الملخص لمادتي القواعد والنظريات الفقهية 343
أولاً : القواعد الفقهية
المبحث الأول
معنى القاعدة لغة واصطلاحاً
ومدلول القاعدة الفقهية
معنى القاعدة في اللغة : الأساس وهي تجمع على قواعد، وهي: أسس الشيء وأصوله، حسياً كان ذلك الشيء، كقواعد البيت، أو معنوياً: كقواعد الدين أي دعائمه، وقد ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم، يقول الله عز وجل: { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} ، وكما في قوله تعالى :{ فأتى الله بنيانهم من القواعد } فالقاعدة في هاتين الآيتين الكريمتين بمعنى الأساس وهو ما يرفع عليه البنيان.
... أما من الناحية الاصطلاحية: " فهي قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها"، وعرفها أبو البقاء الكفوي، بقوله" القاعدة اصطلاحاً: قضية كلية من حيث اشتمالها بالقوة على أحكام جزئيات موضوعها".
وعرفها العلامة التفتازاني (( 791 هـ)) في التلويح بأنها حكم كلي ينطبق على جميع جزئياته ليتعرف أحكامها منه .
فالقاعدة عند الجميع هي أمر كلي ينطبق على جميع جزئياته، مثل قول النحاة: الفاعل مرفوع، والمفعول منصوب، والمضاف إليه مجرور، وقول الأصوليين: الأمر للوجوب، والنهي للتحريم.
... لكن الفقهاء قد عبروا عنها أحياناً بقولهم: " ينطبق عليها جزئيات كثيرة" فاكتسب الانطباق معنى آخر و انبنى عليه.
فقد عرف تاج الدين السبكي القاعدة بقوله: " هي الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة تفهم أحكامها منها".
ويقول الحموي شارح الأشباه والنظائر لابن نجيم: " إن القاعدة هي عند الفقهاء غيرها عند النحاة والأصوليين، إذ هي عند الفقهاء حكم أكثري لا كلي، ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامها".
وفي ضوء تلك التعريفات والملاحظات حولها يمكن أن نعرف القاعدة الفقهية بأحد التعريفين: أحدهما بأنها:
حكم شرعي في قضية أغلبية يتعرف منها أحكام ما دخل تحتها.(1/1)
الثاني : أصل فقهي كلي يتضمن أحكام تشريعية عامة من أبواب متعددة في القضايا التي تدخل تحت موضوعه.
المبحث الثاني :
الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي:
... هذه القواعد الفقهية تختلف عما يسمى الضوابط الفقهية، فإن مجال الضابط الفقهي أضيق من ما وجدناه بالنسبة للقاعدة الفقهية.
... ووضح هذا الفرق العلامة تاج الدين السبكي بعد أن ذكر تعريف القاعدة في قوله: " ومنها ما لا يختص كقولنا اليقين لا يزال بالشك، ومنها ما يختص كقولنا: كل كفارة سببها معصية فهي على الفور: والغالب فيما اختص بباب، وقصد به نظم صور متشابهة أن يسمى ضابطاً".
وكذلك العلاّمة ابن نجيم يميل إلى هذا الفرق بين القاعدة والضابط، فيقول في الفن الثاني من " الأشباه": " الفرق بين الضابط والقاعدة: أن القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى، والضابط يجمعها من باب واحد، هذا هو الأصل"
ومنهم من لا يلاحظ هذا التدقيق والتفريق مثل النابلسي (1143هـ )في شرح الأشباه والنظائر إذ يقول : " قاعدة : هي في الاصطلاح بمعنى الضابط وهي الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئياته "
مثال ذلك ما جاء في قواعد الإمام ابن رجب الحنبلي عنوان " القاعدة": "شعر الحيوان في حكم المنفصل عنه لا في حكم المتصل".
وفيما يلي أقدم نبذة يسيرة عن أمثلة الضوابط الفقهية، لكي يتجلى الفرق بين المصطلحين تماماً.
من نماذجها في مجال السنة المطهرة ما رواه عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أنه قال: " أيما إهاب دبغ فقد طهر".
... فهذا الحديث يمثل ضابطاً فقهياً في موضوعه يغطي باباً مخصوصاً وفي معناه ما روي عن الإمام إبراهيم النخعي (96هـ) قوله: " كل شيء منع الجلد من الفساد فهو دباغ" وفي رواية أخرى عنه أنه قال: "ما أصلحت به الجلد من شيء يمنعه من الفساد فهو له دباغ".(1/2)
ومن هذا القبيل ما شاع عن المتأخرين قولهم: " إن كل ماء لم يتغير أحد أوصافه طهور"، أو " كل ماء مطلق لم يتغير فهو طهور".
... وفي ضوء هذه النصوص المذكورة يمكن أن نستخلص النتائج التالية:
1- يبدو من خلال التعريفات المذكورة أنه لا يوجد هناك اتفاق بين القواعد والضوابط فإن القواعد هي أعم وأشمل من الضوابط من حيث جمع الفروع وشمول المعاني.
2- تطور مفهوم الضابط تطوراً ملحوظاً، ومن ثم لم يلاحظ البعض الفرق والدقة بين القاعدة والضابط، ولم يتبين هنا في مجموعة التعريفات حد فاصل أو قاطع بين القاعدة والضابط .
3- إن القواعد أكثر شذوذاً من الضوابط، لأن الضوابط تضبط موضوعاً واحداً فلا يتسامح فيها بشذوذ كثير.
4- إن المصطلحات العلمية لا تستقر على نمط معين إلا بكثرة استعمالها في المواضع المختلفة وترددها على الألسنة ، فقد يكون الاصطلاح عاماً في فترة من الفترات فيتطور إلى أخص مما كان أولاً.
المبحث الثالث :
الفرق بين القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية:
... يرى بعض الباحثين المعاصرين في الفقه الإسلامي: أن النظريات العامة مرادفة لما يسمى بالقواعد الفقهية كما جنح إلى ذلك الأستاذ الجليل محمد أبو زهرة ـ رحمه الله ـ في كتابه " أصول الفقه" حيث يقول:
" إنه يجب التفرقة بين علم أصول الفقه وبين القواعد الجامعة للأحكام الجزئية، وهي التي مضمونها يصح أن يطلق عليه النظريات العامة للفقه الإسلامي.. كقواعد الملكية في الشريعة، وكقواعد الضمان، وكقواعد الخيارات، وكقواعد الفسخ بشكل عام".
وقد تبعه في ذلك الشيخ أحمد بو طاهر الخطابي في مقدمة تحقيقه لكتاب "إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك" للونشريسي، غير أن الفرق بين الاصطلاحين يمكن أن يتجلى بالموازنة والتأمل.(1/3)
... والواقع أن " النظرية العامة" ودراسة الفقه الإسلامي في نطاقها أمر مستحدث طريف، استخلصه العلماء المعاصرون الذين جمعوا بين دراسة الفقه الإسلامي ودراسة القانون الوضعي خلال احتكاكهم وموازنتهم بين الفقه والقانون، وبوبوا المباحث الفقهية على هذا النمط الجديد وأفردوا المؤلفات على هذه الشاكلة .
ويمكن أن تعرّف النظرية العامة بأنها: "موضوعات فقهية أو موضوع يشتمل على مسائل فقهية أو قضايا فقهية. حقيقتها: أركان وشروط وأحكام، تقوم بين كل منها صلة فقهية ، تجمعها وحدة موضوعية تحكم هذه العناصر جميعاً".
... وذلك كنظرية الملكية، ونظرية العقد، ونظرية الإثبات وما شاكل ذلك. فمثلاً نظرية الإثبات في الفقه الجنائي الإسلامي تألفت من عدة عناصر وهي المواضيع التالية:
حقيقة الإثبات ـ الشهادة ـ شروط الشهادة ـ كيفية الشهادة ـ الرجوع عن الشهادة ـ مسؤولية الشاهد ـ الإقرار ـ القرائن ـ الخبرة ـ معلومات القاضي ـ الكتابة ـ اليمين ـ القسامة ـ اللعان.
وخلاصة القول: إن النظرية العامة هي غير القاعدة الكلية في الفقه الإسلامي. فإن هذه القواعد هي بمثابة ضوابط بالنسبة إلى تلك النظريات، فقاعدة "العبرة في العقود للمقاصد والمعاني" مثلاً ليست سوى ضابط في ناحية مخصوصة من أصل نظرية العقد، وهكذا سواها من القواعد .
والاختلاف الأساسي بينهما يتلخص في أمرين:
1- القاعدة الفقهية تتضمن حكماً فقهياً في ذاتها ، وهذا الحكم الذي تتضمنه القاعدة ينتقل إلى الفروع المندرجة تحتها ، فقاعدة " اليقين لا يزول بالشك" تضمنت حكماً فقهياً في كل مسألة اجتمع فيها يقين وشك ، وهذا بخلاف النظرية الفقهية: فإنها لا تتضمن حكماً فقهياً في ذاتها كنظرية الملك والفسخ والبطلان.
2- القاعدة الفقهية لا تشتمل على أركان وشروط، بخلاف النظرية الفقهية فلابد لها من ذلك.(1/4)
وبناء على ما سبق نقول: إن لكل من النظرية العامة والقاعدة الفقهية خصائص، تميز بها كل منهما دون الآخر ، فإذا كانت النظرية العامة تشمل جانباً واسعاً من الفقه الإسلامي ومباحثه ، وتشكل دراسة موضوعية مستقلة لذلك الجانب ، فإن القاعدة الفقهية تمتاز بإيجاز في صياغتها ، لعموم معناها وسعة استيعابها للفروع الجزئية من أبواب مختلفة .
الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية:
... وجدير بنا أن نوضح الفرق الأساسي في هذا المبحث بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية علماً بأن " الفقه" علم مستقل، وأصول الفقه علم مستقل، ولكل منهما قواعده على رغم وجود الارتباط الجذري الوثيق بينهما بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر.
... ولعل الإمام شهاب الدين القرافي أول من ميز بين القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية، فقد جاء في مقدمة " الفروق" ما يلي:
" فإن الشريعة المعظمة المحمدية ـ زاد الله تعالى منارها شرفاً وعلواً ـ اشتملت على أصول وفروع ، وأصولها قسمان:
أحدهما: المسمى بأصول الفقه، وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة، وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح ونحو الأمر للوجوب والنهي للتحريم، والصيغة الخاصة للعموم ونحو ذلك.
القسم الثاني: قواعد فقهية كلية، كثيرة العدد، عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحِكَمِه، لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر شيء منها في أصول الفقه .
وإذا وازنا موازنة عامة بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية تبين لنا عدة أمور قد تعد فوارق رئيسية بين المصطلحين:
1ـ إن علم أصول الفقه بالنسبة للفقه ميزان وضابط للاستنباط الصحيح من غيره ، وقواعد هذا الفن هي وسط بين الأدلة والأحكام، فهي التي يستنبط بها الحكم من الدليل التفصيلي وموضوعها دائماً الدليل والحكم، كقولك: الأمر للوجوب، والنهي للتحريم .(1/5)
أما القاعدة الفقهية فهي قضية كلية أو أكثرية، جزئياتها بعض مسائل الفقه وموضوعها دائماً هو فعل المكلف.
2ـ القواعد الأصولية قواعد كلية تنطبق على جميع جزئياتها وموضوعاتها. أما القواعد الفقهية: فإنها أغلبية يكون الحكم فيها على أغلب الجزئيات، وتكون لها مستثنيات.
3ـ القواعد الفقهية متأخرة في وجودها الذهني والواقعي عن الفروع لأنها جمع لأشتاتها وربط بينها، وجمع لمعانيها، أما الأصول: فالفرض الذهني يقتضي وجودها قبل الفروع لأنها القيود التي أخذ الفقيه نفسه بها عند الاستنباط.
وفي الختام لابد من أن نشير إلى أمر هام، وهو أن بعض القواعد قد نجدها متداخلة أو متراوحة بين القسمين المتقدم ذكرهما، فذلك نتيجة اختلاف النظر إلى القاعدة لأنه ينظر إلى القاعدة من ناحيتين:
وذلك كسد الذرائع و العرف، فإذا نظر إليها باعتبار أن موضوعها دليلاً شرعياً كانت قاعدة أصولية. وإذا نظر إليها باعتبارها كونها فعلاً للمكلف، كانت فقهية، كسد الذرائع إذا قيل: كل مباح أدى فعله إلى حرام أو أدى الإتيان به إلى حرام فهو حرام سداً للذريعة كانت القاعدة فقهية، وإذا قيل: الدليل المثبت للحرام مثبت لتحريم ما أدى إليه كانت القاعدة أصولية.
... وفي العرف: إذا فسر بالإجماع العملي أو المصلحة المرسلة كانت قاعدة أصولية، وإذا فسر بالقول الذي غلب في معنى معين، أو بالفعل الذي غلب الإتيان به كانت قاعدة فقهية.
المبحث الخامس :
الأشباه والنظائر :
تعريف الأشباه والنظائر لغة واصطلاحاً:
ولماذا بحث العلماء موضوع القواعد الفقهية والفروق الفقهية والفنون المتشابهة الأخرى تحت هذا العنوان ؟
الأشباه والنظائر لغة :
? كلمة شِبْه أو شَبَه تجمع على الأشباه، وهي المِثْل في اللغة.
ولقد تعارف أهل اللغة على استعمال هذه الكلمة في صفات ذاتية أو معنوية، فالذاتية: نحو هذا الدرهم كهذا الدرهم.. والمعنوية: زيد كالأسد.(1/6)
? وكذا النظير: المثل المساوي، وهذا نظير هذا، أي: مساوية. فكأنك إذا نظرت إلى أحدهما فقد نظرت إلى الآخر.
المعنى الاصطلاحي للأشباه والنظائر:
... إذا نظرنا من الناحية الاصطلاحية فإن الشَّبَه: هو الصفة الجامعة الصحيحة التي إذا اشترك فيها الأصل والفرع، وجب اشتراكهما في الحكم، كما نص على ذلك علماء الأصول .
وهنا حريٌ بنا قبل تحديد مفهوم هذا المصطلح أن نشير إلى أصل تاريخي له وندقق النظر فيه حتى يتضح الموضوع بجلاء ، إن أصل تلك الكلمات يرجع إلى كتاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنهما ـ حيث جاء فيه: " الفَهْم الفهمَ فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب والسنة، أعرف الأمثال والأشباه، ثم قس الأمور عند ذلك، فاعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى".
قال العلامة الجصاص الرازي (370هـ): " وقوله: ثم أعرف الأمثال والأشباه.. هذا لا يكون إلا بالنظر والاستدلال، وكل استدلال فيه قياس".
ويقول العلامة نجم الدين النسفي (537هـ) مبيناً لقوله ـ - رضي الله عنه - ـ: " أي إذا وقعت واقعة لا تعرف جوابها فردها إلى أشباهها من الحوادث تعرف جوابها".
وذلك ما يدل على إعمال القياس عند تحقق العلة الجامعة الصحيحة بين الأصل والفرع، وإلحاق الحوادث الجديدة التي لم ينص عليها بأشباهها بعد النظر والتثبت.
... ولاشك أن ما ذكرنا ينطبق على معنى الأشباه، أما كلمة النظائر فلم ترد فيما أثر عن عمر ـ - رضي الله عنه - ـ لكن الفقهاء أضافوا كلمة النظائر إلى كلمة الأشباه.(1/7)
ولاشك أن ذلك كان مبنياً على أمر علمي دقيق، إذ إنهم أدركوا أن كلمة الأشباه لا تفي بالغرض الذي يتوخونه بحيث يدخل فيها القواعد والضوابط، ولكن لا يدخل فيها الفروق بحال من الأحوال. لأن الفروق عبارة عن شيئين بينهما شبه ضعيف في الظاهر ولكن يظهر الفرق بينهما عند التدقيق والتأمل كما سيأتي بيانه بشيء من التفصيل، فهنا أضافوا النظائر إلى كلمة الأشباه، لأنها أعم من الشبيه والمثيل، فالنظير قد يشارك أصله ولو بوجه واحد كما يتجلى مما ذكره السيوطي ـ رحمه الله ـ في النص التالي:
" المثيل أخص الثلاثة. والشبيه أعم من المثيل وأخص من النظير، والنظير أعم من الشبيه. وبيان ذلك أن المماثلة تستلزم المشابهة وزيادة. والمشابهة لا تستلزم المماثلة. فلا يلزم أن يكون شبه الشيء مماثلاً له. والنظير قد لا يكون متشابهاً.
وحاصل هذا الفرق أن المماثلة تقتضي المساواة من كل وجه، والمشابهة تقتضي الاشتراك في أكثر الوجوه لا كلها، والمناظرة تكفي في بعض الوجوه ولو وجهاً واحداً، يقال هذا نظير هذا في كذا، وإن خالفه في سائر جهاته...
... وأما اللغويون فإنهم جعلوا المثيل والشبيه والنظير بمعنى واحد."
... ومعنى هذا الكلام أن النظير إذا أطلق يمكن أن يراد به الشبه، لكن إذا جمع مع الأشباه وجب حتماً أن يراد به ما عدا الشبه، فلما أرادوا أن يجمعوا بين القواعد والفروق تحت عنوان واحد أضافوا النظائر إلى الأشباه ليكون العنوان شاملاً للجميع.
... ويبدو أن هذا الفرق كان واضحاً ومركوزاً في أذهان المتقدمين، ولذلك اتجه عديد منهم في مجالات علمية شتى، إلى جمع الفنون المتنوعة المتشابهة في موضوع واحد تحت عنوان " الأشباه والنظائر".
بداية التأليف تحت عنوان " الأشباه والنظائر" وسببه:(1/8)
... ولعل أول من سلك الكتابة على هذا المنوال، هو الإمام مقاتل بن سليمان البلخي (150هـ) من علماء التفسير في القرن الثاني الهجري حيث ألف الكتاب بعنوان الأشباه والنظائر في تفسير القرآن العظيم، ثم ظهرت مؤلفات عديدة بهذا العنوان.
... وفي القرن الرابع الهجري برز كتاب في الأدب العربي المنظوم بعنوان: كتاب الأشباه والنظائر من أشعار المتقدمين والجاهلية والمخضرمين للخالِدَين أبي بكر (380هـ) وأبي عثمان سعيد (390هـ) ابني هاشم.
ومن المتأخرين العلامة السيوطي صنف كتاباً في "علم النحو" باسم الأشباه والنظائر في النحو.
وكل ذلك يشف عن نزوع العلماء إلى التأليف على هذا النمط في عديد من العلوم، إلا أن الفقهاء نشطوا في هذا الميدان، وأبرزوا " القواعد " عن طريق التصنيف على ذلك الطراز، منذ بداية القرن الثامن الهجري.
... وإذا دققنا النظر في المؤلفات بعنوان " الأشباه والنظائر في الفقه" منذ كتاب العلامة ابن الوكيل الشافعي (716هـ) إلى كتاب العلامة ابن نجيم الحنفي (970هـ)، وجدنا بعض تلك المؤلفات تتناول مسائل الفقه وأصول الفقه وأحياناً بعض مسائل علم الكلام، التي لها صلة بالموضوع اعتباراً بالفروع المتشابهة المتناظرة، ولو كان الشبه ضعيفاً كما في الفروق.
... وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن الأشباه والنظائر ليس معناها القواعد الفقهية فحسب، بل هي شاملة لمختلف الفنون، ويمكن إجراؤها في سائر العلوم إذا توافرت الشروط واتضحت المعالم.
بداية التأليف في الفروق الفقهية :
الفقهاء عنوا بالفروق الفقهية منذ القرن الثالث الهجري، ولعل أول من جنح إلى التأليف على هذا النمط هو الإمام أحمد بن عمر بن سريج الشافعي (306هـ) ثم توالت المؤلفات لهذا الفن في أوساط المذاهب الفقهية المشهورة.(1/9)
... وفيما يبدو أن لهذا الفن أسبقية من حيث التأليف والتدوين بالنظر إلى القواعد الفقهية، فقد تأخر تدوينها في كتب مستقلة، إذ إن أول كتاب في موضوعها وصل إلينا هي رسالة الإمام الكرخي (340هـ) على رغم وجودها ونشأتها في فجر تاريخ الفقه الإسلامي.
سبب التأليف بعنوان الفروق في علم الفقه:
... ولعل الأمر الذي دفع العلماء إلى التأليف بعنوان "الفروق" ، وجود المسائل المتشابهة المتحدة في صورها والمختلفة في أحكامها وعللها بكثرة ليس من الميسور إحصاؤها ، ومن الأمثلة على ذلك : " إذا طرح في الماء تراب فتغير به طعمه أو لونه أو ريحه لم يسلبه التطهير، ولو طرح فيه طاهر غير التراب كالزعفران والعصفر والصابون والملح الحجري وغيره فتغير بمخالطته بعض صفاته سلبه التطهير. والفرق بينهما أن التراب يوافق الماء في صفتيه الطهارة والتطهير، فلا يسلبه بمخالطته شيئاً منها..".
وكذلك الفرق بين القضاء والفتوى فإن القضاء خبر ملزم في مجلس القاضي والفتوى خبر من الفقيه غير ملزم.
ويستفاد مما سبق أنه جرى تدوين الفروق أولاً، والقواعد الفقهية ثانياً، ثم جمع بين الموضوعين بعنوان الأشباه والنظائر في بعض المؤلفات.
أهمية الفروق الفقهية:
... إن الإمام بدر الدين الزركشي نبه على أهمية هذا النوع ونوه به، قال في مقدمة " القواعد": " الثاني (من أنواع الفقه): معرفة الجمع والفرق، وعليه جل مناظرات السلف، حتى قال بعضهم: الفقه جمع وفرق.
الفصل الثاني:
لمحات تاريخية عن نشأة القواعد الفقهية وتدوينها :
وفيه تمهيد وثلاثة أطوار :
الطور الأول :طور النشوء والتكوين.
الطور الثاني : طور النمو والتدوين .
الطور الثالث : طور الرسوخ والتنسيق .
والذي يظهر بعد البحث والاستقراء أن القواعد الفقهية مرت في تطورها في ثلاثة أطوار أو مراحل :
1- الطور الأول :طور النشوء والتكوين.
2- الطور الثاني : طور النمو والتدوين .
3- الطور الثالث : طور الرسوخ والتنسيق .(1/10)
الطور الأول : طور النشوء والتكوين:
... هو عصر الرسالة أو عصر التشريع الذي كانت فيه البذرة الأولى للقواعد الفقهية. فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أنطقه الله بجوامع الكلم، كانت أحاديثه الشريفة في كثير من الأحكام بمثابة القواعد العامة التي تنطوي تحتها فروع فقهية كثيرة. وهي بجانب كونها مصدراً خصباً للتشريع واستنباط الأحكام تمثل القواعد الكلية الفقهية، وأصدق شاهد وأدل دليل على ذلك أن بعض الأحاديث مثل قوله ـ - صلى الله عليه وسلم - : " الخراج بالضمان" ، "العجماء جرحها جُبَار"، ولا ضرر ولا ضرار"، " البينة على المدعي واليمين على من أنكر"، وما سواه من جوامع الكلم، أضحت عندا لفقهاء قواعد ثابتة مستقلة، وجرت مجرى القواعد الفقهية.
وقال الإمام ابن تيمية ـ بعد ذكره الحديث الذي رواه أهل السنن وهو: "ما أسكر كثيره فقليله حرام"، "جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أوتيه من جوامع الكلم كل ما غطا العقل وأسكر ولم يفرق بين نوع ونوع ولا تأثير بكونه مأكولاً ولا مشروباً ".(1/11)
... كذلك إذا تأملت بعض الآثار المنقولة عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ تلمست فيها هذه الظاهرة، على سبيل المثال: القول المشهور عن عمر بن الخطاب ـ - رضي الله عنه - ـ في صحيح البخاري: "مقاطع الحقوق عند الشروط، وما رواه الإمام عبد الرزاق عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: " كل شيء في القرآن: أو أو فهو مخيرَّ، وكل شيء: فإن لم تجدوا فهو الأول فالأول"ومثاله قوله تعالى [ وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضاً أوبه أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ] سورة البقرة 196 . فرواية عمر قاعدة في باب الشروط، ورواية ابن عباس ـ رضي الله عنهم قاعدة في باب الكفارات والتخيير فيها .
ومن النماذج المأثورة لتلك القواعد في عصر التابعين وقبل أن تتكون المذاهب الفقهية المشهورة ما نقل إلينا من بعض أقوال الإمام القاضي شريح بن الحارث الكندي (76هـ)
وهو قوله :" من ضمن مالاً فله ربحه" يمثل قاعدة في وجازة تعبيره ويماثل في المعنى القاعدة المشهورة: " الخراج بالضمان"، التي هي نص الحديث النبوي.
ومنها ما روى الليث بن سعد (175هـ) عن خير بن نُعَيم (137هـ) أنه كان يقول: "من أقر عندنا بشيء ألزمناه إياه".
ولعل أقدم مصدر فقهي يسترعي انتباه الباحث في هذا المجال، هو "كتاب الخراج" للإمام القاضي أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم (182هـ) ـ رحمه الله ـ حيث اشتمل كتابه هذا على عبارات رشيقة تتسم بسمات وشارات تتسق بموضوع القواعد من حيث شمول معانيها. وفيما يلي أورد طرفاً منها:
1- "ليس للإمام أن يخرج شيئاً من يد أحدٍ إلا بحق ثابت معروف": هذه العبارة نظيرة للقاعدة المشهورة المتداولة "القديم يترك على قدمه".(1/12)
2- لا ينبغي لأحد أن يحدث شيئاً في طريق المسلمين مما يضرهم. ولا يجوز للإمام أن يقطع شيئاً مما فيه الضرر عليهم، ولا يسعه ذلك".
... هذه العبارة يتحقق فيها معنى القاعدة باعتبار أن الشطر الأول منها يتعلق بقواعد رفع الضرر، والشطر الثاني يتمثل فيه مفهوم القاعدة الشهيرة: "التصرف على الرعية منوط بالمصلحة".
3- "وإن أقر بحق من حقوق الناس من قذف، أو قصاص في نفس، أو دونها أو مال، ثم رجع عن ذلك نفذ عليه الحكم فيما كان أقر به، ولم يبطل شيء من ذلك برجوعه".
هذه العبارة كسابقتها وردة في صيغة مطولة لكنها تصور في معنى الكلمة مدلول القاعدة المتداولة " المرأ مؤاخذ بإقراره ".
وكذلك من أقدم ما وصل إلينا من تلك المصادر بعض كتب الإمام محمد بن الحسن الشيباني (189هـ). فإذا أمعنا النظر في كتاب الأصل ألفيناه يعلل المسائل، وهذا التعليل كثيراً ما يقوم مقام التقعيد ، ومن الأمثلة على ذلك :
1- " كل من له حق فهو له على حاله حتى يأتيه اليقين على خلاف ذلك.
2- "كل شيء كره أكله والانتفاع به على وجه من الوجوه فشراؤه وبيعه مكروه، وكل شيء لا بأس بالانتفاع به فلا بأس ببيعه".
وعلى غرار ما سبق كتاب " الأم" الذي أملاه الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ (204هـ) على بعض أصحابه ومن الأمثلة على ذكر القواعد في كتابه هذا :
1- " لا ينسب إلى ساكت قول قائل ولا عمل عامل إنما ينسب إلى كل قوله وعمله".
هذه القاعدة أفصح عنها عند نقاش موضوع الإجماع على مسائل فقهية. ثم تداولها الفقهاء وطبقوها في كثير من الأحكام.
... لكن الفقهاء لم يقفوا عندها بل أتبعوها باستثناء يكمل الموضوع فأضافوا إليها: "ولكن السكوت في موضع الحاجة بيان".
2- ... ( أ ) " يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها".
... (ب) " قد يباح في الضرورات ما لا يباح في غير الضرورات".(1/13)
... (ج) " كل ما أحل من محرم في معنى لا يحل إلا في ذلك المعنى خاصة، فإذا زايل ذلك المعنى عاد إلى أصل التحريم، مثلاً: الميتة المحرمة في الأصل المحلة للمضطر، فإذا زايلت الضرورة عادت إلى أصل التحريم".
فهذه القواعد الثلاث ـ التي تباينت صيغها ومظاهرها ـ نجدها متحدة في مغزاها، فإنها تفضي إلى مفهوم واحد وهو بيان حكم الضرورة.
ثم القاعدة الأخيرة بجانب بيان الحكم تضيف قيداً إلى القاعدة، وهو: فإذا زايلت الضرورة عادت إلى أصل التحريم.
3- " الحاجة لا تحق لأحد أن يأخذ مال غيره" : هذه القاعدة يتبين فيها مدى احترام حقوق العباد في أموالهم والحفاظ عليها، إذ الحاجة لا تبرر أخذ مال الغير، فلو أخذه أحد لكان آثماً وضامناً، بخلاف الضرورة التي تسقط الإثم وتفرض الضمان إذ الاضطرار لا يبطل حق الغير.
ومن القواعد المنسوبة إلى الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ القاعدة المشهورة: "إذا ضاق الأمر اتسع"، وقد أجاب بها في عدة مواضع منها : ما إذا فقدت المرأة وليها في سفر فولت أمرها رجل يجوز . قيل له : كيف هذا ؟ فقال : إذا ضاق الأمر اتسع .
... وهناك عبارات مروية عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ (241هـ). أوردها الإمام أبو داود في كتاب " المسائل" تتسم بطابع القواعد. وهي قواعد مفيدة في أبوابها. منها: ما جاء في باب الهبة عنه قال: " سمعت أحمد يقول: كل ما جاز فيه البيع تجوز فيه الهبة والصدقة والرهن".
... وفي باب بيع الطعام بكيله ورد عن طريقه قول أحمد أنه قال: " كل شيء يشتريه الرجل مما يكال أو يوزن فلا يبعه حتى يقبضه، وأما غير ذلك فرخص فيه".
الطور الثاني : طور النمو والتدوين:
... وأما بداية القواعد الفقهية باعتبارها فناً مستقلاً، فقد تأخرت عن العصور المبكرة إلى عصر الفقهاء في إبان القرن الرابع الهجري، وما بعده من القرون.(1/14)
... وتفصيلاً لهذا القول يمكن أن نقول: إنه لما برزت ظاهرة التقليد في القرن الرابع الهجري، واضمحل الاجتهاد وتقاصرت الهمم في ذلك العصر مع وجود الثروة الفقهية العظيمة الوافية التي نشأت من تدوين الفقه مع ذكر أدلته وخلاف المذاهب وترجيح الراجح منها وبما خلفه الفقهاء من أحكام اجتهادية معللة، لم يبق للذين أتوا بعدهم إلا أن يخرجوا من فقه المذاهب أحكاماً للأحداث الجديدة .
... أما القواعد والضوابط فحينما كثرت الفروع والفتاوى بكثرة الوقائع والنوازل توسعوا في وضعها على هديٍ من سلفهم تدور في أبواب مختلفة من الفقه تضبط كثرة الفروع، وتجمعها في قالب متسق، لصيانتها من الضياع والتشتت كما فعل العلامتان أبو الحسن الكرخي في رسالته، وأبو زيد الدبوسي في تأسيس النظر تحت عنوان الأصول.
... ومما يشهد له التاريخ ويظهر ذلك بالتتبع والنظر، أن فقهاء المذهب الحنفي كانوا أسبق من غيرهم في هذا المضمار، ولعل ذلك للتوسع عندهم في الفروع، وأخذ بعض الأصول عن فروع أئمة مذهبهم، ومن ثم ترى الإمام محمداً ـ رحمه الله ـ في كتاب الأصل يذكر مسألة فيفرع عليها فروعاً قد يعجز الإنسان عن وعيها والإحاطة بها.
... ولعل أقدم خبر يروى في جمع القواعد الفقهية في الفقه الحنفي مصوغة بصيغها الفقهية المأثورة، ما رواه الإمام العلائي الشافعي (761هـ) والعلامتان السيوطي (911هـ) وابن نجيم (970هـ) في كتبهم في القواعد: أن الإمام أبا طاهر الدباس من فقهاء القرن الرابع الهجري قد جمع أهم قواعد مذهب الإمام أبي حنيفة في سبع عشرة قاعدة كلية. وكان أبو طاهر ـ رحمه الله ـ ضريراً يكرر كل ليلة تلك القواعد بمسجده بعد انصراف الناس. وذكروا أن أبا سعد الهروي الشافعي قد رحل إلى أبي طاهر، ونقل عنه بعض هذه القواعد. ومن جملتها القواعد الأساسية المشهورة، وهي:
1- الأمور بمقاصدها.
2- اليقين لا يزول بالشك.
3- المشقة تجلب التيسير.
4- الضرر يزال.
5- العادة محكَّمة.(1/15)
وممن أضاف إلى ثروة هذه المجموعة المتناقلة عن الإمام الكرخي هو الإمام أبو زيد الدبوسي (430هـ) في القرن الخامس الهجري .
... أما بعد كتاب "تأسيس النظر" للدبوسي فلم نعثر على أي كتاب في هذا العصر اللهم إلا كتاب الإمام علاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي (540هـ) بعنوان "إيضاح القواعد " الذي ذكره صاحب هدية العارفين .
... أما في القرن السابع الهجري، فقد برز فيه هذا العلم إلى حد كبير، وإن لم يبلغ مرحلة النضوج. وعلى رأس المؤلفين في ذلك العصر: العلامة محمد بن إبراهيم الجاجرمي السهلكي (613هـ)، فألف كتاباً بعنوان: " القواعد في فروع الشافعية" ثم الإمام عز الدين بن عبد السلام (660هـ) ألف كتابه "قواعد الأحكام في مصالح الأنام"، ومن فقهاء المالكية ألف العلامة محمد بن عبد الله بن راشد البكري القفصي(685هـ) كتاباً بعنوان "المُذهب في ضبط قواعد المَذهب".
... أما القرن الثامن الهجري، فهو يعتبر العصر الذهبي لتدوين القواعد الفقهية ونمو التأليف فيها، تفوقت فيه عناية الشافعية لإبراز هذا الفن. ثم تتابعت هذه السلسلة في المذاهب الفقهية المشهورة.
ومن أهم وأشهر ما ألف في ذلك العصر الكتب التالية:
1- كتاب القواعد: للمقري المالكي (758هـ).
2- المجموع المذهب في ضبط قواعد المذهب: للعلائي الشافعي (761هـ).
3- الأشباه والنظائر: لتاج الدين السبكي (771هـ).
4- المنثور في القواعد : لبدر الدين الزركشي (794هـ).
وفي القرن التاسع الهجري أيضاً جدت مؤلفات أخرى على المنهاج السابق. فتجد في مطلع هذا القرن العلامة ابن الملقن (804هـ) صنف كتاباً في القواعد اعتماداً على كتاب الإمام السبكي، وما سواه من الكتب التي نسجلها كما يلي:
1- أسنى المقاصد في تحرير القواعد: لمحمد بن محمد الزبيري (808هـ).
2- القواعد والضوابط : لابن عبد الهادي (880هـ).(1/16)
ونستطيع أن نقول من خلال النظر في بعض تلك المؤلفات التي عثرنا عليها: إن الجهود في هذا الفن تتالت على مرور الأيام، وإن ظل بعضها مقصوراً وعالة على ما سبقها من الجهود في القرن الثامن الهجري، خاصة عند الشافعية.
ويبدو أنه رقى النشاط التدويني لهذا العلم في القرن العاشر الهجري حيث جاء العلامة السيوطي (910هـ)، وقام باستخلاص أهم القواعد الفقهية المتناثرة المبددة عند العلائي والسبكي والزركشي وجمعها في كتابه " الأشباه والنظائر" ، كما قام العلامة أبو الحسن الزقاق التَُجَيبي المالكي (912هـ) بنظم القواعد الفقهية بعد استخراجها وإفرازها من كتب السابقين مثل الفروق للقرافي وكتاب القواعد للمقري.
وكذلك العلامة ابن نجيم الحنفي (970هـ) ألف على طراز ابن السبكي والسيوطي كتابه الأشباه والنظائر".
الطور الثالث : طور الرسوخ والتنسيق :
قد علمنا فيما مضى بعد التقصي والاستقراء أن القواعد الفقهية دارت في أول نشأتها على ألسنة المتقدمين من كبار التابعين وأئمة الاجتهاد، ثم تناقلها تلاميذهم، والفقهاء الذين تبعوهم، وهم يعملون الفكر فيها وينقحونها، ويزيدون فيها، وينقصون منها، إلى أن جرى تدوينها واتضحت معالمها.
... لكن القواعد على الرغم من تلك الجهود المتتابعة الكثيرة ظلت متفرقة ومبددة في مدونات مختلفة.وتضمنت تلك المدونات بعض الفنون الفقهية الأخرى مثل الفروق والألغاز، وأحياناً تطرقت إلى بيان بعض القواعد الأصولية، فلم يستقر أمرها تمام الاستقرار إلى أن وضعت مجلة الأحكام العدلية على أيدي لجنة من فحول الفقهاء في عهد السلطان الغازي عبد العزيز خان العثماني في أواخر القرن الثالث عشر الهجري ليعمل بها في المحاكم التي أنشئت في ذلك العهد.(1/17)
وكان من يقظة هؤلاء الفقهاء وذكائهم أنهم وضعوا القواعد الفقهية في صدر هذه المجلة بعد جمعها واستخلاصها من المصادر الفقهية ومن بعض المدونات التي سجلت فيها تلك القواعد مثل الأشباه والنظائر لابن نجيم ، ومجامع الحقايق للخادمي.
بعد هذه الجولة القصيرة مع الأطوار الثلاثة، التي بدأ فيها تطور القواعد حتى تم وتنسق، ينبغي لفت النظر إلى بعض الملحوظات:
1- إن القواعد التي جاءت في كتب القواعد والمدونات الفقهية الأخرى ليست كلها قواعد عامة، بل كثير منها قواعد مذهبية، تنسجم مع مذهب دون مذهب آخر.
2- إن كثيراً من القواعد المدونة وردت قديماً في عبارات وقوالب مفصلة. وكانت تعوزها الصياغة الرصينة القويمة، فاكتسبت صياغتها بعد المزاولة والمداولة.
وعلى سبيل المثال: فإن القاعدة المشهورة في كون الإقرار إنما يلزم صاحبه المقر، ولا يسري حكمه على غيره، ترى نصها المتداول في كتب المتأخرين وفي المجلة بعنوان "الإقرار حجة قاصرة"، في حين أننا نجد هذه القاعدة عند الإمام الكرخي بالنص التالي:
الأصل: " أن المرء يعامل في حق نفسه كما أقر به، ولا يصدق على إبطال حق الغير، ولا بإلزام الغير حقاً".
3- وإضافة إلى ذلك فإن بعض القواعد التي اصطبغت بصبغة علمية وصياغة رشيقة، نجدها قد تحتاج إلى إعادة النظر في صياغتها من حيث كونها ناقصة أو مطلقة تحتاج إلى إتمام وتقييد أو حذف وتعديل ، ومثال ذلك : قاعدة: " لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان"، قد اتفقت كلمة الفقهاء والأصوليين على أن الأحكام التي تتبدل بتبدل الزمان والأعراف هي الأحكام الاجتهادية المبنية على العرف والمصلحة، ومجرد تعبير الأحكام هنا تعبير موهم، فالأولى أن توضح القاعدة بزيادة كلمة أو بتبديل بأوضح فيقال: " لا ينكر تغير الأحكام المبنية على المصلحة والعرف بتغير الزمان". والله أعلم.(1/18)
4- إن القواعد الفقهية لم تظهر دفعة واحدة. فإن الفقهاء بدأوا تقعيدها من عهود أولى فكلما وصلت أفكارهم إلى شيء وتبلورت صاغوها في شكل القاعدة مما يسر لهم جمعها في الأخير.
الفصل الثالث
نظرة عامة
حول مصادر القواعد الفقهية والمؤلفين لها
وهي كالتالي :
المبحث الأول : مصادر القواعد الفقهية في المذهب الحنفي .
المبحث الثاني : مصادر القواعد الفقهية في المذهب المالكي .
المبحث الثالث : مصادر القواعد الفقهية في المذهب الشافعي .
المبحث الرابع : مصادر القواعد الفقهية في المذهب الحنبلي .
المبحث الأول : مصادر القواعد الفقهية في المذهب الحنفي .
1- أصول الكرخي (260هـ-340هـ):
... المؤلف: هو عبيد الله بن الحسن بن دلَّال الشهير بأبي الحسن الكرخي ـ من أهل كرخ جُدَان، قرية بنواحي العراق ـ سكن بغداد، ودرس بها. انتهت إليه رياسة الحنفية بالعراق.
وكان مع غزارة علمه وكثرة روايته عظيم العبادة، صبوراً على الفقر، عزوفاً عما في أيدي الناس.
... من أثاره العلمية: هذه الرسالة اللطيفة التي نحن بصدد دراستها و"شرح الجامع الصغير" و"شرح الجامع الكبير" للإمام محمد.
... تعد رسالة الإمام أبي الحسن الكرخي أول (مصادر القواعد الفقهية) ، وهذه المجموعة من القواعد في شكل رسالة موجزة، شرحها الإمام نجم الدين النسفي (537هـ) وأوضحها بالأمثلة والشواهد.
ومنهج المؤلف في هذه الرسالة أن يبدأ كل قاعدة بعنوان "الأصل". وقد بلغت ستاً وثلاثين قاعدة (أصلاً).
وإليك بعض النماذج من هذه القواعد:
1- الأصل: أن ما ثبت باليقين لا يزول بالشك.
2- الأصل أن السؤال أو الخطاب يمضي على ما عم وغلب لا على ما شذ وندر".
3- الأصل أنه إذا أُمضى (الحكم) بالاجتهاد، لا يفسخ باجتهاد مثله، ويفسخ بالنص".(1/19)
فإذا نظرت إلى القواعد المذكورة وقارنت بينها وبين القواعد المتداولة في العصور الأخيرة، وجدت هناك خلافاً يسيراً في الصياغة بين هذه وتلك، فقوله :" أن السؤال أو الخطاب يمضي على ما عم وغلب لا على ما شذ وندر"، وردت هذه القاعدة في كتب المتأخرين وفي "المجلة" بعنوان " العبرة للغالب الشائع لا للنادر".
وكذلك " إذا أمضي بالاجتهاد لا يفسخ " الخ. يماثل القاعدة المشهورة في المجلة " الاجتهاد لا ينقض بمثله".
وليس هناك ما ينص على أن الكرخي هو الذي استنبطها ووضعها، بل ربما استخلصها من كتب الإمام محمد بن الحسن التي تناثر فيها بعض تلك القواعد .
2- تأسيس النظر، لأبي زيد الدبوسي (430هـ):
... المؤلف: هو عبيد الله بن عمر بن عيسى، القاضي، أبو زيد الدبوسي ـ بفتح الدال المهملة وضم الباء المنقوطة بنقطة واحدة.. نسبة إلى الدبوسية وهي بليدة بين بخارى وسمرقند ، وله مؤلفات نافعة منها: " النظم في الفتاوى" ، " تقويم الأدلة" وأجلها "الأسرار" في أصول الفقه. توفي ببخارى.
يعد هذا الكتاب من أنفس ما أنتجه الفقهاء في بداية القرن الخامس الهجري ، وقد اشتمل الكتاب على ست وثمانين قاعدة. ومعظم هذه القواعد قواعد مذهبية. وذكر لكل باب قواعد بعنوان "الأصول" على نمط الكرخي وغيره ، ومن الأمثلة على ذلك :
1ـ " الأصل عند أبي حنيفة أنه متى عرف ثبوت الشيء من طريق الإحاطة والتيقن لأي معنى كان، فهو على ذلك ما لم يتيقن بخلافه، كمن تيقن الطهارة، وشك في الحدث، فهو على طهارته. وكمن تيقن الحدث، وشك في الطهارة، فهو على الحدث ما لم يتيقن الطهارة وعند الإمام القرشي أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ كذلك.
2ـ " الأصل عند أبي حنيفة ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ أن الإذن المطلق إذا تعرى عن التهمة والخيانة لا يختص بالعرف. وعندهما ( الصاحبين) يختص".(1/20)
منها: " أن الوكيل بالبيع إذا باع بما عز وهان وبأي ثمن كان جاز عند أبي حنيفة لأن الإذن مطلق، والتهمة منتفية فلا يختص بالعرف. وعندهما، وعند أبي عبد الله يختص".
3- الأشباه والنظائر، لابن نجيم (970هـ):
المؤلف: هو العلامة زين الدين بن إبراهيم بن محمد، الشهير بابن نجيم، الحنفي، المصري، أحد الأعلام الثقات في العلم والتقوى في القرن العاشر الهجري. ألف رسائل فقهية وأصولية ووضع شروحاً للمتون في الفقه الحنفي منها :" شرح كنز الدقائق وسماه بالبحر الرائق " وهو أجل مؤلفاته لكن وافاه الأجل قبل أن يكمله فقد وصل فيه إلى الدعاوى والبينات " وشرح المنار " لحافظ الدين النسفي في الأصول وأسماه " فتح الغفار في شرح المنار "وكذلك اختصر التحرير للإمام ابن الهمام وسماه " لب الأصول " وله تعليق على الهداية وما سواها من الكتب المفيدة الأخرى .
... أما الكتاب فهو من أشهر المؤلفات في القواعد الفقهية تحت عنوان الأشباه والنظائر، وهو قرين لكتاب العلامة السيوطي " الأشباه والنظائر" في اسمه، وصيته، وخصائصه.
وضعه المؤلف على غرار الأشباه والنظائر للعلامة تاج الدين السبكي كما صرح بذلك في مقدمة الكتاب المذكور.
وبلغ عدد القواعد الفقهية خمساً وعشرين عند ابن نجيم، جمعها في الفن الأول من الكتاب، وسلك مسلكاً بديعاً في ذكرها، فقد صنفها في نوعين:
1- قواعد أساسية: وهي الأمور بمقاصدها، الضرر يزال، العادة محكمة، اليقين لا يزول بالشك، والمشقة تجلب التيسير، لا ثواب إلا بالنية.
2- تسع عشرة قاعدة أقل اتساعاً وشمولاً للفروع مما سبق، ولكن لها قيمتها ومكانتها في الفقه الإسلامي، من أمثلة هذا النوع:
(أ ) " الاجتهاد لا يُنقض بالاجتهاد.
(ب ) إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام.
(ج ) تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة.(1/21)
وعلى هذه الشاكلة تجد القواعد المذكورة في الكتاب قواعد فقهية مشهورة، قد سبق ذكرها في كتب المتقدمين والمؤلفين في هذا العلم قبل ابن نجيم، وكان من عمل المؤلف انتقاؤها وتنسيقها تنسيقاً جديداً ورَبطها بفروع فقهية كثيرة في المذهب الحنفي.
... وبما أن الكتاب احتوى على ذخيرة ثمينة ومادة دسمة من فروع المذهب، أكب عليه علماء المذهب درساً وتدريساً، وتتابعت في فترات مختلفة تعليقات وشروح تخدم هذا الكتاب. فقد أربى عددها على خمس وعشرين ما يتراوح بين شرح للكتاب واستدراك عليه.
المبحث الثاني
مصادر القواعد الفقهية في المذهب المالكي
1ـ الفروق للقرافي (684هـ)
المؤلف: هو الإمام أبو العباس أحمد بن أبي العلاء إدريس بن عبد الرحمن، الصنهاجي (نسبة إلى قبيلة صنهاجة من برابرة المغرب)، المصري الملقب بشهاب الدين، الشهير بالقرافي (نسبة إلى القرافة: المحلة لمجاورة لقبر الإمام الشافعي)، انتهت إليه رئاسة الفقه على مذهب الإمام مالك ـ رحمه الله ـ.
اتسمت مؤلفاته كلها بالابتكار من حيث التحقيق والاستنباط، منها " الفروق" و" الإحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام" وكتاب " الاستغناء في أحكام الاستثناء".
... إن هذا الكتاب من أروع ما أنتجه الفقه الإسلامي. أتى فيه المؤلف العبقري بما لم يسبق إليه، فقد امتاز ببيان الفروق بين القواعد.
وهذا الكتاب استخلص فيه المؤلف ما نثره في كتابه السابق في الفقه: " الذخيرة" من القواعد والضوابط عند تعليل الأحكام، غير أنه زاد وتوسع هنا في بيان ما أجمله هناك، وجمع فيه المؤلف خمسمائة وثمانية وأربعين قاعدة، مع إيضاح كل قاعدة بما يناسبها من الفروع.
وهنا لابد من ملاحظة أمرين:
1- الظاهر أن مفهوم القاعدة عند المؤلف في هذا الكتاب أشمل مما حُدد في الاصطلاح كما سلف بيانه. فإنه يطلق " قاعدة" على ضوابط وأحكام أساسية(1/22)
2- هناك بعض القواعد في الكتاب ما لم يسلَّم له، وتناولها بعض العلماء بالنقد والتعقيب والاستدراك، كما صنع ذلك العلامة ابن الشاط (727هـ) في كتابه " أنوار البروق في تعقب مسائل القواعد والفروق".
وكثيراً ما نجد المؤلف يعرض بعض المباحث الفقهية بعنوان القواعد، ويجلو الفرق بينها، ومن هذا القبيل الأمثلة التالية:
1- الفرق بين قاعدة خيار المجلس وقاعدة خيار الشرط.
2- الفرق بين قاعدة القرض وقاعدة البيع.
3- الفرق بين قاعدة الصلح وغيره من العقود.
وأما القواعد الفقهية ، فنجدها متناثرة في فصول مختلفة من الكتاب، يوردها المؤلف عند تعليل بعض الأحكام وتوجيه رأي من الآراء الفقهية، نقدم هنا نماذج منها:
1- لا يبطل عقد من العقود إلا بما ينافي مقصود العقد دون ما لا ينافي مقصوده". وصاغ هذه العبارة في موضع آخر في صورة " قاعدة" فقال: القاعدة: "كل عقد لا يفيد مقصوده يبطل".
2- إن الأحكام المترتبة على العوائد تتبع العوائد وتتغير عند تغيرها.
3- القاعدة: أنه "يقدم في كل ولاية من هو أقوم بمصالحها".
2ـ " القواعد"، للمقري المالكي (758هـ):
المؤلف: هو العلامة المتفنن محمد بن محمد بن أحمد المقري (نسبة إلى "مقرة" وهي قرية من قرى إفريقية)، المكني بأبي عبد الله.
خلف آثاراً علمية في عدة فنون: منها: " كتاب " القواعد" ، ، وله كتاب " المحاضرات" ، و" رحلة المتبتل" .
أما الكتاب المذكور فهو الكتاب الثاني بعد الفروق للقرافي في القواعد الفقهية عند المالكية ولعله أوسع كتب القواعد عند المالكية، وبحث فيه مسلك الإمام مالك وأصحابه مع الموازنة بمذهبي الحنفية والشافعية في كثير من القواعد ومسائلها، مع التعرض أحياناً لأقوال الحنابلة أيضاً ولكن المؤلف لم يتوسع في بيانها وشرحها ولذلك نجد بعض القواعد فيه عويصة تحتاج إلى الشرح والتمحيص ، والقواعد المهمة العامة لا يربو عددها على مائة قاعدة .(1/23)
وفيما يلي نقدم نماذج من القواعد حتى يتبين لنا مسلك المؤلف وطريقته في التأليف على الوجه الصحيح .
ق : الاحتياط في الخروج من الحرمة إلى الإباحة أشد منه في العكس ، لأن التحريم يعتمد المفاسد فيشتد له..
ولهذا أوجب المالكية الطلاق بالكنايات وإن بعدت، ولم يجيزوا النكاح إلا بلفظه، أو بما يقرب منه في هذا المعنى.
وبجانب تلك القواعد نسرد فيما يلي بعض القواعد التي تعرض لذكرها معظم الكتب التي ألفت في القواعد.
1ـ المستقذر شرعاً كالمستقذر حساً"
... يتفرع على ذلك: أن استرجاع الصدقة بعد إهدائها لا يرتضيه الشرع كما أن الكلب يقيء ثم يعود في قيئه فالحس يشمئز من ذلك.
2ـ ما يعاف في العادات يكره في العبادات:
... كالأواني المعدة بصورها للنجاسات، والصلاة في المراحيض والوضوء بالمستعمل.
3ـ إذا اتحد الحق سقط بإسقاط أحد المستحقين"
وبناء على ذلك إذا عفا مستحق القصاص عن بعضه أو عفا بعض المستحقين سقط كله، لأن هذا الحق يعتبر متحداً لا يتبعض.
3- إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك للونشريسي (914) .
المؤلف : هو العلامة المحقق أحمد بن يحيى بن محمد التلمساني الونشريسي المكنى بأبي العباس .
له آثار علمية نافعة تدل على تمكنه من الفقه المالكي منها قواعد المذهب والفائق في الوثائق لم يكمل هذا الكتاب من أشهر ما ألف في قواعد المذهب المالكي يتضمن الكتاب مائة وثماني عشرة قاعدة ومعظم القواعد المذكورة في الكتاب هي قواعد مذهبية تخدم المذهب المالكي وقد أوردها المؤلف بصيغ استفهامية باعتبار أنها ليست مما يتفق عليها بين العلماء بل إنها قواعد خلافية وقد يتعرض لبعض القواعد وهي متفق عليها بين المذاهب الفقهية بصيغة استفهامية أيضاً وذلك فيما يبدوا أن المؤلف يهدف فيها إلى تشحيذ الأذهان ومن الأمثلة على ذلك :
العصيان هل ينافي الترخص أم لا؟(1/24)
وهذا ما عبر عنه الشافعية وغيرهم بصيغة الجزم، فقالوا: الرخص لا تناط بالمعاصي، خلافاً لفقهاء الحنفية ، وفي بعض الأحيان يعرض القاعدة في صيغة جملة خبرية إيحاء منه بأن القاعدة مسلمة لا خلاف فيها بين الفقهاء على سبيل المثال قوله : " إذا اجتمع ضرران اسقط الأصغر للأكبر " .
ومما يلاحظ على المؤلف أنه أورد بعض القواعد في صيغ مطولة وملتوية عكس ما تواضع عليه المؤلفون من ذكر القواعد في صيغ وجيزة محكمة وقد أغفل ذكر بعض القواعد المهمة مثل الأمور بمقاصدها ، والعادة محكمة ، والضرر يزال ، والحدود تسقط بالشبهات ، وربما أن ذلك راجع إلى أن هذه القواعد قواعد شائعة مشهورة وإنما كان من غرض المؤلف التنبيه على بعض القواعد المغمورة التي لا يفطن إليها كثير من الناس ، وما يلاحظ على المؤلف هو سكوته عن ذكر بعض المصادر التي عول عليها في تأليف الكتاب وأخيراً نعترف بأن المؤلف حرر بعض القواعد تحريراً دقيقاً وإليك قدراً يسيرا كنماذج من القواعد :
1- "الشك في النقصان كتحققه"
ومن ثم لو شك أصلَّى ثلاثاً أم أربعاً؟ أتى بالركعة الرابعة .
2- "درأ المفاسد أولا من جلب المصالح "
المبحث الثالث
مصادر القواعد الفقهية في المذهب الشافعي
1ـ قواعد الأحكام في مصالح الأنام، لعز الدين بن عبد السلام(577هـ-660هـ) :
المؤلف: هو الإمام عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، الملقب بسلطان العلماء، والملَقِب له هو الشيخ ابن دقيق العيد.
ثم إن غرض المؤلف لم يكن جمع القواعد الفقهية وتنسيقها على نمط معين، فقد أفصح المؤلف عن هدفه كما يلي:
" الغرض بوضع هذا الكتاب بيان مصالح الطاعات، والمعاملات، وسائر التصرفات، لسعي العباد في تحصيلها، وبيان المخالفات لسعي العباد في درئها.
وموضوع الكتاب يدور حول القاعدة الشرعية الأساسية " جلب المصالح ودرء المفاسد" وأما القواعد الفقهية الأخرى التي نجدها منبثة في غضون الكتاب، فمردها إلى هذه القاعدة العامة.(1/25)
ولا يفوتنا أن نسجل هنا بعض القواعد التي تضمنها الكتاب في مباحث وفصول مختلفة، وهي ذات شأن وقيمة في الفقه الإسلامي، بعضها أساسية وبعضها فرعية:
1- الأصل أن تزول الأحكام بزوال عللها.
2- من كلف بشيء من الطاعات فقدر على بعضه وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما قدر عليه ويسقط عنه ما يعجز عنه".
أورد هذه القاعدة في موضع آخر بصيغة مركزة محكمة فقال: " لا يسقط الميسور بالمعسور".
3- ما أحل لضرورة أو حاجة يقدر بقدرها ويزال بزوالها .
2ـ كتاب الأشباه والنظائر:
لابن الوكيل الشافعي (716هـ):
هو محمد بن عمر بن مكي، الملقب بصدر الدين، المكني بأبي عبد الله بن المرحِّل، وكان يعرف في الشام بابن الوكيل المصري.
ومن آثاره العلمية: الأشباه والنظائر، وله نظم رائق وشعر فائق جمعه في ديوان سماه " طراز الدرر".
الكتاب الذي بين أيدينا هو أول مؤلف في موضوعه باسم الأشباه والنظائر، وليس يعني أن ابن الوكيل أول من ارتاد الطريق إلى الكتابة بهذا العنوان، وإنما سبقه غيره من أهل التفسير كما سلفت الإشارة إلى ذلك، ولكن في الفقه الإسلامي له الأسبقية في التأليف بهذا العنوان.
وقد ذكر المحققون أن هذا الكتاب لم يتمكن المؤلف من تحريره، وإنما تركه نبذاً متناثرة.و لعل السبب في ذلك أنه ألفه في حالة السفر.
والذي حرره وهذبه هو ابن أخيه زين الدين (738هـ) وزاد فيه بعض الزيادات، وميز تلك الزيادات من الأصل بقوله: "قلت". "وينطوي الكتاب على زمرة من القواعد الأصولية والفقهية، وليست القواعد فيه سواء أكانت فقهية أم أصولية على النمط المألوف عند المتأخرين في حسن عبارتها، وجودة صياغتها.
وإليك بعض النماذج من الكتاب:(1/26)
1- بدأ الكتاب بمبحث أصولي تحت عنوان" قاعدة" وهي: " إذا دار فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أن يكون جِبِلَّياً وبين أن يكون شرعياً، فهل يحمل على الجِبِلِّي لأن الأصل عدم التشريع، أو على الشرعي لأنه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ بعث لبيان الشرعيات".
2- القادر على بعض الواجب في صور: منها: يجب على القادر على بعض الماء استعماله". فقد بحث فيه ما يتعلق بالقاعدة المشهورة " الميسور لا يسقط بالمعسور".
3- قال تحت عنوان " فصل": " احتمال أخف المفسدتين لأجل أعظمهما هو المعتبر في قياس الشرع".
3- المجموع المُذْهَب في قواعد المَذْهَب" للعلائي (761هـ):
... المؤلف: هو الإمام الحافظ خليل بن كَيْكَلْدي، الملقب بصلاح الدين، المكني بأبي سعيد، العلائي الشافعي.
وله مصنفات نفيسة ، منها: هذه القواعد المشهورة، وكتاب في " المدلسين" ، و"تلقيح الفهوم في صيغ العموم" ، والكتاب يجمع بين قواعد أصول الفقه وقواعد فقهية . ونستطيع أن نأخذ فكرة عامة واضحة عن الكتاب بمجرد النظر في مقدمته، فقد شرح المؤلف فيها المنهج الذي سلكه بكل وضوح وتفصيل ، ومن أهم ما ذكر :
1- أن المؤلف أطال نَفَسَه في شرح القواعد الخمس الأساسية، فشرحها شرحاً قيماً وافياً، وحاول أن يرد جميع مسائل الفقه إليها.
2- ومما زان الكتاب أن المؤلف دعم بعض القواعد، وخصوصاً القواعد الأساسية بأدلة من الكتاب الكريم والسنة المطهرة.
3- وما سوى القواعد الأساسية الكبرى فإن الكتاب لا يحمل طابع القواعد الفقهية، فإنها قليلة جداً، وربما لا يتجاوز عددها عشرين قاعدة على أكبر تقدير، اقتبس معظمها من الأشباه والنظائر لابن الوكيل وتناولها بالتنقيح والتعديل. وإليك بعض النماذج منها:
1- إذا اجتمع حظر وإباحة غُلِّبَ جانب الحظر.
2- قاعدة: في الشبهات الدارئة للحدود.
3- كل من وجب عليه شيء ففات لزمه قضاؤه تداركاً لمصلحته.
المبحث الرابع
مصادر القواعد الفقهية في المذهب الحنبلي(1/27)
1- القواعد النورانية الفقهيةلابن تيمية (661هـ-728هـ):
المؤلف: هو الإمام تقي الدين، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله ابن تيمية الحراني، الكتاب الذي نحن بصدد تعريفه لا يبدو فيه أن غرض المؤلف سوق القواعد على النمط المألوف تحت هذا العنوان، وإن لم يخل الكتاب عن بعض القواعد المهمة التي لها شأن في الفقه الإسلامي.
ولا يتسع لنا المجال هنا أن نفصل الأمثلة لذلك، وإنما يكفينا أن نسجل عبارات جاءت قواعد معروفة مضبوطة في الفقه الإسلامي، منها:
1- كل ما كان حراماً بدون الشرط: فالشرط لا يبيحه كالربا وكالوطء في ملك الغير وكثبوت الولاء لغير المعتق، وأما ما كان مباحاً بدون الشرط: فالشرط يوجبه كالزيادة في المهر والثمن والرهن، وتأخير الاستيفاء".
2- الأصل في العقود رضى المتعاقدين وموجبها هو ما أوجباه على أنفسهما بالتعاقد.
2- القواعد الفقهية ، المنسوبة إلى ابن قاضي الجبل (771هـ).
ابن قاضي الجبل: هو أحمد بن الحسن بن عبد الله، الشهير بابن قاضي الجبل، له مصنفات عديدة، منها: " كتاب المناقلة في الأوقاف وما في ذلك من النزاع والخلاف".
هذا الكتاب الذي بين أيدينا إنما هو نتف فقهية مبعثرة تضمنت بعض القواعد الفقهية، وأحياناً نجده يذكر القاعدة أولاً ثم يتبعها الفروع المتعلقة بها ، ومن القواعد التي يمكن أن نسجلها كنماذج في الكتاب ما يلي:
1- ما ثبت للضرورة أو الحاجة يقدر الحكم بقدرها.
2- يسقط الواجب بالعجز.
3- الممنوع شرعاً كالممنوع حساً.
وذكر من فروعها: إذا كان معه إناءان مشتبهان نجس وطاهر، فعندنا ممنوع من التحري شرعاً، ويجب عليه التيمم على الصحيح من المذهب، فيكون ذلك كالممنوع فيهما حساً" ومثال الحسي أن يحول بينه وبين الماء عدو أو حيوان مفترس.
3-تقرير القواعد وتحرير الفوائد، المشهور بـ " القواعد"، لابن رجب الحنبلي (795هـ)(1/28)
المؤلف: هو العلامة الحافظ عبد الرحمن بن شهاب، الشهير بابن رجب الحنبلي.
له مؤلفات قيمة: منها :
"جامع العلوم والحكم" ، و"الاستخراج لأحكام الخراج " ،و" الذيل على طبقات الحنابلة" أما الكتاب فهو من أنفس وأحفل الكتب للقواعد في الفقه الحنبلي ، ومنهجه في هذه القواعد أن يضع أحياناً تحت عنوان " القاعدة" موضوعاً فقهياً، ثم يتناوله بالإسهاب والتفصيل، وتارة يورد القاعدة على النسق المألوف في كتب القواعد بصيغة موجزة .
وإليك نبذة من الأمثلة المتنوعة للقواعد تكشف عن منهج الكتاب:
1- من تعجل حقه أو ما أبيح له قبل وقته على وجه محرم عوقب بحرمانه".
2- يقوم البدل مقام المبدل ويسد مسده، ويبني حكمه على حكم مبدله".
3- من أتلف شيئاً لدفع أذاه له لم يضمنه وإن أتلفه لدفع أذى به ضمنه".
من فروعها: " لو أشرفت السفينة على الغرق فألقى متاع غيره ليخففها ضمنه، ولو سقط عليه متاع غيره، فخشي أن يهلكه، فدفعه فوقع في الماء لم يضمنه".
وفي بعض المواضيع يبدأ القاعدة بصيغة استفهامية للتنبيه على موضع الخلاف فيها، وذكر الوجوه التي تنطبق عليها تلك القاعدة:
على سبيل المثال قال عن القاعدة الثامنة:
" من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها، هل يلزمه الإتيان بما قدر عليه منها أم لا؟ هذا على أقسام.. ".
القواعد الخمس الكبرى
1ـ الأمور بمقاصدها:
الأمور جمع أمر وهو لفظ عام للأفعال والأقوال كلها ومنه قوله تعالى{ وإليه يُرجع الأمر كله } { وما أمر فرعون برشيد } أي ما هو عليه من قول أو فعل .
والمقاصد : جمع مقصد من القصد ، ومعناه الاعتزام ، والتوجه ، والقصد يأتي بمعنى النية وهو المعنى المراد هنا .
والمراد هنا أحكام الأمور بمقاصدها باعتبار أن علم الفقه يبحث عن أحكام الأشياء لا عن ذواتها ، ولذا أوضحت المجلة القاعدة بقولها يعني أن الحكم الذي يترتب على أمر يكون على مقتضى ما هو المقصود من ذلك الأمر .(1/29)
هذه القاعدة من أهم القواعد وأعمقها جذوراً في الفقه الإسلامي، وقد أولاها الفقهاء عناية بالغة، فأفاضوا في شرحها والتفريع عليها، لأن شطراً كبيراً من الأحكام الشرعية يدور حول هذه القاعدة.
والأصل فيها قوله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله. ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".
وقد اتفقت كلمة جهابذة المحدثين والفقهاء على جلالة شأن هذا الحديث، ولذلك درجوا على أن يستهلوا به كتب الحديث، وقال بعضهم ينبغي أن يجعل هذا الحديث رأس كل باب. وقال ابن رجب ـ رحمه الله ـ: " هاتان كلمتان جامعتان وقاعدتان كليتان، لا يخرج عنهما شيء".
ونجد في كتاب الله والسنة المطهرة من الآيات والأحاديث الكثيرة التي تشهد لهذه القاعدة، يقول الله تعالى: " ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله، وكان الله غفوراً رحيماً".
ففي هذه الآية إرشاد وتوجيه إلى إخلاص القصد والإرادة، قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسير الآية المذكورة: " ومن يخرج مهاجراً من داره إلى الله ورسوله، فقد استوجب ثواب هجرته باخترام المنية إياه". وقيل: إن نزول الآية في رجل كان من خزاعة، فلما أُمِروا بالهجرة، كان مريضاً، فأمر أهله أن يفرشوا له على سريره ويحملوه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففعلوا، فأتاه الموت وهو بالتنعيم، فنزلت هذه الآية. فإن إدراك الأجل قبل إكمال العمل لم ينقص شيئاً من ثوابه ومكانته عند الله لوجود النية الصادقة.
وفي هذا المعنى قوله تعالى في سورة البقرة: " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم". وفي سورة الأحزاب: " وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم".(1/30)
فلغو اليمين لا كفارة فيه ولا اعتبار له في نظر الشارع، لأنه مما جرى على اللسان عفواً من غير قصد بالقلب.
أما الأحاديث الأخرى التي تؤصِّل هذه القاعدة، بجانب الحديث المشهور الذي ذكرناه فهي كثيرة جداً.
... منها ما روي في صحيح البخاري " عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ! ما القتال في سبيل الله، فإن أحدنا يقاتل غضباً، ويقاتل حميَّة، فرفع إليه رأسه ـ قال: " وما رفع إليه رأساً إلا أنه كان قائماً ـ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله".
ففي هذا الحديث ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرشد إلى تصحيح النية في الجهاد، وبين أن إعلاء كلمة الله هي الغاية القصوى التي يطمح إليها عند القتال، وأن يكون العمل خالصاً عن كل شائبة من الرياء، والسمعة، والحميَّة الجاهلية.
... وقد أشار الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ إلى هذا المعنى في شرح الحديث المذكور فقال: " من قاتل (إلخ): هو من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - ، لأنه أجاب بلفظ جامع لمعنى السؤال مع الزيادة عليه، وفي الحديث شاهد لحديث " الأعمال بالنيات".
ومن شواهد القاعدة ما جاء في حديث طويل قوله - صلى الله عليه وسلم - : "يبعثهم الله على نياتهم".
وفي صحيح البخاري من حديث سعد ابن أبي وقاص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في فِي امرأتك".
وعن أبي مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها، فهو له صدقة".
ولقد قرر كثير من العلماء أن هذه القاعدة " الأمور بمقاصدها " تمثل قاعدة النية في جملة معانيها ولذلك أدرجوا قواعد عديدة تتعلق بالنية تحت هذه القاعدة مثل قولهم " شرعت النية لتمييز العبادات عن العادات ، ولتمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض ، وكل نية تجب مقارنتها "(1/31)
وإذا أخذنا القاعدة بهذا الاعتبار فلا شك أنها سوف تتضمن مواضيع واسعة ليس من الميسور الإحاطة بها ولذلك يقول تاج الدين السبكي رحمه الله وقاعدة النية طويلة الذيل متسعة الأنحاء .
وبناء على ذلك المفهوم الشامل للقاعدة تدخل تحتها أبواب العبادات برُمَّتِها لأن النية هي المعيار والأساس في صحتها فإنها تعتبر في الوضوء والغسل والتيمم وفي الاغسال المسنونة وكذلك في الصلوات جميعها سواء كان فرض عين أو فرض كفاية أو سنة أو نافلة مطلقة.
وكذلك في الزكاة والصدقة وفي فرض الصيام ونفله وفي الحج والعمرة .
وكذلك في الضحايا والهدايا والنذور .
وكذلك في الجهاد والعتق والتدبير والكتابة بمعنى أن حصول الثواب في هذه الأربعة يتوقف على قصد التقررب بها إلى الله .
بل يسري هذا المعنى إلى سائر المباحات إذا قصد بها التقوِّي على العبادة أو التوصل إليها كالأكل والنوم واكتساب المال .
وكذلك النكاح إذا قصد به الإعفاف أو الرغبة في الذرية الصالحة .
فروع وتطبيقات على القاعدة :
1- من قتل غيره بلا مسوغ شرعي "إذا كان عامداً فلفعله حكم وإذا كان مخطئاً فلفعله حكم آخر".
2- ومن قال لغيره :"خذ هذه الدراهم ، فإن نوى التبرع كان هبة ، وإلا كان قرضاً واجب الإعادة ، أو أمانة وجب عليه حفظها ، وإلا كان ضامناً . فصورة الإعطاء واحدة ولكن المقاصد من وراء ذلك مختلفة فتترتب الأحكام تبعاً لتلك المقاصد والأهداف .
3- ومن التقط لقطة بقصد أخذها لنفسه كان غاصباً عليه ضمانها إذا تلفت في يده ، ولو التقطها بنية حفظها وتعريفها وردها لصاحبها متى ظهر كان أميناً ، فلا يضمنها إذا هلكت بلا تعدّ منه عليها أو تقصير في حفظها .
2-" الضرر يزال":
... هذه القاعدة من أهم القواعد وأجلها شأناً في الفقه الإسلامي. ولها تطبيقات واسعة في مختلف المجالات الفقهية.(1/32)
وأصلها: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا ضرر ولا ضرار"، الذي يعد من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - ، وقد سار مسير القواعد الفقهية الكلية.
والضرر: إلحاق مفسدة بالغير مطلقاً، والضرار إلحاق مفسدة بالغير لا على وجه الجزاء المشروع.
وهذه القاعدة التي تعبر عن معنى الحديث المذكور، قد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على بيانها وتأييدها. وقد أجاد الإمام الشاطبي في قوله بأن الحديث المذكور " لا ضرر ولا ضرار".
... حيث إن الضرر والضرار مبثوث منعه في الشريعة كلها في وقائع جزئيات وقواعد كليات: كقوله تعالى: " ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا"، " ولا تضآروهن لتضيقوا عليهن".، " لا تضار والدة بولدها..." الآية. ، ومنه النهي عن التعدي على النفوس والأموال، والأعراض، وعن الغصب والظلم، وكل ما هو في المعنى إضرار أو ضرار، ويدخل تحته الجناية على النفس، أو العقل، أو النسل، فهو معنى في غاية العموم في الشريعة لا مراء فيه ولا شك.
ومن أدلتها أيضاً:
... قوله تعالى: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا..) الآية، وقوله تعالى: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان). وإن نزول الآيتين المذكورتين كان في معنى واحد متقارب،وذلك أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها، ولا يريد إمساكها، كما يطول بذلك العدة قاصداً إلى الإضرار بها في كل ذلك. فالتنبيه على منع الإضرار وتحريمه في القرآن الكريم يدل على خطورة هذا الموضوع، وأن نفي الضرر كان أمراً معنياً به في كل صغير وكبير.(1/33)
... كذلك قوله تعالى: ( لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده)، هذه الآية الكريمة فيها حث على الحنان والرأفة بالوليد، ونفي المضارة بين الزوجين، قال القرطبي ـ رحمه الله ـ: "المعنى: لا تأبى الأم أن ترضعه إضراراً بأبيه، أو تطلب أكثر من أجر مثلها، ولا يحل للأب أن يمنع الأم من ذلك، مع رغبتها في الإرضاع".
... وإذا نظرت في سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقضاياه، وجدتها سارية على هذا المنهج ومقررة لهذا المبدأ العظيم ، فعلى سبيل المثال ما رواه أهل السنن: أن رجلاً كانت له شجرة في أرض غيره، وكان صاحب الأرض يتضرر بدخول صاحب الشجرة، فشكا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأمره أن يقبل منه بدلها أو يتبرع له بها، فلم يفعل، فأذن لصاحب الأرض قلعها، وقال لصاحب الشجرة: " إنما أنت مضار".
فهذه القضية مما يفصل قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا ضرر ولا ضرار".
... وبجانب آخر كما أن الإنسان منهي عن الضرر والضرار، فإنه مأمور بالإحسان إلى كل ذي روح، فضلاً عن الإنسان، قال تعالى: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين).
... وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحة، وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته".
فهذه النزعة الإنسانية الكريمة، وهي من مظاهر الشفقة والرحمة، تبرهن على نفي الضرر والضرار في كل دقيق وجليل وعلى أن الشريعة في جميع أحكامها تتوخى العدل، والسعة ، والسماحة.
فروع وتطبيقات على القاعدة :
1- لو انتهت مدة إجارة الأرض الزراعية قبل أن يستحصد الزرع ، تبقى في يد المستأجر بأجر المثل حتى يستحصد ، منعاً لضرر المستأجر بقلع الزرع قبل أوانه .
2- كذلك لو باع ثمر نخل والمشترى إذا ارتقى ليقطع الثمر يطلع على عورات الجيران ، يؤمر بأن يخبرهم وقت الارتقاء ليستتروا مرة أو مرتين ، فإن فعل وإلا رفع إلى الحاكم ليمنعه من الارتقاء .(1/34)
3- ويجوز حبس المشهورين بالدعارة والفساد حتى تظهر توبتهم ، ولو لم يثبت عليهم جرم معين بطريق قضائي دفعاً لشرهم .
3ـ العادة محَكَّمَة:
من القواعد التي ترجع إلى نصوص من القرآن الكريم والسنة المطهرة هذه القاعدة المشهورة الأساسية، فإن العرف والعادة كان لهما نصيب وافر ملحوظ في تغير الأحكام حسب تغيرهما، وعليهما يرتكز كثير من الأحكام والفروع الفقهية.
والعادة في اللغة : مأخوذة من العود أو المعاودة بمعنى التكرار .
ومحكَّمة في اللغة : اسم مفعول من التحكيم ومعنى التحكيم القضاء والفصل بين الناس أي أن العادة هي المرجع للفصل عند التنازع .
وأما معنى "العادة محكَّمة" في الاصطلاح : أن للعادة في نظر الشارع حاكمية تخضع لها أحكام التصرفات فتثبت تلك الأحكام على وفق ما تقضي به العادة أو العرف إذا لم يكن هناك نص شرعي مخالف لتلك العادة .
... ومن الآيات الكريمة التي فيها تلميح بليغ إلى اعتبار هذه القاعدة: قوله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)، وقوله سبحانه: (وعاشروهن بالمعروفة).
... قال الإمام القرطبي: " العرف والمعروف والعارفة: كل خصلة حسنة ترتضيها العقول وتطمئن إليها النفوس".
فأرشد الله الزوجين في عشرتهما، وأداء حق كل منهما إلى الآخر إلى المعروف المعتاد، الذي يرتضيه العقل، ويطمئن إليه القلب، ولاشك أن ذلك متغير حسب الاختلاف بين المناطق وأحوال الناس.(1/35)
... ومن هذا القبيل ما جاء في قوله عز وجل: "لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ "، فقوله سبحانه: " من أوسط ما تطعمون" يقرر لنا الضابط الذي يلجأ إليه في تحديد مقدار الطعام، وتوفير الكسوة في جميع الأحكام المتعلقة بالكفارات ، التي لم ينص الشرع فيها على مقدارٍ معلوم معين، فينظر فيها إلى الأعراف السائدة والعوائد المتبعة، وتفصل القضايا حسب مقتضاها.
... وإلى هذا المعنى يوحي تفسير بعض العلماء لهذه الآية الكريمة، قال الإمام الطبري: " وأولى الأقوال في تأويل قوله: " من أوسط ما تطعمون أهليكم" عندنا قول من قال: من أوسط ما تطعمون أهليكم في القلة والكثرة. وذلك أن أحكام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكفارات كلها وردت بذلك، وذلك كحكمه - صلى الله عليه وسلم - في كفارة الحلق من الأذى بفرق من طعام بين ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع".
... ونجد توضيح النص المذكور فيما قاله الإمام ابن تيمية عند بيان فدية المحرم في الحج، وتحديد ما هو الأفضل في إطعام الطعام في هذه الكفارة، وفي سائر الكفارات، يقول: " والواجب في ذلك كله، ما ذكره الله تعالى بقوله: (إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم..) الآية. فأمر الله تعالى بإطعام المساكين من أوسط ما يطعم الناس أهليهم.
... وقد تنازع العلماء في ذلك هل ذلك مقدر بالشرع، أو يرجع فيه إلى العرف؟ وكذلك تنازعوا في النفقة: نفقة الزوجة، والراجح في هذا كله أن يرجع فيه إلى العرف، فيطعم كل قوم مما يطعمون أهليهم. ولما كان كعب بن عُجْرَة ونحوه يقتاتون التمر، أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يطعم فرقاً من التمر بين ستة مساكين..".(1/36)
وإلى هذا أشار الإسنوي وغيره في قولهم: "إن ما ليس له ضابط في الشرع ولا في اللغة، يرجع إلى العرف".
... ومن شواهد هذه القاعدة أيضاً، قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ " كما أشار إلى ذلك الإمام العلائي، والعلامة تقي الدين الحصني، في قواعدهما.
... يقول العلائي ـ بعد أن ذكر الآية الكريمة ـ : "فأمر الله بالاستئذان في هذه الأوقات التي جرت العادة فيها بالابتذال ووضع الثياب، فأنبنى الحكم الشرعي على ما كانوا يعتادونه".
وقد ذكر عدد من المفسرين هذا الوجه عند تفسير هذه الآية، جاء في تفسير القرطبي: "أدب الله تعالى عباده في هذه الآية.. يستأذنون على أهليهم في هذه الأوقات الثلاثة، هي الأوقات التي تقتضي عادة الناس الانكشاف".
ومن الأدلة الواردة في السنة المطهرة على تحكيم العادة في بعض الأحكام قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه حرام بن مُحَيصة عن أبيه: " أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدته، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل الأموال حفظها بالنهار، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل".
... وفي رواية أخرى: " فقضى أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وأن حفظ الماشية على أهلها، وأن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل".(1/37)
... ذهب الفقهاء مستندين إلى هذا الحديث إلى أن ما أفسدت الماشية بالنهار من مال الغير فلا ضمان على أهلها، وما أفسدت بالليل ضمنه مالكها. قال الإمام الخطَّابي: " لأن في العرف: أن أصحاب الحوائط والبساتين يحفظونها بالنهار ويوكلون بها الحُفَّاظ والنواطير، ومن عادة أصحاب المواشي أن يسرحوها بالنهار، ويردوها مع الليل إلى المراح، فمن خالف هذه العادة كان به خارجاً عن رسوم الحفظ إلى حدود التقصير والتضييع، فكان كمن ألقى متاعه في طريق أو شارع، أو تركه في غير موضع حرز، فلا يكون على آخذه قطع".
... أما أحوال النساء وعوارضهن، فالرجوع في كثير من الأحكام في هذا الباب إلى العرف أو المعتاد، فقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحمنة بنت جحش: "فتَحَيَّضي ستة أيام أو سبعة أيام"، وذلك لما شكت إليه بأنها تستحاض حيضة كثيرة، فيه تنبيه على الرجوع إلى الأمر الغالب والعادة، وهي ستة أيام أو سبعة أيام.
... قال الخطابي في " المعالم" : "فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها إلى العرف الظاهر والأمر الغالب من أحوال النساء. كما حمل أمرها في تحيضها كل شهر مرة واحدة على الغالب من عادتهن. ويدل على ذلك قوله: " كما تحيض النساء ويطهرن ميقات حيضهن وطهرهن".
وهذا أصل في قياس أمر النساء بعضهن على بعض في باب الحيض والحمل أو البلوغ وما أشبه هذا من أمورهن ويشبه أن يكون ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - على وجه التخيير بين الستة والسبعة .
... لكن على معنى اعتبار حالها بحال من هي مثلها، وفي مثل سنها من نساء أهل إقليمها فإن كانت عادة مثلها منهن أن تقعد ستاً قعدت ستاً، وإن سبعاً فسبعاً".(1/38)
... وفي ضوء تلك النصوص الشرعية ونظائرها اهتدى الأئمة إلى وضع هذه القاعدة واحتكموا إليها في كثير من المسائل والقضايا. وهذا ما يرمز إليه قول الإمام القاضي شريح في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - للغزَّاليين: "سنتكم بينكم فإنه يتفق مع هذا الأصل قال العيني في شرح البخاري : سنتكم بينكم : يعني عادتكم وطريقتكم بينكم معتبرة".
فروع وتطبيقات على القاعدة :
1- إذا حلف لا يجلس تحت سقف فجلس تحت السماء لم يحنث ، وإن سماها الله تعالى سقفاً .
2- وكذلك لو حلف لا يأكل لحماً لا يحنث بأكل السمك ، وإن سماه الله تعالى لحماً .
3- أو حلف لا يأكل ميتة أو دماً لم يحنث بالسمك ولا بالجراد ولا بالكبد والطحال .
فيقدم في ذلك كله وأمثاله عرف الاستعمال لأنه المتبادر حين الحلف .
4ـ المشقة تجلب التيسير:
... هذا أصل عظيم من أصول الشرع، ومعظم الرخص منبثقة عنه، بل إنه من الدعائم والأسس التي يقوم عليها صرح الفقه الإسلامي . فهي قاعدة فقهية وأصولية عامة، وصارت أصلاً مقطوعاً به لتوافر الأدلة عليها.
... قال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: "إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع".
فالمشقة في اللغة : التعب من قولك : شق علي الشيء يشق شقاً ومشقتاً إذا أتعبك .
والتيسير في اللغة : السهولة والليونة .
ومعنى المشقة تجلب التيسير في الاصطلاح : أن الأحكام التي ينشأ عن تطبيقها حرج على المكلف ومشقةً في نفسه أو ماله فالشريعة تخففها بما يقع تحت قدرة المكلف دون عسر أو إحراج .
... وقد دل على هذه القاعدة، وبعض القواعد الفرعية الأخرى - التي هي امتداد لهذه القاعدة الجليلة - نصوص من الذكر الحكيم، وأحاديث النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - .
من الآيات الكريمة:
1- ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
2- ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).
3- ( يريد الله أن يخفف عنكم).
4- (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج).(1/39)
5- ( ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).
6- ( وما جعل عليكم في الدين من حرج)
7- ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج).
ووجه الدلالة فيها وفيما سواها من الآيات الأخرى - التي تضافرت في هذا الموضوع - أن الشريعة الإسلامية تتوخى دائماً رفع الحرج عن الناس، وليس في أحكامها ما يجاوز قوى الإنسان الضعيفة. وهذه النصوص دلت على ذلك العموم معناها.
... وفي مجال السنة المطهرة إذا تصفحت الأحاديث، وجدت كثيراً منها تشير إلى معاني هذه القاعدة الشرعية، فهناك روايات وردت بهذه الصيغة أجودها " إن الدين عند الله الحنيفية السمحة لا اليهودية ولا النصرانية"وسمي : أي الدين بالحنيفية لما فيها من تيسير وتسهيل .
وقد عقد الإمام البخاري - رحمه الله - باباً في صحيحه بعنوان " الدين يسر" وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة"، وتناول فيه ما روي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُلجة".
قال الإمام ابن حجر - رحمه الله -: " وسمي الدين يسراً مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله، لأن الله وضع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم، ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم. وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم".
... وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فرأى زحاماً، ورجلاً قد ظُلِلَ عليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: صائم ، قال: " ليس من البر الصيام في السفر"، وفي رواية أخرى: " وعليكم برخصة الله التي رخص لكم".(1/40)
... قال الإمام ابن دقيق العيد في شرح هذا الحديث: " قوله عليه الصلاة والسلام: " عليكم .. لكم" دليل على أنه يستحب التمسك بالرخصة إذا دعت الحاجة إليها، ولا تترك على وجه التشديد على النفس والتنطع والتعمق".
... وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لولا أن أشق على المؤمنين - وفي رواية : على أمتي - لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".
وقال الشاه ولي الله الدهلوي - رحمه الله - في شرح هذا الحديث " معناه لولا خوف الحرج لجعلت السواك شرطاً للصلاة كالوضوء، وقد ورد بهذا الأسلوب أحاديث كثيرة جداً. وهي دلائل واضحة على أن لاجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - مدخلاً في الحدود الشرعية، وأنها منوطة بالمقاصد، وأن رفع الحرج من الأصول التي بني عليها الشرائع".
ومن القواعد التابعة لهذه القواعد الأساسية العامة أيضاً والتي تنبثق عن النصوص الشرعية، القواعد التالية:
1- الضرورات تبيح المحظورات" ، فقد دلت عليها آيات من كتاب الله عز وجل: منها قوله تعالى: (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم)، ونظائرها الأخرى مثل قوله سبحانه: ( إلا ما اضطررتم إليه)، بعد تعداده جملة من المحرمات، فالقاعدة مستفادة من استثناء القرآن الكريم حالات الاضطرار في ظروف استثنائية خاصة.
وكذلك قول الله عز وجل : (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)، فاللجوء إلى محظور عند الاضطرار، والنطق بكلمة الكفر عند الإكراه مما عفا الله العباد عنه، وسوغه لهم بإنزال آيات مبينة.
2- ومن القواعد المكملة لهذه القاعدة: قولهم: " ما جاز للضرورة يتقدر بقدرها"، فالظاهر أنها مستقاة من قوله سبحانه وتعالى: ( فمن اضطر غير باغ ، ولا عادٍ..) الآية.
3- ومن القواعد المندرجة تحت تلك القاعدة العامة: القاعدة المشهورة: "إذا ضاق الأمر اتسع"، فأصلها في كتاب الله وهو قوله تعالى: (إن مع العسر يسرا).
فروع وتطبيقات على القاعدة :(1/41)
1- منها : إباحة الشارع النظر إلى الأجنبية للطبيب والشاهد وعند الخطبة وللسيد .
2- ومنها : جواز النكاح من غير نظر لما في اشتراطه من المشقة التي لا يتحملها كثير من الناس في بناتهم وأخواتهم من نظر كل خاطب ، ولم يكن في النكاح خيار رؤية كالبيع .
3- ومنها : مشروعية الطلاق لما في إبقاء الزوجية مع التنافر من المشقة ، وكذلك مشروعية الخلع والافتداء والرجعة في العدة قبل الثلاث .
5- اليقين لا يزول بالشك .
حكمة مشروعيتها:
... هذه القاعدة أصل شرعي عظيم. وهي تهدف إلى رفع الحرج حيث فيها تقرير لليقين باعتباره أصلاً معتبراً، وإزالة للشك الذي كثيراً ما ينشأ عن الوسواس، لاسيما في باب الطهارة والصلاة.
وأما المراد باليقين والشك :
جاء في " اللسان": "اليقين: العلم وإزاحة الشك وتحقيق الأمر، واليقين ضد الشك.." ، والشك نقيض اليقين.
وقال أبو البقاء في " الكليات": اليقين هو الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع.
الشك: نقيض اليقين، وهو في أصل اللغة: الاتصال واللزوق.
وجاء في شرح "الأشباه" لابن نجيم: " الشك لغة مطلق التردد وفي اصطلاح الأصول استواء طرفي الشيء وهو الوقوف بين الشيئين بحيث لا يميل القلب إلى أحدهما".
ونجد الإمام الرازي ينبه إلى الفرق بين الشك والظن والوهم فيقول: " التردد بين الطرفين إن كان على السوية فهو على الشك، وإلا فالراجح: ظن، والمرجوح وهم".
ومعنى اليقين لا يزول بالشك في الاصطلاح : أن الأمر المتيقن ثبوته لا يرتفع إلا بدليل قاطع ولا يحكم بزواله لمجرد الشك كذلك الأمر المتيقن عدم ثبوته لا يحكم بثبوته بمجرد الشك لأن الشك أضعف من اليقين فلا يعارضه ثبوتاً وعدماً .
دليلها:
هذه القاعدة يدعمها الشرع والعقل.(1/42)
أما دليلها في الشرع الحكيم فهو ما رواه الإمام البخاري - رحمه الله - عن عبَّاد بن تميم عن عمه: أنه شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: لا ينفتل - أو لا ينصرف - حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً".
... فهذا الحديث دليل ساطع على أن من استيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك ولا عبرة بذلك الشك الطارئ.
و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً، فأشكل عليه، أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً".
... وهذه القاعدة ليست مقصورة على بيان هذا الجانب فحسب، بل شاملة لكافة المعاني الداخلة تحت موضوعها، وذلك عن طريق التعليل والقياس.
... وقال ابن حجر نقلاً عن الخطابي - رحمهما الله - :" وليس المراد تخصيص هذين الأمرين باليقين، لأن المعنى إذا كان أوسع من اللفظ كان الحكم للمعنى".
أما من جهة العقل فكون اليقين أقوى وأحكم أمر ثابت لا غبار عليه، لأن في اليقين حكماً قطعياً جازماً فلا ينهدم بالشك.
سعة مشتملاتها:
تدخل هذه القاعدة في معظم أبواب الفقه من عبادات ومعاملات وأقضية وأن عديداً من القواعد الدائرة في الفقه وأصول الفقه تجدها وثيقة الصلة بها بل ناشئة عنها وذلك في مثل قولهم: الأصل بقاء ما كان على ما كان، الأصل براءة الذمة، الأصل في الصفات العارضة العدم، القديم يترك على قدمه، ونظراً لذلك قيل إنها تتضمن ثلاثة أرباع علم الفقه .
فروع وتطبيقات على القاعدة :
هذه القاعدة كثيرة الفروع فأحرى بنا أن نورد هنا طرفاً من الفروع المتخرجة عليها وهي كما يلي :
1- إذا اشترى ثوباً جديداً أو لبيساً، وشك هل هو طاهر أو نجس، فيبنى الأمر على الطهارة ولم يلزمه غسله".(1/43)
2- إذا شك في الماء هل أصابته نجاسة أم لا؟ بنى على يقين الطهارة ولو تيقن نجاسته ثم شك هل زالت أو لا؟ بقي على يقين النجاسة".
3- وإن شك هل دخل مع الإمام في الركعة الأولى أو في الثانية؟ جعله في الثانية باعتبار أن دخوله في الثانية أمر متحقق يستيقن به.
أسئلة عامة على مادة القواعد الفقهية
1- إذا قلنا : كل كفارة سببها معصية فهي على الفور أعتبر ذلك :
أ - قاعدة فقهية . ب - ضابط فقهي . ج - لغز فقهي . د - لاشيء مما سبق .
2- سد الذرائع إذا نظر إليها باعتبار أن موضوعها دليلا شرعيا كانت قاعدة فقهية وإذا نظر إليها باعتبار كونها فعلا للمكلف كانت قاعدة أصولية ( العبارة السابقة ). أ - صحيحة . ب - غير صحيحة .
3- أول من ألف كتاباً بعنوان الأشباه والنظائر هو من :
أ - مقاتل بن سليمان البلخي. ب - خالد بن أبي بكر . ج - السيوطي .
4- الفرق بين القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية أن النظرية الفقهية تتضمن أركاناً وشروطاً . ( العبارة السابقة )
أ - صحيحة . ب - غير صحيحة .
5- (ليس للإمام أن يخرج شيئا من يد أحد إلا بحق ثابت معروف ) هذه العبارة نظيرة للقاعدة المشهورة المتداولة .
أ - التصرف على الرعية منوط بالمصلحة . ب - القديم يترك على قدمه . ج- المرء مؤاخذ بإقراره .
6- يمثل القرن الثالث عشر الهجري طوراً من أطوار تدوين القواعد الفقهية . فهل هو ؟
أ - الرسوخ والتنسيق . ب - النمو والتدوين . ج - النشوء والتكوين .
7- القواعد الفقهية لم تظهر دفعة واحدة .(العبارة السابقة )
أ - صحيحة . ب - غير صحيحة .
8- القاعدة (الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد ) في كتاب الأشباه والنظائر لابن النجيم تعد قاعدة أساسية . (العبارة السابقة )
أ - صحيحة . ب - غير صحيحة .
9- أوجب علماء المالكية الطلاق بالكنايات وإن بعدت ولم يجيزوا النكاح إلا بلفظه أو بما يقرب منه في هذا المعنى : ( العبارة السابقة ) . أ - صحيحة . ب - غير صحيحة .(1/44)
10- الإمام عز الدين بن عبد السلام ألف كتاب :
أ - القواعد . ب - قواعد الأحكام في مصالح الأنام . ج - الأشباه والنظائر .
11- القواعد الفقهية المنسوبة إلى ابن قاضي الجبل هي من مصادر القواعد الفقهية في المذهب :
أ - الحنفي . ب - المالكي . ج - الشافعي . د – الحنبلي .
12- قاعدة (الأمور بمقاصدها ) :
أ - من أهم القواعد وأعمقها جذورا في الفقه الإسلامي . ب - أصلها قوله عليه السلام :(إنما الأعمال بالنيات ) ج - من شواهد هذه القاعدة قوله تعالى :(يأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ..........) . د - الفقرة أ+ب .
13- قال تعالى : (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) هذه الآية فيها تلميح بليغ إلى اعتبار قاعدة :
أ - الضرر يزال . ب - المشقة تجلب التيسير . ج - العادة محكمة .
14- من القواعد التابعة لقاعدة ( المشقة تجلب التيسير ):
أ – قوله تعالى : [ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ] . ب - الضرورات تبيح المحظورات . ج - إذا ضاق الأمر اتسع . د- جميع ما سبق . هـ- لا شيء مما سبق .
15- (إذا انتهت مدة إجارة الأرض الزراعية قبل أن يستحصد الزرع تبقى في بد المستأجر بأجر المثل حتى يستحصد) . ما سبق هو من فروع وتطبيقات قاعدة :
أ - اليقين لا يزول بالشك . ب - الضرر يزال . ج - العادة محكمة .
نموذج الإجابة للأسئلة السابقة
1- إذا قلنا : كل كفارة سببها معصية فهي على الفور أعتبر ذلك :
أ - قاعدة فقهية . ب - ضابط فقهي . ج - لغز فقهي . د - لاشيء مما سبق .
2- سد الذرائع إذا نظر إليها باعتبار أن موضوعها دليلا شرعيا كانت قاعدة فقهية وإذا نظر إليها باعتبار كونها فعلا للمكلف كانت قاعدة أصولية ( العبارة السابقة ). أ - صحيحة . ب - غير صحيحة .
3- أول من ألف كتاباً بعنوان الأشباه والنظائر هو من :
أ - مقاتل بن سليمان البلخي. ب - خالد بن أبي بكر . ج - السيوطي .(1/45)
4- الفرق بين القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية أن النظرية الفقهية تتضمن أركاناً وشروطاً . ( العبارة السابقة )
أ - صحيحة . ب - غير صحيحة .
5- (ليس للإمام أن يخرج شيئا من يد أحد إلا بحق ثابت معروف ) هذه العبارة نظيرة للقاعدة المشهورة المتداولة .
أ - التصرف على الرعية منوط بالمصلحة . ب - القديم يترك على قدمه . ج- المرء مؤاخذ بإقراره .
6- يمثل القرن الثالث عشر الهجري طوراً من أطوار تدوين القواعد الفقهية . فهل هو ؟
أ - الرسوخ والتنسيق . ب - النمو والتدوين . ج - النشوء والتكوين .
7- القواعد الفقهية لم تظهر دفعة واحدة .(العبارة السابقة )
أ - صحيحة . ب - غير صحيحة .
8- القاعدة (الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد ) في كتاب الأشباه والنظائر لابن النجيم تعد قاعدة أساسية . (العبارة السابقة )
أ - صحيحة . ب - غير صحيحة .
9- أوجب علماء المالكية الطلاق بالكنايات وإن بعدت ولم يجيزوا النكاح إلا بلفظه أو بما يقرب منه في هذا المعنى : ( العبارة السابقة ) أ - صحيحة . ب - غير صحيحة .
10- الإمام عز الدين بن عبد السلام ألف كتاب :
أ - القواعد . ب - قواعد الأحكام في مصالح الأنام . ج - الأشباه والنظائر .
11- القواعد الفقهية المنسوبة إلى ابن قاضي الجبل هي من مصادر القواعد الفقهية في المذهب :
أ - الحنفي . ب - المالكي . ج - الشافعي . د – الحنبلي .
12- قاعدة (الأمور بمقاصدها ) :
أ - من أهم القواعد وأعمقها جذورا في الفقه الإسلامي . ب - أصلها قوله عليه السلام :(إنما الأعمال بالنيات ) ج - من شواهد هذه القاعدة قوله تعالى :(يأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ..........) . د - الفقرة أ+ب .
13- قال تعالى : (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) هذه الآية فيها تلميح بليغ إلى اعتبار قاعدة :
أ - الضرر يزال . ب - المشقة تجلب التيسير . ج - العادة محكمة .
14- من القواعد التابعة لقاعدة ( المشقة تجلب التيسير ):(1/46)
أ – قوله تعالى : [ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ] . ب - الضرورات تبيح المحظورات . ج - إذا ضاق الأمر اتسع . د- جميع ما سبق . هـ- لا شيء مما سبق .
15- (إذا انتهت مدة إجارة الأرض الزراعية قبل أن يستحصد الزرع تبقى في بد المستأجر بأجر المثل حتى يستحصد) . ما سبق هو من فروع وتطبيقات قاعدة :
أ - اليقين لا يزول بالشك . ب - الضرر يزال . ج - العادة محكمة .
ثانياً : ملخص مادة النظريات الفقهية
تشتمل هذه المادة على نظريتين هامتين هما :
? نظرية الملك .
? نظرية العقد .
وسنتناول هاتان النظريتان من وجهة نظر الفقه الإسلامي مستفيدين من تقسيمان القانون الوضعي وتفريعاته في صياغة هذه المادة الفقهية .
? فأما نظرية الملك أو نظام الملكية :
? فتناول فيها أولاً : الكلام عن المال بحكم أن الملكية ترد في الغالب على المال .
والمال في تعريفه المختار هو : كل ما يمكن حيازته والانتفاع به على وجه معتاد .
وينقسم المال إلى ثلاثة أقسام :
أ- المال المتقوم وغير المتقوم . ب- العقار والمنقول . ج- المثلي والقيمي .
? ثم يأتي بعد تعريف المال الكلام عن الملك أو الملكية .
والملك هو : اختصاص بالشيء يمكِّن صاحبه شرعاً من الانفراد بالانتفاع به والتصرف فيه عند عدم المانع الشرعي .
ثم نتعرف بعد ذلك على أنواع الملك ، حيث يتنوع إلى نوعين وهما :
1- ملك ناقص . 2- ملك تام .
? فأما الملك الناقص فهو : ما يرد على أحدهما فقط أي ملك الرقبة فقط أو ملك المنفعة فقط .
? وأما الملك التام فهو : ما يرد على رقبة الشيء ، ومنفعته معاً .
ومثالهما : أن من يملك رقبة الأرض فقط فليس له أن ينتفع بها ، ومن يملك منفعة الأرض فقط فليس له أن يتصرف في رقبتها ببيع أو غيره ، وهذا هو الملك الناقص . وأما من يملك أرضاً رقبة ومنفعة فإن له أن يستعملها بنفسه فيزرعها أو يبيعها وهذا هو الملك التام .
ونعرض بعد ذلك أسباب الملك فيهما أي الملك الناقص والملك التام .(1/47)
? وأما نظرية العقد :
? فنتناول فيها أولاً تعريف العقد والفرق بينه وبين التصرف والالتزام .
من خلال الاصطلاح الفقهي :
? فالعقد هو : ربط بين كلامين – الإيجاب والقبول – أو ما يقوم مقامهما ينشأ عنه أثره الشرعي .
? وأما التصرف فهو : كل ما يصدر عن شخص بإرادته ويرتب الشارع عليه نتائج حقوقية .
? وأما الالتزام فهو :كون الإنسان مكلفاً على وجه الإلزام بفعل أو ترك تجاه آخر .
ومثال هذه التعريفات الثلاثة المثالي التالي :
إذا باع رجل لآخر سيارته فإن هذا الفعل عقد وهو عقد بيع وكل من البائع والمشتري تصرف بكامل إرادته فيما يملك وينتج عن هذا العقد وهذا التصرف التزام حيث يلتزم البائع بتسليم السيارة للمشتري ، ويلتزم المشتري بتسليم الثمن للبائع .
? ثم نعرض بعد ذلك إلى أركان العقد وهي ثلاثة على رأي الجمهور .
1- الإيجاب والقبول . كقول البائع : بعت ، ويقول المشتري : قبلت .
2- العاقدان . البائع والمشتري .
3- المحل أي المعقود عليه . كالسيارة مثلاً أو الأرض .
? وسنتكلم في المحاضرة عن كل ركن من الأركان الثلاثة السابقة بالتفصيل من حيث ما يشترط له ، والأنواع والأقسام لكل منها .
? ثم نتكلم بعد ذلك عن الوكالة وهي : إقامة الإنسان غيره مقام نفسه في تصرف مملوك له معلوم قابل للنيابة .
ومثال الوكالة . لو وكل إنسان آخر في بيع داره أو فرسه لا أن يوكله أن يصلي عنه أو يشهد عنه .
وللوكالة شروط تشترط في الموكل والوكيل ، وكذلك تنقسم الوكالة إلى أقسام يتم شرحها والكلام عنها في المحاضرة .
? كما نتكلم بعد ذلك عن عيوب العقد والمقصود بعيوب العقد : خلل يدخل في إرادة العاقد يجعلها معيبة غير صالحة لتكوين عقد سليم ، فينشأ العقد معيباً لا تترتب عليه الآثار المقررة له شرعاً .
وهذه العيوب ترجع في غالب صورها إلى أمور أربعة ، وهي :
1- الغلط . 2- الغبن . 3- التغرير . 4- الإكراه .(1/48)
? ثم نتكلم بعد ذلك عن أقسام العقد حيث ينقسم العقد إلى ثلاثة أقسام :
? القسم الأول :هو العقد باعتبار وصفه ، وينقسم العقد باعتبار وصفه إلى قسمين :
أولهما : العقد الصحيح ، وينقسم إلى قسمين :
الأول : أ- العقد النافذ . ب- العقد الموقوف .
الثاني : أ- العقد اللازم . ب- العقد غير اللازم .
ثانيهما : العقد غير الصحيح ، وهذا القسم ينقسم عند الأحناف إلى :
أ- باطل . ب- فاسد .
? القسم الثاني : هو العقد باعتبار اتصال حكمه بصيغة ، وينقسم إلى ثلاثة أقسام :
أولهما : العقد المنجز .
الثاني : العقد المضاف إلى المستقبل .
الثالث : العقد المعلق .
? القسم الثالث : هو العقد باعتبار نوع آثاره ، ويندرج تحته مجموعة من العقود ، وتحت كل منها مجموعة من عقود وتصرفات . ومن الأمثلة على ذلك .
1- عقود التمليكات : كعقد البيع والإجارة والمضاربة .
2- عقود الإسقاطات : كعقد الطلاق .
3- عقود التفويض والإطلاق : كعقد الوكالة والإيصاء .
4- عقود التقييدات : كعزل الوكيل وناظر الوقف والقاضي .
5- عقود التوثيقات أو التأمينات : كعقد الكفالة والرهن .
6- عقود الشركات : كعقد المضاربة والمزارعة والمساقات .
7- عقود الحفظ : كعقد الوديعة .
? ثم نتكلم بعد ذلك عن الخيارات ، والمقصود بالخيار : أن يكون للمتعاقد الحق في إمضاء العقد أو فسخه .
والخيارات الواردة في الكتاب المقرر أربعة وهي :
1- خيار الشرط . 2- خيار التعيين . 3- خيار الرؤية . 4- خيار العيب .
? ثم نختم المنهج بمدى سلطان الإرادة في إنشاء العقود والشروط ، وهو يتعلق ببعض العقود التي لم ينص عليها الشارع فهل تعتبر هذه العقود وما يشترط فيها من شروط داخلة في باب التحريم أو الإباحة أو بين ذلك ثلاثة آراء للفقهاء فيها .
وبهذا نكون قد سردنا أهم العناوين في منهجنا مع شيء موجز من الشرح لتتم الفائدة .
أسئلة عامة على مادة النظريات الفقهية(1/49)
1- عرف المال بثلاثة تعريفات . فأيها التعريف المختار ؟
أ- المال ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة . ب- المال كل ما يمكن حيازته والانتفاع به على وجه معتاد .
ج- اسم لغير الآدمي خلق لمصالح الآدمي ويمكن إحرازه والتصرف فيه على وجه الاختيار .
2- المنقول ما أمكن نقله مع بقاء هيئته وصورته دون تغير فإن تغيرت صورته فهو عقار لا منقول ، وهذا على رأي .
أ- الحنفية . ب- المالكية . ج- على رأييهما .
3- من أسباب ملك المنفعة أو حق الانتفاع الشخصي .
أ- الشركة العامة . ب- الإجارة . ج- التقادم . د- جميع ما سبق . هـ - لا شيء مما سبق .
4- هل يصح : أن حق الارتفاق تزيد به قيمة العقار الخادم وتقل به قيمة العقار المخدوم .
أ- يصح . ب- لا يصح .
5- أي الأسباب التالية اعترض عليه كسبب من أسباب الملك التام ؟
أ- الميراث . ب- التولد من المال المملوك . ج- العقود الملكية الناقلة للملكية . د- لا شيء مما سبق .
6- من أنواع الاستيلاء على الأموال المباحة الآجام ، فما المقصود بالآجام ؟
أ- الكلأ . ب- الحشائش . ج- الأشجار الملتفة .
7- يطلق لفظ المشفوع به ويراد به :
أ- الذي يطالب بحق الشفعة. ب- العقار المملوك للشفيع والذي بسببه صار شفيعاً . ج- العقار المبيع .
8- قال - صلى الله عليه وسلم - :[ الشفعة فيما لم يقسم ] .
أ- استدل بهذا الحديث المانعون من الشفعة في البئر . ب- استدل بهذا الحديث المجيزون للشفعة في البئر .
9- لو قال شخص لآخر : بعتك هذه السيارة بألف دينار ، فقال الآخر : قبلت بستانك بهذا الثمن . فإن العقد في هذه الصورة لا ينعقد وذلك :
أ- لعدم موافقة القبول للإيجاب . ب- لعدم علم كل عاقد بما صدر من الآخر . ج- لعدم اتصال القبول بالإيجاب في مجلس العقد .
10- أي الأمور التالية يعتبر أساساً لأهلية الأداء ؟
أ- العقل . ب- التميز . ج- حياة الإنسان . د- الفقرة أ+ب . هـ الفقرة ب+ج .(1/50)
11- املأ الفراغ :.....اختلال العقل على نحو يمنع جريان أفعال الإنسان وأقواله على ما يقتضيه العقل السوي .
أ- الجنون . ب- العته . ج- السفه .
12- إذا قال شخص لآخر : وكلتك ببيع داري إذا سافرت إلى خارج العراق فقبل الآخر التوكيل ، انعقدت الوكالة :
أ- منجزة . ب- معلقة . ج- مضافة إلى المستقبل .
13- استدل بقوله - صلى الله عليه وسلم - :[ لا طلاق في إغلاق ] من قال :
أ- أن تصرفات المكره القولية التي لا تحتمل الفسخ نافذة . ب- أن تصرفات المكره القولية التي تحتمل الفسخ فاسدة . ج- أن تصرفات المكره القولية كلها مهدرة .
14- هل يصح : أن من مسقطات خيار الرؤية موت من له الخيار قبل أن يختار الفسخ أو الإمضاء على رأي بعض الفقهاء .
أ- يصح . ب- لا يصح .
15- أي أنواع الخيار يثبت فيما أوجب نقصاً في ثمن المبيع ؟
أ- خيار الشرط . ب- خيار التعيين . ج- خيار العيب .
نموذج الإجابة للأسئلة السابقة
1- عرف المال بثلاثة تعريفات . فأيها التعريف المختار ؟
أ- المال ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة . ب- المال كل ما يمكن حيازته والانتفاع به على وجه معتاد .
ج- اسم لغير الآدمي خلق لمصالح الآدمي ويمكن إحرازه والتصرف فيه على وجه الاختيار .
2- المنقول ما أمكن نقله مع بقاء هيئته وصورته دون تغير فإن تغيرت صورته فهو عقار لا منقول ، وهذا على رأي .
أ- الحنفية . ب- المالكية . ج- على رأييهما .
3- من أسباب ملك المنفعة أو حق الانتفاع الشخصي .
أ- الشركة العامة . ب- الإجارة . ج- التقادم . د- جميع ما سبق . هـ - لا شيء مما سبق .
4- هل يصح : أن حق الارتفاق تزيد به قيمة العقار الخادم وتقل به قيمة العقار المخدوم .
أ- يصح . ب- لا يصح .
5- أي الأسباب التالية اعترض عليه كسبب من أسباب الملك التام ؟
أ- الميراث . ب- التولد من المال المملوك . ج- العقود الملكية الناقلة للملكية . د- لا شيء مما سبق .(1/51)
6- من أنواع الاستيلاء على الأموال المباحة الآجام ، فما المقصود بالآجام ؟
أ- الكلأ . ب- الحشائش . ج- الأشجار الملتفة .
7- يطلق لفظ المشفوع به ويراد به :
أ- الذي يطالب بحق الشفعة. ب- العقار المملوك للشفيع والذي بسببه صار شفيعاً . ج- العقار المبيع .
8- قال - صلى الله عليه وسلم - :[ الشفعة فيما لم يقسم ] .
أ- استدل بهذا الحديث المانعون من الشفعة في البئر . ب- استدل بهذا الحديث المجيزون للشفعة في البئر .
9- لو قال شخص لآخر : بعتك هذه السيارة بألف دينار ، فقال الآخر : قبلت بستانك بهذا الثمن . فإن العقد في هذه الصورة لا ينعقد وذلك :
أ- لعدم موافقة القبول للإيجاب . ب- لعدم علم كل عاقد بما صدر من الآخر . ج- لعدم اتصال القبول بالإيجاب في مجلس العقد .
10- أي الأمور التالية يعتبر أساساً لأهلية الأداء ؟
أ- العقل . ب- التميز . ج- حياة الإنسان . د- الفقرة أ+ب . هـ الفقرة ب+ج .
11- املأ الفراغ :.....اختلال العقل على نحو يمنع جريان أفعال الإنسان وأقواله على ما يقتضيه العقل السوي .
أ- الجنون . ب- العته . ج- السفه .
12- إذا قال شخص لآخر : وكلتك ببيع داري إذا سافرت إلى خارج العراق فقبل الآخر التوكيل ، انعقدت الوكالة :
أ- منجزة . ب- معلقة . ج- مضافة إلى المستقبل .
13- استدل بقوله - صلى الله عليه وسلم - :[ لا طلاق في إغلاق ] من قال :
أ- أن تصرفات المكره القولية التي لا تحتمل الفسخ نافذة . ب- أن تصرفات المكره القولية التي تحتمل الفسخ فاسدة . ج- أن تصرفات المكره القولية كلها مهدرة .
14- هل يصح : أن من مسقطات خيار الرؤية موت من له الخيار قبل أن يختار الفسخ أو الإمضاء على رأي بعض الفقهاء .
أ- يصح . ب- لا يصح .
15- أي أنواع الخيار يثبت فيما أوجب نقصاً في ثمن المبيع ؟
أ- خيار الشرط . ب- خيار التعيين . ج- خيار العيب .
(((1/52)
ملحوظة : الرجاء عدم الاعتماد على هذه الأسئلة في الاختبارات وإنما هي نموذج لطريقة عرض الأسئلة ))(1/53)