تذكير الفحول
بترجيحات
مسائل الأصول
تأليف
العبد الفقير إلى عفو ربه القدير
وليد بن راشد بن عبد العزيز بن سعيدان
( غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله بفضله يتحقق المأمول والشكر لله الذي هدانا لتذكير الفحول ببعض ترجيحات مسائل الأصول ، ووفقنا وامتن علينا بالكتابة في هذا الفن على منهاج الكتاب وسنة الرسول ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد :-
فإني قد كنت كتبت في زمن مضى - وأظنه قبل ثلاث سنوات - مختصراً في الترجيحات الأصولية وأعطيته من يبيضه ولكنه أضاع الأوراق هداه الله ووفقه لكل خير وانشغلت في هذه الفترة الطويلة بمشاريع أخرى ، وبينما أنا أقلب الأوراق في مكتبتي وجدت المسودة في هذه الترجيحات فتأثمت أن تبقى هذه الأوراق رهينة الاعتقال في درج من أدراج المكتبة والطلاب في أحوج ما يكون لها ، فراجعت هذه الاختيارات وأضفت عليها ما توصلنا إليه في هذه المدة ورتبتها وسأتولى كتابتها في كل مراحلها إن شاء الله تعالى ، وهي عبارة عن ترجيحات المسائل الأصولية التي طال البحث في دراستها والنظر في أدلة كل فريق من خلال كتابي ( إتحاف الطلاب بأصول الفقه في سؤال وجواب ) ومن خلال كتابي ( تحرير القواعد وجمع الفرائد ) وسأسرد لك هذه الاختيارات سرداً ليسهل عليك الإطلاع عليها واستذكارها والإحاطة بما فيها ، وهيا إلى المقصود حتى لا نطيل والله المستعان وعليه التكلان .
* الصحيح أن أول من ألف في أصول الفقه باعتباره فناً مستقلاً هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، ومن قال غير ذلك فليأت ببرهانه إن كان من الصادقين .
* والصحيح أن تعلمه من فروض الكفايات وهو رأي جمهور الأصوليين واختيار أبي العباس بن تيمية ، ويتأكد على من تأهل للقضاء والفتوى .(1/1)
* والصحيح أن الفقه معناه لغة الفهم مطلقاً أي فهم المراد واختاره ابن القيم وهو الذي رجحه كثير من اللغويين والأصوليين كالباجي وابن عقيل وابن قدامة والآمدي والجوهري والصفي والهندي والاسنوي وغيرهم .
* والصحيح انقسام الحكم الشرعي إلى تكليفي ووضعي . وكأن الخلاف بينهم في هذه المسألة لفظي .
* والصحيح هو أن الواجب والفرض مترادفان إلا أن الفرض أعلى درجات الوجوب .
* والصحيح أن الواجب ينقسم باعتبار وقته إلى موسع ومضيق وهو مذهب جمهور الأصوليين واختاره شيخ الإسلام وتلميذه العلامة ابن القيم .
* والصحيح أنه ينقسم باعتبار ذاته إلى معين ومخير وهو مذهب جمهور أهل السنة واختاره أبو العباس وتلميذه العلامة بل نقل القاضي أبو بكر الباقلاني إجماع سلف الأمة وأئمة الفقهاء عليه خلافاً للمعتزلة .
* والصحيح في أن الوجوب يتعلق في الواجب المخير بواحد لا بعينه ويترك تحديده إلى المكلف .
* والصحيح أن من أخر الواجب الموسع عازماً على فعله ثم مات في الوقت قبل التمكن من فعله فإنه لا يموت عاصياً واختاره أبو العباس وتلميذه العلامة ابن القيم .
* والصحيح أن الواجب العيني أفضل من فرض الكفاية واختاره أبو العباس بن تيمية .
* والصحيح أنه يكفي في سقوط فرض الكفاية غلبة الظن ، فإذا غلب على ظنه أن طائفة قد عملت به سقط الطلب في حقه واختاره أبو العباس بن تيمية .
* والصحيح أن فروض الكفايات تتعين على من لم يقم بها غيره واختاره أبو العباس رحمه الله تعالى.
ومن غلب على ظنه في الواجب الموسع أنه يموت في هذا الوقت فإنه يجب تقديمه فلو لم يمت ثم فعله فهل يكون أداءً كقول الجمهور أو قضاء كقول الباقلاني وغيره ، فيه نزاع والحق أنه نزاع لفظي ولا تأثير لهذا النزاع في الأحكام لأن الصلاة صحيحة على مذهب الجميع , واختاره أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى .(1/2)
* والصحيح أن الأمة لا تأثم بترك فرض الكافية كلها كما يقوله بعض الأصوليين وإنما يأثم العالم القادر فقط والله أعلم .
* والصحيح أن ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب , وأما ما لا يتم الواجب المطلق إلا به فإنه واجب .
* والصحيح أن الغاية لا تبرر الوسيلة إلا بدليل شرعي صحيح صريح .
* والصحيح أن الوسائل لها أحكام المقاصد , فوسائل الواجب واجبة ووسائل المندوب مندوبة ووسائل الحرام حرام ووسائل المكروه مكروهة ووسيلة المباح مباحة .
* والصحيح أن من دخل الوقت الموسع ولم يفعله حتى تضايق الوقت عن فعل العبادة ثم طرأ المانع من حيض أو نفاس فإنه يجب على المكلف أن يقضي ذلك الفرض بعد زوال المانع واختاره أبو العباس بن تيمية .
* والصحيح أن من كان به مانع من أداء الفرض في الواجب الموسع ثم زال المانع قبل خروج الوقت بركعة فإنه يلزمه أداء هذا الواجب واختاره أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى .
* والصحيح أنه إذا نسخ الإيجاب ثبت الاستحباب واختاره ابن عقيل والقاضي أبو يعلى وشيخ الإسلام بن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم .
* والصحيح أن العبادة المؤقتة بوقت محدد ابتداء وانتهاء فإنها تفوت بفوات وقتها إلا من عذر فلا تبرأ الذمة بفعلها بعد خروج وقتها إلا إذا كان التفويت حصل لعذر شرعي ومسوغ شرعي وهو مذهب بعض الأصوليين ومذهب الظاهرية واختاره أبو العباس بن تيمية رحم الله الجميع رحمة واسعة .
( فصل )
* والصحيح أن المندوب مأمور به حقيقة أي أن الشارع قد أمر به لكن ليس على وجه الحتم والإلزام, بل على وجه الاختيار والترغيب والأفضلية والتوسعة وهو مذهب جمهور العلماء واختاره أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى وتلميذه العلامة ابن القيم وله تحقيق في ذلك من أحسن ما قرأت وتجده في بدائع الفوائد .(1/3)
* والصحيح أن العبادة الواردة على وجوه متنوعة فإنها تفعل على جميع وجوهها في أوقات مختلفة هذا هو السنة واختاره أبو العباس وتلميذه ابن القيم .
* والصحيح أن كل سنة أدى فعلها إلى الوقوع في محرم فالمشروع تركها واختاره أبو العباس وابن القيم .
* والصحيح مشروعية ترك المندوب أحياناً حتى لا يصف مصاف الفرض المؤكد واختاره أبو العباس وهذا في الندب غير المؤكد وأما الندب المؤكد فإنه يواظب عليه .
* والصحيح أن المندوب إذا كان شعاراً للرافضة فإنه يترك في حال اختلاط أهل السنة بالمبتدعة إذا لم يحصل التمييز بين الطائفتين إلا بذلك ولا يترك على وجه الدوام بل في حال دون حال حتى يحصل مقصود التمييز .
* والصحيح مشروعية ترك السنة أحياناً لمصلحة التعليم أو لتأليف القلوب .
* والصحيح أن المسنون في حق النبي صلى الله عليه وسلم مسنون في حق أمته إلا بدليل الاختصاص والصحيح أن المسنون في حق واحد من الأمة فإنه مسنون في حق الأمة إلا بدليل الاختصاص .
* والصحيح أن تارك المندوب يذم فيما إذا كان المندوب متأكداً وتركه على وجه الدوام كترك السنن الرواتب أو الوتر ونحوها واختاره أبو العباس بن تيمية .
* والصحيح أن المندوب لا يلزم بالشروع فيه إلا في النسكين خاصة وهو مذهب جماهير أهل العلم من الفقهاء والأصوليين واختاره شيخ الإسلام خلافاً لكثير من الحنفية , لكن إتمامه أفضل وإن قضاه بعد قطعه فحسن جداً .
* والصحيح أن المندوب منه ما هو عيني ومنه ما هو كفائي واختاره ابن تيمية .
* والصحيح أن المندوب يقضى إذا خرج وقته إن كان فواته لعذر فقط واختاره أبو العباس رحمه الله تعالى .
* والصحيح أن جنس المندوبات أوسع من جنس الواجبات أي أنه يرخص في العبادة المندوبة ما لا يرخص في العبادة الواجبة واختاره ابن تيمية رحمه الله تعالى . والندب حكم شرعي يفتقر في ثبوته لدليل شرعي صحيح صريح .
( فصل )
* والصحيح أن الإباحة قسم من أقسام التكليف .(1/4)
* والصحيح أن الأصل في الأشياء الحل والإباحة إلا بدليل واختاره ابن تيمية .
* والصحيح أن الأصل في الحيوانات برية كانت أو بحرية الحل إلا بدليل .
* والصحيح أن الأصل في النباتات برية كانت أو بحرية الحل إلا بدليل .
* والصحيح أن الأصل في الأطعمة والأشربة الحل إلا بدليل واختاره ابن تيمية .
* والصحيح أن الأصل في نكاح النساء الحل والإباحة إلا ما نص الدليل على تحريمها .
* والصحيح أن الأصل في المفروشات والملبوسات الحل إلا بدليل .
* والصحيح أن الأصل في الماء الطهورية إلا بدليل واختاره ابن تيمية وحكي إجماعاً .
* والصحيح أن الأصل في الآنية الحل والإباحة والطهارة إلا بدليل واختاره ابن تيمية .
* والصحيح أن الأصل في المعاملات الحل إلا بدليل واختاره ابن تيمية .
* والصحيح أن الأصل في الشروط في المعاملات والأنكحة الحل إلا بدليل واختار ابن تيمية .
* والصحيح أن الأصل في العادات العفو إلا بدليل واختاره ابن تيمية .
* والصحيح أن المباحات تنقلب عبادات بالنيات الصالحات واختاره ابن تيمية وابن القيم .
* والصحيح أن المباح باعتبار النظر إلى ذاته غير مأمور به واختاره ابن تيمية .
( فصل )
* والصحيح أن ما حرم لسد الذريعة فإنه يباح للحاجة والمصلحة الراجحة واختاره أبو العباس رحمه الله تعالى .
* والصحيح أن المحرمات تتفاوت باعتبار نفس التحريم , وباعتبار العقوبات المترتبة عليها في الدنيا والآخرة واختاره ابن تيمية رحمه الله تعالى .
* والصحيح أن تحريم الشيء يقتضي تحريم كل جزء منه إلا ما استثني واختاره ابن تيمية .
* والصحيح أن الواحد بالنوع يكون طاعة أحياناً ومحرماً أحياناً كالسجود , فيكون بعض السجود واجباً كالسجود في الصلاة ويكون بعضه محرماً كالسجود للصنم ونحو ذلك وهو مذهب جماهير أهل العلم , بل هو قول أهل السنة واختاره ابن تيمية رحمه الله تعالى .(1/5)
* والصحيح أن مباشرة الحرام للتخلص منه جائزة واختاره أبو العباس وتلميذه العلامة ابن القيم رحمهما الله تعالى .
* والأقرب بطلان الصلاة في الدار المغصوبة وهو قول أبي العباس في رواية عنه والمشهور من مذهب الحنابلة وبعض الأصوليين .
* والصحيح أن المحرم لا يترتب أثره إلا بذكر وعلم وإرادة واختاره أبو العباس .
* والصحيح أن ما لا يتم المحرم إلا به فهو محرم واختاره أبو العباس .
* والصحيح أن النهي إذا عاد إلى ذات العبادة أو شرط صحتها دل على فسادها وإن عاد إلى أمر خارج فلا لكن فاعله آثم .
* والصحيح أن التحريم لا يستلزم النجاسة أي ليس كل حرام نجساً .
* والصحيح أن الأصل في الميتات التحريم إلا ما علم حله .
* والصحيح أن الأصل في الفروج التحريم إلا ما علم حله .
* والصحيح ثبوت التحريم المخير ووقوعه شرعاً .
(فصل )
* والصحيح أن المكروه في لسان السلف الأوائل يراد به حقيقة التحريم غالباً أفاده أبو العباس بن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم .
* والصحيح أن الكراهة تزول عند الحاجة واختاره أبو العباس .
* والصحيح أن المكروه منهي عنه حقيقة لكن لا على وجه الحتم والإلزام بالترك لكن على وجه الترغيب في الترك والمباعدة فقط .
* والصحيح أن العبادة إن كانت تضعفه عما هو أفضل وأصلح منها أو كانت توقعه في مكروهات فإنها تكون مكروهة واختاره العباس بن تيمية .
* والصحيح أن ما يفعله الإنسان من قول أو عمل بلا حاجة إليه ولا مصلحة ترجى منه بل يعمل عبثاً فإنه يحكم عليه بأنه مكروه واختاره أبو العباس رحمه الله تعالى .(1/6)
* والصحيح أن ترك السنة الراتبة التي داوم عليها - صلى الله عليه وسلم - ولم يرد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه تركها ولو مرة لبيان أنها ليست راتبة فإن ترك هذا القسم ومخالفته يحكم عليها بأنها مكروهة , وأما السنة التي ليست براتبة بحيث إنه ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - عدم المداومة عليها فإن تاركها لا يوصف بأنه قد فعل مكروهاً واختاره أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى .
* والصحيح إن شاء الله تعالى أن وجود بعض الأمور المكروهة في التعبد لا يمنع من العبادة ولا من صحتها والله ربنا أعلى وأعلم .
( فصل )
* والصحيح الذي جرى عليه أهل السنة والجماعة رحم الله أمواتهم وثبت أحياءهم هو أن العقل يدرك حسن الأشياء وقبحها إلا أن ترتيب الثواب والعقاب لا يكون إلا بالشرع , وهو مذهب وسط بين المعتزلة الذين جعلوا العقل يستقل بتشريع الإيجاب لما هو حسن وتحريم ما هو قبيح , وبين الأشاعرة الذين قالوا إنه لا مدخل للعقل أصلا في إدراك حسن الأشياء وقبحها وكلا طرفي قصد الأمور ذميم والحق هو الوسط وهو ما هدى الرب جل وعلا إليه أهل السنة , فالعقل لا مدخل له في التشريع فلا يؤخذ الوجوب والتحريم من العقل , بل ذلك مرده الشرع , ولكن للعقل قدرة على إدراك أن هذا الفعل حسن وأن هذا الفعل قبيح , فقط هذه حدوده أما إيجاب ما هو حسن فلا يؤخذ من العقل بل من الشرع وكذلك الثواب على الفعل لا يؤخذ من العقل بل من الشرع , فالعقل يدرك أن هذا حسن لكن لا مدخل له في الأمر به , ولا في تقرير الثواب عليه , ويدرك أن هذا الفعل قبيح ولكن لا مدخل له في النهي عنه ولا في تقرير العقوبة عليه , وهذا هو فصل الخطاب في هذه المسألة التي طال حولها الجدل وهو خلاصة ما قرره أبو العباس بن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم في مواضع كثيرة من كتبهما .
* والصحيح أن شكر المنعم جل وعلا واجب بالعقل والشرع والفطرة السليمة .(1/7)
* واتفقت كلمة أهل السنة على أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها إلى الأدلة الصحيحة .
* والحق عند أهل السنة أن النقل مقدم على العقل إذا سلمنا أصلا تعارضهما .
* والحق عند أهل السنة أن العقل لا مدخل له في التشريع .
* واعلم بارك الله فيك أنه لا مدخل للعادات والتقاليد وأعراف الدول وسلوم القبائل والمرويات الضعيفة والنقول الواهية الموضوعة ولا للأحلام والرؤى أو المكاشفات في باب التشريع , بل التشريع وقف على الشارع كتابا وسنة أو ما تفرع عنهما من الإجماع الثابت أو القياس الصحيح .
* والصحيح أن المعدوم يتناوله الخطاب الشرعي بعمومه , فتوجيه الخطاب إليه صحيح فإذا كلف عمَّه ذلك الخطاب وهو مذهب جمهور العلماء وهو مقتضى كلام أبي العباس بن تيمية في مواضع كثيرة .
* والصحيح أن الصغير الذي لم يبلغ غير مكلف لا بالأمر ولا بالمناهي واختاره شيخ الإسلام بن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وهو مذهب جماهير أهل العلم .
* والصحيح أن التكليف لا ينقطع كله بعد الموت , بل إنما ينقطع بعض التكاليف الشرعية فالتكليف بعد الموت باق على وجه خاص , واختاره ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم والزركشي في البحر المحيط .
* والصحيح أنه لا تكليف إلا بعقل وفهم خطاب واختيار وهي قاعدة أبي العباس والقاعدة عنده تقول : التكاليف الشرعية منوطة بالقدرة على العلم والعمل .
* والصحيح أن من بلغ به السكر حداً لا يدري معه ما يقول ولا ما يفعل فقد ارتفع عنه التكليف واختاره ابن تيمية وابن القيم واختاره ابن قدامة والطوفي وابن عقيل وأكثر المتكلمين .
* والصحيح أن الغضبان جدا بحيث يغلق عليه عقله بسبب الغضب فلا يعي ما يقول ولا ما يفعل غير مكلف واختاره ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم .(1/8)
* والصحيح أن الجاهل الذي تعذرت في حقه أسباب التعلم ورفع الجهل عن نفسه معذور فيما ارتكبه من محذور أو فوته ممن مأمور , لأن رفع الجهل حكم شرعي والأحكام الشرعية منوطة بالاستطاعة وهذا غير مستطيع واختاره أبو العباس .
* والصحيح إن شاء الله تعالى أن المعتوه الذي لا يفهم الكلام ويخلط فيه وليس عنده حسن تدبير غير مكلف واختاره ابن القيم .
* والصحيح إن شاء الله تعالى أن من دخل حد الإكراه ومسماه فإنه غير مكلف واختاره أبو العباس على تفصيل عنده في بعض صور الإكراه يطلب من الفتاوى .
* والصحيح أن التكاليف الشرعية لا تلزم إلا بالعلم .
* والصحيح أن الكفار مخاطبون بفروع الإسلام ومخاطبون بشروط صحتها ومخاطبون بالتخلي عن موانعها , كل ذلك يخاطب به الكفار وهو مذهب جمهور الأصوليين , بل هو مذهب أغلب أهل العلم من الفقهاء والمحدثين والأصوليين واختاره ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم والشيخ الشنقيطي .
والقاعدة تقول : لا تكليف إلا بعلم ولا عقوبة إلا بعد إنذار .
* والصحيح أن المغمى عليه والنائم والناسي والغافل غير مكلفين أداء , ولكنهم مكلفون بالإتيان بالعبادة الواجبة المتروكة متى ما زال عذرهم .
* والصحيح أن الناسخ لا يكلف العبد به إلا بعد العلم به .
والجن مكلفون بكل ما كلف به الإنسي إلا بدليل لأن الأصل هو الاشتراك في التشريع وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بعث للثقلين عامة . والله تعالى أعلى وأعلم .
( فصل )
* والقاعدة تقول : ( لا تصح العبادات والمعاملات إلا بتوفر شروط صحتها وانتفاء موانعها ) .
* والأقرب أن الفاسد والباطل مترادفان .
* والصحيح أن الصحة والفساد من الأحكام الشرعية أي مرجعها إلى الشرع وهو قول الأكثر واختيار ابن تيمية وابن القيم .
* والأقرب أن العزيمة والرخصة من أحكام الوضع .
* والأصل في ربط العبادة بسبب التوقيف .(1/9)
* والصحيح أنه لا يجوز فعل العبادة قبل سبب وجوبها ويجوز فعلها بعد السبب وقبل شرط الوجوب واختاره ابن تيمية وابن القيم وجمع كثير من المحققين .
* والحكم يدور مع علته المنصوصة أو المجمع عليها وجوداً وعدماً .
* والأصل في الاشتراط الشرعي التوقيف على الدليل الشرعي الصحيح الصريح فمن ادعى شرطاً في عبادة فإنه مطالب بالنص المثبت لكونه شرطاً .
* والأصل في موانع الصحة الوقف على الدليل الشرعي الصحيح الصريح فمن ادعى مانعاً فإنه مطالب بالنص , فلا يجوز إثبات أن هذا مانع للحكم إلا إذا قام عليه دليل لما يترتب على ذلك من نفي الحكم وإثبات لحكم آخر فالواجب وقف الموانع على تقرر الكتاب والسنة , فما ذكره الكتاب والسنة أنه من جملة الموانع فهو المانع الذي تترتب على وجوده الأحكام وأما ما لا دليل عليه فدعه عنك والله أعلم .
* والأصل فيما فعله العبد من العبادات مستجمعة لشروطها وأركانها وواجباتها الصحة إلا بدليل واختاره الشيخ تقي الدين .
* والصحيح أن العبادة المنعقدة بالدليل لا تنقض إلا بالدليل .
* والأصل عدم البطلان إلا بالنص, وبناء عليه فمبطلات الوضوء توقيفية , ومبطلات الصلاة توقيفية وموجبات الغسل توقيفية , ونواقض التيمم توقيفية , ومفسدات الصوم توقيفية , ومحظورات الحج توقيفية , وهي ضوابط مهمة لابد من فهمها .
* والصحيح أن نفي القبول إن كان لفوات شرط أو تخلف ركن فالمقصود به نفي الصحة , وإن كان بسبب ارتكاب محرم لا تعلق له بالصلاة فإنه يدل على بطلان الأجر وعدم قبوله لكن الفعل في ذاته صحيح, فالأول : كقوله " لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ " وكقوله " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " والثاني : كقوله : " من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً " وكقوله " إذا أبق العبد من مواليه لم تقبل له صلاة حتى يرجع إليهم " والأمثلة كثيرة.(1/10)
* والصحيح أن الرخصة تنقلب عزيمة إذا أدى عدم الأخذ بها إلى فوات النفس أو الطرف .
* والصحيح أن من تحقق فيه سبب الرخصة جازت له , فالأخذ بالرخصة مطلق وليس مقيداً في حال كون الإنسان طائعاً, بل حتى العاص يجوز له الأخذ بالرخص واختاره شيخ الإسلام تقي الدين .
* والقاعدة تقول : ( القضاء كالأداء ) .
* والأصل أن قضاء الواجب الفائت بعذر واجب على الفور إلا بدليل .
* والصحيح أن كل من فعل العبادة في الوقت على حسب حاله وطاقته فإنه لا إعادة عليه واختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية .
* والقاعدة تقول : ( القضاء خلاف الأصل فعلى مدعيه البرهان ) فهذه جملة من الترجيحات في فصول الحكم الشرعي عسى الله أن ينفعنا وإياك بها والله يغفر لنا الزلل ويستر الهفوة والعطل وأعوذ به جل وعلا من مخالفة الحق والله ربنا أعلى وأعلم .
الترجيحات في أبواب الأدلة الشرعية وفصولها وما يتعلق بها
أقول وبالله التوفيق ومنه أستمد الفضل والعون :
* الذي جرى عليه أهل السنة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود , وأنه كلام الله حقيقة حروفه ومعانيه , ليس كلام الله الحروف دون المعاني ولا المعاني دون الحروف , وأن الله تكلم به حقيقة وسمعه جبريل من الله عز وجل ونزل به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كل ذلك حق على حقيقته لا ندخل في هذا الباب متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا فالحق المحض في هذه المسألة هو بعينه ما قرره أهل السنة وكل مذهب يخالف مذهب أهل السنة في هذه المسألة - بل وفي غيرها من مسائل الاعتقاد - فإنه باطل ويا أهل السنة في سائر أقطار الأرض اشهدوا علي إذا قرأتم كلامي هذا أنني أتبرأ من كل مسألة قيدتها مخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة رحم الله أمواتهم وثبث أحياءهم وإني إن شاء الله تعالى لا أقصد مخالفة المذهب الحق ولكنه ضعف البحث وقصر الباع في العلم والتحقيق وأشهدكم أني متراجع عن هذا الخطأ المخالف للمذهب الحق .(1/11)
* والصحيح أن القراءة الشاذة حجة إذا صح سندها للصحابي .
* والصحيح وجود المجاز في اللغة العربية ولا داعي لتكلف نفيه .
* والأقرب وجود المجاز في القرآن الكريم إلا في آيات الصفات وحقائق اليوم الآخر وذلك لأن الانتقال من حقيقة الكلام إلى مجازه يتطلب أولاً أن تكون الحقيقة معلومة ومن المعلوم أن كيفية صفات الله تعالى وحقائق اليوم الآخر على ما هي عليه لا يعلمها إلا الله تعالى فكيف نقول إن الحقيقة من آيات الصفات غير مرادة ونحن لم نعلم حقيقتها أصلاً ولذلك فإنه لا يسعنا إلا أن نؤمن بها مع العلم بمعانيها في اللغة ونكل حقائق كيفياتها للرب جل وعلا .
* والذي جرى عليه أهل السنة أن التأويل ثلاثة أقسام :
الأول : التأويل بمعنى حقيقة الشيء على ما هو في الواقع .
الثاني : التأويل بمعنى التفسير .
الثالث : التأويل بمعنى صرف الكلام عن ظاهره إلى معنى آخر .
فالأوليان هما المعروفان عن سلف الأمة وأئمتها وأما الثالث فإنه اشتهر في عرف المتأخرين من الأصوليين والفقهاء ولاسيما بعد تشعب الكلام في الصفات والحق فيه أنه قسمان فإن كان الانصراف من حقيقة الكلام إلى مجازه لمقتضى دليل مقبول فإنه حق, وإن كان الانصراف بلا دليل فهو باطل , وذلك لأن الأصل المتقرر هو وجوب البقاء على الظاهر حتى يرد الناقل والمتقرر أيضا أن الأصل وجوب البقاء على الحقيقة حتى ير الناقل إلى المجاز .(1/12)
* والصحيح أن الوقف تام على قوله تعالى " وما يعلم تأويله إلا الله " ويكون المراد بالتأويل حقيقة كيفية ما أخبر الله به في القرآن من آيات الصفات وحقائق اليوم الآخر , وأما إذا كان المراد بالتأويل المذكور في الآية التفسير فيكون الوقف على قوله " والراسخون في العلم " لأن الراسخين في العلم يعلمون تأويله أي تفسيره فالخلاف هنا من باب خلاف التنوع أي باختلاف ما يقوم في القلب من المعاني فإن قام في قلبك المعنى الأول فقف على الاسم الأحسن وإن قام المعنى الثاني فقف على " والراسخون في العلم " فيجوز الوقف على هذا وعلى هذا ويتنوع باعتبار اختلاف معنى التأويل واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية .
* والصحيح أن التشابه العام هو بعينه الإحكام العام .
* والصحيح أن التشابه الخاص هو ما خفي معناه والإحكام الخاص هو ما بان معناه وظهر واتضح , إذا علم هذا فاعلم أن الحق الذي جرى عليه أهل السنة هو أن التشابه الخاص قسمان, الأول : ما لا يمكن لأحد الاطلاع على حقيقته وكيفيته بل هو مما استأثر الله بعلمه جل وعلا وهو كيفيات الصفات وحقائق اليوم الآخر على ما هي عليه في الواقع فهذا لا يمكن الاطلاع عليه أي لا يعلمه أحد وليس هناك طريق لكشفه ولا سبيل لفهم حقيقته التي هو عليها الثاني : ما يمكن الاطلاع عليه ومعرفته بالتعلم وهو ما عدا ذلك وهذا الثاني يسمى بالتشابه النسبي العرضي فقولنا "النسبي" أي أنه يكون متشابهاً عليك ما ليس بمتشابه على غيرك من الناس ، فالناس يتفاوتون في معرفة معاني القرآن ودلالات ألفاظه والغوص في بلاغته وإعجازه ، وقولنا " العرضي " أي ليس الجهل به ذاتياً لا ينفك عن النفس البتة بل هو أمر عارض يزول بالتعلم والتفهم والتدبر وسؤال أهل العلم الذين يعلمون معاني ما أنزل الله تعالى ، وهذا فصل الخطاب في هذه المسألة ، وهو محصل ما قال أبو العباس وتلميذه العلامة ابن القيم في هذه المسألة .(1/13)
* والصحيح الذي جرى عليه أهل السنة أن نصوص الصفات لا يطلق القول فيها بأنها محكمة أو متشابهة ، بل الحق فيها التفصيل وهو أن يقال :- هي من أعلى درجات المحكم باعتبار معانيها ولكنها من المتشابه باعتبار كيفياتها وحقائقها التي هي عليه .
* و الصحيح أيضا في نصوص اليوم الآخر من أعلى درجات المحكم باعتبار معانيها في لغة العرب ولكنها من المتشابه باعتبار حقيقتها وكيفيتها التي ستقع عليه ، فلا تطلق القول فيها بل لابد من التفصيل أفاده أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني أبو العباس هزبر الإسلام وسيد العلماء في زمانه رحمه الله رحمة واسعة وأجزل له الأجر والمثوبة .
* واتفق سلف الأمة وأئمتها أنه ليس في القرآن ما لا معنى له .
* واتفق السلف على أن جميع ما في القرآن مما يفهم معناه ويمكن إدراكه بتدبر وتأمل ، وأنه ليس في القرآن ما لا يمكن أن يعلم معناه أحد .
* واتفق السلف على أن في القرآن ما لا يعلم تأويله إلا الله كالروح ووقت الساعة والآجال وحقائق الصفات وحقائق اليوم الآخر .
* والصحيح أنه ليس في القرآن لفظ غير عربي ، بل كل القرآن عربي ، أي أن كلمات القرآن كلها عربية ، فالقرآن عربي في كلماته وعربي في معانيه وعربي في أساليبه ، وأما ما قيل فيه إنه لفظ أعجمي فيقال :- ومن أين لك أنها أعجمية ، بل هي عربية ولكن أنت تجهل أنها عربية ، ولسان العرب أوسع من أن يحيط به أحد وكما قيل :- لا يحيط باللغة إلا النبي ، ونقول أيضا :- إنه لا يمتنع أن يتفق لسان العرب مع لسان العجم في بعض الألفاظ فتكون عربية وأعجمية ، وأما أن يقال إنها لفظة أعجمية مع وجودها في القرآن فهذا مرفوض لأن الأدلة المحكمة القطعية تدل دلالة قطعية أن القرآن نزل بلسان عربي مبين وأنه قرآن عربي غير ذي عوج .(1/14)
* والصحيح أن البسملة آية من مجمل القرآن ، لا من الفاتحة ولا من كل سورة واختاره ابن تيمية رحمه الله تعالى وإن قيل : إنها آية في بعض القراءات دون بعض فهو قريب من الصحة وليس ببعيد .
* والصحيح أن كل قراءة صح سندها للنبي - صلى الله عليه وسلم - جازت الصلاة بها واختاره ابن تيمية رحمه الله تعالى .
( فصل )
* والصحيح أن السنة في أصل اللغة تطلق على الطريقة المذمومة أيضا ، لحديث " من سن في الإسلام سنة حسنة .... ومن سن في الإسلام سنة سيئة .... " الحديث .
* والقول الذي لا يجوز القول بغيره ، هو أن السنة الصحيحة حق وحجة ، يجب قبولها والعمل بها ، ومن خالف في الاحتجاج بها فهو مبتدع بغيض ، بل هو على شفى جرف هارٍ في هوة الكفر والردة والزندقة .
* والصحيح الذي عليه أهل السنة أن أخبار الآحاد الصحيحة حجة في باب المعتقد خلافا للمبتدعة أبعدهم الله وأقصاهم .
* والصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم هو أن أخبار الآحاد الصحيحة حجة فيما تعم به البلوى خلافا للحنفية عفا الله عنهم .
* والصحيح المعتمد الذي عليه جمهور أهل العلم هو أن رواية الراوي مقدمة على رأيه إذا تعارضا خلافا للحنيفة .
* والصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم أن تفسير الراوي لروايته إذا كان فيها جوانب تحتاج إلى تفسير مقدم على تفسير غيره .
* والصحيح أن أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - التشريعية تفيد الاستحباب إلا إذا اقترنت بقول فإنها تفيد ما أفاده القول ، فإن كان القول يفيد الوجوب فهي للوجوب وإن كان القول يفيد الندب فإنها للندب .
* والصحيح أن كل فعل توفر سببه على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يفعله فإن المشروع تركه .
* والصحيح أن الخبر المتواتر هو ما أفاد العلم الضروري من غير اشتراط لعدد معين إذ لا دليل على اشتراط العدد .(1/15)
* والصحيح الذي لا مرية فيه أن تقسيم الدين إلى أصول وفروع تقسيم محدث إذا كان يقصد بالأصول العقائد ويقصد بالفروع الشرائع ، وأول من عرف عنه هذا التقسيم المعتزلة كما حكاه أبو العباس بن تيمية في رده على الرافضي ، فإذا كان المراد بهذا التقسيم هذا الأمر فلا شك أنه بدعة في الدين ومحدثة حقها الإلغاء والاطراح ، وأما إذا كان يقصد بالأصول ما وقع عليه الإجماع في العقائد والشرائع وبالفروع ما حصل فيه خلاف ، فلا بأس به وكذلك إذا كان يقصد بالأصول ما اشتهر العلم به من المسائل وبالفروع دقائق العلم وجزئياته الخفية التي لا يطلع عليها إلا خواص أهل العلم فكذلك لا بأس به أي أن لفظ ( الأصول والفروع ) لفظ مجمل فيه حق وباطل ، فلابد فيه من الاستفصال فإن أريد به المعنى الأول فهو باطل ، وإن أريد به المعنيين الآخرين فصحيح .
* والصحيح أن خبر الآحاد يفيد الظن في الأصل إلا إذا اقترنت به قرائن ترفعه إلى إفادة العلم واليقين كاتفاق الأمة عليه وتلقي الأمة له بالقبول أو اتفاق الشيخين عليه وغير ذلك من القرائن واختاره أبو العباس ابن تيمية .
* والصحيح المقطوع به أن الكافر لا تقبل روايته ولو كان متأولاً معظماً للدين لأن منصب القبول لا يستفاد بغير الإسلام ، ولأن الأخبار الدينية لا يؤتمن الكافر عليها ، وخلاف من خالف في هذا خلاف شاذ غير معتبر فلا يعول عليه .
* واتفق أهل العلم على اشتراط أن يكون الراوي ضابطاً ، والمراد بالضبط عنه أهل الصناعة أن لا يكون الراوي كثير الغلط والخطأ .
* والصحيح في الصغير المميز أنه يقبل تحمله للحديث حال صغره ولكن لا يقبل منه أداؤه لما تحمله إلا بعد بلوغه .
* والصحيح المقطوع به ، بل هو قول أهل السنة والجماعة هو أن العصمة ليست بشرط في قبول الرواية خلافاً للرافضة عاملهم الله بعدله لا بعفوه وفضله .
* والصحيح أن خبر مجهول العدالة غير مقبول .(1/16)
* والصحيح أن من عرف من حاله بالاستقراء أنه لا يروي إلا عن ثقة فروايته عن بعضهم تعتبر تعديلا له كالبخاري في صحيحه وكالإمام مسلم في صحيحه في روايته للأصول لا في المتابعات والشواهد ، وأما من عرف من حاله أنه يروي عن العدل وعن غيره فإن روايته لا تعتبر تعديلا وهذا هو الحق في هذه المسألة .
* والصحيح أن التعديل والتجريح لا يشترط فيه العدد بل يكفي في مسائل الجرح والتعديل قول واحد ليس من عادته أن يتساهل في التعديل أو يبالغ في التجريح مع كونه عالماً بأمور التعديل وعالماً بأمور التجريح .
* والصحيح أنه لا تشترط الذكورية في المجرح والمعدل ، بل لو عدلت المرأة العالمة بأمور التعديل راويا قبلنا ذلك التعديل ولو جرحت المرأة العالمة بأمور التجريح راويا قبلنا ذلك التجريح .
* والصحيح المعتمد أنه لا يشترط في قبول الرواية كون الراوي فقيها .
* والصحيح أن الجرح في الراوي لا يقبل إلا مفسرا .
* واتفق أهل الحديث على أنه إذا اختلف الجرح والتعديل في راوٍ ، وكان المجرحون أكثر أن التجريح في هذه الحالة مقدم على التعديل .
* والصحيح أن الجرح المفسر مقدم على التعديل المطلق .
* والصحيح المعتمد الذي لا يجوز القول بغيره والذي عليه عامة أهل السنة والجماعة أن الصحابة - رضي الله عنهم - كلهم عدول أثبات ثقات ، ولا عبرة بشنشنة أهل البدع والخرافات ، وأهل السخف وقلة الأدب .
* والصحيح قبول التعديل ولو بلا سبب .
* والصحيح في رواية المحدود في القذف هو التفصيل :- فإن كان سبب حده هو عدم كمال نصاب الشهادة فروايته مقبولة ،وأما إذا كان الراوي هو القاذف فإن روايته لا تقبل إلا إذا تاب وظهرت منه مخايل التوبة النصوح .
* والصحيح أن ماهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بفعله ولم يفعله فإنه يدخل في فعله لأنه - صلى الله عليه وسلم - لايهم إلا بأمر مشروع واختاره ابن القيم.(1/17)
* والصحيح أن الصحابي إذا قال " أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كذا " فهو حجة يجب قبولها واعتمادها إذا صح سندها .
* والصحيح أن الصحابي إذا قال " أمرنا بكذا " أو " نهينا عن كذا " فإنه حجة يجب قبولها أيضا ولها حكم الرفع واختاره أبو العباس وابن القيم ، بل هو قول المحدثين وعليه أكثر أهل العلم .
* والصحيح أن الصحابي إذا قال :- " من السنة كذا " أو " مضت السنة بكذا وكذا " أو قال :ـ " هذا هو السنة " فهو حجة وله حكم المرفوع .
* والصحيح أن الصحابي إذا قال :- " كنا نفعل كذا وكذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فهو حجة وله حكم الرفع .
* والصحيح أن الصحابي إذا قال :- " كانوا يفعلون كذا " أو قال :- " كنا نفعل كذا " فإنه حجة وينزل منزلة الإجماع .
* والصحيح جواز الرواية بالإجازة والمناولة ، وعلى ذلك غالب أهل الحديث .
* والأرجح والأقرب إلى التحرير والصدق أن الراوي إذا قرأ هو على الشيخ ثم روى فلا يقول :- حدثنا ، أو أخبرنا هكذا مطلقا ، بل لابد من التقييد وهو أن يقول :- حدثنا فلان قراءة عليه ، أو أخبرنا فلان قراءة عليه ، وذلك لأن الإطلاق يشعر بكذب الراوي ، إلا إذا علم بصريح قوله أو بقرينة حاله أنه يريد القراءة على الشيخ دون مجرد سماع حديثه .
* والأرجح والأقرب إن شاء الله تعالى :- جواز التعبير بـ" حدثنا " مكان " أخبرنا " والعكس لعدم الفرق الكبير بينهما فالأمر فيها واسع .
* والصحيح في الرواية بالإجازة أنه لا بد أن يقول الراوي :- حدثني فلان إجازة ، فلا يقول " حدثني " هكذا مطلقا بل لا بد من تقييدها بأن هذا التحديث إجازة .(1/18)
* واتفق أهل الحديث على أن الشيخ إذا كذب الفرع في روايته تكذيبا صريحا لا احتمال فيه أنه لا يعمل بهذا الحديث وأما إذا أنكر الشيخ التحديث بما حدث به الفرع إنكارا غير صريح وغير مقرون بالتكذيب فالصحيح أنه لا يقدح في الحديث ، بل يقبل ويعمل به .
* والصحيح أن زيادة الثقة مقبولة إذا لم يخالف الثقات
* والصحيح الذي عليه جمهور الفقهاء والأصوليين أن خبر الآحاد معتمد فيما تعم به البلوى
* والقول الصحيح المعتمد الذي عليه جماهير أهل السنة أن خبر الآحاد مقدم على القياس إذا عارضه مع أننا أصلا لا نرضى بهذه الدعوى لأن لا يتعارض نص صحيح وقياس صريح لكن لو زعم أن هذا التعارض موجود فالمقدم هو النص وهذه المسألة قد أجاد فيها الشيخ تقي الدين وتلميذه ابن القيم وقد عقد ابن القيم فصولا نفيسة بديعة في إعلام الموقعين تعالج هذه القضية فأوصيك بالاطلاع عليها .
* والصحيح المعتمد الذي لا ينبغي القول بغيره هو أن خبر الآحاد مقدم على عمل أهل المدينة إذا خالفه ولا عبرة بقول المالكية في هذا والحجة عندنا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثابت عنه فهو حجة قائمة بذاتها سواء عمل بها أهل المدينة أو لم يعملوا بها فأقوال العلماء وأعمالهم تابعة للسنة وليست السنة تابعة لأحد فالسنة هي العيار على العمل وليس العمل عيارا عليها ولم تضمن لنا العصمة قط في عمل مصر من الأمصار دون سائرها والجدران والمساكن والبقاع لا تأثير لها في ترجيح الأقوال وإنما التأثير لأهلها وسكانها قاله ابن القيم في إعلام الموقعين(1/19)
* والقول الصحيح المعتمد والذي لا ينبغي القول بغيره هو وجوب العمل بالحديث وإن عمل أكثر الأمة بخلاف مقتضاه نعوذ بالله من رد الحديث لعمل أحد أو لقول أحد بل السنة تاج رؤوسنا ونور طريقنا وراحة قلوبنا وسلوة أرواحنا فما أجمل أن نقول أو نسمع : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله إن القلب ليفرح لها فرحا عظيما ونحن نتعهد إن شاء الله تعالى في كل بحوثنا ودروسنا أن نجعلها مبنية على دراسة فقه الدليل ولا شأن لنا بما قاله فلان وفلان إلا من باب معرفة أصحاب المذاهب فقط فيا أيها المسلمون الزموا جادة السنة واعتصموا بغرز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه النجاة والعصمة واحذروا رحمكم الله تعالى من أن تتركوا شيئا مما صح من الحديث لقول أحد أو لعمله احذروا من ذلك أيما حذر وحاربوا الداعين إلى نبذ السنة واطراحها طرحهم الله في حفر النار , واكشفوا عوراهم ولا تسمحوا لهم بنشر باطلهم عصمنا الله وإياكم من الزلل ووفقنا وإياكم لموافقة الحق والهدى .
* والقول الصحيح المعتمد قبول خبر الآحاد في إثبات الحدود .
* والأقرب إن شاء الله تعالى أن التابعي إذا قال : من السنة كذا أنه في حكم المرفوع فيكون من مراسيل التابعين
* والأرجح جواز رواية الحديث بالمعنى من عالم بدلالات الألفاظ واتفاقها والتشهد والتكبير في الصلاة ونحو ذلك .
* والصحيح أن مراسيل الصحابة مقبولة معتمدة
* والصحيح في مراسيل غير الصحابة عدم القبول بل هي قسم من الضعيف حتى نعلم الراوي الساقط ونتيقن من عدالته إن كان من غير الصحابة وهو مذهب أكثر أهل الحديث خلافا للمتساهلين من أهل الفقه والأصول .
* والصحيح أنه إذا تعارض حديث مسند وحديث مرسل فالمسند مقدم على المرسل .
* والصحيح أن الحديث إذا روي مرسلا في مكان وموصولا في مكان فإن الوصل زيادة يجب الأخذ بها .(1/20)
* والصحيح أن كل حكم ثبت في حقه - صلى الله عليه وسلم - فإنه يثبت في حق الأمة تبعا إلا بدليل الاختصاص .
* والصحيح أن كل حكم ثبت في حق واحد من الأمة فإنه يثبت في حق الأمة تبعا إلا بدليل الاختصاص .
* والصحيح أن الأصل عدم الخصائص إلا بدليل .
* والصحيح أن الأفعال الجبلية والطبيعية الصادرة منه - صلى الله عليه وسلم - كالنوم والأكل والشرب والمشي والقعود وقضاء الحاجة ونحو ذلك ليست بعبادة بالنظر إلى ذاتها وإنما تكون عبادة بصفاتها الشرعية واقترانها بالنية الصالحة .
* والصحيح أنه إذا احتمل في فعل من أفعاله أن يكون تشريعيا أو من باب العادة ولا مرجح فالأصل أنه تشريعي لأن الأصل إنه بعث مشرعا بأقواله وأفعاله وتركه وتقريراته . والله ربنا أعلى وأعلم وأستغفر الله تعالى وأتوب إليه من الزلل ومخالفة الحق .
( فصل )
* ومذهب أهل السنة هو الاستدلال بالإجماع الحق الثابت ، وهذا هو الصواب المقطوع به بدلالة الكتاب والسنة والعقل الصريح ، فالإجماع حجة شرعية يجب قبولها والمصير إليها وتحرم مخالفتها ، وأما خلاف من خالف فإنه خرافة لا شأن لنا بها ، بل اشتهر الخلاف فيه عن الخوارج والشيعة وبعض المعتزلة ، ولكن مع ذلك نقول :- إن الإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف من الصحابة وتابعيهم وتابعي التابعين لأن من بعدهم تفرق أهل العلم في الأمصار قاله أبو العباس في الواسطية ، لكن ليس هذا معناه نفي إجماع من بعدهم ولكن لابد فيه من التثبت وعدم الاستعجال وتتبع المجتهدين في البلاد .
* والصحيح أن رتبة الإجماع في ترتيب الأدلة هي الثالثة ، أي بعد النظر في الكتاب والسنة وهذه هي طريقة السلف الصالح ومن سلك سبيلهم من العلماء الربانيين ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى " ولم يزل أئمة الإسلام على تقديم الكتاب على السنة ، والسنة على الإجماع ، وجعل الإجماع في المرتبة الثالثة " أهـ .(1/21)
* والصحيح أن مخالف الإجماع القطعي كافر ، أفاده أبو العباس ابن تيمية .
* والصحيح أن الإجماع السكوتي حجة ظنية إذا غلب على الظن اتفاق الكل وحجة قطعية إذا حصل القطع باتفاق الكل ، وإن ترجحت المخالفة وعدم الرضا فلا يعتد به .
* والصحيح هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من أن العوام لا عبرة بقولهم في الإجماع لا وفاقا ولا خلافا .
* واتفق جمهور الأمة على أن هذه الأمة لا تجتمع إلا بدليل شرعي ولا يمكن أن يكون إجماعها عن هوى أو قولاً على الله بغير علم أو دون دليل ، ذلك لأن الأمة معصومة عن الخطأ ، إذ القول على الله بلا علم وبدون دليل خطأ .
* والصواب أنه لا يوجد مسألة يتفق الإجماع عليها إلا وفيها نص من الكتاب أو السنة فلا يجوز أن يوجد إجماع لا يستند إلى نص واختاره ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم ، وإذا وجد إجماع يستند إلى قياس فاعلم رحمك الله تعالى أنه في الحقيقة يرجع في استناده إلى النص ، لأن القياس الصحيح لابد أن يستند إلى أصل قد أثبته النص .
* والصحيح فيما إذا اختلف الصحابة على قولين فإنه لا يجوز إحداث قول ثالث إلا إذا كان قولا يوفق بين هذين القولين شريطة أن لا يلغي هذا التفصيل القول وإنما يجمع بينهما .
* والصحيح أنه لا يشترط في المجمعين بلوغ حد التواتر لعدم الدليل على هذا الشرط .
* والصحيح أنه لا يعتبر قول النحاة وأهل البلاغة في الإجماع إلا إذا كانت المسألة الشرعية تتعلق بالنحو أو البلاغة .
* والصحيح أن المجتهد الجزئي يعتبر قوله في الإجماع إذا كانت المسألة مما هي داخلة في معرفته الاجتهادية ، وأما المسائل التي لم يتعرف على أحكامها فلا اعتداد بقوله فيها ، وذلك مبني على تجزئ الاجتهاد والحق جوازه وسيأتي بحول الله وقوته .(1/22)
* والصحيح أنه لا عبرة بقول الأكثر لا في انعقاد الإجماع ولا في معرفة الصواب أي أنه ليس قول الأكثر إجماعا وليس قول الأكثر هو الصواب دائما فانتبه لهذا الترجيح فإنه ثقيل على بعض نفوس المتعصية .
* والصحيح أن انقراض عصر المجمعين ليس بشرط في انعقاد الإجماع .
* والصحيح أن التابعي إذا بلغ رتبة الاجتهاد في عصر الصحابة فإن قوله معتد به في انعقاد الإجماع
* والصحيح المقطوع به أن اتفاق العترة وآل البيت ليس بإجماع معتبر وليس بحجة لأنه لا يصدق عليه تعريف الإجماع ولا عبرة بقول الشيعة الإمامية والزيدية
* والصحيح أن إجماع الخلفاء الأربعة على قول لا يسمى إجماعا لكنه حجة على القول الصحيح لأننا مأمورون بإتباعهم في حديث العرباض بن سارية فاتفاقهم حجة ولكنه لا يسمى إجماعا وهذا القول نصره ابن القيم وغيره من أهل السنة رحم الله الجميع رحمة واسعة .
*و الصحيح أنه إذا قال بعض الصحابة قولا وانتشر بين بقية الصحابة ولم يخالفه أحدهم ولا أنكره منكر فهو حجة بل هو إجماع وهو قول غالب أهل السنة ونصره ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من المحققين
* بل أقول : إن الإجماع السكوتي حجة ظنية على القول الصحيح عندنا .
* وأما إجماع أهل المدينة فما كان منه يجري مجرى النقل والرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل نقلهم لمقدار الصاع والمد فهو حجة باتفاق أهل العلم وما عدا ذلك فليس بحجة لأن أهل المدينة بعض مجتهدي الأمة وليسوا كل مجتهديها .
* والصحيح أن العالم إذا قال : لا أعلم فيه خلافا فليس قوله هذا بمنزلة الإجماع لأنه نفي لعلمه بوجود مخالف فقصاراه عدم العلم بوجود مخالف وعدم العلم ليس علما بالعدم فقد يوجد ثمة مخالف لم يطلع عليه ولم يعلم به واختاره ابن القيم رحمه الله تعالى(1/23)
* والصحيح الذي عليه المعول أن خلاف الظاهرية يؤثر في انعقاد الإجماع فالعدل هو القول بالاعتداد بخلاف الظاهرية في الإجماع واختاره ابن تيمية وابن القيم وغيرهما بل حكي عن الجمهور
* والصحيح أن إجماع المتكلمين - أي علماء الكلام المذموم وأصحاب المنطق اليوناني الذي عارضوا به الشرعيات ونافروا به العقليات - ليس بإجماع بل هؤلاء إن خالفوا لم يعتد بخلافهم وإن وافقوا لم يؤبه بموافقتهم ولم ينظر لها .
* والصحيح ثبوت الإجماع بخبر الواحد ولكن لابد أن يكون هذا الخبر ثابتا صحيحا لأن السنة والأخبار الشرعية تثبت بخبر الواحد فالإجماع من باب أولى .
* وما أجمع عليه أهل الأمم الماضية لا اعتداد به فليس بإجماع ولا حجة .
* وأما مسألة استصحاب الإجماع في محل النزاع فينظر فيها لأنني لم أحققها الآن فأنا جاهل فيها ولكن لعلي أنظر في كتب الأصول في هذه المسألة لأقيدها في مبحث الترجيحات في الاستصحاب إن شاء الله تعالى
( فصل )
* والقاعدة المتقررة بالأدلة تقول : الشريعة لا تفرق بين المتماثلات ولا تجمع بين المختلفات .
* والصحيح المقطوع به أن القياس الصحيح حجة .
* والصحيح المقطوع به أن القياس في مصادمة النص باطل .
* والصحيح أنه لا اجتهاد مع النص .
* والصحيح أن الأصل في الأحكام الشرعية التعليل .
* والصحيح أن الأصل المقيس عليه لا بد أن يكون معلوم العلة وهو الذي يسميه الأصوليون ( معقول المعنى ) وأما ما لا يعقل معناه فإنه لا يقاس عليه .
* والصحيح إن شاء الله تعالى جواز القياس على الأصل الذي علمت علته بالاجتهاد والاستنباط فليس من شرط صحة القياس أن تكون علة الأصل منصوصة أو متفقا عليها .
* والصحيح أن القياس الأولوي حجة ولا اعتداد بمخالفة الظاهرية فإنه ظاهر البطلان .
* والصحيح جواز القياس على الحكم الذي ثبتت علته بالإجماع .(1/24)
* والصحيح الاكتفاء بغلبة ظن وجود العلة في الفرع فلا يشترط أن تكون متيقنة لأن غلبة الظن كافية في العمل .
* واتفق أهل السنة على أن القياس لا يجري في التوحيد إن أدى إلى بدعة والإلحاد وتشبيه الخالق بالمخلوق وتعطيل أسماء الله تعالى وصفاته وأفعاله لأن ذلك باطل وما أفضى إلى الباطل فهو باطل
* والحق عند أهل السنة أنه لا يستخدم من القياس في حق الله تعالى إلا القياس الأولوي أي أن كل صفة كمال في المخلوق لا نقص فيها فالله أحق أن يتصف بها وكل صفة نقص في المخلوق لا كمال فيها فالله أحق أن ينزه عنها .
* والصحيح فيما نقل عن السلف رحمهم الله تعالى من ذم القياس واستعماله إنما هو في القياس الباطل وأن مراد من استعمله واستدل به إنما ذلك محصور في القياس الصحيح ولا يكون القياس صحيحا إلا إذا استجمع ثلاثة ضوابط : الأول : أن لا يوجد نص في المسألة .
الثاني : أن يصدر من عالم مؤهل قد استجمع شرط الاجتهاد .(1/25)
الثالث : أن يكون القياس في نفسه صحيحا قد استكمل ما يتطلبه القياس وهي عشرة أمور, الأول : أن يكون حكم الأصل المقيس عليه ثابتا إما بنص أو إجماع أو اتفاق الخصمين عليه أو بدليل يغلب على الظن صحته وأن لا يكون منسوخا, الثاني : أن يكون حكم الأصل المقيس عليه معقول المعنى, الثالث : أن توجد العلة في الفرع, الرابع : أن لا يكون حكم الفرع منصوصا عليه بنص يخالف حكم الأصل المقيس عليه, الخامس : أن يكون حكم الفرع مساويا لحكم الأصل فلا يصح قياس واجب على مندوب ولا مندوب على واجب مثلا, السادس : أن تكون العلة في الأصل متعدية فلا يقاس على علة تعبدية أو قاصرة, السابع : أن تكون العلة ثابتة بمسلك من مسالك العلة المتعمدة عند أهل الأصول, الثامن : أن لا تخالف العلة نصا ولا إجماعا إذا كانت مستنبطة, التاسع : أن تكون مناسبة للحكم وذلك فيما إذا كانت مستنبطة, العاشر : أن يكون القياس في الأحكام الشرعية العملية إذ لا يصح إجراء القياس في العقائد والتوحيد إن أدى إلى بدعة أو تعطيل .
* والصحيح دخول القياس في الكفارات إذا علمت العلة في وجوب الكفارة في الأصل .
* والصحيح أنه لا قياس في العبادات وفيه بحث عندي يحتاج إلى تكميل, وقد يقال بدخول القياس في جزء العبادة وفرعها لا في أصلها إذا علمت علة التعبد في هذا الجزء أو الفرع ، واعلم أننا حيث قلنا لا قياس في العبادة فإننا نعني العبادة باعتبار الأصل ، ولكن ومع القول بجواز القياس في جزء العبادة وفرعها فإنه لا بد من التأكد أنه لا يخالف نصا ولا بد من التأكد من أن هذا الفرع مما تعلم علته فلا يجوز القياس إلا مع العلم بالعلل .(1/26)
* والصحيح جواز إجراء القياس في الرخص الشرعية إن فهمنا العلة فهما مبناه على النص فيجوز الجمع بين الصلاتين في الظهرين قياسا على العشائين بجامع وجود الأذى بالوحل والطين ، ويجوز الجمع في الريح الشديدة الباردة قياسا على الجمع بين العشائين ، ويجوز الجمع في العواصف الثلجية ويجوز الجمع للمريض إذا احتاج للجمع قياسا على المستحاضة والأمثلة كثيرة والله أعلم .
* والصحيح المعتمد الذي لا يمكن أن نشك فيه أنه ليس في الشريعة شيء على خلاف القياس .
* والصحيح أن قياس الشبه ليس بحجة أو يقال :- هو أضعف أنواع القياس ولا يلتفت إليه إلا عند انعدام النص والإجماع وقياس العلة ، وأنا أكره هذا النوع من القياس فإنه لم يرد في القرآن إلا مذموما ، وغالب استعماله إنما يعرف في الشرع عن الكفار ، فهذه بعض الترجيحات في الأدلة المتفق عليها قد استفدناها من ما كتبه علماء الأصول قديما وحديثا فيا رب أسألك باسمك الأعظم أن تغفر لسائر أهل العلم وأن ترفع نزلهم في الفردوس الأعلى وأن تعصمهم ممن أرادهم بسوء وأن تعيذهم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأشهدك يا رب أني أحبهم فيك ولهم في قلبي قدر عالٍ ومنزلة رفيعة فجزاهم الله خيرا على ما بذلوه من الغالي والنفيس في سبيل تحصيل العلم وتحقيقه ونشره, ففضائلهم أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر ، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم واحشرنا في زمرتهم آمين اللهم صل على محمد وآله وصحبه وسلم .
( فصل في الترجيحات في الأدلة المختلف فيها )
* والقول الصحيح أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد نسخه في شرعنا .
* والصحيح أن قول الصحابي حجة ما لم يخالف نصا أو يخالفه صحابي آخر .(1/27)
* والصحيح حجية استصحاب الحال السابقة الراهنة ما لم يرد الناقل فيستصحب العموم حتى يرد المخصص والإطلاق حتى يرد المقيد ، والنفي حتى يرد المثبت ، والإثبات حتى يرد النفي ، والصحة حتى يرد المبطل ، والطهارة حتى يرد دليل النجاسة . وهكذا في مسائل كثيرة .
* والصحيح عندي أن الخلاف في الاستحسان خلاف لفظي شكلي لأن الجميع متفقون على القول به إذا كان الانتقال عن مقتضى الدليل لمقتضى دليل آخر ، ومتفقون على بطلانه إذا كان الانتقال حصل بمجرد العقل والتشهي .
* والتحقيق أن العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب فيه التحفظ وغاية الحذر فلا بد من ضبط الأخذ بها بشروط مهمة وهي :-
الأول :- أن لا تكون مصلحة مصادمة لنص أو إجماع .
الثاني :- أن تعود على مقاصد الشريعة بالحفظ والصيانة .
الثالث :- أن لا تكون المصلحة في الأحكام التي لا تتغير كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود والمقدرات الشرعية .
الرابع :- أن لا تعارضها مصلحة أرجح منها أو مساوية لها . وأن لا يستلزم من العمل بها مفسدة أرجح منها أو مساوية لها .
* والعرف يصلح أن تحمل عليه الأحكام الشرعية التي لم يرد في الشرع ولا في اللغة تحديدها ، فكل حكم لم يرد في الشرع ولا في اللغة تحديده فإنه يحد بالعرف كمسافة السفر وزينة الصلاة الزائدة على ستر العورة ، والحرز في باب السرقة ونحو ذلك والله أعلم .
( فصل )
* والصحيح أن الأمر المتجرد عن القرنية يفيد الوجوب وبالقرينة يفيد ما تفيده القرنية .
* والصحيح أن الأمر المطلق عن القرنية يفيد الفورية .
* والصحيح أن الأمر المطلق عن القرينة لا يفيد التكرار .
* والصحيح أن الأمر لا تشترط له الإرادة وهو قول أهل السنة .
* والصحيح أن الأمر بعد الحضر يفيد ما كان يفيده قبل الحضر .
* والصحيح عند أهل السنة أن الأمر له صيغة تخصه وهي ( افعل ) وما تصرف منها والفعل المضارع المقرون بلام الأمر واسم فعل الأمر والمصدر النائب عن فعل الأمر .(1/28)
* والصحيح أن الأمر بالشيء نهي عن ضده من جهة المعنى فقط .
* والأقرب أن الأمر بالأمر بالشيء ليس أمر للثاني من جهة الوجوب بل هو أمر للأول من جهة الوجوب إلا لصارف
* والأقرب أن الأمر الوارد بعد السؤال أو الاستئذان يدل على الإباحة إلا بدليل آخر يفيد الوجوب فهو للوجوب .
* والصحيح أن كل حكم خوطب به الرجال فإنه يدخل فيه النساء تبعاً إلا بدليل الاختصاص .
* والصحيح أن النهي له صيغة تخصه عند أهل السنة .
* والصحيح أن النهي المطلق عن القرينة يفيد التحريم وبالقرينة يفيد الكراهة .
* والأقرب عندنا أن جنس فعل المأمور به أعظم من جنس ترك المنهي عنه .
* وأن المثوبة على أداء الواجبات أعظم من المثوبة على ترك المحرمات .
* وأن العقوبة على ترك الواجبات أعظم من العقوبة على فعل المحرمات .
( فصل )
* والصحيح أن للعام ألفاظاً تخصه يعرف العموم بها .
* والحق أن العام يحمل على الخاص وإن كان العام هو المتأخر خلافاً لبعض الحنفية .
* والحق أن المطلق يحمل على المقيد وإن كان المطلق هو المتأخر .
* والصحيح وجوب البقاء على العموم حتى يرد المخصص .
* والصحيح وجوب البقاء على الإطلاق حتى يرد المقيد .
* والصحيح أن ( ال ) الاستغراقية إذا دخلت على مفرد أو جمع فإنها تفيده العموم .
* والصحيح أن النكرة في سياق النفي والنهي والشرط تعم وإن لم تسبق بـ ( من ) .
* والأقرب أن دلالة العام على جميع أفراده ظنية لا قطعية .
* والأقرب أن أقل الجمع باعتبار اللغة ثلاثة وباعتبار عرف الشارع اثنان وهو بعض مذهب ابن القيم .
* والمعتمد عندنا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
* والصحيح أن الصحابي إذا أخبر عن الحادثة بلفظ عام فإن قوله هذا يفيد العموم لأنه عربي فصيح عارف بدلالات لغة العرب .
* والأقرب أن الصحابي إذا قال ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل كذا ) أنه يفيد التكرار إلا بدليل خارج وإلا فهو مفيد للعموم والتكرار .(1/29)
* والصحيح أن الرقيق يدخل تحت خطاب التكليف بالأدلة العامة ، فهو فيها كالحر فلا يخص من التكليف العام إلا بدليل صحيح صريح .
* والصحيح أن المنفي بـ ( لا) النافية للجنس هو الحقيقة الشرعية ولا يعدل عنها إلى الكمال إلا لقرينة .
* والصحيح أن المخاطِب - بكسر الطاء - يدخل في عموم خطابه إلا بدليل الاختصاص ، أعني إلا بدليل يخصه واختاره ابن تيمية .
* والصحيح أنه لا يشترط للعمل بالدليل العام القطع بانتفاء المخصص , بل يكفي في ذلك غلبة الظن لأن غلبة الظن كافية في العمل .
* والأصل في الكلام الحقيقة فلا يعدل عنها إلى المجاز إلا بقرينة .
* والصحيح أنه إذا تعارضت الحقيقة اللغوية مع الحقيقة الشرعية فالمقدم الحقيقة الشرعية إلا لقرينة تفيد العكس .
* والصحيح أن أحكام الرجال يدخل فيها النساء تبعاً إلا بدليل الاختصاص .
* والمعتمد عندنا أن المفهوم لا عموم له واختاره ابن تيمية وابن القيم .
* والمعتمد عندنا أن الأصل في الشريعة التعميم : وبناء عليه فكل حكم ثبت في حقه - صلى الله عليه وسلم - فإنه يثبت في حق الأمة تبعاً إلا بدليل الاختصاص واختاره ابن تيمية وابن القيم , وكذلك نقول : كل حكم ثبت في حق واحد من الأمة فإنه يثبت في حق الأمة تبعاً إلا بدليل الاختصاص واختاره ابن تيمية وابن القيم .
* والصحيح عند أهل السنة أن العام بعد تخصيصه حجة فيما بقي واختاره ابن القيم , بل قال ابن القيم : ( لا نزاع بين الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة أنه حجة ومن نقل عن أحد منهم أنه لا يحتج بالعام المخصوص فهو غلط أقبح غلط وأفحشه وإذا لم يحتج بالعام المخصوص ذهب أكثر الشريعة وبطلت أعظم أصول الفقه ) أهـ .
* والصحيح عندنا أن ذكر العام ببعض أفراده لا يعد تخصيصاً .
* والأقرب عندنا أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال في وقائع الأحوال منزل منزلة العموم في المقال واختاره ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم .(1/30)
* والأقرب اشتراط الاتصال في الاستثناء إلا إذا فصل بين الكلام وبين الاستثناء بفاصل قريب فلا بأس لاسيما إذا كان من جنس الكلام .
* والأقرب جواز الاستثناء من الجنس وغيره واختاره ابن القيم .
* والصحيح الذي دلت عليه الأدلة أن نية الاستثناء لا تشترط قبل تمام المستثنى منه واختاره ابن قدامة وابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم .
* والصحيح أن قول القائل بعد الكلام أو اليمين ( إن شاء الله ) و ( إلا أن يشاء الله ) يدخل في الاستثناء وأن هذا لغة الشرع وهو اختيار ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وهو ظاهر مذهب الشافعي .
* والصحيح أن الاستثناء الذي يعقب عدة جمل متعاطفة بالواو أنه يعود لجميعها لا للأخيرة منها فقط .
* والصحيح جواز تخصيص الكتاب بالكتاب وهو مذهب الجمهور خلافاً لبعض أهل الظاهرية .
* واتفق أهل العلم على جواز تخصيص السنة المتواترة بالمتواترة وتخصص السنة الآحادية بالآحادية .
* والصحيح جواز تخصيص السنة المتواترة والآحادية بالكتاب وهو مذهب جمهور العلماء خلافاً لبعض الشافعية وبعض المتكلمين .
* والصحيح جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد بل حكي إجماعاً عن الصحابة وهو مذهب الجمهور والمنقول عن الأئمة الأربعة واختاره ابن القيم رحمه الله تعالى .
* والصحيح جواز تخصيص الكتاب والسنة بتقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مذهب جمهور أهل العلم .
* واتفق أهل العلم فيما أعلم على جواز التخصيص أي تخصيص الكتاب والسنة بالإجماع .
* والصحيح جواز التخصيص بالقياس وهو مذهب جمهور العلماء ، وحكي عن الأئمة الأربعة واختاره ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى .
* والصحيح جواز التخصيص بمذهب الصحابي إذا لم يخالفه غيره من الصحابة واختاره ابن القيم رحمه الله تعالى .
* والحق جواز التخصيص بالمفهوم ، وهو مذهب الجمهور واختاره ابن القيم .
* واختار الإمام ابن القيم جواز التخصيص بالمصلحة .(1/31)
* واختار رحمه الله تعالى جواز التخصيص بالعرف .
* واختار رحمه الله تعالى جواز التخصيص بالسياق .
( فصل )
* والصحيح أن المطلق يجب إجراؤه ، على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل .
* والصحيح جواز تقييد المطلق وإن كان المطلق قد جاء بعد المقيد .
* والصحيح أن المطلق يبنى على المقيد عند الاتفاق في الحكم .
* والصحيح أن مفهوم الموافقة حجة .
* والصحيح أن مفهوم المخالفة حجة .
( فصل )
* والصحيح أن النسخ جائز عقلا وواقع شرعا .
* والصحيح أنه إذا أمكن العمل بالدليل فإنه لا يجوز القول بالنسخ .
* والصحيح جواز نسخ لفظ الآية مع بقال حكمها .
* والصحيح جواز النسخ قبل التمكن من الفعل .
* والصحيح أن الزيادة على النص ليس نسخا .
* والصحيح جواز النسخ إلى غير بدل .
* والصحيح جواز نسخ الحكم من الأخف إلى الأثقل .
* والصحيح أن الدليل الناسخ لا يلزم إلا بعد العلم به .
* والصحيح جواز نسخ السنة بالقرآن .
* والصحيح جواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة .
* والصحيح جواز نسخ القرآن ومتواتر السنة بالسنة الآحادية الصحيحة .
* والصحيح المعتمد أن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به .
* واعلم أن أهل السنة اتفقوا على أن النقل هو المقدم على العقل عند التعارض ، هذا إذا سلمنا وجود التعارض بينهما وإلا فالصحيح المعتمد أنه لا يتعارض نقل صحيح مع عقل صريح .
* واعلم أنه لا يمكن أبدا أن يتعارض نصان صحيحان مطلقا ولنا في ذلك رسالة مستقلة .
* واعلم أنه يجب العمل بالظاهر ولا يجوز العدول عنه إلا بدليل أقوى منه يدل على صرف اللفظ عن ظاهر المتبادر منه إلى الاحتمال المرجوح .
* والأصل هو البقاء على الظاهر حتى يرد الناقل .
* والصحيح أنه ليس من شرط الاجتهاد حفظ النصوص ولكن الأكمل للمجتهد أن يكون حافظا لها.
* والصحيح القول بأن الاجتهاد يتجزأ واختاره ابن القيم .
* والصحيح جواز الاجتهاد في عهده - صلى الله عليه وسلم - واختاره ابن القيم .(1/32)
* والصحيح في قولهم ( كل مجتهد مصيب ) التفصيل فإن كان المقصود بالإصابة أي بسلوك المجتهد طرق الاستدلال المعتمدة وبذل الوسع والطاقة في درك الحق فهذا حق وإن كان المقصود بالإصابة صحة ما توصل إليه فهذا ليس بصحيح لأن الحق هو ما وافق النص ، فهو مصيب بسلوك طريق الاجتهاد ولكنه ليس بمصيب دائما في موافقة الحق لأن الصواب عند الله تعالى واحد والحق لا يتعدد واختاره ابن تيمية رحمه الله تعالى .
* والصحيح المقطوع به أن المصيب في مسائل الاعتقاد واحد وأن الحق في كل مسائل العقيدة هو ما قرره أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى ، والحق معهم لا يحيد عنهم البتة .
* والحق أنه إذا تعارض عند المجتهد دليلان وعجز عن الترجيح بينهما فإنه يلزمه التوقف إلى أن ينكشف له الأمر .
* والصحيح أن المجتهد لا يجوز له تقليد غيره إلا فيما سيفوت إن لم يقلد غيره الآن واختاره ابن تيمية وتلميذه ، وهذا مذهب وسط بين من منع تقليده مطلقا وبين من أجازه مطلقا وخير الأمور الوسط .
* والصحيح المعتمد أن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد .
* وجرى أهل السنة على أنه لا اجتهاد مع النص .
* والمعتمد عنهم أن كل اجتهاد عاد على أصل النص بالإبطال فهو فاسد باطل .
* والمعتمد الذي لا يجوز القول بغيره هو أنه لا يجوز خلو عصر من الأعصار عن مجتهد قائم بحجج الله تعالى ، وهو مذهب الحنابلة واختاره ابن القيم واعتمده الزبيدي من الشافعية والقاضي عبد الوهاب من المالكية ورجحه الشوكاني واختاره ابن دقيق العيد ونصره السيوطي .
* والصواب أن المفتي إذا ظهر له الخطأ قطعا لكونه خالف نص الكتاب أو السنة التي لا معارض لها أو خالف إجماع الأمة فإن عليه إعلام المستفتي وإن كان رجوعه لمجرد موافقة مذهبه السابق فقط فلا يلزمه إعلامه .
* والصحيح الذي جرى عليه أهل السنة أن لازم القول ليس بلازم إلا بعد عرضه وقبوله .(1/33)
* والأقرب أن مجرد فعل المجتهد لا يدل على مذهبه ، لأن الفعل يحتمل عدة أوجه كالنسيان والسهو والتأويل واختاره ابن القيم .
* والأقرب في الاجتهاد في حادثة لا قول فيها ما اختاره ابن القيم رحمه الله تعالى وذلك بقوله :- " والحق التفصيل وأن ذلك يجوز بل يستحب أو يجب عند الحاجة وأهلية المفتي والحاكم فإن عدم الأمران لم يجز وإن وجد أحدهما دون الآخر احتمل الجواز والمنع والتفصيل فيجوز للحاجة دون عدمها " قلت :- هو اختيار شيخه أبي العباس .
* والحق أنه لا يجوز للمجتهد أن يقول في الحادثة الواحدة قولين متضادين في وقت واحد .
* والصحيح الذي جرى عليه أهل السنة رحمهم الله تعالى هو أن أول واجب على العبيد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فلا هو النظر ولا القصد إلى النظر كما يقوله المبتدعة .
* والصحيح جواز التقليد في مسائل العقيدة بالنسبة للعاجز عن الاستدلال لعموم قوله تعالى " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم تعلمون " فمن كانت عنده الأهلية للنظر والاستدلال حرم عليه التقليد في العقائد والشرائع ، ومن كان عاجزا عن النظر والاستدلال جاز له التقليد في العقائد والشرائع وهو مذهب السلف وأهل الحديث واختاره ابن تيمية وابن القيم ولا عبرة بما يقوله علماء الكلام ومن وافقهم ، فالحق هو مذهب أهل الحديث كعادتهم رفع الله قدرهم ومنازلهم في الأولى والآخرة .
* والحق الذي لا ينبغي القول بغيره أن إيمان المقلد صحيح وهو مذهب الأئمة الأربعة .
* والحق أنه لا يجوز لأحد أن يقلد أحدا تبين له أن فتواه خلاف الدليل وإن كان من كان .
* والصحيح أنه يجوز الإفتاء بالتقليد عند الحاجة وعدم العالم المجتهد وهو قول وسط بين من فتح الباب على مصراعيه وبين من أغلقه مطلقا وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم .(1/34)
* والصواب المقطوع به أن التمذهب بمذهب معين جائز فيما لم يخالف الدليل فليس هو بواجب ولا بمحرم ، وهذا قول وسط واختاره ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وهو قول أكثر العلماء وإليه ذهب البرماوي وابن دقيق العيد واختاره الآمدي وابن الحاجب والسبطي ومال إليه الصفي الهندي .
* والحق المجمع عليه عند السلف وأهل الحديث وأهل السنة والجماعة هو حرمة تتبع الرخص ، فلا يجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة والمكروهة وشواذ الأقوال في المذاهب لمن أراد نفعه ، بل إن تتبع ذلك فسق وفاعله يحرم استفتاؤه .(1/35)
* وأجد نفسي مائلاً لما اختار ابن القيم في مسألة فتيا الفاسق فإنه قال :- ( والصواب جواز استفتاء الفاسق وإفتائه إلا أن يكون معلناً بفسقه وداعياً إلى بدعته فحكم استفتائه حكم إمامته وشهادته ، وهذا يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والقدرة والعجز فالواجب شيء والواقع شيء والفقيه من يطبق بين الواقع والواجب وينفذ الواجب بحسب استطاعته لا من يلقي العداوة بين الواجب والواقع ، فلكل زمان حكم والناس بزمانهم أشبه بآبائهم وإذا عم الفسوق وغلب على أهل الأرض ، فلو منعت إمامة الفساق وشهاداتهم وأحكامهم وفتاويهم وولياتهم لعطلت الأحكام وفسد نظام الخلق ، وبطلت أكثر الحقوق ، ومع هذا فالواجب اعتبار الأصلح ، وهذا عند القدرة والاختيار ، وأما عند الضرورة والغلبة بالباطل فليس إلا الاصطبار والقيام بأضعف مراتب الإنكار ) أهـ. قلت :- فلله دره وجزاه الله خيراً على هذا التفصيل الحسن الذي يجعل الأمة في سعة من أمرها ويرفع الحرج والضيق عنها في أزمنة غلبة الفساق وفساد أهل الزمان ، وأما مع استقامة الأحوال وكثرة الصلحاء والمصلحين من أهل العلم والعبادة ، نعم نحن نريد رجالاً كسلفنا في علمهم وعبادتهم لكن هذا قدرنا أن نكون في هذا الزمان ، ومع ذلك فالواجب علينا أن نسعى جاهدين بكل ما آتانا الله من قوة علمية وعملية في نشر العلم والدعوة إلى الله وإصلاح ما يمكن إصلاحه وأن نقول بالحق حيث كنا وأن لا نشتغل عن تعليم الناس وهدايتهم إلى الصراط المستقيم والمنهج القديم بأي شاغل بل لا بد أن يكون هو شغلنا الشاغل والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
* والإجماع منعقد على تحريم الإفتاء بلا علم .
* والأقرب جواز استفتاء مستور الحال وإفتائه واختاره ابن حمدان وابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم .(1/36)
* والصحيح صحة الفتيا من القاضي إذا كان أهلاً لها وأختاره ابن القيم ، بل إنه لم يزل أمر السلف والخلف على هذا لأن منصب الفتيا داخل في منصب القضاء عند الجمهور .
* والحق أنه لا يجوز الإفتاء حال ورود ما يغير الفكر ويشغل البال كالغضب والجوع والوجع المفرط والرغبة الشديدة للنوم ونحو ذلك .
* والصحيح حرمة أخذ الأجرة على الإفتاء بأن يقول :- لا أفتيك إلا بكذا وكذا فهذا محرم لأن كتم العلم محرم ولأنه تعطل لواجب ، وما أخذ من بيت المال فلا أعلم في جوازه مع الحاجة خلافاً إلا خلافاً شاذاً .
* والصحيح حرمة قبول المفتي لهدية بسبب الإفتاء فقط، أما الهدايا السابقة والمعتادة قبل الإفتاء وبعده فلا بأس إلا إن أوجبت تهمة فتمنع سداً للذريعة .
* ومنهج أكثر السلف التورع عن هدايا الحكام التورع الشديد ومجانبتها المجانبة المطلقة لأن وراء الأكمة ما وراءها .
* وذكر الإمام ابن القيم أن الصواب في مسألة العامي إذا لم يجد من يفتيه أنه يجب عليه أن يتقي الله ما استطاع ويتحرى الحق بجهده ومعرفة مثله ، وقد نصب الله تعالى على الحق أمارات كثيرة ولم يسو بين ما يحبه وبين ما يسخطه من كل وجه ، بحيث لا يتميز هذا من هذا ولا بد أن تكون الفطر السليمة قائلة إلى الحق ، مؤثرة له ، ولابد أن يقوم لها عليه بعض الأمارات المرجعة ولو بمنام أو بإلهام ، فإن قدر ارتفاع ذلك كله ، وعدمت في حقه جميع الإمارات ، فهنا يسقط التكليف عنه في حكم هذه النازلة ، ويصير بالنسبة إليها كمن لم تبلغه الدعوة ، وإن كان مكلفاً بالنسبة إلى غيره ، فأحكام التكليف تتفاوت بحسب التمكن من العلم والقدرة. أهـ كلام ابن القيم وهو قوي متين كما ترى .(1/37)
* والصواب المقطوع به وعليه سار سلف الأمة أنه ليس من شرط الإفتاء الذكورية , بل المرأة إذا بلغت رتبة الاجتهاد جاز لها الإفتاء ألا ترى أن عائشة رضي الله عنها كانت تفتي وكانت مرجعاً لكبار الصحابة وهذا الاشتراط يحتاج إلى دليل والله أعلم .
* والحق عند سلف الأمة وهو منهج أهل السنة رحم الله أمواتهم وثبت أحياءهم أن الدراية بعلم الكلام ليست بشرط في الإفتاء ومن اشترطه فالله يغفر له ويتجاوز عنا وعنه .
* والأقرب أنه إذا تعدد المجتهدون في البلد فللعامي أن يسأل المفضول مع وجود الفاضل وهذا من باب الجواز , لكن الأفضل والأبرأ للدين هو أن يسأل الأفضل من المجتهدين .
* والأصح جواز تقليد المجتهد الميت , إذا علمت أقواله وحفظت اجتهاداته وضبطت اختياراته لأن التقليد لا شأن له بالذوات وإنما تعلقه بالأقوال , والأقوال والاجتهادات لا تموت بموت أصحابها .
( فصل )
* والحق أنه لا يمكن البتة أن يتعارض دليلان صحيحان وأقسم بالله على هذا , بل وأباهل على هذا, لأن الأدلة حق كلها وصدق وعدل كلها , وقد نزلت من عند حميد حكيم لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها . وإنما التعارض شيء نسبي يقوم في ذهن بعض المجتهدين .
* والحق أنه إذا ورد ما يوهم التعارض فإن الواجب أولاً الجمع بين الدليلين بأي وجه من أوجه الجمع فإن لم يمكن فالنسخ بشرطه فإن لم يمكن فالترجيح بأحد أوجه الترجيح المتقررة فإن لم يمكن فالتوقف .
* والصحيح الترجيح بكثرة رواة أحد الخبرين , فإذا كان رواة أحد الخبرين الذين ظاهرهما التعارض أكثر من رواة الخبر الآخر فيتم الترجيح بذلك وهو مذهب جمهور أهل العلم واختاره ابن القيم .
* والصحيح الترجيح باختلاف ثقة الرواة وضبطهم , فإذا كان رواة أحد الخبرين مما ظاهرهما التعارض أوثق وأضبط فيرجح بذلك وهو ما جزم به أكثر الأصوليين واختاره ابن القيم خلافاً لابن حزم .(1/38)
* والصحيح أنه إذا كان أحد الرواة في الأحاديث التي ظاهرها التعارض هو صاحب القصة أو ممن عايش أحداثها فإنه مقدم على غيره لأنه أعلم بالقصة وأدرى بما حصل فيها , وهو مذهب جمهور أهل العلم واختاره ابن القيم .
* والحق أن إثبات من رأى مقدم على نفي من لم ير .
* والحق أن من حفظ حجة على من لم يحفظ .
* والصحيح أنه إذا كان أحد رواة الخبرين المتعارضين أحدث إسلاماً من الآخر فإنه يقدم رواية متأخر الإسلام على متقدمه لحديث " كان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره " رواه مسلم , ولأن المتأخر يحفظ الأمرين , وهو رأي الأكثرين وبه جزم الشيرازي والبيضاوي والسبكي والتلمساني وبه قال القاضي أبو يعلى وذكر أنه نص أحمد واختاره ابن عقيل وابن القيم ويؤيد ذلك حديث " فكان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة " .
* والحق تقديم من روى في البلوغ على من روى وهو في الصبا لأنه أقرب للضبط وبه جزم الحازمي والرازي والآمدي والصفي الهندي والبيضاوي والزركشي واختاره ابن القيم .
* والحق تقديم رواية الجازم على رواية الظان .
* والحق تقديم القول على الفعل عند التعارض وهو مذهب الجمهور وصححه الشيرازي والشريف التلمساني وبه جزم الآمدي ورجحه أبو شامة والحافظ العلائي واختاره ابن القيم رحم الله الجميع رحمة واسعة .
* والحق تقديم المنطوق على المفهوم عند التعارض واختاره ابن القيم وشيخه أبو العباس .
* والحق تقديم الحديث السالم عن الاضطراب على الحديث المضطرب وهو مذهب جمهور العلماء لأن اختلاف اللفظ يدل على عدم الضبط واختاره ابن القيم .
* والحق أن العام المحفوظ مقدم على العام المخصوص عند التعارض واختاره ابن تيمية وابن القيم وعليه أكثر الأصوليين .
* والحق تقديم صريح الدلالة على محتمل الدلالة عند التعارض .(1/39)
* والصحيح تقديم الدليل الحاضر على المبيح عند التعارض وإليه ذهب أكثر الفقهاء وأومأ إليه أحمد وتابعه أصحابنا وبه قال الكرخي والجصاص من الحنفية وصححه الشيرازي وابن برهان من الشافعية وحكاه الباجي عن ابن القصار وبه جزم ابن الحاجب والسبكي والبيضاوي واختاره العلامة ابن القيم رحمهم الله تعالى .
* وإذا تعارض الدليل الناقل عن البراءة والمثبت عليها فيقدم الدليل الناقل عنها وهو مذهب أكثر الأصوليين واختاره ابن القيم وابن حزم والشوكاني لأن الناقل يفيد حكماً شرعياً ليس في الآخر .
وهذا آخر الترجيحات المحررة , وقد قيدتها لك في ليال معدودة قليلة , لأنني كنت قد بحثت هذه المسائل في كتابي إتحاف الطلاب بأصول الفقه في سؤال وجواب فيا رب أسألك باسمك الأعظم أن تغفر لعلماء المسلمين وأن تجزيهم خير الجزاء وأن تبارك في علمهم وعملهم وأن ترفع درجاتهم في الأولى والآخرة وأن تتجاوز عنا وعنهم الخطأ والزلل ونشهدك الله على حبهم بقدر ما مع الواحد منهم من الإيمان والهدى , ونسألك اللهم أن تحشرنا وإياهم في زمرة خاتم الأنبياء وصحابته الكرام في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله عليه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وقد وقع الفراغ منه بعد صلاة العشاء في الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وأربعمائة وألف من هجرة الحبيب - صلى الله عليه وسلم - وأستغفر الله تعالى وأتوب إليه ثم أستغفره وأتوب إليه ثم أستغفره وأتوب إليه .
قال المؤلف غفر الله له : إني أشهد الله تعالى ومن حضرني من الملائكة ومن يطلع عليه من طلبة العلم أن هذا المؤلف وقف لله تعالى على جميع المسلمين ولكل طباعته بلا تغيير لمضمونه والله أعلم .(1/40)