
ـــــــ
1 في ش: الشافعي.
2 ساقطة من ش ز.
3 هو عبد الرحمن بن أحمد بن رجب، زين الدين، أبو الفرج الحنبلي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحافظ الإمام المحدث الفقيه الواعظ. قال ابن العماد: "واشتغل بسماع الحديث، وكانت مجالس تذكيره للقلوب صارعة، وللناس عامة مباركة نافعة. وله مصنفات مفيدة، ومؤلفات عديدة. منها: "الذيل على طبقات الحنابلة"، و"القواعد الفقهية"، و"شرح جامع الترمذي"، و"شرح علل الترمذي"، و"شرح الأربعين النووية"، و"شرح البخاري إلى الجنائز"، و"اللطائف في الوعظ وأهوال القيامة". وكان زاهداً في الدنيا، راغباً عن أصحاب الولايات. توفي بدمشق سنة 795هـ.
انظر ترجمته في "الدرر الكامنة 2/ 428، البدر الطالع 1/ 328، ذيل تذكرة الحفاظ ص 367، طبقات الحفاظ ص 536، شذرات الذهب 6/ 339".
4 انظر: الإنصاف للباقلاني ص 102، مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص 185، 186.(2/107)
بِهَجْرِهِمْ كَمَا أَمَرَ السَّرِيُّ السَّقَطِيُّ1 الْجُنَيْدَ2 أَنْ يَتَّقِيَ بَعْضَ كَلامِ الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ3. فَذَكَرُوا أَنَّ الْحَارِثَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ، وَاشْتَهَرَ عِلْمًا وَفَضْلاً وَحَقَائِقَ4 وَزُهْدًا5.
وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الْكَلابَاذِيُّ6. "وَقَالَتْ7 طَائِفَةٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ: كَلامُ
ـــــــ
1 هو السَّريُّ بن المُغَلِّس السَّقَطيّ، أبو الحسن البغدادي، أحد الأولياء الكبار، وله أحوال وكرامات، وهو خال الجنيد وأستاذه، لزم بيته، وانقطع عن الناس. قال ابن خلكان: "كان أوحد زمانه في الورع وعلوم التوحيد". توفي ببغداد سنة 251هـ، وقيل 256هـ، وقيل 257هـ.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 2/ 101، حلية الأولياء 10/ 116، مرآة الجنان 2/ 158، شذرات الذهب 2/ 127، تاريخ بغداد 9/ 187، صفة الصفوة 2/ 371، طبقات الصوفية ص 48".
2 هو الجنيد بن محمد بن الجنيد، أبو القاسم الخزاز، أصله من نهاوند، لكنه ولد ونشأ ببغداد وتفقه على أبي ثور، وسمع الحديث، ولقي العلماء، وصحب جماعة من الصالحين، واشتغل بالعبادة، وكان يقول: من لم يحفظ القرآن، ويكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة. قال ابن خلكان: "وكلامه مدون مشهور". توفي سنة 297هـ.
انظر ترجمته في "حلية الأولياء 10/ 255، وفيات الأعيان 1/ 323، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 260، طبقات الحنابلة 1/ 129، صفة الصفوة 2/ 416، المنهج الأحمد 1/ 219، شذرات الذهب 2/ 229، تاريخ بغداد 7/ 241، طبقات الصوفية ص 155".
وفي ز ع ب ض: للجنيد.
3 ساقطة من ش ع ز.
4 في ب ز ض: وحقائقاً، وهو خطأ.
5 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 95، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 74.
6 هو محمد بن إسحاق بن إبراهيم، البخاري الكلاباذي، أبو بكر، كان إماماً أصوليًّا. وله كتاب "التعرف لمذهب أهل التصوف" جمع فيه باختصار أقوال التصوف، وآراء الحنفية في التوحيد. توفي سنة 380هـ.
انظر ترجمته في "الفوائد البهية ص 161، كشف الظنون 1/ 419".
وفي ز ش ب ع ض: الكلابذاني. وهو تصحيف، ومصححة على هامش ض.
7 في جميع النسخ: قال. وما أثبتناه في الأعلى من كتاب "التعرف لمذهب أهل التصوف".(2/108)
اللَّهِ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ1، وَأَنَّهُ لا يُعْرَفُ كَلامٌ2 إلاَّ كَذَلِكَ، مَعَ إقْرَارِهِمْ أَنَّهُ صِفَةُ اللَّهِ3 تَعَالَى فِي ذَاتِهِ، 4وَأَنَّهُ غَيْرُ مُحْدَثٍ10. قَالَ5: وَهُوَ6 الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ، وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنُ سَالِمٍ7.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: سَأَلْت أَبِي عَنْ إنْكَارِ الْجَهْمِيَّةِ كَلامَ اللَّهِ لِمُوسَى، وَعَنْ قَوْمٍ8 أَنْكَرُوا صَوْتَ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَقَالَ لِي: بَلْ تَكَلَّمَ اللَّهُ بِصَوْتٍ. هَذِهِ الأَحَادِيثُ يَمُرُّونَهَا كَمَا جَاءَتْ. وَقَالَ أَبِي: حَدَّثَنَا9 ابْنُ مَسْعُودٍ إذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ سُمِعَ لَهُ صَوْتٌ كَمَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ10.
ـــــــ
1 في "التعرف": وصوت.
2 في "التعرف": كلامه.
3 في ع ض: لله.
4 في "التعرف": غير مخلوق.
5 في ب ز ع ض: وقال.
6 في "التعرف": وهذا قول حارث.
7 التعرف لمذهب أهل التصوف ص 19.
وابن سالم هو: أحمد بن محمد بن أحمد بن سالم، أبو الحسن، البصري، تلميذ سهل بن عبد الله التستري، وكان لأبي الحسن بن سالم أحوال ومجاهدات، وهو أستاذ مكي بن أبي طالب الذي عُرف في كتابه "قوت القلوب". كما كان أبو الحسن صديقاً لأبي مجاهد المفسر، وتنتسب فرقة السالمية إلى أبي الحسن بن سالم وإلى أبيه أبي عبد الله "المتوفى سنة 293هـ". صاحب سهل. وقد أسس الفرقة سهل المتوفى سنة 283هـ فخلفه من بعده أبو عبد الله وابنه أبو الحسن. وعمر أبو الحسن كثيراً، وكان آخر أصحاب التستري وفاة، وهي فرقة من المتكلمين من أهل السنة ذوي النزعة الصوفية. قال ابن العماد عنهم: "وقد خالفوا أصول السنة في مواضع، وبالغوا في الإثبات في مواضع، وعمر أبو الحسن دهراً وبقي إلى سنة بضع وخمسين". وتوفي سنة 360هـ.
"انظر: شذرات الذهب 3/ 36، مرآة الجنان 2/ 372، حلية الأولياء 10/ 378، طبقات الصوفية ص 414، دائرة المعارف الإسلامية في مصطلح السالمية".
8 في ع: عموم. وهو تصحيف.
9 في ع ض: حديث.
10 مر هذا الحديث مع تخريجه صفحة 67.(2/109)
وَرَوَى الْخَلاَّلُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ1 عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ2 قَالَ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَمَّنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِصَوْتٍ؟ فَقَالَ: بَلْ تَكَلَّمَ بِصَوْتٍ3. هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ صَحَّتَا4 عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ بِلا شَكٍّ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ "خَلْقُ أَفْعَالِ الْعِبَاد"ِ: وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ: "كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ خَفِيضَ الصَّوْتِ"5 وَ "أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَادِي بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ، *فَلَيْسَ هَذَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى 6".
ـــــــ
1 هو محمد بن علي بن عبد الله بن مهران، أبو جعفر الوراق، الجرجاني الأصل، البغدادي المنشأ، يعرف بحمدان. حدث عنه أبو بكر الخلال وابن سريج وعبد الله البغوي وغيرهم. قال الخلال عنه: "رفيع القدر، كان عنده عن أبي عبد الله مسائل حسان". وهو مشهود له بالصلاح والفضل، توفي سنة 272هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/ 308، المنهج الأحمد 1/ 164".
2 هو يعقوب بن إسحاق بن بختان، أبو يوسف. سمع من مسلم بن إبراهيم والإمام أحمد، وكان أحد الصالحين الثقات، وجان جار الإمام أحمد وصديقه، وروى عنه مسائل صالحة كثيرة في الورع لم يروها غيره، ومسائل في السلطان. ذكره العليمي في أصحاب أحمد فيمن لم تؤرخ وفاته.
انظر: المنهج الأحمد 1/ 340، "طبقات الحنابلة 1/ 415، تاريخ بغداد 14/ 280".
3 انظر: طبقات الحنابلة 1/ 415، وقارن ذلك بما جاء في الإنصاف للباقلاني ص 129 وما بعدها.
4 في ب: صحيحتان.
5 خلق أفعال العباد ص 59.
6 خلق أفعال العباد ص 59. ورواه البخاري في "صحيحه" عن جابر عن عبد الله بن أنيس. "انظر: صحيح البخاري 4/ 294".(2/110)
وَفِيْ1 هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَوْتَ اللَّهِ تَعَالَى لا يُشْبِهُ صَوْتَ الْمَخْلُوقِينَ2؛ لأَنَّ [صَوْتَ] 3 اللَّهِ تَعَالَى يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ4"، وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ يُصْعَقُونَ مِنْ صَوْتِهِ. فَإِذَا نَادَى الْمَلائِكَةَ لَمْ يُصْعَقُوا وَقَالَ تَعَالَى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} 5 فَلَيْسَ لِصِفَةِ اللَّهِ نِدٌّ وَلا مِثْلٌ، وَلا يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ بِالْمَخْلُوقِينَ".
هَذَا لَفْظُهُ بِعَيْنِهِ6. وَذَكَرَ حَدِيثَيْ7 ابْنِ أُنَيْسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ8، وَتَقَدَّمَا9. قَالَ الْعَلاَّمَةُ الْمِرْدَاوِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: أَيُّ الْمَذَاهِبِ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِّ وَالتَّحْقِيقِ مِنْ الأَقْوَالِ التِّسْعَةِ؟ قُلْت: إنْ صَحَّتِ الأَحَادِيثُ بِذِكْرِ الصَّوْتِ فَلا كَلامَ "10فِيْ أَنَّهُ10" أَوْلَى وَأَحْرَى وَأَصَحُّ مِنْ غَيْرِهِ، مَعَ الاعْتِقَادِ فِيهِ بِمَا يَلِيقُ11 بِجَلالِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ بِوَجْهٍ مَا أَلْبَتَّةَ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ صَحَّتْ الأَحَادِيثُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَصَحَّحَهَا الأَئِمَّةُ الْكِبَارُ
ـــــــ
1 في ش ز: و.
2 في ب ع ض: الخلق.
3 ساقطة من جميع النسخ. وهي إضافة ضرورية من البخاري.
*-4 ساقطة من ش ز.
5 الآية 22 من البقرة.
6 خلق أفعال العباد ص 59.
7 في ش: حديث.
8 خلق أفعال العباد ص 59-60.
9 صفحة 62-66 من هذا الكتاب.
10 في ش ب ز ض: لأنه.
11 في ز: لا يليق.(2/111)
الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِمْ، كَأَحْمَدَ، وَالْبُخَارِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالرَّازِيِّ1 وَغَيْرِهِمْ2، حَتَّى الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ فِي زَمَنِنَا. قَالَ: وَ3قَدْ صَحَّتْ هَذِهِ الأَحَادِيثُ كُلُّهَا فِي ذَلِكَ4. وَكَذَلِكَ5 صَحَّحَهَا غَيْرُهُمْ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ6. وَفِيهِ كِفَايَةٌ وَهِدَايَةٌ7، وَلَوْلا أَنَّ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ الْمَعْصُومَ قَالَ ذَلِكَ، لَمَا قُلْنَاهُ وَلا حُمْنَا حَوْلَهُ. كَمَا قَالَ السُّهْرَوَرْدِيُّ8 ذَلِكَ فِي "عَقِيدَتِهِ9":. فَإِنَّ صِفَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا تُعْرَفُ إلاَّ بِالنَّقْلِ الْمَحْضِ مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، أَوْ مِنْ10 صَاحِبِ
ـــــــ
1 إذا أطلق الرازي في الحديث فالمراد أبو حاتم أو أبو زرعة الرازي. وستأتي الترجمة لكل منهما فيما بعد. والمقصود هنا ابن أبي حاتم صاحب كتاب "الرد على الجهمية" الذي ذكر هذه الأحاديث وصححها، كما ذكره ابن حجر أكثر من مرة في "فتح الباري 13/ 352"، وابن تيمية في "منهاج السنة 2/ 283 مطبعة المدني".
وابن أبي حاتم هو عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي، أبو محمد الرازي، الإمام الحافظ الناقد. أخذ علم أبيه وأبي زرعة الرازي. وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال، وكان ثقة زاهداً ثبتاً، له مؤلفات كثيرة نافعة، منها: "الجرح والتعديل"، و"التفسير"، و"الرد على الجهمية"، و"العلل، و"المسند"، و"الفوائد الكبرى". توفي سنة 327هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 3/ 324، ميزان الاعتدال 2/ 587، فوات الوفيات 1/ 542، طبقات المفسرين 1/ 279، تذكرة الحفاظ 3/ 839، طبقات الشافعية الكبرى للعبادي ص 43، المنهج الأحمد 2/ 17، طبقات الحنابلة 2/ 55، شذرات الذهب 3/ 324، طبقات الحفاظ ص 345، البداية والنهاية 11/ 191".
2 في ش ز: فتحرهم. وفي ب ع: فتخيرهم.
3 ساقطة من ب ع.
4 فتح الباري 12/ 352، 354.
5 في ع: وكذا.
6 في ش ز ب: فتحرهم. وساقطة من ع.
7 في ع : وهداية فتحرهم.
8 في ش ز ع ب ض: الشهرزوري.
9 سبق نص السهروردي صفحة 58 من هذا المجلد.
10 ساقطة من ش.(2/112)
الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ. فَتَصْحِيحُ هَؤُلاءِ وَإِثْبَاتُهُمْ لِلأَحَادِيثِ بِذِكْرِ الصَّوْتِ أَوْلَى مِنْ نَفْيِ مَنْ نَفَى أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ1 ذِكْرُ2 الصَّوْتِ مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا3: أَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي.
وَمِنْهَا: عِظَمُ الْمُصَحِّحِ وَجَلالَةُ قَدْرِهِ وَكَثْرَةُ اطِّلاعِهِ، لا سِيَّمَا فِي إثْبَاتِ صِفَةِ4 اللَّهِ تَعَالَى مَعَ الزُّهْدِ الْعَظِيمِ وَالْقِدَمِ الْمَتِينِ. أَفَيَلِيقُ بِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَنَحْوِهِمَا مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ إثْبَاتُ صِفَةٍ لِلَّهِ5 مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَيَدِينُونَ اللَّهَ بِهَا. وَيَعْتَقِدُونَهَا وَيَهْجُرُونَ مَنْ يُخَالِفُهَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ صَحَّ عِنْدَهُمْ؟ فَمَا الْحَامِلُ لَنَا أَوْ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ وَهَلْ يَعْتَقِدُ هَذَا مُسْلِمٌ فِي مُسْلِمٍ فَضْلاً عَنْ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ.
ثُمَّ الأَسْلَمُ - بَعْدَ هَذَا الْمَذْهَبِ مِنَ الْمَذَاهِبِ التِّسْعَةِ - مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ: "الاكْتِفَاءُ بِاعْتِقَادِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا. وَقَالَ: وَهَذَا أَسْلَمُ الأَقْوَالِ، لِشِدَّةِ اللَّبْسِ وَنَهْيِ السَّلَفِ عَنْ الْخَوْضِ فِيهَا6". اهـ.
وَالظَّاهِرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - 7أَنَّ السَّلَفَ إنَّمَا اكْتَفَى8 بِذَلِكَ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْكَلامِ فِيهِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ وُقُوعِ النَّاسِ فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ مِنْ الشُّبَهِ الْمُوجِبَةِ
ـــــــ
1 ساقطة من ض.
2 في ض: وذكر.
3 في ش ز: أحدها.
4 في ع: صفات.
5 في ز ع ب ض: الله.
6 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 123، 124.
7 في ز ع ب ض: إنما اكتفى السلف.(2/113)
لِخَبْطِ1 الْعَقَائِدِ وَسَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، لِقَوْلِ أَحْمَدَ: مَنْ قَالَ: "لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ" فَهُوَ جَهْمِيٌّ2. وَمَنْ قَالَ: "لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ": مُبْتَدِعٌ3.
وَإِنَّمَا أَطَلْنَا لأَنَّ غَالِبَ النَّاسِ فِي زَمَنِنَا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ وَحَرْفٍ قَدِيمَيْنِ غَيْرِ مُتَعَاقِبَيْنِ مِنْ فَوْقِ السَّمَاءِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ إذَا شَاءَ وَكَيْفَ4 شَاءَ، كَمَا قُرِّرَ، يَكُونُ كَافِرًا. فَهَذَا أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ ذَكَرْنَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ. وَقَدْ سَمَّوْا مُخَالِفَهُ مُبْتَدِعًا. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ5 وَغَيْرِهِ.
وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ مِنْ6 زَمَنِهِ إلَى زَمَنِنَا، وَ7لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، كَمَا8 قَالَ إمَامُهُمْ: وَصَنَّفُوا فِي ذَلِكَ كَثِيرًا جِدًّا.
ـــــــ
1 في ش: لحبوط.
2 ساقطة من ز ع ض.
3 قال الباقلاني: "ولا يجوز أن يقول أحد: لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق، ولا أني أتكلم بكلام الله". "الإنصاف ص 71".وانظر: مسائل الإمام أحمد ص 262، 265، 266، فتاوى ابن تيمية 12/ 74، 167، 170، 209، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 4، 24، 60.
4 في ع: بما.
5 هي أم المؤمنين هند بنت أبي أمية حذيفة بن المغيرة المخزومية، وأمها عاتكة بنت عامر، كنيتها بابنتها سلمة بن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد. هاجرت مع أبي سلمة إلى الحبشة الهجرتين، وخرج أبو سلمة إلى أحد، فأصيب عضده بسهم ثم برأ الجرح، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فعاد الجرح، ومات منه، فاعتدت أم سلمة، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت من أجمل النساء. توفيت سنة 59هـ، ولها 84 سنة، وهي آخر أمهات المؤمنين وفاة، ودفنت بالبقيع. قال ابن حجر وابن العماد: توفيت سنة 61هـ. ولها مناقب.
انظر ترجمتها في "الإصابة 4/ 458، الاستيعاب 4/ 454، تهذيب الأسماء 1/ 361، شذرات الذهب 1/ 69، الخلاصة ص 496".
6 في ض: في.
7 ساقطة من ب ع.
8 في ع: قالوا كما.(2/114)
وَإِذَا1 نَظَرَ الْمُنْصِفُ فِي كَلامِ الْعُلَمَاءِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ. وَاطَّلَعَ عَلَى مَا قَالُوهُ2 فِي3 هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلِمَ الْحَقَّ وَعَذَرَ الْقَائِلَ، وَأَحْجَمَ عَنِ4 الْمَقَالاتِ الَّتِي لا تَلِيقُ بِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَهَا فِي مُسْلِمٍ، وَعَلِمَ أَنَّ هَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلِ الصِّفَاتِ. وَلِهَذَا قَالَ الْحَافِظُ الْعَلاَّمَةُ ابْنُ حَجَرٍ: قَدْ5 صَحَّتْ الأَحَادِيثُ بِذَلِكَ. فَمَا بَقِيَ إلاَّ التَّسْلِيمُ أَوْ التَّأْوِيلُ6، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَدْفَعَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولَ: بِعَقْلِهِ هَذِهِ الأَحَادِيثُ مُشْكِلَةٌ، وَيَلْزَمُ مِنْهَا الْمَحْذُورُ الْعَظِيمُ. فَيَتْبَعُ قَوْلَ هَذَا، أَوْ قَوْلَ مَنْ اتَّبَعَ الأَحَادِيثَ عَلَى حُكْمِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى اللاَّئِقَةِ بِجَلالِهِ وَعَظَمَتِهِ! بَلْ قَدْ صَرَّحَ أَحْمَدُ فِي غَيْرِ رِوَايَةٍ مَنْصُوصَةٍ بِجَمِيعِ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: الْقُرْآنُ مُعْجِزٌ بِنَفْسِهِ 7. فَمَنْ قَالَ8: "الْقُرْآنُ مَقْدُورٌ عَلَى مِثْلِهِ، وَلَكِنْ مَنَعَ9 اللَّهُ قُدْرَتَهُمْ10" كَفَرَ، بَلْ هُوَ مُعْجِزٌ بِنَفْسِهِ، وَالْعَجْزُ شَمِلَ الْخَلْقَ11.
ـــــــ
1 في ع: فإذا.
2 في ب ض: قالوا.
3 في ب: من.
4 ساقطة من ب ز.
5 ساقطة من ز.
6 فتح الباري 13/ 354.
7 انظر الفروع 1/ 418.
8 في ش ز: قائل.
9 في ض: يمنع.
10 هذا رأي النظام من المعتزلة، ويعني به أن الله صرف العرب عن معارضته وسلب قلوبهم عنه. "انظر: الإتقان في علوم القرآن 1/ 118، بيان إعجاز القرآن للخطابي ص 22، البرهان في علوم القرآن 2/ 93".
11 انظر: الجواب الصحيح 4/ 75، البرهان في علوم القرآن 2/ 93.(2/115)
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: كَلامُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُعْجِزٌ فِي لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ وَنَظْمِهِ. كَالْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ1.
وَخَالَفَ الْقَاضِي 2فِي الْمَعْنَى9. وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَحَدَّى بِمِثْلِهِ فِي اللَّفْظِ وَالنَّظْمِ3.
قِيلَ لِلْقَاضِي: لا نُسَلِّمُ أَنَّ الإِعْجَازَ فِي غَيْرِ الْمَعْنَى فَقَطْ، بَلْ هُوَ فِيهِ أَيْضًا!؟
فَقَالَ: الدَّلالَةُ عَلَى أَنَّ الإِعْجَازَ نَظْمًا وَلَفْظًا لا مَعْنًى: أَشْيَاءُ.
مِنْهَا: أَنَّ الْمَعْنَى يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهِ كُلُّ أَحَدٍ يُبَيِّنُ صِحَّةَ هَذَا الْقَوْلِ4 قَوْله تَعَالَى: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} 5 وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّحَدِّيَ بِأَلْفَاظِهَا، وَلأَنَّهُ قَالَ: {مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} وَالْكَذِبُ لا يَكُونُ مِثْلَ الصِّدْقِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ6: "مِثْلُهُ فِي اللَّفْظِ وَالنَّظْمِ7". اهـ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: هَلْ يَسْقُطُ الإِعْجَازُ فِي الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ. أَمْ هُوَ بَاقٍ؟ الأَظْهَرُ مِنْ جَوَابِ أَحْمَدَ: أَنَّ الإِعْجَازَ فِيهَا8 بَاقٍ، خِلافًا لِلأَشْعَرِيَّةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ9.
ـــــــ
1 وهو رأي الصاحبين من الحنفية، خلافاً للإمام أبي حنيفة الذي يرى الإعجاز في المعنى. "انظر: أصول السرخسي 1/ 281-282، البرهان في علوم القرآن 2/ 99، فواتح الرحموت 2/ 8، الفروع 1/ 418".
2 ساقطة من ش ب ز.
3 انظر: الفروع 1/ 418، الفصل في الملل والنحل 3/ 16.
4 ساقطة من ع.
5 الآية 13 من هود.
6 ساقطة من ض.
7 انظر: الفروع 1/ 418.
8 في ع: منهما.
9 انظر: الفروع 1/ 418. وعبارة "والله أعلم" ساقطة من ض.(2/116)
"وَفِي بَعْضِ آيَة"ٍ مِنْ الْقُرْآنِ "إعْجَازٌ" ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ1 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} 2.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا فِيهِ الإِعْجَازُ، وَإِلاَّ فَلا نَقُولُ3 فِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ نَظَرَ} 4 وَنَحْوِهَا: إنَّ فِي بَعْضِهَا إعْجَازًا وَ5فِيهَا أَيْضًا. وَهُوَ وَاضِحٌ6. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْحَنَفِيَّةُ: لا إعْجَازَ فِي بَعْضِ آيَةٍ، بَلْ فِي آيَةٍ7.وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ عَلَى إطْلاقِهِ. فَإِنَّ8 بَعْضَ الآيَاتِ الطِّوَالِ فِيهَا إعْجَازٌ.
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي "الشَّامِلِ" وَغَيْرِهِ: إنَّمَا يَتَحَدَّى بِالآيَةِ إذَا كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَا بِهِ التَّعْجِيزُ، لا فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ نَظَرَ} 9 فَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} 10 أَيْ مِثْلِهِ فِي الاشْتِمَالِ عَلَى مَا 11بِهِ يَقَعُ1 الإِعْجَازُ لا مُطْلَقًا. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: الْقُرْآنُ كُلُّهُ مُعْجِزٌ، لَكِنْ مِنْهُ مَا لَوْ انْفَرَدَ لَكَانَ مُعْجِزًا
ـــــــ
1 المرجع السابق.
2 الآية 34 من الطور.
3 في ش ز ض: يقول.
4 الآية 21 من المدثر.
5 في ض: أو.
6 انظر: الفصل في الملل والنحل 3/ 19.
7 انظر: أصول السرخسي 1/ 280. وعبارة "بل في آية" ساقطة من ض.
8 في ش ز ع ب: وقال.
9 الآية 21 من المدثر.
10 الآية 34 من الطور.
11 في ع: يقع به.(2/117)
بِذَاتِهِ. وَمِنْهُ مَا إعْجَازُهُ مَعَ الانْضِمَامِ إلَيْهِ1. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} 2 أَنَّ الإِعْجَازَ يَحْصُلُ بِأَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْهُ3.
"وَيَتَفَاضَلُ" الْقُرْآنُ، وَيَتَفَاضَلُ أَيْضًا "ثَوَابُهُ" لِظَوَاهِرِ الأَحَادِيثِ. وَبِهَذَا قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ4 وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَالْغَزَالِيُّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ5: إنَّهُ الْحَقُّ. وَنَقَلَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ6.
ـــــــ
1 ساقطة من ب ع ض.
2 الآية 23 من البقرة. وفي ش ز: فليأتوا. وهو خطأ.
3 انظر: نهاية السول 1/ 204، الإتقان في علوم القرآن 2/ 123، البرهان في علوم القرآن 2/ 108.
4 هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، أبو يعقوب المروزي، المعروف بابن راهويه. قال ابن خلكان: "جمع بين الحديث والفقه والورع، وكان أحد أئمة الأعلام". وكان قوي الذاكرة، يحفظ سبعين ألف حديث، جالس الإمام أحمد وروى عنه. وناظر الإمام الشافعي، ثم صار من أتباعه، وجمع كتبه، وله مسند مشهور، ومصنفات كثيرة، منها: "المسند"، و"التفسير". توفي بنيسابور سنة 238هـ.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 1/ 179، تذكرة الحفاظ 2/ 433، حلية الأولياء 9/ 234، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 83، طبقات الحنابلة 1/ 109، طبقات الحفاظ ص 188، المنهج الأحمد 1/ 108، الخلاصة ص 27، شذرات الذهب 2/ 179، الفهرست ص 321، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 94".
5 هو محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فَرْح –بفتح الفاء وسكون الراء- الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الله القرطبي، الإمام العالم الجليل، الفقيه المفسر المحدث. وكان من عباد الله الصالحين، والعلماء الزاهدين في الدنيا، المشتغلين بأمور الآخرة. قال الذهبي: "إمام متقن متبحر في العلم، له مصنفات مفيدة، تدل على إمامته وكثرة اطلاعه ووفور عقله". ومن مؤلفاته: "أحكام القرآن" في التفسير، أجاد في البيان واستنباط الأحكام وإثبات القراءات والناسخ والمنسوخ والإعراب، و"شرح أسماء الله الحسنى"، و"التذكار في أفضل الأذكار"، و"التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة"، و"التقصي" وغير ذلك. توفي سنة 671هـ.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 308، شجرة النور الزكية ص 197، شذرات الذهب 5/ 335، طبقات المفسرين 2/ 65".
6 تفسير القرطبي 1/ 110. وانظر: الإتقان 2/ 156، البرهان في علوم القرآن 1/ 438، الفروع 1/ 415، جواهر القرآن ص 38، 48.(2/118)
قَالَ1 الْغَزَالِيُّ فِي "جَوَاهِرِ الْقُرْآنِ": "لَعَلَّك أَنْ تَقُولَ: قَدْ أَشَرْت إلَى تَفْضِيلِ بَعْضِ آيَاتِ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ، و2الْكَلامُ كَلامُ اللَّهِ3. فَكَيْفَ يُفَارِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا؟ وَكَيْفَ يَكُونُ بَعْضُهَا أَشْرَفَ مِنْ بَعْضٍ؟
فَاعْلَمْ أَنَّ نُورَ الْبَصِيرَةِ إنْ كَانَ لا يُرْشِدُك إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآيَةِ الْمُدَايَنَاتِ، وَبَيْنَ سُورَةِ الإِخْلاصِ وَسُورَةِ3 تَبَّتْ. وَتَرْتَاعُ عَلَى4 اعْتِقَادِ الْفَرْقِ نَفْسُك الْخَوَّارَةُ الْمُسْتَغْرَقَةُ بِالتَّقْلِيدِ. فَقَلِّدْ صَاحِبَ الرِّسَالَةِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ. وَقَالَ: "يس قَلْبُ الْقُرْآنِ" 5، و "فَاتِحَةُ الْكِتَابِ أَفْضَلُ سُوَرِ الْقُرْآنِ" 6، وَ "آيَةُ الْكُرْسِيِّ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ" 7، " {وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}:
ـــــــ
1 في ع: وقال.
2 في جواهر القرآن: والكل قول الله تعالى.
3 في ع: وبين سورة.
4 في جواهر القرآن: من.
5 هذا الحديث رواه الترمذي والدارمي عن أنس، وأوله: "إن لكل شيء قلباً، وقلب القرآن يس، ومن قرأ يس ... الحديث".
وفسر الغزالي ذلك فقال: "إن ذلك لأن الإيمان صحته الاعتراف بالحشر والنشر، وهو مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه، فجعلت قلب القرآن لذلك". واستحسن ذلك فخر الدين الرازي.
"انظر: تحفة الأحوذي 8/ 197، سنن الدارمي 2/ 456، جواهر القرآن ص 48، البرهان في علوم القرآن 1/ 144".
6 وردت أحاديث كثيرة في فضل فاتحة الكتاب بألفاظ متعددة.
"انظر: فيض القدير 4/ 418 وما بعدها، زاد المسير 1/ 10، تفسير الطبري 1/ 47، تفسير القرطبي 1/ 108".
7 رواه الترمذي وعبد الرزاق في حديث طويل بلفظ: "وفيها آية هي سيدة آي القرآن؛ آية الكرسي". وقال الترمذي: حديث غريب، وفيه حكيم بن جبير، تكلم فيه شعبة وضعفه. "تحفة الأحوذي 8/ 181، وانظر: المصنف لعبد الرزاق 3/ 376". ورواه أبو داود بلفظ: "إنها أعظم آي القرآن". "سنن أبي داود 1/ 337". وانظر فضل آية الكرسي في "صحيح مسلم 1/ 556". وروى عبد الرزاق أيضاً عن عبد الله بن مسعود قال: "أعظم آية في القرآن آية الكرسي". "المصنف 3/ 371". ورواه الحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "سيدة آي القرآن آية الكرسي". المستدرك 2/ 260".(2/119)
تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ" 1. وَالأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، وَتَخْصِيصِ2 بَعْضِ السُّوَرِ وَالآيَاتِ بِالْفَضْلِ، وَكَثْرَةِ الثَّوَابِ فِي تِلاوَتِهَا لا تُحْصَى3". اهـ.
وَذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ الأَشْعَرِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ: إلَى الْمَنْعِ. وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ الإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ: كَرِهَ أَنْ تُرَدَّدَ سُورَةٌ دُونَ أُخْرَى4.
قَالَ5 ابْنُ الْحَصَّارِ6: وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُنْكِرُ7 الاخْتِلافَ فِي ذَلِكَ مَعَ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ بِالتَّفْضِيلِ8.
ـــــــ
1 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد والدارمي وعبد الرزاق.
"انظر: صحيح البخاري 3/ 230، صحيح مسلم 1/ 556، سنن أبي داود 1/ 337، تحفة الأحوذي 8/ 205، سنن النسائي 2/ 133، سنن ابن ماجه 2/ 1244، الموطأ 1/ 209، سنن الدارمي 2/ 460، المصنف 3/ 371، فتح الباري 13/ 277".
2 في "جواهر القرآن": بتخصيص.
3 جواهر القرآن ص 37-38، وانظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 156.
4 انظر: تفسير القرطبي 1/ 109، الإتقان في علوم القرآن 2/ 156، البرهان في علوم القرآن 1/ 438.
5 في ع: وقال.
6 هو علي بن محمد بن أحمد، أبو الحسن الخزرجي الإشبيلي، ثم الفاسي، يعرف بابن الحصّار، الفقيه العالم المحصل المتفنن المؤلف. أخذ عن أبي القاسم بن حبيش، وأقرأ في أصول الفقه، وحجّ وجاور، وحدّث عنه المنذري، وصنف في أصول الفقه. وله كتاب "الناسخ والمنسوخ"، و"البيان في تنقيح البرهان"، وله "أرجوزة في أصول الدين" شرحها في أربعة أجزاء. توفي سنة 611هـ.
"انظر: شجرة النور الزكية ص 173".
7 في ب ع ض: يذكر. وهو تصحيف.
8 في ز: بالفضل. والكلام منقول حرفياً من السيوطي في "الإتقان 2/ 156". وانظر: تفسير القرطبي 1/ 110.(2/120)
وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ: كَلامُ اللَّهِ فِي اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ كَلامِهِ فِي غَيْرِهِ. فَـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 1: أَفْضَلُ مِنْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} 2.
وَقَالَ فِي "الإِتْقَانِ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ": "اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالتَّفْضِيلِ:.فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْفَضْلُ رَاجِعٌ إلَى عِظَمِ الأَجْرِ وَمُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ بِحَسَبِ انْتِقَالاتِ النَّفْسِ وَخَشْيَتِهَا، وَتَدَبُّرِهَا وَتَفَكُّرِهَا3 عِنْدَ وُرُودِ أَوْصَافِ الْعَلِيِّ.
وَقِيلَ: بَلْ يَرْجِعُ4 لِذَاتِ اللَّفْظِ، وَأَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} 5 وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ، وَآخِرُ سُورَةِ6 الْحَشْرِ، وَسُورَةُ الإِخْلاصِ مِنْ الدَّلالاتِ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ وَصِفَاتِهِ، لَيْسَ مَوْجُودًا مَثَلاً فِي {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} 7 وَمَا كَانَ مِثْلَهَا. فَالتَّفْضِيلُ إنَّمَا هُوَ بِالْمَعَانِي الْعَجِيبَةِ وَكَثْرَتِهَا8". اهـ.
"وَيَتَفَاوَتُ إعْجَازُهُ" قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا: فِي بَعْضِهِ إعْجَازٌ أَكْثَرُ مِنْ بَعْضٍ.
ـــــــ
1 الآية الأولى من الإخلاص.
2 الآية الأولى من المسد.
3 ساقطة من ب.
4 ساقطة من ز.
5 الآية 163 من البقرة. وفي ب: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}. وفي ز ع ض: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}. - الآية.
6 في ش ب ز: آية.
7 الآية الأولى من المسد.
8 الإتقان في علوم القرآن 1/ 156-157. وانظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 438، 440، جواهر القرآن ص 38 وما بعدها، تفسير القرطبي 1/ 110.(2/121)
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": قُلْت: وَهُوَ صَحِيحٌ1، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّةُ2 عُلَمَاءِ الْبَلاغَةِ3."وَالْبَسْمَلَةُ مِنْهُ" أَيْ مِنْ الْقُرْآنِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ4 وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ5 وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو6 عُبَيْدٍ وَدَاوُد7،
ـــــــ
1 في ع: الصحيح.
2 ساقطة من ع.
3 انظر: البرهان في علوم القرآن 2/ 99.
4 هو عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار "قيل من أقيال اليمن" الشعبي، أبو عمرو. وهو من حمير، وهو تابعي كوفي. قال ابن خلكان: جليل القدر، وافر العلم، عالم الكوفة، وكان نحيفاً، وكان مزاحاً. له مناقب وشهرة، توفي بالكوفة فجأة سنة 103هـ، وقيل غير ذلك، وقد أدرك خمسمائة من الصحابة أو أكثر.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 2/ 227، تذكرة الحفاظ 1/ 79، تاريخ بغداد 12/ 229، حلية الأولياء 4/ 310، طبقات القراء 1/ 350، طبقات الحفاظ ص 32، طبقات الفقهاء ص 81، الخلاصة ص 184، المعارف ص 449، شذرات الذهب 1/ 126".
5 هو سفيان بن سعيد بن مسروق، أبو عبد الله الثوري الكوفي، أمير المؤمنين في الحديث، أجمع الناس على دينه وورعه وزهده وعلمه، وهو أحد الأئمة المجتهدين، عين على قضاء الكوفة فامتنع واختفى. قال ابن حبان: كان من الحفاظ المتقنين، والفقهاء في الدين ممن لزم الحديث والفقه، وواظب على الورع والعبادة ... حتى صار عَلَماً يرجع إليه في الأمصار. مات بالبصرة سنة 161هـ.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 2/ 127، طبقات المفسرين 1/ 186، طبقات الفقهاء ص 84، تاريخ بغداد 9/ 151، تذكرة الحفاظ 1/ 203، حلية الأولياء 6/ 356، مشاهير علماء الأمصار ص 169، التاج المكلل ص 50، صفة الصفوة 3/ 147، طبقات الحفاظ ص 88، الخلاصة ص 145، شذرات الذهب 1/ 250، الفهرست ص 85".
6 في ز ش ب ض: أبي.
7 هو داود بن علي بن خلف، أبو سليمان الأصبهاني البغدادي، إمام أهل الظاهر، وكان زاهداً متقللاً كثير الورع، وكان أكثر الناس تعصباً للإمام الشافعي. وصنف في فضائله والثناء عليه كتابين، ثم صار صاحب مذهب مستقل. وكان من عقلاء الناس. ويحضر مجلسَه العددُ الكثير. ومن مؤلفاته: "الكافي في مقال المطلبي"، "وإبطال القياس"، "وأعلام النبي و"المعرفة"، "والدعاء"، و"الطهارة"، "والحيض"، "والصلاة" وغيرها. توفي ببغداد سنة 270هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 2/ 284، ميزان الاعتدال 2/ 14، تاريخ بغداد 8/ 369، وفيات الأعيان 2/ 26، طبقات الحفاظ ص 253، طبقات المفسرين 1/ 166، شذرات الذهب 2/ 158، الفهرست ص 303، الفتح المبين 1/ 159، طبقات الفقهاء ص 92".(2/122)
وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ1، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَكْثَرِ2 الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ3 وَغَيْرِهِمْ4.
ـــــــ
1 هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، أبو عبد الله، أصله من حرستا بغوطة دمشق. ونشأ بالكوفة، وطلب الحديث على الإمام مالك، ثم حضر مجلس أبي حنيفة سنين، وتفقه على أبي يوسف، والتقى مع الشافعي وناظره، ثم أثنى عليه الشافعي، وكان من أفصح الناس. دوّن فقه أبي حنيفة ونشره، ولاه الرشيد قضاء الرقة، ثم عزله عنها. وأهم كتبه: "الجامع الكبير"، "والجامع الصغير"، "والأصل"، "والسير الصغير"، "والسير الكبير"، "والزيادات"، "والآثار"، "والنوادر" وغيرها. توفي سنة 189هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء ص 135، الفوائد البهية ص 163، الجواهر المضيئة 2/ 42، تهذيب الأسماء 1/ 80، وفيات الأعيان 3/ 324، تاج التراجم ص 54، المعارف ص 500، التاج المكلل ص 105، أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 120، شذرات الذهب 1/ 320، الفهرست ص 287".
2 ساقطة من ز ش. وموجودة في بقية النسخ، وهو الصحيح؛ لأن نصف القراء تركوا البسملة في القراءة، وهم: ابن عامر، ونافع، وحمزة، وأبو عمرو. "انظر فواتح الرحموت 2/ 14".
3 القراء السبعة هم: 1- نافع بن عبد الرحمن الليثي "ت 169هـ." 2- عبد الله بن كثير المكي "ت 126هـ." 3- زيان بن العلاء، أبو عمرو البصري "ت 154هـ". 4- عبد الله بن عامر الشامي اليحصبي قاضي دمشق "ت 118هـ". 5- عاصم بن أبي النجود الكوفي "ت 128هـ". 6- حمزة بن حبيب بن عمارة الزيات الكوفي "ت 156هـ". 7- علي بن حمزة الكسائي النحوي، أبو الحسن "ت 189هـ".
"انظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 327".
وفي ض: من السبعة.
4 "انظر: صحيح ابن خزيمة 1/ 248، شرح النووي على مسلم 4/ 113، الإحكام للآمدي 1/ 163، أصول السرخسي 1/ 280، المجموع شرح المهذب 3/ 333، المستصفى 1/ 102، فواتح الرحموت 2/ 14، جمع الجوامع 1/ 227، زاد المسير 1/ 7، فتاوى ابن تيمية 13/ 399، أصول الفقه الإسلامي ص 106 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 7، كشف الأسرار 1/ 73، التلويح على التوضيح 1/ 159، إرشاد الفحول ص 31".(2/123)
وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَالأَوْزَاعِيُّ1 وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ2 وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرْآنٍ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ3. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ4، لَكِنْ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي "تَفْسِيرِ الْفَاتِحَةِ": فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَحْمَدَ نَظَرٌ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: تَكُونُ الْبَسْمَلَةُ كَالاسْتِعَاذَةِ. وَعَلَى الأَوَّلِ "لا" تَكُونُ "مِنْ الْفَاتِحَةِ" عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهَا مُعْظَمُ أَصْحَابِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ، اخْتَارَهَا ابْنُ بَطَّةَ5 وَأَبُو
ـــــــ
1 هو عبد الرحمن بن عمرو بن يُحمِد، أبو عمرو الأوزاعي، إمام أهل الشام. قال ابن حبان: "أحد أئمة الدنيا فقهاً وعلماً، وورعاً وحفظاً، وفضلاً وعبادة، وضبطاً مع زهادة". وكان إماماً في الحديث، وكان يسكن بيروت، وكان أهل الشام والمغرب على مذهبه قبل انتقال المغرب إلى مذهب مالك نحوَ مائتي سنة. وهو من تابعي التابعين، وكان بارعاً في الكتابة والترسل. توفي سنة 157 هـ ببيروت.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 178، وفيات الأعيان 2/ 310، طبقات الفقهاء ص 76، طبقات الحفاظ ص 79، مشاهير علماء الأمصار ص 180، تهذيب الأسماء 1/ 298، الخلاصة ص 232، شذرات الذهب 1/ 241".
2 في ب ع: والطبري. وهو خطأ.
3 وهو قول القاضي الباقلاني ومكي بن أبي طالب. وقد ذكر الإمام النووي أدلة هذا القول في "المجموع" وناقشها ورود عليها.
"انظر: تفسير الطبري 1/ 146 ط المعارف، الإحكام للآمدي 1/ 163، المجموع شرح المهذب 3/ 334، كشف الأسرار 1/ 23، الكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي بن أبي طالب 1/ 22، مختصر ابن الحاجب 1/ 19، جمع الجوامع 1/ 227".
4 انظر: زاد المسير 1/ 7.
5 هو عبيد الله بن محمد بن محمد، أبو عبد الله العُكبري المعروف بابن بطة، الفقيه الحنبلي، العالم الصالح. قال ابن العماد: "كان أحد المحدثين العلماء الزهاد". لازم بيته أربعين سنة، ولم يُرَ مفطراً إلا في يومي الفطر والأضحىوالتشريق، وكان مستجاب الدعوة، صنف كتاباً كبيراً في السنة سماه "السنن". وله مصنفات كثيرة، منها: "الإبانة في أصول الديانة" الصغرى والكبرى، "والمناسك"، "وذم البخل"، "وتحريم الخمر". توفي بعكبرا سنة 387هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 2/ 144، المنهج الأحمد 2/ 69، شذرات الذهب 3/ 122".(2/124)
حَفْصٍ1 الْعُكْبَرِيَّانِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ2.
"وَلا تَكْفِيرَ بِاخْتِلافٍ فِيهَا" أَيْ وَلا يَكْفُرُ مَنْ قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ 3مِنْ الْقُرْآنِ5، وَلا يَكْفُرُ4 مَنْ قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ5 مِنْ الْفَاتِحَةِ6، وَلا مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ. وَلأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ الْقَطْعِيِّ، بَلْ مِنْ الْحُكْمِيِّ، وَهُوَ الأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا هَلْ هِيَ قُرْآنٌ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ، كَسَائِرِ الْقُرْآنِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ، لاخْتِلافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا7.
وَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ8: "أَنَّهُ لا يُكَفَّرُ النَّافِي بِأَنَّهَا قُرْآنٌ إجْمَاعًا9".
ـــــــ
1 هو عمر بن إبراهيم بن عبدالله، أبو حفص العُكبري، ويعرف بابن المسلم. له معرفة عالية بالمذهب الحنبلي، وله التصانيف السائرة، منها: "المقنع"، "وشرح الخرقي"، "والخلاف بين أحمد ومالك"، "والاختيارات في المسائل المشكلات". وصحب عدداً من فقهاء الحنابلة كأبي إسحاق بن شاقلا، ولازم ابن بطة. توفي سنة 387هـ.
انظر ترجمته في "المنهج الأحمد 2/ 73، طبقات الحنابلة 2/ 163".
2 انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 111، المجموع شرح المهذب 3/ 333، 335، حاشية التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 21، أصول الفقه الإسلامي ص 106، أصول السرخسي 1/ 280، التلويح على التوضيح 1/ 159.
3 في ب ع ض: بقران.
4 ساقطة من ب ع ض.
5 ساقطة من ز.
6 قال المجد ابن تيمية: "وليست من الفاتحة". "المحرر في الفقه 1/ 53". وانظر: الفروع 1/ 413.
7 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 163، كشف الأسرار 1/ 23، البرهان في علوم القرآن 2/ 125، المستصفى 1/ 103.
8 في ش: الثوري.
9 المجموع 3/ 333، وهذا ما نقله الآمدي والغزالي عن أبي بكر الباقلاني. "انظر: الإحكام 1/ 163، المستصفى 1/ 103، 104، مختصر ابن الحاجب 2/ 19".(2/125)
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: "وَقُوَّةُ الشُّبْهَةِ فِي "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" مَنَعَتْ مِنْ التَّكْفِيرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ1".
قَالَ بَعْضُهُمْ: لَكِنْ هَذَا إنَّمَا هُوَ إذَا أَثْبَتْنَاهَا قُرْآنًا قَطْعِيًّا. أَمَّا إذَا أَثْبَتْنَاهَا حُكْمِيًّا. فَلَيْسَ هُنَا مُقْتَضٍ لِلتَّكْفِيرِ، حَتَّى يُدْفَعَ بِالشُّبْهَةِ.
"وَهِيَ" أَيْ الْبَسْمَلَةُ "آيَةٌ فَاصِلَةٌ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ". قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهَذَا مَنْصُوصُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُهُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي "تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ": وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ2 أَبِي حَنِيفَةَ3. "سِوَى بَرَاءَةَ" يَعْنِي إلاَّ "بَرَاءَةَ". فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ الْبَسْمَلَةُ فِي أَوَّلِهَا إجْمَاعًا. إمَّا لِكَوْنِهَا أَمَانًا. وَهَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ، كَمَا قَالَ4 ابْنُ
ـــــــ
1 مختصر ابن الحاجب 2/ 19.
2 في ع: عن.
3 يتلخص هذا الموضوع في أن العلماء اتفقوا على أن البسملة بعض آية في "سورة النمل". واختلفوا في كونها آية في أوائل السور على ثلاثة أقوال: الأول: أن البسملة آية في أول كل سورة أو مع الآية الأولى من كل سورة إلا في "سورة التوبة". وهذا قول الشافعي. الثاني: أن البسملة ليست آية في أوائل السور مطلقاً، وهو قول المالكية والباقلاني من الشافعية. الثالث: أن البسملة آية من القرآن الكريم، وتتكرر في أوائل السور للفصل، وهو قول الحنابلة والحنفية. وقال الشوكاني: والحق أنها آية في كل سورة، وبيّن الأدلة.
"انظر: فواتح الرحموت 2/ 14، تيسير التحرير 3/ 7، أصول السخسي 1/ 280، التلويح على التوضيح 1/ 159، كشف الأسرار 1/ 23، المستصفى 1/ 102، الإحكام للآمدي 1/ 163، حاشية البناني وتقريرات الشربيني 1/ 227، مختصر ابن الحاجب 1/ 19، الإتقان في علوم القرآن 1/ 78، المجموع شرح المهذب 3/ 333، إرشاد الفحول ص 31، مناهل العرفان 1/ 426".
4 في ض: قاله.(2/126)
عَبَّاسٍ. وَقَدْ كَشَفَتْ أَسْرَارَ الْمُنَافِقِينَ. وَلِذَلِكَ تُسَمَّى "الْفَاضِحَةَ"، وَإِمَّا لأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالأَنْفَالِ سُورَةً وَاحِدَةً، وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ، عَلَى أَقْوَالٍ1.
"وَ" الْبَسْمَلَةُ أَيْضًا "بَعْضُهَا" أَيْ بَعْضُ آيَةٍ "مِنْ" سُورَةِ "النَّمْلِ2" إجْمَاعًا. فَهِيَ قُرْآنٌ فِيهَا قَطْعًا3.
"وَ" الْقِرَاءاتُ "السَّبْعُ مُتَوَاتِرَةٌ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الأَئِمَّةِ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ4. نَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ5 مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْ "الْغَايَةِ". وَقَالَ: قَالَتْ: الْمُعْتَزِلَةُ6: آحَاداً7. اهـ.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: "إنَّهَا آحَادٌ" كَالطُّوفِيِّ فِي "شَرْحِهِ8". قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ
ـــــــ
1 انظر هذه الأقوال وتعليلها في "البرهان في علوم القرآن 1/ 263، جمع الجوامع 1/ 228، تفسير القرطبي 8/ 61، تفسير الخازن 3/ 46، زاد المسير 3/ 389".
2 وهي قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ}. الآية 30 من النمل.
3 انظر: أًصول السرخسي 1/ 280، المستصفى 1/ 104، مختصر ابن الحاجب 1/ 19، جمع الجوامع 1/ 227، الفروع 1/ 413.
4 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 87، مناهل العرفان 1/ 428، فواتح الرحموت 2/ 15، مختصر ابن الحاجب 2/ 21، المحلي على جمع الجوامع 1/ 228.
5 هو زاهر بن أحمد بن محمد بن عيسى، أبو علي السرخسي، الفقيه المقرئ المحدث، من أئمة أصحاب الشافعي، وهو من أصحاب الوجوه في المذهب، وأخذ علم الكلام عن الأشعري. قال الحاكم: "الفقيه المحدث، شيخ عصره بخراسان". توفي سنة 389هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 293، تهذيب الأسماء 1/ 192، طبقات الفقهاء الشافعية للعبادي ص 86، طبقات القراء 1/ 288، تبيين كذب المفتري ص 206، شذرات الذهب 3/ 131".
6 ساقطة من ش.
7 في ع آحاد.
8 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 87. وقد ذكر الطوفي في "مختصره" أن: القراءات السبعة متواترة، خلافاً لقوم. ورد احتمال الآحاد. "انظر: مختصر الطوفي ص 46".(2/127)
أَنَّهَا تَوَاتَرَتْ عَنْهُمْ لا إلَيْهِمْ - بِأَنَّ1 أَسَانِيدَ الأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ بِهَذِهِ الْقِرَاءاتِ السَّبْعِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَوْجُودَةٌ فِي كُتُبِ الْقِرَاءاتِ2. وَهِيَ نَقْلُ الْوَاحِدِ عَنْ الْوَاحِدِ، لَمْ تَسْتَكْمِلْ شُرُوطَ التَّوَاتُرِ.
وَرُدَّ بِأَنَّ انْحِصَارَ الأَسَانِيدِ فِي طَائِفَةٍ لا يَمْنَعُ مَجِيءَ الْقِرَاءاتِ عَنْ غَيْرِهِمْ. فَقَدْ كَانَ يَتَلَقَّى الْقِرَاءَةَ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ بِقِرَاءَةِ إمَامِهِمْ الَّذِي مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ: الْجَمُّ الْغَفِيرُ عَنْ مِثْلِهِمْ. وَكَذَلِكَ دَائِمًا، فَالتَّوَاتُرُ حَاصِلٌ لَهُمْ، وَلَكِنَّ الأَئِمَّةَ الَّذِينَ قَصَدُوا ضَبْطَ الْحُرُوفِ وَحَفِظُوا شُيُوخَهُمْ فِيهَا جَاءَ السَّنَدُ مِنْ قِبَلِهِمْ. وَهَذَا كَالأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ هِيَ آحَادٌ، وَلَمْ تَزَلْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ مَنْقُولَةً عَمَّنْ يَحْصُلُ بِهِمْ التَّوَاتُرُ عَنْ مِثْلِهِمْ فِي كُلِّ عَصْرٍ3، فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ لِذَلِكَ، وَلا يُغْتَرَّ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ أَسَانِيدَ الْقُرَّاءِ تَشْهَدُ بِأَنَّهَا آحَادٌ4.
وَإِذَا5 تَقَرَّرَ هَذَا، فَاسْتَثْنَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ مَا كَانَ مِنْ
ـــــــ
1 في ش: بأنها.
2 في ع: القراءة. وفي ش ب ز: القراء.
3 لا يخلو كتاب من كتب السنة النبوية من نقل حجة النبي صلى الله عليه وسلم التي ودّع فيها الأمة، وبين لهم مناسكهم. وقد رواها البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد وغيرهم.
"انظر: صحيح البخاري 3/ 82، صحيح مسلم 2/ 886، سنن أبي داود 2/ 388، تحفة الأحوذي 3/ 545، سنن النسائي 5/ 204، سنن ابن ماجه 2/ 1022، مسند أحمد 3/ 305، سنن الدارمي 2/ 45".
4 انظر تفصيل هذا البحث مع بيان أسماء القراء ورواياتهم وطرقهم في "النشر في القراءات العشر 1/ 54، البرهان في علوم القرآن 1/ 319، إرشاد الفحول ص 30، البناني على جمع الجوامع 1/ 228، فواتح الرحموت 2/ 16".
5 في ب ع: إذا.(2/128)
قُبَيْلِ صِفَةِ الأَدَاءِ، كَالْمَدِّ وَالإِمَالَةِ وَتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ1 وَنَحْوِهِ2.
وَمُرَادُهُ: مَقَادِيرُ الْمَدِّ وَكَيْفِيَّةُ الإِمَالَةِ لا أَصْلُ الْمَدِّ وَالإِمَالَةِ. فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَوَاتِرٌ قَطْعًا3. فَالْمَقَادِيرُ، كَمَدِّ حَمْزَةَ4 وَوَرْشٍ5. فَإِنَّهُ قَدْرُ سِتِّ أَلِفَاتٍ. وَقِيلَ: خَمْسٌ. وَقِيلَ: أَرْبَعٌ. وَرَجَّحُوهُ. وَمَدُّ عَاصِمٍ6: قَدْرُ ثَلاثِ أَلِفَاتٍ،
ـــــــ
1في ش ز: الهمز. وفي ع ض ب ومختصر ابن الحاجب: الهمزة.
2انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 21، البرهان في علوم القرآن 1/ 319، مناهل العرفان 1/ 430، النشر في القراءات العشر 1/ 395، فواتح الرحموت 2/ 15، جمع الجوامع 1/ 228، المدخل إلى مذهب أحمد ص 87.
3انظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 319، فواتح الرحموت 2/ 15، البناني على جمع الجوامع 1/ 229.
4هو حمزة بن حبيب بن عمارة، أبو عمارة الكوفي، التيمي مولاهم، أحد القراء السبعة. ولد سنة 80هـ، وأدرك الصحابة بالسن، فيحتمل أن يكون رأى بعضهم. قال ابن الجزري: "وإليه صارت الإمامة في القراءة بعد عاصم والأعمش، وكان إماماًَ حجة ثبتاً رضى قيماً بكتاب الله، بصيراً بالفرائض، عارفاً بالعربية، حافظاً للحديث، عابداً خاشعاًَ، زاهداً ورعاً، قانتاً لله عديم النظر". كان يتجر بالزيت. توفي بحلوان سنة 156هـ. ومن مصنفاته: "كتاب قراءة حمزة"، و"كتاب الفرائض".
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 261، مشاهير علماء الأمصار ص 168، مرآة الجنان 1/ 332، معرفة كبار القراء 1/ 93، الخلاصة ص 93، الفهرست ص 44، شذرات الذهب 1/ 240".
5هو عثمان بن سعيد بن عبد الله، أبو سعيد القرشي مولاهم، القبطي المصري، الملقب بورش، شيخ القراء المحققين، وإمام أهل الأداء المرتلين. انتهت إليه رئاسة الإقراء بالديار المصرية في زمانه، ولقبه نافع بورش لبياضه، أو الورشان، وهو اسم طائر معروف، اشتغل بالقرآن والعربية، فمهر بهما. توفي سنة 197هـ بمصر.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 502، حسن المحاضرة 1/ 485، معرفة القراء الكبار 1/ 126، شذرات الذهب 1/ 349".
6 هو عاصم بن بَهْدَلة أبي النجود، أبو بكر الأسدي مولاهم الكوفي، شيخ القراء بالكوفة، وأحد القراء السبعة. انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة، وجمع بين الفصاحة والإتقان، والتحرير والتجويد. وكان أحسن الناس صوتاً بالقرآن. قال الإمام أحمد عنه: "رجل صالح خير ثقة، لكن قراءة أهل المدينة أحب، فإن لم فقراءة عاصم. ووثقه أبو زرعة وجماعة، وخرج له أصحاب الكتب الستة. توفي سنة 127هـ.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 346، ميزان الاعتدال 2/ 358، معرفة القراء الكبار 1/ 73، الخلاصة ص 182، شذرات الذهب 1/ 175، الفهرست ص 43".(2/129)
وَالْكِسَائِيِّ1: قَدْرُ أَلِفَيْنِ وَنِصْفٍ وقالون2: قَدْرُ أَلِفَيْنِ، وَالسُّوسِيِّ3: قَدْرُ أَلِفٍ وَنِصْفٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ4.
وَكَذَلِكَ الإِمَالَةُ تَنْقَسِمُ إلَى: مَحْضَةٍ. وَهِيَ أَنْ يَنْحَنِيَ5 بِالأَلِفِ إلَى الْيَاءِ،
ـــــــ
1 هو علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي بالولاء، الكوفي، أبو الحسن، المعروف بالكسائي، أحد القراء السبعة. قال ابن خلكان: "كان إماماً في النحو واللغة والقراءات، ولم يكن له في الشعر يد". وكان يؤدب الأمين بن الرشيد ويعلمه. استوطن بغداد، وله مصنفات، منها: "معاني القرآن"، و"مختصر في النحو"، و"القراءات"، و"مقطوع القرآن وموصوله"، و"النوادر". توفي بالري سنة 189هـ.
انظر ترجمته في "طبقات المفسرين 1/ 399، إنباه الرواة 2/ 256، طبقات القراء 1/ 535، طبقات النحويين ص 127، مرآة الجنان 1/ 421، معرفة القراء الكبار 1/ 100، وفيات الأعيان 2/ 457، المعارف ص 545، شذرات الذهب 1/ 321، الفهرست ص 44".
2 هو عيسى بن مينا بن وردان، الملقب بقالون، المدني، قارئ المدينة ونحويّها. ويقال: إنه ربيب نافع، وقد اختص به كثيراً، وهو الذي لقبه قالون، بمعنى جيد، لجودة قراءته باللغة الرومية. وكان أصم لا يسمع البوق، لكنه يسمع القرآن. قال ابن أبي حاتم: كان أصم يقري القرآن، ويفهم خطأهم ولحنهم بالشفة، ويكتب حديثه بالجملة. توفي سنة 220هـ.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 615، ميزان الاعتدال 3/ 327، معرفة القراء الكبار 1/ 128، شذرات الذهب 2/ 48".
3 هو صالح بن زياد بن عبد الله، أبو شعيب السوسي، مقرئ ضابط، محرر ثقة، وهو عالم أهل الرقة ومقرئهم. قال أبو حاتم: صدوق. توفي سنة 261هـ.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 332، الخلاصة ص 170، معرفة القراء الكبار 1/ 159، شذرات الذهب 2/ 143".
4 انظر: النشر في القراءات العشر 1/ 314، 320، وما بعدها، البرهان في علوم القرآن 1/ 319، مناهل العرفان 1/ 435.
5 في ع ض: ينحي، وكذا في البرهان في علوم القرآن 1/ 320.(2/130)
وَبِالْفَتْحَةِ إلَى الْكَسْرَةِ، وَإِلَى بَيْنَ بَيْنَ. وَهِيَ كَذَلِكَ، 1إلاَّ أَنَّهَا5 تَكُونُ إلَى الأَلِفِ وَالْفَتْحَةِ أَقْرَبَ، وَهِيَ الْمُخْتَارَةُ عِنْدَ الأَئِمَّةِ2.
أَمَّا أَصْلُ التَّخْفِيفِ3 فِي الْهَمْزَةِ4 وَالتَّشْدِيدِ فَمُتَوَاتِرٌ5، وَأَمَّا كَوْنُ أَنَّ مِنْ الْقُرَّاءِ مَنْ يُسَهِّلُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُبْدِلُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ هِيَ الَّتِي لَيْسَتْ مُتَوَاتِرَةً6. وَلِهَذَا كَرِهَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ قِرَاءَةَ حَمْزَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ طُولِ الْمَدِّ وَالْكَسْرِ وَالإِدْغَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ7؛ لأَنَّ الأُمَّةَ إذَا أَجْمَعَتْ8 عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ لَمْ يُكْرَهْ فِعْلُهُ. وَهَلْ يَظُنُّ عَاقِلٌ أَنَّ الصِّفَةَ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَتَوَاتَرَتْ إلَيْنَا يَكْرَهُهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ فَعَلِمْنَا بِهَذَا أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَيْسَتْ مُتَوَاتِرَةً، وَهُوَ وَاضِحٌ. 9وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ وَجَمْعٍ3، وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ الْكِسَائِيّ؛ لأَنَّهَا كَقِرَاءَةِ حَمْزَةَ فِي الإِمَالَةِ وَالإِدْغَامِ10. كَمَا نَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي "الْغَايَةِ".
ـــــــ
1 في ض: لأنها.
2 انظر: النشر في القراءات العشر 2/ 30 وما بعدها، البرهان في علوم القرآن 1/ 320، مناهل العرفان 1/ 436.
3 في ض: التحقيق.
4 في ش ز ع: الهمز.
5 في ض: فهو تواتر.
6 انظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 320، مناهل العرفان 1/ 437.
7 قال ابن الجزري: وأما ما ذُكر عن عبد الله بن إدريس وأحمد بن حنبل من كراهة قراءة حمزة، فإن ذلك محمول على قراءة من سمعنا منه ناقلاً عن حمزة، وما آفة الأخبار إلا رواتها. "طبقات القراء 1/ 263".
وانظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 320، الفروع 1/ 422.
8 في ض: اجتمعت.
9 ساقطة من ش ز.
10 انظر: الفروع 1/ 422.(2/131)
فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُتَوَاتِرًا لَمَا كَرِهَهُ1 أَحَدٌ مِنْ الأَئِمَّةِ. وَزَادَ أَبُوْ شَامَةَ2 الأَلْفَاظَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا بَيْنَ الْقُرَّاءِ أَيْ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ تَأْدِيَتِهَا. كَالْحَرْفِ الْمُشَدَّدِ، يُبَالِغُ بَعْضُهُمْ فِيهِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَزِيدُ حَرْفًا، وَبَعْضُهُمْ لا يَرَى ذَلِكَ، وَبَعْضُهُمْ يَرَى التَّوَسُّطَ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ تَحْتَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الاحْتِرَازِ عَنْهُ فِي اسْتِثْنَائِهِ مَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الأَدَاءِ3.
لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ4: لا نَعْلَمُ أَحَدًا تَقَدَّمَ ابْنَ الْحَاجِبِ إلَى ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ
ـــــــ
1 في ش: كرههه.
2 هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم، أبو شامة المقدسي، ثم الدمشقي، شهاب الدين، أبو القاسم، الإمام الحافظ المحدث العلامة المجتهد، الشافعي المقرئ، النحوي. برع في علم العربية والقراءات. درس الحديث، وأتقن الفقه، ودرس وأفتى، وكان متواضعاً، ولي مشيخة الإقراء، ومشيخة الحديث بدمشق. وله مصنفات كثيرة، منها: "شرح الشاطبية"، و"مختصر تاريخ دمشق"، و"شرح المفصل للزمخشري"، و"كتاب الروضتين"، و"البيهقي"، و"مقدمة في النحو" وغيرها. توفي سنة 665هـ.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 365، طبقات المفسرين 1/ 263، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 165، طبقات الحفاظ ص 507، تذكرة الحفاظ 4/ 1460، البداية والنهاية 13/ 250, بغية الوعاة 2/ 77، شذرات الذهب 5/ 318، فوات الوفيات 1/ 527، معرفة القراء الكبار 2/ 537".
3 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 22.
4 هو محمد بن محمد بن علي بن يوسف، أبو الخير، العمري الدمشقي، ثم الشيرازي، الشافعي، المقرئ، ويعرف بابن الجزري، الحافظ، شيخ القراء في زمانه. وصار قاضياً بشيراز، وفتح مدرسة القرآن بالشام وشيراز. حفظ القرآن، وصلى به، وجمع القراءات، وجلس للإقراء في المسجد الأموي، وولي مشيخة الإقراء الكبرى، له تصانيف كثيرة، منها: "النشر في القراءات العشر"، و"التقريب"، و"التمهيد في التجويد"، و"منجد المقرئين"، و"طبقات القراء". توفي سنة 833هـ.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 2/ 247، الضوء اللامع 9/ 255، طبقات المفسرين 2/ 59، البدر الطالع 2/ 257، ذيل تذكرة الحفاظ ص 376، طبقات الحفاظ ص 543، شذرات الذهب 7/ 204".
وفي ز ش ب ض: ابن الجوزي. وهو تصحيف، لأن ابن الجوزي متقدم، وقد توفي سنة 597هـ، بينما وفاة ابن الحاجب سنة 646هـ، فكيف ينقل عنه؟!(2/132)
إذَا ثَبَتَ تَوَاتُرُ اللَّفْظِ "1ثَبَتَ تَوَاتُرُ1" هَيْئَتِهِ؛ إذْ اللَّفْظُ لا يَقُومُ إلاَّ بِهِ، وَلا يَصِحُّ إلاَّ بِوُجُودِهِ2.
"وَمُصْحَفُ عُثْمَانَ" 3بْنِ عَفَّانَ "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ4" الَّذِي كَتَبَهُ وَأَرْسَلَ 4مِنْهُ إلَى الآفَاقِ5 مَصَاحِفَ عَدِيدَةً "أَحَدُ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ5".
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ: مُصْحَفُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَحَدُ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ6.
وَقَالَ الْعَلاَّمَةُ أَبُو شَامَةَ الْفَقِيهُ الْمُحَدِّثُ الإِمَامُ فِي الْقِرَاءاتِ فِي كِتَابِهِ "الْمُرْشِدِ": إنَّ الْقِرَاءاتِ الَّتِي بِأَيْدِي النَّاسِ مِنْ السَّبْعَةِ وَالْعَشَرَةِ7 وَغَيْرِهَا8 هِيَ
ـــــــ
1 في ش: ثبتت.
2 قال ابن الجزري في ترجمة ابن الحاجب –بعد أن ذكر فضله وعلمه ومصنفاته وأخلاقه-: قلت: إلا أنه أعضل فيما ذكره في مختصر الأصول حين تعرض للقراءات، وأتى بما لم يتقدم فيه غيره، كما أوضحت ذلك في كتابي المنجد وغير ذلك. "طبقات القراء 1/ 509".
3 ساقطة من ب ض. وفي ع: بن عفان.
4 في ب ز ض: إلى الآفاق منه. وفي ع: منه إلى الآفاق من.
5 وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وأئمة المسلمين إلى أن المصحف العثماني مشتمل على ما يحتمله رسمه من الأحرف السبعة. وذهب جماعات من الفقهاء والقراء والمتكلمين إلى أن المصحف العثماني مشتمل على جميع الأحرف السبعة، ولكل فريق أدلته.
"انظر: النشر في القراءات العشر 1/ 31، تفسير الطبري 1/ 25، فتاوى ابن تيمية 13/ 395 وما بعدها، البرهان في علوم القرآن 1/ 213، مناهل العرفان 1/ 392، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1/ 87، 523".
6 انظر: فتاوى ابن تيمية 13/ 395، الفروع 1/ 423.
7 القراءات السبعة هي: قراءة أبي عمرو ونافع وعاصم وحمزة والكسائي وابن كثير وابن عامر. والعشرة: هي قراءة السبعة مع قراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي أبي محمد "205هـ"، وأبي جعفر يزيد بن القعقاع "130هـ"، وخلف بن هشام "229هـ".
8 في ش ض: وغيرهما.(2/133)
حَرْفٌ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ" 1. ا هـ.
"فَتَصِحُّ الصَّلاةُ" بِقِرَاءَةِ "مَا وَافَقَهُ وَصَحَّ" سَنَدُهُ "وَإِنْ لَمْ يَكُنْ" مَا قَرَأَ بِهِ الْمُصَلِّي "مِنْ" الْقِرَاآتِ "الْعَشَرَةِ" نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ2. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "فُرُوعِهِ": "وَتَصِحُّ بِمَا وَافَقَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ وِفَاقًا لِلأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ3".وَقَالَ 4ابْنُ الْجَزَرِيِّ6 فِي كِتَابِ "النَّشْرِ فِي الْقِرَاءاتِ الْعَشْرِ": كُلُّ قِرَاءَةٍ وَافَقَتْ إحْدَى5 الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ وَلَوْ احْتِمَالاً. وَوَافَقَتْ الْعَرَبِيَّةَ وَلَوْ بِوَجْهٍ وَاحِدٍ6 - وَصَحَّ سَنَدُهَا - فَهِيَ الْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ
ـــــــ
1 رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد. انظر: صحيح البخاري 3/ 227، صحيح مسلم 1/ 560، تحفة الأحوذي 8/ 264، مسند أحمد 5/ 385، تخريج أحاديث البزدوي ص 190.
قال ابن الجزري: وقد نص الإمام الكبير أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله على أن هذا الحديث تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم. "النشر في القراءات العشر 1/ 21".
وانظر آراء العلماء في المقصود من الأحرف السبعة في "النشر في القراءات العشر 1/ 23، الرسالة للشافعي ص 273، إرشاد الفحول ص 31، البرهان في علوم القرآن 1/ 213، مناهل العرفان 1/ 148، تفسير الطبري 1/ 11 وما بعدها، الإشارة إلى الإيجاز للعز بن عبد السلام ص 270، فتاوى ابن تيمية 13/ 290، تفسير القرطبي 1/ 41".
2 انظر وجوه الاختلاف في القراءات في كتاب "تأويل مشكل القرآن لابن تيمية ص 36، النشر في القراءات العشر 1/ 54، المحلي على جمع الجوامع 1/ 231".
3 الفروع 1/ 422.
4 ساقطة من ب ز ع ض.
5 في ش ع: أحد.
6 العبارة في كتاب النشر: "كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف ولو احتمالاً. النشر في القراءات العشر 1/ 9".(2/134)
يُنْكِرَهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ عَنْ السَّبْعَةِ، أَوْ عَنْ الْعَشَرَةِ، أَوْ عَنْ غَيْرِهِمْ1 مِنْ الأَئِمَّةِ الْمَقْبُولِينَ2. وَمَتَى اخْتَلَّ رُكْنٌ مِنْ هَذِهِ الأَرْكَانِ الثَّلاثَةِ: أُطْلِقَ عَلَيْهَا ضَعِيفَةٌ أَوْ شَاذَّةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ، سَوَاءٌ3 كَانَتْ عَنْ السَّبْعَةِ، أَوْ عَمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمْ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَئِمَّةِ التَّحْقِيقِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. صَرَّحَ بِهِ الدَّانِيُّ4، وَمَكِّيٌّ5،
ـــــــ
1 العبارة في الأصل: "القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها، ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها، سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم. "النشر في القراءات العشر 1/ 9".
2 انظر: إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر ص 6.
3 ساقطة من ش.
4 هو عثمان بن سعيد بن عثمان، أبو عمرو الداني، الأموي مولاهم، القرطبي، الإمام العلامة الحافظ، شيخ مشايخ المقرئين، رحل إلى المشرق، ثم رجع إلى قرطبة، وسمع الحديث، وبرَّز فيه، وفي أسماء رجاله، وفي القراءات علماً وعملاً، وفي الفقه والتفسير. وكان حسن الخط، جيد الضبط، من أهل الحفظ والذكاء، وكان ديناً فاضلاً ورعاً، مالكي المذهب. وله مصنفات كثيرة، منها: "جامع البيان" في القراءات السبع، و"التيسير" و"المقنع"، و"طبقات القراء"، و"التمهيد"، و"الفتن والملاحم". توفي بدانية سنة 444هـ .
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 503، طبقات الحفاظ ص 429، تذكرة الحفاظ 3/ 1120، طبقات المفسرين 1/ 373، الديباج المذهب 2/ 84، إنباه الرواة 2/ 341، معرفة القراء الكبار 1/ 325، شجرة النور الزكية ص 115، الصلة 2/ 385، شذرات الذهب 3/ 272".
5 هو مكي بن أبي طالب بن حَمُّوش، أبو محمد القيسي، ثم الأندلسي القرطبي. قال ابن الجزري: إمام علامة، محقق عارف، أستاذ القراء المجودين، قال صاحبه المقري: كان من أهل التبحر في علوم القرآن والعربية، حسن الفهم والخلق، جيد الدين والعقل، كثير التأليف في علوم القرآن، محسناً مجوداً عالماً بمعاني القراءات. له مصنفات كثيرة، منها: "التبصرة في القراءات"، و"التفسير"، و"مشكل إعراب القرآن"، و"الرعاية" في التجويد، و"الموجز في القراءات". توفي سنة 437هـ.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 2/ 309، طبقات المفسرين 2/ 331، 337، وفيان الأعيان 4/ 361، إنباه الرواة 3/ 313، الديباج المذهب 2/ 342، بغية الوعاة 2/ 298، شذرات الذهب 3/ 260، معرفة القراء الكبار 1/ 316".(2/135)
وَالْمَهْدَوِيُّ1، وَأَبُو شَامَةَ. وَهُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ الَّذِي لا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلافُهُ2. اهـ.
"وَ" مَا كَانَ مِمَّا وَرَدَ "غَيْرُ مُتَوَاتِرٍ، وَهُوَ مَا خَالَفَهُ" أَيْ خَالَفَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ "لَيْسَ بِقُرْآنٍ، فَلا تَصِحُّ" الصَّلاةُ "بِهِ" لأَنَّ الْقُرْآنَ لا يَكُونُ إلاَّ مُتَوَاتِرًا، وَهَذَا غَيْرُ مُتَوَاتِرٍ. فَلا يَكُونُ قُرْآنًا فَلا تَصِحُّ الصَّلاةُ بِهِ عَلَى الأَصَحِّ3.
وَعَنْهُ تَصِحُّ. رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ4 عَنْ مَالِكٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. وَالشَّيْخُ
ـــــــ
1 هو أحمد بن عمار بن أبي العباس، الإمام أبو العباس المهدوي، نسبة إلى المهدية بالمغرب، أستاذ مشهور، وهو نحوي ولغوي مفسر، وكان مقدماً في القراءات والعربية. وألف كتباً كثيرة النفع، منها: "التفصيل" وهو كتاب كبير في التفسير، "والتحصيل" مختصر للأول. قال القفطي: "والكتابان مشهوران في الآفاق"، وله "تعليل القراءات السبع"، و"الهداية" في القراءات السبع. قال الذهبي: توفي بعد 430هـ. وقال السيوطي: مات في الأربعين وأربعمائة.
"انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 92، طبقات المفسرين 1/ 56، إنباه الرواة 1/ 91، بغية الوعاة 1/ 351، شجرة النور الزكية ص 108، معرفة القراء الكبار 1/ 320".
2 النشر في القراءات العشر 1/ 9.
3 وهو رأي الحنفية والمالكية والشافعية.
انظر: أصول السرخسي 1/ 279 وما بعدها، المستصفى 1/ 102، العضد على ابن الحاجب 2/ 19، جمع الجوامع 1/ 228، أصول مذهب أحمد ص 186، 191، الفروع 1/ 423، المجموع للنووي 3/ 392، فواتح الرحموت 1/ 9، البرهان في علوم القرآن 1/ 332، 467، فتاوى ابن تيمية 13/ 394".
4 هو عبد الله بن وهب بن مسلم المصري، الفهري مولاهم، أبو محمد، أحد الأعلام، تفقه بمالك والليث. حدث عن السفيانين وابن جريج. قال ابن عدي: من جُلّة الناس وثقاتهم. وقال ابن يونس: جمع ابن وهب وبين الفقه والرواية والعبادة. وكان مالك يكتب إليه في المسائل ويقول: ابن وهب عالم، وابن القاسم فقيه. له مصنفات، منها: "أهوال القيامة"، "والموطأ الكبير والصغير"، وطلب للقضاء فتغيب. توفي سنة 197هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء ص 150، طبقات القراء 1/ 463، طبقات الحفاظ ص 126، تذكرة الحفاظ 1/ 304، الديباج المذهب 1/ 413، شجرة النور الزكية ص 58، مرآة الجنان 1/ 458، ميزان الاعتدال 2/ 522، وفيات الأعيان 2/ 240، الخلاصة ص 218، شذرات الذهب 1/ 347".(2/136)
تَقِيُّ الدِّينِ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، لِصَلاةِ الصَّحَابَةِ بِهِ1 بَعْضِهِمْ خَلْفَ بَعْضٍ2. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ خَلْفَ أَصْحَابِ هَذِهِ الْقِرَاآتِ، كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ3، وَطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ4 وَالأَعْمَشِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَضْرَابِهِمْ. وَلَمْ
ـــــــ
1 ساقطة من ب ع ض.
2 قال ابن الجزري: "واختلف العلماء في جواز القراءة بذلك في الصلاة فأجازها بعضُهم، لأن الصحابة التابعين كانوا يقرؤون بهذه الحروف في الصلاة، وهذا أحد القولين لأصحاب الشافعي وأبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن مالك وأحمد. وأكثر العلماء على عدم الجواز، لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن ثبتت بالنقل، فإنها منسوخة بالعرضة الأخيرة، أو بإجماع الصحابة على المصحف العثماني". "النشر في القراءات العشر 1/ 14".
وانظر: الفروع 1/ 107، فتاوى ابن تيمية 13/ 394، 397، فواتح الرحموت 2/ 9، جمع الجوامع 1/ 228.
3 هو الحسن بن يسار، أبو سعيد البصري. كان من سادات التابعين وكبرائهم وكبرائهم وجمع من كل فن من علم وزهد، وورع وعبادة، وكان فصيحاً أريباً، وكان عالماً فقيهاً، ثقة مأموناً ناسكاً، رأساً في العلم والعمل، لقي عائشة وعلياً رضي الله عنهما، ولم يسمع منهما. وسمع ابن عمر وأنساً وسمرة وأبا بكرة وعدداً كبيراً من الصحابة، ومن كبار التابعين، وروى عنه خلائق من التابعين وغيرهم، مناقبه كثيرة. وحيث أطلق الحسن في كتب الفقه والحديث والرجال والورع فهو المقصود. مات سنة 110هـ.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 71، حلية الأولياء 2/ 131، طبقات الحفاظ ص 28، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 87، طبقات القراء 1/ 235، طبقات المفسرين 1/ 147، ميزان الاعتدال 1/ 527، تهذيب الأسماء 1/ 161، وفيات الأعيان 1/ 354، مشاهير علماء الأمصار ص 88، المعارف ص 44، الخلاصة ص 77، شذرات الذهب 1/ 136".
4 هو طلحة بن مُصرف بن عمرو، أبو محمد الهَمْداني، الكوفي التابعي، الإمام، سمع أنساً وابن أبي أوفى. واتفقوا على جلالته وإمامته ووفور علمه بالقرآن وغيره، مع الورع، وكان من أقرأ أهل الكوفة وخيارهم، وكانوا يسمونه سيد القراء. توفي سنة 112هـ.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 343، تهذيب الأسماء 2/ 253، الخصلاصة ص 180، المعارف ص 529، صفة الصفوة 3/ 96، شذرات الذهب 1/ 145، الفهرست ص 107".(2/137)
يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ عَلَيْهِمْ.
وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: أَنَّهَا لا تُجْزِئُ عَنْ1 رُكْنِ الْقِرَاءَةِ2.
"وَمَا صَحَّ مِنْهُ" أَيْ مِمَّا لَمْ يَتَوَاتَرْ "حُجَّةٌ" عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْبُوَيْطِيُّ3 فِي بَابِ الرَّضَاعِ، وَفِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ4.
ـــــــ
1 ساقطة من ض.
2 انظر: الفروع 1/ 424، فتاوى ابن تيمية 13/ 398.
3 هو يوسف بن يحيى، أبو يعقوب البويطي المصري الفقيه، أكبر أصحاب الشافعي المصريين، وخليفته في حلقته. وكان قوي الحجة من كتاب الله. روى له الترمذي. قال الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى، وليس أحد من أصحابي أعلم منه، أبو يعقوب لساني. له "المختصر" المشهور، وهو أقل الكتب خطأ، وله "كتاب الفرائض". وكانت الفتاوى ترد إليه من السلطان فمن دونه. وحمل إلى بغداد فامتنع من القول بخلق القرآن، فحبس حتى مات سنة 231هـ. وكان عابداً، دائم الذكر، كبير القدر مجتهداً.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 162، طبقات الفقهاء ص 98، الخلاصة ص 440، تهذيب الأسماء 2/ 275، وفيات الأعيان 6/ 60، شذرات الذهب 2/ 71، الفهرست ص 298، حسن المحاضرة 1/ 306، تاريخ بغداد 14/ 299".
4 قال الأسنوي: "والصحيح عند الآمدي وابن الحاجب أنه لا يحتج به، ونقله الآمدي عن الشافعي رضي الله عنه. وقال إمام الحرمين في "البرهان": إنه ظاهر مذهب الشافعي، لأن الراوي لم ينقلها خبراً، والقرآن ثبت بالتواتر، لا بالآحاد". "التمهيد ص 32". ثم قال: "وجزم النووي في "شرح مسلم" بما قاله الإمام ... ثم قال: وما قالوه جميعه خلاف مذهب الشافعي وخلاف قول جمهور أصحابه .... "التمهيد ص 33". وقال السبكي: وأما إجراؤه مجرى الآحاد فهو الصحيح. "جمع الجوامع 1/ 231".
وانظر أقوال العلماء في حجية غير المتواتر وعدم حجيته في "نهاية السول 2/ 333، أصول السرخسي 1/ 281، الإحكام للآمدي 1/ 160، إرشاد الفحول ص 31، فواتح الرحموت 2/ 16، مختصر الطوفي ص 46، الروضة ص 34، القواعد والفوائد الأصولية ص 155، الإتقان في علوم القرآن 1/ 82، شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 130، أصول مذهب أحمد ص 186".(2/138)
وَاحْتَجَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَطْعِ يُمْنَى1 السَّارِقِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَالسَّارِقُونَ وَالسَّارِقَاتُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمْ2.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا نُقِلَ عَنْ مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ3.
وَقَالُوا: لأَنَّهُ4 إمَّا قُرْآنٌ أَوْ خَبَرٌ، وَكِلاهُمَا مُوجِبٌ لِلْعَمَلِ5.
وَقَوْلُ الْمُخَالِفِ "يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَذْهَبٌ لَهُ، ثُمَّ نَقَلَهُ قُرْآنًا خَطَأٌ لِوُجُوبِ تَبْلِيغِ الْوَحْيِ عَلَى6 الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَنْ يَحْصُلُ بِخَبَرِهِ الْعِلْمُ7 مَرْدُودٌ، إذْ نِسْبَةُ الصَّحَابِيِّ رَأْيَهُ إلَى الرَّسُولِ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ لا يَلِيقُ بِهِ. فَالظَّاهِرُ صِدْقُ النِّسْبَةِ8، وَالْخَطَأُ الْمَذْكُورُ إنْ سُلِّمَ لا يَضُرُّ؛ إذْ الْمُضِرُّ حِينَئِذٍ كَوْنُهُ قُرْآنًا لا خَبَرًا، كَمَا ذَكَرْنَاهُ9، وَهُوَ كَافٍ10. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: قَالَ: الْخَصْمُ: لَمْ يُصَرَّحْ بِكَوْنِهِ قُرْآنًا، ثُمَّ لَوْ صُرِّحَ فَعَدَمُ
ـــــــ
1 في ع: يمين.
2 في ش: أيمانهما.
3 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 156، أصول مذهب أحمد ص 191.
4 في ض: إنه.
5 انظر: فواتح الرحموت 2/ 16، جمع الجوامع 1/ 232، مختصر الطوفي ص 46.
6 في ش ز: عن.
7 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 160، مختصر ابن الحاجب 2/21.
8 أي نسبة الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويحتمل أنه سمعه تفسيراً، فظنّه قرآناً. "انظر: الروضة ص 34، فواتح الرحموت 2/ 17".
9 في ش ز: ذكرنا.
10 انظر: مختصر الطوفي ص 46، الروضة ص 34.(2/139)
شَرْطِ الْقِرَاءَةِ لا يَمْنَعُ صِحَّةَ سَمَاعِهِ. فَيَقُولُ: هُوَ مَسْمُوعٌ مِنْ الشَّارِعِ. وَكُلُّ قَوْلِهِ1 حُجَّةٌ. وَهَذَا وَاضِحٌ. اهـ. وَعَنْ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ رِوَايَةٌ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ2. "وَتُكْرَهُ قِرَاءَتُهُ" أَيْ قِرَاءَةُ مَا صَحَّ مِنْ غَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ3. نَصَّ عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "فُرُوعِهِ" وَغَيْرُهُ4 نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى. وَالنَّهَارِ إذَا تَجَلَّى. وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} 5.
"وَمَا اتَّضَحَ مَعْنَاهُ" مِنْ الْقُرْآنِ فَهُوَ "مُحْكَمٌ" مُفْعَلٌ6 مِنْ أَحْكَمْت الشَّيْءَ أُحْكِمُهُ إحْكَامًا. فَهُوَ مُحْكَمٌ إذَا أَتْقَنْته. فَكَانَ فِي غَايَةِ مَا يَنْبَغِي مِنْ
ـــــــ
1 في ش ب ز: قول.
2 وهو اختيار الآمدي وابن الحاجب، ونقله الآمدي عن الشافعي. وقال الجويني في البرهان: إنه ظاهر المذهب. "انظر: نهاية السول 2/ 333، الإحكام للآمدي 1/ 160، المستصفى 1/ 102، المحلي على جمع الجوامع 1/ 232، أصول مذهب أحمد ص 186".
3 لقد أفتى ابن الصلاح الشافعي بذلك وقال: يجب منع القارئ بالشواذ، وتأثيمه بعد تعريفه، وإن لم يمتنع فعليه التعزير بشرطه. وأفتى ابن الحاجب المالكي بذلك وقال: لا يجوز أن يُقرأ بالقراءة الشاذة في صلاة ولا في غيرها ... فإن كان جاهلاً بالتحريم عُرِّف به، وأمر بتركها، وإن كان عالماً أدب بشرطه، وإن أصرّ على ذلك أدب على إصراره، حبس إلى أن يرتدع عن ذلك. وأيد ذلك النووي فقال: لا تجوز القراءة في الصلاة ولا في غيرها بالقراءة الشاذة، لأنها ليست متواترة، ونقل عن ابن عبد البر إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشواذ، ولا يصلى خلف من يقرأ بها.
"انظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 332-333، 467، المجموع شرح المهذب 3/ 392، مختصر ابن الحاجب 2/ 21، المحلي على جمع الجوامع 1/ 231".
4 الفروع 1/ 422، 423، 424. وانظر: فتاوى ابن تيمية 13/ 397.
5 قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}. الآيات 1-3 من الليل. وانظر: فتاوى ابن تيمية 13/ 394.
6 ساقطة من ض.(2/140)
الْحِكْمَةِ. وَمِنْهُ: بِنَاءٌ مُحْكَمٌ، أَيْ ثَابِتٌ يَبْعُدُ انْهِدَامُهُ1. وَذَلِكَ كَالنُّصُوصِ وَالظَّوَاهِرِ2؛ لأَنَّهُ مِنْ الْبَيَانِ فِي غَايَةِ الإِحْكَامِ وَالإِتْقَانِ3.
"وَعَكْسُهُ" أَيْ عَكْسُ الْمُحْكَمِ "مُتَشَابِهٌ4" وَهُوَ مَا لَمْ يَتَّضِحْ مَعْنَاهُ.
إمَّا "لاشْتِرَاكٍ" كَالْعَيْنِ وَالْقُرْءِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمُشْتَرَكَاتِ.
أَوْ "إجْمَالٍ" وَهُوَ إطْلاقُ اللَّفْظِ بِدُونِ بَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهُ. كَالْمُتَوَاطِئِ فِي قَوْله تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} 5 وَعَدَمُ تَقْدِيرِ الْحَقِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} 6.
أَوْ "ظُهُورِ تَشْبِيهٍ. كَصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى" أَيْ كَآيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَخْبَارِهَا. فَاشْتَبَهَ الْمُرَادُ مِنْهَا عَلَى النَّاسِ. فَلِذَلِكَ قَالَ قَوْمٌ: بِظَاهِرِهِ فَشَبَّهُوا وَجَسَّمُوا، وَتَأَوَّلَ قَوْمٌ: فَحَرَّفُوا وَعَطَّلُوا. وَتَوَسَّطَ قَوْمٌ: فَسَلَّمُوا، وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَأَئِمَّةُ السَّلَفِ الصَّالِحِ7.
ـــــــ
1 انظر: المصباح المنير 1/ 226، القاموس المحيط 4/ 100.
2 في ض: والظاهر.
3 عرف الآمدي "المحكم" هو ما ظهر معناه، وانكشف كشفاً يزيل الإشكال، ويرفع الاحتمال. "الإحكام 1/ 165".
وانظر: المستصفى 1/ 106، مختصر ابن الحاجب 2/ 21، الإتقان في علوم القرآن 2/ 2، المدخل إلى مذهب أحمد ص 88، إرشاد الفحول ص 31، مناهل العرفان 2/ 168، الروضة ص 35، مختصر الطوفي ص 48، تفسير القاسمي 4/ 787.
4 في ب: المتشابه.
5 الآية 67 من البقرة.
6 الآية 141 من الأنعام.
7 انظر أقوال العلماء في الصفات في "الإتقان في علوم القرآن 2/ 6، البرهان في علوم القرآن 2/ 78، الإحكام للآمدي 1/ 165، الإحكام لابن حزم 1/ 489، المسودة ص 163، المستصفى 1/ 106، مختصر ابن الحاجب 2/ 21، المدخل إلى مذهب أحمد ص 88، الروضة ص 35، مختصر الطوفي ص 48، الشامل في أصول الدين ص 510، 609".(2/141)
وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا عُرِفَ الْمُرَادُ بِهِ، إمَّا بِالظُّهُورِ، وَإِمَّا بِالتَّأْوِيلِ. وَالْمُتَشَابِهُ: مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعِلْمِهِ، كَقِيَامِ السَّاعَةِ، وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ، وَالدَّابَّةِ، وَالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ1 فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ2.
وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا لا يَحْتَمِلُ مِنْ التَّأْوِيلِ إلاَّ وَجْهًا وَاحِدًا. وَالْمُتَشَابِهُ: مَا احْتَمَلَ أَوْجُهًا3.
وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا كَانَ مَعْقُولَ الْمَعْنَى، وَالْمُتَشَابِهُ بِخِلافِهِ، كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ4 وَاخْتِصَاصِ الصِّيَامِ بِرَمَضَانَ دُونَ شَعْبَانَ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ5.
وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا اسْتَقَلَّ بِنَفْسِهِ. وَالْمُتَشَابِهُ: مَا لا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ إلاَّ بِرَدِّهِ إلَى غَيْرِهِ6.
وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا تَأْوِيلُهُ تَنْزِيلُهُ7. وَالْمُتَشَابِهُ: مَا لا يُدْرَى8 إلاَّ بِالتَّأْوِيلِ9.
وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا لا تَتَكَرَّرُ10 أَلْفَاظُهُ، وَمُقَابِلُهُ الْمُتَشَابِهُ11.
ـــــــ
1 في ش ز: المتقطعة.
2 انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 2، المدخل إلى مذهب أحمد 89، مناهل العرفان 2/ 168، الروضة 35.
3 انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 2، إرشاد الفحول ص 32.
4 في ع: الصلاة.
5 انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 2، المسودة ص 162.
6 وهو ظاهر كلام أحمد. "انظر: المسودة ص 161، الإتقان في علوم القرآن 2/ 2".
7 في ش: تنزيه.
8 كذا في جميع النسخ. ولعلها يدرك.
9 انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 2، المسودة ص 162.
10 في ب ع: يتكرر.
11 انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 2.(2/142)
وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ الْفَرَائِضُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ، وَالْمُتَشَابِهُ الْقَصَصُ وَالأَمْثَالُ1.
وَعَنْ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ2 وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ الْمُحْكَمَ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ، وَالْمُتَشَابِهُ الَّذِي يُؤْمَنُ بِهِ وَلا يُعْمَلُ بِهِ3.
"وَلَيْسَ فِيهِ" أَيْ فِي الْقُرْآنِ "مَا لا مَعْنَى لَهُ" فِي الصَّحِيحِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ خِلافٍ4.
قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي "شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ": وَالظَّاهِرُ أَنَّ خِلافَهُمْ فِيمَا 5لَهُ مَعْنًى3 وَلا نَفْهَمُهُ، أَمَّا مَا لا مَعْنَى لَهُ أَصْلاً فَمَنْعُهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ. اهـ.
ـــــــ
1 وقد استبعد الآمدي هذا القول. "انظر: الإحكام للآمدي 1/ 166، المسودة ص 162، الإتقان في علوم القرآن 2/ 2، إرشاد الفحول ص 32، الروضة ص 35".
2 هو قتادة بن دِعَامة بن قتادة، أبو الخطاب السَّدُوسي البصري، الأكمه، التابعي. أجمعوا على جلالته وتوثيقه وحفظه وإتقانه وفضله. قال سعيد بن المسيب: "ما أتاني عراقي أحفظ من قتادة". وقال أحمد: "كان قتادة أحفظ أهل البصرة، لم يسمع شيئاً إلا حفظه". وكان عالماً بالتفسير واختلاف العلماء، وإماماً في النسب، ورأساً في العربية وأيام العرب. توفي بواسط في الطاعون سنة 117هـ.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 122، تهذيب الأسماء 2/ 57، طبقات الفقهاء ص 89، طبقات المفسرين 2/ 43، طبقات الحفاظ ص 47، طبقات القراء 2/ 25، ميزان الاعتدال 3/ 385، وفيات الأعيان 3/ 248، نكت الهميان ص 230، الخلاصة ص 315، شذرات الذهب 1/ 153، حلية الأولياء 2/ 333".
3 وهناك تعريفات أخرى للمحكم والمتشابه، وقد ردّ الغزالي أكثرها.
"انظر: المستصفى 1/ 106، الإتقان في علوم القرآن 2/2، شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 217، البرهان في علوم القرآن 2/ 68، مناهل العرفان 1/ 167، 172، زاد المسير 1/ 350، الروضة ص 35، تفسير القاسمي 4/ 787".
4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 167، فواتح الرحموت 2/ 17، المحلي على جمع الجوامع 1/ 232.
5 في ب: معنى له.(2/143)
وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ1؛2لأَنَّهُ لا يُخَالِفُ فِيهِ3 إلاَّ جَاهِلٌ أَوْ مُعَانِدٌ5 لأَنَّ مَا لا مَعْنَى لَهُ هَذَيَانٌ لا يَلِيقُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ عَاقِلٌ. فَكَيْفَ بِالْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟
لَكِنْ حُكِيَ4 عَنْ الْحَشْوِيَّةِ وُقُوعُهُ فِي الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ. وَفِي قَوْله تَعَالَى: {كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} 5 وقَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} 6 وقَوْله تَعَالَى: {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 7 وقَوْله تَعَالَى: {لا تَتَّخِذُوا إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} 8 وَنَحْوِهِ9.
وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ: بِأَنَّ الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ: إمَّا أَسْمَاءُ السُّوَرِ، أَوْ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أَوْ سِرُّ10 اللَّهِ11 تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا هُوَ مَذْكُورٌ فِي التَّفَاسِيرِ12، وَبِأَنَّ رُءُوسَ الشَّيَاطِينِ مَثَلٌ13 فِي الاسْتِقْبَاحِ،
ـــــــ
1 في ب ض: الظاهر.
2 ساقطة من ش.
3 في ز ع ب: في ذلك.
4 في ض: قد حكي.
5 الآية 65 من الصافات.
6 الآية 196 من البقرة.
7 الآية 13 من الحاقة.
8الآية 51 من النحل.
9 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 167، فواتح الرحموت 2/ 17، المحلي على جمع الجوامع 1/ 232.
10 في ش: سوى.
11 في ع: لله.
12 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 167، فواتح الرحموت 2/ 17، تفسير الطبري 1/ 86، تفسير القرطبي 1/ 154، زاد المسير 1/ 20، المحلي على جمع الجوامع 1/ 232.
13 في ض: مثل ما.(2/144)
عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي ضَرْبِ الأَمْثَالِ بِمَا1 يَتَخَيَّلُونَهُ2 قَبِيحًا.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَرُءُوسُ الشَّيَاطِينِ: اسْتَقَرَّ قُبْحُهَا فِي الأَنْفُسِ فَشُبِّهَ بِهَا. كَقَوْلِ امْرِئِ الْقِيسِ:
أَيَقْتُلُنِي3 وَالْمَشْرَفِيُّ4 مُضَاجِعِي ... وَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ
فَشَبَّهَهَا5 بِأَنْيَابِ الأَغْوَالِ لِقُبْحِهَا الْمُسْتَقِرِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقِيقَةٌ. كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ6.
ـــــــ
1 في ش ب ز: مما.
2 في ض: يتخذونه.
3 في ع: أتقتلني.
4 المَشْرَفي: سيف منسوب إلى قرى الشام يقال لها المشارف. والمسنونة: هي السهام المحددة الأزجة الصافية. وقد شبهها بأنياب الأغوال تشنيعاً لها، ومبالغة في وصفها. والأغوال: الشياطين. وإنما خص الشياطين لما شاع من عظيم أمرهم وكثرة نكرهم. وثبت في النفوس من شناعة خلقهم. ولذلك قال الله عز وجل: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوْسُ الشَّيَاطِيْنِ}. الآية 65 من الصافات.
والبيت من الطويل، ذكره الجرجاني في "دلائل الإعجاز" ص 80، والعباسي في "معاهد التنصيص" 1/ 134. "انظر: معجم شواهد العربية 1/ 310، ديوان امرئ القيس ص 33".
5 في ض: فشبه.
6 هو محمد بن علي بن عمر، أبو عبد الله التميمي المازري، الفقيه المالكي، المحدث، يعرف بالإمام. وكان واسع الباع في العلم والاطلاع، مع حدة الذهن، حتى بلغ درجة الاجتهاد. وكان إمام المالكية في عصره، وكان أديباً حافظاً، طبيباً أصولياً، رياضيًّا متكلماً. وله مؤلفات مفيدة، منها: "المعلم بفوائد كتاب مسلم"، وهو شرح جيد لصحيح مسلم، أكمله القاضي عياض في "الإكمال"، وشرح البرهان لإمام الحرمين في أصول الفقه، وسماه "إيضاح المحصول في برهان الأصول"، "والتعليقة على المدونة"، "والكشف والإنباء على المترجم بالإحياء"، وهو رد على الغزالي، وله مؤلف في الطب، و"نظم الفرائد في علم العقائد"، و"شرح التلقين". توفي سنة 536هـ.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 250، شجرة النور الزكية ص 127، وفيات الأعيان 2/ 26، مرآة الجنان 3/ 267، شذرات الذهب 4/ 114، الفتح المبين 2/ 26".(2/145)
وَقَوْلُهُ: {عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} فِيهِ شَيْئَانِ: الْجَمْعُ وَالتَّأْكِيدُ بِالْكَمَالِ. وَجَوَابُ الْجَمْعِ: رَفْعُ الْمَجَازِ الْمُتَوَهَّمِ فِي الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ؛ إذْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا بِمَعْنًى "أَوْ" مَجَازًا. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولِيْ أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} 1، وَالتَّأْكِيدُ أَفَادَ عَدَمَ النَّقْصِ فِي الذَّاتِ، كَمَا2 قَالَ تَعَالَى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} 3، أَوْ عَدَمَ النَّقْصِ فِي الأَجْرِ، دَفْعًا لِتَوَهُّمِ النَّقْصِ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ.
وَوَصْفُ النَّفْخَةِ بِالْوَاحِدَةِ إبْعَادٌ لِلْمَجَازِ وَتَقْرِيرٌ لِوَحْدَتِهَا بِسَبَبِ الْمُفْرَدِ؛ لأَنَّ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ بِالْجِنْسِ.
وَقَوْلُهُ: {إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} قَالَ صَاحِبُ "الْمَثَلِ السَّائِرِ4": التَّكْرِيرُ فِي الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. كَدَلالَتِهِ عَلَى الْجِنْسِ وَالْعَدَدِ، وَهُوَ بَابٌ مِنْ "التَّكْرِيرِ مُشْكِلٌ؛ لأَنَّهُ يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ أَنَّهُ تَكْرِيرٌ مَحْضٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ5. وَلَيْسَ كَذَلِكَ6".
فَالْفَائِدَةُ إذًا فِي قَوْلِه:ِ {إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} و"َإِلَهٌ وَاحِدٌ": هِيَ أَنَّ الاسْمَ الْحَامِلَ لِمَعْنَى الإِفْرَادِ وَالتَّثْنِيَةِ دَالٌّ عَلَى الْجِنْسِيَّةِ وَالْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ. فَإِذَا أُرِيدَتْ الدَّلالَةُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَكَانَ الَّذِي يُسَاقُ إلَيْهِ هُوَ الْعَدَدُ شُفِعَ بِمَا يُؤَكِّدُهُ. وَهَذَا دَقِيقُ الْمَسْلَكِ.
ـــــــ
1 الآية الأولى من فاطر.
2 ساقطة من ش.
3 الآية 233 من البقرة.
4 المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، لضياء الدين نصر الله بن محمد بن محمد، ابن الأثير الجزري، أبو الفتح، المتوفى سنة 637هـ، جمع فيه ما يتعلق بفن الكتابة. انظر: كشف الظنون 2/ 1586.
5 المثل السائر 3/ 25.
6 انظر بحث التكرار لبيان فائدة تكرير المعاني والألفاظ في كتاب "المثل السائر 3/ 3 وما بعدها. البرهان في علوم القرآن 3/ 11 وما بعدها".(2/146)
وَأَلْحَقَ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ كَلامَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِكَلامِ اللَّهِ تَعَالَى. فَقَالَ: لا يَجُوزُ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِشَيْءٍ وَلا يَعْنِي بِهِ شَيْئًا، خِلافًا لِلْحَشْوِيَّةِ. وَسُمُّوا حَشْوِيَّةً؛ لأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي حَلْقَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَمَامَهُ. فَلَمَّا أَنْكَرَ كَلامَهُمْ قَالَ: رُدُّوهُمْ إلَى حَشْوِ الْحَلْقَةِ، أَيْ جَانِبِهَا1.
وَقَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: بِفَتْحِ الشِّينِ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالإِسْكَانِ. وَكَذَا قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: بِالسُّكُونِ. لأَنَّهُ إمَّا مِنْ الْحَشْوِ، لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِوُجُودِ الْحَشْوِ الَّذِي لا مَعْنَى لَهُ فِي كَلامِ الْمَعْصُومِ، أَوْ لِقَوْلِهِمْ بِالتَّجْسِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ2.
"وَ" لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا "لا" أَيْ شَيْءٌ "مَعْنِيٌّ بِهِ غَيْرُ ظَاهِرِهِ" وَهَذَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ وَأَتْبَاعِهِمْ3؛ لأَنَّهُ يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى4 مَدْلُولِ اللُّغَةِ 5فِيمَا اقْتَضَاهُ5 نِظَامُ الْكَلامِ، وَلأَنَّ اللَّفْظَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ كَالْمُهْمَلِ "إلاَّ بِدَلِيلٍ" لِلاحْتِرَازِ مِنْ وُرُودِ الْعَامِّ وَتَأَخُّرِ الْمُخَصِّصِ لَهُ وَنَحْوِهِ. وَقَالَتْ الْمُرْجِئَةُ: يَجُوزُ ذَلِكَ، وَنَفَوْا ضَرَرَ الْعِصْيَانِ مَعَ مُجَامَعَةِ الإِيمَانِ. فَقَالُوا: لا تَضُرُّ6 مَعَ الإِيمَانِ مَعْصِيَةٌ، كَمَا لا يَنْفَعُ مَعَ الْكُفْرِ طَاعَةٌ، زَاعِمِينَ أَنَّ آيَاتِ الْوَعِيدِ لِتَخْوِيفِ الْفُسَّاقِ، وَلَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا، بَلْ الْمُرَادُ بِهَا خِلافُ
ـــــــ
1 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 233.
2 انظر: حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 233، فتاوى ابن تيمية 12/ 176.
3 انظر: جمع الجوامع 1/ 233.
4 في ض: بلا.
5 في ع: في مقتضاه.
6 في ب ع ض: يضرّ.(2/147)
الظَّاهِرِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الشَّرْعُ ذَلِكَ1. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إلاَّ تَخْوِيفًا} 2.
وَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ تَخْوِيفًا لِنُزُولِ الْعَذَابِ وَوُقُوعِهِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ بَاطِلٌ بِأَحْكَامِ الدُّنْيَا مِنْ الْقِصَاصِ وَقَطْعِ يَدِ3 السَّارِقِ وَنَحْوِهَا4.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ إذَا فُهِمَ أَنَّهُ لِلتَّخْوِيفِ، لَمْ يَبْقَ لِلتَّخْوِيفِ فَائِدَةٌ5. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: مَحَلُّ الْخِلافِ فِي آيَاتِ الْوَعِيدِ وَأَحَادِيثِهِ. لا فِي الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي."وَفِيهِ" أَيْ فِي الْقُرْآنِ "مَا لا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ6 إلاَّ اللَّهُ تَعَالَى" عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ7. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي "الْوَاضِحِ": لَيْسَ بِبِدْعٍ8 أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَا يَتَشَابَهُ لِنُؤْمِنَ بِمُتَشَابِهِهِ وَنَقِفَ عِنْدَهُ. فَيَكُونَ التَّكْلِيفُ بِهِ هُوَ الإِيمَانُ بِهِ جُمْلَةً،
ـــــــ
1 انظر: جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 1/ 233.
2 الآية 59 من الإسراء.
3 ساقطة من ز ع ب ض.
4 في ع ض: ونحوهما.
5 ساقطة من ز ع ض.
6 في ب ع ض: معناه.
7 وهو رأي كثير من المسلمين. "انظر: البرهان في علوم القرآن 2/ 74، تفسير الطبري 1/ 33، فواتح الرحموت 2/ 17".
8 في ش ز: يندفع.(2/148)
وَتَرْكُ الْبَحْثِ عَنْ تَفْصِيلِهِ. كَمَا كَتَمَ الرُّوحَ وَالسَّاعَةَ وَالآجَالَ وَغَيْرَهَا مِنْ الْغُيُوبِ، وَكَلَّفَنَا التَّصْدِيقَ بِهَا1 دُونَ أَنْ يُطْلِعَنَا عَلَى عِلْمِهِ2. اهـ.
وَهَذَا مَذْهَبُ سَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ "الْمَحْصُولِ"، بِنَاءً عَلَى تَكْلِيفِ3 مَا لا يُطَاقُ4.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: حَكَى ابْنُ بُرْهَانٍ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى: هَلْ 5يَشْتَمِلُ عَلَى8 مَا لا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ؟ ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْخِطَابِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ6 بِهِ تَكْلِيفٌ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَفْهُومِ الْمَعْنَى، وَمَا7 لا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْلِيفٌ فَيَجُوزُ8. "وَيَمْتَنِعُ دَوَامُ إجْمَالِ مَا فِيهِ تَكْلِيفٌ".قَالَ أَبُو الْمَعَالِي، وَالْقُشَيْرِيُّ: مَا فِيهِ تَكْلِيفٌ يَمْتَنِعُ دَوَامُ إجْمَالِهِ، وَإِلاَّ فَلا. وَاخْتَارَهُ التَّاجُ السُّبْكِيُّ وَالْبِرْمَاوِيُّ9.
وَقَالَ الْمَجْدُ فِي "الْمُسَوَّدَةِ": "ثُمَّ بَحْثُ أَصْحَابِنَا يَقْتَضِي فَهْمَهُ إجْمَالاً
ـــــــ
1 في ش ع ب ض: به.
2 انظر: المسودة ص 175، الإشارة إلى الإيجاز ص 280، تفسير الخازن 1/ 321، تفسير البغوي 1/ 321.
3 في ع تكليفه.
4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 168، تفسير الطبري 1/ 33.
5 في ش: يشمل.
6 في ب ع ز: لا يتعلق.
7 في ب ع ز ض: أو.
8 انظر: المسودة ص 164.
9 انظر: جمع الجوامع وشرحه 1/ 234.(2/149)
لا1 تَفْصِيلاً2.
وَعَنْ ابْنِ عَقِيلٍ: لا، وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ 3لا أَدْرِي2، كَقَوْلِ أَكْثَرِ4 الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، أَوْ تَأْوِيلُهُ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا قَالَ، مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ الْمُحَقِّقِينَ قَالُوا: فِي "سَمِيعٌ بَصِيرٌ5" يُسْكَتُ6 عَمَّا بِهِ يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ، أَوْ تَأْوِيلُهُ بِإِدْرَاكِهِ، وَأَمَّا تَأْوِيلُهُ بِمَا يُوجِبُ تَنَاقُضًا أَوْ تَشْبِيهًا فَزَيْغٌ.
وَقَوْلُهُ - يَعْنِي ابْنَ عَقِيلٍ - فِي7 قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاَّ اللَّهُ} 8. أَيْ كُنْهَ ذَلِكَ.
"وَيُوقَفُ" فِي الأَصَحِّ الْمُخْتَارِ "عَلَى {إلاَّ اللَّهُ} 9لَفْظًا وَمَعْنًى8 لا" عَلَى {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} 10.
ـــــــ
1 في ش: و. وعبارة "المسودة": يقتضي أنه يفهم على سبيل الجملة، لا على سبيل التفصيل.
2 المسودة ص 164: ويضيف المجد فيقول: "ووافقنا أبو الطيب الطبري، وحكاه عن أبي بكر الصيرفي، وكلهم تمسّك بالآية. وانظر: تفسير الطبري 1/ 7".
3 في ش: الإدراك.
4 في ب: بعض.
5 في ض: وبصير.
6 في ض: نسكت.
7 ساقطة من ب غ ض.
8 الآية 7 من آل عمران. وتتمة الآية: {هُوَ الَّذِيْ أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِيْنَ فِيْ قُلُوْبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُوْنَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيْلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيْلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُوْنَ فِي الْعِلْمِ يَقُوْلُوْنَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ}.
9 ساقطة من ش ز ع.
10 انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 492، فواتح الرحموت 2/ 17، المحلي على جمع الجوامع 1/ 233، إرشاد الفحول ص 32، المدخل إلى مذهب أحمد ص 89، الروضة ص 36، مختصر الطوفي ص 48، تفسير القاسمي 4/ 795.(2/150)
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالأَعْلامِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ1: هُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ2، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ3 ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ4 وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ5. قَالَ الْبَغَوِيّ فِي "تَفْسِيرِهِ": "هُوَ قَوْلُ الأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ: أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ
ـــــــ
1 هو حَمَد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب، أبو سليمان الخطابي، البُسْتي، الحافظ الفقيه، الأديب المحدث، كان عالماً وزاهداً وورعاً، ويقوم بالتدريس والتأليف، أخذ الفقه عن القفال وابن أبي هريرة، وله شعر جيد، وهو من ذرية زيد بن الخطاب. له مصنفات كثيرة نافعة، منها: "معالم السنن"، و"غريب الحديث"، و"أعلام السنن" في شرح البخاري، و"الشجاج"، و"إصلاح غلط المحدثين"، و"الغنية عن الكلام وأهله"، و"العزلة" و"شرح الأسماء الحسنى". توفي سنة 388هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 282، طبقات الحفاظ ص 403، تذكرة الحفاظ 3/ 1081، وفيات الأعيان 1/ 453، بغية الوعاة 1/ 546، إنباه الرواة 1/ 125، البداية والنهاية 11/ 236، شذرات الذهب 3/ 127".
2 في ش: العلماء لفظاً ومعنى.
3 ساقطة من ض.
4 هو الصحابي أبي بن كعب بن قيس، أبو المنذر، وأبو الطفيل الأنصاري النجاري، سيد القراء. شهد العقبة الثانية وبدراً والمشاهد كلها. وقرأ الرسول صلى الله عليه وسلم عليه القرآن. وهو أول من كتب للنبي عليه الصلاة والسلام الوحي. وجمع القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أحد المفتين من الصحابة. ويرجع إليه عمر في النوازل والمعضلات. مات سنة 20هـ. وقال عمر: اليوم مات سيد المسلمين.
"انظر: الإصابة 1/ 19، الاستيعاب 1/ 47، تهذيب الأسماء 1/ 108، طبقات القراء 1/ 31، مشاهير علماء الأمصار ص 12، الخلاصة ص 24، حلية الأولياء 1/ 250، معرفة القراء الكبار 1/ 32".ك
5 هي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق. أسلمت صغيرة بعد 18 شخصاً، وتزوجها رسول الله قبل الهجرة، وبنى بها بعد الهجرة، وكناها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم عبد الله، بابن أختها عبد الله بن الزبير، وهي من أكثر الصحابة رواية. ولها فضائل كثيرة، ومناقب معروفة.
قال عطاء: كانت عائشة من أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً. ماتت سنة 57هـ، ودفنت بالبقيع.
انظر ترجمتها في "الإصابة 4/ 359، الاستيعاب 4/ 356، تهذيب الأسماء 2/ 352، طبقات الفقهاء ص 47".(2/151)
وَعَائِشَةُ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ1، وَرِوَايَةُ2 طَاوُسٍ3 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَأَكْثَرُ التَّابِعِينَ. وَاخْتَارَهُ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ وَالأَخْفَشُ، وَقَالُوا: لا يَعْلَمُ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ إلاَّ اللَّهُ4. وَخَالَفَ الآمِدِيُّ وَجَمْعٌ، مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَبُو الْبَقَاءِ فِي إعْرَابِهِ5. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ": "الرَّاسِخُونَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ6".
ـــــــ
1 هو عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، أبو عبد الله المدني، أحد فقهاء المدينة السبعة، الحافظ، جمع بين العلم والسيادة والعبادة، كثير الحديث، وهو شقيق عبد الله بن الزبير، أمهما أسماء. قال ابن شهاب: "عروة بحر لا يُنزف". وكان كثير الصوم. توفي سنة 94هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 23، طبقات الفقهاء ص 58، طبقات القراء 1/ 511، تذكرة الحفاظ 1/ 62، الخلاصة ص 265، مشاهير علماء الأمصار ص 64، شذرات الذهب 1/ 103".
2 في ش ز: ورواية عن . وما أثبتناه في الأعلى من: ب ع ض. وكذا في تفسير البغوي.
3 هو طاووس بن كيسان، أبو عبد الرحمن اليماني الحميري مولاهم، وهو من كبار التابعين والعلماء والفضلاء الصالحين. واتفقوا على جلالته وفضيلته، ووفور علمه وصلاحه وحفظه وتثبته. قال ابن الجوزي: اسمه ذكوان، وطاووس لقبه، لأنه كان طاووس القراء. قال ابن خلكان: "والمشهور أن اسمه طاووس". وله قصة رجولة وشهامة وجرأة مع الحكام. مرض بمنى ومات بمكة سنة 106هـ.
انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 1/ 251، طبقات الحفاظ ص 34، طبقات الفقهاء ص 73، طبقات القراء 1/ 341، تذكرة الحفاظ 1/ 90، حلية الأولياء 4/ 3، وفيات الأعيان 2/ 194، مشاهير علماء الأمصار ص 122، المعارف ص 455، شذرات الذهب 1/ 133، الخلاصة ص 181".
4 تفسير البغوي 1/ 321، وانظر: تفسير الخازن 1/ 321، الإتقان في علوم القرآن 2/ 3، فواتح الرحموت 2/ 18، الروضة ص 36.
5 إملاء ما مَنَّ به الرحمن 1/ 124، وانظر: الإحكام للآمدي 1/ 167، 168.
6 شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 218.(2/152)
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ1. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي "شَرْحِهِ"، قَالَ الْمُؤَوِّلَةُ - وَهُمْ الْمُعْتَزِلَةُ وَالأَشْعَرِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ - الْوَقْفُ التَّامُّ عَلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} 2.
وَقِيلَ: الْخِلافُ فِي ذَلِكَ لَفْظِيٌّ. فَإِنَّ مَنْ قَالَ: إنَّ الرَّاسِخَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، أَرَادَ بِهِ3 أَنَّهُ يَعْلَمُ ظَاهِرَهُ لا حَقِيقَتَهُ، وَمَنْ قَالَ: لا يَعْلَمُ: أَرَادَ بِهِ لا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى4.
وَالْحِكْمَةُ فِي إنْزَالِ الْمُتَشَابِهِ: ابْتِلاءُ الْعُقَلاءِ5.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ الشَّافِعِيُّ وَالسُّهَيْلِيُّ6: الْوَقْفُ عَلَى {إلاَّ اللَّهُ}
ـــــــ
1 وهو قول مجاهد والضحاك وابن عباس في رواية، واختارها النووي. وقال ابن الحاجب: إنه الظاهر. "انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 3، الدر المنثور 2/ 8، البرهان في علوم القرآن 2/ 72، المستصفى 1/ 106، مختصر ابن الحاجب 2/ 21".
2 الآية 3 من آل عمران.
3 ساقطة من ب.
4 وهو قول الراغب، فإنه بين أوجه المحكم والمتشابه، ثم قال: "وإن لكل واحد منهما وجهاً حسبما دلّ عليه التفصيل المتقدم" "المفردات في غريب القرآن ص 255". وانظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 5.
5 انظر: مناهل العرفان 2/ 178، الإتقان في علوم القرآن 2/ 4، 12، البرهان في علوم القرآن 2/ 75، فواتح الرحموت 2/ 19، الروضة ص 36.
6 هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد، الخثعمي الأندلسي المالكي الضرير، أبو القاسم وأبو زيد، الحافظ العلامة، الأديب النحوي المفسر. قال السيوطي: "كان إماماً في لسان العرب، واسع المعرفة، غزير العلم، نحويًّا متقدماً، لغويًّا، عالماً بالتفسير وصناعة الحديث، عالماً بالرجال والأنساب، عارفاً بعلم الكلام وأصول الفقه، عارفاً بالتاريخ، ذكيًّا نبيهاً، عمي وله 17 سنة". وله مصنفات كثيرة، منها: "الروض الأنف" في السيرة، و"التعريف والإعلام في مبهمات القرآن"، "ونتائج الفكر"، "ومسألة رؤية الله في المنام". وله شعر كثير، وتصانيفه ممتعة مفيدة. توفي سنة 581هـ بمراكش.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب 1/ 480، طبقات القراء 1/ 371، طبقات الحفاظ ص 478، طبقات المفسرين 1/ 266، تذكرة الحفاظ 4/ 1348، وفيات الأعيان 2/ 324، إنباه الرواة 2/ 162، نكت الهميان ص 187، بغية الوعاة 2/ 81، البداية والنهاية 12/ 319، شذرات الذهب 4/ 271، شجرة النور الزكية ص 156".(2/153)
وَيَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْعَطْفُ1 لِمُخَالَفَةِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِلْمِ الرَّاسِخِينَ؛ لأَنَّ عِلْمَهُمْ ضَرُورِيٌّ وَنَظَرِيٌّ، بِخِلافِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ مُطْلَقًا، فَلا يُجْزَمُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ لِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ. قَالَهُ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ2. وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالأَوَّلِ بِسِيَاقِ الآيَةِ3 فِي ذَمِّ مُبْتَغِي التَّأْوِيلِ وقَوْله تَعَالَى: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} 4، وَلأَنَّ وَاوَ {وَالرَّاسِخُونَ} لِلابْتِدَاءِ، وَ يَقُولُونَ خَبَرُهُ5؛ لأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَاطِفَةً عَادَ ضَمِيرُ {يَقُولُونَ} إلَى
ـــــــ
1 في ب ع: الوقف. وهو تحريف.
2 هو محمد بن علي بن إسماعيل، أبو بكر القفال الشاشي، الفقيه الشافعي، إمام عصره، كان فقيهاً محدثاً أصوليًّا لغويًّا شاعراً. قال ابن السبكي: "كان إماماً في التفسير، إماماً في الحديث، إماماً في الكلام، إماماً في الأصول، إماماً في الفروع، إماماً في الزهد والورع، إماماً في اللغة والشعر، ذاكراً للعلوم، محققاً لما يورده، حسن التصرف فيما عنده". وهو أول من صنف في الجدل الحسن من الفقهاء. له كتاب في "أصول الفقه"، وله "شرح الرسالة"، و"التفسير"، و"أدب القضاء"، و"دلائل النبوة"، و"محاسن الشريعة". وهو والد القاسم صاحب التقريب. توفي سنة 336 هـ، وقيل 365، 366هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 200، طبقات الفقهاء ص 112، وفيات الأعيان 3/ 338، تهذيب الأسماء 2/ 282، طبقات المفسرين 2/ 196، تبيين كذب المفتري ص 182، شذرات الذهب 3/ 51، الفتح المبين 1/ 201".
3 في ب ض: الأول. وهو تحريف.
4 الآية 7 من آل عمران.
5 انظر: البيان في غريب إعراب القرآن 1/ 192، تفسير القاسمي 4/ 795.(2/154)
الْمَجْمُوعِ1، وَيَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ، وَكَانَ مَوْضِعُ "يَقُولُونَ" : نَصْبًا حَالاً، فَفِيهِ اخْتِصَاصُ الْمَعْطُوفِ بِالْحَالِ2.
3قَالُوا: خُصَّ ضَمِيرُ "يَقُولُونَ" بِالرَّاسِخِينَ لِلدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ، وَالْمَعْطُوفُ قَدْ يَخْتَصُّ بِالْحَالِ6 مَعَ عَدَمِ اللَّبْسِ، نَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى :{وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ} 4 فِيهَا قَوْلانِ وقَوْله تَعَالَى: {َيَعْقُوبَ نَافِلَةً} 5 قِيلَ: حَالاً مِنْ يَعْقُوبَ؛ لأَنَّهَا الزِّيَادَةُ. وَقِيلَ: مِنْهُمَا؛ لأَنَّهَا6 الْعَطِيَّةُ. وَقِيلَ: هِيَ مَصْدَرٌ كَالْعَاقِبَةِ مَعًا، وَعَامِلُهُ مَعْنًى "وَهَبْنَا7".
وَلَنَا: أَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، وَالأَشْهَرُ خِلافُهُ. وَلِهَذَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "إنْ تَأْوِيلُهُ إلاَّ عِنْدَ اللَّهِ" وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ: "وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آمَنَّا بِهِ" ، 8وَمِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: لأَنَّهُ9 كَانَ يَقْرَأُ: "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاَّ اللَّهُ"، وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آمَنَّا بِهِ11". فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلاسْتِئْنَافِ10؛ لأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ - وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ بِهَا11 الْقِرَاءَةُ - فَأَقَلُّ دَرَجَاتِهَا أَنْ تَكُونَ خَبَرًا
ـــــــ
1 في ش: المجمل. وهو تصحيف.
2 ساقطة من ب ز.
3 ساقطة من ب ض.
4 الآية 9 من الحشر.
5 الآية 72 من الأنبياء. وتتمة الآية: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوْبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِيْنَ}.
6 في ش: وهي.
7 في ش: وهبا.
8 ساقطة من ض. وانظر: تفسير القاسمي 4/ 796.
9 في ب: أنه.
10 انظر: البيان في غريب إعراب القرآن 1/ 192، تفسير القاسمي 4/ 796.
11 في ز: لها.(2/155)
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى تُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ، فَيُقَدَّمُ كَلامُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ دُونَهُ1.
قَالَ الأُسْيُوطِيُّ2: قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي الآيَةِ: "قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنْفَرِدٌ بِعِلْمِ تَأْوِيلِ الْمُتَشَابِهِ3". قَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدٍ: اللَّهُ هُوَ4 الْمُنْفَرِدُ.
قَالَ فِي "الرَّوْضَةِ"، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُخَاطِبُ اللَّهُ تَعَالَى الْخَلْقَ بِمَا لا يَعْقِلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يُنْزِلُ عَلَى رَسُولِهِ مَا لا يَطَّلِعُ عَلَى تَأْوِيلِهِ؟
قُلْنَا: يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَهُمْ الإِيمَانَ بِمَا لا يَطَّلِعُونَ عَلَى تَأْوِيلِهِ، لِيَخْتَبِرَ طَاعَتَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} 5. {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا إلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ
ـــــــ
1 انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 3، الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2/ 6، زاد المسير 1/ 354.
2 هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد، جلال الدين السيوطي، المجتهد، الإمام الكبير، صاحب التصانيف، الشافعي. قال الشوكاني: "حفظ القرآن، وبرز في جميع الفنون، وفاق الأقران، وشتهر ذكره، وبعد صيته، وصنف التصانيف المفيدة ... ولم يسلم من حسد الأقران ... فطعن به السخاوي". وقال السيوطي عن نفسه: "رزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع". وذكر العلماء أن مؤلفاته بلغت ستمائة مؤلف في العلوم السابقة. وذلك أنه ترك وظائفه من تدريس وإفتاء، واعتزل الناس، وانصرف للتأليف. ومن مصنفاته: "الدر المنثور" في التفسير، و"بغية الوعاة"، و"حسن المحاضرة، و"طبقات الحفاظ"، و"الإتقان في علوم القرآن"، و"المزهر" في اللغة، و"لباب النقول في أسباب النزول" وغيرها. توفي سنة 911هـ.
انظر ترجمته في "حسن المحاضرة 1/ 335، البدر الطالع 1/ 328، الضوء اللامع 4/ 65، درة الحجال 3/ 94، الكواكب السائرة 1/ 226، شذرات الذهب 8/ 51، الفتح المبين 3/ 65".
وفي ش: السيوطي
3 الروضة ص 36.
4 ساقطة من ش.
5 الآية 31 من محمد.(2/156)
الرَّسُولَ} – الآيَةَ1. {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ} 2. وَكَمَا اخْتَبَرَهُمْ3 بِالإِيمَانِ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ4، مَعَ أَنَّهُ لا يُعْلَمُ مَعْنَاهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ5. "وَيَحْرُمُ تَفْسِيرُهُ" أَيْ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ "بِرَأْيٍ وَاجْتِهَادٍ بِلا أَصْلٍ" لِلآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 6. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} 7. فَأَضَافَ التَّبْيِينَ إلَيْهِ8. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ و َ9 بِمَا لا يَعْلَمُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ10.
وَعَنْ جُنْدُبٍ11 عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ".
ـــــــ
1 الآية 143 من البقرة. وفي ب ض: لنعلم- الآية.
2 الآية 60 من الإسراء.
3 في ش ز ض: أخبرهم.
4 في ب ض: المتقطعة.
5 الروضة ص 36. وانظر: البرهان في علوم القرآن 2/ 75.
6 الآية 80 من البقرة.
7 الآية 44 من النحل. وأول الآية: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ ...}.
8 انظر: المسودة ص 174، البرهان في علوم القرآن 2/ 161، تفسير الطبري 1/ 34، فتاوى ابن تيمية 13/ 28، أصول مذهب أحمد ص 184.
9 في ب ض: أو.
10 انظر: تحفة الأحوذي 8/ 277، فيض القدير 6/ 190، تخريج أحاديث البزدوي ص 8.
11 هو جندب بن عبد الله بن سفيان، أبو عبد الله البَجَلي، سكن الكوفة، ثم البصرة. قدمهما مع مصعب بن الزبير. وروى عنه أهل المصرين، كما روى عنه بعض أهل الشام. ويقال له: جندب الخير، وليست صحبته قديمة، وله ثلاثة وأربعون حديثاً. ومات بعد الستين من الهجرة.
"انظر: الإصابة 1/ 248، الاستيعاب 1/ 217، مشاهير علماء الأمصار ص 47، الخلاصة ص 64".(2/157)
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ1.
"وَلا يَحْرُمُ" تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ "2بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ1" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ3.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الاحْتِجَاجُ فِي التَّفْسِيرِ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ كَثِيرٌ. وَلأَنَّ الْقُرْآنَ عَرَبِيٌّ. فَيَجُوزُ تَفْسِيرُهُ بِمُقْتَضَى لُغَةِ الْعَرَبِ. وَعَنْهُ لا يَجُوزُ تَفْسِيرُهُ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو4 الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى. وَحَمَلَهُ الْمَجْدُ عَلَى الْكَرَاهَةِ، أَوْ عَلَى صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِقَلِيلٍ مِنْ اللُّغَةِ5.
"فَائِدَةٌ":
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ثَلاثُ كُتُبٍ لَيْسَ فِيهَا أُصُولٌ: الْمَغَازِي، وَالْمَلاحِمُ وَالتَّفْسِيرُ. لَيْسَ غَالِبُهَا الصِّحَّةَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ6.
ـــــــ
1 انظر: سنن أبي داود 2/ 287، تحفة الأحوذي 8/ 279، تخريج أحاديث البزدوي ص 8، الفتح الكبير 3/ 219، فيض القدير 6/ 190.
2 في ش: باللغة.
3 انظر: المسودة ص 175، البرهان في علوم القرآن 2/ 160، أصول مذهب أحمد ص 185.
4 ساقطة من ش.
5 المسودة ص 176، وانظر البرهان في علوم القرآن 2/ 160.
6 انظر: المسودة ص 175، البرهان في علوم القرآن 2/ 156.(2/158)
"بَابٌ"
"السُّنَّةُ لُغَةً: الطَّرِيقَةُ" وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا- إلَى آخِرِهِ1". وَتُسَمَّى2 بِهَا أَيْضًا: الْعَادَةُ وَالسِّيرَةُ. قَالَ فِي الْبَدْرِ3 الْمُنِيرِ: السُّنَّةُ السِّيرَةُ. حَمِيدَةً كَانَتْ أَوْ ذَمِيمَةً4. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: السُّنَّةُ السِّيرَةُ. وَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى حُكْمُهُ وَأَمْرُهُ وَنَهْيُهُ5. اهـ. .
"وَ" السُّنَّةُ شَرْعًا: وَ"6اصْطِلاحًا": أَيْ فِي اصْطِلاحِ أَهْلِ الشَّرْعِ. تُطْلَقُ تَارَةً عَلَى مَا يُقَابِلُ الْقُرْآنَ. وَمِنْهُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ: "يَؤُمُّ الْقَوْمَ
ـــــــ
1 هذا الحديث رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن أبي جُحَيفة مرفوعاً. وتتمة الحديث: "من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينتقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينتقص من أوزارهم شيء".
"انظرصحيح مسلم 2/ 705، 4/ 2059، سنن النسائي 5/ 57، تحفة الأحوذي 7/ 438، مسند أحمد 4/ 362، 2/ 505، سنن الدارمي 1/ 130، سنن ابن: ماجه 1/ 74".
2 في ش ز: ويسمى.
3 كذا في جميع النسخ. والصواب: المصباح.
4 المصباح المنير 1/ 445.
5 القاموس المحيط 4/ 239.
6 ساقطة من ز ض ب ع.(2/159)
أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ" 1.
وَتُطْلَقُ تَارَةً عَلَى مَا يُقَابِلُ الْفَرْضَ وَغَيْرَهُ مِنْ الأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ2. وَرُبَّمَا لا يُرَادُ بِهَا إلاَّ مَا يُقَابِلُ الْفَرْضَ. كَفُرُوضِ الْوُضُوءِ وَالصَّلاةِ وَالصَّوْمِ وَسُنَنِهَا. فَإِنَّهُ لا يُقَابَلُ بِهَا الْحَرَامُ، وَلا الْمَكْرُوهُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْمُقَابَلَةُ لازِمَةً لِلإِطْلاقِ، لَكِنَّهَا لَمْ تُقْصَدْ3. وَتُطْلَقُ تَارَةً عَلَى مَا يُقَابِلُ الْبِدْعَةَ. فَيُقَالُ: أَهْلُ السُّنَّةِ وَأَهْلُ الْبِدْعَةِ4. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ5: "اصْطِلاحًا" مِنْ السُّنَّةِ فِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ الْعَامِّ. فَإِنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَنْقُولِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ6؛ لأَنَّهَا فِي اصْطِلاحِ عُلَمَاءِ الأُصُولِ.
"قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ الْوَحْيِ" أَيْ غَيْرُ الْقُرْآنِ "وَلَوْ" كَانَ أَمْرًا مِنْهُ "بِكِتَابَةٍ" كَأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْكِتَابَةِ يَوْمَ
ـــــــ
1 رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس وابن مسعود وأبي مسعود الأنصاري مرفوعاً.
"انظر: صحيح مسلم 1/ 465، مسند أحمد 4/ 121، سنن أبي داود 1/ 137، تحفة الأحوذي 2/ 32، سنن النسائي 2/ 59، سنن ابن ماجه 1/ 313، فيض القدير 6/ 456".
2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 169، نهاية السول 2/ 238.
3 انظر في إطلاقات السنة الحدود للباجي ص 56، الإحكام 1/ 169، أصول السرخسي 1/ 113، فواتح الرحموت 2/ 97، تيسير التحرير 3/ 20، حاشية التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، التلويح على التوضيح 2/ 2 ط الميمنية، أصول مذهب أحمد ص 199.
4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 169، الموافقات 4/ 4، إرشاد الفحول ص 33.
5 في ش ز ض ب ع: بقولهم.
6 انظر تعريف السنة في العرف الشرعي العام في "إرشاد الفحول ص 33، المدخل إلى مذهب أحمد ص 89".(2/160)
الْحُدَيْبِيَةِ1. وَقَوْلِهِ: "صلى الله عليه وسلم: "اُكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ" 2 يَعْنِي الْخُطْبَةَ الَّتِي خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم3، وَأَمْرِهِ بِالْكِتَابَةِ إلَى الْمُلُوكِ4 وَنَحْوِ ذَلِكَ5.
"وَفِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم".
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ وَإِنْ كَانَ فِعْلاً فَهُوَ عَمَلٌ بِجَارِحَةِ اللِّسَانِ. وَالْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يُقَابِلُ الْفِعْلَ6 كَمَا هُنَا7، حَتَّى "وَلَوْ" كَانَ الْفِعْلُ
ـــــــ
1 الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد عن أنس مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 2/ 112، صحيح مسلم 3/ 1411، سنن أبي داود 2/ 78، مسند أحمد 1/ 86، 342، 4/ 87، 325، تخريج أحاديث البزدوي ص 225، زاد المعاد 2/ 306، السيرة النبوية لابن هشام 3/ 366.
2 هو الصحابي أبو شاه اليماني. يقال: إنه كلبي، ويقال: إنه فارسي من الأبناء الذين قدموا اليمن في نصرة سيف بن ذي يزن كما قال السِّلَفي. وقد جاء ذكره في الصحيحين في حديث أبي هريرة في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فقال أبو شاه: اكتبها لي يا رسول الله، يعني الخطبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاه"َ.
"انظر: الإصابة 4/ 100، الاستيعاب 4/ 106".
3 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد عن أبي هريرة مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 4/ 188، صحيح مسلم 2/ 988، مختصر صحيح مسلم 1/ 201، تحفة الأحوذي 7/ 429، سنن أبي داود 2/ 287، 481، سنن النسائي 4/ 38، سنن ابن ماجه 2/ 876، مسند أحمد 2/ 238".
4 روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل، كما كتب إلى كسرى والنجاشي والمقوقس والمنذر بن ساوى وملك عُمان وصاحب اليمامة وملك غسان وغيرهم، يدعوهم إلى الإسلام.
"انظر: صحيح البخاري 3/ 90، صحيح مسلم 3/ 1393، سنن أبي داود 2/ 628، تحفة الأحوذي 7/ 499، تخريج أحاديث البزدوي ص 183، خلق أفعال العباد ص 63، 64، زاد المعاد 3/ 126 وما بعدها".
5 انظر: إرشاد الفحول ص 42.
6 في ض: العقل.
7 في ض: ههنا.(2/161)
"بِإِشَارَةٍ" عَلَى الصَّحِيحِ؛ لأَنَّهُ كَالأَمْرِ بِهِ1، كَمَا فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ2: لَمَّا تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ3 دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، حَتَّى سَمِعَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ. فَخَرَجَ إلَيْهِمَا، حَتَّى كَشَفَ حُجْرَتَهُ فَنَادَى فَقَالَ4: "يَا كَعْبُ". قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - فَأَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ - أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ. فَقَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قُمْ فَاقْضِهِ".
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ5.
ـــــــ
1 انظر: حاشية البناني على جمع الجوامع 2/ 95، إرشاد الفحول ص 42.
2 هو الصحابي كعب بن مالك بن عمرو الأنصاري الخَزْرجي السَّلَمي، أبو عبد الله. شهد العقبة وأحداًَ وسائر المشاهد إلا بدراً وتبوك. وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن تبوك وتاب الله عليهم، وأنزل الله تعالى فيهم: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ...}، ومعه مرارة بن ربيعة وهلال بن أمية. روى كعب ثمانين حديثاً، وجرح يوم أحد أحد عشر جرحاً، وهو أحد شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مطبوعاً على الشعر، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشعر فقال: "المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه". وقد عمي في آخر عمره، توفي بالمدينة سنة 53هـ، وقيل غير ذلك.
"انظر: الإصابة 3/ 302، الاستيعاب 3/ 286، تهذيب الأسماء 2/ 69، نكت الهميان ص 231، مسند أحمد 3/ 456، الخلاصة ص 321".
3 هو الصحابي عبد الله بن سلامة بن عمير الأسلمي، أبو محمد، أول مشاهده الحديبية ثم خيبر. وهو الذي تزوج امرأة على أربع أواق ذهباً، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لو كنتم تنحتون من الجبال ما زدتم". وكان ممن بايع تحت الشجرة، وله روايات في غير الكتب الستة، توفي سنة 71هـ.
"انظر: الإصابة 2/ 321، 295، الاستيعاب 2/ 288، شذرات الذهب 1/ 77".
4 ساقطة من ش ز.
5 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن كعب بن مالك مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 2/ 114، صحيح مسلم 3/ 1192، سنن أبي داود 2/ 273، سنن النسائي 8/ 210، مسند أحمد 6/ 386، سنن ابن ماجه 2/ 811".(2/162)
وَاسْمُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ: عَبْدُ اللَّهِ، وَاسْمُ أَبِيهِ سَلامَةُ بْنُ عُمَيْرٍ1.
وَمِنْهُ إشَارَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي الصَّلاةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2. وَطَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "بِالْبَيْتِ" 3 عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى رُكْنٍ أَشَارَ إلَيْهِ4.
وَمِنْ الْفِعْلِ أَيْضًا: عَمَلُ الْقَلْبِ وَالتَّرْكُ. فَإِنَّهُ كَفُّ النَّفْسِ. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لا تَكْلِيفَ إلاَّ بِفِعْلٍ5. فَإِذَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَرَادَ فِعْلَ شَيْءٍ كَانَ مِنْ السُّنَّةِ الْفِعْلِيَّةِ، كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يُنَحِّيَ مُخَاطَ أُسَامَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ
ـــــــ
1 هو أبو حدرد سلامة بن عمير بن أبي سلامة الأسلمي. قال أحمد: اسمه عبد الله، وقيل عبيد، وقيل عبيدة، له صحبة، ويعد في أهل الحجاز. روى عنه ابناه عبد الرحمن وحدرد ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي. وأبو يحيى الأسلمي، ولم تؤرخ وفاته.
"انظر: الإصابة 4/ 42، الاستيعاب 4/ 40، تهذيب الأسماء 2/ 212، الخلاصة ص 447".
2 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأحمد عن عائشة وأنس بروايات كثيرة مرفوعة.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 214، 125، 2/ 111، صحيح مسلم 1/ 312، 315 وما بعدها، سنن أبي داود 1/ 216، سنن النسائي 2/ 61، تخريج أحاديث البزدوي ص 245، مسند أحمد 5/ 332".
3 زيادة من البخاري. وساقطة من جميع النسخ.
4 رواه البخاري باللفظ السابق. ورواه الترمذي والنسائي وأحمد والدارمي قريبًا منه. ورواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وأحمد بلفظ: يستلم الركن بمحجن عن ابن عباس مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 280، 283، صحيح مسلم 2/ 926، سنن أبي داود 1/ 434، تحفة الأحوذي 3/ 602، سنن النسائي 5/ 186، سنن ابن ماجه 2/ 982، مسند أحمد 1/ 214، 264، سنن الدارمي 2/ 43".
5 المجلد الأول ص 490.(2/163)
اللَّهِ حَتَّى أَكُونَ1 أَنَا الَّذِي أَفْعَلُ. قَالَ: "يَا عَائِشَةُ، أَحِبِّيهِ فَإِنِّي أُحِبُّهُ"
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ2.
وَحَدِيثِ أَنَسٍ3: "أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكْتُبَ إلَى رَهْطٍ - أَوْ4 أُنَاسٍ - مِنْ الْعَجَمِ. فَقِيلَ: إنَّهُمْ لا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إلاَّ بِخَاتَمٍ. فَاِتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ".
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ5.
وَمِثْلُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ: "أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْهَى أَنْ يُسَمَّى بِيَعْلَى، أَوْ بِبَرَكَةَ، أَوْ أَفْلَحَ، أَوْ يَسَارٍ أَوْ6 نَافِعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ سَكَتَ بَعْدُ
ـــــــ
1 ساقطة من ز ض ب ع ومن الترمذي.
2 تحفة الأحوذي 10/ 323، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
3 هو الصحابي أنس بن مالك بن النضر، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد المكثرين من الرواية عنه. خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر وهو غلام يخدمه، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالمال والولد والجنة. وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ثم شهد الفتوح، وقطن البصرة، ومات بها. وهو آخر الصحابة موتاً بالبصرة. وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثماني غزوات، وبارك الله له في المال والولد والعمر. مات سنة 93هـ، وقيل غير ذلك.
"انظر: الإصابة 1/ 71، الاستيعاب 1/ 71، تهذيب الأسماء 1/ 127، الخلاصة ص 40، شذرات الذهب 1/ 100".
4 في ع: و.
5 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي عن أنس بن مالك مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 4/ 36، شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 69، سنن أبي داود 2/ 405، سنن الترمذي 7/ 503، سنن النسائي 8/ 151، سنن البيهقي 10/ 128، صحيح مسلم 3/ 1657، الموطأ 2/ 936".
6 في ش ز: و. وهي رواية ثانية في الحديث.(2/164)
عَنْهُ، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قُبِضَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ1.
وَإِذَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَرَكَ كَذَا. كَانَ أَيْضًا مِنْ السُّنَّةِ الْفِعْلِيَّةِ2. كَمَا وَرَدَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قُدِّمَ إلَيْهِ الضَّبُّ فَأَمْسَكَ عَنْهُ وَتَرَكَ أَكْلَهُ: أَمْسَكَ3 الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَتَرَكُوهُ، حَتَّى بَيَّنَ4 لَهُمْ أَنَّهُ حَلالٌ، وَلَكِنَّهُ يَعَافُهُ5. وَلَكِنَّ هَذَا النَّوْعَ مُقَيَّدٌ بِتَصْرِيحِ الرَّاوِي بِأَنَّهُ تَرَكَ، أَوْ قِيَامِ الْقَرَائِنِ عِنْدَ الرَّاوِي الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ أَنَّهُ تَرَكَ. وَالْمُرَادُ مِنْ أَقْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَفْعَالِهِ: مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الإِعْجَازِ.
ـــــــ
1 رواه مسلم عن جابر مرفوعاً. ورواه أبو داود عن سمرة بن جندب وجابر. ورواه الترمذي بألفاظ أخرى.
"انظر: صحيح مسلم 3/ 1686، سنن أبي داود 2/ 586، تحفة الأحوذي 8/ 124".
2 انظر: إرشاد الفحول ص 42.
3 في ض: وأمسك.
4 في ش: سن. وفي ز: يبين. وفي ض: تبين.
5 روى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس عن خالد بن الوليد أنه أخبره أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة، وهي خالته وخالة ابن عباس، فوجد عندها ضبًّا منبوذاً، فقدمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، فقال خالد بن الوليد: أحرام الضبّ يا رسول الله؟ قال: "لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه". قال خالد: فاجتررته فأكلته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر، فلم يَنْهَني. وهناك أحاديث أخرى بألفاظ كثيرة في ذلك.
"انظر: صحيح البخاري 3/ 293، 4/ 269، صحيح مسلم 3/ 1542 وما بعدها، سنن أبي داود 2/ 317، سنن الترمذي 5/ 492، سنن النسائي 7/ 174، سنن ابن ماجه 2/ 1080، مسند أحمد 4/ 88، نيل الأوطار 8/ 133".(2/165)
"وَإِقْرَارُهُ" يَعْنِي أَنَّ السُّنَّةَ شَرْعًا وَ1اصْطِلاحًا: قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلُهُ وَإِقْرَارُهُ عَلَى الشَّيْءِ 2يُقَالُ أَوْ7 يُفْعَلُ، فَإِذَا سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنْسَانًا يَقُولُ شَيْئًا، أَوْ رَآهُ يَفْعَلُ شَيْئًا. فَأَقَرَّهُ3 عَلَيْهِ، فَهُوَ مِنْ السُّنَّةِ قَطْعًا4. وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ5 ذَلِكَ6. "وَزِيدَ الْهَمُّ" أَيْ وَزَادَ7 الشَّافِعِيَّةُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَقْسَامِ السُّنَّةِ: مَا هَمَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِفِعْلِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ؛ لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لا يَهُمُّ إلاَّ بِحَقٍّ مَحْبُوبٍ مَطْلُوبٍ شَرْعًا؛ لأَنَّهُ مَبْعُوثٌ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ8. وَمِنْهُ: هَمُّهُ صلى الله عليه وسلم بِمُعَاقَبَةِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجَمَاعَةِ9.
ـــــــ
1 ساقطة من ز ض ب ع.
2 ساقطة من د.
3 في ب ع: وأقره.
4 انظر في تعريف السنة المحلي على جمع الجوامع 2/ 94، مناهج العقول 2/ 236، نهاية السول 2/ 238، الإحكام للآمدي 1/ 169، فواتح الرحموت 2/ 97، تيسير التحرير 3/ 19، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، التلويح على التوضيح 2/ 2 ط الميمنية، التعريفات للجرجاني ص 128 ط لبنان، أصول السرخسي 1/ 113، غاية الوصول ص 91، إرشاد الفحول ص 33، المدخل إلى مذهب أحمد ص 89، مختصر الطوفي ص 49، أصول مذهب أحمد ص 200.
5 في ض ب ع: تفاصيل.
6 صفحة 194 من هذا المجلد عند بحث السكوت.
7 في ع: وزادت.
8 انظر: البناني على جمع الجوامع 2/ 94، إرشاد الفحول ص 41، أصول مذهب أحمد ص 201.
9 روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيها لأتوها ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً، فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم جزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار". وفي رواية لمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أناساً في بعض الصلوات، فقال: "لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم، ولو علم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً لشهدها"، يعني صلاة العشاء.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 119، صحيح مسلم 1/ 451، سنن أبي داود 1/ 129، تحفة الأحوذي 1/ 631، سنن النسائي 2/ 83، سنن ابن ماجه 1/ 259، مسند أحمد 2/ 376، الترغيب والترهيب 1/ 153 وما بعدها".(2/166)
"وَهِيَ" أَيْ وَ1أَقْسَامُ السُّنَّةِ كُلُّهَا "حُجَّةٌ" أَيْ تَصْلُحُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهَا عَلَى ثُبُوتِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ2 "لِلْعِصْمَةِ" أَيْ لِثُبُوتِ الْعِصْمَةِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِسَائِرِ الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ الَّتِي هِيَ أَيْ الْعِصْمَةُ "سَلْبُ الْقُدْرَةِ" أَيْ سَلْبُ قُدْرَةِ الْمَعْصُومِ "عَلَى الْمَعْصِيَةِ" فَلا يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا؛ لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَلَبَ قُدْرَتَهُ عَلَيْهَا3. وَقِيلَ: إنَّ الْعِصْمَةَ4 صَرْفُ دَوَاعِي الْمَعْصِيَةِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ بِمَا يُلْهِمُ اللَّهُ الْمَعْصُومَ مِنْ تَرْغِيبٍ وَتَرْهِيبٍ5.
وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ عَنْ الأَشْعَرِيَّةِ: إنَّ الْعِصْمَةَ تَهَيُّؤُ الْعَبْدِ لِلْمُوَافَقَةِ مُطْلَقًا. وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى خَلْقِ الْقُدْرَةِ عَلَى كُلِّ طَاعَةٍ. فَإِذًا الْعِصْمَةُ تَوْفِيقٌ عَامٌّ6.
ـــــــ
1 ساقطة من ش.
2 انظر حجية السنة في "الرسالة للشافعي ص 73 وما بعدها، المستصفى 1/ 129، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، الإحكام لابن حزم 1/ 87، أصول السرخسي 2/ 90 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 22، إرشاد الفحول ص 33، مختصر الطوفي ص 49، الروضة ص 46، المدخل إلى مذهب أحمد ص 89، أصول مذهب أحمد ص 204".
3 بحث العصمة من بحوث علم الكلام أو العقيدة. وإنما يذكرها علماء الأصول في حجية السنة لتوقف الأدلة على عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسب شهادة: "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
"انظر فواتح الرحموت 2/ 97، تيسير التحرير 3/ 20، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، إرشاد الفحول ص 34، المنخول ص 223".
4 في ض : المعصية. وهو تحريف.
5 انظر: فواتح الرحموت 2/ 97، تيسير التحرير 3/ 20.
6 انظر: حاشية البناني على جمع الجوامع 2/ 95، التعريفات ص 156، إرشاد الفحول ص 34.(2/167)
وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: الْعِصْمَةُ خَلْقُ أَلْطَافٍ تُقَرِّبُ إلَى الطَّاعَةِ. وَلَمْ يَرُدُّوهَا إلَى الْقُدْرَةِ 1لأَنَّ الْقُدْرَةَ5 عِنْدَهُمْ عَلَى الشَّيْءِ صَالِحَةٌ لِضِدِّهِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيُّ: لا تُطْلَقُ الْعِصْمَةُ فِي غَيْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمَلائِكَةِ إلاَّ بِقَرِينَةِ إرَادَةِ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ السَّلامَةُ مِنْ الشَّيْءِ. وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي "الرِّسَالَةِ" "وَأَسْأَلُهُ الْعِصْمَةَ" 2 وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ3.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ السَّلامَةَ أَعَمُّ مِنْ وُجُوبِ السَّلامَةِ. فَقَدْ تُوجَدُ السَّلامَةُ فِي غَيْرِ النَّبِيِّ4 وَالْمَلَكِ اتِّفَاقًا لا وُجُوبًا. قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ5 فِي كِتَابِهِ "الإِيضَاحُ فِي الْجَدَلِ": الْعِصْمَةُ حِفْظُ الْمَحَلِّ بِالتَّأْثِيمِ وَالتَّضْمِينِ.
ـــــــ
1 ساقطة من ش ز.
2 الرسالة ص 102.
3 انظر: الأربعين في أصول الدين للرازي ص 329، 334.
4 في ض ب: النبي صلى الله عليه وسلم.
5 هو يوسف بن الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد التيمي البكري القرشي البغدادي، أبو محمد وأبو المحاسن ابن الجوزي، محيي الدين، العلامة الفاضل، الفقيه الأصولي، الواعظ الشهيد. كان كثير المحفوظ، قوي المشاركة في العلوم، وافر الحشمة. اشتغل بالفقه والخلاف والأصول، وبرع في ذلك، وكان أشهر فيها من والده. تولى الأعمال الجليلة، وأرسله الخليفة إلى ملوك الأطراف، وأنشأ مدرسة بدمشق، وهي المعروفة بالجوزية، ووقف عليها أوقافاً كثيرة، وكذلك فعل في بغداد، وله مصنفات كثيرة، منها: "معادن الإبريز في تفسير الكتاب العزيز"، و"المذهب الأحمد في مذهب أحمد"، و"الإيضاح في الجدل". قتل صبراً بسيف الكفار التتار شهيداً مع أبنائه الثلاثة سنة 656هـ.
انظر ترجمته في "ذيل طبقات الحنابلة 2/ 258، طبقات المفسرين للداودي 2/ 380، شذرات الذهب 5/ 286، هدية العارفين 6/ 555".(2/168)
"وَلا يَمْتَنِعُ1 عَقْلاً" أَيْ فِي تَصَوُّرِ الْعَقْلِ "مَعْصِيَةٌ" أَيْ صُدُورُ مَعْصِيَةٍ مِنْ النَّبِيِّينَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَامْتِنَاعُهَا عَقْلاً "قَبْلَ الْبَعْثَةِ" مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ. فَمَنْ أَثْبَتَهُ - كَالرَّوَافِضِ - مَنَعَهَا لِلتَّنْفِيرِ فَتُنَافِي2 الْحِكْمَةَ. وَقَالَتْهُ3 الْمُعْتَزِلَةُ: فِي الْكَبَائِرِ. وَمَنْ نَفَى التَّقْبِيحَ الْعَقْلِيَّ لَمْ يَمْنَعْهَا4.
"وَ" كُلُّ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ فَهُوَ "مَعْصُومٌ بَعْدَهَا" أَيْ بَعْدَ الْبَعْثَةِ "مِنْ تَعَمُّدِ مَا يُخِلُّ بِصِدْقِهِ فِيمَا دَلَّتْ الْمُعْجِزَةُ عَلَى صِدْقِهِ" فِيهِ "مِنْ رِسَالَةٍ5 وَتَبْلِيغٍ" إجْمَاعًا. حَكَاهُ الآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ6.
فَالإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى عِصْمَتِهِمْ مِنْ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ فِي الأَحْكَامِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا؛ لأَنَّ الْمُعْجِزَةَ قَدْ دَلَّتْ عَلَى صِدْقِهِمْ فِيهَا. فَلَوْ جَازَ كَذِبُهُمْ فِيهَا لَبَطَلَتْ دَلالَةُ7 الْمُعْجِزَةِ8.
ـــــــ
1 في ض: تمتنع.
2 في ز: فتتنافى.
3 في ش ب ز: وقالت.
4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 169، 170، نهاية السول 2/ 239، فواتح الرحموت 2/ 97، 98، 100، تيسير التحرير 3/ 20، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، المنخول ص 223 وما بعدها، الشفاء 2/ 157، إرشاد الفحول ص 35، شرح الأصول الخمسة ص 375.
5 في ض ع: رسالته.
6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 170، نهاية السول 2/ 239، فواتح الرحموت 2/ 98، تيسير التحرير 3/ 21، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، الشفاء 2/ 122، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 330، أصول الدين للبغدادي ص 168، الإرشاد للجويني ص 358.
7 في ع: دلالته.
8 انظر: الإحكام 1/ 170، تيسير التحرير 3/ 21، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 329، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، إرشاد الفحول ص 34، المنخول ص 223.(2/169)
"وَلا يَقَعُ" مَا يُخِلُّ بِصِدْقِهِ لا "غَلَطًا وَ" لا "سَهْوًا" عِنْدَ الأَكْثَرِ1.
قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: "وَأَمَّا الْكَذِبُ غَلَطًا. فَجَوَّزَهُ الْقَاضِي - يَعْنِي الْبَاقِلاَّنِيَّ - وَمَنَعَهُ الْبَاقُونَ، لِمَا مَرَّ مِنْ دَلالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى الصِّدْقِ2".
وَ3قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ": وَلِلْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِهِ غَلَطًا وَنِسْيَانًا قَوْلانِ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْجِزَةَ هَلْ دَلَّتْ عَلَى صِدْقِهِ فِيهَا؟ وَاخْتَلَفَ فِيهِ كَلامُ ابْنِ عَقِيلٍ اهـ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ دَلالَةَ الْمُعْجِزَةِ: هَلْ دَلَّتْ عَلَى صِدْقِهِمْ مُطْلَقًا فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ، أَوْ مَا دَلَّتْ إلاَّ عَلَى مَا صَدَرَ عَنْهُمْ عَمْدًا4؟
وَتَأَوَّلَ مَنْ مَنَعَ الْوُقُوعَ الأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي سَهْوِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّشْرِيعَ5. كَمَا فِي حَدِيثِ "وَلَكِنْ أُنَسَّى" 6 بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ.
ـــــــ
1 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 170، نهاية السول 2/ 239، تيسير التحرير 3/ 21، المستصفى 2/ 214، الشفاء 2/ 130، المنخول ص 225، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، غاية الوصول ص 91، إرشاد الفحول ص 34.
2 شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 22، وانظر: حاشية التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، تيسير التحرير 3/ 21.
3 ساقطة من ض ب ع.
4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 170، تيسير التحرير 3/ 21، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، الشفا 2/ 160، الإرشاد للجويني ص 356.
5 انظر أقوال العلماء في جواز السهو وعدمه من النبي صلى الله عليه وسلم والقصد منه أو تأوله في "نيل الأوطار 3/ 124-125، غاية الوصول ص 91، الشفاء 2/ 128، 158، المسودة ص 190".
6 رواه الإمام مالك بلفظ: "إني لأنسى أو أُنْسى لأَسُنَّ". قال الحافظ ابن حجر: "إن هذا الحديث لا أصل له، فإنه من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد".
"فتح الباري 3/ 65". وقال ابن عبد البر: "لا أعلم هذا الحديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسنداً ولا مقطوعاً من غير هذا الوجه، وهو أحد الأحاديث الأربعة التي في الموطأ التي لا توجد في غيره مسندة ولا مرسلة، ومعناه صحيح في الأصول". "انظر: الموطأ 1/ 100، نيل الأوطار 3/ 125".(2/170)
وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ1 هَذَا بِأَنَّهُ تَعَمَّدَ ذَلِكَ لِيَقَعَ النِّسْيَانُ فِيهِ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ خَطَأٌ، لِتَصْرِيحِهِ صلى الله عليه وسلم بِالنِّسْيَانِ فِي قَوْلِهِ: "إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ. فَإِذَا نَسِيت فَذَكِّرُونِي" 2. وَلأَنَّ الأَفْعَالَ الْعَمْدِيَّةَ تُبْطِلُ الصَّلاةَ. وَالْبَيَانُ كَافٍ بِالْقَوْلِ. فَلا ضَرُورَةَ إلَى الْفِعْلِ3. وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ4 وَغَيْرُهُ الْخِلافَ فِي الأَفْعَالِ، وَأَنَّهُ لا يَجُوزُ فِي الأَقْوَالِ الْبَلاغِيَّةِ إجْمَاعًا5. وَمَعْنَاهُ لابْنِ عَقِيلٍ، فِي الإِرْشَادِ. فَإِنَّهُ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ لَمْ يُعْصَمُوا مِنْ الأَفْعَالِ فِي نَفْسِ الأَدَاءِ. فَلا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الْكَذِبُ فِي
ـــــــ
1 في ز ض ب ع: يعبر في.
2 هذا جزء من حديث طويل رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن ابن مسعود مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 82، صحيح مسلم 1/ 400، سنن أبي داود 1/ 133، سنن النسائي 3/ 24، سنن ابن ماجه 1/ 380، 382، مسند أحمد 1/ 455، نيل الأوطار 3/ 133".
3 انظر: المسودة ص 190، إرشاد الفحول ص 35.
4 هو عياض بن موسى بن عياض بن عمرو، أبو الفضل اليحصبي السبتي، القاضي، عالم المغرب، الحافظ. وهو من أهل التفنن في العلم والذكاء والفطنة والفهم. تفقه وصنف التصانيف التي سارت بها الركبان، وبعُد صيته، وكان إمام أهل الحديث في وقته، وأعلم الناس بعلوم الحديث والنحو والأصول واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم. ولي قضاء سبتة ثم غرناطة. ومن مؤلفاته: "الشفاء"، "وطبقات المالكية"، "وشرح صحيح مسلم"، "والتاريخ"، و"المشارق"، و"الإعلام بحدود قواعد الإسلام", و"الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع". توفي سنة 544هـ بمراكش.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 46، طبقات المفسرين 2/ 18، إنباه الرواة 2/ 363، شجرة النور الزكية ص 140، تذكرة الحفاظ 4/ 1304، تهذيب الأسماء 2/ 43، وفيات الأعيان 3/ 152، طبقات الحفاظ ص 468، بغية الملتمس ص 425".
وفي ب: وعياض.
5 الشفاء للقاضي عياض 2/ 160. وانظر: الأربعين في أصول الدين للرازي ص 329، نهاية الإقدام ص 445، إرشاد الفحول ص 35، المسودة ص 190.(2/171)
الأَقْوَالِ فِيمَا يُؤَدُّونَهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلا فِيمَا شَرَعَهُ مِنْ الأَحْكَامِ عَمْدًا وَلا سَهْوًا وَلا نِسْيَانًا1.
وَمَنْ قَالَ بِالْوُقُوعِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لا يُقَرُّ عَلَيْهِ إجْمَاعًا2. "وَ" أَمَّا "مَا لا يُخِلُّ" بِصِدْقِهِ فِيمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْمُعْجِزَةُ "فَ" هُوَ مَعْصُومٌ فِيهِ "مِنْ" وُقُوعِ "كَبِيرَةٍ" إجْمَاعًا، وَلا عِبْرَةَ بِخِلافِ الْحَشْوِيَّةِ وَبَعْضِ الْخَوَارِجِ3.
"وَ" كَذَا هُوَ مَعْصُومٌ مِنْ فِعْلِ "مَا يُوجِبُ خِسَّةً أَوْ إسْقَاطَ مُرُوءَةٍ عَمْدًا 4".
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَقَدْ قَطَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ مَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ لا يَجُوزُ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ.
قُلْت: بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ. اهـ.
ـــــــ
1 انظر: الأربعين في أصول الدين للرازي ص 329، المستصفى 2/ 214.
2 انظر: المسودة ص 190، الفصل في الملل والنحل 3/ 3، التوضيح على التنقيح 2/ 14 طبع الميمنية، إرشاد الفحول ص 35.
3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 170، نهاية السول 2/ 239، كشف الأسرار 3/ 199، فواتح الرحموت 2/ 98، المستصفى 2/ 213، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، تيسير التحرير 3/ 21، المنخول ص 223، إرشاد الفحول ص 33، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 330، أصول الدين للبغدادي ص 168.
4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 170، نهاية السول 2/ 239، فواتح الرحموت 2/ 99، أصول السرخسي 2/ 86، تيسير التحرير 3/ 21، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، الشفاء 2/ 154، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 330، أصول الدين للبغدادي ص 168، الإرشاد للجويني ص 356، المستصفى 2/ 213، إرشاد الفحول ص 34، غاية الوصول ص 91.(2/172)
1وَأَمَّا جَوَازُ وُقُوعِ ذَلِكَ سَهْوًا فَفِيهِ قَوْلانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي مِنْ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ2. وَاخْتَلَفَ كَلامُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي ذَلِكَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَفِي وَجْهٍ سَهْوًا3" أَنَّهُ لا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِ سَهْوًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي مُوسَى3.
وَأَمَّا جَوَازُ وُقُوعِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لا تُوجِبُ خِسَّةً وَلا إسْقَاطَ مُرُوءَةٍ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا. فَفِيهِ قَوْلانِ:
أَحَدُهُمَا: جَوَازُ وُقُوعِ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَالأَشْعَرِيَّةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ4.
ـــــــ
1 ساقطة من ش ز. وفي ب زيادة من أصحابنا.
وابن أبي موسى هو محمد بن أحمد بن محمد بن عيسى بن أبي موسى الهاشمي، أبو علي الحنبلي البغدادي، صاحب التصانيف، انتهت إليه رئاسة المذهب، وكان رئيساً رفيع القدر، بعيد الصيت، له المكانة العليا عند الخليفتين القادر بالله والقائم بأمر الله. صنف "الإرشاد"، و"شرح كتاب الخرقي". توفي سنة 428 هـ، وله ابن أخ أبو جعفر عبد الخالق بن عيسى بن أحمد بن محمد بن عيسى بن أبي موسى، وكان علامة، وعند الإطلاق فالمراد الأول.
انظر ترجمته في "المدخل إلى مذهب أحمد ص 209، طبقات الحنابلة 2/ 182، المنهج الأحمد 2/ 126، شذرات الذهب 2/ 238".
2 وهو رأي الرازي وابن حزم والحنفية وأكثر العلماء.
"انظر: تيسير التحرير 3/ 21، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 330، الإحكام للآمدي 1/ 171، فواتح الرحموت 2/ 99، المسودة ص 188، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، الفصل في الملل والنحل 4/ 2-3، أصول الدين للبغدادي ص 168، المستصفى 2/ 214، إرشاد الفحول ص 34".
3 في ب ع: وسهواًَ.
4 انظر: نهاية السول 2/ 239، كشف الأسرار 3/ 199، فواتح الرحموت 2/ 99، تيسير التحرير 3/ 21، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، المستصفى 2/ 213، الإرشاد للجويني ص 356، المسودة ص 188، إرشاد الفحول ص 34، المنخول ص 223.(2/173)
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَمِنْ صَغِيرَةٍ مُطْلَقًا" عَدَمُ الْجَوَازِ1، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي مُوسَى مِنْ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ: يَجُوزُ الْهَمُّ لا الْفِعْلُ.
وَمَنَعَ الأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ وَجَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الذَّنْبِ2 مُطْلَقًا، كَبِيرًا أَوْ3 صَغِيرًا، عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، أَخَلَّ بِصِدْقِهِ أَوْ لا4، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْمَعَالِي فِي "الإِرْشَادِ5" وَالْقَاضِي عِيَاضٍ وَأَبِي بَكْرٍ "وَ" 6
ـــــــ
1 وهو قول الحنفية. قال ابن عبد الشكور: "وهو الحق، فإن صغيرتهم كبيرة".
"انظر: فواتح الرحموت 2/ 99، كشف الأسرار 1/ 199، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، البناني على جمع الجوامع 2/ 95، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 330، نهاية الإقدام ص 445، تيسير التحرير 3/ 21، إرشاد الفحول ص 34".
2 في ز: الكذب.
3 في ض ب: و.
4 انظر: نهاية السول 2/ 239، كشف الأسرار 1/ 199، 200، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، إرشاد الفحول ص 34.
5 يظهر أن رأي الإمام الجويني يخالف المنقول عنه هنا، لأنه قال في "الإرشاد ص 356": "وأما الذنوب المعدودة من الصغائر، على تفصيل سيأتي الشرح عليه، فلا تنفيها العقول، ولم يقم عندي دليل قاطع سمعي على نفيها، ولا على إثباتها ... قلنا: الأغلب على الظن عندنا جوازها، وقد شهدت أقاصيص الأنبياء في آي من كتاب الله تعالى على ذلك". وهذا يبين أن الإمام أبا المعالي الجويني يرى أن العقل لا ينفيها، وأن غلبة الظن في السمع بالجواز، والله أعلم.
"انظر: الإرشاد ص 356 وما بعدها".
6 الواو إضافة ضرورية، لأن أبا بكر بن مجاهد أحمد بن موسى بن العباس، المتوفى سنة 324هـ من القراء، ولأن المصنف نقل ذلك عن ابن حزم، وابن حزم يصرح بأن القول "لابن مجاهد شيخ ابن فُوْرك". وهو أبو عبد الله الطائي، المتكلم الأصولي، ولم يذكر في ترجمة أبي بكر بن مجاهد أقوال في الكلام والأصول. "انظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 57، طبقات القراء 1/ 139، شذرات الذهب 2/ 302، معرفة القراء الكبار 1/ 216".(2/174)
ابْنِ مُجَاهِدٍ1 وَابْنِ فُورَكٍ. نَقَلَهُ عَنْهُ2 ابْنُ حَزْمٍ فِي "الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ3"، وَابْنِ حَزْمٍ4 وَابْنِ بُرْهَانٍ فِي "الأَوْسَطِ". وَنَقَلَهُ فِي "الْوَجِيزِ" عَنْ اتِّفَاقِ الْمُحَقِّقِينَ. وَحَكَاهُ فِي "زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ" عَنْ الْمُحَقِّقِينَ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ5: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْفَتْحِ
ـــــــ
1 هو محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي المالكي، أبو عبد الله. وهو بصري الأصل، وسكن بغداد ودرس فيها وأخذ عن القاضي التستري، وصحب أبا الحسن الأشعري. وكان فقيهاً حافظاً متكلماً أصوليًّا، زاهداً وورعاً. وعنه أخذ القاضي أبو بكر الباقلاني علم الكلام والحديث. له مؤلفات في "الأصول" على مذهب مالك، "ورسالة" في العقائد، و"هداية المستبصر ومعونة المستنصر". توفي سنة 370 هـ. وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 210، شجرة النور الزكية ص 92، تاريخ بغداد 1/ 343، تبيين كذب المفتري ص 177، الفتح المبين 1/ 213".
2 في ش: عن.
3 النقل عن ابن حزم غير دقيق، لأنه نقل قول ابن فورك بجواز الصغائر حالة العمد فقط، فقال: "لا يجوز عليهم كبيرة من الكبائر أصلاً، وجوزوا الصغائر بالعمد، وهو قول ابن فُورَك الأشعري". ثم قال ابن حزم: "لا يجوز أن يقع من نبي أصلاً معصية بعمد لا صغيرة ولا كبيرة، وهو قول ابن مجاهد الأشعري شيخ ابن فُورَك". ثم قال ابن حزم: "وهذا القول الذي ندين الله تعالى به". "الفصل في الملل والنحل 4/ 2".
4 يرى ابن حزم رحمه الله أنه لا يجوز أن يقع من نبي أصلاً معصية بعمد، لا صغيرة ولا كبيرة، ويقول: "إنه يقع من الأنبياء السَّهْو من غير قصد". "الفصل في الملل والنحل 4/ 2-3".
5 هو الحسين بن محمد بن أحمد المروذي، أبو علي الفقيه الشافعي، المعروف بالقاضي، كان إماماً كبيراً وصاحب وجه في مذهب الشافعي، وإذا أطلق القاضي في الفقه الشافعي فهو المقصود. صنف في الأصول والفروع والخلاف. ويقال له: حبر الأمة وحبر المذهب. له "التعليق الكبير". وهو كثير الفروع والفوائد. توفي سنة 462 هـ بمروروذ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 356، تهذيب الأسماء 1/ 164، وفيات الأعيان 1/ 400، شذرات الذهب 3/ 310، طبقات العبادي ص 112".(2/175)
الشِّهْرِسْتَانِيّ1، وَابْنِ عَطِيَّةَ الْمُفَسِّرِ2، وَشَيْخِ الإِسْلامِ الْبُلْقِينِيِّ3، وَالسُّبْكِيِّ وَوَلَدِهِ التَّاجِ4.
ـــــــ
1 هو محمد بن عبد الكريم بن أحمد، أبو الفتح الشهرستاني. كان إماماً مبرزاً فقيهاً متكلماً أصوليًّا، برع في الفقه، وتفرد في علم الكلام، وكان كثير المحفوظ، حسن المحاورة، يعظ الناس، شافعي المذهب. ومن مصنفاته: "نهاية الإقدام في علم الكلام"، والملل والنحل"، و"المناهج والبيان"، و"المضارعة"، و"تلخيص الأقسام لمذاهب الأعلام". توفي سنة 548هـ، وقيل 549هـ.
انظر في ترجمته "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 128، وفيات الأعيان 3/ 403، شذرات الذهب 4/ 149".
2 هو عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عطية، أبو محمد الغرناطي القاضي، الإمام الكبير. كان فقيهاً عالماً بالتفسير والأحكام والحديث والفقه والنحو واللغة والأدب. وكان غاية في الدهاء والذكاء وطلب العلم. ألف كتابه "الوجيز في التفسير"، وهو أصدق شاهد على إمامته في العربية وغيرها. وألف "البرنامج" الذي ضمنه مروياته وأسماء شيوخه. تولى القضاء وعدل فيه. توفي سنة 540هـ بمدينة لورقة.
انظر ترجمته في "طبقات المفسرين 1/ 260، الديباج المذهب 2/ 57، شجرة النور الزكية ص 129، بغية الملتمس ص 376، بغية الوعاة 2/ 73".
3 هو عمر بن رسلان بن نصير البلقيني الكناني العسقلاني الشافعي، سراج الدين، الحافظ المحدث الفقيه الأصولي. كان أعجوبة زمانه حفظاً واستذكاراً، وفاق الأقران، واجتمعت فيه شروط الاجتهاد. وقيل: إنه مجدد القرن التاسع، وانفرد برئاسة العلماء، ولقب بشيخ الإسلام. تولى الإفتاء والقضاء بدمشق. وله مؤلفات كثيرة، منها: "التدريب" في الفقه، وتصحيح المنهاج في الفقه ستة مجلدات، و"الملمات برد المهمات" في الفقه، و"محاسن الإصلاح" في الحديث، و"شرح البخاري"، و"شرح الترمذي"، ومنهج الأصلين في مسائل أصول الدين وأصول الفقه. توفي سنة 805 هـ بالقاهرة.
انظر ترجمته في "الضوء اللامع 6/ 85، طبقات المفسرين 2/ 3، طبقات الحفاظ ص 538، الفتح المبين 3/ 10، حسن المحاضرة 1/ 329، البدر الطالع 1/ 506، ذيل تذكرة الحفاظ 206، 369، شذرات الذهب 7/ 51".
4 انظر: جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 95، الملل والنحل للشهرستاني 1/ 134، الشفاء للقاضي عياض 2/ 160.(2/176)
فَالْعِصْمَةُ ثَابِتَةٌ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَلِسَائِرِ1 الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ كَبِيرٍ أَوْ2 صَغِيرٍ. عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا فِي الأَحْكَامِ وَغَيْرِهَا لأَنَّا أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ وَآثَارِهِمْ وَسِيَرِهِمْ عَلَى الإِطْلاقِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ قَرِينَةٍ. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا، تَعَاضَدَتْ الأَخْبَارُ بِتَنْزِيهِهِمْ عَنْ النَّقَائِصِ مُنْذُ وُلِدُوا، وَنَشْأَتُهُمْ عَلَى كَمَالِ أَوْصَافِهِمْ فِي تَوْحِيدِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ عَقْلاً أَوْ شَرْعًا، عَلَى الْخِلافِ فِي ذَلِكَ، وَلا سِيَّمَا فِيمَا بَعْدَ الْبَعْثَةِ فِيمَا يُنَافِي الْمُعْجِزَةَ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "إنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً" 3، إنَّمَا هُوَ رُجُوعُهُ مِنْ حَالَةٍ4 إلَى أَرْفَعَ مِنْهَا، لِتَزَايُدِ عُلُومِهِ وَاطِّلاعِهِ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. فَهُوَ يَتُوبُ مِنْ الْمَنْزِلَةِ الأُولَى إلَى الأُخْرَى. وَالتَّوْبَةُ هُنَا ُغَوِيَّةٌ5. اهـ.
ـــــــ
1 في ض: وسائر.
2 في ز: و. وفي ض: صغير أو كبير.
3 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن أبي هريرة والأغر المزني وأنس. والمراد بالسبعين التكثير لا التحديد. وفي رواية: "مائة مرة". والقصد أن يكون دائم الحضور.
"انظر: صحيح البخاري 4/ 99، صحيح مسلم 4/ 2075، سنن أبي داود 1/ 348، تحفة الأحوذي 9/ 143، سنن ابن ماجه 2/ 1254، مسند أحمد 4/ 211، سنن الدارمي 2/ 302، فيض القدير 6/ 359".
4 في ع: حالته.
5 وهو رأي الشوكاني. انظر: "إرشاد الفحول ص 35".(2/177)
فصل: أفعال النبي صلى الله عليه و سلم
...
فَصْلٌ: "مَا اخْتَصَّ مِنْ أَفْعَالِهِ"
أَيْ مِنْ أَفْعَالِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ "صلى الله عليه وسلم بِهِ1 فَـ" كَوْنُهُ 2مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم2 "وَاضِحٌ" لأَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَصَائِصَ كَثِيرَةً أُفْرِدَتْ بِالتَّصَانِيفِ3.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خُصَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِوَاجِبَاتٍ وَمَحْظُورَاتٍ وَمُبَاحَاتٍ وَكَرَامَاتٍ4.
"وَمَا كَانَ" مِنْ أَفْعَالِهِ صلى الله عليه وسلم "جِبِلِّيًّا. كَنَوْمٍ" وَاسْتِيقَاظٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ وَذَهَابٍ وَرُجُوعٍ وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمُبَاحٌ. قَطَعَ بِهِ الأَكْثَرُ5، وَلَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلافًا6؛ لأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُقْصَدْ7 بِهِ التَّشْرِيعُ. وَلَمْ نُتَعَبَّدْ بِهِ،
ـــــــ
1 ذكر الشوكاني أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى سبعة أقسام، ثم ذكر هذه الأقسام وبين حكم كل قسم. "انظر: إرشاد الفحول ص 35".
2 في ز: صلى الله عليه وسلم من خصائصه.
3 من هذه الكتب "الشمائل" للترمذي وغيره، و"الخصائص الكبرى" للسيوطي، مطبوع في ثلاثة مجلدات، و"الشفا" للقاضي عياض، وشروح الشفا.
4 في ش: وكراهات. وفي ض: وإكرامات.
5 انظر: نهاية السول 2/ 240، الإحكام للآمدي 1/ 173، كشف الأسرار 3/ 200، فواتح الرحموت 2/ 180، تيسير التحرير 3/ 120، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، المحلي على جمع الجوامع 2/ 97، التلويح على التوضيح 2/ 14 طبع الميمنية، غاية الوصول ص 92، إرشاد الفحول ص 35، أصول السرخسي 2/ 86 وما بعدها.
6 نقل الشيخ زكريا الأنصاري خلافاً فيه، فقال: "وقيل يندب". "غاية الوصول ص 92 كما ذكر المؤلف في الصفة التالية "179" أن الباقلاني والغزالي نقلا قولاً بالندب، وأن أبا إسحاق الإسفراييني نقل قولاً بالامتناع.
7 في ض: تقصد.(2/178)
وَلِذَلِكَ نُسِبَ إلَى الْجِبِلَّةِ1. وَهِيَ الْخِلْقَةِ، لَكِنْ لَوْ تَأَسَّى بِهِ مُتَأَسٍّ 2فَلا بَأْسَ9، كَمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ3 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. فَإِنَّهُ كَانَ إذَا حَجَّ يَجُرُّ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ حَتَّى يُبْرِكَهَا4 حَيْثُ بَرَكَتْ نَاقَتُهُ صلى الله عليه وسلم تَبَرُّكًا بِآثَارِهِ5، وَإِنْ تَرَكَهُ لا رَغْبَةً عَنْهُ، وَلا اسْتِكْبَارًا فَلا بَأْسَ.
وَنَقَلَ ابْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ وَالْغَزَالِيُّ قَوْلاً: أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّأَسِّي بِهِ6. وَنَقَلَ أَبُو إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: هَذَا وَعَزَاهُ لأَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ.
وَالثَّانِي: لا يُتَّبَعُ فِيهِ أَصْلاً. فَتَصِيرُ الأَقْوَالُ ثَلاثَةً: مَنْدُوبٌ وَمُبَاحٌ وَمُمْتَنِعٌ.
ـــــــ
1 في ز: الجبلية.
2 ساقطة من ش.
3 هو الصحابي عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، القرشي العدوي المدني الزاهد، أبو عبد الرحمن. أسلم مع أبيه قبل بلوغه، وهاجر قبل أبيه، ولم يشهد بدراً لصغره. وقيل شهد أحداً، وقيل لم يشهدها، وشهد الخندق وما بعدها من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وشهد غزوة مؤتة واليرموك وفتح مصر وأفريقيا. وكان شديد الاتباع لآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع الزهد. وهو أحد الستة المكثرين من الرواية. ومناقبه كثيرة. توفي بمكة سنة 73 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 347، الاستيعاب 2/ 341، تهذيب الأسماء 1/ 278، حلية الأولياء 1/ 292، 2/ 7، طبقات الفقهاء ص 49، تذكرة الحفاظ 1/ 37، طبقات القراء 1/ 437، نكت الهميان ص 183، طبقات الحفاظ ص 9".
4 في ز ض ب: يركبها. وكذا في ع. لكنها صححت في الهامش.
5 انظر: الموطأ 1/ 333.
6 أيد هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: دلالة أفعاله العادية على الاستحباب أصلاً وصفة. "المسودة ص 191". وجزم الزركشي الشافعي أيضاً بالقول بالندب لاستحباب التأسي به. "انظر: البناني على جمع الجوامع 2/ 97، نهاية السول 2/ 240، الإحكام للآمدي 1/ 173، المنخول ص 226، غاية الوصول ص 92، إرشاد الفحول ص 35".(2/179)
وَمَا كَانَ مِنْ أَفْعَالِهِ صلى الله عليه وسلم يَحْتَمِلُ الْجِبِلِّيَّ وَغَيْرَهُ، وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: "أَوْ يَحْتَمِلُهُ كَجِلْسَةِ الاسْتِرَاحَةِ1" وَرُكُوبِهِ فِي الْحَجِّ2 وَدُخُولِهِ مَكَّةَ مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ، وَخُرُوجِهِ مِنْ ثَنِيَّةِ كُدَي3، وَذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ فِي الْعِيدِ4 وَنَحْوِهِ
ـــــــ
1 وهي الجلسة بين الخطبتين في صلاة الجمعة، لما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين، يقعد بينهما. وروى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما، يقرأ القرآن ويذكر الناس".
"انظر: صحيح البخاري 1/ 165، صحيح مسلم 2/ 589، سنن أبي داود 1/ 251، تحفة الأحوذي 3/ 24، سنن النسائي 3/ 90، سنن ابن ماجه 1/ 351، شرح السنة 4/ 246، سنن الدارمي 1/ 366".
2 روى مسلم في حديث جابر رضي الله عنه في حجة النبي صلى الله عليه وسلم: "فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت ناقته على البيداء ...." وقال البخاري في صحيحه في كتاب الحج: "باب الركوب والارتداف في الحج. ورواه النسائي عن ابن عباس.
"انظر: صحيح مسلم 2/ 887، صحيح البخاري 1/ 268، سنن النسائي 5/ 136".
وقد سبق "ص 163" "أنه صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت على بعير، وكلما أتى الركن أشار إليه أو استلمه بمحجنه".
3 روى مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة دخل من الثنية العليا، ويخرج من الثنية السفلى". وروى البخاري قريباً منه.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 266، صحيح مسلم 2/ 918، سنن أبي داود 1/ 432، سنن النسائي 5/ 158، سنن ابن ماجه 2/ 981".
وروى مسلم وأبو داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها وخرج من أسفلها".
"انظر: صحيح مسلم 2/ 918، سنن أبي داود 1/ 432، تحفة الأحوذي 3/ 589.
وروى مسلم وأبو داود عن عائشة أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح من كداء من أعلى مكة. انظر صحيح مسلم 2/ 919، سنن أبي داود 1/ 432".
4 وهو الذهاب إلى العيد من طريق والرجوع منه في أخرى. قال الفقهاء: إنه مستحب، لما روى البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق". وروى أبو داود وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم العيد في طريق ثم رجع في طريق آخر". ورواه الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة أيضاً.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 175، سنن أبي داود 1/ 263، تحفة الأحوذي 3/ 95، سنن ابن ماجه 1/ 412، التمهيد للأسنوي ص 134".(2/180)
"وَلُبْسِهِ" النَّعْلَ "السِّبْتِيَّ1" وَالْخَاتَمَ2 "فَمُبَاحٌ" عِنْدَ الأَكْثَرِ. وَقِيلَ: مَنْدُوبٌ3.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهُوَ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ فِعْلِ الإِمَامِ أَحْمَدَ4 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ تَسَرَّى، وَاخْتَفَى ثَلاثَةَ أَيَّامٍ5، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى مَوْضِعٍ
ـــــــ
1 النعل السِّبْتيّة -بكسر السين- التي لا شعر عليها. "المصباح المنير 1/ 401".
وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه أنه أخرج نعلين جَرْداوين "أي خَلقين لم يبق عليهما شعر"، وقال: إنهما نعلا النبي صلى الله عليه وسلم. "صحيح البخاري 2/ 189".
وروى البخاري وأبو داود والنسائي وأحمد ومالك عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعل التي ليس لها شعر، ويتوضأ فيها، فأحب أن ألبسها".
"انظر: صحيح البخاري 1/ 43، سنن أبي داود 1/ 411، سنن النسائي 1/ 68، مسند أحمد 2/ 60، الموطأ 1/ 333".
2 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من فضة، وكتب عليه "محمد رسول الله"، وكان يلبسه. وسبق تخريج هذا الحديث كاملاً ص 164.
3 وهو ما رجحه الشوكاني، وقال: "وقد حكاه الأستاذ أبو إسحاق عن أكثر المحدثين، فيكون مندوباً". وذكره الشيخ زكريا الأنصاري واقتصر عليه.
"انظر: إرشاد الفحول ص 35، غاية الوصول ص 92، التمهيد ص 134، المحلي على جمع الجوامع 2/ 97".
4 ساقطة من ش.
5 انظر: مناقب الإمام أحمد ص 177، 179.(2/181)
آخَرَ اقْتِدَاءً بِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّسَرِّي، وَاخْتِفَائِهِ فِي الْغَارِ ثَلاثًا1. وَقَالَ: مَا بَلَغَنِي حَدِيثٌ إلاَّ عَمِلْت بِهِ2، حَتَّى أُعْطِي الْحَجَّامَ دِينَارًا3.
وَوَرَدَ أَيْضًا4 عَنْ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ5 جَاءَ عَنْهُ6 أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: اسْقِنِي. فَشَرِبَ7 قَائِمًا. فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ قَائِمًا8.
ـــــــ
1 وذلك ثابت في حديث الهجرة الطويل الذي رواه البخاري وأحمد وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها، وفيه قالت: "ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وهو غلام شاب ثقف لقن".
"انظر: صحيح البخاري 2/ 333، مسند أحمد 2/ 198".
2 ساقطة من ض ب.
3 روى البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وأحمد "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجرته". وفي رواية "وأعطاه صاعين" وفي رواية "صاعاً".
"انظر: صحيح البخاري 4/ 10، صحيح مسلم 3/ 1204، سنن أبي داود 2/ 239، سنن ابن ماجه 2/ 731، مسند أحمد 1/ 135، زاد المعاد 4/ 493 وما بعدها".
4 ساقطة من ض.
5 ساقطة من ش.
6 ساقطة من ض.
7 ساقطة من ز ض ب ع.
8 لما روى البخاري ومسلم وابن ماجه والترمذي والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنه، وما رواه البخاري وأبو داود وأحمد عن علي رضي الله عنه، وما رواه الترمذي وأحمد عن عمرو بن شعيب، وما رواه الدارمي عن ابن عمر وأم سليم رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب قائماً".
"انظر: صحيح البخاري 1/ 283، 3/ 325، صحيح مسلم 3/ 1601، سنن أبي داود 2/ 302، تحفة الأحوذي 6/ 4، سنن النسائي 5/ 189، سنن ابن ماجه 2/ 1132، مسند أحمد 1/ 101، 134، 2/ 174، سنن الدارمي 2/ 120".
وروى الإمام مالك أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم كانوا يشربون قياماً. "انظر: الموطأ 2/ 925-926".(2/182)
وَمَنْشَأُ الْخِلافِ فِي ذَلِكَ تَعَارُضُ الأَصْلِ وَالظَّاهِرِ. فَإِنَّ الأَصْلَ عَدَمُ التَّشْرِيعِ، وَالظَّاهِرُ فِي أَفْعَالِهِ التَّشْرِيعُ؛ لأَنَّهُ مَبْعُوثٌ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ1.
ثُمَّ قَالَ: وَحَاصِلُ ذَلِكَ: أَنَّ مَنْ رَجَّحَ فِعْلَ ذَلِكَ وَالاقْتِدَاءَ بِهِ وَالتَّأَسِّي قَالَ: لَيْسَ مِنْ الْجِبِلِّيِّ، بَلْ مِنْ الشَّرْعِ الَّذِي يُتَأَسَّى2 بِهِ فِيهِ. وَمَنْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْجِبِلِّيَّ وَغَيْرَهُ: فَيَحْمِلُهُ عَلَى الْجِبِلِّيِّ.
"وَبَيَانُهُ" أَيْ وَمَا بَيَّنَهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُكْمٍ "بِقَوْلٍ كَ" قَوْلِهِ: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي 3، أَوْ" بَيَّنَهُ بِ "فِعْلٍ عِنْدَ حَاجَةٍ" إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ "كَقَطْعِ" يَدِ السَّارِقِ4 "مِنْ كُوعٍ5 وَ" إدْخَالِ "غَسْلِ مِرْفَقٍ" وَكَعْبَيْنِ فِي وُضُوءٍ6.
ـــــــ
1 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 97، التمهيد ص 134، غاية الوصول ص 92، إرشاد الفحول ص 35، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 64.
2 في ش ز: نتأسى.
3 أخرجه البخاري في حديث طويل عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث. ورواه الإمام أحمد والدارمي.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 117، تخريج أحاديث البزدوي ص 19، مسند أحمد 5/ 53، سنن الدارمي 1/ 286".
4 في ب ز ع: لسارق. وفي ض: السارق.
5 أخرج الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بسارق فقطع يده من مفصل الكوع. وفي إسناده مجهول. وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل رجاء بن حيوة أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع من المفصل. وقال المحلي: قال المصنف أي "السبكي": روي بإسناد حسن أنه صلى الله عليه وسلم قطع سارقاً من المفصل.
"انظر: سبل السلام 4/ 37-38، المحلي على جمع الججوامع 2/ 97".
6 أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والدارقطني عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلها، ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثاً ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال: "من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيها نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه". ورواه أحمد وأبو داود عن ابن عباس عن علي رضي الله عنهما.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 42، صحيح مسلم 1/ 204، سنن أبي داود 1/ 24، سنن النسائي 1/ 61، 68، تحفة الأحوذي 1/ 164، مسند أحمد 1/ 58، نيل الأوطار 1/ 165، 179 وما بعدها".(2/183)
"فَ" ذَلِكَ الْبَيَانُ "وَاجِبٌ عَلَيْهِ" صلى الله عليه وسلم لِوُجُوبِ التَّبْلِيغِ عَلَيْهِ1.
"وَ" أَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مَا لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ، وَلا جِبِلِّيًّا، وَلا مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْجِبِلِّيِّ وَغَيْرِهِ، وَلا بَيَانًا. فَقِسْمَانِ.
أَحَدُهُمَا: مَا عُلِمَ حُكْمُهُ، وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "إنْ عُلِمَتْ صِفَتُهُ" أَيْ صِفَةَ حُكْمِهِ2 "مِنْ3 وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ إبَاحَةٍ". وَعِلْمُ صِفَةِ حُكْمِ ذَلِكَ الْفِعْلِ:
"إمَّا بِنَصِّهِ" صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ، بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا الْفِعْلُ وَاجِبٌ عَلَيَّ أَوْ مُسْتَحَبٌّ أَوْ مُبَاحٌ4، أَوْ يَذْكُرُ خَاصَّةً مِنْ خَوَاصِّ أَحَدِ هَذِهِ5 الأَحْكَامِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
"أَوْ تَسْوِيَتِهِ" صلى الله عليه وسلم الْفِعْلَ الَّذِي مَا عَلِمْنَا صِفَةَ حُكْمِهِ
ـــــــ
1 انظر: المستصفى 2/ 214، الرسالة للإمام الشافعي ص 29، المنخول ص 225، فواتح الرحموت 2/ 180، المحلي على جمع الجوامع 2/ 97، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23، الإحكام لابن حزم 1/ 431، غاية الوصول ص 92، إرشاد الفحول ص 36.
2 في ض: حكم.
3 ساقطة من ض.
4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 173، نهاية السول 2/ 247، المسودة ص 190، المحلي على جمع الجوامع 2/ 98، غاية الوصول ص 92.
5 ساقطة من ض.(2/184)
"بِمَعْلُومِهَا" أَيْ بِفِعْلٍ مَعْلُومٍ صِفَةُ حُكْمِهِ، بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا مِثْلُ كَذَا، أَوْ هَذَا مُسَاوٍ لِفِعْلِ كَذَا وَنَحْوِ ذَلِكَ1.
"أَوْ" تُعْلَمَ صِفَةُ حُكْمِ الْفِعْلِ "بِقَرِينَةٍ تُبَيِّنُ" صِفَةَ "أَحَدِهَا2" أَيْ أَحَدِ الأَحْكَامِ الثَّلاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ3.
فَمِنْ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ: فِعْلُ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ لِلصَّلاةِ، فَإِنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الأَذَانَ وَالإِقَامَةَ مِنْ أَمَارَاتِ الْوُجُوبِ، وَلِهَذَا لا يُطْلَبَانِ فِي صَلاةِ عِيدٍ وَلا كُسُوفٍ، وَلا اسْتِسْقَاءٍ. فَيَدُلاَّنِ عَلَى وُجُوبِ الصَّلاةِ الَّتِي يُؤَذَّنُ لَهَا وَيُقَامُ4.وَمِنْهَا: قَطْعُ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ، وَالْخِتَانُ5 فَإِنَّ الْجَرْحَ وَالإِبَانَةَ مَمْنُوعٌ مِنْهُمَا، فَجَوَازُهُمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِمَا6. وَمِنْ قَرَائِنِ الْوُجُوبِ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ قَضَاءً لِمَا عُلِمَ وُجُوبُهُ7.
ـــــــ
1 انظر: نهاية السول 2/ 247، المحلي على جمع الجوامع 2/ 98، غاية الوصول ص 92.
2 في ش ز: أحدهما.
3 انظر: نهاية السول 2/ 247، فواتح الرحموت 2/ 180، تيسير التحرير 3/ 120، المستصفى 2/ 214.
4 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 98، نهاية السول 2/ 247، غاية الوصول ص 92.
5 ساقطة من ش.
6 ذكر الأسنوي في ذلك قاعدة، فقال: ما كان من الأفعال ممنوعاً لم يكن واجباً، فإن فَعَلَهُ الرسول عليه الصلاة والسلام فإنا نستدل بفعله على وجوبه. "التمهيد ص 33". وورد مثله في "جمع الجوامع 2/ 98". وانظر: غاية الوصول ص 92، نهاية السول 2/ 248.
7 انظر: نهاية السول 2/ 248.(2/185)
وَأَمَّا النَّدْبُ1: فَكَقَصْدِ الْقُرْبَةِ مُجَرَّدًا2 عَنْ دَلِيلِ وُجُوبٍ وَقَرِينَةٍ3.
وَأَمَّا الإِبَاحَةُ: فَكَالْفِعْلِ الَّذِي ظَهَرَ بِالْقَرِينَةِ أَنَّهُ4 لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْقُرْبَةُ5.
"أَوْ" تُعْلَمُ صِفَةُ حُكْمِ الْفِعْلِ "بِوُقُوعِهِ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ6" كَقَطْعِ يَدِ7 السَّارِقِ مِنْ الْكُوعِ8.
"أَوْ" تُعْلَمَ صِفَةُ حُكْمِ الْفِعْلِ بِوُقُوعِهِ "امْتِثَالاً لِنَصٍّ يَدُلُّ عَلَى حُكْمٍ" مِنْ إيجَابٍ أَوْ نَدْبٍ، فَيَكُونُ هَذَا الْفِعْلُ تَابِعًا لأَصْلِهِ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ النَّصِّ مِنْ ذَلِكَ9.
فَكُلُّ فِعْلٍ مِنْ ذَلِكَ عُلِمَتْ صِفَةُ حُكْمِهِ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم "فَأُمَّتُهُ مِثْلُهُ10".
ـــــــ
1 أي وأما معرفة الندب .... "انظر: نهاية السول 2/ 248، المحلي على جمع الجوامع 2/ 98".
2 في ض: مجرد.
3 في ب: وقرينته.
4 في ز: إن.
5 انظر: نهاية السول 2/ 248.
6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 174، 186، شرح تنقيح الفصول ص 288، كشف الأسرار 3/ 200، فواتح الرحموت 2/ 180، المعتمد 1/ 377، المسودة ص 186، 191، الإحكام لابن حزم 1/ 422، 431، تيسير التحرير 3/ 121، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، 23، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 97، 98، غاية الوصول ص 92، اللمع ص 37، نهاية السول 2/ 247.
7 ساقطة من ز ض ب ع.
8 انظر: المستصفى 2/ 214، الإحكام للآمدي 1/ 173، غاية الوصول ص 92.
9 انظر: نهاية السول 2/ 247، والمراجع السابقة في هامش 6.
10 هذا جواب الشرط الوارد في قوله ص 184: "إن علمت صفته من وجوب أو ندب أو إباحة"، وهذا رأي الجمهور.
وفي المسألة ثلاثة أقوال أخرى، ولكل قول دليله.
"انظر: الإحكام للآمدي 1/ 174، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، 23، المحلي على جمع الجوامع 2/ 98، نهاية السول 2/ 240، أصول السرخسي 2/ 87، تيسير التحرير 3/ 121، المسودة ص 187، غاية الوصول ص 92، إرشاد الفحول ص 36".(2/186)
لَكِنْ إنْ أَتَى بِالْفِعْلِ بَيَانًا لِنَدْبٍ أَوْ إبَاحَةٍ، فَقَدْ أَتَى بِوَاجِبٍ مِنْ جِهَةِ التَّشْرِيعِ، أَيْ تَبْيِينُ الْحُكْمِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ. فَيَكُونُ لِلْفِعْلِ حِينَئِذٍ جِهَتَانِ:
جِهَةُ وُجُوبٍ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ التَّشْرِيعِ.
وَ1جِهَةُ نَدْبٍ أَوْ إبَاحَةٍ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِفِعْلِ الأُمَّةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِهِ، وَلا بِجِبِلِّيٍّ2، وَلا مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ الْجِبِلِّيِّ وَغَيْرِهِ، وَلا بِبَيَانٍ3: هُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَإِلاَّ أَيْ وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ صِفَةُ حُكْمِ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي لَيْسَ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ. فَهُوَ4 نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "فَإِنْ تَقَرَّبَ بِهِ" أَيْ قَصَدَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْقُرْبَةَ "فَ" هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ الإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ. وَقَالَ: هُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ5.
ـــــــ
1 في ع: أو.
2 في ب: جبلي.
3 في ع: بيان.
4 في ض: وهو.
5 قال بهذا الرأي المعتزلة وابن سريج وأبو سعيد الإصطخري وابن خيران وابن أبي هريرة من الشافعية، ومالك.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص 288، الإحكام للآمدي 1/ 174، نهاية السول 2/ 241، كشف الأسرار 3/ 201، فواتح الرحموت 2/ 180، تيسير التحرير 3/ 122، المحلي على جمع الجوامع 2/ 99، الإحكام لابن حزم 1/ 422، اللمع ص 37، إرشاد الفحول ص 36، المسودة ص 187".
وفي ع: الشافعي والظاهرية.(2/187)
وَعَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ.
قَالَ الْمَجْدُ: "نَقَلَهَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ1 وَالأَثْرَمُ وَجَمَاعَةٌ بِأَلْفَاظٍ صَرِيحَةٍ2".
وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ3.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ بِالْوَقْفِ، حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِهِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالأَشْعَرِيَّةُ4. وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ.
ـــــــ
1 هو إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري، أبو يعقوب، خدم الإمام أحمد وهو ابن سبع سنين، وكان ذا دين وورع، ونقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة. توفي ببغداد سنة 275هـ.
انظر ترجمته في "المنهج الأحمد 1/ 174، طبقات الحنابلة 1/ 108".
2 المسودة ص 187.
3 هذا القول حكاه الجويني في البرهان عن الشافعي، فقال: "وفي كلام الشافعي ما يدل عليه". وقال الرازي في "المحصول": "إن هذا القول نسب إلى الشافعي". وذكر الزركشي في "البحر" أنه حكاه عن القفال وأبي حامد المروزي، واقتصر عليه الشيخ زكريا الأنصاري. وقال الآمدي: وهو "اختيار إمام الحرمين وابن الحاجب". وهو رأي الرازي وابن حزم وجماعة من الحنابلة.
"انظر: شرح تنقيح الفصور ص 288، الإحكام للآمدي 1/ 174، المحلي على جمع الجوامع 2/ 99، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23 وما بعدها، المسودة ص 187، 188، الإحكام لابن حزم 1/ 422، 429، تيسير التحرير 3/ 123، فواتح الرحموت 2/ 182، أصول السرخسي 2/ 87، نهاية السول 2/ 241، إرشاد الفحول ص 37، اللمع ص 37، غاية الوصول ص 92".
4 وحكى الرازي وابن السمعاني والآمدي وابن الحاجب قولاً رابعاً أنه للإباحة حملاً على أقل الأحوال، وهو رأي الكرخي من الحنفية، واختاره السرخسي والجصاص. وقال ابن عبد الشكور: "وهو الصحيح عند أكثر الحنفية".
"انظر: أصول السرخسي 2/ 87، كشف الأسرار 3/ 201، 203، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 2/ 181، 183، تيسير التحرير 3/ 122، التوضيح على التنقيح 2/ 15 طبع الميمنية، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 25، المحلي على جمع الجوامع 2/ 99، الإحكام للآمدي 1/ 174، إرشاد الفحول ص 37".(2/188)
وَحُكِيَ عَنْ جُمْهُورِ الْمُحَقِّقِينَ1.
وَ 2 النَّوْعُ الثَّانِي: هُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَإِلاّ"َ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَقَرَّبْ بِالْفِعْلِ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَةُ حُكْمِهِ "ف" هُوَ "مُبَاحٌ" عِنْدَ الأَكْثَرِ3.
قَالَ الْمَجْدُ فِي "الْمُسَوَّدَةِ": "فِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُفِيدُ الإِبَاحَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ4" فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ.
وَقِيلَ: وَاجِبٌ، وَاخْتَارَهُ5 جَمَاعَةٌ6.
وَقِيلَ: مَنْدُوبٌ، وَ7اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ أَيْضًا8.
ـــــــ
1 قال الرازي: وهو قول الصيرفي وأكثر المعتزلة، وهو المختار، وحكاه الشيخ أبو إسحاق عن أكثر أصحاب الشافعي، وأكثر المتكلمين ورجحه، وحكاه عن الدقاق، واختاره القاضي أبو الطيب الطبري، ونسبه ابن عبد الشكور للكرخي.
"انظر: الإحكام للآمدي 1/ 174، نهاية السول 2/ 241، المحلي على جمع الجوامع 2/ 99، شرح تنقيح الفصول ص 288 وما بعدها، أصول السرخسي 2/ 87، فواتح الرحموت 2/ 181، 183، تيسير التحرير 3/ 123، كشف الأسرار 3/ 201، المسودة ص 188، الإحكام لابن حزم 1/ 423، اللمع ص 37، إرشاد الفحول ص 37- 38".
2 ساقطة من ع.
3 انظر: كشف الأسرار 3/ 201، تيسير التحرير 3/ 123، المعتمد 1/ 377، المسودة ص 187، 191، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23، 25، جمع الجوامع 2/ 99، الإحكام للآمدي 1/ 174، نهاية السول 2/ 241، 243، شرح تنقيح الفصول ص 288، إرشاد الفحول ص 38، اللمع ص 37.
4 المسودة ص 187.
5 في ش ب ز: اختاره.
6 انظر: المسودة ص 189، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 25، المعتمد 1/ 377، نهاية السول 2/ 241، 244، الإحكام للآمدي 1/ 174، غاية الوصول ص 92.
7 ساقطة من ش ب ز.
8 وهناك قول رابع بالوقف. انظر هذه الأقوال مع بيان أصحابها وذكر أدلتها في: "المستصفى 2/ 214، المحلي على جمع الجوامع 2/ 99، الإحكام للآمدي 1/ 174، 178، نهاية السول 2/ 241، 244، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 24، 25، المعتمد 1/ 377، المسودة ص 189، 193، غاية الوصول ص 92، إرشاد الفحول ص 38".(2/189)
وَاسْتُدِلَّ1 لِلْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فِيمَا إذَا قَصَدَ بِهِ الْقُرْبَةَ2 بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّبِعُوهُ} 3 وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} 4. وَالْفِعْلُ أَمْرٌ. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} 5 وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} 6 أَيْ تَأَسَّوْا بِهِ. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} 7 وَمَحَبَّتُهُ وَاجِبَةٌ. فَيَجِبُ لازِمُهَا، وَهُوَ اتِّبَاعُهُ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} 8. فَلَوْلا الْوُجُوبُ لَمَا رَفَعَ تَزْوِيجُهُ الْحَرَجَ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ9.
ـــــــ
1 في ب: واستدلوا.
2 انظر هذه الأدلة مع مناقشة المخالفين لها في "نهاية السول 2/ 244، البناني على جمع الجوامع 2/ 99، الرسالة ص 79 وما بعدها، المنخول ص 229، الإحكام للآمدي 1/ 175، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 1/ 423 وما بعدها، أصول السرخسي 1/ 88 وما بعدها، وتيسير التحرير 3/ 122، كشف الأسرار 3/ 202، فواتح الرحموت 2/ 180، 181 وما بعدها، المعتمد 1/ 378 وما بعدها، 381 وما بعدها، المسودة ص 187 وما بعدها، إرشاد الفحول ص 36".
3 الآية 158 من الأعراف. وفي ز ض ب ع: فاتبعوه. وأول الآية: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّيْ رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيْعًا الَّذِيْ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ... فَآمِنُوْا بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِيْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَِّبعُوْهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُوْنَ}. واستدل الآمدي بالآية 155 من الأنعام الموافقة لنسخة ز ض ب، وهي {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوْهُ وَاتَّقُوْا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُوْنَ}.
4 الآية 63 من النور.
5 الآية 7 من الحشر. وفي ض: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُوْلُ فَخُذُوْهُ وَمَا نَهَاكُمْ}.
6 الآية 21 من الأحزاب.
7 الآية 31 من آل عمران. وفي ض تتمة الآية {... يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.
8 الآية 37 من الأحزاب. وفي ض تتمة الآية {... فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ}.
9 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 186، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23، كشف الأسرار 3/ 203.(2/190)
وَلَمَّا خَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعْلَهُ فِي الصَّلاةِ خَلَعُوا نِعَالَهُمْ1. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ2، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ. وَرُوِيَ مُرْسَلاً3. وَلَمَّا أَمَرَهُمْ بِالتَّحَلُّلِ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ: تَمَسَّكُوا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ4، وَسَأَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ عَنْ الْغُسْلِ بِلا إنْزَالٍ. فَأَجَابَ بِفِعْلِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ5
ـــــــ
1 انظر: فواتح الرحموت 2/ 180 وما بعدها، كشف الأسرار 3/ 203، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23، الإحكام للآمدي 1/ 176، المستصفى 219.
2 ساقطة من ض.
3 هذا طرف من حديث رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وأحمد عن أبي سعيد مرفوعاً، وتكملته: "فلما انصرف قال لهم: "لم خلعتم"؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال: "إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثاً، فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما، فإن رأى خبثاً فليمسحه بالأرض ثم ليصلّ فيهما".
"انظر: سنن أبي داود 1/ 151، المستدرك 1/ 260، مسند أحمد 3/ 20، نيل الأوطار 2/ 135، تخريج أحاديث البزدوي ص 20".
4 رواه البخاري من حديث طويل جداً في كتاب الشروط، وفيه: "فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "قوموا ثم احلقوا"، قال الصحابي: مِسْوَر بن مخْرمة "راوي الحديث": فوالله، ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتجب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة، حتى تنحر بَدَنَك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك ... فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم أن يقتل بعضاً غمًّا". "صحيح البخاري 2/ "122، وهذا هو محل الاستشهاد.
"وانظر: سنن أبي داود 2/ 78، نيل الأوطار 5/ 105، الإحكام لابن حزم 1/ 423".
5 روى مسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها قالت: "إن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يُكْسِل، هل عليهما الغسل؟ وعائشة جالسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأفعل ذلك، أنا وهذه، ثم نغتسل". "صحيح مسلم 1/ 272".
انظر: الموطأ 1/ 46، الإحكام للآمدي 1/ 177، نهاية السول 2/ 244، فواتح الرحموت 2/ 182، تيسير التحرير 3/ 125، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23.(2/191)
وَلأَنَّ فِعْلَهُ كَقَوْلِهِ فِي بَيَانٍ مُجْمَلٍ وَتَخْصِيصٍ وَتَقْيِيدٍ، وَلأَنَّ فِي مُخَالَفَتِهِ تَنْفِيرًا وَتَرْكًا لِلْحَقِّ، لأَنَّ فِعْلَهُ حَقٌّ1.
"وَلَمْ يَفْعَلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" الْفِعْلَ "الْمَكْرُوهَ لِيُبَيِّنَ بِهِ الْجَوَازَ" لأَنَّهُ يَحْصُلُ فِيهِ التَّأَسِّي "بَلْ فِعْلُهُ يَنْفِي الْكَرَاهَةَ2" قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ3.
وَمُرَادُهُمْ "حَيْثُ لا مُعَارِضَ لَه"ُ وَإِلاَّ فَقَدْ يَفْعَلُ غَالِبًا شَيْئًا، ثُمَّ يَفْعَلُ خِلافَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ4. وَهُوَ كَثِيرٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ، كَقَوْلِهِمْ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ مَعَ الْجَنَابَةِ لِنَوْمٍ أَوْ أَكْلٍ5 أَوْ مُعَاوَدَةِ وَطْءٍ6، تَرَكَهُ لِبَيَانِ
ـــــــ
1 روى الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إن الله بعث نبينا محمداً، ولا نعلم شيئاً، فإنما نفعل كما رأينا محمداً يفعل". "المستدرك 1/ 258".
وانظر مزيداً من الأدلة من جهة السنة في "الإحكام للآمدي 1/ 176 وما بعدها، كشف الأسرار 3/ 203".
2 كما أن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفي الحرمة بالأولى، وهو ما صرح به ابن السبكي في "جمع الجوامع 2/ 96". وصرح المحلي بأن "خلاف الأولى مثل المكروه أو مندرج فيه". "المحلي على جمع الجوامع 2/ 97".
3 انظر: المسودة ص 189، شرح تنقيح الفصول ص 292، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 96، فواتح الرحموت 2/ 181، غاية الوصول ص 92.
4 انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 433، غاية الوصول ص 92.
5 روت السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب، وفي رواية عنها: "ربما اغتسل في أول الليل وربما اغتسل في آخره". رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي وأحمد. وروى أبو داود وابن ماجه أيضاً عن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه".
"انظر: سنن أبي داود 1/ 50، 51، سنن ابن ماجه 1/ 192، 195، سنن النسائي 1/ 164، شرح السنة للبغوي 2/ 35، مسند أحمد 6/ 138".
6 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي والبغوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغُسْل واحد" وفي رواية البخاري: "الساعة الواحدة من الليل والنهار".
"انظر: صحيح البخاري 1/ 59، صحيح مسلم 1/ 249، سنن أبي داود 2/ 49، تحفة الأحوذي 1/ 431، سنن النسائي 1/ 172، سنن ابن ماجه 1/ 194، سنن الدارمي 1/ 192، شرح السنة للبغوي 2/ 35، فتح الباري 9/ 254".(2/192)
الْجَوَازِ1، وَفَعَلَهُ غَالِبًا لِلْفَضِيلَةِ2.
"وَتَشْبِيكُهُ" بَيْنَ أَصَابِعِهِ "بَعْدَ سَهْوِهِ" فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ3 فِي الْمَسْجِدِ4 "لا يَنْفِيهَا" أَيْ لا يَنْفِي الْكَرَاهَةَ "لأَنَّهُ نَادِرٌ5".
ـــــــ
1 قال البغوي: "فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك أحياناً ليدل على الرخصة، وكان يتوضأ في أغلب أحواله ليدل على الفضيلة". "شرح السنة 2/ 36".
2 انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 433 وما بعدها.
3 هو الصحابي الخِرباق بن عمرو، من بني سليم. وقيل له ذو اليدين لأنه كان في يديه طول. وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين، وكان في يديه طول. وفي رواية أنه بسيط اليدين، وهو الذي قال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت؟ حين سلّم في ركعتين، وقد عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم زماناً، وروى عنه التابعون، وليس هو ذا الشمالين الذي قتل في بدر.
"انظر: الإصابة 1/ 489، الاستيعاب 1/ 491، تهذيب الأسماء 1/ 185، نيل الأوطار 3/ 122".
4 في حديث ذي اليدين حديث طويل رواه البخاري ومسلم وأحمد عن أبي هريرة. قال الحافظ ابن حجر في التلخيص: "لهذا الحديث طرق كثيرة وألفاظ، وقد جمع طرق الكلام عليه في مصنف مفرد الشيخ صلاح الدين العلائي". وفي الباب عن ابن عمر عند أبي داود وابن ماجه والبيهقي والبزار والطبراني، وعن معاوية بن خديج عند أبي داود والنسائي.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 212، صحيح مسلم 1/ 403، سنن أبي داود 1/ 231، سنن النسائي 3/ 17، سنن ابن ماجه 1/ 283، نيل الأوطار 3/ 122، التلخيص الحبير 4/ 110 على هامش المجموع، مسند أحمد 4/ 77".
5 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 96.(2/193)
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ1، قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّ ذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ مِنْ التَّثْلِيثِ لِبَيَانِ التَّشْرِيعِ2.
"وَإِذَا سَكَتَ" النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "عَنْ إنْكَارِ" فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ، فُعِلَ3 أَوْ قِيلَ "بِحَضْرَتِهِ أَوْ" فِي "زَمَنِهِ مِنْ غَيْرِ كَافِرٍ" وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "عَالِمًا بِهِ دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ" حَتَّى لِغَيْرِ الْفَاعِلِ أَوِ4 الْقَائِلِ فِي الأَصَحِّ5.
"وَإِنْ" كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ أَوْ الْقَوْلُ الْوَاقِعُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ زَمَنِهِ مِنْ غَيْرِ كَافِرٍ قَدْ سَبَقَ تَحْرِيمُهُ فَ سُكُوتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إنْكَارِهِ "نَسْخٌ" لِذَلِكَ التَّحْرِيمِ السَّابِقِ6، لِئَلاَّ يَكُونَ سُكُوتُهُ مُحَرَّمًا، وَلأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ
ـــــــ
1 روى الدارمي عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، وجمع بين المضمضة والاستنشاق". "سنن الدارمي 1/ 177". قال النووي عنه: بإسناد صحيح. "المجموع 1/ 360".
وروى ابن ماجه عن أبي بن كعب "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ثم قال: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به". ثم توضأ مرتين مرتين وقال: "من توضأ مرتين آتاه الله أجره مرتين". ثم توضأ ثلاثاً وقال: "هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي، ووضوئي خليلي إبراهيم صلى الله عليه وسلم". "سنن ابن ماجه 1/ 145". ورواه البيهقي عن ابن عمر. "السنن الكبرى 1/ 80". قال النووي: إسنادهما ضعيف. "المجموع 1/ 430".
2 انظر: المجموع 1/ 435 بالمعنى.
3 ساقطة من ش.
4 في ض ب ع: و.
5 وهو قول الجويني. ونقله المازري عن الجمهور. وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: إنه خاص بالفاعل أو القائل، ولا يعم غيره.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص 290، الإحكام للآمدي 1/ 188، المحلي والبناني على جمع الجوامع 2/ 95-96، المنخول ص 229، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 25، الإحكام لابن حزم 1/ 436، فواتح الرحموت 2/ 183، تيسير التحرير 3/ 128، غاية الوصول ص 92، إرشاد الفحول ص 41، اللمع ص 38".
6 ساقطة من ض.(2/194)
الْحَاجَةِ لإِيهَامِ الْجَوَازِ وَالنَّسْخِ، وَلا سِيَّمَا إنْ اسْتَبْشَرَ بِهِ1. وَلِذَلِكَ احْتَجَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالإِمَامُ2 الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ بِالْقَافَةِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا "أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ3، رَأَى أَقْدَامَ4 زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ5 وَابْنِهِ أُسَامَةَ6،7وَهُمَا مُتَدَثِّرَانِ. فَقَالَ7: إنَّ هَذِهِ
ـــــــ
1 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 188، المنخول ص 228، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 25، تيسير التحرير 3/ 128، فواتح الرحموت 2/ 183، إرشاد الفحول ص 41.
2 ساقطة من ش ز.
3 هو الصحابي مُجَزَّز، وقيل مُجَزِّز، لأنه كان يجز نواصي الأسارى من العرب، ابن الأعور بن جَعْدة الكناني المدلجي، ذكر فيمن فتح مصر. وشهد الفتوح بعد النبي صلى الله عليه وسلم. واعتبر قوله في حكم شرعي في إثبات النسب بالقافة، وحديثه في الصحيح مشهور.
انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 365، الاستيعاب 3/ 530، تهذيب الأسماء 2/ 83".
4 ساقطة من ز ض ب ع.
5 هو الصحابي زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي نسباً، القرشي الهاشمي بالولاء، الحجازي، أبو أسامة، حبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهر مواليه. وقع في السبي فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد، فوهبته للنبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، فأعتقه وتبنّاه حتى نزل تحريم التبني، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين جعفر بن أبي طالب، وهو من السابقين للإسلام، وهاجر إلى المدينة وشهد بدراً وأحداً والخندق والحديبية وخيبر. وعينه الرسول صلى الله عليه وسلم أميراً على غزوة مؤتة فاستشهد سنة ثمان من الهجرة، وله مناقب كثيرة.
انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 564، الاستيعاب 1/ 544، تهذيب الأسماء 1/ 202، الخلاصة ص 127".
6 هو الصحابي أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل، أبو محمد. ويقال: أبو زيد، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه، أمه أم أيمن حاضنة رسول الله عليه الصلاة والسلام. أمّره الرسول صلى الله عليه وسلم على جيش عظيم، وكان عمره ثماني عشرة سنة أو عشرين. واعتزل الفتن بعد قتل عثمان، وسكن المزة بدمشق، ثم مكة، ثم المدينة، ومات بها في خلافة معاوية سنة 54هـ. روي عنه أحاديث كثيرة، وله مناقب عديدة.
انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 31، الاستيعاب 1/ 57، تهذيب الأسماء 1/ 113، الخلاصة ص 26".
7 ساقطة من ز. وفي ض ب ع: فقال.(2/195)
الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَسُرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَأَعْجَبَهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1.
وَقَيَّدَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْمَسْأَلَةَ بِكَوْنِهِ قَادِرًا عَلَيْهِ2. وَلا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ ؛ لأَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ وُجُوبَ إنْكَارِهِ الْمُنْكَرَ لا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ3.
"فَائِدَةٌ":
"التَّأَسِّي" بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فِعْلُك" أَيْ أَنْ تَفْعَلَ "كَمَا فَعَلَ" لأَجْلِ أَنَّهُ فَعَلَ4.
وَأَمَّا التَّأَسِّي فِي التَّرْكِ: فَهُوَ أَنْ تَتْرُكَ مَا تَرَكَهُ، لأَجْلِ أَنَّهُ تَرَكَهُ5.
"وَ" أَمَّا التَّأَسِّي "فِي الْقَوْلِ فَـ" هُوَ "امْتِثَالُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ6"،
ـــــــ
1 هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والبيهقي عن عائشة.
"انظر: صحيح البخاري 4/ 170، صحيح مسلم 2/ 1082، النووي على مسلم 10/ 40، سنن أبي داود 1/ 526، سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي 6/ 327، سنن النسائي 6/ 151، سنن ابن ماجه 2/ 787، السنن الكبرى 10/ 262، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص 112، سبل السلام 4/ 137، مسند أحمد 6/ 82، 226".
2 مختصر ابن الحاجب وحاشية التفتازاني عليه 2/ 25، وانظر: الإحكام للآمدي 1/ 189.
3 وذلك لإخبار الله تعالى بعصمته في قوله تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}. المائدة/ 67. "وانظر: إرشاد الفحول ص 41، الإحكام للآمدي 1/ 189".
4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 172، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23، الإحكام لابن حزم 1/ 426، المعتمد 1/ 372، كشف الأسرار 3/ 202، تيسير التحرير 3/ 123، المصباح المنير 1/ 27.
5 انظر: المعتمد 1/ 372، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23.
6 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 290, الإحكام للآمدي 1/ 172، نهاية السول 2/ 245، المسودة ص 186، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23، المعتمد 2/ 1004، 1/ 374.(2/196)
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي الْكُلِّ "ف" هُوَ "مُوَافَقَةٌ لا مُتَابَعَةٌ" لأَنَّ الْمُوَافَقَةَ الْمُشَارَكَةُ فِي الأَمْرِ1، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لأَجْلِهِ2.
فَالْمُوَافَقَةُ أَعَمُّ مِنْ التَّأَسِّي؛ لأَنَّ الْمُوَافَقَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ تَأَسٍّ3، ثُمَّ التَّأَسِّي وَالْوُجُوبُ بِالسَّمْعِ لا بِالْعَقْلِ. خِلافًا لِبَعْضِ الأُصُولِيِّينَ4.
ـــــــ
1 انظر: المعتمد 2/ 374.
2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 172.
3 ذهب الرازي وغيره إلى أن التأسي والمتابعة معناهما واحد. "انظر: نهاية السول 2/ 245
4 انظر: المسودة ص 186، 189.(2/197)
فصل: لا تعارض بين أفعال النبي صلى الله عليه و سلم
...
فَصْلٌ: "لا تَعَارُضَ 1 بَيْنَ فِعْلَيْه"ِ
أَيْ: فِعْلَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ تَمَاثَلا، كَمَا لَوْ فَعَلَ صَلاةً، ثُمَّ فَعَلَهَا مَرَّةً أُخْرَى فِي وَقْتٍ آخَرَ2 "وَ" كَذَا "لَوْ اخْتَلَفَا" وَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا. كَفِعْلِ صَوْمٍ وَفِعْلِ صَلاةٍ "أَوْ لَمْ يُمْكِنْ اجْتِمَاعُهُمَا، لَكِنْ لا يَتَنَاقَضُ حُكْمَاهُمَا" لإِمْكَانِ الْجَمْعِ. وَحَيْثُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ امْتَنَعَ التَّعَارُضُ3.
"وَكَذَا إنْ تَنَاقَضَ" الْحُكْمُ "كَصَوْمِ" رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي "وَقْتٍ" بِعَيْنِهِ "وَفِطْرٍ" هـ فِي "مِثْلِه"ِ فَإِنَّهُمَا لا يَتَعَارَضَانِ أَيْضًا، لإِمْكَانِ كَوْنِهِ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مُبَاحًا فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ وَفِي الْوَقْتِ الآخَرِ بِخِلافِهِ4.
"لَكِنْ إنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَكَرُّرِ" فِعْلِهِ5 "الأَوَّلِ لَهُ" أَيْ عَلَى وُجُوبِ
ـــــــ
1 قال الإسنوي: "التعارض بين الأمرين هو تقابلهما على وجه يمنع كل واحد منهما مقتضى صاحبه". "نهاية السول 2/ 251".
وانظر: "البناني على جمع الجوامع 2/ 99، تيسير التحرير 3/ 136، المصباح المنير 2/ 516".
2 لأن الفعل لا عموم له فلا يشمل جميع الأوقات المستقبلة، ولا يدل على التكرار، وهو قول جمهور الأصوليين.
"انظر: نهاية السول 2/ 251، شرح تنقيح الفصول ص 294، المعتمد 1/ 388، إرشاد الفحول ص 38".
3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 190، شرح تنقيح الفصول ص 294، نهاية السول 2/ 251، المعتمد 1/ 289، تيسير التحرير 3/ 147، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 26.
4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 190، المنخول ص 227.
5 في ض: فعل.(2/198)
تَكَرُّرِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ "أَوْ" دَلَّ دَلِيلٌ "لأُمَّتِه"ِ عَلَى وُجُوبِ التَّأَسِّي بِهِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي1 مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ "فَتَلَبَّسَ بِضِدِّهِ" أَيْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهُوَ الْفِطْرُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الصَّوْمِ، دَلَّ أَكْلُهُ2 عَلَى نَسْخِ دَلِيلِ تَكْرَارِ الصَّوْمِ فِي حَقِّهِ، لا نَسْخِ حُكْمِ الصَّوْمِ السَّابِقِ، لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ التَّكْرَارَ. وَرَفْعُ حُكْمٍ وُجِدَ مُحَالٌ3 أَوْ "أَقَرَّ آكِلاً فِي مِثْلِهِ" أَيْ فِي4 مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ: "فَنَسْخٌ"، لِدَلِيلِ تَعْمِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الأُمَّةِ فِي حَقِّ ذَلِكَ الشَّخْصِ، أَوْ تَخْصِيصِهِ5.
وَقَدْ يُطْلَقُ النَّسْخُ وَالتَّخْصِيصُ عَلَى الْمَعْنَى، بِمَعْنَى زَوَالِ التَّعَبُّدِ مَجَازًا6.
وَقِيلَ فِي فِعْلَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخْتَلِفَيْنِ: إنَّهُ إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ. فَالثَّانِي7 نَاسِخٌ، 8وَلا تَعَارُضَ9 وَإِلاَّ تَعَارَضَا، وَعُدِلَ إلَى الْقِيَاسِ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّرْجِيحَاتِ9.
وَحَيْثُ انْتَهَى الْقَوْلُ فِيمَا إذَا تَعَارَضَ فِعْلاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلْنَشْرَعْ الآنَ فِيمَا إذَا تَعَارَضَ فِعْلُهُ وَقَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقْتَضِي خِلافَ مَا يَقْتَضِيهِ الآخَرُ.
ـــــــ
1 ساقطة من ب.
2 في ع: كله.
3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 190، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 26.
4 ساقطة من ش ب ز ع.
5 يقول الآمدي: "فإن ذلك يدل على نسخ حكم ذلك الدليل ... أو تخصيصه". الإحكام للآمدي 1/ 190. وانظر: التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 26، شرح تنقيح الفصول ص 294.
6 انظر: الإحكام للآمدي. المرجع السابق، التفتازاني على ابن الحاجب، المرجع السابق.
7 في ش: النافي. وفي ز: فالتالي.
8 ساقطة من ش ب ز ع.
9 وقيل يثبت التخيير. "انظر: إرشاد الفحول ص 38".(2/199)
وَتَنْحَصِرُ مَسَائِلُ ذَلِكَ فِي اثْنَتَيْنِ1 وَسَبْعِينَ مَسْأَلَةً. وَوَجْهُ الْحَصْرِ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ لا يَخْلُو إمَّا أَنْ لا يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّكْرَارِ وَالتَّأَسِّي، أَوْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، أَوْ يَدُلَّ عَلَى الأَوَّلِ، وَهُوَ التَّكْرَارُ، دُونَ الثَّانِي وَهُوَ التَّأَسِّي، أَوْ يَدُلَّ عَلَى الثَّانِي وَحْدَهُ، وَهُوَ التَّأَسِّي دُونَ الأَوَّلِ، وَهُوَ التَّكْرَارُ. فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، كُلٌّ مِنْ الأَرْبَعَةِ يَتَنَوَّعُ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نَوْعًا، فَيَصِيرُ الْمَجْمُوعُ اثْنَتَيْنِ2 وَسَبْعِينَ مَسْأَلَةً3؛ لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الأَقْسَامِ الأَرْبَعَةِ لا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ، أَوْ خَاصًّا بِنَا، أَوْ عَامًّا لَهُ وَلَنَا.
وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْ ذَلِكَ لا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْفِعْلِ، وَمُتَأَخِّرًا عَنْهُ، أَوْ مَجْهُولَ التَّارِيخِ. فَهَذِهِ تِسْعَةُ أَنْوَاعٍ حَصَلَتْ مِنْ ضَرْبِ ثَلاثَةٍ فِي ثَلاثَةٍ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْهَا لا يَخْلُو4 إمَّا أَنْ يَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي حَقِّهِ، أَوْ فِي حَقِّنَا. فَهَذِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نَوْعًا مَضْرُوبَةٌ فِي الأَرْبَعَةِ الأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ. فَتَصِيرُ اثْنَتَيْنِ5 وَسَبْعِينَ مَسْأَلَةً تُؤْخَذُ مِنْ مَنْطُوقِ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ وَمَفْهُومِهِمَا6.
"وَحَيْثُ" عَلِمْتَ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ "لا" تَعَارُضَ "فِي فِعْلِهِ وَقَوْلِهِ، حَيْثُ لا دَلِيلَ عَلَى تَكَرُّرٍ" فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَلا تَأَسٍّ بِه"ِ. وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الأَوَّلُ "وَالْقَوْلُ خَاصٌّ بِهِ" أَيْ "وَ"الْحَالُ أَنَّ الْقَوْلَ خَاصٌّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَ الْحَالُ أَيْضًا
ـــــــ
1 في جميع النسخ: اثنين. وهي خطأ.
2 في جميع النسخ: اثنين. وهي خطأ.
3 ساقطة من ض ب.
4 في ض: لا يكون.
5 في جميع النسخ: اثنين. وهي خطأ.
6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 191، نهاية السول 2/ 249، شرح تنقيح الفصول ص 292 وما بعدها، جمع الجوامع 2/ 99، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 26، تيسير التحرير 3/ 148، المعتمد 1/ 389 وما بعدها، إرشاد الفحول ص 39.(2/200)
أَنَّ الْقَوْلَ "تَأَخَّرَ" عَنْ الْفِعْلِ1.
مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا فِي وَقْتٍ، ثُمَّ يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ: لا يَجُوزُ لِي مِثْلُ هَذَا الْفِعْلِ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ وَنَحْوَ ذَلِكَ2.
وَوَجْهُ عَدَمِ التَّعَارُضِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ أُمَّتِهِ جَمِيعًا: كَوْنُ الْجَمْعِ3 مُمْكِنًا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى التَّكْرَارِ، وَلَمْ يَكُنْ رَافِعًا لِحُكْمٍ فِي الْمَاضِي وَلا فِي الْمُسْتَقْبَلِ4.
أَمَّا عَدَمُ التَّعَارُضِ فِي حَقِّهِ: فَلأَنَّ الْقَوْلَ لَمْ يَتَنَاوَلْ الزَّمَانَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْفِعْلُ، وَالْفِعْلُ أَيْضًا: لَمْ يَتَنَاوَلْ الزَّمَانَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْقَوْلُ. فَلا يَكُونُ أَحَدُهُمَا رَافِعًا لِحُكْمِ الآخَرِ.
وَأَمَّا عَدَمُ التَّعَارُضِ فِي حَقِّ الأُمَّةِ: فَظَاهِرٌ ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ تَعَلُّقٌ بِالأُمَّةِ.
"لَكِنْ إنْ تَقَدَّمَ" الْقَوْلُ عَلَى الْفِعْلِ. كَمَا لَوْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَجِبُ عَلَيَّ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا5. وَتَلَبَّسَ6 بِضِدِّهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ "فَالْفِعْلُ" الَّذِي تَلَبَّسَ بِهِ "نَاسِخٌ" لِحُكْمِ قَوْلِهِ السَّابِقِ لِجَوَازِ النَّسْخِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ عَلَى الصَّحِيحِ7.
ـــــــ
1 انظر: الإحكام للآمدي المرجع السابق، نهاية السول 2/ 252، المعتمد 1/ 390، الإحكام لابن حزم 1/ 435، تيسير التحرير 3/ 148، حاشية التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27.
2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 191، نهاية السول 2/ 253، حاشية التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، إرشاد الفحول ص 39.
3 في ض: الجميع.
4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 191، المعتمد 1/ 391.
5 في ش: الوقت.
6 في ز ض ب ع: ويتلبس.
7 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 191، نهاية السول 2/ 252، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، المعتمد 1/ 390، شرح تنقيح الفصول ص 293، الإحكام لابن حزم 1/ 431 تيسير التحرير 3/ 148، إرشاد الفحول ص 39.(2/201)
وَذَكَرَ الأَصْفَهَانِيُّ فِي "شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ": أَنَّهُ إنْ كَانَ الْفِعْلُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ مُقْتَضَى الْقَوْلِ لَمْ يَكُنْ نَاسِخًا لِلْقَوْلِ، إلاَّ أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَكْرَارِ1 مُقْتَضَى الْقَوْلِ. فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْفِعْلُ نَاسِخًا لِتَكَرُّرِ مُقْتَضَى الْقَوْلِ.
وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ2، وَلا ابْنُ مُفْلِحٍ. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَتَابَعْتُهُمَا.
"وَإِنْ جُهِلَ" هَلْ تَقَدَّمَ الْفِعْلُ عَلَى الْقَوْلِ، أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ "وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْقَوْلِ" دُونَ الْفِعْلِ ؛ لأَنَّ الْقَوْلَ أَقْوَى دَلالَةً مِنْ الْفِعْلِ لِوَضْعِهِ لَهَا، وَلِعَدَمِ الاخْتِلافِ فِي كَوْنِهِ دَالاًّ، وَلِدَلالَتِهِ3 عَلَى الْوُجُوبِ وَغَيْرِهِ بِلا وَاسِطَةٍ، وَلأَنَّ الْقَوْلَ يَدُلُّ عَلَى الْمَعْقُولِ وَالْمَحْسُوسِ. فَيَكُونُ أَعَمَّ فَائِدَةً4
"وَلا" تَعَارُضَ فِي فِعْلِهِ وَقَوْلِه: حَيْثُ لا دَلِيلَ عَلَى تَكْرَارِ5 وَتَأَسٍّ6 "إنْ اخْتَصَّ الْقَوْلُ بِنَا مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ عَلَى الْفِعْلِ، أَوْ تَقَدَّمَ الْفِعْلُ عَلَى الْقَوْلِ، أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْقَوْلِ لَهُ7،
ـــــــ
1 في ش ز: تكرر.
2 مختصر ابن الحاجب 2/ 26، وقال التفتازاني: "فالمصنف لم يتعرض له، لأنه يذكر في نظيره من القسم الرابع ما يعلم به حكمه". "حاشية التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27".
3 في ض: والدلالة.
4 انظر: نهاية السول 2/ 254، المعتمد 1/ 390، الإحكام لابن حزم 1/ 434، تيسير التحرير 3/ 148.
5 في ز ش: تكرر.
6 في ض ب ع: ولا تأس.
7 ساقطة من ب.
وانظر: الإحكام للآمدي 1/ 191، نهاية السول 2/ 253، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، إرشاد الفحول ص 40.(2/202)
"أَوْ عَمَّ" الْقَوْلُ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِهِ وَلا بِنَا "وَ" الْحَالُ أَنَّهُ قَدْ "تَقَدَّمَ الْفِعْلُ1".
أَمَّا كَوْنُهُ لا مُعَارَضَةَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلِعَدَمِ2 وُجُوبِ تَكَرُّرِ الْفِعْلِ3.
وَأَمَّا كَوْنُهُ لا مُعَارَضَةَ فِي حَقِّ الأُمَّةِ: فَلأَنَّ الْقَوْلَ الْمُتَأَخِّرَ نَاسِخٌ لِلْفِعْلِ قَبْلَ وُقُوعِ التَّأَسِّي بِهِ4، وَبَعْدَ وُقُوعِ التَّأَسِّي يَكُونُ نَاسِخًا لِلتَّكْرَارِ فِي حَقِّهِمْ إنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ التَّكْرَارِ فِي حَقِّهِمْ. قَالَهُ الأَصْفَهَانِيُّ.
"وَلا" تَعَارُضَ "فِي حَقِّنَا إنْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ" وَيَكُونُ الْفِعْلُ نَاسِخًا فِي حَقِّهِ لِلْقَوْلِ السَّابِقِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الإِتْيَانِ بِمُقْتَضَى الْقَوْلِ5 "وَهُو"َ أَيْ وَ6حُكْمُ ذَلِكَ "ك" قَوْلٍ "خَاصٍّ بِهِ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْعَامُّ" أَيْ الْعُمُومُ "ظَاهِرًا فِيهِ" أَيْ فِي الْقَوْلِ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْعُمُومُ يَتَنَاوَلُهُ7 الْقَوْلُ ظَاهِرًا "فَالْفِعْلُ" الْمُتَأَخِّرُ "تَخْصِيصٌ" لِعُمُومِ الْقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ8. وَأَمَّا فِي حَقِّ الأُمَّةِ: فَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهِ9 مَخْصُوصًا بِذَلِكَ الْفِعْلِ فَنَسْخٌ، وَإِلاَّ فَتَخْصِيصٌ10.
ـــــــ
1 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 293، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، نهاية السول 2/ 252، الإحكام للآمدي 1/ 191، إرشاد الفحول ص 40.
2 في ب ز ض ع: لعدم.
3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 191، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27.
4 ساقطة من ض.
5 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 191، نهاية السول 2/ 252، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27.
6 ساقطة من ض.
7 في ش ب ز: يتناول.
8 انظر: التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، المحلي على جمع الجوامع 2/ 101.
9 في ع: وجوب.
10 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 293، نهاية السول 2/ 252، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، المحلي على جمع الجوامع 2/ 101، المعتمد 1/ 390، غاية الوصول ص 93.(2/203)
"وَلا" تَعَارُضَ "فِينَا" أَيْ فِي حَقِّنَا "مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ الْفِعْلَ، أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ "مَعَ دَلِيلٍ دَلَّ1 عَلَيْهِمَا" أَيْ عَلَى التَّكْرَارِ وَالتَّأَسِّي، لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْفِعْلِ لَنَا2 "وَالْقَوْلُ خَاصٌّ بِهِ" أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْقَوْلَ خَاصٌّ بِهِ. وَفِيهِ أَيْ وَفِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الْمُتَأَخِّرُ" مِنْ الْقَوْلِ أَوْ3 الْفِعْلِ "نَاسِخٌ" لِلْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ4.
"وَمَعَ جَهْلٍ" بِالتَّارِيخِ "يُعْمَلُ بِالْقَوْلِ" وَقِيلَ بِالْفِعْلِ، وَقِيلَ بِالْوَقْفِ5.
"وَلا" تَعَارُضَ "فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَعَه"ُ أَيْ مَعَ الدَّلِيلِ "عَلَيْهِمَا" أَيْ عَلَى التَّكْرَارِ وَالتَّأَسِّي وَالْقَوْلُ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْقَوْلَ مُخْتَصٌّ "بِنَا" تَقَدَّمَ الْقَوْلُ أَوْ تَأَخَّرَ، لِعَدَمِ تَوَارُدِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ6.
ـــــــ
1 ساقطة من ز ض ع.
2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 192، نهاية السول 2/ 252، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، المحلي على جمع الجوامع 2/ 100.
3 في ش: و.
4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 192، نهاية السول 2/ 252، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، المحلي على جمع الجوامع 2/ 99، غاية الوصول ص 92، إرشاد الفحول ص 40.
5 هذه الصورة مختصرة وفيها إبهام، وقد وضحها الآمدي فقال: "وأما إن جهل التاريخ فلا معارضة بين فعله وقوله بالنسبة إلى الأمة، لعدم تناول قوله لهم، وأما بالنسبة له فقد اختلف فيه ... ثم قال: والمختار إنما هو العمل بالقول لوجوه أربعة ...." "الإحكام للآمدي 1/ 192". وقال الكمال بن الهمام: "وقيل: يُتَوقف، وهو المختار". "تيسير التحرير 3/ 148، 149". وكذلك قال التفتازاني: "وثالثها وهو المختار التوقف لاحتمال الأمرين، والمصير إلى أحدهما بلا دليل تحكم". "التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27". وهذا هو اختيار ابن السبكي والمحلي. "انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 100". وانظر: نهاية السول 2/ 254، المعتمد 1/ 390، الإحكام لابن حزم 1/ 435، غاية الوصول ص 92، إرشاد الفحول ص 40.
6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 100، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، غاية الوصول ص 93.(2/204)
وَأَمَّا "فِينَا" أَيْ فِي حَقِّ الأُمَّةِ ف "الْمُتَأَخِّرُ" مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ "نَاسِخٌ" لِلْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ1 "وَمَعَ جَهْلٍ" بِالتَّارِيخِ "يُعْمَلُ بِالْقَوْلِ" عَلَى الْمُخْتَارِ2.
"وَلا" تَعَارُضَ "فِينَا" أَيْ فِي حَقِّنَا "مَعَ" دَلالَةِ "دَلِيلٍ عَلَى تَكَرُّرٍ" فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا" عَلَى "تَأَسٍّ" فِي حَقِّ الأُمَّةِ "إنْ اخْتَصَّ الْقَوْلُ بِهِ" صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَوْ عَمَ" هـ الْقَوْلُ وَعَمَّ الأُمَّةَ، لِعَدَمِ تَوَارُدِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ3.
"وَفِيهِ" أَيْ وَفِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الْمُتَأَخِّرُ" مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ "نَاسِخٌ" لِلْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا4.
"فَإِنْ جُهِلَ" الْمُتَقَدِّمُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ "عُمِلَ بِالْقَوْلِ" عَلَى الْمُخْتَارِ5.
ـــــــ
1 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 193، نهاية السول 2/ 252، المحلي على جمع الجوامع 2/ 100، تيسير التحرير 3/ 148، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27.
2 ذكر التفتازاني رحمه الله أدلة القائلين بترجيح القول على الفعل، وأدلة المخالفين، ثم بين أدلة الترجيح للقول المختار بالعمل بالقول، ولم يذكر المؤلف الصورة الثالثة من هذا القسم، وهو "إن دل الدليل على التكرار والتأسي، وكان القول عاماً له ولنا، فالمتأخر من القول والفعل ناسخ للآخر في حقه وحقنا، فإن جهل التاريخ ففيه الأقوال الثلاثة، والمختار تقديم القول". "انظر التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28". وقال المحلي: "وإن جهل المتأخر فالأقوال أصحها في حقه الوقف، وفي حقنا تقدم القول". "المحلي على جمع الجوامع 2/ 101".
وانظر: الإحكام للآمدي 1/ 193، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، المحلي على جمع الجوامع 2/ 100، تيسير التحرير 3/ 148، غاية الوصول ص 93، إرشاد الفحول ص 40.
3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 193، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28، إرشاد الفحول ص 40.
4 انظر: تيسير التحرير 3/ 149، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28، غاية الوصول ص 92.
5 قال التفتازاني: "وعند الجهل فالثلاثة، والمختار الوقف". وقال الشيخ زكريا الأنصاري: "فالوقف على الأصح، وقيل يرجح القول، وعزي للجمهور".
"انظر: التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28، غاية الوصول ص 92، الإحكام للآمدي 1/ 193، شرح تنقيح الفصول ص 293، المعتمد 1/ 390، تيسير التحرير 3/ 149".(2/205)
"وَإِنْ" دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى التَّكْرَارِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ التَّأَسِّي فِي حَقِّ الأُمَّةِ. وَالْحَالُ أَنَّ الْقَوْلَ "اخْتَصَّ بِنَا فَلا" تَعَارُضَ "مُطْلَقًا" يَعْنِي لا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا فِي حَقِّنَا لِعَدَمِ تَوَارُدِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ1.
"وَلا" تَعَارُضَ "مَعَهُ" أَيْ مَعَ الدَّلِيلِ "عَلَى تَأَسٍّ" بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2 "فَقَطْ" أَيْ دُونَ التَّكْرَارِ فِي حَقِّهِ "وَالْقَوْلُ خَاصٌّ" أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْقَوْلَ خَاصٌّ "بِه"ِ أَيْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَتَأَخَّرَ" عَنْ الْفِعْلِ "مُطْلَقًا" يَعْنِي لا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا فِي حَقِّنَا3.
أَمَّا عَدَمُ التَّعَارُضِ4 فِي حَقِّهِ: فَلِعَدَمِ وُجُوبِ تَكَرُّرِ الْفِعْلِ. وَأَمَّا فِي حَقِّ5 الأُمَّةِ: فَلِعَدَمِ تَوَارُدِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ6.
"وَإِنْ تَقَدَّمَ" الْقَوْلُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْحَالُ أَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى التَّأَسِّي دُونَ التَّكْرَارِ "فَالْفِعْلُ" الْمُتَأَخِّرُ "نَاسِخٌ فِي حَقِّهِ" صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ7.
ـــــــ
1 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 193، إرشاد الفحول ص 40.
2 ساقطة من ش.
3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 194، نهاية السول 2/ 252، تيسير التحرير 3/ 150، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28.
4 في ز ش: المعارض.
5 ساقطة من ض.
6 انظر: التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28.
7 مختصر ابن الحاجب 2/ 26.
وهو ما نص عليه الآمدي وذكره حرفيًّا. "انظر: الإحكام 1/ 194". وانظر: حاشية التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28، تيسير التحرير 3/ 150.(2/206)
باب: الإجماع
...
وما قِيلَ من أن الآيةَ ظاهرةٌ، ولا دليل على أن الظاهرَ حجةٌ إلا الإجماعُ، فيلزم الدورُ1 ـ ممنوعٌ ؛ لجَوَازِ نصٍّ قاطعٍ على أنه حجة، أو استدلالٍ قطعي ؛ لأن الظاهرَ مظنونٌ، وهو حجةٌ لئلا يلزم رفعُ النقيضين، أو اجتماعُهما، أو العملُ بالمرجوح، وهو خلافُ العقل.
وبقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} 2 والمشروطُ عدمٌ عندَ عدمِ شرْطِهِ، فاتفاقُهم كافٍ3.
واعترِضَ عدمُ الرَّد إلى الكتاب والسنة عند الإجماع: أنه إن بُنِي الإجماعُ على أحدهما فهو كاف، وإلا ففيه تجويزُ الإجماعِ بلا دليل4.
ثم لا نسلم عدمَ الشرط، فإن الكلام مفروض في نزاعِ مجتهدِينَ متأخِّرِينَ لإجماعٍ سابقٍ5.
ـــــــ
1 انظر أوجه الاعتراض على الاستدلال بهذه الآية بشكل مفصل وطويل مع مناقشتها في كتاب إرشاد الفحول ص 74-76 نقلاً عن المحصول للرازي، المعتمد 2/ 462 وما بعدها، نهاية السول 2/ 343 وما بعدها، مناهج العقول 2/ 339 وما بعدها، كشف الأسرار 3/ 253، المستصفى 1/ 175، فواتح الرحموت 2/ 214، الإحكام للآمدي 1/ 200، 211، مختصر ابن الحاجب 2/ 31، المنخول ص 305.
2 الآية 59 من النساء.
3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 218، المستصفى 1/ 174، المعتمد 2/ 470.
4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 218.
5 في ب ز ش ع: لا إجماع، وهو خطأ. والأعلى من نسخة ض، وهو الموافق لعبارة الآمدي في "الإحكام".(2/206)
فصل: انقراض العصر
...
فَصْلٌ: "يُعْتَبَرُ" لِصِحَّةِ انْعِقَادِ الإِجْمَاعِ "انْقِرَاضُ الْعَصْرِ،
وَهُوَ مَوْتُ مَنْ اُعْتُبِرَ فِيهِ" مِنْ غَيْرِ رُجُوعِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَمَّا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ فُورَكٍ، وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ. وَنَقَلَهُ الأُسْتَاذُ عَنْ الأَشْعَرِيِّ، وَابْنُ بُرْهَانٍ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ1، "فَيَسُوغُ لَهُمْ" أَيْ لِجَمِيعِ مُجْتَهِدِي الْعَصْرِ وَلِبَعْضِهِمْ الرُّجُوعَ عَمَّا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ "لِدَلِيلٍ" يَقْتَضِي الرُّجُوعَ "وَلَوْ عَقِبَهُ" أَيْ عَقِبَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى الْحُكْمِ ؛ لأَنَّ الإِجْمَاعَ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ2 بِمَوْتِ مَنْ اُعْتُبِرَ فِيهِ. وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ3 فَيَسُوغُ4 لَهُمْ وَلِبَعْضِهِمْ الرُّجُوعُ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الإِجْمَاعِ5.
ـــــــ
1 انظر: كشف الأسرار 3/ 243، المستصفى 1/ 192، مختصر ابن الحاجب 2/ 38، المسودة ص 320، أصول السرخسي 1/ 315، الإحكام لابن حزم 1/ 507، تيسير التحرير 3/ 230، المعتمد 2/ 502، 538، نهاية السول 2/ 386، فواتح الرحموت 2/ 224، الإحكام للآمدي 1/ 256، مناهج العقول 2/ 384، جمع الجوامع 2/ 182، المنخول ص 317، شرح الورقات ص 171، مختصر الطوفي ص 133، الروضة ص 73، إرشاد الفحول ص 84، المدخل إلى مذهب أحمد ص 130.
2 في ز ش: استقر.
3 في ش: المجتهدون الذين.
4 في ش: يسوغ.
5 انظر: أصول السرخسي 1/ 315، كشف الأسرار 3/ 243، 244، نهاية السول 2/ 386، الإحكام لابن حزم 1/ 507، المسودة ص 321، 323، شرح الورقات ص 171، 173، إرشاد الفحول ص 85، مختصر الطوفي ص 133، غاية الوصول ص 107.(2/246)
وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ غَيْرُ ذَلِكَ.
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ الأَئِمَّةِ الثَّلاثَةِ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ: أَنَّهُ لا يُعْتَبَرُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ مُطْلَقًا1.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ لِلإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ لِضَعْفِهِ دُونَ غَيْرِهِ. اخْتَارَهُ الآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ. وَنُقِلَ عَنْ الأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيِّ. وَقَالَ: إنَّهُ قَوْلُ الْحُذَّاقِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الأَصْحَابِ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْمَعَالِي عَنْ الأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ وَاخْتَارَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ2. وَجَعَلَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ مَحَلَّ الْخِلافِ فِي غَيْرِ السُّكُوتِيِّ3.
ـــــــ
1 قال ابن قدامة عن الإمام أحمد: "وقد أومأ إلى أن ذلك ليس بشرط ... وهو قول الجمهور واختاره أبو الخطاب، فيمتنع رجوع أحدهم أو رجوعهم عنه". الروضة ص 73. وقال ابن بدران عن الإمام أحمد: "قلت: ومعتمد مذهبه عدم الاشتراط". المدخل إلى مذهب أحمد ص 131. وقد نسب صاحب "كشف الأسرار" هذا الاشتراط للإمام الشافعي، وليس لذلك أصل!!
"انظر: كشف الأسرار 3/ 243، المستصفى 1/ 192، الإحكام للآمدي 1/ 256، جمع الجوامع 2/ 181، المنخول ص 317، مناهج العقول 2/ 384، نهاية السول 2/ 386، تيسير التحرير 3/ 230، فواتح الرحموت 2/ 224، مختصر ابن الحاجب 2/ 38، المعتمد 2/ 502، 538، الإحكام لابن حزم 1/ 513، المسودة ص 320، أصول السرخسي 1/ 308، 315، شرح الورقات ص 171، شرح تنقيح الفصول ص 330، مختصر الطوفي ص 133، إرشاد الفحول ص 84".
2 هو الحسن بن عبد الله، وقيل عبيد الله، أبو علي البَنْدَنيجي الفقيه الشافعي، القاضي، من أصحاب الشيخ أبي حامد. قال ابن السبكي: "كان فقيهاً عظيماً غواصاً على المشكلات، صالحاً ورعاً". وقال الشيخ أبو إسحاق: "كان حافظاً للمذهب". له كتاب "الذخيرة" في الفقه، و"تعليقة" مشهورة في الفقه سماها بـ"الجامع". مات سنة 425هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 305، طبقات الفقهاء ص 129، اللباب 1/ 180، تاريخ بغداد 7/ 343، طبقات الشافعية للعبادي ص 113، طبقات الشافعية الشافعية للإسنوي 1/ 193، طبقات الشافعية لابن هداية ص 332، تهذيب الأسماء 2/ 261".
3 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 332، التمهيد للإسنوي ص 137، المسودة ص 320، أصول السرخسي 1/ 308، تيسير التحرير 3/ 231، كشف الأسرار 3/ 243، فواتح الرحموت 2/ 224، 235، الإحكام للآمدي 1/ 256، مختصر ابن الحاجب 2/ 38، جمع الجوامع 2/ 183، اللمع ص 49، نهاية السول 2/ 386، مختصر الطوفي ص 133، غاية الوصول ص 108، إرشاد الفحول ص 84.(2/247)
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ لِلإِجْمَاعِ الْقِيَاسِيِّ دُونَ غَيْرِهِ1.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ إنْ بَقِيَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ. وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُكْتَرَثْ بِالْبَاقِي. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا مَاتَ مِنْهُمْ جَمْعٌ وَبَقِيَ مِنْهُمْ عَدَدُ التَّوَاتُرِ، وَرَجَعُوا أَوْ بَعْضُهُمْ لَمْ يَنْعَقِدْ الإِجْمَاعُ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْهُمْ دُونَ عَدَدِ التَّوَاتُرِ، وَرَجَعُوا أَوْ بَعْضُهُمْ لَمْ يُؤَثِّرْ2 فِي الإِجْمَاعِ3.
وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ4 يُعْتَبَرُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ 5فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ دُونَ إجْمَاعِ غَيْرِهِمْ6.
وَحَيْثُ لا يُعْتَبَرُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ5، لا يُعْتَبَرُ تَمَادِي الزَّمَنِ مُطْلَقًا، بَلْ يَكُونُ اتِّفَاقُهُمْ حُجَّةً بِمُجَرَّدِهِ، حَتَّى لَوْ رَجَعَ بَعْضُهُمْ لا يُعْتَدُّ بِهِ، وَيَكُونُ خَارِقًا لِلإِجْمَاعِ7.
ـــــــ
1 وهو قول الجويني، كما نقله عنه ابن الحاجب وغيره. ولكن ابن السبكي قال: "وهو وهم، وأن الجويني لا يشترطه مطلقاً"، وهو ما أكده أيضاً ابن عبد الشكور.
"انظر: فواتح الرحموت 2/ 224، جمع الجوامع 2/ 183، مختصر ابن الحاجب 2/ 38، تيسير التحرير 3/ 230، كشف الأسرار 3/ 343، إرشاد الفحول ص 84".
2 في ض: يؤثروا.
3 انظر: تيسير التحرير 3/ 231، جمع الجوامع 2/ 183، غاية الوصول ص 108.
4 في ع: أن.
5 ساقطة من ض.
6 وهناك أقوال أخرى في اشتراط انقراض العصر وعدمه.
"انظر: المسودة ص 320، 321، نهاية السول 2/ 386، المنخول ص 317".
7 انظر: كشف الأسرار 3/ 244، تيسير التحرير 3/ 231، المستصفى 1/ 174، 192، شرح الورقات ص 171، المسودة ص 320، غاية الوصول ص 109، إرشاد الفحول ص 85.(2/248)
وَلَوْ نَشَأَ مُخَالِفٌ1 لَمْ يُعْتَدَّ بِقَوْلِهِ، بَلْ يَكُونُ الإِجْمَاعُ حُجَّةً عَلَيْهِ2.
وَلَوْ ظَهَرَ لِجَمِيعِهِمْ مَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ فَرَجَعُوا كُلُّهُمْ حَرُمَ. وَكَانَ إجْمَاعُهُمْ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ3، حَتَّى لَوْ جَاءَ غَيْرُهُمْ مُجْمِعِينَ عَلَى خِلافِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا. وَإِلاَّ لَتَصَادَمَ الإِجْمَاعَانِ4.
وَاسْتُدِلَّ لاعْتِبَارِ انْقِرَاضِ5 الْعَصْرِ: بِأَنَّ عَلِيًّا خَالَفَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِ فِي بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ. وَأَنَّ حَدَّ الْخَمْرِ ثَمَانُونَ، وَعُمَرُ خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قِسْمَةِ الْفَيْءِ. فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ سَوَّى. وَعُمَرُ فَضَّلَ6.
وَأُجِيبَ عَنْ الأَوَّلِ بِأَنَّهُ لا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ الإِجْمَاعِ. وَقَوْلُ عُبَيْدَةَ7
ـــــــ
1 في ب: مخالفاً. وهو خطأ.
2 انظر: المنخول ص 317، نهاية السول 2/ 386، الإحكام للآمدي 1/ 256، اللمع ص 49، والمراجع السابقة في الصفحة السابقة هامش 7.
3 انظر: شرح الورقات ص 171، مختصر الطوفي ص 133، اللمع ص 49، أصول السرخسي 1/ 315، المستصفى 1/ 174، 192، 209 وما بعدها.
4 سيذكر المصنف حكم تصادم الإجماعين بعد صفحات، ص 258.
5 في ب: الانقراض.
6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 258، كشف الأسرار 3/ 243، الروضة ص 73، المسودة ص 323-324، الإحكام لابن حزم 1/ 516، المعتمد 2/ 504، نهاية السول 2/ 386، مناهج العقول 2/ 384.
7 هو عبيدة "بفتح العين وكسر الباء" السلماني المرادي، أبو مسلم. وقيل: أبو عمرو، عَبيدة بن قيس بن عمرو المرادي الهَمْداني التابعي الكبير. أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وسمع عمر وعلياً وابن مسعود وابن الزبير، وهو مشهور بصحبة علي. نزل الكوفة، وورد المدينة، وحضر مع علي قتال الخوارج، وكان أحد أصحاب ابن مسعود في القراءة والفتوى. وكان شريح يستشيره إذا أشكل عليه أمرٌ، وهو أحد علماء الكوفة. توفي سنة 72هـ، وقيل غيره.
انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 102، شذرات الذهب 1/ 78، الخلاصة ص 256، تهذيب الأسماء 1/ 317، تاريخ بغداد 11/ 117، تذكرة الحفاظ 1/ 50، طبقات القراء 1/ 498، طبقات الحفاظ ص 14".(2/249)
لِعَلِيٍّ1: "رَأْيُك فِي الْجَمَاعَةِ" أَيْ زَمَنَ الاجْتِمَاعِ وَالأُلْفَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِك وَحْدَك 2 كَيْفَ وَقَدْ قَالَ جَابِرٌ "بِعْنَاهُنَّ عَلَى زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَشَطْرٍ مِنْ خِلافَةِ3 عُمَرَ" 4وَهُوَ قَوْلُ8 ابْنِ عَبَّاسٍ5.
وَعَنْ الثَّانِي: أَنَّهُ خَالَفَ السُّكُوتِيَّ، ثُمَّ هُوَ فِعْلٌ6.
وَعَنْ الثَّالِثِ: بِأَنَّهُ خَالَفَ فِي زَمَانِهِ7.
وَاسْتُدِلَّ لَهُ أَيْضًا: بِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ. فَسَاغَ الرُّجُوعُ8، وَإِلاَّ مَنَعَ الاجْتِهَادُ الاجْتِهَادَ9.
ـــــــ
1 ساقطة من ب ض ز ع.
2 رواه عبد الرزاق.
"انظر: تيسير التحرير 3/ 231-232، المعتمد 2/ 504، نهاية السول 2/ 386، كشف الأسرار 3/ 244، المستصفى 1/ 195، فواتح الرحموت 2/ 226".
3 في ب ض ع: ولاية.
4 في د: وقواه.
5أي أنه لم يتم الإجماع في زمن عمر، لأن جابراً وغيره خالف في ذلك وقتئذ، ولكن عَبيدة أراد أن يكون علي مع عمر والأكثر.
"انظر: المعتمد 2/ 504، نهاية السول 2/ 370، 386، كشف الأسرار 3/ 244، 248، الإحكام لابن حزم 1/ 516 وما بعدها، مناج العقول 2/ 385، المستصفى 1/ 195، فواتح الرحموت 2/ 226، الإحكام للآمدي 1/ 259، مختصر الطوفي ص 133".
6 ذهب بعض العلماء إلى جواز مخالفة الإجماع السكوتي بمعارض صحيح، لا بمجرد التشهي.
"انظر: شرح الورقات ص 170، الإحكام للآمدي 1/ 260".
7 انظر: المعتمد 2/ 504، كشف الأسرار 3/ 244، الإحكام للآمدي 1/ 260.
8 في ب ض: رجوع.
9 انظر: المستصفى 1/ 193، 194، الإحكام للآمدي 1/ 258، مختصر ابن الحاجب 2/ 38، فواتح الرحموت 2/ 225، تيسير التحرير 3/ 231، الروضة ص 73، مختصر الطوفي ص 133.(2/250)
أُجِيبُ: لا يَجُوزُ ؛ إذْ صَارَ الأَوَّلُ قَطْعِيًّا1.
وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا: بِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الرُّجُوعِ يَلْزَمُ مِنْهُ إلْغَاءُ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ بِتَقْدِيرِ الاطِّلاعِ عَلَيْهِ إذَا خَالَفَ إجْمَاعَهُمْ2.
أُجِيبَ لُزُومُ الإِلْغَاءِ مَمْنُوعٌ، لِتَوَقُّفِهِ عَلَى تَقْدِيرِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ أَوْ مُمْتَنِعٌ، لأَنَّ الْبَارِيَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَصَمَهُمْ عَنْ الاتِّفَاقِ عَلَى خِلافِ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالإِجْمَاعُ قَطْعِيٌّ، يُقَدَّمُ عَلَى الْخَبَرِ الظَّنِّيِّ3.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: رُدَّ لأَنَّهُ بَعِيدٌ. وَقِيلَ: مُحَالٌ4 لِلْعِصْمَةِ، ثُمَّ يَلْزَمُ لَوْ انْقَرَضُوا فَلا أَثَرَ لَهُ، لأَنَّ الإِجْمَاعَ قَاطِعٌ، وَلأَنَّهُ إنْ كَانَ عَنْ نَصٍّ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَإِلاَّ لَمْ يَجُزْ نَقْضُ اجْتِهَادٍ بِمِثْلِهِ، لا سِيَّمَا لِقِيَامِ الإِجْمَاعِ هُنَا5.
وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا: بِأَنَّ مَوْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْطُ دَوَامِ الْحُكْمِ. فَكَذَا هُنَا6.
أُجِيبَ: لإِمْكَانِ7 نَسْخِهِ. فَيُرْفَعُ قَطْعِيٌّ بِمِثْلِهِ8.
وَاسْتُدِلَّ لِقَوْلِ الأَكْثَرِ - الَّذِي هُوَ عَدَمُ اعْتِبَارِ9 انْقِرَاضِ الْعَصْرِ - بِأَدِلَّةِ
ـــــــ
1 انظر: المستصفى 1/192، 194، الإحكام للآمدي 1/ 260، فواتح الرحموت 2/ 226، تيسير التحرير 3/ 231، مختصر ابن الحاجب 2/ 38.
2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 259، مختصر ابن الحاجب 2/ 38، تيسير التحرير 3/ 231.
3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 260، تيسير التحرير 3/ 231.
4 انظر: في ش: يحال.
5 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 260.
6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 259.
7 في ش: بامكان. والأعلى من ز ض ب. وهو الموافق لعبارة الآمدي
8 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 260، المسودة ص 322.
9 ساقطة من ض.(2/251)
الإِجْمَاعِ. وَبِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ امْتَنَعَ الإِجْمَاعُ لِلتَّلاحُقِ1.
وَرُدَّ بِنُدْرَةِ إدْرَاكِهِ مُجْتَهِدًا.
وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا: بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُمْ حُجَّةً لَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِهِمْ كَالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2.
رُدَّ بِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَبِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ وَحْيٌ فَلَمْ يُقَسْ بِغَيْرِهِ3.
وَقَوْلُهُمْ: عَنْ اجْتِهَادٍ "لا عَدَدَ تَوَاتُرٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ4 لا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ انْعِقَادِ الإِجْمَاعِ أَنْ يَبْلُغَ الْمُجْمِعُونَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ. كَمَا لا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. فِي5 الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ عَنْ مُعْظَمِ الْعُلَمَاءِ ؛ لأَنَّ الْمَقْصُودَ اتِّفَاقُ مُجْتَهِدِي الْعَصْرِ، وَقَدْ حَصَلَ6.
ـــــــ
1 في ش و: المتلاحق.
وانظر: كشف الأسرار 3/ 244، المستصفى 1/ 192، شرح تنقيح الفصول ص 330، المسودة ص 321، 322، تيسير التحرير 3/ 231، نهاية السول 2/ 386، مناهج العقول 2/ 385، فواتح الرحموت 2/ 225، الإحكام للآمدي 1/ 256، 258، مختصر ابن الحاجب 2/ 38، الروضة ص 73، شرح الورقات ص 171، مختصر الطوفي ص 133.
2 أي أن الاتفاق والإجماع هو الحجّة، فإذا مات بعض المجتهدين فلا تبطل الحجة بموتهم، بأن يجوز للباقين الرجوع عنه، لأن الحجة بالاتفاق والقول، وليس بالموت.
"انظر: الإحكام للآمدي 1/ 256، المستصفى 1/ 192، والمراجع السابقة في هامش 1".
3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 156.
4 ساقطة من ش ز.
5 في ش: و.
6 وفي قول، لا يحصل الإجماع إلا بعدد التواتر، وهو قول الباقلاني وإمام الحرمين واختاره ابن السبكي.
"انظر: المستصفى 1/ 188، شرح الورقات ص 167، شرح تنقيح الفصول ص 341، أصول السرخسي 1/ 312، تيسير التحرير 3/ 235، فواتح الرحموت 2/ 221، الإحكام للآمدي 1/ 250، جمع الجوامع 2/ 181، المنخول ص 313، غاية الوصول ص 107، المسودة ص 330، مختصر الطوفي ص 130، الروضة ص 69، المدخل إلى مذهب أحمد ص 130، إرشاد الفحول ص 89".(2/252)
"فَلَوْ لَمْ يَكُنْ" فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ "إلاَّ" مُجْتَهِدٌ "وَاحِدٌ" وَلَمْ يَصِرْ مُخَالِفٌ أَهْلاً حَتَّى مَاتَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ "فَـ" قَوْلُهُ1 "إجْمَاعٌ" فِي ظَاهِرِ كَلامِ أَصْحَابِنَا. قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ. وَعَزَاهُ الْهِنْدِيُّ لِلأَكْثَرِينَ2.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي "الْوَاضِحِ": لَوْ قَلَّ عَدَدُ الاجْتِهَادِ فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الْوَاحِدُ وَالاثْنَانِ لِفِتْنَةٍ3 أَوْ غَيْرِهَا اسْتَوْعَبَتْهُمْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَلَّ الْقُرَّاءُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ بِكَثْرَةِ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانَ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مُسْتَقِلاًّ بِالإِجْمَاعِ وَلَمْ يَنْخَرِمْ لِعَدَمِ الْكَثْرَةِ، وَإِذَا4 كَانَ هَذَا الْعَدَدُ الْقَلِيلُ يَصْلُحُ لإِثْبَاتِ أَصْلِ5 الإِجْمَاعِ الْمَقْطُوعِ بِهِ. فَأَوْلَى أَنْ يَصْلُحَ لِفَكِّ الإِجْمَاعِ وَاخْتِلالِهِ بِمُخَالَفَتِهِ6.
"وَقَوْلُ مُجْتَهِدٍ" وَاحِدٍ "فِي" مَسْأَلَةٍ "اجْتِهَادِيَّةٍ تَكْلِيفِيَّةٍ" لِيُخْرِجَ مَا لا تَكْلِيفَ فِيهِ. كَقَوْلِ الْقَائِلِ مَثَلاً: عَمَّارٌ7 أَفْضَلُ مِنْ حُذَيْفَةَ8 "إنْ انْتَشَرَ"
ـــــــ
1 ساقطة من ض.
2 وخالف جماعة، فقال بعضهم: لا يكون الإجماع إلا من اثنين فصاعداً. واعتبر الجويني وغيره عدد التواتر كما سبق في هامش رقم 6 من الصفحة السابقة.
"انظر: المستصفى 1/ 188، الإحكام للآمدي 1/ 251، جمع الجوامع 2/ 181، شرح الورقات ص 167، شرح تنقيح الفصول ص 341 وما بعدها، نهاية السول 2/ 337، المنخول ص 313، مختصر ابن الحاجب 2/ 36، فواتح الرحموت 2/ 221، تيسير التحرير 3/ 224، 236، غاية الوصول ص 107، مختصر الطوفي ص 130، إرشاد الفحول ص 90".
3 في ض: لفتنته.
4 في ع: وإن.
5 في ش ز ض: أهل.
6 في ش: لمخالفته.
7 في ش: عبَّاد. وهو خطأ.
8 هو الصحابي حذيفة بن اليمان، أبو عبد الله، حليف بني عبد الأشهل من الأنصار، وأصله من اليمن، أسلم حذيفة وأبوه. وهاجرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد أحداً...............=(2/253)
قَوْلُهُ "وَمَضَتْ مُدَّةٌ يُنْظَرُ1 فِيهَا" ذَلِكَ الْقَوْلُ "وَتَجَرَّدَ" قَوْلُهُ "عَنْ قَرِينَةِ رِضًى وَسُخْطٍ، وَلَمْ يُنْكَرْ" وَكَانَ ذَلِكَ "قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ" لِيُخْرِجَ مَا اُحْتُمِلَ أَنَّهُ قَالَهُ تَقْلِيدًا لِغَيْرِهِ "إجْمَاعٌ ظَنِّيٌّ" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ2 وَالْمَالِكِيَّةِ. وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ3 أَصْحَابِهِ4.
ـــــــ
= فقتل أبوه يومئذ، وشهد حذيفة الخندق وما بعدها. وأسلمت أمه، وهاجرت. وكان حذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين، يعلمهم وحده. وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وحده ليلة الأحزاب، وحضر حرب نهاوند، وحمل الراية بعد مقتل أمير الجيش النعمان بن مقرن. وفتح حذيفة الري وهَمَذان والدينور، وشهد فتح الجزيرة، وولاه عمر المدائن، فتوفي فيها سنة 36هـ. وكان كثير السؤال لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحاديث الفتنة والشر ليتجنبها. ومناقبه كثيرة رضي الله عنه.
انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 317، الاستيعاب 1/ 277، تهذيب الأسماء 1/ 154، الخلاصة ص 74، حلية الأولياء 1/ 270، 354".
1 في ش: لينظر.
2 نقل الكلام بن الهمام وابن عبد الشكور الحنفيان أن الإجماع السكوتي قطعي عند أكثر الحنفية. وقال عبد العزيز البخاري: "كان ذلك إجماعاً مقطوعاً به عند أكثر أصحابنا". "كشف الأسرار 2/ 228". واختار الآمدي من الشافعية، وابن الحاجب من المالكية، والكرخي من الحنفية أنه إجماع ظني.
"انظر: تيسير التحرير 3/ 246، فواتح الرحموت 2/ 232، 234، الإحكام للآمدي 1/ 252، مختصر ابن الحاجب 2/ 37".
3 في ش: وأكثر و.
4 انظر: المستصفى 1/ 191، القواعد والفوائد الأصولية ص 294، شرح تنقيح الفصول ص 330، الإحكام لابن حزم 1/ 507، 508، نهاية السول 2/ 375، المسودة ص 334، 335، أصول السرخسي 1/ 303، 308 وما بعدها، شرح الورقات ص 174 وما بعدها، اللمع ص 52، المتعمد 2/ 532، مناهج العقول 2/ 373، المحلي والبناني وتقريرات الشربيني على جمع الجوامع 2/ 188، الإحكام للآمدي 1/ 252، مختصر ابن الحاجب 2/ 37، تيسير التحرير 3/ 246، مختصر الطوفي ص 133، المدخل إلى مذهب أحمد ص 131، التمهيد للإسنوي ص 136، الروضة ص 76، غاية الوصول ص 108، إرشاد الفحول ص 84، الوسيط في أصول الفقه ص 107.(2/254)
وَذَلِكَ: لأَنَّ الظَّاهِرَ الْمُوَافَقَةُ لِبُعْدِ سُكُوتِهِمْ عَادَةً. وَلِذَلِكَ1 يَأْتِي فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ وَالتَّابِعِيِّ فِي مَعْرِضِ الْحُجَّةِ: "كَانُوا يَقُولُونَ أَوْ يَرَوْنَ" وَنَحْوُهُ2، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، وَسُكُوتُهُمْ يُشْعِرُ بِالْمُوَافَقَةِ، وَإِلاَّ لأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَهُوَ مُسْتَمَدٌّ مِنْ سُكُوتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عَلَى3 فِعْلِ أَحَدٍ بِلا دَاعٍ4؟.
وَفِي "شَرْحِ الْوَسِيطِ" لِلنَّوَوِيِّ: الصَّوَابُ مِنْ5 مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ حُجَّةٌ وَإِجْمَاعٌ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ6. اهـ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي "الْفُنُونِ"، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرِ ابْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا: لا يَكُونُ إجْمَاعًا7 وَلا حُجَّةً8، لاحْتِمَالِ تَوَقُّفِ السَّاكِتِ، أَوْ ذَهَابِهِ إلَى تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ.
ـــــــ
1 في ش: وكذلك.
2 سيأتي الكلام على هذه النقطة تفصيلاً في فصل مستند الصحابي في هذا المجلد.
3 في ز ش: هل.
4 انظر: كشف الأسرار 3/ 228، 230 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 233، أصول السرخسي 1/ 305، تيسير التحرير 3/ 247، المعتمد 2/ 533 وما بعدها، نهاية السول 2/ 376، الإحكام للآمدي 1/ 252، المنخول ص 318، جمع الجوامع 2/ 188، مختصر ابن الحاجب 2/ 37، الإحكام لابن حزم 1/ 507، مناهج العقول 2/ 374، اللمع ص 49، إرشاد الفحول ص 84.
5 ساقطة من ض.
6 قال ابن السبكي: "والصحيح حجة ... وفي كونه إجماعاً تردد". "جمع الجوامع 2/ 189، 191".
وانظر: اللمع ص 49، غاية الوصول ص 108، فتاوى ابن تيمية 20/ 14.
7 في ب: إجماع.
8 وهو الأصح عند الرازي، وهناك قول ثالث أنه ليس بإجماع، ولكنه حجة، لأن الظاهر الموافقة. وهناك أقوال أخرى كثيرة.
"انظر: المستصفى 1/ 191، 192، المحلي على جمع الجوامع وتقريرات الشربيني عليه 2/ 187، 189، نهاية السول 2/ 375، مختصر ابن الحاجب 1/ 37، الإحكام للآمدي 1/ 252.....=(2/255)
حَكَاهُ الْبَاقِلاَّنِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي "الْمَنْخُولِ": نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ1.
وَاسْتُدِلَّ لَهُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَهِدْ، أَوْ اجْتَهَدَ وَوَقَفَ2، أَوْ خَالَفَ وَكَتَمَ لِلتَّرَوِّي وَالنَّظَرِ، أَوْ3 لأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، أَوْ وَقَّرَ الْقَائِلَ أَوْ هَابَهُ4.
وَرَدَّهُ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الأَوَّلِ بِأَنَّهُ خِلافُ الظَّاهِرِ، لا سِيَّمَا فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ مَعَ طُولِ بَقَائِهِمْ. وَاعْتِقَادُ الإِصَابَةِ لا يَمْنَعُ5 النَّظَرَ لِتَعَرُّفِ الْحَقِّ. كَالْمَعْرُوفِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ6.
ـــــــ
= مناهج العقول 2/ 373، أصول السرخسي 1/ 303، تيسير التحرير 3/ 246، فواتح الرحموت 2/ 232، 233، كشف الأسرار 3/ 229، 230، شرح تنقيح الفصول ص 330، الإحكام لابن حزم 1/ 566، غاية الوصول ص 108، اللمع ص 49، 52، التمهيد ص 136، الروضة ص 76، المسودة ص 335، 336، مختصر الطوفي ص 134، المعتمد 2/ 533، إرشاد الفحول ص 84-85، الوسيط في أصول الفقه ص 107.
1 المنخول ص 318. وقال الغزالي في "المستصفى": "واختار أنه ليس بإجماع ولا حجة". "المستصفى 1/ 191". وانظر: نهاية السول 2/ 375.
2 في ض ع: ووافق. وكذا في ب. لكنها صححت على الهامش كالأعلى.
3 في ش: و.
4 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 330، المعتمد 2/ 534 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب 2/ 37، أصول السرخسي 1/ 229، 303، المستصفى 1/ 192، الإحكام للآمدي 1/ 252، نهاية السول 2/ 376، مناهج العقول 2/ 373، المنخول ص 318-319، غاية الوصول ص 108، الروضة ص 77، مختصر الطوفي ص 134، إرشاد الفحول ص 84.
5 في ش: تمنع.
6 في ش: ز: حالهم.
وانظر: مناهج العقول 2/ 372، الإحكام 1/ 253، تيسير التحرير 3/ 247، المعتمد 2/ 533 وما بعدها، 539، أصول السرخسي 1/ 306 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 233، مختصر ابن الحاجب 2/ 37، اللمع ص 49، الروضة ص 77، مختصر الطوفي ص 134.(2/256)
وَ "لا" يَكُونُ "الأَخْذُ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ، كَدِيَةِ الْكِتَابِيِّ الثُّلُثُ" إجْمَاعًا لِلْخِلافِ فِي الزَّائِدِ، خِلافًا لِمَنْ ظَنَّهُ إجْمَاعًا1، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ2؛ لأَنَّ قَوْلَهُ يَشْتَمِلُ3 عَلَى وُجُوبِ الثُّلُثِ وَنَفْيِ الزَّائِدِ. وَالإِجْمَاعُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الزَّائِدِ، بَلْ عَلَى وُجُوبِ الثُّلُثِ فَقَطْ وَهُوَ بَعْضُ الْمُدَّعَى. فَالثُّلُثُ4 وَإِنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، لَكِنْ نَفْيُ الزِّيَادَةِ5 لَمْ يَكُنْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ. فَالْمَجْمُوعُ لا يَكُونُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، وَالْقَائِلُ بِالثُّلُثِ مَطْلُوبُهُ مُرَكَّبٌ مِنْ أَمْرَيْنِ6: مِنَ7 الثُّلُثِ وَنَفْيِ الزِّيَادَةِ، فَلا يَكُونُ مَذْهَبُهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ. فَالأَخْذُ بِمِثْلِ ذَلِكَ مُرَكَّبٌ مِنْ الإِجْمَاعِ وَالْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ. فَإِنَّ إيجَابَ الثُّلُثِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَوُجُوبُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ مَدْفُوعٌ بِالْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ8.
ـــــــ
1 قال الإمام الشافعي: إن دية الكتابي ثلث دية المسلم أخذاً بأقل ما قيل في ديته، فظن بعض العلماء أن الإمام الشافعي يعتبر ذلك إجماعاً، وأنه استند على الإجماع، وهو غير صحيح كما بينه علماء الشافعية في كتبهم الأصولية، حتى قال الغزالي رحمه الله: "وهو سوء ظن الشافعي رحمه الله". وأشار إلى ذلك أيضاً الكمال بن الهمام رحمه الله.
"انظر: المستصفى 1/ 216، غاية الوصول ص 108، الإحكام للآمدي 1/ 281، تيسير التحرير 3/ 258، الوجيز للغزالي 2/ 140، فواتح الرحموت 2/ 241، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 187، الوسيط في أصول الفقه ص 146".
2 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 43، مختصر الطوفي ص 137، المستصفى 1/ 216، الإحكام للآمدي 1/ 281، الروضة ص 79.
3 في ب: مشتمل.
4 في ع: والثلث.
5 في ض: الزائد.
6 في ش: أمور.
7 ساقطة من ض ع.
8 انظر: تيسير التحرير 3/ 258، الإحكام للآمدي 1/ 281، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، البناني على جمع الجوامع 2/ 187، المستصفى 1/ 216، الروضة ص 79، فواتح الرحموت 2/ 242، الوسيط في أصول الفقه ص 147.(2/257)
"وَلا" إجْمَاعَ "يُضَادُّ" إجْمَاعًا "آخَرَ" عِنْدَ الْجُمْهُورِ1؛ لأَنَّهُ إذَا انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى حُكْمٍ مِنْ الأَحْكَامِ لا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ بَعْدَهُ إجْمَاعٌ يُضَادُّهُ، لاسْتِلْزَامِ ذَلِكَ تَعَارُضَ دَلِيلَيْنِ قَطْعِيَّيْنِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ2.
وَجَوَّزَهُ3 أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ4.
ـــــــ
1 هذا الحكم إذا كان الإجماع الثاني من غير أهل الإجماع الأول. أما إذا كان الإجماع الثاني من أهل الإجماع الأول فالمسألة فيها اختلاف. وهذا الاختلاف متفرع عن اختلاف العلماء في جواز رجوع المجمعين أو بعضهم عن الإجماع أم لا، وجواز الرجوع وعدمه مبني أيضاً على اشتراط انقراض العصر في الإجماع أو عدم اشتراطه، وقد سبق بيان ذلك ص 246-252.
2 انظر: جمع الجوامع 2/ 200، المعتمد 2/ 497، غاية الوصول ص 109، إرشاد الفحول ص 85.
3 قال الرازي –عن جواز الإجماع بعد الإجماع: وهو الأولى. وقال الصفي الهندي: ومأخذ أبي عبد الله قوي. واختار هذا القول البزدوي وأكده، وأنه يجوز نسخ الإجماع بالإجماع.
"انظر: كشف الأسرار 3/ 262، المعتمد 2/ 497، غاية الوصول ص 110، تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 2/ 200، إرشاد الفحول ص 85-86، الوسيط في أصول الفقه ص 138".
4 هو الحسين بن علي، أبو عبد الله البصري الحنفي. ويعرف بالجُعْل، شيخ المتكلمين، وأحد شيوخ المعتزلة، أخذ الاعتزال وعلم الكلام عن أبي علي بن خلاد، ثم أخذه عن أبي هاشم الجبائي، وبلغ بجده واجتهاده ما لم يبلغه غيره من أصحاب أبي هاشم، كما لازم مجلس أبي الحسن الكرخي زمناً طويلاً. وله تصانيف كثيرة في الاعتزال والفقه والكلام، وكان مقدماً في علمي الفقه والكلام، ويملي فيهما، ويدرسهما، وصبر على شدائد الدنيا دون أن يناله منها حظ، مع زهده فيها، وهو شيخ القاضي عبد الجبار الذي نقل عنه كثيراً في "شرح الأصول الخمسة". ومن كتبه: "شرح مختصر أبي الحسن الكرخي"، و"كتاب الأشربة"، و"تحليل نبيذ التمر"، و"كتاب تحريم المتعة"، و"جواز الصلاة بالفارسية". توفي سنة 369هـ. وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الفوائد البهية ص 67، الجواهر المضيئة 1/ 216، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 143، الفهرست ص 248، 294، شذرات الذهب 3/ 68، تاريخ بغداد 8/ 73، فرق وطبقات المعتزلة ص 111، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص 325، طبقات المفسرين 1/ 155، أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 165".(2/258)
"وَلا" إجْمَاعَ "عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ لأَنَّ الإِجْمَاعَ لا يَكُونُ إلاَّ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ، وَالْمُجْتَهِدُ لا يَقُولُ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ. فَإِنَّ الْقَوْلَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ خَطَأٌ. وَأَيْضًا فَكَانَ يَقْتَضِي إثْبَاتَ شَرْعٍ مُسْتَأْنَفٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَاطِلٌ ؛ وَلأَنَّهُ1 مُحَالٌ عَادَةً، فَكَالْوَاحِدِ مِنْ الأُمَّةِ2. وَالدَّلِيلُ: إمَّا الْكِتَابُ، كَإِجْمَاعِهِمْ3 عَلَى حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِمَّا السُّنَّةُ، كَإِجْمَاعِهِمْ4 عَلَى تَوْرِيثِ كُلٍّ مِنْ الْجَدَّاتِ5 السُّدُسَ وَنَحْوِهِ6. وَيَأْتِي الْقِيَاسُ7.
وَخَالَفَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ بِالْبَحْثِ وَالْمُصَادَفَةِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الإِجْمَاعَ قَدْ يَكُونُ عَنْ تَوْفِيقٍ8 مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ.
ـــــــ
1 في ش ز: لأنه.
2 انظر: كشف الأسرار 3/ 263، الإحكام للآمدي 1/ 261، جمع الجوامع 2/ 195، شرح تنقيح الفصول ص 339، المسودة ص 330، أصول السرخسي 1/ 301، تيسير التحرير 3/ 254، فواتح الرحموت 2/ 238، مناهج العقول 2/ 279، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، المعتمد 2/ 520، نهاية السول 2/ 380، اللمع ص 48، مختصر الطوفي ص 136، غاية الوصول ص 108، إرشاد الفحول ص 79، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132، الوسيط في أصول الفقه ص 114.
3 في ز ش: كاجتماعهم.
4 في ش ب ز: فكإجماعهم.
5 في ش: من الجدين. وهو خطأ.
6 انظر: المعتمد 2/ 522، شرح تنقيح الفصول ص 339-340، أصول السرخسي 1/ 301، كشف الأسرار 3/ 263، اللمع ص 48، مختصر الطوفي ص 136.
7 سيأتي في الصفحة بعد التالية.
8 في ش ز ب: توقيف. والأعلى من ض وهامش ب، وهو الموافق لما جاء في المعتمد ونهاية السول.(2/259)
وَأَجَابُوا عَمَّا سَبَقَ بِأَنَّ الْخَطَأَ 1إنَّمَا هُوَ فِي الْوَاحِدِ مِنْ الأُمَّةِ. أَمَّا فِي جَمِيعِ الأُمَّةِ فَلا2.
وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْخَطَأَ9 إذَا اجْتَمَعَ لا يَنْقَلِبُ صَوَابًا؛ لأَنَّ الصَّوَابَ فِي قَوْلِ الْكُلِّ إنَّمَا هُوَ مُرَاعَاةُ عَدَمِ الْخَطَإِ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ3.
قَالَ4 الْمُخَالِفُ: لَوْ كَانَ الإِجْمَاعُ عَنْ دَلِيلٍ كَانَ الدَّلِيلُ هُوَ الْحُجَّةُ فَلا فَائِدَةَ فِيهِ5.
وَرُدَّ بِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ فِي نَفْسِهِ. وَهُوَ عَنْ دَلِيلٍ هُوَ الْوَحْيُ، ثُمَّ فَائِدَتُهُ: سُقُوطُ الْبَحْثِ عَنَّا6 عَنْ دَلِيلِهِ. وَحُرْمَةُ الْخِلافِ7 الْجَائِزِ قَبْلَهُ. وَبِأَنَّهُ يُوجِبُ عَدَمَ انْعِقَادِهِ عَنْ دَلِيلٍ8.
ـــــــ
1 ساقطة من ض.
2 وهو قول القاضي عبد الجبار المعتزلي.
"انظر: الإحكام للآمدي 1/ 261، المحلي على جمع الجوامع 2/ 195، نهاية السول 2/ 380، المعتمد 2/ 520، تيسير التحرير 3/ 255، المسودة ص 330، شرح تنقيح الفصول ص 339، فواتح الرحموت 2/ 238، كشف الأسرار 3/ 263، غاية الوصول ص 108، إرشاد الفحول ص 79".
3 انظر: المعتمد 2/ 520.
4 في ع: وقال.
5 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 263، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، الإحكام لابن حزم 1/ 505، نهاية السول 2/ 381، المعتمد 2/ 521، مناهج العقول 2/ 380، كشف الأسرار 3/ 263، فواتح الرحموت 2/ 239.
6 ساقطة من ش.
7 ساقطة من ض.
8 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 263، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، المعتمد 2/ 521، نهاية السول 2/ 381، مناهج العقول 2/ 380، كشف الأسرار 3/ 263، فواتح الرحموت 2/ 239.(2/260)
"وَيَجُوزُ" كَوْنُ الإِجْمَاعِ "عَنْ اجْتِهَادٍ وَقِيَاسٍ، وَوَقَعَ" عَنْ اجْتِهَادٍ وَقِيَاسٍ "وَتَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ" أَيْ مُخَالَفَةُ الإِجْمَاعِ الْوَاقِعِ عَنْ اجْتِهَادٍ أَوْ قِيَاسٍ عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ1.
وَخَالَفَ ابْنُ حَزْمٍ، وَالظَّاهِرِيَّةُ وَالشِّيعَةُ فِي الْجَوَازِ2.
وَقَوْمٌ فِي الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ3، وَقَوْمٌ فِي الْوُقُوعِ4.
أَمَّا وُقُوعُ الإِجْمَاعِ بِالْقِيَاسِ: فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي نَحْوِ الشَّيْرَجِ تَقَعُ فِيهِ الْفَأْرَةُ
ـــــــ
1 انظر: المستصفى 1/ 196، الإحكام للآمدي 1/ 264، جمع الجوامع 2/ 184، مناهج العقول 2/ 382، المنخول ص 309، غاية الوصول ص 107، نهاية السول 2/ 383، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، شرح تنقيح الفصول ص 339، المسودة ص 328، 330، أصول السرخسي 1/ 301، تيسير التحرير 3/ 256، فواتح الرحموت 2/ 239، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132، مختصر الطوفي ص 136، الروضة ص 77، إرشاد الفحول ص 79، اللمع ص 48، المعتمد 2/ 495، 524 وما بعدها، الوسيط في أصول الفقه ص 121.
2 وهو قول ابن جرير الطبري أيضاً والحاكم صاحب "المختصر" من الحنفية، والقاشاني من المعتزلة.
"انظر: المسودة ص 328، 330، جمع الجوامع 2/ 184، الإحكام لابن حزم 1/ 495، نهاية السول 2/ 383، كشف الأسرار 3/ 263 وما بعدها، المستصفى 1/ 196، فواتح الرحموت 2/ 239، الإحكام للآمدي 1/ 264، مختصر ابن الحاجب 3/ 39، مختصر الطوفي ص 136، اللمع ص 48، الروضة ص 77، إرشاد الفحول ص 79، غاية الوصول ص 107، المعتمد 2/ 495، 524".
3 وهو قول عند الشافعية حكاه ابن القطان في قياس الشبه، وحكاه ابن الصباغ عن بعض الشافعية في الأمارة الخفية.
"انظر: تيسير التحرير 3/ 256، المعتمد 2/ 524، نهاية السول 2/ 383، الإحكام للآمدي 1/ 264، جمع الجوامع 2/ 184، غاية الوصول ص 107، إرشاد الفحول ص 79، 80".
4 انظر: المستصفى 1/ 196، الإحكام للآمدي 1/ 264، نهاية السول 2/ 383، جمع الجوامع 2/ 184، المنخول ص 308، فواتح الرحموت 2/ 239، المعتمد 2/ 524 وما بعدها، أصول السرخسي 1/ 302، تيسير التحرير 3/ 256، الروضة ص 78، غاية الوصول ص 107، مختصر ابن الحاجب 2/ 39.(2/261)
فَتَمُوتُ: يُرَاقُ قِيَاسًا عَلَى السَّمْنِ1. وَقَالُوا: بِتَحْرِيمِ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ قِيَاسًا2 عَلَى لَحْمِهِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ3، وَقِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ4. وَالأَصْلُ عَدَمُ النَّصِّ ثُمَّ لَوْ كَانَ نَصٌّ لَظَهَرَ وَاحْتُجَّ بِهِ5.
"وَفِي قَوْلِ" ابْنِ حَامِدٍ وَجَمْعٍ "يَكْفُرُ مُنْكِرُ حُكْمِ" إجْمَاعٍ "قَطْعِيٍّ6".
ـــــــ
1 روى أبو داود وابن حبان في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تقع في السمن؟ فقال: "إن كان جامداً فألقوه وما حوله وكلوه، وإن كان مائعاً فلا تقربوه".
"انظر: سنن أبي داود 2/ 328 موارد الظمآن ص 331، تيسير التحرير 3/ 256، نهاية السول 2/ 383، الإحكام للآمدي 1/ 264".
2 في ش ز: يراق قياساً.
3 قياساً على إمامته بالصلاة كما في الصحيحين وغيرهما، وكذا قياس حد الشرب للخمر على حد القذف.
"انظر: تيسير التحرير 3/ 256، نهاية السول 2/ 383، فواتح الرحموت 2/ 239 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 264، 265، مختصر ابن الحاجب 2/ 239".
4 قياساً على تاركي الصلاة، لأن الله تعالى جمع بينهما، فقال أبو بكر رضي الله عنه: "والله، ما فرقت بين ما جمع الله، قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} الآية 43 من البقرة، وفي آيات أخرى.
"انظر: الإحكام للآمدي 1/ 264".
5 انظر أمثلة أخرى للإجماع المبني على الاجتهاد والقياس في أصول السرخسي 1/ 301، نهاية السول 2/ 383، مناهج العقول 2/ 382، كشف الأسرار 3/ 264، المستصفى 1/ 196، فواتح الرحموت 2/ 239، الإحكام للآمدي 1/ 264، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، المنخول ص 309، الروضة ص 78.
6 انظر: كشف الأسرار 3/ 261، فواتح الرحموت 2/ 243، تيسير التحرير 3/ 258، الإحكام للآمدي 1/ 282، نهاية السول 2/ 387، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/ 197، 201، شرح تنقيح الفصول ص 337، المسودة ص 344، مختصر الطوفي ص 137، غاية الوصول ص 110، إرشاد الفحول ص 78، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132، أصول السرخسي 1/ 318، الوسيط في أصول الفقه ص 104.(2/262)
وَفِي قَوْلِ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَجَمْعٍ: لا، وَيَفْسُقُ1.
وَالطُّوفِيُّ وَالآمِدِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا: يَكْفُرُ بِنَحْوِ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ2.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، مَعَ أَنَّهُ حُكِيَ الأَوَّلُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَلا أَظُنُّ أَحَدًا3 لا يُكَفِّرُ 4مَنْ جَحَدَ هَذَا5. اهـ.
وَالْحَقُّ أَنَّ مُنْكِرَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الضَّرُورِيِّ وَالْمَشْهُورِ وَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَافِرٌ قَطْعًا. وَكَذَا الْمَشْهُورُ فَقَطْ لا الْخَفِيُّ. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": فِي الأَصَحِّ فِيهِمَا5. وَمِثَالُ الْخَفِيِّ: إنْكَارُ اسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الابْنِ السُّدُسَ مَعَ الْبِنْتِ، وَتَحْرِيمُ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، وَإِفْسَادُ الْحَجِّ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَهَذَا لا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ لِعُذْرِ الْخَفَاءِ، خِلافًا لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ فِي قَوْلِهِ:
ـــــــ
1 انظر: المعتمد 2/ 524، نهاية السول 2/ 287، المنخول ص 309، الإحكام للآمدي 1/ 282، المسودة ص 344، تيسير التحرير 3/ 260، فواتح الرحموت 2/ 243، كشف الأسرار 3/ 261، مختصر الطوفي ص 137، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132، غاية الوصول ص 110، الوسيط في أصول الفقه ص 105.
2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 282، مختصر الطوفي ص 137، نهاية السول 2/ 387، كشف الأسرار 3/ 262، تيسير التحرير 3/ 259، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132.
3 في ض: أحد.
4 في ش ز: جاحدها. وانظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 201.
5 في ش: فيها.
وهذا ما أكده القرافي وابن السكن أيضاً. وهناك أقوال أخرى تفصل بين حالات وحالات.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص 337، جمع الجوامع 2/ 201، 202، كشف الأسرار 3/ 262، فواتح الرحموت 2/ 244، تيسير التحرير 3/ 259، 260، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132، غاية الوصول ص 110".(2/263)
إنَّهُ يَكْفُرُ، لِتَكْذِيبِهِ الأُمَّةَ1.
وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْهُمْ صَرِيحًا إذَا فُرِضَ أَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِ2.
"وَإِذَا" كَانَ مُجْتَهِدُو عَصْرٍ "اخْتَلَفُوا" فِي مَسْأَلَةٍ "عَلَى قَوْلَيْنِ حَرُمَ إحْدَاثُ" قَوْلٍ "ثَالِثٍ" مُطْلَقًا عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ3 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ وَعَامَّةِ الْفُقَهَاءِ4.
قَالَ5 ابْنُ مُفْلِحٍ: كَمَا لَوْ أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ. فَإِنَّهُ يَحْرُمُ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَانٍ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي "الرِّسَالَةِ6".
ـــــــ
1 المدخل إلى مذهب أحمد ص 132.
2 المدخل إلى مذهب أحمد المرجع السابق.
3 ساقطة من ع.
4 وهو قول الجمهور. قال الكيا الهراسي: إنه الصحيح، وبه الفتوى. وجزم به القفال الشاشي، والقاضي أبو الطيب الطبري والروياني والصيرفي، ولم يحكيا خلافه إلا عن بعض المتكلمين.
"انظر: إرشاد الفحول ص 86، شرح تنقيح الفصول ص 326، 328، المسودة ص 326، أصول السرخسي 1/ 310، 319، الإحكام لابن حزم 1/ 507، تيسير التحرير 3/ 250، كشف الأسرار 3/ 234، فواتح الرحموت 2/ 235، المعتمد 2/ 505، 506، نهاية السول 2/ 361، المستصفى 1/ 198، الإحكام للآمدي 1/ 268، مناهج العقول 2/ 359، جمع الجوامع 2/ 197، المنخول ص 320، غاية الوصول ص 109، اللمع ص 52، مختصر الطوفي ص 134، الروضة ص 75، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، المدخل إلى مذهب أحمد ص 131، أصول مذهب أحمد ص 361، 363".
5 في ب ض: قاله.
6 يقول الشافعي رحمه الله: "فلم يكن لي عندي خلافهم، ولا الذهاب إلى القياس، والقياس مُخْرِجٌ من جميع أقاويلهم". الرسالة ص 596".
وانظر: الروضة ص 76، أصول السرخسي 1/ 310، تيسير التحرير 3/ 250، كشف الأسرار 3/ 235، المستصفى 1/ 199.(2/264)
وَقَالَ الآمِدِيُّ وَالطُّوفِيُّ وَجَمْعٌ: إنْ رَفَعَ1 الْقَوْلُ الثَّالِثُ حُكْمًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ حَرُمَ إحْدَاثُهُ وَإِلاَّ فَلاَ2.
فَمِثَالُ مَا يَرْفَعُ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ: إذَا3 رَدَّ بِكْرًا بِعَيْبٍ بَعْدَ وَطْئِهَا مَجَّانًا. فَهَذَا الْقَوْلُ يَحْرُمُ إحْدَاثُهُ. فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْبِكْرِ إذَا وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قِيلَ: تُرَدُّ مَعَ الأَرْشِ. وَقِيلَ: لا تُرَدُّ بِوَجْهٍ. فَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا تُرَدُّ مَجَّانًا رَافِعٌ لإِجْمَاعِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى مَنْعِ الرَّدِّ قَهْرًا مَجَّانًا4.
وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: "قَهْرًا" عَمَّا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الرَّدِّ مَعَ الأَرْشِ، أَوْ عَلَى الإِمْسَاكِ وَأَخْذِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ جَازَ، وَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الإِمْسَاكِ وَأَخْذِ الأَرْشِ وَبَيْنَ الرَّدِّ وَإِعْطَاءِ الأَرْشِ إنْ لَمْ يَكُنْ 5الْبَائِعُ دَلَّسَ4. فَإِنْ دَلَّسَ لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي أَرْشٌ.
ـــــــ
1 في ش ز: وقع.
2 هذا التفصيل مروي عن الشافعي. واختاره المتأخرون من أصحابه، ورجحه جماعة من الأصوليين، منهم ابن الحاجب وابن بدران والطوفي والقرافي والرازي وابن السبكي.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص 326، 328، نهاية السول 2/ 361، جمع الجوامع 2/ 197، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، كشف الأسرار 3/ 235، فواتح الرحموت 2/ 235، تيسير التحرير 3/ 250، مختصر الطوفي ص 135، غاية الوصول ص 109، مناهج العقول 2/ 359، الإحكام للآمدي 1/ 269، إرشاد الفحول ص 86، المدخل إلى مذهب أحمد ص 131، أصول مذهب أحمد ص 361، 365، الوسيط في أصول الفقه ص 47".
3 ساقطة من ض.
4 انظر أمثلة أخرى في "الإحكام للآمدي 1/ 269، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، شرح تنقيح الفصول ص 326، 328، المدخل إلى مذهب أحمد ص 131، غاية الوصول ص 109، تيسير التحرير 3/ 250 وما بعدها، نهاية السول 2/ 362، المستصفى 1/ 199، مناهج العقول 2/ 359، كشف الأسرار 3/ 235، فواتح الرحموت 2/ 235، أصول مذهب أحمد ص 361، المحلي وتقريرات الشربيني على جمع الجوامع 2/ 197، 198".
5 في ب ز ض ع: دلّس البائع.(2/265)
وَمِثَالُ مَا لا يَرْفَعُ مُجْمَعًا: الْفَسْخُ فِي النِّكَاحِ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ: الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَنَحْوِهَا إنْ كَانَ فِي الزَّوْجِ، وَالرَّتْقِ وَالْفَتْقِ وَنَحْوِهِمَا إنْ كَانَ فِي الزَّوْجَةِ. فَقِيلَ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا 1أَنْ يَفْسَخَ5 بِهَا. وَقِيلَ: لا. كَمَا2 نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُفْسَخُ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ3.
وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تَفْسَخُ دُونَ الرَّجُلِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْخَلاصِ بِالطَّلاقِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، بَلْ وَافَقَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ قَوْلاً، وَإِنْ خَالَفَهُ فِي أُخْرَى.
وَصَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِكَوْنِ هَذَا التَّفْصِيلِ لا مَعْنَى لَهُ ؛ إذْ لا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ إنْ اسْتَلْزَمَ إبْطَالَ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ يَكُونُ مَرْدُودًا، لَكِنَّ الْخَصْمَ يَقُولُ: إنَّهُ4 مُسْتَلْزِمٌ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضٍ لا يَسْتَلْزِمُ فَالْكَلامُ فِي الْكُلِّ5.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ، وَذَكَرَهُ6 فِي "التَّمْهِيدِ":
ـــــــ
1 في ز: الفسخ.
2 في ب ض ع: فما.
3 انظر أمثلة أخرى في "الإحكام للآمدي 1/ 269، 270، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، أصول السرخسي 1/ 319، تيسير التحرير 3/ 251، نهاية السول 2/ 361، مناهج العقول 2/ 359، كشف الأسرار 3/ 235، فواتح الرحموت 2/ 236، المحلي على جمع الجوامع 2/ 198، المدخل إلى مذهب أحمد ص 131، غاية الوصول ص 102، أصول مذهب أحمد ص 361".
4في ش ز: لأنه.
5 وهذه الحالة يصبح حكمها كالمسألة الآتية في إحداث تفصيل بعد الاختلاف على قولين، وقد جعل الآمدي وابن الحاجب وغيرهما مسألة إحداث القول الثالث ومسألة التفصيل مسألة واحدة، لكن الأسنوي والقرافي يريان أن هناك فرقاً بينهما.
"انظر: نهاية السول 2/ 365، البناني على جمع الجوامع 2/ 197، المراجع السابقة في هامش 3".
6 في ش ب ز ع: وذكر.(2/266)
إنَّ ظَاهِرَ كَلامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لا يَحْرُمُ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ مُطْلَقًا1؛ لأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ قَالَ: لا يَقْرَأُ الْجُنُبُ حَرْفًا2. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْرَأُ مَا شَاءَ. فَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَقْرَأُ بَعْضَ آيَةٍ. وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي فِي قِرَاءَةِ الْجُنُبِ. قُلْنَا بِهَذَا مُوَافَقَةً لِكُلِّ قَوْلٍ. وَلَمْ نَخْرُجْ3 عَنْهُمْ. اهـ. وَلأَنَّهُ لَمْ يَخْرِقْ إجْمَاعًا سَابِقًا. فَإِنَّهُ قَدْ لا يَرْفَعُ شَيْئًا مِمَّا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ. قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ4.
"وَلا" يَحْرُمُ إحْدَاثُ "تَفْصِيلٍ" أَيْ قَوْلٍ مُفَصَّلٍ "إذَا اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ" حَالَ كَوْنِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ "إثْبَاتًا" وَالآخَرِ "نَفْيًا" عِنْدَ الْقَاضِي. وَحَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ5.
ـــــــ
1 وهو قول الظاهرية وبعض الحنفية، وهناك أقوال أخرى، كمنع الثالث بعد اختلاف الصحابة، دون غيرهم.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص 328، المسودة ص 326، أصول السرخسي 1/ 310، 319، تيسير التحرير 3/ 251، فواتح الرحموت 2/ 235، كشف الأسرار 3/ 235 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 268، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، المنخول ص 320، مناهج العقول 2/ 359، المعتمد 2/ 505، 506، اللمع ص 52، الروضة ص 75، إرشاد الفحول ص 86".
2 ساقطة من ع.
3 في ش ز: يخرج.
4 وهو رأي ابن حزم أيضاً.
"انظر: المسودة ص 328، أصول السرخسي 1/ 310، الإحكام للآمدي 1/ 268، الروضة ص 75، مختصر الطوفي ص 134، الإحكام لابن حزم 1/ 515، 516، أصول مذهب أحمد ص 363".
5 انظر: نهاية السول 2/ 365، الإحكام للآمدي 1/ 268، مناهج العقول 2/ 363، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، تيسير التحرير 3/ 251، فواتح الرحموت 2/ 236، المسودة ص 327، غاية الوصول ص 109، المعتمد 2/ 508 وما بعدها، اللمع ص 52.(2/267)
وَمَنَعَ ذَلِكَ قَوْمٌ مُطْلَقًا. وَنَقَلَهُ الآمِدِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ1.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي "التَّمْهِيدِ" وَغَيْرِهِ: إنْ صَرَّحُوا بِالتَّسْوِيَةِ لَمْ يَجُزْ لاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمُقْتَضِي لِلْحُكْمِ ظَاهِرًا2.
وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا. فَإِنْ اخْتَلَفَ طَرِيقُ3 الْحُكْمِ فِيهَا، كَالنِّيَّةِ4 فِي الْوُضُوءِ وَالصَّوْمِ فِي الاعْتِكَافِ جَازَ، وَإِلاَّ لَزِمَ5 مَنْ وَافَقَ إمَامًا فِي مَسْأَلَةٍ مُوَافَقَتُهُ فِي جَمِيعِ مَذْهَبِهِ، وَإِجْمَاعُ الأُمَّةِ عَلَى6 خِلافِهِ7.
وَإِنْ اتَّفَقَ الطَّرِيقُ كَزَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَامْرَأَةٍ8 وَأَبَوَيْنِ9. وَكَإِيجَابِ نِيَّةٍ فِي وُضُوءٍ وَتَيَمُّمٍ وَعَكْسِهِ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ10.
ـــــــ
1 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 268، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، جمع الجوامع 2/ 197، المسودة ص 327، المعتمد 2/ 508، 513، نهاية السول 2/ 365، مناهج العقول 2/ 363.
2 انظر: المسودة ص 327، 328، المعتمد 2/ 508، نهاية السول 2/ 365، مناهج العقول 2/ 364، المستصفى 1/ 200.
3 في ش ز: طريقا. والأعلى من د ب ع، وهو الموافق للمسودة.
4 في ش: كالتسمية. وهو خطأ.
5 في ش ز ع: للزم.
6 ساقطة من: ب ز ض ع.
7 انظر: المسودة ص 328، المعتمد 2/ 510.
8 في المسودة: وزوجة. وانظر: تيسير التحرير 3/ 237.
9 ساقطة من ش.
10 انظر شرح تنقيح الفصول ص 327، المسودة ص 327، 328، الإحكام للآمدي 1/ 269، 271، نهاية السول 2/ 365، مناهج العقول 2/ 360 وما بعدها، 364، أصول السرخسي 1/ 316، تيسير التحرير 3/ 253، 237، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 2/ 197، فواتح الرحموت 2/ 236، كشف الأسرار 3/ 235، المعتمد 2/ 505، 506، 509 وما بعدها.(2/268)
وَهَذَا التَّفْصِيلُ قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيِّ1.
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَالشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ: إنْ صَرَّحُوا بِالتَّسْوِيَةِ لَمْ يَجُزْ، وَإِلاَّ جَازَ لِمُوَافَقَتِهِ لِكُلِّ2 طَائِفَةٍ3.
قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الشَّافِعِيُّ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَإِنْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ عُلِمَ4 اتِّحَادُ الْجَامِعِ بَيْنَهُمَا، فَهُوَ جَارٍ5 مَجْرَى النَّصِّ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ كَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ؛ مَنْ6 وَرَّثَ إحْدَاهُمَا وَرَّثَ الأُخْرَى، وَمَنْ مَنَعَ مَنَعَ ؛ لأَنَّ الْمَأْخَذَ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ الرَّحِمِيَّةُ7. اهـ.
"وَلا" يَحْرُمُ إحْدَاثُ "دَلِيلٍ" زَائِدٍ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ دَلِيلٍ سَابِقٍ لِلْحُكْمِ. زَادَ الْقَاضِي: مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْصَدَ بَيَانُ الْحُكْمِ بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ؛ لأَنَّهُ قَوْلٌ عَنْ اجْتِهَادٍ غَيْرُ مُخَالِفٍ إجْمَاعًا ؛ لأَنَّهُمْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى فَسَادِ غَيْرِ مَا ذَكَرُوهُ، وَأَيْضًا وَقَعَ كَثِيرًا وَلَمْ يُنْكَرْ، وَلأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ8.
ـــــــ
1 وقاله الأسنوي أيضاً.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص 328، المسودة ص 328، نهاية السول 2/ 365".
2 في ز ش ب ع: كل.
3 وهذا ما نقله القرافي عن الرازي.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص 327، المسودة ص 327، تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 2/ 197-198، اللمع ص 52".
4 في ش: على. وهو تصحيف.
5 في ب: جاري.
6 في ع: ومن.
7 انظر: غاية الوصول ص 109، نهاية السول 2/ 365.
8 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 273، نهاية السول 2/ 387، جمع الجوامع 2/ 198، مختصر ابن الحاجب 2/ 40، شرح تنقيح الفصول ص 333، المعتمد 2/ 514، المسودة ص 328، غاية الوصول ص 109، تيسير التحرير 3/ 253، فواتح الرحموت 2/ 237، 238، إرشاد الفحول ص 87، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132.(2/269)
وَقِيلَ: لا يَجُوزُ ؛ لأَنَّهُ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ1.
رُدَّ، لا يَخْفَى فَسَادُ ذَلِكَ ؛ لأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الأَدِلَّةِ أَحْكَامُهَا لا أَعْيَانُهَا. فَعَيْنُ الْحُكْمِ بَاقٍ. وَأَيْضًا: الْمُرَادُ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَإِلاَّ لَزِمَ الْمَنْعُ فِيمَا حَدَثَ بَعْدَهُمْ2.
"أَوْ عِلَّةٍ" يَعْنِي أَنَّهُ لا يَحْرُمُ إحْدَاثُ عِلَّةٍ، كَمَا لا يَحْرُمُ إحْدَاثُ دَلِيلٍ "آخَرَيْنِ" صِفَةٌ لِلدَّلِيلِ وَالْعِلَّةِ.
وَعَلَى جَوَازِ إحْدَاثِ الْعِلَّةِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُوَفَّقُ وَالطُّوفِيُّ وَغَيْرُهُمْ، بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي بَابِ الْقِيَاسِ3.
وَقِيلَ: لا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ، لأَنَّ عِلَّتَهُمْ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهَا، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ غَيْرِهَا4. "أَوْ تَأْوِيلٍ لا يُبْطِلُ الأَوَّلَ" يَعْنِي أَنَّهُ لا يَحْرُمُ إحْدَاثُ تَأْوِيلٍ ثَانٍ
ـــــــ
1 وهذا ما نقله ابن القطان عن بعض الشافعية، وهناك أقوال أخرى.
"انظر: الإحكام للآمدي 1/ 273، شرح تنقيح الفصول ص 333، المسودة ص 329، نهاية السول 2/ 387، جمع الجوامع 2/ 199، مختصر ابن الحاجب 2/ 40، المعتمد 2/ 514، فواتح الرحموت 2/ 237، 238، غاية الوصول ص 109، إرشاد الفحول ص 87، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132".
2 انظر: فواتح الرحموت 2/ 238، العضد على ابن الحاجب 2/ 41، المحلي على جمع الجوامع 2/ 199، الإحكام للآمدي 1/ 274، مختصر ابن الحاجب 2/ 40، إرشاد الفحول ص 87.
3 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 333، المعتمد 2/ 514 وما بعدها، المسودة ص 329، جمع الجوامع 2/ 199، مختصر الطوفي ص 155، الروضة ص 76، غاية الوصول ص 109.
4 انظر: جمع الجوامع 2/ 199، شرح تنقيح الفصول ص 333، المسودة ص 329، غاية الوصول ص 109.(2/270)
لا يُبْطِلُ التَّأْوِيلَ الأَوَّلَ، بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ الآمِدِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَتَبِعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا قَالَ1.
وَقِيلَ: لا يَجُوزُ إحْدَاثُ تَأْوِيلٍ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ. قَالَ: لأَنَّ الآيَةَ مَثَلاً إذَا احْتَمَلَتْ مَعَانِيَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى تَأْوِيلِهَا بِأَحَدِهَا صَارَ كَالإِفْتَاءِ فِي حَادِثَةٍ تَحْتَمِلُ أَحْكَامًا بِحُكْمٍ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يُؤَوَّلَ بِغَيْرِهِ. كَمَا لا يُفْتَى2 بِغَيْرِ مَا أَفْتَوْا بِهِ3.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: "لا يَحْتَمِلُ مَذْهَبُنَا غَيْرَ هَذَا وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ4".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَمُرَادُهُ دَفْعُ5 تَأْوِيلِ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ عِنْدَ السَّلَفِ. اهـ. وَذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لا يَجُوزُ إحْدَاثُ مَذْهَبٍ ثَالِثٍ كَذَلِكَ لا يَجُوزُ إحْدَاثُ
ـــــــ
1 وهو اختيار أبي الحسين البصري المعتزلي.
"انظر: الإحكام للآمدي 1/ 273، 274، نهاية السول 2/ 387، جمع الجوامع 2/ 198، شرح تنقيح الفصول ص 333، تيسير التحرير 3/ 253، فواتح الرحموت 2/ 237، مختصر ابن الحاجب 2/ 40، المعتمد 2/ 517، المسودة ص 329، إرشاد الفحول ص 87، غاية الوصول ص 109، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132".
2 في ش: يخفى. وهو خطأ.
3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 273، نهاية السول 2/ 387، شرح تنقيح الفصول ص 333، تيسير التحرير 3/ 254، فواتح الرحموت 2/ 237، المسودة ص 329، المعتمد 2/ 517، غاية الوصول ص 109، إرشاد الفحول ص 87، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132، مختصر ابن الحاجب 2/ 40.
4 المسودة ص 329.
5 في ش ع: رفع. وهو تصحيف، وساقطة من ض.(2/271)
تَأْوِيلٍ، وَلأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهَا تَأْوِيلٌ آخَرَ لَتَكَلَّفُوا1 طَلَبَهُ كَالأَوَّلِ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي "التَّمْهِيدِ"، وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ وَتَعْلِيلِهِمَا مِنْ غَيْرِ نَصْرِ أَحَدِهِمَا.
"وَاتِّفَاقُ" مُجْتَهِدِي "عَصْرٍ ثَانٍ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ" مُجْتَهِدِي الْعَصْرِ "الأَوَّلِ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ الْخِلافُ" فِي الْعَصْرِ الأَوَّلِ "لا يَرْفَعُهُ" أَيْ لا يَرْفَعُ الْخِلافَ، وَلا يَكُونُ اتِّفَاقُ2 الْعَصْرِ الثَّانِي إجْمَاعًا ؛ لأَنَّ مَوْتَ3 الْمُخَالِفِ فِي الْعَصْرِ الأَوَّلِ لا يَكُونُ مُسْقِطًا لِقَوْلِهِ فَيَبْقَى.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا.
قَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ وَأَكْثَرِ الأَشْعَرِيَّةِ.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّافِعِيِّ. وَمِنْ عِبَارَاتِهِ الرَّشِيقَةِ: "الْمَذَاهِبُ لا تَمُوتُ بِمَوْتِ أَرْبَابِهَا4". وَنَقَلَهُ ابْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ عَنْ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَاخْتَارَهُ5.
ـــــــ
1 في ع: لكلِّفوا.
2 ساقطة من ض.
3 في ش: توقف. وهو خطأ.
4 انظر: التمهيد ص 138، نهاية السول 2/ 371، كشف الأسرار 3/ 249.
5 ينتج عن هذا الرأي أحد شروط الاجتهاد عند الجمهور، وهو اشتراط عدم الاختلاف السابق لصحة الإجماع، وهو قول الإمام أحمد وأبي الحسن الأشعري وإمام الحرمين والغزالي والرازي. واختاره الآمدي وبيّن أدلته. وهو قول أبي بكر الصيرفي الشافعي والقاضي أبي يعلى.
"انظر: نهاية السول 2/ 370، 371، جمع الجوامع 2/ 186، المنخول ص 320، المستصفى 1/ 203، الإحكام للآمدي 1/ 275، مختصر ابن الحاجب 2/ 41، العضد على ابن الحاجب 2/ 42، التمهيد للأسنوي ص 138، شرح الورقات ص 165، مناهج العقول 2/ 367، غاية الوصول ص 108، اللمع ص 51، كشف الأسرار 3/ 247، فواتح الرحموت 2/ 226، أصول السرخسي 1/ 319، 320، تيسير التحرير 3/ 232، 234، المسودة ص 325، 341، المعتمد 2/ 498، 517، الروضة ص 74، 75، إرشاد الفحول ص 86، المدخل إلى مذهب أحمد ص 131".(2/272)
وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً وَإِجْمَاعًا، وَيَرْفَعُ الْخِلافَ، قَالَهُ1 أَبُو الْخَطَّابِ وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالرَّازِيُّ وَأَتْبَاعُهُ وَغَيْرُهُمْ. مِنْهُمْ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ وَالإِصْطَخْرِيُّ2 وَابْنُ خَيْرَانَ3 وَالْقَفَّالُ الْكَبِيرُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ. وَنُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَاخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ4.
ـــــــ
1 في ض: قال.
2 هو الحسن بن أحمد بن يزيد بن عيسى، أبو عيسى الإصطخري، قاضي قُمْ، شيخ الشافعية بالعراق، وأحد أصحاب الوجوه في المذهب، ولي حسبة بغداد، وأفتى بقتل الصائبة. واستقضاه المقتدر بالله على سجستان، وله أخبار طريفة في الحسبة، وصنف كتباً حسنة. ومن مؤلفاته: "أدب القضاء"، و"كتاب الفرائض الكبير"، و"كتاب الشروط والوثائق والمحاضر والسجلات"، ولم يكن في باب القضاء كتاب يقارعه. وله في الأصول آراء مشهورة. توفي سنة 328هـ ببغداد.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 230، وفيات الأعيان 1/ 357، البداية والنهاية 11/ 193، شذرات الذهب 2/ 312، طبقات الفقهاء ص 111، الفهرست ص 300، تاريخ بغداد 7/ 268، الفتح المبين 1/ 179".
3 هو الحسين بن صالح بن خيران، الشيخ أبو علي، الفقيه الشافعي، وأحد أركان المذهب، كان فقيهاً ورعاً فاضلاً متقشفاً تقياً زاهداً، من كبار الأئمة، عرض عليه القضاء فلم يقبله في زمن المقتدر بالله، وسُمِّر باب داره لذلك، وكان يعاتب ابن سريج على قبوله تولية القضاء. توفي سنة 320هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 271، وفيات الأعيان 1/ 400، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 110، البداية والنهاية 11/ 173، شذرات الذهب 2/ 387، طبقات الفقهاء الشافعية للعبادي ص 67، تهذيب الأسماء 2/ 261، تاريخ بغداد 8/ 53".
4 منهم الطوفي وابن الحاجب والرازي وابن حزم وأكثر الحنفية. وهو قول المالكية والشافعية.
"انظر: كشف الأسرار 3/ 247، 249، التمهيد للإسنوي ص 138، شرح تنقيح الفصول ص 328، المسودة ص 325، 343، أصول السرخسي 1/ 319، 320، الإحكام لابن حزم 1/ 507، 515، غاية الوصول ص 108، تيسير التحرير 3/ 232، 234، المعتمد 2/ 497، 499 وما بعدها، 517، نهاية السول 2/ 370، مناهج العقول 2/ 367، المنخول ص 321، المستصفى 1/ 203، فواتح الرحموت 2/ 226، الإحكام للآمدي 1/ 275 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب 2/ 40، المحلي على جمع الجوامع 2/ 187، اللمع ص 51، مختصر الطوفي ص 135، الروضة ص 74، 75، إرشاد الفحول ص 86".(2/273)
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَقَرَّ الْخِلافُ فِي الْعَصْرِ الأَوَّلِ "فَ" اتِّفَاقُ مُجْتَهِدِي الْعَصْرِ الثَّانِي "إجْمَاعٌ" قَطْعًا. وَذَلِكَ كَخِلافِ الصَّحَابَةِ لأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَإِجْمَاعِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَكَخِلافِهِمْ فِي دَفْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيِّ مَكَان، ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى دَفْنِهِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ؛ إذْ الْخِلافُ لَمْ يَكُنْ اسْتَقَرَّ1.
"وَلَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ أَرْبَابُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَمْ يَصِرْ قَوْلُ الْبَاقِي إجْمَاعًا" ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مَحَلَّ وِفَاقٍ، وَصَحَّحَهُ الْبَاقِلاَّنِيُّ فِي "التَّقْرِيبِ" ؛ لأَنَّ حُكْمَ الْمَيِّتِ فِي حُكْمِ الْبَاقِي الْمَوْجُودِ وَجَزَمَ بِهِ الأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ2، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ 3فِي "الْمُسْتَصْفَى"4: إنَّهُ الرَّاجِحُ4.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِير"ِ: وَ5هَذَا قَوْلُ الأَكْثَرِينَ6.
وَقِيلَ: يَصِيرُ إجْمَاعًا وَحُجَّةً؛ لأَنَّهُمْ صَارُوا 7كُلَّ الأُمَّةِ3، اخْتَارَهُ
ـــــــ
1 حكى الجويني والهندي أن الصيرفي خالف في ذلك، بينما قال الشيرازي: صارت المسألة إجماعية بلا خلاف.
"انظر: اللمع ص 51، شرح الورقات ص 165، إرشاد الفحول ص 86، شرح تنقيح الفصول ص 328، الروضة ص 73، غاية الوصول ص 107، مناهج العقول 2/ 371 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، جمع الجوامع 2/ 184".
2 وذلك في كتابه "الجدل". انظر: "إرشاد الفحول ص 86".
3 ساقطة من ش.
4 المستصفى 1/ 202.
5 ساقطة من ض.
6 انظر: مناهج العقول 2/ 372، الإحكام للآمدي 1/ 279، نهاية السول 2/ 375، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 41، المسودة ص 324، المعتمد 2/ 501، التمهيد ص 139، إرشاد الفحول ص 86.
7 في ض: كالأمة.(2/274)
الرَّازِيّ وَالْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا1.
وَبَنَى السُّهَيْلِيُّ الْخِلافَ عَلَى الْخِلافِ فِي إجْمَاعِ التَّابِعِينَ بَعْدَ اخْتِلافِ الصَّحَابَةِ.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهُوَ بِنَاءٌ ظَاهِرٌ. وَلَوْ مَاتَ بَعْضُ2 أَرْبَابِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَرَجَعَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ إلَى قَوْلِ الآخَرِينَ. فَقَالَ ابْنُ كَجٍّ3: فِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إجْمَاعٌ ؛ لأَنَّهُمْ أَهْلُ الْعَصْرِ.
وَالثَّانِي: الْمَنْعُ ؛ لأَنَّ الصِّدِّيقَ جَلَدَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ، وَقَدْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى ثَمَانِينَ فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَلَمْ4 يَجْعَلُوا الْمَسْأَلَةَ إجْمَاعًا ؛ لأَنَّ الْخِلافَ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ. وَقَدْ5 مَاتَ مِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ بَعْضٌ، وَرَجَعَ بَعْضٌ إلَى قَوْلِ عُمَرَ.
ـــــــ
1 انظر: مناهج العقول 2/ 372، الإحكام للآمدي 1/ 279، نهاية السول 2/ 375، التمهيد للإسنوي ص 139، إرشاد الفحول ص 86.
2 ساقطة من ز ش.
3 هو يوسف بن أحمد بن كجّ القاضي الإمام، أبو القاسم الدينوري، صاحب أبي الحسين بن القطان، أحد أركان المذهب الشافعي، وكان يضرب به المثل في حفظ المذهب، ارتحل الناس إليه من الآفاق، وأطنبوا في وصفه، جمع بين رئاسة العلم والدنيا، وله وجه في المذهب، وله مسائل وفوائد وغرائب في القضاء والشهادات. تولى القضاء ببلده، وصنف كتباً كثيرة انتفع بها الفقهاء، منها: "المجرد"، وهو مطول. قتله العيارون بالدينور سنة 405 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 359، وفيات الأعيان 6/ 63، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 118، شذرات الذهب 3/ 177، البداية والنهاية 11/ 355".
4 في ش ب ز ع: فلم.
5 ساقطة من ض.(2/275)
"وَاتِّفَاقُ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ بَعْدَ اخْتِلافِهِمْ وَقَدْ اسْتَقَرَّ" اخْتِلافُهُمْ "إجْمَاعٌ" وَحُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ. وَذَكَرَ1 الْقَاضِي مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ2.
وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمُسْتَنَدُ قَطْعِيًّا كَانَ إجْمَاعًا وَحُجَّةً، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَنَدُ ظَنِّيًّا فَلا3.
وَخَالَفَ الْبَاقِلاَّنِيُّ وَالآمِدِيُّ وَجَمْعٌ، وَقَالُوا بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ لِتَنَاقُضِ الإِجْمَاعَيْنِ. وَهُمَا الاخْتِلافُ أَوَّلاً ثُمَّ الاتِّفَاقُ ثَانِيًا، كَمَا إذَا كَانُوا عَلَى قَوْلٍ فَرَجَعُوا عَنْهُ إلَى آخَرَ4.
وَنَقَلَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ فِي "الْوَجِيزِ" عَنْ الشَّافِعِيِّ5.
ـــــــ
1 في ض: وذكر.
2 وهو قول الشافعية والمالكية. وللحنفية قولان، وبه قال ابن الحاجب والرازي، وهذا يتفق مع القول باشتراط انقراض العصر. وأما إذا لم يستقر الخلاف بينهم فيكون اتفاقهم إجماعاً كما مر صفحة 274.
"انظر: الحدود للباجي ص 63، التمهيد ص 139، مختصر الطوفي ص 133، تخريج الفروع على الأصول ص 21، شرح تنقيح الفصول ص 328، المسودة ص 324، نهاية السول 2/ 369، مناهج العقول 2/ 366، جمع الجوامع 2/ 184، المستصفى 1/ 205، الإحكام للآمدي 1/ 278، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، المنخول ص 321".
3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 278، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/ 185، المنخول ص 321.
4 وهو رأي الصيرفي وإمام الحرمين والآمدي.
انظر: الحدود للباجي ص 64، التمهيد للإسنوي ص 139، المعتمد 2/ 493، نهاية السول 2/ 369، 370، المستصفى 1/ 205، 205 وما بعدها، المسودة ص 324، مناهج العقول 2/ 366، الإحكام للآمدي 1/ 278، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، جمع الجوامع 2/ 185، المنخول ص 321.
5 وهناك أقوال أخرى.
"انظر: نهاية السول 2/ 371، المستصفى ص205، المسودة ص 324".(2/276)
وَالْمَانِعُ لِذَلِكَ مَحْجُوجٌ بِالْوُقُوعِ. كَمَسْأَلَةِ الْخِلافَةِ لأَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهَا1.
قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَلا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلافِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ فَأَمَّا إنْ شَرَطْنَاهُ2، فَإِنَّهُ3 يَجُوزُ قَطْعًا.
وَقَالَهُ غَيْرُهُ4. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَكُلُّ مَنْ اشْتَرَطَ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ قَالَ: إجْمَاعٌ5.
"وَلا يَصِحُّ تَمَسُّكٌ بِإِجْمَاعٍ فِيمَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ" أَيْ صِحَّةُ الإِجْمَاعِ "عَلَيْهِ كَوُجُودِهِ" سُبْحَانَهُ وَ "تَعَالَى وَصِحَّةِ الرِّسَالَةِ" وَدَلالَةِ الْمُعْجِزَةِ، لاسْتِلْزَامِهِ عَلَيْهِ لُزُومَ الدَّوْرِ6.
"وَيَصِحُّ" التَّمَسُّكُ بِالإِجْمَاعِ "فِي غَيْرِهِ" أَيْ غَيْرِ مَا تَتَوَقَّفُ7 صِحَّةُ الإِجْمَاعِ عَلَيْهِ:
مِنْ أَمْرٍ "دِينِيٍّ" كَالرُّؤْيَةِ وَ "كَنَفْيِ الشَّرِيكِ" وَوُجُوبِ الْعِبَادَاتِ وَنَحْوِهَا ؛ لأَنَّ الإِجْمَاعَ لا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ، لإِمْكَانِ تَأَخُّرِ مَعْرِفَتِهَا عَنْ
ـــــــ
1 انظر: التمهيد ص 139، شرح تنقيح الفصول ص 329، نهاية السول 2/ 370، مناهج العقول 2/ 366، الإحكام للآمدي 1/ 276، 278.
2 في ب: اشترطناه.
3 في ش: فلا.
4 وهو ما قاله الإسنوي. انظر: نهاية السول 2/ 369.
5 وهو ما قاله الآمدي أيضاً. "انظر: الإحكام للآمدي 1/ 278".
6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 283، كشف الأسرار 3/ 251، شرح تنقيح الفصول ص 343، مختصر ابن الحاجب 2/ 44، تيسير التحرير 3/ 63، نهاية السول 2/ 358، مناهج العقول 2/ 357، فواتح الرحموت 2/ 246، غاية الوصول ص 108، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133.
7 في ب: يتوقف.(2/277)
الإِجْمَاعِ بِخِلافِ الأَوَّلِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الدِّينِيُّ عَقْلِيًّا، كَرُؤْيَةِ الْبَارِي، وَنَفْيِ الشَّرِيكِ، أَوْ شَرْعِيًّا كَوُجُوبِ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا1.
قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: لا خِلافَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: صَحَّ اتِّفَاقًا، وَقَطَعَ بِهِ فِي "الْمُقْنِعِ" وَغَيْرِهِ.
"أَوْ" مِنْ أَمْرٍ "عَقْلِيٍّ، كَحُدُوثِ2 الْعَالَمِ" وَهَذَا الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الأَكْثَرُ3.
قَالَ فِي "الْمَحْصُولِ": وَأَمَّا حُدُوثُ الْعَالَمِ فَيُمْكِنُ إثْبَاتُهُ: لأَنَّهُ يُمْكِنُنَا إثْبَاتُ الصَّانِعِ بِحُدُوثِ الأَعْرَاضِ، ثُمَّ نَعْرِفُ صِحَّةَ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ نَعْرِفُ 4الإِجْمَاعَ بِهِ8؛ ثُمَّ نَعْرِفُ 5حُدُوثَ الأَجْسَامِ بِهِ9. اهـ.
وَخَالَفَ فِي هَذِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مُطْلَقًا، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي6 كُلِّيَّاتُ أُصُولِ الدِّينِ، كَحُدُوثِ7 الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ، دُونَ جُزْئِيَّاتِهِ، كَجَوَازِ الرُّؤْيَةِ8. اهـ.
ـــــــ
1 انظر: كشف الأسرار 3/ 251، الإحكام للآمدي 1/ 283، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 44، "اللمع ص 49، شرح تنقيح الفصول ص 343، تيسير التحرير 3/ 262، المعتمد 2/ 494، جمع الجوامع 2/ 194، مناهج العقول 2/ 357، نهاية السول 2/ 337، 358، غاية الوصول ص 108، مختصر الطوفي ص 137، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133.
2 في ز: كحدث.
3 انظر: جمع الجوامع 2/ 194، شرح تنقيح الفصول ص 322، 344، تيسير التحرير 3/ 263، نهاية السول 2/ 337، 358، فواتح الرحموت 2/ 246، المعتمد 2/ 494، غاية الوصول ص 108، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133.
4 في ب ز ع: به الإجماع.
5 في ب ز ع: به حدوث الأجسام.
6 في ش: قال: و. وفي ز: و.
7 في ب ز ع: قال كحدث.
8 وخالف فيه أيضاً بعض الحنفية.
"انظر: اللمع ص 49، شرح تنقيح الفصول ص 323، نهاية السول 3/ 262، تيسير التحرير 3/ 262، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133".(2/278)
قَالَ الْكُورَانِيُّ: لا مَعْنَى لِلإِجْمَاعِ فِيهِ ؛ لأَنَّهُ إنْ كَانَ قَطْعِيًّا بِالاسْتِدْلالِ، فَمَا فَائِدَةُ الإِجْمَاعِ فِيهِ إلاَّ تَعَاضُدُ الأَدِلَّةِ لا 1إثْبَاتُ4 الْحُكْمِ ابْتِدَاءً.
وَقَالَ الإِمَامُ فِي "الْبُرْهَانِ": أَيُّ فَائِدَةٍ فِي الإِجْمَاعِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ، مَعَ أَنَّهُ لا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا، وَلَوْ كَانَ الإِجْمَاعُ حُجَّةً فِيهَا كَسَائِرِ الأَحْكَامِ لَمْ يَجُزْ إلاَّ التَّقْلِيدُ فِيهَا وَعَدَمُ الْمُخَالَفَةِ2. أ"َو"ْ مِنْ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ. كَرَأْيٍ فِي حَرْبٍ" وَتَدْبِيرِ أَمْرِ الْجُيُوشِ وَأَمْرِ الرَّعِيَّةِ.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: فِيهِ مَذْهَبَانِ مَشْهُورَانِ، الْمُرَجَّحُ مِنْهُمَا وُجُوبُ الْعَمَلِ فِيهِ بِالإِجْمَاعِ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلامِ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ فِي حَدِّ الإِجْمَاعِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَالآمِدِيُّ وَأَتْبَاعُهُ ؛ لأَنَّ الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ دَالٌّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ. فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ3.
ـــــــ
1 في ع: لإثبات.
2 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 322، نهاية السول 2/ 337، فواتح الرحموت 2/ 246.
3 انظر: كشف الأسرار 3/ 251، فواتح الرحموت 2/ 246، الإحكام للآمدي 1/ 283، شرح تنقيح الفصول ص 344، المسودة ص 317، تيسير التحرير 3/ 262، نهاية السول 2/ 337، 358، مختصر ابن الحاجب 2/ 44، جمع الجوامع 2/ 194، مختصر الطوفي ص 137، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133، غاية الوصول ص 108.(2/279)
وَلِلْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمُعْتَزِلِيِّ فِيهِ قَوْلانِ.
أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ، وَوَجْهُهُ: اخْتِلافُ الْمَصَالِحِ بِحَسَبِ الأَحْوَالِ. فَلَوْ كَانَ حُجَّةً لَزِمَ تَرْكُ الْمَصْلَحَةِ وَإِثْبَاتُ الْمَفْسَدَةِ، وَقَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَصَحَّحَهُ السَّمْعَانِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ جَمْعٍ مِنْ أَصْحَابِنَا1.
قَالَ الْكُورَانِيُّ: لا مَعْنَى لِلإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ. لأَنَّهُ لَيْسَ أَقْوَى مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ لَيْسَ دَلِيلاً لا يُخَالَفُ فِيهِ. يَدُلُّ عَلَيْهِ قِصَّةُ التَّلْقِيحِ حَيْثُ قَالَ: "أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ" 2. وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ لا يَجُوزُ خِلافُهُ، وَمَا ذَكَرُوهُ3 مِنْ أَمْرِ الْحُرُوبِ وَنَحْوِهَا إنْ أَثِمَ مُخَالِفُ ذَلِكَ فَلِكَوْنِهِ4 شَرْعِيًّا، وَإِلاَّ فَلا مَعْنَى لِوُجُوبِ اتِّبَاعِهِ5. اهـ.
وَقِيلَ: هُوَ حُجَّةٌ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الرَّأْيِ لا قَبْلَهُ6، ذَكَرَهُ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ.
ـــــــ
1 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 284، مختصر ابن الحاجب 2/ 44، المستصفى 1/ 173، المسودة ص 317، تيسير التحرير 3/ 262، المعتمد 2/ 494، نهاية السول 2/ 337، فواتح الرحموت 2/ 246، مختصر الطوفي ص 137، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133.
2 قصة التلقيح هي أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بقوم يلقحون النخل فقال صلى الله عليه وسلم: "لو لم تفعلوا لصلح"، فخرج شيصاً، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: "أنتم أعلم بأمور دنياكم". أي أنتم أعلم مني بذلك، وأنا أعلم بأمر أخراكم منكم. والحديث رواه مسلم وابن ماجه عن أنس وعائشة مرفوعاً.
"انظر: صحيح مسلم 4/ 1836، سنن ابن ماجه 2/ 825، فيض القدير 3/ 50".
3 في ش: ذكره.
4 في ش: لكونه.
5 وهو ما أيده الشيرازي.
"انظر: اللمع ص 49، المعتمد 2/ 494، كشف الأسرار 2/ 252".
6 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 133.(2/280)
"أَوْ" مِنْ أَمْرٍ "لُغَوِيٍّ".
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: لا خِلافَ فِي ذَلِكَ، كَكَوْنِ1 الْفَاءِ لِلتَّعْقِيبِ، فَقُطِعَ بِهِ2.
وَقِيلَ: يُعْتَدُّ بِالإِجْمَاعِ فِيهِ إنْ تَعَلَّقَ بِالدِّينِ وَإِلاَّ فَلا. ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ.
ـــــــ
1 في ش: لكونه.
2 وهو رأي الشيخ زكريا الأنصاري الشافعي، وأيده الإسنوي أيضاً.
"انظر: غاية الوصول ص 108، نهاية السول 2/ 337، 358".(2/281)
فَصْلٌ: ارْتِدَادُ الأُمَّةِ جَائِزٌ عَقْلاً قَطْعًا.
لأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَالٍ، وَلا يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَالٌ.
قَالَ الآمِدِيُّ: "لا خِلافَ فِي تَصَوُّرِ ارْتِدَادِ الأُمَّةِ الإِسْلامِيَّةِ فِي بَعْضِ الأَعْصَارِ عَقْلاً1".
وَ "لا" يَجُوزُ ذَلِكَ "سَمْعًا" فِي الأَصَحِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَصْحَابِنَا2.
قَالَه3 ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ: وَصَرَّحَ بِهِ الطُّوفِيُّ وَغَيْرُهُ. وَاخْتَارَهُ الآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَصَحَّحَهُ التَّاجُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ. وَذَلِكَ لأَدِلَّةِ الإِجْمَاعِ. وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أُمَّتِي لا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلالَةٍ" 4 وَانْعِقَادِ الإِجْمَاعِ5.
وَخَالَفَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ؛ وَقَالُوا: الرِّدَّةُ تُخْرِجُهُمْ عَنْ كَوْنِهِمْ أُمَّتَهُ ؛ لأَنَّهُمْ إذَا ارْتَدُّوا لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، فَلَمْ تَتَنَاوَلْهُمُ الأَدِلَّةُ6.
ـــــــ
1 الإحكام للآمدي 1/ 280.
2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 280، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، تيسير التحرير 3/ 258، فواتح الرحموت 2/ 241، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 199، نهاية السول 2/ 387، غاية الوصول ص 109، مختصر الطوفي ص 137.
3 في ش: قال.
4 مر هذا الحديث بلفظ: "لا تجتمع هذه الأمة على ضلالة". ص 218، وبلفظ آخر: "إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة" ص 220 مع تخريجهما.
5 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 280، مختصر الطوفي ص 137، جمع الجوامع 2/ 199، مختصر ابن الحاجب 2/ 43.
6 انظر: تيسير التحرير 3/ 258، نهاية السول 2/ 387، الإحكام للآمدي 1/ 280 فواتح الرحموت 2/ 241، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، المحلي على جمع الجوامع 2/ 199، غاية الوصول ص 109.(2/282)
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يَصْدُقُ بَعْدَ ارْتِدَادِهِمْ أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ارْتَدَّتْ. وَهُوَ أَعْظَمُ 1الْخَطَإِ فَتَمْتَنِعُ6 الأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ2.
"وَيَجُوزُ اتِّفَاقُهَا" أَيْ اتِّفَاقُ الأُمَّةِ "عَلَى جَهْلِ مَا3" أَيْ جَهْلِ شَيْءٍ "لَمْ نُكَلَّفْ بِهِ" فِي الأَصَحِّ لِعَدَمِ الْخَطَإِ بِعَدَمِ التَّكْلِيفِ. كَتَفْضِيلِ عَمَّارٍ عَلَى حُذَيْفَةَ أَوْ عَكْسِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ؛ لأَنَّ ذَلِكَ لا يَقْدَحُ فِي أَصْلٍ مِنْ الأُصُولِ4.
وَقِيلَ: لا يَجُوزُ اتِّفَاقُهَا عَلَى ذَلِكَ، وَإِلاَّ كَانَ5 الْجَهْلُ سَبِيلاً لَهَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَهُوَ بَاطِلٌ6.
وَأُجِيبَ: بِمَنْعِ كَوْنِهِ سَبِيلاً لَهَا ؛ لأَنَّ سَبِيلَ الشَّخْصِ مَا يَخْتَارُهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ7.
ـــــــ
1 ساقطة من ب. وفي ع: الخطأ، متمنع.
2 انظر: تيسير التحرير 3/ 258، نهاية السول 2/ 387، فواتح الرحموت 2/ 241، الإحكام للآمدي 1/ 280، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، المحلي على جمع الجوامع 2/ 199.
3 ساقطة من ز.
4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/ 199، شرح تنقيح الفصول ص 344، نهاية السول 2/ 388، غاية الوصول ص 109، إرشاد الفحول ص 87.
5 في ع: لكان.
6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 200، نهاية السول 2/ 388، الإحكام للآمدي 1/ 279، غاية الوصول ص 109، إرشاد الفحول ص 87.
7 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، المحلي على جمع الجوامع 2/ 200، نهاية السول 2/ 388، غاية الوصول ص 109.(2/283)
وَ1أَمَّا مَا كُلِّفُوا بِهِ فَيَمْتَنِعُ جَهْلُ جَمِيعِهِمْ بِهِ، كَكَوْنِ الْوِتْرِ وَاجِبًا أَمْ لا وَنَحْوُهُ2.
وَ "لا" يَجُوزُ "انْقِسَامُهَا" أَيْ انْقِسَامُ الأُمَّةِ "فِرْقَتَيْنِ كُلُّ فِرْقَةٍ مُخْطِئَةٌ فِي مَسْأَلَةٍ مُخَالِفَةٍ لِلْأُخْرَى" عِنْدَ الأَكْثَرِ3.
قَالَ الْقَرَافِيُّ: "اخْتَلَفُوا هَلْ يَصِحُّ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى خَطَإٍ فِي مَسْأَلَتَيْنِ. كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ بِمَذْهَبِ الْخَوَارِجِ، وَالْبَقِيَّةِ بِمَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ. وَفِي الْفُرُوعِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْبَعْضُ - أَيْ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ - بِأَنَّ الْعَبْدَ يَرِثُ. وَالْبَاقِي بِأَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا يَرِثُ. فَقِيلَ: لا يَجُوزُ ؛ لأَنَّهُ إجْمَاعٌ عَلَى الْخَطَإِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ ؛ لأَنَّ كُلَّ خَطَإٍ مِنْ هَذَيْنِ الْخَطَأَيْنِ لَمْ يُسَاعِدْ عَلَيْهِ الْفَرِيقُ الآخَرُ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ إجْمَاعٌ4".
ثُمَّ قَالَ:
تَنْبِيهٌ:
الأَحْوَالُ ثَلاثَةٌ:
الأُولَى: اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الْخَطَإِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يَرِثُ فَلا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.
ـــــــ
1 ساقطة من ش ز.
2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، المحلي على جمع الجوامع 2/ 200، غاية الوصول ص 109، إرشاد الفحول ص 87.
3 خلافاً لابن قدامة وزكريا الأنصاري والمحلي والآمدي وغيرهم.
"انظر: الروضة ص 76، غاية الوصول ص 109، تيسير التحرير 3/ 252، نهاية السول 2/ 387، حاشية البناني وشرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 200".
4 شرح تنقيح الفصول ص 344.(2/284)
الثَّانِيَةُ: أَنْ يُخْطِئَ كُلُّ فَرِيقٍ فِي مَسْأَلَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الأُخْرَى. فَيَجُوزُ. فَإِنَّا نَقْطَعُ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ يَجُوزُ أَنْ يُخْطِئَ. وَمَا مِنْ مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ إلاَّ وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ مَا يُنْكَرُ1 وَإِنْ قَلَّ. فَهَذَا لا بُدَّ لِلْبَشَرِ مِنْهُ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يُخْطِئُوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ، مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَإِنَّ الْعَبْدَ وَالْقَتْلَ كِلاهُمَا يَرْجِعُ إلَى فَرْعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَانِعُ الْمِيرَاثِ. فَوَقَعَ الْخَطَأُ فِيهِ كُلِّهِ، فَمَنْ نَظَرَ إلَى اتِّحَادِ الأَصْلِ مَنَعَ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى تَعَدُّدِ الْفَرْعِ أَجَازَ2. اهـ.
"وَلا" يَجُوزُ أَيْضًا عَلَى الأُمَّةِ "عَدَمُ عِلْمِهَا بِدَلِيلٍ اقْتَضَى حُكْمًا" فِي مَسْأَلَةٍ تَكْلِيفِيَّةٍ "لا دَلِيلَ لَهُ" أَيْ لِذَلِكَ الْحُكْمِ "غَيْرُهُ" أَيْ غَيْرُ ذَلِكَ الدَّلِيلِ ؛ لأَنَّهُ إنْ عُلِمَ بِذَلِكَ الْحُكْمِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِ عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، بَلْ3 عَنْ تَشَهٍّ4، وَالْعَمَلُ بِالْحُكْمِ عَنْ التَّشَهِّي لا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِهِ كَانَ تَرْكًا لِلْحُكْمِ الْمُتَوَجِّهِ5 عَلَى الْمُكَلَّفِ6.
قَالَ الأَصْفَهَانِيُّ فِي "شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ": أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْوَاقِعِ دَلِيلٌ أَوْ خَبَرٌ رَاجِحٌ، أَيْ7 بِلا مُعَارِضٍ، وَقَدْ عُمِلَ عَلَى8 وَفْقَ ذَلِكَ الدَّلِيلِ أَوْ الْخَبَرِ بِدَلِيلٍ
ـــــــ
1 في شرح تنقيح الفصول: يتكرر. وهو تصحيف.
2 شرح تنقيح الفصول ص 344-345.
3 ساقطة من ب ع.
4 في ش: تشهي. وهو خطأ.
5 في ع: أي المتوجه.
6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، شرح تنقيح الفصول ص 344، تيسير التحرير 3/ 257، إرشاد الفحول ص 87، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132.
7 ساقطة من ع.
8 ساقطة من ش ز.(2/285)
آخَرَ. فَهَلْ يَجُوزُ عَدَمُ عِلْمِ الأُمَّةِ 1بِهِ أَمْ لا؟ 9
فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ. وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُ بِأَنَّ اشْتِرَاكَ جَمِيعِهِمْ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ الْخَبَرِ، أَوْ الدَّلِيلِ الرَّاجِحِ، لَمْ يُوجِبْ مَحْذُورًا ؛ إذْ لَيْسَ اشْتِرَاكُ جَمِيعِهِمْ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ إجْمَاعًا، حَتَّى تَجِبَ2 مُتَابَعَتُهُمْ فِيهِ، بَلْ عَدَمُ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ أَوْ الْخَبَرِ كَعَدَمِ حُكْمِهِمْ فِي وَاقِعَةٍ لَمْ يَحْكُمُوا فِيهَا بِشَيْءٍ فَجَازَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَسْعَى فِي طَلَبِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ أَوْ الْخَبَرِ لِيَعْلَمَهُ3.
وَاحْتَجَّ النَّافِي4: بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ عَدَمُ عِلْمِ5 جَمِيعِهِمْ بِذَلِكَ6 الدَّلِيلِ أَوْ الْخَبَرِ 7لَحَرُمَ تَحْصِيلُ5 الْعِلْمِ بِهِ، وَالتَّالِي8 ظَاهِرُ الْفَسَادِ.
بَيَانُ الْمُلازَمَةِ: أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَدَمُ عِلْمِهِمْ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ. فَلَوْ طَلَبُوا الْعِلْمَ بِهِ لاتَّبَعُوا غَيْرَ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ9.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ عِلْمِهِمْ لا يَكُونُ سَبِيلاً لَهُمْ ؛ لأَنَّ السَّبِيلَ: مَا اخْتَارَهُ الإِنْسَانُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ10.
ـــــــ
1 في ش ز: أولاً. وفي ب ع: أو لا.
2 ساقطة من ش.
3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، تيسير التحرير 3/ 257، إرشاد الفحول ص 87، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132.
4 في ش ز: الثاني. وهو تصحيف.
5 في ب ع: علمهم.
6 في ز ش ب: لذلك.
7 في ض: لحصل.
8 في ز ش ب ض ع. والثاني. وهو تصحيف.
9 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 43، إرشاد الفحول ص 87، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132.
10 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 43.(2/286)
فصل: السند أو الإسناد
...
"فَصْلٌ": "يَشْتَرِكُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ فِي سَنَدٍ، وَيُسَمَّى إسْنَادً ا 1".
لَمَّا فَرَغَ مِنْ الأَبْحَاثِ الْمُخْتَصَّةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكِتَابِ2 وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ. شَرَعَ فِي الأَبْحَاثِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلاثَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلامَ فِي الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، ثُمَّ يَتْلُوهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ دَلالَةُ الأَلْفَاظِ. لأَنَّهُ بَعْدَ الصِّحَّةِ يَتَوَجَّهُ النَّظَرُ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الثَّابِتُ، ثُمَّ يَتْلُوهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ اسْتِمْرَارُ الْحُكْمِ وَبَقَاؤُهُ بِأَنَّهُ3 لَمْ يُنْسَخْ، ثُمَّ يَتْلُوهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، مِنْ بَيَانِ أَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ ؛ لأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الثَّلاثَةِ الأُوَلِ.
وَقَوْلُهُ "يَشْتَرِكُ كَذَا... فِي سَنَدٍ" إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ صِحَّةُ وُصُولِهَا إلَيْنَا لا ثُبُوتُهَا فِي نَفْسِهَا، وَلا كَوْنُهَا حَقًّا.
"وَهُوَ" أَيْ السَّنَدُ "إخْبَارٌ عَنْ طَرِيقِ الْمَتْنِ" قَوْلاً أَوْ فِعْلاً تَوَاتُرًا أَوْ
ـــــــ
1 يشترك الكتاب والسنة والإجماع في أمرين: الأول: النظر في السند، وهو ما بحثه المؤلف هنا حتى نهاية هذا المجلد. والثاني: النظر في المتن، ويشمل الأوامر والنواهي، والعموم والخصوص، والمطلق والمقيد ... إلخ، وهو موضوع المجلد الثالث بكامله.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 3، العضد على ابن الحاجب 2/ 45، تدريب الراوي 2/ 42".
2 في ض: الإجماع.
3 في ش ب ز ض: بأن.(2/287)
آحَادًا1. وَلَوْ كَانَ الإِخْبَارُ بِوَاسِطَةٍ مُخْبِرٍ2 وَاحِدٍ3 فَأَكْثَرَ عَمَّنْ يُنْسَبُ الْمَتْنُ إلَيْهِ4.
"و"َ يَشْتَرِكُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ أَيْضًا "فِي مَتْنٍ وَهُوَ الْمُخْبَرُ بِهِ".
وَأَصْلُ السَّنَدِ فِي اللُّغَةِ: مَا يُسْتَنَدُ5 إلَيْهِ، أَوْ مَا ارْتَفَعَ مِنْ الأَرْضِ6.
وَأَخْذُ الْمَعْنَى الاصْطِلاحِيِّ مِنْ الثَّانِي أَكْثَرُ مُنَاسَبَةً. فَلِذَلِكَ يُقَالُ: أَسْنَدْت الْحَدِيثَ، أَيْ7 رَفَعْته إلَى الْمُحَدِّثِ8. فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ أَسْنَدَ يُسْنِدُ، أُطْلِقَ عَلَى الْمُسْنَدِ إلَيْهِ، وَأَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِمَا يُسْنَدُ إلَيْهِ9.
وَالْمُسْنِدُ - بِكَسْرِ النُّونِ - مَنْ يَرْوِي الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ، سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِهِ أَوْ لَيْسَ لَهُ إلاَّ مُجَرَّدُ رِوَايَتِهِ10.
وَأَمَّا مَادَّةُ الْمَتْنِ: 11فَإِنَّهَا فِي11 الأَصْلِ رَاجِعَةٌ إلَى مَعْنَى الصَّلابَةِ. وَيُقَالُ
ـــــــ
1 في ض: إخباراً.
2 في ش ز: لخبر.
3 في ش ب ز ض: آخر.
4 انظر تعريف السند والإسناد في الورقات وشرحها ص 186، الإحكام للآمدي 2/ 3، شرح نخبة الفكر ص 19، تدريب الراوي 1/ 41، مختصر ابن الحاجب 2/ 45، التعريفات للجرجاني ص 23.
5 في ز ع: يسند.
6 انظر: المصباح المنير 1/ 444، القاموس المحيط 1/ 314.
7 ساقطة من ز ع ض.
8 في ش ب ز ع: محدث.
9 انظر: تدريب الراوي 1/ 41.
10 انظر: تدريب الراوي 2/ 43، أصول الحديث ص 448.
11 في ش: ففي.(2/288)
لِمَا صَلُبَ مِنْ الأَرْضِ: مَتْنٌ، وَالْجَمْعُ مِتَانٌ. وَيُسَمَّى أَسْفَلُ الظَّهْرِ مِنْ الإِنْسَانِ وَالْبَهِيمَةِ مَتْنًا، وَالْجَمْعُ مُتُونٌ1. فَالْمَتْنُ هُنَا: مَا تَضَمَّنَهُ الثَّلاثَةُ، الَّتِي هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَعَامٍّ وَخَاصٍّ، وَمُجْمَلٍ وَمُبَيَّنٍ، وَمَنْطُوقٍ وَمَفْهُومٍ وَنَحْوِهَا2.
"وَالْخَبَرُ" يُحَدُّ عِنْدَ الأَكْثَرِ. وَلَهُمْ فِيهِ حُدُودٌ كَثِيرَةٌ3 قَلَّ أَنْ يَسْلَمَ وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ خَدْشٍ. وَأَسْلَمُهَا قَوْلُهُمْ "مَا يَدْخُلُهُ صِدْقٌ وَكَذِبٌ" وَهُوَ لأَبِي الْخَطَّابِ فِي "التَّمْهِيدِ"، وَابْنِ الْبَنَّا وَابْنِ عَقِيلٍ. وَأَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ4.
وَنُقِضَ بِمِثْلِ مُحَمَّدٌ وَمُسَيْلِمَةُ صَادِقَانِ. وَبِقَوْلِ مَنْ يَكْذِبُ دَائِمًا: كُلُّ أَخْبَارِي كَذِبٌ5، فَخَبَرُهُ هَذَا لا يَدْخُلُهُ صِدْقٌ، وَإِلاَّ6 كُذِّبَتْ أَخْبَارُهُ وَهُوَ مِنْهَا. وَلا 7كَذِبٌ وَإِلاَّ6 كُذِّبَتْ أَخْبَارُهُ مَعَ هَذَا، وَصَدَقَ فِي قَوْلِهِ: كُلُّ أَخْبَارِي كَذِبٌ فَتَنَاقَضَ8.
ـــــــ
1 انظر: المصباح المنير 2/ 866، القاموس المحيط 4/ 271.
2 انظر: تدريب الراوي 1/ 42.
3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 100، الإحكام للآمدي 2/ 4.
4 اختاره هذا التعريف الجبائي وابنه وأبو عبد الله البصري والقاضي عبد الجبار من المعتزلة، واختاره إمام الحرمين الجويني، وذكره الآمدي وشرحه ثم ناقشه واعترض عليه.
والمراد من دخول الصدق والكذب أن الخبر يحتملهما عقلاًَ بالنظر إلى حقيقته النوعية، مع قطع النظر عن الطرفين والمخبر. "انظر: فواتح الرحموت 2/ 102".
"وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 6، المعتمد 2/ 542، مختصر ابن الحاجب 2/ 45، البناني على جمع الجوامع 2/ 106، المحصول 1/ 318، شرح الورقات ص 176، إرشاد الفحول ص 42، فواتح الرحموت 2/ 102".
5 في ز: أخبار.
6 في ب ع: ولا كذب وإلا. وفي د: ولا كذب ولا.
7 ساقطة من ب.
8 في ع: فيتناقض، وفي ب: فيناقض.
وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 6، فواتح الرحموت 2/ 107، نهاية السول 1/ 245، المسودة ص 233، الفروق 1/ 58.(2/289)
وَيَلْزَمُ الدَّوْرُ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَتِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْخَبَرِ1.
"وَ"2لأَنَّ الصِّدْقَ: الْخَبَرُ الْمُطَابِقُ، وَالْكَذِبَ: ضِدُّهُ. وَبَابَاهُمَا3 مُتَقَابِلانِ فَلا يَجْتَمِعَانِ فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ. فَيَلْزَمُ امْتِنَاعُ الْخَبَرِ أَوْ وُجُودُهُ مَعَ عَدَمِ صِدْقِ الْحَدِّ. وَبِخَبَرِ الْبَارِي4.
وَأُجِيبَ عَنْ الأَوَّلِ: بِأَنَّهُ فِي مَعْنَى خَبَرَيْنِ لإِفَادَتِهِ حُكْمًا لِشَخْصَيْنِ. وَلا يُوصَفَانِ بِهِمَا. بَلْ يُوصَفُ بِهِمَا الْخَبَرُ الْوَاحِدُ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَبَرٌ5.
ـــــــ
1 أي لتوقف معرفة الصدق والكذب على معرفة الخبر، لأن الصدق هو الخبر عن الشيء على ما هو عليه، والكذب الخبر عن الشيء لا على ما هو عليه.
"انظر: مناهج العقول 1/ 243، نهاية السول 1/ 245، البناني على جمع الجوامع 2/ 106، الإحكام للآمدي 2/ 6، فواتح الرحموت 2/ 102، تيسير التحرير 3/ 24، المعتمد 2/ 543، الفروق 1/ 20، إرشاد الفحول ص 42".
2 الواو إضافة يقتضيها المعنى والسياق، وذلك أن الآمدي رحمه الله أورد على التعريف أربعة إشكالات مفصلة، اختصرها المصنف هنا، وهي: الأول: أنه نقض بقول القائل ....، والثاني: أنه يفضي إلى الدور ...، والثالث: أن الصدق والكذب متقابلان ...، والرابع: أن الباري تعالى له خبر ولا يتصور دخول الكذب فيه.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 6".
3 في ش، ز ض: وبأنهما. وفي ب وأصل ع: وبابهما.
4 "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 7، فواتح الرحموت 2/ 102، كشف الأسرار 2/ 360، شرح الورقات ص 177، مختصر ابن الحاجب 2/ 45، العضد على ابن الحاجب 2/ 47، إرشاد الفحول ص 42".
5 هذا الجواب لأبي هاشم الجبائي، وقد أجاب والده أبو علي بجواب آخر أيضاً.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 7، المعتمد 2/ 542، المسودة ص 233، الفروق 1/ 58".(2/290)
وَرُدَّ: لا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِ بِهِمَا بِدَلِيلِ الْكَذِبِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: كُلُّ مَوْجُودٍ حَادِثٌ. وَإِنْ أَفَادَ حُكْمًا لأَشْخَاصٍ1.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ كَذِبٌ ؛ لأَنَّهُ أَضَافَ الْكَذِبَ إلَيْهِمَا مَعًا، وَهُوَ لأَحَدِهِمَا2. وَسَلَّمَهُ بَعْضُهُمْ. وَ3لَكِنْ لَمْ يَدْخُلْهُ الصِّدْقُ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ مَعْنَى الْحَدِّ بِأَنَّ اللُّغَةَ لا تَمْنَعُ الْقَوْلَ لِلْمُتَكَلِّمِ بِهِ، صَدَقْتَ أَمْ كَذَبْتَ4.
وَرُدَّ بِرُجُوعِهِ إلَى التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ. وَهُوَ غَيْرُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الْخَبَرِ5.
وَقَوْلُهُ: "كُلُّ أَخْبَارِي كَذِبٌ". إنْ طَابَقَ فَصِدْقٌ، وَإِلاَّ فَكَذِبٌ. وَلا يَخْلُو عَنْهُمَا6.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَتَنَاوَلُ قَوْلُهُ مَا7 سِوَى هَذَا الْخَبَرِ؛ إذْ الْخَبَرُ لا يَكُونُ بَعْضَ الْمُخْبَرِ. قَالَ: وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مِثْلِهِ.
ـــــــ
1 انظر: الإحكام للآمدي، المرجع السابق، المعتمد 2/ 542، مختصر ابن الحاجب 2/ 45.
2 هذا الجواب لأبي عبد الله البصري.
انظر: الإحكام للآمدي 2/ 7.
3 ساقطة من ض.
4 هذا الجواب للقاضي عبد الجبار المعتزلي.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 7، المعتمد 2/ 543، 544، العضد على ابن الحاجب 2/ 47".
5 انظر الفرق بين الصدق والكذب وبين التصديق والتكذيب في الفروق للقرافي 1/ 18، 21.
6 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 7، شرح الورقات ص 177-178.
7 في ش: ما في.(2/291)
وَلا جَوَابَ عَنْ الدَّوْرِ.
وَقَدْ قِيلَ: لا تَتَوَقَّفُ1 مَعْرِفَةُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ عَلَى الْخَبَرِ لِعِلْمِهِمَا ضَرُورَةً2.
وَأُجِيبَ عَنْ الأَخِيرِ وَمَا قَبْلَهُ بِأَنَّ الْمَحْدُودَ جِنْسُ الْخَبَرِ، وَهُوَ قَابِلٌ لَهُمَا كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ فِي جِنْسِ اللَّوْنِ3. وَرُدَّ، لا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْحَدِّ فِي كُلِّ خَبَرٍ وَإِلاَّ لَزِمَ وُجُودُ الْخَبَرِ دُونَ حَدِّهِ4 وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْوَاوَ وَإِنْ كَانَتْ لِلْجَمْعِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ التَّرْدِيدُ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ تَجَوُّزًا5، لَكِنْ يُصَانُ الْحَدُّ عَنْ مِثْلِهِ6.
وَ7الْحَدُّ الثَّانِي لِلْقَاضِي فِي "الْعُدَّةِ" وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ8 كُلُّ مَا دَخَلَهُ الصِّدْقُ وَ9الْكَذِبُ10.
ـــــــ
1 في ب ع ض: يتوقف.
2 هذا جواب القاضي عبد الجبار على الإشكال الثاني وهو لزوم الدور، وقد شرحه البدخشي، فقال: "والجواب أن الخبر المعرف هو الكلام المخَبَّر به، والخبر المأخوذ في الصدق والكذب بمعنى الإخبار بدليل تعديته بعن". "مناهج العقول 1/ 243".
"انظر: البناني على جمع الجوامع 2/ 106، الفروق للقرافي 1/ 21، الإحكام للآمدي 2/ 8، فواتح الرحموت 2/ 102، تيسير التحرير 3/ 24".
3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 8.
4 انظر المرجع السابق.
5 المرجع السابق.
6 في ش: مثاله.
7 ساقطة من ع.
8 في ش ز: أن.
9 في ب ض: أو.
10 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 8، كشف الأسرار 2/ 360، الكفاية ص 16.(2/292)
وَالثَّالِثُ: لِلْمُوَفَّقِ فِي "الرَّوْضَةِ" وَغَيْرِهِ: مَا يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ أَوْ1 التَّكْذِيبُ2.
فَيَرِدُ عَلَيْهِمَا الدَّوْرُ الْمُتَقَدِّمُ. وَمَا قَبْلَ الدَّوْرِ أَيْضًا، وَبِمُنَافَاةِ أَوْ لِلتَّعْرِيفِ ؛ لأَنَّهَا لِلتَّرْدِيدِ3. فَلِهَذَا4 أَتَى الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ5 وَغَيْرُهُ بِالْوَاوِ، وَهُوَ الْحَدُّ الرَّابِعُ6.
وَالْحَدُّ الْخَامِسُ لأَبِي الْحُسَيْنِ الْمُعْتَزِلِيِّ: أَنَّ الْخَبَرَ كَلامٌ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ نِسْبَةً، وَالْكَلِمَةُ عِنْدَهُ كَلامٌ ؛ لأَنَّهُ حَدَّهُ بِمَا انْتَظَمَ مِنْ حُرُوفٍ مَسْمُوعَةٍ مُتَمَيِّزَةٍ7.
السَّادِسُ: لابْنِ الْحَاجِبِ فِي "مُخْتَصَرِهِ" وَغَيْرِهِ: هُوَ8 الْكَلامُ الْمَحْكُومُ
ـــــــ
1 في ز ش ب ع: و. وما أثبتناه في الأعلى من "الروضة" ومن ض.
2 وقد عدل التعريف عن الصدق والكذب إلى التصديق والتكذيب، لأن الصدق مطابقة الواقع، والكذب عدم مطابقته، فهما نسبة، والنسب والإضافات عدمية. أما التصديق والتكذيب فهو قول وجودي مسموع، فالأولان عدميان، والآخران وجوديان. وفرق آخر أن الصدق والكذب تابع للخبر، أما التصديق والتكذيب فتابعان للصدق والكذب .
"انظر: الفروق 1/ 18، نهاية السول 1/ 245، كشف الأسرار 2/ 360، المستصفى 1/ 132، الروضة ص 48".
3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 8، العضد على ابن الحاجب 2/ 48، الفروق 1/ 19.
4 في ب: فلهذه.
5 مختصر الطوفي ص 49، ولفظه: "وما تطرق إليه التصديق والتكذيب".
6 انظر: المحصول للرازي 1/ 381، الإحكام للآمدي 2/ 9، المستصفى 1/ 132.
7 ولفظه: "كلام يفيد بنفسه إضافة أمر من الأمور إلى أمر من الأمور، نفياً أو إثباتاً". المعتمد 2/ 544.
"وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 9، فواتح الرحموت 2/ 103، تيسير التحرير 3/ 24، كشف الأسرار 2/ 360، مختصر ابن الحاجب 2/ 45، إرشاد الفحول ص 42-43".
8 في ب: وهو.(2/293)
فِيهِ بِنِسْبَةٍ خَارِجِيَّةٍ. قَالَ: وَنَعْنِي الْخَارِجَ عَنْ كَلامِ النَّفْسِ. فَنَحْوُ: طَلَبْت الْقِيَامَ حُكْمٌ بِنِسْبَةٍ لَهَا خَارِجِيٌّ، بِخِلافِ قُمْ1.
قَالَ الأَصْفَهَانِيُّ: وَنَعْنِي2 بِالْكَلامِ مَا تَضَمَّنَ كَلِمَتَيْنِ بِالإِسْنَادِ. وَالْمُرَادُ بِالنِّسْبَةِ الْخَارِجِيَّةِ: الأَمْرُ الْخَارِجُ عَنْ كَلامِ النَّفْسِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ كَلامُ النَّفْسِ بِالْمُطَابَقَةِ وَاللاَّ مُطَابَقَةِ. وَيُسَمَّى ذَلِكَ الأَمْرُ3: النِّسْبَةَ الْخَارِجِيَّةَ. فَيَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ: نَحْوُ طَلَبْت الْقِيَامَ. فَإِنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِنِسْبَةٍ لَهَا خَارِجِيٌّ، وَهُوَ نِسْبَةُ طَلَبِ الْقِيَامِ إلَى الْمُتَكَلِّمِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي، وَهَذِهِ4 النِّسْبَةُ الْخَارِجِيَّةُ5 عَنْ الْحُكْمِ النَّفْسِيِّ تَعَلَّقَ بِهَا الْحُكْمُ النَّفْسِيُّ بِالْمُطَابَقَةِ وَاللاَّ مُطَابَقَةِ6 بِخِلافِ قُمْ. فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْحُكْمِ النَّفْسِيِّ، وَلَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ خَارِجِيٌّ7.
الْحَدُّ السَّابِعُ لِلْبِرْمَاوِيِّ: أَنَّ الْخَبَرَ مَا لَهُ مِنْ الْكَلامِ خَارِجٌ. أَيْ لِنِسْبَتِهِ8 وُجُودٌ خَارِجِيٌّ فِي زَمَنٍ غَيْرِ زَمَنِ الْحُكْمِ بِالنِّسْبَةِ.
الْحَدُّ9 الثَّامِنُ لابْنِ حَمْدَانَ فِي "الْمُقْنِعِ": أَنَّهُ قَوْلٌ يَدُلُّ عَلَى نِسْبَةِ
ـــــــ
1 مختصر ابن الحاجب 2/ 45، وانظر: كشف الأسرار 2/ 360، تيسير التحرير 3/ 25، إرشاد الفحول ص 43.
2 في ش: ويعني.
3 ساقطة من ع.
4 في ش ز: وهو.
5 في ب ز ع ض: خارجية.
6 ساقطة من ش.
7 انظر: شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 45، المحلي على جمع الجوامع 2/ 103، غاية الوصول ص 94.
8 في دع ض: لنسبة.
9 ساقطة من ش ب ز ع.(2/294)
مَعْلُومٍ إلَى مَعْلُومٍ أَوْ سَلْبِهَا عَنْهُ، وَيَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ1.
وَالْقَوْلِ 2 الثَّانِي: - وَهُوَ أَنَّ الْخَبَرَ لا يُحَدُّ كَالْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لِلْقَائِلِينَ3 بِهِ - مَأْخَذَانِ:
أَحَدُهُمَا: عُسْرُهُ، كَمَا قِيلَ فِي الْعِلْمِ4.
الْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ تَصَوُّرَهُ ضَرُورِيٌّ ؛ لأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ، أَيْ يَعْلَمُ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَنَا مَوْجُودٌ، مِنْ حَيْثُ وُقُوعُ النِّسْبَةِ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ 5مُحْتَمِلٍ لِلصِّدْقِ1 وَالْكَذِبِ، وَهُوَ خَبَرٌ خَاصٌّ. فَمُطْلَقُ الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ جُزْءُ هَذَا الْخَبَرِ الْخَاصِّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ ضَرُورِيًّا6.
"وَيُطْلَقُ" الْخَبَرُ "مَجَازًا" أَيْ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ "عَلَى دَلالَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ وَإِشَارَةٍ
ـــــــ
1 هذا التعريف قريب من التعريف الذي اختاره الآمدي وشرحه وبين احترازاته، وهناك تعريفات أخرى للخبر.
"انظر: التمهيد للإسنوي ص 134، التعريفات للجرجاني ص 101، شرح تنقيح الفصول ص 346، الإحكام للآمدي 2/ 9، المستصفى 1/ 132، فواتح الرحموت 2/ 102، تيسير التحرير 3/ 24، نهاية السول 1/ 242، الفروق للقرافي 1/ 18، شرح الورقات ص 176، إرشاد الفحول ص 44، اللمع ص 39، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90".
2 في ش ز: وللقول، وهذا هو القول الثاني المقابل لقول أكثر العلماء الذين رأوا تعريف الخبر.
3 في ش ز: المقابلين.
4 وقد سبق بيان ذلك في المجلد الأول ص 60.
5 في ب ع ض: يحتمل الصدق.
6 لقد ناقش الآمدي رحمه الله هذا القول ورد على أدلته.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 4، فواتح الرحموت 2/ 100، مناهج العقول 2/ 257، نهاية السول 1/ 245، كشف الأسرار 2/ 360، مختصر ابن الحاجب 2/ 45، جمع الجوامع والمحلي عليه وحاشية البناني 2/ 107، إرشاد الفحول ص 43".(2/295)
حَالِيَّةٍ" كَقَوْلِهِمْ: عَيْنَاكِ تُخْبِرُنِي بِكَذَا، وَالْغُرَابُ يُخْبِرُ بِكَذَا1. قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي2:
وَكَمْ لِظَلامِ اللَّيْلِ عِنْدَك مِنْ يَدٍ ... تُخَبِّرُ أَنَّ الْمَانَوِيَّةَ تَكْذِبُ3
"و"َ يُطْلَقُ الْخَبَرُ"حَقِيقَةً عَلَى الصِّيغَةِ 4". قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَيُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى قَوْلٍ مَخْصُوصٍ. وَذَلِكَ 5لِتَبَادُرِ الْفَهْمِ7 عِنْدَ الإِطْلاقِ إلَى6 ذَلِكَ7. "وَتَدُلُّ" الصِّيغَةُ "بِمُجَرَّدِهَا" أَيْ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ "عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى كَوْنِهِ خَبَرًا عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِ8.
ـــــــ
1 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 3، كشف الأسرار 2/ 359.
2 هو أحمد بن الحسين بن الحسن، الجُعْفي، الكندي الكوفي، المفروف بالمتنبي، الشاعر المشهور. قدم الشام وجال في الأقطار، واشتغل في فنون الأدب، وكان من المكثرين من نقل اللغة المطلعين على غريبها، ويستشهد بكلام العرب من النظم والنثر. وشعره في النهاية والقمة، ادعى النبوة في السماوة، ثم تاب منها، قتل سنة 354 هـ.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 1/ 102، شذرات الذهب 3/ 13، حسن المحاضرة 1/ 560".
3 البيت لأبي الطيب المتنبي يمدح به كافورا الأخشيدي ومطلعها:
أغالب فيك الشوق والشوق أغلب ... وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب
والمانوية أصحاب ماني بن فاتك الثنوي الذي يمجد النور ويعبده، ويكره الظلمة ويلعن السواد.
"انظر: العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطبي 2/ 336، الملل والنحل للشهرستاني 2/ 72، الفهرست ص 458".
4 انظر: المسودة ص 232، الإحكام للآمدي 2/ 3، كشف الأسرار 2/ 360.
5 في ض: التبادر للفهم.
6 في ض: في.
7 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 3.
8 انظر: المسودة ص 232، اللمع ص 39.(2/296)
وَنَاقَشَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَ: الصِّيغَةُ. هِيَ الْخَبَرُ. فَلا يُقَالُ لَهُ صِيغَةٌ، وَلا1 هِيَ دَالَّةٌ عَلَيْهِ2. وَاخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مَا قَالَهُ الْقَاضِي. وَقَالُوا: لأَنَّ الْخَبَرَ هُوَ 3اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى، لا4 اللَّفْظُ فَقَطْ. فَتَقْدِيرُهُ لِهَذَا الْمُرَكَّبِ جُزْءٌ، وَ4يَدُلُّ بِنَفْسِهِ عَلَى الْمُرَكَّبِ5.
وَإِذَا قِيلَ: الْخَبَرُ الصِّيغَةُ فَقَطْ، بَقِيَ الدَّلِيلُ هُوَ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ6. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لا صِيغَةَ لَهُ، وَيَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ بِقَرِينَةٍ هِيَ7 قَصْدُ الْمُخْبِرِ إلَى الإِخْبَارِ8. كَالأَمْرِ عِنْدَهُمْ9.
وَقَالَتْ الأَشْعَرِيَّةُ: هُوَ الْمَعْنَى النَّفْسِيُّ10.
وَقَالَ الآمِدِيُّ: "يُطْلَقُ عَلَى الصِّيغَةِ وَعَلَى الْمَعْنَى، وَالأَشْبَهُ لُغَةً: حَقِيقَةٌ فِي
ـــــــ
1 في ب: إلا.
2 انظر: المسودة ص 232.
3 ساقطة من ض.
4 ساقطة من ب ع ض.
5 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 45، المحلي على جمع الجوامع 2/ 104، المسودة ص 232.
6 انظر: المسودة ص 232.
7 في ع ب ز ض: هو. وفي المسودة: وهو.
8 في المسودة: الإخبار به.
9 نسب الشيرازي هذا القول للأشعرية، ورَدَّ عليه: بأن أهل اللغة قسموا الكلام إلى أربعة أقسام، فقالوا: أمر ونهي وخبر واستخبار، وهذا يدل على فساد قولهم.
"انظر: اللمع ص 39، المعتمد 2/ 542، المسودة ص 232".
10 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 4، المستصفى 1/ 132، جمع الجوامع 2/ 104، المسودة ص 232.(2/297)
الصِّيغَةِ لِتَبَادُرِهَا عِنْدَ الإِطْلاقِ1.
"وَلا يُشْتَرَطُ فِيهِ" أَيْ فِي الْخَبَرِ "إرَادَةُ" الإِخْبَارِ، بَلْ هُوَ مُفِيدٌ بِذَاتِهِ إفَادَةً أَوَّلِيَّةً2. وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا يُفِيدُ بِاللاَّزِمِ أَوْ بِالْقَرِينَةِ. نَحْوُ أَنَا أَطْلُبُ مِنْك أَنْ تُخْبِرَنِي بِكَذَا، أَوْ أَنْ تَسْقِيَنِي مَاءً، أَوْ أَنْ تَتْرُكَ الأَذَى وَنَحْوَهُ. فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ دَالاًّ عَلَى الطَّلَبِ، لَكِنَّهُ3 لا بِذَاتِهِ بَلْ هَذِهِ4 إخْبَارَاتٌ لازَمَهَا الطَّلَبُ، وَلا يُسَمَّى الأَوَّلُ اسْتِفْهَامًا، وَلا الثَّانِي أَمْرًا، وَلا الثَّالِثُ نَهْيًا5. وَكَذَا قَوْلُهُ: أَنَا عَطْشَانُ. كَأَنَّهُ قَالَ: اسْقِنِي. فَإِنَّ هَذَا طَلَبٌ بِالْقَرِينَةِ لا بِذَاتِهِ6.
7إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ5 "فَإِتْيَانُهُ" أَيْ مَجِيئُهُ "دُعَاءً" نَحْوَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَرَحِمَهُ8 "أَوْ9 تَهْدِيدًا" نَحْوَ 10قَوْله تَعَالَى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ} 11 وَ8نَحْوَ قَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّك لا تَنْتَهِي عَنْ سُوءِ فِعْلِك بِدُونِ الْمُعَاقَبَةِ "أَوْ أَمْرًا" نَحْوَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ
ـــــــ
1 الإحكام للآمدي 2/ 4، وانظر: الحدود للباجي ص 60، نهاية السول 2/ 260، المحلي على جمع الجوامع 2/ 104.
2 انظر: المعتمد 2/ 542.
3 في ب ع ض: لكن.
4 في ض: هذا.
5 في ب ض ع: نهيأ لذلك.
6 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 348.
7 ساقطة من ض.
8 في ب ع: ورحمه الله.
9 في ز ع ب: و.
10 ساقطة من ش ز. وفي ض: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} ، و.
11 الآية 31 من الرحمن.(2/298)
يَتَرَبَّصْنَ} 1 {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} 2 وَأَمَرْتُك أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، وَأَنْتَ مَأْمُورٌ بِكَذَا "مَجَازٌ" لأَنَّ ذَلِكَ لا يَدْخُلُهُ صِدْقٌ وَلا كَذِبٌ.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَالْخَبَرُ يَشْتَمِلُ عَلَى مَحْكُومٍ عَلَيْهِ وَمَحْكُومٍ بِهِ. وَيُعَبِّرُ عَنْهُ الْبَيَانِيُّونَ بِمُسْنَدٍ إلَيْهِ وَمُسْنَدٍ، وَيَعُدُّونَهُ إلَى مُطْلَقِ الْكَلامِ.
وَالْمَنَاطِقَةُ يُسَمُّونَ الْخَبَرَ قَضِيَّةً، لِمَا فِيهَا مِنْ الْقَضَاءِ بِشَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ، وَيُسَمُّونَ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَوْضُوعًا، وَالْمَقْضِيَّ بِهِ مَحْمُولاً ؛ لأَنَّك تَضَعُ الشَّيْءَ وَتَحْمِلُ عَلَيْهِ حُكْمًا، وَيُقَسِّمُونَ الْقَضِيَّةَ إلَى:
طَبِيعِيَّةٍ3، وَهِيَ مَا حُكِمَ فِيهَا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ 4عَلَى الآخَرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ13، لا بِالنَّظَرِ إلَى أَفْرَادِهِ نَحْوُ: الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَنَحْوُ: 5الْمَاءُ مُرْوٍ5. وَغَيْرِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَهِيَ الَّتِي قُصِدَ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى شَخْصٍ فِي الْخَارِجِ لا عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، ثُمَّ يُنْظَرُ. فَإِنْ حُكِمَ فِيهَا عَلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ سُمِّيَتْ شَخْصِيَّةً. نَحْوُ زَيْدٌ قَائِمٌ. أَوْ لا عَلَى مُعَيَّنٍ. فَإِنْ ذُكِرَ فِيهَا سُورُ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ فِي نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ. سُمِّيَتْ مَحْصُورَةً. نَحْوُ كُلُّ إنْسَانٍ كَاتِبٌ بِالْقُوَّةِ، وَبَعْضُ الإِنْسَانِ كَاتِبٌ بِالْفِعْلِ.
ـــــــ
1 الآية 228 من البقرة.
2 الآية 233 من البقرة.
3 في ض: طبيعة.
4 ساقطة من ع.
5 في ش: المأمور. وهو خطأ فادح.(2/299)
وَنَحْوُ لا شَيْءَ، أَوْ لا وَاحِدَ مِنْ الإِنْسَانِ بِجَمَادٍ، وَلَيْسَ بَعْضُ الإِنْسَانِ بِكَاتِبٍ بِالْفِعْلِ، أَوْ بَعْضُ الإِنْسَانِ لَيْسَ كَذَلِكَ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَضِيَّةِ سُورٌ، وَالْمُرَادُ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى الأَفْرَادِ لا عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ: سُمِّيَتْ1 مُهْمَلَةً، نَحْوُ الإِنْسَانُ فِي خُسْرٍ. وَالْحُكْمُ فِيهَا عَلَى بَعْضٍ ضَرُورِيٌّ، فَهُوَ الْمُتَحَقِّقُ. وَلا يَصْدُقُ عَلَيْهَا كُلِّيَّةٌ. لَكِنْ إذَا كَانَ فِيهَا " أَلْ " كَمَا فِي: الإِنْسَانُ كَاتِبٌ، يُطْلِقُ عَلَيْهَا2 ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ كَثِيرًا أَنَّهَا كُلِّيَّةٌ، نَظَرًا إلَى إفَادَةِ "أَلْ" لِلْعُمُومِ3. فَهِيَ مِثْلُ: كُلٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ اصْطِلاحِ الْمَنَاطِقَةِ4.
"وَغَيْرُهُ" أَيْ وَغَيْرُ الْخَبَرِ مِنْ الْكَلامِ "إنْشَاءٌ وَتَنْبِيهٌ" وَهُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ، سُمِّيَ5 إنْشَاءً لأَنَّك ابْتَكَرْته مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ6، وَسُمِّيَ7 تَنْبِيهًا؛ لأَنَّك تُنَبِّهُ بِهِ عَلَى مَقْصُودِك8.
ـــــــ
1 في ب ز ع ض: وسميت.
2 في ع: عليهما.
3 في ب ع: العموم.
4 انظر: مختصر ابن الحاجب 1/ 86.
5 في ع: يسمى.
6 حقيقة الإنشاء أنه القول الذي بحيث يوجد به مدلوله في نفس الأمر أو متعلقه.
انظر: الفروق 1/ 21.
7 في ع: ويسمى.
8 قال ابن عبد الشكور: "وتسمية الجميع بالتنيبه كما في المختصر غير متعارف". "مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت 2/ 103". وقال بعضهم: التنبيه، يطلق على القسم والنداء. وقال المناطقة: يطلق على القسم والنداء والتمني والترجي. وزاد بعضهم: الاستفهام. وقال ابن الحاجب وغيره كالمصنف: "كل ما ليس بخبر يسمى إنشاء وتنبيهاً". "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 45، 49".
"وانظر: تيسير التحرير 3/ 26، مناهج العقول 2/ 245، نهاية السول 1/ 243، المحلي على جمع الجوامع 2/ 106، التعريفات للجرجاني ص 40، 71، المحصول للرازي 1/ 318، الفروق 1/ 21، إرشاد الفحول ص 44، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90".(2/300)
"وَمِنْهُ" أَيْ مِنْ غَيْرِ الْخَبَرِ "الأَمْرُ" نَحْوُ قُمْ "وَنَهْيٌ" نَحْوُ لا تَقْعُدْ "وَاسْتِفْهَامٌ" نَحْوُ هَلْ عِنْدَك أَحَدٌ ؟ "وَتَمَنٍّ" نَحْوُ "لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُودُ1" "وَتَرَجٍّ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} 2.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّمَنِّي وَالتَّرَجِّي: أَنَّ التَّمَنِّي يَكُونُ فِي الْمُسْتَحِيلِ وَالْمُمْكِنِ، وَالتَّرَجِّي لا يَكُونُ إلاَّ فِي الْمُمْكِنِ3.
"وَقَسَمٌ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {تَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} 4 وَنِدَاءٌ نَحْوُ: قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} 5 "وَصِيغَةُ عَقْدٍ" نَحْوُ وَهَبْت وَنَحْوُ قَبِلْت "وَ" صِيغَةُ "فَسْخ" نَحْوُ أَقَلْت.
وَقِيلَ: إنَّ صِيَغَ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ لَيْسَتْ بِإِنْشَاءٍ، وَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى أَصْلِهَا مِنْ الإِخْبَارِ. فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِك: الإِخْبَارُ عَمَّا فِي قَلْبِك. فَإِنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ هُوَ
ـــــــ
1 لفظة "يعود" ساقطة من ز. وفي ض: يعود يوماً. وهذه الجملة قطعة من بيت من الشعر، وهو:
فيا ليت الشباب يعود يوماً ... فأخبره بما فعل المشيب
والبيت لأبي العتاهية إسماعيل بن قاسم ت 213 هـ.
"انظر: أبو العتاهية؛ أشعاره وأخباره ص 32، مغني اللبيب ص 376".
2 الآية 216 من البقرة، وأول الآية {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً}.
3 انظر: مناهج العقول 1/ 244، البناني على جمع الجوامع 2/ 106.
4 الآية 57 من الأنبياء، وأول الآية {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ}.
5 الآية الأولى من النساء.(2/301)
التَّرَاضِي. فَصَارَ "بِعْت" وَنَحْوُهَا: لَفْظًا1 دَالاًّ2 عَلَى الرِّضَى بِمَا فِي ضَمِيرِك. فَيُقَدَّرُ وُجُودُهَا3 قَبْلَ اللَّفْظِ لِلضَّرُورَةِ. وَغَايَةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا. وَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ4.
وَدَلِيلُ الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ5: أَنَّ صِيغَةَ الْعَقْدِ وَالْفَسْخِ وَنَحْوِهِمَا، مِمَّا اقْتَرَنَ مَعْنَاهُ بِوُجُودِ لَفْظِهِ، نَحْوُ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَأَعْتَقْت وَطَلَّقْت وَفَسَخْت وَنَحْوِهَا6 مِمَّا يُشَابِهُ ذَلِكَ، مِمَّا تُسْتَحْدَثُ بِهَا الأَحْكَامُ إنْشَاءً ؛ لأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ خَبَرًا لَكَانَ إمَّا عَنْ مَاضٍ أَوْ حَالٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ، وَالأَوَّلانِ بَاطِلانِ، لِئَلاَّ يَلْزَمَ أَنْ لا يَقْبَلَ الطَّلاقُ وَنَحْوُهُ التَّعْلِيقَ. لأَنَّهُ يَقْتَضِي تَوَقُّفَ شَيْءٍ7 لَمْ يُوجَدْ عَلَى مَا لَمْ يُوجَدْ، وَالْمَاضِي وَالْحَالُ قَدْ وُجِدَا8، لَكِنَّ
ـــــــ
1 في ب: لفظ. وهو خطأ.
2 في ض: دلَّ.
3 في ش ز: وجودهما.
4 وهو قول الإمام أبي حنيفة وأصحابه. وادعى ابن عبد الشكور أنه قول الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة.
"انظر: فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 2/ 103، 104، تيسير التحرير 3/ 26، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 163، الفروق 1/ 28، 29، غاية الوصول ص 103، المحصول 1/ 440، الفروق 1/ 23".
5 قال الجمهور: إن صيغ العقود والفسوخ إنشاء لوجود مضمونها في الخارج بها.
"انظر: فواتح الرحموت 2/ 103، تيسير التحرير 3/ 28، مختصر ابن الحاجب 2/ 49، المحلي على جمع الجوامع 2/ 163، الفروق 1/ 27، 28 وما بعدها، غاية الوصول ص 103، المحصول 1/ 440".
6 في ش: ونحوهما.
7 في ز: الشيء.
8 في ش ض: وجد.(2/302)
قَبُولَهُ التَّعْلِيقَ إجْمَاعٌ، وَالْمُسْتَقْبَلُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لا يَقَعَ بِهِ شَيْءٌ ؛ لأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ "سَأُطَلِّقُ"، وَالْفَرْضُ1 خِلافُهُ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَدِلَّتِهِ. وَأَيْضًا لا خَارِجَ لَهَا، وَلا تَقْبَلُ2 صِدْقًا وَلا كَذِبًا. وَلَوْ كَانَتْ خَبَرًا لَمَا قَبِلَتْ تَعْلِيقًا، لِكَوْنِهِ مَاضِيًا ؛ وَلأَنَّ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ قَاطِعٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ طَلَّقْت إذَا قَصَدَ بِهِ الْوُقُوعَ وَطَلَّقْت إذَا قَصَدَ بِهِ الإِخْبَارَ3.
"وَلَوْ قَالَ لِرَجْعِيَّةٍ: طَلَّقْتُك، طَلُقَتْ" عَلَى الصَّحِيحِ4 الَّذِي عَلَيْهِ الأَكْثَرُ لأَنَّهُ5 إنْشَاءٌ لِلطَّلاقِ6.
فَعَلَى هَذَا: لا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: أَنَّهُ أَرَادَ الإِخْبَارَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "وَفِي وَجْهٍ وَإِنْ ادَّعَى مَاضِيًا" وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ "أَنِّي مَتَى قُلْت فِي وَجْهٍ: كَانَ الْمُقَدَّمُ خِلافَهُ7" فَعُلِمَ مِنْهَا: أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا تَطْلُقُ، وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت الإِخْبَارَ8.
ـــــــ
1 في د ع: والغرض.
2 في ز ض: يقبل.
3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 103، 104 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 27، مختصر ابن الحاجب 2/ 49، البناني على جمع الجوامع 2/ 28 وما بعدها، المحصول 1/ 441 وما بعدها.
4 في ب ض: الأصح.
5 في ز ع: أنه.
6 انظر: المحصول 1/ 444.
7 المجلد الأول صفحة 29.
8 وهذا الطلاق يقع قضاء فقط، ولا يقع ديانة إذا كان صادقاً فيما بينه وبين نفسه.
"انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 49، التفتازاني على العضد 2/ 49، الفروق 1/ 28، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 44، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 53".(2/303)
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهَا لا تَطْلُقُ، وَكَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ قَصَدَ الإِخْبَارَ عَنْ الطَّلاقِ الْمَاضِي1.
"وَ" قَوْلُ الشَّاهِدِ "أَشْهَدُ: إنْشَاءٌ تَضَمَّنَ إخْبَارًا" عَمَّا فِي نَفْسِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ2.
وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ إخْبَارٌ مَحْضٌ3؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَهْلِ اللُّغَةِ، قَالَ ابْنُ فَارِسٍ فِي "الْمُجْمَلِ": الشَّهَادَةُ خَبَرٌ عَنْ عِلْمٍ. وَقَالَ الرَّازِيِّ: قَوْلُهُ أَشْهَدُ إخْبَارٌ عَنْ الشَّهَادَةِ. وَهِيَ الْحُكْمُ الذِّهْنِيُّ الْمُسَمَّى بِكَلامِ4 النَّفْسِ.
وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ إنْشَاءٌ مَحْضٌ ؛ لأَنَّهُ لا يَدْخُلُهُ تَكْذِيبٌ شَرْعًا. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْقَرَافِيُّ5.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} 6 فَرَاجِعٌ إلَى تَسْمِيَتِهِمْ ذَلِكَ شَهَادَةً ؛ 7لا أَنَّهَا11 مَا وَاطَأَ فِيهَا الْقَلْبُ اللِّسَانَ.
وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ الْقَوْلُ الأَوَّلُ لاضْطِرَابِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ. فَقَائِلٌ بِأَنَّهَا إخْبَارٌ. كَمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، وَقَائِلٌ بِأَنَّهَا إنْشَاءٌ ؛ لأَنَّهُ لا يَدْخُلُ تَكْذِيبٌ شَرْعًا. فَالْقَائِلُ
ـــــــ
1 انظر: فواتح الرحموت 2/ 104 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/ 50، الفروق 1/ 30.
2 أي تضمن الأخبار بالمشهود به نظراً إلى وجود مضمونه في الخارج به وإلى متعلقه.
انظر: غاية الوصول ص 102، المحلي على جمع الجوامع 2/ 162.
3 نظراًَ إلى متعلقه فقط.
"انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 162، غاية الوصول ص 102".
4 في ز ب ع ض: كلام.
5 نظراً إلى اللفظ فقط.
"انظر: الفروق 1/ 17، المحلي على جمع الجوامع 2/ 162، غاية الوصول ص 102".
6 الآية الأولى من المنافقون.
7 في ز ع ض ب: لأنها.(2/304)
بِالثَّالِثِ - رَأَى1 أَنَّ كُلاًّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ - لَهُ وَجْهٌ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا2.
وَقَالَ الْكُورَانِيُّ: إذَا3 أَرَدْت تَحْقِيقَ الْمَسْأَلَةِ، فَاعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ دَلالَةَ الأَلْفَاظِ إنَّمَا هِيَ عَلَى الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالنَّفْسِ. فَإِنْ أُرِيدَ بِالْكَلامِ الإِشَارَةُ إلَى أَنَّ النِّسْبَةَ الْقَائِمَةَ بِالنَّفْسِ مُطَابِقَةٌ لأُخْرَى4 خَارِجِيَّةٍ فِي أَحَدِ الأَزْمِنَةِ الثَّلاثَةِ. فَالْكَلامُ خَبَرٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الْخَارِجِيَّةُ قَائِمَةً بِالنَّفْسِ أَيْضًا، كَعَلِمْتُ وَظَنَنْت. أَوْ بِغَيْرِهِ كَخَرَجْتُ وَدَخَلْت، وَإِنْ لَمْ يُرَدْ5 مُطَابَقَةُ تِلْكَ النِّسْبَةِ الذِّهْنِيَّةِ لأُخْرَى خَارِجِيَّةٍ. فَالْكَلامُ إنْشَاءٌ. فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: أَشْهَدُ بِكَذَا. لا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ أَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ الْقَائِمَةَ بِنَفْسِهِ تُطَابِقُ نِسْبَةً أُخْرَى فِي أَحَدِ الأَزْمِنَةِ، بَلْ مُرَادُهُ الدَّلالَةُ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ ثُبُوتِ هَذِهِ النِّسْبَةِ. مِثْلُ: اضْرِبْ، وَلا تَضْرِبْ. فَهُوَ إنْشَاءٌ مَحْضٌ، وَلا يَرْجِعُ الصِّدْقُ وَلا6 الْكَذِبُ إلَيْهِ، وَكَوْنُ الْمَشْهُودِ بِهِ خَبَرًا لا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ 7إنْشَاءً مَحْضًا ؛ لأَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ مُسْتَقِلَّةٌ بِحُكْمٍ، وَلَوْ كَانَ كَوْنُ الشَّيْءِ مُتَضَمِّنًا لآخَرَ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ7 مَحْضُ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَمْ يَبْقَ إنْشَاءٌ مَحْضٌ قَطُّ إذْ قَوْلُك:
ـــــــ
1 في ش: أي.
2 قال العلامة المحلي: "لم تتوارد الثلاثة على محل واحد، ولا منافاة بين كون أشهد إنشاء، وكون معنى الشهادة إخباراً، لأنه صيغة مؤدية لذلك المعنى بمتعلقه". "المحلي على جمع الجوامع 2/ 162".وقال العضد: "وهذه المسألة لفظية لا يجدي الإطناب فيها كثير نفع". "العضد على ابن الحاجب 2/ 51".
"وانظر: غاية الوصول ص 102".
3 في ع ض: إن.
4 في ع: للأخرى.
5 في ب ع ض: ترد.
6 ساقطة من ب ز ض.
7 ساقطة من ض.(2/305)
اضْرِبْ. مُتَضَمِّنٌ لِقَوْلِك: الضَّرْبُ مِنْك مَطْلُوبٌ، أَوْ أَطْلُبُ الضَّرْبَ1 مِنْك. وَهَذَا مِمَّا لا يَقُولُ بِهِ عَاقِلٌ2. اهـ.
فَائِدَةٌ:
ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فُرُوقًا بَيْنَ الْخَبَرِ وَالإِنْشَاءِ:
أَحَدُهَا: قَبُولُ الْخَبَرِ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، بِخِلافِ الإِنْشَاءِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْخَبَرَ 3تَابِعٌ لِلْمُخْبِرِ عَنْهُ1 فِي أَيِّ زَمَانٍ كَانَ مَاضِيًا كَانَ أَوْ حَالاً أَوْ مُسْتَقْبَلاً، وَالإِنْشَاءُ مَتْبُوعٌ لِمُتَعَلَّقِهِ. فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الإِنْشَاءَ سَبَبٌ لِوُجُودِ مُتَعَلَّقِهِ. فَيَعْقُبُ آخِرَ حَرْفٍ مِنْهُ 4أَوْ يُوجَدُ مَعَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهُ2 عَلَى الْخِلافِ فِي ذَلِكَ إلاَّ أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ. وَلَيْسَ الْخَبَرُ سَبَبًا وَلا مُعَلَّقًا5 عَلَيْهِ، بَلْ مُظْهِرٌ لَهُ6 فَقَطْ7 اهـ.
وَهَذِهِ الْفُرُوقُ رَاجِعَةٌ إلَى أَنَّ الْخَبَرَ لَهُ خَارِجٌ 8يَصْدُقُ أَوْ يَكْذِبُ6.
وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الظِّهَارَ هَلْ هُوَ خَبَرٌ أَوْ إنْشَاءٌ ؟
ـــــــ
1 ساقطة من ب ز ض.
2 انظر مناقشة الموضوع في "فواتح الرحموت 2/ 103-107".
3 في ش ب ع ز: للمخبر. وما أثبتناه أعلاه من د ض. والنص باختصار وتصرف من "الفروق".
4 ساقطة من ش.
5 في د ع ض: متعلقاً.
6 ساقطة من ب ع ض.
7 الفروق 1/ 23 باختصار وتصرف.
وانظر: حاشية التفتازاني على العضد 2/ 49.
8 في ش ض: بصدق أو بكذب. وفي د: بيصدق أو يكذب.(2/306)
قَالَ الْقَرَافِيُّ: قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ إنْشَاءٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَشَارَ إلَى كَذِبِ الْمُظَاهِرِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إنْ أُمَّهَاتُهُمْ إلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا 1 وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} 2 قَالَ: وَلأَنَّهُ حَرَامٌ وَلا سَبَبَ لِتَحْرِيمِهِ إلاَّ كَوْنُهُ كَذِبًا. وَأَجَابَ عَمَّنْ قَالَ: سَبَبُ التَّحْرِيمِ: أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّلاقِ الثَّلاثِ. وَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى رَأْيٍ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ3.
لَكِنْ4 قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْشَاءٌ خِلافًا5 لَهُ ؛ لأَنَّ مَقْصُودَ النَّاطِقِ بِهِ تَحْقِيقُ مَعْنَاهُ الْخَبَرِيِّ بِإِنْشَاءِ التَّحْرِيمِ. فَالتَّكْذِيبُ وَرَدَ عَلَى مَعْنَاهُ الْخَبَرِيِّ لا عَلَى مَا قَصَدَ مِنْ إنْشَاءِ التَّحْرِيمِ. فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ، حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ طَلاقًا وَلا ظِهَارًا إلاَّ مِنْ حَيْثُ الإِخْبَارُ.
فَالإِنْشَاءُ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ أَذِنَ الشَّارِعُ فِيهِ كَمَا أَرَادَهُ الْمُنْشِئُ. كَالطَّلاقِ. وَضَرْبٌ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الشَّرْعُ، وَلَكِنْ رَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمًا. وَهُوَ الظِّهَارُ، رَتَّبَ عَلَيْهِ6 7تَحْرِيمَ الْمَرْأَةِ إذَا عَادَ2 حَتَّى يُكَفِّرَ. وَقَوْلُهُ: إنَّهَا حَرَامٌ لا 8يَقْصِدُ طَلاقًا أَوْ ظِهَارًا3 رَتَّبَ فِيهِ التَّحْرِيمَ حَتَّى يُكَفِّرَ. اهـ.
ـــــــ
1 هنا ينتهي الاستشهاد بالآية في ب ع ض.
2 الآية 2 من المجادلة.
3 الفروق 1/ 31-37.
4 ساقطة من ض.
5 وهو قول أبي سعيد الهروي والغزالي. "انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 367".
6 في ب ز ع ض: فيه.
7 في ض: التحريم.
8 في ع: بقصد طلاق أو ظهار.(2/307)
"وَيَتَعَلَّقُ" مِنْ قِسْمِ الإِنْشَاءِ "بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ" اثْنَا عَشَرَ حَقِيقَةً.
"أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَدُعَاءٌ وَتَرَجٍّ وَتَمَنٍّ" لِدَلالَةِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ عَلَى الطَّلَبِ. وَطَلَبُ الْمَاضِي مُتَعَذِّرٌ، وَالْحَالُ مَوْجُودٌ، وَطَلَبُ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ. فَتَعَيَّنَ الْمُسْتَقْبَلُ.
"وَشَرْطٌ وَجَزَاءٌ" لأَنَّ مَعْنَى هَاتَيْنِ1 الْحَقِيقَتَيْنِ رَبْطُ أَمْرٍ وَتَوْقِيفُ دُخُولِهِ2 فِي الْوُجُودِ عَلَى وُجُودِ أَمْرٍ آخَرَ. وَالتَّوَقُّفُ فِي الْوُجُودِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ.
"وَوَعْدٌ وَوَعِيدٌ" لأَنَّ الْوَعْدَ حَثٌّ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ فِيمَا3 تَتَوَقَّعُهُ النَّفْسُ مِنْ خَيْرٍ. وَالْوَعِيدُ زَجْرٌ عَنْ مُسْتَقْبَلٍ بِمَا تَتَوَقَّعُهُ النَّفْسُ مِنْ شَرٍّ. وَالتَّوَقُّعُ لا يَكُونُ إلاَّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
"وَإِبَاحَةٌ" وَذَلِكَ لأَنَّ الإِبَاحَةَ تَخْيِيرٌ بَيْنَ 4الْفِعْلِ أَوْ4 التَّرْكِ. وَالتَّخْيِيرُ إنَّمَا يَكُونُ فِي5 مَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ.
"وَعَرْضٌ" نَحْوُ أَلا تَنْزِلُ عِنْدَنَا فَنُكْرِمَك.
"وَتَحْضِيضٌ" نَحْوُ: هَلاَّ تَنْزِلُ عِنْدَنَا فَنُكْرِمَك ؛ لأَنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا مُخْتَصٌّ بِالْمُسْتَقْبَلِ، لَكِنَّ التَّحْضِيضَ أَشَدُّ وَأَبْلَغُ مِنْ الْعَرْضِ6.
ـــــــ
1 في ب ز ع: هذين.
2 في ز: وخوله.
3 في ب د ع ض: بما.
4 في ب: الفعلين و. وفي ع ض: الفعل و.
5 ساقطة من ض.
6 انظر: الفروق 1/ 27 وما بعدها.(2/308)
فصل: الخبر صدق أو كذب
...
فَصْلٌ: "الْخَبَرُ إنْ طَابَقَ"
مَا فِي الْخَارِجِ "فَ" هُوَ "صِدْقٌ وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ الْوَاقِعَ فِي الْخَارِجِ "فَ" هُوَ "كَذِبٌ" وَلا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ مَعَ الصِّدْقِ، أَوْ عَدَمِهَا مَعَ الْكَذِبِ. وَبَيْنَ أَنْ لا يَعْتَقِدَ شَيْئًا أَوْ يَعْتَقِدَ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ مَعَ وُجُودِهَا، أَوْ يَعْتَقِدَ وُجُودَهَا مَعَ عَدَمِهَا. وَإِذَنْ فَلا وَاسِطَةَ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ1.
وَقَالَ الْجَاحِظُ2: الْمُطَابِقُ3 مَعَ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ صِدْقٌ، وَغَيْرُ الْمُطَابِقِ4 مَعَ اعْتِقَادِ5 عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ كَذِبٌ. وَغَيْرُهُمَا وَاسِطَةٌ،
ـــــــ
1 انظر قول الجماهير مع توجيهه وبيانه في "التمهيد للإسنوي ص 135، الإحكام للآمدي 2/ 10، شرح تنقيح الفصول ص 347، فواتح الرحموت 2/ 107، تيسير التحرير 3/ 28، نهاية السول 2/ 261، الفروق 1/ 25، المعتمد 2/ 544، مختصر ابن الحاجب 2/ 50، المحلي على جمع الجوامع 2/ 110، المسودة ص 232، إرشاد الفحول ص 44، غاية الوصول ص 94".
2 هو عمرو بن بحر بن محبوب، أبو عثمان، المعروف بالجاحظ، الكناني الليثي البصري، العالم المشهور، صاحب التصانيف في كل فن، وله مقالة في أصول الدين، وإليه تنسب الفرقة الجاحظية من المعتزلة، كان بحراً من بحور العلم، رأساً في الكلام والاعتزال. ومن تصانيفه: "الحيوان"، و"البيان والتبيين"، و"العرجان والبرصان والقرعان". وله مصنفات في التوحيد وإثبات النبوة وفي الإمامة وفضائل المعتزلة، وكان مع فضائله وفصاحته مشوه الخلقة، وأصيب في أواخر عمره بالفالج. توفي بالبصرة سنة 255هـ.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 3/ 140، بغية الوعاة 2/ 228، شذرات الذهب 2/ 121، روضات الجنات 5/ 324، فرق وطبقات المعتزلة ص 73".
3 في ش ب ز ض: المطابقة. وكذا في أصل ع، لكنها صححت على الهامش كالأعلى.
4 في ش ب ز ض: المطابقة.
5 ساقطة من ش ب ز.(2/309)
لا1 صِدْقٌ2، وَلا كَذِبٌ. فَيَدْخُلُ فِي الْوَاسِطَةِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ فَتَصِيرُ الأَقْسَامُ عِنْدَهُ سِتَّةٌ: صِدْقٌ وَكَذِبٌ وَ3وَاسِطَةٌ4 ؛ لأَنَّ الْخَبَرَ إمَّا مُطَابِقٌ أَوْ غَيْرُ مُطَابِقٍ. فَإِنْ كَانَ 5مُطَابِقًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ اعْتِقَادُ الْمُطَابَقَةِ أَوْ لا. وَالثَّانِي: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ اعْتِقَادُ أَنْ لا5 مُطَابَقَةَ أَوْ لا6.
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطَابِقٍ فَإِمَّا7 أَنْ يَكُونَ مَعَهُ اعْتِقَادُ أَنْ لا مُطَابَقَةَ أَوْ لا. وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ اعْتِقَادُ الْمُطَابَقَةِ أَوْ لا8.
وَاسْتُدِلَّ لِقَوْلِ الْجَاحِظِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} 9. وَالْمُرَادُ الْحَصْرُ فِي الافْتِرَاءِ وَالْجُنُونِ، ضَرُورَةَ عَدَمِ اعْتِرَافِهِمْ بِصِدْقِهِ.
ـــــــ
1 في ش ز: ولا.
2 في ش ز: صدق فيه.
3 ساقطة من ض.
4 وكذلك قال الراغب الأصبهاني بالواسطة. وقال البناني: "قلت: وكلام السعد في مطوله يشعر بعدم الجزم بنفي الواسطة".
"انظر: البناني على جمع الجوامع 2/ 112، الإحكام للآمدي 2/ 10، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/ 111، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 50، المسودة ص 232، الفروق 1/ 25، فواتح الرحموت 2/ 108، تيسير التحرير 3/ 28، نهاية السول 2/ 260، المعتمد 2/ 544، التمهيد ص 135، إرشاد الفحول ص 44".
5 ساقطة من ض.
6 قال القرافي: "والخلاف لفظي". "شرح تنقيح الفصول ص 347". وكذلك يرى الرازي في "المحصول" أن المسألة لفظية، وهو ما يراه الآمدي أيضاً.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 12، إرشاد الفحول ص 44".
7 في ض: إما.
8 انظر تفصيل قول الجاحظ وتقسيماته في "العضد على ابن الحاجب 2/ 50، فواتح الرحموت 2/ 108، تيسير التحرير 3/ 28، شرح تنقيح الفصول ص 347، غاية الوصول ص 94، إرشاد الفحول ص 44".
9 الآية 8 من سبأ. والآية حكاية عن الكفار في اعتراضهم على قوله صلى الله عليه وسلم لهم: {إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِيْ خَلْقٍ جَدِيْدٍ}. سبأ/ 7.(2/310)
فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ كَلامُ مَجْنُونٍ لا يَكُونُ صِدْقًا ؛ لأَنَّهُمْ لا يَعْتَقِدُونَ صِدْقَهُ وَلا كَذِبَهُ ؛ لأَنَّهُ قَسِيمُ الْكَذِبِ1 عَلَى مَا زَعَمُوهُ. فَثَبَتَتْ الْوَاسِطَةُ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ2.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى: أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ لَمْ يَفْتَرِ. فَيَكُونَ مَجْنُونًا ؛ لأَنَّ الْمَجْنُونَ لا افْتِرَاءَ لَهُ لِعَدَمِ قَصْدِهِ3.
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِنَحْوِ قَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي حَدِيثِ "إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ" 4: مَا كَذَبَ، وَلَكِنْ5 وَهِمَ6 ".
ـــــــ
1 في ض: للكذب.
2 انظر: فواتح الرحموت 2/ 108، تيسير التحرير 3/ 28، العضد على ابن الحاجب 2/ 50، شرح تنقيح الفصول ص 347، الإحكام للآمدي 2/ 10، الفروق 1/ 26، إرشاد الفحول ص 44.
3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 108، تيسير التحرير 3/ 28، العضد على ابن الحاجب 2/ 50، الفروق 1/ 26، شرح تنقيح الفصول ص 347، الإحكام للآمدي 2/ 10، إرشاد الفحول ص 44.
4 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والشافعي والبغوي عن ابن عمر مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 223، صحيح مسلم 2/ 641، سنن أبي داود 2/ 172، سنن النسائي 4/ 13، سنن ابن ماجه 1/ 508، بدائع المنن 1/ 205، شرح السنة 5/ 240 وما بعدها".
5 في ب ع ض: ولكنه. وهي رواية ثانية عن مالك والشافعي وأحمد.
6 روى كلام عائشة الإمام مسلم بلفظ: "إنكم لتحدثوني غير كاذبين ولا مكذبين، ولكن السمع يخطئ". والإمام مالك وأحمد بلفظ: "أما إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ"، والإمام الشافعي بلفظ: "أما إنه لم يكذب ولكنه أخطأ أو نسي".
"انظر: صحيح مسلم 2/ 641، الموطأ 1/ 234، مسند أحمد 6/ 107، بدائع المنن 1/ 205".
ووجه الاستدلال أن الوهم –وهو ما ليس عن اعتقاد، وإن خالف الواقع- ليس بكذب، وقد قبل جماهير الفقهاء والمحدثين حديث ابن عمر.وقال السيوطي: إنه متواتر، وبينوا المقصود منه................=(2/311)
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا كَذَبَ عَمْدًا، بَلْ وَهِمَ1.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ": الْمُرَادُ مِنْ الآيَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْحَصْرُ فِي كَوْنِهِ خَبَرًا كَذِبًا، أَوْ لَيْسَ بِخَبَرٍ لِجُنُونِهِ. فَلا عِبْرَةَ بِكَلامِهِ2.
وَأَمَّا الْمَدْحُ وَالذَّمُّ فَيَتْبَعَانِ الْقَصْدَ وَيَرْجِعَانِ إلَى الْمُخْبِرِ، لا إلَى الْخَبَرِ. وَمَعْلُومٌ عِنْدَ الأُمَّةِ صِدْقُ الْمُكَذِّبِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} 3 مَعَ عَدَمِ4 اعْتِقَادِهِ، وَكَذِبُهُ فِي نَفْيِ الرِّسَالَةِ مَعَ اعْتِقَادِهِ5.
وَكَثُرَ فِي السُّنَّةِ تَكْذِيبُ مَنْ أَخْبَرَ - يَعْتَقِدُ الْمُطَابَقَةَ - فَلَمْ يَكُنْ، كَقَوْلِهِ6 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ" 7 اهـ.
ـــــــ
1 وَهِمَ يَوْهَم على وزن غلط يَغْلَط وزناً ومعنى، أي إنه نسي أو أخطأ كما جاء في رواية أخرى.
"انظر: المصباح المنير 2/ 1046، فواتح الرحموت 2/ 108 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 29، العضد على ابن الحاجب 2/ 50".
2 يرى الآمدي وغيره أن المسألة لفظية، ويبرهنون على ذلك.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 12، إرشاد الفحول ص 44".
3 لفظ الجلالة غير موجود في ض.
4 ساقطة من ض.
5 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 11، فواتح الرحموت 2/ 108، المعتمد 2/ 545.
6 في ض: قوله.
7 هو الصحابي أبو السنابل بن بَعْكك بن الحجاج بن الحارث، اسمه حَبَّة، أو حَنَّة، وقيل عمرو، وقيل غير ذلك. أسلم يوم فتح مكة، وكان من المؤلفة قلوبهم، وكان شاعراً، وخطب سبيعة الأسلمية. قال البخاري: لا أعلم أنه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن سعد: أقام بمكة حتى مات. وقال البغوي: سكن الكوفة. وقال ابن حبان: توفي بالمدينة، ولم يذكر تاريخ وفاته، روي له اثنا عشر حديثاً............=(2/312)
وَقِيلَ: إنْ اعْتَقَدَ الْمُخْبِرُ الْمُطَابَقَةَ وَكَانَ الأَمْرُ كَمَا اعْتَقَدَ، فَصِدْقٌ وَإِلاَّ فَكَذِبٌ، سَوَاءٌ كَانَ مُطَابِقًا أَوْ لَمْ يَكُنْ1. كَقَوْلِهِ2 تَعَالَى: {إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} 3، كَذَّبَهُمُ4 اللَّهُ تَعَالَى لِعَدَمِ5 اعْتِقَادِهِمْ، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُمْ مُطَابِقٌ لِلْخَارِجِ6.
ـــــــ
=انظر ترجمته في "الإصابة 4/ 95، تهذيب الأسماء 2/ 241، مشاهير علماء الأمصار ص 21، الخلاصة ص 451".
وسبب الحديث أن سبيعة الأسلمية وضعت بعد وفاة زوجها ببضع وعشرين ليلة، فتزينت وتعرضت للتزويج، فقال لها أبو السنابل: "لا سبيل إلى ذلك أي حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشراً فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: "كذب أبو السنابل" أو "ليس كما قال أبو السنابل، وقد حللت فتزوجي". هكذا رواه البغوي والشافعي. والحديث مع القصة وردت بألفاظ مختلفة في البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والشافعي وابن حبان والدارمي وغيرهم.
"انظر: شرح السنة 9/ 304، صحيح البخاري 3/ 204، صحيح مسلم 2/ 1122، تحفة الأحوذي 4/ 373، سنن النسائي 6/ 158، بدائع المنن 2/ 402، موارد الظمآن ص 323، سنن الدارمي 2/ 166، سنن ابن ماجه 1/ 653، فتح الباري 8/ 461، الموطأ 2/ 590، مسند أحمد 6/ 289، الرسالة للشافعي ص 575".
1 هو قول النظام ومن تابعه من أهل الأصول والفقهاء، ودليلهم النقلي الآية الكريمة المذكورة بالأعلى. واستدلوا أيضاً بالعقل. ويرى الشوكاني الجمع بينهما، وأن الصدق ما طابق الواقع والاعتقاد، وأن الكذب ما خالفهما أو خالف أحدهما.
"انظر: إرشاد الفحول ص 44، 45، فواتح الرحموت 2/ 108، تيسير التحرير 3/ 29".
2 في ب ع ض: لقوله.
3 الآية الأولى من سورة المنافقون.
4 في ش ز: وكذبهم.
5 في د ض: في عدم.
6 انظر: فواتح الرحموت 2/ 107، تيسير التحرير 3/ 29، تفسير ابن كثير 4/ 368 ط الحلبي، إرشاد الفحول ص 45.(2/313)
وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ1 أَكْذَبَهُمْ فِي شَهَادَتِهِمْ ؛ لأَنَّ الشَّهَادَةَ الصَّادِقَةَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمُطَابَقَةِ مُعْتَقِدًا.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْكَاذِبُونَ2 فِي ضَمَائِرِهِمْ3. وَقِيلَ فِي تَمَنِّيهِمْ.
فَالْخَبَرُ عَلَى4 هَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ مُنْحَصِرًا فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، لَكِنْ لا5 عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ6.
"وَيَكُونَانِ" أَيْ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ "فِي" زَمَنٍ "مُسْتَقْبَلٍ" كَ مَا يَكُونَانِ7 فِي زَمَنٍ مَاضٍ.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَنْ قَالَ: "لا آكُلُ" ثُمَّ أَكَلَ: هَذَا كَذِبٌ8، لا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ. وَقِيلَ لَهُ9 أَيْضًا: بِمَ تَعْرِفُ10 الْكَذَّابَ ؟ قَالَ بِخُلْفِ الْوَعْدِ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالشَّيْخُ مُوَفَّقُ
ـــــــ
1 في ض: أن.
2 في ب: لكاذبون.
3 قال محمد نظام الدين الأنصاري: "ولك أن تقرر بأن قولهم: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} كناية عن الإخبار بإيمانهم. فمقصودهم الإخبار بأنهم مؤمنون ثابتون على إيمانهم، وعبروا عنه بما هو ملزوم الإيمان، وهو الشهادة عن صميم القلب، فردَّ الله عليهم بأنهم كاذبون في دعواهم، لما أنهم منافقون، وليس لهم في أصل الأمر تصديق أصلاً". "فواتح الرحموت 2/ 107".
"وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 71".
4 في ب: في.
5 ساقطة من ش.
6 انظر: فواتح الرحموت 2/ 107، تيسير التحرير 3/ 29، إرشاد الفحول ص 45.
7 في ض: يكون.
8 في ز ش ب: الكذب.
9 في ش: عنه.
10 في ب ع ض: يعرف.(2/314)
الدِّينِ وَغَيْرُهُمْ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} 1. وقَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} - إلَى آخِرِ الآيَةِ 2، وقَال3 تَعَالَى: {وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} 4، وقَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} 5 فَأَكْذَبَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ" فِي *قَوْلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ6 يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ "الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ" فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَذَبَ سَعْدٌ" 7.
ـــــــ
1 الآية 38 من النحل.
2 الآية 11 من الحشر، وتتمة الآية: {وَلاَ نُطِيْعُ فِيْكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوْتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُوْنَ}.
3 في ش: وقوله. والأعلى أصح لأنها تكملة الآية السابقة، ومحلُّ الاستشهاد بها.
4 الآية 11 من الحشر.
5 الآية 12 من العنكبوت.
6 هو الصحابي سعد بن عبادة بن دُلَيم الخزرجي الأنصاري، سيد الخزرج، أبو ثابت، وقيل: أبو قيس، كان نقيب بني ساعدة، وصاحب راية الأنصار في المشاهد كلها. وكان سيداً جواداً، وجيهاً في الأنصار، ذا رياسة وسيادة وكرم، وكان شديد الغيرة، وكان أحد النقباء بالعقبة، وشهد بدراً وباقي المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يكتب بالعربية، ويحسن الرمي والعوم. خرج إلى الشام فمات بحوران سنة 15 هـ، وقيل 16 هـ. ويرى ابن عساكر وغيره أن قبره نُقل إلى المزة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاوره مع سعد بن معاذ، ومناقبه كثيرة.
انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 30، الاستيعاب 2/ 38، تهذيب الأسماء 1/ 212، الخلاصة ص 134".
7 روى البخاري أن سعد بن عبادة قال يوم الفتح: "يا أبا سفيان، اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة، فقال أبو سفيان: يا عباس، حبذا يوم الذمار ... فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة سعد قال: "كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، ويومٌ تكسى فيه الكعبة". صحيح البخاري 3/ 61".(2/315)
وَفِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" فِي قَوْلِ1 عَبْدِ حَاطِبٍ2 لَمَّا جَاءَ يَشْكُو حَاطِبًا3 "لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ" فَقَالَ4 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَذَبْت، لا يَدْخُلُهَا" 5.
وَرَدَّ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ6 عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} 7.
ـــــــ
*- 1 ساقطة من ب.
2 هو حاطب بن أبي بلتعة عمرو بن عمير الصحابي، أبو محمد، وقيل: أبو عبد الله، حليف الزبير بن العوام، شهد بدراً والحديبية، وشهد الله له بالإيمان في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ...} الآيتان 1-2 من الممتحنة نزلتا فيه. وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس صاحب الإسكندرية سنة ست من الهجرة، وسأله المقوقس عن رسول الله، ثم قال له: أنت حكيم جئت من عند حكيم، وبعث معه هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، منها مارية القبطية وأختها سيرين. وأرسل معه من يوصله إلى مأمنه. توفي حاطب سنة 30 هـ بالمدينة، وصلى عليه عثمان رضي الله عنهما، وكان عمره خمساً وستين سنة.
انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 1/ 152، شذرات الذهب 1/ 37، مشاهير علماء الأمصار ص 21، الإصابة 1/ 300".
3 في ب ز ع ض: على حاطب.
4 في ض: فقال النبي صلى الله عليه وسلم.
5 روى الإمام أحمد ومسلم عن جابر: "أن عبداً لحاطب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطباً، فقال: يا رسول الله، ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبت لا يدخلها، فإنه شهد بدراً والحديبية".
"انظر: صحيح مسلم 4/ 1942، مسند أحمد 3/ 349".
6 هو أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي، يعرف بابن النحاس، أبو جعفر النحوي، المصري، من أهل الفضل الشائع، والعلم الذائع، كان عالماً بالنحو، صادقاً. صنف كتباً كثيرة، منها: "إعراب القرآن"، و"معاني القرآن"، و"الكافي" في العربية، و"المقنع" في اختلاف البصريين والكوفيين، و"وشرح المعلقات"، و"شرح المفضليات". غرق في النيل سنة 338 هـ.
انظر ترجمته في "بغية الوعاة 1/ 362، طبقات المفسرين 1/ 67، شذرات الذهب 2/ 346، حسن المحاضرة 1/ 531، وفيات الأعيان 1/ 82".
7 الآية 27 من الأنعام.(2/316)
وَقِيلَ: لا يَكُونُ الْكَذِبُ إلاَّ فِي مَاضٍ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَهُوَ قَوْلٌ مَشْهُورٌ، بَلْ هُوَ الْمَفْهُومُ عَنْ الشَّافِعِيِّ. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْخَبَرَ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ يَقْبَلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ. فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَلَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ كَالْوَعْدِ. كَانَ إنْشَاءً. وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ. اهـ.
"وَمَوْرِدُهُمَا" أَيْ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ "النِّسْبَةُ الَّتِي تَضَمَّنَهَا" الْخَبَرُ بِإِيقَاعِ الْمُخْبِرِ1. "وَمِنْهُ" أَيْ وَمِنْ الْخَبَرِ مَا هُوَ "مَعْلُومٌ صِدْقُهُ" وَهُوَ أَنْوَاعٌ.
أَحَدُهَا: مَا يَكُونُ عِلْمُ صِدْقِهِ ضَرُورِيًّا بِنَفْسِ الْخَبَرِ بِتَكَرُّرِ الْخَبَرِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ، كَالْخَبَرِ الَّذِي 2بَلَغَتْ رُوَاتُه2 حَدَّ التَّوَاتُرِ، لَفْظِيًّا كَانَ أَوْ مَعْنَوِيًّا3.
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا يَكُونُ ضَرُورِيًّا بِغَيْرِ نَفْسِ الْخَبَرِ، لِكَوْنِهِ4 مُوَافِقًا لِلضَّرُورِيِّ، وَهُوَ مَا يَكُونُ مُتَعَلَّقُهُ مَعْلُومًا لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ غَيْرِ كَسْبٍ وَتَكَرُّرٍ.
ـــــــ
1 أي إن مورد الصدق والكذب في الخبر هي مجرد النسبة التي تضمنها الخبر فقط دون غيرها، مثال: "قام زيد بن عمرو"، فإن مورد الصدق والكذب في القيام فقط، ولاتشمل بنوته لعمرو، إذ لم يقصد بالخبر الإخبار بالبنوة، وهذا ما يسمى في القضاء، بالحكم الضمني، وقد قال به أكثر الفقهاء إذا كان المشهود عليه غائباً.
"انظر: غاية الوصول ص 94، نظرية الدعوى 2/ 206، 222، المحلي على جمع الجوامع 2/ 115 وما بعدها".
2 في ش: بلغ رواته. وفي د ض: بلغت روايته.
3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 12، المستصفى 1/ 140، نهاية السول 2/ 261، 262، العضد على ابن الحاجب 2/ 51، الكفاية للخطيب البغدادي ص 17، المعتمد 2/ 547، فواتح الرحموت 2/ 109، تيسير التحرير 3/ 29، إرشاد الفحول ص 45.
4 في ع ض: بل بكونه.(2/317)
نَحْوُ: الْوَاحِدُ نِصْفُ الاثْنَيْنِ1.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا يَكُونُ "نَظَرِيًّا" 2، كَخَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَخَبَرِ كُلِّ الأُمَّةِ ؛ لأَنَّ الإِجْمَاعَ حُجَّةٌ. فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلاثَةِ عُلِمَ بِالنَّظَرِ وَالاسْتِدْلالِ3.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: مَا يَكُونُ غَيْرَ ضَرُورِيٍّ وَغَيْرَ نَظَرِيٍّ، وَلَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلنَّظَرِيِّ4، وَهُوَ الْخَبَرُ الَّذِي عُلِمَ مُتَعَلَّقُهُ بِالنَّظَرِ. كَقَوْلِنَا: الْعَالَمُ حَادِثٌ5 "وَ" مِنْ الْخَبَرِ أَيْضًا مَا هُوَ مَعْلُومٌ "كَذِبُهُ6" وَهُوَ أَنْوَاعٌ أَيْضًا.
أَحَدُهَا: مَا عُلِمَ خِلافُهُ بِالضَّرُورَةِ. كَقَوْلِ الْقَائِلِ: النَّارُ بَارِدَةٌ7.
ـــــــ
1 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 354، الإحكام للآمدي 2/ 12، نهاية السول 2/ 261، العضد على ابن الحاجب 2/ 51، المعتمد 2/ 546، فواتح الرحموت 2/ 109، تيسير التحرير 3/ 29، إرشاد الفحول ص 45.
2 في جميع النسخ: ضروريًّا.
3 انظر: التمهيد ص 134، الكفاية للخطيب البغدادي ص 17، أصول السرخسي 1/ 374، تيسير التحرير 3/ 29، كشف الأسرار 2/ 360، فواتح الرحموت 2/ 109، شرح تنقيح الفصول ص 354، الإحكام للآمدي 2/ 12، المستصفى 1/ 141، المحلي على جمع الجوامع 2/ 119، المسودة ص 243، العضد على ابن الحاجب 2/ 51، غاية الوصول ص 95، إرشاد الفحول ص 45، المعتمد 2/ 546، 551.
4 في ع: للنظر.
5 ذكر القرافي وغيره أنواعاً أخرى للخبر المعلوم صدقه والمفيد للعلم.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص 354، فواتح الرحموت 2/ 109، تيسير التحرير 3/ 29، العضد على ابن الحاجب 2/ 51، إرشاد الفحول ص 45".
6 انظر: المسودة ص 233.
7 ونحو: النقيضان يجتمعان أو يرتفعان.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 12، المستصفى 1/ 142، المحلي على جمع الجوامع 2/ 116، مناهج العقول 2/ 274، نهاية السول 2/ 277، شرح تنقيح الفصول ص 355، كشف الأسرار 2/ 360، فواتح الرحموت 2/ 109، غاية الوصول ص 94، إرشاد الفحول ص 46، المعتمد 2/ 547".(2/318)
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا عُلِمَ خِلافُهُ بِالاسْتِدْلالِ. كَقَوْلِ الْفَيْلَسُوفِ1: الْعَالَمُ قَدِيمٌ2.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: أَنْ يُوهِمَ أَمْرًا بَاطِلاً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْبَلَ التَّأْوِيلَ لِمُعَارَضَتِهِ لِلدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ. كَمَا لَوْ اخْتَلَقَ بَعْضُ الزَّنَادِقَةِ حَدِيثًا كَذِبًا عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَوْ عَلَى 3رَسُولِ اللَّهِ5 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَحَقَّقُ أَنَّهُ كَذِبٌ4.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: أَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ الرِّسَالَةَ عَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِغَيْرِ مُعْجِزَةٍ5.
"وَ" مِنْ الْخَبَرِ أَيْضًا: مَا هُوَ "مُحْتَمِلٌ" لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ6.
ـــــــ
1 في ع: الفيلسوفي.
2 انظر: التمهيد للباقلاني ص 161، المحلي على جمع الجوامع 2/ 116، الكفاية للخطيب البغدادي ص 17، المستصفى 1/ 142، مناهج العقول 2/ 274، نهاية السول 2/ 277، المعتمد 2/ 547، شرح تنقيح الفصول ص 355، غاية الوصول ص 94، إرشاد الفحول ص 46، كشف الأسرار 2/ 360.
3 في ب ع ض: رسوله.
4 ومثل ذلك قول الزنادقة أيضاً: إن الله تعالى خلق نفسه، فهذا كذب لإيهامه باطلاً، وهو حدوثه تعالى، وقد دل العقل القاطع على أنه تعالى منزه عن الحدوث. ومثل حديث: "لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نَفْسٌ منفوسة اليومَ". رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً، فحذفوا كلمة "اليوم".
"انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 116، غاية الوصول ص 95، إرشاد الفحول ص 46، صحيح مسلم 4/ 1967".
5 ذكر القرافي والمحلي وغيرهما أنواعًا أخرى للخبر المعلوم كذبه.
"انظر: التمهيد للإسنوي ص 134، شرح تنقيح الفصول ص 355، المحلي على جمع الجوامع 2/ 11 وما بعدها، المستصفى 1/ 145، أصول السرخسي 1/ 374، غاية الوصول ص 95، إرشاد الفحول ص 46".
6 هذا تقسيم آخر للخبر باعتبار آخر.
"انظر: التمهيد للإسنوي ص 134، العضد على ابن الحاجب 2/ 51، التمهيد للباقلاني ص 162، المسودة ص 233، أصول السرخسي 1/ 374، إرشاد الفحول ص 46".(2/319)
"فَالأَوَّلُ" وَهُوَ مَا عُلِمَ صِدْقُهُ. قَدْ تَقَدَّمَتْ أَنْوَاعُهُ الَّتِي مِنْهَا مَا هُوَ "ضَرُورِيٌّ بِنَفْسِهِ كَمُتَوَاتِرٍ. وَبِغَيْرِهِ كَمُوَافِقٍ لِضَرُورِيٍّ وَنَظَرِيٍّ، كَخَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَالإِجْمَاعِ وَخَبَرِ مَنْ وَافَقَ أَحَدَهَا أَوْ1 ثَبَتَ فِيهِ2 صِدْقُهُ3.
"وَ" الْقِسْمُ "الثَّانِي" مِنْ الْخَبَرِ وَهُوَ الْمَعْلُومُ كَذِبُهُ. قَدْ تَقَدَّمَتْ 4أَنْوَاعُهُ أَيْضًا5. وَمِنْهَا "مَا خَالَفَ مَا عُلِمَ صِدْقُهُ5".
"وَ" أَمَّا الْقِسْمُ "الثَّالِثُ" مِنْ الْخَبَرِ، وَهُوَ الْمُحْتَمِلُ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ6.
أَحَدُهَا: "مَا ظُنَّ صِدْقُهُ كَعَدْلٍ" أَيْ كَخَبَرِ الْعَدْلِ، لِرُجْحَانِ صِدْقِهِ عَلَى كَذِبِهِ، وَيَتَفَاوَتُ فِي الظَّنِّ7
"وَ" النَّوْعُ الثَّانِي: مَا ظُنَّ "كَذِبُهُ كَ" خَبَرِ "كَذَّابٍ" لِرُجْحَانِ
ـــــــ
1 في ز ش: و.
2 في ع ض: به.
3 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 354، الإحكام للآمدي 2/ 12، المستصفى 1/ 141، فواتح الرحموت 2/ 109، تيسير التحرير 3/ 29، كشف الأسرار 2/ 360، العضد على ابن الحاجب 2/ 51.
4 في ز ع ض: أيضاً أنواعه.
5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 355، الإحكام للآمدي 2/ 12، المستصفى 1/ 142، نهاية السول 2/ 277، فواتح الرحموت 2/ 109، تيسير التحرير 3/ 29، العضد على ابن الحاجب 2/ 51.
6 ساقطة من ب.
وانظر: كشف الأسرار 2/ 360، الكفاية ص 18، إرشاد الفحول ص 46.
7 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 13، مناهج العقول 2/ 279، المحلي على جمع الجوامع 2/ 129، فواتح الرحموت 2/ 109، تيسير التحرير 3/ 29، نهاية السول 2/ 281، العضد على ابن الحاجب 2/ 51، إرشاد الفحول ص 46، كشف الأسرار 2/ 360.(2/320)
كَذِبِهِ عَلَى صِدْقِهِ. وَهُوَ مُتَفَاوِتٌ أَيْضًا1.
"وَ" النَّوْعُ الثَّالِثُ: "مَا شُكَّ فِيهِ كَ" خَبَرِ "مَجْهُولِ" الْحَالِ. فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الاحْتِمَالانِ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ2.
"وَلَيْسَ كُلُّ خَبَرٍ لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ" يَكُونُ "كَذِبًا" 3.
قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: "وَقَوْلُ قَوْمٍ: كُلُّ خَبَرٍ لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ كَذِبٌ بَاطِلٌ4. وَاسْتَدَلُّوا لِقَوْلِهِمْ بِأَنَّهُ5 لَوْ كَانَ صِدْقًا لَنُصِبَ عَلَيْهِ6 دَلِيلٌ، كَخَبَرِ مُدَّعِي الرِّسَالَةِ. فَإِنَّهُ إذَا كَانَ صِدْقًا7 دَلَّ عَلَيْهِ بِالْمُعْجِزَةِ. وَهَذَا الاسْتِدْلال فَاسِدٌ، لِجَرَيَانِ مِثْلِهِ فِي نَقِيضِ مَا أَخْبَرَ بِهِ إذَا أَخْبَرَ بِهِ آخَرُ. فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ، وَيُعْلَمُ8 بِالضَّرُورَةِ وُقُوعُ الْخَبَرِ بِهِمَا، أَيْ بِالإِخْبَارِ بِشَيْءٍ وَبِنَقِيضِهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْعِلْمُ بِكَذِبِ كُلِّ شَاهِدٍ ؛ إذْ لا يُعْلَمُ صِدْقُهُ إلاَّ
ـــــــ
1 انظر: نهاية السول 2/ 281، الإحكام للآمدي 2/ 13، الكفاية للخطيب البغدادي ص 101، العضد على ابن الحاجب 2/ 51، فواتح الرحموت 2/ 109، تيسير التحرير 3/ 29، كشف الأسرار 2/ 360، إرشاد الفحول ص 46.
2 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 13، نهاية السول 2/ 281، العضد على ابن الحاجب 2/ 51، فواتح الرحموت 2/ 109، تيسير التحرير 3/ 29، كشف الأسرار 2/ 360، إرشاد الفحول ص 46.
3 وهذا رد على بعض الظاهرية القائلين بأن كل خبر لم يعلم صدقه فهو كذب، لأنه لو كان صدقاً لما تركنا الله تعالى بدون دليل يدل عليه.
"انظر: فواتح الرحموت 2/ 109، الإحكام للآمدي 2/ 13، تيسير التحرير 3/ 30، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 51".
4 ساقطة من ب.
5 في ع: بأن.
6 في ز: على.
7 في ب: صادقاً.
8 في شرح العضد: ونعلم.(2/321)
بِدَلِيلٍ، وَالْعِلْمُ1 بِكَذِبِ كُلِّ مُسْلِمٍ فِي دَعْوَى إسْلامِهِ ؛ 2إذْ لا10 دَلِيلَ عَلَى مَا فِي بَاطِنِهِ. وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِالإِجْمَاعِ3.
"وَمَدْلُولُهُ" أَيْ الْخَبَرُ هُوَ "الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ لا ثُبُوتُهَا" أَيْ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ النِّسْبَةِ لا نَفْسُ الثُّبُوتِ. فَإِذَا قُلْت: زَيْدٌ قَائِمٌ. فَمَدْلُولُهُ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ قِيَامِهِ 4لا نَفْسِ ثُبُوتِ قِيَامِهِ1؛ إذْ لَوْ كَانَ الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ ثُبُوتُ قِيَامِ زَيْدٍ، لَزِمَ مِنْهُ أَنْ لا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ الْخَبَرِ كَذِبًا، بَلْ يَكُونُ كُلُّهُ صِدْقًا. قَالَهُ الرَّازِيّ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ5.
وَخَالَفَ الْقَرَافِيُّ فَقَالَ: إنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَضَعْ الْخَبَرَ إلاَّ لِلصِّدْقِ، لاتِّفَاقِ اللُّغَوِيِّينَ وَالنَّحْوِيِّينَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى "قَامَ زَيْدٌ": حُصُولُ الْقِيَامِ مِنْهُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي. وَاحْتِمَالُهُ الْكَذِبَ لَيْسَ مِنْ الْوَضْعِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ6. اهـ.
ـــــــ
1 أي ويلزم العلم.
2 في ب: أو لا يعلم.
3 العضد على ابن الحاجب 1/ 51.
وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 13، فواتح الرحموت 2/ 109 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 30.
4 ساقطة من ش.
5 اختلف العلماء في مدلول الخبر على قولين: الأول: ما ذكره المصنف وهو الحكم بالنسبة، وهو قول الرازي ومن وافقه. والقول الثاني: أن مدلول الخبر ثبوت النسبة في الخارج، وهو ما رجحه السعد التفتازاني وغيره.
"انظر: المحصول 1/ 322، تيسير التحرير 3/ 26، المحلي على جمع الجوامع 2/ 113-114، غاية الوصول ص 94".
6 قاله القرافي في كتابه: "نفائس الأصول في شرح المحصول" وهو مخطوط. وذكر معناه في كتابيه الفروق 1/ 24، شرح تنقيح الفصول ص 346.
"وانظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 113، غاية الوصول ص 94، إرشاد الفحول ص 44".(2/322)
قَالَ الْكُورَانِيُّ: وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا الْمَقَامِ هُوَ أَنَّ الْخَبَرَ فِي1 مِثْلِ: "زَيْدٌ قَائِمٌ"، إذَا صَدَرَ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ بِالْقَصْدِ، يَدُلُّ عَلَى الإِيقَاعِ، وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي صَدَرَ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ. وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى الْوُقُوعِ. فَكُلٌّ مِنْهُمَا يُسَمَّى حُكْمًا، فَاحْتِمَالُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَصِدْقُ الْخَبَرِ وَكَذِبُهُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ، إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الإِيقَاعِ ؛ لأَنَّهُ الْمُتَّصِفُ2 بِذَلِكَ الْوُقُوعِ3، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ إفَادَةِ الْمُخَاطَبِ فَالْحُكْمُ هُوَ الْوُقُوعُ4؛ لأَنَّك إذَا قُلْت "زَيْدٌ قَائِمٌ" إنَّمَا يُفِيدُ الْمُخَاطَبَ وُقُوعَ الْقِيَامِ، لا أَنَّك أَوْقَعْت الْقِيَامَ عَلَى زَيْدٍ. فَإِنَّهُ لا يُعَدُّ فَائِدَةً.
"وَمِنْهُ" أَيْ وَ5مِنَ الْخَبَرِ "تَوَاتُرٌ" يَعْنِي أَنَّ الْخَبَرَ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ، تَوَاتُرًا وَآحَادًا.
"وَهُوَ" أَيْ التَّوَاتُرُ "لُغَةً تَتَابُعُ" شَيْئَيْنِ فَأَكْثَرَ "بِمُهْلَةٍ" أَيْ6 وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ مِنْ الْوَتْرِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} 7 أَصْلُهَا وَتْرًا أُبْدِلَتْ التَّاءُ مِنْ الْوَاوِ8. قَالَهُ9 ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ. ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ: قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ10: مِنْ
ـــــــ
1 ساقطة من ش ب ز ع.
2 في ش: المتصف بالكلام.
3 في ب ز ض: لا الوقوع.
4 في د: لا الوقوع.
5 ساقطة من ع ض.
6 في ب: أو.
7 الآية 44 من المؤمنون.
8 انظر: القاموس المحيط 2/ 156، المصباح المنير 2/ 1002، المغرب للمطرزي ص 475.
9 في ز: وقاله.
10 هو موهوب بن أحمد بن محمد، أبو منصور الجوالقي، شيخ أهل اللغة في عصره
قال ابن السمعاني: "إمام في اللغة والأدب، وهو من مفاخر بغداد، وهو متدين ثقة ورع، غزير الفضل، كامل العقل، مليح الخط، كثير الضبط، صنف التصانيف، واشتهرت عنه". وكان يصلي بالمقتفي بالله الخليفة. ومن تصانيفه: "شرح أدب الكاتب" و"المعرب"، و"تتمة درة الغوّاص للحريري" وسماه "التكملة فيما يلحن به العامة". توفي سنة 540 ببغداد.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 4/ 426، شذرات الذهب 4/ 127، ذيل طبقات الحنابلة 1/ 204، بغية الوعاة 2/ 308، إنباه الرواة 3/ 335".(2/323)
غَلَطِ الْعَامَّةِ قَوْلُهُمْ: تَوَاتَرَتْ كُتُبُك إلَيَّ. أَيْ اتَّصَلَتْ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ. وَإِنَّمَا التَّوَاتُرُ الشَّيْءُ بَعْدَ الشَّيْءِ بَيْنَهُمَا انْقِطَاعٌ. وَهُوَ تَفَاعُلٌ مِنْ الْوَتْرِ، وَهُوَ الْعَوْدُ اهـ.
"و"َ التَّوَاتُرُ "اصْطِلاحًا" أَيْ فِي اصْطِلاحِ الْعُلَمَاءِ "خَبَرُ عَدَدٍ يَمْتَنِعُ مَعَهُ" أَيْ مَعَ هَذَا الْعَدَدِ "لِكَثْرَتِهِ" أَيْ مِنْ أَجْلِ كَثْرَتِهِ "تَوَاطُؤٌ" فَاعِلُ يَمْتَنِعُ "عَلَى كَذِبٍ" مُتَعَلِّقٌ بِتَوَاطُؤٍ عَنْ مَحْسُوسٍ مُتَعَلِّقٍ بِخَبَرٍ، أَيْ بِخَبَرِ عَدَدٍ1 "عَنْ مَحْسُوسٍ" "أَوْ خَبَرُ" عَدَدٍ "عَنْ عَدَدٍ كَذَلِكَ" أَيْ يَمْتَنِعُ مَعَهُ لِكَثْرَتِهِ تَوَاطُؤٌ عَلَى كَذِبٍ إلَى "أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مَحْسُوسٍ" أَيْ مَعْلُومٍ بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ. كَمُشَاهَدَةٍ أَوْ سَمَاعٍ2.
فَقَوْلُهُ: "خَبَرٌ" جِنْسٌ يَشْمَلُ الْمُتَوَاتِرَ وَغَيْرَهُ. وَبِإِضَافَتِهِ إلَى عَدَدٍ يَخْرُجُ خَبَرُ الْوَاحِدِ.
وَبِقَوْلِهِ: "يَمْتَنِعُ مَعَهُ3... إلَى آخِرِهِ": يَخْرُجُ بِهِ خَبَرُ عَدَدٍ لَمْ يَتَّصِفْ ذَلِكَ الْعَدَدُ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ.
ـــــــ
1 ساقطة من ش. وفي ب ز ع ض: خبر.
2 اعتبر الطوفي وغيره هذا القيد شرطاً في التواتر، فقالوا: وشرط التواتر إسناده إلى عيان محسوس، وليس عن اجتهاد، وهو قول الجويني وابن برهان والمقدسي وغيرهم.
"انظر: المسودة ص 234، المعتمد 2/ 563، مختصر الطوفي ص 51، شرح الورقات ص 183، المحلي على جمع الجوامع 2/ 123، الروضة ص 50، غاية الوصول ص 96".
3 ساقطة من ش ب ز.(2/324)
وَخَرَجَ بِقَيْدِ "الْمَحْسُوسِ" مَا كَانَ عَنْ مَعْلُومٍ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ كَإِخْبَارِ أَهْلِ السُّنَّةِ دَهْرِيًّا بِحُدُوثِ1 الْعَالَمِ لِتَجْوِيزِهِ غَلَطَهُمْ فِي الاعْتِقَادِ2.
"مُفِيدٌ" صِفَةٌ لِتَوَاتُرٍ، أَيْ وَمِنْ الْخَبَرِ تَوَاتُرٌ مُفِيدٌ "لِلْعِلْمِ بِنَفْسِهِ3".فَخَرَجَ بِذَلِكَ الْخَبَرُ الَّذِي صِدْقُ الْمُخْبِرِينَ فِيهِ بِسَبَبِ الْقَرَائِنِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَا لا يَنْفَكُّ عَنْ الْمُتَوَاتِرِ عَادَةً وَغَيْرِهَا ؛ لأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مُفِيدٌ لِلْعِلْمِ لا بِنَفْسِهِ، بَلْ بِسَبَبِ مَا احْتَفَّ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ4.
ثُمَّ الْقَرَائِنُ الْمُفِيدَةُ لِلْعِلْمِ قَدْ تَكُونُ عَادِيَّةً كَالْقَرَائِنِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى مَنْ يُخْبِرُ بِمَوْتِ وَلَدِهِ مِنْ شَقِّ الْجُيُوبِ وَالتَّفَجُّعِ. وَقَدْ تَكُونُ عَقْلِيَّةً، كَخَبَرِ جَمَاعَةٍ
ـــــــ
1 في ب ز ع: بحدث.
2 انظر في تعريف التواتر التعريفات للجرجاني ص 102، 210، 74، الحدود للباجي ص 61، المغرب ص 475، الكافية في الجدل ص 179، 181، مقدمة ابن الصلاح ص 135، الإحكام لابن حزم 1/ 93، شرح الورقات ص 179، 181، شرح تنقيح الفصول ص 349، أصول السرخسي 1/ 282، فواتح الرحموت 2/ 110، تيسير التحرير 3/ 30، نهاية السول 2/ 262، مختصر الطوفي ص 49، اللمع ص 39، غاية الوصول ص 95، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90، الإحكام للآمدي 2/ 14، إرشاد الفحول ص 46.
3 انظر: المسودة ص 233، شرح الورقات ص 179، الإحكام لابن حزم 1/ 93، المعتمد 2/ 551، الكفاية للخطيب البغدادي ص 16، شرح نخبة الفكر ص 24، جامع بيان العلم 2/ 41، العضد على ابن الحاجب 2/ 52، المحلي على جمع الجوامع 2/ 119، كشف الأسرار 2/ 360، فواتح الرحموت 2/ 110، الإحكام للآمدي 2/ 14، الروضة ص 48، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90.
4 أما القرائن اللازمة للخبر من أحوال المخبِر والمخبَر والمخبَر عنه، فلا تضر في إفادة العلم من المتواتر، بل لها تأثير في ذلك.
"انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 52، شرح الورقات ص 179، مناهج العقول 2/ 260، كشف الأسرار 2/ 360، تيسير التحرير 3/ 30، فواتح الرحموت 2/ 110، الروضة ص 48، إرشاد الفحول ص 46".(2/325)
تَقْتَضِي الْبَدِيهَةُ1 أَوْ2 الاسْتِدْلال صِدْقَهُ. وَقَدْ تَكُونُ حِسِّيَّةً3 كَالْقَرَائِنِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى مَنْ يُخْبِرُ بِعَطَشِهِ.
وَكَوْنُ خَبَرِ التَّوَاتُرِ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ هُوَ قَوْلُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ4.
"وَ" الْعِلْمُ "الْحَاصِلُ" بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ "ضَرُورِيٌّ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ، إذْ لَوْ كَانَ نَظَرِيًّا لافْتَقَرَ إلَى تَوَسُّطِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَلَمَا حَصَلَ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَلَسَاغَ الْخِلافُ فِيهِ عَقْلاً، كَسَائِرِ النَّظَرِيَّاتِ، وَلأَنَّ الضَّرُورِيَّ مَا اُضْطُرَّ الْعَقْلُ إلَى التَّصْدِيقِ بِهِ. وَهَذَا كَذَلِكَ5.
ـــــــ
1 في ش: البديهي.
2 في ز ش: و.
3 ساقطة من ش.
4 وخالف في ذلك السمنية، وهم من عبدة الأصنام، والبراهمة، وهم من منكري الرسالة، فإنهم حصروا مدارك العلم في الحواس الخمسة فقط. وفرق بعضهم بين الحاضر والماضي، فقالوا: يفيد العلم في الحاضر، لأنه معضود بالحس، فيبعد تطرق الخطأ إليه، أما الماضي فإنه بعيد عن الحس، فيتطرق إليه احتمال الخطأ والنسيان. وقال جماعة بأنه يفيد علم طمأنينة لا يقين. وقد بين الآمدي وصاحب "فواتح الرحموت" أدلة هذه الآراء مع مناقشتها والرد عليها.
"انظر: كشف الأسرار 2/ 262 وما بعدها، المعتمد 2/ 551، العضد على ابن الحاجب 2/ 52، المسودة ص 233، مناهج العقول 2/ 262، فواتح الرحموت 2/ 113، الإحكام للآمدي 2/ 15، المستصفى 1/ 132، شرح تنقيح الفصول ص 349، 350، أصول السرخسي 1/ 283، شرح الورقات ص 179، نهاية السول 2/ 265، الروضة ص 48، مختصر الطوفي ص 49، إرشاد الفحول ص 47، تيسير التحرير 3/ 31".
5 انظر: الحدود للباجي ص 62، أصول السرخسي 1/ 283، 292، كشف الأسرار 2/ 262، فواتح الرحموت 2/ 114، تيسير التحرير 3/ 32، نهاية السول 2/ 265، مناهج العقول 2/ 264، المستصفى 1/ 133، شرح تنقيح الفصول ص 351، المحلي على جمع الجوامع 2/ 122، المسودة ص 234، التمهيد للباقلاني ص 162، شرح نخبة الفكر ص 26، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 53، الإحكام للآمدي 2/ 18، 19، غاية الوصول ص 96، المعتمد 2/ 552 وما بعدها، مختصر الطوفي ص 50، اللمع ص 39، الروضة ص 49، إرشاد الفحول ص 46، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90.(2/326)
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمْعٌ: إنَّهُ نَظَرِيٌّ ؛ إذْ لَوْ كَانَ ضَرُورِيًّا 1لَمَا افْتَقَرَ6 إلَى النَّظَرِ فِي الْمُقَدِّمَتَيْنِ. وَهُمَا اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الإِخْبَارِ وَامْتِنَاعُ تَوَاطُئِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ. فَصُورَةُ التَّرْتِيبِ مُمْكِنَةٌ2. رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ ضَرُورِيٍّ3.
وَقَالَ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَالْخِلافُ لَفْظِيٌّ ؛ إذْ مُرَادُ الأَوَّلِ بِالضَّرُورِيِّ: مَا اُضْطُرَّ الْعَقْلُ إلَى تَصْدِيقِهِ. وَالثَّانِي: الْبَدِيهِيُّ الْكَافِي فِي حُصُولِ الْجَزْمِ بِهِ تَصَوُّرُ طَرَفَيْهِ. وَالضَّرُورِيُّ يَنْقَسِمُ إلَيْهِمَا. فَدَعْوَى كُلٍّ غَيْرُ دَعْوَى الآخَرِ، وَالْجَزْمُ حَاصِلٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ4.
ـــــــ
1 في ض: لافتقر.
2 وهو قول الكعبي وأبي الحسين البصري من المعتزلة، وإمام الحرمين والدقاق من الشافعية.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص 351، العضد على ابن الحاجب 2/ 53، المحلي على جمع الجوامع 2/ 122، المسودة ص 234، شرح نخبة الفكر ص 27، فواتح الرحموت 2/ 114، 115، تيسير التحرير 3/ 32، أصول السرخسي 1/ 291، المعتمد 2/ 552، نهاية السول 2/ 265، مناهج العقول 2/ 264، الإحكام للآمدي 2/ 18، 20، المستصفى 1/ 132، غاية الوصول ص 96، الروضة ص 49، مختصر الطوفي ص 50، إرشاد الفحول ص 46، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90".
3 قال العضد: "إن العلم بالصدق ضروري يحصل بالعادة لا بالمقدمتين، فاستغني عن الترتيب، ولا ينافي صورة الترتيب، فإن وجوده لا يوجب الاحتياج إليها، فإنها ممكنة في كل ضروريّ. العضد على ابن الحاجب 2/ 53".
وانظر: كشف الأسرار 2/ 367، 368، نهاية السول 2/ 266، مناهج العقول 2/ 264، شرح تنقيح الفصول ص 351، أصول السرخسي 1/ 291، فواتح الرحموت 2/ 115، تيسير التحرير 3/ 32، الروضة ص 49.
4 مختصر الطوفي ص 50.
وهذا الرأي هو ما أيده شيخ الإسلام زكريا الأنصاري وابن بدران والمحلي. وقال الغزالي: إنه قسم ثالث ليس ضرورياً ولا نظرياً، بل من نوع القضايا التي قياساتها معها، وقال المرتضى والآمدي بالوقف، وهناك أقوال كثيرة
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 18، 23، المستصفى 1/ 133، المحلي على جمع الجوامع 2/ 122، غاية الوصول ص 96، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90، أصول السرخسي 1/ 284، فواتح الرحموت 2/ 114، تيسير التحرير 3/ 32، نهاية السول 2/ 266، مناهج العقول 2/ 264، العضد على ابن الحاجب 2/ 53، إرشاد الفحول ص 46".(2/327)
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ خَبَرَ التَّوَاتُرِ لا يُوَلِّدُ الْعِلْمَ، بَلْ "يَقَعُ" الْعِلْمُ "عِنْدَهُ" أَيْ عِنْدَ خَبَرِ التَّوَاتُرِ "بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى" عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَخَالَفَ قَوْمٌ1.
لَنَا عَلَى الأَوَّلِ: مَا ثَبَتَ مِنْ الأُصُولِ أَنَّهُ لا مُوجِدَ2 إلاَّ اللَّهُ. وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إجْرَاءِ الْعَادَةِ بِخَلْقِ الْوَلَدِ مِنْ الْمَنِيِّ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِهِ بِدُونِ ذَلِكَ خِلافًا لِمَنْ قَالَ بِالتَّوَلُّدِ3.
قَالَ الْمُخَالِفُ: يُمْكِنُ أَنْ يَخْلُقَهُ اللَّهُ4 وَيُمْكِنُ ضِدُّهُ.
قُلْنَا: هُوَ5 مُمْكِنٌ عَقْلاً وَوَاجِبٌ عَادَةً.
وَاسْتُدِلَّ بِأَنَّهُ لَوْ وُلِّدَ الْعِلْمُ فَإِمَّا مِنْ الأَخِيرِ وَحْدَهُ، 6وَهُوَ مُحَالٌ إذْ كَانَ يَكْفِي مُنْفَرِدًا. أَوْ مِنْهُ وَمِنْ الْجُمْلَةِ قَبْلَهُ6، وَهُوَ مُحَالٌ أَيْضًا، لِعَدَمِ صُدُورِ
ـــــــ
1 وهم البراهمة وغيرهم. وانظر أدلتهم ومناقشتهم والرد عليها في "اللمع ص 39، غاية الوصول ص 95، أصول السرخسي 1/ 283، الإحكام للآمدي 2/ 23، نهاية السول 2/ 273، كشف الأسرار 2/ 361، المسودة ص 235".
2 في ز ش ب: يوجد.
3 في ش: التوالد. والتولد هو إيجاد المخلوق بلا أب ولا أم، مثل: الحيوان المتولد من الماء الراكد في الصف. أما التوالد فهو فعل مشترك بين شخصي الذكر والأنثى.
"انظر: التعريفات للجرجاني ص 72، المسودة ص 235، الإحكام للآمدي 2/ 23، المعتبر في الحكمة 2/ 266".
4 لفظة الجلالة غير موجودة في ع ض.
5 ساقطة من ز ش.
6 ساقطة من ض.(2/328)
الْمُسَبَّبِ عَنْ سَبَبَيْنِ1 فَصَاعِدًا، أَوْ2 لأَنَّهَا تُعْدَمُ شَيْئًا فَشَيْئًا. وَالْمَعْدُومُ لا يُؤَثِّرُ.
فَقِيلَ: يَجُوزُ تَأْثِيرُ الأَخِيرِ مَشْرُوطًا بِوُجُودِ مَا قَبْلَهُ وَانْعِدَامِهِ أَيْضًا. فَهُوَ وَارِدٌ فِي إفَادَتِهِ التَّوَلُّدَ3.
"وَهُوَ" أَيْ التَّوَاتُرُ قِسْمَانِ:
قِسْمٌ "لَفْظِيٌّ" وَهُوَ مَا اشْتَرَكَ عَدَدُهُ فِي لَفْظٍ بِعَيْنِهِ4. وَذَلِكَ كَحَدِيثِ: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ" 5 فَإِنَّهُ قَدْ
ـــــــ
1 في ز ش ع: شيئين.
2 في ب: و.
3 انظر مناقشة ذلك في "الإحكام للآمدي 2/ 23 وما بعدها".
وقد اشترط العلماء في خبر التواتر ليفيد العلم شروطاً عدة، منها: أن يكون المخبرون عدداً لا يصح منهم التواطؤ على الكذب، وأن يستوي طرفاه ووسطه، وأن يكون الخبر في الأصل عن مشاهدة أو سماع مباشر، وغير ذلك.
"انظر: فواتح الرحموت 2/ 115، تيسير التحرير 3/ 34، كشف الأسرار 2/ 360، المستصفى 1/ 134، الإحكام للآمدي 2/ 25، شرح تنقيح الفصول ص 353، نهاية السول 2/ 270، مناهج العقول 2/ 266، المحلي على جمع الجوامع 2/ 123، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 53، المعتمد 2/ 558، 561، مقدمة ابن الصلاح ص 135، المسودة ص 235، شرح نخبة الفكر ص 22، اللمع ص 39، الروضة ص 50، إرشاد الفحول ص 47".
4 "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 353، تيسير التحرير 3/ 36، نهاية السول 2/ 274، غاية الوصول ص 95.
5 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والحاكم والطبراني والدارمي وغيرهم عن عدد من الصحابة، منهم أنس والزبير وأبو هريرة وعلي وجابر وأبو سعيد وابن مسعود وزيد بن أرقم وخالد بن عرفطة وسلمة بن الأكوع وعقبة بن عامر ومعاوية والسائب بن يزيد وسلمان بن خالد الخزاعي والعشرة المبشرين بالجنة وغيرهم.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 31، صحيح مسلم 1/ 10، سنن أبي داود 2/ 287، تحفة الأحوذي 7/ 419، سنن ابن ماجه 1/ 13، مسند أحمد 1/ 70، 4/ 245، سنن الدارمي 1/ 76، فيض القدير 6/ 214، النووي على مسلم 1/ 66، المستدرك 1/ 103".(2/329)
نَقَلَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ1.
قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ2: "يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِثَالاً لِلْمُتَوَاتِرِ مِنْ السُّنَّةِ3". اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّوَاتُرَ4 يَكُونُ فِي الْقُرْآنِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقِرَاءاتِ السَّبْعَ مُتَوَاتِرَةٌ. وَ5تَقَدَّمَ الْخِلافُ فِي الْعَشْرِ6.
وَأَمَّا الإِجْمَاعُ: فَالْمُتَوَاتِرُ فِيهِ كَثِيرٌ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَالْمُتَوَاتِرُ فِيهَا قَلِيلٌ، حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ نَفَاهُ إذَا كَانَ لَفْظِيًّا، لَكِنَّ الأَكْثَرَ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ اللَّفْظِيِّ مِنْ السُّنَّةِ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ
ـــــــ
1 نص العلماء على تواتر هذا الحديث، وأنه رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعون رجلاً من الصحابة. وقال ابن الجوزي: "رواه من الصحابة واحد وستون نفساً". وفي قول: اثنان وستون، وفيهم المشهود لهم بالجنة، ولم يجتمع العشرة على رواية حديث غيره، واستمر عدد رواته في ازدياد في الطبقات التالية على التوالي والاستمرار.
"انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 135، فيض القدير 6/ 214، النووي على صحيح مسلم 1/ 68، شرح الورقات ص 183، اللمع ص 39، الموضوعات لابن الجوزي 1/ 56، 65".
2 هو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشَّهْرَزوري الشافعي، أبو عمرو، الإمام الحافظ، شيخ الإسلام، تقي الدين. تفقه وبرع في المذهب الشافعي وأصوله، وفي الحديث وعلومه، وفي التفسير. وكان مشاركاً في عدة علوم، متبحراً في الأصول والفروع. وكان زاهداً جليلاً. وإذا أطلق الشيخ في علم الحديث فالمراد به ابن الصلاح. صنف كتباً كثيرة، منها: "علوم الحديث"، و"شرح مسلم"، و"إشكالات على كتاب الوسيط" في الفقه. توفي بدمشق سنة 643هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 326، طبقات المفسرين 1/ 377، تذكرة الحفاظ 4/ 1430، وفيات الأعيان 2/ 408، طبقات الحفاظ ص 499، البداية والنهاية 13/ 168، شذرات الذهب 5/ 221، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 220".
3 مقدمة ابن الصلاح ص 135.
4 في ش ز ض: المتواتر.
5 في ب ع: وقد.
6 صفحة 127 وما بعدها.(2/330)
حَدِيثَ ذِكْرِ حَوْضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ فِي كِتَابِ "الْبَعْثِ وَالنُّشُور": أَوْرَدَ رِوَايَتَهُ عَنْ أَزْيَدَ مِنْ ثَلاثِينَ صَحَابِيًّا1. وَأَفْرَدَهُ الْمَقْدِسِيُّ بِالْجَمْعِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَحَدِيثُهُ مُتَوَاتِرٌ بِالنَّقْلِ. وَحَدِيثُ الشَّفَاعَةِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: بَلَغَ التَّوَاتُرَ2،
ـــــــ
1 حديث الحوض رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد والحاكم وابن حبان عن أبي سعيد الخدري وحذيفة وثوبان وأنس وأبي هريرة وعقبة بن عامر وابن مسعود وغيرهم. قال القاضي عياض: أحاديث الحوض صحيحة، والإيمان به فرض، والتصديق به من الإيمان، وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة، لا يتأول ولا يختلف فيه، ثم قال: وحديثه متواتر النقل، رواه خلائق من الصحابة، وقد جمع ذلك كله الإمام الحافظ البيهقي في كتابه "البعث والنشور" بأسانيده زطرقه المتكاثرات. ثم قال القاضي عياض:وفي بعض هذا ما يقتضي كون الحديث متواتراً. وذكر الزين العراقي أن رواته من الصحابة مائة ونيف، ونقل عن ابن الجوزي في مقدمة "الموضوعات" أن رواته ثمانية وتسعون نفساً".
"انظر: صحيح البخاري 1/ 232، 3/ 20، صحيح مسلم 4/ 1792، سنن أبي داود 2/ 538، تحفة الأحوذي 7/ 133، سنن ابن ماجه 2/ 1438، شرح ألفية العراقي 2/ 277، ذخائر المواريث 2/ 20، الموطأ 1/ 29، المنتقى 1/ 70، مسند أحمد 1/ 257، المستدرك 1/ 75، موارد الظمآن ص 646".
2 روى الإمام مسلم عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك، فيقولون: لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا. قال: فيأتون آدم ... الحديث إلى قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيأتوني فأستأذن على ربي فيؤذن لي، فإذا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ما شاء، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، قل تسمع، سل تعطه، اشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه ربي ثم أشفع ... الحديث. "صحيح مسلم 1/ 180".ورواه البخاري عن أبي هريرة. "صحيح البخاري 3/ 149".
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن حبان والحاكم وابن ماجه عن جابر مرفوعاً أن ر سول الله صلى الله عليه وسلم قال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". "انظر: مسند أحمد 3/ 213، سنن أبي داود 2/ 537، تحفة الأحوذي 7/ 127، سنن ابن ماجه 2/ 1441، المستدرك 1/ 69".
وقد وردت أحاديث الشفاعة وخصوصية الرسول صلى الله عليه وسلم بها، وأنه اختبأ دعوته للشفاعة يوم........=(2/331)
وَحَدِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ1. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَاهُ نَحْوُ أَرْبَعِينَ صَحَابِيًّا وَاسْتَفَاضَ وَتَوَاتَرَ2.
وَأَمَّا التَّوَاتُرُ الْمَعْنَوِيُّ مِنْ السُّنَّةِ، وَهُوَ بِأَنْ3 يَتَوَاتَرَ مَعْنًى فِي ضِمْنِ أَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ فِيهِ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ فَكَثِيرٌ.
"و"َ قِسْمٌ "مَعْنَوِيٌّ، وَهُوَ تَغَايُرُ الأَلْفَاظِ مَعَ الاشْتِرَاكِ فِي مَعْنًى كُلِّيٍّ" وَلَوْ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ4 كَمَا تَقَدَّمَ. وَذَلِكَ "كَحَدِيثِ الْحَوْضِ، وَسَخَاءِ
ـــــــ
= القيامة، وأنه صاحب المقام المحمود، في جميع كتب السنة تقريباً بروايات كثيرة، وألفاظ متعددة، وعن عدد كبير من الصحابة، وذكر معظمها القاضي عياض في كتابه القيم "الشفا".
"انظر: الشفا 1/ 216 وما بعدها طبع التجارية، صحيح مسلم 1/ 180 وما بعدها، صحيح البخاري 1/ 115، سنن أبي داود 1/ 126، تحفة الأحوذي 7/ 127، سنن ابن ماجه 2/ 1441، مسند أحمد 2/ 222، 3/ 2، 4/ 437، 5/ 43، المستدرك 1/ 69 وما بعدها، سنن الدارمي 2/ 327، موارد الظمآن ص 642 وما بعدها، فيض القدير 2/ 162، سنن النسائي 2/ 22، النووي على مسلم 3/ 53".
1 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والطبراني والدارمي وابن حبان وغيرهم عن ابن عمر وسعد وحذيفة والمغيرة وجرير وبلال وصفوان وخزيمة وثوبان وأسامة وعمر بن الخطاب وابن أبي عمارة وغيرهم. قال الزين العراقي: "فقد رواه أكثر من ستين من الصحابة، منهم العشرة". شرح ألفية العراقي 2/ 27".
"انظر: صحيح البخاري 1/ 49، صحيح مسلم 1/ 228، سنن أبي داود 1/ 33، سنن النسائي 1/ 69، تحفة الأحوذي 1/ 313، سنن ابن ماجه 1/ 181، نيل الأوطار 1/ 209، تخريج أحاديث البزدوي ص 152، سنن الدارمي 1/ 181، مسند أحمد 4/ 246، موارد الظمآن ص 71، الموطأ 1/ 38".
2 انظر: شرح ألفية العراقي 2/ 276.
3 في ع: أن.
4 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 353، مختصر ابن الحاجب 2/ 55، مناهج العقول 2/ 270، نهاية السول 2/ 274، المحلي على جمع الجوامع 2/ 119، المسودة ص 235، تيسير التحرير 3/ 36، غاية الوصول ص 95.(2/332)
حَاتِمٍ1 وَشُجَاعَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهَا2.
وَذَلِكَ إذَا كَثُرَتْ الأَخْبَارُ فِي الْوَقَائِعِ وَاخْتُلِفَ فِيهَا، لَكِنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنًى مُشْتَرَكٍ بَيْنَهَا بِجِهَةِ التَّضَمُّنِ أَوْ الالْتِزَامِ، حَصَلَ الْعِلْمُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ مَثَلاً الشَّجَاعَةُ أَوْ الْكَرَمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيُسَمَّى الْمُتَوَاتِرَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَذَلِكَ كَوَقَائِعِ حَاتِمٍ فِيمَا يُحْكَى مِنْ عَطَايَاهُ مِنْ فَرَسٍ وَإِبِلٍ وَعَيْنٍ وَثَوْبٍ وَنَحْوِهَا. فَإِنَّهَا تَتَضَمَّنُ جُودَهُ فَيُعْلَمُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْقَضَايَا بِعَيْنِهِ، وَكَقَضَايَا3 عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حُرُوبِهِ مِنْ أَنَّهُ هَزَمَ فِي خَيْبَرَ كَذَا4، وَفَعَلَ فِي أُحُدٍ كَذَا، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ يَدُلُّ بِالالْتِزَامِ عَلَى شُجَاعَتِهِ. وَقَدْ تَوَاتَرَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْجُزْئِيَّاتِ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الْقَطْعِ5.
"وَلا يَنْحَصِرُ" التَّوَاتُرُ "فِي عَدَدٍ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْمُحَقِّقِينَ "وَيُعْلَمُ" حُصُولُ الْعَدَدِ "إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ" عِنْدَهُ "وَلا دَوْرَ" إذْ حُصُولُ الْعِلْمِ مَعْلُولُ
ـــــــ
1 هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشْرج، من طيئ، كان جواداً شاعراً جيد الشعر، وكان حيث ما نزل عرف منزله، وإذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا ضرب بالقداح سبق، وإذا أسر أطلق، وقسم ماله بضع عشرة مرة.
"انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة 1/ 241 تحقيق أحمد شاكر طبع دار المعارف بمصر 1966، شرح شواهد المغني للسيوطي ص 75، والمراجع التي أشير إليها في هامش الكتابين".
2 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 55، المحلي على جمع الجوامع 2/ 119، الإحكام للآمدي 2/ 30، فواتح الرحموت 2/ 119، تيسير التحرير 3/ 36، شرح الورقات ص 183، اللمع ص 39.
3 في ض: وقضايا.
4 ساقطة من ض.
5 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 30، نهاية السول 2/ 274، مناهج العقول 2/ 271، العضد على ابن الحاجب 2/ 55، المحلي على جمع الجوامع 2/ 119.(2/333)
الأَخْبَارِ وَدَلِيلُهُ. كَالشِّبَعِ وَالرِّيِّ مَعْلُولُ الْمُشْبِعِ1 وَالْمُرْوِي وَدَلِيلُهُمَا2، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ابْتِدَاءً الْقَدْرُ الْكَافِي مِنْهُمَا3.
وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّقْدِيرَاتِ تَحَكُّمٌ لا دَلِيلَ عَلَيْهِ4.
نَعَمْ, لَوْ أَمْكَنَ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ اللَّحْظَةِ الَّتِي يَحْصُلُ لَنَا الْعِلْمُ بِالْمَخْبَرِ عَنْهُ فِيهَا5 أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ أَقَلِّ عَدَدٍ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِ، لَكِنَّ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ ؛ إذْ الظَّنُّ يَتَزَايَدُ بِتَزَايُدِ الْمُخْبِرِينَ تَزَايُدًا خَفِيًّا تَدْرِيجِيًّا. كَتَزَايُدِ النَّبَاتِ وَعَقْلِ الصَّبِيِّ وَنُمُوِّ بَدَنِهِ، وَنُورِ6 الصُّبْحِ وَحَرَكَةِ الْفَيْءِ فَلا يُدْرَكُ7.
ـــــــ
1 في ض: الشبع.
2 في ش: ودليلها.
3 في ش: منها.
وانظر: شرح تنقيح الفصول ص 352، أصول السرخسي 1/ 294، نهاية السول 2/ 270، مناهج العقول2/ 266، كشف الأسرار 2/ 361، شرح الورقات ص 181، الروضة ص 50، مختصر الطوفي ص 51-52، إرشاد الفحول ص 47، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91.
4 انظر أقوال العلماء في تحديد العدد ومناقشة ذلك، وأن التواتر غير محصور في عدد عند الجماهير في "المحلي على جمع الجوامع 2/ 120 وما بعدها، المسودة ص 235، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 54، مناهج العقول 2/ 268، نهاية السول 2/ 271، الإحكام للآمدي 2/ 25 وما بعدها، شرح الورقات ص 181، المستصفى 2/ 134، 137، 138، شرح تنقيح الفصول ص 351 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 1/ 94، كشف الأسرار 2/ 361، تيسير التحرير 3/ 34، فواتح الرحموت 2/ 110، 116 وما بعدها، شرح نخبة الفكر ص 19 وما بعدها، شرح الورقات ص 181، إرشاد الفحول ص 47، غاية الوصول ص 95، الروضة ص 50، اللمع ص 40، المعتمد 2/ 561، 565".
5 في ض: فيهما.
6 في ب ع ض: وضوء. وكذا في مختصر الطوفي ص 52.
7 مختصر الطوفي ص 52. وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 26، المستصفى 1/ 137، العضد على ابن الحاجب 2/ 54، كشف الأسرار 2/ 361، المسودة ص 235، اللمع ص 40، الروضة ص 51.(2/334)
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ نَعْلَمُ1 الْعِلْمَ بِالتَّوَاتُرِ مَعَ الْجَهْلِ بِأَقَلِّ عَدَدِهِ ؟
قُلْنَا: كَمَا يُعْلَمُ أَنَّ الْخُبْزَ مُشْبِعٌ، وَالْمَاءَ مُرْوٍ، وَإِنْ جَهِلْنَا عَدَدَهُ2. اهـ.
"وَيَخْتَلِفُ" الْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِالتَّوَاتُرِ "بِاخْتِلافِ الْقَرَائِنِ" أَيْ قَرَائِنِ التَّعْرِيفِ. مِثْلِ الْهَيْئَاتِ الْمُقَارِنَةِ لِلْخَبَرِ الْمُوجِبَةِ لِتَعْرِيفِ مُتَعَلَّقِهِ، وَلاخْتِلافِ أَحْوَالِ الْمُخْبِرِينَ فِي اطِّلاعِهِمْ عَلَى قَرَائِنِ التَّعْرِيفِ، وَلاخْتِلافِ إدْرَاكِ الْمُسْتَمِعِينَ لِتَفَاوُتِ الأَذْهَانِ وَالْقَرَائِحِ وَلاخْتِلافِ الْوَقَائِعِ عَلَى عِظَمِهَا وَحَقَارَتِهَا3.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ4.
قَالَ فِي "جَمْعِ الْجَوَامِعِ": "وَالصَّحِيحُ ثَالِثُهَا": أَنَّ عِلْمَهُ لِكَثْرَةِ الْعَدَدِ مُتَّفِقٌ، وَلِلْقَرَائِنِ قَدْ يَخْتَلِفُ5. فَيَحْصُلُ لِزَيْدٍ دُونَ عَمْرٍو6".
وَ7قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: هَلْ يَجِبُ اطِّرَادُ حُصُولِ الْعِلْمِ بِالتَّوَاتُرِ لِكُلِّ مَنْ بَلَغَ، أَوْ يُمْكِنُ حُصُولُ الْعِلْمِ لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ؟ فِيهِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ. ثَالِثُهَا - وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ - أَنَّ عِلْمَهُ مُتَّفِقٌ8، أَيْ يَتَّفِقُ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِي الْعِلْمِ بِهِ،
ـــــــ
1 في ب ع ص: يعلم.
2 انظر: المستصفى 1/ 138، الإحكام للآمدي 2/ 26، الروضة ص 51.
3 انظر: المستصفى 1/ 135، العضد على ابن الحاجب 2/ 54، غاية الوصول ص 96، الروضة ص 49.
4 انظر هذه الأقوال في "المحلي على جمع الجوامع 2/ 124، غاية الوصول ص 96".
5 انظر: غاية الوصول ص 96.
6 جمع الجوامع 2/ 124.
7 ساقطة من ب.
8 في د: متفق عليه.(2/335)
وَلا يَخْتَلِفُونَ وَإِنْ كَانَ لاخْتِلافِ قَرَائِنَ بِهِ اضْطَرَبَتْ1. فَقَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ الْخَبَرَ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ فِيهِ إلاَّ بِانْضِمَامِ قَرِينَةٍ إلَى الْخَبَرِ لَيْسَ مِنْ التَّوَاتُرِ، بَلْ2 لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِمُجَرَّدِ3 رِوَايَتِهِمْ4. اهـ.
"وَيَتَفَاوَتُ الْمَعْلُومُ" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُحَقِّقِينَ، مِنْهُمْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالأُرْمَوِيُّ وَالْخُونَجِيُّ5 وَابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ لا.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: الأَصَحُّ التَّفَاوُتُ. فَإِنَّا نَجِدُ بِالضَّرُورَةِ الْفَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ "الْوَاحِدِ نِصْفَ الاثْنَيْنِ" وَبَيْنَ مَا عَلِمْنَاهُ مِنْ جِهَةِ التَّوَاتُرِ مَعَ كَوْنِ الْيَقِينِ حَاصِلاً فِيهِمَا.
ـــــــ
1 في ش: اضطردت.
2 ساقطة من ض.
3 في ش: لمجرد.
4 يميز العلماء في هذا المجال بين القرائن اللازمة والقرائن المنفصلة، وقد حصروا موضوع المسألة في القرائن اللازمة للخبر من أحواله المتعلقة بالعدد، أو بالمخبر به أو بالمخبر عنه. أما القرائن المنفصلة عن الخبر المفيد للعلم فلا تجعل الحديث متواتراً.
"انظر: غاية الوصول ص 96، مختصر الطوفي ص 51".
5 هو محمد بن ناماوار بن عبد الملك، القاضي أفضل الدين، أبو عبد الله الشافعي، الخونجي، الفيلسوف، بالغ في علوم الأوائل حتى تفرد برئاسة ذلك في زمانه، وكان يفتي ويناظر، وولي قضاء القاهرة بعد عزل الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وصنف "الموجز" في المنطق والجمل، و"كشف الأسرار" في الطبيعيات. وشرح مقالة ابن سينا، وغير ذلك. توفي سنة 646، وقيل غير ذلك، ودفن بسفح المقطم.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 105، حسن المحاضرة 1/ 541، شذرات الذهب 5/ 237".(2/336)
قَالَ: وَوَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَ الشَّيْخِ1 عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلامِ وَبَيْنَ الْخُونَجِيِّ. فَنَفَى ابْنُ عَبْدِ السَّلامِ التَّفَاوُتَ وَأَثْبَتَهُ الْخُونَجِيُّ.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ قُلْت: كَيْفَ يَنْفِي التَّفَاوُتَ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ الْمُخْبَرُ 2 كَالْمُعَايِنِ 3" وَكَمَا يُفَرَّقُ4 بَيْنَ عِلْمِ الْيَقِينِ وَعَيْنِ الْيَقِينِ ؟ ثُمَّ هُنَا أَمْرٌ آخَرُ. وَهُوَ أَنَّ مَنْ فَسَّرَ الرُّؤْيَةَ فِي الآخِرَةِ بِزِيَادَةِ الْعِلْمِ. وَكَذَلِكَ الْكَلامُ كَيْفَ يُمْكِنُهُ نَفْيُ التَّفَاوُتِ ؟ اهـ.
"وَيَمْتَنِعُ اسْتِدْلالٌ بِهِ" أَيْ بِالتَّوَاتُرِ "عَلَى مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ5 بِهِ عِلْمٌ" يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ التَّوَاتُرُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَلَمْ يَحْصُلْ عِنْدَ آخَرِينَ، امْتَنَعَ الاسْتِدْلال بِالتَّوَاتُرِ عِنْدَ مَنْ حَصَلَ لَهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ ؛ لأَنَّهُ يَقُولُ: مَا تَدَّعِيهِ مِنْ التَّوَاتُرِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَلا أَسْمَعُهُ ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَوَاتِرٍ عِنْدِي6.
"و"َ يَمْتَنِعُ "كِتْمَانُ أَهْلِهِ" أَيْ أَهْلِ التَّوَاتُرِ "مَا" أَيْ شَيْئًا "يُحْتَاجُ إلَى
ـــــــ
1 ساقطة من ب.
2 في ش: الخبر. وهو نص رواية ثانية.
3 هذا الحديث رواه أحمد وابن منيع والطبراني والعسكري وابن حبان والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: "ليس الخبر كالمعاينة"، وله تتمة. ورواه أحمد وابن حبان بلفظ: "ليس المعاين كالمُخْبَر". ورواه البغوي والدارقطني في "الأفراد" والضياء في "المختارة" وابن عدي وأبو يعلى الخليلي في "الإرشاد".
"انظر: فيض القدير 5/ 357، كشف الخفا 2/ 168، مسند أحمد 1/ 271، موارد الظمآن ص 510".
4 في ب ع: نفرق. وفي ض: تفرق
5 ساقطة من ش.
6 عبر المجد ابن تيمية عن هذه المسألة بأسلوب آخر فقال: "ولا يشترط للتواتر أن يُجْمِع الناس كلهم على التصديق به، خلافاً لليهود". "المسودة ص 233".(2/337)
نَقْلِهِ كَـ" امْتِنَاعِ "كَذِبٍ عَلَى عَدَدِهِمْ" أَيْ عَدَدِ الْحَاصِلِ الْعِلْمُ بِهِمْ فِي التَّوَاتُرِ "عَادَةً" أَيْ فِي الْعَادَةِ1.
وَ2هَاهُنَا مَسْأَلَتَانِ:
الأُولَى: امْتِنَاعُ3 كِتْمَانِ أَهْلِ التَّوَاتُرِ مَا يُحْتَاجُ إلَى نَقْلِهِ، خِلافًا لِلرَّافِضَةِ، حَيْثُ قَالُوا: لا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ4، لاعْتِقَادِهِمْ كِتْمَانَ النَّصِّ عَلَى إمَامَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ5. وَهَذَا لا يَعْتَقِدُهُ مُسْلِمٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، أَنْ يَكُونَ خَيْرُ الْقُرُونِ الَّذِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَشَهِدَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ6، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ عَنْهُمْ7 بِأَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُمْ8، يَعْلَمُونَ أَنَّ الإِمَامَةَ يَسْتَحِقُّهَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيَكْتُمُونَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيُوَلُّونَ غَيْرَهُ. وَهَذَا9 مِنْ أَمْحَلْ الْمُحَالِ الَّذِي لا يَرْتَابُ فِيهِ مُسْلِمٌ. وَلَكِنَّ هَذَا مِنْ بُهْتِ
ـــــــ
1 انظر: المسودة ص 235، الروضة ص 51، مختصر الطوفي ص 53.
2 ساقطة من ض.
3 في ش ز ض: في امتناع.
4 في ش ز: على ذلك.
5 انظر: التمهيد للباقلاني ص 165، المسودة ص 235، الروضة ص 51، مختصر الطوفي ص 52، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91.
6 سيأتي نص الحديث في ذلك في "فصل الصحابي" من هذا المجلد ص 465، 474.
7 ساقطة من ب ع ض.
8 وردت آيات كثيرة في الثناء على الصحابة وبيان فضلهم ورضاء الله عليهم، وقد ذكر المصنف بعضها فيما بعد في "فصل الصحابي"، منها قوله تعالى: {وَالسَّابِقُوْنَ الأَوَّلُوْنَ مِنَ الْمُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِيْنَ اتَّبَعُوْهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوْا عَنْهُ}. التوبة/ 100، وقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِيْنَ إِذْ يُبَايِعُوْنَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}. الفتح/ 18. "وانظر: المسودة ص 259".
9 في ب ز ع ض: هذا.(2/338)
الرَّافِضَةِ عَلَيْهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَسْتَحِقُّونَ1، وَلأَنَّ هَذَا فِي الْقُبْحِ كَتَوَاطُئِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَهُوَ مُحَالٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: امْتِنَاعُ الْكَذِبِ عَلَى عَدَدِ التَّوَاتُرِ عَادَةً، وَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي الْعَادَةِ، وَإِنْ كَانَ لا يُحِيلُهُ الْعَقْلُ. وَهَذَا مَأْخَذُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي جَوَازِ مَا يُحْتَاجُ إلَى نَقْلِهِ ؛ لأَنَّهُ إذَا جَازَ الْكَذِبُ فَالْكِتْمَانُ أَوْلَى. وَالأَصَحُّ عَدَمُ جَوَازِهِ عَادَةً لا لِذَاتِهِ2، وَلا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ مُحَالٌ3
"وَلا يُشْتَرَطُ إسْلامُهُمْ" أَيْ4 إسْلامُ الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ فِي التَّوَاتُرِ5.
وَاشْتَرَطَ ابْنُ عَبْدَانَ6 مِنْ الشَّافِعِيَّةِ الإِسْلامَ وَالْعَدَالَةَ أَيْضًا. لأَنَّ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ عُرْضَةٌ لِلْكَذِبِ وَالتَّحْرِيفِ.
وَأَيْضًا: لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ، لأَفَادَ إخْبَارَ النَّصَارَى بِقَتْلِ الْمَسِيحِ، وَهُوَ
ـــــــ
1 في ب: يستحقونه.
2 ساقطة من د ض.
3 انظر: مختصر الطوفي ص 53، المدخل إلى مدخل مذهب أحمد ص 91.
4 ساقطة من ض.
5 انظر: المستصفى 1/ 140، الإحكام للآمدي 2/ 27، نهاية السول 2/ 261، المحلي على جمع الجوامع 2/ 122، مختصر ابن الحاجب 2/ 55، شرح نخبة الفكر ص 21، كشف الأسرار 2/ 361، تيسير التحرير 3/ 35، غاية الوصول ص 96، اللمع ص 39، الروضة ص 51، شرح الورقات ص 181، مختصر الطوفي ص 52، المسودة ص 234، إرشاد الفحول ص 48، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91.
6 هو عبد الله بن عبدان بن محمد بن عبدان، الفقيه أبو الفضل، شيخ همذان وفقيهها وعالمها، كان ثقة ورعاً جليل القدر، وممن يشار إليه. له كتاب "شرائط الأحكام"، و"شرح العبادات". توفي سنة 433هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 5/ 65، شذرات الذهب 3/ 251، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 143".(2/339)
بَاطِلٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} 1، وَبِالإِجْمَاعِ2.
وَأُجِيبَ: بِمَنْعِ حُصُولِ شَرْطِ التَّوَاتُرِ لِلاخْتِلالِ3 فِي الطَّبَقَةِ الأُولَى، لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ، وَلأَنَّهُمْ4 رَأَوْهُ مِنْ بَعِيدٍ أَوْ بَعْدَ صَلْبِهِ، فَشُبِّهَ لَهُمْ. وَلِلاخْتِلالِ فِي الْوَسَطِ بِقُصُورِ النَّاقِلِينَ عَنْ عَدَدِ التَّوَاتُرِ أَوْ فِي شَيْءٍ مِمَّا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاقِلِينَ إلَيْنَا مِنْ عَدَدِ التَّوَاتُرِ ؛ لأَنَّ بُخْتنَصْر5 قَدْ قَتَلَ النَّصَارَى حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلاَّ دُونَ عَدَدِ التَّوَاتُرِ.
وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ إخْبَارِ الإِمَامِيَّةِ بِالنَّصِّ عَلَى إمَامَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ6.
"وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ" بَيْنَ وُقُوعِ الْمُخْبَرِ بِهِ وَبَيْنَ الإِخْبَارِ.
ـــــــ
1 الآية 157 من النساء.
2 وكذلك اشترط البزدوي من الحنفية الإسلام في عدد التواتر.
"انظر: كشف الأسرار 2/ 361، فواتح الرحموت 2/ 118، العضد على ابن الحاجب 2/ 55، الإحكام للآمدي 2/ 27، اللمع ص 39، المسودة ص 234".
3 في ش ز: للاخلال.
4 في ض: ولأنه.
5 هو أحد ملوك الأرض، كان كاتباً عند ملك الجزيرة ليقر الذي نذر؛ لئن ظفر ببيت المقدس ليذبحن ابنه للزهرة التي يعبدها، ولكن الله أرسل ريحاً فأهلكته، وأفل هو وجيشه، فقتله ابنه، وغضب بختنصر للأب، فقتل الابن واستلم الحكم، وكان أول ملك، ثم غزا بني إسرائيل وانتصر عليهم، ثم رده الله عنهم، ثم فسقوا فجاءهم وانتصر عليهم، وقتل منهم وصلب وجدع، وباع ذراريهم ونساءهم، ومثل بهم، وأسر منهم الكثير، ثم لحق بأرض بابل.
"انظر: المعارف ص 32، 46، 562".
6 انظر: أصول السرخسي 1/ 285، الإحكام للآمدي 2/ 28، المستصفى 1/ 139، فواتح الرحموت 2/ 118، تيسير التحرير 3/ 36، كشف الأسرار 2/ 366، المعضد على ابن الحاجب 2/ 55.(2/340)
"وَلا" يُشْتَرَطُ أَيْضًا "أَنْ لا يَحْوِيَهُمْ بَلَدٌ وَلا يُحْصِيَهُمْ عَدَدٌ1".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَشَرَطَ طَوَائِفُ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنْ لا يَحْوِيَهُمْ بَلَدٌ وَلا يُحْصِيهِمْ عَدَدٌ2، وَهُوَ بَاطِلٌ. لأَنَّ أَهْلَ الْجَامِعِ لَوْ أَخْبَرُوا عَنْ سُقُوطِ الْمُؤَذِّنِ مِنَ3 الْمَنَارَةِ، أَوِ4 الْخَطِيبِ عَنْ الْمِنْبَرِ، لَكَانَ إخْبَارُهُمْ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ فَضْلاً عَنْ أَهْلِ بَلَدٍ5.
"وَلا" يُشْتَرَطُ أَيْضًا فِيهِمْ "اخْتِلافُ نَسَبٍ6 وَ" لا اخْتِلافُ "دِينٍ وَ" لا اخْتِلافُ "وَطَنٍ 7".
قَالَ8 ابْنُ مُفْلِحٍ: وَشَرَطَ قَوْمٌ اخْتِلافَ النَّسَبِ وَالدِّينِ وَالْوَطَنِ
ـــــــ
1 انظر: كشف الأسرار 2/ 361، المحلي على جمع الجوامع 2/ 122، المسودة ص 234، 236، نهاية السول 2/ 271، العضد على ابن الحاجب 2/ 55، فواتح الرحموت 2/ 119، الإحكام للآمدي 2/ 27، المستصفى 1/ 139، الإحكام لابن حزم 1/ 96، غاية الوصول ص 96، مختصر الطوفي ص 52، الروضة ص 51، إرشاد الفحول ص 48، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91.
2 وممن اشترط ذلك البزدي "انظر: كشف الأسرار على أصول البزدوي 2/ 361".
وقد عرف السرخسي خبر التواتر فقال: "أن ينقله قوم لا يتوهم اجتماعهم وتواطؤهم على الكذب لكثرة عددهم وتباين أمكنتهم عن قوم مثلهم هكذا إلى أن يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم. أصول السرخسي 1/ 282". فاشترط في التعريف تباين الأمكنة.
"وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 27، العضد على ابن الحاجب 2/ 55".
3 في ب ع ض: عن.
4 في ب: و.
5 انظر: كشف الأسرار 2/ 361، الإحكام للآمدي 2/ 27، الروضة ص 51، مختصر الطوفي ص 52.
6 انظر: المستصفى 1/ 139، فواتح الرحموت 2/ 119، نهاية السول 2/ 271، غاية الوصول ص 96.
7 انظر: فواتح الرحموت 2/ 119، نهاية السول 2/ 271، الإحكام للآمدي 2/ 27، المستصفى 1/ 139، العضد على ابن الحاجب 2/ 55، مختصر الطوفي ص 52، إرشاد الفحول ص 48، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91.
8 في ض: قاله.(2/341)
لِتَنْدَفِعَ1 التُّهْمَةُ2، وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ ؛ لأَنَّ التُّهْمَةَ لَوْ حَصَلَتْ لَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ، سَوَاءٌ كَانُوا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ، وَمِنْ نَسَبٍ وَاحِدٍ وَفِي3 وَطَنٍ وَاحِدٍ، أَوْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ. وَإِنْ ارْتَفَعَتْ حَصَلَ الْعِلْمُ كَيْفَ كَانُوا.
"وَلا" يُشْتَرَطُ أَيْضًا "إخْبَارُهُمْ طَوْعًا4". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَشَرَطَ قَوْمٌ إخْبَارَهُمْ طَوْعًا، وَهُوَ بَاطِلٌ. فَإِنَّ الصِّدْقَ لا يَمْتَنِعُ حُصُولُ الْعِلْمِ بِهِ، وَإِلاَّ فَاتَ5 الشَّرْطُ6.
"وَلا" يُشْتَرَطُ أَيْضًا "أَنْ لا يَعْتَقِدَ" الْمُخْبِرُ "خِلافَهُ" أَيْ نَقِيضَ الْمُخْبَرِ بِهِ7.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَشَرَطَ الْمُرْتَضَى مِنْ الشِّيعَةِ - وَهُوَ أَبُو الْقَاسِمِ الْمُوسَوِيُّ8 - عَدَمَ اعْتِقَادِ نَقِيضِ الْمُخْبَرِ. قَالَ: لأَنَّ اعْتِقَادَ النَّقِيضِ مُحَالٌ
ـــــــ
1 في ب: لتدفع.
2 وهو ما اشترطه البزدوي. "انظر: كشف الأسرار 2/ 27، أصول السرخسي 2/ 27".
3 في ش ز ع: في.
4 اشترط الخطيب البغدادي في خبر التواتر أن لا يدخله أسباب القهر والغلبة.
"انظر: الكفاية للخطيب البغدادي ص 16". وانظر: المستصفى 1/ 140، الإحكام للآمدي 2/ 28، إرشاد الفحول ص 48.
5 في ع ض: لفات.
6 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 28.
7 انظر: مختصر الطوفي ص 52، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91.
8 هو علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الشريف المرتضى، أبو القاسم، وهو أخو الشريف الرضي. كان أبو القاسم نقيب الطالبيين، وكان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر وأصول الفقه، وله تصانيف على مذهب الشيعة، ومقالة في أصول الدين. وله ديوان شعر كبير. واختلف الناس في "نهج البلاغة" هل هو الذي جمعه أم الشريف الرضي؟ والغالب أنه ليس من كلام علي، وإنما هو من كلام من جمعه. ومن مصنفات المرتضى: "الغرر والدرر" في اللغة والنحو، و"الذخيرة" في الأصول، و"الذريعة" في أصول الفقه، و"الشيب والشباب"، وكتاب "النقض على ابن جني"، و"طيف الخيال"، و"ديوان شعر". توفي سنة 436هـ ببغداد.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 3/ 3، شذرات الذهب 3/ 256، بغية الوعاة 3/ 256، إنباه الرواة 2/ 249، مرآة الجنان 3/ 55، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص 383، تاريخ بغداد 11/ 402".(2/342)
وَالطَّارِئُ أَضْعَفُ مِنْ الْمُسْتَقِرِّ، فَلا يَرْفَعُهُ. وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا، بَلْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ سَوَاءٌ كَانَ السَّامِعُ يَعْتَقِدُ نَقِيضَ الْمُخْبَرِ بِهِ أَوْ لا. فَلا يَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ عَلَى ذَلِكَ1.
"وَمَنْ حَصَلَ بِخَبَرِهِ عِلْمٌ بِوَاقِعَةٍ لِشَخْصٍ حَصَلَ2" الْعِلْمُ "بِمِثْلِهِ" أَيْ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْخَبَرِ "بِغَيْرِهَا" أَيْ بِغَيْرِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ "لآخَرَ" أَيْ لِشَخْصٍ آخَرَ3.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَقَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ4 وَالْبَاقِلاَّنِيّ: مَنْ حَصَلَ بِخَبَرِهِ عِلْمٌ بِوَاقِعَةٍ5 لِشَخْصٍ حَصَلَ بِمِثْلِهِ بِغَيْرِهَا لِشَخْصٍ آخَرَ6 صَحِيحٍ.
ـــــــ
1 انظر: مختصر الطوفي ص 52.
2 في ع: حصل له.
3 انظر: المستصفى 1/ 135، الإحكام للآمدي 2/ 29، الروضة ص 49، غاية الوصول ص 96، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90.
4 في جميع النسخ: الحسن، وهو خطأ.
وأبو الحسين هو البصري المعتزلي القاضي، صاحب "المعتمد"، وقد نص الآمدي على ذلك فقال: "ذهب القاضي أبو بكر وأبو الحسين البصري إلى أن كل عدد وقع العلم بخبره في واقعة لشخص، لا بد وأن يكون مفيداً للعلم بغير تلك الواقعة لغير ذلك الشخص إذا سمعه". "الإحكام للآمدي 2/ 29".
5 في ب: واقعة.
6 انظر: المعتمد 2/ 561، 563، 564.(2/343)
ثُمَّ قَالَ: إنْ تَسَاوَيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. فَلأَجْلِ هَذَا قُلْنَا "مَعَ تَسَاوٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ".
قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ عَادَةً.
وَسَبَقَهُ بِاشْتِرَاطِ التَّسَاوِي ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ1.
ـــــــ
1 والتساوي يكون في المخبرين والخبر والمخبَر. وهذا ما صرح به ابن الحاجب والعضد، وهو مضمون كلام الآمدي. واشترط الغزالي تجرد الخبر عن القرائن. أما إذا حفت به القرائن فإن الوقائع والأشخاص تختلف.
"انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 55، الإحكام للآمدي 2/ 29-30، المستصفى 1/ 135، فواتح الرحموت 2/ 117، تيسير التحرير 3/ 35".(2/344)
فصل: خبر الآحاد
...
"فَصْلٌ" "وَمِنْ الْخَبَرِ آحَادٌ"
وَمِنْ الْخَبَرِ آحَادٌ جَمْعُ أَحَدٍ. كَأَبْطَالٍ جَمْعُ بَطَلٍ، وَهَمْزَةُ أَحَدٍ: مُبْدَلَةٌ مِنْ الْوَاوِ1، وَأَصْلُ آحَادٍ أَأْحَادٌ بِهَمْزَتَيْنِ، أُبْدِلَتْ الثَّانِيَةُ أَلِفًا كَآدَمَ2.
"وَهُوَ" أَيْ خَبَرُ الآحَادِ فِي الاصْطِلاحِ "مَا عَدَا الْمُتَوَاتِرَ3" عِنْدَ ابْنِ الْبَنَّاءِ، وَالْمُوَفَّقِ وَالطُّوفِيِّ وَجَمْعٍ كَثِيرٍ، فَلا وَاسِطَةَ بَيْنَ التَّوَاتُرِ وَالآحَادِ4. "فَدَخَلَ" فِي الآحَادِ مِنْ الأَحَادِيثِ مَا عُرِفَ بِأَنَّهُ مُسْتَفِيضٌ مَشْهُورٌ5،
ـــــــ
1 في ب: الواحد. وفي ض: واو.
2 انظر: القاموس المحيط 1/ 283، المصباح المنير 1/ 13، 2/ 1007.
3 انظر تعريف خبر الآحاد في "التعريفات للجرجاني ص 101، الكفاية للخطيب ص 16، الكافية في الجدل ص 56، شرح تنقيح الفصول ص 356، المحلي على جمع الجوامع 2/ 129، المستصفى 1/ 145، نهاية السول 2/ 281، مناهج العقول 2/ 279، شرح نخبة الفكر ص 51، الإحكام للآمدي 2/ 31، مختصر ابن الحاجب 2/ 55، شرح الورقات ص 184، فواتح الرحموت 2/ 110، تيسير التحرير 3/ 37، كشف الأسرار 2/ 370، غاية الوصول ص 97، إرشاد الفحول ص 48، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91".
4 انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 97، شرح الورقات ص 184، الروضة ص 46، 48، اللمع ص 40، مختصر الطوفي ص 53، إرشاد الفحول ص 48.
5 يرى الجمهور أن خبر الآحاد أقسام، منها خبر الواحد، ومنها الخبر المستفيض الذي عرفه المؤلف، ومنها المشهور، وهو ما اشتهر ولو في القرن الثاني أو الثالث، وكان رواته في الطبقة الأولى واحداً فأكثر، وجعل الجصاص الحنفي الحديث المشهور قسماً من المتواتر ووافقه بعض الحنفية. وذهب جمهور الحنفية إلى أن المشهور قسيمٌ للمتواتر. وقال الشيخ زكريا الأنصاري الشافعي: "وقد يسمى المستفيض مشهوراً". وقسم القرافي الأخبار إلى متواتر وآحاد وما ليس بمتواتر ولا آحاد.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص 349، غاية الوصول ص 97، الإحكام للآمدي 2/ 31، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 129 وما بعدها، شرح نخبة الفكر ص 31 كشف الأسرار 2/ 368، 3/ 59، نهاية السول 2/ 281، تيسير التحرير 3/ 37، أصول السرخسي 1/ 291 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 111، إرشاد الفحول ص 49، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91 وما بعدها".(2/345)
وَهُوَ مَا زَادَ نَقْلَتُهُ عَلَى ثَلاثَةٍ" عُدُولٍ. فَلا بُدَّ أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً فَصَاعِدًا فِي الأَصَحِّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ، وَجَمْعٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ حَمْدَانَ فِي "الْمُقْنِعِ"1. وَقِيلَ: مَا زَادَ نَقَلَتُهُ عَلَى الاثْنَيْنِ2.
وَقِيلَ: مَا زَادَ نَقَلَتُهُ عَلَى وَاحِدٍ. فَلا بُدَّ أَنْ يَكُونُوا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ3 وَأَبُو حَاتِمٍ4 الْقَزْوِينِيُّ5.
ـــــــ
1 وهو قول الأصوليين.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 31، نهاية السول 2/ 281، مختصر ابن الحاجب 2/ 55، غاية الوصول ص 97، تدريب الراوي 2/ 173، إرشاد الفحول ص 49".
2 وهو قول المحدثين.
"انظر: تدريب الراوي 2/ 173، شرح نخبة الفكر ص 30، تيسير التحرير 3/ 37، غاية الوصول ص 97".
3 هو الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الذي قال في "التنبيه": أقل ما ثبت به الاستفاضة اثنان، وتبعه الشيخ زكريا الأنصاري، ولعل المقصود أبو إسحاق الإسفراييني.
"انظر: غاية الوصول ص 97، إرشاد الفحول ص 49، المحلي على جمع الجوامع 2/ 129، التنبيه ص 162".
4 هو محمود بن الحسن بن محمد الطبري، المعروف بالقزويني، أبو حاتم، ينتهي نسبه إلى أنس بن مالك رضي الله عنه. وهو شيخ أبي إسحاق الشيرازي، تفقه على الشيخ أبي حامد ببغداد، وأخذ الأصول عن أبي بكر الباقلاني. وكان حافظاً للمذهب والخلاف، صنف كتباً كثيرة في المذهب والخلاف والأصول والجدل، منها: "تجريد التجريد" الذي ألفه رفيقه المحاملي. توفي سنة 414هـ وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 5/ 312، تهذيب الأسماء 2/ 207، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 130، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 145، تبيين كذب المفتري ص 260".
5 في ز ش: القزوينيين.(2/346)
وَقِيلَ: هُوَ الشَّائِعُ عَنْ أَصْلٍ1. قَالَهُ فِي "جَمْعِ الْجَوَامِعِ" وَغَيْرِهِ2.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ بْنُ الْجَوْزِيِّ: هُوَ مَا ارْتَفَعَ عَنْ ضَعْفِ الآحَادِ، وَلَمْ يَلْتَحِقْ بِقُوَّةِ التَّوَاتُرِ3.
"وَيُفِيدُ" الْحَدِيثُ الْمُسْتَفِيضُ الْمَشْهُورُ "عِلْمًا نَظَرِيًّا".
نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ عَنْ الأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ فُورَكٍ4.
وَقِيلَ: يُفِيدُ الْقَطْعَ5.
ـــــــ
1 في ض: أصله.
2 انظر: جمع الجوامع 2/ 129، غاية الوصول ص 97، إرشاد الفحول ص 49.
3 الفرق بين الخبر المتواتر والخبر المشهور أن جاحد الخبر المتواتر كافر باتفاق، وجاحد الخبر المشهور مختلف فيه. فقال الجرجاني يكفر، وهو ما نقله الكمال بن الهمام عن الجصاص، بينما نقل ابن عبد الشكور وصدر الشريعة عنه أنه لا يكفر. وقال ابن عبد الشكور: "والاتفاق على أن جاحده لا يكفر، بل يضلل". وهو ما جاء فيه "كشف الأسرار" أيضاً، وأساس الاختلاف هو اختلافهم في المشهور هل يفيد علم يقين أم علم طمأنينة؟ على قولين. أما جاحد خبر الآحاد فلا يكفر عند الأكثرين، كما سيذكره المصنف صفحة 352.
وقد ذكر علماء الحديث وأصول الفقه تعريفات كثيرة للخبر المستفيض والمشهور.
"انظر: الكافية في الجدل ص 55، أصول السرخسي 1/ 292، 293، فواتح الرحموت 2/ 111، تيسير التحرير 3/ 37- 38، تدريب الراوي 2/ 173، حاشية البناني على جمع الجوامع 2/ 129، التعريفات للجرجاني ص 102، 229، أصول البزدوي وكشف الأسرار 2/ 367، 368، 369، شرح نخبة الفكر ص 47، جامع بيان العلم 2/ 42، المسودة ص 245، 248".
4 وهو قول أبي بكر الجصاص.
"انظر: تيسير التحرير 3/ 38، فواتح الرحموت 2/ 111، جمع الجوامع 2/ 130، المسودة ص 240، غاية الوصول ص 97".
5 قال ابن عبد الشكور: "ويوجب ظنًَّا كأنه اليقين". وقال الأنصاري شارح "مسلم الثبوت": "ويسمى هذا الظن علم الطمأنينة". "مسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت 2/ 112".
وانظر: كشف الأسرار 2/ 368، تيسير التحرير 3/ 38.(2/347)
"وَغَيْرُهُ" أَيْ وَغَيْرُ الْمُسْتَفِيضِ مِنْ الأَحَادِيثِ "يُفِيدُ الظَّنَّ فَقَطْ وَلَوْ مَعَ قَرِينَةٍ" عِنْدَ الأَكْثَرِ لاحْتِمَالِ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ وَنَحْوِهِمَا عَلَى مَا دُونَ عَدَدِ رُوَاةِ الْمُسْتَفِيضِ لِقُرْبِ احْتِمَالِ السَّهْوِ وَالْخَطَإِ عَلَى عَدَدِهِمْ الْقَلِيلِ1.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَابْنُ حَمْدَانَ وَالطُّوفِيُّ وَجَمْعٌ: إنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْقَرَائِنِ2.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهَذَا أَظْهَرُ وَأَصَحُّ3.
ـــــــ
1 ذكر الآمدي حجج هذا القول وناقشها وردها. انظر: الإحكام للآمدي 2/ 32 وما بعدها.
وانظر: كشف الأسرار 2/ 370، فواتح الرحموت 2/ 121، العضد على ابن الحاجب 2/ 56، المحلي على جمع الجوامع 2/ 130، توضيح الأفكار 1/ 25، المسودة ص 240، 244، مناهج العقول 2/ 279، المستصفى 1/ 145، شرح تنقيح الفصول ص 356، الروضة ص 52، اللمع ص 40، غاية الوصول ص 97، مختصر الطوفي ص 53، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91.
2 وهو قول إمام الحرمين والغزالي والآمدي والنظام والرازي وابن الحاجب والبيضاوي والسبكي، وأيده شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، واحتج له الآمدي بحجج كثيرة، وشرح هذه الحجج أبو الحسين البصري.
قال الشوكاني: "وقيل لا يفيده، وهذا خلاف لفظي؛ لأن القرائن إن كانت قوية بحيث يحصل لكل عاقل عندها العلم كان من المعلوم صدقه. إرشاد الفحول ص 50".
انظر: المستصفى 2/ 136، نهاية السول 2/ 262، المعتمد 2/ 566، تيسير التحرير 3/ 76، المحصول 1/ 285، المسودة ص 240، 243، اللمع ص 40، الورقات وشرحها ص 184، شرح تنقيح الفصول ص 354، 357، الإحكام للآمدي 2/ 32، 37، فواتح الرحموت 2/ 121، مناهج العقول 2/ 279، توضيح الأفكار 1/ 26، مختصر ابن الحاجب 2/ 55، جمع الجوامع 2/ 130، غاية الوصول ص 97، الروضة ص 52، مختصر الطوفي ص 51، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90.
3 قال الشوكاني: "وقال أحمد بن حنبل: إن خبر الواحد يفيد بنفسه العلم، وحكاه ابن حزم في "الإحكام" عن داود الظاهري والحسين بن علي الكرابيسي والحارث المحاسبي، وقال: وبه نقول. وحكاه ابن خواز منداد عن مالك بن أنس، واختاره، وأطال في تقريره، ونقل عن القفال أنه يوجب العلم الظاهر". "إرشاد الفحول ص 48". واستدلوا على القول بأنه يفيد العلم مطلقاً أنه يجب العمل به. وبين صاحب "كشف الأسرار" أن الإمام أحمد قال: إن خبر الآحاد يفيد العلم ضرورة. وقال داود: إنه يفيد العلم استدلالاً". "كشف الأسرار 2/ 371".........=(2/348)
لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْقَرَائِنُ لا يُمْكِنُ أَنْ تُضْبَطَ بِعَادَةٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: يُمْكِنُ أَنْ تُضْبَطَ بِمَا تَسْكُنُ إلَيْهِ النَّفْسُ، كَسُكُونِهَا إلَى الْمُتَوَاتِرِ 1أَوْ قَرِيبٍ1 مِنْهُ بِحَيْثُ لا يَبْقَى فِيهَا احْتِمَالٌ عِنْدَهُ.
"إلاَّ إذَا نَقَلَهُ" أَيْ نَقَلَ غَيْرَ الْمُسْتَفِيضِ "آحَادُ الأَئِمَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِمْ" أَيْ عَلَى إمَامَتِهِمْ "مِنْ طُرُقٍ مُتَسَاوِيَةٍ وَتُلُقِّيَ" الْمَنْقُولُ "بِالْقَبُولِ فَالْعِلْمُ" أَيْ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ "فِي قَوْلٍ2".
قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: هَذَا الْمَذْهَبُ.
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هَذَا ظَاهِرُ كَلامِ أَصْحَابِنَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
وَقَالَ: الَّذِي عَلَيْهِ الأُصُولِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ3 أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بِالْقَبُولِ تَصْدِيقًا لَهُ4، وَعَمَلاً بِهِ
ـــــــ
= وانظر: أصول السرخسي 1/ 321، 329، الإحكام لابن حزم 1/ 107- 125، الإحكام للآمدي 2/ 32، المسودة ص 240، 244 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 121، 122 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 76، مناهج العقول 2/ 279، المعتمد 2/ 566، 570، توضيح الأفكار 1/ 25، العضد على ابن الحاجب 2/ 56، جمع الجوامع 2/ 130، الكفاية للخطيب البغدادي ص 25- 26، غاية الوصول ص 97.
وقال ابن بدران: "إنه يفيد العلم في قول لأحمد، وحمله بعض العلماء على أخبار مخصوصة". المدخل إلى مذهب أحمد ص 91".
1 في ز ش: وقربت.
2 وهو قول الخطيب البغدادي، ورجحه الشوكاني.
"انظر: الكفاية للخطيب البغدادي ص 17، إرشاد الفحول ص 49، المعتمد 2/ 547، توضيح الأفكار 1/ 96، 121، المسودة ص 240، 243، غاية الوصول ص 97، الروضة ص 52، مختصر الطوفي ص 53، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91".
3 في ض: وابن حمد.
4 ساقطة من ب ع ض.(2/349)
يُوجِبُ الْعِلْمَ إلاَّ فِرْقَةً قَلِيلَةً اتَّبَعُوا طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْكَلامِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ1.
وَالأَوَّلُ: ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَأَمْثَالُهُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالسَّرَخْسِيُّ2 وَأَمْثَالُهُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ3 وَالسَّلَفُ وَأَكْثَرُ الأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ4. اهـ.
قَالَ ابْنُ5 الصَّلاحِ: مَا أَسْنَدَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: "الْعِلْمُ الْيَقِينِيُّ النَّظَرِيُّ6 وَاقِعٌ بِهِ7، خِلافًا لِقَوْلِ مَنْ نَفَى ذَلِكَ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ لا يُفِيدُ فِي
ـــــــ
1 قسم أبو إسحاق الشيرازي خبر الواحد إلى قسمين: الأول: يوجب العلم، ومنه خبر الله عز وجل وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يحكي الرجل بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ويدعي علمه فلا ينكره عليه، فيقطع به على صدقه. ومنها خبر الواحد الذي تلقته الأمة بالقبول، فيقطع بصدقه سواء عمل الكل به، أو عمل البعض، ثم قال: فهذه الأخبار توجب العمل، ويقع العلم بها استدلالاً. والقسم الثاني: ما يوجب العمل ولا يوجب العلم... "اللمع ص 40".
وانظر: النووي على مسلم 1/ 19، المسودة ص 240.
2 هو محمد بن أحمد بن أبي سهل، المعروف بشمس الأئمة، السرخسي، الفقيه الأصولي، نسبة إلى سَرَخس من بلاد خراسان. تتلمذ على الحلواني وتخرج عليه، وذاع صيته، واشتهر اسمه، وصار إماماً من أئمة الحنفية، وكان حجة ثبتاً، متكلماً متحدثاً، مناظراً أصوليًّا، مجتهداً. له مصنفات كثيرة، منها: "المبسوط" في الفقه، أملى خمسة عشر جزءاًَ منه وهو في السجن. وأملى "شرح السير الكبير لمحمد بن الحسن". وله "شرح مختصر الطحاوي"، و"شرح كتب محمد"، و"أصول السرخسي". توفي سنة 483هـ، وقيل في حدود سنة 490هـ.
انظر ترجمته في "الجواهر المضية 2/ 28، الفوائد البهية ص 158، تاج التراجم ص 52، الفتح المبين 1/ 264".
3 في ض: السنة.
4 انظر: المسودة ص 240، اللمع ص 40، الروضة ص 52، مختصر الطوفي ص 53، إرشاد الفحول ص 49.
5 في ض: أبو.
6 في ب: والنظري.
7 وهو ما رجحه الشوكاني في "إرشاد الفحول ص 49".
انظر مناقشة ذلك في فواتح الرحموت 2/ 123، تيسير التحرير 3/ 76 وما بعدها، توضيح الأفكار 1/ 121-124، تدريب الراوي 1/ 132، شرح ألفية العراقي 1/ 69، شرح النووي على مسلم 1/ 19.(2/350)
أَصْلِهِ إلاَّ الظَّنَّ. وَإِنَّمَا تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بِالْقَبُولِ لأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ، وَالظَّنُّ قَدْ يُخْطِئُ1.
قَالَ: "وَقَدْ كُنْت أَمِيلُ إلَى هَذَا، وَأَحْسِبُهُ قَوِيًّا، ثُمَّ بَانَ لِي أَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ2 أَوَّلاً هُوَ الصَّحِيحُ ؛ لأَنَّ ظَنَّ مَنْ هُوَ مَعْصُومٌ مِنْ الْخَطَإِ لا يُخْطِئُ، وَالأُمَّةُ 3فِي إجْمَاعِهَا8 مَعْصُومَةٌ مِنْ الْخَطَإِ4".
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: "خَالَفَ ابْنَ الصَّلاحِ الْمُحَقِّقُونَ وَالأَكْثَرُونَ، وَقَالُوا5: يُفِيدُ الظَّنَّ مَا لَمْ يَتَوَاتَرْ6. اهـ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَالْقَاضِي أَبُو7 بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ وَأَبُو حَامِدٍ وَابْنُ بُرْهَانٍ وَالْفَخْرُ الرَّازِيّ وَالآمِدِيُّ وَغَيْرُهُمْ: لا8 يُفِيدُ الْعِلْمَ مَا نَقَلَهُ آحَادُ الأُمَّةِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِمْ إذَا تُلُقِّيَ بِالْقَبُولِ9.
ـــــــ
1 مقدمة ابن الصلاح ص 14.
2 في ض: اخترنا.
3 في ش: إجماعاً.
4 مقدمة ابن الصلاح ص 14.
5 في "التقريب" للنووي: فقالوا.
6 تدريب الراوي شرح تقريب النواوي 1/ 132، شرح النووي على مسلم 1/ 20.
وانظر: توضيح الأفكار 1/ 124.
7 في ش: وأبو بكر.
8 ساقطة من ش.
9 وهو قول الغزالي أيضاً وابن عبد الشكور.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 41، المستصفى 1/ 142، فواتح الرحموت 2/ 123، توضيح الأفكار 1/ 96، 124".(2/351)
وَقَالَ الأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ: يُفِيدُهُ1 عَمَلاً لا قَوْلاً.
"وَيُعْمَلُ بِآحَادِ الأَحَادِيثِ فِي أُصُولِ" الدِّيَانَاتِ. وَحَكَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا2.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لا نَتَعَدَّى3 الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: يُعْمَلُ بِهِ فِيهَا فِيمَا تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، وَلِهَذَا قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدْ تَلَقَّتْهَا الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ.
وَ4قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ أَخْبَارَ الآحَادِ الْمُتَلَقَّاةَ بِالْقَبُولِ تَصْلُحُ5 لإِثْبَاتِ أُصُولِ الدِّيَانَاتِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي مُقَدِّمَةِ الْمُجَرَّدِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينُ فِي عَقِيدَتِهِ6. اهـ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا7: لا يُعْمَلُ بِهِ فِيهَا8."وَلا يُكَفَّرُ مُنْكِرُهُ" أَيْ مُنْكِرُ خَبَرِ الآحَادِ فِي الأَصَحِّ. حَكَى ابْنُ حَامِدٍ الْوَجْهَيْنِ عَنْ الأَصْحَابِ9.
ـــــــ
1 في ز ش: يفيد.
2 انظر: المسودة ص 245.
3 في ب: يتعدى.
4 ساقطة من ب ض.
5 في ض: يصلح.
6 انظر: المسودة ص 247، 248.
7 في ض: وغيره.
8 وهو رأي الجمهور.
انظر تفصيل ذلك في "شرح تنقيح الفصول ص 372، كشف الأسرار 3/ 27، المعتمد 2/ 577، الكفاية ص 432".
9 انظر: المسودة ص 245. وانظر: الهامش رقم 3 صفحة 347 من هذا المجلد.(2/352)
وَنُقِلَ تَكْفِيرُهُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ1.
وَالْخِلافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ أَوْ لا فَإِنْ قُلْنَا: يُفِيدُ الْعِلْمَ، كُفِّرَ 2مُنْكِرُهُ، وَإِلاَّ فَلا3. ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ3.
لَكِنَّ التَّكْفِيرَ بِمُخَالَفَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، كَمَا سَبَقَ4 آخِرَ الإِجْمَاعِ. إذْ لا يَلْزَمُ مِنْ الْقَطْعِ أَنْ يُكَفَّرَ مُنْكِرُهُ5. "وَمَنْ أَخْبَرَ" عَنْ شَيْءٍ "بِحَضْرَتِهِ" أَيْ حَضْرَةِ النَّبِيِّ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْ" ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَوْ" أَخْبَرَ عَنْ شَيْءٍ بِحَضْرَةِ "جَمْعٍ عَظِيمٍ وَلَمْ يُكَذِّبُوهُ" فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ "دَلَّ عَلَى صِدْقِهِ ظَنًّا". هَاهُنَا مَسْأَلَتَانِ.
الأُولَى: إذَا أَخْبَرَ مُخْبِرٌ بِشَيْءٍ بِحَضْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ. فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ ظَنًّا لا قَطْعًا فِي ظَاهِرِ كَلامِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ. لِتَطَرُّقِ الاحْتِمَالِ بِعَدَمِ سَمَاعِهِ أَوْ إلْقَاءِ بَالِهِ، أَوْ أَنَّهُ مَا فَهِمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ لأَمْرٍ يَعْلَمُهُ، أَوْ بَيَّنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِوَقْتٍ6 وَنَحْوِهِ7.
ـــــــ
1 انظر: جامع بيان العلم 2/ 230-236، المسودة ص 245.
2 ساقطة من ض.
3 انظر: المسودة ص 245.
4 في ض: سبق العلم.
5 صفحة 262-263 من هذا المجلد.
6 في ع: الوقت. وساقطة من ض.
7 وهو ما أيده الآمدي وابن الحاجب.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 39، فواتح الرحموت 2/ 125، تيسير التحرير 3/ 71، نهاية السول 2/ 262، المعتمد 2/ 547، 554، مختصر ابن الحاجب 2/ 57، المحلي على جمع الجوامع 2/ 127، المسودة 243".(2/353)
وَقِيلَ: بَلْ قَطْعًا ؛ لأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1لا يُقِرُّ عَلَى9 الْبَاطِلِ2.
وَقِيلَ: إنْ كَانَ الأَمْرُ دِينِيًّا دَلَّ عَلَى صِدْقِهِ ؛ لأَنَّهُ بُعِثَ شَارِعًا لِلأَحْكَامِ، فَلا يَسْكُتُ عَمَّا يُخَالِفُ الشَّرْعَ، بِخِلافِ الدُّنْيَوِيِّ. فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُبْعَثْ لِبَيَانِ الدُّنْيَوِيَّاتِ3.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا أَخْبَرَ مُخْبِرٌ بِشَيْءٍ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ عَظِيمٍ، وَسَكَتُوا عَنْ تَكْذِيبِهِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ. فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ ظَنًّا لا قَطْعًا. اخْتَارَهُ الآمِدِيُّ وَالرَّازِيُّ ؛ إذْ رُبَّمَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ حَالُ ذَلِكَ الْمُخْبِرِ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَبْعُدُ خَفَاؤُهُ لا يُفِيدُ الْقَطْعَ، وَقَدَّمَ ذَلِكَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَنَصَرَهُ4.
وَقِيلَ: إنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَاذِبًا لَكَذَّبُوهُ5، وَلا دَاعِيَ إلَى السُّكُوتِ عُلِمَ صِدْقُهُ، قَطَعَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي "مُخْتَصَرِهِ" وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ6.
ـــــــ
1 في ع: لا يقرر. وفي ض: لا يقر.
2 وهو ما أيده الشيخ أبو إسحاق الشيرازي كما سبق، والسبكي وغيرهما.
"انظر: اللمع ص 40، المستصفى 1/ 141، جمع الجوامع 2/ 127، المسودة ص 243، الإحكام للآمدي 2/ 39، نهاية السول 2/ 262، غاية الوصول ص 97، إرشاد الفحول ص 50".
3 وهو قول الغزالي.
"انظر: المستصفى 1/ 141، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 128، غاية الوصول ص 97".
4 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 40، نهاية السول 2/ 262، العضد على ابن الحاجب 2/ 57، المسودة ص 243، تيسير التحرير 3/ 80، فواتح الرحموت 2/ 125، المعتمد 2/ 547، 554، غاية الوصول ص 97.
5 في ش: ما كذبوه.
6 منهم أبو إسحاق الشيرازي والسبكي وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري الذي قيد الجمع العظيم بعدد التواتر، ومنهم الغزالي وابن عبد الشكور والكمال بن الهمام.
"انظر: اللمع ص 40، غاية الوصول ص 97، المستصفى 1/ 141، مختصر ابن الحاجب 2/ 57، المحلي على جمع الجوامع 2/ 127، المسودة ص 243، 244، فواتح الرحموت 2/ 125، تيسير التحرير 3/ 80، نهاية السول 2/ 262، إرشاد الفحول ص 50".(2/354)
وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهُ إلاَّ وَاحِدٌ أَوْ1 اثْنَانِ. وَالْعَادَةُ لا تُحِيلُ سُكُوتَهُمَا، ثُمَّ يُحْتَمَلُ مَانِعٌ2.
"وَكَذَا مَا" أَيْ: وَ3كَالْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ فِي الدَّلالَةِ عَلَى صِدْقِ الْخَبَرِ ظَنًّا خَبَرٌ "تَلَقَّاهُ" النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَبُولِ4، كَإِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ5".
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمِنْهُ مَا تَلَقَّاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَبُولِ كَإِخْبَارِهِ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي قِصَّةِ الْجَسَّاسَةِ6.
وَهِيَ7 فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ"، فَإِنَّهُ صَدَّقَهُ وَوَافَقَ مَا كَانَ يُخْبِرُ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدَّجَّالِ8.
ـــــــ
1 في ب: و.
2 انظر المراجع السابقة في هامش 4 صفحة 354.
3 ساقطة من ش.
4 ساقطة من ض.
5 هو الصحابي تميم بن أوس بن خارجة الداري، أبو رقية، كني بابنته رقية، لأنه لم يولد له غيرها. كان نصرانيًّا ثم أسلم سنة تسع من الهجرة، وروي له تسعة عشر حديثاً. وكان بالمدينة ثم انتقل إلى بيت المقدس بعد مقتل عثمان، وكان كثير التهجد، وهو أول من قص على الناس، استأذن عمر رضي الله عنه فأذن له، وهو أول من أسرج في المسجد، وكان له هيئة خاصة ولباس خاص. وذكر للنبي صلى الله عليه وسلم قصة الجساسة والدجال فحدث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر. قال الخزرجي: "وناهيك بهذه المنقبة الشريفة". وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في فلسطين بيت عينون. مات في فلسطين سنة 40هـ.
انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 183، الاستيعاب 1/ 184، تهذيب الأسماء 1/ 138، الخلاصة ص 55".
6 المسودة ص 243.
7 في ب ض: وهو.
8 هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وأبو داود الطيالسي في حديث الدجال
"انظر: صحيح مسلم 4/ 2262، سنن أبي داود 2/ 432، تحفة الأحوذي 6/ 502، سنن ابن ماجه 2/ 1354، مسند أحمد 6/ 373، 413، منحة المعبود 2/ 218".(2/355)
"و"َ كَذَا "إخْبَارُ شَخْصَيْنِ عَنْ قَضِيَّةٍ يَتَعَذَّرُ عَادَةً تَوَاطُؤُهُمَا عَلَيْهَا، أَوْ عَلَى كَذِبٍ وَخَطَإٍ". قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ" مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ خِلافٍ. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ كَلامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ1، فَإِنَّهُ عَقَّبَهُ2 كَلامَهُ3، وَلَمْ نَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ4. اهـ.
"وَلَوْ انْفَرَدَ مُخْبِرٌ فِيمَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، وَقَدْ شَارَكَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَكَاذِبٌ قَطْعًا" خِلافًا لِلشِّيعَةِ5. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: لَوْ انْفَرَدَ مُخْبِرٌ بِأَنَّ مَلِكَ الْمَدِينَةِ قُتِلَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلْجُمُعَةِ وَسَطَ الْجَامِعِ، أَوْ أَنَّ خَطِيبَهَا قُتِلَ عَلَى الْمِنْبَرِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ
ـــــــ
1 في ع: تقي الدين رحمه الله تعالى.
2 في ش: عقب.
3 في ب ع ض: لكلامه.
4 وعبارة الشيخ تقي الدين بعد خبر تميم الداري، ونصها: "ومنه إخبار شخصين عن قضية، يعلم أنهما لم يتوطآ عليها، ويتعذر في العادة الاتفاق على الكذب فيها أو الخطأ". "المسودة 344".
5 ويشمل هذا القسم ما يجب على الكافة علمه، وما جرت العادة أن ينقله أهل التواتر.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص 355، الإحكام للآمدي 1/ 41، المستصفى 1/ 142، 171، فواتح الرحموت 2/ 126، تيسير التحرير 3/ 115، نهاية السول 2/ 277، مناهج العقول 2/ 274، المعتمد 2/ 547، مختصر ابن الحاجب 2/ 57، المحلي على جمع الجوامع 2/ 118، التمهيد للباقلاني ص 165، المسودة ص 268، غاية الوصول ص 95، اللمع ص 46".(2/356)
بِكَذِبِهِ عِنْدَ الْجَمِيعِ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ الْمُعْتَبَرِينَ1.
لَنَا عَلَى الشِّيعَةِ: الْقَطْعُ عَادَةً بِكَذِبٍ مِثْلِ هَذَا، 2فَإِنَّهَا تُحِيلُ3 السُّكُوتَ عَنْهُ. وَلَوْ جَازَ كِتْمَانُهُ لَجَازَ الإِخْبَارُ عَنْهُ بِالْكَذِبِ، وَلَجَازَ كِتْمَانُ مِثْلِ مَكَّةَ وَبَغْدَادَ.
وَبِمِثْلِهِ يُقْطَعُ3 بِكَذِبِ مُدَّعِي مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ. وَالنَّصِّ عَلَى إمَامَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا تَدَّعِيهِ4 الشِّيعَةُ. وَلَمْ تُنْقَلْ شَرَائِعُ الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ5 عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ6 لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَنُقِلَتْ شَرِيعَةُ7 مُوسَى وَعِيسَى لِتَمَسُّكِ قَوْمٍ بِهِمَا، وَلَمْ يُنْقَلْ كَلامُ الْمَسِيحِ فِي الْمَهْدِ، لأَنَّهُ قَبْلَ ظُهُورِهِ وَاتِّبَاعِهِ8. وَأَمَّا مُعْجِزَاتُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ9 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا كَانَ مِنْهَا بِحَضْرَةِ خَلْقٍ كَثِيرٍ
ـــــــ
1 انظر: فواتح الرحموت 2/ 127، شرح تنقيح الفصول ص 355، المستصفى 1/ 142 وما بعدها، نهاية السول 2/ 277، المعتمد 2/ 548، العضد على ابن الحاجب 2/ 57، المحلي على جمع الجوامع 2/ 118، غاية الوصول ص 95.
2 في د ض: فإنه يستحيل.
3 في ع: نقطع.
4 في ض: يَدَّعيه.
5 ساقطة من ش ز.
6 ساقطة من ب ع ض.
7 في ز: شرعية.
8 هذه الجمل رد على اعتراضات الشيعة وحججهم فيما يدعونه بصحة انفراد شخص فيما تتوفر الداواعي على نقله.
"انظر: المعتمد 2/ 548، العضد على ابن الحاجب 2/ 58، تيسير التحرير 3/ 115، فواتح الرحموت 2/ 126، الإحكام للآمدي 2/ 41، اللمع ص 46، نهاية السول 2/ 277".
9 غير موجودة في ض.(2/357)
تَوَاتَرَ. وَلَمْ يَسْتَمِرَّ اسْتِغْنَاءً بِالْقُرْآنِ، وَإِلاَّ فَلا يَلْزَمُ1؛ لأَنَّهُ نَقَلَهُ مَنْ رَآهُ2.
"وَيُعْمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي فَتْوَى 3وَ" فِي 4 "حُكْمٍ وَ" فِي "شَهَادَةٍ" إجْمَاعًا "وَ" فِي "4أُمُورٍ دِينِيَّةٍ، وَ" فِي5 "أُمُورٍ دُنْيَوِيَّةٍ" عَلَى الصَّحِيحِ5.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: يُعْمَلُ بِهِ بِالإِجْمَاعِ فِي ثَلاثَةِ أَمَاكِنَ: فِي الْفَتْوَى، وَفِي الْحُكْمِ ؛ لأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى فَتْوَى وَزِيَادَةُ التَّنْفِيذِ بِشُرُوطِهِ الْمَعْرُوفَةِ. وَ6فِي الشَّهَادَةِ سَوَاءٌ شُرِطَ الْعَدَدُ أَوْ لا، لأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ7 الآحَادِ، وَفِي الرِّوَايَةِ فِي الأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَالْمُعَامَلاتِ وَنَحْوِهَا اهـ.
لَكِنْ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي "التَّمْهِيدِ": مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِمَّنْ قَالَ لا يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ لا يَلْزَمُهُ8 قَبُولُ قَوْلِ مُفْتٍ وَاحِدٍ.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الثَّلاثَةَ الأُوَلَ مَحِلُّ وِفَاقٍ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ9 وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ.
ـــــــ
1 في ب: يلزمه.
2 انظر أدلة الجمهور بشكل وافٍ مع مناقشة أدلة الشيعة في "العضد على ابن الحاجب 2/ 57، الإحكام للآمدي 2/ 42، 43، نهاية السول 2/ 277، مناهج العقول 2/ 275، المحلي على جمع الجوامع 2/ 118، فواتح الرحموت 2/ 127، تيسير التحرير 3/ 116".
3 ساقطة من ش.
4 ساقطة من ش ز. وفي ب ض: أمور دنيوية وفي "أمور دينية".
5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 358، أصول السرخسي 1/ 321، الكفاية للخطيب البغدادي ص 432، نهاية السول 2/ 282، المحلي على جمع الجوامع 2/ 131، غاية الوصول ص 98.
6 ساقطة من ب ع.
7 في ش: من.
8 في ز ش ب ع: يلزم.
9 هو عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد، أبو المحاسن الروياني، الإمام الجليل، أحد أئمة المذهب الشافعي، وكان يلقب فخر الإسلام. قال الجرجاني فيه: "نادرة العصر، إمام في الفقه". وقال غيره: شافعي عصره. ولي قضاء طبرستان ورُويان من قراها. صنف في الأصول والخلاف، ومن تصانيفه: "البحر"، و"الحلية" في الفقه، و"الفروق" و"التجربة" و"حقيقة القولين" و"مناصيص الشافعي"، و"الكافي" و"المبتدأ". قال أبو عمرو بن الصلاح: "هو في "البحر" كثير النقل قليل التصرف ... وفعل في "الحلية" ضد ذلك، فإنه أمعن النظر في الاختيار، حتى اختار كثيراً من مذهب العلماء غير الشافعي". وكتاب "البحر" عبارة عن "الحاوي" للماوردي. قتله الباطنية الملاحدة حسداً بجامع آمل سنة 502هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 7/ 197، وفيات الأعيان 2/ 369، شذرات الذهب 4/ 4، تهذيب الأسماء 2/ 277، طبقات ابن هداية 190، البداية والنهاية 12/ 170".(2/358)
"وَالْعَمَلُ بِهِ" أَيْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ "جَائِزٌ عَقْلاً" عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ1.وَخَالَفَ فِيهِ قَوْمٌ مِنْهُمْ الْجُبَّائِيُّ، وَأَكْثَرُ الْقَدَرِيَّةِ، وَبَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ2. وَلَنَا أَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَالٌ، وَلَيْسَ احْتِمَالُ الْكَذِبِ وَالْخَطَإِ بِمَانِعٍ، وَإِلاَّ لَمُنِعَ فِي الشَّاهِدِ وَالْمُفْتِي3، وَلا يَلْزَمُ الْوُصُولُ لِمَا سَبَقَ فِي إفَادَتِهِ الْعِلْمَ،
ـــــــ
1 قال الإسنوي: "اتفق الكل على وجوب العمل بخبر الواحد في الفتوى والشهادة والأمور الدنيوية"، كما مر في كلام المصنف. واختلفوا في الأمور الدينية، لكن البدخشي نبه إلى أن الرازي أشار إلى الاتفاق على الجواز لا على الوجوب.
"انظر: نهاية السول 2/ 281، مناهج العقول 2/ 279، المحلي على جمع الجوامع 2/ 132، المسودة ص 237، الرسالة ص 369، المستصفى 1/ 146، الإحكام للآمدي 2/ 45، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 58، المعتمد 2/ 573، فواتح الرحموت 2/ 131، تيسير التحرير 3/ 81، الروضة ص 53، مختصر الطوفي ص 54، إرشاد الفحول ص 49، غاية الوصول ص 98، المدخل إلى مذهب أحمد ص 92".
2 انظر أدلة هذا الرأي ومناقشتها في "كشف الأسرار 2/ 370، المعتمد 2/ 549، فواتح الرحموت 2/ 121، تيسير التحرير 3/ 81، نهاية السول 2/ 281، 282، مناهج العقول 2/ 279، 281، العضد على ابن الحاجب 2/ 58، المحلي على جمع الجوامع 2/ 133، المسودة ص 237، الإحكام للآمدي 2/ 45، اللمع ص 40، الروضة ص 53، إرشاد الفحول ص 49".
3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 45، المستصفى 1/ 147، فواتح الرحموت 2/ 131، تيسير التحرير 3/ 81، العضد على ابن الحاجب 2/ 58.(2/359)
وَإِلاَّ1 نُقِلَ، لِقَضَاءِ2 الْعَادَةِ فِيهِ بِالتَّوَاتُرِ، وَلا التَّعَبُّدُ فِي الإِخْبَارِ عَنْ اللَّهِ بِلا مُعْجِزَةٍ ؛ لأَنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ صِدْقَهُ بِدُونِهَا، وَلا التَّنَاقُضُ بِالتَّعَارُضِ ؛ لأَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِالتَّرْجِيحِ أَوْ التَّخْيِيرِ أَوْ الْوَقْفِ ؛ وَلأَنَّ الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ دَفْعُ ضَرَرٍ مَظْنُونٍ فَوَجَبَ أَخْذًا بِالاحْتِيَاطِ، وَقَوَاطِعُ الشَّرْعِ نَادِرَةٌ فَاعْتِبَارُهَا يُعَطِّلُ أَكْثَرَ الأَحْكَامِ، وَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْعُوثٌ إلَى الْكَافَّةِ3. وَمُشَافَهَتُهُمْ وَإِبْلاغُهُمْ بِالتَّوَاتُرِ مُتَعَذِّرٌ، فَتَعَيَّنَتْ الآحَادُ4.
وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ5 نَصْبَ الشَّارِعِ عِلْمًا ظَنِّيًّا عَلَى وُجُوبِ فِعْلٍ تَكْلِيفِيٍّ جَائِزٌ بِالضَّرُورَةِ، ثُمَّ إنَّ الْمُنْكِرَ لِذَلِكَ إنْ أَقَرَّ بِالشَّرْعِ وَعَرَفَ قَوَاعِدَهُ وَمَبَانِيَهُ وَافَقَ6، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـــــــ
1 في ب ع ض: ولا.
2 في ب: بقضاء.
3 وهذا ثابت بالأدلة القطعية في القرآن الكريم. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} . سبأ/ 28. وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}. الأنبياء/ 107. والأحاديث في ذلك كثيرة، منها ما رواه مسلم والترمذي وأحمد وأبو يعلى وغيرهم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضلت على الأنبياء بست ... ومنها: وأرسلت إلى الخلق كافة". انظر: صحيح مسلم 1/ 371، فيض القدير 4/ 438، تحفة الأحوذي 5/ 160، مسند أحمد 2/ 412.
4 هذه الأدلة تتضمن الرد على المانعين.
"انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 132، المعتمد 2/ 575، العضد على ابن الحاجب 2/ 58، مناهج العقول 2/ 279، المستصفى 1/ 146، 147، فواتح الرحموت 2/ 131، تيسير التحرير 3/ 82، الإحكام للآمدي 2/ 46، الروضة ص 53، مختصر الطوفي ص 54، إرشاد الفحول ص 49".
5 ساقطة من ض.
6 ساقطة من ض.
وانظر: مختصر الطوفي ص 55، اللمع ص 40، الإحكام للآمدي 2/ 48، المستصفى 1/ 146، الروضة ص 53.(2/360)
وَالْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ "وَاجِبٌ سَمْعًا" فِي الأُمُورِ الدِّينِيَّةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ1.
قَالَ2 الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: يَجِبُ عِنْدَنَا سَمْعًا. وَقَالَهُ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ3. قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ4: لا خِلافَ بَيْنَ أَهْلِ الْفِقْهِ5 فِي قَبُولِ خَبَرِ الآحَادِ.
ـــــــ
1 انظر: المسودة ص 238، 240، الكفاية ص 18، مناهج العقول 2/ 280، المعتمد 2/ 549، 583، العضد على ابن الحاجب 2/ 59، المحلي على جمع الجوامع 2/ 131، المستصفى 1/ 146، 148، فواتح الرحموت 2/ 131، تيسير التحرير 3/ 82، الإحكام لابن حزم 1/ 94، نهاية السول 2/ 281، اللمع ص 40، شرح تنقيح الفصول ص 357، شرح الورقات ص 184، غاية الوصول ص 98، مختصر الطوفي ص 55، الروضة ص 53، إرشاد الفحول ص 48، المدخل إلى مذهب أحمد ص 92.
2 في ش: فقال.
3 قال أبو الحسين البصري من المعتزلة والقفال وابن سريج من الشافعية: إن العمل بخبر الواحد واجب سمعاً وواجب عقلاً أيضاً، وهو منقول عن الإمام أحمد أيضاً، واختاره أبو الخطاب من الحنابلة، والقاضي أبو يعلى في "الكفاية".
انظر أقوالهم وأدلتهم مع مناقشتها في "فواتح الرحموت 2/ 132، 135، المستصفى 1/ 147، نهاية السول 2/ 281، مناهج العقول 2/ 279، 280، مختصر ابن الحاجب 2/ 58، المحلي على جمع الجوامع 2/ 131، 132، المسودة ص 237، الرسالة ص 390".
4 هو أحمد بن أبي أحمد، المعروف بابن القاص الطبري، أبو العباس. كان إمام وقته في طبرستان. صنف كتباً كثيرة في الفقه والأصول، منها: "التلخيص"، و"أدب القضاء"، و"والمواقيت"، و"المفتاح" وغيرها. تصانيفه صغيرة الحجم، كثيرة الفائدة، سافر حتى وصل إلى طرسوس، وقيل: إنه تولى القضاء بها، وكان كثير المواعظ. ومات مغشيًّا عليه عند الوعظ وذكر الله تعالى سنة 335 هـ، وقيل 336 بطرسوس.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 59، وفيات الأعيان 1/ 51، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 111، البداية والنهاية 11/ 219، شذرات الذهب 2/ 339، طبقات الفقهاء الشافعية للعبادي ص 73".
وفي ع: ابن القاضي.
5 في ض: اللغة.(2/361)
فَأَصْحَابُ1 هَذَا الْقَوْلِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ: دَلَّ عَلَيْهِ، مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَعَمَلِ الصَّحَابَةِ وَرُجُوعِهِمْ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ2.
لَكِنَّ الْجُبَّائِيَّ اعْتَبَرَ لِقَبُولِهِ شَرْعًا أَنْ يَرْوِيَهُ اثْنَانِ فِي جَمِيعِ طَبَقَاتِهِ، أَوْ يُعْضَدَ بِدَلِيلٍ آخَرَ. كَظُهُورِهِ وَانْتِشَارِهِ فِي الصَّحَابَةِ، أَوْ عَمِلَ بَعْضُهُمْ بِهِ. كَحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ فِي تَوْرِيثِ الْجَدَّةِ لأَنَّهُ رَدَّ خَبَرَ الْمُغِيرَةِ3 فِيهِ4: حَتَّى شَهِدَ مَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ5، وَكَذَلِكَ عُمَرُ رَدَّ قَوْلَ6
ـــــــ
1 في ع: وأصحاب.
2 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 368، اللمع ص 40، إرشاد الفحول ص 49، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96.
3 هو الصحابي المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، أبو عبد الله، وقيل أبو عيسى، الكوفي. أسلم عام الخندق، وكان موصوفاً بالدهاء والحلم، وشهد الحديبية، وولاه عمر بن الخطاب على البصرة مدة، ثم نقله إلى الكوفة والياً، وأقره عثمان عليها ثم عزله. شهد اليمامة وفتح الشام، وذهبت عينه يوم اليرموك، وشهد القادسية، وفتح نهاوند، واعتزل الفتنة بعد قتل عثمان، ثم استعمله معاوية على الكوفة حتى توفي فيها سنة 50 هـ، وقيل 51 هـ، وهو أول من وضع ديوان البصرة.
انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 453، الاستيعاب 3/ 388، تهذيب الأسماء 2/ 109، الخلاصة ص 385".
4 سيأتي الحديث كاملاً مع تخريجه صفحة 369.
5 هو الصحابي محمد بن مسلمة بن سلمة الأوسي الأنصاري الحارثي، أبو عبد الرحمن المدني، وهو ممن سُمِّيَ في الجاهلية محمداً. ولد قبل البعثة باثنتين وعشرين سنة. أسلم على يد مصعب بن عمير. وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد بدراً وما بعدها إلا تبوك، فإنه تخلف بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان من فضلاء الصحابة، كثير العبادة والخلوة. واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في بعض غزواته، واعتزل الفتن فلم يشهد الجمل وصفين، لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم له. وتولى مهمات كثيرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن عمر، وسكن الربذة بعد قتل عثمان، ثم مات بالمدينة سنة 46 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 383، الاستيعاب 3/ 336، تهذيب الأسماء 1/ 92، مشاهير علماء الأمصار ص 22، الخلاصة ص 359".
6 في ش: وقول.(2/362)
أَبِي مُوسَى1 فِي الاسْتِئْذَانِ2، حَتَّى وَافَقَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ3.
ـــــــ
1 هو الصحابي عبد الله بن قيس بن سليم، أبو موسى الأشعري. أسلم قبل الهجرة وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة بعد خيبر. واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض اليمن وعدن، واستعمله عمر على البصرة بعد المغيرة. وافتتح الأهواز ثم أصبهان. واستعمله عثمان على الكوفة، وكان أحد الحكمين بصفين، ثم اعتزل الفريقين. كان حسن الصوت بالقرآن. وفي الصحيح أنه أوتي مزماراً من مزامير آل داود، وهو أحد القضاة المشهورين. سكن الكوفة، وتفقه أهلها به. مات سنة 42 هـ، وقيل 44هـ.
انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 359، تهذيب الأسماء 2/ 268، شذرات الذهب 1/ 53، مشاهير علماء الأمصار ص 37، حلية الأولياء 1/ 256، الخلاصة ص 210".
2 روى البخاري ومسلم ومالك وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي والطبراني عن أبي موسى وأبي سعيد معاً، أن أبا سعيد قال: كنت جالساً بالمدينة في مجلس الأنصار، فأتانا أبو موسى فزعاً مذعوراً، فقلت: ما شأنك؟ قال: إن عمر أرسل إليَّ أن آتيه، فأتيت بابه فسلمت ثلاثاً فلم يرد، فرجعت، فقال: ما منعك أن تأتينا؟ فقلت: أتيت فسلمت على بابك ثلاثاً فلم ترد، فرجعت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع"، فقال عمر: أقم عليه البينة، وإلا أوجعتك؟! فقال أبي بن كعب: لا يقوم معه إلا أصغر القوم، قال أبو سعيد: قلت: أنا أصغرهم، قال: فاذهب به، فذهبت إلى عمر فشهدت.
"انظر: صحيح البخاري 4/ 88، صحيح مسلم 3/ 1694، الموطأ 2/ 964، مسند أحمد 3/ 6، 19، 4/ 393، سنن أبي داود 2/ 637، تحفة الأحوذي 7/ 464، سنن ابن ماجه 2/ 1220، سنن الدارمي 2/ 274، فيض القدير 1/ 273".
3 انظر: أصول السرخسي 1/ 321، 331، فواتح الرحموت 2/ 133، 144، كشف الأسرار 3/ 28، توضيح الأفكار 1/ 19، تدريب الراوي 1/ 72 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، المحلي على جمع الجوامع 2/ 137، المسودة ص 238، مناهج العقول 2/ 307، الإحكام للآمدي 2/ 94، المستصفى 1/ 155، نهاية السول 2/ 309، مناهج العقول 2/ 307، شرح تنقيح الفصول ص 357، 368، اللمع ص 40، الروضة ص 56، مختصر الطوفي ص 57، المعتمد 2/ 622، 623.(2/363)
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُمَا فَعَلا ذَلِكَ تَثَبُّتًا فِي قَضِيَّةٍ خَاصَّةٍ. وَلِذَلِكَ حَكَمَا1 فِي وَقَائِعَ كَثِيرَةٍ بِأَخْبَارِ الآحَادِ2.
وَاخْتَارَ عَبْدُ الْجَبَّارِ الْمُعْتَزِلِيُّ، وَحُكِيَ عَنْ الْجُبَّائِيِّ: أَنَّهُ لا يُحَدُّ بِخَبَرٍ دَالٍّ عَلَى حَدِّ الزِّنَا إلاَّ أَنْ يَرْوِيَهُ أَرْبَعَةٌ، قِيَاسًا عَلَى الشَّهَادَةِ بِهِ3. وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ4 مَعَ الْفَارِقِ، إذْ بَابُ الشَّهَادَةِ أَحْوَطُ. وَلِذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِيهِ5.
ـــــــ
1 في ز: حكمنا.
2 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 59، 68، أصول السرخسي 1/ 331 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 134، كشف الأسرار 3/ 28، مناهج العقول 2/ 307، 308، المعتمد 2/ 622، تدريب الراوي 1/ 73، نهاية السول 2/ 310، المحلي على جمع الجوامع 2/ 137، المستصفى 1/ 155، اللمع ص 40، الروضة ص 56، إرشاد الفحول ص 49، مختصر الطوفي ص 55، 56، 57.
3 وكذا ما يوجب الحدّ، وما يندرئ بالشبهة عند الكرخي وأكثر الحنفية كما جاء في "التحرير" و"مسلم الثبوت"، وهو قول أبي عبد الله البصري وغيره، فلا يثبت ذلك بخبر الآحاد عندهم، إلا إذا رواه أربعة فما فوق.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص 357، أصول السرخسي 1/ 321، 333 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 88، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 2/ 136-137، 144، كشف الأسرار 3/ 28، المسودة ص 239، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، 72، المحلي على جمع الجوامع 2/ 133، 137، المعتمد 2/ 622، الإحكام للآمدي 2/ 94، 117، المستصفى 1/ 155، نهاية السول 2/ 309، مناهج العقول 2/ 307".
4 في ض: قياساً.
5 انظر: المسودة ص 239، تيسير التحرير 3/ 88، كشف الأسرار 3/ 29، المعتمد 2/ 624، فواتح الرحموت 2/ 137، 144، العضد على ابن الحاجب 2/ 72، المحلي على جمع الجوامع 2/ 133، المستصفى 1/ 155، الروضة ص 56، 66، إرشاد الفحول ص 56، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96.(2/364)
وَمَنَعَ قَوْمٌ مِنْ قَبُولِ أَخْبَارِ1 الآحَادِ مُطْلَقًا، مِنْهُمْ ابْنُ أَبِي2 دَاوُد3 وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضُ الْقَدَرِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةُ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ4.
وَ5نَاقَضُوا فَأَثْبَتُوا تَصَدُّقَ عَلِيٍّ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلاةِ وَنِكَاحَ الْمُتْعَةِ6
ـــــــ
1 في ز ش: خبر.
2 ساقطة من ب ع ض.
3 كذا في جميع النسخ، ولعله تصحيف عن أحمد بن أبي دؤاد المعتزلي انظر: شذرات الذهب 2/ 93؛ لأن ابن أبي داود إمام من أئمة الحديث، وهو محدث ابن محدث، فكيف يمنع قبول خبر الآحاد؟؟!.
وهو عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث، أبو بكر السجستاني، الحافظ، ومن أكابر الحفاظ ببغداد، متفق على إمامته، وهو إمام ابن إمام. شارك أباه في شيوخه بمصر والشام، وسمع ببغداد. كان زاهداً ناسكاً. جمع وصنف، وكان يقعد على المنبر بعد ما عمي فيسرد من حفظه. ومن مصنفاته: "المصابيح"، و"المسند"، و"السنن"، و"التفسير"، و"القراءات"، و"الناسخ والمنسوخ" وغيرها. توفي سنة 316 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 2/ 51، المنهج الأحمد 2/ 11، طبقات المفسرين 1/ 229، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 307، طبقات الحفاظ ص 322، تذكرة الحفاظ 2/ 767، طبقات الفقهاء الشافعية للعبادي ص 60، ميزان الاعتدال 2/ 433، شذرات الذهب 2/ 168، 273، طبقات القراء 1/ 420، الفهرست ص 324".
4 انظر آراءهم وأدلتهم مع المناقشة في "أصول السرخسي 1/ 321، فواتح الرحموت 2/ 131، تيسير التحرير 3/ 82، كشف الأسرار 2/ 370، المعتمد 2/ 603 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/ 59، شرح تنقيح الفصول ص 357، المسودة ص 238، الروضة ص 53، مختصر الطوفي ص 55، إرشاد الفحول ص 48".
5 ساقطة من ع.
6 كان نكاح المتعة مباحاً في أول الإسلام، ثم حرّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد روى البخاري ومسلم ومالك والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن علي رضي الله عنه مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر". وروى أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه والدارمي عن سبرة الجهني أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرّم ..........=(2/365)
وَالنَّقْضَ بِأَكْلِ لَحْمِ1 الإِبِلِ2. وَكُلُّهَا إنَّمَا ثَبَتَتْ بِالآحَادِ3.
قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: وَإِنَّمَا دَفَعَ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلامِ خَبَرَ الآحَادِ لِعَجْزِهِ عَنْ السُّنَنِ رَغْمَ4 أَنَّهُ لا يَقْبَلُ مِنْهَا إلاَّ مَا تَوَاتَرَ بِخَبَرِ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ وَالنِّسْيَانُ. وَهَذَا ذَرِيعَةٌ إلَى إبْطَالِ السُّنَنِ. فَإِنَّ مَا شَرَطَهُ لا يَكَادُ يُوجَدُ إلَيْهِ سَبِيلٌ اهـ.
ـــــــ
= ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخْلِ سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً".
وروى أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي عن سبرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع نهى عن نكاح المتعة".
"انظر: صحيح البخاري 3/ 52، 246، صحيح مسلم 2/ 1025، سنن أبي داود 1/ 478، تحفة الأحوذي 4/ 267، سنن النسائي 6/ 102، 179، سنن ابن ماجه 1/ 631، الموطأ 2/ 542، مسند أحمد 3/ 405، 4/ 55، 1/ 103، 2/ 95، سنن الدارمي 2/ 86، 140، تخريج أحاديث البزدوي ص 343، نيل الأوطار 6/ 152، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص 60".
1 ساقطة من ب. وفي ض: لحوم.
2 روى الإمام أحمد ومسلم عن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت توضأ، وإن شئت فلا تتوضأ"، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم، توضأ من لحوم الإبل ...". وروى ابن ماجه نحوه عن ابن عباس. وكذلك رواه أبو داود والترمذي. وروى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان وابن الجارود وابن خزيمة في صحيحه عن البراء بن عازب قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء عن لحوم الإبل؟ فقال: "توضؤوا منها".
"انظر: مسند أحمد 5/ 86، 88، صحيح مسلم 1/ 275، سنن أبي داود 1/ 41، تحفة الأحوذي 1/ 263، سنن ابن ماجه 1/ 166، موارد الظمآن ص 78، نيل الأوطار 1/ 237، 239".
3 لقد رد الإمام الشافعي على هذه الفئة في "الرسالة ص 458 وما بعدها".
وانظر: فواتح الرحموت 2/ 136، المستصفى 1/ 148، "كشف الأسرار 2/ 370".222
4 في ب ز ع ض: زعم.(2/366)
وَمَنَعَهُ الْمَالِكِيَّةُ إذَا خَالَفَهُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ1. وَمَنَعَهُ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، أَوْ خَالَفَهُ رَاوِيهِ2، أَوْ عَارَضَ الْقِيَاسَ3؛ لأَنَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى - كَحَدِيثِ مَسِّ الذَّكَرِ4 - تَقْتَضِي الْعَادَةُ تَوَاتُرَهُ، وَلأَنَّ مَا خَالَفَهُ رَاوِيهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا خَالَفَهُ لِدَلِيلٍ أَقْوَى. وَلِذَلِكَ5 لَمْ يُوجِبُوا التَّسْبِيعَ فِي وُلُوغِ
ـــــــ
1 انظر تفصيل هذا الموضوع في "عمل أهل المدينة ص 308، 320".
2 يشترط السرخسي والبزدوي في هذه الحالة أن يُعلَم أن تاريخ المخالفة كانت بعد رواية الحديث. أما إذا كانت قبله أو جهل التاريخ فيقدم الخبر. انظر: "أصول السرخي 2/5، كشف الأسرار 3/ 63".
3 يفرق السرخسي بين حالتين: الأولى: إذا كان الراوي من الصحابة معروفاً بالفقه والرأي والاجتهاد، فإن خبره حجة موجبة للعلم، وموجبة للعمل به، سواء كان الخبر موافقاً للقياس أو مخالفاً له، فيترك القياس، ويعمل بالخبر، ويرد على الإمام مالك في تقديم القياس على الخبر مطلقاً. والثاني: إذا كان الصحابي معروفاً بالعدالة وحسن الضبط والحفظ ولكنه قليل الفقه، فيقدم القياس على الخبر، ويضرب أمثلة لذلك ... لكنه يعترف لأبي هريرة بالحفظ والضبط والعدالة، ثم يقول عنه إنه غير فقيه، وأنه نقل الحديث بالمعنى فلم يدرك كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؟! انظر: "أصول السرخسي 1/ 338 وما بعدها، 341".
بينما يقسم الكمال بن الهمام الصحابة إلى مجتهد وعدل ضابط ومجهول العين والحال ويقول: إن هذا التقسيم عند الحنفية للراوي صحابياً كان أم غيره. انظر: "تيسير التحرير 3/ 52-54".
وانظر: كشف الأسرار 2/ 377، 384، 390، مناهج العقول 2/ 308، المسودة ص 239.
4 روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك والشافعي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود والدارمي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مسّ أحدكم ذكره فليتوضأ". وهذا لفظ ابن ماجه. وروي مثله عن جابر وأبي أيوب وأم حبيبة وبسرة.
"انظر: مسند أحمد 2/ 223، سنن أبي داود 1/ 41، تحفة الأحوذي 1/ 270، سنن النسائي 1/ 84، سنن ابن ماجه 1/ 161، الموطأ 1/ 184، بدائع المنن 1/ 34، المستدرك 1/ 136، سنن الدارمي 1/ 184، موارد الظمآن ص 78، نيل الأوطار 1/ 233، كشف الخفا 1/ 100، تخريج أحاديث البزدوي ص 165".
5 في ز ش: وكذلك.(2/367)
الْكَلْبِ لِمُخَالَفَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِرِوَايَتِهِ1، وَلأَنَّ مُخَالَفَةَ الْقِيَاسِ تَدُلُّ عَلَى رُجْحَانِ كَذِبِهِ. وَلِهَذَا رَدُّوا خَبَرَ الْمُصَرَّاةِ2 لِمُخَالَفَتِهِ لِقِيَاسِ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ3.
ـــــــ
1 روى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً، أولاهن، وفي رواية إحداهن، وفي رواية أخراهن بالتراب". ورواه الدارمي وابن ماجه عن عبد الله بن مغفل، وفيه: "والثامنة عفروه في التراب".
"انظر: صحيح البخاري 1/ 44، صحيح مسلم 1/ 235، مسند أحمد 2/ 245، سنن أبي داود 1/ 17، تحفة الأحوذي 1/ 300، سنن النسائي 1/ 46، سنن ابن ماجه 1/ 130، الموطأ 1/ 34، سنن الدارمي 1/ 188، نيل الأوطار 1/ 49، المستدرك 1/ 160، سنن الدارقطني 1/ 63".
2 روى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحبلها، إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر".
"انظر: صحيح البخاري 2/ 17 وما بعدها، صحيح مسلم 3/ 1155 وما بعدها، مسند أحمد 2/ 242، سنن أبي داود 2/ 242، تحفة الأحوذي 4/ 459، سنن النسائي 7/ 223، سنن ابن ماجه 2/ 753، نيل الأوطار 5/ 241، تخريج أحاديث البزدوي ص 159، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص 76، سنن الدارمي 2/ 251".
والمصراة هي الناقة أو الشاة التي يترك صاحبها حلبها ليتجمع لبنها في ضرعها ليوهم المشتري بكثرة لبنها.
3 انظر أدلة الحنفية ومناقشتها في "الإحكام لابن حزم 1/ 104، 143 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/ 94، 112، المستصفى 1/ 171 وما بعدها، نهاية السول 2/ 313، كشف الأسرار 2/ 381 وما بعدها، 390 وما بعدها، 3/ 11، 16، 64، المسودة ص 238، 239، المعتمد 2/ 548 وما بعدها، 653 وما بعدها، 659، 670، قواعد التحديث ص 91، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، 72، المحلي على جمع الجوامع 2/ 135، تخريج الفروع على الأصول ص 15، شرح تنقيح الفصول ص 372، أصول السرخسي 1/ 340، 341، 368، 2/ 5، فواتح الرحموت 2/ 128 وما بعدها، تيسير التحرير 2/ 73، 113 وما بعدها، مختصر الطوفي ص 69، 70، اللمع ص 40، الروضة ص 65، إرشاد الفحول ص 56".
وسوف يذكر المؤلف بعضها فيما بعد ص 565 وما بعدها.(2/368)
وَاسْتُدِلَّ لِلْجُمْهُورِ عَلَى قَبُولِهِ بِأَنَّهُ قَدْ كَثُرَ جِدًّا قَبُولُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَمَلاً شَائِعًا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ يَحْصُلُ بِهِ إجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ عَادَةً قَطْعًا1. فَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، لَمَّا جَاءَتْهُ الْجَدَّةُ تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا مَا لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ. وَمَا عَلِمْت لَك فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا. فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ. فَسَأَلَ النَّاسَ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: حَضَرْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا السُّدُسَ. فَقَالَ: هَلْ مَعَك غَيْرُك ؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِثْلَهُ. فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ. رَوَاهُ 2أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد1 وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ3. وَاسْتَشَارَ عُمَرُ النَّاسَ فِي الْجَنِينِ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ قَضَى فِيهِ رَسُولُ
ـــــــ
1 انظر: مناهج العقول 2/ 282 وما بعدها، شرح الورقات ص 185، الرسالة للشافعي ص 401 وما بعدها، 435 وما بعدها، 452 وما بعدها، أصول السرخسي 1/ 322 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 1/ 98 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/ 56 وما بعدها، 112 وما بعدها، المستصفى 1/ 148، فواتح الرحموت 2/ 132، تيسير التحرير 3/ 82، 113، نهاية السول 2/ 287، تخريج الفروع على الأصول ص 15، شرح تنقيح الفصول ص 358، 368، 372، كشف الأسرار 2/ 371، 378، 3/ 28، المعتمد 2/ 583 وما بعدها، 622 وما بعدها، 655، جامع بيان العلم 2/ 42، العضد على ابن الحاجب 2/ 59، 68، المحلي على جمع الجوامع 2/ 135 وما بعدها، الكفاية ص 26 وما بعدها، غاية الوصول ص 98، اللمع ص 46، الروضة ص 53، 65، مختصر الطوفي ص 55، 70، إرشاد الفحول ص 49، 56، المدخل إلى مذهب أحمد ص 92، 96.
2 ساقطة من ز ش.
3 قال الشوكاني: "رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي"، ولم يروِ النسائي هذا الحديث، ولعل المصنف رآه في السنن الكبرى للنسائي التي لم تطبع بعد، والحديث رواه مالك وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والدارمي عن قبيصة بن ذؤيب.
"انظر: مسند أحمد 5/ 327، الموطأ 2/ 513، سنن أبي داود 2/ 109، تحفة الأحوذي 6/ 278، سنن ابن ماجه 2/ 910، سنن الدارمي 2/ 359، موارد الظمآن ص 300، نيل الأوطار 6/ 67".(2/369)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. فَقَالَ: لَتَأْتِيَنَّ بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَك. فَشَهِدَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1.
وَلأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ طَاوُسٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا2 لَقَضَيْنَا بِغَيْرِهِ3. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَسَعِيدٌ4 مِنْ حَدِيثِ طَاوُسٍ أَنَّهُ سَأَلَ5 عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ6: "إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ7"، وَقَوْلُ عُمَرَ ذَلِكَ
ـــــــ
1 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة. ورواه البخاري ومسلم وابن ماجه وأحمد والدارمي عن المغيرة بن شعبة عن عمر، ورواه ابن حبان وغيره عن ابن عباس. ورواه مالك مرسلاً.
"انظر: صحيح البخاري 4/ 193، صحيح مسلم 3/ 1309، 1311، سنن أبي داود 2/ 497، تحفة الأحوذي 4/ 666، سنن النسائي 8/ 42، سنن ابن ماجه 2/ 882، نيل الأوطار 7/ 78، 80، الموطأ 2/ 855، سنن الدارمي 2/ 196، مسند أحمد 4/ 244، 253، موارد الظمآن ص 366، المنتقى للباجي 7/ 79".
2 ساقطة من ز ش.
3 في ش: بغرة.
وانظر: سنن أبي داود 2/ 498، بدائع المنن 2/ 268، الأم 6/ 107.
4 هو سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني، الحافظ، أبو عثمان، أحد الأعلام، الثقة. قال أحمد عنه: من أهل الفضل والصدق. وقال أبو حاتم: من المتقنين الأثبات، ممن جمع وصنف، وهو صاحب كتاب "السنن والزهد". توفي بمكة سنة 227 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 179، تذكرة الحفاظ 2/ 416، الخلاصة ص 43، شذرات الذهب 2/ 62، ميزان الاعتدال 2/ 159، العقد الثمين 4/ 586".
5 في ز ش: سئل.
6 هو الصحابي حمل بن مالك بن النابغة الهذلي، أبو نضلة، نزل البصرة، وله فيها دار. جاء ذكره في حديث أبي هريرة في الصحيح وغيره في قصة الجنين، مما يدل على أنه عاش إلى خلافة عمر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على صدقات هذيل.
انظر ترجمته في الإصابة 1/ 355، 3/ 27، الاستيعاب 1/ 366، تهذيب الأسماء 1/ 169، الخلاصة ص 94.
7 رواه الشافعي وأبو داود والدارمي وابن حبان عن ابن عباس: أن عمر نشد الناس قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين؟ فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة، وأن تقتل بها. وعند ابن حبان: "بغرة، عبد أو أمة".
"انظر: الرسالة ص 427 تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر، سنن أبي داود 2/ 498، سنن الدارمي 2/ 196، موارد الظمآن ص 367، بدائع المنن 2/ 268، الأم للشافعي 6/ 107".(2/370)
وَطَاوُسٌ لَمْ يُدْرِكْهُ.
وَأَخَذَ عُمَرُ بِقَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ1 فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ2. وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لا يُوَرِّثُ الْمَرْأَةَ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ3: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ
ـــــــ
1 هو الصحابي عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف، أبو محمد، القرشي الزهري المدني. كان اسمه في الجاهلية: عبد عمرو، وقيل: عبد الكعبة. وأمه الشفاء، أسلم قديماً، وهو أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر رضي الله عنهم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة أهل الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، هاجر الهجرتين، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع، شهد بدراً وبيعة الرضوان وسائر المشاهد، وكان كثير الإنفاق في سبيل الله. جرح يوم أحد إحدى وعشرين جراحة، ومناقبه كثيرة. توفي سنة 32 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 416، الاستيعاب 2/ 393، تهذيب الأسماء 1/ 301، الخلاصة ص 232، حلية الأولياء 1/ 97".
2 الحديث رواه البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي والشافعي ومالك عن عبد الرحمن بن عوف وغيره.
"انظر: صحيح البخاري 2/ 200، مسند أحمد 1/ 191، سنن أبي داود 2/ 150، تحفة الأحوذي 5/ 211، الموطأ 1/ 278، نيل الأوطار 8/ 63، تخريج أحاديث البزدوي ص 156، بدائع المنن 2/ 126".
3 هو الصحابي الضحاك بن سفيان بن كعب العامري الكلابي، أبو سعيد، كان من الشجعان الأبطال، يعد بمائة فارس، وكان يقوم على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحاً بسيفه، واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية إلى بني كلاب، وكان على صدقات قومه، وهو معدود في أهل المدينة، وكان ينزل باديتها.
انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 206، الاستيعاب 2/ 206، تهذيب الأسماء 1/ 249، الخلاصة ص 176".(2/371)
أَشْيَمَ1 مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا. رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ2.
وَرَوَى هَؤُلاءِ "أَنَّ عُثْمَانَ أَخَذَ. بِخَبَرِ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ3 أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ4".
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ سَعْدًا حَدَّثَهُ أَنَّ "النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. فَسَأَلَ ابْنُ عُمَرَ أَبَاهُ عَنْهُ. فَقَالَ: نَعَمْ5، إذَا حَدَّثَك سَعْدٌ عَنْ
ـــــــ
1 هو أشيم الضِّبابي –بكسر المعجمة الأولى-، قتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم خطأ، وهو صحابي مسلم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحاك بن سفيان أن يورث امرأته من ديته.
"انظر: الإصابة 1/ 52، الاستيعاب 1/ 115، تهذيب الأسماء 1/ 123".
2 ورواه أيضاً ابن ماجه وأبو يعلى.
"انظر: الموطأ 2/ 866، مسند أحمد 3/ 452، سنن أبي داود 2/ 117، تحفة الأحوذي 4/ 674، سنن ابن ماجه 2/ 883، نيل الأوطار 6/ 84، 85، سنن الدارمي 2/ 377".
3 هي الصحابية فُريعة بنت مالك بن سنان الخُدرية، ويقال لها: الفارعة، أنصارية، وهي أخت أبي سعيد الخدري, شهدت بيعة الرضوان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها، فقال لها: "امكثي حتى يبلغ الكتاب أجله"، فلما كان عثمان بن عفان أرسل إليها يسألها، فأخبرته به فاتبعه وقضى به.
"انظر: الإصابة 4/ 386، الاستيعاب 4/ 387، تهذيب الأسماء 2/ 353، الخلاصة ص 495".
4 رواه مالك وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والشافعي والطبراني وابن حبان والدارمي والحاكم وصححه.
"انظر: الموطأ 2/ 591، مسند أحمد 6/ 413، سنن أبي داود 1/ 536، تحفة الأحوذي 4/ 378، سنن النسائي 6/ 166، سنن ابن ماجه 1/ 654، نيل الأوطار 6/ 335، تخريج أحاديث البزدوي ص 156، موارد الظمآن ص 323، سنن الدارمي 2/ 169، بدائع المنن 2/ 409".
5 ساقطة من ض.(2/372)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلا تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ"1.
وَرَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ. رَوَاهُ الأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ. وَرَوَى سَعِيدٌ مِنْ طُرُقٍ عَدَمَ رُجُوعِهِ2. وَتَحَوَّلَ أَهْلِ قُبَاءَ إلَى الْقِبْلَةِ وَهُمْ فِي الصَّلاةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ3. وَمَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ4.
ـــــــ
1 صحيح البخاري 1/ 49. ومر تخريج حديث المسح على الخفين مفصلاً ص 332
2 قال الشوكاني: "التصريح بتحريم ربا الفضل هو مذهب الجمهور، للأحاديث الكثيرة في الباب، وروي عن ابن عمر أنه يجوز ربا الفضل، ثم رجع عنه. وكذلك روي عن ابن عباس، واختلف في رجوعه".
وهذا مارواه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه.
"انظر: صحيح البخاري 2/ 21، صحيح مسلم 3/ 1209، مسند أحمد 2/ 262، 5/ 200، تحفة الأحوذي 4/ 442، سنن النسائي 7/ 247، سنن ابن ماجه 2/ 758، نيل الأوطار 5/ 216، تخريج أحاديث البزدوي ص 172".
3 ورواه أحمد ومسلم وأبو داود عن أنس أيضاً. قال الشوكاني: وفي الباب عن البراء عن الجماعة إلا أبا داود. وعن ابن عباس عند أحمد والبزار والطبراني، وإسناده صحيح كما قال العراقي. وعن عمارة بن أوس عند أبي يعلى في المسند والطبراني في الكبير. وعن عمرو بن عوف المزني عند البزار والطبراني أيضاً. وعن سعد بن أبي وقاص عند البيهقي بإسناد صحيح. وعن سهل بن سعد عند الطبراني والدارقطني. وعن عثمان بن حنيف عند الطبراني ...وغيرهم". "نيل الأوطار 2/ 186".
"وانظر: صحيح مسلم 1/ 375، مسند أحمد 2/ 113، سنن أبي داود 1/ 240، تحفة الأحوذي 8/ 299، الموطأ 1/ 196، شرح السنة للبغوي 2/ 323، تخريج أحاديث البزدوي ص 244، سنن النسائي 1/ 196، 2/ 47".
4 روى البخاري ومسلم ومالك والدارمي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 82، صحيح مسلم 1/ 375، الموطأ 1/ 195، سنن الدارمي 1/ 281".(2/373)
1وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ2: "مَا كُنَّا نَرَى بِالْمُزَارَعَةِ بَأْسًا، حَتَّى سَمِعْت رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ2 يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا فَتَرَكْتُهَا3 مِنْ أَجْلِهِ4".
وَلِلشَّافِعِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ "كُنَّا نُخَابِرُ فَلا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا فَزَعَمَ رَافِعٌ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ، فَتَرَكْنَاهُ مِنْ أَجْلِهِ5".
ـــــــ
1 ساقطة من ب. وفي ع: وقال.
2 هو الصحابي رافع بن خديج بن رافع الأنصاري الأوسي الحارثي المدني. أبو عبد الله، وقيل غير ذلك. استصغره رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فرده، وأجازه يوم أحد، فشهد أحداً والخندق وأكثر المشاهد، أصابه سهم يوم أحد فنزعه وبقي نصله إلى أن مات، وانتقضت جراحته، فتوفي بالمدينة سنة 74 هـ. وقيل غير ذلك. قال البخاري: مات زمن معاوية. وقال ابن حجر: وهو المعتمد، وما عداه واهٍ، وأرخه سنة 59هـ. وكان عريف قومه، وشهد صفين مع علي رضي الله عنهم.
انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 495، الاستيعاب 1/ 495، تهذيب الأسماء 1/ 187، الخلاصة ص 113".
3 في ش وهامش ز: فتركناه.
4 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه ومالك.
"انظر: صحيح البخاري 2/ 46، صحيح مسلم 3/ 1180-1184، سنن أبي داود 2/ 234، الموطأ 2/ 711، تحفة الأحوذي 4/ 542، سنن النسائي 7/ 31، 32، سنن ابن ماجه 2/ 819، نيل الأوطار 5/ 312 وما بعدها".
وعبارة "من أجله" ساقطة من ب ض.
5 رواه الشافعي ومسلم والنسائي وأحمد.
"انظر: صحيح مسلم 3/ 1178، 1179، سنن النسائي 7/ 36، مسند أحمد 3/ 463، بدائع المنن 2/ 170".
وانظر معنى الحديث في النهي عن المخابرة في "صحيح البخاري 2/ 46، سنن الدارمي 2/ 270، موارد الظمآن ص 277، الموطأ 2/ 711".
والمخابرة هي مزرعة الأرض بجزء مما يخرج كالثلث والربع، أو بجزء معين من الخارج. وفيها خلاف بين الفقهاء. "انظر: الرسالة للشافعي ص 445، المنتقى للباجي 5/ 142".(2/374)
وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَرَى أَنْ لا تَصْدُرَ الْحَائِضُ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: "سَلْ1 فُلانَةَ الأَنْصَارِيَّةَ، هَلْ أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ ؟ فَأَخْبَرَتْهُ. فَرَجَعَ زَيْدٌ، وَهُوَ يَضْحَكُ. فَقَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَاك إلاَّ صَدَقْت" رَوَاهُ مُسْلِمٌ2، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ3.
لا يُقَالُ: إنَّهَا أَخْبَارُ آحَادٍ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ ؛ لأَنَّا نَقُولُ: بَلْ هِيَ مُتَوَاتِرَةٌ كَمَا سَبَقَ فِي أَخْبَارِ الإِجْمَاعِ4.
وَأَيْضًا: تَوَاتَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ5 كَانَ يَبْعَثُ 6الآحَادَ إلَى6 النَّوَاحِي لِتَبْلِيغِ الأَحْكَامِ، مَعَ الْعِلْمِ بِتَكْلِيفِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِمْ الْعَمَلَ بِذَلِكَ7.
ـــــــ
1 ساقطة من ش.
2 صحيح مسلم 2/ 964.
وروى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والدارمي عن عائشة وعمر وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أن الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف، وأن الحائض تنفر قبل أن تودع.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 303، صحيح مسلم 2/ 964، سنن أبي داود 1/ 462، تحفة الأحوذي 4/ 13، سنن النسائي 1/ 160، سنن ابن ماجه 2/ 21، نيل الأوطار 5/ 52، مسند أحمد 6/ 177، سنن الدارمي 2/ 72، موارد الظمآن ص 251".
3 انظر: المستصفى 1/ 148 وما بعدها، الروضة ص 54.
4 انظر: أصول السرخسي 1/ 328، المستصفى 1/ 148، تيسير التحرير 3/ 82، العضد على ابن الحاجب 2/ 59.
5 في ب ع ض: وأتم السلام.
6 في ش: الآحاء في. وفي ز: الآحاد في.
7 ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوْا أَنْ تُصِيْبُوْا قَوْماً بِجَهَالَةٍ} الحجرات/ 6، وقوله تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوْا فِي الدِّيْنِ وَلِيُنْذِرُوْا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوْا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُوْنَ} التوبة/ 122.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص 358، أصول السرخسي 1/ 323 وما بعدها، فواتح.....=(2/375)
لا يُقَالُ: هَذَا مِنْ الْفُتْيَا لِلْعَامِّيِّ ؛ لأَنَّ الاعْتِمَادَ عَلَى كُتُبِهِ مَعَ الآحَادِ إلَى الأَطْرَافِ، وَمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ قَبْضِ زَكَاةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَعَمِلَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَتَأَسَّوْا بِهِ، وَذَلِكَ مَقْطُوعٌ بِهِ1. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَهَلْ يُعْمَلُ بِهِ مُطْلَقًا، أَوْ حَيْثُ لا طَرِيقَ إلَى الْعِلْمِ غَيْرُهُ2؟ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ لِلأَصْحَابِ3.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْمُسَوَّدَةِ" قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الْحُكْمُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَنْ الرَّسُولِ4 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ يُمْكِنُهُ سُؤَالُهُ، مِثْلُ الْحُكْمِ بِاجْتِهَادِهِ 5وَاخْتِيَارِهِ. يَعْنِي: أَنَّهُ لا يَجُوزُ5. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ بَقِيَّةُ6 أَصْحَابِنَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: جَوَازُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِمَنْ يُمْكِنُهُ سُؤَالُهُ، أَوْ أَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ إلَى التَّوَاتُرِ، مُحْتَجِّينَ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ بِمُقْتَضَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ لا يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ مَعَ إمْكَانِ
ـــــــ
1 يقول ابن حزم –بعد ذكر الأدلة على قبول خبر الواحد-: "فصح بهذا إجماع الأمة كلها على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم". "الإحكام 1/ 102".
وانظر: تيسير التحرير 3/ 84، كشف الأسرار 2/ 374.
2 ساقطة من ب ز ع ض.
3 انظر: مختصر الطوفي ص 49، المسودة ص 291.
4 في ع: رسول الله.
5 في ض: و"المسودة": واختيارُه أنه لا يجوز.
6 في ز ش: بعض. والأعلى من ب ع، وهو الموافق للمسودة.(2/376)
الْعِلْمِ بِالْوَقْتِ. وَهَذَا الْقَوْلُ خِلافُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ. وَخِلافُ مَا شَهِدَتْ بِهِ النُّصُوصُ. وَذَكَرَ فِي1 مَسْأَلَةِ مَنْعِ التَّقْلِيدِ: أَنَّ الْمُتَمَكِّنَ مِنْ الْعِلْمِ لا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الظَّنِّ، وَجَعَلَهُ مَحِلَّ وِفَاقٍ وَ2احْتَجَّ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ3. ا هـ.
ـــــــ
1 في ش ز: من.
2 ساقطة من ب ع ض.
3 المسودة ص 239.(2/377)
"فَصْلٌ: "الرِّوَايَةُ"
الرِّوَايَةُ فِي اصْطِلاحِ الْعُلَمَاءِ "إخْبَارٌ" يُحْتَرَزُ بِهِ "عَنْ" الإِنْشَاءِ عَنْ أَمْرٍ "عَامٍّ" مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ "لا يَخْتَصُّ" وَاحِدٌ مِنْهُمَا "بِ" شَخْصٍ "مُعَيَّنٍ" مِنْ الأُمَّةِ1.
"وَ" مِنْ صِفَةِ هَذَا الإِخْبَارِ: أَنَّهُ "لا تَرَافُعَ2 فِيهِ مُمْكِنٌ عِنْدَ الْحُكَّامِ".
"وَعَكْسُهُ" أَيْ وَعَكْسُ هَذَا الْمَذْكُورِ "الشَّهَادَةُ" فَإِنَّهَا إخْبَارٌ بِلَفْظٍ خَاصٍّ 3عَنْ خَاصٍّ3 عِلْمُهُ مُخْتَصٌّ بِمُعَيَّنٍ 4يُمْكِنُ التَّرَافُعُ4 فِيهِ عِنْدَ الْحُكَّامِ5.
ـــــــ
1 انظر: الفروق للقرافي 1/ 5، فقد حكى هذا التعريف حرفيًّا عن المازري.
2 في ش: تدافع.
3 مشطوب عليها في ع.
4 في ش: ممكن التدافع.
5 انظر الفرق بين الرواية والشهادة في "الرسالة للشافعي ص 372 وما بعدها، أصول السرخسي 1/ 353 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 1/ 118، الإحكام للآمدي 2/ 46، المستصفى 1/ 161، كشف الأسرار 2/ 402، المعتمد 2/ 574، تدريب الراوي 1/ 331، الرفع والتكميل ص 50 وما بعدها، الكفاية ص 94، جمع الجوامع 2/ 161، الفروق للقرافي / 4 وما بعدها، شرح النووي على مسلم 1/ 72".(2/378)
"وَمِنْ شُرُوطِ رَاوٍ1: عَقْلٌ" إجْمَاعًا ؛ إذْ لا وَازِعَ2 لِغَيْرِ3 عَاقِلٍ يَمْنَعُهُ مِنْ الْكَذِبِ، وَلا عِبَارَةَ4 أَيْضًا، كَالطِّفْلِ5.
"وَ" مِنْهَا "إسْلامٌ" إجْمَاعًا لِتُهْمَةِ عَدَاوَةِ الْكَافِرِ لِلرَّسُولِ6 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِشَرْعِهِ7.
"وَ" مِنْهَا "بُلُوغٌ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ 8مِنْ الأَئِمَّةِ8،
ـــــــ
1 المقصود هنا شروط الراوي عند الأداء، وهي تختلف في جملتها عن شروط الراوي عند التحمل.
"انظر: الرسالة للشافعي ص 370 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 39، توضيح الأفكار 2/ 114، أصول الحديث ص 229".
2 في هامش ز ش: "لا مانع. والوازع هو الكافّ، يقال: وزعه يزعه وزعاً، إذا كفّه"، وفي نهاية العبارة في ز: "طوفي".
3 في ب: بغير.
4 في ع: عبادة. وكذا في "مختصر الطوفي" ص 58، وفي "المدخل إلى مذهب أحمد" ص 93: ولا عبادة لهما "أي للصبي والمجنون".
5 انظر: فواتح الرحموت 2/ 138، نهاية السول 2/ 294، مناهج العقول 2/ 292، كشف الأسرار 2/ 392، الإحكام للآمدي 2/ 71، المستصفى 1/ 156، أصول السرخسي 1/ 345، جمع الجوامع 2/ 146، الكفاية ص 76، توضيح الأفكار 2/ 114، تدريب الراوي 1/ 300، مقدمة ابن الصلاح ص 50، غاية الوصول ص 99، الروضة ص 57، مختصر الطوفي ص 58، إرشاد الفحول ص 50، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93.
6 في ع: لرسوله.
7 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 358، أصول السرخسي 1/ 346، الإحكام للآمدي 2/ 73، المستصفى 1/ 156، فواتح الرحموت 2/ 139، تيسير التحرير 3/ 41، 47، المعتمد 2/ 618، نهاية السول 2/ 295، مناهج العقول 2/ 293، كشف الأسرار 2/ 392، مقدمة ابن الصلاح ص 50، معرفة علوم الحديث ص 53، أصول الحديث ص 230، توضيح الأفكار 2/ 115، تدريب الراوي 1/ 300، العضد على ابن الحاجب 2/ 62، جمع الجوامع 2/ 146، الكفاية ص 77، غاية الوصول ص 99، الروضة ص 56، مختصر الطوفي ص 57، المدخل إلى مذهب أحمد ص 92، إرشاد الفحول ص 57.
8 ساقطة من ش.(2/379)
لاحْتِمَالِ كَذِبِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، كَالْفَاسِقِ بَلْ أَوْلَى ؛ لأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، فَلا يَخَافُ
الْعِقَابَ1.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَتَخَرَّجُ فِي رِوَايَتِهِ رِوَايَتَانِ، كَشَهَادَتِهِ2.
وَرُوِيَ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ شَهَادَةَ الْمُمَيِّزِ3 تُقْبَلُ.
وَعَنْهُ ابْنُ عَشْرٍ. وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ4.
"وَ" مِنْهَا "ضَبْطٌ" لِئَلاَّ يُغَيِّرَ اللَّفْظَ وَالْمَعْنَى فَلا يُوثَقُ بِهِ5.
ـــــــ
1 انظر: التمهيد ص 135، غاية الوصول ص 99، شرح تنقيح الفصول ص 359، أصول السرخسي 1/ 372، الإحكام للآمدي 2/ 71، المستصفى 1/ 156، فواتح الرحموت 2/ 139، تيسير التحرير 3/ 39، المسودة ص 258، نهاية السول 2/ 294، مناهج العقول 2/ 292، كشف الأسرار 2/ 395، مقدمة ابن الصلاح ص 50، الكفاية ص 77، المعتمد 2/ 620، أصول الحديث ص 230، توضيح الأفكار 2/ 115، تدريب الراوي 1/ 300، العضد على ابن الحاجب 2/ 61، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 146، الروضة ص 57، مختصر الطوفي ص 58، إرشاد الفحول ص 50، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93، النووي على صحيح مسلم 1/ 61.
2 قال الإسنوي عن خبر الصبي: فيه خلاف بين الأصوليين، وكذلك عند المحدثين والفقهاء، والأصح عند الجميع عدم القبول. "التمهيد ص 135".
وانظر: نهاية السول 2/ 295، مناهج العقول 2/ 292، توضيح الأفكار 2/ 124، المسودة ص 258، غاية الوصول ص 99، تيسير 3/ 40، المجموع شرح المهذب للنووي 3/ 100، والمراجع السابقة في الهامش السابق.
3 في ب: الكبير.
4 انظر: المغني 10/ 144، المسودة ص 290، تدريب الراوي 2/ 6.
5 انظر: أصول السرخسي 1/ 345، فواتح الرحموت 2/ 142، تيسير التحرير 3/ 44، كشف الأسرار 2/ 392، مقدمة ابن الصلاح ص 50، أصول الحديث ص 232، توضيح الأفكار 2/ 116، تدريب الراوي 1/ 300، الإحكام للآمدي 2/ 75، المستصفى 1/ 156، الروضة ص 57، اللمع ص 42، مختصر الطوفي ص 58، إرشاد الفحول ص 54، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93، نهاية السول 2/ 308، مناهج العقول 2/ 306.(2/380)
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لا يَنْبَغِي لِمَنْ لا يَعْرِفُ الْحَدِيثَ أَنْ
يُحَدِّثَ بِهِ.
وَالشَّرْطُ غَلَبَةُ ضَبْطِهِ وَذِكْرِهِ عَلَى سَهْوِهِ لِحُصُولِ الظَّنِّ إذًا. ذَكَرَهُ الآمِدِيُّ
وَجَمَاعَةٌ1.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. وَفِي الْوَاضِحِ لابْنِ عَقِيلٍ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَقِيلَ لَهُ: مَتَى تَتْرُكُ2 حَدِيثَ الرَّجُلِ. ؟ قَالَ: إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْخَطَأُ، وَلأَنَّ أَئِمَّةَ الْحَدِيثِ تَرَكُوا رِوَايَةَ3 كَثِيرٍ4 مِمَّنْ ضَعُفَ ضَبْطُهُ مِمَّنْ سَمِعَ كَثِيرًا5 ضَابِطًا.
فَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ. فَذَكَرَ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرُهُ: أَنَّهَا6 لا تُقْبَلُ7؛ لأَنَّهُ لا غَالِبَ لِحَالِ الرُّوَاةِ8.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ مَا قَالَ الآمِدِيُّ: مِنْ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى غَالِبِ9 حَالِ10 الرُّوَاةِ. فَإِنْ جُهِلَ حَالُهُمْ: اُعْتُبِرَ حَالُهُ. فَإِنْ قِيلَ:
ـــــــ
1 انظر في تعريف الضبط كتاب "التعريفات للجرجاني ص 142، أصول السرخسي 1/ 348، الإحكام لابن حزم 1/ 132، تيسير التحرير 3/ 44، مناهج العقول 2/ 306، كشف الأسرار 2/ 396 وما بعدها، مقدمة ابن الصلاح ص 50، المعتمد 2/ 619، توضيح الأفكار 1/ 8، تدريب الراوي 1/ 304، مختصر ابن الحاجب 2/ 63، الكفاية ص 158، الإحكام للآمدي 2/ 75".
2 في ب ع ض: يترك.
3 ساقطة من ض.
4 في ض: كثيراً.
5 في ش ز: كبيراً.
6 في ض: أنه.
7 في ب ع ض: يقبل.
8 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 75، الروضة ص 57، إرشاد الفحول ص 54.
9 في ع: الغالب.
10 ساقطة من ش.(2/381)
ظَاهِرُ حَالِ الْعَدْلِ أَلاَّ يَرْوِيَ إلاَّ مَا يَضْبِطُهُ. وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ الإِكْثَارُ1.
وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الضَّبْطِ، بَلْ خِيفَ 2ذَلِكَ لإِكْثَارِهِ2.
فَإِنْ قِيلَ: الْخَبَرُ دَلِيلٌ. وَالأَصْلُ صِحَّتُهُ فَلا يُتْرَكُ3 بِاحْتِمَالٍ، كَاحْتِمَالِ حَدَثٍ بَعْدَ طَهَارَةٍ4.
رُدَّ إنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ مَعَ الظَّنِّ، وَلا ظَنَّ مَعَ تَسَاوِي الْمُعَارِضِ وَاحْتِمَالُ الْحَدَثِ وَرَدَ عَلَى يَقِينِ الطُّهْرِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ5.
"وَ" مِنْهَا "عَدَالَةٌ" إجْمَاعًا لِمَا سَبَقَ مِنْ الأَدِلَّةِ "ظَاهِرًا وَبَاطِنًا" عِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا6. وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ عَنِ الأَكْثَرِ7.
ـــــــ
1 انظر: فواتح الرحموت 2/ 142-143، الإحكام 2/ 75.
2 في ش: من ذلك الإكثار.
وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 76، فواتح الرحموت 2/ 143.
3 في ب ع ض: نتركه. وصححت على هامش ع كما أثبتناه أعلاه.
4 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 76.
5 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 76، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 50 وما بعدها، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 56 وما بعدها.
6 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 360، المستصفى 1/ 157، نهاية السول 2/ 303، مناهج العقول 2/ 296، جمع الجوامع 2/ 148، الكفاية ص 34، 77، المسودة ص 257، تدريب الراوي 1/ 300، مختصر ابن الحاجب 2/ 63، توضيح الأفكار 2/ 116، صحيح مسلم بشرح النووي 1/ 61، مقدمة ابن الصلاح ص 50، معرفة علوم الحديث ص 53، المعتمد 2/ 620، كشف الأسرار 2/ 392، تيسير التحرير 3/ 44، فواتح الرحموت 2/ 143، أصول السرخسي 1/ 345، أصول الحديث ص 231، غاية الوصول ص 99، اللمع ص 42، 43، الروضة ص 57، التمهيد ص 136، مختصر الطوفي ص 57، إرشاد الفحول ص 51، المدخل إلى مذهب أحمد ص 92.
7 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 76.(2/382)
وَعِنْدَ الْقَاضِي وَابْنِ الْبَنَّاءِ، وَغَيْرِهِمَا: تَكْفِي الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا لِلْمَشَقَّةِ. كَمَا قُلْنَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ. وَصَاحِبُ "رَوْضَةِ الْفِقْهِ" مِنْ أَصْحَابِنَا1.
"وَمَنْ رَوَى" حَالَ كَوْنِهِ "بَالِغًا مُسْلِمًا عَدْلاً وَقَدْ تَحَمَّلَ"2 حَالَ كَوْنِهِ "صَغِيرًا ضَابِطًا3، أَوْ" حَالَ كَوْنِهِ "كَافِرًا" ضَابِطًا "أَوْ" حَالَ كَوْنِهِ "فَاسِقًا" ضَابِطًا "قُبِلَ" مَا رَوَاهُ، لاجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ فِيهِ حَالَ رِوَايَتِهِ4.
"وَهِيَ" أَيْ الْعَدَالَةُ فِي اللُّغَةِ: التَّوَسُّطُ فِي الأَمْرِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلا نُقْصَانٍ5.
ـــــــ
1 وهو قول بعض الشافعية في الاكتفاء بالعدالة الظاهرة لقبول الرواية.
انظر: اللمع ص 43، فواتح الرحموت 2/ 146-147.
2 في ز: يحتمل.
3 يشترط في الراوي في حال السماع أن يكون مميزاً ضابطاً، فلو سمع المجنون حال جنونه، ثم أفاق فلا يصح ذلك، لأنه وقت الجنون غير ضابط.
انظر: اللمع ص 41، المستصفى 1/ 156، فواتح الرحموت 2/ 138 وما بعدها، الإلماع للقاضي عياض ص 62، أصول الحديث ص 227، إرشاد الفحول ص 50، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93.
4 ذهب أكثر العلماء إلى جواز تحمل الصبي المميز للرواية على أن يؤديها بعد البلوغ، ويقاس عليه غيره ممن ذكر أعلاه، لكنهم في تحديث سن الصبي لصحة سماعه وتحمله.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 72، المستصفى 1/ 156، نهاية السول 2/ 295، مناهج العقول 2/ 293، كشف الأسرار 2/ 395، المسودة ص 258، 290، الكفاية ص 54، 76، مقدمة ابن الصلاح ص 60، المعتمد 2/ 620، تدريب الراوي 2/ 4، العضد على ابن الحاجب 2/ 61، جمع الجوامع 2/ 147، تيسير التحرير 3/ 39، شرح تنقيح الفصول ص 359، غاية الوصول ص 99، الروضة ص 57، مختصر الطوفي ص 58، إرشاد الفحول ص 50، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93، شرح النووي على مسلم 1/ 61".
5 انظر: المصباح المنير 2/ 604، القاموس المحيط 4/ 13.(2/383)
وَهِيَ فِي اصْطِلاحِ أَهْلِ الشَّرْعِ "صِفَةٌ" أَيْ كَيْفِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ، وَتُسَمَّى قَبْلَ رُسُوخِهَا حَالاً "رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ" أَيْ نَفْسِ الْمُتَّصِفِ بِهَا تَحْمِلُهُ عَلَى مُلازَمَةِ التَّقْوَى وَالْمُرُوءَةِ، وَتَحْمِلُهُ أَيْضًا عَلَى "تَرْكِ الْكَبَائِرِ1"
"وَمِنْهَا" أَيْ مِنْ الْكَبَائِرِ: غِيبَةٌ وَنَمِيمَةٌ.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": اُخْتُلِفَ فِي الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ. هَلْ هُمَا مِنْ الصَّغَائِرِ أَوْ مِنْ الْكَبَائِرِ؟ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا مِنْ الْكَبَائِرِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ"، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي "فُرُوعِهِ".
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: "لا خِلافَ أَنَّ الْغِيبَةَ مِنْ الْكَبَائِرِ2".اهـ.
وَقِيلَ: إنَّهُمَا مِنْ الصَّغَائِرِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ "الْفُصُولِ3" "وَالْغُنْيَةِ4" وَالْمُسْتَوْعِبِ5".
ـــــــ
1 انظر: المغني 10/ 148، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، إرشاد الفحول ص 51.
2 تفسير القرطبي 16/ 337.
3 كتاب "الفصول" لعلي بن عقيل بن محمد البغدادي الفقيه الأصولي المجتهد، المتوفى سنة 513 هـ، ومرت ترجمته في المجلد الأول.
"انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 209".
4 كتاب "الغنية" للشيخ عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جنكي دوست الجيلي البغدادي.
"انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 208".
5 كتاب "المستوعب" للعلامة محمد بن عبد الله بن الحسين بن محمد السامري، المتوفى سنة 610هـ، وهو كتاب مختصر، جمع فيه مؤلفه بين عدد من المختصرات في المذهب الحنبلي. قال ابن بدران: "وبالجملة فهو أحسن متن صنف في مذهب الإمام أحمد وأجمعه". ثم قال: "وقد حذا حذوه الشيخ موسى الحجاوي في كتابه "الإقناع"، وجعله مادة كتابه. "المدخل إلى مذهب أحمد ص 210، 217".(2/384)
"وَ" تَحْمِلُهُ أَيْضًا عَلَى تَرْكِ "الرَّذَائِلِ" الْمُبَاحَةِ. كَالأَكْلِ فِي السُّوقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَلا يَأْتِي بِكَبِيرَةٍ لِلآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي الْقَاذِفِ1. وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي مِنْ الْكَبَائِرِ2.
وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ "بِلا بِدْعَةٍ مُغَلَّظَةٍ" وَسَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَيْهَا3.
"وَتُقْبَلُ4 رِوَايَةُ" مَنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ5، وَلَوْ أَنَّهُ "قَاذِفٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ".
قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: إنْ قَذَفَ6 بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ قُبِلَتْ رِوَايَتُهُ ؛ لأَنَّ7 نَقْصَ الْعَدَدِ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ8.
ـــــــ
1 وهو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. الآية 4 من النور.
2 انظر في تعريف العدالة: "التعريفات للجرجاني ص 152، اللمع ص 42، المعتمد 2/ 616، توضيح الأفكار 2/ 117، مختصر ابن الحاجب 2/ 63، المغني 10/ 148، شرح تنقيح الفصول ص 361، أصول السرخسي 1/ 350 وما بعدها، الكفاية ص 78، الإحكام للآمدي 2/ 77، المستصفى 1/ 157، فواتح الرحموت 2/ 143، تيسير التحرير 3/ 44، جمع الجوامع 2/ 148، نهاية السول 2/ 303، مناهج العقول 2/ 296، كشف الأسرار 2/ 399، 400، شرح نخبة الفكر ص 52، غاية الوصول ص 99، المدخل إلى مذهب أحمد ص 92، إرشاد الفحول ص 51، 52، شرح منح الجليل 4/ 218".
3 صفحة 402.
4 في ع: ويقبل.
5 أي تقبل رواية من اتصف بهذه الشروط السابقة في الراوي.
6 في ب: القذف.
7 في ب: لأنه.
8 قال الحنفية بقبول رواية المحدود في القذف مطلقاً، سواء كان محدوداً بشهادة أم.....=(2/385)
زَادَ الْقَاضِي فِي "الْعُدَّةِ1": وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْقَذْفِ. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ، وَيَسُوغُ فِيهِ الاجْتِهَادُ، وَلا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِمَا يَسُوغُ فِيهِ الاجْتِهَادُ2. وَكَذَا زَادَ ابْنُ عَقِيلٍ.
قَالَ الشِّيرَازِيُّ فِي "اللُّمَعِ": "وَأَبُو بَكْرَةَ3 وَمَنْ شَهِدَ مَعَهُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُمْ ؛ لأَنَّهُمْ أَخْرَجُوا أَلْفَاظَهُمْ مَخْرَجَ الإِخْبَارِ، لا مَخْرَجَ الْقَذْفِ. وَجَلَدَهُمْ عُمَرُ بِاجْتِهَادِهِ4".
ـــــــ
1 في ز ش: العمدة. وهو تصحيف.
2 لا ترد الرواية بما يسوغ فيه الاجتهاد، كاللعب بالشطرنج وشرب النبيذ ونحوه لقول بعض المجتهدين به.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 90، فواتح الرحموت 2/ 148، تيسير التحرير 3/ 43، 46، 55، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 151، 165، المسودة ص 258، 265، 266".
3 هو الصحابي نفيع بن الحارث بن كلدة، ويقال: نفيع بن مسروح، الثقفي، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من عبيد الحارث بن كلدة بن عمرو الثقفي فاستلحقه، وهو مشهور بكنيته. وكان من فضلاء الصحابة، سكن البصرة، وأنجب أولاداً لهم شهرة في العلم والمال والولايات. وكان تدلى إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حصن الطائف ببكرة، فاشتهر بأبي بكرة، وكان ممن اعتزل الفتنة يوم الجمل. وكان ممن شهد على المغيرة بن شعبة بالزنا، فلم تتم الشهادة، فجلده عمر، ثم سأله الانصراف والرجوع عن ذلك فلم يفعل وأبى، فلم يقبل له شهادة، ولم يزل على كثرة العبادة حتى توفي سنة 51 هـ بالبصرة.
انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 572، الاستيعاب 3/ 567، تهذيب الأسماء 2/ 198، الخلاصة ص 404".
4 اللمع ص 43.
وانظر شرح تنقيح الفصول ص 360، كشف الأسرار 2/ 404، المسودة ص 258.(2/386)
"وَيُحَدُّ" الْقَاذِفُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ مَعَ قَبُولِ رِوَايَتِهِ1.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِير"ِ: وَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ2. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ يُحَدُّ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ لا يُحَدُّ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: فَيُتَوَجَّهُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَقَاءُ عَدَالَتِهِ. وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ مَعْنَى مَا جَزَمَ بِهِ الآمِدِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْجَرْحِ ؛ لأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْقَذْفِ3.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: صَرَّحَ الْقَاضِي فِي قِيَاسِ الشَّبَهِ مِنْ الْعَدَالَةِ بِعَدَالَةِ مَنْ أَتَى بِكَبِيرَةٍ45أَيْ وَاحِدَةً1، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ6} 7.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ أَكَلَ الرِّبَا: إنْ أَكْثَرَ لَمْ يُصَلَّ خَلَفَهُ.
قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: فَاعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ فِي "الْمُغْنِي": "إنْ أَخَذَ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ، رُدَّتْ رِوَايَتُهُ8".
ـــــــ
1 انظر: الروضة ص 60، مختصر الطوفي ص 61.
2 قال الخزرجي عن أبي بكرة رضي الله عنه: "له مائة واثنان وثلاثون حديثاً اتفقا "أي البخاري ومسلم" على ثمانية، وانفرد البخاري بخمسة، ومسلم بآخر. روى عنه أولاده عبد الرحمن وعبد العزيز وعبيد الله ومسلم وجماعة. "الخلاصة ص 404".
3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 89.
4 في ب ع ض: كبيرة.
5 ساقطة من ش ب ز، وفي ع: بواحدة.
6 في ب ز ض: الآية.
7 الآية 102 من المؤمنون. وفي ع: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} الآية القارعة/.
8 المغني 10/ 164 "مع التصرف".(2/387)
"وَالصَّغَائِرُ" وَهِيَ كُلُّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ لا حَدَّ فِيهِ فِي الدُّنْيَا وَلا وَعِيدَ فِي الآخِرَةِ وَهُنَّ مَعَ كَثْرَةِ صُوَرِهِنَّ "سَوَاءٌ1 حُكْمًا" أَيْ فِي الْحُكْمِ.
قَالَ فِي "التَّحْرِير"ِ: وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي الصَّغَائِرِ، بَلْ أَطْلَقُوا. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لا فَرْقَ.
"إنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ تَكَرُّرًا يُخِلُّ بِالثِّقَةِ2 بِصِدْقِهِ3" أَيْ صِدْقِ الرَّاوِي لَمْ تَقْدَحْ4 فِي صِحَّةِ رِوَايَتِهِ "لِتَكْفِيرِهَا" أَيْ تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ "بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَمَصَائِبِ الدُّنْيَا" عَلَى الأَصَحِّ فِي كَوْنِ الذُّنُوبِ تَنْقَسِمُ إلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ5.
وَقَالَ الأُسْتَاذُ6 وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ وَابْنُ فُورَكٍ وَالْقُشَيْرِيُّ7 وَالسُّبْكِيُّ8. وَحُكِيَ عَنْ الأَشْعَرِيَّةِ: إنَّ جَمِيعَ الذُّنُوبِ كَبَائِرُ9.
ـــــــ
1 ساقطة من ش.
2 في ع ز: الثقة.
3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 143، مناهج العقول 2/ 297، المحلي على جمع الجوامع 2/ 160، إرشاد الفحول ص 53.
4 في ش ع ز: يقدح.
5 انظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 3، إرشاد الفحول ص 52، الفروق للقرافي 1/ 121.
6 هو الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، كما هو معروف في مصطلح الفقه الشافعي، وهو ما نص عليه ابن حجر الهيتمي في الزواجر 1/ 3.
7 في الزواجر 1/ 3: ابن القشيري في "المرشد".
8 هو تقي الدين السبكي، والد تاج الدين صاحب جمع الجوامع. انظر: "جمع الجوامع" 2/ 152، إرشاد الفحول ص 52.
9 انظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 3، جمع الجوامع 2/ 152، إرشاد الفحول ص 52.(2/388)
قَالَ الْقَرَافِيُّ: كَأَنَّهُمْ1 كَرِهُوا تَسْمِيَةَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى صَغِيرَةً إجْلالاً لَهُ، مَعَ مُوَافَقَتِهِمْ فِي الْجَرْحِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُطْلَقِ الْمَعْصِيَةِ، بَلْ مِنْهُ مَا يَقْدَحُ، وَمِنْهُ مَا لا يَقْدَحُ. وَإِنَّمَا الْخِلافُ فِي التَّسْمِيَةِ2.اهـ.
اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} – الآيَةَ3، وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي تَكْفِيرِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ مَا بَيْنَهُمَا إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ4؛ إذْ لَوْ كَانَ الْكُلُّ كَبَائِرَ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُكَفَّرُ بِمَا ذُكِرَ. وَفِي5 الْحَدِيثِ: "الْكَبَائِرُ سَبْعٌ" 6، وَفِي رِوَايَةٍ "تِسْعٌ".
ـــــــ
1 في ش: كأنما. وفي الفروق: وكأنهم.
2 الفروق للقرافي 1/ 121. وانظر: شرح تنقيح الفصول ص 361.
3 الآية 31 من النساء.
4 روى مسلم وأحمد والترمذي وابن ماجه، واللفظ لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر". وهو عنوان عند البخاري: "باب الصلوات الخمس كفارة"، وساق حديث أبي هريرة مرفوعاً: "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم ...".
"انظر: صحيح مسلم 1/ 209، مسند أحمد 2/ 229، تحفة الأحوذي 1/ 627، سنن ابن ماجه 1/ 196، صحيح البخاري 1/ 102، فيض القدير 4/ 243، مرعاة المفاتيح 2/ 1".
5 في ش ب: وفي هذا.
6 روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".
"انظر: صحيح مسلم 1/ 92، صحيح البخاري 2/ 131، فيض القدير 1/ 153".
وروى النسائي عن عمير: "أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: "هنّ سبع، أعظمهن الإشراك وقتل النفس والفرار" ... الحديث. سنن النسائي 7/ 72".
وروى الطبراني في "الأوسط" عن أبي سعيد مرفوعاً: "الكبائر سبع: الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والرجوع إلى الأعرابية بعد الهجرة". قال السيوطي: صحيح، لكن تعقبه المناوي وضعفه. "انظر: فيض القدير 5/ 61". ورواه الخطيب في "الكفاية ص 103".(2/389)
وَعَدَّهَا"1. فَلَوْ كَانَتْ الذُّنُوبُ كُلُّهَا كَبَائِرَ لَمَا سَاغَ ذَلِكَ2.
وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ الْكُورَانِيُّ فِي "شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ": إنْ أَرَادُوا إسْقَاطَ الْعَدَالَةِ فَقَدْ خَالَفُوا الإِجْمَاعَ. وَإِنْ أَرَادُوا قُبْحَ الْمَعْصِيَةِ نَظَرًا إلَى كِبْرِيَائِهِ تَعَالَى، وَأَنَّ3 مُخَالَفَتَهُ لا تُعَدُّ4 أَمْرًا صَغِيرًا، فَنِعْمَ الْقَوْلُ5.اهـ.
وَعَلَى الأَصَحِّ فِي كَوْنِ الصَّغَائِرِ سَوَاءً حُكْمًا. وَقَالَ الآمِدِيُّ، وَمَنْ وَافَقَهُ: إنَّ مِثْلَ سَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِحَبَّةٍ، وَاشْتِرَاطِ أَخْذِ الأُجْرَةِ عَلَى إسْمَاعِ6 الْحَدِيثِ يُعْتَبَرُ تَرْكُهُ7 كَالْكَبَائِرِ8. وَقَدْ قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ
ـــــــ
1 روى أبو داود والنسائي والحاكم عن عمير مرفوعاً: "الكبائر تسع، أعظمهن الإشراك بالله، وقتل النفس بغير حق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، والفرار يوم الزحف، وعقوق الوالدين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتاً".
"انظر: المستدرك 1/ 59، الفتح الكبير 2/ 337".
2 انظر: فواتح الرحموت 2/ 144، إرشاد الفحول ص 52، تفسير الطبري 5/ 36 وما بعدها، الفروق للقرافي 1/ 121.
3 في ش ز: فإن.
4 في ب: يُعد.
5 انظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 3، الفروق للقرافي 1/ 121.
6 في ب: سماع.
7 ساقطة من ش. أي يعتبر ترك هذه الصغائر في صفات العدل وشروطه لقبول الرواية.
8 قال الآمدي: "وذلك "أي تعريف العدالة" إنما يتحقق باجتناب الكبائر وبعض الصغائر وبعض المباحات. أما الكبائر... وأما بعض الصغائر فما يدل فعله على نقص الدين، وعدم الترفع عن الكذب، وذلك كسرقة لقمة، والتطفيف بحبة، واشتراط أخذ الأجرة على إسماع الحديث، ونحو ذلك. وأما بعض المباح فما يدل على نقص المروءة ودناءة الهمة كالأكل في السوق، والبول في الشوارع، وصحبة الأراذل، والإفراط في المزح، ونحو ذلك مما يدل على سرعة الإقدام على الكذب، وعدم الاكتراث به. "الإحكام للآمدي 2/ 77".
"وانظر: المستصفى 1/ 157، فواتح الرحموت 2/ 144، تيسير التحرير 3/ 45، مناهج العقول 2/ 297، مقدمة ابن الصلاح ص 56".(2/390)
اللَّهُ عَنْهُ فِي اشْتِرَاطِ أَخْذِ الأُجْرَةِ: لا يُكْتَبُ عَنْهُ الْحَدِيثُ وَلا كَرَامَةَ1. وَقَالَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو حَاتِمٍ2.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيُعْتَبَرُ تَرْكُ3 مَا فِيهِ دَنَاءَةٌ وَتَرْكُ مُرُوءَةٍ كَأَكْلِهِ فِي السُّوقِ بَيْنَ النَّاسِ الْكَثِيرِ. وَمَدِّ رِجْلَيْهِ وَ4كَشْفِ رَأْسِهِ بَيْنَهُمْ وَالْبَوْلِ فِي الشَّوَارِعِ وَاللَّعِبِ بِالْحَمَامِ وَصُحْبَةِ5 الأَرَاذِلِ6 وَالإِفْرَاطِ فِي الْمَزْحِ7، لِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ "إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت" رَوَاهُ
ـــــــ
1 رواه الخطيب في "الكفاية" عن الإمام أحمد. "انظر الكفاية ص 153".
وانظر حكم أخذ الأجرة على الرواية في "توضيح الأفكار 2/ 251، تدريب الراوي 1/ 337، العضد على مختصر ابن الحاجب 2/ 63، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 148-149، الكفاية ص 153، المسودة ص 266، فواتح الرحموت 2/ 144، طبقات الحنابلة 1/ 170".
2 هو محمد بن إدريس بن المنذر بن مِهْران، الغطفاني الحنظلي، أبو حاتم الرازي، أحد الأعلام، حافظ المشرق، كان بارع الحفظ، واسع الرحلة، من أوعية العلم. قال الخطيب: كان أحد الأئمة الحفاظ الأثبات، مشهوراً بالعلم، مذكوراً بالفضل. جمع أحاديث الزهري وصنفها ورتبها، وكان المرجع في معرفة رجال الحديث. توفي سنة 277 هـ، وقيل 275هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 207، شذرات الذهب 2/ 171، طبقات القراء 2/ 970، طبقات الحفاظ ص 255، تذكرة الحفاظ 2/ 567، تاريخ بغداد 3/ 73، المنهج الأحمد 1/ 183، طبقات الحنابلة 1/ 284".
3 في ض: تركه.
4 في ب ز ض: أو.
5 في ع: وصحبته.
6 في ز ش ب: الأرذال.
7 قال ابن الحاجب: وتتحقق "العدالة" باجتناب الكبائر وترك الإصرار على الصغائر، وبعض الصغائر، وبعض المباح. "مختصر ابن الحاجب 2/ 63". وهو معنى ما نقلناه عن الآمدي في "الإحكام 2/ 77".(2/391)
الْبُخَارِيُّ1، يَعْنِي: إذَا2 صَنَعَ مَا شَاءَ فَلا يُوثَقُ بِهِ3.اهـ.
وَعَلَى الأَصَحِّ فِي كَوْنِ الصَّغَائِرِ إنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ مِنْهُ4 تَكَرُّرًا يُخِلُّ الثِّقَةَ بِصِدْقِ الرَّاوِي لَمْ يُقْدَحْ فِي رِوَايَتِهِ.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ فِي "أُصُولِهِ": حَدُّ الإِصْرَارِ5 الْمَانِعِ فِي الصَّغَائِرِ: أَنْ تَتَكَرَّرَ مِنْهُ تَكَرُّرًا يُخِلُّ الثِّقَةَ بِصِدْقِهِ6.اهـ.
وَقِيلَ: يَقْدَحُ تَكْرَارُهَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَقِيلَ: ثَلاثًا. قَالَهُ7 ابْنُ حَمْدَانَ فِي "الْمُقْنِعِ" وَ"آدَابِ الْمُفْتِي8".
ـــــــ
1 رواه البخاري وأحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن مسعود. ورواه بعضهم عن حذيفة. ورواه أحمد عن أبي مسعود الأنصاري وعن حذيفة. ورواه ابن ماجه عن عقبة بن عمرو، ولفظه: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة؛ إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت". ورواه مالك مرسلاً.
"انظر: صحيح البخاري 4/ 68، مسند أحمد 4/ 121، 5/ 383، سنن ابن ماجه 2/ 1400، سنن أبي داود 2/ 552، الموطأ 1/ 158، كشف الخفا 1/ 98، فيض القدير 2/ 540".
2 في ب: أي إن من. وفي ع: أي من. وفي ض: أي.
3 انظر: المستصفى 1/ 157، الإحكام للآمدي 2/ 77، تيسير التحرير 3/ 45، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 149، المغني 10/ 149.
4 ساقطة من ش ب ز.
5 في ش: الاحتراز.
6 قال الشوكاني: "وقد قيل: إن الإصرار على الصغيرة حكمه حكم مرتكب الكبيرة، وليس على هذا دليل يصلح للتمسك به، وإنما هي مقالة لبعض الصوفية، فإنه قال: لا صغيرة مع إصرار. وقد روى بعض من لا يعرف علم الرواية هذا اللفظ، وجعله حديثاً، ولا يصح ذلك، بل الحق أن الإصرار حكمه حكم ما أصر عليه، فالإصرار على الصغيرة صغيرة، والإصرار على الكبيرة كبيرة". "إرشاد الفحول ص 53".
وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 63.
7 في ب: قال.
8 قال ابن حمدان: وبالجملة كل ما يأثم بفعله مرة يفسق بفعله ثلاثاً. "صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 13".
وانظر: شرح تنقيح الفصول ص 361.(2/392)
وَقَالَ فِي "التَّرْغِيبِ" وَغَيْرِهِ: تَقْدَحُ كَثْرَةُ الصَّغَائِرِ وَإِدْمَانُ وَاحِدَةٍ.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ فِي "الْمُقْنِعِ": "لا يُدْمِنُ عَلَى صَغِيرَةٍ1".
وَهُوَ مُرَادُ الأَوَّلِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ فَالإِدْمَانُ هُنَا كَمَا قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ فِي "أُصُولِهِ" كَمَا تَقَدَّمَ.
وَعَلَى الأَصَحِّ فِي كَوْنِ الصَّغَائِرِ تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَبِمَصَائِب الدُّنْيَا لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ }2. وَلِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ مِنْ تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ بِمَصَائِبِ الدُّنْيَا. وَاخْتَارَ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ. وَحَكَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ3.
"وَيُرَدُّ كَاذِبٌ وَلَوْ تَدَيَّنَ" أَيْ تَحَرَّزَ عَنْ الْكَذِبِ "فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ" أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ الإِمَامَانِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا ؛ لأَنَّهُ لا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْذِبَ فِيهِ.
وَعَنْهُ: وَلَوْ بِكَذْبَةٍ وَاحِدَةٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي "الْوَاضِحِ" وَغَيْرُهُ4.
ـــــــ
1 وعبارة ابن قدامة: ويعتبر لها "للعدالة" شيئان: الصلاح في الدين، وهو أداء الفرائض واجتناب المحارم، وهو أن لا يرتكب كبيرة، ولا يدمن على "صغيرة. المقنع 3/ 690".
2 الآية 31 من النساء. وتتمة الآية: {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيْماً}.
3 انظر: منهاج السنة النبوية 3/ 31 وما بعدها، 35 وما بعدها، تفسير الطبري 5/ 44، تفسير غريب القرآن ص 125، الكبائر للذهبي ص 7.
4 قال المجد ابن تيمية: "وقد روي عن أحمد أن الكذبة الواحدة لا تردّ بها الشهادة، فالرواية أولى" "المسودة ص 262". وهذه الرواية هي الراجحة عند الإمام أحمد، كما يفهم من عبارة المصنف بلفظ: "وعنه". وهو ما صرح به المصنف أيضاً بعد عدة أسطر، ونص عليها غيره.
"انظر: المسودة ص 262، 266، المحلي على جمع الجوامع 2/ 149، الكفاية ص 101، توضيح الأفكار 2/ 237 وما بعدها، إرشاد الفحول ص 51، كشف الأسرار 2/ 404".(2/393)
وَاحْتَجَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "رَدَّ شَهَادَةَ رَجُلٍ فِي كَذْبَةٍ1". وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ. رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ2 وَالْخَلاَّلُ وَجَعَلَهُ فِي التَّمْهِيدِ إنْ صَحَّ لِلزَّجْرِ. وَفِيهِ وَعِيدٌ فِي مَنَامِهِ34صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ6 فِي الصَّحِيحِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: الزَّجْرُ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ، وَأَنَّهَا مِنْ الْكَبَائِرِ5.
ـــــــ
1 انظر: المغني 10/ 149.
2 هو إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الحربي. قال ابن أبي يعلى: "كان إماماً في العلم، رأساً في الزهد، عارفاً بالفقه، بصيراًَ بالأحكام، حافظاً للحديث". وهو أحد الناقلين لمذهب أحمد. صنف كتباً كثيرة، منها: "غريب الحديث"، و"دلائل النبوة"، و"كتاب الحمام"، و"سجود القرآن"، و"ذم الغيبة"، و"النهي عن الكذب"، و"المناسك". توفي سنة 285 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/ 86، المنهج الأحمد 1/ 196، شذرات الذهب 2/ 190، طبقات الحفاظ ص 259، تذكرة الحفاظ 2/ 584، المدخل إلى مذهب أحمد ص 206".
3 كذا في جميع النسخ. ولعل الصواب: عقابه أو عتابه.
4 في ض ب ع: عليه أفضل الصلاة والسلام.
5 روى البخاري ومسلم والترمذي وأحمد والبيهقي عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟- ثلاثاً- قلنا: نعم يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين" - وكان متكئاً فجلس - فقال: "ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور"، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت".
"انظر: صحيح البخاري 2/ 102، صحيح مسلم 1/ 91، تحفة الأحوذي 6/ 584، مسند أحمد 5/ 36، السنن الكبرى 10/ 121".
وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والبيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله"- ثلاث مرات، ثم قرأ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ. حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ}. الحج/ 30-31.
"انظر: سنن أبي داود 2/ 274، تحفة الأحوذي 6/ 585، سنن ابن ماجه 2/ 794، السنن الكبرى 10/ 121، التلخيص الحبير 2/ 404، مسند أحمد 4/ 178".
وروى البخاري والترمذي والنسائي عن أنس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر؟ فقال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور".
"انظر: صحيح البخاري 2/ 12، تحفة الأحوذي 8/ 372، 6/ 584، سنن النسائي 7/ 81، مسند أحمد 3/ 131، 5/ 37".(2/394)
وَذَكَرَ فِي "الْفُصُولِ" فِي الشَّهَادَةِ: أَنَّ بَعْضَهُمْ اخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ. وَقَاسَ عَلَيْهَا بَقِيَّةَ الصَّغَائِرِ.
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْكَذْبَةَ الْوَاحِدَةَ لا تَقْدَحُ لِلْمَشَقَّةِ وَعَدَمِ دَلِيلِهِ1.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ "الْفُصُولِ": أَنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ. وَقِيَاسُ بَقِيَّةِ الصَّغَائِرِ عَلَيْهَا بَعِيدٌ، لأَنَّ الْكَذِبَ مَعْصِيَةٌ فِيمَا تَحْصُلُ بِهِ الشَّهَادَةُ، وَهُوَ الْخَبَرُ الْعَامُّ2.اهـ.
"وَتَقْدَحُ كَذْبَةٌ" وَاحِدَةٌ "فِيهِ" أَيْ فِي الْحَدِيثِ "وَلَوْ تَابَ مِنْهَا". نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ: لا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ3 مُطْلَقًا4. وَقَالَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ5، قَالَ: لأَنَّهُ زِنْدِيقٌ. فَتُخَرَّجُ تَوْبَتُهُ عَلَى تَوْبَتِهِ وَفَارَقَ الشَّهَادَةَ؛ لأَنَّهُ قَدْ يَكْذِبُ فِيهَا لِرِشْوَةٍ إلَى أَرْبَابِ الدُّنْيَا.
ـــــــ
1 "انظر: المسودة ص 262، شرح تنقيح الفصول ص 361 وما بعدها.
2 ساقطة من ز ش ب ع ض.
3 ساقطة من ش ب ز ع.
4 نقل الخطيب البغدادي بإسناده، والمجد بن تيمية عن الإمام أحمد أنه سئل عن محدث كذب في حديث واحد ثم تاب ورجع، فقال: "توبته فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يكتب حديثه أبداً".
"انظر: الكفاية ص 117، المسودة ص 261، 262".
"وانظر: توضيح الأفكار 2/ 237، تدريب الراوي 1/ 239 وما بعدها".
5 يقول عبد العزيز البخاري: "ثم التائب من أسباب الفسق والكذب تقبل روايته، إلا التائب من الكذب متعمداً في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا تقبل روايته أبداً، وإن حسنت توبته على ما ذكر عن غير واحد من أهل العلم، منهم أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي شيخ..........=(2/395)
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا فَرْقٌ بَعِيدٌ ؛ لأَنَّ الرَّغْبَةَ إلَيْهِمْ بِأَخْبَارِ الرَّجَاءِ1، أَوْ2 الْوَعِيدِ غَايَةُ3 الْفِسْقِ.
وَظَاهِرُ كَلامِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّ تَوْبَتَهُ تُقْبَلُ. وَقَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، لَكِنْ فِي غَيْرِ مَا كَذَبَ فِيهِ. كَتَوْبَتِهِ فِيمَا أَقَرَّ بِتَزْوِيرِهِ4.
وَقَبِلَهَا الدَّامَغَانِيُّ الْحَنَفِيُّ5 فِيهِ أَيْضًا. قَالَ: لأَنَّ رَدَّهَا لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ حُكْمٌ.
ـــــــ
= البخاري. ثم نقل مثل ذلك عن أبي بكر الصيرفي في شرحه لـ"رسالة الشافعي" وعن أبي المظفر السمعاني، وأبي عمرو بن الصلاح. "انظر: كشف الأسرار 2/ 404".
وانظر: مقدمة ابن الصلاح ص 55، توضيح الأفكار 2/ 237 وما بعدها، 241، الكفاية ص 117، المسودة ص 262.
لكن النووي رحمه الله قال: "قلت: هذا كله مخالف لقاعدة مذهبنا ومذهب غيرنا، ولا يتقوى الفرق بينه وبين الشهادة" "تدريب الراوي شرح تقريب النواوي 1/ 330".
وانظر: توضيح الأفكار 2/ 240، 242.
1 في ض: الرجال.
2 في ز ش: و.
3 في د ع: غايته.
4 وهذا ما رجحه النووي وقطع به، وقال: "المختار القطع بصحة توبته وقبول روايته". شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 70.
وانظر: تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 1/ 330.
5 هو محمد بن علي بن الحسين بن عبد الملك، أبو عبد الله الدامغاني، قاضي القضاة ببغداد، سمع الحديث، وبرع بالفقه، وانتهت إليه رئاسة الفقهاء. وكان ذا عقل واسع، وتواضع جم، وكان كثير العبادة، وبقي في القضاء ثلاثين سنة. توفي سنة 478 هـ، ولم يتفق له الحج، وله "شرح مختصر الحاكم".
انظر ترجمته في "الجواهر المضية 2/ 96، الفوائد البهية ص 182، شذرات الذهب 4/ 362، تاريخ بغداد 3/ 109، البداية والنهاية 12/ 129".(2/396)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: سَأَلْت أَبَا بَكْرٍ الشَّاشِيَّ1 عَنْهُ. فَقَالَ: لا يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِيمَا رُدَّ، وَيُقْبَلُ2 فِي غَيْرِهِ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ. قَالَ: وَسَأَلْت قَاضِي الْقُضَاةِ الدَّامَغَانِيَّ. فَقَالَ: يُقْبَلُ حَدِيثُهُ الْمَرْدُودُ وَغَيْرُهُ، بِخِلافِ شَهَادَتِهِ إذَا رُدَّتْ ثُمَّ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ تِلْكَ خَاصَّةً. قَالَ: لأَنَّ هُنَاكَ حُكْمًا مِنْ الْحَاكِمِ بِرَدِّهَا. فَلا يُنْقَضُ، وَرَدُّ الْخَبَرِ مِمَّنْ رُوِيَ لَهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ3.اهـ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذَا يَتَوَجَّهُ لَوْ رَدَدْنَا الْحَدِيثَ لِفِسْقِهِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَذْهَبُ. فَأَمَّا إذَا عَلِمْنَا كَذِبَهُ فِيهِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ الشَّهَادَةِ ؟ فَنَظِيرُهُ أَنْ يَتُوبَ مِنْ شَهَادَةِ زُورٍ 4وَيُقِرَّ فِيهَا5 بِالتَّزْوِيرِ5.
"وَالْكَبِيرَةُ" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا "مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا أَوْ" فِيهِ "وَعِيدٌ" خَاصٌّ "فِي الآخِرَةِ. وَزِيدَ" أَيْ وَزَادَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَتْبَاعُهُ أَوْ مَا فِيهِ "لَعْنَةٌ أَوْ غَضَبٌ 6أَوْ نَفْيُ إيمَانٍ 7"
ـــــــ
1 كذا في جميع النسخ. وقد يرد على الذهن أن المقصود هو محمد بن علي بن إسماعيل القفال، أبو بكر الشاشي، الذي مرت ترجمته ص 154، وهو غير صحيح، لأن أبا بكر الشاشي توفي قبل ولادة أبي يعلى بنصف قرن تقريباً.
وفي المسودة: أبا بكر الشامي.
2 في ز ش ب: وتقبل.
3 انظر: المسودة ص 262.
4 في ش: ويقرنها.
5 المسودة ص 262.
6 ساقطة من ش. وفي د: أو نفي إيمان أو غضب.
7 وهذا ما قاله الواحدي في تفسيره. "انظر: الوجيز للواحدي 1/ 148، فواتح الرحموت 2/ 144، العضد على ابن الحاجب 2/ 63".(2/397)
1اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْكَبِيرَةِ، هَلْ لَهَا ضَابِطٌ تُعْرَفُ بِهِ أَوْ لا ؟
فَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهَا لا يُعْرَفُ ضَابِطُهَا2.
قَالَ2 الْقَاضِي فِي الْمُعْتَمَدِ: مَعْنَى الْكَبِيرَةِ أَنَّ عِقَابَهَا أَعْظَمُ وَالصَّغِيرَةُ أَقَلُّ، وَلا يُعْلَمَانِ إلاَّ بِتَوْقِيفٍ.
قَالَ الْوَاحِدِيُّ3: الصَّحِيحُ أَنَّ الْكَبَائِرَ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ تُعْرَفُ بِهِ، وَإِلاَّ لاقْتَحَمَ النَّاسُ الصَّغَائِرَ وَاسْتَبَاحُوهَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْفَى ذَلِكَ عَنْ الْعِبَادِ لِيَجْتَهِدُوا فِي اجْتِنَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، رَجَاءَ أَنْ تُجْتَنَبَ4 الْكَبَائِرُ. نَظِيرُهُ إخْفَاءُ الصَّلاةِ الْوُسْطَى وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَسَاعَةِ الإِجَابَةِ 5فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ6 وَقِيَامِ السَّاعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ6.
ـــــــ
1 ساقطة من ش. وانظر: إرشاد الفحول ص 52، الوجيز في تفسير القرآن العزيز للواحدي 1/ 148.
2 في د ض: وقال.
3 هو علي بن أحمد بن محمد، أبو الحسين الواحدي، النيسابوري، المفسر، كان أستاذ عصره في علم النحو والتفسير، ودأب في العلوم، وأخذ اللغة، وتصدر للتدريس والإفادة مدة طويلة، وكان شاعراً، وله مصنفات كثيرة، منها: التفاسير الثلاثة: "البسيط"، و"الوسيط"، و"الوجيز"، وله "أسباب النزول"، و"الإغراب في الإعراب"، و"التحبير" في شرح الأسماء الحسنى"، و"شرح ديوان المتنبي"، و"نفي التحريف عن القرآن الشريف". توفي سنة 468 هـ بنيسابور.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 523، طبقات المفسرين 1/ 387، وفيات الأعيان 2/ 464، إنباه الرواة 2/ 464، بغية الوعاة 2/ 145، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 240، شذرات الذهب 3/ 330، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 168، البداية والنهاية 12/ 114".
4 في ش ب ز: يجتنبوا.
5 ساقطة من ش. وفي ب ع ض: في الجمعة.
6 قال ابن حجر الهيثمي: "قاله الواحدي في بسيطه" "الزواجر 1/ 5". وانظر: الوجيز للواحدي 1/ 148.(2/398)
وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّ لَهَا1 ضَابِطًا مَعْرُوفًا2، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الضَّابِطِ عَلَى أَقْوَالٍ.
الأَوَّلُ - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ - أَنَّ الْكَبِيرَةَ مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا أَوْ وَعِيدٌ فِي الآخِرَةِ، لِوَعْدِ3 اللَّهِ مُجْتَنِبَهَا4 بِتَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ5.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلأَنَّهُ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ مَا فِيهِ لَعْنَةٌ أَوْ غَضَبٌ أَوْ نَفْيُ إيمَانٍ ؛ لأَنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ نَفْيُ الإِيمَانِ لأَمْرٍ مُسْتَحَبٍّ، بَلْ لِكَمَالٍ وَاجِبٍ6.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَحْمِلَ كَلامَ أَحْمَدَ إلاَّ عَلَى مَعْنًى يُبَيِّنُ مِنْ كَلامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُرَادُهُ، لا عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ مِنْ كَلامِ كُلِّ أَحَدٍ.
الْقَوْلُ7 الثَّانِي - وَهُوَ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - :أَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى صَغِيرَةٌ، وَمَا تَعَلَّقَ بِحَقِّ الآدَمِيِّ كَبِيرَةٌ.
ـــــــ
1 في ش: لهما.
2 وضع العز بن عبد السلام ضابطاً لتمييز الصغائر من الكبائر فقال: "إذا أردت معرفة الفرق بين الصغائر والكبائر، فاعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها، فإن نقصت عن أقل مفاسد الكبائر فهي من الصغائر، وإن ساوت أدنى مفاسد الكبائر أو أربت عليها فهي من الكبائر ...". ثم ذكر أمثلة. "انظر: قواعد الأحكام 1/ 23".
وانظر: تفسير الطبري 5/ 37 وما بعدها، الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 5، الفروق للقرافي 1/ 121، إرشاد الفحول ص 52.
3 في ش: كوعد.
4 في ش: لمن يجتنبها. وفي د ع: مجتنبيها.
5 انظر: فواتح الرحموت 2/ 144، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، تفسير الطبري 5/ 40، الفروق للقرافي 1/ 121.
6 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 361، فواتح الرحموت 2/ 144.
7 في ع ض: والقول.(2/399)
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ - وَنُسِبَ إلَى الأَكْثَرِ -: أَنَّ الْكَبِيرَةَ مَا فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ1.
الرَّابِعُ: مَا أَوْجَبَ حَدًّا فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَغَيْرُهُ صَغِيرَةٌ، وَهُوَ لِجَمَاعَةٍ2.
الْخَامِسُ - وَهُوَ لِلْهَرَوِيِّ3 -: أَنَّ الْكَبِيرَةَ 4كُلُّ مَعْصِيَةٍ9 يَجِبُ فِي جِنْسِهَا حَدٌّ مِنْ قَتْلٍ وَ5غَيْرِهِ. وَتَرْكُ كُلِّ فَرِيضَةٍ6 مَأْمُورٍ بِهَا عَلَى الْفَوْرِ، وَالْكَذِبُ فِي الشَّهَادَةِ وَ7الرِّوَايَةِ وَفِي الْيَمِينِ.
ـــــــ
1 انظر: الزواجر 1/ 4، جمع الجوامع 2/ 152، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، غاية الوصول ص 100، إرشاد الفحول ص 52.
2 وهو تعريف البغوي وغيره.
"انظر: الزواجر 1/ 4، جمع الجوامع 2/ 152، شرح تنقيح الفصول ص 361، غاية الوصول ص 100".
3 إن الفقهاء والمحدثين الذين ينتسبون إلى هراة كثيرون، منهم القاضي أبو عاصم محمد بن أحمد العبادي، الهروي، صاحب "أدب القضاء" المتوفى سنة 458 هـ، ومنهم أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي صاحب "كتاب الغريبين"، وإذا أطلق "الهروي" في أبواب القضاء فالمقصود القاضي أبو سعيد محمد بن أحمد بن أبي يوسف الهروي تلميذ القاضي أبي عاصم، وهو قاضي همذان، شرح "أدب القضاء" للعبادي الهروي، وسماه "الإشراف على غوامض الحكومات"، وكان من الأئمة الفقهاء. توفي في حدود سنة 500هـ، وقيل: قتل شهيداً مع ابنه في جامع همذان سنة 498هـ. وهو المقصود هنا، لأن ابن حجر الهيتمي نص عليه فقال: "وهو تعريف الهروي في إشرافه". "الزواجر 1/ 2".
انظر ترجمة أبي سعيد الهروي في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 365، تهذيب الأسماء 2/ 236، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 187، طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 519.
وفي هامش ب: الحافظ الحنبلي.
4 ساقطة من ز ش.
5 في ب ع ض: أو.
6 في ض: كبيرة.
7 في ض: وفي.(2/400)
الْقَوْلُ السَّادِسُ - وَهُوَ لإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ-: أَنَّ الْكَبِيرَةَ كُلُّ جَرِيمَةٍ1 تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ2. وَرَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ3.
وَمَجْمُوعَةُ مَا جَاءَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الأَحَادِيثِ مِنْ الْكَبَائِرِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ4: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالزِّنَا، وَأَفْحَشُهُ بِحَلِيلَةِ الْجَارِ5، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ، وَالسِّحْرُ، 6وَأَكْلُ الرِّبَا10، وَأَكْلُ
ـــــــ
1 وفي رواية: جريرة، وهي بمعناها "انظر: الزواجر 1/ 4".
2 قال ابن حجر الهيتمي: "على أنك إذا تأملت كلام الإمام "الجويني" الأول ظهر لك أنه لم يجعل ذلك حدًّا للكبيرة، خلافاً لمن فهم منه ذلك، لأنه يشمل صغائر الخسّة، وليست كبائر، وإنما ضبطه به ما يبطل العدالة، لأن إمام الحرمين قال في آخر التعريف: "ورقة الديانة مبطلة للعدالة" "الزواجر 1/ 4".
3 وهو ما اختاره السبكي وغيره، وانظر تعريف الكبيرة في التعريفات للجرجاني ص 192، إرشاد الفحول ص 52، غاية الوصول ص 100، فواتح الرحموت 2/ 143-144، تيسير التحرير 3/ 45، مناهج العقول 2/ 297، كشف الأسرار 2/ 399 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/ 93، جمع الجوامع 2/ 152، الزواجر 1/ 4، تفسير الطبري 5/ 37 وما بعدها، الفروق للقرافي 1/ 121، تفسير مجاهد ص 153، قواعد الأحكام 1/ 26.
4 اختلف العلماء في عدد الكبائر، فقيل هي سبع، وقيل تسع، وقيل عشر، وقيل اثنتا عشرة، وقيل أربع عشرة، وقيل ست وثلاثون، وقيل سبعون، وقيل ثلاث. وأكد الذهبي أن عددها سبعون، وصنف كتاباً فيها "الكبائر"، ولكن الحافظ ابن حجر الهيتمي صنف كتاب "الزواجر عن اقتراف الكبائر" وأوصلها إلى سبعمائة معصية. وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع". وليس هناك دليل على حصرها في عدد معين. قال الطبري: "والذي نقول به في ذلك كل ما ثبت به الخبر".
"انظر: فواتح الرحموت 2/ 143، كشف الأسرار 2/ 399، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، المحلي على جمع الجوامع 2/ 160 وما بعدها، الزواجر 1/ 9، موسوعة فقه إبراهيم النخعي 2/ 576، تفسير الطبري 5/ 42، إرشاد الفحول ص 52، قواعد الأحكام 1/ 24، الكبائر للذهبي ص 8".
5 في ز ش: الجارة. وفي ع: جاره.
6 ساقطة من ش.(2/401)
مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ، وَالاسْتِطَالَةُ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَالنَّمِيمَةُ، وَالسَّرِقَةُ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَاسْتِحْلالُ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَنَكْثُ الصَّفْقَةِ، وَتَرْكُ السُّنَّةِ، وَالتَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ1، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَمَنْعُ ابْنِ السَّبِيلِ مِنْ فَضْلِ الْمَاءِ، وَعَدَمُ التَّنَزُّهِ مِنْ الْبَوْلِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَالتَّسَبُّبُ إلَى شَتْمِهِمَا، وَالإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ2.
"وَيُرَدُّ مُبْتَدِعٌ دَاعِيَةٌ" أَيْ رِوَايَةُ مُبْتَدِعٍ يَدْعُو النَّاسَ 3إلَى بِدْعَتِهِ3. وَ4الْمُبْتَدِعُ وَاحِدُ الْمُبْتَدِعَةِ، وَهُمْ أَهْلُ الأَهْوَاءِ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ5.
وَالْمُرَادُ إذَا كَانَتْ بِدْعَتُهُ غَيْرَ مُكَفِّرَةٍ. كَالْقَوْلِ بِتَفْضِيلِ عَلِيٍّ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ "أَوْ مَعَ بِدْعَةٍ6 مُكَفِّرَةٍ" كَالْقَوْلِ بِإِلاهِيَّتِهِ7 أَوْ غَيْرِهِ8.
ـــــــ
1 التعرب: هو الإقامة في البادية مع الأعراب. قال ابن الأثير: "وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يَعدّونه كالمرتد" "النهاية في غريب الحديث 3/ 202". وانظر: القاموس المحيط 1/ 107.
2 انظر: جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 153 وما بعدها، مناهج العقول 2/ 297، الإحكام للآمدي 2/ 77، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، الزواجر 1/ 4، فواتح الرحموت 2/ 143، تيسير التحرير 3/ 45، غاية الوصول ص 100، إرشاد الفحول ص 53.
3 ساقطة من ض.
4 ساقطة من ز ش.
5 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 54، معرفة علوم الحديث ص 53، توضيح الأفكار 2/ 198 وما بعدها، 280، جمع الجوامع 2/ 147، المسودة ص 262، 263، 264، أصول السرخسي 1/ 373، فواتح الرحموت 2/ 140، تيسير التحرير 3/ 42-43، اللمع ص 42، غاية الوصول ص 99، إرشاد الفحول ص 50.
6 ساقطة من ز ش ع.
7 في ش ع: بآلهيته.
8 انظر: شرح نخبة الفكر ص 156، توضيح الأفكار 2/ 213، تدريب الراوي 1/ 324، العضد على ابن الحاجب 2/ 62، المسودة ص 263، المعتمد 2/ 617، 618، نهاية السول 2/ 295، فواتح الرحموت 2/ 140، الإحكام للآمدي 2/ 73، غاية الوصول ص 99، الروضة ص 56.(2/402)
وَعَلَّلَ رَدَّ غَيْرِ الْمُكَفِّرَةِ بِخَوْفِ الْكَذِبِ لِمُوَافَقَةِ هَوَاهُ.
وَنُقِضَ ذَلِكَ بِالدَّاعِيَةِ فِي الْفُرُوعِ.
وَلَمْ يُفَرِّقْ جَمَاعَةٌ بَيْنَ الدَّاعِيَةِ وَغَيْرِهِ. وَقَبِلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ. وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ1.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْكَفَاءَةِ مِنْ "الْفُصُولِ": إنْ دَعَا كَفَرَ. وَقَالَ أَيْضًا: وَالصَّحِيحُ لا كُفْرَ ؛ لأَنَّ أَحْمَدَ أَجَازَ الرِّوَايَةَ عَنْ الْحَرُورِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ2.اهـ.
وَعُلِمَ مِمَّا فِي الْمَتْنِ: أَنَّ الْمُبْتَدِعَ غَيْرَ الدَّاعِيَةِ وَغَيْرَ الْمُكَفَّرِ بِبِدْعَتِهِ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَاتِ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعَدَمِ عِلَّةِ الْمَنْعِ، وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ الْمُبْتَدَعَةِ. كَالْقَدَرِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ وَالْمُرْجِئَةِ، وَرِوَايَةِ السَّلَفِ3 وَالأَئِمَّةِ عَنْهُمْ4.
ـــــــ
1 وهو قول أبي الخطاب من الحنابلة والغزالي وغيره من الشافعية، وأبي الحسين البصري من المعتزلة، بشرط أن يعتقدوا حرمة الكذب، وأن لا يتعلق الخبر بعقيدتهم وهواهم.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 83، المحلي على جمع الجوامع 2/ 147، الكفاية ص 121، تدريب الراوي 1/ 325، شرح نخبة الفكر ص 156، مناهج العقول 2/ 295، نهاية السول 2/ 297، كشف الأسرار 3/ 25-26، فواتح الرحموت 2/ 142، اللمع ص 42، غاية الوصول ص 99، إرشاد الفحول ص 51، المدخل إلى مذهب أحمد ص 92".
2 وهذا ما أيده الكمال بن الهمام حيث أجاز الرواية عن المبتدع بما هو كفر، كغلاة الروافض والخوارج، إن اعتقد حرمة الكذب "انظر: تيسير التحرير 3/ 41".
3 في ش ز: المسلمين.
4 انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 133، مناهج العقول 2/ 295، شرح تنقيح الفصول ص 359، الإحكام للآمدي 2/ 83، جمع الجوامع 2/ 147، تدريب الراوي 1/ 325، توضيح الأفكار 2/ 214، المسودة ص 263، الكفاية ص 120، كشف الأسرار 3/ 26، 27، مقدمة ابن الصلاح ص 54، المعتمد 2/ 618، تيسير التحرير 3/ 42، فواتح الرحموت 2/ 140، 142، شرح نخبة الفكر ص 158، مختصر الطوفي ص 57، غاية الوصول ص 99، الروضة ص 56، النووي على صحيح مسلم 1/ 60.(2/403)
لا يُقَالُ: قَدْ تُكُلِّمَ فِي بَعْضِهِمْ ؛ لأَنَّهُ أُرِيدَ مَعْرِفَةُ حَالِهِمْ، أَوْ لِلتَّرْجِيحِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، ثُمَّ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِمَنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ رَدِّهِ رَدُّ الْجَمِيعِ أَوْ الأَكْثَرِ، لِكَثْرَةِ تَفْسِيقِ الطَّوَائِفِ وَتَكْفِيرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَلأَنَّهَا حَاجَةٌ عَامَّةٌ. فَهِيَ أَوْلَى مِنْ تَصْدِيقِهِ فِي اسْتِئْذَانِهِ وَإِرْسَالِهِ بِهَدِيَّةٍ. وَذَلِكَ إجْمَاعٌ. ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَنَهْيُ أَحْمَدَ عَنْ الأَخْذِ عَنْهُمْ إنَّمَا هُوَ لِهَجْرِهِمْ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِالأَحْوَالِ وَالأَشْخَاصِ. وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِ الْخَلاَّلُ عَنْ قَوْمٍ لِنَهْيِ الْمَرُّوذِيِّ1، ثُمَّ رَوَى عَنْهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ2. وَلِهَذَا جَعَلَ الْقَاضِي الدَّاعِيَ إلَى الْبِدْعَةِ قِسْمًا غَيْرَ دَاخِلٍ فِي مُطْلَقِ الْعَدَالَةِ3.
ـــــــ
1 هو أحمد بن محمد بن الحجاج، المقدم من أصحاب أحمد لورعه وفضله. وهو من أجل أصحابه، وكان إماماً في الفقه والحديث، كثير التصانيف. توفي سنة 275 هـ، ودفن عند قبر الإمام أحمد.
انظر ترجمته في طبقات الحنابلة 1/ 56، المنهج الأحمد 1/ 172، شذرات الذهب 2/ 166.
وفي ش: المروزي، وهو تصحيف. ما أثبتناه في الأعلى من نسخة ب ز. وقد نص عليه في المسودة ص 264. أما المروزي فهو هيدام بن قتيبة أحد الناقلين مذهب أحمد عنه. توفي سنة 274هـ. "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 211".
2 وعلل ذلك الشيخ تقي الدين فقال: "وذلك أن العلة استحقاق الهجر عند التارك، واستحقاق الهجر يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على من أمر أصحابه بالصلاة عليه". "المسودة ص 264، 266".
3 انظر: المسودة ص 264.(2/404)
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: عَدَمُ الْقَبُولِ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْقَاضِي مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْبَاقِلاَّنِيّ وَالآمِدِيِّ وَالْجُبَّائِيَّةِ وَجَمَاعَةٍ1. كَمَا لَوْ تَدَيَّنَ بِالْكَذِبِ كَالْخَطَّابِيَّةِ مِنْ الرَّافِضَةِ - نِسْبَةً إلَى أَبِي الْخَطَّابِ2 - مِنْ مَشَايِخِ الرَّافِضَةِ، كَانَ يَقُولُ: بِأُلُوهِيَّةِ3 جَعْفَرٍ الصَّادِقِ4، ثُمَّ ادَّعَى5 الأُلُوهِيَّةَ6 لِنَفْسِهِ، عَلَيْهِ
ـــــــ
1 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 83، المستصفى 1/ 160، المحلي على جمع الجوامع 2/ 147، نهاية السول 2/ 295-296، مناهج العقول 2/ 296، شرح نخبة الفكر ص 156، تدريب الراوي 1/ 324، العضد على ابن الحاجب 2/ 62، الكفاية ص 120، فواتح الرحموت 2/ 140.
2 هو محمد بن أبي زينب الأسدي الأجدع، مولى بني أسد. قال ابن قتيبة: "ولا أدري من هو". وهو الذي عزا نفسه إلى أبي جعفر محمد الصادق. فلما وقف الصادق على غلوه الباطل في حقه تبرأ منه ولعنه، وأمر أصحابه بالبراءة منه، وشدد القول في ذلك. فلما اعتزل عنه ادعى الإمامة لنفسه، وزعم أبو الخطاب أن الأئمة أنبياء ثم آلهة. وقال بألوهية جعفر بن محمد، وألوهية آبائه، وأن الألوهية نور في النبوة، وزعم أن جعفراً هو الإله في زمانه، ولما وقف عيسى بن موسى صاحب المنصور على خبث دعوته قتله بالكوفة، وافترقت ال خطابية بعده فرقاً. قال السبكي: "يرون جواز الشهادة لأحدهم بمجرد قوله، وهم المجسمة، ويرون الكذب على مخالفيهم".
"انظر: الملل والنحل للشهرستاني 1/ 179 طبعة 1387 هـ/ 1967 م، طبقات الشافعية الكبرى 2/ 16، المعارف ص 623، دائرة المعارف الإسلامية 8/ 369".
3 في ب ز ع ض: بإلاهية.
4 هو جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو عبد الله الهاشمي، أحد الأئمة الاثني عشر عند الإمامية. كان سيد بني هاشم في زمنه، ومن سادات أهل البيت. ولقب بالصادق لصدقه في مقالته. وله كلام في صنعة الكيمياء والزجر والفأل، وله خمسمائة رسالة، جمعها تلميذه جابر بن حباب الصوفي، وكان من عباد أتباع التابعين، ومن علماء أهل المدينة. مات سنة 148 هـ، ودفن بالبقيع في قبر أبيه وجده وعم جده الحسن بن علي. روى عنه خلق كثير، وكان ثقة.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 1/ 291، طبقات القراء 1/ 196، تهذيب الأسماء 1/ 149، مشاهير علماء الأمصار ص 127، الخلاصة ص 63، حلية الأولياء 3/ 192، تذكرة الحفاظ 1/ 166".
5 ساقطة من ض.
6 في ب ز ض: الإلهية.(2/405)
لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَهُوَ وَأَتْبَاعُهُ يَسْتَحِلُّونَ الْكَذِبَ فِي نُصْرَةِ مَذْهَبِهِمْ. فَيَرَوْنَ1 الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ لِمُوَافِقِهِمْ عَلَى مُخَالِفِهِمْ2.
قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا فِي أَهْلِ الأَهْوَاءِ قَوْمٌ أَشْهَدُ بِالزُّورِ مِنْ الرَّافِضَةِ3.
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: الْقَبُولُ مَعَ بِدْعَةٍ مُفَسِّقَةٍ مُطْلَقًا لا مَعَ مُكَفِّرَةٍ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ لِعِظَمِ الْكُفْرِ، فَيَضْعُفُ الْعُذْرُ وَيَقْوَى عَدَمُ الْوُثُوقِ4.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ: إنَّ الْعُلَمَاءَ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالأُصُولِيِّينَ قَالُوا: لا تُقْبَلُ رِوَايَةُ مَنْ كُفِّرَ بِبِدْعَتِهِ5 اتِّفَاقًا6اهـ.
ـــــــ
1 في ع: ويرون.
2 ولأن المبتدعة إما كفرة أو فسقة، فلا يجوز أن يقبل خبرهم، وهو رأي القاضي عبد الجبار من المعتزلة.
"انظر: المستصفى 1/ 160، شرح تنقيح الفصول ص 360، 362، نهاية السول 2/ 296، مناهج العقول 2/ 294، مقدمة ابن الصلاح ص 54، المحلي على جمع الجوامع 2/ 147، فواتح الرحموت 2/ 140، اللمع ص 42، إرشاد الفحول ص 50 وما بعدها".
3 آداب الشافعي ومناقبه ص 187، 189. وانظر: النووي على صحيح مسلم 1/ 60.
وقال الآمدي: "فإما أن يكون ممن يرى الكذب ويتدين به فلا نعرف خلافاً في امتناع قبول شهادته، كالخطابية من الرافضة، لأنهم يرون شهادة الزور لموافقيهم في المذهب". "الإحكام للآمدي 2/ 83".
"وانظر: المستصفى 1/ 160، نهاية السول 2/ 304، مناهج العقول 2/ 298، مقدمة ابن الصلاح ص 54، الكفاية ص 120، 126".
4 انظر: توضيح الأفكار 2/ 215، المحلي على جمع الجوامع 2/ 147، المسودة ص 263.
5 في ب: ببدعة.
6 وقال النووي أيضاً في "التقريب": "من كفر ببدعته لم يحتج به بالاتفاق".
"تدريب الراوي شرح تقريب النواوي 1/ 324، شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 60".
وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 62.(2/406)
وَقَالَ الْقَاضِي عَلاءُ الدِّينِ الْبَعْلِيُّ1 مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا: "إنْ كَانَتْ بِدْعَةُ أَحَدِهِمْ مُغَلَّظَةً كَالتَّجَهُّمِ رُدَّتْ رِوَايَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَسِّطَةً كَالْقَدَرِيَّةِ. رُدَّتْ إنْ كَانَ دَاعِيَةً. وَإِنْ كَانَتْ خَفِيفَةً2 كَالإِرْجَاءِ، فَهَلْ تُقْبَلُ3 مَعَهَا مُطْلَقًا. أَمْ يُرَدُّ غَيْرُ الدَّاعِيَةِ؟ رِوَايَتَانِ. هَذَا تَحْقِيقُ مَذْهَبِنَا4".اهـ.
"وَلَيْسَ الْفُقَهَاءُ" الْمُخْتَلِفُونَ فِي الْفُرُوعِ "مِنْهُمْ" أَيْ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ الأَكْثَرِ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ": قَالَهُ5 ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ أَوْلَى6.
وَخَالَفَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَابْنُ الْبَنَّاءِ وَجَمْعٌ فَأَدْخَلُوهُمْ فِي أَهْلِ الأَهْوَاءِ.
ـــــــ
1 هو علي بن محمد بن علي بن عباس، أبو الحسين البعلي الحنبلي، علاء الدين المعروف بابن اللحام، كان يعظ في الجامع الأموي، وينقل مذاهب المخالفين محررة من كتبهم مع حسن المجالسة وكثرة التواضع، وصار شيخ الحنابلة بالشام مع ابن مفلح، وعرض عليه قضاء دمشق فأبى، ثم قدم القاهرة بعد غزوة التتر للشام، وولي تدريس المنصورية. ومن مصنفاته "القواعد والفوائد الأصولية"، و"الأخبار العلمية"، و"اختيارات الشيخ تقي الدين"، و"تجريد أحكام النهاية"، و"المختصر في أصول الفقه". توفي سنة 803 هـ.
انظر: ترجمته في "الضوء اللامع 5/ 320، شذرات الذهب 7/ 31، طبقات المفسرين 1/ 432، المدخل إلى مذهب أحمد ص 236".
2 في ع: خفية.
3 في ع: يقبل.
4 المختصر في أصول الفقه ق 25/ ب، مخطوط بالمكتبة الأزهرية رقم 127/ 5482، ومصور في مركز البحث العلمي والتراث الإسلامي بمكة المكرمة، ويقوم بتحقيقه الزميل الفاضل الدكتور محمد مظهر بقا، المحقق في المركز.
5 في ض: قال.
6 قال أبو حامد الشافعي: "ضرب اختلفوا في الفروع، فهؤلاء لا يفسقون بذلك، ولا ترد شهادتهم، وقد اختلف الصحابة في الفروع ومن بعدهم من التابعين". المغني لابن قدامة 10/ 146، 164.(2/407)
فَ عَلَى الأَوَّلِ "مَنْ شَرِبَ نَبِيذًا مُخْتَلَفًا فِيهِ: حُدَّ" عِنْدَنَا "وَيُفَسَّقُ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ" أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى إبَاحَتِهِ "أَوْ مُقَلِّدٌ" لِذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ ؛ لأَنَّ1 مَحِلَّ الْخِلافِ فِيهِمَا2.
وَعَنْ3 أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ بِالْفِسْقِ مُطْلَقًا. وَاخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي "الإِرْشَادِ"، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ فِي "الْمُبْهِجِ"4، وِفَاقًا لِلإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ فِي ذَلِكَ5.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: لا حَدَّ وَلا فِسْقَ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ أَبُو ثَوْرٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ قَوِيٌّ لِلْخِلافِ فِيهِ كَغَيْرِهِ، وَلِئَلاَّ يُفَسَّقَ بِوَاجِبٍ، لِفِعْلِهِ مُعْتَقِدًا وُجُوبَهُ فِي مَوْضِعٍ6، وَلا أَثَرَ لاعْتِقَادِ الإِبَاحَةِ7.
ـــــــ
1 في ب: لأنه.
2 وخالف الحنفية في ذلك، فقال الكمال بن الهمام: "وأما شرب النبيذ واللعب بالشطرنج وأكل متروك التسمية عمداً من مجتهد ومقلده فليس بفسق". "تيسير التحرير 3/ 43".
وقال المجد ابن تيمية: "وأما من فعل محرَّماً بتأويل فلا ترد روايته في ظاهر المذهب". "المسودة ص 265".
وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 63، 66، صحيح مسلم بشرح النووي 1/ 110، المغني 10/ 164، المسودة ص 266.
3 في ض: وعند.
4 في ش ز: المنهج. وهو تصحيف.
"وانظر: طبقات الحنابلة 2/ 248، ذيل طبقات الحنابلة 1/ 71، المنهج الأحمد 2/ 162".
5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 362.
6 في ب ع ض: مواضع.
7 قال ابن الحاجب: "وأما من يشرب النبيذ ويلعب بالشطرنج ونحوه من مجتهد ومقلد فالقطع أنه ليس بفاسق". "مختصر ابن الحاجب 2/ 62".
وهناك أقوال أخرى في المسألة.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 82، المستصفى 1/ 160، تيسير التحرير 3/ 43، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، المسودة ص 265، 266".(2/408)
"وَحَرُمَ إجْمَاعًا إقْدَامُ" مُكَلَّفٍ "عَلَى مَا" أَيْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ "لَمْ يَعْلَمْ جَوَازَهُ:" لأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ يَجُوزُ فِعْلُهُ أَوْ لا يَجُوزُ: جُرْأَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى الْعُلَمَاءِ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَسْأَلْ، وَلأَنَّهُ ضَمَّ جَهْلاً إلَى فِسْقٍ.
قَالَ الْحَلْوَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا: وَلا يُحْكَمُ بِفِسْقِ مُخَالِفٍ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ، وَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ، خِلافًا لِبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ1.
قَالَ2 ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا أَطْلَقَهُ.
"وَيُرَدُّ مَا رَوَاهُ مُتَسَاهِلٌ فِي رِوَايَتِهِ3" سَمَاعًا أَوْ إسْمَاعًا كَالنَّوْمِ وَقْتَ السَّمَاعِ، وَقَبُولِ التَّلْقِينِ، أَوْ يُحَدِّثُ لا مِنْ أَصْلٍ مُصَحَّحٍ وَنَحْوِهِ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْمُحَدِّثُونَ.
وَهُوَ قَادِحٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: يَحْرُمُ التَّسَاهُلُ فِي الْفُتْيَا وَاسْتِفْتَاءُ مَعْرُوفٍ بِهِ. وَقَبُولُ الْحَدِيثِ مِمَّنْ هُوَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ. وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي "الْمَحْصُولِ" وَغَيْرِهِ4.
ـــــــ
1 "انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 62.
2 في ض: قاله.
3 في ز ش: رواية.
4 قال المجد بن تيمية: "إذا كان الراوي يتساهل في أحاديث الناس، ويكذب فيها، ويتحرز في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تقبل روايته ... وبهذا قال مالك خلافاً لبعضهم". "المسودة ص 266".
وانظر: أصول السرخسي 1/ 373، فواتح الرحموت 2/ 142، كشف الأسرار 3/ 23، 25، 48، 49، المستصفى 1/ 162، شرح تنقيح الفصول ص 370، مناهج العقول 2/ 306، نهاية السول 2/ 309، مقدمة ابن الصلاح ص 57، توضيح الأفكار 2/ 255، تدريب الراوي 1/ 339، المحلي على جمع الجوامع 2/ 147، غاية الوصول ص 99، الكفاية ص 151 وما بعدها.(2/409)
"وَ" مَا رَوَاهُ "مَجْهُولُ عَيْنٍ" عَلَى الصَّحِيحِ وَقَطَعَ بِهِ جَمْعٌ، مِنْهُمْ التَّاجُ السُّبْكِيُّ1.
وَحَكَى الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ2.
أَحَدَهَا: لا يُقْبَلُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ3.
وَالثَّانِي: يُقْبَلُ مُطْلَقًا. وَهُوَ رَأْيُ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الرَّاوِي غَيْرَ الإِسْلامِ4.
وَالثَّالِثُ: إنْ كَانَ الْمُنْفَرِدُ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ لا يَرْوِي إلاَّ عَنْ عَدْلٍ، كَابْنِ
مَهْدِيٍّ5 وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ6.
ـــــــ
1 جمع الجوامع 2/ 150.
وانظر: مقدمة ابن الصلاح ص 53، توضيح الأفكار 2/ 185، الروضة ص 57، المستصفى 1/ 162، غاية الوصول ص 100، إرشاد الفحول ص 54.
2 انظر هذه الأقوال مع بيان أصحابها وأدلتهم في توضيح الأفكار 2/ 185 وما بعدها".
3 انظر: المسودة ص 255، إرشاد الفحول ص 53، توضيح الأفكار 2/ 185.
4 انظر: غاية الوصول ص 100، توضيح الأفكار 2/ 185، إرشاد الفحول ص 53.
5 هو عبد الرحمن بن مهدي بن حسان، أبو سعيد البصري، اللؤلؤي، الحافظ. روى عن شعبة ومالك والسفيانين والحمادين وخلق. قال ابن المديني: "كان من أعلم الناس". وقال أبو حاتم: "إمام ثقة أثبت من يحيى بن سعيد، وأوثق من وكيع". وكان أحد أركان الحديث بالعراق، وكتب عن صغار التابعين، وكان رأساً في العبادة، وكان فقيهاً مفتياً عظيم الشأن، يحج كل سنة. مات بالبصرة سنة 198هـ.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 329، طبقات الحفاظ ص 139، الخلاصة ص 235، طبقات الحنابلة 1/ 207، المنهج الأحمد 1/ 58، المعارف ص 513، شذرات الذهب 1/ 355، تاريخ بغداد 10/ 240، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 91، تهذيب الأسماء 1/ 304".
6 هو يحيى بن سعيد بن فروخ القطان، التميمي مولاهم، المحدث، أبو سعيد البصري الأحول، الحافظ، الإمام، من تابعي التابعين. اتفقوا على إمامته وجلالته ووفور حفظه وعلمه وصلاحه، وكان محدث زمانه، وأحد أئمة الجرح والتعديل، وكان ورعاً فاضلاً متديناً........=(2/410)
وَاكْتَفَيْنَا بِالتَّعْدِيلِ بِوَاحِدٍ قُبِلَ، وَإِلاَّ فَلا1.
وَالرَّابِعُ: إنْ كَانَ مَشْهُورًا فِي غَيْرِ الْعِلْمِ بِالزُّهْدِ وَالْقُوَّةِ فِي الدِّينِ، قُبِلَ وَإِلاَّ فَلا، وَهُوَ لابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ2.
وَالْخَامِسُ: إنْ زَكَّاهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مَعَ رِوَايَةِ وَاحِدٍ عَنْهُ، قُبِلَ وَإِلاَّ فَلا. وَهُوَ لأَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْقَطَّانِ3.
"أَوْ عَدَالَةٍ" عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ "مَجْهُولُ عَيْنٍ" يَعْنِي أَنَّهُ لا تُقْبَلُ4 رِوَايَةُ مَجْهُولِ الْعَدَالَةِ عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْهُمْ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ
ـــــــ
1 انظر: توضيح الأفكار 2/ 185، المسودة ص 255، إرشاد الفحول ص 53.
2 انظر: توضيح الأفكار 2/ 185.
3 هو أحمد بن محمد بن أحمد، المعروف بابن القطان، البغدادي، أبو الحسين، الفقيه الشافعي الأصولي. نشأ ببغداد، وحفظ بها القرآن، وتعلم العلوم، ونبغ في الفقه والأصول، وكان من كبار أئمة الشافعية، مجتهداً في المذهب، وانحصرت فيه رئاسة علماء الشافعية بعد وفاة أبي القاسم الداركي، وصنف في أصول الفقه وفروعه. توفي سنة 359 هـ، ولم يترجم له ابن السبكي.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 1/ 53، طبقات الفقهاء ص 113، تاريخ بغداد 4/ 365، شذرات الذهب 3/ 28، الفتح المبين 1/ 198، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 85".
وهذا الرأي ظاهر تصرف ابن حبان في ثقاته، فإنه يحكم برفع الجهالة برواية واحدة وحكي ذلك عن النسائي أيضاً.
"انظر: توضيح الأفكار 2/ 185، مقدمة ابن الصلاح ص 53، إرشاد الفحول ص 53".
4 في ض: يقبل.(2/411)
عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ1.
وَعِنْدَ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: تُقْبَلُ وِفَاقًا لأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَابْنِ فُورَكٍ وَسُلَيْمٍ الرَّازِيِّ وَالْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ2. وَمِنْ أَصْحَابِنَا: الطُّوفِيُّ. كَقَبُولِهِ عَقِبَ إسْلامِهِ.
وَإِطْلاقُ الْقَبُولِ3 عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ نَقَلَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ4.
ـــــــ
1 وهو رأي الكمال بن الهمام من الحنفية.
انظر أدلة هذا القول في "الكفاية ص 81، المسودة ص 253، تيسير التحرير 3/ 48، كشف الأسرار 2/ 400، 3/ 20، نهاية السول 2/ 304، الإحكام للآمدي 2/ 78، المستصفى 1/ 157، تدريب الراوي 1/ 316، مختصر ابن الحاجب 1/ 64، توضيح الأفكار 2/ 191، مقدمة ابن الصلاح ص 53، شرح نخبة الفكر ص 155، غاية الوصول ص 100، اللمع ص 43، التمهيد ص 136، مختصر الطوفي ص 58، الروضة ص 57-58، إرشاد الفحول ص 51، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93".
2 هو أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر، الحافظ أبو العباس، محب الدين، الطبري، ثم المكي، شيخ الحرم، وحافظ الحجاز بلا مدافعة. وهو شيخ الشافعية ومحدث الحجاز. كان فقيهاً إماماً، زاهداً صالحاً. صنف التصانيف الجيدة، منها: "الإحكام" في الحديث، "ومختصر في الحديث"، ورتبه على أبواب "التنبيه"، وكتاب في "فضل مكة"، و"شرح على التنبيه"، و"تخريجة في التفسير"، و"الكافي في غريب القرآن" وغير ذلك. توفي سنة 694هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 18، العقد الثمين 3/ 61، المنهل الصافي 1/ 320، طبقات الحفاظ ص 510، تذكرة الحفاظ 4/ 1474، البداية والنهاية 13/ 340، شذرات الذهب 5/ 425".
3 في ب ض: القول.
4 انظر أدلة هذا القول ومناقشتها في "الإحكام للآمدي 2/ 78، 80، المستصفى 1/ 157 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 146، تيسير التحرير 3/ 48، مقدمة ابن الصلاح ص 53، العضد على ابن الحاجب 2/ 64، جمع الجوامع 2/ 150، الكفاية ص 82، شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 61، المغني لابن قدامة 10/ 57، المسودة ص 253، 256، توضيح الأفكار 2/ 192، شرح نخبة الفكر ص 154، شرح تنقيح الفصول ص 364، الروضة ص 57- 58، إرشاد الفحول ص 51-53، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 386".(2/412)
وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ": وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: إنْ رَدَّهُ جَمِيعُهُمْ لَمْ يُقْبَلْ. وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيهِ قُبِلَ، وَإِنْ لَمْ يُرَدَّ وَلَمْ يُقْبَلْ جَازَ قَبُولُهُ لِظَاهِرِ عَدَالَةِ الْمُسْلِمِ وَلَمْ يَجِبْ. وَجَوَّزَ الْحَنَفِيَّةُ الْقَضَاءَ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ. أَمَّا الْيَوْمَ فَتُعْتَبَرُ1 التَّزْكِيَةُ لِغَلَبَةِ الْفِسْقِ2.اهـ.
وَنَقَلَ الْبِرْمَاوِيُّ عَنْ صَاحِبِ "الْبَدِيعِ3" وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا قَبِلَ ذَلِكَ فِي صَدْرِ الإِسْلامِ حَيْثُ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ الْعَدَالَةُ. فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلا بُدَّ مِنْ التَّزْكِيَةِ لِغَلَبَةِ الْفِسْقِ4.اهـ.
ـــــــ
1 في ع: فيعتبر.
2 وهو ما اختاره الكمال بن الهمام نقلاً عن ظاهر الرواية عن أبي حنيفة في مجهول الحال، وأنه لا بدَّ من التزكية. أما ظاهر العدالة، وهو من التزم أوامر الله ونواهيه، ولم يظهر فيه خلاف ذلك، وباطن أمره غير معلوم، فهو عدل، وتقبل روايته "انظر: تيسير التحرير 3/ 48- 49".
بينما يخصص السرخسي قبول العدالة الظاهرة بالقرون الثلاثة، فيقول: "المجهول من القرون الثلاثة عدل بتعديل صاحب الشرع إياه ما لم يتبين منه ما يزيل عدالته، فيكون خبره حجة" "أصول السرخسي 1/ 352".
وانظر: كشف الأسرار 2/ 386، 388، 400، 3/ 20، المعتمد 2/ 620، تدريب الراوي 1/ 317، المسودة ص 257، أصول السرخسي 1/ 370، إرشاد الفحول ص 53.
3 في ش: البدائع. وهو تصحيف، لأن كتاب "البدائع" للكاساني في الفقه الحنفي. أما كتاب "البديع" فهو في أصول الفقه، وهو ما ينقل عنه الحنفية في هذه المواطن، ويتردد في كتبهم الأصولية، واسمه الكامل: "بديع النظام، الجامع بين أصول البزدوي والإحكام" للساعاتي، مظفر الدين أحمد بن علي الساعاتي البغدادي الحنفي المتوفى سنة 694هـ.
"انظر: الفتح المبين 2/ 94، فواتح الرحموت 2/ 150".
4 حكى الإمام مسلم في "صحيحه" الإجماع على رد خبر الفاسق، فقال: "إنه غير مقبول عند أهل العلم، كما أن شهادته مردودة عند جميعهم". وهو ما نقله السرخسي عن الإمام محمد رحمه الله تعالى. وقال عضد الدين: "واعلم أن هذا مبني على أن الأصل الفسق أو العدالة، والظاهر أنه الفسق، لأن العدالة طارئة، ولأنه أكثر العضد على ابن الحاجب 2/ 64".
وانظر: صحيح مسلم بشرح النووي 1/ 61، أصول السرخسي 1/ 371، فواتح الرحموت 2/ 147، إرشاد الفحول ص 53.(2/413)
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُوقَفُ وَيَجِبُ الْكَفُّ فِي التَّحْرِيمِ إلَى الظُّهُورِ احْتِيَاطًا. فَلَوْ كُنَّا عَلَى اعْتِقَادٍ فِي حِلِّ شَيْءٍ فَرَوَى لَنَا مَسْتُورٌ تَحْرِيمَهُ، فَاَلَّذِي أَرَاهُ: وُجُوبُ الانْكِفَافِ1 عَمَّا كُنَّا نَسْتَحِلُّهُ إلَى تَمَامِ الْبَحْثِ عَنْ حَالِ الرَّاوِي2.
قَالَ: وَلَيْسَ ذَلِكَ حُكْمًا بِالْحَظْرِ لِلتَّرْتِيبِ عَلَى الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَوَقُّفٌ فِي الأَمْرِ. وَالتَّوَقُّفُ3 فِي الإِبَاحَةِ يَتَضَمَّنُ الإِحْجَامَ، وَهُوَ مَعْنَى الْحَظْرِ. فَهُوَ إذًا حَظْرٌ مَأْخُوذٌ مِنْ قَاعِدَةٍ مُمَهَّدَةٍ. وَهِيَ التَّوَقُّفُ عِنْدَ عَدَمِ بُدُوِّ ظَوَاهِرِ الأُمُورِ إلَى اسْتِبَانَتِهَا. فَإِذَا ثَبَتَتْ الْعَدَالَةُ فَالْحُكْمُ بِالرِّوَايَةِ إذْ ذَاكَ. اهـ.
"أَوْ ضَبْطٍ" مَعْطُوفٌ عَلَى "عَدَالَةٍ" يَعْنِي أَنَّهُ تُرَدُّ رِوَايَةُ مَجْهُولِ الضَّبْطِ كَمَا تُرَدُّ رِوَايَةُ مَجْهُولِ الْعَدَالَةِ ؛ لأَنَّ غَيْرَ الضَّابِطِ لا يُؤْمَنُ مِنْ أَنْ يُدَلَّسَ عَلَيْهِ. فَاشْتُرِطَ ثُبُوتُ ضَبْطِهِ4.
"لا رَقِيقٌ" يَعْنِي أَنَّهُ لا تُرَدُّ رِوَايَةُ الرَّقِيقِ مِنْ أَجْلِ رِقِّهِ5 لِظَاهِرِ الأَدِلَّةِ. فَإِنَّهَا تَشْمَلُهُ6.
ـــــــ
1 في ش: الكف. وفي ز: الكفاف.
2 واعترض عليه الأبياري في "شرح البرهان" بأن اليقين لا يزول بالشك، والحِلُّ ثابت بالأصل فلا يرفع بالتحريم المشكوك فيه.
"انظر: جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 150".
3 في ع ض: والتوقيف.
4 انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 132، اللمع ص 42، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93.
5 في ز ش: رق.
6 انظر: أصول السرخسي 1/ 352، فواتح الرحموت 2/ 144، تيسير التحرير 3/ 46، كشف الأسرار 2/ 402، المعتمد 2/ 621، الإحكام لابن حزم 1/ 130، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، المسودة ص 259.(2/414)
"وَ" لا "أُنْثَى" لِقَبُولِهِمْ خَبَرَ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ1 وَأَمِّ سَلَمَةَ وَأَمِّ سُلَيْمٍ2 وَغَيْرِهِنَّ، وَلا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الأُنْثَى حُرَّةً أَوْ رَقِيقَةً3.
"وَ" كَذَا لا تُرَدُّ رِوَايَةُ "قَرِيبٍ" لِكَوْنِهِ قَرِيبًا لِلرَّاوِي عَنْهُ4.
"وَ" لا رِوَايَةُ "ضَرِيرٍ" لِكَوْنِهِ ضَرِيرًا5.
ـــــــ
1 هي أسماء بنت أبي بكر الصديق، والدة عبد الله بن الزبير بن العوام. أسلمت قديماً بعد سبعة عشر نفساً. هاجرت وهي تحمل بعبد الله، فولدته بقباء، وعاشت إلى أن ولي ابنها الخلافة، وبقيت على قيد الحياة إلى أن قتل، وماتت بعده بقليل بمكة سنة 73 هـ. وقيل غير ذلك. وكانت تلقب بذات النطاقين، لقبها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة. روت عدة أحاديث في الصحيحين والسنن. عاشت مائة سنة لم يسقط لها سن، ولم ينكر لها عقل، ولها مناقب كثيرة رضي الله عنها.
انظر ترجمتها في "الإصابة 4/ 230، الاستيعاب 4/ 232، تهذيب الأسماء 2/ 328، الخلاصة ص 488، حلية الأولياء 2/ 55". ولفظة "أسماء" ساقطة من ض.
2 هي سهلة بنت ملحان بن خالد الأنصارية النجارية، وقيل اسمها رملة، وقيل غير ذلك. وهي أم أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت من فاضلات الصحابيات، وكانت تحت مالك بن النضر. أسلمت مع قومها، وعرضت الإسلام على زوجها، فغضب عليها وخرج إلى الشام فمات هناك، ثم خلف عليها أبو طلحة الأنصاري. روت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث، وكانت من عقلاء النساء، وقاتلت يوم حنين.
انظر ترجمتها في "الاستيعاب 4/ 455، الإصابة 4/ 461، تهذيب الأسماء 2/ 363، الخلاصة ص 498، حلية الأولياء 2/ 57".
3 انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 130، الإحكام للآمدي 2/ 94، المعتمد 2/ 621، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، المسودة ص 258، كشف الأسرار 2/ 402، فواتح الرحموت 2/ 144، أصول السرخسي 1/ 352، الروضة ص 58، مختصر الطوفي ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص93.
4 انظر: المستصفى 1/ 161، الإحكام للآمدي 2/ 94، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، 68، فواتح الرحموت 2/ 144، تيسير التحرير 3/ 46، الروضة ص 59، مختصر الطوفي ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93.
5 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 94، المستصفى 1/ 161، المعتمد 2/ 621، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، المسودة ص 259، 290، تيسير التحرير 3/ 46، كشف الأسرار 2/ 402، فواتح الرحموت 2/ 144، أصول السرخسي 1/ 352، الروضة ص 58، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93.(2/415)
"وَ" لا "عَدُوٍّ" لِكَوْنِهِ عَدُوًّا لِلرَّاوِي عَنْهُ ؛ لأَنَّ حُكْمَ الرِّوَايَةِ عَامٌّ لِلْمُخْبِرِ وَالْمُخْبَرِ1، وَلا يَخْتَصُّ بِشَخْصٍ فَلا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ، بِخِلافِ الشَّهَادَةِ2.
"وَ" لا تُرَدُّ أَيْضًا رِوَايَةُ "قَلِيلِ سَمَاعِ الْحَدِيثِ" 3 بَلْ مَتَى سَمِعَ، وَلَوْ حَدِيثًا وَاحِدًا، صَحَّتْ رِوَايَتُهُ لَهُ4.
"وَ" لا تُرَدُّ أَيْضًا رِوَايَةُ "جَاهِلٍ بِمَعْنَاهُ" أَيْ مَعْنَى الْحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيه.
وَلا جَاهِلٍ بِـ "فِقْهٍ وَعَرَبِيَّةٍ" عِنْدَ الْجُمْهُورِ5.
وَاعْتَبَرَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْرِفَةَ الْفِقْهِ. وَنُقِلَ عَنْ أَبِي
ـــــــ
1 في ش: والخبر.
2 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 94، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، 68، فواتح الرحموت 2/ 144، تيسير التحرير 3/ 46، الروضة ص 59، مختصر الطوفي ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93.
3 في ب زيادة وخبط وقلب: "أي معنى الحديث الذي يرويه ولا ترد أيضاًَ رواية جاهل بمعناه، بل متى سمع، ولو حديثاً واحداً صحت روايته له، ولا ترد أيضاً رواية جاهل بـ "....
4 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 94، المستصفى 1/ 161، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، كشف الأسرار 3/ 75، المعتمد 2/ 621، فواتح الرحموت 2/ 144، 149، الكفاية ص 93، المسودة ص 267.
5 انظر: فواتح الرحموت 2/ 144، شرح تنقيح الفصول ص 369، نهاية السول 2/ 310، مناهج العقول 2/ 94، المستصفى 1/ 161، المعتمد 2/ 620، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، المحلي على جمع الجوامع 2/ 147، الروضة ص 58، غاية الوصول ص 99، مختصر الطوفي ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93، الإحكام للآمدي 2/ 94.(2/416)
حَنِيفَةَ 1مِثْلُهُ، وَنُقِلَ عَنْهُ2 أَيْضًا: إنَّمَا تُعْتَبَرُ2 مَعْرِفَتُهُ إنْ خَالَفَ مَا رَوَاهُ الْقِيَاسُ3.
وَاحْتَجَّا بِأَنَّ غَيْرَ الْفَقِيهِ مَظِنَّةُ سُوءِ الْفَهْمِ وَوَضْعِ النُّصُوصِ عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ مِنْهَا، فَالاحْتِيَاطُ لِلأَحْكَامِ أَنْ لا يُرْوَى عَنْهُ4.
وَاسْتُدِلَّ لِلْجُمْهُورِ بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ وَلَيْسَ بِفَقِيهٍ" إسْنَادُهُ5 جَيِّدٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ6. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ7.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "نَضَّرَ اللَّهُ" رَوَاهُ الأَصْمَعِيُّ: بِتَشْدِيدِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ. وَأَبُو
ـــــــ
1 ساقطة من ز ش. وفي ب ع ض: مثله. وعن أبي حنيفة.
2 في ض: يعتبر.
3 وهو اختيار عيسى بن إبّان والقاضي أبي زيد الدبوسي، وتابعهما فخر الإسلام البزدوي، خلافاً لأبي الحسن الكرخي الذي تبعه ابن عبد الشكور وغيره.
"انظر: فواتح الرحموت 2/ 144-145، المحلي على جمع الجوامع 2/ 147، نهاية السول 2/ 310، مناهج العقول 2/ 308، الإحكام لابن حزم 1/ 132، شرح تنقيح الفصول ص 369، غاية الوصول ص 99".
4 انظر: فواتح الرحموت 2/ 145.
5 في ع: وإسناده.
6 رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي مرفوعاً.
"انظر: سنن أبي داود 2/ 289، تحفة الأحوذي 7/ 416، سنن ابن ماجه 1/ 64، 2/ 1051، تخريج أحاديث البزدوي ص 188، سنن الدارمي 1/ 74".
7 انظر: بدائع المنن 1/ 15، مسند أحمد 1/ 437، 4/ 80، 5/ 138.
وانظر: فواتح الرحموت 2/ 145، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، الروضة ص 58.(2/417)
عُبَيْدٍ بِتَخْفِيفِهَا1، أَيْ نَعَّمَهُ اللَّهُ2.
وَكَانَتْ3 الصَّحَابَةُ تَقْبَلُ رِوَايَةَ الأَعْرَابِيِّ لِحَدِيثٍ وَاحِدٍ. وَعَلَى ذَلِكَ عَمَلُ الْمُحَدِّثِينَ4.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ" رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ5.
وَالْجَوَابُ 6عَمَّا قَالُوا6: أَنَّا7 إنَّمَا نَقْبَلُ8 رِوَايَتَهُ إذَا9 رَوَى بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى الْمُطَابِقِ وَكَانَ يَعْرِفُ مُقْتَضَيَاتِ الأَلْفَاظِ. وَالْعَدَالَةُ تَمْنَعُهُ مِنْ تَحْرِيفٍ لا يَجُوزُ10.
ـــــــ
1 في ب ع ض: بتخفيفه.
2 التشديد للمبالغة والتكثير، والنَّضْر والنضارة في الأصل حسن الوجه. والمراد هنا رفع القدر والمرتبة، وهو إما دعاء أي جمله وزينه، وإما خبر عن أنه من أهل نضرة النعيم.
"انظر: القاموس المحيط 2/ 149، المصباح المنير 2/ 942، فواتح الرحموت 2/ 145، تيسير التحرير 3/ 101".
3 في ش: وكان.
4 انظر: فواتح الرحموت 2/ 145، الروضة ص 59، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93.
5 هذا جزء من حديث رواه الترمذي وابن ماجه والإمام أحمد.
"انظر: تحفة الأحوذي 7/ 417، سنن ابن ماجه 1/ 85، مسند أحمد 1/ 437".
6 في ض: عنا.
7 ساقطة من ب.
8 في ب: تقبل.
9 في ع: إذ.
10 انظر: فواتح الرحموت 2/ 145 وما بعدها.(2/418)
"وَ" لا تُرَدُّ رِوَايَةُ "عَدِيمِ نَسَبٍ" كَوَلَدِ الزِّنَا وَالْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ "وَ" لا رِوَايَةُ "مَجْهُولِهِ1" أَيْ مَجْهُولِ النَّسَبِ ؛ لأَنَّ هَؤُلاءِ كُلَّهُمْ دَاخِلُونَ فِي عُمُومِ الأَدِلَّةِ. فَصَحَّتْ رِوَايَتُهُمْ كَغَيْرِهِمْ حَيْثُ لا مَانِعَ2.3والله أعلم13.
ـــــــ
1 في ش ز: مجهول.
2 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 94، المستصفى 1/ 162، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، فواتح الرحموت 2/ 144، شرح تنقيح الفصول ص 370، الروضة ص 59، مختصر الطوفي ص 60.
3 ساقطة من ش ب ز ع.(2/419)
فصل: الجرح و التعديل
...
فَصْلٌ:
"شُرِطَ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ1 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالأَكْثَرِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ "ذِكْرُ سَبَبِ جَرْحٍ" لاخْتِلافِ النَّاسِ فِي سَبَبِهِ وَاعْتِقَادِ بَعْضِهِمْ مَا لا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْجَرْحِ جَارِحًا2، كَشُرْبِ النَّبِيذِ مُتَأَوِّلاً. فَإِنَّهُ يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ عِنْدَ مَالِكٍ دُونَ غَيْرِهِ3. وَكَمَنْ رَأَى إنْسَانًا يَبُولُ قَائِمًا فَيُبَادِرُ بِجَرْحِهِ لِذَلِكَ، وَلَمْ يَنْظُرْ فِي أَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ مُخْطِئٌ أَوْ مَعْذُورٌ. كَمَا رُوِيَ
ـــــــ
1 ساقطة من ع.
2 وهذا قول أكثر الفقهاء، ومنهم الشافعية والحنفية، وأكثر المحدثين، ومنهم البخاري ومسلم.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 86، المستصفى 1/ 162، فواتح الرحموت 2/ 151، نهاية السول 2/ 305، مناهج العقول 2/ 301، جمع الجوامع 2/ 163، العضد على ابن الحاجب 2/ 65، الكفاية ص 107، تدريب الراوي 1/ 305، توضيح الأفكار 2/ 133 وما بعدها، كشف الأسرار 3/ 68، مقدمة ابن الصلاح ص 51، تيسير التحرير 3/ 61، أصول السرخسي 2/ 9، الإحكام لابن حزم 1/ 131، شرح تنقيح الفصول ص 365، المسودة ص 269، غاية الوصول ص 103، الروضة ص 59، اللمع ص 44، إرشاد الفحول ص 68، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93".
وانظر تفصيل هذا الموضوع في "الرفع والتكميل ص 27 وما بعدها، الأجوبة الفاضلة ص 161 وما بعدها".
3 انظر ما نقلناه عن ابن الحاجب المالكي ص 408، فإنه قال: "وأما من يشرب النبيذ ويلعب الشطرنج ونحوه من مجتهد ومقلد فالقطع أنه ليس بفاسق" "مختصر ابن الحاجب 2/ 62".
وانظر آراء العلماء فيما سبق ص 408، والمسودة ص 266.(2/420)
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ بَال قَائِمًا". 1 لِعُذْرٍ كَانَ بِهِ2.
فَلِهَذَا وَشَبَهِهِ يَنْبَغِي بَيَانُ سَبَبِ الْجَرْحِ لِيَكُونَ عَلَى ثِقَةٍ وَاحْتِرَازٍ مِنْ الْخَطَإِ وَالْغُلُوِّ فِيهِ3
"و"َ شُرِطَ أَيْضًا ذِكْرُ سَبَبِ "تَضْعِيفٍ" كَمَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ سَبَبِ جَرْحٍ. فَلا يَمْنَعُ قَبُولَ الْخَبَرِ قَوْلُ مُحَدِّثٍ "هَذَا الْحَدِيثُ" ضَعِيفٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْزُوَهُ إلَى مُسْتَنَدٍ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِيهِ ؛ لأَنَّهُ قَدْ يُضَعِّفُهُ بِشَيْءٍ لَوْ ذَكَرَهُ لَمْ يَكُنْ قَادِحًا. هَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَيُؤَثِّرُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ4، وَيَكُونُ الْخَبَرُ ضَعِيفًا
ـــــــ
1 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "انتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً، فتنحيت، فقال: "ادْنه"، فدنوت حتى قمت عند عقبيه، فتوضأ ومسح على خفيه". والسُّباطة، مَلْقى التراب
والقمامة.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 53، صحيح مسلم 1/ 228، سنن أبي داود 1/ 6، تحفة الأحوذي 1/ 69، سنن النسائي 1/ 26، سنن ابن ماجه 1/ 111، مسند أحمد 5/ 382، سنن الدارمي 1/ 171، مرعاة المفاتيح 1/ 431".
2 قال ابن تيمية: "ولعله لم يجلس لمانع كان، أو وجع كان به". وروى الخطابي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً من جرح كان بمأبضه "ما تحت الركبة"، وقد ضعفه الدارقطني والبيهقي حديث أبي هريرة. وقال الحافظ ابن حجر: "ولو صح هذا الحديث لكان فيه غنى، لكن ضعفه الدارقطني والبيهقي"، كما روى البخاري ومسلم ومالك وغيرهم حديث الأعرابي الذي بال في المسجد قائماً، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتركوه". وروى مالك أن ابن عمر: "بال قائماً".
"انظر: نيل الأوطار 1/ 107، 109، فتح الباري 1/ 341، 342 طبعة الحلبي، صحيح مسلم 1/ 236، المنتقى شرح الموطأ 1/ 128 وما بعدها".
3 انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 131، فواتح الرحموت 2/ 152، تيسير التحرير 3/ 56، كشف الأسرار 3/ 68 وما بعدها، مقدمة ابن الصلاح ص 51، الكفاية ص 110 وما بعدها، مختصر الطوفي ص 60، إرشاد الفحول ص 68، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93.
4 يقول عبد العزيز البخاري الحنفي: "وهو مذهب عامة الفقهاء والمحدثين، وذهب القاضي أبو بكر الباقلاني وجماعة إلى أن الجرح المطلق مقبول" "كشف الأسرار 3/ 68". وقال البزدوي: "وأما الطعن من أئمة الحديث فلا يقبل مجملاً، لأن العدالة ظاهرة ...، ثم قال: لا يقبل في الشهادة من المزكي الجرح المطلق، فهذا أولى". "أصول البزدوي مع كشف الأسرار 3/ 68".(2/421)
عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ قَالُوا: لأَنَّ الْمُحَدِّثَ ثِقَةٌ وَقَدْ ضَعَّفَهُ1.
"وَ" إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْجَرْحَ الْمُطْلَقَ، وَلا التَّضْعِيفَ الْمُطْلَقَ وَوُجِدَ "لا يَلْزَمُ تَوَقُّفٌ" عَنْ الْعَمَلِ بِذَلِكَ الْخَبَرِ "إلَى" حِينِ "تَبْيِينِ" الْجَرْحِ، أَوْ2 التَّضْعِيفِ، بِخِلافِ الشَّهَادَةِ ؛ لأَنَّ الْخَبَرَ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ الْقَدْحُ، وَالشَّهَادَةُ آكَدُ3. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ4.
وَقِيلَ: بَلَى فَيُتَوَقَّفُ5 حَتَّى يَتَبَيَّنَ السَّبَبُ الَّذِي أَطْلَقَهُ ؛ لأَنَّهُ أَوْجَبُ رِيْبَةً6، وَإِلاَّ لانْسَدَّ بَابُ الْجَرْحِ غَالِبًا. وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ مَيْلُ ابْنِ مُفْلِحٍ، وَهُوَ الأَحْوَطُ7.
ـــــــ
1 قال الشيخ زكريا الأنصاري: "ويكفي إطلاقه أي الجرح في الرواية، كأن يقول الجارح: فلان ضعيف، أو ليس بشيء، إن عرف مذهب الجارح من أنه لا يجرح إلا بقادح، فإن لم يعرف مذهبه فلا يكفي إطلاقه" "غاية الوصول ص 103".
وجاء مثل ذلك في "مسلم الثبوت وشرحه".
"انظر: فواتح الرحموت 2/ 152، تيسير التحرير 3/ 62".
2 في ب ض: و.
3 لأن الشهادة لا تقبل إلا من العدل، لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوْا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} الطلاق/ 2.
4 انظر: المسودة ص 254، 272.
5 في ب ع: فليتوقف.
6 في ش: رتبة. وفي د: ربيبة.
7 وهو ما أيده ابن الصلاح والشوكاني وغيرهما.
"انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 51، إرشاد الفحول ص 68، المستصفى 1/ 162، فواتح الرحموت 2/ 152، تيسير التحرير 3/ 63، المسودة ص 272".(2/422)
"لا تَعْدِيلٍ" أَيْ أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ سَبَبِ التَّعْدِيلِ، اسْتِصْحَابًا لِحَالِ الْعَدَالَةِ1.
وَقِيلَ: بَلَى، لالْتِبَاسِ الْعَدَالَةِ لِكَثْرَةِ التَّصَنُّعِ2.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهُوَ قَوِيٌّ، وَاشْتَرَطَهُ ابْنُ حَمْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُ، كَاشْتِرَاطِ ذِكْرِ سَبَبِ الْجَرْحِ لِلْمُسَارَعَةِ 3إلَى التَّعْدِيلِ2، بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ.
وَعَنِ4 الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ سَبَبٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. اخْتَارَهُ جَمْعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. مِنْهُمْ ابْنُ5 الْبَاقِلاَّنِيِّ. وَحُكِيَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ. فَيَكْفِي مُجَرَّدُ قَوْلِهِ "هُوَ فَاسِقٌ أَوْ عَدْلٌ" اعْتِمَادًا عَلَى الْجَارِحِ وَالْمُعَدِّلِ6.
ـــــــ
1 وهو قول أكثر الفقهاء ومنهم الحنفية، وأكثر المحدثين ومنهم البخاري ومسلم والخطيب البغدادي.
انظر آراءهم وأدلتهم في "كشف الأسرار 3/ 69، فواتح الرحموت 2/ 151، تيسير التحرير 3/ 61، شرح تنقيح الفصول ص 365، العضد على ابن الحاجب 2/ 65، جمع الجوامع 2/ 163، الكفاية ص 99 وما بعدها، المسودة ص 269، الإحكام للآمدي 2/ 86، المستصفى 1/ 162، مقدمة ابن الصلاح ص 50، توضيح الأفكار 2/ 148، تدريب الراوي 1/ 305، نهاية السول 2/ 305، مناهج العقول 2/ 301، مختصر الطوفي ص 60، إرشاد الفحول ص 68، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93، الرفع والتكميل ص 27 وما بعدها".
2 انظر جمع الجوامع 2/ 163، نهاية السول 2/ 305، مناهج العقول 2/ 301، العضد على ابن الحاجب 2/ 65، الإحكام للآمدي 2/ 86، المستصفى 1/ 162، شرح تنقيح الفصول ص 365، فواتح الرحموت 2/ 151، 152، تيسير التحرير 3/ 61، 63، مختصر الطوفي ص 60، الكفاية ص 99، غاية الوصول ص 103، إرشاد الفحول ص 68، الرفع والتكميل ص 33.
3 في ب ض: للتعديل.
4 في ش: وعند.
5 ساقطة من ض.
6 وعلل ذلك الطوفي فقال: "لأنه إن كان خبيراً ضابطاً ذا بصيرة قُبِلَ منه، وإلا فلا........=(2/423)
"وَ" لا يُشْتَرَطُ أَيْضًا ذِكْرُ سَبَبِ "تَصْحِيحٍ" لِلْخَبَرِ. فَيَكْفِي قَوْلُ مَنْ يُعْتَدُّ1 بِقَوْلِهِ "هَذَا الْخَبَرُ صَحِيحٌ" فَإِنَّ إطْلاقَ تَصْحِيحِهِ يَسْتَلْزِمُ تَعْدِيلَ رُوَاتِهِ2. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ سَبَبِ التَّعْدِيلِ3.
"وَيَكْفِي4 فِيهِنَّ" فِي مَسَائِلِ الْجَرْحِ وَالتَّضْعِيفِ وَالتَّعْدِيلِ وَالتَّصْحِيحِ إذَا وُجِدَتْ بِشُرُوطِهَا "وَ" فِي "تَعْرِيفِ" عَدْلٍ "وَاحِدٍ لَيْسَ مِنْ عَادَتِه"ِ أَيْ: لَيْسَ مِنْ5 عَادَةِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ "تَسَاهُلٌ" فِي التَّعْدِيلِ "أَوْ مُبَالَغَةٌ" فِي الْجَرْحِ عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ6.
ـــــــ
= أو يطالب بالسبب" "مختصر الطوفي ص 60". وعلله الموفق أيضاً فقال: "لأن أسباب الجرح معلومة، فالظاهر لا يجرح إلا بما يعلمه". "الروضة ص 59". وهذا ما رجحه الآمدي والقرافي ومن تبعهما.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 86، شرح تنقيح الفصول ص 365، توضيح الأفكار 2/ 144، الكفاية ص 107، العضد على ابن الحاجب 2/ 65، جمع الجوامع 2/ 163 وما بعدها، المسودة ص 269 وما بعدها، نهاية السول 2/ 305، مناهج العقول 2/ 301، المستصفى 1/ 162، فواتح الرحموت 2/ 151، تيسير التحرير 3/ 61، الروضة ص 59، غاية الوصول ص 103، إرشاد الفحول ص 66، 68، المدخل إلى مذهب أحمد ص 63، الرفع والتكميل ص 33".
1 في ز ش: يعتقد.
2 في ش: روايته. وفي ض: راويه.
3 انظر: تيسير التحرير 3/ 62، توضيح الأفكار 1/ 309، المسودة ص 251، والمراجع السابقة.
4 في ع: فيكفي.
5 ساقطة من ع.
6 منهم القاضي أبو بكر الباقلاني والإمام فخر الدين الرازي والآمدي وغيرهم.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 85، المستصفى 1/ 162، نهاية السول 2/ 305، مناهج العقول 2/ 300، جمع الجوامع 2/ 163، الكفاية ص 96، المسودة ص 271، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 2/ 64، تدريب الراوي 1/ 308، توضيح الأفكار 2/ 120 وما بعدها، مقدمة ابن الصلاح ص 52، تيسير التحرير 3/ 58، فواتح الرحموت 2/ 150، اللمع ص 43، الروضة ص 59، مختصر الطوفي ص 61، إرشاد الفحول ص 66، شرح تنقيح الفصول ص 365".
وانظر شروط الجارح والمعدل في "الرفع والتكميل ص 16 وما بعدها".(2/424)
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ وَالْجُمْهُورُ: يَكْفِي جَرْحُ وَاحِدٍ وَتَعْدِيلُهُ ؛ لأَنَّ الشَّرْطَ لا يَزِيدُ عَلَى مَشْرُوطِهِ. وَيَكْفِي فِي الرِّوَايَةِ وَاحِدٌ لا الشَّهَادَةُ. فَتَعْدِيلُ الرَّاوِي تَبَعٌ لِلرِّوَايَةِ وَفَرْعٌ لَهَا ؛ لأَنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ لأَجْلِهَا، وَالرِّوَايَةُ لا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَدُ، بَلْ يَكْفِي فِيهَا رَاوٍ وَاحِدٌ. فَكَذَا مَا هُوَ تَبَعٌ وَفَرْعٌ لَهَا. فَلَوْ قُلْنَا: تُقْبَلُ رِوَايَةُالْوَاحِدِ، وَلا يَكْفِي فِي تَعْدِيلِهِ إلاَّ اثْنَانِ1، لَزَادَ الْفَرْعُ عَلَى أَصْلِهِ. وَزِيَادَةُ الْفُرُوعِ عَلَى أُصُولِهَا غَيْرُ مَعْهُودَةٍ عَقْلاً وَلا شَرْعًا2.اهـ.
وَكَمَا أَنَّ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ مِنْ فُرُوعِ الرِّوَايَةِ: كَذَلِكَ التَّعْرِيفُ.
وَاعْتَبَرَ قَوْمٌ الْعَدَدَ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ. مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ فِي مُقْنِعِهِ. كَالشَّهَادَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ ؛ لأَنَّهَا شَهَادَةٌ، فَاعْتُبِرَ لَهَا الْعَدَدُ3. رُدَّ بِأَنَّهُ خَبَرٌ لا شَهَادَةٌ4.
وَاعْتَبَرَ قَوْمٌ الْعَدَدَ فِي الْجَرْحِ فَقَطْ فِي الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ5.
ـــــــ
1 في ض: ثنان.
2 انظر: المستصفى 1/ 162، الإحكام للآمدي 2/ 85، العضد على ابن الحاجب 2/ 64، فواتح الرحموت 2/ 150- 151، تيسير التحرير 3/ 58، شرح تنقيح الفصول ص 365، المسودة ص 271، مختصر الطوفي ص 61، إرشاد الفحول ص 66، الرفع والتكميل ص 51.
3 وذهب إلى ذلك بعض الشافعية. انظر أدلة هذا الرأي ومناقشتها في "المستصفى 1/ 162، نهاية السول 3/ 305، مناهج العقول 2/ 300، العضد على ابن الحاجب 2/ 64، فواتح الرحموت 2/ 150، تيسير التحرير 3/ 58، شرح تنقيح الفصول ص 365، توضيح الأفكار 2/ 121، اللمع ص 43، مختصر الطوفي ص 61، إرشاد الفحول ص 66".
4 انظر: فواتح الرحموت 2/ 151، اللمع ص 43.
5 وفي قول يشترط اثنان في الرواية والشهادة، وفي قول يثبت الجرح والتعديل بواحد في الرواية والشهادة، وهو قول الباقلاني، واختاره الكمال بن الهمام وأكثر الحنفية. وقال الإمام محمد: يشترط اثنان في تزكية الشهادة لطمأنينة القلب. وقال الخصاف: يشترط العدد بتزكية العلانية دون السر.
"انظر: تيسير التحرير 3/ 58- 59، كشف الأسرار 3/ 37- 38، نهاية السول 2/ 305، مناهج العقول 2/ 300، مقدمة ابن الصلاح ص 52، توضيح الأفكار 2/ 121، العضد على ابن الحاجب 2/ 64، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 163، الكفاية ص 96، المغني 10/ 58، 60".(2/425)
"وَمَنْ اشْتَبَهَ اسْمُهُ" مِنْ الْعُدُولِ "بِمَجْرُوحٍ وُقِفَ خَبَرُهُ" أَيْ الْخَبَرُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الاشْتِبَاهُ، حَتَّى يُتَحَقَّقَ أَمْرُهُ. وَذَلِكَ لاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي ذَلِكَ الْمَجْرُوحَ. فَلا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ، بَلْ يُتَوَقَّفُ حَتَّى يُعْلَمَ هَلْ هُوَ الْمَجْرُوحُ أَوْ غَيْرُهُ؟ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ الْمُدَلِّسُونَ مِثْلَ هَذَا يَذْكُرُونَ الرَّاوِيَ الضَّعِيفَ بِاسْمٍ يُشَارِكُهُ فِيهِ رَاوٍ ثِقَةٌ، لِيُظَنَّ أَنَّهُ ذَلِكَ الثِّقَةُ تَرْوِيجًا لِرِوَايَتِهِمْ1.
"وَلا شَيْءَ لِجَرْحٍ بِاسْتِقْرَاءٍ" يَعْنِي أَنَّهُ لا يُلْتَفَتُ إلَى ذِكْرِ الْجَرْحِ بِطَرِيقِ الاسْتِقْرَاءِ.
وَمَعْنَى الاسْتِقْرَاءِ: التَّتَبُّعُ، بِأَنْ يُقَالَ: تَتَبَّعْنَا كَذَا فَوَجَدْنَاهُ كَذَا مِرَارًا كَثِيرَةً لَمْ يَنْخَرِمْ فِي مَرَّةٍ مِنْهَا2.
فَلَوْ قِيلَ: مَنْ وَجَدْنَاهُ يَعْمَلُ كَذَا فَهُوَ مَجْرُوحٌ. وَاسْتَقْرَيْنَا ذَلِكَ فِي أَشْخَاصٍ كَثِيرَةٍ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ. فَهَذَا لَيْسَ بِجَرْحٍ، وَلَيْسَ مِنْ طُرُقِ الْجَرْحِ حَتَّى يُحْكَمَ3 بِهِ.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَخَذْتُهَا مِنْ كَلامِ ابْنِ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ.
ـــــــ
1 انظر: المستصفى 1/ 162، الكفاية ص 371 وما بعدها، تدريب الراوي 1/ 322، اللمع ص 43، الروضة ص 59، مختصر الطوفي ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93.
2 انظر: التعريفات للجرجاني ص 18.
3 في ع: نحكم.(2/426)
"وَلَهُ جَرْحٌ" أَيْ وَلِلْجَارِحِ الْجَرْحُ فِي الرَّاوِي "بِ" سَبَبِ "اسْتِفَاضَةٍ" أَيْ إشَاعَةٍ عَنْ مُحَدِّثٍ أَنَّ فِيهِ صِفَةً تُوجِبُ رَدَّ الْحَدِيثِ. فَيَجُوزُ الْجَرْحُ بِذَلِكَ. كَمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِالاسْتِفَاضَةِ فِي مَسَائِلَ مَخْصُوصَةٍ ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ1.
وَمَنَعَ الْجَرْحَ بِذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ الْجَرْحُ بِالاسْتِفَاضَةِ وَلا تُقْبَلُ، كَمَا أَنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ2 أَنْ يُزَكِّيَهُ بِالاسْتِفَاضَةِ.
"لا تَزْكِيَةٍ"3 يَعْنِي أَنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ4 أَنْ يُزَكِّيَ بِالاسْتِفَاضَةِ مَنْ شَاعَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الأَكْثَرِ.
"وَقِيلَ: بَلَى، إذَا شَاعَتْ عَدَالَتُهُ. كَأَحَدِ الأَئِمَّةِ. وَجَعَلَهُ" 5أَيْ: وَجَعَلَ4 "صَاحِبُ التَّحْرِيرِ" الَّذِي هُوَ أَصْلُ "كِتَابِنَا" "الْمَذْهَبَ فِي أَصْلِهِ"أَيْ أَصْلِ "كِتَابِنَا"، وَهُوَ "التَّحْرِيرُ". وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِمَنْ شَاعَتْ إمَامَتُهُ وَعَدَالَتُهُ 6مِنْ الأَئِمَّةِ5. فَإِنَّهُ يُزَكَّى بِالاسْتِفَاضَةِ.
قَالَ صَاحِبُ الأَصْلِ، قُلْت: وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ. فَإِنَّهُ كَانَ يَسْأَلُهُ7 الْوَاحِدُ مِنْهُمْ8 عَنْ
ـــــــ
1 تقبل الشهادة بالاستفاضة في النسب والولادة والموت والنكاح والولاية والعزل والملك المطلق والوقف والعتق والولاء، مع اختلاف بين الفقهاء في هذه الحالات.
"انظر: المغني 10/ 141، الوجيز للغزال 2/ 254، المحرر في الفقه 2/ 244، شرح منح الجليل 4/ 271، بدائع الصنائع 6/ 266".
2 ساقطة من ض.
3 في ش ب ز: يزكيه.
4 ساقطة من ض. ومشطوب عليها في ع.
5 ساقطة من ب ع ض.
6 ساقطة من ش ز.
7 في ش ب ز ع: يُسأَلُ.
8 ساقطة من ض.(2/427)
مِثْلِهِ. فَيَقُولُ: ثِقَةٌ: لا يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ. كَمَا لا1 يُسْأَلُ مَثَلاً عَنْ الإِمَامِ مَالِكٍ وَالأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَنَحْوِهِمْ2.
قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "هَذَا صَحِيحُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَعَلَيْهِ الاعْتِمَادُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ: الْخَطِيبُ3، وَمَثَّلَ ذَلِكَ بِمَالِكٍ وَشُعْبَةَ4
ـــــــ
1 ساقطة من ز ش.
2 انظر: فواتح الرحموت 2/ 148، تيسير التحرير 3/ 49، توضيح الأفكار 2/ 124، تدريب الراوي 1/ 301، الكفاية ص 86، شرح تنقيح الفصول ص 365، اللمع ص 43، إرشاد الفحول ص 66، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93.
3 هو أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، أبو بكر الحافظ، المعروف بالخطيب. كان من الحفاظ المتقنين، والعلماء المتبحرين. وصنف قريباً من مائة مصنف، أهمها: "تاريخ بغداد" الذي يدل على اطلاع عظيم، و"الجامع"، و"الكفاية"، و"شرف أصحاب الحديث"، و"الرحلة في طلب الحديث"، و"الفقيه والمتفقه" وغيرها. وكان محدثاً ومؤرخاً وفقيهاً وأديباً، وهو محدث الشام والعراق. توفي سنة 463 هـ ببغداد.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 29، وفيات الأعيان 1/ 76، البداية والنهاية 12/ 101، تذكرة الحفاظ 3/ 1135، طبقات الحفاظ ص 434، تبيين كذب المفتري ص 268، شذرات الذهب 3/ 311، التاج المكلل ص 32، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 164".
وانظر: الكفاية ص 86.
4 هو شعبة بن الحجاج بن الورد العَتَكي الأزدي مولاهم، أبو بسطام الواسطي، ثم البصري، الإمام المشهور، وهو من تابعي التابعين وأعلام المحدثين وكبار المحققين. قال الإمام أحمد: "لم يكن في زمن شعبة مثله في الحديث، ولا أحسن حديثاً منه، قسم له منه حظ". وقال الشافعي: "لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق". وهو أول من فتش بالعراق عن أمر المحدثين وعدالتهم. توفي سنة 160 هـ بالبصرة.
انظر تر جمته في تذكرة الحفاظ 1/ 193، طبقات الحفاظ ص 83، تذيب الأسماء 1/ 245، شذرات الذهب 1/ 247، الخلاصة ص 166، حلية الأولياء 7/ 144، تاريخ بغداد 9/ 255.(2/428)
وَالسُّفْيَانَيْنِ1 وَالأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ2 وَابْنِ الْمُبَارَكِ 3وَوَكِيعٍ وَأَحْمَدَ وَابْنِ مَعِينٍ4 وَابْنِ الْمَدِينِيِّ4، وَمَنْ جَرَى
ـــــــ
1 هما سفيان بن عيينة وسفيان الثوري، وقد مرت ترجمتهما.
2 هو الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم، المصري، التابعي، الحافظ، الفقيه المجتهد، شيخ الديار المصرية في الفقه والحديث. كان ورعاً فاضلاً، عالماً كريماً، إماماً.
أجمع العلماء على جلالته وإمامته وعلو مرتبته في الفقه والحديث. قال الشافعي: "الليث بن سعد أفقه من مالك، إلا أنه ضيعه أصحابه". واستقل بالفتوى في زمانه بمصر، وكان عربي اللسان، يحسن القرآن والنحو، ويحفظ الحديث والشعر. توفي سنة 175 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء ص 78، تذكرة الحفاظ 1/ 224، طبقات الحفاظ ص 95، تهذيب الأسماء 2/ 73، حسن المحاضرة 1/ 301، شذرات الذهب 1/ 285، وفيات الأعيان 3/ 280، مشاهير علماء الأمصار ص 191، الخلاصة ص 323، طبقات القراء 2/ 34".
3 ساقطة من ض.
وابن المديني هو علي بن عبد الله بن جعفر بن المديني السعدي مولاهم، أبو الحسن
البصري، أحد الأئمة الأعلام، حفاظ الإسلام، انعقد الإجماع على جلالته وإمامته. وله التصانيف الحسان. روى عنه أحمد والبخاري وأبو داود وأبو حاتم: وخلق. قال أبو حاتم: "كان علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل، وكان أحمد لا يسميه تبجيلاً له، إنما يدعوه بكنيته". توفي سنة 234هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 145ن طبقات الفقهاء ص 103، تذكرة الحفاظ 2/ 428، طبقات الحفاظ ص 184، تهذيب الأسماء 1/ 350، تاريخ بغداد 11/ 458، الخلاصة ص 275، شذرات الذهب 2/ 81، طبقات الحنابلة 1/ 225، المنهج الأحمد
1/ 97".
4 هو يحيى بن معين بن عون الغَطَفاني مولاهم، أبو زكريا البغدادي، أحد الأئمة الأعلام، الحافظ، العالم، المتفنن. قال الخطيب: "كان إماماً ربانيًّا، عالماً، حافظاً، ثبتاً، متقناً". وقال ابن المديني: "ما أعلم أحداً كتب ما كتب يحيى بن معين". ورى له أصحاب الكتب الستة. قال الإمام أحمد: "كل حديث لا يعرفه يحيى فليس بحديث". وكان بينه وبين أحمد مودة. توفي بالمدينة سنة 233هـ، وقيل غير ذلك، حمل على سرير النبي صلى الله عليه وسلم.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 5/ 190، تذكرة الحفاظ 2/ 429، تهذيب الأسماء 2/ 156، طبقات الحفاظ ص 185، الخلاصة ص 428، تاريخ بغداد 14/ 177، شذرات الذهب 2/ 79، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 654، طبقات الحنابلة 1/ 402، المنهج الأحمد 1/ 93".(2/429)
مَجْرَاهُمْ فِي نَبَاهَةِ الذِّكْرِ وَاسْتِقَامَةِ الأَمْرِ فَلا1 يُسْأَلُ عَنْ عَدَالَةِ هَؤُلاءِ وَأَمْثَالِهِمْ، وَإِنَّمَا2 يُسْأَلُ عَمَّنْ خَفِيَ أَمْرُهُ عَنْ3 الطَّالِبِينَ4".
"وَيُقَدَّمُ5 جَرْحٌ" يَعْنِي: إذَا جَرَحَ رَاوِيًا وَاحِدٌ6 فَأَكْثَرُ، وَعَدَّلَهُ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ، قُدِّمَ الْعَمَلُ بِجَرْحِهِ عَلَى الْعَمَلِ بِتَعْدِيلِهِ؛ لأَنَّ الْجَارِحَ7 مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا الْمُعَدِّلُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ8.
وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنْ كَثُرَ عَدَدُ 9الْمُجَرِّحِينَ عَلَى عَدَدِ7 الْمُعَدِّلِينَ قُدِّمَ الْجَرْحُ وَإِلاَّ فَلا10.
ـــــــ
1 في ز ع ش ب ض: ولا. وما أثبتناه في الأعلى من مقدمة ابن الصلاح.
2 في ع: فإنما. وفي ض: إنما.
3 في الكفاية: على.
4 مقدمة ابن الصلاح ص 50.
وانظر: تدريب الراوي 1/ 301، الكفاية ص 86، شرح تنقيح الفصول ص 365، فواتح الرحموت 2/ 148، تيسير التحرير 3/ 49، اللمع ص 43، إرشاد الفحول ص 66-67.
5 في ش: وبعدم.
6 في ش ب ز ع: واحداً. وهو خطأ نحوي.
7 في ش: المجروح.
8 انظر: مناهج العقول 2/ 302، مقدمة ابن الصلاح ص 52، توضيح الأفكار 2/ 158، جمع الجوامع 2/ 164، الكفاية ص 105، العضد على ابن الحاجب 2/ 65، شرح تنقيح الفصول ص 366، الإحكام لابن حزم 1/ 130، الإحكام للآمدي 2/ 87، تدريب الراوي 1/ 309، المسودة ص 272، فواتح الرحموت 2/ 154، تيسير التحرير 3/ 60، نهاية السول 2/ 305، المستصفى 1/ 163، اللمع ص 44، الروضة ص 59، غاية الوصول ص 103، مختصر الطوفي ص 61، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94، الرفع والتكميل ص 54.
9 ساقطة من ش.
10 وهناك قول ثالث بتقديم التعديل على الجرح، وقول بالتعارض مع الحاجة إلى مرجح، وقول بتقديم الأكثر من أية جهة، وقول بتقديم الجرح إن فسر، وإلا يقدم التعديل.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 87، المستصفى 1/ 163، نهاية السول 2/ 305، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 164، العضد على ابن الحاجب 2/ 66، المسودة ص 272، شرح تنقيح الفصول ص 366، فواتح الرحموت 2/ 154، تيسير التحرير 3/ 60، توضيح الأفكار 2/ 161، تدريب الراوي 1/ 310، مقدمة ابن الصلاح ص 52، الروضة ص 59، مختصر الطوفي ص 61، إرشاد الفحول ص 68-69، الرفع والتكميل ص 59".(2/430)
وَلِلتَّعْدِيلِ مَرَاتِبُ أُشِيرَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ:
"وَأَقْوَى تَعْدِيلٍ" أَيْ أَعْلَى مَرَاتِبِهِ "حُكْمُ مُشْتَرَطِ الْعَدَالَةِ بِهَا" أَيْ بِالْعَدَالَةِ. وَهَذَا بِلا خِلافٍ1.
قَالَ2 ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ: وَحُكْمُ الْحَاكِمِ تَعْدِيلٌ اتِّفَاقًا. أَطْلَقَهُ فِي الرَّوْضَةِ3. وَمُرَادُهُ: مَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ4 حَاكِمٌ يَشْتَرِطُ الْعَدَالَةَ، وَهُوَ تَعْدِيلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ كَانَ الْحَاكِمُ فَاسِقًا لِقَبُولِ شَهَادَةِ مَنْ5 لَيْسَ عَدْلاً عِنْدَهُ.
"فَقَوْلٌ" أَيْ: فَيَلِي6 هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ التَّعْدِيلُ بِالْقَوْلِ.
"وَأَعْلاهُ" أَيْ مِنْ7 أَعْلَى التَّعْدِيلِ بِالْقَوْلِ قَوْلُ الْمُعَدِّلِ هُوَ "عَدْلٌ رَضِيٌّ، مَعَ ذِكْرِ سَبَبِهِ" أَيْ سَبَبِ التَّعْدِيلِ بِأَنْ يُثْنِيَ8 عَلَيْهِ بِذِكْرِ مَحَاسِنِ عَمَلِهِ
ـــــــ
1 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 88، المستصفى 1/ 163، نهاية السول 2/ 306، مناهج العقول 2/ 302، العضد على ابن الحاجب 2/ 66، جمع الجوامع 2/ 164، فواتح الرحموت 2/ 149، الروضة ص 60، إرشاد الفحول ص 66، غاية الوصول ص 103، مختصر الطوفي ص 61، تيسير التحرير 3/ 50، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94، الرفع والتكميل ص 70 وما بعدها.
2 في ع: وقال.
3 الروضة ص 60.
4 في ش ع: غير.
5 في ب ع ض: ما.
6 في ش: قبل.
7 ساقطة من ب ع ض.
8 في ش: يبني.(2/431)
مِمَّا يُعْلَمُ مِنْهُ مِمَّا يَنْبَغِي شَرْعًا مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَاسْتِعْمَالِ وَظَائِفِ الْمُرُوءَةِ1.
فَبِدُونِهِ أَيْ فَيَلِي هَذِهِ2 الْمَرْتَبَةَ قَوْلُهُ: هُوَ عَدْلٌ رَضِيٌّ بِدُونِ ذِكْرِ سَبَبِ التَّعْدِيلِ، وَيَتَفَاوَتُ هَذَا أَيْضًا. فَأَعْلاهُ تَكْرِيرُ3 اللَّفْظِ، بِأَنْ يَقُولَ: ثِقَةٌ ثِقَةٌ، أَوْ عَدْلٌ عَدْلٌ، 4أَوْ ثِقَةٌ عَدْلٌ12، أَوْ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ، أَوْ ثِقَةٌ ثَبْتٌ، أَوْ ثِقَةٌ حُجَّةٌ أَوْ ثِقَةٌ حَافِظٌ، أَوْ ثِقَةٌ ضَابِطٌ5.
وَيَلِيهِ: ذِكْرُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ، 6وَهُوَ أَنْ2 يَأْتِيَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ7.
وَيَلِيهِ قَوْلُ الْمُعَدِّلِ: هُوَ صَدُوقٌ، أَوْ مَأْمُونٌ، أَوْ خِيَارٌ، أَوْ لا بَأْسَ وَنَحْوُهُ8.
وَيَلِيهِ قَوْلُ الْمُعَدِّلِ: مَحِلُّهُ الصِّدْقُ، أَوْ رَوَوْا عَنْهُ، أَوْ صَالِحُ الْحَدِيثِ أَوْ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، أَوْ حَسَنُ الْحَدِيثِ، أَوْ صُوَيْلِحٌ، أَوْ صَدُوقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ
ـــــــ
1 انظر: المستصفى 1/ 163، نهاية السول 2/ 306، مناهج العقول 2/ 302، الإحكام للآمدي 2/ 88، الروضة ص 59، مختصر الطوفي ص 61، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94.
2 في ع: بهذه.
3 في ع ض: تكرار.
4 ساقطة من ض.
5 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 88، المستصفى 1/ 163، فواتح الرحموت 2/ 148، تيسير التحرير 3/ 49، توضيح الأفكار 2/ 262، تدريب الراوي 1/ 342، الكفاية ص 84.
6 في ع ز ض: بأن. وفي ب: بأنه.
7 انظر: تيسير التحرير 3/ 49، فواتح الرحموت 2/ 148، توضيح الأفكار 2/ 264، مقدمة ابن الصلاح ص 58.
8 انظر: فواتح الرحموت 2/ 148، تيسير التحرير 3/ 49، مقدمة ابن الصلاح ص 58، توضيح الأفكار 2/ 265، تدريب الراوي 1/ 343.(2/432)
أَرْجُو أَنْ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَنَحْوُهُ1.
"فَعُمِلَ بِرِوَايَتِهِ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ لا مُسْتَنَدَ لَهُ غَيْرُهَا" أَيْ فَيَلِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ - وَهِيَ التَّعْدِيلُ بِالْقَوْلِ - عَمَلُ مَنْ2 يُعْتَدُّ بِتَعْدِيلِهِ بِرِوَايَةِ الْمُعَدِّلِ، بِشَرْطِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْعَامِلَ بِرِوَايَتِهِ لا مُسْتَنَدَ لَهُ فِي عَمَلِهِ غَيْرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ تَعْدِيلاً، لاحْتِمَالِ أَنْ3 يَكُونَ عَمِلَ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَافَقَ رِوَايَتَهُ4.
وَقَالَ5 الْمُوَفَّقُ وَأَبُو الْمَعَالِي. "إلاَّ فِيمَا الْعَمَلُ بِهِ احْتِيَاطًا"6.
قَالَ7 الْمَجْدُ فِي "الْمُسَوَّدَةِ" "قَالَ الْجُوَيْنِيُّ وَالْمَقْدِسِيُّ: يَكُونُ تَعْدِيلاً إلاَّ فِيمَا الْعَمَلُ بِهِ مِنْ مَسَالِكِ الاحْتِيَاطِ". قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يُفْصَلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي مِمَّنْ يَرَى قَبُولَ مَسْتُورِ الْحَالِ، أَوْ يَجْهَلُ مَذْهَبَهُ فِيهِ8.
"وَلَيْسَ تَرْكُ عَمَلٍ بِهَا" أَيْ بِرِوَايَةِ أَحَدٍ "وَ" لا تَرْكُ عَمَلٍ "بِشَهَادَةِ"
ـــــــ
1 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 59، توضيح الأفكار 2/ 265، 266، فواتح الرحموت 2/ 148، تيسير التحرير 3/ 49.
2 في ز ش: بمن.
3 في ز: أنه.
4 انظر: فواتح الرحموت 2/ 149، نهاية السول 2/ 306، مناهج العقول 2/ 304، الإحكام للآمدي 2/ 88، المستصفى 1/ 163، اللمع ص 44، الروضة ص 60، غاية الوصول ص 104، مختصر الطوفي ص 61، إرشاد الفحول ص 67، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94، تيسير التحرير 3/ 50، تدريب الراوي 1/ 315، العضد على ابن الحاجب 2/ 66، جمع الجوامع 2/ 164، الكفاية ص 92، المسودة ص 269، 272.
5 في ب ز ع ض: وقاله.
6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 164، المستصفى 1/ 163، غاية الوصول ص 104، الروضة ص 60.
7 في ز ش ع ب: قاله.
8 المسودة ص 272.(2/433)
أَحَدٍ "جَرْحًا" لَهُ، لاحْتِمَالِ سَبَبٍ لِتَرْكِ الْعَمَلِ غَيْرِ الْفِسْقِ. كَعَدَاوَةٍ أَوْ تُهْمَةِ قَرَابَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَلأَنَّ عَمَلَهُ قَدْ يَكُونُ مُتَوَقِّفًا عَلَى أَمْرٍ آخَرَ زَائِدٍ عَنْ الْعَدَالَةِ. فَيَكُونُ التَّرْكُ لِعَدَمِ ذَلِكَ، لا لانْتِفَاءِ الْعَدَالَةِ، فَلا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْجَرْحِ بِذَلِكَ مَعَ الاحْتِمَالِ1.
"ثُمَّ" يَلِي مَا تَقَدَّمَ فِي الرُّتْبَةِ "رِوَايَةُ عَدْلٍ عَادَتُهُ أَنْ2 لا يَرْوِيَ إلاَّ عَنْ عَدْلٍ".
هَذَهِ3 آخِرُ مَرَاتِبِ التَّعْدِيلِ. وَصُورَةُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مَتَى رَوَى الثِّقَةُ عَنْ شَخْصٍ مَجْهُولِ الْحَالِ، وَكَانَتْ عَادَةُ الثِّقَةِ أَنَّهُ4 لا يَرْوِي إلاَّ عَنْ عَدْلٍ، فَتَكُونُ رِوَايَتُهُ عَنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ تَعْدِيلاً لِذَلِكَ الشَّخْصِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهِ. فَلَيْسَ بِتَعْدِيلٍ5.
ـــــــ
1 انظر: المستصفى 1/ 163، الإحكام للآمدي 2/ 89، مناهج العقول 2/ 302، 304، جمع الجوامع 2/ 164، العضد على ابن الحاجب 2/ 66، الكفاية ص 114، الروضة ص 60، غاية الوصول ص 104، مختصر الطوفي ص 61، تدريب الراوي 1/ 315، فواتح الرحموت 2/ 148، تيسير التحرير 3/ 54.
2 ساقطة من ب ع ض.
3 في ز ش: هذا.
4 ساقطة من ض.
5 هذا هو الرأي الأول. وهو ما اختاره الجويني وابن القشيري والغزالي والآمدي والصفي الهندي وابن الحاجب والكمال بن الهمام وابن عبد الشكور وغيرهم. وفي المسألة قولان آخران سيذكرهما المصنف فيما يلي.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 89، المستصفى 1/ 163، نهاية السول 2/ 306، مناهج
العقول 2/ 303، جمع الجوامع 2/ 164، مختصر ابن الحاجب 2/ 66، المسودة ص 254، 273، كشف الأسرار 2/ 386، تيسير التحرير 3/ 50، 55، 56، فواتح الرحموت 2/ 150، غاية الوصول ص 104، الروضة ص 59، مختصر الطوفي ص 61، إرشاد الفحول ص 53، 67، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94".(2/434)
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي آخِرِ "شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ": اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ الثِّقَةِ عَنْ رَجُلٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ: هَلْ هُوَ تَعْدِيلٌ أَمْ لا؟
حَكَى1 أَصْحَابُنَا عَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ2 وَحَكَوْا عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ تَعْدِيلٌ، وَعَنْ الشَّافِعِيَّةِ خِلافُ ذَلِكَ3.
قَالَ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ إنْ عُرِفَ أَنَّهُ لا يَرْوِي إلاَّ عَنْ ثِقَةٍ، فَرِوَايَتُهُ عَنْ إنْسَانٍ تَعْدِيلٌ لَهُ. وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِتَعْدِيلٍ. وَصَرَّحَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا، وَأَصْحَاب الشَّافِعِيِّ4.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الأَثْرَمِ: إذَا رَوَى الْحَدِيثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ رَجُلٍ: فَهُوَ حُجَّةٌ.
قَالَ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ5: مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إذَا رَوَى عَنْ رَجُلٍ لا يُعْرَفُ. فَهُوَ حُجَّةٌ.
ـــــــ
1 في ز: وحكى.
2 انظر: المسودة ص 253، مختصر الطوفي ص 61.
3 انظر: جمع الجوامع 2/ 164، فواتح الرحموت 2/ 149، 177.
4 انظر: نهاية السول 2/ 306، العضد على ابن الحاجب 2/ 66، إرشاد الفحول ص 67.
5 هو عبد الرحمن بن عمرو بن صفوان النَّصْري، أبو زرعة الدمشقي. ذكره الخلال فقال: إمام في زمانه، رفيع القدر، حافظ، عالم بالحديث والرجال، وصنف من حديث الشام ما لم يصنفه أحد ... وجمع كتاباً لنفسه في التاريخ وعلل الرجال، سمعناه، وسمعنا منه حديثاً كثيراً، وكان عالماً بأحمد ويحيى بن معين، وسمع منهما سماعاً كثيراً ... وروى عن أحمد. وكان محدث الشام في زمانه. توفي سنة 280 هـ، وقيل غير ذلك.
"انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/ 205، طبقات الحفاظ ص 266، تذكرة الحفاظ 2/ 624، الخلاصة ص 232، شذرات الذهب 2/ 177".
كما روى عن الإمام أحمد أبو زُرعة الرازي، وستأتي ترجمته فيما بعد ص 471.(2/435)
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ1: مَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ أَحَدٍ إلاَّ وَهُوَ ثِقَةٌ. وَذَكَرَ نُصُوصًا أُخَرَ فِي ذَلِكَ عَنْهُ.
وَعَنْ ابْنِ مَعِينٍ: إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَيُعْرَفُ كَوْنُهُ لا يَرْوِي إلاَّ عَنْ عَدْلٍ، إمَّا بِتَصْرِيحِهِ وَهُوَ الْغَايَةُ، أَوْ بِاعْتِبَارِنَا لِحَالِهِ، أَوْ اسْتِقْرَائِنَا لِمَنْ يَرْوِي عَنْهُ وَهُوَ دُونَ الأَوَّلِ. قَالَهُ2 ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَغَيْرُهُ3
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ رِوَايَةَ الثِّقَةِ عَنْ شَخْصٍ لا تَكُونُ4 تَعْدِيلاً لَهُ مُطْلَقًا5.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ": وَرِوَايَةُ الْعَدْلِ لَيْسَتْ تَعْدِيلاً عِنْدَ أَكْثَرِ
ـــــــ
1 هو إبراهيم بن هانئ، أبو إسحاق النيسابوري. نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة، وكان ورعاً صالحاً، صبوراًً على الفقر، كثير العبادة، ثقة. اختفى عنده الإمام أحمد ثلاثة أيام من الواثق. وقال الإمام أحمد: إن كان أحد من الأبدال فإبراهيم بن هانئ. وثقه أحمد والدارقطني. توفي سنة 265 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/ 97، المنهج الأحمد 1/ 152، شذرات الذهب 2/ 149".
وفي ب: ابن برهان. وهو خطأ.
2 في ض: قال.
3 انظر: إرشاد الفحول ص 67.
4 في ش ب ز: يكون.
5 وهو قول أكثر الشافعية وابن حزم الظاهري والخطيب. وقال ابن الصلاح: "عند أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم". ثم قال: "وهو الصحيح".
"انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 53، تدريب الراوي 1/ 314، الكفاية ص 89، الرسالة للشافعي ص 374 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 1/ 135، المسودة ص 253، 271، 273، فواتح الرحموت 2/ 150، تيسير التحرير 3/ 50، 55، نهاية السول 2/ 306، اللمع ص 44، الروضة ص 59، إرشاد الفحول ص 67، العضد على ابن الحاجب 2/ 66".(2/436)
الْعُلَمَاءِ1 مِنْ الطَّوَائِفِ، وِفَاقًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ2.اهـ.
وَقِيلَ: إنَّهَا تَعْدِيلٌ لَهُ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، عَمَلاً بِظَاهِرِ الْحَالِ3.
"وَلا يُقْبَلُ تَعْدِيلُ مُبْهَمٍ كَحَدَّثَنِي ثِقَةٌ أَوْ عَدْلٌ أَوْ مَنْ لا أَتَّهِمُهُ" عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ، لاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مَجْرُوحًا عِنْدَ غَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ مِنْ صُوَرِ الْمُرْسَلِ عَلَى الْخِلافِ فِيهِ4.
قَالَ الرُّويَانِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: هُوَ كَالْمُرْسَلِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَكَذَا أَبُو الْمَعَالِي، وَاخْتَارَ5 قَبُولَهُ ؛ وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَشَارَ إلَيْهِ6.
وَقَبِلَهُ الْمَجْدُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُرْسَلَ وَالْمَجْهُولَ. فَقَالَ: "إذَا قَالَ الْعَدْلُ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ، أَوْ مَنْ لا أَتَّهِمُهُ، أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ، وَ7نَحْوَ ذَلِكَ.
ـــــــ
1 في ض: و.
2 انظر: تيسير التحرير 3/ 50، العضد على ابن الحاجب 2/ 66.
3 انظر هذا القول مع أدلته ومناقشتها في "فواتح الرحموت 2/ 149، 150، تيسير التحرير 3/ 50، 55، نهاية السول 2/ 306، العضد على ابن الحاجب 2/ 66، الكفاية ص 89، المسودة ص 253، 271، 273، مقدمة ابن الصلاح ص 53، تدريب الراوي 1/ 314".
4 وهو قول أبي بكر القفال الشاشي والخطيب البغدادي والصيرفي والقاضي أبي الطيب الطبري وابن حزم والشيخ أبي إسحاق الشيرازي وابن الصباغ والماوردي والروياني.
"انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 52، توضيح الأفكار 2/ 167، تدريب الراوي 1/ 310، الكفاية ص 89، المسودة ص 256 وما بعدها، جمع الجوامع 2/ 151، الإحكام لابن حزم 1/ 135، كشف الأسرار 3/ 71، إرشاد الفحول ص 67".
5 في ب ع ض: واختياره.
6 انظر: جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 151، المسودة ص 257.
7 في ش ز: أو. وما أثبتناه في الأعلى من ب ع و"المسودة".(2/437)
فَإِنَّهُ يُقْبَلُ، وَإِنْ رَدَدْنَا الْمُرْسَلَ وَالْمَجْهُولَ ؛ لأَنَّ ذَلِكَ تَعْدِيلٌ صَرِيحٌ عِنْدَنَا1". اهـ.
وَكَذَا قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ2.
وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلاحِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يُقْبَلُ3.
وَقِيلَ: -وَنَقَلَهُ ابْنُ الصَّلاحِ عَنْ اخْتِيَارِ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ-؛ إنَّهُ4 إنْ كَانَ الْقَائِلُ لِذَلِكَ5 مِنْ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ الْعَارِفِينَ بِمَا6 يَشْتَرِطُهُ هُوَ وَخُصُومُهُ فِي الْعَدْلِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي مَقَامِ الاحْتِجَاجِ فَيُقْبَلُ ؛ لأَنَّ مِثْلَ هَؤُلاءِ لا يُطْلَقُ فِي مَقَامِ الاحْتِجَاجِ إلاَّ فِي مَوْضِعٍ يَأْمَنُ أَنْ يُخَالِفَ 7فِيهِ مَنْ10 أَطْلَقَ أَنَّهُ ثِقَةٌ8.
وَكَانَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا قَالَ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ، فَتَارَةً يُرِيدُ بِهِ أَحْمَدَ9، وَتَارَةً 10يُرِيدُ بِهِ2 يَحْيَى بْنَ حَسَّانَ11، وَتَارَةً يُرِيدُ بِهِ ابْنَ
ـــــــ
1 المسودة ص 256-257.
2 وهو قول الإمام أبي حنيفة وأكثر الحنفية.
"انظر: كشف الأسرار 3/ 72، توضيح الأفكار 2/ 167، 171، إرشاد الفحول ص 67، فواتح الرحموت 2/ 177".
3 فواتح الرحموت 2/ 177.
4 ساقطة من ش. وفي ب ز: بأنه.
5 ساقطة من ش.
6 في ب: بها.
7 في د ب ع ض: فيمن.
8 قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: "قبل في الأصح"، وهو قولٌ للإمام أحمد.
"انظر: غاية الوصول ص 100، المسودة ص 271، توضيح الأفكار 2/ 172، مقدمة ابن
الصلاح ص 52".
9 انظر: مناقب الشافعي للبيهقي 2/ 315، طبقات الحنابلة 1/ 281، 282.
10 ساقطة من ب ع ض.
11 هو يحيى بن حسان بن حيان البكري التنيسي، أبو زكريا المصري. أخذ عن.......=(2/438)
أَبِي فُدَيْكٍ1، وَتَارَةً سَعِيدَ بْنَ سَالِمٍ الْقَدَّاحِ2، وَتَارَةً إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ3.
ـــــــ
= الحمادين، وأخذ عنه الشافعي وأحمد بن صالح. وثقه أحمد والعجلي والنسائي والشافعي وغيرهم. وكان إماماً حجة من جلة المصريين. توفي سنة 208 هـ عن 64 سنة.
انظر ترجمته في "حسن المحاضرة 1/ 287، الخلاصة ص 422، شذرات الذهب 2/ 22". ونقل البيهقي عن الربيع بن سليمان أنه قال: "إذا قال الشافعي: أخبرني الثقة، يريد به يحيى بن حسان". ونقل أيضاً: "كان الشافعي إذا قال: "أخبرني الثقة: فإنه يريد به يحيى بن حسان". "مناقب الشافعي 1/ 533، 2/ 246، 316".
1 هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فُدَيك دينار الديلمي مولاهم، أبو إسماعيل المدني، الحافظ. كان كثير الحديث. قال في المغني: "ثقة مشهور". وقال ابن سعد: "وحده ليس بحجة". روى عنه الشافعي وأحمد وقتيبة وآدم بن أبي إياس وآخرون. توفي سنة 200 هـ.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 345، طبقات الحفاظ ص 145، الخلاصة ص 328، شذرات الذهب 1/ 359، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 505".
2 هو سعيد بن سالم القداح، أبو عثمان الخراساني ثم المكي، يروي عن ابن جريج وابن عمر. ويروي عنه الشافعي وعلي بن حرب. قال ابن معين: ليس به بأس. وأخرج له أبو داود والنسائي، وصار مفتي مكة. قال الذهبي: "مات بعد المائتين".
انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 2/ 139، الخلاصة ص 138، العقد الثمين 4/ 564، مناقب الشافعي 2/ 312، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 201".
3 هو إسماعيل بن إبراهيم بن مِقْسَم، الإمام الحجة، أبو بشر الأسدي البصري، ابن عُلَيَّة، وهي أمه. كان حافظاً فقيهاً، كبير القدر، ولي المظالم ببغداد زمن الرشيد، وحدّث بها إلى أن مات. قال ابن معين: ثقة ورع تقي. وقال شعبة: ابن عُلية سيد المحدثين، وعُليّة أمه.
قال ابن المديني: ما أحد أثبت بالحديث من إسماعيل. وقال: الحفاظ أربعة: إسماعيل بن
علية ... . قال ابن قتيبة: وكان من خيار الناس، منسوب إلى أمه. مات سنة 193 هـ، وكان على مظالم محمد الأمين.
انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 1/ 213، المعارف ص 384، 507، شذرات الذهب 1/ 333، طبقات الحفاظ ص 133، تذكرة الحفاظ 1/ 322، تاريخ بغداد 6/ 229، طبقات المفسرين 1/ 104، تهذيب الأسماء 1/ 120، الخلاصة ص 32، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 29، الفهرست ص 317"...........=(2/439)
وَاشْتُهِرَ عَنْهُ ذَلِكَ فِيهِ، وَتَارَةً يُرِيدُ مَالِكًا1.
"وَالْجَرْحُ" هُوَ أَنْ يُنْسَبَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ "إلَى قَائِلٍ مَا" أَيْ شَيْءٌ"يُرَدُّ لأَجْلِهِ" أَيْ لأَجْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ "قَوْلُهُ" أَيْ قَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ مِنْ خَبَرٍ، أَوْشَهَادَةٍ مِنْ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ، أَوْ ارْتِكَابِ ذَنْبٍ، أَوْ مَا يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ2.
"وَالتَّعْدِيلُ ضِدُّهُ" وَهُوَ أَنْ يُنْسَبَ إلَى قَائِلٍ مَا يُقْبَلُ لأَجْلِهِ قَوْلُهُ: مِنْ فِعْلِ
ـــــــ
= وجاء في جميع النسخ: إبراهيم بن إسماعيل. وهو خطأ؛ لأن البيهقي عدد أسماء من روى عنهم الشافعي، وليس فيهم إبراهيم بن إسماعيل، بل ذكر ما أثبتناه في الأعلى، فقال: "إسماعيل بن إبراهيم بن عُلية البصري". "مناقب الشافعي 2/ 314". وقال أيضاً: "قلت: وقد قال الشافعي: أخبرنا الثقة عن معمر، والمراد به "إسماعيل بن عليّة" لتسميته إياه في موضع آخر". "مناقب الشافعي 2/ 316".
أما إبراهيم بن إسماعيل بن علية فيقول عنه الذهبي: جهمي هالك، كان يناظر ويقول بخلق القرآن. مات سنة 218 هـ. "ميزان الاعتدال 1/ 20". وذكر البيهقي إبراهيم بن إسماعيل بن عُليّة وأنه كان يناقش الشافعي في خبر الواحد، ثم وصفه بأنه "مبتدع". مناقب الشافعي 1/ 211.
1 حقق الإمام أبو حاتم الرازي هذا الموضوع فقال: "إذا قال الشافعي: أخبرني الثقة عن ابن أبي ذئب، فهو ابن أبي فديك. وإذا قال: حدثني الثقة عن الليث بن سعد، فهو يحيى بن حسان. وإذا قال: أخبرني الثقة عن الوليد بن كثير، فهو أبو أسامة. وإذا قال: أخبرني الثقة عن الأوزاعي، فهو عمرو بن أبي سلمة. وإذا قال: أخبرني الثقة عن ابن جريج، فهو مسلم بن خالد الزنجي. وإذا قال: أخبرني الثقة عن صالح مولى التوأمة، فهو إبراهيم بن
يحيى. "انظر: آداب الشافعي ومناقبه ص 96".
وانظر: جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 150، تيسير التحرير 3/ 106، تدريب الراوي 1/ 313، إرشاد الفحول ص 67- 68.
2 قال ابن حجر: "الطعن يكون بعشرة أشياء: بعضها يكون أشد في القدح من بعض، خمسة منها تتعلق بالعدالة، وخمسة تتعلق بالضبط". "شرح نخبة الفكر ص 120".
وانظر في تعريف الجرح "التعريفات للجرجاني ص 78، الإحكام لابن حزم 1/ 131، مختصر الطوفي ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93، الرفع والتكميل ص 27".(2/440)
الْخَيْرِ وَالْعِفَّةِ وَالْمُرُوءَةِ، وَالتَّدَيُّنِ بِفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَنَحْوِ ذَلِكَ1.
"وَتَدْلِيسُ الْمَتْنِ" وَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ "عَمْدًا: مُحَرَّمٌ وَجَرْحٌ" لِمُتَعَمِّدِهِ2.
وَ3لِلتَّدْلِيسِ مَعْنَيَانِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَالاصْطِلاحُ.
فَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: كِتْمَانُ الْعَيْبِ فِي مَبِيعٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَيُقَالُ: دَالَسَهُ: خَادَعَهُ، كَأَنَّهُ مِنْ الدَّلَسِ وَهُوَ الظُّلْمَةُ ؛ لأَنَّهُ إذَا غَطَّى عَلَيْهِ الأَمْرُ أَظْلَمَهُ عَلَيْهِ4.
وَأَمَّا فِي الاصْطِلاحِ فَقِسْمَانِ: قِسْمٌ مُضِرٌّ يَمْنَعُ الْقَبُولَ. وَقِسْمٌ لا يَضُرُّ.
فَالْمُضِرُّ: هُوَ تَدْلِيسُ الْمَتْنِ. وَسَمَّاهُ الْمُحَدِّثُونَ: الْمُدْرِجِ - بِكَسْرِ الرَّاءِ – اسْمُ فَاعِلٍ. فَالرَّاوِي لِلْحَدِيثِ إذَا أَدْخَلَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ كَلامِهِ أَوَّلاً أَوْ5 آخِرًا أَوْ وَسَطًا عَلَى وَجْهٍ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ.
وَفَاعِلُهُ عَمْدًا مُرْتَكِبٌ مُحَرَّمًا مَجْرُوحٌ6 عِنْدَ الْعُلَمَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغِشِّ. أَمَّا لَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْ صَحَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، فَلا يَكُونُ ذَلِكَ مُحَرَّمًا7.
ـــــــ
1 انظر في تعريف التعديل "مختصر الطوفي ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93.الرفع والتكميل ص 27".
2 انظر: اللمع ص 42، جمع الجوامع 2/ 165، غاية الوصول ص 104، شرح نخبة الفكر ص 135.
3 ساقطة من ع ض.
4 انظر: المصباح المنير 1/ 305، القاموس المحيط 2/ 224.
5 في ب: و.
6 ساقطة من ش.
7 المدرج أنواع كثيرة ذكرها علماء الحديث وفصلوا القول فيها
"انظر: تدريب الراوي 1/ 268، توضيح الأفكار 2/ 51 وما بعدها، مقدمة ابن الصلاح ص 45، 46، إرشاد الفحول ص 55".(2/441)
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي التَّشَهُّدِ1. قَالَ فِي آخِرِهِ "فَإِذَا2 قُلْت هَذَا، فَإِنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ" وَهُوَ مِنْ كَلامِهِ، لا مِنْ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْخَطِيبُ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ: وَهَذَا مِنْ الْمُدْرَجِ أَخِيرًا3.
وَمِثَالُ4 الْمُدْرَجِ أَوَّلاً: مَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ" 5، فَإِنَّ "أَسْبِغُوا
ـــــــ
1 روى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد، كفي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن: "التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله".
قال الترمذي: حديث ابن مسعود أصح حديث في التشهد، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 150، صحيح مسلم 1/ 302، مسند أحمد 1/ 376، سنن أبي داود 1/ 221، تحفة الأحوذي 2/ 171، سنن النسائي 2/ 189، سنن ابن ماجه 1/ 291".
2 في ع: وإذا.
3 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 45، معرفة علوم الحديث ص 39، شرح نخبة الفكر ص 136، تدريب الراوي 1/ 268، توضيح الأفكار 2/ 53.
4 في ش: وقال.
5 روى البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لم يغسل عقبه فقال: "ويلٌ للأعقاب من النار". ورواه أحمد عن جابر أيضاً.
وروى أبو داود والنسائي عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ: "أسبغوا الوضوء"، وفي رواية: "أمرنا أن نسبغ الوضوء، ويل للأعقاب من النار".......=(2/442)
الْوُضُوءَ" مِنْ كَلامِ أَبِي هُرَيْرَةَ1.
وَمِثَالُ الْوَسَطِ: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ3 رَضِيَ
ـــــــ
= ووروى البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه عن عمرو بن العاص مرفوعاً بلفظ: "أتموا الوضوء، ويل للأعقاب من النار".
وروى مالك وأحمد وغيرهما أن عبد الرحمن بن أبي بكر دخل عند عائشة، فتوضأ عندها فقالت: يا عبد الرحمن، أسبغ الوضوء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ويل للأعقاب من النار".
"انظر: صحيح البخاري 1/ 21، 43، صحيح مسلم 1/ 213، سنن أبي داود 1/ 22، سنن النسائي 1/ 66، 75، تحفة الأحوذي 1/ 152، سنن ابن ماجه 1/ 154، مسند أحمد 2/ 201، 282، 4/ 191، 5/ 425، 6/ 81، 99، موارد الظمآن ص 67، الموطأ 1/ 19، سنن الدارمي 1/ 177، نيل الأوطار 1/ 197، 199، 200، فيض القدير 2/ 366، 6/ 366".
1 انظر: شرح نخبة الفكر ص 135، توضيح الأفكار 2/ 55، أصول الحديث ص 371.
2 هو علي بن عمر بن أحمد بن مَهْدي، أبو الحسن، البغدادي، الدارقطني، الإمام الحافظ الكبير، شيخ الإسلام، حافظ الزمان، إليه النهاية في معرفة الحديث وعلومه. وكان يدعى فيه أمير المؤمنين، وكان إماماً في القراءات والنحو. قال الخطيب: "كان فريد عصره، وإمام وقته، وانتهى إليه علم الأثر والمعرفة بالعلل وأسماء الرجال مع الصدق والثقة وحسن الاعتقاد". وله مصنفات كثيرة، منها: "السنن"، و"العلل"، و"الأفراد"، و"المختلف والمؤتلف"، و"المعرفة بمذاهب الفقهاء"، و"المعرفة بالأدب والشعر". توفي سنة 385 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في طبقات الحفاظ ص 393، تذكرة الحفاظ 3/ 991، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 462، وفيات الأعيان 1/ 459، طبقات القراء 1/ 558، تاريخ بغداد 12/ 34.
3 هي الصحابية بُسرة بنت صفوان بن نوفل الأسدية. وهي خالة مروان بن الحكم، وجدة عبد الملك بن مروان، وهي بنت أخي ورقة بن نوفل، وأخت عقبة بن أبي معيط لأمه، كانت تحت المغيرة بن أبي العاص، فولدت له معاوية وعائشة. روي لها أحد عشر حديثاً. قال الشافعي: "لها سابقة قديمة وهجرة". وكانت من المبايعات.
انظر ترجمتها في "الإصابة 4/ 252، الاستيعاب 4/ 249، تهذيب الأسماء 2/ 332، الخلاصة ص 489".(2/443)
اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ، أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ رُفْغَهُ1، فَلْيَتَوَضَّأْ2" قَالَ: فَذِكْرُ الأُنْثَيَيْنِ، وَالرُّفْغِ مُدْرَجٌ، إنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ الرَّاوِي عَنْ بُسْرَةَ3.
وَ4مَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى الْمُحَدِّثِينَ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِأَنْ يَرِدَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى التَّصْرِيحُ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَلامِ الرَّاوِي، وَهُوَ طَرِيقٌ ظَنِّيٌّ، قَدْ يَقْوَى وَقَدْ يَضْعُفُ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ حَيْثُ فَعَلَ ذَلِكَ الْمُحَدِّثُ عَمْدًا، بِأَنْ قَصَدَ إدْرَاجَ كَلامِهِ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَبْيِينٍ، بَلْ دَلَّسَ ذَلِكَ: كَانَ فِعْلُهُ حَرَامًا، وَيَصِيرُ مَجْرُوحًا مَرْدُودَ الْحَدِيثِ5.
"و"َ الْقِسْمُ الثَّانِي "غَيْرُهُ" أَيْ غَيْرُ الْمُضِرِّ الَّذِي هُوَ تَدْلِيسُ الْمَتْنِ "مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا6" وَلَهُ صُوَرٌ:
إحْدَاهَا 7: أَنْ يُسَمِّيَ شَيْخَهُ فِي رِوَايَتِهِ8 بِاسْمٍ لَهُ غَيْرِ مَشْهُورٍ مِنْ كُنْيَةٍ
ـــــــ
1 في سنن الدارقطني: رفغيه.
2 سنن الدارقطني 1/ 148.
الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك والشافعي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارمي وابن الجارود، بدون الزيادة. وسبق تخريجه ص 367.
3 سنن الدارقطني 1/ 148.
وانظر: توضيح الأفكار 2/ 56، شرح نخبة الفكر ص 135.
4 ساقطة من ض.
5 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 46، شرح نخبة الفكر ص 137، أصول الحديث ص 372، توضيح الأفكار 2/ 62.
6 انظر: شرح نخبة الفكر ص 115، تدريب الراوي 1/ 228، الكفاية ص 355، شرح النووي على مسلم 1/ 33، اللمع ص 42، المسودة ص 276، فواتح الرحموت 2/ 149، تيسير التحرير 3/ 56.
7 في ض: أحدها.
8 في ش: رواية.(2/444)
أَوْ لَقَبٍ أَوْ اسْمٍ1 وَنَحْوِهِ، كَقَوْلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ الْمُقْرِئُ الإِمَامِ2: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى. يُرِيدُ بِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيَّ. وَقَوْلُهُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَسَد3،4وَيُرِيدُ بِهِ5 النَّقَّاشَ5 الْمُفَسِّرَ6 - نِسْبَةً إلَى جَدِّهِ - وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا، وَيُسَمَّى هَذَا "تَدْلِيسَ الشُّيُوخِ7".
ـــــــ
1 ساقطة من ض.
2 هو أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، المقرئ، الإمام الحافظ، أبو بكر التميمي، شيخ القراء في وقته. قال ثعلب: ما بقي في عصرنا أعلم بكتاب الله من ابن مجاهد. وكان ذا علم واسع، وبراعة وفهم، وصدق لهجة، وعبادة ونسك، وكان شافعي المذهب، كما كان بصيراً بالقراءات وعللها، وازدحم عليه الطلبة للقراءة والعلم، وصنف "القراءات السبعة". توفي سنة 324 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 57، طبقات القراء 1/ 139، شذرات الذهب 1/ 139، تذكرة الحفاظ 3/ 820، معرفة القراء الكبار 1/ 216".
3 في ش: أسيد.
4 في ب ع ض: يريد.
5 في ش: النعاس.
6 هو محمد بن الحسن بن زياد، المقرئ، المفسر، المعروف بالنقاش، أبو بكر، الموصلي الأصل، البغدادي، الإمام في القراءات والتفسير وكثير من العلوم. وكان إمام أهل العراق في القراءة والتفسير. وصنف في التفسير "شفاء الصدور"، كما صنف في غيره. فمن ذلك: "الإشارة إلى غريب القرآن"، و"الموضح في القرآن ومعانيه"، و"المناسك"، و"دلائل النبوة"، و"المعجم الكبير والأوسط والأصغر" في أسماء القرآن. وله أحاديث مناكير. ولد سنة 266 هـ، وتوفي سنة 351 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات المفسرين 2/ 132، طبقات القراء 2/ 119، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 145، طبقات الحفاظ ص 370، تذكرة الحفاظ 3/ 908، شذرات الذهب 3/ 8، معرفة القراء الكبار 1/ 236، تاريخ بغداد 2/ 201، البداية والنهاية 11/ 242، وفيات الأعيان 3/ 325".
7 انظر مزيداً من الأمثلة في "توضيح الأفكار 1/ 367 وما بعدها، التعريفات للجرجاني ص 57، المسودة ص 277، أصول السرخسي 1/ 379 وما بعدها، تدريب الراوي 1/ 228، جمع الجوامع 2/ 165، الكفاية ص 22، شرح نخبة الفكر ص 115، نهاية السول 2/ 640، غاية الوصول ص 104، إرشاد الفحول ص 55، أصول الحديث ص 342".(2/445)
وَأَمَّا تَدْلِيسُ الإِسْنَادِ: فَهُوَ1 أَنْ يَرْوِيَ عَمَّنْ لَقِيَهُ أَوْ عَاصَرَهُ حَدِيثًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، مُوهِمًا سَمَاعَهُ مِنْهُ، قَائِلاً: قَالَ: فُلانٌ أَوْ عَنْ فُلانٍ وَنَحْوَهُ. وَرُبَّمَا لَمْ2 يُسْقِطْ شَيْخَهُ وَأَسْقَطَ غَيْرَهُ. قَالَهُ3 ابْنُ الصَّلاحِ4.
وَمِثْلَهُ غَيْرُهُ: كَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَرْفُوعًا: "لا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ" 5. ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لا يَصِحُّ ؛ لأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ بَيْنَهُمَا سُلَيْمَانَ بْنَ أَرْقَمَ6
ـــــــ
1 في ز ع ض: وهو.
2 في ش: لا.
3 في ض: وقاله.
4 مقدمة ابن الصلاح ص 34.
وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 90، تيسير التحرير 3/ 56، كشف الأسرار 3/ 70، أصول السرخسي 1/ 379، التعريفات للجرجاني ص 57، الكفاية ص 22، 357، المسودة ص276، شرح نخبة الفكر ص 115، اللمع ص 42، تدريب الراوي 1/ 243، توضيح الأفكار 1/ 350، إرشاد الفحول ص 55، أصول الحديث ص 342، 343.
5 رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن عائشة مرفوعاً. ورواه أيضاً أبو داود عن ابن عباس. ورواه النسائي عن عمران بن حصين."انظر: سنن أبي داود 2/ 208 وما بعدها، تحفة الأحوذي 5/ 122، سنن النسائي 7/ 24، 26، سنن ابن ماجه 1/ 686، مسند أحمد 6/ 246، سنن الدارمي 2/ 183".
6 هو سليمان بن أرقم البصري، أبو معاذ. قال البخاري: هو مولى قريظة والنضير. روى عن الحسن وعطاء. وروى عنه الثوري ويحيى بن حمزة. قال الترمذي: متروك. وقال أحمد: لا يروى عنه. وقال يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: كنا ننهى عن مجالسة سليمان بن أرقم، فذكر منه أمراً عظيماً. وقال الذهبي: "له في "الكامل" نيف وعشرون حديثاً".
"انظر: الخلاصة ص 150، ميزان الاعتدال 2/ 196، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 228".(2/446)
عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ1، وَأَنَّ هَذَا وَجْهُ الْحَدِيثِ2.
قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "هَذَا الْقِسْمُ مَكْرُوهٌ جِدًّا ذَمَّهُ الْعُلَمَاءُ. وَكَانَ شُعْبَةُ مِنْ أَشَدِّهِمْ ذَمًّا لَهُ، وَقَالَ مَرَّةً: التَّدْلِيسُ أَخُو الْكَذِبِ، وَلأَنْ أَزْنِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ. وَهَذَا مِنْهُ إفْرَاطٌ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ3".
ـــــــ
1 هو يحيى بن أبي كثير صالح بن المتوكل، الطائي مولاهم، أبو النضر، اليماني. كان أحد العلماء الأعلام الأثبات. قال أحمد: من أثبت الناس، إنما يعد مع الزهري. وقال أبو حاتم: إمام لا يحدث إلا عن ثقة. روى عن أنس وجابر وأبي أمامة مرسلاً، وعن عبد الله بن أبي أوفى وعكرمة وغيرهم. وكان يدلس. وقال ابن حبان: "لا يصح له عن أنس بن مالك ولا غيره من الصحابة سماع. وتلك كلها أخبار مدلسة". مات سنة 129 هـ.
انظر ترجمته في "الخلاصة ص 427، طبقات الحفاظ ص 51، تذكرة الحفاظ 1/ 127، شذرات الذهب 1/ 176، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 652، مشاهير علماء الأمصار ص 191".
2 تحفة الأحوذي 5/ 122.
وقال الخطابي: لو صح هذا الحديث لكان القول به واجباً والمصير إليه لازماً، إلا أن أهل المعرفة بالحديث زعموا أنه حديث مقلوب، وهم فيه سليمان. وقال النووي في "الروضة": حديث ضعيف باتفاق المحدثين. ثم تعقبه الحافظ ابن حجر فقال: قلت: قد صححه الطحاوي وأبو علي ابن السكن، فأين الاتفاق؟ وقال ابن حجر في "فتح الباري": رواته ثقات، لكنه معلول. وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال: لا يصحّ. لكن له شاهد، ونبه على الشاهد السيوطي عند النسائي عن عمران. وقال العراقي: فيه اضطراب. وقال النسائي: سليمان بن أرقم متروك. وللحديث طرق ذكرها الحافظ ابن حجر في "التلخيص" مع الكلام عليها.
"انظر: نيل الأوطار 8/ 274، 275، فيض القدير 6/ 437، تحفة الأحوذي 5/ 122،
فتح الباري 11/ 469، شرح السنة للبغوي 10/ 34".
3 مقدمة ابن الصلاح ص 35.
وممن شدّد في ذمه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "اللمع ص 42".
وانظر: أصول السرخسي 1/ 379، فواتح الرحموت 2/ 149، كشف الأسرار 3/ 70، شرح النووي على مسلم 1/ 33، شرح نخبة الفكر ص 118، تدريب الراوي 1/ 228، أصول الحديث ص 342، 343.(2/447)
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُسَمِّيَ شَيْخَهُ بِاسْمِ شَيْخٍ آخَرَ لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رَوَاهُ عَنْهُ1، كَمَا يَقُولُهُ تَلامِذَةُ الْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيِّ2:
حَدَّثَنَا أَبُو3 عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، تَشْبِيهًا بِقَوْلِ الْبَيْهَقِيّ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَهَذَا لا يَقْدَحُ لِظُهُورِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ4.
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَأْتِيَ فِي التَّحْدِيثِ بِلَفْظٍ يُوهِمُ أَمْرًا لا قَدْحَ فِي إيهَامِهِ5، وَ6ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: حَدَّثَنَا وَرَاءَ النَّهْرِ، مُوهِمًا أَنَّهُ7 نَهْرُ جَيْحُونَ،
ـــــــ
1 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 35، اللمع ص 42، غاية الوصول ص 104، كشف الأسرار 3/ 70، إرشاد الفحول ص 55.
2 هو محمد بن أحمد بن عثمان، أبو عبد الله الذهبي، شمس الدين، الحافظ، الإمام. ولد بكفر بطنا من غوطة دمشق، ودرس في دمشق والقاهرة والإسكندرية ومكة وغيرها، ثم أقام بدمشق. وكان متقناً لعلم الحديث ورجاله، وعرف تراجم الناس والتاريخ، حتى لقب بـ"مؤرخ الإسلام". وله مصنفات كثيرة مشهورة، وهي غاية في الدقة والكمال، منها: "تاريخ الإسلام" الكبير، و"تذهيب التهذيب"، و"ميزان الاعتدال"، و"النبلاء" في شيوخ السنة، و"تذكرة الحفاظ"، و"مختصر سنن البيهقي"، و"طبقات مشاهير كبار القراء"، و"التجريد في أخبار الصحابة". وقد أضر قبل موته بسنوات. توفي سنة 747هـ.
انظر ترجمته في "الدرر الكامنة 3/ 426، نكت الهميان ص 241، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 9/ 100، شذرات الذهب 6/ 153، البدر الطالع 2/ 110، طبقات الحفاظ ص 517، طبقات القراء 2/ 71، ذيل تذكرة الحفاظ ص 34، 347".
3 ساقطة من ز.
4 ساقطة من ب ز ع ض.
وانظر: كشف الأسرار 3/ 71، جمع الجوامع 2/ 165، فواتح الرحموت 2/ 149، تيسير التحرير 3/ 56، غاية الوصول ص 104.
5 في ع: إبهامه.
6 ساقطة من ش ز ض.
7 ساقطة من ز ش ب.(2/448)
وَهُوَ نَهْرُ عِيسَى بِبَغْدَادَ أَوْ1 الْحِيرَةِ وَنَحْوِهَا بِمِصْرَ، فَلا قَدْحَ فِي ذَلِكَ ؛ لأَنَّهُ مِنْ بَابِ الإِغْرَابِ2، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إيهَامُ الرِّحْلَةِ إلاَّ أَنَّهُ صَدَقَ فِي نَفْسِهِ3.
إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَكْرُوهٌ4.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ5 وَالْمَرُّوذِيِّ6: لا يُعْجِبُنِي، هُوَ مِنْ أَهْلِ الرِّيبَةِ. وَلا يُغَيِّرُ اسْمَ رَجُلٍ ؛ 7لأَنَّهُ لا يُعْرَفَ2. وَسَأَلَهُ مُهَنَّا8 عَنْ
ـــــــ
1 في ش ز: و.
2 الإغراب من أغرب أي جاء بشيء غريب، وكلام غريب بعيد عن الفهم "المصباح المنير 2/ 681".
3 ويسمى هذا التدليس "تدليس البلاد" ولا يعتبر ذلك جرحاً.
"انظر: توضيح الأفكار 1/ 372، أصول الحديث ص 343، العضد على ابن الحاجب 2/ 67، جمع الجوامع 2/ 165، تيسير التحرير 3/ 56، الإحكام للآمدي 2/ 90، غاية الوصول ص 104".
4 قال الشيخ تقي الدين بن تيمية: "هذه الكراهة: تنزيه أم تحريم؟ قولان ... والأشبه أنه محرم" "المسودة ص 277".
وانظر: فواتح الرحموت 2/ 149، شرح نخبة الفكر ص 15 وما بعدها، تدريب الراوي 1/ 228.
5 هو حرب بن إسماعيل بن خلف الحنظلي، الكرماني، أبو محمد، وقيل أبو عبد الله. كان يكتب بخطه مسائل سمعها من الإمام أحمد. وكان فقيه البلد، رجلاً جليلاً
مهيباً، وكان السلطان قد جعله على أمر الحكم وغيره. وسمع من أحمد يقول: الناس يحتاجون إلى العلم مثل الخبز والماء، لأن العلم يحتاج إليه في كل ساعة، والخبز والماء في كل يوم مرة أو مرتين. توفي سنة 280 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/ 145، تذكرة الحفاظ 2/ 613، طبقات الحفاظ ص 271، شذرات الذهب 2/ 176، المدخل إلى مذهب أحمد ص 206".
6 في ش: والمروزي.
7 في ش ز: لئلا يعرف. وفي ب ع: لأنه لا يعرفه.
8هو مهنا بن يحيى الشامي، السُّلَمي، أبو عبد الله. قال الخلال: "كان من كبار أصحاب الإمام أحمد، وروى عن الإمام أحمد من المسائل ما فخر به، وكان الإمام أحمد يكرمه، ويعرف له حق الصحبة. ولزمه 43 سنة إلى أن مات. قال الدارقطني: ثقة نبيل.
انظر ترجمته في طبقات الحنابلة 1/ 345، المنهج الأحمد 1/ 331.(2/449)
هُشَيْمٍ1؟ قَالَ: ثِقَةٌ إذَا لَمْ يُدَلِّسْ. قُلْت: فِي2 التَّدْلِيسِ عَيْبٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالأَشْبَهُ تَحْرِيمُهُ، لأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ تَدْلِيسِ الْمَبِيعِ3.
"وَمَنْ عُرِفَ بِهِ عَنْ الضُّعَفَاءِ لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ حَتَّى يُبَيِّنَ السَّمَاعَ" يَعْنِي أَنَّ مَنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الضُّعَفَاءِ مُوهِمًا أَنَّ سَمَاعَهُ عَنْ غَيْرِهِمْ: لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ حَتَّى يُبَيِّنَ، بِأَنْ يُفْصِحَ بِتَعْيِينِ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ، عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَعْنَى4.
"وَمَنْ كَثُرَ مِنْهُ" التَّدْلِيسُ "لَمْ تُقْبَلْ عَنْعَنَتُهُ" قَالَهُ الْمَجْدُ5، قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُحْمَلَ تَشْبِيهُ ذَلِكَ بِمَا سَبَقَ فِي الضَّبْطِ مِنْ
ـــــــ
1 هو هُشيم بن بشير بن القاسم، السُّلَمي مولاهم، أبو معاوية الواسطي. روى عنه شعبة ومالك وأحمد والثوري وغيرهم. قال العجلي: "ثقة يدلس". وقال ابن سعد: ثقة حجة كثير الحديث يدلس كثيراً. وكان عنده عشرون ألف حديث. ومن مؤلفاته: "السنن في الفقه"، و"التفسير"، و"القراءات". توفي سنة 183 هـ ببغداد.
انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ 1/ 248، تاريخ بغداد 14/ 85، طبقات الحفاظ ص 105، طبقات المفسرين 2/ 352، الفهرست 318، الخلاصة ص 414، مشاهير علماء الأمصار ص 177، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 620.
2 ساقطة من ع.
3 المسودة ص 277.
4 انظر: فواتح الرحموت 2/ 149، كشف الأسرار 3/ 70، مقدمة ابن الصلاح ص 35، شرح نخبة الفكر ص 116، تدريب الراوي 1/ 229 وما بعدها.
5 وهو قول الشافعي وغيره.
انظر: الرسالة ص 380، تيسير التحرير 3/ 56، المسودة ص 261، 276، 278.(2/450)
كَثْرَةِ السَّهْوِ وَغَلَبَتِهِ، وَمَا1 فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ السَّمَاعَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ.
وَمَنْ دَلَّسَ مُتَأَوِّلاً قُبِلَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، وَالأَكْثَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَلَمْ يَفْسُقْ ؛ لأَنَّهُ قَدْ صَدَرَ مِنْ الأَعْيَانِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ. وَقَلَّ مَنْ سَلِمَ مِنْهُ2.
وَقَدْ رَدَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلَ شُعْبَةَ: التَّدْلِيسُ كَذِبٌ. قِيلَ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ: كَانَ شُعْبَةُ يَقُولُ: إنَّ التَّدْلِيسَ كَذِبٌ. فَقَالَ: لا، قَدْ دَلَّسَ قَوْمٌ. وَنَحْنُ نَرْوِي عَنْهُمْ3.
"وَالْمُعَنْعَنُ بِلا تَدْلِيسٍ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ: مُتَّصِلٌ" يَعْنِي: أَنَّ الإِسْنَادَ الْمُعَنْعَنَ الَّذِي لا يُعْلَمُ فِيهِ تَدْلِيسٌ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ:4 مُتَّصِلٌ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالأَكْثَرِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ، عَمَلاً بِالظَّاهِرِ. وَالأَصْلُ عَدَمُ التَّدْلِيسِ5، لَكِنْ شَرَطَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ثَلاثَةَ شُرُوطٍ: الْعَدَالَةَ، وَاللِّقَاءَ،
ـــــــ
1 ما: ساقطة من ض.
2 انظر: المسودة ص 277.
3 انظر تفصيل ذلك مع الأدلة، وبيان من اشتهر بالتدليس مع الأمثلة في "المسودة ص 277، توضيح الأفكار 1/ 346، 348، 353، الكفاية ص 355، مقدمة ابن الصلاح ص 34 وما بعدها، تدريب الراوي 2/ 223 وما بعدها، معرفة علوم الحديث ص 103، شرح نخبة الفكر ص 116".
4 ساقطة من ب.
5 أي يعتبر الحديث المعنعن مسنداً من حيث الأصل، وليس مرسلاً، ويعمل به، وقال الحاكم: "إن الأحاديث المعنعنة متصلة بإجماع أئمة أهل النقل، إذا لم يكن فيه تدليس". "معرفة علوم الحديث ص 34".
وانظر: كشف الأسرار 3/ 71، مقدمة ابن الصلاح ص 29، الرسالة ص 373، 378، شرح الورقات ص 192، اللمع ص 41، شرح نخبة الفكر ص 214 وما بعدها، توضيح الأفكار 1/ 330، تدريب الراوي 1/ 214، صحيح مسلم بشرح النووي 1/ 127 وما بعدها، المسودة ص 260.(2/451)
وَعَدَمَ التَّدْلِيسِ1.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا رَوَاهُ الأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ2 عَنْ عَلْقَمَةَ3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. *أَوْ4 رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ5 عَنْ أَبِيهِ، وَدَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
ـــــــ
1 انظر: شرح الورقات ص 193، تدريب الراوي 1/ 215.
2 هو إبراهيم بن يزيد بن عمرو بن الأسود، أبو عمران، النخعي. قال الذهبي: "أحد الأعلام، يرسل عن جماعة، وكان لا يُحكِم العربية، ربما لحن، واستقر الأمر على أن إبراهيم حجة، وأنه إذا أرسل عن ابن مسعود وغيره، فليس ذلك بحجة". رأى إبراهيم زيد بن أرقم وغيره من الصحابة، ولم يصح له سماعٌ من صحابي، وكان فقيه أهل الكوفة. توفي سنة 95 هـ، وقيل 96 هـ.
انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 1/ 74، الخلاصة ص 23، طبقات الفقهاء ص 82، طبقات الحفاظ ص 29، تذكرة الحفاظ 1/ 73، حلية الأولياء 4/ 217، صفة الصفوة 3/ 86، وفيات الأعيان 1/ 6، طبقات القراء 1/ 29، شذرات الذهب 1/ 111، مشاهير علماء الأمصار ص 101".
3 هو علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة النخعي، أبو شِبل الكوفي، التابعي الكبير، الفقيه البارع. سمع عمر بن الخطاب وعثمان وعليًّا وابن مسعود وسلمان، وأجمعوا على جلالته، ووفور علمه، وجميل طريقته. وكان أكبر أصحاب ابن مسعود وأشبههم به هدياً ودلالة، شهد صفين. توفي سنة 62 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء ص 79، طبقات الحفاظ ص 12، تذكرة الحفاظ 1/ 48، الخلاصة ص 271، تاريخ بغداد 2/ 296، تهذيب الأسماء 1/ 342، المعارف ص 431، شذرات الذهب 1/ 70، معرفة القراء الكبار 1/ 44، طبقات القراء 1/ 516، مشاهير علماء الأمصار ص 100".
4 في ز ش: و.
5هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو عمر. وقيل أبو عبد الله القرشي، العدوي، المدني، التابعي، الإمام الفقيه، الزاهد العابد. أجمعوا على إمامته وجلالته، وزهادته وعلو...........=(2/452)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1": كُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ2.
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: أَنَّ الإِسْنَادَ الْمُعَنْعَنَ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ3.
قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "عَدَّهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ قَبِيلِ الْمُرْسَلِ وَالْمُنْقَطِعِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ اتِّصَالُهُ بِغَيْرِهِ4". فَيُجْعَلَ مُرْسَلاً، إنْ كَانَ مِنْ قَبِيلِ5 الصَّحَابِيِّ، وَمُنْقَطِعًا إنْ كَانَ مِنْ قَبِيلِ6 غَيْرِهِ7.
"*وَقَوْلُنَا: "بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ" يَشْمَلُ8: "عَنْ وَإِنْ وَقَالَ" وَنَحْوَهُ عَلَى الصَّحِيحِ9.
وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ "إنَّ فُلانًا" لَيْسَتْ لِلاتِّصَالِ.10
ـــــــ
= مرتبته. قال ابن سعد: "كان سالم كثير الحديث، عالياً من الرجال ورعاً". وعدَّه ابن المبارك من فقهاء المدينة السبعة، وأصح الأسانيد كلها: الزهري عن سالم عن أبيه، وهي سلسلة الذهب. توفي سنة 106 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 33، تذكرة الحفاظ 1/ 88، تهذيب الأسماء 1/ 207، الخلاصة ص 131، حلية الأولياء 2/ 193، وفيات الأعيان 2/ 94، شذرات الذهب 1/ 33، طبقات القراء 1/ 301، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 62، مشاهير علماء الأمصار ص 65".
*-1 ساقطة من ب.
2 انظر: المسودة ص 261.
3 انظر: المسودة ص 260.
4 مقدمة ابن الصلاح ص 29.
5 في ش ز: قبل.
6 في ش ز: قبل.
7 انظر: اللمع ص 41، كشف الأسرار 3/ 71.
8 في ع: شمل.
9 انظر: الكفاية ص 406.
10 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 29.(2/453)
وَلَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَ الْمُدَلِّسِ وَغَيْرِهِ1، عُلِمَ2 إمْكَانُ اللِّقَاءِ أَوْ لا.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ.
"وَيَكْفِي إمْكَانُ لُقِيٍّ" دُونَ الْعِلْمِ بِهِ3 "فِي قَوْلٍ" اخْتَارَهُ مُسْلِمٌ. وَحَكَاهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالأَخْبَارِ4.
قَالَ5 ابْنُ مُفْلِحٍ: وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِيمَا يُرَدُّ بِهِ الْخَبَرُ وَمَا لا يُرَدُّ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي آخِرِ "شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ". وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ.
وَاشْتَرَطَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا: الْعِلْمَ بِاللُّقِيِّ6.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي "شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ": هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلامِ الإِمَامِ7 أَحْمَدَ وَأَبِي زُرْعَةَ وَأَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِمْ8 مِنْ أَعْيَانِ الْحُفَّاظِ، بَلْ كَلامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ ثُبُوتِ السَّمَاعِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الأَعْيَانِ ثَبَتَتْ9 لَهُمْ الرُّؤْيَةُ10 لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ. وَقَالُوا مَعَ ذَلِكَ: لَمْ يَثْبُتْ
ـــــــ
*-1 ساقطة من ض.
2 في ع ض: وعلم.
3 ساقطة من ب.
4 انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 1/ 130 وما بعدها، صحيح مسلم 1/ 29.
5 في ض: وقال.
6 انظر: توضيح الأفكار 1/ 44، 86، 100.
7 ساقطة من ش ز.
8 ساقطة من ش ز. وفي ض: وغيرهما.
9 في ب: ثبت.
10 في ز ع ب: الرواية. وهو تصحيف.(2/454)
لَهُمْ السَّمَاعُ مِنْهُمْ. فَرِوَايَاتُهُمْ عَنْهُمْ مُرْسَلَةٌ. مِنْهُمْ الأَعْمَشُ1، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَأَيُّوبُ2 وَابْنُ عَوْنٍ3، وَقُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ4: رَأَوْا أَنَسًا وَلَمْ يَسْمَعُوا مِنْهُ، فَرِوَايَتُهُمْ عَنْهُ مُرْسَلَةٌ5. كَذَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ. وَقَالَهُ6 أَبُو زُرْعَةَ أَيْضًا فِي7 يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ.
ـــــــ
1 في ز: للأعمش.
2 هو أيوب بن أبي تميمة كيسان، السختياني، العنزي، أبو بكر البصري، الفقيه، أحد الأئمة الأعلام. قال شعبة: "هو سيد الفقهاء". وقال ابن سعد: "وكان ثقة ثبنتاً حجة جامعاً كثير العلم". وكان من سادات البصرة، وعباد أتباع التابعين، وفقهائهم. واشتهر بالفضل والعلم والنسك والصلابة في السنة، والقمع لأهل البدعة. رأى أنس بن مالك، ولم يسمع منه، وهو من صغار التابعين، مات بالطاعون سنة 131 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء للشيرازي ص 89، طبقات الحفاظ ص 52، تذكرة الحفاظ 1/ 130، تهذيب الأسماء 1/ 131، الخلاصة ص 42، شذرات الذهب 1/ 181، مشاهير علماء الأمصار ص 150، المعارف ص 471، حلية الأولياء 3/ 3، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 48".
3 هو عبد الله بن عون بن أرطبان، المزني، أبو عون البصري، أحد الأعلام، وهو شيخ البصرة وعالمهم. وكان ورعاً ثقة، عالماً بالسنة. قال عبد الرحمن بن مهدي: ما كان بالعراق أعلم بالسنة من ابن عون. وقال أبو إسحاق: هو ثقة في كل شيء. وقال ابن معين: وقد رأى ابن عون أنس بن مالك، وهو أكبر من أيوب بسنتين، وعاش بعده عشرين سنة. توفي سنة 151 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 69، تذكرة الحفاظ 1/ 156، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 90، الخلاصة ص 209، شذرات الذهب 1/ 230، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 324".
4 هو قرة بن خالد السدوسي، الحافظ، أبو خالد البصري، صاحب الحسن وابن سيرين. قال يحيى القطان: كان من أثبت شيوخنا، وثقه أحمد وابن معين، مات سنة 154 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 85، تذكرة الحفاظ 1/ 198، الخلاصة ص 316، شذرات الذهب 1/ 237، مشاهير علماء الأمصار ص 156".
5 في ب: غير مرسلة.
6 في ب ز ع: وقال.
7 في ع: فيه في.(2/455)
وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: قَدْ رَأَى أَنَسًا فَلا أَدْرِي أَسَمِعَ1 مِنْهُ أَمْ لا؟
وَلَمْ يَجْعَلُوا رِوَايَتَهُ عَنْهُ مُتَّصِلَةً بِمُجَرَّدِ الرُّؤْيَةِ، وَالرُّؤْيَةُ أَبْلَغُ مِنْ إمْكَانِ اللُّقِيِّ.
وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ صِبْيَانِ الصَّحَابَةِ رَأَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَصِحَّ لَهُمْ سَمَاعٌ مِنْهُ. فَرِوَايَاتُهُمْ عَنْهُ مُرْسَلَةٌ. كَطَارِقِ بْنِ شِهَابٍ2 وَغَيْرِهِ3.
وَكَذَلِكَ مَنْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ مَعَ اللِّقَاءِ لَمْ يَسْمَعْ مِمَّنْ لَقِيَهُ إلاَّ شَيْئًا يَسِيرًا. فَرِوَايَتُهُ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ مُرْسَلَةٌ. كَرِوَايَاتِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ. فَإِنَّ الأَكْثَرِينَ نَفَوْا سَمَاعَهُ مِنْهُ. 4وَأَثْبَتَ أَحْمَدُ أَنَّهُ رَآهُ وَسَمِعَ مِنْهُ، وَقَالَ مَعَ ذَلِكَ: رِوَايَاتُهُ5 عَنْهُ مُرْسَلَةٌ. إنَّمَا سَمِعَ1 مِنْهُ شَيْئًا يَسِيرًا، مِثْلَ
ـــــــ
1 في ز ش ع ض: سمع.
2 هو طارق بن شهاب بن عبد شمس، الكوفي البجلي، الأحمسي، أبو عبد الله. أدرك الجاهلية. ورأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو رجل. ويقال: لم يسمع منه شيئاً.قال ابن أبي حاتم: "سمعت أبي يقول: له صحبة، والحديث الذي رواه مرسل" وقال ابن حجر: "إذا ثبت أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم فهو صحابي على الراجح". وأخرج له أصحاب الكتب الستة. غزا في زمن أبي بكر وعمر وثلاثين غزوة. سكن الكوفة، توفي سنة 83 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 220، الاستيعاب 2/ 237، تهذيب الأسماء 1/ 251، الخلاصة ص 178، مشاهير علماء الأمصار ص 48".
3 الروايات المرسلة عن الصحابة، سواء كانوا من كبار الصحابة أم من صغارهم، مقبولة عند جماهير علماء الحديث والأصول. أما الروايات المرسلة عن غير الصحابة فقد اختلف العلماء فيها، كما سيذكر ذلك المصنف في فصل "المرسل" في آخر هذا المجلد.4 ساقطة من ض.
5 في ب: روايته.(2/456)
نَعْيِهِ1 النُّعْمَانَ بْنَ مُقْرِنٍ2 عَلَى الْمِنْبَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ3. وَكَذَلِكَ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ4 عُثْمَانَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَأْمُرُ5 بِقَتْلِ الْكِلابِ وَذَبْحِ الْحَمَامِ، وَرِوَايَاتُهُ عَنْهُ6 غَيْرَ ذَلِكَ مُرْسَلَةٌ.
وَ7قَالَ أَحْمَدُ: ابْنُ جُرَيْجٍ8 لَمْ يَسْمَعْ مِنْ طَاوُسٍ وَلا حَرْفًا. وَيَقُولُ: رَأَيْت طَاوُسًا.
ـــــــ
1 في ز ش: نفيه.
2 هو الصحابي النعمان بن مقرن بن عائذ المزني، ويقال: النعمان بن عبيد، ويقال لعبيد: مقرن بن مقرن بن أوس بن مالك الأنصاري. ويقال: النعمان بن عمرو بن مقرن، يكنى بأبي عمرو. وقيل: أبو حكيم. كان مع النبي صلى الله عليه وسلم مع إخوته، وهم سبعة. وسكن. البصرة، ثم ذهب إلى الكوفة، وكان من سادات الصحابة، وشارك في القادسية، وكان أميراً في فتح أصبهان، وتوجه إلى نهاوند، فكان أول صريع فيها سنة 21 هـ. فنعاه عمر للناس يوم أصيب على المنبر، وأخذ حذيفة بن اليمان الراية بعده، ففتح الله عليه.
انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 562، الاستيعاب 3/ 545، المعارف ص 299، الخلاصة ص 403، شذرات الذهب 1/ 32".
3 قال يحيى بن سعيد: كان سعيد أحفظ الناس لأحكام عمر وأقضيته، وكان يسمى راوية عمر، وقد ولد سعيد لسنتين مضتا، وقيل لأربع من خلافة عمر. وقال يحيى بن معين: "سعيد بن المسيب رأى عمر". وقال: "ولم يثبت له من عمر سماع. توفي سعيد سنة 93 هـ أو 94 هـ. ومرت ترجمته ص 232.
"وانظر: طبقات الحفاظ ص 17- 18، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 207".
4 في ع: عن.
5 ساقطة من ب ز ع ض.
6 ساقطة من ب.
7 ساقطة من ز ش ع.
8 هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيج القرشي، الأموي مولاهم، المكي، أبو الوليد، ويقال: أبو خالد، من تابعي التابعين، أحد العلماء المشهورين، من فقهاء مكة وقرائهم. قال أحمد: أول من صنف الكتب ابنُ جريج وابن أبي عروبة. وقال عطاء: سيد أهل الحجاز ابن جريج. وقال ابن حبان البستي: جمع وصنف وحفظ وذاكر، وكان يدلس. قال الواقدي: سألته عن قراءة الحديث عن المحدث؟ قال: إذا قرأها هو والسماع سواء. قال ابن العماد: قلت: هذا مذهب مالك وجماعة. وعن أحمد: فالسماع أعلى رتبة. مات سنة 150 هـ. قال النووي: واعلم أن ابن جريج أحد شيوخنا وأئمتنا، فالشافعي أخذ عن مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 74، تذكرة الحفاظ 1/ 169، مشاهير علماء الأمصار ص 145، طبقات القراء 1/ 469، تهذيب الأسماء 2/ 298، وفيات الأعيان 2/ 338، المعارف ص 488، تاريخ بغداد 1/ 400، شذرات الذهب 1/ 227، الخلاصة ص 244، طبقات المفسرين للداودي 1/ 352، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 371، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 71".(2/457)
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ أَيْضًا: الزُّهْرِيُّ1 لا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْ ابْنِ عُمَرَ، رَآهُ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَرَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ2 وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ. وَأَثْبَتَ أَيْضًا دُخُولَ مَكْحُولٍ3 عَلَى وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ4 وَرُؤْيَتَهُ لَهُ وَمُشَافَهَتَهُ، وَأَنْكَرَ
ـــــــ
1 في ض: الرازي.
2 هو الصحابي بن الصحابي عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، أبو جعفر القرشي الهاشمي. أمه أسماء بنت عميس. كان أبوه جعفر قد هاجر إلى أرض الحبشة فولدت له عبد الله هناك، وهو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة. وهاجر مع أبيه إلى المدينة، وهو أخو محمد بن أبي بكر الصديق، ويحيى بن علي بن أبي طالب. أمهم أسماء تزوجها جعفر، ثم أبو بكر، ثم علي. وكان عبد الله كريماً جواداً حليماً. وكان يسمى بحر الجود، وهو أجود العرب، مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، ودعا له. توفي سنة 80 هـ.انظر ترجمته "في الإصابة 2/ 289، الاستيعاب 2/ 275، تهذيب الأسماء 1/ 263، الخلاصة ص 193، مشاهير علماء الأمصار ص 9".
3 هو مكحول بن عبد الله الدمشقي، أبو عبد الله الفقيه، أحد أئمة التابعين. قال أبو حاتم: "ما أعلم بالشام أفقه منه". ولم يكن في زمانه أبصر منه بالفتيا، وكان في لسانه عجمة ظاهرة، وهي عجمة أهل السند، لأنه كان من سبي كابل، وثقه جماعة. وضعفه جماعة. توفي سنة 112 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 42، تذكرة الحفاظ 1/ 107، حلية الأولياء 5/ 177، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 75، وفيات الأعيان 4/ 368، الخلاصة ص 386، شذرات الذهب 1/ 146، مشاهير علماء الأمصار ص 114".
4 هو الصحابي واثلة بن الأسقع بن عبد العزى، أبو شداد، وقيل في كنيته غير ذلك، الكناني الليثي. أسلم قبل غزوة تبوك وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد فتح الشام وحمص. وقيل: إنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، وكان من أهل الصُّفّة. سكن الشام بدمشق، ثم استوطن بيت جيرين بقرب بيت المقدس، ودخل البصرة، وكان له بها دار. توفي بدمشق سنة 85 هـ، وقيل غير ذلك. وله مائة وخمس سنين. وهو آخر من مات بدمشق من الصحابة.
انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 626، الاستيعاب 3/ 643، طبقات القراء 2/ 358، تهذيب الأسماء 2/ 142، حلية الأولياء 2/ 21".(2/458)
سَمَاعَهُ مِنْهُ1. وَقَالَ: لَمْ يَصِحَّ لَهُ مِنْهُ سَمَاعٌ2، وَجَعَلَ رِوَايَاتِهِ عَنْهُ مُرْسَلَةً.
وَقَالَ أَحْمَدُ: أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ3 لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، مِنْ أَيْنَ سَمِعَ مِنْهُ؟
وَمُرَادُهُ: مِنْ أَيْنَ صَحَّتْ رِوَايَتُهُ4 بِسَمَاعِهِ مِنْهُ، وَإِلاَّ فَإِمْكَانُ ذَلِكَ وَاحْتِمَالُهُ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ فِي أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ5: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ،
ـــــــ
1 ساقطة من ب ع ض.
2 خالف في ذلك الإمام يحيى بن معين، فقال: "سمع مكحول من واثلة بن الأسقع، وسمع من فضالة بن عبيد، وسمع من أنس بن مالك". "يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 584".
3 هو أبان بن عثمان بن عفان، أبو سعيد القرشي، المدني الأموي، التابعي الكبير. قال عمرو بن شعيب: "ما رأيت أحداً أعلم بحديث ولا فقه من أبان بن عثمان". وهو أحد فقهاء المدينة العشرة. واتفق العلماء على أنه ثقة. شهد الجمل مع عائشة، وكان أبرص أحول، وأصابه الفالج قبل موته بسنة. توفي بالمدينة سنة 105 هـ.
انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 1/ 97، شذرات الذهب 1/ 131، مشاهير علماء الأمصار ص 67، الخلاصة ص 15".
4 في ب ع ض: الرواية.
5هو أسعد بن سهل بن حنيف، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم جده لأمه أبي أمامة أسعد بن زرارة، وكناه بكنيته ودعا له. وهو أنصاري دَوْسي مدني. ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن شهاب: ممن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عبد البر: يعد من كبار التابعين، وكان من علماء المدينة. توفي سنة مائة هجرية.
انظر ترجمته في "الاستيعاب 4/ 5، الإصابة 4/ 9، 3/ 59، شذرات الذهب 1/ 118، مشاهير علماء الأمصار ص 28".(2/459)
هَذَا مَعَ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَدَلَّ كَلامُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَبِي زُرْعَةَ وَأَبِي حَاتِمٍ عَلَى أَنَّ الاتِّصَالَ لا يَثْبُتُ إلاَّ بِثُبُوتِ التَّصْرِيحِ بِالسَّمَاعِ. وَهَذَا أَضْيَقُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيِّ، فَإِنَّ الْمَحْكِيَّ عَنْهُمَا: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ1: إمَّا السَّمَاعُ، وَإِمَّا اللِّقَاءُ. وَالإِمَامُ أَحْمَدُ وَمَنْ تَبِعَهُ2: عِنْدَهُمْ لا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ السَّمَاعِ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مُرَادُهُمْ: أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: ابْنُ سِيرِينَ3 لَمْ يَجِئْ عَنْهُ سَمَاعٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الزُّهْرِيُّ أَدْرَكَ أَبَانَ بْنَ عَبَّاس4 وَمَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَلَكِنْ لا يَثْبُتُ لَهُ السَّمَاعُ، كَمَا أَنَّ حَبِيبَ بْنَ أَبِي
ـــــــ
1 في ع: الأمرين.
2 في د ض: معه. وكذا في أصل ز. لكنها صححت على الهامش كما أثبتناه أعلاه.
3 هو محمد بن سيرين الأنصاري، أبو بكر البصري، مولى أنس بن مالك، التابعي الكبير، الإمام في التفسير والحديث والفقه. وعبر الرؤيا والمقدم في الزهد والورع، ولم يكن بالبصرة أعلم منه بالقضاء. وأريد على القضاء فهرب إلى الشام، وكان بزازاً، وحبس بدين عليه. توفي سنة 110 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء للشيرازي ص 88، طبقات القراء 2/ 151، تذكرة الحفاظ 1/ 77، طبقات الحفاظ ص 31، الخلاصة ص 340، وفيات الأعيان 3/ 322، شذرات الذهب 1/ 138، تاريخ بغداد 5/ 331، حلية الأولياء 2/ 263، تهذيب الأسماء 1/ 82، مشاهير علماء الأمصار ص 88".
4 كذا في جميع النسخ. ولم أجد هذا الاسم في كتب الرجال والتراجم. والغالب أنه تصحيف من أبان بن عثمان الذي مرت ترجمته في الصفحة السابقة. ولعله أبان بن أبي عياش، الفقيه أبو إسماعيل، مولى بني عبد القيس، من أهل البصرة. يحدث عن أنس والحسن، وروى عنه الثوري. وكان من العباد الذين يسهرون الليل بالقيام، ويطوي النهار بالصيام. قال أحمد وابن معين: متروك. وقال ابن حبان: ضعيف. مات في حدود 140 هـ.
"انظر: الخلاصة ص 15، المعارف ص 421، ميزان الاعتدال 1/ 10، كتاب المجروحين 1/ 81، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 6".(2/460)
ثَابِتٍ1 لا يَثْبُتُ لَهُ السَّمَاعُ مِنْ عُرْوَةَ، وَقَدْ سَمِعَ مِمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، غَيْرَ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى شَيْءٍ يَكُونُ حُجَّةً.
وَاعْتِبَارُ السَّمَاعِ لاتِّصَالِ الْحَدِيثِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَحَكَاهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَقُوَّةُ كَلامِهِ تُشْعِرُ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ مِنْهُمْ.
"وَظَاهِرُهُ" أَيْ وَظَاهِرُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَكْفِي إمْكَانُ اللِّقَاءِ2 "لَوْ3 رَوَى" ثِقَةٌ "عَمَّنْ" أَيْ عَنْ إنْسَانٍ "لَمْ يُعْرَفْ بِصُحْبَتِهِ، و"َ وَلا بِـ "رِوَايَتِهِ4 عَنْهُ يُقْبَلُ مُطْلَقًا" سَوَاءٌ أَقَرَّ بِهِ أَصْحَابُ الشَّيْخِ الَّذِي رَوَى عَنْهُ أَوْ أَنْكَرُوهُ ؛ لأَنَّهُ ثِقَةٌ. وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَابْنُ بُرْهَانٍ، وَلَمْ يَقْبَلْهُ5 الشَّافِعِيَّةُ. وَكَلامُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ.
قَالَ الْمَجْدُ فِي "الْمُسَوَّدَةِ": "إذَا رَوَى رَجُلٌ خَبَرًا عَنْ شَيْخٍ مَشْهُورٍ لَمْ يُعْرَفْ بِصُحْبَتِهِ وَلَمْ 6يَشْتَهِرْ بِالرِّوَايَةِ5 عَنْهُ، وَأَجْمَعَ7 أَصْحَابُ الشَّيْخِ
ـــــــ
1 هو حبيب بن أبي ثابت قيس بن دينار الأسدي، أبو يحيى الكوفي، وهو من خيار الكوفيين وثقاتهم ومتقنيهم، لكنه كان يدلس، وهو فقيه الكوفة ومفتيها. سمع ابن عمر وابن عباس، وثقه ابن معين وجماعة. واحتج به كل من أفراد الصحاح بلا تردد. وتكلم فيه ابن عون بأنه كان أعور، وهو من الشيعة. توفي سنة 119 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 116، طبقات الحفاظ ص 44، ميزان الاعتدال 1/ 451، مشاهير علماء الأمصار ص 108، الخلاصة ص 70، المعارف ص 587، 624، شذرات الذهب 1/ 156، حلية الأولياء 5/ 60، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 96، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 83".
2 في ع: اللقي.
3 في ش: أو.
4 في ع: برواية.
5 في ب ع ض: تقبله.
6 في المسودة: تشتهر الرواية.
7 في المسودة: واجتمع.(2/461)
الْمَعْرُوفُونَ عَلَى جَهَالَتِهِ بَيْنَهُمْ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ: هَلْ يَمْنَعُ ذَلِكَ قَبُولَ خَبَرِهِ؟ قَالَتْ1 الشَّافِعِيَّةُ: يَمْنَعُ، وَقَالَتْ2 الْحَنَفِيَّةُ: لا يَمْنَعُ، وَنَصَرَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ. وَالأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلامِ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مَوَاضِعَ، وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ. وَالثَّانِي: يَدُلُّ عَلَى كَلامِ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي اعْتِذَارِهِ لِجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ3 فِي قِصَّةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ4 مَعَ زَوْجَتِهِ56".
وَقَدْ7 قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْمُحَقِّقُونَ8 مِنْ الْعُلَمَاءِ يَمْنَعُونَ رَدَّ الْخَبَرِ
ـــــــ
1 في ش ز: وقال.
2في ش ز: وقال.
3 هو جابر بن يزيد بن الحارث، الجُعْفي، الكوفي، أحد كبار علماء الشيعة. وثقه الثوري وغيره. وقال النسائي: "متروك". له في أبي داود حديث فرد. وقال شعبة: كان جابر إذا قال: أخبرنا وحدثنا وسمعنا فهو من أوثق الناس، وكان يؤمن بالرجعة فترك بسبب اعتقاده وتصرفاته. توفي سنة 128 هـ. وروى عنه أبو حنيفة ثم قال: ما رأيت أكذب من جابر الجعفي. وقال ابن معين: كان جابر الجعفي كذاباً. وقال: لا يكتب حديثه ولا كرامة.
انظر ترجمته في "الخلاصة ص 59، ميزان الاعتدال 1/ 379، شذرات الذهب 1/ 175، المعارف ص 480، طبقات الحفاظ ص 39، كشف الأسرار 3/ 3، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 76".
4 هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، أبو المنذر. قال ابن سعد: "كان ثقة ثبتاً كثير الحديث حجة". وهو أحد تابعي المدينة المشهورين، المكثرين من الحديث، المعدودين من أكابر العلماء، وجلة التابعين. قدم بغداد على المنصور فمات فيها سنة 146 هـ، وقيل غير ذلك. وصلى عليه المنصور.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 61، تذكرة الحفاظ 1/ 144، وفيات الأعيان 5/ 129، الخلاصة ص 410، شذرات الذهب 1/ 218، ميزان الاعتدال 4/ 301، تاريخ بغداد 14/ 37، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 618".
5 هي فاطمة بنت المنذر بن الزبير الأسدية المدنية. روت عن أم سلمة وعن جدتها أسماء بنت أبي بكر، وحدث عنها زوجها هشام بن عروة وابن سوقة. وثقها العجلي."انظر: الخلاصة ص 494، تذكرة الحفاظ 1/ 144".
6 المسودة ص 305.
7 ساقطة من ب.
8 في ش: المحقون.(2/462)
بِالاسْتِدْلالِ، كَرَدِّ خَبَرِ الْقَهْقَهَةِ1 اسْتِدْلالاً بِفَضْلِ2 الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْمَانِعِ مِنْ الضَّحِكِ3.
وَرَدَّتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرُّؤْيَةِ4.
وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ قَوْلَهُ: "لأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ5" بَعِيدُ الصِّحَّةِ ؛ لأَنَّ السُّنَّةَ تَأْتِي بِالْعَجَائِبِ6.
وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى مَعْرُوفٍ بِالْخَبَرِ بِإِتْلافٍ أَوْ غَضَبٍ لَمْ تُرَدَّ بِالاسْتِبْعَادِ7.
هَذَا مَعْنَى8 كَلامِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي رَدِّهِ بِمَا يُحِيلُهُ الْعَقْلُ9.
ـــــــ
1 روى ابن أبي شيبة عن حميد بن هلال قال: كانوا في سفر، فصلى بهم أبو موسى، فسقط رجل أعور في بئر أو شيء، فضحك القوم كلهم غير أبي موسى والأحنف، فأمرهم أن يعيدوا الصلاة. وروى الطبراني عن أبي موسى حديث الوضوء من القهقهة.
"انظر: تخريج أحاديث البزدوي ص 197".
2 في ش ز: بفعل.
3 انظر: المسودة ص 238.
4 انظر: المسودة ص 238.
وحديث الرؤية رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن أبي هريرة وغيره مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 105، 4/ 283، صحيح مسلم 1/ 163، سنن أبي داود 2/ 535، تحفة الأحوذي 7/ 267، سنن ابن ماجه 1/ 63، سنن الدارمي 2/ 326، مسند أحمد 3/ 16".
5 رواه البخاري في"صحيحه 3/ 138"، والترمذي بمعناه "تحفة الأحوذي 8/ 496".
6 انظر: المسودة ص 238.
7 هنا ينتهي كلام ابن عقيل عن منع رد الخبر بالاستدلال، مع الأمثلة لذلك، والتصرف في العبارة. انظر: "المسودة ص 238".
8 ساقطة من ض.
9 انظر: المسودة ص 238.(2/463)
"وَلا يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ خَبَرٍ أَنْ لا يُنْكَرَ" يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ رَوَى ثِقَةٌ خَبَرًا فَأَنْكَرَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ قَبُولِهِ عِنْدَنَا. وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلافِ فِي خَبَرِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ1 وَرَدِّ عُمَرَ لَهُ2. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: جَوَابُ مَنْ قَالَ: 3رَدَّهُ السَّلَفُ3: أَنَّ الثِّقَةَ لا يُرَدُّ حَدِيثُهُ لإِنْكَارِ غَيْرِهِ ؛ لأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةً4.
ـــــــ
1 هي الصحابية فاطمة بنت قيس بن خالد الفهرية القريشية. وهي أخت الضحاك بن قيس، وكانت أكبر منه بعشر سنين، طلقها زوجها، وتزوجت أسامة، وكانت من المهاجرات الأول، وفي بيتها اجتمع أصحاب الشورى، وكانت ذات عقل وافر وجمال وكمال، وهي التي روت قصة الجساسة بطولها، وحديثها في طلب النفقة من وكيل زوجها. وروت 34 حديثاً.
انظر ترجمتها في "الإصابة 4/ 384، الاستيعاب 4/ 383، تهذيب الأسماء 2/ 353، الخلاصة ص 494، مسند أحمد 6/ 373".
2 روى مسلم عن الشعبي أنه حدث بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة، فأخذ الأسود بن يزيد كفًّا من حصى فحصبه به وقال: ويلك، تحدث بمثل هذا؟! قال عمر: لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة، لا ندري، لعلها حفظت أو نسيت". وكذلك روى مسلم أن عائشة رضي الله عنها أنكرت ذلك على فاطمة.
"انظر صحيح مسلم 2/ 1116، 1118، نيل الأوطار 6/ 339".
وروى مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك والدارمي وغيرهم عن فاطمة بنت قيس قالت: طلقني زوجي ثلاثاً، فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة".
"انظر: صحيح مسلم 1/ 115، مسند أحمد 6/ 373، سنن أبي داود 1/ 531، تحفة الأحوذي 4/ 351، سنن النسائي 6/ 175، سنن ابن ماجه 1/ 656، الموطأ 2/ 579، سنن الدارمي 2/ 165، نيل الأوطار 6/ 338".
3 في ب: رد السلف الخلف.
4 انظر: المسودة ص 272.(2/464)
فَصْلٌ: "الصَّحَابِيُّ:
مَنْ لَقِيَهُ" الصَّحَابِيُّ: مَنْ لَقِيَهُ أَيْ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ صَغِيرٍ أَوْ1 كَبِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى "أَوْ رَآهُ يَقَظَةً" فِي حَالِ كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "حَيًّا" وَفِي حَالِ كَوْنِ الرَّائِي "مُسْلِمًا. وَلَوْ ارْتَدَّ" بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَمْ يَرَهُ بَعْدَ إسْلامِهِ "وَمَاتَ مُسْلِمًا".
وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي2 تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ ؛ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ3 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمْ4.
قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: وَهِيَ طَرِيقَةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ5.
ـــــــ
1 في ض: و.
2 في ز ش: من.
3 ساقطة من ش.
4 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 92، تيسير التحرير 3/ 65، مختصر الطوفي ص 62، إرشاد الفحول ص 70، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94.5 وهناك أقوال كثيرة في تعريف الصحابي وتمييزه عن غيره.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 94، المستصفى 1/ 165، نهاية السول 2/ 313، العضد على ابن الحاجب 2/ 67، جمع الجوامع 2/ 165، المسودة ص 292، التعريفات للجرجاني ص 137، شرح النووي على مسلم 1/ 35، الكفاية ص 49 وما بعدها، تدريب الراوي 2/ 208 وما بعدها، توضيح الأفكار 2/ 426 وما بعدها، المعتمد 2/ 666، مقدمة ابن الصلاح ص 146، شرح نخبة الفكر ص 176، كشف الأسرار 2/ 384، فواتح الرحموت 2/ 158، تيسير التحرير 3/ 65، 66، شرح تنقيح الفصول ص 360، الإحكام لابن حزم 1/ 203، شرح الورقات ص 189، الروضة ص 60، مختصر الطوفي ص 62، إرشاد الفحول ص 70، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94، الإصابة في تمييز الصحابة 1/ 7، غاية الوصول ص 104، أسد الغابة 1/ 18".(2/465)
فَقَوْلُنَا: "مَنْ لَقِيَهُ": أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: "مَنْ رَآهُ" لِيَعُمَّ اللِّقَاءُ1 الْبَصِيرَ وَالأَعْمَى2.
وَقَوْلُنَا: "يَقَظَةً" احْتِرَازٌ3 مِمَّنْ رَآهُ مَنَامًا، فَإِنَّهُ لا يُسَمَّى صَحَابِيًّا إجْمَاعًا.
وَقَوْلُنَا: "حَيًّا" احْتِرَازٌ4 مِمَّنْ رَآهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَأَبِي ذُؤَيْبٍ الشَّاعِرِ خَالِدِ بْنِ خُوَيْلِدٍ الْهُذَلِيِّ5، لأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ وَأُخْبِرَ بِمَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَافَرَ لِيَرَاهُ، فَوَجَدَهُ مَيِّتًا مُسَجَّى فَحَضَرَ الصَّلاةَ عَلَيْهِ وَالدَّفْنَ6.* فَلَمْ يُعَدَّ صَحَابِيًّا.
وَعَدَّهُ ابْنُ مَنْدَهْ7 فِي الصَّحَابَةِ، وَقَالَ: مَاتَ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ.
ـــــــ
1 في ع ض: للقي.
2 انظر: شرح نخبة الفكر ص 177، تدريب الراوي 2/ 209، إرشاد الفحول ص 70.
3 في ض: احترازاً.
4 في ض: احترازاً.
5 هو خالد بن خويلد بن محرث، أبو ذؤيب الهذلي، الشاعر المعروف، وهو مشهور بكنيته، والمشهور في اسمه: خويلد بن خالد بن محرث، وهو أشعر بني هذيل. عاش في الجاهلية دهراً، وأسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره، لكنه شهد الصلاة عليه، وشهد دفنه، وساق قصيدة بليغة رثى فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وكان فصيحاً، كثير الغريب، متمكناً في الشعر. وعامة ما قاله من الشعر في إسلامه. ومات خمسة من أولاده بالطاعون، فرثاهم، وشهد سقيفة بنى ساعدة، وسمع خطبة أبي بكر. ومات في غزو نحو المغرب في خلافة عثمان.
انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 460، 4/ 65، الاستيعاب 4/ 65".
6 انظر: الإصابة 4/ 65.
7 هو محمد بن إسحاق بن محمد بن زكريا بن يحيى بن منده، أبو عبد الله، الإمام الحافظ، محدث العصر، الأصبهاني، العَبْدي، مكثر في الحديث مع الحفظ والمعرفة والصدق. وله مصنفات كثيرة. قال الذهبي: لا يقبل قول أبي نعيم في ابن منده، ولا قول ابن منده في أبي نعيم، للعداوة المشهورة بينهما. وله كتاب "معرفة الصحابة". ورحل كثيراً، وكان ختام الرحالين، وفرد المكثرين. توفي سنة 395 هـ.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 3/ 1031، طبقات الحفاظ ص 408، شذرات الذهب 3/ 146".(2/466)
وَفِي "شَرْحِ التَّدْرِيبِ1"، وَمَنْ عَدَّهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمُرَادُهُ2 الصُّحْبَةُ الْحُكْمِيَّةُ، دُونَ الاصْطِلاحِيَّةِ3.
وَقَوْلُنَا "مُسْلِمًا" لِيَخْرُجَ مَنْ رَآهُ وَاجْتَمَعَ بِهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَلَمْ يَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا فِي زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ4. فَإِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّهُ يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ" كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ5، وَلِيَخْرُجَ أَيْضًا مَنْ رَآهُ وَهُوَ كَافِرٌ، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَقَوْلُنَا "وَلَوْ ارْتَدَّ". ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَمْ يَرَهُ وَمَاتَ مُسْلِمًا" لَهُ مَفْهُومٌ وَمَنْطُوقٌ:
فَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ إذَا6 ارْتَدَّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ، كَابْنِ خَطَلٍ7 وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لا يُعَدُّ مِنْ الصَّحَابَةِ قَطْعًا. فَإِنَّهُ بِالرِّدَّةِ
ـــــــ
*- 1 ساقطة من ب ع. وفي ض: فلم يعد صحابيًّا، وسقط الباقي.
2 في ض:فمرادهم.
3 انظر: تدريب الراوي 2/ 209، شرح نخبة الفكر ص 179.
4 هو زيد بن عمرو بن نفيل القرشي العَدَوي، والد سعيد بن زيد أحد العشرة المشهود لهم بالجنة. كان زيد يتعبد في الفترة قبل النبوة على دين إبراهيم، ويوحد الله، ويعيب على قريش الذبح على الأنصاب، ويقول: يا معشر قريش، ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري، وينهى قريشاً عن الزنا، لأنه يورث الفقر. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه؟ فقال: "يبعث يوم القيامة أمة وحده". توفي قبل النبوة. ورثاه ورقة بن نوفل. قال ابن حجر: ذكره البغوي وابن منده في الصحابة، وفيه نظر، لأنه مات قبل البعثة بخمس سنين.
"انظر: الإصابة 1/ 569، تهذيب الأسماء 1/ 205، اقتضاء الصراط المستقيم ص 258".
5 ورواه الطيالسي في "مسنده".
"انظر: الإصابة 1/ 570".
6 ساقطة من ع.
7 هو عبد العزى، وقيل: اسمه غالب بن عبد الله بن عبد مناف. وسماه محمد بن.....=(2/467)
تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ بِهِ مُؤْمِنًا تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ الأَشْعَرِيِّ: إنَّ الْكُفْرَ وَالإِيمَانَ لا يَتَبَدَّلانِ. خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. وَالاعْتِبَارُ فِيهِمَا بِالْخَاتِمَةِ1.
وَمَنْطُوقُهُ: لَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الإِسْلامِ، كَالأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ2، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُؤْمِنًا3. فَإِنْ كَانَ قَدْ رَآهُ مُؤْمِنًا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ رَآهُ ثَانِيًا مُؤْمِنًا4. فَأَوْلَى وَأَوْضَحُ أَنْ يَكُونَ صَحَابِيًّا. فَإِنَّ الصُّحْبَةَ قَدْ صَحَّتْ
ـــــــ
= إسحاق والباجي: عبد الله بن خطل. أمر النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بقتله. والسبب أنه أسلم ثم ارتد، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء المسلمين. وروى البخاري ومسلم ومالك عن أنس بن مالك "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه مغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: يا رسول الله، ابن خطل متعلق بأشعار الكعبة، فقال: "اقتلوه".
انظر: تهذيب الأسماء 2/ 298، تخريج أحاديث البزدوي ص 60، الموطأ 1/ 422، صحيح البخاري 1/ 317، صحيح مسلم 2/ 990، المنتقى للباجي 3/ 80".
1 انظر: شرح نخبة الفكر ص 176، 179، شرح الكوكب المنير المجلد الأول ص 152.
2 هو الأشعث بن قيس بن معديكرب، الكندي، أبو محمد، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر في سبعين راكباً من كندة، وكان من ملوك كندة. ثم ارتد فيمن ارتد من الكنديين وأسر. فأحضر إلى أبي بكر، فأسلم، فأطلقه وزوجه أخته أم فروة، ثم شهد اليرموك والقادسية وغيرهما، وسكن الكوفة، وشهد مع علي رضي الله عنه صفين، وكان اسمه معديكرب. وإنما لقب بالأشعث لحاله، وذهبت عينه يوم اليرموك، فحلف ليثأر، وبر بيمينه، وكان جواداً كريماً. أخرج له البخاري ومسلم في الصحيحين. وتزوج الحسن بن علي ابنته. مات بعد قتل علي بأربعين ليلة، وقيل سنة 42 هـ.
انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 5، تهذيب الأسماء 1/ 123، شذرات الذهب 1/ 48، الخلاصة ص 39".
3 وهو قول الشافعية، خلافاً للحنفية، كما ذكر محمد بن نظام الدين الأنصاري، فإنه أنكر صحبته، وبين الأدلة، وهو ما رجحه أيضاً الكمال بن الهمام.
انظر: "فواتح الرحموت 2/ 158، تيسير التحرير 3/ 66، شرح نخبة الفكر ص 176، 179".
4 ساقطة من د.(2/468)
بِالاجْتِمَاعِ1 الثَّانِي قَطْعًا.
وَخَرَجَ مَنْ اجْتَمَعَ بِهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ وَلَمْ يَلْقَهُ. فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لا يَكُونُ صَحَابِيًّا بِذَلِكَ الاجْتِمَاعِ ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ مُؤْمِنًا، كَمَا رَوَى2 أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ3 بْنِ أَبِي4 الْحَمْسَاءِ5، قَالَ: بَايَعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ فِي مَكَانِهِ وَنَسِيت6 ثُمَّ ذَكَرْت ذَلِكَ7 بَعْدَ ثَلاثٍ فَجِئْت. فَإِذَا هُوَ فِي مَكَانِهِ. فَقَالَ: "يَا فَتَى، لَقَدْ شَقَقْت عَلَيَّ 8. أَنَا فِي انْتِظَارِك مُنْذُ ثَلاثٍ 9" ثُمَّ لَمْ يُنْقَلْ10 أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِهِ بَعْدَ الْمَبْعَثِ.
ـــــــ
1 في ز: بالإجماع. وهو تصحيف.
2 في ب ز ع ض: رواه.
3 في ش ز ض: ابن عبد الله. وهو خطأ.
وقد نص ابن حجر وأبو داود على اسمه، عبد الله بن أبي الحمساء "انظر: الإصابة 2/ 298، سنن أبي داود 2/ 595".
4 ساقطة من ب.
5 هو عبد الله بن أبي الحمساء، العامري، من بني عامر بن صعصعة، يعدّ في أهل البصرة، ويقال: سكن مكة، حديثه عند عبد الله بن شقيق عن أبيه عنه، ومن حديثه أنه قال: بعت بيعاً من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث ... الحديث".
"انظر: الاستيعاب 2/ 290، الإصابة 2/ 298، الخلاصة ص 195".
وفي ش ب ز ض: الحسناء. وهو تصحيف.
6 في ض: فنسيت.
7 ساقطة من ش ب ز ع.
8 في ع: علي يا فتى.
9 رواه أبو داود والبزار.
"انظر: سنن أبي داود 2/ 595، الإصابة 2/ 298".
10 في ب: يذكر.(2/469)
وَدَخَلَ فِي قَوْلِنَا: "مَنْ لَقِيَ" مَنْ جِيءَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غَيْرُ مُمَيِّزٍ فَحَنَّكَهُ 1النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2. كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ2، أَوْ تَفَلَ فِي3 فِيهِ كَمَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ4، بَلْ مَجَّهُ بِالْمَاءِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ5، وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعٍ6. أَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ7، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
ـــــــ
1 العبارة غير موجودة في ع ض.
2 هو عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هشام، أبو محمد القرشي الهاشمي. لأبيه وأمه صحبة. وأمه هي هند بنت أبي سفيان. ولما ولدته أرسلته إلى أختها أم حبيبة، فحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفل في فيه. وكان له عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنتان. وروى عنه مرسلاً، واتفقوا على توثيقه، فكان ثقة، ظاهر الصلاح، ولي البصرة لابن عبد الزبير. توفي سنة 84، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 58، 2/ 281، الخلاصة ص 194، شذرات الذهب 1/ 94، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 300".
وقد روى الإمام مسلم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَنَّك عبد الله بن أبي طلحة وابن أبي موسى الأشعري وعبد الله بن الزبير. وروي عن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيُبَرِّك عليهم ويحنكهم". صحيح مسلم 3/ 1689-1691. وانظر: الإصابة 1/ 5.
3 ساقطة من ع ض.
4 هو محمود بن الربيع بن سراقة، أبو نعيم. وقيل: أبو محمد الأنصاري الخزرجي المدني، ثبت عنه في الصحيح أنه قال: عقلت عن النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجّها في وجهي من دلوٍ من بئر في دارنا، وأنا ابن خمس. سكن المدينة. قال ابن حجر: "والأثبت في كنيته أبو محمد". توفي سنة 99 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 386، الاستيعاب 3/ 421، مشاهير علماء الأمصار ص 28، تهذيب الأسماء 2/ 84، شذرات الذهب 1/ 116".
5 صحيح البخاري 4/ 117، 106.
والحديث رواه مسلم ضمن حديث طويل. ورواه أحمد عن عبادة، والمجُّ هو طرح الماء من الفم بالتزريق.
"انظر: صحيح مسلم 1/ 456، 3/ 1689، مسند أحمد 5/ 321، الإصابة 3/ 386".
6 انظر: الإلماع ص 63.
7 انظر: الخلاصة ص 293.(2/470)
صُعَيْرٍ1 - بِالصَّادِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ - وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَهَؤُلاءِ صَحَابَةٌ، وَإِنْ اخْتَارَ جَمَاعَةٌ خِلافَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلامِ ابْنِ مَعِينٍ وَأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ2 وَأَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَكَأَنَّهُمْ نَفَوْا الصُّحْبَةَ الْمُؤَكَّدَةَ3.
"قَالَ فِي "الأَصْلِ" 4أَيْ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فِي "التَّحْرِيرِ5"
ـــــــ
1 هو عبد الله بن ثعلبة ب صُعَير –بضم المهملة الأولى- العذري المدني، الشاعر، أبو محمد، حليف بني زهرة، صحابي صغير. مسح النبي صلى الله عليه وسلم وجهه يوم الفتح، وكان قارئاً، ومن أعلم الناس بالأنساب. قال البغوي: رأى النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه، له صحبة. وذكره ابن حبان في الصحابة، ولد قبل الهجرة، وقيل بعدها، ومات سنة 89 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 285، الاستيعاب 2/ 271، مشاهير علماء الأمصار ص 36، الخلاصة ص 293".
2 هو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ، القرشي مولاهم، المخزومي، أبو زُرعة الرازي، الإمام الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، حفاظ الإسلام. قال الذهبي: وكان من أفراد الدهر حفظاً وذكاءً وديناً وعلماً وعملاً. وروى عنه الإمام مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو عوانه وخلق. قال الإمام أحمد: ما جاوز الجسر أفقه من إسحاق بن راهويه، ولا أحفظ من أبي زرعة. وقال إسحاق بن راهويه: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي ليس له أصل. مات بالري آخر يوم من ذي الحجة سن 264 هـ.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 2/ 557، طبقات الحفاظ ص 249، الخلاصة ص 251، شذرات الذهب 2/ 142، طبقات المفسرين 1/ 369، تاريخ بغداد 10/ 326، طبقات الحنابلة 1/ 199، المنهج الأحمد 1/ 148، شذرات الذهب 2/ 142".
3 جاء في هامش ز: فإنهم اشترطوا في الراوي التمييز. قال في المراسيل للعلائي: عبد الله بن الحارث بن نوفل، وكذا عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، حنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تعرف له صحبة، بل تابعي، ذكره الجلال السيوطي في "شرح تدريب الراوي".
"وانظر: تدريب الراوي 2/ 209-210، صحيح مسلم 3/ 1689-1691".
4 في ش ز ض: أي قال صاحب التحرير. وفي ب: صاحب التحرير في التحرير.(2/471)
"وَلَوْ جِنِّيًّا فِي الأَظْهَرِ" أَيْ وَ1لَوْ كَانَ مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمًا2 جِنِّيًّا فِي الأَظْهَرِ مِنْ قَوْلَيْ3 الْعُلَمَاءِ لِيَدْخُلَ4 الْجِنُّ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ "نَصِيبِينَ" وَأَسْلَمُوا، وَهُمْ تِسْعَةٌ أَوْ سَبْعَةٌ مِنْ الْيَهُودِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {إنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} 5 وَذُكِرَ فِي أَسْمَائِهِمْ: شَاصُ، وَمَاصُ، وَنَاشَى، وَمُنْشَى، وَالأَحْقَبُ، وَزَوْبَعَةُ، وَسُرَّقُ، وَعُمَرُ، وَجَابِرٌ.
وَقَدْ اسْتَشْكَلَ ابْنُ الأَثِيرِ6 فِي كِتَابِهِ "أُسْدُ الْغَابَةِ" قَوْلَ مَنْ ذَكَرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ7. فَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَمْ يَذْكُرْهُمْ فِي الصَّحَابَةِ، وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَهُمْ.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ" قُلْت: الأَوْلَى أَنَّهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ. فَإِنَّهُمْ لَقَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآمَنُوا بِهِ وَأَسْلَمُوا، وَذَهَبُوا إلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ.
ـــــــ
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ض.
3 في ش ز: قول.
4 في ع: فيدخل.
5 الآية 30 من الأحقاف.
6 هو علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم، أبو الحسن، الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري، الملقب بـ "عز الدين". ولد بالجزيرة، ورحل للموصل وبغداد والشام والقدس. ثم لزم بيته للعلم والتصنيف. وكان بيته مجمع الفضل لأهل الموصل. وكان إماماً في حفظ الحديث ومعرفته، وحافظاً للتواريخ، وخبيراً بأنساب العرب وأيامهم. كان أديباً نبيلاً محتشماً. وأقبل في آخر عمره على الحديث. له مصنفات كثيرة، منها: "الكامل" في التاريخ. واختصر "الأنساب" لأبي سعد السمعاني في "اللباب في تهذيب الأنساب" واستدرك عليه، و"أسد الغابة في معرفة الصحابة"، وشرع في "تاريخ الموصل". توفي سنة 630 هـ بالموصل.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 299، تذكرة الحفاظ 4/ 1399، طبقات الحفاظ ص 492، وفيات الأعيان 3/ 33، شذرات الذهب 5/ 137".
7 قال ابن الأثير في ترجمة: زوبعة الجني: "ولو لم نشرط أننا لا نترك ترجمة لتركنا هذه وأمثالها. أسد الغابة 2/ 267".(2/472)
"وَالصَّحَابَةُ عُدُولٌ 1".
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ: "الَّذِي عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ وَجُمْهُورُ الْخَلَفِ: أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ2 عُدُولٌ بِتَعْدِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ3".
وَ4قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ وَغَيْرُهُ: "الأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ5 عَلَى تَعْدِيلِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، وَلا يُعْتَدُّ بِخِلافِ مَنْ خَالَفَهُمْ6". ا هـ7.
وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي مُقَدِّمَةِ "الاسْتِيعَابِ" إجْمَاعَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ8.
وَحَكَى فِيهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الإِجْمَاعَ9.
ـــــــ
1 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 90، المستصفى 1/ 164، شرح الورقات ص 191، نهاية السول 2/ 313، جمع الجوامع 2/ 166، المسودة ص 249، 259، 292، العضد على ابن الحاجب 2/ 67، فواتح الرحموت 2/ 155، تيسير التحرير 3/ 64، كشف الأسرار 2/ 384، مقدمة ابن الصلاح ص 146،شرح نخبة الفكر ص153، اللمع ص 61، غاية الوصول ص 104، مختصر الطوفي ص 62، إرشاد الفحول ص 69، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94، قواعد التحديث ص 199، تدريب الراوي 2/ 214.
2 ساقطة من ب ع ض. وفي المسودة: كلهم
3 المسودة ص 292.
4 ساقطة من ب ز ع ض.
5 في ع: مجتمعة.
6 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 146، 147، إرشاد الفحول ص 69، المسودة ص 69.
7 ساقطة من ش.
8 الاستيعاب 1/ 9.
9 انظر: إرشاد الفحول ص 69.(2/473)
وَتَعْدِيلَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ عَلَى1 رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْله2 تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} 3، وقَوْله تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ} 4وقَوْله تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} 5 وقَوْله تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} 6 وقَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ7 وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} 8.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا 9 مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ" 10.
وَهَذَا وَإِنْ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ، فَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَلا يَضُرُّنَا كَوْنُ الْخِطَابِ بِذَلِكَ لِلصَّحَابَةِ ؛ لأَنَّ الْمَعْنَى: لا يَسُبُّ غَيْرُ أَصْحَابِي11 أَصْحَابِي.
ـــــــ
1 في ع ض: الله على.
2 في ض: قول الله.
3 الآية 100 من التوبة.
4 الآية 18 من الفتح.
5 الآية 29 من الفتح.
6 الآية 110 من آل عمران.
7 تنتهي الآية هنا في ب ع ض.
8 الآية 143 من البقرة.
9 ساقطة من ز ع.
10 الحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد وأبي هريرة مرفوعاً، وأول الحديث: "لا تسبوا أصحابي".
انظر: صحيح البخاري 2/ 292، صحيح مسلم 4/ 1967، مسند أحمد 3/ 11، سنن أبي داود 2/ 518، تحفة الأحوذي 1/ 363، سنن ابن ماجه 1/ 57، كشف الخفا 2/ 352.
11 في ض: صحابي.(2/474)
"وَلا يَسُبُّ أَصْحَابِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا"1.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي" 2 مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَقَدْ تَوَاتَرَ امْتِثَالُهُمْ الأَوَامِرَ وَالنَّوَاهِيَ3.
فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ4 الأَدِلَّةُ دَلَّتْ عَلَى فَضْلِهِمْ، فَأَيْنَ التَّصْرِيحُ بِعَدَالَتِهِمْ؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّ مَنْ أَثْنَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ بِهَذَا الثَّنَاءِ كَيْفَ5 لا يَكُونُ عَدْلاً ؟ فَإِذَا6 كَانَ التَّعْدِيلُ يَثْبُتُ بِقَوْلِ اثْنَيْنِ مِنْ النَّاسِ. فَكَيْفَ لا تَثْبُتُ الْعَدَالَةُ بِهَذَا الثَّنَاءِ الْعَظِيمِ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمِنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
"وَالْمُرَادُ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِقَدْحٍ7".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ": وَمُرَادُهُمْ8 مَنْ جُهِلَ حَالُهُ. فَلَمْ يُعْرَفْ
بِقَدْحٍ.
ـــــــ
1 انظر: شرح النووي على مسلم 16/ 93.
2 الحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي النسائي والبيهقي عن عمران بن حصين وأبي هريرة وابن مسعود مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 2/ 287، صحيح مسلم بشرح النووي 16/ 84، سنن أبي داود 2/ 518، تحفة الأحوذي 6/ 586، سنن النسائي 7/ 17، السنن الكبرى 10/ 160، مسند أحمد 1/ 378، صحيح مسلم 4/ 1963".
3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 91، المستصفى 1/ 164، فواتح الرحموت 2/ 156 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 65، كشف الأسرار 2/ 384، العضد على ابن الحاجب 2/ 67، المحلي على جمع الجوامع 2/ 168، الكفاية ص 46، المسودة ص 259، مقدمة ابن الصلاح ص 147، غاية الوصول ص 104، الروضة ص 60، مختصر الطوفي ص 62، إرشاد الفحول ص69.
4 في ض: فهذه.
5 في ض: فكيف.
6 في ش ز: فإن.
7 انظر: المستصفى 1/ 164، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94.
8 في ش: ومراده.(2/475)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْحُكْمُ بِالْعَدَالَةِ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ اُشْتُهِرَتْ عَدَالَتُهُ. نَقَلَهُ الْبَرْمَاوِيُّ1.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِير"ِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هُنَا فِي النُّسْخَةِ غَلَطًا.اهـ.
وَقِيلَ: هُمْ عُدُولٌ إلَى زَمَنِ الْفِتْنَةِ بِقَتْلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبَعْدَهُ كَغَيْرِهِمْ2.
وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: إلاَّ مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا لِخُرُوجِهِ عَلَى الإِمَامِ3 بِغَيْرِ حَقٍّ4.
وَقِيلَ: هُمْ كَغَيْرِهِمْ مُطْلَقًا5.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَهَذِهِ الأَقْوَالُ بَاطِلَةٌ6، بَعْضُهَا مَنْسُوبٌ إلَى
ـــــــ
1 في ض: ذكره.
2 هذا القول ينسب إلى واصل بن عطاء وأصحابه الواصلية. وانظر تفصيل هذا القول. وأدلته ومناقشتها في الإحكام للآمدي 2/ 90، المستصفى 1/ 164، فواتح الرحموت 2/ 155، تيسير التحرير 3/ 64، العضد على ابن الحاجب 2/ 67، جمع الجوامع 2/ 168، غاية الوصول ص 104، مختصر الطوفي ص 62، إرشاد الفحول ص 70، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94".
3 في ض: الإمامة.
4 انظر: فواتح الرحموت 2/ 155، تيسير التحرير 3/ 65، العضد على ابن الحاجب 2/ 67، جمع الجوامع 2/ 168، الإحكام للآمدي 1/ 91، المستصفى 1/ 164، المسودة ص 249، غاية الوصول ص 105، إرشاد الفحول ص 70.
5 وهذا قول المبتدعة والمعتزلة، وهناك أقوال أخرى."انظر/ شرح تنقيح الفصول ص 360، أصول السرخسي 1/ 338 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/ 90، المستصفى 1/ 164، جمع الجوامع 2/ 168، العضد على ابن الحاجب 2/ 67، فواتح الرحموت 2/ 155، تيسير التحرير 3/ 64، اللمع ص 42، مختصر الطوفي ص 62، غاية الوصول ص 104، إرشاد الفحول ص 69، 70".
6 في ش: الباطلة.(2/476)
عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وَأَضْرَابِهِ، وَمَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الاجْتِهَادِ، وَلا قَدْحَ عَلَى مُجْتَهِدٍ1 عِنْدَ2 الْمُصَوِّبَةِ وَغَيْرِهِمْ.اهـ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِمْ عُدُولاً: الْعِصْمَةَ وَاسْتِحَالَةَ الْمَعْصِيَةِ عَلَيْهِمْ، إنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ لا نَتَكَلَّفَ الْبَحْثَ عَنْ عَدَالَتِهِمْ، وَلا طَلَبَ التَّزْكِيَةِ فِيهِمْ3.
فَلَوْ4 قَالَ ثِقَةٌ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَذَا: كَانَ ذَلِكَ كَتَعْيِينِهِ بِاسْمِهِ لاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي الْعَدَالَةِ5.
فَائِدَةٌ:
قَالَ الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ6: مِنْ الْفَوَائِدِ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ7 قَطُّ رِوَايَةٌ عَمَّنْ لُمِزَ بِالنِّفَاقِ، يَعْنِي مِمَّنْ يُعَدُّ مِنْ الصَّحَابَةِ8.
ـــــــ
1 في ب ض: المجتهد.
2 في ض: على.
3 هذا القول لابن الأنباري وغيره.
انظر: اللمع ص 43، إرشاد الفحول ص 70.
4 في ب ض: ولو.
5 انظر: إرشاد الفحول ص 70، المسودة ص 259.
6 هو يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف، القُضاعي، ثم الكلبي، الشافعي، الإمام العالم الحبر، الحافظ، محدث الشام، جمال الدين، أبو الحجاج. سمع الكتب الطوال، وكان كثير الحياء والقناعة والتواضع والتوود إلى الناس، قليل الكلام. برع في التصنيف واللغة وفنون الحديث ومعرفة الرجال. ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية. له مصنفات كثيرة مفيدة، منها: "تهذيب الكمال"، و"الأطراف". توفي سنة 742 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 10/ 395، تذكرة الحفاظ 4/ 1498، طبقات الحفاظ ص 517، البدر الطالع 2/ 353، الدرر الكامنة 5/ 233، شذرات الذهب 6/ 136".
7 في ب: توجد.
8 انظر: إرشاد الفحول ص 70.(2/477)
"وَتَابِعِيٌّ مَعَ صَحَابِيٍّ. كَهُوَ" أَيْ كَالصَّحَابِيِّ "مَعَهُ" أَيْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي التَّابِعِيِّ مَعَ الصَّحَابِيِّ: الْخِلافُ فِي الصَّحَابَةِ قِيَاسًا عَلَيْهِمْ1.
وَاشْتَرَطَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ وَجَمَاعَةٌ فِي التَّابِعِيِّ2 الصُّحْبَةَ3، فَلا يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ الرُّؤْيَةِ وَلا اللِّقَاءِ4، بِخِلافِ الصَّحَابَةِ. فَإِنَّ لَهُمْ مَزِيَّةً عَلَى سَائِرِ النَّاسِ وَشَرَفًا بِرُؤْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ5.
وَاشْتَرَطَ ابْنُ حِبَّانَ فِي التَّابِعِيِّ: كَوْنَهُ فِي سِنٍّ6 يُحْفَظُ عَنْهُ، بِخِلافِ الصَّحَابِيِّ. فَإِنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ اخْتَصُّوا بِشَيْءٍ لَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِهِمْ7.
"وَلا يُعْتَبَرُ عِلْمٌ بِثُبُوتِ الصُّحْبَةِ" فِي حَقِّ مَنْ لَمْ8 تُعْلَمْ صُحْبَتُهُ بِتَوَاتُرٍ أَوْ9 اشْتِهَارٍ عِنْدَ الأَئِمَّةِ10 الأَرْبَعَةِ، خِلافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ11.
ـــــــ
1 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 151، تدريب الراوي 2/ 234، غاية الوصول ص 104، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95.
2 في ع: التابعين.
3 انظر: جمع الجوامع 2/ 167، شرح الورقات ص 189، غاية الوصول ص 104.
4 في ع: اللقى.
5 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 95، أسد الغابة 1/ 19.
6 في ش: ممن.
7 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 95، أسد الغابة 1/ 19.
8 في ب: لا.
9 في ب ع ض: و.
10 ساقطة من ش.
11 أي يعرف كون الصحابي صحابيًّا بالتواتر والاستفاضة وبكونه من المهاجرين أو من الأنصار، أو بخبر صحابي آخر معلوم الصحبة، وبقول الشخص العدل: أنا صحابي، مع الاختلاف في الحالة الأخيرة فقط.
"انظر: المسودة ص 292، إرشاد الفحول ص 71، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94".(2/478)
"فَلَوْ قَالَ مُعَاصِرٌ عَدْلٌ: أَنَا صَحَابِيٌّ قُبِلَ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْجُمْهُورِ: لأَنَّهُ ثِقَةٌ مَقْبُولُ الْقَوْلِ. فَقُبِلَ فِي ذَلِكَ كَرِوَايَتِهِ1.
وَقِيلَ: لا يُقْبَلُ2. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الطُّوفِيِّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ ابْنِ الْقَطَّانِ3 الْمُحَدِّثِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ4 مِنْ الْحَنَفِيَّةِ5.
ـــــــ
1 قال الشوكاني: "ولا بد من تقييد قول من قال بقبول خبره أنه صحابي بأن تقوم القرائن الدالة على صدق دعواه، وإلا لزم قبول خبر كثير من الكذابين الذين ادعوا الصحبة". "إرشاد الفحول ص 71". وهذا ما قيده المصنف بوصفين: معاصر عدل.
"انظر: المسودة ص 293، الإحكام للآمدي 2/ 93، العضد على ابن الحاجب 2/ 67، المستصفى 1/ 165، نهاية السول 2/ 313، جمع الجوامع 2/ 167، المعتمد 2/ 667، تيسير التحرير 3/ 67، الروضة ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95".
2 في ش ب ع ز: تقبل.
3 هو علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم، الحميري، الكتاني الفاسي، أبو الحسن، ابن القطان، الحافظ، الناقد، العلامة المحدث، قاضي الجماعة. كان من أبصر الناس بصناعة الحديث، وأحفظهم لأسماء رجاله، وأشدهم عناية بالرواية، معروفاً بالحفظ والإتقان. صنف "الوهم والإيهام على الأحكام الكبرى لعبد الحق الإشبيلي". مات سنة 628 هـ.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 4/ 1407، طبقات الحفاظ ص 494، شذرات الذهب 5/ 128، شجرة النور الزكية ص 179".
4 هو الحسين بن علي بن محمد بن جعفر، أبو عبد الله الصيمري الحنفي. قال الباجي: "هو إمام الحنفية ببغداد". وكان قاضياً عالماً خبيراً، وكان ثقة صاحب حديث، وكان صدوقاً، وافر العقل، جميل المعاشرة، عارفاً بحقوق أهل العلم، حريصاً على سمعته. له شرح مختصر الطحاوي" عدة مجلدات، "ومجلد ضخم في أخبار أبي حنيفة وأصحابه". توفي سنة 436 هـ.
انظر ترجمته في "الجواهر المضيئة 1/ 214، الفوائد البهية ص 67، تاج التراجم ص 26، شذرات الذهب 3/ 256، تاريخ بغداد 8/ 78، تذكرة الحفاظ 3/ 1109".
5 مختصر الطوفي ص 62.
ويعلل الطوفي لرأيه فيقول: "إذ هو متهم بتحصيل منصب الصحابة، ولا يمكن تفريع قبول قوله على عدالتهم، إذ عدالتهم فرع الصحبة، فلو أثبتت الصحبة بها لزم الدور". وهو ما....=(2/479)
"لا" إنْ قَالَ "تَابِعِيٌّ عَدْلٌ: فُلانٌ صَحَابِيٌّ" فَإِنَّهُ لا يُقْبَلُ فِي الأَصَحِّ، لِكَوْنِهِمْ خَصُّوا ذَلِكَ بِالصَّحَابِيِّ عَلَى مَا فِي الصَّحَابِيِّ مِنْ الْخِلافِ.
قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ "اللُّمَعِ": لا أَعْرِفُ فِيهِ نَقْلاً. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ: أَنَّهُ لا يُقْبَلُ ؛ لأَنَّ ذَلِكَ مُرْسَلٌ ؛ لأَنَّهَا قَضِيَّةٌ لَمْ يَحْضُرْهَا.
"وَ" إنْ قَالَ الْعَدْلُ "أَنَا تَابِعِيٌّ، قَالَ فِي "الأَصْلِ" الَّذِي هُوَ "التَّحْرِيرُ" "فَالظَّاهِرُ كَصَحَابِيٍّ" يَعْنِي أَنَّ الْعَدْلَ الْمَعَاصِرَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ، لَوْ قَالَ: أَنَا تَابِعِيٌّ لِكَوْنِي لَقِيت بَعْضَ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ. كَمَا لَوْ قَالَ الْمَعَاصِرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا صَحَابِيٌّ؛ لأَنَّهُ ثِقَةٌ، مَقْبُولُ الْقَوْلِ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ كَرِوَايَتِهِ.
ـــــــ
= أكده ابن عبد الشكور.
وردّ ابن قدامة هذه الشبهة فقال: "قلنا: إنما خبَّر عن نفسه بما يترتب عليه حكم شرعي، يوجب العمل، لا يلحق غيره مضرة، ولا يوجب تهمة، فهو كرواية الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم". "الروضة ص 60".
وانظر: فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 2/ 161، نهاية السول 2/ 313، المسودة ص 293، الإحكام للآمدي 2/ 93، غاية الوصول ص 104، إرشاد الفحول ص 71، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95.(2/480)
فَصْلٌ: مُسْتَنَدُ الصَّحَابِيِّ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: لا خِلافَ فِيهِ، لِكَوْنِهِ لا يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لِصَرَاحَتِهِ، وَهُوَ1 الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَعْلَى مُسْتَنَدِ صَحَابِيٍّ: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا أَوْ أَخْبَرَنِي، أَوْ شَافَهَنِي وَ2سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَرَأَيْته يَفْعَلُ كَذَا3 وَنَحْوَهُمَا كَحَضَرْتُ أَوْ4 شَاهَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كَذَا، أَوْ يَفْعَلُ كَذَا5.
وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا أَعْلَى النَّوْعَيْنِ، لِكَوْنِهِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُمَا قَطْعًا6.
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا فِيهِ خِلافٌ لِكَوْنِهِ يَحْتَمِلُ وُجُودَ الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ صَرَاحَتِهِ. وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "وَيُحْمَلُ" أَيْ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ "قَالَ" النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا "وَ" قَوْلُ الصَّحَابِيِّ "فَعَلَ" رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا "وَنَحْوُهُمَا"
ـــــــ
1 في ب ع: فهو.
2 في ب: أو.
3 في ش: كذا كذا.
4 في ب ع ض: و.
5 ساقطة من ز ع ب ض.
6 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 95، المستصفى 1/ 129، نهاية السول 2/ 315، مناهج العقول 2/ 313، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، شرح تنقيح الفصول ص 373، تيسير التحرير 3/ 68، فواتح الرحموت 2/ 161، الروضة ص 47، مختصر الطوفي ص 63، إرشاد الفحول ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95.(2/481)
كَأَقَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كَذَا1، "وَعَنْهُ" كَقَوْلِ2 الصَّحَابِيِّ: أَقُولُ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "و"َ كَقَوْلِهِ "إنَّهُ" أَيْ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ كَذَا3، أَوْ قَالَ كَذَا عَلَى "الاتِّصَالِ" أَيْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لا وَاسِطَةَ بَيْنَهُ4 وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. وَيَكُونُ ذَلِكَ حُكْمًا شَرْعِيًّا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ ؛ لأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الصَّحَابِيِّ الْقَائِلِ ذَلِكَ5.
وَخَالَفَ 6فِي ذَلِكَ6 أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجَمْعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. فَقَالُوا: لا يُحْمَلُ عَلَى السَّمَاعِ لاحْتِمَالِهِ وَتَرَدُّدِهِ بَيْنَ سَمَاعِهِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ7.
ـــــــ
1 انظر: فواتح الرحموت 2/ 161، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، جمع الجوامع 2/ 173، الكفاية ص 419، المسودة ص 260، شرح تنقيح الفصول ص 373، المستصفى 1/ 129، الإحكام للآمدي 2/ 95، غاية الوصول ص 106، الروضة ص 47، مختصر الطوفي ص 63، إرشاد الفحول ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95.
2 في ب: أي وكقول. وفي ض: وقول.
3 ساقطة من ز ش ب ع.
4 في ز: بين.
5 وهو ما رجحه الآمدي وابن عبد الشكور. وقال الخطيب البغدادي: "فقال أكثر العلماء: الواجب في ذلك حمله على أن الصحابي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم" "الكفاية ص 419".
وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 95، المستصفى 1/ 130، نهاية السول 2/ 316، مناهج العقول 2/ 314، توضيح الأفكار 1/ 272، المسودة ص 260، تيسير التحرير 3/ 68، فواتح الرحموت 2/ 161.
6 ساقطة من ض.
7 وهو قول القاضي أبي بكر الباقلاني.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 95، نهاية السول 2/ 316، فواتح الرحموت 2/ 161، تيسير التحرير 3/ 68، توضيح الأفكار 1/ 273، الكفاية ص 419، المسودة ص 260".(2/482)
"وَ" قَوْلُ الصَّحَابِيِّ "أَمَرَ" النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا "وَ1نَهَى" النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَذَا "وَ2أَمَرَنَا" رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا وَ3نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَذَا "وَ4أُمِرْنَا" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِكَذَا "وَ5نُهِينَا" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عَنْ كَذَا "وَ6رُخِّصَ لَنَا" فِي كَذَا، وَ7أُبِيحَ لَنَا كَذَا "وَ8حُرِّمَ عَلَيْنَا" كَذَا "وَمِنْ السُّنَّةِ" كَذَا وَكَذَا9. وَقَوْلُهُ: جَرَتْ السُّنَّةُ أَوْ مَضَتْ السُّنَّةُ بِكَذَا. كَقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "مِنْ السُّنَّةِ: وَضْعُ الْكَفِّ عَلَى الْكَفِّ فِي الصَّلاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد10. وَقَوْلِ أَنَسٍ "مِنْ السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا – الْحَدِيثَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ11.
ـــــــ
1 في ش زض: أو.
2 في ش ب ز: أو.
3 في ش ز: أو.
4 في ب ع ض: أو.
5 في ش ز: أو.
6 في ش ز: أو.
7 في ش ز: أو.
8 في ش: أو.
9 السنة عند الحنفية تعمُّ سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وسنة الخلفاء الراشدين،
والكل حجّة عندهم، لأن سنة الخلفاء الراشدين حجة عند الحنفية.
"انظر: فواتح الرحموت 2/ 162، تيسير التحرير 3/ 69، المسودة ص 294".
10 الحديث رواه أبو داود وأحمد والدارقطني والبيهقي والبغوي عن علي رضي الله عنه.
"انظر: سنن أبي داود 1/ 174، مسند أحمد 1/ 110، سنن البيهقي 2/ 31، شرح السنة
3/ 32، نيل الأوطار 2/ 210".
11 الحديث رواه البخاري ومسلم والبيهقي وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والدارمي والدارقطني والترمذي وابن ماجه.
"انظر: صحيح البخاري 3/ 263، صحيح مسلم 2/ 1084، تحفة الأحوذي 4/ 291، سنن ابن ماجه 1/ 617، سنن الدارمي 2/ 144، نيل الأوطار 6/ 242.(2/483)
"وَكُنَّا نَفْعَلُ" كَذَا أَوْ1 نَقُولُ كَذَا، أَوْ2 نَرَى كَذَا عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، "وَكَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْوَ ذَلِكَ" كَقَوْلِهِ: كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3 "حُجَّةٌ" يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حُكْمُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ "قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" لَكِنَّهُ فِي الدَّلالَةِ دُونَ ذَلِكَ، لاحْتِمَالِ الْوَاسِطَةِ أَوْ اعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِأَمْرٍ وَلا نَهْيٍ: أَمْرًا أَوْ نَهْيًا، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِنَقْلِ الأَمْرِ إلاَّ بَعْدَ جَزْمِهِ بِوُجُودِ حَقِيقَتِهِ، وَمَعْرِفَةُ الأَمْرِ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ اللُّغَةِ وَهُمْ أَهْلُهَا، فَلا تَخْفَى4 عَلَيْهِمْ5.
ـــــــ
1 في ب: و.
2 في ب: و.
3 يشترط في هذه الألفاظ الأخيرة: "كنا نفعل، أو نقول، أو نرى، وكانوا يفعلون، وكان الأمر ... أن تضاف إلى عهد النبوة لتدل على الجواز أو الوجوب في الصحيح عند الأكثر، فإن أطلق ففيه خلاف بين العلماء، لكن لا فرق بين قول الصحابي ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعد موته، فإن له حكم الرفع".
انظر: "جمع الجوامع 2/ 173، المستصفى 1/ 131، نهاية السول 2/ 317-318، مناهج العقول 2/ 315، المجموع 1/ 59، الكفاية ص 422، شرح النووي على مسلم 1/ 30، المسودة ص 393، 395، تدريب الراوي 1/ 185، توضيح الأفكار 1/ 273 وما بعدها، مقدمة ابن الصلاح ص 23، تيسير التحرير 3/ 70، فواتح الرحموت 2/ 162، شرح تنقيح الفصول ص 373 وما بعدها، غاية الوصول ص 106، الروضة ص 47- 48، مختصر الطوفي ص 64، إرشاد الفحول ص 41، 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95".
4 في ش زض: يخفى.
5 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 96 وما بعدها، المستصفى 2/ 130 وما بعدها، نهاية السول 2/ 316، جمع الجوامع 2/ 173، الكفاية ص 419، 420 وما بعدها، المسودة ص 291، المجموع 1/ 59 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/ 68 وما بعدها، تدريب الراوي 1/ 186، 188 وما بعدها، توضيح الأفكار 1/ 265 وما بعدها، المعتمد 2/ 667، قواعد التحديث ص 144، فواتح الرحموت 2/ 161، تيسير التحرير 3/ 69، الروضة ص 47، غاية الوصول ص 106، مختصر الطوفي ص 64، إرشاد الفحول ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95.(2/484)
ثُمَّ إنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ فِي صِيغَةِ الأَمْرِ وَنَحْوِهَا خِلافٌ، وَخِلافُنَا فِيهِ لا يَسْتَلْزِمُهُ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُجَّةً، وَرَجَعَتْ إلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ1.
وَخَالَفَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي ذَلِكَ، وَخَالَفَ الصَّيْرَفِيُّ وَالْبَاقِلاَّنِيّ وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَالْكَرْخِيُّ الْحَنَفِيَّانِ، وَالإِسْمَاعِيلِيّ2 وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَنَقَلَهُ3 ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: "أُمِرْنَا وَنُهِينَا" لاحْتِمَالِ أَنَّ الآمِرَ غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ النَّاهِي4.
ـــــــ
1 انظر: مختصر الطوفي ص 64، والمراجع السابقة.
2 هو أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس، أبو بكر الإسماعيلي، الشافعي، إمام أهل جرجان، والمرجوع إليه في الفقه والحديث، وصاحب التصانيف. قال الشيخ أبو إسحاق:"جمع بين الفقه والحديث ورياسة الدين والدنيا". وقال الحاكم: "كان أبو بكر واحد عصره، وشيخ المحدثين والفقهاء وأجلهم في الرياسة والمروءة والسخاء". له تصانيف كثيرة، منها: "المستخرج على الصحيح"، و"المعجم"، و"مسند عمر"، و"المسند الكبير" نحو مائة مجلد. توفي سنة 371 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 7، تبيين كذب المفتري ص 192، تذكرة الحفاظ 3/ 947، طبقات الحفاظ ص 381، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 116، شذرات الذهب 3/ 75، طبقات الفقهاء الشافعية للعبادي ص 86".
3 في ض: ونقل.
4 قال الإمام النووي رحمه الله: "إن الصحيح أن قول الصحابي: من السنة كذا في حكم المرفوع، وأنه مذهب الجماهير، وأن أبا بكر الإسماعيلي قال: له حكم الموقوف على الصحابي". "المجموع شرح المهذب 1/ 59، شرح النووي على مسلم 1/ 30. وقال السرخسي: لا يفهم منه ... الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم". "أصول السرخسي 1/ 380"، وهو قول ابن حزم أيضاً.
"انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 194، الإحكام للآمدي 2/ 97، شرح تنقيح الفصول ص 373، 374، نهاية السول 2/ 316، فواتح الرحموت 2/ 161، تيسير التحرير 3/ 69، 70، المعتمد 2/ 667، المسودة ص 291، مقدمة ابن الصلاح ص 24، توضيح الأفكار 1/ 266، الكفاية ص 423، إرشاد الفحول ص 60، 61، مختصر الطوفي ص 64، غاية الوصول ص 106"(2/485)
وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ: بِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ ذَلِكَ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي مَعْرِضِ الاحْتِجَاجِ، فَيُحْمَلُ عَلَى صُدُورِهِ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ الرَّسُولُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَصْدُرُ عَنْهُ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالتَّحْرِيمُ وَالتَّرْخِيصُ تَبْلِيغًا عَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَإِنْ1 كَانَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ بَعْضِ الْخُلَفَاءِ2، لَكِنَّهُ3 بَعِيدٌ. فَإِنَّ الْمُشَرِّعَ لِذَلِكَ هُوَ صَاحِبُ الشَّرْعِ4.
"وَقَوْلُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ عَنْهُ5" أَيْ عَنْ الصَّحَابِيِّ إذَا رَوَى عَنْهُ حَدِيثًا "يَرْفَعُهُ" أَيْ الصَّحَابِيُّ "أَوْ يَنْمِيْهِ6" إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَوْ يَبْلُغُ بِهِ" النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَوْ يَرْوِيهِ7" عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كَمَرْفُوعٍ صَرِيحًا" عِنْدَ الْعُلَمَاءِ8.
قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "حُكْمُ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ صَرِيحًا9".
ـــــــ
1 في ز: وأنه.
2 في ش: الحلفاء.
3 في ض: لكونه.
4 وهناك قول بالوقف، وقول بالتفصيل، وأن الألفاظ السابقة على درجات، كما بينه البيضاوي وغيره.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 97، المستصفى 1/ 130 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 161، تيسير التحرير 3/ 69، نهاية السول 2/ 316، مناهج العقول 2/ 314، المعتمد 2/ 667، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، شرح تنقيح الفصول ص 374، الروضة ص 47، مختصر الطوفي ص 64، إرشاد الفحول ص 60، 61".
5 في ض: عنه يرفعه.
6 في ب: ينهيه.
7 في ش ز ع ب ض: رواية.
8 انظر: الكفاية ص 415، 416، تدريب الراوي 1/ 191، مقدمة ابن الصلاح ص 25.
9 مقدمة ابن الصلاح ص 25.(2/486)
وَذَلِكَ كَقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ "الشِّفَاءُ فِي ثَلاثٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةِ نَارٍ", ثُمَّ قَالَ: رَفَعَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1.
وَكَحَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ2 عَنْ الأَعْرَجِ3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَبْلُغُ بِهِ. قَالَ: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ" 4، وَغَيْرُهُ كَثِيرٌ.
ـــــــ
1 رواه البخاري وابن ماجه. ورواه مسلم وأبو داود بلفظ آخر: "إن كان شيء من أدويتكم خير ففي شَرْطَة مِحْجَم ...." ورواه الخطيب بسنده، ورواه مالك بلاغاً.
انظر: صحيح البخاري 4/ 9، سنن ابن ماجه 2/ 1155، صحيح مسلم 4/ 1730، سنن أبي داود 2/ 331، الكفاية ص 415، الموطأ 2/ 974، فيض القدير 4/ 175.
2 هو عبد الله بن ذَكْوان، أبو عبد الرحمن، القرشي المدني، وأبو الزناد لقب، وكان يغضب منه، وهو راوية الأعرج. قال الإمام أحمد: كان سفيان يسمي أبا الزناد أمير المؤمنين في الحديث. وهو من كبار العلماء في المدينة بعد كبار التابعين. قال البخاري: أصح أسانيد أبي هريرة: أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. وكان ثقة ثبتاً فقيهاً. مات فجأة في مغتسله سنة 131 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في ميزان الاعتدال 2/ 418، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 65، طبقات الحفاظ ص 54، تذكرة الحفاظ 1/ 134، المعارف ص 464، الخلاصة ص 196، شذرات الذهب 1/ 182، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 305.
3 هو عبد الرحمن بن هرمز بن كيسان، الهاشمي مولاهم، أبو داود، المدني، الأعرج، القارئ، التابعي، صاحب أبي هريرة، كان يكتب المصاحف، وهو من أول من وضع العربية. وكان أعلم الناس بالنحو وأنساب قريش، أخذ القراءة عن أبي هريرة وابن عباس. توفي سنة 117 هـ بالإسكندرية.
انظر ترجمته في طبقات القراء 1/ 318، إنباه الرواة 2/ 172، طبقات الحفاظ ص 38، تذكرة الحفاظ 1/ 97، طبقات النحويين واللغويين ص 26، المعارف ص 465، مشاهير علماء الأمصار ص 77، الخلاصة ص 236، شذرات الذهب 1/ 153، تهذيب الأسماء 1/ 305، معرفة القراء الكبار 1/ 63.
4 هذا طرف من حديث رواه البخاري ومسلم وأحمد عن أبي هريرة وجابر ومعاوية وعمرو مرفوعاً. ورواه الترمذي بلفظ آخر. قال النووي: ومعناه في الإسلام والجاهلية، كما صرح به في الرواية الأخرى.
انظر: هداية الباري 2/ 246، صحيح مسلم 3/ 1451، مسند أحمد 3/ 379، 4/ 101، تحفة الأحوذي 6/ 481، فيض القدير 6/ 294، شرح النووي على مسلم 12/ 200، الكفاية ص 416، موارد الظمآن ص 369.(2/487)
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةُ "تُقَاتِلُونَ قَوْمًا - الْحَدِيثَ1".
وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ2 عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ3 "كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاةِ. قَالَ أَبُو
ـــــــ
1 هذا طرف من حديث صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تقاتلون قوماً بين يدي الساعة، نعالهم الشَّعَر، كأن وجوههم المجان المُطْرقة، حمر الوجوه، صغار الأعين".
والحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والخطيب مع تقديم وتأخير واختلاف بالألفاظ.
"انظر: صحيح البخاري 2/ 278، صحيح مسلم 4/ 2234، سنن أبي داود 2/ 427، تحفة الأحوذي 6/ 461، الكفاية ص 416، تدريب الراوي 1/ 191".
2 هو سلمة بن دينار، المدني الأعرج، الزاهد الفقيه، أبو حازم، التابعي المشهور بالمحاسن، مولى بني مخزوم. أجمعوا على توثيقه وجلالته والثناء عليه، ولم يحدث عن أحد من الصحابة إلا عن سهل بن سعد –خلافاً لأبي حازم التابعي، واسمه: سلمان مولى عزة الأشجعية، المشهور بالرواية عن أبي هريرة- وكان سلمة زاهداً أشقر فارسياً. روى عنه الزهري وهو أكبر منه. قال ابن سعد: "كان ثقة، كثير الحديث، وكان يقص في مسجد المدينة، توفي سنة 140 هـ، وقيل 135 هـ".
انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 2/ 207، طبقات الحفاظ ص 53، تذكرة الحفاظ 1/ 133، الخلاصة ص 147، شجرة النور الزكية ص 47، المعارف ص 479، 583، شذرات الذهب 1/ 208، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 224.
3 هو الصحابي سهل بن سعد بن مالك بن ثعلبة ... بن ساعدة الخزرجي الأنصاري، أبو العباس، المدني، من مشاهير الصحابة. وكان اسمه حزناً فغيره النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة سنة 91 هـ، وقيل غير ذلك، وروى 188 حديثاً.
انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 88، الاستيعاب 2/ 95، الخلاصة ص 157، تهذيب الأسماء 1/ 238، شجرة النور الزكية ص 45، شذرات الذهب 1/ 99".(2/488)
حَازِمٍ: لا 1أَعْلَمُ إلاَّ أَنَّهُ يَنْمِي2 ذَلِكَ2. قَالَ مَالِكٌ: هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ3. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ4 عَنْ مَالِكٍ. فَقَالَ: "يَنْمِي ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ5"، فَصَرَّحَ بِرَفْعِهِ6.
ـــــــ
1 في ض: يعلم أنه ينهي عن.
2 رواه البخاري وأحمد ومالك والخطيب مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 135، مسند أحمد 5/ 336، الموطأ 1/ 159، المنتقى 1/ 280، الكفاية ص 416".
3 هو عبد الله بن يوسف الكلاعي، أبو محمد الدمشقي، التِّنِّيسي، شيخ البخاري. وقال البخاري عنه: كان من أثبت الشاميين، وثقه أبو حاتم. وقال ابن معين: أثبت الناس في الموطأ: عبد الله بن مسلمة القعنبي وعبد الله بن يوسف التنيسي، وأخرج له البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي. توفي سنة 218 هـ.
"انظر: الخلاصة ص 219، ميزان الاعتدال 2/ 528، طبقات الحفاظ ص 172، تذكرة الحفاظ 1/ 404".وانظر: المنتقى شرح الموطأ 1/ 281.
4 هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب، أبو عبد الرحمن المدني، أحد الأئمة الأعلام في العلم والعمل. نزل البصرة ثم مكة، وكان زاهداً. روى عن مالك. قال أبو حاتم: "ثقة حجّة، لم أرَ أخشع منه". وكان مجاب الدعوة. أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه. قال مالك عنه عند مجيئه: "قوموا إلى خير أهل الأرض"، توفي سنة 221هـ. روى عن مالك "الموطأ"، ولازمه عشرين سنة.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 165، الخلاصة ص 215، تذكرة الحفاظ 1/ 383، الديباج المذهب 1/ 411، العقد الثمين 5/ 285، وفيات الأعيان 2/ 250، شجرة النور الزكية ص 57، شذرات الذهب 2/ 49".
5 صحيح البخاري 1/ 135، وعبارة البخاري: "حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن أبي حازم". فزاد ابن أبي حازم، بينما نقل الباجي أن البخاري "أخرجه من رواية عبد الله بن يوسف عن مالك" "المنتقي 1/ 381".
6 قال الحافظ ابن حجر: "هذا حكمه الرفع، لأنه محمول على أن الآمر لهم بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، قال البيهقي: لا خلاف في ذلك بين أهل النقل". وقال النووي: "هذا حديث صحيح مرفوع، ونميت الحديث، رفعته وأسندته، وفي رواية: يرفع مكان ينمي، والمراد بقوله: ينميه: يرفعه في اصطلاح أهل الحديث"..........=(2/489)
"وَ" قَوْلُ "تَابِعِيٍّ: أُمِرْنَا وَنُهِينَا، وَمِنْ السُّنَّةِ، وَكَانُوا يَفْعَلُونَ" كَذَا "كَ" قَوْلِ "صَحَابِيٍّ" ذَلِكَ "حُجَّةٌ" أَيْ فِي الاحْتِجَاجِ بِهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا1. وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَكِنَّهُ كَالْمُرْسَلِ2.
وَخَالَفَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي قَوْلِهِ: "كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا"3. وَقَالَ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ، لأَنَّهُ قَدْ يَعْنِي مَنْ أَدْرَكَهُ. كَقَوْلِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ "كَانُوا يَفْعَلُونَ" يُرِيدُ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ4.
"وَأَعْلَى مُسْتَنِدِ غَيْرِ صَحَابِيٍّ: قِرَاءَةُ الشَّيْخِ" عَلَى الرَّاوِي عَنْهُ، وَهُوَ يَسْمَعُ، سَوَاءٌ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ إمْلاءً أَوْ تَحْدِيثًا مِنْ حِفْظِهِ أَوْ مِنْ كِتَابِهِ5.
ـــــــ
=وقال الباجي: قال إسماعيل ينمى ذلك، ولم يقل ينمي. قال ابن وضاح: يريد ينمى ذلك يرفع ذلك ويسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الشوكاني: وقد أعل بعضهم الحديث بأنه ظن من أبي حازم، ورد بأن أبا حازم لو لم يقل: لا أعلمه إلى آخره، لكان في حكم المرفوع، لأن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا، يصرف بظاهره إلى من له الأمر وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
انظر: فتح الباري 2/ 152-153، شرح النووي على مسلم 4/ 114، نيل الأوطار 2/ 209، المنتقى 1/ 281، مقدمة ابن الصلاح ص 24.
1 انظر: الروضة ص 48، مختصر الطوفي ص 64.
2 وهذا ما رجحه الشوكاني، وعند الشافعية وجهان، والمشهور أنه موقوف على بعض الصحابة. وقال الحافظ العراقي كما قال النووي: "الأصح أنه من التابعين موقوف، ومن الصحابي ظاهر في أنه سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال النووي أيضاً: إنه موقوف، وهو قول الشافعي في الجديد".
"انظر: إرشاد الفحول ص 61، المستصفى 1/ 131، تيسير التحرير 3/ 69، توضيح الأفكار 1/ 299، المجموع 1/ 60، شرح النووي على مسلم 1/ 30، المسودة ص 294، 295".
3 ساقطة من ش ز ع ب.
4 انظر: المسودة ص 297.
5 هذه المراتب مختلف في ترتيبها قوة وضعفاً بين العلماء، كما جاء في "فواتح الرحموت" و"كشف الأسرار" وغيرها، وجعلها الشيخ زكريا الأنصاري إحدى عشرة مرتبة........=(2/490)
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ "فَإِنْ قَصَدَ" الشَّيْخُ "إسْمَاعَهُ وَحْدَهُ، أَوْ" أَنْ يُسْمِعَهُ "وَ" يُسْمِعَ غَيْرَهُ "قَالَ" أَيْ سَاغَ لِلرَّاوِي أَنْ يَقُولَ "أَسْمَعَنَا، وَ" أَنْ يَقُولَ "حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا" فُلانٌ1
"وَقَلَّ" قَوْلُ الرَّاوِي2 فِي مِثْلِ هَذَا "أَنْبَأَنَا وَ3نَبَّأَنَا" فُلانٌ4
"وَهِيَ" أَيْ هَذِهِ الأَلْفَاظُ "مُرَتَّبَةٌ" أَيْ فِي الرُّتْبَةِ "كَمَا ذُكِرَتْ" أَيْ كَمَا رُتِّبَتْ فِي الذِّكْرِ.
ـــــــ
= "انظر: المستصفى 1/ 165، فواتح الرحموت 2/ 164، نهاية السول 2/ 320، كشف الأسرار 3/ 39، غاية الوصول ص 106، شرح تنقيح الفصول ص 367، 375، أصول السرخسي 1/ 375، الإحكام لابن حزم 1/ 255، الإحكام للآمدي 2/ 99، تيسير التحرير 3/ 91، مناهج العقول 2/ 318، المعتمد ص2/ 663، الإلماع ص 69، قواعد التحديث ص 203، توضيح الأفكار 2/ 295، تدريب الراوي 2/ 8، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، جمع الجوامع 2/ 174، أصول الحديث ص 233، شرح الورقات ص 193، الروضة ص 61، مختصر الطوفي ص 65، شرح نخبة الفكر ص 210، إرشاد الفحول ص 61، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95، مقدمة ابن الصلاح ص 62".
1 ويجوز أن يقول أيضاً: قرأ علي ، ويجوز بالإفراد: حدثني ... وبالجمع: حدثنا.
"انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 62، شرح نخبة الفكر ص 210، 212، الإلماع ص 69، 122، توضيح الأفكار 2/ 297، تدريب الراوي 1/ 8، الكفاية ص 294، شرح الورقات ص 193، الإحكام لابن حزم 1/ 255، الإحكام للآمدي 2/ 99، المستصفى 1/ 165، نهاية السول 2/ 320، مناهج العقول 2/ 318، شرح تنقيح الفصول ص 375، كشف الأسرار 3/ 39، 42، تيسير التحرير 3/ 93، اللمع ص 45، الروضة ص 61، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، مختصر الطوفي ص 65، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95، إرشاد الفحول ص 62".
2 في ز ش ع ب: الرواة.
3 في ض: أو.
4 انظر: شرح الورقات ص 193، مقدمة ابن الصلاح ص 63، شرح نخبة الفكر ص 210، الإلماع ص 69، 122، توضيح الأفكار 2/ 297، الكفاية ص 294.(2/491)
قَالَ الْخَطِيبُ1: "أَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ: سَمِعْت، ثُمَّ حَدَّثَنَا. وَحَدَّثَنِي، ثُمَّ أَخْبَرَنَا. وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الاسْتِعْمَالِ، ثُمَّ أَنْبَأَنَا وَنَبَّأَنَا، وَهُوَ قَلِيلٌ فِي الاسْتِعْمَالِ2".اهـ.
وَإِنَّمَا كَانَتْ "أَسْمَعَنَا وَحَدَّثَنَا" أَرْفَعُ لِمَا فِيهِمَا مِنْ الاحْتِرَازِ مِنْ الإِجَازَةِ.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَخْبَرَنَا" أَسْهَلُ مِنْ "حَدَّثَنَا" فَإِنَّ حَدَّثَنَا شَدِيدٌ3. اهـ.
"وَلَهُ" أَيْ لِلرَّاوِي "إفْرَادُ الضَّمِيرِ" بِأَنْ يَقُولَ: سَمِعْت أَوْ حَدَّثَنِي "وَ" لَوْ كَانَ "مَعَهُ غَيْرُهُ، وَ" لَهُ "جَمْعُهُ" أَيْ جَمْعُ الضَّمِيرِ بِأَنْ يَقُولَ: سَمِعْنَا أَوْ حَدَّثَنَا، وَلَوْ كَانَ الرَّاوِي "مُنْفَرِدًا" بِالسَّمَاعِ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ4
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الشَّيْخُ الإِسْمَاعَ "قَالَ" الرَّاوِي "سَمِعْت وَحَدَّثَ، وَأَخْبَرَ وَأَنْبَأَ وَنَبَّأَ" قَطَعَ بِهِ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ5.
ـــــــ
1 ساقطة من ض.
2 انظر: الكفاية ص 284-286 بتوسع. وانظر: تدريب الراوي 2/ 8 وما بعدها.
3 انظر: المسودة ص 283.
روى الرامهرمزي والخطيب والشيخ تقي الدين عن الإمام أحمد: أن حدثنا وأخبرنا واحد، وهو مذهب غالب المغاربة.
"انظر: المحدث الفاصل ص 517، الكفاية ص 286، المسودة ص 283، شرح نخبة الفكر ص 211، الإلماع ص 133، تدريب الراوي 2/ 10، قواعد التحديث ص 207 وما بعدها، أصول الحديث ص 248".
4 انظر آراء العلماء في ذلك في الكفاية ص 294 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 93، معرفة علوم الحديث ص 260، الإلماع ص 127، شرح نخبة الفكر ص 211 وما بعدها.
5 ولا يجوز للراوي أن يقول في هذه الحالة: حدثني، ولا أخبرني، بأن يضيفه إلى نفسه؛ لأنه مُشعِر بالقصد، وهو ما لم يقع، وهو ما ذكره عدد من الأصوليين، منهم: الآمدي والعضد والإسنوي ... وقال بعض العلماء: لا فرق في جواز الرواية على الجملة بين كون قراءة الشيخ عن قصد، وكونها اتفاقية، وبه صرح الماوردي والروياني، لكن الفرق في اللفظ فقط.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 100، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، نهاية السول 2/ 320، مناهج العقول 2/ 318، كشف الأسرار 3/ 39، المعتمد 2/ 664، مقدمة ابن الصلاح ص 64، شرح نخبة الفكر ص 211، شرح الورقات ص 194، إرشاد الفحول ص 61، 62".(2/492)
وَالرُّتْبَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ مُسْتَنَدِ1 غَيْرِ الصَّحَابِيِّ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "ثُمَّ قِرَاءَتُهُ" أَيْ قِرَاءَةُ الرَّاوِي عَلَى الشَّيْخِ2.
وَالرُّتْبَةُ الثَّالِثَةُ: سَمَاعُ الرَّاوِي قِرَاءَةَ غَيْرِهِ عَلَى الشَّيْخِ وَهُوَ يَسْمَعُ، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "أَوْ غَيْرِهِ" أَيْ غَيْرِ الرَّاوِي "عَلَى الشَّيْخِ3".
ـــــــ
1 في ش: متسند.
2 أكثر المحدثين يُسَمُّون القراءة على الشيخ عرضاً، أي أن القارئ يعرض ما يقرؤه على الشيخ، كما يعرض القرآن على الإمام. وذهب بعض الناس إلى كراهتها. وقال جماهير الفقهاء والمحدثين: إنها بمنزلة السماع. وقال بعضهم بتقديم السماع على القراءة. وقال آخرون بتقديم القراءة على السماع.
"انظر آراء العلماء وأدلتهم ومناقشتها في "الإحكام لابن حزم 1/ 255، الإحكام للآمدي 2/ 99، المستصفى 1/ 165، نهاية السول 2/ 320، مناهج العقول 2/ 318، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، جمع الجوامع 2/ 174، أصول السرخسي 1/ 375، فواتح الرحموت 2/ 164، تيسير التحرير 3/ 91، كشف الأسرار 3/ 39، المعتمد 2/ 627، شرح الورقات ص 194، الروضة ص 61، مختصر الطوفي ص 65، غاية الوصول ص 106، إرشاد الفحول ص 62، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95، معرفة علوم الحديث ص 259، شرح نخبة الفكر ص 210، الإلماع ص 70، قواعد التحديث ص 203، توضيح الأفكار 2/ 298، تدريب الراوي 2/ 12، المحدث الفاصل ص 420، مقدمة ابن الصلاح ص 64، الكفاية ص 260، أصول الحديث ص 235".
3 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 376، فواتح الرحموت 2/ 164، تيسير التحرير 3/ 91، جمع الجوامع 2/ 174، المسودة ص 286، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، المعتمد 2/ 664، مناهج العقول 2/ 318، نهاية السول 2/ 320، غاية الوصول ص 106، مقدمة ابن الصلاح ص 64، شرح نخبة الفكر ص 210، الإلماع ص 70، قواعد التحديث ص 203، تدريب الراوي 2/ 12.(2/493)
"وَيَقُولُ فِيهِمَا1" أَيْ قِرَاءَتِهِ، وَفِي2 قِرَاءَةِ غَيْرِهِ "حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا قِرَاءَةً عَلَيْهِ3".
"وَيَجُوزُ الإِطْلاقُ" وَهُوَ أَنْ لا يَقُولَ: قِرَاءَةً4 عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَالْخَلاَّلِ وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ5 وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِمْ6.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: لا يُطْلِقُ، وَقَالَ جَمْعٌ ؛ لأَنَّهُ كَذِبٌ7.
ـــــــ
1 في ش ز: فيها.
2 في ساقطة من ض.
3 "انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 69، الكفاية ص 296، المستصفى 1/ 165، نهاية السول 2/ 320، مناهج العقول 2/ 318، المسودة ص 283، فواتح الرحموت 2/ 165، تيسير التحرير 3/ 93، الإحكام للآمدي 2/ 100، كشف الأسرار 3/ 39، 42، توضيح الأفكار 2/ 305، تدريب الراوي 2/ 16، شرح نخبة الفكر ص 210، آداب الشافعي ص 99، مختصر الطوفي ص 65، إرشاد الفحول ص 62، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95، أصول الحديث ص 240، مقدمة ابن الصلاح ص 65، المعتمد 2/ 665".
4 في ش: قرأت.
5 في ز: ابن عبد العزيز. وهو خطأ
6 وهو مذهب أبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة، وسفيان بن عيينة، ومعظم الحجازيين، والكوفيين، والبخاري والثوري والزهري ويحيى بن معين.
"انظر: شرح الورقات ص 195، فواتح الرحموت 2/ 165، تيسير التحرير 3/ 93، نهاية السول 2/ 321، كشف الأسرار 3/ 40، المسودة ص 283، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، الكفاية ص 296، تدريب الراوي 2/ 16، المحدث الفاصل ص 421 وما بعدها، توضيح الأفكار 2/ 305، جامع بيان العلم 2/ 214، مختصر الطوفي ص 65، الروضة ص 61، إرشاد الفحول ص 62، مقدمة ابن الصلاح ص 65".
7 وهو ما أيده أبو إسحاق الشيرازي وأبو الحسين البصري، كما أيده الآمدي، وصححه الغزالي. وقال المحلي وابن الصلاح: "هو مذهب الشافعي وأصحابه ومسلم بن الحجاج وجمهور أهل المشرق وعزي إلى أكثر المحققين. وقال الجويني: يجوز الإطلاق في أخبرني دون حدثني......=(2/494)
وَفِي الرِّوَايَةِ بِسَمَاعِ قِرَاءَةِ غَيْرِهِ عَلَى الشَّيْخِ خِلافٌ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ: الصِّحَّةُ1.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ2: وَوَقَعَ الإِجْمَاعُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الأَزْمِنَةِ وَقَبْلَهَا. وَحُكِيَ الْمَنْعُ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ3 وَوَكِيعٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلاَّمٍ4 وَعَبْدِ
ـــــــ
=انظر: اللمع ص 45، شرح الورقات ص 195، الإحكام للآمدي 2/ 100، المستصفى 1/ 165، تيسير التحرير 3/ 93، نهاية السول 2/ 321، كشف الأسرار 3/ 39، 42، مقدمة ابن الصلاح ص 65، المعتمد 2/ 664، توضيح الأفكار 2/ 305 وما بعدها، تدريب الراوي 2/ 16، الكفاية ص 296، الروضة ص 61، شرح تنقيح الفصول ص 377، إرشاد الفحول ص 62.
1 انظر: مختصر الطوفي ص 65، جامع بيان العلم 2/ 216، والمراجع السابقة في الهامش 6 من الصفحة السابقة.
2 انظر: شرح نخبة الفكر ص 213، توضيح الأفكار 2/ 303.
3 هو الضحاك بن مَخْلد بن الضحاك الشيباني البصري، النبيل، الحافظ، أبو عاصم. كان فقيهاً حافظاً، عابداً متقناً. روى عنه أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة. وكان واسع العلم، ولم يُرَ في يده كتاب قط. قال: من طلب الحديث فقد طلب أعلى الأمور، فيجب أن يكون خير الناس. توفي سنة 212 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 156، تذكرة الحفاظ 1/ 366، الخلاصة ص 177، المعارف ص 520، شذرات الذهب 2/ 28".
4 هو محمد بن سلاّم بن عبيد الله بن سالم، أبو عبد الله البصري، الجُمَحي، وهو أخو عبد الرحمن بن سلاّم، وهو من أهل اللغة والأدب. وروى عنه الجمّ الغفير، وكان صدوقاً، يختلف إليه يحيى بن معين ليستفيد منه. له كتاب في "طبقات الشعراء". مات ببغداد سنة 231 هـ.
انظر ترجمته في "إنباه الرواة 3/ 143، الخلاصة ص 340، طبقات المفسرين 2/ 151، بغية الوعاة 1/ 115، تاريخ بغداد 5/ 327، شذرات الذهب 2/ 71، ميزان الاعتدال 3/ 567، الفهرست ص 165".
وانظر: محمد بن سلاَم البخاري، أبو عبد الله السُّلَمي مولاهم، الحافظ الكبير. روى عن ابن عيينة وابن المبارك وغيرهم. وروى عنه ابنه إبراهيم والبخاري وخلق، وكان من كبار المحدثين، وله حديث ورحلة، وله مصنفات في كل باب من العلم. توفي سنة 225 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 182، تذكرة الحفاظ 2/ 422، الخلاصة ص 34.(2/495)
الرَّحْمَنِ بْنِ سَلاَّمٍ الْجُمَحِيِّ1.
"وَسُكُوتُ الشَّيْخِ عِنْدَ قِرَاءَةٍ عَلَيْهِ بِلا مُوجِبٍ" لِسُكُوتِهِ2 مِنْ3 غَفْلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَإِقْرَارِهِ4.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ. قَالَ: وَالأَحْوَطُ أَنْ يَسْتَنْطِقَهُ بِالإِقْرَارِ5 بِهِ6"
وَشَرَطَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ إقْرَارَ الشَّيْخِ بِصِحَّةِ مَا قُرِئَ عَلَيْهِ نُطْقًا7.
ـــــــ
1 هو عبد الرحمن بن سلاَّم بن عبيد الله بن سالم، أبو حرب، مولى قدامة بن مظعون. قال أبو حاتم: صدوق. وذكره ابن حبان في الثقات. وهو أخو محمد بن سلاّم الجمحي. مات سنة 232 هـ، وقيل غير ذلك. وروى له مسلم 13 حديثاً.
انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب 6/ 192، إنباه الرواة 3/ 143 هامش".
2 في ش: كسكوته.
3 في ش: عن.
4 انظر: المستصفى 1/ 165، نهاية السول 2/ 321، شرح الورقات ص 195، الإحكام للآمدي 2/ 100، مناهج العقول 2/ 319، المسودة ص 284، 286، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، الكفاية ص 280، الإلماع ص 78، توضيح الأفكار 2/ 306، تدريب الراوي 2/ 20، مقدمة ابن الصلاح ص 67، شرح تنقيح الفصول ص 377، الروضة ص 61، فواتح الرحموت 2/ 164، تيسير التحرير 3/ 91، كشف الأسرار 3/ 39".
5 في ض: بإقرار.
6 وهو قول الخطيب والقاضي أبي يعلى وأبي الطيب.
انظر: الكفاية ص 280، المسودة ص 284، 287.
7 وهو رأي بعض الشافعية كأبي إسحاق الشيرازي وسَليم الرازي.
"انظر: المستصفى 1/ 165، كشف الأسرار 3/ 39، الإحكام للآمدي 2/ 100، تيسير التحرير 3/ 91، نهاية السول 2/ 316، شرح تنقيح الفصول ص 377، مقدمة ابن الصلاح ص 65، الإلماع ص 78، توضيح الأفكار 2/ 306، تدريب الراوي 2/ 20، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، الكفاية ص 280، الروضة ص 61، مختصر الطوفي ص 65".(2/496)
وَالصَّحِيحُ: أَنَّ عَدَمَ إنْكَارِهِ، وَلا حَامِلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، مِنْ إكْرَاهٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ: كَافٍ. لأَنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ بِأَنَّ السُّكُوتَ تَقْرِيرٌ فِي مِثْلِ هَذَا، وَإِلاَّ لَكَانَ سُكُوتُهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ قَادِحًا1.
"وَيَحْرُمُ" عَلَى الرَّاوِي "إبْدَالُ قَوْلِ الشَّيْخِ حَدَّثَنَا بِ" قَوْلِ الرَّاوِي "أَخْبَرَنَا وَعَكْسُهُ" وَهُوَ إبْدَالُ قَوْلِ الشَّيْخِ "أَخْبَرَنَا" بِقَوْلِ الرَّاوِي "حَدَّثَنَا"، لاحْتِمَالِ2 أَنْ يَكُونَ الشَّيْخُ لا يَرَى التَّسْوِيَةَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَذِبًا عَلَيْهِ3.
وَعَنْهُ: لا يَحْرُمُ4.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: "أَخَذَهَا الْقَاضِي مِنْ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ5: حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَاحِدٌ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ6 سَلَمَةُ بْنُ
ـــــــ
1 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 100،" المستصفى" 1/ 165، "كشف الأسرار" 3/ 39، "الروضة ص 61، "مقدمة ابن الصلاح" ص 67.
2 في ش ب ز ع: لاحتماله.
3 انظر: الكفاية ص 292 وما بعدها، "مقدمة ابن الصلاح" ص 68، "تدريب الراوي" 2/ 22، "المسودة" ص 283، 285، "الروضة" ص 61، "مختصر الطوفي" ص 65.
4 وهو قول من أباح التحديث على المعنى.
انظر: "الكفاية" ص 293، "المسودة" ص 283، "الروضة" ص 61، "مختصر الطوفي" ص 65.
5 هو أحمد بن عبد الجبار بن محمد بن عمر بن عطارد، التميمي، العطاردي، أبو عمر الكوفي، أحد الضعفاء، ضعفه غير واحد. قال ابن عدي: إنه كان يتورع أن يحدث عن كل أحد. وسماعه للسيرة صحيح. وقيل: إن أبا داود روى عنه، لكن المزي قال: لم أقف على ذلك. مات سنة 272 هـ.
انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال" 1/ 112، "الخلاصة" ص 8، "شذرات الذهب" 2/ 162.
6 في ع ب ض: عن. وما أثبتناه في الأعلى من ش ز والمسودة.(2/497)
شَبِيبٍ1 "أَيْضًا2".
"و"َيَحْرُمُ أَيْضًا عَلَى الرَّاوِي" رِوَايَةُ مَا شَكَّ فِي سَمَاعِهِ" مَا دَامَ شَاكًّا. ذَكَرَهُ الآمِدِيُّ إجْمَاعًا؛ لأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ السَّمَاعِ؛ وَلأَنَّ ذَلِكَ شَهَادَةٌ3 عَلَى شَيْخِهِ4. "و"َكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مَرْوِيٍّ "بِمُشْتَبَهٍ بِغَيْرِهِ" أَيْ بِغَيْرِ مَرْوِيٍّ. لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحْتَمَلُ5 أَنَّهُ غَيْرُ الَّذِي رَوَاهُ مَا دَامَ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ أَحَدُ الْمُشْتَبَهَيْنِ أَنَّهُ مَسْمُوعُهُ6.
وَ"يَحْرُمُ أَيْضًا عَلَيْهِ: رِوَايَةُ "مُسْتَفْهِمٍ مِنْ غَيْرِ الشَّيْخِ7".
ـــــــ
1 سلمة بن شبيب النيسابوري، أبو عبد الله الحافظ. روى عن الشافعي والعلماء في الشام والحجاز والعراق وخراسان، ونزل مكة. قال أبو حاتم: صدوق. وقال النسائي: ليس به بأس. وروى عنه أصحاب الكتب الستة إلا البخاري، وأبو حاتم وعبد الله بن أحمد بن حنبل وآخرون. وقيل: إن أحمد بن حنبل حدّث عنه. توفي بمصر سنة 247 هـ، وقيل غير ذلك. وقال الخلال: "رفيع القدر، حدّث عنه شيوخنا الأجلّة".
انظر ترجمته في "الخلاصة" ص 148، "تذكرة الحفاظ" 2/ 543، "طبقات الحنابلة" 1/ 168، "شذرات الذهب" 2/ 116، "مناقب الشافعي" 2/ 334.
2 "المسودة" ص 283.
وهو ما نقله الخطيب البغدادي عن الإمام أحمد في "الكفاية" ص 286.
3 في ش ب ز: شهادته.
4 "انظر: الإحكام للآمدي" 2/ 101، "المستصفى" 1/ 166، "مقدمة ابن الصلاح" ص 105، "المعتمد" 2/ 627، "شرح تنقيح الفصول" ص 367، "الإلماع" ص 135، "الكفاية" ص 234، "الروضة" ص 62، "مختصر الطوفي" ص 67.
5 في ض: يجعل.
6 وقيل: يجوز اعتماداً على غلبة الظن.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 102، المستصفى 1/ 166، 167، المعتمد 2/ 666، الكفاية ص 372، الروضة ص 62، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96".
7 وأجازها آخرون نظراً لاتحاد المجلس.
"انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 70، توضيح الأفكار 2/ 308، تدريب الراوي 2/ 26"(2/498)
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ بَعْدَ كَلامٍ تَقَدَّمَ: وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ إلاَّ مَا سَمِعَهُ مِنْ الشَّيْخِ فَلا يَسْتَفْهِمُهُ مِمَّنْ مَعَهُ، ثُمَّ يَرْوِيهِ. وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ خِلافًا لآخَرِينَ.اهـ.
قَالَ خَلَفُ بْنُ تَمِيمٍ1: سَمِعْت مِنْ الثَّوْرِيِّ عَشَرَةَ آلافِ حَدِيثٍ أَوْ نَحْوَهَا. فَكُنْت أَسْتَفْهِمُ جَلِيسِي. فَقُلْت لِزَائِدَةَ2. فَقَالَ: لا تُحَدِّثُ بِهَا إلاَّ مَا 3تَحْفَظُ بِقَلْبِكَ6 وَتَسْمَعُ أُذُنُكَ4. قَالَ5: فَأَلْقَيْتُهَا6.
"لا" أَنْ يَرْوِيَ "مَا ظَنَّهُ مَسْمُوعَهُ" مِنْ غَيْرِ اشْتِبَاهٍ "أَوْ" ظَنَّهُ مِنْ مُشْتَبَهٍ بِعَيْنِهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالأَكْثَرِ، عَمَلاً بِالظَّنِّ7.
ـــــــ
1 هو خلف بن تميم بن أبي عتاب الكوفي، أبو عبد الرحمن، الإمام الحافظ الزاهد، التميمي، ويقال البجلي، ويقال المخزومي مولاهم. وثقه أبو حاتم وابن حبان. قال أبو حاتم: ثقة صالح الحديث. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق أحد النساك المجاهدين. روى عن الثوري عشرة آلاف حديث. قال ابن حبان: مات سنة 206هـ. وقال ابن سعد: 213 هـ.
انظر ترجمته في "الخلاصة" ص 105، "تذكرة الحفاظ" 1/ 379.
2 هو زائدة بن قدامة الثقفي، أبو الصلت الكوفي، الإمام. كان ثقة حجة. قال الإمام أحمد: المثبتون في الحديث أربعة: سفيان وشعبة وزهير وزائدة. وكان لا يحدث أحداً حتى يسأل عنه، فإن كان من أهل السنة حدثه، وإن كان من أهل البدعة لم يحدثه، وكان لا يعد السماع حتى يسمعه ثلاث مرات. له مصنفات كثيرة، منها: "التفسير"، و"السنن"، و"القراءات"، و"الزهد"، و"المناقب". توفي بأرض الروم غازياً سنة 161 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "طبقات المفسرين" 1/ 174، "طبقات القراء" 1/ 288، "طبقات الحفاظ" ص 91، "تذكرة الحفاظ" 1/ 215، "الخلاصة" ص 120، مشاهير علماء الأمصار ص 171، الفهرست ص 316، "شذرات الذهب" 1/ 251، يحيى بن معين وكتابه "التاريخ" 1/ 170.
3 في د ع ض: يحفظ قلبك.
4 في ش: بأذنك.
5 ساقطة من ع.
6 انظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 70، "الإلماع" ص 136، "الكفاية" ص 70.
7 وهو قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد، خلافاً لأبي حنيفة.
انظر: "الإحكام للآمدي" 2/ 102، والمراجع السابقة في الصفحة السابقة 498 هامش 6.(2/499)
"وَلا يُؤَثِّرُ" فِي صِحَّةِ الرِّوَايَةِ "مَنْعُ الشَّيْخِ" الرَّاوِيَ مِنْ "رِوَايَتِهِ عَنْهُ بِلا قَادِحٍ1".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ بَعْدَ كَلامٍ تَقَدَّمَ. وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ، أَنَّ مَنْعَ الشَّيْخِ لِلرَّاوِي2 مِنْ رِوَايَتِهِ - وَلَمْ يُسْنِدْ ذَلِكَ إلَى خَطَإٍ أَوْ شَكٍّ - لا يُؤَثِّرُ. وَقَالَهُ بَعْضُهُمْ. اهـ.
"ثُمَّ" الرُّتْبَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ مُسْتَنَدِ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ: الرِّوَايَةُ بِالإِجَازَةِ وَتَتَفَاوَتُ.
وَبِجَوَازِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالأَكْثَرُ مِنْ أَصْحَابِهِمَا وَبَقِيَّةُ الْعُلَمَاءِ، وَحَكَى الاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِهَا الْبَاقِلاَّنِيُّ وَالْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُمَا3.
ـــــــ
1 وهذا قول بعض الظاهرية، خلافاً للجمهور الذين منعوا الرواية مع وجوب العمل إن صح السند. قال النووي: وقال بعض أهل الظاهر: لو قال هذه روايتي لا تروها، كان له روايتها عنه. والصحيح ما قاله غير واحد من المحدثين وغيرهم أنه لا تجوز الرواية به، لكن يجب العمل به إن صح السند "تدريب الراوي 2/ 59".
وانظر: مقدمة ابن الصلاح ص 84، المحدث الفاصل ص 451، أصول الحديث ص 241.
2 في ش: الراوي.
3 وحكى القاضي عياض أيضاً الإجماع على جواز الرواية بها كالعمل بها، ونقل الآمدي عدم جوازها عن أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال ابن عبد الشكور: إن أبا حنيفة احتاط، ومنع الإجازة.
"انظر: المستصفى 1/ 165، فواتح الرحموت 2/ 165، تيسير التحرير 3/ 94، نهاية السول 2/ 322، مناهج العقول 2/ 320، كشف الأسرار 3/ 43، المسودة ص 287، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، الكفاية ص 311، تدريب الراوي 2/ 29، المحدث الفاصل ص 435، توضيح الأفكار 2/ 309، جامع بيان العلم 2/ 219، قواعد التحديث ص 204، مقدمة ابن الصلاح ص 72، أصول الحديث ص 236، شرح ألفية العراقي 2/ 61، اللمع ص 45، الروضة ص 61، شرح الورقات ص 196، مختصر الطوفي ص 66، إرشاد الفحول ص 63، المدخل إلى "مذهب أحمد" ص 95، "الإحكام للآمدي 2/ 100".(2/500)
وَاحْتَجَّ ابْنُ الصَّلاحِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ "إذَا جَازَ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ مَرْوِيَّاتِهِ، وَقَدْ1 أَخْبَرَهُ بِهَا جُمْلَةً. 2فَهُوَ كَمَا1 لَوْ أَخْبَرَهُ بِهَا3 تَفْصِيلاً، وَإِخْبَارُهُ بِهَا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى التَّصْرِيحِ نُطْقًا، كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ4.
وَعَلَى هَذَا: يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا كَالْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ. قَالَهُ5 ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ6.
وَمَنَعَهَا شُعْبَةُ وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ. وَنَقَلَهُ الرَّبِيعُ7 عَنْ الشَّافِعِيِّ8.
ـــــــ
1 في ش ز ب ع ض: فقد. وما أثبتناه في الأعلى من مقدمة ابن الصلاح.
2 كذا في مقدمة ابن الصلاح، وفي جميع النسخ: فكما.
3 ساقطة من ز ع ب ض، ومقدمة ابن الصلاح.
4 مقدمة ابن الصلاح ص 73. وانظر: اللمع ص 45.
5 في ش: قال.
6 وخالف بعض أهل الظاهر، وقالوا: لا يجب العمل بها، لأنها جارية مجرى المراسيل، والرواية عن المراسيل. وقال الجمهور: يجب العمل بها.
"انظر: اللمع ص 45، الكفاية ص 311، شرح ألفية العراقي 2/ 63".
7 هو الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي، أبو محمد، المؤذن، المصري، صاحب الإمام الشافعي، الذي روى أكثر كتبه، وأثنى عليه الشافعي خيراً, وكان مؤذناً بمسجد عمرو. ويقدم الأصحاب روايته على رواية المزني عند التعارض. قال النووي: "واعلم أن الربيع حيث أطلق في كتب المذهب المراد به المرادي، وإذا أرادوا الجيزي قيدوه". وصارت الرواحل تشد إليه من أقطار الأرض لسماع كتب الشافعي منه. توفي سنة 270 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 132، وفيات الأعيان 2/ 52، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 98، البداية والنهاية 11/ 48، طبقات الحفاظ ص 252، تذكرة الحفاظ 2/ 286، الخلاصة ص 115، حسن المحاضرة 1/ 348، 398، شذرات الذهب 2/ 159، الفهرست ص 297، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 24، "طبقات الفقهاء الشافعية للعبادي ص 12".
8 ومنعها أبو الشيخ الأصبهاني والقاضي حسين والماوردي والروياني من الشافعية وأبو طاهر الدباس من الحنفية، وأبو نصر السجزي وغيرهم.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص 377، كشف الأسرار 3/ 43، تدريب الراوي 2/ 30، قواعد التحديث ص 204، جامع بيان العلم 2/ 219، اللمع ص 45، مقدمة ابن الصلاح ص 72، الروضة ص 45، "الكفاية" ص 314، "إرشاد الفحول" ص 63".(2/501)
قَالَ شُعْبَةُ: لَوْ صَحَّتْ الإِجَازَةُ لَبَطَلَتْ الرِّحْلَةُ1. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَوْ صَحَّتْ لَبَطَلَ الْعِلْمُ2.
وَنَقَلَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لا أَرَى هَذَا يَجُوزُ وَلا يُعْجِبُنِي3.
وَقَالَ أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ4 الْحَنَفِيُّ5: مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَجَزْت لَك أَنْ
ـــــــ
1 انظر: شرح ألفية العراقي 2/ 62، الكفاية ص 316، إرشاد الفحول ص 63.
2 انظر: الكفاية ص 315، إرشاد الفحول ص 63.
3 يرى الإمام مالك صحة الرواية بالإجازة. وفسر الخطيب قول مالك المذكور أعلاه بأنه قاله على وجه الكراهة أن يجيز العلم لمن ليس من أهله، ولا من خدمه، وعانى التعب فيه، فكان يقول: "إذا امتنع من إعطاء الإجازة لمن هذه صفته: "يحب أن يدعى قِسًّا ولم يخدم الكنيسة"، فضرب ذلك مثلاً. "الكفاية ص 317".
4 في جميع النسخ: الدبوسي: وهو تصحيف وخطأ. ولعله اشتبه على النساخ بأبي زيد الدبوسي، عبد الله بن عمر بن عيسى الذي مرت ترجمته في المجلد الأول "ص "330، وقد وَرَدَ النصُّ على أن صاحب هذا الرأي هو أبو طاهر الدباس في كتب كثيرة، منها: "مقدمة ابن الصلاح ص 72،" و"شرح ألفية العراقي 2/ 63"، "وإرشاد الفحول ص 63" و"كشف الأسرار 3/ 43" وغيرها.
5 هو محمد بن محمد بن سفيان، أبو طاهر الدباس، الفقيه الحنفي. كان أكثر أخذه عن القاضي أبي خازم، وولي القضاء بالشام، وكان إمام أهل الري بالعراق. وكان من أهل السنة والجماعة، صحيح الاعتقاد. تخرّج به جماعةٌ من الأئمة. وكان يوصف بالحفظ وكثرة الروايات، بخيلاً بعلمه، ضنيناً به، خرج من الشام إلى مكة فمات بها، ولم تحدد سنة وفاته، وذلك في القرن الرابع الهجري.
انظر ترجمته في "الجواهر المضيئة" 2/ 116، "الفوائد البهية" ص 187، "طبقات الفقهاء للشيرازي" ص 142، "أخبار أبي حنيفة وأصحابه" ص 162".(2/502)
تَرْوِيَ عَنِّي، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَجَزْت لَك أَنْ تَكْذِبَ عَلَيَّ1.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إنْ عَلِمَ2 الْمُجِيزُ مَا فِي الْكِتَابِ، وَالْمُجَازُ لَهُ ضَابِطٌ: جَازَ، وَإِلاَّ فَلا، لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ السُّنَّةِ وَحِفْظِهَا3.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَأَعْلاهَا "مُنَاوَلَةُ" كِتَابٍ "مَعَ إجَازَةٍ أَوْ إذْنٍ" فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ. وَيُسَمَّى هَذَا "عَرْضُ الْمُنَاوَلَةِ"كَمَا أَنَّ سَمَاعَ الشَّيْخِ يُسَمَّى "عَرْضَ الْقِرَاءَةِ"4.
وَهِيَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرْنَاهُ5، وَهِيَ الْمُنَاوَلَةُ مَعَ الإِجَازَةِ أَوِ6 الإِذْنِ. وَالرِّوَايَةُ7 بِهَذَا النَّوْعِ جَائِزَةٌ8.
ـــــــ
1 وهو رأي ابن حزم، وأبي الحسين البصري المعتزلي، وقد أجاب العلماء عن ذلك، فانظر هذه الأقوال ومناقشتها في "شرح تنقيح الفصول ص 378،"الإحكام لابن حزم 1/ 256، كشف الأسرار 3/ 43، المعتمد 2/ 666، مقدمة ابن الصلاح ص 72، إرشاد الفحول ص 63".
2 في ز: يعلم.
3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 165، تيسير التحرير 3/ 94، كشف الأسرار 3/ 43، 44، جامع بيان العلم 2/ 219، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، مناهج العقول 2/ 320.
وقارن من نقله الآمدي في "الإحكام 2/ 100".
4 انظر: كشف الأسرار 3/ 46، مقدمة ابن الصلاح ص 79، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، الكفاية ص 326، التعريفات للجرجاني ص 255.
5 في ب ع ض: ذكرنا.
6 في ب ع ض: و.
7 في ش: والعمل.
8 في ش: جائز.
وانظر: جمع الجوامع 2/ 172، المسودة ص 287، الإحكام لابن حزم 1/ 255، الإحكام للآمدي 2/ 101، المستصفى 1/ 165، مناهج العقول 2/ 319، شرح تنقيح الفصول ص 378، تيسير التحرير 3/ 93، كشف الأسرار 3/ 45، فواتح الرحموت 2/ 165، أصول السرخسي 1/ 377 توضيح الأفكار 2/ 334، قواعد التحديث ص 203، شرح نخبة الفكر ص 216، جامع بيان العلم 2/ 218، تدريب الراوي 2/ 45، الكفاية ص 318، مقدمة ابن الصلاح ص 79، الإلماع ص 79، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95، الروضة ص 61، مختصر الطوفي ص 66، غاية الوصول ص 106، إرشاد الفحول ص 63.(2/503)
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي "الإِلْمَاعِ": جَائِزَةٌ1 بِالإِجْمَاعِ2. وَكَذَا قَالَ الْمَازِرِيُّ: لا شَكَّ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ3.اهـ.
لَكِنَّ الصَّيْرَفِيَّ حَكَى الْخِلافَ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَأَنَّ الْمَانِعَ خَرَّجَهُ عَلَى الشَّهَادَةِ، فِي4 الصَّكِّ وَلَمْ يَقْرَأْ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، بَلْ قَالَ: اشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا فِيهِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِمَنْعِهِ مَشْهُورٌ. كَمَا ذَكَرُوهُ5 فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي6. وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ لِلْمُنَاوَلَةِ بِدُونِ الْقِرَاءَةِ مَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ: إنَّ بَعْضَ7 أَهْلِ الْحِجَازِ احْتَجُّوا عَلَيْهَا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ كَتَبَ لأَمِيرِ السَّرِيَّةِ كِتَابًا. وَ8قَالَ: "وَلا تَقْرَأْهُ 9 حَتَّى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا". فَلَمَّا بَلَغَ
ـــــــ
1 في ش: جائز.
2 "الإلماع" ص 88.
انظر أدلة شروعية المناولة وأدلة منعها في "الإحكام لابن حزم 1/ 257، كشف الأسرار 3/ 46، المعتمد 2/ 665، الكفاية ص 312".
3 انظر: إرشاد الفحول ص 63.
4 في ش ب ز: كما في.
5 في ض: ذكره.
6 وهو قول الحنفية الذين يشترطون أن يعلم المجاز له ما في الكتاب كالشهادة على الصك.
انظر: "فواتح الرحموت 2/ 165، شرح الورقات ص 196، الإحكام للآمدي 2/ 101، إرشاد الفحول ص 63، المغني 10/ 84".
7 ساقطة من ض.
8 ساقطة من ع ض.
9 في ض: يقرأه.(2/504)
ذَلِكَ الْمَكَانَ قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ، وَأَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1، لَكِنْ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى أَنَّهُ لا حُجَّةَ فِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لاحْتِمَالِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَهُ عَلَيْهِ. فَتَكُونُ وَاقِعَةَ عَيْنٍ يَسْقُطُ فِيهَا2 الاسْتِدْلال لِلاحْتِمَالِ3.
وَأَمِيرُ السَّرِيَّةِ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ4 الْمُجَدَّعُ فِي اللَّهِ تَعَالَى. وَذَلِكَ فِي رَجَبٍ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ5 مَرْفُوعًا6.
وَصِفَةُ هَذَا النَّوْعِ: "أَنْ يَدْفَعَ الشَّيْخُ إلَى الطَّالِبِ أَصْلَ مَرْوِيِّهِ، أَوْ فَرْعًا مُقَابَلاً بِهِ. وَيَقُولُ: هَذَا سَمَاعِي، أَوْ مَرْوِيِّي7 بِطَرِيقِ كَذَا فَارْوِهِ عَنِّي، أَوْ
ـــــــ
1 وراه البخاري معلقاً، ورواه الطبري والخطيب مرفوعاً، كما ورد ذلك في كتب السيرة النبوية.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 23، تفسير الطبري 2/ 347، الكفاية ص 312، السيرة النبوية لابن هشام 2/ 239، زاد المعاد 2/ 214".
2 في ش ب ع ض: منها.
3 بين الإمام العيني وجه الاستدلال بالحديث فقال: "إنه جاز له الإخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بما فيه، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأه، ولا هو قرأه عليه، فلولا أنه حجة لم يجب قبوله" "عمدة القاري 2/ 27"، وانظر: الإلماع ص 82.
4 هو الصحابي عبدالله بن جحش بن رئاب الأسدي، المجدع، أبو محمد. أمه آمنة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أسلم قديماً قبل دخول الإسلام دار الأرقم، وهاجر الهجرتين إلى الحبشة، هو وأخواه وأخته زينب. وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية، وهو أول أمير أمره، وغنيمته أول غنيمة في الإسلام. ثم شهد بدراً، واستشهد يوم أحد، وقطع الكفار أذنه وأنفه، ومثلوا به، فكان يسمى المجدع في الله. ودفن هو وخاله حمزة في قبر واحد. استشاره النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر في أسارى بدر.
انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 286، الاستيعاب 2/ 272، تهذيب الأسماء 1/ 262".
5 في ب ع ض: الطبراني. وفي ز: الطبراني، مع الشطب على الألف.
6 تفسير الطبري 2/ 347.
7 في ب ض: مرويتي. وفي مقدمة ابن الصلاح –والنص منقول عنه حرفيًّا-: روايتي عن فلان فاروِه عني.(2/505)
أَجَزْت لَك أَنْ تَرْوِيَهُ عَنِّي، ثُمَّ يُمَلِّكُهُ1 إيَّاهُ بِطَرِيقٍ أَوْ يُعِيرُهُ لَهُ يَنْقُلُهُ وَيُقَابِلُهُ بِهِ2".
وَفِي مَعْنَاهُ: "أَنْ يَجِيءَ الطَّالِبُ بِذَلِكَ إلَى الشَّيْخِ وَيَعْرِضَهُ عَلَيْهِ، فَيَتَأَمَّلَهُ الشَّيْخُ الْعَارِفُ الْيَقِظُ. وَيَقُولُ: نَعَمْ هَذَا مَسْمُوعِي، أَوْ رِوَايَتِي بِطَرِيقِ كَذَا، فَارْوِهِ عَنِّي3". وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَأَنَّهَا مُنْحَطَّةٌ عَنْ رُتْبَةِ السَّمَاعِ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ4.
وَذَهَبَ رَبِيعَةُ5
ـــــــ
1 في ز: ملكه.
2 مقدمة ابن الصلاح ص 79.
وانظر: مسائل الإمام أحمد ص 325، المستصفى 1/ 166، "المحلي على جمع الجوامع 2/ 174، الكفاية ص 318 وما بعدها، كشف الأسرار 3/ 45- 46، الإحكام للآمدي 2/ 101، مختصر الطوفي ص 66، شرح نخبة الفكر ص 217، الإلماع ص 79، تدريب الراوي 2/ 45، المحدث الفاصل ص 435، إرشاد الفحول ص 63.
3 مقدمة ابن الصلاح ص 79.
4 انظر: الإلماع ص 79، مقدمة ابن الصلاح ص 79، الكفاية ص 318 وما بعدها، 328، كشف الأسرار 3/ 45- 46، معرفة علوم الحديث ص 256، شرح نخبة الفكر ص 217، تدريب الراوي 2/ 46، إرشاد الفحول ص 63.
وفي ض: جمهور.
5 هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن فرُّوخ، القرشي، التميمي مولاهم، المدني، شيخ مالك، ويقال له ربيعة الرأي، لأنه كان يعرف بالرأي والقياس، أبو عثمان. وهو تابعي جليل، وكان حافظاً للحديث، ثقة ثبتاً، مفتياً في المدينة. قال الخطيب: "كان فقيهاً عالماً حافظاً للفقه والحديث". واتفق العلماء على توثيقه وجلالته وعظم مرتبته في العلم والفهم. توفي سنة 136 هـ بالمدينة، وقيل بالأنبار.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 68، تذكرة الحفاظ 1/ 157، ميزان الاعتدال 2/ 44، تاريخ بغداد 8/ 420، وفيات الأعيان 2/ 50، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 65، الخلاصة ص 116، تهذيب الأسماء 1/ 189، شذرات الذهب 1/ 194، يحيى بن معين وكتابه "التاريخ" 2/ 163، الفهرست لابن النديم ص 285".(2/506)
وَمَالِكٌ وَالزُّهْرِيُّ1 وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَجَمْعٌ2 إلَى أَنَّهَا كَالسَّمَاعِ3.
"وَلا تَجُوزُ" الرِّوَايَةُ "بِمُجَرَّدِهَا" أَيْ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاوَلَةِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ وَلا إذْنٍ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ4.
وَحَكَى الْخَطِيبُ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ صَحَّحُوهَا5. وَبِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ6.
ـــــــ
1 ساقطة من ش ز.
2 ساقطة من ز ع ب ض.
3 وهي رواية عن أحمد وإسحاق ويحيى بن سعيد الأنصاري ومجاهد وأبي الزبير وغيرهم، وحكاها الخطيب عن ابن خزيمة وغيره.
"انظر: الكفاية ص 316، 326، الإلماع ص 79، توضيح الأفكار 2/ 334، جامع بيان العلم 2/ 218، تدريب الراوي 2/ 46، مقدمة ابن الصلاح ص 79، معرفة علوم الحديث ص 257، إرشاد الفحول ص 63".
وفي ع: كسماع.
4 وعلل ذلك الطوفي فقال: "لجواز معرفته بخلل، وقد يتساهل الإنسان بالكلام وعند الجزم يتوقف" مختصر الطوفي ص 66".
وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 101، المستصفى 1/ 166، كشف الأسرار 3/ 45، 46، توضيح الأفكار 2/ 335، تدريب الراوي 2/ 50، مقدمة ابن الصلاح ص 81، شرح نخبة الفكر ص 218، قواعد التحديث ص 204، "أصول الحديث ص 238، الروضة ص 61، غاية الوصول ص 106، إرشاد الفحول ص63، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95.
5 منهم ابن جريج والرازي وأبو نصر الصباغ وأبو العباس بن الوليد والقاضي أبو محمد بن خلاد وغيرهم.
"انظر: الكفاية ص 334 وما بعدها، مقدمة ابن الصلاح ص 81، إرشاد الفحول ص 63".
6 في د ض: وابن القيم، وكذلك في أصل ع، ولكنهت صححت كما أثبتناه أعلاه من ش ب ز.(2/507)
وَعَابَهَا1 غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَ2الأُصُولِيِّينَ عَلَى الْمُحَدِّثِينَ3.
وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: إطْلاقَ "حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا" فِي الْمُنَاوَلَةِ مَعَ الإِجَازَةِ أَوْ الإِذْنِ4.
وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالزُّهْرِيُّ وَجَمْعٌ، لأَنَّهَا عِنْدَهُمْ كَالسَّمَاعِ5.
"وَيَكْفِي اللَّفْظُ" يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْكِتَابُ بِيَدِ الْمُجَازِ لَهُ أَوْ عَلَى الأَرْضِ وَنَحْوِهِ، وَأَجَازَهُ بِهِ: جَازَ6، وَلا يُشْتَرَطُ فِيهَا7 فِعْلُ الْمُنَاوَلَةِ لأَنَّهُ لا
ـــــــ
1 في ب د: وعليها.
2 ساقطة من ش ب ز.
3 النص مأخوذ حرفياً من "مقدمة ابن الصلاح ص 81".
وانظر: كشف الأسرار 3/ 46، شرح نخبة الفكر ص 218، قواعد التحديث ص 203، نهاية السول 2/ 321، مناهج العقول 2/ 319، جمع الجوامع 2/ 174، أصول الحديث ص 238، توضيح الأفكار 2/ 335، تدريب الراوي 2/ 50، إرشاد الفحول ص 63.
4 في هامش ب: فلا بد أن يقول حدثنا.
انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 69، الكفاية ص 330، توضيح الأفكار 2/ 336، تدريب الراوي 2/ 51، مختصر الطوفي ص 66، مقدمة ابن الصلاح ص 81، الروضة ص 61، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95، المسودة ص 288.
5 قال ابن الصلاح: "حكي عن قوم من المتقدمين ومن بعدهم أنهم جوزوا إطلاق "حدثنا وأخبرنا" في الرواية والمناولة. حكي ذلك عن الزهري ومالك وغيرهما, وهو لائق بمذهب جميع من سبقت الحكاية عنهم أنهم جعلوا عرض المناولة المقرونة بالإجازة سماعاً". "مقدمة ابن الصلاح ص 81".
وانظر: توضيح الأفكار 2/ 336، الإلماع ص 128، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، مقدمة ابن الصلاح ص 81، تدريب الراوي 2/ 51، الكفاية ص 332، الروضة ص 61، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95.
6 ساقطة من ض.
7 في ض: فيهما.(2/508)
تَأْثِيرَ لَهَا1.
"وَمِثْلُهَا" أَيْ وَمِثْلُ الْمُنَاوَلَةِ "مُكَاتَبَةٌ مَعَ إجَازَةٍ، أَوْ" مَعَ "إذْنٍ" بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَنَّهُ خَطُّ الْكَاتِبِ، أَوْ يَظُنُّهُ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ2.
قَالَ الْعِرَاقِيُّ3 فِي "شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ": "الْمُكَاتَبَةُ أَنْ يَكْتُبَ الشَّيْخُ شَيْئًا مِنْ
ـــــــ
1 في ش ز: له.
انظر: المستصفى 1/ 166، الروضة ص 61، أصول السرخسي 1/ 377، مختصر الطوفي ص 66، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95.
2 وهو قول مالك والشافعي والحنفية.
"انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 69، شرح تنقيح الفصول ص 267، 376، 378، فواتح الرحموت 2/ 164، كشف الأسرار 3/ 41، 42، تيسير التحرير 3/ 92، أصول السرخسي 1/ 376، الإحكام لابن حزم 1/ 256، الإحكام للآمدي 2/ 101، المعتمد 2/ 665، توضيح الأفكار 2/ 340، تدريب الراوي 2/ 55، الكفاية ص 336، الإلماع ص 83، مناهج العقول 2/ 319، نهاية السول 2/ 321، مقدمة ابن الصلاح ص 84، شرح نخبة الفكر ص 216، المسودة ص 287، اللمع ص 45، غاية الوصول ص 106، إرشاد الفحول ص 62، أصول الحديث ص 240".
3 هو عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي، الكردي، المصري الشافعي، الإمام الحافظ، الحجة المحدث، أبو الفضل، زين الدين. ولد سنة 725 هـ، وتوفي والده وهو ابن ثلاث سنوات، وعاش يتيماً. وبدأ بالعلم فحفظ القرآن، وهو ابن ثماني سنين، واشتغل بعلم القراءات والعربية، وصار متقناً للحديث وعلومه، والفقه وأصوله، والنحو، وكان صالحاً خيراً، ديناً ورعاً، عفيفاً متواضعاً. رحل في طلب العلم إلى دمشق وحلب وحمص وبيت المقدس ومكة وغيرها. له مؤلفات كثيرة منها: "ألفية مصطلح الحديث"، و"شرح ألفية الحديث"، و"التقييد والإيضاح"، و"المراسيل"، و"نظم الاقتراح"، و"تخريج أحاديث الإحياء"، و"نظم منهاج البيضاوي" في الأصول، و"نظم غريب القرآن"، و"نظم السيرة النبوية" في ألف بيت. وولي القضاء. توفي سنة 806 هـ بالقاهرة.
انظر ترجمته في "الضوء اللامع 4/ 171، حسن المحاضرة 1/ 360، شذرات الذهب 7/ 55، ذيل تذكرة الحفاظ ص 370، طبقات الحفاظ ص 538".(2/509)
حَدِيثِهِ بِخَطِّهِ، أَوْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ فَيَكْتُبَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ إلَى غَائِبٍ عَنْهُ، أَوْ حَاضِرٍ عِنْدَهُ1".
فَهَذَانِ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُجِيزَهُ مَعَ ذَلِكَ. فَتَجُوزُ الرِّوَايَةُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ كَالْمُنَاوَلَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ كَالسَّمَاعِ2؛ لأَنَّ الْكِتَابَةَ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ3. وَقَدْ4 كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَلِّغُ الْغَائِبَ بِالْكِتَابَةِ إلَيْهِ5.
ـــــــ
1 شرح ألفية العراقي 2/ 104.
2 في ض: كالكتابة.
3 انظر: تيسير التحرير 3/ 92، كشف الأسرار 3/ 42، توضيح الأفكار 2/ 338، تدريب الراوي 2/ 55، مناهج العقول 2/ 321، الإحكام لابن حزم 1/ 257، غاية الوصول ص 106، إرشاد الفحول ص 62.
4 في ش ز: وقال.
5 روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام. صحيح البخاري 3/ 90، صحيح مسلم 3/ 1393. وروى مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل، وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم "صحيح مسلم 3/ 1397". وروى أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد عن عبد الله بن عكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كتب إلى جهينة قبل موته بشهر أن لا ينتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب". ونصه عند أحمد: "أتانا كتاب رسول الله "صلى الله عليه وسلم .... وذكر ابن القيم كتباً كثيرة إلى ملوك الأرض، يدعوهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام.
"انظر: سنن أبي داود 2/ 387، تحفة الأحوذي 5/ 402، زاد المعاد 1/ 60، 3/ 128، سنن ابن ماجه 1/ 1194، مسند أحمد 4/ 310، سنن النسائي 7/ 155".
وروى ابن حبان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى بكر بن وائل: "أن أسلموا تسلموا"، وكتب إلى يهود خيبر، وكتب إلى المنذر بن ساوى، وكتب إلى كسرى والمقوقس. انظر: تخريج أحاديث البزدوي ص 184".
وانظر: كشف الأسرار 3/ 42، تخريج أحاديث البزدوي ص 183، الإلماع ص 140.(2/510)
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْتُبُ إلَى عُمَّالِهِ تَارَةً1، وَيُرْسِلُ أُخْرَى2.
وَمَنَعَ قَوْمٌ مِنْ الرِّوَايَةِ بِالْكِتَابَةِ، وَأَجَابُوا عَنْ كُتُبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الاعْتِمَادَ عَلَى الأَخْبَارِ الْمُرْسَلَةِ عَلَى يَدَيْهِ3.
"ثُمَّ" يَلِي الْمُنَاوَلَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ فِي الرُّتْبَةِ "إجَازَةُ خَاصٍّ لِخَاصٍّ" كَقَوْلِهِ:
ـــــــ
1 روى أبو داود أن العلاء بن الحضرمي كان عامل النبي صلى الله عليه وسلم على البحرين، فكان إذا كتب إليه بدأ بنفسه.
"انظر: سنن أبي داود 2/ 628". وذكر ابن القيم كتباً كثيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه. "انظر: زاد المعاد 1/ 59 وما بعدها".
2 إن إرسال الرسل والوفود ثابت في السنة بكثرة، فمن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذ بن جبل إلى اليمن، وقال له: "إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله...".
كما كنت الوفود تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم من مختلف الأرجاء، وتحمل عن الأحكام، ومنهم وفد عبد القيس الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فمرنا بأمر فصل نخبر به من والانا، وندخل به الجنة، فأمرهم بأربع ... الحديث.
وروى الطبراني والبزار عن أبي بكر الصديق قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يؤذن في الناس "أنه من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصاً له دخل الجنة".
وروى الطبراني عن بلال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بلال، ناد في الناس، من قال: لا إله إلا الله قبل موته بسنة دخل الجنة، أو شهر أو جمعة أو يوم أو ساعة". وروى الطبراني عن زيد بن خالد الجهني قال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبشر الناس "أنه من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة". وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً بسورة براءة مكتوبة ليقرأها في عرفات.
"انظر: تخريج أحاديث البزدوي ص 184، الكفاية ص 313، 336، وما بعدها، المسودةص 281".
3 منهم بعض الشافعية كالماوردي، ومنهم الإمام أبو حنيفة خلافاً لصاحبيه، ورد عليهم الشيرازي فقال: "وهذا غير صحيح، لأن الأخبار مبناها على حسن الظن" "اللمع ص 45".
وانظر: شرح تنقيح الفصول ص 367، أصول السرخسي 1/ 357، توضيح الأفكار 2/ 340.(2/511)
أَجَزْت لِفُلانٍ أَنْ يَرْوِيَ عَنِّي كِتَابَ كَذَا مَعَ غَيْبَةِ الْكِتَابِ، وَإِلاَّ فَهِيَ الْمُنَاوَلَةُ1.
فَإِجَازَةُ عَامٍّ لِخَاصٍّ كَقَوْلِهِ: أَجَزْت لِفُلانٍ أَنْ يَرْوِيَ عَنِّي جَمِيعَ مَرْوِيَّاتِي2.
فَعَكْسُهُ وَهِيَ إجَازَةُ خَاصٍّ لِعَامٍّ. كَقَوْلِهِ: أَجَزْت لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ3 لِمَنْ أَدْرَكَ حَيَاتِي أَوْ لِكُلِّ أَحَدٍ: أَنْ يَرْوِيَ عَنِّي كِتَابِي الْفُلانِيَّ4.
"فَ" إجَازَةُ "عَامٍّ لِعَامٍّ" كَقَوْلِهِ: أَجَزْت لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَرْوِيَ
ـــــــ
1 انظر: جمع الجوامع 2/ 174، المستصفى 1/ 165، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، كشف الأسرار 3/ 47، تيسير التحرير 3/ 95، مقدمة ابن الصلاح ص 72، الإلماع ص 88، شرح ألفية العراقي 2/ 61، تدريب الراوي 2/ 29، توضيح الأفكار 2/ 317، قواعد التحديث ص 203، غاية الوصول ص 106، إرشاد الفحول ص 64.
2 ذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين على تجويز الرواية بهذا النوع، ومنعها السرخسي من الحنفية، وقال: "فإن ذلك غير صحيح بالاتفاق" "أصول السرخسي 1/ 378".
وانظر: جمع الجوامع 2/ 174، المستصفى 1/ 165، نهاية السول 2/ 322، مناهج العقول 2/ 320، كشف الأسرار 3/ 47، تيسير التحرير 3/ 95، إرشاد الفحول ص 64، غاية الوصول ص 106، توضيح الأفكار 2/ 317، تدريب الراوي 2/ 32، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، الكفاية ص 329، شرح ألفية العراقي 2/ 64، مقدمة ابن الصلاح ص 73، الإلماع ص 91، قواعد التحديث ص 203، أصول السرخسي 1/ 378.
3 في ش: و.
4 ذهب بعض العلماء إلى جواز ذلك، منهم أبو بكر الخطيب وابن منده الحافظ وابن عتاب وأبو محمد بن سعيد الأندلسي وجماعة من المتأخرين.
"انظر: مناهج العقول 2/ 320، جمع الجوامع 2/ 174، نهاية السول 2/ 322، العضد على ابن الحاجب 2/ 99، تيسير التحرير 3/ 95، كشف الأسرار 3/ 41، غاية الوصول ص 106، الإلماع ص 98، قواعد التحديث ص 203، توضيح الأفكار 2/ 317، تدريب الراوي 2/ 32، شرح ألفية العراقي 2/ 64، شرح نخبة الفكر ص 220، مقدمة ابن الصلاح ص 73".(2/512)
عَنِّي1 جَمِيعَ مَرْوِيَّاتِي2.
ذَكَرَ3 هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ - وَهُمَا إجَازَةُ الْخَاصِّ لِلْعَامِّ وَالْعَامِّ لِلْعَامِّ - الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ، وَقَالَهُ4 أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي إجَازَةِ الْعَامِّ لِلْعَامِّ5.
وَمَنَعَ هَذَا الأَخِيرَ جَمَاعَةٌ6. وَجَوَّزَهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ. وَفَعَلَهُ ابْنُ مَنْدَهْ7 وَغَيْرُهُ. فَقَالَ: أَجَزْت لِمَنْ قَالَ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ8
وَجَوَّزَ أَبُو الطَّيِّبِ الإِجَازَةَ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مَوْجُودًا عِنْدَ الإِجَازَةِ9.
ـــــــ
1 ساقطة من ب.
2 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 70، جمع الجوامع 2/ 174، فواتح الرحموت 2/ 165، غاية الوصول ص 106، إرشاد الفحول ص 64، الإلماع ص 98، قواعد التحديث ص 203، توضيح الأفكار 2/ 317، تدريب الراوي 2/ 32.
3 في ب: وذكر.
4 في ب ض: وقال.
5 قال الشيخ تقي الدين: "الإجازة المطلقة لكل أحد صحيحة، كقوله: أجزتُ وذلك لكل من أراده، ونحوه، ذكره القاضي. وحكي عن أبي بكر عبد العزيز أنه وُجِدَت عنده إجازة كذلك بخط أبي حفص البرمكي أو بخط والده أحمد بن إبراهيم البرمكي ولفظها على كتاب "الرد على من انتحل غير مذهب أهل الحديث: إجازة الشيخ لجميع مسموعاته مع جميع ما خرج منه، لمن أراده". "المسودة ص 291".
6 منهم الماوردي والقاضي حسين وإبراهيم الحربي وأبو الشيخ الأصبهاني.
"انظر: الإلماع ص 99، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 175".
7 في ع: ابن منده منا.
8 انظر: شرح ألفية العراقي 2/ 64، تدريب الراوي 2/ 32، الإلماع ص 99، توضيح الأفكار 2/ 317- 318، إرشاد الفحول ص 64.
9 انظر: شرح ألفية العراقي 2/ 65، الإلماع ص 98، إرشاد الفحول ص 64.(2/513)
وَقَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "لَمْ نَرَ وَلَمْ نَسْمَعْ عَنْ1 أَحَدٍ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ اسْتَعْمَلَ هَذِهِ الإِجَازَةَ وَلا2 مِنْ الشِّرْذِمَةِ الْمُجَوِّزَةِ، وَالإِجَازَةُ فِي أَصْلِهَا ضَعْفٌ3، وَتَزْدَادُ4 بِهَذَا التَّوَسُّعِ 5ضَعْفًا كَبِيرًا13 لا يَنْبَغِي احْتِمَالُهُ6".
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي "شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ": "مِمَّنْ أَجَازَهَا أَبُو الْفَضْلِ ابْنُ خَيْرُونَ الْبَغْدَادِيُّ7 وَابْنُ رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ8 وَالسَّلَفِيُّ9 وَغَيْرُهُمْ. وَرَجَّحَهُ
ـــــــ
1 في ش ز: من.
2 في ش ز: إلا.
3 كذا في جميع النسخ، وفي مقدمة ابن الصلاح. وفي شرح ألفية العراقي: ضعيفة.
4 في ع ض: ويزداد.
5 في ض: ضعف كثير.
6 مقدمة ابن الصلاح ص 74، وانظر: شرح ألفية العراقي 2/ 65.
7 هو أحمد بن الحسن بن خيرون، أبو الفضل البغدادي، الحافظ العالم الناقد، محدث بغداد. كان ثقة متقناً، واسع الرواية. له معرفة بالحديث مع التواضع، وكان يقال له: هو في زمانه كيحيى بن معين في زمانه، إشارة إلى كلامه في شيوخ العصر جرحاً وتعديلاً مع الإنصاف. قال ابن العماد: "وكتب ما لا يوصف". مات في رجب سنة 488 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 445، تذكرة الحفاظ 4/ 1207، شذرات الذهب 3/ 383، ميزان الاعتدال 1/ 92".
8 هو محمد بن أحمد بن محمد بن رشد المالكي، أبو الوليد، جدُّ ابن رشد الفيلسوف، زعيم فقهاء وقته بالأندلس والمغرب، وكان بصيراً بالأصول والفروع والفرائض والتفنن في العلوم، ولي قضاء الجماعة بقرطبة، وكان صاحب الصلاة في المسجد الجامع. له مصنفات كثيرة، منها: "حجب المواريث"، و"البيان والتحصيل" في الأصول، و"المقدمات"، و"تهذيب كتب الطحاوي في مشكل الآثار"، و"اختصار الكتب المبسوطة ليحيى"، بن إسحاق بن يحيى. توفي سنة 520 هـ.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 248، شذرات الذهب 4/ 62، شجرة النور الزكية ص 129، الفتح المبين 2/ 14، الصلة 2/ 576، بغية الملتمس ص 51".
9 هو أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو طاهر، عماد الدين الأصفهاني، الحافظ العلامة، شيخ الإسلام. وسِلَفة لفظ أعجمي وهو لقب جده أحمد. ومعناه الغليظ الشفة، كان حافظاً ناقداً متقناً، ديناً خيراً، وكان أوحد زمانه في علم الحديث، وأعلمهم بالرواية، وكان شافعي المذهب، وكان مغرى بجمع الكتب، وبرع في الأدب، وأتقن مذهب الشافعي. ومن مصنفاته: معجم شيوخ أصبهان، ومعجم شيوخ بغداد، ومعجم شيوخ السفر. توفي بالإسكندرية سنة 576 هـ.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 1/ 87، طبقات القراء 1/ 102، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 32، طبقات الحفاظ ص 468، تذكرة الحفاظ 4/ 1298، حسن المحاضرة 1/ 354، شذرات الذهب 4/ 255، البداية والنهاية 12/ 307".(2/514)
ابْنُ الْحَاجِبِ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي1 زِيَادَةِ "الرَّوْضَةِ2".
"ثُمَّ مُكَاتَبَةٌ3 بِدُونِهَا" أَيْ بِدُونِ إجَازَةٍ، بَلْ كَتَبَ إلَيْهِ يُخْبِرُهُ بِقِرَاءَتِهِ4 الْكِتَابَ الْفُلانِيَّ عَلَى الشَّيْخِ الْفُلانِيِّ فَقَطْ، وَظَاهِرُ كَلامِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْخَلاَّلِ: الْجَوَازُ، فَإِنَّ أَبَا مُسْهِرٍ5 وَأَبَا تَوْبَةَ6 كَتَبَا إلَيْهِ
ـــــــ
1 في ش ع ز ض: من.
2 شرح ألفية العراقي 2/ 65.
وانظر: تدريب الراوي 2/ 33، مختصر ابن الحاجب 2/ 69.
3 في ش: مكاتبته.
4 في ض: بقراءة.
5 هو عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى الغساني الدمشقي، أبو مسهر، شيخ دمشق ومحدثها. روى عنه أحمد خارج المسند. قال ابن حبان: "كان إمام أهل الشام في الحفظ والإتقان، وإليه يرجع أهل الشام في الجرح والتعديل لشيوخهم". وكان علامة بالمغازي والأثر كثير العلم، رفيع الذكر، وهو ثقة. طلبه المأمون من الرقة إلى بغداد فحبسه. وتوفي في السجن لعدم قوله بخلق القرآن سنة 218 هـ.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 381، طبقات الحفاظ ص 163، الخلاصة ص 221، تاريخ بغداد 11/ 72، شذرات الذهب 2/ 44، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 339".
6 هو الربيع بن نافع الحلبي، أبو توبة الطرسوسي. قال أبو حاتم: حجة. وقال يعقوب بن سفيان: حجة. روى عن أحمد ومعاوية بن سلاّم. وأخرج عنه أبو داود. توفي سنة 241 هـ. وقال الذهبي: "الحافظ الحجة ... شيخ طرسوس ومحدثها".
انظر ترجمته في "الخلاصة ص 115، المنهج الأحمد 1/ 291، طبقات الحنابلة 1/ 156، تذكرة الحفاظ 2/ 472، شذرات الذهب 2/ 99".(2/515)
بِأَحَادِيثَ وَحَدَّثَ بِهَا1، وَهُوَ الأَشْهَرُ لِلْمُحَدِّثَيْنِ. وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ. حَتَّى قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: إنَّهَا أَقْوَى مِنْ الإِجَازَةِ. وَجَزَمَ بِهِ الرَّازِيّ فِي "الْمَحْصُولِ2"
وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ "الأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ" "3وَكَتَبَ إلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ4".
وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مُوسَى5 "كَتَبَ إلَيَّ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ"6.
ـــــــ
1 انظر: المسودة ص 288.
2 وهو رأي كثير من المتأخرين، ومنهم أيوب السختياني ومنصور والليث بن سعد وكثير من الشافعية، خلافاً للماوردي.
"انظر: كشف الأسرار 3/ 41، تيسير التحرير 3/ 92، المستصفى 1/ 166، نهاية السول 2/ 321، 322، الكفاية ص 338، المسودة ص 268، المحدث الفاصل ص 441 وما بعدها، شرح ألفية العراقي 2/ 104، الإلماع ص 84، توضيح الأفكار 2/ 340، تدريب الراوي 2/ 55، مقدمة ابن الصلاح ص 83، غاية الوصول ص 106، إرشاد الفحول ص 62، أصول الحديث ص 240".
3 صحيح البخاري 4/ 155.
4 هو محمد بن بشار بن عثمان العبدي، أبو بكر البصري الحافظ، أحد أوعية السنة. روى عنه أصحاب الكتب الستة وغيرهم. قال الخطيب: "كان يحفظ حديثه، ثقة كثير الحديث. ويلقب: بندار، والبندار في الأصل من في يده القانون، وهو أصل ديوان الخراج، فأطلق عليه البندار، لأنه جمع حديث بلده. قال أبو داود: كتبت عنه خمسين ألف حديث". مات سنة 252 هـ.
انظر ترجمته في "الخلاصة ص 328، ميزان الاعتدال 3/ 490، طبقات الحفاظ ص 222، تذكرة الحفاظ 2/ 511، شذرات الذهب 2/ 126".
5 كذا في جميع النسخ، ولا يوجد شخص بهذا الاسم، وهو تصحيف عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، الزهري المدني. روى عن أبيه وعثمان والعباس. وروى عنه مسلم وابنه داود والزهري وغيرهم. قال ابن سعد: "ثقة كثير الحديث". قال الواقدي: "مات سنة 104 هـ".
انظر: "الخلاصة ص 184، المعارف ص 243، صحيح مسلم 3/ 1453، شذرات الذهب 1/ 126، مشاهير علماء الأمصار ص 66".
6 روى مسلم من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إلي: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رجم الأسلمية يقول: "لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ... الحديث" "صحيح مسلم 3/ 1453". وانظر: شرح ألفية العراقي 2/ 104.
وفي نسخة ب: سمرة بن جابر.(2/516)
وَلِلشَّافِعِيَّةِ خِلافٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهَا مِنْ الْخِلافِ مَعَ الإِجَازَةِ، فَمَعَ عَدَمِهَا أَقْوَى1.
"وَيَكْفِي"2 فِي جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْمُكَاتَبَةِ "مَعْرِفَةُ خَطِّهِ" أَيْ أَنْ3 يَعْرِفَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ خَطَّ الْكَاتِبِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ، وَيَكْفِي الظَّنُّ فِي ذَلِكَ الْمُعْتَمِدُ عَلَى إخْبَارِ عَدْلٍ عَلَى الصَّحِيحِ4.
وَحَكَى أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّهُ لا يَكْفِي فِي ذَلِكَ إلاَّ عَدْلانِ يَشْهَدَانِ عَلَى الْكَاتِبِ بِأَنَّهُ كَتَبَهُ عَلَى حَدِّ شَرْطِ كِتَابِ الْقَاضِي56إلَى الْقَاضِي6
"وَتَجُوزُ إجَازَةٌ بِمُجَازٍ بِهِ" فِي الأَصَحِّ. كَأَجَزْت لَك مُجَازَاتِي، أَوْ
ـــــــ
1 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 101، المستصفى 1/ 166، نهاية السول 2/ 322، كشف الأسرار 3/ 41، تدريب الراوي 2/ 55، إرشاد الفحول ص 63.
2 في ب ع ض: وتكفي.
3 في ش ز: إن كان.
4 انظر: فواتح الرحموت 2/ 164، "تيسير التحرير" 3/ 92، "كشف الأسرار" 3/ 42، "الروضة" ص 61، "مقدمة ابن الصلاح" ص 84، "الإلماع" ص 117، "توضيح الأفكار" 2/ 341، "تدريب الراوي" 2/ 57، "المحدث الفاصل" ص 452، "شرح ألفية العراقي" 2/ 105.
وانظر صفحة 509 من هذا المجلد والمراجع المشار إليها في هامش 2.
5 وهو قول الإمام أبي حنيفة.
"انظر: فواتح الرحموت 2/ 164، تيسير التحرير 3/ 93، كشف الأسرار 3/ 44 وما بعدها، توضيح الأفكار 2/ 341، المغني 10/ 84، المحرر في الفقه 2/ 212، الوجيز للغزالي 2/ 243، شرح منح الجليل 4/ 201".
6 ساقطة من ب ز ع ض.(2/517)
أَجَزْت لَك مَا أُجِيزُ لِي رِوَايَتَهُ. وَهَذَا هُوَ1 الصَّحِيحُ. وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، خِلافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَقَدْ كَانَ الْفَقِيهُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ2 يَرْوِي بِالإِجَازَةِ عَنْ الإِجَازَةِ3.
"و"َ تَجُوزُ الإِجَازَةُ "لِطِفْلٍ، وَمَجْنُونٍ وَغَائِبٍ وَكَافِر" لِيَرْوِيَ الطِّفْلُ مَا أُجِيزَ بِهِ إذَا بَلَغَ، وَالْمَجْنُونُ إذَا عَقَلَ، وَالْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ4.
وَقَدْ وَقَعَتْ مَسْأَلَةُ الْكَافِرِ فِي زَمَنِ الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ بِدِمَشْقَ. وَكَانَ طَبِيبًا سُمِّيَ5 بَعْدَ إسْلامِهِ مُحَمَّدًا6. وَكَانَ أَبُوهُ يُسَمَّى عَبْدَ السَّيِّدِ،
ـــــــ
1 ساقطة من ض.
2 هو نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم المقدسي، الفقيه الشافعي، الشيخ أبو الفتح الدمشقي، الزاهد، المجمع على جلالته وفضله. تفقه بصور ثم بديار بكر، ودرس ببيت المقدس مدة، ثم انتقل إلى صور، ثم إلى دمشق، وكان يحدث ويفتي ويدرس، وكان حافظاً زاهداً متبتلاً ورعاً، كبير القدر، وكانت أوقاته كلها مستغرقة في عمل الخير والعلم. ومن مصنفاته: الانتخاب الدمشقي في الفقه، والحجة على تارك المحجة، والتهذيب في الفقه، والمقصود وشرح الإشارة لسليم الرازي. توفي سنة 490 هـ بدمشق.
انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 2/ 125، طبقات الشافعية الكبرى 5/ 351، تبيين كذب المفتري ص 286، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 181، شذرات الذهب 3/ 395، مرآة الجنان 3/ 153".
3 انظر: كشف الأسرار 3/ 48، تدريب الراوي 2/ 40 وما بعدها، الكفاية ص 349، مقدمة ابن الصلاح ص 77.
4 ومنعها لغير المكلف آخرون. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وزعم قوم أنه يجب أن يكون وقت التحمل بالغاً".
"انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 76، تدريب الراوي 2/ 38، الكفاية ص 325، قواعد التحديث ص 203، نهاية السول 2/ 322، كشف الأسرار 3/ 47، 48، إرشاد الفحول ص 64، المسودة ص 291".
5 في ش ب ز ع: يُسمَّى.
6 في ش ب ز ع: محمد.(2/518)
يَسْمَعُ1 الْحَدِيثَ وَهُوَ يَهُودِيٌّ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصُّورِيِّ. وَكَتَبَ اسْمَهُ فِي طَبَقَاتِ السُّمَّاعِ مَعَ النَّاسِ، وَأَجَازَ ابْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ لِمَنْ سَمِعَهُ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَكَانَ السَّمَاعُ وَالإِجَازَةُ بِحَضْرَةِ الْمِزِّيِّ الْحَافِظِ، وَبَعْضُ السُّمَّاعِ بِقِرَاءَتِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ. ثُمَّ هَدَى اللَّهُ الْيَهُودِيَّ إلَى الإِسْلامِ. وَحَدَّثَ بِمَا أُجِيزَ لَهُ. وَتَحَمَّلَ الطُّلاَّبُ عَنْهُ. قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْعِرَاقِيُّ وَرَأَيْته وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ2.
لا لِـ "مَعْدُومٍ" فَلا تَصِحُّ الإِجَازَةُ لَهُ "مُطْلَقًا" لا بِالأَصَالَةِ كَأَجَزْت لِمَنْ يُولَدُ لَك، وَلا بِالتَّبَعِيَّةِ، كَأَجَزْت لَك وَلِمَنْ يُولَدُ لَك فِي ظَاهِرِ كَلامِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَقَالَهُ غَيْرُهُمْ. لأَنَّهَا مُحَادَثَةٌ أَوْ إذْنٌ فِي الرِّوَايَةِ، بِخِلافِ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ تَبَعًا لِمَنْ وُلِدَ3.
وَأَجَازَهَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي4 دَاوُد مِنْ أَصْحَابِنَا. فَإِنَّهُ لَمَّا سَأَلَهُ إنْسَانٌ الإِجَازَةَ. قَالَ: قَدْ أَجَزْت لَك وَلأَوْلادِك، وَلِحَبَلِ الْحَبَلَةِ، يَعْنِي لِمَنْ يُولَدُ بَعْدُ5
ـــــــ
1 في ب: سمع.
2 ساقطة من ز.
3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 165، تيسير التحرير 3/ 95، كشف الأسرار 3/ 48، العضد على ابن الحاجب 2/ 70، جمع الجوامع 2/ 175، نهاية السول 2/ 322، غاية الوصول ص 106، مقدمة ابن الصلاح ص 75، شرح نخبة الفكر ص 221، الإلماع ص 98، 104، قواعد التحديث ص 203، توضيح الأفكار 2/ 318، تدريب الراوي 2/ 37، شرح ألفية العراقي 2/ 74.
4 ساقطة من ش.
5 في د: لك.
وأجاز الخطيب البغدادي وأبو نصر الصباغ من الشافعية، وأبو يعلى الفراء من الحنابلة، وابن عمروس من المالكية الإجازة للمعدوم ابتداءً من غير عطف على موجود، وكذلك أجازها أبو عبد الله بن منده انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 76، فواتح الرحموت 2/ 165، تيسير التحرير 3/ 95، نهاية السول 2/ 322، مناهج العقول 2/ 320، كشف الأسرار 3/ 48، شرح نخبة الفكر ص 221، الإلماع ص 99-101، 104-105، العضد على ابن الحاجب 2/ 70، قواعد التحديث ص 203، تدريب الراوي 2/ 37، جمع الجوامع 2/ 174، شرح ألفية العراقي 2/ 74، الكفاية ص 325.(2/519)
"وَلا تَصِحُّ" أَيْضًا إجَازَةٌ "لِمَجْهُولٍ" كَأَجَزْت لِرَجُلٍ مِنْ النَّاسِ "وَلا بِمَجْهُولٍ1" كَأَجَزْت لَك أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي 2بَعْضًا مِنْ مَرْوِيَّاتِي4.
وَجَوَّزَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَابْنُ عَمْرُوسٍ الْمَالِكِيُّ3: أَجَزْت لِمَنْ شَاءَ فُلانٌ4.
وَالصَّحِيحُ: خِلافُ ذَلِكَ، وَهُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالتَّعْلِيقِ.
أَمَّا لَوْ اُسْتُجِيزَ لِمَنْ سُمِّيَ5 وَنُسِبَ لَهُ. فَلا6 يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الإِجَازَةِ
ـــــــ
1 في قول تصح لمجهول بمجهول.
"انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 74، شرح نخبة الفكر ص 220، الإلماع ص 101، تدريب الراوي 2/ 34، كشف الأسرار 3/ 48، فواتح الرحموت 2/ 165، تيسير التحرير 3/ 95، شرح ألفية العراقي 2/ 68".
2 في ض: بعض رواياتي.
3 هو محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن عمروس البزاز، أبو الفضل البغدادي، المالكي، الإمام الفاضل. كان من حفاظ القرآن ومدرسيه، وإليه انتهت الفتيا في الفقه على مذهب مالك في بغداد، وكان فقيهاً أصوليًّا، وله "تعليق" حسن مشهور في الخلاف. ودرس عليه القاضي أبو الوليد الباجي ببغداد، وحدث عنه، كما حدّث عنه أبو بكر الخطيب البغدادي. وله "مقدمة" حسنة في أصول الفقه. توفي سنة 452 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 238، شجرة النور الزكية ص 105، تاريخ بغداد 2/ 339، شذرات الذهب 3/ 290، تبيين كذب المفتري ص 264".
4 وهو قول الخطيب البغدادي الشافعي، والقاضي أبي عبد الله الدامغاني الحنفي.
"انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 74، تدريب الراوي 2/ 35، الإلماع ص 102".
5 في ع: يسمى.
6 في ب ز ع ض: لم.(2/520)
جَهْلُهُ بِشَخْصِهِ، كَمَا لا يَقْدَحُ عَدَمُ مَعْرِفَتِهِ بِمَنْ هُوَ حَاضِرٌ يَسْمَعُهُ بِشَخْصِهِ1. "وَلا" تَصِحُّ إجَازَةٌ بِ "مَا لَمْ يَتَحَمَّلْهُ" الْمُجِيزُ "لِيَرْوِيَهُ عَنْهُ" الْمُجَازُ "إذَا تَحَمَّلَهُ" الْمُجِيزُ2.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: "لَمْ أَرَهُمْ تَكَلَّمُوا عَلَيْهِ. وَرَأَيْت بَعْضَ الْعَصْرِيِّينَ يَفْعَلُهُ. لَكِنْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ الطُّبْنِيُّ3: كُنْت عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ يُونُسَ4 بِقُرْطُبَةَ فَسَأَلَهُ إنْسَانٌ الإِجَازَةَ بِمَا رَوَاهُ5 وَمَا يَرْوِيهِ بَعْدُ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ6 فَغَضِبَ. فَقُلْت: يَا هَذَا، يُعْطِيكَ مَا لَمْ يَأْخُذْ7؟ فَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ:
ـــــــ
1 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 74، الإلماع ص 101، تدريب الراوي 2/ 35.
2 انظر: تيسير التحرير 3/ 95، كشف الأسرار 3/ 48، نهاية السول 2/ 322، مقدمة ابن الصلاح ص 77، الإلماع ص 106، تدريب الراوي 2/ 39.
3 هو عبد الملك بن زيادة الله علي بن حسين السَّعدي، التميمي، الطُّبْني، الشيخ، الأديب الراوية، أبو مروان، من أهل قرطبة من بيت علم ونباهة وأدب وخير وصلاح، وأصلهم من طبْنة بأفريقية. رحل إلى المشرق مرتين للعلم، واعتنى بتقييد العلم والحديث، وبرع في الأدب والشعر، "وله فهرسة". توفي سنة 457 هـ.
انظر ترجمته في "الصلة 2/ 360، جذوة المقتبس ص 265، الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة 2/ 52".
4 هو يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث، القاضي أبو الوليد، القرطبي، يعرف بابن الصفار. كان رجلاً صالحاً، قديم الطلب. سمع منه أبو الوليد الباجي وجماعة. وكان يميل إلى كثرة العبادة، وكان سريع الدمعة، ولي القضاء مع الخطابة والوزارة، وكان فقيهاً عدلاً حجة علامة في النحو واللغة والعربية والشعر، فصيحاً مفوهاًَ. له مصنفات في الزهد وغيره، منها: "الموعب" في شرح "الموطأ" وجمع مسائل ابن زرب وتآليفه، "وأخبار الزهاد"، "والابتهاج لمحبة الله عز وجل"، و"كتاب المنقطعين إلى الله عز وجل"، و"التهجد"، و"فضائل الأنصار"، و"التسلي عن الدنيا". توفي سنة 429 هـ.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 374، شذرات الذهب 3/ 244، شجرة النور الزكية ص 113، الصلة 2/ 68، بغية الملتمس ص 512".
5 في ض: روى.
6 في ع: يجب.
7 في الإلماع: يأخذه.(2/521)
هَذَا جَوَابِي. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَهُوَ الصَّحِيحُ1.
وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ "التَّحْرِيرِ" تَبَعًا لَهُ2، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْلِيقِ.
"وَيَقُولُ" مُجَازٌ لَهُ حَيْثُ صَحَّتْ الإِجَازَةُ "أَجَازَ لِي" فُلانٌ، أَوْ أَجَازَ لَنَا بِاتِّفَاقٍ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ ؛ لأَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ.
"وَيَجُوزُ" أَنْ يَقُولَ "حَدَّثَنِي وَأَخْبَرَنِي إجَازَةً" وَحَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا إجَازَةً عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ3.
وَمَنَعَ قَوْمٌ "حَدَّثَنَا" دُونَ "أَخْبَرَنَا" قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَجَوَّزَ أَبُو نُعَيْمٍ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْزُبَانِيُّ4 أَنْ يَقُولَ: أَخْبَرَنَا دُونَ "حَدَّثَنَا5".
ـــــــ
1 الإلماع ص 106.
وانظر: مقدمة ابن الصلاح ص 77، تدريب الراوي 2/ 39، التقييد والإيضاح ص 188.
2 ساقطة من ش.
3 فإن لم يقل "إجازة" لم يجز، كما سيذكره المصنف، وجوّزه قوم.
"انظر: مناهج العقول 2/ 320، نهاية السول 2/ 322، الإحكام للآمدي 2/ 100، المسودة ص 288، كشف الأسرار 3/ 44، تيسير التحرير 3/ 95، فواتح الرحموت 2/ 165، مختصر الطوفي ص 66، مقدمة ابن الصلاح ص 82، توضيح الأفكار 2/ 336، تدريب الراوي 2/ 52".
4 هو محمد بن عمران بن موسى بن سعيد، أبو عبد الله، الكاتب المَرْزُباني، الخراساني الأصل، البغدادي المولد. كان راوية للأدب، صاحب أخبار وتواليف كثيرة، مائلاً إلى التشيع، وكان معتزليًّا، وصنف في أخبار المعتزلة، وآخذه أهل الحديث بأنَّ أكثر روايته كانت إجازة، ولا يبين في تصانيفه الإجازة من السماع، بل يقول في كل ذلك: أخبرنا، وأيده في ذلك جماعةٌُ من الرواة. ومن مؤلفاته: "المقتبس" في أخبار جامعي النحو واللغة ومصنفيها، وجمع ديوان يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، "والموثق" في أخبار الشعراء المشهورين، و"أشعار الخلفاء" وغيرها. توفي سنة 384 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 3/ 475، ميزان الاعتدال 3/ 673، لسان الميزان 5/ 327، إنباه الرواة 3/ 180، شذرات الذهب 3/ 111، تاريخ بغداد 3/ 135، معجم الأدباء 7/ 268".
5 انظر: كشف الأسرار 2/ 44، تيسير التحرير 3/ 95، مختصر الطوفي ص 66، مقدمة ابن الصلاح ص 81- 82.(2/522)
"لا إطْلاقُهُمَا" أَيْ لا يَجُوزُ أَنْ يُطْلِقَ "حَدَّثَنِي وَأَخْبَرَنِي" مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ إجَازَةً "فِيهِنَّ" أَيْ فِي1 جَمِيعِ صُوَرِ الرِّوَايَةِ بِالإِجَازَةِ اللاَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُنَّ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إيهَامِ كَوْنِ الرِّوَايَةِ بِالتَّحْدِيثِ2 عَلَى الْحَقِيقَةِ ؛ لأَنَّهَا الأَصْلُ الْمُتَبَادِرُ الْفَهْمُ إلَيْهِ3.
"وَلا تَجُوزُ رِوَايَةٌ بِوَصِيَّةٍ بِكُتُبِهِ" وَقِيلَ: بَلَى4.
5قَالَ أَيُّوبُ4 لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: إنَّ فُلانًا أَوْصَى إلَيَّ بِكُتُبِهِ، أَفَأُحَدِّثُ بِهَا عَنْهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ لِي بَعْدَ ذَلِكَ: لا آمُرُك وَلا أَنْهَاك6.
ـــــــ
1 ساقطة من ض.
2 في د ض: بالحديث.
3 قال ابن الصلاح: "والمختار الذي عليه عمل الجمهور وأهل الورع المنع في ذلك من إطلاق حدثنا وأخبرنا ونحوهما" "مقدمة ابن الصلاح ص 82".
وقال جماعة: تصح بالإطلاق، منهم أبو بكر الرازي والقاضي أبو زيد والبزدوي والجويني، ورجحه ابن عبد الشكور. وقيل: هو مذهب مالك وأهل المدينة.
"انظر: كشف الأسرار 2/ 44، تيسير التحرير 3/ 95، نهاية السول 2/ 322، مناهج العقول 2/ 320، فواتح الرحموت 2/ 165، الإحكام للآمدي 2/ 100، توضيح الأفكار 2/ 336، الإلماع ص 128، تدريب الراوي 2/ 52، مختصر الطوفي ص 66".
4 انظر: المستصفى 1/ 165، الإلماع ص 115، شرح نخبة الفكر ص 219، قواعد التحديث ص 204، تدريب الراوي 2/ 59 وما بعدها، المحدث الفاصل ص 459، جمع الجوامع 2/ 175، الكفاية ص 352، مقدمة ابن الصلاح ص 85، غاية الوصول ص 106، أصول الحديث ص 243.
5 في ش: قيل.
6 انظر: المحدث الفاصل ص 459، الكفاية ص 352، الإلماع ص 116، أصول الحديث ص 243.(2/523)
قَالَ حَمَّادٌ1: وَكَانَ أَبُو قِلابَةَ2 قَالَ: ادْفَعُوا كُتُبِي إلَى أَيُّوبَ إنْ كَانَ حَيًّا وَإِلاَّ فَأَحْرِقُوهَا3، وَعَلَّلَ ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ "بِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الإِذْنِ4".
قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا، وَهُوَ إمَّا زَلَّةُ عَالِمٍ، أَوْ مُؤَوَّلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ5 عَلَى سَبِيلِ الْوِجَادَةِ6".
ـــــــ
1 هو حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي، أبو إسماعيل البصري، الأزرق. قال ابن حبان: "كان ضريراً، وكان يحفظ حديثه كله". وقال ابن مهدي: "ائمة الناس في زمانهم أربعة: سفيان ومالك والأوزاعي وحماد بن زيد". وهما حمادان: حماد بن زيد، وحماد بن سلمة. والأول أحفظ وأثبت في أيوب، وكان من أهل الورع والدين. توفي سنة 179 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 96، تذكرة الحفاظ 1/ 228، الخلاصة ص 92، المعارف ص 502، مشاهير علماء الأمصار ص 157، نكت الهميان ص 147، شذرات الذهب 1/ 292، حلية الأولياء 6/ 257".
2 هو عبد الله بن زيد بن عمر الجَرْمي، أبو قِلابة، أحد الأئمة الأعلام، كثير الحديث، بصري، سكن داريا بالشام، تابعي، ثقة في نفسه، إلا أنه يدلس عمن لحقهم، وعمن لم يلحقهم. قال أبو علية: حدثنا أيوب قال: أوصى إلي أبو قلابة بكتبه، فأتيت بها من الشام، فأديت كراءها بضعة عشر درهماً. قال أيوب: ما أدركت أعلم منه بالقضاء، طلب له فهرب حتى أتى اليمامة، وناظر العلماء في القسامة أما عمر بن عبد العزيز. مات بالشام سنة 104 هـ وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 94، الخلاصة ص 198، ميزان الاعتدال 2/ 455، طبقات الحفاظ ص 36، المعارف ص 446، شذرات الذهب 1/ 126، حلية الأولياء 2/ 282، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 309".
3 انظر المحدث الفاصل ص 460، الإلماع ص 116، الكفاية ص 352، أصول الحديث ص 243.
4 الإلماع ص 115.
5 في ب: ذلك أن يكون. وفي مقدمة ابن الصلاح: الرواية.
6 مقدمة ابن الصلاح ص 85.(2/524)
وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ ابْنُ أَبِي الدَّمِ1 ذَلِكَ. وَقَالَ: الْوَصِيَّةُ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنْ الْوِجَادَةِ بِلا خِلافٍ، وَهِيَ مَعْمُولٌ بِهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ2. اهـ.
"وَلا" تَجُوزُ الرِّوَايَةُ أَيْضًا "بِوِجَادَةٍ3" بِكَسْرِ الْوَاوِ، مَصْدَرٌ مُوَلَّدٌ4 لِوَجَدَ5. فَإِنَّ مَادَّةَ "وَجَدَ" مُتَّحِدَةُ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ مُخْتَلِفَةُ الْمَصَادِرِ بِحَسَبِ اخْتِلافِ الْمَعَانِي. فَيُقَالُ فِي الْغَضَبِ: مُوجَدَةً، وَفِي الْمَطْلُوب وُجُودًا، وَفِي الضَّالَّةِ وِجْدَانًا - بِكَسْرِ الْوَاوِ6 - وَفِي الْحُبِّ وَجْدًا - بِالْفَتْحِ وَفِي الْمَالِ وُجْدَانًا - بِالضَّمِّ - وَفِي7 الْغِنَى جِدَةً - بِالْكَسْرِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمَفْتُوحَةِ، وَإِجْدَانًا - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ8.
ـــــــ
1 هو إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم، أبو إسحاق، شهاب الدين، المعروف بابن أبي الدم الحموي، الهَمْداني، الشافعي، القاضي. نشأ في بغداد، وتعلم فيها، ثم رحل إلى العواصم الإسلامية، واشتغل بالتدريس والتعليم، وحدّث في القاهرة والشام وحماه، ثم تولى قضاء حماه. له مصنفات كثيرة، منها: شرح مشكل الوسيط للغزالي، و"أدب القضاء"، و"التاريخ الكبير"، و"تدقيق العناية في تحقيق الدراية"، و"الفرق الإسلامية"، و"الفتاوي". أرسله والي حماة إلى بغداد، فمرض بالمعرة، فعاد إلى حماة، ومات فيها سنة 642 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 8/ 115، طبقات الشافعية للإسنوي 1/ 546، الأعلام للزركلي 1/ 42، شذرات الذهب 5/ 213".
2 لعل ذلك في كتابه تدقيق العناية في تحقيق الدراية. "انظر: مقدمة كتاب أدب القضاء ص 13".
وانظر: تدريب الراوي 2/ 60.
3 وفي قول تصح.
"انظر: فواتح الرحموت 2/ 165، نهاية السول 2/ 322، مقدمة ابن الصلاح ص 86، غاية الوصول ص 106، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95".
4 في ش ب ز ع ض: مؤكد.
5 في ب: من وجد.
6 في ش: الهمزة. وساقطة من ب ز. وبدلها في ب ز ع ض: بالكسر.
7 ساقطة من ب.
8 انظر: "القاموس المحيط" 1/ 356.(2/525)
"وَهِيَ" أَيْ الْوِجَادَةُ فِي اصْطِلاحِ الْمُحَدِّثِينَ "وِجْدَانُهُ" أَيْ الرَّاوِي "شَيْئًا" مِنْ الأَحَادِيثِ مَكْتُوبًا "بِخَطِّ الشَّيْخِ" الَّذِي يَعْرِفُهُ وَيَثِقُ بِأَنَّهُ خَطُّهُ، 1حَيًّا كَانَ8 الْكَاتِبُ أَوْ مَيِّتًا عَلَى الصَّحِيحِ. "وَيَقُولُ" إذَا أَرَادَ الإِخْبَارَ بِذَلِكَ "وَجَدْت بِخَطِّ فُلانٍ" كَذَا2. وَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِأَنَّهُ خَطُّهُ فَيَقُولُ: وَجَدْت مَا ذُكِرَ لِي أَنَّهُ خَطُّ فُلانٍ كَذَا، وَلا يَقُولُ: حَدَّثَنَا وَلا أَخْبَرَنَا، خِلافًا لِمَنْ جَازَفَ فِي إطْلاقِ ذَلِكَ3.
"وَلا" تَجُوزُ الرِّوَايَةُ أَيْضًا "بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الشَّيْخِ: سَمِعْت كَذَا، أَوْ هَذَا سَمَاعِي، أَوْ" هَذَا رِوَايَتِي، أَوْ" هَذَا خَطِّي4.
أَمَّا إذَا قَالَ عَنْ فُلانٍ، فَقَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "إنَّهُ تَدْلِيسٌ قَبِيحٌ إذَا5 كَانَ
ـــــــ
1 في ع: حيث كان الكاتب حيًّا.
2 انظر: نهاية السول 2/ 323، كشف الأسرار 3/ 53، جمع الجوامع 2/ 175، أصول السرخسي 1/ 359، مقدمة ابن الصلاح ص 86، الكفاية ص 353، مختصر الطوفي ص 66، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95، المحدث الفاصل ص 497، 500، شرح نخبة الفكر ص 219، الإلماع ص 117، توضيح الأفكار 2/ 347، تدريب الراوي 2/ 61.
3 ويصح عند بعض أهل الحديث أن يقول في الوجادة: أخبرنا فلان، قياساً على الكتاب المبعوث إليه، وله أن يقول كذلك: بلغني عن فلان.
"انظر: تدريب الراوي 2/ 62، كشف الأسرار 3/ 53، مقدمة ابن الصلاح ص 86، شرح نخبة الفكر ص 219، الإلماع ص 117، قواعد التحديث ص 204، أصول الحديث ص 245، توضيح الأفكار 2/ 348".
4 ويسمى هذا إعلاماً. وفي قول يصح.
"انظر: المستصفى 1/ 165، جمع الجوامع 2/ 175، فواتح الرحموت 2/ 165، غاية الوصول ص 106، توضيح الأفكار 2/ 343، تدريب الراوي 2/ 58، قواعد التحديث ص 204، مقدمة ابن الصلاح ص 84، 85، الإلماع ص 107، شرح نخبة الفكر ص 220، أصول الحديث ص 241، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95".
5 في ش ض: إذ.(2/526)
يُوهِمُ سَمَاعَهُ مِنْهُ1.
"وَيُعْمَلُ" وُجُوبًا "بِمَا ظَنَّ صِحَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ" أَيْ: مِمَّا قُلْنَا: إنَّهُ لا تَجُوزُ لَهُ رِوَايَتُهُ2 عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ، يَعْنِي أَنَّهُ لا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الْعَمَلِ عَلَى جَوَازِ الرِّوَايَةِ. وَذَلِكَ لِعَمَلِ الصَّحَابَةِ بِكُتُبِهِ3 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4.
قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ فِي "شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ": قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَنُظَّارُ أَصْحَابِهِ وَنَصَرَهُ الْجُوَيْنِيُّ. وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ5.
قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ "وَهُوَ الَّذِي لا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ فِي الأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ6".
قَالَ النَّوَوِيُّ: "وَ7هُوَ الصَّحِيحُ8". وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَقِيلَ: لا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ، وَالْفُقَهَاءِ 9مِنْ الْمَالِكِيَّةِ5 وَغَيْرِهِمْ:
ـــــــ
1 مقدمة ابن الصلاح ص 86، وانظر: توضيح الأفكار 2/ 347 -348.
2 في ع: رواية.
3 في ز ع ب ض: على كتبه.
4 انظر: نهاية السول 2/ 322، كشف الأسرار 3/ 51، الإلماع ص 110، 120، المعتمد 2/ 628، مقدمة ابن الصلاح ص 87، توضيح الأفكار 2/ 348، تدريب الراوي 2/ 59، أصول الحديث ص 242.
5 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 87، توضيح الأفكار 2/ 348، تدريب الراوي 2/ 63.
6 مقدمة ابن الصلاح ص 87، وانظر: توضيح الأفكار 2/ 348.
7 ساقطة من ع ض.
8 تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 2/ 63.
9 ساقطة من ض.(2/527)
لا يَرَوْنَ الْعَمَلَ بِهِ1.اهـ.
وَمَحَلُّ الْخِلافِ إذَا لَمْ تُخَالِفْهُ2 صَحِيحَةٌ. فَإِنَّ الاعْتِمَادَ يَكُونُ عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا.
"وَمَنْ رَأَى سَمَاعَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ3 فَلَهُ رِوَايَتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ إذَا ظَنَّهُ خَطَّهُ" فَيَكْتَفِي بِالظَّنِّ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا4.
وَقَالَ الْمَجْدُ، "وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: لا يُعْمَلُ بِهِ إلاَّ إذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ خَطُّهُ5".
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا يَجُوزُ الْعَمَلُ6 بِهِ حَتَّى يَذْكُرَ سَمَاعَهُ7.وَجْهُ الأَوَّلِ: أَنَّ غَالِبَ الأَحْكَامِ مَبْنَاهَا عَلَى الظَّنِّ8.
ـــــــ
1 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 87.
2 في ض: يخالفه.
3 في ش: ينكره.
4 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 105، المعتمد 2/ 628، الإلماع ص 139، توضيح الأفكار 2/ 347، الكفاية ص 233، 257، المسودة ص 280، اللمع ص 45، الروضة ص 62، مختصر الطوفي ص 68، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96.
5 المسودة ص 279، 280. وانظر: فواتح الرحموت 2/ 165، تيسير التحرير 3/ 96.
6 في ع: أن يعمل.
7 وهو قول للشافعية. وقال الشيرازي: وهو الصحيح، لأنه لا يأمن أن يكون قد زُوِّر خطه، فلا تجوز الرواية بالشاك. اللمع ص 45. وعلله الموفق فقال: "قياساً على الشهادة" "الروضة ص 62".
و"انظر: أصول السرخسي 1/ 358، 379، تيسير التحرير 3/ 96، كشف الأسرار 3/ 51، الإلماع ص 139، الكفاية ص 233، المسودة ص 279، مقدمة ابن الصلاح ص 105، مختصر الطوفي ص 68، المغني 10/ 141".
8 انظر: المسودة ص 281.(2/528)
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلِهَذَا قِيلَ لأَحْمَدَ: فَإِنْ أَعَارَهُ1 مَنْ لَمْ يَثِقْ بِهِ ؟ فَقَالَ: كُلَّ ذَلِكَ أَرْجُو. فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْحَدِيثِ لا تَكَادُ تَخْفَى ؛ لأَنَّ الأَخْبَارَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ وَغَلَبَتِهِ2.
ـــــــ
1 في ب ع ض: أعاده.
2 المسودة ص 280. وانظر: الروضة ص 62، فواتح الرحموت 2/ 166.(2/529)
فصل: نقل الحديث بالمعنى
...
"فَصْلٌ"
"لِعَارِفٍ" بِمَعَانِي1 الأَلْفَاظِ وَمَا يُحِيلُهَا "نَقْلُ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى" الْمُطَابِقِ2 عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ. وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ3، لِمَا رَوَى ابْنُ مَنْدَهْ فِي "مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ" مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ4 قَالَ: "قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَسْمَعُ مِنْك الْحَدِيثَ، فَلا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرْوِيَهُ كَمَا سَمِعْته مِنْك، يُزِيدُ حَرْفًا أَوْ يُنْقِصُ حَرْفًا فَقَالَ: "إذَا
ـــــــ
1 في ض: بمباني.
2 ساقطة من ش ز.
3 انظر: نهاية السول 2/ 329، الرسالة للشافعي ص 370، 373، 380 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/ 103، المستصفى 1/ 168، مناهج العقول 2/ 328، جمع الجوامع 2/ 171، العضد على ابن الحاجب 2/ 70، الرسالة ص 370، شرح تنقيح الفصول ص 380، المسودة ص 281، أصول السرخسي 1/ 355، فواتح الرحموت 2/ 166، تيسير التحرير 3/ 97، كشف الأسرار 3/ 55، المعتمد 2/ 627، اللمع ص 44، الروضة ص 63، غاية الوصول ص 105، مختصر الطوفي ص 71، إرشاد الفحول ص 57، المدخل إلى مذهب أحمد ص 97، مقدمة ابن الصلاح ص 105، قواعد التحديث ص 221، توضيح الأفكار 2/ 371، 392، الإلماع ص 178 وما بعدها، تدريب الراوي 2/ 98، المحدث الفاصل ص 533، الكفاية ص 198، شرح النووي على مسلم 1/ 36، أصول الحديث ص 251.
4 السائل هو سليمان بن أكيمة. ولعل في النص نقصاً، والصواب: "عبد الله بن سليمان ... "عن أبيه". وهذا ما أكده الخطيب البغدادي في "الكفاية ص 199". فقال: "عن يعقوب بن عبد الله بن سليمان بن أكيمة الليثي عن أبيه عن جده قال: قلت ...."، وهذا ما ذكره ابن حجر في "الإصابة 2/ 73"، ولم أجد ترجمة لعبد الله بن سليمان.
أما سليمان بن أكيمة فقال ابن حجر: هو سليم بن أكيمة ... وذكر الحديث ونصه وطرقه وتخريجه فقط، ولم يذكر له ترجمة غير ذلك.
"انظر: الإصابة 2/ 73".(2/530)
لَمْ تُحِلُّوا حَرَامًا، وَلا تُحَرِّمُوا حَلالاً، وَأَصَبْتُمْ الْمَعْنَى فَلا بَأْسَ" 1.
فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ. فَقَالَ: لَوْلا هَذَا مَا حَدَّثَنَا.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: مَا زَالَ الْحُفَّاظُ يُحَدِّثُونَ بِالْمَعْنَى وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ2.
وَعَنْهُ: لا يَجُوزُ، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَحَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَمْعٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا3.
ـــــــ
1 الحديث خرجه السيوطي في "تدريب الراوي" فقال: رواه ابن منده في "معرفة الصحابة"، والطبراني في "الكبير" ثم قال: والحديث مضطرب لا يصح كما قال السخاوي. وذكره ابن الجوزي في "الموضوعات". ورواه الخطيب في "الكفاية" عن يعقوب بن عبد الله بن سليمان بن أكيمة الليثي عن أبيه عن جده قال: قلنا ...." ويعقوب بن عبد الله ليس له ترجمة. وذكره يحيى بن معين فقال: عن شيخ يقال له: يعقوب بن عبد الله ...."
"انظر: تدريب الراوي 2/ 99، الكفاية ص 199، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 681، فواتح الرحموت 2/ 168، كشف الأسرار 3/ 55-56، تيسير التحرير 3/ 99".
2 انظر مزيداً من الأدلة لجواز نقل الحديث بالمعنى مع شروطه في "شرح تنقيح الفصول ص 381، العضد على ابن الحاجب 2/ 70 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/ 103، نهاية السول 2/ 329، مناهج العقول 2/ 328، أصول السرخسي 1/ 355 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 98، قواعد التحديث ص 221، المسودة ص 281، 282, الكفاية ص 198، 203، الرسالة ص 370".
3 وممن منع نقل الحديث بالمعنى محمد بن سيرين وابن حزم وأبو بكر الرازي الحنفي.
"انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 205، الإحكام للآمدي 2/ 103، نهاية السول 2/ 329، جمع الجوامع 2/ 172، مناهج العقول 2/ 328، أصول السرخسي 1/ 355، كشف الأسرار 3/ 55، فواتح الرحموت 2/ 167، تيسير التحرير 3/ 98، المسودة ص 281، مقدمة ابن الصلاح ص 105، المعتمد 2/ 626، شرح تنقيح الفصول ص 380، توضيح الأفكار 2/ 372، الإلماع ص 178، تدريب الراوي 2/ 98، المحدث الفاصل ص 538، الكفاية ص 167 وما بعدها، 198، شرح النووي على مسلم 1/ 36، غاية الوصول ص 106، العضد على ابن الحاجب 2/ 70".(2/531)
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: فِي نَقْلِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ التَّابِعِينَ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُمْ سِوَى مُرَاعَاةِ اللَّفْظِ، فَلَعَلَّهُ اسْتِحْبَابٌ، أَوْ لِغَيْرِ عَارِفٍ. فَإِنَّهُ إجْمَاعٌ فِيهِمَا1.
وَجَوَّزَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ نَسِيَ اللَّفْظَ لأَنَّهُ قَدْ تَحَمَّلَ اللَّفْظَ وَالْمَعْنَى وَعَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا، فَيَلْزَمُهُ الآخَرُ2.
وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ لِلصَّحَابَةِ فَقَطْ.
وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الأَحَادِيثِ الطِّوَالِ دُونَ الْقِصَارِ.
وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلاحْتِجَاجِ لا لِلتَّبْلِيغِ.
وَقِيلَ: يَجُوزُ بِلَفْظٍ مُرَادِفٍ فَقَطْ3.
وَمَنَعَ أَبُو الْخَطَّابِ إبْدَالَ لَفْظٍ بِأَظْهَرَ مِنْهُ مَعْنًى أَوْ أَخْفَى4.
ـــــــ
1 انظر أدلة المانعين ومناقشتها في "مختصر الطوفي ص 71، شرح تنقيح الفصول ص 381، الإحكام للآمدي 2/ 104، فواتح الرحموت 2/ 168 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 99 وما بعدها، نهاية السول 2/ 329، مناهج العقول 2/ 328، كشف الأسرار 3/ 55، قواعد التحديث ص 255، العضد على ابن الحاجب 2/ 71، الكفاية ص 201، غاية الوصول ص 106".
2 انظر: غاية الوصول ص 106، جمع الجوامع 2/ 172.
3 وهو قول الخطيب البغدادي. وفرق السرخسي والبزدوي أيضاً بين المحكم والمتشابه، والظاهر والمشكل، والمجمل والمشترك والمتشابه.
"انظر: الكفاية ص 198، كشف الأسرار 3/ 57، فواتح الرحموت 2/ 167، تيسير التحرير 3/ 97، نهاية السول 2/ 329، المستصفى 1/ 168، الإحكام للآمدي 2/ 103، العضد على ابن الحاجب 2/ 70، جمع الجوامع 2/ 172،غاية الوصول ص 106، اللمع ص 44، إرشاد الفحول ص 57".
4 وهو قول أبي الحسين البصري المعتزلي، لأن الشارع ربما قصد إيصال الحكم باللفظ الجلي تارة، وبالخفي أخرى.
"انظر: الروضة ص 64، المعتمد 2/ 626، نهاية السول 2/ 329، مختصر الطوفي ص 71-72، إرشاد الفحول ص 57".(2/532)
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي "الْوَاضِحِ": إبْدَالُهُ بِالظَّاهِرِ أَوْلَى.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَجُوزُ بِأَظْهَرَ اتِّفَاقًا لِجَوَازِهِ 1بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ4، وَهِيَ أَتَمُّ بَيَانًا2.
وَحَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى "فَلَيْسَ" الْحَدِيثُ "بِكَلامِ اللَّهِ تَعَالَى".
"وَهُوَ" أَيْ الْحَدِيثُ "وَحْيٌ إنْ رُوِيَ مُطْلَقًا" مِنْ غَيْرِ تَبْيِينِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ أَوْ نَهَى أَوْ كَانَ خَبَرًا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى3".
4"وَإِنْ بَيَّنَ" النَّبِيُّ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" فِي الْحَدِيثِ "أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ أَوْ نَهَى"، أَوْ كَانَ خَبَرًا عَنْ اللَّهِ" سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى7 "أَنَّهُ قَالَهُ فَـ" لا يَجُوزُ تَغْيِيرُ لَفْظِهِ "كَالْقُرْآنِ".
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ5 نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى مَعَ تَغْيِيرِ6 اللَّفْظِ: مَا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ وَاثِلَةَ "إذَا حَدَّثْنَاكُمْ بِالْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَاهُ فَحَسْبُكُمْ"7.
ـــــــ
1 في ش ز: بعربية.
2 وهو ما أكده القرافي والخطيب، وذكر الشوكاني ثمانية مذاهب في نقل الحديث بالمعنى.
"انظر: إرشاد الفحول ص 57، الكفاية ص 173 وما بعدها، 193، الإحكام للآمدي 2/ 103، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 171 وما بعدها، المسودة ص 282، كشف الأسرار 3/ 56، العضد على ابن الحاجب 2/ 70، اللمع ص 44، غاية الوصول ص 106، فواتح الرحموت 2/ 167، تيسير التحرير 3/ 97، 99، نهاية السول 2/ 329".
3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 168.
4 ما بين القوسين مكرر في ع.
5 في ع: أنه يجوز.
6 في ض: تغير.
7 رواه البيهقي عن واثلة. وروى ابن عبد البر عن واثلة بن الأسقع قال: "حسبكم إذا جئناكم بالحديث على معناه.
"انظر: جامع بيان العلم 1/ 94، الكفاية ص 204، المحدث الفاصل ص 533".(2/533)
وَرَوَى الْخَلاَّلُ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا1.
وَحَدَّثَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا 2فَقَالَ: "أَوْ دُونَ ذَلِكَ، أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ"3.وَكَانَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا حَدَّثَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا5، قَالَ "أَوْ كَمَا قَالَ" إسْنَادُهُمَا صَحِيحٌ. رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ4. وَكَذَلِكَ5 نُقِلَتْ وَقَائِعُ مُتَّحِدَةٌ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَلأَنَّهُ يَجُوزُ تَفْسِيرُهُ
ـــــــ
1 "انظر: المحدث الفاصل ص 533، مقدمة ابن الصلاح ص 106، كشف الأسرار 2/ 379- 380، 3/ 56، تدريب الراوي 1/ 102، الإحكام للآمدي 2/ 103- 104، أصول السرخسي 1/ 355".
2 ساقطة من ض.
3 رواه ابن ماجه والحاكم والدارمي والطبراني في الكبير عن ابن مسعود وأبي الدرداء.
"انظر: سنن ابن ماجه 1/ 11، المستدرك 1/ 111، سنن الدارمي 1/ 83، 86، مجمع الزوائد 1/ 141".
4 رواه ابن ماجه عن أنس، وروى الدارمي والخطيب عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه كان إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أو نحوه، أو شبهه.
"انظر: سنن ابن ماجه 1/ 11، سنن الدارمي 1/ 83، 84، الكفاية ص 206".
وانظر: كشف الأسرار 3/ 56، مقدمة ابن الصلاح ص 106، قواعد التحديث ص 210، جامع بيان العلم 1/ 95، تدريب الراوي 2/ 102، فواتح الرحموت 2/ 168، تيسير التحرير 3/ 98-99، أصول السرخسي 1/ 356، توضيح الأفكار 2/ 373، شرح النووي على مسلم 1/ 72.
5 في ض: ولذلك.(2/534)
بِعَجَمِيَّةٍ إجْمَاعًا، فَبِعَرَبِيَّةٍ أَوْلَى لِحُصُولِ1 الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الْمَعْنَى، وَلِهَذَا لا تَجِبُ تِلاوَةُ اللَّفْظِ وَلا تَرْتِيبُهُ، بِخِلافِ الْقُرْآنِ وَالأَذَانِ وَنَحْوِهِ2.
"وَجَائِزٌ إبْدَالُ الرَّسُولِ بِالنَّبِيِّ وَعَكْسُهُ" وَهُوَ إبْدَالُ لَفْظِ "النَّبِيِّ" بِلَفْظِ "الرَّسُولِ" نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الإِمَامُ3 أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ4. وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالنَّوَوِيُّ5 وَغَيْرُهُمْ6.
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ78مَا يُقَالُ6 عِنْدَ
ـــــــ
1 في ب ع ز: ولحصول.
2 انظر: نهاية السول 2/ 329، مقدمة ابن الصلاح ص 105، المستصفى 1/ 168، العضد على ابن الحاجب 2/ 70، الإحكام للآمدي 1/ 103 وما بعدها، الروضة ص 63، مختصر الطوفي ص 71، فواتح الرحموت 2/ 168، توضيح الأفكار 2/ 373، 392.
3 ساقطة من ش ز.
4 روى الخطيب البغدادي بسنده عن صالح بن أحمد بن حنبل قال: "قلت لأبي: يكون في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجعله الإنسان: قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس" "الكفاية ص 244".
وانظر شرح ألفية العراقي 2/ 195، المسودة ص 282.
5 في ش: والثوري.
6 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 117، الكفاية ص 244، شرح ألفية العراقي 2/ 195، المسودة ص 282.
7 هو الصحابي البَرَاء بن عازب بن الحارث –بتخفيف الراء باتفاق- أبو عمارة أو أبو عمرو، أو أبو الطفيل، الأنصاري الأوسي المدني. استصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وأول مشاهده أحد، وقال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة غزوة. وشهد مع أبي موسى غزوة تستر، وشهد مع علي الجمل وصفين والنهروان, وهو الذي الفتتح الري سنة 24 هـ، ونزل الكوفة، وابتنى بها داراً، ومات في إمارة مصعب بن الزبير سنة 73 هـ.
انظر ترجمته في "الإصابة / 142، الاستيعاب 1/ 139، تهذيب الأسماء 1/ 132، الخلاصة ص 46، حلية الأولياء 1/ 350".
8 ساقطة من ب ز ع ض.(2/535)
النَّوْمِ "آمَنْت بِكِتَابِك الَّذِي أَنْزَلْت وَنَبِيِّك الَّذِي أَرْسَلْت"، قَالَ: وَرَسُولِك، قَالَ: "لا، " وَنَبِيِّك" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1.
وَرُدَّ الاعْتِرَاضُ: بِأَنَّ فَائِدَةَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: عَدَمُ الالْتِبَاسِ بِجِبْرِيلَ أَوْ الْجَمْعُ بَيْنَ لَفْظَيْ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ2.قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ مِنْ ثَلاثَةِ أَوْجُهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ "الرَّسُولَ" كَمَا يَكُونُ مِنْ الأَنْبِيَاءِ يَكُونُ مِنْ الْمَلائِكَةِ.
الثَّانِي: أَنْ تَضَمَّنَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَرَسُولِك" النُّبُوَّةَ بِطَرِيقِ الالْتِزَامِ. فَأَرَادَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ أَنْ يُصَرِّحَ بِذِكْرِ النُّبُوَّةِ.
الثَّالِثُ: الْجَمْعُ بَيْنَ لَفْظَيْ3 النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ.
وَمَحِلُّ الْخِلافِ فِي غَيْرِ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ لاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ "لا" يَجُوزُ "تَغْيِيرُ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ" لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ تَصْنِيفِ مُصَنِّفِهَا4.
قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "لا نَرَى الْخِلافَ جَارِيًا، وَلا أَجْرَاهُ النَّاسُ فِيمَا
ـــــــ
1 الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن البراء مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 55، صحيح مسلم 4/ 2082، سنن أبي داود 2/ 606، تحفة الأحوذي 9/ 338، سنن ابن ماجه 2/ 1275، مسند أحمد 4/ 285، سنن الدارمي 2/ 290".
وانظر: الإحكام لابن حزم 1/ 206، الكفاية ص 202، المحدث الفاصل ص 538، الإلماع ص 175، مختصر الطوفي ص 71.
2 انظر شرح ألفية العراقي 2/ 195، الرسالة للشافعي ص 270 وما بعدها، الكفاية ص 203، مختصر الطوفي ص 71.
3 في ب: لفظتي.
4 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 68، شرح النووي على مسلم 1/ 36، تدريب الراوي 2/ 22، 102.(2/536)
نَعْلَمُ1 فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ بُطُونُ الْكُتُبِ فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يُغَيِّرَ لَفْظَ شَيْءٍ مِنْ كِتَابٍ، وَيُثْبِتَ فِيهِ2 لَفْظًا آخَرَ بِمَعْنَاهُ. فَإِنَّ الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى رَخَّصَ3 فِيهَا مَنْ رَخَّصَ لِمَا كَانَ عَلَيْهِمْ فِي4 ضَبْطِ الأَلْفَاظِ وَالْجُمُودِ عَلَيْهَا مِنْ الْحَرَجِ وَالنَّصَبِ. وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ بُطُونُ الأَوْرَاقِ وَالْكُتُبِ، وَلأَنَّهُ إنْ مَلَكَ تَغْيِيرَ اللَّفْظِ فَلَيْسَ يَمْلِكُ تَغْيِيرَ تَصْنِيفِ غَيْرِهِ5".
"وَلَوْ كَذَّبَ" أَصْلٌ فَرْعًا فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ "أَوْ غَلَّطَ أَصْلٌ فَرْعًا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ" أَيْ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ الَّذِي كَذَّبَ فِيهِ الشَّيْخُ رَاوِيَهُ عَنْهُ، أَوْ غَلَّطَ6 فِيهِ الشَّيْخُ رَاوِيَهُ عَنْهُ7 عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الأَكْثَرِ8، وَحَكَاهُ جَمَاعَةٌ إجْمَاعًا لِكَذِبِ أَحَدِهِمَا. وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ9.
ـــــــ
1 في ض: لا نعلم.
2 ساقطة من ب، وفي مقدمة ابن الصلاح: بدله فيه، وفي ض: فيه بدله.
3 في ب: قد رخّص.
4 في مقدمة ابن الصلاح: من.
5 مقدمة ابن الصلاح ص 105- 106.
6 في ض: غلطه.
7 ساقطة من ض.
8 في ع: الأكثرين.
9 قال الآمدي: "فلا خلاف في امتناع العمل بالخبر" "الإحكام 2/ 106". وذكر النووي في "التقريب": "أنه المختار" "تدريب الراوي شرح تقريب النواوي 1/ 334". ونقل الإجماع على عدم العمل به الشيخُ سراج الدين الهندي، والشيخ قوام الدين الكاكي، لكن الإجماع فيه نظر، لأن السرخسي والبزدوي والدبوسي حكوا اختلاف السلف فيه، بينما ذكر ابن السبكي أنه يعمل به ولا يرد. وقال الخطيب: "لا يعمل به".
"انظر: الكفاية ص 139، جمع الجوامع 2/ 138، فواتح الرحموت 2/ 170، كشف الأسرار 3/ 59، تيسير التحرير 3/ 107، المستصفى 1/ 167، مقدمة ابن الصلاح ص 55، توضيح الأفكار 2/ 243، تدريب الراوي 1/ 334، العضد على ابن الحاجب 2/ 71، اللمع ص 45، الإحكام للآمدي 2/ 106".(2/537)
"وَ" لَكِنْ "هُمَا عَلَى عَدَالَتِهِمَا" لِعَدَمِ بُطْلانِ الْعَدَالَةِ الْمُتَحَقِّقَةِ بِالشَّكِّ. فَلَوْ شَهِدَا عِنْدَ حَاكِمٍ فِي وَاقِعَةٍ قُبِلا؛ لأَنَّ تَكْذِيبَهُ أَوْ تَغْلِيطَهُ قَدْ يَكُونُ لِظَنٍّ مِنْهُ أَوْ غَيْرِهِ1. وَقِيلَ: يُعْمَلُ بِهِ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ2.
"وَإِنْ أَنْكَرَهُ" أَيْ أَنْكَرَ الأَصْلُ الْفَرْعَ بِأَنْ قَالَ الشَّيْخُ: مَا أَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَيْ "وَلَمْ يُكَذِّبْ" الأَصْلُ الْفَرْعَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ "عُمِلَ بِهِ" عِنْدَ الإِمَامِ3 أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَالأَكْثَرِ ؛ لأَنَّ الْفَرْعَ عَدْلٌ جَازِمٌ غَيْرُ مُكَذَّبٍ 4أَوْ مُغَلَّطٍ، فَيُعْمَلُ7 بِمَا رَوَاهُ. كَمَوْتِ الأَصْلِ أَوْ جُنُونِهِ5.
ـــــــ
1 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 138، العضد على ابن الحاجب 2/ 71، المستصفى 1/ 167، الإحكام للآمدي 2/ 106، فواتح الرحموت 2/ 170، تيسير التحرير 3/ 107، كشف الأسرار 3/ 59، مقدمة ابن الصلاح ص 55، تدريب الراوي 1/ 334، الكفاية" ص 139، "المسودة" ص 279، اللمع ص 45، غاية الوصول ص 98.
2 منهم السمعاني وابن السبكي، وعزاه الشاشي للشافعي. وفي المسألة أقوال أخرى.
"انظر: جمع الجوامع 2/ 138، تدريب الراوي 1/ 334، الإحكام للآمدي 2/ 106، مقدمة ابن الصلاح ص 55، المسودة ص 279".
3 ساقطة من ب ع ض.
4 في ز ش: فعمل.
5 وهو قول الإمام محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، وأبي الحسن الكرخي وجماعة من الحنفية.
"انظر: أصول السرخسي 2/ 3، فواتح الرحموت 2/ 170، 171، تيسير التحرير 3/ 107، كشف الأسرار 3/ 60، جمع الجوامع 2/ 140، نهاية السول 2/ 310، المستصفى 1/ 167، الإحكام للآمدي 2/ 106، 107، شرح تنقيح الفصول ص 369، العضد على ابن الحاجب 2/ 71، المسودة ص 278 وما بعدها، تدريب الراوي 1/ 235، مقدمة ابن الصلاح ص 55، المعتمد" 2/ 621، "توضيح الأفكار" 2/ 247، الكفاية ص 139، 380، اللمع ص 45، الروضة ص 62، مختصر الطوفي ص 67، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96".(2/538)
وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ1 عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ2 عَنْ أَبِيهِ3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ4"،
ـــــــ
1 هو عبد العزيز بن محمد بن عبيد، أبو محمد، الداروردي، المدني، مولى قُضاعة، وأصله من دارورد قرية من خراسان. ولد بالمدينة ونشأ بها. روى عن زيد بن أسلم وخلق. وروى عنه الشافعي وابن مهدي. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، يغلط. وقال ابن العماد: كان فقيهاً صاحب حديث، وأثنى عليه ابن معين. توفي سنة 187 هـ، وقيل 189 هـ.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 269، طبقات الحفاظ ص 115، الخلاصة ص 241، المعارف ص 515، شذرات الذهب 1/ 316، اللباب 1/ 496، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 367".
2 هو سهيل بن أبي صالح ذكوان السمان، أبو يزيد، أحد العلماء الثقات. قال يحيى: "ليس بالقوي في الحديث". وقال: "حديثه ليس بالحجة". وكان قد اعتل بعلة فنسي بعض حديثه. وقيل: ما له أخ فوَجِدَ عليه فنسي كثيراً من الحديث، وكانت ممن كثرت عنايته بالعلم، ومواظبته على الدين. توفي سنة 140 هـ.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 137، ميزان الاعتدال 2/ 243، الخلاصة ص 158، شذرات الذهب 1/ 208، مشاهير علماء الأمصار ص 137، المعارف ص 478، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 243".
3 هو ذكوان السمان، ويقال الزيات، أبو صالح، التابعي، مولى جويرية بنت الأحمس، امرأة من قيس الغطفاني، وهو من أجل الناس وأوثقهم. قال أحمد: "ثقة ثقة شهد الدار". أخذ عن سعد وأبي الدرداء وعائشة وأبي هريرة وخلق. وروى عنه بنوه سهيل وعبد الله وصالح وعباد. توفي سنة 101 هـ.
انظر ترجمته في "الخلاصة ص 112، ميزان الاعتدال 4/ 539، شذرات الذهب 1/ 208، طبقات الحفاظ ص 33، المعارف ص 478، تذكرة الحفاظ 1/ 89، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 158".
4 رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والشافعي والخطيب عن أبي هريرة مرفوعاً.
"انظر: سنن أبي داود 2/ 277، تحفة الأحوذي 4/ 572، بدائع المنن 2/ 235، سنن ابن ماجه 2/ 793، نيل الأوطار 8/ 293، الكفاية ص 381".
ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن جابر مرفوعاً.
انظر: سنن ابن ماجه 2/ 793، مسند أحمد 3/ 305، تحفة الأحوذي 4/ 572، نيل الأوطار 8/ 292، تخريج أحاديث البزدوي ص 194.
وروى مسلم وأحمد وأبو داود والشافعي وابن ماجه عن ابن عباس مرفوعاً "قضى بيمين مع الشاهد".
"انظر: صحيح مسلم 3/ 1337، سنن أبي داود 2/ 278، بدائع المنن 2/ 234، سنن ابن ماجه 2/ 793، سنن النسائي 8/ 217، مسند أحمد 1/ 315".(2/539)
وَنَسِيَهُ سُهَيْلٌ وَقَالَ1: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ عَنِّي2.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ. قَالَ: "فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسُهَيْلٍ. فَقَالَ: أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ - وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ - أَنِّي حَدَّثْتُهُ إيَّاهُ وَلا أَحْفَظُهُ. وَكَانَ سُهَيْلٌ يُحَدِّثُهُ بَعْدُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ3".وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ4.فَإِنْ قِيلَ: فَأَيْنَ الْعَمَلُ بِهِ؟.قِيلَ: مَذْكُورٌ فِي مَعْرِضِ الْحُجَّةِ، فَإِنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ، ثَبَتَ أَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ5.
وَعَنْهُ: لا يُعْمَلُ بِهِ. وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ6. وَلِذَلِكَ رَدُّوا
ـــــــ
1 في ض: فقال.
2 انظر: الكفاية ص 381.
3 بدائع المنن 2/ 235.
4 سنن أبي داود 2/ 277. وانظر: الكفاية ص 381، الروضة ص 63، الإحكام للآمدي 2/ 106، تدريب الراوي 1/ 335، المحدث الفاصل ص 516، العضد على ابن الحاجب 2/ 71، مختصر الطوفي ص 67.
5 انظر مزيداً من أدلة العمل به في "فواح الرحموت 2/ 171، كشف الأسرار 3/ 60، العضد على ابن الحاجب 2/ 71، الكفاية ص 381 وما بعدها".
6 وهو قول أبي يوسف خلافاً لمحمد رحمهم الله تعالى، وهو قول الكرخي والدبوسي والبزدوي.
"انظر: كشف الأسرار 3/ 6، أصول السرخسي 2/ 3، فواتح الرحموت 2/ 170، تيسير التحرير 3/ 107، المستصفى 1/ 167، الإحكام للآمدي 2/ 106، المسودة ص 278، شرح تنقيح الفصول ص 369، العضد على ابن الحاجب 1/ 71، تدريب الراوي 1/ 335، توضيح الأفكار 2/ 248، الكفاية ص 380، 383، المعتمد 2/ 621، اللمع ص 45، الروضة ص 52، مختصر الطوفي ص 67، مقدمة ابن الصلاح ص 55.(2/540)
خَبَرَ "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ" 1؛ لأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ: لا أَذْكُرُهُ2. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ سُهَيْلٍ فِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَقَاسُوهُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيمَا إذَا نَسِيَ شَاهِدُ الأَصْلِ3.
وَأُجِيبُوا بِأَنَّ الشَّهَادَةَ أَضْيَقُ4.
"وَتُقْبَلُ زِيَادَةُ ثِقَةٍ ضَابِطٍ" فِي الْحَدِيثِ "لَفْظًا أَوْ مَعْنًى" يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ أَوْ فِي مَعْنَاهُ "إنْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ" عِنْدَ جَمَاهِيرِ
ـــــــ
1 هذا طرف من حديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأبو داود الطيالسي وأبو عوانة والدارمي وابن حبان عن عائشة مرفوعاً، وحسنه الترمذي. قال الشوكاني: وقد أعل بالإرسال.
"انظر: مسند أحمد 6/ 47، سنن أبي داود 1/ 481، تحفة الأحوذي 4/ 228، سنن ابن ماجه 1/ 605، سنن الدارمي 2/ 137، موارد الظمآن ص 305، نيل الأوطار 6/ 135، تخريج أحاديث البزدوي ص 194، الكفاية ص 380، منحة المعبود 1/ 305".
2 انظر: أصول السرخسي 2/ 3، 6، فواتح الرحموت 2/ 171، الكفاية ص 380، المسودة ص 278.
3 يقول السرخسي: "حديثه غريب مستنكر، ويخشى على العامل به المأثم" "أصول السرخسي 1/ 294". وانظر: مزيداً من الأدلة في "تيسير التحرير 3/ 107، كشف الأسرار 3/ 61 وما بعدها، المستصفى 1/ 167، فواتح الرحموت 2/ 172، أصول السرخسي 2/ 3 وما بعدها، مقدمة ابن الصلاح ص 56، الكفاية ص 380، 383".
4 أي أن الشهادة أضيق من الرواية لكثرة شروطها، فيمتنع القياس. "انظر: مختصر الطوفي ص 67، شرح تنقيح الفصول ص 369، تيسير التحرير 3/ 108، المحلي على جمع الجوامع 2/ 140".(2/541)
الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا1.
"أَوْ اتَّحَدَ" الْمَجْلِسُ "وَتُصُوِّرَتْ غَفْلَةُ2 مَنْ فِيهِ عَادَةً" عَلَى الصَّحِيحِ "أَوْ جُهِلَ الْحَالُ" بِأَنْ شَكَكْنَا: هَلْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ مَنْ يُتَصَوَّرُ3 غَفْلَتُهُ أَوْ لا. وَهَلْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَكْثَرَ4 ؟ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ5: فَالصَّحِيحُ الْقَبُولُ، وَهُوَ ظَاهِرُ "الرَّوْضَةِ" وَغَيْرِهَا6، وَقَطَعَ بِذَلِكَ الْبِرْمَاوِيُّ. وَقَالَ: هُوَ كَمَا إذَا تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: هَذَا أَوْلَى.
وَظَاهِرُ كَلامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ كَاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ، وَقَالَهُ7 الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَيُعْطَى حُكْمَهُ. وَقَالَ: كَلامُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مُخْتَلِفٌ فِي الْوَقَائِعِ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ أَعْلَمُ8.
ـــــــ
1 وقال الشوكاني: "وتقبل بالاتفاق" "إرشاد الفحول ص 56". وانظر أقوال العلماء وأدلتهم في "المعتمد 2/ 609، نهاية السول 2/ 331، مناهج العقول 2/ 330، الإحكام للآمدي 2/ 108، المستصفى 1/ 168، المحلي على جمع الجوامع 2/ 140، الكفاية ص 425، شرح النووي على مسلم 1/ 33، المسودة ص 299، شرح تنقيح الفصول ص 381، الإحكام لابن حزم 1/ 208، العضد على ابن الحاجب 2/ 72، فواتح الرحموت 2/ 172، مقدمة ابن الصلاح ص 40، توضيح الأفكار 2/ 17، تدريب الراوي 1/ 245، تيسير التحرير 3/ 109، اللمع ص 46، الروضة ص 63، غاية الوصول ص 98، مختصر الطوفي ص 68، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96".
2 في ش: علة.
3 في ع: تتصور.
4 في ب ع ض: في أكثر.
5 ساقطة من ش، ومشطوب عليها في ز.
6 انظر: الروضة ص 63، الإحكام للآمدي 2/ 108، 110، المستصفى 1/ 168، فواتح الرحموت 2/ 172، شرح تنقيح الفصول ص 381، تيسير التحرير 3/ 109، نهاية السول 2/ 331، العضد على ابن الحاجب 2/ 71، 72، المعتمد 2/ 610، تدريب الراوي 1/ 245، الكفاية ص 425، المسودة ص 300، غاية الوصول ص 98، إرشاد الفحول ص 56، مقدمة ابن الصلاح ص 40.
7 في ع: وقال.
8 وفي المسألة أقوال كثيرة "انظر: المسودة ص 299، 302 وما بعدها".(2/542)
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ وَلَمْ يُتَصَوَّرْ1 غَفْلَةُ مَنْ فِيهِ عَادَةً: أَنَّ زِيَادَتَهُ لا تُقْبَلُ وَهَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَ الأَكْثَرِ. وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا2.وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا. اخْتَارَهُ3 ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَالتَّاجُ السُّبْكِيُّ وَأَلْحَقُوهَا بِمَا إذَا كَانَ فِي الْمَجْلِسُ جَمَاعَةٌ لا تُتَصَوَّرُ غَفْلَتُهُمْ4. وَعَنْهُ: تُقْبَلُ5. وَحَكَاهُ الْبِرْمَاوِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ6، قَالَ: وَلِهَذَا قَبِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ الأَعْرَابِيِّ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلالِ7 مَعَ انْفِرَادِهِ.
ـــــــ
1 في ز ع: تتصور.
2 انظر: تيسير التحرير 3/ 108، فواتح الرحموت 2/ 172، العضد على ابن الحاجب 2/ 71، المسودة ص 301، المحلي على جمع الجوامع 2/ 141، المعتمد 2/ 610، نهاية السول 2/ 331، مناهج العقول 2/ 330، الإحكام للآمدي 2/ 109، غاية الوصول ص 98.
3 في ع: واختاره.
4 انظر: جمع الجوامع 2/ 141، المسودة ص 303، غاية الوصول ص 98.
5 قال الشيخ زكريا الأنصاري: "وقيل: تقبل مطلقاً، وهو ما اشتهر عن الشافعي، ونقل عن الفقهاء والمحدثين، لجواز غفلة من لم يزد عنها" "غاية الوصول ص 98".
وانظر: المسودة ص 299 وما بعدها.
6 وهناك أقوال أخرى عند اتحاد المجلس، فقال أبو الخطاب: يقدم قول الأكثر، ثم الأحفظ والأضبط، ثم المثبت. وقال القاضي أبو يعلى: إذا تساوى الطرفان ففيه روايتان، وقال الأبهري من المالكية: لا تقبل الزيادة.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 109، شرح تنقيح الفصول ص 382، الروضة ص 63، غاية الوصول ص 98، المسودة ص 299، 300، مختصر الطوفي ص 68، توضيح الأفكار 2/ 17 وما بعدها".
7 أخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني وابن حبان والبيهقي والحاكم مرفوعاً عن ابن عباس رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال، فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله"؟ قال: نعم، قال: "أتشهد أن محمداً رسول الله"؟ قال: نعم، قال: "يا بلال، أذّن في الناس، فليصوموا غداً". قال الترمذي: روي مرسلاً.
"انظر: سنن أبي داود 1/ 547، تحفة الأحوذي 3/ 372، سنن النسائي 4/ 106، سنن ابن ماجه 1/ 529، موارد الظمآن ص 221، نيل الأوطار 4/ 209، تخريج أحاديث البزدوي ص 167، المستدرك 1/ 424، السنن الكبرى للبيهقي 4/ 211، سنن الدارقطني 2/ 158".(2/543)
وَقَبِلَ خَبَرَ ذِي الْيَدَيْنِ 1مَعَ وُجُودِ4 أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ2.
"وَإِنْ خَالَفَتْ" الزِّيَادَةُ "الْمَزِيدَ" فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي قُلْنَا بِقَبُولِهَا فِيهَا3 "تَعَارَضَا" أَيْ الْمَزِيدُ وَالزِّيَادَةُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ4 الإِبْيَارِيُّ5 عَنْ قَوْمٍ "فَ" عَلَى هَذَا "يُطْلَبُ مُرَجِّحٌ" لأَحَدِهِمَا6.
وَنَقَلَ الإِبْيَارِيُّ أَيْضًا عَنْ قَوْمٍ تَقْدِيمَ الزِّيَادَةِ. قَالَ: وَهُوَ الظَّاهِرُ
ـــــــ
1 في ع ب ز ض: و.
2 سبق تخريج هذا الحديث تفصيلاً ص 193.
3 في ش ز: منها.
4 في ش: نغله.
5 هو علي بن إسماعيل بن علي بن عطية، الأبياري، شمس الدين، أبو الحسن. وأبيار بلدة بمديرية الغربية "جمع بئر" بمصر. كان من العلماء الأعلام، وأئمة الإسلام، بارعاً في علوم شتى، وهو فقيه مالكي وأصولي محدث، رحل إليه الناس، وكان صاحب دعوة مجابة، ناب في القضاء عن عبد الرحمن بن سلامة، وأخذ عنه جماعة منهم ابن الحاجب. وكان ابن عقيل الشافعي المصري يفضل الأبياري على الإمام فخر الدين الرازي في الأصول. له مصنفات كثيرة، منها: "شرح البرهان لإمام الحرمين" في الأصول، و"سفينة النجاة" على مسلك "إحياء علوم الدين" للغزالي. وقال بعضهم: إنها أكثر إتقاناً من "الإحياء" وأحسن منه، و"شرح التهذيب"، و"تكملة الجامع بين التبصرة والجامع لابن يونس". توفي سنة 618 هـ.
ويصحف نَسَبُه أحياناً، ويكتب "الأنباري"، ولذلك نبه عليه العلامة جلال الدين المحلي، فقال: "بالموحدة ثم التحتانية في شرح البرهان" "المحلي على جمع الجوامع 2/ 150"، كما نبه على ذلك ابن فرحون في "الديباج".
انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 121، حسن المحاضرة 1/ 454، شجرة النور الزكية ص 166، الفتح المبين 2/ 52".
6 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 111، المعتمد 2/ 610، تيسير التحرير 3/ 111، إرشاد الفحول ص 56، المسودة ص 303.(2/544)
عِنْدَنَا1 إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَطَرُّقِ الْوَهْمِ 2إلَى أَحَدِهِمَا3 لاسْتِحَالَةِ كَذِبِهِمَا. وَامْتَنَعَ الْحَمْلُ عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ، لَمْ يَبْقَ إلاَّ الذُّهُولُ وَالنِّسْيَانُ، وَالْعَادَةُ تُرْشِدُ إلَى3 أَنَّ نِسْيَانَ مَا جَرَى أَقْرَبُ مِنْ تَخَيُّلِ مَا لَمْ يَجْرِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُثْبِتُ أَوْلَى4.
وَقَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "إنَّ الزِّيَادَةَ إذَا خَالَفَتْ مَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ فَهِيَ مَرْدُودَةٌ5".
وَعِنْدَ أَبِي الْحُسَيْنِ6: إنْ غَيَّرَتْ الْمَعْنَى لا الإِعْرَابَ قُبِلَتْ وَإِلاَّ فَلا7.
"وَإِنْ رَوَاهَا" الرَّاوِي "مَرَّةً وَتَرَكَهَا" مَرَّةً "أُخْرَى8
ـــــــ
1 في ش ز: عنده.
2 ساقطة من ب.
3 ساقطة من ض.
4 انظر: المعتمد 2/ 612.
5 لأنها تعتبر من قبيل الشاذ. وهو ما يرويه الثقة مخالفاً لما رواه الثقات، وهو رأي أهل الحديث.
"انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 37، تيسير التحرير 3/ 110، معرفة علوم الحديث ص 119، المعتمد 2/ 613، تدريب الراوي 1/ 232، آداب الشافعي ص 233".
6 في جميع النسخ: الحسن، وهو تصحيف. وقد نقل الشيخ تقي الدين ابن تيمية هذا الرأي ونص على أنه لأبي الحسين البصري، وجاء معناه في المعتمد 2/ 611 لأبي الحسين البصري.
7 قال ابن تيمية: وقال أبو الحسين البصري: إن غيرت الزيادة إعراب الكلام ومعناه تعارضتا ... وإن غيرت المعنى دون الإعراب ... قبلت" "المسودة ص 300".
وانظر: المعتمد 2/ 611، المحلي على جمع الجوامع 2/ 142- 143، غاية الوصول ص 98، نهاية السول 2/ 331، مناهج العقول 2/ 331.
8 ساقطة من ع.(2/545)
فَـ" ذَلِكَ1 "كَتَعَدُّدِ رُوَاةٍ" قَالَهُ2 ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ مُفْلِحٍ وَالْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُمْ: فَيُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ اتِّحَادِ سَمَاعِهَا مِنْ الَّذِي رَوَى عَنْهُ وَتَعَدُّدِهِ. وَالْمُرَادُ مَا أَمْكَنَ جَرَيَانُهُ مِنْ الشُّرُوطِ وَالأَقْوَالِ لا مَا لا يُمْكِنُ3.
وَقِيلَ: الاعْتِبَارُ بِكَثْرَةِ الْمَرَّاتِ، وَإِنْ تَسَاوَتْ قُبِلَتْ4.
وَقِيلَ: إنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ سَمِعَ النَّاقِصَ فِي مَجْلِسٍ وَالزَّائِدَ فِي آخَرَ قُبِلَتْ. وَإِنْ عَزَاهُمَا5 لِمَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَتَكَرَّرَتْ رِوَايَتُهُ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ، ثُمَّ رَوَى الزِّيَادَةَ. فَإِنْ قَالَ: كُنْت نَسِيت هَذِهِ الزِّيَادَةَ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَجَبَ التَّوَقُّفُ فِي الزِّيَادَةِ6.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمِثَالُ زِيَادَةِ الرَّاوِي مَرَّةً وَتَرْكِهَا أُخْرَى: حَدِيثُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى 7بْنِ طَلْحَةَ8 بْنِ عُبَيْدِ8 اللَّهِ9
ـــــــ
1 في ب: كذلك.
2 في ش ز: قال.
3 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 71، الإحكام للآمدي 2/ 111، نهاية السول 2/ 332، المعتمد 2/ 614، المحلي على جمع الجوامع 2/ 142، غاية الوصول ص 98.
4 انظر: نهاية السول 2/ 332، مناهج العقول 2/ 331، المعتمد 2/ 615.
5 في ض: عزاها.
6 ذكر الشيخ زكريا الأنصاري أن في المسألة ثلاثة أقوال، ثم رجح القبول. "انظر: غاية الوصول ص 98، المعتمد 2/ 615".
7 ساقطة من ش.
8 في ش ز ض: عبد.
9 هو طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، القريشي، التميمي، المدني، التابعي. سكن الكوفة، وروى عنه عمر بن عبد العزيز والثوري، وهو ثقة. وثقه يحيى بن معين ومحمد بن سعد. وروى له مسلم وأصحاب السنن الأربعة. قال الواقدي: مات سنة 148 هـ.
انظر ترجمته في "الخلاصة ص 180، ميزان الاعتدال 2/ 343، تهذيب الأسماء 1/ 254، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 280، مشاهير علماء الأمصار ص 163".(2/546)
بِسَنَدِهِ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْت: إنَّا خَبَّأْنَا لَك خُبْئًا1. فَقَالَ: "أَمَا إنِّي كُنْت أُرِيدُ الصَّوْمَ، وَلَكِنْ قَرِّبِيهِ" 2 وَأَسْنَدَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ هَكَذَا3. وَرَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ شَيْخٌ بَاهِلِيٌّ وَزَادَ فِيهِ "وَ4أَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ" ثُمَّ عَرَضْته عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ فَذَكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ5.
وَمِثَالُ6 زِيَادَةٍ سَكَتَ عَنْهَا بَقِيَّةُ الثِّقَاتِ حَدِيثُ7 أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى8 "قَسَمْت الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ. فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ9: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي." حَدِيثٌ صَحِيحٌ10.
ـــــــ
1 في بدائع المنن: حَيساً. وهي رواية ثانية للحديث. والحيس: هو التمر المخلوط بسمن وأقط.
2 هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد عن عائشة مرفوعاً بألفاظ مختلفة.
"انظر: صحيح مسلم 2/ 809، سنن أبي داود 1/ 572، سنن النسائي 4/ 163، تحفة الأحوذي 3/ 430، 432، نيل الأوطار 4/ 221، 289".
3 انظر: بدائع المنن 1/ 164.
4 ساقطة من ض.
5 قال النسائي عن الزيادة: هي خطأ. "انظر: نيل الأوطار 4/ 289".
6 في ش: وهناك.
7 في ش: في حديث.
8 ساقطة من ب ز ع.
9 ساقطة من د ض.
10 رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن عائشة مرفوعاً. ورواه البخاري في كتابه خلق أفعال العباد.
"انظر: صحيح مسلم 1/ 296، سنن أبي داود 1/ 188، سنن النسائي 2/ 105، تحفة الأحوذي 8/ 284، سنن ابن ماجه 2/ 1243، مسند أحمد 2/ 240، خلق أفعال العباد ص 18".(2/547)
ثُمَّ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانِ1 عَنْ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ2 عَنْ أَبِيهِ3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْخَبَرَ. وَذَكَرَ فِيهِ4: "فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ذَكَرَنِي عَبْدِي" تَفَرَّدَ بِالزِّيَادَةِ. وَفِيهِ مَقَالٌ.
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ شَرِبَ مِنْ إنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي جَوْفِهِ نَارَ جَهَنَّمَ" 5،
ـــــــ
1 هو عبد الله بن زياد بن سمعان المدني، الفقيه، أبو عبد الرحمن، مولى أم سلمة. أخرج له ابن ماجه، جرحه أكثر العلماء. قال البخاري: سكتوا عنه. وقال مرة: ضعيف. وقال مالك: يكذب. وقال أحمد: متروك. وقال الذهبي: متروك متهم بالكذب. وقال يحيى بن معين: مدني ضعيف.
"انظر: ميزان الاعتدال 2/ 424، الخلاصة ص 198، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 308".
2 هو العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب المدني، مولى الحُرَقة، أبو شبل من جهينة، صدوق مشهور. روى له مسلم وأصحاب السنن الأربعة. قال مالك: "كان عند العلاء صحيفة يحدث بما فيها ...." وصحيفته بالمدينة مشهورة. توفي سنة 138 هـ.
"انظر: ميزان الاعتدال 3/ 102، شذرات الذهب 1/ 207، المعارف ص 490، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 415، تذكرة الحفاظ 1/ 135".
3 هو عبد الرحمن بن يعقوب الجهني، مولى الحُرَقة، من جهينة، المدني. يروي عن أبيه عن أبي هريرة. ويروي عنه ابنه العلاء. قال النسائي: لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال العجلي: تابعي ثقة.
"انظر: الخلاصة ص 237، تهذيب التهذيب 6/ 301".
4 في ع: وفيه.
5 رواه مسلم عن أم سلمة. ورواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو عوانة مقتصراً على آنية الفضة، عن أم سلمة وعائشة. وروى معناه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن حذيفة وغيره مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 3/ 327، صحيح مسلم 3/ 1634، 1635، سنن أبي داود 2/ 303، تحفة الأحوذي 5/ 626، سنن النسائي 8/ 175، سنن ابن ماجه 2/ 1130، مسند أحمد 6/ 98.(2/548)
زَادَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ1 الْجَارِي2 عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ3 عَنْ أَبِيهِ4 عَنْ جَدِّهِ5 عَنْ ابْنِ عُمَرَ: "أَوْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ6".
"وَإِنْ أَسْنَدَ" الرَّاوِي "أَوْ وَصَلَ أَوْ رَفَعَ مَا أَرْسَلَهُ، 7أَوْ قَطَعَهُ4 أَوْ وَقَفَهُ: قُبِلَ".
ـــــــ
1 هو يحيى بن محمد بن عبد الله بن مهران الحجازي الجاري، يروي عن عبد العزيز الداروردي. وعن زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع. وروى له أبو داود والترمذي والنسائي. قال البخاري: يتكلمون فيه. وقال ابن حجر: وهو ليس بالمشهور. وقال ابن عدي: الجاري ليس بحديثه بأس.
"انظر ترجمته في "لسان الميزان 2/ 478، ميزان الاعتدال 4/ 406، الخلاصة ص 427".
2 في ش ب ز: الحارثي. وفي ع: أبي الجاري. وفي ض: الجاري.
3 هو زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع، يروي عن أبيه، ويروي عنه يحيى بن محمد الجاري. قال الذهبي: زكريا ليس بالمشهور.
"انظر: لسان الميزان 2/ 478، ميزان الاعتدال 4/ 406".
4 هو إبراهيم بن عبد الله بن مطيع، لم يرد ذكره وترجمته في كتب الرجال والتراجم. "الخلاصة، ميزان الاعتدال، تهذيب التهذيب، لسان الميزان، التاريخ الكبير للبخاري، كتاب المجروحين لابن حبان، المغني في الضعفاء للذهبي، التاريخ ليحيى بن معين، طبقات الحفاظ، تذكرة الحفاظ" لكن ورد في ترجمة والده أنَّ ابنيه إبراهيم ومحمد وغيرهما رووا عنه.
5 هو عبد الله بن مطيع بن الأسود، القرشي، العدوي، من أولاد الصحابة. روى عن أبيه. وروى عنه ابناه إبراهيم ومحمد، والشعبي. وكان عبد الله من رجال قريش جَلَداً وشجاعة. وكان على قريش يوم الحرة ففر، ثم سار مع ابن الزبير بمكة، وقاتل معه حتى قتل ابن الزبير، وجرح عبد الله، فمات من جراحته. روى عنه مسلم والبخاري في "الأدب المفرد".
"انظر: المعارف ص 395، الخلاصة ص 215، تهذيب التهذيب 6/ 36".
6 قال الذهبي: "هذا حديث منكر، أخرجه الدارقطني، وزكريا ليس بالمشهور، روى عنه ابن أبي فديك أيضاً". "ميزان الاعتدال 4/ 406".
7 ساقطة من ض.(2/549)
ذَكَرَ هُنَا ثَلاثَ مَسَائِلَ.
الأُولَى: إذَا أَسْنَدَ الرَّاوِي مَا أَرْسَلَهُ قُبِلَ إسْنَادُهُ.
الثَّانِيَةُ: إذَا وَصَلَ الرَّاوِي حَدِيثًا رَوَاهُ مَقْطُوعًا قُبِلَ وَصْلُهُ.
الثَّالِثَةُ: إذَا رَفَعَ الرَّاوِي حَدِيثًا رَوَاهُ مَوْقُوفًا قُبِلَ رَفْعُهُ.
وَالْحُكْمُ فِي هَذِهِ الثَّلاثِ: قَبُولُ إسْنَادِهِ وَوَصْلِهِ وَرَفْعِهِ "مُطْلَقًا" قَطَعَ بِهِ فِي "التَّمْهِيدِ" وَغَيْرِهِ. وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ: لأَنَّ1 الرَّاوِيَ إذَا صَحَّ عِنْدَهُ الْخَبَرُ أَفْتَى بِهِ تَارَةً، وَرَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْرَى.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَحَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الشَّافِعِيَّةِ2.
وَخَالَفَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّاوِي وَاحِدًا3. وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِ الإِرْسَالُ4.
"وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ" أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمُسْنِدُ غَيْرَ الْمُرْسِلِ. وَاَلَّذِي وَصَلَهُ غَيْرَ الَّذِي قَطَعَهُ. وَاَلَّذِي رَفَعَهُ غَيْرَ الَّذِي وَقَفَهُ "فَكَزِيَادَةٍ" فِي الْحَدِيثِ5.
ـــــــ
1 في ش: أن.
2 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 111، تيسير التحرير 3/ 109، كشف الأسرار 3/ 7، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/ 144، مناهج العقول 2/ 326، نهاية السول 2/ 327، 333، شرح النووي على مسلم 1/ 32، الكفاية ص 417، المعتمد 2/ 624، المسودة ص 251.
3 في ب: واحد.
4 انظر: مناهج العقول 2/ 326، نهاية السول 2/ 327، كشف الأسرار 3/ 7، مقدمة ابن الصلاح ص 34، المعتمد 2/ 625، المسودة ص 251.
5 قال بعض أصحاب الحديث: يرد الخبر. وقال الشافعية: لا يردّ. وقيل: يقدم الأحفظ.
"انظر: اللمع ص46، كشف الأسرار 3/ 8، مقدمة ابن الصلاح ص 34، المعتمد 2/ 639، توضيح الأفكار 1/ 339 وما بعدها، تدريب الراوي 1/ 221، العضد على ابن الحاجب 2/ 72، الكفاية ص 409، غاية الوصول ص 98، إرشاد الفحول ص 56".(2/550)
مِثَالُ مَا أَسْنَدَهُ رَاوٍ وَأَرْسَلَهُ غَيْرُهُ: إسْنَادُ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ1 عَنْ جَدِّهِ أَبِي2 إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ3 عَنْ أَبِي بُرْدَةَ4 عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ: "لا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ" 5. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَشُعْبَةُ عَنْ أَبِي
ـــــــ
1 هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، أبو يوسف، الكوفي، أحد الأعلام. قال أحمد بن حنبل: ثقة، وجعل يعجب من حفظه. وقال الذهبي: "إسرائيل اعتمده البخاري ومسلم في الأصول، وهو في الثبت كالأسطوانة". وكان إسرائيل مع حفظه وعلمه صالحاً خاشعاً لله، كبير القدر. روى عنه أصحاب الكتب الستة. ووثقه يحيى بن معين. توفي سنة 162 هـ.
انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 1/ 208، الخلاصة ص 31، تذكرة الحفاظ 1/ 214، طبقات الحفاظ ص 90، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 28".
2 في ض: عن أبي.
3 وهو عمرو بن عبد الله بن علي الهَمْداني، ثم السبيعي، منسوب إلى جد القبيلة السَّبيع بن مصعب بن معاوية، أبو إسحاق التابعي، الكوفي. أجمعوا على توثيقه وجلاله والثناء عليه. قال شعبة: "كان أحسن حديثاً من مجاهد والحسن وابن سيرين". سمع ثمانية وثلاثين صحابيًّا. توفي سنة 127 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الخلاصة ص 291، طبقات القراء 1/ 602، شذرات الذهب 1/ 174، تهذيب الأسماء 2/ 171، طبقات الحفاظ ص 43، تذكرة الحفاظ 1/ 114".
4 هو عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري، أبو بردة. كان أبوه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبو بردة كان قاضياً على الكوفة، وليها بعد القاضي شريح، وله مكارم ومآثر مشهورة. وكان أبو موسى تزوج في عمله على البصرة. وكان والد الزوجة رجلاً من أهل الطائف، فولدت له أبا بردة، وسماه أبو موسى عامراً، وكساه جده بردتين، فكناه أبا بردة، فذهب اسمه. وكان ولده بلال قاضياً على البصرة، وهم ثلاثة قضاة في نسق. توفي أبو بردة سنة 103 هـ وقيل غير ذلك.
"انظر: وفيات الأعيان 2/ 225، شذرات الذهب 1/ 126، المعارف ص 589".
5 رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وابن حبان والدارمي والحاكم وصححاه، وذكر الحاكم له طرقاً. وقال: "وقد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وأم سلمة وزينب". ثم سرد تمام ثلاثين صحابيًّا. وقد اختلف في وصله وإرساله. ورواه ابن حبان بنفس السند السابق.
"انظر: سنن أبي داود 1/ 481، تحفة الأحوذي 4/ 226، سبل السلام 3/ 117، نيل الأوطار 6/ 134، الكفاية ص 409 وما بعدها، سنن الدارمي 2/ 137، موارد الظمآن ص 304، مسند أحمد 4/ 394، سنن ابن ماجه 1/ 605، المستدرك 2/ 169".(2/551)
إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1. فَقَضَى الْبُخَارِيُّ لِمَنْ وَصَلَهُ. وَقَالَ: زِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ2.
وَمِثَالُ مَا رَفَعَهُ رَاوٍ وَوَقَفَهُ غَيْرُهُ: حَدِيثُ مَالِكٍ فِي "الْمُوَطَّإِ"3 عَنْ أَبِي النَّضْرِ4 عَنْ بُسْرِ5 بْنِ سَعِيدٍ6 عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ7: "أَفْضَلُ صَلاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلاَّ الْمَكْتُوبَةَ" 8. وَخَالَفَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ9
ـــــــ
1 تحفة الأحوذي 4/ 226.
2 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 33-34، تدريب الراوي 1/ 222، الكفاية ص 410، 413.
3 الموطأ 1/ 130.
4 هو سالم بن أبي أمية التيمي مولاهم، أبو النضر المدني. روى عن أنس وسليمان بن يسار وبسر بن سعيد وعن عبد الله بن أبي أوفى كتابة. وروى عنه موسى بن عقبة وابن إسحاق والليث. قال ابن المديني: له نحو خمسين حديثاً. وثقه يحيى بن معين والنسائي. وقال مالك في الموطأ: عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله. وكان يوصف بالفضل والعقل والعبادة. مات سنة 129 هـ.
"انظر: الخلاصة ص 131، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 186، تهذيب التهذيب 3/ 431".
5 في ش ع: بشر.
6 هو بُسْر بن سعيد المدني الزاهد العابد، المجاب الدعوة. روى عن عثمان وزيد بن ثابت، مولى الحضرميين، كان من المتقنين. مات سنة مائة هجرية.
"انظر: مشاهير علماء الأمصار ص 76، شذرات الذهب 1/ 118، الخلاصة ص 47".
7 ساقطة من ع ش. وفي ز: على.
8 رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن زيد مرفوعاً بألفاظ مختلفة، ولفظ الصحيحين: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبوراً".
انظر: صحيح البخاري 1/ 206، صحيح مسلم 1/ 538، الموطأ 1/ 130، سنن أبي داود 1/ 240، 334، تحفة الأحوذي 2/ 530، سنن النسائي 3/ 161، مسند أحمد 5/ 184.
9 هو موسى بن عقبة بن أبي عياش القرشي مولاهم، المدني، أبو محمد الأسدي مولهم. كان متقناً، فقيهاً حافظاً نبيهاً. صنف المغازي فأجاد، وكان مالك إذا سئل عن المغازي يقول: "عليكم بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة، فإنها أصح المغازي". وقال ابن معين: ثقة. وثقه أحمد وأبو حاتم. مات سنة 141 هـ.
انظر ترجمته في "الخلاصة ص 392، طبقات الحفاظ ص 63، تذكرة الحفاظ 1/ 148، شذرات الذهب 1/ 209، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 594".(2/552)
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنُ1 أَبِي هِنْدٍ2 وَغَيْرُهُمَا. فَرَوَوْهُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَرْفُوعًا، وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ.
"وَحَرُمَ نَقْصُ مَا تَعَلَّقَ بِبَاقٍ" يَعْنِي أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّاوِي أَنْ يُنْقِصَ مِنَ3 الْحَدِيثِ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِبَاقِي الْحَدِيثِ إجْمَاعًا، لِبُطْلانِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحَدِيثِ نَحْوُ الْغَايَةِ وَالاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوِهِمَا4، كَنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ5 حَتَّى يُزْهِيَ6".
ـــــــ
1 في ش ز: عن.
2 هو عبد الله بن سعيد بن أبي هند، أبو بكر، مولى بني فزارة. يروي عن أبيه وسعيد بن المسيب وأبي أمامة بن سهل، وروى عنه القطان ومكي وجماعة. كما روى عنه أصحاب الكتب الستة. وثقه أحمد ويحيى بن معين وقال: ثقة يحدث عنه مالك. وقال القطان: صالح يعرف وينكر. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال الذهبي: صدوق ربما وهم.
انظر ترجمته في "الخلاصة ص 199، ميزان الاعتدال 2/ 429، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 310".
3 ساقطة من ش.
4 انظر: جمع الجوامع 2/ 144، المستصفى 1/ 168، الإحكام 2/ 111، نهاية السول 2/ 333، العضد على ابن الحاجب 2/ 72، المسودة ص 304، فواتح الرحموت 2/ 169، تيسير التحرير 3/ 75، الكفاية ص 191، مقدمة ابن الصلاح ص 106، تدريب الراوي 2/ 103، 104، اللمع ص 45، غاية الوصول ص 98، إرشاد الفحول ص 58.
5 في دب ع ض: الثمرة.
6 في ب ع د ض: تُزهي. وفي ز وهامش ع: تزهو، وهما روايتان للحديث. وصوب الخطابي: تزهو دون تزهي. قال ابن الأثير: "منهم من أنكر تزهي، كما أن منهم من أنكر تزهو". والصواب الروايات على اللغتين، زَهَتْ تَزْهُو، وأزهتْ تُزْهي، أي...........=(2/553)
فَيُتْرَكُ "حَتَّى يُزْهِيَ1" وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلا الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ، إلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ" 2 فَيُتْرَكُ "إلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ" وَكَذَلِكَ الصِّفَةُ فِي "فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ" 3 فَيُتْرَكُ "السَّائِمَةِ" وَكَذَا مَا فِيهِ4 تَغْيِيرٌ مَعْنَوِيٌّ، كَمَا فِي النُّسَخِ، نَحْوُ "كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا" 5، وَكَذَا تَرْكُ بَيَانِ مُجْمَلٍ فِي الْحَدِيثِ، أَوْ تَخْصِيصِ عَامٍّ أَوْ تَقْيِيدِ
ـــــــ
= تحمر. قال المناوي: ولا يكتفى بوقت بدو الصلاح، بل لا بد من حصوله بالفعل في الكل أو البعض.
"انظر: فيض القدير 6/ 306، النهاية في غريب الحديث 2/ 323".
والحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه ومالك، ورواه النسائي والدارمي بلفظ: "حتى يبدو صلاحه".
"انظر: صحيح البخاري 2/ 23، صحيح مسلم 3/ 1167، سنن أبي داود 2/ 226، تحفة الأحوذي 4/ 420، سنن ابن ماجه 2/ 747، سنن النسائي 7/ 231، نيل الأوطار 5/ 195، الموطأ 2/ 618، سنن الدارمي 2/ 251".
1 في د ز ب ع ض: تزهي. وفي هامش ع: تزهو، وهي رواية صحيحة أيضاً "نهى عن بيع الثمار حتى تُزْهي".
2 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي ومالك والشافعي عن عبادة بن الصامت وأبي سعيد بألفاظ مختلفة.
"انظر: صحيح البخاري 2/ 21، صحيح مسلم 3/ 1309، سنن أبي داود 2/ 224، تحفة الأحوذي 4/ 441، السنن الكبرى 5/ 276، الموطأ 2/ 632، سنن النسائي 7/ 241، سنن ابن ماجه 1/ 8، نيل الأوطار 5/ 215، الأم 3/ 29، بدائع المنن 2/ 174".
3 هذا جزء من حديث رواه البخاري وأبو داود والنسائي والطبراني والدارمي عن أنس وابن عمر مرفوعاً بألفاظ مختلفة.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 253، سنن أبي داود 1/ 358، سنن النسائي 5/ 14، 20، سنن الدارمي 1/ 381، تخريج أحاديث البزدوي ص 127، تخريج أحاديث المنهاج ص 289".
4 في ب ع: كان فيه.
5 رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والبغوي والحاكم عن بريدة مرفوعاً، ورواه ابن ماجه عن ابن مسعود مرفوعاً.
"انظر: صحيح مسلم 2/ 672، سنن أبي داود 2/ 195، تحفة الأحوذي 4/ 159، سنن النسائي 4/ 73، سنن ابن ماجه 1/ 501، تخريج أحاديث البزدوي ص 225، فيض القدير 5/ 55، شرح السنة للبغوي 5/ 462، موارد الظمآن ص 201".(2/554)
مُطْلَقٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لا يَجُوزُ تَرْكُهُ إجْمَاعًا1.
"وَيُسَنُّ أَنْ لا يُنْقِصَ" مِنْ الْحَدِيثِ "غَيْرَهُ" أَيْ غَيْرَ مَا تَعَلَّقَ بِبَاقِيهِ بِلا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ2. فَإِنْ نَقَصَهُ شَيْئًا لا يَتَعَلَّقُ بِبَاقِيهِ جَازَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ3. وَقِيلَ: 4لا يَجُوزُ3 مُطْلَقًا5.
ـــــــ
1 انظر: المستصفى 1/ 168، نهاية السول 2/ 333، الإحكام للآمدي 2/ 111، فواتح الرحموت 2/ 169، تيسير التحرير 3/ 75، جمع الجوامع 2/ 144، الكفاية ص 191، العضد على ابن الحاجب 2/ 72، المسودة ص 304، تدريب الراوي 3/ 104، مقدمة ابن الصلاح ص 106، اللمع ص 45، غاية الوصول ص 98، إرشاد الفحول ص 58.
2 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 111، اللمع ص 44.
3 انظر: المجموع 1/ 64، قواعد التحديث ص 225، المسودة ص 304، فواتح الرحموت 2/ 169، تيسير التحرير 3/ 75، المستصفى 1/ 168، الإحكام للآمدي 2/ 111، نهاية السول 2/ 333، مقدمة ابن الصلاح ص 106، توضيح الأفكار 2/ 393، الإلماع ص 181، النووي على مسلم 1/ 49، تدريب الراوي 2/ 103، الكفاية ص 189، 193، العضد على ابن الحاجب 2/ 72، جمع الجوامع 2/ 144، اللمع ص 45، غاية الوصول ص 98.
4 ساقطة من ش.
5 وهو قول أكثر من منع نقل الحديث بالمعنى، وبه قال أبو الحسين البصري.
"انظر: تيسير التحرير 3/ 75، فواتح الرحموت 2/ 170، المعتمد 2/ 626، المحلي على جمع الجوامع 2/ 144، المسودة ص 304، المستصفى 1/ 168، مقدمة ابن الصلاح ص 106، الإلماع ص 181، توضيح الأفكار 2/ 392، تدريب الراوي 2/ 103، النووي على مسلم 1/ 49، اللمع ص 45، إرشاد الفحول ص 58".(2/555)
وَقِيلَ: إنْ نَقَلَهُ 1بِتَمَامِهِ مَرَّةً5 جَازَ وَإِلاَّ فَلا2.
وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْحَدِيثُ مَشْهُورًا بِتَمَامِهِ جَازَ وَإِلاَّ فَلا3.
"ويجب العمل4 بحمْلِ صَحَابِيٍّ ما رَوَاه" من حديثٍ محتملِ المعْنَيَيْنِ "على أحد مَحْمَلَيْه تَنَافَيَا" أي المحملان5 "أو لا يعني" أو6 لم يَتَنَافَيَا7.
قَالَ ابن مفلح: عندنا وعند عامة العلماء.
إن8 هذه المسألة تعرف بما إذا قَالَ راوي الحديث فيه شيئا، هل يُقْبَلُ أو يُعْمَلُ بالحديث؟ ولها أحوال:
منها: أن يكون الخبر عامًّا، فيحمله الراوي على بعض أفراده، ويأتي
ـــــــ
1 في ز: مرة بتمامه.
2 انظر: توضيح الأفكار 2/ 393، تدريب الراوي 2/ 103، النووي على مسلم 1/ 49، تيسير التحرير 3/ 75، فواتح الرحموت 2/ 170، مقدمة ابن الصلاح ص 106، اللمع ص 45، إرشاد الفحول ص 58.
3 وهناك أقوال أخرى في المسألة. "انظر: إرشاد الفحول ص 58".
4 في ش ب ز ع: عملٌ.
5 في ش ب ز ض: المحملين.
6 في ض: وإن.
7 جمع المصنف بين حالتي التنافي وعدمه. وقال بوجوب العمل بحمل الصحابي فيهما، ويفرق السبكي وغيره بين الحالتين، فيعمل بحمل الصحابي على أحد محمليه المتنافيين، أما عند عدم التنافي فالحكم كالمشترك يحمل على معنييه.
"انظر: جمع الجوامع 2/ 145، الأجوبة الفاضلة ص 222، شرح تنقيح الفصول ص 371، الإحكام للآمدي 1/ 115، المعتمد 2/ 670، العضد على ابن الحاجب 2/ 72، غاية الوصول ص 99، إرشاد الفحول ص 59".
8 ساقطة من ز ش ب ع.(2/556)
ذلك في تخصيص العام، أو يَدَّعِي تقييدًا في مطلَق، فكالعامِّ1 يُخَصِّصُهُ2، أو يَدَّعِي نسخَه، و3يأتي في النسخ، أو يخالفُه بترك نص الحديث، كرواية أبي هريرة في الولوغ سبعًا4، وقولِهِ: "يُغْسَلُ ثلاثا" “5 وبعضُهم يمثِّلُ ذلك لتخصيص العام، ولا يَصِحُّ، لأن العددَ نصٌّ فيه6.
ومنها: مسألةُ الكتابِ، وهي7 أن يروي صحابي خبرا محتملا لمعنيين ويحمله على أحدهما، فإن تنافَيَا، كالقُرْء، يحمله8 الراوي على الأطهار مثلا، وجبَ الرجوع إلى حملِهِ، عملا بالظاهر9، كما قاله أصحابنا، وجمهور الشافعية كالأستاذين10 أبي إسحاق وأبي منصور وابن فورك والكيا الهراسي، وسُلَيم الرازي، ونقله أبو الطيب عن مذهب الشافعي11، ولهذا رجع إلى تفسير ابن عمر رضي الله عنهما في التفرق في خيار
ـــــــ
1 في ع: وكالعام.
2 في ض: يخصه.
3 في ع: أو.
4 سبق تخريجه ص 368.
5 روى هذا الحديث الدارقطني بسند صحيح سنن الدارقطني 1/ 65.
انظر: كشف الأسرار 3/ 65، أصول السرخسي 2/ 6، تيسير التحرير 3/ 72، المعتمد 2/ 670، إرشاد الفحول ص 56.
6 ساقطة من ض.
7 في ز ع ض: وهو.
8 في ش ز: ويجعله.
9 في ش: بالطاهر.
10 في ش ز: كالأستاذ.
11 انظر: فواتح الرحموت 2/ 162، تيسير التحرير 3/ 71، الإحكام للآمدي 2/ 115، المعتمد 2/ 670، مناهج العقول 2/ 310، شرح تنقيح الفصول ص 371، غاية الوصول ص 99، الأجوبة الفاضلة ص 222.(2/557)
المجلس1 بالأبدان2، وإلى تفسيره3: "حبل الحبلة"4 ببيعه إلى نِتَاجِ النِّتاج، وإلى قول عمر رضي الله عنه في: "هاءً وهاءً" 5 أنه التقابُض في مجلس العقد6.
ـــــــ
1 أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد والدارمي وابن حبان عن حكيم بن حزام وابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا".
"انظر: صحيح البخاري 2/ 12، صحيح مسلم 3/ 1163، سنن أبي داود 2/ 245، تحفة الأحوذي 4/ 448، سنن النسائي 7/ 217، سنن ابن ماجه 2/ 736، تخريج أحاديث البزدوي ص 195، نيل الأوطار 5/ 208، الموطأ 2/ 671، مسند أحمد 3/ 402، سنن الدارمي 2/ 250، موارد الظمآن ص 270، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص 75".
2 انظر:أصول السرخسي 2/ 7.
3 في ض: تفسير.
4 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك عن ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى عن بيع حَبَل الحبلة"، وفي لفظ: "كان أهل الجاهلية يتبايعون لحوم الجزور إلى حبل الحبلة، وحبل الحبلة أن تُنْتج الناقة ما في بطنها ثم تحمل التي نتجت منها، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك".
"انظر: صحيح البخاري 2/ 17، 319، صحيح مسلم 3/ 1153، سنن أبي داود 2/ 229، تحفة الأحوذي 4/ 423، سنن النسائي 7/ 257، المنتقى شرح الموطأ 5/ 21".
5 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك والشافعي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالوَرِق ربا إلا هاءً وهاءً، والبر بالبر ربا إلا هاءً وهاءً، والشعير بالشعير بالشعير ربا إلا هاءً وهاءً، والتمر بالتمر ربا إلا هاءً وهاءً"، والمعنى: خذ وهات، وهو التقابض في الحال.
"انظر: صحيح البخاري 2/ 20، صحيح مسلم 3/ 1210، سنن أبي داود 2/ 222، تحفة الأحوذي 4/ 442، سنن النسائي 7/ 240، سنن ابن ماجه 2/ 757، 759، "الموطأ 2/ 637".
6 روى الإمام مالك والشافعي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لمالك بن أوس لما صرف من طلحة بن عبيد الله، والله، لا تفارقه حتى تأخذ منه، ثم ذكر الحديث السابق ... الموطأ 2/ 637، الأم للشافعي 3/ 29، المنتقى 4/ 271".(2/558)
وخالف أبو بكر الرازي من الحنفية، فقال: لا يُعْمَل بحمل الصحابي1. وقيل: يجتهد أولا، فإن لم يظهر له شيء وجب العمل بحمل الصحابي2.
وعن الإمام أحمد رضي الله عنه روايةٌ ثانيةٌ: أنه يجب العمل بحمل التابعي أيضا، وعند جَمْعٍ وبعضِ الأئمة3.
وحيث علمتَ أن الصحيح وجوب العمل بحمل ما رواه الصحابي على أحد مَحْمَلَيْه، فإنه يكون كما "لو أُجْمِعَ على جوازهما" أي جواز كل من المحملين "و" أجمع أيضًا على "إرادة أحدهما" كما في حديث ابن عمر في التفرق في خيار المجلس، هل هو التفرقُ بالأبدان، أو بالأقوال ؟ فقد أجمعوا على4 أن المرادَ أحدُهما، فكان ما صار إليه الراوي أولى.
ـــــــ
1 قال القرافي: "وقال الكرخي: ظاهر الخبر أولى" "شرح تنقيح الفصول ص 371". وقال الأنصاري في "فواتح الرحموت": "وأكثر أصحابنا لا يقبلون تأويل الصحابي وتعيين أحد المحامل" "فواتح الرحموت 2/ 162"، وهو ما جاء في كتب الحنفية أيضاً وفي "المعتمد".
"انظر: الأجوبة الفاضلة ص 222، أصول السرخسي 2/ 7، تيسير التحرير 3/ 71، كشف الأسرار 3/ 65، المعتمد 2/ 670".
2 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 115.
3 قال الشوكاني: "وإن كان المقتصر غير صحابي، ولم يقع الإجماع على أن المعنى الذي اقتصر عليه هو المراد فلا يصار إلى تفسيره". "إرشاد الفحول ص 59". وقال السبكي: وقيل: أو التابعي "أي كالصحابي". وقال المحلي: وإنما لم يساوِ التابعي الصحابي على الراجح، لأن ظهور القرينة للصحابي أقرب" "جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 145".
وانظر: غاية الوصول ص 99.
4 ساقطة من ش ب ز ض.(2/559)
قَالَ 1ابن أبي1 هريرة2: أحمله عليهما معا، فأجعل لهما الخيار في الحالين بالخبر.
قَالَ الماوردي: هذا صحيح، لولا أن الإجماعَ منعقدٌ على أن المراد أحدهما.
"أو قاله" أي وكما لو قاله الصحابي "تفسيرا" لمعنى الحديث3.
قَالَ في "شرح التحرير": واعلم أن الخلاف - كما قَالَ الهندي - فيما إذا ذكر ذلك الراوي، لا بطريق التفسير للفظة، وإلا فتفسيره4 أولى بلا خلاف. اهـ
ومحل ذلك إذا كان الحمل أو التفسير على أحد معنييه الظاهرين، أو الظاهر منهما.
أما إذا حمله الصحابي بتفسيره، أو بأن المراد منه غير ظاهره، فإنه "لا" يقبل منه ما يذكره "على غير ظاهره" كما إذا حمل ما ظاهره5 الوجوب على الندب، أو بالعكس، أو ما هو حقيقة على المجاز، ونحو
ـــــــ
1 في ش: أبو.
2 هو الحسن بن الحسين، أبو علي، المعروف بابن أبي هريرة، الإمام الجليل، القاضي، أحد عظماء الأصحاب في المذهب الشافعي، وكان أحد شيوخ الشافعية، وانتهت إليه إمامة العراقيين. له مسائل محفوظة في الفروع. وعارض أبا إسحاق بكلام مرضي، وأجوبة صحيحة معروفة عنه. درّس ببغداد، وتخرج عليه خلق كثير، وكان معظماً عند السلاطين والرعايا. شرح "مختصر المزني". مات سنة 345 هـ. وقال ابن كثير سنة 375 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 256، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 112، وفيات الأعيان 1/ 358، البداية والنهاية 11/ 304، طبقات الشافعية للعبادي ص 77، الفتح المبين 1/ 193، تذكرة الحفاظ 3/ 857، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 72، مرآة الجنان 2/ 337".
3 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 299، مختصر الطوفي ص 65.
4 في ب: تفسيره.
5 في ض: ظاهر.(2/560)
ذلك، فإنه لا يلتفت إلى قوله "وعُمِل" في ذلك "بالظاهر1 ولو كانَ قولُه" أي قول2 الصحابي "حجةً" في غير هذه الصورة. وعلى العمل بالظاهر في هذه الصورة أكثرُ الفقهاء3، ولهذا قَالَ الشافعي رضي الله عنه: كيف أترك الخبرَ لأقوالِ أقوامٍ لو عاصرتُهم لحَجَجْتُهُمْ4.
وقيل: يعملُ بقولِ الصحابي، ويُتْرك الظاهرُ، وحكي عن الإمام أحمد رضي الله عنه وأكثرِ الحَنَفِيَّةِ ؛ لأن الصحابي لا يقولُ بما يخالفُ الظاهرَ إلا عن تَوْقِيفٍ، وللمالكيةِ خلافٌ5.
واختار ابن عقيل والآمدي وأبو الحسين6 وعبد الجبار: يعمل بالظاهر إلا أن يُعْلَمَ مأخذُه، ويكون صالحًا، وهو أظهرُ7.
ـــــــ
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ش ب ز ع.
3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 115، جمع الجوامع 2/ 146، العضد على ابن الحاجب 2/ 73، فواتح الرحموت 2/ 163، تيسير التحرير 3/ 71، أصول السرخسي 2/ 6 وما بعدها، غاية الوصول ص 99، إرشاد الفحول ص 59، الأجوبة الفاضلة ص 223.
4 في ش: لحججهم.
وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 72، المحلي على جمع الجوامع 2/ 146، المعتمد 2/ 670، تيسير التحرير 3/ 71، الإحكام للآمدي 2/ 115، غاية الوصول ص 99، الرسالة ص 596 وما بعدها.
5 انظر: فواتح الرحموت 2/ 163، تيسير التحرير 3/ 72، العضد على ابن الحاجب 2/ 73، المعتمد 2/ 670، جمع الجوامع 2/ 146، الإحكام للآمدي 2/ 115، غاية الوصول ص 99، إرشاد الفحول ص 59، الأجوبة الفاضلة ص 223.
6 في ب ز ع ض: الحسن. وما أثبتناه أعلاه من ش، وهو ما ورد النص عليه في إرشاد الفحول ص 60، تيسير التحرير 3/ 72.
7 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 115، تيسير التحرير 3/ 72، جمع الجوامع 2/ 146، المعتمد 2/ 670، إرشاد الفحول ص 60.(2/561)
قَالَ ابن مفلح: لعله مرادُ مَنْ أَطْلَقَ."ولا يرد خبره"1 أي خبرُ الصَّحَابِيِّ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لمخالفته1 ما لا يحتمل تأويلا" أي بسببِ مخالفتِهِ نصًّا لا يحتملُ التأويلَ في الأصحِّ عندنا2.
"ولا يُنْسَخُ" النصُّ، وقالته الشافعية، لاحتمال نسيانه، ثم لو عُرِفَ ناسخُه لذَكَرَهُ، ورواه ولو مرَّةً، لئلا يكون كاتِمًا للعلم3، كرواية أبي هريرة في "غسل الولوغ سبعا" وقولِهِ: "يغسل ثلاثا".
وقالت الحنفية - وهو رواية عن أحمد4 -: لا يُعْمَل بالخبر5.
ـــــــ
1 في ز: لمخالفه. وفي ض: بمخالفة.
2 وهذا ما نص عليه الآمدي. وقال أبو الحسين البصري: "إذا خالف مقتضى العقل، ولم يمكن تأويله من غير تأسف فيرد". وفرق اللكنوي بين حالتي استناد الصحابي إلى مستند قوي أم لا.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 116، المعتمد 2/ 549، 641، الأجوبة الفاضلة ص 224".
3 انظر: المعتمد للآمدي 2/ 116، المعتمد 2/ 549، 641، إرشاد الفحول ص 60.
4 هذه الرواية رجحها أبو الخطاب. وقال: "ويقبل قول الصحابي: هذا الخبر منسوخ، ويرجع إلى تفسيره. وقال الشيرازي: يردّ الخبر إن خالف نص كتاب أو سنة متواترة، فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ" "اللمع ص 46"؟
وانظر: مختصر الطوفي ص 65، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95.
5 ذهب الحنفية إلى أنه لا يعمل بالخبر، وأن الصحابي علم بالناسخ، وإن لم يذكره فينسخ الحكم الأول، ويعمل بالخبر الذي رواه، وهو ما بينه السرخسي وابن عبد الشكور، وصاحب فواتح الرحموت، وذكروا الأمثلة السابقة وغيرها.
"انظر: أصول السرخسي 2/ 6، فواتح الرحموت 2/ 163، تيسير التحرير 3/ 72، 73".(2/562)
وقال الآمدي: "يتعين ظهورُ ناسخ عنده، 1وقد لا يكون ناسخا4 عند غيره، فلا يُتْرَك النصُّ باحتمال2"
وخالفه ابن الحاجب، وقال: "في العمل بالنص نظرٌ3".
وقال إمام الحرمين وابن4 القشيري5: إِنْ تحققنا نسيانَه للخبر، أو فرضنا مخالفتَه لخبر لم يروه، وجوزنا أنه 6لم يبلُغْه8، فالعملُ بالخبر، أو روى خبرًا يقتضي رفعَ الحرج، فيما سبقَ فيه حظْرٌ، ثم رأيْناه يتخرَّجُ، فالعملُ بالخبر أيضًا.
"وَخَبَرُ الْوَاحِدِ وَإِنْ" فُرِضَ أَنَّهُ "خَالَفَ عَمَلَ أَكْثَرِ الأُمَّةِ أَوْ" أَنَّهُ خَالَفَ "الْقِيَاسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ" فَالْخَبَرُ "مُقَدَّمٌ".
ـــــــ
1 ساقطة من ض.
2 الإحكام للآمدي 2/ 116، بتصرف.
وانظر مناقشة ذلك في "فواتح الرحموت 2/ 163، المسودة ص 231".
3 مختصر ابن الحاجب 2/ 72.
4 ساقطة من ض.
5 هو عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن، أبو نصر، أحد أولاد الأستاذ أبي القاسم عبد الكريم القشيري، وهو أكثرهم علماً، وأشهرهم اسماً، وكان إماماً بارعاً، وعالماً بحراً، رباه أبوه وعلمه، ثم لزم إمام الحرمين، كما لزم أبا إسحاق الشيرازي في بغداد، واستوفى في علم الأصول والتفسير والوعظ والفقه والخلاف، وروى الأحاديث، وكان مناظراً أديباً متكلماً. صنف "التيسير في التفسير" وله شعر لطيف. واعتقل لسانه في آخر عمره إلا عن الذمر وآي القرآن. توفي سنة 514 هـ بنيسابور.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 159، وفيات الأعيان 2/ 377 "في ترجمة والده"، فوات الوفيات 1/ 559، شذرات الذهب 4/ 45، طبقات المفسرين 1/ 291، تبيين كذب المفتري ص 308، تذكرة الحفاظ 4/ 1254، البداية والنهاية 12/ 187، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 199، مرآة الجنان 3/ 210.
6 في ش: بلغه. وفي ز: يبلغه.(2/563)
أَمَّا كَوْنُ خَبَرِ الْوَاحِدِ مُقَدَّمًا عَلَى مَا عَلَيْهِ عَمَلُ أَكْثَرِ الأُمَّةِ: فَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ. وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا1.
وَأَمَّا كَوْنُهُ مُقَدَّمًا مَعَ مُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ: فَلِنَصِّ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَأَصْحَابِهِمَا2 وَالْكَرْخِيِّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالأَكْثَرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ3. وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "لَوْلا هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ4 بِرَأْيِنَا"5 وَبِرُجُوعِهِ إلَى تَوْرِيثِ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا6، وَلِعَمَلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِذَلِكَ7.
ـــــــ
1 قال الآمدي: "فلا يُردّ الخبر بذلك إجماعا"ً "الإحكام 2/ 116"، لكن المالكية يقدمون إجماع أهل المدينة على خبر الواحد كما مر سابقاً ص 367.
"انظر: فواتح الرحموت 2/ 164، تيسير التحرير 3/ 73، نهاية السول 2/ 313، العضد على ابن الحاجب 2/ 73، المحلي على جمع الجوامع 2/ 135، عمل المدينة ص 73 وما بعدها".
2 ساقطة من ش.
3 وهو قول الإمام أبي حنيفة.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 118، فواتح الرحموت 2/ 177، تيسير التحرير 3/ 116، أصول السرخسي 1/ 339، كشف الأسرار 2/ 378، نهاية السول 2/ 312، المحلي على جمع الجوامع 2/ 136، المسودة ص 239، 241، العضد على ابن الحاجب 2/ 73، تخريج الفروع على الأصول ص 195، اللمع ص 41، 46، مختصر الطوفي ص 70، إرشاد الفحول ص 55، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96، المعتمد ص 2/ 653 وما بعدها".
4 ساقطة من ض.
5 أخرجه الشافعي في "الأم" ورواه أبو داود بلفظ آخر، وسبق تخريجه كاملاً ص 370.
"انظر: سنن أبي داود 2/ 109، 498، تيسير التحرير 3/ 117، بدائع المنن 2/ 268، الرسالة ص 427، الأم للشافعي 6/ 107".
6 سبق تخريجه كاملاً صفحة 371.
7 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 119، تيسير التحرير 3/ 117، كشف الأسرار 2/ 378.(2/564)
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَكْثَرُهُمْ يَنْهَى عَنْ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ1، وَالْقُرْعَةِ فِي عِتْقِ جَمَاعَةٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَشَاعَ وَلَمْ يُنْكَرْ.
وَقَدَّمَ الْمَالِكِيَّةُ الْقِيَاسَ2، وَقَالَهُ3 أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ: إنْ خَالَفَ الأُصُولَ أَوْ مَعْنَى الأُصُولِ لا قِيَاسَ الأُصُولِ. وَأَجَازُوا الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ سَفَرًا، وَأَبْطَلُوهُ4 بِالْقَهْقَهَةِ دَاخِلَ الصَّلاةِ5.
وَاحْتَجَّتْ الْمَالِكِيَّةُ لِتَقْدِيمِهِمْ الْقِيَاسَ بِاحْتِمَالِ كَذِبِ الرَّاوِي وَفِسْقِهِ وَكُفْرِهِ وَخَطَئِهِ، وَالإِجْمَالِ فِي الدَّلالَةِ وَالتَّجَوُّزِ وَالإِضْمَارِ وَالنَّسْخِ مِمَّا6 لا يَحْتَمِلُهُ الْقِيَاسُ7.
وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ بَعِيدٌ، وَبِتَطَرُّقِهِ إلَى أَصْلٍ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَبِتَقْدِيمِ
ـــــــ
1 لما ورد في ذلك من الروايات المضطربة. "انظر: تحفة الأحوذي 1/ 198، سنن ابن ماجه 1/ 133، المستدرك 1/ 159، سنن الدارقطني 1/ 116".
2 قال القرافي: "حكى القاضي عياض في "التنبيهات" وابن رشد في "المقدمات" في مذهب مالك في تقديم القياس على خبر الواحد قولين، وعند الحنفية قولان أيضاً" "شرح تنقيح الفصول ص 387".
وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 118، فواتح الرحموت 2/ 177، كشف الأسرار 2/ 377، المسودة ص 239، 241.
3 في ش: وقال.
4 في ز: وأبطلوا.
5 وهناك أقوال أخرى بالتساوي، وبالتفصيل بين قياس وقياس، وخبر وخبر، وبالوقف ....
"انظر: المسودة ص 239، 241، العضد على ابن الحاجب 2/ 72، الإحكام للآمدي 2/ 118، تخريج الفروع على الأصول ص 195، اللمع ص 41، 46، الروضة ص 66، إرشاد الفحول ص 55، أصول السرخسي 1/ 338 وما بعدها".
6 في ش ز: بما.
7 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 387، المعتمد 2/ 658.(2/565)
ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ مَعَ التَّطَرُّقِ فِي الدَّلالَةِ1.
قَالُوا2 ظَنُّهُ فِي الْخَبَرِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ، وَفِي الْقِيَاسِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ، وَهُوَ بِهَا أَوْثَقُ3.
رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْخَطَأَ إلَيْهِ أَقْرَبُ مِنْ الْخَطَإِ فِي الْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ مُسْتَنِدٌ إلَى الْمَعْصُومِ. وَيَصِيرُ ضَرُورِيًّا بِضَمِّ أَخْبَارٍ إلَيْهِ، وَلا يَفْتَقِرُ إلَى قِيَاسٍ وَلا إجْمَاعٍ كَمَا4 فِي لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ. وَهُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ، أَوْ مُسْتَثْنًى لِلْمَصْلَحَةِ، وَقَطْعِ النِّزَاعِ لاخْتِلاطِهِ5.
وَاعْتُرِضَ بِمِثْلِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لأَبِي هُرَيْرَةَ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "تَوَضَّؤُوا مِمَّا6 مَسَّتْ النَّارُ 7" فَقَالَ8: "أَفَنَتَوَضَّأُ9 من
ـــــــ
1 انظر: اللمع ص 41، الروضة ص 66، المعتمد 2/ 658، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96
2 في ش: ما لو.
3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 122، كشف الأسرار 2/ 378، المعتمد 2/ 658.
4 ساقطة من ش ز.
5 انظر أدلة الجمهور في تقديم الخبر، ومناقشة أدلة المخالفين في "الإحكام للآمدي 2/ 119 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 178، نهاية السول 2/ 313، العضد على ابن الحاجب 2/ 73- 74، المعتمد 2/ 655، تخريج الفروع على الأصول ص 195، الروضة ص 96، مختصر الطوفي ص 70 وما بعدها، إرشاد الفحول ص 56".
6 في د: بما.
7 أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه.
"انظر: صحيح مسلم 1/ 272، تحفة الأحوذي 1/ 256، سنن ابن ماجه 2/ 163".
8 في ز: فقالوا إنا.
9 في ش ب: إنا نتوضأ. وفي د: أإنا نتوضأ.(2/566)
مِنْ الْحَمِيمِ1" أَيْ مِنْ2 الْمَاءِ الْحَارِّ3. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ " يَا ابْنَ أَخِي إذَا سَمِعْت حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلا تَضْرِبْ لَهُ مَثَلاً " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ4.
رُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِبْعَادٌ لِمُخَالَفَتِهِ5 الظَّاهِرَ6.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ. وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ"7 وَأَيْضًا خَبَرُ مُعَاذٍ سَبَقَ فِي أَنَّ الإِجْمَاعَ حُجَّةٌ، وَلأَنَّ الْخَبَرَ أَقْوَى فِي غَلَبَةِ الظَّنِّ ؛ لأَنَّهُ يُجْتَهَدُ فِيهِ فِي الْعَدَالَةِ وَالدَّلالَةِ، وَيُجْتَهَدُ فِي الْقِيَاسِ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ الأَصْلِ، وَكَوْنِهِ مُعَلَّلاً وَصَلاحِيَةِ
ـــــــ
1 في ض: الحميم الحار.
2 ساقطة من ض.
3 أي هل نتوضأ من الماء الحار، وهو مما مسته النار؟ وقد نتوضأ بالماء الحار، فكيف نتوضأ بما عنه نتوضأ.
"انظر: فواتح الرحموت 2/ 178، تيسير التحرير 3/ 118، كشف الأسرار 2/ 378، العضد على ابن الحاجب 2/ 73".
4 انظر: تحفة الأحوذي 1/ 256، سنن ابن ماجه 1/ 163.
وانظر: شرح السنة للبغوي 1/ 348، أصول السرخسي 1/ 340، فواتح الرحموت 2/ 178، المعتمد 2/ 655، العضد على ابن الحاجب 2/ 73.
5 في ش ز ع ض: لمخالفة.
6 انظر: فواتح الرحموت 2/ 178، مناهج العقول 2/ 309 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/ 73.
7 رواه البخاري ومسلم بلفظ: "أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ". ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 50، صحيح مسلم 1/ 273، سنن أبي داود 1/ 43، تحفة الأحوذي 1/ 258، سنن النسائي 1/ 90، سنن ابن ماجه 1/ 164، الموطأ 1/ 25، نيل الأوطار 1/ 246، مسند أحمد 1/ 365".(2/567)
الْوَصْفِ1 لِلتَّعْلِيلِ، وَوُجُودِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَنَفْيِ2 الْمُعَارِضِ فِي الأَصْلِ وَالْفَرْعِ3.
وَلَمَّا تَعَارَضَتْ الأَدِلَّةُ عِنْدَ ابْنِ الْبَاقِلاَّنِيِّ: تَوَقَّفَ فِي الْمَسْأَلَةِ4.
وَعِنْدَ أَبِي الْحُسَيْنِ: إنْ كَانَتْ5 الْعِلَّةُ بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ فَالْقِيَاسُ كَالنَّصِّ عَلَى حُكْمِهَا، وَإِنْ كَانَ الأَصْلُ مَقْطُوعًا بِهِ فَقَطْ، فَالاجْتِهَادُ وَالتَّرْجِيحُ6.
وَعِنْدَ صَاحِبِ "الْمَحْصُولِ" يُقَدَّمُ الْخَبَرُ مَا لَمْ تُوجِبْ الضَّرُورَةُ تَرْكَهُ. كَخَبَرِ الْمُصَرَّاةِ لِمُعَارَضَتِهِ الإِجْمَاعَ فِي ضَمَانِ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ.وَعِنْدَ الآمِدِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ إنْ ثَبَتَتْ الْعِلَّةُ بِنَصٍّ رَاجِحٍ عَلَى الْخَبَرِ، وَهِيَ قَطْعِيَّةٌ فِي الْفَرْعِ فَالْقِيَاسُ، أَوْ ظَنِّيَّةٌ فَالْوَقْفُ، وَإِلاَّ فَالْخَبَرُ7، وَمَعْنَى كَلامِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا يَقْتَضِيهِ8.
ـــــــ
1 في ش ب: الوضوء.
2 في ش: ويبقى.
3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 119- 122، فواتح الرحموت 2/ 178-180، تيسير التحرير 3/ 118، كشف الأسرار 2/ 378، 379.
4 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 118، فواتح الرحموت 2/ 177، نهاية السول 2/ 312، إرشاد الفحول ص 55.
5 في ز: كان.
6 انظر: المعتمد 2/ 654، الإحكام للآمدي 2/ 118، فواتح الرحموت 2/ 177، تيسير التحرير 3/ 116، كشف الأسرار 2/ 377، العضد على ابن الحاجب 2/ 73.
7 الإحكام للآمدي 1/ 118.
8 وهو قول ابن الحاجب والمخار عند السبكي والكمال بن الهمام والبيضاوي وتابعه الإسنوي والعضد. وهناك أقوال كثيرة.
"انظر: مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 2/ 73، 74، الإحكام للآمدي 2/ 118- 119، فواتح الرحموت 2/ 177 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 116، نهاية السول 2/ 312، المحلي على جمع الجوامع 2/ 136، إرشاد الفحول ص 55".(2/568)
"وَيُعْمَلُ بِـ" الْحَدِيثِ "الضَّعِيفِ فِي الْفَضَائِلِ" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُوَفَّقِ وَالأَكْثَرِ1.
قَالَ أَحْمَدُ: إذَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَلالِ وَالْحَرَامِ شَدَّدْنَا2 فِي الأَسَانِيدِ. وَإِذَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ، وَمَا لا يَضَعُ3 حُكْمًا وَلا يَرْفَعُهُ تَسَاهَلْنَا فِي الأَسَانِيدِ4. وَاسْتَحَبَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ الاجْتِمَاعَ لَيْلَةَ5 الْعِيدِ فِي رِوَايَةٍ. فَدَلَّ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ لَوْ كَانَ شِعَارًا.
وَفِي "الْمُغْنِي" فِي صَلاةِ التَّسْبِيحِ: "الْفَضَائِلُ لا يُشْتَرَطُ لَهَا صِحَّةُ الْخَبَرِ"6، وَاسْتَحَبَّهَا جَمَاعَةٌ لَيْلَةَ الْعِيدِ. فَدَلَّ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشِّعَارِ وَغَيْرِهِ. قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ".
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى. لا يُعْمَلُ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي الْفَضَائِلِ. وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَحِبَّ صَلاةَ التَّسْبِيحِ لِضَعْفِ خَبَرِهَا عِنْدَهُ7، مَعَ أَنَّهُ خَبَرٌ مَشْهُورٌ عُمِلَ
ـــــــ
1 وهو المعتمد عند الأئمة.
"انظر: المجموع للنووي 1/ 59، المسودة ص 273، الكفاية ص 33، قواعد التحديث ص 113، مقدمة ابن الصلاح ص 49، تيسير التحرير 3/ 37، المدخل إلى مذهب أحمد ص 97، الأجوبة الفاضلة ص 228 وما بعدها".
2 في الكفاية: تشدّدنا.
3 في ش ز: يضيع.
4 رواه الخطيب بسنده في "الكفاية ص 134" ورواه النوفلي عن أحمد انظر: المسودة ص 273.
5 ساقطة من ض.
6 المغني 2/ 98.
7 قال ابن قدامة: "فأما صلاة التسبيح، فإن أحمد قال: ما تعجبني، قيل له: لم؟ قال: ليس فيها شيء يصح، ونَفَضَ يده كالمنكر" "المغني 2/ 98".(2/569)
بِهِ وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الأَئِمَّةِ1.
وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَيْضًا التَّيَمُّمَ بِضَرْبَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ عَنْهُ2، مَعَ أَنَّ فِيهِ أَخْبَارًا وَآثَارًا3، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ4.
ـــــــ
1 روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس وأبي رافع رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب: "يا عماه، ألا أعطيك، ألا أمنحك، ألا أَحْبُوك، ألا أفعل بك عشر خصال؟ إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك، أوله وآخره، وقديمه وحديثه، وخطأه عمده، وصغيره وكبيره، وسره وعلانيته، عشر خصال: أن تصلي أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القرآن قلت: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم تركع، وتقولها وأنت راكع عشراً، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشراً، ثم تهوي ساجداً، فتقولها وأنت ساجد عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في الأربع ركعات، إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة".
انظر: "سنن أبي داود 1/ 298، تحفة الأحوذي 2/ 594، سنن ابن ماجه 1/ 442".
2 قال ابن قدامة: "المسنون عند أحمد: "التيمم ضربة واحدة" "المغني 1/ 179".
وانظر: الروض المربع 1/ 31، كشف القناع 1/ 200، المحرر في الفقه 1/ 21. واستدل الحنابلة بما رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والدارمي عن عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في التيمم ضربة للوجه والكفين. وهو قول عطاء ومكحول والأوزاعي وأحمد وإسحاق والصادق والإمامية، ونقله ابن المنذر عن جمهور العلماء واختاره، وهو قول عامة أهل الحديث.
"انظر: المغني 1/ 180، سنن الدارمي 1/ 190، نيل الأوطار 1/ 308- 309، تحفة الأحوذي 1/ 441، 443، صحيح مسلم 1/ 280، صحيح البخاري 1/ 70، مسند أحمد 4/ 264، سنن أبي داود 1/ 79".
3 وهو ما رواه الحاكم والبيهقي والدارقطني وأبو داود ومالك عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ: "التيمم ضربتان، ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين"، وهو قول جمهور الفقهاء.
"انظر: الموطأ 1/ 56، سنن أبي داود 1/ 79، المستدرك 1/ 179، سنن الدارقطني 1/ 177، 181، نيل الأوطار 1/ 309، المغني 1/ 179، الوجيز للغزالي 1/ 21، منح الجليل 1/ 92، بدائع الصنائع 1/ 45، الأم للشافعي 1/ 49".
4 وهو قول البخاري ومسلم وابن حزم ويحيى بن معين وأبي بكر بن العربي
"انظر: قواعد التحديث ص 113، المدخل إلى مذهب أحمد ص 97".(2/570)
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُعْمَلُ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، لا فِي إثْبَاتِ مُسْتَحَبٍّ وَلا غَيْرِهِ1.
قَالَ2 الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ قَوْلِ أَحْمَدَ وَقَوْلِ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ. قَالَ الْعَمَلُ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّ النَّفْسَ تَرْجُو ذَلِكَ الثَّوَابَ، وَ3تَخَافُ ذَلِكَ الْعِقَابَ.
وَمِثَالُ ذَلِكَ: التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ بِالإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَالْمَنَامَاتِ وَكَلِمَاتِ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ وَوَقَائِعِ الْعَالِمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِهِ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، لا اسْتِحْبَابٍ وَلا غَيْرِهِ. لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فِيمَا عُلِمَ حُسْنُهُ أَوْ قُبْحُهُ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ. فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ وَلا يَضُرُّ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ4 فِي نَفْسِ الأَمْرِ حَقًّا أَوْ بَاطِلاً.
وَقَالَ فِي "شَرْحِ الْعُمْدَةِ" فِي التَّيَمُّمِ بِضَرْبَتَيْنِ: وَالْعَمَلُ بِالضِّعَافِ إنَّمَا يَسُوغُ فِي عَمَلٍ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ. فَإِذَا رُغِّبَ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ عُمِلَ بِهِ. أَمَّا، إثْبَاتُ سُنَّةٍ فَلا.
وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ حَدِيثَ الرَّجُلِ الضَّعِيفِ، كَابْنِ
ـــــــ
1 وقيل: يعمل به مطلقاً. قال السيوطي: "وعزي إلى أبي داود وأحمد، لأن ذلك عندهما أقوى من رأي الرجال".
"انظر: الكفاية ص 133، قواعد التحديث ص 113، المدخل إلى مذهب أحمد ص 97".
2 في ض: وقال.
3 في ب ز ع ض: أو.
4 ساقطة من ش ز.(2/571)
لَهِيعَةَ1 وَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَابْنِ أَبِي مَرْيَمَ2. فَيُقَالُ لَهُ. فَيَقُولُ أَعْرِفُهُ أَعْتَبِرُ بِهِ، كَأَنِّي أَسْتَدِلُّ بِهِ مَعَ غَيْرِهِ، لا أَنَّهُ حُجَّةٌ إذَا انْفَرَدَ3. وَيَقُولُ: يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا. وَيَقُولُ: الْحَدِيثُ عَنْ الْجُعْفِيِّ قَدْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي وَقْتٍ. وَقَالَ: كُنْت لا أَكْتُبُ حَدِيثَ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، ثُمَّ كَتَبْته أَعْتَبِرُ بِهِ4. وَقَالَ أَيْضًا: مَا أَعْجَبَ أَمْرَ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ. وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ5 مِنْ أَعْجَبِهُمْ، يَكْتُبُ عَنْ
ـــــــ
1 هو عبد الله بن لهيعة بن عقبة المصري الفقيه، أبو عبد الرحمن، قاضي مرصر ومسندها. قال السيوطي: "وثقه أحمد وغيره، وضعفه يحيى القطان وغيره". وقال النووي: "وهو ضعيف عند أهل الحديث". وقال يحيى بن معين: "لا يحتج بحديثه". وهو أول قاضٍ استقضاه الخليفة، وكان القضاة يعينون من الوالي، وخرّج له الترمذي وأبو داود وغيرهما. توفي سنة 174 هـ. وسماه السيوطي: "عبد الله بن عقبة بن لهيعة. وقال: مات سنة 164 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 101، تذكرة الحفاظ 1/ 237، الخلاصة ص 211، ميزان الاعتدال 2/ 475، تهذيب الأسماء 2/ 301، حسن المحاضرة 1/ 301، 2/ 141، شذرات الذهب 1/ 283، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 327".
2 هو أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الحمصي، يقال اسمه بكر، وقيل: بكير، وقيل: عمرو، وقيل: عامر، وقيل: عبد السلام. ضعيف عند علماء الحديث. قال الذهبي: وكان من العباد. وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. ضعفه أحمد وغيره لكثرة ما يغلط، وكان أحد أوعية العلم. وقال ابن حبان: رديء الحفظ، لا يحتج به إذا انفرد. وقال ابن عدي: أحاديثه صالحة، ولا يحتج به. مات سنة 156 هـ.
انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 4/ 497، الخلاصة ص 477، 464، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 695".
3 انظر: المسودة ص 274، 275.
4 انظر: المسودة ص 274.
5 هو يزيد بن هارون بن زاذان الواسطي، السُّلمي، أبو خالد، أحد الأئمة. قال أحمد: "كان حافظاً متقناً صحيح الحديث". وكان إماماً ربانيًّا يطيل صلاة الليل والنهار، ويجلس في مجلسه العدد الكثير من الرجال، وكان يحفظ أربعة وعشرين ألف حديث، وهو مولى لبني سليم. مات بواسط سنة 206 هـ بعد أن كف بصره.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 317، الخلاصة ص 435، طبقات الحنابلة 1/ 422، المنهج الأحمد 1/ 75، شذرات الذهب 2/ 16، مشاهير علماء الأمصار ص 177، المعارف ص 515، طبقات الحفاظ ص 132، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 677".(2/572)
الرَّجُلِ مَعَ عِلْمِهِ بِضَعْفِهِ1.
وَفِي "جَامِعِ" الْقَاضِي: أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ لا يُحْتَجُّ بِهِ فِي الْمَآثِمِ2.
وَقَالَ الْخَلاَّلُ: مَذْهَبُهُ - يَعْنِي: الإِمَامَ أَحْمَدَ - أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُعَارِضٌ قَالَ بِهِ3.
وَقَالَ فِي كَفَّارَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ: مَذْهَبُهُ فِي الأَحَادِيثِ، إنْ4 كَانَتْ مُضْطَرِبَةً وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مُعَارِضٌ قَالَ بِهَا.
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: طَرِيقِي لَسْت أُخَالِفُ مَا ضَعُفَ مِنْ الْحَدِيثِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ مَا يَدْفَعُهُ.
ـــــــ
1 انظر: المسودة ص 274، قواعد التحديث ص 114، المدخل إلى مذهب أحمد ص 97.
2 في ش ب ز: المأثم.
وانظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 97.
3 انظر: المسودة ص 273، 275، المدخل إلى مذهب أحمد 97.
4 في ز ع ض: وإن.(2/573)
"فَصْلٌ": "الْمُرْسَلُ"
فِي اصْطِلاحِ الْفُقَهَاءِ1 هُوَ "قَوْلُ غَيْرِ صَحَابِيٍّ فِي كُلِّ عَصْرٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَالْكَرْخِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُحَدِّثِينَ2.
وَخَصَّهُ أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ وَكَثِيرٌ مِنْ الأُصُولِيِّينَ بِالتَّابِعِيِّ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ كِبَارِهِمْ، وَهُوَ مَنْ لَقِيَ جَمَاعَةً كَثِيرَةً مِنْ الصَّحَابَةِ، كَعُبَيْدِ اللَّهِ3 بْنِ عَدِيِّ بْنِ4 الْخِيَارِ5 وَكَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيِّ،
ـــــــ
1 في د ب: الفقهاء والمحدثين. وذكره الشيخ زكريا الأنصاري أنه تعريف الفقهاء والأصوليين. غاية الوصول ص 104.
2 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 123، المستصفى 1/ 169، نهاية السول 2/ 324، جمع الجوامع 2/ 168، مناهج العقول 2/ 323، مختصر ابن الحاجب 2/ 74، فواتح الرحموت 2/ 174، تيسير التحرير 3/ 102، غاية الوصول ص 105، الكافية في الجدل ص 56، الكفاية ص 20، الروضة ص 64، شروح الورقات ص 188، مختصر الطوفي ص 69، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96، إرشاد الفحول ص 64.
3 في ض: كعبد الله.
4 ساقطة من ض.
5 هو عبيد الله بن عدي بن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، القرشي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عن عمر وعثمان وعلي، أسلم أبوه يوم الفتح، وكان من فقهاء قريش وعلمائهم. ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من كبار التابعين، وله دار بالمدينة عند دار علي بن أبي طالب. روى له البخاري ومسلم. مات سنة 95 هـ.
انظر: ترجمته في "الإصابة 3/ 74، الاستيعاب 2/ 436، الخلاصة ص 252، تهذيب الأسماء 1/ 313، مشاهير علماء الأمصار ص 83".(2/574)
وَكَأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيِّ1 حَكِيمِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَكَمَسْرُوقٍ2، وَكَعْبِ الأَحْبَارِ وَأَشْبَاهِهِمْ. أَوْ مِنْ صِغَارِهِمْ، وَهُوَ مَنْ لَمْ يَلْقَ مِنْ الصَّحَابَةِ إلاَّ الْقَلِيلَ. كَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ وَأَبِي حَازِمٍ وَابْنِ شِهَابٍ لَقِيَ عَشَرَةً مِنْ الصَّحَابَةِ3.
ـــــــ
1 هو عبد الله بن ثُوَّب. وقيل: ابن ثواب أو أثوب، وقيل: ابن عبد الله، أبو مسلم الخولاني. ويقال اسمه: يعقوب بن عوف، لكنه اشتهر بكنيته، اليماني الزاهد. رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فمات عليه الصلاة والسلام وهو في الطريق، فكان من سادات التابعين، وصاحب كرامات. وكان من عباد أهل الشام وزهادهم. قال مالك بن دينار: أبو مسلم حكيم هذه الأمة. مات سنة 62 هـ.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 49، الخلاصة ص 460، طبقات الحفاظ ص 13، مشاهير علماء الأمصار ص 112، المعارف ص 439، شذرات الذهب 1/ 70، حلية الأولياء 5/ 120، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 3/ 725".
2 في ض: ومسروق.
3 يرى الشوكاني أن الخلاف بين التعريفين لفظي واصطلاحي، ولا مشاحة في الاصطلاح، لكن محل الخلاف والكلام والحجية هو الثاني، وهو المرسل عند أكثر المحدثين انظر: إرشاد الفحول ص 64. يقول القرافي: "الإرسال هو إسقاط صحابي من السند، والصحابة كلهم عدول، فلا فرق بين ذكره والسكوت عنه، فكيف جرى الخلاف؟ جوابه: أنهم عدول إلا عند قيام المعارض، وقد يكون المسكوت عنه منهم عرض في حقه ما يوجب القدح، فيتوقف في قبول الحديث حتى تعلم سلامته عن القادح" "شرح تنقيح الفصول ص 380". ولكن الآمدي والغزالي وابن الحاجب وغيرهم عرفوا المرسل بتعريف الفقهاء والأصوليين، ثم بينوا الاختلاف في حجيته بين الأئمة، بينما قسم البزدوي المرسل إلى أربعة أنواع وبين حكم كل نوع، كما وضح الإمام الشافعي عن المرسل في "الرسالة ص 465".
وانظر: شرح الورقات ص 187، غاية الوصول ص 104، نهاية السول2/ 324، الإحكام للآمدي 2/ 123، المستصفى 1/ 169، تيسير التحرير 3/ 68، كشف الأسرار 3/ 2، توضيح الأفكار 1/ 283، تدريب الراوي 1/ 195، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 2/ 74، جمع الجوامع 2/ 168، الكفاية ص 20، 384، التعريفات للجرجاني ص 15، 221، أصول الحديث ص 327.(2/575)
وَقِيلَ: مَا كَانَ مِنْ1 صِغَارِ التَّابِعِينَ لا يُسَمَّى مُرْسَلاً، بَلْ مُنْقَطِعًا لِكَثْرَةِ الْوَسَائِطِ لِغَلَبَةِ رِوَايَتِهِمْ عَنْ التَّابِعِينَ.
وَقِيلَ: يُسَمَّى مُرْسَلاً إذَا سَقَطَ مِنْ الإِسْنَادِ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ، سَوَاءٌ الصَّحَابِيُّ وَغَيْرُهُ. فَيَتَّحِدُ مَعَ الْمُسَمَّى بِالْمُنْقَطِعِ بِالْمَعْنَى الأَعَمِّ2.
قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "فَفِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ: أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يُسَمَّى3 مُرْسَلاً. قَالَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَقَطَعَ بِهِ إلاَّ أَنَّ أَكْثَرَ مَا يُوصَفُ بِالإِرْسَالِ مِنْ حَيْثُ الاسْتِعْمَالُ: مَا رَوَاهُ التَّابِعِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا رَوَاهُ تَابِعُ التَّابِعِيِّ فَيُسَمُّونَهُ مُعْضَلاً4".اهـ.
وَعَلَى هَذَا: لَوْ سَقَطَ بَيْنَ الرَّاوِيَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ5 يُسَمَّى مُعْضَلاً أَيْضًا.
"وَهُوَ" أَيْ الْمُرْسَلُ "حُجَّةٌ كَمَرَاسِيلِ6 الصَّحَابَةِ" عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ. وَحَكَاهُ الرَّازِيّ فِي "الْمَحْصُولِ" عَنْ الْجُمْهُورِ.
ـــــــ
1 في ش: عن.
2 وهو تعريف الجويني. وذهب إليه الفقهاء وعلماء الأصول والخطيب البغدادي وجماعة من المحدثين وابن حزم الظاهري.
وانظر في تعريف المرسل "اللمع ص 41، الورقات وشرحها ص 187، الحدود للباجي ص 63، التعريفات للجرجاني ص 221، الإحكام لابن حزم 1/ 135، شرح نخبة الفكر ص 110، توضيح الأفكار 1/ 286، 324، الكفاية ص 20، أصول الحديث ص 339".
3 في ب: سمي.
4 مقدمة ابن الصلاح ص 27 بتصرف.
5 في ب: أنه.
6 في ش ز: كمرسل.(2/576)
وَاخْتَارَهُ الآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ1.
وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ أَنَّ التَّابِعِينَ أَجْمَعُوا بِأَسْرِهِمْ عَلَى قَبُولِ الْمَرَاسِيلِ، وَلَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ إنْكَارُهَا إلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ2.
وَكَذَا قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ: إنْكَارُ كَوْنِهِ حُجَّةً بِدْعَةٌ حَدَثَتْ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ. وَذَلِكَ لِقَبُولِهِمْ مَرَاسِيلَ الأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ3.
وَعَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: أَنَّ الْمُرْسَلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ4.
ـــــــ
1 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 123، المستصفى 1/ 169، نهاية السول 2/ 325، مناهج العقول 2/ 323، جمع الجوامع 2/ 169، العضد على ابن الحاجب 2/ 74، المسودة ص 250، 259، شرح تنقيح الفصول ص 379، فواتح الرحموت 2/ 174، كشف الأسرار 3/ 2، أصول السرخسي 1/ 360، تيسير التحرير 3/ 102، المعتمد 2/ 628، اللمع ص 41، الروضة ص 64، غاية الوصول ص 26، شرح نخبة الفكر ص 112، قواعد التحديث ص 134، توضيح الأفكار 1/ 287، 293، تدريب الراوي 1/ 198، الكفاية ص 384، المجموع 1/ 60، أصول الحديث ص 338، إرشاد الفحول ص 64.
2 قال ابن عبد البر: "كأن ابن جرير يعني أن الشافعي أول من أبى قبول المرسل". ويرد على قول الطبري بما نقله عن الإمام مسلم في مقدمة "صحيحه" عن ابن عباس أنه لم يقبل مرسل التابعين، وما نقله عن ابن سيرين وغيره في المرسل، وما نقله الحاكم عن سعيد بن المسيب ومالك بن أنس وغيرهم بعدم حجية المرسل.
"انظر: صحيح مسلم 1/ 12 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 103، كشف الأسرار 3/ 4، توضيح الأفكار 1/ 292، فواتح الرحموت 2/ 175، إرشاد الفحول ص 65، معرفة علوم الحديث ص 25 وما بعدها".
3 انظر أدلة حجية مرسل غير الصحابة في "أصول السرخسي 1/ 360 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 174، تيسير التحرير 3/ 102 وما بعدها، كشف الأسرار 3/ 4، توضيح الأفكار 1/ 291، الكفاية ص 391 وما بعدها، الروضة ص 95".
4 انظر: توضيح الأفكار 1/ 290، 295، العضد على ابن الحاجب 2/ 74، المجموع......=(2/577)
قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَنُقَّادِ الأَثَرِ1"، كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ فِي "الْكِفَايَةِ"2. وَحَكَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالأَخْبَارِ3. وَهَذَا وَإِنْ قَالَهُ مُسْلِمٌ عَلَى لِسَانِ غَيْرِهِ، لَكِنْ أَقَرَّهُ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ فِيهِ جَهْلاً بِعَيْنِ الرَّاوِي وَضَعْفِهِ4.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَتْبَاعُهُ: إنْ كَانَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَلَمْ يُرْسِلْ إلاَّ عَنْ عُذْرٍ، وَأَسْنَدَهُ غَيْرُهُ أَوْ أَرْسَلَهُ، وَشُيُوخُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ أَوْ عَضَّدَهُ عَمَلُ صَحَابِيٍّ، أَوْ الأَكْثَرُ أَوْ قِيَاسٌ، أَوْ انْتِشَارٌ، أَوْ عَمَلُ الْعَصْرِ: قُبِلَ، وَإِلاَّ فَلا5.
ـــــــ
=60 جمع الجوامع 2/ 169، تدريب الراوي 1/ 198، المسودة ص 250، شرح تنقيح الفصول ص 378، الرسالة للشافعي ص 464 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 1/ 135، الإحكام للآمدي 2/ 123- 129، المستصفى 1/ 169، فواتح الرحموت 2/ 174، تيسير التحرير 3/ 102، نهاية السول 2/ 324، مناهج العقول 2/ 323، شرح نخبة الفكر ص 110، غاية الوصول ص 105، الروضة ص 64، مختصر الطوفي ص 69، إرشاد الفحول ص 64، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96، أصول الحديث ص 338.
1 مقدمة ابن الصلاح ص 26.
2 الكفاية ص 384.
3 انظر: صحيح مسلم 1/ 30.
4 وهو قول للشافعي وقول للباقلاني والظاهرية وجمهول المحدثين. قال الشوكاني: فذهب الجمهور إلى ضعفه وعدم قيام الحجة به. وذكر الآمدي أدلة الطرفين وناقشها. وهناك أقوال أخرى في حجية الحديث المرسل وعدم حجيته، منها قول ابن الحاجب: إن كان الراوي من أئمة النقل قبل، وإلا فلا.
"انظر: الكفاية ص 387، مختصر ابن الحاجب 2/ 74، جمع الجوامع 2/ 169، المجموع 1/ 60، تدريب الراوي 1/ 168، شرح نخبة الفكر ص 111، قواعد التحديث ص 133، فواتح الرحموت 2/ 174 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 102، أصول السرخسي 1/ 360، كشف الأسرار 3/ 2، المعتمد 2/ 629، 633 وما بعدها، اللمع ص 41، شرح الورقات ص 188، إرشاد الفحول ص 64، نهاية السول 2/ 325".
5 انظر: الرسالة للشافعي ص 461 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/ 123، نهاية السول 2/ 324، مناهج العقول 2/ 326، جمع الجوامع 2/ 169، المجموع 1/ 61، المسودة ص 250، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 2/ 74، المعتمد 2/ 629، 638، فواتح الرحموت 2/ 174، تيسير التحرير 3/ 102، كشف الأسرار 3/ 2، شرح تنقيح الفصول ص 380، اللمع ص 41، شرح الورقات ص 189، إرشاد الفحول ص 65، غاية الوصول ص 105، قواعد التحديث ص 138، توضيح الأفكار 1/ 288، تدريب الراوي 2/ 198، أصول الحديث ص 339، شرح نخبة الفكر ص 112.(2/578)
"وَيَشْمَلُ"1 اسْمُ الْمُرْسَلِ مَا سَمَّوْهُ "مُعْضَلاً وَ" مَا سَمَّوْهُ "مُنْقَطِعًا" 2.
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ سَمَّوْا مَا رَوَاهُ تَابِعُ3 التَّابِعِيِّ وَمَا سَقَطَ بَيْنَ رَاوِيَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ مُعْضَلاً4.
وَقَالَ الْقَاضِي5 وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ لَوْ انْقَطَعَ فِي الإِسْنَادِ وَاحِدٌ، كَرِوَايَةِ تَابِعِ التَّابِعِيِّ عَنْ صَحَابِيٍّ. فَهُوَ مُرْسَلٌ، وَالأَشْهَرُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ: أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ.اهـ.
ـــــــ
1 في ض: ويشتمل.
2 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 25، 27، 28، توضيح الأفكار 1/ 287، أصول الحديث ص 339، 340.
3 في ض: تابعي.
4 أي يدخل في الحديث المرسل باصطلاح علماء الفقه والأصول المنقطع بالاصطلاح المشهور عند المحدثين، وهو ما سقط من رواته قبل الصحابي راوٍ في موضع واحد. ويدخل المعضل في اصطلاح المحدثين، وهو ما سقط منه اثنان فصاعداً في موضع واحد. قال النووي: "والمشهور في الفقه والأصول أن الكل مرسل، وبه قطع الخطيب، وهذا اختلاف في الاصطلاح والعبارة".
"انظر: تيسير التحرير 3/ 102، معرفة علوم الحديث ص 27، 36، مقدمة ابن الصلاح ص 26، 28، الكفاية ص 20، مقدمة ابن الصلاح ص 27، 28، شرح نخبة الفكر ص 110، 113، 114، تدريب الراوي 1/ 195، كشف الأسرار 3/ 2، توضيح الأفكار 1/ 324".
5 ساقطة من ض.(2/579)
وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ: مَنْ رَوَى عَمَّنْ لَمْ يَلْقَهُ وَوَقَفَهُ عَلَيْهِ فَمُرْسَلٌ1 أَوْ مُنْقَطِعٌ، وَيُسَمَّى مَوْقُوفًا، وَالْمُنْقَطِعُ سُقُوطُ رَاوٍ فَأَكْثَرَ مِمَّنْ2 هُوَ دُونَ الصَّحَابِيِّ3.
وَالانْقِطَاعُ: إمَّا فِي الْحَدِيثِ أَوْ الإِسْنَادِ، عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلامِهِمْ مِنْ الإِطْلاقَيْنِ ؛ إذْ مَرَّةً يَقُولُونَ فِي الْحَدِيثِ: مُنْقَطِعٌ، وَمَرَّةً فِي الإِسْنَادِ مُنْقَطِعٌ. فَالْمُنْقَطِعُ بِهَذَا الاعْتِبَارِ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْمُنْقَطِعِ الْمُقَابِلِ لِلْمُتَّصِلِ الَّذِي هُوَ مَوْرِدُ التَّقْسِيمِ. فَإِنْ كَانَ السَّاقِطُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ طَبَقَتَيْنِ فَصَاعِدًا، إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ سُمِّيَ4 مُعْضَلاً، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعَيْنِ سُمِّيَ5 مُنْقَطِعًا مِنْ مَوْضِعَيْنِ6.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ: فَإِذَا رَوَى عَمَّنْ لَمْ يَلْقَهُ، فَهُوَ مُرْسَلٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ انْقَطَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ7 رَوَى عَنْهُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا عَلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَكَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَمُنْقَطِعٌ عَلَى رَأْيِ الْمُحَدِّثِينَ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمْ فِي أَصْلِ الْمُرْسَلِ. وَمَوْقُوفٌ لِكَوْنِهِ وَقَفَهُ8 عَلَى شَخْصٍ. فَهُوَ بِهَذِهِ الاعْتِبَارَاتِ لَهُ ثَلاثُ
ـــــــ
1 في ب: فهو مرسل.
2 في ب: عمن.
3 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 27.
4 في ش ز: يسمى.
5 في ش ز: يسمى.
6 قال الشوكاني: "ولا تقوم الحجة بالحديث المنقطع، وهو الذي سقط من رواته واحد ممن دون الصحابة، ولا بالمعضل، وهو الذي سقط من رواته اثنان" "إرشاد الفحول ص 66".
وانظر: شرح الورقات ص 188، غاية الوصول ص 105، أصول السرخسي 1/ 359.
7 في ض: ما.
8 في د ب ع ض: وقف.(2/580)
صِفَاتٍ. يُسَمَّى مُرْسَلاً بِاعْتِبَارٍ، وَمُنْقَطِعًا عَلَى رَأْيِ الْمُحَدِّثِينَ، وَمَوْقُوفًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَقَفَهُ عَلَى شَخْصٍ1.
وَأَمَّا مُرْسَلُ الصَّحَابَةِ: فَحُجِّيَّةُ غَيْرِ الصَّحَابَةِ2 مَقِيسَةٌ عَلَى حُجِّيَّةِ مُرْسَلِهِمْ، وَعَلَى حُجِّيَّةِ مُرْسَلِ الصَّحَابَةِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ؛ لأَنَّ رِوَايَتَهُمْ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَالْجَهَالَةُ بِالصَّحَابِيِّ3 غَيْرُ قَادِحَةٍ لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ عُدُولٌ. وَهَذَا فِي الْغَالِبِ وَإِلاَّ فَقَدْ يَرْوِي عَنْ التَّابِعِيِّ4.
وَأَمَّا صِغَارُ الصَّحَابَةِ - كَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ5، فَإِنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ وَفَاةِ
ـــــــ
1 انظر: كشف الأسرار 3/ 2، فواتح الرحموت 2/ 174، نهاية السول 2/ 324، مناهج العقول 2/ 323، مقدمة ابن الصلاح ص 25.
2 في ض: الصحابي.
3 في ب ض: بالصحابة.
4 أجمع الصحابة على قبول الأحاديث التي أرسلها الصحابة، مع علمهم أن بعضهم يروي بواسطة بعض، وقد قال البراء بن عازب: "ما كل ما حدثناكم به سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أنا لا نكذب". والصحابي لا يروي إلا عن صحابي مثله، أو عن معلوم العدالة.
وقال قوم: لا يقبل مرسل الصحابي إلا أن يُعلم بنصه أو عادته أنه لا يروي إلا عن صحابي، لجواز أن يروي عن غير صحابي.
"انظر: كشف الأسرار 3/ 2، فواتح الرحموت 2/ 174، 175، تيسير التحرير 3/ 102، أصول السرخسي 1/ 359، الإحكام للآمدي 2/ 124، المستصفى 1/ 170، الإحكام لابن حزم 1/ 143، الكفاية ص 385 وما بعدها، المعتمد 2/ 632، معرفة علوم الحديث ص 14، مقدمة ابن الصلاح ص 26، توضيح الأفكار 1/ 317، قواعد التحديث ص 143، تدريب الراوي 1/ 207، اللمع ص 41، الروضة ص 64، شرح الورقات ص 191، المسودة ص 259، إرشاد الفحول ص 95، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96، مختصر الطوفي ص 68- 69.
5 هو محمد بن أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان التيمي، أبو القاسم. أمه أسماء بنت عميس. ولدته في طريق المدينة إلى مكة في حجة الوداع، ونشأ في حجر علي بن أبي........=(2/581)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثَةِ أَشْهُرٍ وَأَيَّامٍ - فَإِنَّ مَرَاسِيلَهُمْ كَمَرَاسِيلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ، لا مِنْ قَبِيلِ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ.
وَهَذَا مِمَّا1 يُلْغَزُ بِهِ. فَيُقَالُ: صَحَابِيٌّ حَدِيثُهُ مُرْسَلٌ لا يَقْبَلُهُ مَنْ يَقْبَلُ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ.
ـــــــ
= طالب، لأنه تزوج أمه، وانضم إليه، فكان من كبار أحزابه، وشهد معه الجمل وصفين، ثم أرسله إلى مصر أميراً سنة 37 هـ، فولي إمارتها لعلي. ثم انهزم أمام عمرو بن العاص في جيش معاوية، وقتل بمصر سنة 38 هـ. وكان علي يثني عليه ويفضله على غيره. وكانت له عبادة واجتهاد. ولما بلغ عائشة قتله حزنت عليه كثيراً، وتولت تربية ولده القاسم، وكان ممن حضر الدار عند قتل عثمان رضي الله عنهم أجمعين. وروى حديثه النسائي وابن ماجه.
انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 472، الاستيعاب 3/ 348، الخلاصة ص 329، تهذيب الأسماء 1/ 85، حسن المحاضرة 1/ 233، 583، 584".
فائدة: وهناك محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبوه وجده وأبو جده أبو قحافة، أربعتهم، وليست هذه المنقبة لغيره. "انظر: الاستيعاب 3/ 353".
1 في ش: كما.(2/582)
المجلد الثالث
باب الأمر
...
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بَابٌ الأمر:
"الأَمْرُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ1"
لَمَّا كَانَ مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ: السَّنَدُ ، وَالْمَتْنُ2. وَتَقَدَّمَ الْكَلامُ عَلَى السَّنَدِ3 أَخَذَ فِي الْكَلامِ عَلَى الْمَتْنِ.
وَلَمَّا كَانَ الْمَتْنُ مِنْهُ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَعَامٌّ وَخَاصٌّ وَمُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ وَمُجْمَلٌ وَمُبَيَّنٌ وَظَاهِرٌ وَمُؤَوَّلٌ وَمَنْطُوقٌ وَمَفْهُومٌ. بَدَأَ مِنْ ذَلِكَ بِالأَمْرِ ثُمَّ بِالنَّهْيِ، لانْقِسَامِ الْكَلامِ إلَيْهِمَا بِالذَّاتِ، لا بِاعْتِبَارِ الدَّلالَةِ وَالْمَدْلُولِ.
فَالأَمْرُ لا يَعْنِي بِهِ مُسَمَّاهُ ، كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي الأَخْبَارِ عَنْ الأَلْفَاظِ: أَنْ يَلْفِظَ بِهَا وَالْمُرَادُ مُسَمَّيَاتُهَا، بَلْ لَفْظَةُ الأَمْرِ هُوَ أَمْرٌ4 ، كَمَا يُقَالُ: زَيْدٌ مُبْتَدَأٌ ، وَضَرَبَ فِعْلٌ مَاضٍ ، وَفِي حَرْفُ جَرٍّ. وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ. وَهَذَا بِالاتِّفَاقِ5.
ـــــــ
1 إن باب الامر والنهي من الابواب المهمة في أصول الفقه، لأنهما أساس التكليف في توجيه الخطاب إلى المكلفين، ولذلك أهتم بها علماء الأصول بالتوضيح والبيان لتمحيص الأحكام الشرعية، وجعلهما كثير من المؤلفين في مقدمة كتب الأصول.
قال الإمام السرخي: "فأحق ما يبدأ به في البيا، الأمر وال،هي، لأ، معظم الابتلا بها، وبمعرفتهما تتم معرفة الأحكام، ويتميزالحلال م، الحرام" "أصول السرخي 1/11 ".
وانظر: الم،خول ص 98، التبصرة ص17، العدة1/213.
2 في ش ز: في المت،.
3 المجلد الثاني صفحة 287 - 582
4 في ش ز ض: وهو أمر.
5 انظر: الإحكام للآمدي 2/130، المحصول ج1ق2/7، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/366، م،اهج العقول 2/2، ،هاية السول2/6، القواعد والفوائد الأصولية 158، مختصر الطوفي ص84، كشف الاسرار1/101، التوضيح على التنقيح 2/46، تيسير التحرير 1/224، فواتح الرحموت 1/367، العضد على ابن الحاجب 2/76، التمهيد ص72، إرشاد الفحول ص91، مباحث الكتاب والسنة ص109، المعتمد 1/45.(3/5)
"وَ"هُوَ أَيْضًا "نَوْعٌ مِنْ" أَنْوَاعِ "الْكَلامِ" لأَنَّ الْكَلامَ هُوَ الأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ بِالإِسْنَادِ عَلَى إفَادَةِ مَعَانِيهَا. فَنَوْعٌ مِنْهُ يَكُونُ مِنْ الأَسْمَاءِ فَقَطْ ، وَنَوْعٌ مِنْ الْفِعْلِ الْمَاضِي1 وَفَاعِلِهِ، وَنَوْعٌ مِنْ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ وَفَاعِلِهِ، وَنَوْعٌ مِنْ فِعْلِ الأَمْرِ وَفَاعِلِهِ2.
ثُمَّ الأَمْرُ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ3 عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ4. وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ: "وَمَجَازٌ فِي الْفِعْلِ" وَمِنْهُ قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} 5 أَيْ فِي الْفِعْلِ
ـــــــ
1. ساقطة من ض.
2. انظر: أصول السرخي 1/11، البرهان للجوني 1/199، الأحكام للآمدي 2/130، المنخول ص 98، المستصفى 1/411، العبادي على الوقات ص 60.
3. يرى بعض العلماء أن إطلاق الأمر على الفعل حقيقة، ويكون الأمر مشتركاً بينهما، واحتجوا بقوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} ، وفرعوا على ذلك أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم يدل على اللإيجاب ضرورة أنه أمر.
انظر أدلة هذا الرأي مع مناقشته في "نهاية السول 2/8، الأحكام للآمدي 2/131، المحصول ج1 ق2/7،10، المعتمد 1/45، 47، 56، شرح تنقيح الفصول ص 126، التوضيح على التنقيح 2/46، التلويح على التوضيح 2/47، العضد على ابن الحاجب 2/76، اللمع ص 7، فتح الغفار 1/28، كشف الأسرار 1/102، وما بعدها، تيسير التحرير 1/334 وما بعدها، إرشاد الفحول ص 91".
4. انظر آراء العلماء في إطلاق الأمر على الفعل مجازاً في "المسودة ص 16، مختصر البعلي ص 97، القواعد والفوائد الأصولية ص158، العدة 1/223، الإحكام للآمدي 1/131، جمع الجوامع 1/366، العضد على ابن الحاجب 2/76، اللمع ص 7، شرح تنقيح الفصول ص 126، التوضيح على التنقيح 2/46، تيسير التحرير 1/334، المعتمد 1/45، فواتح الرحموت 1/367، أصول السرخسي 1/11، فتح الغفار 1/28".
5 الآية 159 من آل عمران.(3/6)
وَنَحْوِهِ1. وقوله تعالى: {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} 2 وقوله تعالى: {حَتَّى إذَا جَاءَ أَمْرُنَا} 3.
وَيُطْلَقُ أَيْضًا4 وَيُرَادُ بِهِ الشَّأْنُ5. وَمِنْهُ قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} 6 أَيْ: شَأْنُهُ، وَالْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مُبَاشِرٌ لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ كَقوله تعالى: {إنَّمَا قَوْلُنَا 7 لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ} 8
وَيُطْلَقُ أَيْضًا وَيُرَادُ بِهِ الصِّفَةُ9 ، نَحْوَ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
"لأَمْرٍ مَا يَسُودُ مَنْ يَسُودُ"10
أَيْ بِصِفَةِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ.
ـــــــ
1 ساقطة من ض.
2 الآية 73 من هود.
3 الآية 40من هود.
4 ساقطة من ض.
5 انظر:أصول السرخسي 1/12، شرح تنقيح الفصول ص 126.
6 الآية 97 من هود.
7 في ب ز ع ض: أمرنا، ولا يوجد في القرآن آية بهذا اللفظ "انما أمرنا..."، ولعل المقصود الآية 82 من سورة يس: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} .
8 الاية 40 من النحل.
9 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 127.
10 هذا عجز بيت من الوافر، لأنس بن مدركة الخثعمي، وصدره:
عزمت على إقامة ذي صباحٍ
وقد استشهد به سيبويه في "الكتاب" والمبرد في "المقتضب" وابن جني في "الخصائص" وابن الشجري في "أماليه" وابن يعيش الحلبي في "شرح المفصل" وابن عصفور في "المقرب" والبغدادي في "خزانة الأدب".
" انظر: معجم شواهد العربية 1/106، شرح أبيات سيبويه للسيرافي 1/388"(3/7)
وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الشَّيْءُ كَقَوْلِهِمْ: تَحَرَّكَ الْجِسْمُ لأَمْرٍ ، أَيْ لِشَيْءٍ1.
وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الطَّرِيقَةِ 2بِمَعْنَى الشَّأْنِ وَعَلَى الْقَصْدِ وَالْمَقْصُودِ.
وَقِيلَ إنَّ الأَمْرَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْفِعْلِ والْقَوْلِ بِالاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ لأَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَيْهِمَا3
وَقِيلَ مُتَوَاطٍ فَهُوَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا مِنْ بَابِ التَّوَاطُؤِ دَفْعًا لِلاشْتِرَاكِ وَالْمَجَاز4ِ
وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْكِفَايَةِ" إنَّ الأَمْرَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالشَّأْنِ وَالطَّرِيقَةِ وَنَحْوِهِ5.
ـــــــ
1. انظر: شرح تنقيح الفصول ص 126.
2. ساقطة من ش ز.
3. انظر أصحاب هذا القول وأدلتهم ومناقشاتها في "العضد على ابن الحاجب 2/76، نهاية السول 2/8/ جمع الجوامع 1/367، شرح تنقيح الفصول ص126، فواتح الرحموت 1/367، كشف الأسرار 1/102، التوضيح على التنقيح 2/46، تيسير التحرير 1/334، التمهيد ص 73، القواعد والفوائد الأصولية ص 158، مباحث الكتاب والسنة ص 109".
4 وهو اختيار الآمدي، وقال التفتازاني عن هذا القول:"وهو قول حادث مخالف للإجماع، فلم يلتفت إليه".
"انظر: التلويح على التوضيح 2/46، الإحكام للآمدي 2/137، العضد على ابن الحجاب 2/76، جمع الجوامع 1/367، فواتح الرحموت 1/367، تيسير التحرير 1/334، مختصر البعلي ص 67".
5 ذهب إلى ذلك أبو الحيسن البصري، بينما أنكر القاضي ذلك في كتابه "العدة" فقال: "الفعل لا يسمى أمراً... حقيقة".
"انظر: المسودة ص 16، العدة 1/223، المعتمد 1/45، الإحكام للآمدي 2/131، المحصول ? 1 ق2/7،14، نهاية السول 2/9، جمع الجوامع 1/367، التلويح على التوضيح 2/46، مختصر البعلي ص97، القواعد والفوائد الأصولية ص152، 158، إرشاد الفحول ص 91".(3/8)
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَلِيمِ1،وَالِدُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: "هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِمَنْ أَنْصَفَ"2.اهـ.
وَاسْتَدَلَّ لَلْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ-وَهُوَ كَوْنُ الأَمْرِ مَجَازًا فِي غَيْرِ الْقَوْلِ الْمَخْصُوص- بِأَنَّ الْقَوْلَ يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ عِنْدَ الإِطْلاقِ، وَلَوْ كَانَ مُتَوَاطِئًا لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ الأَخَصُّ، لأَنَّ الأَعَمَّ لا يَدُلُّ عَلَى الأَخَصِّ، وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْفِعْلِ لَزِمَ الاشْتِرَاكُ3 وَالاطِّرَادُ؛ لأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ الْحَقِيقَةِ، وَلا يُقَالُ لِلآكِلِ آمِرٌ، وَلا يُشْتَقُّ لَهُ مِنْهُ أَمْرٌ4، وَلا مَانِعَ،
ـــــــ
1 هو عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله، ابن تيمية، الحراني، شهاب الدين، أبو المحاسن، والد شيخ الاسلام تقي الدين احمد بن عبد الحليم، وهو ابن الشيخ مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن تيمية، سمع عبد الحليم من والده، وقرأ عليه المذهب حتى اتقنه، ورحل إلى حلب في طلب العلم، ثم صار شيخ البلد بعد أبيه، وخطيبه وحاكمه، ودرّس وأفتى وصنف، وكان محققاً لما ينقله، ديناً، متواضعاً، حسن الخلق، جواداً، وقدم دمشق، قال الذهبي: "وكان من أنجم الهدى، وإنما اختفى بين نور القمر وضوء الشمس" يشير إلى والده وابنه، له تعاليق وفوائد، وصنف في علوم شتى، توفي سنة 680هـ بدمشق، ودفن بسفح قاسيون.
انظر ترجمته في ذيل "طبقات الحنابلة 2/310، شذرات الذهب 5/376، البداية والنهاية 13/303.
2 المسودة ص 16، وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 162.
3 أي يكون كل فعل أمراً باطراد، وأن الأمر يقع على آحاد الأفعال، والواقع أن ذلك غير مطرود، فلا يقال للأكل والشرب أمر. "انظر: المعتمد 1/46، الإحكام للآمدي 2/131، المحصول ج1 ق 2/7، فواتح الرحموت1/368، العضد على ابن الحاجب 2/6، إرشاد الفحول ص 91، العدة 1/223".
وفي ش: لا طرد، وفي ز عِ: ولا طرد.
4 يوضح ذلك السرخسي فيقول: "ألا ترى أنه لا يقولون للآكل والشارب آمراً، فبهذا تبين أن اسم الأمر لا يتناول الفعل حقيقة، كما لا يقال: "الأمر" اسم عام يدخل تحته المشتق وغيره، لأن الأمر مشتق في الأصل، فإنه يقال: أمر يامر أمراً، فهر آمر، وماكان مشتقاً في الأصل لا يقال إنه يتناول المشتق وغيره حقيقة" "أصول السرخسي 1/12".
"وانظر: التلويح على التوضيح 2/47 وما بعدها، كشف الأسرار1/105 وما بعدها، تيسير التحرير 1/336، فواتح الرحموت1/368، المعتمد 1/47، الإحكام للآمدي 2/131، 135، المحصول? 1 ق2/8، العدة 1/223".(3/9)
وَلاتَّحَدَ1 جَمْعَاهُمَا2 ، وَلَوُصِفَ بِكَوْنِهِ مُطَاعًا وَمُخَالِفًا ، وَلِمَا صَحَّ نَفْيُهُ3.
"وَ"أَمَّا "حَدُّهُ" أَيْ حَدُّ الأَمْرِ فِي الاصْطِلاحِ فَهُوَ "اقْتِضَاءُ" مُسْتَعْلٍ مِمَّنْ دُونَهُ فِعْلاً بِقَوْلٍ "أَوْ اسْتِدْعَاءِ مُسْتَعْلٍ" أَيْ عَلَى جِهَةِ الاسْتِعْلاءِ "مِمَّنْ" أَيْ مِنْ شَخْصٍ "دُونَهُ فِعْلاً" مَعْمُولُ اسْتِدْعَاءِ "بِقَوْلٍ" مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِدْعَاءِ4.
ـــــــ
1 في ع: لا اتحد، وفي د: وإلا اتحد.
2 استدل بعض علماء الأصول على كون الأمر مجازاً في الفعل وليس حقيقة بأن العرب تفرق بين جمع الأمر الذي هو القول، فتجمعه على"أوامر"، وبين جمع المر الذي هو الفعل، فتجمعه على "أمور" وهذا يدل على أن الأمر ليس حقيقة في الفعل، وقال ابن عبد الشكور- مستدلاً على كون الأمر حقيقة في القول مجازاً في الفعل وأنه غير مشترك فيهما-: وثالثاً بلزوم اتحاد الجمع" على تقدير الاشتراك اللفظي"، مع أن في الفعل "أمور"، وفي القول "أوامر"، ثم قال: ولك أن تعارض بأنه لولا الاشتراك لم يختلف الجمع، وقد اختلف. "فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 1/368".
واعترض الأصوليين على هذا الاستدلال فقال أبو الحسين البصري:" انه قد حكي عن أهل اللغة أن "الأمر" لا يجمع "أوامر" لا في القول ولا في الفعل، وأن "أوامر" جمع "آمرة"، وأن "أمر" و"أمور" يقع كل منهما موقع الآخر إن استعمل في الفعل، وليس أحدهما جمعاً للآخر"، ثم قال: "وأن اختلاف جمعيهما ليس، بأن يدل على أنه حقيقة فيهما، بأولى من أن يدل على أنه مجاز في أحدهما وحقيقة في الآخر المعتمد1/48".
" وانظر: أصول السرخسي 1/12، تيسير التحرير1/336، إرشاد الفحول ص 91".
3. أي ماكان مستعملاً بطريق المجاز يجوز نفيه عنه، أما ماكان مستعملاً بطريق الحقيقة فلا يصبح نفيه عنه، كالأب فهو حقيقة للأب الأدنى فلا بجوز نفيه عنه، ومجاز للجد فيجوز نفيه عنه بإثبات غيره،وأنه يجوز نفي الأمر عن الفعل وغيره،كما لو قال إنسان:ماأمرت اليوم بشيء،كان صادقاً،وإن كان قد فعل أفعالاً.
"وانظر: أصول السرخسي 1/13، التلويح على التوضيح 2/48، تيسير التحرير1/335، 337، كشف الأسرار 1/102، المحصول ? 1 ق2/9 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع 1/366، العدة 1/223، إرشاد الفحول ص91".
4 انظر تعريف الأمر في "الإحكام للآمدي 1/137 وما بعدها، 140، الحدود للباجي ص 52، الكافية في الجدل ص 33، المحصول ج1ق 2/19، 22، المستصفى 1/411، البرهان للجويني 1/203، العبادي على الورقات ص77، اللمع ص7، التبصرة ص17، المنخول ص102، جمع الجوامع 1/367، فتح الغفار 1/26، كشف الأسرار 1/101،تيسير التحرير 1/33، التوضيح على التنقيح 2/44، فواتح الرحموت 1/370، مختصرابن الحاجب 2/77 وما بعدها، روضة الناظر 2/189، نزهة الخاطر 2/6، مختصر الطوفي ص84، مختصر البعلي ص67، إرشاد الفحول ص92 وما بعدها".(3/10)
فَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ الاسْتِعْلاءُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْمُوَفَّقِ1وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيِّ وَالطُّوفِيِّ وَابْنِ مُفْلِحٍ وَابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ وَابْنِ بُرْهَانٍ فِي الأَوْسَطِ وَالْفَخْرِ الرَّازِيِّ2، وَالآمِدِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَأَبِي الْحُسَيْنِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ.وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ3.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَاعْتَبَرَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا ، مِنْهُمْ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْبَنَّاءِ وَالْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ وَالْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ ، وَنَسَبَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ إلَى الْمُحَقِّقِينَ ، وَأَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ
ـــــــ
1 في ش، ز: الموافق وأبي الخطاب.
2 ذكر الفخر الرازي رأيه في "المحصول" عرضاً في التعريف " المحصول? 1ق 2/22" وأشار فيما بعد أنه لا يشترط، واكتفى بذكر رأي جمهور المعتزلة، ثن أتبعه برأي أبي الحسين البصري،ثم قال: "وقال أصحابنا لا يعتبر العلو، ولا الاستعلاء" وذكرأدلة كل قول: "انظر: المحصول ? 1 ق 2/45 وما بعدها" ولعله بين رأيه في كتاب آخر، بدليل مانقله الإسنوي عنه فقال: "وصححه أيضاً في "المنتخب" وجزم به في "المعالم" "نهاية السول 2/8".
3 اختار هذا الرأي في أشتراط الاستعلاء في الأمر القرافي والباجي من المالكية، وابن عبد الشكور وصدر الشريعة من الحنفية، ورجحه الكمال بن الهمام منهم،وهو قول الآمدي وغيره من الشافعية.
"انظر: المعتمد 1/45، الحدود للباجي ص 53، شرح تنقيح الفصول ص 136، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/77، فتح الغفار 1/26، التوضيح على التنقيح 2/44، تيسير التحرير 1/337، 338، جمع الجوامع 1/369، الإحكام للآمدي 2/140، نهاية السول 2/7، المحصول ? 1 ق 2/45،نزهة الخاطر 2/62، الروضة 2/189، مختصر الطوفي ص 84، التمهيد ص 72، مختصر البعلي ص 97، القواعد والفوائد الأصولية ص 158، مباحث الكتاب والسنة ص 109، جمع الجوامع 1/369".(3/11)
وَالْمُعْتَزِلَةُ:الْعُلُوَّ. فَأَمْرُ الْمُسَاوِي ِغَيْرِهِ يُسَمَّى عِنْدَهُمْ الْتِمَاسًا، وَالأَدْوَنِ سُؤَالا1ً.
وَاعْتَبَرَ الاسْتِعْلاءَ وَالْعُلُوَّ مَعًا ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ2.
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لا تُشْتَرَطُ الرُّتْبَةُ3.
فَتَلَخَّصَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الاسْتِعْلاءُ وَالْعُلُوُّ4 مَعًا. وَالثَّانِي: عَكْسُهُ. وَالثَّالِثُ: اعْتِبَارُ الاسْتِعْلاءِ فَقَطْ. وَالرَّابِعُ: اعْتِبَارُ الْعُلُوِّ فَقَطْ5 .
"وَتُعْتَبَرُ إرَادَةُ النُّطْقِ بِالصِّيغَةِ6"
ـــــــ
1. وهو قول ابن الصباغ والسمعاني من الشافعية.
"انظر: نهاية السول 2/7، جمع الجوامع 1/369، اللمع ص7، التبصرة ص17، المحصول ? 1 ق 2/45، التمهيد ص72، شرح تنقيح الفصول ص 136، المعتمد 1/49، تيسير التحرير 1/338، فواتح الرحموت1/369، فتح الغفار1/26، نزهة الخاطر2/62، المسودة ص41، القواعد والفوائد الأصولية ص 158".
2 انظر: جمع الجوامع 1/369، نهاية السول 2/8، التمهيد ص 72، القواعد والفوائد الأصولية ص 158".
3 قال الفخر الرازي: "الذي عليه المتكلمون: أنه لا يشترط علو ولا استعلاء"، وماهو ما جزم به ابن السبكي، ورجحه العضد، ولم تشترط المعتزلة وغيرهم الاستعلاء، لقول فرعون لمن دونه {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} الأعراف/110.
انظر أدلة هذا القول مع مناقشته في المسودة ص 41، فواتح الرحموت 1/370، تيسير التحرير 1/338، جمع الجوامع 1/369، المحصول ? 1 ق 2/45، المستصفى 1/441، العضد على ابن الحاجب 2/77، مختصر الطوفي من 84، القواعد والفوائد الأصولية ص 158، شرح تنقيح الفصول ص 137".
4 في ش ع ض ب: العلو والاستعلاء.
5 انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشة الأدلة في المراجع السابقة هامش 3.
6 انظر هذة المسألة في " الإحكام للآمدي 2/138، 139، المنخول ص 103، الموافقات 1/83، البرهان 1/204، 211، المسودة ص 4، القواعد والفوائد الأصولية ص 159".(3/12)
قَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ: بِلا خِلافٍ، حَتَّى1 لا يَرِدُ نَحْوُ: نَائِمٍ وَسَاهٍ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: اتَّفَقْنَا أَنَّ إرَادَةَ النُّطْقِ مُعْتَبَرَةٌ. وَإِلاَّ فَلَيْسَ طَلَبًا وَاقْتِضَاءً وَاسْتِدْعَاءً.
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ:هَلْ هُوَ كَلامٌ؟ فَنَفَاهُ الْمُحَقِّقُونَ، فَقَوْمٌ لِقِيَامِ الْكَلامِ بِالنَّفْسِ, وَقَوْمٌ لِعَدَمِ إرَادَتِهِ. وَعِنْدَنَا لأَنَّهُ مَدْفُوعٌ إلَيْهِ. كَخُرُوجِ حَرْفٍ مِنْ غَلَبَةِ عُطَاسٍ وَنَحْوِهِ2.
"وَتَدُلُّ" الصِّيغَةُ "مُجَرَّدِهَا عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى الأَمْرِ "لُغَةً" أَيْ3 عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَة.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: هُوَ قَوْلُ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَالأَوْزَاعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَبِهِ يَقُولُ الْبَلْخِيُّ4
ـــــــ
1 في ض: حيث.
2 انظر: المعتمد 1/50.
3 ساقطة من ب.
4 وهو محمد بن الفضل بن العباس، أبو عبد الله البلخي، فقيه حنفي من مشاهير مشايخ خرسان، أصله من بلخ، ثم أخرج منها، فدخل سمرقند، ومات فيها سنة 319 هـ، وله كلام بيلغ، ووعظ لطيف، وتأثير في التوجيه، وسماه أبو نعيم: من حكماء المشرق المتأخرين.
انظر ترجمته في "حلية الأولياء 10/221، طبقات الصوفية ص 212، الأعلام للزركلي 7/221".
وورد في بعض كتب الأصول في بابي الأمر والعموم اسم: محمد بن الشجاع، أبو عبد الله الثلجي، وهو فقيه حنفي أيضاً من بغداد، كان فقيه العراق في وقته، والمقدم في الفقه والحديث، مع ورع وعبادة، وكان يميل إلى الاعتزال، مات فجأة سنة 267 هـ ساجداً في صلاة العصر، له كتاب "تصحيح الآثار" و "كتاب النوادر" و "كتاب المضاربة" في الفقه الحنفي، ولعلماء الحديث كلام فيه، ويقال له أيضاً: ابن الثلجي.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 2/629، الفوائد البهية ص 171، ميزان الاعتدال 3/577، الأعلام للزركلي7/28، المعتمد 1/134، تفسير النصوص 2/19، الروضة 2/223، العدة 2/489".(3/13)
مِنْ الْمُعْتَزِلَة1ِ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الصِّيغَةُ الأَمْرُ. فَمَنَعَ أَنْ يُقَالَ لِلأَمْرِ صِيغَةٌ أَوْ أَنْ يُقَالَ: هِيَ دَالَّةٌ عَلَيْهِ ، بَلْ الصِّيغَةُ نَفْسُهَا هِيَ الأَمْرُ ، وَالشَّيْءُ لا يَدُلُّ عَلَى نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ: الأَمْرُ2 الإِرَادَةُ ، وَالأَشْعَرِيَّةِ: الأَمْرُ مَعْنًى فِي النَّفْسِ3.
وَكَذَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ: صِيغَةُ الأَمْرِ.كَقَوْلِك: ذَاتُ الشَّيْءِ وَنَفْسُهُ4.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: قَوْلُهُمْ لِلأَمْرِ صِيغَةً صَحِيحٌ، لأَنَّ الأَمْرَ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى، فَاللَّفْظُ دَلَّ5 عَلَى التَّرْكِيبِ ، وَلَيْسَ هُوَ عَيْنُ الْمَدْلُولِ ، وَلأَنَّ اللَّفْظَ دَلَّ6 عَلَى صِيغَتِهِ الَّتِي هِيَ الأَمْرُ بِهِ ، كَمَا يُقَالُ: يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ أَمْرًا ، وَلَمْ يَقُلْ: عَلَى
ـــــــ
1. انظر هذه المسألة في " الإحكام للآمدي 2/141، التبصرة ص 22، المستصفى 1/412 وما بعدها، 417، جمع الجوامع 1/371، البرهان 1/200، شرح التنقيح ص 126، الروضة 2/189، التلويح على التوضيح 2/45، كشف الأسرار 1/101، تيسير التحرير 1/340، مختصر البعلي ص 98، مختصر الطوفي ص 84، العدة 1/214".
2. ساقطة من ض.
3. ويقول الأشعرية: ليس للأمر صيغة، وإنما هو معنى في النفس.
" انظر: مختصر ابن الحاجب 2/79، شرح تنقيح الفصول ص 126، المعتمد 1/50، اللمع ص 8، التبصرة ص 22، المحصول ? 1 ق 2/24، البناني على جمع الجوامع 1/370، الإحكام للآمدي 2/141، المسودة ص 8-9، البرهان 1/212، المستصفى 1/413، 417 ".
وفي ض: نفس.
4. انظر: البرهان للجويني 1/272، الإحكام للآمدي 2/141، التبصرة ص 18، المحصول? 1 ق 2/24، 34، المسودة ص 4، 8، 9، تيسير التحرير 1/340.
5. في ض: دال.
6. في ع: دال.(3/14)
الأَمْرِ1.
وَقَالَ الْقَاضِي: الأَمْرُ يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الْفِعْلِ وَاسْتِدْعَائِهِ ، فَجَعَلَهُ مَدْلُولَ الأَمْرِ لا عَيْنَ الأَمْرِ2.
وَ "لا" يُشْتَرَطُ فِي الأَمْرِ "إرَادَةُ الْفِعْلِ" عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ ، خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ3 ؛ لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ إبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ ابْنِه4، وَلَمْ يُرِدْهُ مِنْهُ، وَأَمَرَ إبْلِيسَ بِالسُّجُودِ وَلَمْ يُرِدْهُ مِنْهُ، وَلَوْ أَرَادَهُ لَوَقَعَ؛ لأَنَّهُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَلأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ أَنْ تُرَدَّ5 الأَمَانَاتُ إلَى أَهْلِهَا ثُمَّ إنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لأؤَدِّيَنَّ إلَيْك أَمَانَتَك6 غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَحْنَثْ وَ7 لَوْ كَانَ مُرَادَ اللَّهِ لَوَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ. وَلا حِنْثَ بِالإِجْمَاعِ ، خِلافًا لِمَنْ حَنَّثَهُ8 كَالْجُبَّائِيِّ9.
ـــــــ
1. انظر بيان ذلك في "نزهةالخاطر2/63 وما بعدها, المسودة ص 8 وما بعدها، فتح الغفار1/27, البرهان للجويني1/212, كشف الأسرار1/101, اللمع ص 8, العدة1/214".
2. انظر: العدة 1/214.
3. انظر آراء العلماء في اشتراط إرادة الفعل وعدم اشتراطها في "فواتح الرحموت1/271, تيسير التحرير 1/241, نهاية السول2/10, جمع الجوامع1/270, الموافقات3/81, التبصرة ص 18, المحصول ? 1 ق2/24, المستصفى1/415, المعتمد1/50, البرهان للجويني1/204, شرح تنقيح الفصول ص134, المسودة ص54, الروضة2/192, مختصر الطوفي ص85, مختصر البعلي ص 97, مباحث الكتاب والسنة ص 10, العدة1/214, 220".
4. في ز ع ب: ولده.
5. في ز ض ع ب: برد.
.6 في ض ب: أمانتك إليك.
.7 ساقطة من ض.
8. ساقطة من ش.
9. في ش: للجبائي: وهذا قول أبي علي الجبائي, وابنه أبي هاشم الجبائي من المعتزلة. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص138".(3/15)
وَخَرَقَ الإِجْمَاعَ1.
قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالطُّوفِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الأَصْحَابِ: لَنَا عَلَى أَنَّ الأَمْرَ لا يُشْتَرَطُ لَهُ إرَادَةُ: إجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا.
قَالُوا: الصِّيغَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِيمَا سَبَقَ مِنْ الْمَعَانِي. فَلا تَتَعَيَّنُ لِلأَمْرِ2 إلاَّ بِالإِرَادَةِ. إذْ لَيْسَتْ أَمْرًا لِذَاتِهَا3 وَلا لِتَجَرُّدِهَا عَنْ الْقَرَائِنِ.
قُلْنَا: اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ الأَمْرِ مَجَازٌ ، فَهِيَ بِإِطْلاقِهَا لَهُ. ثُمَّ الأَمْرُ وَالإِرَادَةُ يَنْفَكَّانِ4 كَمَنْ يَأْمُرُ وَلا يُرِيدُ ، أَوْ يُرِيدُ وَلا يَأْمُرُ. فَلا يَتَلازَمَانِ ، وَإِلاَّ اجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ5.
"وَالاسْتِعْلاءُ" طَلَبٌ "بِغِلْظَةِ. وَالْعُلُوُّ : كَوْنُ الطَّالِبِ6 أَعْلَى رُتْبَةً7"
ـــــــ
1. انظر أدلة الجمهور على عدم اشتراط إرادة الفعل في الأمر, في "البرهان للجويني1/205, المعتمد 1/50, 54, نهاية السول2/14, شرح تنقيح الفصول ص 138, المستصفى1/415, جمع الجوامع والمحلي عليه 1/370, فواتح الرحموت 1/371, الروضة 2/192, نزهة الخاطر2/67".
2. في ش: يتعين الأمر, وفي ز: تتعين لأمر, والأعلى من مختصر الطوفي, وموافق لنسخة ع ض ب.
3. في ش: بذاتها.
4. في ع ب: يتفاكان.
5. انظر: مختصر الطوفي58, الروضة2/192, نزهة الخاطر2/67, القواعد والفوائد الأصولية ص189، المحصول ? 1 ق2/29, نهاية السول2/14, شرح تنقيح الفصول ص138.
6. في ع ب: طالب.
7. انظر: التمهيد ص72. فتح الغفار1/27. نهاية السول2/7.(3/16)
قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي التَّنْقِيحِ: الاسْتِعْلاءُ هَيْئَةٌ فِي الأَمْرِ مِنْ التَّرَفُّعِ أَوْ إظْهَارِ الأَمْرِ1، وَالْعُلُوُّ يَرْجِعُ إلَى هَيْئَةِ الآمِرِ مِنْ شَرَفِهِ وَعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَأْمُور2ِ انْتَهَى.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْعُلُوِّ أَنْ يَكُونَ الآمِرُ فِي نَفْسِهِ عَالِيًا ، أَيْ أَعْلَى دَرَجَةً مِنْ الْمَأْمُورِ ، وَالاسْتِعْلاءُ أَنْ يَجْعَلَ الآمِرُ نَفْسَهُ عَالِيًا بِكِبْرِيَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسِ الأَمْرِ كَذَلِكَ أَوْ لا ، فَالْعُلُوُّ مِنْ الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ لِلآمِرِ ، وَالاسْتِعْلاءُ مِنْ صِفَةِ صِيغَةِ الأَمْرِ وَهَيْئَةِ نُطْقِهِ مَثَلاً.
قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: فَالْعُلُوُّ صِفَةٌ لِلْمُتَكَلِّمِ، وَالاسْتِعْلاءُ صِفَةٌ لِلْكَلامِ3.
"وَتَرِدُ صِيغَةُ افْعَلْ" لِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ 4.
أَحَدُهَا كَوْنُهَا "لِوُجُوبٍ5" نَحْوَ قوله تعالى: {أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} 6 وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" .
"وَ" الثَّانِي : لِـ "نَدْبٍ" نَحْوُ قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ
ـــــــ
1. في "التنقيح": القهر.
2. شرح تنقيح الفصول ص137, وانظر: مختصر البعلي ص97, القواعد والفوائد الأصلية ص159.
3. انظر: نهاية السول2/8.
4. انظر المعاني التي ترد لها صيغة إفعل في "أصول السرخي1/14, التوضيح على التنقيح2/51, كشف الأسرار1/107, المعتمد1/49, فواتح الرحموت1/372, الإحكام للامدي2/142, المنخول ص132، المحصول ? 1 ق2/57, المستصفى1/417, جمع الجوامع1/370, العبادي على الورقات ص81, نهاية السول2/14, العدة1/219, مختصر الطوفي ص84, مختصر البعلي ص98, التفتازاني على العضد2/78, اثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص295, مباحث الكتاب والسنة ص112".
5. انظر: المراجع السابقة.
6. الاية78 من الإسراء.(3/17)
خَيْرًا} 1 فَإِنَّهُ لِلنَّدْبِ عَلَى الأَصَحِّ مِنْ مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَمَاعةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ2.
وَعِنْدَ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَجَمْعٍ: أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ3.
وَقَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: حَمْلُ الآيَةِ عَلَى الْوُجُوبِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ ، مَعَ قَوْلِهِ فِي كِتَابِهِ الإِنْصَافِ إنَّ كَوْنَ الْكِتَابَةِ مُسْتَحَبَّةً لِمَنْ عُلِمَ فِيهِ خَيْرٌ: الْمَذْهَبُ بِلا رَيْبٍ، وَذَكَرَهُ عَنْ جَمَاهِيرِ الأَصْحَابِ، فَلْيُعَاوِدْ ذَلِكَ مَنْ أَرَادَهُ4.
"وَ"الثَّالِثُ: كَوْنُهَا5 بِمَعْنَى "إبَاحَةٍ6" نَحْوَ قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} 7 وقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} 8.
ـــــــ
1. الآية33 من النور.
2. انظر: الإحكام لابن حزم 1/287, التوضيح على التنقيح 2/51, كشف الأسرار 1/107, أصول السرخسي 1/14, فواتح الرحموت 1/372. نهاية السول 2/14, جمع الجوامع 1/372, المستصفى 1/417, الإحكام للآمدي 2/142, الروضة 2/191, العبادي على الورقات ص 81, المنخول ص132, العدة1/219.
3. انظر: المحلى لابن حزم 9/222, فواتح الرحموت1/372.
4. الإنصاف7/446
5. في ض: كونه.
6. انظر: نهاية السول 2/14, جمع الجوامع 1/372, المحصول? 1 ق2/95, المستصفى1/417, المنخول ص132, العبادي على الوراقات ص81, الإحكام لابن حزم 1/287, أصول السرخسي1 /14, التوضيح على التنقيح2/51،كشف الأسرار1/107,فواتح الرحموت1/372،الروضة2/191,العدة1/219
7. الآية 2من المائدة.
8. الآية 10من الجمعة.(3/18)
وَاعْلَمْ أَنَّ الإِبَاحَةَ إنَّمَا تُسْتَفَادُ مِنْ خَارِجٍ. فَلِهَذِهِ الْقَرِينَةِ يُحْمَلُ الأَمْرُ عَلَيْهَا مَجَازًا بِعَلاقَةِ الْمُشَابَهَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ. لأَنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ1.
ـــــــ
1. أي من خارج عن الأمر, لأن الأصل في الأمر للوجوب, فإن أريد به الندب أوالإباحة فلا بد من قرينة تدل على ذلك, وهذه القرينة إما لفظية أو غير لفظية, وقد تكون القرينة قاعدة شرعية عامة,مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} فالأمر بالمكاتبة للندب للنص على القرينة بعده {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} لأن الله تعالى علق الكتابة على علم المالك بما يراه خيرآ للعبد, كما يوجد في الآية قرينة أخرى, وهي قاعدة عامة في الشريعة أن المالك له حرية التصرف في ملكه, وأول الآية نصت على ثبوت الملك له {مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} .
ويرى القاضي حسين من الشافعية أن الأمر هنا للندب لقرينة أخرى وهي أنه وقع بعد حظر, والأمر بعد الحظر للندب عنده, والحظر السابق هو تحريم بيع مال الشخص بماله, وهو ممتنع, والكتابة كذلك, ثم جاء الأمر بها فصارت للندب, "انظر: التمهيد للإستوي ص74".
ومثل الأمر بالإنتشار بعد الصلاة, فإنه ورد في الآية بعد النص على حظر البيع والتجارة أثناء الصلاة, بقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} سورة الجمعة9, فالأمر بالفعل بعد الحظر يفيد الإباحة عند الجمهور, وكذلك الأمر بالاصطياد بعد التحلل من الإحرام, فإنه ورد بعد النص على تحريم الصيد اثناء الإحرام في قوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} المائدة/1, ومثل قوله صلى اله عليه وسلم فيما رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور, ألا فزوروها" فالأمر بالفعل بعد حظره قرينة على صرفه إلى الإباحة, وقد يختلف الفقهاء في القرينة, وهل تصرف الأمر من الوجوب إلى الندب أو الإباحة أم لا.
وخالف الظاهرية –ومنهم ابن حزم- جماهير العلماء، وقالوا: إن الأمر للوجوب، ولا يصرفه عن الوجوب قرينة، ولا يخرج الأمر عن الوجوب إلابنصٍ آخر أو إجماع.
انظر تفصيل هذا الموضوع في "المسودة ص17، الروضة 2/192، نزهة الخاطر 2/70، القواعد والفوائد الأصولية ص161، الإحكام لابن حزم 1/276، البرهان للجوني 1/261، التوضيح على التنقيح 2/63، كشف الأسرار 1/107-120، نهاية السول 2/18، أثر الاختلاف في القواعد الإصولية ص299،311،مباحث الكتاب والسنة ص123، أصول الفقه الإسلامي ص276، 313،تفسير النصوص 2/360، العدة1/248،256، فيض القدير5/55،الإحكام للآمدي2/142".(3/19)
"وَ" الرَّابِعُ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "إرْشَادٍ"1 نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} 2 وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} 3 وقوله تعالى: {إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} 4
وَالضَّابِطُ فِي الإِرْشَادِ: أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَصَالِحِ الدُّنْيَا ، بِخِلافِ النَّدْبِ ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَصَالِحِ الآخِرَةِ ، وَأَيْضًا: الإِرْشَادُ لا ثَوَابَ فِيهِ ، وَالنَّدْبُ فِيهِ الثَّوَابُ5
"وَ" الْخَامِسُ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "إذْنٍ"6 نَحْوَ قَوْلِ مَنْ بِدَاخِلِ مَكَان لِلْمُسْتَأْذِنِ7 عَلَيْهِ: اُدْخُلْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُدْخِلُ هَذَا فِي قِسْمِ الإِبَاحَةِ.
وَقَدْ يُقَالُ: الإِبَاحَةُ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ صِيَغِ الشَّرْعِ الَّذِي لَهُ الإِبَاحَةُ وَالتَّحْرِيمُ ، وَإِنَّمَا الإِذْنُ يُعْلَمُ بِأَنَّ الشَّرْعَ أَبَاحَ دُخُولَ مِلْكِ ذَلِكَ الآذِنِ8 مَثَلاً ، فَتَغَايَرَا.
ـــــــ
1. انظر:الإحكام للآمدي /142، المحصول ج1 ق2/58، المستصفى 1/417، نهاية السول 2/15، جمع الجوامع 1/372، أصول السرخسي 1/14، التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/107، المنخول ص 132، فواتح الرحموت 1/372، العدة 1/219.
2. الآية 282 من البقرة.
3. الآية 282 من البقرة.
4. الآية 282 من البقرة.
5. انظر: كشف الأسرار 1/107، فواتح الرحموت 1/372، المحلي على جمع الجوامع والبناني عليه 1/372، المستصفى1/419، 422، المحصول? 1ق2/58، الإحكام للآمدي2/142، نهاية السول2/17.
6. انظر: جمع الجوامع 1/373.
7. في ض ب: لمستأذن.
8. ساقطة من ض.(3/20)
"وَ" السَّادِسُ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَأْدِيبٍ"1 نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ أَبِي2 سَلَمَةَ3 فِي حَالِ صِغَرِهِ "يَا غُلامُ: سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ4 وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ5.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُدْخِلُ ذَلِكَ فِي قِسْمِ النَّدْبِ. مِنْهُمْ الْبَيْضَاوِيُّ6.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَقْرَبُ مِنْ النَّدْبِ7.
ـــــــ
1. انظر: التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/107، فواتح الرحموت 1/372، المنخول ص132، المحصول ? 1 ق 2/57، المستصفى1/417، الرسالة ص350، 352، الإحكام للآمدي2/142، جمع الجوامع 1/373.
2. ساقطة من ض.
3. هو الصحابي عمر بن عبد الله بن عبد الأسد القرشي المخزومي، أبو حفص، ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد بأرض الحبشة في أواخر السنة الثانية للهجرة،وكان أبواه مهاجرين للحبشة، ثم توفي والده أبو سلمة، فتزوج رسول صلى الله عليه وسلم والدته أم سلمة، فعاش في كنف الرسول صلى الله عليه وسلم ورعايته، شهد مع علي الجمل، واستعمله على رضي الله عنه على البحرين وفارس، وروي له اثنا عشر حديثاً، توفي سنة 83 هـ.
انظر ترجمته في "الإصابة 2/519،الاستيعاب 2/474، الخلاصة ص 283، تهذيب الأسماء 2/16، مشاهير علماء الأمصارص 27، أسد الغابة 4/183".
4. ساقطة من ش ز.
5.هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه ومالك والدارمي عن عمر بن أبي سلمة مرفوعاً.
"انظر صحيح البخاري 3/291، صحيح مسلم 3/1599، سنن أبي داود 2/314، تحفة الأحوذي 5/590، سنن ابن ماجه2/1087، مختصر سنن أبي داود 5/304، الموطأ ص 580 ط الشعب، مسند أحمد 4/26، سنن الدارمي 2/94، ذخائر المواريث 3/63، الفتح الكبير 3/400، تخريج أحاديث مختصر المناهج ص 289، البيان والتعريف 2/270".
6. ومنهم الآمدي، ونسب ابن عبد الشكور أن الشافعي يقول إن الأمر للوجوب، فقال: "وعند الشافعي للإيجاب" "فواتح الرحموت1/372"، وانظر:الإحكام للآمدي2/142، نهاية السول شرح منهاج الوصول2/14
7. وهو رأي الفخر الرازي والتفتازاني وعبد العزيز البخاري.
"انظر: المحصول ? 1 ق2/57، التلويح على التوضيح2/51، كشف الأسرار1/107".(3/21)
هُوَ يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَة1ِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَيْنَهُمَا2 عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ ؛ لأَنَّ الأَدَبَ3 مُتَعَلِّقٌ بِمَحَاسِنِ الأَخْلاقِ ، وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ4 مِنْ مُكَلَّفٍ ، أَوْ غَيْرِهِ ؛ لأَنَّ عُمَرَ كَانَ صَغِيرًا. وَالنَّدْبُ مُخْتَصٌّ بِالْمُكَلَّفِينَ ، وَأَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَحَاسِنِ الأَخْلاقِ وَغَيْرِهَا5.
"وَ" السَّابِعُ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "امْتِنَانٍ"6 نَحْوُ قوله تعالى: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ} 7 وَسَمَّاهُ أَبُو الْمَعَالِي: الإِنعَامَ8.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِبَاحَةِ: أَنَّ الإِبَاحَةَ مُجَرَّدُ إذْنٍ ، وَالامْتِنَانُ لا بُدَّ فِيهِ مِنْ اقْتِرَانِ حَاجَةِ الْخَلْقِ لِذَلِكَ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِ9 ، وَالْعَلاقَةُ بَيْنَ الامْتِنَانِ وَالْوُجُوبِ: الْمُشَابَهَةُ فِي الإِذْنِ إذْ الْمَمْنُونُ لا يَكُونُ إلاَّ مَأْذُونًا فِيهِ10.
ـــــــ
1. انظر: المحصول? 1 ق 2/58.
2. ساقطة من ض.
3. في ش: الإذن.
4. ساقطة من ش.
5. انظر: التلويح على التوضيح 2/51، فواتح الرحموت 1/372، نهاية السول 2/17.
6. انظر: التوضيع على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/107، فواتح الرحموت 1/372، نهاية السول 2/15، جمع الجوامع 1/372، الإحكام للآمدي 2/143، المنخول ص132، المحصول ? 1 ق2/85 ، المستصفى 1/417، العدة 1/220
7. الاية 88 من المائدة.
8. وتبعه ابن السبكي في "جمع الجوامع 1/374" وحقيقة إسداء النعمة، وفرق بعضهم بين الإنعام والامتنان باختصاص الإنعام بذكر أعلى مايحتاج إليه "انظر: البناني على جمع الجوامع1/374".
9. انظر فتح الرحموت 1/372، نهاية السول 2/18، المحلي على جمع الجوامع 1/373.
10. انظر: نهاية السول 2/18.(3/22)
"وَ" الثَّامِنُ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "إكْرَامٍ" نَحْوُ قوله تعالى: {اُدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} 1 فَإِنَّ قَرِينَةَ2 بِسَلامٍ آمَنِينَ يَدُلُّ عَلَى الإِكْرَامِ3.
"وَ" التَّاسِعُ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "جَزَاءٍ" نَحْوُ قوله تعالى: {اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 4.
"وَ" الْعَاشِرُ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "وَعْدٍ" نَحْوُ قوله تعالى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} 5، "وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي تَمِيمٍ "أَبْشِرُوا" 6.
وَقَدْ يُقَالُ بِدُخُولِ ذَلِكَ فِي الامْتِنَانِ. فَإِنَّ بُشْرَى الْعَبْدِ مِنَّةٌ عَلَيْهِ.
"وَ" الْحَادِيَ عَشَرَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَهْدِيدٍ"7 نَحْوُ قوله تعالى: {اعْمَلُوا
ـــــــ
1. الآية 46 من الحجر.
2. في ع ض: بقرينة.
3. ولعلاقة بين الوجوب والإكرام هي المشابهة في الإذن.
" انظر: نهاية السول 2/18، جمع الجوامع 1/373، المحصول ? 1 ق 2/58، المستصفى 1/418، الإحكام للآمدي 2/134، المنخول ص 1133، الروضة 2/191، العدة 1/220، كشف الأسرار 1/107، التوضيح على التنقيح 2/51، فواتح الرحموت 1/372".
4. الآية 32 من النحل.
5. الآية 30 من فصلت.
6. هذا الحديث رواه البخاري والترمذي وأحمد عن عمران بن حصين، قال جاء نفر من بني تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يابني تميم أبشروا" ، قالوا: بشرتنا فأعطنا،فتغير وجهه، فجاءه أهل اليمن، فقال "يأهل اليمن، اقبلوا بالبشرى،إذ لم يقبلها بنو تميم" ، قالوا: قبلنا، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم يحدث: "بدأ الخلق والعرش..." الحديث .
"انظر:صحيح البخاري2/207، باب بدء الخلق، تحفة الأحوذي 10/450، مسند أحمد 4/426، 433".
7. وسمى السرخسي ذلك توبيخاً، وسماه صدر الشريعة تهديداً، وسماه البردوي تقريعاًَ، وبين عبدالعزيز البخاري الفرق بين التقريع والتوبيخ.
"انظر: كشف الأسرار 1/107،108، أصول السرخسي 1/14، التوضيح على التنقيح 2/51،فواتح الرحموت1/372، الروضة2/191، الإحكام للآمدي2/143، التبصرة ص 20، المنخول ص133، المحصول? 1 ق2/59، المستصفى 1/418، نهاية السول 2/15، جمع الجوامع1/372، العبادي على الورقات ص 98، العدة 1/219".(3/23)
مَا شِئْتُمْ} 1 وقوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِك وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِك وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ} 2.
"وَ" الثَّانِي عَشَرَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "إنْذَارٍ"3 نَحْوُ قوله تعالى: {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إلَى النَّارِ} 4
وَقَدْ جَعَلَهُ قَوْمٌ قِسْمًا مِنْ التَّهْدِيدِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْبَيْضَاوِيِّ 5.
وَالصَّوَابُ الْمُغَايَرَةُ.
وَالْفَرْقُ: أَنَّ التَّهْدِيدَ هُوَ التَّخْوِيفُ ، وَالإِنْذَارُ: إبْلاغُ الْمَخُوفِ6. كَمَا فَسَّرَهُ الْجَوْهَرِيُّ بِهِمَا7.
ـــــــ
1. الآية 40 من فصلت.
2. الآية 64 من الإسراء.
3. انظر: كشف الأسرار 1/107، فواتح الرحموت 1/372، المحصول? 1 ق 2/58، المستصفى 1/418، الإحكام للآمدي 2/143، المنخول ص 133، نهاية السول 2/15، جمع الجوامع 1/373.
4. الآية 30 من إبراهيم.
5. وهو رأي الفخر الرازي أيضاً.
"انظر: نهاية السول شرح منهاج الوصول 2/15، 18، المحصول? 1 ق 2/59".
6 قال التفتازاني: "والتهديد هو التخويف، ويقرب منه الإنذار...فإنه إبلاغ مع تخويف" ، "التلويح 2/51"، وقال الإسنوي بعد نقل هذا الفرق عن "الصحاح" قال: "وقد فرق الشارحون بفروق أخرى ، لا أصل لها فاجتنبها"، "نهاية السول2/18".
وانظر كشف الأسرار 1/107، فواتح الرحموت 1/372، جمع الجوامع 1/373.
7. قال الجوهري: "الإنذار: الإبلاغ، ولا يكون إلا في التخويف" "الصحاح 2/25".(3/24)
وَقِيلَ: الإِنْذَارُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَقْرُونًا بِالْوَعِيدِ كَالآيَةِ وَالتَّهْدِيدُ لا يَجِبُ فِيهِ ذَلِكَ ، بَلْ قَدْ يَكُونُ مَقْرُونًا وَقَدْ لا يَكُونُ مَقْرُونًا.
وَقِيلَ: التَّهْدِيدُ عُرْفًا أَبْلَغُ فِي الْوَعِيدِ وَالْغَضَبِ مِنْ الإِنْذَارِ.
"وَ" الثَّالِثَ عَشَرَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَحْسِيرٍ" وَتَلْهِيفٍ،نَحْوُ قوله تعالى: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} 1وَمِثْلُهُ قوله تعالى: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} 2حَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ3.
"وَ" الرَّابِعَ عَشَرَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَسْخِيرٍ"4 نَحْوُ قوله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} 5 وَالْمُرَادُ بِالتَّسْخِيرِ هُنَا: السُّخْرِيَةُ6 بِالْمُخَاطَبِ بِهِ، لا بِمَعْنَى التَّكْوِينِ، كَمَا قَالَهُ7 بَعْضُهُمْ8.
"وَ" الْخَامِسَ عَشَرَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَعْجِيزٍ"9 نَحْوُ قَوْله تَعَالَى:
ـــــــ
1. الآية 119 من آل عمران.
2. الآية 108 من المؤمنون.
3 انظر: مقياس اللغة 2/62، 182.
4 وسماه ابن السبكي: التسخير والامتهان.
"انظر: جمع الجوامع 1/373، المحصول ? 1 ق2/60، المستصفى 1/418، المنخول ص133، الإحكام للآمدي 2/143، نهاية السول 2/15، التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/107، فواتح الرحموت 1/372، الروضة 2/191، تفسير النصوص 1/238".
5 الآية 65 من البقرة.
6. في ز ض ب: السخريا.
7. في ش ع: قال.
8. انظر: فواتح الرحموت 1/372.
9 وسماه السرخسي التقريع "أصول السرخسي 1/14".
"وانظر: التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/107، فواتح الرحموت 1/372، التبصرة ص20، المنخول ص133، المحصول? 1 ق 2/60، نهاية السول 2/15، جمع الجوامع 1/373، الإحكام للآمدي 2/143، العدة 1/219".(3/25)
{فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} 1، وَالْعَلاقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُجُوبِ الْمُضَادَّةُ؛ لأَنَّ التَّعْجِيزَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُمْتَنِعَاتِ، وَالإِيجَابُ فِي الْمُمْكِنَاتِ. وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} 2 وَمَثَّلَهُ بَعْضُهُمْ3 بِقوله تعالى: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} 4.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْجِيزِ وَالتَّسْخِيرِ: أَنَّ التَّسْخِيرَ نَوْعٌ مِنْ التَّكْوِينِ فَمَعْنَى {كُونُوا قِرَدَةً} 5 انْقَلِبُوا إلَيْهَا. وَأَمَّا التَّعْجِيزُ: فَإِلْزَامُهُمْ أَنْ يَنْقَلِبُوا، وَهُمْ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يَنْقَلِبُوا6.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ: فِي التَّمَسُّكِ بِهَذَا نَظَرٌ7. وَإِنَّمَا التَّعْجِيزُ حَيْثُ يَقْتَضِي الأَمْرُ8 فِعْلَ مَا لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُخَاطَبُ9 نَحْوُ قوله تعالى: {فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ} 10
"وَ" السَّادِسَ عَشَرَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "إهَانَةٍ" نَحْوُ قوله تعالى: {ذُقْ إنَّك أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} 11 وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّيهِ التَّهَكُّمَ.12
ـــــــ
1. الآية 38 من يونس، وفي ع: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} البقرة /23.
2. الآية 34 من الطور.
3. انظر: الروضة 2/191.
4. الآيتان 50، 51 من الإسراء.
5. الآية 65 من البقرة.
6. ساقطة من ض، وانظر: كشف الأسرار 1/108، نهاية السول 2/18.
7. في ب: النظر.
8. في ض ع: بالأمر.
9. انظر: نهاية السول 2/19.
10. الآية 168 من آل عمران.
11. الآية 49من الدخان.
12.انظر: المستصفى 1/418، الإحكام للآمدي 2/143، المنخول ص133، المحصول ج1 ق2/60، نهاية السول 2/19، جمع الجوامع 1/374، التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/107، فواتح الرحموت 1/372، الروضة 2/191.(3/26)
وَضَابِطُهُ: أَنْ يُؤْتَى بِلَفْظٍ ظَاهِرُهُ الْخَيْرُ وَالْكَرَامَةُ ، وَالْمُرَادُ ضِدُّهُ ، وَيُمَثَّلُ بِقوله تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِك وَرَجِلِكَ} 1 وَالْعَلاقَةُ أَيْضًا فِيهِمَا2 الْمُضَادَّةُ.
"وَ" السَّابِعَ عَشَرَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "احْتِقَارٍ" نَحْوُ قوله تعالى فِي قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ يُخَاطِبُ السَّحَرَةَ {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} 3 إذْ أَمْرُهُمْ فِي مُقَابَلَةِ الْمُعْجِزَةِ حَقِيرٌ، وَهُوَ مِمَّا أَوْرَدَهُ الْبَيْضَاوِيُّ4.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِهَانَةِ: أَنَّ الإِهَانَةَ إمَّا بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ. كَتَرْكِ إجَابَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، لا بِمُجَرَّدِ اعْتِقَادٍ. وَالاحْتِقَارُ: قَدْ يَكُونُ بِمُجَرَّدِ5 الاعْتِقَادِ. فَلِهَذَا يُقَالُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ: احْتَقَرَهُ ، وَلا يُقَالُ: أَهَانَهُ6.
"وَ" الثَّامِنَ عَشَرَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَسْوِيَةٍ"7 نَحْوُ قوله تعالى: {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا} 8 بَعْدَ قوله تعالى: {اصْلَوْهَا} 9 أَيْ هَذِهِ
ـــــــ
1 الآية 64 من الإسراء.
2 في ع ض ب: هنا.
3 الآية 43 من الشعراء.
4 كذا أورده ابن عبد الشكور.
"انظر: نهاية السول بشرح منهاج الوصول2/19، فواتح الرحموت 1/372، التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/107، جمع الجوامع 1/372".
5 في ض ب: مجرد.
6 انظر نهاية السول 2/19، فواتح الرحموت 1/372.
7 انظر: الروضة 2/191، نهاية السول 2/19، جمع الجوامع 1374، المستصفى 1/418، المحصول ? 1 ق 2/60، المنخول ص133، الإحكام للآمدي2/143، كشف الأسرار1/107، فواتح الرحموت1/372،التوضيح على التنقيح2/51.
8 الآية 16 من الطور.
9 الآية 16 من الطور.(3/27)
التَّصْلِيَةُ لَكُمْ، سَوَاءٌ صَبَرْتُمْ أَوْ لا. فَالْحَالَتَانِ سَوَاءٌ، وَالْعَلاقَةُ الْمُضَادَّةُ. لأَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ مُضَادَّةٌ لِوُجُوبِ الْفِعْلِ1. وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "فَاخْتَصَّ 2 عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ3.
"وَ" التَّاسِعَ عَشَرَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "دُعَاءٍ"4 نَحْوُ قوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} 5، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} 6 وَكُلُّهُ طَلَبُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّفَضُّلِ وَالإِحْسَانِ.
وَالْعَلاقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ7 الإِيجَابِ طَلَبُ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ8.
"وَ" الْعِشْرُونَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَمَنٍّ9" كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
ـــــــ
1.انظر: نهاية السول 2/19.
2. في جميع النسخ: فأحرص، وهو تحريف من النساخ.
3. هذا الحديث رواه البخاري تعليقاً في "صحيحه" في كتاب النكاح، باب ما يكره من التبتل والخصاء، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت يارسول الله، إني رجل شاب، وأنا أخاف على نفسي العنت، ولا أجد ما أتزوج به النساء، فسكت عني، ثم قلت: مثل ذلك، فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة، جف القلم بما أنت لاقٍ، فاختصِ على ذلك أو ذر" .
ورواه النسائي بلفظ: "ولا أجد طولاً أتزوج النساء، أفأختصي؟ فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال ثلاثاً".
"انظر: صحيح البخاري 3/155-156، سنن النسائي 6/49".
4. انظر: المحصول ? 1 ق2/60، المستصفى 1/418، المنخول ص133، نهاية السول 2/19، جمع الجوامع 1/374، الإحكام للآمدي 2/143، الروضة 2/191، التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/107، فواتح الرحموت 1/372.
5. الآية 41 من إبراهيم، وفي ز ع ض ب: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} نوح/28.
6. الآية147 من آل عمران.
7. في ش: بين وبينه، وفي ز: بين وبين.
8. انظر: نهاية السول 2/19.
9. انظر: نهاية السول 2/19، جمع الجوامع 1/374، المحصول ? 1 ق2/60، المستصفى 1/418، المنخول ص133، الإحكام للآمدي 2/143، فواتح الرحموت 1/272، كشف الأسرار 1/107، التوضيح على التنقيح 2/51، الروضة 2/191.(3/28)
"أَلا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلا انْجَلِي1"
وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى التَّمَنِّي دُونَ التَّرَجِّي ؛ لأَنَّهُ أَبْلَغُ. لأَنَّهُ نَزَّلَ لَيْلَهُ لِطُولِهِ مَنْزِلَةَ الْمُسْتَحِيلِ انْجِلاؤُهُ2. كَمَا قَالَ الآخَرُ
"وَلَيْلُ الْمُحِبِّ بِلا آخِرٍ3"
قَالَ بَعْضُهُمْ ؛ وَالأَحْسَنُ تَمْثِيلُ هَذَا كَمَا مَثَّلَهُ ابْنُ فَارِسٍ لِشَخْصِ تَرَاهُ: كُنْ فُلانًا. وَفِي الْحَدِيثِ: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى طَرِيقِ4 تَبُوكَ "كُنْ أَبَا ذَرٍّ" 5 وَرَأَى6 آخَرَ فَقَالَ:
ـــــــ
1. هذا صدر بيت من الطويل للأمرئ القيس، وعجزه:
"بصبح وما الإصباح منك بأمثل"
واستشهد بهذا البيت ابن الشجري في "أماليه"، والعيني في "شرح شواهد الألفية"، والأشموني في "شرح ألفية ابن مالك"، والعباسي في "معاهد التنصيص"، والشيخ خالد في "التصريح بمضمون التوضيح".
"انظر: ديوان امرئ القيس ص8 ط ثانية بدار المعارف بمصر، معجم شواهد العربية ص304".
2. قال العلماء: إن الترجي يكون في الممكنات والتمني في المستحيلات، لذلك حمل الشاعر ليله على التمني، لأن ليل المحب لطوله كانه مستحيل الانجلاء، ولذا استشهدوا في البيت للتمني، وقد يكون للترجي إذا كان مترقباً للإصباح.
"انظر: نهاية السول 2/19، فواتح الرحموت 1/342، المحلي على جمع الجوامع 1/374".
3. هذا عجز بيت من المتقارب لخالد الكاتب، وصدره:
"رقدت ولم ترث للساهر"
ذكره الجرجاني في "دلائل الإعجاز ص376، الطبعة الثالثة عن دار المنار بمصر سنة 1366 هـ" وعبد السلام هارون في "معجم شواهد العربية ص193".
4. ساقطة من ز ع ض ب.
5. هذا الحديث رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، وقال: فيه إرسال.
"انظر: المستدرك 3/50، زاد المعاد 3/534، طبع مؤسسة الرسالة".
6. في ب وروى.(3/29)
"كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ" 1 لأَنَّ امْرَأَ الْقِيسِ قَدْ يَدَّعِي اسْتِفَادَةَ التَّمَنِّي مِنْهُ مِنْ " أَلا " لا2 مِنْ صِيغَةِ افْعَلْ ، بِخِلافِ هَذَا الْمِثَالِ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ " أَلا "3 قَرِينَةُ إرَادَةِ التَّمَنِّي بِافْعَلْ ، وَأَمَّا " كُنْ فُلانًا " فَلَيْسَ أَنْ يَكُونَ إيَّاهُ ، بَلْ الْجَزْمُ بِهِ ، وَأَنْ يَنْبَغِيَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَلَمَّا احْتَمَلَ أَنَّ هَذَا4 فِي الْمِثَالَيْنِ ذَكَرْتُهُمَا.
"وَ" الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "كَمَالِ الْقُدْرَةِ" نَحْوُ قوله تعالى: {إنَّمَا قَوْلُنَا5 لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 6 هَكَذَا سَمَّاهُ الْغَزَالِيُّ وَالآمِدِيُّ7.
ـــــــ
1 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم.
"انظر: صحيح البخاري 3/86، صحيح مسلم 4/2122، رياض الصالحين ص20"
وأبو خيثمة هو الصحابي عبد الله بن خيثمة، الأنصاري السالمي المدني، شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً وباقي المشاهد، وتأخر عن غزوة تبوك عدة أيام، وبعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل أبو خيثمة على اهله، فوجد امرأتين له في عريشتين لهما في حائط، قد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت له ماءً فيه... فقال لنفسه: رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والحر والريح، وأبو خيثمة في ظل باردٍ، وطعام، وامرأة حسناء، مقيم في ماله، ما هذا بالنصف، والله لاأدخل عريشة واحدة منكما حتى الحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك إذا شخص يزول يه السراب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كن أبا خيثمة" ، فإذا هو أبو خيثمة ، عاش إلى زمن يزيد بن معاوية.
انظر: ترجمته في "الإصابة 4/53، الإستيعاب 4/51، أسد الغابة 3/225، تهذيب الأسماء 2/224".
2 ساقطة من ض.
3 في ض: الأمر.
4 في ش ز: ان يكون هذا، وفي ض: هذين المثالين.
5 في ز ع ض ب: أمرنا، ولعل المقصود الآية الأخرى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} سورة يّس /82.
6 الآية 40 سورة النحل.
7 وسماه الغزالي في "المنخول134":نهاية الاقتدار، وسماه في "المستصفى 1/418": كمال القدرة.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/143، فواتح الرحموت 2/9".(3/30)
وَبَعْضُهُمْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّكْوِينِ1، وَسَمَّاهُ الْقَفَّالُ وَأَبُو الْمَعَالِي وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: التَّسْخِيرَ، فَهُوَ تَفْعِيلٌ مِنْ " كَانَ " بِمَعْنَى وُجِدَ، فَتَكْوِينُ الشَّيْءِ إيجَادُهُ مِنْ الْعَدَمِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوجِدُ لِكُلِّ شَيْءٍ وَخَالِقُهُ2.
"وَ" الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "خَبَرٍ3" نَحْوُ قوله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} 4 وقوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} 5 وقوله تعالى: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} 6 وقوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} 7
وَمِنْهُ عَلَى رَأْيٍ "إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت" 8
ـــــــ
1 منهم صدر الشريعة وابن عبد الشكور من الحنفية، والفخر الرازي وابن السبكي من الشافعية، والتكوين هو الإيجاد من العدم، أما التسخير فهو الانتقال إلى حالة ممتهنة، وقال ابن عبد الشكور عن "التكوين":ولا يعتبر فيه الانتقال من حالة إلى أخرى كالتسخير".
"انظر: التوضيح على التنقيح 2/51، 53، فواتح الرحموت 1/342، المحصول ? 1 ق2/61، جمع الجوامع 1/343، التبصرة ص30، التلويح على التوضيح 2/58، كشف الأسرار 1/107، 112 وما بعدها، العبادي على الورقات ص98، نهاية السول 2/19، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص296"
2 يرى بعض العلماء أن الأمر هنا بمعنى التكوين حقيقة، وليس مجازاً، قال السرخسي الحنفي: "فالمراد حقيقة هذه الكلمة "كن" عندنا، لا يكون مجازاً عن التكوين كما زعم بعضهم". "أصول السرخسي 1/18".
3 انظر: المحصول ? 1 ق2/50، نهاية السول 2/19، جمع الجوامع 1/374، كشف الأسرار 1/107، الروضة 2/191، شرح تنقيح الفصول ص142.
4 الاية 81 من التوبة.
5 الآية 75 من مريم.
6 الآية 12 من العنكبوت.
7 الآية 38 من مريم.
8 هذا جزء من حديث شريف، وأوله: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة" ، وسبق تخريجه ح2ص391.(3/31)
وَذَلِكَ لأَنَّهُ لَمَّا جَاءَ الْخَبَرُ بِمَعْنَى الأَمْرِ1 فِي قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} 2 وقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} 3 جَاءَ الأَمْرُ بِمَعْنَى الْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ 4وَكَذَا جَاءَ الْخَبَرُ5 بِمَعْنَى النَّهْيِ6، كَمَا فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ ، وَلا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا" بِالرَّفْعِ7 ؛ إذْ لَوْ كَانَ نَهْيًا لَجُزِمَ، فَيُكْسَرُ لالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
قَالَ أَرْبَابُ الْمَعَانِي: وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ صَرِيحِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ ؛ لأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لِشِدَّةِ طَلَبِهِ نَزَّلَ الْمَطْلُوبَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِعِ لا مَحَالَةَ، وَمِنْ هُنَا تُعْرَفُ الْعَلاقَةُ فِي إطْلاقِ الْخَبَرِ بِمَعْنَى الأَمْرِ وَالنَّهْيِ8
"وَ" الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَفْوِيضٍ" نَحْوُ قوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} 9 ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي10.
ـــــــ
1 انظر: نهاية السول 2/20، شرح تنقيح الفصول ص142، مختصر البعلي ص99، المحصول ? 1 ق2/50، التمهيد ص72.
2 الاية 233 من البقرة.
3 الآية 228 من البقرة.
4 ساقطة من ش ز.
5 في ش ز: والخبر.
6 انظر: المحصول ج1 ق2/52، نهاية السول 2/20.
7 هذا الحديث رواه ابن ماجة عن أبي هريرة، وتتمه: "فإن الزانية هي التي تزوج نفسها" ، ورواه الشافعي و الدار قطني.
"انظر: سنن ابن ماجة 1/606، بدائع المنن 2/318، سنن الدار قطني 3/227، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص289، نيل الأوطار 6/134، الفتح الكبير 3/322".
8 العلاقة بين الأمر والخبر: أن الأمر يدل على وجود الفعل، كما أن الخبر يدل على وجود الفعل أيضاً، والعلاقة بين الخبر والنهي: أن النهي يدل على عدم الفعل، كما أن الخبر يدل الفعل أيضاً. "انظر: المحصول ? 1 ق2/52، 54".
9 الآية 72 من طه.
10 سار ابن السبكي على منهج أبي المعالي في هذه التسمية: "انظر: جمع الجوامع 1/374".(3/32)
وَيُسَمَّى أَيْضًا1: التَّحْكِيمُ. وَسَمَّاهُ ابْنُ فَارِسٍ وَالْعَبَّادِيُّ2: التَّسْلِيمَ، وَسَمَّاهُ نَصْرُ بْنُ مُحَمَّدِ الْمَرُّوذِيُّ3: الاسْتِبْسَالَ. وَ4قَالَ: أَعْلَمُوهُ5 أَنَّهُمْ قَدْ اسْتَعَدُّوا لَهُ بِالصَّبْرِ ، وَأَنَّهُمْ غَيْرُ تَارِكِينَ لِدِينِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَسْتَقِلُّونَ مَا هُوَ فَاعِلٌ فِي جَنْبِ مَا يَتَوَقَّعُونَهُ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} 6 أَخْبَرَهُمْ بِهَوَانِهِمْ
"وَ" الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَكْذِيبٍ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى7
ـــــــ
1 ساقطة من ض.
2 هو محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، أبو عاصم العبادي، الهروي، الإمام الجليل، القاضي، كان مجراً في العلم، وحافظاً لمذهب الشافعي، كان معروفاً بغموض العبارة، حباً لاستعمال الذهن الثاقب، كان من أصحاب الوجوه في المذهب، وكان مناظراً، دقيق النظر، تفقه وسمع الحديث الكثير، ودرس وحدث، وصنف كتباً كثيرة، منها "أدب القضاء" الذي شرحه أبو سعد الهروي في كتاب "الإشراف على غوامض الحكومات" ولأبي عاصم: "طبقات الفقهاء" و "الرد على القاضي السمعاني" و "كتاب الأطعمة" و "الزيادات" و "زيادات الزيادات" و الهادي إلى مذهب العلماء" وغيرها، توفي سنة458 ?.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 4/104، وفيات الأعيان 3/351، شذرات الذهب 3/306، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص56، تهذيب الأسماء 2/249".
3 هو نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو الليث الفقيه السمرقندي المشهور بإمام الهدى، علامة من أئمة الحنفية، ومن الزهاد، له تصانيف كثيرة منها: "تفسير القرآن" و "عمدة العقائد" و "بستان العارفين" و "تنبيه الغافلين" و "خزانة الفقه" و "شرح الجامع الصغير" و "عيون المسائل" و "مختلف الرواية" وغيرها، توفي سنة 373? ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الفوائد البيهة ص220، الجواهر المضيئة 2/196، الأعلام للزركلي 8/348".
4 ساقطة من ع ض ب.
5 في ش: اعلموا.
6 الآية 71 من يونس.
7 انظر: جمع الجوامع 1/374، تفسير النصوص 1/238.(3/33)
{قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 1 وَمِنْهُ قوله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} 2 {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ} 3
"وَ" الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "مَشُورَةٍ"4 نَحْوُ قوله تعالى: {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} 5 فِي قَوْلِ إبْرَاهِيمَ لابْنِهِ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ إشَارَةً إلَى مُشَاوَرَتِهِ فِي هَذَا الأَمْرِ. وَهُوَ قَوْلُهُ: {يَا بُنَيَّ إنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُك فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} 6 ذَكَرَهُ الْعَبَّادِيُّ
"وَ" السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "اعْتِبَارٍ" نَحْوُ قوله تعالى: {اُنْظُرُوا إلَى ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} 7 فَإِنَّ فِي8 ذَلِكَ عِبْرَةً لِمَنْ يَعْتَبِرُ9
"وَ" السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَعَجُّبٍ10" نَحْوُ قوله تعالى: {اُنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَك الأَمْثَالَ} 11 قَالَهُ الْفَارِسِيُّ. وَمَثَّلَهُ الْهِنْدِيُّ بِقَوْلِهِ
ـــــــ
1 الآية 93 من آل عمران.
2 الآية 23 من البقرة.
3 الآية 150 من الأنعام.
4 انظر: جمع الجوامع 1/374.
5 الآية 102 من الصافات.
6 الآية 102 من الصافات.
7 الآية 99 من الأنعام.
8 ساقطة من ع ض.
9 انظر: جمع الجوامع 1/374، تفسير النصوص 1/238.
10 انظر: جمع الجوامع 1/374.
ومثله عبد العزيز البخاري بقوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} مريم/38 ، أي ما أسمعهم وما أبصرهم، "كشف الأسرار 1/107.
11 الآية 48 من الإسراء.(3/34)
تَعَالَى: {كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} 1 وَتَقَدَّمَ أَنَّ بَعْضَهُمْ مَثَّلَ بِهِ لِلتَّعْجِيزِ2 ، وَأَنَّ ابْنَ عَطِيَّةَ قَالَ: فِيهِ نَظَرٌ3. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ4: وَهُوَ الظَّاهِرُ5. فَإِنَّ التَّمْثِيلَ بِهِ لِلتَّعَجُّبِ أَوْضَحُ ؛ لأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّعَجُّبُ
"وَ" الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "إرَادَةِ امْتِثَالِ أَمْرٍ آخَرَ6" نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كُنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ ، وَلا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ" 7 فَإِنَّ8 الْمَقْصُودَ الاسْتِسْلامُ وَالْكَفُّ عَنْ الْفِتَنِ9.
فَهَذَا الَّذِي وَقَعَ اخْتِيَارُنَا عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَشْيَاءَ غَيْرَ
ـــــــ
1 الآية 50 من الإسراء.
2 في ض: لتعجيز.
3 صفحة 26.
4 في ض: قاله.
5 في ض: ظاهر.
6 انظر: جمع الجوامع 1/374.
7 هذا الحديث رواه الطبراني عن خباب بن الأرت، ورواه أحمد والحاكم عن خالد بن عرفطة بلفظ: "فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول، لا القاتل، فافعل" قال العجلوني: وبعضها يقوى بعضاً، وصحح الحاكم حديث حذيفة أنه قيل له: ما تأمرنا إذا اقتتل المصلون؟ قال: "آمرك أن تنظر أقصى بيت من دارك فتلج فيه، فإن دخل عليك، فتقول: ها بؤ بإثمي وإثمك، فتكون كابن آدم" وروى الإمام أحمد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يمنع أحدكم إذا جاء من يريد قتله أن يكون مثل ابني آدم: القاتل في النار، والمقتول في الجنة" وروى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الفتنة: "كسروا فيها قسيكم وقطعوا أوتاركم، واضربوا بسيوفكم الحجارة، فإن دخل على أحدكم بيته، فليكن كخير ابني آدم" وفي رواية "كن كابن آدم" .
"انظر: كشف الخفا 2/193 ط حلب، المستدرك 4/444، أسنى المطالب ص171، سنن أبي داود 2/415، 416، سنن ابن ماجة 2/1310، تحفة الأحوذي 6/437، مسند أحمد 4/416، 5/292، نيل الأوطار 5/368".
8 في ز: فإنما.
9 في ش: القتل.(3/35)
ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ نَظَرٌ1.
فَمِنْهَا، وَهُوَ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ : كَوْنُهَا بِمَعْنَى "التَّخْيِيرِ2" نَحْوُ قوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} 3 ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ.
وَقَدْ يُقَالُ: نَفْسُ صِيغَةِ افْعَلْ لَيْسَ فِيهَا تَخْيِيرٌ إلاَّ4 بِانْضِمَامِ أَمْرٍ آخَرَ يُفِيدُهُ ، لَكِنْ مِثْلُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي التَّسْوِيَةِ.
وَمِنْهَا ، وَهُوَ الثَّلاثُونَ: الاخْتِيَارُ. نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَلا يَغْمِسْ 5 يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاثًا" بِدَلِيلِ "فَإِنَّهُ لا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ" 6.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَهَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ النَّدْبِ. فَلا حَاجَةَ إلَى إفْرَادِهِ.
ـــــــ
1 ذكر الغزالي في معاني صيغة "إفعل" خمسة عشر وجهاً، ثم قال: "وهذه الأوجه عدها الأصوليون شغفاً منهم بالتكثير، وبعضها كالمتداخل، فإن قوله "كل مما يليك" داخل في الندب، والآداب مندوب إليها، وقوله: "تمتعوا" للإنذار قريب من قوله: "اعملوا ما شئتم" الذي هو للتهديد" "المستصفى 1/419"
2 ذكر ابن عبد الشكور التخيير، ومثله الشارح محمد نظام الدين الأنصاري بقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت" أي مخير في الفعل وقت زوال الحياء. "فواتح الرحموت 1/372".
3 الآية 42 من المائدة.ساقطة من ش ز ع ب.
4 ساقطة من ش ز ع ب.في ش: بضده.
5 في ش: بضده.في ض ش: يغمس، وهي رواية للحديث عند مسلم.
6 في ض ش: يغمس، وهي رواية للحديث عند مسلم.
هذا الحديث رواه البخاري ومسلم ومالك والشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي عن أبي هريرة مرفوعاً، وأوله: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل..."
"انظر: صحيح البخاري 1/30، صحيح مسلم بشرح النووي 3/180، سنن أبي داود 1/23، تحفة الأحوذي 1/109، سنن النسائي 1/110، سنن ابن ماجة 1/138، الموطأ ص39 طبعة الشعب، بدائع المنن 1/27، مسند أحمد 2/241، 253، سنن الدارمي 1/196".(3/36)
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ قُلْت1: لَيْسَ فِي هَذَا صِيغَةُ أَمْرٍ، إنَّمَا هُوَ صِيغَةُ نَهْيٍ كَمَا تَرَى. انْتَهَى.
وَمِنْهَا، وَهُوَ الْحَادِي وَالثَّلاثُونَ: الْوَعِيدُ. نَحْوُ قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} 2 وَلَكِنْ هَذَا مِنْ التَّهْدِيدِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: التَّهْدِيدُ أَبْلَغُ مِنْ الْوَعِيدِ.
وَمِنْهَا، وَهُوَ الثَّانِي وَالثَّلاثُونَ: الالْتِمَاسُ. كَقَوْلِك لِنَظِيرِك: افْعَلْ. وَهَذَا يَأْتِي عَلَى رَأْيٍ3، وَهُوَ وَشَبَهُهُ مِمَّا يَقِلُّ4 جَدْوَاهُ فِي دَلائِلِ الأَحْكَامِ.
وَمِنْهَا، وَهُوَ الثَّالِثُ وَالثَّلاثُونَ: التَّصَبُّرُ. نَحْوُ قوله تعالى: {لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا} 5 {فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} 6 {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} 7 ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ8.
وَمِنْهَا، وَهُوَ الرَّابِعُ وَالثَّلاثُونَ: قُرْبُ الْمَنْزِلَةِ، نَحْوُ قوله تعالى: {اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ} 9 ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ.
وَمِنْهَا ، وَهُوَ الْخَامِسُ وَالثَّلاثُونَ: التَّحْذِيرُ وَالإِخْبَارُ عَمَّا يَئُولُ الأَمْرُ
ـــــــ
1 ساقطة من ب.
2 الآية 29 من الكهف. وفي ع ض ب: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ...} .
3 وهو رأي ابن عبد الشكور، "انظر: مسلم الثبوت بشرح فواتح الرحموت 1/372".
4 في ش: تقل.
5 الآية 40 من التوبة.
6 الآية 17 من الطارق.
7 الآية 83 من الزخرف.
8 انظر: تفسير النصوص 1/283.
9 الآية 49 من الأعراف، والآية 32 من النحل، والآية 70 من الزخرف.(3/37)
إلَيْهِ1، نَحْوُ قوله تعالى: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} 2 قَالَهُ الصَّيْرَفِيُّ.
"وَكَنَهْيٍ" فِي الْمَعْنَى "دَعْ ، وَاتْرُكْ" وَكُفَّ ، وَأَمْسِكْ نَفْسَك عَنْ كَذَا. وَنَحْوُهُ3.
لَمَّا كَانَ4 مِنْ أَبْعَاضِ " افْعَلْ " مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَفِّ عَنْ الْفِعْلِ. اُحْتِيجَ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَى إخْرَاجِهَا. وَلِهَذَا قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي حَدِّ الأَمْرِ: إنَّهُ اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرِ كُفَّ مَدْلُولٍ عَلَيْهِ بِغَيْرِ كُفَّ5 ، أَيْ مَدْلُولٍ عَلَى الْكَفِّ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ بِغَيْرِ كُفَّ الَّذِي هُوَ فِعْلُ أَمْرٍ.
فَقَوْلُهُ "اقْتِضَاءُ فِعْلٍ" أَيْ طَلَبُ فِعْلٍ ، وَهُوَ جِنْسٌ يَشْمَلُ الأَمْرَ وَالنَّهْيَ ، وَتَخْرُجُ الإِبَاحَةُ6 وَغَيْرُهَا مِمَّا تُسْتَعْمَلُ مِنْهُ7 صِيغَةُ الأَمْرِ. وَلَيْسَ أَمْرًا ، وَقَوْلُهُ "غَيْرِ كُفَّ " فَصْلٌ خَرَجَ بِهِ النَّهْيُ. فَإِنَّهُ طَلَبُ فِعْلٍ هُوَ كُفَّ.
وَقَوْلُهُ "مَدْلُولٍ عَلَيْهِ بِغَيْرِ كُفَّ" صِفَةٌ لِقَوْلِهِ: كُفَّ 8.
ـــــــ
1 انظر: كشف الأسرار 1/107.
2 الآية 65 من هود، وأولها: {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا...} .
3 انظر: تيسير التحرير 1/337، 338، فواتح الرحموت 1/395، العضد على ابن الحاجب 2/77، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/367 وما بعدها.
4 في ش ز: بعض من.
5 جمع الجوامع 1/367.
6 في ض ب: ويخرج
7 في ش ب: منه.
8 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/367.(3/38)
فصل الأمر حقيقة في الوجوب
...
فَصْلُ الأمر حقيقة الوجوب:
"الأَمْرِ" فِي حَالَةِ1 كَوْنِهِ "مُجَرَّدًا عَنْ قَرِينَةٍ" "حَقِيقَةٍ فِي الْوُجُوبِ" عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ2 "شَرْعًا" أَيْ بِاقْتِضَاءِ وَضْعِ الشَّرْعِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا ، وَهُوَ أَحَدُ الأَقْوَالِ الثَّلاثَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ3.
وَالثَّانِي 4 - وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْمَعَالِي عَنْ الشَّافِعِيِّ - أَنَّهُ بِاقْتِضَاءِ وَضْعِ اللُّغَةِ5.
ـــــــ
1 في ض: حال.
2 وهو قول الظاهرية أيضاً، قال إمام الحرمين في "البرهان" والآمدي في "الإحكام" إنه مذهب الشافعي، وذكر الشيرازي في "شرح اللمع" أن الأشعري نص عليه.
"انظر: البرهان للجويني 1/216، الإحكام للآمدي 2/144، الإحكام لابن حزم 1/259، اللمع ص8، التبصرة ص26، التمهيد ص73، فواتح الرحموت 1/373، كشف الأسرار 1/108، 110، تيسير التحرير 1/341، أصول السرخسي 1/14، المستصفى 1/423، المعتمد 1/57، التوضيح على التنقيح 2/53، شرح تنقيح الفصول ص127، الروضة ص127، مختصر الطوفي ص86، مختصر البعلي ص99، القواعد والفوائد الأصولية ص159، مختصر ابن الحاجب 2/79، العبادي على الورقات ص80، العدة 1/224، إرشاد الفحول ص94، مباحث الكتاب والسنة ص112، تفسير النصوص 1/241، المسودة ص13، فتح الغفار 1/31.
3 انظر: فواتح الرحموت 2/377، تيسير التحرير 1/360، نهاية السول 2/21، البرهان للجويني 1/223، القواعد والفوائد الأصولية ص159، مختصر البعلي ص99، التمهيد ص73، اللمع ص8، مباحث الكتاب والسنة ص112.
4 في ش ز: الثاني.
5 وهو رأي ابن حزم الظاهري وابن نجيم الحنفي وابن عبد الشكور وجلال الدين المحلي، وهو الصحيح عن أبي إسحاق الشيرازي، وهو ظاهر كلام الآمدي.
انظر: الإحكام لابن حزم 1/263، فتح الغفار 1/31، فواتح الرحموت 1/377، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/375، تيسير التحرير 1/360، اللمع ص8، التمهيد ص73، البرهان 1/223، مختصر البعلي ص99، القواعد والفوائد الأصولية ص159، نهاية السول 2/22، الإحكام للآمدي 2/145، مباحث الكتاب والسنة ص114".(3/39)
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ - وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ - أَنَّهُ بِاقْتِضَاءِ الْفِعْلِ1.
وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ بِقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} 2 وَبِقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ} 3 ذَمَّهُمْ وَذَمَّ إبْلِيسَ عَلَى مُخَالَفَةِ الأَمْرِ الْمُجَرَّدِ4. لأَنَّ السَّيِّدَ لا يُلامُ عَلَى عِقَابِ عَبْدِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ مُجَرَّدِ أَمْرِهِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلاءِ ، وَدَعْوَى قَرِينَةِ الْوُجُوبِ وَاقْتِضَاءِ تِلْكَ اللُّغَةِ لُغَةً لَهُ دُونَ هَذِهِ: غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ5.
ـــــــ
1 ذكر هذا الرأي القيرواني في "المستوعب"، انظر: التمهيد ص73، نهاية السول 2/22، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/375، مختصر البعلي ص99، القواعد والفوائد الأصولية ص159، مباحث الكتاب والسنة ص114.
2 الآية 63 من النور.
3 الآية 48 من المرسلات.
4 وذلك في قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} الأعراف/12، ومثل هذا الذم لا يكون إلا على ترك الواجب، فدل على أن الأمر للوجوب.
"انظر: التبصرة ص27، شرح تنقيح الفصول ص127، مباحث الكتاب والسنة ص113، العدة1/230".
5 انظر القول في الوجوب وأدلته ومناقشتها في "المحصول ج1 ق2/69 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/80، نهاية السول 2/20، وما بعدها، أحكام الإحكام 1/104، 138، المسودة ص5، ص15، أصول السرخسي 1/16، 18، الإحكام لابن حزم 1/259، فتح الغفار 1/33، شرح تنقيح الفصول ص127، البرهان للجويني 1/221، التوضيح على التنقيح 2/53 وما بعدها، 62 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/144، 146، التبصرة ص27، المنخول ص105، المستصفى 1/429، مختصر الطوفي ص86، الروضة 2/194، إرشاد الفحول ص94، العدة 1/229، تفسير النصوص 1/245".
وفي ش: ممسوعة.(3/40)
وَقِيلَ: إنَّ الأَمْرَ الْمُجَرَّدَ عَنْ قَرِينَةٍ حَقِيقَةٍ فِي النَّدْبِ. وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ وَالآمِدِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ1. وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ بِأَسْرِهَا2.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَمَرَ3 بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَلُ مِمَّا نَهَى عَنْهُ4. فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الأَصْحَابِ5: لَعَلَّهُ لأَنَّ الْجَمَاعَةَ قَالُوا: الأَمْرُ لِلنَّدْبِ، وَلا تَكْرَارَ. وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَالدَّوَامِ، لِئَلاَّ يُخَالِفَ نُصُوصَهُ6.
وَأَمَّا أَبُو الْخَطَّابِ: فَإِنَّهُ أَخَذَ مِنْ النَّصِّ أَنَّهُ لِلنَّدَبِ7.
وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّا نَحْمِلُ الأَمْرَ الْمُطْلَقَ عَلَى مُطْلَقِ الرُّجْحَانِ ، وَنَفْيًا لِلْعِقَابِ بِالاسْتِصْحَابِ، وَلأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَلأَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً8.
ـــــــ
1 الإحكام للآمدي 2/144، المستصفى 1/426.
2 هذا قول أكثر المعتزلة، ونقله السرخسي عن بعض المالكية.
وانظر القول في الندب مع أدلته ومنا قشتها في "مختصر ابن الحاجب 2/79، نهاية السول 2/22، 37، جمع الجوامع 1/375، المسودة ص5، أصول السرخسي 1/16، فتح الغفار 1/31، شرح تنقيح الفصول ص137، البرهان للجويني 1/215، التلويح على التوضيح 2/51، 53، 63، كشف الأسرار 1/108، 111، تيسير التحرير 1/341، مختصر البعلي ص99، المعتمد 1/57، 76، الإحكام للآمدي 2/144، اللمع ص8، التبصرة ص27، المستصفى 1/419، 423، 426، فواتح الرحموت 1/373، التمهيد ص73، روضة الناظر 2/193، مختصر الطوفي ص86، القواعد والفوائد الأصولية ص159، العدة 1/229، إرشاد الفحول ص94، تفسير النصوص 1/242، مباحث الكتاب والسنة ص112".
3 في ش ز ع: أمر الله.
4 انظر: المسودة ص5، 14، الفوائد والفوائد الأصولية ص191، العدة 1/228.
5 منهم أبو البركات ابن تميمة، "انظر: المسودة ص14، القواعد والفوائد الأصولية ص191".
6 انظر: العدة 1/229.
7 انظر: المسودة ص5، القواعد والفوائد الأصولية ص191.
8 هناك أقوال كثيرة في المسألة، ولكل قول دليله، وبحثه المصنف رحمه الله سابقاً في المجلد الأول ص405.
"وانظر: كشف الأسرار 1/119، تيسير التحرير 1/347، المعتمد 1/76، التبصرة ص33، المحصول ج1 ق2/353، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 1/81، اللمع ص7، شرح تنقيح الفصول ص127، الروضة 2/193، العدة 1/248، مباحث الكتاب والسنة ص113، 114، تفسير النصوص 1/264، أصول الفقه الإسلامي ص277".(3/41)
وَقِيلَ: إنَّ الأَمْرَ الْمُجَرَّدَ عَنْ قَرِينَةٍ حَقِيقَةٍ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، وَهُوَ الطَّلَبُ. فَيَكُونُ مِنْ الْمُتَوَاطِئِ. اخْتَارَهُ الْمَاتُرِيدِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ1، لَكِنْ قَالَ: يُحْكَمُ بِالْوُجُوبِ ظَاهِرًا فِي حَقِّ الْعَمَلِ احْتِيَاطًا دُونَ الاعْتِقَادِ2.
وَاسْتُدِلَّ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بِأَنَّ الشَّارِعَ أَطْلَقَ. وَالأَصْلُ الْحَقِيقَةُ ، وَيَحْسُنُ الاسْتِفْهَامُ. وَالتَّقْيِيدُ أَفْعَلَ3 وَاجِبًا أَوْ نَدْبًا4.
رَدُّ خِلافِ الأَصْلِ.
وَمَنَعَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لا يَحْسُنُ الاسْتِفْهَامُ5.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ اثْنَا عَشَرَ قَوْلاً غَيْرَ هَذِهِ الثَّلاثَةِ أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهَا6 خَشْيَةَ الإِطَالَةِ.
وَذَكَرَ فِي الْقَوَاعِدِ الأُصُولِيَّةِ خَمْسَةَ عَشَرَ قَوْلاً7.
ـــــــ
1 انظر: كشف الأسرار 1/118، تيسير التحرير 1/340، 347 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/144، المحصول ?1 ق2/67، مختصر ابن الحاجب 2/79، نهاية السول 2/22، جمع الجوامع 1/375، المعتمد 1/56، شرح تنقيح الفصول ص127، التمهيد ص72، القواعد والفوائد الأصولية ص160، مباحث الكتاب والسنة ص112.
2 انظر: كشف الأسرار 1/108، تيسير التحرير 1/341، فواتح الرحموت 1/373.
3 في ش: فعل.
4 انظر: كشف الأسرار 1/108، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/81، القواعد والفوائد الأصولية ص162.
5 أي لا يحسن الاستفهام عن الأمر، هل هو للوجوب أم لا؟ "انظر: مختصر البعلي ص99".
6 في ب: ذكره.
7 ساقطة من ش ز، وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص161.(3/42)
"وَ" يَكُونُ الأَمْرُ الَّذِي لَيْسَ مُقَيَّدًا1 بِمَرَّةٍ وَلا تَكْرَارٍ "لِتَكْرَارٍ حَسَبِ الإِمْكَانِ" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَأَبِي إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ قَالَهُ2 الآمِدِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ3 وَالْمُتَكَلِّمِينَ4 ، وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْقَصَّار5ِ عَنْ مَالِكٍ. فَيَجِبُ اسْتِيعَابُ
ـــــــ
وذكر الإسنوي في هذه المسألة ستة عشر قولاُ "التمهيد"، وقال الغزالي: "والمختار أنه متوقف فيه" "المستصفى 1/419، 423".
وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/79، نهاية السول 2/22، جمع الجوامع وشرح المحلي والبناني عليه 1/376، التبصرة ص27، المنخول ص105، المحصول ? 1 ق2/62، 66، المعتمد 1/57، الإحكام للآمدي 2/144، كشف الأسرار 1/107وما بعدها، التلويح على التوضيح 2/51، 53، فواتح الرحموت 1/373، نهاية السول 2/22ن أصول السرخسي 1/15، الإحكام لابن حزم 1/259 وما بعدها،فتح الغفار 1/31 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص127، البرهان للجويني 1/212، المسودة ص5، الروضة 2/193، مختصر الطوفي ص86، القواعد والفوائد الأصولية ص159 وما بعدها، العدة 1/229، مباحث الكتاب والسنة ص113، 115، إرشاد الفحول ص94.
1 في ض ب: بمقيد.
2 في ش ز ع ب ض: قال.
3 في ض: العلماء.
4 انظر أدلة هذا القول ومناقشتها في "التوضيح على التنقيح 2/68، نهاية السول 2/42، 46، البرهان للجويني 1/224، 229، تيسير التحرير 1/351، مختصر البعلي ص100، المعتمد 1/108، الإحكام للآمدي 2/155، جمع الجوامع 1/380، اللمع ص8، التبصرة ص41، المنخول ص108، المحصول ? 1 ق2/163، المستصفى 2/2، مختصر ابن الحاجب 2/81، العبادي على الورقات ص83، المسودة ص20، نزهة الخاطر 2/78، التمهيد ص78، القواعد والفوائد الأصولية ص171".
5 هو علي بن عمر بن أحمد، أبو الحسن، الفقيه المالكي، المعروف بابن القصار الأبهري الشيرازي البغدادي، كان أصولياً نظاراً، تفقه بأبي بكر الأبهري، وتفقه عليه القاضي عبد الوهاب وابن عمروس وجماعة، ولي بغداد، وله كتاب كبير في مسائل الخلاف، قال الشيرازي: "لا أعرف لهم كتاباً في الخلاف أحسن منه" توفي سنة 398 ?، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب ص199 ط أولى، ترتيب المدارك 2/602، شجرة النور الزكية ص92، طبقات الفقهاء للشيرازي ص198، تاريخ بغداد 12/41".(3/43)
الْعُمْرِ بِهِ ، دُونَ أَزْمِنَةِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالنَّوْمِ وَضَرُورِيَّاتِ الإِنْسَانِ1.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: لا يَقْتَضِي تَكْرَارًا إلاَّ بِقَرِينَةٍ. وَنَقَلَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ2.
وَاخْتَلَفَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى3
ـــــــ
1 انظر: شرح تنقيح الفصول ص120، المعتمد 1/110، المنخول ص108، العضد على ابن الحاجب 2/82، نهاية السول 2/42.
2 وهو قول ابن الخطاب، ورجحه الطوفي، ومال إليه ابن قدامة، وهو الصحيح عند الفخر الرازي وابن الحاجب وأبي الحسين البصري، وعبد الحنفية والظاهرية.
"انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص171، الروضة 2/199، المسودة ص20، 22، مختصر الطوفي 87، 88، العدة 1/264، مختصر البعلي ص100، كشف الأسرار 1/122، تيسير التحرير 1/251، فتح الغفار 1/36، التوضيح على التنقيح 2/69، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/62، أصول السرخسي 1/20، الإحكام لابن حزم 1/216، المعتمد 1/108، المحصول ? 1 ق2/162، فواتح الرحموت 1/380".
3 ذكر البعلي في القول الأول أنه: "أشهر قولي القاضي" "القواعد والفوائد الأصولية ص171"، وهو ما نص عليه القاضي في "العدة1/264"، ونقله الطوفي عنه، "مختصر الطوفي ص87"، وقاله الموفق عنه "الروضة 2/200".
وهناك أقوال أخرى في المسألة، ففي قول ثالث: أن الأمر لا يقتضي التكرار، ولا يدل على المرة، ولا على التكرار، وفي قول رابع أن الأمر إن كان معلقاً بشرط اقتضى التكرار، وإن كان مطلقاً فلا يقضي التكرار، وهو اختيار المجد ابن تيمية في "المسودة ص20" وفي قول خامس أنه مشترك بين التكرار والمرة، فيتوقف إعماله في أحدهما على وجود القرينة، وفي قول سادس أنه على التوقف، وهو اختيار الأشعرية وإمام الحرمين والغزالي، واختلفوا في معنى الوقف، فقيل: لا يعلم أوضع للمرة هنا أو للتكرار أو لمطلق الفعل، وقيل: لا يعلم مراد المتكلم لاشتراك الأمر بين الثلاثة، ونقل ابن الحاجب والآمدي والمجد عم إمام الحرمين أنه لا يقتضي شيئاً، ولكن كلام الجويني في "البرهان" يخالف ذلك.
"انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص171، 172، المسودة ص20، 21، التمهيد ص78، مختصر البعلي ص101، التلويح على التوضيح 2/69، المنخول ص108، 111، الإحكام للآمدي 2/155، البرهان للجويني 1/224، 228، شرح تنقيح الفصول ص130، العدة 1/264 وما بعدها، 275، إرشاد الفحول ص98، مختصر ابن الحاجب 2/81".(3/44)
"وَ" يَكُونُ الأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِـ"فِعْلِ الْمَرَّةِ" الْوَاحِدَةِ "بِالالْتِزَامِ"1.
فَعَلَى كَوْنِهِ لا يَقْتَضِي تَكْرَارًا يُفِيدُ الأَمْرُ طَلَبَ الْمَاهِيَّةِ مِنْ غَيْرِ إشْعَارٍ بِوَحْدَةٍ وَلا بِكَثْرَةٍ ، إلاَّ أَنَّهُ2 لا يُمْكِنُ3 إدْخَالُ تِلْكَ4 الْمَاهِيَّةُ فِي الْوُجُودِ بِأَقَلَّ مِنْ مَرَّةٍ. فَصَارَتْ الْمَرَّةُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ؛ لأَنَّ الأَمْرَ يَدُلُّ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الالْتِزَامِ5.
وَقِيلَ: يَقْتَضِي فِعْلَ مَرَّةٍ بِلَفْظِهِ وَوَضْعِهِ6.
"وَ"أَمْرٍ "مُعَلَّقٍ بِمُسْتَحِيلٍ" نَحْوُ: صَلِّ إنْ كَانَ زَيْدٌ مُتَحَرِّكًا سَاكِنًا "لَيْسَ أَمْرًا" لأَنَّهُ كَقَوْلِهِ7: كُنْ الآنَ مُتَحَرِّكًا سَاكِنًا. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.
ـــــــ
1 في ض: بالتزام.
2 في ض ب: لأنه.
3 في ع: تمكن.
4 مابين القوسين إضافة من "القواعد والفوائد الأصولية ص171"، والنص منقول حرفياً منه.
5 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص171، الروضة 2/200، المحصول? 1 ق2/163، جمع الجوامع 1/379، نزهة الخاطر 2/78، أصول السرخسي 1/25، الإحكام لابن حزم 1/319، فتح الغفار 1/26، البرهان للجويني 1/229، تيسير التحرير 1/351، مختصر البعلي ص10، المعتمد 1/107، الإحكام للآمدي 2/155، التبصرة ص41، نهاية السول 2/43، العبادي على الورقات ص82، إرشاد الفحول ص97، التمهيد ص78.
6 وهذا قول أصحاب الإمام مالك، وقاله كثير من الحنفية والشافعية، ونقله الشيرازي في "شرح اللمع" عن أكثر الشافعية، وقال الغزالي: "وإليه صار الشافعية الفقهاء".
"انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص171، التمهيد ص78، شرح تنقيح الفصول ص120، البرهان للجويني 1/224، 228، تيسير التحرير 1/351، مختصر البعلي ص10، نهاية السول 2/42، المسودة ص20، أصول السرخسي 1/20، الإحكام للآمدي 2/155، اللمع ص8، المنخول ص108، المحصول ? 1 ق2/63، المستصفى 2/2، فواتح الرحموت 1/380، مختصر ابن الحاجب 2/81، التلويح على التوضيح 2/69، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص315".
7 في ع: كقولك.(3/45)
"وَ"أَمْرٍ مُعَلَّقٍ "بِشَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ لَيْسَا بِعِلَّةٍ" لِلْمَأْمُورِ بِهِ ، كَقَوْلِهِ: إذَا مَضَى شَهْرٌ ، أَوْ إذَا هَبَّتْ1 رِيحٌ ، أَوْ إنْ سَافَرَ زَيْدٌ ، فَأَعْتِقُ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي ، فَحَصَلَ شَيْءٌ مِمَّا عَلَّقَ عَلَيْهِ الأَمْرَ ، وَأَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ. فَقَدْ امْتَثَلَ مَا أَمَرَ بِهِ "وَلَمْ يَتَكَرَّرْ" الأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ "بِتَكَرُّرِهِمَا"2 أَيْ: تَكَرُّرِ3 الشَّرْطِ الَّذِي لَيْسَ بِعِلَّةٍ ثَابِتَةٍ.
وَلا الصِّفَةِ الَّتِي لَيْسَتْ4 بِعِلَّةٍ ثَابِتَةٍ 5. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الشَّرْطُ عِلَّةً ثَابِتَةً نَحْوُ قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} 6 أَوْ كَانَتْ الصِّفَةُ عِلَّةً ثَابِتَةً نَحْوُ قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 7 {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 8 فَإِنَّ الأَمْرَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ اتِّفَاقًا9
ـــــــ
1 في ض: هب.
2 في ض: بتكرره.
3 في ب: بتكرر.
4 في ع: ليس.
5 اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاث مذاهب، الأول: أنه لا يدل على التكرار من جهة اللفظ، لكن يدل عليه من جهة القياس، بناء على أن ترتيب الحكم على الوصف يشعر بالعلية، وهو اختيار الفخر الرازي، والثاني: يدل على التكرار بلفظه، والثالث: لا يدل على التكرار لا بلفظه ولا بالقياس، وهو اختيار الآمدي وابن الحاجب وأبي الحسين البصري والشيرازي.
انظر: هذه الآراء مع الأدلة والمناقشة في "التمهيد ص79، أصول السرخسي 1/21، شرح تنقيح الفصول ص131، المعتمد 1/115 وما بعدها ، المستصفى 2/7، الإحكام للآمدي 2/161 وما بعدها، اللمع ص8، التبصرة ص47 وما بعدها، المحصول ? 1 ق2/179، وما بعدها، نهاية السول 2/42، 50 وما بعدها، منهاج العقول 2/46، القواعد والفوائد الأصولية ص172، العدة 1/275".
6 الآية 6 من المائدة.
7 الآية 38 من المائدة.
8 الآية 2 من النور.
9 دعوى الاتفاق غير مسلمة، لأن بعض الحنفية خالفوا في ذلك، فقال النسفي: "ولا يقتضي التكرار سواء كان معلقاً بالشرط أو مخصوص بالوصف أو لم يكن" "فتح الغفار بشرح المنار للنسفي 1/36-37"، وقال صدر الشريعة: "وعند بعض علمائنا: لا يحتمل التكرار إلا أن يكون=(3/46)
قَالَهُ ابْنُ1 الْبَاقِلاَّنِيِّ فِي التَّقْرِيبِ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَالآمِدِيُّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُمْ2. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الأُصُولِيَّةِ: وَكَلامُ أَصْحَابِنَا يَقْتَضِيهِ3. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: لاتِّبَاعِ الْعِلَّةُ، لا لِلأَمْرِ. فَمَعْنَى هَذَا التَّكْرِيرِ: أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ4 وُجِدَ الْحُكْمُ؛ لأَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ وُجِدَ الْحُكْمُ، لا أَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ يَتَكَرَّرُ الْفِعْلُ5.
ـــــــ
=معلقاً بشرط أو مخصوص بوصف" "التوضيح على التنقيح2/69"، وعلق التفتازاني عليه: "وظاهر عبارة المصنف أن المعلق على شرط أو وصفة يحتمل التكرار، والحق أنه يوجبه على هذا المذهب" "التلويح على التوضيح 2/71"، وقال البزدوي: "وقال عامة مشايخنا: لا توجبه ولا تحتمله بكل حال" "كشف الأسرار على أصول البزدوي 1/122"، وقال عبد العزيز البخاري: "والمذهب الصحيح عندنا أنه لا يوجب التكرار، ولا يحتمله سواء كان مطلقاً أو معلقاً بشرط، أو مخصوصاً بوصف، إلا الأمر بالفعل يقع على أقل جنسه" "كشف الأسرار 1/123"، وقال الكمال بن الهمام: "الشرط هنا علة فيتكرر بتكررها اتفاقاً" "تيسير التحرير 1/353"، وقال ابن عبد الشكور: "فإن كان علة فهل يتكرر بتكررها؟ والحق نعم، وقيل: لا، فدعوى الإجماع في العلة، كما في المختصر وغيره، غلط" "فواتح الرحموت 1/386".
"وانظر: العدة 1/275، مختصر البعلي ص101، المعتمد 1/115، الإحكام للآمدي 2/161، المستصفى 2/7، تفسير النصوص 2/318".
1 ساقطة من ض.
2 انظر: المحصول ? 1 ق2/179، المستصفى 2/8، جمع الجوامع 1/280، الإحكام للآمدي 2/161 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب 2/83، أصول السرخسي 1/20، 21، فواتح الرحموت 1/386، التمهيد ص79، المسودة ص20، الروضة 2/200، العدة 1/276، القواعد والفوائد الأصولية ص172، تفسير النصوص 2/318 وما بعدها.
3 القواعد والفوائد الأصولية ص172.
4 ساقطة من ض، وسقط من ب: إذا وجدتِ العلةُ وجد الحكم، لا أنه.
5 انظر: الإحكام للآمدي 2/161، المحصول ? 1 ق2/183، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/83، الروضة 2/200، العدة 1/276.(3/47)
"وَ" الأَمْرُ "لِلْفَوْرِ"1 سَوَاءٌ قِيلَ: إنَّ الأَمْرَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَوْ لا عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ ، وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ2.
ـــــــ
1 المقصود من كون الأمر للفور أن يبادر المكلف لامتثال الأمر وتنفيذه بعد سماعه دون تأخير، فإن تأخر عن الأداء كان مؤاخذاً،قال صدر الشريعة: "المراد بالفور الوجوب في الحال، والمارد بالتراخي عدم التقيد بالحال لا التقيد بالمستقبل. حتى لو أداه في الحال يخرج عن العهدة" "التوضيح على التنقيح 2/188"، وقال عبد العزيز البخاري: "ومعنى قولنا على الفور أنه يجب تعجيل الفعل في أوقات الإمكان، ومعنى قولنا على التراخي: أنه يجوز تأخيره عنه، وليس معناه أنه يجب تأخيره عنه" "كشف الأسرار 1/254".
"وانظر: اللمع ص8، فواتح الرحموت 1/387، جمع الجوامع 1/381، تخريج الفروع ص40، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص321".
وفي ب: إلا للفور.
2 إن القول بان الأمر للفور هو رأي بعض الشافعية كأبي بكر الصيرفي والقاضي أبي الطيب الطبري وأبي حامد وأبي بكر الدقاق، وهو قول الظاهرية، وبعض الحنفية، وقد نسب المصنف القول به للحنفية تساهلا كما فعل الجويني والبيضاوي والفخر الرازي وغيرهم، والصواب أنه قول أبي الحسن الكرخي منهم وتبعه بعض الحنفية، وأن أكثر الحنفية يرون أن الأمر لمطلق الطلب فقط، قال ابن عبد الشكور في "مسلم الثبوت بشرح فواتح الرحموت 1/387": "هو لمجرد الطلب فيجوز التأخير كما يجوز البدار" وقال عبد العزيز البخاري في "كشف الأسرار 254": "اختف العلماء في الأمر المطلق أنه على الفور أم على التراخي، فذهب أكثر أصحابنا وأصحاب الشافعي وعامة المتكلمين إلى أنه على التراخي، وذهب بعض أصحابنا، منهم أبو الحسن الكرخي.. إلى أنه على الفور.
وانظر تحقيق المسألة في "تيسير التحرير 1/356، أصول السرخسي 1/26ن التوضيح على التنقيح 2/188، المعتمد 1/120، الإحكام لابن حزم 1/294، شرح تنقيح الفصول ص128، البرهان للجويني 1/231، 241، المنخول ص 111، الإحكام للآمدي 1/165، التبصرة ص52، المحصول? 1 ق2/189، المستصفى 2/9ن مختصر ابن الحاجب 2/83، نهاية السول 2/55، جمع الجوامع 1/381، العبادي على الورقات ص85، مختصر البعلي ص101، المسودة ص24، 25، التمهيد ص80، الروضة 2/202 وما بعدها، العدة 1/281، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص322، تفسير النصوص 2/345، القواعد والفوائد الأصولية ص189، مختصر الطوفي ص89، مباحث الكتاب والسنة ص10، إرشاد الفحول ص99".(3/48)
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ مِنْهُمْ: إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ. وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا1 تَأْخِيرَ الْحَجِّ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ2.
وَقِيلَ: لا يَقْتَضِي الْفَوْرَ ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ الْعَزْمُ3.
وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ لُغَةً. قَالَهُ أَكْثَرُ الأَشْعَرِيَّةِ ، فَإِنْ بَادَرَ امْتَثَلَ4
ـــــــ
1 في ش: جوز.
2 اختلف العلماء فيما يترتب على التراخي، بأن يموت المأمور به بعد تمكنه منه وقبل الفعل، فإنه لا يموت عاصياً عند الأكثرين، وقال قوم يموت عاصياً، وقال النووي: "فيه أوجه...والأصح العصيان" "المجموع 7/90".
"وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص75 وما بعدها، نزهة الخاطر 2/86، الإحكام للآمدي 2/20، أصول السرخسي 1/26، كشف الأسرار 1/255، شرح تنقيح الفصول ص129، الإحكام لابن حزم 1/299، المجوع للنووي 7/82، 83، 88، المغني 2/232، المسودة ص25، شرح الكوكب المنير 1/373".
3 يرى أكثر الحنفية والشافعية أن الأمر لمجرد الطلب، وأنه لا يقتضي الفور ولا التراخي، وصرح الجويني فقال: "والوجه أن يعبر: الصيغة تقتضي الامتثال" "البرهان 1/233، 235"، وهذه رواية عن أحمد، وهو الراجح عند المالكية كما اختره ابن الحاجب، وقالت المعتزلة: لا يقتضي التعجيل، ولا يشترطون العزم، ووقع تساهل في عبارات بعض العلماء الأصول أن الأمر للتراخي وينسبونه للشافعية، والتحقيق أنهم يقصدون أن التأخير جائز، قال الشيرازي: "والتعبير بكونه يفيد التراخي غلط..." وهذا ما حققه علماء الشافعية.
انظر تحقيق المسألة وأقوال العلماء فيها مفصلة مع الأدلة والمناقشة في "نهاية السول 2/55، التبصرة ص53، اللمع ص8، 9، المحصول ? 1 ق2/189، جمع الجوامع 1/381، المعتمد 1/120، 129، الإحكام للآمدي 1/165، المستصفى 2/9، فواتح الرحموت 1/387 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب 2/83، البرهان 1/232، الإحكام لابن حزم 1/294 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص129، المسودة ص24، 25، مختصر البعلي ص 101، المنخول ص 111، تيسير التحرير 2/356 وما بعدها، القواعد والفوائد الأصولية ص179، 180، العدة 1/282، مختصر الطوفي ص89، التمهيد ص80، الروضة 2/202، أصول السرخسي 1/28، إرشاد الفحول ص99، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص321 وما بعدها، تفسير النصوص 2/345 وما بعدها".
4 تعددت الأقوال في مسألة الأمر للفور أو للتراخي أو لمجرد الطلب والامتثال أو الوقف أو غير ذلك، ولكل قولٍ دليله.
"انظر: جمع الجوامع 1/382، البرهان للجويني 1/232، 246، كشف الأسرار 1/254، تيسير التحرير 1/357، الإحكام للآمدي 2/165، المنخول ص111، المحصول ? 1 ق2/189، المستصفى 2/9، مختصر ابن الحاجب 2/83، 84، نهاية السول 2/55، المسودة ص25، 26، الروضة 2/202، مختصر الطوفي ص89-90، التمهيد ص80، التبصرة ص53، القواعد والفوائد الأصولية ص180، العدة 1/282، إرشاد الفحول ص99، مباحث الكتاب والسنة ص120 وما بعدها، مختصر البعلي ص 101".(3/49)
"وَفَعَلَ عِبَادَةً لَمْ يُقَيَّدْ" فِعْلُهَا "بِوَقْتٍ" فِي حَالَةِ كَوْنِ الْفِعْلِ "مُتَرَاخِيًا" عَنْ الْفَوْرِ بِهِ1 عَلَى الْقَوْلِ بِهَا "أَوْ مُقَيَّدٌ بِهِ" أَيْ بِوَقْتِ "بَعْدَهُ" أَيْ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي قُيِّدَ بِهِ "قَضَاءً بِالأَمْرِ الأَوَّلِ" لا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فِي الصُّورَتَيْنِ.
أَمَّا فِي الأُولَى -وَهِيَ "مَا2 إذَا لَمْ يُقَيَّدْ الأَمْرُ بِوَقْتٍ وَقُلْنَا بِالْفَوْرِيَّةِ، وَفَعَلَهُ مُتَرَاخِيًا- فَعِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ. وَإِنْ قُلْنَا: الأَمْرُ لِلتَّرَاخِي فَلَيْسَ بِقَضَاءٍ3.
وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ - وَهِيَ مَا4 إذَا كَانَ الأَمْرُ مُقَيَّدًا بِوَقْتٍ5 وَفَعَلَهُ بَعْدَهُ - فَإِنَّ الْقَضَاءَ فِيهَا أَيْضًا بِالأَمْرِ الأَوَّلِ. اخْتَارَهُ6 الْقَاضِي وَالْحَلْوَانِيُّ وَالْمُوَفَّقُ وَابْنُ حَمْدَانَ وَالطُّوفِيُّ وَغَيْرُهُمْ7.
ـــــــ
1 ساقطة من ض ب.
2 ساقطة من ز ع ض ب.
3 نقل المجد عن الجويني أنه قال: "أجمع المسلمون على أن كل مأمور به بأمر مطلق إذا أخره ثم أقامه, فهو مؤد, لا قاض" ثم ذكر المجد الاختلاف بين علماء الحنفية في ذلك فقال: "قال الرازي منهم كالجمهور, وقال غيره: إنه يسقط كالموت عندهم, هذا قول الكرخي وغيره, وأبي الفرج المالكي" "المسودة ص26".
وانظر: العدة1/293,294, الإحكام للامدي2/179, فتح الغفار1/42.
4 ساقطة من ض ب.
5 في ض: بالوقت.
6 في ع: واختاره.
7 وهو قول المقدسي من الحنابلة, وقول الحنفية وبعض الشافعية.
"انظر: مختصر البعلي ص102, العدة1/293, القواعد والفوائد الأصولية ص180, مختصر الطوفي ص90, الروضة2/204,206, المسودةص27, فتح الغفار1/42, شرح تنقيح الفصول ص144, البرهان للجويني 1/265,267, المعتمد1/146, الإحكام للآمدي2/179, اللمع ص9, التبصرة ص64, المنخول ص121, المستصفى2/10, العضد على ابن الحاجب2/92, جمع الجوامع1/382, إرشاد الفحول ص106".(3/50)
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي فُرُوعِهِ فِي1 بَابِ الْحَيْضِ: وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ الصَّوْمَ إجْمَاعًا، وَتَقْضِيهِ إجْمَاعًا هِيَ وَكُلُّ مَعْذُورٍ بِالأَمْرِ السَّابِقِ لا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فِي الأَشْهَرِ2.
"والأمرُ بـ" شيءٍ "معينٍ3 نهيٌ عن ضده "أي ضدِّ ذلك المعين "معنىً" أي من جهة المعنى، لا من جهة اللفظ4، عند أصحابنا والأئمةِ الثلاثة، وذكره أبو
ـــــــ
1 ساقطة من ش.
2 الفروع1/260.
يرى جمهور الفقهاء أنه لابد من أمر جديد, وهو قول أبي الخطاب من الحنابلة, واختاره ابن عقيل منهم, وقواه المجد ابن تيمية, ولكل قول دليله.
"انظر: المستصفى2/11, المسودة ص27, أصول السرخي1/45,46, الإحكام لابن حزم1/203, الروضة 2/204, مختصر الطوفي ص90, شرح تنقيح الفصول ص129,144, البرهان للجويني 1/265, مختصر البعلي ص102, العدة 1/296, المعتمد 1/146, الإحكام للآمدي 2/179, اللمع ص9, التبصرة ص64, المنخول ص120, مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/92, جمع الجوامع 1/382, إرشاد الفحول ص106, مباحث الكتاب والسنة ص125, أصول الفقه الإسلامي ص262".
3 قيد المصنف الأمر بالشيء المعين للاحتراز عن الأمر بشيء غير معين كالواجب المخير, وعن الأمر بشيء في وقت موسع, كالواجب الموسع,فإن الآمر بهما ليس نهياً عن الضد باتفاق. "انظر: التبصرة ص89".
4 قال القرافي: "أريد به أن الأمر يدل بالالتزام, لا بالمطابقة" "شرح تنقيح الفصول ص13", وقال البعلي: "وعند أكثر الأشاعرة من جهة اللفظ, بناء على أن الأمر والنهي لا صيغة لهما"
"مختصر البعلي ص101", وقال الفخر الرازي:" اعلم أنا لا نريد بهذا أن صيغة الأمر هي صيغة النهي, بل المراد أن الأمر بالشيء دال على أن المنع من نقيضه بطريق الالتزام" " المحصول2/324", وقال أبو الحسين البصري: "فالخلاف في الاسم" "المعتمد1/106".(3/51)
الخطاب عن الفقهاء ، وقاله الكعبي وأبو الحسين المعتزلي1.
قَالَ القاضي: بناء على أصلِنا أن2 مطلقَ الأمرِ للْفَوْرِ3.
وعن باقي المعتزلة: ليس نهيا عن ضده، بناء على أصلِهم في اعتبار إرادةِ الناهي، وليست معلومةً، وقطع به النووي في الروضة في كتاب الطلاق؛ لأن القائل: اسكن قد يكون غافلاً عن ضد السكون، وهو الحركة فليس عينَه، ولا يتضمنه4.
وعند الأشعرية: الأمر معنًى في النفس، فقال بعضهم: هو عين النهي عن ضده الوجودي، وهو قول الأشعري، قَالَ أبو حامد: بنى الأشعري ذلك على أن الأمر لا صيغة له، وإنما هو معنًى قائمٌ في النفس، فالأمر عندهم هو نفسُ النهي من هذا الوجه، أي فاتصافه بكونه أمرا ونهيا كاتصاف الكونِ الواحد بكونه قريبًا من شيءٍ بعيدا من شيء 5.
ـــــــ
1 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص183و مختصر الطوفي ص88, المسودة ص49, العدة2/368, أصول السرخسي 1/94, الإحكام لابن حزم 1/314, شرح تنقيح الفصول ص136 والبرهان للجويني 1/250, تيسير التحرير 1/362, مختصر البعلي ص101, المعتمد 1/106, الإحكام للآمدي 1/170, اللمع ص11, التبصرة ص89, جمع الجوامع 1/386, العبادي على الوراقات ص19, تخريج الفروع على الأصول ص128, إرشاد الفحول ص101
2 في ش ز: لأن, ولأعلى من"العدة" وبقية النسخ.
3 قال القاضي أبو يعلى: "الأمر بالشيء نهي عن ضده عن طريق المعنى, سواء كان له ضد واحد أو أضداد كثيرة, وسواء كان مطلقاً أو معلقاً بوقت مضيق, لأن من أصلنا: أن إطلاق الأمر يقتضي الفور" "العدة1/368".
وسبق بحث هذه المسألة في المجلد الأول ص390, وانظر: أصول الفقه الإسلامي ص297.
4 انظر: البرهان للجويني1/250, تيسير التحرير1363, مختصر البعلي ص101, المعتمد1/106, الإحكام للآمدي2/171, اللمع ص11, التبصرة ص90, المحصول? 1 ق2/334, مختصر الطوفي ص88, 89, المسودة ص49, العدة 2/370.
5 انظر: البرهان 1/250، تيسير التحرير 1/362، المسودة ص49، القواعد والفوائد الأصولية ص183، العدة 2/370.(3/52)
وقال ابن الصباغ وأبو الطيب والشيرازي: إنه ليس عينَ النهي ، ولكنه يتضمنُه ويستلزمُه من طريق المعنى، ونُقِلَ هذا عن أكثر الفقهاء، واختاره الآمدي، إلا أن1 يقول2 بتكليفِ المحالِ3.
وقال أبو المعالي والغزالي والكِيا الهِرَّاسِيُّ 4: إنه ليس عينَ النهي5 عن ضِدِّه ولا يقتضيه6. وللقاضي أبي بكر الباقلاني الأقوال الثلاثة المتقدمة7.
وعند الرازي في ”المحصول“: يقتضي الكراهةَ ، لأن النهي لما لم يكن مقصودًا سمي اقتضاء ؛ لأنه ضروري ، فيثبت به8 أقلُّ ما يثبت بالنهي ، وهو الكراهة 9.
ـــــــ
1 في ش:أنه.
2 في ض ب: نقول.
3 وهذا ما نقله الجويني أنه آخر ما قاله القاضي أبو بكر الباقلاني, وهو ما اختاره السرخسي والنسفي وابن نجيم وغيرهم من الحنفية.
"انظر: الإحكام للآمدي1/172, البرهان للجويني1/250, أصول السرخسي1/94, التوضيح على النتقيح2/238, فتح الغفار بشرح المنار2/60, التبصرة ص55,89, جمع الجوامع1/386, تيسير التحرير1/363, العدة1/370, العضد على ابن الحاجب2/85".
4 ساقطة من ض ب.
5 في ش ع: النهي.
6 وهو قول الآمدي على القول بجواز التكليف بالمحال.
" انظر: الإحكام للآمدي2/171, المستصفى1/82, البرهان للجويني1/252, تيسير التحرير1/362, المسودة ص49, جمع الجوامع1/387, القواعد والفوائد الأصولية ص183, المنخول ص114, إرشاد الفحول ص102".
7 انظر: الإحكام للآمدي2/170, المستصفى1/81, مختصر ابن الحاجب والعضد عليه1/8, جمع الجوامع1/386.
8 ساقطة من ض ب.
9 وهذا ما نقله الكمال بن الهمام عن فخر الإسلام البزدوي والقاضي أبي زيد الدبوسي وأتباعهما, وهناك أقوال أخرى في المسألة.
"انظر: المحصول ? 1 ق2/324وما بعدها, تيسير التحرير1/363,367, البرهان للجويني1/250,251, التوضيح على التنقيح2/238".(3/53)
والمراد بالضد هنا الوجودي، وذلك لأنه هو من لوازم الشيء المأمور به1.
"وكذا العكس" يعني أن النهي عن شيء يكون أمرا بضده2.
ثم إنه قد يكون للمأمور ضد واحد ، كالأمر بالإيمان فإنه نهي عن الكفر ، وقد يكون للمنهي عنه ضد واحد، كالنهي عن صوم يوم العيد ، فإنه أمر بفطره3،
وقد يكون لكل منهما أضداد، وهو المشار إليه بقوله: "ولو تعدد الضد"4 وذلك كالأمر بالقيام، فإن له أضداد من قعود وركوع وسجود واضطجاع5.
ـــــــ
وأتباعهما, وهناك أقوال أخرى في المسألة.
"انظر: المحصول ? 1 ق2/324وما بعدها, تيسير التحرير1/363,367, البرهان للجويني1/250,251, التوضيح على التنقيح2/238".
1 ساقطة من ع ض.
وانظر: تيسير التحرير1/363, المحصول ? 1 ق2/337, البناني على جمع الجوامع1/386, العبادي على الورقات ص91.
2 انظر: البرهان للجويني1/350, اللمع ص14, الإحكام للآمدي2/173, مختصر ابن الحاجب والعضد عليه2/88,85, جمع الجوامع1/388, العبادي على الورقات ص91 أصول السرخسي1/96, المسودة ص81, القواعد والفوائد الأصولية ص183, مختصر البعلي ص102, العدة2/430,372.
3 انظر: المعتمد1/107, تيسير التحرير1/363, إرشاد الفحول ص101.
4 في ب: ضد.
5 جمع المصنف رحمه الله تعالى بين مسألتي الأمر والنهي إذا تعدد الضد في كل منهما, وقد ميز العلماء بين ا لمسألتين, فقالوا: إن الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده, وأن النهي عن الشيء أمر بأحد أضداده فقط, وهو ما صرح به القاضي أبو يعلى في "العدة2/430,372".
"انظر: المسودة ص81, العدة2/368, مختصر البعلي ص102, أصول السرخسي1/96,94, فواتح الرحموت1/97, المستصفى1/81, شرح تنقيح الفصول ص177.136.135, البرهان للجويني1/250, تيسير التحرير1/363, المعتمد1/108, اللمع ص14, مختصر ابن الحاجب والعضد عليه2/87 وما بعدها, إرشاد الفحول ص102, أصول الفقه الإسلامي ص299".(3/54)
ووجه ذلك أن أمر الإيجاب طلبُ فعلٍ يُذَمُّ تاركُه إجماعًا ولا ذمَّ إلا على فعل ، وهو الكفُّ عن المأمور به ، أو1 الضدِّ، فيستلزمُ النهيُ عن ضده، أو النهيُ عن الكف عنه2.
ورده القائلُ بأن3 الأمرَ بمعيَّنٍ4 لا يكون نهيا عن ضده بأن الذَّمَ على الترك بدليل خارجي5 عن الأمر، وإن سُلِّم فالنهيُ طلبُ كَفٍّ عن فعل، لا عن كفٍّ، وإلا لزم تصورُ الكَفِّ عن الكَفِّ لكل أمر، والواقعُ خِلافُهُ6.
وفي هذا الرد نظرٌ ومَنْعٌ؛ ولأن المأمور به لا يتم إلا بترك ضده، فيكون مطلوبًا، وهو معنى النهي، والخلافُ في كون النهي عن شيء لا يكون أمرًا بضده، كالخلاف في كون الأمر بالشيء لا يكون نهيا عن ضده ، والصحيح من الخلافين ما في المتن7.
"وَنَدْبٌ كَإِيجَابٍ" يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ أَمْرِ النَّدْبِ حُكْمُ أَمْرِ الإِيجَابِ الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَ الْقَاضِي8 وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ، إنْ قِيلَ
ـــــــ
1 في ع ب: و.
2 انظر: شرح تنقيح الفصول ص137, تيسير التحرير1/364 وما بعدها, العدة2/431.
3 في ش ز: أن
4 في ع ض ب: بمعنى
5 في ض ب: خارج.
6 انظر: تيسير التحرير1/365, مختصر ابن الحاجب والعضد عليه2/86 وما بعدها, جمع الجوامع والمحلي عليه1/389, إرشاد الفحول ص102, العدة1/370وما بعدها.
7 انظر أدلة هذه الأقوال مع مناقشتها بتفصيل في المراجع السابقة في هامش6 والمرجع المشار إليهما في الصفحة السابقة هامش5,2.
8 قال القاضي أبو يعلى:"إذا صرف الأمر عن الوجوب جاز أن يحتج به على الندب والجواز, ويكون حقيقة فيه, ولا يكون مجازاً, وهذا بناء على أصلنا: أن المندوب مأمور به" ثم ذكر أقوال الحنفية بخلاف ذلك, وأقوال الشافعية. "انظر: العدة2/374".(3/55)
إنَّ النَّدْبَ1 مَأْمُورٌ2 بِهِ حَقِيقَةً. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً3.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَأَمْرُ النَّدْبِ كَالإِيجَابِ عِنْدَ الْجَمِيعِ إنْ قِيلَ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. انْتَهَى.
وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيُّ فِي التَّقْرِيبِ، وَحُمِلَ النَّهْيُ عَنْ الضِّدِّ فِي الْوُجُوبِ تَحْرِيمًا. وَفِي النَّهْيِ تَنْزِيهًا. قَالَ: وَ4بَعْضُ أَهْلِ الْحَقِّ خَصَّصَ5 ذَلِكَ بِأَمْرِ الإِيجَابِ لا النَّدْبِ ، وَهُوَ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ الأَشْعَرِيِّ6.
"وَالأَمْرُ بَعْدَ حَظْرٍ، أَوْ" بَعْدَ "اسْتِئْذَانٍ، أَوْ" كَانَ "بِمَاهِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ بَعْدَ سُؤَالِ تَعْلِيمَ": "لِلإِبَاحَةِ" فِي الْمَسَائِلِ الثَّلاثِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِنَّ.
وَالإِبَاحَةُ فِي الأَوْلَى، وَهِيَ الأَمْرُ بَعْدَ الْحَظْرِ: حَقِيقَةً لِتَبَادُرِهَا إلَى الذِّهْنِ فِي
ـــــــ
1 في ض ب: المندوب.
2 في ع ض: حكم مأمور.
3 المجلد الأول ص405.
وانظر: المسودة ص50, جمع الجوامع1/387, شرح تنقيح الفصول ص136, تيسير التحرير1/363,347, المعتمد1/107, المع ص11,7, المحصول? 1 ق2/353, مختصر ابن الحاجب والعضد عليه1/85, مختصر البعلي ص102.
4 ساقطة من ض ب.
5 في ض: وخصوا, وفي ب: خص.
6 انظر: شرح تنقيح الفصول ص136, مختصر ابن الحاجب والعضد عليه2/89,85 وما بعدها.(3/56)
ذَلِكَ، لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ لَهُ1 فِيهَا حِينَئِذٍ، وَالتَّبَادُرُ عَلامَةُ الْحَقِيقَةِ2.
وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ، فَوُرُودُ الأَمْرِ بَعْدَهُ يَكُونُ لِرَفْعِ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ. فَالْوُجُوبُ أَوْ النَّدْبُ زِيَادَةٌ لا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ3.
وَمِنْ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ قَوْله4 تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} 5 {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} 6 {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ 7 مِنْ حَيْثُ
ـــــــ
1 ساقطة من ض ب.
2 وهذا قول الشافعي, وبعض المالكية, ونقله ابن برهان عن أكثر الفقهاء والمتكلمين, ورجحه ابن الحاجب والآمدي والطوفي وغيرهم.
ويرى الطوفي أن الأمر بعد الحظر يقتضي الإباحة من حيث العرف, لا اللغة’, لأنه في اللغة يقتضي الوجوب, وهو ما أيده الكمال بن الهمام وابن عبد الشكور, وقالا: "إن الإباحة في عرف الشرع".
"انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه2/91, نهاية السول2/40, جمع الجوامع1/378, فتح الرحموت1/379, تيسير التحرير2/345, كشف الأسرار1/121,120, التوضيح على التنقيح2/62, المعتمد1/82, الإحكام للآمدي2/178, التبصرة ص38, المنخول ص131, البرهان للجويني1/263, أصول السرخسي1/19, شرح تنقيح الفصول ص139,138, المسودة ص16, مختصر الطوفي ص86, نزهة الخاطر2/76, اللمع ص8, المستصفى1/435, الروضة2/198, العدة1/256, التمهيدص74, القواعد والفوائد الأصولية ص165, مختصر البعلي ص99, مباحث الكتاب ص123".
3 انظر مزيداً من الأدلة لهذا القول في المراجع السابقة.
4 في ب: في قوله.
5 الآية 2 من المائدة, وقد وردت هذه الآية بعد قوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} المائدة/1, وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرمٌ} المائدة/95.
6 الآية10 من الجمعة, وقد وردت هذه الآية بعد قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الجمعة/9.
7 هنا تنتهي الآية في ع ض ب.(3/57)
أَمَرَكُمْ اللَّهُ} 1.
وَمِنْ ذَلِكَ فِي السُّنَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ ادِّخَارِ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ فَادَّخِرُوهَا" 2.
وَالأَصْلُ عَدَمُ دَلِيلٍ سِوَى الْحَظْرِ. وَالإِجْمَاعُ حَادِثٌ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ: لا تَأْكُلْ هَذَا. ثُمَّ يَقُولُ لَهُ3: كُلْهُ4.
وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى5 ، وَأَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَالْفَخْرُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ، وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ6 مِنْ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ كَالأَمْرِ
ـــــــ
1 الآية222البقرة: وهذه الآية وردت بعد قوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ} البقرة/222.
2 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد والحاكم عن عائشة وعلي وغيرهما مرفوعاً بألفاظ متقاربة.
"انظر:صحيح البخاري3/319, صحيح مسلم3/1561, سنن أبي داود2/89, تحفة الأحوذي5/99, سنن النسائي4/73, سنن ابن ماجه2/1055, الموطأ ص299 ط الشعب, مسند أحمد6/51, المستدرك4/232, تخريج أحاديث البزدوي ص225, نيل الأوطار5/143, فيض القدير5/55,45".
3 ساقطة من ش ز ض ب.
4 انظر: التبصرة ص39, المحصول ? 1 ق2/160, وما بعدها, نهاية السول1/41, جمع الجوامع1/378، البرهان للجويني1/263, مختصر ابن الحاجب والعضد عليه2/91, فواتح الرحموت1/380, تيسيرالتحرير1/346, مختصر الطوفي ص87, العدة1/257وما بعدها, مباحث الكتاب والسنة ص87.
5 لم يبين القاضي أبو يعلى رأيه في كتابه"العدة" وإنما اكتفى بذكر الرأي الأول, ثم الرأي الثاني والاستدلال لكل منهما, ومناقشة أدلة القول الثاني وردها, "العدة1/263,256", ولعله ذكر الرأي الأعلى في كتاب آخر.
6 هو عبيد الله بن مسعود بن محمود بن أحمد, المحبوبي البخاري , الإمام الحنفي, كان فقيهاً أصولياً, محدثاً مفسراً, لغوياً أديباً, متكلماً, وكان حافظاً للشريعة, متقناً للأصول والفروع, متبحراً في المنقول والمعقول, عرف بصدر الشريعة منذ نشأته فاشتهر بذلك بين أقرانه وشيوخه وتلاميذه, شرح كتاب "الوقاية" لجده تاج الشريعة محمود, ثم اختصره "الوقاية" وسماه "النقاية" وألف في الأصول متنا مشهوراً اسمه "التنقيح" ثم شرحه بكتابه "التوضيح على التنقيح", ثم جاء التفتازاني وعمل عليه حاشية سماها "التلويح" مطبوع عدة مرات, توفي في بخارى سنة 747?
انظر ترجمته في "الفوائد البهية ص109, تاج التراجم ص40, الفتح المبين2/155, الأعلام للزركلي4/354".(3/58)
ابْتِدَاءً1.
وَاسْتُدِلَّ لِلْوُجُوبِ بِقوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 2.
وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالإِبَاحَةِ: أَنَّ الْمُتَبَادِرَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَفِي الآيَةِ إنَّمَا عُلِمَ بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ3.
وَذَهَبَ أَبُو الْمَعَالِي وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ الْقُشَيْرِيِّ وَالآمِدِيُّ إلَى الْوَقْفِ فِي الإِبَاحَةِ
ـــــــ
1 أي أنه للوجوب, وأن النهي السابق لا يصلح قرينة لصرف الأمر من الوجوب إلى الندب أو الإباحة, وهو قول المعتزلة وأكثر الحنفية, واختاره الباجي وكثر أصحاب مالك والبيضاوي, قال السرخسي: "الأمر بعد الحظر: الصحيح عندنا أن مطلقه الإيجاب" "أصول السرخسي1/19".
انظر أصحاب هذا القول مع أدلته ومناقشتها في "التوضيح على التنقيح2/62 ط الخشاب, كشف الأسرار1/121,120, فتح الغفار1/32, تيسير التحرير1/345, وفواتح الرحموت1/37, العضد على ابن الحاجب2/91, نهاية السول2/40, جمع الجوامع1/378, المستصفى1/435, الإحكام للآمدي2/178, اللمع ص8, التبصرة ص38, المنخول ص131, المحصول ? 1 ق2/159, المعتمد1/82, الإحكام للآمدي2/178, التمهيد ص74, القواعد والفوائد الأصولية ص165, العدة1/257وما بعدها, الروضة2/198, المسودة ص16, شرح تنقيح الفصول ص139, مختصر البعلي ص100, مباحث الكتاب والسنة ص124.
2 الآية5 من التوبة.
3 انظر مناقشة أدلة القول الثاني في "التلويح على التوضيح2/62, الروضة2/199, مختصر ابن الحاجب2/87, كشف الأسرار1/121, تيسير التحرير1/345, العدة1/259, والمراجع السابقة".(3/59)
وَالْوُجُوبِ. لِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ1.
وَقِيلَ: لِلنَّدَبِ2. وَأَسْنَدَ صَاحِبُ التَّلْوِيحِ3 إلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ الإِنْسَانَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ الْجُمُعَةِ نُدِبَ لَهُ أَنْ يُسَاوِمَ شَيْئًا ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِهِ4.
وَذَهَبَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجَمْعٌ إلَى5 أَنَّهُ لِرَفْعِ الْحَظْرِ السَّابِقِ وَإِعَادَةِ حَالِ الْفِعْلِ إلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْحَظْرِ6.
ـــــــ
1 انظر: المستصفى1/435, المنخول ص131, البرهان1/264, جمع الجوامع1/378. العضد على ابن الحاجب2/91, التلويح على التوضيح2/63, المسودة ص17, شرح تنقيح الفصول ص140, فواتح الرحموت1/379, الإحكام للآمدي2/178,.
2 وهو قول القاضي حسين من الشافعية.
"انظر:مختصر البعلي ص100, القواعد والفوائد الأصولية ص165, التمهيد ص74, التوضيح على التنقيح2/62, كشف الأسرار1/121".
3 هو مسعود بن عمر بن عبد الله , سعد الدين التفتازاني, العلامة الشافعي, كان أصولياً مفسراً, متكلماً متحدثاً, نحوياً أديباً, ولد بتفتازان من بلاد خرسان, ثم رحل إلى سرخس, وأقام بها حتى أبعده تيمورلنك إلى سمرقند, فجلس فيها للتدريس, وأقبل عليه الطلاب والعلماء, واشتهرت تصانيفه في الآفاق, وكان الشريف الجرجاني في بدء أمره يعتمد عليها, ويأخذ منها, ومن مؤلفاته: "التلويح في كشف حقائق التنقيح" في الأصول, و "تهذيب المنطق والكلام" و "حاشية على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب" في الأصول, و "شرح على العقائد النسفية" و "شرح مقاصد الطالبين في علم أصول الدين" وغيرهما, توفي بسمرقند سنة791?, وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الدرر الكامنة5/119, الفتح المبين2/206, بغية الوعاة2/285, البدرالطالع2/303, الأعلام للزركلي8/113".
4 انظر: التلويح2/62.
5 ساقطة من ز ع ض ب.
6 وهو رأي الكمال بن الهمام من الحنفية وغيره.
"انظر: المسودة ص16وما بعدها, تيسير التحرير1/346, مختصر البعلي ص100, مختصر الطوفي ص86, شرح تنقيح الفصول ص140, القواعد والفوائد الأصولية ص165, مباحث الكتاب والسنة ص124".(3/60)
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ1 {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 2.
قَالَ الْكُورَانِيُّ: هَذَا الْخِلافُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْقَرِينَةِ ، وَأَمَّا مَعَ وُجُودِهَا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ3. انْتَهَى.
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : وَهِيَ كَوْنُ الأَمْرِ بَعْدَ الاسْتِئْذَانِ لِلإِبَاحَةِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ. وَحَكَاهُ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ عَنْ الأَصْحَابِ. وَقَالَ: لا فَرْقَ بَيْنَ الأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ وَبَيْنَ الأَمْرِ بَعْدَ الاسْتِئْذَانِ4.
قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الأُصُولِيَّةِ: إذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الأَمْرَ الْمُجَرَّدَ لِلْوُجُوبِ، فَوُجِدَ أَمْرٌ بَعْدَ اسْتِئْذَانٍ، فَإِنَّهُ لا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، بَلْ الإِبَاحَةَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي مَحِلَّ وِفَاقٍ. قُلْت: وَكَذَا ابْنُ عَقِيلٍ5. انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: وَإِطْلاقُ جَمَاعَةٍ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. مِنْهُمْ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ وَالاسْتِئْذَانِ: الْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ.
ـــــــ
1 المسودة ص18.
2 الآية 5 من التوبة.
3 وهناك أقوال أخرى في المسالة، كالتفصيل بين الأمر الصريح بلفظه، وبين صيغة "أفعل"، وهو رأي ابن حزم الظاهري والمجد بن تيمية.
"انظر: مختصر الطوفي ص18، 19، 20، الإحكام لابن حزم1/321, مختصر البعلي ص100, الإحكام للآمدي 2/178, البرهان للجويني1/264, القواعد والفوائد الأصولية ص165, الروضة2/198".
4 انظر: التمهيد ص75, المسودة ص18, فواتح الرحموت1/379, نهاية السول 2/41, جمع الجوامع 1/378.
5 القواعد والفوائد الأصولية ص169.(3/61)
وَاخْتَارَ أَنَّ الأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْوُجُوبِ. فَكَذَا بَعْدَ الاسْتِئْذَانِ عِنْدَهُ1 انْتَهَى.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَلا يَسْتَقِيمُ قَوْلُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ لِمَا اسْتَدَلاَّ عَلَى نَقْضِ الْوُضُوءِ بِلَحْمِ الإِبِلِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ لَمَّا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوُضُوءِ2 مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ؟ 3فَقَالَ: "نَعَمْ يُتَوَضَّأُ 4 مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ" 5.
وَمِمَّا يُقَوِّي الإِشْكَالَ: أَنَّ فِي الْحَدِيثِ الأَمْرَ بِالصَّلاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ6 وَهُوَ بَعْدَ سُؤَالٍ، وَلا يَجِبُ بِلا خِلافٍ، وَلا7 يُسْتَحَبُّ.
فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِمَ يَسْتَحِبُّونَ الْوُضُوءَ مِنْهُ؟ وَالاسْتِحْبَابُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ يَقْتَضِي الإِبَاحَةَ؟
قُلْت: إذَا قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ فَلِدَلِيلٍ غَيْرِ هَذَا الأَمْرِ. وَهُوَ أَنَّ الأَكْلَ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ يُورِثُ قُوَّةً نَارِيَّةً، فَنَاسَبَ8 أَنْ تُطْفَأَ9 بِالْمَاءِ ، كَالْوُضُوءِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَلَوْ كَانَ الْوُضُوءُ مِنْ أَكْلِ لُحُومِ10 الإِبِلِ وَاجِبًا عَلَى الأُمَّةِ، وَكُلُّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ لَحْمَ الإِبِلِ ، لَمْ يُؤَخِّرْ بَيَانَ وُجُوبِهِ، حَتَّى يَسْأَلَهُ سَائِلٌ فَيُجِيبَهُ.
ـــــــ
1 القواعد والفوائد الأصولية ص170.
وانظر: المحصول ? 1 ق2/159, فواتح الرحموت 1/379, نهاية السول 2/41.
2 في ز ع ض ب: التوضئ, وكذا في"القواعد والفوائد الأصولية ص170" فالنص منقول منه مع تصرف بسيط.
3 ساقطة من ض.
4 في ب: توضأ.
5 صحيح مسلم1/275, ومر تخريج الحديث كاملاً في المجلد الثاني ص366.
6 ونصه"قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم" انظر: النووي على صحيح مسلم4/48.
7 في ع ض ب: بل ولا,
8 في ز ع ض ب: فيناسب.
9 في ش ز ع ض ب: يطفأ, والأعلى من" القواعد والفوائد الأصولية ص170".
10 في ع ض ب: لحم.(3/62)
فَعُلِمَ أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ لُحُومِهَا مَشْرُوعٌ. وَهُوَ حَقٌّ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ يُقَالُ: الْحَدِيثُ إنَّمَا ذُكِرَ فِيهِ بَيَانُ وُجُوبِ مَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ 1الْغَنَمِ ؟ قَالَ: "إنْ شِئْت فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْت فَلا تَتَوَضَّأْ" مَعَ أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ لُحُومِ2 الْغَنَمِ مُبَاحٌ. فَلَمَّا خَيَّرَ فِي لَحْمِ الْغَنَمِ وَأَمَرَ بِالْوُضُوءِ مِنْ لَحْمِ3 الإِبِلِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ الأَمْرَ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ الإِذْنِ، بَلْ لِلطَّلَبِ الْجَازِمِ4. انْتَهَى.
وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ5.
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ - وَهِيَ الأَمْرُ بِمَاهِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ بَعْدَ سُؤَالِ تَعْلِيمٍ.
قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الأُصُولِيَّةِ: وَالأَمْرُ بِمَاهِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ بَعْدَ سُؤَالِ تَعْلِيمٍ ، كَالأَمْرِ بَعْدَ الاسْتِئْذَانِ فِي الأَحْكَامِ وَالْمَعْنَى6. وَحِينَئِذٍ فَلا يَسْتَقِيمُ اسْتِدْلالُ الأَصْحَابِ عَلَى وُجُوبِ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ بِمَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْك فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك ؟ فَقَالَ7: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ 8 عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ..." الْحَدِيثَ9
ـــــــ
1 ساقطة من ش ز.
2 في ض ب: لحم.
3 ساقطة من ش ز.
4 القواعد والفوائد الأصولية ص170.
5 انظر: المغني1/141, المحرر في الفقه1/15, كشاف القناع1/147, الفروع لابن مفلح1/183.
6 انظر: التمهيد للإسنوي ص75.
7 في ش: فقل, وفي ز ع ض ب: قال, والأعلى من "القواعد والفوائد الأصولية".
8 في ش: صلى الله, وفي ز ب: صلي, وكذا في القواعد, وهو خطأ نحوي
9 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد والبغوي عن أبي حميد الساعدي, وأبي مسعود الأنصاري وابن مسعود رضي الله عنهم مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري4/106, صحيح مسلم1/305, سنن أبي داود1/324, تحفة الأحوذي9/85, سنن النسائي3/38, سنن ابن ماجه1/293, مسند أحمد4/119, شرح السنة3/191, الموطأ ص120 ط الشعب, مختصر سنن أبي داود1/454".(3/63)
نَعَمْ إنْ1 ثَبَتَ الْوُجُوبُ مِنْ خَارِجٍ. فَيَكُونُ هَذَا الأَمْرُ لِلْوُجُوبِ ؛ لأَنَّهُ بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةٍ وَاجِبَةٍ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ2.
"وَنَهْيٌ" عَنْ شَيْءٍ "بَعْدَ أَمْرٍ" بِهِ "لِلتَّحْرِيمِ" قَالَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالْحَلْوَانِيُّ وَالْمُوَفَّقُ وَالطُّوفِيُّ وَالأَكْثَرُ. وَحَكَاهُ الأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَ3الْبَاقِلاَّنِيّ إجْمَاعًا4.
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْمَقْدِسِيُّ: لِلْكَرَاهَةِ. قَالَ5: وَتَقَدَّمَ الْوُجُوبُ قَرِينَةً فِي أَنَّ النَّهْيَ بَعْدَهُ لِلْكَرَاهَةِ، وَقَطَعَ بِهِ6. وَقَالَهُ الْقَاضِي و7َ أَبُو الْخَطَّابِ:
ـــــــ
1 في ش ز ع ب: إن, والأعلى من" القواعد والفوائد الأصولية".
2 القواعد والفوائد الأصولية ص170 وما بعدها.
وانظر: التمهيد ص75.
3 ساقطة من ش ز.
4 قال الجويني:" وقد ذكر الأستاذ أبو إسحاق أن صيغة النهي بعد تقدم الوجوب محمولة على الحظر, والوجوب السابق لا ينتهض قرينة في حمل النهي على رفع الوجوب, وادعى الوفاق في ذلك" "البرهان1/265".
"وانظر: مختصر الطوفي ص87, العدة1/262, الروضة2/201, المسودة ص17, 83, شرح تنقيح الفصول ص140, نهاية السول 2/41, جمع الجوامع 1/379, التمهيد ص81, مختصر البعلي ص100, المنخول ص130, المحصول? 1ق2/162, مختصر ابن الحاجب 2/95, تيسير التحرير 1/376".
5 في ع ض ب: فقال.
6 انظر: المسودة ص83, مختصر الطوفي ص87, مختصر البعلي ص100, جمع الجوامع 1/379.
7 في ش: وقال.(3/64)
ثُمَّ سَلَّمَا1 أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ ؛ لأَنَّهُ آكَدُ2.
وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: هُوَ لإِبَاحَةِ التَّرْكِ ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "وَلا تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ" 3 ثُمَّ سَلِمَ أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ4.
وَقِيلَ: لِلإِبَاحَةِ. كَالْقَوْلِ فِي مَسْأَلَةِ الأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْر5ِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قوله تعالى: {إنْ سَأَلْتُك عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} 6.
وَوَقَفَ أَبُو الْمَعَالِي لِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ7.
وَفَرَّقَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ الأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ ، وَالنَّهْيِ بَعْدَ الأَمْرِ بِوُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ مُقْتَضَى النَّهْيِ وَهُوَ التَّرْكُ مُوَافِقٌ لِلأَصْلِ ، بِخِلافِ مُقْتَضَى الأَمْرِ ، وَهُوَ الْفِعْلُ.
ـــــــ
1 في ش ب ز: سلمنا.
2 انظر: العدة1/262.
3 هذا الحديث بهذا اللفظ رواه ابن ماجه وأحمد عن جابر بن سمرة مرفوعاً, ورواه مسلم وغيره بألفاظ أخرى سبقت.
"انظر: سنن ابن ماجه1/166, مسند أحمد5/105,102,97".
4 روضة الناظر2/199.
5 انظر: العدة1/262, التمهيد ص81, شرح تنقيح الفصول ص140, مختصر البعلي ص100, نهاية السول 2/41, المحلي على جمع الجوامع 1/379.
6 الآية76 من الكهف.
7 انظر: البرهان1/265.
ونقل المجد بن تيمية غلط من ادعى في هذه المسألة إجماعاً, وقال ابن عقيل: لا يقتضي التحريم, ولا التنزيه، بل يقتضي الإسقاط لما أوجبه الأمر، وغلط من قال: يقتضي التنزيه فضلاً عن التحريم.
"انظر: المسودة ص84، جمع الجوامع 1/389، تيسير التحرير 1/376، تفسير النصوص 2/384".(3/65)
الثَّانِي: أَنَّ1 النَّهْيَ لِدَفْعِ مَفْسَدَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالأَمْرَ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَاعْتِنَاءُ الشَّارِعِ بِدَفْعِ الْمَفَاسِدِ أَشَدُّ مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْقَوْلَ بِالإِبَاحَةِ فِي الأَمْرِ بَعْدَ التَّحْرِيمِ سَبَبُهُ وُرُودُهُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرًا لِلإِبَاحَةِ. وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي النَّهْيِ بَعْدَ الْوُجُوبِ2. انْتَهَى
"وَكَأَمْرٍ خَبَرٌ3 بِمَعْنَاهُ" يَعْنِي أَنَّ الأَمْرَ الَّذِي بِلَفْظِ الْخَبَرِ نَحْوُ قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} 4 حُكْمُهُ حُكْمُ الأَمْرِ الصَّرِيحِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ؛ لأَنَّ الْحُكْمَ تَاجٌ لِلْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ دُونَ صُورَةِ اللَّفْظِ5.
وَكَذَا النَّهْيُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ. وَمِنْهُ قوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} 6.
وَاسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّهُمَا كَالأَمْرِ وَالنَّهْي الصَّرِيحِ بِدُخُولِ النَّسْخِ فِيهِمَا؛ إذْ الأَخْبَارُ الْمَحْضَةُ لا يَدْخُلُهَا النَّسْخُ 7.
"وَأَمْرٌ" مِنْ الشَّارِعِ "بِأَمْرٍ" لآخَرَ "بِشَيْءٍ لَيْسَ أَمْرًا بِهِ" أَيْ بِذَلِكَ الشَّيْءِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ8. كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ عَنْ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: "مُرْهُ
ـــــــ
1 ساقطة من ب.
2 انظر: المعتمد 1/112 وما بعدها، نهاية السول 2/41، المحلي على جمع الجوامع 1/379، اللمع ص14، تيسير التحرير 1/352، 376، شرح تنقيح الفصول ص140 وما بعدها، الروضة 2/201، نزهة الخاطر 2/77، التمهيد ص81، مختصر الطوفي ص87، العدة 1/262.
3 في ب: خبراً.
4 الآية 228 من البقرة.
5 انظر: مختصر البعلي ص100.
6 الآية 79 من الواقعة.
7 قال بعض الحنابلة: الخبر بمعنى الأمر لا يحتمل الندب. "انظر: مختصر البعلي ص100".
8 وهو ما صححه ابن الحاجب والقرافي والفخر الرازي وابن عبد الشكور وغيرهم. "انظر: مختصر ابن الحاجب 2/93، شرح تنقيح الفصول ص148، المحصول ? 1 ق2/426، فواتح الرحموت 1/390، تيسير التحرير 1/361، مختصر البعلي ص102، الإحكام للآمدي 2/182، المستصفى 2/13، نهاية السول 2/58، جمع الجوامع 1/384، الروضة 2/207، التمهيد ص75، القواعد والفوائد الأصولية ص190، إرشاد الفحول ص107".(3/66)
فَلْيُرَاجِعْهَا" 1 وَ2قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مُرُوهُمْ بِالصَّلاةِ3 لِسَبْعٍ" 4 وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَأْمُرْ أَهْلَك بِالصَّلاةِ} 5 لأَنَّهُ مُبَلِّغٌ لا آمِرٌ6، وَلأَنَّهُ لَوْ كَانَ آمِرًا
ـــــــ
1 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "مره فليرجعها، أو ليطلقها طاهراً أو حاملاً" .
"انظر: صحيح البخاري 3/176 مط العثمانية، صحيح مسلم 2/1095، سنن أبي داود 1/503 تحفة الأحوذي 4/341، سنن النسائي 6/112، سنن ابن ماجه 1/652، مسند أحمد 1/44، 2/26، 43، سنن الدارمي 2/160".
قال ابن دقيق العيد: "يتعلق ذلك بمسألة أصولية، وهي أن الأمرَ بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك الشيء أو لا؟ وذكر الحافظ ابن حجر: أن من مثل بها فهو غالط، وأن ذلك تابع للقرينة".
"انظر: إحكام الأحكام 2/203، فتح الباري 11/262 ط الحلبي، نيل الأوطار 6/250".
2 في ب: أو.
3 في ز ض ع ب: بها.
4 رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن ابن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً بلفظ: "مروا أولادكم بالصلاة.." ورواه الترمذي عن سبرة مرفوعاً بلفظ: "علموا الصبي الصلاة..." وقال حديث حسن صحيح، وعليه العمل عند بعض أهل العلم، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي عليه.
"انظر: سنن أبي داود 1/115، مسند أحمد 2/180، 187، تحفة الأحوذي 2/445، مختصر سنن أبي داود 1/270، تخريج أحاديث البزدوي ص327، المستدرك 1/258، 197، فيض القدير 5/521".
5 الآية 132 من طه.
6 قال القرافي: "لأن الأمر بالأمر لا يكون أمراً، لكن علم من الشريعة أن كل من أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر غيره، فإنما هو على سبيل التبليغ، ومتى كان على سبيل التبليغ صار الثالث مأموراً إجماعاً" "شرح تنقيح الفصول ص149".(3/67)
لَكَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ: مُرْ عَبْدَك بِكَذَا، مَعَ قَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ لا تَفْعَلُهُ1: أَمْرَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ2.
"وَ" قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} 3 "لَيْسَ" ذَلِكَ "أَمْرًا لَهُمْ بِإِعْطَاءٍ"4.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: عَلَى الصَّحِيحِ ، وَلَمْ يُعَلِّلْهُ وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ5.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَجِبُ عَلَيْهِمْ الإِعْطَاءُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الأَمْرَ بِالأَخْذِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَيَجِبُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُقَدِّمَةَ الْوَاجِبِ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلاةِ. وَإِنْ اخْتَلَفَ الْفَاعِلُ هُنَا. فَيَكُونُ كَالأَمْرِ لَهُمْ ابْتِدَاءً6.
"وَأَمْرٌ بِصِفَةٍ" فِي فِعْلٍ "أَمْرٌ بِ" الْفِعْلِ7 "الْمَوْصُوفِ" نَصًّا8.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ ، تَبَعًا لِلْمَجْدِ فِي الْمُسَوَّدَةِ: إذَا وَرَدَ الأَمْرُ بِهَيْئَةٍ أَوْ
ـــــــ
1 في ش ز: تفعل.
2 انظر: نهاية السول 2/58، الإحكام للآمدي 2/182-183، فواتح الرحموت 1/391، مختصر ابن الحاجب 2/93ن تيسير التحرير1/361، إرشاد الفحول ص107
3 الآية 103 من التوبة، وتتمة الآية: {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
4 انظر: المستصفى 2/13، الإحكام للآمدي 2/182.
5 انظر مناقشة ذلك في المراجع السابقة، وسوف تتكرر هذه المسألة في فصل العام، وهل الآية تشمل كل مالٍ أم لا؟
6 انظر مناقشة هذا القول في "الإحكام للآمدي 2/183، المستصفى 2/13، المحلي على جمع الجوامع 1/384".
7 في ش: به فعل.
8 انظر: مختصر البعلي ص103، اللمع ص10.(3/68)
صِفَةٍ لِفِعْلٍ، وَدَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا1، سَاغَ2 التَّمَسُّكُ بِهِ عَلَى وُجُوبِ أَصْلِ الْفِعْلِ لِتَضَمُّنِهِ الأَمْرَ بِهِ لأَنَّ مُقْتَضَاهُ وُجُوبُهُمَا3. فَإِذَا خُولِفَ فِي الصَّرِيحِ بَقِيَ الْمُتَضَمَّنُ عَلَى أَصْلِ الاقْتِضَاءِ. ذَكَرَهُ4 أَصْحَابُنَا. وَنَصَّ عَلَيْهِ إمَامُنَا5 حَيْثُ تَمَسَّكَ عَلَى وُجُوبِ الاسْتِنْشَاقِ6 بِالأَمْرِ بِالْمُبَالَغَةِ7، خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، بِأَنَّهُ8 لا يَبْقَى دَلِيلاً عَلَى وُجُوبِ الأَصْلِ9. حَكَاهُ الْجُرْجَانِيُّ10.
ـــــــ
1 في ب: استحبابها، وفي المسودة: أنها مستحبة.
2 في المسودة: جاز.
3 في المسودة: وجوبها.
4 في ع: وذكره.
5 في المسودة: أحمدُ.
6 نقل الترمذي عن الأمام أحمد رضي الله عنه أنه قال: "الاستنشاق أوكد من المضمضة" "تحفة الأحوذي 2/120" ونقل ابن قدامة عن أحمد أنه قال: "الاستنشاق عندي آكد" "المغني 1/90"، وانظر: كشف القناع 1/105.
7 في ز: للمبالغة.
والأمر بالمبالغة جاء في حديث لقيط بن صبرة قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء، قال: "أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" .
رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وأخرجه الشافعي وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي، وقال النووي: "حديث لقيط بن صبرة أسانيده صحيحة".
"انظر: مسند أحمد 4/33، 211، سنن أبي داود 1/31، مختصر سنن أبي داود 1/105، تحفة الأحوذي 1/119، سنن النسائي 1/57، سنن ابن ماجه 1/142، بدائع المنن 1/31، موارد الظمآن ص68، المستدرك 1/148، السنن الكبرى 1/52، نيل الأوطار 1/172".
8 في ب: فإنه.
9 في ب: الأمر.
10 المسودة ص59.
والجرجاني هو محمد بن يحيى بن مهدي، أبو عبد الله، الفقيه الجرجاني، من أعلام الحنفية، ومن أصحاب التخريج، أصله من جرجان، وسكن بغداد، وتفقه عليه القدوري، وصنف كتباً، منها "ترجيح مذهب أبي حنيفة" و "القول المنصور في زيارة القبور"، توفي سنة 397 ? وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الجواهر المضيئة 2/143، تاريخ بغداد 3/433، الفوائد البيهة ص202، الأعلام للزركلي 8/5".(3/69)
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَحَقِيقَةُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ مُخَالَفَةَ الظَّاهِرِ فِي لَفْظِ الْخِطَابِ لا تَقْتَضِي1 مُخَالَفَةَ الظَّاهِرِ فِي فَحْوَاهُ، وَهُوَ يُشْبِهُ نَسْخَ اللَّفْظِ ، هَلْ يَكُونُ نَسْخًا لِلْفَحْوَى؟ وَهَكَذَا يَجِيءُ فِي جَمِيعِ دَلالاتِ الالْتِزَامِ. وَقَوْلُ الْمُخَالِفِ مُتَوَجِّهٌ. وَسِرُّهَا أَنَّه2ُ: هَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ أَمْرَيْنِ، أَوْ أَمْرٍ بِفِعْلَيْنِ، أَوْ أَمْرٍ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ، وَلَوَازِمُهُ جَاءَتْ ضَرُورَةً؟ وَهُوَ يُسْتَمَدُّ مِنْ الأَمْرِ بِالشَّيْءِ, هَلْ هُوَ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ؟3 انْتَهَى.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: الأَمْرُ بِالصِّفَةِ أَمْرٌ بِالْمَوْصُوفِ وَيَقْتَضِيهِ، كَالأَمْرِ بِالطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَكُونُ أَمْرًا بِهِمَا4
"وَأَمْرٌ مُطْلَقٌ بِبَيْعٍ" أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَالَ: بِعْهُ بِمِائَةٍ مَثَلاً ، أَوْ بِعْهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ "يَتَنَاوَلُهُ" أَيْ يَتَنَاوَلُ الْبَيْعَ الصَّادِرَ مِنْ الْمَأْمُورِ "وَلَوْ" وَقَعَ "بِغَبْنٍ فَاحِشٍ"5
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: إذَا أُطْلِقَ الأَمْرُ، كَقَوْلِهِ لِوَكِيلِهِ:6 بِعْ كَذَا. فَعِنْدَ أَصْحَابِنَا: يَتَنَاوَلَ7 الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ, وَاعْتُبِرَ ثَمَنُ الْمِثْلِ لِلْعُرْفِ
ـــــــ
1 في المسودة: يقتضي.
2 ساقطة من ش ز.
3 المسودة ص59.
4 انظر: اللمع ص10.
5 انظر: المسودة ص98، الإحكام للآمدي 2/183، فواتح الرحموت 1/392، نهاية السول 2/58، إرشاد الفحول ص108.
6 في ض: بعه بكذا.
7 في ز ش ع: تناول.(3/70)
وَالاحْتِيَاطِ لِلْمُوَكِّلِ. وَفَرَّقُوا أَيْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَمْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فِي اعْتِبَارِ إطْلاقِهِ بِالتَّعَدِّيَةِ بِتَعْلِيلِهِ، بِخِلافِ الْمُوَكِّلِ.
"وَيَصِحُّ" الْبَيْعُ مَعَ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ "وَيَضْمَنُ" الْوَكِيلُ الْمَأْمُورُ بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ "النَّقْصَ"1.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: ثُمَّ هَلْ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ النَّقْصَ أَمْ لا، كَقَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: لا يُعْتَبَرُ ثَمَنُ الْمِثْلِ. وَاعْتَبَرُوهُ فِي الْوَكِيلِ فِي الشِّرَاءِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: الأَمْرُ بِالْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ إذَا أَتَى بِمُسَمَّاهَا اُمْتُثِلَ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ اللَّفْظُ الْجُزْئِيَّاتِ2 وَلَمْ يَنْفِهَا3، فَهِيَ مِمَّا لا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلاَّ بِهِ 4. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ عِنْدَ ذِكْرِهِ5 هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَنْبِيهٌ هَذَا فَرْدٌ مِنْ قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ. وَهِيَ الدَّالُ عَلَى الأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الأَخَصِّ. فَإِذَا قُلْنَا "جِسْمٌ" لا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ نَامٍ. وَإِذَا قُلْنَا "نَامٍ" لا يُفْهَمُ أَنَّهُ حَيَوَانٌ. وَإِذَا قُلْنَا "حَيَوَانٌ"
ـــــــ
1 انظر: الإحكام للآمدي 2/183، 184، إرشاد الفحول ص108.
2 في ز ع ض: للجزيئات.
3 في ض: بنفعها.
4 انظر الإحكام للآمدي 2/182، مختصر ابن الحاجب 2/93، نهاية السول 2/58، إرشاد الفحول ص108.
وقد اختلف العلماء في أحكام الوكالة المطلقة في البيع، فقال الجمهور: يتقيد الوكيل بنقد البلد وثمن المثل، وإلا ضمن، وهو قول المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة، خلافاً لما نقله المؤلف عن الحنفية، وقال الإمام أبو حنيفة يفرق بين البيع والشراء، فاعتبر ثمن المثل في الشراء فقط، وهو ما نسبه المؤلف إلى الحنفية عامة.
"انظر: كشاف القناع 3/463، مغني المحتاج 2/223، البدائع للكاساني 7/3469، التاج والإكليل لمختصر خليل 5/196 على هامش مواهب الجليل، الفقه الإسلامي في أسلوبه الجديد 2/96".
5 في ع: ذكر.(3/71)
لا يُفْهَمُ أَنَّهُ إنْسَانٌ ، وَإِذَا قُلْنَا "إنْسَانٌ1" لا يُفْهَمُ أَنَّهُ زَيْدٌ. فَإِنَّ2 قُلْنَا: إنَّ الْكُلِّيَّ قَدْ يُحْصَرُ نَوْعُهُ فِي شَخْصِهِ كَانْحِصَارِ الشَّمْسِ فِي فَرْدٍ مِنْهَا. وَكَذَلِكَ الْقَمَرُ ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مُلُوكِ الأَقَالِيمِ وَقُضَاةِ الأُصُولِ تَنْحَصِرُ أَنْوَاعُهُمْ فِي أَشْخَاصِهِمْ.
فَإِذَا قُلْت: صَاحِبُ مِصْرَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ الذِّهْنُ إلَى3 الْمَلِكِ الْحَاضِرِ فِي وَقْتِ الصِّيغَةِ. فَيَكُونُ الأَمْرُ بِتِلْكَ الْمَاهِيَّةِ يَتَنَاوَلُ الْجُزْئِيَّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ.
قُلْت: لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اللَّفْظِ ، بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَاقِعَ كَذَلِكَ. وَمَقْصُودُ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ دَلالَةُ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَفْظٌ. انْتَهَى.
"وَالأَمْرَانِ الْمُتَعَاقِبَانِ بِلا عَطْفٍ إنْ اخْتَلَفَا" كَقَوْلِ الْقَائِلِ "صَلِّ صُمْ" وَنَحْوِهِمَا "عَمَلٌ بِهِمَا" أَيْ بِالأَمْرَيْنِ إجْمَاعًا4.
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفَا "وَلَمْ يَقْبَلْ" الأَمْرُ "التَّكْرَارَ" كَقَوْلِهِ: صُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَكَقَوْلِهِ: أَعْتِقْ سَالِمًا أَعْتِقْ سَالِمًا. وَكَقَوْلِهِ: اُقْتُلْ زَيْدًا. اُقْتُلْ زَيْدًا "أَوْ قَبِلَ التَّكْرَارَ وَمَنَعَتْهُ5" أَيْ التَّكْرَارَ "الْعَادَةُ"6
ـــــــ
1 في ب: إنه إنسان.
2 في ب: وإذا.
3 في ز ع: الحاضر الملك، وفي ض ب: حاضر الملك.
4 انظر: شرح تنقيح الفصول ص1311، المعتمد 1/173، التبصرة ص50، المحصول ? 1 ق2/253 وما بعدها، جمع الجوامع 1/389، إرشاد الفحول ص109، العدة 1/278 هامش.
5 في ب: ومنعه.
6 نقل القرافي عن القاضي عبد الوهاب أن "موانع التكرار أمور، أحدها: أن يمتنع التكرار إما عقلاً كقتل المقتول، أو كسر المكسور، وكذلك: صم هذا اليوم، أو شرعاً كتكرار العتق في عبدٍ، وثانيهما: أن يكون الأمر مستغرقاً للجنس...، وكذلك الخبر، كقوله: اجلد الزناة، أو خلقت الخلق، وثالثهما: أن يكون هناك عهد أو قرينة حالٍ يقتضي الصرف للاول" "شرح تنقيح الفصول ص132".(3/72)
كَقَوْلِهِ: اسْقِنِي مَاءً ، اسْقِنِي مَاءً "أَوْ" قَبِلَ التَّكْرَارَ وَ "عُرِّفَ ثَانٍ" مِنْ الأَمْرَيْنِ. كَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، صَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ1 "أَوْ" قَبِلَ التَّكْرَارَ فِي حَالَةِ كَوْنِ أَنَّهُ "بَيْنَ آمِرٍ وَمَأْمُورٍ عَهْدٌ ذِهْنِيٌّ" يَمْنَعُ التَّكْرَارَ. كَمَنْ لَهُ عَلَى شَخْصٍ دِرْهَمٌ. فَقَالَ لَهُ: أَحْضِرْ لِي دِرْهَمًا، أَحْضِرْ لِي دِرْهَمًا "فَ" الثَّانِي "تَأْكِيدٌ" لِلأَوَّلِ إجْمَاعًا2.
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ تَمْنَعْ الْعَادَةُ التَّكْرَارَ ، وَلَمْ يُعْرَفُ ثَانِي الأَمْرَيْنِ دُونَ الأَوَّلِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ آمِرٍ وَمَأْمُورٍ عَهْدٌ ذِهْنِيٌّ "فَ" الثَّانِي "تَأْسِيسٌ" لا تَأْكِيدٌ عِنْدَ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمَا. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ. وَقَالَه3 أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ "كَبَعْدِ امْتِثَالِ"4 الأَمْرِ الأَوَّلِ.
قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ الأَشْبَهُ5 بِمَذْهَبِنَا. كَقَوْلِنَا فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ يَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ عَنْ الْفُقَهَاءِ قَاطِبَةً.
ـــــــ
1 في ب: ركعتين.
2 انظر: المسودة ص23، شرح تنقيح الفصول ص132، الإحكام للآمدي 2/184، التبصرة ص50، المحصول ?1 ق2/255، فواتح الرحموت 1/391، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/94، جمع الجوامع 1/389، التمهيد ص76، العدة 1/278، إرشاد الفحول ص109.
3 في ش ز: وقال.
4 وهو الذي اختاره القاضي في "كتاب الروايتين" وكتاب "مقدمة المجرد" بينما اختار في "العدة 1/280" أنه للتأكيد، واختار القول بالتأسيس أبو البركات بن تيمية وأبو عبد الله البصري، وأكثر الشافعية والقاضي عبد الجبار المعتزلي والفخر الرازي والآمدي والحنفية وغيرهم.
"انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص173، التمهيد ص76، الروضة 2/200، المسودة ص23، العدة 1/278، شرح تنقيح الفصول ص132، تيسير التحرير 1/362، مختصر البعلي ص103، والمعتمد 1/174، الإحكام للآمدي 2/195، اللمع ص9، التبصرة ص50، المحصول ج1 ق2/255، فواتح الرحموت 1/391، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/94، نهاية السول 2/58، إرشاد الفحول ص108، جمع الجوامع 1/389".
5 في ع ض: أشبه.(3/73)
وَذَلِكَ. لأَنَّ الأَصْلَ التَّأْسِيسُ1.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ: الثَّانِي تَأْكِيدٌ لا تَأْسِيسٌ، لِئَلاَّ يَجِبَ فِعْلٌ بِالشَّكِّ وَلا تَرْجِيحَ.
وَمَنَعَ بِأَنَّ تَغَايُرَ اللَّفْظِ يُفِيدُ تَغَايُرَ الْمَعْنَى، ثُمَّ سَلَّمَهُ3.
"وَبِهِ" أَيْ وَ4الأَمْرَانِ الْمُتَعَاقِبَانِ بِعَطْفٍ "إنْ اخْتَلَفَا" كَصَلِّ وَصُمْ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ, وَآتُوا الزَّكَاةَ5 "عُمِلَ بِهِمَا"6.
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفَا "وَلَمْ يَقْبَلْ" الأَمْرُ "التَّكْرَارَ" حِسًّا. كَاقْتُلْ زَيْدًا، وَاقْتُلْ زَيْدًا، أَوْ7 لَمْ يَقْبَلْ الأَمْرُ التَّكْرَارَ حُكْمًا. كَأَعْتِقْ سَالِمًا وَأَعْتِقْ
ـــــــ
1 المسودة ص23.
وانظر: التمهيد ص77، القواعد والفوائد الأصولية ص173، تيسير التحرير1/362.
2 وعملا ببراءة الذمة، ولكثرة التأكيد في مثل هذه الحالات، وهو ما رجحه أبو محمد المقدسي والقاضي أبو يعلى في "العدة" والصيرفي والكمال بن الهمام وغيرهم.
"انظر: التمهيد للإسنوي ص76، تيسير التحرير 1/362، مختصر البعلي ص103، والمعتمد 1/174،اللمع ص9، التبصرة ص51، فواتح الرحموت 1/391، 392، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/94، نهاية السول 2/58، إرشاد الفحول ص108، العدة 1/280".
3 وهناك قول ثالث بالوقف للتعارض، وهو قول أبي الحسين البصري وغيره، ولكل قول دليله.
"انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص173، جمع الجوامع 1/389، المعتمد 1/175، المحصول ? 1 ق2/255، مختصر البعلي ص103، نهاية السول 2/58، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/94، الإحكام للآمدي 2/185".
4 ساقطة من ض.
5 الآية 43، 110 من البقرة
6 انظر: تيسير التحرير 1/362، المعتمد 1/176، الإحكام للآمدي 2/185.
7 في ع ض ب: و.(3/74)
سَالِمًا "فَ" الثَّانِي "تَأْكِيدٌ" بِلا خِلافٍ1.
"وَإِنْ قَبِلَ" الأَمْرُ التَّكْرَارَ مَعَ الْعَطْفِ "وَلَمْ تَمْنَعْ" مِنْ التَّكْرَارِ "عَادَةٌ وَلا عُرِّفَ" بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ "ثَانٍ" مِنْ الأَمْرَيْنِ كَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ "فَ" الثَّانِي "تَأْسِيسٌ 2.
وَإِنْ مَنَعَتْ عَادَةٌ" مِنْ التَّكْرَارِ كَقَوْلِهِ: اسْقِنِي مَاءً ، وَ3اسْقِنِي مَاءً "تَعَارَضَا" أَيْ تَعَارَضَ الْعَطْفُ وَمَنْعُ الْعَادَةِ4.
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ تَمْنَعْ عَادَةٌ مِنْ5 التَّكْرَارِ "وَعُرِّفَ ثَانٍ" كَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ6 "فَ" الثَّانِي "تَأْكِيدٌ" فِي اخْتِيَارِ الْقَاضِي وَأَبِي الْفَرَجِ الْمَقْدِسِيِّ7.
ـــــــ
1 انظر: المحصول? 1 ق2/260، الإحكام للآمدي 2/185، المسودة ص24، المعتمد 1/17، العدة 1/280.
2 ذكر الآمدي الاختلاف في هذه الصورة، وأنها كالصورة السابقة التي قال عنها: "قال القاضي عبد الجبار: إن الثاني يفيد ما أفاده الأول... وخالفه أبو الحسين البصري بالذهاب إلى الوقف" "الإحكام للآمدي 2/158".
وانظر: هذه المسألة في "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/94، جمع الجوامع/389، شرح تنقيح الفصول ص132، المسودة ص24، المعتمد 1/175، فواتح الرحموت 1/392، تيسير التحرير 1/362، القواعد والفوائد الأصولية ص173، العدة 1/280".
3 ساقطة من ب.
4 قال: الآمدي: "فقد تعارض الظاهر من حروف العطف مع منع العادة من التكرار، ويبقى الأمر على ما ذكرناه فيما إذا لم بكن حرف عطفٍ، ولاثم تعريف ولا عادة مانعة من التكرار" "الإحكام للآمدي 2/186".
"وانظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 1/94".
5 ساقطة من ب.
6 في ش ز ض: ركعتين.
7 قال الآمدي: "فلا خلاف في كون الثاني مؤكداً للأول" "الأحكام 2/185".
"وانظر: المسودة ص23، 24، التمهيد ص77، القواعد والفوائد الأصولية ص173، شرح تنقيح الفصول ص133، والمعتمد 1/176، جمع الجوامع 1/389".(3/75)
وَاخْتَارَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْوَقْفَ لِمُعَارَضَةِ1 لامِ الْعَهْدِ لِلْعَطْفِ2.
ـــــــ
1 في ض: لمعارضته.
2 انظر: المعتمد 1/176.
وهو ما رجحه الآمدي "انظر: الإحكام له 2/186".
"وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص173، التمهيد ص77، المسودة ص23، 24، شرح تنقيح الفصول ص132، المحصول? 1 ق2/258، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/54".(3/76)
باب النهي:
"النَّهْيُ مُقَابِلٌ لِلأَمْرِ فِي كُلِّ حَالِهِ"1 أَيْ فِي كُلِّ الَّذِي لِلأَمْرِ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ الْمَتْنِ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ.. وَمِنْ2 كَوْنُهُ نَوْعًا مِنْ الْكَلامِ وَغَيْرُ ذَلِكَ3.
"وَصِيغَتُهُ" "لا تَفْعَلْ4.
وَتَرِدُ" لَمَعَانٍ كَثِيرَةٍ5:
ـــــــ
1 عرف الإسنوي النهي بأنه: "هو القول الدال بالوضع على الترك" "التمهيد ص80"، وله تعريفات كثيرة.
"انظر: كشف الأسرار 1/256، تيسير التحرير 1/374، أصول السرخسي 1/278، التوضيح على التنقيح 2/44، فواتح الرحموت 1/495، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/94 وما بعدها، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/390، العبادي على الورقات ص93، الكافية في الجدول ص33، فتح الغفار 1/77، المستصفى 1/411".
2 في ش: ومنه.
3 انظر مباحث النهي، وانه مقابل للأمر في جميع أحواله في "الروضة 2/216، فتح الغفار 1/77، شرح تنقيح الفصول ص168، البرهان للجويني 1/283، كشف الأسرار 1/256، تيسير التحرير 1/374، مختصر البعلي ص103، المعتمد 1/181، الإحكام للآمدي 2/187، المنخول ص126، المستصفى 2/24، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/95، نهاية السول 2/62 وما بعدها، التمهيد ص72، اللمع ص14، مختصر الطوفي هي 95، مباحث الكتاب والسنة ص128، العدة 2/426".
4 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص190، المسودة ص80، تيسير التحرير 1/375، مختصر البعلي ص103، المعتمد 1/181، اللمع ص14، العدة 2/425.
5 انظر: تيسير التحرير 1/375، فواتح الرحموت 1/395، المستصفى 1/418، المحصول? 1 ق2/469، الإحكام للآمدي 2/187، منهاج العقول 2/16، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/392، إرشاد الفحول ص109، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص330، تفسير النصوص 2/378، العدة 2/427.(3/77)
أحَدُهَا: كَوْنُهَا "لِتَحْرِيمٍ" وَهِيَ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَقَطْ1. نَحْوَ قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} 2 وقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} 3 وقوله تعالى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} 4.
"وَ" الثَّانِي: لِـ"كَرَاهَةٍ"5 نَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يَمَسُّ6 أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ" 7 وَمِثْلُهُ الْمُحَلَّى8 وَغَيْرُهُ بِقوله تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا
ـــــــ
1 انظر: التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/256، تيسير التحرير 1/375، تحقيق المراد ص61، الإحكام للآمدي 2/187، المنخول ص134، المحصول ? 1 ق2/469، المستصفى 1/148، فواتح الرحموت 1/395، منهاج العقول 2/16، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/392، إرشاد الفحول ص109، العدة 2/426، تفسير النصوص 2/378.
2 الآية 29 من النساء.
3 الآية 32 من الإسراء.
4 الآية 29 من النساء.
5 انظر: التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/56، تيسير التحرير 1/377، تحقيق المراد ص61، الإحكام للآمدي 2/187، المنخول ص134، المستصفى 1/418، فواتح الرحموت 1/395، منهاج العقول 2/16، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/392.
6 في ع ض ب: يمسكن، وهي رواية أخرى للحديث.
7 هذا الحديث متفق على صحته، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وابن حبان والبغوي عن أبي قتادة مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 1/41، صحيح مسلم 1/225، سنن أبي داود 1/7، تحفة الأحوذي 1/77، سنن النسائي 1/26، سنن ابن ماجه 1/113، سنن الدارمي 1/172، موارد الظمآن ص63، شرح السنة 1/367".
8 في ش: المحلى.
والمحليٌ هو محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم، الشيخ جلال الدين المحلي، أبو عبد الله الشافعي المصري، برع في فنون الفقه والكلام والأصول والنحو والمنطق وغيرها، وكان آية في الذكاء والفهم،(3/78)
الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} 1.
"وَ" الثَّالِثُ: كَوْنُهَا لِ "تَحْقِيرٍ"2 نَحْوَ قوله تعالى: {لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} 3.
"وَ" الرَّابِعُ: كَوْنُهَا لِ "بَيَانِ الْعَاقِبَةِ"4 نَحْوَ قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} 5
ـــــــ
=وعلى قدم من الصلاح والورع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يواجه بذلك أكابر الظلمة والحكام، ويأتون إليه فلا يلتفت إليهم، ويرجع إليه القضاة، ولي تدريس الفقه، وعرض عليه القضاء فامتنع، له مصنفات كثيرة نافعة مفيدة، وهي في غاية الاختصار والتحرير وسلامة العبارة، فأقبل عليها الناس والعلماء وتداولوها حتى وقتنا الحاضر، منها "شرح جمع الجوامع" في الأصول، و"المناسك" و "كتاب الجهاد" و "شرح بردة المديح" و "شرح منهاج الطالبين" في الفقه، وشرع في أشياء لم يكملها، منها "شرح القواعد لابن هشام" و "شرح التسهيل" و "تفسير القرآن" وغيرها، توفي سنة 864?
انظر ترجمته في "حسن المحاضرة 1/443، شذرات الذهب 7/303، الضوء اللامع 7/39، طبقات المفسرين 2/80، البدر الطالع 2/115، الفتح المبين 3/40".
1 الآية 267 من البقرة.
2 وسماه السبكي التقليل والاحتقار.
" انظر: التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/256، مختصر البعلي ص103، تحقيق المراد ص65، الإحكام للآمدي 1/187، المنخول ص135، المستصفى 1/418، فواتح الرحموت 1/395، منهاج العقول 2/16، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/395".
3 الآية 88 من الحجر.
4 انظر: الإحكام للآمدي 2/53، المستصفى 1/418، المنخول ص134، منهاج العقول 2/16، جمع الجوامع 1/392، نهاية السول 2/62، مختصر البعلي ص103، فواتح الرحموت 1/395، كشف الأسرار 1/256، التلويح على التوضيح 2/53، تحقيق المراد ص62، إرشاد الفحول ص109.
5 الآية 42 من إبراهيم، واستشهد لذلك المحلي بقوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء} آل عمران 169، ثم قال: "أي عاقبة الجهاد الحياة، لا الموت" "المحلي على جمع الجوامع 1/294".(3/79)
"وَ" الْخَامِسُ: كَوْنُهَا لِ "دُعَاءٍ"1 نَحْوَ قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} 2 وقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتنَا} 3.
"وَ" السَّادِسُ: كَوْنُهَا لِ "يَأْسٍ"4 نَحْوَ قوله تعالى: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ} 5.
وَبَعْضُهُمْ مَثَّلَ بِهِ لِلاحْتِقَارِ.
"وَ" السَّابِعُ: كَوْنُهَا لِ "إرْشَادٍ"6 نَحْوَ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} 7 وَالْمُرَادُ: أَنَّ الدَّلالَةَ عَلَى الأَحْوَطِ تَرْكُ ذَلِكَ.
ـــــــ
1 انظر: كشف الأسرار 1/256، فواتح الرحموت 1/395، المنخول ص135، المستصفى 1/418، منهاج العقول 2/16، جمع الجوامع 1/392،الإحكام للآمدي 2/187، نهاية السول 2/62، تحقيق المراد ص62، مختصر البعلي ص103، إرشاد الفحول ص109، العدة 2/427.
2 الآية 286 من البقرة.
3 الآية 8 من آل عمران.
4 انظر: التلويح على التوضيح 2/53، كشف الأسرار 1/256، مختصر البعلي ص103، تحقيق المراد ص62، فواتح الرحموت 1/395، منهاج العقول 2/19، الإحكام للآمدي 2/187، المستصفى 1/418، المنخول ص135، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/392، إرشاد الفحول ص110.
5 الآية 66 من التوبة، أي إن العذر لا ينفع، وهذا لتحقيق اليأس، واستشهد الغزالي في "المستصفى" و "المنخول" بقوله تعالى: {لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} التحريم/7، وانظر: العدة 2/427.
6 انظر: الإحكام للآمدي 2/187، المنخول ص135، المستصفى 1/418، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/392، منهاج العقول 2/19، فواتح الرحموت 1/395، التوضيح على التنقيح 2/53، كشف الأسرار 1/256، مختصر البعلي ص103، تحقيق المراد ص62،إرشاد الفحول ص109.
7 الآية 101 من المائدة.(3/80)
قِيلَ: وَفِيهِ نَظَرٌ ، بَلْ هِيَ لِلتَّحْرِيمِ.
وَالأَظْهَرُ الأَوَّلُ. لأَنَّ الأَشْيَاءَ الَّتِي يَسْأَلُ عَنْهَا السَّائِلُ1 لا يَعْرِفُ2 حِينَ السُّؤَالِ هَلْ تُؤَدِّي إلَى مَحْذُورٍ أَمْ3 لا ؟ وَلا تَحْرِيمَ إلاَّ بِالتَّحَقُّقِ.
"وَ" الثَّامِنُ: كَوْنُهَا "لأَدَبٍ" نَحْوَ قوله تعالى: {وَلا تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} 4 وَلَكِنْ هَذَا رَاجِعٌ إلَى الْكَرَاهَةِ؛ إذْ الْمُرَادُ لا تَتَعَاطَوْا أَسْبَابَ النِّسْيَانِ. فَإِنَّ نَفْسَ النِّسْيَانِ لا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ حَتَّى يُنْهَى عَنْهُ.
وَبَعْضُهُمْ يُعِدُّ مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرَ، وَلَيْسَ لِلْخَبَرِ مِثَالٌ صَحِيحٌ. وَمَثَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِقوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} 5 وَهَذَا الْمِثَالُ إنَّمَا هُوَ لِلْخَبَرِ بِمَعْنَى النَّهْيِ، لا لِلنَّهْيِ بِمَعْنَى الْخَبَرِ.
"وَ" التَّاسِعُ: كَوْنُهَا لِ "تَهْدِيدٍ"6 كَقَوْلِك لِمَنْ تُهَدِّدُهُ: أَنْتَ لا تَمْتَثِلُ أَمْرِي. هَكَذَا مَثَّلَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ "لا" هُنَا نَافِيَةٌ ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مَعْنَى التَّهْدِيدِ. وَالأَوْلَى تَمْثِيلُهُ بِقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ - وَقَدْ أَمَرَهُ بِفِعْلِ شَيْءٍ فَلَمْ7 يَفْعَلْهُ - لا تَفْعَلْهُ، فَإِنَّ عَادَتَك أَنْ8 لا تَفْعَلَهُ بِدُونِ الْمُعَاقَبَةِ.
"وَ" الْعَاشِرُ: كَوْنُهَا لِ "إبَاحَةِ التَّرْكِ" كَالنَّهْيِ بَعْدَ الإِيجَابِ عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ فِي أَنَّ النَّهْيَ بَعْدَ الأَمْرِ لِلإِبَاحَةِ. وَالصَّحِيحُ خِلافُهُ.
ـــــــ
1 ساقطة من ض.
2 في ش ز: تعرف.
3 في ض ب: أو.
4 الآية 237 من البقرة.
5 الآية 79 من الواقعة.
6 انظر: تحقيق المراد ص62، فواتح الرحموت 1/395، العدة 1/427، إرشاد الفحول ص10.
7 في ض: ولم.
8 ساقطة من ض ب.(3/81)
"وَ" الْحَادِيَ عَشَرَ: كَوْنُهَا لِ "لالْتِمَاسِ"1 كَقَوْلِك لِنَظِيرِك: لا تَفْعَلْ، عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّ صِيغَةَ الأَمْرِ لَهَا ثَلاثُ صِفَاتٍ: أَعْلَى ، وَنَظِيرٌ, وَأَدْوَنُ2. وَكَذَلِكَ النَّهْيُ.
"وَ" الثَّانِيَ عَشَرَ: كَوْنُهَا لِ "لتَّصَبُّرِ"3 نَحْوَ قوله تعالى: {لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا} 4.
"وَ" الثَّالِثَ عَشَرَ: كَوْنُهَا لِ "إيقَاعِ أَمْنٍ" نَحْوَ قوله تعالى: {وَلا تَخَفْ إنَّك مِنْ الآمِنِينَ} 5 {لا تَخَفْ نَجَوْت مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} 6 وَلَكِنْ قِيلَ: إنَّهُ رَاجِعٌ إلَى نَظِيرٍ7، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتَ لا تَخَافُ.
"وَ" الرَّابِعَ عَشَرَ: كَوْنُهَا. لِ "تَسْوِيَةٍ"8 نَحْوَ قوله تعالى: {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} 9.
"وَ" الْخَامِسَ عَشَرَ: كَوْنُهَا لِ "تَحْذِيرٍ"10 نَحْوَ قوله تعالى: {وَلا
ـــــــ
1 في ض ب: التماسٍ.
وانظر: فواتح الرحموت 1/395، إرشاد الفحول ص110.
2 في ش ز ض: ودون.
3 في ش ز: لتصبير.
4 الآية 40 من التوبة.
5 الآية 31 من القصص.
6 الآية 25 من القصص.
7 في ش: نظير.
8 انظر: فواتح الرحموت 1/395، تحقيق المراد ص63.
9 الآية 16 من الطور.
10 انظر: تحقيق المراد ص62.
ولصيغة النهي معان أخرى كالشفقة وتسكين النفس والعظة، وبعضها متداخل في بعض.
"انظر: التوضيح على التنقيح 2/53، كشف الأسرار 1/256، تحقيق المراد ص62، منهاج العقول 2/19، العدة 2/427".(3/82)
تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1.
"فَإِنْ" "تَجَرَّدَتْ" صِيغَةُ النَّهْيِ عَنْ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ وَالْقَرَائِنِ "فَ" هِيَ "لِتَحْرِيمٍ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ2. وَبَالَغَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي إنْكَارِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهَا لِلْكَرَاهَةِ3.
وَقِيلَ: صِيغَةُ النَّهْيِ تَكُونُ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَ4الْكَرَاهَةِ. فَتَكُونُ مِنْ الْمُجْمَلِ 5.
وَقِيلَ: تَكُونُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ. فَتَكُونُ حَقِيقَةً فِي كُلٍّ مِنْهُمَا6.
وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ لِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ7
ـــــــ
1 الآية 102 من آل عمران.
2 وهو الصحيح عند الفخر الرازي والآمدي وغيرهما.
"انظر: المسودة ص81، الرسالة ص217، 343، البرهان للجويني 1/283، نهاية السول 2/63، الإحكام للآمدي 2/187، التبصرة ص99، المحصول ? 1 ق2/469، تحقيق المراد ص63، اللمع ص14، فواتح الرحموت 1/396، كشف الأسرار 1/256، التمهيد ص81، مختصر الطوفي ص95، القواعد والفوائد الأصولية ص190، شرح تنقيح الفصول ص168، التمهيد ص81".
3 الرسالة ص353.
"وانظر: التمهيد ص81، المسودة ص81، القواعد والفوائد الأصولية ص190".
4 في ش: أو.
5 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص190.
6 وهو مطلق الترك. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص190، تيسير التحرير 1/375".
7 وهو قول الأشعرية، وهناك أقوال أخرى في المسألة.
"انظر: المسودة ص81، شرح تنقيح الفصول ص168، المحصول ? 1 ق2/469، التبصرة ص99، تحقيق المراد ص63، كشف الأسرار 1/256، تيسير التحرير 1/375، فواتح الرحموت 1/396، القواعد والفوائد الأصولية ص190، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص332".(3/83)
"وَ"وُرُودُ1 صِيغَةِ النَّهْيِ "مُطْلَقَةً عَنْ شَيْءٍ لِعَيْنِهِ" أَيْ لَعَيْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَالْكُفْرِ وَالظُّلْمِ وَالْكَذِبِ2 وَنَحْوِهَا3 مِنْ الْمُسْتَقْبَحِ لِذَاتِهِ: يَقْتَضِي فَسَادَهُ شَرْعًا4 عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ5.
ـــــــ
1 في ب: وورد.
2 ساقطة من ض.
3 في ض ب: ونحوهما.
4 أي أن اقتضاء النهي للفساد هو الشرع، لافي اللغة، لأن صيغة النهي لغة تدل على مجرد طلب الكف عن الفعل على وجه الجزم والقطع، واقتضاؤه للفساد أو البطلان قدر زائد يحتاج إلى دليل آخر غير اللغة، وهو اختيار الآمدي وأكثر الأصوليون، وفي قول: إنه يقتضي الفساد من جهة اللغة واللسان، وقيل: معنى.
"انظر: جمع الجوامع 1/393، نهاية السول 2/62، الإحكام للآمدي2/188، مختصر ابن الحاجب 2/95، تيسير التحرير 1/376، فواتح الرحموت 1/396، مختصر البعلي ص104، مباحث الكتاب والسنة ص129،130".
5 قال: القرافي:ومعنى الفساد في العبادات وقوعها على نوع من الخلل يوجب بقاء الذمة مشغولة بها، وفي المعاملات عدم ترتب آثارها عليها" "شرح تنقيح الفصول ص173".
والفاسد والباطل بمعنى واحد عند الجمهور، بينما فرق الحنفية بينهما، فقالوا: الباطل ما ليس مشروعاً بأصله ولا بوصفه، والفاسد ما كان مشروعاً بأصله دون وصفه، وسبق بيان ذلك في المجلد الأول ص473وما بعدها.
والأشياء التي نهى الشارع عنها لعينها باطلة عند الحنفية، وليست مشروعة أصلاً وهناك أقوال أخرى في المسألة.
"انظر: مختصر ابن الحاجب 2/95، نهاية السول 2/63، العبادي على الورقات ص93، المحصول ? 1 ق2/486، المنخول ص126، 205، تيسير التحرير 1/376، المعتمد 1/184، الإحكام للآمدي 2/188، التبصرة ص100، المستصفى 2/24، جمع الجوامع 1/393، البرهان للجويني 1/283، المسودة ص80، 83، أصول السرخسي 1/80، 82، فواتح الرحموت 1/396، فتح الغفار 1/78، 79، 81، التوضيح على التنقيح 2/223، كشف الأسرار 1/257، 258، 266، اللمع ص14، مختصر الطوفي ص104، مختصر البعلي ص10، التمهيد ص81، الروضة 2/217، العدة 2/432، إرشاد الفحول ص110، القواعد والفوائد الأصولية ص192، 193، تحقيق المراد ص67، 72، 74، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص343، مباحث الكتاب والسنة ص129، 130، تفسير النصوص 2/389".(3/84)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ1: هَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ وَحَدِيثِهِ2 ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" 3.
وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يَزَالُوا يَسْتَدِلُّونَ4 عَلَى الْفَسَادِ بِالنَّهْيِ ، كَاحْتِجَاجِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} 5 وَاسْتِدْلالُ الصَّحَابَةِ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. عَلَى فَسَادِ6 عُقُودِ الرِّبَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ" - الْحَدِيثَ 7" وَعَلَى فَسَادِ
ـــــــ
1 في ع: أبو الخطاب، والأعلى من بقية النسخ وهو الصواب، لأنه ورد بالنص في "المسودة" و "القواعد والفوائد الأصولية".
2 انظر: المسودة ص83، القواعد والفوائد الأصولية ص192.
3 هذا الحديث رواه البخاري معلقاً، ورواه مسلم وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً، ورواه البخاري في "خلق أفعال العباد".
قال المناوي: "أي مردود فلا يقبل منه، وفيه دليل للقاعدة الأصولية أن مطلق النهي يقتضي الفساد، لأن المنهي عنه مخترع محدث، وقد حكم عليه بالرد المستلزم للفساد".
"انظر: فتح الباري 13/317، صحيح البخاري 4/268، صحيح مسلم 3/1344، خلق أفعال العباد ص29، سنن أبي داود 2/506، سنن ابن ماجه 1/7، مسند أحمد 6/146، 180، فيض القدير 6/183".
4 في ض: يستدون، وفي ب: يستدل.
5 الآية 221 من البقرة.
6 في ض ب: العقود بالربا.
7 هذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن والبيهقي ومالك والشافعي عن عبادة بن الصامت وأبي سعيد مرفوعاً بألفاظ مختلفة، وتقدم تخريجه في المجلد الثاني ص554.(3/85)
نِكَاحِ الْمَحْرَمِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ1. وَقَدْ شَاعَ وَذَاعَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ2.
فَإِنْ قِيلَ: احْتِجَاجُهُمْ إنَّمَا هُوَ عَلَى التَّحْرِيمِ لا عَلَى الْفَسَادِ3.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ احْتِجَاجَهُمْ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالْفَسَادِ مَعًا. أَلا تَرَى إلَى حَدِيثِ بَيْعِ الصَّاعَيْنِ4 مِنْ التَّمْرِ بِالصَّاعِ. وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا" 5 وَذَلِكَ
ـــــــ
1 ورد النهي عن نكاح المحرم في حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينكح المُحْرِمُ، ولا يخطب" رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك وأحمد والدارمي وغيره. " انظر صحيح مسلم 2/1030، سنن أبي داود 1/427، تحفة الأحوذي 3/579، سنن النسائي 5/151، 6/73، سنن ابن ماجه 1/632، مسند أحمد 1/57، 64، المنتقى شرح الموطأ 2/228، سنن الدارمي 2/141، نيل الأوطار 5/16، نصب الراية 3/170".
2 انظر أدلة الجمهور في "الرسالة للشافعي ص347، تيسير التحرير 1/381، المعتمد 1/187 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص174، الإحكام للآمدي 2/190، التبصرة ص101، المحصول? 1 ق2/496، المستصفى 2/26 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/95 وما بعدها، الروضة 2/218، العدة 2/434 وما بعدها، مختصر الطوفي ص96، إرشاد الفحول ص110، تحقيق المراد ص10 وما بعدها، تفسير النصوص 2/390".
3 انظر: شرح تنقيح الفصول ص174 وما بعدها، تيسير التحرير 1/381، تحقيق المراد ص113، 129.
4 ساقطة من ز ع ض ب.
5 روى البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجل على خيبر فجاءهم بتمر جنيب، فقال: "أكل تمر خيبر هكذا" ؟ قال: إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: "لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنبياُ" وهذا لفظ البخاري، وفي رواية مسلم "هذا هو الربا" ، وفي رواية لمسلم والنسائي: "أوّه عين الربا" ، وروى الطبراني وأحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين، والصاع بالصاعين، أني أخاف عليكم الرما، والرما هو الربا" وروى أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: اشترينا الصاع بصاعين من تمرنا صاعاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربيتم" . "انظر: صحيح البخاري 2/24، صحيح مسلم 3/1215 وما بعدها، سنن النسائي 7/240، سنن ابن ماجه 2/758، مسند أحمد 2/109، 3/2، تخريج احاديث البزدوي ص76، النووي على مسلم 11/22".(3/86)
بَعْدَ الْقَبْضِ. فَأَمَرَ1 بِرَدِّهِ. و2َبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" وَالرَّدُّ إذَا أُضِيفَ إلَى الْعِبَادَاتِ اقْتَضَى عَدَمَ الاعْتِدَادِ بِهَا ، وَإِنْ أُضِيفَ إلَى الْعُقُودِ اقْتَضَى3 فَسَادَهَا4.
فَإِنْ قِيلَ: مَعْنَاهُ لَيْسَ بِمَقْبُولٍ وَلا طَاعَةٍ5.
قُلْنَا: الْحَدِيثُ يَقْتَضِي رَدَّ ذَاتِهِ إنْ أَمْكَنَ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ اقْتَضَى رَدَّ مُتَعَلِّقِهِ6.
فَإِنْ قِيلَ: هُوَ مِنْ أَخْبَارِ الآحَادِ ، وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ الأُصُولِ7.
قِيلَ: تَقَوَّى بِالْقَبُولِ. وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ الْفُرُوعِ8.
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صَلاةَ إلاَّ بِطُهُورٍ 9 ، وَلا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ، وَلا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ" 10 وَنَحْوَ
ـــــــ
1 في ض: فأمره.
2 ساقطة من ب.
3 ساقطة من ض.
4 انظر: تيسير التحرير 1/382، تحقيق المراد ص114وما بعدها، 130وما بعدها.
5 انظر: التبصرة ص101، المحصول ? 1 ق2/488، المستصفى 2/30، العدة 2/435.
6 انظر: المعتمد 1/187، الإحكام للآمدي 2/191، التبصرة ص101، إحكام الأحكام 1/53، العدة 2/432.
7 قال ابن حجر الهيثمي: "والزعم أن القواعد الكلية لا تثبت بخبر الواحد باطل" "انظر:فيض القدير 6/183".
وانظر: تحقيق المراد ص112، التبصرة ص101.
8 انظر: تحقيق المراد ص114، التبصرة ص101.
9 سبق تخريجه بلفظ "لا يقبل الله صلاة بغير طهور" المجلد الأول ص299.
10 سبق تخريجه بلفظ "ومن لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" وله روايات وألفاظ متعددة، المجلد الثاني ص210.(3/87)
ذَلِكَ. قَالَ: وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ نَفْيَ نَفْسِ الْفِعْلِ؛ لأَنَّ الْفِعْلَ مَوْجُودٌ مِنْ حَيْثُ الْمُشَاهَدَةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفْيَ حُكْمِهِ. فَإِذَا وُجِدَ الْفِعْلُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ. فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ إيجَادُهُ. وَكَانَ. الْفَرْضُ1 الأَوَّلُ عَلَى عَادَتِهِ2.
وَيَدُلُّ لِلْفَسَادِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَيْضًا: الاعْتِبَارُ وَالْمُنَاقَضَةُ.
أَمَّا الاعْتِبَارُ3: فَلأَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى تَعَلُّقِ مَفْسَدَةٍ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، أَوْ بِمَا. يُلازِمُهُ؛ لأَنَّ الشَّارِعَ حَكِيمٌ لا يَنْهَى عَنْ الْمَصَالِحِ. وَفِي الْقَضَاءِ بِإِفْسَادِهَا إعْدَامٌ لَهَا بِأَبْلَغِ الطُّرُقِ وَلأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا مَعَ رَبْطِ الْحُكْمِ بِهَا يُفْضِي4 إلَى التَّنَاقُضِ فِي الْحِكْمَةِ؛ لأَنَّ نَصْبَهَا سَبَبًا يُمَكِّنُ مِنْ التَّوَسُّلِ5، وَالنَّهْيُ يَمْنَعُ مِنْ التَّوَسُّلِ6، وَلأَنَّ حُكْمَهَا مَقْصُودُ الآدَمِيِّ وَمُتَعَلِّقُ غَرَضِهِ، فَتَمْكِينُهُ مِنْهُ حَثٌّ عَلَى تَعَاطِيهِ. وَالنَّهْيُ مَنْعٌ مِنْ التَّعَاطِي، وَلأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْسُدْ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ لَزِمَ مِنْ نَفْيِهِ لِكَوْنِهِ مَطْلُوبَ التَّرْكِ بِالنَّهْيِ حُكْمُه7ُ لِلنَّهْيِ، وَمِنْ ثُبُوتِهِ لِكَوْنِ الْفَرْضِ جَوَازَ التَّصَرُّفِ ، وَصِحَّتُهُ
ـــــــ
1 في ش: الغرض.
2 انظر: تيسير التحرير 1/380، الروضة 2/217 وما بعدها، مباحث الكتاب والسنة ص130.
3 ساقطة من ض.
الاعتبار هو التقدير، وهو قريب من القياس في اللغة، والاعتبار في الاصطلاح: إيراد الحكم على وفق أمر آخر، ويأتي القياس والمصالح المرسلة باسم المناسب المعتبر، وهو كل وصف شهد الشرع باعتباره بأخذ فروع الأحكام.
"انظر: الكافية في الجدل ص62، إرشاد الفحول ص217، الوسيط في أصول الفقه ص24".
4 في ز ع ض ب:مفضٍ.
5 في ض ب: التوصل.
6 في ض ب: التوصل.
7 في ش ز: عن حكمه.(3/88)
حُكْمُ الصِّحَّةِ. وَذَلِكَ بَاطِلٌ1.
أَمَّا الْمُلازَمَةُ: فَلاسْتِحَالَةِ خُلُوِّ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ الْحِكْمَةِ. وَأَمَّا بُطْلانُ الثَّانِي: فَلأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا يُؤَدِّي إلَى خُلُوِّ الْحُكْمِ عَنْ الْحِكْمَةِ ، وَهُوَ خَرْقٌ لِلإِجْمَاعِ. لأَنَّ حِكْمَةَ النَّهْيِ إمَّا أَنْ تَكُونَ رَاجِحَةً عَلَى حُكْمِ الصِّحَّةِ2 أَوْ مَرْجُوحَةً أَوْ مُسَاوِيَةً؛ وَلَوْ3 كَانَ كَذَلِكَ لامْتَنَعَ النَّهْيُ. فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ أَنْ تَكُونَ رَاجِحَةً عَلَى حُكْمِ الصِّحَّةِ. وَفِي رُجْحَانِ النَّهْيِ تَمْتَنِعُ الصِّحَّةُ.
فَإِنْ قُلْت5: التَّرْجِيحُ غَايَتُهُ أَنْ يُنَاسِبَ نَفْيَ الصِّحَّةِ وَلا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَفِي الصِّحَّةِ إلاَّ بِإِيرَادِ شَاهِدٍ بِالاعْتِبَارِ.وَلَوْ ظَهَرَ كَانَ الْفَسَادُ لازِمًا مِنْ الْقِيَاسِ6.
قُلْنَا: الْقَضَاءُ بِالْفَسَادِ لِعَدَمِ الصِّحَّةِ، فَلا يُفْتَقَرُ إلَى شَاهِدِ الاعْتِبَارِ، وَلأَنَّ فِي الشَّرْعِيَّاتِ مَنْهِيَّاتٍ بَاطِلَةً، وَلا مُسْتَنِدَ لَهَا إلاَّ أَنَّ النَّهْيَ لِلأَصْلِ7.
وَأَمَّا دَلِيلُ الْفَسَادِ بِالْمُنَاقَضَةِ8: فَلأَنَّ الْمُخَالِفِينَ أَبْطَلُوا النِّكَاحَ فِي
ـــــــ
1 انظر: كشف الأسرار 1/261، تحقيق المراد ص131.
2 ساقطة من ش ز ض ب.
3 في ش ز ع: إذ لو.
4 انظر: الإحكام للآمدي 2/189 وما بعدهما، المحصول? 1 ق2/494، 496، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/96، تحقيق المراد ص131.
5 في ش ز: قلنا.
6 انظر: تحقيق المراد ص135.
7 انظر: تحقيق المراد ص135، الإحكام للآمدي 1/53.
8 المناقضة عند الأصوليون هي النقض، وعند أهل النظر عبارة عن منع مقدمة الدليل، أو هي ابطال دليل المعلل "كشاف اصطلاح الفنون 6/1411"، وقال الباجي: "النقض: هو وجود العلة وعدم الحكم" "الحدود ص76"، وقال الجويني: "النقض: انتفاء الحكم عما ادعي له من العلة، وقيل: وجود العلة مع فقد ما ادعي من حكمها، وقيل: ابراء العلة حيث لا حكم" "الكافية في الجدل ص69".(3/89)
الْعِدَّةِ1 وَنِكَاحَ الْمَحْرَمِ، وَالْمُحَاقَلَةَ2 وَالْمُزَابَنَةَ وَالْمُنَابَذَةَ وَالْمُلامَسَةَ3، وَالْعَقْدَ عَلَى مَنْكُوحَةِ الأَبِ لِقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} 4 .{وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} 5 وَالصَّلاةَ فِي الْمَكَانِ النَّجِسِ وَالثَّوْبِ النَّجِسِ6 ،
ـــــــ
1 أبطل العلماء النكاح في العدة لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} البقرة/228، ولقوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} القرة/232، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} القرة /234، ولحديث أي السنابل وسبيعة الأسلمية الذي مر سابقاً "المجلد الثاني ص313" وغيره.
2 في ض ب: المحالقة.
3 روى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي والدار قطني عن جابر وغيره بألفاظ متقاربة، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة، وأن، يشتري النخل حتى يشقه، والمزابنة أن يباع النخل بأوساق من التمر، والمخابرة الثلث والربع وأشباه ذلك.
واختف العلماء في تفسير المحاقلة ففسرها بعضهم بما جاء في الحديث، وقال أبو عبيد: هي بيع الطعام في سنبله، والحقل: الحرث وموضع الزرع، وأخرج الشافعي عن جابر أن المحاقلة أن يبيع الرجل الرجل الزرع بمائة فرق من الحنطة، وقال ابن الكثير: "المحاقلة مختلف فيها، قيل: هي اكتراء الأرض بالحنطة، هكذا جار مفسراً في الحديث" "النهاية في غريب الحديث 1/416".
"انظر: صحيح البخاري 2/15 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 1/194، سنن أبي داود 2/225، تحفة الأحوذي 4/416، سنن النسائي 7/234، سنن ابن ماجه2/761، مسند أحمد 1/224، 2/392، سنن الدارمي 2/252، الموطأ 386 ط الشعب، سنن الدار قطني 3/48، نيل الأوطار 5/189، المغني 4/156".
4 الآية 22 من النساء. وفي ع ض ب: "... من النساء الآية.
5 الآية 221 من البقرة. وفي ع ض ب: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ} .
6 لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ا لمدثر/4، ولما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ومالك عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي" .
"انظر: صحيح البخاري 1/46 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 4/17، سنن أبي داود 1/65، تحفة الأحوذي 1/390، سنن النسائي 1/98، سنن ابن ماجه 1/203، مسند أحمد 6/83، 129، الموطأ ص62 ط الشعب".(3/90)
وَحَالَةِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ1، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلا مُسْتَنِدَ إلاَّ النَّهْيِ2.
قَالُوا: لَوْ دَلَّ الْفَسَادُ3 لَنَاقَضَ التَّصْرِيحَ بِالصِّحَّةِ فِي قَوْلِهِ: نَهَيْتُك عَنْ فِعْلِ كَذَا فَإِنْ فَعَلْت صَحَّ4.
قُلْنَا: الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْفَسَادِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالصِّحَّةِ5 لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حِكْمَةِ الْفَسَادِ، وَلأَنَّهُ لَوْ سَلِمَ فَالتَّصْرِيحُ بِخِلافِ الظَّاهِرِ، وَ6لا تَنَاقُضَ7، نَحْوَ: رَأَيْتُ أَسَدًا يَرْمِي.وَأَيْضًا فَإِنَّ8 قَوْلَهُ: يُشْبِهُ الْمُسْتَدْرَكَ وَالْمُسْتَثْنَى.فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَكِنَّك إنْ فَعَلْت صَحَّ، أَوْ قَوْلُهُ: إلاَّ أَنَّك إذَا فَعَلْت صَحَّ. وَلَيْسَ فِي كَلامِ الشَّارِعِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ9.
وَكَذَا لَوْ كَانَ النَّهْيُ لِوَصْفٍ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لازِمٌ لَهُ. وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ
ـــــــ
1 لما رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" وسبق تخريجه في المجلد الأول ص471.
2 انظر: تحقيق المراد ص103، الإحكام للآمدي 2/193.
3 في ش ز ع:الفساد.
4 انظر: التبصرة ص103، المحصول ? ق2/489 وما بعدها، العدة 2/439.
5 ساقطة من ض.
6 ساقطة من ش ز.
7 في ع: يناقض.
8 في ش ز: فإنه.
9 انظر: تفصيل هذه الأدلة مع الزيادة عليها في "تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد للعلائي ص111 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/188، 192 وما بعدها، التبصرة ص103، المحصول 2/487، 489، العدة 2/439".(3/91)
"أَوْ وَصْفِهِ" كَالنَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمَةِ1 وَعَنْ بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ كَافِرٍ2.فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ "يَقْتَضِي فَسَادَهُ شَرْعًا" عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ3.
فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْهُ إثْبَاتُ الْقِيَامِ وَالاسْتِيلاءِ وَالسَّبِيلِ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَيَبْطُلُ هَذَا الْوَصْفُ.اللاَّزِمُ4 لَهُ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ: أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي صِحَّةَ الشَّيْءِ وَفَسَادَ وَصْفِهِ.فَالْمُحَرَّمُ عِنْدَهُمْ وُقُوعُ الصَّوْمِ فِي الْعِيدِ لا الْوَاقِعُ.فَالْفِعْلُ حَسَنٌ5؛.لا أَنَّهُ6 صَوْمٌ قَبِيحٌ لِوُقُوعِهِ فِي الْعِيدِ.فَهُوَ عِنْدَهُمْ طَاعَةٌ يَصِحُّ النَّذْرُ بِهِ7، وَوَصْفُ قُبْحِهِ لازِمٌ لِلْفِعْلِ لا لِلاسْمِ، وَلا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ8.
ـــــــ
1 ورد النهي عن نكاح الكافر للمسلة في قوله تعالى: {وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ} البقرة/221
2 انظر: المغني 4/199.
3 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/98، جمع الجوامع 1/394، الفروق 2/82، المنخول ص205، العدة 2/441، الروضة 2/217، المسودة ص82، 83، مختصر الطوفي ص96، التمهيد ص81، مباحث الكتاب والسنة 131، 133.
4 في ش ز: الملازم.
5 في ع: عندهم حسن.
6 في ز ع ض ب: لأنه.
7 قال النووي رحمه الله: "وقد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك، ولو نذر صومهما متعمداً لعينها، قال الشافعي والجمهور: لا ينعقد نذره، ولا يلزمه قضاؤهما، وقال أبو حنيفة: ينعقد ويلزم قضاؤهما، قال: فإن صامهما أجزأه، وخالف الناس كلهم في ذلك" شرح النووي على مسلم 8/15".
وقال التمرتاشي والحصكفي: "ولو نذر صوم الأيام المنهية، أو صوم هذه السنة صح مطلقاً على المختار، وفرقوا بين النذر والشروع فيها بأن نفس الشروع معصية، ونفس النذر طاعة فصح، ولكنه أفطر الأيام المنهية، وجوباً تحامياً عن المعصية وقضاها إسقاطاً للواجب، وإن صامهما خرج عن العهدة مع الحرمة" "حاشية ابن عابدين 4/433".
8 قال الآمدي: "وهو اختيار المحققين من أصحابنا كالقفال وإمام الحرمين والغزالي وكثير من الحنفية، وبه قال جماعة من المعتزلة... وكثير من مشايخهم" "الإحكام للآمدي 2/188".
انظر: هذا الرأي وأدلته في "فواتح الرحموت 1/398، أصول السرخسي 1/81، 85، كشف الأسرار 1/258 وما بعدها، التوضيح على التنقيح 2/223، 227، فتح الغفار 1/78، تيسير التحرير 1/377 وما بعدها، 382 وما بعدها، المعتمد 1/184، 188وما بعدها، تحقيق المراد ص91، 149 وما بعدها، المستصفى 2/25، مختصر ابن الحاجب 2/97، 98، نهاية السول 2/64، جمع الجوامع 1/396، الفروق 2/83، الروضة 2/217، المسودة ص83، مختصر الطوفي ص96، البرهان للجويني 1/292، تفسير النصوص2/390، مباحث الكتاب والسنة ص135، 136، العدة 2/442، المحصول? 1 ق2/500"(3/92)
وَقِيلَ لأَبِي الْخَطَّابِ فِي نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ1 الْعِيدِ2 نَهْيُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ ؟ فَقَالَ: هُوَ حُجَّتُنَا؛ لأَنَّ النَّهْيَ عَمَّا3 لا يَكُونُ مُحَالٌ، كَنَهْيِ الأَعْمَى عَنْ النَّظَرِ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ لَمَا نَهَى عَنْهُ4.
"وَكَذَا" لَوْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ "لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ كَ" النَّهْيِ عَنْ عَقْدِ بَيْعٍ "بَعْدَ نِدَاءِ جُمُعَةٍ"5 وَكَالْوُضُوءِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ، يَعْنِي فَإِنَّهُ يَقْتَضِي فَسَادَهُ عِنْدَ
ـــــــ
1 ساقطة من ع ض.
2 جاء النعي عن صوم يوم العيد في الحديث الصحيح المرفوع الذي رواه البخاري ومسلم وأحمد ومالك والشافعي وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي عن أبي سعيد وعمر وأبي هريرة وابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن صوم يومين: يوم الفطر ويوم الضحى" وفي رواية البخاري وأحمد "لا صوم في يومين" وفي رواية مسلم "لا يصح الصيام في يومين" .
"انظر: صحيح البخاري 1/233 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 8/15، مسند أحمد 5/52، 66، الموطأ ص200 ط الشعب، نيل الأوطار 4/293، سنن أبي داود 1/563، تحفة الأحوذي 3/579، سنن ابن ماجه 1/546، بدائع المنن 1/275، سنن الدارمي 2/20".
3 في ب: عنه.
4 انظر مناقشة الموضوع في "الإحكام للآمدي 2/192، المحصول? 1 ق2/500 وما بعدها، المستصفى 2/28، الروضة 2/217، مختصر البعلي ص104".
5 هو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} الجمعة/9.(3/93)
الإِمَامِ أَحْمَدَ.رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ1 وَالْمَالِكِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَالْجُبَّائِيَّةِ2.
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الأَكْثَرُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ الآمِدِيُّ: لا خِلافَ أَنَّهُ لا يَقْتَضِي الْفَسَادَ إلاَّ مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ3.
وَلا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاتِ4.
وَأَلْزَمَ الْقَاضِي5 الشَّافِعِيَّةَ بِبُطْلانِ الْبَيْعِ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ وَالِدَةٍ
ـــــــ
1 في ع: والظاهرية و المالكية.
2انظر هذه المسألة في "المعتمد 1/195، نهاية السول 2/65، شرح تنقيح الفصول 174، 176، مختصر الطوفي ص86، مختصر البعلي ص104، المسودة ص83، العدة 2/441، الفروق 2/85، الإحكام لابن حزم 3/307، مباحث الكتاب والسنة ص132".
ولفظة الجبائية: ساقطة من ب.
3 في ع ض ب: وإمامنا أحمد.
وانظر: الإحكام للآمدي 2/188، التبصرة ص100 هامش.
4 هذا رد على القول الذي يذهب للتفصيل بين العبادات والمعاملات، وهو رأي أبي الحسين البصري والفخر الرازي وابن السبكي وغيرهم، وهناك مذاهب أخرى.
انظر أصحاب هذه المذاهب مع أدلتها ومناقشتها مع بيان مذهب الحنابلة وأدلتهم في "المعتمد 1/184، التمهيد ص82، المسودة ص83، العدة 2/444، المحصول ?1 ق2/486، المنخول ص126، المستصفى 2/25، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/95 وما بعدها، نهاية السول 2/52، 65، أصول السرخسي 1/81، فتح الغفار 1/78، التوضيح على التنقيح 2/229، 232، تيسير التحرير 1/377، جمع الجوامع 1/393، 395، تحقيق المراد ص77، 9، اللمع ص15، القواعد والفوائد الأصولية ص192، فواتح الرحموت 1/396، مباحث الكتاب والسنة ص131".
5 انظر: العدة 2/446.
واستدل القاضي بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا توله والدة عن ولدها" ، روى هذا الحديث أبو بكر رضي الله عنه، وأخرجه عنه البيهقي قال السيوطي إنه حسن، وقال الحافظ ابن حجر: سنده ضعيف، ورواه أبو عبيد في "غريب الحديث" مرسلاً عن الزهري، "انظر: فيض القدير 6/423، التلخيص الخبير 3/15",(3/94)
وَوَلَدِهَا1
"لا" إنْ كَانَ النَّهْيُ "عَنْ غَيْرِهِ" أَيْ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ غَيْرِ عَقْدٍ.وَكَانَ ذَلِكَ "لِحَقِّ2 آدَمِيٍّ، كَتَلَقٍّ3" لِلرُّكْبَانِ4 "وَ"كَ "نَجْشٍ"5 وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ مَنْ لا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِغَيْر6ِ الْمُشْتَرِي "وَ" كَـ"سَوْمٍ" عَلَى سَوْمِ مُسْلِمٍ "وَ" كَـ"خِطْبَةٍ" وَلَوْ لِذِمِّيَّةٍ عَلَى خِطْبَةِ مُسْلِمٍ7 "وَ"كَ "تَدْلِيسِ"
ـــــــ
1 ورد عن علي رضي الله عنه أنه فرق بين جارية وولدها، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ورد البيع.
رواه أبو داود والدار قطني، وفي الباب أحاديث أخر.
"انظر: سنن أبي داود 2/58، نيل الأوطار 5/182".
2 في ع ض: كحق.
3 في ب: كتلقي.
4 روى البخاري ومسلم عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان" ورواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما، وروى البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تلقوا الركبان، ولا بيع حاضر لبادٍ" .
"انظر: صحيح البخاري 2/13المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 10/160، سنن أبي داود 2/241، مسند أحمد 2/105، 156، 394، نيل الأوطار5/188، المغني 4/164".
وفي ع ض ب: الركبان.
5 روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش"، ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة، ورواه ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهم.
"انظر: صحيح البخاري 2/12 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم على شرح النووي 10/16، سنن أبي داود 2/241، سنن النسائي 7/227، سنن ابن ماجه 2/734، نيل الأوطار 5/187، المغني 4/159".
6 في ش: لغير، وفي ب: ليغر بها.
7 روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، ولا يسوم على سومه" وفي لفظ: "لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه" ، وروى الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبع الرجل أحدكم على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن" .
"انظر: صحيح البخاري 2/12 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم على شرح النووي 10/15، نيل الأوطار 5/187، مسند أحمد 2/398، 411، 457، سنن ابن ماجه 2/734، سنن النسائي 7/227، نيل الأوطار 5/189، المغني 4/159"(3/95)
مَبِيعٍ1، كَالتَّصْرِيَةِ2 وَنَحْوِهَا.فَإِنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ مَعَ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ3.
قَالَ4 ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَحَيْثُ قَالَ أَصْحَابُنَا: اقْتَضَى النَّهْيُ الْفَسَادَ فَمُرَادُهُمْ: مَا لَمْ يَكُنْ النَّهْيُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ. فَإِنْ كَانَ وَلا مَانِعَ. كَتَلَقِّي الرُّكْبَانَ وَالنَّجْشِ. فَإِنَّهُمَا يَصِحَّانِ عَلَى الأَصَحِّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ. لإِثْبَاتِ الشَّرْعِ الْخِيَارَ فِي التَّلَقِّي5.
"وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَالدَّوَامَ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ6، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِهِ
ـــــــ
1 في ش: بيع، وفي ع: لمبيع، وفي ز: ببيع.
2 لحديث: "لا تصروا الإبل والغنم، عمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها امسكها، وإن سخطها ردها، وصاعاً من تمر" وسبق تخريجه كاملاً في المجلد الثاني ص368 هـ، 566، 568، وانظر شرح النووي على صحيح مسلم 10/160
3 قال الشوكاني: "وقد اختلف في هذا النهي، هل يقتضي الفساد أم لا؟ فقيل: يقتضي الفساد، وقيل: لا، وهو الظاهر، لآن النهي ههنا لأمر خارج، وهي لا يقتضيه، كما تقرر في الأصول" "نيل الأوطار5/188".
وقال: "وق قال بالفساد المرادف للبطلان بعض المالكية، وبعض الحنابلة، وقال غيرهم بعدم الفساد. "نيل الأوطار 5/188".
"وانظر: مختصر البعلي ص104، 105، التمهيد ص82، مختصر الطوفي".
4 في ض ب: وقال.
5 وذلك في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار"
وفي روايات أخرى "أن يتلقى السلع حتى تبلغ الأسواق" "نهى عن التلقي" "نهى عن تلقي البيوع" "أن يتلقى الجلب" وسيده أي مالكه، "انظر: النووي على مسلم 10/163، سن أبي داود 2/240".
6 انظر: المسودة ص81، التمهيد ص81، تيسير التحرير 1/376، مختصر البعلي ص 105، فواتح الرحموت 1/406، نهاية السول 2/63، القواعد والفوائد الأصولية ص191، العدة 2/428".(3/96)
لِلدَّوَامِ: كَوْنُهُ لِلْفَوْرِ؛ لأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِهِ، وَلأَنَّ مَنْ نُهِيَ عَنْ فِعْلٍ بِلا قَرِينَةٍ فَفَعَلَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ عُدَّ مُخَالِفًا لُغَةً وَعُرْفًا.وَلِهَذَا لَمْ يَزَلْ1 الْعُلَمَاءُ يُسْتَدَلُّونَ2 بِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.وَحَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ بُرْهَانٍ وَأَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ إجْمَاعًا3.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَمْرِ: أَنَّ الأَمْرَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ فَيَقَعُ الامْتِثَالُ فِيهِ بِالْمَرَّةِ.وَأَمَّا الانْتِهَاءُ عَنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلا يَتَحَقَّقُ إلاَّ بِاسْتِيعَابِهِ فِي الْعُمُرِ فَلا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَكْرَارٌ، بَلْ بِالاسْتِمْرَارِ4 بِهِ يَتَحَقَّقُ الْكَفُّ5.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ النَّهْيَ مُنْقَسِمٌ6 إلَى الدَّوَامِ كَالزِّنَا، وَإِلَى غَيْرِهِ كَالْحَائِضِ
ـــــــ
1 في ع ض ب: تزل.
2 في ع ض ب: تستدل.
3 نقل العلماء عن أبي بكر الباقلاني أن النهي لا يقتضي الفور والتكرار كالأمر، وتابعه على ذلك الفخر الرازي فقال: "إن قلنا إن النهي يفيد التكرار فهو يفيد الفور لا محالة، وإلا فلا" أي إن ذلك لم يفيد التكرار فلا يفيد الفور، وقد اختار الفخر الرازي أن الأمر لا يفيد التكرار، وبالتالي فإن الأمر لا يفيد الفور عنده، ثم صرح باختياره فقال: "المشهور أن النهي يفيد التكرار، ومنهم من أباه، وهو المختار". "انظر: المحصول 2/470، 475".
وقال العضد: "يقتضي دوام ترك المنهي عند المحققين ظاهراً... وقد خالف في ذلك شذوذ" "العضد على ابن الحاجب 2/98".
"وانظر: فواتح الرحموت 1/406، تيسير التحرير 1/376، الإحكام للآمدي 2/194، المسودة ص81، شرح تنقيح الفصول ص168، البرهان للجويني 1/230، مختصر ابن الحاجب 2/98، التمهيد ص81، مختصر البعلي ص105، العدة 2/428، جمع الجوامع 1/390، القواعد والفوائد الأصولية ص191، تفسير النصوص 2/382".
4 في ع ض ب: الاستمرار.
5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص171، البرهان للجويني 1/230، اللمع ص14.
6 في ع: ينقسم.(3/97)
عَنْ الصَّلاةِ.فَكَانَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، دَفْعًا لِلاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ.
وَرُدَّ بِأَنَّ عَدَمَ الدَّوَامِ لِقَرِينَةٍ، هِيَ تَقْيِيدُهُ بِالْحَيْضِ، وَكَوْنُهُ حَقِيقَةً لِلدَّوَامِ أَوْلَى مِنْ الْمَرَّةِ لِدَلِيلِنَا، وَلإِمْكَانِ التَّجَوُّزِ فِيهِ عَنْ بَعْضِهِ لاسْتِلْزَامِهِ لَهُ بِخِلافِ الْعَكْسِ1.
"وَ"قَوْلُ النَّاهِي عَنْ شَيْءٍ "لا تَفْعَلْهُ مَرَّةً يَقْتَضِي تَكْرَارَ التَّرْكِ" قَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ.فَلا يَسْقُطُ النَّهْيُ بِتَرْكِهِ مَرَّةً2.
وَعِنْدَ الْقَاضِي وَالأَكْثَرِ يَسْقُطُ بِمَرَّةٍ3، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَدَّمَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ، حَتَّى قَالَ شَارِحُهُ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ عَنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ: غَرِيبٌ لَمْ نَرَهُ لِغَيْرِ ابْنِ4 السُّبْكِيّ. وَقَطَعَ بِهِ الْبِرْمَاوِيُّ فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَمْ يَطَّلِعَا عَلَى كَلامِ الْحَنَابِلَةِ فِي ذَلِكَ5.
"وَيَكُونُ" النَّهْيُ "عَنْ" شَيْءٍ "وَاحِدٍ" فَقَطْ، وَهُوَ كَثِيرٌ6 "وَ"عَنْ "مُتَعَدِّدٍ" أَيْ شَيْئَيْنِ7 فَأَكْثَرَ "جَمْعًا" أَيْ عَنْ الْهَيْئَةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ.فَيَكُونُ لَهُ فِعْلُ
ـــــــ
1 انظر: الإحكام للآمدي 2/194.
2 قال القرافي: "وهو المشهور من مذاهب العلماء" وقال الكمال: "خلافاً لشذوذ"، وهذا فرع لاقتضاء النهي التكرار وعدمه.
"انظر: الروضة 2/201، المسودة ص81، شرح تنقيح الفصول ص168، تيسير التحرير 1/376، مختصر البعلي ص105، فواتح الرحموت 1/406، المحصول? 1 ق2/470، القواعد والفوائد الأصولية ص192".
3 ساقطة من ض.
4 ساقطة من ض.
5 ومذهب الفخر الرازي، ورأيه مخالف لاختيار أكثر الأشاعرة والشافعية.
"انظر: المحصول? 1 ق2/470، المسودة ص81، القواعد والفوائد الأصولية ص192، مختصر البعلي ص105، شرح تنقيح الفصول ص168، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/390".
6 انظر جمع الجوامع 1/392، نهاية السول 2/66.
7 في ض ب: عن شيئين.(3/98)
أَيُّهَا شَاءَ عَلَى انْفِرَادِهِ1 كَالْجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ2، وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَ3بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا4.
"وَفَرْقًا" وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ الافْتِرَاقِ دُونَ الْجَمْعِ.كَالنَّهْيِ عَنْ.الاقْتِصَارِ5 عَلَى أَحَدِ شَيْئَيْنِ6.نَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا تَمْشِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ" 7 فَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُنَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ حَالَتَيْ الرِّجْلَيْنِ8، لا عَنْ لُبْسِهِمَا مَعًا، وَلا عَنْ تَحْفِيفِهِمَا مَعًا.وَلِذَلِكَ
ـــــــ
1 نقل الشيرازي أن المعتزلة قالت: "يكون نهياً عنهما، فلا يجوز فعل واحد منهما"، وأيد أبو الحسين البصري الجمهور، وخالف المعتزلة في ذلك.
"انظر: التبصرة ص104، المعتمد 1/183، المسودة ص81، شرح تنقيح الفصول ص172، المنخول ص131، المحصول ? 1 ق2/508، نهاية السول 2/66، جمع الجوامع 1/393، القواعد والفوائد الأصولية ص69".
2 ثبت النهي عن تحريم الجمع بين الأختين في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} إلى قوله تعالى: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} النساء/23.
3 في ب: أو.
4 روى البخاري ومسلم أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها" وفي رواية: "نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها".
"انظر: صحيح البخاري 3/160 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 9/191، سنن أبي داود 1/476، تحفة الأحوذي 4/272، سنن النسائي 6/79 وما بعدها، سنن ابن ماجه 1/621، مسند أحمد 2/179، 423، سنن الدارمي 2/136، نيل الأوطار 6/166".
5 في ش: إحفائهما.
6 في ش: جمع الجوامع وشرح المحلي والبناني عليه 1/393.
7 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمش أحدكم في نعل واحدةٍ، ليُنْعِلْهما جميعاً، أو ليُحْفهما جميعاً" وفي رواية: "أو ليخلعهما جميعاً" وفيه روايات أخرى.
"انظر: صحيح البخاري 4/34، صحيح مسلم 3/1660، سنن أبي داود 2/389، مختصر سنن أبي داود 6/83، تحفة الأحوذي 5/470، سنن ابن ماجه 2/1195".
8 انظر: التبصرة ص104، منهاج العقول 2/62.(3/99)
قَالَ: "لِيُنْعِلْهُمَا 1 جَمِيعًا أَوْ لِيُحْفِهِمَا 2 جَمِيعًا" .
"وَ" يَكُونُ النَّهْيُ أَيْضًا عَنْ مُتَعَدِّدٍ "جَمِيعًا" وَمِنْ أَمْثِلَةِ النَّهْيِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَغَيْرِهَا: لا تَأْكُلْ السَّمَكَ وَتَشْرَبْ اللَّبَنَ.فَإِنَّك إنْ3 جَزَمْت الْفِعْلَيْنِ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ.فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِنْ نَصَبْت الثَّانِيَ مَعَ جَزْمِ الأَوَّلِ كَانَ مُتَعَلِّقُ النَّهْيِ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ4 بِانْفِرَادٍ5، وَإِنْ جَزَمْت الأَوَّلَ وَرَفَعْت الثَّانِيَ كَانَ الأَوَّلُ مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ فَقَطْ فِي حَالَةِ مُلابَسَةِ6 الثَّانِي7.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلامِ عَلَى الأَمْرِ وَالنَّهْيِ اللَّذَيْنِ حَقُّهُمَا التَّقْدِيمُ لِتَعَلُّقِهِمَا بِنَفْسِ الْخِطَابِ الشَّرْعِيِّ.شَرَعَ فِي الْكَلامِ عَلَى الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ الْمُتَعَلِّقَيْنِ بِمَدْلُولِ الْخِطَابِ بِاعْتِبَارِ الْمُخَاطَبِ بِهِ فَقَالَ:
ـــــــ
1 في ز: وليلبسهما، وفي ع ض ب: ليلبسهما.
2 في ب: ليخلعهما.
3 في ع: إذا.
4 ساقطة من ز ع ض ب.
5 في ش: بانفراد.
6 في ب: ملابسته.
7 انظر: شرح تنقيح الفصول ص173، المعتمد 1/182-183.(3/100)
باب العام:
"الْعَامُّ" فِي اصْطِلاحِ الْعُلَمَاءِ."لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَاهِيَّةِ مَدْلُولِهِ" أَيْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ.
قَالَ الطُّوفِيُّ -بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لِلْعَامِّ حُدُودًا كُلَّهَا مُعْتَرِضَةً1- اللَّفْظُ إنْ دَلَّ.عَلَى الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ. فَهُوَ الْمُطْلَقُ كَالإِنْسَانِ2، أَوْ عَلَى وَحْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ.كَزَيْدٍ فَهُوَ الْعَلَمُ، أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ كَرَجُلٍ فَهُوَ النَّكِرَةُ، أَوْ عَلَى وَحَدَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ.فَهِيَ إمَّا بَعْضُ وَحَدَاتِ الْمَاهِيَّةِ فَهُوَ3 اسْمُ الْعَدَدِ. كَعِشْرِينَ رَجُلاً، أَوْ جَمِيعُهَا فَهُوَ الْعَامُّ4.
فَإِذًا هُو5َ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَاهِيَّةِ مَدْلُولِهِ وَهُوَ أَجْوَدُهَا6.
فَهَذَا الْحَدُّ مُسْتَفَادٌ مِنْ التَّقْسِيمِ الْمَذْكُورِ؛ لأَنَّ التَّقْسِيمَ الصَّحِيحَ يَرِدُ عَلَى جِنْسِ الأَقْسَامِ، ثُمَّ يُمَيِّزُ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ بِذِكْرِ خَوَاصِّهَا الَّتِي تَتَمَيَّزُ بِهَا.فَيَتَرَكَّبُ كُلُّ
ـــــــ
1 مختصر الطوفي ص97.
2 ساقطة من مختصر البعلي.
3 في ع: فهي.
4 في ع: كالعام.
5 في مختصر الطوفي: فهو إذن.
6 مختصر الطوفي ص97.
وانظر: مختصر البعلي ص105، نهاية السول 2/70.(3/101)
وَاحِدٍ مِنْ أَقْسَامِهِ مِنْ جِنْسِهِ الْمُشْتَرَكِ وَمُمَيِّزهُ1 الْخَاصُّ، وَهُوَ الْفَصْلُ. وَلا مَعْنَى لِلْحَدِّ إلاَّ اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ.
وَعَلَى هَذَا فَقَدْ اسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا التَّقْسِيمِ مَعْرِفَةَ حُدُودِ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْحَقَائِقِ، وَهُوَ الْمُطْلَقُ وَالْعَلَمُ وَالنَّكِرَةُ وَاسْمُ الْعَدَدِ وَالْعَامُّ2.
فَالْمُطْلَقُ: هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ وَصْفٍ زَائِدٍ3.
وَالْعَلَمُ: هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى وَحْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ4.
وَاسْمُ الْعَدَدِ: هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى بَعْضِ وَحَدَاتِ مَاهِيَّةِ مَدْلُولِهِ5.
وَالْعَامُّ: مَا ذَكَرْنَا6.انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ "فَإِنْ دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ" أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ جَمِيعِ مَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ وَحْدَةٍ وَكَثْرَةٍ وَحُدُوثٍ وَقِدَمٍ، وَطُولٍ وَقِصَرٍ وَلَوْنٍ مِنْ الأَلْوَانِ.فَهَذَا الْمُطْلَقُ كَالإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ هُوَ إنْسَانٌ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى حَيَوَانٍ نَاطِقٍ لا عَلَى وَاحِدٍ وَلا عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرَ، وَإِنْ كَانَ لا يَنْفَكُّ عَنْ7 بَعْضِ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ وَافَقَهُ: إنَّهُ اللَّفْظُ الْمُسْتَغْرِقُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ8.
ـــــــ
1 في ش ز ع: ويميز.
2 ساقطة من ز ش.
3 انظر: نهاية السول 2/71، المحصول ? 1 ق2/520، شرح تنقيح الفصول ص39، إرشاد الفحول ص144.
4 انظر: نهاية السول 2/72.
5 انظر: نهاية السول 2/72، المحصول ? 1 ق2/522.
6 يرى الإسنوي أن هذا التقسيم ضعيف لوجوهٍ كثيرة. "فانظر: نهاية السول 2/72".
7 في ز: على.
8 هذا تعريف القاضي أبي الحسين البصري، وتابعه أبو الخطاب الحنبلي في ذلك، واختاره الرازي وزاد عليه "بحسب وضع واحد" ورجحه الشوكاني.
"انظر: المعتمد 1/203، مختصر ابن الحاجب 2/98، العدة 1/140، المحصول? 1 ق2/513، إرشاد الفحول ص112".(3/102)
وَقِيلَ: مَا عَمَّ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا1.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: مَا دَلَّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ مُطْلَقًا ضَرْبَةً2، أَيْ دَفْعَةً3.
وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ4.
"وَيَكُونُ" الْعَامُّ "مَجَازًا" عَلَى الأَصَحِّ، كَقَوْلِك: رَأَيْت الأُسُودَ عَلَى الْخُيُولِ، فَالْمَجَازُ هُنَا كَالْحَقِيقَةِ فِي أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَامًّا5.
وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: لا يَعُمُّ بِصِيغَتِهِ؛ لأَنَّهُ عَلَى خِلافِ الأَصْلِ، فَيَقْتَصِرُ بِهِ عَلَى الضَّرُورَةِ6.وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَجَازَ لَيْسَ خَاصًّا بِحَالِ الضَّرُورَةِ، بَلْ هُوَ عِنْدَ قَوْمٍ غَالِبٌ عَلَى اللُّغَاتِ7.
ـــــــ
1 وهذا تعريف القاضي أبي يعلى الفراء الحنبلي. "انظر: العدة 1/140".
2 مختصر ابن الحاجب 2/99.
3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/100، 101.
4 انظر في تعريف العام "العضد على ابن الحاجب 2/99، الحدود ص44، المعتمد 1/203، جمع الجوامع 1/398، نهاية السول 2/68، الكافية في الجدل ص50، الإحكام للآمدي 2/195، التوضيح على التنقيح 1/193، فواتح الرحموت 1/255، الإحكام لابن حزم 1/363، شرح تنقيح الفصول ص38، أصول السرخسي 1/125، فتح الغفار 1/84، منهاج العقول 2/66، الروضة 2/220، تيسير التحرير 1/190، المنخول ص138، المستصفى 2/32، اللمع ص15، المسودة ص574، العدة 1/140، مباحث الكتاب والسنة ص147، تفسير النصوص 2/9، إرشاد الفحول ص112، المحصول? 1 ق2/513".
5 انظر: جمع الجوامع 1/401.
6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/401.
7 تقدم بحث المجاز بإسهاب في "المجلد الأول ص135 – 199".(3/103)
وَاسْتَدَلَّ عَلَى مَجَازِهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاةٌ. إلاَّ أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلامَ" 1 فَإِنَّ الاسْتِثْنَاءَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ.فَدَلَّ عَلَى تَعْمِيمِ كَوْنِ الطَّوَافِ صَلاةَ2 مَجَازٍ.
"وَالْخَاصُّ" بِخِلافِ الْعَامِّ؛ لأَنَّهُ قَسِيمُهُ، وَهُوَ3 "مَا دَلَّ" عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ دَلالَةً "أَخَصُّ" مِنْ دَلالَةِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ4 "وَلَيْسَ" هُوَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ "بِعَامٍّ" إلاَّ 5بِالْمَحْدُودِ أَوَّلاً6.
"وَلا" شَيْءَ "أَعَمَّ مِنْ مُتَصَوِّرِ" اسْمِ مَفْعُولٍ، أَيْ لا أَعَمَّ مِنْ شَيْءٍ مُمْكِنٍ تُخَيَّلُ صُورَتُهُ فِي الذِّهْنِ.فَيَتَنَاوَلُ ذَلِكَ الْمَعْلُومَ وَالْمَجْهُولَ7 وَالْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ8
ـــــــ
1 الحديث بهذا اللفظ أخرجه مرفوعاً البيهقي والحاكم وابن حبان والدارمي عن ابن عباس والطبراني عن ابن عمر وأحمد عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه موقوفاً النسائي عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
"انظر: المستدرك 1/459، 2/267، سنن النسائي 5/176، سنن البيهقي 5/85، مسند أحمد 3/414، 4/64، 5/377، تخريج أحاديث أصول البردوي ص13، سنن الدارمي 2/44، فيض القدير 4/293، التلخيص الحبير 1/129".
وأخرجه أيضاً الترمذي والحاكم عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ "الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه، فلا يتكلمن إلا بخير" "تحفة الأحوذي 4/33، المستدرك 1/459، عرضة الأحوذي 4/182".
2 ساقطة من ز ش ع.
3 في ش ز: وهو.
4 انظر: في تعريف الخاص "الحدود للباجي ص44، المسودة ص571، مختصر البعلي ص105، المعتمد 1/251، الكافية في الجدل ص50، الإحكام للآمدي 2/196، أصول السرخسي 1/124، التوضيح على التنقيح 1/168، شرح الورقات ص106، المنخول ص162، كشف الأسرار 1/30، مختصر الطوفي ص108، إرشاد الفحول ص141".
5 في ش ز: إلا
6 انظر: الإحكام للآمدي 2/197.
7 ساقطة من ض.
8 هذا تقسيم العام والخاص بحسب المراتب علواً ونزولاً وتوسطاً، ويسمى القسم الأول العام المطلق، ويقال إنه ليس بموجود.
"انظر: نزهة الخاطر 2/121، المستصفى 2/32، الروضة 2/220، الإحكام للآمدي 2/197، مختصر الطوفي ص98".(3/104)
"وَ" لا شَيْءَ "أَخَصُّ مِنْ عَلَمِ الشَّخْصِ" كَزَيْدٍ وَهِنْدٍ، وَمِثْلُهُ الْحَاضِرُ وَالْمُشَارُ1 إلَيْهِ بِهَذَا وَنَحْوِهِ2.
"وَكَحَيَوَانٍ" أَيْ وَمِثْلِ لَفْظِ حَيَوَانٍ "عَامٌّ" نِسْبِيٌّ لأَنَّ الْحَيَوَانَ أَعَمُّ مِنْ الإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ وَالأَسَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ "خَاصٌّ نِسْبِيٌّ" لأَنَّ الْحَيَوَانَ أَخَصُّ مِنْ الْجِسْمِ لِشُمُولِهِ كُلَّ مُرَكَّبٍ، وَمِنْ النَّامِي لِشُمُولِهِ النَّبَاتَ، فَكُلُّ لَفْظٍ بِالنِّسْبَةِ3 إلَى مَا دُونَهُ عَامٌّ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فَوْقَهُ خَاصٌّ4.
"وَيُقَالُ لِلَّفْظِ عَامٌّ وَخَاصٌّ، وَلِلْمَعْنَى أَعَمُّ وَأَخَصُّ"5.
قَالَ الْكُورَانِيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ: هَذَا مُجَرَّدُ اصْطِلاحٍ لا يُدْرَكُ لَهُ وَجْهٌ سِوَى التَّمْيِيزُ بَيْنَ صِفَةِ6 اللَّفْظِ وَصِفَةِ7 الْمَعْنَى.
ـــــــ
1 في ش: والمشار.
2 ويسمى هذا القسم: خاصاً مطلقاً.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/197، البرهان 1/400، مختصر الطوفي ص98، مختصر البعلي ص105، الروضة 2/221، الإحكام لابن حزم 1/362".
3 في ش ز: لما.
4 ويسمى هذا القسم عاماً وخاصاً إضافياً.
"انظر: المعتمد 1/207، المستصفى 2/32، الإحكام للآمدي 2/197، البرهان 1/400، المنخول ص162، نزهة الخاطر 2/122، الروضة 2/221، مختصر الطوفي ص98، مختصر البعلي ص106".
5 انظر: جمع الجوامع 1/404.
6 في ص: صيغة.
7 في ض ب: صيغة.(3/105)
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ صِيغَةَ أَفْعَلَ1، تَدُلُّ2 عَلَى الزِّيَادَةِ وَالرُّجْحَانِ.وَالْمَعَانِي3 أَعَمُّ مِنْ الأَلْفَاظِ، فَخُصَّتْ بِصِيغَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فِيهَا عَامٌّ وَخَاصٌّ أَيْضًا4.ا هـ5.
"وَالْعُمُومُ" بِمَعْنَى "الشَّرِكَةِ فِي الْمَفْهُومِ" لا بِمَعْنَى الشَّرِكَةِ فِي اللَّفْظِ "مِنْ عَوَارِضِ الأَلْفَاظِ حَقِيقَةً" إجْمَاعًا6، بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ عَامٍّ يَصِحُّ شَرِكَةُ الْكَثِيرِينَ فِي مَعْنَاهُ، لا أَنَّهُ7 يُسَمَّى عَامًّا حَقِيقَةً، إذْ لَوْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ فِي مُجَرَّدِ الاسْمِ لا فِي مَفْهُومِهِ لَكَانَ مُشْتَرَكًا لا عَامًّا، وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الأَلْفَاظِ لِذَاتِهَا.
"وَكَذَا" -عَلَى خِلافٍ- يَكُونُ الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِ "الْمَعَانِي" حَقِيقَةً "فِي قَوْلِ" الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَابْنِ الْحَاجِبِ وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ.فَيَكُونُ الْعُمُومُ مَوْضُوعًا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا بِالتَّوَاطُؤِ8.
ـــــــ
1 ساقطة من ب.
2 في ض: يدل.
3 في ش ع: فالمعاني.
4 انظر: البناني والمحلي على جمع الجوامع 1/404.
5 ساقطة من ش ز.
6 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/101، جمع الجوامع 2/403، المستصفى 2/32، المسودة ص97، الإحكام للآمدي 2/198، نزهة الخاطر 2/118، نهاية السول 2/68، المعتمد 1/203، مختصر البعلي ص106، نزهة الخاطر 2/118، فتح الغفار 1/84، فواتح الرحموت 1/258، تيسير التحرير 1/194، مختصر الطوفي ص97، إرشاد الفحول ص113.
7 في ض: لأنه.
8 قال البعلي: "إنه الصحيح" "مختصر البعلي ص106"، ورجح هذا القول ابن نجيم الحنفي واختاره ابن عبد الشكور والكمال بن الهمام.
"انظر: فتح الغفار 1/84، فواتح الرحموت 1/258، المسودة ص97، الموافقات 3/166، الإحكام للآمدي 2/198، نهاية السول 2/68، جمع الجوامع 2/403ن مختصر ابن الحاجب 2/101، تيسير التحرير 1/194، إرشاد الفحول ص113".(3/106)
وَالْقَوْلُ الثَّانِي -وَهُوَ قَوْلُ الْمُوَفَّقِ وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ1 وَالأَكْثَرِ- إنَّهُ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي مَجَازًا لا حَقِيقَةً2.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْعُمُومَ لا يَكُونُ فِي الْمَعَانِي لا حَقِيقَةً وَلا مَجَازًا3.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الأَوَّلِ: أَنَّ حَقِيقَةَ الْعَامِّ لُغَةُ شُمُولِ أَمْرٍ لِمُتَعَدِّدٍ4، وَهُوَ فِي الْمَعَانِي: كَعَمَّ الْمَطَرُ وَالْخَصِبُ، وَفِي الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ لِشُمُولِهِ لِمَعَانِي الْجُزْئِيَّاتِ5.
وَاعْتُرِضَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَمْرٌ وَاحِدٌ شَامِلٌ. وَعُمُومُ الْمَطَرِ شُمُولُ مُتَعَدِّدٍ لِمُتَعَدِّدٍ؛ لأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الأَرْضِ يَخْتَصُّ بِجُزْءٍ مِنْ الْمَطَرِ6.
ـــــــ
1 في ش: الجويني.
2 نقل الآمدي هذا القول عن الأكثرين، ولم يرجح خلافه، وهو قول أكثر الحنفية وأبي الحسن البصري.
"انظر: المسودة ص90، 97، نزهة الخاطر 2/118، العضد على ابن الحاجب 2/101، الإحكام للآمدي 2/198، أصول السرخسي 1/125، فتح الغفار 1/84، فواتح الرحموت 1/258، تيسير التحرير 1/194، إرشاد الفحول ص113، المعتمد 1/203، نهاية السول 2/68".
3 قال عبد العلي محمد بن نظام الأنصاري: "وهذا مما لم يعلم قائله ممن يعتد بهم" "فواتح الرحموت 1/258".
"وانظر: مختصر الطوفي ص97، العضد على ابن الحاجب 2/101، نهاية السول 2/68، المستصفى 2/33، فتح الغفار 1/84، تيسير التحرير 1/194، إرشاد الفحول ص113".
4 في ض: متعدد.
5 انظر أدلة القول الأول: بان العموم من عوارض المعاني حقيقة في "الروضة2/220، نزهة الخاطر 2/118، المحلي على جمع الجوامع 1/403، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/101، نهاية السول 2/68، فتح الغفار 1/84، فواتح الرحموت 1/258، تيسير التحرير 1/19، إرشاد الفحول ص113".
6 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/101، نهاية السول 2/68، المعتمد 1/203، الإحكام للآمدي 2/198، أصول السرخسي 1/125، فواتح الرحموت 1/258، تيسير التحرير 1/195، إرشاد الفحول ص113.(3/107)