النهي المطلق .. هل يقتضي فساد المنهي عنه ؟
وتطبيقات من أثره الفقهي
د. محمد عبدالكريم بركات
كلية التربية والآداب والعلوم/صعده ــ جامعة صنعاء
المقدمة (1):
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فمن المعروف أن باب الأمر، والنهي من الأبواب المهمة في أصول الفقه لأمرين:
الأول : أنهما أساس التكليف في توجيه الخطاب إلى المكلفين.
الثاني : أن معرفتهما تؤدي إلى معرفة الأحكام الشرعية بتفاصيلها، ويتميز الحلال من الحرام.
ولذلك نرى كثيراً من العلماء جعلهما في مقدمة الموضوعات الأصولية التي بحثوها منهم الإمام السرخسي قال : (أحق ما يبدأ به في البيان : الأمر، والنهي؛ لأن معظم الابتلاء بهما، وبمعرفتهما تتم معرفة الأحكام، ويتميز الحلال من الحرام) (2).
والأمر مقدَّم على النهي في الذكر، وسبب تقديم الأمر على النهي، لأن الأمر طلب إيجاد الفعل، أما النهي فهو طلب الاستمرار على عدم الفعل، فقدِّم الموجود على المعدوم(3).
وممن قدّم الأمر، والنهي في بعض كتبه الأصولية على سائر المباحث أبو إسحاق الشيرازي (4)، وأبو المظفر السمعاني (5).
__________
(1) مقدمة الكتاب ـ بكسر الدال ـ ويجوز بالفتح، ما يذكر فيه قبل الشروع في المقصود، ومقدمة العلم ما يتوقف عليه الشروع، فمقدمة الكتاب أعم من مقدمة العلم، بينهما عموم وخصوص مطلق . انظر : التعريفات ص 225.
(2) أصول السرخسي جـ1 : 11.
(3) انظر : إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر جـ1 : 179.
(4) انظر : اللمع ص 64، شرح اللمع جـ1 : 191، التبصرة ص 17.
(5) انظر : قواطع الأدلة في الأصول ق 11 / أ.(1/1)
ولذلك فإن حكمة الله البالغة تأبى أن يترك الإنسان سدىً بلا إرشاد لطريق الحق، ولا بيان لقواعد السلوك. قال تعالى : { أيحسب الإنسان أن يترك سدىً } (1). أي لا يؤمر ولا ينهى كما قال مجاهد وغيره (2).
وما الأمر والنهي إلا بيان مناهج السلوك في الحياة، وقواعد التنظيم لشئون الإنسان المختلفة التي تحقق له مصالحه، وتصون مبادئه، لذلك مكنّه الله من القيام بما أمره به، وترك ما نهاه عنه، حتى لا يضل ولا يطغى، ولا يزيغ ولا يشقى، ويجد في شرع الله الغاية المطلوبة، والسعادة المرجوة.
ومع تقدم الإنسان في ميدان المعرفة، اشتدت الحاجة إلى معرفة النهي، والوقوف على أحكامه المترتبة عليه، لكثرة ما يتعلق به من الأحكام الشرعية.
سبب اختياري لهذا الموضوع :
لذلك آثرت أن يكون موضوع هذا البحث مسألة : (النهي المطلق .. هل يقتضي فساد المنهي عنه ؟ وتطبيقات من أثره الفقهي)، وذلك لشدة اضطراب العزو فيها إلى العلماء لأتتبع الأقوال فيها في كتبهم الأصولية، وأبين ما هو الصحيح منها من غيره، وأعزو كل قول إلى قائله من مصادر مذهبه، بأدلته، مع توضيح الاعتراضات والرد عليها، وبيان الراجح منها في وحدة موضوعية، كما أتعرض لذكر تطبيقات فرعية على هذه المسألة مع بيان أدلتها وتوجيهها لعلها تثري الموضوع، وتفتح الآفاق الرحبة لقاصدي المعرفة، فعلت ذلك طمعاً فيما عند الله، وإسهاماً في خدمة شريعتنا الغراء، فنسأله سبحانه أن يجنبنا الزلل في القول والعمل.
خطة البحث :
يشتمل البحث على مقدمة، وتمهيد، وستة مطالب، وخاتمة.
المقدمة : وتشتمل على خطة البحث، وسبب اختيار الموضوع.
التمهيد : ويشتمل على تعريف النهي، وصيغه.
المطلب الأول : ويتناول مذاهب العلماء في دلالة النهي وأدلتهم.
المطلب الثاني : ويتناول معنى الصحة، والبطلان، والفساد.
المطلب الثالث : ويتناول تقسيمات الفعل المنهي عنه.
__________
(1) سورة القيامة آية (36).
(2) الجامع لأحكام القرآن جـ19 : 76.(1/2)
المطلب الرابع : ويتناول مذاهب العلماء في النهي المطلق وأدلتهم.
المطلب الخامس : ويتناول بيان المذهب الراجح في المسألة.
المطلب السادس : تطبيقات من الأثر الفقهي لهذه المسألة.
الخاتمة : وفيها أهم النتائج التي توصل إليها الباحث من خلال بحثه.
التمهيد (1)
معنى النهي :
(أ) النهي لغة : مصدر نهى ينهي، نقيض (2) الأمر (3).
وإذا كان الأمر طلب الفعل، فإن النهي طلب الكفِّ عن الفعل.
ومن مشتقات النهي : النُّهيَة وهو العقل، وجمعه : نُهَى (4)، ومنه قوله تعالى :
{ إن في ذلك لآيات لأولي النهى } (5)، أي : لأصحاب العقول.
وإنما سمي العقل نهية لأنه ينهى صاحبه عما يشينه، وكذلك النهي الشرعي، فإن الشارع يمنع به المكلف من الوقوع فيما يلوِّث فطرته النقية التي فطره الله عليها.
(ب) النهي شرعاً : النهي في الاصطلاح الشرعي، عرفه بعض الأصوليين واشترط فيه (الاستعلاء) كما فعل ذلك الإمام التلمساني حيث قال : (أما حده فهو القول الدال على طلب الامتناع من الفعل على جهة الاستعلاء) (6).
وعرَّفه أبو الحسين البصري بقوله : (هو قول القائل لغيره : لا تفعل على جهة الاستعلاء إذا كان كارهاً للفعل، وغرضه أن لا يفعل) (7).
ومنهم من عرّفه بمعزل عن اشتراط (الاستعلاء) كما فعل ذلك ابن السبكي حيث قال (النهي : اقتضاء كف عن فعل لا بقول : كُفَّ) (8).
__________
(1) التمهيد لغة : تسوية الشيء، وإصلاحه. لسان العرب جـ13 : 206.
(2) النقيضان : هما اللذان لا يجتمعان، ولا يرتفعان، كوجود الإنسان وعدمه. انظر : شرح تنقيح الفصول ص97.
(3) انظر : القاموس المحيط ص 1230 وبعدها.
(4) انظر : المرجع السابق.
(5) سورة طه : آية (54)، وكذلك آية (128).
(6) مفتاح الوصول ص 36.
(7) المعتمد جـ1 : 171.
(8) جمع الجوامع جـ1 : 390 مع البناني.(1/3)
ويرجع ذلك إلى (الأمر) فمن اشترط (الاستعلاء) (1) في الأمر، اشترطه في النهي ومن لم يشترطه في الأمر، لم يشترطه في النهي.
والصحيح أن الأمر، والنهي لا يسميان أمراً ونهياً على الحقيقة إلا باشتراط الاستعلاء.
وبناء على ذلك فالتعريف المختار هو التعريف الأول؛ لأن النهي بدون استعلاء لا يسمى نهياً على الحقيقة، وإنما يسمى دعاء أو التماساً.
شرح التعريف المختار :
(القول) : هو الكلام الملفوظ به، وهذا احتراز عما ليس بكلام، فيخرج الإشارة لأنها لا تسمى قولاً.
(الدال) : يخرج الألفاظ التي لا دلالة فيها على شيء.
(على طلب الامتناع من الفعل) : احتراز من الأمر، لأنه طلب إيقاع الفعل وإيجاده.
(على جهة الاستعلاء) : يخرج (الدعاء) لأن صيغته صادرة من أدنى إلى أعلى.
ويخرج (الالتماس) لأنه طلب كف من مساو إلى من يساويه في الرتبة.
وإذا تأملنا المعنى اللغوي والشرعي لتعريف (النهي) رأينا بينهما علاقة وثيقة، فإن المعنى الشرعي لم يخرج عن المعنى اللغوي بحال، بل هو دائر في فلكه، إذ كل منهما يفيد طلب الكف والامتناع مع الإضافة الشرعية الواصفة لذلك الفعل بالتحريم. ومثله في الأمر.
صيغ النهي :
للنهي صيغ تدل عليه منها ما يلي :
1. الفعل المضارع المقرون بلا الناهية : كقوله تعالى { ولا تقربوا الزنى، إنه كان فاحشة وساء سبيلاً } (2).
__________
(1) الفرق بين العلو والاستعلاء هو أن العلو : يرجع إلى هيئة الآمر من شرفه، وعلو منزلته بالنسبة إلى المأمور. والاستعلاء : في هيئة الآمر من الترفع، وإظهار القهر. وعلى هذا يكون الاستعلاء من صفة صيغة الأمر، وهيئة نطقه فيكون صفة للكلام، والعلو : صفة للمتكلم. انظر : شرح تنقيح الفصول ص 137، شرح الكوكب المنير جـ3 : 17.
(2) سورة الإسراء آية (32).(1/4)
2. صيغة الأمر الدالة على النهي : كقوله تعالى في الخمر { فاجتنبوه } (1) وكقوله سبحانه : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور } (2). فاجتنبوا أمر دال على الكف عن الفعل.
3. صيغة نهي : كقوله تعالى { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون } (3).
4. الجمل الخبرية الدالة على النهي عن طريق صيغة التحريم أو نفي الحل : كقوله تعالى في المحرمات من النساء في النكاح { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم } (4) وكقوله سبحانه { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } (5).
وجوه استعمال صيغة النهي :
إن صيغة النهي تستعمل في معانٍ عدة، كما أن الأمر قد استعمل في معانٍ عدةٍ أيضاً. فمن معاني النهي :
1. التحريم : كقوله تعالى { ولا تقربوا الزنى } (6) وأمثاله.
2. الكراهة : كقوله عليه السلام : ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء)) (7).
3. الإرشاد : كقوله سبحانه { لا تسألوا عن أشياء } (8).
4. التحذير : كقوله تعالى { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } (9) أي : اعملوا بالإسلام حال الحياة حتى تموتوا عليه.
5. التحقير : كقوله تعالى { ولا تمدن عينيك } (10) أي : ولا تمدن عينيك فهو حقير.
6. الدعاء : كقوله تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } (11).
__________
(1) سورة المائدة آية (90).
(2) سورة الحج آية (30).
(3) سورة النحل آية (90).
(4) سورة النساء آية (33).
(5) سورة النساء آية (19).
(6) سورة الإسراء آية (32).
(7) رواه البخاري في الصحيح جـ1 : 263 مع الفتح، ومسلم في الصحيح جـ3 : 73 بشرح النووي. عن أبي هريرة واللفظ لمسلم.
(8) سورة المائدة آية (101).
(9) سورة آل عمران آية (102).
(10) سورة الحجر آية (88).
(11) سورة البقرة آية (286).(1/5)
7. بيان العاقبة : كقوله تعالى { ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون } (1).
8. التهديد : كقول الوالد لولده : لا تمتثل أمري.
9. اليأس : كقوله سبحانه { لا تعتذروا اليوم } (2).
10. الالتماس : كقولك لمن يساويك : لا تفعل.
11. التسوية : كقوله تعالى { فاصبروا أو لا تصبروا } (3).
12. الشفقة : كقوله عليه السلام : ((لا تتخذوا الدواب كراسي)) (4).
أساليب الكتاب والسنة في النهي :
وقد يأتي التعبير عن طلب الكف عن الفعل في الكتاب والسنة كما هو أيضاً في أساليب العرب بعبارات أخرى غير ما ذكر منها :
ذكر الفعل المقرون بالوعيد : كقوله سبحانه { ويل للمطففين، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون } (5).
أو وصف الفعل بأنه جور وظلم : كقوله سبحانه { ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون } (6).
أو بعدم حب الله له : كقوله تعالى { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد } (7).
أو بمخاصمة الله لصاحب الفعل : كقوله عليه السلام : ((قال الله : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجلٌ أعطى بي ثم غدر، ورجلٌ باع حراً فأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره)) (8).
__________
(1) سورة إبراهيم آية (42).
(2) سورة التحريم آية (7).
(3) سورة الطور آية (16).
(4) رواه الإمام أحمد في المسند جـ3 : 440، وجـ4 : 234 من حديث معاذ بن أنس ولفظه (اركبوا هذه الدواب سالمة، وايْتَدعوها سالمة، ولا تتخذوها كراسيّ) حديث حسن صحيح. انظر : سلسلة الأحاديث الصحيحة جـ1 : 59.
(5) سورة المطففين آية (1، 2).
(6) سورة يونس آية (17).
(7) سورة البقرة آية (204 - 205).
(8) رواه البخاري في الصحيح ص 384 من حديث أبي هريرة.(1/6)
أو بالنص على تحريمه : كقوله صلى الله عليه وسلم : ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)) (1).
أو تشبيه مرتكب الفعل بالصورة القبيحة : كقوله تعالى { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا } (2)
إلى غير ذلك من الأساليب الموجودة في ثنايا الكتاب والسنة المطهرة.
وبعد هذا كله، نود الوقوف على ذكر بعض المطالب الأصولية المتعلقة بالنهي الذي عليه مدار البحث مع ما يترتب عليه من اختلاف في الفروع عند الفقهاء، ونرجو أن نوفق لأداء حق هذا البحث علينا، وإليك التفصيل، والله المستعان.
المطلب الأول : دلالة النهي على التحريم
قلنا أن صيغة النهي ترد في استعمالات أهل اللغة لعدة معان، منها : التحريم، والكراهة والتحذير، والإرشاد، وبيان العاقبة، والدعاء، والشفقة وغيرها.
واتفق الأصوليون في أنها مجاز فيما عدا التحريم والكراهة، ولكنهم اختلفوا في أيهما تكون حقيقة ؟ على عدة أقوال أشهرها خمسة هي (3):
الأول : أنها حقيقة في التحريم، واستعمالها فيما عدا ذلك من الكراهة وغيرها مجاز وبه قال الجمهور، وعليه المحققون من أهل اللغة والأصول. ودليلهم على ذلك :
1. أن العقل يفهم من الصيغة المجردة من القرينة : الحتم ولزوم الامتناع، وذلك دليل الحقيقة.
__________
(1) رواه مسلم في الصحيح جـ5 : 100 بشرح النووي من حديث جابر بن عبد الله.
(2) سورة البقرة آية (275).
(3) الأحكام للآمدي جـ2 : 174، جمع الجوامع جـ1 : 399 مع البناني، شرح الكوكب المنير جـ3 : 83، إرشاد الفحول جـ1 : 496 وبعدها، والبيوع المنهي عنها نصاً ص 10 وبعدها.(1/7)
2. وأن العلماء السابقين استدلوا بصيغة النهي المجرد عن القرائن على الحظر والتحريم والشواهد على ذلك كثير (1)، لا حاجة إلى التطويل بذكرها.
الثاني : أنها حقيقة في الكراهة، وعليه بعض الفقهاء والأصوليين. واستدلوا على ذلك :
بأن النهي إنما يدل على مرجوحية المنهي عنه، وهذا لا يقتضي التحريم، بل الكراهة.
وأجيب عن ذلك بعدم التسليم به، بل أن السابق إلى الفهم عند التجرد عن القرينة الصارفة هو التحريم.
الثالث : وذهب البعض إلى أنها مشتركة بين التحريم والكراهة إما اشتراكاً لفظياً أو معنوياً. بدليل ورودها في الشرع، وفي كلام أهل اللغة لكلٍ من المعنيين، فلا يتعيّن أحدهما إلا بقرينة، وإلا كان حملها على أحدهما ترجيحاً من غير مرجح.
ونوقش هذا الدليل : بأن دعوى الاشتراك غير مسلّمة، وأن النهي عن تجرده عن القرائن لا يحتمل غير التحريم، كما سبق في دليل الجمهور، وأن وروده لغير التحريم لا بد أن يكون مصحوباً بقرينة.
الرابع : وذهب الأحناف إلى أنها تكون للتحريم إذا كان الدليل قطعياً، وللكراهة إذا كان الدليل ظنياً.
والجواب عن هذا : بأن الخلاف إنما هو في صيغة طلب الترك أتقتضي التحريم أم غيره؟ وهذا طلب قد يستفاد بقطعي فيكون قطعياً، وقد يستفاد بظني فيكون ظنياً، فلا أثر لقطعية الدليل وظنيته في إفادة التحريم أو عدمه، بل المنهي عنه قد يكون محرماً قطعاً لقطعية دليله، وقد يكون محرماً ظناً لظنية دليله.
الخامس : وذهب البعض من الأصوليين إلى الوقف، لورود صيغة النهي في الأدلة الشرعية وفي كلام أهل العرب تارة للتحريم، وتارة للكراهة، ولا مرجح.
__________
(1) كالزنا، والقتل، والربا، وأكل مال اليتيم، وأذى الوالدين وغير ذلك من الشواهد التي تدل على أن فعلها حرام بمجرد النهي عنها بهذه الصيغة المجردة.(1/8)
وأجيب عن ذلك : بأن ما ورد للكراهة سواء في كلام أهل العرب أو في خطاب الشرع إنما هو مقترن بما يصرفه عن التحريم إلى الكراهة كغيرها من المعاني الأخرى سوى التحريم.
وبناءً على ذلك فإن الراجح هو القول الأول بدلالة النهي المطلق على التحريم حقيقة وأنه فيما عداه مجاز لا يحمل عليه إلا بقرينة، وذلك ما عليه جماهير الفقهاء والأصوليين.
ومما يقوِّي هذا القول أنه باستقراء النصوص التي وردت في غير التحريم نجدها مصحوبة بقرائن صرفتها عن الحقيقة التي هي التحريم إلى المجاز، بما فيه الكراهة.
كما يلزم أن يجعل هذا القول قاعدة في فهم المعنى الوارد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية لأن النهي موضوع في اللغة للدلالة على ترك المنهي عنه على وجه الحتم والإلزام.
المطلب الثاني : معنى الصحة والبطلان والفساد
قبل أن نتعرض لذكر أقوال الفقهاء والأصوليين في دلالة النهي على البطلان أو الفساد وعدم دلالته، لا بد لنا أن نوضح معاني كل من الصحة والبطلان والفساد، لأنه لا بد من تصورها قبل الحكم على الأفعال بها.
معنى الصحة :
الصحة لغة نقيض السقم، وهي ذَهاب المرض، والبراءةُ من كل عيبٍ (1).
والصحة اصطلاحاً : (ترتيب المقصود من الفعل عليه) (2).
وعرفها البيضاوي بأنها (استتباع الفعل غايته) (3).
والغاية من الفعل في عقود المعاملات عبارة عن ترتيب آثارها عليها من ثبوت الملك وحل المبيع، والثمن في البيع، وحل التمتع، وثبوت النسب في عقد النكاح وأشباهه.
وأما الغاية في العبادات فهي عند المتكلمين موافقة الأمر.
وعند الفقهاء سقوط القضاء.
وقال ابن الهمام : هي (اندفاع وجوب القضاء) (4).
__________
(1) القاموس المحيط ص 221، لسان العرب جـ7 : 287.
(2) التحرير جـ2 : 234 مع التيسير.
(3) المنهاج جـ1 : 57 مع البدخشي.
(4) التحرير جـ2 : 234.(1/9)
هذا وللحنفية اصطلاح خاص في تعريف الصحة في المعاملات إذ يعرفونها بكون العقد يترتب عليه أثره المقصود منه مع عدم طلب التفاسخ شرعاً.
ويعبرون عن الصحيح بأنه ما كان مشروعاً بأصله ووصفه أو بأنه (ما استتبع غايته المقصودة منه ولم يطلب فسخه شرعاً) (1).
وقد ذكروا ذلك ليقابلوا به الباطل والفاسد في اصطلاحهم كما سيأتي.
معنى البطلان :
البطلان لغة مصدر بطل، وهو ذهاب الشيء خسراناً وضياعاً، والباطل ضد الحق(2).
أما في الاصطلاح الأصولي فالبطلان نقيض الصحة، والباطل نقيض الصحيح، فالبطلان عدم استتباع الفعل غايته.
فهو في العبادات كون الفعل واقعاً على خلاف أمر الشرع عند المتكلمين، وكونه غير مسقط للقضاء، أو غير دافع لوجوب القضاء عند الفقهاء.
وفي المعاملات عدم ترتب آثارها عليها من ثبوت الملك وحلّ الانتفاع ونحوهما (3).
وهو عند الحنفية في المعاملات كون العقد لا يترتب عليه أثره المقصود منه مع طلب التفاسخ شرعاً.
وقالوا عن الباطل بأنه ما كان غير مشروع لا بأصله ولا بوصفه (4).
معنى الفساد :
الفساد لغة مصدر فَسَدَ ككرم ونصر وعَقَد، وهو نقيض الصلاح.
ويطلق على أخذ المال ظلماً، وعلى الجدب والقحط (5).
والفساد اصطلاحاً مرادف للبطلان عند الجمهور، لأنهما بمعنى واحد، ويقابلان الصحة.
وبناءً عليه فإن تعريف الفساد في اصطلاح الجمهور - غير الأحناف - هو تعريف البطلان السابق ذكره (6).
__________
(1) المرجع السابق، مسلم الثبوت جـ2 : 122.
(2) القاموس المحيط ص 889 - 890، لسان العرب جـ1 : 432، مختار الصحاح ص 36.
(3) نهاية السول جـ1 : 58، تيسير التحرير جـ2 : 236.
(4) المرجع السابق، فواتح الرحموت جـ1 : 123.
(5) القاموس المحيط ص 291، لسان العرب جـ10 : 261.
(6) منهاج الوصول جـ1 : 57، جمع الجوامع جـ1 : 146، تيسير التحرير جـ2 : 237.(1/10)
أما الأحناف فللفساد عندهم معنى مغاير للبطلان، إذ يعرفونه في المعاملات بكون الفعل يترتب عليه أثره المقصود مع طلب التفاسخ شرعاً (1).
فالفرق بين الفاسد والباطل عند الأحناف أن الفاسد يترتب عليه أثره المقصود منه، والباطل لا يترتب عليه أثره، مع أن كلاً منهما مطلوب فسخه شرعاً.
وكل من الفاسد والباطل يقابل الصحيح عندهم كما بينا ذلك من قبل.
وقد كان لهذا الاصطلاح الخاص بالأحناف أثر في الفروع الفقهية، إذ خالفوا الجمهور في كثير من المنهيات فقالوا بفسادها حسب اصطلاحهم، في حين أن الجمهور قالوا ببطلانها كما سيتضح قريباً من خلال ثنايا هذا البحث.
المطلب الثالث : تقسيمات الفعل المنهي عنه
يقسم الأصوليون والفقهاء الفعل المنهي عنه من حيث تعلق النهي به إلى ثلاثة أنواع هي :
الأول : أن يكون النهي عن الشيء لعينه، كالنهي عن الكفر، والظلم، والزنا، وشرب الخمر، وغير ذلك، فإن القبح في هذه الأمور نابع من ذاتها (2).
وقد قسَّم الأحناف هذا النوع إلى قسمين :
1. ما كان القبح فيه حسياً، كالزنا وشرب الخمر.
2. ما كان القبح فيه شرعياً، كالصلاة بدون طهارة.
ويفرقون بينهما : بأن الحسية ما كان معانيها المعلومة القديمة قبل الشرع باقية على حالها ولم تتغير بالشرع، فالزنا مثلاً بقيت ماهيتها بعد نزول تحريمها على حالها، وعلى ما كانت عليه في الجاهلية، لا أن تحريمها معلوم من جهة الحس دون الشرع.
وأما الشرعية فقد تغيرت معانيها بعد ورود الشرع بها، فالصلاة هي الدعاء، وزيدت عليها أشياء بعد شرعها (3).
الثاني : أن يكون النهي فيه لا لعينه، وإنما لوصف لازم له لا ينفك عنه، كصوم يوم النحر، والطلاق حال الحيض، وبيع الربويات.
__________
(1) المرجع السابق، مسلم الثبوت جـ1 : 122.
(2) تحقيق المراد ص 276.
(3) المنار جـ1 : 143 وبعدها.(1/11)
فالصوم من حيث أصله مشروع، ولكن من حيث إيقاعه في يوم العيد منهي عنه، والوطء مباح شرعاً، ولكن إيقاعه في الحيض محرم، والبيع مشروع جملة، ولكنه من حيث اقترانه بشرط الزيادة ممنوع (1).
الثالث : ما كان منهياً عنه لغيره، سواء لأمر خارج أو لوصف مجاور، كالنهي عن البيع وقت النداء الثاني من يوم الجمعة، والصلاة في الأرض المغصوبة.
فأركان البيع وشروطه متوافرة، وتفويت الصلاة أمر منفصل عنه، وأركان الصلاة وشروطها وواجباتها متوافرة، والغصب أمر منفصل عن الصلاة، فالنهي عنها للتفويت والغصب لا للصلاة والبيع (2).
هذا وقد كان لهذه الأنواع أثر في اختلاف الفقهاء والأصوليين في اقتضاء النهي البطلان المرادف للفساد في بعض الأنواع، وعدم اقتضائه في البعض، واقتضاء الفساد في البعض الآخر، كما سنرى ذلك في المطلب الآتي :
المطلب الرابع : النهي المطلق واقتضاء الفساد
اختلف الأصوليون والفقهاء في اقتضاء النهي المطلق فساد (3) المنهي عنه إلى المذاهب التالية :
المذهب الأول :
أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه مطلقاً، وهذا هو مذهب جماهير الفقهاء من أصحاب الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، والحنابلة، والظاهرية، وجماعة من المتكلمين (4).
ونسب إمام الحرمين هذا القول إلى المحققين من أهل العلم، فقال : (ذهب المحققون إلى أن الصيغة المطلقة في النهي تتضمن فساد المنهي عنه) (5).
__________
(1) تحقيق المراد ص 277.
(2) البحر المحيط جـ2 : 439، قواعد الأحكام جـ2 : 20.
(3) الفساد له متعلقان : متعلق بالعبادات ومتعلق بالمعاملات، فهو في العبادات عبارة عن عدم ترتب الأثر عليها، أو عدم موافقة الأمر، أو عدم سقوط القضاء، وهو في المعاملات عبارة عن عدم ترتب الأثر عليها. انظر : شرح الكوكب المنير جـ1 : 473.
(4) انظر : الأحكام للآمدي جـ2 : 175، جمع الجوامع جـ1 : 401.
(5) البرهان جـ1 : 283.(1/12)
وأقوال هؤلاء المحققين مشهورة، فقد قال الشيرازي في التبصرة : (النهي يقتضي فساد المنهي عنه في قول عامة أصحابنا).
وقال السمعاني : (النهي يدل على فساد المنهي عنه، وهو الظاهر من مذهب الشافعي)(1)
وقال الغزالي : (النهي محمول على فساد المنهي عنه،على معنى أنه يجعل وجوده كعدمه)(2)
وقال ابن قدامة : (النهي عن الأسباب المفيدة للأحكام يقتضي فسادها) (3).
واستدل أصحاب هذا المذهب على أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه بالأدلة التالية :
الدليل الأول :
ما روته عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ)) (4).
والمنهي عنه ليس أمره صلى الله عليه وسلم فيجب أن يكون مردوداً.
الدليل الثاني :
قالوا : إن الصحابة رضوان الله عليهم استدلوا على فساد العقود بالنهي عنها.
فاستدلوا على فساد عقود الربا بقوله صلى الله عليه وسلم : ((لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عيناً بعين يداً بيد)) (5).
واحتج ابن عمر رضي الله عنهما في فساد نكاح المشركات بقوله تعالى { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ } (6).
واستدلالهم على فساد نكاح المحرم بقوله عليه السلام : ((لا يَنكحُ المحرم ولا يُنكَحُ ولا يَخطُب)) (7).
وغير ذلك كثير، مما يدل على أنهم عقلوا من النهي الفساد.
الدليل الثالث :
__________
(1) قواطع الأدلة ق 37 / ب.
(2) المنخول ص 126.
(3) روضة الناظر ص 217.
(4) رواه البخاري في الصحيح ص 477، ومسلم في الصحيح جـ6 : 295 مع النووي واللفظ لمسلم.
(5) متفق عليه، انظر : صحيح البخاري ص 377، وصحيح مسلم جـ6 : 92 بشرح النووي عن أبي سعيد الخدري.
(6) سورة البقرة آية (221).
(7) رواه مسلم في الصحيح جـ5 : 312 وبعدها مع النووي عن عثمان بن عفان.(1/13)
قالوا : إن النهي ضد الأمر ونقيضه، والأمر يدل على إجزاء المأمور به وصحته فيجب أن يدل النهي على نفي إجزائه وعلى فساده، وإلا لم يكن نقيضه وضده.
الدليل الرابع :
قالوا : إن النهي عن الشيء يدل على تعلق المفسدة به، أو بما يلازمه، لأن الشارع حكيم لا ينهى عن المصالح، إنما ينهى عن المفاسد، وفي القضاء بالفساد إعدام لها بأبلغ الطرق.
الدليل الخامس :
قالوا : لو كان المنهي عنه مجزئاً لكان طريق إجزائه الشرع إما أمراً، أو إيجاباً، أو إباحة وكل ذلك يمنع منه النهي.
الدليل السادس :
قالوا : إن النهي عنها مع ربط الحكم بها يفضي إلى التناقض في الحكمة، لأن نصبها سببا تمكين من التوسل، والنهي من التوسل،لأن حكمها مقصود الآدمي ومتعلق غرضه فتمكينه منه حث على تعاطيه، والنهي منع من التعاطي، ولا يليق ذلك بحكمة الشرع (1).
المذهب الثاني :
أن النهي عن الأفعال الحسية، كالزنا وشرب الخمر وغيرهما يقتضي البطلان.
__________
(1) انظر : المعتمد جـ1 : 177، التبصرة ص 101 - 102، التمهيد جـ1 : 371 - 373، الأحكام للآمدي جـ2 : 190 روضة الناظر وشرحها نزهة الخاطر العاطر جـ2 : 115 طبعة مكتبة المعارف بالرياض، مفتاح الوصول ص 39، شرح الكوكب المنير جـ3 : 85، وآراء المعتزلة ص 534.(1/14)
والنهي عن التصرفات الشرعية مثل : الصلاة، والصوم، والبيع، يقتضي البطلان إذا كان منهياً عنه لعينه، كبيع الملاقيح والمضامين (1) ويقتضي الصحة لأصله مع فساد غيره إذا كان منهياً عنه لغيره كالنهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة، والبيع بعد النداء الثاني يوم الجمعة، وهذا هو المشهور من مذهب الحنفية (2).
وفي مذهب الحنفية تفريق بين الحسيات والشرعيات، وقد سبق بيان معناهما عندهم، وبقي بيان حكمهما، فالحسيات مقتضية لبطلانها، وأما الشرعيات فلا يبطل إلا ما نهي عنه لعينه سواء أكانت عبادات أو معاملات.
وخلاصة مذهبهم : بأن ما نهي عنه لعينه فهو باطل سواء أكان حسياً أو شرعياً من المعاملات كان أو من العبادات، وما نهي عنه لغيره باطل في الحسيات - إلا ما نهي عنه للمجاورة، كالنهي عن الوطء في حال الحيض؛ لأن الوطء حسي صحيح والفساد لا حق للمجاور له وهو الحيض - صحيح في العبادات (3).
وبهذا يتبين خطأ من قال : أن الأحناف يقولون بالصحة مطلقاً (4).
والذي يجب ذكره أن الحنفية يرون أن النهي عن التصرفات الشرعية يقتضي قبحها لوصفها لا لعينها إلا إذا دلت القرينة على أن النهي لعينه، فقلّلوا بذلك الشرعيات الفاسدة بالنهي (5).
__________
(1) الملاقيح : مافي بطون الأمهات ويطلق على جنين الناقة، والمضامين : ما في أصلاب الفحول ـ انظر : لسان العرب جـ8 : 90 وجـ12 : 308، القاموس المحيط ص 232، وص 1118، وفسرهما سعيد بن المسيب بقوله : المضامين : ما في بطون إناث الإبل، والملاقيح : ما في ظهور الجمال. انظر : الموطأ ص 405.
(2) المنار جـ2 : 259، أصول السرخسي جـ1 : 80 وبعدها، التنقيح وشرحه التوضيح جـ1 : 406 وبعدها.
(3) أصول السرخسي جـ1 : 80.
(4) الأحكام للآمدي جـ1 : 411، شرح مختصر الروضة جـ2 : 442، روضة الناظر جـ2 : 653.
(5) كشف الأسرار للنسفي جـ1 : 14، قواطع الأدلة ق 38 / أ.(1/15)
استدل الحنفية على أن النهي عن الشرعيات لا يفيد فسادها بما يلي :
أولاً : أن النهي عن هذه الشرعيات لو لم يدل على الصحة لكان المنهي عنه غير الشرعي أي غير المعتبر في الشرع؛ لأن الشرعي المعتبر هو الصحيح، لأنا نعلم قطعاً أن المنهي عنه في صوم يوم النحر، وصلاة الأوقات المكروهة إنما هو الصوم والصلاة الشرعيان لا الإمساك والدعاء (1).
ثانياً : إنه لو لم يكن الشيء المنهي عنه صحيحاً لكان ممتنعاً فلا يمنع منه؛ لأن المنع عن الممتنع عبث، فلا يقال للأعمى : لا تبصر، والزمن : لا تمشي (2).
وقد نوقش الحنفية في استدلالهم على أن النهي لا يفيد الفساد في الشرعيات بالآتي :
1. أن الشرعي ليس معناه المعتبر شرعاً بل ما يسميه الشارع بذلك الاسم وهو الصورة المعينة، والحالة المخصوصة صحت أم لا. تقول : صلاة صحيحة وصلاة غير صحيحة، وأن صلاة الجنب، وصلاة الحائض باطلة (3).
2. أنه قد نهي عن الصلاة وقت الحيض في حديث عائشة : ((فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة)) (4).
3. إنه إنما يلزم العبث لو كان بطلانها ومشروعيتها قبل ورود الشرع، ولكن إذا كان البطلان لأجل النهي فلا يلزم العبث؛ لأنه يتصور من المكلف الإتيان بحركات وأفعال مخصوصة، ولولا هذا النهي لكانت شرعية ولما نهاه الشارع عن ذلك وأخرجها بهذا النهي عن المشروعية والإجزاء (5).
__________
(1) شرح التلويح على التوضيح جـ1 : 408.
(2) المرجع السابق، شرح تنقيح الفصول ص 175، قواطع الأدلة ق 38 / ب.
(3) شرح التلويح على التوضيح جـ1 : 408.
(4) رواه البخاري في الصحيح جـ1 : 420 مع الفتح.
(5) شرح العضد على ابن الحاجب جـ2 : 97 مع التفتازاني، شرح تنقيح الفصول ص 176، نفائس الأصول جـ4 : 1713.(1/16)
ومعتمد الحنفية في هذا الدليل أن القبح كان سابقاً للنهي، كما أن الحسن سابق للأمر فلا يصح بذلك النهي عن قبح لعينه لأنه لا يمكن وجوده شرعاً (1). وقد رُدَّ ذلك بما سبق.
ويزاد عليه الاستدلال بقوله تعالى { ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم } (2).
وإذا كانوا خلائف الله فإن تصرفاتهم صحيحة جائزة بمقتضى الوكالة، فإذا نهاهم بعد ذلك كان نسخاً لتلك الصحة في حقهم (3).
والواقع أن الحنفية يشيرون إلى الصحة العقلية بلا شك؛ لأن الصحة لا تخلو من أن تكون عقلية كإمكان الشيء وقبوله للوجود - أي كونه ممكن الوجود غير ممتنع به - أو تكون صحة عادية كالمشي في الجهات أماماً ويميناً وشمالاً، وإما أن تكون شرعية وهي الإذن في الشيء - أي كونه مشروعاً - وتدخل تحته الأحكام الشرعية من وجوب وإباحة وكراهة وجواز دون التحريم.
وبالنظر في هذه الأقسام فإنه لا ينطبق على كلام الحنفية إلا الصحة العقلية أو العادية وهو إمكان الفعل من جهة المكلف وإيجاده له أو فعل المكلف ما تسمح به العادة كالمشي في الجهات دون الصعود في الهواء، وهذا متفق عليه كما ذكر الأصوليون، وأما الصحة الشرعية فلا تتفق مع المنهي عنه؛ لأنه لا يمكن النهي عن الشيء والإذن فيه (4).
قال الطوفي : (ودليلهم لا يمس محل النزاع، ويرجع الخلاف لفظياً عند التحقيق وإن كانوا هم تجاوزوا اللفظ إلى المعنى بغير حجة) (5).
المذهب الثالث :
أن النهي عن الشيء يقتضي فساده في العبادات، وأما في المعاملات فيقتضي شبهة الملك وهذا مذهب المالكية (6).
__________
(1) تيسير التحرير جـ1 : 383.
(2) سورة يونس آية (14).
(3) نفائس الأصول جـ4 : 1713.
(4) شرح تنقيح الفصول 175، البحر المحيط جـ2 : 450، تحقيق المراد ص 386.
(5) شرح مختصر الروضة جـ2 : 436.
(6) شرح تنقيح الفصول ص 175، نفائس الأصول جـ4 : 1694.(1/17)
وقد علل القرافي القول بشبهة الملك بقوله : (وأما ما يتصل به على أصولنا فلأن المبيع المحرم إذا اتصل به عندنا أحد أمور أربعة تقرر الملك فيه بالقيمة : وهو تغير الأسواق، أو تغير العين، أو هلاكها، أو تعلق حق الغير بها) (1).
وقال في نفائس الأصول (2) : (على شبه الصحة وهو تفريع المالكية لأن البيع الفاسد عندهم المنهي عنه يفيد شبهة الملك).
ولفظ الملك مختص بالبيوع وتوابعه، خاصة وأن القرافي قد مثَّل له بما يؤكد كونه في المعاملات دون العبادات؛ لأن الأوصاف الأربعة المذكورة لا تليق بالعبادات، وهذا ما فهمه العلائي حيث قال : (وهذا يقتضي اختصاص هذا القول بالعقود دون العبادات)(3).
والمالكية يقصدون بذلك القول : الخروج من خلاف العلماء في العقود، فلم يقولوا فاسداً محضاً، ولا صحيحاً محضاً، وإنما جعلوه في منزلة بينهما.
ويفهم من ذلك أن النهي في العبادات مقتضٍ للفساد، سواء أكان النهي لعين المنهي عنه أو لغيره، وأنه يفيد شبهة الملك أو شبه الصحة في العقود سواء أكان لعينه أو لغيره.
واستدل المالكية على أن النهي عن الشيء في عقود البيع مفيد لشبهة الملك بما يلي :
قال القرافي : (حجة شبهة الملك مراعاة الخلاف، وأما ما يتصل به على أصولنا فلأن البيع المحرم إذا اتصل به عندنا أحد أمور أربعة تقرر الملك فيه بالقيمة وهو : تغير الأسواق أو تغير العين، أو هلاكها، أو تعلق حق الغير بها) (4).
وهذا فيما يظهر خلاف لفظي اختار فيه المالكية لفظ الشبه ليخرجوا به من الخلاف القائم بين العلماء، وطلباً للسلامة من الوقوع في لفظ الصحة القائل به الحنفية ولفظ الفساد الذي يقول به غيرهم.
__________
(1) شرح تنقيح الفصول ص 175.
(2) النفائس جـ4 : 1694.
(3) تحقيق المراد ص 292.
(4) شرح تنقيح الفصول ص 175، وانظر النفائس جـ4 : 1694.(1/18)
ويفهم من كلام القرافي أن مذهب مالك لا يقضي بالملك في البيع الفاسد إلا إذا حصل أحد الأمور الأربعة التي ذكرها، فإذا حصل واحد منها انتقل الملك للمشتري وعليه الضمان بالمثل أو القيمة، لأنه تغيَّر في يده، وهذا دليل على الفساد، إذ لولا التغيّر لعين المبيع لما انتقل الملك، وهو ملك ناقص للزوم الضمان على المشتري.
وقد ذكر الباجي أن المالكية يقولون بفساد المنهي عنه (1)، وقرن التلمساني بين المالكية والشافعية في المذهب مما يؤكد اتفاق المذهبين في هذه المسألة (2).
المذهب الرابع :
أن النهي إن كان لعين الشيء أو لوصفه اللازم له فهو مقتضٍ للفساد، وأما إذا كان النهي لغير المنهي عنه فهو غير مقتضٍ للفساد سواء أكان في العبادات أو في المعاملات.
وهذا مذهب الأكثر من الشافعية (3)، وهو اختيار الطوفي (4).
واستدل جمهور الشافعية ومن وافقهم أن النهي عن الشيء لغيره لا يدل على فساده على مذهبهم بالآتي :
ضعف المانع لصحته فإن ذلك الوصف ضعيف عرضي لا يقوى على إفساد المنهي عنه فالبيع بعد النداء صحيح مع الإثم؛ لأن النهي لأجل التفويت لا للبيع نفسه ولكن هذا الوصف غير لازم، فقد يعقد مائة عقد ما بين النداء إلى الصلاة ثم يدركها فلا تفوت (5).
المذهب الخامس :
__________
(1) إحكام الفصول جـ1 : 234.
(2) مفتاح الوصول ص 40.
(3) تحقيق المراد ص 300، جمع الجوامع جـ1 : 401، نهاية السول جـ1 : 305، إرشاد الفحول جـ1 : 500.
(4) شرح مختصر الروضة جـ2 : 439 وبعدها.
(5) المرجع السابق جـ2 : 440.(1/19)
أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه في العبادات دون العقود والإيقاعات (1)، وإليه ذهب أبو الحسين البصري من المعتزلة، ونسبه ابن السبكي إلى الغزالي، وفخر الدين الرازي واختاره ابن الهمام من الحنفية (2).
واستدل أبو الحسين البصري على أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه في العبادات فقال : (والدلالة على ذلك هي : أن المنهي عنه لم يتناوله التعبد، وما لم يتناوله التعبد، لا يُسقِطُ التعبد، أما أن المنهي عنه لا يتناوله التعبد، فلأن التعبد يتناول ما له صفة زائدة على حُسْنه، والنهي يتناول ما ليس بحَسَن).
يبين ذلك أن الله سبحانه إذا قال لنا : صلوا الظهر، ثم قال : لا تصلوها بغير طهارة فإن هذا النهي يدل على أن الصلاة بغير طهارة قبيحة غير حسنة، وغير مرادة والأمر يدل على أن الصلاة المأمور بها حسنة مرادة، فأحدهما غير الآخر، فصح أن المنهي عنه لم يتناوله التعبد.
وأما أن ما لم يتناوله التعبد فالتكليف لم يسقط به إذا تجرد النهي عن دلالة، فلأن فاعله لم يفعل ما تُعُبِّد به، فجرى مجرى أن يقول الله سبحانه لنا : صلوا بطهارة، في أنَّا إذا صلينا بغير طهارة، لم يسقط التعبد عنا، ويلزمنا أن نصلي ما بقي الوقت وجرى مجرى أن يأمر الله سبحانه وتعالى بالصلاة فنتصدق في أن التعبد يكون باقياً لمّا كنا فاعلين لِمَا لم يتناوله التعبد) (3).
واستدل على أن النهي لا يقتضي فساد المنهي عنه في العقود والإيقاعات فقال: (فأما الأفعال التي يرجع فسادها إلى نفي أحكامها، نحو البيع، والطلاق، والعتاق، والشهادة.
فالنهي عنها لا يدل على فسادها، لا بنفسه ولا بواسطة.
أما بنفسه فإنه إنما يدل إذا صدر من حكيم، فيدل على قبح الفعل، ووجوب الإخلال به، أو على كراهته له فقط.
__________
(1) أي : إيقاع الطلاق، أو العتاق أو نحو ذلك.
(2) المعتمد جـ1 : 172، جمع الجوامع جـ1 : 401، تيسير التحرير جـ1 : 378 وجـ2 : 236، إرشاد الفحول جـ1 : 498.
(3) المعتمد جـ1 : 172.(1/20)
وأما أنه لا يدل على ذلك بواسطة، فهو أن الواسطة، هي قبحٌ وكونه مكروهاً، والفعل قد يكون مكروهاً وحكمه ثابت، نحو البيع في حال صلاة الجمعة، والطلاق في حال الحيض، ولأن قبح البيع لا ينافي ثبوت الملك به لا محالة، لأنه قد ينهى الحكيم عن البيع لأن الملك لا يقع به، ولأنه مفسدة في نفسه وإن وقع الملك به، ولأنه يتشاغل به عن واجب، نحو البيع مع تعيُّن وجوب التحريم، وإذا أمكن كل ذلك، لم نأمن أن يكون النهي عن البيع أو عن الطلاق وغيرهما كان لغرض سوى أن أحكامها لا تثبت) (1).
وخلاصة هذا الدليل : أن فساد العقود إنما يرجع إلى نفي أحكامها، وليس في النهي ما يدل على نفي الأحكام، لأن غاية ما فيه أنه قبيح مكروه، وذلك لا ينافي حصول الملك كالبيع في وقت النداء، والطلاق في الحيض، وما أشبه ذلك (2).
مناقشة هذا الدليل :
أما ما استدل به أبو الحسين البصري على أن النهي لا يقتضي الفساد في العقود والإيقاعات، بحجة أن فساد العقود إنما يرجع إلى نفي أحكامها، وليس في النهي ما يدل على نفي الأحكام، وأن النهي إنما يقتضي قبح المنهي عنه، وقبحه لا يدل على بطلانه. فيناقش عليه من وجهين :
الوجه الأول :
لا نسلم أنه ليس في النهي ما يدل على نفي الأحكام، بل في النهي ما يدل على انتفاء الأحكام؛ لأن أحكام العقود تتعلق بالعقود الشرعية، فإذا وقعت العقود مخالفة للشرع لم تتعلق أحكامها بها ووقعت باطلة.
والعبادات يتعلق بها الإجزاء والصحة، وهي أحكامها إذا وقعت العبادة موافقة للشرع فأما إذا خالفت الشرع، لم يتعلق بها أحكامها، فلا فرق بينهما.
الوجه الثاني :
أن النهي يقتضي معنى يدل على القبح، وهو أن ما يفعله مغاير لما ورد به الشرع وذلك يوجب بطلانه؛ لأنه لم يقع موقع الإجزاء.
__________
(1) المرجع السابق جـ1 : 176.
(2) التمهيد جـ1 : 381.(1/21)
أما الطلاق في الحيض، وما شابهه، فإنما حكم بصحته من يراه لقيام الدلالة عليه، وليس إذا تُرك ظاهر اللفظ في بعض المواضع لقيام الدليل دلّ على بطلان مقتضاه.
ألا ترى أن النهي قد يرد في بعض المواضع ولا يراد به التحريم، ثم لا يدل ذلك على أنه لا يقتضي التحريم في بقية المواضع (1).
المذهب السادس :
النهي لا يقتضي فساد المنهي عنه مطلقاً، لا في العبادات، ولا في المعاملات.
وإليه ذهب أبو عبد الله البصري، والقاضي عبد الجبار، وشيوخ المعتزلة المتكلمون وهو قول بعض الشافعية، وأكثر الفقهاء (2).
واستدل جمهور المعتزلة على أن النهي لا يقتضي فساد المنهي عنه مطلقاً بثلاثة أدلة :
الدليل الأول :
قالوا : إن فساد العبادة يقتضي وجوب قضائها، والنهي إنما يدل على قبحها، وعلى كراهة الناهي لها، وقبحها لا يقتضي وجوب قضائها، لعلمنا بقبح أفعال كثيرة لا يلزم قضاؤها.
الدليل الثاني :
قالوا : لو أفاد النهي الفساد، لكان ما لم يفسد من الأفعال القبيحة - نحو الوضوء بالماء المغصوب - غير منهي عنه على التحقيق، لأنه لم يتعلق به ما هو نهي على التحقيق حتى يوصف بأنه منهي عنه.
الدليل الثالث :
قالوا : إن لفظ النهي لغوي، وفساد العبادة شرعي، فلا يجوز أن يكون موضوعاً له (3).
__________
(1) انظر : التبصرة ص 102 وبعدها، التمهيد جـ1 : 376 - 382. وليس كل نهي يجري فيه الخلاف حول دلالته على الفساد أو عدم دلالته عليه، إذ قد تأتي قرينة تدل على الفساد كنهيه صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وقوله بعد ذلك : ((وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأْ كفَّه تراباً)) رواه أبو داود في السنن 9/271 - 272 مع عون المعبود، واسناده : صحيح انظر : فتح الباري جـ4 : 426.
(2) انظر : المعتمد جـ1 : 171، قواطع الأدلة ق 38 / أ، المحصول جـ2 : 291، كشف الأسرار جـ1 : 258.
(3) انظر : المغني لعبد الجبار جـ17 : 136، المعتمد جـ1 : 175 وبعدها، وآراء المعتزلة ص 536.(1/22)
مناقشة أدلة هؤلاء :
أولاً : يناقشون على دليلهم الأول :
بأن وجوب القضاء قد دلَّ عليه الأمر بالفعل، وذلك لأن الأمر يتناول عبادة لا يتعلق بها شيء، وهو لم يفعل ذلك، وفِعْلُها على وجه النهي لا تبرأ الذمة به، فكان الأمر بإيجاب الفعل باقياً كما كان.
ثانياً : ويناقشون على دليلهم الثاني من وجهين :
الوجه الأول : إن جميع ذلك فاسد عندنا إلا ما دلَّ عليه دليل، ولا دليل هنا.
وإن سُلِّم ذلك؛ فإنا لا نقول : إن النهي في اللغة الفساد، فيلزم ما ذكرتم، وإنما نقول إنه يدل على الفساد.
الوجه الثاني : إنا لا نقول : إنه مجاز؛ لأن المجاز ما نُقل عن جميع موجبه، وهو هنا لم يُنقل عن جميع موجبه، بل حُمل على بعض موجبه، وذلك أن النهي يقتضي التحريم وفساد المنهي عنه، فإذا دلَّ الدليل على أنه غير فاسد، بقي حقيقة في الباقي كالعموم إذا خُصَّ بعضه.
ثالثاً : ويناقشون على دليلهم الثالث، من وجهين :
الوجه الأول : إنا لا نقول : إن لفظ النهي وضع للفساد، كما وضع لفظ العموم للاستغراق، وما أشبهه، وإنما نقول : إنه يدل على الفساد.
الوجه الثاني : إنه على القول بأنه وضع للفساد، لم يلزم ما ذكروه؛ لأن الفساد في الفعل عندنا هو انتفاء الأغراض المقصودة به، ووجوب إعادته، وذلك أمر معقول قبل الشرع، فلا يمتنع أن يوضع لفظ النهي، كما وضعوا أن هذا الفعل تجب إعادته؛ لأنه لا يتعلق به مقصود وإن كان لفظاً لغوياً.
المطلب الخامس : المذهب الراجح
بعد هذا البيان المفصل لآراء الفقهاء والأصوليين في هذه المسألة يترجح لدي أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه في العبادات والمعاملات على السواء، وذلك لثلاثة أمور :
(1) إن معنى قولهم : ((النهي يقتضي الفساد)) أن كل ما نهى الله عنه وحرمه في بعض الأحوال، وأباحه في حال أخرى، فإن الحرام لا يكون صحيحاً نافذاً كالحلال، بحيث يترتب عليه الحكم كما يترتب على الحلال، ويحصل به المقصود كما يحصل به.(1/23)
وهذا هو مذهب الصحابة والتابعين، ومذهب أئمة المسلمين وجمهورهم، فإنهم علموا أن المنهي عنه فاسد ليس بصالح، وإن كانت فيه مصلحة فمصلحته مرجوحة بمفسدته، وقد علموا أن مقصود الشرع رفع الفساد ومنعه، لا إيقاعه والإلزام به فلو ألزموا موجب العقود المحرمة لكانوا مفسدين غير مصلحين، والله لا يصلح عمل المفسدين.
(2) إنه لا يوجد قط في شيء من صور النهي صورة ثبتت فيها الصحة بنص أو إجماع فالطلاق المحرم مثلاً، والصلاة في الدار المغصوبة، فيهما نزاع، وليس على الصحة نص يجب اتباعه، فلم يبق مع المحتج بهما حجة.
لكن من البيوع ما نهي عنه لما فيه من ظلم أحد المتبايعين للآخر، كبيع المصرَّاة والمعيب وتلقِّي السلع، إلا أن هذه البيوع لم يجعلهما الشارع لازمة كالبيوع الحلال، بل جعلها غير لازمة، فهي موقوفة على الإجازة، إن شاء أجازها صاحب الحق، وإن شاء ردَّها.
وهذا النوع من العقود بحسب قول طائفة من الناس كالمعتزلة ومن وافقهم، أنه من جملة ما نهي عنه.
والتحقيق : أن هذا النوع لم يكن النهي فيه لحق الله تعالى، بل لحق الإنسان، ولما كان النهي هنا لحق الإنسان، لم يجعله الشارع لازماً، بل أثبت حق المظلوم وسلَّطه على الخيار فإن شاء أمضى، وإن شاء فسخ.
(3) إن من يقول : إن النهي عن الطلاق في الحيض، والبيع وقت النداء، ونحو ذلك إنما هو لمعنى في غير المنهي عنه.
يقال له : وغير ذلك من المحرمات كذلك، فهي إنما نُهي عنها لإفضائها إلى فساد خارج عنها، فالجمع بين الأختين منهي عنه لإفضائه إلى قطيعة الرحم، والقطيعة أمر خارج عن النكاح.
والخمر والميسر حرما وجعلا رجساً من عمل الشيطان، لأنهما يفضيان إلى الصدِّ عن الصلاة، وإيقاع العداوة والبغضاء، وهو أمر خارج عن الخمر والميسر.(1/24)
والربا حرام، لأنه يفضي إلى أكل أموال الناس بالباطل، وذلك أمر خارج عن عقد الربا فكل ما نص الله تعالى عنه، لا بد من أن يشتمل على معنى فيه يوجب النهي (1).
المطلب السادس : الأثر الفقهي في النهي من حيث الحرمة والبطلان وعدمه
تظهر فائدة القواعد الأصولية، وأهميتها عند تطبيق الفروع الفقهية عليها، لذا سأذكر ـ على سبيل المثال بعض الفروع للتنبيه على هذه الفائدة.
الفرع الأول : الاختلاف في نكاح الشغار :
(أ) تعريفه :
الشغار : في أصل اللغة رفع الكلب رجله عند البول.
وفي القاموس : (الشِّغارُ بالكسر : أن تُزوِّجَ الرجلَ امرأةً على أن يُزوِّجك أخرى بغير مهرٍ، صَداقُ كل واحدة بُضْعُ الأخرى) (2).
قيل : إنما سمي شغاراً لقبحه، تشبيهاً له بقبح الكلب حين يرفع رجله ليبول) (3).
أو كأنه قال : (لا ترفع رجل بنتي حتى أرفع رجل بنتك، وقيل : هو من شغر البلد إذ خلا، لخلوه عن الصداق) (4).
وسواء كان مأخوذاً من شغر البلد أو الكلب، فإن التسمية لها وجهها في كلٍ منهما فهو خال عن الصداق، والرفع فيه موجود.
ومن تأمل في أن التسمية بالشغار إنما هي دليل على قبحه، فقد نظر إلى معنى فيه، وهو نهي الشرع عنه، وكل ما نهى عنه الشارع فهو قبيح لا خير فيه.
وكان هذا النوع من الزواج معروفاً زمن الجاهلية،فجاء الإسلام فلم يقره ونهى عن إيقاعه.
(ب) النصوص الواردة في النهي عنه :
__________
(1) انظر : مجموع الفتاوى جـ29 : 159 - 161، وآراء المعتزلة الأصولية ص 539.
(2) القاموس المحيط ص 289، لسان العرب جـ7 : 144، مختار الصحاح ص 166.
(3) المغني لابن قدامة جـ10 : 42.
(4) شرح مسلم للنووي جـ9 : 200 وما بعدها.(1/25)
1. عن ابن عمر رضي الله عنهما : ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار والشغارُ أن يزوِّج الرجلُ ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ليس بينهما صَدَاق))(1).
2. وعن ابن عمر رضي الله عنهما : ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا شغار في الإسلام)) (2).
(ج) حكم نكاح الشغار :
اتفق الفقهاء على ثبوت النهي عن هذا النوع من الأنكحة، ولكن دار الخلاف بينهم في كون النهي هل يقتضي البطلان أم لا يقتضيه ؟
فجمهور العلماء استدل بهذين الحديثين المتقدمين على أن عقد الشغار لا ينعقد أصلاً وأنه باطل (3).
وذهب أبو حنيفة إلى أنه يقع صحيحاً، ويجب لكل واحدة من البنتين مهر مثلها على زوجها، إذ أن الرجلين سمّيا ما لا تصلح تسميته مهراً، إذ جَعْلُ المرأة مقابل المرأة ليس بمال.
فالفساد فيه من قِبَل المهر وهو لا يوجد فساد العقد، كما لو تزوج على خمر أو خنزير فإن العقد لا يفسخ، ويكون فيه مهر المثل، ولا موجب لإبطاله لأنه شرط فاسد اقترن به والنكاح لا تبطله الشروط الفاسدة (4).
الفرع الثاني : الاختلاف في سلف وبيع :
(أ) تعريفه :
السَّلَف بالتحريك : السَّلم، اسم من الأسلاف، والقرض الذي لا منفعة فيه للمقرض، وعلى المقترض رده (5).
__________
(1) صحيح البخاري جـ9 : 162 مع الفتح، وصحيح مسلم جـ9 : 200 مع النووي ولفظه (يزوجه ابنته وليس...) قال أبو عيسى : والعمل على هذا عند عامة أهل العلم لا يرون نكاح الشغار، وذكر حديث ابن عمر. انظر : السنن جـ3 : 227 - 228 مع تحفة الأحوذي.
(2) صحيح مسلم جـ9 : 200 مع النووي، ورواه الترمذي من حديث عمران بن الحصين قال : حديث حسن صحيح السنن جـ3 : 227
(3) المغني لابن قدامة جـ10 : 42 - 43، المحلى جـ9 : 513 - 516، مختصر خليل جـ3 : 267 مع حاشية العدوي، مغني المحتاج جـ3 : 143.
(4) انظر : بدائع الصنائع جـ3 : 1430، المغني لابن قدامه جـ10 : 42.
(5) القاموس المحيط ص 757 وص 1033.(1/26)
وأنه في البيع : السَّلَف وزناً ومعنى (1).
ونقل في مغني المحتاج (2) أن السَّلَم لغة أهل الحجاز، والسَّلَف لغة أهل العراق.
ويعرفه الفقهاء بأنه عقد على موصوف في الذمة ببذل يعطى عاجلاً. كذا في الروضة (3) وفي حاشية ابن عابدين (4) : شراء آجل بعاجل.
وقال القرطبي في تعريفه : بيع معلوم في الذمة محصور بالصفة بعين حاضرة أو ما هو في حكمها إلى أجل معلوم (5).
يتضح مما سبق عدم اشتراط الشافعية تأجيل المبيع، وعدم اشتراط المالكية تعجيل الثمن في مجلس العقد، فقد أجازوا تأخيره إلى ثلاثة أيام، وهو ما أشار إليه القرطبي بقوله : بعين حاضرة أو ما هو في حكمها. واحتج لذلك الدردير بقوله : (لخفة الأمر لأن ما قارب الشيء يعطي حكمه) (6).
وهذا النوع من التعامل جائز بالكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } (7).
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ((أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحلّه الله في كتابه، وأذن فيه، ثم قرأ هذه الآية)) (8).
وأما السنة ما أخرجه البخاري، ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار، السنة والسنتين، فقال : ((من أسلف في تمر، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم)) (9).
وقد حكى ابن المنذر إجماع العلماء على جوازه (10).
__________
(1) المصباح المنير مادة : سلم، ص 172.
(2) جـ2 : 102.
(3) روضة الطالبين جـ4 : 3، وشرح مسلم للنووي 6 : 119.
(4) جـ4 : 203.
(5) الجامع لأحكام القرآن جـ3 : 244.
(6) حاشية الدسوقي جـ3 : 1.
(7) سورة البقرة آية (282).
(8) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى جـ6 : 18.
(9) صحيح البخاري جـ4 : 429 مع الفتح، ولفظه (من أسلف في شيء ففي كيل)، ومسلم في الصحيح جـ6 : 118 - 119 مع النووي
(10) انظر : كتاب الإجماع ص 112.(1/27)
وحاجة المتعاقدين داعية إليه، لأن صاحب رأس المال محتاج إلى أن يشتري السلعة وصاحب السلعة محتاج إلى ثمنها قبل حصولها عنده لينفقها على زرعه حتى ينضج وبذلك تتحقق مصلحة الطرفين، وهذا من يسر الشريعة وسماحتها، لكونها قائمة على مبدأ رفع الحرج، وجلب المصلحة، ودرء المفسدة.
وأما الخلاف الذي وقع بين أهل العلم فهو في حكم الجمع بين السَّلَف والبيع؟ هل يقتضي البطلان أم لا يقتضيه؟
(ب) النصوص الواردة في النهي عنه :
1. عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يحل سَلَفٌ وبيعٌ، ولا شرطان في بيع، ولا رِبْحُ ما لم يُضْمَن ولا بيعُ ما ليس عندك)) (1).
2. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع ... الحديث)) (2).
(ج) المراد بالسلف المنهي عنه :
السلف الوارد ذكره في الحديثين له معنيان :
الأول : السلم.
الثاني : القرض.
وصورة البيع مع السلف على المعنى الأول أن يقول : أبيعك داري بألف على أن تسلفني مائة في كذا، أو يسلم إليه في شيء ويقول : إن لم يتهيأ المسلم فيه عندك فهو بيع لك بكذا،وصورته على المعنى الثاني : أن يقول : أقرضك على أن تبيع مني دارك بكذا (3).
(د) حكم الجمع بين السلف والبيع :
__________
(1) أخرجه أبو داود في سننه جـ9 : 291 - 292 مع عون المعبود، والترمذي في سننه جـ4 : 360 - 361 مع تحفة الأحوذي وقال حديث صحيح، والنسائي في سننه جـ7 : 333 بشرح السيوطي، ورواه الحاكم موصولاً وصححه، ووافقه الذهبي على ذلك. انظر : المستدرك وتلخيص الذهبي عليه جـ2 : 17.
(2) أخرجه أحمد، وأصحاب السنن إلا ابن ماجه، وقال عنه الترمذي : هذا حديث حسن صحيح. نيل الأوطار ص 1052.
(3) المرجع السابق، مجموع الفتاوى جـ29 : 62 وبعدها.(1/28)
اتفق الفقهاء في منع الجمع بين السلف والبيع على كلا التفسيرين للسلف، وأن ذلك محرم للنهي عنه من غير صارف عن التحريم.
كما رأى الجمهور على أنه من البيوع غير الصحيحة إلا ما نقل عن مالك أنه قال : إن ترك مشترط السلف السلف صحَّ البيع (1).
ولكنهم اختلفوا في كونه باطلاً غير منعقد أو أنه منعقد فاسد لا باطل على اصطلاح الأحناف.
فالجمهور على أنه باطل إلا ما نقل عن مالك في حالة ما إذا أسقط مشترط السلف السلف (2).
والحنفية على أنه فاسد لما في ذلك من زيادة بغير عوض، فهو ربا، وعقد الربا يقع عندهم فاسداً لا باطلاً (3).
الفرع الثالث : الاختلاف في بيع العنب ممن يتخذه خمراً :
(أ) النص الوارد في النهي عنه :
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من حبس العنب أيام القطاف، حتى يبيعه ممن يتخذه خمراً، فقد تقَحَّم النار على بصيرة)) (4).
هذا بالإضافة إلى النصوص المانعة من الإعانة على معصية مثل قوله تعالى { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } (5) وغيرها.
(ب) حكم بيع العنب ونحوه ممن يتخذه خمراً :
اختلف العلماء في حكم بيع العنب ونحوه ممن يعلم أنه يتخذه خمراً، أو يستعمله في معصية، أو يغلب على ظنه ذلك على ثلاثة أقوال :
أحدها : أن البيع في هذه الحالة محرم ويقع باطلاً، وهو قول أكثر المالكية وأحمد والظاهرية.
__________
(1) شرح الدردير جـ3 : 66، المغني لابن قدامه جـ4 : 160، بداية المجتهد جـ2 : 121.
(2) المراجع السابقة.
(3) فتح القدير جـ6 : 441 - 446، البيوع المنهي عنها نصاً في الشريعة الإسلامية ص 77 وبعدها.
(4) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن - بلوغ المرام ص 238، وانظر : نيل الأوطار ص 1035.
(5) سورة المائدة آية (2).(1/29)
وذلك للنهي عنه : وهو يقتضي التحريم والبطلان، ولما في هذا البيع من عقد على عين المعصية فلا يجوز، وإن اجتمعت أركان وشروط العقد لكن المعصية مانع من جوازه ومن صحته (1).
القول الثاني : أنه يحرم، وهو أحد الوجهين عند الشافعية، والوجه الآخر أنه يكره، وإذا وقع البيع فإنه يكون صحيحاً على الوجهين لاكتمال أركانه وشروطه، والنهي عنه لا يقتضي بطلانه، لأنه متعلق بأمر خارج عن العقد (2).
القول الثالث : أن البيع جائز بلا كراهة وهو قول الأحناف. ودليلهم أن المعصية لم تقم بعين المبيع بل بعد تغيره.
وفي قول عندهم أنه يكره، لإعانته على المعصية، وبعضهم أجازه من الكافر وكرهه من المسلم، وعليه فإن البيع إذا وقع يكون صحيحاً عندهم (3).
لأن النهي لم يكن لذات العقد ولا لوصفه الملازم، وإنما هو لأمر خارج.
الفرع الرابع : الاختلاف في البيع بعد النداء الثاني للجمعة :
(أ) النص الوارد في النهي عنه :
ورد النهي عن البيع بعد النداء الثاني للجمعة في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } (4).
(ب) الوقت المنهي عن البيع فيه :
اختلف أهل العلم في الوقت المنهي الذي يمتنع فيه البيع.
فقال جماهير العلماء : إن وقت المنع من البيع يبدأ من الأذان الثاني الذي يكون عند المنبر إلى أن تنقضي الصلاة، لأنه النداء الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، وهو النداء الذي كان عند نزول الآية.
وأما الأذان الأول فهو محدث في عهد عثمان فلا يكون مراداً من الآية.
__________
(1) المغني لابن قدامه جـ6 : 317 - 319، وحاشية الدسوقي جـ3 : 7.
(2) المجموع جـ9 : 271.
(3) حاشية ابن عابدين جـ9 : 391، وانظر : البيوع المنهي عنها نصاً ص 195.
(4) سورة الجمعة آية (9).(1/30)
وقال أكثر الأحناف وأحمد في رواية : أن المنع يبدأ من الأذان الأول، لأنه هو الذي يحصل به الإعلام للسعي، ولأن من انتظر في بيته أو متجره حتى يبدأ الأذان الثاني فقد فاته فضل التبكير إلى الجمعة، والاستماع إلى الخطبة وقد تفوته الجمعة إذا كان بعيداً.
وقالت الظاهرية : إنه يمنع البيع من زوال الشمس يوم الجمعة (1).
(ج) حكم البيع بعد النداء الثاني للجمعة :
اختلف العلماء في حكم البيع بعد النداء الثاني للجمعة على ثلاثة مذاهب :
المذهب الأول : أنه يحرم البيع، ويقع باطلاً، وهو مذهب المالكية والحنابلة وأهل الظاهر.
وهذا في حق من تجب عليه الجمعة عند الجمهور، وفي حق الجميع عند الظاهرية.
ويستثنى من ذلك المضطر لطعام أو شراب أو كسوة لعريان أو كفن لميت يخشى فساده وما أشبه ذلك.
ودليلهم : الآية الواردة في النهي عنه، والنهي يقتضي التحريم والبطلان مطلقاً ما لم يصرفه صارف، ولا صارف هنا (2).
المذهب الثاني : أنه يحرم ممن تلزمه الجمعة غير المضطر والمحتاج، وإذا وقع البيع فإنه يكون صحيحاً، وهو مذهب الشافعية.
ودليل هذا المذهب الآية الناهية عنه.
ووجه القول بصحة البيع وعدم بطلانه هو أن النهي ليس متعلقاً بذات البيع ولا بوصف ملازم له، وإنما هو لأمر آخر، وهو تأخير السعي إلى الجمعة وذلك منفك عن البيع فقد يحصل التأخير بدون البيع وقد يحصل البيع ولا يوجد تأخير، والنهي في هذه الحالة لا يقتضي البطلان وإن اقتضى التحريم (3).
المذهب الثالث : أن البيع عندئذ مكروه تحريماً.
وإذا وقع يكون صحيحاً مع الكراهة التحريمية وهو مذهب الأحناف.
__________
(1) فتح القدير 2 : 86، شرح منتهى الإرادات 2 : 154، المحلى جـ9 : 647.
(2) المراجع السابقة.
(3) نهاية المحتاج 3 : 463.(1/31)
ودليلهم : الآية الدالة على النهي عنه إذ مقتضاه هنا عندهم الكراهة التحريمية ولا يقتضي البطلان ولا الفساد، لعدم تعلق النهي بذات العقد ولا بوصفه الملازم، وإنما هو لأمر خارج (1).
? وكذلك الاختلاف في صوم يوم النحر
صحيح عند الحنفية، فاسد عند الجمهور (2).
? وأيضاً الاختلاف في الذبح بالسكين المغصوبة
فعند الجمهور الذبح صحيح، وعند الحنابلة والظاهرية الذبح فاسد (3).
? والاختلاف في الصلاة في الثوب المغصوب
فعند الحنفية الصلاة صحيحة، وغير فاسدة عند المالكية والشافعية، وعند الحنابلة والظاهرية الصلاة باطلة (4).
الخاتمة :
أهم النتائج التي توصل إليها الباحث :
1. أرجح تعريفات النهي : هو القول الدال على طلب الامتناع من الفعل على جهة الاستعلاء.
2. الصحيح : أن النهي له صيغة تدل عليه بمجردها.
3. الصحيح : أن النهي حقيقة في التحريم.
4. الراجح : أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه.
وإلى هنا انتهى ما أردت جمعه في هذا الموضوع.
فإن يكن صواباً فمن فضل الله، وتوفيقه، وإن كانت الأخرى، فمن تقصيري وأستغفر الله مما زلّ به القلم وعزائي في ذلك أني لم أدَّخر وسعاً في الوصول إلى ما هو الصواب.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
ثبت بقائمة مصادر البحث
1. آراء المعتزلة الأصولية - علي بن سعد الضويحي، الطبعة الثانية، 417هـ - 1996م، الرياض.
2. أصول السرخسي - الإمام أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، المتوفى سنة 490هـ - حقق أصوله : أبو الوفاء النعماني، نشر دار المعرفة، بيروت 1393هـ - 1973م.
__________
(1) حاشية ابن عابدين 5 : 101، وانظر : البيوع المنهي عنها نصاً ص 192.
(2) أصول السرخسي جـ1 : 85، تيسير التحرير جـ1 : 382، تحقيق المراد ص 390.
(3) نهاية الوصول جـ3 : 1199.
(4) التمهيد للإسنوي ص 295.(1/32)
3. إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر - عبد الكريم النملة، الطبعة الأولى، 1422هـ - 2001م مكتبة الرشد، الرياض.
4. الإجماع - محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، المتوفى سنة 318هـ، الطبعة الأولى 1407هـ - 1987م، دار القلم، بيروت.
5. الإحكام في أصول الأحكام - سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد الآمدي، المتوفى سنة 631هـ، طبعة مؤسسة الحلبي، القاهرة.
6. إحكام الفصول في أحكام الأصول - سليمان بن خلف الباجي، المتوفى سنة 474هـ، تحقيق : عبد الله محمد الجبوري الطبعة الأولى 1409هـ - 1989م، مؤسسة الرسالة، بيروت.
7. إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول - محمد بن علي الشوكاني، المتوفى سنة 1250هـ، تحقيق سامي بن العربي الأثري، الطبعة الأولى 1421هـ - 2000م، نشر: دار الفضيلة، الرياض.
8. البحر المحيط في أصول الفقه - محمد بن بهادر الزركشي، المتوفى سنة 794هـ، الطبعة الأولى، نشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت.
9. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع - أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، المتوفى سنة 587هـ، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، بيروت.
10. بداية المجتهد ونهاية المقتصد - محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، المتوفى سنة 595هـ، نشر دار الكتاب العربي.
11. البرهان في أصول الفقه - إمام الحرمين/ عبد الملك بن عبد الله الجويني، المتوفى سنة 478هـ، تحقيق : عبدالعظيم الديب، الطبعة الأولى 1399هـ - قطر.
12. بلوغ المرام من أدلة الأحكام - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852هـ، الطبعة الثانية 1417هـ - 1997م، نشر : مكتبة دار الفيحاء، دمشق.
13. البيوع المنهي عنها نصاً في الشريعة الإسلامية - علي بن عباس الحكمي، مطبوعات نادي مكة الثقافي الأدبي 1410هـ - 1990م.(1/33)
14. التبصرة في أصول الفقه - إبراهيم بن علي الشيرازي الفيروزآبادي، المتوفى سنة 476هـ، تحقيق : محمد حسن هيتو، طبعة دار الفكر، دمشق 1400هـ - 1980م.
15. التحرير في أصول الفقه - كمال الدين محمد بن عبد الواحد الإسكندري، المتوفى سنة 861هـ، طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، القاهرة 1350هـ.
16. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي - محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، المتوفى سنة 1353هـ، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
17. تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد - صلاح الدين خليل العلائي، المتوفى سنة 761هـ، تحقيق : إبراهيم محمد السلقيني، مطبعة زيد بن ثابت، دمشق 1395هـ.
18. التلويح على التوضيح - سعد الدين مسعود بن علي التفتازاني، المتوفى سنة 792هـ، طبعة محمد علي صبيح، القاهرة.
19. التمهيد في أصول الفقه - محفوظ بن أحمد الكلوذاني الحنبلي، المتوفى سنة 510هـ، تحقيق : مفيد محمد أبو عمشة، نشر دار المدني، جدة، الطبعة الأولى 1406هـ - 1985م.
20. التمهيد في تخريج الفروع على الأصول - عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي، المتوفى سنة 772هـ، الطبعة الأولى 1400هـ - 1980م، مؤسسة الرسالة، بيروت.
21. تيسير التحرير لابن الهمام الحنفي - محمد أمين المعروف بأمير بادشاه، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1350هـ.
22. الجامع لأحكام القرآن - محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، المتوفى سنة 671هـ، تحقيق : سالم مصطفى البدري، الطبعة الأولى 1420هـ - 2000م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
23. جمع الجوامع - تاج الدين السبكي، الطبعة الثانية، نشر مؤسسة الحلبي، مصر 1356هـ
24. حاشية ابن عابدين - لمحمد أمين ابن عابدين، المتوفى سنة 1252هـ، الطبعة الثانية، 1386هـ.
25. حاشية على الشرح الكبير للدردير - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، المتوفى سنة 1230هـ، نشر دار الفكر.(1/34)
26. روضة الناظر وجنة المناظر - عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، المتوفى سنة 620هـ، نشر المكتبة السلفية، المدينة المنورة.
27. سلسلة الأحاديث الصحيحة - محمد ناصر الدين الألباني، طبعة مكتبة المعارف، الرياض، 1415هـ - 1995م.
28. السنن الكبرى - أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، المتوفى سنة 458هـ،نشر دار الفكر.
29. سنن النسائي بشرح جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ - أحمد بن شعيب الخراساني، المتوفى سنة 303هـ الطبعة الثالثة، 1414هـ - 1994م، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
30. شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول - شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، المتوفى سنة 684هـ، الطبعة الأولى 1393هـ 1973م، دار الفكر، القاهرة.
31. شرح صحيح مسلم - محيي الدين يحيى بن شرف الدين النووي، المتوفى سنة 676هـ، الطبعة الأولى 1420هـ - 1999م، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
32. شرح عضد الملة والدين لمختصر المنتهى في الأصول - عثمان بن عمر بن أبي بكر بن الحاجب المالكي، المتوفى سنة 646هـ، نشر مكتبة الكليات الأزهرية طبعة 1393هـ - 1973م.
33. شرح فتح القدير - كمال الدين محمد بن عبد الواحد الإسكندري، المتوفى سنة 861هـ، نشر، مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر.
34. شرح اللمع في أصول الفقه - أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، المتوفى سنة 476هـ، تحقيق : عبدالمجيد تركي،الطبعة الأولى 1408هـ 1988م دار الغرب الإسلامي،بيروت.
35. شرح مختصر روضة الناظر - سليمان الطوفي الحنبلي، المتوفى سنة 716هـ، الطبعة الأولى 1407هـ - مؤسسة الرسالة، بيروت.
36. شرح منتهى الإرادات - منصور بن يونس البهوتي الحنبلي، طبعة دار الفكر.
37. صحيح البخاري - أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة 256هـ، الطبعة الأولى 1422هـ 2001م، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.(1/35)
38. صحيح مسلم - أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، المتوفى سنة 261هـ الطبعة الأولى 1420هـ - 1999م، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
39. عون المعبود شرح سنن أبي داود - محمد شمس الحق العظيم آبادي، الطبعة الثانية 1415هـ - 1995م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
40. فتح الباري بشرح صحيح البخاري - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852هـ، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه محمد فؤاد عبد الباقي، طبعة مكتبة دار الفيحاء، دمشق.
41. القاموس المحيط - مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، المتوفى سنة 817هـ، الطبعة الأولى 1422هـ - 2001م، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
42. قواطع الأدلة في الأصول - أبي المظفر منصور بن محمد السمعاني، المتوفى سنة 489هـ، بتحقيقنا.
43. قواعد الأحكام في مصالح الأنام - العز بن عبد السلام الدمشقي، المتوفى سنة 660 هـ، طبع دار الشرق.
44. كتاب التعريفات - الشريف علي بن محمد الجرجاني، الطبعة الأولى سنة 1403هـ - 1983م، دار الكتب العلمية، بيروت.
45. كشف الأسرار شرح المصنف على المنار - أبي البركات عبد الله بن أحمد النسفي، المتوفى سنة 710هـ، الطبعة الأولى 1406هـ دار الكتب العلمية، بيروت.
46. لسان العرب - محمد بن مكرم بن منظور، المتوفى سنة 711هـ، الطبعة الثالثة 1419هـ - 1999م، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
47. اللمع في أصول الفقه - أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الفيروز آبادي، المتوفى سنة 476هـ تخريج يوسف عبد الرحمن المرعشلي، الطبعة الأولى 1405هـ - 1984م، عالم الكتب، بيروت، لبنان.
48. المجموع شرح المهذب للشيرازي - أبي زكريا محيى الدين بن شرف الدين النووي المتوفى سنة 676هـ، نشر مكتبة الإرشاد، جدة.(1/36)
49. مجموع الفتاوى - تقي الدين أحمد بن تيمية الحراني، المتوفى سنة 728هـ، الطبعة الثانية 1422هـ - 2001م، نشر دار الوفاء، مصر، المنصورة.
50. المحصول في علم أصول الفقه - فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي، المتوفى سنة 606هـ، تحقيق : طه جابر فياض العلواني، الطبعة الثالثة 1418هـ - 1997م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.
51. المحلى - أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، المتوفى سنة 456هـ، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، طبعة دار الجيل، بيروت.
52. مسلم الثبوت - محب الله بن عبد الشكور، طبعة مؤسسة الحلبي، مصر.
53. مسند الإمام أحمد ابن حنبل، المتوفى سنة 246هـ، طبعة المكتب الإسلامي، بيروت.
54. مختار الصحاح - محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، الطبعة الرابعة 1418هـ 1998م، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت.
55. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي - أحمد بن محمد الفيومي، المتوفى سنة 770هـ، تحقيق : عبد العظيم الشناوي، طبعة دار المعارف، القاهرة.
56. المعتمد في أصول الفقه - أبي الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي، المتوفى سنة 426هـ، الطبعة الأولى 1403هـ - 1983م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
57. المغني - موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي، المتوفى سنة 620هـ، الطبعة الثانية 1413هـ - 1992م، مكتبة هجر، القاهرة، تحقيق : عبد الله بن عبد المحسن التركي، وعبد الفتاح محمد الحلو.
58. المغني في أبواب التوحيد والعدل - عبد الجبار بن أحمد الهمذاني، المتوفى سنة 415هـ، طبعة الدار المصرية.
59. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - محمد الخطيب الشربيني، المتوفى سنة 997هـ، طبعة شركة مصطفى الحلبي وأولاده 1377هـ - 1985م، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
60. المنار - أبي البركات عبد الله بن أحمد النسفي، المتوفى سنة 710هـ، طبعة مصطفى محمد 1355هـ.(1/37)
61. مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول - محمد بن أحمد التلمساني، المتوفى سنة 771هـ، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، 1403هـ.
62. المنخول من تعليقات الأصول - أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي، المتوفى سنة 505هـ، تحقيق : محمد حسن هيتو، طبعة دار الفكر.
63. منهاج العقول شرح منهاج الوصول - محمد بن الحسن البدخشي، المتوفى سنة 1405هـ، نشر دار الكتب العلمية، بيروت.
64. منهاج الوصول في علم الأصول مع شرح نهاية السول للإسنوي - عبد الله بن عمر البيضاوي، المتوفى سنة 685هـ، الطبعة الأولى 1405هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.
65. الموطأ - مالك بن أنس الأصبحي، المتوفى سنة 179هـ، تحقيق : أبي الفضل عبد الله بن محمد بن الصديق، الطبعة الأولى 1418هـ 1997م، طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
66. نفائس الأصول في شرح المحصول - أحمد بن إدريس القرافي، المتوفى سنة 684هـ، الطبعة الأولى 1416هـ، نشر نزار الباز، مكة المكرمة.
67. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج - محمد بن أحمد بن حمزة الرملي، المتوفى سنة 1004هـ، نشر المكتبة الإسلامية.
68. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار - محمد بن علي بن محمد الشوكاني، المتوفى سنة 1250هـ، الطبعة الأولى 1421هـ - 2000م، دار ابن حزم، بيروت، لبنان.(1/38)