تطبيق القواعد الفقهية على مسائل التخدير المعاصرة
إعداد
د. عبد السلام بن إبراهيم بن محمد الحصين
أستاذ أصول الفقه المساعد في كلية الشريعة بالأحساء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله، وبعد:
فإن علم القواعد الفقهية من أهم العلوم التي تنمي الملكة الفقهية، وتعين على جمع النظائر المتفرقة، والصور المتشابهة، وتمكن من استخراج أحكام شرعية لوقائع حادثة.
وفي هذا الزمن اتسعت المعرفة، وتشعبت فروعها، ومن ذلك ما يتعلق بعلم الطب، فقد غدا فنونًا وتخصصات متعددة متشعبة، ومن تلك التخصصات طب التخدير، والذي صار له أثر كبير في تذليل الصعوبات التي تواجه الجراحين أثناء عملهم الجراحي.
وتخصص التخدير قطع شوطًا كبيرًا في التقدم العلمي في هذا الزمن، حتى أمكن مراقبة المريض أثناء العملية وبعدها مراقبة دقيقة.
ونظرًا لهذه الأهمية المتصاعدة لهذا التخصص فقد عُقدت ندوات تتعلق به، منها ندوة التيارات الحديثة في التخدير والعناية المركزة، بتاريخ 24/6/1420 في قاعة الأمير أحمد بن عبد العزيز في مشفى قوى الأمن بالرياض، عُرضت فيها مجموعة من البحوث المتعلقة بهذا التخصص.
وتتعلق بالتخدير مسائل مهمة تحتاج إلى بيان الحكم الشرعي فيها، وذلك عن طريق عرضها على القواعد الفقهية المعتبرة، وتطبيقها عليها.
ولهذا حرصت إدارة التوعية الدينية بالمديرية العامة للشئون الصحية بمنطقة الرياض على إقامة مؤتمر يتعلق ببيان أحكام المسائل الطبية بتطبيق القواعد الفقهية عليها.
وقد طُلب مني المشاركة في ورشة العمل المتعلقة بالتخدير تحت محور أثر القواعد الفقهية في استنباط أحكام المسائل الطبية المستجدة.
خطة البحث:
الفصل الأول: معنى التخدير، وأنواعه، وأثره في العلاج.
الفصل الثاني: مسائل التخدير في التراث الفقهي.
الفصل الثالث: مسائل التخدير المعاصرة.
الفصل الرابع: الحكم على مسائل التخدير من خلال تطبيق القواعد الفقهية.
منهج البحث:(1/1)
1- جمع المادة العلمية من مصادرها المعتبرة.
2- الاقتصار على كتب المذاهب الفقهية الأربعة في بيان المسألة غالبًا.
3- عدم التوسع في ذكر الأدلة والاعتراضات، والاقتصار على ذكر الأقوال ودلائلها الظاهرة.
4- أذكر القاعدة الفقهية مبينًا معناها، وما يتعلق بإيضاح صورتها كاملة، ثم أذكر الفرع الحادث الذي تنطبق عليه.
5- ترتيب المراجع الفقهية على حسب المذاهب الفقهية، بداية بالحنفية، ثم المالكية، ثم الشافعية، ثم الحنابلة، ثم الظاهرية.
والله أسأل أن يكون عملنا صالحًا، ولوجهه خالصًا.
وكتبه: عبد السلام بن إبراهيم بن محمد الحصين.
الفصل الأول: معنى التخدير، وأنواعه، وأثره في العلاج
المبحث الأول: معنى التخدير.
التخدير في اللغة أصله خَدَُِر، وله في اللغة عدد من المعاني تعود إلى أصلين:
الأول: الظُّلمة والسَّتر.
والثاني: البطء والإقامة(1).
فمن الأول: الخُداري الليل المظلم، ويقال: اليوم خَدِر، والليلة الخدِرَة: المظلمة الماطرة.
وخِدْر الجارية: سترها في ناحية البيت، ويقال: جارية مخدُورة، وقد خُدِرَت في خِدْرِها؛ أي سترت(2).
©وكل شيء منع بصرًا عن شيء؛ فقد أخدره®(3).
ومن الثاني: يقال: خدِر النهار إذا لم يتحرك فيه ريح، ولا يوجد فيه روح.
والخَدَر: امْذِلالٌ(4) يغشى الرِّجل واليد والجسد، يقال: خدِرت الرجل تخْدَرُ؛ أي: ثقلت وامتنعت من المشي.
والخَدَر من الشراب والدواء: فتور يعتري الشارب وضعف.
والخَدِرُ من الظباء: الفاتر العظام(5).
__________
(1) انظر: مقاييس اللغة (2/159). وفي المعجم الوسيط (1/220): ©خدَُر خدْرا: استتر..، خدَِر خَدَرا: عراه فتور واسترخاء®.
(2) انظر: معجم تهذيب اللغة للأزهري (1/991)؛ مقاييس اللغة لابن فارس (2/159- 160).
(3) معجم تهذيب اللغة (1/991- 992).
(4) أي فتور.
(5) انظر: معجم تهديب اللغة (1/992- 993)؛ مقاييس اللغة (2/160)؛ المصباح المنير (141).(1/2)
وعلى هذا فالمعنى الاصطلاحي للتخدير يمكن أن يكون مأخوذًا من كلا المعنيين؛ إذ في التخدير ستر للعقل والحواس، وحجب لها عن إدراك ما يفعل بالأعضاء، وفيه أيضًا إثقال للجسم ومنعه من الحركة.
وأما في الاصطلاح؛ فقال في كشاف اصطلاحات الفنون(1):
©التخدير: هو مقابل اللذع، وهو تبريد للعضو، بحيث يصير جوهر الروح الحامل لقوة الحس والحركة باردًا في مزاجه، غليظًا في جوهره، فلا تستعملها القوى النفسانية...
والمخدِّر -على صيغة اسم الفاعل من التخدير- عند الأطباء: دواء يجعل الروح الحساس أو المحرك للعضو غير قابل لتأثير القوة النفسانية قبولا تامًا، كالأفيون®(2).
أو يقال في تعريفه(3):
"علم هدفه معرفة وتطبيق الوسائط التي من شأنها أن تحدث عند المريض زوال حس جزئي أو تام بقصد إجراء تدخل جراحي".
__________
(1) 2/21)، وانظر: أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها (248)؛ التداوي بالمحرمات (42).
(2) يعتقد بعض الأطباء أن التخدير لم يكن موجودًا قبل اكتشافه عام 1844م، وأن الأطباء الأوائل كانوا يستخدمون الخمر، أو الضرب على الرأس ليفقد المريض الإحساس بالألم، والحقيقة أن التخدير كان موجودًا لدى الأطباء المسلمين، وكانوا يستخدمونه بدل الخمر، التي وقع نزاع كبير في جواز استخدامها كوسيلة للعلاج، أو التخدير. انظر: نور العيون وجامع الفنون (546)؛ كتاب الصيدنة للبيروني (99) نقلا عن محقق كتاب نور العيون (620)؛ شمس العرب تسطع على الغرب (239)؛ الطب الإسلامي عبر القرون (200-201)؛ التداوي بالمحرمات (42).
(3) التخدير الموضعي في جراحة الفم والأسنان لشفيق الأيوبي (7)، نقلا عن أحكام الجراحية الطبية (248).(1/3)
ويقصد بالتخدير أن يفقد المريض الإحساس بالألم؛ ليتمكن الجراح من عمل ما يتعين عليه فعله بدون أي مضايقات، وبعدها يعود كل شيء إلى طبيعته بالتدريج حسب الأدوية والجرعات وطريقة إعطائها والأدوية المضادة(1).
وتعتبر حالة التخدير ©حالة معقدة، ولا يوجد مثيل مبسط لها®(2).
ويستخدم لفظ المخدرات في العلوم الطبية ليدل على مادة الأفيون ومشتقاتها؛ مثل: الهروين، والمورفين، والكودايين(3).
وهذه المخدرات تستخرج في الغالب من النباتات، ثم صار لها معالجة كيميائية لتحسين صفاتها من ناحية قوة العقار، وتقليل زمن التخدير، وتخلص الجسم منه بسرعة، وبعض المخدرات عقاقير كيماوية صرفة، لها قوة تبلغ ألف ضعف قوة الأفيون الخام(4).
ويقسم الأطباء والصيادلة المخدرات إلى أقسام، تختلف من مرجع إلى مرجع في التفاصيل، ومن هذه التقسيمات ما يلي:
1- مجموعة الأفيون ومشتقاته: وهي الوحيدة التي يطلق عليها لفظ مخدرات.
2- مثبطات الجهاز العصبي: وتشمل الكحول، والباربيتورات، والبيزودايزبين..
3- منبهات الجهاز العصبي: وتشمل الكوكايين، والقات، والامفيتامين، والفنتلين..
4- التبغ وما يحويه من مادة النيكوتين.
5- المهلوسات: ويمثلها عقار L.S.D المستخرج من فطر الأرجوت، ومادة الميسكالين والزايلوسايبين، ونبات الشيكران وجوزة الطيب والحشيش، وبعض التقسيمات تجعل الحشيش في قائمة مستقلة.
6- الغازات والمواد المستنشقة، مثل غاز أو أوكسيد النتروز، والغراء... (5).
معنى البنج:
__________
(1) انظر: مجلة الصحة (عدد 24، ص 42).
(2) الموجز الإرشادي عن التخدير (1).
(3) انظر: التداوي بالمحرمات (37).
(4) انظر: التداوي بالمحرمات (39- 41)؛ مقابلة مع الدكتور إيهاب فتحي رئيس قسم التخدير بمشفى الملك فهد بالأحساء.
(5) انظر: التداوي بالمحرمات (40-41).(1/4)
تستعمل كلمة التبنيج في معنى مقابل للتخدير(1)، لكن لم تستعمل العرب هذا المعنى لكلمة بنج، قال ابن فارس في مقاييس اللغة(2):
©الباء والنون والجيم: كلمة واحدة ليست عندي أصلا، وما أدري كيف هي في قياس اللغة، لكنها قد ذُكِرت، قالوا: البِنج الأصل، يقال: رجع إلى بِنجه®.
وقال الأزهري في تهذيب اللغة(3):
©أبنج الرجل: إذا ادعى إلى أصل كريم..، والبُنج: الأصول...
رجع فلان إلى جِنجِه وبِنجه؛ أي: إلى أصله وعِرْقِه®.
وإنما هي لفظة معربة، كما قال في العين(4):
©البنج من الأدوية، معرَّب®.
وهو نوع من النبات له خاصية تسكين الألم، والتخدير(5)، قال الفيومي(6):
©الْبَنْجُ مِثَالُ فَلْسٍ: نَبْتٌ لَهُ حَبٌّ يَخْلِطُ بِالْعَقْلِ وَيُورِثُ الْخَبالَ، وَرُبَّمَا أَسْكَرَ إذَا شَرِبَهُ الْإِنْسَانُ بَعْدَ ذَوْبِهِ، وَيُقَالُ: إنَّهُ يُورِثُ السُّبَاتَ®.
وقال الفيروز آبادي(7):
©البِنج، بالكسر: الأصل، وبالفتح: .. نبت مُسْبِت معروف، .. مُخْبِطٌ للعقل، مُجَنِّنٌ، مسكِّن لأوجاع الأورام والبثور ووجع الأذن..
وبنَّجه تبنيجًا: أطعمه إياه®.
المبحث الثاني: أنواع التخدير.
ينقسم التخدير إلى نوعين:
الأول: التخدير العام أو الكلي.
الثاني: التخدير الموضعي، والجزئي، والنصفي.
أما التخدير العام أو الكلي؛ فهو الذي يؤثر مباشرة على المخ، أي في الجملة العصبية المركزية، وينتج عنه فقدان الحس التام في سائر الجسم، وينتقل الشخص المخدر إلى حالة النوم العميق، ويحصل له ارتخاء عضلي تام.
__________
(1) انظر: معجم المصطلحات الطبية (1/60)؛ التداوي بالمحرمات (42).
(2) 1/306).
(3) 1/393).
(4) 6/153).
(5) انظر: نور العيون وجامع الفنون (546)؛ كتاب الصيدنة للبيروني (99) نقلا عن محقق كتاب نور العيون (620).
(6) المصباح المنير (61).
(7) القاموس المحيط (181).(1/5)
ويستخدم هذا النوع في المستشفيات الكبرى المجهزة بآلات التبنيج الحديثة، ويعمل فيها اختصاصيون بعلم التخدير، ولا يجوز للأطباء غير المتخصصين بهذا المجال استخدام البنج العام؛ نظرًا لما يصاحبه من مضاعفات قد يؤدي عدم تلافيها بسرعة إلى فقدان حياة الإنسان(1).
ولهذا النوع أربعة طرق عملية لإدخال أدوية التخدير للجسم، وهي:
- الوريدي.
- الاستنشاق.
- الشرجي.
- العضلي(2).
وتنقسم دورة التخدير العام إلى ستة مراحل مختلفة:
- التحضير للتخدير.
- بدء التخدير.
- استمرارية التخدير.
- الانعكاس.
- الإفاقة.
- فترات ما بعد العملية(3).
أما التخدير الموضعي فهو الذي يسبب زوال الحس في منطقة محدودة من الجسم، وذلك أن المخدر يؤثر على العصب فيغلق الطريق المؤدي إلى المخ، فيفقد المريض الإحساس بالألم في هذا الجزء(4).
المبحث الثالث: أثر التخدير في العلاج.
__________
(1) انظر: أحكام الجراحة الطبية (249)؛ التداوي بالمحرمات (43)؛ الصناعات الكيميائية العضوية وعلاقتها بالعقاقير الطبية، مجلة الكيمياء (عدد 7، ص 18)؛ علم التخدير البداية والتطور، مجلة الحرس الوطني (عدد 179، ص 120)؛ البنج في الولادة بلا ألم، مجلة الصحة العربية (عدد 28، س3، ص9)؛ مجلة الصحة (عدد 24، ص 43).
(2) انظر: الموجز الإرشادي عن التخدير (59).
(3) انظر: الموجز الإرشادي عن التخدير (51).
(4) انظر: أحكام الجراحة الطبية (249)؛ التداوي بالمحرمات (43)؛ الصناعات الكيميائية العضوية وعلاقتها بالعقاقير الطبية، مجلة الكيمياء (عدد 7، ص 18)؛ علم التخدير البداية والتطور، مجلة الحرس الوطني (عدد 179، ص 120)؛ البنج في الولادة بلا ألم، مجلة الصحة العربية (عدد 28، س3، ص9)؛ مجلة الصحة (عدد 24، ص 43).(1/6)
©التخدير العام ليس ممارسة علاجية بالمعنى العام للكلمة، رغم أن المعالجة قد تكون ضرورية أثناء العملية الجراحية، وليس هناك مرض يمكن شفاؤه نهائيًا بالتخدير، لكن أطباء التخدير ينفردون بطريقة استعمالهم للأدوية®(1).
ولأن التخدير له أثر في منع الإحساس بالألم، وتمكن الطبيب من ممارسة عمله بهدوء، وبخاصة في العمليات الجراحية؛ فإن ©مهام طبيب التخدير بالمستشفى قد زادت كثيرًا خلال العشرين سنة الماضية، كما أدت مشاركة أطباء التخدير في العناية بالمرضى قبل وبعد العمليات إلى حتمية امتداد نشاطهم إلى المعالجة المركزة؛ فكانت النتيجة أنه لم يعد هنالك اليوم قسم سريري بأي مستشفى لا يستطيع أن يدخله طبيب التخدير للمشاركة بصورة ما في خدمة المرضى®(2).
ولم يكن التخدير قبل ذلك بهذه الأهمية حتى عام 1937، حيث اعترف بالتخدير كعلم مستقل يحتاج إلى دراسة وتخصص(3)؛ لأن للتخدير علاقة بسلامة وحياة المريض، وهو مقدم على كل عمل جراحي يحمل في طيه خطورة(4).
بل إن التطور في علم التخدير كان له أثر كبير في نجاح كثير من العلميات التي لم يكن القيام بها ممكنًا في السابق؛ لما تنطوي عليه من مخاطر، ولعدم وجود المخدر المناسب لها، ففي جراحة القلب المفتوح مثلا كان لعلم التخدير أثر كبير في الوصول إلى درجة عالية من التطور في تقدم الجراحة.
__________
(1) الموجز الإرشادي عن التخدير (2).
(2) الموجز الإرشادي عن التخدير (3).
(3) انظر: علم التخدير البداية والتطور، مجلة الحرس الوطني (عدد 179، ص 120).
(4) انظر: عيادة التخدير، مجلة الصحة (عدد 13، ص 42).(1/7)
وقد شهد علم التخدير تطورًا كبيرا في أدويته وأجهزته لقياس العلامات الحيوية للمريض أثناء فترة العمل الجراحي، وأصبح له تخصصات فرعية؛ كتخدير عمليات القلب، وعمليات الصدر، والأوعية الدموية، والأطفال الْخُدَّج، والعناية المركزة، وعلاج الآلام(1).
ولا ينحصر التخدير في إعطاء المخدِّر للمريض فحسب، بل هناك أمور كثيرة يلزم طبيب التخدير القيام بها، وهي:
- زيارة المريض قبل العملية لعيادة التخدير؛ للإجابة على الأسئلة المهمة التي يحتاجها طبيب التخدير ليتصور حالة المريض كاملة، وللاطلاع على تاريخه المرضي والعائلي، وهل سبق له أن تعرض للتخدير سابقًا، وهذا يقلل من احتمالات وجود مخاطر على سلامة المرضى المقدمين على إجراء عمليات جراحية، وقد تجرى للمريض فحوصات طبية؛ ليحدد طبيب التخدير كيف يتعامل مع المريض قبل وأثناء وبعد العملية الجراحية، وبهذه المقابلة يطمئن المريض لعملية التخدير، وإذا لاحظ عليه أعراض القلق والاضطراب فإنه يعطيه بعض الأدوية المهدئة المناسبة.
- اختيار أدوية التخدير التي ستعطى للمريض، وتحديد كميتها، والطريقة المثلى لإعطائها، حسب حالة كل مريض على حدة، واختيار أدوية التخدير التي لا تتعارض مع أي علاج قد يكون المريض مستمرًا على أخذه قبل العملية.
- تخدير المريض، وتتكون من ثلاثة أمور:
- 1- التنويم، وذلك بأدوية تعطى عن طريق الوريد، ولذلك توضع قسطرة وريدية للمريض، وعن طريقها يمد الجسم بالسوائل وأدوية التخدير، أما الأطفال فيكون تنويمهم عن طريق الغازات المخدرة التي تُعطى عن طريق الكمامة، ثم توضع القسطرة الوريدية بعد ذلك.
__________
(1) انظر: دور استشاري التخدير في تحضير المرضى ومريض القلب للعلميات الجراحية، مجلة صحة القلب (عدد 9، ص 18)؛ الموجز الإرشادي عن التخدير (199).(1/8)
- 2- تخفيف الألم، حيث إن العلميات الجراحية فيها قطع وتمزيق للعضلات، وهذه تسبب آلامًا شديدة تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، وسرعة نبض القلب، فتستخدم أدوية التخدير لتخفيف هذه الآلام.
- 3- جعل العضلات مرتخية حتى يتسنى للجراح أداء عمله بيسر وسهوله، فعملية مثل عمليات البطن والصدر لم يكن من السهل إجراؤها لولا وجود أدوية تقوم بهذا الدور، وتشل عضلات المريض.
- أثناء العملية يقوم طبيب التخدير بمراقبة حالة المريض باستمرار، عن طريق الأجهزة المعقدة التي تستخدم حاليًا في التخدير، وعن طريق ملاحظة سرعة دقات القلب، وضغط الدم، وإعطاء المزيد من العقاقير أثناء العملية حسب حاجة المريض إليها، ويقوم بتعويض المريض عما يفقده أثناء العملية من دم أو سوائل، وأن يضمن في نهاية العملية أن يفيق المريض بدون أي مشاكل، وأن تكون حالته مستقرة بعد العملية.
- متابعة حالة المريض بعد الإفاقة للتخلص من جميع آثار التخدير السلبية(1).
كما أن التخدير يستخدم في علاج بعض الآلام الشديدة الناتجة عن الكسور والجروح والحروق في الحوادث والحروب، ولآلام جلطات القلب، ولمداواة الآلام الناتجة عن السرطان، وعلاج لبعض حالات الشلل النصفي والتصلبي والرعشة(2).
الفصل الثاني: مسائل التخدير في التراث الفقهي.
تعرض الفقهاء رحمهم لبعض مسائل التخدير أثناء حديثهم عن التداوي، وحديثهم عن المغمى عليه والسكران، وغيرها، وسأذكر هنا ما وقفت عليه من كلامهم، وذلك في المسائل التالية:
__________
(1) انظر: الموجز الإرشادي عن التخدير (11- 12)؛ مجلة الصحة (عدد 13، 42؛ عدد 24، ص 43)؛ دور استشاري التخدير في تحضير المرضى ومريض القلب للعلميات الجراحية، مجلة صحة القلب (عدد 9، ص 18)؛ علم التخدير البداية والتطور، مجلة الحرس الوطني (عدد 179، ص 120).
(2) انظر: التداوي بالمحرمات (59)؛ صحتك اليوم (عدد 6، ص 54)؛ الموجز الإرشادي عن التخدير (210- 211).(1/9)
المسألة الأولى: استخدام المواد المخدرة لتخدير المريض.
من مقاصد الشريعة الحفاظ على العقل والبدن، فحفظ العقل بمنع ما يفسده ويعطل منفعته، وحفظ البدن بمنع ما يفسده، وطلب ما يصلحه.
ولا شك أن المواد المخدرة شديدة السمية والخطورة، وهي إما مفسدة للعقل، أو مرقدة له، على اختلاف أنواعها وشدة تأثيرها، ولهذا فإن بعض أنواعها مُنع استخدامه مطلقًا بسبب أضرارها على صحة المريض، واستبدلت بأنواع أخرى أقل ضررًا منها.
وعلاج البدن من الأمراض مصلحة مقصودة شرعًا، ولهذا قد يكون العلاج واجبًا في بعض الحالات، ومستحبًا في بعضها، ومباحًا في حالات أخرى.
وتخدير المريض له أثر كبير في إمكانية إجراء عمليات جراحية يحتاج إليها المريض أو يضطر إليها، ولا يمكن إجراؤها بدون التخدير؛ لما فيها من آلام مبرحة لا يمكن تحملها.
وقد نص الفقهاء على جواز استخدام المخدرات في تنويم المريض وترقيده لأجل قطع عضو ونحوه.
قال ابن عابدين(1):
©لا بأس بشرب ما يذهب بالعقل لقطع نحو آكله. أقول: ينبغي تقييده بغير الخمر, وظاهره أنه لا يتقيد بنحو بنج من غير المائع, وقيده به الشافعية®.
أي إنه يُستثنى من الإباحة الخمر، فلا يجوز شربها لذلك، وما عداها فيجوز، ولو كان غير البنج.
وقال ابن فرحون(2):
©والظاهر جواز ما سُقِي من المرقد لقطع عضو ونحوه؛ لأن ضرر المرقد مأمون، وضرر العضو غير مأمون®.
وقال الشافعي(3):
©من شرب بنجًا .. أو مرقدًا ليتعالج به من مرض، فأذهب عقله فطلَّق؛ لم يلزمه الطلاق؛ مِنْ قِبَلِ أن ليس في شيءٍ من هذا أن نضرِبَهم على شُربِه في كتابٍ ولا سُنة ولا إجماع، فإذا كان هكذا كان جائزًا أن يؤخذ الشيء منه للمنفعة، لا لقتل النفس ولا إذهاب العقل®.
وقال النووي في روضة الطالبين وعمدة المفتين(4):
__________
(1) حاشية ابن عابدين على الدر المختار (6/461)، وانظر منه: (6/457- 458).
(2) تبصرة الحكام (2/247).
(3) الأم (11/382).
(4) 3/483).(1/10)
©ما يزيل العقل من غير الأشربة كالبنج حرام، لكن لا حد في تناوله، ولو احتيج في قطع اليد المتآكلة إلى زوال عقله هل يجوز ذلك؟ يخرج على الخلاف في التداوي بالخمر.
قلت: الأصح الجواز، .... ولو احتاج إلى دواء يزيل العقل لغرض صحيح جاز تناوله قطعاً®.
قلت: وفي تخريج حكم إزالة العقل لقطع اليد ونحوها على التداوي بالخمر نظر؛ لأن الخمر تشتهى وتطلب، فتحريمها ذاتي، وأما ما يزيل العقل فقط فإنه لا يشتهى ولا يطلب، ولهذا فالتحريم فيه ليس لذاته بل لضرره، ولأنه ذريعة إلى إفساد العقل وتغييبه، ولهذا لا يحرم القليل منه مما لا يكون فيه ضرر(1).
وقال ابن رجب(2):
©المسكر المزيل للعقل نوعان:
أحدهما: ما كان فيه لذة وطرب، فهذا هو الخمر المحرم شربه...
والثاني: ما يزيل العقل ويسكر، ولا لذة فيه ولا طرب؛ كالبنج ونحوه، فقال أصحابنا: إنْ تناولَه لحاجةِ التداوي به، وكان الغالب منه السلامة جاز، وقد روي عن عروة بن الزبير لما وقعت الأكلة في رجله وأرادوا قطعها قال له الأطباء: نسقيك دواءً حتى يغيب عقلك ولا تحس بألم القطع، فأبى، وقال: ما ظننت أن خلقًا يشرب شرابًا يزول منه عقله، حتى لا يعرف ربه، وروي عنه أنه قال: لا أشرب شيئًا يحول بيني وبين ذكر ربي عز و جل.
وإن تناول ذلك لغير حاجة التداوي؛ فقال أكثر أصحابنا كالقاضي وابن عقيل وصاحب المغني: إنه محرم؛ لأنه تسبب إلى إزالة العقل لغير حاجة، فحرم كشرب المسكر...
وقالت طائفة -منهم ابن عقيل في فنونه-: لا يحرم ذلك؛ لأنه لا لذة فيه، والخمر إنما حرمت لما فيها من الشدة المطربة، ولا إطراب في البنج ونحوه ولا شدة®.
المسألة الثانية: الخطأ في التخدير.
يفرق الفقهاء بين حالتين في عمل الطبيب:
الحالة الأولى: أن يكون قد فعل ما يجب عليه بدون تقصير منه.
__________
(1) انظر: حاشية ابن عابدين (6/457)؛ الإنصاف (22/149).
(2) جامع العلوم والحكم (501).(1/11)
الحالة الثانية: أن يكون قد قصر في ما يجب عليه، أو تجاوز ما أذن له في فعله، أو لم يكن حاذقًا في صنعته.
قال في مغني المحتاج(1):
"ومن حجم غيره أو فصده بإذن معتبر،.. لم يضمن ما تولد منه، وإلا لم يفعله أحد.
هذا إن لم يخطئ, فإن أخطأ ضمن، وتحمله العاقلة،..
قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن الطبيب إذا لم يتعد لم يضمن".
وقال في الفروع(2):
"ولا ضمان على حجام ولا ختان ولا طبيب ولا بيطار عُرِف حِذْقُهم ولم تجن أيديهم, خاصًا كان أو مشتركًا؛ لأن ما أذن فيه لا تُضمن سرايته, كحد وقود".
قال ابن القيم(3):
"الأقسام خمسة:
أحدها: طبيب حاذق، أعطى الصنعة حقها، ولم تجن يده، فتولد من فعله المأذون فيه من جهة الشارع ومن جهة من يَطَبُّه تلفُ العضو أو النفس أو ذهاب صفة؛ فهذا لا ضمان عليه اتفاقًا؛ فإنها سراية مأذون فيه، وهذا كما إذا ختن الصبي في وقت وسنه قابل للختان، وأعطى الصنعة حقها، فتلف العضو أو الصبي لم يضمن، وكذلك إذا بط من عاقل أو غيره ما ينبغي بطه في وقته، على الوجه الذي ينبغي فتلف به لم يضمن، وهكذا سراية كل مأذون فيه لم يتعد الفاعل في سببها؛ كسراية الحد بالاتفاق....
__________
(1) 5/538- 539).
(2) 4/451).
(3) زاد المعاد (4/128- 130).(1/12)
القسم الثاني: متطبب جاهل باشرت يده من يطبه فتلف به؛ فهذا إن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم له، وأذن له في طبه لم يضمن، ولا تخالف هذه الصورة ظاهر الحديث(1)؛ فإن السياق وقوة الكلام يدل على أنه غر العليل وأوهمه أنه طبيب وليس كذلك، وإن ظن المريض أنه طبيب، وأذن له في طبه لأجل معرفته، ضمن الطبيب ما جنت يده، وكذلك إن وصف له دواء يستعمله، والعليل يظن أنه وصفه لمعرفته وحذقه، فتلف به ضمنه، والحديث ظاهر فيه أو صريح.
القسم الثالث: طبيب حاذق أُذن له، وأعطى الصنعة حقها، لكنه أخطأت يده وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفه..، فهذا يضمن؛ لأنها جناية خطأ، ثم إن كانت الثلث فما زاد فهو على عاقلته، فإن لم تكن عاقلة فهل تكون الدية في ماله أو في بيت المال؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد، وقيل: إن كان الطبيب ذميًا ففي ماله، وإن كان مسلمًا ففيه الروايتان، فإن لم يكن بيت مال، أو تعذر تحميله، فهل تسقط الدية، أو تجب في مال الجاني؟ فيه وجهان: أشهرهما: سقوطها.
القسم الرابع: الطبيب الحاذق الماهر بصناعته، اجتهد فوصف للمريض دواء فأخطأ في اجتهاده فقتله، فهذا يُخرج على روايتين: إحداهما: أن دية المريض في بيت المال. والثانية: أنها على عاقلة الطبيب، وقد نص عليهما الإمام أحمد في خطأ الإمام والحاكم.
__________
(1) وهو ما رواه أبو داود (4586) باب فيمن تطبب بغير علم، والنسائي (4847) في القسامة، باب صفة شبه العمد، وابن ماجه (3466) في الطب، باب من تطبب ولم يعلم منه طب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن))، وفي سنده ضعف، من أجل عنعنة الوليد بن مسلم وابن جريج، لكن حسنه بعضهم بالنظر إلى شواهده.(1/13)
القسم الخامس: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها فقطع سلعة من رجل أو صبي أو مجنون بغير إذنه أو إذن وليه، أو ختن صبيًا بغير إذن وليه فتلف، فقال أصحابنا: يضمن؛ لأنه تولد من فعل غير مأذون فيه، وإن أذن له البالغ أو ولي الصبي والمجنون لم يضمن، ويحتمل أن لا يضمن مطلقًا؛ لأنه محسن، وما على المحسنين من سبيل، وأيضًا فإنه إن كان متعديًا فلا أثر لإذن الولي في إسقاط الضمان، وإن لم يكن متعديًا فلا وجه لضمانه.
فإن قلت: هو متعد عند عدم الإذن، غير متعد عند الإذن.
قلت: العدوان وعدمه إنما يرجع إلى فعله هو، فلا أثر للإذن وعدمه فيه.
وهذا موضع نظر".
وقد يكون طبيب التخدير مسؤلا جزائيًا في بعض الحالات.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 142/8/15 ما يلي(1):
"يكون الطبيب ضامنًا إذا ترتب ضرر بالمريض في الحالات التالية:
1- إذا تعمد إحداث الضرر.
2- إذا كان جاهلاً بالطب، أو بالفرع الذي أقدم على العمل الطبي فيه.
3- إذا كان غير مأذون له من قبل الجهة الرسمية المختصة.
4- إذا أقدم على العمل دون إذن المريض أو مَن يقوم مقامه، كما ورد في قرار المجمع رقم 67(5/7).
5- إذا غرر بالمريض.
6- إذا ارتكب خطأ لا يقع فيه أمثاله ولا تقره أصول المهنة، أو وقع منه إهمال أو تقصير.
7- إذا أفشى سر المريض بدون مقتضى معتبر، حسب قرار المجمع رقم 79(10/8).
8- إذا امتنع عن أداء الواجب الطبي في الحالات الإسعافية (حالات الضرورة).
- يكون الطبيب -ومَن في حكمه– مسؤولاً جزائياً في الحالات السابق ذكرها إذا توافرت شروط المسؤولية الجزائية، فيما عدا حالة الخطأ (فقرة 6) فلا يُسأل جزائياً إلا إذا كان الخطأ جسيماً....
تكون المؤسسة الصحية (عامة أو خاصة) مسؤولة عن الأضرار إذا قصّرت في التزاماتها، أو صدرت عنها تعليمات ترتب عليها ضرر بالمرضى دون مسوغ".
__________
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي (عدد 15، ج 4، ص 679- 680).(1/14)
المسألة الثالثة: تصرفات المريض تحت أثر التخدير.
قال الزيلعي(1):
"وأما إذا سكر بالمباح؛ كشرب المضطر, والمكره, والمتخذ من الحبوب, والعسل, والدواء, والبنج فلا تعتبر تصرفاته كلها; لأنه بمنزلة الإغماء لعدم الجناية".
قال ابن عابدين(2):
"من غاب عقله بالبنج والأفيون يقع طلاقه إذا استعمله للهو وإدخال الآفات قصدًا؛ لكونه معصية, وإن كان للتداوي فلا؛ لعدمها...
والحاصل أن استعمال الكثير المسكر منه حرام مطلقًا...، وأما القليل, فإن كان للهو حرام, وإن سكر منه يقع طلاقه؛ لأن مبدأ استعماله كان محظورًا, وإن كان للتداوي وحصل منه إسكار فلا".
قال الشافعي(3):
"من شرب بنجًا .. أو مرقدًا ليتعالج به من مرض، فأذهب عقله فطلق؛ لم يلزمه الطلاق؛ مِنْ قِبَلِ أن ليس في شيءٍ من هذا أن نضرِبَهم على شُربِه في كتابٍ ولا سُنة ولا إجماع، فإذا كان هكذا كان جائزًا أن يؤخذ الشيء منه للمنفعة لا لقتل النفس ولا إذهاب العقل".
وقال النووي في روضة الطالبين وعمدة المفتين(4):
©من طلق وهو زائل العقل بسبب غير متعد فيه؛ كجنون، أو إغماء، أو أُوجر خمراً، أو أُكره على شُربِها، أو لم يعلم أن المشروب من جنس ما يُسكِر، أو شرب دواءً يزيل العقل بقصد التداوي، ونحو ذلك؛ لم يقع طلاقه، ولو تعدى بشرب الخمر فسكر، أو بشرب دواء يجنن لغير غرض صحيح، فزال عقله فطلق وقع طلاقه على المذهب المنصوص في كتب الشافعي رحمه الله®.
المسألة الرابعة: انتقاض الطهارة بالتخدير؟
أولا: انتقاض الوضوء.
إذا تخدر المريض فإنه انتقل إلى حالة تشبه حالة النوم، وهو في هذه الحالة قد لا يمكنه السيطرة على مخرج البول والغائط، فقد يخرج منه شيء، ولهذا كان النوم ناقضًا؛ لاحتمال خروج النجاسة، فكذلك التخدير، فعدم الشعور فيه أعظم من النوم.
__________
(1) البحر الرائق شرح كنز الدقائق (5/31).
(2) حاشية ابن عابدين على الدر المختار (6/457- 458).
(3) الأم (11/382).
(4) 3/121).(1/15)
قال النووي(1):
©أجمعت الأمة على انتقاض الوضوء بالجنون وبالإغماء, وقد نقل الإجماع فيه ابن المنذر وآخرون، واستدل له أصحابنا وغيرهم بحديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أغمي عليه ثم أفاق فاغتسل ليصلي, ثم أغمي عليه ثم أفاق فاغتسل رواه البخاري ومسلم, واتفق أصحابنا على أن من زال عقله بجنون أو إغماء أو مرض أو سكر بخمر أو نبيذ أو غيرهما, أو شرب دواء للحاجة أو غيرها فزال عقله انتقض وضوءه..®.
ثانيًا: هل يجب الغسل بعد الصحو من التخدير؟
قال النووي(2):
"قال في الأم في آخر باب ما يوجب الغسل(3): "وقد قيل ما جن إنسان إلا أنزل, فإن كان هذا هكذا اغتسل المجنون للإنزال, وإن شك فيه أحببت له الاغتسال احتياطًا، ولم أوجب ذلك عليه حتى يستيقن الإنزال". هذا نصه بحروفه ومن الأم نقلته, وكذا نقله عن الأم جماعة من الأصحاب, ونقله الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والماوردي وجماعة في المغمى عليه، والذي في الأم إنما هو في المجنون كما نقلته.
واختلف الأصحاب في المسألة: فجزم المصنف(4) وجماعات من المحققين بأن غسل المجنون إذا أفاق سنة ولا يجب, إلا أن يتيقن خروج المني.
وقال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وجماعات من الأصحاب: إن كان الغالب من حال الذين يجنون الإنزال وجب الغسل إذا أفاق وإن لم يتحقق الإنزال, كما نوجب الوضوء بالنوم مضطجعا للظن الغالب, فإن لم يكن الإنزال غالبًا لم يجب الغسل بالشك، ونقل صاحب البحر هذا التفصيل عن الأصحاب.
ونقل صاحب الحاوي عن الأصحاب: أن الإغماء إن كان لا ينفك عن الإنزال وجب الغسل، وإن كان قد ينفك فلا.
__________
(1) المجموع شرح المهذب (2/21). وانظر: مواهب الجليل (1/295).
(2) المجموع شرح المهذب (2/22- 23).
(3) 1/157).
(4) أي الشيرازي صاحب المهذب.(1/16)
والصحيح طريقة المصنف ومن وافقه: أنه يستحب الغسل ولا يجب حتى يتيقن خروج المني؛ فإن القواعد تقتضي أن لا تنتقض الطهارة إلا بيقين الحدث, خالفنا ذلك في النوم بالنصوص التي جاءت, وبقي ما عداها على مقتضاه.
قال أصحابنا: ويُستحب للمغمى عليه الغسل إذا أفاق؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن المنذر وابن الصباغ وغيرهما: أجمع العلماء على أن الغسل لا يجب عليه, وحكى الرافعي وجهًا ضعيفًا شاذًا أنه يجب الغسل من الجنون مطلقًا, ووجهًا أشذ منه أنه يجب من الإغماء أيضًا، ذكره في باب الغسل, والله أعلم".
المسألة الرابعة: قضاء الصلاة وصحة الصوم؟
أولا: قضاء الصلاة.
اختلف العلماء فيمن زال عقله بسبب مباح هل يلزمه قضاء ما فاته من الصلوات؟
القول الأول:
تسقط عنه الصلاة، ولا يلزمه القضاء.
وهو قول محمد بن الحسن من الحنفية(1)، والمالكية، والشافعية.
وعللوا ذلك بأنه دواء مباح، وقد زال عقله بسبب مباح؛ فهو كالمريض(2).
قال في مواهب الجليل عند ذكره لشروط الصلاة(3):
©العقل: فلا تجب على مجنون ولا مغمى عليه، إلا إن أفاق في بقية من الوقت، وإن خرج الوقت قبل إفاقتهما فلا قضاء عليهما، بخلاف السكران فعليه القضاء؛ لأنه عاص بإدخاله ذلك على عقله®.
وقال الشافعي في الأم(4):
©إذا غلب الرجل على عقله بعارض جن أو عته أو مرض -ما كان المرض-: ارتفع عنه فرض الصلاة ما كان المرض بذهاب العقل عليه قائمًا; لأنه منهي عن الصلاة حتى يعقل ما يقول، وهو ممن لا يعقل، ومغلوب بأمر لا ذنب له فيه، بل يؤجر عليه، ويكفر عنه به إن شاء الله تعالى، إلا أن يفيق في وقت فيصلي صلاة الوقت.
__________
(1) انظر: حاشية ابن عابدين (2/102).
(2) انظر: حاشية ابن عابدين (2/102).
(3) 1/469). وانظر: المدونة (1/184-185).
(4) 2/13- 14).(1/17)
وهكذا إن شرب دواء فيه بعض السموم، والأغلب منه أن السلامة تكون منه لم يكن عاصيًا بشربه; لأنه لم يشربه على ضر نفسه ولا إذهاب عقله وإن ذهب، ولو احتاط فصلى كان أحب إلي; لأنه قد شرب شيئًا فيه سم ولو كان مباحًا.
ولو أكل أو شرب حلالا فخبل عقله أو وثب وثبة فانقلب دماغه أو تدلى على شيء فانقلب دماغه فخبل عقله إذا لم يرد بشيء مما صنع ذهاب عقله؛ لم يكن عليه إعادة صلاة صلاها لا يعقل, أو تركها بذهاب العقل.
فإن وثب في غير منفعة, أو تنكس ليذهب عقله فذهب؛ كان عاصيًا، وكان عليه إذا ثاب عقله إعادة كل ما صلى ذاهب العقل, أو ترك من الصلاة، وإذا جعلته عاصيًا بما عمد من إذهاب عقله, أو إتلاف نفسه جعلت عليه إعادة ما صلى ذاهب العقل, أو ترك من الصلوات، وإذا لم أجعله عاصيًا بما صنع لم تكن عليه إعادةٌ إلا أن يفيق في وقت بحال.
وإذا أفاق المغمى عليه وقد بقي عليه من النهار قدر ما يكبر فيه تكبيرة واحدة أعاد الظهر والعصر، ولم يعد ما قبلهما، لا صبحًا ولا مغربًا ولا عشاءً، وإذا أفاق وقد بقي عليه من الليل قبل أن يطلع الفجر قدر تكبيرة واحدة قضى المغرب والعشاء، وإذا أفاق الرجل قبل أن تطلع الشمس بقدر تكبيرة قضى الصبح، وإذا طلعت الشمس لم يقضها، وإنما قلت هذا لأن هذا وقت في حال عذر, جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر في السفر في وقت الظهر، وبين المغرب والعشاء في وقت العشاء، فلما جعل الأولى منهما وقتًا للآخرة في حال، والآخرة وقتًا للأولى في حال، كان وقت إحداهما وقتًا للأخرى في حال، وكان ذهاب العقل عذرًا، وبالإفاقة عليه أن يصلي العصر، وأمرته أن يقضي; لأنه قد أفاق في وقت بحال".
وقال النووي(1):
"قال أصحابنا: يجوز شرب الدواء المزيل للعقل للحاجة, ... وإذا زال عقله والحالة هذه لم يلزمه قضاء الصلوات بعد الإفاقة; لأنه زال بسبب غير محرم..".
__________
(1) المجموع شرح المهذب (3/7).(1/18)
وهم يُفرِّقون بين أن يزول عقله بسبب مباح، وأن يزول بسبب محرم، كما سبق من النقول السابقة، يقول النووي في الموضع السابق(1):
"فرع: قال أصحابنا رحمهم الله: إذا لم يعلم كون الشراب مسكرًا أو كون الدواء مزيلا للعقل لم يحرم تناوله, ولا قضاء عليه كالإغماء, فإن علم أن جنسه مسكر وظن أن ذلك القدر لا يسكر وجب القضاء لتقصيره وتعاطيه الحرام، وأما ما يزيل العقل من غير الأشربة والأدوية كالبنج وهذه الحشيشة المعروفة فحكمه حكم الخمر في التحريم ووجوب قضاء الصلوات, ويجب فيه التعزير دون الحد, والله أعلم".
ويرى مالك أن له الجمع بين الصلاتين إذا خشي أن تفوته الأخرى، قال في المدونة(2):
"قال مالك في المريض الذي يخاف أن يغلب على عقله: إنه يصلي الظهر والعصر إذا زالت الشمس، ولا يصليهما قبل ذلك, ويصلي المغرب والعشاء إذا غابت الشمس، ويصلي العشاء مع المغرب، ورأى مالك له في ذلك سعة إذا كان يخاف أن يُغلب على عقله".
القول الثاني:
لا تسقط عنه الصلاة، ويلزمه قضاء ما فات من الصلاة.
وهو قول الحنابلة(3).
وعللوا ذلك بأن الإغماء يشبه النوم؛ لأنه لا يوجب ثبوت الولاية عليه، ويجوز على الأنبياء، بخلاف الجنون، ولا تسقط به سائر التكاليف(4).
لكنهم فرقوا بين زوال العقل بالإغماء، وزواله بشرب دواء مباح، قال في المغني(5):
©من شرب دواء فزال عقله به نظرت; فإن كان زوالا لا يدوم كثيرًا, فهو كالإغماء, وإن كان يتطاول, فهو كالجنون.
وأما السكر ومن شرب محرمًا يزيل عقله وقتًا دون وقت, فلا يؤثر في إسقاط التكليف، وعليه قضاء ما فاته في حال زوال عقله، لا نعلم فيه خلافًا; ولأنه إذا وجب عليه القضاء بالنوم المباح, فبالسكر المحرم أولى®.
__________
(1) 3/8).
(2) 1/204).
(3) انظر: المغني (2/50- 51)؛ الإنصاف (3/8- 10).
(4) انظر: المغني (2/51- 52).
(5) 2/52). وانظر: الإنصاف (3/10).(1/19)
وبعضهم جعل الإغماء بتناول المباح يسقط الوجوب مطلقًا، والإغماء بالمرض لا يسقطه؛ لأنه ربما امتنع من شرب الدواء خوفًا من مشقة القضاء، فتفوت مصلحته(1).
القول الثالث:
التفريق بين ما يكون بمرض، وما يكون من صنع العباد، فما كان بمرض فإن فاتته خمس صلوات قضاها، وما زاد سقط عنه، وإن كان بصنع العباد كشرب دواء مباح وجب عليه القضاء مطلقًا، وإن طالت المدة.
وهذا قول الحنفية، وسفيان الثوري(2).
وعللوا ذلك: بأن الإغماء من المرض ثبت كونه مسقطًا بالأثر الوارد في ذلك عن بعض الصحابة، بخلاف شرب الدواء المباح فهو من صنع العباد، فكان كالنوم، وما زاد عن خمس صلوات ففي قضائه حرج، فسقط عنه؛ لأن المشقة تجلب التيسير(3).
ثانيًا: صحة الصوم.
النظر في هذه المسألة من جهتين:
الأولى: هل التخدير يفطر؟
اتفق العلماء على أن المُخدَّر إذا كان يمد بمحاليل مغذية فإنه يفطر.
واختلفوا في مجرد التخدير بدون إبر وريدية مغذية على قولين:
الأول: أن التخدير غير مفطر؛ لأنه لا يصل إلى الجوف، وإن وصل فإنما يصل عن طريق غير الفم.
القول الثاني: أنها مفطرة؛ لأنها في الأصل مواد مفترة ومسكرة، وهذه تفطر بأي حال.
وبعضهم يفرق بين أنواع التخدير وطرق إدخاله إلى الجوف.
فإن كان عن طريق الأنف، فلا أثر له، إلا إذا كان التخدير كليًا فيفسد الصوم به؛ لخروج المريض عن الوعي، لا بسبب طبيعة المادة الغازية المخدرة.
وإن كان التخدير جافًا كما في الإبر الصينية فلا يؤثر على الصيام؛ لأن الغالب فيه التخدير الموضعي الذي لا يغطي العقل.
__________
(1) انظر: الإنصاف (3/11).
(2) انظر: المبسوط (2/101)؛ الدر المختار (2/102)؛ اختلاف الفقهاء (139، 141).
(3) انظر: المبسوط (2/101)؛ الدر المختار (2/102).(1/20)
وإن كان التخدير بالحقن، فإن كان الحقن في غير الأوردة والشرايين فلا يفسد الصوم؛ لأنه تخدير موضعي، وإن كان في الأوردة والشرايين فيفطر؛ لأن المخدر مائع وقد دخل إلى الجوف، ولأن الصائم يفقد الوعي فيبطل صومه بذلك(1).
وقد انتهى المجمع إلى أن التخدير غير مفطر، ما لم يعط المريض سوائل مغذية(2).
الثانية: هل يصح الصوم من المخدر، أو أن غيبوبة التخدير تمنع من صحة الصوم؛ لانعدام التكليف في هذه الحالة.
وهنا لا يخلو الأمر من ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون التخدير في جزء من النهار فقط، لا في كله.
قال في المغني(3):
©متى أفاق المغمى عليه في جزء من النهار صح صومه، سواء كان في أوله أو آخره.
وقال الشافعي في أحد قوليه (4): تعتبر الإفاقة في أول النهار ليحصل حكم النية في أوله.
ولنا: أن الإفاقة حصلت في جزء من النهار، فأجزأ، كما لو وجدت في أوله.
وما ذكروه لا يصح؛ فإن النية قد حصلت من الليل فيستغنى عن ذكرها في النهار، كما لو نام أو غفل عن الصوم، ولو كانت النية إنما تحصل بالإفاقة في النهار لما صح منه صوم الفرض بالإفاقة؛ لأنه لا يجزئ بنية من النهار®.
الثانية: أن يمتد التخدير قبل طلوع الفجر إلى ما بعد الغروب، ويكون قد نوى الصيام لذلك اليوم.
اختلف العلماء رحمهم الله في المغمى عليه إذا نوى الصيام من الليل ثم أغمي عليه قبل طلوع الفجر، ولم يفق إلا بعد الغروب، هل يجزيه الصيام عن ذلك اليوم؟ وهل يجب عليه القضاء؟
القول الأول:
لا يصح صومه، ولا يجزيه صيام ذلك اليوم، ويجب عليه القضاء إذا أفاق.
__________
(1) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (عدد10، ج2، ص 98- 99).
(2) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (عدد10، ج2، ص 454). قرار رقم 99/1/د10
(3) 4/344). وانظر: مواهب الجليل (2/422)؛ التاج والإكليل (2/422).
(4) انظر: مغني المحتاج (2/162).(1/21)
وبهذا قال الشافعية والحنابلة(1).
واستدلوا بما يلي:
1- إن الصوم هو الإمساك مع النية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي))، فأضاف ترك الطعام والشراب إليه، وإذا كان مغمى عليه فلا يضاف الإمساك إليه، فلم يجزئه(2).
2- إن النية أحد ركني الصوم، فلا تجزئ وحدها، كالإمساك وحده(3).
وفرقوا بينه وبين النوم: بأن النوم عادة، ولا يزيل الإحساس بالكلية، ومتى نبه تنبه، والإغماء عارض يزيل العقل فأشبه الجنون(4).
القول الثاني:
يصح صومه.
وهذا قول الحنفية، وابن حزم(5).
واستدلوا بما يلي:
إن شرط صحة الصوم وجود النية، وقد وجدت من الليل، وركن الصوم الإمساك، والإغماء لا ينافيه، فصح لوجود ركنه وشرطه(6).
الثالثة: أن يمتد به الإغماء أكثر من يوم.
فيرى جمهور أهل العلم عدم صحة صومه والحالة هذه؛ لعدم وجود النية(7).
ويجب عليه القضاء.
قال السرخسي(8):
©الإغماء مرض, وهو عذر في تأخير الصوم إلى زواله لا في إسقاطه, وهذا لأن الإغماء يُضعِفُ القوى ولا يزيل الحجا، ألا ترى أنه لا يصير موليًا عليه، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتلي بالإغماء في مرضه, وكان معصومًا عما يزيل العقل®.
وقال ابن قدامة(9):
__________
(1) انظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج (3/415)؛ المغني (4/343).
(2) انظر: المغني (4/343- 344).
(3) انظر: المغني (4/344).
(4) انظر: المغني (4/344).
(5) انظر: المحلى (4/363).
(6) انظر: المبسوط (3/70).
(7) انظر: المبسوط (3/69)؛ تحفة المنهاج (3/415).
(8) المبسوط (3/87).
(9) المغني (4/344).(1/22)
©ومتى فسد الصوم به فعلى المغمى عليه القضاء بغير خلاف علمناه(1)؛ لأن مدته لا تطول غالبًا، ولا تثبت الولاية على صاحبه، فلم يزل به التكليف وقضاء العبادات؛ كالنوم®.
لكن يُشكل على هذا القولُ بعدم وجوب الصلاة في حقه على قول المالكية والشافعية مطلقًا، وعدم وجوب ما زاد عن الخمس على قول الحنفية.
والجواب: أما قول الحنفية فإنهم عللوا بالمشقة فيما زاد عن الخمس؛ لوجود التكرار.
ويبقى الإشكال في قول المالكية والشافعية؛ لأنهم عللوا عدم وجوب الصلاة بزوال العقل، وهذا مشترك بين الصوم والصلاة!
فقد يقال: إنهم أرادوا صورة أخرى تجب فيها الصلاة غير الصورة التي هنا، ووقع اللبس من الباحث(2).
وقد يقال: إن التفريق بينهما بسبب الحرج والمشقة في الصلاة، ولهذا فرق الشارع بينهما بالنسبة للحائض، فتقضي الصوم وإن كثر، ولا تقضي الصلاة وإن قلَّتْ.
وقد يقال: إن الفرق بينهما توقيفي لا يعلم!
__________
(1) لكن نقل السرخسي في المبسوط (3/87) عن الحسن البصري عدم وجوب القضاء إذا امتد به الشهر كله؛ لأن سبب وجود الأداء -وهو شهود الشهر- لم يتحقق في حقه؛ لزوال عقله بالإغماء، ووجوب القضاء ينبني عليه، وحكى ابن حزم في المحلى (4/362- 363) عن بعض أهل العلم عدم وجوب القضاء على المغمى عليه.
(2) لعل مما يقوى هذا ما ذكره الشنقيطي في رسالته أحكام الجراحة الطبية (565) حيث يقول: "وأما بالنسبة لقضاء الصلوات التي فاتت فإنه يشرع له إذا خدر أن يقضيها بعد الإفاقة، وذلك لأن زوال العقل بالسبب المباح من الخمر ونحوها لا يسقط المطالبة بالقضاء، كما نص على ذلك الفقهاء رحمهم الله"، ثم نقل عن صاحب الدر المختار ما يؤيد ذلك، وأحال في الهامش على القوانين الفقهية لابن جزي، والمجموع للنووي، والمغني مع الشرح الكبير لابن قدامة، ولم أجد ما ذكره في ابن جزي، ولا المجموع، بل الموجود في المجموع ما نقلته من سقوط الصلاة بذهاب العقل بدواء مباح. والله أعلم.(1/23)
قال في المدونة(1):
©قال: وسألت مالكًا عن المعتوه يصيبه الجنون فيقيم في ذلك السنين أو الأشهر ثم يبرأ بعلاج أو بغيره؟ قال: يقضي الصيام، ولا يقضي الصلاة. قلت لابن القاسم: فإن كان من حين بلغ مطبقا جنونا ثم أفاق بعد دهر أيقضي الصيام أيضا في قول مالك؟ قال: لم أسأله عن هذا بعينه، وهو رأيي أن يقضيه®.
وقال الشافعي(2):
©فالفرائض تجتمع في أنها ثابتة على ما فرضت عليه, ثم تفرقت شرائعها بما فرق الله عز وجل، ثم رسوله صلى الله عليه وسلم، فنفرق بين ما فرق منها، ونجمع بين ما جمع منها، فلا يقاس فرعُ شريعة على غيرها..
ونجد المغمى عليه والحائض لا صوم عليهما ولا صلاة، فإذا أفاق المغمى عليه وطهرت الحائض فعليهما قضاء ما مضى من الصوم في أيام إغماء هذا وحيض هذه، وليس على الحائض قضاءُ الصلاة في قول أحد، ولا على المغمى عليه قضاء الصلاة في قولنا®.
وقال ابن حزم بعد أن ذكر أن المغمى عليه يقضي الصيام(3):
"وليس قولنا بسقوط الصلاة عن المغمى عليه إلا ما أفاق في وقته منها وبقضاء النائم للصلاة مخالفًا لقولنا هاهنا، بل هو موافق؛ لأن ما خرج وقته للمغمى عليه فلم يكن مخاطبًا بالصلاة فيه, ولا كان أيضًا مخاطبًا بالصوم، ولكن الله تعالى أوجب على المريض عدة من أيام أخر, ولم يوجب تعالى على المريض قضاء صلاة, وأوجب قضاء الصلاة على النائم والناسي, ولم يوجب قضاء صيام على النائم والناسي، بل أسقطه تعالى عن الناسي والنائم إذ لم يوجبه عليه".
الفصل الثالث: صور مسائل التخدير المعاصرة
المسألة الأولى: التخدير لإجراء العمليات الجراحية المرضية.
يستخدم المخدر في العمليات الجراحية لمنع حصول الألم، الذي قد يمنع الجراح من إجراء العملية الجراحية، وهذا التخدير يكون عامًا للبدن كله، ويكون موضعيًا في منطقة محدودة من الجسم، كما سبق.
__________
(1) 1/185).
(2) الأم (15/80، 83- 84).
(3) المحلى (4/365).(1/24)
ولا يوجد عقار يخلو تمامًا من الآثار السلبية للمخدر، ولهذا لا تزال المخاطر من التخدير موجودة، مع أنه نادرًا ما يكون التخدير هو سبب الوفاة، ولأجل هذه الخطورة زاد الاهتمام بالتحضير لعملية التخدير ليكون من أكثر الممارسات الطبية أمانًا(1).
"ولا يدخل موضوع التخدير من أجل العمليات الجراحية الموضعية والعامة في موضوع الاعتماد على العقاقير(2) إلا نادرًا، عندما يصبح الطبيب أو الممرضة مدمنين لشم هذه الغازات، أما المعطاة له من المرضى فيكاد يكون من المستحيل أن يصبح مدمنًا لها"(3).
والسؤال هنا عن حكم إعطاء المريضِ المخدِّرَ لإجراء العملية الجراحية؟
المسألة الثانية: التخدير لعلاج بعض الأمراض.
بعض العقاقير العلاجية تحتوي على مواد مخدرة كالأفيون والمورفين، وغيرها، وهذه العقاقير مع أنها تكون علاجًا، إلا أنها تسبب الإدمان إذا تعاطاها الإنسان بجرعات متتالية(4).
وأغلب هذه العقاقير لا يقصد بها الشفاء من المرض وعلاجه، بقدر ما يقصد بها منع الإحساس بالألم ليمارس المريض حياته بدون آلام(5).
المسألة الثالثة: هل التخدير نوم، أو إغماء؟
__________
(1) انظر: الموجز الإرشادي عن التخدير (7، 10).
(2) يراد بالاعتماد على العقاقير: الاستعمال خارج النطاق الطبي، والذي يؤدي إلى الاعتماد النفسي أو الجسدي أو كليهما معًا. ويطلق أيضًا على حالات الإدمان. انظر: معجم المصطلحات الطبية (1/303)؛ التداوي بالمحرمات (37، 44- 45).
(3) التداوي بالمحرمات (43).
(4) انظر: التداوي بالمحرمات (61).
(5) انظر: التداوي بالمحرمات (59).(1/25)
سبق أن التخدير عملية معقدة، وليس لها مثيل يشبهها، فبعضهم يعرف التخدير بأنه طريقة للنوم المعكوس، فيسمي حالة التخدير تنويمًا؛ لأن طبيب التخدير يقوم بتنويم المريض أثناء فترة العملية ليقوم الجراح بعمل واجبه، ومن ثم إيقاظ المريض بعد نهاية العملية(1).
ولكن التخدير ليس نومًا؛ فالنوم وإن كان غيبوبة فسيولوجية إلا أنه يختلف عن التخدير الذي هو غيبوبة دوائية، وهو يختلف عن الغيبوبة المرضية، التي تنتج عن مرض جهازي أو تلف عصبي.
والغيبوبة الدوائية هي حالة التخدير الجراحي، وتستحث بالعقاقير، ويمكن لهذا النوع أن يتحول إلى غيبوبة مرضية نتيجة سوء استعمال المخدر(2).
يترتب على ذلك ما يلي:
1- انتقاض الوضوء به، فهل التخدير ينقض الوضوء، بحيث يجب عليه إذا أراد أن يصلي بعد استيقاضه من المخدر أن يتوضأ؟ وهل يجب عليه الغسل أو يستحب؟
2- حكم قضاء الصلاة.
3- حكم الصوم إذا امتد التخدير من قبل الفجر إلى أذان المغرب، وقد بيت المريض الصيام من الليل، وأخذنا بقول من يرى أن التخدير لا يفطر.
المسألة الرابعة: البنج في الولادة بلا ألم.
نظرًا لما يصاحب الولادة من الآلام، والقيام بعملية الشق المهبلي لتوسيع المهبل وتسهيل خروج الرأس، فقد استخدمت أنواع من التخدير لإزالة الإحساس بالألم في هذه المرحلة، من ذلك:
1- البنج الموضعي: وهو الذي يؤثر في موضع معين في الجسم، ولا يتعدى تأثيره الجلد والأجزاء الأخرى الملاصقة له، وهو لا يؤثر في قوة الطلق وحدته، ولا يؤثر في حالة المرأة العامة، ويستخدم هذا النوع في المستشفيات التي لا يوجد فيها متخصص في علم البنج(3).
__________
(1) انظر: دور استشاري التخدير في تحضير المرضى ومريض القلب للعلميات الجراحية، مجلة صحة القلب (عدد 9، ص 19).
(2) انظر: الموجز الإرشادي عن التخدير (85- 87).
(3) انظر: البنج في الولادة بلا ألم، مجلة الصحة العربية (عدد 28، س3، ص8)؛ الألم طبيعته وعلاجه (272- 273).(1/26)
2- بنج النخاع الشوكي: ويكون عن طريق إدخال كمية قليلة جدًا من الكسيلوكايين بواسطة إبرة طويلة، بداخلها أنبوب من البلاستيك بين فقرات العمود الفقري السفلي، بحيث يصل الدواء إلى الأطراف العصبية المنحدرة من هذه الأمكنة إلى الحوض والأطراف السفلى فيخدرها، وتطول مدة هذا البنج لأن المخدر المختص يدفع من حين لآخر بكميات قليلة أخرى من مادة الكسيلوكايين في أنبوب البلاستيك إلى النخاع الشوكي كلما شعرت المرأة بعودة الأوجاع، وينبغي ألا يتعدى تأثير البنج إلى الصدر؛ لأن عضلات التنفس تتأثر تأثرا ملحوظًا، ولهذا لا يجوز أن يعطي الطبيب المولِّد هذا النوع من البنج بنفسه، بل عليه أن يعتمد على متخصص بهذا العلم؛ لتحاشي الأخطار التي قد يسببها، ولما فيه من المخاطر والمضاعفات بالنسبة للأم أحجم عن استخدامه بعض المدارس في الطب(1).
3- البنج العام: يستعمل هذا النوع من البنج في عمليات شق البطن (القيصرية)؛ لإخراج الجنين عند تعرضه لاختناق، أو لأسباب أخرى(2).
4- البنج العام المتقطع: هو البنج الذي يخدر الجسم بصورة متقطعة ولفترات زمنية وجيزة، تعود المرأة خلالها إلى كامل وعيها وإحساسها، ومن أشهر أنواع البنج المستخدمة في ذلك: ثاني أوكسيد النتروجين، ومادة التريلين، وقد دلت التجارب العديدة التي أجريت على الأم والجنين معا خلال الولادة وبعدها أن هاتين المادتين لم تلحقا أي ضرر بهما، ومن أهم ميزات هذا النوع إمكان التحكم بمفعوله بسهولة فائقة، شرط أن يشرف على استعماله طبيب متخصص بالتخدير، أو ممرضة متمرنة في هذا الفرع (3).
__________
(1) انظر: البنج في الولادة بلا ألم، مجلة الصحة العربية (عدد 28، س3، ص8- 9).
(2) انظر: البنج في الولادة بلا ألم، مجلة الصحة العربية (عدد 28، س3، ص9).
(3) انظر: البنج في الولادة بلا ألم، مجلة الصحة العربية (عدد 28، س3، ص10).(1/27)
5- البنج العام القصير المدى: هذه المادة عبارة عن سائل يحقن في عرق الدم دفعة واحدة، فيتخدر الجسم كله مدة قصيرة لا تتعدى سبع دقائق، وهذه المدة كافية في كثير من الأحيان لإجراء عمليات صغيرة في أثناء الولادة، مثل وضع ملقط الجنين، وشق الفتحة المهبلية، وإخراج رأس الجنين في أثناء الدفع، ولا يمكن حقن هذه المادة أكثر من مرتين، وليس لهذا النوع من البنج أي تأثير في الجنين(1).
ومع تعدد طرق وأساليب الولادة بلا ألم إلا أن الأمر ما زال موضوع جدل ونقاش، فلكل أسلوب حسناته ومحاذيره، ومنافعه ومضاره؛ إذ إن الطريقة التي لا تضر بتاتا بالجنين تكون غالبا مضرة بالأم، وبالعكس، وإن كان هذا الضرر نسبيًا نوعًا ما، لكن اختلاف خصائص الجسد الإنساني يجعل أحيانًا من هذه النسبة الضئيلة من الضرر ضررًا كاملا(2).
وقد ذكر لي بعض استشاريي التخدير أن أضرار تخدير الحامل لأجل الولادة على نوعين:
النوع الأول: أضرار طارئة؛ كالصداع، والتنميل في بعض الأطراف.
النوع الثاني: أضرار ملازمة؛ كضعف الحركة، عدم التحكم في البول والبراز، الشلل النصفي.
فالنوع الأول: لا خوف منه؛ لأنه يزول مع الوقت.
وأما الثاني فهو قليل جدًا، أقل من نصف بالمئة(3).
والسؤال: هل الآلام المصاحبة للولادة الطبيعية لا يمكن تحملها، أو يشق تحملها، بحيث يباح استعمال المخدر لتخفيفها؟
المسألة الخامسة: تحديد نوعية المخدر بحسب حالة المريض ونوعية الجراحة. أو الموازنة بين حالة المريض الصحية ونوعية المخدر.
__________
(1) انظر: البنج في الولادة بلا ألم، مجلة الصحة العربية (عدد 28، س3، ص10)، وانظر وسائل أخرى في: الألم طبيعته وعلاجه (270- 274).
(2) انظر: البنج في الولادة بلا ألم، مجلة الصحة العربية (عدد 28، س3، ص10)؛ الألم طبيعته وعلاجه (269).
(3) مقابلة مع الدكتور إيهاب فتحي رئيس قسم التخدير بمشفى الملك فهد بالأحساء.(1/28)
هذه المسألة من أعقد الحالات التي تواجه الأطباء، حين يكون المريض بحاجة إلى عملية جراحيه مهمة، وهو يعاني من أمراض لا يمكن أن يتحمل معها آثار التخدير.
فما الواجب في هذه الحالة؟
المسألة السادسة: إذن المريض في التخدير.
لا يتم تخدير المريض إلا بعد زيارة طبيب التخدير له، وسؤاله الأسئلة المعروفة التي تسبق العملية الجراحية، وشرح كل ما يتعلق بمضاعفات التخدير، وما يمكن أن ينشأ عنه من بعض الأعراض، ثم تكون موافقة المريض على التخدير بعد ذلك، وقد يكون الإذن في إجراء العملية الجراحية إذنًا ضمنيًا في تخديره.
وهذا واضح لا إشكال فيه.
لكن قد يحدث أن المريض يطلب إعطائه المخدر لإجراء العملية مع علمه بضرره.
فهل يوافق على طلبه مع توقع حدوث الضرر؟
وقد يمتنع المريض عن التخدير مع حاجته إليه؛ لتوقف إجراء العملية الجراحية على تخديره، إما خوفًا من آثار المخدر، أو عدم رغبة في العلاج، أو لغير ذلك من الأسباب.
فهل يلغى إذن المريض في هذه الحالة، ويعطى المخدر مع عدم موافقته على ذلك؟
وقد يكون المريض فاقد الوعي، ولا بد من تخديره لإجراء عملية ضرورية، وليس معه أحد من أقاربه يقوم مقامه في الإذن.
فهل يخدر بدون إذنه؟
المسألة السابعة: هل التخدير يفطر؟
التخدير من حيث مكان تأثيره على نوعين:
الأول: التخدير الموضعي الخارج: وهذا لا شك في أنه لا يفطر(1).
الثاني: التخدير العام الكلي، وهذا يحتاج إلى استنشاق، وأن يصل إلى الجوف، والمريض يزود في هذه الحالات بإبر وريدية يمد من خلالها بالسوائل المهمة لاستمرار عدم تأثره بالمخدر وبالعملية الجراحية تأثرًا سلبيًا.
والسؤال: هل المخدر في ذاته مفطر؟ أو أن جميع مراحل التخدير هي التي تفطر؟
المسألة الثامنة: تصرفات المريض تحت تأثير المخدر.
__________
(1) يذكر بعض أطباء التخدير أن بعض أنواع التخدير الموضعي يحتاج إلى إرواء ومغذي، وفي هذه الحالة يكون حكمه حكم المخدر العام.(1/29)
قد يحدث أن يتكلم الشخص المخدَّر ويهذي بكلمات ربما لا يدري ما هي، ولا يقصد حقيقتها، فهل يترتب على تصرفه حكم شرعي؟
وما يتحدث به المريض مما يترتب عليه حكم شرعي ما يلي:
أولا: الإقرار.
قد يقر المريض تحت تأثير التخدير بحقوقٍ لله؛ كالزنا واللواط وغير ذلك، أو حقوق الآدميين؛ كأن يقر بأنه أقترض مبلغًا من المال، أو أنه باع واشترى ونحو ذلك.
فهل يعتبر إقراره في هذه الحالة؟
ثانيًا: الطلاق.
قد يطلِّق المريض تحت تأثير التخدير، أو عند بداية الإفاقة، فهل يعتبر طلاقه؟
ثالثًا: القذف.
قد يقذف شخصًا بالزنا، أو بغيره، فهل يترتب عليه حق للمقذوف؟
كما أنه يوجد حالات جراحة نهارية، تُنفذ فيها جراحة لفترة يوم واحد لكثير من العمليات السطحية، بعد أن يكون قد خُدِّر تخديرًا عامًا، ويعود المريض إلى منزله بعد فترة قصيرة من العملية، وبما أن عقاقير التخدير تظل موجودة في الجسم لساعات عديدة بعد أن يبدو أن تأثيرها قد توقف؛ فإنه توجه للمريض تعليمات مهمة، منها: أن يتجنب المريض لمدة 24 ساعة بعد التخدير العام ما يلي:
- قيادة السيارة.
- شرب الكحول.
- الطهي.
- العمل على الآلات.
- السفر بمفرده.
وعند تجاهل هذه التحذيرات قد توجد مخاطر كبيرة، من اتخاذ قرارات خاطئة، وبطء ردود الأفعال عن الوضع الطبيعي، فربما تسبب في وقوع حادث، أو آذى نفسه أثناء العمل على الآلة، أو طهي الطعام(1).
المسألة التاسعة: الخطأ في التخدير.
__________
(1) انظر: الموجز الإرشادي عن التخدير (202- 203).(1/30)
يعتبر طبيب التخدير مسؤولا مسؤولية كاملة عن أهلية المريض للتخدير، والمواد المخدِّرة التي اختارها لتخديره، والجرعة التي حقنها من تلك ا لمواد في جسم المريض، والطريقة التي اتبعها في تخديره، ومتابعة المريض أثناء العملية، ومدى تأثره بالمواد المخدَّرة، وسلامة النبض والتنفس وغير ذلك مما يجب متابعته أثناء إجراء العملية، ومتابعته بعد انتهاء العملية؛ للتخلص من المواد المخدرة وآثارها.
والتقصير في مثل هذه الأمور يوجب تحمله للمسؤولية عن كل الأضرار المترتبة على ذلك التقصير(1).
وكل طبيب تخدير أو استشاري تخدير لا بد أن يكون معه في الغالب جهاز فني من العاملين، وهؤلاء مهمتهم محصورة في تهيئة الأجهزة، وتنفيذ ما يطلبه الطبيب أو الاستشاري، وعلى هذا فإن طبيب أو استشاري التخدير هو المسؤول مسؤولية مباشرة وكاملة عن التخدير وما ينتج عنه(2).
ومن أمثلة ذلك:
تخدير المريض بدون إجراء فحوصات سابقة ومقابلة تبين حالة المريض الصحية ومدى استجابته للتخدير والآثار المحتملة من التخدير.
عدم اختيار المادة المناسبة من المخدر لحالة المريض.
زيادة الجرعة بدون تحقق قدرة المريض على تحملها.
عدم اختيار الطريقة المناسبة في التخدير لحالة المريض.
عدم متابعة المريض أثناء إجراء العملية الجراحية.
لكن هل يمكن أن تتحمل العاقلة مثل هذه التكاليف، التي قد تكون باهضة؟
وما هي العاقلة في مثل هذه الحالات؟ وبخاصة أن كثيرًا من الأطباء ليس لهم أقارب يمكن أن يتحملوا جميع هذه التكاليف.
المسألة العاشرة: آثار التخدير المرضية.
إن المخدر سم في الحقيقة، كما يقول أحد المختصين في التخدير(3):
__________
(1) انظر: أحكام الجراحة الطبية (477).
(2) مقابلة مع الدكتور إيهاب فتحي رئيس قسم التخدير بمشفى الملك فهد بالأحساء.
(3) التخدير، غوردون أوستلر، روجر برايس سميث (7) نقلا عن أحكام الجراحة الطبية (270).(1/31)
©إن كل المخدرات مواد سامة، وتذكر بأنك عندما تقوم بعملية تخدير فإنك تقرر أن تسمم شخصًا، لا أن تقتله؛ لذلك أعطه أقل كمية ممكنة®.
وفي المسألة السابقة ذكرنا أن الخطأ في التخدير يمكن أن يترتب عليه آثار كثيرة وخطيرة، منها الموت.
ولكن الحديث هنا عن آثار التخدير المرضية في الحالات العادية، أي حين لا يكون هناك تقصير من قبل طبيب التخدير، وإنما تكون المشكلة في المريض نفسه، من تأثره بأدوية التخدير مع عدم اكتشاف أمراض معينة عند فحصه الأولي.
أو في حالات تكرار العملية لأكثر من مرة؛ لوجود حاجة لذلك، هل يمكن أن تنشأ عن ذلك حالات مرضية، أو وجود بعض الأعراض؟
وهل يجب على طبيب التخدير إعلام المريض بذلك؟
وهل تنشأ عن هذه الأمراض حقوق للمريض يمكنه مطالبة الطبيب بتعويضات بناء عليها؟
وفي مثل هذه الحالات، وكذلك في مثل المسألة السابقة حين يقع خطأ من طبيب التخدير، ويحاول الطبيب إنقاذ حياة المريض بعمل ما يجب عمله من وسائل الإنعاش المتعارفة، أقول في مثل هذه الحالات قد يعود القلب إلى النبض مرة أخرى، ويعود التنفس إلى حالته الطبيعية، ولكن المريض قد يفقد مجموعة من الحواس، فيعيش بدون سمع، أو بصر، أو غير قادر على الحركة، أو يفقد جميع حواسه، ويبقى حيًا حياةً نباتية.
وهنا يتساءل بعض الأطباء: هل يبادر إلى إنقاذ حياة المريض مع احتمال إصابته بمثل هذه الأمور التي تزيد في معاناته، وربما تعرض الطبيب بسببها إلى تكاليف باهضة عليه، وعلى عاقلته؟
أو يتوقف عن عمل الإنقاذ القلبي الرئوي مخافة وقوع مثل هذه الأمور؟(1/32)
وهذا السؤال قد وجهه إلي مباشرة استشاري التخدير ورئيس قسم التخدير في مستشفى الملك فهد بالهفوف الدكتور إيهاب فتحي، وقد ذكر أنه ينصح كل من يعمل تحت يديه بالمبادرة إلى عمل ما يجب عمله، وإن ترتب عليه مثل هذه النتائج؛ لأن المريض قد يفيق وبحالة طبيعية، بدون تعرضه لأي أمراض أخرى، أو يتعرض لأمراض يمكن السيطرة عليها وعلاجها، ولا يجوز أن يجعل الخوف من وقوع مثل هذه الحالات سببًا لعدم الإقدام على الإنقاذ.
المسألة الحادية عشرة: التخدير لإجراء العمليات التجميلية.
العمليات الجراحية التجميلية وقع فيها نزاع بين أهل العلم في حلها وحرمتها، وهي تختلف اختلافًا كثيرًا من حيث أماكنها، ومن حيث أثر عدم فعلها على النفس، ويمكن تقسيمها إلى جراحات تجميليه ضرورية، وجراحات تجميلية حاجية، وجراحات تجميلية تحسينية.
والسؤال هل يجوز لطبيب التخدير أن يشارك في العمليات التجميلية مطلقًا؟ أو يجوز له المشاركة بضوابط.
المسألة الثانية عشرة: التخدير لإجراء عمليات الإجهاض.
يختلف حكم إجهاض الجنين بالنظر إلى مرحلة وجوده في بطن أمه، وبالنظر إلى السبب المقتضي لذلك.
وفي بعض حالات الإجهاض يستدعي الأمر إعطاء المرأة مخدرًا عامًا، فهل يجوز تخديرها لإجراء عملية الإجهاض؟
المسألة الثالثة عشرة: تخدير الحيوان بقصد تذكيته وذبحه.
هناك طرق كثيرة في تخدير الحيوان، منها:
1- التيار الكهربائي.
2- الإبرة المنومة.
فهل تعتبر الذبيحة في حالة التخدير ميتة؟ وهل يؤثر على خروج الدم بصورة طبيعية منها؟
الفصل الرابع: الحكم على مسائل التخدير من خلال تطبيق القواعد الفقهية
وسأذكر القاعدة مبينًا معناها، ثم كيفية تطبيقها على المسألة الحادثة.(1/33)
القاعدة الأولى: المشقة تجلب التيسير(1).
أولا: معنى القاعدة.
هذه القاعدة إحدى قواعد الفقه الكبرى، وهي تفيد أن الجهد والعناء والتعب والعنت الخارج عن المعتاد، الذي يصيب بدن الإنسان أو نفسه هو سبب شرعي يجلب التخفيف والتيسير, بحيث تزول أو تهون تلك الشدة والصعوبة.
وهذا التخفيف والتيسير إما أن يكون بسقوط ما يعجز عن فعله أو يشق عليه، أو تخفيفه، وإما بإباحة ما يحتاج أو يضطر إليه مما يكون حرامًا في الأصل(2).
والمشقة الجالبة للتيسير لا بد أن تكون معتبرة بنص، أو بقياس على معنى النص(3)، ويلاحظ فيها درجة الوجوب أو التحريم في العمل الذي وجدت فيه المشقة، فليس كل واجب يسقط أو يخفف بناء على المشقة، وليس كل محرم يباح بناء عليها كذلك.
__________
(1) انظر في القاعدة: الأشباه والنظائر لابن نجيم (84)؛ الأشباه والنظائر لابن السبكي (1/48- 49)؛ المنثور (3/171)؛ الأشباه والنظائر للسيوطي (76)؛ قاعدة المشقة تجلب التيسير للباحسين؛ الممتع في القواعد الفقهية (153).
(2) ذكر الزركشي في الدر المنثور (3/171) أن المشقة المعتبرة في التيسير هي ما تكون عامة بالنظر إلى وقوعها، وبنى على ذلك أنها إذا كانت نادرة لم تراع في التخفيف، ومثل له أن المستحاضة تتوضأ لكل فريضة، وتقضي المتحيرة الصلاة، وغير ذلك من الفروع التي فيها مشقة على المكلف ولم تراع في التخفيف عنه.
فقوله عامة لا يريد به أن تكون بالنسبة إلى الناس، ولو أراد هذا لجعل في مقابل العام أن تكون خاصة، وإنما المراد أنه مما يكثر وقوعها، سواء كان لشخص واحد أو غيره.
(3) من الأمثلة على مشقة غير معتبرة: ما يقع لبعض الناس من الحرج في فعل بعض الواجبات، أو ترك بعض المحرمات، فيقول: أحرج من الفعل، أو أحرج من الترك، ومقصوده بالحرج أنه يشق عليه أن يطبق الواجب أو يترك المحرم أمام نوعية من الناس، بسبب ردود أفعالهم؛ كالاستغراب والاستنكار والسخرية.(1/34)
ثانيًا: تطبيق القاعدة على مسائل التخدير.
1- يجوز تخدير المريض تخديرًا عامًا إذا كانت حالته تستدعي إجراء عمليات جراحية لا يمكن عملها إلا بهذا.
2- هل يجوز تخدير المرأة الحامل لأجل الولادة في الحالات الطبيعية؟ وهل المشقة المصاحبة للولادة معتادة؟ بناء على ما ذكره بعض أطباء التخدير أن أضرار التخدير قليلة جدًا وأن آلام الولادة شديدة، وبخاصة في المرة الأولى، وأن التخدير له أثر إيجابي على صحة الجنين؛ فإنه قد يقال بالجواز، وبالنظر إلى أن الضرر قد يقع من التخدير، وقد وجدت حالات أصابها شلل، أو انطلاق للبول والغائط، أو آلام في الرأس مستمرة، أو في الظهر، وأن مشقة الطلق مشقة معتادة بالنظر إلى أنها يمكن تحملها في المعتاد، فقد يقال يحرم التخدير لأجل الولادة الطبيعية.
بل إن بعض الأطباء يرى أن الإحساس بالألم يزيد من الترابط بين الأم ومولودها(1).
كما أن طبيب التخدير قد يكون رجلا –وهو الغالب-؛ فإنه سيطلع على عورة المرأة من أجل تخديرها، والعورة لا يجوز كشفها إلا عند الضرورة أو الحاجة.
القاعدة الثانية: الضرورات تبيح المحظورات(2).
أولا: معنى القاعدة.
الضرورة هي حالة تطرأ على الإنسان بحيث لو لم تراع لجزم أو خيف أن تضيع مصالحه الضرورية(3)؛ كأن يتلف له عضو، أو مال، أو تذهب نفسه كلها، أو يقع به ألم شديد لا يمكن تحمله، فهذه الضرورة تبيح لمن وقعت له أن يفعل المحرم الذي تعين طريقًا لدفع الضرر عنه.
ومن شرط القاعدة أن تكون مفسدة فعل المحرم أقل من مفسدة حصول الضرر، وهو ما يفيده المعنى السابق لها.
__________
(1) انظر: الألم طبيعته وعلاجه (270- 271).
(2) انظر في القاعدة: الأشباه والنظائر لابن نجيم (94)؛ الأشباه والنظائر لابن السبكي (1/45)؛ المنثور للزركشي (2/317- 320)؛ الأشباه والنظائر للسيوطي (84).
(3) انظر: رفع الحرج للباحسين (438)؛ المطلع على أبواب المقنع (172)؛ المنثور للزركشي (2/319).(1/35)
فإن كانت المفسدة المترتبة على فعل المحرم أعظم من المفسدة التي تقع للمكلف باحتماله ما يضر به؛ لم يكن المحرم مباحًا في هذه الحالة.
أما إن كانت مساوية فهي في محل نظر واجتهاد، ويختلف الحكم بها باختلاف الأحوال.
وكثيرًا ما يكون الواقع الذي يشاهده من حصل له مثل هذا مشتملا على مرجح لأحد الجانبين على الآخر.
ويتبين هذا أكثر بالقاعدة التالية، وفيها سأبين مراتب المحرمات إن شاء الله.
ثانيًا: تطبيق القاعدة على مسائل التخدير.
1- المخدِّر يحرم استعماله؛ لما فيه من الضرر، لكن عند الضرورة لإجراء عملية جراحية لا يمكن إجراؤها إلا بالتخدير، فإنه يباح استعماله.
2- في بعض الحالات الإسعافية التي يتعذر فيها أخذ إذن المريض أو وليه يجوز إعطاء المخدر لإجراء عملية ضرورية، مع أخذ تواقيع اثنين من الاستشاريين أو الأخصائيين، وتوقيع أحد الإداريين في المشفى.
القاعدةالثالثة: الحاجة قد تنزل منزلة الضروة(1).
أولا: معنى القاعدة.
الحاجة هي التي يترتب على عدم مراعاتها ضيق وحرج، دون أن تضيع المصالح الضرورية(2)، وهذه الحاجة قد يكون لها أثر في إباحة بعض المحرمات.
وليس شرطًا أن تكون الحاجة متعلقة بمجموعة من الناس، بل حتى الحاجة المختصة بشخص واحد يمكن أن تكون سببًا في التخفيف وإباحة المحرم في بعض الحالات.
__________
(1) انظر في القاعدة: الأشباه والنظائر لابن نجيم (100)؛ شرح القواعد الفقهية (210)؛ المنثور (2/25)؛ الأشباه والنظائر للسيوطي (88)؛ المدخل الفقهي العام (2/997، ف603).
(2) انظر: القواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية في كتابي الطهارة والصلاة (288)؛ المنثور (2/319)؛ رفع الحرج للباحسين (439)؛ معجم لغة الفقهاء (171).(1/36)
وهذه القاعدة يذكرها الفقهاء بدون قيد التقليل، وإنما زدته دفعًا لإيهام أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة مطلقًا(1)، فهذا لم يقل به أحد من أهل العلم؛ فإنهم يفرقون بين الحاجة والضرورة، ولا يجعلون الحاجة بمنزلة الضرورة في إباحة جميع المحرمات التي تباح بالضرورة، وإنما مرادهم بالقاعدة أن الحاجة لها أثر في إباحة بعض المحرمات، كالضرورة، مع اختلاف إباحة المحرمات في الحاجة عن الضرورة.
وإنما تتضح حدود القاعدة بذكر أقسام المحرمات، وما يباح منها لأجل الضرورة، وما يباح لأجل الحاجة.
ثانياً: أقسام المحرمات(2).
تنقسم المحرمات إلى أقسام مختلفة باعتبارات متعددة.
التقسيم الأول: من حيث اشتمالها على مفاسد، أو إفضاؤها إليها.
وتتنوع بهذا الاعتبار إلى نوعين:
النوع الأول: ما حرم لاشتماله على المفسدة، وهو ما يسمى بالمحرم تحريم المقاصد.
فهذا النوع محرم لأنه بذاته مفسدة؛ كالشرك بالله، وأخذ زيادة على المدين؛ لأجل القرض، ونحو ذلك من أكل أموال الناس بالباطل.
النوع الثاني: ما حرم لأنه وسيلة وذريعة إلى المحرم، بحيث لو انفك عن كونه وسيلة إلى المحرم لم يكن محرماً، ولكنْ تحريمُه من باب سد الذرائع.
التقسيم الثاني: من حيث إباحتها في حال دون حال، وتحريمها في جميع الأحوال.
وتتنوع بهذا الاعتبار إلى نوعين:
النوع الأول: ما يقطع بأن الشرع لم يبح منه شيئاً، لا لضرورة، ولا لغير ضرورة، كالشرك والفواحش والقول على الله بغير علم، والظلم المحض.
لكن قد يكون الاضطرار إليها مخففًا من الإثم فيها، لا مبيحًا لفعلها، كمن أكره عل الكفر جاز له التلفظ به ظاهرًا، لا اعتقاده باطنًا.
__________
(1) انظر: المواهب السنية (1/287- 288)؛ فقه الضرورة وتطبيقاته المعاصرة (53).
(2) انظر: القواعد والضوابط الفقهية للمعاملات المالية عند ابن تيمية (517- 519).(1/37)
النوع الثاني: ما هو محرم في حال دون حال، وليس تحريمه تحريماً مطلقاً في جميع الأحوال، كالدم والميتة ولحم الخنزير، فإنه يباح عند الضرورة إليه، وكذلك الخمر تباح لدفع الغصة باتفاق أهل العلم، ويباح شرب النجاسات عند العطش، إن كانت تدفع العطش، وإلا فلا تباح، وكذلك بيع الغرر، هو من جنس الميسر، ويباح منه أنواع عند الحاجة ورجحان المصلحة، وكذلك الربا، حرم لما فيه من الظلم، وأوجب الشارع ألا يباع الشيء إلا بمثله، ثم أباح بيعه بجنسه خرصاً عند الحاجة.
وبهذا يتضح أن ما حُرِّم سداً للذريعة، أو حُرِّم في حال دون حال: أخفُّ مما حرم تحريم المقاصد، أولم يبح في حال من الأحوال.
التقسيم الثالث: من حيث الصفات الذاتية.
وتتنوع بهذا الاعتبار إلى نوعين:
النوع الأول: ما حرم لخبثه؛ لمعنى قام فيه، كالدم والميتة ولحم الخنزير والخمر.
النوع الثاني: ما حرم لكسبه، كالمأخوذ ظلماً بأنواع الغصب، من السرقة والخيانة والقهر، وكالمأخوذ بالربا والميسر، وكالمأخوذ عوضاً عن عين أو نفع محرم، كثمن الخمر والدم والخنزير والأصنام، ومهر البغي وحلوان الكاهن، وأمثال ذلك.
وتحريم الظلم وما يستلزم الظلم، أشد من تحريم ما حرم لخبثه؛ لأن الله إنما حرم الخبائث من المطاعم لما فيها من تغذية خبيثة، وإباحتها للمضطر لأن مصلحة بقاء النفس مقدم على دفع هذه المفسدة، مع أن ذلك عارض لا يؤثر فيه -مع الحاجة الشديدة- أثراً يضر، وأما الظلم فمحرم قليله وكثيره، وحرمه تعالى على نفسه، وجعله محرماً على عباده.
وكل نوع من هذه الأنواع تتفاوت درجات المحرمات فيها، شدة وخفة.
وبناء على ذلك يمكن أن يقال:
1- المحرمات تحريم مقاصد لا تباح إلا للضرورة، وما كان محرمًا تحريم وسائل يباح للحاجة(1).
2- ما حرم في جميع الأحوال لا يباح لا للحاجة ولا للضرورة.
__________
(1) انظر: القواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية في كتابي الطهارة والصلاة (288).(1/38)
3- يباح من المحرمات ما يكون في عدم فعله ضرر أشد من فعله، بحيث يكون ما يترتب على الامتناع عن الفعل أعظم محذورًا من إتيان المحظور(1).
ثالثًا: تطبيق القاعدة على مسائل التخدير.
1- الحاجة إلى التخدير في الجراحة الطبية لا تخلو من ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن تصل إلى مقام الضرورة، وهي الحالة التي يستحيل فيها إجراء الجراحة الطبية بدون تخدير، كما في جراحة القلب المفتوح، ونحوها من أنواع الجراحة الخطيرة، فهذه يباح فيها أخذ المخدر بلا إشكال.
الحالة الثانية: أن تصل إلى مقام الحاجة، وهي التي لا يستحيل فيها أجراء الجراحة الطبية بدون تخدير، ولكن المريض يلقى فيها مشقة فادحة، وقد لا يمكنه تحمل الألم، كما في بتر الأعضاء ونحوها، فهنا تنزل الحاجة منزلة الضرورة، ويباح أخذ المخدر العام؛ لأن ضرره مأمون في الغالب، وهو أقل من ضرر آلام تحمل الجراحة بدون مخدر.
الحالة الثالثة: ألا تصل إلى مقام الحاجة ولا الضرورة، بحيث لا توجد آلام مبرحة، ولا شديدة، ويمكن تحمُّل هذه الآلام بدون مشقة، ولكن المريض لا يريد أن يتعرض لأي ألم، وذلك كما في قلع السن في بعض الحالات، وعلاج بعض الجروح السطحية(2)، فهنا يباح استخدام المخدر الموضعي؛ لأنه لا يغيب العقل ولا يذهب الحواس، أما التخدير العام فلا يظهر جواز أخذه؛ لما فيه من تغييب العقل، والتعرض لإدخال السموم المحرمة إلى الجسم بدون حاجة لذلك، وليس في عدم تناول المخدر مفسدة تزيد على تناوله(3).
__________
(1) انظر: المدخل الفقهي (2/955).
(2) انظر: أحكام الجراحة الطبية (264).
(3) يذكر بعض أطباء التخدير أن بعض المرضى لا يتحملون الأذى والألم ولو كان يسيرًا، وأن تسكين الألم نوع من حفظ الصحة، وبناء على هذا قد تكون هذه الحاجة مبيحة لاستخدام المخدر العام.(1/39)
2- المخدر محرم في الأصل، ولكن تحريمه تحريم وسائل؛ لأجل ما فيه من إذهاب العقل، وما يمكن أن يقع به من أمراض جانبية، فإذا خلا عن هذه المحاذير، ووجدت حاجة تدعو إلى استعماله جاز ذلك.
3- في أشعة الرنين المغنطيسي قد توجد أصوات مزعجة ومؤذية، تسبب لبعض المرضى قلقًا واضطرابًا؛ فيجوز إعطاء المنوم لهم بقصد منع حصول الأذى، وبقصد تسكينهم –وبخاصة الأطفال- حتى تخرج صورة الأشعة سليمة.
4- يجوز استعمال المخدر في تخفيف بعض الآلام، سواء كان ذلك عن طريق الحقن في بعض الأوردة، أو بالتخدير الموضعي، أو عن طريق العقاقير بالفم.
5- إذا ثبت أن المخدر له أثر في علاج بعض الأمراض جاز استخدامه لذلك.
القاعدة الرابعة: الضرورة تقدر بقدرها(1).
أولا: معنى القاعدة.
هذه القاعدة تبين أن التصرف الذي يُستباح به المحرم لأجل الضرورة أو الحاجة يجب أن يُكتفى فيه بما يدفع تلك الضرورة، ولا تجوز الزيادة, فإذا أبحنا فعلًا من الأفعال المحرمة لأجل الضرورة أو الحاجة فيجب أن تكون هذه الإباحة مرتبطةً بالقدر الذي تندفع به الضرورة أو الحاجة, وتقدير الضرورة على نوعين:
النوع الأول: تقدير عام، ويُراد به وضع الضوابط والأسس العامة التي تبين أن هذا المحرم يباح لأجل هذه الضرورة بهذا القدر, دون تعرض للأشخاص, وهل هذا الشخص يمكن أن تُباح له هذه الضرورة أو لا, وهذا التقدير يقوم به العالم الذي يعرف دلائل الشريعة, وما يمكن أن يباح في حال الضرورة أو الحاجة وما لا يمكن, وما هي الضرورة والحاجة التي تبيح المحرم.
النوع الثاني: تقدير خاص، ويراد به تطبيق الضرورة على الواقع، واستباحة المحرم، وهذا يُرجع فيه إلى المكلف نفسه الذي وقعت له الضرورة أو الحاجة.
__________
(1) انظر في القاعدة: الأشباه والنظائر لابن نجيم (95)؛ شرح القواعد الفقهية (187)؛ المنثور (2/320 321)؛ الأشباه والنظائر للسيوطي (84).(1/40)
ويكتفى هنا بالظن الغالب في التقدير؛ لأن الظن معتبر في الشرعيات إذا كان عليه دليل صحيح.
ثانيًا: تطبيق القاعدة على مسائل التخدير.
1- يجب على طبيب التخدير أن يضع من المخدر ما يناسب نوعية الجراحة المطلوبة، دون زيادة لا يحتاج إليها.
2- عند إمكانية التخدير الموضعي لا يصار إلى التخدير العام الكلي.
3- يجب اختيار الطريقة الأقل ضررًا في التخدير وأكثر أمانًا.
4- لا يجوز التخدير عن طريق كشف العورة (فتحة الشرح) متى أمكن التخدير عن طريق الوريد ونحوه(1).
5- في رمضان ينبغي أن يحرص طبيب التخدير على أن تكون العمليات في الليل، حتى لا يضطر المريض للإفطار وإفساد صومه، أو يكون موعد العملية بعد رمضان، إذا لم يترتب على تأخيرها ضرر.
القاعدة الخامسة: ما جاز لعذر بطل بزواله(2).
أولا: معنى القاعدة.
تفيد هذه القاعدة أن ما جاز فعله بسبب عذر من الأعذار أو طارئ من الطوارئ أو عارض من العوارض فإنه يزول جوازه ومشروعيته بزوال العذر, ومعنى البطلان في القاعدة: أن الإباحة الطارئة بسبب الضرورة أو الحاجة تزول بزوال سببها, وأن الفعل الذي تلبس به المكلف بسبب ذلك يجب عليه تركه والانسلاخ منه, فلو استمر فيه فهو باطل لا حكم له, ويعبر عن هذه القاعدة بلفظ أوسع منها فيُقال: الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا(3).
ثانيًا: تطبيق القاعدة على مسائل التخدير.
1- إنما أبيح التخدير لأجل المرض، فإذا زال المرض زال جواز التخدير، ورجع الأمر إلى التحريم.
2- يجب التوقف عن التخدير إذا ثبت ضرره على المريض أثناء إجراء العملية الجراحية.
__________
(1) انظر: أحكام الجراحة الطبية (269- 271).
(2) انظر في القاعدة: الأشباه والنظائر لابن نجيم (95)؛ شرح القواعد الفقهية (189)؛ الأشباه والنظائر للسيوطي (85)؛ القواعد الكلية والضوابط الفقهية لشبير (222).
(3) انظر: القواعد والأصول الجامعة للسعدي (110).(1/41)
3- العمليات التي تتطلب التخدير العام تختلف الحاجة إليها، فمنها ما يكون سببه مرضًا من الأمراض التي يشرع التداوي منها، ومنها ما يكون سببه التجمل فقط، ولا يكون مرضًا يشرع التداوي منه، فهذا لا يباح لأجله أخذ المخدر؛ لعدم الضرورة والحاجة.
القاعدة السادسة: الوسائل لها أحكام المقاصد(1).
أولا: معنى القاعدة.
الوسائل هي الطرق التي يتوسل بها إلى حصول الشيء المقصود في ذاته، فهذه الوسائل تكون تابعة لما تحققه وتوصل إليه من المقاصد؛ فإن كانت المقاصد واجبة فهي كذلك، وإن كانت محرمة فهي كذلك، وإن كانت المقاصد مباحة أو مندوبة أو مكروهة فالوسائل كذلك.
ثانيًا: تطبيق القاعدة على مسائل التخدير.
1- إذا كانت العملية الجراحية لا يجوز فعلها؛ لم يجز تخدير المريض لأجلها، وذلك كعمليات الإجهاض المحرمة(2)، أو عمليات التجميل المحرمة(3).
2- وإذا حرم تخدير المريض في هذه الحالة يحرم أخذ مال في مقابل تخديره؛ لأن المال في مقابل التخدير الذي هو محرم بسبب تحريم المقصد من العملية.
3- في بعض الحالات تكون العملية الجراحية متعينة لعلاج المرض، فيجب تخديره في هذه الحالة.
القاعدة السابعة: الجواز الشرعي ينافي الضمان(4).
أولا: معنى القاعدة.
__________
(1) انظر في القاعدة: قواعد الأحكام (1/74، 177)؛ الفروق (61، رقم 58)؛ القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب إعلام الموقعين (500)؛ القواعد والأصول الجامعة للسعدي (10).
(2) انظر في أحكام الإجهاض وما يباح منه وما يحرم: أحكام الإجهاض في الفقه الإسلامي.
(3) انظر في أحكام العمليات التجميلية: الجراحة التجميلية عرض طبي ودراسة فقهية مفصلة؛ ندوة العلميات التجميلية بين الشرع والطب.
(4) انظر في القاعدة: ترتيب اللآلي في سلك الأمالي (1/609)؛ شرح القواعد الفقهية للزرقا (449)؛(1/42)
إذا كان الفعل مباحًا لفاعله شرعًا، أو صدر إذن من الشارع في فعل من الأفعال، وترتب على هذا الفعل ضرر، أو وقع به مفسدة، فلا ضمان على الفاعل.
وبمعنى هذه القاعدة قاعدة: المتولد من مأذون فيه لا أثر له، بخلاف المتولد من منهي عنه(1).
وأيضًا بمعنى هذه القاعدة قاعدة: التلف في يد الأمين غير مضمون إذا لم يتعد أو يفرط، وفي يد الظالم مضمون مطلقًا، أو ما ترتب على المأذون فيه فهو غير مضمون، والعكس بالعكس(2).
وفي هذا اللفظ إشارة إلى شرط من شروط إعمال القاعدة، وهو عدم وجود التعدي أو التفريط.
والتعدي: فعل ما لا يجوز من التصرفات أو الاستعمالات.
والتفريط: ترك ما يجب من الحفظ.
ولا يعني ذلك أن يكون المفرط أو المتعدي متعمدًا، بل يكون مخطئًا في تصرفه، وتجاوز ما يجوز له فعله.
وأما العمد فإنه يترتب عليه الملاحقة الجزائية، بحيث يجازى على فعله بما يستحقه شرعًا.
ومما يشترط في القاعدة ألا يكون الفعل المأذون فيه مشروطًا بسلامة العاقبة؛ فإن شرط فيه سلامة العاقبة وجب فيه الضمان.
ثانيًا: تطبيق القاعدة على مسائل التخدير.
1- لا يضمن الطبيب ما حدث للمريض من آثار المخدر مما لم يكن فيه سبب، ولم يتعد ولم يفرط، فالطبيب مأذون له شرعًا في ممارسة فعله، ومأذون له بتخدير هذا المريض عند حاجته لذلك، وهذا الإذن يمنع ترتب الضمان على فعله.
2- يضمن طبيب التخدير إذا زاد جرعة التخدير بدون معرفة مسبقة لحالة المريض وإمكانية تحمله لها.
3- إذا خالف المريض الذي أعطي مخدرًا لإجراء عملية جراحية نهارية لفترة يوم واحد التعاليم الموجهة له بشأن عدم القيام ببعض الأعمال؛ فإنه يضمن ما ترتب على تصرفه من أضرار للآخرين؛ لأنه لم يؤذن له بهذا الفعل في هذه الحالة.
__________
(1) انظر: المنثور للزركشي (3/163).
(2) انظر: القواعد والأصول الجامعة (50).(1/43)
4- إذا رفض المريض إعطاء الإذن بعلاجه، مع أن حالته سيئة، وتستدعي التدخل الجراحي، والتخدير؛ فإن قلنا بأن العلاج واجب؛ فلا حاجة لاستئذان المريض، ولا ضمان على الطبيب فيما حصل للمريض لو لم تنجح العملية؛ لأنه مأذون من الشارع، وإن قلنا إن التداوي والعلاج مباح وليس بواجب؛ لم يجز للطبيب التدخل، ولا ضمان عليه لو هلك المريض في هذه الحالة؛ لأن الشارع قد أذن له بعدم التدخل إلا بإذن المريض.
القاعدة الثامنة: يضاف الفعل إلى الفاعل لا إلى الآمر ما لم يكن مجبَِرًا(1).
أولا: معنى القاعدة.
إن العاقل المكلف مسؤول عن تصرفاته وأفعاله، فإذا فعل فعلا فيه الضمان، أو يترتب عليه حكم شرعي فإنه ينسب إليه الفعل، ويكون مسؤولا عن آثاره، وإن أمره غيره به.
لكن إذا كان الفاعل المأمور مجبرًا على الفعل، ولا يمكنه ألا يفعل فإن المسؤولية حينئذ تقع على الآمر.
وذلك في حالات:
الأولى: أن يكون المأمور مكرهًا على الفعل.
الثانية: أن يكون المأمور غير مكلف.
الثالثه: إذا كان الآمر ممن له حق الأمر، وتلزم طاعته؛ كالشارع، والحاكم، والأب.
وعلى هذا: فكل ما لا يصح فيه الأمر فالضمان على المأمور لا الآمر، وكل موضع يصح فيه الأمر فيجب الضمان على الآمر.
ثانيًا: تطبيق القاعدة على مسائل التخدير.
1- إذا طلب المريض من الطبيب أن يخدره لإجراء عملية جراحية، مع أن التخدير يضره، ففعل ذلك، فإن هذا لا يلغي الضمان عن الطبيب؛ لأن الفعل يضاف إليه لا إلى الآمر.
__________
(1) انظر في القاعدة: شرح القواعد الفقهية (443)؛ الوجيز للبورنو (378).(1/44)
2- إذا أمر استشاري التخدير الأخصائي أو الفني بإعطاء المريض نوعًا من المخدر، وفيه ضرر عليه؛ فإن كان الأخصائي أو الفني يعلم أن هذا مضر في هذه الحالة ومع ذلك نفذ كلام الاستشاري فالضمان عليه، وإن كان لا يعلم ذلك، أو يعلم لكن يعتقد أن هذه الحالة يمكن إعطاء المريض فيها هذا النوع، وأن الاستشاري أخبر منه في ذلك فالضمان يكون على الاستشاري؛ لأن الأخصائي والفني في حكم المجبر، فهو ينفذ أوامر من فوقه.
القاعدة التاسعة: إذا اجتمع المباشر والمتسبب يضاف الحكم إلى المباشر(1).
أولا: معنى القاعدة.
المباشر هو الفاعل للشيء بذاته، والمتسبب هو المفضي والموصل إلى مباشرة الفاعل.
وقد يقال له سبب.
فإذا استند إتلاف أموال الآدميين ونفوسهم إلى شخص باشر الإتلاف بنفسه، وشخص تسبب فيه ولم يباشره؛ تعلق الضمان بالمباشرة دون السبب؛ لأن المباشر هو العلة الفاعلة التي حصل بها الإتلاف.
وهذه القاعدة تشبه القاعدة السابقة: يضاف الفعل إلى الفاعل لا إلى الآمر ما لم يكن مجبرًا، إلا أن قاعدة اجتماع المباشر والسبب أوسع أثرًا، فلا ترتبط بوجود أمر.
لكن قد يكون المباشر نشأ فعله عن السبب، وكان السبب له تأثير كبير في وجوده، فإن كان المباشر لا عدوان فيه فالضمان على السبب، وإن كان المباشر فيه عدوان اشترك مع السبب في الضمان.
ثانيًا: تطبيق القاعدة على مسائل التخدير.
__________
(1) انظر في القاعدة: الأشباه والنظائر لابن نجيم (190)؛ شرح القواعد الفقهية (447)؛ المنثور (1/133)؛ الأشباه والنظائر للسيوطي (162)؛ قواعد ابن رجب (598، رقم 127).(1/45)
1- إذا قام بالعمل الطبي الواحد فريق متكامل، فيسأل كل واحد منهم عن خطئه؛ تطبيقًا للقاعدة: (إذا اجتمعت مباشرة الضرر مع التسبب فيه؛ فالمسؤول هو المباشر، ما لم يكن المتسبب أولى بالمسؤولية منه)، ويكون رئيس الفريق مسؤولا مسؤولية تضامنية عن فعل معاونيه إذا أخطأ في توجيههم، أو قصر في الرقابة عليهم(1).
2- إذا كان طبيب التخدير غير محسن في صنعته، مع علم إدارة المشفى بذلك فإن الضمان يكون مشتركًا بينهما.
القاعدة العاشرة: الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان(2).
أولا: معنى القاعدة.
إن الشيء إذا كان ثابتًا بدليل معتبر فحكمه ما كان ثابتًا بالحس ومشاهدًا بها.
ثانيًا: تطبيق القاعدة على مسائل التخدير.
إذا ثبت تفريط طبيب التخدير في عمله بدليل برهاني، فلا حاجة لوجود شهود على الفعل، بل يكفي وجود التقارير الطبية التي تبين أن هذا الفعل فيه تقصير.
القاعدة الحادية عشرة: يختار أهون الشرين(3).
أولا: معنى القاعدة.
حين يجتمع للمكلف فعلين كلاهما شر أو ضرر، ولا بد له منهما فإنه يختار أهونهما.
وتقدير الأهون إما أن يكون بالنظر إلى أثرهما في الواقع، أو إلى مراتب الفساد فيهما بالنظر إلى الأدلة الشرعية.
ثانيًا: تطبيق القاعدة على مسائل التخدير.
1- التخدير له آثار سلبية كثيرة عندما يكون المريض مصابًا ببعض الأمراض، أو حين يكون لديه تاريخ مرضي معين في أسرته، وهنا يدور الأمر بين ضررين؛ ضرر المرض، وضرر التخدير، فلا بد من مراعاة أشدهما ضررًا ودفعه، بإيقاع أخفهما.
__________
(1) قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 142 (8/15)، مجلة المجمع (عدد 15، ج 4، ص 680).
(2) انظر في القاعدة: ترتيب اللآلي (1/576)؛ شرح القواعد الفقهية (367).
(3) انظر في القاعدة: الأشباه والنظائر لابن نجيم 96، 98)؛ شرح القواعد الفقهية (197)؛ الأشباه والنظائر لابن السبكي (1/45)؛ الأشباه والنظائر للسيوطي (87)؛ قواعد ابن رجب (529، رقم 112).(1/46)
2- إذا ثبت أن المخدر له أثر في تسكين الألم، أو علاج بعض الأمراض جاز تعاطيه، ما لم يصل إلى حد الإدمان؛ لأن ضرر تعاطي المخدر أقل من ضرر الألم والمرض.
القاعدة الثانية عشرة: كل لفظ بغير قصد المتكلم لا يعتبر(1).
أولا: معنى القاعدة.
تعتبر النية والإرادة في الكلام شرطًا مهمًا في فهم المقصود، وفي ترتب أثر الكلام عليه؛ لأن القول لا يمكن أن يكون دالا على شيء بدون نية من صاحبه، وإلا كان هذيانًا وألفاظًا لا معاني لها.
ولكن قد لا يطلب من المتحدث نيته ومراده إذا كان يتكلم بكلام معروف للسامع، ليس فيه لبس ولا غموض، وهو عاقل واعي، يعرف اللغة التي يتكلم بها.
ثانيًا: تطبيق القاعدة على مسائل التخدير.
يحدث في حالات التخدير أن يتحدث المريض المستغرق في النوم بأشياء مفهومة، تتعلق بحقوق الله أو بحقوق عباده، كأن يقر على نفسه بالزنا، أو يقر بدين لفلان عليه، أو يطلق امرأته، وجميع هذه الأقوال غير معتبرة؛ لأنها عارية عن الإرادة والنية والقصد.
القاعدة الثالثة عشرة: كل اسم ليس له حد في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف(2).
أولا: معنى القاعدة.
إذا علق الشارع الأحكام على ألفاظ، ولم يبين حدود هذه الألفاظ، وليس لها في اللغة حد منضبط يمكن الرجوع إليه، فإنه يرجع إلى العرف لبيان هذه الألفاظ وتحديدها
ثانيًا: تطبيق القاعدة على مسائل التخدير.
الديات التي تثبت في ذمة الطبيب هي من قبيل الخطأ ولا شك، وليست عمدًا، إلا أن يكون قد تعمد فعل ذلك، فهذا له حكم آخر.
__________
(1) انظر في القاعدة: القواعد والضوابط الفقهية للمعاملات المالية عند ابن تيمية (1/453).
(2) انظر في القاعدة: القواعد للمقري (1/345)؛ الأشباه والنظائر لابن السبكي (1/51)؛ المنثور (2/356، 391، 396)؛ الأشباه والنظائر للسيوطي (98)؛ القواعد والضوابط الفقهية للمعاملات المالية عند ابن تيمية (2/103).(1/47)
وفي حالة الخطأ تكون الدية على العاقلة، فمن هي العاقلة التي تؤدي عن الطبيب دية الخطأ؟
والعاقلة عند بعض أهل العلم اسم ليس له حد في اللغة ولا في الشرع فيرجع فيه إلى العرف، فتكون عاقلة الطبيب ما تعارف عليه في مجتمعه؛ من جماعته الذين يكون بينه وبينهم صلات وزيارات وأواصر تعاون وتعاضد.
وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي أنه عند عدم وجود العشيرة أو العصبة التي تتحمل الدية، فإنه يجوز أن ينوب عنها عند الحاجة النقابات والاتحادات، والصناديق الخاصة التي يكونها العاملون بالجهات الحكومية، وذلك بناء على أن الأساس للعاقلة هو التناصر والتضامن(1).
القاعدة الرابعة عشرة: الثابت قطعًا أو ظاهرًا لا يؤخر لموهوم(2).
أولا: معنى القاعدة.
الشيء إذا كان ثابتًا بدليل قطعي، أو دليل ظني فإنه لا يجوز تأخيره وعدم فعله من أجل أمر متوهم.
ثانيًا: تطبيق القاعدة على مسائل التخدير.
إذا ثبت حاجة المريض إلى التخدير لإجراء عملية جراحية، وكان ظاهر أمره الصحة والسلامة بعد إجراء الفحوصات المعتبرة، لكن يخشى من وقوع آثار جانبية للتخدير بدون وجود دليل يدل عليها، فلا يجوز تأخير العملية لأجل هذه الأمور الموهومة.
القاعدة الخامسة عشرة: التكليف يتبع العلم(3).
أولا: معنى القاعدة.
إن التكاليف الشرعية إنما تلزم العبد بعد بلوغها إليه وتمكنه من معرفتها وتعلمها، وما لم يبلغه منها فإنها لا تلزمه.
ثانيًا: تطبيق القاعدة على مسائل التخدير.
يمكن أن يخرج على هذه القاعدة القول بعدم وجوب قضاء الصلاة على الشخص المخدَّر إذا لم يفق إلا بعد خروج وقتها، وكان التخدير قد بدأ به قبل دخول وقتها بزمن يتسع لفعلها.
__________
(1) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (عدد 16، ج 1، ص 794)، قرار رقم 145 (3/16).
(2) انظر في القاعدة: ترتيب اللآلي (1/592).
(3) انظر في القاعدة: القواعد والضوابط الفقهية للمعاملات المالية عند ابن تيمية (1/495).(1/48)
القاعدة السادسة عشرة: الأعمال بالنيات(1).
أولا: معنى القاعدة.
هذه القاعدة هي التي وردت في كثير من كتب القواعد بلفظ: الأمور بمقاصدها، وقد آثرت التعبير بلفظ الحديث النبوي لأنه أدل على المقصود(2).
ومعنى القاعدة: أن تصرفات المكلف مرتبطة بنيته صحة وفسادًا وثوابًا.
ويقصد بالنية أمران:
الأول: التقرب إلى الله جل وعلا، وهو الإخلاص، كما قال تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا}، والثواب وحصول الأجر متوقف على هذه النية.
الثاني: تمييز العمل وقصد التوجه إليه وطلبه، وهذا هو مقصود الفقهاء في حديثهم عن النية، ولا تصح العبادة إلا بهذه النية.
ثانيًا: تطبيق القاعدة على مسائل التخدير.
1- صحة صوم المخدَّر وإن امتد به التخدير من قبل الفجر إلى غروب الشمس؛ لأن النية وجدت، والأعمال بالنيات.
2- يكون طبيب التخدير محاسبًا من الناحية الجزائية إذا تبين أنه تعمد إلحاق الأذى بالمريض، أو تعمد إهمال حالته، حتى حصل له فساد عضو، أو هلاك نفس.
القاعدة السابعة عشرة: الغالب كالمحقق(3).
أولا: معنى القاعدة.
__________
(1) انظر في القاعدة: الأشباه والنظائر لابن نجيم (14 ،22)؛ شرح القواعد الفقهية للزرقا (47)؛ الفروق للقرافي (الفرق 18، 29، 130، 162)؛ الأشباه والنظائر لابن السبكي (1/54-93)؛ المنثور للزركشي (3/284-312)؛ الأشباه والنظائر للسيوطي (8-50).
(2) انظر: القواعد والضوابط الفقهية للمعاملات المالية عند ابن تيمية (1/330).
(3) انظر في القاعدة: قواعد المقري (1/241، رقم 17)؛ شرح المنهج المنتخب (110)؛ نظرية التقعيد الفقهي (451).
وأوسع من هذه القاعدة قاعدة: "ما قارب الشيء أعطي حكمه". انظرها في: المنثور (3/144)؛ الأشباه والنظائر للسيوطي (182)؛ نظرية التقعيد الفقهي (442).(1/49)
الشيء إذا كان يغلب على الظن وقوعه أو وجوده بناء على أدلة ظاهرة واضحة، فإنه يجعل كالشيء الواقع حقيقة، إذا كان لا يمكن ضبط الحقيقة والوقوف عليها يقينًا.
ويدخل تحت قولنا الأدلة: القرائن والشواهد والأحوال الظاهرة التي تؤيد الشيء الغالب وتقوي وجوده.
ويعبر كثير من الفقهاء عن هذا بقولهم: المظنة تقوم مقام الحقيقة عند خفائها وانتشارها(1).
فالوقوف على حقيقة الشيء قد لا تكون ممكنة؛ إما لكونه غير منضبط، أو لكونه خفيًا غير ظاهر، فيقوم الظن الغالب مقام الحقيقة.
ثانيًا: تطبيق القاعدة على مسائل التخدير.
1- المخدر الذي يعطاه الحيوان يحدث منه الموت في الغالب، وبخاصة إذا تأخر الجزار في ذبحه، وهذا يجعل الذبيحة كالميتة؛ لأن الغالب كالمحقق.
2- التخدير الكلي ناقض للوضوء؛ لأن خروج شيء من القبل أو الدبر متوقع وغالب، والمريض لا يشعر بنفسه، والحكم معلق على الغالب لا على الحقيقة.
لكن قد يقال: إن المخدَّر لا يخرج منه شيء أثناء التخدير.
وهذا يُرجع فيه إلى طبيب التخدير لمعرفة ذلك.
3- لا يجب الغسل بعد إفاقة المريض من البنج؛ لأنه لا يحصل منه إنزال في هذه الحالة، ولا يغلب عليه ذلك.
قائمة المراجع
1- أحكام الأدوية في الشريعة الإسلامية، د. حسن بن أحمد الفكي، مكتبة دار المنهاج، الرياض، ط1، 1425.
2- أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها، د. محمد بن محمد المختار الشنقيطي، مكتب الصديق، الطائف، ط1، 1413.
3- أحكام الإجهاض في الفقه الإسلامي، د. إبراهيم بن محمد قاسم بن محمد رحيم، سلسلة إصدارات الحكمة، ط1، 1423.
4- اختلاف الفقهاء، أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي/ ت 294، تحقيق: د. محمد طاهر حكيم، أضواء السلف، الرياض، ط1، 1420.
__________
(1) انظر: المغني (4/74)؛ حاشية ابن عابدين (3/720)؛ مواهب الجليل (3/286)؛ مجموع الفتاوى (21/240).(1/50)
5- الأشباه والنظائر، لزين الدين بن إبراهيم، المعروف بابن نجيم ت 970، تحقيق: محمد مطيع الحافظ، دار الفكر، دمشق، تصوير 1986م عن الطبعة الأولى 1983م.
6- الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي/ ت 911، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان ، الطبعة الأولى 1403.
7- الأشباه والنظائر، لتاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي/ ت 771، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد عوض، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1411.
8- الألم طبيعته وعلاجه، د. محمد كنعان، دار القبلة للثقافة الإسلامية جدة، مؤسسة علوم القرآن بيروت، ط1، 1406.
9- الأم، الإمام محمد بن إدريس الشافعي/ ت 204، تحقيق: د. أحمد بدر الدين حسون، دار قتيبة، ط1، 1416.
10- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علاء الدين علي بن سليمان المرداوي/ ت 885، تحقيق: د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي، ود/ عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة الأولى، 1414.
11- التاج والإكليل لمختصر خليل، أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري الشهير بالمواق/ ت 897، دار الفكر، ط2، 1398.
12- تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، الإمام برهان الدين أبي الوفاء إبراهيم بن محمد بن فرحون المالكي، دار الكتب العلمية.
13- تحفة المحتاج في شرح المنهاج، أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي/ ت 974، دار إحياء التراث العربي.
14- التداوي بالمحرمات، د. محمد علي البار، دار المنارة للنشر والتوزيع، جدة، ط1، 1416.
15- ترتيب اللآلي في سلك الأمالي، محمد بن سليمان الشهير بناظر زاده/ ت ؟، تحقيق: خالد بن عبد العزيز آل سليمان، مكتبة الرشد، الرياض، ط1، 1425.
16- تقرير القواعد، زين الدين عبد الرحمن بن شهاب الدين الدمشقي، الشهير بابن رجب/ ت 795، تحقيق: إياد بن عبد اللطيف القيسي، بيت الأفكار الدولية، ط1، 2004.(1/51)
17- جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، لزين الدين عبد الرحمن بن شهاب الدين الدمشقي، الشهير بابن رجب/ ت 795، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وإبراهيم باجس، مؤسسة الرسالة، ط3، 1412.
18- الجراحة التجميلية عرض طبي ودراسة فقهية مفصلة، د. صالح بن محمد الفوزان، دار التدمرية، الرياض، ط1، 1428.
- حاشية ابن عابدين = رد المحتار.
19- رد المحتار على الدر المختار، لمحمد أمين بن عمر أفندي الدمشقي، الشهير بابن عابدين/ ت 1252، دار الكتب العلمية.
20- روضة الطالبين، لمحيي الدين يحيى بن شرف النووي/ ت 676، دار الكتب العلمية.
21- زاد المعاد في هدي خير العباد، لمحمد ابن أبي بكر، الشهير بابن قيم الجوزية/ ت 751، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، عبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3، 1422
22- الطب الإسلامي عبر القرون، د. الفاضل العبيد عمر، دار الشواف للطباعة والنشر، الرياض، ط1، 1410.
23- شرح القواعد الفقهية، لأحمد بن محمد الزرقا/ ت 1357، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية، 1409.
24- شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب، لأحمد بن علي المنجور/ ت 995، تحقيق: محمد الشيخ محمد الأمين، دار عبد الله الشنقيطي للطباعة والنشر، بدون تاريخ.
25- شمس العرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه، نقله عن الألمانية: فاروق بيضون، كمال دسوقي، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط8، 1406.
26- الفروع، لشمس الدين محمد بن مفلح المقدسي/ ت 763، مراجعة وضبط: عبد اللطيف محمد السبكي، دار مصر للطباعة، 1379.
27- الفروق، لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي/ ت 684، تحقيق: عمر حسن القيام، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1424.
28- القاموس المحيط والقابوس الوسيط، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي/ ت 817، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1407.(1/52)
29- قواعد الأحكام في مصالح الأنام، لعز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي/ ت 660، تحقيق: د. نزيه كمال حماد، د. عثمان جمعة ضميرية، دار القلم، دمشق، ط1، 1421.
30- القواعد، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد المقَّري/ ت 758، تحقيق: د/ أحمد بن عبد الله بن حميد، نشر مركز إحياء التراث الإسلامي، مكة، جامعة أم القرى، بدون تاريخ.
31- القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب إعلام الموقعين، أبو عبد الرحمن عبد المجيد جمعة الجزائري، دار ابن القيم، دار ابن عفان، ط1، 1421.
32- القواعد الكلية والضوابط الفقهية في الشريعة الإسلامية، د. محمد عثمان شبير، دار الفرقان، الأردن، ط1، 1420.
33- القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة، لعبد الرحمن بن ناصر السعدي/ ت 1376، مكتبة الإمام الشافعي، الرياض، ط 2، 1410.
34- القواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية في كتابي الطهارة والصلاة، لناصر بن عبد الله الميمان، مطابع جامعة أم القرى، الطبعة الأولى، 1416.
35- القواعد والضوابط الفقهية للمعاملات المالية عند ابن تيمية جمعًا ودراسة، عبد السلام بن إبراهيم الحصين، دار التأصيل، مصر، ط1، 1422.
36- كشاف اصطلاحات الفنون، محمد علي بن علي بن محمد التهانوي الحنفي/ ت بعد 1158، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1 1418.
37- المبسوط شرح الكافي، لمحمد بن أحمد السرخسي/ ت 490، دار المعرفة، بيروت، 1409.
38- المجموع شرح المهذب، لمحيي الدين يحيى بن شرف النووي/ ت 676، دار الفكر، بيروت.
39- المحلى بالآثار، لعلي بن حزم الأندلسي الظاهري/ ت 456، تحقيق:د. عبد الغفارسليمان البنداري، دار الكتب العلمية، بيروت، 1408.
40- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي/ ت 770، اعتنى به: عادل مرشد، توزيع رئاسة البحوث العملية والإفتاء، بدون تاريخ.(1/53)
41- معجم تهذيب اللغة، أبو منصور محمد بن احمد الأزهري/ ت 370، تحقيق: د. رياض زكي قاسم، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1422.
42- معجم كتاب العين، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي/ ت 175، تحقيق: د. مهدي المخزومي، د. إبراهيم السامرائي، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية السورية، دار الرشيد، 1982.
43- معجم المصطلحات الطبية، د. محمد عبد اللطيف إبراهيم، طباعة ونشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1411.
44- المعجم الوسيط، تأليف: لجنة من العلماء بإشراف مجمع اللغة العربية، الطبعة الثانية.
45- المغني شرح مختصر الخرقي، لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي/ ت 620، تحقيق: د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي، ود/ عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1406.
46- مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، محمد بن أحمد الشربيني الخطيب/ ت ، دار الكتب العلمية.
47- مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا/ ت 395، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، 1411.
48- الممتع في القواعد الفقهية، مسلم بن محمد الدوسري، دار إمام الدعوة، الرياض، ط1، 1425.
49- المنثور في القواعد، لبدر الدين محمد بن بهادر الزركشي/ ت 794، تحقيق: د/ تيسير فائق أحمد محمود، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، مصورة بالأوفست عن الطبعة الأولى، بدون تاريخ.
50- مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي، المعروف بالحطاب/ ت 954، دار الفكر، ط2، 1398.
51- الموجز الإرشادي عن التخدير، د. جون ن. بون، ترجمة: د. سامي حسين محمد، نشر المركز العربي للوثائق والمطبوعات الصحية، ط1.
52- نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء، محمد الروكي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مطبعة النجاج الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 1414.(1/54)
53- نور العيون وجامع الفنون، صلاح الدين بن يوسف الكحال الحموي/ ت حوالي 696، تحقيق: د. محمد ظافر الوقائي، راجعه: د. محمد رواس قلعجي، نشر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ط1، 1407.
54- الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، د. محمد صدقي بن أحمد البورنو، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط5، 1415.
المجلات:
1- الحرس الوطني.
2- الصحة العربية.
3- الكيمياء، نشرة دورية تصدرها الجمعية الكيميائية السعودية.
4- صحة القلب، تصدر عن جمعية القلب السعودية.
5- مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.(1/55)