( بَابُ تَرْتِيبِ الأَدِلَّةِ , وَالتَّعَادُلِ , وَالتَّعَارُضِ , وَالتَّرْجِيحِ ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى الْكَلاَمُ فِي مَبَاحِثِ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا , وَكَانَتْ الأَدِلَّةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا رُبَّمَا تَعَارَضَ مِنْهَا دَلِيلاَنِ بِاقْتِضَاءِ حُكْمَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ , وَكَانَ مِنْ مَوْضُوعِ نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَضَرُورَاتِهِ : تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا , اُحْتِيجَ إلَى ذِكْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ مَعْرِفَةُ التَّرْتِيبِ وَالتَّعَادُلِ وَالتَّعَارُضِ , وَالتَّرْجِيحِ , وَحُكْمُ كُلٍّ مِنْهَا . وَذَلِكَ إنَّمَا يَقُومُ بِهِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ , وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ , فَلِذَلِكَ قَدَّمَ الْمُوَفَّقُ وَالآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُمْ بَابَ الأِجْتِهَادِ عَلَى هَذَا الْبَابِ , وَإِنَّمَا جَازَ دُخُولُ التَّعَارُضِ فِي أَدِلَّةِ الْفِقْهِ لِكَوْنِهَا ظَنِّيَّةً . إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَ ( التَّرْتِيبُ ) هُوَ ( جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شَيْئَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي رُتْبَتِهِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا ) أَيْ يَسْتَحِقُّ جَعْلَهُ فِيهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ . وَأَدِلَّةُ الشَّرْعِ : الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالآجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ وَنَحْوُهُ . ( فَيُقَدَّمُ ) مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ ( إجْمَاعٌ ) عَلَى بَاقِي الأَدِلَّةِ لِوَجْهَيْنِ . أَحَدُهُمَا : كَوْنُهُ قَاطِعًا مَعْصُومًا مِنْ الْخَطَإِ . الْوَجْهُ الثَّانِي : كَوْنُهُ آمِنًا مِنْ النَّسْخِ وَالتَّأْوِيلِ , بِخِلاَفِ بَاقِي الأَدِلَّةِ , وَهُوَ أَنْوَاعٌ . أَحَدُهَا : الآجْمَاعُ النُّطْقِيُّ الْمُتَوَاتِرُ , وَهُوَ أَعْلاَهَا , ثُمَّ يَلِيهِ الآجْمَاعُ النُّطْقِيُّ الثَّابِتُ بِالآحَادِ , ثُمَّ يَلِيهِ الآجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ الْمُتَوَاتِرُ , ثُمَّ يَلِيهِ(3/54)
الآجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ الثَّابِتُ بِالآحَادِ , فَهَذِهِ الأَنْوَاعُ الأَرْبَعَةُ كُلُّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَاقِي الأَدِلَّةِ ثُمَّ ( سَابِقٌ ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا نُقِلَ إجْمَاعَانِ مُتَضَادَّانِ , فَالْمَعْمُولُ بِهِ مِنْهُمَا : هُوَ السَّابِقُ مِنْ الآجْمَاعَيْنِ . فَيُقَدَّمُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى إجْمَاعِ التَّابِعِينَ , وَإِجْمَاعُ التَّابِعِينَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ , وَهَلُمَّ جَرَّا ; لأِنَّ السَّابِقَ دَائِمًا أَقْرَبُ إلَى زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَشْهُودِ لَهُ بِالْخَيْرِيَّةِ فِي قَوْلِهِ { خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ } فَإِنْ فُرِضَ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ إجْمَاعَانِ , فَالثَّانِي بَاطِلٌ ; لأِنَّ كُلَّ مَنْ اجْتَهَدَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ الآجْمَاعَ السَّابِقَ , فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الآجْمَاعَيْنِ مُخْتَلَفًا فِيهِ , وَالآخَرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ , فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مُقَدَّمٌ , وَكَذَلِكَ مَا كَانَ الْخِلاَفُ فِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا أَضْعَفَ . فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى مَا كَانَ الْخِلاَفُ فِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا أَقْوَى , وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ ( وَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَوْ أَقْوَى ) قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ : وَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَوْ ضَعُفَ الْخِلاَفُ فِيهِ أَوْلَى . انْتَهَى . وَكَذَلِكَ إجْمَاعٌ لَمْ يَسْبِقْهُ اخْتِلاَفٌ مُقَدَّمٌ عَلَى إجْمَاعٍ سَبَقَ فِيهِ اخْتِلاَفٌ ثُمَّ وَقَعَ الآجْمَاعُ . وَقِيلَ : عَكْسُهُ ( وَأَعْلاَهُ ) أَيْ الآجْمَاعِ : إجْمَاعٌ ( مُتَوَاتِرٌ نُطْقِيٌّ , فَآحَادٌ ) أَيْ فَالنُّطْقِيُّ الثَّابِتُ بِالآحَادِ ( فَسُكُوتِيٌّ كَذَلِكَ ) أَيْ : فَإِجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ مُتَوَاتِرٌ , فَسُكُوتِيٌّ ثَابِتٌ(3/55)
بِالآحَادِ . وَتَقَدَّمَ مَعْنَى ذَلِكَ قَرِيبًا فِي الشَّرْحِ ( فَالْكِتَابُ وَمُتَوَاتِرُ السُّنَّةِ ) يَعْنِي أَنَّهُ يَلِي الآجْمَاعَ مِنْ حَيْثُ التَّقْدِيمُ : الْقُرْآنُ وَمُتَوَاتِرُ السُّنَّةِ لِقَطْعِيَّتِهِمَا , فَيُقَدَّمَانِ عَلَى بَاقِي الأَدِلَّةِ ; لأِنَّهُمَا قَاطِعَانِ مِنْ جِهَةِ الْمَتْنِ , وَلِهَذَا جَازَ نَسْخُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالآخَرِ عَلَى الأَصَحِّ ; لأِنَّ كُلاً مِنْهُمَا وَحْيٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى , وَإِنْ افْتَرَقَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ لِلآعْجَازِ , فَفِي الْحَقِيقَةِ هُمَا سَوَاءٌ . وَقِيلَ : يُقَدَّمُ الْكِتَابُ ; لأِنَّهُ أَشْرَفُ , وَقِيلَ : السُّنَّةُ لقوله تعالى " لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ " أَمَّا الْمُتَوَاتِرَانِ مِنْ السُّنَّةِ : فَمُتَسَاوِيَانِ قَطْعًا , ثُمَّ يَلِي ذَلِكَ فِي التَّقْدِيمِ مِنْ بَاقِي الأَدِلَّةِ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( فَآحَادُهَا ) أَيْ : آحَادِ السُّنَّةِ ( عَلَى مَرَاتِبِهَا ) أَيْ : مَرَاتِبِ الآحَادِ , وَأَعْلاَهَا : الصَّحِيحُ , فَيُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ , ثُمَّ الْحَسَنُ , فَيُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ , ثُمَّ الضَّعِيفُ . وَهُوَ أَصْنَافٌ كَثِيرَةٌ . وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُ كُلٍّ مِنْ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ , وَالضَّعِيفِ , فَيُقَدَّمُ مِنْ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ أَقْوَى ( فَقَوْلُ صَحَابِيٍّ ) يَعْنِي أَنَّهُ يَلِي ضَعِيفَ آحَادِ السُّنَّةِ فِي التَّقْدِيمِ : قَوْلُ الصَّحَابِيِّ ( فَقِيَاسٌ ) بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ .(3/56)
شَرَعَ فِي الْكَلاَمِ عَلَى التَّرْجِيحِ بِمَا يَنْضَمُّ إلَى اللَّفْظِ مِنْ أَمْرٍ خَارِجٍ عَمَّا تَقَدَّمَ . فَقَالَ ( الْخَارِجُ ) يَعْنِي : الَّذِي يُرَجَّحُ بِهِ غَيْرُهُ , فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ ( يُرَجَّحُ ) الدَّلِيلُ ( بِمُوَافَقَةِ دَلِيلٍ آخَرَ ) لَهُ عَلَى دَلِيلٍ لَمْ يُوَافِقْهُ دَلِيلٌ آخَرُ ; لأِنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْحَاصِلِ مِنْ دَلِيلٍ وَاحِدٍ , وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّلِيلُ الْمُوَافِقُ لِسُنَّةٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ , لأِنَّ تَقْدِيمَ مَا لَمْ يُوَافِقْ تَرْكٌ لِشَيْئَيْنِ , وَهُمَا الدَّلِيلُ مَا عَضَّدَهُ , وَتَقْدِيمُ الْمُوَافِقِ تَرْكٌ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ , وَلِهَذَا قَدَّمْنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي { صَلاَةِ الْفَجْرِ بِغَلَسٍ } عَلَى حَدِيثِ رَافِعٍ فِي " الآسْفَارِ " لِمُوَافَقَتِهِ قوله تعالى { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ } لأِنَّ مِنْ الْمُحَافَظَةِ الآتْيَانَ بِالْمُحَافَظِ عَلَيْهِ الْمُؤَقَّتِ أَوَّلَ وَقْتِهِ , وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ , وَوَافَقَهُ قِيَاسٌ آخَرُ , وَعَارَضَهُمَا خَبَرٌ . فَإِنَّ مَا ثَبَتَ بِالْخَبَرِ مُقَدَّمٌ . وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ ( إلاَ فِي أَقْيِسَةٍ تَعَدَّدَ أَصْلُهَا مَعَ خَبَرٍ , فَيُقَدَّمُ ) الْخَبَرُ ( عَلَيْهَا ) أَيْ : عَلَى الأَقْيِسَةِ الْمُتَعَدِّدِ أَصْلُهَا , وَقِيلَ : الأَقْيِسَةُ الْمُتَعَدِّدُ أَصْلُهَا . قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ : قِيلَ : يُقَدَّمُ الْخَبَرُ عَلَى الأَقْيِسَةِ , وَقِيلَ : بِالْمَنْعِ إنْ تَعَدَّدَ أَصْلُهَا .(3/57)
شَرَعَ فِي تَرْجِيحِ الدَّلِيلَيْنِ الْمَعْقُولَيْنِ بِأَنْوَاعِهِ , وَهُوَ الْغَرَضُ الأَعْظَمُ مِنْ بَابِ التَّرَاجِيحِ , وَفِيهِ اتِّسَاعُ مَجَالِ الأِجْتِهَادِ , وَبَدَأَ بِتَعْرِيفِهِمَا , فَقَالَ ( الْمَعْقُولاَنِ ) أَيْ : الدَّلِيلاَنِ الْمَعْقُولاَنِ ( قِيَاسَانِ , أَوْ اسْتِدْلاَلاَنِ . فَالأَوَّلُ ) الَّذِي هُوَ الْقِيَاسَانِ ( يَعُودُ ) التَّرْجِيحُ فِيهِ ( إلَى أَصْلِهِ ) أَيْ : الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ ( وَفَرْعِهِ ) أَيْ : الْفَرْعِ الْمَقِيسِ ( وَ ) يَكُونُ فِي ( مَدْلُولِهِ وَأَمْرٍ خَارِجٍ ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَنْقُولَيْنِ ( فَيُرَجَّحُ الأَصْلُ ) فِي صُوَرٍ الآولَى : أَنْ يُرَجَّحَ ( بِقَطْعِ حُكْمِهِ ) أَيْ : بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُ الأَصْلِ قَطْعِيًّا , فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا كَانَ دَلِيلُ أَصْلِهِ ظَنِّيًّا , كَقَوْلِنَا فِي لِعَانِ الأَخْرَسِ : أَنَّ مَا صَحَّ مِنْ النَّاطِقِ صَحَّ مِنْ الأَخْرَسِ كَالْيَمِينِ , فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مِنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى شَهَادَتِهِ , تَعْلِيلاً بِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ ; لأِنَّ الْيَمِينَ تَصِحُّ مِنْ الأَخْرَسِ بِالآجْمَاعِ , وَالآجْمَاعُ قَطْعِيٌّ , وَأَمَّا جَوَازُ شَهَادَتِهِ : فَفِيهِ خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ . ( وَ ) الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يُرَجَّحَ ( بِقُوَّةِ دَلِيلِهِ ) أَيْ : بِأَنْ يَكُونَ دَلِيلُ أَحَدِ الأَصْلَيْنِ أَقْوَى , فَتَكُونُ صِحَّتُهُ أَغْلَبَ فِي الظَّنِّ . ( وَ ) الثَّالِثَةُ : التَّرْجِيحُ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ : بِأَنْ يَكُونَ دَلِيلُ أَصْلِهِ ( لَمْ يُنْسَخْ ) بِالأِتِّفَاقِ فَإِنَّ مَا قِيلَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ - وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ بِهِ ضَعِيفًا - لَيْسَ كَالْمُتَّفَقِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ . ( وَ ) الرَّابِعَةُ التَّرْجِيحُ بِكَوْنِ حُكْمِ(3/58)
أَصْلِهِ جَارِيًا ( عَلَى سُنَنِ الْقِيَاسِ ) بِالأِتِّفَاقِ , فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مِمَّا كَانَ عَلَى سُنَنِ الْقِيَاسِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ ; لأِنَّ مَا كَانَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ كَانَ أَبْعَدَ مِنْ الْخَلَلِ . وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ : وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ هُنَا أَنْ يَكُونَ فَرْعُهُ مِنْ جِنْسِ أَصْلِهِ , كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ , وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمْ , وَذَلِكَ كَقِيَاسِ مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ فِي تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ إيَّاهُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِمْ ذَلِكَ عَلَى غَرَامَاتِ الأَمْوَالِ فِي أُصُولِ إسْقَاطِ التَّحَمُّلِ ; لأِنَّ الْمُوضِحَةَ مِنْ جِنْسِ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ , فَكَانَ عَلَى سُنَنِهِ , إذْ الْجِنْسُ بِالْجِنْسِ أَشْبَهُ . كَمَا يُقَالُ : قِيَاسُ الطَّهَارَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ . ( وَ ) الْخَامِسَةُ : التَّرْجِيحُ ( بِدَلِيلٍ خَاصٍّ بِتَعْلِيلِهِ ) أَيْ : بِقِيَامِ دَلِيلٍ خَاصٍّ عَلَى تَعْلِيلِهِ , وَجَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ التَّعَبُّدِ وَالْقُصُورِ وَالْخِلاَفِ , وَيُرَجَّحُ مَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ بِالنَّصِّ عَلَى مَا ثَبَتَتْ عِلَّتُهُ بِالآجْمَاعِ . قَدَّمَهُ الآرْمَوِيُّ وَالْبَيْضَاوِيُّ , وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ ( وَفِي قَوْلٍ : نَصٌّ , فَإِجْمَاعٌ ) وَقَالَ فِي الْمَحْصُولِ : وَيُرَجَّحُ مَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ بِالآجْمَاعِ عَلَى مَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ بِالنَّصِّ ; لِقَبُولِ النَّصِّ لِلتَّأْوِيلِ , بِخِلاَفِ الآجْمَاعِ , ثُمَّ قَالَ : وَيُمْكِنُ تَقْدِيمُ النَّصِّ ; لأِنَّ الآجْمَاعَ فَرْعُهُ . قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ : نَعَمْ إذَا اسْتَوَى النَّصُّ وَالآجْمَاعُ(3/59)
فِي الْقَطْعِ مَتْنًا وَدَلاَلَةً : كَانَ مَا دَلِيلُهُ الآجْمَاعُ رَاجِحًا وَدُونَهُمَا , إذَا كَانَا ظَنِّيَّيْنِ . بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا نَصًّا ظَنِّيًّا , وَالآخَرُ إجْمَاعًا ظَنِّيًّا رُجِّحَ أَيْضًا مَا كَانَ دَلِيلُهُ الآجْمَاعَ , لِمَا سَبَقَ مِنْ قَبُولِ النَّصِّ النَّسْخَ وَالتَّخْصِيصَ . قَالَ الْهِنْدِيُّ : هَذَا صَحِيحٌ بِشَرْطِ التَّسَاوِي فِي الدَّلاَلَةِ , فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْحَقُّ أَنَّهُ يُتْبَعُ فِيهِ الأِجْتِهَادُ فَمَا تَكُونُ فَائِدَتُهُ لِلظَّنِّ أَكْثَرَ : فَهُوَ أَوْلَى فَإِنَّ الآجْمَاعَ , وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ النَّسْخَ وَالتَّخْصِيصَ , لَكِنْ قَدْ تَضْعُفُ دَلاَلَتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدَّلاَلَةِ الْقَطْعِيَّةِ , فَقَدْ يَنْجَبِرُ النَّقْصُ بِالزِّيَادَةِ , وَقَدْ لاَ يَنْجَبِرُ , فَيَقَعُ فِيهِ الأِجْتِهَادُ . انْتَهَى .(3/60)
شَرَعَ فِي الْكَلاَمِ عَلَى تَرْجِيحِ الْفَرْعِ . فَقَالَ ( الْفَرْعُ ) يَعْنِي : أَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ التَّرْجِيحُ وَيُرَجَّحُ بِمَا يَقْوَى بِهِ الظَّنُّ ( وَيَقْوَى ظَنٌّ بِمُشَارَكَةِ ) الْفَرْعِ الأَصْلَ ( فِي أَخَصَّ ) وَيُرَجَّحُ عَلَى مَا هُوَ مُشَارِكٌ فِي أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ الأَخَصِّ . ( وَ ) يُرَجَّحُ أَيْضًا الْفَرْعُ بِ ( بُعْدِهِ عَنْ الْخِلاَفِ ) إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ( فَيُقَدَّمُ ) فَرْعٌ ( مُشَارِكٌ ) لِلأَصْلِ ( فِي عَيْنِ الْحُكْمِ وَ ) عَيْنِ ( الْعِلَّةِ ) عَلَى فَرْعٍ مُشَارِكٍ لأِصْلِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ , وَجِنْسِ الْعِلَّةِ , وَعَلَى مُشَارِكٍ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ , وَعَيْنِ الْعِلَّةِ , وَعَلَى مُشَارِكٍ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ , وَجِنْسِ الْعِلَّةِ , وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ; لأِنَّ التَّعَدِّيَةَ بِاعْتِبَارِ الأِشْتِرَاكِ فِي الْمَعْنَى الأَخَصِّ تَكُونُ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ مِنْ الأِشْتِرَاكِ فِي الْمَعْنَى الأَعَمِّ ( فَفِي عَيْنِهَا وَجِنْسِهِ ) يَعْنِي ثُمَّ يَلِي مَا تَقَدَّمَ , الْفَرْعُ الْمُشَارِكُ لِلأَصْلِ فِي عَيْنِ الْعِلَّةِ وَجِنْسِ الْحُكْمِ ; لأِنَّ الْعِلَّةَ أَصْلُ الْحُكْمِ الْمُتَعَدِّي , بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي خُصُوصِ الْعِلَّةِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي خُصُوصِ الْحُكْمِ ( فَفِي عَيْنِهِ وَجِنْسِهَا ) يَعْنِي : ثُمَّ يَلِي مَا تَقَدَّمَ : الْفَرْعُ الْمُشَارِكُ لِلأَصْلِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ , وَجِنْسِ الْعِلَّةِ ; فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْفَرْعِ الْمُشَارِكِ فِي جِنْسِ الْعِلَّةِ , وَجِنْسِ الْحُكْمِ ; لأِنَّ الْمُشَارِكَ فِي عَيْنِ أَحَدِهِمَا أَوْلَى ; لأِنَّهُ أَخَصُّ ( فَفِي جِنْسِهِمَا ) . يَعْنِي ثُمَّ يَلِي مَا تَقَدَّمَ : الْفَرْعُ الْمُشَارِكُ لِلأَصْلِ فِي جِنْسِ(3/61)
الْعِلَّةِ وَجِنْسِ الْحُكْمِ ( وَبِقَطْعِ عِلَّةٍ فِي فَرْعٍ ) يَعْنِي : أَنَّهُ يُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي الْعِلَّةُ فِي فَرْعِهِ مَقْطُوعٌ بِهَا , عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي الْعِلَّةُ فِي فَرْعِهِ مَظْنُونَةٌ ( وَبِتَأَخُّرِهِ ) أَيْ : تَأَخُّرِ الْفَرْعِ , يَعْنِي أَنَّ الْفَرْعَ يُرَجَّحُ بِتَأَخُّرِهِ عَنْ الأَصْلِ فِي الرُّتْبَةِ , عَلَى فَرْعٍ يُسَاوِي الأَصْلَ فِي الرُّتْبَةِ ; لأِنَّ الْفَرْعَ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ زَمَنِ الأَصْلِ لاَ تَمْتَنِعُ مُسَاوَاتُهُ لَهُ فِي الرُّتْبَةِ , وَالْوَاجِبُ بِفَرْعِيَّةِ الْفَرْعِ إنَّمَا هُوَ التَّأَخُّرُ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ الرُّتْبَةِ , لاَ مُطْلَقًا , بَلْ بِالنِّسْبَةِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي أُرِيدَ تَعْدِيَتُهُ إلَيْهِ ( وَبِثُبُوتِهِ بِنَصٍّ ) يَعْنِي أَنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي ثَبَتَ حُكْمُ الْفَرْعِ فِيهِ بِالنَّصِّ يُرَجَّحُ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْفَرْعِ فِيهِ بِالنَّصِّ وَقَوْلُنَا ( جُمْلَةً ) لأِنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حُكْمُ الْفَرْعِ بِالنَّصِّ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ : لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ , وَ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ فَرْعًا , لأِنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ لاَ يُقَاسُ حِينَئِذٍ عَلَى شَيْءٍ وَحَيْثُ انْتَهَى الْكَلاَمُ عَلَى مَا يَتَرَجَّحُ بِهِ الْفَرْعُ
شَرَعَ فِي الْكَلاَمِ عَلَى التَّرْجِيحِ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَالأَمْرُ الْخَارِجُ فَقَالَ ( الْمَدْلُولُ وَأَمْرٌ خَارِجٌ ) يَعْنِي أَنَّهُ يَكُونُ التَّرْجِيحُ فِيهِمَا ( كَمَا مَرَّ فِي ) الدَّلِيلَيْنِ ( الْمَنْقُولَيْنِ ) عَلَى حُكْمِ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِيهِمَا(3/62)
( خَاتِمَةٌ ) يَقَعُ التَّرْجِيحُ بَيْنَ حُدُودٍ سَمْعِيَّةٍ ظَنِّيَّةٍ مُفِيدَةٍ لِمَعَانٍ مُفْرَدَةٍ تَصَوُّرِيَّةٍ . وَهِيَ حُدُودُ الأَحْكَامِ الظَّنِّيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِمَعَانٍ مُفْرَدَةٍ تَصَوُّرِيَّةٍ , وَذَلِكَ : لأِنَّ الأَمَارَاتِ الْمُفْضِيَةَ إلَى التَّصْدِيقَاتِ كَمَا يَقَعُ التَّعَارُضُ فِيهَا , وَيُرَجَّحُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ , كَذَلِكَ الْحُدُودُ السَّمْعِيَّةُ يَقَعُ التَّعَارُضُ فِيهَا . وَيُرَجَّحُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ , وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " السَّمْعِيَّةَ " الْعَقْلِيَّةُ , الَّتِي هِيَ تَعْرِيفُ الْمَاهِيَّاتِ , فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مَقْصُودَةً هُنَا إذَا تَقَرَّرَ هَذَا . فَإِنَّهُ ( يُرَجَّحُ مِنْ حُدُودٍ سَمْعِيَّةٍ : ظَنِّيَّةٍ مُفِيدٍ لِمَعَانٍ مُفْرَدَةٍ تَصَوُّرِيَّةٍ صَرِيحٌ ) لأِنَّ التَّرْجِيحَ فِي الْحُدُودِ السَّمْعِيَّةِ تَارَةً يَكُونُ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ , وَتَارَةً يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى . وَتَارَةً يَكُونُ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ خَارِجٍ . فَمِنْ التَّرْجِيحِ بِاعْتِبَارِ الأَلْفَاظِ : الصَّرَاحَةُ , فَيُرَجَّحُ الْحَدُّ الَّذِي بِلَفْظٍ صَرِيحٍ عَلَى حَدٍّ فِيهِ تَجَوُّزٌ , أَوْ اسْتِعَارَةٌ , أَوْ اشْتِرَاكٌ , أَوْ غَرَابَةٌ , أَوْ اضْطِرَابٌ . وَمَحَلُّ هَذَا : إنْ قُلْنَا : إنَّ التَّجَوُّزَ وَالأِسْتِعَارَةَ وَالأِشْتِرَاكَ تَكُونُ فِي الْحُدُودِ , وَالصَّحِيحُ : الْمَنْعُ . قَالَ الْكُورَانِيُّ : إلاَ إذَا اشْتَهَرَ الْمَجَازُ , حَيْثُ لاَ يَتَبَادَرُ غَيْرُهُ ( وَ ) مِنْ التَّرْجِيحِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى ( أَعْرَفُ ) يَعْنِي بِأَنْ يَكُونَ الْمُعَرَّفُ مِنْ أَحَدِهِمَا أَعْرَفَ مِنْ الآخَرِ ( وَ ) مِنْ التَّرْجِيحِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى أَيْضًا ( أَعَمُّ ) يَعْنِي بِأَنْ يَكُونَ مَدْلُولُ أَحَدِهِمَا أَعَمَّ(3/63)
مِنْ مَدْلُولِ الآخَرِ , فَيُرَجَّحُ الأَعَمُّ لِيَتَنَاوَلَ الأَخَصَّ وَغَيْرَهُ فَتَكْثُرُ الْفَائِدَةُ . وَقِيلَ : يُقَدَّمُ الأَخَصُّ لِلأِتِّفَاقِ عَلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الأَخَصُّ ; لِتَنَاوُلِ الْحَدَّيْنِ لَهُ وَالأِخْتِلاَفُ فِيمَا زَادَ عَلَى مَدْلُولِ الأَخَصِّ . وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَوْلَى ( وَ ) مِنْ التَّرْجِيحِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى أَيْضًا ( ذَاتِيٌّ ) يَعْنِي : أَنَّهُ يُرَجَّحُ التَّعْرِيفُ بِكَوْنِهِ ذَاتِيًّا عَلَى كَوْنِهِ عَرَضِيًّا ; لأِنَّ التَّعْرِيفَ بِالذَّاتِيِّ يُفِيدُ كُنْهَ الْحَقِيقَةِ , بِخِلاَفِ الْعَرَضِيِّ . ( مِنْ ذَا ) أَيْ : يُقَدَّمُ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ الذَّاتِيِّ مَا هُوَ ( حَقِيقِيٌّ تَامٌّ , فَ ) مَا هُوَ حَقِيقِيٌّ ( نَاقِصٌ ) فَمَا هُوَ ( رَسْمِيٌّ كَذَلِكَ ) يَعْنِي : أَنَّهُ يُقَدَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّعْرِيفُ الرَّسْمِيُّ التَّامُّ . فَالتَّعْرِيفُ الرَّسْمِيُّ النَّاقِصُ ( فَلَفْظِيٌّ ) يَعْنِي : أَنَّهُ يَلِي الرَّسْمِيَّ النَّاقِصَ : التَّعْرِيفُ اللَّفْظِيُّ ( وَ ) يَكُونُ التَّرْجِيحُ فِي الْحُدُودِ السَّمْعِيَّةِ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ خَارِجٍ أَيْضًا فَيُرَجَّحُ أَحَدُ الْحَدَّيْنِ ( بِمُوَافَقَةِ ) نَقْلٍ شَرْعِيٍّ , أَوْ لُغَوِيٍّ ( أَوْ ) بِ ( مُقَارَنَةِ نَقْلٍ سَمْعِيٍّ , أَوْ لُغَوِيٍّ ) عَلَى مَا لاَ يَكُونُ كَذَلِكَ ( أَوْ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ , أَوْ ) عَمَلِ ( الْخُلَفَاءِ ) الرَّاشِدِينَ - ( أَوْ ) عَمَلِ ( عَالِمٍ ) يَعْنِي : أَنَّهُ يُرَجَّحُ أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ بِمُوَافَقَةِ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ . أَوْ بِمُوَافَقَةِ عَمَلِ الْخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ , أَوْ بِمُوَافَقَةِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ , أَوْ بِمُوَافَقَةِ عَمَلِ عَالِمٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا لاَ يَكُونُ كَذَلِكَ ; لِحُصُولِ(3/64)
الْقُوَّةِ بِذَلِكَ . ( وَ ) يُرَجَّحُ أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ أَيْضًا ( بِكَوْنِ طَرِيقِ تَحْصِيلِهِ أَسْهَلَ ) مِنْ طَرِيقِ الآخَرِ ( أَوْ أَظْهَرَ ) مِنْ طَرِيقِ الآخَرِ . يَعْنِي : أَنَّ أَحَدَ التَّعْرِيفَيْنِ يُرَجَّحُ عَلَى الآخَرِ بِرُجْحَانِ طَرِيقِ اكْتِسَابِهِ , بِأَنْ يَكُونَ طَرِيقُ اكْتِسَابِهِ أَيْ اكْتِسَابِ أَحَدِهِمَا قَطْعِيًّا , وَطَرِيقُ اكْتِسَابِ الآخَرِ ظَنِّيًّا , أَوْ اكْتِسَابِ أَحَدِهِمَا أَرْجَحَ مِنْ طَرِيقِ اكْتِسَابِ الآخَرِ , بِكَوْنِ طَرِيقِهِ أَسْهَلَ أَوْ أَظْهَرَ , فَيُقَدَّمُ الأَسْهَلُ أَوْ الأَظْهَرُ عَلَى غَيْرِهِ ; لأِنَّهُ أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ , وَأَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ ( وَ ) يُرَجَّحُ أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ أَيْضًا ( بِتَقْرِيرِ حُكْمِ حَظْرٍ ) عَلَى تَعْرِيفٍ مُقَرِّرٍ لِحُكْمِ إبَاحَةٍ ( أَوْ نَفْيٍ ) يَعْنِي : أَنَّهُ يُرَجَّحُ تَعْرِيفٌ مُقَرِّرٌ لِنَفْيِ حُكْمٍ عَلَى تَعْرِيفٍ مُقَرِّرٍ لِلآثْبَاتِ ( أَوْ دَرْءِ حَدٍّ ) يَعْنِي : أَنَّهُ يُرَجَّحُ تَعْرِيفٌ مُقَرِّرٌ لِدَرْءِ حَدٍّ , بِأَنْ يَلْزَمَ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ دَرْءُ الْحَدِّ , عَلَى مَا لاَ يَكُونُ كَذَلِكَ ( أَوْ ثُبُوتِ عِتْقٍ , أَوْ ) ثُبُوتِ ( طَلاَقٍ وَنَحْوِهِ ) يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ بِكَوْنِهِ يَلْزَمُ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ ثُبُوتُ عِتْقٍ أَوْ طَلاَقٍ , أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ عَلَى مَا لاَ يَلْزَمُ مِنْ الْعَمَلِ بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ . ثُمَّ قَالَ : فَالتَّرْجِيحُ بِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْحُجَجِ . ( وَضَابِطُ التَّرْجِيحِ ) يَعْنِي الْقَاعِدَةَ الْكُلِّيَّةَ فِي التَّرْجِيحِ ( أَنَّهُ مَتَى اقْتَرَنَ بِأَحَدِ ) دَلِيلَيْنِ ( مُتَعَارِضَيْنِ أَمْرٌ نَقْلِيٌّ ) كَآيَةٍ أَوْ خَبَرٍ ( أَوْ ) أَمْرٍ ((3/65)
اصْطِلاَحِيٍّ ) كَعُرْفٍ أَوْ عَادَةٍ ( عَامٌّ ) ذَلِكَ الأَمْرُ ( أَوْ خَاصٌّ , أَوْ ) اقْتَرَنَ بِأَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ ( قَرِينَةٌ عَقْلِيَّةٌ , أَوْ ) قَرِينَةٌ ( لَفْظِيَّةٌ , أَوْ ) قَرِينَةٌ ( حَالِيَّةٌ , وَأَفَادَ ) ذَلِكَ الأِقْتِرَانُ ( زِيَادَةَ ظَنٍّ : رُجِّحَ بِهِ ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ رُجْحَانَ الدَّلِيلِ هُوَ بِالزِّيَادَةِ فِي قُوَّتِهِ أَوْ ظَنِّ إفَادَتِهِ الْمَدْلُولَ , وَذَلِكَ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ لاَ يَخْتَلِفُ فِي نَفْسِهِ . وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَدَارِكُهُ ( وَتَفَاصِيلُهُ ) أَيْ : تَفَاصِيلُ التَّرْجِيحِ ( لاَ تَنْحَصِرُ ) وَذَلِكَ : لأِنَّ مُثَارَاتِ الظُّنُونِ الَّتِي بِهَا الرُّجْحَانُ وَالتَّرْجِيحُ كَثِيرَةٌ جِدًّا . فَحَصْرُهَا بَعِيدٌ ; لأِنَّك إذَا اعْتَبَرْت التَّرْجِيحَاتِ فِي الدَّلاَئِلِ مِنْ جِهَةِ مَا يَقَعُ فِي الْمُرَكَّبَاتِ مِنْ نَفْسِ الدَّلاَئِلِ وَمُقَدَّمَاتِهَا , وَفِي الْحُدُودِ مِنْ جِهَةِ مَا يَقَعُ فِي نَفْسِ الْحُدُودِ مِنْ مُفْرَدَاتِهَا , ثُمَّ رَكَّبْت بَعْضَهَا مَعَ بَعْضٍ حَصَلَ أُمُورٌ لاَ تَكَادُ تَنْحَصِرُ . تَمَّ الْكِتَابُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ .
??
??
??
??
427
الكوكب المنير شرح مختصر التحرير…(3/66)