إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد:
فهذه نبذ من الكلام على مسائل الاعتقاد أرجو بها سلوك الأحبة سبيل الرشاد ومحذراً لهم من إتباع سبيل أهل التوفيق ومنه أستمد العون والفضل والتأييد : أهل السنة والجماعة هم أهل الحديث والأثر والطائفة المنصورة والفرقة الناجية والسلف لا يأخذون معتقدهم إلا من الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة والعقل عندهم وسيلة لفهم النقل، وهم الوسط بين فرق الأمة كوسطية الأمة بين الأمم ، يثبتون من الأسماء والصفات على وجه التفصيل من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل وينفون عنه صفات النقص على وجه الإجمال مع اعتقاد ثبوت كمال الضد، والأسماء والصفات عندهم توقيفية على الدليل الشرعي الصحيح الصريح ، وأنه لا يتعارض نص صحيح مع عقل صريح ومذهبهم هو الأسلم والأعلم والأحكم ، ويقولون أن القول في الصفات كالقول في بعض ، والقول في الصفات كالقول في الأسماء ويعلمون معاني الصفات وينزلونها على المعاني المتقررة عندهم في لسانهم العربي ويكلون علم كيفياتها إلى الله تعالى ، ويقولون : إن أسماء الله تعالى مترادفة من حيث الذات متباينة من حيث الصفات ومن شبه الله بخلقه كفر ومن جحد صفة من صفاته كفر ، وأن كل كمال في المخلوق لا نقص فيه فالله أحق أن يتصف به وكل نقصٍ لا كمال فيه فالله أحق أن ينزه عنه والصفات عندهم من حيث إثباتها ونفيها ثلاثة أقسام : صفات هي كمال بكل اعتبار فتثبت لله مطلقاً وصفات هي نقص بكل اعتبار فتنفى عن الله مطلقاً وصفات هي كمال باعتبار ونقص باعتبار فتثبت لله حال كمالها وتنفى عنه حال نقصها ، ويقبلون أخبار الآحاد مطلقاً في العقائد والشرائع إذا صح سندها للمعصوم(1/1)
- صلى الله عليه وسلم - ويقولون : أن الأشياء المضافة إلى الله تعالى إن كانت تقوم بذاتها فإضافة تشريف وتكريم أو خلق وإن كانت لا تقوم بذاتها فإضافة صفة إلى موصوف ، والصفات منها ما هو ذاتي ومنها ما هو فعلي ومنها ما هو خبري محض ومنها ما هو خبر وللعقل فيه مجال ، وما لم يرد في الكتاب والسنة نفيه ولا إثباته فإننا لا نثبت لفظه ولا نفيه ونستفصل في معناه فإن أريد الحق قبلناه وإن أريد الباطل رددناه والاتفاق في الأسماء لا يستلزم الاتفاق في الصفات والاشتراك في الاسم الكلي العام أو المطلق لا يستلزم الاتفاق بعد التقييد والتخصيص والإضافة ، ولله الأسماء الحسنى والصفات العليا فيثبتون له الوجه والحياة واليد والعين والاستواء والعلو بمعانيه الثلاثة والقرب ولا تنافي بينها والنزول في ثلث الليل الأخر والمجيء والإتيان يوم القيامة والرحمة والرضا والغضب والمقت والعجب إذا كان مقتضاه خروج الشيء عن حكم نظائره والنسيان إذا كان معناه الترك عن علم وعمد على ما جاء في الكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأمة ، ويقولون : إن الله يرى رؤية عيان بالأبصار حقيقة يوم القيامة فيرى في عرصات يوم القيامة رؤية تعريفية ويرى بعد دخول الجنة رؤية تنعم وتلذذ ويؤمنون بأن الله مع خلقه معية تليق بجلاله وعظمته وهي عامة وخاصة ، فالعامة مقتضاها العلم والإحاطة والهيمنة ، والخاصة مقتضاها الحفظ والنصر والتأييد ، وأن الله يتكلم بما يشاء متى شاء كيفما شاء بحرف وصوت يسمعه من يشاء سبحانه وتعالى ، ويقولون : إن القرآن كلام الله تعالى منزل غير مخلوق من الله بدأ وإليه يعود ، ولا يطلقون القول باللفظ نفياً ولا إثباتاً لأن الألفاظ المجملة موقوفة عندهم على التفصيل ومن قال بخلق القرآن كفر ومن أنكر منه شيئاً أو اعتقد زيادة فيه أو نقصاً خفي على الأمة كفر ، وأن الله أنزله ليتلى وليتدبر وليعمل به كما ثبتت بذلك النصوص وأن كلام الله تعالى يتفاضل باعتبار(1/2)
مدلوله ومعانيه لا باعتبار المتكلم به ، وأن التأويل إن أريد به حقيقة الشيء وما يؤول إليه أو التفسير مقبول مطلقاً وإن أريد به صرف اللفظ عن ظاهره إلى معانٍ أخرى فلا إلا إذا دل على هذا النقل الدليل المقتفي لذلك ويقولون إن أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف وأنه يجب الإيمان بها اسماً وصفة وأثراً إن كان لها أثر متعدي وأن الله يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن أن لو كان كيف يكون فلا يخفى عنه شي ، ويقسمون إرادة الله إلى قسمين : إرادة كونية خلقية وإرادة شرعية دينية أمرية فالكونية لازمة الوقوع ولا تستلزم المحبة ومراده لغيرها والأخرى تستلزم المحبة لا الوقوع ومراده لذاتها فالأولى بمعنى المشيئة والثانية بمعنى المحبة ، ويقولون : إن كل اللوازم العاطلة على إثبات الصفات إنما أختها شبه مختلة وآراء معتلة وجهل تعظيم قدر الله وقدرته وكمال صفاته وعظمته ومن إقحام العقل فيما ليس له فيه مجال ومن الاعتماد على القواعد المخالفة للمنقول والمناقضة للمعقول ، وأن الإلحاد في أسماء الله وآياته بجميع أنواعه حرام وقد يصل بصاحبه إلى الكفر وأن شرط قيام الحجة بلوغ الشرع ومطلق الفهم لا الفهم المطلق ، وأن الجهل الذي يعذر به صاحبه هو الذي يعجز عن رفعه وأن العلم الواجب هو الذي تتوقف عليه صحة العقيدة والعبادة وما زاد على ذلك ففرض كفاية في حق عموم الأمة وسنة في حق الأعيان والله أعلم .
( فصل )(1/3)
ويؤمنون بالله تعالى قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وأن كل شيء بقدر الله حتى العجز والكيس لا يخرج شيء عن كونه مقدراً ، وأن الله علم الأشياء قبل وقوعها وكتبها في اللوح المحفوظ وشاءها وخلقها ، وأنه لا يجوز الاحتجاج بالقدر إلا في المصائب لا المعائب ، ويعتقدون أن الإنسان مخير باعتبار دخول الفعل تحت قدرته واختياره ومسير باعتبار سبق الكتابة ، ويقولون نحن متعبدون بالنظر فيما أمرنا به ونهينا عنه لا بمطالعة ما كتب لنا لأنه من الغيب وأن كلاً ميسر لما خلق له ومؤمنون أن أفعال العباد خلق الله وكسب العباد وأن للعبد قدرة ومشيئة بها يختار بين الفعل والترك وله عقل يميز به بين النافع والضار ويعتقدون أن كل أفعاله جل وعلا فيها من الحكم والمصالح والغايات المحمودة مالا يحيط به على التفصيل إلا هو سبحانه وتعالى وأن الشر إنما ينسب للمقدور الذي هو فعل العبد لا للقدر الذي هو فعل الله فإن الشر ليس إليه ويتبرؤون من طريقة الجبرية والقدرية ، والله أعلم .
( فصل )(1/4)
ويؤمنون بالملائكة عليهم السلام على وجه العموم وبمن سمى الله منهم على وجه الخصوص وأن الله أوكل لهم أعمال فمنهم الموكل بالوحي ومنهم الموكل بحفظ العباد وأعمالهم ومنهم الموكل بالنفخ في الصور وبالمطر وغير ذلك ، وأنهم خلقوا من نور على صفات عظيمة ، وأنهم عدد كثير لا يحصيهم إلا خالقهم ويؤمنون بالكتب المنزلة على الرسل عموماً وبما سماه الله منها خصوصاً ويعملون بما فيها فيأتمرون بأمرها وينتهون عن نهيها ويصدقون بأخبارها وأن القرآن أفضلها وأجمعها وهو المهيمن عليها وأنه المحفوظ من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان ، ويؤمنون بالأنبياء والرسل عليهم السلام على وجه العموم وممن سمي على وجه الخصوص وأن الرسل أفضل من الأنبياء وأن أولوا العزم أفضل الرسل والخليلين أفضل أولي العزم ومحمد - صلى الله عليه وسلم - هو خاتمهم وأفضلهم ، وأن من كفر بواحد منهم فقد كفر بهم جميعاً ، وأن النبوة مبناها على الاصطفاء والاختيار ولا تكون بالكسب كما يقوله الفلاسفة الأغبياء ، ويؤمنون بكل ما صح به النقل من ما سيكون في اليوم الآخر على وجه العموم والتفصيل ويؤمنون بالقبر وسؤاله وعذابه ونعيمه وأنه دائم على الكافر ومنقطع على من معه أصل الإيمان وأنه على الروح أصلاً وقد يلحق بالبدن تبعاً ، ويؤمنون بالبعث وهو قيام الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلاً فتدنو منهم الشمس ويلجمهم العرق كل على قدر أعماله ، ويؤمنون بالحوض والميزان والصراط والجنة والنار وأنهما موجودتان لا تنفيان أبداً ولا تبيدان وأنه يبقى فيهما فضل بعد دخول أهلهما فيهما ، فأما الجنة فينشئ الله لها خلقاً وأما النار فيضع عليها الجبار رجله فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط ، ويؤمنون بتطاير صحف الأعمال فمنهم الآخر لها بيمينه والآخذ بشماله أو من وراء ظهره كما صحت بذلك الأخبار التي هي عند الأمة أوضح من شمس النهار ولا ينكرها إلا الفاجر الكافر ، والله أعلم .
( فصل )(1/5)
ويعتقدون أن الإيمان اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان وأن فاعل الكبيرة لا يسلب مطلق الإيمان ولا يعطى الإيمان المطلق بل هو مؤمن بما بقي معه من الإيمان وفاسق بما معه من العصيان وأن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا ويقولون : إن الاستثناء في الإيمان إن كان يقصد به الشك في وجود أصله فحرام وإن كان يقصد به الشك في كماله فحسن مأمور به لأن عدمه تزكية للنفس وقد نهينا عنها ، وأن دخول الجنة ابتدائي للمؤمنين الخلص ولمن غفر الله له وانتقالي لمن دخل منهم في النار لأنه لا يخلد أحد في النار من أهل القبلة ممن معه أصل الإسلام ، ويعتقدون أن كل فعل نفى الله الإيمان عن فاعله لحرمته وكل فعل نفى الله الإيمان عن تاركه فلوجوبه ، وأنه لا يحكم لمعين بجنة ولا نار إلا من شهد له النص بذلك ، ويرجون للمحسن الثواب ويخافون على المسيء العقاب وأن العبادة مبناها على الحب والخوف والرجاء ، والله أعلم .
( فصل )
ويؤمنون بما صحت به الأخبار وتواتر به النقل من أمر الشفاعة يوم القيامة كالشفاعة العظمى وفي أهل الجنة ليدخلوها وفي أبي طالب للتخفيف عنه وهذه خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وفي أهل الكبائر لئلا يدخلوا النار أو ليخرجوا منها بعد دخولها وفي رفعة الدرجات في الجنة وفي أهل الأعراف وهذه الأربع للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين ولعامة المؤمنين وأن شرطها الإذن والرضى ، ويقولون : الأصل في إثبات الشفاعة التوقيف فما يظنه المشركون في معبوداتهم من أمر الشفاعة كله ضلال وباطل ، والله أعلم .
( فصل )(1/6)
وأن الأصل في العبادات التوقيف على الدليل ، وأن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للنص الصحيح الصريح ، وأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، وان من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ، وأن خير الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن أبغض الناس إلى الله تعالى ثلاثة ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ومطلب دم امرئ بغير حق ليهرق دمه ، وأن كل الأمة يدخلون الجنة إلا من أبى والإباء يكون بترك طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ويعتقدون أن زيارة القبور شرعية وبدعية فالشرعية ما كان قصد الزائر فيها التذكر والدعاء للأموات وما عدا ذلك فبدعة ، والله أعلم .
( فصل )(1/7)
ويعتقدون أن حق الله على عباده أن يعبدون ولا يشركوا به شيئاً ، وأن معنى لا إله إلا الله لا معبود بحق إلا الله تعالى وأن أركانها النفي والإثبات وإن شروطها ثمانية : العلم المنافي للجهل والإخلاص المنافي للشرك واليقين المنافي للريب والمحبة المنفية للرد والانقياد المنافي لترك العمل والكفر بالطاغوت المنافي للإيمان به والطاغوت هو كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ، ويقولون : إن العمل لا يكون مقبولاً إلا بالإخلاص والمتابعة ، وأن الجامع لنواقضها عشر : الشرك الأكبر ، والسحر ، واتخاذ الوسائط ليدعوهم من دون الله في تفريج الكربات وإغاثة اللهفات ، والاستهزاء بشيء مما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعدم تكفير المشركين أو الشك في كفرهم ، وموالاة الكفار ومحبتهم ومعاونتهم على المؤمنين ، والإعراض عن الشريعة فلا يتعلمها ولا يعمل بها ، واعتقاد أن أحداً في وسعه الخروج عن هذه الشريعة ، واعتقاد أن العبادة كلها حق صرف محض لله تعالى لا تصرف لا لملك مقر ولا نبي مرسل ولا لولي صالح فضلاً عن صرف شيء منها لشجر أو حجر أو قبر ونحوها ، فالدعاء والذبح والخوف والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والنذر والحلف والرجاء والتوكل والمحبة وسائر العبادة لا تصرف إلا لله وإن صرفها لغيره شرك أكبر على تفصيل في بعضها ، ويعتقدون أن التوحيد الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب هو توحيد الألوهية وأما توحيد الربوبية فإنه يذكر استدلالاً به عليه لا لتقريره إذ هو متقرر في الفطرة ولا يعرف عن أحد أنه أنكره باطناً وإن أنكره بعض الخلق ظاهراً وأن الإقرار به وحده لا يكفي للحكم بالإسلام وأنه مستلزم لتوحيد الألوهية وهذا يتضمن توحيد الربوبية وأن أصل دين الأنبياء واحد وشرائعهم مختلفة ، ويقولون إن نسبة الحوادث إلى النوء لا تخلوا إن كانت نسبة إحداث وإيجاد فهو الشرك الأكبر وإن كانت نسبة سبب فهو الشرك الأصغر وإن كانت نسبة(1/8)
توقيت فلا بأس وأن التمائم كلها محرمة وشرك وأما الرقية فلا بأس بها إن كانت بالقرآن وصحيح الأدعية وباللسان العربي وأن يعتقد القارئ والمقروء عليه أنها سبب وأن الشافي هو الله وحده ، والقاعدة عندهم أن كل من اتخذ سبباً لم يدل عليه شرع ولا قدر فشرك أصغر وإن اعتقده الفاعل بذاته فأكبر والضابط عندهم في التوسل أن مبناه على التوقيف والحظر إلا ما قام الدليل على جواز التوسل به كأسماء الله وصفاته وبدعاء الحي الحاضر القادر وبالأعمال الصالحة وبذكر الحال وأن التبرك بالذوات والأعيان لا يجوز إلا بذات النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما التبرك بالأعمال فيجوز منه ما ثبت الدليل به لأن الأصل أن التبرك مبناه على التوقيف على الدليل ، ويقولون إن التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أقسام : أما التوسل بطلب الدعاء منه فجائز في حياته فقط ، وأما التوسل بطاعته ومتابعة شرعه فإلى يوم القيامة ، وأما التوسل بجاهه فلا يجوز مطلقا ، والله أعلم .
( فصل )(1/9)
ويحبون أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويتولونهم بلا إفراط ولا تفريط وأنهم عدول وثقات وأثبات وأنهم خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم ، ويحفظون ألسنتهم عن الخوض فيما شجر بينهم ، ويتعقدون أنهم في ذلك مجتهدون فالمصيب له أجران والمخطئ له أجر واحد ، وأن غالب المرويات في ذلك كذب موضوع أو ضعيف لا يثبت مثله والصحيح منه هم فيه معذورون ، ويؤمنون بما صحت به الأخبار من فضائلهم ومراتبهم على وجه العموم والخصوص ، وأن المهاجرين أفضل من الأنصار والخلفاء الأربعة أفضل المهاجرين وأن أبا بكر أفضلهم ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمين ، ويؤمنون بأن الله تعالى رضي عنهم ورضوا عنه ، وأن كل من ورد عليه الثناء الجميل فالقرآن فإنه سيموت على ذلك ، وأن لهم من الفضائل والمحاسن المشهورة ما يكون سبباً في مغفرة ما قد يقع من الواحد منهم إن صح ذلك عنه ، وهم أحق الأمة بالشفاعة ومغفرة الزلل ، ولا نقول إلا كما أمرنا به " ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم " ، وأن الخلافة بعد موته - صلى الله عليه وسلم - للصديق ثم لعمر ثم لعثمان ثم لعلي رضي الله عنهم ، وأن من سبهم أو وقع في أعراضهم بالثلب والتفسيق والتكفير فهو الحقيق بما قال ، ويحبون آل البيت بلا إفراط ولا تفريط ، ويتولون أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعتقدون أنهم أمهات المؤمنين في المنزلة والتقدير والتحريم والإعظام لا في المحرمية ، وبأنهن أزواجه في الجنة ، كل ذلك يعتقدونه بلا شك ولا ريب بل يقين راسخ أعظم من رسوخ الجبال الرواسي ، والله أعلم .
( فصل )(1/10)
والقاعدة عندهم أنه ليس كل من وقع في الكفر كفر ولا في البدعة بدع ولا في الفسق ولا في المعصية آثم بل لا يتعدى حكم الفعل إلى فاعله إلا بثبوت الشروط المعروفة وانتفاء الموانع ، وأن الحكم العام لا يستلزم انطباقه على أفراده الانطباق القطعي ، وأن الأصل هو إحسان الظن بالمسلمين ، وأنه يجب كف اللسان عن الحرام ويسن كفه عن المكروه وفضول المباح ، وأن من الإنصاف أن يغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه ، ويقبلون الحق ممن جاء به لذات الحق بغض النظر عن قائله ويردون الباطل ممن جاء به لذات الباطل بغض النظر عن قائله ، وأن النقد إن كان بإخلاص وعلم وعدل وإنصاف وكان المقصود النصيحة لا الفضيحة وسلم صاحبه من الشهوة الخفية فإنه جائز ، وأنه لا يقرن مع الله غيره في أمور العبادة والمشيئة ويجوز ذلك في أمور الطاعة والمحبة ونحوها ، ويطيعون ولاة الأمر في غير معصية الله ، ولا ينزعون يداً من طاعة ويرون إقامة الجمع والجماعات خلف الأئمة أبراراً كانوا أو فجاراً ويجاهدون معهم ولا يخرجون عليهم إلا إذا رأوا كفراً بواحاً عندهم فيه من الله برهان وغلب على ظنهم النصر ، ويدينون بالنصيحة لله ولكتابه ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم ، ولا يكفرون أحداً إلا من ثبت كفره بالنص ، ولا يلعنون المعين إلا بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع ، ويؤمنون بأشراط الساعة التي صح بها الدليل كنزول عيسى بن مريم عليه السلام فيكسر الصليب ويضع الجزية ويقتل الخنزير ولا يقل إلا الإسلام ، وطلوع الشمس من مغربها ، وخروج دابة الأرض من موضعها ، ويأجوج ومأجوج ، وخروج النار التي تحشر الناس إلى أرض المحشر ، وبثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ، ويؤمنون بالمهدي وبما صح من اسمه ووصفه ، وبالدجال لعنه الله ، وبتخريب الكعبة على يد ذي السويقتين ، وبالدخان ، ويرفع القرآن من الأرض ومن المصاحف والصدور نسأل تعالى أن يمتنا قبل ذلك على الإيمان ، فهذه(1/11)
جملة أصولهم وعقائدهم أسأل الله بمنه وكرمه أن يثبتني وإياك عليها وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يوفقنا وإخواننا لكل خير وأن يحشرنا في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا والله أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه الفقير إلى عفو ربه وليد بن راشد بن سعيدان
...
...(1/12)