د محمد اقصري
المنطوق و المفهوم
بين
مدرستي المتكلمين والفقهاء
دراسة مقارنة في القواعد الأصولية اللغوية
mohamedakassri@hotmail.com
* المنطوق والمفهوم بين مدرستي المتكلمين والفقهاء
دراسة مقارنة في القواعد الأصولية اللغوية.
* المؤلف محمد اقصري.
* الإيداع القانوني: 2207 / 2005.
* الطبعة الأولى: دجمبر 2005.
* جميع حقوق الطبع محفوظة للمؤلف.
* طبع وتصميم : أنفوبرانت
12 شارع القادسية الليدو ـ فاس.
الهاتف : 26 17 64 035
ملاحظة:
النسخة الإلكترونية غير موافقة للنسخة المطبوعة في ترقيم الصفحات.
مقدمة
بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد ،
أتناول في هذه الرسالة بالدرس والتحليل ثنائي "المنطوق والمفهوم" ، ويندرج هذا الثنائي ضمن القواعد الأصولية اللغوية التي تعتبر من أهم مفاتيح تفسير النصوص وفهمها فهما سليما ، فلا غنى لمن يتدبر معاني النصوص الشرعية أو يستنبط الأحكام منها عن معرفتها ...
ويلفت انتباه دارس هذا الفن أن القواعد الأصولية اللغوية من المباحث الأصولية التي اختلفت حولها أنظار العلماء ، بحيث انقسموا إلى مذهبين اصطلح عليهما : " مدرسة الفقهاء " ويمثلها الحنفية ، و" مدرسة المتكلمين " وتضم الشافعية والمالكية والحنابلة وطوائف من الشيعة ...
وسبب الخلاف بين المدرستين منهجي مؤداه أن مدرسة المتكلمين تقوم على تحقيق القواعد الأصولية دون التأثر بالفروع الفقهية ، لأنهم يضعون هذه القواعد وفق ضوابط عقلية ومنطقية ثم يُخْضِعُون لها الفروع الفقهية ، بحيث يستعملون القاعدة في استنباط الأحكام الشرعية ، بإخضاع الأحكام للقواعد .(1/1)
أما الحنفية فيعمدون إلى تطويع الأصول وفق الفروع الفقهية ، فإذا خالفت القاعدة الأصولية الفرع الفقهي فإنهم لا ينظرون في الفرع الفقهي لينضبط مع القاعدة ، وإنما ينظرون في القاعدة الأصولية ويروضونها إلى أن تصبح منسجمة مع الفرع الفقهي ، ولهذا سميت مدرستهم بمدرسة الفقهاء .
وبسبب هذا الخلاف ، تباينت أنظار المدرستين " متكلمين وحنفية " حول مباحث أصولية عديدة ، ومنها المنطوق والمفهوم وما تضمناه من دلالات ...
ونظرا لأهمية المنطوق والمفهوم اعتنى العلماء بهما عناية بالغة وبينوا مسائلهما ليكون الطالب أو المستنبط على بينة مما يقرره من أحكام بالنفي أو الإثبات ...
إلا أن المدرستين لم تختلفا في كل شئ يتعلق بالمنطوق والمفهوم وإنما تتفقان على مسائل وتختلفان في أخرى، لذلك أقدم للقارئ في هذه الدراسة مقارنةً مبسطةً بالأمثلة أبين فيها أوجه الاتفاق والاختلاف بين المدرستين حول المنطوق والمفهوم ...
تمهيد
إن استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية يتوقف على أمور كثيرة ، منها فهم أساليب اللغة العربية ، ليتمكن المستنبط من ربط النصوص بعضها مع بعض ، بحيث يحمل العام على مخصصه، والمطلق على مقيده ، والمجمل على مبينه ... وبها يتمكن من معرفة دلالة الألفاظ على المعاني من حيث درجات الخفاء ومراتب الوضوح ...
وعلاقة اللفظ بالمعنى كعلاقة المعلول بعلته، بحيث تكون الدلالة بإطلاق اللفظ وتصور معناه ، لأن الألفاظ هي القوالب التي تستفاد منها المعاني ، وقد انقسم العلماء في تعريف الدلالة إلى فريقين حكاهما القرافي عن ابن سينا هما :
الأول : « فهم السامع من كلام المتكلم كمال المسمى أو جزءه أو لازمه » '(1)' .
الثاني : « كون اللفظ إذا أطلق دل » '(2)' . والفرق بين الفريقين هو : هل الدلالة ذاتية في اللفظ ، أم خارجة عنه ؟
__________
(1) شرح تنقيح الفصول: ص23.
(2) نفس المرجع السابق: ص23.(1/2)
فأما الفريق الأول فيرى أن الدلالة خارجة عن اللفظ ، لأنها مرتبطة بفهم السامع ، ومعناه أن السامع إذا فهم تكون دلالة ، وإذا لم يفهم لا تكون دلالة . وأما الفريق الثاني فيرى أن الدلالة ذاتية في اللفظ ، ومعناه أن الدلالة توجد عند إطلاق اللفظ سواء فهم السامع أو لم يفهم.
والدلالة حسب التعريف الأول ترد على ثلاث حالات ، هي :
أولا ، دلالة المطابقة : في قوله : « كمال المسمى » ، فهي دلالة اللفظ على تمام المسمى وكماله ، كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق ، ودلالة خولة على الذات المعينة ، وسميت هذه الدلالة مطابقة لأن اللفظ طابق مسماه الذي وضع له بأجزائه .
ثانيا ، دلالة التضمن : في قوله : « جزءه »، فهي دلالة اللفظ على جزء مسماه كدلالة الإنسان على الحيوان فقط ، أو على الناطق فقط ، وإنما سميت دلالة تضمن لأن اللفظ يدل على جزء معناه في ضمن الكل الذي يتضمن معناه .
ثالثا ، دلالة الالتزام : في قوله : « لازمه » ، فهي دلالة اللفظ على أمر خارج عن معناه ، لازم له ذهنا كدلالة الأسد على الشجاعة وعمرو على زيد إذا كان يلازمه ولا يفارقه '(1)' .
المنطوق
التعريف المنطوق
__________
(1) أصول الفقه للعربي اللوه: ص284.(1/3)
المنطوق اسم مفعول من نطق ينطق نطقا إذا : تكلم ''(1)، فالمنطوق هو الملفوظ به '(2)'. واصطلاحا عرفه ابن الحاجب بقوله : « ما دل عليه اللفظ في محل النطق » '(3)' ، وعرفه الآمدي بقوله : « ما فهم من دلالة اللفظ قطعا في محل النطق » '(4)' ، وهو عند الدكتور إدريس حمادي : « ما دل عليه اللفظ في محل النطق بأن يكون حكما للمذكور وحالا من أحواله ، سواء ذكر ذلك الحكم ونطق به أم لا » '(5)' ، وعرفه الأستاذ العربي اللوه بقوله : « ما يفهم من اللفظ في محل النطق بأن ينصرف إليه الذهن مباشرة بمجرد النطق به » '(6)' ، وعلق على تعريفه هذا بقول الآمدي في الإحكام : « والمنطوق وإن كان مفهوما من اللفظ ، غير أنه لما كان مفهوما من دلالة اللفظ نطقا خص باسم المنطوق وبقي ما عداه معرفا بالمعنى العام المشترك تمييزا بين الأمرين(7) » '(8)' .
ورغم الاختلافات اللفظية الطفيفة بين هذه التعاريف فإن مؤداها واحد ، وهو أن المنطوق هو : ما يؤخذ من اللفظ من أحكام دون التفات إلى معقوله وروحه . وهذا ما أجمع عليه كل من عرف المنطوق من المتقدمين والمتأخرين .
المنطوق الصريح
« عبارة النص »
المنطوق الصريح عند الجمهور
__________
(1) لسان العرب لابن منظور: ج 10 ص 354.
(2) مناهج الأصوليين لخليفة بابكر الحسن: ص 63
(3) حاشية العلامة البناني على شرح المحلي على متن جمع الجوامع: ج1 ص238.
(4) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي: ج3 ص66.
(5) الخطاب الشرعي وطرق استثماره لإدريس حمادي: ص211، عن شرح العضد على مختصر المنتهى
:ج2 ص171.
(6) أصول الفقه للعربي اللوه : ص297.
(7) الإحكام للآمدي: ج3 ص94، مع أصول الفقه للعربي اللوه: ص297.
(8) يقصد التمييز بين المنطوق وبين المفهوم(1/4)
قسم ابن الحاجب المالكي المنطوق إلى قسمين : منطوق صريح ومنطوق غير صريح '(1)' ؛ فالمنطوق الصريح هو : « دلالة اللفظ على ما وضع له بالمطابقة أو التضمن » '(2)' ، واستعار الدكتور محمد أديب صالح نفس عبارات ابن الحاجب في تعريفه للمنطوق فقال : هو « دلالة اللفظ على الحكم بالمطابقة أو التضمن » '(3)' .
واختار الدكتور إدريس حمادي تعريف التفتزاني للمنطوق الصريح في قوله : « دلالة اللفظ على ما وضع له بالاستقلال أو بمشاركة الغير، فيشمل المطابقة والتضمن » '(4)' .
هذه التعاريف مجتمعة تدل على أن المنطوق الصريح هو : ما يدل على معناه بالمطابقة أو التضمن .
ومن أمثلة المنطوق الصريح : دلالة قوله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } '(5)' على تحليل البيع وتحريم الربا ، ودلالة قوله تعالى : { فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما } '(6)' على تحريم التأفف والنهر للوالدين .
عبارة النص
عند الحنفية
في مقابلة المنطوق الصريح عند الجمهور ، نجد دلالة عبارة النص عند الحنفية ، وقد عرفها السرخسي بأنها : « ما كان السياق لأجله ويعلم قبل التأمل أنَّ ظاهر النص متناول له » '(7)' . وعرفها فخر الإسلام البزدوي : « العمل بظاهر ما سيق الكلام له » '(8)' ، وعرفها الدكتور عبد الكريم زيدان بأنها : « دلالة اللفظ على المعنى المتبادر فهمه من نفس صيغته ، سواء كان هذا المعنى هو المقصود من سياقه أصالة أو تبعا » '(9)' .
__________
(1) حاشية العطار على جمع الجوامع: ج1 ص307.
(2) نفسه: ج1 ص307.
(3) تفسير النصوص: ج1 ص315.
(4) الخطاب الشرعي وطرق استثماره: ص212.
(5) سورة البقرة الآية 275.
(6) سورة الإسراء الآية 23.
(7) أصول السرخسي : ج1 ص236.
(8) كشف الأسرار للبخاري: ج1 ص171.
(9) الوجيز في أصول الفقه: ص354 وأصول التشريع الإسلامي: ص272.(1/5)
وذكر الدكتور إدريس حمادي أن الأحناف يقصدون « بعبارة النص الصيغة المكونة من المفردات والجمل ، وقد "سميت الألفاظ الدالة على المعاني عبارات لأنها تفسر ما في الضمير الذي هو المستور" '(1)' وتعبر عنه وتظهره للوجود » '(2)' .
انطلاقا من هذه التعاريف يمكن القول أن دلالة عبارة النص عند الحنفية هي : دلالة اللفظ على المعنى المقصود المتبادر فهمه من نفس صيغته ، سواء كان هذا المعنى مقصودا أصالة أو تبعا . وكل معنى يفهم من ذات اللفظ وجاء اللفظ من أجله ، تسمى دلالة اللفظ على هذا المعنى دلالة العبارة عندهم .
ومن أمثلة دلالة عبارة النص قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } '(3)' ، حيث تدل الآية بعبارتها على وجوب كتابة الدين المحدد الأجل ، وهذا المعنى من دلالة العبارة لأنه مقصود من الآية .
مقارنة
بين المنطوق الصريح وبين عبارة النص
يبدو لغير المتخصص أن الخلاف بين المنطوق الصريح عند المتكلمين وبين عبارة النص عند الحنفية ، خلاف لفظي بحت ، لأن في كل منهما يؤخذ الحكم عن طريق منطوق الألفاظ وعبارتها ، دون بحث عن معقولها ومفهومها ... إلا أنه بالتدقيق فيهما يتبين أن بينهما فرقا دقيقا بيانه أن المنطوق الصريح يشمل دلالتي المطابقة والتضمن ولا يشمل دلالة الالتزام .
__________
(1) الخطاب الشرعي: ص216 عن كشف الأسرار: ج1 ص67
(2) نفس المرجع السابق: ص216.
(3) سورة البقرة الآية 281.(1/6)
بينما دلالة عبارة النص عند الحنفية ترتكز على القصد إلى المعنى أو عدمه ، لأن القصد هو الذي يحدد هذه الدلالة سواء كان المعنى ناشئا عن دلالة المطابقة أو التضمن أو الالتزام لا فرق بين الدلالات الثلاث '(1)' ، وبهذا « يتبين أن دلالة العبارة عند الحنفية أوسع دائرة من دلالة المنطوق الصريح عند المتكلمين ، إذ هي تشمل ما وضع اللفظ له مطابقة أو تضمنا وتشمل فوق ذلك المعنى الخارج عما وضع اللفظ له إذا كان مقصودا للمتكلم ، بينما المنطوق الصريح لا يدل إلا على ما وضع اللفظ له مطابقة أو تضمنا » '(2)' .
وهذا هو الفرق الأساسي بين دلالة المنطوق الصريح وبين دلالة عبارة النص ، وهو لا تترتب عليه خلافات فقهية من حيث استنباط الأحكام وإنما الخلاف بين الفريقين منهجي ينحصر في أمرين :
الأول : أن المقصود التبعي ـ غير الأصلي من سوق الكلام ـ يدخل عند الحنفية ضمن دلالة عبارة النص ، وإن كانت دلالته التزامية ، بينما الجمهور يدخلونه في المنطوق غير الصريح .
الثاني : أن الحنفية يدخلون ـ بنفس الاعتبار ـ دلالة الإيماء ضمن دلالة عبارة النص ، بخلاف الجمهور جعلوا لـ " الإيماء " دلالة مستقلة ضمن دلالات المنطوق غير الصريح ، قال صاحب مناهج الأصوليين : « ومن ثم أدخلوا ـ أي الحنفية ـ دلالة قوله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } '(3)' على التفرقة بين البيع والربا ، في باب دلالة العبارة مع أن التفرقة من باب دلالة الالتزام وليس من باب الدلالة المطابقية ولا التضمنية ، والذي حملهم على ذلك هو وجود القصد إلى ذلك المعنى وسياق حل البيع وحرمة الربا لأجله ، وأن القصد إليه قصد أصلي لأن الآية سيقت في معرض الرد على الذين قالوا : { إنما البيع مثل الربا } '(4)' » '(5)' .
__________
(1) مناهج الأصوليين: ص78/79.
(2) الخطاب الشرعي: ص219.
(3) سورة البقرة الآية 275.
(4) سورة البقرة الآية 275.
(5) مناهج الأصوليين: ص79.(1/7)
وبنفس الاعتبار أدخل الأحناف دلالة الإيماء ضمن دلالة عبارة النص ، لأن الإيماء أو التنبيه من المعاني المقصودة للشارع أو المتكلم ، كقوله تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } '(1)' ، والإيماء هنا ترتيب الحكم على الوصف بفاء تعقيبية ، فالحكم في هذه الآية " قطع يد السارق " وهو مرتب على وصف " السرقة " ، فالفاء التعقيبية تومئ وتنبه إلى أن علة القطع هي وصف السرقة ، وهذا مقصود الشارع ولذلك كان من دلالة العبارة '(2)' .
أما الجمهور فلا يدخلون الإيماء ضمن المنطوق الصريح ، لأن دلالته من باب دلالة الالتزام وليس من باب دلالة المطابقة والتضمن ، إذ يلزم من ترتيب الحكم على الوصف أن يكون ذلك الوصف هو العلة في الحكم .
وفيما عدا هذه الملاحظات فإن المنطوق الصريح عند المتكلمين يجري عليه عندهم ما يجري على دلالة عبارة النص عند الحنفية ، فالمعنى واحد والخلاف لفظي .
دلالة المنطوق غير الصريح عند المتكلمين
والدلالات المقابلة لها عند الحنفية
جاء في الخطاب الشرعي نقلا عن حاشية التفتزاني على العضد أن المنطوق غير الصريح هو:« ما لم يوضع اللفظ له بل يلزم مما وضع له، فيدل عليه بالالتزام »'(3)'، وورد في تفسير النصوص أن المنطوق غير الصريح هو : « دلالة اللفظ على الحكم بطريق الالتزام » '(4)'، وهو متشعب إلى ثلاثة فروع « ما يدل بالاقتضاء وما يدل بالإيماء وما يدل بالإشارة »'(5)'، وبهذا يضم المنطوق غير الصريح عند المتكلمين ثلاث دلالات هي:دلالة الاقتضاء ، ودلالة الإيماء ، ودلالة الإشارة .
__________
(1) سورة المائدة الآية 40.
(2) مناهج الأصوليين: ص79.
(3) الخطاب الشرعي: ص212.
(4) تفسير النصوص: ج1 ص594.
(5) الخطاب الشرعي: ص212(1/8)
إلا أن ابن السبكي من الشافعية شذ عن المتكلمين فقسمه إلى فرعين فقط هما دلالة الاقتضاء ودلالة الإشارة في قوله « ثم إن المنطوق إن توقف الصدق أو الصحة على إضمار فدلالة اقتضاء، وإن لم يتوقف ودل على ما لم يقصد فدلالة إشارة » '(1)' .
وأساس التفريق بين الدلالات الثلاث : أن المدلول عليه بالالتزام إما أن يكون مقصودا للمتكلم أو غير مقصود له ، فإن كان مقصودا له وتوقف عليه صدق الكلام أو صحته العقلية أو الشرعية ، فدلالته عليه تسمى دلالة اقتضاء ، أما إن كان مقصودا له ولم يتوقف عليه صدق الكلام ولا صحته العقلية أو الشرعية ، فدلالته عليه تسمى دلالة إيماء أو دلالة تنبيه ، وإن لم يكن مقصودا للمتكلم فدلالته عليه تسمى دلالة إشارة '(2)' . وفيما يلي بيان لهذه الدلالات الثلاث.
دلالة الاقتضاء
بين الجمهور والأحناف
دلالة الاقتضاء من الدلالات التي وقع الاتفاق عليها بين المدرستين معنى ومبنى ، مع اختلاف منهجي مؤداه أن المتكلمين يدرجونها ضمن دلالات المنطوق غير الصريح ، أما الحنفية فجعلوها دلالة مستقلة بذاتها كدلالة الإشارة ودلالة الدلالة ودلالة العبارة.
__________
(1) حاشية البناني على شرح المحلي على متن جمع الجوامع : ص242.
(2) الخطاب الشرعي ص212، وتفسير النصوص: ج1 ص 595 / 596.(1/9)
فقد عرف الغزالي الاقتضاء بأنه ما « لا يدل عليه اللفظ ولا يكون منطوقا ، ولكن يكون من ضرورة اللفظ ، إما من حيث لا يكون المتكلم صادقا إلا به ، أو من حيث يمتنع وجود الملفوظ شرعا إلا به ، أو من حيث يمتنع ثبوته عقلا إلا به » '(1)' ، وعرفه الآمدي بقوله : « ما كان المدلول فيه مضمرا ؛ إما لضرورة صدق المتكلم ، وإما لصحة وقوع الملفوظ به » '(2)' ، وعرفه ابن الحاجب بقوله : « ما يتوقف عليه صدق الكلام أو صحته العقلية أو الشرعية » '(3)' .
ومن أصوليي الحنفية عرف السرخسي دلالة الاقتضاء بأنها : « عبارة عن زيادة على المنصوص عليه يشترط تقديمه ليصير المنظوم مفيدا أو موجبا للحكم ، وبدونه لا يمكن إعمال المنظوم » '(4)' ، فقوله : "زيادة على المنصوص عليه" ، هو "المقتضى" الذي يجب تقديره ليصبح المنظوم مفيدا لإعمال الكلام ، فإذا لم نقدر هذا المقتضى كان الكلام كاذبا أو غير صحيح شرعا أو غير مقبول عقلا ، والشارع الحكيم لا يصدر عنه كلام كاذب ولا باطل شرعا ولا غير معقول .
لهذا فإن الذي يفرض تقدير المقتضى ؛ هو "صدق الكلام" أو "صحته عقلا" أو "صحته شرعا" . وبهذا تكون دلالة الاقتضاء ثلاثة أنواع :
الأول: المقتضى الذي يجب تقديره لصدق الكلام ؛ مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - : { من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له } '(5)' ، الحديث الشريف ينفي « الصوم ، والصوم لا ينتفي بصورته ، فمعناه لا صيام صحيح أو كامل ، فيكون حكم الصوم هو المنفي لا نفسه ، و "الحكم" غير منطوق به لكن لابد منه لتحقق صدق الكلام » '(6)' .
__________
(1) المستصفى: ج2 ص186.
(2) الإحكام للآمدي: ج3 ص66.
(3) مناهج الأصوليين: ص83 عن مختصر المنتهى مع شرحه وحواشيه: ج2 ص172.
(4) أصول السرخسي: ج1 ص248.
(5) أخرجه أبو داود في كتاب الصوم باب النية في الصوم.
(6) المستصفى: ج2 ص178.(1/10)
ومثاله أيضا ؛ حديث رفع الفعل الواقع خطأ أو نسيانا أو إكراها ، في قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : { إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } '(1)' ، والفعل بعد حدوثه لا يمكن رفعه ، لهذا يجب تقدير محذوف يتوقف عليه صدق الكلام ، وهذا المحذوف هو " حكم أو إثم "، وهو المقصود بـ الرفع في الحديث الشريف ، وهذا التقدير يكون عن طريق دلالة الاقتضاء ، فيكون معنى الحديث : إن الله تجاوز عن أمتي إثم الفعل الواقع خطأ أو نسيانا أو تحت الإكراه .
الثاني : المقتضى الذي يجب تقديره لصحة الكلام عقلا ؛ ومثاله قوله تعالى : { واسأل القرية } '(2)' ، قال الشيخ جلال المحلي : « أي أهلها ، إذ القرية هي الأبنية المجتمعة لا يصح سؤالها عقلا » '(3)' ، وعلق الشيخ العطار على قوله : " أي أهلها " أن « الصحة لا تتوقف على إضمار الأهل بل على أن السؤال لهم ، وذلك يتحقق بالإضمار ويجعل القرية مستعملة فيهم مجازا من إطلاق المحل على الحال » '(4)' ، وعقب على قوله : "لا يصح سؤالها عقلا" ، بقوله : « جريا على العادة فلا بد من هذا القيد إذ يجوز سؤال الجدران ونطقها بالجواب خرقا للعادة » '(5)' ، أما من الناحية العقلية فالقرية هي الأبنية المحسوسة التي لا تسأل ، وبالتالي لا بد من تقدير "أهلها" ليصح الكلام من جهة العقل ، فيصبح التقدير واسأل أهل القرية التي كنا فيها .
__________
(1) أخرجه ابن ماجة في كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي.
وابن حبان في صحيحه، في كتاب إخباره - صلى الله عليه وسلم - عن مناقب الصحابة، باب فضل الأمة.
(2) سورة يوسف الآية82.
(3) المحلي على جمع الجوامع " حاشية العطار": ج1 ص316.
(4) المحلي على جمع الجوامع " حاشية العطار": ج1 ص316.
(5) نفسه : ج1 ص316.(1/11)
الثالث : المقتضى الذي يجب تقديره لصحة الكلام شرعا ؛ كالأمر بتحرير رقبة في قوله تعالى : { فتحرير رقبة } '(1)' ، فهذا « الأمر مقتض للملك ، لأن تحرير الحر لا يتصور، وكذلك تحرير ملك الغير عن نفسه ، فملك الرقبة ثابت بالنص اقتضاء فصار التقدير "فتحرير رقبة مملوكة" » '(2)' .
مقارنة
دلالة الاقتضاء بين المدرستين
تتطابق نظرة المتكلمين مع رؤية متقدمي الحنفية حول دلالة الاقتضاء ، لأن الفريقين متفقان حولها من حيث الاصطلاح ومن حيث الأقسام ، وفي هذا يقول عبد العزيز البخاري : « اعلم أن عامة الأصوليين من أصحابنا المتقدمين وأصحاب الشافعي وغيرهم جعلوا المحذوف من باب المقتضى ولم يفصلوا بينهما » '(3)' .
ورغم هذا التطابق بين المدرستين نجد المتكلمين يدرجون دلالة الاقتضاء ضمن دلالات المنطوق غير الصريح ، الذي يضم كذلك دلالة الإيماء والإشارة . أما عند الأحناف فدلالة الاقتضاء عندهم قائمة بنفسها .
وعلى القول باتفاق المدرستين حول أقسام دلالة الاقتضاء ، فإنه يجب التنبيه إلى أن « متأخري الحنفية قد ميزوا بين ما أضمر لصحة الكلام شرعا فاعتبروه من باب دلالة الاقتضاء ، وبين ما أضمر لصدق الكلام أو صحته العقلية فاعتبروه من باب المضمر والمحذوف » '(4)' ، ولهذا عرف متأخرو الحنفية دلالة الاقتضاء بقولهم : « ما أضمر لصحة الكلام شرعا » '(5)' .
دلالة الإيماء
عند المتكلمين وموقف الحنفية منها
__________
(1) سورة المجادلة الآية 4.
(2) تفسير النصوص: ج1 ص550.
(3) كشف الأسرار: ج1 ص75
(4) الخطاب الشرعي: ص230 ومناهج الأصوليين: ص87.
(5) الخطاب الشرعي: ص230 عن فتح الغفار: ج2 ص48.(1/12)
عرف الإمام الغزالي الإيماء بقوله : « فهم التعليل من إضافة الحكم إلى الوصف المناسب » '(1)' ، وعرفه الآمدي بقوله : « أن يكون التعليل لازما عن مدلول اللفظ وضعا ، لا أن يكون اللفظ بوضعه دالا على التعليل » '(2)' ، وعرفها الدكتور محمد أديب صالح بأنها « دلالة اللفظ على لازم مقصود للمتكلم ، لا يتوقف عليه صدق الكلام أو صحته عقلا أو شرعا ، وإنما بسبب اقتران الحكم بوصف أو غيره لو لم يكن للتعليل لكان اقترانه به غير مقبول ولا مستساغ » '(3)' ، وهكذا فإن دلالة الإيماء هي : كل ما اقترن به الحكم الشرعي لو لم يكن علة له لكان اقترانه به مجردا عن الفائدة . والخطاب الشرعي لا يخلو عن فائدة ، لذلك فإن ما اقترن به الحكم الشرعي يومئ إلى أنه العلة فيه . ودلالة الإيماء يصطلح عليها أيضا دلالة التنبيه.
وبهذا يظهر أن دلالة الإيماء تقترن بتعليل الأحكام ، ولذلك نجد العلماء يتحدثون عن هذه الدلالة في باب القياس ضمن مسالك التعليل ، يقول الآمدي : « دلالة التنبيه والإيماء هي خمسة أصناف وسيأتي ذكرها في القياس » '(4)' ، ونفس النهج سلكه الدكتور إدريس حمادي في الخطاب الشرعي ، حيث تطرق لهذه الدلالة عند حديثه عن مسالك العلة غير الصريحة ومنها الإيماء والتنبيه '(5)' .
أصناف
دلالة الإيماء
أولا ، ترتيب الحكم على الوصف بفاء التعقيب أو التسبب : كقوله تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } '(6)' ، حيث نبه النص إلى أن القطع معلل بالسرقة وأنها سببه وبترتيبه الحكم على الفعل بفاء التعقيب والتسبب '(7)' .
__________
(1) المستصفى: ج2 ص189.
(2) الإحكام للآمدي: ج3 ص254.
(3) تفسير النصوص: ج1 ص601.
(4) الإحكام للآمدي: ج3 ص65.
(5) الخطاب الشرعي: ص300.
(6) سورة المائدة الآية 40.
(7) الخطاب الشرعي: ص300 وتفسير النصوص: ج1 ص601.(1/13)
ثانيا ، ترتيب الحكم على واقعة حدثت : فإن هذا الترتيب يومئ إلى أن ما حدث هو العلة في الحكم ؛ ومثاله ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه { بينما نحن جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل فقال : يا رسول الله هلكت ، قال : " ما لك ؟ " قال : وقعت على امرأتي وأنا صائم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هل تجد رقبة تعتقها ؟ " قال : لا . قال - صلى الله عليه وسلم - : " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ " قال : لا . قال - صلى الله عليه وسلم - : " فهل تجد إطعام ستين مسكينا ؟ " قال : لا ... } '(1)' الحديث . فإن صدور هذا الحكم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقب حكاية الرجل يومئ إلى أن الجماع في نهار رمضان هو العلة في العتق '(2)' .
ثالثا ، أن يذكر الشارع مع الحكم وصفا لو لم يكن علة له لكان الوصف زائدا وبدون فائدة : ومثاله ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن بيع التمر بالرطب ، فقال لمن حوله : { أينقص الرطب إذا يبس ؟ } فقالوا نعم ، فنهى عن ذلك '(3)' ؛ فقد ورد في معرض الرد على السؤال ، استفسار الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن نقصان الرطب إذا يبس ، فلما أجاب الصحابة بالإيجاب ، نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن بيع التمر بالرطب . فدل هذا على أن النقصان علة امتناع بيع الرطب بالتمر ، إذ لو لم يكن علة لما كان لذكره والاستفسار عنه فائدة '(4)' .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصيام، باب إذا جامع ولم يكن له شيء ...
(2) تفسير النصوص: ج1 ص603 والخطاب الشرعي: ص3000. ومناهج الأصوليين: ص105.
(3) رواه مالك في الموطإ في كتاب البيوع، باب ما يكره من بيع التمر.
(4) الإحكام للآمدي: ج3 ص257.(1/14)
رابعا ، أن يفرق الشارع بين أمرين في الحكم بناء على صفة تستوجب ذلك ، فتكون تلك الصفة علة التفريق بين الحكمين : ومثاله ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : { ليس لقاتل ميراث } '(1)' ، حيث فرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين القاتل وغير القاتل في الإرث ، فمنع الأول منه ولم يمنع الثاني ، فأومأ هذا إلى أن العلة في التفريق بينهما هي القتل '(2)' .
خامسا ، أن يرد عن الشارع كلام لغرض أو حكم معين ويذكر أثناءه كلاما آخر لا علاقة له بذلك الغرض أو الحكم - في الظاهر - فلو لم يكن علة لذلك الحكم أو الغرض لكان مجردا عن الفائدة : وكلام الشارع لا يخلو عن فائدة ، ومثاله قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون } '(3)' ، هذه الآية سيقت لبيان أحكام صلاة الجمعة لا لبيان حكم البيع ، فلو لم نعتقد أن النهي عن البيع الوارد فيها لعلة منع السعي إلى الصلاة لكان لا علاقة له بأحكام الجمعة التي هي مقصود الآية ، فيترتب على ذلك الزيادةُ في كلام الله وهذا محال '(4)' .
موقف الحنفية
من دلالة الإيماء
__________
(1) أخرجه ابن ماجة في كتاب الديات، باب القاتل لا يرث.
(2) الإحكام للآمدي: ج3 ص259.
(3) سورة الجمعة الآية 9.
(4) الإحكام للآمدي: ج3 ص260.(1/15)
يدرج أصوليو الحنفية دلالة الإيماء ضمن دلالة عبارة النص ، لأن « ما أومأ النص إليه لن يكون إلا معنى مقصودا للمتكلم وإن كان اللفظ لم يوضع له ، كالأمر بالقطع في قوله تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } '(1)' إذ يلزم من ترتيب الحكم الذي هو القطع على وصف مناسب وهو السرقة أن هذا الوصف هو العلة في الحكم » '(2)' ، فالشارع يقصد أن علة القطع هي السرقة ، وبهذا يدخل الإيماء ضمن دلالة العبارة بناء على القصد إليه ، وعليه لم يفرد الحنفية للإيماء دلالة مستقلة ، وإنما يتحدثون عن أصنافها ضمن مسالك التعليل .
دلالة الإشارة
عند كل من الجمهور والأحناف
دلالة الإشارة من الدلالات التي وقع الاتفاق حولها بين الجمهور والحنفية معنى ومبنى... فهي عند الغزالي « ما يتسع له اللفظ من غير تجريد قصد إليه » '(3)'، وعرفها ابن السبكي : « ... ودل " أي اللفظ " على ما لم يقصد فدلالة إشارة » '(4)' ، فهي دلالة اللفظ « على لازم غير مقصود للمتكلم لا يتوقف عليه صدق الكلام ولا صحته » '(5)' ، وعرفها البزدوي من الحنفية بقوله : « العمل بما ثبت بنظمه لغة لكنه غير مقصود ولا سيق له النص ، وليس بظاهر من كل وجه » '(6)' و « مفهوم دلالة الإشارة عند المتكلمين لا يختلف عن مفهومها عند الحنفية ما دام كل منهما يعتبرها من اللازم غير المقصود » '(7)' ؛ فالنص لا يدل على المعنى بمنطوق عبارته ، وإنما يشير إليه بالالتزام ، لأن عبارته تستلزمه ، فكانت دلالة اللفظ عليه بطريق الإشارة لا العبارة .
__________
(1) سورة المائدة الآية 40.
(2) الخطاب الشرعي: ص219.
(3) المستصفى: ج2 ص188.
(4) حاشية البناني على شرح المحلي على متن جمع الجوامع: ص238.
(5) تفسير النصوص: ج1 ص605.
(6) كشف الأسرار للبخاري: ج1 ص68.
(7) الخطاب الشرعي: ص224.(1/16)
ومن أمثلة دلالة الإشارة ، دلالة قوله تعالى : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } '(1)' على أن من جامع في الليل من رمضان وأصبح جنبا كان صومه صحيحا ، لأن من يجامع في آخر جزء من الليل لابد أن يصبح جنبا ، فيستلزم عدم إفساد الصيام « ومع ذلك فإن هذا المدلول ليس بمقصود من الكلام ، ولكنه لازم للمقصود به من إباحة مباشرة النساء إلى طلوع الفجر ، لقوله تعالى : { فالآن باشروهن } '(2)' مع قوله تعالى : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } '(3)' » '(4)' .
مقارنة
دلالة الإشارة بين الجمهور والحنفية
سبق القول أن دلالة الإشارة من الدلالات التي يتفق عليها الجمهور والحنفية معنى ومبنى، فلا يجد « الناظر فرقا بين الدلالتين عند الفريقين ، فدلالة الإشارة من باب اللازم عند كل منهما ، كما أنها ليست بمقصودة » '(5)' .
ومع القول بتطابق وجهات النظر بين الفريقين حول هذه الدلالة ، أسجل فرقين بين الدلالتين ، الأول منهجي مؤداه أن المتكلمين يدرجونها ضمن دلالات المنطوق غير الصريح ، أما الحنفية فجعلوها دلالة مستقلة قائمة بذاتها . والفرق الثاني متعلق بقوة دلالة الإشارة ، فالحنفية جعلوها في المرتبة الثانية بعد دلالة العبارة ، ومنهم من جعلها في نفس مرتبة دلالة العبارة ، يقول التفتازاني : « اعلم أن الثابت بالعبارة والإشارة سواء في الثبوت بالنظم وفي القطعية أيضا عند الأكثر » '(6)'. أما الجمهور فقد جعلوها آخر دلالات المنطوق غير الصريح ، فهي أضعف دلالاته.
__________
(1) سورة البقرة الآية 186.
(2) سورة البقرة الآية 186.
(3) سورة البقرة الآية 186.
(4) أصول الفقه للعربي اللوه: ص298.
(5) مناهج الأصوليين: ص119.
(6) التلويح على التوضيح: ج1 ص136.(1/17)
وثمرة هذا الفرق بين الفريقين ؛ أنه إذا تعارض حكم مستنبط بدلالة الإشارة مع آخر مستنبط بدلالة الاقتضاء ، فإن الحنفية يرجحون الحكم المستنبط بدلالة الإشارة على الحكم المستنبط بدلالة الاقتضاء ، أما الجمهور فيرجحون دلالة الاقتضاء على دلالة الإشارة .
المفهوم
التعريف بالمفهوم
المفهوم لغة اسم مفعول من فهم ، إذا فهم وعقل وعرف ، فالمفهوم هو المعقول والمعلوم ، وفي لسان العرب ، فهم : الفهم معرفتك الشيء بالقلب فهمه فهما وفهامة ، علمه ، الأخيرة عن سبويه '(1)' . واصطلاحا عرفه ابن السبكي بقوله : » ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق » '(2)' ، وهو عند الغزالي : » فهم غير المنطوق به من المنطوق ، بدلالة سياق الكلام ومقصوده » '(3)' ، وعرفه الآمدي بقوله : » ما فهم من اللفظ في غير محل النطق » '(4)' .
انطلاقا من هذه التعاريف يمكن القول أن المفهوم هو : ما دل عليه اللفظ في محل السكوت ، بحيث يؤخذ الحكم عن طريق دلالة اللفظ وسياقه وليس من عبارته ونطقه ...
وينقسم المفهوم إلى قسمين : مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة ، وأساس هذه القسمة ، أن المسكوت عنه إما أن يكون موافقا للمنطوق به في النفي والإثبات أو مخالفا له فيهما ؛ فإن كان موافقا له سمي مفهوم موافقة ، وإن كان مخالفا له سمي مفهوم مخالفة .
مفهوم الموافقة
» دلالة النص »
__________
(1) لسان العرب ج12 ص419.
(2) حاشية العطار على جمع الجوامع: ج1 ص317.
(3) المستصفى: ج2 ص190.
(4) الإحكام للآمدي: ج3 ص66.(1/18)
عرف الآمدي مفهوم الموافقة بقوله : » ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت موافقا لمدلوله في محل النطق ، ويسمى فحوى الخطاب ولحن الخطاب » '(1)' ، وعرفه الشريف التلمساني : »أن يعلم أن المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به ، ويسمى أيضا فحوى الخطاب» '(2)' ، وعرفه الدكتور إدريس حمادي بأنه : » دلالة اللفظ على ثبوت حكم المنطوق به للمسكوت عنه لاشتراكهما في علة الحكم ، سواء كانت في المسكوت عنه أشد وأقوى أم كانت في المنطوق والمفهوم بمنزلة سواء » '(3)' .
تتفق هذه التعاريف على أن مفهوم الموافقة يعني إعطاء نفس حكم المنطوق به للمسكوت عنه ، ولهذا سمي مفهوم موافقة . وتختلف حول أنواع مفهوم الموافقة ؛ فمنها من قصره على "فحوى الخطاب" ، وهو المفهوم الذي يكون المسكوت عنه فيه أولى بالحكم من المنطوق به ، كما هو عند الشريف التلمساني . ومنها ما عممه على "فحوى الخطاب ولحن الخطاب" : ولحن الخطاب هو المفهوم الذي يكون المسكوت عنه فيه مساويا للمنطوق به ، كما هو عند الآمدي - وإن اعتبر الفحوى واللحن مترادفين - وعند الدكتور إدريس حمادي الذي فرق بينهما حسب شدة وضوح العلة فيهما ، وعند ابن السبكي الذي فرق بيمهما في قوله : » فإن وافق حكمه المنطوق فموافقة فحوى الخطاب إن كان أولى ، ولحنه إن كان مساويا » '(4)' .
__________
(1) الإحكام للآمدي: ج3 ص66.
(2) مفتاح الوصول إلى علم الأصول: ص112.
(3) الخطاب الشرعي: ص240.
(4) حاشية العطار على جمع الجوامع: ج1 ص317.(1/19)
قال صاحب الإبهاج في معرض بيانه للفحوى واللحن : » اللازم عن اللفظ المركب وهو موافق لمدلول ذلك المركب في الحكم ، ويسمى فحوى الخطاب ، لأن فحوى الكلام ما يفهم منه قطعا ، وهذا كذلك ، ويسمى أيضا لحن الخطاب ، لأن لحن الكلام عبارة عن معناه ، ومنه قوله سبحانه : { ولتعرفنهم في لحن القول } '(1)' أي معناه ، وربما سماه الشافعي رضي الله عنه بالجلي » '(2)' .
وبهذا يتبين أن مفهوم الموافقة لا يخرج عن نوعين : الأول يكون فيه المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به ، لشدة وضوح العلة في المسكوت عنه من المنطوق به ، وهو فحوى الخطاب. والثاني ، هو الذي يكون المسكوت عنه فيه مساويا للمنطوق به في الحكم ، لتساويهما في العلة ، وهو لحن الخطاب .
ومن أمثلة فحوى الخطاب قوله تعالى : { فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما } '(3)' ، فهذه الآية الكريمة تدل بمنطوقها على تحريم التأفف والنهر في حق الوالدين ، وعلة هذا الحكم هو إيذاؤهما ، كما تدل بمفهومها الموافق على كف جميع أنواع الأذى عنهما ؛ حيث أن الأذى في الضرب والشتم وغيرهما مما هو مسكوت عنه أشد من التأفف والنهر المنطوق بهما ، فيكون تحريم الضرب والشتم أولى من تحريم التأفف والنهر . ومن أمثلة فحوى الخطاب أيضا ، قوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } '(4)' ، حيث تدل الآيتان بمنطوقهما على أن الشيء الحقير من الحسنات والسيئات لا يهمل ، وتدلان بمفهومهما على أن الأعمال الجليلة لا تهمل من باب أولى .
__________
(1) سورة محمد - صلى الله عليه وسلم - الآية 30.
(2) الإبهاج في شرح المنهاج: ج1 ص367.
(3) سورة الإسراء الآية 23.
(4) سورة الزلزلة الآتان 11/ 12.(1/20)
ومن الفحوى أيضا » قوله تعالى : { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك، إلا ما دمت عليه قائما } '(1)' حيث دلت الآية في معناها المتضمن في أداء القنطار المؤتمن عليه ، على أن أداء ما دونه مما لم يذكر يكون من باب أولى لوضوح العلة فيه ، كما دلت الآية في شقها الثاني بالمعنى اللغوي المتضمن في عدم أداء الدينار المؤتمن عليه ، على أن عدم أداء ما فوقه أولى ، لتحقق علة المنطوق به فيه بصورة أكثر قوة » '(2)' ، ففي الشق الأول من هذه الآية ورد التنبيه بالأعلى على الأدنى ، وفي شقها الثاني ورد التنبيه بالأدنى على الأعلى .
ومن أمثلة لحن الخطاب ، قوله تعالى : { إن الذين ياكلون أموال اليتامى ظلما إنما ياكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } '(3)' ، حيث تدل الآية بمنطوقها على النهي عن أكل أموال اليتامى ظلما ، وتدل بمفهومها الموافق على النهي عن إتلاف أموال اليتامى بأي شكل من أشكال الإتلاف ، وأكل هذا المال ظلما يساوي إتلافه ، لأن كليهما يؤدي إلى ضياع المال على اليتيم .
حجية
مفهوم الموافقة
قال الآمدي مبرزا حجية مفهوم الموافقة : » وهذا مما اتفق أهل العلم على الاحتجاج به إلا ما نقل عن داود الظاهري أنه قال : إنه ليس بحجة ، ودليل كونه حجة، أنه إذا قال السيد لعبده : لا تعط زيدا حبة ولا تقل له أف ولا تظلمه بذرة ولا تعبس في وجهه ، فإنه يتبادر إلى الفهم من ذلك امتناع إعطاء ما فوق الحبة وامتناع الضرب والشتم وامتناع الظلم بالدينار وما زاد، وامتناع أذيته بما فوق التعبيس من هجر الكلام وغيره » '(4)' .
__________
(1) سورة آل عمران الآية 74.
(2) الخطاب الشرعي: ص241.
(3) سورة النساء الآية 10.
(4) الإحكام للآمدي: ج3 ص67 / 68.(1/21)
ولعل إنكار الاحتجاج بمفهوم الموافقة هو إنكار لحجية القياس ، لأن مفهوم الموافقة دائما يخرج في قالب قياس ، فقوله تعالى مثلا : { فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما } '(1)' ينطبق عليه حكم القياس ؛ الأصل فيه التأفف والنهر المنصوص عليهما ، وحكمهما التحريم في حق الوالدين ، وعلة هذا الحكم هي إذاية الوالدين ، والفرع هو الضرب والشتم وكل ما من شأنه أن يؤدي إلى إذاية الوالدين ، ولا معنى للقياس إلا هذا ، فالأصل في القياس هو نفسه المنطوق به ، والفرع هو المسكوت عنه الذي يأخذ حكم المنطوق به عن طريق مفهوم الموافقة .
إلا أن حجية المفهوم الموافق في هذه الحالة أشد ظهورا من حجية القياس ، لأن علة الفرع في القياس لا تكون أشد ظهورا من علة الأصل ، لكن في فحوى الخطاب تكون العلة في المسكوت عنه أشد ظهورا من المنطوق به ، ولهذا فإن إنكار حجية القياس يستلزم عنه إنكار حجية مفهوم الموافقة ، وهو مذهب الظاهرية .
دلالة مفهوم الموافقة
هل هي لفظية أم قياسية ؟
قال صاحب الإبهاج : » واختلفوا في أن دلالة النص عليه هل هي لفظية أم قياسية ، والذي عليه الجمهور أنها قياسية ، قال الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع : وهو الصحيح، لأن الشافعي سماه القياس الجلي » '(2)' ...
وبالنظر في الكتب الأصولية التي تطرق أصحابها لهذه المسألة يتبين أن الجمهور يذهبون إلى أن دلالة النص على مفهوم الموافقة غير قياسية وإنما هي ناتجة عن فحوى اللفظ ، يقول الآمدي : » وقد احتج القائلون بالفحوى بأن العرب إنما وضعت هذه الألفاظ للمبالغة في التأكيد للحكم في محل السكوت ، ولهذا فإنهم إذا قصدوا المبالغة في كون أحد الفرسين سابقا للآخر قالوا : " هذا الفرس لا يلحق غبار هذا الفرس" » '(3)' .
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23.
(2) الإبهاج: ج1 ص367.
(3) الإحكام للآمدي: ج3 ص68.(1/22)
واحتج القائلون بالقياس فيما يحكيه الآمدي عنهم : » إنّا لو قطعنا النظر عن المعنى الذي سيق له الكلام من كف الأذى عن الوالدين ، وعن كونه في الشتم والضرب أشد منه في التأفيف ، لما قضي بتحريم الضرب والشتم إجماعا ... فالتأفيف أصل والضرب والشتم فرع ودفع الأذى علة والتحريم حكم ، ولا معنى للقياس إلا هذا » '(1)'.
وقد رجح الإمام الآمدي القول بالفحوى واستدل عليه بدليلين :
الأول ، إن القياس لا يشترط فيه أن يكون المعنى المناسب للحكم في الفرع أشد مناسبة من الأصل إجماعا . وهذا النوع من الاستدلال لا يتم دونه، فلا يكون قياسا .
الثاني ، أن الأصل في القياس لا يكون مندرجا في الفرع وجزءا منه إجماعا ، وهذا النوع من الاستدلال قد يكون ما تخيل أصلا فيه جزءا مما تخيل فرعا '(2)' .
كما رجح علي حسب الله القول بالفحوى وعبر عنه ب "معنى مدلول اللفظ" ، فقال عن مفهوم الموافقة : » الحكم فيه لا يؤخذ من مدلول اللفظ مباشرة بل من معنى مدلوله ، فإن الذهن ينتقل من مدلول اللفظ إلى مدلول أعم منه يشمله ويشمل غيره ، وهذا الانتقال الذهني يقع لكل عارف باللغة ، ومن غير حاجة إلى اجتهاد واستنباط ، وهذا ما يميز هذه الدلالة عن مطلق القياس » '(3)' .
كما رجحه الأستاذ العربي اللوه بقوله بعدما ذكر الخلاف السابق : » والأصح من هذا الخلاف ، إنما هو المذهب الأول الذي يقول : إن حكم المسكوت عنه استفيد بالاستناد إلى فحوى الدلالة اللفظية » '(4)' . كما رجحه الدكتور خليفة بابكر الحسن في قوله : »لا يملك المرء إلا أن يرجح أن مفهوم الموافقة من باب الدلالة اللفظية » '(5)' ....
__________
(1) نفس المرجع السابق: ج3 ص68.
(2) نفس المرجع السابق: ج3 ص69.
(3) أصول التشريع السلامي: ص276.
(4) أصول الفقه للعربي اللوه: ص299.
(5) مناهج الأصوليين: ص162.(1/23)
وأقصد من وراء تعداد أقوال من رجح أن دلالة النص على مفهوم الموافقة لفظية وليست قياسية ، إبطال ادعاء صاحب الإبهاج بأن الجمهور على أن هذه الدلالة قياسية .
دلالة النص
عند الحنفية
في مقابلة مفهوم الموافقة عند الجمهور نجد دلالةُ دلالةِ النص عند الحنفية ، وفيما يلي بعض تعاريف أصوليي الحنفية لهذه الدلالة ، يقول السرخسي : » فأما الثابت بدلالة النص فهو ما ثبت بمعنى النظم لغة لا استنباطا بالرأي ، لأن للنظم صورة معلومة ومعنى هو المقصود » '(1)' ، ويقول فخر الإسلام البزدوي : » وأما الثابت بدلالة النص فهو ما ثبت بمعنى النظم لغة لا استنباطا » '(2)' ، وعرفها صدر الشريعة بأنها : »دلالة اللفظ على الحكم في شيء يوجد فيه معنى يعرف كل من يعرف اللغة أن الحكم في المنطوق لأجل ذلك المعنى » '(3)' ...
مقارنة
بين الفريقين
تعاريف الحنفية وإن كانت تتفق مع تعاريف المتكلمين إجمالا ، إلا أنها تتميز عنها بما يلي :
أولا : إنها متحدة المعنى ، ولا يرد فيها ما ورد في تعاريف المتكلمين من شمول مفهوم الموافقة للمساوي "لحن الخطاب" ، أو عدم شموله له ، مما يدل على أن دلالة النص عندهم تشمل النوعين معا ، "فحوى الخطاب ولحن الخطاب" .
ثانيا : إن ارتباط هذه الدلالة باللغة وعدم استنادها للقياس ، يبدو في تعاريف الحنفية أكثر وضوحا من تعاريف المتكلمين ، حتى أننا نجد السرخسي يبوب الدلالات بما أسماه : »باب الأحكام الثابتة بظاهر النص دون القياس والرأي » '(4)' ، بينما اضطرب المتكلمون في المسألة ، فمنهم من اعتبرها قياسية ، وأكثرهم اعتبرها لفظية .
حجية
دلالة النص
__________
(1) أصول السرخسي: ج1 ص241.
(2) أصول البزدوي بهامش كشف الأسرار : ج1 ص73.
(3) التلويح على التوضيح: ج1 ص131.
(4) أصول البزدوي بهامش كشف الأسرار : ج1 ص242.(1/24)
يرى الحنفية أن الثابت بدلالة النص : »مثل الثابت بالإشارة والعبارة ، لأن النص بالرغم من أنه لم يتناولها لفظا لكن لما كان المعنى الذي تعلق به الحكم ثابت بالنص لغة كان الحكم الثابت به مضافا إلى النص كأن النص تناوله» '(1)' ، ولهذا : » أثبتوا بهذا الأسلوب الحدود والكفارات » '(2)' ، يقول السرخسي : » ولهذا جوزنا إثبات العقوبات والكفارات بدلالة النص وإن كنا لا نجوز ذلك بالقياس » '(3)' .
فمن العقوبات المثبتة بدلالة النص تنفيذ حد الرجم '(4)' في حق
الزاني المحصن ، فعبارة النص وردت بشأن ماعز ، ويتعدى حكم الرجم إلى كل زان محصن عن طريق دلالة النص لا عن طريق القياس '(5)' . ومن الكفارات المثبتة بهذه الدلالة ، إيجابهم الكفارة على من أفطر بدلالة الحديث '(6)' الذي أوجب الكفارة على الرجل الذي أفطر في نهار رمضان عمدا بالجماع '(7)' .
هل المفهوم
قطعي أم ظني الدلالة ؟
من الأمور المرتبطة بدلالة النص والتي ناقشها الأصوليون – متكلمون وحنفية – دلالة النص على المسكوت عنه بالمفهوم الموافق هل هي قطعية أم ظنية ؟
__________
(1) الخطاب الشرعي: ص254 عن كشف الأسرار: ج2 ص220.
(2) نفس المرجع السابق: ص254
(3) أصول البزدوي بهامش كشف الأسرار : ج1 ص242.
(4) أخرج الحديث أبوداود في كتاب الحدود، باب رجم ماعز بن مالك : ونصه أن ماعزا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:
{ ... يا رسول الله إني زنيت فأقم على كتاب الله فأعرض عنه فعاد فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم على كتاب الله حتى قالها أربع مرات، قال - صلى الله عليه وسلم - إنك قد قلتها أربع مرات فبمن قال بفلانة قال هل ضاجعتها قال نعم قال هل باشرتها قال نعم قال هل جامعتها قال نعم قال فأمر به أن يرجم ... }
(5) الخطاب الشرعي: ص254
(6) انظر الحديث في أصناف دلالة الإيماء :
(7) الخطاب الشرعي: ص.254(1/25)
يرى الأصوليون على اختلاف مشاربهم أن دلالة النص على المسكوت عنه بالمفهوم الموافق قد تكون قطعية وقد تكون ظنية ، والضابط في هذا هو شدة وضوح المعنى في المسكوت عنه ، فإن كان التعليل بالمعنى قطعيا لا يتطرق إليه الاحتمالُ النقيضُ كانت دلالة النص على المسكوت عنه ـ بالمفهوم الموافق أو دلالة الدلالة ـ قطعية .
فقوله تعالى مثلا : { فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما } '(1)' ، يدل قطعا على تحريم كل أنواع الإيذاء في حق الوالدين كالضرب والشتم ، لشدة وضوح وظهور المعنى فيهما من التأفف والنهر . وإن كان » التعليل بالمعنى غير مقطوع به في المنطوق به ... فإن دلالة المفهوم أو دلالة النص تكون ظنية » '(2)' .
ومن أمثلته قوله تعالى : { ومن قتل مومنا خطأ فتحرير رقبة مومنة } '(3)' مع قوله تعالى : { ومن قتل مومنا متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } '(4)' . قال الدكتور إدريس حمادي : » لما كان الاختلاف حاصلا في تحديد علة كفارة القتل الخطإ ، كان الاختلاف كذلك حاصلا في وجوب الكفارة أو عدم وجوبها في القتل المتعمد » '(5)' ، ولا قطع في مواقع الخلاف . وبيان هذا أن الشافعية قالوا " كما يروي الشريف التلمساني عنهم " أنه » يجب على القاتل عمدا الكفارة ، لأنها لما وجبت على القاتل خطأ كان وجوبها على القاتل عمدا أولى » '(6)' .
رأي الشريف التلمساني
عبر الشريف التلمساني عن القطعي والظني بالجلي والخفي :
فأما الجلي فقد مثل له بالآيات الدالة على مفهوم الموافقة الذي يكون فيه المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به ، لأن المسكوت عنه المساوي "لحن الخطاب"، لا يُدْخله ضمن مفهوم الموافقة كما مر بنا في تعريفه .
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23.
(2) الخطاب الشرعي: ص249.
(3) سورة النساء الآية 91.
(4) سورة النساء الآية 92.
(5) الخطاب الشرعي: ص249.
(6) مفتاح الوصول: ص113.(1/26)
وأما الخفي فقد مثل له بعدة أمثلة منها قوله - صلى الله عليه وسلم - : { من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها } '(1)' ، فإن كان النائم والساهي يقضيان الصلاة ، وهما غير مخاطبين ، فلأن يقضيها العامد أولى . ومنها قول الشافعية في اليمين الغموس أن فيها الكفارة ، بقوله تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } '(2)' ، فإذا شرعت الكفارة حيث لا يأثم الحالف فلأن تشرع حيث يأثم أولى'(3)'. يقول الشريف التلمساني معلقا على هذه الأحكام : » وإنما كان هذا خفيا ـ أي ظنيا ـ لأن للمانع أن يمنع الأولوية بأن يقول : لا يلزم من قضاء صلاة النائم قضاء صلاة العامد، لأن القضاء جبر، ولعل صلاة العامد أعظم من أن تجبر، وكذلك في الكفارات، لاحتمال أن تكون جناية العامد أعظم من أن تكفر، ولأجل ذلك اختُلِف في هذه المسائل، وهذا النوع هو أكثر ما يوجد في مسائل الخلاف » '(4)'.
عموم
مفهوم الموافقة
ومن المسائل التي وقف معها الأصوليون في مباحث مفهوم الموافقة ، هل تعم دلالة النص جميع الحالات المشابهة لما نطق به النص أم لا ؟
يرى جمهور المتكلمين أن دلالة مفهوم الموافقة تعم كل الحالات المشابهة ، لأن » الحكم ليس قاصرا على ما نطق به الخطاب ، كالتأفيف مثلا ، بل هو شائع في كل قول أو فعل تحققت فيه العلة التي هي الإيذاء ، ذكر في الخطاب أو لم يذكر » '(5)' ، إلا أن الإمام الغزالي قال بأن مفهوم الموافقة لا يعم ، لأن العموم عنده من عوارض الألفاظ والمفهوم ليس كذلك .
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة.
(2) سورة المائدة الآية 91.
(3) مفتاح الوصول: ص113.
(4) نفس المرجع السابق: ص113/ 114.
(5) الخطاب الشرعي: ص251.(1/27)
ووافق الأحنافُ جمهورَ المتكلمين حيث يرون بأن دلالة النص تفيد العموم على القطع ، لأن » الثابت بالدلالة ثابت بمعنى النص لغة ، وبعدما كان النص متناولا له لغة لا يبقى احتمال كونه غير متناول له » '(1)' .
مفهوم المخالفة
تعريفه
سبق القول في مفهوم الموافقة ، أن المسكوت عنه يأخذ نفس حكم المنطوق به نفيا أو إثباتا . أما في مفهوم المخالفة فإن المسكوت عنه يأخذ نقيض حكم المنطوق به نفيا أو إثباتا ...
فقد عرف الشريف التلمساني مفهوم المخالفة بقوله : » أن يشعر المنطوق بأن حكم المسكوت عنه مخالف لحكمه ، وهو المسمى بدليل الخطاب » '(2)' ، وعرفه الآمدي بأنه » ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت مخالفا لمدلوله في محل النطق ، ويسمى دليل الخطاب » '(3)' ، وقال الغزالي : »معناه ، الاستدلال بتخصيص الشيء بالذكر على نفي الحكم عما عداه » '(4)' ، وهو عند علي حسب الله » ثبوت نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه » '(5)' .
وصاغ له الدكتور محمد أديب صالح تعريفا على ضوء التعريفات السابقة فقال : » هو دلالة اللفظ على ثبوت حكم للمسكوت عنه مخالف لما دل عليه المنطوق، لانتفاء قيد من القيود المعتبرة في الحكم » '(6)' ، ولعل تعريف الدكتور محمد أديب صالح هو أتم هذه التعاريف ، لأنه يبين سبب إعطاء المسكوت عنه نقيض حكم المنطوق به ، وهو : انتفاء قيد من القيود المعتبرة في حكم المنطوق به .
ولهذا فإن المفهوم المخالف هو : إثبات نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه لانتفاء قيد من القيود المعتبرة في الحكم . ويسمى مفهوم المخالفة : دليل الخطاب .
أنواع
مفهوم المخالفة
__________
(1) كشف الأسرار ج2 ص252.
(2) مفتاح الوصول: ص114.
(3) الإحكام للآمدي: ج3 ص69.
(4) المستصفى: ج2 ص191.
(5) أصول التشريع الإسلامي: ص284.
(6) تفسير النصوص: ج1 ص609.(1/28)
تتنوع أنواع مفهوم المخالفة تبعا لتنوع القيود المعتبرة في الحكم، هذه القيود كثيرة » اختلف المتكلمون في عُدِّهم لأنواعها ، تبعا لتوسعهم في تلك القيود أو تضييقهم فيها بإدراج بعضها في الآخر » '(1)' ، ومنهم من أوصلها إلى عشرة أنواع ، كالإمام القرافي والآمدي ... وذكر آخرون أن أنواع مفهوم المخالفة : » دون العشرة كمفهوم الصفة ومفهوم الشرط ومفهوم الغاية واللقب والحصر » '(2)' .
وفيما يلي جرد لتعداد أنواع مفهوم المخالفة عند بعض العلماء:
الفقهاء ... القرافي '(3)' ... الشوكاني ... الآمدي ... التلمساني ... حسب الله(4) ... زيدان(5) ... خلاف ... عدد الفقهاء العاملين به
'(6)' ... '(7)' ... '(8)' ... '(9)'
الأنواع
العلة ... * ... * ... 2
الصفة ... * ... * ... *(10) ... * ... * ... * ... * ... 7
الشرط ... * ... * ... * ... * ... * ... * ... * ... 7
المانع ... * ... * ... 2
الزمان ... * ... * ... * ... 3
المكان ... * ... * ... * ... 3
الغاية ... * ... * ... * ... * ... * ... * ... * ... 7
الحصر ... * ... * ... * ... 3
الاستثناء ... * ... * ... 2
اللقب ... * ... * ... *(11) ... * ... * ... * ... * ... 7
__________
(1) مناهج الأصولين: ص194.
(2) الخطاب الشرعي: ص261.
(3) شرح تنقيح الفصول: ص56 / 57.
(4) أصول التشريع الإسلامي: ص284 / 286.
(5) الوجيز في أصول الفقه: ص366 / 368.
(6) إرشاد الفحول: ص180 / 181.
(7) الإحكام للآمدي: ج3 ص70.
(8) مفتاح الوصول: ص177.
(9) أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف: ص154 / 156:
(10) يفرق الآمدي بين الصفة الخاصة والأوصاف، فقد مثل للصفة الخاصة بقوله - صلى الله عليه وسلم - : { في الغنم السائمة زكاة } ، ومثل للأوصاف التي تطرأ وتزول - حسب تعبيره - بقوله - صلى الله عليه وسلم - : { في السائمة زكاة } ( الإحكام ج3 ص70 )، ولا أجد فرقا بين النوعين سوى ذكر الغنم في الأول، وحذفها في الثاني، لأن ذكر الغنم لا يؤثر في حكم وجوب الزكاة في غيرها من الأنعام.
(11) مع اللقب يقول الآمدي ب" مفهوم الاسم المشتق الدال على الجنس، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : { لا تبيعا الطعام بالطعام } وهو قريب من مفهوم اللقب لكون الطعام لقبا وجنسا" ( الإحكام ج3 ص70 ).(1/29)
العدد ... * ... * ... * ... * ... * ... * ... 6
الحال ... * ... 1
إنما ... * ... 1
مجموع 13 ... 10 ... 10 ... 10 ... 7 ... 6 ... 5 ... 5
أول ملاحظة تتبادر إلى الذهن من خلال هذه العينة المكونة من سبعة علماء ، أن عدد أنواع مفهوم المخالفة يصل إلى ثلاثة عشر ، أجمعوا على أربعة منها ، وهي : الصفة والشرط والغاية واللقب ، ويليها العدد الذي قال به ستة إلا القرافي ؛ ولعله قصد به الاسم الجامد .
كما يلاحظ أن بعض العلماء يدمجون بعض الأنواع في البعض الآخر ؛ كمفهومي الزمان والمكان ، يدمجهما من لا يقول بهما في مفهوم الصفة ، ومنهم الدكتور عبد الكريم زيدان في قوله : » فالوصف هنا يراد به ما هو أعم من النعت ... أو ظرف زمان كقوله تعالى : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } '(1)' ، أو ظرف مكان ، نحو " بع في بغداد " » '(2)' ، كذلك تدخل في الصفة العلة ، لأن الصفة » أعم من العلة » '(3)' . كما أن مفهوم إنما يدرج ضمن مفهوم الحصر ، لأن إنما تستعمل للحصر ، وقد شذ الآمدي عن باقي العلماء وأفردها بمفهوم مستقل . كما أن مفهوم الاستثناء الذي لم يذكره من هذه العينة إلا القرافي والآمدي يعتبر من أقوى مفاهيم المخالفة المتبادرة إلى الفهم عند الإطلاق ، بل إن بعضهم ذهب إلى أنه من قبيل المنطوق به لا المفهوم '(4)'.
وعموما فإن اعتبار القيد مفهوما أو عدم اعتباره كذلك ، يرجع لعلاقة القيد بالحكم ، هل هو مؤثر فيه أم لا ، فإن كان وجوده يؤثر في الحكم كان له مفهوما ، وإن كان وجوده لا يؤثر فيه فلا مفهوم له .
يقول الدكتور إدريس حمادي مميزا القيد المؤثر من القيد غير المؤثر ، بأن الأصوليين أعطوا للخطاب المخصص بقيد من القيود بُعدين » بعدا إيجابيا وبعدا سلبيا ؛ بعدا يمليه القيد المذكور وبعدا يمليه غياب القيد » '(5)' .
__________
(1) سورة الجمعة الآية 9.
(2) الوجيز في أصول الفقه: ص266.
(3) الخطاب الشرعي: ص260.
(4) مناهج الأصوليين: ص249.
(5) الخطاب الشرعي: ص266.(1/30)
وهذا ينطبق على جميع أنواع مفهوم المخالفة ، لأن الحكم يرتبط بالقيد المؤثر ارتباط المعلول بعلته ، ذلك أن الحكم يوجد متى وجد القيد ، وهذا هو البعد الإيجابي ، والحكم في هذه الحالة يؤخذ بالمنطوق ، وينقلب الحكم إلى نقيضه متى ارتفع القيد ، وهذا هو البعد السلبي ، وهو المقصود بمفهوم المخالفة . وفيما يلي بيان لبعض أنواع مفهوم المخالفة :
أولا
مفهوم الصفة
مفهوم المخالفة هو : دلالة اللفظ الذي قيد فيه الحكم بوصف على ثبوت نقيض ذلك الحكم عند زوال الوصف .
ومثاله قوله تعالى : { ومن لم يستطع منكم طوْلا أن ينكح المحصنات المومنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المومنات } '(1)' ، فالحكم المأخوذ بالمنطوق الصريح لهذه الآية هو : جواز الزواج بالأمة المؤمنة في حق المسلم الذي لا يقدر على صداق الحرة . وقد قيدت الآية جواز الزواج بالأمة بوصف الإيمان ، ومفهومه المخالف أنه لا يجوز الزواج بالأمة الكافرة .
ثانيا
مفهوم الشرط
مفهوم الشرط هو : دلالة اللفظ الذي قيد فيه الحكم بشرط على ثبوت نقيض ذلك الحكم عند زوال الشرط : فالحكم السابق "جواز الزواج بالأمة المؤمنة" ، مشروط بعدم القدرة على صداق الحرة . ومفهومه المخالف أن المسلم القادر على الزواج بالحرة ، لا يجوز له الزواج الأمة المؤمنة .
ومثاله أيضا قول الله تعالى : { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } '(2)'، هذا الخطاب » دال بمنطوقه على وجوب النفقة للمطلقة طلاقا بائنا ، لوجود القيد وهو الحمل من جهة ، ودال على عدم وجوب النفقة عند انتفاء القيد من جهة أخرى » '(3)' ، والقيد هنا مفهوم شرط بأداة "إن".
ثالثا
مفهوم اللقب
__________
(1) سورة النساء الآية 25."
(2) سورة الطلاق الآية 6.
(3) الخطاب الشرعي: ص 266.(1/31)
مفهوم اللقب هو : دلالة اللفظ الذي قُيد فيه الحكم بلقب منبه إلى وصف على ثبوت نقيض ذلك الحكم عند زوال هذا اللقب : وعرفه الدكتور عبد الكريم زيدان بأنه » دلالة اللفظ الذي علق الحكم فيه على الاسم العلم على نفي ذلك الحكم عن غيره » '(1)' ، ولا أرى معنى لقوله : " بالاسم العلم " . لأن الاسم العلم لا مفهوم له باتفاق العلماء ، كقوله تعالى : { محمد رسول الله } '(2)' - صلى الله عليه وسلم - فاسمه عليه السلام لا مفهوم له لأنه ينفي الرسالة عن غيره من الرسل عليهم السلام ، وكذلك لو قلت زيد في الدار لا يدل على أن غيره خارجها.
والذي عليه العمل في مفهوم اللقب ، هو وجوب التمييز بين اللقب الذي يومئ إلى وصف واللقب الجامد :
فأما اللقب الذي يومئ إلى وصف فله مفهوم مخالف كقوله - صلى الله عليه وسلم - : { لي الواجد ظلم يحل عقوبته } '(3)' ، حيث يدل منطوق الحديث على أن مماطلة القادر على أداء الدين الذي في ذمته ظلم يحل عقوبته ، ويدل بمفهومه المخالف "دليل الخطاب" ، على أن مماطلة العاجز عن قضاء دَينه ليس بظلم . فهذا النوع من مفهوم اللقب يعتبر حجة ، ويصح الاستدلال به على الأحكام .
وأما النوع الثاني الذي يكون فيه اللقب جامدا فلا مفهوم له ، كقوله تعالى : { محمد رسول الله } '(4)' - صلى الله عليه وسلم - ، حيث تنفي الآية الكريمة بمفهومها المخالف الرسالة عن غيره - صلى الله عليه وسلم - من الرسل ، وهذا غير صحيح .
__________
(1) الوجيز في أصول الفقه: ص369.
(2) سورة الفتح الآية 29.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الاستقراض وأداء الديون... باب مطل الغني ظلم بلفظ { مطل الغني ظلم }
(4) سورة الفتح الآية 29.(1/32)
وكقول عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى : { عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى } '(1)' حيث يدل الحديث الشريف بمفهومه المخالف على أن جميع الأصناف التي لم يذكرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيه ليست ربوية ، وهذا غير صحيح .
لذلك فإن هذا النوع لا يؤخذ الحكم منه عن طريق المفهوم المخالف ، ولا يعتبر حجة باتفاق العلماء '(2)' .
رابعا
مفهوم الغاية
مفهوم الغاية هو : دلالة اللفظ الذي قيد فيه الحكم بغاية على ثبوت نقيض ذلك الحكم بعد هذه الغاية : وللغاية في اللغة العربية لفظان هما إلى وحتى فقبل الغاية يكون الحكم بدلالة المنطوق به ، وبعد الغاية ينقلب الحكم إلى نقيضه بدلالة مفهوم المخالفة .
ومثاله قوله سبحانه وتعالى : { وكلوا واشربوا حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } '(3)' ، هذه الآية الكريمة في ـ شقها الأول ـ تدل بمنطوها على إباحة الأكل والشرب في ليل رمضان إلى غاية طلوع الفجر ، وتدل بدليل الخطاب على تحريم الأكل والشرب بعد هذه الغاية . وفي ـ شقها الثاني ـ تدل بمنطوقها على تحريم الأكل والشرب قبل غروب الشمس في نهار رمضان ، وتدل بدليل الخطاب على إباحة الأكل والشرب بعد هذه الغاية .
خامسا
مفهوم العدد
مفهوم العدد هو : دلالة اللفظ الذي قيد فيه الحكم بعدد على ثبوت نقيض ذلك الحكم فيما عدا ذلك العدد زائدا أو ناقصا .
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساقاة باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا
(2) الخطاب الشرعي: ص267 / 268.
(3) سورة البقرة الآية 186.(1/33)
ومثاله قوله تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } '(1)' ، وقوله سبحانه : { والذين يرمون المحصنات ثم لم ياتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } '(2)'، وقوله سبحانه : { فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا } '(3)' ، فقد قيد الحكم في المنطوق به في كل آية من هذه الآيات بعدد معين ، لذلك فإن المفهوم المخالف لهذه "الأعداد" هو عدم جواز الزيادة أو النقصان عنها ؛ فلا يجوز جلد الزاني غير المحصن ( أو الزانية ) أكثر أو أقل من مائة جلدة ، كما لا يجوز جلد القاذف أكثر أو أقل من ثمانين جلدة ، كما لا يجوز للمظاهر إطعام أقل أو أكثر من ستين مسكينا في الكفارة .
حجية
مفهوم المخافة
تباينت وجهات نظر الفقهاء حول حجية مفهوم المخالفة ، فقد ذهب الحنفية إلى نفي حجية دليل الخطاب ، ووافقهم ابن حزم الظاهري في دعواهم ، وذهب المتكلمون إلى أنه حجة يصح الاستدلال به على الأحكام الشرعية . وقدم كل فريق أدلة تثبت صحة مذهبه ، وفيما يلي أهم هذه الأدلة :
أدلة النافين
لحجية مفهوم المخالفة
نقل ابن حزم عن أبي محمد صاحب أبي حنيفة قوله : » هذا مكان عظيم فيه خطأ كثير من الناس وفحش جدا ، واضطربوا فيه اضطرابا شديدا ، وذلك أن طائفة قالت إذا ورد نص من الله تعالى أو من رسوله - صلى الله عليه وسلم - معلق بصفة ما أو بزمان ما أو بعدد ما ، فإن ما عدا تلك الصفة وما عدا ذلك العدد فواجب أن يحكم فيه بخلاف الحكم في هذا المنصوص » '(4)' .
__________
(1) سورة النور الآية 2.
(2) سورة النور الآية 4.
(3) سورة المجادلة الآية 4.
(4) الإحكام لابن حزم: ج7 ص323.(1/34)
وقد خص ابن حزم الظاهري الجزء السابع كله من كتابه الإحكام في أصول الأحكام لبابين فقط : الأول في دليل الخطاب والثاني في إبطال القياس ، وأورد في دليل الخطاب "مفهوم المخالفة" خمسة فصول : فصل في باب دليل الخطاب ، وفصلان في إبطال ادعاء من يحتج به ، وفصلان في عظيم تناقضهم في هذا الباب ... وهذا يعني أن ابن حزم ينكر بشدة العمل بمفهوم المخالفة ، لأنه عبر عن هذا في مساحة مهمة من كتابه .
والأحناف في نفيهم لحجية مفهوم المخالفة استدلوا بعدة أدلة يمكن إجمالها في ثلاثة :
أولا ، مفهوم المخالفة ليس مطردا في الأساليب العربية : ذلك أن : » تقييد الحكم بوصف أو شرط أو تحديده بغاية أو عدد يدل على إثبات الحكم حيث يوجد القيد وعلى انتفائه حيث ينتفي ، بدليل أن العبارة كثيرا ما ترد مقيدة ومع ذلك يتردد السامع في فهم حكم ما انتفى عنه القيد ، ولذلك يسأل السامِعُ عنه ، ولا يستنكر المتكلم ذلك السؤال » '(1)' . كما لو قال شخص لآخر : إذا جاءك زيد صباحا فاقض حاجته ، فلا يستنكر المتكلم على السامع إذا استفهمه عما إذا جاءه مساء هل يقضي تلك الحاجة أم لا ؟ ولذلك فالعمل بالمفهوم المخالف ليس مطردا في اللغة العربية ، فلا يكون النص الشرعي حجة عليه لأن النصوص لا تكون حجة بمجرد الاحتمال .
__________
(1) مناهج الأصوليين: ص270.(1/35)
ثانيا ، لم يعمل بمفهوم المخالفة في نصوص شرعية كثيرة : لأنه لو عمل بمفهومها المخالف لأدت إلى معان فاسدة في الشرع '(1)' ؛ وذلك كقوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } '(2)' ، حيث يدل النص بمفهومه المخالف على وجوب قتل الأولاد في حالة الغنى '(3)' . وكقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تاكلوا الربا أضعافا مضاعفة } '(4)' ، حيث تجوز الآية بدليل الخطاب أكل الربا اليسير . وكقوله تعالى : { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } '(5)' ، حيث تدل الآية بمفهومها المخالف على أن الله سيغفر للمنافقين إن استغفر لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من سبعين مرة '(6)' . وكقوله تعالى : { هو الذي سخر البحر لتاكلوا منه لحما طريا } '(7)'، حيث تدل الآية بمفهومها المخالف على عدم جواز أكل السمك غير الطري . وكقوله تعالى : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم، ذلك الدين القيم، فلا تظلموا فيهن أنفسكم } '(8)' ، يدل النص بمفهومه المخالف على جواز الظلم في غير الأشهر الحرم '(9)' . وكقوله تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } '(10)' ، حيث تدل الآية بدليل الخطاب على أن المعتكف خارج المسجد تجوز له المباشرة ...
فكل هذه الأحكام المستنبطة بمفهوم المخالفة لهذه الآيات مخالفة للمقرر شرعا ، ولذلك فالمفهوم المخالف غير حجة .
__________
(1) نفس المرجع السابق: ص268.
(2) سورة الإسراء الآية 31.
(3) مناهج الأصوليين: ص263.
(4) سورة آل عمران الآية131.
(5) سورة التوبة الآية 81.
(6) الإحكام لابن حزم: ج7 ص328.
(7) سورة النحل الآية 14.
(8) سورة التوبة الآية 36.
(9) تفسير النصوص: ج1 ص670.
(10) سورة البقرة الآية 186.(1/36)
ثالثا ، مفهوم المخالفة لو كان حجة شرعية لما نص الشارع عليه : فلو » كان دليلا يعتمد عليه في معرفة الحك الشرعي لما أحوج ذلك الشارع أن ينص على المسكوت عنه » '(1)'. ومن النصوص الدالة عليه :
قوله تعالى : { ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فاتوهن من حيث أمركم الله } '(2)' ، فالمفهوم المخالف لقوله تعالى في الشطر الأول : { ولا تقربوهن حتى يطهرن } هو نفسه المنطوق الصريح لقوله تعالى في الشطر الثاني : { فإذا تطهرن فاتوهن من حيث أمركم الله } لذلك يؤخذ الحكم بالمنطوق الصريح لا بالمفهوم المخالف .
وقوله تعالى : { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } '(3)' ، فالشطر الأول من الآية يدل على أن الربيبة تحرم على زوج أمها المدخول بها ، وتدل بالمفهوم المخالف على أنه يجوز له الزواج بها إن لم يدخل بأمها ، وهذا الحكم المأخوذ بدليل الخطاب هو نفسه منطوق قوله تعالى في الشطر الثاني من الآية : { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } فالحكم يِخذ بالمنطوق وليس بالمفهوم.
ثم إن الحنفية وهم ينكرون الاحتجاج بالمفهوم المخالف ، نجدهم يعملون بالحكم المأخوذ بهذه الدلالة ، غير أنهم لا يصرحون بأنها ـ دليل خطاب ـ وإنما يقولون بأن مرد هذا الحكم إلى » العدم الأصلي ، أو البراءة الأصلية في حل أو حرمة » '(4)' ، فإن كان الحكم ينهى عن شيء يقولون بـ "العدم الأصلي" وإن كان الحكم يجيز شيئا يقولون بـ "البراءة الأصلية أو الإباحة الأصلية" إذ الأصل في الأشياء الإباحة .
أدلة الجمهور
القائلين بحجية مفهوم المخالفة
استدل الجمهور على أن مفهوم المخالفة حجة شرعية يصح التوسل به إلى استنباط الأحكام الشرعية من النقل والعقل .
أولا
الدليل النقلي
__________
(1) مناهج الأصوليين: ص267.
(2) سورة البقرة الآية 221.
(3) سورة النساء الآية 23.
(4) تفسير النصوص: ج1 ص780.(1/37)
استدل جمهور المتكلمين على حجية مفهوم المخالفة من النقل استنادا إلى ما قرره علماء اللغة ، وعلى أفهام الصحابة والفقهاء :
فأما علماء اللغة العربية فيعملون بمفهوم المخالفة ، ومن أئمتهم أبو عبيدة وتلميذه عبيد ؛ اللذان قالا في حديث { مطل الغني ظلم } '(1)' ، أنه يدل على أن مطل غير الغني ليس بظلم ، وهم إنما يقولون في مثل ذلك ما يعرفونه من لسان العرب '(2)'. والإمام الشافعي - رضي الله عنه - وهو أيضا من أئمة اللغة الذين يحتج بقولهم ـ احتج بقوله الأصمعي وصحح عليه دواوين الهذليين ـ اعتبر مفهوم المخالفة حجة شرعية '(3)' .
وأما كبار صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستنبطوا أحكاما بدليل الخطاب ، لأنهم فهموا من قوله تعالى : { وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } '(4)' ، أن القصر لا يكون إلا في حالة الخوف ، وأنه لا يكون في حالة الأمن ، وهذا عمل بالمفهوم المخالف ؛ فقد سأل يعلى بن أمية سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : ما بالنا نقصر وقد أمنا ؟ فقال له عمر : تعجبتُ مما تعجبتَ منه فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : { صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته } '(5)' ، '(6)' ، ونفهم من هذا الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقر عمر - رضي الله عنه - على أخذه بمفهوم المخالفة ، لأن تقصير الصلاة الرباعية في حالة الأمن صدقة من الله بمنطوق الحديث ، والمنطوق الصريح يترجح على المفهوم المخالف للآية ، لأن المنطوق يقدم على المفهوم عند تعارضهما .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الاستقراض وأداء الديون، باب مطل الغني ظلم.
(2) أصول الفقه للعربي اللوه: ص301.
(3) مناهج الأصوليين: ص257.
(4) سورة النساء الآية 104.
(5) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها.
(6) المستصفى: ج2 ص197.(1/38)
وأما الفقهاء فعملوا بمفهوم المخالفة ، وقدمتُ سابقا عدة أمثلة في أنواع مفهوم المخالفة كلها صالحة للاستشهاد بها في هذا المقام ، ومنها - مثلا - قوله تعالى : { ومن لم يستطع منكم طُوْلا أن ينكح المحصنات المومنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المومنات } '(1)' ، حيث تضمنت الآية ثلاثة أحكام ؛ الأول بالمنطوق الصريح والثاني بمفهوم الوصف والثالث بمفهوم الشرط :
فالحكم المستنبط بالمنطوق الصريح هو أن المسلم الذي لا يستطيع الزواج بالحرة المؤمنة يجوز له الزواج بالأمة المؤمنة .
والحكم المستنبط بمفهوم الوصف هو أن المسلم الذي لا يستطيع الزواج بالحرة المؤمنة لا يجوز له الزواج بالأمة الكافرة .
والحكم المستنبط بمفهوم الشرط هو أن المسلم الذي يستطيع الزواج بالحرة المؤمنة لا يجوز له الزواج بالأمة المؤمنة ، ومن باب أولى ألا يتزوج بالأمة الكافرة .
ثانيا
الدليل العقلي
يقول الأستاذ العربي اللوه بأن » العقل هو الذي يدرك أن القيد المذكور كالسائمة مثلا، لو لم ينف الحكم عن المسكوت عنه، لم يكن لذكره فائدة وينزه عنه كلام الشارع » '(2)' ، فالقيود الواردة في النصوص الشرعية من وصف أو شرط أو غاية » ليست عبثا ولا بد أن تكون لفائدة، فإذا بحثنا عن فائدتها فلم نجد لها فائدة إلا تخصيص الحكم في المنطوق به ونفيه عما عداه ، وجب أن يحمل على ذلك ، وإلا كان ذكر القيد فيها عبثا ، ولا عبث مع الشارع الحكيم» '(3)' .
__________
(1) سورة النساء الآية 25."
(2) أصول الفقه للعربي اللوه: ص301.
(3) أصول الفقه الإسلامي: ج1 ص370.(1/39)
فالآية الكريمة مثلا : { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } '(1)' ؛ تدل بمنطوقها على وجوب الجزاء على من قتل الصيد عمدا ، وتدل بمفهومها المخالف على نفي الجزاء على من قتل الصيد خطا ، فلو لم تدل الآية على هذا الحكم ، لكان ذكر التعمد فيها لغوا وعبثا وهو محال في حقه تعالى '(2)' .
لذلك تقر مدرسة المتكلمين أن القيود المبثوثة في الخطاب الشرعي » لا بد أن تكون مقصودة من طرف الشارع ، ولابد أن تستهدف تحقيق غرض معين ، ومحال أن يكون المتكلم أو الشارع قد أتى بها اعتباطا من غير أدنى قصد ولا يترتب عليها أي غرض » '(3)' ، والغرض من هذه القيود هو تقييد الحكم في المنطوق به .
أما إذا كان للقيد غرضا آخر غير تقييد الحكم في المنطوق به ، فإنه حينئذ لا يكون للقيد مفهوما مخالفا ، لأن القيد في هذه الحالة قد يكون جاء : حكاية لواقع الحال ، أو للتنفير ، أو للتيئيس ، أو للامتنان ، أو للتعظيم ، أو تبعا لقيد آخر ... هذه الأغراض أدرجها الجمهور ضمن شروط العمل بمفهوم المخالفة ، حيث قالوا بأن مفهوم المخالفة لا يكون حجة إذا كان للقيد غرضا آخر غير تقييد الحكم في المنطوق به .
شروط العمل
بمفهوم المخالفة
أولا ، أن يكون قيد المنطوق به معتبرا في الحكم : فإن لم يكن كذلك بأن جاء لغرض آخر فلا مفهوم له :
فقوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } '(4)' ، لا مفهوم مخالف له ، لأن القيد { خشية إملاق } جاء حكاية لحال العرب في الجاهلية ، جريا على الغالب الأعم حيث كان العرب يقتلون أولادهم خوفا من الفقر .
__________
(1) سورة المائدة الآية 97.
(2) مناهج الأصوليين: ص260.
(3) الخطاب الشرعي: 260.
(4) سورةالإسراء الآية 31.(1/40)
وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تاكلو الربا أضعافا مضاعفة } '(1)' ، لا مفهوم مخالف له ، لأن القيد { أضعافا مضاعفة } جاء للتنفير من الربا وحكاية لحال العرب في الجاهلية.
وقوله تعالى : { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ، إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } '(2)' ، لا مفهوم مخالف له ، لأن القيد { سبعين مرة } جاء لتيئيس المنافقين من حصولهم على مغفرة الله لهم وإن استغفر لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من ذلك .
وقوله تعالى : { هو الذي سخر البحر لتاكلوا منه لحما طريا } '(3)' ، لا مفهوم مخالف له ، لأن القيد { لحما طريا } جاء كما يقول الدكتور إدريس حمادي » لإظهار فضل الله على عباده بهذه النعمة » '(4)' ، فالقيد جيء به للامتنان وبيان فضل الله على عباده ولذلك فلا مفهوم له ، فلا يجوز القول بأن السمك غير الطري كالسمك المعلب يحرم أكله .
وقوله تعالى : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ، ذلك الدين القيم ، فلا تظلموا فيهن أنفسكم } '(5)' ، لا مفهوم مخالف له ، لأن القيد { أربعة حرم } جاء لتعظيم الأشهر الحرم ، فلا يجوز القول بأن الظلم جائز في الأشهر غير الحرم .
وقوله تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } '(6)' ، لا مفهوم مخالف له ، لأن القيد { في المساجد } جاء تبعا لقيد آخر وهو الاعتكاف وهو القيد المعتبر في الحكم ، فمنطوق الآية بهذا القيد هو منع المعتكف من المباشرة ، ومفهومه جواز المباشرة لغير المعتكف ، أما المعتكف فلا تجوز له المباشرة سواء داخل المسجد أو خارجه .
__________
(1) سورة آل عمران الآية131.
(2) سورة التوبة الآية 81.
(3) سورة انحل الآية 14.
(4) الخطاب الشرعي ص263.
(5) سورة التوبة الآية 36.
(6) سورة البقرة الآية 186.(1/41)
الملاحظ أن الشروط السابقة هي نفسها الأدلة التي ذكرها الحنفية في قولهم أن مفهوم المخالفة لم يعمل به في نصوص شرعية كثيرة لأنه يؤدي إلى معان فاسدة ، فالجمهور هنا يردون عليهم بنفس دليلهم للاستدلال على حجية مفهوم المخالفة ، حيث أدرجوا دليل الحنفية ضمن شروط العمل بمفهوم المخالفة .
ثانيا ، ألا يعارض المفهوم المخالف منطوقا صريحا : كقوله تعالى : { وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } '(1)' ، فإن تقييد قصر الصلاة بالخوف، يدل بمفهومه المخالف على عدم جواز القصر في حالة الأمن . ولكن هذا الحكم لا يعمل به لأنه يتعارض مع المنطوق الصريح لقوله - صلى الله عليه وسلم - في شأن قصر الصلاة في السفر مع الأمن : { صدقة تصدق الله بها عليكم } '(2)' ، فنعمل بالمنطوق ونترك المفهوم المخالف .
ثالثا ، ألا يذكر الشارع حدا محصورا للقياس عليه: كقوله - صلى الله عليه وسلم - { اجتنبوا الموبقات السبع } '(3)' ، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يقصد حصر الموبقات وهي الكبائر في سبعة ، وإنما ذكرهن ليلحق بهن ما في معناهن ، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما : » هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع » '(4)' ، ولذلك فالعدد سبعة لا مفهوم له .
__________
(1) سورة النساء الآية 104.
(2) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: { إن الذين ياكلون أموال اليتامى
ظلما إنما ياكلون في بطونهم نارا } سورة النساء الآية 10.
(4) كتاب الكبائر لشمس الدين الذهبي: ص8.(1/42)
رابعا ، ألا يخرج القيد عن سؤال : فقد روى عبد الله بن عمر أن رجلا قال : يا رسول الله كيف صلاة الليل ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : { مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة } '(1)' ، فإذا كان هذا الحديث وقع فيه التخصيص بالليل لأجل وقوع السؤال عليه، فلا مفهوم له في صلاة النهار '(2)' .
ترجيح
بين المدرستين
المتأمل في كل من أدلة الجمهور وأدلة الحنفية ، لا يسعه إلا أن يرجح مذهب الجمهور القائل بحجية مفهوم المخالفة ، لأن الجمهور ردوا على أدلة الحنفية ودحضوها الواحد بعد الآخر ؛ ومن ذلك زعم الحنفية أن المفهوم المخالف ليس مطردا في الأساليب العربية ، بدليل أن السامع قد يستفسر عنه ولا يستنكر المتكلم استفهامه ، فرد المتكلمون » بأن الاستفسار عنه يكون من باب التأكيد وطلب زيادة البيان خوفا من أن يكون هناك معارض للمفهوم مما هو أقوى منه ولم يتهيأ للسامع الاطلاع عليه » '(3)'.
كما رد الجمهور دليل الحنفية في كون مفهوم المخالفة لو كان حجة لما نص الشارع عليه في مكان آخر ، بأن » المفهوم لا ينافي التنصيص على حكمه ، بل ذلك أبلغ في الدلالة وأقرب إلى حصول المراد » '(4)' .
كما رد الجمهور دليل الحنفية في قولهم : لو طبقنا مفهوم المخالفة في بعض النصوص الشرعية لأدى ذلك إلى معان فاسدة في الشرع ، بأن كل النصوص التي يؤدي مفهومها المخالف إلى حكم فاسد في الشرع ، لا يكون مقصود الشارع من قيود تلك النصوص تقييد الحكم في المنطوق به ، وإنما جاء بتلك القيود لأغراض أخرى كالتيئيس أو التعظيم أو الامتنان أو ... ولذلك لا يعمل بمفهومها المخالف . وبهذا يترجح رأي الجمهور على رأي الحنفية .
ترتيب الدلالات
عند كل من الجمهور والحنفية
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب التهجد باب كيف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟
(2) مفتاح الوصول: ص114 / 115.
(3) مناهج الأصوليين: ص270.
(4) نفس المرجع السابق: ص268.(1/43)
يتحدث الأصوليون عن ترتيب الدلالات قصد بيان الدلالة القوية من الدلالة الضعيفة إذا تعارضت الأحكام المستنبطة بدلالات مختلفة ، وهذا لترجيح الحكم المستنبط بالدلالة الراجحة على الحكم المستنبط بالدلالة المرجوحة .
ترتيب الحنفية
رتب الحنفية الدلالات عند التعارض كالآتي : أولا دلالة عبارة النص ، ثانيا دلالة إشارة النص ، ثالثا دلالةُ دلالةِ النص ، ورابعا دلالة اقتضاء النص ؛ ولهذا :
تقدم دلالة عبارة النص على دلالة إشارته : لأن الثابت بالعبارة مستفاد من النص مباشرة ، أما الثابت بالإشارة فهو ثابت بالالتزام ولذلك فإن » الحكم الثابت بدلالة العبارة مقصود ... بالأصالة أو بالتبع أما الثابت بالإشارة فليس مقصود بالأصالة ولا بالتبع » '(1)'.
ومثاله قوله تعالى : { كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى } '(2)' ، مع قوله تعالى : { ومن يقتل مومنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } '(3)' ، حيث تدل الآية بعبارتها على وجوب القصاص في حق القاتل عمدا عدوانا ، وتدل الآية الثانية بالإشارة على أنه » لا قصاص على القاتل المعتدي لأن الله تعالى جعل جزاءه الخلود في جهنم وغضب عليه وأعد له العذاب العظيم ، وقد اقتصر عليه في مقام البيان – كما قالوا – يفيد الحصر » '(4)' . وما دام الجزاء بالعبارة جاء محصورا بالآخرة دل هذا بالإشارة على أنه لا جزاء عليه في الدنيا ، فيترجح الحكم الثابت بالعبارة في الآية الأولى على الحكم الثابت بالإشارة في الآية الثانية ، فيقتص وجوبا من القاتل عمدا عدوانا في الدنيا ، وينال عقاب العُقبى .
__________
(1) مناهج الأصوليين: ص272.
(2) سورة البقرة الآية 178.
(3) سورة النساء الآية 92.
(4) تفسير النصوص: ج1 ص498.(1/44)
وتقدم دلالة إشارة النص على دلالة دلالته : لأن إشارة النص كعبارة النص في كونها » منطوق النص ومدلوله بصيغته وألفاظه ، ولكن طريق الدلالة مفهوم النص ومدلوله بروح النص ومعقوله » '(1)' ، كما أن الإشارة وُجِدَ فيها النظم والمعنى اللغوي ، والدلالة لا يوجد فيها إلا المعنى اللغوي ، وعند المعارضة يتقابل المعنيان ، فيبقى النظم في الإشارة سالما عن المعارضة فيحصل به الترجيح '(2)' .
ومثاله قول الله عز وجل : { ومن قتل مومنا خطأ فتحرير رقبة مومنة } '(3)' ، حيث تدل الآية بعبارتها على وجوب تحرير رقبة مؤمنة بالنسبة لمن قتل مؤمنا خطأ ، وتدل بدلالة النص على وجوب الكفارة في القتل العمد لأنه أولى بذلك من القتل الخطإ ، إلا أن هذا الحكم يتعارض مع الحكم المستنبط بدلالة الإشارة في قوله تعالى : { ومن يقتل مومنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } '(4)' ، حيث تدل بالإشارة على عدم قبول الكفارة من القاتل عمدا لأنها حصرت عقابه بالخلود في جهنم ... فيترجح الحكم المأخوذ بالإشارة على الحكم المأخوذ بالدلالة .
وتقدم دلالة دلالة النص على دلالة الاقتضاء : فدلالة الاقتضاء عند الحنفية هي أضعف الدلالات وآخرها في سلم الترتيب ، بدليل أن » المقتضى عندهم لم يثبت لا من طريق صيغة اللفظ ولا من طريق معناه اللغوي وإنما استدعته الضرورة » '(5)' ، ويلاحظ أن الحنفية لم يجدوا مثالا واضحا في النصوص الشرعية يستشهدون به على هذا التعارض كما فعلوا مع الدلالات السابقة .
__________
(1) أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف: ص152.
(2) تفسير النصوص: ج1 ص543، عن المنار وشرحه لابن مالك: ج1 ص529.
(3) سورة النساء الآية 91.
(4) سورة النساء الآية 92.
(5) الخطاب الشرعي ص235.(1/45)
وقد مثل عبد العزيز البخاري الحنفي لهذا التعارض بقوله : » إذا باع رجل من آخر عبدا بألفي درهم ثم قال البائع للمشتري قبل نقد الثمن اعتق عبدك عني بألف درهم فأعتقه ، فلا يجوز البيع لأن ما ورد في حق زيد بن أرقم بفساد شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن ، توجب ألا يجوز ، والاقتضاء يدل على الجواز ، فترجح الدلالة على الاقتضاء ، وإنما قلنا إنه دلالة لأن ثبوت الحكم في حق غير زيد كان بمعنى النص لا بالنظم ، كثبوت النظم في حق غير ماعز » '(1)'.
ترتيب
الدلالات عند المتكلمين
الدلالات عند المتكلمين أوسع دائرة منها عند الحنفية لأنهم ضمنوا المنطوق والمفهوم ست دلالات ؛ فقسموا المنطوق إلى قسمين المنطوق الصريح والمنطوق غير الصريح ؛ وضمنوا المنطوق غير الصريح ثلاث دلالات ، كما قسموا المفهوم إلى قسمين ؛ مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة . فجاء ترتيبهم للدلالات كالآتي : أولها دلالة المنطوق الصريح ، ثانيها دلالة الاقتضاء ، ثالثها دلالة الإيماء ، رابعها دلالة الإشارة ، خامسها مفهوم الموافقة ، وأخيرا مفهوم المخالفة .
وإنما قدم الجمهور المنطوق الصريح على باقي الدلالات لأنه دال بالمطابقة أوالتضمن والدلالات الأخرى داخلة في دلالة الالتزام ، ودلالة المطابقة أولى لأنها الدالة حسب الوضع اللغوي للفظ '(2)' .
بعده تأتي دلالة الاقتضاء ، وقد جعلها المتكلمون في طليعة » أقسام المنطوق غير الصريح ... وذلك لأن المقتضى معنى ملحوظ ومقصود ، والملحوظ كالملفوظ ، كما أن المقصود أولى بالتقديم من غير المقصود » '(3)' .
__________
(1) تفسير النصوص: ج1 ص583، عن كشف الأسرار:ج2 ص556، مع مناهج الأصوليين: ص290.
(2) الإحكام للآمدي: ج4 ص254.
(3) الخطاب الشرعي ص253.(1/46)
وبعدها تأتي دلالة الإيماء ، وتقدم » على دلالة الإشارة لكونها مقصودة ، وتتأخر عن دلالة الاقتضاء مع اشتراكهما في أن كلا منهما مقصود » '(1)' ، لأن الاقتضاء يتوقف عليه صدق الكلام أو صحته عقلا أو شرعا ، أما الإيماء فلا يتوقف عليه ذلك .
وبعدها تأتي دلالة الإشارة ، وهي أضعف دلالات المنطوق غير الصريح ، لأنها غير مقصودة أما الإيماء والاقتضاء فمقصودان .
وبعدها تأتي دلالة مفهوم الموافقة ، ويقدم على دلالة مفهوم المخالفة لأن دلالة مفهوم الموافقة متفق على حجيتها أما دلالة مفهوم المخالفة فمختلف في حجيتها .
*** تم بحمد الله وعونه وتوفيقه ومَنِّه ***
*********
*******
*****
***
*
لائحة المصادر والمراجع
المصدر أو المرجع ... المؤلف ... دار الطبع
القرآن الكريم برواية ورش ... منزل من الله عز وجل ... مجمع خادم الحرمين الشريفين 1411 هـ
الإبهاج في شرح المنهاج ... علي بن عبد الكافي السبكي ( ت 759 ) ... دار الكتب العلمية بيروت 1404 هـ 1984م
الإحكام في أصول الأحكام ... أبو محمد علي ابن حزم ( ت 456 ) ... دار الكتب العلمية بيروت لبنان بلا تاريخ
الإحكام في أصول الأحكام ... علي بن محمد الآمدي ( ت 631 ) ... مؤسسة النور الطبعة الثانية 1402 هـ
أصول التشريع الإسلامي ... علي حسب الله ... دار المعارف القاهرة الطبعة الرابعة 1391هـ 1971م
أصول السرخسي ... محمد بن أحمد السرخسي (ت 490هـ ) ... دار المعرفة بيروت طبعة 1393هـ 1993م
أصول الفقه ... عبد الوهاب خلاف ... دار الفكر الكويت الطبعة 12 سنة 1982م
أصول الفقه ... العربي اللوه ... ديسبريس تطوان الطبعة الثانية 1984م
إرشاد الفحول ... محمد بن علي الشوكاني ( ت1250 م) ... مؤسسة الكتب الثقافية الطبعة 6 سنة 1995م
تفسير النصوص في الفقه الإسلامي ... محمد أديب صالح ... المكتب الإسلامي الطبعة الرابعة 1993م.
التلويح على التوضيح ... سعد الدين التفتزاني (ت 792هـ) ... دار الكتب العلمية بلا تاريخ
__________
(1) مناهج الأصوليين: ص242.(1/47)
الجامع الصحيح ... مسلم بن الحجاج النيسابوري(ت261 هـ) ... دار إحياء التراث العربي بلا تاريخ
حاشية البجيرمي ... سليمان بن عمر بن محمد البجيرمي ... المكتبة الإسلامية ديار بكر تركيا بلا تاريخ
حاشية البناني على شرح المحلي على متن جمع الجوامع ... صاحب جمع الجوامع ابن السبكي ... مطبعة مصطفى محمود القاهرة بلا تاريخ
تابع لائحة المصادر والمراجع
المصدر أو المرجع ... المؤلف ... دار الطبع
حاشية العطار على متن جمع الجوامع ... صاحب جمع الجوامع ابن السبكي ... مطبعة مصطفى محمود القاهرة بدون تاريخ
الخطاب الشرعي وطرق استثماره ... إدريس حمادي ... المركز الثقافي العربي الطبعة الأولى 1994م
الشبكة الإسلامية على الأنترنت IslamOnline.net
الشبكة الإسلامية على الأنترنت Islamweb.net
شرح تنقيح الفصول ... أحمد بن إدريس القرافي ( ت 684هـ) ... دار الفكر القاهرة الطبعة الأولى 1973م
كتاب الكبائر ... شمس الدين محمد الذهبي (ت748 هـ) ... دار الكتاب بلا تاريخ
كشف الأسرار ... عبد العزيز البخاري ( ت 730 هـ) ... دار الكتاب العربي بيروت الطبعة الثالثة 1417هـ 1997م
لسان العرب ... محمد بن مكرم ابن منظور ( ت711 هـ) ... دار صادر بيروت بلا تاريخ
المستصفى من علم الأصول ... أبو حامد الغزالي ( ت 505 هـ) ... دار الأرقم بن أبي الأرقم بيروت بلا تاريخ
مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول ... محمد بن أحمد المالكي التلمساني (ت 771 هـ) ... دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1996م
مناهج الأصوليين في طرق دلالات الألفاظ على الأحكام ... خليفة بابكر الحسن ... دار الاتحاد الأخوي للطباعة الطبعة الأولى 1989م
نيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ... محمد بن علي الشوكاني ( ت1250 م) ... دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بلا تاريخ
الوجيز في أصول الفقه ... عبد الكريم زيدان ... مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الأولى 1965م
فهرست الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
مقدمة ... 3
تمهيد ... 5
المنطوق ... 7
التعريف بالمنطوق ... 8
المنطوق الصريح عند الجمهور ... 9(1/48)
عبارة النص عند الحنفية ... 10
مقارنة بين المنطوق الصريح وعبارة النص ... 11
دلالة المنطوق غير الصريح عند الجمهور ... 14
والدلالات المقابلة لها عند الحنفية
دلالة الاقتضاء بين الجمهور والحنفية ... 15
مقارنة دلالة الاقتضاء بين المدرستين ... 18
دلالة الإيماء عند المتكلمين وموقف الحنفية منها ... 19
أصناف دلالة الإيماء ... 20
موقف الحنفية من دلالة الإيماء ... 22
دلالة الإشارة عند كل من الجمهور والحنفية ... 22
مقارنة دلالة الإشارة بين الجمهور والحنفية ... 24
المفهوم ... 25
التعريف المفهوم ... 26
مفهوم الموافقة " دلالة النص " ... 27
حجية مفهوم الموافقة ... 30
دلالة دلالة النص هل هي لفظية أم قياسية ؟ ... 31
دلالة النص عند الحنفية ... 33
مقارنة بين الفريقين ... 34
حجية دلالة النص ... 35
هل المفهوم قطعي أم ظني الدلالة ؟ ... 36
رأي الشريف التلمساني ... 38
عموم مفهوم المواقة ... 39
مفهوم المخالفة: تعريفه ... 40
أنواع مفهوم المخالفة ... 41
أولا: مفهوم الصفة ... 44
ثانيا: مفهوم الشرط ... 45
ثالثا: مفهوم اللقب ... 46
رابعا: مفهوم الغاية ... 48
خامسا: مفهوم العدد ... 49
حجية مفهوم المخالفة ... 50
أدلة النافين لحجية مفهوم المخالفة ... 50
أدلة الجمهور القائلين بحجية مفهوم المخالفة ... 54
الدليل النقلي ... 54
الدليل العقلي ... 56
شروط العمل بمفهوم المخالفة ... 58
ترجيح بين المدرستين ... 61
ترتيب الدلالات عند كل من الجمهور والحنفية ... 62
ترتيب الحنفية ... 62
ترتيب المتكلمين ... 65
لائحة المصادر والمراجع ... 67
فهرست الموضوعات ... 69(1/49)