بسم الله الرحمن الرحيم
____________________
(1/2)
فارغة
____________________
(1/3)
الحمد لله
____________________
(1/4)
فارغة
____________________
(1/5)
على أفضاله
والصلاة والسلام على سيدنا محمد
____________________
(1/6)
وآله
هذا ما اشتدت
____________________
(1/7)
إليه حاجة المتفهمين لجمع الجوامع من شرح يحل ألفاظه ويبين مراده
____________________
(1/8)
فارغة
____________________
(1/9)
ويحقق مسائله ويحرر دلائله
____________________
(1/10)
على وجه سهل للمبتدئين حسن للناظرين نفع الله به آمين
قال المصنف رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم نحمدك اللهم أي نصفك بجميع صفاتك إذ الحمد كما قال الزمخشري في الفائق الوصف بالجميل وكل من صفاته تعالى جميل ورعاية جميعها أبلغ في التعظيم المراد بما ذكر إذ المراد به إيجاد الحمد لا الإخبار سيوجد وكذا قوله نصلي ونضرع المراد به إيجاد الصلاة والضراعة لا الإخبار بأنهما سيوجدان
وأتى بنون العظمة
____________________
(1/11)
لإظهار ملزومها الذي هو نعمة من تعظيم الله له يتأهب له العلم امتثالا لقوله تعالى وأما بنعمة ربك فحدث
وقال ما تقدم دون نحمد الله الأخصر منه
____________________
(1/12)
للتلذذ بخطاب الله وندائه
وعدل عن الحمد لله الصيغة الشائعة للحمد إذ القصد بها الثناء على الله تعالى بأنه مالك لجميع الحمد من الخلق
____________________
(1/13)
لا الإعلام بذلك الذي هو من جملة الأصل في القصد بالخبر من الإعلام بمضمونه إلى ما قاله لأنه ثناء بجميع الصفات برعاية الأبلغية كما تقدم
____________________
(1/14)
وهذا بواحدة منها
وإن لم تراع إلا الأبلغية هناك بأن يراد الثناء ببعض الصفات فذلك البعض أعم من هذه الواحدة لصدقه بها وبغيرها الكثير فالثناء به أبلغ من الثناء في الجملة أيضا نعم الثناء بها من حيث تفصيلها أوقع في النفس من الثناء به
على نعم جمع نعمة
____________________
(1/15)
بمعنى إنعام والتنكير للتكثير والتعظيم أي إنعامات كثيرة عظيمة منها الإلهام لتأليف هذا الكتاب والإقدار عليه وعلى صلة نحمد
وإنما حمد
____________________
(1/16)
على النعم أي في مقابلتها لا مطلقا لأن الأول واجب والثاني مندوب
ووصف النعم بما هو شأنها بقوله
____________________
(1/17)
يؤذن الحمد عليها بازديادها أي يعلم بزيادتها لأنه متوقف على الإلهام له والإقدار عليه وهما من جملة النعم
فيقتضيان الحمد وهو مؤذن بالزيادة المقتضية للحمد أيضا
____________________
(1/18)
وهلم جرا فلا غاية للنعم حتى يوقف بالحمد عليها وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وازداد وزاد اللام مطاوعا زاد المتعدي تقول زاد الله النعم علي فازدادت وزادت
ونصلي
على نبيك محمد
من الصلاة عليه المأمور بها وهي الدعاء بالصلاة أي الرحمة عليه أخذا من حديث أمرنا الله نصلي عليك فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد إلخ رواه الشيخان إلا صدره فمسلم
والنبي
____________________
(1/19)
إنسان أوحي إليه وإن لم يؤمر بتبليغه فإن أمر بذلك فرسول أيضا أو أمر بتبليغه
____________________
(1/20)
وإن لم يكن له كتاب أو نسخ لبعض شرع من قبله كيوشع فإن كان له ذلك فرسول أيضا قولان
فالنبي أعم من الرسول عليهما وفي ثالث أنهما بمعنى وهو معنى الرسول على الأول المشهور وقال نبيك دون رسولك لأن النبي أكثر استعمالا ولفظه بالهمز من النبأ أي الخبر لأن النبي مخبر عن الله وبلا همز وهو الأكثر قيل إنه مخفف المهموز بقلب همزته ياء وقيل إنه الأصل من النبوة بفتح النون وسكون الباء أي الرفعة
____________________
(1/21)
لأن النبي مرفوع الرتبة على غيره من الخلق
ومحمد علم منقول من اسم مفعول المضعف سمي به نبينا بإلهام من الله تعالى تفاؤلا بأنه يكثر حمد الخلق له لكثرة خصاله الجميلة كما روي في السير أنه قيل لجده عبد المطلب وقد سماه في سابع ولادته لموت أبيه قبلها لم سميت ابنك محمدا وليس من أسماء آبائك ولا قومك قال رجوت أن يحمد في السماء والأرض وقد حقق الله رجاءه كما سبق في علمه تعالى هادي الأمة أي دالها بلطف لرشادها يعني لدين الإسلام الذي هو تمكنه في الوصول به إلى الرشاد وهو ضد الغي كأنه نفسه وهذا مأخوذ من قوله تعالى وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم أي دين الإسلام
____________________
(1/22)
وعلى آله هم كما قال الشافعي رضي الله عنه أقاربه المؤمنون من بني هاشم والمطلب ابني عبد مناف لأنه صلى الله عليه وسلم قسم سهم ذوي القربى وهو خمس الخمس بينهم تاركا غيرهم من بني عميهم
____________________
(1/23)
نوفل وعبد شمس مع سؤالهم له رواه البخاري وقال إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد رواه مسلم وقال لا أحل لكم أهل البيت من الصدقات شيئا ولا غسالة الأيدي إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم أي بل يغنيكم رواه الطبراني في معجمه الكبير
____________________
(1/24)
والصحيح جواز إضافته إلى الضمير كم استعمله المصنف
وصحبه هو اسم جمع لصاحبه بمعنى الصحابي وهو كما سيأتي من اجتمع مؤمنا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعطف الصحب على الآل الشامل لبعضهم لتشمل الصلاة باقيهم
ما مصدرية ظرفية قامت الطروس أي الصحف جمع طرس بكسر الطاء والسطور
____________________
(1/25)
من عطف الجزء على الكل صرح به لدلالته على اللفظ الدال على المعنى لعيون الألفاظ أي للمعاني التي يدل عليها باللفظ ويهتدي بها كما يهتدي بالعيون الباصرة وهي العلم المبعوث به النبي الكريم مقام بياضها
____________________
(1/26)
أي الطروس وسوادها أي سطور الطروس المعنى نصلي
____________________
(1/27)
مدة قيام كتب العلم المذكور قيام بياضها وسوادها اللازمين لها وقيامها بقيام أهل العلم لأخذهم إياه منها كما عهد وقيامهم إلى الساعة لحديث الصحيحين بطرق لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله أي الساعة كما صرح بها في بعض الطرق قال البخاري وهم أهل العلم أي لابتداء الحديث في بعض الطرق بقوله من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وأبد الصلاة بقيام كتب العلم المذكور لأن
____________________
(1/28)
كتابه هذا المبدوء بما هي منه من كتب ما يفهم به ذلك العلم
ونضرع بسكون الضاد بضبط المصنف أي نخضع ونذل إليك يا الله في منع الموانع أي نسألك غاية السؤال من الخضوع والذلة أن تمنع الموانع أي الأشياء التي تمنع أي تعوق عن إكمال
____________________
(1/29)
هذا الكتاب
جمع الجوامع تحريرا بقرينة السياق الذي إكماله لكثرة الانتفاع به فيما آمله خيور كثيرة وعلى كل خير مانع وأشار بتسميته بذلك إلى جمعه كل مصنف جامع فيما هو فيه فضلا عن كل مختصر يعني مقاصد ذلك من المسائل والخلاف فيها دون الدلائل وأسماء أصحاب الأقوال إلا يسيرا منهما فذكره لنيركت ذكرها في آخر الكتاب الآتي من فن الأصول بإفراد فن وفي نسخة بتثنيته وهي أوضح أي فن أصول الفقه أو فن أصول الدين المختتم بما يناسبه من التصوف والفن النوع وفن كذا
____________________
(1/30)
من إضافة المسمى إلى الاسم كشهر رمضان ويوم الخميس ومن وما بعدها بيان لقوله بالقواعد القواطع قدم عليه رعاية للسجع
والقاعدة قضية كلية
____________________
(1/31)
يتعرف منها أحكام جزئياتها نحو الأمر للوجوب حقيقة
والعلم ثابت لله تعالى والقاطعة
____________________
(1/32)
بمعنى المقطوع بها كعيشة راضية من إسناد ما للفاعل إلى المفعول به لملابسة الفعل لهما
والقطع بالقواعد القطعية أدلتها المبينة في محالها كالعقل المثبت للعلم والقدرة لله تعالى
والنصوص والإجماع المثبتة
____________________
(1/33)
للبعث والحساب
وكإجماع الصحابة المثبت لحجية القياس وخبر الواحد حيث عمل كثير منهم بهما متكررا شائعا مع سكوت الباقين الذي هو في مثل ذلك من الأصول العامة وفاق عادة
وفيما ذكره من الأصول قواعد قواطع تغليب فإن من أصول الفقه ما ليس بقطعي كحجية الاستصحاب ومفهوم المخالفة ومن أصول الدين ما ليس بقاعدة كعقيدة أن الله موجود وأنه ليس بكذا مما سيأتي
البالغ من الإحاطة بالأصلين لم يقل الأصوليين الذي هو الأصل إيثارا للتخفيف
____________________
(1/34)
من غير إلباس مبلغ ذوي الجد بكسر الجيم أي بلوغ أصحاب الاجتهاد والتشمير من تلك الإحاطة الوارد أي الجائي من زهاء مائة مصنف بضم الزاي والمد أي قدرها تقريبا من زهوته بكذا أي حرزته حكاه الصاغاني قلبت الواو همزة لتطرقها إثر ألف زائدة كما في كساء منهلا حال من ضمير الوارد يروي بضم أوله
____________________
(1/35)
أي كل عطشان إلى ما هو فيه ويمير بفتح أوله يعني يشبع كل جائع إلى ما هو فيه من مار أهله أتاهم بالميرة أي الطعام الذي من صفته أنه يشبع فحذف معمولي الفعلين للتعميم مع الاختصار بقرينة السياق والمنهل عين ماء يورد ووصفه بالإرواء والإشباع كماء زمزم فإنه يروي العطشان ويشبع الجوعان ومن استعمال الجوع والعطش في غير معناهما المعروف كما هنا قول العرب جعت إلى لقائك أي اشتقت وعطشت إلى لقائك أي اشتقت حكاه الصاغاني المحيط
____________________
(1/36)
أيضا بزبدة أي خلاصة ما في شرحي على المختصر لابن الحاجب والمنهاج للبيضاوي وناهيك بكثرة فوائدهما مع مزبد بالتنوين بضبط المصنف كثير على تلك الزبدة أيضا وينحصر جمع الجوامع
____________________
(1/37)
يعني المعنى المقصود منه في مقدمات بكسر الدال كمقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منه من قدم اللازم بمعنى تقدم ومنه لا تقدموا بين يدي الله وبفتحها على قلة كمقدمة الرحل في لغة من قدم المتعدي أي في أمور متقدمة أو مقدمة على المقصود بالذات للانتفاع بها فيه مع توقفه على بعضها
____________________
(1/38)
كتعريف الحكم وأقسامه إذ يثبتها الأصولي تارة وينفيها أخرى كما سيأتي
____________________
(1/39)
وسبعة كتب في المقصود بالذات خمسة في مباحث أدلة الفقه الخمسة الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستدلال والسادس في التعادل والتراجيح بين هذه الأدلة عند تعارضها والسابع في الاجتهاد الرابط لها بمدلولها وما يتبعه من التقليد وأحكام المقلدين وآداب الفتيا
وما ضم إليه من علم الكلام المفتتح
____________________
(1/40)
بمسألة التقليد في أصول الدين المختتم بما يناسبه من خاتمة التصوف
الكلام في المقدمات افتتحها بتعريف أصول الفقه
____________________
(1/41)
ليتصوره طالبه بما يضبط مسائله الكثيرة ليكون على بصيرة في تطلبها إذ لو تطلبها قبل ضبطها
____________________
(1/42)
لم يأمن فوات ما يرجيه وضياع الوقت فيما لا يعنيه فقال أصول الفقه أي الفن
____________________
(1/43)
المسمى بهذا اللقب المشعر بمدحه بابتناء الفقه عليه إذ الأصل ما يبتني عليه غيره
____________________
(1/44)
دلائل الفقه الإجمالية
____________________
(1/45)
أي غير المعينة كمطلق الأمر والنهي وفعل النبي والإجماع والقياس والاستصحاب المبحوث عن أولها بأنه للوجوب حقيقة والثاني بأنه للحرمة كذلك الباقي بأنها حجج وغير ذلك مما يأتي مع ما يتعلق به في الكتب الخمسة فخرج بالدلائل التفصيلية نحو أقيموا الصلاة ولا تقربوا الزنا وصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة كما أخرجه الشيخان والإجماع على أن لبنت الابن السدس مع بنت الصلب حيث لا عاصب لهما وقياس الأرز على البر في امتناع بيع بعضه ببعض إلا مثلا بمثل يدا بيد كما رواه مسلم واستصحاب الطهارة لمن شك في بقائها فليست أصول الفقه وإنما يذكر بعضها في كتبه للتمثيل وقيل أصول الفقه ومعرفتها
____________________
(1/46)
أي معرفة دلائل الفقه الإجمالية ورجح المصنف الأول بأنه أقرب إلى المدلول اللغوي إذ الأصول لغة الأدلة كما في تعريف جميعهم الفقه بالعلم بالأحكام لا نفسها إذ الفقه لغة الفهم
____________________
(1/47)
والأصولي أي المرء المنسوب إلى الأصول أي الملتبس به العارف بها أي بدلائل الفقه الإجمالية وبطرق استفادتها يعني المرجحات المذكور معظمها في الكتاب السادس
____________________
(1/48)
و بطرق مستفيدها يعني
____________________
(1/49)
صفات المجتهد المذكورة في الكتاب السابع ويعبر عنها بشروط الاجتهاد وبالمرجحات
____________________
(1/50)
أي بمعرفتها تستفاد دلائل الفقه أي ما يدل عليه من جملة دلائله التفصيلية عند تعارضها وبصفات المجتهد أي بقيامها بالمرء يكون مستفيدا لتلك الدلائل أي أهلا لاستفادتها بالمرجحات
____________________
(1/51)
فيستفيد الأحكام منها ولتوقف استفادة الأحكام منها التي هي الفقه على المرجحات
وصفات المجتهد على الوجه السابق ذكروها في تعريفي الأصول الموضوع لبيان ما يتوقف عليه الفقه من أدلته لكن الإجمالية كما تقدم دون التفصيلية لكثرتها جدا ومن المرجحات صفات المجتهد وأسقطها المصنف كما علمت لما قاله من أنها ليست من الأصول وإنما تذكر في كتبه
____________________
(1/52)
لتوقف معرفته على معرفتها لأنها طريق إليه قال وذكرها حينئذ في تعريف الأصولي كذكرهم في تعريف الفقيه ما يتوقف عليه الفقه من شروط الاجتهاد حيث قالوا الفقيه المجتهد وهو ذو الدرجة الوسطى عربية وأصولا إلى آخر صفات المجتهد وما قالوا الفقيه العالم بالأحكام هذا كلامه الموافق لظاهر المتن
____________________
(1/53)
في أن المرجحات وصفات المجتهد طريق للدلائل الإجمالية الذي بنى عليه ما لم يسبق إليه كما قال من إسقاطها من تعريفي الأصول وأنت خبير مما تقدم بأنها طريق للدلائل التفصيلية وكأن ذلك سرى إليه من كون التفصيلية جزئيات الإجمالية وهو مندفع بأن توقف التفصيلية على ما ذكر من حيث تفصيلها المفيد للأحكام على أن توقفها
____________________
(1/54)
على صفات المجتهد من ذلك من حيث حصولها للمرء لا معرفتها
والمعتبر في مسمى الأصولي معرفتها لا حصولها كما تقدم كل ذلك
وبالجملة فظاهر أن معرفة الدلائل الإجمالية المذكورة في الكتب الخمسة لا تتوقف على معرفة شيء من المرجحات وصفات المجتهد المعقود لها الكتابان الباقيان لكونها من الأصول فالصواب ما صنعوا من ذكرها في تعريفيه كأن يقال أصول الفقه دلائل الفقه الإجمالية وطرق استفادة ومستفيد جزئياتها وقيل معرفة ذلك ولا حاجة إلى تعريف الأصولي للعلم به من ذلك
____________________
(1/55)
وأما قولهم المتقدم الفقيه المجتهد وكذا عكسه الآتي في كتاب الاجتهاد فالمراد به بيان الماصدق أي ما يصدق عليه الفقيه هو ما يصدق عليه المجتهد والعكس لا بيان المفهوم وإن كان هو الأصل في التعريف لأن مفهومهما مختلف ولا حاجة إلى ذكره للعلم به من تعريفي الفقه والاجتهاد فما تقدم من أنهم ما قالوا الفقيه العالم بالأحكام أي إلخ
____________________
(1/56)
لذلك على أن بعضهم قاله تصريحا بما علم التزاما
والفقه العلم بالأحكام
____________________
(1/57)
أي بجميع النسب التامة الشرعية أي المأخوذة من الشرع المبعوث به النبي الكريم العملية
____________________
(1/58)
أي المتعلقة بكيفية عمل قلبي أو غيره كالعلم بأن النية في الوضوء واجبة وأن الوتر مندوب المكتسب ذلك العلم من أدلتها التفصيلية أي من الأدلة التفصيلية
____________________
(1/59)
للأحكام فخرج بقيد الأحكام العلم بغيرها من الذوات والصفات كتصور الإنسان والبياض وبقيد الشرعية العلم بالأحكام العقلية والحسية كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين وأن النار محرقة وبقيد العلمية العلم بالأحكام الشرعية العلمية أي الاعتقادية
____________________
(1/60)
كالعلم بأن الله واحد وأنه يرى في الآخرة وبقيد المكتسب علم الله وجبريل والنبي بما ذكر وبقيد التفصيلية العلم بذلك المكتسب للخلافي من المقتضى والنافي المثبت بهما ما يأخذه من الفقيه ليحفظه عن إبطال خصمه فعلمه مثلا بوجوب النية في الوضوء لوجود المقتضي أو بعدم وجوب الوتر لوجود النافي ليس من الفقه
____________________
(1/61)
وعبروا عن الفقه هنا بالعلم
____________________
(1/62)
وإن كان لظنية أدلته ظنا كما سيأتي التعبير به عنه في كتاب الاجتهاد لأنه ظن المجتهد الذي هو لقوته قريب من العلم وكون المراد بالأحكام جميعا لا ينافيه قول مالك من أكابر الفقهاء
____________________
(1/63)
في ست وثلاثين مسألة من أربعين سئل عنها لا أدري لأنه متهيئ للعلم بأحكامها بمعاودة النظر وإطلاق العلم على مثل هذا التهيؤ شائع عرفا يقال فلان يعلم النحو ولا يراد أن جميع مسائله حاضرة عنده على التفصيل بل إنه متهيئ لذلك وما قيل من أن الأحكام الشرعية قيد واحد جمع الحكم الشرعي المعرف بخطاب الله الآتي
____________________
(1/64)
فخلاف الظاهر وإن آل ما تقدم في شرح كونهما قيدين كما لا يخفى
والحكم المتعارف بين الأصوليين بالإثبات تارة والنفي أخرى
____________________
(1/65)
خطاب الله أي كلامه النفسي الأزلي المسمى في الأزل
____________________
(1/66)
خطابا حقيقة على الأصح كما سيأتي المتعلق بفعل المكلف أي البالغ العاقل تعلقا معنويا
____________________
(1/67)
قبل وجوده كما سيأتي وتنجيزيا بعد وجوده بعد البعثة إذ لا حكم قبلها كما سيأتي
____________________
(1/68)
من حيث إنه مكلف أي ملزم ما فيه كلفة كما يعلم مما سيأتي فتناول الفعل القلبي الاعتقادي وغيره والقولي وغيره والكف والمكلف الواحد كالنبي صلى الله عليه وسلم في خصائصه والأكثر من الواحد والمتعلق بأوجه التعلق الثلاثة
____________________
(1/69)
من الاقتضاء الجازم وغير الجازم والتخيير الآتية لتناول حيثية التكليف
____________________
(1/70)
للأخيرين منها كالأول الظاهر فإنه لولا وجود التكليف لم يوجدا ألا ترى إلى انتفائهما قبل البعثة كانتفاء التكليف ثم الخطاب المذكور يدل عليه الكتاب والسنة وغيرهما وخرج بفعل المكلف خطاب الله المتعلق بذاته وصفاته وذوات المكلفين والجمادات كمدلولي الله لا إله إلا هو خالق كل شيء ولقد خلقناكم ويوم نسير الجبال وبما بعده مدلول وما تعملون من قوله تعالى والله خلقكم وما تعملون فإنه متعلق بفعل المكلف من حيث إنه مخلوق لله تعالى
____________________
(1/71)
ولا خطاب يتعلق بفعل غير البالغ العاقل وولي الصبي والمجنون مخاطب بأداء ما وجب في مالهما منه كالزكاة
____________________
(1/72)
وضمان المتلف كما يخاطب صاحب البهيمة بضمان ما أتلفته حيث فرط في حفظها لتنزل فعلها في هذه الحالة منزلة فعله وصحة عبادة الصبي كصلاته وصومه المثاب عليها ليس هو لأنه مأمور بها كالبالغ بل ليعتادها فلا يتركها بعد بلوغه إن شاء الله ذلك ولا يتعلق الخطاب بفعل كل بالغ عاقل
____________________
(1/73)
كما يعلم مما سيأتي من امتناع تكليف الغافل والملجأ والمكره ويرجع ذلك في التحقيق إلى انتفاء تكليف البالغ العاقل في بعض أحواله
وأما خطاب الوضع الآتي فليس من الحكم المتعارف كما مشى عليه المصنف
____________________
(1/74)
ومن جعله منه كما اختاره ابن الحاجب زاد في التعريف السابق ما يدخله فقال خطاب الله المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع
لكنه لا يشمل من الوضع ما متعلقه غير فعل المكلف كالزوال سببا لزوال الظهر
____________________
(1/75)
واستعمل المصنف كغيره ثم للمكان المجازي
____________________
(1/76)
كثيرا ويبين في كل محل بما يناسبه كما سيأتي
فقوله هنا ومن ثم أي من هنا وهو أن الحكم خطاب الله أي من أجل ذلك نقول
____________________
(1/77)
لا حكم إلا لله فلا حكم للعقل
____________________
(1/78)
فارغة
____________________
(1/79)
في الأفعال قبل البعثة كما سيشير إلى ذلك قول الشارح يتبعها حسنه أو قبحه وقوله أي لا يؤخذ إلا من ذلك بشيء مما سيأتي عن المعتزلة المعبر عن بعضه بالحسن والقبح ولما شاركه في التعبير بهما عنه ما يحكم به العقل وفاقا بدأ به تحريرا لمحل النزاع فقال الحسن والقبح للشيء بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته كحسن الحلو وقبح المر
____________________
(1/80)
و بمعنى صفة الكمال والنقص كحسن العلم وقبح الجهل عقلي أي يحكم به العقل اتفاقا
____________________
(1/81)
وبمعنى ترتب المدح و الذم عاجلا والثواب والعقاب آجلا كحسن الطاعة وقبح المعصية شرعي أي لا يحكم به إلا الشرع المبعوث به الرسل أي لا يؤخذ إلا من ذلك ولا يدرك إلا به
____________________
(1/82)
خلافا للمعتزلة في قولهم إنه عقلي أي يحكم به العقل لما في الفعل من مصلحة أو مفسدة يتبعها حسنه أو قبحه عند الله أي يدرك العقل ذلك بالضرورة كحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار أو بالنظر كحسن الكذب النافع وقبح الصدق الضار وقيل العكس ويجيء الشرع مؤكدا لذلك أو باستعانة الشرع
____________________
(1/83)
سقط كحسن الصدق وقبح الكذب الضار أو بالنظر كحسن الكذب النافع قبح الصدق الضار وقيل العكس ويجيء الشرع مؤكدا لذلك أو باستعانة الشرع فيما خفي على العقل كحسن الصوم آخر يوم من رمضان وقبح صوم أول يوم من شوال وقوله وكغيره عقلي وشرعي خبر مبتدأ محذوف أي كل منهما أو كلاهما وتركه كغيره المدح والثواب للعلم بهما من ذكر مقابلهما الأنسب كما قال بأصول المعتزلة فإن العقاب عندهم لا يتخلف ولا يقبل الزيادة والثواب يقبلها وإن لم يتخلف أيضا
____________________
(1/84)
وشكر المنعم
____________________
(1/85)
أي وهو الثناء على الله تعالى لإنعامه بالخلق والرزق والصحة وغيرها بالقلب بأن يعتقد أنه تعالى
____________________
(1/86)
وليها أو اللسان بأن يتحدث بها أو غيره كأن يخضع له تعالى واجب بالشرع لا العقل فمن لم تبلغه دعوة نبي لا يأثم بتركه خلافا للمعتزلة
ولا حكم موجود قبل الشرع
____________________
(1/87)
أي البعثة لأحد من الرسل
____________________
(1/88)
لانتفاء لازمه حينئذ من ترتب الثواب والعقاب بقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا أي ولا مثيبين فاستغنى عن ذكر الثواب بذكر مقابله من العذاب
____________________
(1/89)
الذي هو أظهر في تحقيق معنى التكليف وانتفاء الحكم الذي هو الخطاب السابق بانتفاء قيد منه وهو التعلق التنجيزي بل الأمر أي الشأن في وجود الحكم موقوف
____________________
(1/90)
إلى وروده أي الشرع أشار بهذا كما قال إلى أنه مراد من عبر منا في الأفعال قبل البعثة بالوقف فليس مخالفا لمن نفى منا الحكم فيها وبل هنا للانتقال من غرض إلى آخر وإن اشتمل على الأول إذ توقف الحكم على الشرع مشتمل على انتفائه قبله ووجوده بعده
____________________
(1/91)
وحكمت المعتزلة العقل في الأفعال قبل البعثة فما قضى به في شيء منها ضروري
____________________
(1/92)
كالتنفس في الهواء أو اختياري لخصوصه بأن أدرك فيه مصلحة أو مفسدة أو انتفاءهما فأمر قضائه فيه ظاهر وهو أن الضروري مقطوع بإباحته
والاختياري لخصوصه ينقسم إلى الأقسام الخمسة الحرام وغيره لأنه إن اشتمل على مفسدة فعله
____________________
(1/93)
فحرام كالظلم أو تركه فواجب كالعدل أو على مصلحة فعله فمندوب كالإحسان أو تركه فمكروه وإن لم يشتمل على مصلحة أو مفسدة فمباح
فإن لم يقض العقل في بعض منها لخصوصه بأن لم يدرك فيه شيئا مما تقدم كأكل الفاكهة فاختلف في قضائه فيه لعموم دليله
____________________
(1/94)
على أقوال ذكرها بقوله فثالثها لهم الوقف عن الحظر والإباحة أي لا يدري أنه محظور أو مباح مع أنه لا يخلو عن واحد منهما لأنه إما ممنوع منه فمحظور أو لا فمباح وهما القولان المطويان دليل الحظر أن الفعل تصرف في ملك الله
____________________
(1/95)
بغير إذنه إذ العالم أعيانه ومنافعه ملك لله تعالى ودليل الإباحة أن الله تعالى خلق العبد وما ينتفع به فلو لم يبح له كان خلقهما عبثا أي خاليا عن الحكمة ووجه الوقف عنهما تعارض دليليهما وأشار بقوله لهم أي للمعتزلة إلى ما نقله عن القاضي أبي بكر الباقلاني من أن قول بعض فقهائنا أي كابن أبي هريرة بالحظر وبعضهم بالإباحة في الأفعال قبل الشرع إنما هو لغفلتهم عن تشعب ذلك عن أصول المعتزلة للعلم بأنهم ما ابتغوا مقاصدهم وأن قول بعض أئمتنا أي كالأشعري فيها بالوقف مراده به نفي الحكم فيها أي كما تقدم
والصواب امتناع تكليف الغافل والملجأ
____________________
(1/96)
أما الأول وهو من لا يدري كالنائم والساهي فلأن مقتضى التكليف
____________________
(1/97)
بالشيء الإتيان به امتثالا
____________________
(1/98)
وذلك يتوقف على العلم بالتكليف به والغافل لا يعلم ذلك فيمتنع تكليفه وإن وجب عليه بعد يقظته ضمان ما أتلفه من المال وقضاء ما فاته من الصلاة في زمان غفلته لوجود سببهما
____________________
(1/99)
وأما الثاني وهو من يدري ولا مندوحة له عما ألجئ إليه كالملقى من شاهق على شخص يقتله لا مندوحة له عن الوقوع عليه القاتل له فامتناع تكليفه بالملجئ إليه أو بنقيضه لعدم قدرته على ذلك لأن الملجئ إليه واجب الوقوع ونقيضه ممتنع الوقوع ولا قدرة له على واحد من الواجب والممتنع وقيل بجواز تكليف الغافل والملجأ بناء على جواز التكليف بما لا يطاق كحمل الواحد الصخرة العظيمة ورد بأن الفائدة في التكليف بما لا يطاق
____________________
(1/100)
من الاختيار هل يأخذ
____________________
(1/101)
في المقدمات منتفية في تكليف الغافل والملجأ وإلى حكاية هذا ورده أشار المصنف بتعبيره بالصواب
وكذا المكره وهو من لا مندوحة له عما أكره عليه إلا بالصبر على ما أكره به يمتنع تكليفه
____________________
(1/102)
بالمكره عليه أو بنقيضه على الصحيح لعدم قدرته على امتثال ذلك
____________________
(1/103)
فإن الفعل للإكراه لا يحصل به الامتثال ولا يمكن الإتيان معه بنقيضه ولو كان مكرها على القتل لمكافئه فإنه يمتنع تكليفه حالة القتل للإكراه بتركه لعدم قدرته عليه وإثم القاتل الذي هو مجمع عليه
____________________
(1/104)
لإيثاره نفسه البقاء على مكافئه الذي خيره بينهما المكره بقوله اقتل هذا وإلا قتلتك فيأثم بالقتل من جهة الإيثار دون الإكراه وقيل يجوز تكليف المكره بما أكره عليه أو بنقيضه
____________________
(1/105)
لقدرته على امتثال ذلك بأن يأتي بالمكره عليه لداعي الشرع كمن أكره على أداء الزكاة فنواها عند أخذها منه أو بنقيضه صابرا على ما أكره به وإن لم يكلفه الشارع الصبر عليه كمن أكره على شرب الخمر فامتنع منه صابرا على العقوبة والقول الأول للمعتزلة والثاني للأشاعرة
____________________
(1/106)
ورجع إليه المصنف آخرا ومن توجيههما يعلم أنه لا خلاف بينهما وأن التحقيق مع الأول فليتأمل
ويتعلق الأمر بالمعدوم تعلقا معنويا بمعنى أنه إذا وجد
____________________
(1/107)
بشروط التكليف يكون مأمورا بذلك الأمر النفسي الأزلي لا تعلقا تنجيزيا
____________________
(1/108)
بأن يكون حالة عدمه مأمورا خلافا للمعتزلة في نفيهم التعليق المعنوي أيضا لنفيهم الكلام النفسي والنهي وغيره كالأمر وسيأتي تنوع الكلام في الأزل على الأصح إلى الأمر وغيره
فإن اقتضى الخطاب
____________________
(1/109)
أي طلب
____________________
(1/110)
كلام الله النفسي الفعل من المكلف لشيء اقتضاء جازما بأن لم يجز تركه
____________________
(1/111)
فإيجاب أي فهذا الخطاب يسمى إيجابا أو اقتضاء غير جازم بأن جوز تركه فندب
أو اقتضى الترك لشيء اقتضاء جازما بأن لم يجوز فعله فتحريم
أو اقتضاء غير جازم
____________________
(1/112)
بنهي مخصوص بالشيء كالنهي في حديث الصحيحين إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين وفي حديث ابن ماجه وغيره في أعطان الإبل فإنها خلقت من الشياطين فكراهة أي فالخطاب المدلول عليه بالمخصوص يسمى كراهة ولا يخرج عن المخصوص دليل المكروه إجماعا أو قياسا لأنه في الحقيقة مستند الإجماع أو دليل المقيس عليه وذلك من المخصوص أو بغير مخصوص بالشيء
____________________
(1/113)
فإن الأمر بالشيء يفيد النهي عن تركه فخلاف الأولى أي فالخطاب المدلول عليه بغير المخصوص يسمى خلاف الأولى كما يسمى متعلقه بذلك فعلا كان كفطر مسافر لا يتضرر بالصوم كما سيأتي أو تركا كترك صلاة الضحى والفرق بين قسمي المخصوص وغيره أن الطلب
____________________
(1/114)
في المطلوب بالمخصوص أشد منه في المطلوب بغير المخصوص فالاختلاف في شيء أمكروه هو أم خلاف الأولى اختلاف في وجود المخصوص فيه ك صوم يوم عرفة للحاج خلاف الأولى وقيل مكروه لحديث أبي داود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة وأجيب بضعفه عند أهل الحديث وتقسيم خلاف الأولى زاده المصنف على الأصوليين أخذا من متأخري الفقهاء حيث قابلوا المكروه بخلاف الأولى في مسائل عديدة وفرقوا بينهما ومنهم إمام الحرمين في النهاية بالنهي
____________________
(1/115)
المقصود وغير المقصود وهو المستفاد من الأمر وعدل المصنف إلى المخصوص وغير المخصوص أي العام نظرا إلى جميع الأوامر الندبية وأما المتقدمون فيطلقون المكروه على ذي النهي المخصوص وغير المخصوص وقد يقولون في الأول مكروه كراهة شديدة كما يقال في قسم المندوب سنة مؤكدة وعلى هذا الذي هو مبنى الأصوليين يقال أو غير جازم فكراهة
أو اقتضى الخطاب التخيير
____________________
(1/116)
بين فعل الشيء وتركه فإباحة ذكر التخيير سهو إذ لا اقتضاء في الإباحة والصواب أو خير كما في المنهاج عطفا على اقتضى وقابل الفعل بالترك نظرا للعرف وإلا فالترك المقتضى في الحقيقة فعل هو الكف كما سيأتي أنه لا تكليف إلا بفعل وأنه في النهي الكف
وإن ورد الخطاب النفسي بكون الشيء سببا وشرطا ومانعا وصحيحا وفاسدا الواو للتقسيم
____________________
(1/117)
فارغة
____________________
(1/118)
وهي فيه أجود من أو كما قاله ابن مالك وحذف ما قدرته كما عبر به المختصر أي كون شيء العلم به معنى مع رعاية الاختصار ووصف النفسي بالورود مجاز كوصف اللفظي به الشائع
____________________
(1/119)
والشيء يتناول فعل المكلف وغير فعله كالزنا سببا لوجوب الحد والزوال سببا لوجوب الظهر وإتلاف الصبي مثلا سببا لوجوب الضمان في ماله وأداء الولي منه فوضع أي فهذا الخطاب يسمى وضعا ويسمى خطاب وضع أيضا لأن متعلقه بوضع الله أي بجعله كما يسمى الخطاب المقتضى أو المخير الذي هو الحكم المتعارف كما تقدم خطاب تكليف لما تقدم وقد عرفت حدودها أي حدود المذكورات من أقسام خطاب التكليف ومن خطاب الوضع فحد الإيجاب الخطاب المقتضي للفعل اقتضاء جازما وعلى هذا القياس وسيأتي حدود السبب وغيره من أقسام متعلق خطاب الوضع
____________________
(1/120)
وكذا حد الحد بالجامع المانع الدافع للاعتراض بأن ما عرف رسوم لا حدود لأن المميز فيها خارج عن الماهية
____________________
(1/121)
نعم يختصر فيقال الإيجاب اقتضاء الفعل الجازم وعلى هذا القياس وسيأتي حد الأمر باقتضاء الفعل والنهي باقتضاء الكف كما يحدان بالقول المقتضي للفعل وللكف فالمعبر عنه هنا بما عدا الإباحة هو المعبر عنه فيما سيأتي بالأمر والنهي
____________________
(1/122)
نظرا هنا إلى أنه حكم وهناك إلى أنه كلام
والفرض والواجب
____________________
(1/123)
مترادفان أي اسمان لمعنى واحد وهو كما علم من حد الإيجاب الفعل المطلوب طلبا جازما خلافا لأبي حنيفة في نفيه ترادفهما حيث قال هذا الفعل إن ثبت بدليل قطعي كالقرآن فهو الفرض كقراءة القرآن في الصلاة الثابتة لقوله تعالى فاقرءوا ما تيسر من القرآن وبدليل ظني كخبر الواحد فهو الواجب كقراءة الفاتحة في الصلاة الثابتة بحديث الصحيحين لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فيأثم بتركها ولا تفسد به الصلاة بخلاف ترك القراءة وهو أي الخلاف لفظي أي عائد إلى اللفظ والتسمية إذ حاصله أن ما ثبت بقطعي كما يسمى فرضا هل يسمى واجبا وما ثبت بظني كما يسمى واجبا هل يسمى فرضا
____________________
(1/124)
فعنده لا أخذا للفرض من فرض الشيء بمعنى حزه أي قطع بعضه وللواجب من وجب الشيء وجبة سقط
وما ثبت بظني ساقط من قسم المعلوم
وعندنا نعم أخذا من فرض الشيء قدره ووجب الشيء وجوبا ثبت وكل من المقدر والثابت أعم من أن يثبت بقطعي أو ظني ومأخذنا أكثر استعمالا وما تقدم من أن ترك الفاتحة من الصلاة لا يفسدها عنده أي دوننا لا يضر في أن الخلاف لفظي لأنه أمر فقهي
____________________
(1/125)
لا مدخل له في التسمية التي الكلام فيها
والمندوب والمستحب والتطوع والسنة مترادفة أي أسماء لمعنى واحد وهو كما علم من حد الندب الفعل المطلوب طلبا غير جازم خلافا لبعض أصحابنا أي القاضي الحسين وغيره في تفهيم ترادفها حيث قالوا هذا الفعل إن واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم فهو السنة أو لم يواظب عليه كأن فعله مرة أو مرتين
____________________
(1/126)
فهو المستحب أو لم يفعله وهو ما ينشئه الإنسان باختياره من الأوراد فهو التطوع ولم يتعرضوا للمندوب لعمومه للأقسام الثلاثة بلا شك وهو أي الخلاف لفظي أي عائد إلى اللفظ والتسمية إذ حاصله أن كلا من الأقسام الثلاثة كما يسمى باسم من الأسماء الثلاثة كما ذكر هل يسمى بغيره منها فقال البعض لا إذ السنة الطريقة والعادة والمستحب المحبوب والتطوع الزيادة والأكثر نعم ويصدق على كل من الأقسام الثلاثة أنه طريقة وعادة في الدين ومحبوب للشارع بطلبه وزائد على الواجب
ولا يجب المندوب بالشروع فيه أي لا يجب إتمامه
____________________
(1/127)
لأن المندوب يجوز تركه وترك إتمامه
____________________
(1/128)
المبطل لما فعل منه ترك له خلافا لأبي حنيفة في قوله بوجوب إتمامه لقوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم حتى يجب بترك إتمام الصلاة والصوم منه قضاؤهما وعورض في الصوم بحديث الصائم المتطوع
____________________
(1/129)
أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر رواه الترمذي وغيره وقال الحاكم صحيح الإسناد ويقاس على الصوم الصلاة
____________________
(1/130)
فلا تتناولهما الأعمال في الآية جمعا بين الأدلة
ووجوب إتمام الحج المندوب لأن نفله أي الحج كفرضه نية فإنها في كل منهما قصد الدخول في الحج أي التلبس به وكفارة فإنها تجب في كل منهما بالجماع المفسد له وغيرهما أي غير النية والكفارة كانتفاء الخروج بالفساد فإن كلا منهما لا يحصل الخروج منه بفساده بل يجب المضي فيه بعد فساده
____________________
(1/131)
والعمرة كالحج فيما ذكر وغيرهما ليس نفله وفرضه سواء فيما ذكر فالنية في نفل الصلاة والصوم غيرها في فرضهما والكفارة في فرض الصوم بشرطه دون نفله ودون الصلاة مطلقا وبفساد الصلاة والصوم يحصل الخروج منهما مطلقا ففارق الحج والعمرة غيرهما من باقي المندوب في وجوب تمامهما لمشابهتهما لفرضهما فيما تقدم
والسبب ما يضاف الحكم إليه كذا في المستصفى زاد المصنف لبيان جهة الإضافة قوله للتعلق أي لتعلق الحكم به من حيث إنه معرف للحكم أو غيره أي غير معرف له أي مؤثر فيه بذاته أو بإذن الله تعالى أو باعث عليه الأقوال الآتية في معنى العلة
____________________
(1/132)
أي حيثما أطلقت على شيء معزو أولها لأهل الحق وتعرض لها هنا تنبيها على أن المعبر عنه هنا بالسبب هو المعبر عنه في القياس بالعلة كالزنا لوجوب الجلد والزوال لوجوب الظهر والإسكار لحرمة الخمر وإضافة الأحكام إليها كما يقال يجب الجلد بالزنا والظهر بالزوال وتحرم الخمر للإسكار
____________________
(1/133)
ومن قال لا يسمى الزوال ونحوه من السبب الوقتي علة نظر إلى اشتراط المناسبة في العلة وسيأتي أنها لا يشترط فيها ذلك بناء على أنها بمعنى المعرف الذي هو الحق وما عرف المصنف به السبب هنا مبين لخاصته وما عرفه به في شرح المختصر كالآمدي من الوصف الظاهر المنضبط
____________________
(1/134)
المعرف للحكم مبين لمفهومه والقيد الأخير للاحتراز عن المانع ولم يقيد الوصف بالوجودي كما في المانع لأن العلة
____________________
(1/135)
قد تكون عدمية كما سيأتي والشرط يأتي في مبحث المخصص أخره إلى هناك لأن اللغوي من أقسامه مخصص كما في أكرم ربيعة إن جاءوا أي الجائين منهم ومسائله الآتية
____________________
(1/136)
من الاتصال وغيره لا محل لذكرها إلا هناك ثم الشرعي المناسب هنا كالطهارة للصلاة والإحصان لوجوب الرجم
والمانع المراد عند الإطلاق وهو مانع الحكم الوصف الوجودي الظاهر المنضبط المعرف نقيض الحكم أي حكم السبب كالأبوة في باب القصاص وهي
____________________
(1/137)
كون القاتل أبا القتيل فإنها مانعة من وجوب القصاص المسبب عن القتل لحكمة وهي أن الأب كان سببا في وجود ابنه فلا يكون الابن سببا في عدمه وإطلاق الوجودي على الأبوة التي هي أمر إضافي صحيح عند الفقهاء وغيرهم نظرا إلى أنها ليست عدم شيء وإن قال المتكلمون الإضافيات أمور اعتبارية لا وجودية كما سيأتي تصحيحه في أواخر الكتاب أما مانع السبب والعلة ولا يذكر إلا مقيدا بأحدهما فسيأتي في مبحث العلة
والصحة
____________________
(1/138)
من حيث هي الشاملة لصحة العبادة وصحة العقد موافقة الفعل ذي الوجهين وقوعا الشرع والوجهان موافقة الشرع ومخالفته أي الفعل الذي يقع تارة موافقا للشرع لاستجماعه ما يعتبر فيه شرعا وتارة مخالفا له لانتفاء ذلك عبادة كان كالصلاة أو عقدا كالبيع لصحة موافقته الشرع بخلاف ما لا يقع إلا موافقا للشرع كمعرفة الله تعالى
____________________
(1/139)
إذ لو وقعت مخالفة له أيضا كان الواقع جهلا لا معرفة فإن موافقته الشرع ليست من مسمى الصحة فلا يسمى هو صحيحا فصحة العبادة أخذا مما ذكر موافقة العبادات ذات الوجهين وقوعا الشرع وإن لم تسقط القضاء
وقيل الصحة في العبادة إسقاط القضاء أي إغناؤها عنه
____________________
(1/140)
بمعنى أن لا يحتاج إلى فعلها ثانيا فما وافق من عبادة ذات وجهين الشرع ولم يسقط القضاء كصلاة من ظن أنه متطهر ثم تبين له حدثه يسمى صحيحا على الأول دون الثاني وبصحة العقد التي هي أخذا مما تقدم موافقته الشرع ترتب أثره أي أثر العقد وهو ما شرع العقد له
____________________
(1/141)
كحل الانتفاع في البيع والاستمتاع في النكاح فالصحة منشأ الترتيب لا نفسه كما قيل قال المصنف بمعنى أنه حيثما وجد فهو ناشئ عنها لا بمعنى أنها حيثما وجدت نشأ عنها حتى يرد البيع قبل انقضاء الخيار فإنه صحيح ولم يترتب عليه أثره وتوقف الترتب على انقضاء الخيار
____________________
(1/142)
المانع منه لا يقدح في كون الصحة منشأ الترتب كما لا يقدح في سببية ملك النصاب لوجوب الزكاة توقفه على حولان الحول وقدم الخبر على المبتدأ ليتأتى له الاختصار فيما يليهما والأصل وترتب أثر العقد بصحته وعند التقديم غير الضمير بالظاهر والعكس ليتقدم مرجع الضمير عليه
و بصحة العبادة على القول الراجح في معناها إجزاؤها
____________________
(1/143)
أي كفايتها في سقوط التعبد أي الطلب وإن لم يسقط القضاء وقيل إجزاؤها إسقاط القضاء كصحتها على القول المرجوح فالصحة منشأ الإجزاء
____________________
(1/144)
على القول الراجح فيهما ومرادفة للمرجوح فيهما ويختص الإجزاء بالمطلوب من واجب ومندوب أي بالعبادة لا يتجاوزها إلى العقد المشارك لها في الصحة وقيل يختص بالواجب لا يتجاوزه إلى المندوب كالعقد والمعنى أن الإجزاء لا يتصف به العقد وتتصف به العبادة الواجبة والمندوبة وقيل الواجبة فقط ومنشأ الخلاف حديث ابن ماجه وغيره مثلا أربع لا تجزئ في الأضاحي
____________________
(1/145)
فاستعمل الإجزاء في الأضحية وهي مندوبة عندنا واجبة عند غيرنا كأبي حنيفة ومن استعماله في الواجب اتفاقا حديث الدارقطني وغيره لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بأم القرآن
ويقابلها أي الصحة البطلان فهو مخالفة الفعل ذي الوجهين وقوعا الشرع وقيل في العبادة عدم إسقاطها القضاء وهو أي البطلان الذي علم أنه مخالفة ذي الوجهين الشرع الفساد أيضا فكل منهما مخالفة ما ذكر الشرع خلافا لأبي حنيفة في قوله مخالفة ما ذكر الشرع بأن كان منهيا عنه إن كانت لكون النهي عنه لأصله
____________________
(1/146)
فهي البطلان كما في الصلاة بدون بعض الشروط والأركان وكما في بيع الملاقيح وهي ما في البطون من الأجنة لانعدام ركن من البيع أي المبيع أو لوصفه فهي الفساد كما في صوم يوم النحر للإعراض بصومه عن ضيافة الله للناس بلحوم الأضاحي التي شرعها فيه وكما في بيع الدرهم بالدرهمين لاشتماله على الزيادة فيأثم به ويفيد بالقبض الملك الخبيث ولو نذر صوم يوم النحر صح نذره لأن المعصية في فعله دون نذره ويؤمر بفطره وقضائه ليتخلص عن المعصية ويفي بالنذر ولو صامه خرج عن عهد نذره لأنه أدى الصوم كما التزمه فقد اعتد بالفاسد أما الباطل فلا يعتد به وفات المصنف أن يقول والخلاف لفظي كما قال في الفرض والواجب إذ حاصله أن مخالفة ذي الوجهين للشرع بالنهي عنه لأصله كما تسمى بطلانا هل تسمى فسادا أو لوصفه كما تسمى فسادا هل تسمى بطلانا فعنده وعندنا نعم
____________________
(1/147)
والأداء فعل بعض وقيل كل ما دخل وقته قبل خروجه واجبا كان أو مندوبا وقوله فعل بعض يغني
____________________
(1/148)
عن فعل البعض الآخر في الوقت أيضا صلاة كان أو صوما أو بعده في الصلاة لكن بشرط أن يكون المفعول فيه منها ركعة كما هو معلوم من محله لحديث الصحيحين من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وقوله بعض بلا تنوين لإضافته إلى مثل ما أضيف إليه المعطوف حذف اختصارا كقولهم نصف وربع درهم وكذا قوله كل في تعريف القضاء والمؤدى ما فعل من كل العبادة في وقتها على القولين أو فيه وبعده على الأول
____________________
(1/149)
والوقت لما فعل كله فيه أو فيه وبعده أداء أي للمؤدى الزمان المقدر له شرعا مطلقا أي موسعا كزمان الصلوات الخمس وسننها والضحى والعيد أو مضيقا كزمان صوم رمضان وأيام البيض فما لم يقدر له زمان في الشرع كالنفل والنذر المطلقين وغيرهما وإن كان فوريا كالإيمان لا يسمى فعله أداء ولا قضاء وإن كان الزمان ضروريا لفعله
والقضاء فعل كل وقيل بعض
____________________
(1/150)
ما خرج وقت أدائه من الزمان المذكور مع فعل بعضه الآخر بعد خروج الوقت أيضا صلاة كان أو صوما أو قبله في الصلاة وإن كان المفعول منها في الوقت ركعة فأكثر والحديث المتقدم فيها فيمن زال عذره كالجنون وقد بقي من الوقت ما يسع ركعة فتجب عليه الصلاة
____________________
(1/151)
ولو قال وقته كما قال في الأداء كفى استدراكا بذلك الفعل لما أي لشيء سبق له مقتضى للفعل أي لأن يفعل وجوبا أو ندبا فإن الصلاة المندوبة تقضى في الأظهر ويقاس عليها الصوم المندوب فقوله مقتضي أحسن من قول ابن الحاجب وغيره وجوب لكن لو قال لما سبق لفعله مقتضي كان أوضح وأخصر
____________________
(1/152)
مطلقا أي من المستدرك كما في قضاء الصلاة المتروكة بلا عذر أو من غيره كما في قضاء النائم الصلاة والحائض الصوم فإنه سبق مقتضى لفعل الصلاة والصوم من غير النائم والحائض لا منهما وإن انعقد سبب الوجوب أو الندب في حقهما لوجوب القضاء عليهما أو ندبه لهما وخرج بقيد الاستدراك إعادة الصلاة المؤداة
____________________
(1/153)
في الوقت بعده في جماعة مثلا ولما أطلق البعض في تعريف الأداء للعلم المتقدم اقتصر على الكل في القضاء فيضم إليه ما خرج بالقيد من أن فعل أقل من ركعة في الوقت والباقي بعده قضاء وللفرق بين هذا وبين ذي الركعة أنها تشتمل على معظم أفعال الصلاة إذ معظم الباقي كالتكرير لها فجعل ما بعد الوقت تابعا لها بخلاف ما دونها
____________________
(1/154)
والمقضي المفعول من كل العبادة بعد خروج وقتها على القولين أو قبله وبعده على الثاني وإنما عرف المصدر والمفعول المستغني بأحدهما قائلا في المؤدى ما فعل الذي صدر به ابن الحاجب تعريف الأداء والقضاء والإعادة قال إشارة إلى الاعتراض عليه في ذلك أي المحوج لتصحيحه إلى تأويل المصدر بالمفعول وإن كان إطلاقه عليه شائعا وعدل في المقضي عما فعل إلى المفعول قال لأنه أخصر منه أي بكلمة
____________________
(1/155)
إذ لام التعريف كالجزء من مدخولها فلا تعد فيه كلمة وزاد مسألة البعض على الأصوليين في تعريفي الأداء
____________________
(1/156)
والقضاء جريا على ظاهر كلام الفقهاء الواصفين لذات الركعة في الوقت بهما وإن كان وصفها بهما في التحقيق الملحوظ للأصوليين بتبعية ما بعد الوقت لما فيه والعكس وبعض الفقهاء
____________________
(1/157)
حقق فوصف ما في الوقت منها بالأداء وما بعده بالقضاء ولم يبال بتبعيض العبادة في الوصف بذلك الذي فر منه غيره وعلى هذا والقضاء يأثم المصلي بالتأخير وكذا على الأداء نظرا للتحقيق وقيل لا نظرا للظاهر المستند للحديث
والإعادة فعله أي المعاد أي فعل الشيء ثانيا في وقت الأداء له قيل لخلل في فعله أو لا من فوات شرط أو ركن كالصلاة
____________________
(1/158)
مع النجاسة أو بدون الفاتحة سهوا وقيل لعذر من خلل في فعله أو لا أو حصول فضيلة لم تكن في فعله أو لا فالصلاة المكررة وهي في الأصل المفعولة في وقت الأداء في جماعة بعد الانفراد من غير خلل معادة على الثاني لحصول فضيلة الجماعة دون الأول لانتفاء الخلل والأول هو المشهور الذي جزم به الإمام الرازي وغيره ورجحه ابن الحاجب وإنما عبر المصنف فيه بقيل نظرا لاستعمال الفقهاء الأوفق له الثاني ولم يرجح الثاني لتردده في شموله لأحد قسمي ما أطلقوا عليه الإعادة من فعل الصلاة في وقت الأداء في جماعة بعد أخرى الذي هو مستحب على الصحيح استوت الجماعتان أم زادت الثانية بفضيلة من كون الإمام أعلم أو أورع أو الجمع أكثر أو المكان أشرف فقسم استواءها بحسب الظاهر المحتمل لاشتمال الثانية فيه على فضيلة هي حكمة الاستحباب وإن لم يطلع عليها قد يقال يعتبر احتماله فيتناوله التعريف وقد يقال لا فلا ويكون التعريف الشامل حينئذ فعل العبادة في وقت أدائها ثانيا لعذر أو غيره ثم ظاهر كلام المصنف
____________________
(1/159)
أن الإعادة قسم من الأداء وهو كما قال مصطلح الأكثرين وقيل إنها قسيم له كما قال في المنهاج العبادة إن وقعت في وقتها المعين ولم تسبق بأداء مختل فأداء وإلا فإعادة
والحكم الشرعي أي من المأخوذ من الشرع إن تغير
____________________
(1/160)
من حيث تعلقه من صعوبة له على المكلف إلى سهولة كأن تغير من الحرمة للفعل أو الترك إلى الحل له لعذر مع قيام السبب للحكم الأصلي
____________________
(1/161)
المتخلف عنه للعذر فرخصة أي فالحكم المتغير إليه السهل المذكور يسمى رخصة وهي لغة السهولة كأكل الميتة للمضطر والقصر الذي هو ترك الإتمام للمسافر والسلم الذي هو بيع موصوف في الذمة وفطر مسافر في رمضان لا يجهده الصوم بفتح الياء وضمها أي لا يشق عليه مشقة قوية واجبا أي أكل الميتة وقيل هو مباح ومندوبا أي القصر لكن في سفر يبلغ ثلاثة أيام
____________________
(1/162)
فصاعدا كما هو معلوم من محله فإن لم يبلغها فالإتمام أولى خروجا من قول أبي حنيفة بوجوبه ومن قال القصر مكروه كالماوردي أراد مكروه كراهة غير شديدة وهو بمعنى خلاف الأولى ومباحا أي السلم وخلاف الأولى أي فطر مسافر لا يجهده الصوم فإن جهده فالفطر أولى وأتى بهذه الأحوال اللازمة لبيان أقسام الرخصة يعني الرخصة كحل المذكورات
____________________
(1/163)
من وجوب وندب وإباحة وخلاف الأولى وحكمها الأصلي الحرمة وأسبابها الخبث في الميتة ودخول وقتي الصلاة والصوم في القصر والفطر لأنه سبب لوجوب الصلاة تامة والصوم والغرر في السلم وهي قائمة حال الحل وأعذاره الاضطرار ومشقة السفر والحاجة إلى ثمن الغلات قبل إدراكها وسهولة الوجوب في أكل الميتة لموافقته لغرض النفس في بقائها وقيل إنه عزيمة لصعوبته من حيث إنه وجوب ومن الرخصة إباحة ترك الجماعة في الصلاة لمرض أو نحوه وحكمه الأصلي الكراهة الصعبة بالنسبة إلى الإباحة وسببها قائم حال الإباحة وهو الانفراد
____________________
(1/164)
فيما يطلب فيه الاجتماع من شعائر الإسلام
وإلا أي وإن لم يتغير الحكم كما ذكر بأن لم يتغير أصلا كوجوب الصلوات الخمس أو تغير إلى صعوبة كحرمة الاصطياد بالإحرام بعد إباحته قبله أو إلى سهولة لا لعذر كحل ترك الوضوء لصلاة ثانية مثلا لمن يحدث بعد حرمته بمعنى أنه خلاف الأولى أو لعذر لا مع قيام السبب للحكم الأصلي كإباحة ترك ثبات الواحد مثلا من المسلمين للعشرة من الكفار في القتال بعد حرمته وسببها قلة المسلمين ولم تبق حال الإباحة لكثرتهم حينئذ وعذرها مشقة الثبات المذكور لما كثروا فعزيمة أي فالحكم غير المتغير أو المتغير إليه الصعب
____________________
(1/165)
أو السهل المذكور يسمى عزيمة وهي لغة القصد المصمم لأنه عزم أمره أي قطع وحتم صعب على المكلف أو سهل وأورد على التعريفين وجوب ترك الصلاة والصوم على الحائض فإنه عزيمة ويصدق عليه تعريف الرخصة ويجاب بمنع الصدق فإن الحيض الذي هو عذر في الترك مانع من الفعل ومن مانعيته نشأ وجوب الترك وتقسيم المصنف كالبيضاوي وغيره الحكم إلى الرخصة والعزيمة
____________________
(1/166)
أقرب إلى اللغة من تقسيم الإمام الرازي الفعل الذي هو متعلق الحكم إليهما
والدليل ما أي شيء يمكن التوصل أي الوصول بكلفة بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري
____________________
(1/167)
بأن يكون النظر فيه من الجهة التي من شأنها أن ينتقل الذهن بها إلى ذلك المطلوب المسماة وجه الدلالة والخبري ما يخبر به ومعنى الوصول إليه بما ذكر علمه أو ظنه فالنظر هنا الفكر لا بقيد المؤدي إلى علم أو ظن كما سيأتي حذرا من التكرار والفكر حركة النفس في المعقولات وشمل التعريف
____________________
(1/168)
الدليل القطعي كالعالم لوجود الصانع والظني كالنار لوجود الدخان وأقيموا الصلاة لوجوبها
____________________
(1/169)
فبالنظر الصحيح في هذه الأدلة أي بحركة النفس فيما تعقله منها مما من شأنه أن ينتقل به إلى تلك المطلوبات كالحدوث في الأول والإحراق في الثاني والأمر بالصلاة في الثالث تصل إلى تلك المطلوبات بأن ترتب هكذا العالم حادث وكل حادث له صانع فالعالم له صانع النار شيء محرق وكل محرق له دخان فالنار لها دخان أقيموا الصلاة أمر بالصلاة وكل أمر بشيء لوجوبه حقيقة فالأمر بالصلاة لوجوبها
وقال يمكن التوصل دون يتوصل لأن الشيء يكون دليلا وإن لم ينظر فيه النظر المتوصل به
____________________
(1/170)
وقيد النظر بالصحيح لأن الفاسد لا يمكن التوصل به إلى المطلوب لانتفاء وجه الدلالة عنه وإن أدى إليه بواسطة اعتقاد أو ظن كما إذا نظر في العالم من حيث البساطة وفي النار من حيث التسخين فإن البساطة والتسخين ليس من شأنهما أن ينقل بهما إلى وجود الصانع والدخان ولكن يؤدي إلى وجودهما هذان النظران ممن اعتقد أن العالم بسيط وكل بسيط له صانع وممن ظن أن كل مسخن له دخان
____________________
(1/171)
أما المطلوب غير الخبري وهو التصوري فيتوصل إليه أي يتصور بما يسمى حدا بأن يتصور كالحيوان الناطق حدا للإنسان وسيأتي حد الحد الشامل لذلك ولغيره
واختلف أئمتنا هل العلم بالمطلوب الحاصل عندهم عقيبه أي عقيب صحيح النظر عادة عند بعضهم كالأشعري فلا يتخلف إلا خرقا للعادة كتخلف الإحراق عن مماسة النار أو لزوما عند بعضهم كالإمام الرازي فلا ينفك أصلا
____________________
(1/172)
كوجود الجوهر لوجود العرض مكتسب للناظر فقال الجمهور نعم لأن حصوله عن نظره المكتسب له وقيل لا لأن حصوله اضطراري لا قدرة على دفعه ولا انفكاك عنه ولا خلاف إلا في التسمية
____________________
(1/173)
وهي بالمكتسب أنسب والظن كالعلم في قول الاكتساب وعدمه دون قولي اللزوم والعادة لأنه لا ارتباط
____________________
(1/174)
بين الظن وبين أمر ما بحيث يمتنع تخلفه عنه عقلا أو عادة فإنه مع بقاء سببه قد يزول لعارض كما إذا أخبر عدل بحكم وآخر بنقيضه أو لظهور خلاف المظنون كما إذا ظن أن زيدا في الدار لكون مركبه وخدمه ببابها ثم شوهد خارجها
وأما غير أئمتنا فالمعتزلة قالوا النظر
____________________
(1/175)
يولد العلم كتوليد حركة اليد لحركة المفتاح عندهم وعلى وزانه يقال الظن الحاصل متولد عن النظر عندهم وإن لم يجب عنه وقوله عقيبه بالياء لغة قليلة جرت على الألسنة والكثير ترك الياء كما ذكره النووي في تحريره
والحد عند الأصوليين
____________________
(1/176)
ما يميز الشيء عما عداه كالعرف وعند المناطقة ولا يميز كذلك إلا ما لا يخرج عنه شيء من أفراد المحدود ولا يدخل فيه شيء من غيرها والأول مبين لمفهوم الحد والثاني مبين لخاصته وهو بمعنى قول المصنف كالقاضي أبي بكر الباقلاني الحد الجامع أي لأفراد المحدود المانع أي من دخول غيرها فيه ويقال أيضا الحد المطرد أي الذي كلما وجد وجد المحدود فلا يدخل فيه شيء من أفراد المحدود فيكون مانعا المنعكس أي الذي كلما وجد المحدود وجد هو فلا يخرج عنه شيء من أفراد المحدود فيكون جامعا فمؤدى العبارتين واحد والأولى أوضح فتصدقان على الحيوان الناطق حدا للإنسان بخلاف حده بالحيوان الكاتب بالفعل
____________________
(1/177)
فإنه غير جامع وغير منعكس وبالحيوان الماشي فإنه غير مانع وغير مطرد وتفسير المنعكس المراد به عكس المراد بالمطرد بما ذكر المأخوذ من العضد الموافق في إطلاق العكس عليه للعرف حيث يقال كل إنسان ناطق وبالعكس وكل إنسان حيوان ولا عكس أظهر في المراد
____________________
(1/178)
أي معنى
الجامع من تفسير ابن الحاجب وغيره بأنه كلما انتفى الحد انتفى المحدود اللازم لذلك التفسير نظرا إلى أن الانعكاس التلازم في الانتفاء كالاطراد التلازم في الثبوت
والكلام النفسي في الأزل قيل لا يسمى خطابا حقيقة لعدم من يخاطب به إذ ذاك وإنما يسماه حقيقة فيما لا يزال عند وجود من يفهم وإسماعه إياه باللفظ كالقرآن أو بلا لفظ كما وقع لموسى عليه الصلاة والسلام كما اختاره الغزالي
____________________
(1/179)
خرقا للعادة وقيل سمعه بلفظ من جميع الجهات على خلاف ما هو العادة وعلى كل اختص بأنه كليم الله والأصح أنه يسماه حقيقة بتنزيل المعدوم
____________________
(1/180)
الذي سيوجد منزلة الموجود و الكلام النفسي في الأزل قيل لا يتنوع إلى أمر ونهي وخبر وغيرها
____________________
(1/181)
لعدم من تتعلق به هذه الأشياء إذ ذاك وإنما يتنوع إليها فيما لا يزال عند وجود من تتعلق به فتكون الأنواع حادثة مع قدم المشترك بينها والأصح تنوعه في الأزل إليها بتنزيل المعدوم الذي سيوجد منزلة الموجود وما ذكر من حدوث الأنواع مع قدم المشترك بينها يلزمه محال من وجود الجنس مجردا عن أنواعه إلا أن يراد أنها أنواع اعتبارية
____________________
(1/182)
أي عوارض له يجوز خلوه عنها تحدث بحسب التعلقات كما أن تنوعه إليها على الثاني بحسب التعلقات أيضا لكونه صفة واحدة كالعلم وغيره من الصفات فمن حيث تعلقه في الأزل أو فيما لا يزال بشيء على وجه الاقتضاء لفعله يسمى أمرا أو لتركه يسمى نهيا وعلى هذا القياس
____________________
(1/183)
وقدم هاتين المسألتين المتعلقتين بالمدلول في الجملة على النظر المتعلق بالدليل الذي الكلام فيه لاستتباعه ما يطول
والنظر الفكر
____________________
(1/184)
أي حركة النفس في المعقولات بخلاف حركتها في المحسوسات
____________________
(1/185)
فارغة
____________________
(1/186)
فتسمى تخييلا
____________________
(1/187)
المؤدي إلى علم أو ظن بمطلوب خبري فيهما
____________________
(1/188)
فخرج الفكر غير المؤدي إلى ما ذكر كأكثر حديث النفس فلا يسمى نظرا وشمل التعريف النظر الصحيح القطعي والظني والفاسد فإنه يؤدي إلى ما ذكر بواسطة اعتقاد أو ظن كما تقدم بيانه في تعريف الدليل
____________________
(1/189)
وإن كان منهم من لا يستعمل التأدية إلا فيما يؤدى بنفسه
والإدراك أي وصول النفس إلى المعنى بتمامه من نسبة أو غيرها
____________________
(1/190)
بلا حكم معه من إيقاع النسبة أو انتزاعها تصور ويسمى علما أيضا كما علم مما تقدم أما وصول النفس إلى المعنى لا بتمامه فيسمى شعورا وبحكم
____________________
(1/191)
يعني والإدراك للنسبة وطرفيها مع الحكم المسبوق بالإدراك لذلك تصديق
____________________
(1/192)
كإدراك الإنسان والكاتب وكون الكاتب ثابتا للإنسان وإيقاع أن الكاتب ثابت للإنسان أو انتزاع ذلك أي نفيه في التصديق بأن الإنسان كاتب أو أنه ليس بكاتب الصادقين في الجملة
وقيل الحكم إدراك أن النسبة واقعة أو ليست بواقعة
____________________
(1/193)
قال بعضهم وهو التحقيق والإيقاع والانتزاع ونحوهما كالإيجاب والسلب عبارات ثم كثيرا ما يطلق التصديق على الحكم وحده
____________________
(1/194)
كما قيل إن مسماه ذلك على القولين
____________________
(1/195)
في معنى الحكم ومن هذا الإطلاق قول المصنف كغيره
وجازمه أي جازم التصديق بمعنى الحكم إذ هو المنقسم إلى جازم وغيره أي الحكم الجازم الذي لا يقبل التغير بأن كان
____________________
(1/196)
لموجب من حس أو عقل أو عادة
____________________
(1/197)
فيكون مطابقا للواقع
____________________
(1/198)
علم
____________________
(1/199)
كالتصديق أي الحكم بأن زيدا متحرك ممن شاهده متحركا أو أن العالم حادث أو أن الجبل حجر و التصديق أي الحكم الجازم القابل للتغير بأن لم يكن لموجب طابق الواقع أو لا إذ يتغير الأول بالتشكيك والثاني به أو بالاطلاع على ما في نفس الأمر اعتقاد وهو اعتقاد صحيح إن طابق الواقع كاعتقاد المقلد أن الضحى مندوب فاسد إن لم يطابق أي الواقع كاعتقاد الفلاسفة أن العالم قديم و التصديق أي الحكم غير الجازم
____________________
(1/200)
إن كان معه احتمال نقيض المحكوم به من وقوع النسبة أو لا وقوعها ظن ووهم وشك لأنه أي غير الجازم إما راجح لرجحان المحكوم به على نقيضه فالظن أو مرجوح لمرجوحية المحكوم به لنقيضه فالوهم أو مساو لمساواة المحكوم به من كل النقيضين على البدل للآخر فالشك فهو بخلاف ما قبله
____________________
(1/201)
حكمان كما قال إمام الحرمين والغزالي وغيرهما الشك اعتقاد أن يتقاوم سببهما وقيل ليس الوهم والشك من التصديق إذ الوهم ملاحظة الطرف المرجوح والشك التردد في الوقوع واللاوقوع قال بعضهم وهو التحقيق فما أريد به مما تقدم من أن العقل يحكم بالمرجوح أو المساوي عنده ممنوع
____________________
(1/202)
على هذا والعلم أي القسم المسمى بالعلم من حيث تصوره بحقيقته بقرينة السياق قال الإمام الرازي في المحصول ضروري
____________________
(1/203)
أي يحصل بمجرد التفات النفس إليه من غير نظر واكتساب لأن علم كل أحد حتى من لا يتأتى منه النظر كالبله والصبيان بأنه عالم بأنه موجود أو ملتذ أو متألم ضروري
____________________
(1/204)
بجميع أجزائه ومنها تصور العلم بأنه موجود وملتذ أو متألم
____________________
(1/205)
بالحقيقة وهو علم تصديقي خاص فيكون تصور مطلق العلم التصديقي بالحقيقة ضروريا وهو المدعي
وأجيب بأنا لا نسلم أنه يتعين أن يكون من أجزاء ذلك تصور العلم المذكور بالحقيقة بل يكفي تصوره بوجه فيكون الضروري تصور مطلق العلم التصديقي بالوجه لا بالحقيقة الذي هو محل النزاع
ثم قال في المحصول أيضا هو أي العلم وحكم الذهن الجازم المطابق لموجب وقد تقدم شرح ذلك فحده مع قوله إنه ضروري لكن بعد حده ف ثم هنا للترتيب الذكري لا المعنوي
وقيل هو ضروري فلا يحد
____________________
(1/206)
إذ لا فائدة في حد الضروري لحصوله من غير حد وصنيع الإمام لا يخالف هذا وإن كان سياق المصنف بخلافه لأنه حده أولا بناء على قول غيره من الجمهور أنه نظري مع سلامة حده عما ورد على حدودهم الكثيرة ثم قال إنه ضروري اختيارا دل على ذلك قوله في المحصل اختلفوا في حد العلم عندي أن تصوره بديهي أي ضروري نعم قد يحد الضروري لإفادة العبارة عنه
وقال إمام الحرمين هو نظري عسر أي لا يحصل إلا بنظر دقيق لخفائه فالرأي بسبب عسره من حيث تصوره بحقيقته الإمساك عن تعريفه المسبوق بذلك التصور العسر صونا للنفس عن مشقة الخوض في العسر قال كما أفصح به الغزالي تابعا له ويميز عن غيره الملتبس به من أقسام الاعتقاد بأنه اعتقاد جازم مطابق
____________________
(1/207)
ثابت فليس هذا حقيقته عندهما
وظاهر ما تقدم من صنيع الإمام الرازي أنه حقيقة عنده ثم قال المحققون
____________________
(1/208)
لا يتفاوت العلم
____________________
(1/209)
في جزئياته فليس بعضها وإن كان ضروريا أقوى في الجزم من بعض الأمور وإن كان نظريا وإنما التفاوت فيها بكثرة المتعلقات في بعضها دون بعض كما في العلم بثلاثة أشياء والعلم بشيئين
____________________
(1/210)
بناء على اتحاد العلم مع تعدد المعلوم كما هو بعض الأشاعرة قياسا على علم الله تعالى والأشعري وكثير من المعتزلة على تعدد العلم بتعدد المعلوم فالعلم بهذا الشيء غير العلم بذلك الشيء
وأجيب عن القياس بأنه خال على الجامع وعلى هذا لا يقال يتفاوت العلم بما ذكره وقال الأكثرون يتفاوت العلم في جزئياته إذ العلم مثلا بأن الواحد نصف الاثنين أقوى من الجزم من العلم بأن العالم حادث
وأجيب بأن التفاوت في ذلك ونحوه ليس من حيث الجزم بل من حيث غيره كإلف النفس بأحد المعلومين دون الآخر
والجهل انتفاء العلم بالمقصود أي ما من شأنه أن يقصد ليعلم بأن لم يدرك أصلا
____________________
(1/211)
ويسمى الجهل البسيط أو أدرك على خلاف هيئته في الواقع ويسمى الجهل المركب لأنه جهل المدرك بما في الواقع مع الجهل بأنه جاهل به كاعتقاد الفلاسفة أن العالم قديم
وقيل الجهل تصور المعلوم أي إدراك
____________________
(1/212)
ما من شأنه أن يعلم على خلاف هيئته في الواقع فالجهل البسيط على الأول
____________________
(1/213)
ليس جهلا على هذا والقولان مأخوذان من قصيدة ابن مكي في العقائد واستغنى بقوله انتفاء العلم عن التقييد في قوله غيره عدم العلم عما من شأنه العلم
____________________
(1/214)
لإخراج الجماد والبهيمة عن الاتصاف بالجهل لأن انتفاء العلم إنما يقال فيما من شأنه العلم بخلاف عدم العلم وخرج بقوله المقصود ما لا يقصد كأسفل الأرض وما فيه فلا يسمى انتفاء العلم به جهلا واستعماله التصور بمعنى مطلق الإدراك خلاف ما سبق صحيح وإن كان قليلا ويقسم حينئذ إلى تصور ساذج أي لا حكم معه وإلى تصور معه حكم
____________________
(1/215)
وهو التصديق
والسهو الذهول أي الغفلة عن المعلوم الحاصل فيتنبه له بأدنى تنبيه بخلاف النسيان فهو زوال المعلوم فيستأنف تحصيله
مسألة الحسن فعل المكلف المأذون فيه واجبا ومندوبا ومباحا الواو للتقسيم والمنصوبات أحوال لازمة للمأذون أتى بها لبيان أقسام الحسن
قيل وفعل غير المكلف أيضا كالصبي
____________________
(1/216)
والساهي والنائم والبهيمة نظرا إلى أن الحسن ما لم ينه عنه والقبيح فعل المكلف المنهي عنه ولو كان منهيا عنه بالعموم أي بعموم النهي المستفاد من أوامر الندب كما تقدم فدخل في القبيح خلاف الأولى كما دخل فيه الحرام والمكروه
وقال إمام الحرمين ليس المكروه أي بالمعنى الشامل لخلاف الأولى قبيحا لأنه لا يذم عليه ولا حسنا لأنه لا يسوغ الثناء عليه بخلاف المباح فإنه يسوغ الثناء عليه وإن لم يؤمر به على أن بعضهم جعله واسطة أيضا نظرا إلى أن الحسن ما أمر بالثناء عليه كما تقدم في أن الحسن والقبيح بمعنى ترتيب المدح والذم شرعي
____________________
(1/217)
218 مسألة جائز الترك سواء كان جائز الفعل أيضا أم ممتنعه ليس بواجب
____________________
(1/218)
وإلا لكان ممتنع الترك وقد فرض جائزه
وقال أكثر الفقهاء
____________________
(1/219)
يجب الصوم على الحائض والمريض والمسافر لقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه وهؤلاء شهدوه وجواز الترك لهم لعذرهم أي الحيض المانع من الفعل أيضا والمرض والسفر اللذين لا يمنعان منه ولأنه يجب عليهم القضاء بقدر ما فاتهم فكان المأتي به بدلا عن الفائت
وأجيب بأن شهود الشهر موجب عند انتفاء العذر لا مطلقا وبأن وجوب القضاء إنما يتوقف على سبب الوجوب وهو هنا شهود الشهر وقد تحقق
____________________
(1/220)
لا على وجوب الأداء وإلا لما وجب قضاء الظهر مثلا على من نام جميع وقتها لعدم تحقق وجوب الأداء في حقه لغفلته وقيل يجب الصوم على المسافر دونهما أي دون الحائض والمريض لقدرة المسافر عليه وعجز الحائض عنه شرعا والمريض حسا في الجملة
____________________
(1/221)
وقال الإمام الرازي يجب عليه أي على المسافر دونهما أحد الشهرين الحاضر أو آخر بعده فأيهما أتى به فقد أتى بالواجب كما في خصال كفارة اليمين والخلف لفظي أي راجع إلى اللفظ دون المعنى لأن ترك الصوم حالة العذر جائز اتفاقا والقضاء بعد زواله واجب اتفاقا
وفي كون المندوب مأمورا به أي مسمى بذلك حقيقة خلاف مبني على أن أ م ر حقيقة في الإيجاب كصيغة أفعل فلا يسمى ورجحه الإمام الرازي أو في القدر المشترك بين الإيجاب والندب أي طلب الفعل فيسمى ورجحه الآمدي أما كونه مأمورا به بمعنى أنه متعلق الأمر أي صيغة أفعل فلا نزاع فيه سواء قلنا إنها مجاز في الندب أم حقيقة فيه كالإيجاب خلاف يأتي والأصح ليس المندوب مكلفا به وكذا المباح أي الأصح ليس مكلفا به
ومن ثم أي من هنا وهو أن المندوب ليس مكلفا به أي من أجل ذلك كان التكليف إلزام ما فيه كلفة من فعل أو ترك لا طلبه أي طلب ما فيه كلفة على وجه الإلزام أو لا
____________________
(1/222)
خلافا للقاضي أبي بكر الباقلاني في قوله بالثاني فعنده المندوب والمكروه وبالمعنى الشامل لخلاف الأولى مكلف بها كالواجب والحرام وزاد الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني على ذلك المباح فقال إنه مكلف به من حيث اعتقاد إباحته تتميما للأقسام وإلا فغيره مثله في وجوب الاعتقاد والأصح أن المباح ليس بجنس للواجب وقيل إنه جنس له لأنهما مأذون في فعلهما واختص الواجب بفصل المنع من الترك قلنا واختص المباح أيضا بفصل الإذن في الترك على السواء
____________________
(1/223)
فلا خلاف في المعنى إذ المباح بالمعنى الأول أي المأذون فيه جنس للواجب اتفاقا وبالمعنى الثاني أي المخير فيه وهو المشهور غير جنس له اتفاقا
و الأصح أنه أي المباح غير مأمور به من حيث هو فليس بواجب ولا مندوب وقال الكعبي إنه مأمور به أي واجب إذ ما من مباح إلا ويتحقق به ترك حرام ما فيتحقق بالسكوت ترك القذف وبالسكوت ترك القتل وما يتحقق بالشيء لا يتم إلا به وترك الحرام واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما سيأتي فالمباح واجب ويأتي ذلك في غيره
____________________
(1/224)
كالمكروه والخلف لفظي أي راجع إلى اللفظ دون المعنى فإن الكعبي قد صرح بما يؤخذ من دليله من أنه غير مأمور به من حيث ذاته فلم يخالف غيره ومن أنه مأمور به من حيث ما عرض له من تحقق ترك الحرام به وغيره لا يخالفه في ذلك كما أشار إليه المصنف بقوله من حيث هو و الأصح أن الإباحة حكم شرعي إذ هي التخيير بين الفعل والترك
____________________
(1/225)
المتوقف وجوده كغيره من الحكم على الشرع كما تقدم
وقال بعض المعتزلة لا إذ هي انتفاء الحرج عن الفعل والترك وهو ثابت قبل ورود الشرع مستمر بعده
و الأصح أن الوجوب لشيء إذا نسخ كأن قال الشارع نسخت وجوبه بقي الجواز له الذي كان في ضمن وجوبه من الإذن في الفعل بما يقومه من الإذن في الترك الذي خلف المنع منه إذ لا قوام للجنس بدون فصل ولا إرادة ذلك قال أي عدم الحرج يعني في الفعل والترك من الإباحة أو الندب أو الكراهة بالمعنى الشامل لخلاف الأولى إذ لا دليل على تعيين أحدهما وقيل الجواز الباقي بمقومه الإباحة إذ بارتفاع الوجوب ينتفي الطلب فيثبت التخيير وقيل هو الاستحباب إذ المتحقق بارتفاع الوجوب انتفاء الطلب الجازم فيثبت الطلب غير الجازم
وقال الغزالي لا يبقى الجواز لأن نسخ الوجوب يجعله كأن لم يكن
____________________
(1/226)
ويرجع الأمر لما كان قبله من تحريم أو إباحة أي لكون الفعل مضرة أو منفعة كما سيأتي في الكتاب الخامس
مسألة الأمر بواحد مبهم من أشياء معينة كما في كفارة اليمين فإن في أيتها الأمر بذلك تقديرا يوجب واحدا منها لا بعينه وهو القدر المشترك
____________________
(1/227)
بينها في ضمن أي معين لها
____________________
(1/228)
لأنه المأمور به وقيل يوجب الكل فيثاب بفعلها ثواب فعل واجبات ويعاقب بتركها عقاب ترك واجبات ويسقط الكل الواجب بواحد منها حيث اقتصر عليه لأن الأمر تعلق بكل منها بخصوصه على وجه الاكتفاء بواحد منها قلنا إن سلم ذلك لا يلزم منه وجوب الكل المرتب عليه ما ذكر وقيل الواجب
____________________
(1/229)
في ذلك واحد منها معين عند الله تعالى إذ يجب أن يعلم الآمر المأمور به لأنه طالبه ويستحيل طلب المجهول
فإن فعل المكلف المعين فذاك وإن فعل غيره منها سقط الواجب بفعل ذلك الغير لأن الأمر في الظاهر بغير معين قلنا لا يلزم من وجوب علم الآمر المأمور به أن يكون معينا عنده بل يكفي في علمه به أن يكون متميزا عنده عن غيره وذلك حاصل على قولنا التميز أحد المعينات المبهم عن غيره من حيث تعينها وقيل هو أي الواجب في ذلك ما يختاره المكلف للفعل
____________________
(1/230)
من أي واحد منها بأن يفعله دون غيره وإن اختلف باختلاف اختيار المكلفين للاتفاق على الخروج عن عهدة الواجب بأي منها يفعل قلنا الخروج به عن عهدة الواجب لكونه أحدها لا لخصوصه للقطع باستواء المكلفين في الواجب عليهم والأقوال غير الأول للمعتزلة وهي متفقة على نفي إيجاب واحد بعينه كنفيهم تحريم واحد لا بعينه كما سيأتي لما قالوا من أن تحريم الشيء أو إيجابه لما في فعله أو تركه من المفسدة التي يدركها العقل وإنما يدركها في المعين وتعرف المسألة على جميع الأقوال بالواجب المخير لتخيير المكلف في الخروج عن عهدة الواجب بأي من الأشياء يفعله وإن لم يكن من حيث خصوصه واجبا عندنا
فإن فعل المكلف
____________________
(1/231)
على قولنا الكل وفيها أعلى ثوابا وعقابا وأدنى كذلك فقيل الواجب أي المثاب عليه ثواب الواجب الذي هو كثواب سبعين مندوبا أخذا من حديث رواه ابن خزيمة والبيهقي في شعب الإيمان أعلاها ثوابا لأنه لو اقتصر عليه لأثيب عليه ثواب الواجب فضم غيره إليه معا أو مرتبا
____________________
(1/232)
لا ينقصه عن ذلك
وإن تركها بأن لم يأت بواحد منها فقيل يعاقب على أدناها عقابا إن عوقب لأنه لو فعله فقط لم يعاقب فإن تساوت فثواب الواحد والعقاب على واحد منها فعلت معا أو مرتبا وقيل في المرتب الواجب ثوابا أولها تفاوتت أو تساوت لتأدي الواجب به قبل غيره ويثاب ثواب المندوب على كل من غير ما ذكر لثواب الواجب وهذا كله مبني على أن محل ثواب الواجب والعقاب أحدها من حيث خصوصه الذي يقع نظر التأدي الواجب به والتحقيق المأخوذ مما تقدم أنه أحدها لا من حيث ذلك الخصوص وإلا لكان من تلك الحيثية واجبا
____________________
(1/233)
حتى أن الواجب ثوابا في المرتب أولها من حيث إنه أحدها لا من حيث خصوصه وكذا يقال في كل من الزائد على ما يتمادى به الواجب أنه يثاب عليه ثواب المندوب من حيث إنه أحدها لا من حيث خصوصه
ويجوز تحريم واحد لا بعينه من أشياء معينة وهو القدر المشترك بينها في ضمن أي معين منها فعلى المكلف تركه في أي معين منها وله فعله في غيره إذ لا مانع من ذلك خلافا للمعتزلة في منعهم ذلك كمنعهم إيجاب واحد لا بعينه لما تقدم عنهم فيهما وهي كالمخير أي والمسألة كمسألة الواجب المخير فيما تقدم فيها فيقال على قياسه النهي عن واحد مبهم من أشياء معينة نحو لا تتناول السمك أو اللبن أو البيض يحرم واحد منها لا بعينه بالمعنى السابق وقيل يحرم جميعها فيعاقب بفعلها عقاب فعل محرمات ويثاب بتركها امتثالا
____________________
(1/234)
ثواب ترك محرمات ويسقط تركها الواجب بترك واحد منها وقيل المحرم في ذلك واحد منها معين عند الله تعالى ويسقط تركه الواجب بتركه أو ترك غيره منها وقيل المحرم في ذلك ما يختاره المكلف للترك منها بأن يتركه دون غيره وإن اختلف باختلاف اختيار المكلفين وعلى الأول إن تركت كلها امتثالا أو فعلت وهي متساوية أو بعضها أخف عقابا وثوابا فقيل ثواب الواجب والعقاب في المتساوية على ترك وفعل واحد منها وفي المتفاوتة على ترك أشدها وفعل أخفها سواء أفعلت معا أو مرتبا وقيل العقاب في المرتب على فعل آخرها تفاوتت أو تساوت لارتكاب الحرام به ويثاب ثواب المندوب على ترك كل من غير ما ذكر تركه لثواب الواجب ولتحقيق أن ثواب الواجب والعقاب على ترك وفعل أحدها من حيث إنه أحدها حتى أن العقاب في المرتب على آخرها من حيث إنه أحدها ويثاب ثواب المندوب على ترك كل من غير ما يتأدى بتركه الواجب منها من حيث إنه أحدها وقيل زيادة على ما في المخير من طرف المعتزلة لم ترد به أي بتحريم ما ذكر اللغة حيث لم ترد بطريقة من النهي عن واحد مبهم من أشياء معينة كما وردت بالأمر بواحد مبهم من أشياء معينة وقوله تعالى ولا تطع منهم آثما أو كفورا نهي عن طاعتهما إجماعا قلنا الإجماع
____________________
(1/235)
لمستنده صرفه عن ظاهره
مسألة فرض الكفاية المنقسم إليه وإلى فرض العين مطلق الفرض المتقدم حده مهم يقصد حصوله من غير نظر بالذات إلى فاعله
____________________
(1/236)
أي يقصد حصوله في الجملة فلا ينظر إلى فاعله إلا بالتبع للفعل ضرورة أنه لا يحصل بدون فاعل فيتناول ما هو ديني كصلاة الجنازة والأمر بالمعروف ودنيوي كالحرف والصنائع وخرج فرض العين فإنه منظور بالذات إلى فاعله حيث قصد حصوله من كل عين أي واحد من المكلفين أو من عين مخصوصة كالنبي صلى الله عليه وسلم فيما فرض عليه دون أمته ولم يقيد قصد الحصول بالجزم احترازا عن السنة لأن الفرض تمييز فرض الكفاية عن فرض العين وذلك حاصل بما ذكر
وزعمه أي فرض الكفاية الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني وإمام الحرمين وأبوه الشيخ أبو محمد الجويني أفضل من فرض العين لأنه يصان لقيام البعض به الكافي في الخروج عن عهدته جميع المكلفين عن الإثم المرتب على تركهم له وفرض العين إنما يصان بالقيام به عن الإثم القائم به فقط والمتبادر إلى الأذهان وإن لم يتعرضوا له فيما علمت أن فرض العين أفضل لشدة اعتناء الشارع به بقصد حصوله من كل مكلف
____________________
(1/237)
في الأغلب ولمعارضة هذا دليل الأول أشار المصنف إلى النظر فيه بقوله زعمه وإن أشار كما قال إلى تقوية يعزوه إلى قائليه الأئمة المذكورين المفيد أن للإمام سلفا عظيما فيه فإنه المشهور عنه فقط كما اقتصر على عزوه إليه النووي الأكثر وهو أي فرض الكفاية على البعض وفاقا للإمام الرازي للاكتفاء بحصوله من البعض لا على الكل خلافا للشيخ الإمام والد المصنف والجمهور في قولهم إنه على الكل لإثمهم بتركه ويسقط بفعل البعض
____________________
(1/238)
وأجيب بأن إثمهم بالترك لتفويتهم ما قصد حصوله من جهتهم في الجملة لا للوجوب عليهم
قال المصنف ويدل لما اخترناه قوله تعالى ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وذكر والده مع الجمهور مقدما عليهم قال تقوية لهم فإنه أهل لذلك والمختار على الأول البعض مبهم إذ لا دليل على أنه معين فمن قام به
____________________
(1/239)
سقط الفرض بفعله وقيل البعض معين عند الله تعالى يسقط الفرض بفعله وبفعل غيره كما يسقط الدين عن الشخص بأداء غيره عنه وقيل البعض من قام به لسقوطه بفعله ثم مداره على الظن فعلى قول البعض من ظن أن غيره لم يفعله وجب عليه ومن لا فلا وعلى قول الكل من ظن أن غيره فعله سقط عنه ومن لا فلا
ويتعين فرض الكفاية بالشروع فيه أي يصير بذلك فرض عين يعني مثله في وجوب الإتمام على الأصح بجامع الفرضية
____________________
(1/240)
وقيل لا يجب إتمامه والفرق أن القصد به حصوله في الجملة فلا يتعين حصوله ممن شرع فيه فيجب إتمام صلاة الجنازة على الأصح كما يجب الاستمرار في صف القتال جزما لما في الانصراف عنه من كسر قلوب الجند وإنما لم يجب الاستمرار في تعلم العلم لمن آنس الرشد فيه من نفسه على الأصح لأن كل مسألة مطلوبة برأسها منقطعة عن غيرها بخلاف صلاة الجنازة وما ذكره تبعا لابن الرفعة في مطلبه في باب الوديعة من أنه يتعين بالشروع على الأصح بالنظر إلى الأصولي أقعد مما ذكره البارزي في التمييز تبعا للغزالي من أنه لا يتعين بالشروع على الأصح إلا الجهاد وصلاة الجنازة وإن كان بالنظر إلى الفروع أضبط
وسنة الكفاية المنقسم إليها وإلى سنة العين مطلق السنة المتقدم حده كفرضها فيما تقدم وهو أمور أحدها أنها من حيث التمييز عن سنة العين مهم بقصد حصوله من غير نظر بالذات إلى فاعله كابتداء السلام وتشميت العاطس والتسمية للأكل من جهة جماعة في الثلاث مثلا ثانيها أنها أفضل من سنة العين عند الأستاذ ومن ذكر معه لسقوط الطلب بقيام البعض بها عن الكل المطلوبين بها ثالثها أنها مطلوبة من الكل عند الجمهور وقيل من بعض مبهم وهو المختار وقيل معين عند الله تعالى يسقط الطلب بفعله وبفعل غيره
____________________
(1/241)
وقيل من بعض قام بها رابعها أنها تتعين بالشروع فيها أي تصير به سنة عين يعني مثلها في تأكد طلب الإتمام على الأصح
مسألة الأكثر من الفقهاء ومن المتكلمين على أن جميع وقت الظهر جوازا ونحوه أي نحو الظهر كباقي الصلوات الخمس وقت الأداء
____________________
(1/242)
ففي أي جزء منه وقع فقد أوقع في وقت أدائه الذي يسعه وغيره ولذلك يعرف بالواجب الموسع وقوله جوازا راجع إلى الوقت لبيان أن الكلام في وقت الجواز لا في الزائد عليه أيضا من وقت الضرورة وإن كان الفعل فيه أداء بشرطه ولا يجب على المؤخر أي مريد التأخير عن أول الوقت العزم فيه على الفعل بعد في الوقت خلافا لقوم كالقاضي أبي بكر الباقلاني من المتكلمين وغيره في قولهم
____________________
(1/243)
بوجوب العزم ليتميز به الواجب الموسع عن المندوب في جواز الترك وأجيب بحصول التمييز بغيره وهو أن تأخير الواجب عن الوقت يؤثم
وقيل وقت أدائه الأول من الوقت لوجوب الفعل بدخول الوقت فإن أخر عنه فقضاء وإن فعل في الوقت حتى يأثم بالتأخير عن أوله كما نقله الإمام الشافعي رحمه الله عن بعضهم وإن نقل القاضي أبو بكر الباقلاني الإجماع على نفي الإثم ولنقله قال بعضهم إنه قضاء يسد مسد الأداء وقيل وقت أدائه الآخر من الوقت لانتفاء وجوب
____________________
(1/244)
الفعل قبله فإن قدم عليه بأن فعل قبله في الوقت فتعجيل أي فتقديمه تعجيل للواجب مسقط له كتعجيل الزكاة قبل وجوبها و قالت الحنفية وقت أدائه ما أي الجزء الذي اتصل به الأداء من الوقت أي لاقاه الفعل بأن وقع فيه وإلا أي وإن لم يتصل الأداء بجزء من الوقت بأن لم يقع الفعل في الوقت فالآخر أي فوقت أدائه الجزء الآخر من الوقت لتعينه للفعل فيه حيث لم يقع فيما قبله
و قال الكرخي إن قدم الفعل على آخر الوقت بأن وقع قبله في الوقت وقع ما قدم واجبا بشرط بقائه أي بقاء المقدم له مكلفا إلى آخر الوقت فإن لم يبق كذلك كأن مات أو جن وقع ما قدمه نفلا فشرط الوجوب عنده أن يبقى من إدراكه الوقت بصفة التكليف إلى آخره المتبين به
____________________
(1/245)
الوجوب وإن أخر الفعل عنه ويؤمر به قبله لأن الأصل بقاؤه صفة التكليف فحيث وجب فوقت أدائه عنده كما تقدم عن الحنفية لأنه منهم وإن خالفهم فيما شرطه فذكره المصنف دون الأول المعلوم مما قدمه والأقوال غير الأول منكرة للواجب الموسع لاتفاقها على أن وقت الأداء لا يفضل عن الواجب ومن أخر الواجب المذكور بأن لم يشتغل به أول الوقت مثلا مع ظن الموت عقب ما يسعه منه مثلا عصى لظنه فوات الواجب بالتأخير فمن عاش وفعله في الوقت فالجمهور قالوا فعله أداء لأنه في الوقت المقدر له شرعا
و قال القاضيان أبو بكر الباقلاني من المتكلمين والحسين من الفقهاء فعله قضاء لأنه بعد الوقت الذي تضيق
____________________
(1/246)
عليه بظنه وإن بان خطؤه ومن أخر الواجب المذكور بأن لم يشتغل به أول الوقت مثلا مع ظن السلامة من الموت إلى آخر الوقت ومات فيه قبل الفعل فالصحيح أنه لا يعصي لأن التأخير جائز له والفوات ليس باختياره وقيل يعصي وجواز التأخير مشروط بسلامة العاقبة بخلاف ما أي الواجب الذي
____________________
(1/247)
وقته العمر كالحج فإن من أخره بعد أن أمكنه فعله مع ظن السلامة من الموت أي مضي وقت يمكنه فعله فيه ومات قبل الفعل يعصي على الصحيح وإلا لم يتحقق الوجوب وقيل لا يعصي لجواز التأخير له وعصيانه في الحج
____________________
(1/248)
من آخر سني الإمكان لجواز التأخير إليها وقيل من أولها لاستقرار الوجوب حينئذ وقيل غير مستند إلى سنة بعينها
____________________
(1/249)
مسألة الفعل المقدور للمكلف الذي لا يتم أي لا يوجد الواجب المطلق إلا به واجب بوجوب الواجب
____________________
(1/250)
سببا كان أو شرطا وفاقا للأكثر من العلماء إذ لو لم يجب لجاز ترك الواجب المتوقف عليه
____________________
(1/251)
وقيل لا يجب بوجوب الواجب مطلقا لأن الدال على الواجب ساكت عنه وثالثها أي الأقوال يجب إن كان سببا كالنار للإحراق أي كإمساس النار لمحل فإنه سبب لإحراقه عادة بخلاف الشرط كالوضوء للصلاة فلا يجب بوجوب مشروطه والفرق أن السبب لاستناد المسبب إليه أشد ارتباطا به من الشرط بالمشروط
وقال إمام الحرمين يجب إن كانا شرطا شرعيا كالوضوء للصلاة لا عقليا كترك ضد الواجب
____________________
(1/252)
أو عاديا كغسل جزء من الرأس لغسل الوجه فلا يجب بوجوب مشروطه إذ لا وجود لمشروطه عقلا أو عادة بدونه فلا يقصده الشارع بالطلب بخلاف الشرعي فإنه لولا اعتبار الشرع له لوجد مشروطه بدونه وسكت الإمام عن السبب وهو لاستناد المسبب إليه في الوجود كالذي نفاه فلا يقصده الشارع بالطلب فلا يجب كما أفصح به ابن الحاجب في مختصره الكبير مختارا لقول الإمام
____________________
(1/253)
وقول المصنف في دفعه السبب أولى بالوجوب من الشرط الشرعي ممنوع يؤيد المنع أن السبب ينقسم كالشرط إلى شرعي كصيغة الإعتاق له وعقلي كالنظر للعلم عند الإمام الرازي وغيره وعادي كحز الرقبة للقتل نعم قال بعضهم القصد بطلب المسببات الأسباب لأنها التي في وسع المكلف واحترزوا بالمطلق عن المقيد وجوبه بما يتوقف عليه كالزكاة وجوبها متوقف على ملك النصاب فلا يجب تحصيله وبالمقدور عن غيره قال الآمدي كحضور العدد في الجمعة فإنه غير مقدور لآحاد المكلفين أي ويتوقف عليه وجود الجمعة كما يتوقف وجوبها على وجود العدد
____________________
(1/254)
فلو تعذر ترك المحرم إلا بترك غيره من الجائز كماء قليل وقع فيه بول وجب ترك ذلك الغير لتوقف ترك المحرم الذي هو واجب عليه أو اختلطت أي اشتبهت منكوحة لرجل بأجنبية منه حرمتا أي حرم قربانهما عليه أو طلق معينة من زوجته مثلا ثم نسيها حرم عليه قربانهما أيضا أما الأجنبية والمطلقة فظاهر وأما المنكوحة وغير المطلقة فلاشتباههما بالأجنبية والمطلقة
وقد يظهر الحال فيرجعان إلى ما كانتا عليه من الحل فلم يتعذر في ذلك ترك المحرم وحده فلم يتناوله ما ذكر قبله وترك جواب
____________________
(1/255)
مسألة الطلاق للعلم به من جواب ما قبلها ولو أخره عنهما لاحتاج إلى ذكر ما زدته بعد قوله معينة كما لا يخفى فيفوت الاختصار المقصود له مسألة مطلق الأمر بما بعض جزئياته مكروه كراهة تحريم أو تنزيه
____________________
(1/256)
بأن كان منهيا عنه لا يتناول المكروه منها خلافا للحنفية
____________________
(1/257)
لنا تناوله لكان الشيء الواحد مطلوب الفعل والترك من جهة واحدة وذلك تناقض فلا تصح الصلاة في الأوقات المكروهة أي التي كرهت فيها الصلاة من النافلة المطلقة كعند طلوع الشمس حتى ترتفع كرمح واستوائها حتى تزول واصفرارها حتى تغرب إن كان كراهتها فيها كراهة تحريم وهو الأصح عملا بالأصل في النهي عنها في حديث مسلم وإن كان كراهة تنزيه
____________________
(1/258)
وصححه النووي أيضا في بعض كتبه فلا تصح أيضا على الصحيح إذ لو صحت على واحد من الكراهتين أي وافقت الشرع بأن تناولها الأمر بالنافلة المطلقة المستفاد من أحاديث الترغيب فيها لزم التناقض فتكون على كراهة التنزيه مع جوازها فاسدة أي غير معتد بها لا يتناولها الأمر فلا يثاب عليها وقيل إنها على كراهة التنزية صحيحة يتناولا الأمر فيثاب عليها والنهي عنها راجع إلى أمر خارج عنها كموافقة عباد الشمس في سجودهم عند طلوعها وغروبها دل على ذلك حديث مسلم وسيأتي أن النهي لخارج لا يفيد الفساد وبرجوع النهي إلى خارج
____________________
(1/259)
انفصل الحنفية أيضا في قولهم فيها بالصحة مع كراهة التحريم كالصلاة في المغصوب أما الصلاة في الأمكنة المكروهة فصحيحة والنهي عنها لخارج جزما كالتعرض بها في الحمام لوسوسة الشياطين وفي أعطان الإبل لنفارها وفي قارعة الطريق لمرور الناس وكل من هذه الأمور يشغل القلب عن الصلاة ويشوش الخشوع فالنهي في الأمكنة ليس لنفسها بخلاف الأزمنة
____________________
(1/260)
على الأصح فأفرقتا واحترز بمطلق الأمر عن المقيد بغير المكروه فلا يتناوله قطعا
أما الواحد بالشخص له جهتان لا لزوم بينهما
____________________
(1/261)
كالصلاة في المكان المغصوب فإنها صلاة وغصب أي شغل أي ملك الغير عدوانا وكل منهما يوجد بدون الآخر فالجمهور من العلماء قالوا تصح تلك الصلاة التي هي واحد بالشخص إلخ فرضا كانت أو نفلا نظرا لجهة الصلاة المأمور بها ولا يثاب فاعلها عقوبة له عليها من جهة الغصب وقيل يثاب من جهة الصلاة وإن عوقب من جهة الغصب فقد يعاقب بغير حرمان الثواب أو بحرمان بعضه وهذا هو التحقيق والأول تقريب رادع
____________________
(1/262)
عن إيقاع الصلاة في المغصوب فلا خلاف في المعنى
و قال القاضي أبو بكر الباقلاني والإمام الرازي لا تصح للصلاة مطلقة نظرا لجهة الغصب المنهي عنه ويسقط الطلب للصلاة عندها لأن السلف لم يأمروا بقضائها مع علمهم بها و قال الإمام أحمد لا صحة لها ولا سقوط للطلب عندها قال إمام الحرمين
وقد كان في السلف متعمقون
____________________
(1/263)
في التقوى يأمرون بقضائها والخارج من المكان المغصوب تائبا أي نادما على الدخول فيه عازما على أن لا يعود إليه آت بواجب لتحقق التوبة الواجبة بما أتى به من الخروج على الوجه المذكور
وقال أبو هاشم من المعتزلة هو آت بحرام لأن ما أتى به من الخروج شغل بغير إذن كالمكث والتوبة إنما تتحقق عند انتهائه إذ لا إقلاع إلا حينئذ
وقال إمام الحرمين
____________________
(1/264)
متوسطا بين القولين هو مرتبك أي مشتبك في المعصية مع انقطاع تكليف النهي عنه من طلب الكف عن الشغل بخروجه تائبا المأمور به فلا يخلص به منها لبقاء ما تسبب فيه بدخوله من الضرر الذي هو حكمة النهي فاعتبر في الخروج جهة معصية وجهة طاعة وإن لزمت الأولى الثانية
____________________
(1/265)
والجمهور ألغوا جهة المعصية من الضرر لدفعه ضرر المكث الأشد كما ألغي ضرر زوال العقل في إساغة اللقمة المغصوص بها بخمر حيث لم يوجد غيرها لدفعه ضرر تلف النفس الأشد وهو أي قول إمام الحرمين دقيق كما تبين
وإن قال ابن الحاجب إنه بعيد حيث استصحب المعصية مع انتفاء تعلق النهي ويدفع استبعاده
____________________
(1/266)
قول الفقهاء إن من جن بعد ارتداده ثم أفاق وأسلم يجب عليه قضاء صلوات زمن الجنون استصحابا لحكم معصية الردة لأن إسقاط الصلاة عن الجنون رخصة والمرتد ليس من أهل الرخصة أما الخارج غير تائب فعاص قطعا كالماكث والساقط باختياره أو بغير اختياره على جريح بين جرحى يقتله إن استمر عليه و يقتل كفؤه في صفات القصاص
____________________
(1/267)
إن لم يستمر عليه لعدم موضع يعتمد عليه إلا بدن كفء قيل يستمر عليه ولا ينتقل إلى كفئه لأن الضرر لا يزال بالضرر وقيل يتخير بين الاستمرار عليه والانتقال إلى كفئه لتساويهما في الضرر
وقال إمام الحرمين لا حكم فيه من إذن أو منع لأن الإذن له في الاستمرار والانتقال وأحدهما يؤدي إلى القتل المحرم والمنع منهما لا قدرة على امتثاله قال مع استمرار عصيانه ببقاء ما تسبب فيه من الضرر بسقوطه إن كان باختياره وإلا فلا عصيان
وتوقف الغزالي فقال في المستصفى يحتمل كل من المقالات الثلاث واختار الثالثة في المنخول ولا ينافي في قوله كإمامه لا تخلو واقعة عن حكم لله لأن مرادهما بالحكم
____________________
(1/268)
فيه ما يصدق بالحكم المتعارف وبانتفائه لقول إمامه لما سأله هو أولا عن ذلك حكم الله هنا أن لا حكم على أنه نقل عنه أنه اختار في باب الصيد من النهاية المقالة الأولى على الثالثة واحترز المصنف بقوله كفأه عن غير الكفء كالكافر فيجب الانتقال عن المسلم إليه لأن قتله أخف مفسدة
مسألة يجوز التكليف بالمحال مطلقا أي سواء كان محالا لذاته أي ممتنعا عادة وعقلا
____________________
(1/269)
كالجمع بين السواد والبياض أم لغيره أي ممتنعا عادة لا عقلا كالمشي من الزمن والطيران من الإنسان أو عقلا لا عادة كالإيمان لمن علم الله أنه لا يؤمن ومنع أكثر المعتزلة والشيخ أبو حامد الإسفراييني والغزالي وابن دقيق العيد ما أي المحال الذي ليس ممتنعا لتعلق العلم بعدم وقوعه أي منعوا الممتنع لغير تعلق العلم لأنه لظهور امتناعه للمكلفين لا فائدة في طلبه منهم
وأجيب بأن فائدته اختبارهم هل يأخذون في المقدمات فيترتب عليها الثواب أولا فالعقاب أما الممتنع لتعلق علم الله بعدم وقوعه فالتكليف به جائز وواقع اتفاقا و منع معتزلة بغداد والآمدي المحال لذاته دون المحال لغيره
و منع إمام الحرمين كونه أي المحال يعني لغير تعلق العلم لما سبق مطلوبا أي منع طلبه من قبل
____________________
(1/270)
نفسه أي لاستحالته فهي عنده مانعة من طلبه بخلافها على القول الثاني فاختلفا كما قال المصنف مأخذا لا حكما لا ورود صيغة الطلب له لغير طلبه فلم يمنعه الإمام كما لم يمنعه غيره فإنه واقع كما في قوله تعالى كونوا قردة خاسئين والإمام رد بما قاله فيما نسب إلى الأشعري من جواز التكليف بالمحال فحكاه المصنف بشقيه ولو تركه وذكر الإمام مع من ذكره في القول الثاني كما فعل في شرح المنهاج فاتته الإشارة إلى اختلاف المأخذ المقصود له والحق وقوع الممتنع بالغير لا بالذات
أما وقوع التكليف بالأول فلأنه تعالى كلف الثقلين بالإيمان وقال وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين فامتنع إيمان أكثرهم لعلمه تعالى بعدم وقوعه وذلك من الممتنع لغيره وأما عدم وقوعه
____________________
(1/271)
بالثاني فللاستقراء والقول الثاني وقوعه بالثاني أيضا لأن من أنزل الله فيه أنه لا يؤمن بقوله مثلا إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون كأبي جهل ولهب وغيرهما مكلف في جملة المكلفين بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء به عن الله ومنه أنه لا يؤمن أي لا يصدق النبي صلى الله عليه وسلم في شيء مما جاء به عن الله فيكون مكلفا بتصديقه في خبره عن الله بأنه لا يصدقه في شيء مما جاء به عن الله وفي هذا التصديق تناقض حيث اشتمل على إثبات التصديق في شيء ونفيه في كل شيء فهو من الممتنع لذاته
____________________
(1/272)
وأجيب بأن من أنزل الله فيه أنه لا يؤمن لم يقصد إبلاغه ذلك حتى يكلف بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيه دفعا للتناقض وإنما قصد إبلاغ ذلك لغيره وإعلام النبي صلى الله عليه وسلم به لييأس من إيمانه كما قيل لنوح عليه السلام لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فتكليفه بالإيمان من التكليف بالممتنع لغيره والثالث وهو قول الجمهور عدم وقوعه بواحد منها إلا في الممتنع لتعلق العلم بعدم وقوعه لقوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها والممتنع لتعلق العلم في وسع المكلفين ظاهرا
مسألة الأكثر من العلماء على أن
____________________
(1/273)
حصول الشرط الشرعي ليس شرطا في صحة التكليف بمشروطه فيصح التكليف بالمشروط حال عدم الشرط وقيل هو شرط فيها فلا يصح ذلك وإلا فلا يمكن أمتثاله لو وقع
____________________
(1/274)
وأجيب بإمكان أمتثاله بأن يؤتي بالمشروط بعد الشرط وقد وقع وعلى الصحة والوقوع ما تقدم من وجوب الشرط بوجوب المشروط وفاقا للأكثر يعني من الأكثر هنا وهي أي المسألة مفروضة بين العلماء في تكليف الكافر بالفروع أي هل يصح تكليفه بها
____________________
(1/275)
مع انتفاء شرطها في الجملة من الإيمان لتوقفها على النية التي لم تصح من الكافر فالأكثر على صحته ويمكن امتثاله بأن يؤتي بها بعد الإيمان والصحيح وقوعه أيضا فيعاقب على ترك أمتثاله وإن كان يسقط بالإيمان ترغيبا فيه قال تعالى يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة والذين لا يدعون مع الله إلها آخر الآية وتفسير الصلاة بالإيمان لأنها شعاره والزكاة بكلمة التوحيد وذلك لأفراده بالشرك فقط كما قيل خلاف الظاهر خلافا لأبي حامد الإسفراييني وأكثر الحنفية في قولهم ليس مكلفا بها مطلقا إذ المأمورات منها لا يمكن مع الكفر فعلها ولا يؤمر بعد الإيمان بقضائها والمنهيات محمولة عليها حذرا من تبعيض التكليف وكثير من الحنفية وافقونا و خلافا لقوم في الأوامر فقط فقالوا لا تتعلق به لما تقدم بخلاف النواهي لإمكان امتثالها مع الكفر لأن متعلقها متروك ولا تتوقف على النية المتوقفة على الإيمان و خلافا لآخرين فيمن عدا المرتد أما المرتد فوافقوا على تكليفه باستمرار تكليف الإسلام
____________________
(1/276)
قال الشيخ الإمام والد المصنف والخلاف في خطاب التكليف من الإيجاب والتحريم
____________________
(1/277)
وما يرجع إليه من الوضع ككون الطلاق سببا لحرمة الزوجة فالخصم يخالف في سببيته لا ما لا يرجع إليه نحو الإتلاف للمال والجنايات على النفس وما دونها من حيث إنها أسباب للضمان وترتب آثار العقود الصحيحة كملك المبيع وثبوت النسب والعوض في الذمة فالكافر في ذلك كالمسلم اتفاقا نعم الحربي لا يضمن متلفه ومجنيه وقيل يضمن المسلم وماله بناء على أن الكافر مكلف بالفروع ورد بأن دار الحرب ليست دار ضمان
____________________
(1/278)
مسألة لا تكليف إلا بفعل وبه ظاهر في الأمر
____________________
(1/279)
لأنه مقتض للفعل وأما في النهي المقتضي للترك فبينه بقوله فالمكلف به في النهي الكف أي الانتهاء عن المنهي عنه وفاقا للشيخ الإمام أي والده وذلك فعل
____________________
(1/280)
يحصل بفعل الضد للنهي عنه وقيل هو فعل الضد للنهي عنه
وقال قوم منهم أبو هاشم هو غير فعل وهو الانتفاء للنهي عنه وذلك مقدور للمكلف
____________________
(1/281)
بأن لا يشاء فعله الذي يوجد بمشيئته فإذا قيل لا تتحرك فالمطلوب منه على الأول الانتهاء عن التحرك الحاصل بفعل ضده من السكون وعلى الثاني فعل ضده وعلى الثالث انتفاؤه بأن يستمر عدمه من السكون فيه يخرج عن عهدة النهي على الجميع وقيل يشترط في الإتيان بالمكلف به في النهي
____________________
(1/282)
مع الانتهاء عن المنهي عنه قصد الترك له امتثالا فيترتب العقاب إن لم يقصد والأصح لا وإنما يشترط لحصول الثواب لحديث الصحيحين المشهور إنما الأعمال بالنيات والأمر عند الجمهور يتعلق بالفعل قبل المباشرة له بعد دخول وقته إلزاما وقبله إعلاما والأكثر من الجمهور قالوا يستمر تعلقه الإلزامي به حال المباشرة له و قال إمام الحرمين والغزالي ينقطع التعلق حال المباشرة وإلا يلزم طلب تحصيل الحاصل ولا فائدة في طلبه
____________________
(1/283)
وأجيب بأن الفعل كالصلاة إنما يحصل بالفراغ منه لانتفائه بانتفاء جزء منه
وقال قوم منهم الإمام الرازي لا يتوجه الأمر بأن يتعلق بالفعل إلزاما إلا عند المباشرة له قال المصنف وهو التحقيق إذ لا قدرة عليه إلا حينئذ وما قيل من أنه يلزم عدم العصيان بتركه فجوابه قوله فالملام بفتح الميم أي اللوم والذم قبلها أي قبل المباشرة بأن ترك الفعل
____________________
(1/284)
أي اللوم حال الترك على التلبس بالكف عن الفعل المنهي ذلك الكف عنه لأن الأمر بالشيء يفيد النهي عن تركه
مسألة يصح التكليف ويوجد معلوما للمأمور آثره أي عقب الأمر المسموع الدال على التكليف مع علم الأمر وكذا المأمور أيضا في الأظهر انتفاء شرط وقوعه أي شرط وقوع المأمور به عند وقته كأمر رجل بصوم يوم علم موته قبله للآخر فقط أوله وللمأمور به بتوقيف من الآمر فإنه علم في ذلك انتفاء شرط وقوع الصوم المأمور من الحياة والتمييز عند وقته خلافا لإمام الحرمين والمعتزلة في قولهم لا يصح التكليف
____________________
(1/285)
مع ما ذكر لانتفاء فائدة من الطاعة أو العصيان بالفعل أو الترك وأجيب بوجودها بالعزم على الفعل أو الترك
وفي قولهم لا يعلم المأمور بشيء أنه مكلف به عقب سماعه للأمر به لأنه قد لا يتمكن من فعله لموت قبل وقته أو عجز عنه وأجيب بأن الأصل عدم ذلك وبتقدير وجوبه ينقطع تعلق الأمر الدال على التكليف كالوكيل في البيع غدا إذا مات أو عزل قبل الغد ينقطع التوكيل ومسألة علم المأمور حكى الآمدي وغيره الاتفاق فيها على عدم صحة التكليف لانتفاء فائدته
____________________
(1/286)
الموجودة حال الجهل بالعزم وبعض المتأخرين قال بوجودها بالعزم على تقدير وجود الشرط قال كما يعزم المجبوب في التوبة من الزنا على أن لا يعود إليه بتقدير القدرة عليه فيصح التكليف عنده
وجعل المصنف صحته الأظهر واستند في ذلك كما أشار إليه في شرح المختصر إلى مسألة من علمت بالعادة أو بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنها تحيض في أثناء يوم معين من رمضان هل يجب عليها افتتاحه بالصوم قال الغزالي في المستصفى أما عند المعتزلة فلا يجب لأن صوم بعض اليوم غير مأمور به
وأما عندنا فالأظهر وجوبه لأن الميسور لا يسقط بالمعسور ووجه الاستناد أنها كلفت بالصوم مع علمها انتفاء شرطه من النقاء عن الحيض جميع النهار وهذا مندفع فإن المكلف به صوم بعض اليوم الخالي عن الحيض والنقاء عنه جميع اليوم شرط لصوم جميعه لا بعضه أيضا وكذا ما قبله مندفع فإنه لا يتحقق العزم على ما لا يوجد شرطه بتقدير وجوده ولا على عدم العود إلى ما لا قدرة عليه بتقديرها فالصواب ما حكوه من الاتفاق على عدم الصحة أما التكليف بشيء مع جهل الآمر انتفاء شروعه عند وقته بأن يكون الآمر غير الشارع كأمر السيد عبده بخياطة ثوب غدا فاتفاق أي فمتفق على صحته ووجوده
خاتمة الحكم قد يتعلق بأمرين فأكثر على الترتيب فيحرم الجمع كأكل المذكى
____________________
(1/287)
والميتة فإن كلا منهما يجوز أكله لكن جواز أكل الميتة عند العجز عن غيرها الذي من جملته المذكى فيحرم الجمع بينهما لحرمة الميتة حيث قدر على غيرها
أو يباح الجمع كالوضوء والتيمم فإنهما جائزان وجواز التيمم عند العجز عن الوضوء وقد يباح الجمع بينهما كأن تيمم لخوف بطء البرء من الوضوء من عمت ضرورته محل الوضوء ثم توضأ متحملا لمشقة بطء البرء وإن بطل بوضوئه تيممه لانتفاء فائدته أو يسن الجمع كخصال كفارة الوقاع فإن كلا منهما واجب لكن وجوب الإطعام عند العجز عن الصيام ووجوب الصيام عند العجز عن الإعتاق ويسن الجمع بينهما كما قال في المحصول فينوي بكل الكفارة
____________________
(1/288)
وإن سقطت بالأولى كما ينوي بالصلاة المعادة الفرض وإن سقط بالفعل أولا
و قد يتعلق الحكم بأمرين فأكثر على البدل كذلك أي فيحرم الجمع كتزويج المرأة من كفأين فإن كلا منهما يجوز التزويج منه بدلا عن الآخر أي إن لم تزوج من الآخر ويحرم الجمع بينهما بأن تزوج منهما معا أو مرتبا أو يباح الجمع كستر العورة بثوبين فإن كلا منهما يجب الستر به بدلا عن الآخر أي إن لم تستتر بالآخر ويباح الجمع بينهما بأن يجعل أحدهما فوق الآخر أو يسن الجمع كخصال كفارة اليمين فإن كلا منها واجب بدلا عن غيره أي إن لم يفعل غيره منها كما قال والد المصنف إنه الأقرب إلى كلام الفقهاء نظرا منهم للظاهر وإن كان التحقيق ما تقدم من أن الواجب القدر المشترك بينها في ضمن أي معين منها ويسن الجمع بينها كما قال في المحصول
الكتاب الأول في الكتاب ومباحث الأقوال
____________________
(1/289)
المشتمل عليها من الأمر والنهي والعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين ونحوها الكتاب المراد به القرآن غلب عليه من بين الكتب في عرف أهل الشرع والمعني به أي القرآن هنا أي في أصول الفقه اللفظ المنزل
____________________
(1/290)
على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز بسورة منه المتعبد بتلاوته يعني ما يصدق عليه هذا
____________________
(1/291)
من أول سورة الحمد لله إلى آخر سورة الناس المحتج بإبعاضه خلاف المعنى بالقرآن في أصول الدين
____________________
(1/292)
عن مدلول ذلك القائم بذاته تعالى وإنما حدوا القرآن مع تشخصه بما ذكر من أوصافه ليتميز مع ضبط كثرته عما لا يسمى باسمه
____________________
(1/293)
من الكلام فخرج عن أن يسمى قرآنا بالمنزل على محمد الأحاديث غير الربانية والتوراة والإنجيل مثلا وبالإعجاز أي إظهار صدق النبي صلى الله عليه وسلم في دعواه الرسالة
مجازا عن إظهار عجز المرسل إليهم عن معارضته الأحاديث الربانية كحديث الصحيحين أنا عند ظن عبدي بي إلخ وغيره والاقتصار على الإعجاز وإن أنزل القرآن لغيره أيضا لأنه المحتاج إليه في التمييز وقوله بسورة منه أي أي سورة كانت من جميع سوره حكاية لأقل ما وقع به الإعجاز الصادق بالكوثر أقصر سورة ومثلها فيه قدرها من غيرها بخلاف ما دونها
____________________
(1/294)
وفائدته كما قال دفع إيهام العبارة بدونه أن الإعجاز بكل القرآن فقط وبالمتعبد بتلاوته أي أبدا ما نسخت تلاوته كما قال منه الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة قال عمر رضي الله عنه فإنا قد قرأناها رواه الشافعي وغيره وللحاجة في التمييز إلى إخراج ذلك زاد المصنف على غيره المتعبد بتلاوته وإن كان من الأحكام وهي لا تدخل الحدود
ومنه أي من القرآن البسملة أول كل سورة غير براءة على الصحيح
____________________
(1/295)
لأنها مكتوبة كذلك بخط السور في مصاحف الصحابة مع مبالغتهم في أن لا يكتب فيها ما ليس منه مما يتعلق به حتى النقط والشكل
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني وغيره ليست منه في ذلك وإنما هي في الفاتحة لابتداء الكتاب على عادة الله في كتبه ومنه سن لنا ابتداء الكتب بها وفي غيرها للفصل بين السور قال ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم رواه أبو داود وغيره وهي منه في أثناء النمل إجماعا وليست منه أول براءة
____________________
(1/296)
لنزولها بالقتال الذي لا تناسبه البسملة المناسبة للرحمة والرفق لا ما نقل آحادا قرآنا كإيمانهما في قراءة والسارق والسارقة فاقطعوا إيمانهما فإنه ليس من القرآن على الأصح لأن القرآن لإعجازه الناس عن الإتيان بمثل أقصر سورة تتوفر الدواعي على نفسه تواترا وقيل إنه من القرآن حملا على أنه كان متواترا في العصر الأول لعدالة ناقله ويكفي التواتر فيه
و القراءات السبع
____________________
(1/297)
المعروفة للقراء السبعة أبي عمرو ونافع وابن كثير وعامر وعاصم وحمزة والكسائي متواترة من النبي صلى الله عليه وسلم إلينا أي نقلها عنه جمع يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب لمثلهم وهلم قيل يعني قال ابن الحاجب فيما ليس من قبيل الأداء أي فما هو من قبيله بأن كان هيئة للفظ يتحقق بدونها فليس بمتواتر وذلك كالمد الذي زيد فيه متصلا ومنفصلا على أصله حتى بلغ قدر ألفين في نحو جاء وما أنزل وواوين في نحو السوء وقالوا أنؤمن وياءين في نحو جيء وفي أنفسكم أو أقل من ذلك بنصف أو أكثر منه بنصف أو واحد أو اثنين طرق للقراء والإمالة التي هي خلاف الأصل مع الفتح محضة أو بين بين بأن ينحي بالفتحة فيما يمال كالغار نحو الكسرة على وجه القرب منها أو من الفتحة
وتخفيف الهمزة الذي هو خلاف الأصل من التحقيق نقلا نحو قد أفلح وإبدالا نحو يؤمنون وتسهيلا نحو أينكم وإسقاطا نحو جاء أجلهم قال أبو شامة والألفاظ المختلف فيها بين القراء أي كما قال المصنف في أداء الكلمة يعني غير ما تقدم كألفاظهم فيما فيه حرف مشدد نحو إياك نعبد بزيادة على أقل التشديد من مبالغة أو توسط وغير ابن الحاجب وأبي شامة لم يتعرضوا لما قالاه والمصنف
____________________
(1/298)
وافق على عدم تواتر الأول وتردد في تواتر الثاني وجزم بتواتر الثالث بأنواعه السابقة وقال في الرابع إنه متواتر فيما يظهر ومقصوده مما نقله عن أبي شامة المتناول بظاهره لما قبله مع زيادة تلك الزيادة التي مثلها بما تقدم
على أن أبا شامة لم يرد جميع الألفاظ إذ قال في كتابه المرشد الوجيز ما شاع على ألسنة جماعة من متأخري المقرئين وغيرهم من أن القراءات السبع متواترة نقول به فيما اتفقت الطرق على نقله عن القراء السبعة دون ما اختلفت فيه بمعنى أنه نفيت نسبته إليهم في بعض الطرق وذلك موجود في كتب القراءات لا سيما كتب المغاربة والمشارقة فبينهما تباين في مواضع كثيرة والحاصل أنا لا نلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء أي بل منهما المتواتر وهو ما اتفقت الطرق على نقله عنهم وغير المتواتر وهو ما اختلفت فيه بالمعنى السابق وهذا بظاهره يتناول ما ليس من قبيل الأداء وما هو من قبيله وإن حمله المصنف على ما هو من قبيله كما تقدم
ولا تجوز القراءة بالشاذ أي ما نقل قرآنا آحادا لا في الصلاة ولا خارجها بناء على الأصح المتقدم أنه ليس من القرآن وتبطل الصلاة به إن غير المعنى وكان قارئه عامدا عالما كما قاله النووي في فتاويه والصحيح أنه ما وراء العشرة أي السبعة وقراءات يعقوب وأبي جعفر وخلف فهذه الثلاثة تجوز القراءة بها وفاقا للبغوي والشيخ الإمام والد المصنف لأنها لا تخالف رسم السبع من صحة السند واستقامة الوجه في العربية
____________________
(1/299)
وموافقة خط المصحف الإمام ولا يضر في العزو إلى البغوي عدم ذكره خلفا فإن قراءته كما قال المصنف ملفقة من القراءات التسعة إذ له في كل حرف موافق منهم وإن اجتمعت له هيئة ليست لواحد منهم فجعلت قراءة تخصه وقيل الشاذ ما رواه السبعة فتكون الثلاث منه لا تجوز القراءة بها على هذا وإن حكى البغوي الاتفاق على الجواز غير مصرح بخلف كما تقدم أما إجراؤه مجرى الأخبار الآحاد في الاحتجاج فهو الصحيح لأنه منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يلزم من انتفاء
____________________
(1/300)
خصوص قرآنيته انتفاء عموم خبريته والثاني وعليه بعض أصحابنا لا يحتج به لأنه إنما نقل قرآنا ولم تثبت قرآنيته وعلى الأول احتجاج كثير من فقهائنا على قطع يمين السارق بقراءة أيمانهما وإنما لم يوجبوا التتابع في صوم كفارة اليمين الذي هو أحد قولي الشافعي بقراءة متتابعات قال المصنف كأنه لما صحح الدارقطني إسناده عن عائشة رضي الله عنها نزلت فصيام ثلاثة أيام متتابعات فسقطت متتابعات
ولا يجوز ورود ما لا معنى له
____________________
(1/301)
في الكتاب والسنة خلافا للحشوية في تجويزهم ورود ذلك في الكتاب قالوا لوجدوه فيه كالحروف المقطعة أوائل السور وفي السنة بالقياس على الكتاب
وأجيب بأن الحروف أسماء للسور
____________________
(1/302)
كطه ويس وسموا حشوية من قول الحسن البصري لما وجد كلامهم ساقطا وكانوا يجلسون في حلقته أمامه ردا وهؤلاء إلى حشي الحلقة أي جانبها ولا يجوز أن يرد في الكتاب والسنة ما يعني به غير ظاهره إلا بدليل
____________________
(1/303)
يبين المراد كما في العام المخصوص بمتأخر خلافا للمرجئة في تجويزهم ورود ذلك من غير دليل حيث قالوا المراد بالآيات والأخبار الظاهرة في عقاب عصاة المؤمنين الترهيب فقط بناء على معتقدهم أن المعصية لا تضر مع الإيمان وسموا مرجئة لإرجائهم أي تأخيرهم إياها عن الاعتبار وبقاء المجمل في الكتاب والسنة بناء على الأصح الأتي من وقوعهم فيهما غير مبين أي على أحماله بأن لم يتضح المراد منه إلى وفاته صلى الله عليه وسلم أقوال أحدها لا لأن الله تعالى أكمل الدين قبل وفاته
____________________
(1/304)
لقوله اليوم أكملت لكم دينكم ثانيها نعم قال تعالى في متشابه الكتاب وما يعلم تأويله إلا الله إذ الوقف هنا كما عليه جمهور العلماء وإذا ثبت في الكتاب ثبت في السنة لعدم القائل بالفرق بينهما ثالثها الأصح لا يبقى المجمل المكلف بمعرفته غير مبين للحاجة إلى بيانه حذرا من التكليف بما لا يطاق بخلاف غير المكلف على أن صواب العبارة بالعمل به
____________________
(1/305)
كما في البرهان
وفي بعض نسخه بالعلم به وهو تحريف من ناسخ مشى عليه المصنف إذ وقع له من غير تأمل والحق كما اختاره الإمام الرازي وغيره أن الأدلة النقلية قد تفيد اليقين بانضمام تواتر أو غيره من المشاهدة كما في أدلة وجوب الصلاة ونحوها فإن الصحابة علموا معانيها المرادة بالقرائن المشاهدة ونحن علمناها بواسطة نقل تلك القرائن إلينا تواترا فاندفع توجيه من أطلق أنها لا تفيد اليقين بانتفاء العلم بالمراد منها المنطوق والمفهوم أي هذا مبحثهما المنطوق ما أي معنى دل عليه اللفظ
____________________
(1/306)
في محل النطق حكما كان كما مثله في شرح المختصر كغيره بتحريم التأفيف أي للوالدين الدال عليه قوله تعالى فلا تقل لهما أف
____________________
(1/307)
أو غير حكم كما يؤخذ من تمثيله في قوله وهو أي اللفظ الدال في محل النطق نص
____________________
(1/308)
أي يسمى بذلك إن أفاد معنى لا يحتمل غيره أي غير ذلك المعنى كزيد في نحو جاء زيد فإنه مفيد للذات المشخصة من غير احتمال لغيرها ظاهر أن يسمى بذلك إن احتمل بدل المعنى الذي أفاده مرجوحا كالأسد في نحو رأيت اليوم الأسد فإنه مفيد للحيوان المفترس محتمل للرجل الشجاع بدله
____________________
(1/309)
وهو معنى مرجوح لأنه معنى مجازي والأول الحقيقي المتبادر إلى الذهن أما المحتمل لمعنى مساو للآخر فيسمى مجملا وسيأتي كالجون في ثوب زيد الجون فإنه محتمل لمعنييه أي الأسود والأبيض على السواء واللفظ إن دل جزؤه على جزء المعنى كغلام زيد
____________________
(1/310)
فمركب وإلا أي وإن لم يدل جزؤه على جزء معناه بأن يكون له جزء كهمزة الاستفهام أن يكون له جزء غير دال على معنى كزيد أو دال على معنى غير جزء معناه كعبد الله علما فمفرد ودلالة اللفظ على معناه مطابقة
____________________
(1/311)
وتسمى دلالة مطابقة أيضا لمطابقة الدال للمدلول وعلى جزئه أي جزء معناه تضمن وتسمى دلالة تضمن أيضا لتضمن المعنى لجزئه المدلول ولازمه أي لازم معناه
____________________
(1/312)
الذهني سواء لزمه في الخارج أيضا أم لا التزام وتسمى دلالة الالتزام أيضا لالتزام المعنى أي استلزامه للمدلول كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق في الأول وعلى الحيوان في الثاني وعلى قابل العلم في الثالث اللازم خارجا أيضا وكدلالة العمى أي عدم البصر عما من شأنه البصر على البصر اللازم للعمى ذهنا المنافي له خارجا والأولى أي دلالة المطابقة لفظية لأنها بمحض اللفظ والثنتان أي دلالتا التضمن والالتزام عقليتان
____________________
(1/313)
لتوقفهما على انتقال الذهن من المعنى إلى جزئه ولازمه
____________________
(1/314)
ثم المنطوق إن توقف
____________________
(1/315)
الصدق فيه أو الصحة له عقلا أو شرعا على إضمار أي تقدير فيما دل عليه فدلالة الاقتضاء أي فدلالة اللفظ الدال على المنطوق على معنى ذلك المضمر المقصود تسمى دلالة اقتضاء الأول كما في مسند أخي عاصم الأتي في مبحث المجمل رفع عن أمتي الخطأ والنسيان أي المؤاخذة بهما لتوقف صدقه على ذلك لوقوعهما
والثاني كما في قوله تعالى واسأل القرية أي أهلها إذ القرية وهي الأبنية المجتمعة لا يصح سؤالها عقلا والثالث كما في قولك لمالك عبد اعتق عبدك عني ففعل فإنه يصح عنك أي ملكه لي فاعتقه عني لتوقف صحة العتق شرعا على المالك وإن لم يتوقف أي الصدق في المنطوق ولا الصحة له على إضمار ودل اللفظ المفيد له على ما لم يقصد به فدلالة إشارة أي فدلالة اللفظ على ذلك المعنى الذي لم يقصد به تسمى دلالة إشارة قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم على صحة صوم من أصبح جنبا للزومه للمقصود به من جواز جماعهن في الليل الصادق بآخر جزء منه والمفهوم ما أي معنى دل عليه اللفظ لا
____________________
(1/316)
لا في محل النطق من حكم ومحله كتحريم كذا كما سيأتي فإن وافق حكمه المشتمل هو عليه المنطوق أي الحكم المنطوق به فموافقة ويسمى مفهوم موافقة أيضا ثم هو فحوى الخطاب أي يسمى ذلك إن كان أولى من المنطوق ولحنه أي لحن الخطاب أي يسمى بذلك إن كان مساويا للمنطوق مثال المفهوم الأولى تحريم ضرب الوالدين الدال عليه نظرا للمعنى قوله تعالى فلا تقل لهما أف فهو أولى من تحريم التأفيف المنطوق لا شدية الضرب من التأفيف في الإيذاء ومثال المساوي تحريم إحراق مال اليتيم الدال عليه نظرا لمعنى آية إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما فهو مساو لتحريم
____________________
(1/317)
الأكل لمساواة الإحراق للأكل في الإتلاف وقيل لا يكون الموافقة مساويا أي كما قال المصنف لا يسمى بالموافقة المساوي وإن كان مثل الأولى في الاحتجاج به وباسمه المتقدم يسمى الأول أيضا على هذا وفحوى الكلام ما يفهم منه قطعا ولحنه معناه ومنه قوله تعالى ولتعرفنهم في لحن القول ويطلق المفهوم على محل الحكم أيضا كالمنطوق وعلى هذا ما قال المصنف في شرح المنهاج كغيره المفهوم إما أولى من المنطوق بالحكم أو مساو له فيه ثم قال الشافعي إمام الأئمة والإمامان أي إمام الحرمين والإمام الرازي دلالته
____________________
(1/318)
أي الدلالة على الموافقة قياسية أي بطريق القياس الأولى أو المساوي المسمى بالجلي كما يعلم مما سيأتي والعلة في المثال الأول الإيذاء
وفي الثاني الإتلاف ولا يضر في النقل عن الأولين عدم جعلهما المساوي من الموافقة لأن ذلك بالنظر إلى الاسم لا الحكم كما تقدم وأما الثالث فلم يصرح بالتسمية بالموافقة ولا نحوه مما تقدم وقيل الدلالة عليه لفظية لا مدخل للقياس فيها لفهمه من غير اعتبار قياس فقال الغزالي والآمدي من قائلي هذا القول
____________________
(1/319)
فهمت أي الدلالة عليه من السياق والقرائن لا من مجرد اللفظ فلولا دلالتها في آية الوالدين على أن المطلوب بهما تعظيمهما واحترامهما ما فهم منها من منع التأفيف منع الضرب إذ قد يقول ذو الغرض الصحيح لعبده لا تشتم فلانا ولكن اضربه ولولا دلالتهما في آية مال اليتيم على أن المطلوب بها حفظه وصيانته ما فهم منها من منع أكله منع إحراقه إذ قد يقول القائل والله ما أكلت مال فلان ويكون قد أحرقه فلا يحنث وهي أي الدلالة عليه حينئذ مجازية من إطلاق الأخص على الأعم فأطلق المنع من التأفيف في آية الوالدين وأريد المنع من الإيذاء وأطلق المنع من أكل مال اليتيم في آيته وأريد المنع من إتلافه وقيل نقل اللفظ لها أي للدلالة على الأعم
____________________
(1/320)
عرفا بدلا عن الدلالة على الأخص لغة فتحريم ضرب الوالدين وتحريم إحراق مال اليتيم على هذين القولين من منطوق الآيتين وإن كانا بقرينة على الأول منهما وكثير من العلماء منهم الحنفية
____________________
(1/321)
على أن الموافقة مفهوم لا منطوق ولا قياسي كما هو ظاهر صدر كلام المصنف ومنهم من جعله تارة مفهوما وأخرى قياسيا كالبيضاوي فقال الصفي الهندي لا تنافي بينهما لأن المفهوم مسكوت والقياس إلحاق مسكوت بمنطوق قال المصنف وقد يقال بينهما تناف لأن المفهوم مدلول للفظ والمقيس غير مدلول له وإن خالف حكم المفهوم الحكم المنطوق به فمخالفة ويسمى مفهوم مخالفة أيضا كما سيأتي التعبير به في مبحث العام وشرطه ليتحقق أن لا يكون المسكوت ترك لخوف في ذكره بالموافقة كقول قريب العهد بالإسلام لعبده بحضور المسلمين تصدق بهذا على المسلمين ويريد غيرهم وتركه خوفا من أن يتهم بالنفاق ونحوه أي نحو الخوف كالجهل بحكم المسكوت كقولك في الغنم السائمة زكاة وأنت تجهل حكم المعلوفة و أن لا يكون المذكور خرج للغالب كما في قوله تعالى وربائبكم
____________________
(1/322)
اللاتي في حجوركم فإن الغالب كون الربائب في حجور الأزواج أي تربيتهم خلافا لإمام الحرمين في نفيه هذا الشرط لما سيأتي مع دفعه أو خرج المذكور لسؤال عنه أو حادثة تتعلق به أو للجهل بحكمه دون حكم المسكوت
كما لو سئل النبي صلى الله عليه وسلم هل في الغنم السائمة زكاة أو قيل بحضرته لفلان غنم سائمة أو خاطب من جهل حكم الغنم السائمة دون المعلوفة فقال في الغنم السائمة زكاة أو غيره أي خرج المذكور لغير ما ذكر مما يقتضي التخصيص بالذكر كموافقة الواقع كما في قوله تعالى لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين نزلت كما قال الواحدي وغيره في قوم من المؤمنين والوا اليهود أي دون المؤمنين وإنما شرطوا للمفهوم انتفاء المذكورات لأنها فوائد ظاهرة وهو فائدة خفية فأخر عنها وبذلك اندفع توجيه إمام الحرمين لما نفاه مخالفا للشافعي
____________________
(1/323)
بأن المفهوم من مقتضيات اللفظ فلا تسقطه موافقة الغالب
وقد مشى في النهاية في آية الربيبة على ما نقله عن الشافعي من أن القيد فيها لموافقة الغالب لا مفهوم له بعد أن نقل عن مالك القول بمفهومه من أن الربيبة الكبيرة وقت التزوج بأمها لا تحرم على الزوج لأنها ليست في حجره وتربيته وهذا وإن لم يستمر عليه مالك فقد نقله الغزالي عن داود كما نقل ابن عطية عن علي كرم الله وجهه أن البعيدة عن الزوج لا تحرم عليه لأنها ليست في حجره ورواه عنه بالسند ابن أبي حاتم وغيره ومرجع ذلك إلى أن القيد ليس لموافقة الغالب
والمقصود مما تقدم أنه لا مفهوم للمذكور في الأمثلة المذكورة ونحوها ويعلم حكم المسكوت فيها من خارج بالمخالفة كما في الغنم المعلوفة لما سيأتي أو الموافقة كما في المثال الأول لما تقدم وفي آيتي الربيبة والموالاة للمعنى وهو أن الربيبة حرمت لئلا يقع بينها وبين أمها التباغض لو أبيحت بأن يتزوج بها فيوجد نظرا للعادة في مثل ذلك سواء كانت في حجر الزوج أم لا وموالاة المؤمن الكافر حرمت لعداوة الكافر له وهي موجودة سواء والى المؤمن أم لا
وقد عم من والاه ومن لم يواله قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم إلى قوله والكفار أولياء ومن المعنى المعلوم به
____________________
(1/324)
المسكوت للمنطوق نشأ خلاف في أن الدلالة على المسكوت قياسية أو لفظية وكأن القيد لم يذكر حكاه في قوله ولا يمنع أي ما يقتضي التخصيص بالذكر قياس المسكوت بالمنطوق بأن كان بينهما علة جامعة لعدم معارضته بل قيل يعمه أي المسكوت المشتمل على العلة المعروض للمذكور من صفة أو غيرها إذا عارضه بالنسبة إلى المسكوت المشتمل على العلة كأنه لم يذكر وقيل لا يعمه إجماعا لوجود العارض وإنما يلحق به قياسا
وعدم العموم هو الحق كما قال المصنف لا سيما وقد ادعى بعضهم الإجماع عليه كما أفادته العبارة بخلاف مفهوم الموافقة لأن المسكوت هنا أدون من المنطوق بخلافه هناك كما تقدم وبل هنا انتقالية لا إبطالية
____________________
(1/325)
وهو صفة أي مفهوم المخالفة بمعنى الحكم مفهوم صفة قال المصنف والمراد بها لفظ مقيد لآخر ليس بشرط ولا استثناء ولا غاية
____________________
(1/326)
لا النعت فقط أي أخذا من إمام الحرمين وغيره حيث أدرجوا فيها العدد والظرف مثلا كالغنم السائمة أو سائمة الغنم أي الصفة كالسائمة في الأول من الغنم السائمة زكاة وفي الثاني من في سائمة الغنم زكاة قدم من تأخير
وكل منها يروى حديثا ومعناه ثابت في حديث البخاري وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة إلخ لا مجرد السائمة أي من في السائمة زكاة وإن روي فليس من الصفة على الأظهر لاختلال الكلام بدونه كاللقب وقيل هو منها لدلالته على السوم الزائد على الذات بخلاف اللقب فيفيد نفي الزكاة عن المعلوفة مطلقا كما يفيد إثباتها في السائمة مطلقا ويؤخذ من كلام ابن السمعاني أن الجمهور على الثاني حيث قال الاسم المشتق كالمسلم والكافر والقاتل والوارث يجري مجرى المقيد بالصفة عند الجمهور وهل النفي عن محلية الزكاة في المثالين الأولين غير سائمتها وهو معلوفة الغنم أو غير مطلق السوائم وهو معلوفة الغنم وغير الغنم
____________________
(1/327)
قولان الأول ورجحه الإمام الرازي وغيره ينظر إلى السوم في الغنم والثاني إلى السوم فقط لترتيب الزكاة عليه وغير الغنم من الإبل والبقر وجوز المصنف أن تكون الصفة في سائمة الغنم لفظ الغنم على وزانها في مطل الغني ظلم كما سيأتي فيفيد نفي الزكاة عن سائمة غير الغنم وأن تثبت فيها بدليل آخر وهو يعيد لأنه خلاف المتبادر إلى الأذهان
ومنها أي من الصفة بالمعنى السابق العلة نحو أعط السائل لحاجته أي المحتاج دون غيره والظرف زمانا ومكانا نحو سافر يوم الجمعة أي لا في غيره واجلس أمام فلان أي لا وراءه والحال نحو أحسن إلى العبد مطيعا أي لا عاصيا والعدد نحو قوله تعالى فاجلدوهم ثمانين جلدة أي لا أكثر من ذلك وحديث الصحيحين إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أي لا أقل من ذلك
____________________
(1/328)
وشرط عطف على صفة نحو وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن أي فغير أولات الحمل لا يجب الإنفاق عليهن وغاية نحو فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره أي فإذا نكحته تحل للأول بشرطه وإنما نحو إنما إلهكم الله أي فغيره ليس بإله والإله المعبود بحق ومثل لا عالم إلا زيد مما يشتمل على نفي واستثناء نحو ما قام إلا زيد منطوقهما نفي العلم والقيام عن غير زيد ومفهومهما إثبات العلم والقيام لزيد وفصل المبتدأ من الخبر بضمير الفصل نحو أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي أي فغيره ليس بولي أي ناصر وتقديم المعمول على ما سيأتي عن البيانيين كالمفعول والجار والمجرور نحو إياك نعبد أي لا غيرك لإلى الله تحشرون أي لا إلى غيره وأعلاه أي أعلى ما ذكر من أنواع مفهوم المخالفة لا عالم إلا زيد أي مفهوم ذلك ونحوه إذ قيل إنه منطوق أي صراحة لسرعة تبادره إلى الأذهان ثم ما قيل إنه منطوق أي بالإشارة
____________________
(1/329)
كمفهوم إنما والغاية كما سيأتي لتبادره إلى الأذهان ثم غيره على الترتيب الآتي مسألة المفاهيم المخالفة إلا اللقب حجة لغة لقول كثير من أئمة اللغة بها منهم أبو عبيدة وعبيد تلميذه قالا في حديث الصحيحين
____________________
(1/330)
مثلا مطل الغني ظلم أنه يدل على أن مطل غير الغني ليس بظلم وهم إنما يقولون في مثل ذلك ما يعرفونه من لسان العرب وقيل حجة شرعا لمعرفة ذلك من موارد كلام الشارع
وقد فهم صلى الله عليه وسلم من قوله تعالى إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم أن حكم ما زاد على السبعين بخلاف حكمه حيث قال كما رواه الشيخان خبرني الله وسأزيده على السبعين
وقيل حجة معنى أي من حيث المعنى وهو أنه لو لم ينف المذكور
____________________
(1/331)
الحكم عن المسكوت لم يكن لذكره فائدة وهذا كما عبر عنه هنا بالمعنى عبر عنه في مبحث العام كما سيأتي بالعقل
وفي شرح المختصر هنا بالعرف العام لأنه معقول لأهله واحتج باللقب الدقاق والصيرفي من الشافعية وابن خويز منداد من المالكية وبعض الحنابلة
____________________
(1/332)
علما كان أو اسم جنس نحو على زيد حج أي لا على عمرو وفي النعم زكاة أي لا في غيرها من الماشية إذ لا فائدة لذكره إلا نفي الحكم عن غيره كالصفة
وأجيب بأن فائدته استقامة الكلام إذ بإسقاطه يختل بخلاف إسقاط الصفة ويقوى كما قال المصنف الدقاق المشهور باللقب بمن ذكر معه خصوصا الصيرفي فإنه أقدم منه وأجل
____________________
(1/333)
وأنكر أبو حنيفة الكل مطلقا أي لم يقل بشيء من مفاهيم المخالفة وإن قال في المسكوت بخلاف حكم المنطوق فلأمر آخر كما في انتفاء الزكاة عن المعلوفة قال الأصل عدم الزكاة وردت في السائمة فبقيت المعلوفة على الأصل و أنكر الكل قوم في الخبر نحو في الشام الغنم السائمة فلا ينفي المعلوفة عنها لأن الخبر له خارجي يجوز الإخبار ببعضه فلا يتعين القيد فيه للنفي
____________________
(1/334)
بخلاف الإنشاء نحو زكوا عن الغنم السائمة وما في معناه مما تقدم فلا خارجي له فلا فائدة للقيد فيه إلا النفي
و أنكر الكل الشيخ الإمام والد المصنف في غير الشرع من كلام المصنفين
____________________
(1/335)
والواقفين لغلبة الذهول عليهم بخلافه في الشرع من كلام الله ورسوله المبلغ عنه لأنه تعالى لا يغيب عنه شيء و أنكر إمام الحرمين صفة لا تناسب الحكم كأن يقول الشارع في الغنم العفر الزكاة قال فهي في معنى اللقب بخلاف المناسبة كالسوم لخفة مؤنة السائمة فهي في معنى العلة ولكون العلة غير الصفة بحسب الظاهر خلاف ما تقدم أطلق الإمام الرازي عنه إنكار الصفة ولكون غير المناسبة في معنى اللقب أطلق ابن الحاجب عنه القول بالصفة
وأما غيرها مما تقدم فصرح منه بالعلة والظرف والعدد والشرط وإنما وما وإلا وسكت عن الباقي وهو المذكور و أنكر قوم العدد دون غيره فقالوا لا يدل على مخالفة حكم الزائد عليه أو الناقص عنه
____________________
(1/336)
كما تقدم إلا بقرينة أما مفهوم الموافقة فاتفقوا على حجيته وإن اختلفوا في طريق الدلالة عليه كما تقدم مسألة الغاية قيل منطوق أي بالإشارة كما تقدم لتبادره إلى الأذهان والحق أنه مفهوم كما تقدم ولا يلزم من تبادر الشيء إلى الأذهان أن يكون منطوقا يتلوه أي الغاية الشرط إذ لم يقل أحد إنه منطوق
وفي رتبة الغاية إنما فسيأتي قول أنه منطوق أي بالإشارة كما تقدم ومثله في ذلك فصل المبتدأ وتقدم أن مرتبة الغاية تلي مرتبة لا عالم إلا زيد فالصفة المناسبة تتلو الشرط لأن بعض القائلين به خالف في الصفة فمطلق الصفة عن المناسبة غير العدد من نعت وحال وظرف وعلة غير مناسبات فهي سواء تتلو الصفة المناسبة فالعدد يتلو المذكورات
____________________
(1/337)
لإنكار قوم له دونها كما تقدم فتقديم المعمول آخر المفاهيم لدعوى البيانيين في فن المعاني أفادته الاختصاص أخذا من موارد الكلام البليغ وخالفهم ابن الحاجب وأبو حيان في ذلك الاختصاص المفاد الحصر المشتمل على نفي الحكم عن غير المذكور كما دل عليه كلامهم خلافا للشيخ الإمام والد المصنف حيث أثبته وقال ليس هو الحصر وإنما هو قصد الخاص من جهة خصوصه فإن الخاص كضرب زيد بالنسبة إلى مطلق الضرب قد يقصد في الإخبار به لا من جهة خصوصه فيأتي بألفاظه في مراتبها
وقد يقصد من جهة خصوصه
____________________
(1/338)
كالخصوص بالمفعول للاهتمام به فيقدم لفظه لإفادة ذلك نحو زيدا ضربت فليس فيه الاختصاص ما في الحصر من نفي الحكم عن غير المذكور وإنما جاء ذلك في إياك نعبد للعلم بأن قائليه أي المؤمنين لا يعبدون غير الله وحاصله أن التقديم للاهتمام وقد ينضم إليه الحصر لخارج واختاره المصنف في شرح المختصر وأشار إليه هنا بقوله لدعوى البيانيين مسألة إنما بالكسر قال الآمدي وأبو حيان كقول أبي حنيفة من جملة ما تقدم عنه لا تفيد الحصر لأنها إن المؤكدة وما الزائدة الكافة فلا تفيد النفي المشتمل عليه الحصر وعلى ذلك حديث مسلم إنما الربا في النسيئة إذ ربا الفضل ثابت إجماعا وإن تقدمه خلاف واستفادة النفي في بعض المواضع من خارج كما في إنما إلهكم الله فإن سيق للرد على المخاطبين في اعتقادهم إلهية غير الله و قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي والغزالي و صاحبه أبو الحسن إلكيا الهراسي بكسر الهمزة والكاف ومعناه في لغة الفرس الكبير والإمام الرازي تفيد الحصر المشتمل على نفي الحكم من غير المذكور نحو إنما قام زيد أي لا عمرو أو نفي غير الحكم عن المذكور نحو إنما زيد قائم أي لا قاعد فمهما وقيل نطقا أي بالإشارة كما تقدم لتبادر الحصر إلى الأذهان منها وإن عورض في بعض المواضع بما هو مقدم عليه كما في حديث الربا السابق ولا بعد في إفادة المركب ما لم تفده أجزاؤه ولم يذكر المصنف إمام الحرمين مع قوله بإنما
____________________
(1/339)
كما تقدم لأنه لم يصرح بأنه مفهوم ولا منطوق و أنما بالفتح الأصح أن حرف أن فيها من حيث إنه من أفراد إن
فرع إن المكسورة فهي الأصل لاستغنائها بمعموليها في الإفادة بخلاف المفتوحة لأنها مع معموليها بمنزلة مفرد وقيل المفتوحة الأصل لأن المفرد أصل لأن له محال يقع فيها دون الآخر ومن ثم أي من هنا وهو أن المفتوحة فرع المكسورة أي من أجل ذلك اللازم له فرعية أنما بالفتح لإنما بالكسر ادعى الزمخشري في تفسير قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد وتبعه البيضاوي فيه إفادتها أي إفادة أنما بالفتح الحصر كإنما بالكسر لأن ما ثبت للأصل يثبت للفرع حيث لا معارض والأصل انتفاؤه والزمخشري وإن لم يصرح بهذا المأخذ قوة كلامه تشير إليه ومعنى الآية على هذا ما قاله إن الوحي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في أمر الإله مقصور
____________________
(1/340)
على استئثار الله بالوحدانية أي لا يتجاوزه إلى أن يكون الإله كغيره متعددا كما عليه المخاطبون ومثل ذلك قوله في آية اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر أراد أن الدنيا ليست إلا هذه الأمور المحقرات أي وأما العبادات والقرب فمن أمور الآخرة لظهور ثمرتها فيها
ونقل المصنف إفادتها الحصر عن التوخي أيضا في الأقصى القريب وفي قوله كابن هشام ادعى إشارة إلى ما هو عليه الجمهور من بقاء إن فيها على مصدريتها مع كفها بما وإن لم يصرحوا بذلك فيما علمت اكتفاء بكونها فيها من أفراد إن وعلى هذا معنى الآية الأولى ما يوحى إلي في أمر الإله إلا وحدانيته أي لا ما أنتم عليه من اشتراك ومعنى الثانية اعلموا حقارة الدنيا أي فلا تؤثروها على الآخرة الجليلة فبقاء إن في الآيتين على المصدرية كاف في حصول المقصود بهما من نفي الشريك عن الله تعالى وتحقير الدنيا مسألة من الألطاف جمع لطف بمعنى ملطوف
____________________
(1/341)
أي من الأمور الملطوف بالناس بها حدوث الموضوعات اللغوية بإحداثه تعالى وإن قيل واضعها غيره من العباد لأنه الخالق لأفعالهم ليعبر عما في الضمير بفتح الموحدة أي ليعبر كل من الناس عما في نفسه مما يحتاج إليه في معاشه ومعاده لغيره حتى يعاونه لعدم استقلاله به ومر في الدلالة على ما في الضمير أفيد من الإشارة والمثال أي الشكل لأنها تعم الموجود والمعدوم وهما يخصان الموجود المحسوس وأيسر منهما أيضا لموافقتها للأمر الطبيعي دونهما بأنها كيفيات تعرض للنفس الضروري
____________________
(1/342)
وهي الألفاظ الدالة على المعاني خرج الألفاظ المهملة
____________________
(1/343)
وشمل الحد المركب الإسنادي وهو من المحدود على المختار الآتي في مبحث الإخبار وتعرف بالنقل تواترا نحو السماء والأرض والحر والبرد لمعانيها المعروفة أو آحادا كالقرء للحيض والطهر وباستنباط العقل من النقل نحو الجمع المعرف بأل عام فإن العقل يستنبط ذلك مما نقل أن هذا الجمع يصح الاستثناء منه أي إخراج بعضه بإلا أو إحدى أخواتها بأن يضم إليه وكل ما صح الاستثناء منه مما لا حصر فيه فهو عام كما سيأتي للزوم تناوله للمستثنى لا مجرد العقل فلا تعرف به إذ لا مجال له في ذلك ومدلول اللفظ إما معنى جزئي أو كلي الأول ما يمنع تصوره من الشركة فيه كمدلول زيد والثاني ما لا يمنع كمدلول الإنسان كما سيأتي
____________________
(1/344)
ما يؤخذ منه ذلك أو لفظ مفرد مستعمل كالكلمة فهي قول مفرد والقول اللفظ المستعمل يعني كمدلول الكلمة بمعنى ماصدقها كرجل وضرب وهل أو لفظ مفرد مهمل كأسماء حروف الهجاء يعني كمدلول أسمائها نحو الجيم واللام والسين أسماء لحروف جلس مثلا أي جه له سه أو لفظ مركب مستعمل كمدلول لفظ الخبر أي ماصدقه نحو قام زيد أو مهمل كمدلول لفظ الهذيان وسيأتي في مبحث الإخبار التصريح بقسمي المركب مع حكاية خلاف في وضع الأول ووجود الثاني وإطلاق المدلول على الماصدق كما هنا سائغ والأصل إطلاقه على المفهوم
____________________
(1/345)
أي ما وضع له اللفظ والوضع جعل اللفظ دليلا على المعنى فيفهمه منه العارف بوضعه له وسيأتي ذكر الوضع في حد الحقيقة مع تقسيمها إلى لغوية وعرفية شرعية وفي حد المجاز مع انقسامه إلى ما ذكر فالحد المذكور كما يصدق على الوضع اللغوي يصدق على العرفي والشرعي خلاف قول القرافي إنهما
____________________
(1/346)
في الحقيقة كثرة استعمال اللفظ في المعنى بحيث يصير فيه أشهر من غيره نعم يعرفان فيها بالكثرة المذكورة ويزيد العرفي الخاص بالنقل الذي هو الأصل في اللغوي ولا يشترط مناسبة اللفظ للمعنى في وضعه له فإن الموضوع للضدين كالجون للأسود والأبيض لا يناسبهما خلافا لعباد الصيمري حيث أثبتها بين كل لفظ ومعناه
قال وإلا فلم اختص به فقيل بمعنى أنها حاملة على الوضع على وفقها فيحتاج إليه وقيل بل بمعنى أنها كافية في دلالة اللفظ على المعنى فلا يحتاج إلى الوضع يدرك ذلك من خصه الله به كما في القافة ويعرفه غيره منه قال القرافي حكي أن بعضهم كان يدعي أنه يعلم المسميات من الأسماء فقيل له ما مسمى آذغاغ وهو من لغة البربر فقال أجد فيه يبسا شديدا وأراه اسم الحجر وهو كذلك
قال الأصفهاني والثاني هو الصحيح عن عباد واللفظ الدال على معنى ذهني خارجي أي
____________________
(1/347)
له وجود في الذهن بالإدراك ووجود في الخارج بالتحقق كالإنسان بخلاف المعدوم فلا وجود له في الخارج كبحر زئبق موضوع للمعنى الخارجي لا الذهني خلافا للإمام الرازي
____________________
(1/348)
في قوله بالثاني قال لأنا إذا رأينا جسما من بعيد وظنناه صخرة سميناه بهذا الاسم فإذا دنونا منه وعرفنا أنه حيوان لكن ظنناه طيرا سميناه به
فإذا ازداد القرب وعرفنا أنه إنسان سميناه به فاختلف الاسم لاختلاف المعنى الذهني وذلك يدل على أن الوضع له
وأجيب بأن اختلاف الاسم لاختلاف المعنى في الذهن لظن أنه في الخارج كذلك لا لمجرد اختلافه في الذهن فالموضوع له ما في الخارج والتعبير عنه تابع لإدراك الذهن له حسبما أدركه
وقال الشيخ الإمام والد المصنف هو موضوع للمعنى من حيث هو أي من غير التقييد بالذهني أو الخارجي فاستعماله في المعنى في ذهن كان أو خارج حقيقي على هذا دون الأولين
____________________
(1/349)
والخلاف كما قال المصنف في اسم الجنس أي في النكرة لأن المعرفة منه ما وضع للخارجي ومنه ما وضع للذهني كما سيأتي وليس لكل معنى لفظ بل اللفظ لكل معنى محتاج أو اللفظ فإن أنواع الروائح مع كثرتها جدا ليس لها ألفاظ لعدم انضباطها ويدل عليها بالتقييد كرائحة كذا فليست محتاجة إلى الألفاظ وكذلك أنواع الآلام وبل هنا انتقالية لا إبطالية والمحكم من المتضح المعنى
____________________
(1/350)
من نص أو ظاهر والمتشابه منه ما استأثر الله أي اختص بعمله فلم يتضح لنا معناه
وقد يطلع أي الله عليه بعض أصفيائه إذ لا مانع من ذلك من الآيات والأحاديث في ثبوت الصفات لله المشكلة على قول السلف بتفويض معناها إليه تعالى كما سيأتي مع قول الخلف بتأويلها في أصول الدين وهذا الاصطلاح مأخوذ من قوله تعالى منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات قال الإمام الرازي في المحصول واللفظ الشائع بين الخواص والعوام لا يجوز أن يكون موضوعا لمعنى خفي إلا على الخواص لامتناع تخاطب غيرهم من العوام بما هو خفي عليهم لا يدركونه كما يقول من المتكلمين مثبتو الحال أي الواسطة بين الموجود والمعدوم كما سيأتي في أواخر الكتاب الحركة معنى توجب تحرك الذات أي الجسم فإن هذا المعنى خفي التعقل على العوام فلا يكون معنى الحركة الشائع بين الجميع والمعنى الظاهر له تحرك الذات
____________________
(1/351)
مسألة قال ابن فورك والجمهور اللغات توقيفية أي وضعها الله تعالى فعبروا عن وضعه بالتوقيف لإدراكه به علمها الله عباده بالوحي إلى بعض أنبيائه أو خلق الأصوات في بعض الأجسام بأن تدل من يسمعها من بعض العباد عليها أو خلق العلم الضروري في بعض العباد بها والظاهر من هذه الاحتمالات أولها لأنه المعتاد في تعليم الله تعالى وعزي أي القول بأنها توقيفية إلى الأشعري ومحققو كلامه كالقاضي أبي بكر الباقلاني وإمام الحرمين وغيرهما لم يذكروه في المسألة أصلا واستدل لهذا القول بقوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها أي الألفاظ الشاملة للأسماء والأفعال والحروف لأن كلا منها اسم أي علامة على مسماه وتخصيص الاسم ببعضها عرف طرأ وتعليمه تعالى دال على أنه
____________________
(1/352)
الواضع دون البشر و قال أكثر المعتزلة هي اصطلاحية أي وضعها البشر واحد فأكثر حصل عرفانها لغيره منه بالإشارة والقرينة كالطفل إذ يعرف لغة أبويه بهما واستدل لهذا القول بقوله تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه أي بلغتهم فهي سابقة على البعثة ولو كانت توقيفية والتعليم بالوحي كما هو الظاهر لتأخرت عنها و قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني القدر المحتاج إليه منها في التعريف للغير توقيف يعني توقيفي لدعاء الحاجة إليه وغيره محتمل له لكونه توقيفيا أو اصطلاحيا وقيل عكسه أي القدر المحتاج إليه في التعريف اصطلاحي وغيره محتمل له وللتوقيفي والحاجة إلى الأول تندفع بالاصطلاح وتوقف كثير من العلماء عن القول بواحد من هذه الأقوال لتعارض أدلتها والمختار الوقف عن القطع بواحد منها لأن أدلتها لا تفيد القطع وإن التوقيف الذي هو أولها مظنون لظهور دليله دون الاصطلاح فإنه لا يلزم من تقدم اللغة على البعثة أن تكون اصطلاحية لجواز أن تكون توقيفية ويتوسط تعليمها بالوحي بين النبوة والرسالة
____________________
(1/353)
مسألة قال القاضي أبو بكر الباقلاني وإمام الحرمين والغزالي والآمدي لا تثبت اللغة قياسا وخالفهم ابن سريج وابن أبي هريرة وأبو إسحاق الشيرازي والإمام الرازي فقالوا تثبت وإذا اشتمل معنى اسم على وصف مناسب للتسمية كالخمر أي المسكر من ماء العنب لتخميره أي تغطيته للعقل ووجد ذلك الوصف
____________________
(1/354)
في معنى آخر كالنبيذ أي المسكر من غير ماء العنب ثبت له بالقياس ذلك الاسم لغة فيسمى النبيذ خمرا فيجب اجتنابه بآية إنما الخمر والميسر لا بالقياس على الخمر وسواء في الثبوت الحقيقة والمجاز
وقيل تثبت الحقيقة لا المجاز لأنه أخفض رتبة منها ولفظ القياس فيما ذكر يغني عن قولك أخذا من ابن الحاجب محل الخلاف ما لم يثبت تعميمه باستقراء فإن ما ثبت تعميمه بذلك من اللغة كرفع الفاعل ونصب المفعول لا حاجة في ثبوت ما لم يسمع منه إلى القياس حتى يختلف في ثبوته وأشار كما قال بذكر قائلي القولين
____________________
(1/355)
إلى اعتدالهما خلاف قول بعضهم إن الأكثر على النفي وبذكر القاضي من النافين إلى أن من ذكره من المثبتين كالآمدي لم يحرر النقل عنه لتصريحه بالنفي في كتاب التقريب
____________________
(1/356)
ومسألة اللفظ والمعنى إن اتحدا أي كان كل منهما واحدا
____________________
(1/357)
فإن منع تصور معناه أي معنى اللفظ المذكور الشركة فيه من اثنين مثلا فجزئي أي فذلك اللفظ يسمى جزئيا كزيد وإلا أي وإن لم يمنع تصور معناه الشركة فيه فكلي سواء أمتنع وجود معناه كالجمع بين الضدين أو أمكن ولم يوجد فرد منه كبحر من زئبق
____________________
(1/358)
أو وجد وامتنع غيره كالإله أي المعبود بحق أو أمكن ولم يوجد كالشمس أي الكوكب النهاري المضيء أو وجد كالإنسان أي الحيوان الناطق وما تقدم من تسمية المدلول بالجزئي والكلي هو الحقيقة وما هنا مجاز من تسمية الدال باسم المدلول متواطئ ذلك الكلي إن استوى معناه في أفراده كالإنسان فإنه متساوي المعنى في أفراده من زيد وعمرو وغيرهما
أسمي متواطئا من التواطؤ أي التوافق لتوافق أفراد معناه فيه مشكك إن تفاوت معناه في أفراده بالشدة
____________________
(1/359)
أو التقدم كالبياض فإن معناه في الثلج أشد منه في العاج والوجود فإن معناه في الواجب قبله في الممكن سمي مشككا لتشكيكه الناظر فيه في أنه متواطئ نظرا إلى جهة اشتراك الأفراد في أصل المعنى أو غير متواطئ نظرا إلى جهة الاختلاف
وإن تعددا أي اللفظ والمعنى كالإنسان والفرس فمتباين أي فأحد اللفظين مثلا مع الآخر متباين لتباين معناهما
____________________
(1/360)
وإن اتحد المعنى دون اللفظ كالإنسان والبشر فمترادف أي فأحد اللفظين مثلا مع الآخر مترادف لترادفهما أي تواليهما على معنى واحد وعكسه وهو أن يتحد اللفظ ويتعدد المعنى كأن يكون للفظ معنيان إن كان أي اللفظ حقيقة فيهما أي في المعنيين مثلا كالقرء للحيض والطهر فمشترك لاشتراك المعنيين فيه
____________________
(1/361)
وإلا فحقيقة ومجاز كالأسد للحيوان المفترس وللرجل الشجاع ولم يقل أو مجازان أيضا مع أنه يجوز أن يتجوز في اللفظ من غير أن يكون له معنى حقيقي كما هو المختار الآتي كأنه لأن هذا القسم لم يثبت وجوده
والعلم ما أي لفظ وضع لمعين خرج بالنكرة لا يتناول أي اللفظ غيره أي غير المعين خرج ما عدا العلم
____________________
(1/362)
من أقسام المعرفة فإن كلا منهما وضعا لمعين
____________________
(1/363)
وهو أي جزئي يستعمل فيه ويتناول غيره بدلا عنه فأنت مثلا وضع لما يستعمل فيه من أي جزئي ويتناول جزئيا آخر بدله
____________________
(1/364)
وهلم وكذا الباقي فإن كان التعين في المعين خارجيا فعلم الشخص فهو ما وضع
____________________
(1/365)
لمعين في الخارج لا يتناول غيره من حيث الوضع له فلا يخرج العلم العارض الاشتراك كزيد مسمى به كل من جماعة وإلا أي وإن لم يكن التعين خارجيا بأن كان ذهنيا فعلم الجنس فهو ما وضع لمعين في الذهن أي ملاحظ الوجود فيه كأسامة علم للسبع أي لماهيته الحاضرة في الذهن وإن وضع اللفظ للماهية من حيث هي أي من غير أن تعين في الخارج أو الذهن فاسم الجنس كأسد اسم للسبع أي لماهيته واستعماله في ذلك كأن يقال أسد أجرأ من ثعالة كما يقال أسامة أجرأ من ثعالة والدال على اعتبار التعين في علم الجنس إجراء الأحكام اللفظية لعلم الشخص عليه حيث مثلا منع الصرف مع تاء التأنيث
____________________
(1/366)
وأوقع الحال منه نحو هذا أسامة مقبلا ومثله في التعيين المعرف فاللام الحقيقة نحو الأسد أجرأ من الثعلب كما أن مثل النكرة في الإبهام المعرف فاللام الجنس بمعنى بعض غير معين نحو إن رأيت الأسد أي فردا منه ففر منه واستعمال علم الجنس أو اسمه معرفا أو منكرا في الفرد المعين أو المبهم من حيث اشتماله على الماهية حقيقي نحو هذا أسامة أو الأسد أو أسد أو إن رأيت أسامة أو الأسد أو أسدا ففر منه وقيل إن اسم الجنس كأسد ورجل وضع لفرد مبهم
____________________
(1/367)
كما يؤخذ مع تضعيفه مما سيأتي أن المطلق الدال على الماهية بلا قيد وأن من زعم دلالته على الوحدة الشائعة توهمه النكرة فالمعبر عنه هنا باسم الجنس هو المعبر عنه فيما سيأتي بالمطلق نظرا إلى المقابل في الموضعين وما يؤخذ من هذا الآتي من إطلاق النكرة على الدال على واحد غير معين والمعرفة على الدال على واحد معين صحيح كالمأخوذ مما تقدم صدر المبحث من إطلاق النكرة على الدال على غير المعين ماهية كان أو فردا والمعرفة على الدال على المعين كذلك
مسألة الاشتقاق من حيث قيامه بالفعل رد لفظ إلى لفظ آخر بأن يحكم بأن الأول مأخوذ من الثاني
____________________
(1/368)
أي فرع عنه ولو كان الآخر مجازا لمناسبة بينهما في المعنى بأن يكون معنى الثاني
____________________
(1/369)
في الأول والحروف الأصلية بأن تكون فيهما على ترتيب واحد كما في الناطق من النطق بمعنى التكلم حقيقة وبمعنى الدلالة مجازا كما في قولك الحال ناطقة بكذا أي دالة عليه
وقد لا يشتق من المجاز كما في الأمر بمعنى الفعل مجازا كما سيأتي لا يقال منه آمر ولا مأمور مثلا بخلافه بمعنى القول حقيقة ولا يلزم من قول الغزالي وغيره إن عدم الاشتقاق من اللفظ من علامات كونه مجازا أنهم مانعون الاشتقاق من المجاز كما فهمه عنهم المصنف وأشار بلو كما قال إليه لأن العلامة لا يلزم انعكاسها فلا يلزم من وجود الاشتقاق وجود الحقيقة ثم ما ذكر تعريف للاشتقاق المراد عند الإطلاق وهو الصغير أما الكبير فليس فيه الترتيب كما في الجذب وجبذ والأكبر ليس فيه جميع الأصول كما في الثلم وثلب ويقال أيضا أصغر وصغير وكبير وأصغر وأوسط وأكبر
ولا بد في تحقق الاشتقاق من تغيير بين اللفظين تحقيقا كما في ضرب من الضرب وقسمه في المنهاج
____________________
(1/370)
خمسة عشر قسما أو تقديرا كما في طلب من الطلب فيقدر أن فتحة اللام في الفعل غيرها في الصدر كما قدر سيبويه أن ضمة النون في جنب جمعا غيرها فيه مفردا ولو قال تغير بتشديد الياء كان أنسب وقد يطرد المشتق كاسم الفاعل نحو ضارب لكل واحد وقع منه الضرب وقد يختص ببعض الأشياء كالقارورة من القرار للزجاجة المعروفة دون غيرها مما هو مقر للمائع كالكوز
ومن لم يقم به وصف لم يجز أن يشتق له منه أي من لفظه اسم خلافا للمعتزلة في تجويزهم ذلك حيث نفوا عن الله تعالى صفاته الذاتية كالعلم والقدرة ووافقوا على أنه عالم قادر مثلا
____________________
(1/371)
لكن قالوا بذاته لا بصفات زائدة عليها متكلم لكن بمعنى أنه خالق للكلام في جسم كالشجرة التي سمع منها موسى عليه الصلاة والسلام بناء على أن الكلام ليس عندهم إلا الحروف والأصوات الممتنع اتصافه تعالى بها ففي الحقيقة لم يخالفوا فيما هنا لأن صفة الكلام بمعنى خلقه ثابتة له تعالى وبقية الصفات الذاتية لا يسعهم نفيها لموافقتهم على تنزيهه تعالى عن أضدادها وإنما ينفون زيادتها على الذات ويزعمون أنها نفس الذات مر تبين ثمراتها على الذات ككونه عالما قادرا فروا بذلك من تعدد القدماء على أن تعدد القدماء إنما هو محذور في ذوات لا في ذات وصفات
____________________
(1/372)
ومن بنائهم على التجويز اتفاقهم على أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذابح أي ابنه إسماعيل حيث أمر عندهم آلة الذبح على محله منه لأمر الله إياه بذبحه لقوله تعالى حكاية يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك إلخ واختلافهم هل إسماعيل عليه الصلاة والسلام مذبوح فقيل نعم والتأم ما قطع منه وقيل لا أي لم يقطع منه شيء فالقائل بهذا أطلق الذابح على من لم يقم به الذبح لكن بمعنى أنه ممر آلته على محله فما خالف في الحقيقة وما هنا أنسب بالمقصود مما في شرح المختصر لا على وجه البناء من أنهم اتفقوا على أن إسماعيل غير مذبوح أي غير مزهق الروح واختلفوا هل إبراهيم ذابح أي قاطع فمؤداهما واحد
____________________
(1/373)
وعندنا لم يمر الخليل آلة الذبح على محله من ابنه لنسخه قبل التمكن منه لقوله تعالى وفديناه بذبح عظيم والجمهور على أنه إسماعيل كما ذكره لا إسحاق فإن قام به أي بالشيء ما أي وصف له اسم وجب الاشتقاق لغة من ذلك الاسم لمن قام به الوصف كاشتقاق العلم من العلم لمن قام به معناه أو قام بالشيء ما ليس له اسم كأنواع الروائح فإنها لم توضع لها أسماء استغناء عنها بالتقييد كرائحة كذا وكذلك أنواع الآلام لم يجب أي الاشتقاق لاستحالته وعدل عن نفي الجواز المراد إلى نفي الوجوب الصادق به رعاية للمقابلة
والجمهور من العلماء وعلى اشتراط بقاء معنى المشتق منه في المحل في كون المشتق المطلق عليه حقيقة إن أمكن بقاء ذلك المعنى كالقيام وإلا فآخر جزء أي وإن لم يمكن بقاؤه كالتكلم لأنه بأصوات تنقضي شيئا فشيئا فالمشترط بقاء آخر جزء منه
____________________
(1/374)
فإذا لم يبق المعنى أو جزؤه الأخير في المحل يكون المشتق المطلق عليه مجازا كالمطلق قبل وجود المعنى نحو إنك ميت وقيل لا يشترط بقاء ما ذكر فيكون المشتق المطلق بعد انقضائه حقيقة استصحابا للإطلاق وثالثها أي الأقوال الوقف عن الاشتراط وعدمه لتعارض دليلهما وإنما عبر بالبقاء الذي هو استمرار الوجود دون الوجود الكافي في الاشتراط ليتأتى له حكاية مقابله في الاشتراط وإنما اعتبر في القسم الثاني آخر جزء لتمام المعنى به وفي التعبير فيه بالبقاء تسمح وما حكاه الآمدي من عدم الاشتراط فيه دون الأول بحث ذكره في المحصول ودفعه
____________________
(1/375)
بأنه لم يقل به أحد فلذلك ترك المصنف خلاف ابن الحاجب وذكر بدله الوقف
ومن ثم أي من هنا وهو اشتراط ما ذكر أي من أجل ذلك كان اسم الفاعل من جملة المشتق حقيقة في الحال أي حال التلبس بالمعنى أو جزئه الأخير لا حال النطق خلافا للقرافي في قوله بالثاني حيث قال في بيان معنى الحال في المشتق أن يكون التلبس بالمعنى حال النطق به وبني على ذلك سؤاله في نصوص الزانية والزاني فاجلدوا السارق والسارقة فاقطعوا فاقتلوا المشركين ونحوها أنها إنما تتناول من اتصف بالمعنى بعد نزولها الذي هو حال النطق مجازا والأصل عدم المجاز قال والإجماع على تناولها له حقيقة وأجاب بأن المسألة في المشتق المحكوم به نحو زيد ضارب فإن كان محكوما عليه
____________________
(1/376)
كما في الآيات المذكورة فحقيقة مطلقا
وقال المصنف تبعا لوالده في دفع السؤال إن المعني بالحال حال التلبيس بالمعنى وإن تأخر عن النطق بالمشتق فيما إذا كان محكوما عليه لا حال النطق به الذي هو حال التلبس بالمعنى أيضا فقط
____________________
(1/377)
فأبقيا المسألة على عمومها وغيرهما كالإسنوي سلم للقرافي تخصيصها
وقيل إن طرأ على المحل للوصف وصف وجودي يناقض الوصف الأول كالسواد بعد البياض والقيام بعد القعود لم يسم المحل بالأول أي بالمشتق من اسمه إجماعا والخلاف في غير ذلك والأصح جريانه فيه إذ لا يظهر بينه وبين غيره فرق وليس في المشتق الذي هو
____________________
(1/378)
دال على ذات متصفة بمعنى المشتق منه كالأسود إشعار بخصوصية تلك من الذات من كونها جسما أو غير جسم لأن قولك مثلا الأسود جسم صحيح ولو أشعر الأسود فيه بالجسمية لكان بمثابة قولك الجسم ذو السواد جسم وهو غير صحيح لعدم إفادته
مسألة المترادف وهو كما تقدم اللفظ المتعدد المتحد المعنى واقع في الكلام خلافا لثعلب وابن فارس في نفيهما وقوعه مطلقا قالا وما يظن مترادفا كالإنسان والبشر فمتباين بالصفة فالأول باعتبار النسيان أو أنه يأنس والثاني باعتبار أنه بادي البشرة أي ظاهر الجلد وإنما صرح بالمخالف الذي أبهمه غيره لغرابة النقل عنه كما قال و خلافا للإمام الرازي في نفيه وقوعه في الأسماء الشرعية قال لأنه ثبت على خلاف الأصل للحاجة إليه في النظم والسجع مثلا
____________________
(1/379)
وذلك منتف في كلام الشارع واعترض عليه المصنف كالقرافي بالفرض والواجب وبالسنة والتطوع ويجاب بأنها أسماء اصطلاحية لا شرعية والشرعية ما وضعها الشارع كما سيأتي
والحد والمحدود أي كالحيوان الناطق والإنسان ونحو حسن بسن أي الاسم وتابعه كعطشان نطشان غير مترادفين أي غير متحدي المعنى على الأصح أما الأول فلأن الحد يدل على أجزاء الماهية تفصيلا والمحدود أي اللفظ الدال عليه يدل عليها إجمالا والمفصل غير المجمل ومقابل الأصح يقطع النظر عن الإجمال والتفصيل
وأما الثاني فلأن التابع لا يفيد المعنى بدون متبوعه ومن شأن كل مترادفين إفادة كل منهما المعنى وحده والقائل بالترادف يمنع ذلك والحق إفادة التابع التقوية للمتبوع وإلا لم يكن لذكره فائدة والعرب لحكمتها لا تتكلم بما لا فائدة فيه ومقابل هذا
____________________
(1/380)
كما أشار إليه قول البيضاوي والتابع لا يفيد عقب قوله والتأكيد يعني المؤكد يقوي الأول وكأنه أراد في المحصول أن التابع وحده لا يفيد أي المعنى يعني بخلاف كل من المترادفين فهو على هذا ساكت عن إفادة التقوية لا ناف لها و الحق وقوع كل من الرديفين أي اللفظ المتحد المعنى مكان الآخر إن لم يكن تعبد بلفظه أي يصح ذلك من كل رديفين بأن يؤتي بكل منهما مكان الآخر في الكلام إذ لا مانع من ذلك خلافا للإمام الرازي في نفيه ذلك مطلقا أي من لغتين أو لغة قال لأنك لو أتيت مكان من في قولك مثلا خرجت من الدار بمرادفها بالفارسية أي بفتح الهمزة وسكون الزاي لم يستقم الكلام لأن ضم لغة إلى أخرى بمثابة ضم مهمل إلى مستعمل قال وإذا عقل ذلك في لغتين
____________________
(1/381)
فلم لا يجوز مثله في لغة أي لا مانع من ذلك وقال إن القول الأول أي الجواز الأظهر في أول النظر
والثاني حق و خلافا للبيضاوي و الصفي الهندي في نفي ما ذكر إذا كانا أي الرديفان من لغتين لما تقدم أما ما تعبد بلفظه كتكبيرة الإحرام عندنا للقادر عليها فلا يقوم مرادفه مقامه لعروض التعبد ويكن قال المصنف تامة فتعبد بلفظ المصدر فاعلها وضمير بلفظه للآخر
مسألة المشترك وهو كما تقدم اللفظ الواحد المتعدد المعنى الحقيقي واقع في الكلام جوازا خلافا لثعلب والأبهري والبلخي في نفيهم وقوعه مطلقا قالوا وما يظن مشتركا فهو إما حقيقة ومجاز أو متواطئ كالعين حقيقة في الباصرة ومجاز في غيرها كالذهب لصفائه والشمس لضيائها وكالقرء موضوع للقدر المشترك بين الحيض والطهر وهو الجمع من قرأت الماء في الحوض أي جمعته فيه والدم يجتمع في زمن الطهر في الجسد وفي زمن الحيض في الرحم
وما هنا عن الثلاثة أقرب مما في شرحي المختصر والمنهاج أنهم أحالوه و خلافا لقوم في نفيهم وقوعه في القرآن قبل والحديث ا أيضا قالوا لو وقع في القرآن
____________________
(1/382)
لوقع إما مبينا فيطول بلا فائدة أو غير مبين فلا يفيد القرآن ينزه عن ذلك ومن نفى الوقوع في الحديث يقول مثل ذلك فيه
وأجيب باختيار أنه وقع فيهما غير مبين ويفيد إرادة أحد معنييه مثلا الذي سيبين وذلك كاف في الإفادة ويترتب عليه في الأحكام الثواب أو العقاب بالعزم على الطاعة أو العصيان بعد البيان فإن لم يبين حمل على المعنيين كما سيأتي وقيل هو واجب الوقوع لأن المعاني أكثر من الألفاظ الدالة عليها
وأجيب بمنع ذلك إذ ما من مشترك إلا ولكل من معنييه مثلا لفظ يدل عليه
____________________
(1/383)
وقيل هو ممتنع لإخلاله بفهم المراد المقصود من الوضع وأجيب بأنه يفهم بالقرينة والمقصود من الوضع الفهم التفصيلي أو الإجمالي المبين بالقرينة فإن انتفت حمل المعنيين كما سيأتي وقال الإمام الرازي هو ممتنع بين النقيضين فقط كوجود الشيء وانتفائه إذ لو جاز وضع لفظ لهما لم يفد سماعه غير التردد بينهما وهو حاصل في العقل وأجيب بأنه قد يغفل عنهما فيستحضرهما بسماعه ثم يبحث عن المراد منهما
مسألة المشترك يصح
____________________
(1/384)
لغة إطلاقه على معنييه
____________________
(1/385)
مثلا معا بأن يراد به من متكلم واحد في وقت واحد كقولك عندي عين وتريد الباصرة والجارية مثلا وملبوسي الجون وتريد الأسود والأبيض وأقرأت هند وتريد حاضت وطهرت مجازا لأنه لم يوضع لهما معا وإنما وضع لكل منهما من غير نظر إلى الآخر بأن تعدد الواضع أو وضع الواحد ناسيا للأول
وعن الشافعي والقاضي أبي بكر الباقلاني والمعتزلة هو حقيقة نظرا لوضعه
____________________
(1/386)
لكل منهما زاد الشافعي وظاهر فيهما عند التجرد عن القرائن المعينة لأحدهما كالمصحوب بالقرائن المعممة لهما فيحمل عليهما لظهوره فيهما
____________________
(1/387)
وعن القاضي هو عند التجرد عن القرائن المعينة والمعممة مجمل أي غير متضح المراد منه ولكن يحمل عليهما احتياطا وقال أبو الحسين البصري والغزالي يصح أن يراد به ما ذكر من معنييه عقلا لا أنه أي ما يراد من معنييه لغة لا حقيقة ولا مجازا لمخالفته لوضعه السابق إذ قضيته أن يستعمل في كل
____________________
(1/388)
منهما منفردا فقط وعلى هذا النفي البيانيون وغيرهم وقيل يجوز لغة أن يراد به المعنيان في النفي لا الإثبات فنحو لا عين عندي يجوز أن يراد به الباصرة والذهب مثلا بخلاف عندي عين فلا يجوز أن يراد به إلا معنى واحد وزيادة النفي على الإثبات معهودة كما في عموم النكرة المنفية دون المثبتة
وفي نسخة بدل يجوز يصح وهو أنسب والخلاف فيما إذا أمكن الجمع بين المعنيين كما في الأمثلة المذكورة فإن امتنع كما في استعمال صيغة افعل في طلب الفعل والتهديد عليه على ما سيأتي مرجوحا أنها مشتركة بينهما فلا يصح قطعا ولظهور ذلك سكت المصنف عن التنبيه عليه والأكثر من العلماء على جمعه باعتبار معنييه كقولك عندي عيون وتريد مثلا باصرتين وجارية أو باصرة وجارية وذهبا
____________________
(1/389)
إن ساغ ذلك الجمع وهو ما رجحه ابن مالك وخالفه أبو حيان مبني عليه في صحة إطلاقه على معنييه كما أن المنع مبني على المنع والأقل على أنه لا يبنى عليه فيها فقط بل يأتي على المنع أيضا لأن الجمع في قوة تكرير المفردات بالعطف فكأنه استعمل كل مفرد في معنى ولو لم يقل المصنف إن ساغ المزيد على أن ابن الحاجب وغيره كان المعنى أن الجمع مبني على المفرد صحة ومنعا وقيل لا بل يصح مطلقا فمؤدى العبارتين واحد والزيادة أصرح في التنبيه على الخلاف
وفي الحقيقة والمجاز هل يصح
____________________
(1/390)
أن يرادا معا باللفظ الواحد كما في قولك رأيت الأسد وتريد الحيوان المفترس والرجل الشجاع الخلاف في المشترك خلافا للقاضي أبي بكر الباقلاني في قطعه بعدم صحة ذلك قال لما فيه من الجمع بين متنافيين حيث أريد باللفظ الموضوع له أي أولا وغير الموضوع له معا
وأجيب بأنه لا تنافي بين هذين وعلى الصحة يكون مجازا أو حقيقة ومجازا باعتبارين على قياس ما تقدم عن الشافعي وغيره
____________________
(1/391)
ويحمل عليهما إن قامت قرينة على إرادة المجاز مع الحقيقة كما حمل الشافعي الملامسة في قوله تعالى أو لامستم النساء على الجس باليد والوطء ومن ثم أي من هنا وهو الصحة الراجحة المبني عليها الحمل عليهما أي من أجل ذلك عم نحو وافعلوا الخير الواجب والمندوب حملا لصيغة افعل على الحقيقة والمجاز من الوجوب والندب بقرينة كون متعلقها كالخير شاملا للواجب والمندوب خلافا لمن خصه بالواجب بناء على أنه لا يراد المجاز مع الحقيقة ومن قال هو للقدر المشترك بين الواجب والمندوب أي مطلوب الفعل بناء على القول الآتي أن الصيغة حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب
____________________
(1/392)
أي طلب الفعل وكذا المجازان هل يصح أن يرادا معا باللفظ الواحد كقولك مثلا والله لا أشتري وتريد السوم والشراء بالوكيل فيه الخلاف في المشترك وعلى الصحة الراجحة يحمل عليهما إن قامت قرينة على إرادتهما أو تساويا في الاستعمال ولا قرينة تبين أحدهما وإطلاق الحقيقة والمجاز على المعنى كما هنا مجازي من إطلاق اسم الدال على المدلول
الحقيقة لفظ مستعمل فيما وضع له ابتداء
____________________
(1/393)
فخرج عنها اللفظ المهمل وما وضع ولم يستعمل والغلط كقولك خذ هذا الفرس مشيرا إلى حمار والمجاز وهي لغوية بأن وضعها أهل اللغة باصطلاح أو توقيف كالأسد للحيوان المفترس وعرفية بأن وضعها أهل
____________________
(1/394)
العرف العام كالدابة لذوات الأربع كالحمار وهي لغة لكل ما يدب على الأرض أو الخاص كالفاعل للاسم المعروف عند النحاة وشرعية بأن وضعها الشارع كالصلاة للعبادة المخصوصة ووقع الأوليان أي اللغوية والعرفية بقسميها جزما وفي خط المصنف الأولتان بالفوقانية مثنى الأولة وهي لغة قليلة جرت على الألسنة والكثير الأولى كما ذكره النووي في مجموعه فمثناه الأوليان بالتحتانية مع ضم الهمزة ونفى قوم إمكان الشرعية بناء على أن بين اللفظ والمعنى مناسبة مانعة من نقله إلى غيره
و نفى القاضي أبو بكر الباقلاني وابن القشيري وقوعها قالا ولفظ الصلاة مثلا مستعمل في الشرع في معناه اللغوي أي الدعاء بخير
____________________
(1/395)
لكن اعتبر الشارع في الاعتداد به أمورا كالركوع وغيره وقال قوم وقعت مطلقا وقوم وقعت
____________________
(1/396)
إلا الإيمان فإنه في الشرع مستعمل في معناه اللغوي أي تصديق القلب وإن اعتبر الشارع في الاعتداد به التلفظ بالشهادتين من القادر كما سيأتي وتوقف الآمدي في وقوعها والمختار وفاقا لأبي إسحاق الشيرازي والإمامين أي إمام الحرمين والإمام الرازي وابن الحاجب وقوع الفرعية كالصلاة لا الدينية كالإيمان فإنها في الشرع مستعملة في معناها اللغوي ومعنى الشرعي
____________________
(1/397)
الذي هو مسمى ما صدق الحقيقة الشرعية ما أي شيء لم يستفد اسمه إلا من الشرع كالهيئة المسماة بالصلاة وقد يطلق أي الشرعي على المندوب والمباح ومن الأول قولهم من النوافل ما تشرع فيه الجماعة أي تندب كالعيدين
ومن الثاني قول القاضي الحسين لو صلى التراويح أربعا بتسليمه لم تصح لأنه خلاف المشروع وفي شرح المختصر بدل المباح الواجب وهو صحيح أيضا يقال شرع الله تعالى الشيء أي أباحه وشرعه أي طلبه وجوبا أو ندبا ولا يخفى
____________________
(1/398)
مجامعة الأولى لكل من الإطلاقات الثلاثة
والمجاز المراد عند الإطلاق وهو المجاز في الإفراد اللفظ المستعمل فيما وضع له لغة أو عرفا أو شرعا بوضع ثان خرج الحقيقة لعلاقة بين ما وضع له أولا وما وضع له ثانيا خرج العلم المنقول كفضل ومن زاد كالبيانيين مع قرينة مانعة عن إرادة ما وضع له أولا
____________________
(1/399)
مشى على أنه لا يصح أن يراد باللفظ الحقيقة والمجاز معا فعلم من تقييد الوضع دون الاستعمال بالثاني وجوب سبق الوضع للمعنى الأول وهو أي وجوب ذلك اتفاق أي متفق عليه في تحقق المجاز لا الاستعمال في المعنى الأول فلا يجب سبقه في تحقق المجاز فلا يستلزم المجاز الحقيقة كالعكس وهو أي عدم الوجوب المختار إذ لا مانع من أن يتجوز في اللفظ قبل استعماله فيما وضع له أولا وقيل يجب سبق الاستعمال فيه وإلا لعري الوضع الأول عن الفائدة وأجيب بحصولها باستعماله فيما وضع له ثانيا وما ذكر من أنه لا يجب سبق الاستعمال
قيل مطلقا والأصح تفصيل للمصنف
____________________
(1/400)
اختاره مذهبا كما قال في شرح المختصر وهو أنه لا يجب لما عدا المصدر ويجب لمصدر المجاز فلا يتحقق في المشتق مجاز إلا إذا سبق استعمال مصدره حقيقة وإن لم يستعمل المشتق حقيقة كالرحمن
____________________
(1/401)
لم يستعمل إلا لله تعالى وهو من الرحمة وحقيقتها الرقة والحنو المستحيل عليه تعالى
وأما قول بني حنيفة في مسيلمة رحمان اليمامة وقول شاعرهم فيه سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا أي ذا رحمة قال الزمخشري فمن تعنتهم في كفرهم أي أن هذا الاستعمال غير صحيح دعاهم إليه لجاجهم في كفرهم بزعمهم نبوة مسيلمة دون النبي صلى الله عليه وسلم كما لو استعمل كافر لفظة الله في غير الباري من آلهتهم وقيل إنه شاذ لا اعتداد به وقيل إنه معتد به والمختص بالله المعرف باللام وهو أي المجاز واقع في الكلام خلافا للأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني و أبي علي الفارسي في نفيهما وقوعه
____________________
(1/402)
مطلقا قالا وما يظن مجازا نحو رأيت أسدا يرمي فحقيقة و خلافا للظاهرية في نفيهم وقوعه في الكتاب والسنة قالوا لأنه كذب بحسب الظاهر كما في قولك في البليد هذا حمار وكلام الله ورسوله منزه عن الكذب
وأجيب بأنه لا كذب مع اعتبار العلاقة وهي فيما ذكر المشابهة في الصفة الظاهرة
____________________
(1/403)
أي عدم الفهم وإنما يعدل إليه أي إلى المجاز عن الحقيقة الأصل لثقل الحقيقة على اللسان كالخنفقيق اسم للداهية يعدل عنه إلى الموت مثلا أو بشاعتها كالخراءة يعدل عنها إلى الغائط وحقيقته المكان المنخفض أو جهلها للمتكلم أو
____________________
(1/404)
للمخاطب دون المجاز أو بلاغته نحو زيد أسد فإنه أبلغ من شجاع أو شهرته دون الحقيقة أو غير ذلك كإخفاء المراد عن غير المتخاطبين الجاهل بالمجاز دون الحقيقة وكإقامة الوزن والقافية والسجع به دون الحقيقة وليس المجاز غالبا على اللغات خلافا لابن جني بسكون الياء معرب كني بين الكاف والجيم في قوله إنه غالب في كل لغة
____________________
(1/405)
على الحقيقة أي ما من لفظ إلا ويشتمل في الغالب على مجاز تقول مثلا رأيت زيدا وضربته والمرئي والمضروب بعضه وإن كان يتألم بالضرب كله ولا معتمدا حيث تستحيل الحقيقة
____________________
(1/406)
خلافا لأبي حنيفة في قوله بذلك حيث قال فيمن قال لعبده الذي لا يولد مثله لمثله هذا ابني أنه يعتق عليه وإن لم ينو العتق الذي هو لازم للبنوة صونا للكلام عن الإلغاء وألغيناه كصاحبيه إذ لا ضرورة إلى تصحيحه بما ذكر أما إذا كان مثل العبد يولد لمثل السيد فإنه يعتق عليه اتفاقا إن لم يكن معروف النسب من غيره وإن كان كذلك فأصح الوجهين عندنا كقولهم إنه يعتق عليه مؤاخذة باللازم وإن لم يثبت الملزوم وهو أي المجاز والنقل خلاف الأصل فإذا احتمل اللفظ معناه الحقيقي والمجازي أو المنقول عنه وإليه فالأصل أي الراجح حمله على الحقيقي
____________________
(1/407)
لعدم الحاجة فيه إلى قرينة أو على المنقول عنه استصحابا للموضوع له أولا مثالهما رأيت اليوم أسدا وصليت أي حيوانا مفترسا ودعوت بخير أي سلامة منه ويحتمل الرجل الشجاع والصلاة الشرعية و المجاز والنقل أولى من الاشتراك فإذا احتمل لفظ هو حقيقة في معنى أن يكون في آخر حقيقة ومجازا أو حقيقة ومنقولا فحمله على المجاز أو المنقول أولى من حمله على الحقيقة المؤدي إلى الاشتراك لأن المجاز أغلب من المشترك بالاستقراء والحمل على الأغلب أولى والمنقول لإفراد مدلوله قبل النقل وبعده لا يمتنع العمل به والمشترك لتعدد مدلوله لا يعمل به إلا بقرينة تعين أحد معنييه مثلا إلا إذا قيل
____________________
(1/408)
بحمله عليهما وما لا يمتنع العمل به أولى من عكسه فالأول كالنكاح حقيقة في العقد مجاز في الوطء وقيل العكس وقيل مشترك بينهما فهو حقيقة في أحدهما محتمل للحقيقة والمجاز في الآخر والثاني كالزكاة حقيقة في النماء أي الزيادة محتمل فيما يخرج من المال لأنه يكون حقيقة أيضا أي لغوية ومنقولا شرعيا قيل و المجاز والنقل أولى من الإضمار فإذا احتمل الكلام لأن يكون فيه مجاز وإضمار أو نقل وإضمار فقيل حمله على المجاز أو النقل أولى من حمله على الإضمار لكثرة المجاز وعدم احتياج النقل إلى قرينة وقيل الإضمار أولى من المجاز لأن قرينته متصلة والأصح أنهما سيان لاحتياج كل منهما إلى قرينة وإن الإضمار أولى من النقل لسلامته من نسخ المعنى الأول مثال الأول قوله لعبده الذي يولد مثله لمثله المشهور النسب من غير هذا ابني أي عتيق تعبيرا عن اللازم بالملزوم فيعتق أو مثل ابني في الشفقة عليه فلا يعتق وهما وجهان عندنا كما تقدم ومثال الثاني قوله تعالى وحرم الربا
فقال الحنفي أي أخذه وهو الزيادة في بيع درهم بدرهمين مثلا فإذا أسقطت صح البيع وارتفع الإثم وقال غيره نقعل الربا شرعا إلى العقد فهو فاسد وإن أسقطت الزيادة في الصورة المذكورة مثلا والإثم فيها باق
____________________
(1/409)
والتخصيص أولى منهما أي من المجاز والنقل
فإذا احتمل الكلام لأن يكون فيه تخصيص ومجاز أو تخصيص ونقل فحمله على التخصيص أولى أما في الأول فلتعين الباقي من العام بعد التخصيص بخلاف المجاز فإنه قد لا يتعين بأن يتعدد ولا قرينة تعين
وأما في الثاني فلسلامة التخصيص من نسخ المعنى الأول بخلاف النقل مثال الأول قوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه
فقال الحنفي أي مما لم يتلفظ بالتسمية عند ذبحه وخص منه الناسي لها فتحل ذبيحته وقال غيره أي مما لم يذبح تعبيرا عن الذبح بما يقارنه غالبا من التسمية فلا تحل ذبيحة المتعمد لتركها على الأول دون الثاني ومثال الثاني قوله تعالى وأحل الله البيع
فقيل هو المبادلة مطلقا وخص منه الفاسد لعدم حله وقيل نقل شرعا إلى المستجمع لشروط الصحة وهما قولان للشافعي فما شك في استجماعه لها يحل ويصح على الأول لأن الأصل عدم فساده دون الثاني
____________________
(1/410)
لأن الأصل عدم استجماعه لها ويؤخذ مما تقدم من أولوية التخصيص من المجاز الأولى من الاشتراك والمساوي للإضمار أن التخصيص أولى من الاشتراك وأن الإضمار أولى من الاشتراك ومن ذكر المجاز قبل النقل أنه أولى منه والكل صحيح ووجه الأخير سلامة المجاز من نسخ المعنى الأول بخلاف النقل
وقد تم بهذه الأربعة العشرة التي ذكروها في تعارض
____________________
(1/411)
ما يخل بالفهم مثال الأول قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء فقال الحنفي أي ما وطؤه لأن النكاح حقيقة في الوطء فيحرم على الشخص مزنية أبيه
وقال الشافعي أي ما عقدوا عليه فلا تحرم ويلزم الأول الاشتراك لما ثبت من أن النكاح حقيقة في العقد لكثرة استعماله فيه حتى أنه لم يرد في القرآن لغيره كما قال الزمخشري أي في غير محل النزاع نحو حتى تنكح زوجا غيره فانكحوا ما طاب لكم ويلزم الثاني التخصيص حيث قال تحل للرجل من عقد عليها أبوه فاسدا بناء على تناول العقد للفاسد كالصحيح
وقيل لا يتناوله ومثال الثاني قوله تعالى ولكم في القصاص حياة أي في مشروعيته لأن به يحصل الانكفاف عن القتل فيكون الخطاب عاما أو في القصاص نفسه حياة لورثة القتيل المقتصين بدفع شر القاتل الذي صار عدوا لهم فيكون الخطاب مختصا بهم ومثال الثالث قوله تعالى واسأل القرية أي أهلها وقيل القرية حقيقة في الأهل كالأبنية المجتمعة لهذه الآية وغيرها نحو فلولا كانت قرية آمنت ومثال الرابع قوله تعالى وأقيموا الصلاة أي العبادة المخصوصة فقيل هي مجاز
____________________
(1/412)
فيها عن الدعاء بخير لاشتمالها عليه وقيل نقلت إليها شرعا
وقد يكون المجاز من حيث العلاقة بالشكل كالفرس لصورته المنقوشة
____________________
(1/413)
أو صفة ظاهرة كالأسد للرجل الشجاع دون الرجل الأبخر لظهور الشجاعة دون البخر في الأسد المفترس أو باعتبار ما يكون في المستقبل قطعا نحو إنك ميت أو ظنا كالخمر للعصير لا احتمالا كالحر للعبد فلا يجوز أما باعتبار ما كان عليه قبل كالعبد لمن عتق فتقدم في مسألة الاشتقاق وبالضد كالمفازة للبرية المهلكة والمجاورة
____________________
(1/414)
كالراوية لظرف الماء المعروف تسمية له باسم ما يحمله من جمل أو بغل أو حمار والزيادة نحو ليس كمثله شيء فالكاف زائدة وإلا فهي بمعنى مثل فيكون له تعالى مثل وهو محال
والقصد بهذا الكلام نفيه والنقصان نحو واسأل القرية أي أهلها فقد تجوز أي توسع
____________________
(1/415)
وإن لم يصدق على ذلك حد المجاز السابق
وقيل يصدق عليه حيث استعمل نفي مثل المثل في نفي المثل وسؤال القرية في سؤال أهلها
____________________
(1/416)
وليس ذلك من المجاز في الإسناد والسبب للمسبب نحو للأمير يد أي قدرة فهي مسببة عن اليد بحصولها بها والكل للبعض نحو يجعلون أصابعهم في آذانهم أي أناملهم والمتعلق بكسر اللام للمتعلق بفتحها نحو هذا خلق الله أي مخلوقه ورجل عدل أي عادل وبالعكوس أي المسبب للسبب كالموت للمرض الشديد لأنه مسبب له عادة والبعض لكل نحو فلان يملك ألف رأس من الغنم
____________________
(1/417)
والمتعلق بفتح اللام للمتعلق بكسرها نحو بأيكم المفتون أي الفتنة وقم قائما أي قياما وما بالفعل على ما بالقوة كالمسكر للخمر في الدن
____________________
(1/418)
وقد يكون المجاز في الإسناد بأن يسند الشيء لغير من هو له لملابسة بينهما نحو قوله تعالى وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا أسندت الزيادة وهي فعل الله تعالى للآيات المتلوة سببا لها عادة خلافا لقوم في نفيهم المجاز في الإسناد فمنهم من يجعل المجاز فيما يذكر منه
____________________
(1/419)
في المسند ومنهم من يجعله في المسند إليه فمعنى زادتهم على الأول ازدادوا بها وعلى الثاني زادهم الله تعالى إطلاقا للآيات عليه تعالى لإسناد فعله إليها و قد يكون المجاز في الأفعال والحروف وفاقا لابن عبد السلام والنقشواني مثاله في الأفعال ونادى أصحاب الجنة أي ينادي واتبعوا ما تتلوا الشياطين أي تلته وفي الحروف فهل ترى لهم من باقية أي ما نرى ومنع الإمام الرازي الحرف مطلقا أي قال لا يكون فيه مجاز إفراد لا بالذات ولا بالتبع لأنه لا يفيد إلا بضمه إلى غيره فإن ضم إلى ما ينبغي ضمه إليه فهو حقيقة أو إلى ما لا ينبغي ضمه إليه فمجاز تركيب قال النقشواني من أين أنه مجاز تركيب بل ذلك الضم قرينة مجاز الإفراد نحو قوله تعالى ولأصلبنكم في جذوع النخل أي عليها و منع أيضا الفعل والمشتق كاسم الفاعل فقال لا يكون فيهما مجاز إلا بالتبع للمصدر
____________________
(1/420)
فواضح أصلهما فإن كان حقيقة فلا مجاز فيهما واعترض عليه بالتجوز بالفعل الماضي عن المستقبل والعكس كما تقدم من غير تجوز في أصلهما وبأن الاسم المشتق يراد به الماضي والمستقبل مجازا كما تقدم من غير تجوز في أصله وكأن الإمام فيما قاله نظر إلى الحديث مجردا عن الزمان ولا يكون المجاز في الأعلام لأنها إن كانت مرتجلة أي لم يسبق لها استعمال في غير العلمية كسعاد أو منقولة لغير مناسبة كفضل فواضح
____________________
(1/421)
أو لمناسبة كمن سمى ولده بمبارك لما ظنه فيه من البركة فكذلك لصحة الإطلاق عند زوالها خلافا للغزالي في متلمح الصفة بفتح الميم الثانية كالحارث فقال إنه مجاز لأنه لا يراد منه الصفة وقد كان قبل العلمية موضوعا لها وهذا خلاف في التسمية وعدمها أولى ويعرف المجاز أي المعنى المجازي للفظ بتبادر غيره منه إلى الفهم لولا القرينة ومن المصحوب بها المجاز الراجح وسيأتي
____________________
(1/422)
ويؤخذ مما ذكر أن التبادر من غير قرينة تعرف به الحقيقة وصحة النفي كما في قولك في البليد هذا حمار فإنه يصح نفي الحمار عنه وعدم وجوب الاطراد فيما يدل عليه بأن لا يطرد كما في واسأل القرية أي أهلها فلا يقال واسأل البساط أي صاحبه
____________________
(1/423)
أو يطرد لا وجوبا كما في الأسد للرجل الشجاع فيصح في جميع جزئياته من غير وجوب الجواز أن يعبر في بعضها بالحقيقة بخلاف المعنى الحقيقي فيلزم اطراد ما يدل عليه من الحقيقة في جميع جزئياته لانتفاء التعبير الحقيقي بغيرها وجمعه أي جمع اللفظ الدال عليه على خلاف جمع الحقيقة كالأمر بمعنى الفعل مجازا يجمع على أمور بخلافه بمعنى القول حقيقة
____________________
(1/424)
فيجمع على أوامر
وبالتزام تقييده أي تقييد اللفظ الدال عليه كجناح الذل أي لين الجانب ونار الحرب أي شدته بخلاف المشترك من الحقيقة فإنه يفيد من غير لزوم كالعين الجارية وتوقفه في إطلاق اللفظ عليه على المسمى الآخر نحو ومكروا ومكر الله أي جازاهم على مكرهم حيث تواطئوا وهم اليهود على أن يقتلوا عيسى عليه الصلاة والسلام بأن ألقى شبهه على من وكلوا به قتله ورفعه إلى السماء فقتلوا الملقى عليه الشبه ظنا أنه عيسى ولم يرجعوا إلى قوله أنا صاحبكم ثم شكوا فيه لما لم يروا الآخر فإطلاق المكر على المجازاة عليه متوقف على وجوده بخلاف إطلاق اللفظ على معناه الحقيقي فلا يتوقف على غيره
____________________
(1/425)
والإطلاق على المستحيل نحو واسأل القرية فإطلاق المسئول عليها المأخوذ من ذلك مستحيل لأنها الأبنية المجتمعة وإنما المسئول أهلها والمختار اشتراط السمع في نوع المجاز فليس لنا أن نتجوز في نوع منه كالسبب للمسبب إلا إذا سمع من العرب صورة منه مثلا وقيل لا يشترط ذلك بل يكتفى بالعلاقة التي نظروا إليها فيكفي السماع في نوع لصحة التجوز في عكسه مثلا وتوقف الآمدي في الاشتراط وعدمه ولا يشترط السماع في شخص المجاز إجماعا بأن لا يستعمل إلا في الصورة التي استعملته العرب فيها مسألة المعرب لفظ غير علم استعملته العرب في معنى وضع له في غير لغتهم وليس في القرآن وفاقا للشافعي وابن جرير والأكثر إذ لو كان فيه لاشتمل على غير عربي فلا يكون كله عربيا
____________________
(1/426)
وقد قال تعالى إنا أنزلناه قرآنا عربيا وقيل إنه فيه كإستبرق فارسية للديباج الغليظ وقسطاس رومية للميزان ومشكاة هندية للكوة التي لا تنفذ
وأجيب بأن هذه الألفاظ ونحوها اتفق فيها لغة العرب ولغة غيرهم كالصابون ولا خلاف في وقوع العلم الأعجمي في القرآن كإبراهيم وإسماعيل ويحتمل أن لا يسمى معربا كما مشى عليه المصنف هنا حيث قال غير علم وأن يسمى كما مشى عليه في شرح المختصر حيث لم يقل ذلك ثم نبه على أن العلم متفق على وقوعه وعقب هنا المجاز بالمعرب لشبهه به حيث استعملته العرب فيما لم يضعوه له كاستعمالهم المجاز فيما لم يضعوه له ابتداء مسألة اللفظ المستعمل في معنى إما حقيقة فقط أو مجاز فقط كالأسد للحيوان المفترس أو للرجل الشجاع أو حقيقة ومجاز باعتبارين كأن وضع لغة لمعنى عام ثم خصه الشرع أو العرف بنوع منه كالصوم في اللغة للإمساك خصه الشرع بالإمساك المعروف والدابة في اللغة لكل ما يدب على الأرض
____________________
(1/427)
خصها العرف العام بذات الحوافر وأهل العراق بالفرس فاستعماله في العام حقيقة لغوية مجاز شرعي أو عرفي
وفي الخاص بالعكس ويمتنع كونه حقيقة ومجازا باعتبار واحد للتنافي بين الوضع ابتداء وثانيا إذ لا يصدق أن اللفظ المستعمل في معنى موضوع له ابتداء وثانيا والأمران أي الحقيقة والمجاز منتفيان عن اللفظ قبل الاستعمال لأنه مأخوذ في حدهما فإذا انتفى انتفيا ثم هو أي اللفظ محمول على عرف المخاطب بكسر الطاء الشارع أو أهل العرف أو اللغة ففي خطاب الشرع المحمول عليه المعنى الشرعي لأنه عرفه أي لأن الشرعي عرف الشرع لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لبيان الشرعيات ثم إذا لم يكن معنى شرعي أو كان وصرف عنه صارف فالمحمول عليه المعنى العرفي العام أي الذي يتعارفه جميع الناس بأن يكون متعارفا زمن الخطاب
____________________
(1/428)
واستمر لأن الظاهر إرادته لتبادره إلى الأذهان
ثم إذا لم يكن لمعنى عرفي عام أو كان وصرف عنه صارف فالمحمول عليه المعنى اللغوي لتعينه حينئذ فحصل من هذا أن ما له مع المعنى الشرعي له معنى عرفي عام أو معنى لغوي أو هما يحمل أولا على الشرعي وأن ما له معنى عرفي عام ومعنى لغوي يحمل أولا على العرف العام وقال الغزالي والآمدي فيما له معنى شرعي ومعنى لغوي محمله في الإثبات الشرعي وفق ما تقدم
وفي النفي وعبارتهما النهي وعدل عنه مع إرادته لمناسبة الإثبات قال الغزالي اللفظ مجمل أي لم يتضح المراد منه إذ لا يمكن حمله على الشرعي
____________________
(1/429)
لوجود النهي ولا على اللغوي لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لبيان الشرعيات و قال الآمدي محمله اللغوي لتعذر الشرعي بالنهي
وأجيب بأن المراد بالشرعي ما يسمى شرعا بذلك الاسم صحيحا كان أو فاسدا يقال صوم صحيح وصوم فاسد ولم يذكرا غير هذا القسم مثال الإثبات منه حديث مسلم عن عائشة قالت دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال هل عندكم شيء قلنا لا قال فإني إذا صائم فيحمل على الصوم الشرعي فيفيد صحته وهو نفل بنية من النهار ومثال النهي منه حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين يوم الفطر ويوم النحر وسيأتي في مبحث المجمل خلاف في تقدم المجاز الشرعي على المسمى اللغوي وفي تعارض المجاز الراجح والحقيقة المرجوحة بأن غلب استعمال المجاز عليها أقوال قال أبو حنيفة
____________________
(1/430)
الحقيقة أولى في الحمل لأصالتها وأبو يوسف المجاز أولى لغلبته ثالثها المختار اللفظ مجمل لا يحمل على أحدهما إلا بقرينة لرجحان كل منهما من وجه مثاله حلف لا يشرب من هذا النهر فالحقيقة المتعاهدة الكرع منه بفيه كما يفعل كثير من الرعاء والمجاز الغالب الشرب بما يغترف منه كالإناء ولم ينو شيئا فهل يحنث بالأول دون الثاني أو العكس أو لا يحنث بواحد منهما الأقوال فإن هجرت الحقيقة قدم المجاز عليها اتفاقا كمن حلف لا يأكل
____________________
(1/431)
من هذه النخلة فيحنث بثمرها دون خشبها الذي هو الحقيقة المهجورة حيث لا نية وإن تساويا قدمت الحقيقة اتفاقا كما لو كانت غالبة
وثبوت حكم بالإجماع مثلا يمكن كونه أي الحكم مرادا من خطاب لكن يكون الخطاب في ذلك المراد مجازا لا يدل الثبوت المذكور على أنه أي الحكم هو المراد منه أي من الخطاب
بل يبقى الخطاب على حقيقته لعدم الصارف عنها خلافا للكرخي من الحنفية والبصري أبي عبد الله من المعتزلة في قولهما يدل على ذلك فلا يبقى الخطاب على حقيقته إذ لم يظهر مستند للحكم الثابت غيره مثاله وجوب التيمم على المجامع الفاقد للماء إجماعا يمكن كونه مرادا من قوله تعالى أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا لكن على وجه المجاز لأن الملامسة حقيقة في الجس باليد مجاز في الجماع فقالا المراد الجماع لا تكون الآية مستند الإجماع إذ لا مستند غيرها وإلا لذكر فلا تدل على أن اللمس ينقض الوضوء
وأجيب بأنه يجوز أن يكون المستند غيرها واستغني عن ذكره بذكر الإجماع كما هو العادة فاللمس فيها على حقيقته فتدل على نقضه الوضوء وإن قامت قرينة على إرادة الجماع أيضا بناء على الراجح أنه يصح أن يراد باللفظ حقيقته ومجازه معا دلت على مسألة الإجماع أيضا وقد قال الشافعي بدلالتها عليهما حيث حمل الملامسة فيها على الجس باليد والوطء
مسألة الكناية لفظ استعمل في معناه مرادا منه لازم المعنى
____________________
(1/432)
نحو زيد طويل النجاد مرادا منه طويل القامة إذ طولها لازم لطول النجاد أي حمائل السيف فهي حقيقة لاستعمال اللفظ في معناه وإن أريد منه اللازم
____________________
(1/433)
فإن لم يرد المعنى باللفظ وإنما عبر بالملزوم عن اللازم فهو أي اللفظ حينئذ مجاز لأنه استعمل في غير معناه أي الأول والتعريض لفظ استعمل في معناه ليلوح بفتح الواو أي للتلويح بغيره
____________________
(1/434)
كما في قوله تعالى حكاية عن الخليل عليه الصلاة والسلام بل فعله كبيرهم هذا نسب الفعل إلى كبير الأصنام المتخذة آلهة كأنه غضب أن تعبد الصغار معه تلويحا لقومه العابدين لها بأنها لا تصلح أن تكون آلهة لما يعلمون إذا نظروا بعقولهم من عجز كبيرها عن ذلك الفعل أي كسر صغارها فضلا عن غيره والإله لا يكون عاجزا فهو أي التعريض حقيقة أبدا لأن اللفظ فيه لم يستعمل في غير معناه
____________________
(1/435)
بخلاف الكناية كما تقدم الحروف أي هذا مبحث من الحروف التي يحتاج الفقيه إلى معرفة معانيها لكثرة وقوعها في الأدلة لكن سيأتي منها أسماء ففي التعبير بها تغليب للأكثر في خط المصنف عدها بالقلم الهندي اختصارا في الكتابة
وفي بعض النسخ بالقلم المعتاد ولنمش عليه لوضوحه أحدها إذن من نواصب المضارع قال سيبويه للجواب والجزاء إلخ قال الشلوبين دائما و قال الفارسي غالبا
____________________
(1/436)
وقد تتمحض للجواب فإذا قلت لمن قال أزورك إذن أكرمك فقد أجبته وجعلت إكرامك جزاء زيارته أي إن زرتني أكرمتك وإذا قلت لمن قال أحبك إذن أصدقك فقد أجبته فقط عند الفارسي ومدخول إذن فيه مرفوع لاختفاء استقباله المشترط في نصبها ويتكلف الشلوبين في جعل هذا مثالا للجزاء أيضا أي إن كنت قلت ذلك حقيقة صدقتك وسيأتي عدها من مسالك العلة لأن الشرط علة للجزاء
الثاني إن بكسر الهمزة وسكون النون للشرط أي لتعليق حصول مضمون جملة بحصول مضمون أخرى نحو إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف والنفي نحو إن الكافرون إلا في غرور إن أردنا إلا الحسنى أي ما والزيادة نحو ما إن زيد قائم ما إن رأيت زيدا
الثالث أو من حروف العطف للشك من المتكلم نحو قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم والإيهام على السامع نحو أتاها أمرنا ليلا أو نهارا والتخيير بين المعطوفين سواء امتنع الجمع بينهما نحو خذ من مالي ثوبا أو دينارا أم جاز نحو جالس العلماء أو الوعاظ وقصر ابن مالك وغيره التخيير على الأول وسموا الثاني بالإباحة ومطلق الجمع كالواو نحو وقد زعمت ليلى بأني فاجر لنفسي تقاها أو عليها فجورها أي وعليها والتقسيم نحو الكلمة اسم أو فعل أو حرف أي مقسمة إلى الثلاثة تقسيم الكلي إلى جزئياته فيصدق على كل منها وبمعنى إلى فينصب بعدها المضارع بأن مضمرة نحو لألزمنك أو تقضيني حقي أي إلى أن تقضينيه
____________________
(1/437)
والإضراب كبل نحو وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون أي بل يزيدون قال الحريري والتقريب نحو ما أدري أسلم أو ودع هذا يقال لمن قصر سلامه كالوداع فهو من تجاهل العارف والمراد تقريب السلام لقصره من الوداع ونحوه وما أدري أأذن أو أقام يقال لمن أسرع في الأذان كالإقامة
الرابع أي بالفتح للهمزة والسكون للياء للتفسير بمفرد نحو عندي عسجد أي ذهب وهو عطف بيان أو بدل أو بجملة نحو وترمينني بالطرف أي أنت مذنب وتقلينني لكن إياك لا أقلي فأنت مذنب تفسير لما قبله إذ معناه تنظر إلي نظر مغضب ولا يكون ذلك إلا عن ذنب واسم لكن ضمير الشأن وقدم المفعول من خبرها لإفادة الاختصاص أي أتركك بخلاف غيرك ولنداء القريب أو البعيد أو المتوسط أقوال ويدل للأول ما في حديث الصحيحين في آخر أهل الجنة دخولا وأدناهم منزلة فيقول أي رب أي رب
وقد قال تعالى فإني قريب وقيل لا يدل لجواز نداء القريب بما للبعيد توكيدا الخامس أي بالفتح و بالتشديد اسم للشرط نحو أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والاستفهام نحو أيكم زادته هذه إيمانا وموصولة نحو لننزعن من كل شيعة أيهم أشد أي الذي هو أشد ودالة على معنى الكمال بأن يكون صفة لنكرة أو حالا من معرفة نحو مررت برجل أي رجل أو بعالم أي عالم أي كامل في صفات الرجولية أو العلم ومررت بزيد أي رجل أو أي عالم أي كاملا في صفات الرجولية أو العلم
____________________
(1/438)
ووصلة لنداء ما فيه أل نحو يا أيها الناس
السادس إذ اسم للماضي ظرفا نحو وجئتك إذ طلعت الشمس أي وقت طلوعها ومفعولا به نحو واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم أي اذكروا حالتكم هذه وبدلا من المفعول به نحو اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء إلخ أي اذكروا النعمة التي هي الجعل المذكور ومضافا إليها اسم زمان نحو ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وللمستقبل في الأصح نحو فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم وقيل ليست للمستقبل واستعمالها فيه في هذه الآية لتحقق وقوعه كالماضي وترد للتعليل حرفا كاللام أو ظرفا بمعنى وقت والتعليل مستفاد من قوة الكلام قولان نحو ضربت العبد إذ أساء أي لإساءته أو وقت إساءته وظاهر أن الضرب وقت الإساءة لأجلها وللمفاجأة بأن تكون بعد بينا أو بينما وفاقا لسيبويه حرفا كما اختاره ابن مالك وقيل ظرف مكان وقال أبو حيان ظرف زمان واستغنى المصنف
____________________
(1/439)
عن حكاية هذا الخلاف بحكاية مثله في إذا الأصلية في المفاجأة مثال ذلك بينا أو بينما أنا واقف إذا جاء زيد أي فاجأ مجيئه وقوفي أو مكانه أو زمانه وقيل ليست للمفاجأة وهي في ذلك ونحوه زائدة للاستغناء عنها كما لو تركها منه كثير من العرب
السابع إذا للمفاجأة بأن تكون بين جملتين ثانيتهما ابتدائية حرفا وفاقا للأخفش وابن مالك وقال المبرد وابن عصفور ظرف مكان والزجاج والزمخشري ظرف زمان مثال ذلك خرجت فإذا زيد واقف أي فاجأ وقوفه خروجي أو مكانه أو زمانه ومن قدر على القولين الأخيرين ففي ذلك المكان أو الزمان وقوفه اقتصر على بيان معنى الظرف وترك معنى المفاجأة وهل الفاء فيها زائدة لازمة أو عاطفة قولان وترد ظرفا للمستقبل مضمنة معنى الشرط غالبا فتجاب بما يصدر بالفاء نحو إذا جاء نصر الله الآية
والجواب فسبح إلخ وقد لا تضمن معنى الشرط نحو آتيك إذا احمر البسر أي وقت احمراره وندر مجيئها للماضي نحو وإذا رأوا تجارة أو لهوا الآية فإنها نزلت بعد الرؤية والانفضاض والحال نحو والليل إذا يغشى
____________________
(1/440)
فإن الغشيان مقارن لليل الثامن الباء للإلصاق حقيقة نحو به داء أي ألصق به ومجازا نحو مررت بزيد أي ألصقت مروري بمكان يقرب منه والتعدية كالهمزة نحو ذهب الله بنورهم أي أذهبه والاستعانة بأن تدخل على آلة الفعل نحو كتبت بالقلم والسببية نحو فكلا أخذنا بذنبه والمصاحبة نحو قد جاءكم الرسول بالحق أي مصاحب له والظرفية المكانية أو الزمانية نحو ولقد نصركم الله ببدر نجيناهم بسحر والبدلية كما في قول عمر رضي الله عنه استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن وقال لا تنسنا يا أخي من دعائك فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا أي بدلها رواه أبو داود وغيره وأخي ضبط بضم الهمزة مصغرا لتقريب المنزلة
____________________
(1/441)
والمقابلة نحو اشتريت الفرس بألف والمجاوزة كعن نحو ويوم تشقق السماء بالغمام أي عنه والاستعلاء نحو ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار أي عليه والقسم نحو بالله لأفعلن كذا والغاية كإلى نحو وقد أحسن بي أي إلي والتوكيد نحو كفى بالله شهيدا وهزي إليك بجذع النخلة والأصل كفى الله وهزي جذع وكذا التبعيض كمن وفاقا للأصمعي والفارسي وابن مالك نحو عينا يشرب بها عباد الله أي منها وقيل ليست للتبعيض ويشرب في الآية بمعنى يروى أو يلتذ مجازا والباء للسببية
التاسع بل للعطف فيما إذا وليها مفرد سواء أوليت موجبا أم غير موجب ففي الموجب نحو جاء زيد بل عمرو واضرب زيدا بل عمرا تنقل حكم المعطوف عليه فيصير كأنه مسكوت عنه إلى المعطوف وفي غير الموجب نحو ما جاء زيد بل عمرو ولا تضرب زيدا بل عمرا تقرر حكم المعطوف عليه وتجعل ضده للمعطوف والإضراب فيما إذا وليها جملة أما للإبطال لما وليته نحو أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق فالجائي بالحق لا جنون به
____________________
(1/442)
أو للانتقال من غرض إلى آخر نحو ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة من هذا فما قيل بل فيه على حاله
العاشر بيد اسم ملازم للنصب والإضافة إلى أن وصلتها بمعنى غير ذكره الجوهري وقال يقال إنه كثير المال بيد أنه بخيل وبمعنى من أجل ذكره أبو عبيدة وغيره وعليه حديث أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش أي الذين هم أفصح من نطق بها وأنا أفصحهم وخصها بالذكر لعسرها على غير العرب والمعنى أنا أفصح العرب وبهذا اللفظ إلى آخر ما تقدم أورده أهل الغريب وقيل أن بيد فيه بمعنى غير وأنه من تأكيد المدح
____________________
(1/443)
بما يشبه الذم
الحادي عشر ثم حرف عطف للتشريك في الإعراب والحكم والمهلة على الصحيح وللترتيب خلافا للعبادي تقول جاء زيد ثم عمرو إذا تراخى مجيء عمرو عن مجيء زيد وخالف بعض النحاة في إفادتها الترتيب كما خالف بعضهم في إفادتها المهلة قالوا لمجيئها لغيرهما كقوله تعالى خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها والجعل قبل خلقنا وكقول الشاعر كهز الرديني تحت العجاج جرى في الأنابيب ثم اضطرب واضطراب الرمح يعقب جري الهز في أنابيبه
وأجيب بأنه توسع فيها بإيقاعها موقع الواو في الأول والفاء في الثاني وتارة يقال إنها في الأول ونحوه للترتيب الذكري
وأما مخالفة العبادي فمأخوذة من قوله كما في فتاوى القاضي الحسين عنه في قول القائل وقفت هذه الضيعة على أولادي ثم على أولاد أولادي بطنا بعد بطن أنه للجمع كما قاله هو وغيره فيما لو أتى بدل ثم بالواو قائلين أن بطنا بعد بطن فيه بمعنى ما تناسلوا أي للتعميم وإن قال الأكثر أنه للترتيب
الثاني عشر حتى لانتهاء الغاية غالبا وهي حينئذ إما جارة لاسم صريح
____________________
(1/444)
نحو سلام هي حتى مطلع الفجر أو مصدر مؤول من أن والفعل لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى أي إلى رجوعه وإما عاطفة لرفيع أو دنيء نحو مات الناس حتى العلماء وقدم الحجاج حتى المشاة وإما ابتدائية بأن يبتدأ بعدها جملة اسمية نحو فما زالت القتلى تمج دماءها بدجلة حتى ماء دجلة أشكل أو فعلية نحو مرض فلان حتى لا يرجونه وللتعليل نحو أسلم حتى تدخل الجنة أي لتدخلها وندر للاستثناء نحو ليس العطاء من الفضول سماحة حتى تجود وما لديك قليل أي إلى أن تجود وهو استثناء منقطع ويؤخذ من صنيع المصنف أن مجيئها للتعليل ليس بغائب ولا نادر
الثالث عشر رب للتكثير نحو ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين فإنه يكثر منهم تمني ذلك يوم القيامة إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين وللتقليل كقوله ألا رب مولود وليس له أب وذي ولد لم يلده أبوان أراد عيسى وآدم عليهما السلام ولا تختص بأحدهما خلافا لزاعمي ذلك زعم قوم أنها للتكثير دائما وكأنه لم يعتد بهذا البيت ونحوه وآخر أنها للتقليل دائما وقرره في الآية بأن الكفار تدهشهم أهوال يوم القيامة فلا يفيقون حتى يتمنوا ما ذكر إلا في أحيان قليلة وعلى عدم الاختصاص قال بعضهم التقليل أكثر وابن مالك نادر
الرابع عشر على الأصح أنها قد تكون أي بقلة اسما بمعنى فوق بأن تدخل عليها من نحو غدوت من على السطح أو من فوقه وتكون بكثرة حرفا للاستعلاء حسا نحو كل من عليها فان أو معنى نحو فضلنا بعضهم على بعض والمصاحبة كمع وآتى المال على حبه أي مع حبه والمجاوزة كعن نحو رضيت عليه أي عنه والتعليل نحو ولتكبروا الله على ما هداكم أي لهدايته إياكم والظرفية كفي نحو ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها أي وقت غفلتهم والاستدراك كلكن نحو فلان لا يدخل الجنة لسوء صنيعه على أنه لا ييأس من رحمة الله أي لكنه والزيادة نحو حديث الصحيحين لا أحلف على يمين أي يمينا وقيل هي اسم أبدا لدخول حرف الجر عليها وقيل هي حرف أبدا ولا مانع من دخول حرف جر على آخر أما علا يعلو ففعل ومنه إن فرعون علا في الأرض فقد استكملت على في الأصح أقسام الكلمة
____________________
(1/445)
فارغة
____________________
(1/446)
الخامس عشر الفاء العاطفة للترتيب المعنوي والذكري وللتعقيب في كل بحسبه تقول قام زيد فعمرو إذا عقب قيام عمرو قيام زيد ودخلت البصرة فالكوفة إذا لم تقم في البصرة ولا بينهما وتزوج فلان فولد له إذا لم يكن بين التزوج والولادة إلا مدة الحمل مع لحظة الوطء ومقدمته والتعقيب مشتمل على الترتيب المعنوي وإنما صرح به المصنف ليعطف عليه الذكري وهو في عطف مفصل على مجمل إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة وللسببية ويلزمها التعقيب نحو فوكزه موسى فقضى عليه فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه واحترز بالعاطفة عن الرابطة للجواب فقد تتراخى عن الشرط نحو إن يسلم فلان فهو يدخل الجنة وقد لا يتسبب عن الشرط نحو إن تعذبهم فإنهم عبادك السادس عشر في
____________________
(1/447)
للظرفين المكاني والزماني نحو وأنتم عاكفون في المساجد واذكروا الله في أيام معدودات والمصاحبة كمع نحو قال ادخلوا في أمم أي معهم والتعليل نحو لمسكم فيما أفضتم فيه أي لأجل ما والاستعلاء نحو ولأصلبنكم في جذوع النخل أي عليها والتوكيد نحو وقال اركبوا فيها والأصل اركبوها والتعويض عن أخرى محذوفة نحو زهدت فيما رغبت والأصل زهدت ما رغبت فيه وبمعنى الباء نحو جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه أي يكثركم بسبب هذا الجعل وإلى نحو فردوا أيديهم في أفواههم أي إليها ليعضوا عليها من شدة الغيظ ومن نحو هذا ذراع في الثوب أي منه يعني فلا يعينه لقلته
السابع عشر كي للتعليل فينصب المضارع بعدها بأن مضمرة نحو جئت كي أنظرك أي لأن وبمعنى أن المصدرية بأن تدخل عليها اللام نحو جئت لكي تكرمني أي لأن
الثامن عشر كل اسم لاستغراق أفراد المضاف إليه المنكر نحو كل نفس ذائقة الموت كل حزب بما لديهم فرحون والمعرف المجموع نحو كل العبيد جاءوا وكل الدراهم صرف
____________________
(1/448)
ومنه إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا و لاستغراق أجزاء المضاف إليه المفرد المعرف نحو كل زيد أو الرجل حسن أي كل أجزائه
التاسع عشر اللام الجارة للتعليل نحو وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس أي لأجل أن تبين لهم والاستحقاق نحو النار للكافرين والاختصاص نحو الجنة للمتقين والملك نحو لله ما في السموات وما في الأرض
والصيرورة أي العاقبة نحو فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا فهذه عاقبة التقاطهم لا علته إذ هي التبني والتمليك نحو وهبت لزيد ثوبا أي ملكته إياه وشبهه نحو والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة وتوكيد النفي نحو وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم لم يكن الله ليغفر لهم فهي في هذا ونحوه لتوكيد نفي الخبر الداخلة عليه المنصوب فيه المضارع بأن مضمرة والتعدية نحو ما أضرب زيدا لعمرو ويصير ضرب بقصد التعجب به لازما يتعدى إلى ما كان فاعله بالهمزة ومفعوله باللام
والتأكيد نحو إن ربك فعال لما يريد الأصل فعال ما وبمعنى إلى نحو فسقناه إلى بلد ميت أي إليه وعلى نحو يخرون للأذقان سجدا أي عليها
وفي نحو ونضع الموازين القسط ليوم القيامة أي فيه وعند نحو بل كذبوا بالحق لما جاءهم بكسر اللام وتخفيف الميم في قراءة الجحدري أي عند مجيئه إياهم وبعد نحو أقم الصلاة لدلوك الشمس أي بعده ومن نحو سمعت له صراخا أي منه وعن نحو وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه أي عنهم وفي حقهم وإلا بأن كانت لتبليغ لقيل ما سبقتمونا وضمير كان وإليه للإيمان
____________________
(1/449)
أما اللام غير الجارة فالجازمة نحو لينفق ذو سعة من سعته وغير العاملة كلام الابتداء نحو لأنتم أشد رهبة العشرون لولا حرف معناه في الجملة الاسمية امتناع جوابه لوجود شرطه نحو لولا زيد أي موجود لأهنتك امتنعت الإهانة لوجود زيد فزيد الشرط وهو مبتدأ محذوف الخبر لزوما وفي المضارعية التحضيض أي الطلب الحثيث نحو لولا تستغفرون الله أي استغفروه ولا بد والماضية التوبيخ نحو لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء وبخهم الله تعالى على عدم المجيء بالشهداء بما قالوه من الإفك وهو في الحقيقة محل التوبيخ
وقيل ترد للنفي كآية فلولا كانت قرية آمنت أي فما آمنت قرية أي أهلها عند مجيء العذاب فنفعها إيمانها إلا قوم يونس والجمهور لم يثبتوا ذلك وقالوا هي في الآية للتوبيخ على ترك الإيمان قبل مجيء العذاب وكأنه قيل فلولا آمنت قرية قبل مجيئه فنفعها إيمانها والاستثناء حينئذ منقطع فإلا فيه بمعنى لكن الحادي والعشرون لو حرف شرط للماضي نحو لو جاء زيد لأكرمته ويقل للمستقبل نحو أكرم زيدا ولو أساء أي وإن وعلى الأول الكثير قال سيبويه هو
____________________
(1/450)
حرف لما كان سيقع لوقوع غيره فقوله سيقع ظاهر في أنه لم يقع فكأنه قال لانتفاء ما كان يقع وقال غيره ومشى عليه المعربون حرف امتناع لامتناع أي امتناع الجواب لامتناع الشرط وكلام سيبويه السابق ظاهر أيضا فإن انتفاء ما كان يقع وهو الجواب لوقوع غيره وهو الشرط ظاهر في أنه لانتفاء
____________________
(1/451)
الشرط ومرادهم أن انتفاء الشرط والجواب هو الأصل فلا ينافيه ما سيأتي في أمثلة من بقاء الجواب فيها على حاله مع انتفاء الشرط وقال الشلوبين هو لمجرد الربط للجواب بالشرط كان واستفادة ما ذكر من انتفائهما أو انتفاء الشرط فقط من خارج والصحيح في مفاده نظرا إلى ما ذكر من القسمين وفاقا للشيخ الإمام والد المصنف امتناع ما يليه مثبتا كان أو منفيا واستلزامه أي ما يليه لتاليه مثبتا كان أو منفيا فالأقسام أربعة ثم ينتفي التالي أيضا إن ناسب المقدم بأن لزمه عقلا أو عادة أو شرعا ولم يخلف المقدم غيره ك لو كان فيهما آلهة إلا الله أي غيره لفسدتا أي السموات والأرض ففسادهما خروجهما
____________________
(1/452)
عن نظامهما المشاهد مناسب لتعدد الإله للزومه له على وفق العادة عند تعدد الحاكم من التمانع في الشيء وعدم الاتفاق
____________________
(1/453)
عليه ولم يخلف التعدد في ترتيب الفساد غيره فينتفي الفساد بانتفاء التعدد المفاد بلو نظرا إلى الأصل فيها وإن كان القصد من الآية العكس أي الدلالة على انتفاء التعدد بانتفاء الفساد لأنه أظهر لا إن خلفه أي خلف المقدم غيره أي كان له خلف في ترتب التالي عليه فلا يلزم انتفاء التالي كقولك في شيء لو كان إنسانا لكان حيوانا فالحيوان مناسب للإنسان للزومه عقلا لأنه جزؤه ويخلف الإنسان في ترتب الحيوان غيره كالحمار فلا يلزم بانتفاء الإنسان عن شيء المفاد بلو انتفاء الحيوان عنه لجواز أن يكون حمارا كما يجوز أن يكون حجرا أما أمثلة بقية الأقسام فنحو لو لم تجئني ما أكرمتك لو جئتني ما أهنتك لو لم تجئني أهنتك ويثبت التالي بقسميه على حاله مع انتفاء المقدم بقسميه إن لم يناف انتفاء المقدم وناسب انتفاءه
____________________
(1/454)
أما بالأولى كلو لم يخف لم يعص المأخوذ من قول عمر رضي الله عنه وقول النبي صلى الله عليه وسلم نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه رتب عدم العصيان على عدم الخوف وهو بالخوف المفاد بلو أنسب فيترتب عليه أيضا في قصده والمعنى أنه لا يعصي الله تعالى مطلقا أي لا مع الخوف وهو ظاهر ولا مع انتفائه إجلالا له تعالى على أن يعصيه
وقد اجتمع فيه الخوف والإجلال رضي الله تعالى عنه وهذا الأثر أو الحديث المشهور بين العلماء قال أخو المصنف كغيره من المحدثين إنه لم يجده في شيء من كتب الحديث بعد الفحص الشديد أو المساواة كلو لم تكن ربيبة لما حلت للرضاع المأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم في درة بضم المهملة بنت أم سلمة أي هند لما بلغه تحدث النساء أنه يريد أن ينكحها إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاع رواه الشيخان رتب عدم حلها على عدم كونها ربيبة المبين بكونها ابنة أخي الرضاع المناسب هو له شرعا فيترتب أيضا في قصده على كونها ربيبة المفاد بلو المناسب هو له شرعا
____________________
(1/455)
كمناسبته للأول سواء لمساواة حرمة المصاهرة لحرمة الرضاع والمعنى أنها لا تحل لي أصلا لأن بها وصفين لو انفرد كل منهما حرمت له كونها ربيبة وكونها ابنة أخي من الرضاع والنساء حيث تحدثن لما قام عندهن بإرادته نكاحها جوزن أن يكون حلها من خصائصه صلى الله عليه وسلم وقوله في حجري على وفق الآية
وقد تقدم الكلام فيها ويجمع بين ما تقدم في اسمها من أنه درة وبين ما في مسلم عنها كان اسمي برة فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب وقال لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم بأن لها اسمين قبل التغيير أو الأدون كقولك فيمن عرض عليك نكاحها لو انتفت أخوة النسب بيني وبينها لما حلت لي للرضاع بيني وبينها بالأخوة وهذا المثال للأولى انقلب على المصنف سهوا وصوابه ليكون للأدون لو انتفت أخوة الرضاع لما حلت للنسب رتب عدم حلها على عدم أخوتها من الرضاع المبين بأخوتها من النسب المناسب هو لها شرعا فيترتب أيضا في قصده على أخوتها من الرضاع المفاد بلو المناسب هو لها شرعا لكن دون مناسبته للأول حرمة الرضاع أدون من حرمة النسب والمعنى أنها لا تحل لي أصلا لأن بها وصفين لو انفرد كل منهما حرمت له أخوتها من النسب وأخوتها من الرضاع وإنما قال كقولك كذا في الموضعين لأنه كما قال لم يجد نحوه فيما يستشهد به من القرآن أو غيره ولكنه غير خارج عن أسلوبه ولو قال بدل المساواة المساوي لكان أنسب بقسميه ولو أسقط لام لما في الموضعين لوافق الاستعمال الكثير مع الاختصار
وقد تجردت لو فيما ذكر من الأمثلة عن الزمان على خلاف الأصل فيها أما أمثلة بقية أقسام هذا القسم فنحو لو أهنت زيدا لأثنى عليك أي فيثني مع عدم الإهانة من باب أولى لو ترك العبد سؤال ربه لأعطاه أي فيعطيه مع السؤال من باب أولى ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام إلى ما نفدت كلمات الله أي فما تنفذ مع انتفاء ما ذكر من باب أولى وترد لو للتمني والعرض والتحضيض فينصب المضارع بعد الفاء في جوابها لذلك بأن مضمرة نحو لو تأتيني فتحدثني لو تنزل عندي فتصيب خيرا لو تأمر فتطاع ومن الأول فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين أي ليت لنا وتشترك الثلاثة في الطلب وهو في التحضيض بحث
وفي العرض بلين وفي التمني لما لا طمع في وقوعه والتقليل نحو حديث تصدقوا ولو بظلف محرق
____________________
(1/456)
كذا أورده المصنف وغيره وهو بمعنى رواية النسائي وغيره ردوا السائل ولو بظلف محرق وفي رواية ولو بظلف والمراد الرد بالإعطاء والمعنى تصدقوا بما تيسر من كبير أو قليل ولو بلغ في القلة الظلف مثلا فإنه خير من العدم وهو بكسر الظاء المعجمة للبقر والغنم كالحافر للفرس والخف للجمل وقيد بالإحراق أي الشيء كما هو عادتهم فيه لأن النيء قد لا يؤخذ وقد يرميه آخذه فلا ينتفع به بخلاف المشوي
الثاني والعشرون لن حرف نفي ونصب واستقبال للمضارع ولا تفيد توكيد النفي ولا تأبيده خلافا لمن زعمه أي زعم إفادتها ما ذكر كالزمخشري قال في المفصل كالكشاف هي لتأكيد نفي المستقبل
وفي الأنموذج لنفي المستقبل على التأبيد وفي بعض نسخه التأكيد والتأبيد نهاية التأكيد وهو فيما إذا أطلق النفي قال في الكشاف مفرقا فقولك لن أقيم مؤكد بخلاف لا أقيم كما في إني مقيم وأنا مقيم وقوله في شيء لن أفعله مؤكد على وجه التأبيد كقولك لا أفعله أبدا والمعنى أن فعله ينافي حالي كقوله تعالى لن يخلقوا ذبابا أي خلقه من الأصنام مستحيل مناف لأحوالهم ا هـ
وفي قول المصنف زعمه تضعيف له لما قال غيره إنه لا دليل عليه واستفادة التأبيد في آية الذباب وغيرها ولن يخلف الله وعده من خارج كما في ولن يتمنوه أبدا وكون أبدا فيه للتأكيد كما قيل خلاف الظاهر
وقد نقل التأبيد عن غير الزمخشري ووافقه في التأكيد كثير حتى قال بعضهم إن منعه مكابرة ولا تأبيد قطعا فيما إذا قيد النفي نحو فلن أكلم اليوم إنسيا وترد للدعاء وفاقا لابن عصفور كقوله لن تزالوا كذلكم ثم لا زل ت لكم خالدا خلود الجبال وابن مالك وغيره لم يثبتوا ذلك وقالوا ولا حجة في البيت لاحتمال أن يكون خبرا وفيه بعد
الثالث والعشرون ما ترد اسمية وحرفية فالاسمية ترد موصولة نحو ما عندكم ينفد وما عند الله باق أي الذي ونكرة
____________________
(1/457)
موصوفة نحو مررت بما معجب لك أي بشيء وللتعجب نحو ما أحسن زيدا فما نكرة تامة مبتدأ وما بعدها خبره واستفهامية نحو فما خطبكم أي شأنكم وشرطية زمانية نحو فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم أي استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم وغير زمانية نحو وما تفعلوا من خير يعلمه الله و الحرفية ترد مصدرية كذلك أي زمانية نحو فاتقوا الله ما استطعتم أي مدة استطاعتكم وغير زمانية نحو فذوقوا بما نسيتم أي بنسيانكم ونافية عاملة نحو ما هذا بشرا وغير عاملة نحو وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وزائدة كافة عن عمل الرفع نحو قلما يدوم الوصال أو الرفع والنصب نحو إنما الله إله واحد أو الجر نحو ربما دام الوصال وغير كافة عوضا نحو افعل هذا إما لا أي إن كنت لا تفعل غيره فما عوض عن كنت أدغم فيها النون للتقارب وحذف المنفي للعلم به وغيره عوض للتأكيد نحو فبما رحمة من الله لنت لهم والأصل فبرحمة
الرابع والعشرون من بكسر الميم لابتداء الغاية في المكان نحو من المسجد الحرام والزمان نحو من أول يوم أو غيرهما نحو إنه من سليمان غالبا أي ورودها لهذا المعنى أكثر من ورودها لغيره وللتبعيض نحو حتى تنفقوا مما تحبون أي بعضه والتبيين نحو
____________________
(1/458)
ما ننسخ من آية فاجتنبوا الرجس من الأوثان أي الذي هو الأوثان والتعليل نحو يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق أي لأجلها والصاعقة الصيحة التي يموت من يسمعها أو يغشى عليه والبدل نحو أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة أي بدلها والغاية كإلى نحو قربت منه أي إليه وتنصيص العموم نحو ما في الدار من رجل فهو بدون من ظاهر في العموم محتمل لنفي الواحد فقط والفصل بالمهملة بأن تدخل على ثاني المتضادين نحو والله يعلم المفسد من المصلح حتى يميز الخبيث من الطيب ومرادفه الباء بفتح الدال أي لمعناها نحو ينظرون من طرف خفي أي به
وعن نحو قد كنا في غفلة من هذا أي عنه وفي نحو إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة أي فيه وعند نحو لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أي عنده وعلى نحو ونصرناه من القوم أي عليهم
الخامس والعشرون من بفتح الميم شرطية
____________________
(1/459)
نحو من يعمل سوءا يجز به واستفهامية نحو من بعثنا من مرقدنا وموصولة نحو ولله يسجد من في السموات والأرض
ونكرة موصوفة نحو مررت بمن معجب لك أي بإنسان قال أبو علي الفارسي ونكرة تامة كقوله ونعم من هو في سر وإعلان ففاعل نعم مستتر ومن تمييز بمعنى رجلا وهو بضم الهاء مخصوص بالمدح راجع إلى بشر من قوله وكيف أرهب أمرا أو أراع له وقد زكأت إلى بشر بن مروان نعم مزكأ من ضاقت مذاهبه ونعم من إلخ وفي سر متعلق بنعم وغير أبي علي لم يثبت ذلك وقال من موصولة فاعل نعم وهو بضم الهاء راجع إليها مبتدأ خبره هو محذوف راجع إلى بشر يتعلق به في سر لتضمنه معنى الفعل كما سيظهر والجملة صلة من والمخصوص بالمدح محذوف أي هو راجع إلى بشر أيضا والتقدير نعم الذي هو المشهور في السر والعلانية بشر وفيه تكلف
السادس والعشرون هل لطلب التصديق الإيجابي لا للتصور ولا للتصديق السلبي التقييد بالإيجابي ونفي السلبي على منواله أخذا من ابن هشام فهو يرى أن هل لا تدخل على منفي فهي لطلب التصديق أي الحكم بالثبوت أو الانتفاء كما قاله السكاكي وغيره يقال في جواب هل قام زيد مثلا نعم أو لا وتشركها في هذا الهمزة وتزيد عليها بطلب التصور نحو
____________________
(1/460)
أزيد في الدار أم عمرو أو في الدار زيد أم في المسجد فتجاب بمعين مما ذكر وبالدخول على منفي فتخرج عن الاستفهام إلى التقرير أي حمل المخاطب على الإقرار بما بعد النفي نحو ألم نشرح لك صدرك فيجاب ببلى كما في حديث البخاري بينا أيوب يغتسل عريانا فخر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثي في ثوبه فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال بلى وعزتك ولكن لا غنى لي عن بركتك
وقد تبقى على الاستفهام كقولك لمن قال لم أفعل كذا ألم تفعله أي أحق انتفاء فعلك له فتجاب بنعم أو لا ومنه قوله ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد إذا ألاقي الذي لاقاه أمثالي فتجاب بمعين منهما السابع والعشرون الواو من حروف العطف لمطلق الجمع بين المعطوفين في الحكم لأنها تستعمل في الجمع بمعية أو تأخر أو تقدم نحو جاء زيد وعمرو إذا جاء معه أو بعده أو قبله فتجعل حقيقة في القدر المشترك بين الثلاثة وهو مطلق الجمع حذرا من الاشتراك والمجاز واستعمالها في كل منها من حيث إنه جمع استعمال حقيقي وقيل هي للترتيب أي التأخر لكثرة استعمالها فيه فهي في غير مجاز وقيل للمعية لأنها للجمع والأصل فيه المعية فهي في غيرها مجاز فإذا قيل قام زيد وعمرو كان محتملا للمعية والتأخر والتقدم على الأول ظاهر والتأخر على الثاني وفي المعية على الثالث وعدل عن قول ابن الحاجب وغيره للجمع المطلق قال
____________________
(1/461)
لإيهامه تقييد الجمع بالإطلاق والغرض نفي التقييد
الأمر أي هذا مبحثه وهو نفسي ولفظي وسيأتيان أ م ر أي هذا اللفظ المنتظم من هذه الأحرف
____________________
(1/462)
المسماة بألف ميم راء ويقرأ بصيغة الماضي مفككا حقيقة في القول المخصوص أي الدال على اقتضاء فعل إلى آخر ما سيأتي ويعبر عنه بصيغة افعل نحو وأمر أهلك بالصلاة أي قل لهم صلوا مجاز في الفعل نحو وشاورهم في الأمر أي الفعل الذي تعزم عليه لتبادر القول دون الفعل من لفظ الأمر إلى الذهن والتبادر علامة للحقيقة وقيل هو للقدر المشترك بينهما كالشيء حذرا من الاشتراك
____________________
(1/463)
والمجاز فاستعماله في كل منهما من حيث إن فيه القدر المشترك حقيقي
وقيل هو مشترك بينهما قيل وبين الشأن والصفة والشيء لاستعماله فيها أيضا نحو إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أي شأننا لأمر ما يسود من يسود أي لصفة من صفات الكمال لأمر ما جدع قصير أنفه أي لشيء والأصل في الاستعمال الحقيقة
وأجيب بأنه فيها مجاز إذ هو خير من الاشتراك كما تقدم ولفظة قيل بعد بينهما ثابتة في بعض النسخ وبها يستفاد حكاية الاشتراك بين الاثنين الأشهر منه بين الخمسة ويؤخذ من قوله حقيقة في كذا حد اللفظي به
وأما النفسي وهو الأصل أي العمدة فقال فيه وحده اقتضاء فعل غير كف مدلول عليه أي على الكف بغير لفظ كف
____________________
(1/464)
فتناول الاقتضاء أي طلب الجازم وغير الجازم لما ليس بكف ولما هو كف مدلول عليه بكف ومثله مرادفه كاترك وذر بخلاف المدلول عليه بغير ذلك أي لا تفعل فليس بأمر وسمي مدلول كف أمرا لا نهيا موافقة للدال في اسمه ويحد النفسي أيضا بالقول المقتضي لفعل إلخ وكل من القول والأمر مشترك بين اللفظي والنفسي
____________________
(1/465)
على قياس قول المحققين في الكلام الآتي في مبحث الإخبار
ولا يعتبر فيه أي في مسمى الأمر نفسيا أو لفظيا حتى يعتبر في حده أيضا علو بأن يكون الطالب عالي الرتبة على المطلوب منه ولا استعلاء بأن يكون الطلب بعظمة لإطلاق الأمر دونهما قال عمرو بن العاص لمعاوية أمرتك أمرا جازما فعصيتني وكان من التوفيق قتل ابن هاشم هو رجل بني هاشم خرج من العراق على معاوية فأمسكه فأشار عليه عمرو بقتله فخالفه وأطلقه لحلمه فخرج عليه مرة أخرى فأنشده عمرو البيت فلم يرد بابن هاشم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويقال أمر فلان فلانا برفق ولين وقيل يعتبران وإطلاق الأمر دونهما مجازي واعتبرت المعتزلة غير أبي الحسين وأبو إسحاق الشيرازي وابن الصباغ والسمعاني العلو وأبو الحسين من المعتزلة والإمام الرازي والآمدي وابن الحاجب الاستعلاء ومن هؤلاء من حد اللفظي كالمعتزلة فإنهم ينكرون الكلام النفسي ومنهم من حد النفسي كالآمدي
واعتبر أبو علي وابنه أبو هاشم من المعتزلة زيادة على العلو إرادة الدلالة
____________________
(1/466)
باللفظ على الطلب فإذا لم يرد به ذلك لا يكون أمرا لأنه يستعمل في غير الطلب كالتهديد ولا مميز سوى الإرادة قلنا استعماله في غير الطلب مجازي بخلاف الطلب فلا حاجة إلى اعتبار إرادته والطلب بديهي أي متصور بمجرد التفات النفس إليه من غير نظر لأن كل عاقل يفرق بالبديهة بينه وبين غيره كالإخبار وما ذاك إلا لبداهته فاندفع ما قيل من أن تعريف الأمر بما يشتمل عليه تعريف بالأخفى بناء على أنه فطري والأمر المحدود باقتضاء فعل إلخ غير الإرادة لذلك الفعل فإنه تعالى أمر من علم أنه لا يؤمن بالإيمان ولم يرده منه لامتناعه خلافا للمعتزلة فيما ذكر فإنهم لما أنكروا الكلام النفسي ولم يمكنهم إنكار الاقتضاء المحدود به الأمر قالوا إنه الإرادة مسألة القائلون بالنفسي
____________________
(1/467)
من الكلام ومنهم الأشاعرة اختلفوا هل للأمر النفسي صيغة تخصه بأن تدل عليه دون غيره فقيل نعم وقيل لا والنفي عن الشيخ
____________________
(1/468)
أبي الحسن الأشعري ومن تبعه فقيل النفي للوقف بمعنى عدم الدراية بما وضعت له حقيقة مما وردت له من أمر وتهديد وغيرهما وقيل للاشتراك بين ما وردت له والخلاف في صيغة أفعل والمراد بها كل ما يدل على الأمر من صيغه فلا تدل عند الأشعري ومن تبعه على الأمر بخصوصه إلا بقرينة كأن يقال صل لزوما بخلاف ألزمتك وأمرتك
وترد لستة وعشرين معنى للوجوب أقيموا الصلاة والندب فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا والإباحة كلوا من الطيبات والتهديد اعملوا ما شئتم ويصدق مع التحريم والكراهة والإرشاد واستشهدوا شهيدين من رجالكم والمصلحة فيه
____________________
(1/469)
دنيوية بخلاف الندب وقدمه هنا بعد أن وضعه عقب التأديب لقوله الآتي وقيل مشتركة بين الخمسة الأول فإنه منها وإرادة الامتثال كقولك لآخر عند العطش اسقني ماء والإذن كقولك لمن طرق الباب ادخل والتأديب كقوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة وهو دون البلوغ ويده تبطش في الصحفة كل مما يليك رواه الشيخان
أما أكل المكلف مما يليه فمندوب ومما يلي غيره فمكروه ونص الشافعي على حرمته للعالم بالنهي عنه محمول على المشتمل على الإيذاء والإنذار قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار ويفارق التهديد بذكر الوعيد والامتنان كلوا مما رزقكم الله ويفارق الإباحة بذكر ما يحتاج إليه والإكرام ادخلوها بسلام آمنين والتسخير أي التذليل والامتهان نحو كونوا قردة خاسئين والتكوين أي الإيجاد عن العدم بسرعة نحو كن فيكون والتعجيز
____________________
(1/470)
أي إظهار العجز نحو فأتوا بسورة من مثله
____________________
(1/471)
والإهانة ذق إنك أنت العزيز الكريم والتسوية فاصبروا أو لا تصبروا والدعاء ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق والتمني كقول امرئ القيس ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي بصبح وما الإصباح منك بأمثل
____________________
(1/472)
ولبعد انجلائه عند المحب حتى كأنه لا طمع فيه كان متمنيا لا مترجيا والاحتقار ألقوا ما أنتم ملقون إذ ما يلقونه من السحر وإن عظم محتقر بالنسبة إلى معجزة موسى عليه السلام والخبر كحديث البخاري إذا لم تستح فاصنع ما شئت أي صنعت
والإنعام بمعنى تذكير النعمة نحو كلوا من طيبات ما رزقناكم والتفويض فاقض ما أنت قاض والتعجب انظر كيف ضربوا لك الأمثال والتكذيب قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين والمشورة فانظر ماذا ترى والاعتبار انظروا إلى ثمره إذا أثمر والجمهور قالوا هي حقيقة في الوجوب
____________________
(1/473)
فقط لغة أو شرعا أو عقلا مذاهب وجه أولها الصحيح عند الشيخ أبي إسحاق الشيرازي أن أهل اللغة يحكمون باستحقاق مخالف أمر سيده مثلا بها للعقاب
والثاني القائل بأنها لغة لمجرد الطلب وإن جزمه المحقق للوجوب بأن ترتيب العقاب على الترك إنما يستفاد من الشرع في أمره أو أمر من أوجب طاعته أجاب بأن حكم أهل اللغة المذكور مأخوذ من الشرع لإيجابه على العبد مثلا طاعة سيده
والثالث قال إن ما تفيده لغة من الطلب يتعين أن يكون الوجوب لأن حمله على الندب يصير المعنى افعل إن شئت وليس هذا القيد مذكورا وقوبل بمثله في الحمل على الوجوب فإنه يصير
____________________
(1/474)
المعنى افعل من غير تجويز ترك
وقيل هي حقيقة في الندب لأنه المتيقن من قسمي الطلب وقال أبو منصور الماتريدي من الحنفية هي موضوعة للقدر المشترك بينهما أي بين الوجوب والندب وهو الطلب حذرا من الاشتراك والمجاز فاستعمالها في كل منهما من حيث إنه طلب استعمال حقيقي والوجوب الطلب الجازم كالإيجاب تقول منه وجب كذا أي طلب بالبناء للمفعول طلبا جازما وقيل هي مشتركة بينهما وتوقف القاضي أبو بكر الباقلاني والغزالي والآمدي فيها بمعنى لم يدروا هي حقيقة في الوجوب أم في المندوب أم فيهما
وقيل هي مشتركة فيهما وفي الإباحة وقيل في هذه الثلاثة
____________________
(1/475)
والتهديد وفي المختصر قول أنها للقدر المشترك بين الثلاثة أي الإذن في الفعل وتركه المصنف لقوله لا نعرفه في غيره وقال عبد الجبار من المعتزلة هي موضوعة لإرادة الامتثال وتصدق على الوجوب والندب
وقال أبو بكر الأبهري من المالكية أمر الله تعالى للوجوب وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المبتدأ منه للندب بخلاف الموافق لأمر الله أو المبين له فللوجوب أيضا وقيل هي مشتركة بين الخمسة الأول أي الوجوب والندب والإباحة والتهديد والإرشاد وقيل بين الأحكام الخمسة أي الوجوب والندب والتحريم والكراهة والإباحة
والمختار وفاقا للشيخ أبي حامد الإسفراييني وإمام الحرمين أنها حقيقة في الطلب الجازم لغة فلا تحتمل تقييده بالمشيئة فإن صدر الطلب بها من الشارع أوجب صدوره منه الفعل بخلاف صدوره من غيره إلا من أوجب هو طاعته ولهذا قال المصنف غير القول السابق إنها حقيقة في الوجوب شرعا لأن جزم الطلب على ذلك شرعي وعلى ذا لغوي واستفادة الوجوب عليه بالتركيب من اللغة والشرع وقال غيره إنه هو لاتفاقهما في أن خاصة الوجوب من ترتب العقاب على الترك مستفادة من الشرع وعلى كل قول هي في غير ما ذكر فيه مجاز
وفي وجوب اعتقاد الوجوب في المطلوب بها قبل البحث عما يصرفها عنه
____________________
(1/476)
إن كان خلاف العام هل يجب اعتقاد عمومه حتى يتمسك به قبل البحث عن المخصص الأصح نعم كما سيأتي
فإن ورد الأمر أي افعل بعد حظر
____________________
(1/477)
لمتعلقه قال الإمام الرازي أو الاستئذان فيه فللإباحة حقيقة لتبادرها إلى الذهن في ذلك لغلبة استعماله فيها حينئذ والتبادر علامة للحقيقة وقال القاضي أبو الطيب والشيخ أبو إسحاق الشيرازي و أبو المظفر السمعاني والإمام الرازي للوجوب حقيقة كما في غير ذلك وغلبة الاستعمال في الإباحة
____________________
(1/478)
لا تدل على الحقيقة فيها وتوقف إمام الحرمين فلم يحكم بإباحة ولا وجوب ومن استعماله بعد الحظر في الإباحة وإذا حللتم فاصطادوا فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فإذا تطهرن فأتوهن وفي الوجوب فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين إذ قتالهم المؤدي إلى قتلهم فرض كفاية وأما بعد الاستئذان فكأن يقال لمن قال أأفعل كذا افعله
أما النهي أي لا تفعل بعد الوجوب فالجمهور قالوا هو للتحريم كما في غير ذلك ومنهم بعض القائلين بأن الأمر بعد الحظر للإباحة وفرقوا بأن النهي لدفع المفسدة والأمر لتحصيل المصلحة
____________________
(1/479)
واعتناء الشارع بالأول أشد وقيل للكراهة على قياس أن الأمر للإباحة وقيل للإباحة نظرا إلى أن النهي عن الشيء بعد وجوبه يرفع طلبه فيثبت التخيير فيه وقيل لإسقاط الوجوب ويرجع الأمر إلى ما كان قبله من تحريم أو إباحة لكون الفعل مضرة أو منفعة وإمام الحرمين على وقفه في مسألة الأمر فلم يحكم هنا بشيء كما هناك مسألة الأمر أي افعل لطلب الماهية لا التكرار ولا مرة والمرة ضرورية إذ لا توجد الماهية بأقل منها فيحمل عليها
وقيل المرة مدلولة
____________________
(1/480)
ويحمل على التكرار على القولين بقرينة وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني و أبو حاتم القزويني في طائفة للتكرار مطلقا ويحمل على المرة بقرينة وقيل للتكرار إن علق بشرط أو صفة أي بحسب تكرار المعلق به
____________________
(1/481)
نحو وإن كنتم جنبا فاطهروا و الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة تكرر الطهارة والجلد بتكرر الجنابة والزنا ويحمل المعلق المذكور على المرة بقرينة كما في أمر الحج المعلق بالاستطاعة فإن لم يعلق الأمر فللمرة ويحمل على التكرار بقرينة وقيل بالوقف عن المرة والتكرار بمعنى أنه مشترك بينهما أو لأحدهما ولا نعرفه قولان فلا يحمل على واحد منهما إلا بقرينة
ومنشأ الخلاف استعماله فيهما كأمر الحج والعمرة وأمر الصلاة والزكاة والصوم فهل هو حقيقة فيهما لأن الأصل في الاستعمال الحقيقة أو في أحدهما حذرا من الاشتراك ولا نعرفه أو هو للتكرار لأنه الأغلب أو المرة لأنها المتيقن أو في القدر المشترك بينهما حذرا من الاشتراك والمجاز وهو الأول الراجح ووجه القول بالتكرار في المعلق أن التعليق بما ذكر مشعر بعليته والحكم يتكرر بتكرر علته ووجه ضعفه
____________________
(1/482)
أن التكرار حينئذ إن سلم مطلقا أي فيما إذا ثبتت علية المعلق به من خارج أو لم تثبت ليس من الأمر
ثم التكرار عند الأستاذ وموافقيه حيث لا بيان لأمده يستوعب ما يمكن من زمان العمر لانتفاء مرجح بعضه على بعض فهم يقولون بالتكرار في المعلق بتكرار المعلق به من باب أولى وبالتكرار فيه إن لم يتكرر المعلق به حيث لا قرينة على المرة فلهذا قال المصنف مطلقا ولا لفور خلافا لقوم في قولهم إن الأمر للفور
____________________
(1/483)
أي المبادرة عقب وروده بالفعل ومنهم القائلون للتكرار وقيل للفور أو العزم في الحال على الفعل بعد وقيل هو مشترك بين الفور والتراخي أي التأخير والمبادر بالفعل ممتثل خلافا لمن منع امتثاله بناء على قوله الأمر للتراخي ومن وقف عن الامتثال وعدمه بناء على قوله لا نعلم أوضع الأمر للفور أم للتراخي ومنشأ الخلاف استعماله فيهما كأمر الإيمان وأمر الحج
____________________
(1/484)
وإن كان التراخي فيه غير واجب فهل هو حقيقة فيهما لأن الأصل في الاستعمال الحقيقة أو في أحدهما حذرا من الاشتراك ولا نعرفه أو هو للفور لأنه الأحوط أو التراخي لأنه يسد عن الفور بخلاف العكس لامتناع التقديم أو في القدر المشترك بينهما حذرا من الاشتراك والمجاز وهو الأول الراجح أي طلب الماهية من غير تعرض لوقت من فور أو تراخ
مسألة قال أبو بكر الرازي من الحنفية و الشيخ أبو إسحاق الشيرازي من الشافعية وعبد الجبار من المعتزلة الأمر بشيء
____________________
(1/485)
مؤقت يستلزم القضاء له إذا لم يفعل في وقته لإشعار الأمر بطلب استدراكه لأن القصد منه الفعل وقال الأكثر القضاء بأمر جديد كالأمر في حديث الصحيحين من نسي الصلاة فليصلها
____________________
(1/486)
إذا ذكرها
وفي حديث مسلم إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها والقصد من الأمر الأول الفعل في الوقت لا مطلقا والشيرازي موافق للأكثر كما في لمعه وشرحه فذكره من الأقل سهو والأصح أن الإتيان بالمأمور به أي بالشيء على الوجه الذي أمر به يستلزم الإجزاء للمأتي به بناء على أن الإجزاء الكفاية
____________________
(1/487)
في سقوط الطلب وهو الراجح كما تقدم
وقيل لا يستلزمه بناء على أنه إسقاط القضاء لجواز أن لا يسقط المأتي به القضاء بأن يحتاج إلى الفعل ثانيا كما في صلاة من ظن الطهارة ثم تبين له حدثه و الأصح أن الأمر للمخاطب بالأمر لغيره بالشيء نحو وأمر أهلك بالصلاة ليس أمرا لذلك الغير به أي بالشيء وقيل هو أمر به وإلا فلا فائدة لغير المخاطب
وقد تقوم قرينة على أن غير المخاطب مأمور بذلك الشيء كما في حديث الصحيحين أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال مره فليراجعها و الأصح أن الآمر بالمد بلفظ يتناوله كما في قول السيد لعبده أكرم من أحسن إليك
وقد أحسن هو إليه داخل فيه أي في ذلك اللفظ ليتعلق به ما أمر به وقيل لا يدخل فيه لبعد أن يريد الآمر نفسه وسيأتي تصحيحه في مبحث العام
____________________
(1/488)
بحسب ما ظهر له في الموضعين
وقد تقوم قرينة على عدم الدخول كما في قوله لعبده تصدق على من دخل داري وقد دخلها هو و الأصح أن النيابة تدخل المأمور به ماليا كالزكاة أو بدنيا كالحج بشرطه إلا لمانع كما في الصلاة وقالت المعتزلة لا تدخل البدني لأن الأمر به إنما هو لقهر النفس وكسرها بفعله والنيابة تنافي ذلك إلا لضرورة كما في الحج قلنا لا تنافيه لما فيها من بذل المؤنة أو تحمل المنة
مسألة قال الشيخ أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني
____________________
(1/489)
الأمر النفسي بشيء معين إيجابا أو ندبا نهي عن ضده الوجودي تحريما أو كراهة واحدا كان الضد كضد السكون
____________________
(1/490)
أي التحرك أو أكثر كضد القيام أي القعود وغيره
وعن القاضي آخرا أنه يتضمنه وعليه أي على التضمن عبد الجبار وأبو الحسين والإمام الرازي والآمدي فالأمر بالسكون مثلا أي طلبه متضمن للنهي عن التحرك أي طلب الكف عنه أو هو نفسه بمعنى أن الطلب واحد هو بالنسبة إلى السكون أمر وإلى التحرك نهي كما يكون الشيء الواحد بالنسبة إلى شيء قربا وإلى آخر بعدا
ودليل القولين أنه لما يتحقق المأمور به بدون الكف عن ضده
____________________
(1/491)
كان طلبه طلبا للكف أو متضمنا لطلبه ولكون النفسي هو الطلب المستفاد من اللفظ ساغ للمصنف نقل التضمن فيه عن الأولين وإن كانا من المعتزلة المنكرين للكلام النفسي وقال إمام الحرمين والغزالي هو لا عينه ولا يتضمنه والملازمة في الدليل ممنوعة لجواز أن لا يحضر الضد حال الأمر فلا يكون مطلوب الكف به وقيل أمر الوجوب يتضمن فقط أي دون أمر الندب فلا يتضمن النهي عن الضد لأن الضد فيه لا يخرج به عن أصله من الجواز بخلاف الضد في أمر الوجوب
____________________
(1/492)
لاقتضائه الذم على الترك واقتصر على التضمن كالآمدي وإن شمل قول ابن الحاجب منهم من خص الوجوب دون الندب المعين أيضا أخذا بالمحقق واحترز بقوله معين عن المبهم من أشياء فليس الأمر به بالنظر إلى ماصدقه نهيا عن ضده منها ولا متضمنا له قطعا وبالوجودي عن العدمي أي ترك المأمور به فالأمر نهي عنه أو يتضمنه قطعا والتضمن هنا يعبر عنه بالاستلزام لاستلزام الكل للجزء
أما الأمر اللفظي فليس عين النهي اللفظي قطعا
____________________
(1/493)
ولا يتضمنه على الأصح وقيل يتضمنه على معنى أنه إذا قيل اسكن مثلا فكأنه قيل لا تتحرك أيضا لأنه لا يتحقق السكون بدون الكف عن التحرك وأما النهي النفسي عن شيء تحريما أو كراهة فقيل هو أمر بالضد له إيجابا أو ندبا قطعا بناء على أن المطلوب في النهي فعل الضد وقيل لا قطعا بناء على أن المطلوب فيه انتفاء الفعل حكاه ابن الحاجب دون الأول وتركه المصنف لقوله إنه لم يقف عليه في كلام غيره وقيل على الخلاف في الأمر أي إن النهي أمر بالضد أو يتضمنه أو لا أو نهي التحريم يتضمنه دون نهي الكراهة وتوجيهها ظاهر لما سبق والضد إن كان واحدا كضد التحرك فواضح أو أكثر كضد القعود أي القيام وغيره فالكلام في واحد منه أيا كان والنهي اللفظي يقاس بالأمر اللفظي
مسألة الأمران حال كونهما
____________________
(1/494)
غير متعاقبين بأن يتراخى ورود أحدهما عن الآخر بمتماثلين أو متخالفين أو متعاقبين بغير متماثلين بعطف أو دونه نحو اضرب زيدا وأعطه درهما غيران فيعمل بهما جزما والمتعاقبان بمتماثلين ولا مانع من التكرار في متعلقهما من عادة أو غيرها
والثاني غير معطوف نحو صل ركعتين صل ركعتين قيل معمول بهما نظرا للأصل أي التأسيس وقيل الثاني تأكيد نظرا للظاهر وقيل بالوقف عن التأسيس والتأكيد لاحتمالهما
وفي المعطوف التأسيس أرجح لظهور العطف فيه وقيل التأكيد أرجح لتماثل المتعلقين فإن رجح التأكيد على التأسيس بعادي وذلك في غير العطف نحو اسقني ماء اسقني ماء وصل ركعتين صل ركعتين فإن العادة
____________________
(1/495)
باندفاع الحاجة بمرة في الأول وبالتعريف في الثاني ترجح التأكيد قدم لتأكيد رجحانه وإلا أي وإن لم يرجح التأكيد بالعادي وذلك في العطف لمعارضته للعادي بناء على أرجحية التأسيس حيث لا عادي فالوقف عن التأسيس والتأكيد لاحتمالهما وإن منع من التكرار والنقل نحو اقتل زيدا اقتل زيدا أو الشرع نحو اعتق عبدك فالثاني تأكيد قطعا وإن كان بعطف
النهي النفسي اقتضاء كف عن فعل لا يقول كف ونحوه كذر ودع فإن ما هو كذلك أمر كما تقدم وتناول الاقتضاء الجازم وغيره ويحد أيضا بالقول المقتضي لكف إلخ كما يحد اللفظي بالقول الدال على ما ذكر ولا يعتبر في مسمى النهي مطلقا علو ولا استعلاء على الأصح كالأمر
____________________
(1/496)
وقضية الدوام على الكف ما لم يقيد بالمرة فإن قيد بها نحو لا تسافر اليوم إذ السفر فيه مرة من السفر كانت قضيته وقيل قضية الدوام مطلقا والتقييد بالمرة يصرفه عن قضيته وترد صيغته أي لا تفعل للتحريم نحو ولا تقربوا الزنا والكراهة ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون والإرشاد لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم والدعاء
____________________
(1/497)
ربنا لا تزغ قلوبنا وبيان العاقبة ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء أي عاقبة الجهاد الحياة لا الموت والتقليل والاحتقار ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم أي فهو قليل حقير بخلاف ما عند الله ومن اقتصر على الاحتقار جعله المقصود في الآية وكتابة المصنف التقليل المأخوذ من البرهان بالعين سبق قلم واليأس لا تعتذروا اليوم وفي الإرادة والتحريم ما تقدم في الأمر من الخلاف فقيل لا تدل الصيغة على الطلب إلا إذا أريد الدلالة بها عليه والجمهور على أنها حقيقة في التحريم وقيل في الكراهة وقيل فيهما وقيل في أحدهما ولا نعرفه
وقد يكون النهي عن واحد وهو ظاهر و عن متعدد جمعا كالحرام المخير نحو لا تفعل هذا أو ذاك فعليه ترك أحدهما فقط فلا مخالفة إلا بفعلهما فالمحرم جمعهما لا فعل أحدهما فقط وفرقا كالنعلين تلبسان أو تنزعان ولا يفرق بينهما بلبس أو نزع إحداهما فقط فهو منهي عنه أخذا من حديث الصحيحين لا يمشين أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا فيصدق أنهما
____________________
(1/498)
منهي عنهما لبسا أو نزعا من جهة الفرق بينهما في ذلك لا الجمع فيه وجميعا كالزنا والسرقة فكل منهما منهي عنه فيصدق بالنظر إليهما أن النهي عن متعدد وإن كان يصدق النظر إلى كل منهما أنه عن واحد
ومطلق نهي التحريم المستفاد من اللفظ وكذا التنزيه في الأظهر للفساد أي عدم الاعتداد بالمنهي عنه إذا وقع شرعا إذ لا يفهم ذلك من غير الشرع وقيل لغة لفهم أهل اللغة ذلك من مجرد اللفظ وقيل معنى أي من حيث المعنى وهو أن الشيء إنما ينهى عنه إذا اشتمل على ما يقتضي فساده فيما عدا المعاملات من عبادة وغيرها مما له ثمرة كصلاة النفل المطلق في الأوقات المكروهة فلا تصح كما تقدم على التحريم وكذا التنزيه في الصحيح المعبر عنه هنا في جملة الشمول بالأظهر وكالوطء زنا فلا يثبت النسب مطلقا أي سواء رجع النهي
____________________
(1/499)
فيما ذكر إلى نفسه كصلاة الحائض وصومها أو لازمه كصوم يوم النحر للإعراض به عن ضيافة الله تعالى كما تقدم وكالصلاة في الأوقات المكروهة لفساد الأوقات اللازمة لها بفعلها فيها
وفيها أي في المعاملات إن رجع النهي إلى أمر داخل فيها كالنهي عن بيع الملاقيح أي ما في البطون من الأجنة لانعدام المبيع وهو ركن من المبيع قال ابن عبد السلام أو احتمل رجوعه إلى أمر داخل فيها تغليبا له على الخارج أو رجع إلى أمر لازم كالنهي عن بيع درهم بدرهمين لاشتماله على الزيادة اللازمة
____________________
(1/500)
بالشرط وفاقا للأكثر من العلماء في أن النهي للفساد فيما ذكر أما في العبادة فلمنافاة النهي عنه لأن يكون عبادة أي مأمورا به كما تقدم في مسألة الأمر لا يتناول المكروه
وأما في المعاملة فلاستدلال الأولين من غير نكير على فسادها بالنهي عنها وأما في غيرهما كما تقدم فظاهر
وقال الغزالي والإمام الرازي للفساد في العبادات فقط أي دون المعاملات ففسادها بفوات ركن أو شرط عرف من خارج عن النهي ولا نسلم أن الأولين استدلوا بمجرد النهي على فسادها ودون غيرها كما تقدم ففساده من خارج أيضا فإن كان مطلق النهي لخارج عن المنهي عنه أي غير لازم له كالوضوء بمغصوب لإتلاف مال الغير الحاصل بغير الوضوء أيضا وكالبيع وقت نداء الجمعة لتفويتها الحاصل بغير البيع أيضا وكالصلاة في المكان المكروه أو المغصوب كما تقدم لم يفد أي الفساد عند الأكثر من العلماء لأن المنهي عنه في الحقيقة ذلك الخارج
وقال الإمام أحمد مطلق النهي يفيد الفساد مطلقا أي سواء لم يكن لخارج أو كان له لأن ذلك مقتضاه فيفيد الفساد في الصور المذكورة للخارج عنده قال
____________________
(1/501)
ولفظه حقيقة وإن انتفى الفساد لدليل كما في طلاق الحائض للأمر بمراجعتها كما تقدم لأنه لم ينتقل عن جميع موجبه من الكف والفساد فهو كالعام الذي خص فإنه حقيقة فيما بقي كما سيأتي
و قال أبو حنيفة مطلق النهي لا يفيد الفساد مطلقا أي سواء كان لخارج لم يكن له
____________________
(1/502)
لما سيأتي في إفادته الصحة قال نعم المنهي عنه لعينه كصلاة الحائض وبيع الملاقيح غير مشروع ففساده عرضي أي عرض للنهي حيث استعمل في غير المشروع مجازا عن النفي الذي الأصل أن يستعمل فيه إخبارا عن عدمه لانعدام محله هذا فيما هو من جنس المشروع أما غيره كالزنا بالزاي فالنهي فيه على حاله وفساده من خارج
ثم قال والمنهي عنه لوصفه كصوم يوم النحر للإعراض به عن الضيافة وبيع درهم بدرهمين لاشتماله على الزيادة يفيد النهي فيه الصحة له لأن النهي عن الشيء يستدعي إمكان وجوده وإلا كان النهي عنه لغوا كقولك للأعمى لا تبصر فيصح صوم يوم النحر عن نذره
____________________
(1/503)
كما تقدم لا مطلقا لفساده بوصفه اللازم بخلاف الصلاة في الأوقات المكروهة فتصح مطلقا لأن النهي عنها لخارج كما تقدم ويصح البيع المذكور إذا أسقطت الزيادة لا مطلقا لفساده بها وإن كان يفيد بالقبض الملك الخبيث كما تقدم واحترز المصنف بمطلق النهي عن المقيد بما يدل على الفساد أو عدمه فيعمل به في ذلك اتفاقا وقيل إن نفى عنه القبول أي نفيه عن الشيء يفيد الصحة له لظهور النفي في عدم الثواب دون الاعتداد
____________________
(1/504)
وقيل بل النفي دليل الفساد لظهوره في عدم الاعتداد ونفي الإجزاء كنفي القبول في أنه يفيد الفساد أو الصحة قولان بناء للأول على أن الإجزاء الكفاية في سقوط الطلب وهو الراجح وللثاني على أنه إسقاط القضاء فإن ما لا يسقطه بأن يحتاج إلى الفعل ثانيا قد يصح كصلاة فاقد الطهورين
وقيل هو أولى بالفساد من نفي القبول لتبادر عدم الاعتداد منه إلى الذهن وعلى الفساد في الأول حديث الصحيحين لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ وفي الثاني حديث الدارقطني وغيره لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بأم القرآن
العام لفظ
____________________
(1/505)
يستغرق الصالح له أي يتناوله دفعة خرج به النكرة في الإثبات مفردة أو مثناة أو مجموعة أو اسم عدد لا من حيث الآحاد فإنها تتناول ما تصلح له على سبيل البدل لا الاستغراق نحو أكرم رجلا وتصدق بخمسة دراهم من غير حصر خرج به اسم العدد من حيث الآحاد فإنه يستغرقها بحصر كعشرة ومثله النكرة المثناة
____________________
(1/506)
من حيث الآحاد كرجلين ومن العام اللفظ المستعمل في حقيقتيه أو حقيقته ومجازه أو مجازيه على الراجح المتقدم من صحة ذلك ويصدق عليه الحد كما يصدق على المشترك المستعمل في أفراد معنى واحد لأنه مع قرينة الواحد لا يصلح لغيره والصحيح دخول الصورة النادرة وغير المقصودة وإن لم تكن نادرة من صور العام تحته في شمول الحكم لهما
____________________
(1/507)
نظرا للعموم
وقيل لا نظرا للمقصود مثال البادرة الفيل في حديث أبي داود وغيره لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل فإنه ذو خف والمسابقة عليه نادرة والأصح جوازها عليه ومثال غير المقصودة وتدرك بالقرينة ما لو وكله بشراء عبيد فلان وفيهم من يعتق عليه ولم يعلم به فالصحيح صحة الشراء أخذا من مسألة ما لو وكله بشراء عبد فاشترى من يعتق عليه وإن قامت قرينة على قصد النادرة دخلت قطعا أو قصد انتفاء صورة لم تدخل قطعا
و الصحيح أنه أي العام قد يكون مجازا بأن يقترن بالمجاز أداة عموم
____________________
(1/508)
فيصدق عليه ما ذكر كعكسه المعبر به أيضا نحو جاءني الأسود الرماة إلا زيدا وقيل لا يكون العام مجازا فلا يكون المجاز عاما لأن المجاز ثبت على خلاف الأصل للحاجة إليه وهي تندفع في المقترن بأداة عموم ببعض الأفراد فلا يراد به جميعها لا بقرينة كما في المثال السابق من الاستثناء وهذا أي إن المجاز لا يعم نقله المصنف عن بعض الحنفية كالمقتضى وهم نقلوه عن بعض الشافعية
____________________
(1/509)
بانيا عليه ما روي لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين ولا الصاع بالصاعين أي ما يحل ذلك أي مكيل الصاع بمكيل الصاعين حيث قال المراد بعض المكيل لما تقدم وهو المطعوم لما ثبت من أن علة الربا عندنا في غير الذهب والفضة الطعم وعلى الأول يخص عمومه بما أثبت علية الطعم فيسقط تعلق الحنفية به في الربا في الجص ونحوه والحديث في مسلم عن أبي سعيد الخدري قال كنا نرزق تمر الجمع فكنا نبيع صاعين بصاع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا صاعي تمر بصاع ولا صاعي حنطة بصاع ولا درهما بدرهمين والصحيح أنه
____________________
(1/510)
أي العموم من عوارض الألفاظ دون المعاني قيل والمعاني أيضا حقيقة فكما يصدق لفظ عام يصدق معنى عام حقيقة ذهنيا كان كمعنى الإنسان أو خارجيا كمعنى المطر والخصب لما شاع من نحو الإنسان يعم الرجل والمرأة وعم المطر والخصب فالعموم شمول أمر لمتعدد وقيل به أي بعروض العموم في الذهني حقيقة لوجود الشمول لمتعدد فيه بخلاف الخارجي والمطر والخصب مثلا في محل غيرهما في محل آخر فاستعمال العموم فيه مجازي وعلى الأول استعماله في الذهني مجازي أيضا وعلى الآخرين الحد السابق للعام من اللفظ
____________________
(1/511)
ويقال اصطلاحا للمعنى أعم وأخص وللفظ عام وخاص تفرقة بين الدال والمدلول وخص المعنى بأفعل التفضيل لأنه أهم من اللفظ ومنهم من يقول في المعنى عام كما علم مما تقدم وخاص فيقال لمعنى المشركين عام وأعم وللفظه عام والمعنى زيد خاص وأخص وللفظه خاص وترك الأخص والخاص اكتفاء بذكر مقابلهما ولم يترك وللفظ عام المعلوم مما قدمه حكاية لشقي ما قيل ليظهر المراد
ومدلوله أي العام في التركيب من حيث الحكم عليه كلية
____________________
(1/512)
أي محكوم فيه على كل فرد مطابقة إثباتا خبرا أو أمرا أو سلبا نفيا أو نهيا نحو جاء عبيدي وما خالفوا فأكرمهم ولا تهنهم لأنه في قوة قضايا بعدد أفراده أي جاء فلان وجاء فلان وهكذا فيما تقدم إلخ وكل منها محكوم فيه على فرده دال عليه مطابقة فما هو في قوتها محكوم فيه على كل فرد فرد دال عليه مطابقة لا كل أي لا محكوم فيه على مجموع الأفراد من حيث هو مجموع نحو كل رجل
____________________
(1/513)
في البلد يحمل الصخرة العظيمة أي مجموعهم وإلا لتعذر الاستدلال في النهي على كل فرد لأن نهي المجموع يمتثل بانتهاء بعضهم ولم تزل العلماء يستدلون عليه كما في ولا تقتلوا النفس التي حرم الله ونحوه ولا كلي أي ولا محكوم فيه على الماهية من حيث هي أي من غير نظر إلى الأفراد نحو الرجل خير من المرأة أي حقيقته أفضل من حقيقتها وكثيرا ما يفضل بعض أفرادها بعض أفراده لأن النظر في العام إلى الأفراد
ودلالته أي العام على أصل المعنى من الواحد فيما هو غير جمع والثلاثة أو الاثنين فيما هو جمع قطعية وهو عن الشافعي رضي الله عنه وعلى كل فرد بخصوصه ظنية وهو عن الشافعية
____________________
(1/514)
لاحتماله للتخصيص وإن لم يظهر مخصص لكثرة التخصيص في العمومات
وعن الحنفية قطعية للزوم معنى اللفظ له قطعا حتى يظهر خلافه من تخصيص في العام أو تجوز في الخاص أو غير ذلك فيمتنع التخصيص بخبر الواحد وبالقياس على هذا دون الأول وإن قام دليل على انتفاء التخصيص كالعقل في والله بكل شيء عليم لله ما في السماوات وما في الأرض كانت دلالته قطعية اتفاقا
وعموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأزمنة والبقاع لأنها لا غنى للأشخاص عنها فقوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة أي على أي حال كان وفي أي زمان ومكان كان وخص منه المحصن فيرجم وقوله ولا تقربوا الزنا
____________________
(1/515)
أي لا يقربه كل منكم على أي حال كان وفي أي زمان ومكان كان وقوله فاقتلوا المشركين أي كل مشرك على أي حال كان وفي أي زمان ومكان كان وخص منه البعض كأهل الذمة وعليه أي على الاستلزام الشيخ الإمام والد المصنف كالإمام الرازي وقال القرافي وغيره العام في الأشخاص مطلق في المذكورات لانتفاء صيغة العموم فيها فما خص به العام على الأول مبين المراد بما أطلق فيه على هذا
____________________
(1/516)
2 مسألة في صيغ العموم وكل وقد تقدمت والذي والتي نحو أكرم الذي يأتيك والتي تأتيك أي لكل آت وآتية لك
____________________
(2/2)
وأي وما الشرطيتان والاستفهاميتان والموصولتان وتقدمتا وأطلقهما للعلم بانتفاء العموم في غير ذلك ومتى للزمان استفهامية أو شرطية نحو متى تجئني متى جئتني أكرمتك
____________________
(2/3)
وأين وحيثما للمكان شرطيتين نحو أين أو حيثما كنت آتك وتزيد أين بالاستفهام نحو أين كنت ونحوها كجمع الذي والتي وكمن الاستفهامية والشرطية والموصولة
وقد تقدمت وجميع نحو جميع القوم جاءوا ونظر المصنف فيها بأنها إنما تضاف إلى معرفة فالعموم من المضاف إليه ولذلك شطب عليها بعد أن كتبها عقب كل هنا
وقوله كالإسنوي أن أيا ومن الموصولتين لا يعمان مثل مررت بأيهم قام ومررت بمن قام أي بالذي قام صحيح في هذا التمثيل ونحوه مما قامت فيه قرينة الخصوص لا مطلقا للعموم حقيقة لتبادره إلى الذهن وقيل للخصوص حقيقة أي للواحد في غير الجمع والثلاثة أو الاثنين في الجمع لأنه المتيقن
____________________
(2/4)
والعموم مجازا وقيل مشتركة بين العموم والخصوص لأنها تستعمل لكل منهما والأصل في الاستعمال الحقيقة وقيل بالوقف أي لا يدرى أهي حقيقة في العموم أم في الخصوص أم فيهما والجمع المعرف باللام نحو قد أفلح المؤمنون أو الإضافة نحو يوصيكم الله في أولادكم للعموم ما لم يتحقق عهد لتبادره إلى الذهن خلافا لأبي هاشم في نفيه العموم عنه مطلقا فهو عنده للجنس
____________________
(2/5)
الصادق ببعض الأفراد كما في تزوجت النساء وملكت العبيد لأنه المتيقن ما لم تقم قرينة على العموم كما في الآيتين و خلافا لإمام الحرمين في نفيه العموم عنه إذا احتمل معهودا فهو عنده باحتمال العهد متردد بينه وبين العموم حتى تقوم قرينة أما إذا تحقق عهد صرف إليه جزما وعلى العموم قيل أفراده جموع والأكثر آحاد في الإثبات وغيره وعليه أئمة التفسير في استعمال القرآن نحو والله يحب المحسنين أي يثيب كل محسن إن الله لا يحب الكافرين أي كلا منهم بأن يعاقبهم فلا تطع المكذبين أي كل واحد منهم
____________________
(2/6)
ويؤيده صحة استثناء الواحد منه نحو جاء الرجال إلا زيدا ولو كان معناه جاء كل جمع من جموع الرجال لم يصح إلا أن يكون منقطعا نعم قد تقوم قرينة على إرادة المجموع نحو رجال البلد يحملون الصخرة العظيمة أي مجموعهم والأول يقول قامت قرينة الآحاد في الآيات المذكورات ونحوها
والمفرد المحلى باللام مثله أي مثل الجمع المعرف بها في أنه للعموم
____________________
(2/7)
ما لم يتحقق عهد لتبادره إلى الذهن نحو وأحل الله البيع أي كل بيع وخص منه الفاسد كالربا خلافا للإمام الرازي في نفيه العموم عنه مطلقا فهو عنده للجنس الصادق ببعض الأفراد كما في لبست الثوب وشربت الماء لأنه المتيقن ما لم تقم قرينة على العموم كما في إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا و خلافا لإمام الحرمين والغزالي في نفيهما العموم عنه إذا لم يكن واحده بالتاء كالماء زاد الغزالي أو تميز واحده بالوحدة كالرجل إذ يقال رجل واحد فهو في ذلك للجنس الصادق بالبعض نحو شربت الماء ورأيت الرجل ما لم تقم قرينة على العموم نحو الدينار خير من الدرهم أي كل دينار خير من كل درهم وكان ينبغي أن يقول وتميز بالواو بدل أو ليكون قيدا فيما قبله فإن الغزالي قسم ما ليس واحده بالتاء إلى ما يتميز واحده بالوحدة فلا يعم وإلى ما لا يتميز بها كالذهب
____________________
(2/8)
فيعم كالمتميز واحده بالتاء كالتمر كما في حديث الصحيحين الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء وكان مراد إمام الحرمين من حيث لم يمثل إلا بما يتميز واحده بالوحدة ما ذكره الغزالي أما إذا تحقق عهد صرف إليه جزما والمفرد المضاف إلى معرفة للعموم على الصحيح كما قاله المصنف في شرح المختصر يعني ما لم يتحقق عهد نحو فليحذر الذين يخالفون عن أمره أي كل أمر لله وخص منه أمر الندب
والنكرة في سياق النفي للعموم وضعا
____________________
(2/9)
بأن تدل عليه بالمطابقة كما تقدم من أن الحكم في العام على كل فرد مطابقة وقيل لزوما وعليه الشيخ الإمام والد المصنف كالحنفية نظرا إلى أن النفي أولا للماهية ويلزمه نفي كل فرد فيؤثر التخصيص بالنية على الأول دون الثاني
نصا إن بنيت على الفتح نحو لا رجل في الدار وظاهرا إن لم تبن نحو ما في الدار رجل فيحتمل نفي الواحد فقط ولو زيد فيها من كانت نصا أيضا كما تقدم في الحروف أن من تأتي لتنصيص العموم قال إمام الحرمين والنكرة في سياق الشرط للعموم نحو من يأتني بمال أجازه فلا يختص بما قال المصنف
____________________
(2/10)
مراده العموم البدلي لا الشمولي أي بقرينة المثال أقول وقد تكون للشمول نحو وإن أحد من المشركين استجارك فأجره أي كل واحد منهم
وقد يعمم اللفظ عرفا كالفحوى أي مفهوم الموافقة بقسميه الأولى والمساوي على قول تقدم نحو فلا تقل لهما أف إن الذين يأكلون أموال اليتامى الآية قبل نقلهما العرف إلى تحريم جميع الإيذاءات والإتلافات وإطلاق الفحوى على مفهوم الموافقة
____________________
(2/11)
بقسميه خلاف ما تقدم أنه للأولى منه صحيح أيضا كما مشى عليه البيضاوي وحرمت عليكم أمهاتكم نقله العرف من تحريم العين إلى تحريم جميع الاستمتاعات المقصودة من النساء من الوطء ومقدماته وسيأتي قول إنه مجمل أو عقلا كترتيب الحكم على الوصف فإنه يفيد عليه الوصف للحكم كما سيأتي في القياس فيفيد العموم بالعقل على معنى أنه كلما وجدت العلة وجد المعلول مثاله أكرم العالم إذا لم تجعل اللام فيه للعموم ولا عهد وكمفهوم المخالفة على قول تقدم أن دلالة اللفظ على أن ما عدا المذكور بخلاف حكمه بالمعنى
____________________
(2/12)
المعبر عنه هنا بالعقل وهو أنه لو لم ينف المذكور الحكم عما عداه لم يكن لذكره فائدة كما في حديث الصحيحين مطل الغني ظلم أي بخلاف مطل غيره والخلاف في أنه أي المفهوم مطلقا لا عموم له لفظي أي عائد إلى اللفظ أو التسمية أي هل يسمى عاما أو لا بناء على أن العموم من عوارض الألفاظ والمعاني أو الألفاظ فقط وأما من جهة المعنى فهو شامل لجميع صور ما عدا المذكور بما تقدم من عرف وإن صار به منطوقا أو عقل و الخلاف في أن الفحوى بالعرف والمخالفة بالعقل تقدم في مبحث المفهوم نبه بهذا على أن المثالين على قول ولو قال بدل هذا فيهما على قول كما قلت كان أخصر وأوضح
____________________
(2/13)
ومعيار العموم الاستثناء فكل ما صح الاستثناء منه مما لا حصر فيه فهو عام للزوم تناوله للمستثنى وقد صح الاستثناء من الجمع المعرف وغيره مما تقدم من الصيغ نحو جاء الرجال إلا زيدا ومن نفى العموم فيها يجعل الاستثناء منها قرينة على العموم ولم يصح الاستثناء من الجمع المنكر
____________________
(2/14)
إلا أن تخصص فيعم فيما يتخصص به نحو قام رجال كانوا في دارك إلا زيدا منهم كما نقله المصنف عن النحاة ويصح جاء رجال إلا زيد بالرفع على أن إلا صفة بمعنى غير كما في لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا والأصح أن الجمع المنكر في الإثبات نحو جاء عبيد لزيد
____________________
(2/15)
ليس بعام فيحمل على أقل الجمع ثلاثة أو اثنين لأنه المحقق وقيل إنه عام لأنه كما يصدق بما ذكر يصدق بجميع الأفراد وبما بينهما فيحمل على جميع الأفراد ويستثنى منه أخذا بالأحوط ما لم يمنع مانع كما في رأيت رجالا فعلى أقل الجمع قطعا
و الأصح أن أقل مسمى الجمع كرجال ومسلمين ثلاثة لا اثنان وهو القول الآخر وأقوى أدلته إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما أي عائشة وحفصة وليس لهما إلا قلبان
وأجيب بأن ذلك ونحوه
____________________
(2/16)
مجاز لتبادر الزائد على الاثنين دونهما إلى الذهن والداعي إلى المجاز في الآية كراهة الجمع بين تثنيتين في المضاف ومتضمنه وهما كالشيء الواحد بخلاف نحو جاء عبداكما وينبني على الخلاف ما لو أقر أو أوصى بدراهم لزيد والأصح أنه يستحق ثلاثة لكن ما مثلوا به من جمع الكثرة مخالف لإطباق النحاة على أن أقله أحد عشر فلذلك قال المصنف الخلاف في جمع القلة وشاع في العرف إطلاق دراهم على ثلاثة كما قال الصفي الهندي الخلاف في عموم الجمع المنكر في جمع الكثرة و الأصح أنه أي الجمع يصدق على الواحد مجازا
____________________
(2/17)
لاستعماله فيه نحو قول الرجل لامرأته وقد تبرجت لرجل أتتبرجين للرجال لاستواء الواحد والجمع في كراهة التبرج له وقيل لا يصدق عليه ولم يستعمل فيه والجمع في هذا المثال على بابه لأن من برزت لرجل تبرز لغيره عادة
و الأصح تعميم العام بمعنى المدح والذم بأن سيق لأحدهما إذا لم يعارضه عام آخر لم يسق لذلك إذ ما سيق له لا ينافي تعميمه فإن عارضه العام المذكور لم يعم فيما عورض فيه جمعا بينهما وقيل لا يعم مطلقا لأنه لم يسق للتعميم وثالثها يعم مطلقا كغيره وينظر عند المعارضة إلى المرجح مثاله ولا معارض إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ومع المعارض والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنه وقد سيق للمدح يعم بظاهره الأختين بملك اليمين جمعا وعارضه في ذلك وأن تجمعوا بين الأختين فإنه ولم يسق للمدح شامل لجمعهما
____________________
(2/18)
بملك اليمين فحمل الأول على غير ذلك بأن لم يرد تناوله له أو أريد ورجح الثاني عليه بأنه محرم
و الأصح تعميم نحو لا يستوون من قوله تعالى أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة فهو لنفي جميع وجوه الاستواء الممكن نفيها لتضمن الفعل المنفي لمصدر منكر وقيل لا يعم نظرا إلى أن الاستواء المنفي هو الاشتراك من بعض الوجوه وعلى التعميم يستفاد من الآية الأولى أن الفاسق لا يلي عقد النكاح ومن الثانية أن المسلم لا يقتل بالذمي وخالف في المسألتين الحنفية
____________________
(2/19)
و الأصح تعميم نحو لا أكلت من قولك والله لا أكلت فهو لنفي جميع المأكولات بنفي جميع أفراد الأكل المتضمن المتعلق بها قيل وإن أكلت فزوجتي طالق مثلا فهو للمنع من جميع المأكولات فيصح تخصيص بعضها في المسألتين بالنية ويصدق في إرادته وقال أبو حنيفة لا تعميم فيهما فلا يصح التخصيص بالنية لأن النفي والمنع لحقيقة الأكل
____________________
(2/20)
وإن لزم منه النفي والمنع لجميع المأكولات حتى يحنث بواحد منها اتفاقا وإنما عبر المصنف في الثانية بقيل على خلاف تسوية ابن الحاجب وغيره بينهما لما فهمه من أن عموم النكرة في سياق الشرط بدلي كما تقدم عنه وليس الأمر كما فهم دائما لما تقدم من مجيئها للشمول لا المقتضي بكسر الضاد وهو ما لا يستقيم من الكلام إلا بتقدير أحد أمور يسمى مقتضى بفتح الضاد فإنه لا يعم جميعا لاندفاع الضرورة بأحدها ويكون مجملا بينها يتعين بالقرينة وقيل يعمها حذرا من الإجمال ومثاله حديث مسند أخي عاصم
____________________
(2/21)
الآتي في مبحث المجمل رفع عن أمتي الخطأ والنسيان فلوقوعهما لا يستقيم الكلام بدون تقدير المؤاخذة أو الضمان أو نحو ذلك فقدرنا المؤاخذة لفهمها عرفا من مثله وقيل يقدر جميعها
والعطف على العام فإنه لا يقتضي العموم في المعطوف وقيل يقتضيه لوجوب مشاركة المعطوف عليه في الحكم وصفته قلنا في الصفة ممنوع مثاله حديث أبي داود وغيره
____________________
(2/22)
لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده قيل يعني بكافر وخص منه غير الحربي بالإجماع قلنا لا حاجة إلى ذلك بل يقدر بحربي
والفعل المثبت بدون كان ونحو كان يجمع في السفر مما اقترن بكان فلا يعم أقسامه وقيل يعمها مثال الأول حديث بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى داخل الكعبة رواه الشيخان
والثاني حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الصلاتين في السفر رواه البخاري فلا يعم الأول الفرض والنفل ولا الثاني جمع التقديم والتأخير إذ لا يشهد اللفظ بأكثر من صلاة واحدة وجمع واحد ويستحيل وقوع الصلاة الواحدة فرضا
____________________
(2/23)
ونفلا والجمع الواحد في الوقتين وقيل يعمان ما ذكر حكما لصدقهما بكل من قسمي الصلاة والجمع وقد تستعمل كان مع المضارع للتكرار كما في قوله تعالى في قصة إسماعيل عليه الصلاة والسلام وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وقولهم كان حاتم يكرم الضيف وعلى ذلك جرى العرف ولا المعلق بعلة فإنه لا يعم كل محل وجدت فيه العلة لفظا لكن يعمه قياسا وقيل يعمه لفظا مثاله أن يقول الشارع حرمت الخمر لإسكارها فلا يعم كل مسكر لفظا وقيل يعمه لذكر العلة فكأنه قال حرمت المسكر خلافا لزاعمي ذلك أي العموم في المقتضي وما بعده كما تقدم
و الأصح أن ترك الاستفصال في حكاية الحال ينزل منزلة العموم في المقال كما في قوله صلى الله عليه وسلم لغيلان بن سلمة الثقفي وقد أسلم على عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن رواه الشافعي وغيره فإنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل هل تزوجهن معا أو مرتبا
____________________
(2/24)
فلولا أن الحكم يعم الحالين لما أطلق الكلام لامتناع الإطلاق في موضع التفصيل المحتاج إليه وقيل لا ينزل منزلة العموم بل يكون الكلام مجملا وسيأتي تأويل الحنفية أمسك بابتدئ نكاح أربع منهن في المعية واستمر على الأربع الأول في الترتيب
____________________
(2/25)
و الأصح أن نحو يا أيها النبي اتق الله و يا أيها المزمل قم الليل لا يتناول الأمة من حيث الحكم لاختصاص الصيغة به وقيل يتناولهم لأن أمر القدوة أمر لأتباعه معه عرفا كما في أمر السلطان الأمير بفتح بلد أو رد العدو
وأجيب بأن هذا فيما يتوقف المأمور به على المشاركة وما نحن فيه ليس كذلك و الأصح أن نحو يا أيها الناس يشمل الرسول عليه الصلاة والسلام وإن اقترن بقل وقيل لا يشمله مطلقا لأنه ورد على لسانه للتبليغ لغيره وثالثها التفصيل إن اقترن بقل فلا يشمله لظهوره في التبليغ وإلا فلا يشمله و الأصح أنه أي نحو يا أيها الناس
____________________
(2/26)
يعم العبد وقيل لا يعمه لصرف منافعه إلى سيده شرعا قلنا في غير أوقات ضيق العبادات والكافر وقيل لا بناء على عدم تكليفه بالفروع ويتناول الموجودين وقت وروده دون من بعدهم وقيل يتناولهم أيضا لمساواتهم للموجودين في حكمه إجماعا قلنا بدليل آخر وهو مستند الإجماع لا منه
و الأصح أن من الشرطية تتناول الإناث وقيل تختص بالذكور وعلى ذلك لو نظرت امرأة في بيت أجنبي جاز رميها
____________________
(2/27)
على الأصح لحديث مسلم من تطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه وقيل لا يجوز لأن المرأة لا يستتر منها و الأصح أن جمع المذكر السالم كالمسلمين لا يدخل فيه النساء ظاهرا وإنما يدخلن بقرينة تغليبا للذكور وقيل يدخلن فيه ظاهرا لأنه لما كثر في الشرع مشاركتهن للذكور في الأحكام لا يقصد الشارع بخطاب الذكور قصر الأحكام عليهم
____________________
(2/28)
و الأصح أن خطاب الواحد بحكم في مسألة لا يتعداه إلى غيره وقيل يعم غيره عادة لجريان عادة الناس بخطاب الواحد وإرادة الجمع فيما يتشاركون فيه قلنا مجاز يحتاج إلى القرينة
و الأصح أن خطاب القرآن والحديث بيا أهل الكتاب نحو قوله تعالى يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم لا يشمل الأمة وقيل يشملهم فيما يتشاركون فيه و الأصح أن المخاطب بكسر الطاء داخل في عموم خطابه إن كان خبرا نحو والله بكل شيء عليم وهو سبحانه وتعالى عالم بذاته
____________________
(2/29)
وصفاته لا أمرا كقول السيد لعبده وقد أحسن إليه من أحسن إليك فأكرمه لبعد أن يريد الآمر نفسه بخلاف المخبر وقيل يدخل مطلقا نظرا لظاهر اللفظ وقيل لا يدخل مطلقا لبعد أن يريد المخاطب نفسه إلا بقرينة وقال النووي في كتاب الطلاق من الروضة إنه الأصح عند أصحابنا في الأصول وصحح المصنف الدخول في الأمر في مبحثه بحسب ما ظهر له في الموضعين و الأصح
____________________
(2/30)
أن نحو خذ من أموالهم يقتضي الأخذ من كل نوع وقيل لا بل يمتثل بالأخذ من نوع واحد وتوقف الآمدي عن ترجيح واحد من القولين والأول ناظر إلى أن المعنى من جميع الأموال والثاني إلى أنه من مجموعها التخصيص مصدر خصص بمعنى خص قصر العام على بعض أفراده بأن لا يراد منه البعض الآخر
____________________
(2/31)
ويصدق هذا بالعام المراد به الخصوص كالعام المخصوص وعدل كما قال عن قول ابن الحاجب مسمياته لأن مسمى العام واحد وهو كل الأفراد
____________________
(2/32)
والقابل له أي للتخصيص حكم ثبت لمتعدد لفظا أو معنى كالمفهوم نبه بهذا على أن المخصوص في الحقيقة الحكم وأن المراد بالعام هنا ما هو أعم من المحدود بما سبق فالمتعدد لفظا نحو فاقتلوا المشركين وخص منه الذمي ونحوه ومعنى كمفهوم فلا تقل لهما أف من سائر أنواع الإيذاء وخص منه حبس الولد بدين الوالد فإنه جائز على ما صححه الغزالي وغيره والحق جوازه أي التخصيص إلى واحد إن لم يكن لفظ العام جمعا كمن والمفرد المحلى بالألف واللام وإلى أقل الجمع ثلاثة أو اثنين
____________________
(2/33)
إن كان جمعا كالمسلمين والمسلمات وقيل يجوز إلى واحد مطلقا نظرا في الجمع إلى أن أفراده آحاد كغيره وشذ المنع إلى واحد مطلقا بأن لا يجوز إلا إلى أقل الجمع مطلقا وقيل بالمنع إلا أن يبقى غير محصور فيجوز حينئذ وقيل إلا أن يبقى قريب من مدلوله أي العام قبل التخصيص فيجوز حينئذ والأخيران متقاربان
____________________
(2/34)
والعام المخصوص عمومه مراد تناولا لا حكما لأن بعض الأفراد لا يشمله الحكم نظرا للمخصص و العام المراد به الخصوص ليس عمومه مرادا لا حكما ولا تناولا بل هو كلي من حيث إن له أفرادا
____________________
(2/35)
بحسب الأصل استعمل في جزئي أي فرد منها ومن ثم أي من هنا وهو أنه كلي استعمل في جزئي أي من أجل ذلك كان مجازا قطعا نظرا لحيثية الجزئية مثاله قوله تعالى الذين قال لهم الناس أي نعيم بن مسعود الأشجعي لقيامه مقام كثير في تثبيطه المؤمنين عن ملاقاة أبي سفيان وأصحابه أم يحسدون الناس أي رسول الله صلى الله عليه وسلم لجمعه ما في الناس من الخصال الجميلة وقيل الناس في الآية الأولى وفد من عبد القيس وفي الثانية العرب وتسمح في قوله كلي على خلاف ما قدمه من أن مدلول العام كلية
والأول أي العام المخصوص الأشبه
____________________
(2/36)
أنه حقيقة في البعض الباقي بعد التخصيص وفاقا للشيخ الإمام والد المصنف والفقهاء الحنابلة وكثير من الحنفية وأكثر الشافعية لأن تناول اللفظ للبعض الباقي في التخصيص كتناوله له بلا تخصيص وذلك التناول حقيقي اتفاقا فليكن هذا التناول حقيقيا أيضا وقال أبو بكر الرازي من الحنفية حقيقة إن كان الباقي غير منحصر لبقاء خاصة العموم وإلا فمجاز وقوم حقيقة إن خص بما لا يستقل كصفة أو شرط أو استثناء لأن ما لا يستقل جزء من المقيد به فالعموم بالنظر إليه فقط و إمام الحرمين حقيقة ومجاز باعتبارين تناوله والاقتصار عليه أي هو باعتبار تناول البعض حقيقة وباعتبار الاقتصار عليه مجاز وفي نسخة باعتباري بلا نون مضافا وهو أحسن والأكثر مجاز مطلقا لاستعماله في بعض ما وضع له أولا
____________________
(2/37)
والتناول لهذا البعض حيث لا تخصيص إنما كان حقيقيا لمصاحبته للبعض الآخر وقيل مجاز إن استثني منه لأنه يتبين بالاستثناء الذي هو إخراج ما دخل أنه أريد بالمستثنى بخلاف غير الاستثناء من الصفة وغيرها فإنه يفهم ابتداء أن العموم بالنظر إليه فقط وقيل مجاز إن خص بغير لفظ كالعقل بخلاف اللفظ فالعموم بالنظر إليه فقط و العام المخصص قال الأكثر حجة مطلقا لاستدلال الصحابة به من نكير
وقيل إن خص بمعين نحو أن يقال اقتلوا المشركين إلا أهل الذمة بخلاف المبهم نحو إلا بعضهم إذ ما من فرد إلا ويجوز أن يكون هو المخرج
وأجيب بأنه يعمل به إلى أن يبقى فرد وما اقتضاه كلام الآمدي وغيره من الاتفاق على أنه في المبهم غير حجة مدفوع بنقل ابن برهان وغيره الخلاف فيه مع ترجيحه أنه حجة فيه وقيل حجة إن خص بمتصل كالصفة لما تقدم
____________________
(2/38)
في أنه حينئذ حقيقة من أن العموم بالنظر إليه فقط بخلاف المنفصل فيجوز أن يكون قد خص به غير ما ظهر فيشك في الباقي وقيل هو حجة في الباقي إن أنبأ عنه العموم نحو فاقتلوا المشركين فإنه ينبئ عن الحربي لتبادر الذهن إليه كالذمي المخرج بخلاف ما لا ينبئ عنه العموم نحو والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما فإنه لا ينبئ عن السارق لقدر ربع دينار فصاعدا عن حرز مثله كما لا ينبئ عن السارق لغير ذلك المخرج إذ لا يعرف خصوص هذا التفصيل إلا من الشارع فالباقي في نحو ذلك يشك فيه باحتمال اعتبار قيد آخر وقيل هو حجة في أقل الجمع ثلاثة أو اثنين لأنه المتيقن وما عداه مشكوك فيه لاحتمال أن يكون قد خص وهذا مبني على قول قد تقدم إنه لا يجوز التخصيص إلى أقل من أقل الجمع مطلقا وقيل غير حجة مطلقا لأنه لاحتمال أن يكون قد خص بغير ما ظهر يشك فيما يراد منه فلا يتبين إلا بقرينة قال المصنف والخلاف إن لم نقل إنه حقيقة فإن قلنا ذلك احتج به جزما
____________________
(2/39)
ويتمسك بالعام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البحث عن المخصص اتفاقا كما قاله الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني وكذا بعد الوفاة خلافا لابن سريج ومن تبعه في قوله لا يتمسك به قبل البحث لاحتمال المخصص
وأجيب بأن الأصل عدمه وهذا الاحتمال منتف في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لأن التمسك بالعام إذ ذاك بحسب الواقع فيما ورد لأجله من الوقائع وهو قطعي الدخول لكن عند الأكثر كما سيأتي وما نقله الآمدي وغيره من الاتفاق على ما قاله ابن سريج مدفوع بحكاية الأستاذ والشيخ أبي إسحاق الشيرازي الخلاف فيه وعليه جرى الإمام الرازي وغيره ومال إلى التمسك قبل البحث واختاره البيضاوي وغيره وتبعهم المصنف وهو قول الصيرفي كما نقله عن الإمام الرازي واختصر الآمدي وغيره في النقل عن الصيرفي على وجوب اعتقاد العموم قبل البحث على المخصص وعلى قول ابن سريج لو اقتضى العام عملا مؤقتا وضاق الوقت عن البحث هل يعمل بالعموم احتياطا أو لا خلاف حكاه المصنف عن حكاية ابن الصباغ وذكره هنا أولا بقوله وثالثها إن ضاق الوقت ثم تركه لأنه ليس خلافا في أصل المسألة ثم يكفي في البحث على قول ابن سريج الظن بأن لا مخصص خلافا للقاضي أبي بكر الباقلاني في قوله
____________________
(2/40)
لا بد من القطع قال ويحصل بتكرير النظر والبحث واشتهار كلام الأئمة من غير أن يذكر أحد منهم مخصصا
المخصص أي المفيد للتخصيص قسمان الأول المتصل أي ما لا يستقل بنفسه من من اللفظ بأن يقارن العام وهو خمسة أحدها الاستثناء بمعنى الدال عليه وهو أي الاستثناء نفسه الإخراج من متعدد بإلا أو إحدى أخواتها نحو خلا وعدا وسوى صادرا ذلك الإخراج مع المخرج منه من متكلم واحد وقيل مطلقا فقول القائل إلا زيدا عقب قول غيره جاء الرجال استثناء على الثاني لغو على الأول ولو قال النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل الذمة عقب نزول قوله تعالى فاقتلوا المشركين كان استثناء قطعا لأنه مبلغ عن الله وإن لم يكن ذا قرآنا
____________________
(2/41)
ويجب اتصاله أي الاستثناء بمعنى الدال عليه المستثنى منه عادة فلا يضر انفصاله بتنفس أو سعال وعن ابن عباس يجوز انفصاله إلى شهر وقيل سنة وقيل أبدا روايات عنه وعن سعيد بن جبير يجوز انفصاله إلى أربعة أشهر وعن عطاء والحسن يجوز انفصاله في المجلس و عن مجاهد يجوز انفصاله إلى سنتين وقيل يجوز انفصاله ما لم يأخذ في كلام آخر وقيل يجوز انفصاله بشرط أن ينوى في الكلام لأنه مراد أولا وقيل يجوز انفصاله في كلام الله فقط لأنه تعالى لا يغيب عنه شيء فهو مراد له أولا بخلاف غيره
____________________
(2/42)
وقد ذكر المفسرون أن قوله تعالى غير أولي الضرر نزل بعد لا يستوي القاعدون من المؤمنين إلخ في المجلس وقرأه نافع وغيره بالنصب أي على الاستثناء كما قرأه أبو عمرو وغيره بالرفع أي على الصفة والأصل فيما روي عن ابن عباس ونحوه كما روي عنه قوله تعالى ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت أي إذا نسيت قول إن شاء الله ومثله الاستثناء وتذكرت فاذكره ولم يعين وقتا فاختلفت الآراء فيه على ما تقدم من غير تقييد بنسيان توسعا فقوله
____________________
(2/43)
واذكر ربك أي مشيئة ربك
أما الاستثناء المنقطع بأن لا يكون المستثنى فيه بعض المستثنى منه عكس المتصل السابق المنصرف إليه الاسم عند الإطلاق نحو ما في الدار أحد إلا الحمار فثالثها أي الأقوال لفظ الاستثناء متواطئ فيه وفي المتصل أي موضوع للقدر المشترك بينهما أي المخالفة بإلا أو إحدى أخواتها حذرا من الاشتراك والمجاز الآتيين والأول الأصح أنه مجاز في المنقطع لتبادر غيره أي المتصل إلى الذهن والثاني أنه حقيقة فيه كالمتصل لأنها الأصل في الاستعمال ويحد بالمخالفة المذكورة من غير إخراج وهذا القول بمعنى قوله والرابع مشترك بينهما فهو مكرر إلا أن يريد بالمطوي الثاني أنه حقيقة في المنقطع مجاز في المتصل ولا قائل بذلك فيما علمت والخامس
____________________
(2/44)
الوقف أي لا يدرى أهو حقيقة فيهما أم في أحدهما أم في القدر المشترك بينهما ولما كان في الكلام الاستثنائي شبه التناقض حيث يثبت المستثنى في ضمن المستثنى منه ثم ينفى صريحا وكل ذلك أظهر في العدد لنصوصيته في آحاده دفع ذلك فيه ببيان المراد به بقوله والأصح وفاقا لابن الحاجب أن المراد بعشرة في قولك مثلا لزيد علي عشرة إلا ثلاثة العشرة باعتبار الأفراد أي الآحاد جميعها ثم أخرجت ثلاثة بقوله إلا ثلاثة
____________________
(2/45)
ثم أسند إلى الباقي وهو سبعة تقديرا وإن كان الإسناد قبله أي قبل إخراج الثلاثة ذكرا فكأنه قال له علي الباقي من عشرة أخرج منها ثلاثة وليس في ذلك إلا الإثبات ولا نفي أصلا فلا تناقض وقال الأكثر المراد بعشرة فيما ذكر سبعة وإلا ثلاثة قرينة لذلك بينت إرادة الجزء باسم الكل مجازا وقال القاضي أبو بكر الباقلاني عشرة إلا ثلاثة
____________________
(2/46)
أي معناه بإزاء اسمين مفرد وهو سبعة ومركب وهو عشرة إلا ثلاثة ولا نفي أيضا على القولين فلا تناقض ووجه تصحيح الأول أن فيه توفية بما تقدم من أن الاستثناء إخراج بخلافهما
ولا يجوز الاستثناء المستغرق بأن يستغرق المستثنى المستثنى منه أي لا أثر له في الحكم فلو قال له علي عشرة إلا عشرة لزمه عشرة خلافا لشذوذ أشار بذلك إلى ما نقله القرافي عن المدخل لابن طلحة فيمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا أنه لا يقع عليه طلاق في أحد القولين ولم يظفر بذلك من نقل الإجماع على امتناع المستغرق كالإمام الرازي والآمدي قيل ولا يجوز الأكثر من الباقي نحو له علي عشرة إلا ستة فلا يجوز بخلاف المساوي والأقل وقيل لا الأكثر ولا المساوي بخلاف الأقل وقيل لا الأكثر إن كان العدد في المستثنى والمستثنى منه صريحا نحو ما تقدم بخلاف غير الصريح نحو خذ الدراهم إلا الزيوف وهي أكثر كذا حكى
____________________
(2/47)
48 القول في شرحيه كغيره في الأكثر وإن شملت العبارة هنا حكايته في المساوي وقيل لا يستثنى من العدد عقد صحيح نحو له مائة إلا عشرة بخلاف إلا تسعة وقيل لا يستثنى منه مطلقا وقوله تعالى فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما أي زمنا طويلا كما تقول لمن يستعجلك اصبر ألف سنة وكل قائل بحسب استقرائه وفهمه والأصح جواز الأكثر مطلقا وعليه معظم الفقهاء إذ قالوا لو قال له علي عشرة إلا تسعة لزمه واحد
والاستثناء من النفي إثبات وبالعكس
____________________
(2/48)
خلافا لأبي حنيفة فيهما وقيل في الأول فقط فقال إن المستثنى من حيث الحكم مسكوت عنه
____________________
(2/49)
فنحو ما قام أحد إلا زيدا وقام القوم إلا زيدا يدل الأول على إثبات القيام لزيد والثاني على نفيه عنه وقال لا وزيد مسكوت عنه من حيث القيام وعدمه ومبنى الخلاف على أن المستثنى من حيث الحكم مخرج من المحكوم به فيدخل في نقيضه من قيام وعدمه مثلا أو مخرج من الحكم فيدخل في نقيضه أي لا حكم إذ القاعدة أن ما خرج من شيء دخل في نقيضه وجعل الإثبات في كلمة التوحيد بعرف الشرع وفي المفرغ نحو ما قام إلا زيد بالعرف العام
و الاستثناءات المتعددة
____________________
(2/50)
إن تعاطفت فللأول أي فهي عائدة للأول نحو له علي عشرة إلا أربعة وإلا ثلاثة وإلا اثنين فيلزمه واحد فقط ولا أي وإن لم تتعاطف فكل منها عائد لما يليه ما لم يستغرقه نحو له علي عشرة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة فيلزمه ستة لأن الثلاثة تخرج من الأربعة يبقى واحد يخرج من الخمسة يبقى أربعة يخرج من العشرة تبقى ستة فإن استغرق كل ما يليه بطل الكل وإن استغرق غير الأول نحو له علي عشرة إلا اثنين إلا ثلاثة إلا أربعة عاد الكل للمستثنى منه فيلزمه واحد فقط وإن استغرق الأول نحو له علي عشرة إلا عشرة إلا أربعة قيل يلزمه عشرة لبطلان الأول والثاني تبعا وقيل أربعة اعتبارا لاستثناء الثاني من الأول وقيل ستة اعتبارا للثاني دون الأول
و الاستثناء الوارد بعد جمل متعاطفة
____________________
(2/51)
عائد للكل حيث صلح له لأنه الظاهر مطلقا وقيل إن سيق الكل لغرض واحد عاد للكل نحو حبست داري على أعمامي ووقفت بستاني على أخوالي وسبلت سقايتي لجيراني إلا أن يسافروا وإلا عاد للأخيرة فقط نحو أكرم العلماء واحبس ديارك على أقاربك وأعتق عبيدك إلا الفسقة منهم وقيل
____________________
(2/52)
إن عطف بالواو عاد للكل بخلاف الفاء وثم مثلا فللأخيرة وعلى هذا الآمدي حيث فرض المسألة في العطف بالواو وقال أبو حنيفة والإمام الرازي للأخيرة فقط لأنه المتيقن وقيل مشترك بين عوده للكل وعوده للأخيرة لاستعماله في كل منهما والأصل في الاستعمال الحقيقة وقيل بالوقف أي لا يدرى ما الحقيقة منهما ويتبين المراد على الأخيرين بالقرينة وحيث وجدت انتفى الخلاف كما في قوله تعالى والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى قوله إلا من تاب فإنه عائد إلى جميع ما تقدمه قال السهيلي بلا خلاف وقوله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله إلى قوله
____________________
(2/53)
إلا الذين تابوا فإنه عائد إلى الجميع قال ابن السمعاني إجماعا وقوله تعالى ومن قتل مؤمنا خطأ إلى قوله إلا أن يصدقوا فإنه عائد إلى الأخيرة أي الدية دون الكفارة قطعا أما قوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء إلى قوله تعالى إلا الذين تابوا فإنه عائد إلى الأخيرة غير عائد إلى الأول أي الجلد قطعا لأنه حق آدمي فلا يسقط بالتوبة وفي عوده إلى الثانية أي عدم قبول الشهادة الخلاف فعندنا نعم وعند أبي حنيفة لا
و الاستثناء الوارد بعد مفردات نحو تصدق على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل إلا الفسقة منهم أولى بالكل أي بعوده للكل من الوارد بعد جمل لعدم استقلال المفردات أما القران بين الجملتين لفظا بأن تعطف إحداهما على الأخرى فلا يقتضي التسوية بينهما في غير المذكور حكما أي فيما لم يذكر من الحكم المعلوم لإحداهما من خارج خلافا لأبي يوسف
____________________
(2/54)
من الحنفية والمزني منافي قولهما يقتضي التسوية في ذلك مثاله حديث أبي داود لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة فالبول فيه ينجسه بشرطه كما هو معلوم وذلك حكمة النهي قال أبو يوسف فكذا الاغتسال فيه للقران بينهما ووافقه أصحابه في الحكم لدليل غير القران وخالفه المزني فيه لما ترجح على القران في أن الماء المستعمل في الحديث طاهر لا نجس ويكفي في حكمة النهي ذهاب الطهورية
الثاني من المخصصات المتصلة الشرط بمعنى صيغته وهو أي الشرط نفسه ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته احترز بالقيد الأول من المائع
____________________
(2/55)
فإنه لا يلزم من عدمه شيء وبالثاني من السبب فإنه يلزم من وجوده الوجود وبالثالث من مقارنة الشرط للسبب فيلزم الوجود كموجود الحول الذي هو شرط لوجوب الزكاة مع النصاب الذي هو سبب للوجوب ومن مقارنته للمانع كالدين على القول بأنه مانع من وجوب الزكاة فيلزم العدم فلزوم الوجود والعدم في ذلك لوجود السبب والمانع لا لذات الشرط ثم هو عقلي كالحياة للعلم وشرعي كالطهارة للصلاة وعادي كنصب السلم لصعود السطح ولغوي وهو المخصص كما في أكرم بني تميم إن جاءوا أي الجائين منهم فينعدم الإكرام المأمور بانعدام المجيء ويوجد بوجوده إذا امتثل الأمر وهو أي الشرط المخصص كالاستثناء اتصالا ففي وجوبه هنا الخلاف المتقدم
____________________
(2/56)
على الأصح الآتي لما تقدم من أن أصله في إن شاء الله وهو صفة شرط وقيل يجب اتصال الشرط اتفاقا وعليه اقتصر المصنف في شرح المنهاج حيث قال لا نعلم في ذلك نزاعا وأولى من الاستثناء بالعود إلى الكل أي كل الجمل المتقدمة عليه نحو أكرم بني تميم وأحسن إلى ربيعة واخلع على مضر إن جاءوك على الأصح وقيل يعود إلى الكل اتفاقا والفرق أن الشرط له صدر الكلام فهو مقدم تقديرا بخلاف الاستثناء وضعف بأنه إنما يتقدم على المقيد به فقط ويجوز إخراج الأكثر به وفاقا نحو أكرم بني تميم إن كانوا علماء ويكون جهالهم أكثر بخلاف الاستثناء ففي إخراج الأكثر به خلاف تقدم وفي حكاية الوفاق تسمح لما قدمه من القول
____________________
(2/57)
بأنه لا بد أن يبقى قريب من مدلول العام إلا أن يريد وفاق من خالف في الاستثناء فقط
الثالث من المخصصات المتصلة الصفة نحو أكرم بني تميم الفقهاء غيرهم وهي كالاستثناء في العود فتعود إلى كل المتعدد على الأصح ولو تقدمت نحو وقفت على أولادي وأولادهم المحتاجين ووقفت على محتاجي أولادي وأولادهم فيعود الوصف في الأول إلى الأول مع أولادهم وفي الثاني إلى أولاد الأولاد مع الأولاد وقيل لا أما المتوسطة نحو وقفت على أولادي المحتاجين وأولادهم قال المصنف بعد قوله لا نعلم فيها نقلا فالمختار اختصاصها بما وليته ويحتمل أن يقال تعود إلى ما وليها أيضا
الرابع من المخصصات المتصلة الغاية نحو أكرم بني تميم إلى أن يعصوا خرج حال عصيانهم فلا يكرمون فيه وهي كالاستثناء في العود فتعود إلى كل ما تقدمها على الأصح نحو أكرم بني تميم وأحسن إلى ربيعة وتعطف على مضر إلى أن يرحلوا والمراد بالغاية غاية تقدمها عموم يشملها لو لم تأت مثل ما تقدم ومثل قوله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله إلى قوله حتى يعطوا الجزية فإنها لو لم تأت
____________________
(2/58)
لقاتلناهم أعطوا الجزية أم لا وأما مثل قوله تعالى سلام هي حتى مطلع الفجر من غاية لم يشملها عموم ما قبلها فإن طلوع الفجر ليس من الليلة حتى تشمله فلتحقيق العموم فيما قبلها كعموم الليلة لأجزائها في الآية لا للتخصيص وكذا قولهم قطعت أصابعه من الخنصر إلى البنصر بكسر أولهما وثالثهما فإن الغاية فيه لتحقيق العموم أي أصابعه جميعها بأن قطع ما عدا المذكورين بين قطعيهما وأوضح من ذلك من الخنصر إلى الإبهام كما عبر به في شرحي المختصر والمنهاج وعدل عنه إلى ما هنا لما فيه من السجع مع البلاغة المحوج إلى التدقيق في فهم المراد وذكر مثالين لأن الغاية في الثاني من المغيا بخلافهما في الأول
الخامس من المخصصات المتصلة بدل البعض من الكل كما ذكره ابن الحاجب نحو أكرم الناس العلماء ولم يذكره الأكثرون وصوبهم الشيخ الإمام والد المصنف لأن البدل منه في نية الطرح فلا تحقق فيه لمحل يخرج منه فلا تخصيص به
القسم الثاني من المخصص المنفصل أي
____________________
(2/59)
ما يستقل بنفسه من لفظ أو غيره وبدأ بالغير لقلته فقال يجوز التخصيص بالحس كما في قوله تعالى في الريح المرسلة على عاد تدمر كل شيء أي تهلكه فإنا ندرك بالحس أي المشاهدة ما لا تدمير فيه كالسماء والعقل كما في قوله تعالى الله خالق كل شيء فإنا ندرك بالعقل ضرورة أنه تعالى ليس خالقا لنفسه خلافا لشذوذ من الناس في منعهم التخصيص بالعقل قائلين إن
____________________
(2/60)
ما نفى العقل حكم العام عنه لم يتناوله العام لأنه لا تصح إرادته ومنع الشافعي رضي الله عنه تسميته تخصيصا نظرا إلى أن ما تخصص بالعقل لا تصح إرادته بالحكم وهو أي الخلاف لفظي أي عائد إلى اللفظ والتسمية للاتفاق على الرجوع إلى العقل فيما نفى عنه حكم العام وهل يسمى نفيه لذلك تخصيصا فعندنا نعم وعندهم لا ويأتي مثل ذلك كله في التخصيص بالحس والأصح جواز تخصيص الكتاب به أي بالكتاب وقيل لا لقوله تعالى وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم فوض البيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والتخصيص بيان فلا يحصل إلا بقوله لنا الوقوع
____________________
(2/61)
كتخصيص قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء الشامل لأولات الأحمال بقوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن فإن قال المانع يجوز أن يكون التخصيص بغير ذلك من السنة قلنا الأصل عدمه وبيان الرسول صلى الله عليه وسلم يصدق بالبيان بما نزل عليه من القرآن وقد قال تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء والسنة بها أي بالسنة وقيل لا لقوله تعالى وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم فقصر بيانه على القرآن لنا الوقوع كتخصيص حديث الصحيحين فيما سقت السماء العشر بحديثهما ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة و السنة بالكتاب وقيل لا لقوله تعالى لتبين للناس ما نزل إليهم جعله مبينا للقرآن فلا يكون القرآن مبينا للسنة قلنا لا مانع من ذلك لأنهما من عند الله قال تعالى وما ينطق عن الهوى ويدل على الجواز قوله تعالى ونزلنا عليك القرآن تبيانا لكل شيء وإن خص من عمومه ما خص بغير القرآن والكتاب بالمتواترة وقيل لا يجوز بالسنة المتواترة الفعلية بناء على القول الآتي إن فعل الرسول لا يخصص
____________________
(2/62)
وكذا يجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد عند الجمهور مطلقا وقيل لا مطلقا وإلا لترك القطعي بالظني قلنا محل التخصيص دلالة العام وهي ظنية والعمل بالظنين أولى من إلغاء أحدهما وثالثها قال ابن أبان يجوز
____________________
(2/63)
إن خص بقاطع كالعقل لضعف دلالته حينئذ بخلاف ما لم يخص أو خص بظني وهذا مبني على قول تقدم أن ما خص باللفظ حقيقة قال المصنف وعندي عكسه أي ينبغي أن يقال حيث فرق بين القطعي والظني يجوز إن خص بظني لأن المخرج بالقطعي لما لم تصح إرادته كان العام لم يتناوله فيلحق بما لم يخص وقال الكرخي يجوز إن خص بمنفصل قطعي أو ظني لضعف دلالته حينئذ بخلاف ما لم يخص أو خص بمتصل فالعموم في المتصل بالنظر إليه فقط وهذا مبني على قول تقدم أن المخصوص بما لا يستقل حقيقة وتوقف القاضي أبو بكر الباقلاني عن القول بالجواز وعدمه لنا الوقوع كتخصيص قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم إلخ الشامل للولد الكافر بحديث الصحيحين لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم
____________________
(2/64)
ويأتي الخلاف في تخصيص المتواترة بخبر الواحد كما يؤخذ من كلام القاضي الباقلاني ثم البيضاوي زيادة على إمامه
و يجوز التخصيص لكتاب أو سنة بالقياس المستند إلى نص خاص ولو كان خبر واحد خلافا للإمام الرازي في منعه ذلك مطلقا بعد أن جوزه حذرا من تقديم القياس على النص الذي هو أصل له في الجملة وللجبائي أبي علي في منعه ذلك إن كان القياس خفيا لضعفه بخلاف الجلي وسيأتيان وهذا التفصيل منقول عن ابن سريج والمنقول عن الجبائي المنع مطلقا وقد مشى المصنف على ذلك في شرحيه ولابن أبان إن لم يخص مطلقا بخلاف ما خص فيجوز لضعف دلالته حينئذ وقد أطلق الجواز هنا وقيده في خبر الواحد بالقاطع كما تقدم لأن القياس عنده أقوى من خبر الواحد ما لم يكن راويه فقيها و خلافا لقوم في منعهم إن لم يكن أصله أي أصل القياس وهو المقيس عليه مخصصا بفتح الصاد من العموم أي مخرجا منه بنص بأن لم يخص أو خص منه غير أصل القياس بخلاف أصله فكأن التخصيص بنصه وللكرخي في منعه إن لم يخص بمنفصل بأن لم يخص أو خص بمتصل بخلاف المنفصل لضعف دلالة العام حينئذ وتوقف إمام الحرمين عن القول بالجواز وعدمه
____________________
(2/65)
لنا أن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما وقد خص من قوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة الأمة فعليها نصف ذلك بقوله تعالى فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب والعبد بالقياس على الأمة النصف أيضا
و يجوز التخصيص بالفحوى أي مفهوم الموافقة وإن قلنا الدلالة عليه قياسية بأن يقال من أساء إليك فعاقبه ثم يقال إن أساء لك زيد فلا تقل له أف وكذا دليل الخطاب أي مفهوم المخالفة يجوز التخصيص به في الأرجح وقيل لا لأن دلالة العام على ما دل عليه المفهوم بالمنطوق وهو مقدم على المفهوم ويجاب بأن المقدم عليه منطوق خاص لا ما هو من أفراد العام فالمفهوم مقدم عليه لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما وقد خص حديث ابن ماجه وغيره الماء لا ينجسه شيء
____________________
(2/66)
إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه بمفهوم حديث ابن ماجه وغيره إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث
ويجوز التخصيص بفعله عليه الصلاة و السلام وتقريره في الأصح فيهما كما لو قال الوصال حرام على كل مسلم ثم فعله أو أقر من فعله وقيل لا يخصصان بل ينسخان حكم العام لأن الأصل تساوي الناس في الحكم
وأجيب بأن التخصيص أولى من النسخ لما فيه من إعمال الدليلين والأصح أن عطف العام على الخاص وعكسه المشهور لا يخصص العام وقيل يخصصه
____________________
(2/67)
أي يقصره على ذلك الخاص لوجوب الاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم وصفته قلنا في الصفة ممنوع مثال العكس حديث أبي داود وغيره ولا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده يعني كافر حربي للإجماع على قتله بغير الحربي فقال الحنفي يقدر الحربي في المعطوف عليه لوجوب الاشتراك بين المعطوفين في صفة الحكم فلا ينافي ما قال به من قتل المسلم بالذمي ومثال الأول أن يقال لا يقتل الذمي بكافر ولا المسلم بكافر فالمراد بالكافر الأول الحربي فيقول الحنفي والمراد بالكافر الثاني الحربي أيضا لوجوب الاشتراك المذكور وقد تقدم التمثيل بالحديث لمسألة إن العطف على العام لا يقتضي العموم في المعطوف على الأصح و الأصح أن رجوع الضمير أو البعض أي بعض العام لا يخصصه أي يقصره على ذلك البعض حذرا من مخالفة الضمير لمرجعه
وأجيب بأنه لا محذور في المخالفة لقرينة مثاله قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن مع قوله بعده وبعولتهن أحق بردهن فضمير بعولتهن للرجعيات ويشمل قوله والمطلقات معهن البوائن وقيل لا ويؤخذ حكم البوائن من دليل آخر و الأصح أن مذهب الراوي للعام بخلافه لا يخصصه
____________________
(2/68)
ولو كان صحابيا وقيل يخصصه مطلقا وقيل إن كان صحابيا وقيل إن مذهب الصحابي غير الراوي للعام بخلافه يخصصه أيضا أي يقصره على ما عدا محل المخالفة لأنها إنما تصدر عن دليل قلنا في ظن المخالف لا في نفس الأمر وليس لغيره اتباعه لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا كما سيأتي مثاله حديث البخاري من رواية ابن عباس من بدل دينه فاقتلوه مع قوله إن ثبت عنه أن المرتدة لا تقتل ويحتمل أنه كان يرى أن من الشرطية لا تتناول المؤنث كما هو قول تقدم
و الأصح أن ذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصص العام وقيل يخصصه أي يقصره على ذلك البعض بمفهومه إذ لا فائدة لذكره إلا ذلك قلنا مفهوم اللقب ليس بحجة وفائدة ذكر البعض نفي احتمال تخصيصه من العام مثاله حديث الترمذي وغيره أيما إهاب دبغ فقد طهر مع حديث مسلم أنه صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال هلا أخذتم إهابها فدبغتموه
____________________
(2/69)
فانتفعتم به فقالوا إنها ميتة فقال إنما حرم أكلها
وروى مسلم الأول بلفظ إذا دبغ الإهاب فقد طهر والبخاري الثاني بلفظ هلا استمتعتم بإهابها إلخ ولمسلم نحوه و الأصح أن العادة بترك بعض المأمور به أو بفعل بعض المنهي عنه بصيغة العموم تخصص العام أي تقصره على ما عدا المتروك أو المفعول إن أقرها النبي صلى الله عليه وسلم بأن كانت في زمانه وعلم بها ولم ينكرها أو الإجماع بأن فعلها الناس
____________________
(2/70)
من غير إنكار عليهم والمخصص في الحقيقة التقرير أو الإجماع الفعلي بخلاف ما ليست كذلك كأن لم تكن في زمانه عليه الصلاة والسلام ولم يجمعوا عليها لأن فعل الناس ليس بحجة في الشرع وهذا توسط للإمام الرازي ومن تبعه بين إطلاق بعضهم التخصيص نظرا إلى أنها إجماع فعلي وبعضهم عدمه نظرا إلى أن فعل الناس ليس بحجة
و الأصح أن العام لا يقصر على المعتاد ولا على ما وراءه أي وراء المعتاد بل تطرح له أي للعام في الثاني
العادة السابقة عليه فيجري على عمومه في القسمين وقيل يقصر على ما ذكر الأول كما لو كان عادتهم تناول البر ثم نهى عن بيع الطعام بجنسه متفاضلا فقيل يقصر الطعام على البر المعتاد والثاني كما لو كان عادتهم بيع البر بالبر متفاضلا ثم نهى عن بيع الطعام بجنسه متفاضلا فقيل يقصر الطعام على غير البر المعتاد والأصح لا فيهما و الأصح أن نحو قول الصحابي أنه صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة للجار قال المصنف كغيره من المحدثين هو لفظ لا يعرف ويقرب منه ما رواه النسائي عن الحسن قال قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالجوار وهو مرسل لا يعم كل جار ونحوه وفاقا للأكثر وقيل يعم ذلك لأن قائله عدل عارف باللغة والمعنى فلولا ظهور عموم الحكم مما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(2/71)
لم يأت هو في الحكاية له بلفظ عام كالجار قلنا ظهور عموم الحكم بحسب ظنه ولا يلزمنا اتباعه في ذلك ونحو قضى إلخ قول أبي هريرة إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر رواه مسلم فقيل يعم كل غرر
مسألة جواب السائل غير المستقل دونه أي دون السؤال تابع للسؤال في عمومه وخصوصه العموم كحديث الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال أينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم قال
____________________
(2/72)
فلا إذن فيعم كل بيع للرطب بالتمر والخصوص كما قال للنبي صلى الله عليه وسلم قائل توضأت من ماء البحر فقال يجزيك فلا يعم غيره والمستقل دون السؤال الأخص منه جائز إذا أمكنت معرفة المسكوت منه كأن يقول النبي صلى الله عليه وسلم من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة كالمظاهر في جواب من أفطر في نهار رمضان ماذا عليه فيفهم من قوله جامع أن الإفطار بغير الجماع لا كفارة فيه فإذا لم تمكن معرفة المسكوت من الجواب فلا يجوز لتأخير البيان عن وقت الحاجة والمساوي واضح كأن يقال من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة كالظهار في جواب ماذا على من جامع في نهار رمضان وكأن يقال لمن قال جامعت في نهار رمضان ماذا علي عليك كفارة كالظهار
والأعم ذكره في قوله والعام الوارد على سبب خاص في سؤال أو غيره معتبر عمومه عند الأكثر نظرا لظاهر اللفظ وقيل هو مقصور على السبب لوروده فيه مثاله حديث الترمذي وغيره عن أبي سعيد الخدري قيل يا رسول الله أتتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب
____________________
(2/73)
والنتن فقال إن الماء طهور لا ينجسه شيء أي مما ذكر وغيره وقيل مما ذكر وهو ساكت عن غيره فإن كانت أي وجدت قرينة التعميم فأجدر أي أولى باعتبار العموم مما لو لم تكن مثاله قوله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وسبب نزوله على ما قيل رجل سرق رداء صفوان فذكر السارقة قرينة على أنه لم يرد بالسارق ذلك الرجل فقط وقوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها نزل كما قال المفسرون في شأن مفتاح الكعبة لما أخذه علي رضي الله عنه من عثمان بن طلحة قهرا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ليصلي فيها فصلى ركعتين وخرج فسأله العباس المفتاح ليضم السدانة إلى السقاية فنزلت الآية فرده على عثمان بلطف بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك فتعجب عثمان من ذلك فقرأ له علي الآية فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم فذكر الأمانات بالجمع قرينة على إرادة العموم
وصورة السبب التي ورد عليها العام
____________________
(2/74)
قطعية الدخول فيه عند الأكثر من العلماء لوروده فيها فلا يخص منه بالاجتهاد وقال الشيخ الإمام والد المصنف كغيره هي ظنية كغيرها فيجوز إخراجها منه بالاجتهاد كما لزم من قول أبي حنيفة إن ولد الأمة المستفرشة لا يلحق سيدها ما لم يقربه نظرا إلى أن الأصل في اللحاق الإقرار إخراجه من حديث الصحيحين وغيرهما الولد للفراش الوارد في ابن أمة زمعة المختصم فيه عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص وقد قال صلى الله عليه وسلم هو لك يا عبد بن زمعة وفي رواية أبي داود هو أخوك يا عبد قال والد المصنف أيضا
____________________
(2/75)
ويقرب منها أي من صورة السبب حتى يكون قطعي الدخول أو ظنيه خاص في القرآن تلاه في الرسم أي رسم القرآن بمعنى وضعه مواضعه وإن لم يتله في النزول عام للمناسبة بين التالي والمتلو كما في قوله تعالى ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت إلخ فإنه كما قال أهل التفسير إشارة إلى كعب بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود لما قدموا مكة وشاهدوا قتلى بدر حرضوا المشركين على الأخذ بثأرهم ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم فسألوهم من أهدى سبيلا محمد وأصحابه أم نحن فقالوا أنتم مع علمهم بما في كتابهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم المنطبق عليه وأخذ المواثيق عليهم أن لا يكتموه فكان ذلك أمانة لازمة لهم ولم يؤدوها حيث قالوا للكفار أنتم أهدى سبيلا حسدا للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تضمنت الآية مع هذا القول التوعد عليه المفيد للأمر بمقابله المشتمل على إرادة الأمانة التي هي بيان صفة النبي صلى الله عليه وسلم بإفادته أنه الموصوف في كتابهم وذلك مناسب لقوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها فهذا عام في كل أمانة وذلك خاص بأمانة هي بيان صفة النبي صلى الله عليه وسلم بالطريق السابق
____________________
(2/76)
والعام تال للخاص في الرسم متراخ عنه في النزول بست سنين مدة ما بين بدر في رمضان من السنة الثانية والفتح في رمضان من الثامنة وإنما قال ويقرب منها كذا لأنه لم يرد العام بسببه بخلافها
مسألة إن تأخر الخاص عن العمل بالعام المعارض له أي عن وقته نسخ الخاص العام بالنسبة لما تعارضا فيه وإلا بأن تأخر الخاص عن الخطاب بالعام دون العمل أو تأخر العام عن الخاص مطلقا أو تقارنا
____________________
(2/77)
بأن عقب أحدهما الآخر أو جهل تاريخهما خصص الخاص العام وقيل إن تقارنا تعارضا في قدر الخاص كالنصين أي كالمختلفين بالنصوصية بأن يكونا خاصين فيحتاج العمل بالخاص إلى مرجح له قلنا الخاص أقوى من العام في الدلالة على ذلك البعض لأنه يجوز أن لا يراد من العام بخلاف الخاص فلا حاجة إلى مرجح له
وقالت الحنفية وإمام الحرمين المتأخر عن الخاص ناسخ له كعكسه بجامع التأخر قلنا الفرق أن العمل بالخاص المتأخر لا يلغي العام بخلاف العكس والخاص أقوى من العام في الدلالة فوجب تقديمه عليه قالوا فإن جهل التاريخ بينهما فالوقف عن العمل بواحد منهما أو التساقط لهما قولان لهم متقاربان لاحتمال كل منهما عندهم لأن يكون منسوخا باحتمال تقدمه على الآخر مثال العام فاقتلوا المشركين والخاص أن يقال لا تقتلوا أهل الذمة
____________________
(2/78)
وإن كان كل منهما عاما على وجه خاصا من وجه فالترجيح بينهما من خارج واجب لتعادلهما تقارنا أو تأخر أحدهما وقال الحنفية المتأخر ناسخ للمتقدم مثال ذلك حديث البخاري من بدل دينه فاقتلوه
وحديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء فالأول عام في الرجال والنساء خاص بأهل الردة والثاني خاص بالنساء عام في الحربيات والمرتدات
المطلق والمقيد أن هذا مبحثهما المطلق الدال على الماهية بلا قيد من وحدة أو غيرها وزعم الآمدي وابن الحاجب دلالته
____________________
(2/79)
أي دلالة المسمى بالمطلق من الأمثلة الآتية ونحوها على الوحدة الشائعة حيث عرفاه بما يأتي عنهما توهماه النكرة أي وقع في وهمهما أي في ذهنهما أنه هي لأنها دالة على الوحدة الشائعة حيث لم تخرج عن الأصل من الإفراد إلى التثنية أو الجمع والمطلق عندهما كذلك أيضا إذ عرفه الأول
____________________
(2/80)
بالنكرة في سياق الإثبات والثاني بما دل على شائع في جنسه وخرج الدال على شائع في نوعه نحو رقبة مؤمنة قال المصنف وعلى الفرق بين المطلق والنكرة أسلوب المنطقيين والأصوليين وكذا الفقهاء
____________________
(2/81)
حيث اختلفوا فيمن قال لامرأته إن كان حملك ذكرا فأنت طالق فكان ذكرين قيل لا تطلق نظرا للتنكير المشعر بالتوحيد وقيل تطلق حملا على الجنس ا هـ
ومن هنا يعلم أن اللفظ في المطلق والنكرة واحد وأن الفرق بينهما بالاعتبار إن اعتبر في اللفظ دلالته على الماهية بلا قيد سمي مطلقا واسم جنس أيضا كما تقدم أو مع قيد الوحدة الشائعة سمي نكرة والآمدي وابن الحاجب ينكران الأول في مسمى المطلق من أمثلته الآتية ونحوها ويجعلانه الثاني فيدل عندهما على الوحدة الشائعة وعند غيرهما على الماهية بلا قيد والوحدة ضرورية إذ لا وجود للماهية المطلوبة بأقل من واحد والأول موافق لكلام أهل العربية والتسمية عليه بالمطلق لمقابلة المقيد وعدول المصنف في النقل عن الآمدي وابن الحاجب عما قالاه من التعريف إلى لازمه السابق ليبني عليه قوله وإن لم يتعرضا للبناء
ومن ثم أي ومن هنا وهو ما زعماه من دلالة المطلق على الوحدة الشائعة أي من أجل ذلك قالا الأمر بمطلق الماهية
____________________
(2/82)
كالضرب من غير قيد أمر بجزئي من جزئياتها كالضرب بسوط أو عصا أو غير ذلك لأن المقصود الوجود ولا وجود للماهية وإنما توجد جزئياتها فيكون الأمر بها أمرا بجزئي لها وليس قولهما ذلك بشيء لوجود الماهية بوجود جزئياتها لأنها جزؤه وجزء الموجود موجود وقيل أمر بكل جزئي لها لإشعار عدم التقييد بالتعميم وقيل إذن فيه أي في كل جزئي أن يفعل ويخرج عن العهدة بواحد
____________________
(2/83)
مسألة المطلق والمقيد كالعام والخاص فما جاز تخصيص العام به يجوز تقييد المطلق به وما لا فلا يجوز تقييد الكتاب بالكتاب وبالسنة والسنة بالسنة وبالكتاب وتقييدهما بالقياس والمفهومين وفعل النبي عليه الصلاة والسلام وتقريره بخلاف مذهب الراوي وذكر بعض جزئيات المطلق على الأصح في الجميع و يزيد المطلق والمقيد أنهما إن اتحد حكمهما وموجبهما بكسر الجيم أي سببهما وكانا مثبتين كأن يقال في كفارة الظهار أعتق رقبة مؤمنة وتأخر المقيد عن وقت العمل بالمطلق
____________________
(2/84)
فهو أي المقيد ناسخ للمطلق بالنسبة إلى صدقه بغير المقيد وإلا بأن تأخر عن وقت الخطاب بالمطلق دون العمل أو تأخر المطلق عن المقيد مطلقا أو تقارنا أو جهل تاريخهما حمل المطلق عليه أي على المقيد جمعا بين الدليلين وقيل المقيد ناسخ للمطلق إن تأخر عن وقت الخطاب به كما لو تأخر عن وقت العمل به بجامع التأخير وقيل يحمل المقيد على المطلق بأن يلغي القيد لأن ذكر المقيد ذكر لجزئي من المطلق فلا يقيده كما أن ذكر فرد من أفراد العام لا يخصصه قلنا الفرق بينهما أن مفهوم القيد حجة بخلاف مفهوم القيد حجة بخلاف مفهوم اللقب الذي ذكر فيه فرد من العام منه كما تقدم وإن كانا منفيين يعني غير مثبتين منفيين أو منهيين نحو لا يجزئ عتق مكاتب لا يجزئ عتق مكاتب كافر لا تعتق مكاتبا لا تعتق مكاتبا كافرا فقائل المفهوم أي القائل بحجية مفهوم المخالفة وهو الراجح يقيده به أي يقيد المطلق بالمقيد في ذلك وهي أي المسألة حينئذ
____________________
(2/85)
خاص وعام لعموم المطلق في سياق النفي ونافي المفهوم يلغي القيد ويجري المطلق على إطلاقه
وإن كان أحدهما أمرا والآخر نهيا نحو أعتق رقبة لا تعتق رقبة كافرة أعتق رقبة مؤمنة لا تعتق رقبة فالمطلق مقيد بضد الصفة في المقيد ليجتمعا فالمطلق في المثال الأول مقيد بالإيمان وفي الثاني مقيد بالكفر وإن اختلف السبب مع اتحاد الحكم كما في قوله تعالى في كفارة الظهار فتحرير رقبة وفي كفارة القتل فتحرير رقبة مؤمنة فقال أبو حنيفة لا يحمل المطلق على المقيد ذلك لاختلاف السبب فيبقى المطلق على إطلاقه وقيل يحمل عليه لفظا أي بمجرد ورود اللفظ المقيد من غير حاجة إلى جامع وقال الشافعي رضي الله عنه يحمل عليه قياسا فلا بد من جامع بينهما وهو في المثال المذكور حرمة سببهما أي الظهار والقتل وإن اتحد الموجب فيهما واختلف حكمهما كما في قوله تعالى في التيمم فامسحوا بوجوهكم وأيديكم وفي الوضوء فاغسلوا بوجوهكم وأيديكم إلى المرافق والموجب لهما الحدث واختلاف الحكم من مسح المطلق وغسل المقيد المرافق واضح فعلى الخلاف من أنه لا يحمل المطلق على المقيد أو يحمل عليه لفظا أو قياسا وهو الراجح والجامع بينهما في المثال المذكور اشتراكهما
____________________
(2/86)
في سبب حكمها والمقيد في موضعين بمتنافيين وقد أطلق في موضع كما في قوله تعالى في قضاء أيام رمضان فعدة من أيام أخر وفي كفارة الظهار فصيام شهرين متتابعين وفي صوم التمتع فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم يستغني فيما أطلق فيه عنهما إن لم يكن أولى بأحدهما من الآخر قياسا كما في المثال المذكور بأن بقي على إطلاقه لامتناع تقييده بهما لتنافيهما وبواحد منهما لانتفاء مرجحه فلا يجب في قضاء رمضان تتابع ولا تفريق أما إذا كان أولى بالتقييد بأحدهما من الآخر من حيث القياس كأن وجد الجامع بينه وبين مقيده دون الآخر قيد به بناء على الراجح من أن الحمل قياسي فإن قيل لفظي فلا
الظاهر والمؤول أي هذا مبحثهما الظاهر ما دل على المعنى دلالة ظنية أي راجحة فيحتمل غير ذلك المعنى مرجوحا كالأسد راجح في الحيوان المفترس مرجوح في الرجل الشجاع
____________________
(2/87)
والغائط راجح في الخارج المستقذر للعرف مرجوح في المكان المطمئن الموضوع له لغة أولا وخرج النص كزيد لأن دلالته قطعية والتأويل حمل الظاهر على المحتمل المرجوح فإن حمل عليه لدليل فصحيح أو لما يظن دليلا وليس بدليل في الواقع ففاسد أو لا لشيء فلعب لا تأويل هذا كله ظاهر ثم التأويل قريب بترجيح على الظاهر بأدنى دليل نحو إذا قمتم إلى الصلاة أي عزمتم على القيام إليها وبعيد لا يترجح على الظاهر إلا بأقوى منه وذكر المصنف منه كثيرا فقال ومن البعيد تأويل أمسك أربعا على ابتدئ أي
____________________
(2/88)
تأويل الحنفية قوله صلى الله عليه وسلم لغيلان بن سلمة الثقفي وقد أسلم على عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن رواه الشافعي رضي الله عنه وغيره على ابتدئ نكاح أربعة منهن فيما إذا كان نكحهن معا لبطلانه كالمسلم بخلاف نكاحهن مرتبا فيمسك الأربع الأوائل ووجه بعده أن المخاطب بمحله قريب عهد بالإسلام لم يسبق له بيان شروط النكاح مع حاجته إلى ذلك ولم ينقل تجديد نكاح منه ولا من غيره مع كثرتهم وتوفر دواعي حملة الشريعة على نقله لو وقع و من البعيد تأويلهم ستين مسكينا من قوله تعالى فإطعام ستين مسكينا على ستين مدا بأن يقدر مضاف أي طعام ستين مسكينا وهو ستون مدا فيجوز إعطاؤه لمسكين واحد في ستين يوما كما يجوز إعطاؤه لستين مسكينا في يوم واحد لأن القصد بإعطائه دفع الحاجة ودفع حاجة الواحد في ستين يوما كدفع حاجة الستين في يوم واحد ووجه بعده أنه اعتبر فيه ما لم يذكر من المضاف وألغي ما ذكر من عدد المساكين الظاهر قصده لفضل الجماعة وبركتهم وتظافر قلوبهم على الدعاء للمحسن و من البعيد تأويلهم حديث أبي داود وغيره أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل وفي رواية البيهقي فإن أصابها فلها مهر مثلها
____________________
(2/89)
بما أصاب منها على الصغيرة والأمة المكاتبة أي حمله أولا بعضهم على الصغيرة لصحة تزويج الكبيرة نفسها عندهم كسائر تصرفاتها فاعترض بأن الصغيرة ليست امرأة في حكم اللسان فحمله بعض آخر على الأمة فاعترض بقوله فلها مهر مثلها فإن مهر الأمة لسيدها فحمله بعض متأخريهم على المكاتبة فإن المهر لها ووجه بعده على كل أنه قصر للعام المؤكد عمومه بما على صورة نادرة مع ظهور قصد الشارح عمومه بأن تمنع المرأة مطلقا من استقلالها بالنكاح الذي لا يليق بمحاسن العادات استقلالها به و من البعيد تأويلهم حديث لا صيام لمن لم يبيت أي للصيام من الليل رواه أبو داود وغيره بلفظ من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام على القضاء والنذر لصحة غيرهما بنذر من النهار عندهم ووجه بعده أنه قصر للعام النص في العموم على نادر لندرة القضاء والنذر بالنسبة إلى الصوم بالمكلف في أصل الشرع و من البعيد تأويل أبي حنيفة حديث ابن حبان وغيره ذكاة الجنين ذكاة أمه بالرفع والنصب على التشبيه أي مثل ذكاتها أو كذكاتها فيكون المراد الجنين الحي لحرمة الميت عندهم وأحله صاحباه كالشافعي ووجه بعده ما فيه من التقدير المستغنى عنه أما على رواية الرفع وهي المحفوظة كما قاله الخطابي وغيره من حملة الحديث فبأن يعرب ذكاة الجنين خبرا لما بعده أي ذكاة الجنين ذكاة يدل عليه رواية البيهقي ذكاة الجنين في ذكاة أمه وفي رواية بذكاة أمه وأما على رواية النصب إن ثبتت فبأن يجعل على الظرفية كما في جئتك طلوع الشمس أي وقت طلوعها والمعنى ذكاة الجنين حاصلة وقت ذكاة أمه وهو موافق لمعنى
____________________
(2/90)
رواية الرفع الذي ذكرناه فيكون المراد الجنين الميت وأن ذكاة أمه التي أحلتها أحلتها تبعا لها يؤيد ذلك ما في بعض طرق الحديث من قول السائلين يا رسول الله إنا ننحر الإبل ونذبح البقر والشاة فنجد في بطنها الجنين أفنلقيه أو نأكله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه فظاهر أن سؤالهم عن الميت لأنه محل الشك بخلاف الحي الممكن الذبح فمن المعلوم أنه لا يحل إلا بالتذكية فيكون الجواب عن الميت ليطابق السؤال و من البعد تأويلهم كمالك قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين إلخ على بيان المصرف أي محل الصرف بدليل ما قبله ومنهم من يلمزك في الصدقات إلخ ذمهم الله تعالى على تعرضهم لها لخلوهم عن أهليتها ثم بين أهلها بقوله إنما الصدقات للفقراء إلخ أي هي لهذه الأصناف دون غيرهم وليس المراد دون بعضهم أيضا فيكفي الصرف لأي صنف منهم ووجه بعده لما فيه من صرف اللفظ عن ظاهره من استيعاب الأصناف لغير مناف له إذ بيان المصرف لا ينافيه فليكونا مرادين فلا يكفي الصرف لبعض الأصناف إلا إذا فقد الباقي للضرورة حينئذ و من البعيد تأويل بعض أصحابنا حديث السنن الأربعة من ملك ذا رحم محرم فهو حر وفي رواية النسائي وابن ماجه عتق عليه على الأصول والفروع لما تقرر عندنا من أنه إنما يعتق بمجرد الملك ما ذكر ووجه بعد ما فيه من صرف العام عن العموم
____________________
(2/91)
لغير صارف وتوجيه ما تقرر أن نفي العتق عن غير الأصول والفروع للأصل المعقول وهو أنه لا عتق بدون إعتاق خولف هذا الأصل في الأصول لحديث مسلم لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه أي بالشراء من غير حاجة إلى صيغة الإعتاق وفي الفروع لقوله تعالى وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون دل على نفي اجتماع الولدية والعبدية والحديث قال النسائي منكر والترمذي لا يتابع ضمرة عليه وهو خطاء عند أهل الحديث نعم رواه الأربعة من غير طريق ضمرة أيضا وصححه الحاكم وقال الترمذي العمل عليه عند أهل العلم فنحتاج نحن حينئذ إلى بيان مخصص له بخلاف الحنفية وقد يقال يخصصه القياس على النفقة فإنها تجب عندنا لغير الأصول والفروع والسارق يسرق البيضة أي ومن البعيد تأويل يحيى بن أكثم وغيره حديث الصحيحين لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده على بيضة الحديد أي التي فوق رأس المقاتل وعلى حبل السفينة ليوافق أحاديث اعتبار النصاب في القطع ووجه بعده ما فيه من صرف اللفظ عما يتبادر منه من بيضة الدجاجة والحبل المعهود غالبا المؤيد إرادته بالتوبيخ باللعن لجريان عرف الناس بتوبيخ سارق القليل دون الكثير وترتيب القطع على سرقة ذلك لجرها إلى سرقة غيرها مما يقطع فيه وهذا تأويل قريب وبلال يشفع الأذان أي ومن البعيد تأويل بعض السلف حديث أنس في الصحيحين أمر بلال أي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في النسائي أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة على أن يجعله شفعا
____________________
(2/92)
لأذان ابن أم مكتوم بأن يؤذن قبله للصبح من الليل كما هو الواقع ولا يزيد على إقامته حمله على ذلك ما قاله من إفراد كلمات الأذان ووجه بعده ما فيه من صرف اللفظ عما يتبادر منه من تثنية كلمات الأذان وإفراد كلمات الإقامة أي المعظم فيهما المؤيد إرادته بما في رواية لأنس في الصحيحين أيضا من زيادة إلا الإقامة أي كلماتها فإنها تثنى
المجمل ما لم تتضح دلالته من قول أو فعل وخرج المهمل إذ لا دلالة له والمبين لاتضاح دلالته فلا إجمال في آية السرقة وهي السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما لا في اليد ولا في القطع وخالف بعض الحنفية قال لأن اليد تطلق على العضد إلى الكوع وإلى المرفق وإلى المنكب والقطع يطلق على الإبانة وعلى الجرح يقال لمن جرح يده بالسكين فقطعها ولا ظهور لواحد من ذلك وإبانة الشارع من الكوع مبين لذلك قلنا لا نسلم عدم الظهور لواحد من ذلك فإن اليد ظاهر في العضو إلى المنكب والقطع ظاهر في الإبانة وإبانة الشارع من الكوع مبين أن المراد من الكل ذلك البعض ونحو حرمت عليكم أمهاتكم ك حرمت عليكم الميتة أي لا إجمال فيه وخالف الكرخي وبعض أصحابنا قالوا إسناد التحريم إلى العين لا يصح أنه إنما يتعلق بالفعل فلا بد من تقديره وهو محتمل لأمور لا حاجة إلى جميعها ولا مرجح لبعضها فكان مجملا قلنا المرجح موجود وهو العرف فإنه قاض بأن المراد في الأول تحريم الاستمتاع بوطء ونحوه وفي الثاني تحريم الأكل ونحوه وامسحوا برءوسكم
____________________
(2/93)
لا إجمال فيه وخالف بعض الحنفية قال التردد بين مسح الكل والبعض ومسح الشارع الناصية مبين لذلك قلنا لا نسلم تردده بين ذلك وإنما هو لمطلق المسح الصادق بأقل ما يطلق عليه الاسم وبغيره ومسح الشارع الناصية من ذلك لا نكاح إلا بولي صححه الترمذي وغيره لا إجمال فيه وخالف القاضي أبو بكر الباقلاني فقال لا يصح النفي لنكاح بدون ولي مع وجوده حسا فلا بد من تقدير شيء وهو متردد بين الصحة والكمال ولا مرجح لواحد منهما فكان مجملا قلنا على تقدير تسليم ما ذكر المرجح لنفي الصحة موجود وهو قربه من نفي الذات فإن ما انتفت صحته لا يعتد به فيكون كالمعدوم بخلاف ما انتفى كماله فقد يعتد به رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه لا إجمال فيه وخالف البصريان أبو الحسين وأبو عبد الله وبعض الحنفية قالوا لا يصح رفع المذكورات مع وجودها حسا فلا بد من تقدير شيء وهو متردد بين أمور
____________________
(2/94)
لا حاجة إلى جميعها ولا مرجح لبعضها فكان مجملا قلنا المرجح موجود وهو العرف فإنه يقضي بأن المراد منه رفع المؤاخذ والحديث بهذا اللفظ رواه الحافظ أبو القاسم التيمي المعروف بأخي عاصم في سنده والبيهقي في الخلافيات ورواه ابن ماجه وغيره بلفظ إن الله وضع إلى آخر ما تقدم لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب لا إجمال فيه وخالف القاضي أبو بكر الباقلاني والكلام فيه كما تقدم في لا نكاح إلا بولي والحديث في الصحيحين بلفظ لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب لوضوح دلالة الكل كما تقدم بيانه وخالف قوم في الجميع كما تقدم بيانه وإنما الإجمال في مثل القرء متردد بين الطهر والحيض لاشتراكه بينهما والنور صالح للعقل ونور الشمس لتشابههما بوجه والجسم صالح للسماء والأرض لتماثلهما ومثل المختار لتردده بين الفاعل والمفعول بإعلاله بقلب يائه المكسورة أو المفتوحة ألفا وقوله تعالى أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح لتردده بين الزوج
____________________
(2/95)
والولي قد حمله الشافعي على الزوج ومالك على الولي لما قام عندهما إلا ما يتلى عليكم للجهل بمعناه قبل نزول مبينه أي حرمت عليكم الميتة إلخ ويسري الإجمال إلى المستثنى منه أي أحلت لكم بهيمة الأنعام وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به لتردد لفظ الراسخون بين العطف والابتداء وحمله الجمهور على الابتداء لما قام عندهم وعليه ما قدمه المصنف في مسألة حدوث الموضعات اللغوية من أن المتشابه ما استأثر الله بعلمه وقوله عليه الصلاة و السلام فيما رواه الشيخان وغيرهما لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبة في جداره لتردد ضمير جداره بين عوده إلى الجار وإلى الأحد وتردد الشافعي في المنع لذلك والجديد المنع لحديث خطبة حجة الوداع لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس رواه الحاكم بإسناد على شرط الشيخين في معظمه وكل منهما منفرد في بعضه وخشبة في الأول روي بالإفراد منونا والأكثر بالجمع مضافا وقولك زيد طبيب ماهر لتردد ماهر بين رجوعه إلى طبيب وإلى زيد ويختلف المعنى باعتبارهما الثلاثة زوج وفرد لتردد الثلاثة فيه بين
____________________
(2/96)
جميع أجزائها وجميع صفاتها وإن تعين الأول نظرا إلى صدق المتكلم به إذ حمله على الثاني يوجب كذبه والأصح وقوعه أي المجمل في الكتاب والسنة للأمثلة السابقة منهما ونفاه داود ويمكن أن ينفصل عنها بأن الأول ظاهر في الزوج لأنه المالك للنكاح والثاني مقترن بمفسره
والثالث هو ظاهر في الابتداء والرابع ظاهر في عوده إلى الأحد لأنه محط الكلام و الأصح أن المسمى الشرعي اللفظ أوضح من المسمى اللغوي له في عرف الشرع لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لبيان الشرعيات فيحمل على الشرع وقيل لا في النهي فقال الغزالي هو مجمل والآمدي يحمل على اللغوي وقد تقدم ذلك في مسألة اللفظ إما حقيقة أو مجاز وذكر هنا توطئة لقوله فإن تعذر المسمى الشرعي للفظ حقيقة فيرد إليه بتجوز محافظة على الشرعي
____________________
(2/97)
ما أمكن أو هو مجمل لتردده بين المجاز الشرعي والمسمى اللغوي أو يحمل على اللغوي تقديما للحقيقة على المجاز أقوال اختار منها المصنف في شرح المختصر كغيره الأول مثاله حديث الترمذي وغيره الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أحل فيه الكلام تعذر فيه مسمى الصلاة شرعا فيرد إليه بتجوز بأن يقال كالصلاة في اعتبار الطهارة والنية ونحوهما أو يحمل على المسمى اللغوي وهو الدعاء بخير لاشتمال الطواف عليه فلا تعتبر فيهما ذكرا وهو مجمل لتردده بين الأمرين والمختار أن اللفظ المستعمل لمعنى تارة ولمعنيين ليس ذلك المعنى أحدهما تارة أخرى على السواء وقد أطلق مجمل لتردده بين المعنى والمعنيين وقيل يترجح المعنيان لأنه أكثر فائدة فإن كان ذلك المعنى أحدهما فيعمل به جزما لوجوده في الاستعمالين ويوقف الآخر للتردد فيه وقال يعمل به أيضا لأنه أكثر فائدة والتقييد بقوله ليس إلخ مما ظهر له كما قال والظاهر أنه مرادهم أيضا
____________________
(2/98)
مثال الأول حديث مسلم لا ينكح المحرم ولا ينكح بناء على أن النكاح مشترك بين العقد والوطء فإنه إن حمل على الوطء استفيد منه معنى واحد وهو أن المحرم لا يطأ ولا يوطأ أي لا يمكن غيره من وطئه وإن حمل على العقد استفيد منه معنيان بينهما قدر مشترك وهو أن المحرم لا يعقد لنفسه ولا يعقد لغيره ومثال الثاني حديث مسلم الثيب أحق بنفسها من وليها أي بأن تعقد لنفسها أو تأذن لوليها فيعقد لها ولا يجبرها وقد قال بعقدها لنفسها أبو حنيفة وكذلك بعض أصحابنا لكن إذا كانت في مكان لا ولي فيه ولا حاكم ونقله يونس بن عبد الأعلى عن الشافعي رضي الله عنه
____________________
(2/99)
البيان بمعنى التبيين إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي أي الاتضاح فالإتيان بالظاهر من غير سبق إشكال لا يسمى بيانا وإنما يجب البيان لمن أريد فهمه المشكل اتفاقا لحاجته إليه بأن يعمل به أو يفتي به خلاف غيره والأصح أنه أي البيان قد يكون الفعل كالقول وقيل لا لطول زمن الفعل فيتأخر البيان به مع إمكان تعجيله بالقول وذلك ممتنع قلنا لا نسلم امتناعه و الأصح
____________________
(2/100)
أن المظنون يبين المعلوم وقيل لا لأنه دونه فكيف يجعل في محله حتى كأنه المذكور بدله قلنا لوضوحه و الأصح أن المتقدم وإن جهلنا عينه من القول والفعل المتفقين في البيان وهو البيان أي المبين والآخر تأكيد له وإن كان دونه في القوة وقيل إن كان كذلك فهو البيان لأن الشيء لا يؤكد بما هو دونه قلنا هذا في التأكيد بغير المستقبل أما بالمستقبل فلا ألا ترى أن الجملة تؤكد بجملة دونها وإن لم يتفق البيانان القول والفعل كأن زاد الفعل على مقتضى القول كما لو طاف صلى الله عليه وسلم بعد نزول آية الحج المشتملة على الطواف طوافين وأمر بواحد فالقول أي فالبيان القول وفعله صلى الله عليه وسلم الزائد على مقتضى قوله ندب أو واجب في حقه دون أمته متقدما كان القول على الفعل أو متأخرا جمعا بين الدليلين وقال أبو الحسين البصري البيان هو المتقدم منهما كما في قسم اتفاقهما أي فإن كان المتقدم القول فحكم الفعل كما سبق أو الفعل فالقول ناسخ للزائد منه قلنا عدم النسخ بما قلناه أولى ولو نقص الفعل عن مقتضى القول كأن طاف واحد وأمر باثنين فقياس ما تقدم لنا أن البيان القول ونقص الفعل عنه
____________________
(2/101)
تخفيف في حقه صلى الله عليه وسلم تأخر الفعل أو تقدم وقياس ما تقدم لأبي الحسين أن البيان المتقدم فإن كان القول فحكم الفعل كما سبق أو الفعل فما زاده القول عليه مطلوب بالقول
مسألة تأخير البيان لمجمل أو ظاهر لم يرد ظاهره بقرينة ما سيأتي عن وقت الفعل غير واقع وإن جاز وقوعه عند أئمتنا المجوزين تكليف ما لا يطاق وقوله الفعل أحسن كما قال من قول غيره الحاجة لأنها كما قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني لائقة بالمعتزلة القائلين بأن بالمؤمنين حاجة إلى التكليف ليستحقوا الثواب بالامتثال
____________________
(2/102)
و تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقته أي الفعل جائز واقع عند الجمهور سواء كان للمبين ظاهر وهو غير المجمل كعام يبين تخصيصه ومطلق يبين تقييده ودال على حكم يبين نسخه أم لا وهو المجمل كمشترك يبين أحد معنييه مثلا ومتواطئ يبين أحد ما صدقاته مثلا وقيل يمتنع تأخيره مطلقا لإخلاله بفهم المراد عند الخطاب وثالثها أي الأقوال يمتنع التأخير في غير المجمل وهو ما له ظاهر لإيقاعه المخاطب في فهم غير المراد بخلافه في المجمل ورابعها يمتنع تأخير البيان الإجمالي فيما له ظاهر مثل هذا العام مخصوص وهذا المطلق مقيد وهذا الحكم منسوخ يدل الوجود المحذور قبله في تأخير الإجمالي دون التفصيلي لمقارنة الإجمالي
____________________
(2/103)
بخلاف المشترك والمتواطئ مما ليس له ظاهر فيجوز تأخير بيانهما الإجمالي كالتفصيلي كأن يقول المراد أحد المعنيين مثلا في المشترك وأحد الماصادقات مثلا في المتواطئ لانتفاء المحذور السابق وخامسها يمتنع التأخير في غير النسخ لإخلاله بفهم المراد من اللفظ بخلاف النسخ لأنه رفع للحكم أو بيان لانتهاء أمده كما سيأتي وقيل يجوز تأخير البيان في النسخ اتفاقا لانتفاء الإخلال بالفهم عنه لما ذكر وسادسها لا يجوز تأخير بعض من البيان دون بعض لأن تأخير البعض يوقع المخاطب في فهم أن المقدم جميع البيان وهو غير المراد وهذا مفرع على الجواز في الكل أي قيل عليه لا يجوز في البعض لما ذكر والأصح الجواز والوقوع ومما يدل في المسألة على الوقوع قوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه إلخ فإنه عام فيما يغنم مخصوص بحديث الصحيحين من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه وهو متأخر عن نزول الآية لنقل أهل الحديث كما قال المصنف أنه كان في غزوة حنين وأن الآية قبله في غزوة بدر وقوله تعالى إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فإنها مطلقة ثم بين تقييدها بما في أجوبة أسئلتهم وفيه تأخير بعض البيان عن بعض أيضا وقوله تعالى حكاية عن الخليل عليه الصلاة والسلام يا بني
____________________
(2/104)
إني أرى في المنام أني أذبحك إلخ فإنه يدل على الأمر بذبح ابنه ثم بين نسخه بقوله تعالى وفديناه بذبح عظيم وعلى المنع من التأخير المختار أنه يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم تأخير التبليغ لما أوحي إليه من قرآن أو غيره إلى وقت الحاجة إليه لانتفاء المحذور السابق عنه وقيل لا يجوز لقوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك أي على الفور لأن وجوب التبليغ معلوم بالعقل ضرورة فلا فائدة للأمر به إلا الفور قلنا فائدته تأييد للعقل بالنقل وكلام الإمام الرازي والآمدي يقتضي المنع في القرآن قطعا لأنه متعبد بتلاوته ولم يؤخر صلى الله عليه وسلم تبليغه بخلاف غيره لما علم من أنه كان يسأل عن الحكم فيجيب تارة مما عنده ويقف أخرى إلى أن ينزل الوحي و المختار على المنع أيضا أنه يجوز أن لا يعلم المكلف الموجود عند وجود المخصص بالمخصص ولا بأنه مخصص أي يجوز أن لا يعلم بذات المخصص ولا بوصف أنه مخصص مع مخصص مع علمه بذاته كأن يكون المخصص له العقل بأن يسبب الله له العلم بذلك
____________________
(2/105)
وقيل لا يجوز ذلك في المخصص السمعي لما فيه من تأخير إعلامه بالبيان قلنا المحذور تأخير البيان وهو منتف هنا وعدم علم المكلف بالمخصص بأن لم يبحث عنه تقصير أما العقلي فاتفقوا على جواز أن يسمع الله المكلف العام من غير أن يعلمه أن في العقل ما يخصصه وكولا إلى نظره وقد وقع أن بعض الصحابة لم يسمع المخصص السمعي إلا بعد حين منهم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم طلبت ميراثها مما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعموم قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم فاحتج عليها أبو بكر رضي الله عنه بما رواه لها من قوله صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركناه صدقة أخرجه الشيخان ومنهم عمر رضي الله عنه لم يسمع مخصص المجوس من قوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث ذكرهم فقال ما أدري كيف أصنع أي فيهم فروى له عبد الرحمن بن عوف قوله صلى الله عليه وسلم سنوا بهم سنة أهل الكتاب رواه الشافعي رضي الله عنه
وروى البخاري أن عمر لم يأخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر
النسخ اختلف في أنه رفع للحكم
____________________
(2/106)
أو بيان لانتهاء أمده والمختار الأول لشموله النسخ قبل التمكن وسيأتي جوازه على الصحيح والمراد من الأول أنه رفع الحكم الشرعي أي من حيث تعلقه
____________________
(2/107)
بالفعل بخطاب فخرج بالشرعي أي المأخوذ من الشرع رفع الإباحة الأصلية أي المأخوذ من العقل وبخطاب الرفع بالموت والجنون والغفلة وكذا بالعقل والإجماع وذكرهما لينبه على ما فيهما بقوله فلا نسخ بالعقل وقول الإمام الرازي من نسخ رجلاه نسخ غسلهما في طهارته مدخول أي فيه دخل أي عيب حيث جعل رفع وجوب الغسل بالعقل لسقوط محله نسخا فإنه مخالف للاصطلاح وكونه توسع فيه ولا نسخ بالإجماع لأنه إنما ينعقد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كما سيأتي إذ في حياته الحجة في قوله دونهم ولا نسخ بعد وفاته و
____________________
(2/108)
لكن مخالفتهم أي المجمعين للنص فيما دل عليه تتضمن ناسخا له وهو مستند إجماعهم
ويجوز على الصحيح نسخ بعض القرآن تلاوة وحكما أو أحدهما فقط وقيل لا يجوز نسخ بعضه ككله المجمع عليه وقيل لا يجوز في البعض نسخ التلاوة دون الحكم والعكس لأن الحكم مدلول اللفظ فإذا قدر انتفاء أحدهما لزم انتفاء الآخر قلنا إنما يلزم إذا روعي وصف الدلالة وما نحن فيه لم يراع فيه ذلك فإن بقاء الحكم دون اللفظ ليس يوصف كونه مدلولا له وإنما هو مدلول لما دل على بقائه وانتفاء الحكم دون اللفظ ليس بوصف كونه مدلولا فإن دلالته عليه وضعية لا تزول وإنما يرفع الناسخ العمل به
____________________
(2/109)
وقد وقع الأقسام الثلاثة روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات فهذا منسوخ التلاوة والحكم وروى الشافعي وغيره عن عمر رضي الله عنه لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة فإنا قد قرأناها فهذا منسوخ التلاوة دون الحكم لأمره صلى الله عليه وسلم برجم المحصنين رواه الشيخان وهما المراد بالشيخ والشيخة ومنسوخ الحكم دون التلاوة كثير منه قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا لتأخره في النزول عن الأول كما قال أهل التفسير وإن تقدمه في التلاوة
و يجوز على الصحيح نسخ الفعل قبل التمكن منه بأن لم يدخل وقته أو دخل ولم يمض منه ما يسعه وقيل لا يجوز لعدم استقرار التكليف
____________________
(2/110)
قلنا يكفي للنسخ وجود أصل التكليف فينقطع به وقد وقع النسخ قبل التمكن في قصة الذبيح فإن الخليل أمر بذبح ابنه عليهما الصلاة والسلام لقوله تعالى حكاية عنه يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك إلخ ثم نسخ ذبحه قبل التمكن منه لقوله تعالى وفديناه بذبح عظيم واحتمال أن يكون النسخ فيه بعد التمكن خلاف الظاهر من حال الأنبياء في امتثال الأمر من مبادرتهم إلى فعل المأمور به وإن كان موسعا
و يجوز على الصحيح النسخ بقرآن لقرآن وسنة وقيل لا يجوز نسخ السنة بالقرآن لقوله تعالى وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم جعله مبينا للقرآن فلا يكون القرآن مبينا للسنة قلنا لا مانع من ذلك لأنهما من عند الله تعالى قال الله تعالى وما ينطق عن الهوى ويدل على الجواز قوله تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء
____________________
(2/111)
وإن خص من عمومه ما نسخ بغير القرآن
و يجوز على الصحيح النسخ بالسنة متواترة أو آحادا للقرآن وقيل لا يجوز لقوله تعالى قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي والنسخ بالسنة تبديل منه قلنا ليس تبديلا من تلقاء نفسه وما ينطق عن الهوى ويدل على الجواز قوله تعالى لتبين للناس ما نزل إليهم وقيل يمتنع نسخ القرآن بالآحاد لأن القرآن مقطوع والآحاد مظنون قلنا محل النسخ الحكم ودلالة القرآن عليه ظنية والحق لم يقع نسخ القرآن إلا بالمتواترة وقيل وقع بالآحاد كحديث الترمذي وغيره لا وصية لوارث فإنه ناسخ لقوله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين قلنا لا نسلم عدم تواتر ذلك ونحوه للمجتهدين الحاكمين بالنسخ لقربهم من زمان النبي صلى الله عليه وسلم قال الشافعي رضي الله عنه وحيث وقع نسخ القرآن
____________________
(2/112)
بالسنة فمعها قرآن عاضد لها يبين توافق الكتاب والسنة أو نسخ السنة بالقرآن فمعه سنة عاضدة له تبين توافق الكتاب والسنة هذا فهمه المصنف من قول الشافعي رضي الله عنه في الرسالة لا ينسخ كتاب الله إلا كتابه ثم قال وهكذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسخها إلا سننه ولو أحدث الله في أمر غير ما سن فيه رسوله لسن رسوله ما أحدث الله حتى يبين للناس أن له سنة ناسخة لسنته أي موافقة للكتاب الناسخ لها إذ لا شك في موافقته له كما في نسخ التوجه في الصلاة إلى بيت المقدس الثابت بفعله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام وقد فعله صلى الله عليه وسلم وهذا القسم ظاهر في الفهم والوجود والأول محمول عليه في الفهم محتاج إلى بيان وجوده ويكون المراد من صدر كلام الشافعي أنه لم يقع نسخ
____________________
(2/113)
الكتاب إلا بالكتاب وإن كان ثم سنة ناسخة له ولا نسخ السنة إلا بالسنة وإن كان ثم كتاب ناسخ لها أي لم يقع النسخ لكل منهما بالآخر إلا ومعه مثل المنسوخ عاضد له ولم يبال المصنف في هذا الذي فهمه وحكاه عنه بكونه خلاف ما حكاه غيره من الأصحاب عنه من أنه لا تنسخ السنة بالكتاب في أحد القولين ولا الكتاب بالسنة قيل جزما وقيل في أحد القولين ثم اختلفوا هل ذلك بالسمع فلم يقع أو بالعقل فلم يجز وقال بكل منهما بعض وبعض استعظم ذلك منه لوقوع نسخ كل منهما بالآخر كما تقدم وما فهمه المصنف عنه دافع لمحل الاستعظام وسكت عن نسخ السنة بالسنة للعلم به من نسخ القرآن بالقرآن فيجوز نسخ المتواترة بمثلها والآحاد بمثلها وبالمتواترة وكذا المتواترة بالآحاد على الصحيح كما تقدم في نسخ القرآن بالآحاد ومن نسخ السنة بالسنة نسخ حديث مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قيل له الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن ماذا يجب عليه فقال إنما الماء من الماء بحديث الصحيحين إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل زاد مسلم في رواية وإن لم ينزل لتأخر هذا عن الأول لما روى أبو داود وغيره عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن الفتيا التي كانوا يقولون الماء من الماء رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام ثم أمر بالغسل بعدها ومن نسخ القرآن بالقرآن ما تقدم من نسخ قوله تعالى متاعا إلى الحول بقوله تعالى أربعة أشهر وعشرا
و يجوز على الصحيح
____________________
(2/114)
النسخ للنص بالقياس لاستناده إلى النص فكأنه الناسخ وقيل لا يجوز حذرا من تقديم القياس على النص الذي هو أصل له في الجملة وثالثها يجوز إن كان القياس جليا بخلاف الخفي لضعفه والرابع يجوز إن كان القياس في زمنه عليه الصلاة والسلام والعلة منصوصة بخلاف ما علته مستنبطة لضعفه وما وجد بعذر من النبي صلى الله عليه وسلم لانتفاء النسخ حينئذ قلنا تبين به أن مخالفه كان منسوخا
و يجوز على الصحيح نسخ القياس الموجود في زمنه عليه الصلاة والسلام بنص أو قياس وقيل لا يجوز نسخه لأنه مستند إلى نص فيدوم بدوامه قلنا لا نسلم لزوم دوامه كما لا يلزم دوام حكم النص بأن ينسخ وشرط ناسخه إن كان قياسا أن يكون أجلى منه وفاقا للإمام الرازي وخلافا للآمدي في اكتفائه بالمساوي فلا يكفي الأدون جزما لانتفاء المقاومة ولا المساوي لانتفاء المرجح ويجوز أن يقول الآمدي تأخر نصه مرجح إذ لا بد من تأخر نص القياس الناسخ عن نص القياس المنسوخ به وعن النص المنسوخ به كما لا يخفى
و يجوز نسخ الفحوى أي مفهوم
____________________
(2/115)
الموافقة بقسميه الأولي والمساوي دون أصله أي المنطوق كعكسه أي نسخ أصل الفحوى دونه على الصحيح فيهما لأن الفحوى وأصله مدلولان متغايران فجاز نسخ كل منهما وحده كنسخ تحريم ضرب الوالدين دون تحريم التأفيف والعكس وقيل لا فيهما لأن الفحوى لازم لأصله فلا ينسخ واحد منهما بدون الآخر لمنافاة ذلك اللزوم بينهما وقيل واختاره ابن الحاجب يمتنع الأول لامتناع بقاء الملزوم مع نفي اللازم بخلاف الثاني لجواز بقاء اللازم مع نفي الملزوم ولقوة جواز الثاني أتى فيه المصنف بكاف التشبيه دون واو العطف لكن يؤخذ مما سيأتي حكاية قول بعكس الثالث أما نسخ الفحوى مع أصله فيجوز اتفاقا
و يجوز النسخ به أي بالفحوى قال الإمام الرازي والآمدي اتفاقا وحكى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي كما قال المصنف المنع به بناء على أنه قياس وأن القياس لا يكون ناسخا والأكثر أن نسخ أحدهما أي الفحوى وأصله أيا كان يستلزم الآخر أي نسخه لأن الفحوى لازم لأصله وتابع له ورفع اللازم يستلزم رفع الملزوم ورفع المتبوع يستلزم رفع التابع وقيل لا يستلزم واحد منهما الآخر لأن رفع التابع لا يلزم رفع المتبوع ورفع الملزوم لا يستلزم رفع اللازم وقيل نسخ الفحوى لا يستلزم نظرا إلى أنه تابع بخلاف
____________________
(2/116)
نسخ الأصل وقيل نسخ الأصل لا يستلزم نظرا إلى أنه كملزوم بخلاف نسخ الفحوى واعلم أن استلزام نسخ كل منهما للآخر ينافي ما صححه من جواز نسخ كل منهما دون الآخر فإن الامتناع مبني على الاستلزام والجواز مبني على عدمه وقد اقتصر ابن الحاجب على الجواز مع مقابله والبيضاوي على الاستلزام وجمع المصنف بينهما كأنه مأخوذ من قول الآمدي اختلفوا في جواز نسخ الأصل دون الفحوى والفحوى دون الأصل غير أن الأكثر على أن نسخ الأصل يفيد نسخ الفحوى إلخ المشتمل على العكس أيضا فكأنه سرى إلى ذهن المصنف من غير تأمل أن الخلاف الثاني مفرع على الجواز من الأول وليس كذلك بل هو بيان المأخذ الأول المفيد أن الأكثر على الامتناع فليتأمل
و يجوز نسخ المخالفة وإن تجردت عن أصلها أي يجوز نسخها مع أصلها وبدونه لا نسخ الأصل دونها أي فلا يجوز في الأظهر كما قاله الصفي الهندي من احتمالين له لأنها تابعة له فترتفع بارتفاعه ولا يرتفع هو بارتفاعها وقيل يجوز تبعيتها له من حيث دلالة اللفظ عليها معه لا من حيث ذاته مثال نسخها دون ما تقدم من نسخ حديث إنما الماء من الماء فإن المنسوخ وهو مفهومه وهو أن لا غسل عند عدم الإنزال ومثال نسخهما معا
____________________
(2/117)
أن ينسخ وجوب الزكاة في السائمة ونفيه في المعلوفة الدال عليهما الحديث السابق في المفهوم ويرجع الأمر في المعلوفة إلى ما كان قبل مما دل عليه الدليل العام بعد الشرع من تحريم للفعل إن كان مضرة أو إباحة له إن كان منفعة كما يرجع في السائمة إلى ما تقدم في مسألة إذا نسخ الوجوب بنفي الجواز إلخ
ولا يجوز النسخ بها أي بالمخالفة كما قاله ابن السمعاني لضعفها من مقاومة النص وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الصحيح الجواز لأنها في معنى النطق
و يجوز نسخ الإنشاء ولو كان بلفظ القضاء وخالف بعضهم فيه لقوله إن القضاء إنما يستعمل فيما لا يتغير نحو وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه أي أمر أو بلفظ الخبر نحو والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء أي ليتربصن بأنفسهن وخالف الدقاق في ذلك نظرا إلى اللفظ أو قيد بالتأبيد وغيره مثل صوموا أبدا صوموا حتما وقيل لا لمنافاة النسخ للتأبيد والتحتيم قلنا لا نسلم ذلك ويتبين بورود الناسخ أن المراد افعلوا إلى وجوده كما يقال لازم غريمك أبدا أي إلى أن يعطي الحق وأشار المصنف بلو إلى الخلاف الذي ذكرناه وكذا الصوم واجب مستمر أبدا إذا قاله إنشاء فإنه يجوز نسخه خلافا لابن الحاجب في منعه نسخه دون ما قبله من صوموا أبدا
____________________
(2/118)
والفرق بأن التأبيد فيما قبله للفعل وفيه للوجوب والاستمرار لا أثر له ولم يصرح غيره بما قاله وكأنه فهم من كلامهم أنه ليس من محل الخلاف وتقييد المصنف له بالإنشاء هو مراده وإن لم يصرح به لذكره منع نسخ الخبر بعد ذلك
و ويجوز نسخ إيجاب الإخبار بشيء بإيجاب الإخبار بنقيضه كأن يوجب الإخبار بقيام زيد ثم بعد قيامه قبل الإخبار بقيامه لجواز أن يتغير حاله من القيام إلى عدمه فإن كان المخبر به مما لا يتغير كحدوث العالم فمنعت المعتزلة ما ذكر فيه لأنه تكليف بالكذب فينزه الباري عنه قلنا قد يدعو إلى الكذب غرض صحيح فلا يكون التكليف فيه نقصا وقد ذكر الفقهاء أماكن يجب فيها الكذب منها إذا طالبه ظالم الوديعة أو بمظلوم
____________________
(2/119)
خبأه وجب عليه إنكاره ذلك وجاز له الحلف عليه وإذا أكره على الكذب وجب لا نسخ الخبر أي مدلوله فلا يجوز وإن كان مما يتغير لأنه يوهم الكذب أي يوقعه في الوهم أي الذهن حيث يخبر بالشيء ثم بنقيضه وذلك محال على الله تعالى وقيل في المتغير يجوز إن كان عن مستقبل لجواز المحو لله فيما يقدره قال تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت والأخبار يتبعه بخلاف الخبر عن ماض وعلى هذا القول البيضاوي وقيل يجوز عن الماضي أيضا لجواز أن يقول الله لبث نوح في قومه ألف سنة ثم يقول لبث ألف سنة إلا خمسين عاما وعلى هذا القول الإمام الرازي والآمدي وكأنه سقط من مبيضة المصنف لفظة وقيل بعد يجوز المفيد ما قبلها حينئذ لحكايته
ويجوز النسخ ببدل أثقل وقال بعض المعتزلة
____________________
(2/120)
لا إذ لا مصلحة في الانتقال من سهل إلى عسر قلنا لا نسلم ذلك بعد تسليم رعاية المصلحة وقد وقع كنسخ التخيير بين صوم رمضان والفدية بتعيين الصوم كما قال الله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية إلخ
و يجوز النسخ بلا بدل وقال بعض المعتزلة لا إذ لا مصلحة في ذلك قلنا لا نسلم ذلك لكن لم يقع وفاقا للشافعي رضي الله عنه وقيل وقع كنسخ وجوب تقديم الصدقة على مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم إذا ناجيتم الرسول إلخ إذ لا بدل لوجوبه فرجع الأمر إلى ما كان قبله مما دل عليه الدليل العام من تحريم للفعل إن كان مضرة أو إباحة له إن كان منفعة قلنا لا نسلم أنه لا بدل للوجوب بل بدله الجواز الصادق هنا بالإباحة والاستحباب
مسألة النسخ واقع عند كل المسلمين وخالفت اليهود غير العيسوية بعضهم في الجواز وبعضهم في الوقوع واعترف بهما العيسوية وهم أصحاب أبي عيسى الأصفهاني المعترفون ببعثة نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام
____________________
(2/121)
لكن إلى بني إسماعيل خاصة وهم العرب وسماه أبو مسلم الأصفهاني من المعتزلة تخصيصا لأنه قصر للحكم على بعض الأزمان فهو تخصيص في الأزمان كالتخصيص في الأشخاص فقيل خالف في وجوده حيث لم يذكره باسمه المشهور فالخلف الذي حكاه الآمدي وغيره عنه من نفيه وقوعه لفظي لما تقدم من تسميته تخصيصا الذي فهمه المصنف عنه المتضمن لاعترافه به إذ لا يليق به إنكاره كيف وشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم مخالفة في كثير لشريعة من قبله فهي عنده مغياة
____________________
(2/122)
إلى مجيء شريعته صلى الله عليه وسلم وكذا كل منسوخ فيها مغيا عنده في علم الله تعالى إلى ورود ناسخه كالمغيا في اللفظ فنشأ من هنا تسمية النسخ تخصيصا وصح أنه لم يخالف في وجوده أحد من المسلمين
والمختار أن نسخ حكم الأصل لا يبقى معه حكم الفرع لانتفاء العلة التي ثبت بها بانتفاء حكم الأصل وقالت الحنفية يبقى لأن القياس مظهر له لا مثبت وسلم في قوله لا يبقى من التسمح في قول بعضهم نسخ لحكم الفرع
و المختار أن كل حكم شرعي يقبل النسخ فيجوز نسخ كل الأحكام وبعضها أي بعض كان ومنع الغزالي كالمعتزلة نسخ جميع التكاليف لتوقف العلم بذلك المقصود منه بتقدير وقوعه على معرفة النسخ والناسخ وهي من التكليف ولا يتأتى نسخها قلنا مسلم ذلك لكن بحصولها ينتهي التكليف بها فيصدق أنه لم يبق تكليف وهو القصد بنسخ جميع التكاليف فلا نزاع في المعنى و منعت المعتزلة نسخ وجوب المعرفة أي معرفة الله لأنها عندهم حسنة لذاتها لا تتغير بتغير الزمان فلا يقبل حكمهما النسخ قلنا الحسن الذاتي باطل والإجماع على عدم الوقوع
____________________
(2/123)
لما ذكر من نسخ جميع التكاليف ووجوب المعرفة والمختار أن الناسخ قبل تبليغه صلى الله عليه وسلم الأمة لا يثبت في حقهم لعدم علمهم به وقيل يثبت بمعنى الاستقرار في الذمة لا بمعنى الامتثال كالنائم وقت الصلاة وبعد التبليغ يثبت في حق من بلغه ومن لم يبلغه ممن تمكن من علمه فإن لم يتمكن فعلى الخلاف أما الزيادة على النص كزيادة ركعة أو ركوع أو صفة في رقبة الكفارة كالإيمان أو جلدات في جلد حد فليست بنسخ
____________________
(2/124)
للمزيد عليه خلافا للحنفية في قولهم إنها نسخ ومثاره أي المحل الذي ثار منه الخلاف ما يقال هل رفعت الزيادة حكما شرعيا فعندنا لا فليست بنسخ وعندهم نعم نظرا إلى أن الأمر بما دونها اقتضى تركها فهي رافعة لذلك المقتضى قلنا لا نسلم اقتضاء تركها والمقتضي للترك غيره وبنوا
____________________
(2/125)
على ذلك أنه لا يعمل بأخبار الآحاد في زيادتها على القرآن كزيادة التغريب على الجلد الثابتة بحديث الصحيحين البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام وزيادة اعتبار الشاهد واليمين على الرجلين والرجل والمرأتين الثابتة بحديث مسلم وأبي داود وغيره صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين بناء على أن المتواتر لا ينسخ بالآحاد وإلى المأخذ المذكور عود الأقوال المفصلة والفروع المبينة أي التي بينها العلماء حاكمين أن الزيادة فيها نسخ أو لا منها ما تقدم من زيادة التغريب والشاهد واليمين من الأقوال المفصلة أن الزيادة إن غيرت المزيد عليه بحيث لو اقتصر عليه وجب استئنافه كزيادة ركعة في المغرب فهي نسخ وإلا كزيادة التغريب في حد الزنا فلا ومنها أن الزيادة إن اتصلت بالمزيد عليه اتصال اتحاد كزيادة ركعتين في الصبح فهي نسخ وإلا كزيادة عشرين جلدة في حد القذف فلا وكذا الخلاف في نقص جزء العبادة أو شرطها كنقص ركعة أو نقص الوضوء هل هو نسخ لها فقيل نعم إلى ذلك الناقص لجوازه أو وجوبه بعد تحريمه وقال الجمهور من الشافعية لا والنسخ للجزاء والشرط فقط لأنه الذي يترك وقيل نقص الجزاء نسخ بخلاف نقص الشرط ولا فرق بين متصله ومنفصله كالاستقبال والوضوء وقيل نقص المنفصل ليس بنسخ اتفاقا
خاتمة للنسخ يتعين الناسخ للشيء بتأخره عنه وطريق العلم بتأخره الإجماع بأن يجمعوا على أنه متأخر لما قام عندهم على تأخره أو قوله صلى الله عليه وسلم هذا ناسخ لذلك أو هذا بعد ذلك أو كنت نهيت عن كذا فافعلوه كحديث مسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها أو النص
____________________
(2/126)
على خلاف الأول أي أن يذكر الشيء على خلاف ما ذكره فيه أولا أو قول الراوي هذا سابق على ذلك فيكون ذلك متأخرا ولا نظر لموافقة أحد النصين للأصل أي البراءة الأصلية في أن يكون متأخرا عن المخالف لها خلافا لمن زعم ذلك نظرا إلى أن الأصل مخالفة الشرع لها فيكون المخالف هو السابق على الموافق قلنا لا يلزم ذلك لجواز العكس وثبوت إحدى الآيتين في المصحف بعد الأخرى أي لا أثر له في تأخر نزولها خلافا لمن زعمه نظرا إلى أن الأصل موافقة الوضع للنزول قلنا لكنه غير لازم لجواز المخالفة كما تقدم في آيتي عدة الوفاة وتأخر إسلام الراوي أي لا أثر له في تأخر مرويه عما رواه متقدم الإسلام عليه خلافا لمن زعم ذلك نظرا إلى أنه هو الظاهر قلنا لكنه على تقدير تسليمه غير لازم لجواز العكس وقوله أي الراوي هذا ناسخ أي لا أثر لقوله في ثبوت النسخ به خلافا لمن زعمه نظرا إلى أنه لعدالته لا يقول ذلك إلا إذا ثبت عنده قلنا ثبوته عنده
____________________
(2/127)
يجوز أن يكون باجتهاد لا يوافق عليه لا الناسخ أي لا قول الراوي هذا الناسخ لما علم أنه منسوخ ولم يعلم ناسخه فإن له أثرا في تعيين الناسخ خلافا لزاعميها أي زاعمي الآثار لما عدا الأخير وقد تقدم بيان ذلك
الكتاب الثاني في السنة وهي أقوال محمد صلى الله عليه وسلم وأفعاله ومنها تقريره لأنه كف عن الإنكار والكف فعل كما تقدم
وقد تقدم مباحث الأقوال التي تشرك السنة فيها الكتاب من الأمر والنهي وغيرهما والكلام هنا في غير ذلك ولتوقف حجية السنة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بها ذاكرا جميع الأنبياء لزيادة الفائدة فقال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون
____________________
(2/128)
لا يصدر عنهم ذنب ولو سهوا أي لا يصدر عنهم ذنب أصلا لا كبيرة ولا صغيرة لا عمدا ولا سهوا وفاقا للأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني و أبي الفتح الشهرستاني و القاضي عياض والشيخ الإمام والد المصنف لكرامتهم على الله تعالى عن أن يصدر عنهم ذنب والأكثر على جواز صدور الصغيرة عنهم سهوا لا الدالة على الخسة كسرقة لقمة والتطفيف بتمرة وينبهون عليها وتفرع على عصمة نبينا صلى الله عليه وسلم منهم ما ذكره بقوله فإذن لا يقر محمد صلى الله عليه وسلم أحدا على باطل وسكوته ولو غير مستبشر على الفعل بأن علم به مطلقا
وقيل إلا فعل من يغريه الإنكار بناء على سقوط الإنكار عليه وقيل إلا الكافر بناء على أنه غير مكلف بالفروع ولو كان منافقا لأنه كافر في الباطن وقيل إلا الكافر غير المنافق لأن المنافق تجري عليه أحكام المسلمين في الظاهر دليل الجواز للفاعل أي رفع الحرج عنه لأن سكوته صلى الله عليه وسلم على الفعل تقرير له وكذا الغير أي غير الفاعل خلافا للقاضي أبي بكر الباقلاني قال لأن السكوت ليس بخطاب حتى يعم
وأجيب بأنه كالخطاب فيعم وفعله صلى الله عليه وسلم غير مجرم للعصمة وغير مكروه للندرة بضم النون بضبط المصنف أي لندرة وقوع المكروه من التقي من أمته فكيف منه وخلاف الأولى مثل المكروه أو مدرج فيه وما كان من أفعاله جبليا كالقيام والقعود والأكل والشرب أو بيانا كقطعه السارق من الكوع بيانا لمحل القطع في آية السرقة
قال المصنف روي بإسناد حسن أنه صلى الله عليه وسلم قطع سارقا من المفصل أو مخصصا به كزيادته في النكاح على أربع نسوة فواضح أن البيان دليل في حقنا وغيره لسنا متعبدين به وفيما تردد من فعله بين الجبلي والشرعي كالحج راكبا تردد ناشئ من القولين في تعارض الأصل والظاهر يحتمل أن يلحق بالجبلي لأن الأصل عدم التشريع فلا يستحب لنا ويحتمل أن يلحق بالشرعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لبيان الشرعيات فيستحب لنا وما سواه أي سوى ما ذكر في فعله إن علمت صفته من وجوب أو ندب أو إباحة فأمته مثله في ذلك في الأصح عبادة كان أو لا
وقيل مثله في العبادة فقط وقيل لا مطلقا بل يكون كمجهول الصفة وسيأتي وتعلم صفة فعله بنص عليها كقوله هذا واجب مثلا وتسوية بمعلوم الجهة كقوله هذا الفعل مساو لكذا في حكمه المعلوم ووقوعه بيانا أو امتثالا لدال على وجوب أو ندب أو إباحة فيكون حكمه حكم المبين أو الممتثل
____________________
(2/129)
ولا إشكال في ذكر البيان هنا مع ذكره قبل لأن الكلام هنا فيما يعلم به صفة الفعل من حيث هو لا بقيد كونه سوى ما تقدم ويخص الوجوب عن غيره أماراته كالصلاة بالأذان لأنه ثبت باستقراء الشريعة أن ما يؤذن لها واجبة وما لا يؤذن لها كصلاة العيد والاستسقاء ليست واجبة وكونه أي الفعل ممنوعا منه لو لم يجب كالختان والحد لأن كلا منهما عقوبة
وقد يتخلف الوجوب عن هذه الأمارة لدليل كما في سجود السهو وسجود التلاوة في الصلاة و يخص الندب عن غيره مجرد قصد القربة عن قيد الوجوب وهو أي الفعل لمجرد قصد القربة كثير من صلاة وصوم وقراءة وذكر ونحو ذلك من التطوعات وإن جهلت صفته فللوجوب في حقه وحقنا لأنه الأحوط وقيل للندب لأنه المتحقق بعد الطلب وقيل للإباحة لأن الأصل عدم الطلب وقيل بالوقف في الكل لتعارض أوجهه و قيل بالوقف في الأولين فقط مطلقا لأنهما الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم و قيل بالوقف فيهما فقط إن ظهر قصد القربة وإلا فللإباحة وعلى غير هذا القول
____________________
(2/130)
سواء ظهر قصد القربة أو لا ومجامعة القرينة للإباحة بأن يقصد بفعل المباح بيان الجواز للأمة فيثاب على هذا القصد كما قاله المصنف وقوله إن ظهر عدل إليه عن قوله إن لم يظهر الذي هو سهو كما رأيتهما في خطه مشطوبا على الثاني منهما ملحقا بدله الأول
إذا تعارض القول والفعل أي تخالفا ودل دليل على تكرر مقتضى القول فإن كان القول خاصا به صلى الله عليه وسلم كأن قال يجب علي صوم عاشوراء في كل سنة وأفطر فيه سنة بعد القول أو قبله فالمتأخر من القول والفعل بأن علم ناسخ للمتقدم منهما في حقه وذلك ظاهر في تأخر الفعل وكذا في تقدمه لدلالة الفعل على الجواز المستمر واحترز بقوله ودل إلخ عما لم يدل فلا نسخ حينئذ لكن في تأخر الفعل دون تقدمه لما تقدم من دلالة الفعل على الجواز المستمر فإن جهل المتأخر من القول والفعل فثالثها أي الأقوال الأصح الوقف عن أن يرجح أحدهما على الآخر في حقه إلى تبين التاريخ لاستوائهما في احتمال تقدم كل منهما على الآخر وقيل يرجح القول لأنه أقوى دلالة من الفعل لوضعه لها والفعل إنما يدل بقرينة وقيل يرجح الفعل لأنه أقوى في البيان بدليل أنه يبين به القول ولا تعارض في حقنا
____________________
(2/131)
حيث دل دليل على تأسينا به في الفعل لعدم تناول القول وإن كان القول خاصا بنا كأن قال يجب عليكم صوم عاشوراء إلى آخر ما تقدم فلا معارضة فيه أي في حقه صلى الله عليه وسلم بين القول والفعل لعدم تناول القول له وفي الأمة المتأخر منهما بأن علم ناسخ للمتقدم إن دل دليل على التأسي به في الفعل فإن جهل التاريخ فثالثها الأصح أنه يعمل بالقول وقيل بالفعل وقيل بالوقف عن العمل بواحد منهما لمثل ما تقدم وإنما اختلف التصحيح في المسألتين كما في المختصر لأنا متعبدون فيما يتعلق بنا بالعلم بحكمه لنعمل به بخلاف ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم إذ لا ضرورة إلى الترجيح فيه وإن رجح الآمدي تقدم القول فيه أيضا وإن لم يدل دليل على التأسي به في الفعل فلا تعارض في حقه لعدم ثبوت حكم الفعل في حقنا وإن كان القول عاما لنا وله كأن قال يجب علي وعليكم صوم عاشوراء إلى آخر ما تقدم فتقدم الفعل أو القول له وللأمة كما مر من أن المتأخر من القول والفعل بأن علم متقدم على الآخر بأن ينسخه في حقه صلى الله عليه وسلم وكذا في حقنا إن دل دليل على تأسينا به في الفعل وإلا فلا تعارض في حقنا وإن جهل المتأخر فالأقوال أصحهما في حقه الوقف وفي حقنا تقدم القول إلا أن يكون القول العام ظاهرا فيه صلى الله عليه وسلم لا نصا كأن قال يجب على كل واحد صوم عاشوراء إلى آخر ما تقدم فالفعل تخصيص للقول العام في حقه تقدم عليه أو تأخر عنه أو جهل ذلك ولا نسخ حينئذ لأن التخصيص أهون منه
الكلام في الأخبار أي بفتح الهمزة وافتتحه بتقسيم المركب الصادق بالخبر لينجر الكلام إليه زيادة للفائدة فقال المركب أي من اللفظ إما مهمل
____________________
(2/132)
بأن لا يكون له معنى وهو موجود كمدلول لفظ الهذيان خلافا للإمام الرازي في نفيه وجوده قائلا التركيب إما يصار إليه للإفادة فحيث انتفت انتفى فمرجع خلافه إلى أن مثل ما ذكر لا يسمى مركبا وليس موضوعا اتفاقا وإما مستعمل بأن يكون له معنى والمختار أنه موضوع أي بالنوع وقيل لا والموضوع مفرداته وللتعبير عنه بالكلام قال والكلام ما تضمن من الكلم أي كلمتان فصاعدا تضمنتا
____________________
(2/133)
إسنادا مفيدا مقصودا لذاته فخرج غير المفيد نحو رجل يتكلم بخلاف تكلم رجل لأن فيه بيانا بعد إبهام وغير المقصود كالصادر من النائم والمقصود لغيره كصلة الموصول نحو جاء الذي قام أبوه فإنها مفيدة بالضم إليه مقصودة لإيضاح معناه ولإطلاق الكلام على النفساني كاللساني والاختلاف في أنه حقيقة في ماذا قال حاكيا له وقالت المعتزلة إنه أي الكلام حقيقة في اللساني وهو المحدود بما تقدم لتبادره إلى الأذهان دون النفساني الذي أثبتته الأشاعرة دون المعتزلة وقال الأشعري مرة إنه حقيقة في النفساني وهو المعنى القائم بالنفس المعبر عنه بما صدقات اللساني مجاز في اللساني وهو المختار قال الأخطل إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا ومرة إنه مشترك بين اللساني والنفساني لأن الأصل في الإطلاق الحقيقة قال الإمام الرازي وعليه المحققون منا ويجاب على القولين عن تبادر اللساني بأنه قد يكثر استعمال اللفظ في معناه المجازي أو في أحد معنييه الحقيقين فيتبادر إلى الأذهان والنفساني منسوب إلى النفس ونون للدلالة على العظمة كما في قولهم شعراني للعظيم الشعر وإنما يتكلم الأصولي في اللساني
____________________
(2/134)
لأن بحثه فيه لا في المعنى النفسي فإن أفاد أي ما صدق اللساني بالوضع طلبا فطلب ذكر الماهية أي اللفظ المفيد لطلب ذلك استفهام نحو ما هذا و طلب تحصيلها أو تحصيل طلب الكف عنها أي اللفظ المفيد لذلك أمر ونهي نحو قم ولا تقعد ولو كان طلب تحصيل ما ذكر من ملتمس أي مساو للمطلوب منه رتبة وسائل أي دون المطلوب منه رتبة فإن اللفظ المفيد لذلك منهما يسمى أمرا ونهيا وقيل لا بل يسمى من الأول التماسا ومن الثاني سؤالا وأشار المصنف إلى هذا الخلاف بقوله ولو وإلا أي وإن لم يفد
____________________
(2/135)
بالوضع طلبا
فما لا يحتمل منه الصدق والكذب فيما دل عليه تنبيه وإنشاء أي يسمى بكل من هذين الاسمين سواء لم يفد طلبا نحو أنت طالق أم أفاد طلبا باللازم كالتمني والترجي نحو ليت الشباب يعود ولعل الله أن يعفو عني ومحتملهما أي الصدق والكذب من حيث هو الخبر وقد يقطع بصدقه أو كذبه لأمور خارجة عنه كما سيأتي وأبى قوم تعريفه كالعلم والوجود والعدم أي كما أبوا تعريف ما ذكر قيل لأن كلا من الأربعة ضروري فلا حاجة إلى تعريفه
____________________
(2/136)
وقيل لعسر تعريفه وقد يقال الإنشاء ما أي كلام يحصل مدلوله في الخارج بالكلام نحو أنت طالق وقم فإن مدلوله من إيقاع الطلاق
____________________
(2/137)
وطلب القيام يحصل به لا بغيره وقوله بالكلام من إقامة الظاهر مقام المضمر للإيضاح فالإنشاء بهذا المعنى أعم منه بالمعنى الأول لشموله ما قبل الأول معه والخبر خلافه أي ما يحصل مدلوله في الخارج بغيره أي ما له خارج صدق أو كذب نحو قام زيد فإن مدلوله
____________________
(2/138)
أي مضمونه من قيام زيد يحصل بغيره وهو محتمل لأن يكون واقعا في الخارج فيكون هو صدقا وغير واقع فيكون هو كذبا ولا مخرج له أي للخبر من حيث مضمونه عنهما أي عن الصدق والكذب لأنه إما مطابق للخارج فالصدق أو لا فالكذب وقيل بالواسطة بين الصدق والكذب فالجاحظ قال الخبر إما مطابق للخارج مع الاعتقاد أي اعتقاد المخبر المطابقة ونفيه أي في اعتقادها بأن اعتقد عدمها أو لم يعتقد شيئا أو لا مطابق للخارج مع الاعتقاد أي اعتقاد المخبر عدم المطابقة ونفيه أي نفي اعتقاد عدمها بأن اعتقدها أو لم يعتقد شيئا فالثاني أي ما انتفى فيه الاعتقاد المذكور الصادق بصورتين فيهما أي في المطابق وغير المطابق
____________________
(2/139)
وذلك أربع صور واسطة بين الصدق والكذب والأول وهو ما معه الاعتقاد المذكور في المطابق الصدق وفي غير المطابق الكذب وغيره أي غير الجاحظ قال الصدق المطابقة أي صدق الخبر مطابقته لاعتقاد المخبر طابق اعتقاده الخارج أو لا وكذبه عدمها أي عدم مطابقته لاعتقاد المخبر طابق اعتقاده الخارج أو لا فالساذج بفتح الذال المعجمة وهو ما ليس معه اعتقاد واسطة بين الصدق والكذب طابق الخارج أو لا والراغب قال الصدق في المطابقة الخارجية مع الاعتقاد لها كما قال في الجاحظ فإن فقد أي المطابقة الخارجية واعتقادها أي مجموعهما بأن فقد كل منهما أو أحدهما فمنه كذب وهو ما فقد فيه كل منهما سواء صدق فقد اعتقاد المطابقة
____________________
(2/140)
باعتقاد عدمها أو بعدم اعتقاد شيء و منه موصوف بهما أي بالصدق والكذب بجهتين وهو ما فقد فيه واحد من المطابقة للخارج واعتقادها يوصف بالصدق من حيث مطابقته للاعتقاد أو للخارج وبالكذب من حيث انتفت فيه المطابقة للخارج أو اعتقادها فهو واسطة بين الصدق والكذب
ومدلول الخبر في الإثبات الحكم بالنسبة التي تضمنها كقيام زيد في قام زيد مثلا لا ثبوتها
____________________
(2/141)
في الخارج وفاقا للإمام الرازي في أنه الحكم بها وخلافا للقرافي في أنه ثبوتها وإلا أي وإن لم يكن مدلول الخبر الحكم بالنسبة بل كان ثبوتها لم يكن شيء من الخبر كذبا أي غير ثابت النسبة في الخارج وقد اتفق العقلاء على أن من الخبر كذبا
وأجيب بأن كذب الخبر بأن لم تثبت نسبته في الخارج ليس مدلوله حتى ينافي ما جعل مدلوله من ثبوت النسبة غاية الأمر أن الخبر الكذب تخلف فيه المدلول عن الدليل لأن دلالته وضعية لا عقلية وتقسيم الخبر إلى الصدق والكذب باعتبار وجود مدلوله معه وتخلفه عنه نعم الأول الموافق للإمام الرازي
____________________
(2/142)
سالم عن هذا التخلف وتقسيم الخبر عليه إلى الصدق والكذب باعتبار ما تضمنه من النسبة كما سيأتي ويقاس على الخبر في الإثبات الخبر في النفي فيقال مدلوله الحكم بانتفاء النسبة وقيل انتفاؤها وقوله وإلا لم يكن شيء من الخبر كذبا أوضح كما قال من عبارة المحصول لم يكن الكذب خبرا ومن عبارة التحصيل وغيره لم يكن الخبر كذبا
ومورد الصدق والكذب في الخبر النسبة التي تضمنها ليس غير كقائم في زيد بن عمرو قائم لا بنوة زيد لعمرو
____________________
(2/143)
وأيضا فقائم المسند إلى ضمير زيد مشتمل على نسبة هي قيام زيد وهي مورد الصدق والكذب في الخبر المذكور لا بنوة زيد لعمرو فيه أيضا إذ لم يقصد به الإخبار بها ومن ثم أي من هنا وهو أن المورد النسبة أي من أجل ذلك قال الإمام مالك وبعض أصحابنا الشهادة بتوكيل فلان بن فلان فلانا شهادة بالوكالة أي التوكيل فقط أي دون نسب الموكل ووجه بنائه على ما ذكر أن متعلق الشهادة خبر كما سيأتي والمذهب أي الراجح عندنا أنها شهادة بالنسب للموكل ضمنا والوكالة أي التوكيل أصلا لتضمن ثبوت التوكيل المقصود لثبوت نسب الموكل لغيبته عن مجلس الحكم
مسألة الخبر بالنظر إلى أمور خارجة عنه إما مقطوع بكذبه كالمعلوم خلافه ضرورة مثل قول القائل النقيضان يجتمعان أو يرتفعان أو استدلالا نحو قول الفلسفي العلم قديم وكل خبر عنه صلى الله عليه وسلم أوهم باطلا أي أوقعه في الوهم أي الذهن ولم يقبل التأويل فمكذوب عليه صلى الله عليه وسلم لعصمته عن قول الباطل أو نقص منه من جهة راويه ما يزيل الوهم الحاصل بالنقص منه من الأول ما روي أن الله خلق نفسه فإنه يوهم حدوثه أي يوقع في الوهم أي الذهن ذلك وقد دل العقل القاطع على أنه تعالى منزه عن الحدوث
ومن الثاني ما رواه الشيخان عن ابن عمر قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قام فقال
____________________
(2/144)
أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد قال ابن عمر فوهل الناس في مقالته وإنما لا يبقى ممن هو اليوم لا يبقى يريد أن ينخرم ذلك القرن قوله فوهل الناس بفتح الهاء أي غلطوا في فهم المراد حيث لم يسمعوا لفظة اليوم ويوافقه حديث أبي سعيد الخدري لا يأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم وحديث جابر ما من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ رواهما مسلم وروى مسلم أيضا عن جابر أن ذلك كان قبل موته صلى الله عليه وسلم بشهر وقوله منفوسة أي مولودة احترز به عن الملائكة وسبب الوضع للغير بأن يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم نسيان من الراوي لما رواه فيذكر غيره ظانا أنه المروي أو افتراء عليه صلى الله عليه وسلم كوضع الزنادقة أحاديث تخالف المعقول تنفيرا للعقلاء عن شريعته المطهرة غلط من الراوي بأن يسبق لسانه إلى غير ما رواه
____________________
(2/145)
أو يضع مكانه ما يظن أنه يؤدي معناه أو غيرها كما في وضع بعضهم أحاديث في الترغيب في الطاعة والترهيب عن المعصية ومن المقطوع بكذبه على الصحيح خبر مدعي الرسالة أي قوله أنه رسول الله إلى الناس بلا معجزة أو بلا تصديق الصادق له لأن الرسالة عن الله على خلاف العادة والعادة تقضي بكذب من يدعي ما يخالفها بلا دليل وقيل لا يقطع بكذبه لتجويز العقل صدقه أما مدعي النبوة أي الإيحاء إليه فقط فلا يقطع بكذبه كما قال إمام الحرمين وما نقب أي فتش عنه من الحديث ولم يوجد عند أهله من الرواة من المقطوع بكذبه لقضاء العادة بكذب ناقله وقيل لا يقطع بكذبه لتجويز العقل صدق ناقله وهذا مفروض بعد استقرار الأخبار أما قبل استقرارها كما في عصر الصحابة فيجوز أن يروي أحدهم ما ليس عند غيره كما قاله الإمام الرازي وبعض المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من المقطوع بكذبه لأنه روي عنه أنه قال سيكذب علي فإن كان قال ذلك فلا بد من وقوعه وإلا فيه كذب عليه وهو كما قال المصنف حديث لا يعرف والمنقول آحاد فيما
____________________
(2/146)
تتوفر الدواعي على نقله تواترا كسقوط الخطيب عن المنبر وقت الخطبة من المقطوع بكذبه لمخالفته للعادة خلافا للرافضة أي في قولهم لا يقطع بكذبه لتجويز العقل صدقه وقد قالوا بصدق ما رواه منه في إمامة علي رضي الله عنه نحو أنت الخليفة من بعدي مشبهين له بما يتواتر من المعجزات كحنين الجذع وتسليم الحجر وتسبيح الحصى قلنا هذه كانت متواترة واستغنى عن تواترها إلى الآن بتواتر القرآن بخلاف ما يذكر في إمامة علي فإنه لا يعرف ولو كان ما خفي على أهل بيعة السقيفة أي الصحابة الذين بايعوا أبا بكر في سقيفة بني ساعدة من الخزرج وهي صفة مظللة بمنزلة الدار لهم ثم بايعه علي وغيره رضي الله عنهم
وإما مقطوع بصدقه كخبر الصادق أي الله تعالى لتنزهه عن الكذب ورسوله صلى الله عليه وسلم لعصمته عن الكذب وبعض المنسوب إلى محمد صلى الله عليه وسلم وإن كنا لا نعلم عينه والمتواتر معنى أو لفظا وهو خبر جمع يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب عن محسوس لا معقول
____________________
(2/147)
لجواز الغلط فيه كخبر الفلاسفة بقدم العالم فإن اتفق الجمع المذكور في اللفظ والمعنى فهو اللفظي وإن اختلفوا فيهما مع وجود معنى كلي فهو المعنوي كما إذا أخبر واحد عن حاتم أنه أعطى دينارا وآخر أنه أعطى فرسا وآخر أنه أعطى بعيرا وهكذا فقد اتفقوا على معنى كلي وهو الإعطاء وحصول العلم من خبر بمضمونه آية أي علامة اجتماع شرائطه أي المتواترة في ذلك الخبر أي الأمور المحققة له وهي كما يؤخذ مما تقدم كونه خبر جمع وكونهم بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب وكونه عن محسوس ولا تكفي الأربعة في عدد الجمع المذكور وفاقا للقاضي أبي بكر الباقلاني والشافعية لاحتياجهم إلى التزكية فيما لو شهدوا بالزنا فلا يفيد قولهم العلم وما زاد عليها أي الأربعة صالح لأن يكفي في عدد
____________________
(2/148)
الجمع في المتواتر من غير ضبط بعدد معين وتوقف القاضي في الخمسة هل تكفي وقال الإصطخري أقله أي أقل عدد الجمع الذي يفيد خبره العلم عشرة لأن ما دونها آحاد وقيل أقله اثنا عشر كعدد النقباء في قوله تعالى وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا بعثوا كما قال أهل التفسير للكنعانيين بالشام طليعة لبني إسرائيل المأمورين بجهادهم ليخبروهم بحالهم الذي لا يرهب فكونهم على هذا العدد ليس إلا لأنه أقل ما يفيد العلم المطلوب في مثل ذلك و قيل أقله عشرون لأن الله تعالى قال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين فيتوقف بعث عشرين لمائتين على إخبارهم بصبرهم فكونهم على هذا العدد ليس إلا لأنه أقل ما يفيد العلم المطلوب في مثل ذلك و قيل أقله أربعون لأن الله تعالى قال يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين وكانوا كما قال أهل التفسير أربعين رجلا كملهم عمر رضي الله عنه بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم فإخبار الله عنهم بأنهم كافوا نبيه يستدعي إخبارهم عن أنفسهم بذلك له ليطمئن قلبه فكونهم على هذا العدد ليس إلا لأنه أقل ما يفيد العلم المطلوب في مثل ذلك و وقيل أقله سبعون لأن الله تعالى قال واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا أي للاعتذار إلى الله تعالى من عبادة العجل
____________________
(2/149)
ولسماعهم كلامه من أمر ونهي ليخبروا قومهم بما يسمعونه فكونهم على هذا العدد ليس إلا لأنه أقل ما يفيد العلم المطلوب في مثل ذلك و قيل أقله ثلاثمائة وبضعة عشر عدد أهل غزوة بدر والبضع بكسر الباء وقد تفتح ما بين الثلاث إلى التسع وعبارة إمام الحرمين وغيره وثلاثة عشر وزاد أهل السير على القولين وأربعة عشر وخمسة عشر وستة عشر وثمانية عشر وتسعة عشر وبعضهم قال إن ثمانية من الثلاثة عشر لم يحضروها وإنما ضرب لهم سهمهم وأجرهم فكانوا كمن حضرها وهي البطشة الكبرى التي أعز الله بها الإسلام ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعمر فيما رواه الشيخان وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وهذا لاقتضائه زيادة احترامهم يستدعي التنقيب عنهم ليعرفوا وإنما يعرفون بأخبارهم فكونهم على هذا العدد المذكور ليس إلا لأنه أقل عدد يفيد العلم المطلوب في مثل ذلك وأجيب بمنع الليسية في الجميع والأصح أنه لا يشترط فيه أي في المتواتر إسلام في رواية ولا عدم احتواء بلد عليهم فيجوز أن يكونوا كفارا وأن تحويهم بلد كأن يخبر أهل قسطنطينية بقتل ملكهم لأن الكثرة مانعة من التواطؤ على الكذب وقيل لا يجوز ذلك لجوار تواطؤ الكفار وأهل بلد على الكذب فلا يفيد خبرهم العلم و الأصح أن العلم فيه أي في المتواتر ضروري أي يحصل عند سماعه من غير احتياج إلى نظر لحصوله لمن لا يتأتى منه النظر كالبله والصبيان وقال الكعبي من المعتزلة والإمامان أي إمام الحرمين والإمام الرازي نظري وفسره إمام الحرمين أي فسر كونه نظريا
____________________
(2/150)
كما أفصح به الغزالي التابع له أخذا من كلام الكعبي بتوقفه على مقدمات حاصلة عن السامع وهي المحققة لكون الخبر متواترا من كونه خبر جمع وكونهم بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب وكونه عن محسوس لا الاحتياج إلى النظر عقيبه أي عقيب سماع المتواتر فلا خلاف في المعنى في أنه ضروري لأن توقفه على تلك المقدمات لا ينافي كونه ضروريا وبالضروري عبر الإمام الرازي خلاف ما عبر به المصنف عنه سهوا أو نظرا إلى أن المراد واحد وقوله عقيبه بالياء لغة قليلة جرت على الألسنة والكثير ترك الياء كما تقدم وتوقف الآمدي عن القول بواحد من الضروري والنظري أو لتعارض دليليهما السابقين من حصوله لمن لا يتأتى منه النظر وتوقفه على تلك المقدمات المحققة من غير نظر إلى عدم التنافي بينهما ثم إن أخبروا أي أهل الخبر المتواتر عن عيان بأن كانوا طبقة فقط فذاك واضح وإلا أي وإن لم يخبروا عن عيان بأن كانوا طبقات فلم يخبر عن عيان
____________________
(2/151)
إلا الطبقة الأولى منهم فيشترط ذلك أي كونهم جمعا يمتنع تواطؤهم على الكذب في كل الطبقات أي في كل طبقة ليفيد خبرهم العلم بخلاف ما إذا لم يكونوا كذلك في غير الطبقة الأولى فلا يفيد خبرهم العلم
ومن هذا يتبين أن المتواتر في الطبقة الأولى قد يكون آحادا فيما بعدها وهذا محمل القراءات الشاذة كما تقدم والصحيح من أقوال ثالثها إن علمه أي المتواتر أي الحاصل منه لكثرة العدد في رواية متفق للسامعين فيحصل لكل منهم وللقرائن الزائدة على أقل العدد الصالح له بأن تكون لازمة له من أحواله المتعلقة به أو بالمخبر عنه أو بالمخبر به قد يختلف فيحصل لزيد دون عمرو مثلا من السامعين لأن القرائن قد تقوم عند شخص دون آخر أما الخبر المفيد للعلم بالقرائن المنفصلة عنه فليس بمتواتر
والقول الأول يجب حصول العلم منه لكل من السامعين مطلقا لأن القرائن في مثل ذلك ظاهرة لا تخفى على أحد منهم والثاني لا يجب ذلك بل قد يحصل العلم مطلقا لكل منهم ولبعضهم فقط لجواز أن لا يحصل العلم لبعض بكثرة العلم كالقرائن و الصحيح من أقوال أن الإجماع على وفق لا يدل على صدقه في نفس الأمر
____________________
(2/152)
مطلقا وثالثها يدل إن تلقوه أي المجمعون بالقبول بأن صرحوا بالاستناد إليه فإن لم يتلقوه بالقبول بأن لم يتعرضوا بالاستناد إليه فلا يدل لجواز استنادهم إلى غيره مما استنبطوه من القرآن وثانيها يدل مطلقا لأن الظاهر استنادهم إليه حيث لم يصرحوا بذلك لعدم ظهور مستند غيره ووجه دلالة استنادهم إليه على صدقه أنه لو لم يكن حينئذ صدقا بأن كان كذبا لكان استنادهم إليه خطأ وهم معصومون منه قلنا لا نسلم الخطأ حينئذ لأنهم ظنوا صدقه وهم إنما أمروا باستناد إلى ما ظنوا صدقه فاستنادهم إليه إنما يدل على ظنهم صدقه ولا يلزم من ظنهم صدقه في نفس الأمر وقيل إن ظنهم معصوم عن الخطأ
وكذلك بقاء خبر تتوفر الدواعي على إبطاله بأن لم يبطله ذوو الدواعي مع سماعهم له آحادا لا يدل على صدقه خلافا للزيدية في قولهم يدل عليه قالوا للاتفاق على قبوله حينئذ قلنا الاتفاق على قبوله إنما يدل على ظنهم صدقه ولا يلزم من ذلك صدقه في نفس الأمر مثاله قوله صلى الله عليه وسلم لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي رواه الشيخان فإن دواعي بني أمية وقد سمعوه متوفرة على إبطاله لدلالته على خلافة علي رضي الله عنه كما قيل كخلافة هارون عن موسى بقوله اخلفني في قومي وإن مات قبله ولم يبطلوه
____________________
(2/153)
وافتراق العلماء في الخبر بين مؤول له ومحتج به لا يدل على صدقه خلافا لقوم في قولهم يدل عليه قالوا للاتفاق على قبوله حينئذ قلنا الاتفاق على قبوله إنما يدل على ظنهم صدقه ولا يلزم من ذلك صدقه في نفس الأمر
____________________
(2/154)
و الصحيح أن المخبر بحضرة قوم لم يكذبوه ولا حامل على سكوتهم عن تكذيبه من خوف أو طمع في شيء منه صادق فيما أخبر به لأن سكوتهم تصديق له عادة فقد اتفقوا وهم عدد التواتر على خبر عن محسوس إذ فرض المسألة كذلك كما صرح به الآمدي فيكون صدقا قطعا وقيل لا يلزم من سكوتهم تصديقه لجواز أن يسكتوا عن تكذيبه لا لشيء وكذا المخبر بمسمع من النبي صلى الله عليه وسلم أي بمكان يسمعه منه النبي صلى الله عليه وسلم ولا حامل على التقرير للنبي صلى الله عليه وسلم و على الكذب للمخبر صادق فيما أخبر به دينيا كان أو دنيويا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر أحدا على كذب خلافا للمتأخرين منهم الآمدي وابن الحاجب في قولهم لا يدل سكوت النبي صلى الله عليه وسلم على صدق المخبر أما في الديني فلجواز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بينه أو أخر بيانه بخلاف ما أخبر به المخبر وأما في الدنيوي فلجواز أن لا يكون النبي يعلم
____________________
(2/155)
كما في لقاح النخل روى مسلم عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون النخل فقال لو لم تفعلوا لصلح قال
____________________
(2/156)
فخرج شيصا فمر بهم فقال ما لنخلكم قالوا قلت كذا وكذا فقال أنتم أعلم بأمر دنياكم وقيل يدل على صدقه إن كان مخبرا عن أمر دنيوي بخلاف الديني فلا يدل وفي شرح المختصر عكس هذا التفصيل بدله وتوجيههما يؤخذ مما تقدم
وأجيب في الديني بأن سبق البيان أو تأخيره لا يبيح السكوت عند وقوع المنكر لما فيه من إفهام تغيير الحكم في الأول وتأخير البيان عن وقت الحاجة في الثاني وفي الدنيوي بأنه إذا كان كذبا ولم يعلم به النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه الله به عصمة له عن أن يقر أحدا على كذب كما أعلمه بكذب المنافقين في قولهم له نشهد إنك لرسول الله من حيث تضمنه أن قلوبهم وافقت ألسنتهم في ذلك وإن كان دينيا أما إذا وجد حامل على الكذب والتقرير كما إذا كان المخبر ممن يعاند النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينفع فيه الإنكار فلا يدل السكوت على الصدق قولا واحدا وأما مظنون الصدق فخبر الواحد وهو ما لم ينته إلى التواتر واحدا كان راويه أو أكثر أفاد العلم بالقرائن المنفصلة أو لا ومنه حينئذ المستفيض وهو الشائع عن أصل فخرج الشائع لا عن أصل وقد يسمى أي المستفيض مشهورا وأقله من حيث عدد راويه أي أقل عدد روى المستفيض اثنان وقيل ثلاثة الأول مأخوذ من قول الشيخ في التنبيه وأقل ما يثبت به الاستفاضة اثنان وعبارة ابن الحاجب المستفيض ما زاد نقلته على ثلاثة
____________________
(2/157)
158 مسألة خبر الواحد لا يفيد إلا بقرينة كما في إخبار الرجل بموت ولده المشرف على الموت مع قرينة البكاء وإحضار الكفن والنعش وقال الأكثر لا يفيد مطلقا وما ذكر من القرينة يوجد مع الإغماء و قال الإمام أحمد يفيد مطلقا بشرط العدالة لأنه حينئذ يجب العمل به كما سيأتي وإنما يجب العمل بما يفيد العلم لقوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم إن يتبعون إلا الظن نهي عن اتباع غير العلم وذم على اتباع الظن
وأجيب بأن ذلك فيما المطلوب فيه العلم من أصول الدين كوحدانية الله تعالى وتنزيهه عما لا يليق به لما ثبت من العمل بالظن في الفروع و قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني وابن فورك يفيد المستفيض الذي هو منه عندهما علما نظريا جعلاه واسطة بين المتواتر المفيد للعلم الضروري والآحاد المفيد للظن وقد مثله الأستاذ بما يتفق عليه أئمة الحديث وإنما لم يقيد الواحد بالعدل كما قيده به ابن الحاجب لأنه لا حاجة إليه
____________________
(2/158)
على الأول حيث يفيد العلم لأن التعويل فيه على القرينة ولا على الثاني كما هو ظاهر وإن احتيج إليه على الثالث كما تقدم وكذا على الرابع فيما يظهر كما يحتاج إليه حيث يقال يفيد الظن
مسألة يجب العمل به أي بخبر الواحد في الفتوى والشهادة أي يجب العمل بما يفتي به المفتي وبما يشهد به الشاهد بشرطه إجماعا وكذا سائر الأمور الدينية أي باقيها يجب العمل فيها بخبر الواحد كالإخبار بدخول وقت الصلاة أو بتنجس الماء وغير ذلك قيل سمعا لا عقلا لأنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث الآحاد إلى القبائل والنواحي لتبليغ الأحكام كما هو معروف فلولا أنه يجب العمل بخبرهم لم يكن لبعثهم فائدة وقيل عقلا وإن دل السمع
____________________
(2/159)
أيضا أي من جهة العقل وهو أنه لو لم يجب العمل به لتعطلت وقائع الأحكام المروية بالآحاد وهي كثيرة جدا ولا سبيل إلى القول بذلك وإنما لم يرجح الأول كما رجحه غيره على ما هو المعتمد عند أهل السنة لأن الثاني منقول عن الإمام أحمد والقفال وابن سريج من أئمة السنة كبعض المعتزلة وقالت الظاهرية
____________________
(2/160)
لا يجب العمل به مطلقا أي عن التفصيل الآتي لأنه على تقدير حجيته إنما يفيد الظن وقد نهى عن اتباعه وذم عليه في قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم إن يتبعون إلا الظن قلنا تقدم جواب ذلك قريبا و قال الكرخي لا يجب العمل به في الحدود لأنها تدرأ بالشبهة لحديث مسند أبي حنيفة ادرءوا الحدود بالشبهات واحتمال الكذب في الآحاد شبهة
قلنا لا نسلم أنه شبهة على أنه موجود في الشهادة أيضا و قال قوم لا يجب العمل به في ابتداء النصب بخلاف ثوانيها حكاه ابن السمعاني عن بعض الحنفية قال فقبلوا خبر الواحد في النصاب الزائد على خمسة أوسق لأنه فرع ولم يقبلوه في ابتداء نصاب الفصلان والعجاجيل لأنه أصل يعني فيما إذا ماتت الأمهات من الإبل والبقر في أثناء الحول بعد الولادة وتم حولها على الأولاد فلا زكاة عندهم في الأولاد مع شمول الحديث لها
____________________
(2/161)
وهو قول أبي حنيفة الأخير قال لعدم اشتمالها على السن الواجب وقال أولا يجب تحصيله كقول مالك وثانيا يؤخذ منها كقول الشافعي و قال قوم لا يجب العمل به فيما عمل الأكثر فيه بخلافه لأن عملهم بخلافه حجة مقدمة عليه كعمل الكل قلنا لا نسلم أنه حجة و قالت المالكية لا يجب العمل به فيما عمل أهل المدينة فيه بخلافه لأن عملهم كقولهم حجة مقدمة عليه قلنا لا نسلم حجية ذلك وقد نفت المالكية خيار المجلس الثابت بحديث الصحيحين إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا لعمل أهل المدينة بخلافه و قالت الحنفية لا يجب العمل به فيما تعم به البلوى بأن يحتاج الناس إليه كحديث من مس ذكره فليتوضأ صححه الإمام أحمد وغيره لأن ما تعم به البلوى يكثر السؤال عنه فتقضي العادة بنقله تواترا لتوفر الدواعي على نقله فلا يعمل بالآحاد فيه
____________________
(2/162)
قلنا لا نسلم قضاء العادة بذلك أو خالفه راويه فلا يجب العمل به لأنه إنما خالفه لدليل قلنا في ظنه وليس لغيره اتباعه لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا كما سيأتي مثاله حديث أبي هريرة في الصحيحين إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات وقد روى الدارقطني عنه أنه أمر بالغسل من ولوغه ثلاث مرات قال والصحيح عنه سبع مرات ويؤخذ من قوله أو خالفه راويه ما صرحوا به من أن الخلاف فيما إذا تقدمت الرواية فإن تأخرت أو لم يعلم الحال فيجب العمل به اتفاقا أو عارض القياس يعني ولم يكن راويه فقيها أخذا من قوله بعد ويقبل من ليس فقيها خلافا للحنفية فيما يخالف القياس لأن مخالفته ترجح احتمال الكذب قلنا لا نسلم ذلك وثالثها أي الأقوال في معارض القياس أنه إن عرفت العلة في الأصل بنص راجح في الدلالة على الخبر المعارض للقياس ووجدت قطعا في الفرع لم يقبل أي الخبر المعارض لرجحان القياس عليه حينئذ أو ظنا فالوقف عن القول بقبول الخبر أو عدم قبوله لتساوي الخبر والقياس حينئذ وإلا أي وإن لم تعرف العلة بنص راجح بأن عرفت باستنباط أو نص مساو أو مرجوح قبل أي الخبر مثال الخبر المعارض للقياس حديث الصحيحين واللفظ للبخاري
____________________
(2/163)
لا تصروا الإبل ولا الغنم فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعا من تمر فرد التمر بدل اللبن مخالف للقياس فيما يضمن به التالف من مثله أو قيمته وتصروا بضم التاء وفتح الصاد من صرى وقيل بالعكس من صر و قال أبو علي الجبائي لا بد في قبول خبر الواحد من اثنين يرويانه أو اعتضاد له فيما إذا كان راويه واحدا كأن يعمل به بعض الصحابة أو ينتشر فيهم لأن أبا بكر رضي الله عنه لم يقبل خبر المغيرة بن شعبة أنه صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس وقال هل معك غيرك فوافقه محمد بن سلمة الأنصاري فأنفذه أبو بكر لها رواه أبو داود وغيره وعمر رضي الله عنه لم يقبل خبر أبي موسى الأشعري أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع وقال أقم عليه البينة فوافقه أبو سعيد الخدري أي فقبل ذلك عمر رواه الشيخان ويقوم مقام التعدد الاعتضاد قلنا طلب التعدد ليس لعدم قبول الواحد بل للتثبت كما قال عمر في خبر الاستئذان إنما سمعت شيئا فأحببت أن أتثبت رواه مسلم و قال عبد الجبار لا بد من أربعة في الزنا فلا يقبل خبر ما دونها فيه كالشهادة عليه وحكي هذا في المحصول عن حكاية عبد الجبار عن الجبائي ومشى عليه المصنف في شرح المنهاج فسقط منه هنا لفظة عنه وهو إما تقييد لإطلاق نقل الاثنين عنه كما مشى عليه ابن الحاجب أو حكاية قول آخر عنه في خبر الزنا
____________________
(2/164)
مسألة المختار وفاقا للسمعاني وخلافا للمتأخرين كالإمام الرازي والآمدي وغيرهما أن تكذيب الأصل الفرع فيما رواه عنه كأن قال ما رويت له هذا لا يسقط المروي عن القبول لاحتمال نسيان الأصل له بعد روايته للفرع فلا يكون واحد منهما
____________________
(2/165)
بتكذيبه للآخر مجروحا ومن ثم أي من هنا وهو أن تكذيب الأصل الفرع لا يسقط المروي أي من أجل ذلك نقول لو اجتمعا في شهادة لم ترد ووجه الإسقاط الذي نفى الآمدي الخلاف فيه أن أحدهما كاذب ولا بد ويحتمل أن يكون هو الفرع فلا يثبت مرويه ولا ينافي هذا قبول شهادتهما في قضية لأن كلا منهما يظن أنه صادق والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم الذي يئول إليه الأمر في ذلك على تقدير إنما يسقط العدالة إذا كان عمدا ولو استوضح المصنف على الأول بما بناه عليه لسلم من دعوى التنافي بين المبني والثاني التي أفهمهما بناؤه
وإن شك الأصل في أنه رواه للفرع أو ظن أنه ما رواه له والفرع العدل جازم بروايته عنه فأولى القبول للخبر مما جزم فيه الأصل بالنفي وعليه أي على القبول الأكثر من العلماء لما تقدم من احتمال نسيان الأصل ووجه عدم القبول القياس على نظيره في شهادة الفرع على شهادة الأصل
وأجيب الفرق بأن باب الشهادة أضيق إذا اعتبر فيه الحرية والذكورة وغيرهما ولو ظن الفرع الرواية وجزم الأصل بنفيها أو ظنه قال في المحصول في الأول تعين الرد وفي الثاني تعارضا والأصل العدم والأشبه القبول
وزيادة العدل فيما رواه على غيره
____________________
(2/166)
من العدول مقبولة إن لم يعلم اتحاد المجلس بأن علم تعدده لجواز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها في مجلس وسكت عنها في آخر أو لم يعلم تعدده ولا اتحاده لأن الغالب في مثل التعدد وإلا أي وإن علم اتحاد المجلس فثالثها أي الأقوال الوقف عن قبولها وعدمه والأول القبول لجواز غفلة غير من زاد عنها والثاني عدمه لجواز خطأ من زاد فيها
____________________
(2/167)
والرابع إن كان غيره أي غيره من زاد لا يغفل بضم الفاء مثلهم عن مثلها عادة لم تقبل أي الزيادة وإلا قبلت والمختار وفاقا للسمعاني المنع أي مع القبول إن كان غيره أي غير من زاد لا يغفل أي مثلهم عن مثلها عادة أو كانت تتوفر الدواعي على نقلها وبهذا يزيد هذا القول على الرابع وإن لم يكن الأمر كذلك قبلت فإن كان الساكت عنها أي غير الذاكر لها أضبط ممن ذكرها أو صرح بنفي الزيادة على وجه يقبل كأن قال ما سمعتها تعارضا أي الخبران فيها بخلاف ما إذا نفاها على وجه لا يقبل بان محض النفي فقال لم يقلها النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا أثر لذلك ولو رواها الراوي مرة وترك أخرى فكراويين رواها أحدهما دون الآخر فإن أسندها وتركها إلى مجلسين وسكت قبلت أو إلى مجلس فقيل تقبل لجواز السهو في الترك وقيل لا لجواز الخطأ في الزيادة وقيل بالوقف عنهما ولو غيرت إعراب الباقي تعارضا أي خبر الزيادة وخبر عدمها لاختلاف المعنى حينئذ كما لو روي في حديث الصحيحين فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر إلخ نصف صاع خلافا للبصري أبي عبد الله في قوله تقبل الزيادة كما إذا لم يتغير الإعراب
ولو انفرد واحد عن واحد فيما روياه عن شيخ بزيادة قبل المنفرد فيها عند الأكثر لأن معه زيادة علم وقيل لا لمخالفته لرفيقه ولو أسند وأرسلوا أي أسند الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم واحد من رواته وأرسله الباقون بأن لم يذكروا الصحابي كما يعلم مما يأتي أو وقف ورفعوا كذا بخط المصنف سهوا وصوابه أو رفع ووقفوا أي رفع الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم واحد من رواته ووقفه الباقون على الصحابي أو من دونه فكالزيادة أي فالإسناد أو الرفع كالزيادة فيما تقدم فيقال إن علم تعدد مجلس السماع من الشيخ فيقبل الإسناد أو الرفع لجواز أن يفعل الشيخ ذلك مرة دون أخرى وحكمه
____________________
(2/168)
في ذلك القبول على الراجح وكذا إن لم يعلم تعدد المجلس ولا اتحاده لأن الغالب في مثل ذلك التعدد وإن علم اتحاده فثالث الأقوال الوقف عن القبول وعدمه
والرابع إن كان مثل المرسلين أو الواقفين لا يغفل عادة عن ذكر الإسناد أو الرفع لم يقبل وإلا قبل فإن كانوا أضبط أو صرحوا بنفي الإسناد أو الرفع على وجه يقبل كأن قالوا ما سمعنا الشيخ أسند الحديث أو رفعه تعارض الصنيعان وحذف بعض الخبر جائز عند الأكثر إلا أن يتعلق أي يحصل التعلق للبعض الآخر به فلا يجوز حذفه اتفاقا لإخلاله بالمعنى المقصود كأن يكون غاية أو مستثنى كما في حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى تزهي وحديث مسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء بخلاف ما لا يتعلق به فيجوز حذفه لأنه كخبر مستقل وقيل لا يجوز لاحتمال أن يكون للضم فائدة تفوت بالتفريق وقرب هذا من منع الرواية بالمعنى وسيأتي مثاله حديث أبي داود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال في البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته
وإذا حمل الصحابي قيل أو التابعي
____________________
(2/169)
مرويه على أحد محمليه المتنافيين كالقرء يحمله على الطهر أو الحيض فالظاهر حمله عليه لأن الظاهر أنه إنما حمله عليه لقرينة وتوقف الشيخ أبو إسحاق الشيرازي حيث قال فقد قيل يقبل وعندي فيه نظر أي لاحتمال أن يكون حمله لموافقة رأيه لا لقرينة وإنما لم يساو التابعي الصحابي على الراجح لأن ظهور القرينة للصحابي أقرب وإن لم يتنافيا أي المحملان فكالمشترك في حمله على معنييه الذي هو الراجح ظهورا أو احتياطا كما تقدم فيحمل لمروي عليه محمليه كذلك ولا يقصر على محمل الراوي إلا على القول بأن مذهبه يخصص وعلى المنع من حمل المشترك على معنييه يكون الحكم كما لو تنافى المحملان كما قال صاحب البديع المعروف حمله على محمل الراوي قال ولا يبعد أن يقال لا يكون تأويله حجة على غيره ا هـ
فإن حمله أي حمل الصحابي مرويه على غير ظاهره كأن يحيل اللفظ على المعنى المجازي دون الحقيقي أو الأمر على الندب دون الوجوب فالأكثر على الظهور أي على اعتبار ظاهر المروي وفيه قال الشافعي رضي الله عنه كيف أترك الحديث بقول من لو عاصرته لحججته
____________________
(2/170)
وقيل يحمل على تأويله مطلقا لأنه لا يفعل ذلك إلا لدليل قلنا في ظنه وليس لغيره اتباعه فيه وقيل يحمل على تأويله إن صار إليه لعلمه بقصد النبي صلى الله عليه وسلم إليه من قرينة شاهدها قلنا علمه ذلك أي ظنه ليس لغيره اتباعه فيه لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا فإن ذكر دليلا عمل به
مسألة لا يقبل في الرواية مجنون لأنه لا يمكنه الاحتراز عن الخلل وسواء أطبق جنونه أم تقطع وأثر في زمن إفاقته وكافر ولو علم منه التدين والتحرز عن الكذب لأنه لا وثوق به في الجملة مع شرف منصب الرواية عن الكافر وكذا صبي مميز في الأصح لأنه لعلمه بعدم تكليفه قد لا يحترز عن الكذب فلا يوثق به وقيل يقبل إن علم منه التحرز عن الكذب ولم يصرح المصنف بالتمييز للعلم به فإن غير المميز لا يمكنه الاحتراز عن الخلل فلا يقبل قطعا كالمجنون
فإن تحمل الصبي فبلغ فأدى ما تحمله قبل عند الجمهور لانتفاء
____________________
(2/171)
المحذور السابق وقيل لا يقبل لأن الصغر مظنة عدم الضبط والتحرز ويستمر المحفوظ إذ ذاك ولو تحمل الكافر فأسلم فأدى قبل قال المصنف في شرح المنهاج على الصحيح وكذا الفاسق يتحمل فيتوب فيؤدي يقبل ويقبل مبتدع لا يكفر ببدعته يحرم الكذب لا منه فيه مع تأويله في الابتداع سواء دعا الناس إليه أم لا وقيل لا يقبل مطلقا لابتداعه المفسق له وثالثها أي الأقوال مالك يقبل إلا الداعية أي الذي يدعو الناس إلى بدعته لأنه لا يؤمن فيه أن يضع الحديث على وفقها أما من يجوز الكذب فلا يقبل كفر ببدعته أم لا وكذا من يحرمه وكفر ببدعته كالمجسم عند الأكثر لعظم بدعته والإمام الرازي وأتباعه على قبوله
____________________
(2/172)
لا من الكذب فيه و يقبل من ليس فقيها خلافا للحنفية فيما يخالف القياس
____________________
(2/173)
لما تقدم مع جوابه و يقبل المتساهل في غير الحديث بأن يتجوز في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا من الخلل فيه بخلاف المتساهل فيه فيرد وقيل يرد المتساهل مطلقا أي في الحديث وغيره لأن التساهل في غير الحديث يجر إلى التساهل فيه و يقبل المكثر من الرواية وإن ندرت مخالطته للمحدثين أي والحال كذلك لكن إذا أمكن تحصيل ذلك القدر الكثير الذي رواه من الحديث في ذلك الزمان الذي خالط فيه المحدثين فإن لم يمكن فلا يقبل في شيء مما رواه لظهور كذبه في بعض لا تعلم عينه
وشرط الراوي العدالة وهي ملكة أي هيئة راسخة في النفس تمنع عن اقتراف الكبائر وصغائر الخسة كسرقة لقمة وتطفيف تمرة والرذائل المباحة أي الجائزة كالبول في الطريق الذي هو مكروه والأكل في السوق لغير سوقي
____________________
(2/174)
والمعنى عن اقتراف كل فرد من أفراد ما ذكر فباقتراف الفرد من ذلك تنتفي العدالة أما صغائر غير الخسة ككذبة لا يتعلق بها ضرر ونظرة إلى أجنبية فلا يشترط المنع عن اقتراف كل فرد منها فباقتراف الفرد منها لا تنتفي العدالة وفي نسخة قبل الرذائل وهوى النفس أي اتباعه وهو مأخوذ والد المصنف فقال لا بد منه فإن المتقي للكبائر وصغائر الخسة مع الرذائل المباحة قد يتبع هواه عند وجوده لشيء منها فيرتكبه ولا عدالة لمن هو بهذه الصفة وهذا صحيح في نفسه غير محتاج إليه مع ما ذكره المصنف لأن من عنده ملكة تمنعه عن اقتراف ما ذكر ينتفي عنه اتباع الهوى لشيء منه وإلا لوقع في المهوي فلا يكون عنده ملكة تمنع منه وتفرع على شرط العدالة ما ذكره بقوله فلا يقبل المجهول باطنا وهو المستور لانتفاء تحقق الشرط خلافا لأبي حنيفة وابن فورك وسليم أي الرازي في قولهم بقبوله اكتفاء بظن حصول الشرط فإنه يظن من عدالته في الظاهر عدالته في الباطن وقال إمام الحرمين يوقف عن القبول والرد
____________________
(2/175)
إلى أن يظهر حاله بالبحث عنه قال ويجب الانكفاف عما ثبت حله بالأصل إذا روى هو التحريم فيه إلى الظهور لحاله احتياطا واعترض ذلك المصنف مع قول الإبياري بالموحدة ثم التحتانية في شرح البرهان إنه مجمع عليه بأن اليقين لا يرفع بالشك يعني فالحل الثابت بالأصل لا يرفع بالتحريم المشكوك فيه كما لا يرفع اليقين أي استصحابه بالشك بجامع الثبوت أما المجهول ظاهرا وباطنا فمردود إجماعا لانتفاء تحقق العدالة وظنها وكذا مجهول العين كأن يقال فيه عن رجل مردود إجماعا لانضمام جهالة العين إلى جهالة الحال وإنما أفرده عما قبله ليبني عليه قوله فإن وصفه نحو الشافعي من أئمة الحديث الراوي عنه بالثقة
____________________
(2/176)
كقول الشافعي كثيرا أخبرني الثقة وكذلك مالك قليلا فالوجه قبوله وعليه إمام الحرمين لأن واصفه من أئمة الحديث لا يصفه بالثقة إلا وهو كذلك خلافا للصيرفي والخطيب البغدادي في قولهما لا يقبل لجواز أن يكون فيه جارح لم يطلع عليه الواصف
وأجيب ببعد ذلك جدا مع كون الواصف مثل الشافعي أو مالك محتجا به على حكم في دين الله تعالى وإن قال نحو الشافعي في وصفه لا أتهمه كقول الشافعي أخبرني من لا أتهمه فكذلك يقبل وخالف فيه الصيرفي وغيره لمثل ما تقدم فيكون هذا اللفظ توثيقا وقال الذهبي ليس توثيقا وإنما هو نفي للاتهام
وأجيب بأن ذلك إذا وقع من مثل الشافعي محتجا به على حكم في دين الله تعالى كان المراد به ما يراد بالوصف بالثقة
____________________
(2/177)
وإن كان دونه في الرتبة
ويقبل من أقدم جاهلا على فعل مفسق مظنون كشرب النبيذ أو مقطوع كشرب الخمر في الأصح سواء اعتقد الإباحة أم لم يعتقد شيئا لعذره بالجهل وقيل لا يقبل لارتكاب المفسق وإن اعتقد الإباحة وقيل يقبل في المظنون دون المقطوع أما المقدم على المفسق عالما بحرمته فلا يقبل قطعا
وقد اضطرب في الكبيرة فقيل هي ما توعد عليه بخصوصه في الكتاب أو السنة وقيل هي ما فيه حد قال الرافعي وهم إلى ترجيح هذا أميل والأول ما يوجد لأكثرهم وهو الأوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر و قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني والشيخ الإمام والد المصنف هي كل ذنب
____________________
(2/178)
ونفيا الصغائر نظرا إلى عظمة من عصى به عز وجل وشدة عقابه وعلى هذا يقال في تعريف العدالة بدل الكبائر وصغائر الخسة أكبر الكبائر وكبائر الخسة لأن بعض الذنوب لا يقدح في العدالة اتفاقا والمختار وفاقا لإمام الحرمين أنها كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة هذا بظاهره يتناول صغيرة الخسة والإمام إنما ضبط به ما يبطل العدالة من المعاصي الشامل لتلك لا الكبيرة فقط كما نقله المصنف استرواحا نعم هو أشمل من التعريفين الأولين ولما كان ظاهر كل من التعاريف أنه تعريف للكبيرة مع وجود الإيمان بدأ المصنف في تعديدها بما يلي الكفر الذي هو أعظم الذنوب فقال كالقتل أي عمدا كان أو شبه عمد بخلاف الخطأ كما صرح به شريح الروياني والزنا بالزاي روى الشيخان عن أبي عمر رضي الله عنهما قال قال رجل يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله قال أن تدعو لله ندا وهو خلقك قال ثم أي قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك
____________________
(2/179)
فأنزل الله عز وجل تصديقها والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون واللواط لأنه مضيع لماء النسل كالزنا وقد أهلك الله قوم لوط وهم أول من فعله بسببه كما قصه الله في كتابه العزيز
وشرب الخمر وإن لم تسكر لقلتها وهي المشتدة من ماء العنب ومطلق المسكر الصادق بالخمر وبغيرها كالمشتد من نقيع الزبيب المسمى قال صلى الله عليه وسلم إن على الله عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قالوا يا رسول الله وما طينة الخبال قال عرق أهل النار رواه مسلم أما شرب ما لا يسكر لقلته من غير الخمر فصغيرة والسرقة والغصب قال تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وقال صلى الله عليه وسلم من اقتطع شبرا من أرض ظلما طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين رواه الشيخان ولفظه لمسلم وقيد جماعة الغصب بما تبلغ قيمته ربع مثقال
____________________
(2/180)
كما يقطع به السرقة أما سرقة الشيء القليل فصغيرة قال الحليمي إلا إذا كان المسروق منه مسكينا لا غنى به عن ذلك فيكون كبيرة
والقذف قال الله تعالى إن الذين يرمون المحصنات نعم قال الحليمي قذف الصغيرة والمملوكة والحرة المتهتكة من الصغائر لأن الإيذاء في قذفهن دونه في الحرة الكبيرة المتسترة وقال ابن عبد السلام قذف المحصن في خلوة بحيث لا يسمعه إلا الله والحفظة ليس بكبيرة
____________________
(2/181)
موجبة للحد لانتفاء المفسدة أما قذف الرجل زوجته إذا أتت بولد يعلم أنه ليس منه فمباح وكذا جرح الراوي والشاهد بالزنا إذا علم بل هو واجب
والنميمة وهي نقل كلام بعض الناس إلى بعض على وجه الإفساد بينهم قال صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة نمام رواه الشيخان ورويا أيضا أنه صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير يعني عند الناس
زاد البخاري في رواية بلى إنه كبير يعني عند الله أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستبرئ من بوله أما نقل الكلام نصيحة للمنقول إليه فواجب كما في قوله تعالى حكاية يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ولم يذكر المصنف الغيبة وهي ذكر الشخص أخاه بما يكرهه وإن كان فيه والعادة قرنها بالنميمة لأن صاحب العدة قال إنها صغيرة وأقره الرافعي ومن تبعه لعموم البلوى بها فقل من يسلم منها نعم قال القرطبي في تفسيره إنها كبيرة بلا خلاف ويشملها تعريف الأكثر الكبيرة بما توعد عليه بخصوصه قال صلى الله عليه وسلم لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم رواه أبو داود وفي التنزيل ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا وتباح الغيبة في مواضع مذكورة في محلها
وشهادة الزور لأنه صلى الله عليه وسلم عدها في حديث من الكبائر
____________________
(2/182)
وفي آخر من أكبر الكبائر رواهما الشيخان وهل يتقيد المشهود به بقدر نصاب السرقة تردد فيه ابن عبد السلام وجزم القرافي بالنفي بل قال ولم تثبت إلا فلسا واليمين الفاجرة قال صلى الله عليه وسلم من حلف على مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان رواه الشيخان وقال من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة فقال له رجل وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله قال وإن كان قضيبا من أراك رواه مسلم
وقطيعة الرحم قال صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة قاطع رواه الشيخان قال سفيان بن عيينة في رواية يعني قاطع الرحم والقطيعة فعيلة من القطع ضد الوصل والرحم القرابة
والعقوق أي للوالدين لأنه صلى الله عليه وسلم عده في حديث من الكبائر وفي آخر من أكبر الكبائر رواهما الشيخان وأما حديثهما الخالة بمنزلة الأم وحديث البخاري عم الرجل صنو أبيه فلا يدلان على أنهما كالوالدين في العقوق والفرار من الزحف لأنه صلى الله عليه وسلم عده من السبع الموبقات أي المهلكات رواه الشيخان نعم يجب إذا علم أنه إذا ثبت يقتل من غير نكاية في العدو لانتفاء إعزاز الدين بثبوته ومال اليتيم أي أكله
____________________
(2/183)
مثلا قال تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما وقد عده صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات في الحديث السابق
____________________
(2/184)
فارغة
____________________
(2/185)
أما الكذب على غيره فصغيرة وضرب المسلم بلا حق قال صلى الله عليه وسلم صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات إلخ رواه مسلم وسب الصحابة قال صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه رواه الشيخان وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري أنه كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أحدا من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق إلخ الخطاب للصحابة السابين نزلهم لسبهم الذي لا يليق بهم منزلة غيرهم حيث علل بما ذكره وروى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى يقول من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب أي أعلمته بأني محارب له أي معاقب والصحابة من أوليائه تعالى وسبهم مشعر بمعاداتهم أما سب واحد من غير الصحابة فصغيرة وحديث الصحيحين سباب المسلم فسوق معناه تكرر السب
____________________
(2/186)
وكتمان الشهادة قال تعالى ومن يكتمها فإنه آثم قلبه أي ممسوخ والرشوة وهي أن يبذل مالا ليحق باطلا أو يبطل حقا قال صلى الله عليه وسلم لعنة الله على الراشي والمرتشي رواه ابن ماجه وغيره وزاد الترمذي في رواية في الحكم وحسنه والحاكم في رواية أيضا والرائش الذي يسعى بينهما وقال فيه بدون الزيادتين صحيح الإسناد وقال الترمذي فيه بدونهما حسن صحيح أما بذل مال للمتكلم في جائز مع السلطان مثلا فجعالة جائزة
والدياثة وهي استحسان الرجل على أهله وفي حديث ثلاثة لا يدخلون الجنة العاق والديه والديوث ورجلة النساء قال الذهبي إسناد صالح والقيادة وهي استحسان الرجل على غير أهله وهي مقيسة على الدياثة والسعاية وهي أن يذهب بشخص إلى ظالم ليؤذيه بما يقوله في حقه وفي نهاية الغريب حديث الساعي مثلث أي مهلك بسعايته
____________________
(2/187)
نفسه والمسعى به وإليه ومنع الزكاة قال صلى الله عليه وسلم ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره إلخ رواه الشيخان ويأس الرحمة قال تعالى إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون وأمن المكر بالاسترسال في المعاصي والاتكال على العفو قال تعالى فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون
والظهار كقول الرجل لزوجته أنت علي كظهر أمي قال الله تعالى فيه وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا أي حيث شبهوا الزوجة بالأم في التحريم ولحم الخنزير والميتة أي تناوله لغير ضرورة قال تعالى قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس وفطر رمضان من غير عذر لأن صومه من أركان الإسلام ففطره يؤذن بقلة اكتراث مرتكبه بالدين
والغلول وهو الخيانة من الغنيمة كما قاله أبو عبيدة قال تعالى ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة والمحاربة وهي قطع الطريق على المارين بإخافتهم قال تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا الآية والسحر والربا بالموحدة لأنه صلى الله عليه وسلم عدهما من السبع الموبقات في الحديث السابق وإدمان الصغيرة
____________________
(2/188)
أي المواظبة عليها من نوع أو أنواع وليست الكبائر منحصرة فيما عده كما أشار إليه بالكاف في أولها وما ورد من حديث الصحيحين الكبائر الإشراك بالله والسحر وعقوق الوالدين وقتل النفس زاد البخاري واليمين الغموس ومسلم بدلها وقول الزور وحديثهما اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات فمحمول على بيان المحتاج إليه منها وقت ذكره وقد قال ابن عباس هي إلى السبعين أقرب وسعيد بن جبير هي إلى السبعمائة أقرب يعني باعتبار أصناف أنواعها
مسألة الإخبار عن شيء عام للناس لا ترافع فيه إلى الحكام الرواية وخلافه وهو الإخبار عن خاص ببعض الناس يمكن الترافع فيه إلى الحكام الشهادة وخرج بإمكان الترافع الإخبار عن خواص النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(2/189)
فينبغي أن يزاد في التعريف الأول غالبا حتى لا يخرج منه الخواص ونفي الترافع فيه لبيان الواقع وما في المروي من أمر ونهي ونحوهما يرجع إلى الخبر بتأويل فتأويل أقيموا الصلاة ولا تقربوا الزنا مثلا الصلاة واجبة والزنا حرام وعلى هذا القياس وأشهد إنشاء تضمن الإخبار بالمشهود به لا محض إخبار أو إنشاء على المختار وهو ناظر إلى اللفظ لوجود مضمونه في الخارج به وإلى متعلقه
والثاني إلى المتعلق فقط
والثالث إلى اللفظ فقط وهو التحقيق فلم تتوارد الثلاثة على محل واحد
____________________
(2/190)
ولا منافاة بين كون أشهد إنشاء وكون معنى الشهادة إخبارا لأنه صيغة مؤدية لذلك المعنى بمتعلقه وصيغ العقود كبعت واشتريت وزوجت وتزوجت إنشاء لوجود مضمونها في الخارج بها خلافا لأبي حنيفة في قوله إنها إخبار على أصلها بأن يقدر وجود مضمونها في الخارج قبل التلفظ بها
قال القاضي أبو بكر الباقلاني يثبت
____________________
(2/191)
الجرح والتعديل بواحد في الرواية والشهادة نظرا إلى أن ذلك خبر وقيل في الرواية فقط أي بخلاف الشهادة رعاية للتناسب فيهما فإن الواحد يقبل في الرواية دون الشهادة وقيل لا فيهما نظرا إلى أن ذلك شهادة فلا بد فيه من العدد وقال القاضي أيضا يكفي الإطلاق فيهما أي في الجرح والتعديل فلا يحتاج إلى ذكر سببهما في الرواية والشهادة اكتفاء بعلم الجارح والمعدل به وقيل يذكر سببهما ولا يكفي إطلاقهما لاحتمال أن يجرح بما ليس بجرح وأن يبادر إلى التعديل عملا بالظاهر وقيل يذكر سبب التعديل فقط أي دون سبب الجرح لأن مطلق الجرح يبطل الثقة ومطلق التعديل لا يحصلها لجواز الاعتماد فيه على الظاهر وعكس الشافعي رضي الله عنه فقد يذكر سبب الجرح
____________________
(2/192)
للاختلاف فيه دون سبب التعديل وهو أي عكس الشافعي المختار في الشهادة وأما الرواية فيكفي الإطلاق فيها للجرح كالتعديل إذا عرف مذهب الجارح
____________________
(2/193)
من أنه لا يجرح إلا بقادح ولا يكتفى بمثل ذلك في الشهادة لتعلق الحق فيها بالمشهود له وقول الإمامين أي إمام الحرمين والإمام الرازي يكفي إطلاقهما أي الجرح والتعديل للعالم بسببهما أي منه ولا يكفي من غيره هو رأي القاضي المتقدم إذ لا تعديل وجرح إلا من العالم بسببهما فلا يقال إنه غيره وإن ذكره معه ابن الحاجب وغيره
والجرح مقدم عند التعارض على التعديل إن كان عدد الجارح أكثر من عدد المعادل إجماعا وكذا إن تساويا أي عدد الجارح وعدد المعدل أو كان الجارح أقل عددا من المعدل لاطلاع الجارح على ما لم يطلع عليه المعدل وقال ابن شعبان من المالكية يطلب الترجيح في القسمين كما هو حاصل في الأول بكثرة عدد الجارح وعلى وزانه قال بعضهم إن التعديل في الثالث مقدم ومن التعديل لشخص حكم مشترط للعدالة في الشاهد بالشهادة من ذلك الشخص إذ لو لم يكن عدلا عنده لما حكم بشهادته وكذا عمل العالم المشترط للعدالة
____________________
(2/194)
في الراوي برواية شخص تعديلا له في الأصح وإلا لما عمل بروايته وقيل ليس تعديلا له والعمل بروايته يجوز أن يكون احتياطا ورواية من لا يروي إلا للعدل أي عنه بأن صرح بذلك أو عرف من عادته عن شخص تعديل له كما لو قال هو عدل وقيل لا لجواز أن يترك عادته وليس من الجرح لشخص ترك العمل بمرويه و ترك الحكم بمشهوده لجواز أن يكون الترك لمعارض ولا الحد له في شهادة الزنا بأن لم يكمل نصابها لأنه لانتفاء النصاب و لا في نحو شرب النبيذ من المسائل الاجتهادية المختلف فيها كنكاح المتعة لجواز أن يعتقد إباحة ذلك ولا التدليس فيمن روي عنه بتسمية غير مشهورة له حتى لا يعرف إذ لا خلل في ذلك قال ابن السمعاني إلا أن يكون بحيث لو سئل عنه لم يبينه فإن صنيعه حينئذ جرح له لظهور الكذب فيه
وأجيب بمنع ذلك فترك الاستثناء أظهر منه ولا التدليس بإعطاء شخص اسم آخر تشبيها كقولنا أخبرنا أبو عبد الله الحافظ يعني الذهبي تشبيها بالبيهقي في قوله حدثنا أبو عبد الله الحافظ يعني به الحاكم لظهور المقصود ولا التدليس بإيهام اللقى والرحلة الأول كقوله من عاصر الزهري مثلا ولم يلقه
____________________
(2/195)
قال الزهري موهما أي موقعا في الوهم أي الذهن أنه سمعه والثاني نحو أن يقال حدثنا وراء النهر موهما جيحون والمراد أنهر مصر كأن يكون بالجيزة لأن ذلك من المعاريض لا كذب فيه أما مدلس المتون وهو من يدرج كلامه معها بحيث لا يتميزان فمجروح لإيقاعه غيره في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسألة
الصحابي أي الشخص الذي يسمى صحابيا أي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(2/196)
من اجتمع حال كونه مؤمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم ذكرا كان أو أنثى فخرج من اجتمع به كافرا فليس بصاحب له لعداوته وفصل بين الفعل ومتعلقه بالحال لتلي صاحبها وهو ضمير اجتمع وعدل عن قول ابن الحاجب وغيره من رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليشمل الأعمى من أول الصحبة كابن أم مكتوم وإن لم يرو عنه شيئا ولم يطل
____________________
(2/197)
بضم الياء أي اجتماعه به بخلاف التابعي مع الصحابي وهو صاحبه فلا يكفي في صدق اسم التابعي على الشخص اجتماعه بالصحابي من غير إطالة للاجتماع به نظرا للعرف في الصحبة وإن قيل يكفي كالأول والفرق أن الاجتماع بالمصطفى صلى الله عليه وسلم يؤثر من النور القلبي أضعاف ما يؤثره الاجتماع الطويل بالصحابي وغيره من الأخبار فالأعرابي الجلف بمجرد ما يجتمع بالمصطفى صلى الله عليه وسلم مؤمنا ينطق بالحكمة ببركة طلعته صلى الله عليه وسلم وقيل يشترطان أي المذكوران من الرواية وإطالة الاجتماع في صدق اسم الصحابي نظرا في الإطالة إلى العرف وفي الرواية إلى أنها المقصود الأعظم من صحبة النبي صلى الله عليه وسلم لتبليغ الأحكام وقيل يشترط أحدهما فقط يعني قال بعضهم يشترط الإطالة وهذا مشهور وبعضهم يشترط الرواية ولو لحديث كما حكاه بعض المتأخرين وقيل يشترط في صدق اسم الصحابي الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم أو سنة أي مضيها على الاجتماع به لأن لصحبة النبي صلى الله عليه وسلم شرفا عظيما فلا ينال إلا باجتماع طويل يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص كالغزو المشتمل على السفر الذي هو قطعة من العذاب والسنة المشتملة على الفصول الأربعة التي يختلف فيها المزاج واعترض على التعريف بأنه يصدق على من مات مرتدا كعبد الله بن خطل ولا يسمى صحابيا بخلاف من مات بعد ردته مسلما كعبد الله بن أبي سرح ويجاب بأنه كان يسمى قبل الردة ويكفي ذلك في صحة التعريف إذ لا يشترط فيه الاحتراز عن المنافي المعارض ولذلك لم يحترزوا في تعريف المؤمن
____________________
(2/198)
عن الردة العارضة لبعض أفراده ومن زاد من متأخري المحدثين كالعراقي في التعريف ومات مؤمنا للاحتراز عمن ذكر أراد تعريف من يسمى صحابيا بعد انقراض الصحابة لا مطلقا وإلا لزمه أن لا يسمى الشخص صحابيا حال حياته ولا يقول بذلك أحد وإن كان ما أراده ليس من شأن التعريف ولو ادعى المعاصر للنبي صلى الله عليه وسلم العدل الصحبة له قبل وفاقا للقاضي أبي بكر الباقلاني لأن عدالته تمنعه من الكذب في ذلك وقيل لا يقبل لادعائه لنفسه رتبة هو فيها متهم كما قال أنا عدل
____________________
(2/199)
والأكثر من العلماء السلف والخلف على عدالة الصحابة فلا يبحث عنها في رواية ولا شهادة لأنهم خير الأمة قال صلى الله عليه وسلم خير أمتي قرني رواه الشيخان ومن طرأ له منهم قادح كسرقة أو زنا عمل بمقتضاه وقيل هم كغيرهم فيبحث عن العدالة فيهم في الرواية والشهادة إلا من يكون ظاهر العدالة أو مقطوعها كالشيخين رضي الله عنهما وقيل هم عدول إلى حين قتل عثمان رضي الله عنه ويبحث عن عدالتهم من حين قتله لوقوع الفتن بينهم من حينئذ وفيهم الممسك عن حوضها وقيل هم عدول إلا من قاتل عليا رضي الله عنه فهم فساق لخروجهم على الإمام ورد بأنهم مجتهدون في قتالهم له فلا يأثمون وإن أخطئوا بل يؤجرون كما سيأتي في العقائد
____________________
(2/200)
مسألة المرسل قول غير الصحابي تابعيا كان أو ممن بعده قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا مسقطا الواسطة بينه وبين النبي هذا اصطلاح الأصوليين وأما اصطلاح المحدثين فهو قول التابعي قال المصنف فإن كان القول من تابع التابعين فمنقطع أو ممن بعدهم فمعضل أي بفتح الضاد وهو ما سقط منه
____________________
(2/201)
راويان فأكثر والمنقطع ما سقط منه راو فأكثر وعرفه العراقي بما سقط منه واحد غير الصحابي لينفرد عن المعضل والمرسل واحتج به أبو حنيفة ومالك وأحمد في أشهر الروايتين عنه والآمدي مطلقا قالوا لأن العدل لا يسقط الواسطة بينه وبين النبي إلا وهو عدل عنده وإلا كان ذلك تلبيسا قادحا فيه وقوم إن كان المرسل من أئمة النقل كسعيد بن المسيب والشعبي بخلاف من لم يكن منهم فقد يظن من ليس بعدل عدلا فيسقطه لظنه ثم هو على الاحتجاج به أضعف من المسند أي الذي اتصل سنده فلم يسقط منه أحد خلافا لقوم في قولهم إنه أقوى من المسند قالوا لأن العدل لا يسقط إلا من يجزم بعدالته بخلاف من يذكره فيحل الأمر فيه على غيره وأجيب بمنع ذلك والصحيح رده وعليه الأكثر منهم الإمام الشافعي والقاضي أبو بكر الباقلاني قال مسلم في صدر صحيحه وأهل العلم بالأخبار للجهل بعدالة الساقط وإن كان صحابيا لاحتمال أن يكون ممن طرأ له قادح فإن كان المرسل لا يروي إلا عن عدل كأن عرف ذلك من عادته
____________________
(2/202)
كابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن يرويان عن أبي هريرة قبل مرسله لانتفاء المحذور وهو حينئذ مسند حكما لأن إسقاط العدل كذكره وإن عضد مرسل كبار التابعين كقيس بن أبي حازم وأبي عثمان النهدي وأبي رجاء العطاردي ضعيف يرجح أي صالح للترجيح كقول الصحابي أو فعله قول الأكثر من العلماء ليس فيهم صحابي أو إسناد من مرسله أو غيره بأن يشتمل على ضعف أو إرسال بأن يرسله آخر يروي عن غير شيوخ الأول أو قياس معنى أو انتشار له من غير نكير أو عمل أهل العصر على وفقه كان المجموع من المرسل والمنضم إليه العاضد له حجة وفاقا للشافعي رضي الله عنه لا مجرد المرسل ولا مجرد المنضم إليه لضعف كل منهما على انفراده
____________________
(2/203)
ولا يلزم من ذلك ضعف المجموع لأنه يحصل من اجتماع الضعيفين قوة مفيدة للظن ومن الشائع ضعيفان يغلبان قويا أما مرسل صغار التابعين كالزهري ونحوه فباق على الرد مع العاضد لشدة ضعفه فإن تجرد المرسل عن العاضد ولا دليل في الباب سواه ومدلوله المنع من شيء فالأظهر الانكفاف عن ذلك الشيء لأجله احتياطا وقيل لا يجب الانكفاف لأنه ليس بحجة حينئذ
مسألة الأكثر من العلماء منهم الأئمة الأربعة على جواز نقل الحديث بالمعنى للعارف
____________________
(2/204)
بمدلولات الألفاظ أو مواقع الكلام بأن يأتي بلفظ بدل آخر مساو له في المراد منه وفهمه لأن المقصود المعنى واللفظ آلة له أما غير العارف فلا يجوز له تغيير اللفظ قطعا وسواء في الجواز نسي الراوي اللفظ أم لا وقال الماوردي يجوز إن نسي اللفظ فإن لم ينسه فلا لفوات الفصاحة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقيل يجوز إن كان موجبه أي الحديث علما أي اعتقادا فإن كان موجبه عملا فلا يجوز في بعض كحديث أبي داود وغيره مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم وحديث الصحيحين خمس من الدواب كلهن فواسق يقتلن في الحل والحرم الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور ويجوز في بعض وقيل يجوز بلفظ مرادف وعليه الخطيب البغدادي بأن يؤتى بلفظ بدل مرادفه مع بقاء التركيب وموقع الكلام على حاله بخلاف ما إذا لم يؤت بلفظ مرادف بأن يغير الكلام فلا يجوز لأنه قد لا يوفي بالمقصود ومنعه أي النقل مطلقا ابن سيرين وثعلب والرازي من الحنفية وروى المنع عن ابن عمر رضي الله عنهما حذرا من التفاوت وإن ظن الناقل عدمه فإن العلماء كثيرا ما يختلفون في معنى الحديث المراد
وأجيب بأن الكلام في المعنى الظاهر لا فيما يختلف فيه كما أنه ليس الكلام فيما تعبد بألفاظه
____________________
(2/205)
كالأذان والتشهد والتكبير والتسليم مسألة الصحيح يحتج بقول الصحابي قال النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ظاهر في سماعه منه وقيل لا يحتج به لاحتمال أن يكون بينه وبينه صحابي آخر وقلنا يبحث عن عدالة الصحابة أو تابعي وكذا بقوله عن أي عن النبي على الأصح لظهوره في السماع منه أيضا وإن كان دون الأول وقيل لا لظهوره في الواسطة على ما سبق وكذا بقوله سمعته أمر ونهى لظهوره في صدور أمر ونهي منه وقيل لا لجواز أن يطلقهما الراوي على ما ليس بأمر ولا نهي تسمحا أو أمرنا أو نهينا أو أوجب أو حرم وكذا رخص ببناء الجميع للمفعول في الأظهر لظهور أن فاعلها النبي صلى الله عليه وسلم وقيل لا لاحتمال أن يكون الآمر والناهي بعض الولاة والإيجاب والتحريم والترخيص استنباطا من قائله والأكثر يحتج بقوله أيضا من السنة لظهوره في سنة النبي وقيل لا لجواز إرادة سنة البلد فكنا معاشر الناس نفعل في عهده صلى الله عليه وسلم أو كان الناس يفعلون في عهده صلى الله عليه وسلم فكنا نفعل في عهده صلى الله عليه وسلم لظهوره في تقرير النبي وقيل لا لجواز أن لا يعلم به فكان الناس يفعلون فكانوا لا يقطعون
____________________
(2/206)
في الشيء التافه قالته عائشة لظهور ذلك في جميع الناس الذي هو إجماع وقيل لا لجواز إرادة ناس مخصوصة وعطف الصور بالفاء للإشارة إلى أن كل صورة دون ما قبلها في الرتبة ومن ذلك يستفاد حكاية الخلاف الذي في الأول في غيرها وقد تقدم بيانه خاتمة مستند غير الصحابي في الرواية قراءة الشيخ عليه إملاء وتحديثا من غير إملاء فقراءته عليه أي على الشيخ فسماعه بقراءة غيره على الشيخ فالمناولة مع الإجازة كأن يدفع له الشيخ أصل سماعه أو فرعا مقابلا به ويقول له أجزت لك روايته عني فالإجازة من غير مناولة لخاص في خاص نحو أجزت لك رواية البخاري فخاص في عام نحو أجزت لك رواية جميع مسموعاتي فعام في خاص نحو أجزت لمن أدركني رواية مسلم فعام في عام نحو أجزت لمن عاصرني رواية جميع مروياتي فلفلان ومن يوجد من نسله تبعا له فالمناولة من غير إجازة فالإعلام كأن يقول هذا الكتاب من مسموعاتي على فلان فالوصية كأن يوصي بكتاب إلى غيره عند سفره أو موته فالوجادة كأن يجد كتابا أو حديثا بخط شيخ معروف
____________________
(2/207)
ومنع إبراهيم الحربي وأبو الشيخ الأصفهاني والقاضي الحسين والماوردي الإجازة أقسامها السابقة و منع قوم العامة منها دون الخاصة و منع القاضي أبو الطيب إجازة من يوجد من نسل زيد وهو الصحيح والإجماع على منع إجازة من يوجد مطلقا أي من غير التقييد بنسل فلان وعطف الأقسام بالفاء إشارة إلى أن كل قسم دون ما يليه في الرتبة ومن ذلك مع حكاية الخلاف في الإجازة يستفاد حكاية خلاف فيما بعدها وهو الصحيح وألفاظ الرواية أو الألفاظ التي تؤدى بها الرواية من صناعة المحدثين فليطلبها منهم من يريدها منها على ترتيب ما تقدم أملى علي حدثني قرأت عليه قرئ عليه وأنا أسمع أخبرني إجازة ومناولة أخبرني إجازة أنبأني مناولة أخبرني إعلاما أوصى إلي وجدت بخطه
____________________
(2/208)
الكتاب الثالث في الإجماع من الأدلة الشرعية
____________________
(2/209)
وهو اتفاق مجتهد الأمة بعد وفاة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم في عصر على أي أمر كان وشرح المصنف هذا الحد بانيا عليه معظم مسائل المحدود وناهيك بحسن ذلك
فقال فعلم اختصاصه أي الإجماع بالمجتهدين بأن لا يتجاوزهم إلى غيرهم وهو أي الاختصاص بهم اتفاق
____________________
(2/210)
أي فلا عبرة باتفاق غيرهم وهل يعتبر وفاق غيرهم لهم نبه عليه بقوله واعتبر قوم وفاق العوام للمجتهدين مطلقا أي المشهور والخفي وقوم في المشهور دون الخفي كدقائق الفقه بمعنى إطلاق أن الأمة أجمعت أي ليصح هذا الإطلاق لا بمعنى افتقار الحجة اللازمة للإجماع إليهم خلافا للآدمي في قوله بالثاني ويدل له التفرقة بين المشهور والخفي و اعتبر آخرون الأصولي في الفروع فيعتبر وفاقه للمجتهدين فيها لتوقف استنباطها على الأصول والصحيح المنع لأنه عامي بالنسبة إليها
و علم اختصاص الإجماع بالمسلمين لأن الإسلام شرط في الاجتهاد المأخوذ في تعريفه فخرج من نكره ببدعته فلا عبرة بوفاقه ولا خلافه
و علم اختصاصه بالعدول إن كانت العدالة ركنا في الاجتهاد وعدمه أي عدم الاختصاص بهم إن لم تكن ركنا في الاجتهاد وهو الصحيح كما سيأتي في بابه فحصل مما ذكر أن في اعتبار وفاق الفاسق قولين وزاد عليهما قوله وثالثها أي الأقوال في الفاسق يعتبر وفاقه في حق نفسه دون غيره فيكون إجماع العدول حجة عليه إن وافقهم وعلى غيره مطلقا ورابعها يعتبر وفاقه إن بين مأخذه في مخالفته بخلاف ما إذا لم يبينه إذ ليس عنده ما يمنعه عن أن يقول شيئا من غير دليل
و علم أنه لا بد من الكل
____________________
(2/211)
لأن إضافة مجتهد إلى الأمة تفيد العموم وعليه الجمهور فتضر مخالفة الواحد وثانيها أي الأقوال يضر الاثنان دون الواحد وثالثها تضر الثلاثة دون الواحد والاثنين ورابعها يضر بالغ عدد التواتر دون من لم يبلغه إذا كان غيرهم أكثر منهم وخامسها تضر مخالفة من خالف إن ساغ الاجتهاد في مذهبه بأن كان للاجتهاد فيه مجال كقول ابن عباس بعدم العول فإن لم يسع كقوله بجواز ربا الفضل فلا تضر مخالفته وسادسها تضر مخالفة من خالف ولو كان واحدا في أصول الدين لخطره دون غيره من العلوم وسابعها لا يكون الاتفاق مع مخالفة البعض إجماعا بل يكون حجة اعتبارا للأكثر
و علم أنه أي الإجماع لا يختص بالصحابة لصدق مجتهد الأمة في عصر بغيرهم وخالف الظاهرية فقالوا يختص بها لكثرة غيرهم كثرة لا تنضبط فيبعد اتفاقهم على شيء
و علم عدم انعقاده في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من قوله بعد وفاته ووجهه أنه إن وافقهم فالحجة في قوله وإلا فلا اعتبار بقولهم دونه
و علم أن التابعي المجتهد وقت اتفاق الصحابة معتبر معهم لأنه من مجتهدي الأمة في عصر فإن نشأ بعد بأن لم يصر التابعي مجتهدا إلا بعد اتفاقهم فعلى الخلاف أي فاعتبار وفاقه لهم مبني على الخلاف في انقراض العصر إن اشترط اعتبر وإلا وهو الصحيح فلا
و علم إجماع كل من أهل المدينة النبوية
____________________
(2/212)
وأهل البيت النبوي وهم فاطمة وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم والخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم والشيخين أبي بكر وعمر وأهل الحرمين مكة والمدينة وأهل المصرين الكوفة والبصرة غير حجة لأنه اتفاق بعض مجتهد الأمة لا كلهم
وإن الإجماع المنقول بالآحاد حجة لصدق التعريف به وهو الصحيح في الكل وقيل إن الإجماع في الأخيرة ليس بحجة لأن الإجماع قطعي فلا يثبت بخبر الواحد وقيل إنه فيما قبل الأخيرة من الست حجة أما في الأولى فلحديث الصحيحين إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها والخطأ خبث فيكون منفيا عن أهلها
وأجيب بصدوره منهم بلا شك لانتفاء عصمتهم فيحمل الحديث على أنها في نفسها فاضلة مباركة
وأما في الثانية فلقوله تعالى إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا والخطأ رجس فيكون منفيا عنهم وهم من تقدم لما روى الترمذي عن عمر بن أبي سلمة أنه لما نزلت هذه الآية لف النبي صلى الله عليه وسلم عليهم كساء وقال هؤلاء أهل بيتي وخاصتي اللهم أذهب عنهم
____________________
(2/213)
الرجس وطهرهم تطهيرا وروى مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا
وأجيب بمنع أن الخطأ رجس والرجس قيل العذاب وقيل الإثم وقيل كل مستقذر ومستنكر وأما في الثالثة فلقوله صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ رواه الترمذي وغيره وصححه وقال الخلافة من بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا أي تصير أخرجه أبو حاتم وأحمد في المناقب وكانت مدة الأربعة هذه المدة إلا ستة أشهر مدة الحسن بن علي فقد حث على اتباعها فينتفي عنهم الخطأ
وأجيب بمنع انتفائه وأما في الرابعة فلقوله صلى الله عليه وسلم اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر رواه الترمذي وغيره وحسنه أمر بالاقتداء بهما فينتفي عنهما الخطأ
وأجيب بمنع انتفائه وأما في الخامسة والسادسة فلأن إجماع من ذكر فيها إجماع الصحابة لأنهم كانوا بالحرمين وانتشروا إلى المصرين
وأجيب على تقدير تسليم ذلك بأنهم بعض المجتهدين في عصرهم على أن فيما ذكر تخصيص الدعوى بعصر الصحابة
و علم أنه لا يشترط في المجمعين عدد التواتر لصدق مجتهد الأمة بما دون ذلك وخالف إمام الحرمين فشرط ذلك نظرا للعادة
و علم أنه لم يكن في العصر إلا مجتهد واحد لم يحتج به أقل ما يصدق به اتفاق مجتهد الأمة اثنان وهو أي عدم الاحتجاج به المختار لانتفاء الإجماع عن الواحد وقيل يحتج به وإن لم يكن إجماعا لانحصار الاجتهاد فيه
____________________
(2/214)
و علم أن انقراض العصر بموت أهله لا يشترط في انعقاد الإجماع لصدق تعريفه مع بقاء المجمعين ومعاصريهم وخالف أحمد وابن فورك وسليم الرازي فشرطوا انقراض كلهم أي كل أهل العصر أو غالبهم أو علمائهم كلهم أو غالبهم
أقوال اعتبار العامي والنادر
____________________
(2/215)
هل يعتبران أو لا يعتبران كما تقدم أو يعتبر العامي دون النادر أو العكس كما يستفاد من جمع المسألتين فينبني على الأولين الأول والرابع وعلى الأخيرين الثاني والثالث واستدلوا على اشتراط الانقراض في الجملة بأنه يجوز أن يطرأ لبعضهم ما يخالف اجتهاده الأول فيرجع عنه جوازا بل وجوبا
وأجيب بمنع جواز الرجوع عنه للإجماع عليه
وقيل يشترط الانقراض في الإجماع السكوتي لضعفه بخلاف القولي وسيأتي وقيل يشترط الانقراض إن كان فيه أي في المجمع عليه مهلة بخلاف ما لا مهلة فيه كقتل النفس واستباحة الفرج إذ لا يصدر إلا بعد إمعان النظر وقيل يشترط الانقراض إن بقي منهم أي من المجمعين كثير كعدد التواتر بخلاف القليل إذ لا اعتبار به
____________________
(2/216)
فالمشترط حينئذ انقراض ما عدا القليل
و علم أنه لا يشترط في انعقاد الإجماع تمادي الزمن عليه لصدق تعريفه مع انتفاء التمادي عليه كأن مات المجمعون عقبه بخرور سقف أو غير ذلك وشرطه أي التمادي إمام الحرمين في الإجماع الظني ليستقر الرأي عليه كالقطعي وسيأتي التمييز بينهما
و علم أن إجماع الأمم السابقين على أمة محمد صلى الله عليه وسلم غير حجة في ملته حيث أخذ أمته في التعريف وهو الأصح لاختصاص دليل حجية الإجماع بأمته كحديث ابن ماجه وغيره إن أمتي لا تجتمع على ضلالة وقيل إنه حجة بناء على أن شرعهم شرع لنا وسيأتي الكلام فيه
و علم أنه أي الإجماع قد يكون عن قياس لأن الاجتهاد المأخوذ في تعريفه لا بدله من مستند كما سيأتي والقياس من جملته خلافا لمانع جواز ذلك أي الإجماع عن قياس أو مانع وقوعه مطلقا أو في القياس الخفي دون الجلي وسيأتي التمييز بينهما والإطلاق والتفصيل راجعان إلى كل من الجواز والوقوع
____________________
(2/217)
ووجه المنع في الجملة أن القياس لكونه ظنيا في الأغلب يجوز مخالفته لأرجح منه فلو جاز الإجماع عنه لجاز مخالفته الإجماع
وأجيب بأنه إنما يجوز مخالفة القياس إذا لم يجمع على ما ثبت به وقد أجمع على تحريم شحم الخنزير قياسا على لحمه وعلى إراقة نحو الزيت إذا وقعت فيه فأرة قياسا على السمن
و علم أن اتفاقهم أي المجتهدين في عصر على أحد القولين لهم قبل استقرار الخلاف بينهم بأن قصر الزمان بين الاختلاف والاتفاق جائز ولو كان الاتفاق من الحادث بعدهم إن ماتوا ونشأ غيرهم فإنه يعلم جوازه أيضا لصدق تعريف الإجماع على كل من هذين الاتفاقين ووجه الجواز أنه يجوز أن يظهر مستند جلي يجمعون عليه
____________________
(2/218)
وقد أجمعت الصحابة على دفنه صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة بعد اختلافهم الذي لم يستقر
وأما الاتفاق بعده أي بعد استقرار الخلاف منهم هو قيد للاتفاق المقدر فمنعه الإمام الرازي مطلقا وجوز الآمدي مطلقا وقيل يجوز إلا أن يكون مستندهم في الاختلاف قاطعا فلا يجوز حذرا من إلغاء القاطع واحتج المانع بأن استقرار الخلاف بينهم يتضمن اتفاقهم على جواز الأخذ بكل من شقي الخلاف باجتهاد أو تقليد فيمتنع اتفاقهم بعد على أحد الشقين
وأجاب المجوز بأن تضمن ما ذكر مشروط بعدم الاتفاق بعد على أحد الشقين فإذا وجد
____________________
(2/219)
فلا اتفاق قبله والخلاف مبني على أنه لا يشترط انقراض العصر فإن اشترط جاز الاتفاق مطلقا قطعا وفيما نسبه المصنف إلى الإمام والآمدي انقلاب والواقع أن الإمام جوز والآمدي منع
وأما الاتفاق من غيرهم أي من غير المختلفين بعد استقرار الخلاف بأن ماتوا ونشأ غيرهم فالأصح أنه ممتنع إن طال الزمان أي زمان الاختلاف إذ لو انقدح وجه في سقوطه لظهر للمختلفين بخلاف ما إذا قصر فقد لا يظهر
____________________
(2/220)
لهم ويظهر لغيرهم وقيل يجوز مطلقا لجواز ظهور سقوط الخلاف لغير المختلفين دونهم مطلقا
و علم أن التمسك بأقل ما قيل حق لأنه تمسك بما أجمع عليه مع ضميمة أن الأصل عدم وجوب ما زاد عليه مثاله أن العلماء اختلفوا في دية الذمي الواجبة على قاتله فقيل كدية المسلم وقيل كنصفها وقيل كثلثها فأخذ به الشافعي للاتفاق على وجوبه ونفى وجوب الزائد عليه بالأصل فإن دل دليل على وجوب الأكثر أخذ به كما في غسلات ولوغ الكلب قيل إنها ثلاث وقيل إنها سبع ودل حديث الصحيحين على سبع فأخذ به
أما الإجماع السكوتي بأن يقول بعض المجتهدين حكما ويسكت الباقون عنه بعد العلم به إلى آخر ما سيأتي في صورته
____________________
(2/221)
فثالثهما أي الأقوال فيه أنه حجة لا إجماع وثانيها أنه حجة وإجماع لأن سكوت العلماء في مثل ذلك يظن منه الموافقة عادة ونفى الثالث اسم الإجماع لاختصاص مطلقه عنده بالقطعي أي المقطوع فيه بالموافقة بخلاف الثاني كما سيأتي وأولها ليس بحجة ولا إجماع لاحتمال السكوت لغير الموافقة كالخوف والمهابة والتردد في المسألة ونسب هذا القول للشافعي أخذا من قوله لا ينسب إلى ساكت قول ورابعها
____________________
(2/222)
أنه حجة بشرط الانقراض لا من ظهور المخالفة بينهم بعده بخلاف ما قبله وقال ابن أبي هريرة إنه حجة إن كان فتيا لا حكما لأن الفتيا يبحث فيها عادة فالسكوت عنها رضا بها بخلاف الحكم و قال أبو إسحاق المروزي عكسه أي أنه حجة إن كان حكما لصدوره عادة بعد البحث مع العلماء واتفاقهم بخلاف الفتيا و قال قوم إنه حجة إن وقع فيما يفوت استدراكه كإراقة دم واستباحة فرج لأن ذلك لخطره لا يسكت عنه إلا راض به بخلاف غيره و قال قوم إنه حجة إن وقع في عصر الصحابة لأنهم لشدتهم في الدين لا يسكتون عما لا يرضون به بخلاف غيرهم فقد يسكتون و قال قوم إنه حجة إن كان الساكتون أقل من القائلين نظرا للأكثر
____________________
(2/223)
وهو قول من قال إن مخالفة الأقل لا تضر والصحيح أنه حجة مطلقا وهو ما اتفق عليه القول الثاني والثالث وقال الرافعي إنه المشهور
____________________
(2/224)
عند الأصحاب قال وهل هو إجماع فيه وجهان وفي تسميته إجماعا خلاف لفظي وهو ما اختلف فيه القول الثاني والثالث قيل لا يسمى لاختصاص مطلق اسم الإجماع بالقطعي أي المقطوع فيه بالموافقة وقيل يسمى لشمول الاسم له وإنما يقيد بالسكوتي لانصراف المطلق إلى غيره وفي كونه إجماعا حقيقة تردد مثاره أن السكوت المجرد عن أمارة رضا وسخط مع بلوغ الكل أي كل المجتهدين الواقعة ومضي مهلة النظر عادة عن مسألة اجتهادية تكليفية قال فيها بعضهم بحكم وعلم به الساكتون وهو صورة السكوتي هل يغلب ظن الموافقة أي موافقة الساكتين للقائلين قيل نعم نظرا للعادة في مثل ذلك فيكون إجماعا حقيقة لصدق تعريفه عليه وإن نفى بعضهم مطلق اسم الإجماع عنه وقيل لا فلا يكون إجماعا حقيقة فلا يحتج به ويؤخذ تصحيح الأول من تصحيح أنه حجة لأن مدركه المذكور هو مدرك ذاك
____________________
(2/225)
وفي هذا الكلام تحقيق لحاصل الأقوال الثلاثة المصدر بها المسألة وبيان لمدركه وفيما قبله تحرير لما اتفق منها وما اختلف وكل ذلك من وظيفة الشارح زاده على غيره ولو أخر قوله مع بلوغ الكل وما عطف عليه عن قوله تكليفية لسلم من الركاكة ولو قال هل يظن منه الموافقة بدل ما قاله لسلم من التكلف في تأويله بأن يقال هل يغلب احتمال الموافقة أي يجعله غالبا أي راجحا على مقابله واحترز عن السكوت المقترن بإمارة الرضا فإنه إجماع قطعا أو السخط فليس بإجماع قطعا وعما إذا لم تبلغ المسألة كل المجتهدين أو لم يمض زمن مهلة النظر فيها عادة فلا يكون في محل الإجماع السكوتي وعما إذا لم تكن في محل الاجتهاد
____________________
(2/226)
بأن كانت قطعية أو لم تكن تكليفية نحو عمار أفضل من حذيفة أو العكس فالسكوت على القول في الأولى بخلاف المعلوم فيها وعلى ما قيل في الثانية لا يدل على شيء وإنما فضل السكوتي بأما عن المعطوفات بالواو للخلاف في كونه حجة وإجماعا وأتبعه بقوله وكذا الخلاف فيما لم ينتشر مما قيل بأن لم يبلغ الكل ولم يعرف فيه مخالف قيل إنه حجة لعدم ظهور خلاف فيه وقال الأكثر ليس بحجة لاحتمال أن لا يكون غير القائل خاض فيه ولو خاض فيه لقال بخلاف قول ذلك القائل وقال الإمام الرازي ومن تبعه إنه حجة فيما تعم به البلوى كنقض الوضوء بمس الذكر لأنه لا بد من خوض غير القائل فيه ويكون بالموافقة لانتفاء ظهور المخالفة بخلاف ما لم تعم به البلوى فلا يكون حجة فيه ولم يزد المصنف في شرحيه على هذه الأقوال الثلاثة فيكون مراده هنا الخلاف في أصل الحجية من غير رعاية للتفاصيل السابقة في السكوتي
و علم أنه أي الإجماع قد يكون في أمر دنيوي كتدبير الجيوش والحروب وأمور الرعية وديني كالصلاة والزكاة وعقلي لا تتوقف صحته أي الإجماع عليه كحدوث العالم
____________________
(2/227)
ووحدة الصانع لشمول أي أمر المأخوذ في تعريفه لذلك أما ما تتوقف صحة الإجماع عليه كثبوت الباري والنبوة فلا يحتج فيه بإجماع وإلا لزم الدور
ولا يشترط فيه أي في الإجماع إمام معصوم وقال الروافض يشترط ولا يخلو الزمان عنه وإن لم تعلم عينه والحجة في قوله فقط وغيره تبع له
____________________
(2/228)
ولا بد له أي للإجماع من مستند وإلا لم يكن لقيد الاجتهاد المأخوذ في تعريفه معنى وهو الصحيح فإن القول في الدين بلا مستند خطأ وقيل يجوز أن يحصل من غير مستند بأن يلهموا الاتفاق على صواب وادعى قائله وقوع صور من ذلك كما قال المصنف معترضا به على الآمدي في قوله الخلاف في الجواز دون الوقوع
مسألة الصحيح إمكانه أي الإجماع وقيل إنه ممتنع عادة
____________________
(2/229)
كالإجماع على أكل طعام واحد وقول كلمة واحدة في وقت واحد
وأجيب بأن هذا لا جامع لهم عليه لاختلاف شهواتهم ودواعيهم بخلاف الحكم الشرعي إذ يجمعهم عليه الدليل و الصحيح أنه بعد إمكانه حجة في الشرع قال تعالى
____________________
(2/230)
ومن يشاقق الرسول الآية توعد فيها على اتباع غير سبيل المؤمنين فيجب اتباع سبيلهم وهو قولهم أو فعلهم فيكون حجة وقيل ليس بحجة لقوله تعالى فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول اقتصر على
____________________
(2/231)
الرد إلى الكتاب والسنة قلنا وقد دل الكتاب على حجيته كما تقدم و الصحيح أنه بعد حجيته قطعي فيها
____________________
(2/232)
حيث اتفق المعتبرون على أنه إجماع كأن صرح كل من المجمعين بالحكم الذي أجمعوا عليه من غير أن يشذ منهم أحد لإحالة العادة خطأهم جملة لا حيث اختلفوا في ذلك كالسكوتي وما ندر مخالفه فهو على القول بأنه إجماع محتج به ظني للخلاف فيه وقال الإمام الرازي والآمدي إنه ظني مطلقا لأن المجمعين عن ظن لا يستحيل خطؤهم والإجماع عن قطع غير متحقق وخرقه بالمخالفة حرام للتوعد عليه حيث توعد على اتباع غير سبيل المؤمنين في الآية السابقة فعلم تحريم إحداث قول ثالث في مسألة اختلف أهل عصر فيها على قولين و إحداث التفصيل بين مسألتين لم يفصل بينهما أهل عصر إن خرقاه أي إن خرق الثالث والتفصيل الإجماع
____________________
(2/233)
بأن خالفا ما اتفق عليه أهل العصر بخلاف ما إذا لم يخرقاه وقيل هما خارقان مطلقا أي أبدا لأن الاختلاف على قولين يستلزم الاتفاق على امتناع العدول عنهما وعدم التفصيل بين مسألتين يستلزم الاتفاق على امتناعه
وأجيب بمنع الاستلزام فيهما
مثال الثالث الخارق ما حكى ابن حزم أن الأخ لا يسقط الجد وقد اختلف الصحابة فيه على قولين قيل يسقط بالجد وقيل يشاركه كأخ فإسقاطه بالأخ خارق لما اتفق عليه القولان من أن له نصيبا ومثال الثالث غير الخارق ما قيل يحل متروك التسمية سهوا لا عمدا وعليه أبو حنيفة وقد قيل يحل مطلقا وعليه الشافعي وقيل يحرم مطلقا
____________________
(2/234)
فالفارق بين السهو والعمد موافق لمن لم يفرق في بعض ما قاله ومثال التفصيل الخارق ما لو قيل بتوريث العمة دون الخالة أو العكس وقد اختلفوا في توريثهم مع اتفاقهم على أن العلة فيه أو في عدمه كونهما من ذوي الأرحام فتوريث إحداهما دون الأخرى خارق للاتفاق ومثال التفصيل غير الخارق ما قيل تجب الزكاة في مال الصبي دون الحلي المباح وعليه الشافعي وقد قيل تجب فيهما وقيل لا تجب فيهما فالمفصل موافق لمن لم يفصل في بعض ما قاله
و علم من حرمة خرق الإجماع أنه يجوز إحداث دليل لحكم أي إظهاره أو تأويل لدليل ليوافق غيره أو علة لحكم غير ما ذكروه من الدليل والتأويل والعلة لجواز تعدد المذكورات إن لم يخرق ما ذكر ما ذكروه بخلاف ما إذا خرقه بأن قالوا لا دليل ولا تأويل ولا علة غير ما ذكرناه وقيل لا يجوز إحداث ما ذكر مطلقا لأنه من غير سبيل المؤمنين المتوعد على اتباعه في الآية
وأجيب بأن المتوعد عليه ما خالف سبيلهم لا ما لم يتعرضوا له كما نحن فيه
و علم من حرمة خرق الإجماع الذي من شأن الأئمة بعده أن لا يخرقوه
____________________
(2/235)
أنه يمتنع ارتداد الأمة في عصر سمعا لخرقه إجماع من قبلهم على وجوب استمرار الإيمان والخرق يصدق بالفعل والقول كما يصدق الإجماع بهما وهو أي امتناع ارتدادهم سمعا الصحيح لحديث الترمذي وغيره إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة وقيل يجوز ارتدادهم شرعا كما يجوز عقلا وليس في الحديث ما يمنع من ذلك لانتفاء صدق الأمة وقت الارتداد
وأجيب بأن معنى الحديث أنه لا يجمعهم على أن يوجد منهم ما يضلون به الصادق بالارتداد لا اتفاقها أي الأمة في عصر على جهل ما أي شيء لم يكلف به بأن لم تعلمه كالتفضيل بين عمار وحذيفة فإنه لا يمتنع على الأصح لعدم الخطأ فيه وقيل يمتنع وإلا كان الجهل سبيلا لها فيجب اتباعها فيه وهو باطل
وأجيب بمنع أنه سبيل لها
____________________
(2/236)
لأن سبيل الشخص ما يختاره من قول أو فعل وعد العلم بالشيء ليس من ذلك أما اتفاقها على جهل ما كلفت به فيمتنع قطعا وفي انقسامها فرقتين في كل من مسألتين متشابهتين كل من الفرقتين مخطئ في مسألة من المسألتين
تردد العلماء مثاره هل أخطأت نظرا إلى مجموع المسألتين فيمتنع ما ذكر لانتفاء الخطأ عنها بالحديث السابق أو لم يخطئ إلا بعضها نظرا إلى كل مسألة على حدة فلا يمتنع وهو الأقرب ورجحه الآمدي وقال إن الأكثرين على الأول
و علم من حرمة خرق الإجماع الذي من شأن الأئمة بعده أن لا يخرقوه أنه لا إجماع يضاد إجماعا سابقا خلافا للبصري أبي عبد الله في تجويزه ذلك قال لأنه لا مانع من كون الأول مغيا بوجود الثاني
____________________
(2/237)
وأنه أي الإجماع بناء على الصحيح أنه قطعي لا يعارضه دليل لا قطعي ولا ظني إذ لا تعارض بين قاطعين لاستحالة ذلك ولا بين قاطع ومظنون لإلغاء المظنون في مقابلة القاطع وأن موافقته أي الإجماع خبرا لا تدل على أنه عنه لجواز أن يكون عن غيره ولم ينقل لنا استغناء بنقل الإجماع عنه بل ذلك أي كونه عنه هو الظاهر إن لم يوجد غيره بمعناه إذ لا بد له من مستند كما تقدم فإن وجد فلا لجواز أن يكون الإجماع عن ذلك الغير وبل هنا انتقالية لا إبطالية وعطف هاتين المسألتين على ما قبلهما وإن لم تنبنيا على حرمة خرق الإجماع تسمحا ولو ترك منهما أنه وإن سلم من ذلك مع الاختصار
خاتمة جاحد المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة وهو ما يعرف منه الخواص والعوام من غير قبول للتشكيك فالتحق بالضروريات كوجوب الصلاة والصوم وحرمة الزنا والخمر كافر قطعا لأن جحده يستلزم تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم فيه وما أوهمه كلام الآمدي وابن الحاجب من أن فيه خلافا ليس بمراد لهما
____________________
(2/238)
وكذا المجمع عليه المشهور بين الناس المنصوص عليه كحل البيع جاحده كافر في الأصح لما تقدم وقيل لا لجواز أن يخفى عليه وفي غير المنصوص من المشهور تردد قيل يكفر جاحده لشهرته وقيل لا لجواز أن يخفى عليه ولا يكفر جاحده المجمع عليه الخفي بأن لا يعرفه إلا الخصوص كفساد الحج بالجماع قبل الوقوف ولو كان الخفي منصوصا عليه كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب فإنه قضى به النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري ولا يكفر جاحد المجمع عليه من غير الدين كوجود بغداد قطعا
الكتاب الرابع في القياس من الأدلة الشرعية وهو حمل
____________________
(2/239)
معلوم على معلوم من العلم بمعنى التصور أي إلحاقه به في حكمه لمساواته مضاف للمفعول أي لمساواة الأول الثاني في علة حكمه بأن توجد بتمامها في الأول
____________________
(2/240)
عند الحامل هو المجتهد وافق ما في نفس الأمر أم لا بأن ظهر غلطه فتناول الحد القياس الفاسد كالصحيح وإن خص المحدود بالصحيح أي قصر عليه حذف من الحد الأخير وهو عند الحامل فلا يتناول حينئذ إلا الصحيح لانصراف المساواة المطلقة إلى ما في نفس الأمر والفاسد قبل ظهور فساده معمول به كالصحيح
وهو أي القياس حجة في الأمور الدنيوية كالأدوية قال الإمام الرازي اتفاقا أسنده إليه ليبرأ من عهدته
وأما غيرها كالشرعية فمنعه قوم فيه عقلا قالوا لأنه طريق لا يؤمن فيه الخطأ والعقل مانع من سلوك ذلك قلنا
____________________
(2/241)
بمعنى أنه مرجح بتركه لا بمعنى أنه محيل له وكيف يحيله إذا ظن الصواب فيه و منعه ابن حزم شرعا قال لأن النصوص تستوعب جميع الحوادث بالأسماء اللغوية من غير احتياج إلى استنباط وقياس قلنا نسلم ذلك و منع داود غير الجلي منه
____________________
(2/242)
بخلاف الجلي الصادق بقياس الأولى والمساوي كما يعلم مما سيأتي واقتصر في شرح المختصر على أنه لا ينكر قياس الأولى وهو ما يكون ثبوت الحكم فيه في الفرع أولى منه في الأصل كما سيأتي و منعه أبو حنيفة في الحدود والكفارات والرخص والتقديرات قال
____________________
(2/243)
لأنها لا يدرك المعنى فيها
وأجيب بأنه يدرك في بعضها فيجري فيه القياس كقياس النباش على السارق في وجوب القطع بجامع أخذ مال الغير من حرز خفية وقياس القاتل عمدا على القاتل خطأ في وجوب الكفارة بجامع القتل بغير حق وقياس غير الحجر عليه في جواز الاستنجاء به الذي هو رخصة بجامع الجامد الطاهر القالع وأخرج أبو حنيفة ذلك عن القياس بكونه في معنى الحجر وسماه دلالة النص وهو لا يخرج بذلك عنه وقياس نفقة الزوجة على الكفارة في تقريرها على الموسر بمدين كما في فدية الحج والمعسر بمد كما في كفارة الوقاع بجامع أن كلا منهما مال يجب بالشرع ويستقر في الذمة وأصل التفاوت من قوله تعالى لينفق ذو سعة من سعته الآية
____________________
(2/244)
و منعه ابن عبدان ما لم يضطر إليه لوقوع حادثة لم يوجد نص فيها فيجوز القياس فيها للحاجة بخلاف ما لم يقع فلا يجوز القياس فيه لانتفاء فائدته قلنا فائدته العمل به فيما إذا وقعت تلك المسألة و منعه قوم في الأسباب والشروط والموانع قالوا لأن القياس فيها يخرجها عن أن تكون كذلك إذ يكون المعنى المشترك بينها وبين المقيس عليها هو السبب والشرط والمانع لا خصوص المقيس عليه أو المقيس
وأجيب بأن القياس لا يخرجها عما ذكر والمعنى مشترك فيه كما هو علة لها يكون علة لما ترتب عليها مثاله في السبب قياس اللواط على الزنا بجامع إيلاج فرج في فرج محرم شرعا مشتهى طبعا و منعه قوم في أصول العبادات فنفوا جواز الصلاة بالإيماء المقيسة على صلاة القاعد بجامع العجز
قالوا لأن الدواعي تتوفر على نقل أصول العبادات وما يتعلق بها وعدم نقل الصلاة بالإيماء التي هي من ذلك يدل على عدم جوازها فلا يثبت جوازها بالقياس ودفع ذلك بمنعه ظاهر و منع قوم القياس الجزئي الحاجي أي الذي تدعو الحاجة إلى مقتضاه إذا لم يرد نص على وفقه في مقتضاه كضمان الدرع وهو ضمان الثمن للمشتري إن خرج المبيع مستحقا القياس يقتضي منعه
____________________
(2/245)
لأنه ضمان ما لم يجب وعليه ابن سريج والأصح صحته
____________________
(2/246)
فارغة
____________________
(2/247)
لعموم الحاجة إليه لمعاملة الغرباء وغيرهم لكن بعد قبض الثمن الذي هو سبب الرجوع حيث يخرج المبيع مستحقا والمثال غير مطابق فإن الحاجة داعية فيه إلى خلاف القياس إلا أن يفسر قوله الحاجي بما تدعو الحاجة إليه أو إلى خلافه فإن المسألة مأخوذة من ابن الوكيل وقد قال قاعدة القياس الجزئي إذا لم يرد من النبي صلى الله عليه وسلم بيان على وفقه مع عموم الحاجة إليه في زمانه أو عموم الحاجة إلى خلافه هل يعمل بذلك القياس فيه خلاف وذكر له صورا منها ضمان الدرك ذكره كما تقدم وهو مثال للشق الثاني من المسألة ومنها وهو مثال للأول صلاة الإنسان على من مات من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وغسلوا وكفنوا في ذلك اليوم
القياس يقتضي جوازها وعليه الروياني لأنها صلاة على غائب والحاجة داعية لذلك لنفع المصلي والمصلى عليهم ولم يرد من النبي صلى الله عليه وسلم بيان لذلك ووجه منع القياس في الشيء الأول الاستغناء عنه بعموم الحاجة وفي الثاني
____________________
(2/248)
معارضة عموم الحاجة له والمجيز في الأول قال لا مانع من ضم دليل آخر وفي الثاني قدم القياس على عموم الحاجة و منع آخرون القياس في العقليات قالوا لاستغنائها عنه بالعقل ومن أجاز قال لا مانع من ضم دليل إلى دليل آخر مثال ذلك قياس البارئ تعالى على خلقه في أنه يرى بجامع الوجود إذ هو علة الرؤية و منعه آخرون في النفي الأصلي أي بقاء الشيء على ما كان قبل ورود الشرع بأن ينتفي الحكم فيه لانتفاء مدركه بأن لم يجده المجتهد بعد البحث عنه فإذا وجد شيء يشبه ذلك لا حكم فيه قيل لا يقاس على ذلك للاستغناء عن القياس بالنفي الأصلي وقيل يقاس إذ لا مانع من ضم دليل إلى آخر وتقدم قياس اللغة في مبحثها لأن ذكره هناك أنسب من ذكر معظمهم له هنا ونبه عليه لئلا يظن أنه أغفله والصحيح أن القياس حجة لعمل كثير من الصحابة به متكررا شائعا مع سكوت الباقين
____________________
(2/249)
الذي هو في مثل ذلك من الأصول العامة وفاق عادة ولقوله تعالى فاعتبروا والاعتبار قياس الشيء بالشيء إلا في الأمور العادية والخلقية
____________________
(2/250)
أي التي ترجع إلى العادة والخلقة كأقل الحيض أو النفاس أو الحمل وأكثره فلا يجوز ثبوتها بالقياس لأنها لا يدرك المعنى فيها فيرجع فيها إلى قول الصادق وقيل يجوز لأنه قد يدرك وإلا في كل الأحكام فلا يجوز ثبوتها بالقياس لأن منها
____________________
(2/251)
ما لا يدرك معناه كوجوب الدية على العاقلة وقيل يجوز بمعنى أن كلا من الأحكام صالح لأن يثبت بالقياس بأن يدرك معناه
وجوب الدية على العاقلة له معنى يدرك وهو إعانة الجاني فيما هو معذور فيه كما يعان الغارم لإصلاح ذات البين بما يصرف إليه من الزكاة
وإلا القياس على منسوخ فلا يجوز لانتفاء اعتبار الجامع بالنسخ وقيل يجوز لأن القياس مظهر لحكم الفرع الكمين ونسخ الأصل ليس نسخا للفرع خلافا للمعممين جواز القياس في المستثنيات المذكورة وقد تقدم توجيهه وليس النص على العلة لحكم ولو في جانب الترك أمرا بالقياس أي ليس أمرا به لا في جانب الفعل نحو أكرم زيدا لعلمه ولا في جانب الترك نحو الخمر حرام لإسكارها خلافا للبصري أبي الحسين في قوله إنه أمر به في الجانبين إذ لا فائدة لذكر العلة إلا ذاك حتى لو لم يرد التعبد بالقياس استفيد في هذه الصورة قلنا لا نسلم أنه لا فائدة فيه إلا ذلك بل الفائدة بيان مدرك الحكم ليكون أوقع في النفس وثالثها وهو قول أبي عبد الله البصري التفصيل أي أنه أمر به في جانب الترك دون الفعل لأن العلة في الترك المفسدة وإنما يحصل الغرض من انعدامها
____________________
(2/252)
بالامتناع عن كل فرد مما تصدق عليه العلة والعلة في الفعل المصلحة ويحصل الغرض من حصولها بفرد
قلنا قوله عن كل فرد مما تصدق عليه العلة ممنوع بل يكفي عن كل فرد مما يصدق عليه المعلل
وأركانه أي القياس أربعة مقيس عليه ومقيس ومعنى مشترك بينهما وحكم للمقيس عليه يتعدى بواسطة المشترك إلى المقيس ولما كان يعبر عن الأولين منها بالأصل والفرع على خلاف في ذلك ذكره في ضمن تعديها فقال الأول الأصل وهو محل الحكم المشبه به بالرفع صفة المحل أي المقيس عليه وقيل دليله أي دليل الحكم وقيل حكمه أي حكم المحل المذكور وسيأتي أن الفرع المحل المشبه وقيل حكمه ولا يتأتى فيه قول بأن دليل الحكم كيف ودليله القياس فالأول مبني على الأول والثاني مبني على الثالث وكذا على الثاني لأنه إذا صح تفرع الحكم عن الحكم
____________________
(2/253)
صح تفرعه على دليله لاستناد الحكم إليه وكل من هذه الأقوال التي في التسمية لا تخرج عما في اللغة من أن الأصل ما ينبني عليه غيره والفرع ما ينبني على غيره والأول من الأقوال فيها أقرب كما لا يخفى ولكون حكم الفرع غير حكم الأصل باعتبار المحل وإن كان عينه بالحقيقة صح تفرع الأول على الثاني باعتبار ما يدل عليهما
____________________
(2/254)
وعلم المجتهد به لاعتبار ما في نفس الأمر فإن الأحكام قديمة ولا تفرع في القديم ولا يشترط في الأصل الذي يقاس عليه دال على جواز القياس عليه بنوعه أو شخصه ولا اتفاق على وجود العلة فيه خلافا لزاعميهما بالتثنية أي زاعم اشتراط الأول وهو عثمان البتي وزاعم اشتراط الثاني وهو بشر المريسي فعند الأول لا يقاس في مسائل البيع مثلا إلا إذا قام دليل على جواز القياس فيه وعند الثاني لا يقاس فيما اختلف في وجود العلة فيه بل لا بد بعد الاتفاق على أن حكم الأصل معلل من الاتفاق على أن علته كذا وما اشترطاه مردود بأنه لا دليل عليه
____________________
(2/255)
الثاني من أركان القياس حكم الأصل ومن شرطه ثبوته بغير القياس قيل والإجماع إذ لو ثبت بالقياس كان القياس الثاني عند اتحاد العلة لغوا للاستغناء عنه بقياس الفرع فيه على الأصل في الأول وعند اختلافهما غير منعقد لعدم اشتراك الأصل والفرع فيه في علة الحكم
مثال الأول قياس الغسل على الصلاة في اشتراط النية بجامع العبادة ثم قياس الوضوء على الغسل فيما ذكر وهو لغو للاستغناء عنه بقياس الوضوء على الصلاة ومثال الثاني قياس الرتق وهو انسداد محل الجماع على جب الذكر في فسخ النكاح بجامع فوات الاستمتاع ثم قياس الجذام على الرتق فيما ذكر وهو غير منعقد لأن فوات الاستمتاع غير موجود فيه والقول بأنه لا يثبت حكم الأصل بالإجماع إلا أن يعلم مستنده النص فيسند القياس إليه مردود بأنه لا دليل عليه نعم يحتمل أن يكون الإجماع عن قياس ويدفع بأن كون حكم الأصل حينئذ عن قياس مانع في القياس والأصل عدم المانع
وكونه غير متعبد فيه بالقطع كما ذكره الغزالي لأن ما تعبد فيه بالقطع إنما يقاس على محله ما يطلب فيه القطع أي اليقين كالعقائد والقياس لا يفيد اليقين واعترض
____________________
(2/256)
بأنه يفيده إذا علم حكم الأصل وما هو العلة فيه ووجودها في الفرع
و كونه شرعيا إن استلحق حكما شرعيا بأن كان المطلوب إثباته ذلك فإن لم يستلحقه بأن كان المطلوب إثباته غير ذلك بناء على جواز القياس في العقليات واللغويات فلا يشترط أن يكون حكم الأصل شرعيا بمعنى أنه يكون غير شرعي ولا بد فإن غير الشرعي لا يستلحقه إلا غير الشرعي كما أن الشرعي لا يستلحقه إلا شرعي ولما ذكر الآمدي وغيره هذا الشرط بناء على امتناع القياس في العقليات واللغويات كما صرحوا به زاد المصنف فيه القيد المذكور ليبقى على شرطيته مع جواز القياس فيهما المرجح عنده
و كونه غير فرع إذا لم يظهر للوسط على تقدير كونه فرعا
فائدة فإن ظهرت جاز كونه فرعا وقيل يشترط كونه غير فرع مطلقا
____________________
(2/257)
وإلا فالعلة في القياسين إن اتحدت كان الثاني لغوا أو اختلفت كان الثاني غير منعقد كما تقدم ودفع المصنف ذلك بأنه يظهر للوسط الذي هو الفرع في الأول والأصل في الثاني مثلا
فائدة كما يقال التفاح ربوي قياسا على الزبيب بجامع الطعم والزبيب ربوي قياسا على التمر بجامع الطعم مع الكيل والتمر ربوي قياسا على الأرز بجامع الطعم والكيل مع القوت والأرز ربوي قياسا على البر بجامع الطعم والكيل والقوت الغالب ثم يسقط الكيل والقوت عن الاعتبار بطريقة فيثبت أن العلة الطعم وحده وأن التفاح ربوي كالبر ولو قيس ابتداء عليه بجامع الطعم لم يسلم ممن يمنع عليته فقد ظهر للوسط بالتدريج فائدة وهي السلامة من منع علية الطعم فيما ذكر فتكون تلك القياسات صحيحة بخلاف ما قيس التفاح على السفرجل والسفرجل على البطيخ والبطيخ على القثاء والقثاء على البر فإنه لا فائدة للوسط فيها لأن نسبة ما عدا البر إليه بالطعم دون الكيل والقوت نعم اعترض على المصنف بأن في قوله هنا مع قوله قبل ومن شرطه ثبوته بغير القياس تكرار
وأجاب بقوله لا يلزم
____________________
(2/258)
من اشتراط كونه غير فرع اشتراط ثبوته بغير القياس لأنه قد يثبت بالقياس ولا يكون فرعا للقياس المراد ثبوت الحكم فيه وإن كان فرعا لأصل آخر وكذلك لا يلزم من كونه غير فرع أن لا يكون ثابتا بالقياس لجواز أن يكون ثابتا بالقياس ولكنه ليس فرعا في هذا القياس الذي يراد إثبات الحكم فيه ا هـ
ولا يخفى أن هذا الكلام المشتمل على التكرار لا يدفع الاعتراض وكيف يندفع والمدرك واحد كما تقدم وقد اقتصر الإمام الرازي ومن تبعه على المقول أولا والآمدي ومن تبعه على المقول ثانيا أعني كونه غير فرع فجمع المصنف بينهما من غير تأمل واستروح بما أجاب وتقييده للثاني بما إذا لم يظهر للوسط فائدة أخذا من كلام الجويني في السلسلة كما بينه في شرح المختصر لا طائل تحته وعلى تقدير باعتباره فكان ينبغي حمل إطلاقهم عليه لا أن يحكي بقيل ويصرح فيه مطلقا وهم لم يصرحوا به
وأن لا يعدل عن سنن القياس فما عدل عن سننه أي خرج
____________________
(2/259)
عن منهاجه لا لمعنى لا يقاس على محله لتعذر التعدية حينئذ كشهادة خزيمة قال صلى الله عليه وسلم من شهد له خزيمة فحسبه فلا يثبت هذا الحكم لغيره وإن كان أعلى منه رتبة في المعنى المناسب لذلك من التدين والصدق كالصديق رضي الله عنه وقصة شهادة خزيمة رضي الله عنه رواها أبو داود وابن خزيمة وحاصلها أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابي فجحده البيع وقال هلم شهيدا يشهد علي فشهد عليه خزيمة بن ثابت أي دون غيره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما حملك على هذا ولم تكن حاضرا معنا فقال صدقتك فيما جئت به وعلمت أنك لا تقول إلا حقا فقال صلى الله عليه وسلم من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه هذا لفظ ابن خزيمة ولفظ أبي داود فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين وذكر أهل السير أن ذلك الفرس هو المسمى من خيل النبي صلى الله عليه وسلم بالمرتجل لحسن صهيله
و أن لا يكون دليل حكمه أي الأصل شاملا لحكم الفرع
____________________
(2/260)
للاستغناء حينئذ عن القياس بذلك الدليل على أنه ليس جعل بعض الصور المشمولة أصلا لبعضها بأولى من العكس مثاله ما لو استدل على ربوية البر بحديث مسلم الطعام بالطعام مثلا بمثل ثم قيس عليه الذرة بجامع الطعام فإن الطعام يتناول الذرة كالبر سواء وسيأتي من شروط العلة أن لا يتناول دليلها حكم الفرع بعمومه أو خصوصه على المختار فمقابله المبني على جواز دليلين على مدلول واحد كما سيأتي لا يأتي هنا كما يفهم من العلاوة السابقة في التوجيه وأتى المصنف بالظاهر
____________________
(2/261)
بدل الضمير الراجع إلى حكم الأصل المحدث عنه في قوله دليل حكمه وفي قوله وكون الحكم أي في الأصل متفقا عليه وإلا فيحتاج عند منعه إلى إثباته فينتقل إلى مسألة أخرى وينتشر الكلام ويفوت المقصود قيل بين الأمة حتى لا يتأتى المنع بوجه والأصح بين الخصمين فقط لأن البحث لا يعدوهما و الأصح أنه لا يشترط مع اشتراط اتفاق الخصمين فقط اختلاف الأمة غير الخصمين في الحكم بل يجوز اتفاقهم فيه كالخصمين وقيل يشترط اختلافهم فيه ليتأتى للخصم الباحث معه فإنه لا مذهب له فإن كان الحكم متفقا عليه بينهما ولكن لعلتين مختلفتين كما في قياس حلي البالغة على الصبية في عدم وجوب الزكاة فإن عدمه في الأصل متفق عليه بيننا وبين الحنفية والعلة فيه عندنا كونه حليا مباحا وعندهم كونه مال صبية فهو أي القياس المشتمل على الحكم المذكور مركب الأصل سمي بذلك لتركيب الحكم فيه
____________________
(2/262)
أي بنائه على العلتين بالنظر إلى الخصمين أو كان الحكم متفقا عليه بينهما لعلة يمنع الخصم وجودها في الأصل كما في قياس إن تزوجت فلانة فهي طالق على فلانة التي أتزوجها طالق في عدم وجود الطلاق بعد التزوج فإن عدمه في الأصل متفق عليه بيننا وبين الحنفية والعلة تعليق الطلاق قبل ملكه والحنفي يمنع وجودها في الأصل ويقول هو تنجيز فمركب الوصف يسمى القياس المشتمل على الحكم المذكور بذلك لتركيب الحكم فيه أي بنائه على الوصف الذي منع الخصم وجوده في الأصل ولا يقبلان أي القياسان المذكوران لمنع الخصم وجود العلة في الفرع في الأول وفي الأصل في الثاني خلافا للخلافين في قولهم يقبلان نظرا لاتفاق الخصمين على حكم الأصل ولو سلم الخصم
____________________
(2/263)
العلة للمستدل أي سلم أنها ما ذكره فأثبت المستدل وجودها حيث اختلفا فيه أو سلمه أي سلم وجودها المناظر انتهض الدليل عليه لتسليمه في الثاني وقيام الدليل عليه في الأول فإن لم يتفقا أي الخصمان على الأصل من حيث الحكم والعلة ولكن رام المستدل إثبات حكمه بدليل ثم إثبات العلة بطريق فالأصح قبوله في ذلك لأن إثباته بمنزلة اعتراف الخصم به وقيل لا يقبل بل لا بد من اتفاقهما على الأصل صونا للكلام عن الانتشار
والصحيح أنه لا يشترط في القياس الاتفاق أي الإجماع على تعليل حكم الأصل أي على أنه معلل أو النص على العلة المستلزم لتعليله لأنه لا دليل على اشتراط ذلك بل يكفي إثبات التعليل بدليل وقد تقدم أنه لا يشترط الاتفاق على وجود العلة خلافا لمن زعمه وإنما فرق بين المسألتين
____________________
(2/264)
لمناسبة المحلين
الثالث من أركان القياس الفرع وهو المحل المشبه بالأصل وقيل حكمه وقد تقدم أنه لا يتأتى قول كالأصل بأنه دليل الحكم ومن شرطه أي الفرع وجود تمام العلة التي في الأصل فيه من غير زيادة أو معها كالإسكار في قياس النبيذ على الخمر والإيذاء في قياس الضرب على التأفيف ليتعدى الحكم إلى الفرع وعدل كما قال عن قول ابن الحاجب أن يساوي في العلة علة الأصل لإيهامه أن الزيادة
____________________
(2/265)
تضر فإن كانت أي العلة قطعية فإن قطع بعلية الشيء في الأصل وبوجوده في الفرع كالإسكار والإيذاء فيما تقدم فقطعي قياسها حتى كان الفرع فيه تناوله دليل الأصل فإن كان دليله ظنيا كان حكم الفرع كذلك أو كانت ظنية بأن ظن علية الشيء في الأصل وإن قطع بوجوده في الفرع فقياس الأدون أي فذلك القياس ظني وهو قياس الأدون كالتفاح أي كقياسه على البر في باب الربا بجامع الطعم فإن العلة عندنا في الأصل ويحتمل ما قيل إنها القوت أو الكيل وليس في التفاح إلا الطعم فثبوت الحكم فيه أدون من ثبوته في البر المشتمل على الأوصاف الثلاثة فأدونية القياس من حيث الحكم لا من حيث العلة إذ لا بد من تمامها كما تقدم والأول أي القطعي يشمل أقياس الأولى والمساوي أي ما يكون ثبوت الحكم فيه في الفرع أولى منه في الأصل أو مساويا كقياس الضرب للوالدين على التأفيف لهما وقياس إحراق مال اليتيم على أكله في التحريم فيهما
وتقبل المعارضة فيه أي في الفرع بمقتض
____________________
(2/266)
نقيض أو ضد لا خلاف الحكم على المختار وقيل لا تقبل وإلا لانقلب منصب المناظرة إذ يصير المعترض مستدلا وبالعكس وذلك خروج عما قصد من معرفة صحة نظر المستدل في دليله إلى غيره
وأجيب بأن القصد من المعارضة هدم دليل المستدل لا إثبات مقتضاها المؤدي إلى ما تقدم وصورتها في الفرع أن يقول المعترض للمستدل ما ذكرت من الوصف وإن اقتضى ثبوت الحكم في الفرع فعندي وصف آخر يقتضي نقيضه أو ضده مثال النقيض المسح ركن في الوضوء فيسن تثليثه كالوجه فيقول المعارض مسح في الوضوء فلا يسن تثليثه كمسح الخف ومثال الضد الوتر واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم فيجب كالتشهد فيقول المعارض مؤقت بوقت صلاة من الخمس فيستحب كالفجر
وأما المعارضة بمقتضى خلاف الحكم فلا تقدح قطعا لعدم منافاتها لدليل المستدل كما يقال اليمين الغموس قول يأثم قائله فلا يوجب الكفارة كشهادة الزور فيقول المعارض قول مؤكد للباطل يظن به حقيته فيوجب التعزير كشهادة الزور والمختار في دفع المعارضة المذكورة زيادة على دفعها بكل ما يعترض به على المستدل ابتداء قبول الترجيح لوصف المستدل على وصف المعارض بمرجح مما يأتي في محله لتعين العمل بالراجح وقيل لا يقبل
____________________
(2/267)
لأن المعتبر في المعارضة حصول أصل الظن لا مساواته لظن الأصل لانتفاء العلم بها وأصل الظن لا يندفع بالترجيح و المختار بناء على قبول الترجيح أنه لا يجب الإيماء إليه في الدليل ابتداء وقيل يجب لأن الدليل لا يتم بدون دفع المعارض
وأجيب بأنه لا معارض حينئذ فلا حاجة إلى دفعه قبل وجوده وهذه المسألة ذكرها الآمدي ومن تبعه في الاعتراضات وذكرها هنا أنسب لأنها تئول إلى شرط في الفرع وهو أنه لا يعارض كما عده الآمدي هنا ووجهه أن الدليل لا يثبت المدعى إلا إذا سلم عن المعارض
ولا يقوم القاطع على خلافه أي خلاف الفرع في الحكم وفاقا إذ لا صحة للقياس في شيء مع قيام الدليل القاطع على خلافه ولا يقوم خبر الواحد على خلافه عند الأكثر فيقدم عندهم على القياس كما تقدم في مبحثه وليساو الفرع الأصل وحكمه حكم الأصل فيما يقصد من عين أو جنس أي عين العلة أو جنسها بالنسبة إلى الأول وعين الحكم أو جنسه بالنسبة إلى الثاني مثال المساواة في عين العلة قياس النبيذ على الخمر في الحرمة بجامع الشدة المطربة فإنها موجودة في النبيذ بعينها نوعا
____________________
(2/268)
لا شخصا
ومثال المساواة في جنس العلة قياس الطرف على النفس في ثبوت القصاص بجامع الجناية فإنها جنس لإتلافهما ومثال المساواة في عين الحكم قياس القتل بمثقل على القتل بمحدود في ثبوت القصاص فإنه فيهما واحد والجامع كون القتل عمدا عدوانا ومثال المساواة في جنس الحكم قياس بضع الصغيرة على مالها في ثبوت الولاية للأب أو الجد بجامع الصغر فإن الولاية جنس لولايتي النكاح والمال فإن خالف المذكور ما ذكر أي لم يساوه فيما ذكر فسد القياس لانتفاء العلة عن الفرع في الأول وانتفاء حكم الأصل عن الفرع في الثاني على أن اشتراط المساواة في العلة مستغنى عنه بما تقدم من اشتراط وجود تمام العلة في الفرع ولو قال هناك من عينها أو جنسها المقصود بالذكر هنا لوفى به مع السلامة من التكرار ومن الوقوع فيما عدل عنه هناك من لفظ المساواة وعبارة ابن الحاجب أن يساوي في العلة علة الأصل فيما يقصد من عين أو جنس وأن يساوي حكمه حكم الأصل فيما يقصد من عين أو جنس
وجواب المعترض بالمخالفة فيما ذكر ببيان الاتحاد فيه مثاله أن يقيس الشافعي ظهار الذمي على ظهار المسلم في حرمة وطء المرأة فيقول الحنفي الحرمة في المسلم تنتهي بالكفارة والكافر ليس من أهل الكفارة إذ لا يمكنه الصوم منها لفساد نيته فلا تنتهي الحرمة في حقه
____________________
(2/269)
فاختلف الحكم فلا يصح القياس فيقول الشافعي يمكنه الصيام بأن يسلم ويأتي به ويصح إعتاقه وإطعامه مع الكفر اتفاقا فهو من أهل الكفارة فالحكم متحد والقياس صحيح
ولا يكون الفرع منصوصا عليه بموافق للقياس للاستغناء حينئذ بالنص عن القياس خلافا لمجوز دليلين مثلا على مدلول واحد في عدم اشتراطه ما ذكر لما جوزه ويفيد القياس عنده معرفة العلة ولا بمخالف للقياس لتقدم النص على القياس إلا لتجربة النظر فإن القياس المخالف صحيح في نفسه ولم يعمل به لمعارضة النص له
ولا يكون حكم الفرع متقدما على حكم الأصل في الظهور كقياس الوضوء على التيمم في وجوب النية فإن الوضوء تعبد به
____________________
(2/270)
قبل الهجرة والتيمم إنما تعبد به بعدها إذ لو جاز تقدمه للزم ثبوت حكم الفرع حال تقدمه من غير دليل وهو ممتنع لأنه تكليف بما لا يعلم
نعم إن ذكر ذلك إلزاما للخصم جاز كما قال الشافعي للحنفية طهارتان أنى تفترقان لتساويهما في المعنى وجوزه أي جوز تقدمه الإمام الرازي عند دليل آخر يستند إليه حالة التقدم دفعا للمحذور المذكور وبناء على جواز دليلين أو أدلة على مدلول واحد وإن تأخر بعضها عن بعض كمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم المتأخرة عن المعجزة المقارنة لابتداء الدعوة
ولا يشترط في الفرع ثبوت حكمه بالنص جملة خلافا فالقوم في قولهم يشترط ذلك ويطلب بالقياس تفصيله قالوا فلولا العلم بورود ميراث الجد جملة حرام لما جاز القياس في توريثه مع الإخوة ورد اشتراطهم ذلك بأن العلماء من الصحابة وغيرهم قاسوا أنت حرام على الطلاق والظهار والإيلاء بحسب اختلافهم فيه
____________________
(2/271)
ولم يوجد فيه نص لا جملة ولا تفصيلا
ولا يشترط في الفرع انتفاء نص أو إجماع يوافقه في حكمه أي لا يشترط انتفاء واحد منهما بل يجوز القياس مع موافقتهما أو أحدهما له خلافا للغزالي والآمدي في اشتراطهما انتفاءهما مع تجويزهما دليلين على مدلول واحد نظرا إلى أن الحاجة إلى القياس إنما تدعو عند فقد النص والإجماع وإن لم تقع مسألته بعد بخلاف قول ابن عبدان السابق
وأجيب بأن أدلة القياس مطلقة عن اشتراط ذلك نعم في نفي المصنف اشتراط انتفاء النص مخالفة لقوله أولا ولا يكون منصوصا
الرابع من أركان القياس العلة وفي معناها حيثما أطلقت على شيء في كلام أئمة الشرع أقوال ينبني عليها مسائل تأتي قال أهل الحق هي المعرف للحكم فمعنى كون الإسكار علة
____________________
(2/272)
أنه معرف أي علامة على حرمة المسكر كالخمر والنبيذ
وحكم الأصل على هذا ثابت بها لا بالنص خلافا للحنفية في قولهم بالنص لأنه المفيد للحكم قلنا لم يفده بقيد كون محله أصلا يقاس عليه والكلام في ذلك والمفيد له هو العلة إذ هي منشأ التعدية المحققة للقياس وقيل العلة المؤثر بذاته في الحكم بناء على أنه يتبع المصلحة والمفسدة
____________________
(2/273)
وهو قول المعتزلة وقال الغزالي هي المؤثر فيه بإذن الله أي بجعله لا بالذات وقال الآمدي هي الباعث عليه وقال إنه مراد الشافعية في قولهم حكم الأصل ثابت بها أي أنها باعث عليه وأن مراد الحنفية أن النص معرف له وأن كلا لا يخالف الآخر في مراده وتبعه ابن الحاجب في ذلك قال المصنف ونحن معاشر الشافعية إنما نفسر العلة بالمعرف ولا نفسرها بالباعث أبدا ونشدد النكير على من فسرها بذلك لأن الرب تعالى لا يبعثه شيء على شيء ومن عبر من الفقهاء عنها بالباعث
____________________
(2/274)
أراد أنها باعثة للمكلف على الامتثال نبه عليه أبي رحمه الله تعالى وسيأتي بيانه
وقد تكون العلة دافعة للحكم ورافعة له أو فاعلة الأمرين أي الدفع والرفع مثال الأول العدة فإنها تدفع حل النكاح من غير الزوج ولا ترفعه كما لو كانت عن شبهة ومثال الثاني الرضاع فإنه يدفع حل النكاح ويرفعه إذا طرأ عليه
و تكون العلة وصفا حقيقيا وهو ما يتعلق في نفسه من غير توقف على عرف أو غيره ظاهرا منضبطا كالطعم في باب الربا أو وصفا عرفيا مطردا لا يختلف باختلاف الأوقات كالشرف والخسة في الكفاءة وكذا تكون في الأصح وصفا لغويا كتعليل حرمة النبيذ بأنه يسمى خمرا كالمشتد من ماء العنب بناء على ثبوت اللغة بالقياس ومقابل الأصح يقول
____________________
(2/275)
لا يعلل الحكم الشرعي بالأمر اللغوي
أو حكما شرعيا سواء كان المعلول حكما شرعا أيضا كتعليل جواز رهن المشاع بجواز بيعه أم كان أمرا حقيقيا كتعليل حياة الشعر بحرمته بالطلاق وحله بالنكاح كاليد وقيل لا تكون حكما لأن شأن الحكم أن يكون معلولا لا علة ورد بأن العلة بمعنى المعرف ولا يمتنع أن يعرف حكم حكما أو غيره وثالثها تكون حكما شرعيا إن كان المعلول حقيقيا هذا مقتضى سياق المصنف وفيه سهو وصوابه أن يزاد لفظه بعد قوله وثالثها وذلك أن في تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي خلافا وعلى الجواز الراجح هل يجوز تعليل الأمر الحقيقي بالحكم الشرعي قال في المحصول الحق الجواز فمقابله المانع من ذلك مع تجويزه تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي هو التفصيل في المسألة
أو وصفا مركبا وقيل لا لأن التعليل بالمركب يؤدي إلى محال فإنه بانتفاء جزء منه تنتفي عليته فبانتفاء آخر يلزم تحصيل الحاصل لأن انتفاء الجزء علة لعدم العامة قلنا لا نسلم أنه علة وإنما هو عدم شرط فإن كل جزء شرط ولو سلم أنه علة
____________________
(2/276)
فحيث لم يسبقه غيره أي انتفاء جزء آخر كما في نواقض الوضوء ومن التعليل بالمركب تعليل وجوب القصاص بالقتل العمد العدوان لمكافئ غير ولد قال المصنف وهو كثير وما أرى للمانع منه مخلصا إلا أن يتعلق بوصف منه ويجعل الباقي شروطا فيه ويئول الخلاف حينئذ إلى اللفظ وثالثها يجوز لكن لا يزيد على خمس من الأجراء حكاه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي كالماوردي عن بعضهم في شرح اللمع وحكاه عن حكايته الإمام في المحصول بلفظ سبعة وكأنها تصحفت في نسخته كما قال المصنف قال أي الإمام ولا أعرف لهذا الحصر حجة وقد يقال في حجيته الاستقراء من قائله وتأنيث العدد عند حذف المعدود المذكر كما هنا جائز عدل إليه المصنف من الأصل اختصارا
ومن شروط الإلحاق بها أي بسبب العلة
____________________
(2/277)
اشتمالها على حكمة تبعث المكلف على الامتثال وتصلح شاهدا لإناطة الحكم بالعلة كحفظ النفوس فإنه حكمة ترتب وجوب القصاص على علته من القتل العمد إلى آخره فإن من علم أنه إذا قتل اقتص منه انكف عن القتل
____________________
(2/278)
وقد يقدم عليه توطينا لنفسه على تلفها وهذه الحكمة تبعث المكلف من القاتل وولي الأمر على امتثال الأمر الذي هو إيجاب القصاص بأن يمكن كل منهما وارث القتيل من الاقتصاص وتصلح شاهدا لإناطة وجوب القصاص بعلته فيلحق حينئذ القتل بمثقل بالقتل بمحدد في وجوب القصاص لاشتراكهما في العلة المشتملة على الحكمة المذكورة وقوله تبعث على الامتثال أي حيث يطلع عليها وسيأتي أنه يجوز التعليل بما لا يطلع على حكمته ومن ثم أي من هنا وهو اشتراط العلة على الحكمة المذكورة أي من أجل ذلك كان مانعها وصفا وجوديا يخل بحكمتها كالدين على القول بأنه مانع من وجوب الزكاة على المدين فإنه وصف وجودي يخل بحكمة العلة لوجوب الزكاة المعلل بملك النصاب وهي الاستغناء بملكه فإن المدين ليس مستغنيا بملكه لاحتياجه إلى وفاء دينه به ولا يضر خلو المثال عن الإلحاق الذي الكلام فيه
ومن شروط الإلحاق بها أن تكون وصفا ضابطا لحكمة كالسفر في جواز القصر مثلا لا نفس الحكمة كالمشقة في السفر لعدم انضباطها
____________________
(2/279)
وقيل يجوز كونها نفس الحكمة لأنها المشروع لها الحكم وقيل يجوز إن انضبطت لانتفاء المحذور
و من شروط الإلحاق بها أن لا تكون عدما في الثبوتي وفاقا للإمام الرازي وخلافا للآمدي هذا انقلب على المصنف سهوا
____________________
(2/280)
وصوابه ما قال في شرح المختصر وفاقا للآمدي وخلافا للإمام الرازي أن في تجويزه تعليل الثبوتي بالعدمي لصحة أن يقال ضرب فلان عبده لعدم امتثاله في أمره
وأجيب بمنع صحة التعليل بذلك وإنما يصح بالكف عن الامتثال وهو أمر ثبوتي والخلاف في العدم المضاف كما يؤخذ من الدليل وجوابه لكن الآمدي إنما منع العدم المحض أي والمطلق وأجاز المضاف الصادق بالوجودي كالإمام والأكثر ويجري الخلاف فيما جزؤه عدمي ويجوز وفاقا تعليل العدمي بمثله أو بالثبوتي كتعليل عدم صحة التصرف بعدم العقل أو بالإسراف كما يجوز قطعا تعليل الوجودي بمثله كتعليل حرمة الخمر بالإسكار ومن أمثلة التعليل الثبوتي بالعدمي ما يقال يجب قتل المرتد لعدم إسلامه وإن صح أن يقال لكفره كما يصح أن يعبر عن عدم العقل بالجنون لأن المعنى الواحد قد يعبر عنه بعبارتين منفية ومثبتة ولا مشاحة في التعبير والإضافي كالأبوة
____________________
(2/281)
عدمي كما هو قول المتكلمين وسيأتي تصحيحه في أواخر الكتاب ففي جواز تعليل الثبوتي به الخلاف كذا قال الإمام الرازي والآمدي لكن تقدم في مبحث المانع التمثيل للوجودي بالأبوة وهو صحيح عند الفقهاء نظرا إلى أنها ليست عدم شيء ومرجع القياس إليهم فلا يناسبهم أن يقال فيه والإضافي عدمي
ويجوز التعليل بما لا يطلع على حكمته كما في تعليل الربويات بالطعم أو غيره ويفهم من ذلك أنه لا تخلو علة عن حكمة لكن في الجملة لقوله فإن قطع بانتفائها في صورة فقال الغزالي و صاحبه محمد بن يحيى يثبت الحكم فيها للمظنة وقال الجدليون لا يثبت إذ لا عبرة بالمظنة عند تحقق المئنة مثاله من مسكنه على البحر ونزل منه في سفينة قطعت به مسافة القصر في لحظة من غير مشقة يجوز له القصر في سفره هذا
و العلة القاصرة وهي التي لا تتعدى محل النص منعها قوم عن أن يعلل بها مطلقا والحنفية منعوها إن لم تكن ثابتة بنص أو إجماع قالوا جميعا لعدم فائدتها وحكاية القاضي أبي بكر الباقلاني الاتفاق على جواز الثابتة بالنص معترضة بحكاية القاضي عبد الوهاب الخلاف فيه كما أشار إلى ذلك المصنف بحكاية الخلاف والصحيح جوازها مطلقا وفائدتها معرفة المناسبة بين الحكم ومحله فيكون أدعى للقبول
____________________
(2/282)
ومنع الإلحاق بمحل معلولها حيث يشتمل على وصف متعد لمعارضتها له ما لم يثبت استقلاله بالعلية وتقوية النص الدال على معلولها بأن يكون ظاهرا قال الشيخ الإمام والد المصنف وزيادة الأجر عند قصد الامتثال لأجلها لزيادة النشاط فيه حينئذ بقوة الإذعان لقبول معلولها ومن صورها ما ضبطه بقوله ولا تعدي لها أي للعلة عند كونها محل الحكم أو جزأه الخاص بأن لا يوجد في غيره أو وصفه اللازم بأن لا يتصف به غيره لاستحالة التعدي حينئذ
مثال الأول تعليل حرمة الربا في الذهب بكونه ذهبا وفي الفضة كذلك ومثال الثاني تعليل نقض الوضوء
____________________
(2/283)
في الخارج من السبيلين بالخروج منهما ومثال الثالث حرمة الربا في النقدين بكونهما قيم الأشياء وخرج بالخاص واللازم غيرهما فلا ينتفي التعدي عنه كتعليل الحنفية النقض فيما ذكر بخروج النجس من البدن الشامل لما ينقض عندهم من الفصد ونحوه وكتعليل ربوية البر بالطعم ويصح التعليل بمجرد الاسم اللقب كتعليل الشافعي رضي الله عنه نجاسة بول ما يؤكل لحمه بأنه بول كبول الآدمي وفاقا لأبي إسحاق الشيرازي وخلافا للإمام الرازي في نفيه ذلك حاكيا فيه الاتفاق موجها له بأنا نعلم بالضرورة أنه لا أثر في حرمة الخمر لتسميته خمرا
____________________
(2/284)
بخلاف مسماه من كونه مخامرا للعقل فهو تعليل الوصف أما المشتق المأخوذ من الفعل كالسارق والقاتل فوفاق صحة التعليل به وأما نحو الأبيض من المأخوذ من الصفة كالبياض فشبه صوري وسيأتي الخلاف فيه
وجوز الجمهور التعليل للحكم الواحد بعلتين فأكثر مطلقا لأن للعلل الشرعية علامات ولا مانع من اجتماع علامات على شيء واحد وادعوا وقوعه كما في اللمس والمس والبول المانع كل منها من الصلاة مثلا و جوزه ابن فورك والإمام الرازي في العلة المنصوصة دون المستنبطة لأن الأوصاف المستنبطة الصالح كل منها للعلية يجوز أن يكون مجموعها العلة عند الشارع فلا يتعين استقلال كل منها بخلاف ما نص على استقلاله بالعلية
____________________
(2/285)
وأجيب بأنه يتعين الاستقلال بالاستنباط أيضا وحكى ابن الحاجب عكس هذا أيضا أي جوازه في المستنبطة دون المنصوصة لأن المنصوصة قطعية فلو تعددت لزم المحال الآتي بخلاف المستنبطة لجواز أن تكون العلة فيها عند الشارع مجموع الأوصاف وأسقط المصنف هذا القول لقوله لم أره لغيره ومنعه إمام الحرمين شرعا مطلقا مع تجويزه عقلا قال لأنه لو جاز شرعا لوقع ولو نادرا لكنه لم يقع
وأجيب على تقدير تسليم اللزوم بمنع عدم الوقوع وأسند بما تقدم من أسباب الحدث والإمام يجعل الحكم فيها متعددا أي الحكم المستند إلى واحد منها غير المستند إلى آخر وإن اتفقا نوعان وقيل يجوز في التعاقب دون المعية للزوم المحال الآتي لها بخلاف التعاقب لأن الذي يوجد في الثانية مثلا مثل الأول لا عينه والصحيح القطع بامتناعه عقلا للزوم المحال من وقوعه
____________________
(2/286)
فارغة
____________________
(2/287)
كجمع النقيضين فإن الشيء باستناده إلى كل واحدة من علتين يستغني عن الأخرى فيلزم أن يكون مستغنيا عن كل منهما وغير مستغن عنه وذلك جمع بين النقيضين ويلزم أيضا تحصيل الحاصل في التعاقب حيث يوجد بالثانية مثلا نفس الموجود بالأولى ومنهم من قصر المحال الأول على المعية
وأجيب من جهة الجمهور بأن المحال المذكور إنما يلزم في العلل العقلية المفيدة لوجود المعلول فأما الشرعية التي هي معرفات مفيدة للعلم به فلا وعلى المنع حيث قيل فما يذكره المجيز من التعدد إما أن يقال فيه العلة مجموع الأمرين
____________________
(2/288)
مثلا أو أحدهما لا بعينه كما قيل بذلك أو يقال فيه بتعدد الحكم كما تقدم عن إمام الحرمين ومال إليه المصنف
والمختار وقوع حكمين بعلة إثباتا كالسرقة للقطع والغرم حيث يتلف المسروق أي لوجوبهما ونفيا كالحيض للصوم والصلاة وغيرهما كالطواف وقراءة القرآن أي لحرمتها وقيل يمتنع تعليل حكمين بعلة بناء على اشتراط المناسبة فيها لأن مناسبتها لحكم تحصل المقصود منها بترتيب الحكم عليها فلو ناسبت آخر لزم تحصيل الحاصل
وأجيب بمنع ذلك وعنده جواز تعدد المقصود كما في السرقة المرتب عليها القطع زجرا عنها والغرم جبرا لما تلف من المال وثالثها يجوز تعليل حكمين بعلة إن لم يتضادا بخلاف ما إذا تضادا كالتأبيد لصحة البيع وبطلان الإجارة لأن الشيء الواحد لا يناسب المتضادين
ومنها أي من شروط الإلحاق بالعلة أن لا يكون ثبوتها متأخرا عن ثبوت حكم الأصل سواء فسرت بالباعث أم المعرف لأن الباعث على الشيء
____________________
(2/289)
أو المعرف له لا يتأخر عنه خلافا للقوم في تجويزهم وتأخر ثبوتها بناء على تفسيرها بالمعرف كما يقال عرق الكلب نجس كلعابه لأنه مستقذر فإن استقذاره إنما ثبت بعد ثبوت نجاسته
ومنها أن لا تعود على الأصل الذي استنبطت منه بالإبطال لأنه منشؤها
____________________
(2/290)
فإبطالها له إبطال لها كتعليل الحنفية وجوب الشاة في الزكاة بدفع حاجة الفقير فإنه مجوز لإخراج قيمة الشاة مفض إلى عدم وجوبها على التعيين بالتخيير بينها وبين قيمتها وفي عودها على الأصل بالتخصيص له لا التعميم قولان قيل يجوز فلا يشترط عدمه وقيل لا فيشترط مثاله تعليل الحكم في آية أو لامستم النساء بأن اللمس مظنة الاستمتاع فإنه يخرج من النساء المحارم فلا ينقض لمسهن الوضوء كما هو أظهر قولي الشافعي
الثاني ينقض عملا بالعموم وتعليل الحكم في حديث أبي داود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان بأنه بيع الربوي بأصله فإنه يقتضي جواز البيع بغير الجنس من مأكول وغيره كما هو أحد قولي الشافعي لكن أظهرهما المنع نظرا للعموم ولاختلاف الترجيح في الفروع أطلق المصنف القولين وقوله لا التعميم أي فإنه يجوز العود به قولا واحدا كتعليل الحكم في حديث الصحيحين لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان بتشويش الفكر فإنه يشمل غير الغضب أيضا
و من شروط الإلحاق بالعلة أن لا تكون المستنبطة منها معارضة بمعارض مناف لمقتضاها موجود في الأصل إذ لا عمل لها مع وجوده إلا بمرجح قال المصنف مثاله قول الحنفي في نفي التبييت في صوم رمضان صوم عين
____________________
(2/291)
فيتأدى بالنية قبل الزوال كالنفل فيعارضه الشافعي فيقول صوم فرض فيحتاط فيه ولا يبني على السهولة ا هـ
وهذا مثال للمعارض في الجملة وليس منافيا ولا موجودا في الأصل قيل ولا في الفرع أي ويشترط أن لا تكون معارضة بمناف موجود في الفرع أيضا لأن المقصود من ثبوتها ثبوت الحكم في الفرع ومع وجود المنافي فيه المستند إلى قياس آخر لا يثبت قال المصنف مثاله قولنا في مسح الرأس ركن في الوضوء فيسن تثليثه كغسل الوجه يعارض الخصم فيقول مسح فلا يسن تثليثه كالمسح على الخفين ا هـ
وهو مثال للمعارض
____________________
(2/292)
في الجملة وليس منافيا وإنما ضعفوا هذا الشرط وإن لم يثبت الحكم في الفرع عند انتفائه لأن الكلام في شروط العلة وهذا شرط لثبوت الحكم في الفرع كما تقدم أخذه من قوله وتقبل المعارضة فيه إلخ ولا يقدح في صحة العلة في نفسها وإنما قيد المعارض بالمنافي لأنه قد لا ينافي كما سيأتي فلا يشترط انتفاؤه ويجوز أن يكون هو علة أيضا بناء على جواز التعليل بعلتين
و من شروط الإلحاق بالعلة أن لا تخالف نصا أو إجماعا لأنهما مقدمان على القياس
مثال مخالفة النص قول الحنفي المرأة مالكة لبضعها فيصح نكاحها بغير إذن وليها قياسا على بيع سلعتها فإنه مخالف لحديث أبي داود وغيره أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ومثال مخالفة الإجماع قياس صلاة المسافر على صومه
____________________
(2/293)
في عدم الوجوب بجامع السفر المشق فإنه مخالف للإجماع على وجوب أدائها عليه و أن لا تتضمن زيادة عليه أي على النص إن نافت الزيادة مقتضاه بأن يدل النص على علية وصف ويزيد الاستنباط قيدا فيه منافيا للنص فلا يعمل بالاستنباط لأن النص مقدم عليه وفاقا للآمدي في هذا الشرط بقيده وغيره أطلقه عن هذا القيد قال المصنف كالهندي
____________________
(2/294)
وإنما يتجه على أن الزيادة على النص نسخ للنص وهو قول الحنفية كما تقدم
و من شروط الإلحاق بالعلة أن تتعين خلافا لمن اكتفى بعلية مبهم من أمرين مثلا مشترك بين المقيس والمقيس عليه لأن العلة منشأ التعدية المحققة للقياس الذي هو الدليل ومن شأن الدليل أن يكون معينا فكذا منشأ المحقق له والمخالف يقول المبهم المشترك يحصل المقصود
و من شروط الإلحاق بالعلة أن لا تكون وصفا مقدرا وفاقا للإمام الرازي لا يجوز التعليل به خلافا لبعض الفقهاء مثاله قولهم الملك معنى مقدر شرعي في المحل أثره إطلاق التصرفات ا هـ
وكأنه ينازع في كون الملك مقدرا ويجعله محققا شرعا ويرجع كلامه إلى أنه لا مقدر يعلل به كما فهمه عنه التبريزي فينتفي الإلحاق به كما قصده المصنف
و من شروط الإلحاق بالعلة
____________________
(2/295)
أن لا يتناول دليلها حكم الفرع بعمومه أو خصوصه على المختار للاستغناء حينئذ عن القياس بذلك الدليل مثاله في العموم حديث مسلم الطعام بالطعام مثلا بمثل فإنه دال على علية الطعام فلا حاجة في إثبات ربوية التفاح مثلا إلى قياسه على البر بجامع الطعم للاستغناء عنه بعموم الحديث ومثاله في الخصوص حديث من قاء أو رعف فليتوضأ فإنه دال على علية الخارج النجس في نقض الوضوء فلا حاجة للحنفي إلى قياس القيء أو الرعاف على الخارج من السبيلين في نقض الوضوء بجامع الخارج النجس للاستغناء عنه بخصوص الحديث والمخالف يقول الاستغناء عن القياس بالنص لا يوجب إلغاءه لجواز دليلين على مدلول واحد والحديث رواه ابن ماجه وغيره وهو ضعيف
والصحيح أنه لا يشترط في العلة المستنبطة القطع بحكم الأصل بأن يكون دليله قطعيا من كتاب أو سنة متواترة ولا انتفاء مخالفة مذهب الصحابي أي مخالفتها له ولا القطع بوجودها في الفرع بل يكفي الظن بذلك وبحكم الأصل لأنه غاية الاجتهاد فيما يقصد به العمل والمخالف كأنه يقول الظن يضعف بكثرة المقدمات فربما يضمحل فلا يكفي
وأما مذهب الصحابي فليس بحجة وعلى تقدير حجيته فمذهبه الذي خالفته العلة المستنبطة من النص في الأصل بأن علل هو بغيرها يجوز أن يستند فيه إلى دليل آخر والخصم يقول الظاهر استناده إلى النص المذكور
أما انتفاء المعارض للعلة
____________________
(2/296)
بالمعنى الآتي له فمبني على التعليل بعلتين إن قلنا يجوز وهو رأي الجمهور كما تقدم فلا يشترط انتفاؤه وإلا فيشترط والمعارض هنا بخلافه فيما تقدم حيث وصف بالمنافي وصف صالح للعلية كصلاحية المعارض بفتح الراء لها وإن لم يكن مثله من كل وجه غير مناف بالنسبة إلى الأصل ولكن يئول الأمر إلى الاختلاف بين المتناظرين في الفرع كالطعم مع الكيل في البر فكل منهما صالح لعلية الربا فيه لا ينافي الآخر بالنسبة إليه و لكن يئول الأمر إلى الاختلاف بين المتناظرين في التفاح مثلا فعندنا هو ربوي كالبر بعلة الطعم وعند الخصم المعارض بأن العلة الكيل ليس بربوي لانتفاء الكيل فيه
____________________
(2/297)
وكل منهما يحتاج في ثبوت مدعاه من أحد الوصفين إلى ترجيحه على الآخر
ولا يلزم المعترض نفي الوصف الذي عارض به أي بيان انتفائه عن الفرع مطلقا لحصول مقصوده من هدم ما جعله المستدل العلة بمجرد المعارضة وقيل يلزمه ذلك مطلقا ليفيد انتفاء الحكم عن الفرع الذي هو المقصود وثالثها يلزمه ذلك إن صرح بالفرق بين الأصل بالفرق في الحكم فقال مثلا لا ربا في التفاح بخلاف البر وعارض علية الطعم فيه لأنه بتصريحه بالفرق التزمه وإن لم يلزمه ابتداء بخلاف ما إذا لم يصرح به
ولا يلزمه أيضا إبداء أصل يشهد لما عارض به بالاعتبار على المختار وقيل يلزمه ذلك حتى تقبل معارضته كأن يقول العلة في البر الطعم دون القوت بدليل الملح فالتفاح مثلا ربوي ورد هذا القول بأن مجرد المعارضة بالوصف الصالح للعلية كاف في حصول المقصود من الهدم
وللمستدل الدفع أي دفع المعارضة بأوجه بالمنع أي منع وجود الوصف المعارض به في الأصل كأن يقول
____________________
(2/298)
في دفع معارضة القوت بالكيل في شيء كالجوز لا نسلم أنه مكيل لأن العبرة بعادة زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان إذ ذاك موزونا أو معدودا والقدح في علية الوصف المعارض به ببيان خفائه أو عدم انضباطه وبالمطالبة للمعترض بالتأثير أو الشبه لما عارض به إن لم يكن دليل المستدل على العلية سبرا بأن كان مناسبا أو شبها لتحصل معارضة الشيء بمثله بخلاف السبر فمجرد الاحتمال قادح فيه وأعاد المصنف الباء لدفع إيهام عود الشرط إلى ما قبل مدخولها معه ومن أمثلته أن يقال لمن عارض القوت بالكيل لم قلت إن الكيل مؤثر وببيان استقلال ما عداه أي ما عدا الوصف المعترض به في صورة ولو كان البيان بظاهر عام كما يكون بالإجماع
____________________
(2/299)
إذا لم يعرض المستدل للتعميم كأن يبين استقلال الطعم المعارض بالكيل في صورة بحديث مسلم الطعام بالطعام مثلا بمثل والمستقل مقدم على غيره فإن تعرض للتعميم فقال فتثبت ربوية كل مطعوم خرج عما نحن فيه من القياس الذي هو بصدد الدفع عنه إلى النص وأعاد المصنف الباء لطول الفصل
ولو قال المستدل للمعترض ثبت الحكم في هذه الصورة مع انتفاء وصفك الذي عارضت به وصفي عنها لم يكف في الدفع إن لم يكن أي يوجد معه أي مع انتفاء وصف المعترض عنها وصف المستدل فيها لاستوائهما في انتفاء وصفيهما بخلاف ما إذا وجد وصف المستدل فيها فيكفي في الدفع بناء على امتناع تعليل الحكم بعلتين الذي صححه المصنف كما تقدم وقيل لم يكف مطلقا بناء على جواز التعليل بعلتين وقال المصنف في انتفاء وصف المستدل زيادة على عدم الكفاية الذي اقتصروا عليه وعندي أنه أي المستدل ينقطع بما قاله
____________________
(2/300)
لاعترافه فيه بإلغاء وصفه حيث ساوى وصف المعترض فيما قدح هو به فيه ولعدم الانعكاس لوصفه حيث لم ينتف الحكم مع انتفائه والانعكاس شرط بناء على امتناع التعليل بعلتين على أن عدم الانعكاس لا يترتب عليه الانقطاع وكأنه ذكره تقوية للأول
ولو أبدى المعترض في الصورة التي ألغى وصفه فيها المستدل ما أي وصفا يخلف الملغي سمي ما أبداه تعدد الوضع لتعدد ما وضع أي بنى
____________________
(2/301)
عليه الحكم عنده من وصف بعد آخر وزالت بما أبداه فائدة الإلغاء وهي سلامة وصف المستدل عن القدح وهذا أوضح من قول ابن الحاجب فسد الإلغاء ما لم يلغ المستدل الخلف بغير دعوى قصوره أو دعوى من سلم وجود المظنة المعلل بها لوجوده ضعف المعنى فيه الذي اعتبرت المظنة له بأن لم يتعرض المستدل للخلف أصلا أو تعرض له بدعوى قصوره أو بدعوى ضعف معنى المظنة فيه خلافا لمن زعمهما أي الدعويين إلغاء للخلف بناء في الأولى على امتناع القاصرة وفي الثانية على تأثير ضعف المعنى في المظنة فلا تزول عند هذا الزاعم فيهما فائدة الإلغاء الأول أما إذا ألغى المستدل الخلف بغير الدعويين فتبقى فائدة إلغائه الأول
مثال تعدد الوضع ما يأتي فيما يقال
____________________
(2/302)
يصح أمان العبد للحربي كالحر بجامع الإسلام والعقل فإنهما مظنتان لإظهار مصلحة الإيمان من بدل الأمان فيعترض الحنفي باعتبار الحرية منهما فإنها مظنة فراغ القلب للنظر بخلاف الرقية لاشتغال الرقيق بخدمة سيده فيلغي المستدل الحرية بثبوت الأمان بدونها في العبد المأذون له في القتال اتفاقا فيجيب المعترض بأن الإذن له خلف الحرية لأنه مظنة لبذل وسعه في النظر في مصلحة القتال والأمان
ويكفي في دفع المعارضة رجحان وصف المستدل على وصفها بمرجح ككونه أنسب من وصفها أو أشبه بناء على منع التعدد للعلة الذي صححه المصنف وقول ابن الحاجب لا يكفي مبني على ما رجحه من جواز التعدد فيجوز أن يكون كل من الوصفين علة وقد يعترض على المستدل باختلاف جنس المصلحة في الأصل والفرع وإن اتحد ضابط الأصل والفرع كما يأتي فيما يقال يحد اللائط كالزاني بجامع إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعا محرم شرعا فيعترض بأن الحكمة في حرمة اللواط الصيانة عن رذيلته وفي حرمة الزنا المرتب عليها الحد دفع اختلاط الأنساب المؤدي هو إليه وهما مختلفان فيجوز أن يختلف حكمهما بأن يقصر الشارع الحد على الزنا
____________________
(2/303)
فيكون خصوصه معتبرا في علة الحد فيجاب عن هذا الاعتراض بحذف خصوص الأصل عن الاعتبار في العلة بطريق فيسلم أن العلة هي القدر المشترك فقط كما تقدم في المثال لا مع خصوص الزنا فيه
وأما العلة إذا كانت وجود مانع أو انتفاء شرط بأن كانت علة لانتفاء الحكم فلا يلزم من كونها كذلك وجود المقتضي للحكم وفاقا للإمام الرازي وخلافا للجمهور في قولهم يلزم وجوده وإلا بأن جاز انتفاؤه كان انتفاء الحكم حينئذ لانتفائه لا لما فرض
____________________
(2/304)
من وجود مانع أو انتفاء شرط
وأجيب بأنه يجوز أن يكون لما فرض أيضا لجواز دليلين مثلا على مدلول واحد والمانع كأبوة القاتل للمقتول فلا يجب عليه القصاص وانتفاء الشرط كعدم إحصان الزاني فلا يجب عليه الرجم مسالك العلة أي هذا مبحث الطرق الدالة على علية الشيء الأول منها الإجماع كالإجماع على أن العلة في حديث الصحيحين لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان تشويش الغضب للفكر وقدم الإجماع على النص كابن الحاجب لتقدمه عليه عند التعارض على الأصح الآتي وعكس البيضاوي لأن النص أصل للإجماع
الثاني من مسالك العلة النص الصريح
____________________
(2/305)
بأن لا يحتمل غير العلية مثل لعلة كذا فلسبب كذا فمن أجل كذا فنحو كي وإذن نحو قوله تعالى من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات وفيما عطفه المصنف بالفاء هنا وفيما بعد إشارة إلى أنه دون ما قبله في الرتبة بخلاف ما عطفه بالواو والظاهر بأن يحتمل غير العلية احتمالا مرجوحا كاللام ظاهرة نحو كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور فمقدرة نحو إن كان كذا كقوله تعالى ولا تطع كل حلاف مهين إلى قوله
____________________
(2/306)
أن كان ذا مال وبنين أي لأن فالباء نحو فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم أي منعناهم منها لظلمهم
فالفاء في كلام الشارع وتكون فيه للحكم نحو قوله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وفي الوصف نحو حديث الصحيحين في المحرم الذي وقصته ناقته لا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا فالراوي الفقيه فغيره وتكون في ذلك في الحكم فقط كقول عمران بن حصين سها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد رواه أبو داود وغيره ومن قال من المتأخرين
____________________
(2/307)
إنها في ذلك في الوصف فقط لأن الراوي يحكي ما كان في الوجود لم يرد بالوصف فيه الوصف الذي يترتب عليه الحكم كما في الأول فالفاء فيما ذكر للسببية التي هي بمعنى العلية وإنما لم تكن المذكورات من الصريح لمجيئها لغير التعليل كالعاقبة في اللام والتعدية في الباء ومجرد العطف في الفاء كما تقدم في مبحث الحروف ومنه أي من الظاهر إن المكسورة المشددة نحو رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم الآية وإذ نحو ضربت العبد إذ أساء أي لإساءته وما مضى في الحروف أي مبحثها مما يرد للتعليل غير المذكور هنا وهو بيد وحتى وعلى وفي ومن فلتراجع وإنما فصل هذا عما قبله بقوله ومنه لأنه لم يذكره الأصوليون واحتمال إن لغير التعليل كأن تكون لمجرد التأكيد كما تكون إذ وما مضى لغير التعليل كما تقدم في مبحث الحروف
الثالث من مسالك العلة
____________________
(2/308)
الإيماء وهو اقتران الوصف الملفوظ قيل أو المستنبط بحكم ولو كان الحكم مستنبطا كما يكون ملفوظا لو لم يكن للتعليل هو أي الوصف أو نظيره لنظير الحكم حيث يشار بالوصف والحكم إلى نظيرهما أي لو لم يكن ذلك من حيث اقترانه بالحكم لتعليل الحكم به كان ذلك الاقتران بعيدا من الشارع لا يليق بفصاحته وإتيانه بالألفاظ في مواضعها كحكمه أي الشارع بعد سماع وصف كما في حديث الأعرابي واقعت أهلي في نهار رمضان فقال أعتق رقبة إلخ رواه ابن ماجه وأصله في الصحيحين فأمره بالإعتاق عند ذكر الوقاع يدل على أنه علة له
____________________
(2/309)
وإلا لخلا السؤال عن الجواب وذلك بعيد فيقدر السؤال في الجواب فكأنه قال واقعت فأعتق وكذكره في الحكم وصفا لو لم يكن علة له لم يفد ذكره كقوله صلى الله عليه وسلم لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان رواه الشيخان فتقييده المنع من الحكم بحالة الغضب المشوش للفكر يدل على أنه علة له وإلا لخلا ذكره عن الفائدة وذلك بعيد وكتفريقه بين حكمين بصفة مع ذكرهما أو ذكر أحدهما فقط مثال الأول حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين وللرجل أي صاحبه سهما فتفريقه بين هذين الحكمين بهاتين الصفتين لو لم يكن لعلية كل منهما
____________________
(2/310)
لكان بعيدا
ومثل الثاني حديث الترمذي القاتل لا يرث أي بخلاف غيره المعلوم إرثه فالتفريق بين عدم الإرث المذكور وبين الإرث المعلوم بصفة القتل المذكور مع عدم الإرث لو لم يكن لعليته له لكان بعيدا أو تفريقه بين حكمين بشرط أو غاية أو استثناء أو استدراك مثال الشرط حديث مسلم الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد فالتفريق بين منع البيع في هذه الأشياء متفاضلا وبين جوازه عند اختلاف الجنس لو لم يكن لعلية الاختلاف للجواز لكان بعيدا ومثال الغاية قوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن أي فإذا طهرن فلا منع من قربانهن كما صرح به في قوله عقبه فإذا تطهرن فأتوهن بين المنع من قربانهن في الحيض وبين جوازه في الطهر لو لم يكن لعلية الطهر للجواز لكان بعيدا ومثال الاستثناء قوله تعالى فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أي الزوجات عن ذلك النصف فلا شيء لهن فتفريقه بين ثبوت النصف لهن وبين انتفائه عند عفوهن عنه لو لم يكن لعلية العفو للانتفاء لكان بعيدا ومثال الاستدراك قوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فتفريقه بين عدم المؤاخذة بالأيمان وبين المؤاخذة بها عند تعقيدها لو لم يكن لعلية التعقيد للمؤاخذة لكان بعيدا وكترتيب الحكم على الوصف نحو أكرم العلماء فترتيب الإكرام لو لم يكن لعلية العلم له لكان بعيدا وكمنعه أي الشارع
____________________
(2/311)
مما قد يفوت المطلوب نحو قوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع فالمنع من البيع وقت نداء الجمعة الذي قد يفوتها لو لم يكن لمظنة تفويتها لكان بعيدا
وهذه أمثلة لما اتفق على أنه إيماء وهو أن يكون الوصف والحكم ملفوظين وإن كان في بعضها تقدير وعكس هذا القسم ليس بإيماء قطعا وفي الوصف الملفوظ والحكم المستنبط وعكسه وفي أكثر العلل خلاف مختلف الترجيح كما أفادته عبارة المصنف قيل إنها إيماء تنزيلا للمستنبط منزلة الملفوظ فيقدمان عند التعارض على المستنبط بلا إيماء وقيل ليسا إيماء والأصح أن الأول إيماء لاستلزام الوصف للحكم
____________________
(2/312)
بخلاف الثاني لجواز كون الوصف أعم
مثال الأول قوله تعالى وأحل الله البيع فحله مستلزم لصحته والثاني كتعليل الربويات بالطعم أو غيره ومثال النظير حديث الصحيحين أن امرأة قالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها فقال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك أي فإنه يؤدي عنها سألته عن دين الله على الميت وجواز قضائه عنه فذكر لها دين الآدمي عليه وقررها على جواز قضائه عنه وهما نظيران فلو لم يكن جواز القضاء فيهما لعلية الدين له لكان بعيدا ولا يشترط في الإيماء مناسبة الوصف المومأ إليه للحكم عند الأكثر بناء على أن العلة بمعنى المعرف وقيل يشترط بناء على أنها بمعنى الباعث
الرابع من مسالك العلة السبر والتقسيم وهو حصر الأوصاف الموجودة في الأصل المقيس عليه وإبطال ما لا يصلح منها للعلية فيتعين الباقي لها كأن يحصل أوصاف البر في قياس الذرة مثلا عليه في الطعم وغيره ويبطل ما عدا الطعم بطريقه فيتعين الطعم للعلية
والسبر لغة الاختبار
____________________
(2/313)
فالتسمية بمجموع الاسمين واضحة وقد يقتصر على السبر ويكفي قول المستدل في المناظرة في حصر الأوصاف التي يذكرها بحثت فلم أجد غيرها والأصل عدم ما سواها لعدالته مع أهلية النظر فيندفع عنه بذلك منع الحصر والمجتهد أي الناظر لنفسه يرجع في حصر الأوصاف إلى ظنه فيأخذ به ولا يكابر نفسه فإن كان الحصر والإبطال أي كل منهما قطعيا فقطعي أي فهذا المسلك قطعي وإلا بأن كان كل منهما ظنيا أو أحدهما قطعيا والآخر ظنيا فظني وهو أي الظني حجة للناظر لنفسه والمناظر غيره عند الأكثر لوجوب العمل بالظن وقيل ليس بحجة مطلقا
____________________
(2/314)
لجواز بطلان الباقي وثالثها حجة لهما إن أجمع على تعليل ذلك الحكم في الأصل وعليه إمام الحرمين حذرا من أداء بطلان الباقي إلى خطأ المجمعين ورابعها حجة الناظر لنفسه دون المناظر غيره لأن ظنه لا يقوم حجة على خصمه فإن أبدى المعترض على حصر المستدل الظني وصفا زائدا على أوصافه لم يكلف بيان صلاحيته للتعليل لأن بطلان الحصر بإبدائه كاف في الاعتراض فعلى المستدل دفعه بإبطال التعليل به ولا ينقطع المستدل بإبدائه حتى يعجز عن إبطاله فإن غاية إبدائه منع لمقدمه من الدليل والمستدل لا ينقطع بالمنقطع ولكن يلزمه دفعه ليتم دليله فيلزمه إبطال الوصف المبدأ عن أن يكون علة فإن عجز عن إبطاله انقطع
وقد يتفقان أي المتناظران على إبطال ما عدا وصفين من أوصاف الأصل ويختلفان في أيهما العلة فيكفي المستدل الترديد بينها من غير احتياج إلى ضم ما عداهما إليهما في الترديد لاتفاقهما على إبطاله فيقول العلة أما هذا أو ذاك لا جائز أن تكون ذاك لكذا فيتعين أن تكون هذا ومن طرق الإبطال لعلية الوصف بيان أن الوصف طرد أي من جنس ما علم من الشارع إلغاؤه ولو في ذلك الحكم
____________________
(2/315)
كما يكون في جميع الأحكام كالذكورة والأنوثة في العتق فإنهما لم يعتبرا فيه فلا يعلل بهما شيء من أحكامه وإن اعتبرا في الشهادة والقضاء والإرث وولاية النكاح
والطرد في جميع الأحكام كالطول والقصر فإنهما لم يعتبرا في القصاص ولا الكفارة ولا الإرث ولا العتق ولا غيرهما فلا يعلل بهما حكم أصلا ومنها أي من طرق الإبطال أن لا تظهر مناسبة الوصف المحذوف عن الاعتبار للحكم بعد البحث عنها لانتفاء مثبت العلية بخلافه في الإيماء ويكفي في عدم ظهور مناسبته قول المستدل بحثت فلم أجد فيه موهم مناسبة أي ما يوقع في الوهم أي الذهن مناسبة لعدالته مع أهلية النظر فإن ادعى المعترض أن الوصف المستبقى كذلك أي لم تظهر مناسبته فليس للمستدل بيان مناسبته لأنه انتقال من طريق السبر إلى طريق المناسبة والانتقال يؤدي إلى الانتشار المحذور ولكن يرجع سبره على سبر المعترض النافي لعلية المستبقى كغيره بموافقة التعدية حيث يكون المستبقى متعديا فإن تعدية الحكم محله أفيد من قصوره عليه
الخامس من مسالك العلة المناسبة والإخالة سميت مناسبة الوصف بالإخالة لأن بها يخال أي يظن أن الوصف علة
____________________
(2/316)
ويسمى استخراجها بأن يستخرج الوصف المناسب تخريج المناط لأنه إبداء ما نيط به الحكم وهو أي تخريج المناط تعيين العلة بإبداء مناسبة بين المعين والحكم مع الاقتران بينهما والسلامة للمعين عن القوادح في العلية كالإسكار في حديث مسلم كل مسكر حرام فهو لإزالته العقل المطلوب حفظه مناسب للحرمة وقد اقترن بها وسلم عن القوادح وباعتبار المناسبة في هذا ينفصل عن الترتيب من الإيماء ثم السلامة عن القوادح كأنها قيد في التسمية بحسب الواقع وإلا فكل مسلك لا يتم بدونها وهي والاقتران مزيدان على ابن الحاجب في الحد لكنه حد به المناسبة وسماها تخريج المناط وما صنعه المصنف أقعد
____________________
(2/317)
وتحقق الاستقلال أي استقلال الوصف المناسب في العلية بعدم ما سواه بالسبر لا يقول المستدل بحثت فلم أجد غيره والأصل عدمه كما تقدم في السبر لأن المقصود هنا الإثبات وهناك النفي
والمناسب المأخوذ من المناسبة المتقدمة الملائم لأفعال العقلاء عادة كما يقال هذه اللؤلؤة مناسبة لهذه اللؤلؤة بمعنى أن جمعها معها في سلك موافق لعادة العقلاء في فعل مثله فمناسبة الوصف للحكم المترتب عليه موافقة لعادة العقلاء في ضمهم الشيء إلى ما يلائمه وقيل هو ما يجلب للإنسان نفعا أو يدفع عنه ضررا قال في المحصول وهذا قول من يعلل أحكام الله بالمصالح والأول قول من يأباه والنفع اللذة والضرر الألم وقال أبو زيد الدبوسي من الحنفية هو ما لو عرض على العقول لتلقته بالقبول من حيث
____________________
(2/318)
التعليل به وهذا مع الأول متقاربان وقول الخصم فيما هو كذلك لا يتلقاه عقلي بالقبول غير قادح وقيل هو وصف ظاهره منضبط يحصل عقلا من ترتيب الحكم عليه ما يصلح كونه مقصودا للشارع في شرعية ذلك الحكم من حصول مصلحة أو دفع مفسدة فإن كان الوصف خفيا أو غير منضبط اعتبر ملازمه الذي هو ظاهرا منضبط وهو المظنة له فيكون هو العلة كالسفر مظنة للمشقة المرتب عليها الترخص في الأصل لكنها لما لم تنضبط لاختلافها بحسب الأشخاص والأحوال والأزمان نيط
____________________
(2/319)
الترخيص بمظنتها
وقد يحصل المقصود من شرع الحكم يقينا أو ظنا كالبيع يحصل المقصود من شرعه وهو الملك يقينا والقصاص يحصل المقصود من شرعه وهو الانزجار عن القتل ظنا فإن الممتنعين عنه أكثر من المقدمين عليه وقد يكون حصول المقصود من شرع الحكم محتملا كاحتمال انتفائه سواء كحد الخمر فإن حصول المقصود من شرعه وهو الانزجار عن شربها وانتفاؤه متساويان بتساوي الممتنعين عن شربها والمقدمين عليه فيما يظهر أو يكون نفيه أي انتفاء المقصود من نفى الشيء بالبناء للفاعل أي انتفى أرجح من حصوله كنكاح الآيسة للتوالد الذي هو المقصود من النكاح فإن انتفاءه في نكاحها أرجح من حصوله والأصح جواز التعليل بالثالث والرابع أي بالمقصود المتساوي الحصول والانتفاء والمقصود المرجوح الحصول نظرا إلى حصولهما في الجملة كجواز القصر للمترفه في سفره المنتفي فيه المشقة التي
____________________
(2/320)
هي حكمة الترخيص نظرا إلى حصولها في الجملة وقيل لا يجوز التعليل بهما لأن الثالث مشكوك الحصول والرابع مرجوحه أما الأول والثاني فيجوز التعليل بهما قطعا فإن كان المقصود من شرع الحكم فائتا قطعا في بعض الصور
فقالت الحنفية يعتبر المقصود فيه حتى يثبت فيه الحكم وما يترتب عليه كما سيظهر والأصح لا يعتبر للقطع بانتفائه سواء في الاعتبار وعدمه ما أي الحكم الذي لا تعبد فيه كلحوق نسب المشرقي بالمغربية عند الحنفية فإنهم قالوا من تزوج بالمشرق امرأة بالمغرب فأتت بولد يلحقه فالمقصود من التزوج وهو حصول النطفة في الرحم ليحصل العلوق فيلحق النسب فائت قطعا في هذه الصورة للقطع عادة بعدم تلاقي الزوجين وقد اعتبره الحنفية فيها لوجود مظنته وهي التزوج
____________________
(2/321)
حتى يثبت اللحوق وغيرهم لم يعتبره وقال لا عبرة بمظنته مع القطع بانتفائه فلا لحوق وما أي والحكم الذي فيه تعبد كاستبراء جارية اشتراها بائعها لرجل منه في المجلس أي مجلس البيع فالمقصود من استبراء الجارية المشتراة من رجل وهو معرفة براءة رحمها منه المسبوقة بالجهل بها فاتت قطعا في هذه الصورة لانتفاء الجهل فيها قطعا وقد اعتبر الحنفية فيها تقديرا حتى يثبت فيها الاستبراء وغيرهم لم يعتبره وقال بالاستبراء فيها تعبدا كما في المشتراة من امرأة لأن الاستبراء فيه نوع تعبد كما علم في محله بخلاف لحوق النسب
والمناسب من حيث شرع الحكم له أقسام ضروري فحاجي فتحسيني عطفهما بالفاء ليفيد أن كلا منهما دون ما قبله في الرتبة والضروري وهو ما تصل الحاجة إليه حد الضرورة كحفظ الدين المشروع له قتل الكفار وعقوبة الداعين إلى البدع فالنفس أي حفظها المشروع له القصاص فالعقل أي حفظه المشروع له حد السكر فالنسب أي حفظه المشروع له حد الزنا فالمال أي حفظه المشروع له حد السرقة وحد قطع الطريق والعرض أي حفظه المشروع له
____________________
(2/322)
حد القذف وهذا زاده المصنف كالطوفي وعطفه بالواو إشارة إلى أنه في رتبة المال وعطف كلا من الأربعة قبله بالفاء لإفادة أنه دون ما قبله في الرتبة ويلحق به أي بالضروري فيكون في رتبته مكمله كحد قليل المسكر فإن قليله يدعو إلى كثيره المفوت لحفظ العقل فبولغ في حفظه بالمنع من القليل والحد عليه كالكثير والحاجي وهو ما يحتاج إليه ولا يصل إلى حد الضرورة كالبيع فالإجارة المشروعين للملك المحتاج إليه ولا يفوت بفواته لو لم يشرعا شيء من الضروريات السابقة وعطف الإجارة بالفاء لأن الحاجة إليها دون الحاجة إلى البيع وقد يكون الحاجي في الأصل ضروريا في بعض الصور كالإجارة لتربية الطفل فإن ملك المنفعة فيها وهي تربيته يفوت بفواته لو لم تشرع الإجارة حفظ نفس الطفل ومكمله أي الحاجي كخيار البيع المشروع للتروي كمل به البيع
____________________
(2/323)
ليسلم عن الغبن والتحسيني وهو ما استحسن عادة من غير احتياج إليه قسمان غير معارض القواعد كسلب العبد أهلية الشهادة فإنه غير محتاج إليه إذ لو أثبتت له الأهلية ما ضر لكنه مستحسن في العادة لنقص الرقيق عن هذا المنصب الشريف الملزم بخلاف الرواية والمعارض كالكتابة فإنها غير محتاج إليها إذ لو منعت ما ضر لكنها مستحسنة في العادة للتوسل بها إلى فك الرقبة من الرق وهي خارمة لقاعدة امتناع بيع الشخص بعض ما له ببعض آخر إذ ما يحصله المكاتب في قوة ملك السيد له بأن يعجز نفسه
ثم المناسب من حيث اعتباره أقسام لأنه إن اعتبر بنص أو إجماع عين الوصف في عين الحكم فالمؤثر لظهور تأثره بما اعتبر به مثال الاعتبار بالنص تعليل نقض الوضوء بمس الذكر فإنه مستفاد من حديث الترمذي وغيره من مس ذكره فليتوضأ ومثال الاعتبار بالإجماع تعليل ولاية المال على الصغير بالصغر فإنه مجمع عليه وإن لم يعتبر
____________________
(2/324)
عين الوصف في عين الحكم بهما أي بالنص والإجماع بل اعتبر بترتيب الحكم على وفقه أي الوصف حيث يثبت الحكم معه ولو كان الاعتبار بالترتيب باعتبار جنسه في جنسه أي جنس الوصف في جنس الحكم بنص أو إجماع كما يكون باعتبار عينه في جنسه أو العكس كذلك الأولى
____________________
(2/325)
من المذكور كما أشار إليه بلو فالملائم لملاءمته للحكم فأقسامه ثلاثة مثال الأول أي اعتبار العين في العين بالترتيب وقد اعتبر العين في الجنس تعليل ولاية النكاح بالصغر حيث تثبت معه وإن اختلف في أنها له أو للبكارة أو لهما وقد اعتبر في جنس الولاية حيث اعتبر في ولاية المال بالإجماع كما تقدم ومثال الثاني أي اعتبار العين في العين وقد اعتبر الجنس في العين تعليل جواز الجمع في الحضر حالة المطر على القول به بالحرج وقد اعتبر جنسه في الجواز في السفر بالإجماع ومثال الثالث أي اعتبار العين في العين وقد اعتبر الجنس في الجنس تعليل القصاص في القتل بمثقل بالقتل العمد العدوان حيث ثبت معه وقد اعتبر جنسه في جنس القصاص حيث اعتبر في القتل بمحدد بالإجماع
وإن لم يعتبر أي المناسب فإن دل الدليل على إلغائه فلا يعلل به كما في مواقعة الملك فإن يناسب التكفير ابتداء بالصوم ليرتدع به دون الإعتاق إذ يسهل عليه بذل المال في شهوة الفرج وقد أفتى
____________________
(2/326)
يحيى بن يحيى المغربي ملكا جامع في نهار رمضان بصوم شهرين متتابعين نظرا إلى ذلك لكن الشارع ألغاه بإيجابه الإعتاق ابتداء من غير تفرقة بين ملك وغيره ويسمى هذا القسم بالغريب لبعده عن الاعتبار وإلا أي وإن لم يدل الدليل على إلغائه كما يدل على اعتباره فهو المرسل لإرساله أي إطلاقه عما يدل على اعتباره أو إلغائه ويعبر عنه بالمصالح المرسلة وبالاستصلاح وقد قبله الإمام مالك مطلقا رعاية للمصلحة
____________________
(2/327)
حتى جوز ضرب المتهم بالسرقة ليقر وعورض بأنه قد يكون بريئا وترك الضرب لمذنب أهون من ضرب بريء وكاد إمام الحرمين يوافقه مع مناداته عليه بالنكير
____________________
(2/328)
أي قرب من موافقته ولم يوافقه ورده الأكثر من العلماء مطلقا لعدم ما يدل على اعتباره و رده قوم في العبادات لأنه لا نظر فيها للمصلحة بخلاف غيرها كالبيع والحد وليس منه مصلحة ضرورية كلية قطعية لأنها مما دل الدليل على اعتبارها فهي حق قطعا واشترطها الغزالي للقطع بالقول به لا لأصل القول به
____________________
(2/329)
فجعلها منه مع القطع بقبولها قال والظن القريب من القطع كالقطع فيها مثالها رمي الكفار المتترسين بأسرى المسلمين في الحرب المؤدي إلى قتل الترس معهم إذا قطع أو ظن ظنا قريبا من القطع بأنهم إن لم يرموا استأصلوا المسلمين بالقتل الترس وغيره وبأنهم إن رموا سلم غير الترس فيجوز رميهم لحفظ باقي الأمة بخلاف رمي أهل قلعة تترسوا بمسلمين فإن فتحها ليس ضروريا ورمي بعض المسلمين من السفينة في البحر لنجاة الباقين فإن نجاتهم ليس كليا أي متعلقا بكل الأمة ورمي المتترسين في الحرب إذا لم يقطع أو لم يظن ظنا قريبا من القطع باستئصالهم المسلمين فلا يجوز الرمي في هذه الصور الثلاثة
____________________
(2/330)
وإن أقرع في الثانية لأن القرعة لا أصل لها في الشرع في ذلك
مسألة المناسبة تنخرم أي تبطل بمفسدة تلزم الحكم راجحة على مصلحته أو مساوية لها خلافا لإمام الرازي في قوله ببقائها مع موافقته على انتفاء الحكم فهو عنده لوجود المانع وعلى الأول لانتفاء المقتضي
السادس من مسالك العلة ما يسمى بالشبه
____________________
(2/331)
كالوصف فيه المعرف بقوله الشبه منزلة بين المناسب والطرد أي ذو منزلة بين منزلتيهما فإنه يشبه الطرد من حيث إنه غير مناسب بالذات ويشبه المناسب بالذات من حيث التفات الشرع إليه في الجملة كالذكورة والأنوثة في القضاء والشهادة قال المصنف وقد تكاثر التشاجر في تعريف هذه المنزلة ولم أجد لأحد تعريفا صحيحا فيها وقال القاضي أبو بكر الباقلاني هو المناسب بالتبع كالطهارة لاشتراط النية
____________________
(2/332)
فإنها إنما تناسبه بواسطة أنها عبادة بخلاف المناسب بالذات كالإسكار لحرمة الخمر ولا يصار إليه بأن يصار إلى قياسه مع إمكان قياس العلة المشتمل على المناسب بالذات إجماعا فإن تعذرت أي العلة بتعذر المناسب بالذات بأن لم يوجد غير قياس الشبه فقال الشافعي رضي الله عنه هو حجة نظرا لشبهه بالمناسب وقال أبو بكر الصيرفي و أبو إسحاق الشيرازي مردود نظرا لشبهه بالطرد وأعلاه على القول بحجيته قياس غلبة الأشباه في الحكم والصفة وهو إلحاق فرع مردد بين أصلين بأحدهما الغالب شبهه به في الحكم والصفة على شبهه بالآخر فيهما إلحاق العبد بالمال في إيجاب القيمة بقتله بالغة ما بلغت لأن شبهه بالمال في الحكم والصفة أكثر من شبهه بالحر فيهما ثم القياس الصوري
____________________
(2/333)
كقياس الخيل على البغال والحمير في عدم وجوب الزكاة للشبه الصوري بينهما وقال الإمام الرازي المعتبر في قياس الشبه ليكون صحيحا حصول المشابهة بين الشيئين لعلة الحكم أو مستلزمها وعبارته فيما يظن كونه علة الحكم أو مستلزما لها سواء كان ذلك في الصورة أم في الحكم
السابع من مسالك العلة الدوران وهو أن يوجد الحكم عند وجود وصف وينعدم عند عدمه قيل لا يفيد العلية أصلا لجواز أن يكون الوصف ملازما للعلة لا نفسها كرائحة المسكر المخصوصة
____________________
(2/334)
فإنها دائرة معه وجودا وعدما بأن يصير خلا وليس علة وقيل هو قطعي في إفادة العلية وكأن قائل ذلك قاله عند مناسبة الوصف كالإسكار لحرمة الخمر والمختار وفاقا للأكثر أنه ظني لا قطعي لقيام الاحتمال السابق ولا يلزم المستدل به بيان نفي أي انتفاء ما هو أولى منه بإفادة العلية بل يصح الاستدلال مع إمكان الاستدلال بما هو أولى منه بخلاف ما تقدم في الشبه فإن أبدى المعترض وصفا آخر أي غير المدار ترجح جانب المستدل بالتعدية لوصفه على جانب المعترض حيث يكون وصفه قاصرا وإن كان وصف المعترض متعديا إلى الفرع المتنازع فيه ضر إبداؤه عند مانع العلتين دون مجوزهما
____________________
(2/335)
أو إلى فرع آخر طلب الترجيح من خارج لتعادل الوصفين حينئذ
الثامن من مسالك العلة الطرد وهو مقارنة الحكم للوصف من غير مناسبة كقول بعضهم في الخل مائع لا تبنى القنطرة على جنسه فلا تزال به النجاسة كالدهن أي بخلاف الماء فتبنى القنطرة على جنسه فتزال به النجاسة فبناء القنطرة وعدمه لا مناسبة فيه للحكم أصلا وإن كان مطردا لا نقض عليه والأكثر من العلماء على رده لانتفاء المناسبة عنه قال علماؤنا قياس المعنى مناسب لاشتماله على الوصف المناسب و قياس الشبه تقريب و قياس الطرد تحكم فلا يفيد وقيل إن قارنه أي قارن الحكم الوصف فيما عدا صورة النزاع أفاد العلية فيفيد الحكم في صورة النزاع وعليه الإمام الرازي وكثير من العلماء وقيل تكفي المقارنة
____________________
(2/336)
في صورة واحدة لإفادة العلية وقال الكرخي يفيد الطرد المناظر دون الناظر لنفسه لأن الأول في مقام الدفع والثاني في مقام الإثبات
التاسع من مسالك العلة تنقيح المناط وهو أن يدل نص ظاهر على التعليل بوصف فيحذف خصوصه عن الاعتبار بالاجتهاد ويناط الحكم بالأعم أو تكون أوصاف في محل الحكم فيحذف بعضها عن الاعتبار بالاجتهاد ويناط الحكم بالباقي وحاصله أنه الاجتهاد في الحذف والتعيين ويمثل لذلك بحديث الصحيحين في المواقعة في نهار رمضان فإن أبا حنيفة ومالكا
____________________
(2/337)
حذفا خصوصها عن الاعتبار وأناطا الكفارة بمطلق الإفطار كما حذف الشافعي غيرها من أوصاف المحل ككون الواطئ أعرابيا وكون الموطوءة زوجة وكون الوطء في القبل عن الاعتبار وأناط الكفارة بها أما تحقيق المناط فإثبات العلة في آحاد صورها كتحقيق أن النباش وهو من ينبش القبور ويأخذ الأكفان سارق بأنه وجد منه أخذ المال خفية وهو السرقة فيقطع خلافا للحنفية وتخريجه أي تخريج المناط مر في مبحث المناسبة وقرن بين الثلاث كعادة الجدليين العاشر من مسالك العلة إلغاء الفارق بأن يبين عدم تأثيره فيثبت الحكم لما اشتركا فيه كإلحاق الأمة بالعبد في السراية الثابتة بحديث الصحيحين من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق فالفارق بين الأمة والعبد الأنوثة ولا تأثير لها في منع السراية فتثبت السراية فيها لما شاركت فيه العبد وهو أي إلغاء الفارق والدوران والطرد على القول به
____________________
(2/338)
ترجع ثلاثتها إلى ضرب شبه إذ تحصل الظن في الجملة لا مطلقا ولا تعين جهة المصلحة المقصودة من شرع الحكم لأنها لا تدرك بواحد منها بخلاف المناسبة
خاتمة في نفي مسلكين ضعيفين ليس تأتي القياس بعلية وصف ولا العجز عن إفساده دليل عليته على الأصح فيهما وقيل نعم فيهما أما الأول فلأن القياس مأمور به بقوله تعالى فاعتبروا على تقدير علية الوصف يخرج بقياسه عن عهدة الأمر فيكون الوصف علة
وأجيب بأنه إنما تتعين عليته أن لو لم يخرج عن عهدة الأمر إلا بقياسه وليس كذلك وأما الثاني فكما في المعجزة فإنها إنما دلت على صدق الرسول للعجز عن معارضتها وأجيب بالفرق فإن العجز هناك من الخلق وهنا من الخصم
القوادح أي هذا مبحثها وهي ما يقدح
____________________
(2/339)
في الدليل من حيث العلة أو غيرها منها تخلف الحكم عن العلة بأن وجدت في صورة مثلا بدون الحكم
____________________
(2/340)
وفاقا للشافعي رضي الله عنه في أنه قادح في العلة وسماه النقض وقالت الحنفية لا يقدح فيها وسموه تخصيص العلة وقيل لا يقدح في العلة المستنبطة لأن دليلها اقتران الحكم بها ولا وجود له في صورة التخلف فلا يدل على العلية فيها بخلاف المنصوصة فإن دليلها النص الشامل لصورة التخلف وانتفاء الحكم فيها يبطله بأن يوقفه عن العمل به والحنفية تقول يخصصه ويجاب عن دليل المستنبطة بأن اقتران الحكم بالوصف يدل على عليته في جميع صوره كدليل المنصوصة وقيل عكسه أي لا يقدح في المنصوصة ويقدح في المستنبطة لأن الشارع له أن يطلق العام ويرد بعضه مؤخرا بيانه إلى وقت الحاجة بخلاف غيره إذا علل بشيء ونقض عليه ليس له أن يقول أردت غير ذلك لسده باب إبطال العلة وقيل يقدح فيهما إلا أن يكون التخلف لمانع أو فقد شرط للحكم
____________________
(2/341)
فلا يقدح وعليه أكثر فقهائنا وقيل يقدح إلا أن يرد على جميع المذاهب كالعرايا وهو بيع الرطب والعنب قبل القطع بتمر أو زبيب فإن جوازه وارد على كل قول في علة حرمة الربا من الطعم والقوت والكيل والمال فلا يقدح
وعليه الإمام الرازي ونقل الإجماع على أن حرمة الربا لا تعلل إلا بأحد هذه الأمور الأربعة وقيل يقدح في العلة الحاظرة دون المبيحة لأن الحظر على خلاف الأصل فتقدم فيه الإباحة بخلاف العكس وقيل يقدح في المنصوصة إلا إذا ثبتت
____________________
(2/342)
بظاهر عام لقبوله للتخصيص بخلاف القاطع و يقدح في المستنبطة أيضا إلا أن يكون التخلف لمانع أو فقد شرط للحكم فلا يقدح فيها وقال الآمدي إن كان التخلف لمانع أو فقد شرط أو في معرض الاستثناء منصوصة كانت أو مستنبطة أو كانت منصوصة بما لا يقبل التأويل لم يقدح وإلا قدح إلا في المنصوصة بما يقبل التأويل فيؤول للجمع بين الدليلين وقول المصنف عنه في المنصوصة بما لا يقبل التأويل لم يقدح هو لازم قوله فيها إن كان التخلف لدليل ظني فالظني لا يعارض القطعي أو قطعي فتعارض قطعيين محال
____________________
(2/343)
قال المصنف إلا أن يكون أحدهما ناسخا والخلاف في القدح معنوي لا لفظي خلافا لابن الحاجب في قوله إنه لفظي مبني على تفسير العلة إن فسرت بما يستلزم وجوده وجود الحكم وهو معنى المؤثر فالتخلف قادح أو بالباعث وكذا بالمعرف فلا ومن فروعه أي فروع أن الخلاف معنوي التعليل بعلتين فيمتنع إن قدح التخلف وإلا فلا وهذا التفريع نشأ عن سهو فإنه إنما يتأتى في تخلف العلة عن الحكم والكلام في عكس ذلك والانقطاع للمستدل فيحصل إن قدح التخلف وإلا فلا ويسمع قوله أردت العلية في غير ما حصل فيه التخلف وانخرام المناسبة بمفسدة فيحصل إن قدح التخلف وإلا فلا ولكن ينتفي الحكم لوجود المانع وغيرها بالرفع أي غير ذلك المذكورات كتخصيص العلة
____________________
(2/344)
فيمتنع إن قدح التخلف وإلا فلا
وجوابه أي التخلف على القول بأنه قادح منع وجود العلة فيما اعترض به أو منع انتفاء الحكم عن ذلك إن لم يكن انتفاؤه مذهب المستدل وإلا فلا يتأتى الجواب بمنعه وعند من يرى الموانع أي يعتبرها بالنفي في قدح التخلف حتى إذا وجدت أو واحد منها لا يقدح عنده بيانها فيحصل الجواب على رأيه ببيانها أو بيان واحد منها
وليس للمعترض بالتخلف الاستدلال على وجود العلة فيما اعترض به عند الأكثر من النظار ولو بعد منع المستدل وجودها للانتقال من الاعتراض إلى الاستدلال المؤدي إلى الانتشار وقيل له ذلك ليتم مطلوبه من إبطاله العلة وقال الآمدي له ذلك ما لم يكن دليل أولى من التخلف بالقدح فإن كان فلا ولو صرح المصنف بلفظه له لسلم من إيهام نفيها أي إيقاعه في الوهم أي الذهن وما حكاه ابن الحاجب من أنه يمكن
____________________
(2/345)
ما لم يكن حكما شرعيا أي بأن كان عقليا قال المصنف لم يوجد لغيره قال ووجهه أن التخلف في القطعي قادح بخلاف الشرعي لجواز أن يكون فيه لوجود مانع أو فوات شرط ولو دل المستدل على وجودها فيما علله بها بموجد في محل النقض ثم منع وجودها في ذلك المحل
فقال له المعترض ينتقض دليلك على العلة حيث وجد في محل النقض دونها على مقتضى منفك وجودها فيه فالصواب أنه لا يسمع قول المعترض لانتقاله من نقض العلة إلى نقض دليلها والانتقال ممتنع وأشار بالصواب إلى دفع قول ابن الحاجب وفيه أي في عدم السماع نظر أي لأن القدح في الدليل قدح في المدلول
____________________
(2/346)
فلا يكون الانتقال إليه ممتنعا وليس له أي للمعترض الاستدلال على تخلف الحكم فيما اعترض به ولو بعد منع المستدل تخلفه لما تقدم من الانتقال من الاعتراض إلى الاستدلال المؤدي إلى الانتشار وقيل له ذلك ليتم مطلوبه من إبطال العلة وثالثها له ذلك إن لم يكن دليل أولى من التخلف بالقدح فإن كان فلا ويجب الاحتراز منه أي من التخلف بأن يذكر في الدليل ما يخرج محله ليسلم عن الاعتراض على المناظر مطلقا وعلى الناظر لنفسه إلا فيما اشتهر من المستثنيات كالعرايا فصار كالمذكور فلا حاجة إلى الاحتراز عنه وقيل يجب عليه الاحتراز منه مطلقا وليس غير المذكور كالمذكور وقيل يجب عليه الاحتراز منه إلا في المستثنيات مطلقا أي مشهورة كانت أو غير مشهورة فلا يجب الاحتراز عنها للعلم بأنها غير مرادة ودعوى صورة معينة أو مبهمة بالإثبات أي إثباتها أو نفيها ينتقض بالإثبات أو النفي العامين بدأ بالإثبات الراجع إلى النفي لتقدمه عليه طبعا وبالعكس أي الإثبات العام فينتقض بصورة معينة أو مبهمة
____________________
(2/347)
نحو زيد كاتب أو إنسان ما كاتب يناقضه لا شيء من الإنسان بكاتب ونحو زيد ليس بكاتب أو إنسان ما ليس بكاتب يناقضه كل إنسان كاتب
ومنها أي من القوادح الكسر هو قادح على الصحيح لأنه نقض المعنى أي المعلل به بإلغاء بعضه كما قال وهو إسقاط وصف من العلة أي بأن يبين أنه ملغي بوجود الحكم عند انتفائه ومقابل الصحيح يقول إن ذلك غير قادح وصرح بقادح ليتعلق به الجار
____________________
(2/348)
والمجرور وقوله إما مع إبداله أي الإتيان بدل الوصف بغيره أو لا المعلوم من ذكر مقابله بيان لصورتي الكسر كما يقال في إثبات صلاة الخوف هي صلاة يجب قضاؤها لو لم تفعل فيجب أداؤها كالأمن فإن الصلاة فيه كما يجب قضاؤها لو لم تفعل يجب أداؤها فيعترض بأن خصوص الصلاة ملغي ويبين بأن الحج واجب الأداء كالقضاء فليبدل خصوص الصلاة بالعبادة ليندفع الاعتراض وكأنه قيل عبادة إلخ ثم ينقض هذا المقول بصوم الحائض فإنه عبادة يجب قضاؤها ولا يجب أداؤها بل يحرم أو لا يبدل خصوص الصلاة فلا يبقى علة للمستدل إلا قوله يجب قضاؤها فيقال عليه وليس كل ما يجب قضاؤه يؤدى دليله الحائض فإنها يجب عليها قضاء الصوم دون أدائه كما تقدم وقد عرف البيضاوي كالإمام الرازي بعدم تأثير أحد جزأي العلة ونقض الآخر وهو منطبق على ما تقدم بصورتيه وعبر عنه ابن الحاجب كالآمدي بالنقض المكسور
____________________
(2/349)
وعرفا الكسر بوجود حكمة العلة بدون العلة والحكم ويعبر عنه بنقض المعنى أي الحكمة والراجح أنه لا يقدح لأنه لم يرد على العلة وقيل يقدح لاعتراضه المقصود مثاله أن يقول الحنفي في العاصي بسفره مسافر فيترخص كغير العاصي لحكمة المشقة فيعترض عليه بذي الحرفة الشاقة في الحضر كمن يحمل الأثقال ويضرب بالمعاول فإنه لا يترخص له
ومنها أي من القوادح العكس أي تخلفه كما سيأتي وهو أي العكس انتفاء الحكم لانتفاء العلة فإن ثبت مقابله وهو ثبوت الحكم لثبوت العلة أبدا المسمى بالطرد فأبلغ
____________________
(2/350)
في العكسية مما لم يثبت مقابله بأن ثبت الحكم مع انتفاء العلة في بعض الصور لأنه في الأول عكس لجميع الصور وفي الثاني لبعضها وشاهده أي العكس في صحة الاستدلال به أي بانتفاء العلة على انتفاء الحكم قوله صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر فكأنهم قالوا نعم فقال فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر في جواب قولهم أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر أي الداعي إليه قوله في تعديد وجوه البر وفي بضع أحدكم صدقة الحديث رواه مسلم استنتج من ثبوت الحكم أي الوزر في الوطء الحرام انتفاؤه في الوطء الحلال الصادق بحصول الأجر حيث عدل بوضع الشهوة عن الحرام إلى الحلال وهذا الاستنتاج يسمى قياس العكس الآتي في الكتاب الخامس وبادر المصنف بإفادته هنا مع العكس وإن كان المبحث في القدح بتخلفه كما قال وتخلفه أي العكس بأن يوجد الحكم بدون العلة قادح فيها عند مانع علتين بخلاف مجوزهما لجواز أن يكون وجود الحكم للعلة الأخرى ونعني بانتفائه أي انتفاء الحكم لانتفاء العلة انتفاء العلم أو الظن به لا انتفاءه في نفسه إذ لا يلزم
____________________
(2/351)
من عدم الدليل الذي من جملته العلة عدم المدلول للقطع بأن الله تعالى لو لم يخلق العالم الدال على وجوده لم ينتف وجوده وإنما ينتفي العلم به
ومنها أي من القوادح عدم التأثير أي أن الوصف لا مناسبة فيه للحكم ومن ثم أي من هنا وهو نفي المناسبة فيه أي من أجل ذلك اختص بقياس المعنى لاشتماله على المناسب بخلاف غيره كالشبه فلا يتأتى فيه وبالمستنبطة المختلف فيها فلا يتأتى في المنصوصة والمستنبطة المجمع عليها وهو أربعة القسم الأول
____________________
(2/352)
عدم التأثير في الوصف بكونه طرديا كقول الحنفية في الصبح صلاة لا يقصر فلا يقدم آذانها كالمغرب فعدم القصر في عدم تقديم الآذان طردي لا مناسبة فيه ولا شبهة وعدم التقديم موجود فيما يقصر وحاصل هذا القسم طلب الدليل على علية الوصف و الثاني عدم التأثير في الأصل بإبداء علة الحكمة مثل أن يقال في بيع الغائب مبيع غير مرئي فلا يصح كالطير في الهواء فيقول المعترض لا أثر لكونه غير مرئي في الأصل فإن العجز عن التسليم فيه كاف في عدم الصحة وعدمها موجود مع الرؤية وحاصله معارضة في الأصل بإبداء غير ما علل به بناء على جواز التعليل بعلتين و الثالث عدم التأثير في الحكم وهو أضرب ثلاثة لأنه إما أن لا يكون لذكره أي الوصف الذي اشتملت عليه العلة
فائدة كقولهم أي الخصوم الحنفية في المرتدين المتلفين مالنا في دار الحرب حيث استدلوا على نفي الضمان عنهم في ذلك مشركون أتلفوا مالا في دار الحرب فلا ضمان عليهم كالحربي المتلف مالنا
____________________
(2/353)
ودار الحرب عندهم أي الخصوم طردي فلا فائدة لذكره إذ من أوجب الضمان من العلماء في إتلاف المرتد مال المسلم كالشافعية أوجبه وإن لم يكن أي إتلاف في دار الحرب وكذا من نفاه منهم في ذلك كالحنفية نفاه وإن لم يكن الإتلاف في دار الحرب أي سواء أكان في دار الحرب أم في دار الإسلام في الشقين والمناسب لقوله عندهم شق النفي كما اقتصر عليه غيره وزاد هو شق الإثبات تقوية للاعتراض وبدأ به لتقدمه على النفي ويرجع الاعتراض في ذلك إلى القسم الأول لأنه أي المعترض يطالب المستدل بتأثير كونه أي الإتلاف في دار الحرب أو يكون له أي لذكر الوصف المشتمل عليه العلة
فائدة ضرورية كقول معتبر العدد في الاستجمار بالأحجار عبادة متعلقة بالأحجار لم يتقدمها معصية فاعتبر فيها العدد كالجمار فقوله لم يتقدمها معصية عديم التأثير في الأصل والفرع لكنه مضطر إلى ذكره لئلا ينتقض ما علل به لو لم يذكر فيه بالرجم للمحصن فإنه عبادة متعلقة بالأحجار ولم يعتبر فيها العدد أو غير ضرورية فإن لم تغتفر الضرورية بأن صح الاعتراض بمحلها لم تغتفر هذه بطريق الأولى وإلا فتردد أي وإن اغتفرت الضرورية ف قيل يغتفر غيرها أيضا وقيل لا مثاله الجمعة صلاة مفروضة فلم تفتقر في إقامتها إلى إذن الإمام الأعظم كالظهر فإن مفروضة حشو إذ لو حذف ما علل به لم ينتقض أي الباقي منه بشيء لكنه ذكر لتقريب الفرع من الأصل بتقوية الشبه بينهما إذ الغرض بالغرض
____________________
(2/354)
به من غيره الرابع عدم التأثير في الفرع مثل أن يقال في تزويج المرأة نفسها زوجت نفسها بغير كفء فلا يصح كما لو زوجت بالبناء للمفعول أي زوجها الولي بغير كفء
وهو أي الرابع كالثاني إذ لا أثر في مثاله للتقييد بغير الكفء فإن المدعى أن تزويجها نفسها لا يصح مطلقا كما لا أثر للتقييد في مثال الثاني بكونه غير مرئي وإن كان نفي الأثر هنا بالنسبة إلى الفرع وهناك بالنسبة إلى الأصل ويرجع هذا إلى المناقشة في الفرض وهو أي الفرض تخصيص بعض صور النزاع بالحجاج كما فعل في المثال المذكور إذ المدعى فيه منع تزويج المرأة نفسها مطلقا والاستدلال على منعه بغير كفء والأصح جوازه أي الفرض مطلقا وقيل لا وثالثا يجوز بشرط البناء
____________________
(2/355)
أي بناء غير محل الفرض عليه كأن يقاس عليه بجامع أو يقال ثبت الحكم في بعض الصور فليثبت في باقيها إذ لا قائل بالفرق وقد قال به الحنفية في المثال المذكور حيث جوزوا تزويجها نفسها من كفء ومنها أي من القوادح القلب وهو دعوى المعترض أن ما استدل به المستدل في المسألة المتنازع فيها على ذلك الوجه في كيفية الاستدلال عليه أي على المستدل لا له إن صح
____________________
(2/356)
ذلك المستدل به ومن ثم أي من هنا وهو قولنا إن صح أي من أجل ذلك أمكن معه أي مع القلب تسليم صحته أي صحة ما استدل به وقيل هو أي القلب تسليم للصحة مطلقا أي صحة ما استدل به سواء كان صحيحا أم لا وقيل هو إفساد له مطلقا لأن القالب من حيث جعله على المستدل لصحته وإن لم يكن صحيحا ومن حيث لم يجعله له مفسد له وإن كان صحيحا وعلى كلا القولين لا يذكر في الحد قوله إن صح وعلى المختار من إمكان التسليم من القلب فهو
____________________
(2/357)
مقبول معارضة عند التسليم قادح عند عدمه وقيل هو شاهد زور يشهد لك وعليك أيها القالب حيث سلمت فيه الدليل واستدللت به على خلاف دعوى المستدل فلا يقبل وهو قسمان الأول لتصحيح مذهب المعترض في المسألة إما مع إبطال مذهب المستدل فيها صريحا كما يقال من جانب المستدل كالشافعي في بيع الفضولي عقد في حق الغير بلا ولاية عليه فلا يصح كالشراء أي كشراء الفضولي فلا يصح لمن سماه فقال من جانب المعترض كالحنفي عقد فيصح كالشراء أي كشراء الفضولي فيصح له وتلغو تسميته لغيره وهو أحد وجهين عندنا أولا مع الإبطال صريحا مثل أن يقول الحنفي المشترط للصوم في
____________________
(2/358)
الاعتكاف لبث فلا يكون بنفسه قربة كوقوف عرفة فإنه قربة بضميمة الإحرام فكذلك الاعتكاف يكون قربة بضميمة عبادة إليه وهي الصوم إذ هو المتنازع فيه فيقال من جانب المعترض كالشافعي الاعتكاف لبث فلا يشترط فيه الصوم كعرفة لا يشترط الصوم في وقوفها ففي هذا إبطال لمذهب الخصم الذي لم يصرح به في الدليل وهو اشتراط الصوم الثاني من قسمي القلب لإبطال مذهب المستدل بالصراحة كأن يقول الحنفي في مسح الرأس عضو وضوء فلا يكفي في مسحه أقل ما ينطلق عليه الاسم كالوجه لا يكفي في غسله ذلك فيقال من جانب المعترض كالشافعي عضو وضوء فلا يتقدر غسله بالربع كالوجه لا يتقدر غسله بالربع أو بالالتزام كأن يقول الحنفي في بيع الغائب عقد معاوضة فيصح مع الجهل بالمعوض كالنكاح يصح مع الجهل بالزوجة أي عدم رؤيتها فيقال من جانب المعترض كالشافعي فلا يشترط فيه خيار الرؤية كالنكاح ونفي الاشتراط يلزمه نفي الصحة إذ القائل بها يقول بالاشتراط ومنه أي من القلب فيقبل خلافا للقاضي أبي بكر الباقلاني في رده قلب المساواة مثل قول الحنفي في الوضوء والغسل طهارة بالمائع فلا تجب فيها لنية كالنجاسة
____________________
(2/359)
لا تجب في الطهارة عنها النية بخلاف التيمم تجب فيه النية فنقول نحن معترضين فيستوي جامدها ومائعها أي الطهارة كالنجاسة يستوي جامدها ومائعها في حكمها السابق وغيره وقد وجبت النية في التيمم فيجب في الوضوء والغسل ووجه التسمية بالمساواة واضح من المثال والقاضي يقول في رده وجه استدلال القالب فيه غير وجه استدلال المستدل ومنها أي من القوادح القول بالموجب وشاهده قوله تعالى ولله العزة ولرسوله في جواب ليخرجن الأعز منها الأذل المحكي عن المنافقين
____________________
(2/360)
أي صحيح ذلك لكن هم الأذل والله ورسوله الأعز وقد أخرجناهم وهو تسليم الدليل مع بقاء النزاع بأن يظهر عدم استلزام الدليل لمحل النزاع كما يقال في القصاص بقتل المثقل من جانب المستدل كالشافعي قتل بما يقتل غالبا فلا ينافي القصاص كالإحراق بالنار لا ينافي القصاص فيقال من جانب المعترض كالحنفي سلمنا عدم المنافاة بين القتل بالمثقل وبين القصاص ولكن لم قلت إن القتل بالمثقل يقتضيه أي القصاص وذلك محل النزاع ولم يستلزمه الدليل وكما يقال في القصاص بالقتل بالمثقل أيضا التفاوت في الوسيلة من آلات القتل وغيره لا يمنع القصاص كالمتوسل إليه من قتل وقطع وغيرهما لا يمنع تفاوته القصاص فيقال من جانب المعترض مسلم أن التفاوت في الوسيلة لا يمنع القصاص فليس بمانع منه و لكن لا يلزم من إبطال مانع انتفاء الموانع ووجود الشرائط والمقتضي وثبوت القصاص المتوقف على جميع ذلك والمختار تصديق المعترض في قوله للمستدل ليس هذا أي الذي تفتيه باستدلالك تعريضا بي من منافاة القتل بالمثقل بالقصاص مأخذي في نفي القصاص به
____________________
(2/361)
لأن عدالته تمنعه من الكذب في ذلك وقيل لا يصدق إلا ببيان مأخذ آخر لأنه قد يعاند بما قاله وربما سكت المستدل عن مقدمة غير مشهورة مخافة المنع لها لو صرح بها فيرد بسكوته عنها القول بالموجب كما يقال في اشتراط النية في الوضوء والغسل ما هو قربة يشترط فيه النية كالصلاة ويسكت عن الصغرى وهي الوضوء والغسل قربة فيقول المعترض مسلم أن ما هو قربة يشترط فيه النية ولا يلزم اشتراطها في الوضوء والغسل فإن صرح المستدل بأنهما قربة ورد عليه منع ذلك وخرج عن القول بالموجب واحترز بقوله غير مشهورة عن المشهور فهي كالمذكورة فلا يتأتى فيها القول بالموجب ومنها أي من القوادح القدح في المناسبة أي مناسبة الوصف المعلل به وفي صلاحية إفضاء الحكم إلى المقصود من شرعه وفي الانضباط للوصف المعلل به والظهور له بأن ينفي كلا من الأربعة وجوابها أي جواب القدح فيها بالبيان لها مثال الصلاحية المحتاجة إلى البيان أن يقال تحريم المحرم بالمصاهرة
____________________
(2/362)
مؤبدا صالح لأن يفضي إلى عدم الفجور بها المقصود من شرع التحريم فيعترض بأنه ليس صالحا لذلك بل للإفضاء إلى الفجور فإن النفس مائلة إلى الممنوع فيجاب بأن تحريمها المؤبد يسد باب الطمع فيها بحيث تصير غير مشتهاة كالأم ومنها أي من القوادح الفرق بين الأصل والفرع و هو راجع إلى المعارضة في الأصل أو الفرع وقيل إليهما أي إلى المعارضتين في الأصل والفرع معا لأنه على الأول إبداء خصوصية في الأصل تجعل شرطا للحكم بأن تجعل من علته أو إبداء خصوصية في الفرع تجعل
____________________
(2/363)
مانعا من الحكم وعلى الثاني إبداء الخصوصيتين معا مثاله على الأول بشقيه أن يقول الشافعي النية في الوضوء واجبة كالتيمم بجامع الطهارة عن حدث فيعترض الحنفي بأن العلة في الأصل الطهارة بالتراب وأن يقول الحنفي يقاد المسلم بالذمي كغير المسلم بجامع القتل العمد العدوان فيعترض الشافعي بأن الإسلام في الفرع مانع من القود وقد ذكر الآمدي الذاكر لرجوع الفرق إلى ما تقدم من أن مسمى المعارضة في الأصل إبداء قيد في العلة ومن مسمى المعارضة في الفرع إبداء مانع من الحكم ولم يذكر ذلك المصنف فأحال معنى الفرق على ما لم يذكره بخلاف الآمدي والصحيح أنه أي الفرق قادح وإن قيل إنه سؤالان بناء على القول الثاني فيه لأنه يؤثر في جمع المستدل وقيل لا يؤثر فيه وقيل لا يؤثر على القول بأنه سؤالان لأن جمع الأسئلة المختلفة غير مقبول وسكت المصنف عن جواب الفرق ومما يجاب به منع كون المبدئ في الأصل جزءا من العلة وفي الفرع مانعا من الحكم ومهد المصنف لمسألة تتعلق بالفرق قوله و الصحيح أنه يمنع تعدد الأصول بفرع واحد
____________________
(2/364)
أن يقاس على كل منها للانتشار أي انتشار البحث في ذلك وإن جوز علتان لمعلول واحد وقيل يجوز التعدد مطلقا وقد لا يحصل انتشار قال المجيزون للتعدد ثم على تقدير وجوده لو فرق بين الفرع وأصل منها كفى في القدح فيها لأنه يبطل جمعها المقصود قيل لا يكفي لاستقلال كل منها وثالثها يكفي إن قصد الإلحاق بمجموعها لأنه يبطله بخلاف ما إذا قصد بكل منها ثم في اقتصار المستدل على وجوب أصل واحد منها حيث فرق المعترض بين جميعها قولان قيل يكفي لحصول المقصود بالدفع عن واحد منها وقيل لا يكفي لأنه التزم الجميع فلزمه الدفع عنه ومنها أي من القوادح فساد الوضع بأن لا يكون الدليل على الهيئة الصالحة لاعتباره في ترتيب الحكم عليه كأن يكون صالحا لضد ذلك الحكم أو نقيضه كتلقي التخفيف من التغليظ والتوسيع من التضييق والإثبات من النفي وعكسه الأول مثل قول الحنفية القتل عمدا جناية عظيمة فلا يكفر أي لا تجب له كفارة كالردة فعظم الجناية يناسب تغليظ الحكم لا تخفيفه بعدم وجوب الكفارة والثاني قولهم الزكاة وجبت على وجه
____________________
(2/365)
الارتفاق لدفع الحاجة فكانت على التراخي كالدية على العاقلة فالتراخي الموسع لا يناسب دفع الحاجة المضيق والرابع كأن يقال في المعاطاة في المحقر لم يوجد فيها سوى الرضا فلا ينعقد بها بيع كما في غير المحقر فالرضا الذي هو مناط البيع يناسب الانعقاد لا عدمه ومنه أي من فساد الوضع كون الجامع في قياس المستدل ثبت اعتباره بنص أو إجماع في نقيض الحكم في ذلك القياس مثال الجامع ذي النص قول الحنفية الهرة سبع ذو ناب فيكون سؤره نجسا كالكلب فيقال السبعية اعتبرها الشارع علة للطهارة حيث دعي إلى دار فيها كلب فامتنع وإلى أخرى فيها سنور فأجاب فقيل له فقال السنور سبع رواه الإمام أحمد وغيره مثال ذي الإجماع قول الشافعية في مسح الرأس في الوضوء
____________________
(2/366)
يستحب تكراره كالاستنجاء بالحجر حيث يستحب الإيتار فيه فيقال المسح في الخف لا يستحب تكراره إجماعا فيما قيل وإن حكى ابن كج أنه يستحب تثليثه كمسح الرأس وجوابهما أي قسمي فساد الوضع بتقرير كونه كذلك فيقرر كون الدليل صالحا لاعتباره في ترتيب الحكم عليه كأن يكون له جهتان ينظر المستدل فيه من إحداهما والمعترض من الأخرى كالارتفاق ودفع الحاجة في مسألة الزكاة ويجاب عن الكفارة في القتل بأنه غلظ فيه بالقصاص فلا يغلظ فيه بالكفارة وعن المعاطاة بأن عدم الانعقاد بها مرتب على عدم الصيغة لا على الرضا ويقرر كون الجامع معتبرا في ذلك الحكم ويكون تخلفه عنه بأن وجد مع نقيضه لمانع كما في مسح الخف فإن تكراره يفسده كغسله ومنها أي من القوادح فساد الاعتبار بأن يخالف الدليل نصا من كتاب أو سنة أو إجماعا كأن يقال في التبييت في الأداء صوم مفروض فلا يصح بنية من النهار كالقضاء فيعترض بأنه مخالف لقوله تعالى والصائمين والصائمات إلخ فإنه رتب فيه الأجر العظيم على الصوم كغيره من غير تعرض للتبييت فيه
____________________
(2/367)
وذلك مستلزم لصحة دونه وكأن يقال لا يصح الفرض في الحيوان لعدم انضباطه كالمختلطات فيعترض بأنه مخالف لحديث مسلم عن أبي رافع أنه صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا ورد رباعيا وقال إن خيار الناس أحسنهم قضاء والبكر بفتح الباء الصغيرة من الإبل والرباعي بفتح الراء ما دخل في السنة السابعة وكان يقال لا يجوز للرجل أن يغسل زوجته الميتة لحرمة النظر إليها كالأجنبية فيعترض بأنه مخالف للإجماع السكوتي في تغسيل علي فاطمة رضي الله عنهما وهو أعم من فساد الوضع لصدقه حيث يكون الدليل على الهيئة الصالحة لترتيب الحكم عليه وله أي للمعترض بفساد الاعتبار تقديمه على المنوعات في المقدمات وتأخيره عنها لمجماعته لها من غير مانع في التقديم والتأخير وجوابه الطعن في سنده أي سند النص بإرسال أو غيره أو المعارضة له بنص آخر فيتساقطان ويسلم الأول أو منع الظهور له في مقصد المعترض أو التأويل له بدليل ومنها أي من القوادح منع علية الوصف
____________________
(2/368)
أي منع كونه العلة ويسمى المطالبة بتصحيح العلة والأصح قبوله وإلا لأدى الحال إلى تمسك المستدل بما شاء من الأوصاف لأمنه المنع وقيل لا يقبل لأدائه إلى الانتشار بمنع كل ما يدعي عليته وجوابه بإثباته أي بإثبات كونه العلة بمسلك من مسالكها المتقدمة ومنه أي من المنع مطلقا منع وصف العلة أي منع أنه معتبر فيها وهو مقبول جزما كقولنا في إفساد الصوم بغير الجماع كالأكل من غير كفارة الكفارة شرعت للزجر عن الجماع المحذوف في الصوم فوجب اختصاصها به كالحد فإنه شرع للزجر عن الجماع زنا وهو مختص بذلك
فيقال لا نسلم أن الكفارة شرعت للزجر عن الجماع بخصوصه بل عن الإفطار المحذوف فيه أي في الصوم بجماع أو غيره وجوابه بتبيين اعتبار الخصوصية أي خصوصية الوصف في العلة كأن يبين اعتبار الجماع في الكفارة بأن الشارع رتبها عليه حيث أجاب بها من سأله عن جماعة كما تقدم وكأن المعترض بهذا الاعتراض ينقح المناط بحذفه خصوص الوصف عن الاعتبار والمستدل يحققه بتبيينه اعتبار خصوصية الوصف و من المنع منع حكم الأصل وهو المسموع كأن يقول الحنفي الإجارة عقد على منفعة فتبطل بالموت كالنكاح فيقال له النكاح لا يبطل بالموت أي بل ينتهي به وفي كونه قطعا للمستدل مذاهب أرجحها
____________________
(2/369)
أخذا من التفريع الآتي لا لتوقف القياس على ثبوت حكم الأصل والثاني نعم للانتقال عن إثبات حكم الفرع الذي هو بصدده إلى غيره ثالثها قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني يكون قطعا له إن كان ظاهرا يعرفه أكثر الفقهاء بخلاف ما لا يعرفه إلا خواصهم وقال الغزالي يعتبر عرف المكان الذي فيه البحث في القطع به أولا وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي لا يسمع لأنه لم يعترض المقصود حكاه عنه ابن الحاجب كالآمدي على أن الموجود في الملخص والمعونة للشيخ كما قاله المصنف السماع وعدم القطع قال المصنف
فإن دل أي المستدل عليه أي على حكم الأصل أي أتى بدليل عليه لم ينقطع المعترض بمجرد الدليل على المختار بل له أن يعود ويعترض الدليل لأنه قد لا يكون صحيحا وقيل ينقطع فليس له أن يعترضه لخروجه باعتراضه عن المقصود وقد يقال في الإثبات بممنوع مرتبة لا نسلم حكم الأصل سلمنا ذلك ولا نسلم أنه
____________________
(2/370)
مما يقاس فيه لم لا يكون مما اختلف في جواز القياس فيه سلمنا ذلك ولا نسلم أنه معلل لم لا يقال أنه تعبدي سلمنا ذلك ولا نسلم أن هذا الوصف علته لم لا يقال العلة غيره سلمنا ذلك ولا نسلم وجوده فيه أي وجود الوصف في الأصل سلمنا ذلك ولا نسلم أنه أي الوصف متعد لم لا يقال إنه قاصر سلمنا ذلك ولا نسلم وجوده في الفرع فهذه سبعة منوع تتعلق الثلاثة الأول منها بحكم الأصل والأربعة الباقية بالعلة مع الأصل والفرع في بعضها فيجاب عنها بالدفع لها بما عرف من الطرق في دفعها إن أريد ذلك وإلا فيكفي الاقتصار على دفع الأخير منها
ومن ثم أي من هنا وجوازها المعلوم من الجواب عنها أي من أجل ذلك عرف جواز إيرادات المعارضات من نوع كالنقوض أو المعارضات في الأصل أو الفرع لأنها كسؤال واحد مترتبة كانت أو لا وكذا يجوز إيراد المعارضات من أنواع كالنقض وعدم التأثير والمعارضة
____________________
(2/371)
وإن كانت مترتبة أي يستدعي تاليها تسليم متلوها لأن تسليمه تقديري وقيل لا يجوز من أنواع للانتشار وثالثها التفصيل فيجوز في غير المترتبة دون المترتبة لأن ما قبل الأخير في المترتبة مسلم فذكره ضائع ودفع بأن تسليمه تقديري كما قال المصنف لا تحقيقي مثال النوع أن يقال ما ذكر أنه علة منقوض بكذا أو منقوض بكذا أو معارض بكذا أو معارض بكذا ومثال الأنواع غير المترتبة أن يقال هذا الوصف منقوض بكذا أو غير مؤثر لكذا ومثال الأنواع المترتبة أن يقال ما ذكر من الوصف غير موجود في الأصل ولئن سلم فهو معارض بكذا ومنها أي من القوادح اختلاف الضابط في الأصل لعدم الثقة فيه بالجامع وجودا ومساواة كما يعلم من الجواب كأن يقال في شهود الزور بالقتل تسببوا في القتل فيجب عليهم القصاص كالمكره غيره على القتل فيعترض بأن الضابط في الأصل الإكراه وفي الفرع الشهادة فأين الجامع بينهما وإن اشتركا في الإفضاء إلى المقصود فأين مساواة ضابط الفرع لضابط الأصل في ذلك وجوابه بأنه أي الجامع القدر المشترك بين الضابطين كالتسبب في القتل فيما تقدم وهو منضبط عرفا أو بأن الإفضاء سواء
____________________
(2/372)
أي إفضاء الضابط في الفرع إلى المقصود مساويا لإفضاء الضابط في الأصل كحفظ النفس فيما تقدم لا إلغاء التفاوت بين الضابطين بأن يقال التفاوت بينهما ملغي في الحكم فإنه لا يحصل الجواب به لأن التفاوت قد يلغى كما في العالم يقتل بالجاهل وقد لا يلغى كما في الحر لا يقتل بالعبد والاعتراضات كلها راجعة إلى المنع قال ابن الحاجب كأكثر الجدليين أو المعارضة لأن غرض المستدل من إثبات مدعاه بدليله يكون لصحة مقدماته
____________________
(2/373)
ليصلح للشهادة له ولسلامته عن المعارض لتنفذ شهادته وغرض المعترض من هدم ذلك يكون بالقدح في صحة الدليل بمنع مقدمة منه أو معارضته بما يقاومه وقال المصنف كبعض الجدليين إنها راجعة إلى المنع وحده كما اقتصر عليه هنا لأن المعارضة منع العلة عن الجريان ومقدمها بكسر الدال ويجوز فتحها كما تقدم أوائل الكتاب أي المتقدم أو المقدم عليها الاستفسار فهو طليعة لها كطليعة الجيش وهو طلب ذكر معنى اللفظ حيث غرابة أو إجمال فيه والأصح أن بيانهما على المعترض لأن الأصل عدمهما
____________________
(2/374)
وقيل على المستدل بيان عدمهما ليظهر دليله ولا يكلف المعترض بالإجمال بيان تساوي المحامل المحقق للإجمال لعسر ذلك عليه ويكفيه في بيان ذلك حيث تبرع به أن الأصل عدم تفاوتها وإن عورض بأن الأصل عدم الإجمال فيبين المستدل عدمهما أي عدم الغرابة والإجمال حيث تم الاعتراض عليه بهما بأن يبين ظهور اللفظ في مقصوده كما إذا اعترض عليه في قوله الوضوء قربة فلتجب فيه النية بأن قيل الوضوء يطلق على النظافة وعلى الأفعال المخصوصة فيقول حقيقته الشرعية الثاني أو يفسر اللفظ بمحتمل منه بفتح الميم الثانية قيل أو بغير محتمل منه إذ غاية الأمر أنه ناطق بلغة جديدة ولا محذور في ذلك بناء على أن اللغة اصطلاحية ورد بأن فيه فتح باب لا ينسد وفي قبول دعواه الظهور في مقصده بكسر الصاد دفعا للإجمال لعدم الظهور الآخر خلاف أي لو وافق المستدل المعترض بالإجمال على عدم ظهور اللفظ في غير مقصده وادعى ظهوره في مقصده فقيل يقبل دفعا للإجمال الذي هو خلاف الأصل
____________________
(2/375)
وقيل لا يقبل لأن دعواه الظهور بعد بيان المعترض الإجمال لا أثر لها وإن كانت على وفق الأصل ومنها أي من القوادح التقسيم وهو كون اللفظ المورد في الدليل مترددا بين أمرين مثلا على السواء أحدهما ممنوع بخلاف الآخر المراد والمختار وروده لعدم تمام الدليل معه وقيل لا يرد لأنه لم يعترض المراد وجوابه أن اللفظ موضوع في المراد ولو عرفا كما يكون لغة أو أنه ظاهر ولو بقرينة في المراد كما يكون ظاهرا بغيرها ويبين الوضع والظهور ثم المنع
____________________
(2/376)
لا يعترض الحكاية أي حكاية المستدل للأقوال في المسألة المبحوث فيها حتى يختار منها قولان ويستدل عليه بل يعترض الدليل إما قبل تمامه لمقدمة منه أو بعده أي بعد تمامه والأول وهو المنع قبل التمام لمقدمة إما منع مجرد أو منع مع المستند والمنع مع المستند وكلا نسلم كذا ولم لا يكون الأمر كذا أو لا نسلم كذا وإنما يلزم كذا لو كان الأمر كذا وهو أي الأول بقسميه من المنع المجرد والمنع من المستند المناقضة أي يسمى بذلك فإن احتج المانع لانتفاء المقدمة التي منعها فغضب أي فاحتجاجه لذلك يسمى غضبا لأنه غضب لمنصب المستدل لا يسمعه المحققون من النظار فلا يستحق جوابا وقيل يسمع فيستحقه والثاني وهو المنع بعد تمام
____________________
(2/377)
الدليل إما منع الدليل بناء على تخلف حكمه فالنقض الإجمالي وصورته أن يقال ما ذكرته من الدليل غير صحيح لتخلف الحكم عنه في كذا وصف بالإجمالي لأن جهة المنع فيه غير معينة بخلاف التفصيلي الذي هو منع بعد تمام الدليل لمقدمة معينة منه أو منع تسليمه أي الدليل والاستدلال بما ينافي ثبوت المدلول فالمعارضة فيقول في صورتها المعترض للمستدل ما ذكرت من الدليل وإن دل على ما قلت فعندي ما ينفيه أي ينفي ما قلت ويذكره وينقلب المعترض بها مستدلا والعكس وعلى الممنوع وهو المستدل الدفع لما اعترض به عليه بدليل ليسلم دليله الأصلي ولا يكفيه المنع فإن منع ثانيا فكما مر من المنع قبل تمام الدليل وبعد تمامه إلخ وهكذا أي المنع ثالثا ورابعا مع الدفع وهلم إلى إفحام المعلل وهو المستدل إن انقطع بالمنوع أو إلزام المانع وهو المعترض إن انتهى إلى ضروري
____________________
(2/378)
أو يقيني مشهور من جانب المستدل فلا يمكنه الاعتراض لذلك خاتمة القياس من الدين لأنه مأمور به لقوله تعالى فاعتبروا يا أولي الأبصار وقيل ليس منه لأن اسم الدين إنما يقع على ما هو ثابت مستمر والقياس ليس كذلك لأنه قد لا يحتاج إليه وثالثها منه حيث يتعين بأن لم يكن للمسألة دليل غيره بخلاف ما إذا لم يتعين لعدم الحاجة إليه و القياس من أصول الفقه كما عرف من تعريفه خلافا لإمام الحرمين في قوله ليس منه وإنما يبين في كتبه لتوقف غرض الأصولي من إثبات حجته المتوقف عليها الفقه على بيانه وحكم المقيس قال السمعاني يقال إنه دين الله وشرعه ولا يجوز أن يقال قاله الله ولا رسوله لأنه مستنبط لا منصوص
____________________
(2/379)
ثم القياس فرض كفاية على المجتهدين يتعين على مجتهد احتاج إليه بأن لم يجد غيره في واقعة أي يصير فرض عين عليه وهو جلي وخفي فالجلي ما قطع فيه بنفي الفارق أي بإلغائه أو كان ثبوت الفارق أي تأثيره فيه احتمالا ضعيفا الأول كقياس الأمة على العبد في تقويم حصة التشريك على شريكه المعتق الموسر وعتقها عليه كما تقدم في حديث الصحيحين في إلغاء الفارق والثاني كقياس العمياء على العوراء في المنع في التضحية الثابت بحديث السنن الأربع أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها
إلخ والخفي خلافه وهو ما كان احتمال تأثير الفارق فيه قويا كقياس القتل بمثقل على القتل بمحدد في وجوب القصاص وقد قال أبو حنيفة بعدم وجوبه في المثقل وقيل الجلي هذا أي الذي ذكر والخفي الشبه والواضح بينهما وقيل الجلي القياس الأولى كقياس الضرب على التأفيف في التحريم والواضح المساوي كقياس إحراق مال اليتيم على أكله في التحريم والخفي الأدون كقياس التفاح على البر في باب الربا كما تقدم ثم الجلي على الأول يصدق بالأولى كالمساوي
____________________
(2/380)
فليتأمل وقياس العلة ما صرح فيه بها كأن يقال يحرم النبيذ كالخمر للإسكار وقياس الدلالة ما جمع فيه بلازمها فأثرها فحكمها الضمائر للعلة وكل من الثلاثة يدل عليها وكل من الآخرين منها دون ما قبله كما دلت عليه الفاء مثال الأول أن يقال النبيذ حرام كالخمر بجامع الرائحة المشتدة وهي لازمة للإسكار ومثال الثاني أن يقال القتل بمثقل يوجب القصاص كالقتل بمحدد بجامع الإثم وهو أثر العلة التي هي القتل العمد العدوان ومثال الثالث أن يقال تقطع الجماعة بالواحد كما يقتلون به بجامع وجوب الدية عليهم في ذلك حيث كان غير عمد وهو حكم العلة التي هي القطع منهم في الصورة الأولى والقتل منهم في الثانية وحاصل ذلك استدلال بأحد موجبي الجناية من القصاص والدية الفارق بينهما العمد على الآخر والقياس في معنى الأصل
____________________
(2/381)
هو الجمع بنفي الفارق ويسمى بالجلي كما تقدم كقياس البول في إناء وصبه في الماء الراكد على البول فيه في المنع بجامع أن لا فارق بينهما في مقصود المنع الثابت بحديث مسلم عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الراكد الكتاب الخامس في الاستدلال وهو دليل ليس بنص من كتاب أو سنة ولا إجماع ولا قياس وقد عرف كل منهما فيما تقدم فلا يقال التعريف المشتمل عليها تعريف بالمجهول فيدخل فيه القياس الاقتراني و القياس الاستثنائي
____________________
(2/382)
وهما نوعان من القياس المنطقي وهو قول مؤلف من قضايا متى سلمت لزم عنه لذاته قول آخر فإن كان اللازم وهو النتيجة أو نقيضه مذكورا فيه بالفعل فهو الاستثنائي وإلا فالاقتراني مثال الاستثنائي إن كان النبيذ مسكرا فهو حرام لكنه مسكر ينتج فهو حرام أو إن كان النبيذ مباحا فهو ليس بمسكر لكنه مسكر ينتج فهو ليس بمباح ومثال الاقتراني كل نبيذ مسكر وكل مسكر حرام ينتج كل نبيذ حرام وهو مذكور فيه بالقوة لا بالفعل ويسمى القياس بالاستثناء لاشتماله على حرف الاستثناء أعني لكن وبالاقتران لاقتران أجزائه و يدخل فيه قياس العكس وهو إثبات عكس حكم شيء لمثله لتعاكسهما في العلة كما تقدم في حديث مسلم أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر و يدخل فيه قولنا معاشر العلماء الدليل يقتضي أن يكون الأمر كذا خولف الدليل في كذا أي في صورة مثلا لمعنى مفقود في صورة النزاع فتبقى هي على الأصل الذي اقتضاه الدليل مثاله أن يقال الدليل يقتضي امتناع تزويج المرأة مطلقا وهو ما فيه من إذلالها بالوطء وغيره الذي تأباه الإنسانية لشرفها خولف هذا الدليل في تزويج الولي لها فجاز لكمال عقله وهذا المعنى مفقود فيها فيبقى تزويجها نفسها الذي هو محل النزاع على ما اقتضاه الدليل من الامتناع
____________________
(2/383)
وكذا يدخل فيه انتفاء الحكم لانتفاء مدركه أي الذي به يدرك وهو الدليل بأن لم يجده المجتهد بعد الفحص الشديد فعدم وجدانه المظن به انتفاؤه على انتفاء الحكم خلافا للأكثر كما سيأتي قالوا لا يلزم من عدم وجدان الدليل انتفاؤه وصورة ذلك كقولنا للخصم في إبطال الحكم الذي ذكره في مسألة الحكم يستدعي دليلا وإلا لزم تكليف الغافل حيث وجد الحكم بدون الدليل المفيد له ولا دليل على حكمك بالسبر فإنا سيرنا الأدلة فلم نجد ما يدل عليه أو الأصل فإن الأصل المستصحب عدم الدليل عليه فينتفي هو أيضا وكذا يدخل فيه قولهم أي الفقهاء وجد المقتضي أو المانع أو فقد الشرط فهو دليل على وجود الحكم بالنسبة إلى الأول وعلى انتفائه بالنسبة إلى ما بعده خلافا للأكثر في قولهم ليس بدليل بل دعوى دليل
____________________
(2/384)
وإنما يكون دليلا إذا عين المقتضى والمانع والشرط وبين وجود الأولين ولا حاجة إلى بيان فقد الثالث لأنه على وفق الأصل
مسألة الاستقراء بالجزئي على الكلي بأن تتبع جزئيات كلي ليثبت حكمها له إن كان تاما أي بالكل أي كل الجزئيات إلا صورة النزاع فقطعي أي فهو دليل قطعي في إثبات الحكم في صورة النزاع عند الأكثر من العلماء وقيل ليس بقطعي لاحتمال مخالفة تلك الصورة لغيرها
____________________
(2/385)
على بعد
وأجيب بأنه منزل منزلة العدم أو كان ناقصا أي بأكثر الجزئيات الخالي عن صورة النزاع فظني فيها لا قطعي لاحتمال مخالفتها لذلك المستقر ويسمى هذا عند الفقهاء إلحاق الفرد بالأغلب مسألة في الاستصحاب
____________________
(2/386)
وقد اشتهر أنه حجة عندنا
____________________
(2/387)
دون الحنفية فنقول لتحرير محل النزاع قال علماؤنا استصحاب العدم الأصلي وهو نفي ما نفاه العقل ولم يثبته الشرع كوجوب صوم رجب حجة جزما و استصحاب العموم أو النص إلى ورود الغير من مخصص أو ناسخ حجة جزما فيعمل بهما إلى وروده وقد تقدم أن ابن سريج خالف في العمل بالعام قبل البحث عن المخصص و استصحاب ما دل الشرع على ثبوته لوجود سببه كثبوت الملك بالشراء حجة مطلقا وقيل حجة في الدفع به عما ثبت له دون الرفع به لما ثبت كاستصحاب حياة المعقود قبل الحكم
____________________
(2/388)
بموته فإنه دافع للإرث منه وليس بدافع لعدم إرثه من غيره للشك في حياته فلا يثبت استصحابها له ملكا جديدا إذ الأصل عدمه وقيل حجة بشرط أن لا يعارضه ظاهر مطلقا وقيل ظاهر غالبا قيل مطلقا وقيل ذو سبب فإن عارضه ظاهر مطلقا أو بشرط على الخلاف قدم الظاهر عليه وهو المرجوح من قول الشافعي في تعارض الأصل والظاهر والتقييد بذي السبب
____________________
(2/389)
ليخرج بول وقع في ماء كثير فوجد متغيرا واحتمل كون التغيير به وكونه بغيره مما لا يضر كطول المكث فإن استصحاب طهارة الأصل عارضه نجاسته الظاهرة الغالبة ذات السبب فقدمت على الطهارة على قول اعتبار الظاهر كما تقدم الطهارة على قول اعتبار الأصل والحق التفصيل أي سقوط الأصل إن قرب العهد بعدم تغيره واعتماده إن بعد العهد بعدم تغيره ولا يحتج باستصحاب
____________________
(2/390)
حال الإجماع في محل الخلاف أي إذا أجمع على حكم في حال واختلف فيه في حال أخرى فلا يحتج باستصحاب تلك الحالة في هذه خلافا للمزني والصيرفي وابن سريج والآمدي في قولهم يحتج بذلك مثاله الخارج النجس من غير السبيلين لا ينقض الوضوء عندنا استصحابا لما قبل الخروج من نقائه المجمع عليه فعرف مما ذكر أن الاستصحاب الذي قلنا به دون الحنفية وينصرف الاسم إليه ثبوت أمر في الزمن الثاني لثبوته في الأول لفقدان ما يصلح للتغيير من الأول إلى الثاني فلا زكاة عندنا فيما حال عليه الحول من عشرين دينارا ناقصة تروج رواج الكاملة بالاستصحاب أما ثبوته أي الأمر في الأول لثبوته في الثاني فمقلوب كأن يقال في المكيال الموجود الآن كان على عهده صلى الله عليه وسلم باستصحاب الحال في الماضي وقد قال فيه أي الاستصحاب المقلوب ليظهر الاستدلال به لو لم يكن الثابت اليوم ثابتا أمس
____________________
(2/391)
لكان غير ثابت أمس إذ لا واسطة بين الثبوت وعدمه فيقضي استصحاب أمس الخالي عن الثبوت فيه بأنه الآن غير ثابت وليس كذلك لأنه مفروض الثبوت الآن فدل ذلك على أنه ثابت أمس أيضا ويوجد في بعض النسخ أنه الآن وهو مفسد وليس في نسخة المصنف مسألة لا يطالب النافي للشيء بالدليل على انتفائه إن ادعى علما ضروريا بانتفائه لأنه لعدالته صادق في دعواه والضروري لا يشتبه حتى يطلب الدليل عليه لينظر فيه وإلا أي وإن لم يدع علما ضروريا بأن ادعى علما نظريا أو ظنا بانتفائه فيطالب به أي بدليل انتفائه على الأصح لأن المعلوم بالنظر أو المظنون
____________________
(2/392)
قد يشتبه فيطلب دليله لينظر فيه ويجب الأخذ بأقل المقول وقد مر في الإجماع حيث قيل فيه وأن التمسك بأقل ما قيل حق وهل يجب الأخذ بالأخف في شيء لقوله تعالى يريد الله بكم اليسر أو الأثقل فيه لأنه أكثر ثوابا وأحوط أو لا يجب شيء منهما بل يجوز كل منهما لأن الأصل عدم الوجوب هذه أقوال أقربها الثالث مسألة اختلفوا أي العلماء هل كان المصطفى صلى الله عليه وسلم متعبدا بفتح الباء كما ضبطه المصنف أي مكلفا قبل النبوة بشرع فمنهم من نفى ذلك ومنهم من أثبته واختلف المثبت في تعيين من نسب إليه فقيل هو نوح و قيل إبراهيم و قيل موسى و
____________________
(2/393)
قيل عيسى و قيل ما ثبت أنه شرع من غير تعيين لنبي هذه أقوال مرجعها التاريخ والمختار كما قاله كثير الوقف تأصيلا عن النفي والإثبات وتفريعا على الإثبات عن تعيين قول من أقواله و المختار بعد النبوة المنع من تعبده بشرع من قبله لأن له شرعا يخصه وقيل تعبد بما لم ينسخ من شرع من قبله استصحابا لتعبده به قبل النبوة مسألة حكم المنافع والمضار قبل الشرع أي البعثة مر في أوائل الكتاب حيث قيل ولا حكم قبل الشرع بل الأمر موقوف إلى وروده وبعده الصحيح أن أصل المضار التحريم والمنافع الحل قال تعالى خلق لكم ما في الأرض جميعا ذكره في معرض الامتنان ولا يمتن إلا بالجائز وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه وغيره لا ضرر ولا ضرار أي في ديننا أي لا يجوز ذلك قال الشيخ الإمام والد المصنف إلا أموالنا فإنها من المنافع والظاهر أن الأصل فيها التحريم لقوله صلى الله عليه وسلم إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام رواه الشيخان فيخص به عموم الآية السابقة وغيره ساكت عن هذا الاستثناء ومقابل الصحيح إطلاق بعضهم أن الأصل في الأشياء التحريم وبعضهم أن الأصل فيها الحل مسألة الاستحسان
____________________
(2/394)
قال به أبو حنيفة وأنكر الباقون من العلماء منهم الحنابلة خلاف قول ابن الحاجب قال به الحنفية والحنابلة وفسر بدليل ينقدح في نفس المجتهد تقصر عبارته عنه ورد بأنه أي الدليل المذكور إن تحقق عند المجتهد فمعتبر ولا يضر قصور عبارته عنه قطعا وإن لم يتحقق عنده فمردود قطعا و فسر أيضا بعدول عن قياس إلى قياس أقوى منه ولا خلاف فيه بهذا المعنى فإن أقوى القياسين مقدم على الآخر قطعا أو بعدول عن الدليل إلى العادة للمصلحة كدخول الحمام من غير تعيين زمن المكث وقدر الماء والأجرة فإنه معتاد على خلاف الدليل للمصلحة وكذا شرب الماء من السقاء من غير تعيين قدره ورد بأنه إن ثبت أنها أي العادة حق لجريانها في زمنه عليه الصلاة والسلام أو بعده من غير إنكار منه ولا من غيره فقد قام دليلها من السنة والإجماع فيعمل بها قطعا وإلا أي وإن لم تثبت حقيقتها ردت قطعا فلم يتحقق معنى للاستحسان مما ذكر يصلح محلا للنزاع فإن تحقق استحسان مختلف فيه فمن قال به فقد شرع بتشديد الراء كما قاله الشافعي رضي الله عنه من استحسن فقد شرع أي وضع شرعا من قبل نفسه وليس له ذلك أما استحسان الشافعي التحليف على المصحف ولخط في الكتابة لبعض من عوضها ونحوهما كاستحسانه في المتعة ثلاثين درهما
____________________
(2/395)
فليس منه أي ليس من الاستحسان المختلف فيه إن تحقق وإنما قال ذلك لمآخذ فقهية مبينة في محالها مسألة قول الصحابي المجتهد على صحابي غير حجة وفاقا وكذا على غيره كالتابعي لأن قول المجتهد ليس حجة في نفسه قال الشيخ الإمام والد المصنف كالإمام الرازي في باب الأخبار من المحصول إلا في الحكم التعبدي فقوله فيه حجة لظهور أن مستنده فيه التوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الشافعي رضي الله عنه روي عن علي رضي الله عنه أنه صلى في ليلة ست ركعات في كل ركعة ست سجدات ولو ثبت ذلك عن علي لقلت به لأنه لا مجال للقياس فيه فالظاهر أنه فعله توقيفا وفي تقليده أي الصحابي أي تقليد غيره له بناء على عدم حجية قوله قولان المحققون كما قال إمام الحرمين على المنع لارتفاع الثقة بمذهبه إذ لم يدون بخلاف مذهب كل من الأئمة الأربعة لا لنقص اجتهاده عن اجتهادهم وقيل قوله حجة فوق القياس حتى يقدم عليه عند التعارض وعلى هذا فإن اختلف صحابيان في مسألة فكدليلين قولاهما فيرجح أحدهما بمرجح وقيل قوله حجة دونه أي دون القياس فيقدم القياس عليه عند التعارض
وفي تخصيصه العموم على هذا قولان الجواز كغيره من الحجج والمنع لأن الصحابة كانوا يتركون أقوالهم إذا سمعوا العموم وقيل قوله حجة إن انتشر من غير ظهور مخالف له وقيل قوله حجة إن خالف القياس لأنه لا يخالفه إلا لدليل غيره بخلاف ما إذا وافقه
____________________
(2/396)
لاحتمال أن يكون عنه فهو الحجة لا القول وقيل قوله حجة إن انضم إليه قياس تقريب كقول عثمان رضي الله عنه في البيع بشرط البراءة من كل عيب أن البائع يبرأ به مما لم يعلمه في الحيوان دون غيره قال الشافعي لأنه يغتذي بالصحة والسقم أي في حالتهما وتحول طباعه وقلما يخلو عن عيب ظاهر أو خفي بخلاف غيره فيبرأ البائع فيه من خفي لا يعلمه بشرط البراءة المحتاج هو إليه ليثق باستقرار العقد فهذا قياس تقريب قرب قول عثمان المخالف لقياس التحقيق والمعنى من أنه لا يبرأ شيء للجهل بالمبرأ منه وقيل قول الشيخين أبي بكر وعمر فقط أي قول كل منهما حجة بخلاف غيرهما لحديث اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر حسنه الترمذي وقيل قول الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أي قول كل منهم حجة بخلاف غيرهم لحديث عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين إلخ صححه الترمذي وهم الأربعة كما تقدم في الإجماع بيانه
وعن الشافعي إلا عليا قال القفال وغيره لا لنقص اجتهاده عن اجتهاد الثلاثة بل لأنه لما آل الأمر إليه خرج إلى الكوفة ومات كثير من الصحابة الذين كانوا يستشيرهم الثلاثة كما فعل أبو بكر في مسألة الجدة وعمر في مسألة الطاعون فكان قول كل منهم قول كثير من الصحابة بخلاف قول علي وقضية الجدة أنها جاءت إلى أبي بكر تسأله ميراثها فقال لها ما لك من كتاب الله شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس فأخبره المغيرة بن شعبة ثم محمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فأنفذه أبو بكر لها رواه أبو داود وغيره وقضية الطاعون أن عمر رضي الله عنه خرج إلى الشام فبلغه أن به وباء أي طاعونا فاستشار من دعاهم من الصحابة في الرجوع فاختلفوا ثم دعا غيرهم من
____________________
(2/397)
مشيخة قريش فجزموا بالرجوع فعزم عليه عمرو رضي الله عنه ثم جاء عبد الرحمن بن عوف فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه فحمد الله عمر ثم انصرف رواه الشيخان أما وفاق الشافعي زيدا في الفرائض حتى تردد حيث ترددت الرواية عن زيد فلدليل لا تقليدا بأن وافق اجتهاده وقد قال صلى الله عليه وسلم أعلم أمتي بالفرائض زيد بن ثابت صححه الترمذي وكذا الحاكم على شرط الشيخين مسألة الإلهام إيقاع شيء في القلب يثلج بضم اللام وحكي فتحها أي يطمئن له الصدر يخص به الله تعالى بعض أصفيائه وليس بحجة لعدم ثقة من ليس معصوما بخواطره لأنه لا يأمن من دسيسة الشيطان فيها خلافا لبعض الصوفية في قوله إنه حجة في حقه أما المعصوم كالنبي صلى الله عليه وسلم فهو حجة في حقه وحق غيره إذا تعلق بهم كالوحي خاتمة قال القاضي الحسين مبنى الفقه على أربعة أمور أن اليقين لا يرفع أي من حيث استصحابه بالشك ومن مسائله من تيقن الطهارة وشك في الحدث يأخذ بالطهارة و أن الضرر يزال ومن مسائله وجوب رد المغصوب وضمانه بالتلف و أن المشقة تجلب التيسير ومسائله جواز القصر والجمع والفطر في السفر بشرطه
____________________
(2/398)
و أن العادة محكمة بفتح الكاف المشددة ومن مسائله أقل الحيض وأكثره قيل زيادة على الأربعة و أن الأمور بمقاصدها ومن مسائله وجوب النية في الطهارة ورجعه المصنف إلى الأول فإن الشيء إذا لم يقصد اليقين عدم حصوله
____________________
(2/399)
الكتاب السادس في التعادل والتراجيح بين الأدلة عند تعارضها يمتنع تعادل القاطعين أي تقابلهما بأن يدل كل منهما على منافي ما يدل عليه الآخر إذ لو جاز ذلك لثبت مدلولاهما فيجتمع المتنافيان فلا وجود لقاطعين متنافيين كدال على حدوث العالم ودال على قدمه وعدل عن قول ابن الحاجب تقابل الدليلين العقليين محال إلى ما قاله ليناسب قول تعادل الترجمة وليشمل قول القاطعين العقليين والنقليين كما صرح بهما في شرح المنهاج والعقلي والنقلي أيضا والكلام في النقليين حينئذ لا ينسخ بينهما ولباحث أن يقول لا بعد في أن يجري فيهما الخلاف الآتي في الأمارتين لمجيء توجيهه الآتي فيهما وكذا يمتنع تعادل الأمارتين أي تقابلهما من غير مرجح لإحداهما في نفس الأمر على الصحيح
____________________
(2/400)
حذرا من التعارض في كلام الشارع والمجوز وهو الأكثر يقول لا محذور في ذلك ويبني عليه ما سيأتي أما تعادلهما في ذهن المجتهد فواقع قطعا وهو منشأ تردده كتردد الشافعي الآتي فإن توهم التعادل أي وقع في وهم المجتهد أي ذهنه تعادل الأمارتين في نفس الأمر بناء على جوازه حيث عجز عن مرجح لإحداهما فالتخيير بينهما في العمل أو التساقط لهما فيرجع إلى غيرهما
____________________
(2/401)
أو الوقف عن العمل بواحد منهما أو التخيير بينهما في الواجبات لأنه قد يخير فيها كما في خصال كفارة اليمين والتساقط في غيرها أقوال أقربها التساقط مطلقا كما في تعارض البينتين وسكت المصنف هنا عن تقابل القطعي والظني لظهور أن لا مساواة بينهما لتقدم القطعي كما قاله في شرح المنهاج وهذا في النقليين وأما قول ابن الحاجب لا تعارض بين قطعي وظني لانتفاء الظن أي عند القطع بالنقيض كما تممه المصنف وغيره فهو في غير النقليين كما إذا ظن أن زيدا في الدار لكون مركبه وخدمه ببابها ثم شوهد خارجها فلا دلالة للعلامة المذكورة على كونه في الدار حال مشاهدته خارجها فلا تعارض بينهما بخلاف النقليين فإن الظني منهما باق على دلالته حال دلالة القطعي وإنما قدم عليه لقوته وإن نقل عن مجتهد قولان متعاقبان فالمتأخر منهما قوله أي المستمر والمتقدم مرجوع عنه وإلا أي وإن لم يتعاقبا بأن قالهما معا فما أي فقوله منهما المستمر ما ذكر فيه المشعر بترجيحه على الآخر كقوله هذا أشبه وكتفريعه عليه وإلا أي وإن لم يذكر ذلك فهو متردد بينهما ووقع هذا التردد للشافعي رضي الله عنه في بضعة عشر مكانا ستة عشر أو سبعة عشر كما تردد فيه القاضي أبو حامد المروزي وهو دليل على علو شأنه علما ودينا أما علما فلأن التردد من غير ترجيح ينشأ عن إمعان النظر الدقيق حتى لا يقف على حالة وأما دينا فإنه لم يبال بذكره ما يتردد فيه إن كان قد يعاب في ذلك عادة بقصور نظره كما عابه به بعضهم ثم قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني مخالف أبي حنيفة منهما أرجح من موافقه فإن الشافعي إنما خالفه الدليل وعكس القفال فقال موافقه أرجح وصححه النووي لقوته بتعدد قائله واعترض بأن القوة
____________________
(2/402)
إنما تنشأ عن الدليل فلذلك قال المصنف والأصح الترجيح بالنظر فما اقتضى ترجيحه منهما كان هو الراجح فإن وقف عن الترجيح فالوقف عن الحكم برجحان واحد منهما وإن لم يعرف للمجتهد قول في مسألة لكن يعرف له قول في نظيرها فهو أي قوله في نظيرها قوله المخرج فيها على الأصح أي خرجه الأصحاب فيها إلحاقا لها بنظيرها وقيل ليس قولا له فيها لاحتمال أن يذكر فرقا بين المسألتين لو روجع في ذلك والأصح على الأول لا ينسب القول فيها إليه مطلقا بل ينسب إليه مقيدا بأنه مخرج حتى لا يلتبس بالمنصوص وقيل لا حاجة إلى تقييده لأنه قد جعل قوله ومن معارضة نص آخر للنظير بأن ينص فيما يشبه على خلاف ما نص عليه فيه أي من النصين المتخالفين في مسألتين متشابهتين تنشأ الطرق وهي اختلاف الأصحاب في نقل المذهب في المسألتين فمنهم من يقرر النصين فيهما ويفرق بينهما ومنهم من يخرج نص كل منهما في الأخرى فيحكي في كل قولين منصوصا ومخرجا على هذا فتارة يرجح في كل نصها ويفرق بينهما وتارة يرجح في إحداهما نصها وفي الأخرى المخرج ويذكر ما يرجحه على نصها والترجيح تقوية أحد الطريقين بوجه ما سيأتي
____________________
(2/403)
فيكون راجحا والعمل بالراجح واجب بالنسبة إلى المرجوح فالعمل به ممتنع سواء كان الرجحان قطعيا أم ظنيا وقال القاضي أبو بكر الباقلاني إلا ما رجح ظنا فلا يجب العمل به إذ لا ترجيح بظن عنده فلا يعمل بواحد منهما لفقد المرجح وقال أبو عبد الله البصري إن رجح أحدهما بالظن فالتخيير بينهما إذ لو تعارضت لاجتمع المتنافيان كما تقدم والمتأخر من النصين المتعارضين ناسخ للمتقدم منهما آيتين كانا أو خبرين أو آية وخبرا بشرط النسخ وإن نقل التأخير بالآحاد عمل به
____________________
(2/404)
لأن دوامه بأن لا يعارض مظنون ولبعضهم احتمال بالمنع لأن الجواز يؤدي إلى إسقاط المتواتر بالآحاد في بعض الصور والأصح الترجيح بكثرة الأدلة والرواة فإذا كثر أحد المتعارضين بموافق له أو كثرت رواته رجح على الآخر لأن الكثرة تفيد القوة وقيل لا كالبينتين
و الأصح أن العمل بالمتعارضين ولو من وجه أولى من إلغاء أحدهما بترجيح الآخر عليه وقيل لا فيصار إلى الترجيح مثاله حديث الترمذي وغيره أيما إهاب دبغ فقد طهر مع حديث أبي داود والترمذي وغيرهما لا تنفقوا من الميتة بإهاب ولا عصب الشامل للإهاب المدبوغ وغيره فحملناه على غيره جمعا بين الدليلين وروى مسلم الأول بلفظ إذا دبغ الإهاب فقد طهر
ولو كان أحد المتعارضين سنة قابلها كتاب فإن العمل بهما من وجه أولى ولا يقدم في ذلك الكتاب على السنة ولا السنة عليه خلافا لزاعميهما فزاعم تقديم الكتاب استند إلى حديث معاذ المشتمل على أنه يقضي بكتاب الله فإن لم يجد فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضا رسول الله بذلك رواه أبو داود وغيره وزاعم تقديم السنة استند إلى قوله تعالى لتبين للناس ما نزل إليهم مثاله قوله صلى الله عليه وسلم في البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته رواه أبو داود وغيره مع قوله تعالى قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما إلى قوله أو لحم خنزير فكل منهما يتناول خنزير البحر وحملنا الآية على خنزير البر المتبادر إلى الأذهان جمعا بين الدليلين
فإن تعذر العمل بالمتعارضين أصلا وعلم المتأخر منهما في الواقع فناسخ للمتقدم منهما وإلا أي وإن لم يعلم المتأخر منهما في الواقع رجع إلى غيرهما لتعذر العمل بواحد منهما
وإن تقارنا أي المتعارضان في الورود من الشارع فالتخيير بينهما في العمل بواحد منهما إن تعذر الجمع بينهما و تعذر الترجيح بأن تساويا من كل وجه فإن أمكن الجمع والترجيح فالجمع أولى منه على الأصح كما تقدم
وإن جهل التاريخ بين المتعارضين أي لم يعلم بينهما تأخر ولا تقارن وأمكن النسخ بينهما بأن يقبلاه رجع إلى غيرهما لتعذر العمل بواحد منهما وإلا أي وإن لم يمكن النسخ بينهما تخير الناظر بينهما في العمل
____________________
(2/405)
إن تعذر الجمع بينهما والترجيح كما تقدم في المتقارنين هذا كله فيما إذا تساويا في العموم والخصوص فإن كان أحدهما أعم من الآخر مطلقا أو من وجه فكما سبق في مسألة آخر مبحث التخصيص فليراجع
مسألة يرجح بعلو الإسناد أي قلة الوسائط بين الراوي للمجتهد وبين النبي صلى الله عليه وسلم وفقه الراوي ولغته ونحوه لقلة احتمال الخطأ مع واحد من الأربعة بالنسبة إلى مقابلاتها وورعه وضبطه وفطنته ولو روى الخبر المرجوح باللفظ والراجح بواحد مما ذكر بالمعنى ويقظته وعدم بدعته بأن يكون حسن الاعتقاد وشهرة عدالته لشدة الوثوق به مع واحد من الستة بالنسبة إلى مقابلاتها وكونه مزكى بالاختبار من المجتهد فيرجح على المزكى عنده بالإخبار لأن المعاينة أقوى من الخبر أو أكثر مزكين ومعروف النسب قيل ومشهوره لشدة الوثوق به والشهرة زيادة في المعرفة والأصح لا ترجيح بها
____________________
(2/406)
وصريح التزكية على الحكم بشهادته والعمل بروايته فيقدم خبر من صرح بتزكيته على خبر من حكم بشهادته وخبر من عمل بروايته في الجملة لأن الحكم والعمل قد يبنيان على الظاهر من غير تزكية
وحفظ المروي فيقدم مروي الحافظ له على مروي من لم يحفظه لاعتناء الأول لمرويه
وذكر السبب فيقدم الخبر المشتمل على السبب على ما لم يشتمل عليه لاهتمام راوي الأول به
والتعويل على الحفظ دون الكتابة فيقدم خبر المعول على الحفظ فيما يرويه على خبر المعول على الكتابة لاحتمال أن يزاد في كتابه أو ينقص منه واحتمال النسيان والاشتباه في الحافظ كالعدم
وظهور طريق روايته كالسماع بالنسبة إلى الإجازة فيقدم المسموع على المجاز وقد تقدم ذكر طرق الرواية ومراتبها آخر الكتاب الثاني
وسماعه من غير حجاب فيقدم المسموع من غير حجاب على المسموع من وراء حجاب لأمن الأول من تطرق الخلل في الثاني
وكونه من أكابر الصحابة فيقدم خبر أحدهم على خبر غيره لشدة ديانتهم وقد كان علي رضي الله عنه يحلف الرواة ويقبل رواية الصديق من غير تحليف
و كونه ذكرا فيقدم خبر الذكر على خبر الأنثى لأنه أضبط منها في الجملة خلافا للأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني قال وأضبطية جنس الذكر إنما تراعى حيث ظهرت في الآحاد
____________________
(2/407)
وليس كذلك فإن كثيرا من النساء أضبط من كثير من الرجال وثالثها يرجح الذكر في غير أحكام النساء بخلاف أحكامهن لأنهن أضبط فيها
و كونه حرا فيقدم خبره على خبر العبد لأنه لشرف منصبه يحترز عما لا يحترز عنه الرقيق
____________________
(2/408)
و كونه متأخر الإسلام فخبره مقدم على خبر متقدم الإسلام لظهور تأخر خبره وقيل متقدمه عكس ما قبله لأن متقدم الإسلام لأصالته فيه أشد تحرزا من متأخره وابن الحاجب جزم بهذا في الترجيح بحسب الراوي وبما قبله في الترجيح بحسب الخارج ملاحظا للجهتين لا أنه تناقض في كلامه كما قيل و كونه متحملا بعد التكليف لأنه أضبط من المتحمل قبل التكليف وغير مدلس لأن الوثوق به أقوى من الوثوق بالمدلس المقبول وقد تقدم بيانه في الكتاب الثاني وغير ذي اسمين لأن صاحبهما يتطرق إليه الخلل بأن يشاركه ضعيف في أحدهما
ومباشرا لمرويه وصاحب الواقعة المروية فإن كلا منهما أعرف بالحال من غيره
مثال الأول حديث الترمذي عن أبي رافع أنه صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالا وبنى بها حلالا قال وكنت الرسول بينهما مع حديث الصحيحين عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم وفي رواية البخاري عنه تزوج ميمونة وهو محرم وبنى بها وهو حلال وماتت بسرف ومثال الثاني حديث أبي داود عن ميمونة تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف ورواه مسلم عن يزيد بن الأصم عنها أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال مع خبر ابن عباس المذكور وروى أبو داود عن سعيد بن المسيب قال وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم
وراويا باللفظ لسلامة المروي باللفظ عن تطرق الخلل في المروي بالمعنى
و كون الخبر لم ينكره راوي الأصل كذا في المنهاج كالمحصول وهو من إضافة الأعم إلى الأخص كمسجد الجامع وهي نادرة فلا يتبادر الذهن إليها ولو زاد أل في راوي أو حذفه كان أصوب كما قاله في شرح المنهاج والمعنى أن الخبر الذي لم ينكره الراوي الأصل
____________________
(2/409)
لراويه وهو شيخه مقدم على ما أنكره شيخ راويه بأن قال ما رويته لأن الظن الحاصل من الأول أقوى
وكونه في الصحيحين لأنه أقوى من الصحيح في غيرهما وإن كان على شرطهما لتلقي الأمة لهما بالقبول
والقول فالفعل فالتقرير فيقدم الخبر الناقل لقول النبي صلى الله عليه وسلم على الناقل لفعله والناقل لفعله على الناقل لتقريره لأن القول أقوى في الدلالة على التشريع من الفعل وهو أقوى من التقرير والفصيح على غيره لتطرق الخلل إلى غيره باحتمال أن يكون مرويا بالمعنى لا زائد الفصاحة فلا يقدم على الفصيح على الأصح وقيل يقدم عليه لأنه صلى الله عليه وسلم أفصح العرب فيبعد نطقه بغير الأفصح فيكون مرويا بالمعنى فيتطرق إليه الخلل ورد بأنه لا بعد في نطقه بغير الأفصح لا سيما إذا خاطب به من لا يعرف غيره وقد كان يخاطب العرب بلغاتهم
والمشتمل على زيادة فيقدم على غيره لما فيه من زيادة العلم كخبر التكبير في العيد سبعا مع خبر التكبير فيه أربعا رواهما أبو داود وأخذ بالثاني الحنفية تقديما للأقل والأولى منه للافتتاح والوارد بلغة قريش لأن الوارد بغير لغتهم يحتمل أن يكون مرويا بالمعنى فيتطرق إليه الخلل والمدني على المكي لتأخره عنه والمدني ما ورد بعد الهجرة والمكي قبلها والمشعر بعلو شأن النبي صلى الله عليه وسلم لتأخره عما لم يشعر بذلك والمذكور فيه الحكم مع العلة على ما فيه الحكم فقط لأن الأول أقوى في الاهتمام بالحكم من الثاني مثاله حديث البخاري من بدل دينه فاقتلوه مع حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان نيط الحكم في الأول بوصف الردة المناسب ولا وصف في الثاني
____________________
(2/410)
فحملنا النساء فيه على الحربيات
والمتقدم فيه ذكر العلة على الحكم فيقدم على عكسه لأنه أدل على ارتباط الحكم بالعلة من عكسه قاله الإمام في المحصول وعكس النقشواني ذلك معترضا على الإمام قائلا إن الحكم إذا تقدم تطلب نفس السامع العلة فإذا سمعتها ركنت إليها ولم تطلب غيرها والوصف إذا تقدم تطلب النفس الحكم فإذا سمعته قد تكتفي في علته بالوصف المتقدم إذا كان شديد المناسبة كما في والسارق الآية وقد لا تكتفي به بل تطلب علة غيره كما في إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا الآية فيقال تعظيما للمعبود
وما كان فيه تهديد أو تأكيد على الخالي عن ذلك مثال الثاني حديث أبي داود صححه ابن حبان والحاكم على شرط الشيخين أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل مع حديث مسلم الأيم أحق بنفسها من وليها وما كان عموما مطلقا على العموم ذي السبب إلا في السبب
____________________
(2/411)
لأن الثاني باحتمال إرادة قصره على السبب كما قيل بذلك دون المطلق في القوة إلا في صورة السبب فهو فيها أقوى لأنها قطعية الدخول عند الأكثر كما تقدم والعام الشرطي كمن وما الشرطيتين على النكرة المنفية على الأصح لإفادته للتعليل دونها وقيل العكس لبعد التخصيص فيها بقوة عمومها دونه وهي تقدم على الباقي من صيغ العموم كالمعرف باللام أو الإضافة لأنها أقوى منه في العموم إذ تدل عليه بالوضع في الأصح كما تقدم وهو إنما يدل عليه بالقرينة اتفاقا والجمع المعرف باللام أو الإضافة على ما ومن غير الشرطيتين كالاستفهاميتي لأنه أقوى منهما في العموم لامتناع أن يخص إلى الواحد دونهما على الراجح في كل كما تقدم والكل أي الجمع المعرف وما ومن على الجنس المعرف باللام أو الإضافة لاحتمال العهد فيه بخلاف ما ومن فلا يحتملانه والجمع المعرف فيبعد احتماله له قالوا وما لم يخص على ما خص لضعف الثاني بالخلاف في حجيته بخلاف الأول
قال المصنف كالهندي وعندي عكسه لأن ما خص من العام الغالب والغالب أولى من غيره والأقل تخصيصا على الأكثر تخصيصا لأن الضعف الأقل دونه في الأكثر والاقتضاء على الإشارة والإيماء لأن المدلول عليه بالأول مقصود يتوقف عليه الصدق أو الصحة وبالثالث مقصود لا يتوقف عليه ذلك وبالثاني غير مقصود كما علم ذلك في محله فيكون الأول أقوى
ويرجحان أي الإشارة والإيماء على المفهومين أي الموافقة والمخالفة لأن دلالة الأولين في محل النطق بخلاف المفهومين والموافقة على المخالفة لضعف الثاني بالخلاف في حجيته بخلاف الأول وقيل عكسه لأن المخالفة تفيد تأسيسا بخلاف الموافقة والناقل عن الأصل أي البراءة الأصلية على المقرر له عند الجمهور لأن الأول فيه زيادة على الأصل بخلاف الثاني وقيل عكسه بأن يقدر تأخير المقرر للأصل
____________________
(2/412)
ليفيد تأسيسا كما أفاده النقل فيكون ناسخا له
مثال ذلك حديث من مس ذكره فليتوضأ صححه الترمذي وغيره مع حديث الترمذي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم سأله رجل من مس ذكره أعليه وضوء قال لا إنما هو بضعة منك والمثبت على النافي لاشتماله على زيادة علم وقيل عكسه لاعتضاد النافي بالأصل وثالثها سواء لتساوي مرجحيهما ورابعها يرجح المثبت إلا في الطلاق والعتاق
فيرجح النافي لهما على المثبت لهما لأن الأصل عدمها وحكى ابن الحاجب مع هذا عكسه أي يرجح المثبت لهما على النافي لهما والنهي على الإباحة للاحتياط والخبر المتضمن للتكليف على الأمر والنهي لأن الطلب به لتحقق وقوعه أقوى منهما و خبر الحظر على خبر الإباحة للاحتياط وقيل عكسه لاعتضاد الإباحة بالأصل من نفي الحرج وثالثها سواء لتساوي مرجحيهما والوجوب والكراهة على الندب للاحتياط في الأول ولدفع اللوم في الثاني والندب على المباح في الأصح للاحتياط بالطلب وقيل عكسه لموافقة المباح للأصل من عدم الطلب وليس في هذا مع قوله قبل والأمر في الإباحة تكرار لأن المراد بالأمر فيه الإيجاب لا الطلب وهما خلاف في حقيقته تقدم في مسألة جائز الترك ونافي الحد
____________________
(2/413)
على الموجب له لما في الأول من اليسر وعدم الحرج الموافق لقوله تعالى يريد الله بكم اليسر وما جعل عليكم في الدين من حرج خلافا لقوم وهم المتكلمون في ترجيحهم الموجب لإفادته التأسيس بخلاف النافي والمعقول معناه على ما لم يعقل معناه لأن الأول أدعى إلى الانقياد وأفيد بالقياس عليه والوضعي على التكليفي في الأصح لأن الأول يتوقف على الفهم والتمكن من الفعل بخلاف الثاني وقيل عكسه لترتب الثواب على التكليفي دون الوضعي والموافق دليلا آخر على ما لم يوافقه لأن الظن في الموافق أقوى وهذا داخل في قوله فيما تقدم والأصح الترجيح بكثرة الأدلة وذكر توطئة لما بعده وكذا الموافق مرسلا أو صحابيا أو أهل المدينة أو الأكثر من العلماء على ما لم يوافق واحدا مما ذكر في الأصح لقوة الظن في الموافق وقيل لا يرجح بواحد مما ذكر لأنه ليس بحجة وثالثها في موافق الصحابي إن كان أي الصحابي حيث ميزه النص أي فيما ميزه فيه من أبواب الفقه كزيد في الفرائض ميز فيها بحديث أفرضكم زيد وقد تقدم ورابعها إن كان أي الصحابي أحد الشيخين أبي بكر وعمر مطلقا وقيل إلا أن يخالفهما معاذ
____________________
(2/414)
في الحلال والحرام أو زيد في الفرائض ونحوهما أي نحو معاذ وزيد كعلي في القضاء فلا يرجح الموافق لأحد الشيخين لأن المخالف لها ميزه النص فيما ذكر وهو حديث أفرضكم زيد وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ وأقضاكم علي
قال الشافعي رضي الله عنه و يرجح موافق زيد في الفرائض فمعاذ فيها فعلي فيها ومعاذ في أحكام غير الفرائض فعلي في تلك الأحكام يعني أن الخبرين المتعارضين في مسألة في الفرائض يرجح منهما الموافق لزيد فإن لم يكن له فيها قول فالموافق لمعاذ فإن لم يكن له فيها قول فالموافق لعلي والمتعارضين في مسألة في غير الفرائض يرجح منهما الموافق لمعاذ فإن لم يكن له فيها قول فالموافق لعلي وذكر الموافق للثلاثة على هذا الترتيب لترتيبهم كذلك المأخوذ من الحديث السابق فقول الصادق صلى الله عليه وسلم فيه أفرضكم زيد على عمومه وقوله وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ يعني في غير الفرائض وكذلك قوله وأقضاكم علي يعني في غير الفرائض واللفظ في معاذ أصرح منه في علي فقدم عليه في الفرائض وغيرها والإجماع على النص لأنه يؤمن فيه النسخ بخلاف النص وإجماع الصحابة على إجماع غيرهم كالتابعين لأنهم أشرف من غيرهم وإجماع الكل الشامل
____________________
(2/415)
للعوام على ما خالف فيه العوام لضعف الثاني بالخلاف في حجيته على ما حكاه الآمدي وإن لم يسلمه المصنف كما تقدم و الإجماع المنقرض عصره وما أي والإجماع الذي لم يسبق بخلاف على غيرهما أي مقابلهما لضعفه بالخلاف في حجيته وقيل المسبوق بخلاف أقوى من مقابله وقيل هما سواء
والأصح تساوي المتواترين من كتاب وسنة وقيل يقدم الكتاب عليها لأنه أشرف منها وثالثها تقدم السنة لقوله تعالى لتبين للناس ما نزل إليهم أما المتواتران من السنة فمتساويان قطعا كالآيتين
ويرجح القياس بقوة دليل حكم الأصل كأن يدل في أحد القياسين بالمنطوق وفي الآخر بالمفهوم لقوة الظن بقوة الدليل وكونه أي القياس على سنن القياس أي فرعه من جنس أصله فهو مقدم على قياس ليس كذلك لأن الجنس بالجنس أشبه فقياسنا ما دون أرش الموضحة على أرشها حتى تتحمله العاقلة مقدم على قياس الحنفية له على غرامات الأموال حتى لا تتحمله
____________________
(2/416)
والقطع بالعلة أو الظن الأغلب بها أي بوجودها وكون مسلكها أقوى كما في مراتب النص لأن الظن في القياس المشتمل على واحد مما ذكر أقوى من الظن في مقابله و ترجح علة ذات أصلين على ذات أصل وقيل لا كالخلاف في الترجيح بكثرة الأدلة وذاتية على حكمية لأن الذاتية ألزم وعكس السمعاني لأن الحكم بالحكم أشبه والذاتية كالطعم والإسكار والحكمية كالحرمة والنجاسة وكونها أقل أوصافا لأن القليلة أسلم وقيل عكسه لأن الكثيرة أشبه أي أكثر شبها والمقتضية احتياطا في الفرض لأنها أنسب به مما لا تقتضيه وذكر الفرض لأنه محل الاحتياط إذ لا احتياط في الندب وإن احتيط به كما تقدم وعامة الأصل بأن توجد في جميع جزئياته لأنها أكثر فائدة مما لا تعم كالطعم العلة عندنا في باب الربا فإنه موجود في البر مثلا قليله وكثيره بخلاف القوت العلة عند الحنفية فلا يوجد في قليله فجوزوا بيع الحفنة منه بالحفنتين والمتفق على تعليل أصلها المأخوذة منه لضعف مقابلها بالخلاف فيه والموافقة الأصول على موافقة أصل واحد لأن الأولى أقوى لكثرة ما يشهد لها قيل والموافقة علة أخرى إن جوز علتان
____________________
(2/417)
لشيء واحد وقيل لا كالخلاف في الترجيح بكثرة الأدلة وما أي والقياس الذي ثبتت علته بالإجماع فالنص القطعيين فالظنيين أي بالإجماع القطعي فالنص القطعي فالإجماع الظني فالنص الظني فالإيماء فالسبر فالمناسبة فالشبه فالدوران وقيل النص فالإجماع إلى آخر ما تقدم وقيل الدوران فالمناسبة وما قبلها وما بعدها كما تقدم فكل من المعطوفات دون ما قبله فالنص يقبل النسخ بخلاف الإجماع ومن عكس قال النص أصل للإجماع لأن حجيته إنما ثبتت به ورجحان الإيماء على السبر والمناسبة على الشبه واضح من تعاريفها السابقة ورجحان السبر على المناسبة بما فيه من إبطال ما لا يصلح للعلية والشبه على الدوران بقربه من المناسبة ومن رجح الدوران عليها قال لأنه يفيد اطراد العلة وانعكاسها بخلاف المناسبة ورجحان الدوران أو الشبه على ما بقي من المسالك واضح من تعاريفها
و يرجح قياس المعنى على قياس الدلالة لما علم فيهما في مبحث الطرد وفي خاتمة القياس من اشتمال الأول على المعنى المناسب والثاني على لازمه مثلا وغير المركب عليه إن قبل أي المركب لضعفه بالخلاف في قبوله المذكور في مبحث حكم الأصل وعكس الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني فرجح المركب وقد قال به على غيره لقوته باتفاق الخصمين على حكم الأصل فيه والوصف الحقيقي فالعرفي فالشرعي لأن الحقيقي لا يتوقف على شيء بخلاف العرفي والعرفي متفق عليه بخلاف الشرعي كما تقدم وإن عبر هناك بالحكم الشرعي لأنه وصف للفعل القائم هو به الوجودي مما ذكر فالعدمي البسيط منه فالمركب لضعف العدمي والمركب بالخلاف فيهما ولا منافاة بين الحقيقي والعدمي لأنه من العدم المضاف كما تقدم والباعثة على الإمارة لظهور مناسبة الباعثة
____________________
(2/418)
والمطردة المنعكسة على المطردة فقط لضعف الثانية بالخلاف فيها ثم المطردة فقط على المنعكسة فقط لأن ضعف الثانية بعدم الاطراد أشد من ضعف الأولى بعدم الانعكاس وفي المتعدية والقاصرة أقوال أحدها ترجيح المتعدية لأنها أفيد بالإلحاق بها والثاني القاصرة لأن الخطأ فيها أقل
ثالثها هما سواء لتساويهما فيما يتفردان به من الإلحاق في المتعدية وعدمه في القاصرة وفي الأكثر فروعا من المتعديتين قولان كقولي المتعدية والقاصرة ويأتي التساوي هنا لانتفاء علته
و يرجح الأعرف من الحدود السمعية أي الشرعية كحدود الأحكام على الأخفى منها لأن الأول أفضى إلى مقصود التعريف من الثاني
أما الحدود العقلية كحدود الماهيات وإن كانت كذلك فلا يتعلق بها الغرض هنا والذاتي على العرضي لأن التعريف بالأول يفيد كنه الحقيقة بخلاف الثاني والصريح من اللفظ على غيره بتجوز أو اشتراك لتطرق الخلل إلى التعريف بالثاني والأعم على الأخص منه لأن التعريف بالأعم أفيد لكثرة المسمى فيه وقيل يرجح الأخص أخذا بالمحقق في الحدود وموافقة نقل السمع واللغة لأن التعريف بما يخالفهما إنما يكون لنقل عنهما والأصل عدمه
ورجحان طريق اكتسابه أي الحد على الآخر لأن الظن بصحته أقوى من الآخر والمرجحات لا تنحصر لكثرتها جدا ومثارها غلبة الظن أي قوته وسبق كثير منها فلم نعده حذرا من التكرار منه تقديم بعض مفاهيم المخالفة على بعض وبعض ما يخل بالفهم على بعض كالمجاز على الاشتراك وتقديم المعنى الشرعي على العرفي والعرفي على اللغوي في خطاب الشارع وتقديم بعض صور النص من مسالك العلة على بعض وتقديم بعض
____________________
(2/419)
صور المناسب على بعض وغير ذلك
الكتاب السابع في الاجتهاد الاجتهاد المراد عند الإطلاق وهو الاجتهاد في الفروع استفراغ الفقيه الوسع بأن يبذل تمام طاقته في النظر في الأدلة لتحصيل ظن بحكم من حيث إنه فقيه فلا حاجة إلى قول ابن الحاجب شرعي
____________________
(2/420)
فخرج استفراغ غير الفقيه واستفراغ الفقيه لتحصيل قطع بحكم عقلي والظن المحصل هو الفقه المعرف في أوائل الكتاب العلم بالأحكام إلخ فلو عبر هنا بالظن بالأحكام كان أحسن والفقيه في التعريف بمعنى المتهيئ للفقه مجازا شائعا ويكون بما يحصله فقيها حقيقة ولذا قال المصنف والمجتهد الفقيه كما قال فيما تقدم نقله عنه في أوائل الكتاب والفقيه المجتهد لأن كلا منهما يصدق على ما يصدق عليه الآخر ولتحققه شروط ذكرها بقوله وهو أي المجتهد أو الفقيه من حيث ما يتحقق به البالغ لأن غيره لم يكمل عقله حتى يعتبر قوله العاقل لأن غيره لا تمييز له يهتدي به لما يقوله حتى يعتبر أي ذو ملكة هي الهيئة الراسخة في النفس يدرك بها المعلوم أي من شأنه أن يعلم وهذه الملكة العقل
وقيل العقل نفس العلم أي الإدراك ضروريا كان أو نظريا وقيل ضروريه فقط وصدق العاقل على ذي العلم النظري على هذا
____________________
(2/421)
للعلم الضروري الذي لا ينفك عن الإنسان كعلمه بوجود نفسه كما يصدق لذلك على ما لا يأتي منه النظر كالأبله فقيه النفس أي شديد الفهم بالطبع لمقاصد الكلام لأن غيره لا يتأتى له الاستنباط المقصود بالاجتهاد وإن أنكر القياس فلا يخرج بإنكاره عن فقاهة النفس وقيل يخرج فلا يعتبر قوله وثالثها إلا الجلي فيخرج بإنكاره لظهور جموده العارف بالدليل العقلي أي البراءة الأصلية والتكليف به في الحجية كما تقدم أن استصحاب العدم الأصلي حجة فيتمسك به إلى أن يصرف عنه دليل شرعي ذو الدرجة الوسطى لغة وعربية من نحو وتصريف وأصولا وبلاغة من معان وبيان ومتعلق الأحكام بفتح اللام أي ما تتعلق هي به بدلالته عليها
____________________
(2/422)
من كتاب وسنة وإن لم يحفظ المتون أي المتوسط في هذه العلوم ليتأتى له الاستنباط المقصود بالاجتهاد أما علمه بآيات الأحكام وأحاديثها أي مواقعها وإن لم يحفظها فلأنها المستنبط منه وأما علمه بأصول الفقه فلأنه يعرف به كيفية الاستنباط وغيرها لما يحتاج إليه وأما علمه بالباقي فلأنه لا يفهم المراد من المستنبط منه إلا به لأنه عربي بليغ
____________________
(2/423)
وقال الشيخ الإمام والد المصنف هو أي المجتهد من هذه العلوم ملكة له وأحاط بمعظم قواعد الشرع ومارسها بحيث اكتسب قوة يفهم بها مقصود الشارع فلم يكتف بالتوسط في تلك العلوم وضم إليها ما ذكر ويعتبر قال الشيخ الإمام والد المصنف لا يقع الاجتهاد لا لكونه صفة فيه بل كونه خبيرا بمواقع الإجماع كي لا يخرقه فإنه إذا لم يكن خبيرا بمواقعه قد يخرقه حرام كما تقدم لا اعتبار به والناسخ والمنسوخ ليقدم الأول على الثاني فإنه إذا لم يكن خبيرا بهما قد يعكس وأسباب النزول فإن الخبرة بها ترشد إلى فهم المراد
وشرط المتواتر والآحاد المحقق لهما المذكور في الكتاب الثاني ليقدم الأول على الثاني فإنه إذا لم يكن خبيرا به قد يعكس والصحيح والضعيف من الحديث ليقدم الأول على الثاني فإنه إذا لم يكن خبيرا بهما قد يعكس وحال الرواة في القبول والرد ليقدم المقبول على المردود فإنه إذا لم يكن خبيرا بذلك قد يعكس وفي نسخة وسير الصحابة ولا حاجة إليه على قول الأكثر بعدالتهم كما تقدم
ويكفي في الخبرة بحال الرواة في زماننا الرجوع إلى أئمة ذلك من المحدثين كالإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم فيعتمد عليهم في التعديل والتجريح لتعذرهما في زماننا إلا بواسطة وهم أولى من غيرهم فالخبرة بهذه الأمور اعتبروها في المجتهد لما تقدم وبين والد المصنف أنها شرط في الاجتهاد لا صفة فيه وهو ظاهر
ولا يشترط في المجتهد علم الكلام لإمكان الاستنباط لمن يجزم بعقيدة الإسلام تقليدا و لا تفاريع الفقه لأنها إنما تمكن بعد الاجتهاد
____________________
(2/424)
فكيف تشترط فيه و لا الذكورة والحرية لجواز أن يكون لبعض النساء قوة الاجتهاد وإن كن ناقصات عقل عن الرجال وكذا البعض العبيد بأن ينظر حال التفرغ عن خدمة السيد وكذا العدالة لا تشترط فيه على الأصح لجواز أن يكون للفاسق قوة الاجتهاد وقيل تشترط ليعتمد على قوله
وليبحث عن المعارض كالمخصص والمقيد والناسخ و عن اللفظ هل معه قرينة تصرفه عن ظاهره أي عن القرينة الصارفة ليسلم ما يستنبطه عن تطرق الخدش إليه لو لم يبحث وهذا أولى لا واجب ليوافق ما تقدم من أنه يتمسك بالعام قبل البحث عن المخصص على الأصح ومن حكاية هذا الخلاف في البحث عن صارف صيغة أفعل عن الوجوب إلى غيره وحكاه بعضهم في كل معارض
ودونه أي دون المجتهد المتقدم وهو المجتهد المطلق مجتهد المذهب وهو المتمكن من تخريج الوجوه التي يبديها على نصوص إمامه في المسائل
ودونه أي دون مجتهد المذهب مجتهد الفتيا وهو المتبحر في مذهب إمامه المتمكن من ترجيح قول له على آخر أطلقهما
والصحيح جواز تجزؤ الاجتهاد بأن تحصل لبعض الناس قوة الاجتهاد في بعض الأبواب كالفرائض بأن يعلم أدلته باستقراء منه أو من مجتهد كامل وينظر فيها وقول المانع يحتمل أن يكون فيما لم يعلمه من الأدلة معارض لما علمه بخلاف ما أحاط بالكل ونظر فيه بعيد جدا
و الصحيح جواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى ما كان لنبي
____________________
(2/425)
أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض عفا الله عنك لم أذنت لهم عوتب على استيفاء أسرى بدر بالفداء وعلى الإذن لمن ظهر نفاقهم في التخلف عن غزوة تبوك ولا يكون العتاب فيما صدر عن وحي فيكون عن اجتهاد وقيل يمتنع له لقدرته على اليقين بالتلقي من الوحي بأن ينتظره والقادر على اليقين في الحكم لا يجوز له الاجتهاد جزما ورد بأن إنزال الوحي ليس في قدرته وثالثها الجواز والوقوع في الآراء والحروب فقط أي والمنع في غيرها جمعا بين الأدلة السابقة
والصواب أن اجتهاده صلى الله عليه وسلم لا يخطئ تنزيها لمنصب النبوة عن الخطأ في الاجتهاد وقيل قد يخطئ
____________________
(2/426)
ولكن ينبه عليه سريعا لما تقدم في الآيتين ولبشاعة هذا القول عبر المصنف بالصواب
والأصح أن الاجتهاد جائز في عصره صلى الله عليه وسلم وقيل لا للقدرة على اليقين في الحكم بتلقيه منه واعترض بأنه لو كان عنده وحي في ذلك لبلغه للناس وثالثها جائز بإذنه صريحا قيل أو غير صريح بأن سكت عمن سأل عنه أو وقع منه فإن لم يأذن فلا ورابعها جائز للبعيد عنه دون القريب لسهولة مراجعته وخامسها جائز للولاة حفظا لمنصبهم عن استنقاص الرعية لهم لو لم يجز لهم بأن يراجعوا النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقع لهم بخلاف غيرهم و الأصح على الجواز أنه وقع وقيل لا وثالثها لم يقع للحاضر في قطره صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره ورابعها الوقف عن القول بالوقوع وعدمه واستدل على الوقوع بأنه صلى الله عليه وسلم حكم سعد بن معاذ في بني قريظة فقال تقتل مقاتلتهم وتسبى ذريتهم فقال صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله رواه الشيخان وهو ظاهر في أن حكمه عن اجتهاد
مسألة المصيب من المختلفين
____________________
(2/427)
في العقليات واحد وهو من صادف الحق فيها لتعينه في الواقع كحدوث العالم وثبوت الباري وصفاته وبعثة الرسل
ونافي الإسلام كله أو بعضه كنافي بعثة محمد صلى الله عليه وسلم مخطئ آثم كافر لأنه لم يصادف الحق وقال الجاحظ والعنبري لا يأثم المجتهد في العقليات المخطئ فيها للاجتهاد قيل مطلقا وقيل إن كان مسلما فهو عندهما مخطئ غير آثم وقيل زاد العنبري على نفي الإثم كل من المجتهدين فيها مصيب وقد حكي الإجماع على خلاف قولهما قبل ظهورهما
أما المسألة التي لا قاطع فيها
____________________
(2/428)
من مسائل الفقه فقال الشيخ أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني وأبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة وابن سريج كل مجتهد فيها مصيب ثم قال الأولان حكم الله فيها تابع لظن المجتهد فما ظنه فيها من الحكم فهو حكم الله في حقه وحق مقلده وقال الثلاثة الباقية هناك ما أي فيها شيء لو حكم الله فيها لكان به أي بذلك الشيء ومن ثم أي من هنا وهو قولهم المذكور أي من أجل ذلك قالوا أيضا فيمن لم يصادف ذلك الشيء أصاب اجتهادا لا حكما وابتداء لا انتهاء فهو مخطئ حكما وانتهاء والصحيح وفاقا للجمهور أن المصيب فيها واحد ولله تعالى فيها حكم قبل الاجتهاد قيل لا دليل عليه بل هو كدفين يصادفه من شاء الله والصحيح أن عليه أمارة وأنه أي المجتهد مكلف بإصابته أي الحكم لإمكانها وقيل لا لغموضه وأن مخطئه لا يأثم بل يؤجر لبذله وسعه في طلبه وقيل يأثم لعدم إصابته المكلف بها
أما الجزئية التي فيها قاطع من نص أو إجماع واختلف فيها لعدم الوقوف عليه فالمصيب فيها واحد وفاقا وهو من وافق ذلك القاطع وقيل على الخلاف فيما لا قاطع فيها وهو بعيد ولا يأثم المخطئ فيها بناء على أن المصيب واحد على الأصح
____________________
(2/429)
لما تقدم ولقوة المقابل هنا عبر بالأصح
ومتى قصر مجتهد في اجتهاد أثم وفاقا لتركه الواجب عليه من بذله وسعه فيه
مسألة لا ينقض الحكم في الاجتهاديات لا من الحاكم به ولا من غيره بأن اختلف الاجتهاد وفاقا إذ لو جاز نقضه لجاز نقض النقض وهلم فتفوت مصلحة نصب الحاكم من فصل الخصومات فإن خالف الحكم نصا أو ظاهرا جليا ولو قياسا وهو القياس الجلي نقض لمخالفته للدليل المذكور أو حكم حاكم بخلاف اجتهاده بأن قلد غيره نقض حكمه لمخالفته لاجتهاده وامتناع تقليده فيما اجتهد فيه أو حكم حاكم بخلاف نص إمامه غيره مقلد غيره من الأئمة حيث يجوز لمقلد إمام تقليد غيره بأن لم يقلد في حكمه أحدا لاستقلاله فيه برأيه أو قلد فيه غير إمامه حيث يمتنع تقليده
____________________
(2/430)
وسيأتي بيان ذلك نقض حكمه لمخالفته لنص إمامه الذي هو في حقه لالتزامه تقليده كالدليل في حق المجتهد أما إذا قلد في حكمه غير إمامه حيث يجوز تقليده فلا ينقض حكمه لأنه لعدالته إنما حكم به لرجحانه عنده
ولو تزوج بغير ولي باجتهاد منه يصححه ثم تغير اجتهاده إلى بطلانه فالأصح تحريمها عليه لظنه الآن البطلان وقيل لا يحرم إذا حكم حاكم بالصحة وكذا المقلد يتغير اجتهاد إمامه فيما ذكر فحكمه كحكمه
ومن تغير اجتهاده بعد الإفتاء أعلم المستفتي بتغيره ليكف عن العمل إن لم يكن عمل ولا ينقض معموله إن عمل لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد لما تقدم
ولا يضمن المجتهد المتلف بإفتائه بإتلاف إن تغير اجتهاده إلى عدم إتلافه لا لقاطع لأنه معذور بخلاف ما إذا تغير لقاطع كالنص فإنه يضمنه لتقصيره
مسألة يجوز أن يقال من قبل الله تعالى لنبي أو عالم على لسان نبي احكم بما تشاء في الوقائع من غير دليل فهو صواب أي موافق لحكمي بأن يلهمه إياه إذ لا مانع من جواز هذا القول ويكون أي هذا القول مدركا شرعيا ويسمى التفويض لدلالته عليه وتردد الشافعي فيه قيل في الجواز وقيل في الوقوع ونسب إلى الجمهور فحصل من ذلك خلاف في الجواز وفي الوقوع على تقدير الجواز وقال ابن السمعاني يجوز للنبي دون العالم لأن رتبته لا تبلغ أن يقال له ذلك ثم المختار بعد جوازه كيف كان أنه لم يقع
____________________
(2/431)
وجزم بوقوعه موسى بن عمران من المعتزلة واستند إلى حديث الصحيحين لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة أي لأوجبته عليهم وإلى حديث مسلم يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم والرجل هذا هو الأقرع بن حابس كما في رواية أبي داود وغيره
وأجيب بأن ذلك لا يدل على المدعى لجواز أن يكون خير فيه أي خير في إيجاب السواك وعدمه وتكرير الحج وعدمه أو يكون ذلك المقول بوحي لا من تلقاء نفسه
وفي تعلق الأمر باختيار المأمور نحو افعل كذا إن شئت أي فعله تردد قيل لا يجوز لما بين طلب الفعل والتخيير فيه من التنافي والظاهر الجواز والتخيير قرينة على أن الطلب غير جازم وقد روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال صلوا قبل المغرب قال في الثالثة لمن شاء أي ركعتين كما في رواية أبي داود
مسألة التقليد أخذ القول بأن يعتقد من غير معرفة دليله فخرج أخذ غير القول من الفعل والتقرير عليه فليس بتقليد وأخذ القول مع معرفة دليله فهو اجتهاد وافق اجتهاد القائل لأن معرفة الدليل إنما تكون للمجتهد لتوقفهما على معرفة سلامته عن المعارض بناء على وجوب البحث عنه وهي متوقفة على استقراء الأدلة كلها ولا يقدر على ذلك إلا المجتهد ويلزم
____________________
(2/432)
غير المجتهد عاميا كان أو غيره أي يلزمه التقليد للمجتهد لقوله تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وقيل بشرط تبين صحة اجتهاده بأن يتبين مستنده ليسلم من لزوم اتباعه في الخطأ الجائز عليه
ومنع الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني التقليد في القواطع كالعقائد وسيأتي الخلاف فيها
وقيل لا يقلد عالم وإن لم يكن مجتهدا لأن له صلاحية أخذ الحكم من الدليل بخلاف العامي
أما ظان الحكم باجتهاده فيحرم عليه التقليد لمخالفته به لوجوب اتباع اجتهاده
وكذا المجتهد أي من هو بصفات الاجتهاد يحرم عليه التقليد فيما يقع له عند الأكثر لتمكنه من الاجتهاد فيه الذي هو أصل للتقليد ولا يجوز العدول عن الأصل الممكن إلى بدله كما في الوضوء والتيمم وقيل يجوز له للتقليد فيه
____________________
(2/433)
لعدم علمه به الآن وثالثها يجوز للقاضي لحاجته إلى فصل الخصومة المطلوب إنجازه بخلاف غيره ورابعها يجوز تقليد الأعلم منه لرجحانه عليه بخلاف المساوي والأدنى وخامسها يجوز عند ضيق الوقت لما يسأل عنه كالصلاة المؤقتة بخلاف ما إذا لم يضق وسادسها يجوز له فيما يخصه دون ما يفتي به غيره
مسألة إذا تكررت الواقعة للمجتهد وتجدد له ما يقتضي الرجوع عما ظنه فيها أولا ولم يكن ذاكرا للدليل الأول وجب عليه تجديد النظر فيها قطعا وكذا يجب تجديده إن لم يتجدد ما يقتضي الرجوع ولم يكن ذاكرا للدليل لا إن كان ذاكرا له إذ لو أخذ بالأول من غير نظر حيث لم يذكر الدليل كان آخذا بشيء من غير دليل يدل عليه والدليل الأول بعدم تذكره لا ثقة ببقاء الظن منه بخلاف ما إذا كان ذاكرا للدليل فلا يجب تجديد النظر في واحدة من الصورتين إذ لا حاجة إليه
وكذا العامي يستفتي العالم في حادثة ولو كان العالم مقلد ميت بناء على جواز تقليد الميت وإفتاء المقلد كما سيأتي ثم تقع له تلك الحادثة هل يعيد السؤال لمن أفتاه أي حكمه
____________________
(2/434)
حكم المجتهد في إعادة النظر فيجب عليه إعادة السؤال إذ لو أخذ بجواب الأول من غير إعادة لكان آخذا بشيء من غير دليل وهو في حقه قول المعنى وقوله الأول ثقة ببقائه عليه الاحتمال مخالفته له باطلاعه على ما يخالفه من دليل إن كان مجتهدا أو نص لإمامه إن كان مقلدا
مسألة تقليد المفضول من المجتهدين فيه أقوال أحدها ورجحه ابن الحاجب يجوز لوقوعه في زمن الصحابة وغيرهم مشتهرا متكررا من غير إنكار ثانيها لا يجوز لأن أقوال المجتهدين في حق المقلد كالأدلة في حق المجتهد فكما يجب الأخذ بالراجح من الأدلة يجب الأخذ بالراجح من الأقوال والراجح منها قول الفاضل يعرفه العامي بالتسامع وغيره ثالثها المختار يجوز لمعتقده فاضلا غيره أو مساويا له بخلاف من اعتقده مفضولا كالواقع جمعا بين الدليلين المذكورين بهذا التفصيل ومن ثم أي من هنا وهو هذا التفصيل المختار أي من أجل ذلك نقول لم يجب البحث عن الأرجح من المجتهدين
____________________
(2/435)
لعدم تعينه بخلاف من منع مطلقا فإن اعتقد أي العامي رجحان واحد منهم تعين لأن يقلده وإن كان مرجوحا في الواقع عملا باعتقاده المبني عليه والراجح علما فوق الراجح ورعا في الأصح لأن لزيادة العلم تأثيرا في الاجتهاد بخلاف زيادة الورع وقيل بالعكس لأن لزيادة الورع تأثيرا في التثبت في الاجتهاد وغيره بخلاف زيادة العلم ويحتمل التساوي لأن لكل مرجحا وهذه المسألة مبنية على وجوب البحث عن الأرجح المبني على امتناع تقليد المفضول
ويجوز تقليد الميت لبقاء قوله كما قال الشافعي المذاهب لا تموت أربابها خلافا للإمام الرازي في منعه قال لأنه لا بقاء لقول الميت بدليل انعقاد الإجماع بعد موت المخالف
قال وتصنيف الكتب في المذاهب مع موت أربابها لاستفادة طريق الاجتهاد من تصرفهم في الحوادث وكيفية بناء بعضها على بعض ولمعرفة المتفق عليه من المختلف فيه وعورض بحجية الإجماع بعد موت المجمعين
____________________
(2/436)
وثالثها يجوز إن فقد الحي للحاجة بخلاف ما إذا لم يفقد ورابعها قال الصفي الهندي يجوز تقليده فيما نقل عنه إن نقله عنه مجتهد في مذهبه لأنه لمعرفته مداركه يميز بين ما استمر عليه وما لم يستمر عليه فلا ينقل لمن يقلده إلا ما استمر عليه بخلاف غيره
ويجوز استفتاء من عرف بالأهلية للإفتاء أو ظن أهلا له باشتهاره بالعلم والعدالة هذا راجع إلى الأول وانتصابه والناس مستفتون له هذا راجع إلى الثاني ولو كان من ذكر قاضيا فإنه يجوز إفتاؤه كغيره وقيل لا يفتي قاض في المعاملات للاستغناء بقضائه فيها عن الإفتاء وعن القاضي شريح أنا أقضي ولا أفتي لا المجهول علما أو عدالة فلا يجوز استفتاؤه لأن الأصل عدمها والأصح وجوب البحث عن علمه بأن يسأل الناس عنه وقيل يكفي استفاضته بينهم والاكتفاء بظاهر العدالة وقيل لا بد من البحث عنها و الاكتفاء بخبر الواحد عن علمه وعدالته بناء على البحث عنهما وقيل لا بد من اثنين وللعامي سؤاله أي العالم عن مأخذه فيما أفتاه به استرشادا أي طلبا لإرشاد نفسه بأن تذعن للقبول ببيان المأخذ لا تعنتا ثم عليه أي العالم بيانه أي المأخذ لسائله المذكور تحصيلا لإرشاده إن لم يكن خفيا عليه فإن كان بحيث يقصر فهمه عنه فلا يبينه له صونا لنفسه عن التعب فيما لا يفيد ويعتذر له بخفاء المدرك عليه
مسألة يجوز للقادر على التفريع والترجيح وإن لم يكن مجتهدا أي والحال أنه غير متصف بصفات المجتهد الإفتاء بمذهب مجتهد اطلع على مأخذه واعتقده وهذا كما صرح به الآمدي مجتهد المذهب لانطباق تعريفه السابق عليه فيجوز له الإفتاء بمذهب إمامه مطلقا لوقوع ذلك في الأعصار متكررا شائعا من غير إنكار بخلاف غيره فقد أنكر عليه وقيل لا يجوز له لانتفاء وصف الاجتهاد عنه
____________________
(2/437)
وإنما يجوز الإفتاء للمجتهد ولا نسلم وقوعه من غيره في الأعصار المتقدمة وثالثها يجوز له عند عدم المجتهد للحاجة إليه بخلاف ما إذا وجد المجتهد ورابعها يجوز للمقلد الإفتاء وإن لم يكن قادرا على التفريع والترجيح لأنه ناقل لما يفتي به عن إمامه وإن لم يصرح بنقله عنه وهذا الواقع في الأعصار المتأخرة ويجوز خلو الزمان عن مجتهد أي أن لا يبقى فيه مجتهد خلافا للحنابلة في منعهم الخلو عنه مطلقا ولابن دقيق العيد في منعه الخلو عنه ما لم يتداع الزمان بتزلزل القواعد فإن تداعى بأن أتت أشراط الساعة الكبرى كطلوع الشمس من مغربها وغير ذلك جاز الخلو عنه والمختار بعد جوازه أنه لم يثبت وقوعه وقيل يقع دليل عدم الوقوع حديث الصحيحين بطرق لا تزال طائفة من أمتي
____________________
(2/438)
ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله أي الساعة كما صرح بها في بعض الطرق قال البخاري وهم أهل العلم أي لابتداء الحديث في بعض الطرق بقوله من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ويدل للوقوع حديث الصحيحين أيضا أن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا هذا لفظ البخاري وفي مسلم حديث إن بين يدي الساعة أياما يرفع فيها العلم ويترك فيها الجهل ونحوه حديث البخاري أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل والمراد برفع العلم قبض أهله ولمعارضة هذه الأحاديث للأول قال المصنف لم يثبت وقوعه دون لا يقع ويمكن رد الأول إليها بأن يراد بالساعة ما قرب منها
وإذا عمل العامي بقول مجتهد في حادثة فليس له الرجوع عنه إلى غيره في مثلها لأنه قد التزم ذلك القول بالعمل به بخلاف ما إذا لم يعمل به وقيل يلزمه العمل به بمجرد الإفتاء فليس له الرجوع إلى غيره فيه وقيل يلزمه العمل به بالشروع في العمل به بخلاف ما إذا لم يشرع وقيل يلزمه العمل به
____________________
(2/439)
إن التزمه بخلاف ما إذا لم يلتزمه وقال السمعاني يلزمه العمل به إن وقع في نفسه صحته وإلا فلا وقال ابن الصلاح يلزمه العمل به إن لم يوجد مفت آخر فإن وجد تخير بينهما والأصح جوازه أي جواز الرجوع إلى غيره في حكم آخر وقيل لا يجوز لأنه بسؤال المجتهد والعمل بقوله التزام مذهبه
و الأصح أنه يجب على العامي وغيره ممن لم يبلغ رتبة الاجتهاد التزام مذهب معين من مذاهب المجتهدين يعتقده أرجح من غيره أو مساويا له وإن كان نفس الأمر مرجوحا على المختار المتقدم ثم في المساوي ينبغي السعي في اعتقاده أرجح ليتجه اختياره على غيره ثم في خروجه عنه أقوال أحدها لا يجوز لأنه التزمه وإن لم يجب التزامه ثانيها يجوز والتزام ما لا يلزم غير ملزم ثالثها لا يجوز في بعض المسائل ويجوز في بعض توسطا بين القولين والجواز في غير ما عمل به أخذا مما تقدم في عمل غير الملتزم فإنه إذا لم يجز له الرجوع قال ابن الحاجب كالآمدي اتفاقا
____________________
(2/440)
فالملتزم أولى بذلك وقد حكيا فيه الجواز فيقيد بما قلناه وقيل لا يجب عليه التزام مذهب معين فله أن يأخذ فيما يقع له بهذا المذهب تارة وبغيره أخرى وهكذا
و الأصح أنه يمتنع تتبع الرخص في المذاهب بأن يأخذ من كل منها ما هو الأهون فيما يقع من المسائل وخالف أبو إسحاق المروزي فجوز ذلك والظاهر أن هذا النقل عنه سهو لما في الروضة وأصلها عن حكاية الحناطي وغيره عن أبي إسحاق أنه يفسق بذلك وعن أبي هريرة أنه لا يفسق به والثاني
____________________
(2/441)
وقد تفقه على الأول إن أراد بعدم الفسق الجواز فهو مبني على أنه لا يجب التزام مذهب معين وامتناع التتبع شامل للملتزم وغيره ويؤخذ منه تقييد الجواز السابق فيهما بما لم يؤد إلى تتبع الرخص
مسألة اختلف في التقليد في أصول الدين
____________________
(2/442)
أي مسائل الاعتقاد كحدوث العالم ووجود الباري وما يجب له ويمتنع عليه من الصفات وغير ذلك مما سيأتي فقال كثير منهم ورجحه الإمام الرازي والآمدي لا يجوز بل يجب النظر
____________________
(2/443)
لأن المطلوب فيه اليقين قال الله تعالى لنبيه فاعلم أنه لا إله إلا الله وقد علم ذلك وقال تعالى للناس واتبعوه لعلكم تهتدون ويقاس غير الوحدانية عليها وقال العنبري وغيره يجوز التقليد فيه ولا يجب النظر اكتفاء بالعقد الجازم لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكتفي في الإيمان من الأعراب وليسوا أهلا للنظر بالتلفظ بكلمتي الشهادة المنبئ عن العقد الجازم ويقاس غير الإيمان عليه
وقيل النظر فيه حرام لأنه مظنة الوقوع في الشبه والضلال لاختلاف الأذهان والأنظار بخلاف التقليد فيجب بأن يجزم المكلف عقده بما يأتي به الشرع من العقائد ودفع الأولون دليل الثاني أنا لا نسلم أن الأعراب ليسوا أهلا للنظر فإن المعتبر النظر على طريق العامة كما أجاب الأعرابي الأصمعي عن سؤاله بم عرفت ربك فقال البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام تدل على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج
____________________
(2/444)
ألا تدل على اللطيف الخبير وما يذعن أحد من الأعراب أو غيرهم للإيمان فيأتي بكلمته إلا بعد أن ينظر فيهتدي لذلك أما النظر على طريق المتكلمين من تحرير الأدلة وتدقيقها ودفع الشكوك والشبه ههنا ففرض كفاية في حق المتأهلين له يكفي قيام بعضهم به وأما غيرهم ممن يخشى عليه من الخوض فيه الوقوع في الشبه والضلال فليس له الخوض فيه وهذا محمل نهي الشافعي وغيره من السلف رضي الله عنهم من الاشتغال بعلم الكلام وهو العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية وعلى كل من الأقوال الثلاثة تصح عقائد المقلد وإن كان آثما بترك النظر على الأول
وعن الأشعري أنه لا يصح إيمان المقلد وشنع أقوام عليه بأنه يلزمه تكفير العوام وهم غالب المؤمنين وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري في دفع التشنيع هذا مكذوب عليه قال المصنف والتحقيق في المسألة الدافع للتشنيع أنه إن كان التقليد أخذ قول الغير بغير حجة مع احتمال شك أو وهم بأن لا يجزم به فلا يكفي إيمان المقلد قطعا لأنه لا إيمان مع أدنى تردد فيه
وإن كان التقليد أخذ قول الغير بغير حجة لكن جزما هذا هو المعتمد فيكفي إيمان المقلد
____________________
(2/445)
عند الأشعري وغيره خلافا لأبي هاشم في قوله لا يكفي بل لا بد لصحة الإيمان من النظر وعلى الاكتفاء بالتقليد الجازم في الإيمان وغيره
قال المصنف فليجزم أي المكلف عقده بأن العالم وهو ما سوى الله تعالى ولا حاجة لقول بعضهم وصفاته فإنها ليست غيره كما أنها ليست عينه محدث
____________________
(2/446)
أي موجد عن العدم لأنه متغير أي يعرض له التغير كما يشاهد وكل متغير محدث لأنه وجد بعد أن لم يكن وله صانع ضرورة أن المحدث لا بد له من محدث وهو الله الواحد إذ لو جاز كونه اثنين
____________________
(2/447)
لجاز أن يريد أحدهما شيئا والآخر ضده الذي لا ضد له غيره كحركة زيد وسكونه فيمتنع وقوع المرادين وعدم وقوعهما لامتناع ارتفاع الضدين المذكورين واجتماعهما فيتعين وقوع أحدهما فيكون مريده هو الإله دون الآخر لعجزه فلا يكون الإله إلا واحد أو إطلاق المتكلمين اسم الصانع عليه تعالى مأخوذ من قوله تعالى صنع الله الذي أتقن كل شيء
والواحد الشيء الذي
____________________
(2/448)
لا ينقسم بوجه ولا يشبه بفتح الباء المشددة أي به ولا بغيره أي لا يكون بينه وبين غيره شبه بوجه والله تعالى قديم أي لا ابتداء لوجوده ولا انتهاء إذ لو كان حادثا لاحتاج إلى محدث تعالى عن ذلك حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق قال المحققون ليست معلومة الآن أي في الدنيا للناس وقال كثير إنها معلومة لهم الآن لأنهم مكلفون بالعلم بوحدانيته وهو متوقف على العلم بحقيقته
وأجيب بمنع التوقف على العلم به بالحقيقة وإنما يتوقف على العلم به بوجه وهو تعالى يعلم بصفاته كما أجاب بها موسى عليه الصلاة والسلام فرعون السائل عنه تعالى كما قص علينا ذلك بقوله تعالى قال فرعون وما رب العالمين إلخ واختلفوا أي المحققون هل يمكن علمها في الآخرة فقال بعضهم نعم لحصول الرؤية فيها كما سيأتي وبعضهم لا والرؤية لا تفيد الحقيقة
ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض
____________________
(2/449)
لأنه تعالى منزه عن الحدوث وهذه حادثة لأنها أقسام العالم إذ هو إما قائم بنفسه أو بغيره والثاني العرض والأول ويسمى بالعين وهو محل الثاني المقوم له إما مركب وهو الجسم أو غير مركب وهو الجوهر وقد يقيد بالفرد ولم يزل وحده ولا مكان ولا زمان ولا قطر ولا أوان هذا من عطف الخاص على العام إذ القطر مكان مخصوص كالبلد والأوان زمان مخصوص كزمان الزرع والداعي إلى العطف الخطابة في التنزيه أي هو موجود وحده قبل المكان والزمان فهو منزه عنهما
ثم
____________________
(2/450)
أحدث هذا العالم
____________________
(2/451)
المشاهد من السماوات والأرض بها فيهما من غير احتياج إليه ولو شاء ما اخترعه فهو فاعل بالاختيار لا بالذات لم يحدث بابتداعه في ذاته حادث فليس كغيره محلا للحوادث فهو كما قال في كتابه العزيز فعال لما يريد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
____________________
(2/452)
القدر وهو ما يقع من العبد المقدر في الأزل
خيره وشره كائن
____________________
(2/453)
منه تعالى بخلقه وإرادته
علمه شامل لكل معلوم أي ما من شأنه أن يعلم ممكنا كان أو ممنعا
____________________
(2/454)
جزئيات وكليات
وقدرته شاملة لكل مقدور أي ما من شأنه أن يقدر عليه وهو الممكن بخلاف الممتنع
ما علم أنه يكون أي يوجد إرادة أي أراد وجوده وما لا أي وما علم أنه لا يوجد فلا يريد وجوده
____________________
(2/455)
فالإرادة تابعة للعلم
بقاؤه تعالى غير مستفتح ولا متناه أي لا أول له ولا آخر
لم يزل سبحانه موجودا بأسمائه أي بمعانيها وهي ما دل على الذات باعتبار صفة كالعالم والخالق
وصفات ذاته
____________________
(2/456)
وهي ما دل عليها فعله لتوقفه عليها من قدرة وهي صفة تؤثر في الشيء عند تعلقها به وعلم وهو صفة ينكشف بها الشيء عند تعلقها به وحياة وهي صفة تقتضي صحة العلم لموصوفها وإرادة وهي صفة تخصص أحد طرفي الشيء
____________________
(2/457)
من الفعل والترك بالوقوع أو دل عليها التنزيه له تعالى عن النقص من سمع وبصر وهما صفتان
____________________
(2/458)
يزيد الانكشاف بهما على الانكشاف بالعلم
وكلام وهو صفة
____________________
(2/459)
عبر عنها بالنظم المعروف المسمى بكلام الله أيضا ويسميان بالقرآن أيضا
وبقاء وهو استمرار الوجود
أما صفات الأفعال كالخلق والرزق والإحياء والأمانة فليست أزلية خلافا للحنفية بل هي حادثة أي متجددة لأنها إضافات تعرض للقدرة وهي تعلقاتها بوجودات المقدورات لأوقات وجوداتها ولا محذور في اتصاف الباري سبحانه بالإضافات ككونه قبل العالم ومعه وبعده وأزلية أسمائه الراجعة إلى صفات الأفعال كما تقدم في جملة الأسماء من حيث رجوعها إلى القدرة لا الفعل فالخالق مثلا من شأنه الخلق أي هو الذي بالصفة التي بها يصح الخلق وهي القدرة كما يقال في الماء في الكوز مرو أي هو
____________________
(2/460)
بالصفة التي بها يحصل الإرواء عند مصادفة الباطن وفي السيف في الغمد قاطع أي هو بالصفة التي بها يحصل القطع عند ملاقاة المحل فإن أريد بالخالق من صدر منه الخلق فليس صدوره أزليا ذكر ذلك الغزالي وبين رجوع الأسماء كلها إلى الذات وصفاتها في المقصد الأسني
وما صح في الكتاب والسنة من الصفات نعتقد ظاهر المعنى منه وننزهه عند سماع المشكل منه كما في قوله تعالى الرحمن على العرش استوى ويبقى وجه ربك ولتصنع على عيني يد الله فوق أيديهم وقوله صلى الله عليه وسلم إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها رواهما مسلم
ثم اختلف أئمتنا أنؤول المشكل أم نفوض معناه المراد إليه تعالى منزهين له عن ظاهره مع اتفاقهم على أن جهلنا بتفصيله لا يقدح في اعتقادنا المراد منه مجملا والتفويض مذهب السلف وهو أسلم والتأويل مذهب الخلف وهو أعلم أي أحوج إلى مزيد علم فيؤول في الآيات الاستواء بالاستيلاء والوجه بالذات والعين بالبصر واليد بالقدرة والحديثان
____________________
(2/461)
من باب التمثيل المذكور في علم البيان نحو أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى يقال للمتردد في أمر تشبيها له بمن يفعل ذلك لإقدامه وإحجامه فالمراد من الحديث الأول والظرف فيه خبر كالجار والمجرور إن قلوب العباد كلها بالنسبة إلى قدرته تعالى شيء يسير يصرفه كيف شاء كما يقلب الواحد من عباده اليسير بين أصبعين من أصابعه والمراد من الثاني أنه تعالى يقبل التوبة في الليل والنهار إلى طلوع الشمس من مغربها فلا يرد تائبا كما يبسط الواحد من عباده يده للعطاء أي للأخذة فلا يرد معطيا
القرآن وهو كلامه تعالى القائم بذاته غير مخلوق وهو مع ذلك أيضا على الحقيقة لا المجاز مكتوب في مصاحفنا بأشكال الكتابة وصور الحروف الدالة عليه محفوظ في صدورنا بألفاظه المخيلة مقروء بألسنتنا بحروفه الملفوظة المسموعة فقوله على الحقيقة راجع إلى كل من مكتوب ومحفوظ ومقروء وقدم للإشارة إلى ذلك ونبه بقوله لا المجاز على أنه ليس المراد بالحقيقة كنه الشيء كما هو مراد المتكلمين فإن القرآن بهذه الحقيقة ليس في المصاحف ولا في الصدور ولا في الألسنة وإنما المراد بها مقابل المجاز أي يصح أن يطلق على القرآن حقيقة أنه مكتوب محفوظ مقروء واتصافه بهذه الثلاثة وبأنه غير مخلوق أي موجود أزلا وأبدا اتصاف له باعتبار وجودات الموجود الأربعة فإن لكل موجود وجودا في الخارج ووجودا في الذهن ووجودا في العبارة ووجودا في الكتابة فهي تدل على العبارة وهي على ما في الذهن وهو على ما في الخارج
يثيب الله تعالى عبادة المكلفين على الطاعة فضلا ويعاقب هم إلا أن يغفر غير الشرك على المعصية عدلا لإخباره بذلك قال تعالى فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
____________________
(2/462)
وهذا الأخير مخصص لعمومات العقاب
وله سبحانه إثابة العاصي وتعذيب المطيع وإيلام الدواب والأطفال لأنهم ملكه يتصرف فيهم كيف يشاء لكن لا يقع منه ذلك لإخباره بإثابة المطيع وتعذيب العاصي كما تقدم ولم يرد إيلام الدواب والأطفال في غير قصاص والأصل عدمه أما في القصاص فقال صلى الله عليه وسلم لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء رواه مسلم وقال يقتص للخلق بعضهم من بعض حتى الجماء من القرناء وحتى للذرة من الذرة وقال ليختصمن كل شيء يوم القيامة حتى الشاتان فيما انتطحتا رواهما الإمام أحمد قال المنذري في الأول رواته رواة الصحيح وفي الثاني إسناده حسن وقضية هذه الأحاديث أن لا يتوقف القصاص يوم القيامة على التكليف والتمييز فيقتص من الطفل لطفل وغيره ويستحيل وصفه سبحانه بالظلم لأنه مالك الأمور على الإطلاق يفعل ما يشاء فلا ظلم في التعذيب والإيلام المذكورين لو فرض وقوعهما يراه سبحانه المؤمنون يوم القيامة قبل دخول الجنة وبعده كما ثبت في أحاديث الصحيحين الموافقة لقوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة
____________________
(2/463)
والمخصصة لقوله تعالى لا تدركه الأبصار أي لا تراه
منها
____________________
(2/464)
حديث أبي هريرة أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تضارون في القمر ليلة البدر قالوا لا يا رسول الله قال فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال فإنكم ترونه كذلك إلخ وفيه أن ذلك قبل دخول الجنة وقوله تضارون بضم التاء والراء مشددة من الضرار ومخففة من الضير أي الضرر أي هل يحصل لكم في ذلك ما يشوش عليكم الرؤية بحيث تشكون فيها كما يحصل في غير ذلك وحديث صهيب في مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم تعالى وفي رواية ثم تلا هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة أي فالحسنى الجنة والزيادة النظر إليه تعالى ويحصل بأن ينكشف انكشافا تاما ميزها عن المقابلة والجهة والمكان أما الكفار فلا يرونه يوم القيامة لقوله تعالى
____________________
(2/465)
كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون الموافق لقوله تعالى لا تدركه الأبصار واختلف هل تجوز الرؤية له تعالى في الدنيا في اليقظة وفي المنام فقيل نعم وقيل لا أما الجواز في اليقظة فلأن موسى عليه السلام طلبها حيث قال رب أرني أنظر إليك وهو لا يجهل ما يجوز ويمتنع على ربه تعالى والمنع لأن قومه طلبوها فعوقبوا قال تعالى فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم واعترض هذا بأن عقابهم لعنادهم وتعنتهم في طلبها لا لامتناعها وأما المنع في المنام فلأن المرئي فيه خيال ومثال وذلك على القديم محال والمجيز قال لا استحالة لذلك في المنام وسكت المصنف عن الوقوع ويدل على عدمه في اليقظة وهو قول الجمهور قوله تعالى لا تدركه الأبصار وقوله لموسى لن تراني وقوله صلى الله عليه وسلم لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت رواه مسلم في كتاب الفتن في صفة الدجال نعم اختلفت الصحابة في وقوعها له صلى الله عليه وسلم ليلة
____________________
(2/466)
المعراج والصحيح نعم وإليه استند القائل بالوقوع في الجملة لكن روى مسلم عن أبي ذر سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال رأيت نورا وفي رواية نور أنى أراه بتشديد نون أنى وضمير أراه لله أي حجبني النور المغشي للبصر عن رؤيته وقد ذكر وقوعها في المنام الكثير من السلف منهم الإمام أحمد
____________________
(2/467)
وعلى ذلك المعبرون للرؤيا وبالغ ابن الصلاح في إنكاره لما تقدم في المنع السعيد من كتبه أي الله في الأزل سعيدا أي لا في غيره والشقي عكسه أي من كتبه الله في الأزل شقيا لا في غيره ثم لا يتبدلان أي المكتوبان في الأزل بخلاف المكتوب في غيره كاللوح المحفوظ قال تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب أي أصله الذي لا يغير منه شيء كما قاله ابن عباس وغيره وفي جامع الترمذي حديث فرغ ربك من العباد فريق في الجنة وفريق في السعير ومن علم أي الله موته مؤمنا فليس بشقي بل هو سعيد وإن تقدم منه كفر وقد غفر ومن علم موته كافرا فشقي وإن تقدم منه إيمان وقد حبط وفي قول للأشعري تبين أنه لم يكن إيمانا فالسعادة الموت على الإيمان والشقاوة الموت على الكفر ويترتب على الأولى الخلود في الجنة وعلى الثانية الخلود في النار قال تعالى وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها وقال فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها وأبو بكر رضي الله عنه ما زال بعين الرضا منه تعالى كما قال الأشعري وإن لم يتصف بالإيمان قبل تصديقه بالنبي صلى الله عليه وسلم
لأنه لم يثبت عنه حالة كفر كما ثبت عن غيره ممن آمن والرضا والمحبة من الله غير المشيئة والإرادة منه فإن معنى الأولين المترادفين أخص من معنى الثانيين المترادفين إذ الرضا الإرادة من غير اعتراض والأخص غير الأعم فلا يرضى لعباده الكفر مع وقوعه من بعضهم بمشيئته ولو شاء ربك ما فعلوه وقالت المعتزلة الرضا والمحبة نفس المشيئة والإرادة هو الرزاق كما قال تعالى إن الله هو الرزاق أي فلا رازق غيره وقالت المعتزلة من حصل له الرزق بتعب فهو الرازق لنفسه أو بغير تعب فالله هو الرازق له والرزق بمعنى المرزوق
____________________
(2/468)
ما ينتفع به في التغذي وغيره ولو كان حراما بغصب أو غيره
خلافا للمعتزلة في قولهم لا يكون إلا حلالا لاستناده إلى الله في الجملة والمستند إليه لانتفاع عباده يقبح أن يكون حراما يعاقبون عليه قلنا لا قبح بالنسبة إليه تعالى يفعل ما يشاء وعقابهم على الحرام لسوء مباشرتهم أسبابه ويلزم المعتزلة أن المتغذي بالحرام فقط طول عمره لم يرزقه الله أصلا وهو مخالف لقوله تعالى وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها لأنه تعالى لا يترك ما أخبر بأنه عليه بيده تعالى الهداية والإضلال وهما خلق الضلال وهو الكفر و خلق الاهتداء وهو الإيمان قال تعالى ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم وزعمت المعتزلة أنهما بيد العبد يهدي نفسه ويضلها بناء على قولهم إنه يخلق أفعاله والتوفيق خلق القدرة الداعية إلى الطاعة وقال إمام الحرمين
____________________
(2/469)
خلق الطاعة والخذلان ضده فهو خلق القدرة على المعصية والداعية إليها أو خلق المعصية واللطف ما يقع عنده صلاح العبد أخرة بأن تقطع منه الطاعة دون المعصية والختم والطبع والأكنة الواردة في القرآن نحو ختم الله على قلوبهم طبع الله عليها بكفرهم جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه عبارات عن معنى واحد وهو خلق الضلال في القلب كالإضلال والماهيات للممكنات أي حقائقها مجعولة بسيطة كانت أو مركبة أي كل ماهية بجعل الجاعل وقيل لا مطلقا بل كل
____________________
(2/470)
فارغة
____________________
(2/471)
ماهية متقررة بذاتها
وثالثها مجعولة إن كانت مركبة بخلاف البسيطة أرسل الرب تعالى رسله مؤيدين منه بالمعجزات الباهرات أي الظاهرات وخص محمد صلى الله عليه وسلم منهم بأنه خاتم النبيين
____________________
(2/472)
كما قال كتابه المبين ولكن رسول الله وخاتم النبيين المبعوث إلى الخلق أجمعين كما في حديث مسلم وأرسلت إلى الخلق كافة وفسر بالإنس والجن كما فسر بهما من بلغ في قوله تعالى وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أي بلغه القرآن والعالمين في قوله تعالى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا
وصرح الحليمي والبيهقي في الباب الرابع من شعب الإيمان بأنه عليه الصلاة والسلام لم يرسل إلى الملائكة وفي الباب الخامس عشر بانفكاكهم من شرعه وفي تفسيري الإمام الرازي والبرهان النفي حكاية الإجماع في تفسير الآية الثانية على أنه لم يكن رسولا إليهم المفضل على جميع العالمين من الأنبياء والملائكة وغيرهم فلا يشركه غيره من الأنبياء فيما ذكر وبعده في التفضيل الأنبياء ثم الملائكة عليهم السلام فهم أفضل من البشر غير الأنبياء
____________________
(2/473)
والمعجزة المؤيد بها الرسل أمر خارق للعادة بأن يظهر على خلافها كإحياء ميت وإعدام جيل وانفجار الماء من بين الأصابع مقرون بالتحدي منهم مع عدم المعارضة من المرسل إليهم بأن لا يظهر منهم مثل ذلك الخارق والتحدي الدعوى للرسالة فخرج غير الخارق كطلوع الشمس كل يوم والخارق من غير تحد وهو كرامة الولي
____________________
(2/474)
والخارق المتقدم على التحدي والمتأخر عنه بما يخرجه عن المقارنة العرفية وخرج السحر والشعبذة من المرسل إليهم إذ لا معارضة بذلك
والإيمان تصديق القلب
____________________
(2/475)
أي بما علم مجيء الرسول به من عند الله ضرورة أن الإذعان والقبول له والتكليف بذلك وإن كان من الكيفيات النفسانية دون الأفعال الاختيارية بالتكليف بأسبابه كإلقاء الذهن وصرف النظر وتوجيه الحواس ورفع الموانع ولا يعتبر التصديق المذكور في الخروج به عن عهدة التكليف بالإيمان إلا مع التلفظ بالشهادتين من القادر عليه الذي جعله الشارع علامة لنا على التصديق الخفي عنا حتى يكون المنافق مؤمنا فيما بيننا كافرا عند الله تعالى قال تعالى إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا وهل التلفظ المذكور شرط للإيمان أو شطر منه فيه تردد للعلماء
والإسلام إعمال الجوارح من الطاعات كالتلفظ بالشهادتين والصلاة والزكاة وغير
____________________
(2/476)
ذلك ولا تعتبر الأعمال المذكورة في الخروج بها عن عهدة التكليف بالإسلام إلا مع الإيمان أي التصديق المذكور والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك كذا في حديث الصحيحين المشتمل على بيان الإيمان بأن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره وبيان الإسلام بأن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا هذا لفظ رواية مسلم وفيها تقديم الإسلام على الإيمان عكس رواية البخاري التي تبعها المصنف لأنها على ترتيب الواقع وتأخير الإحسان عنهما وهو مراقبة الله تعالى في العبادة الشاملة لهما حتى تقع على الكمال من الإخلاص وغيره لأنه كمال بالنسبة إليهما والفسق بأن ترتكب الكبيرة لا يزيل الإيمان خلافا للمعتزلة في زعمهم أنه يزيله بمعنى أنه واسطة بين الإيمان والكفر بناء على زعمهم أن الأعمال جزء من الإيمان والميت مؤمنا فاسقا بأن لم يتب تحت المشيئة إما أن يعاقب بإدخاله النار ثم يدخل الجنة لموته على الإيمان
وإما أن يسامح بأن لا يدخل النار بمجرد فضل الله أو بفضله مع الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم قال القاضي عياض وغيره أو ممن يشاء الله وتردد النووي في ذلك قال والد المصنف لأنه لم يرد تصريح بذلك ولا بنفيه قال وهي في إجازة الصراط بعد وضعه ويلزم منها النجاة من النار وزعمت المعتزلة أنه يخلد في النار ولا يجوز العفو عنه ولا الشفاعة فيه وأول شافع وأولاه يوم القيامة حبيب الله محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم أنا أول شافع وأول مشفع رواه الشيخان وهو أكرم عند الله من جميع العالمين وله شفاعات
____________________
(2/477)
أعظمها في تعجيل الحساب والإراحة من طول الوقوف وهي مختصة به الثانية في إدخال قوم الجنة بغير حساب قال النووي وهي مختصة به أيضا وتردد ابن دقيق العيد في ذلك ووافقه والد المصنف وقال لم يرد فيه شيء الثالثة فيمن استحق النار كما تقدم الرابعة في إخراج من أدخل النار من الموحدين ويشاركه فيها الأنبياء والملائكة والمؤمنون الخامسة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها وجوز النووي اختصاصها به
ولا يموت أحد إلا بأجله وهو الوقت الذي كتب الله في الأزل انتهاء حياته فيه بقتل أو غيره وزعم كثير من المعتزلة أن القاتل قطع بقتله أجل المقتول وأنه لو لم يقتله لعاش أكثر من ذلك والنفس باقية بعد قتل البدن منعمة أو معذبة وفي فنائها عند القيامة تردد قيل تفنى عند النفخة الأولى كغيرها قال الشيخ الإمام والد المصنف والأظهر أنها لا تفنى أبدا
____________________
(2/478)
لأن الأصل في بقائها بعد الموت استمراره وفي عجب الذنب بفتح العين وسكون الجيم هل يبلى قولان المشهور منهما أنه لا يبلى لحديث الصحيحين ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب منه يركب الخلق يوم القيامة وفي رواية لمسلم كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب
وفي رواية لأحمد وابن حبان قيل وما هو يا رسول الله قال مثل حبة خردل منه تنشئون وهو في أسفل الصلب عند رأس العصعص يشبه في المحل محل أصل الذنب من ذوات الأربع قال المزني والصحيح أنه يبلى كغيره قال تعالى كل شيء هالك إلا وجهه وتأول الحديث المذكور بأنه لا يبلى بالتراب بل بلا تراب كما يميت الله ملك الموت بلا ملك الموت وحقيقة الروح وهي النفس لم يتكلم عليها محمد صلى الله عليه وسلم وقد سئل عنها لعدم نزول الأمر ببيانها قال تعالى ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي فنمسك نحن عنها ولا نعبر عنها بأكثر من موجود كما قال الشيخ الجنيد وغيره
والخائضون فيها اختلفوا فقال جمهور المتكلمين إنها جسم لطيف مشتبك بالبدن اشتباك الماء بالعود الأخضر وقال كثير منهم إنها عرض وهي الحياة التي صار البدن بوجودها حيا قال السهروردي ويدل للأول وصفها في الأخبار بالهبوط والعروج والتردد في البرزخ وقال الفلاسفة
____________________
(2/479)
وكثير من الصوفية إنها ليست بجسم ولا عرض وإنما هي جوهر مجرد قائم بنفسه غير متحيز متعلق بالبدن للتدبير والتحريك غير داخل فيه ولا خارج عنه
____________________
(2/480)
وكرامات الأولياء وهم العارفون بالله تعالى حسبما يمكن المواظبون على الطاعات المجتنبون للمعاصي المعرضون عن الانهماك في اللذات والشهوات حق أي جائزة وواقعة كجريان النيل بكتاب عمر ورؤيته وهو على المنبر بالمدينة جيشه بنهاوند حتى قال لأمير الجيش يا سارية الجبل الجبل محذرا له من وراء الجبل لكمن العدو هناك وسماع سارية كلامه مع بعد المسافة وكشرب خالد السم من غير تضرر به وغير ذلك مما وقع للصحابة وغيرهم قال القشيري ولا ينتهون إلى نحو ولد دون والد وقلب جماد بهيمة قال المصنف وهذا حق يخصص قول غيره ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي لا فارق بينهما إلا التحدي ومنع أكثر المعتزلة
____________________
(2/481)
الخوارق من الأولياء وكذلك الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني قال كل ما جاز تقديره معجزة لنبي لا يجوز ظهور مثله كرامة لولي وإنما مبالغ الكرامات إجابة دعوة أو موافاة ماء في بادية من غير توقع المياه أو نحو ذلك مما ينحط عن خرق العادات
ولا نكفر أحدا من أهل القبلة ببدعته كمنكري
____________________
(2/482)
صفات الله وخلقه أفعال عباده وجواز رؤيته يوم القيامة ومنا من كفرهم أما من خرج ببدعته عن أهل القبلة كمنكري حدوث العالم والبعث والحشر للأجسام والعلم بالجزئيات فلا نزاع في كفرهم لإنكارهم بعض ما علم مجيء الرسول به ضرورة ولا نجوز نحن الخروج على السلطان وجوزت المعتزلة الخروج على الجائر لانعزاله بالجور عندهم ونعتقد أن عذاب القبر وهو للكافر والفاسق المراد تعذيبه بأن ترد الروح إلى الجسد أو ما بقي منه
وسؤال الملكين منكر ونكير للمقبور بعد رد روحه إليه عن ربه ودينه ونبيه فيجيبهما بما يوافق ما مات عليه من إيمان أو كفر والحشر
____________________
(2/483)
للخلق بأن يحييهم الله تعالى بعد فنائهم ويجمعهم للعرض والحساب والصراط وهو جسر ممدود على ظهر جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف يمر عليه جميع الخلق فتجوزه أهل الجنة وتزل به أقدام أهل النار والميزان وله لسان وكفتان يعرف به مقادير الأعمال بأن توزن صحفها به حق للنصوص الواردة في ذلك قال تعالى وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وقال صلى الله عليه وسلم عذاب القبر حق ومر على قبرين فقال إنهما ليعذبان وقال إن العبد إذا وضع في قبره
____________________
(2/484)
وتولى عنه أصحابه أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا النبي محمد فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله إلى أن قال وأما الكافر أو المنافق فيقول لا أدري إلخ رواهما الشيخان وغيرهما وفي رواية أبي داود وغيره فيقولان له من ربك وما دينك وما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول المؤمن ربي الله وديني الإسلام والرجل المبعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول الكافر في الثلاث لا أدري
وفي رواية الترمذي يقال لأحدهما المنكر وللآخر النكير وفي رواية للبيهقي فيأتيه منكر ونكير وفي الصحيحين أحاديث تحشر الناس حفاة مشاة عراة غرلا أي غير مختتنين وأحاديث يضرب الصراط بين ظهري جهنم ومرور المؤمنين متفاوتين وأنه مزلة أي تزل به أقدام أهل النار فيها وفي مسلم عن أبي سعيد الخدري بلغني أنه أدق من الشعر وأحد من السيف وروى البزار والبيهقي حديث يؤتى بابن آدم فيوقف بين كفتي الميزان إلخ والجنة والنار مخلوقتان اليوم يعني قبل يوم الجزاء للنصوص الدالة على ذلك نحو أعدت للمتقين أعدت للكافرين وقصة آدم وحواء في إسكانهما الجنة وإخراجهما منها بالزلة
____________________
(2/485)
وزعم أكثر المعتزلة أنهما إنما يخلقان يوم الجزاء
____________________
(2/486)
ويجب على الناس نصب إمام يقوم بمصالحهم كسد الثغور وتجهيز الجيوش وقهر المتغلبة والمتلصصة وقطاع الطريق وغير ذلك لإجماع الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على نصبه حتى جعلوه أهم الواجبات وقدموه على دفنه صلى الله عليه وسلم ولم يزل الناس في كل عصر على ذلك ولو كان من ينصب مفضولا فإن نصبه يكفي في الخروج عن عهدة النصب وقيل لا بل يتعين نصب الفاضل وذهبت الخوارج إلى أنه لا يجب نصب إمام والإمامية إلى وجوبه على الله تعالى
____________________
(2/487)
ولا يجب على الرب سبحانه شيء لأنه خالق الخلق فكيف يجب لهم عليه شيء وقالت المعتزلة يجب عليه أشياء يترتب الذم بتركها منها الجزاء أي الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية ومنها اللطف بأن يفعل بعباده ما يقربهم إلى الطاعة ويبعدهم عن المعصية بحيث لا ينتهون إلى حد الإلجاء ومنها الأصلح لهم في الدنيا
____________________
(2/488)
من حيث الحكمة والتدبير
والمعاد الجسماني أي عود الجسم بعد الإعدام بأجزائه وعوارضه
____________________
(2/489)
كما كان حق قال تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده كما بدأنا أول خلق نعيده كما بدأكم تعودون وأنكرت الفلاسفة إعادة الأجسام وقالوا إنما تعاد الأرواح بمعنى أنها بعد موت البدن تعاد إلى ما كانت عليه من التجرد متلذذة بالكمال أو متألمة بالنقصان وقوله بعد الإعدام وهو الصحيح وقيل لا يعدم الجسم وإنما تفرق أجزاؤه ونعتقد أن خير الأمة بعد نبيها محمد صلى الله عليه وسلم أبو بكر خليفته فعمر فعثمان فعلي أمراء المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين لإطباق السلف على خيريتهم عند الله
____________________
(2/490)
على هذا الترتيب وقالت الشيعة وكثير من المعتزلة الأفضل بعد النبي صلى الله عليه وسلم علي وميزهم المصنف عن مشاركيهم في أسمائهم بما كانوا يدعون به فكان يدعى أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه خلفه في أمر الرعية مع أنه استخلفه للصلاة بالناس في مرض وفاته صلى الله عليه وسلم كما رواه الشيخان ويدعى كل من الثلاثة أمير المؤمنين
و نعتقد براءة عائشة رضي الله عنها من كل ما قذفت به لنزول القرآن ببراءتها قال تعالى إن الذين جاءوا بالإفك الآيات ونمسك عما جرى بين الصحابة من المنازعات التي قتل بسببها كثير منهم فتلك دماء طهر الله منها أيدينا فلا نلوث بها ألسنتنا ونرى الكل مأجورين في ذلك لأنه مبني على الاجتهاد في مسألة ظنية للمصيب فيها أجران على اجتهاده وإصابته وللمخطئ أجر على اجتهاده كما ثبت في حديث الصحيحين إن الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر و نرى أن الشافعي إمامنا ومالكا شيخه وأبا حنيفة والسفيانين الثوري وابن عيينة وأحمد بن حنبل والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وداود الظاهري وسائر أئمة المسلمين أي باقيهم على هدى من ربهم في العقائد وغيرها ولا التفات لمن تكلم فيهم بما هم بريئون منه قال المصنف وقول إمام الحرمين إن المحققين لا يقيمون للظاهرية وزنا وإن خلافهم لا يعتبر محمله عند ابن حزم وأمثاله
وأما داود فمعاذ الله أن يقول إمام الحرمين أو غيره أن خلافه لا يعتبر فلقد كان جبلا من جبال العلم والدين له من سداد النظر وسعة العلم ونور البصيرة والإحاطة بأقوال الصحابة والتابعين والقدرة على الاستنباط ما يعظم وقعه وقد دونت كتبه وكثرت أتباعه وذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقاته من الأئمة المتبوعين في الفروع وقد كان مشهورا في زمن الشيخ وبعده بكثير لا سيما في بلاد فارس شيراز وما والاها إلى ناحية العراق في بلاد المغرب و نرى أن أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري وهو من ذرية أبي موسى الأشعري الصحابي إمام في السنة أي الطريقة المعتقدة مقدم فيها على غيره كأبي منصور الماتريدي ولا التفات لمن تكلم فيه بما هو بريء منه
و نرى أن طريق الشيخ أبي القاسم الجنيد سيد الصوفية علما وعملا وصحبه طريق مقوم فإنه خال عن البدع دائر على التسليم والتفويض والتبري من النفس ومن كلامه الطريق إلى الله تعالى مسدود على خلقه إلا على المقتفين آثار رسول الله
____________________
(2/491)
صلى الله عليه وسلم وقال رأيت في المنام أني أتكلم على الناس فوقف علي ملك فقال ما أقرب ما تقرب به المتقربون إلى الله سبحانه وتعالى فقلت عمل خفي بميزان وفي فولى وهو يقول كلام موفق والله ولا التفات لمن رماهم في جملة الصوفية بالزندقة عند خليفة السلطان حتى أمر بضرب أعناقهم فأمسكوا إلا الجنيد فإنه تستر بالفقه وكان يفتي على مذهب أبي ثور شيخه وبسط لهم النطع فتقدم من آخرهم أبو الحسن النوري للسياف فقال له لم تقدمت فقال أوثر أصحابي بحياة ساعة فبهت وأنهي الخبر للخليفة فردهم إلى القاضي فسأل النوري عن مسائل فقهية فأجابه عنها ثم قال وبعد فإن لله عبادا إذا قاموا قاموا بالله وإذا نطقوا نطقوا بالله إلى آخر كلامه فبكى القاضي وأرسل يقول للخليفة إن كان هؤلاء زنادقة فما على وجه الأرض مسلم فخلى سبيلهم رحمهم الله ونفعنا بهم ثم قتل من الصوفية الحسين الحلاج في سنة تسع وثلثمائة من سني الخليفة المذكور وهو أبو الفضل جعفر المقتدر
ومما لا يضر جهله في العقيدة بخلاف ما قبله في الجملة وتنفع معرفته فيها ما يذكر إلى الخاتمة وهو الأصح الذي هو قول الأشعري وغيره إن وجود الشيء في
____________________
(2/492)
الخارج واجبا كان وهو الله تعالى أو ممكنا وهو الخلق عينه أي ليس زائدا عليه وقال كثير منهم
____________________
(2/493)
أي من المتكلمين غيره أي زائد عليه بأن يقوم الوجود بالشيء من حيث هو أي من غير اعتبار الوجود والعدم وإن لم يخل عنهما وأشار بقوله منا إلى قول الحكماء إنه عينه في الواجب وغيره في الممكن
____________________
(2/494)
فعلى الأصح المعدوم الممكن الوجود ليس في الخارج بشيء ولا ذات ولا ثابت أي لا حقيقة له في الخارج وإنما يتحقق بوجوده فيه وكذا على الآخر عند أكثرهم أي أكثر القائلين به وذهب كثير منهم وهم طائفة من المعتزلة إلى أنه شيء أي حقيقة متقررة و الأصح أن الاسم عين المسمى
____________________
(2/495)
وقيل غيره كما هو المتبادر فلفظ النار مثلا غيرها بلا شك والمراد بالأول المنقول عن الأشعري في اسم الله أن مدلوله الذات من حيث هي بخلاف غيره كالعالم فمدلوله الذات باعتبار الصفة كما قال لا يفهم من اسم الله سواه بخلاف غيره من الصفات فيفهم منها زيادة على الذات من علم وغيره و الأصح أن أسماء الله تعالى توقيفية أي لا يطلق عليه اسم إلا بتوقيف من الشرع وقالت المعتزلة يجوز أن تطلق عليه الأسماء اللائق معناها به وإن لم يرد بها الشرع ومال إلى ذلك القاضي أبو بكر الباقلاني
و الأصح أن المرء يقول أنا مؤمن إن شاء الله أي يجوز له أن يقول ذلك المشتمل على التعليق
____________________
(2/496)
بل يؤثره على الجزم كما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه خوفا من سوء الخاتمة المجهولة وهو الموت على الكفر والعياذ بالله تعالى من ذلك المحيط لما قبله من الإيمان لا شكا في الحال في الإيمان فإنه في الحال متحقق له جازم باستمراره عليه إلى الخاتمة التي يرجو أحسنها ومنع أبو حنيفة وغيره أن يقول ذلك لإيهامه الشك في الحال في الإيمان و الأصح أن ملاذ الكافر أي ما ألذه الله به من متاع الدنيا استدراج من الله له حيث يلذه مع علمه بإصراره على الكفر إلى الموت فهي نقمة عليه يزداد بها عذابه وقالت المعتزلة إنه نعمة يترتب عليها الشكر
و الأصح أن المشار إليه بأنه الهيكل المخصوص المشتمل على النفس وقال أكثر المعتزلة وغيرهم هو النفس لأنها المدبرة و الأصح أن الجوهر هو الفرد وهو الجزء الذي لا يتجزأ ثابت في الخارج وإن لم ير عادة إلا بانضمامه إلى غيره ونفى الحكماء ذلك
____________________
(2/497)
و الأصح أنه لا حال أي لا واسطة بين الموجود والمعدوم خلافا للقاضي أبي بكر الباقلاني إمام الحرمين في قولهما كبعض المعتزلة بثبوت ذلك كالعالمية واللونية للسواد مثلا وعلى الأول ذلك ونحوه من المعدوم لأنه أمر اعتباري
و الأصح أن النسب والإضافات أمور اعتبارية يعتبرها العقل لا وجودية بالوجود الخارجي وقال الحكماء الأعراض النسبية موجودة في الخارج وهي سبعة الأين
____________________
(2/498)
وهو حصول الجسم في المكان والمتى وهو حصول الجسم في الزمان والوضع وهو هيئة تعرض للجسم باعتبار نسبة أجزائه بعضها إلى بعض ونسبتها إلى الأمور الخارجة عنه كالقيام والانتكاس والملك وهو هيئة تعرض للجسم باعتبار ما يحيط به وتنتقل بانتقاله كالتقمص والتعمم وإن يفعل وهو تأثير الشيء في غيره ما دام يؤثر وإن ينفعل وهو تأثير الشيء على غيره ما دام يتأثر كحال المسخن ما دام يسخن والمتسخن ما دام يتسخن والإضافة وهي نسبة تعرض للشيء بالقياس إلى نسبة أخرى كالأبوة والبنوة
و الأصح أن العرض لا يقوم بالعرض وإنما يقوم بالجوهر الفرد أو المركب أي الجسم كما تقدم وجوز الحكماء قيام العرض بالعرض إلا أنه بالآخرة تنتهي سلسة الأعراض إلى جوهر أي جوزوا اختصاص العرض بالعرض اختصاص النعت بالمنعوت كالسرعة والبطء للحركة وعلى الأموال وهما عارضان للجسم أي إنه يعرض له لا تخلل الحركة فيه بسكنات أو تخللها بذلك و الأصح أن العرض لا يبقى زمانين
____________________
(2/499)
بل ينقضي ويتجدد مثله بإرادة الله تعالى في الزمان الثاني وهكذا على التوالي حتى يتوهم أي يقع في الوهم أي الذهن من حيث المشاهدة أنه أمر مستمر باق وقال الحكماء إنه يبقى إلا الحركة والزمان بناء على أنه عرض وسيأتي
و الأصح أن العرض لا يحل محلين فسواد أحد المحلين مثلا غير سواد الآخر وإن تشاركا في الحقيقة وقال قدماء المتكلمين القرب ونحوه مما يتعلق بطرفين يحل محلين وعلى الأول أقرب أحد الطرفين مخالف لقرب الآخر بالشخص وإن تشاركا في الحقيقة وكذا نحو القرب كالجوار و الأصح أن العرضين المثلين بأن يكونا من نوع لا يجتمعان في محل واحد وجوزت المعتزلة اجتماعهما محتجين بأن الجسم المغموس في الصبغ ليسود يعترض له سواد ثم آخر وآخر إلى أن يبلغ غاية السواد بالمكث
وأجيب بأن عروض السواد له ليس على وجه الاجتماع بل البدل فيزول الأول
____________________
(2/500)
ويخلفه الثاني وهكذا بناء على أن العرض لا يبقى زمانين كما تقدم كالضدين فإنهما لا يجتمعان كالسواد والبياض بخلاف الخلافين وهما أعم من الضدين فإنهما يجتمعان من حيث الأعمية كالسواد والحلاوة وفي كل من الأقسام يجوز ارتفاع الشيئين أما النقيضان فلا يجتمعان ولا يرتفعان كالقيام وعدمه
و الأصح أن أحد طرفي الممكن وهما الوجود والعدم ليس أولى به من الآخر بل هما بالنظر إلى ذاته جوهرا كان أو عرضا على السواء وقيل العدم أولى به لأنه أسهل وقوعا في الوجود
____________________
(2/501)
لتحققه بانتفاء شيء من أجزاء العلة التامة للوجود المفتقر في تحققه إلى تحقق جميعها وقيل الوجود أولى به عند وجود العلة وانتفاء الشرط لأنه قد وجدت العلة وإن لم يوجد هو لانتفاء الشرط و الأصح أن الممكن الباقي محتاج في بقائه إلى السبب أي المؤثر وقيل لا وينبني هذا الخلاف على أن علة احتياج الأثر أي الممكن في وجوده إلى المؤثر أي العلة التي يلاحظها العقل في ذلك الإمكان أي استواء الطرفين بالنظر إلى الذات أو الحدوث أي الخروج من العدم إلى الوجود أو هما على أنهما جزءا علة أو الإمكان بشرط الحدوث
____________________
(2/502)
وهي أقوال فعلى أولها يحتاج الممكن في بقائه إلى المؤثر لأن الإمكان لا ينفك عنه وعلى جميع باقيها لا يحتاج إليه
لأن المؤثر إنما يحتاج إليه على ذلك في الخروج من العدم إلى الوجود لا في البقاء وكأنه أشار بذكر هذا البناء المأخوذ من الصحائف مع إطلاق الأقوال وتقديم الإمكان منها إلى أنه ينبغي ترجيح الإمكان الذي هو قول الحكماء وبعض المتكلمين وإن كان جمهورهم على الحدوث حتى لا يخالف التصحيح في المبنى التصحيح في المبني عليه لكن دفعت المخالفة بما قالوا من أن شرط بقاء الجوهر العرض والعرض لا يبقى زمانين فيحتاج في كل زمان إلى المؤثر والمكان الذي لا خفاء في أن الجسم ينتقل عنه وإليه ويسكن فيه فيلاقيه ولا بد بالمماسة أو النفوذ كما سيأتي اختلف في ماهيته قيل هو السطح الباطن للحاوي المماس للسطح الظاهر من المحوي
____________________
(2/503)
كالسطح الباطن للكوز المماس للسطح الظاهر من الماء الكائن
فيه وقيل هو بعد موجود ينفذ فيه الجسم بنفوذ بعده القائم به في ذلك البعد بحيث ينطبق عليه وخرج بقيد النفوذ فيه بعد الجسم وقيل هو بعد مفروض أي يفرض فيه ما ذكر من نفوذ بعد الجسم فيه وهو أي البعد المفروض الخلاء
____________________
(2/504)
والخلاء جائز والمراد منه كون الجسمين لا يتماسان ولا يكون بينهما ما يماسهما فهذا الكون الجائز هو الخلاء الذي هو معنى البعد المفروض الذي هو معنى المكان فيكون خاليا عن الشاغل هذا قول المتكلمين والقولان قبله للحكماء ومنعوا الخلاء أي خلو المكان بمعناه عندهم عن الشاغل إلا بعض قائلي الثاني فجوزوه
____________________
(2/505)
والزمان
____________________
(2/506)
قيل هو جوهر ليس بجسم أي ليس بمركب ولا جسماني أي ولا داخل في الجسم فهو قائم بنفسه مجرد عن المادة وقيل فلك معدل النهار وهو جسم سميت دائرته أي منطقة البروج منه بمعدل النهار لتعادل الليل والنهار في جميع البقاع عند كون الشمس عليها وقيل عرض
____________________
(2/507)
فارغة
____________________
(2/508)
فقيل حركة معدل النهار وقيل مقدار الحركة المذكورة ومنهم من عبر بحركة الفلك ومقدارها والمختار أنه مقارنة متجدد موهوم لمتجدد معلوم إزالة للإيهام من الأول بمقارنته للثاني كما في آتيك عند طلوع الشمس وهذا قول المتكلمين والأقوال قبله للحكماء ويمتنع تداخل الأجسام أي دخول بعضها في بعض على وجه النفوذ فيه والملاقاة له بأسره من غير زيادة في الحجم وامتناع ذلك
____________________
(2/509)
لما فيه من مساواة الكل للجزء في العظم
و يمتنع خلو الجوهر مفردا كان أو مركبا عن جميع الأعراض بأن لا يقوم به واحد منها بل يجب أن يقوم به عند وجوده شيء منها لأنه لا يوجد بدون التشخص والتشخص إنما هو بالأعراض والجوهر المركب وهو الجسم غير مركب من الأعراض لأنه لا يقوم بنفسه بخلافها
____________________
(2/510)
والأبعاد للجوهر من الطول والعرض والعمق متناهية أي لها حدود تنتهي إليها والمعلول قال الأكثر يقارن علته زمانا عقلية كانت أو وضعية والمختار وفاقا للشيخ الإمام والد المصنف يعقبها مطلقا وثالثها يعقبها إن كانت وضعية لا عقلية فيقارنها أما الترتيب أي ترتيب المعلول على العلة رتبة فوفاق واللذة الدنيوية وهي بديهية حصرها الإمام الرازي والشيخ الإمام والد المصنف في المعارف أي ما يعرف أي يدرك قالا وما يتوهم
____________________
(2/511)
أي يقع في الوهم أي الذهن من لذة حسية كقضاء شهوتي البطن والفرج أو خيالية كحب الاستعلاء والرياسة فهو دفع الألم فلذة الأكل والشرب والجماع دفع ألم الجوع والعطش ودغدغة المني لأوعيته ولذة الاستعلاء والرياسة دفع ألم القهر والغلبة
وقال ابن زكريا الطبيب هي الخلاص من الألم بدفعه كما تقدم ورد بأنه قد يلتذ بشيء من غير سبق ألم بضده كمن وقف على مسألة علم أو كنز مال فجأة من غير خطورهما بالبال وألم التشوق إليهما وقيل هي إدراك الملائم من حيث الملاءمة
____________________
(2/512)
والحق أن الإدراك ملزومها لا هي ويقابلها الألم فهو على الأخير إدراك غير الملائم وما تصوره العقل إما واجب أو ممتنع أو ممكن لأن ذاته أي المتصورة إما أن تقتضي وجوده في الخارج أو عدمه أو لا تقتضي شيئا من وجوده أو عدمه والأول الواجب والثاني الممتنع والثالث الممكن خاتمة فيما يذكر من مبادئ التصوف المصفي للقلوب وهو كما قال الغزالي تجريد القلب لله
____________________
(2/513)
واحتقار ما سواه قال وحاصله يرجع إلى عمل القلب والجوارح ولذلك افتتح المصنف بأس العمل فقال أول الواجبات المعرفة أي معرفة الله تعالى لأنها مبنى سائر الواجبات إذ لا يصح بدونها واجب بل ولا مندوب وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني
____________________
(2/514)
النظر المؤدي إليها لأنه مقدمتها والقاضي أبو بكر الباقلاني أول النظر لتوقف النظر على أول أجزائه وابن فورك وإمام الحرمين القصد إلى النظر لتوقف النظر على قصده وذو النفس
____________________
(2/515)
الأبية أي التي تأبى إلا العلو الأخروي يربأ بها أي يرفعها بالمجاهدة عن سفساف الأمور أي دنيئها من الأخلاق المذمومة كالكبر والغضب والحقد والحسد وسوء الخلق وقلة الاحتمال ويجنح بها إلى معاليها من الأخلاق المحمودة كالتواضع والصبر وسلامة الباطن والزهد وحسن الخلق وكثرة الاحتمال فهو على الهمة وسيأتي دنيئها وهذا مأخوذ من حديث إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها رواه البيهقي في شعب الإيمان والطبراني في الكبير والأوسط ومن عرف ربه بما يعرف به من صفاته تصور تبعيده لعبده بإضلاله وتقريبه
____________________
(2/516)
له بهدايته فخاف عقابه ورجا ثوابه فأصغى إلى الأمر والنهي عنه فارتكب مأموره واجتنب منهيه فأحبه مولاه فكان مولاه سمعه وبصره ويده التي يبطش بها واتخذه وليا إن سأله أعطاه وإن استعاذ به أعاذه هذا مأخوذ من حديث البخاري وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني أعطيته وإن استعاذني لأعيذنه والمراد أن الله تعالى يتولى محبوبه في جميع أحواله فحركاته وسكناته به تعالى كما أن أبوي الطفل لمحبتهما له التي أسكنها الله في قلوبهما يتوليان جميع أحواله فلا يأكل إلا بيد أحدهما ولا يمشي إلا برجله إلى غير ذلك وفي الحديث اللهم كلاءة ككلاءة الوليد ودنيء الهمة بأن لا يرفع نفسه بالمجاهدة عن سفساف الأمور لا يبالي بما تدعوه نفسه إليه من المهلكات فيجهل فوق جهل الجاهلين ويدخل تحت ربقة المارقين من الدين أي عروتهم المنقطعة وهي بكسر الراء وسكون الموحدة فدونك
____________________
(2/517)
أيها المخاطب بعد أن عرفت حال علي الهمة ودنيئها صلاحا منك أو فسادا ورضا عنك أو سخطا وقربا من الله أو بعدا وسعادة منه أو شقاوة ونعيما منه أو جحيما فأفاد بدونك الإغراء بالنسبة إلى الصلاح وما يناسبه والتحذير بالنسبة إلى الفساد وما يناسبه وإذا خطر لك أمر أي ألقى في قلبك فزنه بالشرع ولا يخلو حاله بالنسبة إليك من حيث الطلب من أن يكون مأمورا به أو منهيا عنه أو مشكوكا فيه
فإن كان مأمورا به فبادر إلى فعله فإنه من الرحمن رحمك حيث أخطره ببالك أي أراد لك الخير فإن خشيت وقوعه لا إيقاعه على صفة منهية كعجب أو رياء فلا بأمر عليك في وقوعه عليها من غير قصد لها بخلاف ما إذا أوقعته عليها قاصدا لها فعليك ثم ذلك فتستغفر منه كما سيأتي واحتياج استغفارنا إلى استغفار لنقصه بغفلة قلوبنا معه بخلاف استغفار الخلص ورابعة العدوية رضي الله عنها منهم وقد قالت استغفارنا يحتاج إلى استغفار هضما لنفسها لا يوجب ترك الاستغفار منا المأمور به بأن يكون الصمت خيرا منه بلى نأتي به وإن احتاج إلى الاستغفار لأن اللسان إذا ألف ذكرا يوشك أن يألفه القلب فيوافقه ومن ثم أي من هنا وهو أن احتياج الاستغفار لا يوجب تركه أي من أجل
____________________
(2/518)
ذلك قال السهروردي بضم السين صاحب عوارف المعارف لمن سأله أنعمل مع خوف العجب ولا نعمل حذرا منه اعمل وإن خفت العجب مستغفرا منه أي إذا وقع قصدا كما تقدم فإن ترك العمل للخوف منه من مكائد الشيطان وإن كان الخاطر منهيا عنه فإياك أن تفعله فإنه من الشيطان فإن ملت إلى فعله فاستغفر الله تعالى من هذا الميل وحديث النفس أي ترددها بين فعل الخاطر المذكور وتركه ما لم يتكلم أو يعمل به والهم منها بفعله ما لم تتكلم أو تعمل مغفوران قال صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم يعمل أو يتكلم به رواه الشيخان
وقال صلى الله عليه وسلم ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب أي عليه رواه مسلم وفي رواية له كتبها الله عنده حسنة كاملة
____________________
(2/519)
زاد في أخرى إنما تركها من جراي أي من أجلي وهو بفتح الجيم وتشديد الراء وقضية ذلك أنه إذا تكلم كالغيبة أو عمل كشرب المسكر انضم إلى المؤاخذة بذلك مؤاخذة حديث النفس والهم به
وإن لم تطعك النفس الأمارة بالسوء على اجتناب فعل الخاطر المذكور لحبها بالطبع للمنهي عنه من الشهوات فلا تبدو لها شهوة إلا اتبعتها فجاهدها وجوبا لتطيعك في الاجتناب كما تجاهد من يقصد اغتيالك بل أعظم لأنها تقصد بك الهلاك الأبدي باستدراجها لك من معصية إلى أخرى حتى توقعك فيما يؤدي إلى ذلك فإن فعلت الخاطر المذكور لغلبة الأمارة عليك فتب على الفور وجوبا ليرتفع عنك إثم فعله بالتوبة التي وعد الله بقبولها فضلا منه ومما تتحقق منه الإقلاع كما سيأتي
____________________
(2/520)
فإن لم تقلع عن فعل الخاطر المذكور لاستلذاذ به أو كسل عن الخروج منه فتذكر هاذم اللذات وفجأة الفوات أي تذكر الموت وفجأته المفوتة للتوبة وغيرها من الطاعات فإن تذكر ذلك باعث شديد على الإقلاع عما تستلذ به أو الكسل عن الخروج منه قال صلى الله عليه وسلم أكثروا من ذكر هاذم اللذات رواه الترمذي زاد ابن حبان فإنه ما ذكره أحد في ضيق إلا وسعه ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه وهاذم بالذال المعجمة أي قاطع أو لم تقلع لقنوط من رحمة الله تعالى وعفوه عما فعلت لشدته أو لاستحضار عظمة الله تعالى فخف مقت ربك أي شدة عقاب مالكك الذي له أن يفعل في عبده ما يشاء حيث أضفت إلى الذنب اليأس من العفو عنه وقد قال تعالى إنه لا ييأس من روح الله أي رحمته إلا القوم الكافرون واذكر سعة رحمته التي لا يحيط بها إلا هو أي استحضرها لترجع عن قنوطك وكيف تقنط وقد قال تعالى يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا أي غير الشرك لقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به وقال صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم
____________________
(2/521)
رواه مسلم واعرض على نفسك التوبة ومحاسنها أي ما تتحقق به من المحاسن حيث ذكرت سعة الرحمة لتتوب عما فعلت فتقبل ويعفي عنك فضلا منه تعالى وهي أي التوبة الندم على المعصية من حيث إنها معصية فالندم على شرب الخمر لإضراره بالبدن ليس بتوبة وتتحقق بالإقلاع عن المعصية وعزم أن لا يعود إليها وتدارك ممكن التدارك من الحق الناشئ عنها
____________________
(2/522)
كحق القذف فتداركه بتمكين مستحقه من المقذوف أو وارثه ليستوفيه أو يبرئ منه فإن لم يمكن تدارك الحق كأن لم يكن مستحقه موجودا سقط هذا الشرط كما يسقط في توبة معصية لا ينشأ عنها حق لآدمي وكذا يسقط شرط الإقلاع في توبة معصية بعد الفراغ منها كشرب الخمر فالمراد بتحقق التوبة بهذه الأمور أنها لا تخرج فيما تتحقق به عنها إلا أنه لا بد منها في كل توبة وفي نسخة والاستغفار عقب قوله بالإقلاع ولا حاجة إليه مع ما ذكر وتصح التوبة ولو بعد نقضها عن ذنب ولو كان صغيرا مع الإصرار على ذنب آخر ولو كان كبيرا عند الجمهور وقيل لا تصح بعد نقضها بأن عاد إلى المتوب عنه وقيل لا تصح عن صغير لتكفيره باجتناب الكبير وقيل لا تصح عن ذنب مع الإصرار على كبير
وإن شككت في الخاطر أمأمور به أم منهي عنه فأمسك عنه حذرا من الوقوع في المنهي ومن ثم أي من هنا وهو الإمساك أي من أجل ذلك قال الشيخ أبو محمد الجويني في المتوضئ يشك أيغسل غسلة ثالثة فيكون مأمورا بها أم رابعة فيكون منهيا عنها لا يغسل خوف الوقوع في المنهي عنه
وغيره قال يغسل لأن التثليث مأمور به ولم يتحقق قبل هذه الغسلة فيأتي بها وكل واقع في الوجود ومن جملته الخاطر وفعله وتركه بقدرة الله تعالى وإرادته هو خالق كسب العبد أي فعله الذي هو كاسبه لا خالقه كما يبين ذلك بقوله
____________________
(2/523)
قدر له قدرة هي استطاعته تصلح للكسب لا للإبداع بخلاف قدرة الله فإنها للإبداع لا للكسب فالله خالق غير مكتسب والعبد مكتسب غير خالق فيثاب ويعاقب على مكتسبه الذي يخلقه الله عقب قصده له
وهذا أي كون فعل العبد مكتسبا له مخلوقا لله توسط بين قول المعتزلة أن العبد خالق لفعله لأنه يثاب ويعاقب عليه وبين قول الجبرية أنه لا فعل للعبد أصلا وهو آلة محضة كالسكين في يد القاطع ومن ثم أي من هنا وهو أن العبد مكتسب لا خالق لكون قدرته للكسب لا للإبداع فلا توجد إلا مع الفعل أي من أجل ذلك نقول الصحيح أن القدرة من العبد لا تصلح للضدين أي للتعلق بهما وإنما تصلح للتعلق بأحدهما الذي يقصد وقيل تصلح لمتعلق بهما على سبيل البدل أي تتعلق بهذا بدلا عن تعلقها بالآخر وبالعكس إما على القول بأن العبد خالق لفعله فقدرته كقدرة الله
____________________
(2/524)
في وجودها قبل الفعل وصلاحيتها للتعلق بالضدين على سبيل البدل و الصحيح أيضا أن العجز من العبد صفة وجودية تقابل القدرة تقابل الضدين لا تقابل العدم والملكة وقيل تقابل العدم والملكة فيكون هو عدم القدرة عما من شأنه القدرة
____________________
(2/525)
كما أن الأمر كذلك على القول بأن العبد خالق لفعله فعلى الأول في الزمن معنى لا يوجد في الممنوع من الفعل مع اشتراكهما في عدم التمكن من الفعل وعلى الثاني لا بل الفرق أن الزمن ليس بقادر والممنوع قادر إذ من شأنه القدرة بطريق جري العادة
ورجح قوم التوكل من العبد على الاكتساب وآخرون الاكتساب على التوكل أي الكف عن الاكتساب والإعراض عن الأسباب اعتمادا للقلب على الله تعالى وثالث الاختلاف باختلاف الناس وهو المختار فمن يكون في توكله لا يتسخط عند ضيق الرزق عليه ولا تستشرف نفسه أي تتطلع لسؤال أحد من الخلق فالتوكل في حقه
____________________
(2/526)
أرجح لما فيه من الصبر والمجاهدة للنفس ومن يكون في توكله بخلاف ما ذكر فالاكتساب في حقه أرجح حذرا من التسخط والاستشراف ومن ثم أي من هنا وهو الثالث المختار أي من أجل ذلك
____________________
(2/527)
قيل قولا مقبولا إرادة التجريد عما يشغل عن الله تعالى مع داعية الأسباب من الله في مريد ذلك شهوة خفية من المريد
وسلوك الأسباب الشاغلة عن الله تعالى مع داعية التجريد من الله في سالك ذلك انحطاط له عن الذروة العلية فالأصلح لمن قدر الله فيه داعية الأسباب سلوكه دون التجريد ولمن قدر الله فيه داعية التجريد سلوكه دون الأسباب وقد يأتي الشيطان للإنسان
____________________
(2/528)
فارغة
____________________
(2/529)
باطراح جانب الله تعالى في صورة الأسباب أو بالكسل والتماهن في صورة التوكل كأن يقول لسالك التجريد الذي سلوكه له أصلح من تركه له إلى متى تترك الأسباب ألم تعلم أن تركها يطمع القلوب لما في أيدي الناس فاسلكها لتسلم من ذلك وينتظر غيرك منك ما كنت تنتظره من غيرك ويقول لسالك الأسباب الذي سلوكه لها أصلح من تركه لها لو تركتها وسلكت التجريد فتتوكل على الله لصفا قلبك وأشرف ذلك النور وأتاك ما يكفيك من عند الله فاتركها ليحصل لك ذلك فيجر به تركها الذي هو غير أصلح له إلى الطلب من الخلق والاهتمام بالرزق والموفق يبحث عن هذين الأمرين اللذين يأتي بهما الشيطان في صورة غيرهما كيدا منه لعله يسلم منهما
ويعلم مع بحثه عنهما أنه لا يكون إلا ما يريد الله كونه أي وجوده منهما أو من غيرهما ولا ينفعنا علمنا بذلك المعلوم الذي ضمناه هذا الكتاب جمع الجوامع إلا أن يريد الله سبحانه وتعالى نفعنا به بأن يوفقنا لأن نأتي به خالصا من العجب وغيره من الآفات وقد تم جمع الجوامع علما تمييز من نسبة الإتمام أي تم هذا الكتاب من حيث العلم أي المسائل المقصود جمعها فيه
وقال المصنف يجوز أن يكون علما معمول الجوامع ولا يحسن أن يكون متعلقا
____________________
(2/530)
يتم إذ لا فائدة في قولنا ثم هذا علما فإن تمامه معلوم معروف ا هـ
ولا يخفى ما فيه إذ لا يلزم من تمامه جمعا تمامه علما ففيه فائدة بالنسبة إلى الأول المسمع كلامه آذانا صما الآتي من أحاسن المحاسن بما ينظره الأعمى أي أنه لعذوبة لفظه القليل وحسن معناه الكثير يشتهر بين الناس حتى يتحققه الأصم فكأنه يسمعه والأعمى فكأنه ينظره وهذا كما قال المصنف منتزع من قول أبي الطيب أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم ونبه على أن مخالفته له في ذكر السمع قبل البصر للتأسي بالقرآن وفي ذكره الأسماع للآذان لا لصاحبها لأنه أبلغ والأسماع لها أسماع لصاحبها مجموعا جموعا أي كثير الجمع وهما حال من ضمير الآتي وكذا قوله وموضوعا ذا فضل لا مقطوعا فضله ولا ممنوعا عمن يقصده لسهولته ومرفوعا عن همم الزمان مدفوعا عنها فلا يأتي أحد من أهل زمانه بمثله فعليك أيها الطالب لما ضمنه بحفظ عبارته لا سيما ما خالف فيها غيره كالمختصر والمنهاج وإياك أن تبادر بإنكار شيء منه قبل التأمل والفكرة فيه أو أن تظن إمكان اختصاره في كل ذرة منه بفتح الذال المعجمة
____________________
(2/531)
أي حرف درة بضم الدال المهملة أي فائدة نفيسة كالجوهرة
فربما ذكرنا فيه الأدلة في بعض الأحايين إما لكونها مقررة في مشاهير الكتب على وجه لا يبين أي لا يظهر أو الغرابة لها أو غير ذلك مما يستخرجه النظر المتين أي القوي كبيان المدرك الخفي الأول كما في قوله في مبحث الخبر وإلا لم يكن شيء من الخبر كذبا والثاني كما في قوله في عدم التأثير إذ الفرض بالفرض أشبه والثالث كما في قوله في مسألة قول الصحابي لارتفاع الثقة بمذهبه إذ لم يدون
وربما أفصحنا بذكر أرباب الأقوال فحسبه الغبي بالموحدة أي الضعيف الفهم تطويلا يؤدي إلى الملل وما درى أنا إنما فعلنا ذلك لغرض تحرك له الهمم العوال فربما لم يكن القول مشهورا عمن ذكرناه كما في نقل أفضلية فرض الكفاية على فرض العين عن الأستاذ والجويني مع ولده المشهور وذلك منه فقط أو كان من ذكرناه عنه قولا قد عزي إليه على الوهم أي الغلط سواه كما ذكره القاضي الباقلاني من المانعين لثبوت اللغة بالقياس وقد ذكره الآمدي من المجوزين أو كان الغرض غير ذلك مما يظهره التأمل لمن استعمل قواه كما في ذكره غير الدقاق معه في مفهوم اللقب تقوية له كما تقدم كل ذلك
بحيث إنا جازمون بأن اختصار هذا الكتاب متعذر
____________________
(2/532)
اللهم إلا أن يأتي رجل مبذر أي ينقل شيئا من مكانه إلى غيره مبتر أي يأتي بالألفاظ بتراء أي نواقص كأن يحذف منها أسماء أصحاب الأقوال فإنه لا يتعسر عليه روم النقصان لكنه إذا فعل ذلك لا يفي بمقصودنا فدونك أيها الطالب لما تضمنه مختصرنا مختصرا لنا بأنواع المحامد حقيقا وأصناف المحاسن خليقا لأنه مشتمل على ما يقتضي أن يثنى عليه بذلك جعلنا الله به لما أملناه من كثرة الانتفاع به مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين
____________________
(2/533)
أي أفاضل أصحاب النبيين لمبالغتهم في الصدق والتصديق والشهداء أي القتلى في سبيل الله والصالحين غير من ذكر وحسن أولئك رفيقا أي رفقاء في الجنة بأن نتمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم وإن كان مقرهم في درجات عالية بالنسبة إلى غيرهم ومن فضل الله تعالى على غيرهم كما قاله ابن عطية أنه قد رزق الرضا بحاله وذهب عنه أن يعتقد أنه مفضول انتفاء للحسرة في الجنة التي تختلف المراتب فيها على قدر الأعمال وعلى قدر فضل الله تعالى على من يشاء اللهم يا ذا الفضل العظيم تفضل علينا بالعفو وبما تشاء من النعيم بفضلك ورحمتك يا رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
____________________
(2/534)