دلالة الألفاظ على الأحكام
الدكتور
إسماعيل محمد علي عبد الرحمن
أستاذ أصول الفقه المساعد بجامعة الأزهر
والأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود بالرياض
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شرح صدورنا لطلب العلم والتفقه في الدين وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله عز وجل بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا صلاة الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداهم إلى يوم الدين .... وبعد ،
فإن من أهم غايات علم أصول الفقه معرفة قواعد استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة هذه الأدلة جميعها ترجع إلى مصدرين الكتاب والسنة إما بطريق مباشر أو غير مباشر ولغتهما هي العربية ولذا كانت اللغة العربية واحدة من ثلاثة يستمد منها علم أصول الفقه فلا يتأتى للفقيه استنباط الأحكام إلا بعد الوقوف على ألفاظ اللغة العربية وكيفية دلالتها على الأحكام وما فيها من المباحث اللغوية التي كان لها عظيم الأثر في استخراج الأحكام الشرعية ومن ثم نالت رعاية وعناية واهتماما من الأصوليين تليق بمكانتها (1) .
وسأحاول بإذن الله تعالى أن أؤكد هذه الغاية عند الأصوليين بجمع دلالات الألفاظ على الأحكام في بحثي هذا الذي سميته ( دلالة الألفاظ على الأحكام ) .
وقد قسمته إلى هذه المقدمة وستة مطالب وخاتمة على النحو التالي :
المطلب الأول : تعريف الدّلالة وأقسامها .
المطلب الثاني : دلالة الألفاظ على الأحكام عند الحنفيّة .
المطلب الثالث : دلالة الألفاظ على الأحكام عند غَيْر الحنفيّة .
المطلب الرابع : مقارنة دلالة الألفاظ على الأحكام عند الحنفيّة وغَيْرهم .
المطلب الخامس : تعريف المنطوق وأقسامه .
__________
(1) - يراجع : بذل النظر 13 وقواطع الأدلة 1/34 والمحصول 1/55 والبحر المحيط 2/ 5 وعلم أصول الفقه لخلاف /147 .(1/1)
المطلب السادس : تعريف المفهوم وأقسامه .
والله تعالى أسأل السداد والتوفيق إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله على سيدنا مُحَمَّد وعلى آله وصَحْبه وسَلَّم .
المطلب الأول
تعريف الدّلالة وأقسامها
والحديث في هذا المطلب يمكن تقسيمه على النحو التالي :
1- تعريف الدّلالة لغةً .
2- تعريف الدّلالة اصطلاحاً .
3- أقسام الدّلالة .
4- أقسام الدّلالة الوضعيّة عند الحنفيّة .
5- تعريف الدّلالة اللَّفظيّة الوضعيّة وأقسامها .
6- مذاهب الأصوليّين في لفظيّة دلالة التَّضَمُّن والالتزام .
ونُفَصِّل القول في كُلّ واحد منها فيما يلي ..
أوّلاً - تعريف الدّلالة لغةً :
والدّلالة : مَصْدَر " دَلّ يَدُلّ دلالةً " ؛ يقال " دَلّه على الطريق يَدُلّه دِلالةً ودَلالةً ودلولةً " والفتح أعلى : أيْ أَرْشَدَه .
وقِيل : " الدِّلالة " بالكسر : اسم لِعَمَل الدَّلاّل ، أو ما يُجْعَل لِلدّليل أو الدَّلاّل مِن الأجرة .
والمراد هُنَا : الدَّلالة بالفتح ، ومعناها : الإرشاد, وقِيل : ما يقتضيه اللفظ عند إطلاقه .
ويُسَمَّى الدليل " دلالةً " على طريق المَجاز ؛ لأنَّهم يُسَمّون الفاعل باسم المَصْدَر (1) .
ثانياً - تعريف الدّلالة اصطلاحاً :
عَرَّف الأصوليّون الدّلالةَ بأنَّها : كَوْن الشيء يَلْزَم مِن فَهْمِه فَهْم شيء آخَر ، أو كَوْن الشيء بحيث يَلْزَم مِن العِلْم به العِلْم بِغَيْره (2) .
وهذا التعريف لا يخرج عن تعريف المناطقة ، وهو : فَهْم أمْر مِن أمْر أو كَوْن أمْر بحيث يُفْهَم منه أمْر آخَر ، فُهِم بالفعل أو لَمْ يُفْهَمْ .
__________
(1) - يُرَاجَع : لسان العرب 13/264 والمصباح المنير 1/199 والكُلِّيّات /439 والعدّة 1/132 ، 133 والمعجم الوسيط 1/294
(2) - يُرَاجَع : الإبهاج 1/204 وشَرْح المنهاج 1/178 وحقائق الوصول 1/409 والتحرير مع التيسير 1/79 والتقرير والتحبير 1/99(1/2)
ولا بُدّ لِلدّلالة عندهم مِن تَحَقُّق عنْصريْن : أحدهما : الدّالّ ، والثّاني : المدلول ..
نَحْو : الطَّرْق على الباب ؛ فإنَّه دالّ على وجود شَخْص ( مدلول ) ، وهذه الصِّفَة التي حَصَلَتْ لِلطَّرْق تُسَمَّى " دلالة " (1) .
ثالثاً - أقسام الدّلالة :
قَسَّم المناطقة والأصوليّين الدّلالةَ إلى قِسْمَيْن :
القِسْم الأول : دلالة لفظيّة .
القِسْم الثاني : دلالة غَيْر لفظيّة .
وقَسَّموا كُلَّ قِسْم منهما إلى أقسام ثلاثة :
القِسْم الأول : دلالة عقليّة .
القِسْم الثاني : دلالة طبيعيّة .
القِسْم الثالث : دلالة وضعيّة .
ومِمَّا تَقَدَّم تصبح أقسام الدّلالة سِتّةً :
القِسْم الأول : دلالة لفظيّة عقليّة .
مثاله : دلالة صَوْت المتكلِّم على حياته .
القِسْم الثاني : دلالة لفظيّة طبيعيّة .
مثاله : دلالة " أح " ـ بالضَّم والفتح ـ على وجع الصدر وهو السعال .
القِسْم الثالث : دلالة لفظيّة وضعيّة .
مثاله : دلالة الإنسان على الحيوان الناطق .
وهذه الدّلالة هي محلّ اهتمام الأصوليّين وعنايتهم لاستخراج الأحكام على ضوئها .
القِسْم الرابع : دلالة غَيْر لفظيّة عقليّة .
مثاله : دلالة تَغَيُّر العالَم على حدوثه .
القِسْم الخامس : دلالة غَيْر لفظيّة طبيعيّة .
مثاله : دلالة الدخان على النار ، ودلالة الحُمْرَة على الخجل .
القِسْم السادس : دلالة غَيْر لفظيّة وضعيّة .
مثاله : دلالة دلوك الشمس على وجوب الصلاة ، ودلالة الإشارة بالرأس إلى أسفل على مَعْنَى " نَعَمْ " (2) .
رابعاً - أقسام الدلالة الوضعيّة عند الحنفيّة :
__________
(1) - يُرَاجَع : مدخل إلى عِلْم المنطق /41 ، 42 والمنطق الواضح /11
(2) - يُرَاجَع : الإحكام لِلآمدي 1/36 ومناهج العقول 1/239 ، 240 وحاشية الجرجاني على المختصر 1/121 وتيسير التحرير 1/79 ، 80 وإيضاح المُبْهَم /6 ومدخل إلى عِلْم المنطق /43 45 والمنطق الواضح /17(1/3)
قَسَّم الحنفيّة الدّلالةَ الوضعيّةَ قِسْمَيْن: لفظيّة وغَيْر لفظيّة ، ويُسَمّونها " بيان الضرورة ".
وقَسَّموا غَيْر اللَّفظيّة إلى أربعة أقسام كُلّها دلالة سكوت مُلْحَق باللَّفظيّة :
القِسْم الأول : ما يَلْزَم منطوقاً .
نَحْو : قوله تعالى { وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُث } (1) ؛ فإنَّه دالّ بسكوته عن ذِكْر نصيب الأب أنّ له الباقي .
القِسْم الثاني : دلالة حال الساكت الذي وظيفته البيان .
كسكوته - صلى الله عليه وسلم - عند أمْر يشاهده مِن قول أو فِعْل ؛ فإنَّه يَدُلّ على الجواز .
القِسْم الثالث : اعتباره لِدَفْع التقرير .
نَحْو : دلالة سكوت المَوْلَى عند رؤية عَبْدِه يبيع عن النهي على الإذن .
القِسْم الرابع : الثابت ضرورةَ الطُّول فيما تُعُورِف .
كـ" مائة ودرهم أو ودينار أو وقفيز " ؛ فالسكوت عن مُمَيِّز هذه عرفاً يَدُلّ على أنَّه مِن جِنْس ما عُطِف عليها ، بخلاف " مائة وعَبْد " أو " مائة وثَوْب " .
أمَّا الدّلالة اللَّفظيّة : فقَدْ قَسَّموها أربعة أقسام : عِبَارَة ، وإشارة ، ودلالة ، واقتضاء (2) .
وسيأتي تفصيل القول ـ بإذن الله تعالى ـ في أقسام الدّلالة اللّفظيّة .
أمَّا الدّلالة الوضعيّة غَيْر اللَّفظيّة : فإنّ الأقسام فيها تُنَاظِر اختلاف غَيْر الحنفيّة في لفظيّة دلالة التَّضْمِين والالتزام ، غَيْرَ أنَّها عندهم مستنِدة إلى اللفظ ..
أمَّا عند الحنفيّة : فقَدْ تَستند إلى اللفظ كَمَا في الأول والرابع ، وقَدْ لا تَستند إليه كَمَا في الثاني والثالث .
خامساً - تعريف الدّلالة اللَّفظيّة الوضعيّة وأقسامها :
عَرَّف الأصوليّون الدّلالةَ اللّفظيّةَ بأنَّها : كَوْن اللفظ بحيث إذا أُرْسِل فُهِم
__________
(1) - سورة النساء مِنَ الآية 11
(2) - يُرَاجَع تيسير التحرير 1/83 - 86(1/4)
المَعْنَى لِلعِلْم بوضعه له (1) .
وقِيل : هي فَهْم المَعْنَى مِن اللفظ إذا أُطْلِق بالنسبة إلى العالِم بالوضع (2) .
وقريب مِن هذه التعريفات تعريف المناطقة (3) .
أقسام الدّلالة اللَّفظيّة الوضعيّة :
قَسَّم الأصوليّون والمناطقة الدّلالةَ اللَّفظيّةَ الوضعيّةَ إلى أقسام ثلاثة :
القِسْم الأول : دلالة مطابقيّة .
وهي : دلالة اللفظ على تمام مُسَمّاه .
نَحْو : دلالة البيت على جميع مجموع الحائط والأساس والسقف .
القِسْم الثاني : دلالة تَضَمُّنِيّة .
وهي : دلالة اللفظ على جزء مَعْنَاه .
نَحْو : دلالة البيت على السقف وَحْدَه أو الحائط .
القِسْم الثالث : دلالة التزاميّة .
وهي : دلالة اللفظ على جزء معناه .
نَحْو : دلالة السقف على الحائط ، ودلالة الأسد على الشجاعة .
وسُمِّيَتِ " التزاميّةً " لأنّ المفهوم خارج عن اللفظ لازم له (4) .
ووَجْه تقسيم الدّلالة اللَّفظيّة الوضعيّة إلى هذه الأقسام الثلاثة : ما ذَكَره
__________
(1) - يُرَاجَع : شَرْح المنهاج 1/179 والإبهاج 1/204 ، 205 ونهاية السول 1/240 والتحرير مع التيسير 1/80 والتعريفات /116
(2) - شَرْح طلعة الشمس 1/254
(3) - يُرَاجَع إيضاح المُبْهَم /6
(4) - يُرَاجَع : المستصفى /25 والمحصول 1/76 والإحكام لِلآمدي 1/3 ، 37 وروضة الناظر 2/94 ، 95 وشَرْح تنقيح الفصول /23 ، 24 وشَرْح المنهاج 1/179 والإبهاج 1/204 وتيسير التحرير 1/80 ، 81 وشَرْح طلعة الشمس 1/254 وحقائق الوصول 1/411 ونهاية السول 1/179 وإيضاح المُبْهَم /6 ، 7 ومدخل إلى عِلْم المنطق /43 – 45(1/5)
الفخر الرازي (1) ـ رحمه الله تعالى ـ في قوله :" اللفظ إمَّا أنْ تُعْتَبَر دلالته بالنسبة إلى تمام مُسَمّاه أو بالنسبة إلى ما يَكون داخلاً في المُسَمَّى مِن حيث هو كذلك ، أو بالنسبة إلى ما يَكون خارجاً عن المُسَمَّى مِن حيث هو كذلك : فالأول هو المطابقة ، والثاني التَّضَمُّن ، والثالث الالتزام " (2) ا.هـ .
سادساً - مذاهب الأصوليّين في لفظيّة دلالة التَّضَمُّن والالتزام :
لقَدِ اختلَف الأصوليّون غَيْر الحنفيّة في دلالة التَّضَمُّن والالتزام : هل هي لفظيّة أم عقليّة ؟
وقَدْ حَصَرْتُ لهم في ذلك ثلاثة مذاهب :
المذهب الأول : أنّ دلالتهما لفظيّة كدلالة المطابقة .
__________
(1) - فَخْر الدِّين الرّازي : هو أبو عبد الله مُحَمَّد بن عُمَر بن الحسين بن الحَسَن بن علِيّ التيمي البكري الطبرستاني الرازي الشافعي رحمه الله تعالى ، وُلِد بالرّيّ سَنَة 544 هـ مِن مصنَّفاته : المحصول ، مفاتيح الغيب ( التفسير الكبير ) ، معالم أصول الدِّين . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بهراة سَنَة 606 هـ . البداية والنهاية 13/55 والفتح المبين 2/50.
(2) - المحصول 1/76(1/6)
وهو اختيار ابن قدامة (1) والبيضاوي (2) والأصفهاني (3) والسالمي (4) رحمهم الله تعالى (5) .
المذهب الثاني : أنّ دلالتهما عقليّة .
__________
(1) - ابن قدامة : هو أبو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمَد بن مُحَمَّد بن قدامة بن مقدام بن نصْر بن عبد الله المقدسي الدمشقي الحنبلي رحمه الله تعالى ، وُلِد بجماعيل سَنَة 541 هـ .. مِن مصنَّفاته : المغني في الفقه ، الروضة في أصول الفقه . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بدمشق سَنَة 620 هـ .البداية والنهاية 13/134 والفتح المبين 2/54
(2) - القاضي البيضاوي : هو أبو الخير عبد الله بن عُمَر بن مُحَمَّد بن علِيّ البيضاوي الشافعي رحمه الله تعالى ، وُلِد بالمدينة البيضاء بفارس قُرْب شيراز ، وإليها نُسِب .. مِن مؤلَّفاته : منهاج الوصول إلى عِلْم الأصول ، الإيضاح في أصول الدين . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بتبريز سَنَة 685 هـ . البداية والنهاية 13/309 والفتح المبين 2/91
(3) - شمْس الدين الأصفهاني : هو أبو الثناء محمود بن أبي القاسم عبد الرحمن بن أَحْمَد بن مُحَمَّد ابن أبي بَكْر بن علِيّ الأصفهاني الشافعي الأصولي رحمه الله تعالى ، وُلِد بأصفهان سَنَة 674 هـ .. مِن مصنَّفاته : بيان المختصَر ، تشييد القواعد ، مَطالع الأنظار شرْح طوالع الأنظار . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بالقاهرة سَنَة 749 هـ . الدرر الكامنة 4/327 والفتح المبين 2/165
(4) - السالمي : هو أبو مُحَمَّد عبد الله بن حميد بن سالوم السالمي رحمه الله تعالى ، فقيه أصوليّ .. مِن مصنَّفاته : طلعة الشمس ، وشرْحها ، وأنوار العقول . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بعُمَان سَنَة 1332 هـ . الفتح المبين 3/166
(5) - يُرَاجَع : روضة الناظر 1/94 ، 95 والمنهاج مع شَرْحه 1/178 - 180 وشَرْح طلعة الشمس 1/254 والتقرير والتحبير 1/139(1/7)
وهو اختيار الفخر الرازي ، وتَبِعه ابن السبكي (1) رحمهما الله (2) .
المذهب الثالث : أنّ دلالة الالتزام عقليّة .
__________
(1) - تاج الدِّين السُّبكي : هو أبو نصْر عبد الوهاب بن علِيّ بن عبد الكافي بن علِيّ بن تمّام بن يوسف ابن موسى السبكي الشافعي رحمه الله ، الملقَّب بـ" قاضي القضاة " ، وُلِد بالقاهرة سَنَة 727 هـ .. مِن مصنَّفاته : شرْح مختصر ابن الحاجب ، الإبهاج ، جَمْع الجوامع في أصول الفقه . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بدمشق سَنَة 771 هـ . الفتح المبين 2/192
(2) - يُرَاجَع : المحصول 1/76 والإبهاج 1/204(1/8)
وهو اختيار ابن الحاجب (1) والآمدي (2) ، وظاهِر كلام الغزالي (3) رحمهم الله تعالى (4)
والراجح عندي : ما عليه أصحاب المذهب الثالث القائل بأنّ دلالة الالتزام عقليّة .
__________
(1) - ابن الحاجب : هو جمال الدين أبو عمرو عثمان بن عُمَر بن أبي بَكْر بن يونس المالكي رحمه الله تعالى ، وُلِد في إسنا سَنَة 570 هـ .. مِن تصانيفه : المقصد الجليل في عِلْم الخليل ، الإيضاح ، مختصر منتهى السول والأمل . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بالإسكندرية سَنَة 646 هـ . سِيَر أعلام النبلاء 13/287 والفتح المبين 2/67 ، 68
(2) - سَيْف الدِّين الآمدي : هو أبو الحَسَن علِيّ بن أبي علِيّ مُحَمَّد بن سالم التغلبي الأصولي رحمه الله تعالى ، وُلِد بآمد سَنَة 551 هـ ، نشأ حنبليّاً ، وتَمَذهَب بمذهب الشّافعيّة .. مِن مصنَّفاته : الإحكام في أصول الأحكام ، منتهى السول في الأصول ، لباب الألباب . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بدمشق سَنَة 631 هـ . البداية والنهاية 13/140 وطبقات الشّافعيّة الكبرى 5/129 والفتح المبين 2/58
(3) - الغزالي : هو زيْن الدين أبو حامد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الغزالي الشافعي رحمه الله تعالى ، حُجّة الإسلام ، فقيه أصوليّ صوفيّ حكيم متكلِّم ، وُلِد بالطابران بخراسان سَنَة 450 هـ . مِن مصنَّفاته : إحياء علوم الدين ، المستصفى ، الوجيز . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 505 هـ .الأعلام 7/247 وطبقات الشّافعيّة 1/249 - 264
(4) - يُرَاجَع : المستصفى /25 ومختصر المنتهى مع شَرْح العضد وحاشية السعد والجرجاني 1/120 121 والإحكام لِلآمدي 1/36 ، 37(1/9)
وأَعْجَبَنِي تعليل التفتازاني (1) ـ رحمه الله تعالى ـ لِجَعْل دلالة الالتزام
عقليّةً في قوله :" وتُسَمَّى المطابقة والتَّضَمُّن " لفظيّةً " لأنّهما ليستا بتوسط
الانتقال مِن مَعْنىً ، بلْ مِن نَفْس اللفظ ، بخِلاَف الالتزام ، فلِهذا حُكِم بأنّهما واحد بالذات ؛ إذ ليس ها هُنَا إلا فَهْم وانتقال واحد يُسَمَّى باعتبار الإضافة إلى مجموع الجزأيْن " مطابقةً " ، وإلى أحدهما " تَضَمُّناً " ، وليس في التَّضَمُّن انتقال مِن مَعْنَى الكُلّ تمّ منه إلى الجزء ، كَمَا في الالتزام يَنتقل مِن اللفظ إلى الملزوم ومنه إلى لازِمِه فيَتَحَقَّق فهمان " (2) ا.هـ .
المطلب الثاني
دلالة الألفاظ على الأحكام عند الحنفيّة
قَسَّم الحنفيّةُ اللفظَ باعتبار دلالته على الحُكْم إلى أربعة أقسام : عِبَارة النَّصّ ، وإشارته ، ودلالته ، واقتضائه .
ووَجْه الحصر فيها : أنّ الحُكْم المستفاد مِن اللفظ إمَّا أنْ يَكون ثابتاً بنَفْس اللفظ أولا..
والأول إنْ كان اللفظ مَسُوقاً له فهو العبارة ، وإلا فهو الإشارة .
والثاني إنْ كان الحُكْم مفهوماً منه لغةً فهي الدّلالة ، أو شرعاً فهو الاقتضاء (3) .
وفيما يلي نُفَصِّل القول في كُلّ قِسْم منها ..
القِسْم الأول : عبارة النَّصّ .
__________
(1) - التفتازاني : هو سعْد الدين مسعود بن عُمَر بن عبد الله التفتازاني رحمه الله تعالى ، العلاّمة الشافعي ، وُلِد بتفتازان سَنَة 712 هـ .. مِن تصانيفه : التلويح في كشْف حقائق التنقيح ، شرْح الأربعين النووية في الحديث . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بسمرقند سَنَة 791 هـ . الدرر الكامنة 1/545 والفتح المبين 2/216
(2) - حاشية السعد على شَرْح العضد 1/120
(3) - يُرَاجَع التلويح 1/242(1/10)
عَرَّفَها الشاشي (1) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنّها : ما سِيق الكلام لأجْله وأُرِيد به قَصْداً (2) .
وعَرَّفَها السرخسي (3) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : ما كان السياق لأجْلِه ويُعْلَم قَبْل التأمل أنّ ظاهِر النَّصّ متناوِل له (4) .
وعَرَّفَها البزدوي (5) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : العمل بظاهر ما سيق الكلام له (6)
__________
(1) - الشاشي : هو أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الخراساني الشاشي الحنفي رحمه الله تعالى ، أصوليّ فقيه ، وُلِد بشاش سَنَة 244 هـ . مِنْ مصنَّفاته : أصول الشاشي . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بمصر سَنَة 325 هـ . الفتح المبين 1/188
(2) - أصول الشاشي /99
(3) - السرخسي : هو شمْس الأئمّة أبو بَكْر مُحَمَّد بن أَحْمَد بن أبي سهْل الحنفي رحمه الله تعالى . مِن مصنَّفاته : المبسوط في الفقه ، أصول السرخسي . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 483 هـ . الفوائد البهيّة /158 والجواهر المضيئة 2/28.
(4) - أصول السرخسي 1/236
(5) - فَخْر الإسلام البزدوي : هو علِيّ بن مُحَمَّد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى ابن مجاهد الحنفي رحمه الله تعالى ، وُلِد سَنَة 400 هـ .. مِن مصنَّفاته : كنْز الوصول إلى معرفة الأصول ، غناء الفقهاء ، شرْح الجامع الصغير والكبير . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 482 هـ . معجم البلدان لِياقوت 2/54 ومفتاح السعادة /12
(6) - أصول البزدوي مع كشف الأسرار 1/171(1/11)
وعَرَّفَها النسفي (1) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : العمل بظاهر ما سيق الكلام له وأريد به قصداً ويُعْلَم قَبْل التأمل أنّ ظاهر النَّصّ متناوِل له (2) .
والأَوْلَى عندي : تعريف الشاشي رحمه الله تعالى .
مثاله : قوله تعالى { فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَثَ وَرُبَع } (3) ..
وَجْه الدّلالة : أنّ هذا النَّصّ أفاد بعبارته ولَفْظه إباحة النكاح والقَصْر على زوجاتٍ أربع ، فَهُمَا مقصودان مِن اللفظ ، إلا أنّ المَعْنَى الثاني هو المقصود أصالةً ؛ لأنّ الآية إنَّمَا سيقتْ عندما تَحَرَّج الأوصياء مِن قبول الوصاية خشيةَ الوقوع في الظُّلْم والجَوْر في أموال اليتامى ، وقَدْ يَحُول هذا الخوف دُون الإكثار مِن الزوجات فإباحة الزوجات مقصود تَبَعاً ، والمقصود أصالةً قَصْر عَدَد الزوجات على أربع أو واحدة ، ولِذا كانت عبارة النَّصّ دالّةً على قَصْر عَدَد الزوجات على أربع (4) .
ومثاله أيضاً : قوله تعالى { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرّبَوا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرّبَوا } (5) ..
__________
(1) - النسفي : هو أبو البركات عبد الله بن أَحْمَد بن محمود النسفي رحمه الله تعالى ، الملقَّب بـ" حافظ الدين " ، الفقيه الحنفي الأصولي .. مِن مصنَّفاته : تفسير النسفي ، منار الأنوار. تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 710 هـ ببلدته أيذج ، وبها دُفِن . الفتح المبين 2/112
(2) - كشف الأسرار 1/374
(3) - سورة النساء مِن الآية 3
(4) - يُرَاجَع : كشف الأسرار للبخاري 1/172 والتحرير مع التيسير 1/87 وحاشية نسمات الأسحار /144 وعِلْم أصول الفقه لِخلاّف /145 وأصول الفقه لِبري /250 والوجيز /355
(5) - سورة البقرة مِنَ الآية 275(1/12)
وَجْه الدّلالة : أنّ هذا النَّصّ أفاد بعبارته ولَفْظه حِلّ البيع وحرمة الربا وعدم المماثَلة بَيْنهما ، فَهُمَا مقصودان مِن اللفظ ، إلا أنّ الآية إنَّمَا سيقَتْ لأجْل نَفْي المماثَلة بَيْن البيع والربا ، ورَدّاً على المُشْرِكين الذين ادَّعَوْا مماثَلَتَهُمَا ..
وهذا المَعْنَى هو المقصود أصالةً مِن سياق النَّصّ ، والمَعْنَى الثاني ـ وهو حِلّ البيع وحرمة الربا ـ مقصود تَبَعاً ؛ لأنّه كان يُمْكِن الاكتفاء بنَفْي المماثَلة دون تَعَرُّض لِحِلّ الربا ، ولِذا كان هذا المَعْنَى مقصوداً مِن سياق النَّصّ تَبَعاً لِيَدُلّ على حرمة الربا ، ولِيُتَوَصَّل به إلى إفادة المَعْنَى المقصود أصالةً مِن النَّصّ وهو نَفْي المماثَلة ، وهذا هو الذي دَلَّتْ عليه عبارة النَّصّ (1) .
القِسْم الثاني : دلالة الإشارة .
عَرَّفَها البزدوي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : العمل بما ثبت بنظمه لغةً لكنّه غَيْر مقصود ولا سيق له النَّصّ وليس بظاهر مِن كُلّ وجْه (2) .
وعَرَّفَها الشاشي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : ما ثبت بنَظْم النَّصّ مِن غَيْر زيادة ، وهو غَيْر ظاهِر مِن كُلّ وَجْه ولا سيق الكلام لأجْله (3) .
__________
(1) - يُرَاجَع : التلويح مع التوضيح 1/244 والتحرير مع التيسير 1/87 وعِلْم أصول الفقه لِخلاّف /144 وأصول الفقه لِبرّي /249 ، 250 والوجيز /255
(2) - أصول البزدوي مع كشف الأسرار 1/174 ، 175
(3) - أصول الشاشي /99 - 101(1/13)
وعَرَّفَها السمرقندي (1) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : ما عُرِف بنَفْس الكلام بنَوْع تأمُّل مِن غَيْر أنْ يزاد عليه شيء أو ينقص عنه ، لكنْ لم يَكُنِ الكلام سيق له ولا هو المراد بالإنزال حتّى يُسَمَّى " نَصّاً " (2) .
وعَرَفَّهَا أمير بادشاه (3) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : دلالة اللفظ على ما لم يُقْصَدْ به أصلاً ، لا أصالةً ولا تَبَعاً (4) .
والأَوْلى عندي : تعريف البزدوي رحمه الله تعالى .
مثاله : قوله تعالى { وَحَمْلُهُ وَفِصَلُهُ ثَلَثُونَ شَهْرا } (5) ..
وَجْه الدّلالة : أنّ هذا النَّصّ أفاد بعبارته ظهور المِنّة لِلوالدة على الولد لأنّ سياقه يَدُلّ على ذلك ، كَمَا أفاد ـ أيضاً ـ حَصْر مُدّة الحَمْل والرضاع في ثلاثين شَهْراً ..
لكنّه دَلّ بالإشارة على أنّ أَدْنَى مُدّة الحَمْل سِتّة أَشْهُر ؛ لأنَّه قَدْ ثبت تحديد مُدّة الرضاع في آية أخرى بحَوْلَيْن كامليْن في قوله عَزّ وجَلّ { وَالْوَلِدَتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَة } (6) وقوله تعالى { وَفِصَلُهُ فِى عَامَيْن } (7) .
__________
(1) - السمرقندي : هو علاء الدين أبو منصور مُحَمَّد بن أَحْمَد بن أبي أَحْمَد السمرقندي الحنفي رحمه الله تعالى ..مِن مصنَّفاته : اللباب ، تحفة الفقهاء ، الميزان . تُوُفِّي رحمه الله تعالى ببخارى سَنَة 539 هـ معجم المؤلِّفين 8/228
(2) - ميزان العقول /397
(3) - أمير بادشاه : هو السَّيِّد الشَّريف مُحَمَّد أمين بن محمود الحسيني ، مُفَسِّر أصوليّ فقيه ، وُلِد بخراسان رحمه الله تعالى ، واستوطَن مكّة . مِن مصنَّفاته : تيسير التحرير ، تعريب فَصْل الخطاب في التصوف . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بمكّة سَنَة 987 هـ . أصول الفقه .. تاريخه ورجاله /474
(4) - تيسير التحرير 1/87
(5) - سورة الأحقاف مِنَ الآية 15
(6) - سورة البقرة مِنَ الآية 233
(7) - سورة لقمان مِنَ الآية 14(1/14)
وإذا كانت مُدّة الرضاعة بِلا حَمْل عاميْن ( أربعةً وعشرين شهراً ) وحَمْله
ورضاعه مجموعان ثلاثون شهراً فإنّ هذا الأخير فيه إشارة إلى أنّ أَقَلّ مُدّة الحَمْل ستّة أشهُر .
وقَدْ فَهِم ابن عباس (1) ـ رضي الله عنهما ـ ذلك ، وحَكَم بإشارة هذا النَّصّ أنّ أَقَلّ مُدَّة الحَمْل سِتّة أشهُر ، فَقَبِل الصحابة - رضي الله عنهم - منه ذلك واسْتَحْسَنوه (2) .
ومثاله أيضاً : قوله تعالى { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف } (3) ..
وَجْه الدّلالة : أنّ هذا النَّصّ أفاد بعبارته وجوب نفقة الزوجات المرضعات إذا كُنّ مطلَّقات على الوالد ( الزوج المطلّق ) ..
وأفاد بالإشارة :
1- أنّ الولد يُنْسَب إلى أبيه ؛ لأنّه أضافه إليه بِحَرْف اللام في قوله تعالى { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَه ... } .
2- أنّ لِلأب ولاية تَمَلُّك مال ولده ؛ لأنَّه نُسِب إليه بلام المِلْك .
3- أنّ الأب لا يشاركه في النفقة على ولده غَيْرُه .
4- أنّ استئجار الأمّ على الإرضاع حالَ قيام النكاح بَيْن الزوجيْن لا يجوز (4) .
القِسْم الثالث : دلالة اللفظ .
__________
(1) - ابن عباس : هو حَبْر الأُمَّة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عمّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ، دعا له النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال { اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيل } .. تُوُفِّي - رضي الله عنه - بالطّائف سَنَة 68 هـ . الإصابة 2/330 وشذرات الذهب 1/75
(2) - يُرَاجَع : أصول السرخسي 1/237 وأصول البزدوي مع كشف الأسرار 1/179 - 183 والوجيز /358
(3) - سورة البقرة مِنَ الآية 233
(4) - يُرَاجَع : أصول السرخسي 1/237 وأصول البزدوي مع كشف الأسرار 1/178 - 180 والتنقيح مع التوضيح 1/243 ، 244 وإفاضة الأنوار مع حاشية نسمات الأسحار /145 ، 146(1/15)
عَرَّفَها الشاشي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : ما عُلِم عِلَّةً لِلحُكْم المنصوص عليه لغةً ، لا اجتهاداً ولا استنباطاً (1) .
وعَرَّفَها صَدْر الشريعة (2) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : دلالة اللفظ على الحُكْم في شيء يوجَد فيه مَعْنىً يَفْهَم كُلُّ مَن يَعرف اللُّغَةَ أنّ الحُكْم في المنطوق لأجْل ذلك المَعْنَى (3) .
وعَرَّفَها النسفي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : ما ثبت بِمَعْنَى النَّصّ لغةً لا اجتهاداً (4) .
وعَرَّفَها ابن الهمام (5) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّهَا : دلالة اللفظ على ثبوت حُكْم منطوق لِمسكوت لِفَهْم مناطه بمُجَرَّد اللغة (6) .
وهذا التعريف هو الأَوْلى عندي بالقبول .
ودلالة اللفظ تُسَمَّى عند الحنفيّة " فَحْوَى الخِطَاب " و" لَحْن الخِطَاب " و" مفهوم الموافَقة " ؛ لأنّ مدلول اللفظ في حُكْم المسكوت عنه مُوافِق لِمدلوله في حُكْم المنطوق إثباتاً ونَفْياً (7) .
__________
(1) - أصول الشاشي /104
(2) - صدْر الشريعة الأصغر : هو عبد الله بن مسعود بن تاج الشريعة رحمه الله تعالى ، الإمام الحنفيّ الفقيه الأصولي الجدلي .. مِن تصانيفه : كتاب الوقاية ، التوضيح والتنقيح , تُوُفِّي رحمه الله تعالى في شرع آباد ببخارى سَنَة 747 هـ .الفتح المبين 2/161 والفوائد البهيّة /109
(3) - التوضيح 1/245
(4) - كَشْف الأسرار لِلنسفي 1/383
(5) - ابن الهمام : هو مُحَمَّد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود الحنفي رحمه الله تعالى ، فقيه أصوليّ متكلِّم نحويّ ، وُلِد سَنَة 790 هـ .. مِن مصنَّفاته : التحرير ، فتْح القدير ، زاد الفقير في الفقه . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 861 هـ ودُفِن بجوار ابن عطاء الله السكندري . الفتح المبين 3/39
(6) - التحرير مع التيسير 1/90
(7) - يُرَاجَع : التنقيح 1/246 وحاشية نسمات الأسحار /146 والتلويح 1/250(1/16)
مثاله : قوله تعالى { فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفّ } (1) ..
وَجْه الدّلالة : أنّ هذا النَّصّ أفادت عبارته تحريم التأفيف في حقّ الوالديْن ، والتأفيف له صورة معلومة ومَعْنىً لأجْله ثبتَت الحرمة وهي الأذى ..
وهذا المَعْنَى المعلوم لغةً يَجعل الحرمةَ ثابتةً في كُلّ ما يحقِّق الأذى قولاً كان أم فعلاً : كالضرب ونَحْوه ، بلْ هو في الضرب أَوْلَى ، ولِذا فإنّ هذا النَّصّ دَلّ على حرمة ضَرْب الوالديْن ، كَمَا أفاد بعبارته حرمة التأفيف في حَقِّهِمَا (2) .
ومثاله أيضاً : ما رُوِي أنّ أعرابيّاً جاء إلى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال :" هَلَكْتُ وَأَهْلَكْت " فقال النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - { مَاذَا فَعَلْت }فقال:" وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَان " فقال - صلى الله عليه وسلم - { أَعْتِقْ رَقَبَة } (3) .
وَجْه الدّلالة : أنّ عِبَارة النَّصّ أفادت وجوب الكفّارة على الزوج ..
وأفاد النَّصّ دلالةً على وجوبها على الزوجة ؛ لأنّ المَعْنَى الذي يُفْهَم مُوجِباً لِلكَفّارة هو الجناية على الصوم ، وهي مشتركة بَيْنهما .
__________
(1) - سورة الإسراء مِنَ الآية 23
(2) - يُرَاجَع : أصول السرخسي 1/241 ، 242 وأصول البزدوي مع كَشْف الأسرار 1/185 والتنقيح 1/246 وتيسير التحرير 1/90 وعمدة الحواشي /106
(3) - أَخْرَجه أَحْمَد في باقي مُسْنَد المُكثِرين برقم ( 7453 ) والدارمي في كتاب الصوم : باب في الذي يقع على امرأته في شَهْر رمضان نهارا برقم ( 1654 ) ، كلاهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .(1/17)
كَمَا أفاد ـ أيضاً ـ وجوب الكفّارة في الأكل والشُّرْب بدلالة النَّصّ ؛ لأنّ المَعْنَى الذي يُفْهَم في الوقاع مُوجِباً لِلكفّارة هو كَوْنُه جنايةً على الصَّوْم ؛ فإنَّه الإمساك عن المُفْطِرَات الثّلاث ، بَلْ هو أَوْلَى ؛ لأنّ الصَّبْر عَنْهُمَا أَشَدّ والداعية إليهما أَكْثَر ، فبالحَرِيّ أنْ يَثْبُت الزَّجْر فيهما (1) .
هذا رأي الحنفية والثوري وجماعة وذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد رضي الله عنهما والظاهرية ونسب أيضا إلى الجمهور أن الكفارة في الجماع فقط وهو الراجح عندي (2) .
القِسْم الرابع : مُقْتَضَى النَّصّ .
عَرَّفه الشاشي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّه : زيادة على النَّصّ لا يَتَحَقَّق مَعْنَى النَّصّ إلا به (3) .
وعَرَّفه ابن عَبْد الشَّكُور (4) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّه : دلالة المنطوق
على ما يتوقَّف صِحَّتُه عليه عقلاً أو شرعاً (5) .
وعَرَّفه السرخسي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّه : زيادة على المنصوص عليه يُشْتَرَط تقديمه لِيَصِير المنظوم مفيداً أو مُوجِباً لِلحُكْم (6) .
__________
(1) - يُرَاجَع : التوضيح 1/249 ، 250 وأصول الشاشي /105 وأصول السرخسي 1/42 وإفاضة الأنوار /147 وعمدة الحواشي /107
(2) - يراجع بدائع الصنائع 2/1024 , 1025 والاختيار 1 / 131 وبداية المجتهد 1/ 302 والمجموع 6 / 374 ومغني المحتاج 1 / 442 , 443 والمغني لابن قدامة 3/ 102 وشرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 586 ونيل الأوطار 4/294 , والحاوي الكبير 3/ 424 والفروع 3/ 321 .
(3) - أصول الشاشي /109
(4) - ابن عبد الشكور : هو محِبّ الله بن عبد الشكور البهاري الهندي الحنفي رحمه الله تعالى ، فقيه أصوليّ .. مِن مصنَّفاته : مُسَلَّم الثبوت ، سُلَّم العلوم في المنطق . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 1119 هـ . الفتح المبين 3/122
(5) - فواتح الرحموت 1/411
(6) - أصول السرخسي 1/248(1/18)
وعَرَّفه البخاري (1) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّه : ما ثبت زيادةً على النَّصّ
لِتصحيحه شرعاً (2) .
والأَوْلى عندي : تعريف ابن عَبْد الشَّكُور رحمه الله تعالى .
أقسام مُقْتَضَى النَّصّ :
قَسَّم الأصوليّون ـ ومعهم عامّة الحنفيّة ـ المُقْتَضَى إلى أقسام ثلاثة (3) :
الأول : ما أُضْمِر ضرورةَ صِدْق المُتَكَلِّم .
مثاله : قوله - صلى الله عليه وسلم - { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوَا عَلَيْه } (4) ..
وَجْه الدّلالة : أنّ عبارة النَّصّ أفادت أو دَلَّتْ على رَفْع الخطأ والنسيان وما اسْتُكْرِهُوا عليه عن أُمَّة مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - ، وكَيْف تُرْفَع هذه الأمور بَعْد وقوعها ؟ وهو أمْر مُسْتَبْعَد ولا يُصَدَّق ؛ لأنّ الخطأ والنسيان يقعان بكثرة .
ولِذَا كان لا بُدّ لِصِدْق الكلام مِن تقدير مَعْنىً يقتضيه صِدْقُه ، وهو : رَفْع حُكْم الخطأ أو إثمه (5) .
الثاني : ما أُضْمِر لِصِحَّة الكلام عقلاً .
مثاله : قوله تعالى { وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِى كُنَّا فِيهَا } (6) ..
__________
(1) - علاء الدِّين البخاري : هو عبد العزيز بن أَحْمَد بن مُحَمَّد البخاري رحمه الله تعالى ، الفقيه الحنفي الأصولي .. مِن مصنَّفاته : كشف الأسرار ، غاية التحقيق . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 730 هـ . الفوائد البهيّة /94 والجواهر المضيئة 1/317
(2) - كَشْف الأسرار لِلبخاري 1/189
(3) - يُرَاجَع : كَشْف الأسرار لِلبخاري 1/191 ، 192 وشَرْح إفاضة الأنوار /149
(4) - أَخرَجه ابن ماجة عن أبي ذرّ - رضي الله عنه - في كتاب الطلاق : باب طلاق المُكْرَه والناسي برقم ( 2033 ) وعن ابن عباس رضي الله عنهما برقم ( 2035 ) .
(5) - يُرَاجَع : كَشْف الأسرار لِلبخاري 1/192 وتيسير التحرير 1/91 وأصول الفقه لأبي زهرة /133 وأصول الفقه لِبري /253
(6) - سورة يوسف مِنَ الآية 82(1/19)
وَجْه الدّلالة : أنّ عبارة النَّصّ أفادت سؤال القرية ، والقرية جماد لا يُسأل ، ولا يقوله عاقِل ..
ولِذَا كان لا بُدّ مِن إضمار مَعْنىً يُصْبِح النَّصّ به مقبولاً ، وهو : ( واسأل
أهْلَ القرية ) ، وهذا نَوْع مِن بلاغة القرآن الكريم (1) .
الثالث : ما أُضْمِر لِصِحَّة الكلام شرعاً .
مثاله : قوله :" أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بألْف " ..
هذا اللفظ يَدُلّ بعبارته على طلب مِن الغَيْر بإعتاق عَبْدِه ، فإذا أَعْتَقَه وَقَع العتق على الآخَر ( الطالب ) وعليه الألْف ؛ لأنّ الأمر بالإعتاق عنه يَقْتَضِي تمليك العَيْن منه بالبيع لِيَتَحَقَّق الإعتاق عنه ، وهذا المُقْتَضَى يثبت مُتَقَدِّماً ويَكون بمنزلة الشَّرْط (2) .
المطلب الثالث
دلالة الألفاظ على الأحكام عند غَيْر الحنفيّة
يُمْكِن الوقوف على دلالة اللفظ على الحُكْم عند غَيْر الحنفيّة مِن خلال استعراض أقوال بَعْض الأصوليّين في هذا المقام ..
وأَذْكُر منهم ما يلي :
الأول : إمام الحرميْن (3) رحمه الله تعالى ..
في قوله :" ما يستفاد مِن اللفظ نَوْعان :
أحدهما : مُتَلَقَّى مِن المنطوق به المُصَرَّح بذِكْره .
والثاني : ما يستفاد مِن اللفظ وهو مسكوت عنه لا ذِكْر له على قضيّة التصريح (4) ا .هـ.
__________
(1) - يُرَاجَع : أصول السرخسي 1/251 والتوضيح 1/258
(2) - يُرَاجَع : أصول السرخسي 1/251 والتوضيح 1/257 وكَشْف الأسرار لِلبخاري 1/192 وشَرْح إفاضة الأنوار /149 ، 150 وتيسير التحرير 1/91
(3) - إمام الحَرَمَيْن : هو ضياء الدين أبو المعالي عبد المَلِك بن عبد الله بن يوسف بن مُحَمَّد الجويني الشافعي رحمه الله تعالى .. مِن مصنَّفاته : البرهان في أصول الفقه ، الأساليب في الخلافيّات ، التحفة ، التلخيص . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 478 هـ . طبقات الفقهاء الشّافعيّة 2/799 والبداية والنهاية 12/128 والفتح المبين 1/273 - 275
(4) - البرهان 1/447(1/20)
الثاني : الغزالي رحمه الله تعالى ..
في قوله :" واللفظ إمَّا أنْ يَدُلّ على الحُكْم بصيغته ومنظومه ، أو بفحواه ومفهومه ، أو بمعناه ومعقوله ، وهو الاقتباس الذي يُسَمَّى " قياساً " فهذه ثلاثة فنون : المنظوم ، والمفهوم ، والمعقول " (1) ا.هـ .
الثالث : الفخر الرازي رحمه الله تعالى ..
في قوله :" الخِطَاب إمَّا أنْ يَدُلّ على الحُكْم بلفظه أو بمعناه ، أولا يَكون
كذلك ولكنّه بحيث لو ضُمّ إليه شيء آخَر لَصار المجموع دليلاً على الحُكْم " (2) ا.هـ .
الرابع : الباجي (3) رحمه الله تعالى ..
في قوله :" الأدلّة على ثلاثة أَضْرُب : أصْل ، ومعقول أصْل ، واستصحاب حال ..
فأمَّا الأصل : فهو الكتاب والسُّنَّة والإجماع .
وأمَّا معقول الأصل : فعَلَى أربعة أقسام : لَحْن الخِطَاب ، وفَحْوَى الخِطَاب ، والحَصْر ، ومَعْنَى الخِطَاب .
وأمَّا استصحاب الحال : فهو استصحاب حال العقل إذا ثَبَت ذلك " (4) ا.هـ .
الخامس : الآمدي رحمه الله تعالى ..
في قوله :" فيما يَشترك فيه الكِتَاب والسُّنَّة والإجماع ، وكُلّ واحد مِن هذه الأصول الثلاثة إمَّا أنْ يَدُلّ على المطلوب بمنظومه أو لا منظومه " (5) ا.هـ .
__________
(1) - المستصفى /180
(2) - المحصول 1/178
(3) - الباجي : هو أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي الأندلسي المالكي الباجي رحمه الله تعالى ، وُلِد سَنَة 403 هـ .. مِن مصنَّفاته : إحكام الفصول في أحكام الأصول ، كتاب الحدود ، تبيين المنهاج ، الإشارة ، المنتقى . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 474 هـ . النجوم الزاهرة 5/144 وشجرة النور الزكية /120
(4) - إحكام الفصول /507
(5) - الإحكام 2/146(1/21)
السادس : ابن عقيل (1) رحمه الله تعالى ..
في قوله :" الكِتَاب ودلالته سِتَّة أقسام : ثلاثة مِن طريق النطق ، وثلاثة مِن جهة المعقول مِن اللفظ ..
فالتي مِن جهة النطق : نَصّ ، وظاهِر ، وعموم .
والمعقول : فَحْوَى الخِطَاب ، ودليله ، ومَعْنَى الخِطَاب " (2) . ا.هـ .
السابع : ابن الحاجب رحمه الله تعالى ..
في قوله :" الدّلالة منطوق ، وهو : ما دَلّ عليه اللفظ في محلّ النطق ، والمفهوم بخلافه ؛ أيْ لا في محلّ النطق " (3) ا.هـ .
الثامن : الطوفي (4) رحمه الله تعالى ..
في قوله :" اعلم أنّ الدليل الشرعي إمَّا منقول وإمَّا معقول أو ثابت بالمنقول والمعقول ..
فالمنقول : الكتاب والسُّنَّة ، ودلالتهما إمَّا مِن منطوق اللفظ أو مِن غَيْر منطوق اللفظ ..
__________
(1) - ابن عقيل : هو أبو الوفا علِيّ بن عقيل بن مُحَمَّد بن عقيل بن أَحْمَد البغدادي الظفري الحنبلي رحمه الله تعالى مِن مصنَّفاته : الفنون ، كفاية المفتي ، الواضح في أصول الفقه ، عمدة الأدلّة . تُوُفِّي رحمه الله تعالى ببغداد سَنَة 513 هـ . الفتح المبين 2/12 والبداية والنهاية 12/184..
(2) - الواضح 1/33
(3) - مختصر المنتهى مع شَرْح العضد 2/171
(4) - الطوفي : هو نَجْم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعيد الطوفي الصرصري البغدادي الحنبلي الأصولي رحمه الله تعالى ، وُلِد سَنَة 673 هـ .. مِن مصنَّفاته : مختصر روضة الموفّق ، بغية السائل في أمّهات المسائل . تُوُفِّي رحمه الله تعالى ببلدة الخليل سَنَة 716 هـ . الدرر الكامنة 2/154 والفتح المبين 2/124(1/22)
فالأول يُسَمَّى " منطوقاً " : كفَهْم وجوب الزكاة في السائمة في قوله - صلى الله عليه وسلم - { فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاة } (1) .
والثاني يُسَمَّى " فَحْوَى " و" مفهوماً " : كفَهْم عدم وجوب الزكاة في المعلوفة مِن الحديث.
والمعقول : القياس ؛ لأنَّه يُسْتَفَاد بواسطة النظر العقلي .
والثابت بالمنقول والمعقول وليس واحداً منهما : هو الإجماع " (2) ا.هـ .
التاسع : الزركشي (3) رحمه الله تعالى ..
في قوله :" اعلم أنّ الألفاظ ظروف حاملة لِلمَعاني ، والمَعاني المستفادة منها تارةً تستفاد مِن جهة النطق والتصريح ، وتارةً مِن جهة التعريض والتلويح ..
والأول يَنقسم إلى : نَصّ إنْ لم يَحْتَمِلْ ، وظاهِر إنِ احْتَمَل .
والثاني هو المفهوم " (4) ا.هـ .
تعقيب وترجيح :
بَعْد الوقوف على أقوال كثير مِن الأصوليّين ( غَيْر الحنفيّة ) في دلالة اللفظ على الحُكْم ـ والتي ذَكَرْتُ بَعْضاً منها فيما تَقَدَّم ـ يَتَّضِح لنا ما يلي:
1- أنّ الكثرة منهم قَسَّموا دلالة اللفظ على الحُكْم إلى قِسْمَيْن :
القِسْم الأول : ما يَدُلّ على الحُكْم بلفظه وصيغته ومنظومه ، وهو المُسَمَّى بـ" المنطوق " .
__________
(1) - هذا جزء مِن حديث أَخْرَجه البخاري في كتاب الزكاة : باب زكاة الغَنَم برقم ( 1362 ) والنسائي في كتاب الزكاة : باب زكاة الإبل برقم ( 2404 ) وأَحْمَد في مُسْنَد العشرة المُبَشَّرين بالجَنَّة ، كُلّهم عن أبي بَكْر الصِّدِّيق - رضي الله عنه - .
(2) - شَرْح مختصر الروضة 2/704 بتصرف .
(3) - الزركشي : هو بدْر الدين أبو عبد الله مُحَمَّد بن بهادر بن عبد الله التركي المصري الزركشي الشافعي رحمه الله تعالى ، وُلِد بمصر سَنَة 745 هـ .. مِن مصنَّفاته : البحر المحيط ، تشنيف المسامع . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بمصر سَنَة 794 هـ . الفتح المبين 2/218
(4) - البحر المحيط 4/5(1/23)
القِسْم الثاني : ما يَدُلّ على الحُكْم لا بلفظه وإنَّمَا بفحواه ومفهومه ، وهو المُسَمَّى بـ" المفهوم " .
وهو اختيار إمام الحرميْن وابن عقيل وابن الحاجب والبيضاوي والزركشي والطوفي وابن السبكي والفتوحي (1) والشوكاني (2) رحمهم الله تعالى (3) .
2- أنّ مِن الأصوليّين مَن جَعَل محلّ هذه المسألة هو دلالة اللفظ أو الخِطَاب ـ على الحُكْم ـ مُطْلَقاً : كإمام الحرميْن والغزالي والفخر الرازي والزركشي رحمهم الله تعالى (4) ..
__________
(1) - الفتوحي : هو تقيّ الدين أبو البقاء مُحَمَّد بن شهاب الدين بن أَحْمَد بن عبد العزيز بن علِيّ الفتوحي المصري الحنبلي ، الشهير بـ" ابن النجار " رحمه الله تعالى ، وُلِد بمصر سَنَة 898 هـ .. مِن مصنَّفاته : منتهى الإرادات ، الكوكب المنير المسمَّى بـ" مختصر التحرير " . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بمصر سَنَة 979 هـ , شذرات الذهب 8/39 والأعلام 6/233 ومقدمة شرْح الكوكب المنير 1/5 ، 6
(2) - الشوكاني : هو مُحَمَّد بن عَلِيّ بن مُحَمَّد بن عبد الله الشوكاني الصنعاني اليماني رحمه الله تعالى مجتهِد فقيه مُحَدِّث أصوليّ قارئ مقرئ ، وُلِد بصنعاء سَنَة 1172 هـ ، تَفَقَّه على مذهب الإمام زيْد - رضي الله عنه - ثُمّ اسْتَقَلّ ولم يُقَلِّد وحارَب التقليد .. مِن مصنَّفاته : إرشاد الفحول ، نَيْل الأوطار ، تحفة الذاكرين . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بصنعاء سَنَة 1250 هـ . الأعلام 3/953 والفتح المبين 3/144 ، 145
(3) - يُرَاجَع : البرهان 1/447 والواضح 1/33 ومختصر المنتهى 2/171 ومنهاج الوصول مع شَرْح المنهاج 1/282 والبحر المحيط 4/5 وشَرْح مختصر الروضة 2/704 والإبهاج 1/365 وشَرْح الكوكب المنير 3/473 وإرشاد الفحول /178
(4) - يُرَاجَع : البرهان 1/447 والمستصفى /180 والمحصول 1/178 ومنهاج الوصول مع شَرْح المنهاج 1/282(1/24)
ومنهم مَن حَصَر دلالة اللفظ في الأصول الثلاثة ( الكِتَاب والسُّنَّة والإجماع ) : كالباجي والآمدي رحمهما الله تعالى (1) .
ومنهم مَن حَصَرَها في الكِتَاب والسُّنَّة : كالطوفي رحمه الله تعالى (2) .
ومنهم مَن أَفْرَد دلالة الكِتَاب عن دلالة السُّنَّة على الأحكام : كابن عقيل رحمه الله تعالى (3) .
وهو اختلاف في المَبْنَى لا المَعْنَى ؛ لأنّ الكثرة التي عَبَّرَتْ بدلالة الألفاظ أو الخِطَاب إنَّمَا قَصَدوا الخِطَابَ الشرعي المنقول إلينا في الكِتَاب أو السُّنَّة ؛ لأنَّهُمَا الأصلان اللذان جاء الشرع بهما لفظاً ونَصّاً ، وعليهما ومنهما تُسْتَقَى وترجع جميع الأحكام .
3- أنّ القياس اعتبَرَه البَعْض مَعْنَى الخِطَاب ، ولِذَا أَدْخَلَه في أقسام الدّلالة اللَّفظيّة ، ومنهم : الغزالي والباجي وابن عقيل رحمهم الله تعالى (4) ..
ومنهم مَن لَمْ يَعُدّه ضِمْن أقسام دلالة اللفظ : كالآمدي والفخر الرازي والبيضاوي رحمهم الله تعالى (5) .
4- أنّ حُجَّة الإسلام الغزالي ـ رحمه الله تعالى ـ قَسَّم دلالة اللفظ على الحُكْم إلى أقسام ثلاثة :
القِسْم الأول : أنْ يَدُلّ على الحُكْم بلفظه وصِيغته ومنظومه .
القِسْم الثاني : أنْ يَدُلّ عليه بفحواه ومفهومه .
القِسْم الثالث : أنْ يَدُلّ عليه بمَعْنَاه ومعقوله ( القياس ) .
وأَرَى : أنّ القِسْمَيْن الأخيريْن يَتَّفِقَان في أنّ دلالتهما على الحُكْم ليست مَبْنِيَّةً على اللفظ ، لكنّهما يَختلفان في أنّ المفهوم لَيْس مُرْتَبِطاً بواقعة أو حادثة خارِج المنطوق ، وإنَّمَا هو عادةً مُرْتَبِط بالمنطوق ، وأحياناً لا يَنْفَكّ عنه ..
__________
(1) - يُرَاجَع : إحكام الفصول /507 والإحكام 2/146
(2) - شَرْح مختصر الروضة 2/704
(3) - الواضح 1/33 ، 38
(4) - يُرَاجَع : المستصفى /180 وإحكام الفصول /507 والواضح /36 ، 37
(5) - يُرَاجَع : الإحكام 2/146 والمحصول 1/178 والمنهاج مع الإبهاج 1/364(1/25)
أمَّا معقول اللفظ ( القياس ) : فإنَّه لَيْس كذلك ؛ وإنَّمَا هو راجِع إلى تَحَقُّق عِلَّة الأصل في الفرع الذي قَدْ يَسْتَجِدّ في أزمان متفاوتة .
ولِذَا فقَدْ أَحْسَن الغزالي ـ رحمه الله تعالى ـ صنعاً حِينَمَا جَعَلَه قِسْماً مُسْتَقِلاًّ ؛ لأنّ مَعْنَاه لا يُفْهَم إلا بالعقل المُدَعَّم بالنَّصّ ، فالفرع في القياس فلَيْس فيه حُكْم ، ولا علاقة له بمنطوق الأصل ، لكنَّا نُثْبِت له حُكْمَ الأصل عند تَحَقُّق عِلَّته .
أمَّا المفهوم : فإنّ حُكْمَه مُرْتَبِط بالمنطوق ، ولِذَا كان اللفظ دالاًّ عليه ، ولَيْس كذلك منطوق أصْل القياس ؛ فإنَّمَا هو دالّ على حُكْم الأصل ، ولا نَنقله إلى الفرع إلا إنْ تَيَقَّنَّا تَحَقُّق عِلَّة الأصل في الفرع .
5- أنّ تقسيم حُجَّة الإسلام الغزالي ـ رحمه الله تعالى ـ وإنْ كان له وجاهته إلا أنّي أُرَجِّح ما عليه الكثرة مِن تقسيم دلالة اللفظ أو الخِطَاب على الحُكْم إلى قِسْمَيْن :
القِسْم الأول : ما يَدُلّ عليه بِلَفْظِه ومنظومه ، وهو المنطوق .
والقِسْم الثاني : ما يَدُلّ عليه بفحواه ومفهومه ، وهو المفهوم .
وإنْ كُنْتُ أَخْتَلِف مع البَعْض فيما يُعَدّ مفهوماً كَمَا سيأتي تفصيله ـ بإذْن الله تعالى ـ في أقسام المفهوم .
المطلب الرابع
مقارَنة دلالة الألفاظ على الأحكام عند الحنفيّة وغَيْرهم
بَعْد الوقوف على أقسام دلالة اللفظ على الحُكْم عند الحنفيّة وعند غَيْر الحنفيّة فإنَّا نَرَى أنَّهُمَا يلتقيان في دلالة واحدة ، وهي: عبارة النَّصّ ..
فالحُكْم مستفاد منها عند الحنفيّة مباشَرةً ؛ لأنّ النَّصّ سيق لأجْله وأريد به قصداً ، ولِذَا فإنَّهَا تَدُلّ على الحُكْم بِنَفْس العبارة .
وهذا مُتَحَقِّق عند غَيْر الحنفيّة في المنطوق ؛ فإنَّه يَدُلّ على الحُكْم بصيغته ومنظومه .(1/26)
ومِمَّا تَقَدَّم يَكون المنطوق عند غَيْر الحنفيّة مرادفاً لِعبارة النَّصّ عند الحنفيّة ؛ فالقِسْمان مُتَّفِقان في المَعْنَى ، مختلِفان في المَبْنَى .
أمَّا الأقسام الثلاثة الباقية عند الحنفيّة ( وهي دلالة الإشارة والدّلالة والاقتضاء ) : فإنّ الأحكام لَمْ تؤخَذْ مِن عبارتها أو لَفْظها ، وهو الجامع بَيْنهما ، ولِذَا فإنَّهَا تُعْتَبَر دلالات المفهوم ، لكنّ الحنفيّة قَصَروا واحدةً منها ـ وهي دلالة اللفظ ـ على مفهوم الموافَقة ؛ فَسَمَّوْا دلالة اللفظ " فَحْوَى الخِطَاب " و" لَحْن الخطاب " و" مفهوم الموافَقة " .
أمَّا غَيْر الحنفيّة : فإنَّهم اختلَفوا في حَصْر أقسام المفهوم ..
فمنهم مَن أَدْرَج الدّلالات الثّلاث ( الإشارة والاقتضاء والإيماء ) في المفهوم ، وهو الراجح عندنا ( كَمَا سيأتي بإذن الله تعالى ) ..
ومنهم مَن قَصَر المفهوم على قِسْمَيْن: مفهوم الموافَقة ، ومفهوم المخالَفة ، وهم الكثرة .
ومِمَّا تَقَدَّم نَرَى : أنّ بَعْض غَيْر الحنفيّة يَلتقي مع الحنفيّة في جَعْل الدّلالات الثّلاث أقساماً لِلمفهوم .
أمَّا الكثرة مِن غَيْر الحنفيّة : فإنَّهم مختلِفون مع الحنفيّة في عدم اعتبار هذه الدّلالات مِن المفهوم .
كَمَا أنّ هناك فارقاً جوهريّاً بَيْن الحنفيّة وغَيْرهم : فإنّ الحنفيّة لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمفهوم المخالَفة ولم يَعتبروه مِن دلالات اللفظ على الحُكْم .
المطلب الخامس
تعريف المنطوق وأقسامه
الحديث في هذا المطلب يُمْكِن تقسيمه على النحو التالي :
1- تعريف المنطوق لغةً .
2- تعريف المنطوق اصطلاحاً .
3- أقسام المنطوق .
4- تعقيب وترجيح .
5- القِسْم الأول : النَّصّ .
6- القِسْم الثاني : الظاهر .
ونُفَصِّل القول في كُلّ واحد منها فيما يلي ..
أوّلاً - تعريف المنطوق لغةً :
المنطوق لغةً : اسم مفعول مِن " نطق " ؛ يقال " نَطَق الناطق يَنطق نطقاً ومنطوقاً " أيْ تَكَلَّم .(1/27)
والمَنْطِق : الكلام ، ومنه " نَطَق يَنطق نطقاً ومَنْطِقاً ونطوقاً " تَكَلَّم بصوْت وحروف تُعْرَف بها المَعاني (1) .
ثانياً - تعريف المنطوق اصطلاحاً :
عَرَّف الأصوليّون المنطوق بتعريفات عِدَّة ، أَذْكُر منها ما يلي :
التعريف الأول : ما دلّ عليه اللفظ في محلّ النطق .
وهو تعريف ابن الحاجب رحمه الله تعالى ، واختاره ابن مفلح (2) والشوكاني رحمهما الله تعالى (3) .
التعريف الثاني : ما فُهِم مِن دلالة اللفظ قَطْعاً في محلّ النطق .
وهو تعريف الآمدي رحمه الله تعالى (4) .
التعريف الثالث : المَعْنَى المستفاد مِن اللفظ مِن حيث النطق به .
وهو تعريف الفتوحي رحمه الله تعالى (5) .
والأَوْلى عندي : تعريف الآمدي رحمه الله تعالى ؛ لأنَّه مانِع مِن دخول الدّلالات ( دلالة الاقتضاء والإشارة والتنبيه ) في المنطوق ، وليس كذلك تعريفَا ابن الحاجب والفتوحي رحمهما الله تعالى .
ثالثاً - أقسام المنطوق :
لقَدْ وَقَفْتُ على تقسيمات عِدَّة لِلمنطوق عند غَيْر الحنفيّة ، أَذكر بَعْضها فيما يلي :
التقسيم الأول : لإمام الحرميْن رحمه الله تعالى ..
قَسَّم إمام الحرميْن ـ رحمه الله تعالى ـ المنطوق إلى قِسْمَيْن :
الأول : النَّصّ .
__________
(1) - يُرَاجَع : لسان العرب 10/354 والصحاح 4/1559 والقاموس المحيط 3/295
(2) - ابن مفلح : هو شَمْس الدِّين أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن مفلح بن مُحَمَّد بن مفرج المَقْدِسي الحَنْبَلِي رحمه الله تعالى ، فقيه أصوليّ ، وُلِد بِبَيْت المَقْدِس سَنَة 708 هـ . مِن مصنَّفاته : الفروع ، أصول الفقه ، الآداب الشَّرعيّة . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بدمشق سَنَة 763 هـ . يُرَاجَع : الدُّرَر الكامنة 4/26 وشذرات الذَّهَب 6/199 والفتح المُبِين 2/189
(3) - يُرَاجَع : مختصر المنتهى مع شَرْح العضد 2/171 وأصول الفقه لابن مفلح 3/1056 وإرشاد الفحول /178 والمدخل /276
(4) - الإحكام 3/62
(5) - شَرْح الكوكب المنير 3/473(1/28)
والثاني : الظّاهر (1) .
التقسيم الثاني : لِلغزالي رحمه الله تعالى ..
قَسَّم الغزالي ـ رحمه الله تعالى ـ المنظوم إلى أربعة أقسام :
الأول : المُجْمَل والمُبَيَّن .
الثاني : الظاهر والمؤوَّل .
الثالث : الأمر والنهي .
الرابع : العامّ والخاصّ .
كَمَا قَسَّم اللفظ المفيد إلى : نصّ أو ظاهِر أو مُجْمَل (2) .
التقسيم الثالث : لابن عقيل رحمه الله تعالى ..
قَسَّم ابن عقيل ـ رحمه الله تعالى ـ المنطوق إلى ثلاثة أقسام :
الأول : النَّصّ .
الثاني : الظاهر .
الثالث : العموم (3) .
التقسيم الرابع : لابن الحاجب رحمه الله تعالى ..
قَسَّم ابن الحاجب ـ رحمه الله تعالى ـ المنطوق إلى قِسْمَيْن :
الأول : صريح .
الثاني : غَيْر صريح .
وقَسَّم غَيْرَ الصريح إلى ثلاث دلالات : اقتضاء ، وإيماء ، وإشارة .
وتَبِعه الفتوحي ـ رحمه الله تعالى ـ في ذلك (4) .
التقسيم الخامس : لِلآمدي رحمه الله تعالى ..
قَسَّم الآمدي ـ رحمه الله تعالى ـ المنظوم إلى تسعة أصناف :
الأول : الأمر .
الثاني : النهي .
الثالث : العامّ والخاصّ .
الرابع : تخصيص العموم .
الخامس : أدلّة تخصيص العموم .
السادس : المُطْلَق والمُقَيَّد .
السابع : المُجْمَل .
الثامن : البيان والمُبَيّن .
التاسع : الظاهر وتأويله (5) .
التقسيم السادس : لابن مفلح رحمه الله تعالى ..
قَسَّم ابن مفلح ـ رحمه الله تعالى ـ المنطوق إلى قِسْمَيْن :
الأول : النَّصّ .
الثاني : الظاهر .
وقَسَّم النَّصَّ إلى : صريح ، وغَيْر صريح .
__________
(1) - يُرَاجَع البرهان 1/448
(2) - يُرَاجَع المستصفى /180 ، 184 ، 185
(3) - يُرَاجَع الواضح 1/33
(4) - يُرَاجَع : مختصر المنتهى مع شَرْح العضد 2/171 ، 172 وشَرْح الكوكب المنير 3/473 ، 474 وتيسير التحرير 1/92 ، 93
(5) - يُرَاجَع الإحكام 2/146 وما بَعْدَهَا .(1/29)
وقَسَّم غَيْرَ الصريح إلى الدّلالات الثلاث السابق ذِكْرها عند ابن الحاجب رحمه الله تعالى (1) .
رابعاً - تعقيب وترجيح :
بَعْد الوقوف على بَعْض تقسيمات المنطوق عند غَيْر الحنفيّة اتَّضَح لنا ما يلي :
1- أنّ بَعْضهم قَسَّم المنطوق إلى قِسْمَيْن : نصّ ، وظاهِر .
وهو اختيار إمام الحرميْن وابن عقيل ـ رحمهما الله تعالى ـ وزاد عليهما قِسْماً ثالثاً وهو : العموم (2) .
2- أنّ بَعْضهم قَسَّمه ـ أيضاً ـ إلى قِسْمَيْن : صريح ، وغَيْر صريح .. وقَسَّم الأخير إلى ثلاثة أقسام أو دلالات : اقتضاء ، وإيماء ، وإشارة . وهو اختيار ابن الحاجب والفتوحي رحمهما الله تعالى (3) .
3- أنّ بَعْضهم قَسَّم المنطوق إلى قِسْمَيْن : نصّ ، وظاهِر .. وقَسَّم النَّصَّ إلى : صريح ، وغَيْر صريح .
وقَسَّم الأخيرَ إلى ثلاثة أقسام : دلالة اقتضاء ، ودلالة إيماء ، ودلالة إشارة وهو تقسيم جامِع لِلتَّقْسيميْن السّابقيْن ، وهو اختيار ابن مفلح وابن السبكي والشوكاني رحمهم الله تعالى (4) .
4- أنّ الغزالي ـ رحمه الله تعالى ـ قَسَّمَه إلى أربعة أقسام : المُجْمَل والمُبَيَّن ، والظاهر والمؤوَّل ، والأمر والنهي ، والعامّ والخاصّ .
وتَبِعه في ذلك الآمدي رحمه الله تعالى ، إلا أنَّه أَفْرَد هذه الأقسام المزدوجة وزاد عليها ( المُطْلَق والمُقَيَّد ) ، لِتُصْبِح عنده تسعة أقسام .
وأَرَى : أنّ هذه الأقسام التي ذَكَرَها الغزالي والآمدي ـ رحمهما الله تعالى ـ لا تَخرج عنْ كَوْنِهَا نَصّاً أو ظاهراً ..
ولِذَا فالأَوْلى عندي هو : تقسيم المنطوق إلى : نَصّ ، وظاهِر .
__________
(1) - يُرَاجَع أصول الفقه لابن مفلح 3/1056 - 1058
(2) - يُرَاجَع البرهان 1/448 والواضح 1/33
(3) - يُرَاجَع : مختصر المنتهى مع شَرْح العضد 2/171 وشَرْح الكوكب المنير 3/473
(4) - يُرَاجَع : أصول الفقه لابن مفلح 3/1056 - 1058 وجَمْع الجوامع مع البناني 1/235 وإرشاد الفحول /178(1/30)
ونُفَصِّل القول في كُلّ واحد منهما فيما يلي ..
خامساً - القِسْم الأول : النَّصّ :
وهو لغةً : الكشف والظهور ..
ومنه : منصّة العروس ، و" نَصَّت الظبية رأْسها " أيْ رَفَعَتْه وأَظْهَرَتْه (1) .
واصطلاحا : ما يَدُلّ عليه اللفظ دلالةً قَطْعِيّةً (2) .وهو تعريف ابن السبكي رحمهما الله تعالى .
وهو قريب مِن تعريف العضد (3) رحمه الله تعالى ، وهو : ما دَلّ دلالةً قَطْعِيَّةً (4) .
أقسام النَّصّ :
يَنْقَسِم النَّصّ إلى قِسْمَيْن :
القِسْم الأول : النَّصّ الصريح .
وهو : ما دَلّ عليه اللفظ بالمطابَقة أو التَّضَمُّن (5) .
وقَصَره ابن السبكي ـ رحمهما الله ـ على المطابَقة دُون التَّضَمُّن (6) .
القِسْم الثاني : النَّصّ غَيْر الصريح .
وهو : ما لم يوضع اللفظ له ؛ بلْ يَلْزَم مِمَّا وُضِع له فيَدُلّ عليه بالالتزام (7) .
ومثال النَّصّ الصريح : قوله تعالى { وَلا تَقْرَبُوا الزّنَى } (8) وقوله تعالى
__________
(1) - يُرَاجَع : الصحاح 3/1058 ، 10259 والبرهان 1/416 وشَرْح تنقيح الفصول /36 ، 37 وشَرْح الكوكب المنير 3/478 ، 479
(2) - جَمْع الجوامع مع حاشية البناني 1/236
(3) - عضد الدين الإيجي : هو عبد الرحمن بن أَحْمَد بن عبد الغفار بن أَحْمَد الإيجي الشافعي رحمه الله تعالى ، وُلِد بإيج مِن أعمال شيراز بفارس .. مِن تصانيفه : شرْح مختصر ابن الحاجب في الأصول ، المواقف في أصول الدين . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 756 هـ . الفتح المبين 2/173 والدرر الكامنة 2/322
(4) - شَرْح العضد على مختصر المنتهى 2/168
(5) - يُرَاجَع مختصر المنتهى مع شَرْح العضد 2/171 ، 172
(6) - يُرَاجَع جَمْع الجوامع مع حاشية البناني 1/236
(7) - شَرْح العضد على مختصر المنتهى 2/172
(8) - سورة الإسراء مِنَ الآية 32(1/31)
{ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُم } (1) ؛ فإنّ الأول صريح في النهي عن الاقتراب مِن الزنا ، والثاني صريح في النهي عن قَتْل النَّفْس .
ومثال النَّصّ غَيْر الصريح : قوله تعالى { فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفّ } (2) وقوله تعالى { وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدّهِ إِلَيْك } (3) ؛ فالأول فُهِم منه النهي عنْ ما فَوْق التأفيف مِن الضرب والشتم ، والثاني فُهِم منه أنَّهُمْ لا يؤدّون أَكْثَر مِن الدينار (4) .
وحُكْم النَّصّ : أنَّه يصار إليه ، ولا يُعْدَل عنه إلا بنَسْخ (5) .
ويَنقسِم النَّصّ غَيْر الصريح إلى ثلاث دلالات :
الأولى : دلالة الاقتضاء .
وهي : ما تَوَقَّف صِدْق الكلام أو صِحَّته عقلاً أو شرعاً على تقديره .
الثانية : دلالة الإيماء ( التنبيه ) .
وهي : اقتران اللفظ بِحُكْم لو لم يَكُنْ لِلتعليل لَكان بعيداً ، فيُفْهَم منه التعليل ويَدُلّ عليه وإنْ لم يُصَرّحْ به .
الثالثة : دلالة الإشارة .
وهي : أنْ لا يَكون المَعْنَى المستفاد مِن اللفظ مقصوداً لِلمتكلِّم (6) .
ونظراً لأنّ هذه الدّلالات ليست مأخوذةً مِن صريح المنطوق ـ وإنَّمَا أُخِذَتْ مِن غَيْر صريحه ـ فقَدْ رَجَّحْتُ عَدَّهَا مِن أقسام المفهوم ، وهناك ـ بإذْن الله تعالى ـ فَصَّلْتُ القول فيها وبَيَّنْتُ عِلَّةَ ترجيحي .
سادساً - القِسْم الثاني : الظاهر :
__________
(1) - سورة النساء مِنَ الآية 29
(2) - سورة الإسراء مِنَ الآية 23
(3) - سورة آل عمران مِنَ الآية 75
(4) - يُرَاجَع المستصفى /184
(5) - يُرَاجَع روضة الناظر 5/560
(6) - يُرَاجَع : أصول الفقه لابن مفلح 3/1056 - 1058 ومختصر المنتهى مع شَرْح العضد 2/171 172 وجَمْع
= الجوامع مع حاشية البناني وشَرْح المحلّي 1/236 وشَرْح الكوكب المنير 3/474 - 477 وإرشاد الفحول /178(1/32)
وهو لغةً : خِلاَف الباطن ، وهو الواضح المنكشِف ، ومنه " ظَهَر الأمر " إذا اتَّضَح وانْكَشَف ، ويُطْلَق على الشيء الشاخص المرتفع (1) .
واصطلاحاً : ما احتمَل مَعْنَيَيْن أحدُهُمَا أَظْهَر مِن الآخَر .
وهو تعريف أبي يعلى (2) رحمه الله تعالى ، واختاره ابن قدامة رحمه الله تعالى (3) .
وعَرَّفه ابن عقيل ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّه : ما تَرَدَّد بَيْن أَمْرَيْن (4) .
وعَرَّفه القاضي أبو بَكْر (5) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّه : لفظة معقولة
المَعْنَى لها حقيقة ومَجَاز : فإنْ أُجْرِيَتْ على حقيقتها كانت ظاهراً ، وإذا عُدلَتْ إلى جهة المَجاز كانت مؤوَّلة (6) .
__________
(1) - يُرَاجَع لسان العرب 4/2767
(2) - القاضي أبو يعلى : هو مُحَمَّد بن الحسين بن مُحَمَّد بن خلف بن أَحْمَد بن الفراء الحنبلي رحمه الله .. مِن مصنَّفاته : أحكام القرآن ، إيضاح البيان ، المعتمد ، مسائل الإيمان . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 458 هـ . طبقات الحنابلة /377 - 388 والنجوم الزاهرة 5/78
(3) - العُدَّة 1/140 وروضة الناظر 2/563
(4) - الواضح 1/33
(5) - القاضي أبو بَكْر الباقلاني : هو مُحَمَّد بن الطيب بن مُحَمَّد بن جعفر بن القاسم الباقلاّني المالكي رحمه الله تعالى .. مِن تصانيفه : التمهيد ، المقنع في أصول الفقه ، إعجاز القرآن ، المقدمات في أصول الديانات . تُوُفِّي رحمه الله تعالى ببغداد سَنَة 403 هـ . وفيات الأعيان 4/269 ، 270 وشذرات الذهب 3/168 والفتح المبين 1/233 - 235 البرهان 1/416 ، 417
(6) - البرهان 1/416 ، 417(1/33)
وعَرَّفه القرافي (1) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنَّه : المُتَرَدِّد بَيْن احْتماليْن فأَكْثَر هو في أحدهما أَرْجَح (2) .
وهو قريب مِن تعريف القاضي أبي يعلى ، وكلاهما عندي أَوْلى بالقبول مِن غَيْرهما .
مثاله : الأمر يَحتمل الندب والإيجاب ، لكنّه في الإيجاب أَظْهَر ، والنهي يَحتمل التنزيه والحظر ، وهو في الحظر أَظْهَر ، والصلاة لها استعمال شَرْعِيّ وآخَر لغويّ ، لكنّها في الشرعي أَظْهَر (3) .
وحُكْمه : أنَّه يصار إلى مَعْنَاه الظاهر ، ولا يجوز تَرْكه إلا بتأويل (4) .
وذَكَر الغزالي ـ رحمه الله تعالى ـ أنّ النَّصّ يُطْلَق على الظاهر ، ونَسَبَه إلى الإمام الشافعي - رضي الله عنه - (5) في قوله :" ما أَطْلَقه الشافعي رحمه الله فإنَّه سَمَّى الظاهرَ " نَصّاً " ، وهو منطبِق على اللغة لا مانِع منه في الشرع والنَّصّ في اللغة : بِمَعْنَى الظهور ...
فعَلَى هذا حَدُّه الظاهر هو اللفظ الذي يَغلب على الظَّنّ فَهْم مَعْنىً منه مِن
__________
(1) - القرافي : هو أبو العباس أَحْمَد بن إدريس بن عبد الرحمن بن عبد الله بن يَلِّين الصنهاجي البهنسي المصري المالكي رحمه الله تعالى ، وُلِد بالبهنسا مِن مصنَّفاته : التنقيح في أصول الفقه ، شرْح التهذيب . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بدير الطين سَنَة 684 هـ . الفتح المبين 2/90
(2) - شَرْح تنقيح الفصول /37
(3) - يُرَاجَع : الواضح 1/33 ، 34 والبرهان 1/418
(4) - روضة الناظر 2/563
(5) - الإمام الشافعي : هو أبو عبد الله مُحَمَّد بن إدريس بن العباس بن شافع المطَّلبي - رضي الله عنه - ، أحد أئمة المذاهب الأربعة ، وُلِد بغزّة ، وقيل : بعسقلان ـ سَنَة 150 هـ .. مِن مصنَّفاته : الأُمّ ، الرسالة ، أحكام القرآن . تُوُفِّي - رضي الله عنه - بمصر سَنَة 204 هـ . طبقات الشافعية الكبرى 1/100 ووفيات الأعيان 9/249 ، 250 والفتح المبين 1/133 - 142(1/34)
غَيْر قَطْع ، فهو بالإضافة إلى ذلك المَعْنَى الغالب ظاهِر ونَصّ " (1) ا.هـ
المطلب السادس
تعريف المفهوم وأقسامه
الحديث في هذا المطلب يُمْكِن تقسيمه على النحو التالي :
1- تعريف المفهوم لغةً .
2- تعريف المفهوم اصطلاحاً .
3- أقسام المفهوم .
4- تعقيب وترجيح .
ونُفَصِّل القول في كُلّ واحد منها فيما يلي ..
أوّلاً - تعريف المفهوم لغةً :
المفهوم لغةً : اسم مفعول مِن " فَهِم " ؛ يقال " فَهِمه فهماً [ ويُحَرّك ، وهي أَفْصَح ] وفهامةً [ ويُكْسَر ] وفهاميّةً " عَلِمه وعَرَفه بالقلب ، وهو فَهِم : سريع الفهم (2) .
والمفهوم : هو الصورة الذّهنيّة ، سواء وُضِع بإزائها الألفاظ أو لا (3) .
ثانياً - تعريف المفهوم اصطلاحاً :
هو ما دَلّ عليه اللفظ لا في محلّ النطق (4) .
وهو تعريف ابن الحاجب ، واختاره الشوكاني رحمهما الله تعالى (5) .
ثالثا - أقسام المفهوم :
إنّ الباحث عنْ أقسام المفهوم عند الأصوليّين غَيْر الحنفيّة يَرَى أنَّهم اختلَفوا في حَصْرها تَبَعاً لاختلافهم في المراد مِن المفهوم , وهُمْ في ذلك فريقان :
الفريق الأول : مَن أرادوا بالمفهوم مَعْنَاه الأَعَمّ :
وهؤلاء الأصوليّون أرادوا بالمفهوم فَحْوَى الخِطَاب وإشارته ودليله ومَعْنَاه ، وهو مَعْنى عامّ يَشْمَل كُلَّ حُكْم لا يؤخَذ مِن منطوق اللفظ ..
ولِذَا فإنَّهُمْ سَلَّموا بدخول المفهوم بِمَعْنَاه الأخَصّ ( مفهوم الموافَقة ومفهوم المخالَفة ) تَحْت المفهوم الأَعَمّ ، ثُمّ تَفاوَتوا بَعْد ذلك في حَصْر باقي الأقسام ..
فمنهم مَن أضاف الدّلالات الثّلاث ( دلالة الاقتضاء ودلالة الإشارة ودلالة التنبيه ) كَمَا فَعَل الغزالي رحمه الله تعالى (6) .
__________
(1) - المستصفى /196 ويُرَاجَع روضة الناظر 2/560 ، 561
(2) - يُرَاجَع : القاموس المحيط 4/162 والصحاح 5/2005
(3) - الكليات /860
(4) - مختصر المنتهى 2/171
(5) - إرشاد الفحول /178
(6) - يُرَاجَع المستصفى /180(1/35)
ومنهم مَن اكْتَفَى بدلالة واحدة كَمَا فَعَل الشيرازي (1) رحمه الله (2) .
ومنهم مَن عَدّ القياسَ منها كَمَا فَعَل الباجي رحمه الله تعالى (3) .
ولقَدْ عَبَّر هذا الفريق عن هذا المفهوم المُقَسَّم بتعبيرات مختلِفة :
فمنهم مَن صَرَّح بعبارة ( المفهوم ) وأَذكر منهم ما يلي :
الأول : الشيرازي رحمه الله تعالى ..
في قوله :" باب القول في مفهوم الخِطَاب " (4) ا.هـ .
ثُمّ قَسَّمه إلى ثلاثة أقسام :
القِسْم الأول : فَحْوَى الخِطَاب .
وهو : ما دَلّ عليه اللفظ مِن جهة التنبيه .
نَحْو : قوله تعالى { فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفّ } (5) ونَحْوه مِمَّا يَدُلّ على التنبيه بالأدنى على الأعلى أو العكس ( وهذا هو مفهوم الموافَقة ) .
القِسْم الثاني : لَحْن الخِطَاب .
وهو : ما دَلّ عليه اللفظ مِن الضمير الذي لا يَتِمّ الكلام إلا به .
نَحْو : قوله تعالى { فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَت ... } (6) ومَعْنَاه : فضَرَب فانْفَجَرَتْ ( وهذه دلالة اقتضاء ) .
القِسْم الثالث : دليل الخِطَاب .
وهو : أنْ يُعَلَّق الحُكْم على إحدى صِفَتَيِ الشيء فيَدُلّ على أنّ ما عَدَاهَا بخِلاَفه .
نَحْو : قوله تعالى { إِن جَاءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا } (7) فيَدُلّ على أنَّه إنْ جاء عَدْل لم نَتَبَيَّنْ ( وهذا هو مفهوم المخالَفة ) (8) .
__________
(1) - أبو إسحاق الشيرازي : هو إبراهيم بن علِيّ بن يوسف بن عبد الله الشيرازي الشافعي رحمه الله تعالى ، وُلِد سَنَة 393 هـ .. مِن مصنَّفاته : التنبيه ، اللُّمَع ، التبصرة في الأصول . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 476 هـ . طبقات الشّافعيّة الكبرى 3/88 ووفيات الأعيان 1/5
(2) - يُرَاجَع اللُّمَع /44
(3) - يُرَاجَع إحكام الفصول /507
(4) - يراجع اللُّمَع /44
(5) - سورة الإسراء مِنَ الآية 23
(6) - سورة البقرة مِنَ الآية 60
(7) - سورة الحجرات مِنَ الآية 6
(8) - يُرَاجَع اللُّمَع /44 ، 45(1/36)
الثاني : الغزالي رحمه الله تعالى ..
في قوله :" واللفظ إمَّا أنْ يَدُلّ على الحُكْم بصيغته ومنظومه ، أو بفحواه
ومفهومه ، أو بمعناه ومعقوله ، وهو الاقتباس الذي يُسَمَّى " قياساً " فهذه
ثلاثة فنون : المنظوم ، والمفهوم ، والمعقول " (1) ا.هـ .
ثُمّ عَبَّر عنْ أقسام الفحوى والمفهوم بقوله :" الفنّ الثاني : فيما يُقْتَبَس مِن الألفاظ مِن حيث صِيغتها بلْ مِن حيث فحواها وإشارتها ، وهي خمسة أَضْرُب :
الضرب الأول : ما يُسَمَّى " اقتضاءً " .
الضرب الثاني : ما يؤخَذ مِن إشارة اللفظ لا مِن اللفظ .
الضرب الثالث : فَهْم التعليل مِن إضافة الحُكْم إلى الوصف المناسب ، ويُسَمَّى " إيماءً " و" إشارةً " كَمَا يُسَمَّى " فَحْوَى الكلام " ولَحْنه " .
الضرب الرابع : فَهْم غَيْر المنطوق به مِن المنطوق بدلالة سِيَاق الكلام ومقصوده ، ويُسَمَّى " مفهوم الموافَقة " و" فَحْوَى الخِطَاب " .
الضرب الخامس : هو المفهوم ، ويُسَمَّى " مفهوم المخالَفة " " (2) .
الثالث : أبو يعلى رحمه الله تعالى ..
في قوله :" وأمَّا مفهوم الأصل : فذلك على ثلاثة أَضْرُب :
الضرب الأول : مفهوم الخِطَاب ، ويُسَمَّى " فَحْوَى الخِطَاب " و" لَحْن القول " ( مفهوم الموافَقة ) .
الضرب الثاني : دليل الخِطَاب ( مفهوم المخالَفة ) .
الضرب الثالث : مَعْنَى الخِطَاب " (3) .
ومنهم مَن عَبَّر بـ( المعقول ) :
كابن عقيل ـ رحمه الله ـ في قوله : " والمعقول : فَحْوَى الخِطَاب ،
ودليل الخِطَاب ، ومَعْنَى الخِطَاب " ا.هـ ..
ولِذا فأقسام المفهوم ( المعقول ) عنده ثلاثة أقسام :
القِسْم الأول : فَحْوَى الخِطَاب ( مفهوم الموافَقة ) .
القِسْم الثاني : دليل الخِطَاب ( مفهوم المخالَفة ) .
القِسْم الثالث : مَعْنَى الخِطَاب ، وهو القياس " (4) .
__________
(1) - المستصفى /180 ، 263
(2) - يُرَاجَع المستصفى /263 - 265
(3) - يُرَاجَع العُدَّة 1/72 ، 152 ، 154
(4) - الواضح 1/33(1/37)
ومنهم مَن عَبَّر بـ( معقول الأصل ) :
كالباجي ـ رحمه الله تعالى ـ في قوله :" ومعقول الأصل على أربعة أقسام : لَحْن الخِطَاب ، وفَحْوَى الخِطَاب ، والاستدلال بالحصر ، ومَعْنَى الخِطَاب " ا.هـ ، وذَكَر بَعْد ذلك دليل الخِطَاب ..
ولِذَا أَرَى أنّ أقسام المفهوم عند الباجي ـ رحمه الله ـ خمسة أقسام :
القِسْم الأول : لَحْن الخِطَاب ( دلالة الاقتضاء ) .
القِسْم الثاني : فَحْوَى الخِطَاب ( مفهوم الموافَقة ) .
القِسْم الثالث : الاستدلال بالحصر .
القِسْم الرابع : دليل الخِطَاب ( مفهوم المخالَفة ) .
القِسْم الخامس : مَعْنَى الخِطَاب ( القياس ) (1) .
ومنهم مَن عَبَّر بـ( الفَحْوَى ) و( الإشارة ) :
كابن قدامة ـ رحمه الله تعالى ـ في قوله :" باب فيما يُقْتَبَس مِن الألفاظ مِن فحواها وإشارتها لا مِن صيغته " ، وقَسَّمه أربعة أَضْرُب :
الضرب الأول : يُسَمَّى " اقتضاءً " .
الضرب الثاني : فَهْم التعليل مِن إضافة الحُكْم إلى الوصف المناسب .
الضرب الثالث : التنبيه ، ويُسَمَّى " مفهوم الموافَقة " و" فَحْوَى اللفظ " .
الضرب الرابع : دليل الخِطَاب ، ويُسَمَّى " مفهوم المخالَفة (2) .
وتَبِعه في ذلك الطوفي رحمه الله تعالى (3) .
ومنهم مَن عَبَّر بـ( دلالة غَيْر المنظوم ) :
كالآمدي رحمه الله تعالى ، وقَدْ قَسَّمه إلى أربعة أنواع :
النوع الأول : دلالة الاقتضاء .
النوع الثاني : دلالة التنبيه والإيماء .
النوع الثالث : دلالة الإشارة .
النوع الرابع : المفهوم (4) .
ومنهم مَن عَبَّر بـ( مَعْنَى الخِطَاب ) :
__________
(1) - يُرَاجَع إحكام الفصول /507 - 528
(2) - يُرَاجَع روضة الناظر 2/770 - 775
(3) - يُرَاجَع شَرْح مختصر الروضة 2/704 - 723
(4) - يُرَاجَع الإحكام 2/17 - 73(1/38)
كالفخر الرازي ـ رحمه الله ـ في قوله :" الخِطَاب إمَّا أنْ يَدُلّ على الحُكْم بلفظه أو بِمَعْنَاه أو لا يَكون كذلك " ، وحَصَر دلالة اللفظ على الحُكْم بِمَعْنَاه في الدّلالة الالتزاميّة والتي قَسَّمَها إلى قِسْمَيْن :
القِسْم الأول : ما يستفاد مِن مَعاني الألفاظ المُفْرَدَة وتَوَقَّف عليه عقلاً أو شرعاً ، وهو المُسَمَّى بـ" دلالة الاقتضاء " .
القِسْم الثاني : ما يستفاد مِن مَعاني الألفاظ المُرَكَّبَة ..
وهو إمَّا أنْ يَكون مِن مُكَمِّلات ذلك المَعْنَى أيْ موافِقاً له ( مفهوم الموافَقة ) ، وإمَّا أنْ لا يَكون مِن مُكَمِّلاته ..
وهو إمَّا أنْ يَكون مدلولاً عليه بالالتزام ثبوتيّاً ، وإمَّا أنْ يَكون مدلولاً عليه
بالالتزام عدميّاً ( مفهوم المخالَفة ) (1) .
وتَبِعَه في ذلك البيضاوي رحمه الله تعالى ، لكنّه عَبَّر بـ( المفهوم ) فقال :" الخِطَاب إمَّا أنْ يَدُلّ على الحُكْم بمنطوقه فيُحْمَل على الشرعي ثُمّ العرفي ثُمّ اللغوي ثُمّ المَجازي ، أو بمفهومه " ..
وقَسَّم المفهوم ثلاثة أقسام :
القِسْم الأول : ما يَلْزَم عن مُفْرَد تَوَقَّف عليه شرعاً أو عقلاً ، ويُسَمَّى " اقتضاءً " .
القِسْم الثاني : ما يَلْزَم عن مُرَكَّب موافِق ، وهو فَحْوَى الخِطَاب ( مفهوم الموافَقة ) .
القِسْم الثالث : ما يَلْزَم عن مُرَكَّب مخالِف ، ويُسَمَّى " دليل الخِطَاب " ( مفهوم المخالَفة ) (2) .
__________
(1) - يُرَاجَع المحصول 1/82 ، 83 ، 178 ، 179
(2) - يُرَاجَع المنهاج مع شَرْح المنهاج 1/282(1/39)
وتَبِعه في ذلك الأصفهاني وابن السبكي والإسنوي (1) والزركشي رحمهم الله تعالى (2) .
الفريق الثاني : مَن أراد بالمفهوم مَعْنَاه الأَخَصّ :
وهؤلاء أرادوا بالمفهوم : ما كان قاصراً على مَفْهُومَيِ الموافَقة والمخالَفة
ولِذا فإنَّهم قَسَّموا المفهوم بهذا المَعْنَى إلى قِسْمَيْن :
القِسْم الأول : مفهوم الموافَقة .
القِسْم الثاني : مفهوم المخالَفة .
ولَقَدْ ذَكَر إمام الحرميْن ـ رحمه الله تعالى ـ أنّ الإمام الشافعي - رضي الله عنه - قال بذلك في قوله :" وأمَّا ما ليس منطوقاً به ولكنّ المنطوق به مُشْعِر به : فهو الذي سَمَّاه الأصوليّون المفهومَ ، والشافعي قائل به ... " ثُمّ قال :" فمِمَّا ذَكَره : أنْ قال : المفهوم قِسْمان : مفهوم موافَقة ، ومفهوم مخالَفة " (3) ا.هـ .
كَمَا نَهَج كثير مِن الأصوليّين هذا النهج في تقسيم المفهوم ، أَذكر منهم :
ابن الحاجب ـ رحمه الله تعالى ـ في قوله :" الدّلالة منطوق ، وهو ما دَلّ عليه اللفظ في محلّ النطق ، والمفهوم بخِلاَفه ، أيْ لا في محلّ النطق
ثُمّ المفهوم مفهوم موافَقة ومفهوم مخالَفة " (4) ا.هـ .
وهو تقسيم الآمدي رحمه الله تعالى وابن السبكي ـ رحمهما الله تعالى ـ في " جَمْع الجوامع " (5) .
__________
(1) - الإسنوي : هو أبو مُحَمَّد عبد الرحيم بن الحَسَن بن علِيّ بن عُمَر بن علِيّ بن إبراهيم القرشي الشافعي رحمه الله تعالى ، وُلِد بإسنا سَنَة 704 هـ . مِن تصانيفه : المبهمات على الروضة ، الأشباه والنظائر ، التمهيد ، نهاية السول . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بمصر سَنَة 772 هـ . الدرر الكامنة 2/354 والفتح المبين 2/193 ، 194
(2) - يُرَاجَع : شَرْح المنهاج 1/282 ، 283 والإبهاج 1/366 ، 367 ونهاية السول 1/232 والبحر المحيط 4/6
(3) - البرهان 1/449
(4) - مختصر المنتهى مع شَرْح العضد 2/171 ، 172
(5) - يُرَاجَع : الإحكام 3/74 وجَمْع الجوامع 1/245(1/40)
والفتوحي ـ رحمه الله تعالى ـ في قوله :" فالمفهوم نوعان :
أحدهما : مفهوم موافَقة .
والثاني : مفهوم مخالَفة " (1) ا.هـ .
والشوكاني ـ رحمه الله تعالى ـ في قوله :" والمفهوم يَنقسم إلى : مفهوم موافَقة ، ومفهوم مخالَفة " (2) ا.هـ .
ونَسَب ابن الهمام ـ رحمه الله تعالى ـ هذا التقسيم إلى الشّافعيّة (3) ، وفيها
نظر .
كَمَا نَسَب السالمي ـ رحمه الله تعالى ـ هذا التقسيم إلى بَعْض الأصوليّين في قوله :" يَنقسم الدّالّ بدلالته ـ وهو الذي عَبَّر عنه الأصوليّون منَّا ومِن الشّافعيّة وغَيْرهم بـ( مفهوم الخِطَاب ) ـ إلى قِسْمَيْن : مفهوم موافَقة ، ومفهوم مخالَفة " (4) ا.هـ .
وهذا التقسيم لِلمفهوم هو الذي صار عليه بَعْض الأصوليّين المتأخِّرين (5) .
رابعا - تعقيب وترجيح :
بَعْد الوقوف على أقسام المفهوم عند الأصوليّين يُمْكِن التَّوَصُّل إلى ما يلي :
1- أنّ الأصوليّين غَيْر الحنفيّة اتَّفَقوا على أنّ المفهوم يَنقسم إلى قِسْمَيْن : مفهوم موافَقة ، ومفهوم مخالَفة ..
ثُمّ اختلَفوا في أقسام أخرى غَيْرهما : فمنهم مَن أضاف دلالة الاقتضاء ومنهم مَن أضاف الدّلالات الثّلاث ، ومنهم مَن أضاف الحصر ، ومنهم مَن أضاف مَعْنَى الخِطَاب ( القياس ) .
2- أنّنا لو حَصَرْنَا أقسام المفهوم عند الجميع لَصارت سَبْعَةً :
الأول : مفهوم الموافَقة .
الثاني : مفهوم المخالَفة .
الثالث : دلالة الاقتضاء .
الرابع : دلالة الإشارة .
الخامس : دلالة الإيماء ( التنبيه ) .
السادس : الحصر .
السابع : مَعْنَى الخِطَاب ( القياس ) .
__________
(1) - شَرْح الكوكب المنير 3/481
(2) - إرشاد الفحول /178
(3) - يُرَاجَع تيسير التحرير 1/94 - 98
(4) - شَرْح طلعة الشمس 1/258
(5) - يُرَاجَع : عِلْم أصول الفقه لِخَلاّف /160 - 164 ومَباحث في أصول الفقه /53(1/41)
3- أنّ هذه الأقسام السبعة الجامع بَيْنها : أنَّها لا تؤخَذ مِن منطوق اللفظ مباشَرةً ، أو على حَدّ تعبير ابن الحاجب ـ رحمه الله تعالى ـ في تعريف المفهوم : ما دَلّ عليه اللفظ لا في محلّ النطق ..
وهو تعريف واسِع يَستوعب كُلَّ دلالة لِللفظ غَيْر منطوقة ، وليس المفهوميْن كَمَا ذَهَب ابن الحاجب ـ رحمه الله تعالى ـ ومَن تَبِعه .
وفي هذا يقول الزركشي رحمه الله تعالى :" وأمَّا الآمدي وابن الحاجب : فجَعَلاَه ( الاقتضاء ) مِن فَنّ المنطوق ، وكذا الإيماء والإشارة ، مع تفسيرهما المنطوق بـ( دلالة اللفظ في محلّ النطق ) ، والمفهوم بـ( دلالة اللفظ لا في محلّ النطق ) ، وهذا بعيد مِن التوجيه ، مخالِف لِمَا ذَكَره أئمة الأصول ؛ فإنَّهم قالوا : سُمِّي المفهوم " مفهوماً " لأنَّه فُهِم مِن غَيْر التصريح بالتعبير عنه ، وهذا المَعْنَى شامِل لِلاقتضاء والإيماء والإشارة أيضاً ، فتَكون هذه الأقسام مِن قَبِيل المفهوم لا المنطوق " (1) ا.هـ .
4- أنّ الحصر أحد أقسام مفهوم المخالَفة ، ولِذَا فالأَوْلى استبعاده مِن الأقسام السبعة المتقدِّمة .
5- أنّ القياس أحد مفهومات الأصل ( المنطوق ) ، لكنّي رَجَّحْتُ ـ فيما تَقَدَّم ــ إفراده على المفهوم ؛ تابعاً في ذلك لِحُجَّة الإسلام الغزالي رحمه الله تعالى .
6- أنِّي رَجَّحْتُ في مطلب ( دلالة اللفظ على الحُكْم عند غَيْر الحنفيّة ) ما عليه الكثرة مِن الأصوليّين مِن تقسيم دلالة اللفظ أو الخِطَاب على الحُكْم
إلى قِسْمَيْن :
الأول : ما يَدُلّ عليه بلَفْظه ومنظومه ، وهو المنطوق .
الثاني : ما يَدُلّ عليه بفحواه ومفهومه ، وهو المفهوم .
ولِذَا كان المفهوم عندي : كُلّ حُكْم ليس مأخوذاً مِن منطوق اللفظ ، فيدخل فيه المفهوم بِنَوْعَيْه والدّلالات الثلاث ، ويخرج عنه القياس ؛ لِمَا بَيَّنّاه آنفاً.
7- ومِمَّا تَقَدَّم أَرَى تقسيم المفهوم إلى خمسة أقسام :
__________
(1) - البحر المحيط 4/6(1/42)
الأول : دلالة الاقتضاء .
الثاني : دلالة الإشارة .
الثالث : دلالة الإيماء ( التنبيه ) .
الرابع : مفهوم الموافَقة .
الخامس : مفهوم المخالَفة .
ونعرف كل واحد منها فيما يلي :
أولا : دلالة الاقتضاء :
والاقتضاء لغةً : الطلب ، ومنه " اقتضى دَيْنَه وتقاضاه " أيْ طَلَبَه ، و" استقضَى فلاناً " طَلَب إليه أنْ يقضيه (1) .
والاقتضاء اصطلاحا : ما كان مقصوداً لِلمتكلِّم ويتوقَّف صِدْق الكلام عليه أو صِحَّته العقليّة أو الشّرعيّة .
وهو تعريف عضد الدِّين الإيجي رحمه الله تعالى ، واختاره الفتوحي والسالمي رحمهم الله تعالى (2) .
مثال ما توقَّف صِحَّة الكلام عليه شرعاً .
قوله تعالى { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَر } (3) ..
وَجْه الدّلالة : أنّ الله تعالى بَيَّن لنا حُكْم المريض والمسافر في وجوب قضاء الصوم عليهما ، والقضاء لا يجب إلا لِمَنْ أَفْطَر في نهار رمضان لِمَرَضه أو سفره ، أمَّا إذا صام في سفره فلا قضاء عليه ، ولِذَا كان لا بُدّ مِن مُضْمَر محذوف تقديره ( فأَفْطِرْ ) ؛ حتّى يُصْبِح الحُكْم صحيحاً شرعاً ومقبولاً (4) .
وَجْه التفريع على دلالة المفهوم :
أنّ هذا النَّصّ الكريم أفاد مفهومُه المَبْنِي على اقتضاء المُضْمَر الذي توقَّف صِحَّة الكلام عليه شرعاً أنّ المريض والمسافر إذا أَفْطَرَا في رمضان وَجَب عليهما القضاء .
ثانيا : دلالة الإشارة .
__________
(1) - يُرَاجَع : الصحاح 6/2464 ولسان العرب 15/187 والقاموس المحيط 4/381 وكَشْف الأسرار لِلبخاري 1/188 وحاشية نسمات الأسحار /149 وعمدة الحواشي /111
(2) - يُرَاجَع : شَرْح العضد مع المختصر 2/172 وشَرْح الكوكب المنير 3/474 ، 475 وشَرْح طلعة الشمس 1/257
(3) - سورة البقرة مِنَ الآية 184
(4) - يُرَاجَع : روضة الناظر 2/770 وشَرْح مختصر الروضة 710(1/43)
الإشارة في اللغة : مَصْدَر " أشار " ؛ يقال " أشار الرَّجُل يشير إشارةً " إذا أومأ بيديْه ، ويقال " شَوَّرْتُ إليه بِيَدي وأَشَرْتُ إليه " أيْ لَوَّحْتُ إليه وأَلَحْتُ أيضاً ، و" أشار إليه باليد " أومأ وأشار عليه بالرأي (1) .
واصطلاحا : العمل بما ثَبَت بنَظْمه لغةً لكنّه غَيْر مقصود ولا سيق له النَّصّ وليس بظاهر مِن كُلّ وَجْه (2) .
وهو تعريف البزدوي رحمه الله تعالى ، واختاره النسفي رحمه الله تعالى (3) .
مثالها : قوله تعالى { وَحَمْلُهُ وَفِصَلُهُ ثَلَثُونَ شَهْرا } (4) مع قوله تعالى{وَفِصَلُهُ
فِى عَامَيْن } (5) ..
وَجْه الدّلالة : أنّ الآية الأولى جَمَعَتْ مُدّة الحَمْل والرّضاع في ثلاثين شهراً ، والآية الثانية حَدَّدَتْ مُدّة الرّضاع بعاميْن ، وكلاهما وَرَد لإظهار مِنَّة الوالدة على الولد ، ومِن مجموعهما أَخَذْنَا حُكْماً ليس مقصوداً مِن الكلام ولا سيق لأجْله ، ألاَ وهو : أنّ أَقَلّ مُدّة الحَمْل سِتّة أَشْهُر ، وهو حُكْم مأخوذ مِن إشارة النَّصّ (6) .
وَجْه التفريع :
أنّا أَخَذْنَا حُكْماً مِن مفهوم هذيْن النَّصَّيْن بدلالة الإشارة ، وهو : أنّ أَقَلّ مُدّة الحَمْل سِتّة أَشْهُر .
ثالثا : دلالة الإيماء ( التنبيه ):
__________
(1) - يُرَاجَع لسان العرب 4/437
(2) - أصول البزدوي مع كَشْف الأسرار 1/174 ، 175
(3) - كَشْف الأسرار لِلنسفي 1/375 والمنار مع حاشية نسمات الأسحار /145
(4) - سورة الأحقاف مِنَ الآية 15
(5) - سورة لقمان مِنَ الآية 14
(6) - يُرَاجَع : أصول البزدوي مع كَشْف الأسرار 1/179 والمستصفى /264 والمحصول 1/179 والمغني لِلخبازي /151 وأصول السرخسي 1/237 وعمدة الحواشي مع أصول الشاشي /101 وشَرْح العضد 2/172 وأصول الفقه لابن مفلح /1058(1/44)
الإيماء لغةً : مَصْدَر " أومئ " ؛ يقال " أوْمأْتُ إليه أُومِئ إيماءً " الإشارة بالأعضاء كالرأس واليد والعَيْن والحاجب ، وإنَّمَا يريد به ها هُنَا الرأس (1) .
والتنبيه لغةً : مَصْدَر " نَبَّه " ، وهو إعلام ما في ضمير المتكلِّم لِلمخاطَب
، مِن " نَبَّهْتُه " بمَعْنَى رَفَعْتُه مِن الخمول ، أو مِن " نَبَّهْتُه مِن نَوْمه " بمَعْنَى أَيْقَظْتُه مِن نَوْم الغفلة ، أو مِن " نَبَّهْتُه على الشيء " بمَعْنَى وَقَفْتُه
عليه (2) .
واصطلاحا : فَهْم التعليل مِن إضافة الحُكْم إلى الوصف المناسب .
وهو تعريف حُجّة الإسلام الغزالي رحمه الله تعالى ، واختاره ابن قدامة رحمه الله تعالى (3) .
مثاله : قوله تعالى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } (4) ..
وَجْه الدّلالة : أنّ منطوق الآية الكريمة أفاد وجوب قَطْع يد السارق والسارقة ، وفيه تنبيه وإيماء إلى أنّ السرقة هي العِلَّة في هذا الحُكْم .
رابعا : مفهوم الموافقة :
وهو اصطلاحا : أنْ يَكون المسكوت عنه موافِقاً في الحُكْم لِلمذكور .
وهو تعريف عضد المِلّة والدِّين الإيجي رحمه الله تعالى (5) .
ونَحْوه تعريف الأصفهاني رحمه الله تعالى ، وهو : أنْ يَكون المسكوت موافِقاً لِلمنطوق في الحُكْم (6) .
وله تقسيمين :
التقسيم الأول : الأَوْلوي والمُساوِي .
التقسيم الثاني : القَطْعي والظَّنِّي .
مثاله : قوله تعالى { فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلا تَنْهَرْهُمَا } (7) ..
وَجْه الدّلالة : أنّ هذا النَّصّ أفاد بمنطوقه حرمة التأفيف في حقّ الوالديْن
،
__________
(1) - يُرَاجَع : لسان العرب 15/415 والقاموس المحيط 2/67
(2) - يُرَاجَع : الكليات /288 والصحاح 6/2252
(3) - يُرَاجَع : المستصفى /264 وروضة الناظر 2/771
(4) - سورة المائدة مِنَ الآية 38
(5) - شَرْح العضد 2/172
(6) - بيان المختصر 2/440
(7) - سورة الإسراء مِنَ الآية 23(1/45)
وأفاد بمفهومه تحريم الضرب في حَقِّهِمَا ؛ لأنَّه مسكوت عنه ، وكلاهما
مُتَّفِق في الحُكْم وهو الحرمة ، لكنّ الضرب ( المسكوت عنه ) أَوْلى بالحُكْم مِن المنطوق وهو التأفيف ، والتأفيف أَدْنَى مِن الضرب ، فكان أَوْلى بالحُكْم منه .
خامسا : مفهوم المخالفة :
وهو اصطلاحا : أنْ يَكون المسكوت عنه مخالِفاً لِلمذكور في الحُكْم إثباتاً ونفياً .
وهو تعريف العضد الإيجي رحمه الله تعالى (1) ، واختاره ـ بلفظه ـ الشوكاني رحمه الله تعالى (2) .
ونَحْوه تعريف الأصفهاني رحمه الله تعالى ، وهو : أنْ يَكون المسكوت موافِقاً لِلمنطوق في الحُكْم (3) .
وتعريف التفتازاني رحمه الله تعالى ، وهو : أنْ يَكون المسكوت عنه مخالِفاً لِلمنطوق في الحُكْم إثباتاً ونفياً (4) .
وأنواعه :
النوع الأول : مفهوم اللقب .
النوع الثاني : مفهوم الصفة .
النوع الثالث : مفهوم الشَّرْط .
النوع الرابع : مفهوم الغاية .
النوع الخامس : مفهوم العَدَد .
النوع السادس : مفهوم الحصر .
مثاله : قوله - صلى الله عليه وسلم - { الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ ، وَالثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا } (5) ..
__________
(1) - شَرْح العضد مع المختصر 2/173
(2) - إرشاد الفحول /179
(3) - التلويح 1/266
(4) - بيان المختصر 2/444
(5) - أَخْرَجه مُسْلِم في كِتَاب النكاح : باب استئذان الثَّيِّب في النكاح بالنطق والبِكْر بالسكوت برقم ( 2545 ) والترمذي في كِتَاب النكاح عَنْ رسول الله : باب ما جاء في استئمار البِكْر والثَّيِّب برقم ( 1026 ) والنسائي في كِتَاب النكاح : باب استئذان البِكْر في نَفْسِهَا برقم ( 3208 ) ، كُلّهم عَنِ ابن عَبّاس رضي الله عَنْهُمَا .(1/46)
وَجْه الدّلالة : أنّ هذا النَّصّ أفاد منطوقه أنّ الوليّ لا يُنْكِح البِكْرَ إلا بإذْنها ولا يُنْكِح الثَّيِّبَ إلا بأمرها ، وأفاد مفهومه المخالِف أنّ الثَّيِّب إذا لَمْ تأذَنْ لِوَلِيّها لَمْ يَجُزْ نكاحُه .. والبكورة والثيوبة كِلاَهُمَا صفة تطرأ وتَزُول ، وقَدْ تَعَلَّق الحُكْم بها (1) .
الخاتمة
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه يسر لنا دراسة دلالة الألفاظ على الأحكام فوقفنا عليها وجمعنا فروعها ومسائلها بين دفتي هذا البحث الذي يمكن في نهايته حصر أهم ثماره ونتائجه على النحو التالي :
1- أن الأصوليين اهتموا بالألفاظ واعتنوا بها لأنها تدل على الحكم إما بطريق مباشر وهو المنطوق وإما بطريق غير مباشر وهو المفهوم وعلى قدر عنايتهم بالأحكام والأدلة كانت عنايتهم بدلالة الألفاظ على الحكم .
2- الدّلالة لغةً : الإرشاد .
واصطلاحاً : كَوْن الشيء يَلْزَم مِنْ فَهْمه فَهْم شيء آخَر .
وهي تَنقسم إلى ثلاثة أقسام : عقليّة ، ووضعيّة ، وطبيعيّة .
وكُلّ واحد منها يَنقسم إلى : دلالة لفظيّة ، وغَيْر لفظيَّة .
3- الدّلالة اللفظية الوضعية هي المقصودة عند الأصوليّين ..
وعَرَّفوها بأنَّهَا : كَوْن اللفظ بحيث إذا أُرْسِل فُهِم المَعْنَى لِلعِلْم بوضعه .
وهي تَنقسم إلى ثلاثة أقسام : دلالة مطابقيّة ، ودلالة تضَمُّنِيَّة ، ودلالة التزاميَّة .
ودلالة المطابقة ودلالة التضمن دلالتهما لفظيّة ، ودلالة الالتزام عقليّة .
4- قَسَّم الحنفيَّة الدلالة الوضعية إلى : لفظيّة وغَيْر لفظيّة ، ويُسَمّونها " بيان الضرورة " ..
وقَسّموا غَيْر اللفظية أربعة أقسام .
كَمَا قَسَّموا اللفظ باعتبار دلالته على الحُكْم إلى أربعة أقسام : عِبَارَة النَّصّ ، وإشارة النَّصّ ، ودلالة النَّصّ ، واقتضاء النَّصّ .
__________
(1) - يُرَاجَع : التمهيد لابن عَبْد البَرّ 19/78 والمحلّي 9/457 ونَيْل الأوطار 6/54(1/47)
5- قَسَّم الأصوليّون مُقْتَضَى النَّصّ أقساماً ثلاثةً : ما أُضْمِر ضرورةَ صِدْق المُتَكَلِّم ، أو لِصِحَّة الكلام عقلاً ، أو لِصِحَّته شرعاً .
6- الكثرة مِنَ الأصوليّين غَيْر الحنفيَّة قَسَّموا دلالة اللفظ على الحُكْم إلى قِسْمَيْن : منطوق ، ومفهوم ..
ولِذَا فإنَّهم يَلْتَقون مع الحنفيَّة في دلالتيْن : عبارة النَّصّ التي تُقابِل المنطوق ، ودلالة النَّصّ التي تُقَابِل مفهوم الموافَقة ..
أمَّا مفهوم المخالَفة : فلَمْ يَحْتَجّ به الحنفيَّة .
7- المنطوق لغةً : اسم مفعول مِنْ " نَطَق " أيْ تَكَلَّم بصوْت وحروف تُعْرَف بها المَعاني .
واصطلاحاً : ما فُهِم مِنْ دلالة اللفظ قَطْعاً في محلّ النطق .
ويَنْقَسِم إلى : نَصّ ، وظاهِر .
والنَّصّ : صريح ، وهو ما دَلّ عليه اللفظ بالمطابَقة أو التضمن ..
وغَيْر صريح ، وهو ما دلّ عليه بالالتزام .
ويَنْقَسِم إلى ثلاث دلالات : اقتضاء ، وإيماء ، وإشارة .
والظاهر : المتردِّد بَيْن احتمالَيْن فأَكْثَر هو في أحدهما أَرْجَح .
8- المفهوم لغةً : اسم مفعول مِنْ " فَهِم " أيْ عَلِم .
واصطلاحاً : ما دَلّ عليه اللفظ لا في محلّ النطق ، وحُجَّته مستفادة مِنَ اللغة .
وأقسامه خمسة : دلالة الاقتضاء ، ودلالة الإشارة ، ودلالة الإيماء
( التنبيه ) ، ومفهوم الموافَقة ، ومفهوم المخالَفة .
9- أن دلالة الاقتضاء هي : المُضْمَر المقصود الذي يتوقَّف عليه صِدْق الكلام أو صِحَّته شرعاً أو عقلاً و دلالة الإشارة هي : المَعْنَى المستفاد مِنَ اللفظ غَيْر مقصود لِلمتكلِّم ولا سِيق الكلام لأجْله ولَيْس بظاهر مِنْ كُلّ وَجْه و دلالة الإيماء ( التنبيه ) هي : اقتران اللفظ بِحُكْم مضاف إلى وَصْف مناسِب يُفْهَم منه عِلِّيَّتُه لِلحُكْم .
10- مفهوم الموافَقة هو : ما كان المسكوت عنه مُوَافِقاً لِلمنطوق في الحُكْم.
ويَنْقَسِم إلى تَقْسِيمَيْن :
التقسيم الأول : الأولويّ والمُساوِي .(1/48)
وهو قِسْمَان : أولويّ ، ومُسَاوِي .
التقسيم الثاني : القَطْعِيّ والظَّنِّيّ .
وأن مفهوم المخالَفة هو : ما كان المسكوت عنه مخالِفاً في الحُكْم لِلمنطوق.
وأنواعه ستة :
النوع الأول : مفهوم اللقب .
النوع الثاني : مفهوم الصفة .
النوع الثالث : مفهوم الشَّرْط .
النوع الرابع : مفهوم الغاية .
النوع الخامس : مفهوم العَدَد .
النوع السادس : مفهوم الحصر .
وختاما .......
أسأل الله تعالى أن أكون ببحثي هذا قد أسهمت ببعض ما يجب علينا نحو علم أصول الفقه ومن ثم شريعتنا الغراء من حفظ قواعدها وإبراز محاسن جوهرها وكنوزها غير أني على يقين أن عملي هذا لن يسلم من زلات وهفوات ألتمس من أساتذتي وشيوخي الكرام وزملائي الأفاضل غض الطرف والعفو عنها فهم أهل لذلك على ألا يحرموني من نصائحهم الرشيدة وتوجيهاتهم السديدة .
فاقبله اللهم خالصا لوجهك واجعله زخرا لي ولوالدي ولأصحاب الحقوق علي يوم الدين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
أهمّ المراجع
أولاً : القرآن الكريم
* القرآن الكريم .
ثانياً : الحديث الشريف وعلومه
* سُنَن ابن ماجة .. دار إحياء التراث العربي – بيروت .
* سُنَن الترمذي .. دار الفكر – بيروت .
* سُنَن الدارمي .. دار الكتب العلمية – بيروت .
* سُنَن النسائي .. دار الفكر – بيروت .
* صحيح البخاري .. دار الشعب – القاهرة .
* مُسْنَد الإمام أَحْمَد .. دار صادر – بيروت .
* نَيْل الأوطار لِلشوكاني .. دار الجيل - بيروت .
ثالثاً : أصول الفقه
* الإبهاج في شرح المنهاج لِلسبكي وولده .. مكتبة الكليات الأزهرية –
القاهرة 1401 هـ .
* إحكام الفصول لِلباجي .. دار الغرب الإسلامي - بيروت 1982 م .
* الإحكام في أصول الأحكام لِلآمدي .. مكتبة الحلبي - القاهرة .
* إرشاد الفحول إلى تحقيق الحقّ مِن عِلْم الأصول لِلشوكاني .. مكتبة
الحلبي - القاهرة 1356 هـ .(1/49)
* أصول البزدوي ( كنز الوصول إلى معرفة الأصول ) .. دار الكتاب
العربي – بيروت 1411 هـ .
* أصول السرخسي .. دار المعرفة – بيروت .
* أصول الشاشي .. دار الكتاب العربي - بيروت .
* أصول الفقه لابن مفلح .. ط السّعوديّة .
* أصول الفقه لأبي زهرة .. دار الفكر العربي - القاهرة .
* أصول الفقه لِزكريّا البري .. مكتبة نهضة الشرق - القاهرة .
* أصول الفقه لِلشيخ مُحَمَّد أبي النور زهير .. المكتبة الأزهرية - القاهرة 1412 هـ .
* البحر المحيط للزركشي .. أوقاف الكويت 1413 هـ .
* بذل النظر لِلأسمندي .. دار التراث – القاهرة .
* البرهان لإمام الحرميْن الجويني .. دار الأنصار– القاهرة 1400 هـ .
* بيان المختصر لِلأصفهاني ..جامعة أُمّ القُرَى- مكة المكرمة 1406 هـ.
* التحرير لابن الهمام .. مكتبة الحلبي - القاهرة ( مع تيسير التحرير )
1350 هـ .
* التقرير والتحبير لابن أمير الحاج .. المكتبة العلمية – بيروت .
* التلويح لِلتفتازاني .. دار الكتب العلمية – بيروت .
* التنقيح لِصَدْر الشريعة .. دار الكتب العلمية – بيروت .
* التوضيح مع التلويح لِصدر الشريعة .. دار الكتب العلمية – بيروت .
* تيسير التحرير لأمير بادشاه .. مكتبة الحلبي - القاهرة 1350 هـ .
* جَمْع الجوامع مع حاشية البناني لابن السبكي .. مكتبة الحلبي- القاهرة.
* حاشية البناني مع شَرْح المحلِّي .. مكتبة الحلبي- القاهرة 1356 هـ.
* حاشية الجرجاني على شَرْح العضد .. مكتبة الكليات الأزهرية -
القاهرة 1403 هـ .
* حاشية السّعد على شَرْح العضد .. المكتبة الأزهرية لِلتراث - القاهرة .
* حاشية نسمات الأسحار على شَرْح إفاضة الأنوار لابن عابدين .. مكتبة
الحلبي - القاهرة 1399 هـ .
* حقائق الأصول شَرْح منهاج الوصول لِلأردبيلي ( تحقيق د./ إسماعيل
مُحَمَّد علي عبد الرحمن [ الجزء الأول ] ، د./ قاسم عبد الدايم [ الجزء
الثاني ] ) .. رسالة ماجستير بكلية الشريعة بالأزهر .(1/50)
* روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة .. دار العاصمة – الرياض .
* شَرْح إفاضة الأنوار على مَتْن أصول المنار لِعلاء الدين الحصني ..
مكتبة الحلبي - القاهرة 1399 هـ .
* شَرْح تنقيح الفصول لِلقرافي .. المكتبة الأزهرية لِلتراث – القاهرة
1414 هـ .
* شَرْح طلعة الشمس لِلسالمي .. وزارة التراث القومي – سلطنة عمان
1405 هـ .
* شَرْح العضد على مختصر ابن الحاجب .. مكتبة الكليات الأزهرية -
القاهرة 1403 هـ .
* شَرْح الكوكب المنير لِلفتوحي .. جامعة أُمّ القُرَى – مكة المكرمة
1400 هـ .
* شَرْح مختصر الروضة لِلطّوفي .. مؤسسة الرسالة – بيروت .
* شَرْح منار الأنوار لابن ملك .. المطبعة العثمانيّة - استانبول1315 هـ.
* شَرْح المنهاج لِلأصفهاني .. مكتبة الرشد – الرياض 1401 هـ .
* العدة في أصول الفقه لِلقاضي أبي يَعْلَى .. ط السعودية .
* عِلْم أصول الفقه لِلشيخ عبد الوهاب خلاّف .. دار القلم – الكويت
1407 هـ .
* عمدة الحواشي مع أصول الشاشي لِلكنكوهي .. دار الكتاب العربي -
بيروت .
* الفتح المُبِين في طبقات الأصوليّين لِلشيخ عبد الله المراغي .. عبد
الحميد حنفي - القاهرة .
* فواتح الرحموت بشرح مُسَلَّم الثبوت لِلأنصاري .. دار الكتب العلمية –
بيروت .
* قواطع الأدلَّة لابن السمعاني .. دار الكتب العلمية – بيروت .
* كَشْف الأسرار على أصول فَخْر الإسلام البزدوي لِعلاء الدين البخاري
دار الكتاب العربي – بيروت 1411 هـ .
* كَشْف الأسرار لِلنسفي .. دار الكتب العلمية – بيروت .
* المحصول في عِلم الأصول لِلرازي .. دار الكتب العلمية – بيروت
1408 هـ .
* مختصر المنتهى لابن الحاجب ( مع شرح العضد ) .. المكتبة
الأزهرية لِلتراث – القاهرة .
* المدخل إلى مذهب الإمام أَحْمَد بن حنبل لابن بدران الدمشقي .. المكتبة
المنيريّة .
* المستصفى مِن عِلم الأصول لِلإمام الغزالي .. دار الكتب العلمية –
بيروت 1403 هـ .(1/51)
* مُسَلَّم الثبوت لابن عبد الشكور .. دار الكتب العلمية – بيروت .
* المُغْنِي لِلخبّازي .. جامعة أُمّ القُرَى - مكة المكرمة .
* المنار مع حاشية نسمات الأسحار .. دار الكتب العلمية – بيروت
1406 هـ .
* مناهج العقول لِلبدخشي ( مطبوع مع نهاية السول ) دار الكتب العِلْميّة - بيروت 1409 هـ .
* منهاج الوصول إلى عِلْم الأصول لِلبيضاوي .. مكتبة صبيح- القاهرة.
* ميزان العقول لِلسمرقندي .. دار التراث - القاهرة .
* نهاية السول في شَرْح منهاج الوصول لِلإسنوي .. دار الكتب العلمية –
بيروت 1405 هـ .
* الواضح في أصول الفقه لابن عقيل .. مؤسسة الرسالة - بيروت .
* الوجيز في أصول الفقه د./ عبد الكريم زيدان .. مؤسسة الرسالة –
بيروت .
رابعاً : الفقه وقواعده
* الاختيار للموصلي .. الحلبي .
* بدائع الصنائع لِعلاء الدين الكاساني .. دار الكتاب العربي 1982 م .
* بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد .. دار المعرفة – بيروت
1401 هـ .
* الجواهر المضيئة في طبقات الحنفيّة لِعبد القادر بن مُحَمَّد القرشي
الحنفي .. دار هجر - القاهرة .
* الحاوي الكبير للماوردي .. دار الكتب العلمية .
* شرح الزركشي على مختصر الخرقي .. العبيكان – الرياض .
* شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لِلشيخ مُحَمَّد حسنين مخلوف ..
دار الفكر – بيروت .
* طبقات الشّافعيّة الكبرى لابن السبكي .. دار إحياء الكتب العربية -
القاهرة .
* الفروع لابن مفلح .. مؤسسة الرسالة .
* المُحَلَّى لابن حَزْم .. المكتب التجاري – بيروت .
* المُغْنِي لابن قدامة المقدسي .. الرياض الحديثة .
* مُغْنِي المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج لِلخطيب الشربيني ..
الحلبي .
خامساً : اللغة والمعاجم ونَحْوها
* إيضاح المُبْهَم لِلدمنهوري .. مكتبة الحلبي - القاهرة .
* التعريفات لِلجرجاني .. دار الكتاب المصري - القاهرة .
* الصحاح لِلجوهري .. دار العِلْم لِلملايين - بيروت .(1/52)
* القاموس المحيط .. مؤسسة الرسالة - بيروت .
* الكُلِّيّات لأبي البقاء الكفوي .. مؤسسة الرسالة – بيروت 1412 هـ .
* لسان العرب لابن منظور .. دار إحياء التراث – بيروت .
* مدخل إلى عِلْم المنطق لِلدكتور مهدي فَضْل الله .. دار الطليعة .
* المصباح المنير لِلفيومي .. المكتبة العلمية – بيروت .
* المُعْجَم الوسيط .. دار إحياء التراث العربي - بيروت .
* المنطق الواضح لِمُحَمَّد عَبْد الوهّاب فايد .. مكتبة صبيح - القاهرة .
سادساً : التراجم والتاريخ وغَيْرها
* الإصابة في تمييز الصحابة لابن حَجَر العسقلاني .. مكتبة المثنى –
بغداد .
* الأعلام لِلزركلي .. دار العِلْم لِلملايين – بيروت 1384 هـ .
* البداية والنهاية لابن كثير .. مكتبة المعارف – بيروت 1985 م .
* سِيَر أعلام النبلاء لِلذهبي .. مؤسسة الرسالة – بيروت 1413 هـ .
* شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب لابن العماد الحنبلي .. دار المسيرة
بيروت .
* معجم المؤلِّفين لِعُمَر رضا كحالة .. دار إحياء التراث العربي -
بيروت .
* النجوم الزاهرة في ملوك مِصْر والقاهرة لابن تغربردي .. دار المعرفة
بيروت .
* وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان .. دار صادر –
بيروت .(1/53)