بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن قال الشيخ الإمام العالم العلامة أبو الفرج زين الدين عبد الرحمن بن رجب الحنبلي تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته الحمد لله الذي مهد قواعد الدين بكتابه المحكم وشيد معاقد العلم بخطابه وأحكم وفقه في دينه من أراد به خيرا من عباده وفهم وأوقف من شاء على ما شاء من أسرار مراده وألهم فسبحان من حكم فأحكم وحلل وحرم وعرف وعلم علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تهدي إلى الطريق الأقوم وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المخصوص بجوامع الكلم وبدائع الحكم وودائع العلم والحلم والكرم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد فهذه قواعد مهمة وفوائد جمة تضبط للفقيه أصول المذهب وتطلعه من مآخذ الفقه على ما كان عنه قد تغيب وتنظم له منثور المسائل في سلك واحد وتقيد له الشوارد وتقرب عليه كل متباعد فليمعن الناظر فيها النظر وليوسع العذر إن اللبيب من عذر فلقد سنح بالبال على غاية من الإعجال كالارتجال أو قريبا من الارتجال في أيام يسيرة وليال ويأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه والله المسؤول أن يوفقنا لصواب القول والعمل وأن يرزقنا اجتناب أسباب الزيغ والزلل إنه قريب مجيب لمن سأل لا يجيب من إياه رجا وعليه توكل
____________________
(1/3)
القاعدة الأولى الماء الجاري هل هو كالراكد أو كل جرية منه لها حكم الماء المنفرد فيه خلاف في المذهب ينبني عليه مسائل منها لو وقعت فيه نجاسة فهل يعتبر مجموعه فإن كان كثيرا لم ينجس بدون تغير وإلا نجس أو تعتبر كل جرية بانفرادها فإن بلغت قلتين لم ينجس وإلا نجست فيه روايتان حكاهما الشيرازي وغيره والثانية المذهب عند القاضي ومنها لو غمس الإناء النجس في ماء جار ومرت عليه سبع جريات فهل ذلك غسلة واحدة أو سبع غسلات على وجهين حكاهما أبو الحسن بن الغازي تلميذ الآمدي وذكر أن ظاهر كلام الأصحاب أن ذلك غسلة واحدة وفي شرح المذهب للقاضي أن كلام أحمد يدل عليه وكذلك لو كان ثوبا ونحوه وعصره عقيب كل جرية ومنها لو انغمس المحدث حدثا أصغر في ماء جار للوضوء ومرت عليه أربع جريات متوالية فهل يرتفع بذلك حدثه أم لا على وجهين أشهرهما عند الأصحاب أنه يرتفع حدثه وقال أبو الخطاب في الانتصار ظاهر كلام أحمد أنه لا يرتفع حدثه لأنه لم يفرق بين الجاري والراكد قلت بل نص أحمد على التسوية بينهما في رواية محمد بن الحكم وأنه إذا انغمس في دجلة فإنه لا يرتفع حدثه حتى يخرج حدثه مرتبا ومنها لو حلف لا يقف في هذا الماء وكان جاريا لم يحنث عند أبي الخطاب وغيره لأن الجاري يتبدل ويستخلف شيئا فشيئا فلا يتصور الوقوف فيه وقياس المنصوص أنه يحنث لا سيما والعرف يشهد له والأيمان مرجعها إلى العرف ثم وجدت القاضي في الجامع الكبير ذكر نحو هذا والله أعلم بالصواب القاعدة الثانية شعر الحيوان في حكم المنفصل عنه لا في حكم المتصل وكذلك الظفر هذا هو جادة المذهب ويتفرع على ذلك مسائل منها إذا مس شعر امرأة بشهوة لم ينتقض وضوؤه وكذلك ظفرها أو مسها بظفره أو بشعره ولهذه المسألة مأخذ آخر وهو أن هذه الأجزاء ليست بمحل للشهوة الأصلية وهي شرط لنقض الوضوء عندنا ومنها أن الشعر لا ينجس بالموت ولا بالانفصال على المذهب وكذا ما طال من الظفر
____________________
(1/4)
على احتمال فيه أما على المشهور فإن انفصل من آدمي لم ينجس على الصحيح ومن غيره ينجس لأنه كانت فيه حياة ثم فارقته حال انفصاله فمنعه الاتصال من التنجيس فإذا انفصل زال المانع فنجس ومنها غسله في الجنابة والحدث فأما الجنابة ففي وجوب غسله وجهان والذي رجحه صاحب المغنى وذكر أنه ظاهر كلام الخرقي عدم الوجوب طردا للقاعدة ومن أوجبه فيقول وجب تعبدا نعم إن كان وصول الماء إلى البشرة لا يمكن بدون غسله وجب لضرورة وجوب إيصال الماء إلى ما تحته وأما في الحدث الأصغر فلا يجب غسل المسترسل منه على الصحيح وأما المحاذي لمحل الفرض فيجزيء إمرار الماء على ظاهره إذا كان كثيفا لأن إيصال الماء إلى الحوائل في الوضوء كاف وإن لم تكن متصلة بالبدن اتصال خلقة كالخف والعمامة والجبيرة فالمتصل خلقة أولى ومنها لو أضاف طلاقا أو عتاقا أو ظهارا إلى الشعر أو الظفر لم يثبت به الطلاق ولا العتاق ولا الظهار على الأصح ومنها لو كان جيبه واسعا ترى منه عورته في الصلاة لكن له لحية كبيرة تستره فالمذهب أنه يكفيه في الستر قال في المغني نص عليه مع أنه قرر في كتاب الحج أن الستر بالمتصل كاليد ونحوها لا فدية فيه وخالفه صاحب شرح الهداية وقال هو ستر في الموضعين وتردد فيه القاضي في شرح المذهب فجزم تارة بأن الستر بالمتصل ليس بستر في الإحرام ولا في الصلاة ثم ذكر نص أحمد ورجع إلى أنه ستر في الصلاة دون الإحرام لأن القصد في ستر الصلاة تغيب لون البشرة وفي الإحرام إنما يحرم الستر بما يستر به عادة فأما إيجاب الفدية به وضمانه من الصيد وتحريم نظره على الأجنبي فلما يتعلق بجملة البدن من إزالة جماله وتأذى الصيد بترويعه وإثبات اليد عليه وهو ممتنع والافتتان بالمرأة ولهذا لو انفصل شعر المرأة جاز النظر إليه على ظاهر كلام أبي الخطاب في الانتصار وحكى صاحب التلخيص فيه وجهين القاعدة الثالثة من وجبت عليه عبادة فأتى بما لو اقتصر على ما دونه لأجزأه هل يوصف الكل بالوجوب أو قدر الإجزاء منه إن كانت الزيادة متميزة منفصلة فلا إشكال في أنها نفل بانفرادها كإخراج صاعين منفردين في الفطرة ونحوه وأما إن لم تكن متميزة ففيه وجهان
____________________
(1/5)
مذكوران في أصول الفقه وينبني عليه مسائل منها إذا أدرك الإمام في الركوع بعد فوات قدر الإجزاء منه هل يكون مدركا له في الفريضة ظاهر كلام القاضي وابن عقيل تخريجها على الوجهين إذا قلنا لا يصح اقتداء المفترض بالمنتقل قال ابن عقيل ويحتمل أن تجري الزيادة مجرى الواجب في باب الإتباع خاصة إذ الإتباع قد يسقط الواجب كما في المسبوق ومصلي الجمعة من امرأة وعبد ومسافر ومنها إذا وجب عليه شاة فذبح بدنة فهل كلها واجبة أو سبعها على وجهين ومنها إذا أدى عن خمس من الإبل بعيرا وقلنا يجزيه فهل الواجب كله أو خمسه الواجب حكى القاضي أبو يعلى الصغير فيه وجهان فعلى القول بأن خمسه الواجب يجزئ عن عشرين بعير أيضا وعلى الآخر لا يجزئ عن العشرين إلا أربعة أبعرة ومنها إذا مسح رأسه كله دفعة واحدة وقلنا الفرض منه قدر الناصية فهل الكل فرض أو قدر الناصية منه ومنها إذا أخرج في الزكاة سنا أعلى من الواجب فهل كله فرض أو بعضه تطوع قال أبو الخطاب كله فرض وقال القاضي بعضه تطوع وهو الصواب لأن الشارع أعطاه جبرانا عن الزيادة فأما ما كان الأصل فرضيته ووجوبه ثم سقط بعضه تخفيفا فإذا فعل الأصل وصف الكل بالوجوب على الصحيح فمن ذلك إذا صلى المسافر أربعا فإن الكل فرض في حقه وعن أبي بكر أن الركعتين الأخيرتين نفل لا يصح اقتداء المفترض به فيهما وهو متمش على أصله وهو عدم اعتبار نية القصر والمذهب الأول ومنه إذا كفر الواطئ في الحيض بدينار فإن الكل واجب وإن كان له الاقتصار على نصفه ذكره في المغني ويستخرج فيه وجه من قول أبي بكر فأما إن غسل رأسه بدلا عن مسحه وقلنا بالإجزاء ففي السائل منه وجهان أحدهما أنه مستعمل في رفع حدث لأن الأصل هو الغسل وإنما سقط تخفيفا والثاني وهو الصحيح أنه طهور لأن الغسل مكروه فلا يكون واجبا وقد يقال والإتمام في السفر مكروه أيضا القاعدة الرابعة العبادات كلها سواء كانت بدنية أو مالية أو مركبة منهما لا يجوز تقديمها على سبب
____________________
(1/6)
وجوبها ويجوز تقديمها بعد سبب الوجوب وقبل الوجوب أو قبل شرط الوجوب ويتفرع على ذلك مسائل كثيرة منها الطهارة سبب وجوبها الحدث وشرط الوجوب فعل العبادة المشترط لها الطهارة فيجوز تقديمها على العبادة ولو بالزمن الطويل بعد الحدث ومنها الصلاة فيجوز تقديم صلاة العصر إلى وقت الظهر والعشاء إلى وقت المغرب لأن الشارع جعل الزوال سببا لوجوب الصلاتين عند العذر دون عدمه ولهذا لو أدرك جزءا من وقت الزوال ثم طرأ عليه عذر لزمه قضاء الصلاتين على إحدى الروايتين ولو زال العذر في آخر وقت العصر لزمه الصلاتان بلا خلاف عندنا فعلم أن الوقتين قد صارا في حال العذر كالوقت الواحد لكنه وقت جواز بالنسبة إلى إحداهما ووجوب بالنسبة إلى الأخرى ومنها صلاة الجمعة فإن سببها اليوم لأنها تضاف إليه فيجوز فعلها بعد زوال وقت النهي من أول اليوم وإن كان الزوال هو وقت الوجوب ومنها زكاة المال يجوز تقديمها من أول الحول بعد كمال النصاب ومنها كفارات الإحرام إذا احتيج إليها للعذر فإن العذر سببها فيجوز تقديمها بعد العذر وقبل فعل المحظور ومنها صيام التمتع والقران فإن سببه العمرة السابقة للحج في أشهره فبالشروع في إحرام العمرة قد وجد السبب فيجوز الصيام بعده وإن كان وجوبه متأخرا عن ذلك وأما الهدي فقد ألتزمه أبو الخطاب في انتصاره ولنا رواية أنه يجوز ذبحه لمن دخل قبل العشر لمشقة حفظه عليه إلى يوم النحر وعلى المشهور لا يجوز في غير أيام النحر لأن الشرع خصها بالذبح ومنها كفارة اليمين يجوز تقديمها على الحنث بعد عقد اليمين مالية كانت أو بدنية ومنها إخراج كفارة القتل أو الصيد بعد الجرح وقبل الزهوق ومنها النذر المطلق نحو إن شفى الله مريضي فلله علي أن أتصدق بكذا فله أن يتصدق في الحال ذكره ابن عقيل في فنونه ويلتحق بهذه القاعدة ما يجوز تقديمه على شرط وجوبه بعد وجود سببه من غير العبادات كالإبراء من الدية بين الجناية والموت وأما من القصاص ففيه روايتان وكتوفية
____________________
(1/7)
المضمون عنه للضامن الدين بين الضمان والأداء وفيه وجهان وكعفو الشفيع عن الشفعة قبل البيع وفيه روايتان فإن سبب الشفعة الملك وشرطها البيع وأما إسقاط الورثة حقهم من وصية المورث في مرضه فالمنصوص عن أحمد أنه لا يصح وشبهه في موضع بالعفو عن الشفعة فخرجه الشيخ مجد الدين في تعليقه على الهداية على روايتين وكإيفاء المكاتب ربع الكتابة بعد عقدها وقبل كمال الأداء وهو جائز القاعدة الخامسة من عجل عبادة قبل وقت الوجوب ثم جاء وقت الوجوب وقد تغير الحال بحيث لو فعل المعجل في وقت الوجوب لم يجزئه فهل تجزئه أم لا هذا على قسمين أحدهما أن يتبين الخلل في نفس العبادة بأن يظهر وقت الوجوب أن الواجب غير المعجل ولذلك صور منها إذا كفر بالصوم قبل الحنث ثم حنث وهو موسر قال صاحب المغني لا يجزئه لأنا تبينا أن الواجب غير ما أتى به وإطلاق الأكثر مخالف لذلك لأنه كان فرضه في الظاهر فبرئ به وانحلت يمينه بمعنى أنها لم تبق منعقدة بالتكفير فصادف فعل المحلوف عليه ذمة بريئة من الواجب فلم يحصل به الحنث لأن الكفارة حلته وقد صرح أبو بكر عبد العزيز بأن الكفارة قبل الفعل تحل اليمين المنعقدة وبعده تكفر أثر المخالفة ومنها إذا كفر المتمتع بالصوم ثم قدر على الهدى وقت وجوبه فصرح ابن الزاغوني في الإقناع بأنه لا يجزئه الصوم وإطلاق الأكثرين يخالفه بل وفي كلام بعضهم تصريح به وربما أشعر كلام أحمد بذلك لأن صومه صح فبرئت ذمته به فصادف وقت وجوب الهدى ذمة بريئة من عهدة الواجب ومنها إذا عجل عن أربع وعشرين من الإبل أربع شياه ثم نتجت واحدة قبل الحول ففيه وجهان أحدهما لا يجزئه ويجب عليه إخراج بنت مخاض والثاني يجزئه عن العشرين ويخرج عن الباقي خمس بنت مخاض ولا يقال إنه يجب عليه شاة عن الخمس الزائدة التي لم يؤد عنها لئلا يفضي إلى إيجاب خمس شياه عن خمس وعشرين ومنها إذا صلى الصبي في أول الوقت ثم بلغ ففي وجوب الإعادة وجهان المنصوص أنه يجب واختار القاضي في شرح المهذب خلافه لأنه فعل المأمور به في أول الوقت فصادفه وقت الوجوب وقد فعل المأمور فامتنع تعلق الوجوب به لذلك وهذا بخلاف
____________________
(1/8)
ما إذا حج ثم بلغ فإن حجه ليس بمأمور به ولا معاقب على تركه بخلاف الصلاة والقسم الثاني أن يتبين الخلل في شرط العبادة المعجلة فالصحيح أنه يجزئه ويتفرع عليه مسائل منها إذا عجل الزكاة إلى فقير مسلم فحال الحول وقد مات أو ارتد أو استغنى من غيرها ومنها إذا جمع بين الصلاتين في وقت أولاهما بتيمم ثم دخل وقت الثانية وهو واجد للماء ومنها إذا قصر الصلاتين في السفر في وقت أولاهما ثم قدم قبل دخول وقت الثانية القاعدة السادسة إذا فعل عبادة في وقت وجوبها يظن أنها الواجبة عليه ثم تبين بأخرة أن الواجب كان غيرها فإنه يجزئه ولذلك صور منها إذا حج المغصوب عن نفسه ثم برئ فإنه يجزئه على المذهب لأنه فعل الواجب عليه في وقته لا سيما إن قيل إن ذلك عليه على الفور ومنها إذا كفر العاجز عن الصيام للإياس من ثم برئه عوفي فإنه لا يلزمه قضاء الصوم ومنها إذا ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه فإنها تعتد عندنا سنة فإذا اعتدت سنة ثم رأت الحيض لم يلزمها الاعتداد به ومنها إذا صلى الظهر من لا جمعة عليه لأجل العذر ثم زال العذر قبل تجميع الإمام فإنه لا يلزمه إعادة الجمعة مع الإمام وأما ما حكى عن أبي بكر أنه لا يجزئه فعل الظهر قبل تجميع الإمام فمن الأصحاب من بناه على هذا الأصل وأنه تجب الإعادة لتبيننا أن الواجب عليه الجمعة وليس هذا مأخذ أبي بكر فإنه صرح بمأخذه وهو أن وقت الظهر في حق من لا جمعة عليه إنما يدخل بفعل الجمعة من الإمام كما لا يدخل وقت الذبح في الأضاحي إلا بعد صلاة الإمام ويلتحق بهذه القاعدة ما إذا خفي الاطلاع على خلل الشرط ثم تبين فإنه يغتفر
____________________
(1/9)
على الأصح فمن ذلك إذا أدى الزكاة إلى من يظنه فقيرا ثم ابان أنه غني فإنها تسقط على أصح الروايتين ومنها إذا صلى المسافر بالاجتهاد إلى القبلة ثم تبين الخطأ فإنه لا إعادة على الصحيح ومنها إذا حكم الحاكم بشهادة عدلين في الظاهر ثم تبين فسقهما ففي النقض روايتان رجح ابن عقيل في فنونه عدمه وبه جزم القاضي في كتاب الصيد من خلافه والأمدي لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد والمشهور النقض لتعلق حق الغير به وأما إذا اصطاد بكلب معلم علمه ثم أكل من الصيد فإنه لا تحرم صيوده المتقدمة على الصحيح لكن مأخذه أنا لم نتبين فساد تعليمه لجواز أن يكون نسيه بعد تعلمه أو نسي إرساله فأما الإعادة على من نسي الماء في رحله وتيمم ثم صلى أو على من صلى صلاة شدة الخوف لسواد ظنه عدوا فلم يكن أو كان بينه وبينه ما يمنع العبور فإنه مبني على أنه فرط بترك البحث والتحقيق القاعدة السابعة من تلبس بعباده ثم وجد قبل فراغها ما لو كان واجدا له قبل الشروع لكان هو الواجب دون ما تلبس به هل يلزمه الانتقال إليه أم يمضي ويجزئه هذا على ضربين أحدهما أن يكون المتلبس به رخصة عامة شرعت تيسيرا على المكلف وتسهيلا عليه مع إمكان إتيانه بالأصل على ضرب من المشقة والتكلف فهذا لا يجب عليه الانتقال منه بوجود الأصل كالمتمتع إذا عدم الهدى فإنه رخص له في الصيام رخصة عامة حتى لو قدر على الشراء بثمن في ذمته وهو موسر في بلده لم يلزمه الضرب الثاني أن يكون المتلبس به إنما شرع ضرورة للعجز عن الأصل وتعذره بالكلية فهذا يلزمه الانتقال إلى الأصل عند القدرة عليه ولو في أثناء التلبس بالبدل كالعدة بالأشهر فإنها لا تعتبر بحال مع القدرة على الاعتداد بالحيض ولهذا تؤمر من ارتفع حيضها العارض معلوم أن تنتظر زواله ولو طالت المدة وإنما جوز لمن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه أن تعتد بالأشهر لأن حيضها غير معلوم ولا مظنون عوده وسواء أكانت هذه المعتدة مكلفة قبل هذا بالاعتداد بالحيض كمن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه فاعتدت بالأشهر ثم حاضت في أثنائها أو لم تكن مكلفة به كالصغيرة إذا حاضت في أثناء العدة
____________________
(1/10)
بالأشهر وها هنا مسائل كثيرة مترددة بين الضربين منها من شرع في صيام كفارة ظهار أو يمين أو غيرهما ثم وجد الرقبة فالمذهب لا يلزمه الانتقال لأن ذلك رخصة فهو كصيام المتمتع وفيه وجه يلزمه الانتقال لأن الكفارات مشروعة للردع والزجر وفيها من التغليظ ما ينافي الرخصة المطلقة ولهذا يلزمه شراء الرقبة بثمن في الذمة إذا كان ماله غائبا ولو لم يجد من يبيعه رقبة بالدين وماله غائب فهل يلزمه انتظاره أو يجوز له العدول إلى الصيام للمشقة أو يفرق بين الظهار وغيره على أوجه معروفة ومنها المتيمم إذا شرع في الصلاة ثم وجد الماء ففي بطلانها روايتان لأن التيمم من حيث كونه رخصة عامة فهو كصيام المتمتع ومن حيث كونه ضرورة يشبه العدة بالأشهر وبيان الضرورة أنه تستباح معه الصلاة بالحدث فإنه غير رافع له على المذهب فلا يجوز إتمام الصلاة محدثا مع وجود الماء الرافع له ومنها إذا نكح المعسر الخائف للعنت أمة ثم زال أحد الشرطين فهل ينفسخ نكاحه على روايتين والنكاح فيه شوب عبادة القاعدة الثامنة من قدر على بعض العبادة وعجز عن باقيها هل يلزمه الإتيان بما قدر عليه منها أم لا هذا أقسام أحدها أن يكون المقدور عليه ليس مقصودا في العبادة بل هو وسيلة محضة إليها كتحريك اللسان في القراءة وإمرار الموسى على الرأس في الحلق والختان فهذا ليس بواجب لأنه إنما وجب ضرورة القراءة والحلق والقطع وقد سقط الأصل فسقط ما هو من ضرورته وأوجبه القاضي في تحريك اللسان خاصة وهو ضعيف جدا القسم الثاني ما وجب تبعا لغيره وهو نوعان أحدهما ما كان وجوبه احتياطا للعبادة ليتحقق حصولها كغسل المرفقين في الوضوء فإذا قطعت اليد من المرفق هل يجب غسل رأس المرفق الآخر أم لا على وجهين أشهرهما عند الأصحاب الوجوب وهو ظاهر كلام أحمد واختار القاضي في كتاب الحج من خلافه أنه يستحب وحمل كلام أحمد على الاستحباب هذا إذا بقي شيء من العبادة كما في وضوء الأقطع أما إن لم يبق شيء بالكلية سقط التبع كإمساك جزء من
____________________
(1/11)
الليل في الصوم فلا يلزم من أبيح له الفطر بالاتفاق والثاني ما وجب تبعا لغيره على وجه التكميل واللواحق مثل رمى الجمار والمبيت بمنى لمن لم يدرك الحج فالمشهور أنه لا يلزمه لأن ذلك كله من توابع الوقوف بعرفة فلا يلزم من لم يقف بها وحكى ابن أبي موسى رواية أخرى بلزومها لأنها عبادات في نفسها مستقله ومن أمثلة ذلك المريض إذا عجز في الصلاة عن وضع وجهه على الأرض وقدر على وضع بقية أعضاء السجود فإنه لا يلزمه ذلك على الصحيح لأن السجود على بقية الأعضاء إنما وجب تبعا للسجود على الوجه وتكميلا له والقسم الثالث ما هو جزء من العبادة وليس بعبادة في نفسه بانفراده أو هو غير مأمور به لضرورة فالأول كصوم بعض اليوم لمن قدر عليه وعجز عن إتمامه فلا يلزمه بغير خلاف والثاني كعتق بعض الرقبة في الكفارة فلا يلزم القادر عليه إذا عجز عن التكميل لأن الشارع قصده تكميل العتق مهما أمكن ولهذا شرع السراية والسعاية وقال ليس لله شريك فلا يشرع عتق بعض الرقبة القسم الرابع ما هو جزء من العبادة وهو عبادة مشروعة في نفسه فيجب فعله عند تعذر فعل الجميع بغير خلاف ويتفرع عليه مسائل كثيرة منها العاجز عن القراءة يلزمه القيام لأنه وإن كان مقصوده الأعظم القراءة لكنه أيضا مقصود في نفسه وهو عبادة منفردة ومنها من عجز عن بعض الفاتحة لزمه الإتيان بالباقي ومنها من عجز عن بعض غسل الجنابة لزمه الإتيان بما قدر منه لأن تخفيف الجنابة مشروع ولو بغسل أعضاء الوضوء كما يشرع للجنب إذا أراد النوم أو الوطء أو الأكل ويستبيح به اللبث في المسجد عندنا ووقع التردد في مسائل أخر ومنها المحدث إذا وجد ما يكفي بعض أعضائه ففي وجوب استعماله وجهات ومأخذ من لا يراه واجبا إما أن الحدث الأصغر لا يتبعض رفعه فلا يحصل به مقصود أو أنه يتبعض لكنه يبطل بالإخلال بالموالاة فلا يبقى له فائدة أو أن غسل بعض أعضاء المحدث غير مشروع بخلاف غسل بعض أعضاء الجنب كما تقدم
____________________
(1/12)
ومنها إذا قدر على بعض صاع في صدقة الفطر فهل يلزمه إخراجه على روايتين ومأخذ عدم الوجوب أنه كفارة بالمال فلا يتبعض كما لو قدر على التكفير بإطعام بعض المساكين والصحيح الوجوب والفرق بينه وبين الكفارة من وجهين أحدهما أن الكفارة بالمال تسقط إلى بدل هو الصوم بخلاف الفطرة والثاني أن الكفارة لا بد من تكميلها والمقصود من التكفير بالمال تحصيل إحدى المصالح الثلاث على وجهها وهي العتق والإطعام والكسوة وبالتلفيق يفوت ذلك فلا تبرأ الذمة من الوجوب إلا بالإتيان بإحدى الخصال بكمالها أو بالصيام وفي الفطرة لا تبرأ الذمة منها بدون إخراج الموجود القاعدة التاسعة في العبادات الواقعة على وجه محرم إن كان التحريم عائدا إلى ذات العبادة على وجه يختص بها لم يصح وإن كان عائدا إلى شرطها فإن كان على وجه يختص بها فكذلك أيضا وإن كان لا يختص بها ففي الصحة روايتان أشهرهما عدمها وإن عاد إلى ما ليس بشرط فيها ففي الصحة وجهان واختار أبو بكر عدم الصحة وخالفه الأكثرون فللأول أمثلة كثيرة منها صوم يوم العيد فلا يصح بحال على المذهب ومنها الصلاة في أوقات النهي ومنها الصلاة في مواضع النهي فلا يصح على القول بأن النهي للتحريم وإنما يصح على القول بأن النهي للتنزيه هذه طريقة المحققين وإن كان من الأصحاب من يحكي الخلاف في الصحة مع القول بالتحريم ومنها صيام أيام التشريق فلا يصح تطوعا بحال والخلاف في صحة صومها فرض مبني على أن النهي هل يشمل الفرض أم يختص بالتطوع وللثاني أمثلة كثيرة منها الصلاة بالنجاسة وبغير سترة وأشباه ذلك وللثالث أمثلة كثيرة منها الوضوء بالماء المغصوب
____________________
(1/13)
ومنها الصلاة في الثوب المغصوب والحرير وفي الصحة روايتان وعلى رواية عدم الصحة فهل المبطل ارتكاب النهي في شرط العبادة أم ترك الإتيان بالشرط المأمور به للأصحاب فيه مأخذان ينبني عليهما لو لم يجد إلا ثوبا مغصوبا فصلى فيه فإن عللنا بارتكاب النهي لم تصح صلاته وإن عللنا بترك المأمور صحت لأنه غير واجد لسترة يؤمر بها وأما من لم يجد إلا ثوب حرير فتصح صلاته فيه بغير خلاف على أصح الطريقين لإباحة لبسه في هذه الحال ومنها الصلاة في البقعة المغصوبة وفيها الخلاف وللبطلان مأخذان أيضا أحدهما أن البقعة شرط للصلاة ولهذا لا تصح الصلاة في الأرجوحة ولا على بساط في الهواء والثاني أن حركات المصلي وسكناته في الدار المغصوبة هو نفس المحرم فالتحريم عائد إلى نفس الصلاة وإن كان غير مختص بها فهو كإخراج الزكاة والهدى من المال المغصوب وللرابع أمثلة منها الوضوء من الإناء المحرم ومنها صلاة من عليه عمامة غصب أو حرير أو في يده خاتم ذهب وفي ذلك كله وجهان واختيار أبي بكر عدم الصحة وأما من عليه ثوبان أحدهما غصب فقيل هو مخرج على هذين الوجهين وقيل بل هو كمن ليس عليه سوى الثوب المغصوب لأن المباح لم يتعين للستر بل الستر حصل بواحد غير معين وأما الحج بالمال المغصوب ففي صحته روايتان فقيل لأن المال شرط لوجوبه وشرط الوجوب كشرط الصحة ورجح ابن عقيل الصحة وجعله من القسم الرابع ومنع كون المال شرطا لوجوبه لأنه يجب على القريب بغير مال وليس بشيء فإنه شرط في حق البعيد خاصة كما أن المحرم شرط في حق المرأة دون الرجل والله أعلم القاعدة العاشرة الألفاظ المعتبرة في العبادات والمعاملات منها ما يعتبر لفظه ومعناه وهو القرآن لإعجازه بلفظه ومعناه فلا تجوز الترجمة عنه بلغة أخرى ومنها ما يعتبر معناه دون لفظه كألفاظ عقد البيع وغيره من العقود وألفاظ
____________________
(1/14)
الطلاق ومنها ما يعتبر لفظه مع القدرة عليه دون العجز عنه ويدخل تحت ذلك صور منها التكبير والتسبيح والدعاء في الصلاة لا تجوز الترجمة عنه مع القدرة عليه ومع العجز عنه هل يلحق بالقسم الأول فيسقط أو بالثاني فيأتي به بلغته على وجهين ومنها خطبة الجمعة لا تصح مع القدرة بغير العربية على الصحيح وتصح مع العجز ومنها لفظ النكاح ينعقد مع العجز بغير العربية ومع القدرة على التعلم فيه وجهان ومنها لفظ اللعان وحكمه حكم لفظ النكاح القاعدة الحادية عشرة من عليه فرض هل له أن يتنفل قبل أدائه بجنسه أم لا هذا نوعان أحدهما العبادات المحضة فإن كانت موسعة جاز التنفل قبل أدائها كالصلاة بالاتفاق وقبل قضائها أيضا كقضاء رمضان على الأصح وإن كانت مضيقة لم تصح على الصحيح ولذلك صور منها إذا تضايق وقت المكتوبة هل ينعقد التنفل المطلق حينئذ على وجهين ومنها من عليه صلاة فائتة هل يصح التنفل المطلق قبل قضائها على وجهين لأن قضاء الفوائت على الفور ومنها إذا شرع في التنفل بعد إقامة الصلاة المكتوبة فهل تصح على وجهين لأن الجماعة واجبة ومنها صوم رمضان لا يصح أن يصوم فيه عن غيره فإن فعل لم يصح عن نفله وهل ينقلب عن فرضه ينبني على وجوب نية التعيين ومنها إذا حج تطوعا قبل حجة الإسلام لم يقع عن التطوع وانقلبت عن حجة الإسلام على المذهب الصحيح ومنها لو حج عن نذره أو نفل وعليه قضاء حجة فاسدة وقعت عن القضاء دون ما نواه على المذهب أيضا فأما إن تنفل بالحج بعد قضاء حجة الإسلام وقبل الاعتمار أو بالعكس فهل يجوز أم لا قال في التلخيص ينبني على أن النسك هل هو على الفور أم لا فإن قلنا على الفور لم يجز وإلا جاز وفيه نظر وأما الزكاة فقال الأصحاب يصح أن يتنفل بالصدقة قبل أدائها وإن كانت على الفور وكذلك نص أحمد في رواية
____________________
(1/15)
مهنا فيمن عليه زكاة ونذر لا يبالي بأيهما يبدأ وهذا إذا كان ماله يتسع لهما فأما إن لم يتسع فسنذكره النوع الثاني التصرفات المالية كالعتق والوقف والصدقة والهبة إذا تصرف بها وعليه دين ولم يكن حجر عليه فالمذهب صحة تصرفه وإن استغرق ماله في ذلك اختار الشيخ تقي الدين رحمه الله أنه لا ينفذ شيء من ذلك مع مطالبة الغرماء وحكاه قولا في المذهب ويمكن تخريجه في المذهب من أصلين أحدهما ما نص عليه أحمد رحمه الله في رواية حنبل فيمن تبرع بماله بوقف أو صدقة وأبواه محتاجان أن لهما رده واحتج بالحديث المروي في ذلك والثاني أنه نص في رواية أخرى على من أوصى لأجانب وله أقارب محتاجون أن الوصية ترد عليهم فتخرج من ذلك أن من تبرع وعليه نفقة واجبة لوارث أو دين ليس له وفاء أنه يرد ولهذا نبيع المدبر في الدين خاصة على رواية ونقل ابن منصور عن أحمد فيمن تصدق عند موته بماله كله قال هذا مردود لو كان في حياته لم أجوز له إذا كان له ولد القاعدة الثانية عشرة المذهب أن العبادات الواردة على وجوه متعددة يجوز فعلها على جميع تلك الوجوه الواردة فيها من غير كراهة لبعضها وإن كان بعضها أفضل من بعض لكن هل الأفضل المداومة على نوع منها أو فعل جميع الأنواع في أوقات شتى ظاهر كلام الأصحاب الأول واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله الثاني لأن فيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في تنوعه وقال ابن عقيل في صلاة الخوف إنها تنوعت بحسب المصالح فتصلى في كل وقت على صفة ابن عقيل في صلاة الخوف إنها تنوعت بحسب المصالح فتصلى في كل وقت على صفة تكون مناسبة له وهل الأفضل الجمع بين ما أمكن جمعه من تلك الأنواع أو الاقتصار على واحد منها هذا فيه نزاع في المذهب ويندرج تحت ذلك صور منها مسح الأذنين المذهب أنه يستحب مسحهما مرة واحدة إما مع الرأس أو بماء جديد ولا يسن الجمع بينهما وحكى عن القاضي عبد الوهاب بن جلبة قاضي حران أن الأفضل الجمع بينهما عملا بالحديثين ومنها الاستفتاح فالمذهب أن الأفضل الاستفتاح بسبحانك اللهم مقتصرا عليه واختار ابن هبيرة أن الجمع بينه وبين الاستفتاح بوجهت وجهي أفضل وذكر الشيخ تقي الدين رحمه الله أنه يستفتح كذلك ولكن ورد في الجمع أحاديث متعددة وفيها ضعف وبتقدير ثبوتها فلا تكون المسألة من هذا القبيل ومنها إجابة المؤذن هل يشرع فيها الجمع بين الحيعلة والحوقلة أم لا وكذا في
____________________
(1/16)
التثويب في الفجر فيه وجهان ومنها سنة الجمعة بعدها نقل إبراهيم الحربي عن أحمد رحمه الله أنه قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأربع ركعات وصلى هو ركعتين فأيهما فعلت فحسن وإن أردت أن تحتاط صليت ركعتين وأربعا فجمعت فعله وأمره وهذا مأخذ غريب لاستحباب الست وأما الأصحاب فلم يستندوا إلا إلى ما نقل عن بعض الصحابة من صلاته ست ركعات ومنها ألفاظ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد فإنه قد ورد فيها كما صليت على آل إبراهيم وورد كما صليت على إبراهيم فهل يقال الأفضل الجمع بينهما فإن من الأصحاب من اختار الجمع بينهما وقد يكون مستنده جمع الروايتين وأنكر الشيخ رحمه الله ذلك وقال لم يبلغني فيه حديث مسند ثابت بالجمع بينهما ولا يصح أن يجمع بين الروايتين لأنه كان يقول هذا تارة وهذا تارة فأحد اللفظين بدل عن الآخر ولا يصح الجمع بين البدل والمبدل كذا قال وقد ثبت في صحيح البخاري الجمع بينهما من حديث كعب بن عجرة وأخرجه النسائي من حديث كعب أيضا ومن حديث أبي طلحة القاعدة الثالثة عشرة إذا وجدنا أثرا معلولا لعلة ووجدنا في محله علة صالحة له ويمكن أن يكون الأثر معلولا لغيرها لكن لا يتحقق وجود غيرها فهل يحال ذلك الأثر على تلك العلة المعلومة أم لا في المسألة خلاف ولها صور كثيرة قد يقوى في بعضها الإحالة وفي بعضها العدم لأن الأصل أن لا علة سوى هذه المتحققة وقد يظهر في بعض المسائل الإحالة عليها فيتوافق الأصل الظاهر وقد يظهر الإحالة على غيرها فيختلفان فمن صور المسألة ما إذا وقع في الماء نجاسة ثم غاب عنه ثم وجده متغيرا فإنه يحكم بنجاسته عند الأصحاب إحالة للتغيير على النجاسة المعلوم وقوعها فيه والأصل عدم وجود مغير غيرها وخرج بعض المتأخرين فيه وجها آخر أنه طاهر من مسألة الصيد الآتية والأول أولى لأن الأصل طهارة الماء فلا يزال عنها بالشك ومنها ما إذا وجد من النائم قبل نومه سبب يقتضي خروج المذي منه من تفكير أو ملاعبة ونحوهما ثم نام واستيقظ ووجد بللا لم يتيقنه منيا ولم يذكر حلما فإن المنصوص عن أحمد رحمه الله أنه لا غسل عليه إحالة للخارج على سبب المتيقن وهو المقتضى لخروج المذي لأن الأصل عدم وجود غيره وقد تيقن وجوده وحكى عن أحمد رحمه الله رواية أخرى بوجوب الغسل ومنها لو جرح صيدا جرحا غير موح ثم غاب عنه ووجده ميتا ولا أثر فيه غير سهمه
____________________
(1/17)
فهل يحل أكله على الروايتين أصحهما أنه يحل لحديث عدي بن حاتم والثانية لا يحل لقول ابن عباس رضي الله عنهما كل ما أصميت ودع ما أنميت ولذلك تسمى مسألة الإصماء والإنماء وفيه رواية ثالثة إن غاب عنه ليلة لم يحل وإلا حل وفيه حديث مرفوع وفيه ضعف وعلل بأن هوام الليل كثيرة فكأن الظاهر هنا وجوب سبب آخر حصل منه الزهوق قوى على الأصل وهو عدم إصابة غير السهم له ومنها لو جرح المحرم صيدا جرحا غير موح ثم غاب عنه ثم وجده ميتا فهل يضمنه كله أو أرش الجرح على وجهين وجزم بعض الأصحاب بضمان أرش الجرح فقط لأنه المتيقن والأصل براءة الذمة ومنها لو جرح أدميا معصوما جرحا غير موح ثم مات وادعى أنه مات بسبب غير سراية جرحه وأنكر الولي فالقول قول الولي مع يمينه ولم يحك أكثر الأصحاب في ذلك خلافا إحالة للزهوق على الجرح المعلوم وفي المجرد أنه إن مات عقيب الجرح فالقول قول الولي وإن مات بعد مدة يندمل الجرح في مثلها فإن قامت بينة بأنه لم يزل ضمنا من الجرح حتى مات فكذلك وإلا فالقول قول الجاني وفيه وجه آخر أن القول قول الولي ومنها لو قال لأمته ولها ولد هذا الولد مني فهل يثبت بذلك استيلاد الأمة على وجهين أحدهما نعم لأنا لا نعلم سببا يتحقق به لحوق النسب هنا غير ملك اليمين فيحال اللحوق عليه فيستلزم ذلك ثبوت الاستيلاد في الأمة والثاني لا لاحتمال استيلاده قبل ذلك في نكاح أو وطء شبهة ومنها لو ادعى رق مجهول النسب فشهدت له بينة أن أمته ولدته ولم تقل في ملكه فهل يحكم له به على وجهين رجح الشيخ مجد الدين أنها إن شهدت أن أمته ولدته ونحو ذلك مما فيه إضافة الولد إلى الأمة المضافة إليه حكم له بالولد فإن لم يكن كذلك بأن شهدت أن هذا ولد هذه الأمة وأن أمه ملك له لم يحكم له بالولد ومنها لو قال رجل هذا ابني من زوجتي وادعت زوجته ذلك وادعته امرأة أخرى فهو ابن الرجل وهل ترجح زوجته على الأخرى على وجهين أحدهما ترجح لأن زوجها أبوه فالظاهر أنها أمه والثاني يتساويان لأن كل واحدة منهما لو انفردت لألحق بها فإذا اجتمعتا تساوتا ذكره في المغني ومنها لو باع أمة له من رجل فولدت عند المشتري فادعى البائع أنه ولده فصدقه
____________________
(1/18)
المشتري أنها تصير أم ولد البائع وينفسخ البيع نص عليه أحمد رحمه الله في رواية مهنا وذكره أبو بكر وذكر ذلك القاضي في خلافه وتأوله على أنه ادعى أنها ولدت في ملكه وصدقه المشتري على ذلك ومنها لو ولدت المطلقة الرجعية ولدا لا يمكن إلحاقه بالمطلق إلا بتقدير وطء حاصل منه في زمن العدة فهل يلحق به الولد في هذه الحال أم لا على روايتين أصحهما لحوقه لأن الفراش لم يزل بالكلية فإحالة الحمل عليه أولى كحالة صلب النكاح وعلى هذا فهل يحكم بارتجاعها بلحوق النسب على وجهين أصحهما وهو المنصوص أنها تصير مرتجعة بذلك وينبني على ذلك مسألة مشكلة في تعليق الطلاق بالولادة ذكرها صاحب المحرر فيه وأما شكل توجيهها على الأصحاب فقد أفردنا لها جزءا ومنها أنه يجوز استيفاء الحق من مال الغريم إذا كان ثم سبب ظاهر يحال الأخذ عليه ولا يجوز إذا كان السبب خفيا هذا هو ظاهر المذهب فيباح للمرأة أن تأخذ من مال زوجها نفقتها ونفقة ولدها بالمعروف وللضيف إذا نزل بالقوم فلم يقروه أن يأخذ من أموالهم بقدر قراه بالمعروف لأن السبب إذا ظهر لم ينسب أخذه إلى خيانة بل يحال أخذه على السبب الظاهر بخلاف ما إذا خفي فإنه ينسب بالأخذ إلى الخيانة ومنها لو قال في مرضه إن مت من مرضي هذا فسالم حر وإن برئت منه فغانم حر ثم مات ولم يعلم هل مات من المرض أن بريء منه ففيه ثلاثة أوجه أحدها يعتق سالم لأن الأصل دوام المرض وعدم البرء ولأننا قد تحققنا انعقاد سبب الموت بمرضه وشككنا في حدوث آخر غيره فيحال الموت على سببه المعلوم والثاني يعتق أحدهما بالقرعة لأن أحد الشرطين وجد ظاهرا وجهل عينه والثالث لا يعتق واحد منهما لاحتمال أن يكون مات في مرضه ذلك بسبب حادث فيه من قتل أو غيره فلم يمت من مرضه ولم يبرأ منه فلم يتحقق وجود واحد من الشرطين ومنها لو أصدقها تعليم سورة من القرآن ثم طلقها ووجدت حافظة لها وتنازعا على علمها الزوج فبرأ من الصداق أم لا فأيهما يقبل قوله فيه وجهان وخرج عليهما الشيخ تقي الدين رحمه الله مسألة اختلافهما في النفقة والكسوة مدة مقامها عند الزوج هل كانت من الزوج أو منها
____________________
(1/19)
ومنها لو ادعى صاحب الزرع أن غنم فلان نفشت فيه ليلا ووجد في الزرع أثر غنمه قضى بالضمان على صاحب الغنم نص عليه في رواية ابن منصور وجعل الشيخ تقي الدين هذا وأشباهه من القيافة في الأموال وجعلها معتبرة كالقيافة في الأنساب ويتخرج فيه وجه آخر أنه لا يكتفي بذلك ومنها لو تزوج بكرا فادعت أنه عنين فكذبها وادعى أنه أصابها وظهرت ثيبا فادعت أن ثيوبتها بسبب آخر فالقول قول الزوج ذكره الأصحاب ويتخرج فيه وجه آخر من المسائل المتقدمة ومنها اللوث في القسامة ومسائله معروفة القاعدة الرابعة عشرة إذا وجد سبب إيجاب أو تحريم من أحد رجلين لا يعلم عينه منهما فهل يلحق الحكم بكل منهما أو لا يلحق بواحد منهما شيء في المسألة خلاف ولها صور إحداهما إذا وجد اثنان منيا في ثوب ينامان فيه أو سمعا صوتا خارجا ولم يعلم من أيهما هو ففي المسألة روايتان إحداهما لا يلزم واحد منهما غسل ولا وضوء نظرا إلى أن كل واحد منهما متيقن للطهارة شاك في الحدث والثانية يلزمها الغسل والوضوء لأن الأصل زال يقينا في أحدهما فتعذر البقاء عليه وتعين الاحتياط ولم يلتفت إلى النظر في كل واحد بمفرده كثوبين أو إناءين نجس أحدهما الصورة الثانية قال أحد الرجلين إن كان هذا الطائر غرابا فامرأتي طالق وقال الآخر إن لم يكن غرابا فامرأتي طالق وغاب ولم يعلم ما هو ففيها وجهان أحدهما ما قال القاضي في المجرد وأبو الخطاب وغيرهما يبقى كل واحد منهما على يقين نكاحه والثاني وهو اختيار الشيرازي في الإيضاح وابن عقيل أنه تخرج المطلقة منهما بالقرعة وقال القاضي في الجامع هو قياس المذهب لأن واحدة منهما طلقت يقينا فأخرجت بالقرعة كما لو كانت الزوجتان لرجل واحد وذكر بعض الأصحاب احتمالا يقتضي وقوع الطلاق بهما حكما كما تجب الطهارة عليهما في المسألة الأولى وقد أومأ
____________________
(1/20)
إليه أحمد في رواية صالح وحكى له قول الشعبي في رجل قال لآخر إنك لحسود فقال له الآخر أحسدنا امرأته طالق ثلاثا فقال الآخر نعم قال الشعبي حنثتما وخسرتما وبانت منكما امرأتاكما جميعا وحكى له قول الحارث أدينهما وآمرهما بتقوى الله عز وجل وأقول أنتم أعلم بما حلفتما عليه فقال أحمد هذا شيء لا يدرك ألقاهما في التهلكة فإنكاره لقول الحارث يدل على موافقته لقول الشعبي بوقوع الطلاق فيهما هذا هو الظاهر ذكره الشيخ تقي الدين وقال هو بناء على أنه حلف على ما لم يعلم صحته أو ما لا تدرك صحته فيحنث كقول مالك ويدل عليه تعليل أحمد وقوع الطلاق على من قال أنت طالق إن شاء الله بأن مشيئة الله لا تدرك وهذا القول فيه بعد لأن إيقاع طلاقهما يفضي إلى أن يباح للأزواج من هي في زوجية الغير باطنا وفي إجبارهما على تجديد الطلاق إجبار للإنسان على قطع ملكه بغير حق وهو ضرر بخلاف إيجاب الطهارة عليهما فإنه لا ضرر فيه ولنا وجه آخر بوجوب اعتزال كل منهما زوجته حتى يتيقن الأمر ونص عليه أحمد رحمه الله في رواية عبد الله ونقل حرب عن أحمد رحمه الله أنه ذكر هذه المسألة فتوقف فيها وقال أحب إلي أن لا أقول فيها شيئا وتوقف عنها الصورة الثانية قال أحدهما إن كان غرابا فأمتي حرة وقال الآخر إن لم يكن غرابا فأمتي حرة وفيها الوجهان المذكوران في الطلاق وقياس المنصوص ها هنا أن يكف كل واحد عن وطء أمته حتى يتيقن فإن اشترى أحدهما أمة الآخر عين المعتقة منهما بالقرعة على أصح الوجهين لاجتماعهما في ملكه وإحداهما عتيقة كما قلنا لا يصح أن يأتم أحدهما بالآخر في الصورة الأولى لأن أحدهما محدث يقينا فينظر إليهما مجتمعين في حكم يتعلق باجتماعهما وليس من هذه القاعدة إذا وطئ اثنان امرأة بشبهة في طهر وأتت بولد وضاع نسبه لفقد القافة أو غير ذلك وأرضعت أمه بلبنه ولدا آخر فإنه يصير حكم كل من الصغيرين حكم ولد لكل واحد من الرجلين على الصحيح لأنه لم يتعين أن يكون الولد لواحد منهما بل يجوز عندنا أن يكون لهما فليس مما نحن فيه القاعدة الخامسة عشرة إذا استصحبنا أصلا وأعملنا ظاهرا في طهارة شيء أو حله أو حرمته وكان لازم ذلك تغير أصل آخر يجب استصحابه أو ترك العمل بظاهر آخر يجب إعماله لم يلتفت إلى
____________________
(1/21)
ذلك اللازم على الصحيح ولذلك صور منها إذا استيقظ من نومه فوجد في ثوبه بللا وقلنا لا يلزمه الغسل على ما سبق فيما إذا تقدم منه سبب المذي فلا يلزمه أيضا غسل ثوبه بحيث نقول إنما سقط عنه الغسل لحكمنا بأن البلل مذي بل نقول في ثوبه الأصل طهارته فلا ينجس بالشك والأصل طهارة بدنه فلا يلزمه الغسل بالشك فيبقى في كل منهما على أصله ذكره ابن عقيل في فنونه عن الشريف أبي جعفر وينبغي على هذا التقدير أن لا تجوز له الصلاة قبل الاغتسال في ذلك الثوب قبل غسله لأنا نتيقن وجود المفسد للصلاة لا محالة ومنها إذا لبس خفا ثم أحدث ثم صلى وشك هل مسح على الخف قبل الصلاة أو بعدها وقلنا ابتداء المدة من المسح جعلنا ابتداءها قبل الصلاة وأوجبنا إعادة الصلاة لأن الأصل وجوب غسل الرجلين والأصل بقاء الصلاة في الذمة ومنها إذا رمى حيوانا مأكولا بسهم ولم يوحه فوقع في ماء يسير فوجده ميتا فيه فإن الحيوان لا يباح خشية أن يكون الماء أعان على قتله والأصل تحريمه حتى يتيقن وجود السبب المبيح له ولا يلزم من ذلك نجاسة الماء أيضا لحكمنا على الصيد بأنه ميتة بل يستصحب في الماء أصل الطهارة فلا ينجسه بالشك ذكره ابن عقيل في فصوله ومنها لو قال لامرأته في غضب اعتدي وظهرت منه قرائن تدل على إرادته التعريض بالقذف أو فسره بالقذف فإنه يقع به الطلاق لأنه كناية اقترن بها غضب وهل يحد معها ذكر ابن عقيل في المفردات احتمالين أحدهما وبه جزم في عمد الأدلة أنه يحد لأنهما حقان عليه فلا يصدق فيما يسقط واحدا منهما والثاني لا يحد لأنه لو كان قذفا لم يكن طلاقا لتنافيهما ومن هذه القاعدة الأحكام التي يثبت بعضها دون بعض كإرث الذي أقر بنسبة من لا يثبت النسب بقوله والحكم بلحوق النسب في مواضع كثيرة لا يثبت فيها لوازمه المشكوك فيها من بلوغ النسب أحد أبويه واستقرار المهر أو ثبوت العدة والرجعة أو الحد أو ثبوت الوصية له أو الميراث وهي مسائل كثيرة القاعدة السادسة عشرة إذا كان للواجب بدل فتعذر الوصول إلى الأصل حالة الوجوب فهل يتعلق الوجوب
____________________
(1/22)
بالبدل تعلقا مستقرا بحيث لا يعود إلى الأصل عند وجوده للمسألة صور عديدة منها هدى المتعة إذا عدمه ووجب الصيام عليه ثم وجد الهدى قبل الشروع فيه فهل يجب عليه الانتقال أم لا ينبني على أن الاعتبار في الكفارات بحال الوجوب أو بحال الفعل وفيه روايتان فإن قلنا بحال الوجوب صار الصوم أصلا لا بدلا وعلى هذا فهل يجزئه فعل الأصل وهو الهدى المشهور أنه يجزئه لأنه الأصل في الجملة وإنما سقط رخصة وحكى القاضي في شرح المذهب عن ابن حامد أنه لا يجزئه ومنها كفارة الظهار واليمين ونحوهما والحكم فيهما كهدى المتعة ومنها إذا أتلف شيئا له مثل وتعذر وجود المثل وحكم الحاكم بأداء القيمة ثم وجد المثل قبل الأداء وجب أداء المثل ذكره الأصحاب لأنه قدر على الأصل قبل أداء البدل فيلزمه كما لو وجد الماء قبل الصلاة وينبغي أن يحمل كلامهم على ما إذا قدر على المثل عند الإتلاف ثم عدمه إما إن عدمه ابتداء فلا يبعد أن يخرج في وجوب أداء المثل خلاف وأما التيمم فلا يشبه ما نحن فيه لأنه لو وجد الماء بعد فراغه منه وجب استعمال الماء بنص الشارع وها هنا لو أدى القيمة لبرئ ولم يلزمه أداء المثل بعد وجوده وقال في التلخيص على الأظهر وهو يشعر بخلاف فيه ومنها لو جعل الإمام لمن دله على حصن جارية من أهله فأسلمت بعد الفتح أو قبله وكانت أمة فإنه يجب له قيمتها إذا كان كافرا لأن تعذر تسليم عينها إليه فوجب له البدل فإن أسلم بعد إسلامها فهل يعود حقه إلى عينها فيه لأصحابنا وجهان أحدهما لا يعود لأن حقه استقر في القيمة فلا ينتقل إلى غيرها والثاني بلى لأنه إنما انتقل إلى القيمة لمانع وقد زال فيعود حقه إليها ومنها لو أصدقها شجرا فأثمرت ثم طلقها قبل الدخول وامتنعت من دفع نصف الثمرة مع الأصل تعينت له القيمة فإن قال أنا أرجع في نصف الشجرة وأترك الثمرة عليها أو أترك الرجوع حتى تجدي ثمرك ثم أرجع فيه ففيه وجهان حكاهما القاضي وغيره أحدهما لا يجبر على قبول ذلك وهو الذي ذكره ابن عقيل لأن الحق قد انتقل من العين فلم يعد إليها إلا بتراضيهما والثاني يجبر عليه لأنه لا ضرر عليها فلزمها كما لو وجدها ناقصة فرضي بها فعلى هذا الحق باق في العين لبقائها في ملكها وكذلك ذكر القاضي في موضع من المجرد أنه
____________________
(1/23)
إذا لم يأخذ القيمة حتى قطع الطلع وعاد النخل كما كان أن للزوج الرجوع في نصفه ومنها لو طلقها قبل الدخول وقد باعت الصداق فلم يأخذ نصف قيمته حتى فسخ البيع لعيب قال الأصحاب ليس له نصفه لأن حقه وجب في القيمة ولم تكن العين وقتئذ في ملكهما ولا يبعد أن يخرج فيه وجه آخر بالرجوع كالتي قبلها وهذا إذا لم نقل إنه يدخل في ملكه قهرا كالميراث فإن قلنا يدخل قهرا عاد حقه إلى العين بعودها إليها ولا يقال هذا عاد إليها ملكا جديدا فلا يستحق الرجوع فيه كما لا يستحق الأب الرجوع فيما خرج عن ملك الابن ثم عاد لأنهم قالوا لو عاد إليها قبل الطلاق لرجع فيه بغير خلاف لأن حقه فيه ثابت بالقرآن وفي شرح الهداية لأبي البركات ما يدل على عكس ما ذكرنا وهو إنا إن قلنا يدخل نصف المهر في ملك الزوج قهرا فليس له العود إلى عينه بحال نظرا إلى أن القيمة تقوم مقام العين عند امتناع الرجوع في العين فيملك نصف القيمة قهرا حينئذ ولا ينتقل حقه عنها بعد ذلك ومنها لو اشترى عينا ورهنها أو تعلق بها حق شفعة أو جناية ثم أفلس ثم أسقط المرتهن أو الشفيع أو المجني عليه حقه فالبائع أحق بها من الغرماء لزوال المزاحمة على ظاهر كلام القاضي وابن عقيل وذكره أبو البركات في شرحه ويتخرج فيه وجه آخر أنه أسوة الغرماء القاعدة السابعة عشرة إذا تقابل عملان أحدهما ذو شرف في نفسه ورفعة وهو واحد والآخر ذو تعدد في نفسه وكثرة فأيهما يرجح ظاهر كلام أحمد ترجيح الكثرة ولذلك صور أحدها إذا تعارض صلاة ركعتين طويلتين وصلاة أربع ركعات في زمن واحد فالمشهور أن الكثرة أفضل وحكى عن أحمد رواية أخرى بالعكس وحكى عنه رواية ثالثة بالتسوية والثانية إهداء بدنة سمينة بعشرة وبدنتين بعشرة أو بأقل قال ابن منصور قلت لأحمد بدنتان سمينتان بتسعة وبدنة بعشرة قال ثنتان أعجب إلى ورجح الشيخ تقي الدين تفضيل البدنة السمينة وفي سنن أبي داود حديث يدل عليه والثالثة رجل قرأ بتدبر وتفكر سورة وآخر قرأ في تلك المدة سورا عديدة سردا قال أحمد في رواية جعفر بن أحمد بن أبي قيماز وسئل أيما أحب إليك الترسل أو الإسراع قال أليس قد جاء بكل حرف كذا وكذا حسنة قالوا له في السرعة قال إذا صور الحرف
____________________
(1/24)
بلسانه ولم يسقط من الهجاء وهذا ظاهر في ترجيح الكثرة على التدبر ونقل عنه حرب أنه كره السرعة إلا أن يكون لسانه كذلك لا يقدر أن يترسل وحمل القاضي الكراهة على ما إذا لم يبين الحروف ونقل عنه مثنى بن جامع في رجل أكل فشبع وأكثر الصلاة والصيام ورجل أقل الأكل فقلت نوافله وكان أكثر فكرة أيهما أفضل فذكر ما جاء في الفكر تفكر ساعة خير من قيام ليلة قال فرأيت هذا عنده أكثر يعني الفكر وهذا يدل على تفضيل قراءة التفكر على السرعة وهو اختيار الشيخ تقي الدين وهو المنصوص صريحا عن الصحابة والتابعين والرابعة رجلان أحدهما ارتاضت نفسه على الطاعة وانشرحت بها وتنعمت وبادرت إليها طواعية ومحبة والآخر يجاهد نفسه على تلك الطاعات ويكرهها عليها أيهما أفضل قال الخلال كتب إلي يوسف بن عبد الله الإسكافي حدثنا الحسن بن علي بن الحسن أنه سأل أبا عبد الله عن الرجل يشرع له وجه بر فيحمل نفسه على الكراهة وآخر يشرع له فيسر بذلك فأيهما أفضل قال ألم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول من تعلم القرآن وهو كبير يشق عليه فله أجران وهذا ظاهر في ترجيح المكره نفسه لأن له عملين جهادا وطاعة أخرى ولذلك كان له أجران وهذا قول ابن عطاء وطائفة من الصوفية من أصحاب أبي سليمان الداراني وعند الجنيد وجماعة من عباد البصرة أن الباذل لذلك طوعا ومحبة أفضل وهو اختيار الشيخ تقي الدين لأن مقامه في طمأنينة النفس أفضل من أعمال متعددة ولأنه من أرباب المنازل والمقامات والآخر من أرباب السلوك والبدايات فمثلها كمثل بمكة يشتغل بالطواف والآخر يقطع المفاوز والقفار في السير إلى مكة فعمله أشق والأول أفضل والله أعلم والخامسة تعارض عتق رقبة نفيسة بمال وعتق رقاب متعددة بذلك المال قال القاضي وابن عقيل الرقاب أفضل وفيه أيضا نظر وقد كان طائفة من السلف كابن عمر والربيع بن خيثم يستحبون الصدقة بما يشتهون من الأطعمة وإن كان المسكين ينتفع بقيمته أكثر عملا بقوله ! ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) ! وهذا في العتق أولى مع قول النبي صلى الله عليه وسلم خير الرقاب أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمنا والله أعلم القاعدة الثامنة عشرة إذا اجتمعت عبادتان من جنس في وقت واحد وليست إحداهما مفعولة على جهة القضاء ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت تداخلت أفعالهما واكتفى فيهما بفعل
____________________
(1/25)
واحد وهو على ضربين أحدهما أن يحصل له بالفعل الواحد العبادتان بشرط أن ينويهما معا على المشهور ومن أمثلة ذلك من عليه حدثان أصغر وأكبر فالمذهب أنه يكفيه أفعال الطهارة الكبرى إذا نوى الطهارتين بها وعنه لا يجزئه عن الأصغر حتى يأتي بالوضوء واختار أبو بكر أنه يجزئه عنهما إذا أتى بخصائص الوضوء من الترتيب والموالاة وإلا فلا وجزم به صاحب المبهج ولو كان عادما للماء فيتيمم تيمما واحدا ينوي به الحدثين أجزأه عنهما بغير خلاف ونص عليه أحمد في رواية مهنا ومنها القارن إذا نوى الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعى واحد على المذهب الصحيح وعنه لا بد من طوافين وسعيين كالمفرد والقاضي وأبو الخطاب في خلافيهما حكيا هذه الرواية على وجه آخر وهو أنه لا تجزئه العمرة الداخلة في ضمن الحج عن عمرة الإسلام بل عليه أن يأتي بعمرة مفردة بإحرام لها ومنها إذا نذر الحج من علية حج الفرض ثم حج حجة الإسلام فهل يجزئه عن فرضه ونذره على روايتين إحداهما يجزئه عنهما نص عليه أحمد في رواية أبي طالب ونقله عن ابن عباس وهي اختيار أبي حفص والثانية لا يجزئه ونقلها ابن منصور وعبد الله وهي المشهورة وقد حمل بعض الأصحاب كأبي الحسين في التمام الرواية الأولى على صحة وقوع النذر قبل الفرض وفرضهما فيما إذا نوى النذر إنه يجزئه عنه وتبقى عليه حجة الإسلام ولا يصح ذلك ومنها إذا نذر صوم شهر يقدم فيه فلان فقدم في أول رمضان هل يجزئه رمضان عن فرضه ونذره على روايتين أشهرهما عند الأصحاب لا يجزئه عنهما والثانية يجزئه عنهما نقلها المروذي وصرح بها الخرقي في كتابه وحملها المتأخرون على أن نذره لم ينعقد لمصادفته رمضان ولا يخفى فساد هذا التأويل وعلى رواية الإجزاء فقال صاحب المغني لا بد أن ينويه عن فرضه ونذره وقال الشيخ مجد الدين لا يحتاج إلى نية النذر قال وهو ظاهر كلام الخرقي وأحمد لأنا نقدره كأنه نذر هذا القدر منجزا عند القدوم فجعله كالناذر لصوم رمضان لجهة الفرضية وفيه بعد ولو نذر صوم شهر مطلق فصام رمضان ينويه عنهما فإنه يخرج على مسألة الحج ذكره ابن الزاغوني وغيره ومنها لو نذر الصدقة بنصاب من المال وقت حلول الحول فهل تجب فيه الزكاة على
____________________
(1/26)
وجهين وعلى القول بالوجوب فهل تجزيه الصدقة عن النذر والزكاة إذا نواهما على وجهين واختيار صاحب المغنى الإجزاء وخالفه صاحب شرح الهداية ومنها لو طاف عند خروجه من مكة طوافا ينوي به الزيارة والوداع فقال الخرقي في شرح المختصر وصاحب المغنى في كتاب الصلاة يجزئه عنهما ويتخرج فيه خلاف من المسألة التي بعدها ومنها لو أدرك الإمام راكعا فكبر تكبيرة ينوي بها تكبيرتي الإحرام والركوع فهل يجزئه على وجهين حكاهما أبو الخطاب وغيره واختار القاضي عدم الإجزاء للتشريك بين الركن وغيره وأخذه من نص أحمد رحمه الله فيمن رفع رأسه من الركوع وعطس فقال ربنا ولك الحمد ينوي به الواجب وسنة الحمد للعاطس أن لا يجزئه واختار ابن شاقلا الإجزاء وشبهه بمن أخرج في الفطرة أكثر من صاع ولا يصح هذا التشبيه ومن الأصحاب من قال إن قلنا تكبيرة الركوع سنة أجزأته وحصلت السنة بالنية تبعا للواجب وإن قلنا واجبة لم يصح التشريك وفيه ضعف وهذه المسألة تدل على أن تكبيرة الركوع تجزئ في حال القيام خلاف ما يقوله المتأخرون والضرب الثاني أن يحصل له إحدى العبادتين بنيتها وتسقط عنه الأخرى ولذلك أمثلة منها إذا دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فصلى معهم سقطت عنه التحية ومنها لو سمع سجدتين معا فهل يسجد سجدتين أم يكتفي بواحدة المنصوص في رواية البرزاطي أنه يسجد سجدتين ويتخرج أنه يكتفي بواحدة وقد خرج الأصحاب بالاكتفاء بسجدة الصلاة عن سجدة التلاوة وجها فهنا أولى ومنها إذا قدم المعتمر مكة فإنه يبدأ بطواف العمرة ويسقط عنه طواف القدوم وقياسه إذا أحرم بالحج من مكة ثم قدم يوم النحر أنه يجزئه طواف الزيارة عنه والمنصوص ها هنا أنه يطوف قبله للقدوم وخالف فيه صاحب المغني وهو الأصح ومنها إذا صلى عقيب الطواف مكتوبة فهل يسقط عنه ركعتا الطواف على روايتين قال أبو بكر الأقيس أنها لا تسقط ونقل أبو طالب عن أحمد رحمه الله يجزئه ليس هما واجبتين ونقل الأثرم عنه أرجو أن يجزئه وهذا قد يشعر بأنه يحصل له بذلك الفرض ركعتا الطواف فيكون من الضرب الأول لكن لا يعتبر هنا نية ركعتي الطواف ويشبه هذه الرواية التي حكاها أبو حفص البرمكي عن أحمد في الجنب إذا
____________________
(1/27)
اغتسل ينوي الجنابة وحدها أنه يرتفع حدثه الأصغر تبعا وهي اختيار الشيخ تقي الدين وقد يقال المقصود أن يقع عقب الطواف صلاة كما أن المقصود أن يقع قبل الإحرام صلاة فأي صلاة وجدت حصلت المقصود ومنها لو أخر طواف الزيارة إلى وقت خروجه فطاف فهل يسقط عنه طواف الوداع أم لا على روايتين ونص في رواية ابن القاسم على سقوطه ومنها إذا أدرك الإمام راكعا فكبر للإحرام فهل تسقط عنه تكبيرة الركوع على روايتين أيضا والمنصوص عنه الإجزاء وهل يشترط أن ينوي بها تكبيرة الافتتاح أم لا على روايتين نقلهما عنه ابن منصور وإحداهما لا يشترط بل يكفيه أن يكبر بنية الصلاة وإن لم يستحضر بقلبه أنها تكبيرة الإحرام كما لو أدرك الإمام في القيام والثانية لا بد أن ينوي بها الافتتاح لأنه قد اجتمع ههنا تكبيرتان فوقع الاشتراك فاحتاجت تكبيرة الإحرام إلى نية تميزها بخلاف حال القيام فإنه لم يقع فيه اشتراك ومنها إذا اجتمع في يوم عيد وجمعة فأيهما قدم أولا في الفعل سقط به الثاني ولم يجب حضوره مع الإمام وفي سقوطه عن الإمام روايتان وعلى رواية عدم السقوط فيجب أن يحضر معه من تنعقد به تلك الصلاة ذكره صاحب التلخيص وغيره فتصير الجمعة ههنا فرض كفاية تسقط بحضور أربعين ومنها إذا اجتمع عقيقة وأضحية فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة أم لا على روايتين منصوصتين وفي معناه لو اجتمع هدى وأضحية واختار الشيخ تقي الدين أنه لا تضحية بمكة وإنما هو الهدي ومنها اجتماع الأسباب التي يجب بها الكفارات وتتداخل في الأيمان والحج والصيام والظهار وغيرها فإذا أخرج كفارة واحدة عن واحد منها معين أجزاءه وسقطت سائر الكفارات وإن كان مبهما فإن كانت من جنس وادح أجزأه أيضا وجها واحدا عند صاحب المحرر وعند صاحب الترغيب أن فيه وجهين وإن كانت من جنسين فوجهان في اعتبار نية التعيين وأما الأحداث الموجبة للطهارة من جنس أو جنسين موجبهما واحد فيتداخل موجبهما بالنية أيضا من غير إشكال وإن نوى أحدهما فالمشهور أنه يرتفع الجميع ويتنزل ذلك على التداخل كما قلنا في الكفارات أو على أن الحكم الواحد يعلل بعلل مستقلة وإذا نوى رفع حدث البعض فقد نوى واجبه وهو واحد لا تعدد فيه وعن أبي بكر لا يرتفع إلا ما نواه قال في كتاب المقنع إذا أجنبت المرأة ثم حاضت يكون الغسل
____________________
(1/28)
الواحد لهما جميعا إذا نوتهما به ويتنزل هذا على أنه لا يعلل الحكم الواحد بعلتين مستقلتين بل إذا اجتمعت أسباب موجبة تعددت الأحكام الواجبة بتعدد أسبابها ولم تتداخل إن كانت جنسا واحدا ورجح صاحب المحرر قول أبي بكر في غسل الجنابة والحيض لأنهما مختلفا الأحكام إذ المنع المرتب على الحيض يزيد على المنع المرتب على الجنابة لأنهما مختلفا الأجناس بخلاف غيرهما فهما كالجنسين وغيرهما كالجنس الواحد ومن الأصحاب من قال إن نوت رفع حدث الحيض ارتفعت الجنابة لدخول موانعها فيه ولا عكس القاعدة التاسعة عشرة إمكان الأداء ليس بشرط في استقرار الواجبات بالشرع في الذمة على ظاهر المذهب ويندرج تحت ذلك صور منها الطهارة فإذا وصل عادم الماء إلى الماء وقد ضاق الوقت فعليه أن يتطهر ويصلي بعد الوقت ذكره صاحب المغني وخالفه صاحب المحرر وقال يصلي بالتيمم وهو ظاهر كلام أحمد في رواية صالح ومنها الصلاة فإذا طرأ على المكلف ما يسقط تكليفه بعد الوقت وقبل التمكن من الفعل فعليه القضاء في المشهور وقال ابن بطة وابن أبي موسى لا قضاء ومنها الزكاة فإذا تلف النصاب قبل التمكن من الأداء فعليه أداء زكاته على المشهور إلا المعشرات إذا تلفت بآفة سماوية لكونها لم تدخل تحت يده فهي كالدين التاوي قبل قبضه وخرج الشيرازي وغيره وجها بالسقوط مطلقا ومنها الصيام فإذا بلغ الصبي مفطرا في أثناء يوم من رمضان أو أسلم فيه كافر أو طهرت حائض لزمهم القضاء في أصح الروايتين ومنها الحج فلا يشترط لثبوت وجوبه في الذمة التمكن من الأداء على أظهر الروايتين وإنما يشترط لزوم أداءه بنفسه وأما قضاء العبادات فاعتبر الأصحاب له إمكان الأداء فقالوا فيمن أخر قضاء رمضان لعذر ثم مات قبل زواله إنه لا يطعم عنه وإن مات بعد زواله والتمكن من القضاء أطعم عنه وأما قضاء المنذورات ففي اشتراط من الأداء وجهان فلو نذر صياما أو حجا ثم مات قبل التمكن منه فهل يقضي عنه على الوجهين وعلى القول بالقضاء فهل يقضي الصيام الفائت بالمرض خاصة أو الفائت بالمرض والموت أيضا على وجهين
____________________
(1/29)
القاعدة العشرون النماء المتولد من العين حكمه حكم الجزء والمتولد من الكسب بخلافه على الصحيح ويظهر أثر ذلك في مسائل منها لو كان عنده دون نصاب فكمل نصابا بنتاجه فهل يحسب حوله من حين كمل كما لو كان النتاج من غيره أو من حين ملك الأمهات لأن النتاج جزء من الأمهات فهو موجود فيها بالقوة من أول الحول في المسألة روايتان ولو كان له مائة وخمسون درهما فأتجر بها حتى صارت مائتين فحولها من حين كمل بغير خلاف لأن الكسب يتولد من خارج وهو رغبات الناس لا من نفس العين ومنها لو عجل الزكاة عن نماء النصاب قبل وجوده فهل يجزئه فيه ثلاثة أوجه ثالثها يفرق بين أن يكون النماء نصابا فلا يجزئه لاستقلاله بنفسه في الوجوب وبين أن يكون دون نصاب فيجزئه لتبعيته للنصاب في الوجوب وتخرج فيه وجه رابع بالفرق بين أن يكون النماء نتاج ماشية أو ربح تجارة فيجوز في الأول دون الثاني من المسألة التي قبلها ومنها لو اشترى شيئا فاستغله ونمى عنده ثم رده بعيب فإن كان نماؤه كسبا لم يرده معه قال كثير من الأصحاب بغير خلاف وإن كان متولدا من عينه كالولد واللبن والصوف الحادث وثمرة الشجر فهل يرده معه فيه روايتان معروفتان ومنها لو قارض المريض في مرض الموت وسمى للعامل أكثر من تسمية مثله صح ولم يحتسب من الثلث ولو ساقى وسمى للعامل أكثر من تسمية المثل فوجهان أشهرهما أنه يعتبر من الثلث لحدوث الثمر من عين ملكه ومنها لو فسخ المالك المضاربة قبل ظهور الربح لم يستحق المضارب شيئا ولو فسخ المساقاة قبل ظهور الثمرة استحق العامل أجرة المثل لأن الربح لا يتولد من المال بنفسه وإنما يتولد من العمل ولم يحصل بعمله ربح والثمر متولد من عين الشجر وقد عمل على الشجر عملا مؤثرا في الثمر فكأن لعمله تأثير في حصول الثمر وظهوره بعد الفسخ ومنها إن المشاركة بين اثنين بمال أحدهما وعمل الآخر إن كان المشاركة فيما ينمو من العمل كالربح جاز كالمضاربة وكمن دفع دابته أو عبده إلى من يعمل عليه بشيء من كسبه فإنه يجوز على الأصح وإن كانت المشاركة فيما يحدث عن المال كدر الحيوان ونسله ففيه
____________________
(1/30)
روايتان وكثير من الأصحاب يختار فيه المنع لأن العامل لا يثبت حقه في أصل عين المال والمتولد من العين حكمه حكمها ولكن هذا ممنوع عند من أجاز الاستئجار على حصاد الزرع يجزأ منه أو على نسج الثوب ببعضه وذلك منصوص عن أحمد أيضا واستثنى من ذلك أبو الخطاب في انتصاره ثمر الشجر فإذا عمل الشريكان في شجر بينهما نصفين وشرط التفاضل في ثمره جاز عنده وفرق بين الثمر وغيره مما يتولد من عين المال بأن للعمل تأثيرا في حصول الثمر بخلاف غيره ولهذا المعنى جازت المساقاة فأما الإجارة المحضة فيجوز فيما ينتفع باستغلاله وإيجارته من العقار وغيره ولا يجوز فيما ينتفع بأعيانه إلا فيما استثنى من ذلك للحاجة كالظئر ونحوها وعند تقي الدين رحمه الله أن الأعيان التي تستخلف شيئا فشيئا حكمه حكم المنافع فيجوز استيفاؤها بعقد الإجارة كما يستوفي بالوقف والوضية القاعدة الحادية والعشرون وقد يختص الولد من بين سائر النماء المتولد من العين بأحكام ويعبر عن ذلك بأن الولد هل هو كالجزء أو كالكسب والأظهر أنه جزء فمن ذلك لو ولدت الأمة الموقوفة ولدا فهل يكون ملكا للموقوف عليه كثمر الشجرة أو يكون وقفا معها على وجهين أشهرهما أنه وقف معها لأنه جزء منها ولهذا يصح وقفه ابتداء بخلاف الثمرة ومنها لو ولدت الموصى بمنافعها فإن قلنا الولد كسب فكله لصاحب المنفعة وإن قلنا هو جزء ففيه وجهان أحدهما أنه بمنزلتها والثاني أنه للورثة لأن الأجزاء لهم دون المنافع ومنها هل يتبع الولد أمه في الكتابة الفاسدة كالصحيحة فإن قلنا هو جزء منها تبعها وإن قلنا هو كسب ففيه وجهان بناء على سلامة الاكتساب في الكتابة الفاسدة القاعدة الثانية والعشرون العين المنغمرة في غيرها إذا لم يظهر أثرها فهل هي كالمعدومة حكما أو لا فيه خلاف وينبني عليه مسائل منها الماء الذي استهلكت فيه النجاسة فإن كان كثيرا سقط حكمها بغير خلاف وإن كان يسيرا فروايتان ثم من الأصحاب من يقول إنها سقط حكمها وإلا فهي موجودة
____________________
(1/31)
تبطل الوصية وإن قلنا هو استهلاك بطلت ومنها لو حلف لا يأكل شيئا فاستهلك في غيره ثم أكله قال الأصحاب لا يحنث ولم يخرجوا فيه خلافا لأن مبنى الإيمان على العرف ولم يقصد الامتناع من مثل ذلك وقد يخرج فيه وجه بالحنث وقد أشار إليه أبو الخطاب كما سنذكره وهذا كله في المائعات والأدقة ونحوها مما يختلط بعض أجزائه ببعض فأما الحبوب والدراهم ونحوها فمن الأصحاب من قال حكمها حكم المائعات فيما سبق وفرعوا على ذلك مسائل منها لو اشترى ثمرة فلم يقبضها حتى اختلطت بغيرها ولم تتميز فهل ينفسخ البيع على وجهين اختار القاضي في خلافه الانفساخ وفي المجرد عدمه ومنها لو حلف لا يأكل حنطة فأكل شعيرا فيه حبات حنطة ففي حنثه وجهان ذكرهما أبو الخطاب وغلطه صاحب الترغيب وقال يحنث بلا خلاف لأن الحب متميز لم يستهلك بخلاف ما لو طحنت الحنطة بما فيها فاستهلكت فإنه لا يحنث ومنها لو اختلطت دراهمه بدراهم مغصوبة فالمنصوص عن أحمد في رواية المروذي إن كانت الدراهم قليلة كثلاثة فيها درهم حرام وجب التوقف عنها حتى يعلم وإن كانت كثيرة كثلاثين فيها درهم حرام فإنه يخرج منها درهما ويتصرف في الباقي وله نصوص كثيرة في هذا المعنى وعلل بأن الكثير يجحف بماله إخراجه وأنكر على من قال يخرج هذا قدر الحرام من القليل كالثلاثة إنكارا شديدا وأما القاضي فتأول كلامه على الاستحباب لأنه كلما كثر الحلال بعد تناول الحرام وشق التورع عن الجميع بخلاف القليل قال والواجب في الجميع إخراج قدر الحرام وكذلك ذكر ابن عقيل في فصوله وخالف في الفنون وقال يحرم الجميع ومنها لو خلط الوديعة وهي دراهم بماله ولم تتميز فالمشهور الضمان لعدوانه حيث فوت تخليصها وعنه رواية أخرى لا ضمان عليه لأن النقود لا يتعلق الغرض بأعيانها بل بمقدارها وربما كان خلطها أحفظ لها وعلى هذه الرواية فإذا تلف بعض المختلط بغير عدوان جعل التالف كله من ماله وجعل الباقي من الوديعة نص عليه لأن هذه أمانة الأصل بقاؤها ووجوب تسليمها ولم يتيقن زوال ذلك ولهذا قلنا لو مات وعنده وديعة وجهل بقاؤها أنها تكون دينا على التركة وتأول القاضي وابن عقيل كلام أحمد رحمه الله في الضمان هنا على أن الخلط كان عدوانا وهذا يدل على أنه لا ضمان عندهما إلا مع التعدي ولو اختلطت الوديعة بغير فعله ثم ضاع البعض جعل من
____________________
(1/32)
تبطل الوصية وإن قلنا هو استهلاك بطلت
ومنها لو حلف لا يأكل شيئا فاستهلك في غيره ثم أكله قال الأصحاب لا يحنث ولم يخرجوا فيه خلافا لأن مبنى الأيمان على العرف ولم يقصد الامتناع من مثل ذلك وقد يخرج فيه وجه بالحنث وقد أشار إليه أبو الخطاب كما سنذكره وهذا كله في المائعات والأدقة ونحوها مما يختلط بعض أجزائه ببعض فأما الحبوب والدراهم ونحوها فمن الأصحاب من قال حكمها حكم المائعات فيما سبق وفرعوا على ذلك مسائل منها لو اشترى ثمرة فلم يقبضها حتى اختلطت بغيرها ولم تتميز فهل ينفسخ البيع على وجهين اختار القاضي في خلافة الانفساخ وفي الجرد عدمه ومنها لو حلف لا يأكل حنظة فأكل شعيرا فيه حبات حنطة ففي حنثه وجهان ذكرهما أبو الخطاب وغلط صاحب الترغيب وقال يحنث بلا خلاف لأن الحب متميز لم يستهلك بخلاف ما لو طحنت الحنطة بما فيها فاستهلكت فإنه لا يحنث ومنها لو اختلطت دراهمه بدراهم مغصوبة فالمنصوص عن أحمد في رواية المروذي إن كانت الدراهم قليلة كثلاثة فيها دراهم حرام وجب التوقف عنها حتى يعلم وإن كانت كثير كثلاثين فيها دراهم حرام فإنه يخرج منها دراهما ويتصرف في الباقى وله نصوص كثيرة في هذا المعنى وعلل بأن الكثير يجحف بماله إخراجه وأنكر على من قال يخرج هذا قدر الحرام من القليل كالثلاثة إنكارا شديدا وأما القاضي فتأول كلامه على الاستحباب لأنه كلما كثر الحلال بعد تناول الحرام وشق التورع عن الجميع بخلاف القليل قال والواجب في الجميع إخراج قدر الحرام وكذلك ذكر ابن عقيل في فصوله وخالف في الفنون وقال يحرم الجميع ومنها لو خلط الوديعة وهي دراهم بماله ولم تتميز فالمشهور الضمان لعدوانه حيث فوت تخليصها وعنه رواية أخرى لا ضمان عليه لأن النقود لا يتعلق الغرض بأعيانها بل بمقدارها وربما كان خلطها أحفظ لها وعلى هذه الرواية فإذا تلف بعض المختلط بغير عدوان جعل التالف كله من ماله وجعل الباقى من الوديعة نص عليه لأن هذه أمانة الأصل بقاؤها ووجوب تلسيمها ولم يتيقن زوال ذلك ولهذا قلنا لو مات وعنده وديعة وجهل بقاؤها أنه تكون دينا على التركة وتأول القاضي وابن عقيل كلام أحمد رحمه الله في الضمان هنا على أن الخلط كان عدوانا وهذا يدل على أنه لا ضمان عندهما إلا مع التعدي ولو اختلطت الوديعة بغير فعله ثم ضاع البعض جعل من
____________________
(1/33)
مال المودع في ظاهر كلام أحمد ذكره أبو البركات ابن تيمية في شرح الهداية وقد تقدم أن القاضي ذكر في الخلاف إنهما يصيران شريكين قال أبو البركات ولا يبعد على هذا أن يكون الهالك منهما وذكر القاضي أيضا في بعض تعاليقه فيمن معه دينار أمانة لغيره فسقط منه مع دينار له في رحى فدارت عليهما حتى نقصا وكان نقص أحدهما أكثر من نقص الآخر ولم يدر أيهما له أنه يحتاط فيدفع إلى صاحب الأمانة ما يغلب على ظنه أنه قدر حقه فإن ادعى أن الثقيل له فالقول قوله في الظاهر لأن يده عليه والله أعلم القاعدة الثالثة والعشرون من حرم عليه الامتناع من بدل شيء سئله فامتنع فهل يسقط إذنه بالكلية أو يعتبر ويجبره الحاكم عليه هذا نوعان أحدهما أن يكون المطلوب منه إذنا مجردا ويندرج تحته صور منها وضع الخشب على جدار جاره إذا لم يضر به وقد نص أحمد على عدم اعتبار إذنه في ذلك وفي التلخيص أنه يجبر عليه إن أباه ومنها حج الزوجة الفرض ونص أحمد في رواية صالح على أنها لا تحج إلا بإذنه وأنه ليس له منعها فعلى هذا يجبر على الإذن لها ونقل ابن أبي موسى عن أحمد أن استئذانها له مستحب ليس بواجب ومنها إذا قلنا بوجوب الجمعة على العبد فهل يتوقف على إذن السيد حكى الأصحاب فيه روايتين إحداهما لا تجب على العبد حتى يأذن له السيد والثانية تجب بدون إذنه ويستحب له استئذانه فإن أذن له وإلا خالفه وذهب ومنها أخذ فاضل الكلأ والماء من أرضه هل يقف جواز الدخول إلى الأرض على إذنه أم يجوز بدون إذنه على وجهين ونص أحمد على جواز الرعي في الأرض المغصوبة يدل على عدم اعتبار الإذن في ذلك ومن الأصحاب من قال الخلاف في غير المحوط أما المحوط فلا يجوز دخوله بغير إذن بغير خلاف قال ومتى تعذر الاستئذان لغيبة المالك أو غيرهما أو استأذن فلم يأذن سقط إذنه كما في الولي في النكاح ونقل مثنى الأنباري عن أحمد ما يشعر بالفرق بين الدخول للماء والكلأ فيتعين الاستئذان للدخول للكلأ دون الماء ومنها بذل الضيافة الواجبة إذا امتنع منها جاز الأخذ من ماله ولا يعتبر إذنه في أصح
____________________
(1/34)
الروايتين نقلها علي بن سعيد عن أحمد ونقل عنه حنبل لا يأخذ إلا بعلمهم ويطالبهم بقدر حقه ومنها نفقة الزوجة الواجبة ومنها الطعام الذي يضطر إليه غيره فإنه يلزمه بذله له بقيمته فإن أبى فللمضطر أخذه قهرا وإنما سقط اعتبار الإذن في هذه الصور لأن اعتباره يؤدي إلى مشقة وحرج وربما أدى إلى فوات الحق بالكلية النوع الثاني أن يكون المطلوب منه تصرفا لعقده أو فسخ أو غيرهما ويندرج تحته صور منها إذا طلب منه القسمة التي تلزمه الإجابة إليها والأصحاب يقولون يجبر على ذلك فإن كان المشترك مثليا وهو المكيل والموزون وامتنع أحد الشريكين من الإذن في القسمة أو غاب فهل يجوز للشريك الآخر أخذ قدر حقه منه بدون إذن الحاكم على وجهين أحدهما الجواز وهو قول أبي الخطاب والثاني المنع وهو قول القاضي لأن القسمة مختلف في كونها بيعا وإذن الحاكم يرفع النزاع ومنها إذا امتنع من بيع الرهن فإن الحاكم يجبره عليه ويحبسه فإن أصر باع عليه ومن الأصحاب من يقول الحاكم مخير إن شاء أجبره على البيع وإن شاء باع عليه وهو المجزوم به في المغني ومنها إذا امتنع من الإنفاق على بهائمه فإنه يجبر على الإنفاق أو البيع كذا أطلقه كثير من الأصحاب وقال ابن الزاغوني إن أبي باع الحاكم عليه ومنها المولى إذا وقف ثم امتنع من الفيئة فإنه يؤمر بالطلاق فإن طلق فذاك وإلا ففيه روايتان إحداهما يجبر على الطلاق بالحبس والتضييق والثانية يطلق الحاكم عليه ومنها العنين إذا انقضت مدته وتحقق عجزه وأبى أن يفارق زوجته فرق الحاكم بينهما ومنها إذا مثل بعبده قال أحمد في رواية الميموني يعتقه السلطان عليه وظاهر هذا أنه لا يعتق بمجرد التمثيل ولكن يعتقه السلطان عليه بغير اختيار لأن عتقه صار محتما
____________________
(1/35)
لا محالة كما فعل عمر رضي الله عنه بخلاف طلاق المولى فإنه لوفاء لم يطالب الطلاق ويحتمل أن يكون مراده أن السلطان يحكم عليه بوقوع العتق كما هو معروف في المذهب وفيه بعد ومنها الموصى بعتقه إذا امتنع الوارث من إعتاقه أعتقه السلطان عليه ومنها إذا اشترى عبدا بشرط العتق وقلنا يصح على الصحيح فأبى أن يعتقه ففيه وجهان وقيل روايتان إحداهما ونص عليها أحمد في رواية الأثرم أن للبائع الفسخ بناء على أنه حق له والثاني أنه يجبر المشتري على عتقه بناء على أنه حق لله تعالى فعلى هذا إذا امتنع وأصر توجه أن يعتقه الحاكم عليه ومنها الحوالة على الملىء هل يعتبر لبراءة المحيل رضا المحال فإن أبى أجبره الحاكم عليه لأن احتياله على الملىء واجب عندنا أو يبرأ بمجرد الحوالة فيه عن أحمد روايتان حكاهما القاضي في خلافه وطائفة من الأصحاب ومبناهما على أن الحوالة هل هي نقل للحق أو تقبيض فإن قلنا نقلا لم يعتبر لها قبول وإن كانت تقبيضا فلا بد من القبض القول وهو قولها فيجبر المحتال عليه ومنها الولي في النكاح إذا امتنع من التزويج فهل يسقط حقه وينتقل إلى غيره ممن هو أبعد منه أو لا فيقوم الحاكم مقامه على روايتين ومنها إذا أسلم على أكثر من أربعة وأبى أن يختار منهن أجبره الحاكم على الاختيار وعزره مرة بحد أخرى حتى يختار ولم يختر له إذ الاختيار موكول إلى شهوته وغرضه لا غير ومنها الكتابة إذا أوجبناها بسؤال العبد فأبى السيد أجبره الحاكم عليها ومنها إذا أتاه الغريم بدينه الذي يجب عليه قبضه فأبى أن يقبضه قال في المغني يقبضه الحاكم وتبرأ ذمة الغريم لقيام الحاكم مقام الممتنع بولايته ولو أتاه الكفيل بالغريم فأبى أن يتسلمه فقال في المغني يشهد على امتناعه ويبرأ لوجود الإحضار وذكر عن القاضي أنه يرفعه إلى الحاكم أولا ليسلمه إليه فإن تعذر أشهد على امتناعه القاعدة الرابعة والعشرون من علق بماله حق واجب عليه فبادر إلى نقل الملك عنه صح ثم إن كان الحق متعلقا
____________________
(1/36)
بالمال نفسه لم يسقط وإن كان متعلقا بمالكه لمعنى زال بانتقاله عنه سقط وإن كان لا يزول بانتقاله لم يسقط على الأصح ويدخل تحت ذلك صور منها لو بادر الغال قبل إحراق رحله وباعه ففيه وجهان حكاهما في المغني أحدهما يصح لأن ملكه باق لم يزل ويسقط التحريق لانتقاله عنه فهو كما لو مات وانتقل إلى وارثه والثاني ينفسخ البيع ويحرق لأن حق التحريق أسبق وقد تعلق بهذا المال عقوبة لمالكه على جريمته السابقة ومنها لو باع المشتري الشقص المشفوع قبل المطالبة بالشفعة ففيه وجهان أحدهما أن البيع باطل لأن ملكه غير تام وهو ظاهر كلام أبي بكر في التنبيه والثاني أن البيع صحيح وهو قول الخرقي والمشهور في المذهب لأن أخذ الشفيع من المشتري الثاني ممكن فإن اختار ذلك فعل وإلا فسخ البيع الثاني وأخذ من الأول لسبق حقه عليه ومنها لو أمر الذمي بهدم بنائه العالي فبادر وباع من مسلم صح وسقط الهدم لزوال علته فإنه لم يجب الهدم إلا لإزالة ضرر استدامة تعلية الذمي لا عقوبة للتعلية الماضية وقد زال الضرر بانتقاله إلى المسلم فهو كما لو بادر المالك وأسلم فإن الهدم يسقط بلا تردد ومنها لو مال جداره إلى ملك جاره فطولب بهدمه فباع داره صح وهل يسقط الضمان عنه بالسقوط بعد ذلك على رواية التضمين أم لا قال القاضي يسقط لأن الوقوع في غير ملكه وقال ابن عقيل إن قصد بيعه الفرار من المطالبة بهدمه لم يسقط الضمان لانعقاد سببه في ملكه كما لو باع سهما بعد خروجه من كبد القوس فإن عليه ضمان ما يتلفه قال وكذا لو باع فخا أو شبكة منصوبتين فوقع فيهما صيد في الحرم أو مملوك للغير لم يسقط عنه ضمانه والظاهر أن القاضي لا يخالف في هذه الصور فإنه قال فيما إذا أخرج جناحا أو ميزابا إلى الطريق ثم باع ملكه بعد المطالبة بإزالته ثم سقط فعليه الضمان لأن خروجه إلى غير ملكه حصل بفعله بخلاف ميل الحائط فإنه لا فعل له فيه وإنما يلزمه إزالته على وجه ممكن ولا يمكنه نقضه بعد زوال ملكه عنه ومنها لو اشترى عبدا بشرط العتق ثم باعه بهذا الشرط فهل يصح أم لا على وجهين حكاهما الأزجي في نهايته وصحح عدم الصحة لأنه يتسلسل ولأن تعلق حق العتق
____________________
(1/37)
الواجب عليه يمنع الصحة كما لو نذر عتق عبد فإنه لا يصح بيعه وعندي أن هذا الخلاف مترتب على أن الحق هل هو لله ويجبر عليه أن أباه أو للبائع فعلى الأول هو كالمنذور عتقه وعلى الثاني يسقط الفسخ لزوال الملك والبائع الرجوع بالأرش فإن هذا الشرط ينقص به الثمن عادة ويحتمل أن يثبت له الفسخ لسبق حقه ومنها لو باع العبد الجاني لزمه افتداؤه فإن كان معسرا فسخ البيع تقديما لحق المجني عليه لسبقه ومنها لو باع الوارث التركة مع استغراقها بالدين ملتزما لضمانه ثم عجز عن وفائه فإنه يفسخ البيع ومنها لو باع نصاب الزكاة بعد الوجوب ثم أعسر فهل يفسخ في قدر الزكاة أم لا فيه وجهان مرتبان على أن الزكاة هل كانت متعلقة بعين المال أو بذمة ربه فإن قيل بعين المال فسخ البيع لاستيفائها منه وإلا فلا القاعدة الخامسة والعشرون من ثبت له ملك عين ببينة أو إقرار فهل يتبعها ما يتصل بها أو تولد منها أم لا في المسألة خلاف ولها صور منها أن من ثبت له ملك أمة في يد غيره ومعها ولد لها فهل يتبعها في الملك إذا ادعاه على وجهين أحدهما لا وهو الذي ذكره القاضي لأنه لا يتبعها في بيع ولا غيره ويجوز أن يكون ولدته قبل ملكه لها والثاني وإليه ميل ابن عقيل أنه يتبعها لأنه من أجزائها وقد ثبت سبق اليد الحكمية لليد المشاهدة فتكون مرجحة عليها ويشبه هذه المسألة وما إذا ادعى أمة في يد غيره أنها أم ولده وإن ولدها منه وأقام بذلك شاهدا وحلف معه أو رجلا وامرأتين ثبت ملكه عليها وثبت استيلادها بإقراره وفي الولد روايتان حكاهما أبو الخطاب إحداهما يثبت نسبه وحريته لكونه من نمائها فيتبعها ويكون ثبوت ذلك بالإقرار لا بالبينة والثانية لا يثبت النسب ولا الحرية لأنهما لا يثبتان بهذه الشهادة وفيه وجه يثبت النسب دون الحرية ويبقى الولد على ملك من كانت بيده بناء على صحة استلحاق نسب
____________________
(1/38)
العبد كما جزم به صاحب التلخيص ومنها لو ثبت له ملك أرض في يد غيره ببينة أو إقرار وفيها شجر قائم فهل يتبعها أم لا يحتمل أن يخرج على وجهين بناء على أن الشجر هل يتبع في البيع أم لا وأفتى الشيخ تقي الدين رحمه الله أن ما كان متصلا بالأرض من الشجر فيد أهل الأرض ثابتة عليه ما لم تأت حجة ترفع موجب اليد مثل أن يكون الغارس قد عرف أنه غرسه بماله وهو ظاهر كلام القاضي وابن عقيل في الرهن فيما إذا اختلف المتراهنان في رهينة الشجر في الأرض المرهونة أن القول قول المالك لأن الاختلاف هنا في عقد واليد لا تدل عليه بخلاف ما لو كان الاختلاف في ملك وصرح صاحب التلخيص بأن ما في دار الإنسان يكون في يده ولو كان منفصلا منقولا ويحتمل تخريج ذلك على الروايتين في ملك المباحات الحاصلة في أرضه بمجرد حصولها في الأرض نظرا إلى أن الأرض هل هي كاليد أم لا فإن قامت البينة أن هذه الشجرة له وعليها ثمر فقال ابن عقيل يحكم له به حتى لو كان الثمر بيد رجل وتبين سبق ملك الشجرة لغيره حكم له بالثمر لثبوت سبق ملكه على أخذ غيره للثمرة وفيه وجه آخر كالولد وبه جزم ابن عقيل في كتاب القضاء ومنها لو ثبت أن هذا العبد ملك له وهو في يد غيره وعلى العبد ثياب فادعاها من العبد في يده فقال صاحب الكافي والترغيب هي له لأن يده عليها وهي منفصلة عن العبد ويحتمل وجهين آخرين أحدهما أن ما يتبع العبد من الثياب في البيع يتبعه ها هنا وما لا فلا والثاني إن تطاولت مدة هذه اليد بحيث تبلى فيها ثياب العبد عادة فالقول قول من هي في يده وإلا فلا إلحاقا لها بالعيب المتنازع في حدوثه عند البائع أو المشتري إذا لم يحتمل الحال إلا قول أحدهما وحده ومنها لو تنازع المؤجر والمستأجر في شيء من الدار المستأجرة فيذكر الأصحاب أن ما يتبع في البيع فهو للمؤجر وما لا يتبع إن كانت جرت به العادة في المنازل ففيه خلاف والمنصوص أنه للمؤجر أيضا وكذلك الوجهان لو تنازع المؤجر والمستأجر في كنز مدفون في الأرض وهل الحكم مختص بحالة بقاء يد المستأجر أم لا صرح في التلخيص في مسألة الكنز بأن الخلاف في صورة بقاء الإجارة وانقضائها ويشهد له مسألة المال المدفون إذا ادعاه من كانت الأرض له ووصفه أنه يقبل منه وكذلك حكم اختلاف الزوجين في متاع البيت جار مع بقاء الزوجية وزوالها في أحد الطريقين للأصحاب
____________________
(1/39)
ومنها لو أقر له بمظروف في ظرف كتمر في جراب أو فص في خاتم أو رأس وأكارع في شاة أو نوى في تمر ففيه وجهان أشهرهما يكون مقرا بالمظروف دون ظرفه وهو قول ابن حامد والقاضي وأصحابه لأن الظرف غير مقر به إنما هو موصوف به فهو كقوله دابة في اصطبل والوجه الثاني هو مقر بهما وإلا لم يكن ثم فائدة لذلك الظرف وفرق بعض المتأخرين بين ما يتصل بظرفه عادة أو خلقة فيكون إقرارا به دون ما هو منفصل عنه عادة ويحتمل التفريق بين أن يكون الثاني تابعا للأول فيكون إقرارا به كتمر في جراب أو سيف في قراب وبين أن يكون متبوعا فلا يكون إقرارا به كنوى في تمر ورأس في شاة وأما إن قال خاتم فيه فص وجراب فيه تمر وقراب فيه سيف فقيل هو على الوجهين مطلقا وقيل في قوله خاتم فيه فص إنه إقرار بهما جميعا بغير خلاف لأن إطلاق الخاتم يدخل فيه فص فإذا وصفه بالفص تيقن دخوله فيه ولم يجز إخراجه منه كقوله نعل لها شراك أو شاة عليها صوف أو في ضرعها لبن ونحو ذلك وفي التلخيص لو أقر بخاتم ثم جاء بخاتم فيه فص وقال ما أردت الفص احتمل وجهين أظهرهما دخوله لشمول الاسم قال ولو قال له عندي جارية فهل يدخل الجنين في الإقرار إذا كانت حاملا يحتمل وجهين القاعدة السادسة والعشرون من أتلف شيئا لدفع أذاه له لم يضمنه وإن أتلفه لدفع أذاه به ضمنه ويتخرج على ذلك مسائل منها لو صال عليه حيوان آدمي أو بهيمة فدفعه عن نفسه بالقتل لم يضمنه ولو قتل حيوانا لغيره في مخمصة ليحيى به نفسه ضمنه ومنها لو صال عليه صيد في إحرامه فقتله دفعا عن نفسه لم يضمنه على أصح الوجهين وإن اضطر فقتله في المخمصة ليحيى به نفسه ضمنه ومنها لو حلق المحرم رأسه لتأذيه بالقمل والوسخ فداه لأن الأذى من غير الشعر ولو خرجت في عينه شعرة فقلعها أو نزل الشعر على عينيه فأزاله لم يفده ومنها لو أشرفت السفينة على الغرق فألقى متاع غيره ليخففها ضمنه ولو سقط عليه متاع غيره فخشي أن يهلكه فدفعه فوقع في الماء لم يضمنه
____________________
(1/40)
ومنها لو وقعت بيضة نعامة من شجرة في الحرم على إنسان فدفعها فانكسرت فلا ضمان عليه بخلاف ما لو احتاج إلى أكلها لمخمصة ومنها لو قلع شوك الحرم لأذاه لم يضمنه ولو احتاج إلى إيقاد غصن شجرة ضمنه ذكره أبو الخطاب وغيره وخالف صاحب المغنى في جواز قطع الشوك للنص الوارد فيه القاعدة السابعة والعشرون من أتلف نفسا أو أفسد عبادة لنفع يعود إلى نفسه فلا ضمان عليه وإن كان النفع يعود إلى غيره فعليه الضمان فمن ذلك الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا على نفسيهما فلا فدية عليهما وإن أفطرتا خوفا على ولديهما فعليهما الفدية في المشهور عند الأصحاب ومنها لو نجى غريقا في رمضان فدخل الماء في حلقه وقلنا يفطر به فعليه الفدية وإن حصل له بسبب إنقاذه ضعف في نفسه فأفطر فلا فدية عليه كالمريض في قياس المسألة التي قبلها وفي التلخيص بعد أن ذكر الفدية على الحامل والمرضع للخوف على جنينهما وهل يلحق بذلك من افتقر إلى الإفطار لإنقاذ غريق يحتمل وجهين ومنها لو دفع صائلا عليه بالقتل لم يضمنه ولو دفعه عن غيره بالقتل ضمنه ذكره القاضي في الفتاوى الرجبيات عن ابن عقيل وابن الزاغوني لا ضمان عليه أيضا ومنها لو أكره على الحلف بيمين لحق نفسه فحلف دفعا للظلم عنه لم تنعقد يمينه ولو أكره على الحلف لدفع الظلم عن غيره فحلف انعقدت يمينه ذكره القاضي في شرح المذهب وفي الفتاوى الرجبيات عن أبي الخطاب أيضا لا تنعقد وهو الأظهر القاعدة الثامنة والعشرون إذا حصل التلف من فعلين أحدهما مأذون فيه والآخر غير مأذون فيه وجب الضمان كاملا على الصحيح وإن كان من فعلين غير مأذون فيهما فالضمان بينهما نصفين حتى لو كان أحدهما من فعل من لا يجب الضمان عليه لم يجب على الآخر أكثر من النصف ويتفرع على ذلك مسائل منها إذا زاد الإمام سوطا في الحد فمات المحدود فحكى أبو بكر في المسألة قولين
____________________
(1/41)
أحدهما يجب كمال الدية والثاني يجب نصفها والأول هو المشهور وعليه القاضي وأصحابه لأن المأذون فيه لا أثر له في الضمان وإنما الجناية ما زاد عليه فأسند بالضمان إليها ومنها لو اقتص من الجاني ثم جرحه هو أو غيره عدوانا وجب كمال الدية وفيه وجه آخر أنه يجب نصفها ومنها لو رمى صيدا فأثبته ولم يوحه ثم رماه آخر رمية غير موحية ومات من الجرحين وجب ضمان الصيد كله مجروحا بالجرح الأول على الثاني على المشهور من المذهب لكن من الأصحاب من يعلله بأن رمي الثاني انفرد بالعدوان فاستقل بالضمان ومنهم من يعلله بأن رميه كان سببا للتحريم فلذلك وجب عليه كمال الضمان ويتخرج على التعليل الأول وجه آخر بأنه يضمنه بنصف القيمة مما قبلها ومنها لو استأجر دابة لمسافة معلومة فزاد عليها أو لحمل مقدار معلوم فزاد عليه فتلفت الدابة فإنه يضمنها بكمال القيمة نص عليه في الصورة الأولى وخرج الأصحاب وجها آخر بضمان النصف من مسألة الحد وكذلك حكم ما إذا ركب الدابة مع المستأجر غيره فتلفت تحتهما ومنها إذا اشترك محل ومحرم في جرح صيد ومات من الجرحين فإنه يلزم المحرم ضمانه كاملا هذا ظاهر كلام أحمد رحمه الله في رواية ابن منصور ومهنا وقال القاضي في المجرد مقتضى الفقه عندي أنه يلزمه نصف الجزاء وقاسه على مشاركة من لا ضمان عليه في إتلاف النفوس والأموال والفرق واضح إذ الإذن هناك منتف وههنا موجود نعم إن قصد المحل إعانة المحرم ومساعدته على قتل الصيد توجه ما ذكره القاضي فإنه يكره له ذلك أو يحرم عليه كما إذا باع من لا جمعة عليه لمن عليه الجمعة بعد النداء ومنها لو اشترك في جرح آدمي مقتص وغيره فهل يجب على شريك المقتص كمال الدية ونصفها على وجهين ومنها لو تزوج امرأة ثم دفعها هو وأجنبي فأذهبا عذرتها ثم طلقها قبل الدخول فنص أحمد في رواية مهنا على أنه يجب على الأجنبي نصف الغرم وهو أرش البكارة وعلى الزوج نصف المهر فقط من غير أرش ووجه ذلك أن إذهاب البكارة على هذا الوجه غير
____________________
(1/42)
مأذون فيه فيسقط الضمان به ولزم الأجنبي نصف الأرش وأما الزوج فأرش البكارة غير مضمون عليه وإنما المضمون عليه المهر ولم يوجد ما يقرره وخرج صاحب المغني وجها آخر أنه يتقرر المهر كله على الزوج بهذا الفعل مع انفراده لأن الأجنبي لو استقل بهذا الفعل للزمه مهر المثل كله على رواية منصوصة نقلها مهنا أيضا فإذا كان موجبا للمهر ابتداء فلأن يقرره أولى ولكن في صورة الاشتراك في الفعل غير المأذون فيه إنما يجب على الزوج نصف الضمان نعم يتخرج من هذه الرواية رواية أخرى أن الأجنبي هنا عليه نصف مهر المثل واختار ابن عقيل أن الزوج هنا يجب عليه نصف أرش البكارة مع نصف المهر لأن الزوج إنما يستحق إتلاف البكارة تبعا لاستيفاء حقه من الوطء فإذا أتلفه على غير هذا الوجه ضمنه كالمستعير إذا أتلف خمل المنشفة مثلا بغير استعمال فإنه يضمن أيضا فلو وجب لرجل قصاص على آخر في نفسه فقطع بعض أعضائه عدوانا ضمنه لأنه لم يستحق إتلاف بعض أعضائه إلا تبعا لإتلاف جملته لا استقلالا وفيه وجه آخر أن الأرش كله أو مهر المثل على الأجنبي لأن الزوج مأذون له في إتلاف هذا الجزء في الجملة فيكون الأجنبي منفردا بالجناية عليه فيستكمل عليه الضمان ولو رمى ثلاثة بالمنجنيق فرجع الحجر على أحدهم فقتله فهل تجب على الآخرين ثلثا ديته أو كمالها على روايتين القاعدة التاسعة والعشرون من سومح في مقدار يسير فزاد عليه فهل تنتفي المسامحة في الزيادة وحدها أو في الجميع فيه وجهان وللمسألة صور منها الوكيل في البيع مع الإطلاق يملك البيع بثمن المثل وبدونه بما يتغابن بمثله عادة فإذا باع بما لا يتغابن بمثله عادة فهل يضمن بقية ثمن المثل كله أو القدر الزائد عما يتغابن بمثله عادة على وجهين ورجح ابن عقيل ضمان بقية المثل كله استشهد له بالنجاسة الكثيرة في الثوب يجب غسلها ولا يفرد ههنا ما يعفى عنه بانفراده وكذلك العمل الكثير في الصلاة فإنه لو أفرد منه القدر المعفو عنه بانفراده فقد يصير الباقي يسيرا فيلزم العفو عن الكل وكذلك حكم ضرب الصبي معلمه أو المرأة زوجها ضربا مبرحا وماتا ضمنا الدية كلها ولو عفى عن القدر المباح بانفراده لم يجب كمال الدية وهذه الصورة الأخيرة ترد إلى القاعدة التي قبل هذه حيث كان التلف تولد من ضرب مأذون فيه وغير مأذون فأوجب كمال الضمان كما لو زاد على الحد سوطا فلا دلالة فيها ومنها لو أكل المضحي جميع أضحيته فهل يلزم ضمان ثلثها أو ما يقع عليه الاسم
____________________
(1/43)
على وجهين ولو تصدق أولا بما يقع عليه الاسم أجزأه لأن الصدقة بالثلث كله مستحب ليس بواجب على المشهور في المذهب ومنها لو تعدى الخارج من السبيل موضع العادة فهل يجب غسل الجميع أو القدر المجاور لموضع العادة ويجزئ الحجر في موضع العادة على وجهين أشهرهما أن الواجب غسل المتعدي خاصة وهو قول القاضي وربما نسبه إلى نص أحمد لأن هذا لا ينسب فيه إلى تفريط وتعد بخلاف الوكيل والمضحي والثاني يلزمه غسل الجميع وبه جزم القاضي أبو يعلى الصغير ولم يحك فيه خلافا ومنها لو أدى زكاته إلى واحد وقلنا يجب الأداء إلى ثلاثة فهل يضمن الثلثين وما يقع عليه الاسم على وجهين القاعدة الثلاثون إذا خرج عن ملكه مال على وجه العبادة ثم طرأ ما يمنع إجزاءه والوجوب فهل يعود إلى ملكه أم لا فيه خلاف فمن ذلك إذا أوجب هديا أو أضحية عن واجب في ذمته ثم تعيبت فإنها لا تجزيه وهل يعود المعيب إلى ملكه على روايتين ومنها لو عجل الزكاة فدفعها إلى الفقير ثم هلك المال فهل يرجع بها أم لا على وجهين ومنها لو عجل عن ثلاثين من البقر تبيعا ثم نتجت عشرة قبل الحول وقلنا لا يجزئ التبيع عن شيء منها فهل يرجع به تخرج على الوجهين القاعدة الحادية والثلاثون من شرع في عبادة تلزم بالشروع ثم فسدت فعليه قضاؤها على صفة التي أفسدها سواء كانت واجبة في الذمة على تلك الصفة أو دونها ويتخرج على ذلك مسائل منها إذا صلى المسافر خلف مقيم وفسدت صلاته فإنه يجب عليه قضاؤها تامة ومنها إذا أحرم من بلده ثم أفسد نسكه بجماع وجب قضاؤه والإحرام من موضع إحرامه أولا نص عليه أحمد بخلاف ما إذا أحصر في نسكه ذاك ثم قضاه فإنه لا يلزمه الإحرام إلا من الميقات نص عليه أحمد بخلاف ما إذا أحصر في نسكه ذاك ثم قضاه فإنه لا يلزمه الإحرام إلا من الميقات نص عليه أيضا لأن المحصر فيه لم يلزمه إتمامه
____________________
(1/44)
ومنها إذا عين عما في ذمته من الهدي والأضحية ما هو أزيد صفة من الواجب ثم تلف فإن كان تلفه بتفريطه فعليه إبداله بمثله وإن كان بغير تفريط ففيه وجهان حكاهما القاضي في شرح المذهب وجزم صاحب المغني بأنه لا يلزمه أكثر مما كان في ذمته لأن الزيادة وجبت بتعينه وقد تلفت بغير تفريط فسقطت كما لو عين هديا تطوعا ثم تلف ومنها لو نذر اعتكافا في شهر رمضان ثم أفسده فهل يلزمه قضاؤه في مثل تلك الأيام على وجهين وظاهر كلام أحمد لزومه وهو اختيار ابن أبي موسى لأن في الاعتكاف في هذا الزمن فضيلة لا توجد في غيره فلا يجزئ القضاء في غيره كما لو نذر الاعتكاف في المسجد الحرام ثم أفسده فإنه يتعين القضاء فيه ولأن نذر اعتكافه يشتمل على نذر اعتكاف ليلة القدر فتعين لأن غيرها لا يساويها وعلى هذا فنقول لو نذر اعتكاف عشرة أيام فشرع في اعتكافها في أول العشر الأواخر ثم أفسده لزمه قضاؤه في العشر من قابل لأن اعتكاف العشر لزمه بالشروع عن نذره فإذا أفسده لزمه قضاؤه على صفة ما أفسده القاعدة الثانية والثلاثون يصح عندنا استثناء منفعة العين المنتقل ملكها من ناقلها مدة معلومة ويتخرج على ذلك مسائل منها المبيع إذا استثنى البائع منفعته مدة معلومة صح وحكى فيه رواية أخرى بعدم الصحة ومنها الوقف يصح أن يقف ويستثنى منفعته مدة معلومة أو مدة حياته لأن جهالة المدة هنا لا تؤثر فإنها لا تزيد على جهالة مدة كل بطن بالنسبة إلى من بعده ومنها العتق ويصح أن يعتق عبده ويستثني نفعه مدة معلومة نص عليه لحديث سفينة وكذا لو استثنى خدمته مدة حياته وعلى هذا يتخرج أن يعتق أمته ويجعل عتقها صداقها لأنه استثنى الانتفاع بالبضع ويملكه بعقد النكاح وجعل العتق عوضا عنه فانعقد في آن واحد ومنها إذا كاتب أمته واستثنى منفعة الوطء فإنه يصح على المذهب المنصوص فإنه إنما نقل بالكتابة عن ملكه منافعها دون رقبتها ومنها الوصية فيصح أن يوصي برقبة عين لشخص وبنفعها لآخر مطلقا أو مدة معلومة
____________________
(1/45)
أو نفعها للورثة ومنها الهبة يصح أن يهبه شيئا ويستثني نفعه مدة معلومة وبذلك أجاب الشيخ موفق الدين رحمه الله ومنها عوض الصداق والخلع والصلح على مال وقياس المذهب صحة استثناء المنفعة فيها القاعدة الثالثة والثلاثون الاستثناء الحكمي هل هو كالاستثناء اللفظي أم تغتفر فيه الجهالة بخلاف اللفظي فيه وجهان والصحيح عند صاحب المغني الصحة وهو قياس المذهب خلافا للقاضي ويخرج على ذلك مسائل منها لو باعه أمة حاملا بحر وقلنا لا يصح استثناء الحمل لفظا فهل يصح أم لا على وجهين ومنها لو باعه عقارا تستحق فيه السكنى الزوجة المعتدة من الوفاة بالحمل فهل يصح قال في المغني لا لأن مدة الحمل مجهولة بخلاف مدة الأشهر وقال الشيخ مجد الدين في مسودته على الهداية قياس المذهب صحة البيع أطلق ومنها بيع الدار المؤجرة تصح وسواء علم المشتري بالإجارة أو لم يعلم نص عليه أحمد في رواية جعفر بن محمد وقال في رواية الميموني ليس له أن يبيعها حتى يبين فقد يكون مأخذه اشتراط العلم بالمستثني من المنافع في العقد وقيل لأن البيع المطلق يتناول المنافع وهي الآن ملك لغيره فيشبه تفريق الصفقة ولكن أحمد إنما أوجب بيان ذلك لأن تركه تدليس وتغرير ولم يتعرض للصحة والبطلان وسواء علم بمقدار مدة الإجارة أو لم يعلم هذا قياس المذهب وقد ذكروا أنه لو اشترى صبرة من طعام فبان تحتها دكة فإن علم بذلك فلا خيار له وإلا فله الخيار وعلمه بها يفضي إلى دخوله على جهالة مقدار الصبرة ولو استثنى بلفظه ذلك لم يصح ومنها لو اشترى أمة مزوجة صح سواء علم بذلك أو لم يعلم وتقع منافع البضع مستثناة في هذا العقد حكما ولو استثناها في العقد لفظا لم يصح ومنها لو اشترى شجرا عليه ثمر أو أرضا فيها زرع أو دارا فيها طعام كثير صح ووقع بقاء الثمر والزرع والطعام مستثنى إلى أوان تفريغه على ما جرت به العادة وذلك
____________________
(1/46)
مجهول ولو استثنى بلفظه مثل هذه المدة لم يصح ومنها لو اشترى أمة أو عبدا محرما صح ووقع مدة إحرامه مستثنى من البيع وسواء علم بذلك أو لم يعلم نص عليه أحمد مع أن مدة الإحرام لا تنضبط لا سيما بالعمرة قد يقع الإبطاء في السير لعائق أو غيره لكن قد يقال إن المسافة معلومة وأفعال النسك معلومة فصار كاستثناء ظهر الدابة إلى بلد معين القاعدة الرابعة والثلاثون استحقاق منافع العبد بعقد لازم يمنع من سريان العتق إليها كالاستثناء في العقد وأولى لأن الاستثناء الحكمي أقوى ولهذا يصح بيع العين المؤجرة والأمة المزوجة عند من لا يرى استثناء المنافع في العقد خلافا للشيخ تقي الدين في قوله يسري العتق إليها إن لم يستثن ويتفرع على هذا مسائل منها إذا عتقت الأمة المزوجة لم تملك منفعة البضع التي هي مورد النكاح وإنما يثبت لها الخيار تحت العبد لأنها كملت تحت ناقص فزالت كفاءته بذلك أو تعبدا غير معقول المعنى ومن قال بسراية العتق قال قد ملكت بضعها فلم يبق لأحد عليها ملك فصار الخيار لها في المقام مع الزوج أو مفارقته سواء كان حرا أو عبدا وعلى هذا لو استثنى منفعة بضعها للزوج صح ولم تملك الخيار سواء كان زوجها حرا أو عبدا ذكره الشيخ وقال وهو مقتضى المذهب ويرد على هذا القول بملكها بعضها أنه يلزمه منه انفساخ نكاحها حيث لم يبق للزوج ملك عليها ولا قائل بذلك على أنه يمكن أن يقال عتق بعضها لا يلزم منه ثبوت الخيار لها على الحر لأن حرية البضع لا تنافي استحقاق منفعته بعقد النكاح ابتداء فالحرية الطارئة به أولى ومنها لو أجر عبده مدة ثم أعتقه في أثنائها لم تنفسخ الإجارة على المذهب وعند الشيخ تنفسخ إلا أن يستثنيها في العتق وخرج صاحب المقنع في ذلك وجها لنا لا بناء على السراية بل على زوال ولاية السيد عن عبده بعتقه فيكون كما لو أجر الولي الصبي مدة ثم بلغ في أثنائها فإنه ينفسخ في وجه وهذا ضعيف فإن الولي تنقطع ولايته بالكلية عن الصبي ببلوغه رشيدا بخلاف السيد فإن استثناء منافعه بالشرط والاستثناء الحكمي أقوى كما تقدم ومنها لو أعتق الورثة العبد الموصي بمنافعه صح ولم يسر إلى المنافع
____________________
(1/47)
القاعدة الخامسة والثلاثون من ملك منفعة عين بعقد ثم ملك العين بسبب آخر هل ينفسخ العقد الأول أم لا هاهنا صورتان إحداهما أن يكون العقد الذي ملك به المنفعة عقدا مؤبدا فإن لم يكن عقد معاوضة فلا معنى لانفساخه كالموصى له بمنافع الأمة إذا اشتراها فإنه يجتمع له ملكها بالعقدين ولا ضرر في ذلك فهو كما لو كان ملكه للمنفعة بغير عقد كملك الورثة لمنافع العين الموصى برقبتها إذا اشتروها من الموصى له وإن كان عقد معاوضة وهو النكاح انفسخ بملك الرقبة لأنه ملك ضعيف ومختلف في مورده هل هو المنفعة أو الانتفاع ويختص بمنفعة البضع ويملك به الاستمتاع بنفسه دون المعاوضة عليه فلا يجتمع مع الملك القوي وهو ملك الرقبة بل يندفع به ولا نقول إنه يدخل ملكه في ملك الرقبة لأن مالك الرقبة لم يكن مالكا له فكيف يتضمن عقده على الرقبة بملكه بل نقول قد اجتمع له ملك الرقبة بجميع منافعها بجهة وملك البضع بجهة أخرى ضعيفة فبطلت خصوصيات الجهة الضعيفة كلها لمصيره مالكا للجميع ملكا تاما وهذا صحيح فإنه لا يمكن بعد هذا الملك أن يقال إنه يملك الانتفاع بالبضع دون منفعته ولا أنه يملك الانتفاع به بنفسه دون المعاوضة عليه فتعين إلغاء خصوصيات عقد النكاح كلها والصورة الثانية أن يكون العقد المملوك به المنفعة غير مؤبد كالإجارة فإذا ملك العين بعد ذلك فهل ينفسخ فيه وجهان ويندرج تحت ذلك صور منها لو اشترى المستأجر العين المستأجرة من مؤجرها ففي انفساخ الإجارة وجهان حكاهما الأصحاب وربما حكى روايتان أحدهما ينفسخ لأنه يملك الرقبة فبطل ملك المنفعة كما لو اشترى زوجته والثاني لا ينفسخ وهو الصحيح وهو اختيار القاضي وابن عقيل والأكثرين لأن المنافع ملكها أولا بجهة الإجارة وخرجت عن ملك المؤجر والبيع بعد ذلك يقع على ما يملكه البائع وهو العين المسلوبة النفع فصار كما لو اشترى العين الموصى بمنافعها من الورثة واستأجر المنافع من مالكها في عقد أو عقدين فإن الإجارة لا تنفسخ بغير خلاف ولا منافاة بين ثبوت البيع والإجارة بخلاف النكاح وأيضا فالملك ههنا أقوى من ملك النكاح لأنه يملك الانتفاع والمعاوضة ويملك به عموم
____________________
(1/48)
المنافع فلا تنفسخ بملك الرقبة فإن قيل لو لم تنفسخ الإجارة لعادت المنافع بعد انقضاء مدتها إلى المؤجر لأنه لم يدخل في عقد البيع وإنما استأجر مدة مؤقتة بخلاف الزوج لأنه ملك المنفعة ملكها مؤبدا فالجواب أن البائع باع ما يملكه من العين ومنافعها التي يستحقها بعد انقضاء مدة الإجارة فإنه يملك العقد على المنافع التي تلي العقد والتي تتأخر عنه بالإجارة عندنا فالبيع أولى أما إن كان الاستئجار من غير البائع وكان مالكا للمنافع المؤبدة فالإجارة باقية وتعود إليه بعد انقضاء المدة بغير تردد ولو ملك المستأجر العين بهبة فهو كما لو ملكها بشراء صرح به الشيخ مجد الدين في مسودته على الهداية فأما إن وهب العين المستعارة من المستعير فإنه تبطل العارية ذكره القاضي وابن عقيل لأنه عقد غير لازم ومنها لو استأجر دارا من أبيه ثم مات الأب وورثها فهل تنفسخ الإجارة فيه وجهان أيضا وخرجهما صاحب التلخيص من المسألة التي قبلها والمذهب عند القاضي في الخلاف أنه لا ينفسخ كشراء المستأجر وقال في المجرد ينفسخ وتوجه بأنه الملك بالإرث قهري يقتضي تملك ما لا يتملك مثله بالعقود فجاز أن يملك به المنافع المستأجرة من مستأجرها فتنفسخ الإجارة وأيضا فقد ينبني هذا على المنافع المستأجرة هل تحدث على ملك المؤجر ثم تنتقل إلى ملك المستأجر فإن قلنا بذلك فلا معنى لحدوثها على ملكه وانتقالها إليه هذا إذا كان ثم وارث سواه لأن فائدة بقاء الإجارة استحقاق بقية الأجرة فإذا لم يكن وارث سواه فلا معنى لاستحقاقه العوض على نفسه إلا أن يكون على أبيه دين لغيره وقد مات مفلسا بعد أن أسلفه الأجرة ومنها لو اشترى طلعا لم يؤبر في رؤوس نخلة بشرط قطعه ثم اشترى أصله في الحال فهل يتخرج انفساخ البيع في الطلع على ما مر من الوجهين لأنه بمنزلة المنفعة لتبعه في البيع أم لا لأنه عين مستقلة فيه تردد والمجزوم به في الكافي أنه لا ينفسخ بغير خلاف القاعدة السادسة والثلاثون من استأجر عينا ممن له ولاية الإيجار ثم زالت ولايته قبل انقضاء المدة فهل تنفسخ الإجارة هذا قسمان أحدهما أن تكون إجارته بولاية محضة فإن كان وكيلا محضا فالكلام في موكله
____________________
(1/49)
دونه وإن كان مستقلا بالتصرف فإن انتقلت الولاية إلى غيره لا تنفسخ الإجارة لأن الولي الثاني يقوم مقام الأول كما يقوم الملك الثاني مقام الأول وإن زالت الولاية عن المولي عليه بالكلية كصبي يبلغ بعد إيجاره أو إيجار عقاره والمدة باقية ففي الانفساخ وجهان أشهرهما عدمه وهو قول القاضي وأصحابه لأنه تصرف له تصرفا لازما فلا ينفسخ ببلوغه كما لو زوجه أو باع عقاره والثاني ينفسخ ذكره في المغني وجها لأنه أجره مدة لا ولاية له عليه فيها بالكلية فأشبه إجارة البطن الأول للوقف إذا انقرض قبل انقضاء المدة وفارق البيع لأنه ينبرم في الحال وتنقطع علقته نعم لو كان بلوغه في مدة الخيار ففيه نظر وكذا النكاح ينبرم من حينه ويستقر الملك فيها إلا باستيفاء المنافع شيئا بعد شيء وذكر في المغني وجها آخر أنه إن أجره مدة يعلم بلوغه فيها قطعا لم يصح في الزائد ويخرج الباقي على تفريق الصفقة ونحوه ذكره صاحب التلخيص والقسم الثاني أن تكون إجارته بملك ثم تنتقل إلى غيره وهو أنواع أحدها أن تنتقل عنه إلى من يملك بالقهر ما يستولي عليه فتنفسخ الإجارة لملكه المنافع الباقية منها ودخل تحت هذا إذا أجر مسلم شيئا ثم استولى عليه الكفار وإذا أجر الحربي شيئا لحربي ثم استولى عليه المسلمون أما إن أجر الحربي شيئا لمسلم أو ذمي ثم استولى عليه المسلمون فالإجارة باقية لأن المنافع ملك لمعصوم فلا تملك ثانيها أن ينتقل الملك إلى من خلفه في ماله ويقوم مقامه ويتلقى الملك عنه فلا اعتراض له على عقوده بل هو منفذ لها وذلك كالوارث والمشتري والمتهب والموصى له بالعين والزوجة إذا أخذت العين صداقا أو أخذه الزوج منها عوضا عن خلع أو صلحا أو غير ذلك وثالثها أن يكون مزاحما للأول في الاستحقاق ومتلقيا للملك عمن تلقاه الأول لكن لا حق له في العين إلا بعد انتهاء استحقاقه كالبطن الثاني من أهل الوقف إذا أجر البطن الأول ثم انقرض والإجارة قائمة وفيه وجهان أحدهما وهو ما قال القاضي في المجرد أن قياس المذهب إنه لا تنفسخ لأن الثاني لا حق له في العين إلا بعده فهو كالوارث والثاني وهو المذهب الصحيح وبه جزم القاضي في خلافه وقال إنه ظاهر كلام
____________________
(1/50)
أحمد وابنه أبي الحسين وحكياه عن أبي إسحاق بن شاقلا واختاره ابن عقيل وغيره أنه ينفسخ لأن الطبقة الثانية تستحق العين بجميع منافعها تلقيا عن الواقف بانقراض الطبقة الأولى فلا حق للأولى فيه بعد انقراضهم بخلاف الورثة فإنه لا يتلقون عن مورثهم إلا ما خلفه في ملكه من الأموال ولم يخلف هذه المنافع وحق المالك لم ينقطع عن ميراثه بالكلية بل آثاره باقية ولذلك تقضى ديونه وتنفذ وصاياه من الشركة وهي ملكه على قوله إلى أن تقضى ديونه فكيف يعرض عليه في تصرفاته بنفسه وأيضا فهو كان يملك التصرف في ماله على التأبيد بوقف عقاره والوصية به وبما تحمل شجرته أبدا والموقوف عليه بخلافه في ذلك كله وخرج صاحب المغني وجها آخر ببطلان العقد من أصله بناء على تفريق الصفقة كما سبق لكن الأجرة إن كانت مقسطة على أشهر مدة الإجارة أو أعوامها فهي صفقات متعددة على أصح الوجهين فلا تبطل جميعا ببطلان بعضها وإن لم تكن مقسطة فهي صفقة واحدة فيطرد فيها الخلاف المذكور واعلم أن في ثبوت الوجه الأول نظر لأن القاضي إنما فرضه فيما إذا أجر الموقوف عليه لكون النظر له مشروطا وهذا محل تردد أعني إذا أجر بمقتضى النظر المشروط له هل يلحق بالناظر العام فلا ينفسخ بموته الإجارات أم لا فإن من أصحابنا المتأخرين من ألحقه بالناظر العام في ذلك وهكذا حكم المقطع إذا أجر أقطاعه ثم انتقلت عنه إلى غيره بأقطاع أحد ورابعها أن يكون مزاحما للأول في استحقاق التلقي عمن تلقى عنه الأول بسبق حقه وتقديمه عليه وهو المشتري للشقص المشفوع إذا أجر وقلنا بصحة تصرفاته بالإجارة أو غيرها ثم انتزعه الشفيع وفيه ثلاثة أوجه أحدها وهو ما ذكره صاحب المقنع لا تنفسخ الإجارة لأن ملك المؤجر ثابت ويستحق الشفيع الأجرة من يوم أخذه لأنه يستحق انتزاع العين والمنفعة فإذا فات أحدهما رجع إلى بدله وهو الأجرة ها هنا كما نقول في الوقف إذا انتقل إلى البطن الثاني ولم تنفسخ إجارته أنهم يستحقون الأجرة من يوم الانتقال وكذلك نص أحمد في رواية جعفر ابن محمد على مثل ذلك في بيع العين المؤجرة وأن المشتري يستحق الأجرة من حين البيع وهو مشكل لأن المنافع في مدة الإجارة غير مملوكة للبائع فلا يدخل في عقد البيع ويجاب عنه بأن البائع يملك عوضها وهو الأجرة ولم يستقر بعد ولو انفسخ العقد لرجعت المنافع إليه فإذا باع العين ولم يستثن شيئا لم تكن تلك المنافع ولا عوضها مستحقا له لشمول البيع للعين ومنافعها فيقوم المشتري مقام البائع فيما كان يستحقه منها
____________________
(1/51)
وهو استحقاقه عوض المنافع مع بقاء الإجارة وفي رجوعها إليه مع الانفساخ وهذا هو أحد الوجهين للأصحاب وهو مثال نص أحمد المذكور أولا وما ذكرنا قبل ذلك من رجوع المنافع إلى البائع عند الانفساخ هو الذي ذكره صاحب المغني والثاني أنه تنفسخ الإجارة بأخذه وهو المجزوم به في المحرر لما قلنا من ثبوت حقه في العين والمنفعة فيملك انتزاع كل منهما ممن هو في يده وفارق إجارة الوقف على وجه لأن البطن الثاني لا حق لهم قبل انقراض الأول وهنا حق الشفيع ثابت قبل إيجار المشتري فينفسخ بأخذه لسبق حقه ولهذا قلنا على رواية إن تصرف المشتري في مدة الخيار مراعى فإن فسخ البائع بطل وأيضا فلو لم تنفسخ الإجارة لوجب ضمان المنافع على المشتري بأجرة المثل لا بالمسمى لأنه ضمان حيلولة كما قلنا في أحد الوجهين وإذا أعتق عبده المستأجر لزمه ضمان قيمة منافعه فيما بقي من المدة والثالث أن الشفيع بالخيار بين أن يفسخ الإجارة أو يتركها وهو ظاهر كلام القاضي في خلافه في مسألة إعارة العارة وهو أظهر فإن الإجارة بيع المنافع ولو باع المشتري العين أو بعضها كان الشفيع مخيرا بين الأخذ ممن هو في يده وبين الفسخ ليأخذ من المشتري ورابعها أن ينفسخ ملك المؤجر ويعود إلى من انتقل الملك إليه منه فالمعروف من المذهب أن الإجارة لا تنفسخ بذلك لأن فسخ العقد رفع له من حينه لا من أصله وصرح أبو بكر في التنبيه بانفساخ النكاح لو أنكحها المشتري ثم ردها بعيب بناء أن الفسخ رفع للعقد من أصله وقال القاضي وابن عقيل في خلافيهما الفسخ بالعيب رفع للعقد من حينه والفسخ بالخيار رفع للعقد من أصله لأن الخيار يمنع اللزوم بالكلية ولهذا يمنع معه من التصرف في المبيع وثمنه بخلاف العيب القاعدة السابعة والثلاثون في توارد العقود المختلفة بعضها على بعض وتداخل أحكامها ويندرج تحتها صور منها إذا رهنه شيئا ثم أذن له في الانتفاع به فهل يصير عارية حالة الانتفاع أم لا قال القاضي في خلافه وابن عقيل في نظرياته وصاحب المغني والتلخيص يصير مضمونا بالانتفاع لأن ذلك حقيقة العارية وأورد ابن عقيل في نظرياته في وقت ضمانه احتمالين أحدهما أنه لا يصير مضمونا بدون الانتفاع
____________________
(1/52)
والثاني يصير مضمونا بمجرد القبض إذا قبضه على هذا الشرط لأنه صار ممسكا للعين لمنفعة نفسه منفردا به وهل يزول لزومه أم لا ينبني على أن إعارة الراهن بإذن المرتهن هل يزيل لزوم الرهن أم لا وفيه طريقان إحداهما أنه على روايتين وهي طريقة المحرر والثانية إن أعاره من المرتهن لم يزل اللزوم بخلاف غيره وهي طريقة المغني وقال صاحب المحرر في شرح الهداية ظاهر كلام أحمد أنه لا يصير مضمونا بحال ويشهد له قول أبي بكر في خلافه شرط منفعة الرهن باطل وهو رهن بحاله ومنها إذا أودعه شيئا ثم أذن له في الانتفاع به فقال القاضي في خلافه وابن عقيل في نظرياته وصاحب التلخيص يصير مضمونا حالة الانتفاع لمصيره عارية حينئذ قال ابن عقيل ولا يضمن بالقبض قبل الانتفاع هاهنا لأنه لم يمسكه لمنفعة نفسه منفردا بل لمنفعته ومنفعة مالكه بخلاف الرهن ومن المتأخرين من قال ظاهر كلام أحمد أنه لا يصير مضمونا أيضا كالرهن وفرق صاحب المحرر بينهما ولا اختلاف ههنا بين العقدين في الجواز إلا أن يكون مدة الانتفاع مؤقتة فيخرج فيها وجه باللزوم من رواية العارية المؤقتة ومنها إذا أعاره شيئا ليرهنه صح نص عليه ونقل ابن المنذر الاتفاق عليه ويكون مضمونا على الراهن لأنه مستعير وأمانة عند المرتهن عليه وأما اللزوم وعدمه فقال الأصحاب هو لازم بالنسبة إلى الراهن والمالك لكن للمالك المطالبة بالافتكاك فإذا انفك زال اللزوم فيرجع فيه المالك واستشكل ذلك الحارثي وقال إما أن يكون لازما فلا يملك المالك المطالبة قبل الأجل وتكون العارية هنا لازمة لتعلق حق الغير وحصول الضرر بالرجوع كما في العارية كبناء حائط ووضع خشب وشبههما انتهى وصرح أبو الخطاب في انتصاره بعدم لزومه فإن للمالك انتزاعه من يد المرتهن فيبطل الرهن ومنها لو أعاره شيئا ثم رهنه عنده فقال أبو البركات في الشرح قياس المذهب صحته ويسقط الضمان العارية لأنها ليست لازمة وعقد هذه الأمانة لازم ثم أخذه من كلام الإمام أحمد في ورود عقد الإعارة على الرهن كما سبق ويتخرج في هذه المسألة ما في تلك ومنها ورود عقد الرهن على الغصب فيصح عندنا ذكره أبو بكر والقاضي ويبرأ به الغاصب وكذا لو أودعه عنده أو أعاره إياه أو أستأجره لخياطته أو نحوها ذكرها أبو الخطاب وغيره وذكر القاضي في خلافه فيما إذا استأجره لخياطته ونحوها هل يبرأ به على
____________________
(1/53)
وجهين وذكر هو في المجرد وابن عقيل في الفصول المضاربة إذا جعل المالك المغصوب مع الغاصب مضاربة صح ولم يبرأ من ضمانه إلى أن يدفعه ثمنا فيما يشتري به فيبرأ حينئذ من الضمان وعلى قول أبي الخطاب يبرأ في الحال ومنها رهن المبيع المضمون على البائع قبل قبضه على ثمنه أو غيره إذا قيل بصحته يزول به الضمان على قياس التي قبلها لأن يده صارت يد ارتهان ومنها لو قال الراهن للمرتهن إن جئتك بحقك إلى وقت كذا وإلا فالرهن لك بالدين وقبل ذلك فهو أمانة عنده إلى ذلك الوقت ثم يصير مضمونا لأن قبضه صار بعقد فاسد ذكره القاضي وابن عقيل والمنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحسن بن هارون أنه لا يضمنه بحال ذكره القاضي في الخلاف لأن الشرط يفسد فيصير وجوده كعدمه ومنها لو كاتب المدبر أو دبر المكاتب صح نص عليه ثم إن مات السيد ولم يؤد العبد من الكتابة شيئا عتق بالتدبير من الثلث وهل يكون كسبه له كما لو عتق في حياة السيد وهو مكاتب أو للورثة كعتقه بالتدبير على وجهين وهكذا حكم الاستيلاد والكتابة ونقل ابن الحكم عن أحمد ما يدل على بطلان التدبير بالكتابة بناء على أن التدبير وصية فيبطل بالكتابة القاعدة الثامنة والثلاثون فيما إذا وصل بألفاظ العقود ما يخرجها عن موضوعها فهل يفسد العقد بذلك أو يجعل كناية عما يمكن صحته على ذلك الوجه فيه خلاف يلتفت إلى أن المغلب هل هو اللفظ أو المعنى ويتخرج على ذلك مسائل منها لو أعاره شيئا وشرط عليه العوض فهل يصح أم لا على وجهين أحدهما يصح ويكون كناية عن القرض فيملكه بالقبض إذا كان مكيلا أو موزونا ذكره أبو الخطاب في انتصاره وكذلك ذكر القاضي في خلافه وأبو الخطاب في موضع من رؤوس المسائل أنه يصح عندنا شرط العوض في العارية كما يصح شرط العوض في الهبة لأن العارية هبة منفعة ولا تفسد بذلك مع أن القاضي قرر أن الهبة المشروط فيها العوض ليست بيعا وإنما الهبة تارة تكون تبرعا وتارة تكون بعوض وكذلك العتق ولا يخرجان من موضوعها فكذلك العارية وهذا مأخذ آخر للصحة
____________________
(1/54)
والثاني أنها تفسد بذلك وجعله أبو الخطاب في موضع آخر المذهب لأن العوض يخرجها عن موضعها إذا أعاره عبده على أن يعيره الآخر فرسه فهي إجارة فاسدة غير مضمونة فهذا رجوع إلى أنها كناية في عقد آخر والفساد إما أن يكون لاشتراط عقد في عقد آخر وإما لعدم تقدير المنفعتين وعليه خرجه الحارثي وقال وكذلك لو قال أعرتك عبدي لتمونه أو دابتي لتعلفها وهذا يرجع إلى أن مؤنة العارية على المالك وقد صرح الحلواني في التبصرة بأنها على المستعير ومنها لو قال خذ هذا المال مضاربة والربح كله لك أولى فقال القاضي وابن عقيل هي مضاربة فاسدة يستحق فيها أجرة المثل وكذلك قال صاحب المغني لكنه قال إنه لا يستحق شيئا في الصورة الثانية لأنه دخل على أن لا شيء له ورضي به وقال ابن عقيل في موضع آخر من المساقاة وقال في المغني في موضع آخر إنه إبضاع صحيح فراعى الحكم دون اللفظ وعلى هذا فيكون في الصورة الأولى قرضا ومنها لو أستأجر المكيل أو الموزن أو النقود أو الفلوس ولم يذكر ما يستأجرها له فقال القاضي في خلافه في الإجارت يصح ويكون قرضا ولنا وجه آخر أنه لا يصح ومنها لو أجره الأرض بثلث ما يخرج منها زرع نص أحمد على صحته واختلف الأصحاب في معناه فقال القاضي هي إجارة على حد المزارعة تصح بلفظ الإجارة وحكمها حكمها وقال أبو الخطاب وابن عقيل وصاحب المغني هي مزارعة بلفظ الإجارة فتصح على قولنا يجوز أن يكون البذر من العامل وإلا فلا ومنها لو أسلم في شيء حالا فهل يصح ويكون بيعا أو لا يصح فيه وجهان أحدهما وهو ظاهر كلام أحمد في رواية المروذي لا يصح البيع بلفظ السلم والثاني يصح قاله القاضي في موضع من خلافه ومنها إذا قال أنت علي حرام أعني به الطلاق وقلنا الحرام صريح في الظهار فهل يلغو تفسيره ويكون ظهارا أو يصح ويكون طلاقا على روايتين ومنها لو قال في دين السلم صالحني منه على مثل الثمن قال القاضي يصح ويكون أقالة وقال هو وابن عقيل لا يجوز بيع الدين من الغريم بمثله لأنه نفس حقه فيخرج في المسألة وجهان التفاتا إلى اللفظ والمعنى
____________________
(1/55)
القاعدة التاسعة والثلاثون في انعقاد العقود بالكنايات واختلاف الأصحاب في ذلك فقال القاضي في مواضع لا كناية إلا في الطلاق والعتاق وسائر العقود لا كناية فيها وذكر أبو الخطاب في الانتصار نحوه وزاد لا تحل العقود بالكنايات غير النكاح والرق وقال في موضع آخر منه تدخل الكنايات في سائر العقود سوى النكاح لاشتراط الشهادة عليه وهي لا تقع على النية وأشار إليه صاحب المغني أيضا وكلام كثير من الأصحاب يدل عليه وهي المعاطاة التي ينعقد بها البيع والهبة ونحوهما الكنايات وكذلك كنايات الوقف تنعقد به في الباطن صرح به الحلواني وقد تقدم في القاعدة التي قبلها كثير من فروع هذه القاعدة منها لو أجره عينا بلفظ البيع ففي الصحة وجهان وقال صاحب التلخيص إن أضاف البيع إلى العين لم يصح والوجهان في إضافتها إلى المنفعة ومنها الرجعة بالكنايات إن اشترطنا الإشهاد عليها لم يصح وإلا فوجهان وأطلق الوجهين صاحب الترغيب وغيره والأولى ما ذكرناه فأما قوله لأمته أعتقك وجعلت عتقك صداقك فجعله ابن حامد كناية ولم يعقد به النكاح حتى يقول وتزوجتك وقال القاضي وهو صريح بقرينة ذكر الصداق فإن الصريح قد يكون مجازا إذا اشتهر وتبادر فهمه ولو مع القرينة وفسره القاضي بأنه الظاهر ولا يشترط أن يكون نصا وكلام أحمد صريح في أن هذا اللفظ كناية قال في رواية صالح إذا قال أجعل عتقك صداقك أو قال صداقك عتقك كل ذلك جائز إذا كانت له نية فنيته تصرح باعتبار النية وتأوله القاضي بتأويل بعيد جدا وكذلك نص أحمد على ما إذا قال الخاطب للولي أزوجت وليتك قال نعم وقال للمتزوج أقبلت قال نعم أن النكاح ينعقد به وذكره الخرقي ونعم ها هنا كناية لأن التقدير نعم زوجت ونعم قبلت وأكثر ما يقال إنها صريحة في الإعلام بحصول الإنشاء فالإنشاء إنما استفيد منها وليس فيها من ألفاظ صريح الإنشاء شيء فيكون كناية عن لفظ النكاح وقبوله القاعدة الأربعون الأحكام المتعلقة بالأعيان بالنسبة إلى تبدل الأملاك واختلافها عليه نوعان أحدهما ما يتعلق الحكم فيه بملك واحد فإذا زال ذلك الملك سقط الحكم وصور ذلك كثيرة
____________________
(1/56)
منها الإجارة فمن استأجر شيئا مدة فزال ملك صاحبه عنه بتملك قهري يشمل العين والمنفعة ثم عاد إلى ملك المؤجر والمدة باقية لم تعد الإجارة هذا هو الظاهر لأن الملك المستأجر زال عن المنافع وثبت له الرجوع على المالك بقسطه من الأجرة فإذا استوفاه منه لم يبق له حق فتعود العين بمنافعها ملكا للمؤجر أما إن لم يستوف شيئا فقد سبق نظائرها في قاعدة من تعذر عليه الأصل واستقر حقه في البدل ثم وجد الأصل فيحتمل وجهين والأظهر هنا عدم استحقاق المنافع لأن حقه سقط منها وانتقل إلى بدلها ومنها الإعارة فلو أعاره شيئا ثم زال ملكه عنه ثم عاد لم تعد الإعارة ومنها الوصية تبطل بإزالة الملك ولا تعود بعده النوع الثاني ما يتعلق الحكم فيه بنفس العين من حيث هي تعلقا لازما لا يختص تعلقه بملك دون ملك وله صور منها الرهن فإذا رهن عينا رهنا لازما ثم زال ملكه عنها بغير اختياره ثم عاد فالرهن باق بحاله لأنه وثيقة لازمة للعين فلا تنفك بتبدل الأملاك كأرش الجناية غير أن الأرش لازم لرقبة الجاني بدون القبض والرهن لا يلزم أولا يصح بدون القبض وذكر الأصحاب صورا يعود فيها الرهن بعود الملك منها لو سبا الكفار العبد المرهون ثم استنقذ منهم عاد رهنا بحاله نص عليه الإمام أحمد ومنها لو تخمر العصير المرتهن ثم تخلل فإنه يعود رهنا كما كان كذلك يعود الرهن بعد زواله وإن كان ملك الراهن باقيا عليه في مواضع منها لو صالحه من دين الرهن على ما يشترط قبضه في المجلس صح الصلح وبرأت ذمته من الدين وزال الرهن فإن تفرقا قبل القبض بطل الصلح وعاد الدين الرهن بحاله ومنها ما قاله أبو بكر إن عاد الرهن إلى الراهن بطل الرهن فإن عاد إليه عاد رهنا كما كان وفي كلام أحمد نحوه وتأوله القاضي وابن عقيل على أنه بطل لزومه لأنه لو بطل بالكلية لم يعد بدون عقد وهذا باطل بمسألة الصلح وقد وافقا عليه والظاهر أن الرهن لا يبطل بعد لزومه بدون رضى المرتهن ومن صور هذا النوع المكاتب فإن المكاتبة عقد لازم ثابت في الرقبة فلا يسقط بانتقال الملك فيه
____________________
(1/57)
ومنها الأضحية المعينة فإن الحق ثابت في رقبتها لا يزول بدون اختيار المالك فإذا تعيبت خرجت عن كونها أضحية فإذا زال العيب عادت أضحية كما كانت ذكره ابن عقيل في عمده ومنها التدبير على إحدى الروايتين ومنها رجوع الزوج في نصف الصداق بعد الفراقة فإنه يستحقه سواء كان قد زال ملك الزوجة عنه ثم عاد أو لم يزل لأن حقه متعلق بعينه ومنها عروض التجارة إذا خرجت عن ملكه بغير اختياره ثم عادت فإنه لا ينقطع الحول بذلك كما إذا تخمر العصير ثم تخلل ذكره ابن عقيل وغيره ومنها صفة الطلاق تعود بعود النكاح وسواء وجدت في زمن البينونة أو لم توجد على المذهب الصحيح ومنها صفة العتق تعود بعود ملك الرقيق في أشهر الروايتين وفي الأخرى لا تعود إذا وجدت الصفة بعد زوال الملك وفرق القاضي بين الطلاق والعتاق بأن ملك الرقيق لا يبنى فيه أحد الملكين على الآخر بخلاف النكاح فإنه يبنى فيه أحد الملكين على الآخر في خلاف النكاح فإنه يبتى فيه أحد الملكين على الآخر في عدد الطلاق على الصحيح وهذا التفريق لا أثر له وإذ لو كان معتبرا لم يشترط لعدم الحنث وجود الصفة في غير الملك ومنها الرد بالعيب لا يمتنع بزوال الملك إذا لم يدل على الرضى وها هنا صور مختلف في إلحاقها بأحد النوعين وهي محتملة منها رجوع الأب فيما وهبه لولده إذا أخرجه الابن عن ملكه ثم عاد إليه فهل يسقط حقه من الرجوع أم لا ومنها الرجوع غريم المفلس في السلعة التي وجدها بعينها وكان المفلس قد أخرجها عن ملكه ثم عادت إليه وفي المسألتين ثلاثة أوجه أحدها لا حق لهما فيها لأن حقهما متعلق بالعقد الأول المتلقى عنهما والثاني غير متلق عنهما فلا يستحقان فيه رجوعا والثالث لهما الرجوع نظرا إلى أن حقهما ثابت في العين وهي موجودة فأشبه الرد بالعيب والرابع إن عاد بملك جديد سقط حقهما وإن عاد بفسخ العقد فلهما الرجوع لأن الملك العائد بالفسخ تابع للملك الأول فإن الفسخ رفع للعقد الحادث فيعود الملك كما كان
____________________
(1/58)
ومنها الفراش فإذا وطئ أمة ثم باعها ووطئ أختها بالملك ثم عادت الأولى إلى ملكه فهل يعود الفراش أم لا على وجهين أشهرهما أنه يعود وهو المنصوص فيجب عليه إجتنابها حتى يحرم إحديهما والثاني له استدامة استفراش الثانية ويجتنب الراجعة لزوال الفراش فيها بزوال الملك وهو اختيار صاحب المحرر القاعدة الحادية والأربعون إذا تعلق بعين حق تعلقا لازما فأتلفها من يلزمه الضمان فهل يعود الحق إلى البدل المأخوذ من غير عقد آخر فيه خلاف ويتخرج على ذلك مسائل منها لو أتلف الرهن متلف وأخذت قيمته فظاهر كلامهم أنها تكون رهنا بمجرد الأخذ وفرع القاضي على ذلك أن الوكيل في بيع المتلف يملك بيع البدل المأخوذ بغير إذن جديد وخالفه صاحب الكافي والتلخيص وظاهر كلام أبي الخطاب في الانتصار في مسألة إبدال الأضحية أنه لا يصير رهنا إلا بجعل الراهن ومنها الوقف إذا أتلفه متلف وأخذت قيمته فاشترى بها بدله فهل يصير وقفا بدون إنشاء الوقف عليه من الناظر حكى بعض الأصحاب في ذلك وجهين ومنها إذا أتلف الأضحية متلف وأخذت منه القيمة أو باعها من أوجبها ثم اشترى بالقيمة أو الثمن مثلها فهل تصير متعينة بمجرد الشراء يتخرج على وجهين ومنها الموصى له بعين إذا أتلفها متلف بعد الموت وقبل القبول فحقه باق في بدلها القاعدة الثانية والأربعون في أداء الواجبات المالية وهي منقسمة إلى دين وعين فأما الدين فلا يجب أداؤه بدون مطالبة المستحق إذا كان آدميا حتى ذكر ابن عقيل في جواز السفر قبل المطالبة وجهين وهذا ما لم يكن قد عين له وقتا للوفاء فأما إن عين وقتا كيوم كذا فلا ينبغي أن يجوز تأخيره عنه لأنه لا فائدة للتوقيت إلا وجوب الأداء فيه بدون مطالبة فإن تعين الوفاء فيه أولا كالمطالبة به وأما إن كان الدين لله عز وجل فالمذهب أنه يجب أداؤه على الفور لتوجه الأمر بأدائه من الله عز وجل ودخل في ذلك الزكاة والكفارات والنذور وقد نص أحمد على إجبار المظاهر على الكفارة في رواية ابن هانئ وأما العين فأنواع منها الأمانات التي حصلت في يد المؤتمن برضى صاحبها فلا يجب أداؤها إلا بعد
____________________
(1/59)
المطالبة منه ودخل في ذلك الوديعة وكذلك أموال الشركة والمضاربة والوكالة مع بقاء عقودها ومنها الأمانات الحاصلة في يده بدون رضى أصحابها فيجب المبادرة إلى ردها مع العلم بمستحقها والتمكن منه ولا يجوز التأخير مع القدرة ودخل في ذلك اللقطة إذا علم صاحبها والوديعة والمضاربة والرهن ونحوها إذا مات المؤتمن وانتقلت إلى وارثه فإنه لا يجوز له الإمساك بدون إذن لأن المالك لم يرض به وكذا من أطارت الريح ثوبا إلى داره لغيره لا يجوز له الإمساك مع العلم بصاحبه ثم إن كثيرا من الأصحاب قالوا ههنا الواجب الرد وصرح كثير منهم بأن الواجب أحد شيئين إما الرد أو الإعلام كما في المعنى والمحرر والمستوعب ونحوه ذكره ابن عقيل وهو مراد غيرهم لأن مؤنة الرد لا تجب عليه وإنما الواجب التمكين من الأخذ ثم إن الثوب هل يحصل في يده بسقوطه في داره من غير إمساك له أم لا قال القاضي لا يحصل في يده بذلك وخالف ابن عقيل والخلاف هنا منزل على الخلاف فيما حصل في أرضه من المباحات هل يملكها بذلك أم لا وكذلك حكم الأمانات إذا فسخها المالك كالوديعة والوكالة والشركة والمضاربة يجب الرد على الفور لزوال الائتمان صرح به القاضي في خلافه وسواء كان الفسخ في حضرة الأمين أو غيبته وظاهر كلامه أنه يجب فعل الرد فإن العلم هنا حاصل للمالك كذلك جعل ضمان الزكاة مبنيا على حصولها في يده بغير رضى المستحق وأوجب عليه البداءة بالدفع وقاسها على اللفظة ونحوها فدل على أن فعل الدفع في هذه الأعيان عنده واجب وعلى قياس ذلك الرهن بعد استيفاء الدين والعين المؤجرة بعد انقضاء المدة وذكر طائفة من الأصحاب في العين المؤجرة أنه لا يجب على المستأجر فعل الرد ومنهم من ذكر في الرهن كذلك وسيأتي في القاعدة التي تليها وأما الأعيان المملوكة بالعقود قبل تطبيقها فالأظهر أنها من هذا القبيل لأن المالك لم يرض بإبقائها في يد الآخر فيجب التمكين من الأخذ ابتداء بدليل أنه لا يجوز عندنا حبس المبيع على الثمن وذكر ابن عقيل في الصداق أنه إذا تلف قبل المطالبة أو بعدها قبل التمكن من الأداء أنه لا يضمن كسائر الأمانات وقاسه على من أطارت الريح إلى داره ثوبا وهذا الكلام فيه نظر فإن الثوب لا يقف ضمانه على المطالبة لكن مراده والله أعلم أن العلم يكفي فمتى كان المالك عالما ولم يطلب فلا ضمان إذا لم يكن مؤنة الرد واجبة على من هو عنده وهذا أحسن ومنها الأعيان المضمونة فتجب المبادرة إلى الرد بكل حال وسواء كان حصولها في
____________________
(1/60)
يده بفعل مباح أو محظور أو بغير فعله فالأول كالعواري يجب ردها إذا استوفى منها الغرض المستعار له قال الأصحاب وهذا إذا انتهى قدر الانتفاع المأذون فيه متوجه وسواء طالب المالك أو لم يطالب لأنها من قبيل المضمونات فهي شبيهة بالمغصوب وكذلك حكم المقبوض للسؤم ويستثنى من ذلك المبيع المضمون على بائعه فلا يجب عليه سوى تمييزه وتمكين المشتري من قبضه لأن نقله على المشتري دون البائع والثاني كالمغصوب والمقبوض بعقد فاسد ونحوهما والثالث كالزكاة إذا قلنا تجب في العين فتجب المبادرة إلى الدفع إلى المستحق مع القدرة عليه من غير ضرر لأنها من قبيل المضمونات عندنا وكذلك الصيد إذا حرم وهو في يده أو حصل في يده بعد الإحرام بغير فعل منه القاعدة الثالثة والأربعون فيما يضمن من الأعيان بالعقد أو باليد القابض لمال غيره لا يخلو إما أن يقبضه بإذنه أو بغير إذنه فإن قبضه بغير إذنه فإن استند إلى إذن شرعي كاللقطة لم يضمن وكذا إذا استند إلى إذن عرفي كالمنقذ لمال غيره من التلف ونحوه وحكى في التلخيص وجها بضمان هذا وفيه بعد ونص أحمد على أن من أخذ عبدا آبقا لرده فأبق منه فلا ضمان عليه لكن قد يقال هنا إذن شرعي في أخذ الآبق لرده وإن خلا عن ذلك كله فهو معتد وعليه الضمان في الجملة هذا إذا كان أصل القبض غير مستند إلى إذن أما إن وجد استدامة قبض من غير إذن في الاستدامة فههنا ثلاثة أقسام أحدها أن يكون عقد على ملكه عقدا لازما ينقل الملك فيه ولم يقبضه المالك بعد فإن كان ممتنعا من تسليمه فهو غاصب إلا حيث يجوز الامتناع من التسليم كتسليم العوض على وجه أو لكونه رهنا عنده أو لاستثنائه منفعته مدة وإن لم يكن ممتنعا من التسليم بل باذلا له فلا ضمان عليه على ظاهر المذهب إلا أن يكون المعقود عليه مبهما لم يتعين بعد كقفيز من صبرة فإن عليه ضمانه في الجملة وبماذا يخرج من ضمانه قال الخرقي والأصحاب لا يزول ضمانه بدون قبض المشتري وهل يحصل القبض بمجرد التخلية مع التميز أولا يحصل بدون النقل فيما ينقل على روايتين فإن اعتبرنا النقل امتد الضمان إليه وهل يسقط بتفريط المشتري في النقل على وجهين أشهرهما أنه يسقط به
____________________
(1/61)
والثاني لا يسقط حتى يوجد النقل بكل حال وذكر القاضي في خلافه في مسألة الجوائح أنه ظاهر كلام أحمد وفيه بعد ثم وجدته منصوصا صريحا عن أحمد في الثمرة المشتراة قبل صلاحها بشرط القطع إذا أخرها المشتري حتى تلفت بجائحة قبل صلاحها أنها من ضمان البائع معللا بأنها في ملك البائع وفي حكمه نقله عن الحسن بن ثواب وإن اعتبرنا التخلية مع التمييز وهو الصحيح فلأنه يحصل به التمكن من القبض ولهذا ينتقل الضمان في بيع الأعيان المتميزة بمجرد العقد على المذهب لحصول التمكن من القبض ولعل اشتراط النقل إنما يخرج على الرواية الأخرى وهي ضمان جميع الأعيان قبل القبض فلا ينتقل الضمان هنا إلا بحقيقة القبض دون التمكن منه والأول أظهر لأن الذي يجب على البائع التمييز والتخلية وهو التسليم فأما النقل فواجب على المشتري لأن فيه تفريعا لملك البائع من ماله فيكون بتركه مفرطا فينتقل الضمان إليه ويشهد له شراء الثمر في رؤوس النخل فإن الضمان ينتقل فيه بمجرد انتهاء الثمر إلى أوان أخذه وصلاحيته له وسواء قطعه المشتري أو لم يقطعه على الصحيح ولكن هل يعتبر لانتقال الضمان التمكن من القطع أم لا خرجها ابن عقيل على وجهين من الزكاة ورجح عدم اعتبار التمكن والذي عليه القاضي والأكثرون اعتبار التمكن من النقل في جميع الأعيان فلا يزال في ضمان البائع حتى يحصل تمكن المشتري من النقل وصرح ابن عقيل بخلاف ذلك وأنه يضمن الأعيان المتميزة بمجرد العقد سواء تمكن من القبض أو لم يتمكن كما قال في مسألة الجوائح وكذلك حكم الملوك بصلح أو خلع أو صداق القسم الثاني أن يعقد عليه عقدا وينقله إلى يد المعقود له ثم ينتهي العقد أو ينفسخ وهو نوعان أحدهما أن يكون عقد معاوضة كالبيع إذا انفسخ بعد قبضه بعيب أو خيار والعين المستأجرة إذا انتهت المدة أو العين التي أصدقها المرأة وأقبضها ثم طلقها قبل الدخول والثاني أن يكون غير معاوضة كعقد الرهن إذا وفى الدين وكعقد الشركة والمضاربة والوديعة والوكالة إذا فسخ العقد والمال في أيديهم فأما عقود المعاوضات فيتوجه فيها للأصحاب وجوه أحدها أن حكم الضمان بعد زوال العقد حكم ضمان المالك الأول قبل التسليم فإن كان مضمونا عليه كان بعد انتهاء العقد مضمونا له وإلا فلا وهي طريقة أبي الخطاب وصاحب الكافي في آخرين اعتبارا لأحد الضمانين بالآخر فعلى هذا إن كان عوضا في
____________________
(1/62)
بيع أو نكاح وكان متميزا لم يضمن على الصحيح وإن كان غير متميز ضمن وإن كان في إجارة ضمن بكل حال والوجه الثاني إن كان انتهاء العقد بسبب يستقل به من هو في يده كفسخ المشتري أو يشارك فيه الآخر كالفسخ منهما فهو ضامن له لأنه بسبب إلى جعل ملك غيره في يده وإن استقل به الآخر كفسق البائع وطلاق الزوج فلا ضمان لأنه حصل في يد هذا بغير سبب منه ولا عدوان فهو كما لو ألقى ثوبه في داره بغير أمره وهذا الوجه ظاهر ما ذكر صاحب المغني في مسألة الصداق وعلى هذا يتوجه ضمان العين المؤجرة بعد انتهاء المدة لأنه تسبب إلى رفع العقد مع المؤجر ووجه أن الإذن في القبض إنما كان لازما للوجوب للدفع للملك ولهذا يتملك المشتري والمستأجر أخذه بدون إذنه فبعد زوال الملك لا يوجد إذن سابق ولا لاحق ولو قدر وجود الإذن في القبض فإنما أذن في قبض ما ملك عليه فلا يكون إذنا في قبض ملكه هو والوجه الثالث حكم الضمان بعد الفسخ حكم ما قبله فإن كان مضمونا فهو مضمون وإلا فلا يكون البيع بعد فسخه مضمونا لأنه كان مضمونا على المشتري بحكم العقد ولا يزول الضمان بالفسخ صرح بذلك القاضي في خلافه ومقتضى هذا ضمان الصداق على المرأة وهو ظاهر كلام صاحب المحرر وأنه لا ضمان في الإجارة لأن العين لم تكن مضمونة من قبل وصرح بذلك القاضي وغيره يوجه بأن المبيع والصداق إنما أقبضه لانتقال ملكه عنه بخلاف العين المستأجرة فإنه أقبضها مع علمه بأنها ملكه فكان إذنا في قبض ملكه بخلاف الأول حتى قال القاضي وأبو الخطاب لو عجل أجرتها ثم انفسخت قبل انتهاء المدة فله حبسها حتى يستوفي الأجرة ولا يكون ضامنا والوجه الرابع أنه لا ضمان في الجميع ويكون المبيع بعد فسخه أمانة محضة صرح بذلك أبو الخطاب في الانتصار لأنه حصل تحت يده ملك غيره بغير عدوان فلم يضمنه كما لو أطارت الريح إليه ثوبا وكذلك اختاره القاضي في المجرد وابن عقيل في الصداق بعد الطلاق والوجه الخامس التفريق بين أن ينتهي العقد أو يطلق الزوج وبين أن ينفسخ العقد ففي الأول يكون أمانة محضة لأن حكم المالك ارتفع وعاد ملكا للأول وفي الفسخ يكون مضمونا لأن الفسخ يرفع حكم العقد بالكلية فيصير مضمونا بغير عقد أو على وجه السوم في صورة البيع وممن صرح بذلك الأزجي في النهاية وصاحب التلخيص وهو
____________________
(1/63)
ظاهر ابن عقيل في مسائل الرد بالعيب وصرح بأنه يضمن نقصه فيما قبل الفسخ وبعده بالقيمة لارتفاع العقد ويصير مقبوضا على وجه السوم ونقل الأثرم عن أحمد فيمن دفع إلى آخر دينارا من شيء كان له عليه فخرج فيه نقص فقال للدافع خذه واعطني غيره فقال امسكه معك حتى أبدله لك فضاع الدينار فقال ما أعلم عليه شيئا إنما هو الساعة مؤتمن فيحتمل أنه يكون مراده إن المفسوخ بعيب بعد فسخه أمانة ويحتمل وهو أظهر أن يكون إنما جعله أمانة لأمر المعطي بإمساكه له فهو كإيداعه منه والنوع الثاني عقود الشركات كالوكالة الوديعة والشركة والمضاربة والرهن إذا انتهت أو انفسخت والهبة إذا رجع فيها الأب أو قيل بجواز فسخها مطلقا كما أفتى به الشيخ تقي الدين ففيها وجهان أحدهما أنها غير مضمونة صرح به القاضي وابن عقيل في الرهن وأنه لا يجب رده إلى صاحبه استصحابا للإذن السابق والائتمان كما صرحوا به في الإجارة وكذلك صرح به القاضي وأبو الخطاب في خلافيهما في بقية العقود المسماة وأنها تبقى أمانة كما لو أطارت الريح إلى داره ثوبا هذا يحتمل أنه مع علم المالك بالحال لا يجب الدفع لأن الواجب التمكين منه لا حمله إليه كما تقدم والفرق بين عقود الأمانات المحضة والمعاوضات أن المعاوضات تضمن بالعقد والقبض فإذا كان عقدها مضمنا كان فسخها كذلك وعقود الأمانات لا تضمن بالعقد فكذلك بالفسخ والوجه الثاني أنه يصير مضمونا إن لم يبادر إلى الدفع إلى المالك كمن أطارت الريح إلى داره ثوبا وصرح به القاضي في موضع آخر من خلافه في الوديعة والوكالة وكلام القاضي وابن عقيل يشعر بالفرق بين الوديعة والرهن فإنهما عللا كون الرهن أمانة بأنه أمانة ووثيقة فإذا زالت الوثيقة بقيت الأمانة كما لو كان عنده وديعة فأذن له في بيعها ثم نهاه وهذا التعليل مقتضاه الفرق بين الوديعة وبين الشركة والمضاربة والوكالة لأن هذه العقود كلها مشتملة على ائتمان وتصرف فإذا زال التصرف في الائتمان بخلاف الوديعة فإنه ليس فيها غير ائتمان مجرد فإذا زال صار ضامنا وحكم المغصوب إذا أبرأ المالك الغاصب من ضمانها كما ذكرنا القسم الثالث أن تحصل في يده بغير فعله كمن مات مورثه وعنده وديعة أو شركة أو مضاربة فانتقلت إلى يده فلا يجوز الإمساك بدون إعلام المالك كما سبق لأن المالك لم يأتمنه وقد نص أحمد في رواية ابن هانئ في الرهن أنه لا يقر في يد الوصي حتى
____________________
(1/64)
يقره الحاكم في يده فإن تلفت تحت يده قبل التمكن من الأداء فلا ضمان لعدم التفريط وكما لو تلفت اللقطة قبل ظهور المالك ويتخرج وجه آخر بالضمان كما خرجه ابن عقيل في البيع وإن تلفت بعده فالمشهور الضمان لتعديه بترك الرد مع إمكانه وهو غير مؤتمن وحكى صاحب المقنع وجها آخر وأشار إليه صاحب التلخيص أنه لا ضمان ويكون أمانة عنده كما لو انقضت مدة الإجارة ثم تلفت بالعين بيد المستأجر وبينهما فرق فإن المستأجر مستصحب للإذن في القبض بخلاف هذا وكذلك حكم من أطارت الريح إلى بيته ثوبا كما سبق ووقع في بعض كلام القاضي أنها أمانة عنده ولعل مراده مع علم المالك وإمساكه عن المطالبة فيكون تقريرا ولو دخل حيوان لغيره أو عبد له إلى داره فعليه أن يخرجه ليذهب كما جاء لأن يده لم تثبت عليهما بخلاف الثوب ذكره ابن عقيل فصل وأما ما قبض من مالكه بعقد لا يحصل به الملك فثلاثة أقسام أحدهما ما قبضه أخذه لمصلحة نفسه كالعارية فهو مضمون في ظاهر المذهب قالوا لأن الإذن إنما تعلق بالانتفاع وقبض العين وقع من حيث اللزوم فهو كقبض المضطر مال غيره لإحياء نفسه لا يسقط عنه الضمان لأن إذن الشرع تعلق بإحياء نفسه وجاء الإذن في الإتلاف من باب اللزوم ولو وهبه شقصا من عين ثم أقبضه العين كلها ففي المجرد والفصول يكون نصيب الشريك وديعة عنده واستدرك ذلك ابن عقيل في فنونه وقال بل هو عارية حيث قبضه لينتفع به بلا عوض وهذا صحيح إن كان أذن له في الانتفاع به مجانا أما إن طلب منه أجرة فهي إجارة وإن لم يأذن له في الانتفاع بل في الحفظ فوديعة ولو قال أحد الشريكين للعبد المشترك أنت حبيس على آخرتا موتا لم يعتق لموت الأول منهما ويكون في يد الباقي عارية فإذا مات عتق ذكره القاضي في المجرد القسم الثاني ما أخذه لمصلحة مالكه خاصة كالمودع فهو أمين محض ولكن إذا تلفت الوديعة من بين ماله ففي ضمانه خلاف فمن الأصحاب من يبنيه على أن قوله هل يقبل في ذلك أم لا ومنهم من يقول تلفها من بين ماله أمارة على تفريطه فيها وقد فرق أحمد بين العارية والوديعة بان اليد في العارية آخذة وفي الوديعة معطاة وهو يرجع إلى تعيين جهة المصلحة فيهما وكذلك الوصي والوكيل بغير جعل حتى لو كان له دين وعليه دين فوكله في قبض مال له وأذن له أن يستوفي حقه منه فتلف المال قبل استيفائه فإنه لا يضمنه نص عليه أحمد في رواية مثنى الأنباري
____________________
(1/65)
القسم الثالث ما قبضه لمنفعة تعود إليهما وهو نوعان النوع الأول ما أخذه على وجه الملك فتبين فساده أو على وجه السوم فأما الأول فهو المقبوض بعقد فاسد وهو مضمون في المذهب لأنه قبضه على وجه الضمان ولا بد ونقل ابن مشيش وحرب عن أحمد ما يدل على أنه غير مضمون كالمقبوض على وجه السوم وكذلك صرح بجريان الخلاف فيه ابن الزاغوني في فتاويه ونقل حنبل عن أحمد في الهبة للثواب أن أراد ردها على صاحبها وقد نقصت بغير استعماله له يضمن من النقص وشبهه بالرهن وتأوله القاضي بتأويل بعيد جدا وقد رده أبو البركات في تعليقه على الهداية ثم اختار هو تخريجه على أن الهبة للثواب يغلب فيها حكم الهبات ومن حكم الهبة أن لا يضمن نقصها قال ولازم هذا أن نقول لا يضمن قيمتها إذا تلفت بغير تعد قال وهذا عندي أحسن الوجوه قال ومع هذا ففيه نظر وهو كما قال لأنه لو كان كذلك لما فرق بين أن تنقص بفعله أو بغير فعله ولما صح تشبهه بالرهن ويحتمل عند تخريجه على أحد وجهين إما أن يكون على أن الهبة بالثواب المجهول فاسدة فيكون ذلك موافقا لما روى عنه في المقبوض بعقد فاسد أنه غير مضمون وإما على أنها صحيحة وهو الأظهر لقوله ثم أراد رده إلى مالكه فدل على أن له إمساكه وذلك لا يكون إلا مع الصحة فعلى هذا إنما لم يضمنه النقص لأن الهبة للثواب لا تملك بدون دفع العوض كذلك شبهها بالرهن وسنزيده إيضاحا في المقبوض بالسوم إن شاء الله تعالى وأما المقبوض على وجه السوم فمن الأصحاب من يحكي في ضمانه روايتين سواء أخذ بتقدير الثمن أو بدونه وهي طريقة القاضي وابن عقيل وصحح الضمان لأنه مقبوض على وجه البدل والعوض فهو كالمقبوض بعقد فاسد ثم إن كان لا يقدر الثمن ضمنه بقيمته وإلا فهل يضمنه بالقيمة أو بالثمن المقدر على وجهين ذكرهما ابن عقيل وقال ابن أبي موسى إن أخذه مع تقدير الثمن ليريه أهله فإن رضوه ابتاعه فهو مضمون بغير خلاف وكذلك إن ساوم صاحبه به ولم يقطع ثمنه وأخذه ليريه أهله وإن أخذه بإذن مالكه من غير سوم ولا قطع بثمن ليريه أهله فإن رضوه وزن ثمنه ففيه روايتان أيضا أظهرهما أنه غير مضمون عليه وجعل السامري الضمان فيما قطع ثمنه مبنيا على أنه بيع بالمعاطاة بشرط الخيار وهذا يدل على أنه يجري فيه الخلاف إذا قلنا لم ينعقد بالبيع بذلك وفي كلام أحمد إيماء إلى ذلك لأنه علل الضمان في رواية ابن منصور بأنه ملكه وعلل في رواية غيره انتفاء الضمان فيما إذا لم يقطع ثمنه بأنه ملك للبائع بعد حتى يقطع ثمنه ففهم منه أنه مع القطع ينتقل الملك فيه إلى المشتري
____________________
(1/66)
ويؤخذ من ذلك أن المقبوض بعقد فاسد لا يضمن أيضا لبقاء الملك فيه لمالكه وكذلك فرق بين أن يكون المأخوذ سلعتين ليختار أيتهما شاء فلا يضمنها وبين أن يكون سلعة واحدة وهذا يحتمل ثلاثة أمور أحدها ما قال السامري أنه بيع بشرط الخيار ويكون المعلق على الرضا فسخه لا عقده والثاني أن يكون بيعا معلقا على شرط فقد فعله أحمد بنفسه لما رهن نعله بالثمن ويبعد هذا أنه لم يفرق بين أن يتلف قبل الرضى به أو بعده والثالث أن يكون بيعا بمعاطاة تراخي القبول فيه عن المجلس وقد نص على صحة مثل ذلك في النكاح في رواية أبي طالب ومن هذا النوع ما إذا قبض المشتري زيادة على حقه غلطا فإنها تكون مضمونة عليه لأنه قبضها على وجه العوض ذكره القاضي وابن عقيل والأصحاب ويحتمل أن لا يضمن على معنى تعليل أحمد في المقبوض بالسوم أنه على ملك البائع ومن ذلك لو دفع إليه كيسا وقال له استوف منه قدر حقك ففعل فهل يصح على وجهين بناء على قبض الوكيل لنفسه من نفسه والمنصوص الصحة نص عليه في رواية الأثرم ويكون الباقي في يده وديعة وعلى عدم الصحة قدر حقه كالمقبوض بالسوم والباقي أمانة ذكره في التلخيص ولو دفع إلى غريم له نقدا من غير جنس ما عليه ليصارفه عليه فيما بعد فهي أمانة محضة نص عليه مع أنها قبضت من المضمون للمعاوضة وقياس قول الأصحاب أنها مضمونة كما قالوا في الضامن إذا قبض من المضمون عنه قبل الأداء على وجه الاستيفاء منه عند الوفاء أنه مضمون لقبضه على وجه المعاوضة وأولى لأن القبض هنا وجد قبل الاستحقاق فهو كما لو أقبضت المرأة زوجها مالا عوضا عما يستحقه عليها بالطلاق قبله النوع الثاني ما أخذ لمصلحتهما على غير وجه التمليك لعينه كالرهن والمضاربة والشركة والوكالة بجعل والوصية كذلك بجعل فهذا كله أمانة على المذهب وفي الرهن رواية أخرى تدل على ضمانه وتأولها القاضي وأثبتها ابن عقيل والأعيان المستأجرة والموصى بمنفعته أمانة كالرهن لأنه مقبوض على وجه الاستحقاق تنبيه من الأعيان المضمونة ما ليس له مالك من الخلق وما له مالك غير معين فالأول كالصيد إذا قبضه المحرم فإنه يجب تخليته وإرساله وسواء ابتدأ قبضه في الإحرام أو كان في يده ثم أحرم وإن تلف قبل إرساله فإن كان بعد التمكن منه وجب
____________________
(1/67)
ضمانه للتفريط وإن كان قبله لزمه الضمان فيما ابتدأ قبضه في الإحرام دون ما كان في يده قبله لتفريطه في الأولى دون الثانية هذا قول القاضي وصاحب المغني وخرج ابن عقيل الضمان فيهما لأنها عين مضمونة فلا يقف ضمانها على عدم التمكن من الرد كالعواري والغصوب والثاني الزكاة إذا قلنا تجب في العين فالمذهب وجوب الضمان بتلفها بكل حال لأنها وجبت شكرا لنعمة المال النامي الموجود في جميع الحول فهي شبيهة بالمعاوضة ويستثنى من ذلك ما لم يدخل تحت اليد كالديون والثمر في رؤوس الشجر لانتفاء قبضه وكمال الانتفاع به ومن الأصحاب من خرج وجها بسقوط الضمان قبل إمكان الأداء مطلقا القاعدة الرابعة والأربعون في قبول قول الأمناء في الرد والتلف أما التلف فيقبل فيه قول كل أمين إذ لا معنى للأمانة إلا انتفاء الضمان ومن لوازمه قبول قوله في التلف وإلا للزم الضمان باحتمال التلف وهو لا يلزمه الضمان مع تحققه ويستثنى من ذلك الوديعة إذا هلكت مال المودع على طريقة من يحكي الخلاف فيها في قبول قول المودع في التلف لا في أصل ضمانه وكذلك العين المستأجرة والمستأجر على عمل فيها حكى فيها رواية بالضمان فمن الأصحاب من جعلها رواية بثبوت الضمان فيها فلا تكون أمانة ومنهم من حكى الخلاف في قبول دعوى التلف بأمر خفي وهي طريقة ابن أبي موسى فلا تخرج بذلك عن الأمانة وأما الرد فالأمناء ثلاثة أقسام الأول من قبض المال لمنفعة مالكه وحده فالمذهب أن قولهم في الرد مقبول ونقل أبو طالب وابن منصور عن أحمد أن الوديعة إذا ثبتت ببينة لم تقبل دعوى الرد بدون بينة وخرجها ابن عقيل على أن الإشهاد على دفع الحقوق الثابتة بالبينة واجب فيكون تركه تفريطا فيجب فيه الضمان وكذلك خرج طائفة من الأصحاب في وصي اليتيم أنه لا يقبل قوله في الرد بدون بينة وعزاه القاضي في خلافه إلى قول الخرقي وهو متوجه على هذا المأخذ لأن الإشهاد بالدفع إلى اليتيم مأمور به بنص القرآن وقد صرح أبو الخطاب في انتصاره باشتراطه الإشهاد عليه كالنكاح القسم الثاني من قبض المال لمنفعة نفسه كالمرتهن فالمشهور أن قوله في الرد غير
____________________
(1/68)
مقبول لشبهه بالمستعير وخرج أبو الخطاب وأبو الحسين وجها آخر بقبول قوله في الرد لأنه أمين في الجملة وكذلك الخلاف في المستأجر القسم الثالث من قبض المال لمنفعة بينه وبين مالكه كالمضارب والشريك والوكيل بجعل والوصي كذلك ففي قبول قولهم في الرد وجهان معروفان لوجود الشائبتين في حقهم أحدهما عدم القبول ونص عليه أحمد في المضارب في رواية ابن منصور أن عليه البينة بدفع رأس المال وهو اختيار ابن حامد وابن أبي موسى والقاضي في المجرد وابن عقيل وغيرهم والثاني قبول قولهم في ذلك وهو اختيار القاضي في خلافه وابنه أبي الحسين والشريف أبي جعفر وأبي الخطاب في خلافه ووجدت ذلك منصوصا عن أحمد في رواية ابن منصور في المضارب أيضا في رجل دفع إلى آخر ألف درهم مضاربة فجاء بألف فقال هذا ربح وقد دفعت إليك ألفا رأس مالك قال هو مصدق فيما قال ووجدت في مسائل أبي داود عن أحمد نحو هذا أيضا وكذلك نقل عنه مهنا في مضارب دفع إلى رب المال كل يوم شيئا ثم قال كان من رأس المال أن القول قوله مع يمينه وحكم الأجير المشترك حكم هؤلاء وكذلك من يعمل في عين بجزء من نمائها لأنه إما أجير أو شريك والفرق بينهم وبين المستأجر أن المستأجر قبض مال المؤجر ليستوفي منه حق نفسه فصار حفظه لنفسه وصار المال في أيديهم أمانة لا حق لهم فيه وإنما حقهم فيما ينمي منه أو في ذمة المالك فأما من يعمل في المال بجزء من عينه كالوصي الذي يأكل من مال اليتيم القول قوله في الرد أيضا صرح به القاضي لأن المال لم يقبضه لحق نفسه بل للحفظ على المالك وحقه فيه متعلق بعمله بخلاف المرتهن والمستأجر ثم ها هنا أربعة أقسام أحدها وهو المنصوص وهو اختيار أبي الحسن التميمي أنه يقبل قوله والثاني لا يقبل فقيل لتفريطه بترك الإشهاد على المدفوع إليه فلو صدقه الأمين على الدفع لم يسقط الضمان وقيل بل لأنه ليس أمينا للمأمور بالدفع إليه فلا يقبل قوله في الرد إليه كالأجنبي وكل من الأقوال الثلاثة قد نسب إلى الخرقي بل ونسب إليه أن دعوى الوصي الرد إلى اليتيم غير مقبول كما سبق فربما اطرد هذا في دعوى الرد من الأمناء إلا من ائتمنهم وهو بعيد جدا وربما اختص بالوصي لأن ائتمانه ليس من جهة
____________________
(1/69)
الصبي فهو كالأجنبي معه هذا إذا ادعى الرد بإذن المالك وإن ادعاه مع عدم إذنه فلا يقبل منه حتى ولا الأداء إلى الوارث والحاكم لأنهما يأتمناه نقله في التلخيص إلا أن يدعي الرد إلى من يده كيد المالك كوكيله أو رد الوديعة إلى عبده وخازنه ونحوهما ممن يحفظ ماله لأن أيديهم كيده ويتوجه في دعوى الرد إلى الحاكم والوارث بعد موت الموروث القبول لقيامهما مقام المؤتمن وهو رد مبرئ القسم الثالث أن يدعي غير الأمين كوارثه أن الأمين رد إلى المالك فلا يقبل لأنه غير مؤتمن فلا يقبل قوله ومن المتأخرين من خرج وجها بالقبول لأن الأصل عدم حصولها في يده وجعل أصل أحد الوجهين فيما إذا مات من كان عنده أمانة ولم توجد في تركته ولم يعلم بقاؤها عنده أنها لا تضمن ولا حاجة إلى التخريج إذا لأن الضمان على هذا وجه منتف سواء ادعى الورث الرد أو التلف أو لم يدع شيئا القسم الرابع أن يدعى من حكمه حكم الأمناء في سقوط الضمان عنه بالتلف قبل التمكن من الرد كوارث المودع ونحوه والملتقط بعد ظهور الملك ومن أطارت الريح إلى داره ثوبا إذا ادعوا الرد إلى المالك ففي التلخيص لا يقبل لأن المالك لم يأتمنه ويتوجه قبول دعواه في حالة لا يضمن فيها بالتلف لأنه مؤتمن شرعا في هذه الحالة تنبيه عامل الصدقة مقبول القول في دفعها إلى المستحقين ولو كذبوه بغير خلاف وإن كان وكيلا بجعل وذكره القاضي في الأحكام السلطانية لأن الصدقة عبادة فلا استحلاف فيها ولذلك لا يستحلف أربابها إذا ادعوا الدفع إلى العامل وأنكر فكذلك العامل لأنه أمين لأربابها فيقبل قوله عليهم في الرد وأما عامل الخراج فلا يقبل قوله في الدفع إلا ببينة أو تصديق ذكره القاضي أيضا وعلل بأن الخراج دين فلا يقبل قول مستوفيه في دفعه إلى مستحقه وهذا التعليل منتقض بالوكيل في استيفاء دين ودفعه إلى مستحقه فإن قوله مقبول في ذلك كما سبق والأظهر تخريج حكم عامل الخراج على الوكيل فإن كان متبرعا فالقول قوله وإن كان بجعل ففيه وجهان وكذلك يخرج في عامل الوقف وناظره القاعدة الخامسة والأربعون عقود الأمانات هل تنفسخ بمجرد التعدي فيها أم لا المذهب أن الأمانة المحضة تبطل بالتعدي والأمانة المتضمنة لأمر آخر لا تبطل على الصحيح ويتخرج على هذا مسائل منها إذا تعدى في الوديعة بطلت ولم يجز له الإمساك ووجب الرد على الفور لأنها
____________________
(1/70)
أمانة محضة وقد زالت بالتعدي فلا تعود بدون عقد متجدد هذا هو المشهور ولو كانت عينين فتعدى في إحداهما فهل يصير ضامنا لهما أو لما وجد فيه التعدي خاصة فيه تردد ذكره القاضي أبو يعلى الصغير وذكره ابن الزاغوني أنه إذا زال التعدي وعاد إلى الحفظ لم تبطل وقد يوجه بأن المالك أسند إليه الحفظ لرضاه بأمانته فمتى وجدت الأمانة فالإسناد موجود لوجود علته فهو كما لو صرح بالتعلق فقال كلما خنت ثم عدت فأنت أمين فإنه يصح لصحة تعليق الإيداع على الشرط كالوكالة صرح به القاضي ومنها الوكيل إذا تعدى فالمشهور أن وكالته لا تنفسخ بل تزول أمانته ويصير ضامنا ولهذا لو باع بدون ثمن المثل صح وضمن النقص لأن الوكالة إذن في التصرف مع استئمان فإذا زال أحدهما لم يزل الآخر وهذا هو المشهور على هذا فإنما يضمن ما وقع فيه التعدي خاصة حتى لو باعه وقبض ثمنه لم يضمنه لأنه لم يتعد في عينه ذكره في التلخيص ولا يزول الضمان عن عين ما وقع فيه التعدي بحال إلا على طريقة ابن الزاغوني في الوديعة وظاهر كلام كثير من الأصحاب أن المخالفة من الوكيل تقتضي فساد الوكالة لا بطلانها فيفسد العقد ويصير منصرفا بمجرد الإذن وحكى ابن عقيل في نظرياته وصاحب المحرر وجها آخر وبه جزم القاضي في خلافه أن الوكالة تبطل كالوديعة لزوال الائتمان والإذن في التصرف كان منوطا به ومنها الشركة والمضاربة إذا تعدى فيهما فالمعروف من المذهب أنه يصير ضامنا ويصح تصرفه لبقاء الإذن فيه ويتخرج بطلان تصرفه من الوكالة ومنها الرهن إذا تعدى المرتهن فيه زال ائتمانه وبقي مضمونا عليه ولم تبطل توثقته وحكى ابن عقيل في نظرياته احتمالا ببطلان الرهن وفيه بعد لأنه عقد لازم وحق للمرتهن على الراهن لا سيما إن كان مشروطا في عقد وقلنا يلزم بمجرد العقد فإن الراهن يجبر على تقبيضه فكيف يزول بالتعدي ومنها إذا استأجره لحفظ شيء مدة فحفظه في بعضها ثم ترك فهل تبطل الإجارة فيه وجهان قال ابن المثنى أصحهما لا تبطل بل يزول الاستئمان ويصير ضامنا وفي مسائل ابن منصور عن أحمد إذا استأجر أجيرا شهرا معلوما فجاء إليه في نصف ذلك الشهر أن للمستأجر الخيار والوجه الآخر يبطل العقد فلا يستحق شيئا من الأجرة بناء على أصلنا فيمن امتنع من تسليم بعض المنافع المستأجرة أنه لا يستحق أجرة وبذلك أفتى ابن عقيل في فنونه
____________________
(1/71)
ومنها الوصي إذا تعدى في التصرف فهل يبطل كونه وصيا أم لا ذكر ابن عقيل في المفردات احتمالين أحدهما لا يبطل بل تزول أمانته ويصير ضامنا كالوكيل والثاني تبطل لأنه خرج من حيز الأمانة بالتفريط فزالت ولايته بانتفاء شرطها كالحاكم إذا فسق وفرض المسألة فيما إذا أقدم على البيع بدون قيمة المثل وعلى هذا يتخرج بيع العدل الذي بيده الرهن له بدون ثمن المثل أو الثمن المقدر هل يصح أم لا لأن الأمانة معتبرة فيه واختيار صاحب المغني أنه لا يصح بيعه بدون ثمن المثل لكنه علل بمخالفة الإذن وهو منتقض بالوكيل ولهذا ألحقه القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول ببيع الوكيل فصححاه وضمناه النقص ومثلة إجازة الناظر للوقف بدون أجرة المثل القاعدة السادسة والأربعون في العقود الفاسدة هل هي منعقدة أولا وهي نوعان أحدهما العقود الجائزة كالشركة والمضاربة والوكالة وقد ذكرنا آنفا أن إفسادها لا يمنع نفوذ التصرف فيها بالإذن لكن خصائصها تزول بفسادها فلا يصدق عليها أسماء العقود الصحيحة إلا مقيدة بالفساد وصرح القاضي في خلافه بأنه لو حلف على الشركة الفاسدة من أصلها أنها شركة حنث قال ويمنع من التصرف فيها والمنع من التصرف مع القول بنفوذه وبقاء الإذن مشكل لا سيما وقد قرر أن العامل يستحق المسمى والنوع الثاني العقود اللازمة فما كان منها لا يتمكن العبد من الخروج منه بقوله كالإحرام فهو منعقد لأنه لا سبيل إلى التخلص منه إلا بإتمامه أو الإحصار عنه وما كان العبد متمكنا من الخروج منه بقوله فهو منقسم إلى قسمين أحدهما ما يترتب عليه حكم مبني على التغليب والسراية والنفوذ فهو منعقد وهو النكاح والكتابة يترتب عليهما الطلاق والعتق فلقوتهما ونفوذهما العقد المختص بهما ونفذا فيه وتبعهما أحكام كثيرة من أحكام العقد في النكاح يجب المهر بالعقد حتى لو طلقها قبل الدخول لزمه نصف المهر على وجه ويستقر بالخلوة وتعتد فيه من حين الفرقة لا من حين الوطء وتعتد للوفاة فيه قبل الطلاق وفي الكتابة تستتبع الأولاد والأكساب والثاني ما لا يترتب عليه ذلك كالبيع والإجارة فالمعروف من المذهب أنه غير منعقد ويترتب عليه أحكام الغصب وخرج أبو الخطاب في انتصاره صحة التصرف في بيع
____________________
(1/72)
الفاسد من النكاح واعترضه أحمد الحربي في تعليقه وقال النكاح الفاسد منعقد فلهذا صح التصرف فيه بخلاف البيع ولكن أبو الخطاب قد لا يسلم انعقاد النكاح الفاسد ولا غيره لأنه يرى أن المجامع يحل من إحرامه وأن الطلاق في النكاح الفاسد إنما يقع ممن يعتقد صحته فمن ها هنا حسن عنده هذا التخريج إذ البيع والنكاح في هذا على حد واحد وأبدى ابن عقيل في عمده احتمالا بنفوذ الإقالة في البيع الفاسد كالطلاق في النكاح الفاسد قال ويفيد ذلك أن حكم الحاكم بعد الإقالة بصحة العقد لا يؤثر وذكر ابن عقيل وغيره وجهين في نفوذ العتق في البيع الفاسد كالطلاق في النكاح الفاسد وفرق بينهما على أحد الوجهين بأن الطلاق يسقط به حق نفسه فنفذ بخلاف العتق فإنه يسقط به حق غيره وهو البائع وهذا كله يشعر بانعقاد البيع وذكر ابن عقيل في فصوله احتمالين فيما إذا قال لغيره بعد نداء الجمعة اعتق عبدك عني وعلي ثمنه ففعل هل ينفذ عتقه عن نفسه أو عن الآمر له ولكن هذا عقد موضوع للعتق والملك تابع له فهو كالكتابة بخلاف البيع فإن قيل فهلا قلتم إن صحة التصرف في البيع الفاسد مستند إلى الإذن كما في العقود الجائزة إذا فسدت قيل ذلك لا يصح لوجهين أحدهما أن البيع وضع لنقل الملك لا للإذن وصحة التصرف فيه تستفاد من الملك لا من الإذن بخلاف الوكالة فإنها موضوعة للإذن يوضحه أن الموكل أذن لوكيله أن يتصرف له وقد فعل ما أمره والبائع إنما أذن للمشتري في التصرف لنفسه بالملك ولا ملك هاهنا والثاني أن الإذن في البيع مشروط بسلامة عوضه فإذا لم يسلم العوض انتفى الإذن والوكالة إذن مطلق بغير شرط القاعدة السابعة والأربعون في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد كل عقد يجب الضمان في صحيحه يجب الضمان في فاسده وكل عقد لا يجب الضمان في صحيحه لا يجب الضمان في فاسده ونعني بذلك أن العقد الصحيح إذا كان موجبا للضمان فالفاسد كذلك وإذا لم يكن الصحيح موجبا للضمان فالفاسد كذلك فالبيع والإجارة والنكاح موجبة للضمان مع الصحة فكذلك مع الفساد والأمانات
____________________
(1/73)
كالمضاربة والشركة والوكالة والوديعة وعقود التبرعات كالهبة لا يجب الضمان فيها مع الصحة فكذلك مع الفساد وكذلك الصدقة فأما قول أصحابنا فيمن عجل زكاته ثم تلف المال وقلنا له الرجوع به أنه إذا تلف ضمنه القابض فليس من القبض الفاسد بشيء لأنه وقع صحيحا لكنه مراعي فإن بقي النصاب تبينا أنه قبض زكاة وإن تلف تبينا أنه لم يكن زكاة فيرجع بها نعم إذا ظهر قابض الزكاة ممن لا يجوز له أخذها فإنه يضمنها لكون القبض لم يملك به وهو مفرط بقبض ما لا يجوز له قبضه فهذا من القبض الباطل لا الفاسد وليس المراد أن كل حال ضمن فيها في العقد الصحيح وضمن في مثلها من الفاسد فإن البيع الصحيح لا يجب فيه ضمان المنفعة وإنما يضمن العين بالثمن المقبوض بالبيع الفاسد يجب ضمان الأجرة فيه على المذهب والإجارة الصحيحة تجب فيها الأجرة بتسليم العين المعقود عليها سواء انتفع بها المستأجر أو لم ينتفع وفي الإجارة الفاسدة روايتان إحداهما كذلك والثانية لا تجب الأجرة إلا بالانتفاع ولعلها راجعة إلى أن المنافع لا تضمن في الغصب ونحوه إلا بالانتفاع وهو الأشبه وكذلك يخرج في ضمان منفعة البيع هاهنا ولكن نقل عن أحمد ما يدل على أن الإجارة الصحيحة لا تجب فيها الأجرة إلا بقدر الانتفاع إذا ترك المستأجر بقية الانتفاع بعذر من جهته وتأولها القاضي وابن عقيل وأقرها صاحب شرح الهداية والقاضي أيضا في بعض تعاليقه والنكاح الصحيح يستقر فيه المهر بالخلوة بدون الوطء وفي النكاح الفاسد روايتان أيضا وقد قيل إن ذلك مبني على أن البضع هل يثبت عليه اليد أم لا وقد نقل عن أحمد فيما إذا نكح العبد نكاحا فاسدا أنه لا مهر لها وهو محمول على أنه لم يوجد دخول أو على أنهما كانا عالمين بالتحريم فتكون زانية ونقل ابن مشيش وحرب عنه أن المبيع المقبوض من غير تسمية ثمن لا يضمن لأنه على ملك البائع وقد سبق ذلك والعمل في المذهب على خلافه إذا تقرر هذا فهل يضمن في العقد الفاسد بما سمى فيه أو بقيمة المثل فيه خلاف في مسائل منها المبيع والمعروف في المذهب ضمانه بالقيمة لا بالثمن المسمى فية نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وأبي طالب لأن المسمى إنما وقع الرضى به في ضمان العقد والعقد غير موجب للضمان وإنما يترتب الضمان بأمر آخر طارئ على العقد وهو التلف تحت يده فيجب ضمانه بالقيمة أو المثل كما لو اتفقا على ضمان العارية عند
____________________
(1/74)
إقباضها بشيء ثم تلفت فإنه يلغي المتفق عليه ويجب المثل أو القيمة كذلك هاهنا وحكى القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول في الكتابة عن أبي بكر عبد العزيز أن المقبوض بالبيع الفاسد يضمن بالمسمى وهو اختيار الشيخ تقي الدين وقال إنه قياس المذهب أخذا له من النكاح قال لأن إقباضه إياه إذن له في إتلافه بالعوض المسمى فأشبه ما لو قال له أتلفه بألف درهم فأتلفه فإنه لا يستحق عليه غير ما سمى له وقد يجاب عن هذا بأن المسمى إنما جعل عوضا عن الملك لا عن الإتلاف ولم يتضمن العقد إذنا في الإتلاف إنما تضمن نقل ملك بعوض ولم يوجد نقل الملك فلا يثبت العوض وإنما وجد الضمان بسبب متجدد ومنها الإجارة الفاسدة والمعروف من المذهب ضمانها بأجرة المثل أيضا ويتخرج على قول أبي بكر أنها تضمن بالأجرة المسماة والقول فيها كالقول في البيع سواء ومنها الكتابة الفاسدة تضمن بالمسمى فإذا أدى ما سمى فيها حصل العتق ولم يلزمه ضمان قيمته ذكره أبو بكر وهو ظاهر كلام أحمد واتفق الأصحاب على ذلك لكن المتأخرين زعموا أن الكتابة الفاسدة تعليق بصفة فلا يؤثر فسادها ولا تحريمها كما لو قال لعبده إن أعطيتني خمرا فأنت حر فأعطاه عتق لوجود الصفة وأما أبو بكر فعنده أن الكتابة عقد معاوضة أبدا وهو اختيار ابن عقيل وهو الأظهر ولا يقع العتق عنده بأداء المحرم لأن العقد لا يعقد بعوض محرم بل هو عنده باطل ومنها النكاح الفاسد يستقر بالدخول فيه وجوب المهر المسمى في الرواية المشهورة عن أحمد وهي المذهب عند أبي بكر وابن أبي موسى واختارها القاضي وأكثر أصحابه في كتب الخلاف ويفرق بين النكاح والبيع بأن النكاح مع فساده منعقد ويترتب عليه أكثر أحكام الصحيح من وقوع الطلاق ولزوم عدة الوفاة بعد الموت والاعتداد منه بعد المفارقة في الحياة ووجوب المهر فيه بالعقد وتقرره بالخلوة فلذلك لزم المهر المسمى فيه كالصحيح يوضحه أن ضمان المهر في النكاح الفاسد ضمان عقد كضمانه في الصحيح وضمان البيع الفاسد ضمان تلف بخلاف البيع الصحيح فإن ضمانه ضمان عقد وحكى عن أحمد رواية أخرى أن الواجب مهر المثل أخذا من رواية المروذي عنه في عبد تزوج بغير إذن سيده فدخل بها فقد جعل لها عثمان الخمسين وأنا أذهب إلى أن يعطى شيئا فلم يوجب المسمى وهو اختيار الخرقي وصاحب المغني واستدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام فيمن أنكحت نفسها أن لها المهر بما استحل منها فأوجب المهر بالاستحلال وهو الإصابة فدل على أنه لم يجب بالعقد وإنما وجب بالوطء والواجب بالوطء مهر المثل وهذا ضعيف فإن
____________________
(1/75)
الاستحلال يحصل بمحاولة الحل وتحصيله وإن لم يوجد الوطء وقد يطلق على استحلال ما لم يحل من الأجنبية مثله وهو الخلوة أو المباشرة وذلك مقرر عندنا للمهر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للملاعن مثل ذلك وليس محمولا عندنا إلا على ما ذكرنا لا على حقيقة الوطء فأما عقود المشاركات إذا فسدت كالشركة والمضاربة فهل يجب المسمى فيها أو أجرة المثل فيه خلاف بين الأصحاب وليس ذلك مما نحن فيه لأن كلامنا في ضمان القابض بالعقد الفاسد وهذه العقود لا ضمان فيها على القابض وإنما يجب له فيها العوض بعمله إما المسمى وإما أجرة المثل على خلاف فيه القاعدة الثامنة والأربعون كل من ملك شيئا بعوض ملك عليه عوضه في آن واحد ويطرد هذا في البيع والسلم والقرض والإجارة فيملك المستأجر المنافع والمؤجر الأجرة بنفس العقد وكذلك في النكاح في ظاهر المذهب فيملك الزوج منفعة البضع بالعقد وتملك المرأة به الصداق كله وكذلك الكتابة تملك العبد منافعه واكتسابه وتملك عليه النجوم بنفس العقد وكذلك الخلع والإعتاق على مال وكذلك المعاوضات القهرية كأخذ المضطر طعام الغير وأخذ الشفيع الشقص ونحوهما وأما تسليم العوضين فمتى كان أحدهما مؤجلا لم يمنع ذلك المطالبة بتسليم الآخر وإن كانا حالين ففي البيع إن كان الثمن دينا في الذمة فالمذهب وجوب إقباض البائع أولا لأن حق المشترك تعلق بعين فقدم على الحق المتعلق بالذمة ولا يجوز للبائع حبس المبيع عنده على الثمن على المنصوص لأنه صار في يده أمانة فوجب رده بالمطالبة كسائر الأمانات واختار صاحب المغني أن له الامتناع من إقباضه حتى يحضر الثمن لأن في تسليمه بدون الثمن ضررا بفوات الثمن عليه فلا يلزم تسليمه حتى يحضره وقال أبو الخطاب في انتصاره الصحيح عندي أنه لا يلزمه التسليم حتى يتسلم الثمن كما في النكاح وإن كان عينا فهما سواء ولا يجبر أحدهما على البداءة بالتسليم بل ينصب عند التنازع من يقبض منهما ثم يقبضهما فإن كان هناك خيار لهما أو لأحدهما لم يملك البائع المطالبة بالنقد ذكره القاضي في الإجارات من خلافه وصرح به الأزجي في نهايته ولا يملك المشتري قبض المبيع في مدة الخيار بدون إذن صريح من البائع نص عليه أحمد في رواية ابن الشالنجي وأما في الإجارة فالمذهب أنه لا يجب تسليم الأجرة إلا بعد تسليم العمل المعقود عليه أو العين المعقود عليها كما لا يجب دفع الثمن إلا بعد تسليم المبيع ومتى تسلم العين وجب عليه تسليم الأجرة لتمكنه من الانتفاع بقبضها نص عليه
____________________
(1/76)
أحمد وقال القاضي في تعليقه إن الأجير يجب دفع الأجرة إليه إذا شرع في العمل لأنه قد سلم نفسه لاستيفاء المنفعة فهو كتسليم الدار المؤجرة ولعله يخص ذلك بالأجير الخاص لأن منافعه تتلف تحت يد المستأجر فهو شبيه بتسليم العقار وقال ابن أبي موسى من استؤجر لعمل معلوم استحق الأجرة عند إيفاء العمل وإن استؤجر في كل يوم بأجر معلوم فله أجر كل يوم عند تمامه وظاهر هذا أن المستأجر للعمل مدة يجب له أجرة كل يوم في آخره لأن ذلك مقتضى العرف وقد يحمل على ما إذا كانت المدة مطلقة غير معينة كاستئجاره كل يوم بكذا فإنه يصح ويثبت له الخيار في آخر كل يوم فيجب له الأجرة فيه لأنه غير ملزوم بالعمل فيما بعده ولأن مدته لا تنتهي فلا يمكن تأخير إعطائه إلى تمامها أو على أن المدة المعينة إذا عينا لكل يوم منها قسطا من الأجرة فهي إجارات متعددة وأما النكاح فتستحق المرأة فيه المهر بالعقد ولها الامتناع من التسليم حتى تقبضه في المذهب ذكره الخرقي والأصحاب ونقله ابن المنذر اتفاقا من العلماء وعلله الأصحاب بأن المنفعة المعقود عليها تتلف بالاستيفاء فإذا تعذر استيفاء المهر عليها لم يمكنها استرجاع عوضها بخلاف المبيع فلذلك ملكت الامتناع من التسليم حتى تقبضه وهذه العلة موجودة فيما لا يتباقى مع المبيع من المطعومات والمشروبات والفواكه والرياحين بل في سلع التجارة أيضا وهذا مما يرجح ما اختاره أبو الخطاب وأيضا فطرد هذا التعليل أن يجوز الامتناع من تسليم العين المؤجرة حتى تستوفي الأجرة لأن المعقود عليه يتلف أيضا ويستهلك فلا يمكن استرداده عند تعذر الوصول إلى الأجرة لكن قد يفرق بينهما بأن الزوج إذا تسلم المرأة فإنه يستوفي في الحال ما يستقر به المهر فإذا تعذر أخذ المهر منه فات على الزوجة المهر وما قابله وأما في الإجارة فإذا تسلم المستأجر العين المؤجرة فللؤجر المطالبة حينئذ بالأجرة فإن تعذر حصولها ملك الفسخ فيرجع إلى المؤجر ما خرج عنه أو غالبه وهذا إذا كانت الزوجة ممن يمكن الاستمتاع بها فإن كانت لا تصلح لذلك فقال ابن حامد وغيره لها المطالبة به أيضا ورجح صاحب المغني خلافه وخرجه صاحب الترغيب مما حكى الآمدي أنه لا يجب البداءة بتسليم المهر بل يعدل كالثمن المعين فلا يلزم تسلم المهر إلا عند التمكن من تسليم العوض المعقود عليه وقال الشيخ تقي الدين الأشبه عندي أن الصغيرة تستحق المطالبة بنصف الصداق لأن النصف يستحق بإزاء الحبس وهو حاصل بالعقد والنصف الأخر بإزاء الدخول فلا تستحقه إلا بالتمكن أما لو استقر المهر بالدخول ثم نشزت المرأة فلا نفقة لها ولها أو لوليها أو سيدها إن كانت أمة المطالبة بالمهر ذكره أبو بكر وغيره لأن وجوبه استقر بالتمكن فلا يؤثر فيه ما طرأ عليه بعده
____________________
(1/77)
القاعدة التاسعة والأربعون القبض في العقود على قسمين أحدهما أن يكون من موجب العقد ومقتضاه كالبيع اللازم والهبة اللازمة والصداق وعوض الخلع فهذه العقود تلزم من غير قبض وإنما القبض فيها من موجبات عقودها الثاني أن يكون القبض من تمام العقد كالقبض في السلم والربويات وفي الرهن والهبة والوقف على رواية والوصية على وجه وفي بيع غير المعين أيضا على خلاف فيه فأما السلم فمتى تفرقا قبل قبض رأس ماله بطل وكذلك في الربويات وأما الرهن والهبة فهل يعتبر القبض فيهما في جميع الأعيان أو في المبهم غير المتميز كقفيز من صبرة على روايتين وأما الوقف ففي لزومه بدون إخراج الوقف عن يده روايتان معروفتان وأما الوصية فهل تلزم بالقبول في المبهم فيه وجهان واختار القاضي وابن عقيل أنها لا تلزم فيه بدون قبض وخرج صاحب المغني وجها ثالثا أنها لا تلزم بدون القبض مطلقا كالهبة وكذلك حكى صاحب المغني وغيره وجهين في رد الموقوف عليه المعين للوقف هل يبطل برده وصرح القاضي في المجرد بأن الملك فيه لا يلزم بدون القبض وأما المبيع المبهم فذكر القاضي في موضع أنه غير لازم بدون القبض وذكر في موضع آخر أنه لازم من جهته ولم يتعرض للمشتري ولعله جعله غير لازم من جهة البائع لأنه لم يدخل في ضمانه بعد واختار صاحب المغني أنه لازم في حقهما جميعا وقال هو ظاهر كلام الخرقي واعلم أن كثيرا من الأصحاب يجعل القبض في هذه العقود معتبرا للزومها واستمرارها لا لانعقادها وإنشائها وممن صرح بذلك صاحب المغني وأبو الخطاب في انتصاره وصاحب التلخيص وغيرهم ومن الأصحاب من جعل القبض فيها شرطا للصحة وممن صرح بذلك صاحب المحرر فيه في الصرف والسلم والهبة وقال في الشرح مذهبنا أن الملك في الموهوب لا يثبت بدون القبض وفرع عليه إذا دخل وقت الغروب من ليلة الفطر والعبد موهوب لم يقبض ثم قبض وقلنا يعتبر في هبته القبض ففطرته على الواهب وكذلك صرح ابن عقيل بأن القبض ركن من أركان الهبة كالإيجاب في غيرها وكلام الخرقي يدل عليه أيضا وكذلك ذكر القاضي أن القبض شرط في صحة الصرف والسلم وصرح به كثير من الأصحاب ولكن صاحب المحرر لم يذكر في الرهن إلا أن القبض
____________________
(1/78)
شرط للزومه وصرح أبو بكر بأنه شرط لحصته وأن الرهن يبطل بزواله وكذلك صاحب المحرر في شرح الهداية والشيرازي وغيرهما وأما القرض والصدقة والزكاة وغيرها ففيها طريقان إحداهما لا يملك إلا بالقبض رواية واحدة وهي طريقة المجرد والمبهج ونص عليه أحمد في مواضع والثانية أنه في المبهم لا يملك بدون القبض بخلاف المعين فإنه يملك فيه بالعقد وهي طريقة القاضي في خلافه وابن عقيل في مفرداته والحلواني وابنه إلا أنهما حكيا في المعين روايتين كالهبة وأما السهم من الغنيمة فيملك بدون القبض إذا عينه الإمام بغير خلاف صرح به الحلواني وابن عقيل وغيرهما وأما العارية فلا تملك بدون القبض إن قيل أنها هبة منفعة وخرج القاضي فيها رواية أخرى أنها تملك بمجرد العقد كهبة الأعيان وتلزم إذا كانت مؤقتة وإن قيل هي إباحة فلا يحصل الملك فيها بحال بل يستوفي على ملك المالك كطعام الضيف قال الشيخ تقي الدين التحقيق أن يقال في هذه العقود إذا لم يحصل القبض فلا عقد وإن كان بعض الفقهاء يقول بطل العقد فكما يقال إذا لم يقبل المخاطب بطل الإيجاب فهذا بطلان ما لم يتم لا بطلان ما تم انتهى ولا يستبعد توقف انعقاد العقد على أمر زائد على الإيجاب والقبول كما يتوقف انعقاد النكاح معهما على الشهادة وفي الهبة وجه ثالث حكى عن ابن حامد أن الملك فيها يقع مراعى فإن وجد القبض تبينا أنه كان للموهوب بقبوله وإلا فهو للواهب وفرع على ذلك حكم الفطرة وقد يطرد قوله بالوقف والمراعاة إلى بقية هذه العقود وأما البيع الذي يعتبر له القبض ففي كلام أبي بكر ما يدل على أنه لا ينعقد بدون القبض أيضا فإنه قال إذا اشتراه كيلا فلا يقع بينهما إلا كيلا وتأوله القاضي على نفي الضمان وهو بعيد قال لأن أحمد قيل له في رواية ابن مشيش أليس قد ملكه المشتري قال بلى ولكن هو من مال البائع يعني إذا تلف قلت ولكن صرح أحمد في رواية ابن منصور بانتقال الملك قبل القبض فقال أما ما يكال ويوزن فلابد للبائع أن يوفيه المبتاع لأن ملك البائع فيه قائم حتى يوفيه المشتري وما لا يكال ولا يوزن إذا كان معلوما فهو ملك للمشتري فما لزمه من شيء فهو عليه وقال أيضا في طعام اشترى بالصفة ولا يحول البائع الثمن والبائع مالك بعد ما لم يكله المشتري وهذا صريح لا يمكن تأويله فيكون إذن عن أحمد في انتقال الملك في
____________________
(1/79)
بيع المكيل والموزون بدون القبض روايتان القاعدة الخمسون هل يتوقف الملك في العقود القهرية على دفع الثمن أو يقع بدونه مضمونا في الذمة هذا على ضربين أحدهما التملك الاضطراري كمن اضطر إلى طعام الغير ومنعه وقدر على أخذه فإنه يأخذه مضمونا سواء كان معه ثمن يدفعه في الحال أولا لأن ضرره لا يندفع إلا بذلك والثاني ما عدده من التمليكات المشروعة لإزالة ضرر ما كالأخذ بالشفعة وأخذ الغراس والبناء من المستعير والمستأجر والزرع من الغاصب وتقويم الشقص من العبد المشترك إذا قيل إنه تملك يقف على التقويم وكالفسوخ التي يستقل بها البائع بعد قبض الثمن يتخرج ذلك كله على وجهين فإنه لأصحابنا في الأخذ بالشفعة وجهين أحدهما لا يملك بدون دفع الثمن وهو محكي عن ابن عقيل ويشهد له نص أحمد أنه إذا لم يحضر المال مدة طويلة بطلت شفعته الثاني تملك بدونه مضمونا في الذمة ونص أحمد في فسخ البائع أنه لا ينفذ بدون رد الثمن قال أبو طالب قلت لأحمد يقولون إذا كان له الخيار فمتى قال اخترت داري أو أرضي فالخيار له ويطالب بالثمن قال كيف له الخيار ولم يعطه ماله ليس هذا بشيء إن أعطاه فله الخيار وإن لم يعطه ماله فليس له الخيار واختار الشيخ تقي الدين ذلك وقد يتخرج مثله في سائر المسائل لأن التسليط على انتزاع الأموال قهرا إن لم يقترن به دفع العوض وإلا حصل به ضرورة فساد وأصل الانتزاع القهري إنما شرع لدفع الضرر والضرر لا يزال بالضرر وقد يفرق بين مسألة أبي طالب وبقية المسائل بأن البائع لو فسخ من غير دفع الثمن اجتمع له العوض والمعوض وذلك ممتنع ولا يوجد مثله في بقية الصور إذا أكثر ما فيها التملك ويعوض في الذمة وهو جائز كالقرض وغيره تنبيه الأملاك القهرية تخالف الاختيارية من جهة أسبابها وشروطها وأحكامها وتملك ما لا يتملك بها أما الأول فيحصل التملك القهري بالاستيلاء على ملك الغير الأجنبي بخلاف الاختياري وأما الثاني فالتملك القهري كالأخذ بالشفعة هل يشترط منفعته كالبيع أم لا لأنه قهري
____________________
(1/80)
كالميراث قال في التلخيص فيه تردد وأما الثالث فقد ذكرنا اشتراط دفع الثمن للتملك القهري وللمشتري حبس الشخص المشفوع على دفع الثمن وإن قلنا يملك بدونه وينفذ تصرف الشفيع فيه قبل قبضه وهل يثبت له في خيار المجلس على وجهين قال في التلخيص ويخرج التردد في الجميع نظرا إلى الجهتين وأما الرابع فيملك الكافر العبد المسلم بالإرث ويرده عليه بعيب ونحوه في أحد الوجهين وباستيلاد المسلم أمته وبالقهر وكذلك تملك المصاحف بهذه الأسباب وهل يملك أم ولد المسلم بالقهر على روايتين وتملك بالميراث الخمر والكلب وكذا الصيد في حق المحرم على أحد الوجهين ولا يتملك ذلك كله بالاختيار القاعدة الحادية والخمسون فيما يعتبر القبض لدخوله في ضمان مالكه وما لا يعتبر له الملك يقع تارة بعقد وتارة بغير عقد والعقود نوعان أحدهما عقود المعاوضات المحضة فينتقل الضمان فيها إلى من ينتقل الملك إليه بمجرد التمكن من القبض التام والحيازة إذا تميز المعقود عليه من غيره وتعين فأما المبيع المبهم غير المتعين كقفيز من صبرة فلا ينتقل ضمانها بدون القبض وهل يكفي كيله وتمييزه أم لا بد من نقله حكى الأصحاب فيه روايتين ثم لهم طريقان منهم من يقول هل التخلية قبض في جميع الأعيان المبيعة أم لا بد من نقله حكى الأصحاب فيه روايتين ومنهم من يقول التخلية قبض في المبيع المتعين رواية واحدة وفيما ليس بمتعين إذا عين وخلى بينه وبينه روايتين وكلا الطريقين مسلك القاضي في خلافه وله طريقة ثالثة سلكها في المجرد أن الكيل قبض للمبهم رواية واحدة وذكر قول أحمد في رواية محمد ابن الحسن بن هارون قبضة كيله والتخلية قبض في المعينات على روايتين وهذه أوضح مما قبلها وقد فرق أحمد بين المبهم فجعل قبضه كيله وبين الصبرة فجعل قبضها نقلها في رواية الأثرم لأن المبهم إذا كيل فقد حصل فيه التمييز وزيادة وهي اعتبار قدره وكلاهما من فعل البائع وهو الواجب عليه ولم يوجد في بقية المعينات شيء من ذلك سوى تمييزها بنفسها وعلى الطريقة الأولى فيكون بعد كيله وتمييزه كسائر الأعيان المتميزة وما عدا ذلك من الأعيان المتميزة فهو داخل في ضمان المشتري بالعقد في ظاهر المذهب لتمكنه من قبضه التام بالحيازة وقد انقطعت علق البائع منه لأن عليه تسليمه والتمكين من
____________________
(1/81)
قبضه وقد حصل إلا الثمر المشتري في رؤوس شجرة فإن المشتري لا يتمكن من كمال قبضه في الحال بحيازته إليه وكذلك ما لا يتأتى نقله في ساعة واحدة لكثرته فإنه لا ينتقل إلى ضمانة المشتري إلا بعد مضي زمن يتأتى فيه نقله عادة صرح به القاضي وغيره فالناقل للضمان هو القدرة التامة على الاستيفاء والحيازه وحكم المبهم المشتري بعدد أو ذرع كذلك وأنكر أحمد في رواية ابن منصور دخول المعدود فيه ولعل مراده إذا اشترى صبرة وأما المشاع فكالمتعين لأن تسليمه يكون على هيئة لا يقف على إفرازه كذلك ذكره القاضي وابن عقيل والصبرة المبتاعة كيلا أو وزنا كالقفيز المبهم عند الخرقي وأبي بكر والأكثرين لأن علق البائع لم تنقطع منها ولم تتميز فإن زيادتها له ونقصها عليه وفي التلخيص أن بعض الأصحاب خرج فيها وجها بإلحاقها بالعبد والثوب بناء على أن العلة اختلاط المبيع بغيره قال وهو ضعيف قال واستثنى بعض أصحابنا منها المتعينات في الصرف لقوله عليه الصلاة والسلام إلا هاء وهاء ومراده أن الشارع اعتبر له القبض فالتحق بالمبهمات ونقل صالح عن أحمد فيمن اشترى عبدا فمات في يد المبتاع هو من مال المبتاع إلا أن يقول المبتاع تسلمه فلا يتسلمه وظاهر هذا أنه يكون من ضمان البائع إلا أن يمتنع المشتري من تسلمه بعد عرضه عليه فيدخل في ضمانه ونقل حنبل عنه إذا عرضه البائع عليه ولم ينقده الثمن فتلف فهو من مال البائع وإن نقده الثمن وتركه عنده فهو من مال المشتري ويلتحق بهذه المضمونات من المبيع ما اشترى بصفة أو رؤية سابقة على العقد لأن الغيبة مانعة من التمكن من القبض فأما المبيع في مكان أو زمان يغلب فيه هلاك السلعة فهل يكون مضمونا على البائع مطلقا أم لا هذه مسألة تبايع الغنيمة بعد القسمة في دار الحرب إذا غلب عليها العدو بعد ذلك وعن أحمد في ضمانها روايتان كذا حكى الأصحاب ولم يفرق أكثرهم بين ما قبل القبض وبعده وظاهر كلام ابن عقيل التفريق وأنه قبل القبض من ضمان البائع قولا واحدا كالثمر المعلق في رؤوس الشجر لتعرضه للآفات وفيه نظر فإن الثمر لم يتمكن المشتري من قبضه تاما بخلاف المبيع المعين في دار الحرب وخص أكثر الأصحاب ذلك بمال الغنيمة لأن تطلب الكفار لها شديد وحرصهم على استردادها معلوم بخلاف غيرها من أموال المسلمين وحكى ابن عقيل في تبايع المسلمين أموالهم بينهم بدار الحرب إذا غلب عليها العدو قبل قبضه وجهين كمال الغنيمة فأما ما بيع في دار الإسلام في زمن نهب ونحوه فمضمون على المشتري قولا واحدا ذكره كثير من الأصحاب كشراء من يغلب على الظن هلاكه كمريض ميؤوس منه أو مرتد أو قاتل في محاربة أو في زمن طاعون غالب ويحتمل في
____________________
(1/82)
هذا أن يفرق بين التلف قبل القبض وبعده فأما الأعيان المملوكة بعقد غير البيع كالصلح والنكاح والخلع والعتق ونحو ذلك فحكمها حكم البيع فيما ذكرنا عند أكثر الأصحاب قال في المغني ليس فيه اختلاف وحكى أبو الخطاب ومن اتبعه رواية بأن الصداق مضمون على الزوج قبل القبض مطلقا فإنه نص فيما إذا أصدقها غلاما ففقئت عينه قبل أن تقبضه أن عليه ضمانه وتأولها القاضي على أن الزوج فقأ عينه أو أنه امتنع من التسليم حتى فقئت عينه فيكون ضامنا بلا ريب ويمكن أن يخرج من هذا رواية بأن ضمان جميع الأعيان لا تنتقل إلا بالقبض في البيع وغيره وخرجها بعض الأصحاب رواية عن أحمد من نصه على ضمان صبر الطعام على البائع قبل القبض فمن الأصحاب من تأولها على أنها بيعت كيلا ومنهم من أقرها رواية في المكيل والموزون وأن بيع جزافا ومنهم من خرج منها رواية في جميع الأعيان المتميزة ومأخذ ذلك أن علق الملك لا تنقطع عنه بدون القبض لأن تسليمه واجب عليه بحق العقد ولم يوجد فلم تتم أحكام العقد فكان مضمونا على المملك وهذه شبه ابن عقيل التي اعتمدها في أن ضمان جميع الأعيان قبل القبض وهي ضعيفة فإن البائع عليه التمكين من القبض وهو معنى التسليم فإذا وجد منه فقد قضى ما عليه وأما النقل فهو على المشتري دون البائع وهو واجب عليه لتفريغ ملك البائع من ملكه فكيف يكون تعديه بشغل أرض المالك بملكه من غير إذنه أو مع مطالبته بتفريقه موجبا للضمان على البائع ويحتمل أن يفرق بين النكاح وغيره من العقود بأن المهر في النكاح ليس بعوض أصلي بل هو شبيه بالهبة ولهذا سماه الله نحلة فلا ينتقل ضمانه إلى المرأة بدون القبض كالهبة والصدقة والزكاة وهذا كله في الأعيان فأما المنافع في الإجارة فلا تدخل في ضمان المستأجر بدون القبض أو التمكين منه أو تفوته باختباره فإن استوفى المنافع فلا كلام وإن تمكن من استيفائها بقبض العين أو تسليم الأجير الخاص نفسه تلفت من ضمانه أيضا لتمكنه من الانتفاع النوع الثاني عقود لا معاوضة فيها كالصدقة والهبة والوصية فالوصية تملك بدون القبض والهبة والصدقة فيهما خلاف سبق فإذا قيل لا يملكان بدون القبض فلا كلام لكن هل يكتفي بالقبض فيهما بالتخلية على رواية كالبيع أم لا بد من النقل جمهور الأصحاب على تسوية الرهن والهبة بالبيع في كيفية القبض واختار صاحب التلخيص أنه لا يكفي التمكين هاهنا في اللزوم ففي أصل الملك أولى قال لأن القبض هنا سبب الاستحقاق بخلاف القبض في البيع فإن العقد سبب لاستحقاق القبض فيكفي فيه
____________________
(1/83)
التمكن وإن قيل يحصل الملك بمجرد العقد فلا ينبغي أن يكون مضمونا على المملك إذا تلف في يده من غير منع لأنها عقود بر وتبرع فلا يقتضي الضمان وكلام الأصحاب يشهد لذلك وأما الوصية إذا ثبت الملك للموصي له إما بالموت بمجرد من غير قبول أو بالموت مراعى بالقبول أو بالقبول من حينه دون ما قبله على اختلاف الوجوه في المسألة فإن ضمانه من حين القبول على الموصى له من غير خلاف نعلمه إذا كان متمكنا من قبضه وأما مات قبل القبول ففيه وجهان أحدهما أنه من ضمان الموصى له أيضا وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي وصرح به القاضي وابن عقيل في كتاب العتق وكذلك صاحب المغني والترغيب وغيرهم ولم يحكوا فيه خلافا وهذا لأنا إن قلنا يملكه بمجرد الموت إما مع القبول أو بدونه فهو ملكه فإذا تمكن من قبضه كان عليه ضمانه كما لو ملكه بهبة أو غيرها من العقود وإن قلنا لا يملكه إلا من حين القبول فلأن حقه تعلق بالعين تعلقا يمنع الورثة من التصرف فيه فأشبه العبد الجاني إذا أخر المجني عليه استيفاء حقه حتى نقص أو تلف ولأن حق الموصى له في التملك ثابت لا يمكن إبطاله فكان ضمان النقص عليه وإن لم يحصل له الملك كما في ربح المضاربة إذا قلنا لا يملك إلا بالقسمة ونصف الصداق إذا قلنا لا يملك إلا بالتملك والمغانم إذا قلنا لا تملك بدون القسمة بخلاف بقية العقود فإن الحق فيها يمكن إبطاله الوجه الثاني لا يدخل في ضمانه إلا بالقبول على الوجوه كلها وهو المجزوم به في المحرر لأنه إن قيل لا يملك إلا من حينه فواضح لأنه لم يكن قبل ذلك على ملكه فلا يحسب نقصه عليه وإن قيل يملكه بالموت فالعين مضمونة على التركة بدليل ما لو تلفت قبل القبول فإنها تتلف من التركة لا من مال الموصى له فكذلك أجزاؤها لأن القبول وإن كان مثبتا للملك من حين الموت إلا أن ثبوته السابق تابع لثبوته من حين القبول والمعدوم حال القبول لا يتصور الملك فيه فلا يثبت فيه ملك نعم إن قيل يملكه بمجرد الموت من غير قبول فينبغي أن يكون من ضمانه بكل حال كالموروث وهذا كله في المملوك بالعقد فأما ما ملك بغير عقد فنوعان أحدهما الملك القهري كالميراث وفي ضمانه وجهان أحدهما أنه يستقر على الورثة بالموت إذا كان الملك عينا حاضرة يتمكن من قبضها قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل ترك مائتي دينار وعبدا قيمته مائة دينار وأوصى لرجل بالعبد فسرقت الدنانير بعد
____________________
(1/84)
موت الرجل وجب العبد للموصى له وذهبت دنانير الورثة وهكذا ذكر الخرقي وأكثر الأصحاب لأن ملكهم استقر بثبوت سببه إذ هو لا يخشى انفساخه ولا رجوع لهم بالبذل على أحد فأشبه ما في يد المودع ونحوه بخلاف المملوك بالعقود لأنه إما أن يخشى انفساخ سبب الملك فيه أو يرجع يبدله فلذلك اعتبر له القبض وأيضا فالمملوك بالبيع ونحوه ينتقل الضمان فيه بالتمكن من القبض فالميراث أولى وقال القاضي وابن عقيل في كتاب العتق لا يدخل في ضمانهم بدون القبض لأنه لم يحصل في أيديهم ولم ينتفعوا به فأشبه الدين والغائب ونحوهما ما لم يتمكنوا من قبضه فعلى هذا إن زادت التركة قبل القبض فالزيادة للورثة وإن نقصت لم يحسب النقص عليهم وكانت التركة ما بقي بعد النقص حتى لو تلف المال كله سوى القدر الموصى به صار هو التركة ولم يكن للموصى له سوى ثلثه إلا أن يقال أن الموصى له يملك الوصية بالموت بمجرده أو مراعى بالقبول فلا تزاحمه الورثة لأن ملكه سبق استحقاقهم لمزاحمته بالنقص فيتخصص به كما لو لم يتلف المال إلا بعد قبوله وعلى ذلك خرج صاحب الترغيب وغيره كلام أحمد في رواية ابن منصور والأول أصح لأن الموصى له تمكن من أخذ العين الموصى بها مع حضور التركة والتمكن من قبضها بغير خلاف ولو لم يدخل في ضمانهم إلا بالقبض لم يمكن أن يأخذ من العين أكثر من ثلثها وتوقف قبض الباقي على قبض الورثة فكلما قبضوا شيئا أخذ من الموصى به بقدر ثلثه كما لو كانت التركة دينا أو غائبا لا يتمكن من قبضه والنوع الثاني ما يحصل بسبب الآدمي يترتب عليه الملك فإن كان حيازة مباح كالاحتشاش والاحتطاب والاغتنام ونحوها فلا إشكال ولا ضمان هنا على أحد سواه ولو وكل في ذلك أو شارك فيه دخل في حكم الشركة والوكالة وكذلك اللقطة بعد الحول لأنها في يده وإن كان تعين ماله في ذمة غيره من الديون فلا يتعين في المذهب المشهور إلا بالقبض وعلى القول الآخر يتعين بالإذن في القبض فالمعتبر حكم ذلك الإذن القاعدة الثانية والخمسون في التصرف في المملوكات قبل قبضها وهي منقسمة إلى عقود وغيرها فالعقود نوعان أحدهما عقود المعاوضات وتنقسم إلى بيع وغيره فأما المبيع فقالت طائفة من الأصحاب التصرف قبل القبض والضمان متلازمان فإن كان البيع مضمونا على البائع لم
____________________
(1/85)
يجز التصرف فيه للمشتري حتى يقبضه وإن كان قبل القبض من ضمان المشتري جار له التصرف فيه وصرح بذلك القاضي في الجامع الصغير وغيره وجعلوا العلة المانعة من التصرف توالى الضمانات وفي المذهب طريقة أخرى وهي أنه تلازم بين التصرف والضمان فيجوز التصرف والضمان على البائع كما في بيع الثمرة قبل جدها فإنه يجوز في أصح الروايتين وهي مضمونة على البائع ويمنع التصرف في صبرة الطعام المشتراة جزافا على إحدى الروايتين وهي اختيار الخرقي مع أنها في ضمان المشتري وهذه طريقة الأكثرين من الأصحاب فإنهم حكوا الخلاف في بيع الصبرة مع عدم الخلاف في كونها مضمونة على البائع وممن ذكر ذلك ابن أبي موسى والقاضي في المجرد والخلاف وابن عقيل في الفصول والمفردات والحلواني وابنه وغيرهم وصرح ابن عقيل في النظريات بأنه لا تلازم بين الضمان والتصرف وعلى هذا فالقبض نوعان قبض يبيح التصرف وهو الممكن في حال العقد وقبض ينقل الضمان وهو القبض التام المقصود بالعقد وقد حكى ابن عقيل وغيره الخلاف فيما يمتنع التصرف فيه قبل قبضه هل هو المبهم أو جنس المكيل والموزون وإن بيع جزافا أو المطعوم خاصة مكيلا أو موزونا كان أو غيرهما أو المطعوم المكيل أو الموزون ونقله مهنا عن أحمد وضعف القاضي هذه الرواية ورجحها صاحب المغني ولم يذكروا في الضمان ذلك واختار ابن عقيل المنع من بيع جميع الأعيان قبل القبض معللا بأن العقد الأول لم يتم حيث بقى من أحكامه التسليم فلا يرد عليه عقد آخر قبل انبرامه ولم يجعل الضمان ملازما له وكلام القاضي في الجامع الصغير قد يتأول بأنه ذكر أن المتعين يجوز بيعه قبل القبض وغير المتعين لا يجوز ثم لازم بعد ذلك بين جواز البيع والضمان وهو صحيح على ما ذكره فإنه اقتصر على ذكر جادة المذهب وهو أن لا ضمان ولا منع من التصرف إلا في المبهم خاصة ولم يبين أنه لا تلازم بين التصرف والضمان أن المنافع المستأجرة يجوز أن يؤجرها المستأجر وهي مضمونة على المؤجر الأول والثمر المبيع على شجر المبيع يجوز بيعه على المنصوص وهو مضمون على البائع الأول والمقبوض قبضا فاسدا كالمكيل إذا قبض جزافا فانتقل الضمان فيه إلى المشتري ولا يجوز التصرف فيه قبل كيله وبيع الدين ممن هو في ذمته جائز على المذهب وليس مضمونا على مالكه وكذلك المالك يتصرف في المغصوب والمعار والمقبوض بعقد فاسد وضمانها على القابض والتعليل بتوالي الضمانين ضعيف لأنه لا محذور فيه كما لو تبايع الشقص المشفوع جماعة ثم انتزعه الشفيع من الأول وكذلك التعليل بخشية انتقاص الملك بتلفه عند البائع
____________________
(1/86)
يبطل بالثمر المشترى في رؤوس الشجر وبإجارة المنافع المستأجرة وبهذا أيضا ينتقض تعليل ابن عقيل ويبيع الدين ممن هو عليه لأن البائع وفي عليه بالتخلية والتمييز فلم يبق له علقة في العقد وعلل أيضا بأنه داخل في بيع ما ليس عنده وهو شبيه بالغرر لتعرضه للآفات وهو يقتضي المنع في جميع الأعيان وأشار الإمام أحمد إلى أن المراد من النهي عن ربح ما لم يضمن حيث كان مضمونا على بائعه فلا يربح فيه مشتريه وكأنه حمل النهي عنه هو الربح على النهي عن أصل الربح لأنه مظنة الربح ويتخرج له قول آخر أن النهي عن حقيقة الربح دون البيع بالثمن الذي اشتراه فإنه منع في رواية من إجارة المنافع المستأجرة إلا بمثل الأجرة لئلا يربح فيما لم يضمن ومنع في رواية أخرى من ربح ما اشتراه المضارب على وجه المخالفة لرب المال لأنه ضامن له بالمخالفة فكره أحمد ربحه لدخوله في ربح ما لم يضمن وأجاز أصل البيع وأجاز الاعتياض عن ثمن المبيع قبل قبضه بقيمته من غير ربح لئلا يكون ربحا فيما لم يضمن فيخرج من هذا رواية أن كل مضمون على غير مالكه يجوز بيعه بغير ربح ويلزم مثل ذلك في بيع الدين من الغريم والتمر على رؤوس النخل وغيرهما مما لم يضمنه البائع ونقل حنبل عن أحمد في بيع الطعام الموهوب قبل قبضه لا بأس به ما لم يكن للتجارة وهذا يدل على أن المنع في بيع الطعام قبل قبضه هو الربح والتكسب ولا فرق في ذلك بين بيعه من بائعه وغيره وقد نص أحمد على منع بيعه من بائعه حتى يكيله واختلف الأصحاب في الإقالة فيه قبل قبضه فمنهم من خرجها على الخلاف في كونها بيعا أو فسخا فإن قيل إنها بيع لم يصح وإلا صحت وعن أبي بكر أنه منعها على الروايتين بدون كيل ثان لأنها تجديد ملك ويتخرج لنا رواية ثالثة بجواز البيع من البائع لأن أحمد أجاز في رواية منصوصة عنه بيعه من الشريك الذي حضر كيله وعلمه من غير كيل آخر فالبائع أولى وحكى القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول في كتاب الإجارات رواية في جواز بيعه قبل القبض من بائعه خاصة وذكر مأخذها وهو اختلاف الروايتين عنه في بيع الدين في الذمة إذا كان طعاما مكيلا أو موزونا قبل قبضه وهذا مخالف لما ذكرناه في البيع فإنهما خصا فيه الروايتين بما في الذمة سواء كان طعاما أو غيره هذا في التصرف فيه
____________________
(1/87)
بالبيع وأما عيره من العقود فقال القاضي في المجرد وابن عقيل لا يجوز رهنه ولا هبته ولا إجارته قبل القبض كالبيع ثم ذكرا في الرهن عن الأصحاب أنه يصح رهنه قبل قبضه لأنه لا يؤدى إلى ربح ما لم يضمن بخلاف البيع وفي هذا المأخذ نظرا لأن الرهن إنما يصح فيما يصح بيعه لأنه يفضي إلى البيع لكن تركه في يد البائع لا يطول غالبا وقبضه متيسر فلذلك يصح رهنه وعلل ابن عقيل المنع من رهنه لأنه غير مقبوض ولا متميز ولا متعين وفيه ضعف لإمكان تمييزه وقبضه وعلل مرة أخرى في الرهن والهبة بأن القبض شرط لهما فكيف ينبني عقد من شرطه القبض على عقد لم يوجد فيه القبض وللأصحاب وجه آخر أنه بجواز رهنه على غير ثمنه حكاه أبو الخطاب فيما كان معينا كالصبرة وأظنه منعه منه في المبهم لعدم تأتي القبض وهو معتبر فيه كما ذكر ابن عقيل فخرج من هذا وجهان للأصحاب في سائر العقود ومن الأصحاب من قطع بجواز جعله مهرا معللا بأن ذلك غرر يسير يغتفر في الصداق ومنهم صاحب المحرر وهذا وجه ثالث هذا كله في المبيع فأما ثمنه فإن كان معينا جاز التصرف قبل قبضه سواء كان المبيع يجوز التصرف فيه قبل القبض أولا وصرح به القاضي وإن كان مبهما لم يجز إلا بعد تمييز وإن كان دينا جاز أن يعاوض عنه قبل قبضه ذكره القاضي وابن عقيل ولم يخرجا المعاوضة على الخلاف في بيع الدين ممن هو عليه وقد حكيا في ذلك روايتين والأكثرون أدخلوه في جملة صور الخلاف وقد نص أحمد على جواز اقتضاء أحد النقدين من الآخر بالقيمة في رواية الأثرم وابن منصور وحنبل ونقل عنه القاضي البرتي في طعام في الذمة هل يشترى به شيئا ممن عليه فتوقف قال فقلت له لم لا يكون هذا مثل اقتضاء الورق من الذهب فكأنه أجازه من غير أن يوضحه إيضاحا بينا وهذا يشعر أن اقتضاء أحد النقدين من الآخر يجوز من غير خلاف لحديث ابن عمر في ذلك والخلاف في المعاوضة عنهما بغيرهما ولم يذكر القاضي وابن عقيل في الصرف في ذلك خلافا والمعنى في ذلك أن النقدين لتقاربهما في المعنى أجريا مجرى الشيء الواحد فأخذ أحدهما عن الآخر ليس بمعاوضة محضة بل هو نوع استيفاء وقد صرح بذلك أحمد في رواية أبي طالب قال ليس هو ببيع وإنما هو اقتضاء ولذلك لم يجز إلا بالسعر لأنه لما كانت المماثلة في القدر لاختلاف الجنس اعتبرت في القيمة وهذا المأخذ هو الذي ذكره
____________________
(1/88)
صاحب المغني ومن الأصحاب من جعل مأخذه النهي عن ربح ما لم يضمن وأما القاضي فأجاز المعاوضة عن أحد النقدين بالآخر بما يتفقان عليه وتأول كلام أحمد بكلام بعيد جدا وقد ذكرنا أن طريقة القاضي وابن عقيل في الإجارة أن ما في الذمة إذا كان مكيلا أو موزونا لم يجز بيعه قبل قبضه لأجنبي رواية واحدة وفي بيعه لمن هو في ذمته روايتان لأنه قبل القبض مبهم غير متميز وهذا الكلام في التصرف في البيع وعوضه فأما غير المبيع من عقود المعاوضات فهي ضربان أحدهما ما يخشى انفساخ العقد بتلفه قبل قبضه مثل الأجرة المعينة والعوض في الصلح بمعنى البيع ونحوهما فحكمه حكم البيع فيما سبق وأما التصرف في المنافع المتأخرة فإن كان بإعارة ونحوهما فحكمه حكم البيع فيما سبق وأما التصرف في المنافع المتأخرة فإن كان بإعارة ونحوها فيجوز لأن له استيفاء العوض بنفسه وممن يقوم مقامه وإن كان بإجارة صح أيضا بعد قبض العين ولم يصح قبلها إلا للمؤجر على وجه سبق ويصح إيجارها بمثل الأجرة وبأزيد في إحدى الروايتين وفي الأخرى يمنع بزيادة لدخوله في ربح ما لم يضمن والصحيح الجواز لأن المنافع مضمونة على المستأجر في وجه بدليل أنه لو عطلها حتى فاتت من غير استيفاء تلفت من ضمانه فهي كالثمر في رؤوس الشجر فهو مضمون عليه بإتلافه والضرب الثاني ما لا يخشى انفساخ العقد بهلاكه قبل قبضه كالصداق وعوض الخلع والعتق والمصالح به عن دم العمد ونحو ذلك ففيه وجهان أحدهما يجوز التصرف قبل فيه القبض وهو قول القاضي في المجرد وأبي الخطاب غير أنه استثنى منه الصداق والسامري وصاحب المغني والتلخيص ونص أحمد على صحة هبة المرأة صداقها قبل القبض وهو تصرف فيه ووجه ذلك أن تلف هذه الأعواض لا تنفسخ بها عقودها فلا ضرر في التصرف فيها بخلاف البيع والإجارة ونحوهما ومع هذا صرح القاضي في المجرد بأن غير المتميز فيها مضمون على من هو بيده ففرق بين التصرف والضمان هنا ونسب إليه صاحب التلخيص أنه سوى بينهما فأثبت الضمان ومنع التصرف وهو وهم عليه والوجه الثاني أن حكمها حكم البيع فلا يجوز التصرف في غير المعين منها قبل القبض وهو الذي ذكره القاضي في خلافه وقال هو قياس قول أصحابنا وابن عقيل
____________________
(1/89)
في الفصول والمفردات والحلواني والشيرازي وصاحب المحرر واختاره صاحب المغني في كتاب النكاح إلحاقا لها بسائر عقود المعاوضات ولا يصح التفريق بعدم الانفساخ لأن الزبرة الحديدة العظيمة إذا اشتريت وزنا فلا يخشى هلاكها والتصرف فيها ممنوع ومنافع الإجارة يخشى هلاكها والتصرف فيها جائز ورجح الشيخ تقي الدين الأول ولكن بناه على أن علة منع التصرف الربح فيما لم يضمن وهو منتف هاهنا وهو أحد المآخذ للأصحاب في أصل المسألة وعد القاضي في هذا الضرب القرض وأرش الجنايات وقيم المتلفات ووافقه ابن عقيل على قيم المتلفات وفيه نظر فإن القرض لا يملك بدون القبض على ما جزم به في المجرد وقيم المتلفات ينفسخ الصلح عنها بتلف العوض المضمون وكذلك أروش جنايات الخطأ بخلاف العمد أو نحوه ليس بعقد ليدخله الفسخ ثم إنه مضمون في الذمة كالدين وذلك لا يتعين في الخارج إلا بالقبض على المذهب وألحق صاحب التلخيص بهذا أيضا الملك العائد بالفسخ قبل القبض والاسترداد لأنه لا يخشى انتقاض سببه وهذا متجه على الوجه الأول الذي اختاره فأما الوجه الثاني فإن كان العقد المنفسخ عن غير معاوضة صارت العين أمانة كالوديعة فيجوز التصرف فيها قبل القبض وإن كان عقد معاوضة فهو مضمون على الأشهر فيتوجه أن لا يمنع كالعواري والغصوب لو حجر الحاكم على المفلس ثم عين لكل غريم عينا من المال بحقه ملكه بمجرد التعين ذكره القاضي في الزكاة من المجرد فعلى هذا يتوجه أن يجوز له التصرف فيه قبل القبض تنبيه ما اشترط القبض لصحة عقد لا يصح التصرف فيه قبل القبض لعدم ثبوت الملك وقد صرح به في المحرر في الصرف ورأس مال السلم فأما إن قيل بالملك بالعقد فقد حكى في التلخيص في الصرف المتعين وجهين لأن انتفاء القبض هاهنا مؤثر في إبطال العقد فلا يصح ورود عقد آخر عليه قبل انبرامه والمنصوص عن أحمد في رواية ابن منصور المنع في الصرف والسلم والعقود القهرية كالأخذ بالشفعة يصح فيها قبل القبض ذكره أيضا في التلخيص النوع الثاني عقود يثبت بها الملك من غير عوض كالوصية والهبة والصدقة فأما الوصية فيجوز التصرف فيها بعد ثبوت الملك وقبل القبض باتفاق من الأصحاب فيما نعلمه وسواء كان الموصى به معينا أو مبهما وسواء قلنا له رد المبهم قبل القبض أو لا ولأن أكثر ما في جواز رده غير لازم من جهته وهذا لا يمنع صحة التصرف لأنها لازمة
____________________
(1/90)
من جهة الميت بموته فهو كالبيع المشترط فيه الخيار للمشتري وحده وأما الهبة التي تملك بالعقد بمجرده فيجوز التصرف فيها قبل القبض أيضا وقد نص أحمد عليه كما سنذكره لأن حق الواهب ينقطع عنها بمجرد انتقال ملكه وليست في ضمانه فلا محذور في التصرف فيها بوجه وأما الصدقة الواجبة والتطوع فالمذهب المنصوص أنها لا تملك بدون القبض كما سبق فلا كلام على هذا وعلى التخريج المذكور يملكها بدون القبض فينبغي أن يكون كالهبة وقد نص أحمد في رواية أبي الحارث وابن بختان في رجل عليه دين ويريد رجل يقبضه عنه من زكاته قال يدفعه إليه فقيل له هو محتاج ويخاف أن يدفعه إليه يأكله قال يقول له حتى يوكله فيقضيه عنه فقيل له هو محتاج ويخاف أن يدفعه إليه يأكله قال يقول له حتى يوكله فيقضيه عنه وهذا ظاهر في أنه ملك الزكاة بالتعيين والقبول وجاز تصرفه فيها بالوكالة قبل القبض وكذلك نقل حنبل في مسائله أن أحمد ذكر له قول أبي سلمة لا بأس إذا كان للرجل طعام أمر له به سلطان أو وهب له أن يبيعه قبل أن يقبضه والعبد مثل ذلك والدابة يبيعها قبل أن يقبضها قال أحمد لا بأس بذلك ما لم يكن للتجارة وقوله إذا لم يكن للتجارة لأن المنع من البيع إنما كان لدخوله في ربح ما لم يضمن وما ملكه بغير عوض فلا يتصور فيه ربح فأما لو نوى بتملكه التجارة فظاهر كلامه المنع لأنه جعله من الأموال المعدة للربح فامتنع بيعه قبل القبض هذا الكلام في العقود فأما الملك بغير عقد كالميراث والغنيمة والاستحقاق من أموال الوقف أو الفيء للمتناولين منه كالمرتزقة في ديوان الجند وأهل الوقف المستحقين له فإذا ثبت لهم الملك وتعين مقداره جاز لهم التصرف فيه قبل القبض بغير خلاف أيضا لأن حقهم مستقر فيه ولا علاقة لأحد معهم ويد من هو في يده بمنزلة يد المودع ونحوه الأمناء وأما قبل ثبوت الملك فله حالتان إحداهما أن لا يوجد سببه فلا يجوز التصرف فيه بغير إشكال كتصرف الوارث قبل موت مورثه والغانم قبل انقضاء الحرب ومن لا رسم له في ديون العطاء في الرزق والثانية بعد وجود السبب وقبل الاستقرار كتصرف الغانم قبل القسمة على قولنا إنهم يملكون الغنيمة بالحيازة وهو المذهب الصحيح والمرتزقة قبل حلول العطاء ونحوه فقال ابن أبي موسى لا يجوز بيع العطاء قبل قبضه ولا بيع الصك بعين ولا ورق قولا واحدا وإن باعه بعروض جاز في إحدى الروايتين إذا قبض العروض قبل أن يتفرقا ومنع منه في الأخرى ولا يجوز بيع المغانم قبل أن تقسم ولا الصدقات قبل أن تقبض انتهى
____________________
(1/91)
فهذه أربع مسائل إحداها بيع العطاء قبل قبضه وهو رزق بيت المال وقد نص أحمد على كراهته في رواية أبي طالب وابن منصور وبكر بن محمد وقال هو شيء مغيب لا يدرى أيصل إليه أم لا أو ما هو وقال مرة لا يدرى يخرج أو لا وقال في رواية أبي طالب في بيع الزيادة في العطاء قال ابن عباس ما يدريه ما يخرج ومتى يخرج لا يشتريه وكرهه وربما سمى هذا أيضا بيع الصكاك ونقل حرب عن أحمد في بيع الزيادة في العطاء لا بأس به بعرض قلت وما تفسيره قال هو الرجل يزاد في عطائه عشرة دنانير فيشتريها بعرض قال وسألته عن بيع الصك بعرض قال لا بأس به وروى حرب بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه كان يكره بيع الزيادة في العطاء إلا بعرض وهذه رواية ثانية بالجواز قال القاضي وابن عقيل هذه الرواية فيما إذا بلغ بعد حلول العطاء لأنه وقت الاستحقاق فهو حينئذ دين ثابت فيجوز بيعه على طريقتهما لا يجوز بيعه من غير الغريم فرجعا وتأولا الرواية على أنه اشترى ذلك العرض بثمن مؤجل إلى وقت قبض العطاء وكان وقتهما عندهما معلوما أو أنه أحال بثمن العرض على حقه من العطاء ولا يخفى فساد هذا التأويل لمن تأمل كلام أحمد وقد يكون مراد ابن أبي موسى ببيع العطاء قبل قبضه قبل استحقاق قبضه فأما إذا استحق فهو داخل في بيع الصكاك المسألة الثانية بيع الصكاك قبل قبضها وهي الديون الثابتة على الناس وتسمى صكاكا لأنها تكتب في صكاك وهي ما يكتب فيه من الرق ونحوه فيباع ما في الصك فإن كان الدين نقدا وبيع بنقد لم يجز بلا خلاف لأنه صرف بنسيئة وإن بيع بعرض وقبضه في المجلس ففيه روايتان إحداهما لا يجوز قال أحمد في رواية ابن منصور في بيع الصك هو غرر ونقل أبو طالب عنه أنه كرهه وقال الصك لا يدرى أيخرج أو لا وهذا يدل على أن مراده الصك من عطاء الديوان والثانية الجواز نص عليهما في رواية حرب وحنبل ومحمد بن الحكم وفرق بينه وبين العطاء وقال الصك إنما يحتال على رجل وهو يقر بدين عليه والعطاء إنما هو شيء مغيب لا يدري أيصل إليه أم لا وكذلك نقل حنبل عنه في الرجل يشتري الصك على الرجل بالدين قال لا بأس به بالعرض إذا خرج ولا يبيعه حتى يقبضه يعني مشتريه وهذا يدل على أنه لم يجعله من ضمان مشتريه بمجرد القبض ولا أباح له التصرف فيه لأنه بمنزلة
____________________
(1/92)
المنافع والثمر في شجره حاصل هذا يرجع إلى جواز بيع الدين من غير الغريم وقد نص على جوازه كما ترى المسألة الثالثة بيع المغانم قبل أن تقسم ونص أحمد على كراهته في رواية حرب وغيره وعلله في رواية صالح وابن منصور بأنه لا يدري ما يصيبه بمعنى أنه مجهول القدر والعين وإن كان ملكه ثابتا عليه لكن الإمام له أن يخص كل واحد بعين من الأعيان بخلاف قسمة الميراث وصح عن أبي الزبير قال جابر أكره بيع الخمس من قبل أن يقسم وروى محمد بن إبراهيم الباهلي عن محمد بن زيد يعني العبدي عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تشتروا الصدقات حتى تقبض والمغانم حتى تقسم أخرجه الإمام أحمد وابن شهر وإسحاق بن راهويه والبزار في مسنديهما ومحمد بن زيد صالح لا بأس به والباهلي بصري مجهول وشهر حاله مشهور وفي سنن أبي داود من حديث رويفع بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنما حتى يقسم وفي الحديث طول أخرج الترمذي بعضه وحسنه وخرج النسائي من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المغانم حتى تقسم وخرجه أحمد وأبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المغانم حتى تقسم مرسل وهذا في حق آحاد الجيش منهي عنه سواء باعه قبل القبض أو بعده لأنه قبل القبض مجهول وبعده تعد وغلول فإنه لا يستبد بالقسمة دون الإمام وأما الإمام فإذا رأى المصلحة في بيع شيء من الغنيمة وقسم ثمنه فله ذلك المسألة الرابعة بيع الصدقات قبل أن تقبض ومأخذه أن الصدقة لا تملك بدون القبض وفي مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن غير واحد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع الصدقة حتى تعتقل وتوسم وعن يحيى بن العلاء البجلي عن خثعم بن عبد الله عن محمد بن زيد عن شهر بن حوشب قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصدقات حتى تقبض وهذا المرسل أشبه من المسند السابق فأما على القول بملكها بمجرد القبول إذا تعينت من غير قبض فقد مر نص أحمد بجواز التوكيل فيها وهو نوع تصرف فقياسه سائر الصدقات وتكون حينئذ كالهبة المملوكة بالعقد وأما إذا عينها المالك من ماله وأفردها فلا يصير بذلك صدقة ولا يخرج عن
____________________
(1/93)
ملكه بدون قبض المستحق أو قبوله وقد نص أحمد على أنها إذا تلفت بعد تعينها لم تبرأ ذمته من الزكاة وأما إن كانت صدقة تطوع فاستحب إمضاءها وكره الرجوع فيها ونقل عنه ما يدل على خروجها عن ملكه بمجرد التعيين ونقل عبد الله عنه أنه قال كل شيء جعله الرجل لله يمضيه ولا يرجع في ماله وذلك أنه قد خرج من ملكه فليس هو له من صدقة أو معروف أو صلة رحم وإن كان قليلا أمضاه ونقل عنه جيش بن سندي في رجل دفع إلى رجل دراهم فقال له تصدق بهذه الدراهم ثم إن الدافع جاء فقال رد إلي الدراهم ما يصنع المدفوع يردها عليه قال لا يردها عليه يمضيها فيما أمره به ونقل جعفر بن محمد معناه وحمل القاضي ذلك على الاستحباب وقال ابن عقيل لا أعلم للاستحباب وجها وهو كما قال وإنما يتخرج على أن الصدقة تتعين بالتعيين كما يقول في الهدي والأضحية أنه يتعين بالقول بلا خلاف وفي تعيينه بالنية وجهان فإذا قال هذه صدقة تعينت وصارت في حكم المنذورة وصرح به الأصحاب لكن هل ذلك إنشاء للنذر أو إقرار فيه خلاف بين الأصحاب وإذا عين بنيته أن يجعلها صدقة وعزلها عن ماله فهو كما اشترى شاة ينوي التضحية بها ولا يلزم من ذلك سقوط الزكاة عنه بتلفها قبل قبض المستحق أو الإمام لأنا إن قلنا الزكاة في الذمة فهو كما لو عين عن الهدي واجب في الذمة هديا فعطب فإنه يلزمه إبداله وإن قلنا في العين فلا يبرأ منها لفوات قبض المستحق أو من يقوم مقامه وإيصاله أيضا واجب عليه فلا يبرأ بدونه ولا يكتفى فيه بالتمييز ولو حصل التمكين من القبض من فعل الدفع واجب عليه فكيف إذا لم يحصل التمكين والله أعلم القاعدة الثالثة والخمسون من تصرف في عين تعلق بها حق لله تعالى أو لآدمي معين إن كان الحق مستقرا فيها بمطالبة من له الحق بحقه أو يأخذه بحقه لم ينفذ التصرف ولم يوجد سوى تعلق الحق لاستيفائه منها صح التصرف على ظاهر المذهب وقياس قول أبي بكر لا يصح حيث قال لا يصح وقف الشفيع ولا رهن الجاني وكلامه في الشافي يدل على أن التصرف فيما وجبت فيه الزكاة لا يصح في قدرها وكذلك اختار أبو الخطاب في الانتصار أنه لا يصح التصرف في الجاني بالبيع لتعلق الحق بعينه فإن فداه السيد كان افتكاكا وسقط الحق المتعلق به كما لو وفى دين الرهن والمذهب الأول وهو الفرق بين أن يثبت استحقاق يتعلق بالعين وبين أن يترتب
____________________
(1/94)
على الثبوت مقتضاه بالأخذ بالحق أو بالمطالبة به فالأول ملك أن يتملك والثاني يملك أو طالب بحقه الذي لا يمكن دفعه عنه وهو شبيه بالفرق بين المفلس قبل الحجر عليه وبعده فالفلس مقتض للحجر والمنع من التصرف ولا يثبت ذلك إلا بالمطالبة والحكم ويتخرج على هذه القاعدة مسائل كثيرة منها التصرف في المرهون ببيع أو غيره مما لا سراية له لا يصح لأن المرتهن أخذ بحقه في الرهن من التوثيق والحبس وقبضه وحكم له به فهو بالنسبة إلى الرهن كغرماء المفلس المحجور عليه فأما العتق فإنما نفذ لقوته وسرايته كما نفذ حج المرأة والعبد بدون إذن السيد والزوج حتى أنهما لا يملكان تحليلهما على إحدى الروايتين كقوة الإحرام ولزومه ولهذا ينعقد مع فساده ويلزم إتمامه ومنها الشفيع إذا طالب بالشفعة لا يصح تصرف المشتري بعد طلبه لأن حقه تقرر وثبت وقبل المطالبة إنما كان له أن يتملك والمطالبة إما تملك على رأي القاضي وإما مؤذنة بالتملك ومانعة للمشتري من التصرف إذ تصرف المشتري إنما كان نافذا لترك الشفيع الاحتجار عليه والأخذ بحقه وقد زال فإن نهى الشفيع المشتري عن التصرف ولم يطالب بها لم يصر المشتري ممنوعا بل تسقط الشفعة على قولنا هي على الفور ذكره القاضي في خلافه ومنها إذا حل الدين على الغريم وأراد السفر فإن منعه غريمه من ذلك لم يجز له السفر وإن فعله كان عاصيا به لأنه حبسه وله ولاية حبسه لاستيفاء حقه كالمرتهن في الرهن وإن لم يمنعه فهل له الإقدام على السفر ذكر ابن عقيل فيه وجهين أحدهما يجوز لأن الحبس عقوبة لا يتوجه بدون الطلب والالتزام والثاني لا لأنه يمنع بسفره حقا واجبا عليه لثبوت الحبس في حقه بل لما يلزم في سفره من تأخير الحق الواجب عليه ومنها المفلس إذا طلب البائع منه سلعته التي يرجع بها قبل الحجر لم ينفذ تصرفه نص عليه قال إسماعيل بن سعيد سألت أحمد عن المفلس هل يجوز فعله فيما اشترى قبل أن يطالب البائع منه بما بايع المشتري عليه فقال إن أحدث فيه المشتري عتقا أو بيعا أو هبة فهو جائز ما لم يطالب البائع وذلك أن الحديث قال هو أحق به فلا يكون أحق به إلا بالطلب فلعله أن لا يطالبه قلت أرأيت إن طلبه فلم يدفعه إليه قال فلا يجوز
____________________
(1/95)
بيعه ولا هبته ولا صدقته بعد الطلب ونقل عنه إسماعيل أيضا كلاما يدل على أن مطالبة البائع تثبت إما بتفليس الحاكم أو باشتهار فلسه بين الناس وكذلك نقل عنه محمد بن موسى الزبداني أن اشتهار فلسه بظهور أماراته يمنع نفوذ تصرفاته مطلقا ومنها لو وجد مضطرا وعنده طعام فاضل فبادر فباعه أو رهنه هل يصح قال أبو الخطاب في الانتصار في الرهن يصح ويستحق أخذه من يد المرتهن والبائع مثله لم يفرق بين ما قبل الطلب وبعده والأظهر أنه لا يصح البيع بعد الطلب لوجوب الدفع بل ولو قيل لا يصح بيعه مطلقا مع علمه باضطراره لم يبعد لأن بذله له واجب بالثمن فهو كما لو طالب الشفيع بالشفعة وأولى لأن هذا يجب بذله ابتداء لإحياء النفس وقد يفرق بأن الشفيع حقه متعين في عين الشقص وهذا حقه في سد الرمق ولهذا كان إطعامه فرضا على الكفاية فإذا نقله إلى غيره تعلق الحق بذلك الغير ووجب البدل عليه وأما ما تعلق به حق مجرد فيندرج تحته مسائل متعددة منها بيع النصاب بعد الحول فإنه يصح نص عليه لأن الوجوب إن كان متعلقا بالذمة وحدها فلا إشكال وإن كان في العين وحدها فليس بمعنى الشركة ولا بمعنى انحصار الحق فيها ولا تجوز المطالبة بالإخراج منها عينا مع وجود غيرها فلا يتوجه انحصار الاستحقاق فيها بحال ومنها بيع الجاني يصح في المنصوص وهو قول أكثر الأصحاب وسواء طالب المجني عليه بحقه أم لا لأن حقه ليس في ملك العبد ولو كان كذلك لملكه ابتداء وإنما وجب له أرش جنايته ولم نجد محلا يتعلق به الوجوب سوى رقبة العبد الجاني فانحصر الحق فيها بمعنى الاستيفاء منها فإن رضي المالك ببذله جاز وإلا فإنما له أقل الأمرين من قيمة الجاني أو أرش جنايته فإنهما بدل لزم قبوله والمطالبة منه إنما تتوجه بحقه وحقه هو أرش الجناية لا ملك رقبة العبد على الصحيح فلا يتوجه المنع من التصرف فيه لأن تسليمه إليه لم يتعين ومنها من ملك عبدا من الغنيمة ثم ظهر سيده وقلنا حقه ثابت فيه بالقيمة فباعه المغتنم قبل أخذ سيده صح ويملك السيد انتزاعه من الثاني وكذلك لو رهنه صح ويملك السيد انتزاعه من المرتهن ذكره أبو الخطاب في الانتصار ولم يفرق بين أن يطالب بأخذه أو لا والأظهر أن المطالبة تمنع التصرف كالشفعة ومنها تصرف الورثة في التركة المعلق بها حق الغرماء وفي صحته وجهان أصحهما
____________________
(1/96)
الصحة وعلى المنع ينفذ بالعتق كالرهن واختار ابن عقيل في نظرياته أنه لا ينفذ إلا مع يسارهم لأن تصرفهم تبع لتصرف المورث في مرضه وهذا متوجه على قولنا إن حق الغرماء تعلق بالتركة في المرض ومنها تصرف الزوجة في نصف الصداق بعد الطلاق إذا قلنا لم يدخل في ملك الزوج قهرا قال صاحب الترغيب يحتمل وجهين لتردده بين خيار البيع وبين خيار الواهب ومنها تصرف من وهبه المريض ماله كله في مرضه قبل موته فيجوز وينفذ حتى لو كان أمة كان له وطؤها ذكره القاضي وحده في خلافه واستبعده الشيخ تقي الدين لأنه يتوقف على إجازة الورثة فكيف يجوز قبلها وقد يقال هو في الظاهر ملكه بالقبض وموت الواهب وانتقال الحق إلى الورثة مظنون فلا يمنع التصرف وأما تصرف المشتري في مدة الخيار له وللبائع فالمنصوص عن أحمد أنه موقوف على إمضاء البيع وكذلك ذكره أبو بكر في التنبيه وهو ظاهر كلام القاضي في خلافه لأنه تصرف في خالص ملكه ولم يتعلق به سوى حق البائع في الفسخ وقد زال فأشبه تصرف الابن فيما وهبه له الأب غير أن تصرف الابن لا يقف على إمضاء الأب لأن حق الأب في الفسخ يسقط بانتقال الملك ولأن تسلط الأب على الرجوع لم يكن لبقاء أثر ملكه بل هو حق ثابت بالشرع مع ثبوت ملك الولد واستقراره فلا يمنع التصرف وطرد هذا في كل من تصرف في ملكه وقد تعلق به حق غيره لا يبطل من أصله كتصرف المريض فيما زاد على ثلث ماله فإنه يقف على إمضاء الورثة وعتق المكاتب لرقيقه يقف على تمام ملكه ذكره أبو بكر في الخلاف وكذا ذكره أبو الخطاب في الانتصار في مسألة إجازة الورثة أن تصرف الراهن يصح ويقف على إجازة المرتهن وذكر الشيخ مجد الدين أن هذا قول من يقول بوقف تصرف الفضولي وذكر أبو الخطاب أيضا أن تصرف المشتري في الشقص المشفوع يقف على إجازة الشفيع القاعدة الرابعة والخمسون من ثبت له حق في عين وسقط بتصرف غيره فيها فهل يجوز للمتصرف فيها الإقدام على التصرف المسقط لحق غيره قبل استئذانه أم لا هذا على ثلاثة أقسام أحدها أن يكون الحق الذي يسقط بالتصرف قد أخذ به صاحبه وتملكه والثاني أن يكون قد طالب به صريحا أو إيماء
____________________
(1/97)
والثالث أن يثبت له الحق شرعا ولم يأخذ به ولم يطالب به فأما الأول فلا يجوز إسقاط حقه ولو ضمنه بالبدل كعتق العبد المرهون إذا قلنا بنفوذه على المذهب المشهور فإنه يجوز ذكره غير واحد من الأصحاب منهم القاضي وابن عقيل وصاحب الكافي مع أن عتقه يوجب ضمان قيمته يكون رهنا لأن فيه إسقاطا لحقه القائم في العين بغير رضاه وكذلك إخراج الرهن بالاستيلاد محرم ولأجله منعنا أصل الوطء وكذلك ينبغي أن يكون عتق المفلس المحجور عليه إذا نفذناه لأن غرماءه قد قطعوا تصرفه فيه بالحجر وتملكوا المال وقد ذكره ابن عقيل أيضا في تبذيره قبل الحجر وذكر القاضي في خلافه أن ظاهر كلام أحمد جواز عتق الراهن كاقتصاصه من أحد عبيده المرهونين إذا قتله الآخر ولم يذكر لذلك نصا ولعله أخذه من قوله بنفوذ العتق ولا يدل وأما اقتصاص الراهن من العبد المرهون أو من قاتله وقد صرح القاضي وابن عقيل بأنه يجوز لأن فيه تفويتا لحق المرتهن من غير الرهن أو قيمته الواجبة له وواجبا على الراهن قيمته تكون رهنا وصرحا أيضا ههنا بأن العتق ههنا لا يجوز وإنما ذكرا جوازه في مسألة العتق وظاهر كلام أحمد جواز القصاص فيكون الفرق بين القصاص والعتق أن وجوب القصاص تعلق بالعبد تعلقا يقدم به على حق المرتهن بدليل أن حق الجاني مقدم على المرتهن لانحصار حقه فيه بخلاف المرتهن وهذا مفقود في العتق وأما الثاني فلا يجوز أيضا ومنه خيار البائع المشترط في العقد لا يجوز للمشتري إسقاطه بالتصرف في المبيع وإن قلنا إن الملك له فإن اشتراطه الخيار في العقد تعريض بالمطالبة بالفسخ وأما الثالث ففيه خلاف والصحيح أنه لا يجوز أيضا ولهذا لا يجوز إسقاط خياره الثابت في المجلس بالعتق ولا غيره كما لو اشترطه ويندرج في صور الخلاف مسائل منها مفارقة أحد المتبايعين الآخر في المجلس بغير إذنه خشية أن يفسخ الآخر وفيه روايتان إحداهما يجوز لفعل ابن عمر
____________________
(1/98)
والثانية لا يجوز لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله وهو صريح في التحريم وهو اختيار أبي بكر وصاحب المغني ومنها تصرف المشتري في الشقص المشفوع بالوقف قبل الطلب ينبغي أن يخرج على الخلاف في التي قبلها وصرح القاضي بجوازه وظاهر كلامه في مسألة التحيل على إسقاط الشفعة تحريمه وهو الأظهر ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الشريك حتى يعرض على شريكه ليأخذ أو يذر مع أن حقه من الأخذ لا يسقط بذلك فأولى أن ينهى عما يسقط حقه بالكلية ومنها وطء العبد زوجته الأمة إذا عتقت ولم تعلم بالعتق ليسقط اختيارها للفسخ الأظهر تخريجه على الخلاف وقال الشيخ مجد الدين في تعليقه على الهداية قياس مذهبنا جوازه وفيما قاله نظر ومنها تصرف الزوجة في نصف الصداق إذا طلق الزوج قبل الدخول وقلنا لم يملكه مهرا فإنه لا يجوز صرح به في المحرر فأما تصرف أحد المتبايعين فيما بيده من العوض إذا استحق الآخر رد ما بيده بعيب أو خلف في صفة فيجوز ذكره القاضي في خلافه لأن تصرفه لا يمنع حق الآخر من رد ما بيده فإذا رده استحق الرجوع بالعوض الذي بدله إن كان باقيا وإلا رجع ببدله وقياس هذا أن للبائع التصرف في الثمن في مدة الخيار وظاهر كلام أحمد في رواية الأثرم أن للبائع التصرف في الثمن في مدة الخيار إلا أن يتخذ حيلة على أن يقرض غيره مالا ويأخذ منه ما ينتفع به صورة البيع ويشترط الخيار ليرجع فيه وإن كان على غير وجه الحيلة فيجوز ولم يمنعه من التصرف في الثمن القاعدة الخامسة والخمسون من ثبت له حق التملك بفسخ أو عقد هل يكون تصرفه فسخا أم لا وهل ينفذ تصرفه أم لا المذهب المشهور أنه لا يكون تملكا ولا ينفذ وفي بعض صورها خلاف ومن صور المسألة البائع بشرط الخيار إذا تصرف في المبيع لم يكن تصرفه فسخا ولم ينفذ نص عليه وقال في رواية ابن القاسم لا يجوز عتق البائع لأنه غير مالك له في ذلك الوقت إنما له فيه خيار فإذا اختاره ثم أعتقه جاز فأما دون أن يرد البيع فلا واختلف الأصحاب في المسألة على طرق
____________________
(1/99)
أحدها لا يكون فسخا رواية واحدة وإنما ينفسخ بالقول وهي طريقة أبي بكر والقاضي في خلافه وصاحب المحرر وهي أصح وقد نص أحمد على أن بيعه ليس بفسخ في رواية إسماعيل بن سعيد ونص على أنه إذا وطئ فعليه الحد في رواية مهنا والطريقة الثانية أن المسألة على روايتين وهي طريقة القاضي في كتاب الروايتين وأبي الخطاب وابن عقيل وصاحب المغني ورجح أنه فسخ لأن ملك المشتري في مدة الخيار غير مستقر فينفسخ بمجرد تصرف البائع بخلاف بائع المفلس فإن ملك المفلس تام والطريقة الثالثة أن تصرفه فسخ بغير خلاف كما أن تصرف المشتري إمضاء وإبطال للخيار في المنصوص وهي طريقة القاضي في المجرد والحلواني في الكفاية وهي مخالفة للمنصوص ولا يصح اعتبار فسخ البائع بإمضاء المشتري لأن ملك المشتري قائم وملك البائع مفقود والطريقة الرابعة أن تصرفه بالوطء فسخ بلا خلاف لأنه اختيار بدليل وطء من أسلم على أكثر من أربع نسوة وبغيره وفيه الخلاف وهي طريقة صاحب الكافي وممن صرح بأن الوطء اختيار القاضي في المجرد وحكاه في الخلاف عن أبي بكر في التنبيه ولم أجده فيه ولا يصح إلحاق وطء البائع بوطء من أسلم على أكثر من أربع نسوة لأن ملكه قائم فلذلك كان الوطء اختيارا في حقه فهو كوطء المشتري ههنا والبائع بخلافه وقد نص أحمد على أن عليه الحد في رواية مهنا وأما نفوذ التصرف فهو ممنوع على الأقوال كلها صرح به الأكثرون من الأصحاب لأنه لم يتقدمه ملك اللهم إلا أن يتقدمه سبب يوجب الانفساخ كالسوم ونحوه وذكر الحلواني في التبصرة أنه لا ينفذ ويتخرج من قاعدة لنا سنذكرها إن شاء الله تعالى وهي أنه هل تكفي مقارنة شرط العقد في صحته ومنها إذا باع أمة بعبد ثم وجد بالعبد عيبا فله الفسخ واسترجاع الأمة وكذلك سائر السلع المعيبة إذا علم بها بعد العقد وليس له التصرف في عوضه الذي أداه لأن ملك الآخر عليه تام مستقر فلو أقدم وأعتق الأمة أو وطئها لم يكن ذلك فسخا ولم ينفذ عتقه ذكره القاضي في خلافه وذكر في المجرد وابن عقيل في الفصول احتمالا آخر أن وطأه يكون استرجاعا كما في وطء المطلقة الرجعية ومن أسلم على أكثر من أربع نسوة وهذا واه جدا فإن الملك عن الرجعية ومن أسلم عليهن لم يزل وهذا قد زال
____________________
(1/100)
ومنها لو باع أمة ثم أفلس المشتري قبل نقد الثمن والأمة موجودة بعينها فله استرجاعها بالقول بدون إذن الحاكم على أصح الوجهين حكاهما القاضي بناء على نقض حكم الحاكم بخلافه فيكون كالفسخ المجمع عليه فلا يحتاج إلى حاكم ولو أقدم على التصرف فيها ابتداء لم ينفذ ولم يكن استرجاعا وكذلك الوطء ذكره القاضي في الخلاف لتمام ملك المفلس وفي المجرد والفصول أن الوطء استرجاع وأن فيه احتمالا آخر بعدمه ويمكن تخريج هذا الخلاف في سائر التصرفات على طريقة من أثبت الخلاف في تصرف البائع في مدة الخيار لأن ملك المفلس غير تام بدليل منعه من التصرف في ماله لحق البائع فهو كالمشتري في مدة الخيار غير أن ضعف الملك ههنا طارئ وفي الذكر الخيار مبتدئ ولا أثر لذلك ومنها تصرف الشفيع في الشقص المشفوع قبل التملك هل يكون تملكا ويقوم ذلك مقام قوله أو تملكه أو مقام المطالبة عند من أثبت بها الملك أو مقام الأخذ باليد عند من أثبت الملك به يمكن على تخريجه على الخلاف في المسألة قبلها ولا سيما بعد المطالبة لأن حقه استقر وثبت وانقطع تصرف المشتري ومنها لو وهب الأب لولده شيئا وقبضه الولد ثم تصرف الأب فيه بعد القبض هل يكون تصرفه رجوعا المنصوص أن لا قال أحمد في رواية أبي طالب إذا وهب لابنه جارية وقبضها الابن لم يجز للأب عتقها حتى يرجع فيها وقال في رواية ابن هانئ هذه الجارية للابن وأعتق الأب ما ليس له وخرج أبو حفص البرمكي في كتاب حكم الوالدين في مال ولدهما رواية أخرى أن العتق صحيح ويكون رجوعا وسيأتي تخريج هذا الأصل إن شاء الله تعالى وفي التلخيص لا يكون وطؤه رجوعا وهل يكون بيعه وعتقه ونحوهما رجوعا على وجهين ولا ينفذ عليهما لأنه لم يلاق الملك مثانين وجه بنفوذه لاقتران الملك به كما سبق ومنها لو تصرف الوالد في مال ولده الذي يباح له تملكه قبل التملك لم ينفذ انتهى ولم يكن تملكا على المعروف من المذهب وأن تملكه لا يحصل بدون القبض الذي يراد التملك به وقد نص عليه أحمد في مواضع لأنه مباح فلم يتملك بدون قبضه كالاصطياد والاحتشاش ولم يخرجوا في تملكه بالقبول خلافا من الهبة ونحوها لأن الهبة عقد بين اثنين فيكتفى فيه بالقبول كعقود المعاوضة وههنا اكتسابه مال مباح من غير عقد فلا يكتفى
____________________
(1/101)
فيه بدون القبض والحيازة وما لم يجز فهو باق على ما كان عليه وخرج أبو حفص البرمكي رواية أخرى بصحة تصرفه بالعتق قبل القبض وأخذ ذلك مما رواه المروذي عنه أنه قال لو أن لابنه جارية فعتقها كان جائزا وفي رواية محمد بن الحكم يعتق الأب من مال الابن وهو ملك الابن حتى يعتق الأب أو يؤخذ وفي رواية الميموني أرى أن ماله يؤخذ منه ويعتق منه إلا أم ولد ابنه وفي توجيه هذه الرواية طريقان أحدهما أن رقيق الابن له فيه شبه ملك ولذلك نفذ استيلاؤه فينفذ عتقه كعتق أمه من المغنم لكن لا يضمن لأن الأب لا يطالب بما أتلفه من مال ولده والثاني أن يقال وقع الملك مقارنا للعتق فنفذ وهذا القدر من الملك يكتفى به في العتق كما لو قال لغيره اعتق عبدك عني وعلي ثمنه ففعل صح ووقع العتق والملك معا ونقل أبو طالب عن أحمد أنه قال بيع الأب وشراؤه على ابنه جائز لقول النبي صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك وظاهر هذه الرواية جواز الإقدام على التصرف في ماله ونفوذه وحصول التصرف به وفي التنبيه لأبي بكر بيع الأب على ابنه وعتقه وصدقته ووطء إمائه ما لم يكن الابن قد وطئ جائز ويجوز له بيع عبيده وإمائه وعتقهم ولهذا القول مأخذان أيضا أحدهما أن الملك يقترن بالتصرف فينفذ كما في نظيره والثاني أن هذا تملك قهري في مال معين فيكتفى فيه بالقول الدال على التملك كما ملك الهبة المعينة بمجرد القبول على رواية ولهذا حكى طائفة من الأصحاب في بيع المباحات النابتة والجارية في الأرض المملوكة قبل حيازتها روايتين ولم يذكروا خلافا في أنها عين مملوكة وممن سلك هذا المسلك صاحب المقنع في كتاب البيع وصاحب المحرر ووجه صحة البيع على هذا أنه مقدور على تسليمه وليس مملوكا لغيره فهو كالمملوك وهو قريب من بيع الصكاك قبل استحقاقها وقد تقدم الخلاف فيها وأما تصرف الأب في أمة ولده بالوطء قبل القبض فإن أحبلها صارت أم ولد له وإن لم يحبلها فإن قلنا لا يملك الأب مال ولده إلا بالقبض لم يملكها حتى يقبضها وإن قلنا يملك بمجرد التصرف صارت ملكا له بالوطء بمجرده ونقلت من خط القاضي وذكر أنه نقله من خط ابن شاقلا قال الشيخ يعني أبا بكر عبد
____________________
(1/102)
العزيز روى الأثرم أن المرأة إذا وطئها زوجها وانقضت العدة ثم تزوجت فإن أتت بولد لستة أشهر فتداعياه جميعا أرى القافة وقال إذا وطئ الرجل جارية ابنه وإن كان الابن قد وطئ فلا حد على الأب لأنها بنفس الوطء ملك له قال الشيخ في نفسي من مسألة الأثرم شيء انتهى فإن كان قوله إذا وطئ الرجل جارية ابنه إلى آخره من تمام رواية الأثرم فيكون ذلك منصوصا عن أحمد وإلا فهو من كلام أبي بكر وهو موافق لما ذكره في التنبيه كما حكيناه عنه وقوله وإن كان الابن قد وطئ يريد أن تملكها يثبت مع وطء الابن فأما ثبوت الاستيلاد ففيه خلاف في المذهب ونقل ابن منصور عن أحمد كلاما يدل بمفهومه على أنها لا تصير مستولدة له وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى والمرجح عند صاحب المغني أنها تصير مستولدة لأن التحريم لا ينافي الاستيلاد وكالأمة المشتركة ولكن بينهما فرق وهو أن هذه محرمة على التأبيد بخلاف المشتركة وقد نص أحمد على أن النسب لا يلحق بوطء الأمة المزوجة وإن كان زوجها صغيرا لا يولد لمثله في رواية حرب وابن بختان وذكره أبو بكر وابن أبي موسى فلمؤبدة التحريم أولى هذا كله ما لم يكن الابن قد استولدها فإن كان استولدها لم ينتقل الملك فيها باستيلاد غيره كما لا ينتقل بالعقود وذكر ابن عقيل في فنونه أنها تصير مستولدة لهما جميعا كما لو وطئ الشريكان أمتهما في طهر واحد وأتت بولد ألحقته القافة بهما لكن في مسألة القافة حكم باستيلادهما لها دفعة واحدة وفي مسألتنا قد ثبت استيلاد الابن أولا لها فلا ينتقل إلى غيره إلا أن يقال أم الولد تملك بالقهر على رواية والاستيلاد سبب قهري ومنها تصرف السيد في مال عبده الذي ملكه إياه وقلنا يملكه ظاهر كلام أحمد أنه ينفذ ويكون استرجاعا لتضمنه إياه وذكر القاضي في الجامع الكبير أنه يحتمل حمله على أنه سبق رجوعه التصرف لينفذ ومنها تصرف الموصى له بالوصية بعد الموت هل يقوم مقام القبول الأظهر قيامه مقامه لأن سبب الملك قد استقر له التيابين لا يمكن إبطاله وقد كمل بالموت على أحد الوجوه وهو منصوص عن أحمد ومثله الوقف على معين إذا قيل باشتراط قبوله فأما العقود التي تملك له موجبها الرجوع فيها قبل القبول فهل يقوم التصرف فيها مقام
____________________
(1/103)
القبول فيه تردد يلتفت إلى انعقاد العقود بالمعاطاة فأما الوكالة فيصح قبولها بالفعل صرح به الأصحاب لأنها إذن مجرد وأمر بالتصرف فيصح امتثاله بالفعل وهل يساويها في ذلك سائر العقود الجائزة كالشركة والمضاربة والمساقاة ظاهر كلام التلخيص أو صريحه المساواة وحكى القاضي في الأحكام السلطانية في صحة قبول القاضي القضاء بشروعه في النظر احتمالين وجعل مأخذهما هل يجري الفعل مجرى النطق لدلالته عليه ويحسن بناؤهما على أن ولاية القضاء عقد جائز أو لازم ومنها المطلقة الرجعية هل تحصل رجعتها بالوطء على الروايتين مأخذهما عند أبي الخطاب الخلاف في وطئها هل هو مباح أو محرم والصحيح بناؤه على اعتبار الإشهاد للرجعية وعدمه وهو البناء المنصوص عن الإمام ولا عبرة بحل الوطء ولا عدمه فلو وطئها في الحيض أو غيره كانت رجعة وهل يشترط غيره أن ينوي بالوطء الرجعة أم لا نقل ابن منصور عن أحمد اعتباره وهو اختيار ابن أبي موسى والمذهب عند القاضي ومن اتبعه خلاف ذلك ولكن الرجعية لم يزل النكاح عنها بالكلية وإنما حصل له تشعث لكن الرجعة يترتب عليها الاستباحة حقيقة في المدة الزائدة على العدة القاعدة السادسة والخمسون شروط العقود من أهلية العاقد أو المعقود له أو عليه إذا وجدت مقترنة بها ولم يتقدم عليها هل يكتفى بها في صحتها أم لا بد من سبقها المنصوص عن أحمد الاكتفاء بالمقارنة في الصحة وفيه وجه آخر لا بد من السبق وهو اختيار ابن حامد والقاضي في الجملة ويتخرج على ذلك مسائل قد ذكرنا عدة منها في القاعدة السابقة ومنها إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها فالمنصوص الصحة اكتفاء باقتران شروط النكاح وهو الحرية به كما دلت عليه السنة الصحيحة واختار ابن حامد والقاضي عدم الصحة فمنهم من جعل مأخذه انتفاء لفظ النكاح الصريح وهو ابن حامد ومنهم من جعل مأخذه انتفاء تقدم الشرط ومنها لو باعه شيئا بشرط أن يرهنه على ثمنه صح نص عليه وقال القاضي وابن حامد لا يصح لانتفاء الملك للرهن ولا تكفي المقارنة
____________________
(1/104)
ومنها لو كاتب عبده وباعه شيئا صفقة واحدة ففيه وجهان أحدهما أنه يصح وقيل إنه المنصوص وذكره القاضي وابن عقيل في النكاح وأبو الخطاب والأكثرون اكتفاء باقتران البيع وشرطه وهو كون المشتري مكاتبا يصح معاملته للسيد والوجه الثاني لا يصح قاله القاضي وابن عقيل في البيوع لأن الكتابة لم تسبق عقد البيع ومنها لو ادعى أنه وكيل لزيد وأن لزيد على فلان ألفا وأقام البينة بالوكالة والدين في حالة واحدة فهل يقبل ويدفع إليه المال أم لا بد من تقدم ثبوت الوكالة على ثبوت الدين قال القاضي في خلافه يحتمل وجهين والأشبه اعتبار تقدم الوكالة لأنه ما لم نثبت وكالته لا يجب الدفع إليه واستشهد للقبول بما لو شهد أنه ابتاع من فلان دارا وهو مالك لها بأنه يصح شهادتهما بالبيع والملك في حالة واحدة ومنها لو قال إذا تزوجت فلانة فقد وكلتك في طلاقها ففي التلخيص قياس المذهب صحته ويتخرج وجه آخر أنه لا يصح لاقتران الوكالة وشرطها إذ شرطها أن يكون الموكل مالكا لما وكل فيه وملك الطلاق يترتب على ثبوت النكاح فيقارن الوكالة ومنها لو وجدت الكفاءة في النكاح حال العقد بأن يقول سيد العبد بعد إيجاب النكاح قبلت له هذا النكاح وأعتقته فقال الشيخ تقي الدين قياس المذهب صحته قال ويتخرج فيه وجه آخر يمنعها فأما اقتران الحكم مع شرطه في غير عقد هل يثبت به الحكم أم لا يتخرج عليه مسائل منها صحة الوصية لمن تثبت أهلية ملكه بالموت كأم الولد ومدبره فإن السبب المستحق به هو الإيصاء وشرط الاستحقاق هو الموت وعليه يترتب الاستحقاق وقد اقترن به وجود أهلية المستحق فيكفي في ثبوت الملك هذا إذا قلنا إن الوصية تملك بالموت من غير قبول وإن قلنا تتوقف على القبول وهو المشهور فإن القبول يتأخر عن أهلية الاستحقاق فيصح القبول حينئذ ولا يضر فوات أهليته عند الموت فإنه لو قال اعتقوا عني عبدي وأعطوه كذا لصحت هذه الوصية ومنها إذا وجدت الحرية عقيب موت المورث أو معه كما لو قال لعبده إن مات أبوك فأنت حر وكان أبوه حرا فمات أو دبر ابن عمه ثم مات فإنه لا يرثه ذكره القاضي وصاحب المغني وعلله بأن المانع لا يؤثر زواله حال الاستحقاق كما لا يؤثر
____________________
(1/105)
وجوده عندنا في إسلام الطفل بموت أبويه قال الشيخ تقي الدين ينبغي أن يخرج على الوجهين فيما إذا حدثت الأهلية مع الحكم هل يكتفى بها أم يشترط تقدمها فإن قلنا تكفي المقارنة ورث لأنه صار حرا ومالكا في حالة الرستفغني انتهى ولا يقال هذا يقتضي اقتران العلة ومعلولها وهو عندكم باطل لأنا نقول علة الإرث وسببه هو النسب وهو سابق على الموت وإنما الحرية شرط له ومنها عدة أم الولد إذا توفى سيدها هل هي عدة حرة أو أمة وأكثر الروايات عن أحمد أنها تعتد عدة أمة وقال لو اعتدت عدة حرة لورثت ثم توقف في ذلك وقال دخلني منه شيء وقال مرة تعتد عدة حرة اكتفاء بالحرية المقارنة لوجوب العدة ولزوم مقارنة العلة للمعلول هنا أظهر ولا يلزم لأن سبب العدة الاستفراش السابق والموت شرطها والحرية شرط للعدة بالأشهر ومن ههنا لم يلزم طرخال لأن سببه منتف بالكلية وهو النكاح والنسب والولاء القاعدة السابعة والخمسون إذا تقارن الحكم ووجود المنع منه فهل يثبت الحكم أم لا المذهب المشهور أنه لا يثبت وقال ابن حامد يثبت وإن تقارن الحكم بالدي المانع منه فهل يثبت الحكم معه فيه وجهان واختار القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول وصاحب المغني أنه لا يثبت واختار القاضي في خلافه وفي الجامع الكبير أنه يثبت وكذلك ابن عقيل في عمد الأدلة وأبو الخطاب فأما اقتران الحكم والمنع منه فيندرج تحته مسائل منها لو قال الزوج لامرأته أنت طالق مع انقضاء عدتك أو قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدين متعاقبين فإنها تطلق بالأول وتنقضي العدة بالثاني ولا تطلق به كما لا تطلق في قوله مع انقضاء عدتك هذا المذهب المشهور وعليه أبو بكر وأبو حفص والقاضي وأصحابه والخلاف فيه مع ابن حامد وحده وفي الفصول يشير إلى أن مأخذ ابن حامد في مسألة الولادة القول بتقارن العلة ومعلولها فيقع الطلاق في حال الولادة قبل البينونة ولا يصح لأن البينونة معلولة للولادة فلو اقترنت العلة ومعلولها لبانت مع الولادة أيضا ومنها لو قال أنت طالق بعد موتي لم تطلق بغير خلاف نعلمه ولو قال مع موتي أو موتك لم تطلق نص عليه في رواية مهنا لأن الموت سبب البينونة فلا يجامعها الطلاق ويلزم على قول ابن حامد الوقوع ههنا لأنه إذا وقع الطلاق مع الحكم بالبينونة
____________________
(1/106)
فإيقاعه مع سبب الحكم أولى ويلزم مثل ذلك القاضي ومن تابعه على الوقوع مع سبب الانفساخ لتأخر الانفساخ عنه ولم يلتزموا ذلك وادعوا ههنا المقارنة دون السبق ولا يصح ولعل المانع من إيقاع الطلاق مع الموت هو عدم الفائدة فيه بخلاف إيقاعه مع البينونة في الحياة فإنه يفيد التحريم أو نقص العدد ومنها لو قال زوج الأمة لها إن ملكتك فأنت طالق ثم ملكها لم تطلق قال الأصحاب وجها واحدا ولا يصح لأن ابن حامد يلزمه القول ههنا القول بالوقوع لاقترانه بالانفساخ ومنها لو أعتق الزوجان معا وقلنا لا خيار للمعتقة تحت الحر فهل يثبت لها الخيار ههنا على روايتين منصوصتين عن أحمد وقد اقترن هنا المقتضى وهو حريتها والمانع وهو حريته فحصل الحكم بثبوت الخيار مع المنع منه فإن قيل يشكل على ما ذكرتموه مسألتان منصوصتان عن الإمام أحمد إحداهما إذا قال لعبده إن بعتك فأنت حر ثم باعه فإنه يعتق على البائع من ماله نص عليه أحمد في رواية جماعة ولم ينقل عنه في ذلك خلاف فقد حكم بوقوع العتق مع وجود المانع منه وهو انتقال الملك وهذا يلزم منه صحة قول ابن حامد وطرده في إثبات الأحكام مع مقارنة المنع منها مثل أن يقول لغير المدخول بها إن طلقتك فأنت طالق ثم يطلقها فينبغي أن تطلق طلقتين وكذلك إن قال إن فسخت نكاحك لعيب أو نحوه فأنت طالق وكذلك إن قال إن خالعتك فأنت طالق المسألة الثانية إذا مات الذمي وله أطفال صغار حكم بإسلام الولد وورث منه نص عليه ولم يثبت عنه خلاف ذلك حتى أن من الأصحاب من أنكر القول بعدم توريثه وقال هو خلاف الإجماع ويلزم من توريثه إثبات الحكم المقترن بمانعه وهذا لا محيد عنه والجواب أما على قول ابن حامد فهذا متجه لا بعد فيه وأما على قول باركت الأصحاب فقد اختلفوا في تخريج كلام الإمام أحمد في مسألة العتق على طرق أحدها أنه مبني على قوله بأن الملك لم ينقل عن البائع في مدة الخيار فأما على قوله بالانتقال وهو الصحيح فلا يعتق وهذه طريقة أبي الخطاب في انتصاره وفيها ضعف فإن نصوص أحمد بالعتق هنا متكاثرة ورواية بقاء الملك للبائع آخ لم تكن صريحة عن أحمد بل مستنبطة من كلامه وإنما المنقول الصريح عنه انتقال الملك والطريق الثاني أن عتقه على البائع لثبوت الخيار له فلم تنقطع علقه عن المبيع بعد
____________________
(1/107)
وهي طريقة القاضي وابن عقيل وأبي الخطاب وأورد عليهم أن تصرف البائع بالعتق في مدة الخيار لا ينفذ على المنصوص فأجابوا بأن هذا العتق أنشأه في ملكه فلذلك نفذ في مدة الخيار بعد زوال ملكه فإن أحمد قال بنفوذ الوصية بعد الموت وقال في رواية ابن ماهان يعتق من مال البائع قيل لأنه خلف عن ملك قال نعم والطريق الثالث أنه يعتق على البائع عقيب إيجابه وقبل قبول المشتري وهي طريقة ابن أبي موسى والسامري وصاحبي المغني والتلخيص لأنه إنما علقه على بيعه وبيعه الصادر عنه هو الإيجاب فقط ولهذا يسمى بائعا والقابل مشتريا ويقال باع هذا واشترى هذا وإن كان العقد لا ينعقد بقبول المشتري لكن القبول شرط محض لانعقاد البيع وليس هو من ماهيته فإذا وجد القبول تبينا أنه عتق البائع قبله في ملكه قبل الانتقال وفي هذه الطريقة أيضا نظر فإن أحمد نص على نفوذه بعد زوال الملك ولأن البيع المطلق إنما يتناول المنعقد لا صورة البيع المجردة والطريق الرابع أنه يعتق على البائع في حالة انتقال الملك إلى المشتري حيث يترتب على الإيجاب القبول وانتقال الملك وثبوت العتق فيتدافعان وينفذ العتق لقوته وسرايته دون انتقال الملك وهي طريقة أبي الخطاب في رءوس المسائل ويشهد لها تشبيه أحمد بالمدبر والوصية ولا يقال في المدبر والوصية لا ينتقل إلى مال الورثة لتعلق حق غيرهم بها لأنها تمنع ذلك على أحد الوجهين ونقول بل ينتقل إليهم المال الموصى به وهو ظاهر تعليل أحمد في هذه المسألة فإنه قال في رواية الأثرم وقد قيل له كيف يعتق على البائع وإنما وجب العتق بعد البيع فقال لو وصى له بمائة درهم ومات يعطاها وإن كانت وجب له بعد الموت ولا ملك فهذا مثله ونقل عنه صالح نحو هذا المعنى أيضا وعلى هذه الطريقة فينفذ العتق مع قيام المانع له لقوته وسرايته ولا يلزم مثل ذلك في غيره من العقود والطريق الخامس أن يعتق بعد انعقاد البيع وصحته وانتقال الملك المبيع إلى المشتري ثم ينفسخ البيع بالعتق على البائع وصرح بذلك القاضي في خلافه وابن عقيل في عمده وصاحب المحرر وهو ظاهر كلام أحمد وتشبيهه بالوصية ووجه ذلك أن العتاق لقوته ونفوذه وسرايته إلى ملك الغير ينفذ وإن وجد أحد طرفيه في ملك والآخر في غير ملك فإذا عقده في غير ملك مضافا إلى وجود الملك صح الملك ونفذ في المذهب الصحيح المشهور فكذا إذا عقده في ملك على نفوذه في غير الملك فإنه ينفذ ولهذا نقول على إحدى الروايتين لو قال مملوكي فلان حر بعد موتي بسنة يعتق
____________________
(1/108)
كما قال وإن كان ذلك بعد زوال ملكه وانتقاله عنه ولا يقال لا ينتقل ملكه مع قيام الوصية لأن ذلك ممنوع على ظاهر كلام أحمد كما تقدم ولا يلزم مثل هذا في غير العتق من العقود لأنها لا تسري إلى ملك الغير ولا عهد نفوذها في غير ملك بحال وخرج صاحب المحرر في تعليقه على الهداية وجها فيما إذا علق طلاقها على خلعها فخالعها أنه يقع الطلاق المعلق كما يقع العتق بعد البيع اللازم فإن كان مراده أنه يقع مع الخلع فهي مسألة ابن حامد في الوقوع مع البينونة وإن أراد بعده فمشكل فإن الطلاق لم يعهد عندنا وقوعه في غير ملك وسلك الشيخ تقي الدين طريقة أخرى فقال إن كان المعلق للعتق قصده اليمين دون التبرر بعتقه أجزأه كفارة يمين لأنه إذا باعه خرج عن ملكه فبقي كنذره أن يعتق عبد غيره فيجزئه الكفارة وإن قصد به التقرب صار عتقه مستحقا كالنذر فلا يصح بيعه ويكون العتق معلقا على صورة البيع كما لو قال لما لا يحل بيعه إذا بعته فعلي عتق رقبة أو قال لأم ولده إن بعتك فأنت حرة وطرد قوله هذا في تعليق الطلاق على الفسخ والخلع فجعله معلقا على صورة الفسخ والخلع قال ولو قيل بانعقاد الفسخ والخلع المعلق عليه فلا يمنع وقوع الطلاق معه على رأي ابن حامد حيث أوقعه مع البينونة بانقضاء العدة فكذا بالفسخ والله أعلم وأما مسألة الميراث فلا ريب أن أحمد نص على توريث الطفل من أبيه الكافر والحكم بإسلامه بموته وخرجه من خرجه من الأصحاب كصاحب المغني على أن المانع لم يتقدم الحكم بالإرث وإنما قارنه وهذا يرجع إلى ثبوت الحكم مع مقارنة المانع له لأن الإسلام سبب المنع والمنع يترتب عليه والحكم بالتوريث سابق على المنع لاقترانه بسببه وأما اقتران الحكم والمانع فله صور منها توريث الطفل المحكوم بإسلامه بموت أحد أبويه الكافرين منه وقد ذكرت ومنها إذا قتلت أم الولد سيدها فإنه يلزمها أقل الأمرين من قيمتها أو الدية نص عليه قال الأصحاب سواء قلنا إن الدية تحدث على ملك الورثة ابتداء أو على ملك المورث أولا لأنا إن قلنا تحدث على ملك الورثة فقد اقترن الضمان بالحرية وإنما لم يجب الضمان هنا بالدية مطلقا اكتفاء بمقارنة الشرط للحكم على ما تقدم لأن الاعتبار هنا في الضمان بحالة الجناية وهي حينئذ رقيقة فلا يلزمها أكثر من ضمان جناية الرقيق ولا يمنع من ذلك مقارنة الحرية بحالة وجوب الضمان بناء على أن المانع إذا اقترن بالحكم لم يمنعه وإن قلنا إن الدية تحدث على ملك المقتول أولا فقد وجب له ذلك في آخر جزء من
____________________
(1/109)
حياته وهي إذ ذاك رقيقة فسبق وقت وجوب الضمان وقت الحرية وإنما وجب الضمان هنا للسيد وإن كان السيد لا يجب له الضمان على رقيقه لتعلق حق الورثة بماله في هذه الحالة فصار كالواجب لها ابتداء ولهذا كانوا هم المطالبين به والله أعلم ومنها إذا تزوج العادم للطول الخائف للعنت في عقد حرة وأمة فهل يصح نكاح الأمة مع الحرة على وجهين ومنها إذا قال المتزوج بأمة أبيه إذا مات أبي فأنت طالق ثم مات الأب فهل يقع الطلاق على وجهين أحدهما يقع وهو قول القاضي في الجامع والخلاف وابن عقيل في العمد واختيار أبي الخطاب لأن الموت يترتب عليه وقوع الطلاق والملك والملك سبب انفساخ النكاح فقد سبق نفوذ الطلاق وقوع الفسخ فنفذ والثاني لا يقع وهو قول القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول لأن الطلاق قارن المانع وهو الملك فلم ينفذ ومنها إذا تزوج أمة ثم قال لها إن اشتريتك فأنت طالق وفيه الوجهان إن قلنا ينتقل الملك مع الخيار وهو الصحيح وإن قلنا لا ينتقل وقع الطلاق وجها واحدا كذا ا ذكره أبو الخطاب وفي خلاف القاضي إذا حلف لا يبيع فباع بشرط الخيار هل يحنث أن ذلك مبني على نقل الملك وعدمه فقياس قوله إنه لا يقع الطلاق هنا في مدة الخيار إذا قلنا لا ينتقل الملك فيها وأنكر ذلك الشيخ مجد الدين وقال يحنث بكل حال لأن البيع قد وجد ومنها إذا قال لامرأته التي لم يدخل بها إن كلمتك فأنت طالق ثم أعاده فإنها تطلق بالإعادة لأنه كلام في المشهور عند الأصحاب وقال ابن عقيل في عمد الأدلة قياس المذهب عندي أنه لا يحنث بهذا الكلام لأنه من جنس اليمين الأولى ومؤكد لها وإنما المقصود أذاها وهجرها وإضرارها بترك كلامها وليس في هذه الإعادة ما ينافي ذلك فلا يحنث به وهذا أقوى والتفريع على المشهور فإذا وقع الطلاق بالإعادة ثانيا فهل ينعقد به يمين ثانية أم لا في المسألة وجهان أحدهما لا ينعقد وهو قول القاضي في الجامع والخلاف ومن اتبعه كالقاضي يعقوب وابن عقيل وهو قياس قول صاحب المغني وله مأخذان
____________________
(1/110)
أحدهما وهو مأخذ القاضي ومن اتبعه أن الكلام يحصل بالشروع في الإعادة قبل إتمامها فيقع الطلاق قبل إتمام الإعادة فلا ينعقد لأن تمام اليمين حصل بعد البينونة والثاني وهو الذي ذكره صاحب المغني في نظير هذه المسألة أن الطلاق وإن وقف وقوعه إلى ما بعد إنهاء الإعادة إلا أن الإعادة يترتب عليها البينونة فيقع انعقاد اليمين مع البينونة فيخرج على الخلاف في ثبوت الحكم مع المانع أو مع سببه والأصح عنده عدمه والوجه الثاني تنعقد اليمين وهو اختيار صاحب المحرر بناء على أن الطلاق يقف وقوعه على تمام الإعادة لأن الكلام المطلق إنما ينصرف إلى المقيد ولا تحصل الإفادة بدون ذكر جملة الشرط والجزاء فيقف الطلاق عليهما ويقع عقيبهما لأنهما شرط لوقوعه وأما اليمين فوجدت مع شرط الطلاق فسبقت وقوعه يوضحه أن اليمين هي اللفظ المجرد وهو المعلق عليه الطلاق فإذا قال إن كلمتك فأنت طالق فهو في معنى قوله إن حلفت يمينا بطلاقك على كلامك فأنت طالق فتبين أن وجود اليمين سابقة لوقوع الطلاق ومنها إذا قال لامرأتيه وإحداهما غير مدخول بها إن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان ثم قاله ثانيا فإنهما يطلقان طلقة طلقة على المذهب المشهور وانعقدت اليمين مرة ثانية في حق المدخول بها وأما في حق التي لم يدخل بها ففي انعقادها وجهان أحدهما أنها تنعقد وهو قول أبي الخطاب وصاحب المحرر ومقتضى ما ذكره القاضي وابن عقيل في المسألة التي قبلها لأن اليمين سبب البينونة ووجدت مع شرط الطلاق لا مع وقوع الطلاق والثاني لا ينعقد وهو اختيار صاحب المغني غير أنه وقع في النسخ خلل في تعليله ووجهه أن اليمين وإن وجدت مع شرط الطلاق لكن انعقادها مفارق لوقوع الطلاق فلم ينعقد لاقترانه بما يمنعه فإن أعاده ثالثا قبل أن يجدد نكاح البائن لم تطلق واحدة منهما على الوجهين لأن الحلف بطلاق البائن لا يمكن فإن عاد وتزوج البائن ثم حلف بطلاقها وحدها فعلى الوجه الثاني لا تطلق لأن اليمين الثانية لم تنعقد بحقها وتطلق الأخرى طلقة لوجود الحلف بطلاقها قبل نكاح الثانية والحلف بطلاق الثانية بعد نكاحها فكمل الشرط في حق الأولى وعلى الوجه الأول تطلق كل واحدة منهما طلقة طلقة لأن
____________________
(1/111)
الصفة الثانية منعقدة في حقهما جميعا كذا ذكره الأصحاب وأورد عليه أن طلاق كل واحدة منهما معلق بشرط الحلف بطلاقها مع طلاق الأخرى فكل واحد من الحلفين جزء علة لطلاق كل واحدة منهما فكما أنه لا بد من الحلف بطلاقها في زمن يكون فيه أهلا لوقوع الطلاق كذلك الحلف بطلاق ضرتها لأنه جزء علة لطلاق نفسها ومن تمام شرطه فكيف يقع بهذه التي جدد نكاحها الطلاق وإنما حلف بطلاق ضرتها وهي بائن وأجيب عنه بأن وجود الصفة كلها في النكاح لا حاجة إليه ويكفي وجود آخرها فيه فيقع الطلاق عقيبه وذكر صاحب المحرر في تعليقه على الهداية أن هذا هو المذهب سواء قلنا يكفي في الحنث وجود بعض الصفة أم لا نعم إن قلنا يكفي وجود بعضها وقد وجد حال البينونة انبنى على أن الخلاف في حل اليمين بالصفة الموجودة حال البينونة انتهى وعندي أن هذا قد يتخرج على خلاف المتأخرين في أن اليمين لا تنحل بوجود الصفة حال البينونة فإن قلنا إنها مستثناة من عموم كلامه بقرينة الحال فوجود بعضها حال البينونة لا عبرة له أيضا كوجود جميعها وإن قلنا إن اليمين لا تنحل بدون الحنث فيها اكتفي بوجود آخرها في النكاح لإمكان الحنث فيه على أن الاكتفاء بوجود بعض الصفة حال البينونة وبعضها في النكاح مع قولنا لا يكتفى بوجود بعض الصفة في الطلاق وقولنا إن الصفة الموجودة حال البينونة لا تنحل بها اليمين لا يخلو عن إشكال ونظر والله أعلم ومنها إذا اشترى مريض أباه بثمن لا يملك غيره وهو تسعة دنانير وقيمة الأب ستة فقد حصل منها عطيتان من عطايا المريض محاباة البائع بثلث المال وعتق الأب إذا قلنا إن عتقه من الثلث وفيه وجهان أحدهما وهو قول القاضي في المحرر وابن عقيل في الفصول يتحاصان لأن ملك المريض لأبيه مقارن لملك المشتري لثمنه وفي كل منهما عطية منجزة فتحاصا لتقارنهما والثاني أنه تنفذ المحاباة ولا يعتق الأب وهو اختيار صاحب المحرر لأن المحاباة سابقة لعتق الأب فإن ملك المشتري الثمن الذي وقعت المحاباة فيه وقع مقارنا لملك الأب وعتقه يترتب على ملكه ولم يقارنه فقد قارنت المحاباة شرط عتق الأب لا عتقه فنفذت كسبقها ومنها لو أصدقها مائة درهم ثم طلقها قبل الدخول على خمسين من المهر فهل تستحق جميع المهر أو ثلاثة أرباعه على وجهين
____________________
(1/112)
أحدهما تستحقه كله لأنه استحق عوضا عن الطلاق خمسين ورجع إليه بالطلاق قبل الدخول النصف الباقي والثاني تستحق ثلاثة أرباعه لأن الطلاق ينتصف به المهر ويصير مشاعا بين الزوجين فلا يستحق من الخمسين المخالع بها إلا نصفها فلا يسلم للزوج عوضا عن طلاقه إلا نصف الخمسين ويرجع إليه بالطلاق النصف ومن نصر الوجه الأول قال تنصف المهر يترتب على الخلع لا يفارقه فقد ملك الخمسين كلها قبل التنصيف لكن ملكه لها قارن سبب التنصيف وهو البينونة فهذا مأخذ الوجهين وللمسألة مأخذ آخر على تقدير التنصف قبل الملك وهو أن يخالعها لخمسين من المهر مع علمها بأن المهر ينتصف بالمخالعة هل يتنزل على خمسين مبهمة منه أو على الخمسين التي يستقر لها بالطلاق وفي المسألة وجهان وعليهما يتنزل الوجهان فيما إذا باع أحد الشريكين نصف السلعة المشتركة هل ينزل البيع على نصف مشاع وإنما له فيه نصفه وهو الربع أو على النصف الذي يخصه بملكه وكذلك في الوصية وغيرها واختيار القاضي أنه يتنزل على النصف الذي يخصه كله بخلاف ما إذا قال له أشركتك في نصفه وهو لا يملك سوى النصف فإنه يستحق منه الربع لأن الشركة تقتضي التساوي في الملكين بخلاف البيع والمنصوص عن أحمد في رواية ابن منصور أنه لا يصح بيع النصف حتى يقول نصيبي فإن أطلق تنزل على الربع ومنها إذا تزوج في مرض الموت بمهر يزيد على مهر المثل ففي المحاباة روايتان إحداهما أنها موقوفة على إجازة الورثة لأنها عطية الوارث والثانية تنفذ من الثلث نقلها المروذي والأثرم وصالح وابن منصور والفضل بن زياد ويحتمل أن يكون مأخذه أن الإرث المقارن للعطية لا يمنع نفوذها ويحتمل أن يقال إن الزوجة ملكها في حال ملك الزوج البضع وثبوت الإرث مترتب على ذلك وكذلك نص في رواية أبي طالب فيمن أقر لزوجته في مرضه بمهر يزيد على مهر المثل أن الزيادة تكون من الثلث ووجهه القاضي بما ذكرناه من الترتيب لأن الإقرار تبين به أن الاستحقاق كان بالعقد وهذا كله يرجع إلى أن العطية والوصية لمن يصير وارثا يعتبر من الثلث وهو خلاف المذهب المعروف لكن قد يفرق بين أن يكون الوارث نسيبا أو زوجا كما فرق القاضي في كتاب الوصايا من خلافه بينهما في مسألة الإقرار لأن النسب سبب إرثه قائم حال الوصية بخلاف أحد الزوجين وفيما ذكره القاضي في توجيه أبي
____________________
(1/113)
طالب نظر فإن أحمد لو اعتبر حالة العقد لما جعله من الثلث وإنما يتخرج من هذه الرواية رواية عنه بأن إقرار المريض لوارثه معتبر من الثلث والله أعلم القاعدة الثامنة والخمسون من تعلق به الامتناع من فعل هو متلبس به فبادر إلى الإقلاع عنه هل يكون إقلاعه فعلا للممنوع منه أو تركا له فلا يترتب عليه شيء من أحكامه هذا عدة أنواع أحدها ألا يتعلق به حكم الامتناع بالكلية إلا وهو متلبس به فلا يكون نزعه فعلا للممنوع منه فمن ذلك إذا حلف لا يلبس ثوبا وهو لابسه أو لا يركب دابة وهو راكبها أو لا يدخل دارا وهو فيها وقلنا إن الاستدامة كالابتداء في جميع هذه الأفعال فخلع الثوب ونزل عن الدابة وخرج من الدار في أول أوقات الإمكان فإنه لا يحنث لأن اليمين تقتضي الكف في المستقبل دون الماضي والحال فيتعلق الحكم بأول أوقات الإمكان ومنه ما إذا أحرم وعليه قميص فإنه ينزعه في الحال ولا فدية عليه لأن محظورات الإحرام إنما تترتب على المحرم لا على المحل ولا يقال إنه بإقدامه على إنشاء الإحرام وهو متلبس بمحظوراته منتسب إلى مصاحبة اللبس في الإحرام كما لا يقال مثل ذلك في الحالف والناذر فإنه كان يمكنه أن لا يحلف ولا ينذر حتى يترك التلبس بما يحلف عليه ومنه ما إذا فعل فعلا محرما جاهلا أو ناسيا ثم ذكر فإنه يجب عليه قطعه في الحال ولا يترتب عليه أحكام أنصاصا له النوع الثاني أن يمنعه الشارع من الفعل في وقت معين ويعلم بالمنع ولكن لا يستقر بوقت المنع حتى يتلبس بالفعل فيقلع عنه في الحال فاختلف أصحابنا في ذلك على وجهين أحدهما أنه لا يترتب عليه حكم الفعل المنهي عنه بل يكون إقلاعه تركا للفعل لأن ابتداءه كان مباحا حيث وقع قبل وقت التحريم وهو اختيار أبي حفص العكبري والثاني أنه يكون حكمه حكم الفاعل بتركه لإقدامه على الفعل مع علمه بتحريمه في وقته لا سيما مع قرب الوقت وهذا ظاهر المذهب من صور المسألة ما إذا جامع في ليل رمضان فأدركه الفجر وهو مجامع فنزع في الحال فالمذهب أنه يفطر بذلك وفي الكفارة روايتان واختار أبو حفص أنه لا يفطر ولا
____________________
(1/114)
خلاف في أنه لا يأثم إذا كان حال الابتداء متيقنا لبقاء الليل ويبني بعض الأصحاب المسألة على أصل آخر وهو أن النزع هل هو جزء من الجماع أو ليس من الجماع وحكى في المسألة روايتين واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يفطر تطوعا في هذه الحالة ولا بالأكل ولا بغيره بناء على أنه إنما يتعلق به حكم وجوب الإمساك عن المفطرات بعد العلم بطلوع الفجر فلا يكون الواقع منها في حالة الطلوع محرما ألبتة كما قلنا في محظورات الإحرام إنها إنما تثبت بعد التلبس به وقد روي عن أحمد ما يدل على ذلك فإنه قال إذا شك في طلوع الفجر فإنه يأكل حتى لا يشك أنه طلع وفي المسألة أحاديث وآثار كثيرة تدل على ذلك والله أعلم ومنها إذا وطئ امرأته فحاضت في أثناء الوطء فنزع هل يلزمه الكفارة إذا قلنا يلزم المعذور فمن الأصحاب من خرجها على النزع هل هو جماع أم ترك للجماع ومنهم من خرجها على مسألة الصوم والأظهر أنه إن كان يعلم بمقتضى العادة قرب وقت حيضها ثم وطئ وهو يخشى مفاجأة الحيض هو شبيه بمسألة الصوم وإلا فلا كفارة لأنه إنما تعلق به المنع بعد وجود الحيض وقد ترك الوطء حينئذ وكذلك ينبغي أن يقال في الوطء في ليل الصيام إنه إن ظن بقاء الليل وأنه في مهلة منه لم يفطر وإن خشي مفاجأة الفجر أفطر لأنه أقدم على مكروه أو محرم ابتداء النوع الثالث أن يعلم قبل الشروع في فعل أنه إذا شرع فيه ترتب عليه تحريمه وهو متلبس به فهل يباح له الإقدام على ذلك الفعل لأن التحريم لم يثبت حينئذ أم لا يباح لأنه يعلم أن إتمامه يقع حراما فيه لأصحابنا قولان ومثال ذلك أن يقول لزوجته إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا أو فأنت علي كظهر أمي ومثل أن يعلم أنه متى أولج في هذا الوقت طلع عليه الفجر وهو مولج فحكى الأصحاب في مسألة الطلاق والظهار روايتين بنوهما على أن النزع هل هو جماع أو ليس بجماع ورجح صاحب المغني التحريم في مسألة الطلاق والظهار على كلا القولين لأنه استمتاع بأجنبية وهو حرام ولو كان لمس بدنها لشهوة فلمس الفرج بالفرج أولى بخلاف الصائم فإنه لا يفطر بالوطء ويمكن منع كون النوع وطئا قال فإن قيل هذا إنما يحصل ضرورة ترك الوطء الحرام قلنا فإذا لم يكن الوطء إلا بفعل محرم ضرورة وهو ترك الحرام كما لو اختلط لحم الخنزير بلحم مباح لا يمكنه أكله إلا بأكل لحم الخنزير أو اشتبهت ميتة بمذكاة فإن الجميع محرم انتهى
____________________
(1/115)
وليس هذا مطابقا لمسألتنا فإن ابتداء الوطء هنا منفرد عن الحرام متميز عنه لم يشتبه بحرام أو لم يختلط به فإذا انضم إلى ذلك أن النزع ترك للحرام لم يبق ههنا حرام وأيضا فإن النزع ههنا مقارن البينونة فيمكن النزاع في تحريمه كما وقع النزاع في ترتب أحكام الزوجية معه وأما الإيلاج فمقارن لشرط البينونة فإن قيل إن المقارن للشرط كالمقارن للمشروط على ما سبق تقريره في القاعدة التي قبلها توجه تحريمه أيضا وإلا فلا وأيضا فمن يقول النزع جزء من الجماع وإن الجماع عبارة عن الإيلاج والنزع يلتزم أن الطلاق والظهار إنما يقعان بعد النزع لا قبله فلا يحصل في أجنبية ولا مظاهر منها ولا يقال يلزم على هذا أن لا يفطر الصائم بالإيلاج قبل غروب الشمس إذا نزع بعده لأن مفطرات الصائم لم تنحصر في الجماع وحده بل تحصل بأمور متعددة فيجوز أن يحصل بأحد جزأي الجماع كما يحصل بالإنزال بالمباشرة ونحوه بخلاف الأحكام المترتبة على مسمى الوطء فإنها لا تثبت إلا بعد تمام مسمى الوطء النوع الرابع أن يتعمد الشروع في فعل محرم عالما بتحريمه ثم يريد تركه والخروج منه وهو متلبس به فيشرع في التخلص منه بمباشرة أيضا كمن توسط دارا مغصوبة ثم تاب وندم وأخذ في الخروج منها أو طيب المحرم بدنه عامدا ثم تاب وشرع في غسله بيده قصدا لإزالته أو غصب عينا ثم ندم وشرع في حملها على رأسه إلى صاحبها وما أشبه ذلك والكلام ههنا مقامين أحدهما هل تصح التوبة في هذا الحال ويزول الإثم بمجردها أو لا يزول حتى ينفصل عن ملابسة الفعل بالكلية وفيه لأصحابنا وجهان أحدهما وهو قول ابن عقيل أن توبته صحيحة ويزول عنه الإثم بمجردها ويكون تخلصه من الفعل طاعة وإن كان ملابسا له لأنه مأمور به فلا يكون معصية ولا يقال من شرط التوبة الإقلاع ولم يوجد لأن هذا هو الإقلاع بعينه وأيضا فالإقلاع إنما يشترط مع القدرة عليه دون العجز كما لو تاب الغاصب وهو محبوس في الدار المغصوبة أو توسط جمعا من الجرحى الصحيح ثم تاب وقد علم أنه إن أقام قتل من هو عليه وإن انتقل قتل غيره لكن هذا من محل النزاع أيضا والوجه الثاني وهو قول أبي الخطاب أن حركات الغاصب ونحوه في جروحه ليست
____________________
(1/116)
طاعة ولا مأمورا بها بل هي معصية ولكنه يفعلها لدفع أكبر المعصيتين بأقلهما وأبو الخطاب وإن قال ليست طاعة هو يقول لا إثم فيها بل يقول بوجوبها وهو معنى الطاعة وخرج بعض الأصحاب الخلاف في هذه المسألة على جواز الخلاف في الإقدام على الوطء في مسائل النوع الثالث فإن قيل بجوازه لزم أن يكون الترك امتثالا من كل وجه فلا يكون معصية وإن قيل بتحريمه لزم تحريم الترك ههنا وقد يفرق بالتحريم ثم طار وهنا مستصحب من الابتداء فلا يلزم من الجواز ثم الجواز هنا ويلزم من التحريم هناك التحريم ههنا بطريق الأولى والمقام الثاني في الأحكام المترتبة على هذا الأصل وهي كثيرة فمنها غسل الطيب بيده للمحرم يجوز لأن ترك الطيب لا فعل له ذكره الأصحاب واستدلوا بحديث الذي أحرم وهو متضمخ بطيب فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسله عنه ولكن هذا كان جاهلا بالحكم فهو كمن تطيب بعد إحرامه ناسيا فإنه يغسله بغير خلاف وخص كثير من الأصحاب كالقاضي وغيره الحكم بالناسي وهو مشعر بأن العامد بخلافه وهو متخرج على الخلاف السابق في كونه معصية والصحيح التعميم لأن مباشرة الفعل إنما جازت ضرورة للخروج منه والمحرم لا ضرورة له بالغسل بيده فلما أذن الشارع فيه دل على أن مباشرة الطيب لقصد إزالته ومعالجته غير ممنوع ومنها إذا تعمد المأموم سبق إمامه في ركوع أو سجود وقلنا لا تبطل صلاته بمجرد تعمد السبق فهل يجب عليه العود إلى متابعته الإمام أم لا أطلق كثير من الأصحاب وجوب العود من غير تفريق العامد وغيره كما وردت روايات عن الصحابة عمر وابنه وابن مسعود رضي الله عنهم وفرق صاحب المحرر بين العامد وغيره وقال متى عاد العامد بطلت صلاته لأنه قد تعمد زيادة ركن كامل عمدا وإنما يعود الساهي والجاهل وقد يقال إن عود العامد يتخرج على أن العود إنما هو قطع للفعل المنهي عنه الذي ارتكبه ورجع عنه إلى متابعة الإمام الواجبة فلا يكون منهيا عنه بل مأمور به كالخروج من الدار المغصوبة ونحوها على ما سبق وقد يفرق بأن حقيقة السجود وضع الأعضاء المخصوصة على الأرض فإذا زيد هذا المقدار عمدا بطلت به الصلاة وأما الهوى إليه والرفع منه فليسا من ماهيته وإنما هما حدان له فلا أثر لنية قطعهما بالرفع فإن الرفع ليس منه وإنما هو غاية له وفصل بينه وبين غيره وما مضى منه ووجد لا يمكن رفعه
____________________
(1/117)
وهو سجود تام فتبطل الصلاة بزيادته عمدا وهذا قد يلزم منه أن السبق للركن عمدا يبطل الصلاة وقد قيل إنه المنصوص عن أحمد وعلى الوجه الآخر فيقال لما لحقه الإمام في هذا الركن واجتمع معه فيه اكتفي بذلك في المتابعة القاعدة التاسعة والخمسون العقود لا ترد إلا على موجود بالفعل أو بالقوة وأما الفسوخ فترد على المعدوم حكما واختيارا على الصحيح وقد دل عليه حديث المصراة حيث أوجب الشارع رد صاع التمر عوضا عن اللبن بعد تلفه وهو مما ورد العقد عليه فدل على أنه حكم بفسخ العقد فيه ورد عوضه مع أصله والرجوع بالثمن كاملا فأما الانفساخ الحكمي بالتلف ففي مواضع منها إذا تلف المبيع المبهم قبل قبضه انفسخ العقد فيه وفي عوضه سواء كان ثمنا أو مثمنا ومنها إذا تلفت الثمار المشتراة في رءوس النخل قبل جدها بجائحة فإن العقد ينفسخ فيها ومنها إذا تلفت العين المستأجرة قبل مضي مدة الإجارة انفسخ العقد فيما بقي منها وأما الفسخ الاختياري فكثير ومن مسائله إذا تلف المبيع في مدة الخيار هل يسقط الخيار أم لا يسقط وللبائع الفسخ فيرجع بعوضه ويرد الثمن على روايتين معروفتين ونقل أبو طالب عنه إن أعتقه المشتري أو تلف عنه فللبائع الثمن وإن باعه ولم يمكنه رده فله القيمة ففرق بين التلف الحسي والحكمي وبين التفويت مع بقاء العين فأجاز الفسخ مع بقائها لإمكان الرجوع بخلاف التلف وأيضا فتصرفه في المبيع في مدة الخيار جناية حال بها بين البائع والرجوع في ماله فيملك أن يفسخ ويضمنه القيمة للحيلولة وإلى هذا المأخذ أشار أحمد رحمه الله ومنها إذا اختلف المتبايعان في الثمن بعد تلف المبيع وفيه روايتان إحداهما يتخالفان ويفسخ البيع ويغرم المشتري القيمة والثانية القول قول المشتري مع يمينه في قدر الثمن ولا فسخ اختارها أبو بكر ومنها إذا تبايعا جارية بعبد أو ثوب ثم وجد أحدهما بما قبضه عيبا وقد تلف الآخر فإنه يرد ما بيده ويفسخ العقد ويرجع بقيمة التالف نص عليه أحمد في رواية حنبل وابن منصور ولم يذكر الأصحاب فيه خلافا لأن هنا عينا باقية يمكن الفسخ فيها فيقع الفسخ
____________________
(1/118)
في التالف تبعا كما لو كان الثمن نقدا معينا وقد تلف فإنه لا خلاف أنه يرد السلعة بالعيب ويأخذ بدل الثمن ومنها إذا تلف بعض المبيع المعيب وأراد رده فهل يجوز رد الموجود مع قيمة المفقود ويأخذ الثمن ظاهر كلام القاضي في خلافه في المسألة التي قبلها جوازه لأن الفسخ في المفقود هنا تابع للفسخ في الموجود وخرجه صاحب التلخيص على روايتين فيما إذا اشترى شيئا فبان معيبا وقد تعيب عنده فإنه يرده على إحدى الروايتين ويرد معها أرش العيب الحادث عنده منسوبا من قيمته لا من ثمنه فورد الفسخ هنا على المفقود تبعا للموجود واعتذر ابن عقيل عن ضمانه بالقيمة فإنه لما فسخ العقد صار المبيع في يده كالمقبوض على وجه السوم لأنه قبض بحكم عقد فلذلك ضمن بالقيمة وهذا رجوع إلى أن الفسخ رفع للعقد من أصله وهو ضعيف ومقتضى هذا أن الأصل ضمانه بجزء من الثمن وهو مقتضى ما ذكره القاضي وابن عقيل في مسائل التفليس لأن كل جزء من المبيع مقابل لجزء من الثمن فإذا لم يكن رد المبيع كله رد الموجود منه بقسطه من الثمن كما في تفريق الصفقة وهذا خلاف أرش العيب الذي يأخذه المشتري من البائع فإنه يأخذه منسوبا من الثمن واختلف الأصحاب فيه فمنهم من يقول هو فسخ للعقد في مقدار العيب ورجوع بقسطه من الثمن وعلى هذا فالفسخ ورد على معدوم مستحق التسليم وهذا في المشترى في الذمة كالسلم ظاهرا لأنه كان يستحقه سليما فأما في المعين فلم يقع العقد على غير عينه فلا يمكن أن يكون الأرش فسخا إلا أن يكون إطلاق العقد على العين يقتضي سلامتها وكأنها موصوفة بصفة السلامة وقد فاتت ومنهم من يقول بل هو عوض عن الجزء الفائت وعلى هذا فهل هو عوض عن الجزء نفسه أو عن قيمته ذهب القاضي في خلافه إلى أنه عوض عن القيمة وذهب ابن عقيل في فنونه وابن المنى إلى أنه عوض عن العين عنها بما شاء وإن قلنا القيمة لم يجز أن يصالح عنها بأكثر منها من جنسها ومنهم من قال هو إسقاط لجزء من الثمن في مقابلة الجزء الفائت الذي تعذر تسليمه لا على وجه الفسخ لأن الفسخ لا يقابل الفائتة وينبني على ذلك جواز المصالحة عنه بأكثر من قيمته فإن قلنا المضمون العين فله المصالحة الصحة والسلامة وإنما يقابل الأجزاء المشاعة فإذا عقد على عين موصوفة وفات بعض صفاتها رجع بما قابله من الثمن من غير فسخ وكل من هذه الأقوال الثلاثة قاله القاضي في موضع من خلافه وينبني على الخلاف في أن الأرش فسخ أو إسقاط لجزء من الثمن أو معاوضته أنه إن كان فسخا أو إسقاطا لم يرجع إلا بقدره من الثمن
____________________
(1/119)
ويستحق جزءا من عين الثمن مع بقائه بخلاف ما إذا قلنا هو معاوضة وأما إن أسقط المشتري خيار الرد بعوض بذله له البائع وقبله فإنه يجوز على حسب ما يتفقان عليه وليس من الأرش في شيء ذكره القاضي وابن عقيل في الشفعة ونص أحمد على مثله في النكاح في خيار المعتقة تحت عبد ومنها إذا تلفت العين المعيبة كلها فهل يملك المشتري الفسخ ورد بدلها أم لا الذي عليه الأكثرون أنه لا يملك ذلك وأشار إليه أحمد في رواية ابن منصور قالوا لأن الرد يستدعي مردودا ولا مردود إلا مع بقاء العين وظلامته تستدرك بالأرش وهو ضعيف لأن البدل يقوم مقام العين وخرج القاضي في خلافه جواز ذلك من رد المشتري أرش العيب الحادث عنده كما تقدم وذكر في أنه قياس المذهب وتابعه عليه أبو الخطاب في انتصاره وجزم به ابن عقيل في الفصول من غير خلاف حكاه ومنها إذا اشترى ربويا بجنسه فبان معيبا ثم تلف قبل رده فإنه يملك الفسخ ويرد بدله ويأخذ لأنه لا يجوز له أخذ الأرش على الصحيح بمحذور الربا فتعين الفسخ ومنها الإقالة هل تصح بعد تلف العين قال القاضي مرة لا تصح لأنها عقد يقف على الرضا من الجانبين فهي كالبيع بخلاف الرد بالعيب ثم قال في موضع آخر قياس المذهب صحتها بعد التلف إذا قلنا هي فسخ وتابعه أبو الخطاب في الانتصار وابن عقيل في نظرياته وحكى صاحب التلخيص فيها وجهين بخلاف الرد بالعيب وفرق بأن الرد يستدعي مردودا بخلاف الفسخ وهو ضعيف فإن الرد فسخ أيضا والإقالة تستدعي مقالا فيه ولكن البدل يقوم مقام المبدل هنا للضرورة ومنها الشركة في البيوع وهي نوع منها وحقيقتها أن يشتري رجل شيئا فيقول لآخر أشركتك في نصفه أو جزء مشاع منه فيقبل فيصح ذلك ويكون تمليكا منجزا بعوض في الذمة وموضوع هذا العقد أنه إن ربح المال المشترك فيه فالربح بينهما الناطفية بالثمن ويصير المشتري شريكا في الربح فيأخذ حصته منه وإن تلف المال أو خسر انفسخت الشركة فيكون الخسران أو التلف على المشتري فيقدر انفساخ الشركة حكما في آخر زمن الملك قبل بيعه بخسارة أو تلفه وإنما يحكم بالانفساخ بعد التلف والخسران فيكون هذا العقد مفيدا للشركة في الربح خاصة ويكون فسخه معلقا على شرط ويكتفى بذلك بمسمى الشركة من غير حاجة إلى شرط لفظي وقد نص أحمد على جواز هذا في رواية جماعة منهم الأثرم ومهنا وأحمد بن القاسم
____________________
(1/120)
وسندي وأبو طالب وأحمد بن سعيد وابن منصور وغيرهم ونقل مثل ذلك عن شريح والشعبي صريحا وسئل أحمد هل يدخل هذا في ربح ما لم يضمن فقال هو مثل المضارب يأخذ الربح ولا ضمان عليه وقد أشكل توجيه كلام أحمد على القاضي فحمله على محامل بعيدة جدا وحمله ابن أبي موسى على ظاهره وتبعه الشيرازي إلا أنه خرج وجها آخر أن الوضيعة عليهما كالربح القاعدة الستون التفاسخ في العقود الجائزة متى تضمن ضررا على أحد المتعاقدين أو غيرهما ممن له تعلق بالعقد لم يجز ولم ينفذ إلا أن يمكن استدراك الضرر بضمان أو نحوه فيجوز على ذلك الوجه فمن ذلك الموصى إليه أطلق كثير من الأصحاب أن له الرد بعد القبول في حياة الموصي وبعده وقيد ذلك صاحب المحرر بما إذا وجد حاكما لئلا يضيع إسنادها فيقع الضرر وأخذها من رواية حنبل عن أحمد في الوصي يدفع الوصية إلى الحاكم فيبرأ منها قال إن كان حاكما فنعم وحكى رواية أخرى أنه لا يملك الرد بعد الموت بحال ولا قبله إن لم يعلمه بذلك لما فيه من التغرير به وحكى ابن أبي موسى رواية أنه ليس له الرد بحال إذا قبلها ومن الأصحاب من حملها على ما بعد الموت وحكاهما القاضي في خلافه صريحا في الحالين ومنها الوكيل في بيع الرهن إذا عزله الراهن يصح عزله على المنصوص لأن الحاكم يأمره بالبيع ويبيع عليه وخرج ابن أبي موسى وجها آخر أنه لا ينعزل لأن فيه تغرير للمرتهن ويتخرج وجه ثالث بالفرق بين أن يوجد حاكم يأمر بالبيع أو لا من مسألة الوصية ومنها أنه يجوز فسخ عقد الجعالة لكن يستحق العامل أجرة المثل لبطلان المسمى بالفسخ فإذا عمل به أحد مستندا إليه استحق أجرة المثل كما لو سمى له تسمية فاسدة ويتخرج أن يستحق في جعل الرد الأبق المسمى بالشروع لأنه المستحق بالإطلاق وقد صار وجود التسمية كالعدم ومنها إذا فسخ المالك عقد المساقاة وقلنا هي جائزة فإن كان بعد ظهور الثمرة فنصيب العامل فيها ثابت لأنه يملكه بالظهور رواية واحدة لأن حصة المساقي ليست وقاية للمال
____________________
(1/121)
بخلاف المضارب وكذلك لو فسخ العامل بعد الظهور وأما إن كان الفسخ قبل الظهور فإن كان من العامل فلا شيء له لإعراضه وإن كان من المالك فعليه أجرة المثل للعامل لأنه منعه من إتمام عقد يقضي إلى حصول المسمى له غالبا فلزمه ضمانه وأيضا فإن ظهور الثمرة بعد الفسخ لعمل العامل فيها أثر بالقيام عليها وخدمتها فلا يذهب عمله مجانا وقد أثر في حصول المقصود ويتوجه على قول ابن عقيل في المضارب أن ينفسخ العقد بالنسبة إلى المالك دون العامل فيستحق من ثمرة المسمى له ومنها إذا زارع رجلا على أرضه ثم فسخ المزارعة قبل ظهور الزرع أو قبل البذر وبعد الحرث قال ابن منصور في مسائله قلت لأحمد الأكار يريد أن يخرج من الأرض فيبيع الزرع قال لا يجوز حتى يبدو صلاحه قلت فيبيع عمل يديه وما عمل في الأرض وليس فيها زرع قال لم يجب له شيء بعد إنما يجب بعد التمام قال ابن منصور يقول يجب له بعد ما يبلغ الزرع لما اشترط عليه أن يعمل حتى يفرغ فأما أن يكون يذهب عمل يديه وما أنفق في الأرض فلا وذلك أنه إذا أخرجه صاحبه أو خرج بإذنه فإذا خرج من ذات نفسه فليس له شيء انتهى فحمل ابن منصور قول أحمد أنه لا شيء له على ما إذا خرج بنفسه لأنه معرض عما يستحقه من الأرض بخلاف ما إذا أخرجه المالك أو خرج بإذنه وظاهر كلامه أنه تجب له أجرة عمله بيديه وما أنفق على الأرض من ماله من أن كلام أحمد قد يحمل على أنه أراد أنه لا يبيع آثار عمله لأنها ليست أعيانا وهذا لا يدل على أنه لا حق له فيها بالكلية ولهذا نقول في آثار الغاصب إنه يكون شريكا بها على أحد القولين والمفلس ونحوه لا خلاف فيه مع أن القاضي قال في الأحكام السلطانية قياس المذهب جواز بيع العمارة التي هي الإثارة ويكون شريكا في الأرض بعمارته وأفتى الشيخ تقي الدين فيمن زارع رجلا على مزرعة بستانه ثم أجرها هل تبطل المزارعة أنه إن زارعه مزارعة لازمة لم تبطل بالإجارة وإن لم تكن لازمة أعطى الفلاح أجرة عمله وأفتى أيضا في رجل زرع أرضا وكانت بوارا وحرثها فهل له إذا خرج منها فلاحه أنه إن كان له في الأرض فلاحة لم ينتفع بها فله قيمتها على من انتفع بها فإن كان المالك انتفع بها وأخذ عوضا عنها من المستأجرة فضمانها عليه وإن أخذ الأجرة عن
____________________
(1/122)
الأرض وحدها فضمان الفلاحة على المستأجر المنتفع بها ونص أحمد في رواية صالح فيمن استأجر أرضا معلومة وشرط عليه أن يردها مفلوحة كما أخذها أن له أن يردها عليه كما شرط ويتخرج مثل ذلك في المزارعة ومنها المضاربة تنفسخ بفسخ المالك لها ولو كان المال عرضا ولكن للمضارب بيعه بعد الفسخ لتعلق حقه بربحه ذكره القاضي في خلافه وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الشيخ ابن منصور وذكر القاضي في المجرد وابن عقيل في باب الشركة أن المضارب لا ينعزل ما دام عرضا بل يملك التصرف حتى ينض رأس المال وليس للمالك عزله وإن هذا ظاهر كلام أحمد في رواية حنبل وذكرا في المضاربة أنه ينعزل بالنسبة إلى الشراء دون البيع وحمل صاحب المغني مطلق كلامهما في الشركة على هذا التقييد ومعناه أن المضارب بعد الفسخ يملك تنضيض المال وليس للمالك منعه من ذلك إذا كان فيه ربح لكن ابن عقيل صرح في موضع آخر بأن العامل لا يملك الفسخ حتى ينض رأس المال مراعاة لحق مالكه ثم قال ابن عقيل إذا قصد المالك بعزله الحيلة لاقتطاع الربح مثل أن يشتري متاعا يرجو به الربح في موسم فينفسخ قبله ليقومه بسعر يومه ويأخذه لم ينفسخ في حق المضارب في الربح وإذا جاء الموسم أخذ حصته منه فجعل العقد باقيا بالنسبة إلى استحقاق نصيبه من الربح الذي أراد المالك إسقاطه بعد انعقاد سببه بعمل المضارب فهو كالفسخ بعد ظهور الربح وقال ابن عقيل أيضا في باب الجعالة المضاربة كالجعالة لا يملك رب المال فسخها بعد تلبس العامل بالعمل وأطلق ذلك وقال في مفرداته إنما يملك المضارب الفسخ بعد أن ينض رأس المال ويعلم رب المال أنه أراد الفسخ لئلا يتمادى به الزمان فيتعطل عليه الأرباح قال وهذا هو دوران بمذهبنا وأنه لا يحل لأحد المتعاقدين في الشركة والمضاربات الفسخ مع كتم شريكه لأنه ذريعة إلى غاية الإضرار وهو تعطيل المال عن الفوائد والأرباح ولهذا لا يملك عندنا فسخها ورأس المال قد صار عروضا لكن إذا باع ونض رأس المال ينفسخ انتهى وحاصله أنه لا يجوز للمضارب الفسخ حتى ينض رأس المال ويعلم به ربه لئلا يتضرر بتعطيل ماله عن الربح كما ذكر أنه في الفضول أن المالك لا يملك الفسخ إذا توجه المال إلى الربح ولا يسقط به حق العامل وهو حسن جار على قواعد المذهب في اعتبار المقاصد وسد الذرائع ولهذا قلنا إن المضارب إذا ضارب لآخر من غير علم الأول
____________________
(1/123)
وكان عليه في ذلك ضرر رد حقه من الربح في شركة الأول مع مخالفته لإطلاق الأكثرين أنه إذا فسخ قبل الظهور فلا شيء له وأما ما ذكره في باب الجعالة ففيه بعد إلا أن ينزل على مثل هذا الحال مع أن القاضي ذكر مثله أيضا في باب الجعالة ومنها الشركة إذا فسخ أحدهما عقدها بالقول انفسخت وإن قال الآخر عزلتك انعزل المعزول وحده ذكره القاضي وينفسخ مع كون المال عروضا أو ناضا وحكى صاحب التلخيص رواية أخرى لا ينعزل حتى ينض المال كالمضارب قال وهو المذهب وفرق بأن الشريك وكيل والربح يدخل تبعا بخلاف حق المضارب فإنه أصلي ولا يدخل بدون البيع ومنها الوكيل إذا وكله في فعل شيء ثم عزله وتصرف قبل العلم تصرفا يوجب الضمان فهل يضمنه الموكل فيه وجهان مذكوران فيما إذا وكله في استيفاء القصاص ثم عزله فاستوفاه قبل العلم قال أبو بكر لا ضمان على الوكيل فمن الأصحاب من قال لعدم تفريطه ومنهم من قال لأن عفو موكله لم يصح حيث حصل على وجه لا يمكن استدراكه فهو كما لو عفى بعد الرمي قال أبو بكر وهل يلزم الموكل الضمان على قولين أحدهما لا ضمان عليه ووجه بأن عفوه لم يصح كما ذكرنا وبأنه محسن بالعفو فلا يترتب عليه الضمان به والثاني عليه الضمان لأنه سلطه على قتل معصوم لا يعلم بعصمته فكان الضمان عليه كما لو أمر بالقتل من لا يعلم تحريمه فقتل كان الضمان على الآمر وللأصحاب طريقة ثانية وهي البناء على انعزال الوكيل قبل العلم فإن قلنا لا ينعزل لم يصح العفو فيقع القصاص مستحقا لا ضمان فيه وإن قلنا ينعزل صح العفو وضمن الوكيل كما لو قتل مرتدا وكان قد أسلم ولم يعلم به وهل يرجع على الموكل على وجهين أحدهما يرجع لتغريره والثاني لا لأن العفو إحسان منه لا يقتضي الضمان وعلى هذا فالدية على عاقلة الوكيل عند أبي الخطاب لأنه خطأ استنمت القاضي في ماله لأنه عمد وهو بعيد وقد يقال هو شبه عمد كذا حكى صاحب المغني وللأصحاب طريقة ثالثة وهو إن قلنا لا ينعزل لم يضمن الوكيل وهل يضمن العافي على وجهين بناء على صحة عفوه وترددا بين تغريره وإحسانه وإن قلنا ينعزل لزمته الدية وهل يكون في ماله أو على عاقلته على وجهين وهذه طريقة أبي الخطاب
____________________
(1/124)
وصاحب الترغيب وزادوا إذا قلنا في ماله فهل يرجع بها على الموكل على وجهين ولو وكله في بيع شيء أو وقفه أو في عتق عبده ثم عزله ثم فعل ما وكله فيه قبل العلم بعزله فإن قيل لا ينعزل قبل العلم فالتصرف صحيح ولا كلام وإن قيل ينعزل فالعقد باطل وكذلك وقف المشتري وعتقه وأما استقلاله فقال الشيخ تقي الدين لا يضمنه الوكيل لانتفاء تفريطه والمشتري مغرور وفي تضمينه خلاف في المذهب وإذا ضمن رجع على الغار على الصحيح والغار هنا لا ضمان عليه فلا ضمان على واحد منهما انتهى وعلى القول بضمان الوكيل في مسألة استيفاء القصاص من غير رجوع قد يتوجه ضمان الوكيل هنا وفيه بعد أيضا لأن الضمان هنا لو وجب لوجب للغار والغار من شأنه أن يضمن لا أن يضمن له وأما المشتري فهو شبيه بالمشتري من المشتري من الغاصب إذا لم يعلما بالغصب والمعروف في المذهب تضمينه لكن لا يمكن الرجوع هنا على الوكيل القاعدة الحادية والستون المتصرف تصرفا عاما على الناس كلهم من غير ولاية أحد معين وهو الإمام هل يكون تصرفه عليهم بطريق الوكالة لهم أو بطريق الولاية في ذلك وجهان وخرج الآمدي روايتين بناء على أن خطأه هل هو على عاقلته أو في بيت المال لأنا إن جعلناه على عاقلته فهو متصرف بنفسه وإن جعلناه في بيت المال فهو متصرف بوكالتهم لهم وعليهم فلا يضمن لهم ولا يهدر خطاءه فيجب في بيت المال واختيار القاضي في خلافه أنه متصرف بالوكالة لعمومهم وذكر في الأحكام السلطانية روايتين في انعقاد الإمامة بمجرد القهر من غير عقد وهذا يحسن أن يكون أصلا للخلاف في الولاية والوكالة أيضا وينبني على هذا الخلاف أيضا انعزاله بالعزل ذكره الآمدي فإن قلنا هو وكيل فله أن يعزل نفسه وإن قلنا هو وال لم ينعزل بالعزل كما أن الرسول ليس له عزل نفسه ولا ينعزل بموت من بايعه لأنه وكيل عن الجميع لا عن أهل البيعة وحدهم وهل لهم عزله إذا كان بسؤاله فحكمه حكم عزل نفسه وإن كان بغير سؤاله لم يجز بغير خلاف هذا ظاهر ما ذكره القاضي وغيره وأما من كان تصرفه كالجيحون من توليته فإن كان نائبا عنه كالوزير فإنه كالوكيل له ينعزل بعزله وبموته وإن كان نائبا عن المسلمين كالأمير العام لم ينعزل بموت الإمام ذكره القاضي في الأحكام السلطانية فأما القضاة فهل هم نواب الإمام أو المسلمين فيه وجهان معروفان ينبني عليهما جواز
____________________
(1/125)
عزل الإمام له وعزله لنفسه وظاهر كلام القاضي في الأحكام أن الخلاف مطرد في ولاية الإمارة العامة على البلاد وجباية الخراج وأما نواب القاضي فنوعان أحدهما من ولايته خاصة كمن فوض إليه سماع شهادة معينة أو إحضار المستعدى عليه فهم كالوكلاء ينعزلون بعزله وموته والثاني من ولايته عامة كخلفائه وأمنائه على الأطفال ونوابه على القرى فهل هم بمنزلة وكلائه أو نواب المسلمين فلا ينعزلون بموته على وجهين ذكرهما الآمدي وصحح صاحب الترغيب عدم الانعزال وحكى ابن عقيل عن الأصحاب أنهم ينعزلون لأنهم نواب القاضي بخلاف القضاة فإنهم نواب للمسلمين ولهذا يجب على الإمام نصب القضاة ولا يجب على القضاة الاستنابة ويجاب عنه بأن القضاء ليس بفرض كفاية على رواية ولا يجب نصب قاض بالكلية وبأن الوجوب لا يتعلق بمعين فلا أثر له في عدم نفوذ العزل ولهذا من عنده ودائع وعليه ديون خفية يجب عليه الوصية عند الموت بأدائها وله عزل الموصى إليه بذلك واستبداله وأما المتصرف تصرفا خاصا بتفويض من ليس له ولاية عامة فنوعان أحدهما أن يكون المفوض له ولاية على ما يتصرف فيه كولي اليتيم وناظر الوقف فإذا عقد عقدا جائزا أو متوقع الانفساخ كالشركة والمضاربة والوكالة وإجارة الوقف فإنها لا تنفسخ بموته لأنه متصرف على غيره لا على نفسه وكذلك الوكيل إذا أذن له موكله أن يوكل فيكون وكيله وكيلا لموكله لا له والثاني من يفوض حقوق نفسه فهذه وكالة محضة القاعدة الثانية والستون فيما ينعزل قبل العلم بالعزل المشهور أن كل من ينعزل بموت أو عزل هل ينعزل بمجرد ذلك أم يقف عزله على علمه على روايتين وسواء في ذلك الوكيل وغيره والإذن للزوجة أو العبد فيما لا يملكانه بدون إذن إذا وجد بعده نهي لم يعلماه مخرج على الوكيل ذكره القاضي وكذلك إذن المرتهن للراهن في التصرف إذا منع منه قبل تصرف الراهن ولم يعلم ومن الأصحاب
____________________
(1/126)
من فرق بين الوكيل وغيره ودخل في هذا صور منها الحاكم إذا قيل بانعزاله قال القاضي وأبو الخطاب فيه الخلاف الذي في الوكيل وفي التلخيص لا ينعزل قبل العلم بغير خلاف ورجحه الشيخ تقي الدين لأن في ولايته حقا لله وإن قيل إنه وكيل فهو شبيه بنسخ الأحكام لا يثبت قبل بلوغ الناسخ على الصحيح بخلاف الوكالة المحضة قال هذا هو المنصوص عن أحمد وأيضا فإن ولاية القاضي عامة لما يترتب عليها من عموم العقود والفسوخ فتعظم البلوى بإبطالها قبل العلم بخلاف الوكالة ومنها عقود المشاركات كالشركة والمضاربة والمشهور أنها تنفسخ قبل العلم كالوكالة وقد ذكرنا عن ابن عقيل فيما سبق في المضاربة أنها لا تنفسخ بفسخ المضارب حتى يعلم رب المال ومنها الوديعة وقد ذكر القاضي في مواضع كثيرة من خلافه أن للمودع فسخها بالقول في غيبة المودع وتنفسخ قبل علم المودع بالفسخ وتبقى في يده أمانة كمن أطارت الريح إلى بيته ثوبا لغيره ثم إنه ذكر في مسألة الوكالة أن الوديعة لا يلحقها الفسخ بالقول وإنما تنفسخ بالرد إلى صاحبها أو بأن يتعدى المودع فيها فلو قال المودع بمحضر من رب الوديعة أو في غيبته فسخت الوديعة أو أزلت نفسها عنها لم تنفسخ قبل أن يصل إلى صاحبها ولم يضمنها فإما أن يكون هذا تفريقا بين فسخ المودع والمودع أو يكون اختلافا منه في المسألة والأول أشبه لأن فسخ المودع إخراج للمودع عن الاستحفاظ وهو يملكه وأما المودع فليس له فيها تصرف سوى الإمساك والحفظ فلا يصح أن يرفعه مع وجوده ويلتحق بهذه القاعدة القاعدة الثالثة والستون وهي أن من لا يعتبر رضاه لفسخ عقد أو حله لا يعتبر علمه به ويندرج تحت ذلك مسائل منها الطلاق ومنها الخلع فإنه يصح مع الأجنبي على المذهب سواء قيل هو فسخ أو طلاق ولنا وجه آخر أنه لا يصح مع الأجنبي إذا قلنا إنه فسخ كالإقالة والصحيح خلافه لأن فسخ البيع اللازم لا يستقل به أحد المتبايعين بخلاف النكاح فإن الزوج يستقل بإزالته بالطلاق
____________________
(1/127)
ومنها العتق ولو كان على مال نحو أعتق عبدك عني وعلي ثمنه ومنها فسخ المعتقة تحت عبد ومنها فسخ البيع المعيب والمدلس وكذلك الإجارة ومنها فسخ العقود الجائزة بدون علم الآخر وقد سبقت ومنها الفسخ بالخيار يملكه من يملك الخيار بغير علم الآخر عند القاضي والأكثرين وخرج أبو الخطاب فيها وجها آخر أنه لا ينفسخ إلا أن يبلغه في المدة من عزل الوكيل وفيه نظر فإن من له الخيار يتصرف بالفسخ لنفسه وهذه الفسوخ على ضربين أحدهما ما هو مجمع على ثبوت أصل الفسخ به فلا يتوقف الفسخ به على حاكم كسائر ما ذكرنا والثاني ما هو مختلف فيه كالفسخ بالعنة والعيوب في الزوج وغيبته ونحو ذلك فيفتقر إلى حكم حاكم لأنها أمور اجتهادية فإن كان الخلاف ضعيفا يسوغ نقض الحكم به لم يفتقر الفسخ به إلى حكم حاكم ويتفرع على ذلك أخذ بائع المفلس سلعته إذا وجدها بعينها وفيه وجهان بناء على نقض الحكم بخلافه والمنصوص عن أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد أنه له ذلك وكذلك تزوج امرأة المفقود فإن في توقف فسخ نكاحها على الحاكم روايتين قال في رواية ابن منصور تتزوج وإن لم تأت السلطان وأحب إلي أن تأتيه ولعله رأى الحكم بخلافه لا يسوغ لأنه إجماع عمر والصحابة ورجح الشيخ تقي الدين أن جميع الفسوخ لا تتوقف على حاكم القاعدة الرابعة والستون من توقف نفوذ تصرفه أو سقوط الضمان أو الحنث عنه على الإذن فتصرف قبل العلم به ثم تبين أن الإذن كان موجودا هل يكون كتصرف المأذون له أو لا في المسألة وجهان تتخرج عليهما صور منها لو تصرف في مال غيره بعقد أو غيره ثم تبين أنه كان أذن له في التصرف هل يصح أم لا فيه وجهان ومنها لو قال لزوجته إن خرجت بغير إذني فأنت طالق ثم أذن لها ولم تعلم بإذنه فخرجت فهل تطلق فيه وجهان وأشهرهما هو المنصوص أنها تطلق لأن
____________________
(1/128)
ذلك ولأن الإذن هنا إباحة بعد حظر فلا يثبت في حقها بدون علمها كإباحة الشرع ولأبي الخطاب في الانتصار طريقة ثانية وهي أن دعواه الإذن غير مقبولة لوقوع الطلاق في الظاهر فلو أشهد على الإذن لنفعه ذلك ولم تطلق وهذا ضعيف ومنها لو أذن البائع للمشتري في مدة الخيار في التصرف فتصرف بعد الإذن وقبل العلم فهل ينفذ أم لا يتخرج على الوجهين في التوكيل وأولى وجزم القاضي في خلافه بعدم النفوذ ومنها لو غصب طعاما من إنسان ثم أباحه له المالك ثم أكله الغاصب غير عالم بالإذن ضمن ذكره أبو الخطاب في الانتصار وهو بعيد جدا والصواب الجزم بعدم الضمان لأن الضمان لا يثبت بمجرد الاعتقاد فيما ليس بمضمون كمن وطئ امرأة يظنها أجنبية فتبينت زوجته فإنه لا مهر عليه ولا عبرة باستصحاب أصل الضمان مع زوال سببه كما أنه لو أكل في الصوم يظن الشمس لم تغرب فتبين أنها كانت غربت فإنه لا يلزمه القضاء ويلتحق بهذه القاعدة الخامسة والستون وهي من تصرف في شيء يظن أنه لا يملكه فتبين أنه كان يملكه وفيها خلاف أيضا ويندرج تحتها صور منها لو باع ملك أبيه بغير إذنه ثم تبين أن أباه كان قد مات ولا وارث له وفي صحة تصرفه وجهان ويقال روايتان ومنها لو طلق امرأة يظنها أجنبية فتبينت زوجته ففي وقوع الطلاق روايتان وبناهما أبو بكر على أن الصريح هل يحتاج إلى نية أم لا قال القاضي إنما هذا الخلاف في صورة الجهل بأهلية المحل ولا يطرد مع العلم به ومنها لو لقي امرأة في الطريق فقال تنحي يا حرة فإذا هي أمته وفيها الخلاف أيضا ونص أحمد على ذلك وفي المغني احتمال التفريق لأن هذا يقال كثيرا في الطريق ولا يراد به العتق وهذا مع إطلاق القصد فأما إن قصد به المدح بالعفة ونحوها فليست من المسألة بشيء ويتنزل الخلاف في هذا على أن الرضا بغير المعلوم هل هو رضى معتبر والأظهر عدم اعتباره ومنها لو أبرأه من مائة درهم مثلا معتقدا أنه لا شيء له عليه ثم تبين أنه كان له في
____________________
(1/129)
ذمته مائة درهم وفيها الوجهان ومنها لو جرحه جرحا لا قصاص فيه فعفا عن القصاص وسرايته ثم سرى إلى نفسه فهل يسقط القصاص يخرج على الوجهين أشار إلى ذلك الشيخ مجد الدين في تعليقه على الهداية وبناه على أن القصاص هل يجب للميت أو لورثته كالدية وجزم القاضي وغيره بأنه لا يصح العفو ههنا ومنها لو تزوجت امرأة المفقود قبل الزمان المعتبر ثم تبين أنه كان ميتا قبل ذلك بمدة تنقضي فيها العدة أو أنه كان طلقها ففي صحة النكاح الوجهان ذكره القاضي ورجح صاحب المغني عدم الصحة هنا لفقد شرط النكاح في الابتداء كما لو تزوجت المرتابة قبل زوال الريبة ومنها لو أمره غيره بإعتاق عبد يظن أنه للآمر فتبين أنه عبده ففي التلخيص يحتمل تخريجه على من أعتق عبدا في ظلمة ثم تبين أنه عبده لكن يرجع هنا على الآمر بالقيمة لتغريره له ويحتمل أن لا ينفذ لتغريره بخلاف ما إذا لم يغرره أحد فإنه غير معذور فينفذ عتقه لمصادفته ملكه إذ المخاطبة بالعتق لعبد غيره شبيه بعتق الهازل والمتلاعب فينفذ وكذلك في الطلاق ونظير هذه في الطلاق أن يوكله شخص في تطليق زوجته ويشير إلى امرأة معينة فيطلقها ظانا أنها امرأة الموكل ثم تبين أنها امرأته وقد تخرج هذه المسألة على مسألة ما إذا نادى امرأة فأجابته امرأته الأخرى فطلقها ينوي المناداة فإنه تطلق المناداة وحدها ولا تطلق المواجهة في الباطن وفي الظاهر روايتان فعلى هذا لا تطلق الموكل في طلاقها هنا وقد يفرق بينهما بأن الطلاق هنا انصرف إلى جهة مقصودة فلم يحتج إلى صرفه إلى غير المقصود وإن كانت مواجهة به بخلاف ما إذا لم يكن هناك جهة سوى المواجهة فإن الطلاق يصير يصرفه عنها هزلا ولعبا ولا هزل في الطلاق ومنها لو اشترى آبقا يظن أنه لا يقدر على تحصيله فبان بخلافه ففي صحة العقد وجهان لاعتقاده فقد شرط الصحة وهو موجود في الباطن وفي المغني احتمال ثالث بالفرق بين من يعلم أن البيع يفسد بالعجز عن تسليم المبيع فيفسد البيع في حقه لأنه متلاعب وبين من لا يعلم ذلك فيصح لأنه لم يقدم على ما يعتقده باطلا وقد تبين وجود شرط صحته وهذا يبين أن للمسألة التفاتا إلى مسألة بيع الهازل والمشهور بطلانه وهو قول القاضي وقال أبو الخطاب في انتصاره هو صحيح وهذا يرجح وجه بطلان
____________________
(1/130)
البيع في المسائل المبدوء بها القاعدة السادسة والستون ولو تصرف مستندا إلى سبب ثم تبين خطؤه فيه وأن السبب المعتمد غيره وهو موجود فهو نوعان أحدهما أن يكون الاستناد إلى ما ظنه صحيحا أيضا فالتصرف صحيح مثل أن يستدل على القبلة بنجم يظنه الجدي ثم تبين أنه نجم آخر مسامته والثاني أن لا يكون ما ظنه مستندا استنادا صحيحا مثل أن يشتري شيئا ويتصرف فيه ثم تبين أن الشراء كان فاسدا وأنه ورث تلك العين فإن قلنا في القاعدة الأولى بالصحة فهنا أولى وإن قلنا ثم بالبطلان فيحتمل هنا الصحة لأنه استند إلى سبب مسوغ وكان في نفس الأمر له مسوغ غيره فاستند التصرف إلى مسوغ في الباطن والظاهر بخلاف القسم الذي قبله ذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله والمذهب هنا الصحة بلا ريب لأن أصحابنا اختلفوا فيما إذا وهب الغاصب المغصوب من مالكه وأقبضه إياه هل يبرأ به أم لا وحكى فيه ابن أبي موسى روايتين والمشهور أنه لا يبرأ نص عليه أحمد معللا بأنه يحمل منته وربما كافأه على ذلك واختار القاضي في خلافه وصاحب المغني أنه يبرأ لأن المالك تسلمه تسليما تاما وعادت سلطنته إليه فبرئ الغاصب بخلاف ما إذا قدمه إليه فأكله فإنه أباحه إياه ولم يملكه إياه فلم يعد إلى سلطنته وتصرفه ولهذا لم يكن له التصرف فيه بالبيع والهبة وهذا اتفاق من أحمد وأصحابه على أن تصرفات المالك تعود إليه بعود ملكه على طريق الهبة من الغاصب وهو لا يعلم بالحال القاعدة السابعة والستون من استحق الرجوع بعين أو دين بفسخ أو غيره وكان قد رجع إليه ذلك الحق بهبة أو إبراء ممن يستحق عليه الرجوع فهل يستحق الرجوع ببدله أم لا في المسألة وجهان ولها صور منها باع عينا ثم وهب ثمنها للمشتري أو أبرأه منه ثم بان بها عيب يوجب الرد فهل له ردها والمطالبة بالثمن أم لا على وجهين وكذا لو أبرأه من بعض الثمن فهل له المطالبة بقدر ما أبرأه منه على الوجهين واختار القاضي في خلافه أنه إذا رده لم يرجع عليه بشيء مما أبرأه منه ويتخرج التفريق بين الهبة والإبراء فيرجع بالهبة دون الإبراء وسنذكر أصله
____________________
(1/131)
ولو ظهر هذا المبيع معيبا بعد أن تعيب عنده فهل له المطالبة بأرش العيب فيه طريقان أحدهما يخرجه على الخلاف في رده والأخرى يمنع المطالبة هنا وجها واحدا وهو اختيار ابن عقيل لأنه صار منه تبرعا فلا يملك المطالبة بزيادة عليه لئلا تجتمع له المطالبة بالثمن وبعض الثمن بخلاف ما إذا رده فإنه لا يجتمع له ذلك ومنها لو تقايلا في العين بعد هبة ثمنها أو الإبراء منه ومنها لو أصدق زوجته عينا فوهبتها منه ثم طلقها قبل الدخول فهل يرجع عليها ببدل نصفها على روايتين فإن قلنا يرجع فهل يرجع إذا كان الصداق دينا فأبرأته منه على وجهين أصحهما لا يرجع لأن ملكه لم يزل عنه ومنها لو كاتب عبده ثم أبرأه من دين الكتابة وعتق فهل يستحق المكاتب الرجوع عليه بما كان له عليه من الإيتاء الواجب أم لا من الأصحاب من خرجها على الخلاف وضعف صاحب المغني ذلك لأن إسقاطه عنه يقوم مقام إيتائه ولهذا لو أسقط عنه القدر الواجب إيتاؤه واستوفى الباقي لم يلزمه أن يؤتيه شيئا وأيضا فالسيد أسقط عن المكاتب ما وجد سبب إيتائه إياه فقام مقام الإيتاء بخلاف إسقاط المرأة الصداق قبل الطلاق ومنها لو شهد شاهدان بمال لزيد على عمرو ثم رجعا وقد قبضه زيد من عمرو ثم وهبه له لم يسقط عنهما الضمان ولو كان دينا فأبرأه منه قبل قبضه ثم رجعا لم يلزمهما شيء ذكره القاضي في خلافه ولم يخرجه على الخلاف في المسائل الأولى لأن الضمان لزمهما بوجوب التغريم وعود العين إلى الغارم من المحكوم له بهبة لا يوجب البراءة كما لا يبرأ الغاصب بمثل ذلك في الرد إلى المغصوب منه لتحمل منته نعم يتخرج القول بسقوط الضمان هنا إذا قلنا ببراءة الغاصب بإعادة المال إلى المغصوب منه هبة لأنهما اعترفا بأنه قبضه عدوانا ثم رده إليه هبة وأما إذا أبرأه منه قبل القبض فلم يترتب على شهادتهما غرم فلذلك سقط عنهما الضمان ومنها لو قضى الضامن الدين ثم وهبه الغريم ما قضاه بعد قبضه فهل يرجع على المضمون عنه ظاهر كلام الأصحاب أنه لا يرجع ولهذا قالوا لو قضى الدين بنقيضه لم يرجع إلا بما قضى وجعلوه كالمقرض لا يرجع إلا بما غرم لكن هذا في الإبراء والمسامحة ظاهر فأما إن قضى الدين لكماله ثم وهبه الغريم منه فلا يبعد تخريجه على الوجهين
____________________
(1/132)
القاعدة الثامنة والستون إيقاع العبادات أو العقود أو غيرهما مع الشك في شرط صحتها هل يجعلها كالمعلقة على تحقيق ذلك الشرط أم لا هي نوعان أحدهما ما يشترط فيه النية الجازمة فلا يصح إيقاعه بهذا التردد ما لم يكن الشك غلبة ظن تكفي مثله في إيقاع العبادة أو العقد كغلبة الظن بدخول الوقت وطهارة الماء والثوب ونحو ذلك ومن أمثلة ذلك إذا صلى يظن نفسه محدثا فتبين متطهرا ومنها لو شك هل ابتدأ مدة مسح الخفين في السفر أو الحضر فمسح يوما آخر بعد انقضاء مدة الحضر ثم تبين أنه ابتدأها في السفر لزمه إعادة الصلاة بالشك وهل يلزمه إعادة الوضوء فيه وجهان أحدهما لا يلزمه وبه جزم في المغني لأن الوضوء يصح مع الشك في سببه كمن شك في الحدث فتوضأ ينوي رفعه ثم تبين محدثا والثاني يلزمه لأن المسح رخصة ولم تتحقق إباحتها فلم يصح كمن قصر وهو يشك في جواز القصر ومنها لو توضأ من إناء مشتبه ثم تبين أنه طاهر لم تصح طهارته في المشهور وقال القاضي أبو الحسين يصح وهو يرجع إلى أن الجزم بصحة الوضوء لا يشترط كما سبق ومنها لو توضأ شاكا في الحدث أو صلى مع غلبة ظنه بدخول الوقت ونوى الفرض إن كان محدثا أو الوقت قد دخل وإلا فالتجديد أو النفل فذكر ابن عقيل أنه يجزئه لأن هذا حكمه ولو لم ينوه فإذا نواه لم يضره ومنها لو كان له مال حاضر وغائب فأدى زكاة ونوى أنها عن الغائب إن كان سالما وإلا فتطوع فبان سالما أجزأه لما ذكرنا وحكي عن أبي بكر أنه لا يجزئه لأنه لم يخلص النية عن الفرض ويتخرج منه وجه في التي قبلها أنه لا يصح وأولى لأن هناك لم يبن على أصل مستصحب ولكنه بنى على غلبة ظن بدخول الوقت وهو يكفي في صحة الصلاة ومنها إذا نوى ليلة الشك إن كان غدا من رمضان فهو فرض وإلا فهو نفل فهل يجزئه عن رمضان إن وافق ينبني على أن نية التعيين هل تشترط لرمضان فإن قلنا
____________________
(1/133)
تشترط وهو المشهور في المذهب لم يجزئه لأنه لم يجزم بالتعيين ولم يبن على أصل مستصحب يجوز الصيام فيه بخلاف مسألة الزكاة وهذا بخلاف ما لو نوى ليلة الثلاثين من رمضان إن كان غدا من رمضان فأنا صائم عنه وإلا فأنا مفطر فإنه يصح صيامه في أصح الوجهين لأنه بني على أصل لم يثبت زواله ولا يقدح تردده لأنه حكم صومه مع الجزم والثاني وهو قول أبي بكر لا يجزئه للتردد ونقل صالح عن أبيه أنه يجزئه النية المترددة مع الغيم دون الصحو لأن الصوم مع الغيم لا يخلو من تردد ينافي الجزم فإذا ترددت النية فقد نوى حكم الصوم فلا يضره بخلاف حالة الصحو فإنه لا يحتاج فيها إلى التردد والنوع الثاني ما لا يحتاج إلى نية جازمة فالصحيح فيه الصحة وقد سبق من أمثلته إذا نكحت امرأة المفقود قبل أن يجوز لها النكاح ثم تبين أنه كان جائزا ففي الصحة وجهان ومنها لو كان عند رجل دنانير وديعة فصارفه عليها وهو يجهل بقاءها ففيه وجهان أحدهما وهو قول القاضي في المجرد لا يصح لأنها ليست تالفة فتكون مصارفة عليها وهي في الذمة ولا حاضرة فتكون مصارفة على عين والثاني وهو قول ابن عقيل أنه يصح لأن الأصح بقاؤها فصار كبيع الحيوان الغائب بالصفة فإنه يصح مع احتمال تلفه لأن الأصل بقاؤه قال ابن عقيل فإن كانت باقية تقابضا وصح العقد وإن كانت تالفة تبين بطلان العقد وهذا الذي قاله صحيح إذا تلفت بغير تفريط فأما إن تلفت تلفا مضمونا في الذمة فينبني على تعيين النقود بالتعيين فإن قلنا يتعين لم يصح العقد وإلا صح وقامت الدنانير التي في الذمة مقام الوديعة لا على الوجه الذي يشترط فيه للصرف التعيين فلا يصح على ما في الذمة ومنها لو وكله في شراء جارية فاشتراها له ثم جحد الموكل الوكالة فأراد الوكيل أن يشتريها منه فلم يعترف بالملك ثم قال له إن كنت أذنت لك في شرائها فقد بعتكها فهل يصح أم لا على وجهين أحدهما لا يصح لأن البيع لا يصح تعليقه وهو قول القاضي وابن عقيل والثاني يصح ذكره في الكافي احتمالا لأنه تعليق على شرط واقع يعلمانه فلا يؤثر ذكره في العقد كما لو قال بعتك هذه إن كانت جارية ويشهد له نص أحمد في رواية ابن منصور بصحة بيع الغائب إن كان سالما فإن هذا مقتضى إطلاق العقد فلا يضر تعليق البيع عليه
____________________
(1/134)
ومنها الرجعة في عقد نكاح شك في وقوع الطلاق فيه قال أصحابنا هي رجعة صحيحة رافعة للشك وهي المسألة التي أفتى فيها شريك بأنه يطلق ثم يراجع ومأخذه أن الرجعة مع الشك في الطلاق يصيرها كالمعلقة على شرط ولا يصح تعليقها فلا يصح تمثيل قوله بمن شك في نجاسة ثوبه فأمر بتنجيسه ثم يغسله وكذلك لم يصب من أدخل قوله في أخبار المغفلين فإن مأخذه في ذلك خفي عنه فأما الرجعة مع الشك في حصول الإباحة بها كمن طلق وشك هل طلق ثلاثا أو واحدة ثم راجع في العدة فيصح عند أكثر أصحابنا ههنا لأن الأصل بقاء النكاح وقد شك في انقطاعه والرجعة استيفاء له فصح مع الشك في انقطاعه وعند الخرقي لا يصح لأنه قد تيقن سبب التحريم وهو الطلاق فإنه إن كان ثلاثا فقد حصل التحريم بدون زوج وأصابه وإن كان واحدة فقد حصل به التحريم بعد البينونة بدون عقد جديد فالرجعة في العدة لا يحصل بها الحل إلا على هذا التقدير فقط فلا يزول الشك مطلقا فلا يصح لأن تيقن سبب وجود التحريم مع الشك في وجود المانع منه يقوم مقام تحقق وجود الحكم مع الشك في وجود المانع فيستصحب حكم وجود السبب كما يعمل بالحكم ويلغى المانع المشكوك فيه كما يلغى مع تيقن وجود حكمه وقد استشكل كثير من الأصحاب كلام الخرقي في تعليله بأنه تيقن التحريم وشك في التحليل فظنوا أنه يقول بتحريم الرجعة وليس بلازم لما ذكرنا ومنها لو حكم حاكم في مسألة مختلف فيها بما يرى أن الحق في غيره أثم وعصى بذلك ولم ينقض حكمه إلا أن يكون مخالفا لنص صريح ذكره ابن أبي موسى وقال السامري بل ينقض حكمه لأن شرط صحة الحكم موافقة الاعتقاد ولهذا لو حكم بجهل لنقض حكمه مع أنه لا يعتقد بطلان ما حكم به فإذا اعتقد بطلانه فهو بالرد أولى وللأصحاب وجهان فيما ينقض فيه حكم الجاهل والفاسق أحدهما تنقض جميع أحكامه لفقد أهليته وهو قول أبي الخطاب وغيره والثاني تنقض كلها إلا ما وافق الحق المنصوص والمجمع عليه وينقض ما وافق الاجتهاد لأنه ليس من أهله وهو اختيار صاحب المغني ويشبه هذا القول في الوصي الفاسق إذا قسم الوصية فإن أعطى الحقوق لمستحق معين يصح قبضه لم يضمنه لأنه يجب إيصاله إليه وقد حصل وإن كان لغير معين فوجهان ومنها الحكم بإسلام من اتهم بالردة إذا أنكر وأقر بالشهادتين فإنه حكم صحيح وإن حصل التردد في مستنده هل هو الإسلام المستمر على ما يدعيه أو الإسلام المتجدد على
____________________
(1/135)
تقدير صحة ما اتهم به وقد قال الخرقي ومن تشهد عليه بالردة فقال ما كفرت فإن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله لم يكشف عن شيء قال في المغني لأن هذا يثبت به إسلام الكافر الأصلي فكذلك المرتد قال ولا حاجة في ثبوت إسلامه إلى الكشف عن صحة ردته ونقل محمد بن الحكم عن أحمد فيمن أسلم من أهل الكتاب ثم ارتد فشهد قوم عدول أنه تنصر أو تهود وقال هو لم أفعل أنا مسلم قال أقبل قوله ولا أقبل شهادتهم وذكر كلاما معناه أن إنكاره أقوى من الشهود وكذلك نقل عنه أبو طالب في رجل تنصر فأخذ فقال لم أفعل قال يقبل منه وعلل بأن المرتد يستتاب لعله يرجع فيقبل منه فإذا أنكر بالكلية فهو أولى بالقبول وليس في هذه الرواية أنه ثبت عليه الردة ولا فيها أنه وجد منه غير إنكار الردة وأما مسألة محمد بن الحكم ففيها أنه قال أنا مسلم وذلك يحصل به الإسلام كالشهادتين وظاهر كلام أحمد يدل على أن إنكاره يكفي في الرجوع إلى الإسلام ولو ثبت عليه الردة بالبينة وهو خلاف قول أصحابنا وأما إن ثبت كفره بإقراره عليه ثم أنكر ففي المغني يحتمل أن لا يقبل إنكاره وإن سلمنا فلأن الحد هنا وجب بقوله فيقبل رجوعه عنه بخلاف ما ثبت بالبينة كما في حد الزنا القاعدة التاسعة والستون العقد الوارد على عمل معين إما أن يكون لازما ثابتا في الذمة بعوض كالإجارة فالواجب تحصيل ذلك العمل ولا يتعين أن يعمله المعقود معه إلا بشرط أو قرينة تدل عليه وإما أن يكون غير لازم وإنما يستفاد التصرف فيه بمجرد الإذن فلا يجوز للمعقود معه أن يقيم غيره مقامه في عمله إلا بإذن صريح أو قرينة دالة عليه ويتردد بين هذين من كان تصرف بولاية إما ثابتة بالشرع كولي النكاح أو بالعقد كالحاكم وولي اليتيم أما الأول فله صور منها الأجير المشترك فيجوز له الاستنابة في العمل لأنه ضمن تحصيله لا عمله بنفسه واستثنى الأصحاب من ذلك أن يكون العمل متفاوتا كالفسخ فليس له الاستنابة فيه بدون إذن المستأجر صريحا ونقلت من خط القاضي على ظهر جزء من خلافه قال نقلت من مسائل ابن أبي حرب الجرجاني سمعت أبا عبد الله سئل قال دفعت ثوبا إلى خياط فقطعه ثم دفعه إلى آخر ليخيطه قال هو ضامن ولعل هذا فيما إذا دلت الحال على وقوع العقد فيه على خياطة المستأجر لجودة صناعته وحذقه وشهرته بذلك ولا يرضى المستأجر
____________________
(1/136)
بعمل غيره والمذهب الجواز بدون القرينة وعليه بنى الأصحاب صحة شركة الأبدان حتى أجازوها مع اختلاف الصنائع على أحد الوجهين وكذلك لو استأجر أجيرا لعمل وهو لا يحسنه ففي الصحة وجهان لأن العقد وقع على ضمان تسليم العمل وتحصيله لا على المباشرة ومنها لو أصدقها عملا معلوما مقدرا بالزمان أو بغيره وقلنا يصح ذلك فهو كالأجير المشترك وأما الثاني وهو المتصرف بالإذن المجرد فله صور منها الوكيل وفي جواز توكيله بدون إذن روايتان معروفتان إلا فيما اقتضته دلالة الحال مثل أن يكون العمل لا يباشره مثله أو يعجز عنه لكثرته فله الاستنابة بغير خلاف لكن هل له الاستنابة في الجميع أو في القدر المعجوز عنه خاصة على وجهين والأول اختيار صاحب المغني والثاني قول القاضي وابن عقيل ومنها العبد المأذون له فيه وفيه طريقان أحدهما أنه كالوكيل وهو المذكور في الكافي لأنه استفاد التصرف بالإذن فهو كالوكيل والثاني ليس له الاستنابة بدون إذن أو عرف بغير خلاف وهو ما ذكره في التلخيص لقصور العبد في أملاكه وتصرفاته فلا يملك التصرف بدون إذن أو قرينة ومنها الصبي المأذون له وهو كالوكيل ذكره في الكافي ومنها الشريك والمضارب وفيهما طريقان أحدهما أن حكمهما حكم الوكيل على الخلاف فيه وهي طريقة القاضي والأكثرين والثانية يجوز لهما التوكيل بدون إذن وهو المجزوم به في المحرر وكذلك رجحه أبو الخطاب في رءوس المسائل لعموم تصرفهما وكثرته وطول مدته غالبا وهذه قرائن تدل على الإذن في التوكيل في البيع والشراء وكلام ابن عقيل يشعر بالتفريق بين المضارب والشريك فيجوز للشريك التوكيل لأنه علل بأن الشريك استفاد بعقد الشركة ما هو دونه وهو الوكالة لأنها أخص والشركة أعم فكان له الاستنابة في الأخص بخلاف الوكيل فإنه استفاد بحكم العقد مثل العقد وهذا يدل على إلحاق المضارب بالوكيل وهذا الكلام في توكيلهما في البيع والشراء فأما دفع المضارب المال مضاربة إلى غيره
____________________
(1/137)
فلا يجوز بدون إذن صريح نص عليه أحمد وعلل بأنه إنما ائتمنه على المال فكيف يسلمه إلى غيره وحكى فيه رواية أخرى بالجواز وأما الثالث وهو المتصرف بالولاية فمنه ولي اليتيم وفيه طريقان أحدهما أنه كالوكيل وهي طريقة القاضي وابن عقيل وصاحب المغني لأن تصرفه بالإذن فهو كالوكيل والثاني أنه يجوز التوكيل بخلاف الوكيل ورجحه القاضي وابن عقيل أيضا في كتاب الوصايا وأبو الخطاب وجزم به في المحرر لأنه متصرف بالولاية وليس وكيلا محضا فإنه يتصرف بعد الموت بخلاف الوكيل ولأنه يعتبر عدالته وأمانته وهذا شأن الولايات ولأنه لا يمكنه الاستئذان أو تطول مدته ويكثر تصرفه بخلاف الوكيل هذا في توكيله فأما في وصيته إلى غيره ففيها روايتان منصوصتان واختار المنع أبو بكر والقاضي ومنها الحاكم هل له أن يستنيب غيره من غير إذن له في ذلك وفيه طريقان أحدهما طريق القاضي في المجرد والخلاف أنه كالوكيل على ما مر فيه والثاني وهو طريق القاضي في الأحكام السلطانية وابن عقيل وصاحب المحرر أن له الاستحلاف قولا واحدا ونص عليه أحمد في رواية مهنا بناء على أن القاضي ليس بنائب للإمام بل هو ناظر للمسلمين لا عمن ولاه ولهذا لا يعزل بموته ولا بعزله على ما سبق فيكون حكمه في ولايته حكم الإمام بخلاف الوكيل ولأن الحاكم يضيق عليه تولي جميع الأحكام بنفسه ويؤدي ذلك إلى تعطيل مصالح الناس العامة فأشبه من وكل فيما لا يمكنه مباشرته عادة لكثرته ومنه ولي النكاح فإن كان مجبرا فلا إشكال في جواز توكيله لأن ولايته ثابتة شرعا من غير جهة المرأة ولذلك لا يعتبر معه إذنها وإن كان غير مجبر ففيه طريقان أحدهما أنه كالوكيل وهي طريقة القاضي لأنه متصرف بالإذن والثاني أنه يجوز له التوكيل قولا واحدا وهو طريق صاحب المغني والمحرر لأن ولايته ثابتة بالشرع من غير جهة المرأة فلا تتوقف استنابته على إذنها كالمجبر وإنما افترقا على اعتبار إذنها في صحة النكاح ولا أثر له ههنا القاعدة السبعون الفعل المتعدي إلى مفعول أو المتعلق بظرف أو مجرور إذا كان مفعوله أو متعلقه عاما
____________________
(1/138)
فهل يدخل الفاعل الخاص في عمومه أم يكون ذكر الفاعل قرينة مخرجة له من العموم أو يختلف ذلك بحسب القرائن فيه خلاف في المذهب والمرجح فيه التخصيص إلا مع التصريح بالدخول أو قرائن تدل عليه وتترتب على ذلك صور متعددة منها النهي عن الكلام والإمام يخطب لا يشمل الإمام على المذهب المشهور ومنها الأمر بإجابة المؤذن هل يشمل المؤذن نفسه المنصوص هاهنا الشمول والأرجح عدمه طردا للقاعدة ومنها إذا أذن السيد لعبده في التجارة لم يملك أن يؤجر نفسه وللمنع مأخذ آخر وهو أن المنافع ليست من أموال التجارة ذكره القاضي ومنها إذا أذن السيد لعبده أن يعتق عن كفارته من رقيق السيد لم يملك أن يعتق نفسه وخرجها أبو بكر على وجهين وهذا يتمشى على طريقته وطريقة ابن حامد والمتقدمين أن تكفير العبد بالمال لا ينبني على ملكه بالتمليك بل يكفر به إذن السيد وإن لم يملكه وإلا فلو ملك نفسه لانعتقت عليه قهرا ولم تجزئه عن الكفارة ومنها هل يكون الرجل مصرفا لكفارة نفسه في المسألة روايتان ثم من الأصحاب من السحري في غير كفارة الجماع في رمضان لورود النص فيها ومنهم من حكاها في الجميع وجعل ذلك خصوصا للأعرابي وإسقاط الكفارة عنه لعجزه وكونها لا تفضل عنه واختلفوا في محل الخلاف فقيل هو إذا كفر الغير عنه بإذنه هل يجوز له أن يصرفها إليه أم لا بناء على أن التكفير من الغير عنه لا يستلزم دخولها في ملكه قبل ملك الفقير لها كما تقدم مثله في العتق وقيل بل إذا تصدق عليه بها لفقره هل يجوز أن يأكلها وتكون كفارة أم لا وهي طريقة ابن أبي موسى ومنها هل يكون الرجل مصرفا لزكاته إذا أخذ الساعي منه فقد برئت ذمته منها فله أن يعيدها إليه بعد ذلك هذا هو المنصوص عن أحمد واختيار القاضي لأن عودها إليه ههنا بسبب متجدد فهو كإرثه لها ولا نقول إنه قبضها عن زكاة ماله لأنه برئ من زكاة ماله بقبض الساعي وإنما يأخذها من جملة الصدقات المباحة له وقال أبو بكر مذهب أحمد لا يحل له أخذها ذكره في زكاة الفطر وعلل بأنها طهرة فلا يجوز أن يتطهر بما قد تطهر به وهكذا الخلاف في رد الإمام خمس الفيء والغنيمة على من أخذها منه وأما إسقاطها قبل القبض فلا يجوز لأن الإبراء من الدين لا يسقط
____________________
(1/139)
الزكاة ولا الخمس بل يجب فيها القبض بخلاف الخراج والعشر المأخوذ من تجار أهل الكتاب لأنه فيء فيجوز للإمام إسقاطه ممن هو واجب عليه إذا رأى فيه المصلحة وكذلك خمس الركاز إذا قيل هو فيء ومنها هل يكون الواقف مصرفا لوقفه كما إذا وقف شيئا على الفقراء ثم افتقر فإنه يدخل على الأصح ونص عليه أحمد في رواية المروذي وكذلك لو انقطع مصرف الوقف وقلنا يرجع إلى أقاربه وقفا وكان الواقف حيا هل يرجع إليه على روايتين حكاهما ابن الزاغوني في الإقناع وجزم ابن عقيل في المفردات بدخوله وكذلك لو وقف على أولاده وأنسابهم لهم أبدا على أنه من توفي منهم عن غير ولد رجع نصيبه إلى أقرب الناس إليه فتوفي أحد أولاده عن غير ولد والأب الواقف حي فهل يعود نصيبه إليه لكونه أقرب الناس إليه أم لا يخرج على ما قبلها والمسألة ملتفتة إلى دخول المخاطب في خطابه ومنها الوكيل في البيع هل له الشراء من نفسه فيه روايتان معروفتان وللمنع مأخذان أحدهما التهمة وخشية ترك الاستقصاء في الثمن والثاني أن سياق التوكيل في البيع يدل على إخراجه من جملة المشترين لأنه جعله بائعا فلا يكون مشتريا وهذان المأخذان ذكرهما القاضي وغيره والثالث أنه لا يجوز أن يتولى طرفي العقد واحد بنفسه ويأخذ بإحدى يديه من الأخرى فإذا وكل رجلا يشتري له منه جاز نقل ذلك حنبل عن أحمد فعلى المأخذ الأول لا يجوز له البيع ممن يتهم بمحاباة أيضا وهو ممن لا تقبل شهادته له ومنهم من خصه بمن له عليه ولاية وهو ولده الصغير دون من لا ولاية له عليه وهي طريقة القاضي في المجرد وابن عقيل وصاحب المغني وعلى الثاني والثالث يجوز له البيع من غيره إذا كان أهلا للقبول ويجوز على المأخذ الثالث أيضا أن يوكل من يشتري له لاندفاع محذور إيجاد الموجب والقابل وإن وكل من يبيع السلعة ويشتريها هو فذكر ابن أبي موسى أنه إن كان مأذونا له في التوكيل في البيع جاز الشراء من وكيله قولا واحدا بناء على أن هذا الوكيل الثاني وكيل للموكل الأول فكأنه اشترى السلعة من مالكها وإن كان لم يأذن له في التوكيل انبنى على جواز
____________________
(1/140)
توكيله بدون إذن فإن أجزناه صح البيع وإلا فلا فيحتمل أن يكون مأخذ الصحة أن الوكيل الثاني وكيل للموكل الأول ويدل عليه تعليله بذلك في صورة الإذن في مسألة النكاح ويحتمل أن يعتبر التوكيل لئلا يتحد الموجب والقابل مع أن هذا منتقص بالأب في مال ولده الطفل وأما رواية الجواز فاختلف في حكاية شروطها على طرق أحدها أنه يشترط الزيادة على الثمن الذي ينتهي إليه الرغبات في النداء وفي اشتراط أن يتولى النداء غيره وجهان وهي طريقة القاضي في المجرد وابن عقيل والثاني أن المشترط التوكيل المجرد كما هي طريقة ابن أبي موسى والشيرازي والثالث أن المشترط أحد أمرين إما أن يوكل من يبيعه على قولنا بجواز ذلك وإما الزيادة على ثمنه في النداء وهي طريقة القاضي في خلافه وأبي الخطاب وأما إن باع الوكيل واشترط على المشتري أن يشركه فيه فهل يجوز أم لا على روايتين إحداهما يجوز نقلها أبو الحارث في الوكيل يبيع ويستثني لنفسه الشركة أرجو ألا يكون به بأس والثانية تكره نقلها ابن منصور في رجل يدفع إليه الثوب يبيعه فإذا باعه قال أشركني فيه قال أكره هذا فأما إن أذن له الموكل في الشراء من نفسه فإنه يجوز قال كثير من الأصحاب رواية واحدة بخلاف النكاح وحكى الشيخ مجد الدين فيه وجها آخر بالمنع قال وهل يكون حضور الموكل وسكوته كإذنه يحتمل وجهين أشبههما بكلام أحمد المنع ونقل أحمد بن نصر الخفاف عن أحمد فيمن له على رجل خمسون دينارا فوكله في بيع داره ومتاعه ليستوفي حقه فباعها بدراهم ليصارف نفسه ويأخذها بالدنانير لم يجز ولكن يبيعها ويستقصي ويأخذ حقه قال القاضي ظاهر كلامه أنه لا يجوز له بيعها بغير جنس حقه ليستوفي منه لأن التهمة موجودة في عقد الصرف لنفسه من نفسه وإنما أذن له في الاستيفاء ولم يأذن له في المصارفة فإذا باعها بجنس حقه فله الاستيفاء منها بالإذن لأن يده كيد موكله فهو يقبض من يد غيره لنفسه لكن هذه العلة موجودة في شراء الموكل من نفسه وكذلك حكى في الخلاف في المسألتين روايتين وجعلها صاحب التلخيص رواية يجوز أن توكيل الوكيل في
____________________
(1/141)
إيفاء نفسه من جنس حقه خاصة وأنكر الشيخ مجد الدين أن يكون فيها دلالة على المنع مدة البيع بغير جنس الحق لا سيما إن كان جنس الحق غير نقد البلد وحمل قول أحمد ببيعها على الدراهم التي هي الثمن وبنى ذلك على قولنا بمنع الوكيل من البيع من نفسه فأما على قولنا بجوازه فإنه يجوز له ههنا مصارفة نفسه ومنها شراء الوكيل لموكله من ماله وحكمه حكم شراء الوكيل من مال موكله ذكره ابن أبي موسى وغيره وفي مسائل ابن هانئ عن أحمد فيمن بعث إليه بدراهم ليشتري بها من بعض المواضع فبعث إليهم بما عنده وبالغ في الاستقصاء قال مما لا يعجبني أن يبعث إليهم بما عنده حتى يبين أنه قد بعث إليهم من المتاع الذي عنده ومنها شراء الوصي من مال اليتيم وحكمه حكم شراء الوكيل وفيه روايتان منصوصتان ولم يذكر ابن أبي موسى فيه سوى المنع وكذلك حكم الحاكم وأمينه في مال اليتيم ويتوجه التفريق بين الحاكم وغيره فإن الحاكم ولايته غير مستندة إلى إذن فيكون عامة بخلاف من أسندت ولايته إلى إذن من غيره في التصرف فإن إطلاق الإذن له يقتضي أن يتصرف مع غيره لا مع نفسه كما سبق وقد اعتمد القاضي على هذا الفرق بين تصرف الأب وغيره ومنها الوكيل في نكاح امرأة ليس له أن يتزوجها لنفسه على المعروف من المذهب وقد ذكر ابن أبي موسى أنه إن أذن له الولي في التوكيل فوكل غيره فزوجه صح وكذا إن لم يأذن له وقلنا للوكيل أن يوكل مطلقا فأما من له ولاية بالشرع كالولي والحاكم وأمينه فله أن يزوج نفسه وإن قلنا ليس لهم أن يشتروا من المال ذكره القاضي في خلافه وفرق بأن المال القصد منه الربح وهذا يقع فيه التهمة بخلاف النكاح فإن القصد منه الكفاءة وحسن العشرة فإذا وجد ذلك صح وألحق أيضا الوصي بذلك وفيه نظر فإن الوصي يشبه الوكيل لتصرفه بالإذن وسواء في ذلك اليتيمة وغيرها صرح به القاضي في ذلك وذلك حيث يكون لها إذن معتبر ومتى زوج أحد من هؤلاء نفسه بإذن المرأة من غير توكيل بل مباشرة لطرفي العقد ففي صحته روايتان وإن وكل في أحد الطرفين فقال أكثر الأصحاب يصح رواية واحدة وأنكر ذلك ابن عقيل وقال متى قلنا لا يصح أن يتولاه بنفسه لم يصح عقد وكيله له لأن وكيله قام مقام نفسه واستثنى من ذلك الإمام إذا أراد أن يتزوج امرأة ليس لها ولي فإنه يتزوجها بولاية أحد نوابه لأن نوابه نواب عن المسلمين لا عنه فيما يخصه
____________________
(1/142)
ومنها إذا عمل أحد الشريكين في مال الشركة عملا يملك الاستئجار عليه ودفع الأجرة فهل له أن يأخذ الأجرة أم لا على روايتين ومنها الموصى إليه بإخراج مال لمن يحج أو يغزو وليس له أن يأخذه ويحج به ويغزو نص عليه أحمد في رواية أبي داود وقال هو متعد لأنه لم يأمره وهذا تصريح بأن مأخذ المنع عدم تناول اللفظ له ومنها المأذون له أن يتصدق بمال هل له أن يأخذ منه لنفسه إذا كان من أهل الصدقة المذهب أنه لا يجوز ونص عليه أحمد في رواية ابن بختان وذكر في المغني احتمالين آخرين أحدهما الجواز مطلقا والثاني الرجوع إلى القرائن فإن دلت قرينة على الدخول جاز الأخذ أو على عدمه لم يجز ومع التردد يحتمل وجهين والجواز متخرج من مسألة شراء الوكيل وأولى إذ لا عوض ههنا ينبغي وهو أمين على المال يتصرف فيه بالمصلحة ولكن الأولى سد الذريعة لأن محاباة النفس لا يؤمن وعلى هذا فهل له أن يعطيه من لا تقبل شهادته له فيه وجهان أشهرهما المنع والثاني الجواز اختاره صاحبا المغني والمحرر ومنها إذا وكل غريمه أن يبرئ غرماءه لم يدخل فيهم بمطلق العقد فإن سماه أو وكله وحده جاز ذلك كما قلنا في البيع من نفسه على الأصح ذكره في شرح الهداية وعزاه إلى القاضي وابن عقيل قال والفرق على الوجه الآخر افتقار البيع إلى الإيجاب والقبول بخلاف الإبراء ومنها لو قال في الأيمان ونحوها من التعليقات من دخل داري أو قال من دخل دارك لم يدخل المتكلم في الصورة الأولى ولا المخاطب بها في الصورة الثانية ذكره القاضي وغيره ومنها الأموال التي تجب الصدقة فيها شرعا للجهل بأربابها كالغصوب والودائع لا يجوز لمن هي في يده الأخذ منها على المنصوص وخرج القاضي جواز الأكل له منها إذا كان فقيرا على الروايتين في شراء الوصي من نفسه كذا نقله عنه ابن عقيل في فنونه
____________________
(1/143)
وأفتى به الشيخ تقي الدين في الغاصب الفقير إذا تاب وعلى المذهب يتخرج في إعطاء من لا تقبل شهادته له الوجهان والمنصوص عن أحمد أنه لا يحابي به أصدقاءه بل يعطيهم أسوة بغيرهم نقله عنه صالح وكذا نقل عنه المروذي إذا دفعها إلى أقارب له محتاجين إن كان على طريق المحاباة لا يجوز وإن كان لم يحابهم فقد تصدق ونقل عنه حرب إذا كان له إخوان محاويج قد كان يصلهم أيجوز له أن يدفعها إليهم فكأنه استحب أن يعطي غيرهم وقال لا يحابي بها أحدا والظاهر أنه جعل إعطاءهم مع اعتبار صلتهم محاباة فكذلك استحب العدول عنهم بالكلية تنبيه لو وصى لعبده بثلث ماله دخل في الوصية ثلث العبد نفسه فيعتق عليه نص ويكمل عتقه من باقي الوصية لأن ملكه للوصية مشروط بعتقه فكذلك دخل في عموم المال الموصى به ضرورة صحة الوصية له القاعدة الحادية والسبعون فيما يجوز الأكل من الأموال بغير إذن مستحقيها وهي نوعان مملوك تعلق به حق الغير ومملوك للغير فأما الأول فهو مال الزكاة فيجوز الأكل مما تتوق إليه الأنفس ويشق الانكفاف عنه من الثمار بقدر ما يحتاج إليه من ذلك ويطعم الأهل والضيفان ولا يحتسب زكاته وكذلك يجب على الخارص أن يدع خرصه الثلث أو الربع بحسب ما يقتضيه الحال من كثرة الحاجة وقلتها كما دلت عليه السنة فإن استبقيت ولم تؤكل رطبة رجع عليهم بزكاتها وأما الزروع فيجوز الأكل منها بقدر ما جرت العادة بأكله فريكا ونحوه نص عليه وليس له الإهداء منها وخرج القاضي في الأكل منها وجهين من الأكل من الزروع التي ليس لها حافظ وأما الثاني فينقسم إلى ما له مالك معين وإلى ما له مالك غير معين فأما ما له مالك غير معين كالهدي والأضاحي فيجوز لمن هي في يده وهو المهدي والمضحي أن يأكل منها ويدخر ويهدي كما دلت عليه السنة وهل يجوز أكل أكثر من الثلث أم لا على وجهين أشهرهما الجواز وهل المستحب أن يقسم الهدي أثلاثا كالأضاحي أو يتصدق به كله أو بما يأكله منه على وجهين
____________________
(1/144)
وأما ما له مالك معين فنوعان أحدهما أن يكون له عليه ولاية فإن كانت الولاية عليه لحفظ نفسه كالرهن فإنه يجوز له الأكل مما بيده إذا كان دارا والانتفاع بظهره إذا كان مركوبا لكن بشرط أن يعاوض عنه بالنفقة وإن كانت الولاية لمصلحة المولى عليه فالمنصوص جواز الأكل منه أيضا بقدر عمله ويتخرج على ذلك صور منها ولي اليتيم يأكل مع الحاجة بقدر عمله وهل يرده إذا أيسر على روايتين واختار ابن عقيل أنه يأكل مع الحاجة وعدمها ولو فرض له الحاكم شيئا جاز له أخذه مجانا بغير خلاف هذا ظاهر كلام القاضي ونص عليه أحمد في رواية البرزاطي في الأم الحاضنة أنها لا تأكل من مال ولدها إلا لضرورة إلا أن يفرض لها الحاكم في المال حق الحضانة ووجهه أن من أعطاه غيره فله تدودت مع الغنى بخلاف الأخذ بنفسه ولهذا أجاز للوصي الأخذ إذا شرط له الأب مع غناه وجاز للولي أن يدفع مال اليتيم مضاربة إلى من يعمل فيه بجزء من ربحه ولم يجز له إذا عمل فيه بنفسه أن يأخذ ولهذا المعنى جاز الأخذ لعامل الزكاة مع الغنى لأن المعطي له هو الإمام ومنها أمين الحاكم أو الحاكم إذا نظر في مال اليتيم قال القاضي مرة لا يأكل وفرق بينه وبين الوصي بأن الأب له أن يجعل للوصي جعلا مع وجود متبرع بالنظر في مال اليتيم والولي متصرف بإذنه وتوليته بخلاف أمين الحاكم فإنه لو وجد متبرعا بالحفظ لم يجز له أن يجعل لأحد جعلا عليه وقال مرة له الأكل كوصي الأب وأخذه من نص أحمد على أن الحاكم يأخذ على القضاء أجرا بقدر شغله وقال هو مثل ولي اليتيم وأما الأب فقال القاضي ليس له الأكل لأجل عمله لغناه عنه بالنفقة الواجبة في ماله ولكن له الأكل منه بجهة التمليك عندنا وضعف ذلك الشيخ تقي الدين ومنها ناظر الوقف والصدقات ونص أحمد على جواز أكله نقله عنه أبو الحارث أنه قال في والي الوقف إن أكل منه بالمعروف فلا بأس قيل له فيقضي منه دينه قال ما سمعنا فيه شيئا وكذلك نقل عنه حرب في رجل أوصى إلى رجل بأرض أو صدقة للمساكين فدخل الوصي الحائط أو الأرض فتناول بطيخة أو قثاء أو نحو ذلك قال لا بأس بذلك إذا كان القيم بذلك أكل وترجم عليه بعض الأصحاب وأظنه أبا حفص العكبري الوصي يأكل من الوقف
____________________
(1/145)
الذي يليه وهذا ظاهر في أنه لا يشترط له الحاجة وخرجه أبو الخطاب على عامل اليتيم ونقل الميموني عن أحمد أنه ذكر حديث عمر حين وقف فأوصى إلى حفصة ثم قال أحمد وليه يأكل منه بالمعروف إذا اشترط ذلك ومفهومه المنع من الأكل بدون الشرط فأما الوكيل في الصدقة فلا يأكل منه شيئا نقل يعقوب بن بختان عن أحمد في رجل في يده مال للمساكين وأبواب البر وهو فقير محتاج إليه فلا يأكل منه إنما أمر أن ينفذ وصرح به القاضي في المجرد بأن من أوصى إليه بتفرقة مال على المساكين أو دفع إليه رجل في حياته مالا ليفرقه صدقة لم يجز له أن يأكل منه شيئا بحق قيامه لأنه منفذ وليس بعامل منم واستغراق ومنها الوكيل والأجير والمعروف منعهما من الأكل لاستغنائهما عنه بطلب الأجرة من المؤجر والموكل لا سيما والأجير قد أخذ الأجرة على عمله ونقل حنبل عن أحمد في الولي والوصي يأكلان بالمعروف إذا كانا يصلحان ويقومان بأمره فأكلا بالمعروف فلا بأس به بمنزلة الوكيل والأجير قال القاضي في خلافه وظاهر هذا جواز الأكل للوكيل النوع الثاني ما لا ولاية له عليه فيجوز الأكل منه للضرورة بلا نزاع وأما مع عدمها فيجوز فيما تتوق إليه النفوس مع عدم الحفظ والاحتراز عليه وذلك في صور منها الأكل من الأطعمة في دار الحرب وإطعام الدواب المعدة للركوب فإن كانت للتجارة ففيه روايتان وإن كانت للتصيد بها فوجهان وسواء كان يحتاج إليه أو لم يكن في أشهر الطريقين وفي الثانية لا يجوز إلا للحاجة بقدرها وفي رد عوضها في المغنم روايتان وهي طريقة ابن أبي موسى واختلف الأصحاب في محل الجواز فقيل محله ما لم يحرزه الإمام فإذا أحرزه أو وكل به من يحفظه لم يجز الأكل إلا لضرورة وهي طريقة الخرقي لأن إحرازه منع من التناول منه وأما قبل الإحراز فإن حفظه يشق ويتسامح بمثله عادة وقيل يجوز الأكل ما داموا في أرض الحرب وإن أحرز ما لم يقسم وهي طريقة القاضي وإن فضلت منه فضلة فهل يجب ردها مطلقا أو يشترط كثرتها على روايتين ومنها إذا مر بثمر غير محوط ولا عليه ناظر فله أن يأكل منه مع الحاجة وعدمها ولا يحمل على الصحيح المشهور من المذهب ولا فرق بين المتساقط على الأرض وما على الشجر كما دلت عليه السنة وتنزيلا لتركه بغير حفظ مع العلم بتوقان نفوس المارة إليه منزلة الإذن في الأكل منه لدلالته عليه عرفا مع العلم بتسامح غالب النفوس في بذل يسير
____________________
(1/146)
الأطعمة بخلاف المحفوظ بناظر أو حائط فإن ذلك بمنزلة المنع منه وفي المذهب رواية ثانية بجواز الأكل من المتساقط دون ما على الشجر لأن المسامحة في المتساقط أظهر ليسرع الفساد إليه ولم يثبتها القاضي ورواية ثالثة بمنع الأكل مطلقا إلا مع الحاجة فيؤكل حينئذ مجانا بغير عوض وعلى المذهب المشهور هل يلحق الزرع ولبن المواشي بالثمار على روايتين فإن الأكل من الزرع وحلب اللبن من الضرع إنما يفعل للحاجة لا للشهوة القاعدة الثانية والسبعون اشتراط النفقة والكسوة في العقود يقع على وجهين معاوضة وغير معاوضة فأما المعاوضة فتقع في العقود اللازمة ويملك فيها الطعام والكسوة كما يملك غيرهما من الأموال المعاوض بها فإن وقع التفاسخ قبل انقضاء المدة رجع بما عجل منها إلا في نفقة الزوجة وكسوتها فإن في الرجوع بهما ثلاثة أوجه ثالثها يرجع بالنفقة دون الكسوة فمنها الإجارة فيجوز استئجار الظئر بطعامها وكسوتها على الصحيح ومن الأصحاب من لم يجعل فيه خلافا ومنها استئجار غير الظئر من الأجراء بالطعام والكسوة وفيه روايتان أصحهما الجواز كالظئر ومنها البيع فلو باعه ثوبا بنفقة عبده شهرا صح ذكره القاضي في خلافه ومنها النكاح تقع النفقة والكسوة فيه عوضا عن تسليم المنافع ولا يحتاج إلى شرطها في العقد كما لا يحتاج فيه إلى ذكر المهر الذي يحصل به أصل الاستباحة ولو شرطت عليه نفقة ولدها وكسوته صح وكان من المهر وأما غير المعاوضة فهو إباحة النفقة للعامل ما دام متلبسا بالعمل ويقع ذلك في العقود الجائزة إما بأصل الأصل أو لأنه لا يجوز المعاوضة فيه بالشرع ويندرج تحت ذلك صور منها المضاربة فيجوز اشتراط المضارب النفقة والكسوة في مدة المضاربة ومنها الشركة ومنها الوكالة ومنها المساقاة والمزارعة إذا قلنا بعدم لزومها وما بقي معهم من النفقة المأخوذة والكسوة
____________________
(1/147)
بعد الفسخ هذه العقود هل يستقر ملكهم عليه أم لا يحتمل أن لا يستقر لأن ما يتناوله إنما هو على وجه الإباحة لا الملك ولهذا قال الأصحاب إذا اشترط المضارب التسري من مال المضاربة فاشترى أمة منه ملكها ويكون ثمنها قرضا عليه لأن الوطء لا يستباح بدون الملك بخلاف المال فإنه يستباح بالبذل والإباحة كما يستبيح المرتهن الانتفاع بالرهن بشرطه في عقد البيع نص عليه أحمد ويكون إباحة وأشار أبو بكر عبد العزيز إلى رواية أخرى يملك المضارب الأمة بغير عوض وعلى هذا فيحتمل أن تكون النفقة والكسوة تمليكا فلا يرد ما فضل منهما ويحتمل أن يفرق بين اليسير والكثير كما في المأخوذ من المغنم ومنها إذا أخذ الحاج نفقة من غيره ليحج عنه فإنه عقد جائز والنفقة فيه إعانة على الحج لا أجرة وينفق على نفسه بالمعروف إلى أن يرجع إلى بلده وإن فضلت فضلة ردها نص عليه وكذا إن كانت الحجة عن الميت بأن تكون حجة الإسلام أو أوصى بأن يحج عنه فإن فاضل النفقة يسترده الورثة إلا أن يعين الموصي في وصيته إعطاء مقدار معين لمن يحج عنه حجة فإن الفاضل يكون له في المعروف من المذهب ونقل ابن منصور عن أحمد إذا قال حجوا عني بألف درهم حجة يحج عنه حجة وما فضل يرد إلى الورثة وهذا يدل على أنه لا يجوز أن يدفع إلى من يحج أكثر من نفقته ولم يجعل الباقي وصية لأن الحاج هنا غير معين فلا تصح الوصية له بخلاف ما إذا كان معينا ووجه المذهب أن الموصى له يتعين بحجة فيصير معلوما وإن قال حجوا عني بألف ولم يقل حجة فالمذهب أنها تصرف في حجة بعد أخرى حتى تنفذ وحكى ابن أبي موسى رواية أخرى أنه يحج عنه حجة واحدة بنفقة المثل والباقي للورثة ومنها إذا أخذ الحاج من الزكاة ليحج به فإنه يجوز بناء على قولنا إن الحج من السبيل فإن حج ثم فضلت فضلة فهل يسترد أم لا الأظهر استردادها كالوصية وأولى لأن هذا المال يجب صرفه في مصارفه المعينة شرعا ولا يجوز الإخلال بذلك بخلاف فاضل الوصية فإن الحق فيه للورثة ولهم تركة وقياس قول الأصحاب في الغازي أنه لا يسترد وظاهر كلام أحمد في رواية الميموني أن الدابة لا تسترد ولا يلزم مثله في النفقة لأن الدابة قد صرفت في سبيل الله بخلاف فاضل النفقة ويملكها بخروجه من بلده بخلاف الغازي نص عليه أحمد في رواية الميموني وعلل بأنه من حين يخرج فهو ابن سبيل له حق في الزكاة والغازي إنما أعطي للغزو فلا يملك بدونه وهذا يرجع إلى أن
____________________
(1/148)
من أخذ بسبب فانتفى وخلفه سبب آخر مبيح للأخذ أن له الإمساك بالسبب الثاني وفيه خلاف بين الأصحاب ومنها إذا أخذ الغازي نفقة أو فرسا ليغزو عليها فإنه يجوز ويكون عقدا جائزا لا لازما وهو إعانة على الجهاد لا استئجار عليه فإن رجع والفرس معه ملكها ما لم يكن وقفا أو عارية نص عليه أحمد ولا يملكها حتى يغزو وقال القاضي في خلافه ويكون تمليكا بشرط ومعناه أنه تمليك مراعى بشرط الغزو فإن غزا تبينا أنه ملكه بالقبض فإن قاعدة المذهب أن الهبة لا تقبل التعليق وكذلك عقود المعاوضات وإن فضل معه من الكسوة فهو كالفرس وإن فضل من النفقة ففيه روايتان إحداهما يملكها أيضا نقلها علي بن سعيد والثانية يرد الفاضل في الغزو إلا أن يؤذن له في الاستعانة به في غزوة أخرى نقلها حنبل والفرق بين النفقة وغيرها أن الدابة قد صرفت في سبيل الله واستعملت فيه وكذلك الكسوة يحصل المقصود بها بخلاف ما فضل من النفقة فأما إن أخذ من الزكاة ثم فضلت فضلة فقال الخرقي والأكثرون لا تسترد وحكى صاحب المحرر وغيره وجهين وقد قدمنا الفرق بين مال الزكاة وغيره ونص أحمد في رواية المروذي على أن الدابة تكون له ولا يلزم مثله في النفقة لما قدمنا القاعدة الثالثة والسبعون اشتراط نفع أحد المتعاقدين في العقد على ضربين أحدهما أن يكون استئجارا له مقابلا بعوض فيصح على ظاهر المذهب كاشتراط المشتري على البائع خياطة الثوب أو قصارته أو حمل الحطب ونحوه ولذلك يزداد به الثمن والثاني أن يكون إلزاما له لما لا يلزمه بالعقد بحيث يجعل له ذلك من مقتضى العقد ولوازمه مطلقا ولا يقابل بعوض فلا يصح وله أمثلة منها اشتراط مشتري الزرع القائم في الأرض حصاده على البائع فلا يصح ويفسد به العقد ذكره الخرقي وحكى ابن أبي موسى في فساده به وجهين لأن حصاد الزرع قد يتوهم أنه من تمام التسليم الواجب كما ظنه بعض الفقهاء ومنها اشتراط أحد المتعاقدين في المساقاة والمزارعة على الآخر ما لم يلزمه بمقتضى
____________________
(1/149)
العقد فلا يصح وفي فساد العقد به خلاف ويتخرج صحة هذه الشروط أيضا من الشروط في النكاح وغيرها وهو ظاهر كلام أكثر المتأخرين ولذلك استشكلوا مسألة الخرقي في حصاد الزرع ومنها شرط إيفاء المسلم فيه في غير مكان العقد وحكي في صحته روايتان والمنصوص عن أحمد فساده في رواية مهنا وأومأ إليه في رواية ابن منصور وقال ابن منصور ليس في حديث النبي صلى الله عليه وسلم تسمية المكان يشير بذلك إلى أن السلم يشترط فيه أن يذكر في العقد أوصاف المسلم فيه قدره وزمان محله كما دل عليه الحديث وليس فيه ذكر مكان إيفائه فاشتراط ذكر مكانه يوهم أن ذلك من جنس ما ذكر زمانه وأنه مستحق بنفس العقد بخلاف غيره من البيوع التي لا يذكر في عقودها شيء من ذلك القاعدة الرابعة والسبعون فيمن يستحق العوض عن عمل بغير شرط وهو نوعان أحدهما أن يعمل العمل ودلالة حاله تقتضي المطالبة بالعوض والثاني أن يعمل عملا فيه غناء عن المسلمين وقيام بمصالحهم العامة أو فيه استنقاذ لمال معصوم من الهلكة أما الأول أفسده تحته صور كثيرة كالملاح والمكاري والحجام والقصار والخياط والدلال ونحوهم ممن يرصد نفسه للتكسب بالعمل فإذا عمل استحق أجرة المثل وإن لم يسم له شيء نص عليه وأما الثاني فيدخل تحته صور منها من قتل مشركا في حال الحرب مغررا بنفسه في قتله فإنه يستحق سلبه بالشرع لا بالشرط في أصح الروايتين ومنها العامل على الصدقات فإنه يستحق أجرة عمله بالشرع قال أحمد في رواية صالح العاملين عليها الذين جعل الله لهم الثمن في كتابة السلطان وقال في رواية حنبل يكون لهم الذي يراه الإمام وظاهر هذا أن يجب ذلك له بالشرع إما مقدرا أو غير مقدر والولي يأخذ بنفسه وقد أمره الله بالاستعفاف مع الغنى وأيضا فأموال الزكاة حق لغير معين بخلاف مال اليتيم وأيضا فمال الزكاة يستحقه جماعة من الغني فالعامل الذي حصل الزكاة وجباها أولى وأيضا فالعامل هو الذي جمع المال وحصله بخلاف ولي اليتيم
____________________
(1/150)
وذكر القاضي في الأحكام السلطانية أن قياس المذهب أن العامل لا يستحق إذا لم يشترط له جعل إلا أن يكون معروفا بأخذ الأجرة على عمله والأول أصح لأن حقه ثابت بالنص فهو كجعل رد الإباق وأولى لورود القرآن به ومنها من رد آبقا على مولاه فإنه يستحق على رده جعلا بالشرع سواء شرطه أو لم يشرطه على ظاهر المذهب وفيه أحاديث مرسلة وآثار والمعنى فيه الحث على حفظه على سيده وصيانة العبد عما يخاف من لحاقه بدار الحرب والسعي في الأرض بالفساد ولهذا المعنى اختص الوجوب برد الآبق دون غيره من الحيوان والمتاع وسواء كان معروفا برد الإباق أو لم يكن إلا السلطان فإنه لا شيء له نص عليه في رواية حرب لانتصابه للمصالح وله حق في بيت المال على ذلك وكذلك لم يكن له الأكل من مال اليتيم كما سبق ومنها من أنقذ مال غيره من التلف كمن خلص عبد غيره من فلاة مهلكة أو متاعه من موضع يكون هلاكه فيه محققا أو قريبا منه بالبحر وفم السبع فنص أحمد على وجوب الأجرة له في المتاع وذكره القاضي وابن عقيل وصاحب المغني في العبد أيضا وحكى القاضي فيه احتمالا بعدم الوجوب كاللقطة وأورد في المجرد عن نص أحمد فيمن خلص من فم السبع شاة أو خروفا أو غيرهما فهو لمالكه الأول ولا شيء للمخلص والصحيح الأول لأن هذا يخشى هلاكه وتلفه على مالكه بخلاف اللقطة وكذلك لو انكسرت السفينة فخلص قوم الأموال من البحر فإنه يجب لهم الأجرة على الملاك ما ذكره في المغني لأن فيه حثا وترغيبا في إنقاذ الأموال من التهلكة فإن الغواص إذا علم أنه يستحق الأجرة غرر بنفسه وبادر إلى التخليص بخلاف ما إذا علم أنه لا شيء له فهو في معنى رد الآبق وفي مسودة شرح الهداية لأبي البركات وعندي أن كلام أحمد على ظاهره في وجوب الأجرة على تخليص المتاع من المهالك دون الآدمي لأن الآدمي أهل في الجملة لحفظ نفسه وفيه نظر وقد يكون صغيرا أو عاجزا وتخليصه أهم وأولى من المتاع وليس في كلام أحمد تفرقة فأما من عمل في مال غيره على غير ما ذكرنا فالمعروف من المذهب أنه لا أجرة له ونقل أبو جعفر الجرجاني عن أحمد في رجل عمل في قناة رجل بغير إذنه فقال لهذا الذي عمل نفقته إذا عمل ما يكون مصلحة لصاحب القناة وهذه تتخرج على أصلين
____________________
(1/151)
أحدهما أن الغاصب يكون شريكا بآثار عمله والثاني أن يجبر على أخذ قيمة آثار عمله من المالك لتملكها عليه وخرج القاضي في خلافه بأن يكون شريكا بآثار عمله إذا زادت به القيمة وذكر نص أحمد في العمل في القناة من رواية حرب وابن هانئ وتبعه على ذلك جماعة من الأصحاب وحمل ابن عقيل في مفرداته هذه النصوص على أن العامل هنا في القناة كان شريكا فيها وليس في المنصوص شيء يشعر بذلك ومن الأصحاب من أقر النصوص على ظاهرها وجعل هذا الحكم مطردا في كل من عمل عملا كغيره فيه مصلحة له وهو محتاج إليه كحصاد زرعه والاستخراج من معدنه ونحو ذلك تخريجا من العمل في القناة ومنهم الحارثي وكأنهم جعلوه بمنزلة تصرف الفضولي فللمالك حينئذ أن يمضيه ويرد عوضه وهو أجرة المثل وله أن يمضيه فيكون العامل شريكا بالعمل وقد قال القاضي في بعض تعاليقه وقرأته بخطه في الأجير إذا عمل في العين المستأجر عليها دون ما شرط عليه أن المالك مخير إن شاء رد عمله وأخذ وصار الأجير شريكا بعمله وإن شاء قبل العمل ورجع على الأجير بالأرش وذكر نص أحمد في رواية الميموني بالرجوع بالأرش ثم حمله على أنه كان قد رضي بالعمل وقال القاضي في خلافه قياس المذهب إذا لم يأت الحائك بالثوب على الصفة المشروطة إن شاء ضمنه قيمة الغزل ولا أجرة له وإن شاء ضمنه قيمته منسوجا وعليه الأجرة وتكون الأجرة ههنا بما زاد على قيمة الغزل ثم ذكر رواية الميموني هذه وقال هي محمولة على أن صاحب الثوب اختار تقويمه معمولا والتزم قيمة الصنعة التي هي دون التي وافقه عليها وهذا الذي قاله بعيد جدا أن يضمن المالك الصانع قيمة الثوب مع بقائه ولا يصح حمل كلام أحمد على ما قاله لأن أحمد قال ينظر ما بينهما فيرجع به على الصانع وهذا تصريح بالرجوع عليه بالأرش خاصة وأيضا فلو غصب غزلا ونسجه لم يملك المالك التزامه به ويطالبه بالقيمة فكيف يملك مطالبة الأجير بذلك وذكر ابن عقيل في هذه المسألة أن المالك يملك استرجاع الأجرة المسماة ودفع أجرة المثل ثم ذكر احتمالا بالرجوع بالأرش كما هو المنصوص والله أعلم ومتى كان العمل في مال الغير إنقاذا له من التلف المشرف عليه كان جائزا كذبح الحيوان المأكول إذا خيف موته صرح به صاحب المغني ويفيد هذا أنه لا يضمن ما نقض بذبحه
____________________
(1/152)
القاعدة الخامسة والسبعون فيمن يرجع بما أنفق على مال غيره بغير إذنه وهو نوعان أحدهما من أدى واجبا عن غيره والثاني من أنفق على ما تعلق به حقه من مال غيره فأما النوع الأول فيندرج تحته صور منها إذا قضى عنه دينا واجبا بغير إذنه فإنه يرجع به عليه في أصح الروايتين وهي المذهب عند الخرقي وأبي بكر والقاضي والأكثرين واشترط القاضي أن ينوي الرجوع ويشهد على نيته عند الأداء فلو نوى التبرع أو أطلق النية فلا رجوع له واشترط أيضا أن يكون المدين ممتنعا من الأداء وهو يرجع إلى أن لا رجوع إلا عند تعذر إذنه وخالف في ذلك صاحبا المغني والمحرر وهو ظاهر الخلاف للقاضي في المجرد والأكثرين وهذا في ديون الآدميين فأما ديون الله عز وجل كالزكاة والكفارة فلا يرجع بها من أداها عمن هي عليه وعلل القاضي ذلك بأن أداءها بدون إذن من هي عليه لا يصح لتوقفها على نيته ويلزم على هذا لو حج رجل عن ميت بدون إذن وليه وقلنا يصح أو أعتق عنه في نذر أو أطعم عنه في كفارة وقلنا يصح أن له الرجوع بما أنفق لسقوط اعتبار الإذن هنا ويكون كأداء أحد الخليطين الزكاة من ماله عن الجميع ومنها لو اشترى أسيرا مسلما حرا من أهل دار الحرب ثم أطلقه أو أخرجه إلى دار الإسلام فله الرجوع عليه بما اشتراه به سواء أذن له أو لم يأذن لأن الأسير يجب عليه افتداء نفسه ليتخلص من الأسر فإذا فداه غيره فقد أدى عنه واجبا رجع به عليه وأكثر الأصحاب لم يحكوا في الرجوع ههنا خلافا وحكى القاضي في كتاب الروايتين فيه رواية أخرى يتوقف الرجوع على الإذن وهل يعتبر للرجوع ههنا نية أم يكفي إطلاق النية على وجهين أحدهما تعتبر نية الرجوع لقضاء الديون وهو ظاهر كلام القاضي والثاني يرجع ما لم ينو التبرع وبه جزم في المحرر للأثر المروي عن عمر رضي الله عنه ولأن انفكاك الأسرى مطلوب شرعا فيرغب فيه بتوسعة طرف الرجوع لئلا تقل الرغبة فيه
____________________
(1/153)
ومنها نفقة الرقيق والزوجات والأقارب والبهائم إذا امتنع من يجب عليه النفقة فأنفق عليهما غيره بنية الرجوع فله الرجوع كقضاء الديون ذكره القاضي في خلافه وابن عقيل في مفرداته ومنها لو أنفق على عبده الآبق في حال رده إليه فإنه يرجع بما أنفق نص عليه وجزم به الأكثرون من غير خلاف فإنه يستحق جعلا على الرد عوضا عن بذله منافعه فلأن يجب له العوض عما بذله من المال في رده أولى واشترط أبو الخطاب وصاحب المحرر العجز عن استئذان المالك وضعفه صاحب المغني ولا يتوقف الرجوع على تسليمه فلو أبق منه قبل ذلك فله الرجوع بما أنفق عليه نص عليه أحمد في رواية عبد الله وصرح به الأصحاب وكذلك حكم المنقطع بمهلكة وحكى أبو بكر وابن أبي موسى في الرجوع بنفقته روايتين ولو أراد استخدامه بدل النفقة ففي جوازه روايتان حكاهما أبو الفتح الحلواني في الكفاية كالعبد المرهون ومنها نفقة اللقطة حيوانا كانت أو غيره مما يحتاج في حفظه إلى مؤنة وإصلاح فإن كانت بإذن حاكم رجع بها لأن إذنه قائم مقام إذن الغائب وإن لم يكن بإذنه ففيه الروايتان ومنهم من يرجح هاهنا عدم الرجوع لأن حفظها لم يكن متعينا بل كان مخيرا بينه وبين بيعها وحفظ ثمنها وذكر ابن أبي موسى أن الملتقط إذا أنفق غير مطوع بالنفقة فله الرجوع بها وإن كان محتسبا في الرجوع روايتان ومنها نفقة اللقيط خرجها بعض الأصحاب على الروايتين ومنهم من قال يرجع ههنا قولا واحدا وإليه ميل صاحب المغني لأن له ولاية على الملتقط ونص أحمد أنه يرجع بما أنفقه على بيت المال ومنها الحيوان المودع إذا أنفق عليه المستودع ناويا للرجوع فإن تعذر استئذان مالكه رجع وإن لم يتعذر فطريقان إحداهما أنه على الروايتين في قضاء الدين وأولى لأن للحيوان حرمة في نفسه فوجب تقديمه على الديون أحيانا وهي طريقة صاحب المغني والثانية لا يرجع قولا واحدا وهي ي طريقة المحرر ومتابعة لأبي الخطاب لكن من اعتبر الرجوع في قضاء الدين بعذر الإذن فههنا أولى وأما من لم يعتبر ذلك في الدين واعتبره ههنا فالفرق أن قضاء الدين فيه براء لذمته وتخليص له من الغريم وههنا اشتغال لذمته بدين لم تكن مشتغلة به وهو ضعيف وينتقض بنفقة الأقارب كما تقدم فإن
____________________
(1/154)
المطالبة هنا متوجهة من الحاكم بإلزامه فقد خلصه من ذلك وعجل براءته منه وقضاء الدين لم تبرأ به ذمته بالكلية بل هي مشغولة بدين المؤدي عنه أيضا فإن الإذن في الإنفاق على الحيوان المؤتمن عليه عرفي فينزل منزلة اللفظي ومنها نفقة طائر غيره إذا عشش في داره قال أحمد في رواية المروذي في طيرة أفرخت عند قوم من الجيران فالفراخ تتبع الأم يردون على أصحابها فإن كان قد علف الفراخ مدة مقامها في يده متطوعا لم يرجع وإن لم يتطوع يحتسب بالنفقة أخذ من صاحبها ما أنفق ولم يفرق بين إمكان الاستئذان وعدمه وخرج القاضي رواية أخرى بعدم الرجوع بكل حال من نظيرتها في المرتهن وغيره وأما النوع الثاني وهو ما يرجع فيه بالإنفاق على مال غيره لتعلق حقه به فله صور منها إنفاق أحد الشريكين على المال المشترك مع غيبة الآخر أو امتناعه قال أحمد في رواية أبي القاسم في رجلين بينهما أراض أو دار أو عبد يحتاج إلى أن ينفق ذلك على ذلك فيأبى الآخر قال ينظر في ذلك فإن كان يضر بشريكه ويمتنع مما يجب عليه ألزم ذلك وحكم به عليه ولا يضر بهذا ينفق ويحكم به عليه ويتفرع على هذه المسألة فروع من جملتها إذا كان بينهما حائط مشترك أو سقف فانهدم وطلب أحدهما أن يبني الآخر معه فالمذهب أنه يجبر على ذلك وفيه رواية أخرى لا يجبر فيه فينفرد الطالب بالبناء ويمنع الشريك من الانتفاع حتى يأخذ منه ما يخص حصته من النفقة نص عليه لأن من جاز له البناء في ملك غيره لم يكن متبرعا كالوصي والحاكم في ملك اليتيم ومن صور النوع إذا جنى العبد المرهون ففداه المرتهن بغير إذن الراهن قال أكثر الأصحاب كالقاضي وابن عقيل وأبي الخطاب وغيرهم إن لم يتعذر استئذانه فلا رجوع وإن تعذر خرج على الخلاف في نفقة الحيوان المرهون لأن الفداء هنا لمصلحة الرهن واستبقائه وهو واجب على الراهن لحق المرتهن وقال صاحب المحرر لا يرجع بشيء وأطلق لأن المالك لم يجب عليه الافتداء ههنا وكذلك لو سلمه لم يلزمه قيمته لتكون رهنا وقد وافق الأصحاب على ذلك وإنما خالف فيه ابن أبي موسى ومنها مؤنة الرهن من كري مخزنه وإصلاحه وتشميسه ونحو ذلك لا يلزم الراهن إذا قام بها المرتهن بدون إذنه مع تعذره فهي جارية مجرى نفقة الحيوان المرهون على ما سيأتي صرح به الأصحاب لأن ذلك مما لا بد منه لحفظ مالية الرهن فصار واجبا على الرهن لعلاقة حق المرتهن
____________________
(1/155)
ومنها لو خربت الدار المرهونة فعمرها المرتهن بغير إذن فقال القاضي في المجرد وصاحب المغني والمحرر لا يرجع إلا بأعيان آلته لأن بناء الدار لا يجب على المالك والمجزوم به في الخلاف الكبير للقاضي أنه يرجع لأنه من مصلحة الرهن وقال ابن عقيل يحتمل عندي أنه يرجع بما ينحفظ به أصل مالية الدار لحفظ وثيقته لأنها نفقة لحفظ مالية وثيقة وذلك غرض صحيح انتهى ولو قيل إن كانت الدار بعد ما خرب منها تحرز قيمة الدين المرهون به لم يرجع لأنه لا حاجة له إلى عمارتها حينئذ وإن كانت دون حقه أو وفق حقه ويخشى من تداعيها للخراب شيئا فشيئا حتى تنقص عن مقدار الحق فله أن يعمر ويرجع لمكان مسحها ومنها عمارة المستأجر في الدار المستأجرة ولا يرجع بها نص عليه أحمد في غلق الدار إذا عمله الساكن ويحتمل الرجوع بناء على مثله في الرهن ولكن حكى صاحب التلخيص أن المؤجر يجبر على الترميم بإصلاح منكسر وإقامة مائل فأما تجديد البناء والأخشاب فلا يلزمه لأنه إجبار على تسليم عين لم يتناولها العقد وللمستأجر الخيار قال ويحتمل أن يلزمه التجديد انتهى فعلى القول الأول لا يمكن القول برجوع المستأجر بما أنفق على التجديد وعلى الثاني يتوجه الرجوع فصل وقد يجتمع النوعان في صور فيؤدي عن ملك غيره واجبا يتعلق به حقه وفي ذلك طريقان أحدهما أنه على روايتين وهي طريقة الأكثرين والثاني يرجع ههنا رواية واحدة وهي طريقة القاضي في خلافه فمن ذلك أن ينفق المرتهن على الرهن بإطعام أو كسوة إذا كان عبدا أو حيوانا ففيه الطريقان أشهرهما أنه على الروايتين كذلك وقال القاضي في المجرد والروايتين وأبو الخطاب وابن عقيل والأكثرون والمذهب عند الأصحاب الرجوع ونص عليه أحمد في رواية أبي الحارث وكذلك نقل عنه ابن القاسم وأبي هانئ أنه يركب ويحلب بقدر نفقته ولم يعتبر إذنا كما دل عليه النص الصحيح وأيضا فالإذن في الإنفاق ههنا عرفي فيقوم مقام اللفظي وبالمرتهن إليه حاجة لحفظ وثيقة فصار كبناء أحد الشريكين الحائط المشترك ونقل عنه ابن منصور فيمن ارتهن دابة فعلفها بغير إذن صاحبها فالعلف على المرتهن من أمره أن يعلف وكذلك نقل عنه مهنا في كفن العبد المرهون لكن الكفن من النوع الأول وهذه الرواية ظاهر ما أورده ابن أبي موسى وحمل القاضي في كتاب الخلاف هذا النص
____________________
(1/156)
على أن الرهن كان حاضرا وأمكن استئذانه وعلف بدون إذن وقد صرح القاضي بأن الرجوع مشروط بتعذر الاستئذان واعتبر صاحب المحرر في لزوم نفقة الأقارب أن يستدان عليه بإذن الحاكم مع قوله إنها لا تلزم بفرض الحاكم وفيه نظر وفي الترغيب ليس لغير الأب الاستقراض إلا بإذن الحاكم حتى ولا للزوجة في حقها وحق ولدها الصغير وإنما للزوجة الأخذ من مال زوجها الموسر عند الامتناع إذا قدرت على قدر كفايتها وحكى في أخذها لولدها وجهين قال وليس لها الإنفاق على الطفل من ماله لو كان له مال بدون إذن وليه لانتفاء ولايتها عليه وهذا كله مخالف لظاهر كلام أحمد المتقدم ولقواعد المذهب فإن المذهب أنها تأخذ لنفسها ولولدها ونص أحمد على أنها تقبض الزكاة لولدها الطفل وقد سبق قول القاضي وغيره أن من أنفق على أقارب غيره الذين يلزمه نفقتهم فإنه يرجع بذلك عليه كما يرجع بقضاء الدين الواجب عليه وذكر ابن أبي موسى أن الزوجة إذا استدانت على زوجها نفقة المثل مع غيبته فإنها ترجع عليه ولم يعتبر إذن حاكم مع أنه لم يحك خلافا في سقوط نفقة الزوجة بناء على أنها لا تسقط بمضي الزمان في أشهر الروايتين بمضي الزمان بدون فرض الحاكم لها وكذلك أبو الخطاب وابن عقيل وصاحب المحرر مع أنه وافق طريقة الخلاف في الرجوع قولا واحدا بخلاف ما ذكره في الضمان وضعف صاحب المغني اعتبار الإذن طردا لما ذكره في الضمان ومنها إذا هرب الجمال وترك الجمال فأنفق عليها المستأجر بدون إذن حاكم ففي الرجوع الروايتان ومقتضى طريقة القاضي أنه يرجع رواية واحدة ثم إن الأكثرين اعتبروا هنا استئذان الحاكم بخلاف ما ذكره في الرهن واعتبروه أيضا في المودع واللقطة وفي المغني إشارة إلى التسوية من الكل في عدم الاعتبار وأن الإنفاق بدون إذنه يخرج على الخلاف في قضاء الدين وكذلك اعتبروا الإشهاد على نية الرجوع وفي المغني وغيره وجه آخر أنه لا يعتبر وهو الصحيح ومنها إذا هرب المساقي قبل تمام العمل استؤجر عليه من يتمه والحكم فيه كالجمال إلا أن للمالك الفسخ ولو قلنا بلزوم المساقاة لتعذر استيفاء المعقود عليه ومنها إذا غاب الزوج فاستدانت الزوجة النفقة على نفسها وأولادها الصغار نفقة المثل من غير زيادة فإنها ترجع بذلك نص عليه في رواية أبي زرعة الدمشقي ولم يعتبر إذن الحاكم ومنها إذا أعاره شيئا ليرهنه ثم افتكه المعير بقضاء الدين فإنه يرجع هنا قولا واحدا على ظاهر كلام القاضي
____________________
(1/157)
ومنها لو قضى أحد الورثة الدين عن الميت ليزول تعلقه بالتركة فإنه يرجع أيضا ولم يذكر القاضي فيه خلافا وهذه المسألة والتي قبلها قد لا يطرد فيهما الخلاف لأن الإنفاق ههنا لاستصلاح ملك المنفق فهو كإنفاق الشريك على عمارة الحائط يرجع به بغير خلاف وإنما الخلاف إذا كان الإنفاق لاستصلاح ما تعلق به حق المنفق إلا أن الأصحاب صرحوا باطراد الخلاف في صورة المساقاة مع تعلق الاستصلاح فيها بعين مال المنفق القاعدة السادسة والسبعون الشريكان في عين مال أو منفعة إذا كانا محتاجين إلى رفع مضرة أو إبقاء منفعة أجبر أحدهما على موافقة الآخر في الصحيح من المذهب وفي رواية أخرى إن أمكن أحدهما أن يستقل بدفع الضرر فعله ولم يجبر الآخر معه لكن إن أراد الآخر الانتفاع بما فعله شريكه فله منعه حتى يعطيه حصة ملكه من النفقة فإن احتاجا إلى تجديد منفعة فلا إجبار ويندرج تحت ذلك صور منها إذا انهدم الحائط المشترك فالمذهب إجبار الممتنع منهما بالبناء مع الآخر نص عليه في رواية جماعة فإن الإجبار هنا من جنس المعاوضة في الأموال المشتركة واجبة لدفع الضرر بالانتزاع بالشفعة وبيع ما لا يمكن قسمته والمغني فيه أن المالك مستحق الانتفاع بملكه ويجب على شريكه تمكينه منه فإذا دار الأمر بين تعطيل الحق بالكلية وبين المعاوضة عليه فالمعاوضة عليه أولى لأنه يرجع فيها إلى الانتفاع بالبدل بخلاف التعطيل وأما الرواية الثابتة بعدم الإجبار فهي مأخوذة من نص أحمد على عدم الإجبار في بناء حيطان السفل إذا كان العلو لآخر وانهدم الكل أنه لا يجبر صاحب العلو على البناء مع صاحب السفل في السفل والفرق واضح لأن السفل ملكه مختص بصاحبه بخلاف الحائط المشترك ولذلك عقد الخلال لكل واحد منهما بابا وذكر النص بالإجبار في الحائط والنص بانتفائه بالصورة الأخرى وعلى تقدير ثبوت هذه الرواية في الحائط فللشريك الاستبداد ببنائه من ماله بغير إذن حاكم وصرح القاضي في خلافه واعتبر في المجرد استئذان الحاكم ونص أحمد على أنه يشهد على ذلك وله منع الشريك الآخر من الانتفاع بما كان له عليه من الحقوق إن أعاده بآلة جديدة من ماله وإن أعاده بآلته الأولى ففيه وجهان أحدهما ليس له المنع لأنه عين ملكهما المشترك وهو قول القاضي في المجرد وابن عقيل والأكثرين
____________________
(1/158)
والثاني له المنع حتى يأخذ نصف قيمة التالف لأنه متقوم حيث وقع مأذونا فيه شرعا وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى والقاضي في خلافه وجزم به صاحب المحرر وافتتاح صاحب التلخيص عن بعض متأخري الأصحاب وإذا أعاده بآلة جديدة واتفقا على دفع القيمة جاز لكن هل المدفوع نصف قيمة البناء أو نصف ما أنفق عليه ذكر القاضي في خلافه فيه روايتين مأخذهما هل ذلك من باب الرجوع بما أنفق على ملكه بإذن معتبر أو هو معاوضة عن ملك الثاني كضمان سراية العتق والاستيلاد وإن امتنع الثاني من القول وطلب رفع البناء من أصله ليعيداه من مالهما فقد يتخرج على هذا البناء فإن قلنا هو رجوع بما أنفق على ملكه لم يكن له الامتناع وإن قلنا هو معاوضة فله ذلك وفي المجرد والفصول البناء على الإجبار ابتداء وعدمه فإن قلنا يجبر أجبر هنا على التبقية وإلا فلا وقد يقال هو معاوضة سواء كان بالقيمة أو بالنفقة كما أن زرع الغاصب يعاوض عنه بالقيمة على رواية وبالنفقة على أخرى والإجبار على المعاوضات لإزالة الضرر غير مستبعد فإن قيل فعندكم لا يجوز للجار منع جاره من الانتفاع بوضع خشبة على جداره فكيف منعتم ههنا قلنا إنما منعناها هنا من عود الحق القديم المتضمن ملك الانتفاع قهرا سواء كان محتاجا إليه أو لم يكن وأما التمكين من الوضع للارتفاق فتلك مسألة أخرى وأكثر الأصحاب يشترطون فيها الحاجة والتزم ابن عقيل في المفردات تخريج رواية من هذه المسألة منع الجار من وضع الخشب مطلقا ثم اعتذر بأن حق الوضع هنا سقط عقوبة لامتناعه من النفقة الواجبة وحمل حديث الزبير وشريكه في شراج الحرة على مثل ذلك ومنها إذا انهدم السقف الذي بين سفل أحدهما وعلو الآخر فذكر الأصحاب في الإجبار الروايتين والمنصوص ههنا أنه إن انكسر خشبه فيه فبناؤهما بينهما لأن المنفعة لهما جميعا وظاهره الإجبار وإن انهدم السقف والحيطان لم يجبر صاحب العلو على بناء الحيطان لأنها خاص ملك صاحب السفل ولكنه يجبر على أن يبني معه السقف فإن لم يفعل أشهد عليه ومنعه من الانتفاع به حتى يعطيه حقه ويجبر صاحب السفل على بنائه لأنه سترة له نقل ذلك عنه أبو طالب
____________________
(1/159)
ونقل عنه ابن الحكم أن صاحب السفل لا يجبر على بناء لأجل صاحب العلو لكن صاحب العلو له أن يبني الحيطان م عليها ويمنع صاحب السفل من الانتفاع به حتى يعطيه ما بنى به السفل ويكون لهما جميعا وهذا يحتمل أنه أراد أن يعطيه ما بنى به الحيطان فيصير البيت كما كان لأحدهما سفله وللآخر علوه وهو ظاهر كلامه ويحتمل أن يعطيه نصف قيمة بناء السفل وتكون الحيطان مشتركة بينهما ولذلك حكى الأصحاب روايتين في مشاركة صاحب العلو لصاحب السفل في بناء الحيطان حتى أخذ القاضي منهما رواية بعدم الإجبار في الحائط المشترك وهو بعيد لأن هذا المعنى لو كان صحيحا لكان الاشتراك حادثا بعد البناء فلا يلحق به الملك المشترك قبل البناء وحكى القاضي في خلافه في إجبار صاحب السفل على بناء حائطه لحق صاحب العلو ثلاث روايات أحدها إجباره منفردا بنفقته وأخذها من رواية أبي طالب وفيه نظر لأن أحمد علل بأنه سترة له فعلم أن إجباره لحق جاره لا لحق صاحب العلو ولكن قد يقال إن تضرر صاحب العلو بترك بناء السفل أشد من تضرر الجار بترك السترة لأن هذا يمنعه حقه بالكلية بخلاف ترك السترة وهذه الرواية هي المذهب عند ابن أبي موسى والثانية يجبر على الاتفاق على وجه الاشتراك نقلها يعقوب بن بختان فقال يشتركون على السفل وهو مروي عن أبي الدرداء رضي الله عنه الثالثة لا يجبر وهي رواية ابن الحكم وحكى في المجرد إجبار كل منهما على أن يبني مع الآخر الحيطان روايتان وكذا في الإجبار على بناء السقف الذي يختص بملك صاحب العلو وحاصل هذا يرجع إلى أنه هل يلزم الإنسان بناء ملكه الخاص به إذا كان انتفاع غيره به مستحقا كما يلزمه دفع الضرر عنه ببناء السترة وهل يلزم الشريك في الانتفاع البناء مع المالك كالشريك في الملك وعلى هذا يخرج إذا كان له على حائط جار له يحاذيه ساباط بحق فانهدم الحائط هل يجبر المالك على بنائه وظاهر كلام القاضي في خلافه إجباره أن يبنيه منفردا به بغير خلاف ولعل هذا فيما إذا كان بحق معاوضة ومثله ذكر ابن عقيل في فنونه في من له حق إجراء مائه على سطح غيره فعاب السطح ولو بجريان مائه عليه لم يلزم صاحب الماء المشاركة في الإصلاح وكذا لو كان ماء تلك الدار يجري إلى بئر بحق فعابت فعابت البئر لم يلزم صاحب الماء المشاركة في إصلاحها ويخرج ذلك كله على الخلاف في السفل الذي علوه لمالك آخر يتوجه ويرجع إلى أن الشركة في
____________________
(1/160)
الانتفاع هل هي كالشركة في الملك ومنها القناة المشتركة إذا تهدمت نص أحمد على الإجبار على العمارة كما سبق ولم يذكر ابن أبي موسى فيه خلافا وإنما ذكر الروايتين في الحائط والفرق أن الحائط يمكن قسمته بخلاف القناة والبئر وطرد القاضي والأكثرون فيه الروايتين وإذا لم نقل بالإجبار فعمر أحدهما لم يكن له منع الآخر من الماء ذكره القاضي في المجرد وابن عقيل وصاحب التلخيص والمغني لأن الماء باق على ما كان عليه من الملك والإباحة وإنما أزال الضرر عن طريقه ولا يقع الاشتغال على ملك الآلات المعمور بها وفي الخلاف الكبير والتمام لأبي الحسين له المنع من الانتفاع بالقناة ويشهد له نص عليه بالمنع من سكنى السفل إذا بناه صاحب العلو ومنع الشريك من الانتفاع بالحائط إذا أعيد بآلاته العتيقة لأن ذلك كله انتفاع بما بذل فيه الشريك ماله فيمنع منه بغير إذنه ولأن إنفاقه على نفسه وشريكه جائز فيستحق الرجوع ولا يكون متبرعا ومنها أن ما يقبل القسمة من الأعيان إذا طلب أحد الشريكين قسمته أجبر الآخر عليها وعلى التزام كلفها ومؤنها لتكميل نفع الشريك فأما ما لا يقبل القسمة فإنه يجبر أحدهما على بيعه إذا طلب الآخر بيعه نص أحمد على ذلك في رواية الميموني فقال إذا اختلفوا في القسمة فليس للمضار شيء إذا كان يدخله نقصان ثمنه بيع وأعطوا الثمن وكذا نقل حنبل عن أحمد أنه قال كل قسمة منها ضرر لا أرى أن يقسم مثل عبد بين رجلين وأرض في قسمتها ضرر ويقال لصاحبها إما أن تشتري وإما أن تتركه إذا كان ضررا وصرح بذلك ابن أبي موسى والقاضي والحلواني والشيرازي وابن عقيل والسامري وصاحب الترغيب وصرح بمثله في إجارة العين إذا لم يتفقا على المهايأة أو تشاحا وكذلك قال القاضي في خلافه وأبو الخطاب في انتصاره وكثير منهم صرحوا بأنه يباع عند طلب القسمة وإن لم يطلب البيع ولهذا مأخذان أحدهما أنه إذا تعذر قسمة العين عدل إلى قسمة بدلها وهو القيمة وهذا مأخذ من قال يباع بمجرد طلب القسمة وهو ظاهر كلام أحمد والثاني أن حق الشريك في نصف القيمة مثلا لا في قيمة النصف فلو باع نصيبه مفردا لنقص حقه ويدل على أن حقه في نصف القيمة أن الشرع أمر في السراية أن يقوم العبد كله ثم يعطى الشركاء قيمة حصصهم وقد نص الأصحاب على أن للولي بيع التركة على الصغار والكبار إذا كان في تبعيضها
____________________
(1/161)
ضرر واحتيج إلى البيع وما دل عليه كلام بعضهم من امتناع البيع على الكبار في غير هذه الصورة قد يكون بناء على أن ضرر ما نقص ليس بمانع من قسمة الإجبار كقول الخرقي وإنما المانع منهما أن لا ينتفع بالمقسوم فحينئذ يكون عدم الإجبار على البيع في حالة نقص القيمة مبنيا على أن القسمة ممكنة ومع الإجبار عليها لا يقع الإجبار على البيع ثم وجدت في مسائل ابن منصور عن أحمد في عبد بين رجلين أراد أحدهما أن يبيع وأبى الآخر قال أحمد يبيع كل منهما حصته وهذا يدل على أنه لا إجبار على البيع مع الشريك وهذا كله في المشاع المشترك فأما المتميز كمن في أرضه غرس لغيره أو في ثوبه صبغ لغيره إذا طلب أحدهما أن يبيع الآخر معه ففي إجباره وجهان أوردهما صاحب المحرر في غراس المستعير لأنه يستدام في الأرض فلا يتخلص أحدهما من صاحبه بدون البيع بخلاف غرس الغاصب فإنه يتخلص منه بالقلع فأما البيع ففي المغني وغيره في بيع الغاصب إن طلب مالك الثوب أن يبيع معه لزمه وفي العكس وجهان وجزم القاضي في خلافه بالإجبار على البيع بطلب الغاصب وأما صبغ المشتري إذا أفلس وأخذ البائع ثوبه وطلب أحدهما البيع أجبر الآخر عليه وهذا لأن الصبغ يستدام في الثوب فلا يتخلص من الشركة فيه بدون البيع وإنما فرقنا بين طلب الغاصب وغيره على وجه لئلا يتسلط الغاصب بعدوانه على إخراج ملك غيره عنه قهرا ومنها قسمة المنافع بالمهايأة هل تجب الإجابة إليها أم لا المشهور عدم الوجوب ولم يذكر القاضي وأصحابه في المذهب سواه وفرقوا بين المهايأة والقسمة بأن القسمة إفراز أحد الملكين من الآخر والمهايأة معاوضة حيث كانت استيفاء للمنفعة من مثلها في زمن آخر وفيها تأخير أحدهما عن استيفاء حقه فلا يلزم بخلاف قسمة الأعيان ونص أحمد في رواية صالح وحنبل وأبي طالب في العبد المشترك إذا أعتق أحد الشريكين نصفه أو كاتبه فإنه يكون يوما لنفسه ويوما لسيده الباقي وتأوله القاضي على التراضي وهو بعيد وحكى أبو بكر في التنبيه فيه روايتين إحداهما يكون يوما لنفسه ويوما لسيده والأخرى أن كسبه بينهما وهذا يدل على وقوع المهايأة حكما من غير طلب وفي المسألة وجه آخر أنه تجب المهايأة بالمكان دون الزمان لانتفاء تأخر استيفاء أحدهما لحقه في
____________________
(1/162)
المهايأة بالأمكنة فهو كقسمة الأعيان واختاره صاحب المحرر وعلى القول بانتفاء الوجوب مطلقا فيجوز بالتراضي وهل تقع لازمة إذا كانت مدتها معلومة أو جائزة على وجهين والمجزوم في الترغيب الجواز واختار صاحب المحرر اللزوم وعلى القول بالجواز لو رجع أحدهما قبل استيفاء نوبته فله ذلك وإن رجع بعد الاستيفاء غرم ما انفرد به وقال الشيخ تقي الدين لا ينفسخ حتى ينقضي الدور ويستوفي كل منهما حقه منه ويمكن أن يؤخذ ذلك من مسألة القسم وهي أن من له زوجتان فقسم لإحداهما ثم أراد أن يطلق الأخرى لم يجز له حتى يوفيها حقها من القسم لئلا يفوت حقها بالطلاق ولا يقال هذه القسمة لازمة بخلاف المهايأة لأنها إنما لزمت لأجل المساواة بين الزوجية ولهذا قال القاضي ومن اتبعه أن قسم الابتداء ليس بواجب ولو استوفى أحدهما شرطته ثم تلفت المنافع في الذكر الآخر قبل تمكنه من القبض فأفتى الشيخ تقي الدين رحمه الله بأنه يرجع على الأول ببدل حصته من تلك المدة التي استوفاها ما لم يكن قد رضي بمنفعة الزمن المتأخر على أي حال كان جعلا للتالف قبل القبض كالتالف في الإجارة قال وسواء قلنا القسمة إفراز أو بيع فإن المعادلة معتبرة فيها على القولين ولهذا ثبت فيها خيار العيب والتدليس انتهى وهذا على القول بالجواز ظاهر ولكن الشيخ رجح اللزوم ويتخرج في الرجوع حينئذ وجهان بناء على الروايتين فيما إذا تقاسم الشريكان الدين في ذمم الغرماء ثم تلف أحدهما قبل القبض هل يستحق صاحبه الرجوع على الآخر فيما قبضه أم لا على روايتين نقلهما معا ابن منصور في مسائله عن أحمد ورواية الرجوع حملها الأصحاب على أن القسمة لم تصح لكن المراد بقولهم لم تصح أنها غير لازمة لأن القبض بها محرم باطل ولهذا قالوا لو قبض شيئا بإذن شريكه لانفرد به على الصحيح فيكون حينئذ شبهه بالمهايأة ومنها الزرع والشجر المشترك إذا طلب أحد الشريكين سقيه وهو محتاج إلى ذلك أجبر الآخر عليه ذكره القاضي وحكاه عن أبي بكر فيما إذا أوصى لأحدهما بزرع وللآخر بتبنه وأخذه من مسألة الجدار وهو أولى بالوجوب لأن السقي من باب حفظ الأصل وإبقائه فهو شرطة السقف إذا انكسر بعض خشبه والحائط المائل وذلك أولى بالوجوب من بناء الساقط لأن إعادة الحائط بعد زواله شبيه بإحداث المنفعة لكن لما كان ردا له إلى ما كان عليه ألحق باستيفاء المنفعة
____________________
(1/163)
وألحق الشيخ تقي الدين بهذا كل ما فيه حفظ الأصل إذا احتيج إليه مثل الحارس والناظر والدليل على الطريق والرشوة التي يحتاج إليها لدفع الظلم عن المال وذكر القاضي أيضا فيمن اشترى شجرا وعليه ثمر للبائع أن أحدهما إذا طلب السقي لحاجة ملكه إليه أجبر الآخر على التمكين لدخوله على ذلك وتكون الأجرة على الطلب لاختصاصه بالطلب دون صاحبه وهذا يشمل ما إذا كان نفع السقي راجعا إليهما وعلل ذلك في المغني بأن السقي لحاجته وظاهره اختصاصه بحالة عدم حاجة الآخر فإن النفع إذا كان لهما فالمئونة عليهما كبناء الجدار وإن عطش الأصل وخيف عليه الضرر ففي الإجبار على القطع وجهان ذكرهما في المغني وعلل للإجبار بأن الضرر لاحق للثمن لا محالة مع القطع والتبقية والأصل ينحفظ بالقطع فمراعاته أولى وذكر القاضي وابن عقيل فيما لو وصى بثمر شجر لرجل وبرقبته لآخر أنه لا يجبر أحدهما على السقي لأن أحدهما لم يدخل على حفظ مال الآخر بخلاف الثمر المشترى في رءوس النخل وهذا في سقي أحدهما بخالص حق الآخر بخلاف ما سبق في الوصية بالزرع والتبن القاعدة السابعة والسبعون من اتصل ملكه بملك غيره متميزا عنه وهو تابع له ولم يمكن فصله منه بدون ضرر يلحقه وفي إبقائه على الشركة ضرر لم يفصله مالكه فلمالك الأصل أن يتملكه بالقيمة من مالكه ويجبر المالك على القبول وإن كان يمكن فصله بدون ضرر يلحق مالك الأصل فالمشهور أنه ليس له تملكه قهرا لزوال ضرره بالفصل ويتخرج على هذه القاعدة مسائل كثيرة منها غراس المستأجر وبناؤه بعد انقضاء المدة إذا لم يقلعه المالك فللمؤجر تملكه بالقيمة لأنه لا يملك قلعه بدون ضمان نقصه وفيه ضرر عليه ذكر ذلك القاضي وابن عقيل والأكثرون ولم يشترط أبو الخطاب أن لا يقلعه المالك فلعله جعل الخيرة لمالك الأرض دون مالك الغراس والبناء ومنها غراس المستعير وبناؤه إذا رجع المعير أو انقضت مدة الإعارة وقلنا يلزم بالتوقيت فالمنصوص عن أحمد أنه يتملك بالقيمة نقله عنه مهنا وابن منصور وكذلك نقل عنه جعفر بن محمد لكن قال في رواية يتملك بالنفقة ولمالكه القلع ابتداء بغير خلاف ولا يجبر عليه إذا كان فيه ضرر وإن لم يكن فيه ضرر فتردد فيه كلام الأصحاب
____________________
(1/164)
وظاهر كلام أحمد أنه لا يقلع بدون شرط ومنها غراس المشتري في الأرض المشفوعة وبناؤه حيث يتصور ذلك إذا انتزع الشفيع فإنه يأخذه مع الأرض بقيمته نص عليه ولمالكه أن يقلعه أيضا ولا يجبر عليه إلا أن يضمن له النقص ومنها غراس المفلس وبناؤه إذا رجع صاحب الأرض فللمفلس والغرماء القلع فإن أبوه وطلب البائع التملك بالقيمة ملكه وكذلك إذا طلب القلع مضمونا ومنها إذا أصدقها أرضا فغرست فيها أو بنت ثم طلقها قبل الدخول فطلب الرجوع في نصفها وبذل نصف قيمة الغراس والبناء قال الخرقي يجبر على القبول وقال القاضي يسقط حقه إلى القيمة على قوله فليست المسألة مما نحن فيه فإن قيل هذه المسألة والتي قبلها يتملك فيهما الغراس والبناء مع الأرض فلا يكونان من صور مسائل القاعدة قيل بل هما منها فإن الشفيع إنما استحق انتزاع بناء المشتري وغراسه لأنه أحدثه في حال تعلق حقه به فكأنه قد أحدثه في ملكه وكذلك الزوجة لأنها قبل الدخول لم يستقر لها الملك على النصف لتعرضه لعوده إلى الزوج باختياره تارة وبغيره أخرى وفي انتقال ملك النصف إليها خلاف مشهور فكذلك يستحق الزوج تملكه ومنها القابض بعقد فاسد من المالك إذا غرس وبنى فللمالك تملكه بالقيمة كغراس المستعير ولا يقلع إلا مضمونا بالاستناد إلى الإذن ذكره القاضي وابن عقيل ومنها غرس المشتري من الغاصب إذا لم يعلم بالحال والمنصوص عن أحمد أنه يتملك بالقيمة ولا يقلع مجانا نقله عنه حرب ويعقوب بن بختان في رجل باع أرضا من رجل فعمل فيها وغرس ثم استحقها آخر قال يرد عليه قيمة الغراس أو نفقته ليس هذا مثل من غرس في أرض غيره وكذلك نقل عنه محمد بن أبي حرب الجرجاني عن أحمد فيمن اشترى أرضا فغرس فيها وعمل ثم استحقها آخر أنه يرد عليه قيمة الغراس يوم يستحق ليس هذا مثل الغراس في أرض غيره فيقلع غرسه وحمل القاضي هذه النصوص على أن له القيمة على من غره كما في الغرور بنكاح أمة قال فأما المستحق الأرض فلا ضمان عليه لأنه لم يحصل منه إذن في ذلك وهذا مخالف لمدلول هذه النصوص على ما لا يخفى وكونه لم يحصل منه إذن لا ينفي كون الغراس محرما كما نقول فيمن حمل السيل إلى أرضه نوى فنبت شجرا أنه كغراس المستعير على أصح الوجهين لا يقلع مجانا لعدم التعدي في غرسه وهو اختياره أعني
____________________
(1/165)
القاضي وأقرها الباقي في موضع من خلافه رواية وكذلك صاحب المحرر ولكن الذي ذكره ابن أبي موسى والقاضي في المجرد وتبعه عليه المتأخرون أن للمالك قلعه مجانا ويرجع المشتري بالنقص على من غره والصحيح الأول ولا يثبت عن أحمد سواه وهو قول الليث ومالك وأبي عبيد وبه قضى عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما لكن عمر بن الخطاب خير صاحب الأرض بين أن يعطي الغارس قيمة غرسه وبين أن يدفع الغارس إليه قيمة أرضه وكذلك قضى عمر بن عبد العزيز لكنه إنما قضى بدفع قيمة الأرض إلى المالك عند عجزه عن دفع قيمة الغراس وقد ذكر هذه الآثار أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال والخلال في كتاب القرعة من الجامع ومنها غراس الغاصب وبناؤه والمشهور عن أحمد أن للمالك قلعه مجانا وعليه الأصحاب وعنه رواية ثانية لا يقلع بل يتملك بالقيمة أيضا وممن حكاها القاضي وابن عقيل في كتاب الروايتين لهما وخرجاها في خلافيهما من مسألة الصبغ ونص عليها أحمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه فيمن غصب أرضا أو دارا وبنى فيها قال يعجبني أن يغرم البناء ويغطى لأنه إن أخذ الغاصب بناء أضر برب الأرض في الخراب والهدم ويكون أيضا ذهاب مال الغاصب في الآجر والجص وكل شيء وفي مسائل ابن هانئ عن أحمد في رجل اكترى أرضا فغرس فيها أشجارا واشترط عليه رب الأرض أن لا يغرس فيها غيره فغرس فيها شجرا يعني غير ما اشترطه وأثمر الشجر وأراد أن يقلع الغراس قال لا يقلع الشجر من الأرض لئلا يضر بهما جميعا وعلى هذه الرواية فلا يقلع إلا مضمونا لغرس المستعير كذلك حكاها القاضي وابن عقيل فلذلك يملك بالقيمة حيث لم يكن القلع بدون ضرر ومنها إذا بنى الوارث في الأرض الموصى بها قال ابن أبي موسى إن كان غير عالم بالوصية فهو محترم يتملك بقيمته غير مقلوع وجها واحدا وإن كان عالما بالوصية فكذلك ويتوجه أن يقلع بناءه ولم يفرق بين ما قبل القبول وبعده فإن ظاهر كلامه أن الوصية تملك بالموت من غير قبول فإنه ذكر أن من أوصى لمن لا يعرف حملت وصيته إلى الحاكم ليفرقها في أبواب البر ونص أحمد على ذلك أيضا ولكن ما ذكره من أن الوارث إذا بنى وهو عالم بالوصية أن بناءه لا يقلع يشكل على ذلك لأنه يكون كبناء الغاصب وأما غير العالم فبناؤه كبناء المشتري من الغاصب على ما سبق والمنصوص عن أحمد في رواية ابن منصور أن البناء للورثة ولم يتعرض لتملكه عليهم
____________________
(1/166)
ولا لقلعه فظاهره أنه محترم وذلك يرجع إلى أن الموصى له يملكه من حين القبول أما إن قيل يملكه بالموت أو يتبين بقبوله ملكه بالموت فالبناء في الأرض مع العلم بالحال تفريط وعدوان ومنها من كان في أرضه نخلة لغيره فلحق صاحب الأرض ضرر بدخوله قال أحمد في رواية حنبل ذكر له الحديث الذي ورد في ذلك وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر صاحبها أن يبيع فأبى فأمره أن يناقل فأبى فأمره أن يهب فأبى فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنت مضار اذهب فاقلع نخله قال أحمد كلما كان على هذه الجهة وفيه ضرر يمنع من ذلك فإن أجاب وإلا جبره السلطان ولا يضر بأخيه إذا كان ذلك فيه مرفق له والحديث المشار إليه أخرجه أبو داود في السنن وأورده الخلال في الجامع من وجه آخر ولا يقال لم يأمره بضمان النقص فيكون كغرس الغاصب فكيف يتملك لأنا قدمنا الخلاف في غرس الغاصب وأيضا فالأمر بالقلع هنا إنما كان عند الإصرار على المضارة والامتناع من قبول ما يدفع ضرر المالك ولهذا قال أصحابنا في المستعير إذا امتنع المعير من الضمان مطلقا فطلب قيمة الغراس والبناء أجيب إلى ذلك وإن طلب القلع وضمان النقص لم يجب ومن ذلك إذا اشترى حيوانا يؤكل واستثنى رأسه أو أطرافه فإنه يصح فإذا امتنع المشتري من الذبح لم يجب وكان له قيمة المستثنى نص عليه ومن ذلك من ملك ثوبا فصبغه ثم زال عنه ملكه بفسخ هل يملك من عاد إليه الملك ويملك الصبغ بالقيمة أم لا قال الأصحاب في بائع المفلس إذا دفع إليه الثوب وفيه صبغ أن له تملكه بالقيمة لأنه معد للبيع ولا بد فيكون البائع أولى منه لاتصاله بملكه وأما إن رجع إليه بفسخ بعيب فالمشهور أنه لا يملك تملكه قهرا وخرج ابن عقيل وجها آخر أنه يتملكه بالقيمة من مسألة الخرقي في الصداق حيث قال له تملك الصبغ بقيمته ونقل حنبل عن أحمد أن المشتري يرد المبيع على البائع ويأخذ منه قيمة الصبغ وهذا يشعر بإجبار البائع على دفع قيمته وأما الغاصب إذا صبغ الثوب فهل للمالك تملك الصبغ بقيمته قهرا أم لا فيه وجهان واختار القاضي وابن عقيل عدمه وصحح بعض الأصحاب خلافه لأن المشهور أنه لا يملك قلعه ويملكه على وجه مضمونا بخلاف البناء والغراس فلا يتخلص من الضرر بدون تملكه فأما الآثار التي يقع بها الشركة كضرب الحديد مسامير ونجر الخشب أبوابا فإن كان ذلك
____________________
(1/167)
من الغاصب فنص أحمد في رواية محمد بن الحكم على أن المالك يدفع إليه قيمة الزيادة ويتملكه عليه وكذا قال ابن أبي موسى والشيرازي لكنهما جعلا المردود نفقة العمل دون القيمة القاعدة الثامنة والسبعون من أدخل النقص على ملك غيره لاستصلاح تملكه وتخلصه من ملك غيره فإن لم يكن ممن دخل النقص عليه بتفريط باشتغال ملكه بملك غيره فالضمان على من أدخل النقص وإن كان منه تفريط فلا ضمان على من أدخل النقص وكذا إن وجد ممن دخل النقص عليه إذن في تفريغ ملكه من ملك غيره حيث لا يجبر الآخر على التفريغ وإن وجد منه إذن في إشغال ملكه بمال غيره حيث لا يجبر الآخر على التفريغ فوجهان ويفرع على ذلك مسائل كثيرة منها لو باع دارا فيها ناقة لم تخرج من الباب إلا بهدمه فإنه يهدم ويضمن للمشتري النقص ومنها لو اشترى أرضا فيها زرع للبائع فحصده فإن لم يبق له عروق أو كانت لا تضر فليس عليه نقلها وإن كانت تضر عروقه بالأرض كالقطن والذرة فعليه النقل وتسوية الحفر ذكره القاضي وابن عقيل ومنها لو دخل حيوان غيره داره وتعذر إخراجه بدون هدم بعضها أو أدخلت بهيمة غيره رأسها في قدره أو وقع دينار غيره في محبرته وتعذر إخراجه بدون الكسر ولم يكن ذلك بتفريط أحد فهدمت الدار وكسرت القدر أو المحبرة فالضمان على صاحب الحيوان والدينار ومنها لو حمل السيل إلى أرضه غرس غيره فنبت فيها فقلعه مالكه فعليه تسوية حفره ومنها لو اشترى أرضا فغرسها ثم أفلس ورجع فيها البائع واختار المفلس والغرماء القلع فعليهم تسوية الحفر وضمان أرش النقص لأنه نقص حصل بفعلهم في ملك البائع ليخلص ملكهم منه ومنها لو غصب فصيلا وأدخله داره وكبر وتعذر إخراجه بدون هدمها فإنها تهدم من غير ضمان لتفريطه وكذلك إذا غصب غراسا وغرسه في أرضه فإنه يقلع ولا يضمن حفره
____________________
(1/168)
ومنها لو غصب ثوبا فصبغه ثم طلب قلع صبغه وقلنا يملكه فعليه نقص الثوب بذلك كما لو غرس الأرض التي غصبها ثم قلع غرسه ومنها لو أعاره أرضا للغراس ثم أخذ غرسه فإن كان قد شرط عليه القلع فلا يلزمه ضمان النقص بذلك ولا تسوية الحفر لأن المالك رضي بذلك باشتراطه له وإن لم يشترط عليه القلع فوجهان أحدهما لا يلزمه أيضا قاله القاضي وابن عقيل لأن الإعارة مع العلم بجواز القلع رضاء بما ينشأ عنه من الحفر والثاني يلزمه ذلك وبه جزم صاحب الكافي لأنه قلع باختياره حيث لا يجبر عليه فقد أدخل النقص على ملك غيره لاستصلاح ماله وعلى هذا فلو طلب منه المالك القلع وبذل أرش النقص فينبغي أن لا يلزمه التسوية لأن القلع بأمر المالك مع أن كلام ابن عقيل وغيره يشعر بخلاف ذلك فأما الإعارة للزرع إذا كان عروقه الثابتة تضر بالأرض فقد يقال يجب نقلها وتسوية الحفر لأن الزرع يجبر على تفريغ الأرض منه بخلاف الغرس وقد يقال لا يجب لأن الإذن فيه مع العلم بأنه لا يبقي رضا بما ينشأ من قلعه المعتاد ومنها إذا أجره أرضا للغراس وانقضت المدة كان القلع مشروطا عند انقضائها فلا ضمان وإن لم يكن مشروطا ففيه الوجهان أيضا ولم يحك صاحب الكافي في الضمان خلافا وهو ظاهر كلام القاضي في المجرد وعلل بأنه قلع غرسه من أرض غيره التي لا يدله عليها بغير أمره وجزم صاحب التلخيص بعدم الضمان ولم يذكر فيه خلافا وعلل بأن المالك دخل على ذلك ومنها إذا غرس المشتري في الأرض ثم انتزعها الشفيع فقلع المشتري غرسه ففيه وجهان أحدهما عليه تسوية الحفر وضمان النقص وهو ظاهر كلام الخرقي لأن قلعه في ملك غيره لتخليص ملكه والثاني لا يلزمه ذلك ذكره القاضي وبه جزم في الكافي معللا بانتفاء عدوانه مع أنه جزم في باب العارية بخلافه والقاضي إنما علله بأنه ملك نفسه من ملك نفسه وهذا إنما يكون إذا قلع قبل تملك الشفيع لا بعده
____________________
(1/169)
القاعدة التاسعة والسبعون الزرع النابت في أرض الغير بغير إذن صحيح أقسام القسم الأول أن يزرع عدوانا محضا غير مستند إلى إذن بالكلية وهو زرع الغاصب فالمذهب أن المالك إن أدركه نابتا في الأرض فله تملكه بنفقته أو بقيمته على اختلاف الروايتين وإن أدركه قد حصد فلا حق له فيه ونقل حرب عن أحمد أن له تملكه أيضا ووهم أبو حفص العكبري ناقلها على أن من الأصحاب من رجحها بناء على أن الزرع نبت على ملك مالك الأرض ابتداء والمعروف في المذهب خلافه والمعتمد عند الأصحاب في المسألة هو حديث رافع بن خديج وقد احتج به أحمد تارة وقال تارة ما أراه محفوظا وذكر فيه حديثا آخر مرسلا من مراسيل الحسن بن محمد ابن الحنفية وقال هو شيء لا يوافق القياس وفرق بين زرع الغاصب وغرسه حيث يقلع غرسه كما دل عليه قوله ليس لعرق ظالم حق فإن الزرع يتلف بالقلع فقلعه فساد بخلاف الغرس ومن الأصحاب من قرر موافقته للقياس بأن المتولد بين أبوين مملوكين من الآدميين يكون ملكا لمالك الأم دون مالك الأب بالاتفاق مع كونه مخلوقا من مائهما وبطون الأمهات بمنزلة الأرض وماء الفحول بمنزلة البذر ولهذا سمى النساء حرثا ولعن النبي صلى الله عليه وسلم من سقى ماءه زرع غيره فجعل الولد زرعا وهو لمالك أمه وسر ذلك أن الحيوان ينعقد من الماءين ثم وأدخلني من دم المرأة فأكثر أجزائه مخلوقة من الأم كذلك البذر ينحل في الأرض وينعقد الزرع من التربة والحبة ثم يتغذى من الأرض ومائها وهوائها فتصير أكثر أجزائه من الأرض وإنما خير مالك الأرض بين تملكه وبين أخذ الأجرة لأنه قابل لاستيفائه بعقد الإجارة بخلاف الإيلاد وجبر حق صاحب البذر بإعطائه قيمة بذره ونفقة عمله حيث كان متقوما بخلاف ما يخلق منه الولد فإنه لا قيمة له فلذلك لم يجب لأحد الأبوين شيء وهذا مطرد في جميع المتولدات بين شيئين في الحيوان والنبات والمعدن حتى لو ألقى رجل في أرض رجل شيئا مما تنبت المعادن لكان الخارج منه لرب الأرض كالنتاج والزرع وهذه الطريقة سلكها القاضي في خلافه وابن عقيل والشيخ تقي الدين وهذا ملخص من كلامه
____________________
(1/170)
القسم الثاني أن يؤذن له في زرع شيء فيزرع ما ضرره أعظم منه كمن استأجر لزرع شعير فزرع ذرة أو دخنا فحكمه عند الأصحاب حكم الغاصب لتعديه بزرعه فإنه غير مستند إلى إذن والمنصوص عن أحمد في رواية عبد الله أن عليه ضمان أجرة المثل للزيادة ولم يذكر تملكا فإن هذا الزرع بعضه مأذون فيه وهو قدر ضرر المستأجر له والزيادة عليه غير مأذون فيها وهي غير متميزة فكيف يتملك المؤجر الزرع كله وقد ينبني ذلك على اختلاف الوجهين في قدر الواجب من الأجرة هل هو الأجرة المسماة مع تفاوت ما بين الأجرتين من أجرة المثل أم الواجب أجرة المثل للجميع حيث تمحض عدوان والمنصوص الأول وهو قول الخرقي والقاضي والثاني اختيار ابن عقيل وافتتاح القاضي عن أبي بكر وكلامه في التنبيه موافق الوجه الأول لا يتوجه أن يتملك المؤجر الزرع كله وعلى الثاني يتوجه ذلك فكيف جزم القاضي بتملكه مع اختياره للوجه الأول في الضمان ولو استأجر للزرع مدة معينة فزرع فيها ما لا تتناهى في تلك المدة ثم انقضت فقال الأصحاب حكمه بعد انقضاء المدة حكم زرع الغاصب للعدوان ثم إن القاضي وابن عقيل قالا عليه تفريغ الأرض بعد المدة وليس بجار على قواعد المذهب فإنما المالك مخير بين تملكه وتركه بالأجرة فأما القلع فلا القسم الثالث أن يزرع بعقد فاسد ممن له ولاية العقد كالمالك والوكيل والوصي والناظر إما بمزارعة فاسدة أو بإجارة فاسدة فقال الأصحاب الزرع لمن زرعه وعليه لرب الأرض أجرة مثله وذكر القاضي في خلافه أن أحمد نص عليه في رواية حرب في البيع الفاسد وإنما رواية حرب في الغرس وذكره الخرقي أيضا في المزارعة الفاسدة لأن الزرع هنا استند إلى إذن من له الإذن فلا يكون عدوانا ويحتمل أن هذا التفريق بين إذن المالك ومن يتصرف لغيره بطريق المصلحة كالوصي فلا يعتبر إذنه لانتفاء المصلحة في العقد الفاسد ويحتمل أيضا التفريق بين عقود الملك كالبيع وعقود التصرف بالإذن كالمزارعة لأن عقود الملك وقع العقد فيها على الملك دون الإذن ولهذا لم يصح تصرف المشتري في العقد الفاسد بخلاف عقود التصرف فإن الإذن موجود في صحيحها وفاسدها ولذلك صححنا التصرف في فاسدها وقد ورد في ذلك حديث مرسل من طريق الأوزاعي عن واصل بن أبي جميل عن مجاهد عن أربعة اشتركوا في زرع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم قبلي الأرض وقال الآخر قبلي الفدن وقال الآخر قبلي البذر وقال الآخر علي
____________________
(1/171)
العمل فلما استحصد الزرع تفاتوا فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل الزرع لصاحب البذر وألغى صاحب الأرض وجعل لصاحب العمل درهما كل يوم وجعل لصاحب الفدان شيئا معلوما وقد أنكر أحمد هذا الحديث قال في رواية ابن القاسم لا يصح والعمل على غيره وقال أبو داود سمعت أحمد ذكر هذا الحديث قال هو منكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الزرع لصاحب الأرض وفي هذا الحديث جعل الزرع لصاحب البذر وهذا الكلام يدل على أن العمل عند الإمام أحمد على أن يكون الزرع لصاحب الأرض في الإجارة الفاسدة والمزارعة الفاسدة وقال في رواية إبراهيم بن الحارث الحديث حديث أبي جعفر الخطمي يشير إلى ما رواه أبو جعفر عن سعيد بن المسيب قال قال كان ابن عمر لا يرى بها يعني المزارعة بأسا حتى بلغه عن رافع بن خديج حديث فلقيه فقال رافع أتى النبي صلى الله عليه وسلم بني حارثة فرأى زرعا فقال ما أحسن زرع ظهير أليس أرض ظهير قالوا بلى ولكنه أزرعها فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذوا زرعكم وردوا عليه نفقته أخرجه أبو داود والنسائي ولأبي داود معناه في حديث عبد الرحمن بن أبي أنعم عن رافع بن خديج والدارقطني نحوه من حديث عائشة ولابن عدي معناه من حديث جابر وفيهما ضعف وكل هذه واردة في المزارعة الفاسدة لا في الغصب وقد رجح الإمام أحمد حديث أبي جعفر على حديث أبي إسحاق عن عطاء عن رافع بن خديج فيمن زرع في أرض قوم بغير قزح وقال الحديث حديث أبي جعفر وقال في رواية أبي داود أبو إسحاق زاد فيه زرع بغير إذنه وليس غيره يذكر هذا الحرف فقد بين أن التملك بالنفقة إنما يثبت عنده في المزارعة الفاسدة أن يتملك الزرع فيها مع ثبوت الحديث فيها بخصوصيتها دون الغصب لا سيما وقد أنكر حديث جعل الزرع لرب البذر وصرح بأن العمل على غيره وقد خرج الشيخ تقي الدين وجها في المزارعة الفاسدة أنها تتملك بالنفقة من زرع الغاصب وقد رأيت أن كلام أحمد إنما يدل عليه لا على خلافه القسم الرابع أن يزرع في أرض غيره بعقد ممن يظن أن له ولاية العقد ثم تبين بخلافه مثل أن تتبين الأرض مستحقة للغير فالمنصوص أن لمالك الأرض تملكه بالنفقة أيضا نقله عنه الأثرم وإبراهيم بن الحارث ومنها وهذا متوجه على قول القاضي ومن وافقه أن غرسه وبناءه كغرس الغاصب
____________________
(1/172)
وبنائه وأما على المنصوص هناك أن غرسه وبناءه محترم كغرس المستعير والمستأجر وبنائهما فيتوجه على هذا أن يكون الزرع لمالكه وعليه الأجرة ويرجع بها على الغاصب لتقديره وبمثل ذلك أفتى الشيخ تقي الدين لكنه جعل الزرع بين المالك والمزارع نصفين بناء على أصله في إيجار الغاصب بالمال أن الربح بينه وبين المالك وطرده أن يكون زرع الغاصب كذلك ولكن لا نعلم به قائلا ثم وجدنا ابن أبي ليلى يقول بذلك في زرع الغاصب وفي أجرة ما بناه في الأرض المغصوبة وقد وافقه أحمد على أجرة البناء خاصة ويشهد لهذا الوجه أن الزرع النابت في أرض الغير مما حمله السيل لمالكه مبقى هنا بالأجرة لحصوله من غير عدوان ولا تفريط وإن كان الإذن منتفيا وههنا مثله ويحتمل أن يتملكه مالك الأرض أيضا كالمزروع بعقد فاسد على ما دل عليه كلام أحمد وليس الامتناع من قلع الغرس مجانا منافيا لتملك الزرع فإن المانع من القلع إدخال الضرر على مالك الغراس بالنقص وهو معذور لغرره وهو يتعذر عليه الرجوع على الغاصب والمقتضي لتملك الزرع هو انتفاء الإذن الصحيح وهو موجود هنا ولهذا يتملك غراسه وإن قيل باحترامه القسم الخامس أن يزرع في أرض بملكه لها أو بإذن مالكها ثم ينتقل ملكها إلى غيره والزرع قائم فيها وهو نوعان أحدهما أن ينتقل ملك الأرض دون منفعتها المشغولة بالزرع في بقية مدته فالزرع لمالكه ولا أجرة عليه بسبب تجدد الملك بغير إشكال ويدخل تحت هذا من استأجر أرضا من مالكها وزرعها ثم مات المؤجر وانتقلت إلى ورثته ومن اشترى أرضا فزرعها ثم أفلس فإن للبائع الرجوع في الأرض والزرع للمفلس ومن أصدق امرأته أرضا فزرعها ثم طلقها قبل الدخول والزرع قائم وقلنا له الرجوع فإن الزرع مبقى بغير أجرة إلى أوان أخذه وكذلك حكم من زرع في أرض يملكها ثم انتقلت إلى غيره ببيع أو غيره يكون الزرع بغير أجرة مبقى فيها إلى أوان أخذه والنوع الثاني أن تنتقل الأرض بجميع منافعها عن ملك الأول إلى غيره ومن أمثلة ذلك الوقف إذا زرع فيه أهل البطن الأول أو من أجروه ثم انتقل إلى البطن الثاني والزرع قائم فإن قيل إن الإجارة لا تنفسخ وللبطن الثاني حصتهم من الأجرة فالزرع مبقى لمالكه بالأجرة السابقة وإن قيل بالانفساخ وهو المذهب الصحيح فهو
____________________
(1/173)
كزرع المستأجر بعد انقضاء المدة إذا كان بقاؤه بغير تفريط من المستأجر فتبقى بالأجرة إلى أوان أخذه وقد نص أحمد عليه في رواية مهنا في مسألة الإجارة المنقضية وأفتى به في الوقف الشيخ تقي الدين وأفتى مرة أخرى بأنه يجعل مزارعة بين المزارع ورب الأرض لنموه من أرض أحدهما وبذر الآخر وكذلك أفتى في الأقطاع المزروعة إذا انتقلت إلى مقطع آخر والزرع قائم فيها ومنها الشفيع إذا انتزع الأرض وفيها زرع للمشتري فهو محترم وهل يستحق أجرة المثل على المشتري على وجهين أحدهما لا يستحق شيئا وهو المذكور في المغني والتلخيص وقال أبو البركات في تعليقه على الهداية هو أصح الوجهين لأصحابنا إلحاقا له ببيع الأرض المزروعة فإن الأخذ بالشفعة نوع بيع قهري والثاني له الأجرة من حين أخذه ذكره أبو الخطاب في انتصاره وهو أظهر لأن حق الشفيع في العين والمنفعة جميعا لوقوع العقد عليهما جميعا وفي ترك الزرع مجانا تفويت لحقه من المنفعة بغير عوض فلا يجوز القسم السادس حمل السيل بذر إنسان إلى أرض غيره فنبت فيها فهل يلحق بزرع الغاصب لانتفاء الإذن من المالك فيملك بقيمته أو بزرع المستعير أو المستأجر من بعد انقضاء المدة لانتفاء العدوان من صاحب البذر على وجهين أشهرهما أنه كزرع المستعير وهو اختيار القاضي وابنه أبي الحسين وابن عقيل وذكره أبو الخطاب عن أحمد لكن هل يترك في الأرض مجانا أم بأجرة على وجهين أحدهما أنه يترك مجانا قاله القاضي وابن عقيل لأنه وإن انتفى عنه إذن الملك فقد انتفى عنه فعل الزارع فيتقابلان ولأنه حصل في الأرض بغير تفريط فهو كالقائم في الأرض المبيعة والثاني له الأجرة ذكره أبو الخطاب عن أحمد لأنه زرع حصل ابتداؤه في أرض الغير بغير إذن فأوجب الأجرة على المشتري من الغاصب وهو لا يعلم القسم السابع من زرع في أرض غيره بإذن غير لازم كالإعارة ثم رجع المالك فالزرع مبقى لمن زرعه إلى أوان حصاده بغير خلاف لكن هل تجب عليه الأجرة من حين الرجوع أم لا على وجهين أشهرهما الوجوب وهو قول القاضي وأصحابه والثاني انتفاء لأنه دخل على الانتفاع بغير عوض وهو اختيار صاحب المحرر وظاهر كلام أحمد في رواية
____________________
(1/174)
صالح يشهد له القسم الثامن من زرع في ملكه الذي منع من التصرف فيه لحق غيره كالراهن والمؤجر وكان ذلك يضر بالمستأجر وبالمرتهن لتنقيصه قيمة الأرض عند حلول الدين فهو كزرع الغاصب وكذلك غراسه وبناؤه فيقلع الجميع ذكره القاضي في خلافه وإنما قلع الزرع منه لأن مالك الأرض هنا هو الزارع والمتعلق حقه بها لا يمكنه تملكه لعدم ملكه فيتعين القلع وفيه نظر أما في الرهن فيمكن أن يقال إن نقص الأرض ينجبر وإزالة الزرع فإنه من جملة نماء الأرض فلا يجوز قلعه كذلك مع ما فيه من إتلاف مال الراهن وقد صرح القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول بأن الغراس الحادث في الأرض المرهونة بنفسه أو بفعل الراهن يكون رهنا لأنه من نمائها والزرع مثله ولو قيل إنه لا يدخل في الرهن فيجوز أن يؤخذ من الراهن أجرة مثله أو ما نقص من قيمة الأرض بسببه ويجعل رهنا وقد وقع في كلام أحمد في رواية ابن منصور وكلام ابن أبي موسى ما يدل على جواز انتفاع الراهن بالرهن بإذن المرتهن وتؤخذ منه الأجرة وتجعل رهنا وهذا في معناه وأما المستأجر ولا سيما إن كان استأجر لزرع فيجوز أن يقال له يملك الزرع بنفقته إذ هو مالك المنفعة قد يقال مثله في الزرع في أرض الوقف إن الموقوف عليه يتملكه بالنفقة تملكه منفعة الأرض ويحمل تخريج ذلك على الوجهين في تملك الموقوف عليه للشفعة بشركة الوقف على طريق من علل ثبوت الشفعة بكونه مالكا وانتفاءها بتصور ملكه فكذلك ههنا وكذا القول في تملكه للغراس والبناء وعلى هذا يتخرج ما لو غصب الأرض الموصى بمنافعها أو المستأجرة وزرع فيها فهل يتملك الزرع مالك الرقبة أو مالك المنفعة القاعدة الثمانون ما تكرر حمله من أصول البقول والخضراوات هل هو ملحق بالزرع أو بالشجر فيه وجهان وينبني على ذلك مسائل منها هل يجوز بيع هذه الأصول مفردة أم لا إن ألحقناها بالشجر لتكرر حملها جاز فيه صرح القاضي وابن عقيل في موضع وفرقا في موضع آخر بين ما يتباقى منها سنين كالقطن الحجازي فيجوز بيع أصوله وما لا يتباقى إلا سنة ونحوها لا يجوز بيعها إلا بشرط القطع إلا أن تباع معه الأرض كالزرع ورجح صاحب التلخيص أن المقاثي ونحوها
____________________
(1/175)
لا يجوز بيعها إلا بشرط القطع فإنها مع أصولها معرضة للآفات كالزرع وهو مقتضى كلام الخرقي وابن أبي موسى ومنها إذا باع الأرض وفيها هذه الأصول فإن قلنا هي كالشجر انبنى على أن الشجر هل يدخل في بيع الأرض مع الإطلاق أم لا وفيه وجهان وإن قلنا هي كالزرع لم تدخل في البيع وجها واحدا وللأصحاب في المسألة أيضا طريقان إحداهما أن حكمها حكم الشجر في تبقية الأرض وهي طريقة ابن عقيل وصاحب المحرر والثانية أنها تتبع وجها واحدا بخلاف الشجر لأن تبقيتها في الأرض معتاد ولا يقصد نقلها وتحويلها فهي كالمنبوذات وهي طريقة أبي الخطاب وصاحب المغني وعلى ما قررناه أولا يخرج فيها طريقة ثالثة أنها لا تتبع وجها واحدا كالزرع ومنها إذا غصب أرضا فزرع فيها ما يتكرر حمله فإن قيل هو كالشجر فللمالك قلعه مجانا وإن قيل هو كالزرع فللمالك تملكه بالقيمة وفي المسألة وجهان مذكوران في المغني ومنها لو اشترى لقطة ظاهرة من هذه الأصول فتلفت بجائحة قبل القطع فإن قيل حكمها حكم ثمر الشجر تلفت من ضمان البائع وإن قيل هي كالزرع خرجت على الوجهين في إجاحة الزروع ومنها لو ساقى على هذه الأصول فإن قيل هي كالشجر صحت المساقاة وإن قيل هي كالزرع فهي مزارعة القاعدة الحادية والثمانون النماء المتصل في الأعيان المملوكة العائدة إلى من انتقل الملك عنه بالمفسوخ تتبع الأعيان على ظاهر المذهب عند أصحابنا والمنصوص عن أحمد أنه لا يتبع وهو الذي ذكره الشيرازي في المبهج ولم يحك فيه خلافا وهو اختيار ابن عقيل صرح به في كتاب الصداق والشيخ تقي الدين ويتبع الأصل في التوثقة والضمان على المشهور ويتخرج على ذلك مسائل منها المردود بالعيب إذا كان قد زاد زيادة متصلة كالسمن وتعلم صناعة فالمشهور عند الأصحاب أن الزيادة للبائع تبعا لأصلها ولا يستحق المشتري عليه شيئا وخرج ابن
____________________
(1/176)
عقيل بأن الزيادة للمشتري وكذلك قال الشيرازي وزاد أنه يرجع على البائع بقيمة النماء وكذلك ذكره الشيخ تقي الدين إبهامه من عموم كلام أحمد في رواية أبي طالب إذا اشترى غنما فنمت ثم استحقت فالنماء له قال وهذا يعم المنفصل والمتصل قلت وقد نص أحمد على الرجوع بقيمة النماء المتصل صريحا كما قال الشيرازي في رواية ابن منصور فيمن اشترى سلعة فنمت عنده وكان بها داء فإن شاء المشتري حبسها ورجع بقدر الدواء وإن شاء ردها ورجع عليه بقدر النماء وتأولها القاضي على أن النماء المتصل يرده معها وهو ظاهر الفساد لأن الضمير في قوله رجع يعود إلى المشتري وفي قوله عليه يعود إلى البائع وإنما يرجع المشتري على البائع بقيمة النماء المنفصل ووجه الإجبار هنا على دفع القيمة أن البائع قد أجبر على أخذ سلعته ورد ثمنها فكذلك نماؤها المتصل بها يتبعها في حكمها وإن لم يقع عليه العقد والمردود بالإقالة والخيار يتوجه فيه مثل ذلك إلا أن يقال الفسخ للخيار وقع للعقد من أصله بخلاف العيب والإقالة وقد صرح بذلك القاضي وابن عقيل في خلافهما وفيه بعد ومنها المبيع إذا أفلس مشتريه قبل نقد الثمن ووجده البائع قد نما نماء متصلا قال القاضي وأصحابه يرجع به ولا شيء للمفلس وكذلك ابن أبي موسى ذكر الرجوع وهو مأخوذ مما روى الميموني وإسحاق بن إبراهيم عن أحمد إذا زادت العين أو نقصت يرجع في الزيادة والنقصان ولفظ رواية إسحاق قيل له فإن كان زاد أو نقص يوم اشتراه قال هو أحق به زاد أو نقص وهذا يحتمل أن يراد به زيادة السعر ونقصانه وإن استبعد ذلك فليس في استحقاق الرجوع ما ينافي مطالبته بقيمة الزيادة كما لو كانت الزيادة صبغا في الثوب وقال الخرقي ليس له الرجوع وذكر القاضي في كتاب الهبة من خلافه أنه منصوص عن أحمد فيكون أسوة بالغرماء كما لو طلق الزوج قبل الدخول وقد زاد الصداق زيادة متصلة وفارق الرد بالعيب عند من سلمه لأن الرد بالعيب قد رضي المشتري برده بزيادته بخلاف المفلس ولأن الرد بالعيب استند إلى سبب مقارن للعقد والفسخ هنا استند إلى سبب حادث وهو حكم الحاكم وهو شبيه بالطلاق قبل الدخول وينتقض الأول بما لو اشترى عبدا بثوب فوجد صاحب الثوب به عيبا فإنه يرده ويأخذ العبد وإن كان قد سمن والثاني بما لو باعه عينا بعد إفلاسه وقبل حجر الحاكم فإن حجره إنما هو معتبر لثبوت المفلس وظهوره وقد سبق نص أحمد بذلك وأيضا فلو باعه بعد الحجر ولم يعلم فإنه يرجع بها في أحد الوجهين وفرق الأولون
____________________
(1/177)
بين رجوع البائع ههنا وبين الصداق بأن الصداق يمكن للزوج الرجوع إلى بدله تاما بخلاف البائع فإنه لا يمكنه الدخول إلى حقه تاما إلا بالرجوع هذا ضعيف لأن اندفاع الضرر عنه بالبدل لا يسقط حقه من العين ولو كان ثابتا ثم يبطل بما لو كانت الزوجة مفلسة فإن حقه لا يثبت في العين فبطل الفرق ويتخرج من رواية ابن منصور في الرد بالعيب أن يرجع البائع ههنا ويرد قيمة الزيادة كما لو صبغ المفلس الثوب ومنها ما وهب الأب لولده إذا زاد زيادة متصلة فهل يمنع رجوع الأب أم لا على روايتين معروفتين والمنصوص عن أحمد في رواية ابن منصور امتناع الرجوع وعلى القول بجوازه فلا شيء على الأب للزيادة لأنها تابعة لما يباح له من مال ولده فهو بالرجوع والقبض يتملك لها ومنها إذا أصدقها شيئا فزاد زيادة متصلة ثم طلقها قبل الدخول لم يكن له الرجوع في نصفه وسقط حقه منه إلى قيمة النصف ذكره الخرقي ولم نعلم عن أحد من الأصحاب خلافه حتى جعله القاضي في المجرد رواية واحدة وفرق بينه وبين البائع المفلس بأن فسخ البائع رفع للعقد من أصله والطلاق قاطع للنكاح من حينه فلا يكون للزوج حق في الزيادة وهذا ممنوع فإن الفسخ بالفلس رفع للعقد من حينه أيضا فهو كالطلاق وخرج صاحب المحرر الرجوع في النصف بزيادة متصلة من الرواية المحكية عن أحمد في الرجوع في نصف الزيادة المنفصلة وأولى وسنذكر أصل هذه الرواية فيما بعد إن شاء الله تعالى ويتخرج فيه وجه آخر بالرجوع في النصف بزيادته وبرد قيمة الزيادة كما في الفسخ بالعيب على ما تقدم وهذا إذا كانت العين يمكن فصلها وقسمتها وإن لم يكن فهو شريك بقيمة النصف يوم الإصداق ومنها إذا اشترى قصيلا بشرط القطع فتركه حتى سنبل واشتد أو ثمرا ولم يبد صلاحه بشرط القطع فتركه حتى بدأ صلاحه فهل يبطل البيع بذلك أم لا فيه روايتان أشهرهما أنه يبطل وهو اختيار الخرقي وأبي بكر وابن أبي موسى والقاضي والأكثرين وللبطلان مأخذان أحدهما أن تأخيره محرم لحق الله تعالى فأبطل البيع كتأخير القبض في الربويات ولأنه وسيلة إلى شراء الثمرة وبيعها قبل بدو صلاحها وهو محرم ووسائل المحرم ممنوعة وبهذا علل أحمد في رواية أبي طالب والمأخذ الثاني أن مال المشتري اختلط بمال البائع قبل التسليم على وجه لا يتميز منه
____________________
(1/178)
فبطل به البيع كما لو تلف فإن تلفه في هذه الحال يبطل البيع لضمانه على البائع فعلى المأخذ الأول لا يبطل البيع إلا بالتأخير إلى بدو الصلاح واشتداد الحب وهو ظاهر كلام أحمد في رواية أبي طالب وظاهر كلام الخرقي ويكون تأخره إلى ما قبل ذلك جائزا وقد نص أحمد في رواية الحسن بن بواب على أنه إذا أخره حتى تلف بعاهة قبل صلاحه أنه من ضمان البائع معللا بأن هذا نشأ في ملك البائع ونخله فلما علل بانفصاله لملك البائع علم أن البيع لم يكن منفسخا قبل تلفه وكان التأخير تفريطا ولو كان المشترى رطبة أو ما أشبهها من النعناع والهندبا أو صوفا على ظهر فتركها حتى طالت لم ينفسخ البيع لأنه لا نهي في بيع هذه الأشياء وهذه طريقة القاضي في المجرد وعلى المأخذ الثاني يبطل البيع بمجرد الزيادة واختلاط المالين إلا أنه يعفى عن الزيادة اليسيرة كاليوم واليومين ونص على ذلك أحمد في رواية أحمد بن سعيد ولا فرق بين الثمر والزرع وغيرهما من الرطبة والبقول والصوفة وهي طريقة أبي بكر عبد العزيز والقاضي في خلافه وصاحب المغني وبمثل ذلك أجاب أبو الحسن الجزري فيمن اشترى خشبا ليقطعه فتركه حتى اشتد وغلظ أن البيع ينفسخ ومتى تلف بجائحة بعد التمكن من قطعه فهو من ضمان المشتري وهو مصرح به في المجرد والمغني وتكون الزكاة على البائع على هذا المأخذ بغير إشكال وإما على الأول فيحتمل أن يكون على المشتري لأن ملكه إنما ينفسخ بعد بدو الصلاح وفي تلك الحال تجب الزكاة فلا تسقط بمقارنته الفسخ على رأي من يرى جواز اقتران الحكم ومانعه كما سبق ويحتمل أن يكون على البائع ثم يذكر الأصحاب فيه خلافا لأن الفسخ ببدو الصلاح استند إلى سبب سابق عليه وهو تأخير القطع وقد يقال يبدو الصلاح بتعين انفساخ العقد من حين التأخير ونقل أبو طالب عن أحمد فيما إذا تركه حتى صار شعيرا إن أراد حيلة فسد البيع فمن الأصحاب من جعل هذه رواية ثالثة بالبطلان مع قصد التحيل على شراء الزرع قبل استناده للتبقية كابن عقيل في التذكرة ومنهم من قال بل متى تعمد الحيلة فسد البيع من أصله ولم ينعقد بغير خلاف وإنما الخلاف فيما إذا لم يقصد الحيلة ثم تركه حتى بدا صلاحه كصاحب المغني ومنهم من قال قصد الحيلة إنما يؤثر في الإثم لا في الفساد وعدمه وهي طريقة القاضي وإذا تقرر هذا فالزيادة إنما تعلم باختلاف القيمة لعدم تمييزها في نفسها وهي تفاوت ما بين القيمة يوم الشراء وبعد الزيادة الحادثة بعده كذلك قال القاضي في المجرد ونص عليه
____________________
(1/179)
أحمد في رواية ابن منصور على ما سيأتي وهو متمش على المأخذ الثاني في الانفساخ بمجرد الزيادة بعد العقد وأما على المأخذ الأول فالزيادة هي تفاوت ما بين القيمة قبل بدو الصلاح وبعده لأنه لم يزل عنه ملك المشتري وقت ظهور الصلاح وبذلك جزم في الكافي وحكاه في المغني احتمالا عن القاضي وبقي الكلام في حكم الزيادة على الروايتين أما رواية الانفساخ ففيها روايتان إحداهما أنها للبائع وهي اختيار ابن أبي موسى والقاضي ونقلها أبو طالب وغيره عن أحمد لأن البيع متى انفسخ يعود إلى بائعه بنمائه المنفصل كسمن العبد ونحوه بل هنا أولى لأنه نماء من تيقنه في ملكه فحقه فيه أقوى والثانية يتصدقان بها مع فساد البيع قال القاضي في المجرد والروايتين نقلها حنبل قال وهي محمولة عندي على الاستحباب بوقوع الخلاف في صحة العقد وفساده ومستحق النماء فأستحب الصدقة به وأنكر الشيخ مجد الدين ثبوت هذه الرواية وقال هي سهو من القاضي قال وإنما ذكرها القاضي في خلافه مستدلا بها على الصحة فأما مع الفساد فلا وجه لهذا القول وأما ابن أبي موسى فقال وعنه يتصدق البائع بالفضل لأنه نماء في غير ملكه وهذا التعليل يرد عليه الزيادة في المردود بالعيب ونحوه لكن المراد أن هذه الزيادة عادت إليه لانفساخ العقد على وجه منهي عنه في الشرع بخلاف الرد بالعيب ثم حكى رواية ثالثة باشتراك البائع والمشتري في الزيادة وهذه الرواية ترجع إلى القول بأن الزيادة المتصلة لا تتبع في الفسخ بل تبقى على ملك المشتري وإنما شاركه البائع فيها لأنها نمت من ملكه وملك المشتري ولولا ذلك لانفرد بها المشتري وخص ابن أبي موسى هذا الخلاف بالثمار فأما الزرع فلم يذكر فيه خلافا إلا أن الزيادة للبائع وأما على رواية الصحة ففي حكم الزيادة ثلاث روايات إحداهن إنما يشتركان بينهما فيها نقلها أحمد بن سعيد لحدوثها على ملكيهما كما سبق وحملها القاضي على الاستحباب ولا يصح وبالاشتراك أجاب أبو حفص البرمكي فيمن اشترى خشبا للقطع فتركه حتى اشتد وغلظ والثانية يتصدقان بها وأخذها القاضي في خلافه من رواية حنبل وتلك قد صرح فيها أحمد بفساد البيع على ما حكاه القاضي أيضا في المجرد و كتاب الروايتين ثم قال وهذا
____________________
(1/180)
عندي على الاستحباب المنهي عن ربح ما لم يضمن وهذا لم يضمن على المشتري فكره له ربحه وكره للبائع لحدوثه على ملك المشتري وكذلك مال صاحب المغني إلى حملها على الاستحباب لأن الصدقة بالشبهات مستحب وهذه شبهة لاشتباه الأمر في مستحقها ولحدوثها بجهة محظورة ويشبه هذه الرواية ما نص عليه أحمد في ربح مال المضاربة إذا خالف فيه المضارب أنه يتصدق به وفيمن أجر ما استأجره بربح أنه يتصدق به لدخوله في ربح ما لم يضمن والرواية الثالثة أن الزيادة كلها للبائع نقلها القاضي في خلافه في مسألة زرع الغاصب ونص عليه أحمد في رواية ابن منصور فيمن اشترى قصيلا فتركه حتى سنبل يكون للمشتري منه بقدر ما اشترى يوم اشترى فإن كان فيه فضل كان للبائع صاحب الأرض قيل له وكذلك النخل إذا اشتراه ليقلعه فطلع قال كذلك في النخل فإن كان فيه زيادة فهو لصاحب الأرض البائع ووجهه القاضي بأن الزيادة من نماء ملك البائع فهي كالربح في المال المغصوب فإنه يكون لصاحب المال دون الغاصب ويلغى تصرفه فيه لكونه محظورا كذلك ههنا ويمكن أن يفرق بينه وبين تصرف الغاصب بأن الغاصب إنما له آثار عمل فألغيت وهنا للمشتري عين مال نمت فكيف يسقط حقه من نمائها ويجاب عنه بأن المشتري إنما يستحق بالعقد ما وقع عليه العقد من الثمرة وما زاد على ذلك فلا حق فيه وهذا البيع لم يتم قبضه فيه ولا وجد في ضمانه فلا يستحق أن يقبض غير ما وقع عليه البيع بمقتضى عقده وحمل القاضي قول أحمد ههنا وكذلك النخل إذا اشتراه ليقلعه على أنه اشترى جذوعه ليقطعها وقال الشيخ مجد الدين ويحتمل عندي أن يقال بأن زيادة الثمرة في صفتها للمشتري وما طال من الجزة للبائع لأن هذه الزيادة لو فرضنا أن المشتري كان قد جز ما اشتراه لأمكن وجودها ويكون للبائع فكذلك إذا لم تجز انتهى واختار القاضي خلاف هذا كله وأن الزيادة كلها للمشتري مع صحة العقد وللبائع مع فساده ولم يثبت في كتاب الروايتين في المذهب في هذا خلافا وما قاله من انفراد المشتري بالثمرة بزيادتها مخالف لمنصوص أحمد وقياسه كذلك على سمن العبد غير صحيح لأن هذه الزيادة نمت من أصل البائع مع استحقاق إزالتها عنه بخلاف سمن العبد وطوله ولو قال مع ذلك بوجوب الأجرة للبائع إلى حين القطع لكان أقرب كما أفتى به ابن بطة فيمن اشترى خشبا للقطع فتركه في أرض البائع حتى غلظ واشتد أنه يكون بزيادته
____________________
(1/181)
للمشتري وعليه لصاحب الأرض أجرة أرضه للمدة التي تركها فيه وأخذه من غرس الغاصب ولكن تبقية الشجر في الأرض له أجرة معتبرة وللمالك الزرع فأما تبقية الثمر على رءوس الشجر فلا يستحق له أجرة بحال ذكره القاضي في التفليس وحكم العرايا إذا تركت في رءوس النخل حتى أثمرت حكم الثمر إذا ترك حتى يبدو صلاحه عند القاضي وأكثر الأصحاب ومنهم من لم يحك خلافا في البطلان في العرية بخلاف الثمر والزرع كالحلواني وابنه ويفرق بينهما بأن بيع العرايا رخصة مستثناة من المزابنة المحرمة شرعت للحاجة إلى أكل الرطب وشرائه بالثمن فإذا ترك حتى صار تمرا فقد زال المعنى الذي شرعت لأجله الرخصة وصار بيع تمر بتمر فلم يصح إلا بتعيين المساواة والله أعلم وأما العقود فيتبع فيها النماء الموجود حين ثبوت الملك بالقبول أو غيره فلم يكن موجودا حين الإيجاب أو ما يقوم مقامه فمن ذلك الموصى به إذا نمي نماء منفصلا بعد الموت وقبل القبول فإنه يتبع العين إذا احتمله الثلث ذكره صاحب المغني وقال صاحب المحرر إن قلنا لا ينتقل الملك إلا من حين القبول فالزيادة محسوبة كذلك عليه من الثلث وإن قلنا ثبتت من حين الموت فالزيادة له غير محسوبة عليه من التركة لأنها نماء ملكه ومنه الشقص المشفوع إذا كان فيه شجر فنما قبل الأخذ بالشفعة فإنه يأخذه بنمائه بالثمن الذي وقع عليه العقد ولا شيء عليه في الزيادة وكذلك لو كان فيه ثمر أو زرع فنما وقلنا يتبع في الشفعة كما هو أحد الوجهين فيهما ولو تأبر الطلع المشمول بالبيع في يد المشتري ثم أخذه الشفيع ففي تبعيته وجهان لتعلق حقه بالطلع ونمائه ومنه لو اشترى رجل من أهل الحرب ما استولوا عليه من مال مسلم ثم نما عند المشتري نماء منفصلا حتى زادت قيمته فإنه يأخذه بالثمن الذي اشتراه به ولا شيء عليه للزيادة فنص عليه أحمد في رواية مهنا وأما تبعية النماء في عقود التوثق فإنه يتبع في الرهن وأموال الزكاة والجاني في التركة المتعلق بها حقوق الغرماء وإن قيل بانتقالها إلى الورثة لأن التعلق فيها إما تعلق رهن أو جناية والنماء المتصل تابع فيهما صرح القاضي وابن عقيل بذلك كله متفرقا في كلامهما
____________________
(1/182)
وأما عقود الضمان فتتبع في الغصب على ظاهر المذهب وحكى ابن أبي موسى فيه رواية أخرى أنه لا يتبع ولا يكون النماء المتصل الحادث في يد الغاصب مضمونا إذا رد الأصل كما قبضه وقياسه العارية لأن الانتفاع حاصل به فيصير حكمه حكم الأصل كنماء العين المستأجرة وتتبع أيضا في الصيد الذي في يد المحرم وفي نماء المقبوض بعقد فاسد وجهان معروفان القاعدة الثانية والثمانون والنماء المنفصل تارة يكون متولدا من عين الذات كالولد والطلع والصوف واللبن والبيض وتارة يكون متولدا من غيرها واستحق بسبب العين كالمهر والأرش والحقوق المتعلقة بالأعيان ثلاثة عقود وسبابته وحقوق يتعلق بغير فسخ ولا عقد فأما العقود فلها حالتان إحداهما أن ترد على الأعيان بعد وجود نمائها المنفصل فلا يتبعها النماء وسواء كان من العين أو غيرها إلا ما كان متولدا من العين في حال اتصاله بها واستتاره وتعيبه فيها بأصل الخلقة فإنه يدخل تبعا كالولد واللبن والبيض والطلع غير المؤبر أو كان ملازما للعين لا يفارقها عادة كالشعر والصوف فإنها تلحق بالمتصل في استتباع العين وفي المجرد والفصول وجه في الرهن أنه لا يدخل فيه صوف الحيوان ولبنه ولا ورق الشجر المقصود وهو بعيد أما المنفصل البائن فلا يتبع بغير خلاف إلا في التدبير فإن في استتباع الأولاد فيه روايتين والحالة الثانية أن يحدث النماء بعد ورود العقد على العين فينقسم العقد إلى تملك وغيره وأما عقود التمليكات المنجزة فما ورد منها على عين والمنفعة بعوض أو غيره فإنه يستلزم استتباع النماء المنفصل من العين وغيره كالبيع والهبة والعتق وعوضه وعوض الخلع والكتابة والإجارة والصداق وغيرها وما ورد منها على العين المجردة من غير منفعة كالوصية بالرقبة دون المنافع والمشتري لها من مستحقها على القول بصحة المبيع فلا يتبع فيه النماء من غير العين وفي استتباع الأولاد وجهان بناء على أن الولد جزء أو كسب وما ورد فيها على المنفعة المجردة فإن عم المنافع كالوقف والوصية بالمنفعة تتبع فيه النماء الحادث من العين وغيرها إلا الولد فإن فيه وجهين مصرحا بهما في الوقف ومخرجين في غيره بناء على أنه جزء أو كسب وفي أرش الجناية على الطرف بالإتلاف احتمالان مذكوران في الترغيب هل هو للموقف عليه كالفوائد أو يشترى به شقص يكون وقفا كبدل الجملة فإن كانت الجناية بغير
____________________
(1/183)
إتلاف فالأرش للموقوف عليه وجها واحدا وإن كان العقد على منفعة خاصة لا تتأبد كالإجارة فلا تتبع فيه شيئا من النماء المنفصل بغير خلاف وأما عقود غير التمليكات المنجزة فنوعان أحدهما ما يئول إلى التمليك فما كان منه لازما لا يستقل العاقد أو من يقوم مقامه بإبطاله من غير سبب فإنه يتبع فيه النماء المنفصل من العين وغيرها ويندرج في ذلك صور منها المكاتبة فيملك اكتسابها ويتبعها أولادها بمجرد العقد ومنها المكاتب يملك اكتسابه ويتبعه أولاده من أمته كما يتبع الحر ولده من أمته ولا يتبعه ولده من أمة لغيره ومنها الموصى بعتقه إذا كتسب بعد الموت وقبل إعتاق الورثة فإن كسبه له ذكره القاضي وابن عقيل وصاحب المحرر لأن إعتاقه واجب لحق الله تعالى ولا يتوقف على قبول فهو كالمعتق بخلاف الوصية لمعين وقال صاحب المغني في آخر باب العتق كسبه للورثة كأم الولد ولكن يمكن التفريق بينهما بأن أم الولد مملوكة لسيدها والموصى بعتقه غير مملوك للورثة لأن الوصية تمنع انتقاله إليهم وإذا قيل هو على ملك الميت فهو ملك تقديري لا يمنع من استحقاق الكسب فلو كان أمة فولدت قبل العتق وبعد الموت تبعها الولد كأم الولد هذا هو الظاهر وقال القاضي في تعليقه لا يعتق ومنها المعلق عتقه بوقت أو صفة بعد الموت كمن قال لعبده إن مت ثم دخلت الدار فأنت حر أو أنت حر بعد موتي بسنة وصححنا ذلك فكسبه بين الموت ووجود شرط العتق للورثة ذكره القاضي وابن عقيل وصاحب المغني كأم الولد بخلاف الموصى بعتقه لأن ذلك أوجب عتقه في الحال وهذا يتردد في وجود شرط عتقه فإنه قد يجيء الوقت المعين بعد موته ولا توجد الصفة حتى ذكر في المغني في منع الوارث من التصرف فيه قبل الصفة احتمالين وصرح صاحب المستوعب بأنه باق على حكم ملك الميت لا ينتقل إلى الورثة كالموصى بعتقه وعلى هذا فيتوجه أن كسبه له وما قيل من احتمال موته قبل الصفة معارض باحتمال موت الموصى بعتقه قبل العتق وأما إن كانت أمة وولدت بعد الموت فهو تابع لها كأم الولد صرح به القاضي وابن عقيل وهو متوجه سواء قيل إن هذا العقد تدبير كقول
____________________
(1/184)
ابن أبي موسى والقاضي في خلافه أو قيل إنه تعليق كقول القاضي في المجرد وابن عقيل فإنه تعليق لازم مستقر لا يمكن إبطاله فهو كالكتابة وهذا يشهد لما ذكرنا من تبعية الولد في التي قبلها ومنها الموصى بوقفه إذا نما بعد الموت وقبل إيقافه فأفتى الشيخ تقي الدين أنه يصرف منصرف الوقف لأن نماءه قبل الوقف كنمائه بعده ومنها ما نقل يعقوب بن بختان وإبراهيم بن هانئ عن أحمد فيمن جعل مالا في وجوه البر فاتجر به الوصي قال إن ربح جعل ربحه مع المال فيما أوصى به وإن خسر كان ضمانا فهذا إن كان مراده إذا وصى بتفرقة عين المال فواضح وإن كان وصى أن يشتري فيما ينمو ويوقف أو يتصدق بنمائه كان مخالفا لما أفتى به الشيخ ومنها الموصى به لمعين يقف على قبوله إذا نما بعد الموت وقبل القبول نماء منفصلا فينبني على أن الملك قبل القبول هل هو للوارث أو للميت أو للموصى له وفيه ثلاثة أوجه فإن قيل إنه للوارث فهو مختص بنمائه وإن قيل هو على ملك الميت فنماؤه من التركة وإن قيل إنه للموصى له بمعنى أنا نتبين بقبوله ملكه بالموت أو قيل إنه لا يتوقف ملكه على قبول فنماؤه كله للموصى له ومنها النذر والصدقة والوقف إذا لزمت في عين لم يجز لمن أخرجها عن ملكه أنه يشتري شيئا من نتاجها نص عليه أحمد في الصدقة والوقف في رواية حنبل ولو اشترى عبدا فأعتقه ثم بان به عيب فأخذ أرشه فهل يملك لنفسه أو يجب عليه صرفه في الرقاب على روايتين وخص القاضي الروايتين بالعتق عن الواجب إذا كان العيب يمنع الإجزاء إلحاقا للأرش بالولاء ولو اشترى شاة فأوجبها أضحية ثم أصاب بها عيبا فأخذ أرشه اشترى به أضحية فإن لم يمكن تصدق به ذكره القاضي وفرق بينه وبين العتق بأن القصد من العتق تكميل أحكام العبد وقد حصل والقصد من الأضحية إيصال لحمها إلى المساكين فإذا كان فيه عيب دخل الضرر عليهم فوجب أرشه عليهم جبرا وتكميلا لحقهم وفي الكافي احتمال آخر أن الأرش له كما في العتق وأما الهدي والأضاحي إذا تعين فإن قيل إن ملكه لا يزول بالتعيين كقول القاضي والأكثرين فهو من هذا النوع وإن جاز إبداله لأن إبداله نقل للحق لا إسقاط له كالوقف ويتبعه نماؤه منه كالولد فإذا ولدت الأضحية ذبح معها ولدها وهل يكون أضحية بطريق التبع أم لا فيه وجهان
____________________
(1/185)
أحدهما هو أضحية قاله في المغني فيجوز أن يأكل منه كأمه والثاني ليس بأضحية قاله ابن عقيل قال وإن تصدق به صحيحا فهل يجزئ فيه احتمالان لتردده بين الصدقة المطلقة وبين أن يحذي به حذو الأم والأشبه بكلام أحمد أنه أضحية فإنه قال في رواية ابن مشيش يذبحها وولدها عن سبعة وقال في رواية ابن منصور يبدأ بأيهما شاء في الذبح وأنكر قول من قال لا يبدأ إلا بالأم وعلى هذا فهل يصير الولد تابعا لأمه أو مستقلا بنفسه حتى لو باع أمه أو عابت وقلنا يرد إلى ملكه فهل يرجع ولدها معها على وجهين ذكرهما في المغني ولا فرق بين أن يعين ابتداء أو عن واجب في الذمة على صحيح وفيه وجه آخر أن المعينة عما في الذمة لا يتبعها ولدها لأن الواجب في الذمة واحد والصحيح الأول لأنها بالتعيين صارت كالمعينة ابتداء وأما اللبن فيجوز شربه ما لم يعجفها للنص ولأن الأكل من لحمها جائز فيجوز الانتفاع بغيره من منافعها ومن درها وظهرها فأما الصوف فنص أحمد على كراهة جزه إلا أن يطول ويكون جزه نفعا لها قال الأصحاب ويتصدق به وفرقوا بين الصوف واللبن بأن الصوف كان موجودا حال إيجابها فورد الإيجاب عليه واللبن يتجدد شيئا بعد شيء فهو كمنفعة ظهرها وقال القاضي في المجرد ويستحب له الصدقة بالشعر وله الانتفاع به وذكر ابن الزاغوني أن اللبن والصوف لا يدخلان في الإيجاب وله الانتفاع بهما إذا لم يضر بالهدي وكذلك قال صاحب التلخيص في اللبن ولو فقأ رجل عين الهدي المعين ابتداء أخذ منه أرشه وتصدق به ذكره القاضي في خلافه وإن قيل بزوال ملكه بالتعيين كقول أبي الخطاب فهو من قسم التمليكات المنجزة كالعتق والوقف وإن جاز الانتفاع ببعض منافعه كمن وقف مسجدا فإنه ينتفع به مع جملة المسلمين وأما ما كان منها غير لازم وهو ما يملك العاقد إبطاله إما بالقول أو تمنع نفوذ الحق المتعلق به بإزالة الملك من غير وجوب إبدال فلا يتبع فيه النماء من غير عينه وفي استتباع الولد خلاف ويندرج تحت ذلك صور منها المدبرة فإنه يتبعها ولدها على المذهب المشهور وعنه رواية أخرى لا يتبعها وزعم أبو الخطاب في انتصاره أن هذا الخلاف نزل على أن التدبير هل هو لازم أم لا فإن قيل بلزومه تبع الولد وإلا لم يتبع وأبى أكثر الأصحاب ذلك وعلى القول بالتبعية قال الأكثرون يكون مدبرا بنفسه لا بطريق التبع بخلاف ولد المكاتبة
____________________
(1/186)
وقد نص أحمد في رواية ابن منصور على أن الأم لو عتقت في حياة السيد لم يعتق الولد حتى يموت وعلى هذا لو رجع في تدبير الأم وقلنا له ذلك بقي الولد مدبرا هذا قول القاضي وابن عقيل وقال أبو بكر في التنبيه بل هو تابع محض لها إن عتقت عتق وإن رقت رق وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى أيضا ومنها المعلق عتقها بصفة إذا حملت وولدت بين التعليق ووجود الصفة ففي عتقه معها وجهان معروفان ولو لم توجد الصفة في الأم لم يعتق ولو وجدت فيه الصفة لأنه تابع محض ومنها الموصى بعتقها أو وقفها إذا ولدت قبل موت الموصى لم يتبعها ذكره القاضي في الموصى بعتقها وقياسه الأخرى ويحتمل أن تتبع في الوصية بالوقف بناء على أن المغلب فيه شوب التحرير دون التمليك ومنها المعلق وقفها بالموت إن قلنا هو لازم وهو ظاهر كلام أحمد من رواية الميموني صارت كالمستولدة فينبغي أن يتبعها ولدها وإن قلنا ليس بلازم وكلام أحمد في آخر رواية الميموني يشعر به حيث قال إن كان تناول وشبهه بالمدبر يعني أنه يتبعه فهل يتبعها الولد كالمدبر أو لا يتبع لأن الوقف تغلب فيه شائبة التمليك فهو كالموصى به ويحتمل وجهين النوع الثاني عقود موضوعة لغير تمليك العين فلا يملك بها النماء بغير إشكال إذ الأصل لا يملك فالفرع أولى ولكن هل يكون النماء تابعا لأصله في ورود العقد عليه وفي كونه مضمونا أم غير مضمون فإن كان العقد واردا على العين وهو لازم فحكم النماء حكم الأصل وإن كان غير لازم أو لازما لكنه معقود على المنفعة من غير تأييد أو على ما في الذمة فلا يكون النماء داخلا في العقد وهل يكون تابعا للأصل في الضمان وعدمه فيه وجهان أحدهما أنه تابع له فيهما والثاني إن شارك الأصل في المعنى الذي أوجب الضمان أو الائتمان تبعه وإلا فلا ويندرج تحت ذلك صور منها المرهون فنماؤه المنفصل كله رهن معه سواء كان متولدا من عينه كالثمرة والولد أو من كسبه كالأجرة أو بدلا عنه كالأرش وهو داخل معه في عقد الرهن فيملك الوكيل في بيع الرهن بيعه معه وإن كان حادثا بعد العقد والتوكيل
____________________
(1/187)
ومنها الأجير كالراعي وغيره فيكون النماء في يده أمانة كأصله ولا يلزمه رعي سخال الغنم المعينة في عقد الرعي لأنها غير داخلة فيه بخلاف ما إذا كان الاستئجار على رعي غير معينة فإن عليه رعي سخالها لأن عليه أن يرعى ما جرى العرف به مع الإطلاق ذكره القاضي في المجرد ومنها المستأجر يكون النماء في يده أمانة كأصله وليس له الانتفاع به لأنه غير داخل في العقد وهل له إمساكه بغير استئذان مالكه تبعا لأصله جعلا للإذن في إمساك أصله إذنا في إمساك نمائه أم لا كمن أطارت الريح إلى داره ثوب غيره خرجه القاضي وابن عقيل على وجهين ومنها الوديعة هل يكون نماؤها وديعة وأمانة محضة كالثوب المطار إلى داره على وجهين أيضا ومنها العارية لا يرد عقد الإعارة على ولدها فليس للمستعير الانتفاع به وهل هو مضمون كأصله أم لا على وجهين ذكرهما القاضي وابن عقيل في باب الرهن أحدهما هو مضمون لأنه تابع لأصله والثاني ليس بمضمون لأن أصله إنما ضمن لإمساكه للانتفاع به في باب الرهن والنماء ممسوك لحفظه على المالك فيكون أمانة وقالا في كتاب الغصب إن في ولد العارية وجها واحدا ومنها المقبوضة على وجه السوم إذا ولدت في يد القابض قال القاضي وابن عقيل حكمه حكم أصله إن قلنا هو مضمون فالولد مضمون وإلا فلا يمكن أن يخرج فيه وجه آخر أنه ليس بمضمون كولد العارية لأن أمه إنما ضمنت لقبضها بسبب الضمان والتمليك والولد ولم يحصل قبضه على هذا الوجه فهو كالثوب المطار بالريح إلى ملكه ومنها المقبوض بعقد فاسد وفي ضمان زيادته وجهان ووجه القاضي سقوط الضمان بأنه إنما دخل على ضمان العين دون نمائها وهو منتقض بتضمينه الأجرة ومنها الشاهدة والضامنة والكفيلة لا يتعلق بأولادهن شيء من هذه الأحكام لأن هذه حقوق متعلقة بالذمة لا بالعين فهي كسائر عقود المداينات ذكره القاضي في المجرد وابن عقيل واختار القاضي في خلافه أن ولد الضامنة يتبعها ويباع معها كولد المرهونة بناء على أن دين المأذون له يتعلق برقبته وضعفه ابن عقيل في نظرياته لأن التعلق بالرقبة
____________________
(1/188)
هنا كتعلق الجناية فلا يسري ومنها لو حلف لا يأكل مما اشتراه فلان فأكل من لبنه أو بيضه لم يحنث لأن العقد لم يتعلق ذكره القاضي في خلافه فإن اليمين ليست لازمة بل يخير الحالف بين التزامها وبين الحنث فيها وتكفيرها وهذا بخلاف ما لو حلف لا يأكل من هذه الشاة فإنه يحنث بأكل لبنها لأنه لا يؤكل منها في الحياة عادة إلا اللبن فأما نتاجها ففيه نظر فصل هذا حكم النماء في العقود وأما في الفسوخ فلا تتبع فيها النماء الحاصل من الكسب بغير خلاف وأما المتولد من العين ففي تبعيته فيها روايتان في الجملة ترجعان إلى أن الفسخ هل هو رفع للعقد من أصله أو من حينه والأصح عدم الاستتباع ويندرج تحت ذلك صور منها إذا عجل الزكاة ثم هلك المال وقلنا له الرجوع بها فإنه يرجع بها وهل يرجع بزيادتها المتصلة على وجهين أظهرهما لا يرجع والثاني يرجع واختاره القاضي في خلافه ومنها المبيع في مدة الخيار إذا نما نماء منفصلا ثم فسخ البيع هل يرجع البائع أم لا خرجه طائفة من الأصحاب كصاحبي التلخيص والمستوعب على وجهين كالفسخ بالعيب وقد ذكر القاضي في خلافه وابن عقيل في عمده أن الفسخ بالخيار فسخ للعقد من أصله لأنه لم يرض فيه بلزوم البيع بخلاف الفسخ بالعيب ونحوه فعلى هذا يرجع بالنماء المنفصل في الخيار بخلاف العيب ومنها الإقالة إذا قلنا هي فسخ فالنماء للمشتري ذكره القاضي في خلافه ويتخرج فيه وجه آخر أنه يرده مع أصله حكاه أبو البركات في تعليقه عن القاضي في خلافه أيضا ومنها الرد بالعيب وفي رد النماء فيه روايتان أشهرهما أنه لا يرد كالكسب ونقل ابن منصور عن أحمد كلاما يدل على أن اللبن وحده يرد عوضه لحديث المصراة ونقل عنه ابن منصور أيضا أنه ذكر له قول سفيان في رجل باع ماشية أو شاة فولدت أو نخلا لها ثمرة فوجد بها عيبا أو استحق أخذ منه قيمة الثمرة وقيمة الولد إن كان أحدث فيهم شيئا أو كان باع أو استهلك فإن كان مات أو ذهب به الريح فليس عليه شيء قال أحمد كما قال وهذا يدل على أن النماء المنفصل يرده مع وجوده ويرد عوضه
____________________
(1/189)
مع تلفه إن كان تلف بفعل المشتري وإن كان تلف بفعل الله تعالى لم يضمن لأن المشتري لم يدخل على ضمانه فيكون كالأمانة عنده وأما إذا ما انتفع به فإنه يستقر الضمان عليه فيرد عوضه كما دل عليه حديث المصراة وكما نقول في المتهب من الغاصب أنه إذا انتفع بالموهوب فأتلفه استقر الضمان عليه وحمل القاضي هذه الرواية على أن البائع كان قد دلس العيب وإن كان النماء موجودا حال العقد ولكن المنصوص عن أحمد في المدلس أنه يرجع بالثمن وإن تلف المبيع إلا أن نصه في صورة الإباق وهو تلف بغير فعل المشتري وأطلق الأكثرون ذلك من غير تفصيل بين أن يتلف بفعله أو بفعل غيره لأنه سلطه على إتلافه بتغريره فلا يستقر عليه الضمان كما يرجع المغرور في النكاح بالمهر وحكى طائفة من المتأخرين رواية أخرى أنه لا يرجع مع التلف بل يأخذ الأرش ورجحه أبو الخطاب في انتصاره وصاحب المغني وهذا تفصيل بين أن يكون التلف بانتفاعه أو بفعل الله تعالى كما حمل القاضي عليه رواية ابن منصور أصح وهو ظاهر كلام أبي بكر وبذلك أجاب عن حديث المصراة وكذلك أجاب القاضي في خلافه ويمكن أن يقال مثل ذلك في النماء الحادث إذا رد بعيب على القول برده كما حملنا عليه رواية ابن منصور أولا والله أعلم ومنها فسخ البائع لإفلاس المشتري بالثمن هل يتبعه النماء المنفصل فيه روايتان إحداهما يتبع وهي المرجحة عند القاضي في الخلاف وابن عقيل ونص أحمد في رواية حنبل فيمن اشترى جارية أو دابة فولدت ثم أفلس المشتري رجعت إلى الأول لأنها مال البائع وقد استحقها وولدها وهكذا ذكره أبو بكر في التنبيه وذكر القاضي في خلافه لفظ هذه الرواية أن أحمد ذكر له قول مالك فيمن اشترى جارية أو دابة فولدت ثم أفلس المشتري أن الجارية والدابة وولدها للبائع إلا أن يرغب الغرماء في ذلك فيعطوه حقه كاملا ويمسكون ذلك فقال أحمد ترجع إلى الأول لأنها ماله وهذا يدل على غير الرجوع في الجارية أو الدابة وإنما القائل بالرجوع في الولد مالك وليس في كلام أحمد موافقة له وأبو بكر كثيرا ما ينقل كلام أحمد بالمعنى الذي يفهمه منه فيقع فيه تغيير شديد ووقع له مثل هذا في كتاب زاد المسافر كثيرا مع أن ابن أبي موسى وغيره تأولوا الرجوع بالولد على أنه كان موجودا في عقد البيع حملا واختار هو وابن حامد أنها للمفلس لأنها نمت في ملكه وهو ظاهر كلام
____________________
(1/190)
الخرقي وكذلك صححه القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول ومنها اللقطة إذا جاء مالكها وقد نمت نماء منفصلا فهل يسترده معها على وجهين خرجهما القاضي وابن عقيل من المفلس وفرق بينهما صاحب المغني ويحتمل الرجوع هنا بالزيادة المنفصلة وجها واحدا لأن تملكها إنما كان مستندا إلى فقد ربها في الظاهر وقد تبين خلافه فانفسخ الملك من أصله لظهور الخطأ في مستنده ووجب الرجوع بما وجده منها قائما وهذا هو الذي ذكره ابن أبي موسى وذكر أصلا من كلام أحمد في طيرة فرخت عند قوم أنهم يردون فراخها ومنها رجوع الأب فيما وهبه لولده إذا كان قد نما نماء منفصلا هل يسترده معه أم لا فيه وجهان ومنها إذا وهب المريض جميع ماله في مرضه ونما نماء منفصلا ومات ولم يجز الورثة فذكر القاضي في خلافه أن الموهوب له يملكه بالقبض وجاز له التصرف فيه إجماعا وإنما يثبت للورثة حق الفسخ فيما زاد على الثلث وإذا جاز وأسقط حقهم من الفسخ فعلى هذا يتخرج في استرجاع النماء وجهان أظهرهما أن النماء للمتهب إلى حين الفسخ نبه على هذا الشيخ مجد الدين والمعروف في المذهب أن الهبة تقع مراعاة فلا يتبين ملكها إلا حين خروجها من الثلث عند الموت وإن خرج بعضها فله منها مقدار الثلث ويتبعه نماؤه والزائد مبني على الخلاف في الإجازة هل هي تنفيذ أو هي عطية مبتدأة ومنها إذا عاد الصداق أو نصفه إلى الزوج قبل الدخول بطلاق أو فسخ وقد نما عند الزوجة نماء منفصلا فهل يرجع بنمائه أو نصفه المذهب أنه لا يرجع به ونص عليه أحمد في رواية أبي داود وصالح نقل عنه ابن منصور أنه ذكر له قول سفيان في رجل تزوج امرأة على خادمة ثم زوجها غلاما فولدت أولادا فطلق امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف قيمتها وقيمة ولدها قال أحمد جيد واختلف أصحابنا في معنى هذه الرواية على طريقين أحدهما وهو مسلك القاضي أنها تدل على أن الزوجة إنما ملكت بالعقد نصف الصداق فيكون لها نصف نمائه وجعل قوله وقيمة ولدها مجرورا بالعطف على قوله نصف قيمتها أي ونصف قيمة ولدها قال وذكر القيمة ههنا محمول على التراضي عليها أو على أن المراد نصف الأم ونصف الولد ولم يرد القيمة
____________________
(1/191)
وهذا المسلك ضعيف جدا أو في تمام النصف ما يبطله وهو قول أحمد فإن أعتقها قبل أن يدخل بها لا يجوز عتقها لأنها من حين تزوجها وجبت لها الجارية وهذا تصريح بأنها ملكت الأمة كلها بالعقد إذ لولا ذلك لعتق نصفها بالملك وسرى عتقها إلى الباقي مع اليسار وكذلك سلك أبو بكر في زاد المسافر وابن أبي موسى في تخريج هذا النص وبنياه على أن المرأة لم تملك بالعقد إلا النصف ثم خرج أبو بكر لأحمد قولا آخر في هذه المسألة على قوله تملك الصداق كله بالعقد أن الأولاد والنماء لها ويرجع بنصف قيمة الأم دون الأولاد يعني الزوج قال وبه أقول وهو اختيار صاحب المغني أيضا فرارا من التفريق بين الأم وولدها في بعض الزمان وأما ابن أبي موسى فإنه خرج وجها على القول بملك الصداق كله بالعقد أن الولد للمرأة لحدوثه في ملكها ولها نصف قيمة الأم فجعل للزوجة القيمة كما في نص أحمد وهذا الوجه ضعيف جدا حيث تضمن التفريق بين الأم وولدها بغير العتق ومنع الزوجة من أخذ نصف الأمة وهو أقرب إلى عدم التفريق من أخذ نصف القيمة وعند القاضي إذا قيل إن الولد كله له فللزوج نصف قيمة الأم صرح به في المجرد وقال في الخلاف يرجع بنصف الأمة والطريق الثاني في معنى الرواية أنها تدل على أن النماء المنفصل يرجع به الزوج بالفرقة تبعا للأصل وهذا مسلك جماعة منهم صاحب المحرر لكنه استشكل إيجاب القيمة دون المعين وقال لا أدري هل هو لنقص الولادة أو لغير ذلك فإن أحمد جعل للمرأة نصف قيمة الأمة ونصف قيمة الولد لأجل حق الزوج فبطل في نصف الأمة وولدها وليس ذلك بأولى من العكس وقد يجاب عن ذلك بأن بالطلاق يرجع به نصف الأمة إلى الزوج قهرا كالميراث لأنه باق بعينه لا سيما والأملاك القهرية يملك بها ما لا يملك بالعقود الاختيارية فلا يجبر الزوج بعد ذلك على أخذ قيمته بل يتعين تكميل الملك له في الأم والولد حذرا من التفريق المحرم ويشبه هذا ما قاله الخرقي فيما إذا كان الصداق أرضا فنبت فيه ثم طلقها قبل الدخول أن الزوج يرجع بنصف الأرض ويتملك عليها البناء الذي فيه بالقيمة لكن أحمد
____________________
(1/192)
في تمام هذا النص بعينه من رواية ابن منصور ذكر مسألة البناء وصبغ الثوب وقال للزوج نصف القيمة لأنه استهلاك ففرق بين أن يكون المرأة وصلت الصداق بمالها على وجه لا ينفصل عنه إلا بضرر عليها وبين أن يكون باقيا بعينه ففي الأول يتعين للزوج نصف القيمة لاختلاط المالين وفي الثاني يرجع بنصف العين لبقائها بحالها وإنما جاء الإجبار على تكميل الملك للمانع الشرعي من التفريق ويحتمل عندي في معنى رواية ابن منصور طريق ثالث وهو أن يكون أراد أحمد أن للزوجة نصف قيمة الأمة ولها قيمة ولدها كاملة لأن الولد نماء تختص به الزوجة وقد عاد إلى الزوج نصف الأم فيجبر الزوج على أخذ نصف قيمة الأم وقيمة الولد بكمالها حذرا من التفريق ولعل هذا أظهر مما قبله والله أعلم ومنها من وجد عين ماله الذي استولى عليه الكفار من المغنم قبل القسمة وقد نما نماء منفصلا فإن قلنا لم يملكه الكفار بالاستيلاء فهو له بنمائه وإن قلنا ملكوه فإنه يرجع فيه وهل يرجع بنمائه يتخرج على وجهين كبائع المفلس لأن حقوق الغانمين متعلقة بالنماء كتعلق حقوق غرماء المفلس بأحواله وذكر القاضي في المجرد أنها إذا كانت أمة فوطئها الحربي وولدت منه أن الولد غنيمة لا يرجع به المالك لأنه حدث في ملك الحربي الواطئ فانعقد حرا لكن هذا قد يختص باستيلاد المالك لها فإن ولده ينعقد حرا وإنما يطرأ عليه الرق بعد ذلك فلا يكون من نمائها بخلاف ما لو زوجها فولدت من الزوج فإنه يكون من نمائها لانعقاده رقيقا وقد سئل أحمد عن عبد المسلم إذا لحق بدار الحرب ثم رجع ومعه من أموالهم فتوقف في مستحق المال الذي معه وقال مرة هو للمسلمين وأنكر أن يكون للسيد وعلل بأن العبد ليس له غنيمة قال الخلال وهذا هو المذهب لأن العبد لا غنيمة له وحمله القاضي على أن ما يأخذه الواحد من دار الحرب يكون فيئا قال وأما إن قلنا هو لآخذه فهو هنا للسيد فصل وأما الحقوق المتعلقة بالأعيان من غير عقد ولا فسخ فإن كانت ملكا قهريا فحكمه حكم سائر التملكات وإن لم تكن ملكا فإن كانت حقا لازما لا يمكن إبطاله بوجه كحق الاستيلاد وسرى حكمه إلى الأولاد دون الأكساب لبقاء ملك مالكه عليه وإن كان غير لازم بل يمكن إبطاله إما باختيار المالك أو برضى المستحق لم يتبع النماء فيه الأصل بحال ويتخرج على ذلك مسائل منها الأمة الجانية لا يتعلق الجناية بأولادها ولا أكسابها لأن حق الجناية ليس بالقوي
____________________
(1/193)
ولهذا لم يمنع التصرف عندنا ولأن حق الجناية تعلق بالجناية لصدور الجناية منها وهذا مفقود في ولدها وكسبها ملك للسيد بخلاف المكاتبة ومنها تركه من عليه دين إذا تعلق بها حق الغرماء بموته فإن قيل هي باقية على حكم ملك الميت تعلق حق الغرماء بالنماء أيضا كالمرهون كذا ذكره القاضي وابن عقيل في كتاب القسمة وينبغي أن يقال إن قلنا إن تعلق الدين بالتركة تعلق رهن يمنع التصرف فيه فالأمر كذلك وإن قلنا تعلق جناية لا يمنع التصرف فلا يتعلق بالنماء وأما إن قلنا لا تنتقل التركة إلى الورثة بمجرد الموت لم تتعلق حقوق الغرماء بالنماء إذ هو تعلق قهري كالجناية كذا ذكر القاضي وابن عقيل وخرج الآمدي وصاحب المغني تعلق الحق بالنماء مع الانتقال أيضا كتعلق الرهن ويقوى هذا على قولنا إن التعلق تعلق رهن وقد ينبني ذلك على أصل آخر وهو أن الدين هل هو باق في ذمة الميت أو انتقل إلى ذمم الورثة أو هو متعلق بأعيان التركة لا غير وفيه ثلاثة أوجه الأول قول الآمدي وابن عقيل في الفنون وصاحب المغني وهو ظاهر كلام الأصحاب في مسألة ضمان دين الميت والثاني قول القاضي في خلافه وأبي الخطاب في انتصاره وابن عقيل في موضع آخر كذلك قال القاضي في المجرد لكنه خصه بحالة تأجيل الدين لمطالبة الورثة بالتوثقة والثالث قول ابن أبي موسى فيتوجه على قوله أن لا يتعلق الحقوق بالنماء إذ هو لتعلق الجناية وعلى الأولين يتوجه تعلقها بالنماء كالرهن وقد يقال لا يتعلق حقوق الغرماء بالنماء إذا قلنا تنتقل التركة إلى الورثة بكل حال إلا أن نقول إن الدين في ذممهم لأن تبعية النماء في الرهن إنما يحكم به إذا كان النماء ملكا لمن عليه الحق فأما إن كان ملكا لغيره لم يتبع كما لو رهن المكاتب سيده فإن كسبه لا يكون داخلا في الرهن لأنه على ملك المكاتب فكذلك ينبغي أن يقال فيمن تجزيه شيئا ليرهنه فرهنه أن النماء لا يدخل في الرهن لذلك وقد يقال التركة تعلق الحق تعلقا قهريا مع انتقال ملكها إلى الورثة فكذلك نماؤها ويجاب عنه بأن التعلق حالة الانتقال إنما ثبت بضعف المانع منه حيث اقتران التعلق ومانعه وهو الانتقال فأما بعد الانتقال واستقرار الملك فيه فلا يتعلق لسبق المانع واستقراره والله أعلم وأما تعلق الضمان بالأعيان للتعدي فيتبع فيه النماء المنفصل إذا كان داخلا تحت اليد
____________________
(1/194)
العدوانية فمن ذلك الغصب يضمن فيه النماء المنفصل على المذهب ولم يحك ابن أبي موسى في ضمانه خلافا مع حكايته الخلاف في المتصل ولا يظهر الفرق بينهما فالتخريج متوجه بل قد يقال ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور التي سقناها في الرد بالعيب تدل على عدم الضمان حيث سرى بين ظهور العين وبين الاستحقاق ومنه الأمانات إذا تعدى فيها ثم نمت فإنه يتبعها في الضمان ومنه صيد الحرم والإحرام يضمن نماؤه المنفصل إذا دخل تحت اليد الحسية وإن لم يدخل تحت اليد لكنه هلك بسبب إمساك الأم ففيه خلاف مشهور تنبيه اضطرب كلام الأصحاب في الطلع والحمل هل هما زيادة منفصلة أو متصلة أما الطلع فللأصحاب فيه طرق أحدها أنه زيادة متصلة سواء أبر أو لم يؤبر وبه جزم القاضي وابن عقيل في كتاب الصداق وأن الزوج يجبر على قبوله إذا بذلتها الزوجة بكل حال وكذا ذكر صاحب الكافي في كتاب الصداق وجعل كل ثمرة على شجرها زيادة متصلة وصرح القاضي في المجرد في باب الغصب بأن الزيادة المتصلة التي يمكن إفرادها كصبغ الثوب وتزويق الدار والمسامير هل يجبر على قبولها يخرج على وجهين أصحهما يجبر وهو قول الخرقي في الصداق والثاني أنه زيادة منفصلة بكل حال أبر أو لم يؤبر لأنه يمكن فصله وإفراده بالبيع كذا أطلقه القاضي وابن عقيل أيضا في موضع من التفليس والرد بالعيب وصرح صاحب المغني بإبدائه احتمالا وحكاه في الكافي عن ابن حامد الثالث أن المؤبر زيادة منفصلة وغير المؤبر زيادة متصلة صرح به القاضي وابن عقيل أيضا في التفليس والرد بالعيب وذكر أنه منصوص عن أحمد اعتبارا بالتبعية في البيع وعدمها الرابع أن غير المؤبر زيادة متصلة بغير خلاف وفي المؤبر وجهان وهذه طريقة صاحب الترغيب في الصداق والخامس أن المؤبر زيادة منفصلة وجها واحدا وفي غير المؤبر وجهان واختار ابن حامد أنها منفصلة وهي طريقة الكافي في التفليس
____________________
(1/195)
وأما الحمل فقال القاضي وابن عقيل في الصداق هو زيادة طيف قال القاضي ويجبر الزوج على قبولها إذا بذلتها المرأة وخالفه ابن عقيل في الآدميات لأن الحمل فيهن نقص من جهة وزيادة من جهة بخلاف البهائم فإنه فيها زيادة محضة وقال القاضي في التفليس ينبني على أن الحمل هل له حكم أم لا فإن قلنا له حكم فهو زيادة منفصلة وإلا فهو زيادة متصلة كالسمن وفي التلخيص الأظهر أنه يتبع في الرجوع كما يتبع في البيع والحب إذا صار زرعا والبيضة إذا صارت فرخا فأكثر الأصحاب على أنها داخلة في النماء المتصل كذلك قال القاضي وابن عقيل في الفلس والغصب وذكر صاحب المغني وجها آخر وصححه أنه من باب تغير بما يزيل الاسم لأن الأول استحال وكذا ابن عقيل في موضع آخر وفي المجرد ولو حلف لا يأكل بيضة فصارت فروجا أو حبا فصار سنبلا أنه لا يحنث بأكله لزوال الاسم وهذا إنما يتوجه على قول ابن عقيل في مسألة تعارض الاسم والتعيين فأما على المشهور فينبغي أن يحنث وبه جزم القاضي في خلافه وكما أشار إليه ابن عقيل في الفصول كما لو حلف لا يأكل هذا التمر فصار دبسا وقد تفرق في مسألة البيضة ببقاء حلاوة التمر ولونه في الدبس بخلاف الفروج ولو اشترى بيضة فوجد فيها فروجا فالبيع باطل نص عليه في رواية ابن منصور وهو يشهد للقول بأن البيض والفروج عينان متغايران كما إذا تبايعا دابة يظنان بأنها حمار فإذا هي فرس والقصيل إذا صار سنبلا فهو زيادة متصلة وإذا اشتد الحب فليس بعده زيادة لا متصلة ولا منفصلة ذكره القاضي القاعدة الثالثة والثمانون إذا انتقل الملك عن النخلة بعقد أو فسخ يتبع فيه الزيادة المتصلة دون المنفصلة أو بانتقال استحقاق فإن كان فيه طلع مؤبر لم يتبعه في الانتقال وإن كان غير مؤبر تبعه كذا قال القاضي في كتاب التفليس من المجرد وقال سواء كان الانتقال بعوض اختياري كالبيع والصلح والنكاح والخلع أو بعوض ونوو كالأخذ بالشفعة ورجوع البائع في عين ماله بالفلس وبيع الرهن بعد أن أطلع بغير اختيار الراهن والرجوع في الهبة بشرط الثواب أو كان الانتقال بغير عوض سواء كان الانتقال اختياريا كالهبة والصدقة أو غير اختياري كالرجوع في الهبة للأب وهو ظاهر كلامه في بيع الأصول والثمار أيضا لأنه جعل
____________________
(1/196)
الكل كالبيع سواء وصرح بذلك صاحب الكافي في العقود والفسوخ وأما ابن عقيل فإنه أطلق في الفسخ بالإفلاس والرجوع في الهبة أن الطلع يتبع الأصل ولم يفصل وعلل بأن الفسخ رفع للعقد من أصله وصرح صاحب المغني في البيع بأن الفسخ يتبع الطلع فيه أصله سواء أبر أو لم يؤبر لأنه نماء متصل فأشبه السمن وصرح بدخول الإقالة والفسخ بالعيب في ذلك وهو موافق لكلام الأصحاب في الصداق وقد قدمنا أن صاحب المغني ذكر احتمالا في الفسخ بالفلس ونحوه أنه لا يتبع فيه الطلع سواء أبر أو لم يؤبر لتميزه وإمكان إفراده بالعقد فهو كالمنفصل بخلاف السمن ونحوه وهذا عكس ما ذكره في البيع وهو مع ذلك موافق لإطلاق كثير من الأصحاب أن الثمرة لا ترد مع الأصل بالعيب من غير تفصيل وكذا في الفلس فتحرر من هذا أن العقود كالبيع والصلح والصداق وعوض الخلع والأجرة والهبة والرهن يفرق فيها بين حالة التأبير وعدمه ونص عليه أحمد في الرهن في رواية محمد بن الحكم إلا أن في الأخذ في الشفعة وجها آخر سبق ذكره أنه يقع فيه المؤبر إذا كان في حال البيع غير مؤبر ولأن الأخذ يستند إلى البيع إذ هو سبب الاستحقاق وأما الفسوخ ففيها ثلاثة أوجه أحدها أن الطلع يتبع فيها مع التأبير وعدمه بناء على أن الطلع زيادة متصلة بكل حال أو على أن الفسخ رفع العقد من أصله والثاني لا يتبع بحال بناء على أنه زيادة منفصلة وإن لم يؤبر والثالث إن كان مؤبرا تبع وإلا فلا كالعقود هذا كله على القول بأن النماء المنفصل لا يتبع في الفسوخ أما إن قيل بتبعيته فلا إشكال في أن الطلع يتبع سواء أبر أو لم يؤبر وكذلك إن قيل إن الفسوخ لا يتبع فيها الزيادة المتصلة فإن الطلع لا يتبع فيها بكل حال وأما الوصية والوقف فالمنصوص عن أحمد أنه يدخل فيهما الثمرة لاستشمام يوم الوصية إذا بقيت إلى يوم الموت من غير تفريق بين أن يؤبر أو لا يؤبر نقله عنه أبو بكر بن صدقة في الرجل يوصي بالكرم أو البستان لرجل ثم يموت وفي الكرم حمل فهو للموصى له وقال في رواية محمد بن موسى وسئل عن الرجل يوصي البستان أو الكرم لرجل ثم يموت وفي الكرم أو البستان حمل لمن الحمل قال إن كان يوم أوصى به له فيه حمل فهو له وأطلق بأنه يدخل في الوصية ولم يفصل وقد توجه بأن الوصية عقد تبرع لا
____________________
(1/197)
يستدعي عوضا فدخل فيها كل متصل بخلاف عقود المعاوضات وعلى هذا فالهبة المطلقة كذلك وهو خلاف ما ذكره الأصحاب وكذلك الوقف المنجز وأولى ويحتمل أن يختص ذلك بما فيه معنى القربة من الوقف والصدقة والوصية وأما اعتبار وجوده يوم الوصية مع أن الملك يتراخى إلى ما بعد الموت فلأن العقد إذا انعقد كان سببا لنقل الملك وإنما تأخر تأثيره إلى حين الموت فإذا وجد الموت استند الملك إلى حال الإيصاء ولهذا لو وصى له بأمة حامل ثم مات الموصى له قبل الوضع فالولد للموصى له بغير خلاف وسواء قلنا إن للحمل حكما وإنه كالمنفصل أم لا وأما إن تجدد مستحق من أهل الوقف وفي النخل طلع فههنا حالتان إحداهما أن يكون استحقاقه من غير انتقال من غيره والمنصوص عن أحمد أنه إن حدث استحقاقه بعد التأبير لم يستحق من الثمر شيئا وإن كان قبله استحق قال جعفر بن محمد سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل أوقف نخلا على ولد قوم وولده ما توالدوا ثم ولد مولود قال إن كان النخل أبر فليس له في ذلك شيء وهو ملك الأول وإن لم يكن أبر فهو معهم وكذلك الزرع إذا بلغ الحصاد فليس له شيء وإن كان لم يبلغ الحصاد فله فيه وكذلك الأصحاب صرحوا بالفرق بين المؤبر وغيره ههنا منهم ابن أبي موسى والقاضي وأصحابه معللين بتبعية غير المؤبر في العقد فكذا في الاستحقاق وعلل بعض الأصحاب بأن غير المؤبر في حكم المعدوم لاستتاره وكمونه والمؤبر في حكم سراويل لبروزه وظهوره الحالة الثانية أن يخرج بعض أهل الاستحقاق لموت أو غيره وينتقل نصيبه إلى غيره قال يعقوب بن بختان سئل أحمد عن رجل مات فقال ضيعتي التي بالثغر لموالي الذين بالثغر وضيعتي التي ببغداد لموالي الذين ببغداد وأولادهم فلمن بالثغر أن يأخذوا من هذه الضيعة التي ههنا قال لا قد أفرد هذه من هذه فقيل له فقدم بعض من بالثغر إلى هنا وخرج من هنا بعضهم إلى ثم وقد أبرت النخل ألهم فيها شيء قال لا فقيل فإن ولد لأحدهم ولد بعد ما أبرت فقال وهذا أيضا شبيه بهذا كأنه رأى ما كان قبل التأبير جائز أو كما قال وهذا موافق لنصه السابق في أن تجدد المستحق للوقف بعد التأبير لا يقتضي استحقاقه منه وأما خروج الخارج من البلد فلم يشمله جوابه وانقطاع حق المستحق بموته أو زوال صفة الاستحقاق شبيه بانفساخ العقد المزيل للملك قهرا وقد سبق الخلاف فيه لا سيما على قولنا إن الوقف ملك للموقوف عليه فيصير موته كانفساخ ملكه في الأصل فيخرج في تبعية الطلع الخلاف السابق فإن قيل بالتفريق بين ما قبل
____________________
(1/198)
التأبير وبعده فلأن الطلع إذا لم يؤبر في حكم الحمل في البطن واللبن في الضرع فلا يكون له حكم بملك ولا غيره حتى يظهر وإن سلم أن له حكما بالملك فالمستحق الحادث لما شارك في غير المؤبر مع ظهوره على ملك الأول دل على أن ملكهم لم يستقر عليه بخلاف المؤبر فإن ملكهم استقر عليه فمن زال استحقاقه قبل استقرار الملك سقط حقه فصل هذا كله في حكم ثمر النخل فأما غيره من الشجر فما كان له كمام تفتح فيظهر ثمره كالقطن فهو كالطلع وألحق أصحابنا به الزهور التي تخرج منضمة ثم تتفتح كالورد والياسمين والبنفسج والنرجس وفيه نظر فإن هذا المنظم هو نفس الثمرة أو قشرها الملازم لها كقشر الرمان فظهوره ظهور الثمرة بخلاف الطلع فإنه وعاء للثمرة وكلام الخرقي يدل على ذلك حيث قال وكذلك بيع الشجر إذا كان فيه ثمر باد وبدو الورد ونحوه ظهوره من شجره وإنما كان منضما وللأصحاب وجهان في الورق المقصود كورق التوت هل يعتبر بفتحه كالثمر أو يتبع الأصل لمجرد ظهوره وهذه فعليه بمعناه ومنه ما يظهر نوره ثم يتناثر فيظهر ثمره كالتفاح والمشمش ففيه ثلاثة أوجه أحدها إن تناثر نوره فهو للبائع وإلا فلا وبه جزم القاضي في خلافه لأن ظهور ثمره يتوقف على تناثر نوره والثاني أنه بظهور نوره للبائع ذكره القاضي احتمالا جعلا للنور كما في الطلع لأن الطلع ليس هو عين الثمرة بل هي مستترة فيه فتكبر في جوفه وتظهر حتى يصير تلك في طرفها وهي قمع الرطبة والثالث للبائع بظهور الثمرة وإن لم يتناثر النور كما إذا كبر قبل انتثاره وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار صاحب المغني وهو أصح وقياس ما في بطن الطلع على النور لا يصح لأن النور يتناثر وما في جوف الطلع ينمو ويتزايد حتى يصير ثمرا ومنه ما يظهر ثمرته من غير نور فهو للبائع بظهوره سواء كان له قشر يبقى فيه إلى أكله كالرمان والموز أو له قشران كالجوز واللوز أو لا قشر له بعيره والتوت وقال القاضي ما له قشران لا يكون للبائع إلا بتشقق قشره الأعلى ورده صاحب المغني بأن تشققه في شجره نادر وتشققه قبل كماله يفسده بخلاف الطلع وفي المبهج الاعتبار بانعقاد لبه فإن لم ينعقد تبع أصله وإلا فلا وأما الزرع الظاهر في الأرض إذا انتقل الملك فيها بالمبيع ونحوه فهو للبائع لأنه ليس
____________________
(1/199)
من أجزاء الأرض وإنما هو مودع فيها فأشبه الثمرة المؤبرة قال في المغني لا أعلم فيه خلافا وفي المبهج للشيرازي إن كان الزرع بدا صلاحه لم يتبع وإن لم يبد صلاحه على وجهين فإن قلنا لا يتبع أخذ البائع بقطعه إلا أن يستأجر الأرض من المشتري إلى حين إدراكه وأما إذا بدا صلاحه فإنه يبقى في الأرض من غير أجرة إلى حين حصاده وهذا غريب جدا مخالف لما عليه الأصحاب مع أن كلام أحمد في استحقاق الوقف يشهد له حيث قال إن ولد مولود من أهل الوقف قبل أن يبلغ الحصاد استحق وإلا لم يستحق لأنه قد انتهى نموه وزيادته ببلوغه للحصاد وهكذا قال ابن أبي موسى لكنه عبر بالاستحصاد وعدمه وأما صاحب المغني فقال ما كان من الزرع لا يتبع الأرض في البيع فلا حق فيه للمتجدد لأنه كالثمر المؤبر وأما ما كان يتبع في البيع وهو ما لم يظهر مما يتكرر حمله من الرطبات والخضراوات فيستحق فيه المتجدد وقياس المنصوص في الزرع أن يستحق المتجدد في الوقف من الثمر حتى يبدو صلاحه ويجوز بيعه مطلقا ولكن أحمد فرق بينهما كما تقدم فاعتبر في الزرع بلوغ الحصاد وفي الثمر التأبير ونصه مع ذلك في استحقاق الموصى له بالشجر المثمر الموجود فيه حال الوصية من غير تفريق بين أن يبدو صلاحه أو لا يبدو مشكل وأفتى الشيخ تقي الدين بأن الثمر إنما يستحقه من بدا الصلاح في زمن استحقاقه حتى لو مات البطن الأول وقد أطلع الثمر بعلمه ثم بدا صلاحه بعد موته فإنه يكون للبطن الثاني وقال في شجر الجوز الموقوف إنه إن أدرك أوان قطعه في حياة البطن الأول فهو له فإن مات وبقي في الأرض مدة حتى زاد كانت الزيادة حادثة في منفعة الأرض التي للبطن الثاني ومن الأصل الذي لورثة الأول فإما أن تقسم الزيادة بينهما على قدر القيمتين وإما أن تعطى الورثة أجرة الأرض للبطن الثاني وإن غرسه البطن الأول من مال الواقف ولم يدرك إلا بعد انتقاله إلى البطن الثاني فهو لهم وليس لوارثه الأول فيه شيء واعلم أن ما ذكرناه في استحقاق الموقوف عليه ههنا إنما هو إذا كان استحقاقه بصفة محضة مثل كونه ولدا أو فقيرا أو نحوه أما إذا كان استحقاق الوقف عوضا عن عمل وكان وصياح كالأجرة يبسط على جميع السنة كالمقاسمة القائمة مقام الأجرة أو إن كان استغلال الأرض لجهة الوقف من ماله فإنه يستحق كل من اتصف بصفة الاستحقاق في ذلك العام منه حتى من مات في أثنائه استحق بقسطه وإن لم يكن الزرع قد وجد حتى لو تأخر إدراك ذلك العام إلى أثناء العام الذي بعده لم يستحق منه من تجدد استحقاقه
____________________
(1/200)
في عام الإدراك واستحق منه من مات في العام الذي قبله وبنحو ذلك أفتى الشيخ تقي الدين رحمه الله وأفتى الشيخ شمس الدين بن أبي عمر بأن الاعتناء في ذلك بسنة المغل دون السنة الهلالية في جماعة مقرين في نزيه حصل لهم حاصل من قريتهم الموقوفة عليهم يطلبون أن يأخذوا ما استحقوه عن الماضي وهو مغل سنة خمس وأربعين مثلا فهل يصرف إليهم الناظر بحساب سنة المغل مع أنه قد نزل بعد هؤلاء المتقدمين جماعة شاركوا في حساب سنة المغل فإن أخذ أولئك على حساب السنة الهلالية لم يبق للمتأخرين إلا شيء يسير فأجاب بأنه لا يحتسب إلا بسنة المغل دون الهلالية ووافقه جماعة من الشافعية والحنفية على ذلك القاعدة الرابعة والثمانون الحمل هل له حكم قبل انفصاله أم لا حكى القاضي وابن عقيل وغيرهما في المسألة روايتين قالوا والصحيح من المذهب أن له حكما وهذا الكلام على إطلاقه قد يستشكل فإن الحمل يتعلق به أحكام كثيرة ثابتة بالاتفاق مثل عزل الميراث له وصحة الوصية له ووجوب الغرة بقتله وتأخير إقامة الحدود واستيفاء القصاص من أمه حتى تضعه وإباحة الفطر لها إذا خشيت عليه ووجوب النفقة لها إذا كانت بائنا وإباحة طلاقها وإن كانت موطوءة في ذلك الطهر قبل ظهوره إلى غير ذلك من الأحكام ولم يريدوا إدخال مثل هذه الأحكام في محل الروايتين وفصل القول في ذلك أن الأحكام المتعلقة بالحمل نوعان أحدهما ما يتعلق بسبب الحمل بغيره فهذا ثابت بالاتفاق لأن الأحكام الشرعية تتعلق على الأسباب الظاهرة فإذا ظهرت أمارة الحمل كان وجوده هو الظاهر فترتب عليه أحكامه في الظاهر فإن خرج حيا تبينا ثبوت تلك الأحكام في الباطن وإن بان أنه لم يكن حمل أو خرج ميتا تبينا فساد ما يتعلق من الأحكام به أو بحياته كإرثه ووصيته وهذه الأحكام كثيرة جدا وبعضها متفق عليه وبعضها فيه اختلاف فمن أحكامه إذا ماتت كافرة وفي بطنها حمل محكوم بإسلامه لم يدفن في مقابر الكفار لحرمة الحمل ومنها إخراج الفطرة عن الحمل وهي مستحبة وفي وجوبها طريقان للأصحاب منهم من جزم بنفي الوجوب ومنهم من قال في المسألة روايتان
____________________
(1/201)
ومنها فطر الحامل إذا خافت على جنينها من الصوم ويجب عليها القضاء والكفارة وهل الكفارة من مالها أو بينها وبين من يلزمه نفقة الحمل على احتمالين ذكرهما ابن عقيل في فنونه ومنها إذا اشترى جارية فبانت حاملا فنص أحمد في رواية أبي طالب أن البائع إن أقر بوطئها ردت إليه لأنها أم ولد له وإن أنكر فإن شاء المشتري ردها وإن شاء لم يردها فأبطل البيع مع إقرار البائع بالوطء بمجرد تبين الحمل وقال ابن عقيل عندي لا يجب الرد حتى تضع ما تصير به الأمة أم ولد لجواز أن يكون كذلك وهذا تفريع على قولنا بصحة البيع قبل الاستبراء فأما على الرواية فالبيع من أصله باطل لعدم استبراء البائع ومنها لو وطئ الراهن أمته المرهونة فأحبلها خرجت من الرهن ولزمه قيمتها تكون رهنا كذا قاله كثير من الأصحاب ومنهم من قال يتأخر الضمان حتى تضع فيلزمه قيمتها يوم أحبلها ومنها إذا وطئ جارية من المغنم فحملت فإنها تقوم عليه في الحال وتصير مستولدة له هذا هو المنصوص عن أحمد وقال القاضي في خلافه لا تصير مستولدة بناء على أن الغنيمة لا تملك بدون القسمة لكن يمنع من بيعها لكونها حاملا بحر ولا يؤخر قسمتها فتعين أن يحسب عليه من نصيبه كذلك ومنها إذا قال لزوجته إن كنت حاملا فأنت طالق فالمنصوص عن أحمد في رواية أنه ينظر إليها النساء فإن خفي عليهن فإن جاءت به لتسعة أشهر أو لستة أشهر حنث فأوقع الطلاق بشهادة النساء بالحمل أو بولادتها لغالب مدة الحمل عند خفائه وصحح القاضي في موضع من الجامع هذه الرواية وقال أكثر الأصحاب إن ولدت لأكثر من نهاية مدة الحمل لم تطلق وإن ولدت لدون أكثر مدة الحمل فإن كان لم يطأها بعد اليمين طلقت وإن وطئها بعد اليمين فإن ولدت لدون ستة أشهر من أول الوطء طلقت وإن ولدت لأكثر منه فوجهان أشهرهما لا تطلق وجعله القاضي في المجرد وجها واحدا لاحتمال العلوق به من الوطء المتجدد والثاني تطلق لأن الأصل عدمه وفيه وجه آخر لا تطلق حتى تضعه لدون ستة أشهر بكل حال لأنه لا يتعين وجوده عند اليمين بدون ذلك والطلاق لا يقع مع الشك والاحتمال ومنها إذا كان لرجل زوجة لها ولد من غيره فمات ولا أب له وقد كان تقدم من
____________________
(1/202)
الزوج وطء هذه الزوجة فإنه يمنع من وطئها بعد موت ولدها حتى يتبين هل هي حامل من وطئه المتقدم أم لا لأجل ميراث الحمل من أخيه وكذلك إذا كان عبد تحته حرة قد وطئها وله أخ حر فيموت أخوه الحر فإنه يمنع من وطء زوجته حتى يتبين هل هي حامل أم لا لأجل ميراث الحمل من عمه ثم إن جاءت بولد لستة أشهر من حين الموت فإنه يرث بلا إشكال وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر ولأقل من أكثر مدة الحمل فإن كف الزوج عن الوطء من حين الموت ورث الحمل لأن الظاهر أنها كانت حاملا قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل تزوج امرأة لها ابن من غيره فيموت إنها إن جاءت بولد لدون ستة أشهر من يوم مات منها ورثناه وإن جاءت بالولد بعد ستة أشهر لم نورثه إلا ببينة ويكف عن امرأته إذا مات ولدها فإن لم يكف فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر فلا أدري هو أخوه أم لا وظاهر هذا أنه إن كف عن الوطء ورث الولد وإن لم يكف فإن جاءت بالولد بعد الوطء لدون ستة أشهر ورث أيضا وكان كمن لم يطأ وإن جاءت به لستة أشهر فصاعدا فظاهر كلام أحمد الذي ذكرناه أنه لا يرث وبه جزم القاضي في المجرد إلا أن يقر الورثة أنها كانت حاملا يوم موت ولدها وقال في الجامع الكبير يحتمل وجهين خرجهما من مسألة تعليق الطلاق على الحمل التي تقدمت النوع الثاني الأحكام الثابتة للحمل في نفسه من ملك وتملك وعتق وحكم بإسلام واستلحاق نسب ونفيه وضمان ونفقة وهذا النوع هو مراد من يأن الخلاف في الحمل له حكم أم لا وبعض هذه الأحكام ثابتة بغير خلاف ولنذكر جملة من هذه الأحكام فمنها وجوب النفقة له فيجب نفقة الحمل على الأب وإن كانت أمة لا نفقة لها كالبائن بالاتفاق وهذه النفقة للحمل لا لأمه على أصح الروايتين وهي اختيار الخرقي وأبي بكر ولهذا يدور معه وجودا وعدما فعلى هذه يجب مع نشوز الأم وكونها حاملا من وطء شبهة أو نكاح فاسد ويجب على سائر من تجب عليه نفقة الأقارب مع فقد الأب بالموت أو الإعسار ذكره القاضي في خلافه وصاحب المحرر وتسقط بيسار الحمل إذا حكم له بملك ذكره القاضي أيضا في الخلاف وظاهر كلامه في كتاب الروايتين يخالف ذلك ويجب الإنفاق في مدة الحمل ولا يقف على الوضع نص عليه أحمد وخرج الآمدي وأبو الخطاب وجها إذا قلنا لا حكم للحمل أنه لا يجب للحمل نفقة حتى ينفصل فترجع بها وهو ضعيف مصادم لقوله تعالى وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن
____________________
(1/203)
وأما أم الولد إذا مات عنها سيدها وهي حامل فليست من هذا القبيل وإن كان أبو الخطاب ذكر في وجوب النفقة لها لأجل الحمل روايتين بل نفقة هذه من جنس نفقة الحامل المتوفى عنها وفيها أيضا روايتان وليس ذلك مبنيا على أن النفقة للحمل أو للحامل كما زعم ابن الزاغوني وغيره فإن نفقة الأقارب تسقط بالموت ولكن هذا من باب النفقة على المحبوسة بحق الزوج من ماله كنفقة البائن الحامل نعم إن يتوجه أن يقال إن قلنا النفقة للحامل وجبت كنفقة أم الولد والمتوفى عنها من التركة لأنهما محبوستان لحق الزوج فإذا وجبت لهما نفقة فهي من ماله وإن قلنا النفقة للحمل فهي على الورثة كما سبق وهذا عكس ما ذكره ابن الزاغوني وغيره وفي نفقة أم الولد الحامل ثلاث روايات عن أحمد أحدها لا نفقة لها نقلها حرب وابن بختان والثاني ينفق عليها من نصيب ما في بطنها نقلها محمد بن يحيى الكحال والثالثة إن لم تكن ولدت من سيدها قبل ذلك فنفقتها من جميع المال إذا كانت حاملا وإن كانت ولدت قبل ذلك فهي في عداد الأحرار ينفق عليها من نصيبها نقلها عنه جعفر بن محمد وهي مشكلة جدا ومعناها عندي والله أعلم أنها إذا كانت حاملا ولم تضع من سيدها قبل ذلك فنفقتها من جميع المال لما ذكرنا من حبسها على سيدها بالحمل فتكون النفقة عليه حيث لم يثبت استيلادها بعد ويجوز أن لا تصير أم ولد بالكلية وتسترق فإذا أنفق عليها من جميع المال فإن بين عتقها وقد استوفت الواجب لها وإن رقت لم يذهب على الورثة شيء من حيث أنفق على رقيقهم من مالهم وإن كانت ولدت قبل ذلك من سيدها فقد ثبت لها حكم الاستيلاد في حياة السيد وهو معنى قوله هي في عداد الأحرار وحينئذ يعتق لموت السيد بلا ريب فإيجاب نفقتها على ولدها أولى من إيجابها من مال سيدها ويزيده إيضاحا في المسألة الآتية ومنها وجوب نفقة الأقارب على الحمل من ماله وقد نص أحمد في رواية الكحال أن نفقة أم الولد الحامل من نصيب ما في بطنها ذكره القاضي في خلافه واستشكله الشيخ مجد الدين قال لأن الحمل إنما يرث بشرط خروجه حيا ويوقف نصيبه فكيف يتصرف فيه قبل تحقق الشرط ويجاب عنه بأن هذا النص يشهد لثبوت ملكه بالإرث من حين موت موروثه وإنما خروجه حيا يتبين به وجود ذلك فإذا حكمنا له بالملك ظاهرا جاز التصرف فيه بالنفقة الواجبة عليه وعلى من يلزمه نفقته لا سيما والنفقة على أمه يعود نفعها إليه كما يتصرف في مال المفقود إذا غلب على الظن هلاكه ويقسم ماله بين ورثته
____________________
(1/204)
وإن جاز أن يكون حيا بل هو الأصل حتى لو قدم حيا وقد استهلك ماله في أيدي الورثة ففي ضمانه روايتان وكذا يقال في مال الحمل ويشهد له إذا أنفق الزوج على البائن يظنها حاملا ثم تبين أنها لم تكن حاملا ففي الرجوع روايتان أيضا وقد يحمل إيجاب الأم من نصيب الحمل على أن الأم ترجع به على نصيبه إذا وضعته حيا وفيه بعد ومنها ملكه بالميراث وهو منفق عليه في الجملة لكن هل يثبت له الملك بمجرد موت موروثه وتبين ذلك بخروجه حيا أو لم يثبت له الملك حتى ينفصل حيا فيه خلاف بين الأصحاب وهذا الخلاف مطرد في سائر أحكامه الثابتة له هل هي معلقة بشرط انفصاله حيا فلا يثبت قبله أو هي ثابتة له في حال كونه حاملا لكن ثبوتها مراعى بانفصاله حيا فإذا انفصل حيا تبينا ثبوتها من حين وجود أسبابها وهذا هو تحقيق معنى قول من قال هل الحمل له حكم أم لا والذي يقتضيه نص أحمد في الإنفاق على أمه من نصيبه أنه يثبت له الملك بالإرث من حين موت أبيه وصرح بذلك ابن عقيل وغيره من الأصحاب ونقل عن أحمد ما يدل على خلافه أيضا فروى عنه جعفر بن محمد في نصراني مات وامرأته نصرانية وكانت حبلى فأسلمت بعد موته ثم ولدت هل ترث قال لا وقال إنما مات أبوه وهو لا يعلم ما هو وإنما يرث بالولادة وحكم له بحكم الإسلام وقال محمد بن يحيى الكحال قلت لأبي عبد الله مات نصراني وامرأته حامل فأسلمت بعد موته قال ما في بطنها مسلم قلت يرث أباه إذا كان كافرا وهو مسلم قال لا يرثه فصرح بالمنع من إرثه من أبيه معللا بأن إرثه يتأخر إلى ما بعد ولادته لأنه قبل ذلك مشكوك في وجوده وإذا تأخر توريثه إلى ما بعد الولادة فقد سبق الحكم بإسلامه زمن الولادة إما بإسلام أمه كما دل عليه كلام أحمد هنا أو بموت أبيه على ظاهر المذهب والحكم بالإسلام لا يتوقف على العلم به بخلاف التوريث وهذا يرجع إلى أن التوريث يتأخر عن موت الموروث إذا انعقد سببه في حياة الموروث وأصول أحمد تشهد لذلك في إسلام القريب الكافر قبل قسمة الميراث وأما على ما صرح به ابن عقيل وغيره وهو مقتضى رواية الكحال في النفقة فيرث الحمل بموت أبيه ومنه وإن قلنا يحكم بإسلامه بموت أحد أبويه كما سبق تقريره في قاعدة اقتران الحكم ومانعه وأما إن قيل لا يحكم بإسلامه بموت أحد على ما ذكرناه واضح لا خفاء فيه وقد ألم به بعض الأصحاب وأما القاضي والأكثرون فاضطربوا في تخريج كلام أحمد وللقاضي في تخريجه ثلاثة أوجه
____________________
(1/205)
الأول أن إسلامه قبل قسمة الميراث أوجب منعه من التوريث كما أن إسلام الكافر قبل قسمة ميراث المسلم يوجب توريثه اعتبارا بالقسمة في التوريث والمنع وهذه طريقة القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول وهي ظاهرة الفساد لأن إسلام قريب الكافر بعد موته وثبوت إرثه لا يسقط توريثه منه بغير خلاف فإن توريث المسلم قبل القسمة ثبت ترغيبا في الإسلام وحثا عليه وهذا المقصود ينعكس ههنا والثاني أن هذه الصورة من جملة صور توريث الطفل المحكوم بإسلامه بموت أبيه منه ونصه هذا يدل على عدم التوريث فيكون رواية ثانية في المسألة وهذه طريقة القاضي في كتاب الروايتين وهي ضعيفة لأن أحمد صرح بالتعليل بغير ذلك ولأن توريث الطفل من أبيه الكافر وإن حكم بإسلامه بموته غير مختلف فيه حتى نقل ابن المنذر وغيره عليه الإجماع فلا يصح حمل كلام أحمد على ما يخالف الإجماع الثالث أن الحكم بإسلام هذا الطفل جعل بشيئين بموت أبيه وإسلام أمه وهذا الثاني مانع قوي لأنه متفق عليه فلذلك منع الميراث بخلاف الولد المنفصل إذا مات أحد أبويه فإنه يحكم بإسلامه ولا يمنع إرثه لأن المانع فيه ضعيف للاختلاف فيه وهذه طريقة القاضي في خلافه وهي ضعيفة أيضا ومخالفة لتعليل أحمد فإن أحمد إنما علل بسبق المانع لتوريثه لا بقوة المانع وضعفه وإنما ورث أحمد من حكم بإسلامه بموت أحد أبويه لمقارنة المانع لا لضعفه ومنها ثبوت الملك له بالوصية وفيه الخلاف السابق بالتوريث واختار القاضي أن الوصية له تعليق على خروجه حيا والوصية قابلة للتعليق بخلاف الهبة وابن عقيل تارة وافق شيخه وتارة خالفه وحكم بثبوت الملك من حين موت الموصي وقبول الولي له وصرح به أبو المعالي التنوخي وبأنه ينعقد الحول عليه من حين الحكم بالملك إذا كان مالا زكويا وكذلك في المملوك بالإرث وحكى وجها آخر أنه لا يجري في حول الزكاة حتى توضع للتردد في كونه حيا مالكا فهو كالمكاتب ولا يعرف هذا التفريع في المذهب ومنها الإقرار المطلق للحمل هل يصح أم لا على وجهين وقال التميمي لا يصح وقال أبو حامد والقاضي يصح واختلف في مأخذ البطلان فقيل لأن الحمل لا يملك إلا بالإرث والوصية فلو صح الإقرار له تملك بغيرهما وهو فاسد فإن الإقرار كاشف للملك ومبين له لا موجب له وقيل لأن ظاهر الإطلاق ينصرف إلى المعاملة ونحوها وهي مستحيلة مع الحمل وهو ضعيف لأنه إذا صح له الملك توجه حمل
____________________
(1/206)
الإقرار مع الإطلاق عليه وقيل لأن الإقرار للحمل تعليق له على شرط في الولادة لأنه لا يملك بدون خروجه حيا والإقرار لا يقبل التعليق وهذه طريقة ابن عقيل وهي أظهر وترجع المسألة حينئذ إلى ثبوت الملك له وانتفائه كما سبق ومنها استحقاق الحمل من الوقف والمنصوص عن أحمد كما سبق أنه لا يستحق حتى يوضع وهو قول القاضي والأكثرين وقال ابن عقيل يثبت له استحقاق الوقف في حال كونه حملا حتى صحح الوقف على الحمل ابتداء وقياس قوله في الهبة كذلك إذ تمليك الحمل عنده تمليك منجز لا معلق وإنما منع القاضي صحة الهبة له لأن تمليكه معلق على خروجه حيا والهبة لا تقبل التعليق وأفتى الشيخ تقي الدين باستحقاق الحمل من الوقف أيضا ويمكن التفريق على المنصوص بين الوقف وغيره من الإرث والوصية والهبة فإن الوقف إنما المقصود منافعه وثمراته وفوائده وهي مستحقة على التأبيد لقوم بعد قوم والحمل ليس من أهل الانتفاع فلا يستحق منه شيئا مع وجود المنتفعين به حتى يولد ويحتاج إلى الانتفاع معهم بخلاف الملك الذي يختص به واحد معين لا يشاركه فيه غيره فإن هذا ثبت للحمل ولا يجوز انتزاعه منه مع وجوده ويلزم من ذلك صحة الوقف على الحمل المعين دون استحقاقه مع أهل الوقف ومنها الأخذ للحمل بالشفعة إذا مات مورثه بعد المطالبة قال الأصحاب لا يؤخذ له ثم منهم من علل بأنه لا يخطبني وجوده ومنهم من علل بانتفاء ملكه ويتخرج وجه آخر بالأخذ له بالشفعة بناء على أن له حكما وملكا ومنها اللعان على الحمل وفيه روايتان ذكرهما القاضي في خلافه وفي كتاب الروايتين إحداهما لا يصح نفيه ولا الالتعان عليه لأنه غير محقق نقلها أبو طالب وحنبل والميموني عن أحمد وعلل باحتمال كونه ربحا وهذا هو المذهب عند الأصحاب والثانية تلاعن بالحمل نقلها ابن منصور عن أحمد قال الخلال هو قول أول وذكر النجاد أنه هو المذهب واختاره صاحب المغني وعلى هذا الخلاف يخرج صحة استلحاق الحمل والإقرار به لأن لحوق النسب أسرع ثبوتا من نفيه والمنصوص عن أحمد في رواية ابن القاسم أنه لا يلزم الإقرار به وهو منزل على قوله إنه لا ينتفي باللعان عليه ومنها وجوب الغرة بقتله إذا ألقته أمه ميتا من الضرب وهو ثابت بالسنة الصحيحة
____________________
(1/207)
وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من اعترض على ذلك معللا بأنه لم يشارك الأحياء في صفاتهم الخاصة من الأكل والشرب والاستهلال وأن ذلك يقتضي إهداره ونسبه إلى أنه من إخوان الكهان حيث تكلم بكلام مسجع باطل في نفسه والعجب كل العجب ممن يدعي التحقيق ويرتضي لنفسه مشاركة هذا المعترض ويقول القياس يقتضي إهداره وليس كما ظنه فإن هذا الجنين إما أن يكون صادفه الضرب وفيه حياة ويكون ذلك قبل وجود الحياة فيه ولا يجوز أن يكون قد فارقته الحياة لأنه لو مات لم يستقر في البطن وحينئذ فالجاني إما أن يكون قتله أو منع انعقاد حياته فضمنه بالغرة لتفويت انعقاد حياته كما ضمن المغرور ولده بالغرة لتفويت انعقادهم أرقاء ولم يضمنوا كمال الدية والقيمة أيضا فإن دلائل حياته وسقوطه ميتا عقيب الضربة كالقاطع بأنها هي التي قتلته ولعل ذلك الظن فوت مرتبة اللوث الموجب للقسامة وإن ماتت أمه قبله فموتها سبب قتله بالاختناق وفقد التعدي وذلك يوجب الضمان ولا يشترط الانفصال إلا لثبوت الضمان في الظاهر فلو ماتت الأم وجنينها وجب ضمانهما لكن اشترط أحمد في رواية ابن منصور الانفصال قال في امرأة قتلت وهي حامل إذا لم يلق الجنين فليس فيه شيء قال القاضي والأصحاب يكفي أن يظهر منه يد أو رجل أو يكون قد انشق جوفها فشوهد الجنين وإن لم ينفصل لأن العلم بحاله يحصل بذلك وقد قال أحمد في رواية أبي طالب إذا كان الجنين في بطن أمه فقتلت الأم ومات الجنين فعلى العاقلة دية الأم ودية الجنين ولم يشترط الانفصال ولو ماتت امرأة وشوهد لجوفها حركة ثم عصر جوفها فخرج الجنين ميتا فهل تضمنه العاصرة على احتمالين ذكرهما القاضي وأبو الخطاب في خلافهما أحدهما تضمنه لأن الظاهر أنه مات بجناية العصر والثاني لا يضمن لأنه منخنق بموت أمه فلا يبقى جناية بعدها وهل يختص الضمان بجنين الآدمية أم يتعدى إلى غيرها من الحيوانات ذهب أكثر الأصحاب إلى الاختصاص لأن ضمان الجنين الميت على خلاف القياس قالوا وإنما يجب ضمان ما نقص من أمه بالجناية ونص عليه أحمد في رواية ابن منصور وقال أبو بكر يجب ضمان جنين البهائم بعشر قيمة أمه كجنين الأمة وقياسه جنين الصيد في الحرم والإحرام والمشهور أنه يضمن بما نقص أمه أيضا لأن غير الآدمي لا يضمن بمقدر وإنما يضمن بما نقص
____________________
(1/208)
ولو ألقت البهيمة بالجناية جنينا حيا ثم مات فاحتمالان ذكرهما القاضي وابن عقيل في الرهن أحدهما يضمن قيمة الولد حيا لا غير والثاني عليه أكثر الأمرين من قيمته أو ما نقصت الأم وكذلك ذكر صاحب المغني في الأمة إذا أسقطت الجنين هل يجب ضمانه فقط أو يجب معه ضمان نقصها أو ضمان أكثر الأمرين ثلاث احتمالات والمذهب الأول ولم يذكر القاضي سواه وخرج الشيخ مجد الدين أن جنين الأمة يضمن بما نقصت أمه لا غير بناء على قوله إن الرقيق لا يضمن بمقدر بل بما ينقص بكل حال ولو قتل صيدا ماخضا ففيه ثلاثة أوجه أحدها يفديه بمثله من النعم ماخض وهو قول أبي الخطاب والثاني يفديه بقيمته مثله لأن اللحم الماخض يفسد فقيمة المثل أزيد من قيمة لحمه وهو قول القاضي والثالث يجزيه أن يفديه بمثله غير ماخض لأن هذه الصفة عيب في اللحم فلا يعتبر في المثل كسائر العيوب ذكره في المغني احتمالا ومنها هل يوصف قتل الجنين بالعمدية أم لا قال أحمد في رواية ابن منصور في امرأة شربت دواء فأسقطت إن كانت تعمدت فأحب إلي أن يعتق رقبة وإن سقط حيا ثم مات فالدية على عاقلتها لأبيه ولا يكون لأمه شيء لأنها القاتلة قيل له فإن شربت عمدا قال هو شبيه العمد شربت ولا تدري يسقط أم لا عسى لا يسقط الدية على العاقلة والظاهر أنه لم يجعله عمدا للشك في وجوده لا للشك في الإسقاط بالدواء لأنه قد يكون الإسقاط معلوما كما أن القتل بالسم ونحوه معلوم ومن هذه الرواية أخذ الأصحاب رواية وجوب الكفارة بقتل العمد ولا يصح ذلك فإنه صرح بأنه ليس بعمد وإنما هو شبه عمد ومنها عتق الجنين هل ينفذ من حينه أو هو موقوف على خروجه حيا في المسألة روايتان إحداهما ينفذ من حينه وهو المذهب والثانية لا يعتق حتى تضعه حيا نص عليها في رواية ابن منصور قال لا يجب العتق إلا بالولادة وهو عبد حتى يعلم أنه حي أو ميت وكذلك الخلاف إذا أعتق تبعا لعتق أمه أو يملكه ممن يعتق برحم ويتفرع على هذا الأصل فروع الفرع الأول لو زوج ابنه بأمته فولدت ولدا بعد موت الجد سيد الأمة فإن قلنا يعتق الحمل فقد عتق على جده نص على ذلك أحمد في رواية أبي طالب وصالح وإن
____________________
(1/209)
قلنا لا يعتق حتى يوضع فهو تركة موروثة عن سيده فيرث منه أبوه وأعمامه بقدر حصصهم ويعتق عليهم بالملك نص على ذلك أحمد في رواية المروذي وهذا لأننا إن قلنا ليس للحمل حكم فالمعنى أنه لا يثبت له حكم الأولاد المستقلين وإلا فهو موجود حقيقة ومودع في أمه فالملك فيه قائم وطرد القاضي وابن عقيل الخلاف في ثبوت ملكه أيضا وذكرا في الوصية أنه لو وصى بأمة لزوجها وهي حامل منه فولدت فإن قلنا للحمل حكم فهو موصى به معها يتبعها في الوصية وإن قلنا لا حكم له لم يدخل في الوصية وكان ملكا لمن ولدته في ملكه لأنه حينئذ ثبت له حكم بظهوره فإن ولدته في حياة الموصي فهو له أو بعد موته وقبل القبول فهو لمن حكمنا له بالملك في تلك الحال على الخلاف فيه وإن ولدته بعد قبوله فهو له ويعتق عليه وهذا يقتضي ههنا أنا إذا قلنا لا حكم للحمل ولا يعتق على جده فمات الجد ووضع بعد موته أنه إذا كان وضعه بعد القسمة فهو ملك لمن حصلت الأمة له وإن كان قبل القسمة فهو مشترك بينهم لا لأنه موروث عن أبيهم بل لأنه نماء ملكهم المشترك فظهر بهذا أن للأصحاب في معنى كون الحمل له حكم أو لا حكم له طريقين أحدهما أنه هل هو كجزء من أجزاء أمه أو كالمعدوم وإنما يحكم بوجوده بالوضع والثاني وهو المنصوص أنه مملوك منفصل عن أمه ومودع فيها ولكن هل يثبت له حكم الولد المستقل بدون انفصاله أو لا يثبت له ذلك حتى ينفصل الفرع الثاني إذا أعتق الأمة الحامل عتق حملها معها ولكن هل يقف عتقه على انفصاله أو يعتق من حين عتق أمه على ما تقدم وقياس ما ذكره القاضي وابن عقيل أنه لا يعتق بالكلية إذ هو كالمعدوم قبل الوضع وهو بعيد جدا فإن أسوأ ما يقدر في الحمل أنه ورد عليه العتق في حال منع من نفوذه مانع فوقف على زواله كعتق المريض لكل رقيقه فإنه يقف على إجازة الورثة ومن أصلنا أن العتق قبل الملك يصح تعليقه عليه في ظاهر المذهب فإن كان أصله موجودا في ملكه صح تعليقه بغير خلاف عند المحققين كمن قال لأمته كل ولد تلدينه حر وهذا العتق قد باشر بالعتق أمته وحملها متصل بها فوقف نفوذ عتقه على صلاحيته للعتق بظهوره وقد صرح القاضي في خلافه بأنه لو أعتق الحمل وكان علقة عتق وإن لم يكن مملوكا حينئذ نظر إلى هذا المعنى والله أعلم
____________________
(1/210)
الفرع الثالث أعتق الأمة واستثنى حملها صح وكان الولد رقيقا نص عليه في رواية جماعة وتوقف فيه رواية ابن الحكم وخرج ابن أبي موسى والقاضي أنه لا يصح استثناؤه بناء على أنه كجزء من أجزائها وخرجوه من عدم صحة استثنائه في البيع ولا يصح لأن البيع تنافيه الجهالة بخلاف العتق الفرع الرابع أعتق الموسر أمة له حملها لغيره فهل يعتق بالسراية أم لا إن قلنا أنه مستقل بنفسه لم يسر إليه العتق وإنما دخل مع الأم إذا كان مملوكا لمالكها تبعا لاتصاله بالأم واجتماعهما في ملكه كما يتبع الطلع المؤبر للنخل في العقد إذا كان ملكا لمالكه ولا يتبع إذا كان ملكا لغيره وهذا اختيار السامري وصاحبي التلخيص والمحرر وقال القاضي والشريف أبو جعفر وأبو الخطاب يعتق ويضمنه لمالكه بناء على أنه كجزء منها الفرع الخامس لو أعتق الحمل وحده صح ونفذ وهل يعتق من حينه أو يقف على خروجه حيا مبني على ما سبق وأشار القاضي وابن عقيل في ديات الأجنة إلى خلاف لنا في صحة عتقه بناء على أنه كالمعدوم وهو ضعيف وقياس قول من قال هو كجزء منها أن يسري عتقه إليها وهو ضعيف أيضا وينبني على هذا الفرع لو ضرب بطن أمة حامل فأعتق السيد حملها بعد الجناية أو أعتقه السيد ثم جنى عليه ثم انفصل ميتا أو انفصل حيا ثم مات عقيب الانفصال فهذا ينبني على أن العتق هل حصل قبل الانفصال أو لم يحصل إلا بعده وعلى أصل آخر وهو إذا جرح رقيقا ثم عتق فسرى إلى نفسه فمات هل يضمنه بدية حر أو بقيمة عبد على روايتين فإذا علم هذا فههنا صور أربعة أحدها أن يجني عليه ثم يعتق ثم ينفصل ميتا فينبني على أن العتق هل حصل له حال كونه حملا أم لا فإن قلنا لم يحصل له العتق حينئذ وجب ضمانه بضمان جنين مملوك عشر قيمة أمه وإن قلنا قد عتق انبنى على الخلاف في اعتبار الضمان بحال السراية أو الجناية فإن قلنا الاعتبار بحال الجناية فكذلك وإن قلنا بحال السراية ففيه غرة ضمان جنين حر وقيل يضمنه ضمان رقيق وجها واحدا كذلك ذكره القاضي وابن عقيل إذ لم يتحقق عتقه لجواز تلفه قبله وحكيا أيضا فيما إذا لو أعتق الأم بعد الجناية ثم ألقت جنينها وجهين مخرجين من الاختلاف في اعتبار حالة السراية أو الجناية والفرق بينهما غير متوجه والصورة الثانية أن يجنى عليه ثم يعتق ثم ينفصل حيا ثم يموت فقد حصل له العتق
____________________
(1/211)
بغير خلاف فينبني على الخلاف في اعتبار الضمان هل هو بحالة السراية أو الجناية كما تقدم وفي مسودة شرح الهداية يضمنه بدية حر رواية واحدة وهو سهو الصورة الثالثة أن يعتق أولا ثم يجنى عليه ثم ينفصل حيا فيجب ضمانه بدية حر إن قلنا عتق وهو حمل وإن قلنا لا يعتق إلا بعد الانفصال انبنى على الخلاف في اعتبار الضمان هل هو بحالة الجناية أو السراية فإن قلنا بحالة السراية ضمنه بدية حر وإلا ضمنه ضمان رقيق وظاهر كلام صاحب المحرر أنه يجب ضمانه بدية حر وجها واحدا لأن الجناية وقعت بعد العتق المباشر ووجد الموت بعد النفوذ وفيه نظر والأظهر أنه كمن جني عليه بعد التعليق ثم مات بعد وجود الصفة والصورة الرابعة أن يعتق ثم يجنى عليه ثم ينفصل ميتا فإن قلنا عتق وهو حمل ضمنه ضمان جنين حر وإن قلنا إنه لم يعتق ضمنه ضمان جنين رقيق ونص عليه أحمد في رواية ابن منصور معللا بأنه لم يعتق بعد وفي الخلاف الكبير والمحرر أن حربا نقل ذلك أيضا عن أحمد وليس كذلك وإنما حكاه أحمد في روايته عن الزهري وقال ما أدري كيف وجهه وقال القاضي وابن عقيل إذا قلنا لا يصح عتق الحمل فوجوده كعدمه في جميع هذه الصور فهو ضعيف كما سبق ومنها ورود العقود على الحامل كالبيع والهبة والوصية والإصداق قال القاضي وابن عقيل إن قلنا للحمل حكم فهو داخل في العقد ويأخذ قسطا من العوض وإن قلنا لا حكم له لم يأخذ قسطا من العوض وكان بعد وضعه حكمه حكم النماء المنفصل فلو ردت العين بعيب أو إفلاس أو طلاق فإن قلنا له حكم رد مع الأصل وإلا كان حكمه حكم النماء وقياس المنصوص عن أحمد في الحمل أنه لا يعتق وأنه تركة موروثة يقتضي أن حكمه حكم الأجزاء لا حكم الولد المنفصل فيجب رده مع العين وإن قلنا لا حكم له إذ المراد بذلك أنه لا يثبت له حكم الأولاد لا أنه معدوم وهذا أصح وهو ظاهر كلام الأكثرين في مسألة الفلس ولا فرق بين ما يعتبر له القبض من العقود كالرهن والهبة وما لا يعتبر قبضه ويحصل قبضه تبعا لأمه ذكره القاضي في خلافه ويتخرج على هذا الأصل مسألة اشتراط الحمل في البيع والسلم في الحيوان الحامل وغير ذلك ومنها جنين الدابة المذكاة هل يحكم بزكاته معها قبل الانفصال أم لا قال ابن عقيل في فنونه لا يحكم بذكاته إلا بعد الانفصال وظاهر كلام أحمد خلافه فإنه قال هو ركن من أركانها وفرق بين الجنين والولد المنفصل بأن الجنين فيه غرة والولد فيه الدية فعلم
____________________
(1/212)
أنه ليس له حكم الأولاد وهذا يرجح أنه جزء من الأم وأن تذكيته تابع لتذكيتها وأما إن قيل بأنه ولد مستقل ففيه نظر وقد ينبني على ذلك أنه هل يجب فيه إراقة دمه إذا خرج أم لا وكلام أحمد في ذلك يدل على روايتين وأكثر النصوص عنه يدل على الاستحباب فقط وفي بعضها ما يشعر بالوجوب وهذا ينزع إلى أنه ولد مستقل لكن عفي عن موته بغير تذكية لاتصاله بأمه عند تذكيتها ثم وجب سفح دمه ليحصل مقصود التذكية فيه ومنها إذا ماتت الحامل وصلى عليها هل ينوي الصلاة على حملها قال ابن عقيل في فنونه لا وعلل بالشك في وجوده وهذا متوجه على القول بأنه كالمعدوم قبل الانفصال وعلى القول بأنه كالجزء من الأم أيضا وأما إن قيل بأنه ولد مستقل ففيه نظر وقد يقال شرط ثبوت الأحكام له ظهوره ولم يوجد فهذا متوجه القاعدة الخامسة والثمانون الحقوق خمسة أنواع أحدها حق ملك كحق السيد في مال المكاتب ومال القن إذا قلنا يملك بالتمليك وما يمتنع إرثه لمانع كالتركة المستغرقة بالدين على رواية كالمحرم إذا مات موروثه وفي ملكه صيد على أظهر الوجهين والثاني حق تملك كحق الأب في مال ولده وحق العاقد للعقد إذا وجب له وحق العاقد في عقد يملك فسخه ليعيد ما خرج عنه إلى ملكه مع أن في هذا شائبة من حق الملك وحق الشفيع في الشقص وههنا صور مختلف فيها هل يثبت فيها الملك أو حق التمليك فمنها حق المضارب في الربح بعد الظهور وقبل القسمة وفيه روايتان إحداهما أنه يملكها بالظهور والثانية لم يملكه وإنما ملك أن يتملكه وهو حق متأكد حتى لو مات ورث عنه ولو أتلف المالك المال غرم نصيبه وكذلك الأجنبي ولو أسقط المضارب حقه منه فإن قلنا هو ملكه لم يسقط وإن قلنا لم يملكه بعد ففي التلخيص احتمالان أحدهما يسقط كالغنيمة والثاني لا لأن الربح هنا مقصود وقد تأكد سببه بخلاف الغنيمة فإن مقصود الجهاد إعلاء كلمة الله لا المال ومنها حق الغانم في الغنيمة قبل القسمة وفيه وجهان
____________________
(1/213)
أحدهما وهو المنصوص وعليه جمهور الأصحاب أنه يثبت الملك فيها بمجرد الاستيلاء لكن هل يشترط الإحراز أم لا على وجهين أحدهما لا يشترط وتملك بمجرد تقضي الحرب وهو قول القاضي في المجرد ومن تابعه على طريقته والثاني يشترط وهو قول الخرقي وابن أبي موسى كسائر المباحات ورجحه صاحب المغني فعلى هذا لا يستحق منها إلا من شهد الإحراز وأما على الأول فاعتبر القاضي والأكثرون شهود إحراز الوقعة وقالوا لا يستحق من لم يشهده وفصل في الأحكام السلطانية بين الجيش وأهل المدد فأما الجيش فيستحقون بحضور جزء من الوقعة إذا كان تخلفهم عن الباقي لعذر كموت الغازي أو موت فرسه وأما المدد فيعتبر لاستحقاقهم شهود انجلاء الحرب ونص أحمد في رواية يعقوب بن بختان فيمن قتل في المعركة يعطى ورثته نصيبه والوجه الثاني لا يملك الغنيمة إلا باختيار الملك وهو اختيار القاضي في خلافه فعلى هذا إنما ثبت لهم حق التملك كالشفيع فمن مات منهم قبل اختيار التملك أو المطالبة فلا حق له ذكره صاحب الترغيب وظاهر كلام القاضي في خلافه في باب الشفعة أن الحق ينتقل إلى الورثة بدون القبول والمطالبة وإن قالوا اخترنا القسمة لزمت حقوقهم ولم تسقط بالإعراض ذكره صاحب الترغيب بخلاف ما إذا أسقطوا حقوقهم قبل الاختيار فإنه يسقط على الوجهين لضعف الملك وعدم استقراره ويصير فيئا فإن أسقط البعض دون البعض فالكل لمن يسقط حقه ومنها حق من وجد ماله بعينه في المغنم قبل القسمة مما ملكه الكفار بالاستيلاء عليه فإنه يثبت له حق التمليك عند الأصحاب وخرجه شيخ الإسلام ابن تيمية الشيخ تقي الدين على الخلاف في حق الغانمين ومنها حق الزوج في نصف الصداق إذا طلق قبل الدخول هل يثبت له فيه الملك قهرا أو يثبت له حق التملك فلا يملك بدونه فيه وجهان والأول هو المنصوص وعلى الثاني فتكفي فيه المطالبة واختيار التملك على ظاهر كلام أبي الخطاب كرجوع الأب وزعم صاحب الترغيب أن هذا مرتب على الخلاف في عفو الذي بيده عقدة النكاح هل هو الزوج أو الولي وليس كذلك ولا يلزم من طلب العفو من الزوج أن يكون هو المالك فإن العفو يصح عما يثبت فيه حق التملك كالشفعة وليس في قولنا أن الذي بيده عقدة النكاح هو الأب ما يستلزم أن الزوج لم يملك نصف المهر لأنه إنما يعفو عن النصف المختص
____________________
(1/214)
بابنته فأما النصف الآخر فلا تعرض لذكره بنفي ولا إثبات والعجب أنه حكى بعد ذلك في صحة عفو الزوج عن النصف إذا قلنا قد دخل في ملكه وجهين والصحيح المشهور أنه يصح عفوه إن كان مالكا كما يصح عفو الزوجة مع ملكها بنص القرآن لكن إن كان الصداق دينا صح الإبراء منه بسائر ألفاظ المباراة من الإبراء والإسقاط والهبة والعفو والصدقة والتحليل ولا يشترط له قبول وإن كان عينا وقلنا لم يملكه وإنما يثبت له حق التملك فكذلك وكذلك يصح عفو الشفيع عن الشفعة ذكره القاضي وابن عقيل وإن قلنا ملك نصف الصداق صح بلفظ الهبة والتملك وهل يصح بلفظ العفو على وجهين أحدهما لا يصح قاله ابن عقيل والثاني يصح قاله القاضي ورجحه صاحب المغني وهو الصحيح لأن عقد الهبة عندنا ينعقد بكل لفظ يفيد معناه من غير اشتراط إيجاب ولا قبول بلفظ معين وقال القاضي وابن عقيل يشترط ههنا الإيجاب والقبول والقبض وحكى صاحب الترغيب في اشتراط القبول وجهين والصحيح أن القبض لا يشترط في الفسوخ كالإقالة ونحوها وصرح به القاضي في خلافه وكذلك يصح رجوع الأب في الهبة من غير قبض وكذلك فسخ عقد الرهن وغيرها ومنها حق الملتقط في اللقطة بعد حول التعريف وفيه وجهان أشهرهما أنه يثبت له الملك بغير اختياره واختاره القاضي وقال إنه ظاهر كلام أحمد والثاني لا يدخل حتى يختار وهو اختيار أبي الخطاب فيكون حقه فيها حق تملك ومنها الموصى له بعد موت الموصي وفيه وجهان أحدهما أنه يثبت له الملك وقيل إنه ظاهر كلام أحمد والثاني إنما يثبت له حق التملك بالقبول وهو المشهور عند الأصحاب ومنها من نبت في أرضه كلأ أو نحوه من المباحات أو توحل فيها صيد أو سمك ونحوه فهل يملكه بذلك في المسألة روايتان معروفتان وأكثر النصوص عن أحمد يدل على الملك وعلى الرواية الأخرى إنما ثبت حق التملك وهو مقدم على غيره بذلك إذ لا يلزمه أن يبذل من الماء والكلأ إلا الفاضل عن حوائجه ولو سبق غيره وحقق سبب الملك بحيازته إليه فقال القاضي والأكثرون يملكه وخرج ابن عقيل أنه لا يملكه لأنه سبب منهي عنه فلا يفيد الملك ويشبه هذا الخلاف في الطائفة التي تغزو بدون إذن الإمام
____________________
(1/215)
هل يملكون شيئا من غنيمتهم أم لا وقرر القاضي في موضع من خلافه أن الأسباب الفعلية تفيد الملك وإن كانت محظورة كأخذ المسلم أموال أهل الحرب غصبا وإن دخل إليهم بأمان بخلاف القولية وفي موضع آخر صرح بخلاف ذلك وأنه لا يملك به المسلم وهو الصحيح من المذهب ومنها متحجر الموات المشهور أنه لا يملكه بذلك ونقل صالح عن أبيه ما يدل على أنه يملكه وعلى الأول فهو أحق بتملكه بالأحياء فإن بادر الغير فأحياه ففي ملكه وجهان معروفان هذا كله فيمن انعقد له سبب التملك وصار التملك واقفا على اختياره فأما إن ثبت له رغبة في التملك ووعد به ولم ينعقد السبب كالمستام والخاطب إذا ركن إليهما فلا يجوز مزاحمتهما أيضا ولكن يصح على المنصوص وخرج القاضي وجها بالبطلان من البيع على بيعه والفرق بينهما واضح لأن الحق في البيع انعقد وأخذ به ولا كذلك ههنا ولأن المفيد للملك هنا العقد والمحرم سابق عليه فهو كاستيلاد الأب والشريك يحصل له الملك بالعلوق لما كان المحرم وهو الوطء سابقا عليه النوع الثالث حق الانتفاع ويدخل فيه صور منها وضع الجار خشبه على جدار جاره إذا لم يضر به للنص الوارد فيه ومنها إجراء الماء في أرض غيره إذا اضطر إلى ذلك في إحدى الروايتين لقضاء عمرته قال الشيخ تقي الدين وكذلك إذا احتاج أن يجري ماءه في طريق مائه مثل أن يجري مياه سطوحه أو غيرها في قناة لجاره أو يسوق في قناة عذبة ماء ثم يقاسمه جاره ولو وضع على النهر عبارة يجري فيها الماء فخرجها الأصحاب على الروايتين ونقل أبو طالب عن أحمد في قوم اقتسموا دارا كانت لها أربعة سطوح يجري الماء عليها فلما اقتسموا أراد أحدهم أن يمنع من جريان الماء للآخر عليه وقال هذا قد صار لي وليس بيننا شرط فقال أحمد يرد الماء إلى ما كان وإن لم يشرط ذلك ولا يضر به وحمل طائفة من أصحابنا هذه الرواية على أنه يحصل به ضرر يمنعه من جريان الماء وإنه يحتاج إلى أن ينقض سطحه ويستحدث له مسيلا فجعل له أن يجريه على رسمه الأول كذلك كما يجري ماؤه في أرض غيره للحاجة أو يضع خشبة على جداره وكذا ذكره ابن عقيل وغيره وحمله بعضهم على أن الدار إذا اقتسمت كانت مرافقها كلها باقية مشتركة بين الجمع كالاستطراق في طريقها ولهذا قلنا لو حصل الطريق في حصة أحد المقتسمين ولا منفذ للآخر لم تصح القسمة وعلى هذا حمله صاحب شرح الهداية وخرج
____________________
(1/216)
صاحب المغني في رواية أبي طالب وجها في مسألة الطريق بصحة القسمة وبقاء حق الاستطراق فيه للآخر وبينهما فرق فإن الطريق لا يراد منه سوى الاستطراق فالاشتراك فيه يزيل معنى القسمة والاختصاص بخلاف إجراء الماء على السطح فإنه لا يمنع صاحب السطح من الانفراد بالانتفاع به بسائر وجوه الانتفاعات المختصة بالملك ومنها لو باع أرضا فيها زرع يحصد مرة واحدة ولم يبد صلاحه أو شجرا عليه ثمر لم يبد صلاحه كان ذلك مبقى في الشجر والأرض إلى وقت الحصاد والجذاذ بغيره أجرة ولو أراد تفريغ الأرض من الزرع لينتفع بها إلى وقت الجذاذ أو يؤجرها لم يكن له ذلك كما لا يملك الجار إعارة غيره ما يستحقه من الانتفاع بملك جاره وكذلك لو باع زرعا قد بدا صلاحه في أرض فإن عليه إبقاءه إلى وقت صلاحه للحصاد فأما إن باع شجرة فهل يدخل منبتها في البيع على وجهين ذكرهما القاضي وحكى عن ابن شاقلا أنه لا يدخل وإن ظاهر كلام أحمد الدخول حيث قال فيمن أقر بشجرة لرجل هي له بأصلها وعلى هذا لو انقلعت فله إعادة غيرها مكانها ولا يجوز ذلك على قول ابن شاقلا كالزرع إذا حصد فلا يكون له في الأرض سوى حق الانتفاع النوع الرابع حق الاختصاص وهو عبارة عما يختص مستحقه بالانتفاع به ولا يملك أحد مزاحمته فيه وهو غير قابل للشمول والمعاوضات ويدخل تحت ذلك صور منها الكلب المباح اقتناؤه كالمعلم لمن يصطاد به فإن كان لا يصطاد به أو كان الكلب جروا يحتاج إلى تعليم فوجهان ومنها الأدهان المتنجسة المنتفع بها بالإيقاد وغيره على القول بالجواز فأما نجسة العين كدهن الميتة فالمنصوص أنه لا يجوز الانتفاع به ونقل ابن منصور عن أحمد ما يدل على جوازه ومنها جلد الميتة المدبوغ إذا قيل يجوز الانتفاع به في اليابسات فأما ما لا يجوز الانتفاع به من النجاسات بحال فلا يد ثابتة عليه وآية ذلك أنه لا يجب رده على من انتزعه ممن هو في يده بخلاف ما فيه نفع مباح فإنه يجب رده نعم لو غصب خمرا فتخللت في يد الغاصب وجب ردها ذكره القاضي وابن عقيل والأصحاب لأن يد الأول لم تزل عنها بالغصب فكأنها تخللت في يده واختلفت عبارات الأصحاب في زوال الملك بمجرد التخمير فأطلق الأكثرون الزوال منهم القاضي وابن عقيل وظاهر كلام بعضهم أن الملك لم يزل ومنهم صاحب المغني
____________________
(1/217)
في كتاب الحج وفي كلام القاضي ما يدل عليه وبكل حال فلو عادت خلا عاد الملك الأول لحقوقه من ثبوت الرهنية وغيرها حتى لو خلف خمرا ودينا فتخللت الخمر قضى منه دينه ذكره القاضي في المجرد في الرهن وذكر هو وابن عقيل أيضا فيه لو وهب الخمر وأقبضها أو أراقها فجمعها آخر فتحللت في يد الثاني فهل هي ملك له أو للأول على احتمالين وفرقا بين ذلك وبين الغصب بأن الأول زالت يده عنها بالإراقة والإقباض وثبت يد الثاني بخلاف الغصب ورجح صاحب المغني أن الرهن لا يبطل بتخمير العصير وهذا كله يدل على ثبوت اليد على الخمر لإمكان عودها مالا ومنها مرافق الأملاك كالطرق والأفنية ومسيل المياه ونحوها هل هي مملوكة أو ثبت فيها حق الاختصاص وفي المسألة وجهان أحدهما ثبوت حق الاختصاص فيها من غير ملك وبه جزم القاضي وابن عقيل في باب إحياء الموات وفي الغصب ودل عليه المنصوص عن أحمد فيمن حفر في فنائه بئرا أنه متعد بحفره في غير ملك وطرد القاضي ذلك حتى في حريم البئر ورتب عليه أنه لو باعه أرضا بفنائها لم يصح البيع لأن الفناء لا يختص به إذ استطراقه عام بخلاف ما لو باع بطريقها وأورد ابن عقيل احتمالا بصحة البيع بالفناء لأنه من الحقوق فهو كمسيل المياه والوجه الثاني الملك وصرح به الأصحاب في الطرق وجزم به في الكل صاحب المغني وأخذه من نص أحمد والخرقي على ملك حريم البئر ومنها مرافق الأسواق المتسعة التي يجوز البيع والشراء فيها كالدكاكين المباحة ونحوها فالسابق إليها أحق بها وهل ليخطبوا حقه بانتهاء النهار أو يمتد إلى أن ينقل قماشه عنها إلى وجهين وظاهر كلام أحمد في رواية حرب الأول لجريان العادة بانتفاء الزيادة عليه وعلى الثاني فلو أطال الجلوس فهل يصرف أم لا على وجهين لأنه يفضي إلى الاختصاص بالحق المشترك ومنها الجلوس في المساجد ونحوها لعبادة أو مباح فيكون الجالس أحق بمجلسه إلى أن يقوم عنه باختياره قاطعا للجلوس أما إن قام لحاجة عارضة ونيته العود فهو أحق بمجلسه ويستثنى من ذلك الصبي إذا قام في صف فاضل أو في وسط الصف فإنه يجوز نقله عنه صرح به القاضي وهو ظاهر كلام أحمد وعليه حمل فعل طرفة بن كعب بقيس بن عباد والنوع الخامس حق التعلق لاستيفاء الحق وله صور منها تعلق حق المرتهن بالرهن ومعناه أن جميع أجزاء الرهن محبوس بكل جزء من
____________________
(1/218)
الدين حتى يستوفي جميعه ومنها تعلق حق الجناية بالجاني ومعناه أن حقه انحصر في ماليته وله المطالبة بالاستيفاء منه ويتعلق الحق بمجموع الرقبة لا بقدر الأرش على ظاهر كلام الأصحاب ويباع جميعه في الجناية ويوفى منه الحق ويرد الفضل على السيد وذكر القاضي في المجرد أن ظاهر كلام أحمد أنه لا يرد عليه شيء وهذا صريح في تعلق الحق بالجميع وللأصحاب في العبد المرهون إذا جنى وكان في قيمته فضل عن الأرش هل يباع جميعه أو بمقدار الأرش فيه وجهان لكن بيع جميعه يندفع به عن السيد ضرر نقص القيمة بالتشقيص ومنها تعلق حق الغرماء بالتركة هل يمنع انتقالها بالإرث على روايتين وهل هو كتعلق الجناية أو الرهن اختلف كلام الأصحاب في ذلك وصرح الأكثرون بأنه كمتعلق الرهن ويفسر بثلاثة أشياء أحدها أن تعلق الدين بالتركة وبكل جزء من أجزائها فلا ينفك منها شيء حتى يوفى الدين كله وصرح بذلك القاضي في خلافه إذا كان الوارث واحدا قال وإن كان جماعة انقسم عليهم بالحصص ويتعلق كل حصة من الدين بنظيرها من التركة وبكل جزء منها لا ينفك منها شيء حتى يوفي جميع تلك الحصة ولا فرق في ذلك بين أن يكون الدين مستغرقا للتركة أو غير مستغرق صرح به جماعة منهم صاحب الترغيب في التفليس الثاني أن الدين في الذمة ويتعلق بالتركة وهل هو في ذمة الميت أو الورثة على وجهين سبق ذكرهما والثالث أنه يمنع صحة التصرف وفي ذلك وجهان أيضا سبقا وهل تعلق حقهم بالمال من حين المرض أم لا تردد الأصحاب في ذلك ونقل الميموني عن أحمد فيمن عليه دين يحيط بجميع ما ترك يجوز له أن يعتق ويهب يعني الميت قال نعم قلت هذا ليس له مال قال أليس ثلثه له قلت ليس هذا المال له قال أليس هو الساعة في يده قلت بلى ولكنه لغيره قال دعها فإنها مسألة فيها لبس والذي كان عنده على ما ناظرته أن هذا جائز واستشكل القاضي هذه الرواية فيما قرأته بخطه وجعل ظاهرها صحة الوصية بالثلث مع الدين وحملها على أحد وجهين إما أن يكون حكم المريض مع الغرماء كحكمه مع
____________________
(1/219)
الورثة لتعلق حق الجميع بماله فلا يكون ممنوعا من التصرف بالثلث مع واحد منهما أو أن يقف صحة تصرفه على إجازة الغرماء وقال الشيخ تقي الدين هي بدل على أن الغرماء لا يتعلق حقهم بالمال إلا بعد الموت لأن حقهم في الحياة في ذمته والورثة لا يتعلق حقهم بالمال مع الدين فيبقى الثلث الذي ملكه الشارع التصرف فيه لا مانع له من التصرف فيه فينفذ تصرفه فيه منجزا لا معلقا بالموت بخلاف الزائد على الثلث إذا لم يكن عليه دين فإن حق الورثة يتعلق به في مرضه إذ لا حق لهم في ذمته قلت وتردد كلام القاضي وابن عقيل في خلافيهما في المريض هل لورثته منعه من إنفاق جميع ماله في الشهوات أم لا ففي موضع جزما بثبوت المنع لهم لتعلق حقوقهم بماله وأنكر ذلك في مواضع ومنها تعلق حق الموصى له بالمال هل يتبع الانتقال إلى الورثة جعل طائفة من الأصحاب حكمه حكم الدين ومنهم أبو الخطاب في انتصاره وأبو الحسين في فروعه ويشهد لذلك قول طائفة من الأصحاب أن الموصى به قبل القبول على ملك الورثة وجزم القاضي في خلافه بعدم انتقاله إلى الورثة مفرقا بين الدين والوصية بأن حق الموصى له في عين التركة ولا يملك الورثة إبدال حقه بخلاف الدين فإن حق صاحبه في التركة والذمة وللورثة التوفية من غيره وأخذ ذلك مما رواه ابن منصور عن أحمد فيمن أوصى أن يخرج من ماله كذا وكذا في كذا وكذا سنة قال لا يقسم المال حتى ينفذوا ما قال إلا أن يضمنوا أن يخرجوه فلهم أن يقسموا البقية وكذلك في المجرد والفصول في باب الشركة أن الموصى له إن كان معينا فهو شريك في قدر ما وصى له به وإن كان غير معين كالفقراء والمساكين لم يجز للورثة التصرف حتى يفردوا نصيب الموصى له ومما يدل على عدم انتقاله إلى الورثة أن المشهور عندنا صحة الوصية بالزائد على الثلث وإن إجازة الورثة لها تنفيذ لا ابتداء عطية ومنها تعلق الزكاة بالنصاب هل هو تعلق شركة أو ارتهان أو تعلق الاستيفاء كالجناية اضطرب كلام الأصحاب في ذلك اضطرابا كثيرا ويحصل منه ثلاثة أوجه أحدها أنه تعلق شركة وصرح به القاضي في موضع من شرح المذهب وظاهر كلام أبي بكر يدل عليه وقد بينه في موضع آخر والثاني تعلق استيفاء وصرح به غير واحد منهم القاضي ثم منهم من يشبهه بتعلق
____________________
(1/220)
الجناية ومنهم من يشبهه بتعلق الدين بالتركة والثالث أنه تعلق رهن وينكشف هذا النزاع بتحرير مسائل منها أن الحق هل هو متعلق بجميع النصاب أو بمقدار الزكاة فيه غير معين وقد نقل القاضي وابن عقيل الاتفاق على الثاني ومنها أنه مع التعلق بالمال هل يكون ثابتا في ذمة المالك أم لا وظاهر كلام الأكثرين أنه على القول بالتعلق بالعين لا يثبت في الذمة منه شيء إلا أن يتلف المال أو يتصرف فيه المالك بعد الحول فظاهر كلام أبي الخطاب وصاحب المحرر في شرح الهداية أنا إذا قلنا الزكاة في الذمة فيتعلق بالعين تعلق استيفاء محض كتعلق الديون بالتركة وهو اختيار الشيخ تقي الدين شيخ الإسلام بن تيمية وهو حسن ومنها منع التصرف والمذهب أن لا يمنع كما سبق ومنها أعني صور تعلق الحقوق بالأموال تعلق حق غرماء المفلس بماله بعد الحجر وهو تعلق استحقاق الاستيفاء منه ومنها تعلق ديون الغرماء بمال المأذون له وقد ذكر القاضي في المجرد أن هذا التعلق هل يصح شراء السيد منه كمال المكاتب مع سيده أو لا كالمرهون بالنسبة إلى الراهن على احتمالين وهذا لا يتوجه على ظاهر المذهب وهو تعلق ديونه بذمة السيد وإنما يتوجه على قولنا يتعلق برقبة العبد وقد صرح في الخلاف الكبير ببناء المسألة على هذا ومنها تعلق حقوق الفقراء بالهدي والأضاحي المعينة ويقدمون بما يجب صرفه إليهم منها على الغرماء في حياة الموجب وبعد وفاته القاعدة السادسة والثمانون الملك أربعة أنواع ملك عين ومنفعة وملك عين بلا منفعة وملك منفعة بلا عين وملك انتفاع من غير ملك المنفعة أما النوع الأول فهو عامة الأملاك الواردة على الأعيان المملوكة بالأسباب المقتضية لها من بيع وهبة وإرث وغير ذلك واعلم أن ابن عقيل ذكر في الواضح في أصول الفقه إجماع الفقهاء على أن العباد لا يملكون الأعيان وإنما مالك الأعيان خالقها سبحانه وتعالى وأن العباد لا يملكون سوى الانتفاع بها على الوجه المأذون فيه شرعا فمن كان مالكا لعموم الانتفاع فهو المالك المطلق ومن كان مالكا لنوع منه فملكه مقيد ويختص
____________________
(1/221)
باسم خاص يمتاز به كالمستأجر والمستعير وغير ذلك وكذا ذكر ابن الزاغوني في كتاب غرر البيان ورجحه الشيخ تقي الدين رحمه الله فعلى هذا جميع الأملاك إنما هي ملك الانتفاع ولكن التقسيم ههنا وارد على المشهور النوع الثاني ملك العين بدون منفعة وقد أثبته الأصحاب في الوصية بالمنافع لواحد وبالرقبة لآخر أو تركها للورثة وقد قال أحمد في رواية مهنا فيمن أوصى بخدمة عبده أو ظهر دابة تركب أو بدار تسكن فقال الدار لا بأس بها وأكره العبد والدابة لأنهما يموتان قال أبو بكر الذي أقول به أن الوصية تصح في جميع ذلك لأن الدار تخرب أيضا وحمل القاضي كلام أحمد على الكراهة دون إبطال الوصية قال الشيخ تقي الدين رحمه الله لم يرد أحمد أن الوصية لا تجوز إلا بما يدوم نفعه فإن هذا لا يقوله أدنى من له نظر في الفقه فضلا عن أن يكون هذا الإمام وإنما أراد أن العبد والدابة إذا أوصى بمنافعهما على التأبيد فلم يترك للورثة ما ينتفعون به فلا يجوز أن يحسب ذلك عليهم من الميراث فإنه لا فائدة في الرقبة المجردة عن المنافع بل هو ضرر محض بجواز الوصية وقد شرط الله تعالى لجواز الوصية عدم المضارة لكن إن قصد الموصي إيصال جميع المنافع إلى الموصى له فهذه وصية بالرقبة فلا يحتسب على الورثة منها شيء ولا يصح الإيصاء معها بالرقبة وإن قصد مع ذلك إبقاء الرقبة للورثة أو الإيصاء بها لآخر بطلت الوصية لامتناع أن تكون المنافع كلها لشخص والرقبة لآخر ولا سبيل إلى ترجيح أحد الأمرين فيبطلان إما إن وصى في وقت بالرقبة لشخص وفي آخر بالمنافع لغيره فهو كما لو وصى بعين لاثنين في وقتين واستدل على أن تمليك جميع المنافع تمليك للعين بالرقبى والعمرى فإنها تمليك للرقبة حيث كانت تمليكا للمنافع في الحياة وهذا المعنى منتف في الوصية بسكنى الدار لأن هذا تمليك منفعة خاصة ينتهي بموت الموصى له وبخراب الدار فيعود الملك إلى الورثة كما يعود الملك في السكنى في الحياة النوع الثالث ملك المنفعة بدون عين وهو ثابت بالاتفاق وهو ضربان أحدهما ملك مؤبد ويندرج تحته صور منها الوصية بالمنافع كما سبق ويشمل جميع أنواعها إلا منفعة البضع فإن في دخولها بالوصية وجهين ومنها الوقف فإن منافعه وثمراته مملوكة للموقوف عليه في ملكه لرقبته وجهان معروفان لهما فوائد متعددة
____________________
(1/222)
ومنها الأرض الخراجية المقرة في يد من هي في يده بالخراج يملك منافعها على التأبيد والضرب الثاني ملك غير مؤبد فمنه الإجارة ومنافع المبيع المستثناة في العقد مدة معلومة ومنه ما هو غير موقت لكنه غير لازم كالعارية على وجه وإقطاع الاستغلال النوع الرابع ملك الانتفاع المجرد وله صور متعددة منها ملك المستعير فإنه يملك الانتفاع لا المنفعة إلا على رواية ابن منصور عن أحمد أن العارية المؤقتة تلزم كذا قال الأصحاب ويمكن أن يقال لزوم العارية المؤقتة إنما يدل على وجوب الوفاء ببدل الانتفاع لا على تمليك المنفعة ومنها المنتفع بملك جاره من وضع خشب وممر في دار ونحوه وإن كان بعقد صلح فهو إجارة ومنها إقطاع الأرفاق كمقاعد الأسواق ونحوها ومنها الطعام في دار الحرب قبل حيازته يملك الغانمون الانتفاع به بقدر الحاجة وقياسه الأكل من الأضحية والثمر المعلق ونحوه ومنها أكل الضيف لطعام المضيف فإنه إباحة محضة لا يحصل به الملك بحال على المشهور عندنا وعن أحمد رواية بإجزاء الإطعام في الكفارات وينزل على أحد قولين إما أن الضيف يملك ما قدم إليه وإن كان ملكا خاصا بالنسبة إلى الأكل وإما أن الكفارة لا يشترط فيها تمليك ومنها عقد النكاح وترددت عبارات الأصحاب في مورده هل هو الملك أو الاستباحة فمن قائل هو الملك ثم ترددوا هل هو ملك منفعة البضع أو ملك الانتفاع بها وقيل بل هو الحل لا الملك ولهذا يقع الاستمتاع من جهة الزوجة مع أنه لا ملك لها وقيل بل المعقود عليه ازدواج كالمشاركة ولهذا فرق الله سبحانه بين الازدواج وملك اليمين وإليه ميل الشيخ تقي الدين فيكون من باب المشاركات دون المعاوضات القاعدة السابعة والثمانون فيما يقبل النقل والمعاوضة من الحقوق المالية والأملاك أما الأملاك التامة فقابلة للنقل بالعوض وغيره في الجملة وأما ملك المنافع فإن كان بعقد لازم ملك فيه نقل الملك بمثل العقد الذي ملك به أو دونه دون ما هو أعلى منه ويملك المعاوضة عليه أيضا صرح به
____________________
(1/223)
القاضي في خلافه ويندرج تحت هذا صور منها إجارة المستأجر جائزة على المذهب الصحيح بمثل الأجرة وأكثر وأقل ومنها إجارة الوقف ومنها إجارة المنافع الموصى بها وصرح بها القاضي في خلافه ومنها إجارة المنافع المستثناة في عقد البيع ومنها إجارة أرض العنوة الخراجية والمذهب الصحيح صحتها وهو نص أحمد ولكن استحب المزارعة فيها على الاستئجار وحكى القاضي وابن عقيل رواية أخرى بالمنع كرباع مكة وقد أشار أحمد في رواية حنبل إلى كراهة منعها وسنذكره في موضعه ومنها إعارة العارية المؤقتة إذا قيل بلزومها وملك المنفعة فيها فإنه يجوز ولا تجوز الإجارة لأنها أعلى صرح به القاضي في خلافه وأما إجارة إقطاع الاستغلال التي موردها منفعة الأرض دون رقبتها فلا نقل فيها نعلمه وكلام القاضي قد يشعر بالمنع لأنه جعل مناط صحة الإجارة للمنافع لزوم العقد وهذا منتف في الإقطاع وقد قال الشيخ تقي الدين رحمه الله يجوز وجعل الخلاف فيه مبتدعا وقرره بأن الإمام جعله للجند عوضا عن أعمالهم فهو كالمملوك بعوض ولأن إذنه في الإيجار عرفي فجاز كما لو صرح به ولو تهايأ الشريكان على الأرض وقلنا لا يلزم فهل لأحدهما إجارة حصته الأظهر جوازه لأن المهايآت إذا فسخت عاد الملك مشاعا فيخرج على الخلاف في إجارة المشاع وتستثنى من ذلك الحقوق الثابتة دفعا لضرر الأملاك فلا يصح النقل فيها بحال وتصح المعاوضة على إثباتها واستيفائها وأما ملك الانتفاع وحقوق الاختصاص سوى البضع وحقوق التملك فهل يصح نقل الحق فيها أم لا إن كانت لازمة جاز النقل لمن يقوم مقامه فيها بغير عوض وفي جوازه بعوض خلاف ويندرج ذلك في مسائل منها ما ثبتت عليه يد الاختصاص كالكلب والزيت النجس المنتفع به فإنه تنتقل اليد فيه بالإرث والوصية والإعارة في الكلب وفي الهبة وجهان اختار القاضي عدم الصحة وخالفه صاحب المغني وليس بينهما خلاف في الحقيقة لأن نقل اليد في هذه الأعيان بغير عوض جائز كالوصية وقد صرح به القاضي في خلافه وأما إجارة الكلب فالمذهب أنها لا تصح لأنها معاوضة ولا مالية فيه وحكى أبو الفتح الحلواني فيها وجهين وكذا خرج أبو الخطاب وجها بالجواز فيكون معاوضة عن نقل اليد ويرده النهي عن بيعه وقد كان يمكن جعله معاوضة عن نقل اليد
____________________
(1/224)
ومنها المستعير لا يملك نقل حقه من الانتفاع إلا أن يقول بلزوم العارية كما سبق ومنها مرافق الأملاك من الأفنية والأزقة المشتركة تصح إباحتها والإذن في الانتفاع بها كالإذن في فتح باب ونحوه قال في التلخيص ويكون إعارة على الأشبه وتجوز المعاوضة عن فتح الأبواب ونحوها ذكره في المغني والتلخيص وهو شبيه بالمصالحة بعوض على إجراء الماء في أرضه أو فتح الباب في حائطه أو وضع خشب على جداره ونحوه وهذا متوجه على القول بملك هذه المرافق أما على القول بعدم الملك فهو شبيه بنقل اليد بعوض كما سبق وكذلك ذكر الأصحاب جواز المصالحة على الروشن الخارج في الدرب المشترك وأما على الشجرة ففيها خلاف معروف لكونها لا تدوم على حالة واحدة وأما الانتفاع بأفنية الأملاك والمساجد بغير إذن من الملاك والإمام فإن كان فيه ضرر لم يجز وإلا ففي جوازه روايتان ذكره القاضي في الأحكام السلطانية وتجوز المصالحة بعوض على إسقاط حقه من وضع الخشب على جداره ونحوه ذكره في المجرد ومنها متحجر الموات ومن أقطعه الإمام مواتا ليحييه لا يملكه بمجرد ذلك على المذهب لكن يثبت له فيه حق التملك فيجوز نقل الحق إلى غيره بهبة وإعارة وينتقل إلى ورثته من بعده وهل له المعاوضة عنه على وجهين أصلهما المعاوضة عن الحقوق فإن هذا حق تملك كما سبق وفارق الشفعة فإن النقل فيها ممتنع لأنها من حقوق الأملاك فهي مما استثني من القاعدة قال أحمد في رواية ابن منصور الشفعة لا تباع ولا توهب وحمل القاضي قوله لا تباع على أن المشتري ليس له أن يصالح الشفيع عنها بعوض قال لأنه خيار لا يسقط إلى مال فلم يجز أخذ العوض عنه كخيار الشرط والمجلس بخلاف خيار القصاص والعيب لأنه يسقط إلى الدية والأرش والأظهر حمل قول أحمد لا تباع ولا توهب على أن الشفيع ليس له نقلها إلى غيره بعوض ولا غيره فأما مصالحته للمشتري فهو كالمصالحة على ترك وضع الخشب على جدار ونحوه وذكر القاضي في باب الشفعة أيضا أن خيار العيب تجوز المصالحة عنه بعوض وعلل بأن العيب يمنع لزوم العقد ومع عدم اللزوم تجوز الزيادة في الثمن والنقص منه فجعل الصلح ههنا إسقاطا من الثمن كالأرش على قياس خيار الشرط والمجلس لأن التصرف في الثمن بالنقص والزيادة فيه ممكن ومنها الكلأ والماء في الأرض المملوكة إذا قلنا لا يملكان بدون الحيازة فللمالك الإذن
____________________
(1/225)
في الأخذ وليس له المعاوضة عند أكثر الأصحاب ووقع في المقنع والمحرر ما يقتضي حكاية روايتين في جواز المعاوضة وإن قلنا بعدم الملك ولعله من باب المعاوضة عما يستحق تملكه فيلتحق بالقاعدة ومنها مقاعد الأسواق ومجالس المساجد ونحوها يصح نقل الحق فيهما بغير عوض لأن الحق فيهما لازم بالسبق ولو آثر بها غيره فسبق ثالث فجلس فهل يكون أحق من المؤثر أم لا على وجهين أحدهما نعم لأن الحق القائم زال بانفصاله فصار الحق ثابتا بالسبق والثاني لا لأنه لو قام لحاجة ونحوها لم يسقط حقه فكذا إذا آثر غيره لأنه أقامه مقام نفسه وبنى بعضهم هذا الخلاف على القول بعدم كراهة الإيثار بالقرب فأما إن قلنا بكراهيته فالسابق أحق به وجها واحدا وفرق بعضهم بين مجالس المساجد ونحوها ومقاعد الأسواق فأجاز النقل في المقاعد خاصة لأنها منافع دنيوية فهي كالحقوق المالية ومنها الطعام المباح في دار الحرب يجوز نقل اليد فيه إلى من هو من أهل الاستحقاق من المغنم أيضا لاشتراك الكل في استحقاق الانتفاع ولا يكون ذلك تمليكا لانتفاء ملكه بالأخذ حتى لو احتاج إلى صاع من بر جيد وعنده صاعان رديئان فله أن يبدلهما بصاع إذ هو مأخوذ على الإباحة دون التمليك صرح به القاضي وابن عقيل ومنها المباح أكله من مال الزكاة والأضاحي يجوز إطعامه للضيفان ونحوهم لاستقرار الحق فيه بخلاف طعام الضيافة ولا يجوز المعاوضة عن شيء من ذلك ومنها منافع الأرض الخراجية فيجوز نقلها بغير عوض إلى من يقوم مقامه فيها وينتقل إلى الوارث ويقوم مقام موروثه فيها وكذلك يجوز جعلها مهرا نص عليه في رواية عبد الله ونص في رواية ابن هانئ وغيره على جواز دفعها إلى الزوجة عوضا عما تستحقه عليه من المهر وهذا معاوضة عن منافعها المملوكة فأما البيع فكرهه أحمد ونهى عنه واختلف قوله في بيع العمارة التي فيها لئلا يتخذ طريقا إلى بيع رقبة الأرض التي تملك بل هي إما وقف وإما للمسلمين جميعا ونص في رواية المروذي على أنه يبيع آلات عمارته بما يساوي وكره أن يبيع بأكثر من ذلك لهذا المعنى وكذلك نقل عنه ابن هانئ أنه قال يقوم دكانه ما فيه من غلق وكل شيء يحدثه فيه فيعطى ذلك ولا أرى أن يبيع سكنى دار ولا دكان ورخص في رواية عنه في شرائها دون بيعها لأن شراءها استنقاذ لها بعوض ممن يتعدى الصرف فيها وهو جائز ورخص في رواية المروذي أيضا في بيع ما
____________________
(1/226)
يحتاج إليه للنفقة منها فإن كان فيه فضل عن النفقة تصدق به وكل هذا بناء على أن رقبة هذه الأرض وقفها عمر رضي الله عنه ومن الأصحاب من حكى رواية أخرى بجواز البيع مطلقا كالحلواني وابنه وكذلك خرجها ابن عقيل من نص أحمد على صحة وقفها ولو كانت وقفا لم يصح وقفها وكذلك وقع في كلام أبي بكر وابن شاقلا وابن أبي موسى ما يقتضي الجواز وله مأخذان أحدهما أن الأرض ليست وقفا وهو مأخذ ابن عقيل وعلى هذا فإن كانت مقسومة فلا إشكال في ملكها وإن كانت فيئا لبيت المال وأكثر كلام أحمد يدل عليه فهل تصير وقفا بنفس الانتقال إلى بيت المال أم لا على وجهين فإن قلنا لا تصير وقفا فللإمام بيعها وصرف ثمنها إلى المصالح وهل له إقطاعها إقطاع تمليك على وجهين ذكر ذلك القاضي في الأحكام السلطانية والمأخذ الثاني أن البيع هنا وارد على المنافع دون الرقبة فهو نقل للمنافع المستحقة بعوض وهذا اختيار الشيخ تقي الدين ويدل عليه من كلام أحمد أنه أجاز دفعها عوضا عن المهر ويشهد له ما تقدم من المعاوضة عن المنافع في مسائل متعددة وإن كان القاضي وابن عقيل والأكثرون صرحوا بعدم صحة بيع المنافع المجردة والتحقيق في ذلك أن المنافع نوعان أحدهما منافع الأعيان المملوكة التي تقبل المعاوضة مع أعيانها فهذه قد جوز الأصحاب بيعها في مواضع منها أن أصل وضع الخراج على العنوة إذا قيل هي فيء فإنه ليس بأجرة بل هو شبيه بها ومتردد بينها وبين البيع ومنها المصالحة بعوض على وضع الأخشاب وفتح الأبواب ومرور المياه ونحوها وليس بإجارة محضة لعدم تقديره المدة وهو شبيه بالبيع ومنها لو أعتق عبده واستثنى خدمته سنة فهل له أن يبيعها منه على روايتين ذكرهما ابن أبي موسى وهما منصوصتان عن أحمد ولا يقال هو لا يملك بيع العبد في هذه الحال لأن هذه المنافع كانت بملك المعاوضة عنها في حال الرق وقد استبقاها بعد زواله فاستمر حكم المعاوضة عليها كما يستمر حكم وطء المكاتبة إذا استثناه في عقد الكتابة وهل الكتابة إلا عقد معاوضة على المنافع النوع الثاني المنافع التي ملكت مجردة عن الأعيان أو كانت أعيانها غير قابلة للمعاوضة فهذا محل الخلاف الذي نتكلم فيه ههنا والله أعلم
____________________
(1/227)
القاعدة الثامنة والثمانون في الانتفاع وإحداث ما ينتفع به من الطرق المسلوكة في الأمصار والقرى وهوائها وقرارها أما الطريق نفسه فإن كان ضيقا أو أحدث فيه ما يضر بالمارة فلا يجوز بكل حال وأما مع السعة وانتفاء الضرر فإن كان المحدث فيه متأبدا كالبناء والغراس فإن كان لمنفعة خاصة بآحاد الناس لم يجز على المعروف من المذهب وإن كان لمنفعة عامة ففيه خلاف معروف منهم من يطلقه ومنهم من يخصه بحالة انتفاء إذن الإمام فيه وإن كان غير متأبد ونفعه خاص كالجلوس وإيقاف الدابة فيه ففيه خلاف أيضا وأما القرار الباطن فحكمه حكم الظاهر على المنصوص وأما الهواء فإن كان الانتفاع به خاصا بدون إذن الإمام فالمعروف منعه بإذنه فيه خلاف ويندرج تحت ذلك مسائل كثيرة منها إذا حفر في طريق واسع بئرا فإن كان لنفع المسلمين ففيه طريقان أحدهما إن كان بإذن الإمام جاز وإن كان بدون إذنه ففيه روايتان قاله القاضي وابن عقيل وصاحب المحرر والثاني فيه روايتان على الإطلاق قاله أبو الخطاب وصاحب المغني إذ البئر مظنة العطب وإن كان الحفر لنفسه ضمن بكل حال ولو كان في فنائه نص عليه ولا يجوز إذن الإمام فيه عند الأصحاب وفي الأحكام السلطانية للقاضي أن له التصرف في فنائه بما شاء من حفر وغيره إذا لم يضر وإما في فناء غيره فإن أضر بأهله لم يجز وإن لم يضر جاز وهل يعتبر إذنهم أو إذن الإمام في فناء المسجد على وجهين ومنها إذا بنى مسجدا في طريق واسع لم يضر بالمارة قال الأكثرون من الأصحاب إن كان بإذن الإمام جاز وإلا فروايتان وقال أحمد في رواية ابن الحكم أكره الصلاة في المسجد الذي لا يؤخذ من الطريق إلا أن يكون بإذن الإمام ومنهم من أطلق الروايتين وكلام أحمد أكثره غير مقيد قال في رواية المروذي المساجد التي في الطرقات حكمها أن تهدم وقال إسماعيل الشالنجي سألت أحمد عن طريق واسع للمسلمين عنه غنى وبهم إلى أن يكون هناك مسجد حاجة هل يجوز أن يبنى هناك مسجد قال لا بأس بذلك إذا لم يضر بالطريق قال وسألت أحمد هل يبنى على خندق مدينة المسلمين مسجد للمسلمين عامة قال لا بأس بذلك إذا لم يضر بالطريق
____________________
(1/228)
قال الجوزجاني في المترجم والذي عنى أحمد من الضرر بالطريق ما وقت النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الأذرع كذا قال ومراده أنه يجوز البناء إذا فضل من الطريق سبعة أذرع والمنصوص عن أحمد أن قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع في أرض مملوكة لقوم أرادوا البناء فيها وتشاجروا في مقدار ما يتركونه منها للطريق وبذلك فسره ابن بطة وأبو حفص العكبري والأصحاب وأنكروا جواز تضييق الطريق الواسع إلى أن يبقى منه سبعة أذرع ومنها بناء غير المساجد في الطرقات فإن كان البناء للوقف على المسجد فهو كبناء المسجد قاله الشيخ تقي الدين بن تيمية وكذا إن كان لمصلحة عامة كخان مسبل ونحوه وإن كان لمنفعة تختص بأحد الناس فالمشهور عدم جوازه لأن الطريق مشترك فلا يملك أحد إسقاط الحق المشترك منه والاختصاص به ولا يملك الإمام الإذن في ذلك وفي كتاب الطرقات لابن بطة أن بعض الأصحاب أفتى بجوازه وأخذه من نص أحمد في بناء المسجد والفرق واضح لأن بناء المسجد حق الاشتراك فيه باق غير أنه انتقل من استحقاق المرور إلى استحقاق اللبث للعبادة وكلام أحمد يدل على المنع قال في رواية ابن القاسم إذا كان الطريق قد سلكه الناس وصير طريقا فليس لأحد أن يأخذ منها شيئا قليلا ولا كثيرا وقال في رواية العباس بن موسى إذا نضب الماء عن جزيرة لم يبن فيها لأن فيها ضررا وهو أن الماء يرجع قال القاضي معناه إذا بنى في طريق المارة فضر بالمارة في ذلك الطريق فلم يجوزه وكره في رواية ابن بختان أن يطحن في الغروب وقال ربما غرقت السفن وقال في رواية مثنى إذا كانت في طريق الناس فلا يعجبني والغروب كأنها طاحون يصنع في النهر الذي تجري فيه السفن وكره شراء ما يطحن فيها وذكر ابن عقيل في الغربة في النهر إن كان وضعها بإذن الإمام والطريق واسع والجريان معتدل بحيث يمكن الاحتراز منه جاز وإلا لم يجز ولعل الغربة كالسفينة لا تتأبد بخلاف البناء وحكم الغراس حكم البناء وقد قال أحمد في النخلة المغروسة في المسجد أنها غرست بغير حق فلا أحب الأكل منها ولو قلعها الإمام كان أولى ومن الأصحاب من أطلق فيها الكراهة كصاحب المبهج وجعل ثمرها لجيران المسجد الفقراء ونص أحمد في رواية ابن هانئ وابن بختان في دار السبيل يغرس فيها كرم قال إن كان يضر بهم فلا وظاهره جوازه مع انتفاء الضرر ولعل الغرس كان لجهة السبيل أيضا
____________________
(1/229)
ومنها اختصاص آحاد الناس في الطريق بانتفاع لا يتأبد فمن ذلك الجلوس للبيع والشراء فقال الأكثرون إن كان الطريق واسعا ولا ضرر في الجلوس بالمارة جاز بإذن الإمام وبدون إذنه وإلا لم يجز وللإمام أن يقطعه من شاء وذكر القاضي في الأحكام السلطانية في جوازه بدون إذن الإمام روايتين وحكى في كتاب الروايتين في المسألة روايتين بالجواز والمنع ثم حملهما على اختلاف حالتين فالجواز إذا لم يضر بالمارة والمنع إذا ضر وجعل حق الجلوس كحق الاستطراق لأنه لا يعطل حق المرور بالكلية فهو كالقيام لحاجة وأظن أن ابن بطة حكى قبله روايتين مطلقتين في الجواز وعدمه وكذلك ذكر صاحب المقنع في الجلوس في الطريق الواسع هل يوجب ضمان ما عثر به على روايتين وذلك يدل على الخلاف في جوازه وأما القاضي فقال لا يضمن بالجلوس رواية واحدة ومن ذلك لو ربط دابته أو أوقفها في الطريق والمنصوص منعه قال في رواية أبي الحارث إذا أقام دابته على الطريق فهو ضامن لما جنت ليس له في الطريق حق وكذا نقل عنه أبو طالب وحنبل ضمان جناية الدابة إذا ربطها في الطريق وكذا أطلق ابن أبي موسى وأبو الخطاب من غير تفريق بين حالة التضييق والسعة ومأخذه أن طبع الدابة الجناية بفمها أو رجلها فإيقافها في الطريق كوضع الحجر ونصب السكين فيه وحكى القاضي في كتاب الروايتين رواية أخرى بعدم الضمان إذا وقف في طريق واسع لقول أحمد في رواية أحمد بن سعيد إذا وقف على نحو ما يقف الناس أو في موضع يجوز أن يقف في مثله فنفحت بيد أو رجل فلا شيء عليه قال القاضي ظاهره أنه لا ضمان إذا كان واقفا لحاجة وكان الطريق واسعا وأما الآمدي فحمل المنع على حالة ضيق الطريق والجواز على حالة سعته والمذهب عنه الجواز مع السعة وعدم الإضرار رواية واحدة ومن المتأخرين من جعل المذهب المنع رواية واحدة وصرح صاحب التلخيص بجريان الخلاف في صورتي القيام والربط وخالف بعض المتأخرين وقال الربط عدوان بكل حال وربط السفينة وإرساؤها في النهر المسلوك قال ابن عقيل إن كان بإذن الإمام والطريق واسع والجريان معتدل جاز وإلا لم يجز وخالف بعض الأصحاب في اعتبار إذن الإمام في هذا لتكرره قال الميموني ملت أنا وأبو عبد الله إلى ودواعيه يعني في دجلة فاكترى زورقا من ودواعيه فرأيته يتخطى زوجتكهما عدة لأناس ولم أره استأذن أحدا منهم قال بعض الأصحاب لأنه حريم دجلة وهو مشترك بين المسلمين فلما ضيقوه جاز المشي عليه وعلى قياس ذلك لو وضع في المسجد سرير ونحوه جازت الصلاة عليه من غير استئذان
____________________
(1/230)
بخلاف ما إذا بسط فيه مصلى وقلنا لا يثبت به السبق فإنه يرفع ويصلى موضعه ولا يصلى عليه لأن رفعه لا مشقة فيه ومن ذلك الانتفاع بالطريق بإلقاء الكناسة والأقذار فإن كان نجاسة فهو كالتخلي في الطريق وهو منهي عنه لكن هل هو نهي كراهة أو نهي تحريم كلام الأصحاب مختلف في ذلك وإن كان مما يحصل به الزلق كرش الماء وصبه وإلقاء قشور البطيخ أو يحصل به العثور كالحجر فلا يجوز والضمان واجب به وقد نص عليه أحمد في رش الماء قال في الترغيب إلا أن يرشه ليسكن به الغبار فهو مصلحة عامة فيصير كحفر البئر السابلة وفيه روايتان ومنها الحفر في الطريق وهو ممنوع سواء تركه ظاهرا أو غطاه وأسقف عليه قال المروذي سألت أبا عبد الله عن الرجل يحفر في فنائه البئر أو المخرج المغلق قال لا هذا طريق للمسلمين قلت إنما هي بئر تحفر ويسد رأسها قال أليس في طريق المسلمين أكره هذا كله فمنع من التصرف في باطن الطريق بالحفر ونقل عنه ابن هانئ وابن بختان والفضل بن زياد في رجل في داره شجرة فنبت من عروقها شجرة في دار رجل آخر لمن هذه الشجرة قال ما أدري ما هذا وربما كان ضررا على صاحب الأرض قال القاضي وظاهر هذا أنه إذا لم يكن فيها ضرر وهو أن تكون عروقها تحت الأرض لا يؤخذ بقلعها لأن الضرر إنما يكون بظهورها على وجه الأرض انتهى وفيه نظر وصرح ابن عقيل في الواضح في أصول الفقه بوجوب إزالة عروق شجرته من أرض غيره ومنها إشراع الأجنحة والساباطات والخشب والحجارة في الجدار إلى الطريق فلا يجوز ويضمن به نص عليه أحمد في رواية أبي طالب وابن منصور ومهنا وغيرهم ولم يعتبر إذن الإمام في ذلك وكذلك ذكر القاضي في المجرد وصاحب المغني وقال القاضي في خلافه والأكثرون يجوز بإذن الإمام مع انتفاء الضرر به وفي شرح الهداية للشيخ مجد الدين في كتاب الصلاة إن كان لا يضر بالمارة جاز وهل يفتقر إلى إذن الإمام على روايتين إحداهما يفتقر لأنه ملك مشترك بين المسلمين فلا يجوز تخصيصه بجهة خاصة إلا للإمام والثانية لا يفتقر لأن منفعة الطريق المرور وهو لا يختل بذلك
____________________
(1/231)
وأما الميازيب ومسيل المياه فكذلك عند الأصحاب قال المروذي سقف لأبي عبد الله سطح الحاكة وجعل مسيل المياه إلى الطريق وبات تلك الليلة فلما أصبح قال ادع لي النجار يحول الميزاب إلى الدار فدعوته له فحوله وهذا لا يدل على التحريم لأنه لو اعتقده محرما لم يفعله ابتداء وإنما حوله تورعا لحصول الشبهة فيه وفي المغني احتمال بجوازه مطلقا مع انتفاء الضرر واختاره طائفة من المتأخرين وقال الشيخ تقي الدين إخراج الميازيب إلى الدرب النافذ هو السنة وذكر حديث العباس في ذلك والمانعون يقولون ميزاب العباس وضعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده فكان أبلغ من إذنه فيه ولا كلام فيما أذن فيه الإمام القاعدة التاسعة والثمانون أسباب الضمان ثلاثة عقد ويد وإتلاف أما عقود الضمان فقد سبق ذكرها وكذلك سبق ذكر الأيدي الضامنة وأما الإتلاف فالمراد به أن يباشر الإتلاف بسبب يقتضيه كالقتل والإحراق أو ينصب سببا عدوانا فيحصل به الإتلاف بأن يحفر بئرا في غير ملكه عدوانا أو يؤجج نارا في يوم ريح عاصف فيتعدى إلى إتلاف مال الغير أو كان الماء محتبسا بشيء وعادته الانطلاق فيزيل احتباسه وسواء كان له اختيار في انطلاقه أو لم يكن فدخل تحت ذلك ما إذا حل وكاء زق مائع فاندفق أو فتح قفصا عن طائر فطار أو حل عبدا آبقا فهرب هذا هو الذي ذكره ابن حامد والقاضي والأكثرون لأنه تسبب إلى الإتلاف بما يقتضيه عادة واستثنى ابن عقيل في فنونه ما كان من الطيور يألف البروج ويعتاد العود فقال لا ضمان في إطلاقه وإن لم يعد لأن العادة جارية بعوده فليس إطلاقه إتلافا وقال أيضا في الفنون الصحيح التفرقة بين ما يحال الضمان على فعله كالآدمي وما لا يحال عليه الضمان كالحيوانات والجمادات فإذا حل قيد العبد لم يضمن لأن العبد له اختيار ويصح إحالة الضمان عليه فيقطع مباشرته للتلف بسبب مطلقه وهذا الذي قاله إنما يصح لو كان العبد من أهل الضمان لسيده فأما إذا لم يكن من أهل الضمان للسيد تعين إحالة الضمان على المتسبب ولهذا قال الأصحاب إن جناية العبد المغصوب على سيده مضمونة على الغاصب حيث لم يكن العبد من أهل الضمان للسيد فأحيل على الغاصب لتعديه بوضع يده عليه مع أنه ليس سببا للجناية ولكن خرج ابن الزاغوني في الإقناع وجها آخر أنه لا ضمان على الغاصب لأن الجناية
____________________
(1/232)
من أصلها غير قابلة للتضمين لتعلقها بالرقبة المملوكة للمجني عليه فلا يلزم الغاصب شيء منها ولا يلزم مثله في مطلق العبد لأنه متسبب إلى الإتلاف فإذا لم يمكن إحالة الضمان على المباشر أحيل على المتسبب صيانة للجناية على مال المعصوم عن الإهدار مهما أمكن وخرج الآمدي وجها آخر أن جناية العبد على سيده مضمونة عليه في ذمته يتبع بها بعد عتقه وههنا فرع متردد فيه بين ضمان اليد وضمان الإتلاف وهو ما إذا حفر بئرا عدوانا أو نصب شبكة أو منجلا للصيد ثم مات ثم وقع في البئر حيوان مضمون أو عثر بآلات الصيد حيوان مضمون فإن جعلناه من باب الإتلاف ضمن من التركة وبه صرح في المجرد وابن عقيل في الفصول في باب الرهن حتى قالا لو بيعت التركة لفسخ في قدر الضمان منها لسبق سببه ولو كانت التركة عبدا فأعتقه الورثة قبل الوقوع ضمنوا قيمة العبد كالمرهون صرح به القاضي في الخلاف وإن جعلناه من ضمان اليد فهل يجعل كيد المشاهدة بعد الموت أو يجعل اليد لمن انتقل الملك إليه يحتمل على وجهين أصلهما اختلاف الأصحاب فيما لو نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته هل هو تركة موروثة جعلا لها كيده المشاهدة أو هو ملك للورثة لأنها صارت كأيديهم والذي صرح به القاضي وابن عقيل أنه تركة موروثة وقال أبو الخطاب في الانتصار بل هو ملك للورثة بانتقال ملك الشبكة إليه كما يتولد من النتاج الموروث ويثمر من الشجر وأما في العدوان المجرد فيحتمل أن ينقطع حكمه بموته ويحتمل أن يكون ضمانه من تركة المتعدي لانعقاد سببه في حياته ويشبه ذلك الخلاف فيمن مال حائطه فطولب بنقضه فباعه ثم سقط هل يسقط عنه الضمان فيه وجهان سبق ذكرهما وهل يجب الضمان على من انتقل الملك إليه إذا استدامه أم لا الأظهر وجوبه عليه كمن اشترى حائطا مائلا فإنه يقوم مقام البائع فيه فإذا طولب بإزالته فلم يفعل ضمن على رواية ولو حفر عبده بئرا عدوانا بغير إذنه ثم أعتقه ثم تلف بها مال أو غيره ففي المغني الضمان على العبد لاستقلاله بالجناية وفي التلخيص هو على السيد بقدر قيمة العبد فما دون لثبوته عليه قبل العتق بذلك فقد وجد السبب في ملكه فلا ينتقل وهو بعيد تنبيه لو أتلف الغاصب المغصوب ضمنه ضمان إتلاف ويد وقد نص أحمد على أن
____________________
(1/233)
من أمسك صيدا في الحرم ثم كفر عنه ثم ذبحه أنه يجزيه وهذا يدل على أنه جعله ضمان يد وإلا لما جاز تقديم كفارة الإتلاف عليه ويدل أيضا على جواز تقديم الكفارة وإن كان موجبها معصية وفيه وجه بالمنع ذكره القاضي في تعليقه لأن التقديم رخصة فلا تستباح بمحرم القاعدة التسعون الأيدي المستولية على مال الغير بغير إذنه ثلاثة يد يمكن أن يثبت باستيلائها الملك فينتفي الضمان عما يستولي عليه سواء حصل الملك به أو لم يحصل ويد لا يثبت لها الملك وينتفي عنها الضمان ويد لا يثبت لها الملك ويثبت عليها الضمان أما الأولى فيدخل فيها صور منها استيلاء المسلمين على أموال أهل الحرب ومنها استيلاء أهل الحرب على أموال المسلمين لأنهم يملكون علينا بالاستيلاء وهو المشهور عند الأصحاب وينتفي الضمان عنهم فيما لم يملكوه أيضا مما تثبت عليه الأيدي كأم الولد وما لم يحوزوه إلى دارهم وما شرد إليهم من دواب المسلمين وأرقائهم على قولنا أنهم لا يملكون ذلك أيضا ومنها استيلاء الأب على مال الابن فإن كان استيلاء يحصل به الملك فلا إشكال في انتفاء الضمان وإن كان على غير وجهه وجه التملك فلا يثبت به الضمان ولو أتلفه على أصح الوجهين وهو المذهب عند صاحب المحرر وأما اليد الثانية فيدخل فيها صور منها من له ولاية شرعية بالقبض ومنها من قبض المال لحفظه على المالك فإنه لا يضمنه وقد نص أحمد فيمن أخذ آبقا ليرده إلى سيده فهرب منه أنه لا ضمان عليه لكن أخذ الآبق فيه إذن شرعي وفي التلخيص وجه آخر بالضمان في المستنقذ من الغاصب للرد لعدم الولاية وهو ضعيف ولو كان القابض حاكما فهو أولى بنفي الضمان لعموم ولايته وفي التلخيص فيما إذا حمل المغصوب إليه ليدفعه إلى مالكه فهل يلزم قبوله على وجهين وصحح اللزوم وهو تفريق بين الحاكم وغيره وفي المجرد والفصول والمغني ليس للحاكم انتزاع مال الغائب والمغصوب إلا أن يكون له ولاية عليه بوجه ما مثل أن يجده في تركة ميت ووارثه غائب
____________________
(1/234)
فله الأخذ لأن له ولاية على تركة الميت بتنفيذ وصاياه وقضاء ديونه أو يجدها في يد السارق فيقطعه وتنزع منه العين تبعا لولاية القطع والمسألة مذكورة في مسألة وجوب القصاص للغائب ومسألة قطع السارق لمال الغائب ومنها الطائفة الممتنعة عن حكم الإمام كالبغاة لا يضمن الإمام وطائفته وما أتلفوه عليهم حال الحرب وفي تضمينهم ما أتلفوه على الإمام في تلك الحال روايتان أصحهما نفي الضمان إلحاقا لهم بأهل الحرب وأما أهل الردة إذا لحقوا بدار الحرب أو اجتمعوا بدار منفردين ولهم منعة ففي تضمينهم روايتان واختار أبو بكر عدم التضمين إلحاقا لهم بأهل دار الحرب وأما اليد الثالثة فهي اليد العارية التي يترتب عليها الضمان القاعدة الحادية والتسعون يضمن بالعقد وباليد الأموال المحضة المنقولة إذا وجد فيها النقل فأما غير المنقول فالمشهور عند الأصحاب أنه يضمن بالعقد وباليد أيضا كما يضمن في عقود التمليكات بالاتفاق ونقل ابن منصور عن أحمد أن العقار لا يضمن بمجرد اليد في الغصب من غير إتلاف وكذلك قال أبو جعفر العكبري في العارية فيما قرأته بخط القاضي وأما المنقول فإن حصل نقله ترتب عليه ضمان اليد والعقد وإن لم يوجد النقل فهل يضمن بالعقد فيه كلام سبق في أحكام القبوض وأما اليد المجردة فقال القاضي في خلافه لا يتوقف الضمان بها على النقل أيضا كالعقد وكما يصير المودع ضامنا بمجرد جحود الوديعة من غير نقل ولا إزالة يد ورتب على ذلك أنه لو باع الغاصب العين المغصوبة وخلى بينه وبين المشتري فتلفت قبل النقل ثم جاء المالك أن له أن يضمن المشتري قال وإن سلمناه تعين منع تضمينه فلأنه لم يحصل كمال الاستيلاء وهو النقل فيما يمكن نقله وإنما تردد في هذا لأنه فرع متردد بين الضمان بالعقد وباليد وفي التلخيص إثبات اليد وجزم ابن عقيل في نظرياته بأن المشتري هاهنا لا يضمنه ضمان غصب وإن كان يضمنه في البيع الصحيح ضمان عقد بمجرد التخلية وقاسه على العقار فإن البائع إذا خلى بينه وبين المشتري خار من ضمانه بالعقد ولو ظهر له مستحق لم يضمنه بذلك ضمان غصب فيما يقبل النقل إلا في الدابة فإن ركوبها كاف وكذلك الجلوس على الفرش لأنه غاية الاستيلاء وصرح القاضي في خلافه بمثل ذلك في الدابة وأما غير الأموال المحضة
____________________
(1/235)
فنوعان أحدهما ما فيه شائبة الحرية لثبوت بعض أحكامها دون حقيقتها كأم الولد والمكاتب والمدبر فيضمن باليد على ما ذكره القاضي والأصحاب وكذلك يضمن بالعقد الفاسد في قياس المذهب قاله أبو البركات في تعليقه على الهداية والثاني الحر المحض هل تثبت عليه اليد فيترتب عليه الضمان أم لا المعروف من المذهب أن الحر لا تثبت عليه اليد فلا يضمن بها بحال ولو كان تابعا لمن تثبت عليه اليد كمن غصب أمة حاملا بحر ذكره القاضي في خلافه بما يشعر أنه محل وفاق حكى القاضي في خلافه أيضا وتابعه صاحب المحرر في ثبوت اليد على الحر الصغير وضمانه بالتلف تحتها روايتين منصوصتين لشبهه بالعبد حيث يتمكن من دعوى نسبه مع جهالته ودعوى رقه وقال القاضي في مواضع متعددة من خلافه تثبت اليد على الحر الكبير بالعقد دون اليد وبنى على ذلك أن الأجير الخاص إذا أسلم نفسه إلى مستأجره فلم يستعمله استقرت له الأجرة لتلف منافعه تحت يده وكذلك يجب المهر بالخلوة في النكاح الفاسد عندنا لدخول المنفعة تحت اليد بالتمكن من الاستيفاء وكذلك لو تداعى اثنان زوجية امرأة وأقاما البينة وهي في يد أحدهما فهي له ترجيحا باليد كذا ذكره القاضي وإنما يتوجه على قولنا بتقدم بينة الداخل وحكى صاحب التلخيص وجها بثبوت اليد على منافع الحر دون ذاته ورتب عليه صحة إجارة المستأجر للأجير الخاص وجزم الأزجي في النهاية بصحته وبنى عليه جواز صحة إجارة الكافر للمسلم المستأجر معه وذكر احتمالين وبنى صاحب التلخيص أيضا على ذلك غصب الحر وحبسه عن العمل فإن في ضمان أجرته وجهين تنبيه من الأصحاب من قال منفعة البضع لا تدخل تحت اليد وبه جزم القاضي في خلافه وابن عقيل في تذكرته وغيرهما وفرعوا عليه صحة تزويج الأمة المغصوبة وإن الغاصب لا يضمن مهرها ولو حبسها عن النكاح حتى فات بالكبر وخالف ابن المنى وجزم في تعليقه بضمان مهر الأمة بتفويت النكاح وذكر في الحرة ترددا لامتناع ثبوت اليد عليها وقد يتفرع على ذلك أن الأمة الموطوءة بغير إذن المالك لو حملت ثم تلفت بالولادة ضمنها الواطئ بخلاف الحرة إذا زنى بها كرها فحملت ثم ماتت من الطلق قال في التلخيص لأن الاستيلاء كأنه إثبات يد وهلاك تحت اليد المستولية على الرحم والحرة لا تدخل تحت اليد ومجرد السبب ضعيف وفي المغني يضمنها مطلقا
____________________
(1/236)
لحصول التسبب في التلف القاعدة الثانية والتسعون هل تثبت يد الضمان مع ثبوت يد المالك أم لا في المسألة خلاف وقد قال أحمد في رواية ابن الحكم فيمن أسره أهل الحرب ومعه جارية أنها ملكه مع أن مذهبه المشهور عنه أن الكفار يملكون أموال المسلمين بالاستيلاء والأظهر أنه إن زال انتفاع المالك وسلطانه ثبت الضمان وإلا فلا ويتفرع على ذلك مسائل منها لو غصب دابة عليها مالكها ومتاعه ففي الخلاف الكبير لا يضمن وكذلك قال الأصحاب لو استولى على حر كبير لم يضمن ثيابه لأنها في يد المالك ولو كان الحر صغيرا وقلنا لا تثبت اليد عليه ففي ثيابه وجهان نظرا إلى أن يده لا قوة لها على المنع وهذا يشهد لاعتبار بقاء الامتناع في انتفاء الضمان ومنها لو استأجر دابة إلى مسافة فزاد عليها أو لحمل شيء فزاد عليه وهي في يد المؤجر فتلفت قال في المجرد يضمن لتعديه بالزيادة وسكوت المالك لا يمنع الضمان كمن خرق ثوبه وهو لا يمنع وفي التلخيص لا يضمن إذا تلفت بفعل الله تعالى وإن تلفت بالحمل ففي تكميل الضمان عليه وتنصيفه وجهان ويتوجه التفريق بين أن يكون قادرا على الامتناع أو لا يكون كذلك فيجب الضمان مع عدم القدرة كمن غصب دابة وأكره المالك على أن يحمل له عليها متاعه فإن هذا زيادة عدوان فلا يسقط به الضمان ومنها الأجير المشترك إذا جنت يده على العين المستأجرة على العمل فيها ويد صاحبها ثابتة عليها فلا ضمان قاله القاضي في المجرد قال لأنه ليس بأكثر من الغاصب والغاصب لا يضمن ما دام يد صاحبه ثابتة عليه انتهى ومراده بثبوت يد صاحبه ثبوت سلطته وتصرفه ولهذا لو أعاد الغاصب المغصوب إلى يد المالك على وجه لا يعود تصرفه إليه مثل إن رهنه عبده أو استأجره للعمل فيه لم يبرأ بذلك على الصحيح إلا أن لا يعلم أنه ملكه ومنها لو دخل دار إنسان بغير إذنه أو جلس على بساطه بغير إذنه والمالك جالس في الدار أو على البساط ففي الخلاف الكبير لا ضمان وعلل بانتفاء الحيلولة ورفع اليد وكذلك قال فيمن ركب دابة غيره إن حال بينه وبينها ورفع يده عنها ضمن وهذا يرجع إلى اشتراط الحيلولة والقهر للضمان وفي التلخيص لو دخل دار المالك وهو فيها قاصد للغصب فهو غاصب للنصف لاجتماع يدهما واستيلائهما بشرط قوة الداخل وتمكنه من
____________________
(1/237)
القهر وإن كان المالك غائبا فالدخول غصب بكل حال لحصول الاستيلاء به وذكر بعض أصحابنا في خلافه أن الجالس على بساط غيره بغير إذنه يكون ضامنا لما جلس عليه منه والداخل إن دخل بنية الغصب صار غاصبا ومنها لو أردف المالك خلفه على الدابة فتلفت فهل يضمن الرديف نصف القيمة لكونه مستعيرا أم لا لثبوت يد المالك عليها ذكر في التلخيص احتمالين وصحح للثاني تنبيه لو كانت العين ملكا لاثنين فرفع الغاصب يد أحدهما ووضع يده موضع يده وأقر الآخر على حاله فهل يكون غاصبا لنصيب رفع يده خاصة أم هو غاصب لنصف العين من الشريكين مشاعا قال القاضي وابن عقيل هو غاصب لنصف من رفع يده فقط ورجحه الشيخ تقي الدين مستدلا بأن الأعمال بالنيات فعلى هذا لو استعمل الغاصب والشريك الملك وانتفعا به لم يلزم هذا الشريك لشريكه المخرج شيء فلو باعا العين صح في نصيب الشريك البائع كله وبطل في النصف الذي باعه الغاصب والمنصوص عن أحمد يدل على خلاف لأنه نص في رواية حرب على أن من غصب من قوم ضيعة ثم رد إلى أحدهم نصيبه مشاعا لم يطب للمردود عليه الانفراد بما رد عليه وهو يشبه أصله المنصوص عنه في منع إجارة المشاع من غير الشريك لتعذر تسليمه بانفراده فعلى هذا ليس للشريك الذي لم يرفع يده التصرف إلا في الربع خاصة والربع الآخر حق لشريكه المغصوب منه ولم يجتمع ههنا يد الغاصب مع يد المالك في شيء القاعدة الثالثة والتسعون من قبض مغصوبا من غاصبه ولم يعلم أنه مغصوب فالمشهور عن الأصحاب أنه بمنزلة الغاصب في جواز تضمينه ما كان الغاصب يضمنه من عين ومنفعة ثم إن كان القابض قد دخل على ضمان عين أو منفعة استقر ضمانها عليه ولم يرجع على الغاصب وإن ضمنه المالك ما لم يدخل على ضمانه ولم يكن حصل له بما ضمنه نفع رجع به على الغاصب وإن كان حصل له به نفع فهل يستقر ضمانه عليه أم يرجع على الغاصب على روايتين هذا ما ذكره القاضي والأكثرون وفي بعضه خلاف نشير إليه في موضعه إن شاء الله تعالى وهذه الأيدي القابضة من الغاصب مع عدم العلم بالحال عشرة الأولى الغاصبة يتعلق بها الضمان كأصلها ويستقر عليها مع التلف تحتها ولا يطالب بما زاد على مدتها والثانية الآخذة لمصلحة الدافع كالاستيداع والوكالة بغير جعل فالمشهور أن للمالك
____________________
(1/238)
تضمينها ثم يرجع بما ضمن على الغاصب لتغريره وفيه وجه آخر باستقرار الضمان عليها لتلف المال تحتها من غير إذن صرح به القاضي في المجرد في باب المضاربة وسيأتي أصله ويتخرج فيه وجه آخر أنه لا يجوز تضمينها بحال من الوجه المحكي كذلك في المرتهن ونحوه وأولى وخرجه الشيخ تقي الدين من مودع المودع حيث لا يجوز له الإيداع فإن الضمان على الأول وحده كذلك قال القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول وذكر أنه ظاهر كلام أحمد ومن الأصحاب من منع ظهوره وعلى تقدير أنه كذلك فرقوا بين مودع المودع ومودع الغاصب فإن الموجب للضمان في الأول القبض وهو سبب واحد فلا يجب به الضمان من جهتين بخلاف مودع الغاصب فإن قبضه صالح لتضمينه حيث كان الضمان مستقرا على الغاصب قبله وبأن الضمان يترتب على القبض فهو متأخر عنه والقبض من يد أمينه ولا عدوان فيه لعدم العلم فاختص الضمان بالمتعدي بخلاف مودع الغاصب لقبضه من يد ضامنه قبل القبض واعلم أن ما ذكره الأصحاب في الوكالة والرهن أن الوكيل والأمين في الرهن إذا باعا وقبضا الثمن ثم بان المبيع مستحقا لم يلزمهما شيء لا تناقض هذه المسألة كما يتوهمه من قصر فهمه لأن مراد الأصحاب بقولهم لم يلزم الوكيل شيء أنه لا يطالبه المشتري بالثمن الذي أقبضه إياه لأن حقوق العقد يتعلق بالموكل دون الوكيل أما أن الوكيل لا يطالبه المستحق للعين بالضمان فهذا لم يتعرضوا له ههنا ألبتة وهو بمعزل من مسألتهم بالكلية الثالثة القابضة لمصلحتها ومصلحة الدافع كالشريك والمضارب والوكيل بجعل والمرتهن فالمشهور جواز تضمينها أيضا وترجع بما ضمنت لدخولها على الأمانة وذكر القاضي في المجرد وابن عقيل وصاحب المغني في الرهن احتمالين آخرين أحدهما أنه يستقر الضمان على القابض لتلف مال الغير تحت يده التي لم يؤذن له في القبض فهي كالعالمة بالحال إجازة هذا الوجه في المضارب أيضا والثاني لا يجوز تضمينها بحال لدخولها على الأمانة وينبغي أن يكون هو المذهب وأنه لا يجوز تضمين القابض ما لم يدخل على ضمانه في جميع هذه الأقسام فإن المنصوص عن أحمد فيمن اشترى أرضا فغرس فيها ثم ظهرت مستحقة أنه لا يملك المستحق قلعه إلا مع ضمان نقصه كالغراس المحترم الصادر عن إذن المالك فجعل المغرور كالمأذون له فلا يضمن ابتداء ما لم يلزم ضمانه وكذلك نقل حرب وغيره عن أحمد في المغرور
____________________
(1/239)
في النكاح أن فداء ولده على من غرره ولم يجعل على الزوج مطالبة وقريب من ذلك ما نقل عنه مهنا فيمن بعث رجلا إلى رجل له عنده مال فقال له خذ منه دينارا فأخذ منه أكثر أن الضمان على المرسل لتغريره ويرجع هو على الرسول وحكى القاضي وغيره في المضاربة وجها آخر أن الضمان في هذه الأمانات يستقر على من ضمن منهما فأيهما ضمن لم يرجع على الآخر الرابعة القابضة لمصلحتها خاصة إما باستيفاء العين كالقرض أو باستيفاء المنفعة كالعارية فهي داخلة في الضمان في العين دون المنفعة فإذا ضمنت العين والمنفعة رجعت على الغاصب بضمان المنفعة لأن ضمانها كان بتغريره وفي المذهب رواية ثانية لا يرجع بضمان المنفعة إذا تلفت بالاستيفاء ويستقر الضمان عليها في مقابلة الانتفاع لاستيفائها بدله كي لا يجتمع لها العوض والمعوض وأصل الروايتين الروايتان في رجوع المغرور بالمهر على من غره وإن ضمن الغاصب المنفعة ابتداء ففيه طريقان أحدهما البناء على الروايتين فإن قلنا لا يرجع القابض عليه إذا ضمن ابتداء رجع الغاصب هنا عليه وإلا فلا وهي طريقة أبي الخطاب ومن اتبعه والقاضي وابن عقيل في موضع والثاني أنه لا يرجع الغاصب على القابض قولا واحدا قاله القاضي وابن عقيل في موضع آخر وأما العين فلا يرجع بضمانها حيث دخلت على ضمانها وعلى الاحتمال الأول في القسم الذي قبله يستقر ههنا عليها ضمان العين والمنفعة سواء تلفت المنفعة باستيفاء أو بتفويت وعلى الاحتمال الآخر وهو أنه لا يجوز تضمينها بالكلية فلا تطالب هذه بضمان ما لم يلتزم ضمانه ابتداء ويستقر عليها ضمان ما دخلت على ضمانه ما دخلت على ضمانه ويتخرج لنا وجه آخر أنه لا يستقر عليها ضمان شيء وسنذكر أصله في القسم الذي بعده الخامسة القابضة تملكا بعوض مسمى عن العين بالبيع فهي داخلة على ضمان العين دون المنفعة فإذا ضمنت قيمة العين والمنفعة لم يرجع بما ضمنت من قيمة العين كدخولها على ضمانها ولكن يسترد الثمن من الغاصب لأنه لم يملكه لانتفاء صحة العقد وسواء كانت القيمة التي ضمنت المالك وفق الثمن أو دونه أو فوقه على ما اقتضاه كلام الأصحاب ههنا وفي البيع الفاسد وفي ضمان المغرور المهر وفي التلخيص احتمال إن كانت القيمة أزيد رجعت بالزيادة على الغاصب حيث لم يدخل على الضمان بأكثر من الثمن المسمى وبه جزم ابن المنى في خلافه وقد سبق في
____________________
(1/240)
قاعدة ضمان العقود الفاسدة بالمسمى أو بعوض المثل ما يشبه هذا ولو طالب المالك الغاصب بالثمن كله إذا كان أزيد من القيمة فقياس المذهب أن له ذلك كما نص عليه أحمد في المتجر الوديعة بغير إذن أن الربح للمالك ثم من الأصحاب من بينه على القول بوقف العقود على الإجازة وهي طريقة القاضي في خلافه وابن عقيل ومنهم من يطلق ذلك وكذا في المضارب إذا خالف وعنه رواية أخرى يتصدق بالربح لأنه ربح ما لم يضمن وهل للمضارب أجرة المثل على روايتين وطردهما أبو الفتح الحلواني في الكفاية في الغاصب وحكى صاحب المغني في باب الرهن رواية أخرى باستقرار الضمان على الغاصب في البيع فلا يرجع على المشتري بشيء مما صنعه وحكاه في الكافي في باب المضاربة وجها وصرح القاضي بمثل ذلك في خلافه في مسألة رجوع المغرور بالمهر وهو عندي قياس المذهب حيث قلنا في إحدى الروايتين برجوع المغرور بنكاح الأمة على من غره مع استيفائه منفعة البضع واستهلاكها ودخوله على ضمانها ولهذا طرد محققوا الأصحاب هذا الخلاف فيما إذا زوجها الغاصب ووطئها الزوج هل يرجع بالمهر على الغاصب سواء ضمنه المالك المهر أو لم يضمنه وأيضا فإن المنصوص عن أحمد أن البائع إذا دلس العيب ثم تلف عند المشتري فله الرجوع بالثمن وكذلك لو نقص أو تعيب وهو موجود فإنه يرده بغير شيء ويأخذ الثمن إلا أن يكون حصل له انتفاع بما نقصه فإنه يرد عوضه على أحد الوجهين إلحاقا له بلبن المصراة مع أنه قد دخل على ضمان العين بالمسمى ولكن سقط عنه كتدليس البائع العيب وهو لا يمنع صحة العقد على الصحيح من المذهب فلأنه لا يستقر الضمان على المشتري من الغاصب مع تدليس الغاصب عليه وعدم صحة العقد أولى وأما المنافع إذا ضمنها المالك للمشتري بناء على أن المنافع المغصوبة مضمونة وهو المذهب فيرجع بذلك على الغاصب لدخوله على استيفائها في ملكه بغير عوض وسواء انتفع بها أو تلفت تحت يده وعن أحمد رواية أخرى لا يرجع بما انتفع به لاستيفائه عوضه كما تقدم وهي اختيار أبي بكر وابن أبي موسى وحكم الثمرة والولد الحادث من المبيع حكم المنافع إذا ضمنها رجع ببدلها على الغاصب وكذلك الكسب صرح به القاضي في خلافه إلا أن يكون انتفع بشيء من ذلك فيخرج على الروايتين وقد أشار أحمد إلى هذا في رواية ابن منصور فيمن باع ماشية أو
____________________
(1/241)
شاة فولدت أو نخلا لها ثمرة فوجد بها عيبا أو استحق أخذ منه قيمة الثمرة وقيمة الولد إن كان أحدث فيهم شيئا أو بأن باع أو استهلك فإن كان مات أو ذهب به الريح فليس عليه شيء فأوجب عليه ضمان ما انتفع به من الثمرة والنتاج دون ما أتلف في يده بغير فعله ولم يذكر رجوعا على الغاصب وظاهر كلامه ما تلف في يده من النماء فليس للمالك تضمينه ابتداء لأنه لم يدخل على ضمانه ولم ينتفع به وهذا يقوي التخريج المذكور في القسم الذي قبله وكذلك ظاهر كلام ابن أبي موسى لا يضمن المشتري إلا ما يستقر عليه ضمانه سواء دخل على ضمانه أو لم يدخل عليه لكن انتفع به كالخدمة ومهر المشتراة وأما قيمة الأولاد فلا يرجع بها عنده لأن نفعها لغيره لا له وأوجب على الغاصب قيمة غرس المشتري غير مقلوع إذا قلعه المالك ومراده ما نقص بقلعه وإنما أجاز للمالك قلع الغراس من غير ضمان نقصه لأن ذلك ليس من باب تضمين الغاصب بل هو من باب امتناع المالك من الضمان له فإن تفريغ الأرض من الغراس الذي لم يأذن فيه لا بد من تمكينه منه ولا ضمان عليه فيه حيث لم يأذن فيه وإنما للضمان على الغار لتعديه كما أن تضمين القابض ما لم يلتزم ضمانه ممتنع حيث أمكن تضمين الغاصب لالتزامه للضمان وتعديه فظهر بهذا أن الذي يدل عليه كلام أحمد أن القابض لا يضمن إلا ما حصل له به نفع فيضمنه وهل يرجع به على روايتين كرجوع المغرور في باب النكاح بالمهر تنبيه لو أقر المشتري للبائع بالملك فلا رجوع له عليه ولو أقر بصحة البيع ففي الرجوع احتمالان ذكرهما القاضي وقد يخرج كذلك في الإقرار بالملك حيث علم أن مستنده اليد وقد بان عدوانها اليد السادسة القابضة عوضا مستحقا بغير عقد البيع كالصداق وعوض الخلع والعتق والصلح عن دم عمد إذا كان معينا منه أو كان القبض وفاء كدين مستقر في الذمة من ثمن مبيع أو غيره وصداق أو قيمة متلف ونحوه فإذا تلفت هذه الأعيان في يد من قبضها ثم استحقت فللمستحق الرجوع على القابض ببدل العين والمنفعة على ما تقرر ويتخرج وجها آخر أن لا مطالبة له عليه وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى في الصداق والباقي مثله على القول بالتضمين فيرجع على الغاصب بما غرم من قيمة المنافع لتغريره إلا بما انتفع به فإنه مخرج على الروايتين وأما قيم الأعيان فمقتضى ما ذكره القاضي ومن اتبعه أنه لا يرجع بها لأنه دخل على
____________________
(1/242)
أنها مضمونة عليه بحقه وسواء كانت القيمة المضمونة وفق حقه أو دونه أو أزيد منه إلا على الوجه المذكور في البيع بالرجوع بفضل القيمة ثم إن كان القبض وفاء عن دين ثابت في الذمة فهو باق بحاله وإن كان عوضا متعينا في العقد لم ينفسخ العقد ههنا باستحقاقه فيه ولو قلنا إن النكاح على المغصوب لا يصح لأن القول بانتفاء الصحة مختص بحالة العلم كذلك ذكره ابن أبي موسى ويرجع على الزوج بقيمة المستحق في المنصوص وهو قول القاضي في خلافه وقال في المجرد ويجب مهر المثل وأما عوض الخلع والعتق والصلح عن دم العمد ففيها وجهان أحدهما يجب الرجوع فيها بقيمة العوض المستحق وهو المنصوص لأن هذه العقود لا تنفسخ باستحقاق أعواضها فيجب قيمة العوض وهو قول القاضي في أكثر كتبه وجزم به صاحب المحرر والثاني يجب قيمة المستحق في الخلع والصلح عن الدم بخلاف العتق فإن الواجب فيه قيمة العبد لأن العبد له قيمة في نفسه فيرجع بقيمته بخلاف البضع والدم فإن القيمة لعوضهما لا لهما وهو قول القاضي في البيوع من خلافه ويشبه قول أصحابنا فيما إذا جعل عتق أمته صداقها وقلنا لا ينعقد به النكاح فأبت أن تتزوجه على ذلك فإن عليها قيمة نفسها لا قيمة مهر مثلها وعلى الوجه المخرج في البيع أن المغرور يرجع بقيمة العين على الغاصب فههنا كذلك اليد السابعة القابضة بمعاوضة عن المنفعة وهي يد المستأجر فقال القاضي والأكثرون إذا ضمنت المنفعة لم يرجع بها ولو زادت أجرة المثل على الأجرة المسماة ففيه ما مر من زيادة قيمة العين على الثمن وإذا ضمنت قيمة العين رجعت بها على الغاصب لتغريره وفي تعليقة أبي البركات على الهداية ويتخرج لأصحابنا وجهان أحدهما أن المستأجر لا ضمان عليه بحال لقول فرضيت يضمن العين وهل القرار عليه لنا وجهان أحدهما عليه والثاني على الغاصب وهو الذي ذكره القاضي في خلافه انتهى والوجه الأول منزل على القول بأن المغرور لا يضمن شيئا ابتداء ولا استقرارا والوجه الآخر في قرار ضمان العين عليه يتنزل على الوجه المذكور في استقرار الضمان على المرتهن ونحوه بتلف العين تحت يده اليد الثامنة القابضة للشركة وهي المتصرفة في المال بما ينميه بجزء من النماء
____________________
(1/243)
كالشريك والمضارب والمزارع والمساقي ولهم جرة على الغاصب لعملهم له بعوض لم يسلم فأما المضارب والمزارع بالعين المغصوبة وشريك العنان فقد دخلوا على أن لا ضمان عليهم بحال فإذا ضمنوا على المشهور رجعوا بما ضمنوا إلا حصتهم من الربح فلا يرجعون بضمانها لدخولهم على ضمانها عليهم بالعمل لذلك ذكره القاضي وابن عقيل في المساقي والمزارع نظيره وأما المضارب والشريك فلا ينبغي أن يستقر عليهم ضمان شيء بدون القسمة سواء قلنا ملكوا الربح بالظهور أو لا لأن حصتهم وقاية لرأس المال وليس لهم الانفراد بالقسمة فلم يتعين لهم شيء مضمون وحكى الأصحاب في المضارب بغير إذن وجها آخر أن لا يرجع بما ضمنه بناء على الوجه المذكور باستقرار الضمان على من تلف المال بيده ويتخرج وجه آخر أن لا يملك المالك تضمينهم بحال لدخولهم على الأمانة وقد ذكرنا فيما تقدم حكم ضمان الشريك والمضارب للمال وإنما أعدناه ههنا لذكر النماء وأما المساقي إذا ظهر الشجر مستحقا بعد تكملة العمل فللعامل أجرة المثل لعمله على الغاصب وأما الثمر إذا تلف فله حالتان إحداهما أن يتلف بعد القسمة فللمالك تضمين كل من الغاصب والعامل ما قبضه وله أن يضمن الكل للغاصب فإذا ضمنه الكل رجع على العامل بما قبضه لنفسه لأنه أخذ العوض فهو كالمشتري من الغاصب وفي المغني احتمال لا يرجع عليه لتغريره فأشبه من قال لغيره كل هذا فإنه طعامي ثم بان مستحقا وهو قريب من الوجه السابق باستقرار ضمان المبيع على الغاصب بكل حال وهل للمالك أن يضمن العامل جميع الثمرة ذكر القاضي فيه احتمالين أحدهما نعم لأن يده تثبت على الكل مشاهدة بغير حق ثم يرجع العامل على الغاصب بما قبضه من الثمر على المشهور وبالكل على الاحتمال المذكور والثاني لا لأنه لم يكن قابضا على الحقيقة وإنما كان مراعيا حافظا ويشهد لهذا ما قاله ابن حامد فيما إذا اختلف المساقي والمالك في قدر المشروط للعامل من الثمر وأقاما بينتين أنه تقدم بينة العامل لأنه خارج والمالك هو الداخل لاتصال الثمر بملكه ولو اشترى ثمرة شجر شراء فاسدا وخلى البائع بينه وبينه على شجره لم يضمنه بذلك لعدم ثبوت يده عليه وذكر بعض أصحابنا أنه محل وفاق الحالة الثانية أن يتلف الثمر قبل القسمة إما على الشجر أو بعد جده ففي التلخيص في مطالبة العامل بالجميع احتمالان وكذا لو تلف بعض الشجر وهو ملتفت إلى أن يد
____________________
(1/244)
العامل هل تثبت على الشجر والثمر الذي عليه أم لا والأظهر أن لا لأن الضمان عندنا لا ينتقل في الثمر المعلق على شجرة بالتخلية إلا أن يقال يده هاهنا على الثمر حصلت تبعا لثبوت يده على الشجر فيقال في ثبوت يده على الشجر هاهنا تردد ذكرناه آنفا حتى لو تلف بعض الشجر ففي تضمينه للعامل الاحتمالان صرح به في التلخيص أيضا ولو اشترى شجرة بثمرها فهل يدخل الثمر في ضمانها تبعا لشجره قال ابن عقيل في فنونه لا يدخل والمذهب دخوله تبعا لانقطاع علق البائع عنه من السقي وغيره وبكل حال فيتوجه أن يضمن العامل الثمر التالف بعد جداده واستحفاظه بخلاف ما على الشجر اليد التاسعة القابضة تملكا لا بعوض إما للعين بمنافعها بالهبة والوقف والصدقة والوصية أو للمنفعة كالموصى له بالمنافع فالمشهور أنها ترجع بما ضمنته بكل حال لأنها دخلت على أنها غير ضامنة لشيء فهي مغرورة إلا ما حصل لها به نفع ففي رجوعها بضمانه الروايتان ويتخرج وجه آخر أنها لا تضمن ابتداء ما لم يستقر ضمانها عليه وذكر القاضي وابن عقيل رواية أنه لا ترجع بما ضمنته بحال وهو منزل على القول باستقرار الضمان على من تلف تحت يده وإن كان أمينا كما سبق ثم اختلف الأصحاب في محل الروايتين في الرجوع بما انتفعت به على طرق ثلاثة إحداهن أن محلهما إذا لم يقل الغاصب هذا ملكي أو ما يدل عليه فإن قال ذلك فالمدار عليه بغير خلاف لاعترافه باستقرار الضمان عليه ونفيه عن القابض وهي طريقة المغني والثانية إن ضمن المالك القابض ابتداء ففي رجوعه على الغاصب الروايتان مطلقا وإن ضمن الغاصب ابتداء فإن كان القابض قد أقر له بالملكية لم يرجع على القابض رواية واحدة ولو قلنا إن ما ينتفع به يستقر ضمانه عليه لأنه بإقراره بالملك معترف بأن المستحق ظالم له بالتغريم فلا يرجع بظلمه على غير ظالمه وهي طريقة القاضي والثالث في الخلاف من الكل من غير تفصيل وهي طريقة أبي الخطاب وغيره اليد العاشرة المتلفة للمال نيابة عن الغاصب كالذبح للحيوان والطابخ له فلا قرار عليها بحال وإنما القرار على الغاصب لوقوع الفعل له فهو كالمباشر كذا قال القاضي وابن عقيل والأصحاب ويتخرج وجه آخر بالقرار عليها فيما تلفته كالمودع إذا تلفت تحت يده وأولى لمباشرتها للإتلاف ويتخرج وجه آخر لا ضمان عليها بحال من نص أحمد
____________________
(1/245)
فيمن حفر لرجل في غير ملكه بئرا فوقع فيها إنسان فقال الحافر ظننت أنها في ملكه فلا شيء عليه وبذلك جزم القاضي وابن عقيل في كتاب الجنايات مع اشتراك الحافر والآمر في التسبب وانفراد الحافر بمباشرة السبب وإنما سقط عنه الضمان لعدم علمه بالحال وههنا أولى لاشتراكها في ثبوت اليد ولو أتلفته على وجه محرم شرعا عالمة بتحريمه كالقاتلة للعبد المغصوب والمحرقة للمال بإذن الغاصب ففي التلخيص يستقر عليها الضمان لأنها عالمة بتحريمة فهي كالعالمة بأنه مال الغير ورجح الحارثي دخولها في قسم المغرور لأنها غير عالمة بالضمان فتغرير الغاصب لها حاصل والله أعلم القاعدة الرابعة والتسعون قبض مال الغير من يد قابضه بحق بغير إذن مالكه إن كان يجوز له إقباضه فهو أمانة عند الثاني إن كان الأول أمينا وإلا فلا وإن لم يك إقباضه جائزا فالضمان عليهما ويتخرج وجه آخر ألا يضمن غير الأول ويندرج تحت ذلك صور منها مودع المودع فإن كان حيث يجوز الإيداع فلا ضمان على واحد منهما وإن كان حيث لا يجوز فالضمان على الأول وفي الثاني وجهان سبق ذكرهما ومنها المستأجر من المستأجر فإن كان حيث يجوز الإيجار بأن كان لمن يقوم مقامه في الانتفاع فلا ضمان وإلا فلا يثبت الضمان عليها وقراره في العين على الأول ويتخرج وجه آخر أنه لا ضمان على الثاني بحال من المودع ومنها مضارب المضارب حيث يجوز له فهو أمين وهل الثاني مضارب للمالك والأول وكيل في العقد لا شيء له من الربح أو هو مضارب للأول فالربح بينهما على وجهين جزم به القاضي في المجرد بالأول ثم اختار الثاني فيما إذا دفعه مضاربة وقلنا لا يجوز له ذلك وحيث منع من دفعه مضاربة فللمالك تضمين أيهما شاء ويرجع الثاني على الأول إن لم يعلم بالحال لدخوله على الأمانة وفيه وجه آخر لا يرجع لحصول التلف تحت يده وقد سبق أصله ويتخرج أن لا يضمن الثاني بحال وإن علم بالحال فهل هو كالغاصب لا أجرة له أو كالمضارب المتعدي له أجرة المثل يحتمل وجهين قاله صاحب التلخيص وحكاهما صاحب الكافي روايتين من غير تقييد بحالة العلم ومنها وكيل الوكيل حيث لا يجوز التوكيل فهو كالمضارب في الضمان
____________________
(1/246)
ومنها المستعير من المستعير فإن قلنا بجوازه فكل منهما ضامن للعين دون المنفعة لدخوله على ذلك على بصيرة فإذا تلفت عند الثاني ضمنه المالك كما لو كان هو المعير له ولم يرجع على الأول لانتفاء التغرير وإن قلنا بالمنع وهو المشهور فللمالك مطالبة كل منهما بضمان العين والمنفعة والمدار على الثاني لحصول التلف في يده إن كان عالما بالحال ومع عدم العلم يستقر عليه ضمان العين دون المنفعة فإنه يستقر ضمانها على الأول لتغريره كذا قال الأصحاب ويتخرج وجه آخر أنه لا يضمن الثاني إذا لم يعلم بالحال ومنها المستعير من المستأجر قال في التلخيص هو أمين على الصحيح لقبضه من يد أمين فلا يكون ضامنا ومنها المشتري من الوكيل المخالف مخالفة يفسد بها البيع إذا تلف المبيع في يده فللموكل تضمين القيمة من شاء منهما من الوكيل والمشتري على المشهور ثم إن ضمن الوكيل رجع على المشتري لتلفه في يده القاعدة الخامسة والتسعون من أتلف مال غيره وهو يظن أنه له أو تصرف فيه يظن لنفسه ولاية عليه ثم يتبين خطأ ظنه فإن كان مستندا إلى سبب ظاهر من غيره ثم تبين خطأ المتسبب أو أقر بتعمده للجناية ضمن المتسبب وإن كان مستندا إلى اجتهاد مجرد كمن دفع مالا تحت يده إلى من يظن أنه مالكه أو أنه يجب الدفع إليه أو أنه يجوز ذلك أو دفع ماله الذي يجب عليه إخراجه لحق الله إلى من يظنه مستحقا ثم تبين الخطأ ففي ضمانه قولان وإن تبين أن المستند لا يجوز الاعتماد عليه ولم يتبين أن الأمر بخلافه فإن تعلق به حكم فنقص فالضمان على المتلف وإلا فلا ضمان ويندرج تحت هذه الجملة مسائل منها أن يشهد شاهدان بموت زيد فيقسم ماله بين ورثته ثم يتبين بطلان الشهادة بقدومه حيا فنص أحمد في رواية الميموني أنهما يضمنان المال ولم يتعرض للورثة وظاهر كلامه استقرار الضمان على المشهور أو اختصاصهم به وهو في الجملة موافق لقوله المشهور عنه في تقرير الضمان على الغار كما سبق وقال القاضي يحتمل أن يكون أغرم الورثة ورجعوا بذلك على الشهود لتغريرهم ولا ضمان هنا على الحاكم لأنه ملجأ إلى الحكم من جهة الشهود ونقل أبو النضر العجلي عن أحمد في حاكم رجم رجلا بشهادة أربعة بالزنا ثم تبين أنه مجبوب أن الضمان على الحاكم ولعل تضمينه ههنا لتفريطه إذ المجبوب لا يخفى أمره غالبا فتركه الفحص عن حاله تفريط
____________________
(1/247)
ومنها لو حكم الحاكم بمال ثم رجع الشهود وصرحوا بالخطأ أو التعمد بشهادة الزور فإن الضمان يختص بهم لاعترافهم ولا ينتقض حكم الحاكم بمجرد ذلك ولا يرجع على المحكوم له بشيء كما لو باع عينا أو وهبها أو أقر بها لرجل ثم أقر بها بعد ذلك لآخر فإنه لا يقبل إقراره على الأول ويضمن الثاني ومنها أن يحكم الحاكم بمال ويستوفي ثم يتبين أن الشهود فساق أو كفار فإن حكمه في الباطن غير نافذ بالاتفاق نقله أبو الخطاب في انتصاره وأما في الظاهر فهو نافذ وهل يجب نقضه المذهب وجوبه وهو قول الخرقي والقاضي كتبين انتفاء شرط الحكم فلم يصادف محلا ثم يجب ضمان المال على المحكوم له لإتلافه له مباشرة قال القاضي ولو كان المحكوم له معسرا فللمستحق مطالبة الإمام قرار الضمان على المحكوم له ولا شيء على المزكين بحال ولو حكم لآدمي بإتلاف نفس أو طرف فطريقان أحدهما هو كالمال لأن المستوفي هو المحكوم له والإمام ممكن لا غير وهي طريقة المحرر والثاني يضمنه الحاكم صرح به القاضي في المجرد وهو وفق إطلاق الأكثرين لأن المحكوم له لم يقبض شيئا فنسب الفعل إلى خطأ الإمام كما لو كان المستوفي حقا لله تعالى عز وجل فإن ضمانه على الإمام وحكى القاضي وغيره رواية أخرى أنه لا ينقض الحكم إذا بان الشهود فساقا ويضمن الشهود كما لو رجعوا عن الشهادة وهذا ضعيف جدا ولا أصل لذلك في كلام أحمد وإنما أخذوه من رواية الميموني في المسألة الأولى وتلك لا فسق فيها لجواز العدليات الشهود وإنما ضمنوا لتبين بطلان شهادتهم بالعيان فهو أعظم من الرجوع ولا يمكن بقاء الحكم بعد تبين فساد المحكوم به عيانا ولا يصح إلحاق الفسق في الضمان بالرجوع لأن الراجعين اعترفوا ببطلان شهادتهم وتسببهم إلى انتزاع مال المعصوم وقولهم غير مقبول على نقض الحكم فتعين تغريمهم وليس ههنا اعتراف يبنى عليه التغريم فلا وجه له فالصواب الجزم بأنه لا ضمان على أحد على القول بأن الحكم لا ينقض كما جزم به في المحرر ومنها إذا وصى إلى رجل بتفريق ثلثه ففعل ثم يتبين أن عليه دينا مستغرقا للتركة ففي ضمانه روايتان ولكن هنا لم يتصرف في ملك الغرماء بل فيما تعلق به حقهم ولكنه تعلق قوي لا سيما إن قلنا لم ينتقل إلى الورثة ولهذا قال أحمد في رواية ابن منصور في التركة هي للغرماء لا للورثة ولهذا لا يملك الورثة التصرف فيها إلا بشرط
____________________
(1/248)
الضمان وخرج الشيخ تقي الدين على هذا الخلاف كل من تصرف بولاية في مال ثم تبين أنه مستحق ومنها لو وصى لشخص بشيء فلم يعرف الموصى له صرفه الوصي أو الحاكم فيما يراه من أبواب البر فإن جاء الموصى له وأثبت ذلك فهل يضمن المفرق ما فرقه على روايتين قال ابن أبي موسى أظهرهما لا ضمان عليه وقال أبو بكر في الثاني إن فعله الوصي بإذن الحاكم لم يضمن وإن فعله بدون إذنه ضمن ومنها لو اشترى الورثة عبدا من التركة وأعتقوه تنفيذا لوصية مورثهم بذلك ثم ظهر دين مستغرق فإنهم يضمنون للغرماء ذكره القاضي وابن عقيل ويتخرج فيه وجه آخر بانتفاء الضمان من مسألة الوصي ومنها لو اشترى المضارب من يعتق على رب المال بغير إذنه صح وعتق عليه وهل يضمنه العامل فيه ثلاثة أوجه أحدها يضمن بكل حال سواء كان عالما بالحال أو جاهلا قاله القاضي في المجرد وأبو الخطاب والثاني إن كان جاهلا لم يضمن وإن كان عالما ضمن كما لو عامل فاسقا أو مماطلا أو سافر سفرا مخوفا أو دفع الوصي أو أمين الحاكم مال اليتيم مضاربة إلى من ظاهره العدالة فبان بخلافه فإنه لا ضمان في ذلك كله إلا مع العلم وهو قول أبي بكر في التنبيه والقاضي في خلافه والثالث لا ضمان بكل حال حكاه أبو بكر على الضمان هل يضمنه بالثمن المشترى أو بقيمة المثل ويكون الضمان في الربح الزائد على وجهين ذكرهما أبو بكر ومنها إذا دفع القصار ثوب رجل إلى غيره خطأ فتصرف فيه المدفوع إليه بقطع أو لبس يظنه ثوبه فنقل حنبل عن أحمد في قصار أبدل الثوب فأخذه صاحبه فقطعه وهو لا يعلم أنه ثوبه قال على القصار إذا أبدل قيل له فإن كان مالا فأنفقه قال ثمن هذا مثل المال على الذي أنفقه لأنه مال تلف ففرق بين المال إذا أنفق وتلف وبين الثوب إذا قطع لأن العين هنا موجودة فيمكن الرجوع فيها ويضمن نقصها القصار لجنايته خطأ وظاهر كلامه أن لا شيء على القاطع لأنه مغرور ولم يدخل على الضمان أما إن دفع إليه دراهم غيره يظنه صاحبها فأنفقها فالضمان على المنفق وإن كان مغرورا لتلف المال تحت يده بانتفاعه به وذلك مقرر للضمان مع اليد على إحدى الروايتين ونقل محمد بن الحكم عن أحمد في هذه المسألة أنه ذكر له قول مالك لا يغرم الذي لبسه ويغرم الغسال لصاحب الثوب فقال لا يعجبني ما قال ولكن إذا هو لم يعلم
____________________
(1/249)
فلبسه فإن عليه ما نقص ليس على القصار شيء فأوجب هنا الضمان على اللابس لاستيفائه المنفعة دون الدافع بأنه لم يتعمد الجناية فكأن إحالة الضمان على المستوفي للنفع أولا وهذه الرواية توافق ما قبلها في تقرير الضمان على المنتفع لا سيما والدافع هنا معذور وإنما ضمن القصار القطع لأنه تلف لم يحدث من انتفاع القابض فكان ضمانه على الدافع لنسبته إليه فالروايتان إذا متفقتان ومن الأصحاب من جعلهما مختلفتين في أن الضمان هل هو على القصار أو المدفوع إليه ثم منهم من حمل رواية ضمان القصار على أنه كان أجيرا مشتركا فيضمن جناية يده ورواية عدم ضمانه على أنه كان أجيرا خاصا فلا يضمن جنايته ما لم يتعمدها وأشار القاضي إلى ذلك في المجرد ومنها لو دفع الملتقط اللقطة إلى واصفها ثم أقام غيره البينة أنها له فإن كان الدفع بحكم حاكم فلا ضمان على الدافع وإن كان بدونه فوجهان أحدهما لا ضمان لوجوب الدافع عليه فلا ينسب إلى تفريط والثاني عليه الضمان وهو قول القاضي ثم يرجع به على الواصف إلا أن يكون قد أقر به بالملك أما لو دفع الوديعة إلى من يظنه صاحبها ثم تبين الخطأ فقال الأصحاب يضمن لتفريطه ويتخرج فيه وجه آخر أن الضمان على المتلف وحده وهو ظاهر ما نقله حنبل عن أحمد في مسألة القصار ولو قتل من يظنه قاتل أبيه لاشتباهه به في الصورة قتل به لتفريطه في اجتهاده ذكره ابن عقيل في مفرداته ويتخرج فيه وجه آخر أن لا قود وأنه يضمن بالدية كما لو قطع يسار قاطع يمينه ظانا أنها اليمين فإنه لا قود وسواء كان الجاني عاقلا أو مجنونا وفي وجوب الدية وجهان ومنها لو مضى على المفقود زمن تجوز فيه قسمة ماله فقسم ثم قدم فذكر القاضي أن أبا بكر حكى في ضمان ما تلف في أيدي الورثة منه روايتين والمنصوص عن أحمد في رواية الميموني وابن منصور وأبي داود عدم الضمان وهو الذي ذكره أبو بكر في التنبيه ووجهه أنه جاز اقتسام المال في الظاهر والتصرف فيه ولهذا يباح لزوجته أن تتزوج وإذا قدم خير بينهما وبين المهر فجعل التصرف فيما يملكه من مال وبضع موقوفا على تنفيذه وإجازته ما دام موجودا فإذا تلف فقد مضى الحكم فيه ونفذ فإن إجازته ورده إنما يتعلق بالموجود لا بالمفقود وقد نص أحمد في رواية أبي طالب على أنه إذا قدم بعد أن تزوجت زوجته وماتت فلا خيار له ولا يرثها ويشبه ذلك اللقطة إذا قدم المالك بعد الحول والتملك وقد تلفت فالمشهور أنه يجب ضمانها للمالك وذكر ابن أبي موسى رواية أخرى أنه لا يجب الضمان مع التلف وإنما يجب الرد مع بقاء
____________________
(1/250)
العين ومنها لو قبضت المطلقة البائن النفقة يظن أنها حامل ثم بانت حاملا ففي الرجوع عليها روايتان ومنها لو غاب الزوج فأنفقت الزوجة من ماله ثم تبين موته فهل يرجع عليها بما أنفقته بعد الموت على روايتين ومنها لو دفع زكاته أو كفارته إلى من يظنه فقيرا فبان أنه غني ففي وجوب الضمان عليه روايتان أصحهما أن لا ضمان وكذلك لو كان العامل هو الدافع قاله القاضي في الأحكام السلطانية وقال في المجرد لا يضمن الإمام بغير خلاف لأنه أمين ولم يفرط لأن هذا لا يمكن الاحتراز منه وإن بان عبدا أو كافرا أو هاشميا فقيل هو على الخلاف وبه جزم ابن عقيل في فنونه وكذلك ذكر القاضي في آخر الجامع الصغير إلا أنه خرج الخلاف في الضمان هنا على القول بعدمه في المغني وقيل لا يجزئه رواية واحدة لظهور التفريط في الاجتهاد فإن هذه الأوصاف لا تخفى بخلاف الغني وإن بان أنه بسبب نفسه فطريقان أحدهما لا يجزئه قولا واحدا كما لو بان أنه عند نفسه والثاني هو لو بان غنيا والمنصوص ههنا الإجزاء لأن المانع خشية المحاباة وهو منتف مع عدم العلم قال الشيخ تقي الدين وعلى قياس ذلك مال الفيء والخمس والأموال الموصى بها والموقوفة إذا ظن المتصرف فيها أن الأخذ مستحق فأخطأ القاعدة السادسة والتسعون من وجب عليه أداء عين مال فأداه عنه بغير إذنه هل تقع موقعه وينتفي الضمان عن المؤدي هذا على قسمين أحدهما أن تكون العين ملكا لمن وجب عليه الأداء وقد تعلق بها حق للغير فإن كان المتصرف له ولاية التصرف وقع الموقع ولا ضمان ولو كان الواجب دينا وإن لم يكن له ولاية فإن كانت العين متميزة بنفسها فلا ضمان ويجزئ وإن لم تكن متميزة من بقية ماله ضمن ولم يجزئ إلا أن يجيز المالك التصرف فنقول بوقف عقود الفضولي على الإجازة ويتفرع على هذا مسائل منها لو امتنع من وفاء دينه وله مال فباع الحاكم ماله ووفاه عنه صح وبرئ منه ولا ضمان
____________________
(1/251)
ومنها لو امتنع من أداء الزكاة فأخذها الإمام منه قهرا فإنه تجزئ عنه ظاهرا وباطنا في أصح الوجهين وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي لأن للإمام ولاية على الممتنع وهذا حق تدخله النيابة فوقع موقعه ومنها لو تعذر استئذان من وجبت عليه الزكاة لغيبة أو حبس فأخذ الساعي الزكاة من ماله سقطت عنه ومنها ولي الصبي والمجنون يخرج عنهما الزكاة ويجزئ كما يؤدي عنهما سائر الواجبات المالية من النفقات والغرامات ومنها إذا عين أضحية فذبحها غيره بغير إذنه أجزأت عن صاحبها ولم يضمن الذابح شيئا نص عليه لأنها متعينة للذبح ما لم يبدلها وإراقة دمها واجب فالذابح قد عجل الواجب فوقع موقعه ولا فرق عند الأكثرين بين أن تكون معينة ابتداء أو عن الواجب في الذمة وفرق صاحب التلخيص بين ما وجب في الذمة وغيره وقال المعينة عنها في الذمة يشترط لها نية المالك غيره بغير إذنه فقال عند الذبح فلا يجزئ ذبح غيره لها بغير إذنه فيضمن ومنها لو أحرم وفي يده المشاهدة صيد فأطلقه القاضي والأكثرون لا يضمن لأنه فعل الواجب عليه كما لو أدى عنه دينه في هذا الحال وفي المبهج للشيرازي أنه لا يضمن لأن ملكه لم يزل عنه وإرسال الغير إتلاف يوجب الضمان فهو كقتله اللهم إلا أن يكون المرسل حاكما أو ولي صبي فلا ضمان للولاية وهذا كله بناء على قولنا يجب عليه إرساله وإلحاقه بالوحش وهو المنصوص أما إن قلنا يجوز له نقل يده إلى غيره بإعارة أو إيداع كما قاله القاضي في المجرد وابن عقيل في باب العارية فالضمان واجب بغير إشكال ومنها لو نذر الصدقة بمال معين فتصدق به عنه غيره ففيه وجهان أحدهما لا ضمان عليه كالأضحية وهو اختيار أبي الخطاب في انتصاره سواء قيل بزوال ملكه أو امتناع الإبدال كما لو اختاره أو ببقاء الملك وجواز الإبدال إذ لا فرق بين الدراهم المنذورة وبين الأضحية في ذلك الثاني الضمان وهو قول القاضي وابن عقيل ويشكل الفرق بينه وبين الأضحية لا سيما والمنقول لا يتعين بالتعيين في العقود على إحدى الروايتين بخلاف الحيوان وقد يقال في الفرق إن الأضحية إنما يجوز إبدالها بخير منها والنقود متساوية غالبا فلا معنى لإبدالها وقد أشار القاضي إلى الفرق
____________________
(1/252)
بأن النذر يحتاج إخراجه إلى نية كالزكاة وهذا ممنوع بل نقول في نذر الصدقة بالمعين ما نقول في الأضحية المعينة وأما إذا أدى غيره زكاته الواجبة من ماله أو نذره الواجب في الذمة أو كفارته من ماله بغير إذنه حيث لا ولاية له عليه فإنه يضمن في المشهور لأنه لا يسقط به فرض المالك لفوات النية المعتبرة منه وممن يقوم مقامه وخرج الأصحاب نفوذه بالإجازة من نفوذ تصرف الفضولي بها وهذا الذي ذكرناه في العبادات كالزكاة والأضحية والنذر إنما هو إذا نواه المخرج عن المالك فأما إن نوى عن نفسه وكان عالما بالحال فهو غاصب محض فلا يصح تصرفه لنفسه بأداء الزكاة ولا بذبح الأضحية والهدي ولا غيرهما لأنه وقع من أصله تعديا وذلك ينافي التقرب وخرج بعض الأصحاب وجها ذكره بعضهم رواية في الزكاة وخرجه ابن أبي موسى وجها في العتق لكن إذا التزم ضمانه في ماله وهذا شبيه بتصرف الفضولي وهل يجزئ عن المالك في هذه الحال أم لا حكى القاضي في الأضحية روايتين والصواب أن الروايتين تتنزل على اختلاف حالتين لا على اختلاف قولين فإن نوى الذابح بالذبح عن نفسه مع علمه بأنها أضحية الغير لم يجزئ لغصبه واستيلائه على مال الغير وإتلافه له عدوانا وإن كان يظن الذابح أنها أضحية لاشتباهها عليه أجزأت عن المالك وقد نص أحمد على الصورتين في رواية ابن القاسم وسندي مفرقا بينهما مصرحا بالتعليل المذكور وكذلك الخلال فرق بينهما وعقد لهما بابين منفردين فلا يصح التسوية بعد ذلك ومتى قيل بعدم الإجزاء فعلى الذابح الضمان لكن هل يضمن أرش الذبح أو كمال القيمة أما على رواية تحريم ذبيحة الغاصب فضمان القيمة متعين وعلى القول بالحل وهو المشهور فقد يقال إن كانت معينة عن واجب في الذمة فحكم هذا الذبح حكم عطبها وإذا عطبت فهل ترجع إلى ملكه على روايتين فإن قيل برجوعها إلى ملكه فعلى الذابح أرش نقص الذبح خاصة وإن قيل لا يرجع إلى ملكه فالذبح حينئذ بمنزلة إتلافها بالكلية فيضمن الجميع ويشتري المالك بالقيمة ما يذبحه عن الواجب عليه ويصرف الكل مصرف الأضحية وإن كانت معينة ابتداء أو تطوعا فقد فوت على المالك التقرب بها وكونها أضحية أو هديا لكن على وجه لا يلزمه بدلها فيحتمل أن يتصدق
____________________
(1/253)
بلحمها كالعاطب دون محله ويأخذ أرش الذبح من الذابح ويتصدق به ويحتمل أن يضمنه قيمتها وهو أظهر لأنه فوت عليها التقرب بها على وجه لا يعود إليه منها شيء فهو كإتلافها وأما إذا فرق الأجنبي اللحم فقال الأصحاب لا يجزئ لأن أحمد قال في رواية ابن منصور فيما إذا ذبح كل واحد أضحية الآخر يعتقد أنهما يترادان اللحم قالوا وإن تلف فعليه ضمان قيمته وأبدى ابن عقيل في فنونه احتمالا بالإجزاء لأن التفرقة ليست واجبة على المالك بدليل ما لو ذبحها فسرقت ويشهد له قول أحمد في رواية المروذي وغيره في رجل اشترى لقوم نسكا فاشترى لكل واحد شاة ثم لم يعرف هذه من هذه قال يتراضيان ويتحالان ولا بأس أن يأخذ كل واحد شاة بعد التحليل فدل على أن التفريق إذا وقع من غير قصد ولا تعمد أنه يجزئ ولولا ذلك لم تجز التضحية بهذه الأضحية المشتبهة وقد يكون عن واجب في الذمة ويحمل قوله يترادان اللحم مع بقائه القسم الثاني أن يكون الواجب أداؤه غير مملوك له فأداه الغير إلى مستحقه فإن كان مستحقه معينا فإنه يجزئ ولا ضمان وإن لم يكن معينا ففي الإجزاء خلاف ويندرج تحت ذلك مسائل منها المغصوب والودائع إذا أداها أجنبي إلى المالك أجزأت ولا ضمان ومنها إذا اصطاد المحرم صيدا في إحرامه فأرسله غيره من يده فلا ضمان ومنها إذا دفع أجنبي عينا موصى بها إلى مستحق معين لم يضمن ووقعت موقعها وكذا لو كانت الوصية بمال غير معين بل مقدر وإن كانت لغير معين ففي الضمان وجهان ونص أحمد في رواية حنبل فيمن بيده وديعة وصى بها المعين أن المودع يدفعها إلى الموصى له والورثة قيل له فإن دفعها إلى الموصى له يضمن قال أخاف قيل له فيعطيه القاضي قال لا ولكن يدفعه إليهم ونص في رواية مهنا ضمانه بالدفع إلى الموصي وهذا محمول على أنه لم تثبت الوصية ظاهرا وصرح الأصحاب بأنه لو كان عليه دين فوصى به صاحبه لمعين كان مخيرا في دفعه إلى الورثة والموصى له لأنه صار حقا له فهو كالوارث المعين وعلى هذا يتخرج دفع مال الوقف إلى مستحقه المعين مع وجود الناظر فيه
____________________
(1/254)
القاعدة السابعة والتسعون من بيده مال أو في ذمته دين يعرف مالكه ولكنه غائب يرجى قدومه فليس له التصرف فيه بدون إذن الحاكم إلا أن يكون تافها فله الصدقة به عنه نص عليه في مواضع وإن كان قد آيس من قدومه بأن مضت مدة يجوز فيها أن تزوج امرأته ويقسم ماله وليس له وارث فهل يجوز التصرف في ماله بدون إذن الحاكم قد يتخرج على وجهين أصلهما الروايتان في امرأة المفقود هل تتزوج بدون الحاكم أم لا في رواية صالح جواز التصدق به ولم يعين حاكما وإن لم يعرف مالكه بل جهل جاز التصدق به عنه لشرط الضمان بدون إذن الحاكم قولا واحدا على أصح الطريقين وعلى الثانية فيه روايتان وهي طريقة القاضي في كتاب الروايتين وفي موضع من المجرد وجزم في موضع آخر منه بتوقف التصرف على إذن الحاكم والأولى أصح ويتخرج على هذه القاعدة مسائل منها اللقطة التي لا تملك إذا أخرنا الصدقة بها أو التي يخشى فسادها إذا أراد التصدق بها فالمنصوص جواز الصدقة بها من غير حاكم وذكر أبو الخطاب رواية أخرى أنه إن كان يسيرا باعه وتصدق به وإن كان كثيرا رفعه إلى السلطان وقال نقلها مهنا ورواية مهنا إنما هي فيمن باع من رجل شيئا ثم مات المشتري قبل قبضه وخشي البائع فساده وهذا مما له مالك معروف ويمكن الاطلاع على معرفة ورثته فليست المسألة نبه على ذلك الشيخ مجد الدين رحمه الله ومنها اللقيط إذا وجد معه مال فإنه ينفق عليه منه بدون إذن حاكم ذكره ابن حامد قال أبو الخطاب وروى عنه أبو الحارث ما يدل على أنه لا ينفق عليه إلا بإذن حاكم قال الشيخ مجد الدين وهذه الرواية إنما هي في المودع أنه لا ينفق على زوجه المستودع وأهله في غيبته إلا بإذن الحاكم وليس هذا نظير مسألتنا لأن الولاية هنا على معروف فنظيره من وجد طفلا معروف النسب أبوه غائب ومنها الرهون التي لا تعرف أهلها نص أحمد على جواز الصدقة بها في رواية أبي طالب وأبي الحارث وغيرهما وتأوله القاضي في المجرد وابن عقيل على أنه تعذر إذن الحاكم لما روى عنه أبو طالب أيضا إذا كان عنده رهن وصاحبه غائب وخاف فساده يأتي السلطان ليأمر ببيعه ولا يبيعه بغير إذن السلطان وأنكر ذلك الشيخ مجد الدين وغيره وأقروا النصوص على وجوهها فإن كان المالك معروفا لكنه غائب رفع أمره إلى السلطان وإن جهل جاز التصرف فيه بدون حاكم وإن علم صاحبه لكنه آيس منه تصدق به عنه
____________________
(1/255)
نص عليه في رواية أبي الحارث ومنها الودائع التي جهل مالكها يجوز التصرف فيها بدون حاكم نص عليه وكذلك إن فقد ولم يطلع على خبره وليس له ورثة يتصدق به نص عليه ولم يعتبر حاكما قال القاضي في المجرد فيحتمل أن يحمل على إطلاقه لأنه من فعل المعروف ويحتمل أن يحمل عند تعذر إذن الحاكم لأن هذا المال مصرفه إلى بيت المال وتفرقة مال بيت المال موكولة إلى اجتهاد الإمام انتهى والصحيح الإطلاق وبيت المال ليس بوارث على المذهب المشهور وإنما يحفظ فيه المال الضائع فإذا أيس من وجود صاحبه فلا معنى للحفظ ومقصود الصرف في مصلحة المالك تحصل بالصدقة به عنه وهو أولى من الصرف إلى بيت المال لأنه ربما صرف عن فساد بيت المال إلى غير مصرفه وأيضا فالفقراء مستحقون من مال بيت المال فإذا وصل لهم هذا المال على غير يد الإمام فقد حصل المقصود ولهذا قلنا على أحد الوجهين إذا فرق الأجنبي الوصية وكانت لغير معين كالفقراء فإنها تقع الموقع ولا يضمن كما لو كانت الوصية لمعين وعلى هذا الأصل يتخرج جواز أخذ الفقراء الصدقة من يد من ماله حرام كقطاع الطريق وأفتى القاضي بجوازه ونص أحمد في رواية صالح فيمن كانت عنده ودائع فوكل في دفعها ثم مات وجهل ربها وأيس من الاطلاع عليه يتصدق بها عنه الوكيل وورثة الموكل في البلد الذي كان صاحبها فيه حيث يرون أنه كان وهم ضامنون إذا ظهر له وارث واعتبار الصدقة في موضع المالك مع الجهل به وقد نص على مثله في الغصب وفي مال الشبهة واحتج بأن عمر جعل الدية على أهل القرية يعني إذا جهل القاتل ووجه الحجة منه أن الغرم لما اختص بأهل المكان الذي فيه الجاني لأن الظاهر أن الجاني أو عاقلته المختصين بالغرم لا يخلو المكان منهم فكذلك الصدقة بالمال المجهول مالكه ينبغي أن يختص بأهل مكانه لأنه أقرب إلى وصول المال إليه إن كان موجودا أو إلى ورثته ويراعى في ذلك الفقراء لأنها صدقة كما يراعى في موضع الدية الغني ومنها الغصوب التي جهل ربها فيتصدق بها أيضا وقد نص على ذلك في رواية جماعة ولم يذكر أكثر الأصحاب فيه خلافا وطرد القاضي في كتاب الروايتين فيه الخلاف بناء على أنه مستحق لبيت المال وكذلك حكم المسروق ونحوه نص عليه ولو مات المالك ولا وارث له يعلم فكذلك يتصدق به نص عليه أحمد أيضا
____________________
(1/256)
تنبيهان أحدهما الديون المستحقة كالأعيان يتصدق بها عن مستحقها نص عليه ومع أنه نص على أن من قال لغريمه تصدق عني بالدين الذي لي عليك لم يبرأ بالصدقة عنه ولو وكله في قبضه من نفسه حيث لم يتعين المدفوع ملكا له فإن الدين لا يتعين ملكه فيه بدون قبضه أو قبض وكيله وفرق القاضي في خلافه بين أن يكون المأمور بالدفع إليه معينا أو غير معين فإن كان معينا برئ بالدفع إليه كالوكيل وخرج في المجرد المسألة على بيع الوكيل من نفسه نظرا إلى أن العلة هي القبض من نفسه حيث وكله المالك في التعيين والقبض وقد أطلق هاهنا جواز الصدقة به فإما أن يكون هذا رواية ثانية بالجواز مطلقا أو محمولا على حالة تعذر وجود المالك أو وكيله وهو الأقرب وكذلك نص في رواية أبي طالب فيمن عليه دين لرجل قد مات وعليه ديون للناس فقضى عنه دينه بالدين الذي عليه أنه يبرأ به في الباطن والثاني إذا أراد من بيده عين جهل ربها أن يتملكها ويتصدق بقيمتها عن مالكها فنقل صالح عن أبيه الجواز فيمن اشترى آجرا وعلم أن البائع باع ما لا يملك ولا يعرف له أربابا أرجو أن يخرج قيمة الآجر فيتصدق به أن ينجو من إثمه وقد يتخرج فيه الخلاف من جواز شراء التوكيل من نفسه ويشهد له اختلاف الرواية عنه فيمن له دين وعنده رهن وانقطع خبر صاحبه وباعه هل له أن يستوفي دينه منه ويتصدق بالفاضل أم يتصدق به كله على روايتين لأن فيه استيفاء للحق بنفسه من تحت يده واختار ابن عقيل جوازه مطلقا وخرجه من بيع الوكيل من نفسه ومن مواضع أخر القاعدة الثامنة والتسعون من ادعى شيئا ووصفه دفع إليه بالصفة إذا جهل ربه ولم يثبت عليه يد من جهة مالكه وإلا فلا ويتخرج على ذلك مسائل منها اللقطة يجب دفعها إلى واصفها نص عليه وإن وصفها اثنان فهي لهما وقيل يقرع بينهما وإن استقصى أحدهما الصفات واقتصر الآخر على القدر الذي يجزئ الدفع فوجهان يخرجان من الترجيح بالفساخ والنتاج ذكره ابن عقيل في مفرداته ومنها الأموال المغصوبة والمنهوبة والمسروقة كالموجودة مع اللصوص وقطاع الطريق ونحوهم يكتفى فيها بالصفة ومنها تداعي المؤجر والمستأجر دفنا في الدار فهو لواصفه منهما نص عليه في رواية الفضل بن زياد
____________________
(1/257)
ومنها اللقيط إذا تنازع اثنان أيهما التقطه وليس في يد أحدهما فمن وصفه منهما فهو أحق به ومنها لو وجد ماله في الغنيمة قبل القسمة فإنه يستحقه بالوصف ونحوه مما يدل على أنه له وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية حنبل وسئل أتزيد على ذلك بينة قال لا بد من بيان يدل على أنه له وإن علم ذلك دفعه إليه الأمير انتهى وقد قضى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فيها بالعلامة المحضة القاعدة التاسعة والتسعون ما تدعوا الحاجة إلى الانتفاع به من الأعيان ولا ضرر في بذله لتيسيره وكثرة وجوده أو المنافع المحتاج إليها يجب بذله مجانا بغير عوض في الأظهر ويندرج تحت ذلك مسائل منها الهر لا يجوز بيعه على أصح الروايتين وثبت في صحيح مسلم النهي عنه ومأخذ المنع ما ذكرنا ومنها الماء الجاري والكلأ يجب بذل الفاضل منه للمحتاج إلى الشرب واسقاء بهائمه وكذلك زروعه على الصحيح أيضا وسواء قلنا يملكه من هو في أرضه أم لا والصحيح أن مأخذ المنع من بيعه ما ذكرنا لا أنه غير مملوك بملك الأرض فإن النصوص متكاثرة عن أحمد الجوزقة المباحات النابتة في الأرض ويشهد له أيضا ما نص عليه أحمد في رواية ابن منصور في اللقاط لا أرى لصاحب الأرض أن يمنعه الناس فيه سواء مع أنه مملوك له بلا إشكال ولا يقال زال ملكه عنه بمصيره منبوذا مرغوبا عنه لأن المنع والبيع ينافي ذلك ومنها وضع الخشب على جدار الجار إذا لم يضر وكذلك إجراء المال على أرضه في إحدى الروايتين ومنها إعارة الحلي ظاهر كلام أحمد وجماعة من الأصحاب وجوبه وصرح به بعض المتأخرين واختار بعضهم وجوب بذل الماعون وهو ما خف قدره وسهل كالدلو والفأس والقدر والمنخل وإعارة الفحل للضراب وهو اختيار الحارثي وإليه ميل الشيخ تقي الدين ومنها المصحف تجب عليه إعارته لمن احتاج إلى القراءة فيه ولم يجد مصحفا غيره نقله القاضي في الجامع الكبير وذكر ابن عقيل في كلام مفرد له أن الأصحاب عللوا
____________________
(1/258)
قولهم لا يقطع لسرقة المصحف فإن له فيه حق النظر لاستخراج أحكام الشرع إذا خفيت عليه وعلى صاحبه بذله كذلك قال ابن عقيل وهذا تعليل يقتضي التسوية بين سرقته وسرقة كتب السنن فإنها مضمنة من الأحكام أمثال ذلك والحاجة داعية إليها وبذلها من المحاويج إليها من القضاة والحكام وأهل الفتاوى واجب على مالكها انتهى ومنها ضيافة المجتازين المذهب وجوبها وأما إطعام المضطرين فواجب لكن لا يجب بذله مجانا بل بالعوض وأما المنافع المضطر إليها كمنفعة الظهر للمنقطعين في الأسفار وإعارة ما يضطر إليه ففي وجوب بذلها مجانا وجهان واختيار الشيخ تقي الدين أن المضطر إلى الطعام إن كان فقيرا وجب بذله له مجانا لأن إطعامه فرض كفاية لا يجوز أخذ العوض عنه بخلاف الغني فإن الواجب معاوضته فقط وهذا حسن وحكى الآمدي رواية أنه لا يضمن المضطر الطعام الذي أخذه من صاحبه قهرا لمنعه إياه ومنها رباع مكة لا يجوز بيعها ولا إجارتها على المذهب المنصوص واختلف في مأخذه فقيل لأن مكة فتحت عنوة فصارت وقفا أو فيئا فلا ملك فيها لأحد وعلى هذا فينبني الخلاف في البيع والإجارة على الخلاف في فتحها عنوة أو صلحا وقيل بل لأن الحرم حريم البيت والمسجد الحرام وقد جعله الله للناس سواء العاكف فيه والباد فلا يجوز لأحد التخصيص بمكة وتحجيره بل الواجب أن يكون الناس فيه شرعا واحدا لعموم الحاجة إليه فمن احتاج إلى ما بيده منه سكنه وإن استغنى عنه وجب بذل فاضله للمحتاج إليه وهو مسلك ابن عقيل في نظرياته وسلكه القاضي في خلافه أيضا واختاره الشيخ تقي الدين وتردد كلامه في جواز البيع فأجازه مرة كبيع أرض العنوة عنده ويكون نقلا لليد بعوض ومنعه في أخرى إذ الأرض وأبعاض البناء من الحرم غير مملوك للباني وإنما له التأليف وقد رجح به بتقديمه في الانتفاع كمن بنى في أرض مسبلة للسكنى بناء من ترابها وأحجارها ونقل ابن منصور عن أحمد ما يدل على جواز البيع دون الإجارة وتأوله القاضي وعلى هذا المأخذ فقد يختص البيع بالقول بفتحها عنوة لمصير الأرض فيئا وقد نص أحمد في رواية حنبل على أن علة الكراهة أنها فتحت عنوة فصار المسلمون فيها شركا واحدا قال وعمر إنما ترك السواد لذلك قال ولا يعجبني منازل السواد ولا أرضهم وهذا نص بكراهة المنع في سائر أراضي العنوة وبكل حال فلا يجب الإسكان في دور مكة إلا في الفاضل عن حاجة الساكن نص عليه
____________________
(1/259)
القاعدة المائة الواجب بالنذر هل يلحق الواجب بالشروع أو بالمندوب فيه خلاف يتنزل عليه مسائل كثيرة منها الأكل من أضحية النذر وفيه وجهان اختار أبو بكر الجواز ومنها فعل الصلاة المنذورة في وقت النهي وفيه وجهان أشهرهما الجواز ومنها نذر أيام التشريق والصلاة في وقت النهي وفيه وجهان أيضا واختار ابن عقيل أنه كنذر المعصية لأن الملزم بالنذر هو التطوع المطلق ومنها لو نذر صلاة فهل يجزئه ركعة أم لا بد من ركعتين على روايتين ومنها لو نذر عتق رقبة لم يجزئه إلا سليمة ذكره القاضي حملا له على واجب الشرع ويحتمل أن يجزئه ما يقع عليه الاسم كالوصية فإن القاضي سلمها مع أن المنصوص عن أحمد فيمن وصى بعتق رقبة لا يعتق عليه إلا سليمة القاعدة الحادية بعد المائة من خير بين شيئين وأمكنه الإتيان بنصفيهما معا فهل يجزئه أم لا فيه خلاف يتنزل عليه مسائل منها لو أعتق في الكفارة نصفي رقبتين وفيها وجهان وقيل إن كان باقيهما حرا أجزأ وجها واحدا لتكميل الحرية وخرجوا على الوجهين لو أخرج في الزكاة نصفي شاتين وزاد صاحب التلخيص لو أهدى نصفي شاتين وفيه نظر إذ المقصود من الهدي اللحم ولهذا أجزأ فيه شقص من بدنة وقد روي عن أحمد ما يدل على الإجزاء هاهنا ومنها لو أخرج الجبران في زكاة الإبل شاة وعشرة دراهم فهل يجزئه على وجهين ومنها لو كفر يمينه بإطعام خمسة مساكين وكسوة خمسة فإنه يجزئ على المشهور وفيه وجه مذكور في شرح الهداية في زكاة الفطر ومنها لو أخرج في الفطرة صاعا من جنسين والمذهب الإجزاء ويتخرج فيه وجه ومنها لو كفر في محظورات الحج بصيام يوم وإطعام أربعة مساكين فالأظهر منعه وفي أحكام القرآن للقاضي يحتمل الجواز لأنها على التخيير بخلاف كفارة اليمين
____________________
(1/260)
وعلى قياس هذا لو أعتق في كفارة اليمين ثلث رقبة وأطعم أربعة مساكين وكسا أربعة أنه يجزئه وفيه بعد ومنها لو أخرج عن أربعمائة من الإبل أربع حقاق وخمس بنات لبون أجزأ بغير خلاف عندنا لأنه عمل بمقتضى قوله في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ولأن هذه واجبات متعددة فهي ككفارات متعددة فإن أخرج بتشقيص كما لو أخرج عن مائتين حقتين وبنتي لبون ونصفا فهو كإخراج نصفي شاتين على ما سبق القاعدة الثانية بعد المائة من أتى بسبب يفيد الملك أو الحل أو يسقط الواجبات على وجه محرم وكان مما تدعو النفوس إليه ألغى ذلك السبب وصار وجوده كالعدم ولم يترتب عليه أحكامه ويتخرج على ذلك مسائل كثيرة منها الفار من الزكاة قبل تمام الحول بتنقيص النصاب أو إخراجه عن ملكه تجب عليه الزكاة ولو صرف أكثر أمواله في ملك ما لا زكاة فيه كالعقار والحلي فهل ينزل منزلة الفار على وجهين ومنها المطلق في مرضه لا يقطع طلاقه حق الزوجة من إرثها منه إلا أن تنتفي التهم بسؤال الزوجة ونحوه ففيه روايتان ومنها القاتل لموروثه لا يرثه وسواء كان متهما أو غير متهم عند أكثر الأصحاب وحكى ابن عقيل في مفرداته وعمد الأدلة وجها أنه متى انتفت التهمة كقتل الصبي والمجنون لم يمتنع الإرث قال وهو أصح عندي ومنها قتل الموصى له الموصي بعد الوصية فإنه تبطل الوصية رواية واحدة على أصح الطريقين ومنها السكران بشرب الخمر عمدا يجعل كالصاحي في أقواله وأفعاله فيما عليه في المشهور من المذهب بخلاف من سكر ببنج أو نحوه ومنها لو أزال عقله بأن ضرب رأسه فجن فإنه لا يقع طلاقه على المنصوص لأن ذلك مما لا تدعو النفوس إليه بل في الطبع وازع عنه وكذلك لا يجب عليه قضاء الصلاة إذا جن في هذه الحالة على الصحيح ومنها تخليل الخمر لا يفيد حله ولا طهارته على المذهب الصحيح
____________________
(1/261)
ومنها ذبح الصيد في حق المحرم لا يبيحه بالكلية وذبح المحل للمحرم لا يبيحه للمحرم المذبوح له وفي حله لغيره من المحرمين وجهان ولا يرد على هذا ذبح الغاصب والسارق لأن ذبحهما لا يترتب عليه الإباحة لهما فإنه باق على ملك المالك ولا إباحة بدون إذنه مع أن أبا بكر التزم تحريمه مطلقا وحكاه رواية ويلتحق بهذه القاعدة قاعدة من تعجل حقه أو ما أبيح له قبل وقته على وجه محرم عوقب بحرمانه ويدخل فيها من مسائل الأولى مسألة قتل الموروث والموصى له ومنها الغال من الغنيمة يحرم أسهمه منها على إحدى الروايتين ومنها من تزوج امرأة في عدتها حرمت عليه على التأبيد على رواية ومنها من تزوجت بعبدها فإنه يحرم عليها على التأبيد كما روي عن عمر نص عليه أحمد في رواية عبد الله ذكره الخلال في أحكام العبيد عن الخضر بن المثنى الكندي عنه والخضر مجهول تفرد عن عبد الله برواية المناكير التي لا يتابع عليها ومنها من اصطاد صيدا قبل أن يحل من إحرامه لم يحل له وإن تحلل حتى يرسله ويطلقه وأما إذا قتل الغريم غريمه فإنه يحل دينه عليه كما لو مات صرح به جماعة من الأصحاب ويتخرج فيه وجه آخر أنه لا يحل طردا للقاعدة القاعدة الثالثة بعد المائة الفعل الواحد يبنى بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد ولا ينقطع بالتفرق اليسير ولذلك صور منها مكاثرة الماء النجس القليل بالماء الكثير يعتبر له الاتصال المعتاد دون صب القلتين دفعة واحدة ومنها الوضوء إذا اعتبر حالة الموالاة لم يقطعه التفرق اليسير وهل الاعتبار بالعرف أو بجفاف الأعضاء على روايتين
____________________
(1/262)
ومنها الصلاة يجوز البناء عليها إذا سلم ساهيا مع قرب الفصل ولا تبطل بذلك ومنها المسافر إذا أقام مدة يومين فهو سفر واحد ينبني بعضه على بعض وإن زاد لم يبن ومنها إذا ترك العمل في المعدن الترك المعتاد أو لعذر ولم يقصد الإهمال ثم عاد إلى الاستخراج ضم الأول إلى الثاني في النصاب ومنها الطواف إذا تخلله صلاة مكتوبة أو جنازة يبنى عليه سواء قلنا الموالاة سنة أو شرط على أشهر الطريقين للأصحاب ومنها لو حلف لا أكلت إلا أكلة واحدة في يومي هذا فأكل متواصلا لم يحنث وإن تفرق التفرق المعتاد على الأكلة الواحدة ولو طال زمن الأكل وإن قطع ثم عاد بعد طول الفصل حنث ذكره القاضي في خلافه في القطع في السرقة والآمدي وقياسه لو حلف لا وطئها إلا مرة واحدة فإن الوطء في العرف عبارة عن الوطء التام المستدام إلى الإنزال ولا يبعد أن يقال مثله فيمن رتب على مطلق الوطء وفي الترغيب أنه ظاهر كلام أصحابنا فيما إذا قال إن وطئتك فوالله لا وطئتك ولكن منصوص الحنث بالتقاء الختانين وقد ذكر القاضي وجها أنه لا حق على من أكمل الوطء المعلق عليه الطلاق الثلاث بإتمامه إلى الإنزال ومنها لو أخرج السارق من الحرز بعض النصاب ثم دخل وأخرج ما فيه وكل منهما بانفراده لا يبلغ نصابا فإن لم يطل الفصل بينهما قطع وإن طال ففيه وجهان ذكرهما القاضي في خلافه وصاحب المحرر عنه في الترغيب وقال اختار بعض شيوخي أنه لا قطع مع طول الفصل ومنها إذا ترك المرتضع الثدي بغير اختياره ثم عاد إليه قبل طول الفصل فهي رضعة واحدة عند ابن حامد وكذا ذكر الآمدي أنه لو قطع باختياره لتنفس أو إعياء يلحقه ثم عاد ولم يطل الفصل فهي رضعة واحدة قال ولو انتقل من ثدي إلى آخر ولم يطل الفصل فإن كان من امرأة واحدة فهي رضعة واحدة وإن كان من امرأتين فوجهان وحكى أبو الخطاب عن ابن حامد نحو ذلك في جميع الصور إلا في صورة المرأتين وذكر أنها ظاهر كلام الخرقي وحكى عن أبي بكر أنها تكون رضعتين في جميع ذلك وأنه ظاهر كلام أحمد والله أعلم
____________________
(1/263)
القاعدة الرابعة بعد المائة الرضا بالمجهول قدرا أو جنسا أو وصفا هل هو رضا معتبر لازم إن كان الملتزم عقدا أو فسخا يصح إبهامه بالنسبة إلى أنواعه أو إلى أعيان من يرد عليه صح الرضا به وألزم بغير خلاف وإن كان غير ذلك ففيه خلاف فالأول له صور منها أن يحرم منها بمثل ما أحرم به فلان أو بأحد الأنساك فيصح ومنها إذا طلق إحدى زوجاته فيصح وتعين بالقرعة على المذهب ومنها لو أعتق أحد عبيده فيصح ويعين بالقرعة أيضا على الصحيح وأما الثاني فله صور منها إذا طلق بلفظ أعجمي من لا يفهم معناه والتزم موجبه عند أهله ففي لزوم الطلاق له وجهان والمنصوص في رواية أبي الحارث أنه لا يلزمه الطلاق وهو قول القاضي وابن عقيل والأكثرين ومنها إذا طلق العجمي بلفظ الطلاق ولم يفهم معناه ولكنه التزم موجبه عند العرب فيه الخلاف ومنها إذا عتق العجمي أو العربي بغير لغته ولم يفهم معناه ففيه خلاف ونص أحمد من رواية عبد الله أنه لا يلزم العتق ومنها إذا قال لامرأته أنت طالق مثل ما طلق فلان زوجته ولم يعلم فهل يلزمه مثل طلاق فلان بكل حال أو لا يلزمه أكثر من واحدة فيه وجهان ومنها إذا قال أيمان البيعة تلزمني لأفعلن كذا ولم يعلم ما هي فيه وفيه ثلاثة أوجه أحدها لا تنعقد يمينه بالكلية والثاني تنعقد إذا لزمها ونواها وبه أفتى أبو القاسم الخرقي فيما حكى عنه ابن بطة قال أبو القاسم وكان أبي يتوقف فيها ولا يجيب فيها بشيء والثالث ينعقد فيما عدا اليمين بالله بشرط النية بناء على أن اليمين بالله لا تصح بالكتابة وفيه وجه رابع وهو ظاهر كلام القاضي في خلافه أنه يلزمه موجبها نواها أو لم ينوها وصرح به أيضا في بعض تعاليقه وقال لأن من أصلنا وقوع الطلاق والعتاق بالكتابة بالخط وإن لم ينوه
____________________
(1/264)
ومنها لو قال أيمان المسلمين تلزمني ففي الخلاف للقاضي يلزمه اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق والظهار والنذر نوى ذلك أو لم ينوه وهو مفرع على قوله في أيمان البيعة قال الشيخ مجد الدين وذكره اليمين بالله تعالى والنذر مبني على قولنا بعدم تداخل كفاراتهما فأما على قولنا بالتداخل فيجزئه لهما كفارة اليمين وقياس المشهور عن أصحابنا في يمين البيعة أنه لا يلزمه شيء حتى ينويه ويلزمه أو لا يلزمه شيء بالكلية حتى يعلمه أو يفرق بين اليمين بالله تعالى وغيرها مع أن صاحب المحرر لم يحك خلافا على اللزوم هاهنا وإن لم ينوها لأن أيمان المسلمين معروفة بينهم ولا سيما اليمين بالله وبالطلاق والعتاق بخلاف أيمان البيعة ومنها البراءة من المجهول وأشهر الروايات صحتها مطلقا سواء جهل المبرئ قدره ووصفه أو جهلهما معا وسواء عرفه المبرئ أو لم يعرفه والثانية لا يصح إذا عرفه المبرئ سواء علم المبرئ بمعرفته أو لم يعلم وفيه تخريج أنه إن علم معرفته صح وإن ظن جهله لم يصح لأنه غار له والثالثة لا يصح البراءة من المجهول وإن جهلاه إلا فيما تعذر علمه للضرورة وكذلك البراءة من الحقوق في الأعراض والمظالم ومنها البراءة من عيوب المبيع إذا لم يعين منها شيء وفيه روايتان أشهرهما أنه لا يبرأ والثانية يبرأ إلا من عيب علمه فكتمه لتغريره وغشه وخرج أبو الخطاب وجها آخر بالصحة مطلقا من البراءة من المجهول ومنها إجازة الوصية المجهولة وفي صحتها وجهان القاعدة الخامسة بعد المائة في إضافة الإنشاءات والإخبارات إلى المبهمات أما الإنشاءات فمنها العقود وهي أنواع أحدها عقود التمليكات المحضة كالبيع والصلح بمعناه وعقود التوثقات كالرهن والكفالة والتبرعات اللازمة بالعقد أو بالقبض بعده كالهبة والصدقة فلا يصح في مبهم من أعيان متفاوتة كعبد من عبيد وشاة من قطيع وكفالة أحد هذين الرجلين وضمان أحد هذين الدينين وفي الكفالة احتمال لأنه تبرع فهو كالإعارة والإباحة ويصح في مبهم من أعيان متساوية مختلطة كقفيز صبرة فإن كانت متميزة متفرقة ففيه احتمالان ذكرهما في التلخيص وظاهر كلام القاضي الصحة فإنه ذكر في الخلاف أنه يصح إجارة عين من أعيان متقاربة النفع لأن المنافع لا تتفاوت كالأعيان وإن كانت مختلفة من جنس واحد
____________________
(1/265)
كصبرة مختلفة الأجزاء فوجهان أحدهما البطلان كالأعيان المتميزة والثاني الصحة وله من كل نوع بحصته والثاني عقود معاوضات غير متمحضة كالصداق وعوض الخلع والصلح عن دم العمد ففي صحتها على مبهم من أعيان مختلفة وجهان أصحهما الصحة وفي الكناية طريقان أحدهما أنها كذلك وهي طريقة القاضي والثاني لا تصح وجها واحدا لأن عوضها مال محض والثالث عقد تبرع معلق بالموت فيصح في المبهم بغير خلاف لما دخله من التوسع كعبد من عبيده وشاة من قطيعه وهل يعين بتعيين الورثة أو بالقرعة على روايتين ومثله عقود التبرعات كإعارة أحد هذين الثوبين وإباحة أحد هذين الرغيفين وكذلك عقود المشاركات والأمانات المحضة مثل أن يقول ضارب بإحدى هاتين المائتين وهما في كيسين ودع عنك الأخرى عندك وديعة أو ضارب من هذه المائة بخمسين فإنه يصح التماثل ذكره صاحب التلخيص فأما إن كان الإبهام في التملك فإن كان على وجه يئول إلى العلم كقوله أعطوا أحد هذين كذا صحت الوصية كما لو قال في الجعالة من رد عبدي فله كذا وإن كان على وجه لا يئول إلى العلم كالوصية لأحد هذين ففيه روايتان وعلى الصحة يميز بالقرعة وأما الفسوخ فما وضع منها على التغليب والسراية صح في المبهم كالطلاق والعتاق وخرج صاحب التلخيص وجها في الوقف أنه كالعتق لما فيه من التحرير والمذهب خلافه لأن الوقف عقد تمليك فهو بالهبة أشبه وأما الإخبارات فما كان منها خبرا دينيا أو كان يجب به حق على المخبر قبل في المبهم فإن تعلق به وجوب حق على غيره لم يقبل إلا فيما يظهر له فيه عذر الاشتباه ففيه خلاف وإن تعلق به وجوب الحق على غيره لغيره فحكمه حكم إخبار من وجب عليه الحق ويخرج على ذلك مسائل منها لو أخبره أن كلبا ولغ في أحد هذين الإناءين لا بعينه قبل وصار كمن اشتبه عليه طاهر بنجس وكذلك لو أخبره بنجاسة أحد الثوبين أو أن أحد هذين اللحمين ميتة والآخر مذكاة ونحو ذلك ومنها الإقرار فيصح المبهم ويلزم بتعيينه مثل أن يقول أحد هذين ملك لفلان أو له عندي درهم أو دينار ويصح للمبهم كما لو أقر أنه أعتق أحد هذين العبدين أو أعتقه موروثه وكذلك إذا أقر أنه زوج إحدى بناته من رجل ولم يسمها ثم مات فإنها
____________________
(1/266)
تميز بالقرعة على المنصوص وكذلك لو أقر أن هذه العين التي في يده لأحد هذين وديعة ولا أعلمه عينا فإنهما يقترعان عليها نص عليه وكذا لو أقر أنه باع هذه العين من أحد هذين وهما يدعيانها فإنهما يقترعان ولو كانت في يد أحدهما نص عليه أحمد في رواية ابن منصور في رجلين ادعى كل واحد منهما أنه اشترى من رجل ثوبا وقال أحدهما اشتريته بمائة وقال الآخر بمائتين وأقر البائع أنه باعه بمائتين ولم يعين فإنه يقرع بينهما وإن أقاما بينتين وكان الثوب في يد أحدهما وهذا اختيار أبي بكر ولا اعتبار بهذه اليد للعلم بمستندها وعنه رواية أخرى أنها يد معتبرة فتكون العين لصاحبها ومع تعارض البينتين يخرج على الخلاف في بينة الداخل والخارج ومنها الدعوى بالمبهم فإن كانت بما يصح وقوع العقد عليه مبهما كالوصية والعبد المطلق في المبهم ونحوه فإنها تصح قال في الترغيب وألحق أصحابنا الإقرار بذلك قال والصحيح عندي أن دعوى الإقرار بالمعلوم لا يصح لأنه ليس بالحق ولا موجبه فكيف بالمجهول وأما الدعوى على المبهم فلا تصح ولا تسمع ولا يثبت بها قسامة ولا غيرها فلو قال قتل أبي أحد هؤلاء الخمسة لم يسمع قال في الترغيب ويحتمل أن يسمع للحاجة فإن مثله يقع كثيرا ويحلف كل واحد منهم قال وكذلك والقباء في دعوى الغصب والإتلاف والسرقة ولا يجري في الإقرار والبيع إذا قال نسيت لأنه مقصر ومنها الشهادة بالمبهم فإن كان المشهود به يصح مبهما صحت الشهادة به كالعتق والطلاق والإقرار والوصية وإلا لم يصح لا سيما الشهادة التي لا تصح بدون دعوى فإنها تابعة للدعوى في الحكم أما إن شهدت البينة أنه طلق أو أعتق أو أبطل وصية معينة وادعت نسيان عينها ففي القبول وجهان حكاهما في المحرر وجزم ابن أبي موسى بقبول الشهادة بالرجوع عن أحد الوصيتين مطلقا وكذلك حكي عن أبي بكر ونقل ابن منصور عن أحمد في شاهدين شهدا على رجل أنه أخذ من يتيم ألفا وشهد آخران على آخر أنه هو الذي أخذها يأخذ الولي بأيهما شاء ولعل المراد أنه إذا صدق إحدى البينتين حكم له بها فصل ولو تعلق الإنشاء باسم لا يتميز به مسماه لوقوع الشركة فيه فإن لم ينوه في الباطن معينا فهو كالتصريح بالإبهام وإن نوى به معينا فإن كان العقد مما لا يشترط له الشهادة صح وإلا ففيه خلاف والإخبار تابع للإنشاء في ذلك ويتخرج على ذلك مسائل
____________________
(1/267)
منها ورود عقد النكاح على اسم لا يتميز مسماه ولا يصح فلو قال زوجتك بنتي وله بنات لم يصح وأما إن عينا في الباطن واحدة وعقدا العقد عليها باسم غير مميز نحو أن يقول بنتي وله بنات أو يسميها باسم وينويا في الباطن غير مسماه ففي الصحة وجهان اختار القاضي في موضع الصحة وأبو الخطاب والقاضي في موضع آخر البطلان ومأخذه أن النكاح يشترط له الشهادة ويتعذر الإشهاد على النية وعن أبي حفص العكبري إن كانت المسماة غلطا لا يحل نكاحها لكونها مزوجة أو غير ذلك صح النكاح وإلا فلا فلو وقع مثل هذا في غير النكاح مما لا يشترط له الشهادة فإن قلنا في النكاح يصح ففي غيره أولى وإن قلنا في النكاح لا يصح فمقتضى تعليل من علل باشتراط الشهادة أن يصح في غيره مما لا يعتبر الإشهاد عليه لصحتها ومنها الوصية لجاره محمد وله جاران بهذا الاسم فله حالتان إحداهما أن يعلم بقرينة أو غيرها أنه أراد واحدا منهما معينا وأشكل علينا معرفته فههنا يصح الوصية بغير تردد ويخرج المستحق منهما بالقرعة على قياس المذهب في اشتباه المستحق للمال بغيره من الزوجة المطلقة والسلعة المبيعة وغيرهما والحالة الثانية أن يطلق وقد يذهل عن تعيين أحدهما بعينه فهو كالوصية لأحدهما مبهما وكذلك حكى الأصحاب في الصحة روايتين ولكن المنصوص عن أحمد الصحة قال صالح سألت أبي عن رجل مات وله ثلاثة غلمان ثلاثتهم اسمهم فرج فوصى عند موته فقال فرج حر وفرج له مائة وفرج ليس له شيء قال أبي يقرع بينهم فمن أصابته القرعة فهو حر وأما صاحب المائة فلا شيء له وذلك أنه عبد والعبد هو وماله لسيده وهذا يدل على الصحة مع اشتراك الاسم لأنه إنما علل البطلان ههنا لكونه عبدا فدل على أنه لو كان حرا لاستحق وزعم صاحب المغني أن رواية صالح تدل على بطلان الوصية وخالفه صاحب المحرر ونقل حنبل قال أبو عبد الله في رجل له غلامان اسمهما واحد فأوصى عند موته فقال فلان حر بعد موتي لأحد الغلامين وله مائتا درهم وفلان ليس هو حر واسمهما واحد فقال يقرع بينهما فمن أصابته القرعة فهو حر وأما صاحب المائتين فليس له شيء وذلك أنه عبد والعبد وماله لسيده وهذه لا تدل على مثل ما دلت عليه رواية صالح لكن السؤال يقتضي أن الموصى له بالمائتين هو العتيق والجواب يدل على خلافه ومن ثم زعم صاحب المحرر أنها تدل على بطلان الوصية للإبهام وليس كذلك لأنه إنما
____________________
(1/268)
علل بكونه عبدا لم يعتق وتأولها القاضي وابن عقيل على أن الوصية لم تصح لكونه عبدا حال الإيصاء ولا يكفي حريته حال الاستحقاق وعلى هذا فلا تصح الوصية لأم الولد والمدبر وهو ضعيف جدا وجواب أحمد إنما يتنزل على أن الموصى له بالدراهم غير المعتق ونقل يعقوب بن بختان أن أبا عبد الله سأل عن رجل له ثلاثة غلمان اسم كل واحد منهم فرج فقال فرج حر ولفرج مائة درهم قال يقرع بينهم فمن خرج سهمه فهو حر والذي أوصى له بالمائة لا شيء له لأن هذا ميراث وهذه الرواية من جنس ما قبلها حيث علل فيها ببطلان الوصية بكون العبد الموصى له ميراثا للورثة فهذه الروايات التي ساقها الخلال في الجامع وكلها دالة على الصحة وهو قول القاضي وساقها أبو بكر في الشافي على أن الموصى له بالدراهم هو المعتق وأن أحمد صحح الوصية له في رواية صالح وأبطلها في رواية حنبل قال أبو بكر وبالصحة أقول وفي الخلال أيضا عن مهنا أن أحمد قال في رجلين شهدا على رجل أنه أوصى عند موته لفلان بن فلان من أصحاب فلان ألف درهم أو أحاله بها والشهود لا يعرفون فلان بن فلان كيف يصنعون وقد مات الرجل قال ينظرون في أصحاب فلان فيهم فلان بن فلان من أصحاب فلان قلت فإن جاء رجلان فقال كل واحد منهما أنا فلان بن فلان من أصحاب فلان قال فلا يدفع إليهما شيئا حتى يكون رجل واحد والظاهر أن أحمد لم يتوقف في الدفع إلا ليتيقن المستحق من غيره لا لصحة الوصية فإنها ههنا لمعين في نفس وإنما اشتبه علينا لاشتراك الاسمين فلذلك وقف الدفع على معرفة عين المستحق إذا رجي انكشاف الحال وأما مع الإياس من ذلك فيتعين تعيين المستحق بالقرعة قاله بعض الأصحاب المتقدمين وهو الحق ومنها اشتباه المدعى عليه إذا كتب القاضي إلى قاضي بلد آخر أن لفلان على فلان بن فلان المسمى الموصوف كذا فأحضره المكتوب إليه بالصفة والنسب فادعى أن له مشاركا في ذلك ولم يثبت حكم عليه وإن أثبت أن له مشاركا في الاسم والصفة والنسب وقف حتى يعلم الخصم منهما ولم يجز القضاء مع عدم العلم أما لو كان المدعي المكتوب فيه حيوانا أو عبدا موصوفا ولم يثبت له مشارك ففيه وجهان أشهرهما أنه يسلم إلى المدعي مختوم العتق ويؤخذ منه كفيل حتى يأتي القاضي الكاتب فيشهد الشهود على عينه ويقضى له به وإن يشهدوا على عينه وجب رده إلى الحاكم الذي سلمه ويكون في ضمان الذي أخذه لأنه أخذه بغير استحقاق والوجه الثاني لا يسلم إلا بالشهادة على عينه
____________________
(1/269)
والفرق بينها وبين التي قبلها أن الحر قد طابق قول المدعي اسمه ونسبه وصفته فيبعد الاشتراك والعبد والحيوان إنما حصل الاتفاق في وصفه أو في وصفه واسمه والوصف كثير الاشتباه وكذلك الاسم ونظير هذا ما ذكروه في شهادة الأعمى أنه إن عرف المشهود عليه باسمه ونسبه قبلت شهادته وإن عرفه برؤيته قبل عماه فوصفه ففي قبولها وجهان لأن الوصف المجرد يحصل فيه الاشتراك ومنها لو كان له ابنتان اسمهما واحد فوهب لإحداهما شيئا أو أقر لها ثم مات ولم يبين فقال القاضي في بعض تعاليقه قياس المذهب إخراج المستحقة منهما بالقرعة كما لو أقر أنه زوج إحدى بناته ثم مات ولم يبين وهذا صحيح لأن الهبة والإقرار هنا وقع لمعنى في الباطن وإنما أشكل علينا الوقوف عليه فيميز بالقرعة ومنها لو وجد في كتاب وقف أن رجلا وقف على فلان وبني بنيه واشتبه هل المراد بني بنيه جمع ابن أو بني بنيه واحدة البنات قال ابن عقيل في فنونه يكون بينهما عندنا لتساويهما كما في تعارض البينات قال الشيخ تقي الدين ليس هذا تعارض البينتين بل هو بمنزلة تردد البينة الواحدة ولو كان من تعارض البينتين فالقسمة عند التعارض رواية مرجوحة وإلا فالصحيح إما التساقط وإما القرعة فيحتمل أن يقرع ههنا لأن الحق ثبت لإحدى الجهتين ولم يعلم عينها ويحتمل أن يرجح بنو البنين لأن العادة أن الإنسان إذا وقف على ولد بنيه لا يخص منهما الذكور بل يعم أولادهما بخلاف الوقف على ولد الذكور فإنه يخص ذكورهم كثيرا كآبائهم ولأنه لو أراد ولد البنت لسماها باسمها أو لشرك بين ولدها وولد سائر بناته قال وهذا أقرب إلى الصواب وأفتى رحمه الله فيمن وقف على أحد أولاده وله عدة أولاد وجهل اسمه أنه يميز بالقرعة
____________________
(1/270)
القاعدة السادسة بعد المائة ينزل المجهول منزلة المعدوم وإن كان الأصل بقاءه إذا يئس من الوقوف عليه أو شق اعتباره وذلك في مسائل منها الزائد على ما تجلسه المستحاضة من أقل الحيض أو غالبه إلى منتهى أكثره حكمه حكم المعدوم حيث حكمنا فيها للمرأة بأحكام الطاهرات كلها فإن مدة الاستحاضة تطول ولا غاية لها تنتظر بخلاف الزائد على الأقل في حق المبتدأة على ظاهر المذهب حيث تقضي الصوم الواقع فيه قبل ثبوت العادة بالتكرار لأن أمره ينكشف بالتكرار عن قرب وكذلك النفاس المشكوك فيه تقضي فيه الصوم لأنه لا يتكرر ومنها اللقطة بعد الحول فإنها تتملك لجهالة ربها وما لا يتملك منها يتصدق به عنه على الصحيح وكذلك الودائع والغصوب ونحوها ومنها مال من لا يعلم له وارث فإنه يوضع في بيت المال كالضائع مع أنه لا يخلو من بني عم أعلى إذ الناس كلهم بنو آدم فمن كان أسبق إلى الاجتماع مع الميت في أب من آبائه فهو عصبته ولكنه مجهول فلم يثبت له حكم وجاز صرف ماله في المصالح وكذلك لو كان له مولى معتق لورثه في هذه الحالة ولم يلتفت إلى هذا المجهول ولنا رواية أخرى أنه ينتقل إلى بيت المال إرثا لهذا المعنى فإن أريد أن اشتباه الوارث بغيره يوجب الحكم بالإرث للكل فهو مخالف لقواعد المذهب وإن أريد أنه إرث في الباطن لمعين فيحفظ ميراثه في بيت المال ثم يصرف في المصالح للجهل بمستحقه عينا فهو والأول بمعنى واحد وينبني على ذلك مسألة اقتصاص الإمام ممن قتل من لا وارث له وفي المسألة وجهان منهم من بناهما على أن بيت المال هل هو وارث أم لا ومنهم من قال لا ينبني على ذلك ثم لهم طريقان أحدهما أنه لا يقتص ولو قلنا بأنه وارث لأن في المسلمين الصبي والمجنون والغائب وهي طريقة أبي الخطاب والثاني يجوز الاقتصاص وإن قلنا ليس بوارث لأن ولاية الإمام ونظره في المصالح قائم مقام الوارث وهو مأخذ ابن الزاغوني ومنها إذا اشتبهت أخته بنساء أهل مصر جاز له الإقدام على النكاح من نسائه ولا
____________________
(1/271)
يحتاج إلى التحري في ذلك على أصح الوجهين وكذلك لو اشتبهت ميتة بلحم أهل مصر أو قرية أو اشتبه حرام قليل بمباح كثير ونحو ذلك إلا أن يكثر الحرام ويغلب فيخرج المسألة على تعارض الأصل والظاهر كثياب الكفار وأوانيهم ومنها طين الشوارع محكوم بطهارته على الصحيح المنصوص ومنها إذا طلق واحدة من نسائه وأنسيها فإنها تميز بالقرعة ويحل له وطء البواقي على المذهب الصحيح المشهور وكذلك لو أعتق واحدة من إمائه ومنها إذا أحرم بنسك وأنسيه ثم عينه بقران فإنه يجزئه عن الحج وهل يجزئه عن العمرة وجهين أشهرهما عند المتأخرين لا يجزئه لجواز أن يكون أحرم بحج أو لا ثم أدخل عليه العمرة بنية القران فلا تصح عمرته والثاني يجزئه لأنه إنما يمنع من إدخال العمرة على الحج مع العلم فأما مع عدمه فلا تنزيلا للمجهول كالمعدوم فكأنه ابتدأ الإحرام بهما من حين التعيين القاعدة السابعة بعد المائة تمليك المعدوم والإباحة له نوعان أحدهما أن يكون بطريق الأصالة فالمشهور أنه لا يصح والثاني أن يكون بطريق التبعية فيصح في الوقف والإجازة وهذا إذا صرح بدخول المعدوم فأما إن لم يصرح وكان المحل لا يستلزم المعدوم ففي دخوله خلاف وكذا لو انتقل الوقف إلى قوم فحدث من يشاركهم ويتخرج على هذه القاعدة مسائل منها الإجازة لفلان ولمن يولد له فإنها تصح وفعل ذلك أبو بكر بن أبي داود وهو من أعيان أصحابنا فإنه أجاز لشخص وولده ولحبل الحبلة ومنها الإجازة لمن يولد لفلان ابتداء فأفتى القاضي فيها بالصحة مطلقا نقله عنه أبو بكر الخطيب وقياس قوله في الوقف عدم الصحة ومنها الوقف على من سيولد له فصرح القاضي في خلافه بأنه لا يصح لأنه وقف على من لا يملك في الحال واقتصر عليه فلم يصح كما لو وقف على العبد قال أحمد في رواية صالح الوقف إنما يكون أن يوقفه على ولده أو من يكون من أقاربه فإذا انقرضوا فهو صدقة على المساكين أو من رأى قال الشيخ مجد الدين ظاهره يعطى صحة الوقف ابتداء على من يولد له أو من يوجد من أقاربه وهذا عندي وقف معلق بشرط انتهى ويمكن أن يحمل على أن مراده من يكون موجودا من أقاربه فيكون
____________________
(1/272)
كان ناقصة وخبرها محذوفا ومنها الوقف على ولده وولد ولده أبدا أو من يولد له فيصح بغير إشكال نص عليه ومنها لو وقف على ولده وله أولاد موجودون ثم حدث له ولد آخر ففي دخوله روايتان وظاهر كلام أحمد دخوله في المولود قبل تأبير النخل وقد سبق وهو قول ابن أبي موسى وظاهر كلام القاضي وابن عقيل وأفتى به ابن الزاغوني ومنها لو وقف على ولده ثم على ولدهم أبدا على أن من مات عن ولد فنصيبه لولده ومن مات عن غير ولد فنصيبه لمن في درجته فكان في درجته عند موته اثنان مثلا فتناولا نصيبه ثم حدث ثالث فهل يشاركهم يخرج فيه وجهان من التي قبلها والدخول هنا أولى وبه أفتى الشيخ شمس الدين بن أبي عمر المقدسي لأن الوقف على الأولاد قد يلحظ فيهم أعيان الموجودين عند الوقف بخلاف الدرجة والطبقة فإنه لا يلحظ فيه إلا مطلق الجهة وعلى هذا فلو حدث من هو أعلى من الموجودين وكان في الوقف استحقاق الأعلى فالأعلى فإنه يفترغه منهم وأما حكم الوصية فإنها لا تصح لمعدوم بالأصالة كمن أوصى بحمل هذه الجارية صرح به القاضي وابن عقيل وفي دخول المتجدد بعد الوصية وقبل موت الموصي روايتان وذكر القاضي فيمن وصى لمواليه وله مدبرون وأمهات أولاد أنهم يدخلون وعلل بأنهم موال حال الموت والوصية تعتبر بحال الموت وخرج الشيخ تقي الدين على الخلاف في المتجدد بين الوصية والموت قال بل هذا متجدد بعد الموت فمنعه أولى وهذا الذي قاله يتوجه إن علقنا الوصية بصدق الاسم فأما إن كان قصد الموصي الوصية لأعيان رقيقه وسماهم باسم يحدث لهم الجوع يستحقون الوصية بغير توقف وأفتى الشيخ أيضا بدخول المعدوم في الوصية تبعا كمن وصى بغلة ثمره للفقراء إلى أن يحدث لولده ولد فيكون وهو له قريب من تعليق الوصية بشرط آخر بعد الموت والمنصوص عن أحمد في رواية أحمد بن الحسين بن حسان فيمن أوصى أن يتصدق في سكة فلان بكذا وكذا فسكنها قوم بعد موت الموصي قال إنما كانت الوصية للذين كانوا ثم قال ما أدري كيف هذا قيل له فيشبه هذا الكورة قال لا الكورة وكثرة أهلها خلاف هذا المعنى ينزل قوم ويخرج قوم يقسم بينهم ففرق بين الكورة والسكة لأن الكورة لا يلحظ الموصي فيها قوما معينين لعدم انحصار أهلها وإنما المراد تفريق الوصية الموصى بها فيستحق المتجدد فيها بخلاف السكة فإنه قد يلحظ أعيان سكانها الموجودين
____________________
(1/273)
لحصرهم يفارق الوقف في ذلك الوصية لأن الوقف تحبيس وتسبيل اليتيمة المتجدد من الطباق فكذا الطبقة الواحدة بخلاف الوصية فإنها تمليك فيستدعي موجودا في الحال القاعدة الثامنة بعد المائة ما جهل وقوعه مترتبا أو متقارنا هل يحكم عليه بالتقارن أو بالتعاقب فيه خلاف والمذهب الحكم بالتعاقب لبعد التقارن ويندرج تحت ذلك صور منها المتوارثان إذا ماتا جملة بهدم أو غرق أو طاعون وجهل تقارن موتهما وتعاقبه حكمنا بتعاقبه على المذهب المشهور وورثنا كل واحد منهما من الآخر من تلاد ماله دون ما ورثه من صاحبه وخرج أبو الخطاب رواية أخرى بعدم التوارث للشك في شرطه وكذلك لو علم سبق أحدهما بالموت وجهل عينه أو علم عينه ثم نسي على المذهب لكن هذا يستند إلى أن تيقن الحياة لا يشترط للتوريث ومنها إذا أقيم في المصر جمعتان لغير حاجة وشك هل أحرم بهما معا فيبطلان وتعاد الجمعة أو أحرم بهما مترتبتين فتصلى الظهر على الوجهين أصحهما تعاد الظهر لأن التقارن مستبعد وعلى الثاني تعاد الجمعة إما لاحتمال المقارنة أو تنزيلا للمجهول كالمعدوم ومنها إذا زوج وليان وجهل هل وقع العقدان معا فيبطلان أو مترتبين فيصحح أحدهما بالقرعة ففيه وجهان أيضا أحدهما يبطلان لاحتمال التقارن والثاني لاستبعاده ومنها إذا أسلم الزوجان الكافران قبل الدخول واختلفا هل أسلما معا أو متعاقبين فهل القول قول مدعي التقارن فلا ينفسخ النكاح أو مدعي التعاقب لأن الظاهر معه على وجهين يرجعان إلى تعارض الأصل والظاهر ومنها إذا كان في يد رجل عبد فادعى رجلان كلا منهما أنه باعه هذا العبد بألف وأقاما بذلك بينتين ولم يؤرخا فهل يصح العقدان ويلزمه الثمنان لجواز أن يكون في عقدين في وقتين مختلفين وحد استرجاع العقد بينهما أو يتعارض البينتان لجواز أن يكون عقدا واحدا فيسقطان والأصل براءة ذمته على وجهين القاعدة التاسعة بعد المائة المنع من واحد مبهم من أعيان أو معين مشتبهة بأعيان يؤثر الاشتباه فيها المنع بمنع
____________________
(1/274)
التصرف في تلك الأعيان قبل تمييزه والمنع من الجمع يمنع من التصرف في القدر الذي يحصل به الجمع خاصة فإن حصل الجمع دفعة واحدة منع من الجميع مع التساوي فإن كان لواحد منهما مزية على غيره بأن يصح وروده على غيره ولا عكس اختص الفساد به على الصحيح والمنع من القدر المشترك كالمنع من الجميع يقتضي العموم فللأول أمثلة منها إذا طلق واحدة مبهمة منع من وطء زوجاته حتى يميز بالقرعة على الصحيح وحكى رواية أخرى أنه يميزها بتعيينه ومنها إذا أعتق أمة من إمائه مبهمة منع من وطء واحدة منهن حتى تميز المعتقة بالقرعة وفيه وجه بالتعيين ومنها إذا اشتبهت المطلقة ثلاثا بزوجاته منع من وطء واحدة منهن حتى يميز المطلقة ويميزها بالقرعة على ظاهر المذهب ومنها لو اشتبهت أخته بعدد محصور من الأجنبيات منع من التزوج بكل واحدة منهن حتى يعلم أخته من غيرها ومنها إذا اشتبهت ميتة بمذكاة فإنه يمنع من الأكل منهما حتى يعلم المذكاة ومنها اشتباه الآنية النجسة بالطاهرة يمنع من الطهارة بواحدة منها حتى يتبين على الظاهر ومنها لو حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فاختلطت في تمر فإنه يمنع من أكل تمرة منه حتى يعلم عين التمرة وإن كنا لا نحكم عليه بالحنث بأكل واحدة ومنها لو حلف بطلاق زوجاته أن لا يطأ واحدة منهن ونوى واحدة مبهمة فإنه يمنع من الوطء حتى يميزها بالقرعة وقيل بتعيينه ومنها لو أعطينا الأمان لواحد من أهل حصن أو أسلم واحد منهم ثم تداعوه حرم قتلهم بغير خلاف وفي استرقاقهم وجهان أحدهما وهو المنصوص أنه يحرم مع التداعي والثاني أنه يخرج واحد منهم بالقرعة ويرق الباقون وهو قول أبي بكر والخرقي ورجحه ابن عقيل في روايته إلحاقا له باشتباه المعتق بغيره كما لو أقر أن أحد هذين الولدين من هذه الأمة ولده ثم مات ولم يوجده قافة فإنا نقرع لإخراج الحرية وإن كان أحدهما حر الأصل والصحيح الأول لأن أهل الحصن لم يسبق لهم رق فإرقاقهم
____________________
(1/275)
إلا واحد يؤدي إلى ابتداء الإرقاق مع الشك في إباحته بخلاف ما إذا كان أحد المشتبهين رقيقا فأخرج غيره بالقرعة فإنه إنما يستدام الرق مع الشك في زواله وللثاني أمثلة منها إذا ملك أختين أو أما وبنتا فالمشهور أن له الإقدام على وطء واحدة منهما ابتداء فإذا فعل حرمت الأخرى وعن أبي الخطاب أنه يمنع من وطء واحدة منهما حتى تحرم الأخرى ونقل ابن هانئ عن أحمد ما يدل عليه وهو راجع إلى تحريم إحداهما مبهمة والأول أصح لأن المحرم هو ما يحصل به الجمع ومنها إذا وطئ الأختين واحدة بعد الأخرى يمتنع من وطئهما جميعا حتى يحرم إحداهما لثبوت صبيات جميعا أم تباح له الأولى إذا استبرأ الثانية لأنهما أخص بالتحريم حيث كان الجمع حاصلا بوطئها على وجهين والأظهر هاهنا الأول لثبوت الفراش لهما جميعا فيكون الممنوع منهما واحدة مبهمة ومنها إذا أسلم الكافر وعنده أكثر من أربع نسوة فأسلمن أو كن كتابيات فالأظهر أن له وطء أربع منهن ويكون اختيارا منه لأن التحريم إنما يتعلق بالزيادة على الأربع وكلام القاضي قد يدل على هذا وقد يدل على تحريم الجميع قبل الاختيار ومنها لو قال لزوجاته الأربع والله لا وطئتكن وقلنا لا تحنث بفعل البعض فأشهر الوجهين أنه لا يكون مواليا حتى يطأ ثلاثا فيصير حينئذ موليا من الرابعة وهو قول القاضي في المجرد وأبي الخطاب لأنه يمكنه وطء كل واحدة منهن من غير حنث فلا تكون يمينه مانعة بخلاف ما إذا وطئ ثلاثا فإنه لا يمكنه وطء الرابعة بدون حنث والثاني هو مول في الحال من الجميع وهو قول القاضي في خلافه وابن عقيل في عمده وقال هو ظاهر كلام أحمد ومأخذ الخلاف أن الحكم المعلق بالهيئة الاجتماعية هل هو حكم على ما يتم به مسماها حنث أو على مجموع الأجزاء في حالة الاجتماع دون الانفراد فعلى الثاني يكون موليا من الجميع ويتوقف حنثه بوطء كل واحدة على وطء البواقي معها ومنها إذا زنى بامرأة وله أربع نسوة ففي التعليق للقاضي يمنع من وطء الأربع حتى يستظهر بالزانية حمل واستبعده الشيخ مجد الدين وهو كما قال لأن التحريم هنا لأجل الجمع بين خمس فيكفي فيه أن يمسك عن وطء واحدة منهن لا حتى تستبرئ وصرح به صاحب الترغيب وقد ذكر صاحب المغني مثله فيمن أسلم على خمس نسوة ففارق
____________________
(1/276)
واحدة فإنه يمسك عن وطء واحدة منهن حتى تستبرئ المفارقة ومنها إذا تزوج خمسا أو أختين في عقد واحد فالنكاح باطل لأن الجميع حصل به ولا مزية للبعض على البعض فيبطل بخلاف ما إذا تزوجهن في عقود متفرقة وذكر القاضي في خلافه احتمالا بالقرعة فيما إذا زوج الوليان من رجلين دفعة واحدة وهذا مثله ولكن هذا لعلة تخالف الإجماع قاله الشيخ مجد الدين ولكنه يعتضد بالرواية التي نقلها ابن أبي موسى فيمن قال لعبيده أيكم جاءني بخبر كذا فهو حر فأتاه به اثنان معا عتق واحد منهما بالقرعة كذلك لو قال أول غلام يطلع علي فهو حر أو أول امرأة تطلع علي فهي طالق فطلع عليه عبيده كلهم ونساؤه كلهن أنه يطلق ويعتق واحد منهم بالقرعة نص عليه في رواية مهنا وأقره القاضي وصاحب المغني في موضع منه على ظاهره وتأولا مرة على أنهم طلعوا واحدا بعد واحد وأشكل السابق وهذا هو الأظهر لأنه اجتهاد وغيره بعيد وأما إن كان لبعضهم مزية فله صور منها إذا تزوج أما وبنتا في عقد واحد ففيه وجهان أحدهما يبطل النكاحان معا وهو قول القاضي وابن عقيل وصاحب المغني والثاني يبطل نكاح الأم وحدها حكاه صاحب الكافي وجزم به صاحب المحرر لأن نكاح البنت لا يمنع نكاح الأم إذا عري عن الدخول بخلاف العكس فكان نكاح الأم أولى بالإبطال ومنها لو أسلم الكافر على أم وبنت لم يدخل بواحدة منهما فالمذهب أنه ينفسخ نكاح الأم وحدها وتحرم عليه على التأبيد ويثبت نكاح البنت نص عليه أحمد فيما ذكره القاضي في خلافه واتفق الأصحاب عليه وبناه القاضي على أن أنكحة الكفار صحيحة فإذا صح النكاح في البنت صارت أمها من أمهات نسائه فحرمت عليه قال ولو لم يكن صحيحا فيها كان له أن يختار أيهما شاء وهذا يخالف ما قرره في الجامع الكبير أن العقد الفاسد في النكاح يحرم ما يحرمه الصحيح وهذا النكاح غايته أنه فاسد لأنه مختلف في صحته والمنصوص عن أحمد في رواية أبي طالب أنه يفرق بينه وبين الأم والبنت وقد حرمتا عليه وهذا محمول على ما إذا وجد الدخول بهما لأنه قال في تمام هذه الرواية إذا كان تحته أختان فرق بينه وبين أحدهما وإذا كان تحته فوق أربع فرق بينه وبين الزيادة فدل على أنه لم يجعله كابتداء العقد ومنها لو تزوج كبيرة وصغيرة ولم يدخل بها حتى أرضعت الصغيرة فسد نكاح الكبيرة لمصيرها من أمهات نسائه وفي الصغيرة روايتان أحدهما يفسد نكاحها أيضا
____________________
(1/277)
عمن عقد على أم وبنت ابتداء والثانية لا يبطل وهي أصح ومسألة الجمع في العقد قد سبق الخلاف فيها وعلى التسليم فيها فالفرق بينهما وبين مسألتنا أن الجمع هاهنا حصل في الاستدامة دون الابتداء والدوام أقوى من الابتداء فهو كمن أسلم عن أم وبنت ومنها لو كان تحت ذمي أربع نسوة ثم استرق للحوقه بدار الحرب أو غيره قال الشيخ مجد الدين يحتمل أن يتخير منهن اثنين كما لو أسلم عبد وتحته أربع ويحتمل أن يبطل نكاح الجميع كالرضاع إلى الحادث المحرم للجمع ومنها لو تزوج حرة وأمة في عقد وهو فاقد لشرط نكاح الإماء فإنه يبطل نكاح الأمة وحدها على الأصح لأن الحرة تمتاز عليهما بصفة ورود نكاحها عليها مثل هذه الحال ولا عكس وللثالث وهو المنع من القدر المشترك أمثلة منها لو قال لزوجاته والله لا وطئت إحداكن ناويا بذلك الامتناع من وطء مسمى إحداهن وهو القدر المشترك بين الجميع فيكون موليا من الجميع مع أن العموم يستفاد أيضا من كونه مفردا مضافا أما لو قال لا وطئت واحدة منكن فالمذهب الصحيح أنه يعم الجميع وهو قول القاضي والأصحاب بناء على أن النكرة في سياق النفي يفيد العموم وحكى القاضي عن أبي بكر أنه يكون موليا من واحدة غير معينة وأخذه من قوله إذا آلى من واحدة منهن وأشكلت عليه أخرجت بالقرعة ولا يصح هذا الأخذ كما لا الجور وحكى صاحب المغني عن القاضي كذلك والقاضي مصرح بخلافه فإنه قال هو إيلاء من الجميع رواية واحدة ولكنه قال متى وطئ واحدة منهن انحلت يمينه من الكل بخلاف ما إذا قال لا وطئت كل واحدة منكن أو لا وطئتكن فإنه إذا وطئ واحدة منهن حنث وبقي الإيلاء من البواقي وإن لم يحنث بوطئهن لأن حقهن من الوطء لم يستوف والفرق بين الصور الثلاث أن قوله لا أطأ كل واحدة بهمدانية ولا وبابتغي في قوة أيمان متعددة لإضافته إلى متعدد بخلاف قوله لا الأسرشني واحدة منكن فإنه مضاف إلى مفرد منكن موضوع بالأصالة لنفي الوحدة وعمومه عموم بدل لا شمول فاليمين فيه واحدة فتنحل بالحنث بوطء واحدة ولكن مقتضى هذا التفريق أن تتعدد الكفارة في الصورتين الأولتين بوطء كل واحدة وهو قياس إحدى الروايتين في الظهار من نسائه بكلمة واحدة أن
____________________
(1/278)
الكفارة تتعدد ويمكن أن يقال النكرة في سياق النفي إن قيل أنها تعم بوضعها كما تعم صيغ الجموع فالصور الثلاث متساوية وإن قيل إن عمومها جاء ضرورة نفي الماهية فالمنفي بها واحد لا تعدد فيه وهو الماهية المطلقة فيتجه تفريق القاضي المذكور والله أعلم ومنها إذا قال إن خرجتي من الدار مرة بغير إذني فأنت طالق ونوى بذلك بين المرات اقتضى العموم بغير إشكال وإن أطلق فقال القاضي في خلافه تتقيد يمينه بمرة واحدة وسلم أنه لو أذن لها مرة فخرجت بإذنه ثم خرجت بعد ذلك بغير إذنه لم تطلق وخالفه أبو الخطاب وابن عقيل في خلافهما وهو الحق ثم اختلف المأخذ فقال ابن عقيل ذكر المرة تنبيه على المنع من الزيادة عليها وظاهر كلام أبي الخطاب أن العموم أتى من دخول النكرة في الشرط ولا حاجة إلى ذلك كله فإن اليمين عندنا إنما تنحل بالحنث ولو خرجت مائة مرة بإذنه لم تنحل اليمين بذلك عندنا والمحلوف عليه قائم وهو خروجها مرة بغير إذنه فمتى وجد ترتب عليه الحنث القاعدة العاشرة بعد المائة من ثبت له أحد أمرين فإن اختار أحدهما سقط الآخر وإن أسقط أحدهما أثبت الآخر وإن امتنع منهما فإن كان امتناعه ضررا على غيره استوفى له الحق الأصلي الثابت له إذا كان ماليا وإن لم يكن حقا ثابتا سقط وإن كان الحق غير مالي ألزم بالاختيار وإن كان حقا واجبا له وعليه فإن كان مستحقه غير معين حبس حتى يعينه ويوفيه وإن كان مستحقا معينا فهل يحبس ويستوفى منه الحق الذي عليه فيه الخلاف وإن كان حقا عليه وأمكن استيفاؤه منه استوفي وإن كان عليه حقان أصلي وبدل فامتنع من البدل حكم عليه بالأصل ويندرج تحت هذه القاعدة صور منها لو عفى مستحق القصاص عنه وقلنا الواجب له أحد أمرين تعين له المال ولو عفى عن المال ثبت له القود ومنها لو اشترى شيئا فظهر على عيب فيه ثم استعمله استعمالا لا يدل على الرضا بإمساكه لم يسقط حقه من المطالبة بالأرش عند ابن عقيل لأن العيب موجب لأحد شيئين إما الرد وإما الأرش فإسقاط أحدهما لا يسقط به الآخر وقال ابن أبي موسى والقاضي يسقط الأرش أيضا وفيه بعد ومنها لو أتاه الغريم بدينه في محله ولا ضرر عليه في قبضه فإنه يؤمر بقبضه أو إبرائه
____________________
(1/279)
فإن امتنع قبضه له الحاكم وبرئ غريمه ومنها لو امتنع الموصى له من القبول والرد حكم عليه بالرد وسقط حقه من الوصية ومنها لو تحجر مواتا وطالت مدته ولم يحيه ولم يرفع يده عنه فإن حقه يسقط منه ومنها لو أسلم على أختين أو أكثر من أربع نسوة وامتنع من الاختيار حبس وعزر حتى يختار ومنها لو أخرت المعتقة تحت عبد الاختيار حتى طالت المدة أجبرها الحاكم على اختيار الفسخ أو الإقامة بالتمكين من الاستمتاع ومنها لو أبى المولى بعد المدة أن يفيء أو يطلق فروايتان إحداهما يحبس حتى يفيء أو يطلق والثانية يفرق الحاكم بينهما ومنها لو حل دين الرهن وامتنع من توفيته وليس ثم وكيل في البيع باعه الحاكم ووفى الدين منه ومنها لو ادعي عليه فأنكر وطلب منه اليمين فنكل عنها وقضى بالنكول وجعل مقرا لأن اليمين بدل عن الإقرار وعن النكول فإذا امتنع من البدل حكم عليه بالأصل ومنها لو نكل المدعى عليه عن الجواب بالكلية فإن كانت الدعوى مما يقضى فيها بالنكول فهل يقضي عليه به هاهنا أم يحبس حتى يجيب على وجهين وإن كانت مما لا يقضى فيها بالنكول كالقتل والحد فهل يحبس حتى يقر أو يخلى سبيله على وجهين القاعدة الحادية عشر بعد المائة إذا كان الواجب بسبب واحد أحد شيئين فقامت حجة بها أحدهما دون الآخر فهل يثبت أم لا على روايتين ويخرج عليهما مسائل منها إذا قلنا موجب قتل العمد أحد شيئين فإذا ادعى أولياء المقتول على ولي القاتل في القسامة فنكل فهل يلزمه الدية على روايتين ومنها لو ادعى جراحة عمدا على شخص وأتى بشاهد وامرأتين فهل تلزمه ديتها على روايتين والصحيح فيها عدم وجوب الدية لئلا يلزم أن يجب بالقتل الدية عينا وأما إن قلنا أن موجب القتل القصاص عينا فالدية بدل فلا يجب بما لا يجب به المبدول ومنها شهد رجل وامرأتان بقتل عبد عبدا عمدا فهل يثبت بذلك غرم قيمة العبد دون
____________________
(1/280)
القود على روايتين حكاهما صاحب المحرر وذكر أن رواية وجوب القيمة رواها ابن منصور وتأملت رواية ابن منصور فإذا ظاهرها أن القاتل كان حرا فلا يكون جنايته موجبة للقود فلا تكون المسألة من هذا القبيل بل من نوع آخر وهو إذا كانت الجناية موجبة للمال عينا وقامت بها بينة يثبت بها المال دون أصل الجناية فهل يجب بها المال على روايتين كما لو كانت الجناية خطأ أو عمدا يوجب المال دون القود وأتى عليها بشاهد وامرأتين أو ادعى قتل كافر في الصف وأتى بشاهد وحلف معه فهل يستحق بذلك سلبه على الروايتين القاعدة الثانية عشر بعد المائة إذا اجتمع للمضطر محرمان كل منهما لا يباح بدون الضرورة وجب تقديم أخفهما مفسدة وأقلهما ضررا لأن الزيادة لا ضرورة إليها فلا يباح ويتخرج على ذلك مسائل منها إذا وجد المحرم صيدا وميتة فإنه يأكل الميتة نص عليه أحمد لأن في أكل الصيد ثلاث جنايات صيده وذبحه وأكله وأكل الميتة فيها جناية واحدة وعلى هذا فلو وجد لحم صيد ذبحه محرم وميتة فإنه يأكل لحم الصيد قاله القاضي في خلافه لأن كلا منهما فيه جناية واحدة ويتميز الصيد بالاختلاف في كونه مذكى وفي هذا نظر فإن أكل الصيد جناية على الإحرام ولهذا يلزمه بها الجزاء عند الحنفية وهو مستغنى عن ذلك بالأكل من الميتة ثم وجدت أبا الخطاب في انتصاره اختار أكل الميتة وعلله بما ذكرنا ولو وجد بيض صيد فظاهر كلام القاضي أنه يأكل الميتة ولا يكسره ويأكله لأن كسره جناية كذبح الصيد ومنها نكاح الإماء والاستمناء كلاهما إنما يباح للضرورة ويقدم نكاح الإماء كما نص عليه ابن عباس لأنه مباح بنص والآخر متردد فيه وقال ابن عقيل في مفرداته الاستمناء أحب إلي من نكاح الأمة وفيه نظر وأما نكاح الإماء ووطء المستحاضة فقال ابن عقيل إنما يباح وطء المستحاضة عند خوف العنت وعدم الطول لنكاح غيرها وظاهر هذا أن نكاح الإماء مقدم عليه ويتوجه بما ذكرنا من النص على إباحة نكاح الإماء دون وطء المستحاضة فإنه في معنى وطء الحائض لكونه دم أذى ومنها من أبيح له الفطر لشبقه فلم يمكنه الاستمناء واضطر إلى الجماع في الفرج فله فعله فإن وجد زوجة مكلفة صائمة وأخرى حائضة ففيه احتمالان ذكرهما صاحب المغني أحدهما وطء الصائمة أولى لأن أكثر ما فيه أنها تفطر لضرر غيرها وذلك جائز
____________________
(1/281)
لفطرها لأجل الولد وأما وطء الحائض فلم يعهد في الشرع جوازه فإنه حرم للأذى ولا يزول الأذى بالحاجة إليه والثاني مخير لتعارض مفسدة وطء الحائض من غير إفساد عبادة عليها وإفساد صوم الطاهرة والأول هو الصحيح لما ذكرنا من إباحة الفطر لأسباب دون وطء الحائض ومنها إذا ألقي في السفينة نار واستوى الأمران في الهلاك أعني المقام في النار وإلقاء النفوس في الماء فهل يجوز إلقاء النفوس في الماء أو يلزم المقام على روايتين والمنقول عن أحمد في رواية مهنا أنه قال أكره طرح نفوسهم في البحر وقال في رواية أبي داود يصنع كيف شاء قيل له هو في اللج لا يطمع في النجاة قال لا أدري فتوقف ورجح ابن عقيل وغيره وجوب المقام مع تيقن الهلاك فيها لئلا يكون قاتلا لنفسه بخلاف ما إذا لم يتيقنوا ذلك لاحتمال النجاة بالإلقاء القاعدة الثالثة عشر بعد المائة إذا وجدنا جملة ذات أعداد موزعة على جملة أخرى فهل يتوزع أفراد الجمل الموزعة على أفراد الأخرى أو كل فرد على مجموع الجملة الأخرى هذه على قسمين الأول أن توجد قرينة تدل على تعيين أحد الأمرين فلا خلاف في ذلك فمثال ما دلت القرينة فيه على توزيع الجملة على الجملة الأخرى فيقابل كل فرد كامل بفرد يقابله إما لجريان العرف أو دلالة الشرع على ذلك وإما لاستحالة ما سواه أن يقول لزوجتيه إن أكلتما هذين الرغيفين فأنتما طالقتان فإذا أكلت كل واحدة منهما رغيفا طلقت لاستحالة أكل كل واحدة للرغيفين أو يقول لعبديه إن ركبتما دابتيكما أو لبستما ثوبيكما أو تقلدتما سيفيكما أو اعتقلتما رمحكما أو دخلتما بزوجتيكما فأنتما حران فمتى وجد من كل واحد ركوب دابته أو لبس ثوب أو تقلد سيفه أو رمحه أو الدخول بزوجته ترتب عليهما العتق لأن الانفراد بهذا عرفي وفي بعضه شرعي فيتعين صرفه إلى توزيع الجملة على الجملة ذكره في المغني ومثال ما دلت القرينة فيه على توزيع كل فرد من أفراد الجملة على جميع أفراد الجملة الأخرى أن يقول رجل لزوجتيه إن كلمتما زيدا أو كلمتما عمرا فأنتما طالقتان فلا يطلقان حتى تكلم كل واحدة منهما زيدا وعمرا القسم الثاني أن لا يدل على إرادة أحد التوزيعين فهل يحمل التوزيع عند هذا الإطلاق على الأول أو الثاني في المسألة خلاف والأشهر أنه يوزع كل من أفراد الجملة
____________________
(1/282)
على جميع أفراد الجملة الأخرى إذا أمكن وصرح بذلك القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب في مسألة الظهار من نسائه بكلمة واحدة وكذلك لا يذكر الخلاف إلا في بعض الصور ويجب طرده في سائرها ما لم يمنع منه مانع ولذلك أمثلة كثيرة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم في تعليل مسحه الخفين إني أدخلتهما وهما طاهرتين هل المراد أنه أدخل كل واحدة من قدميه الخفين وكل واحدة منهما طاهرة أو المراد أنه أدخل كل القدمين الخفين وكل قدم في حال إدخالها طاهرة وينبني على ذلك مسألة ما إذا غسل إحدى رجليه ثم أدخلها الخف ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف فعلى التوزيع الأول وهو توزيع المفرد على الجملة لا يجوز المسح لأنه في حال إدخال الرجل الأولى الخف لم يكن الرجلان طاهرتين وعلى الثاني وهو توزيع المفرد على المفرد يصح وفي المسألة روايتان عن أحمد ولكن القائل بأن الحدث الأصغر لا يتبعض وأنه لا يرتفع إلا بعد استكمال الطهارة بمنع طهارة الرجل الأولى عند دخول الخف نعم وجدت طهارتهما عند استكمال لبس الخفين وذلك من باب توزيع الجملة على الجملة ومنها مسألة مد عجوة وهي قاعدة عظيمة بنفسها فلنذكر هاهنا مضمونها ملخصا إذا باع ربويا بجنسه ومعه من غير جنسه من الطرفين أو أحدهما كمد عجوة ودرهم بمد عجوة أو مد عجوة ودرهم بمدي عجوة بدرهمين ففيه روايتان أشهرهما بطلان العقد وله مأخذان أحدهما وهو مسلك القاضي وأصحابه أن الصفقة إذا اشتملت على شيئين مختلفي القيمة يقسط الثمن على قيمتهما وهذا يؤدي هاهنا إما إلى يقين التفاضل وإما إلى الجهل بالتساوي وكلاهما مبطل للعقد في أموال الربا وبيان ذلك أنه إذا باع مدا يساوي درهمين ودرهما بمدين يساويان ثلاثة دراهم كان الدرهم في مقابلة ثلثي مد ويبقى مد في مقابلة مد وثلث ذلك ربا وكذلك إذا باع مدا يساوي درهما ودرهمين بمدين يساوين ثلاثة دراهم فإنه يتقابل الدرهمان بمد وثلث مد ويبقى ثلثا مد في مقابلة مد وأما إن فرض التساوي كمد يساوي درهما ودرهم بمد يساوي درهما ودرهم فإن التقويم ظن وتخمين فلا يتعين معه المساواة والجهل بالتساوي هاهنا كالعلم بالتفاضل فلو فرض أن المدين من شجرة واحدة أو من زرع واحد وإن الدرهمين من نقد واحد ففيه وجهان ذكرهما القاضي في خلافه احتمالين أحدهما الجواز لتحقق المساواة والثاني المنع لجواز أن يتغير أحدهما قبل العقد فتنقص قيمته وحده وصحح
____________________
(1/283)
أبو الخطاب في انتصاره المنع قال لأنا لا نقابل مدا بمد ودرهما بدرهم بل نقابل مدا بنصف مد ونصف درهم وكذلك لو خرج مستحقا لاسترد ذلك وحينئذ فالجهل بالتساوي قائم هذا ما ذكره في تقريره هذه الطريقة وهو عندي ضعيف لأن المنقسم هو قيمة الثمن على قيمة المثمن لا إجراء أحدهما على قيمة الآخر ففيما إذا باع مدا يساوي درهمين ودرهما بمدين يساويان ثلاثة لا نقول درهم مقابل بثلثي مد بل نقول ثلث الثمن مقابل بثلث المثمن فنقابل ثلث المدين بثلث مد وثلث درهم ونقابل ثلث المدين بثلثي مد وثلثي درهم فلا تنفك مقابلة كل جزء من المدين بجزء من المد والدرهم مقابل لثلث المثمن فيقابل ثلث المدين ثلث مد وثلث درهم ويقابل ثلثا المدين بثلثي مد وثلثي درهم فلا ينفك مقابلة كل جزء من المدين بجزء من المد والدرهم ولهذا لو باع شقصا وسيفا بمائة درهم وعشرة دنانير لأخذ الشفيع الشقص بحصته من الدراهم والدنانير نعم نحتاج إلى معرفة ما يقابل الدراهم أو المد من الجملة الأخرى إذا ظهر أحدهما مستحقا أو رد بعيب أو غيره ليرد ما قابله من عوضه حيث كان المردود هاهنا معينا مفردا أما مع صحة العقد في الكل واستدامته فإنا نوزع أجزاء الثمن على أجزاء المثمن بحسب القيمة وحينئذ فالمفاضلة المتيقنة كما ذكروه منتفية وأما إن المساواة غير معلومة فقدت في بعض الصور كما سبق والمأخذ الثاني أن ذلك ممنوع سدا لذريعة الربا فإن اتخاذ ذلك حيلة على الربا الصريح واقع كبيع مائة درهم في كيس بمائتين جعلا للمائة في مقابلة الكيس وقد لا يساوي درهما فمنع ذلك وإن كانا مقصودين حسما لهذه المادة وفي كلام أحمد إيماء إلى هذا المأخذ والرواية الثانية يجوز ذلك بشرط أن يكون مع الربوي من غير جنسه من الطرفين أو يكون مع أحدهما ولكن المفرد أكثر من الذي معه غيره نص عليه أحمد في رواية جماعة جعلا لغير الجنس في مقابلة الجنس وفي مقابلة الزيادة ومن المتأخرين كالسامري من يشترط فيما إذا كان كل واحد من غير جنسه من الجانبين التساوي جعلا لكل جنس في مقابلة جنسه وهو أولى من جعل الجنس في مقابلة غيره لا سيما مع اختلافهما في القيمة وعلى هذه الرواية فإنما يجوز ذلك ما لم يكن حيلة على الربا وقد نص أحمد على هذا الشرط في رواية حرب ولا بد منه وعلى هذه الرواية يكون التوزيع هاهنا للأفراد على الأفراد وعلى الرواية الأولى هو
____________________
(1/284)
من باب توزيع الأفراد على الجمل أو توزيع الجمل على الجمل وللأصحاب في المسألة طريقة ثانية وهو أنه لا يجوز بيع المحلى بجنس حليته قولا واحدا وفي بيعه بنقد آخر روايتان ويجوز بيعه بعرض رواية واحدة وهي طريقة أبي بكر في التنبيه وابن أبي موسى والشيرازي وأبي محمد التميمي وأبي عبد الله الحسين الهمداني في كتاب المقتدى ومن هؤلاء من جزم بالمنع من بيعه بنقد من جنسه وغير جنسه كأبي بكر في التنبيه وقال الشيرازي الأظهر المنع ومنهم من جزم بالجواز في بيعه بغير جنسه كالتميمي ومنهم من حكى الخلاف كابن أبي موسى ونقل البرزاطي عن أحمد ما يشهد لهذه الطريقة في حلي صنع من مائة درهم فضة ومائة نحاس أنه لا يجوز بيعه كله بالفضة ولا بالذهب ولا بوزنه من الفضة والنحاس ولا يجوز بيعه حتى يخلص الفضة من النحاس وبيع كل واحد منهما وحده وفي توجيه هذه الطريقة غموض وحاصله أن بيع المحلى بنقد من جنسه قبل التمييز والتفصيل بينه وبين حليته يؤدي إلى الربا لأنه بيع ربوي بجنسه من غير تحقق مساواة لأن بعض الثمن يقابل العرض فيبقى الباقي مقابلا للربوي ولا تتحقق مساواته وأما مع تمييز الربوي ومعرفة مقداره فإنما منعوا منه إذا ظهر فيه وجه الحلية أو كان التفاضل فيه متيقنا كبيع عشرة دراهم مكسورة بثمانية صحاح وفلسين أو ألف صحاح بألف مكسورة وثوب أو ألف صحاح ودينار بألف ومائة مكسورة هكذا ذكره ابن أبي موسى وأما بيعه بنقد آخر أو بربوي من غير جنسه ولكن علة الربا فيها واحدة فالخلاف فيه مبني على الخلاف في بيع الموزونات والمكيلات وبعضها ببعض جزافا وفي جوازه روايتان واختيار أبي بكر وابن أبي موسى والقاضي في خلافه المنع بأنه لو استحق أحدهما لم يدر بما يرجع على صاحبه فيؤدي إلى الربا من جهة العقد وهكذا علل أهل هذه الطريقة المنع في هذه المسألة وفيه ضعف فإن المستحق لم يصح العقد فيها وعوضه ثابت في الذمة فيجوز المصالحة عنه كسائر الديون المجهولة وهذا الخلاف يشبه الخلاف في اشتراط العلم برأس مال وضبط صفاته وأنه إذا أسلم في جنسين لم يجز حتى يبين قسط كل واحد منهما فإن السلم والصرف متقاربان وهذا كله في الجنسين فأما بيع نوعي جنس بنوع منه ففيه طريقان أحدهما أن حكم نوعي الجنس حكم الجنسين وهو طريق القاضي وأصحابه نظرا إلى
____________________
(1/285)
توزيع العوض بالقيمة فيؤدي ذلك هاهنا إلى تعين المفاضلة وليس هاهنا شيء من غير الجنس يجعل في مقابلة الفاضل والثاني الجواز هاهنا وهو طريق أبي بكر ورجحه صاحب المغني والتلخيص نظرا إلى أن الجودة والرداءة لا تعتبر في الربويات مع اتحاد النوع فكذا في الجنس الواحد والتقسيط إنما يكون في غير أموال الربا أو في الجنس بدليل ما لو باع نوعا بنوع يشتمل على جيد ورديء فإن المذهب جوازه ولكن ذكر أبو الخطاب في انتصاره فيه احتمالا بالمنع ونقل ابن القاسم عن أحمد إن كان نقدا لم يجز فإن كان ثمرا جاز والفرق أن أنواع الثمار يكثر اختلاطها ويشق تمييزها بخلاف أنواع النقود وهذا كله فيما إذا كان الربوي مقصودا بالعقد فإن كان غير مقصود بالأصالة وإنما هو تابع لغيره فهذا ثلاثة أنواع أحدها ما لا يقصد عادة ولا يباع مفردا كتزويق الدار ونحوه فلا يمنع من البيع بجنسه بالاتفاق والثاني ما يقصد تبعا لغيره وليس أصلا لمال الربا كبيع العبد ذي المال بمال من جنسه إذا كان المقصود الأصلي هو العبد وفيه ثلاث طرق أحدها أنه يصح رواية واحدة سواء قلنا أن العبد يملك أو لا يملك وهي طريقة أبي بكر والخرقي والقاضي في خلافه وابن عقيل في مواضع من فصوله وصاحب المغني وهو المنصوص عن أحمد والثانية البناء على ملك العبد فإن قلنا يملك يصح لأن المال ملك العبد فليس بداخل في عقد البيع كمال المكاتب لا يدخل معه في بيعه وإن قلنا لا يملك اعتبر له شروط البيع وهي طريقة القاضي في المجرد وأبي الخطاب في انتصاره والثالثة طريقة صاحب المحرر إن قلنا لا يملك اعتبر له شروط البيع وإن قلنا يملك فإن كان مقصودا اعتبر له ذلك وإلا فلا وأنكر القاضي في المجرد أن يكون القصد وعدمه معتبرا في صحة العقد وفي الظاهر وهو عدول عن قواعد المذهب وأصوله النوع الثالث ما لا يقصد وهو تابع لغيره وهو أصل لمال الربا إذا بيع بما فيه وهو ضربان أحدهما أن يمكن إفراد التابع بالبيع كبيع نخلة عليها رطب برطب وفيه طريقان
____________________
(1/286)
أحدهما وهو طريق القاضي في المجرد المنع لأنه مال مستقل بنفسه فوجب اعتبار أحكامه بنفسه منفردا عن حكم الأصل والثاني الجواز وهي طريقة أبي بكر والخرقي وابن بطة والقاضي في الخلاف كما سبق في بيع العبد ذي المال واشترط ابن بطة وغيره أن يكون الرطب غير مقصود ولذلك شرط في بيع النخلة التي عليها ثمر لم يبد صلاحه أن يكون الثمر غير مقصود ونص أحمد عليه في رواية إبراهيم بن الحارث والأثرم وتأوله القاضي لغير معين ومعنى قولنا غير مقصود أي بالأصالة وإنما المقصود في الأصلي الشجر والثمر مقصود تبعا والضرب الثاني أن لا يكون التابع مما لا يجوز إفراده بالبيع كبيع شاة لبون بلبن أو ذات صوف بصوف وبيع الثمر بالنوى فيجوز هاهنا عند القاضي في المجرد وابن حامد وابن أبي موسى ومنع منه أبو بكر والقاضي في خلافه وقد حكي في المسألة روايتان عن أحمد ولعل المنع ينزل على ما إذا كان الربوي مقصودا والجواز على عدم القصد وقد صرح باعتبار عدم القصد ابن عقيل وغيره ويشهد له تعليل الأصحاب كلهم الجواز بأنه تابع غير مقصود واعلم أن هذه المسألة منقطعة عن مسائل مد عجوة وأن القول بالجواز لا يتقيد بزيادة المفرد على ما معه وقد نص أحمد في بيع العبد الذي له مال بمال دون الذي معه وقاله القاضي في خلافه في مسألة العبد والنوى بالثمر وكذلك المنع فيها مطلق عند الأكثرين ومن الأصحاب من خرجها أو بعضها على مسائل مد عجوة ففرق بين أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره أو لا وقد صرح به طائفة من الأصحاب كأبي الخطاب وابن عقيل في مسألة العبد ذي المال وكذلك حكى أبو الفتح الحلواني رواية في بيع الشاة ذات الصوف واللبن بالصوف واللبن أنه يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر مما في الشاة من جنسه ولعل هذا مع قصد اللبن والصوف بالأصالة والجواز مع عدم القصد فيرتفع الخلاف حينئذ والله أعلم وإن حمل على إطلاقه فهو متنزل على أن التبعية هاهنا لا عبرة فيها وأن الربوي التابع لغيره فهو مستقل بنفسه ومنها إذا باع رجل عبدين له من رجلين بثمن واحد فإن المبيع يقع شائعا بينهما فيكون لكل واحد منهما نصف كل عبد ولا يتخرج هنا وجه آخر أن يكون لكل واحد عبد لأنه يلزم من ذلك عدم تعيين المبيع فيفسد البيع نعم لو كان العقد مما يصح به مبهما كالوصية
____________________
(1/287)
والمهر والخلع توجه هذا التخريج فيه ولو أقر لرجل بنصف عبدين ثم فسره بعبد معين قبل بخلاف ما إذا أقر له بنصف هذين العبدين ثم فسره بأحدهما ذكره صاحب الترغيب لأن الأول مطلق فيصح تفسيره بمعين كما لو قال لزوجته أنت طالق نصف تطليقتين فإنها تطلق واحدة وأما إذا أوصى له بثلث ثلاثة أعبد ثم استحق منهم اثنان فهل يستحق ثلث الباقي أو كله فيه وجهان وهذا قد يتوهم منه قبول التفسير بعبد مفرد مع التعيين وليس كذلك بل حرك هذين الوجهين أنه هل يدخل العبيد ونحوهم قسمة الإجبار أم لا وفيه وجهان والمنصوص دخولها ومنها إذا رهنه اثنان عينين أو عينا لهما صفقة واحدة على دين له عليهما مثل أن يرهناه دارا لهما على ألف درهم له عليهما نص أحمد في رواية مهنا على أن أحدهما إذا قضى ما عليه ولم يقض الآخر أن الدار رهن على ما بقي فظاهر هذا أنه جعل نصيب كل واحد رهنا بجميع الحق توزيعا للمفرد على الجملة لا على المفرد وبذلك جزم أبو بكر في التنبيه وابن أبي موسى وأبو الخطاب وهو المذهب عند صاحب التلخيص قال القاضي هذا بناء على الرواية التي تقول إن عقد الاثنين مع الواحد في حكم الصفقة الواحدة أما إذا قلنا بالمذهب الصحيح في حكم عقدين كان نصيب كل واحد مرهونا بنصف الدين قال ويجوز أن يكون كل واحد منهما لما رهن صار كفيلا عن صاحبه فلا ينفك الرهن في نصيبه حتى يؤدي بجميع ما عليه وتأوله أيضا في موضع آخر على أن كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه فإذا قضى أحدهما لم ينفك حقه من الرهن لأنه مطالب بما ضمنه قال وأما إن لم يضمن كل واحد منهما ما على صاحبه فله الرجوع بقدر حصته وليس في كلام أحمد ما يدل على الضمان وقد نبه على ذلك الشيخ مجد الدين وقال على هذا يصح الرهن ممن ليس الدين عليه وعلى الأول لا يصح وتأول القاضي أيضا في المجرد وابن عقيل وصاحب المغني كلام أحمد على أن الرهن انفك في نصيب الموفي للدين لكن ليس للراهن مقاسمة المرتهن لما عليه من الضرر لا لمعنى أن المعين يكون كلها رهنا وبمثل ذلك تأول صاحب المغني ما قاله أبو الخطاب والحلواني وغيرهما فيمن رهن عند رجلين فوفى أحدهما أنه يبقى جميعه رهنا عند الآخر وتأوله على المنع من المقاسمة وهو ضعيف لوجهين أحدهما أن أحمد نص على أن الدار رهن على ما بقي والثاني أن انفكاك أحد النصيبين وقبض صاحبه له لا يتوقف على المقاسمة فإن الشريك يقبض نصيبه المشترك من غير اقتسام ويكون قبضا صحيحا
____________________
(1/288)
إذ القبض يتأتى في المشاع ويشبه هذه المسألة ما إذا كاتب عبدين له صفقة واحدة بعوض واحد ثم أدى أحدهما حصته من الكتابة هل يعتق أم لا على وجهين أحدهما يعتق وهو اختيار القاضي وأصحابه لأنه أدى ما يخصه فهو كما لو أدى أحد المشتريين حصته من الثمن فإنه يتسلم نصيبه تسليما مشاعا عند الأصحاب وما ذكره في المغني من منع التسليم في هذه المسألة فهو يرجع إلى أنه لا يتسلم العين كلها وهذا صحيح وقد صرح به القاضي في الخلاف والجامع الصغير والوجه الثاني أنه لا يعتق واحد منهما حتى يؤديا جميع مال الكتابة وهو قول أبي بكر وابن أبي موسى ونقل مهنا عن أحمد ما يشهد له واختلفوا في مأخذه فقيل لأن الكتابة عتق معلق بشرط فلا يقع إلا بعد كمال شرطه وهو هاهنا أداء جميع المال وهذا بعيد عن أصل أبي بكر لأنه يرى أن الكتابة عقد معاوضة محضة لا تعليق فيها بحال وقيل لأن كل واحد منهم كفيل ضامن عن صاحبه فلا يعتق حتى يؤدي جميع ما عليه وقيل لأنها صفقة واحدة فلا تتبعض وهذا قد يرجع إلى الضمان أيضا كأنه التزم كل واحد منهما الألف عنه وعن صاحبه فيكون توزيعا للمفرد على الجملة إذ لو لم يلزم أحدهما أداء جميع المال لما وقف عتقه على أدائه وقد اختلف كلام القاضي وابن عقيل في ضمان كل منهما عن الآخر فنفياه تارة وأثبتاه أخرى ونقل ابن منصور عن أحمد في رجل له على قوم حق أنه كتب في كتابهم أيهم شئت أخذت بحقي منه يأخذ أيهم شاء ومفهومه أن الغرماء لا ضمان بينهم بدون الشرط بكل حال ومنها لو وضع المتراهنان الرهن على يدي عدلين وكانا عينين منفردين أو كان مما يقسم كالمكيل والموزون فهل لهما انقسامه وانفراد كل واحد منهما بحفظ نصيبه أم لا على وجهين أحدهما يجوز ذلك قاله القاضي في المجرد توزيعا للمفرد على المفرد فيكون كل واحد منهما أمينا على نصفه وصرح القاضي بذلك وعلى هذا فلو دفع أحدهما النصف المقسوم الذي بيده إلى الآخر فتلف في يده فهل يضمنه على احتمالين ذكرهما القاضي لأنه انفرد به بعد القسمة بخلاف ما إذا سلم الكل قبل القسمة فإنه لا يضمن كذا قال القاضي وقال مرة أخرى يضمن نصفه أيضا
____________________
(1/289)
والثاني لا يجوز اقتسامه بل يتعين حفظه كله على كل واحد منهما مجتمعين وهو قول القاضي في خلافه وابن عقيل وصاحب المغني والتلخيص لأن المتراهنين إنما رضيا بحفظهما جميعا فلا يجوز لهما الانفراد كالوصيين والوكيل في البيع وعلى هذا يخرج الوديعة لاثنين والوصية بالنسبة إلى الحفظ خاصة دون التصرف فإنه لا يستقل أحدهما بشيء منه وقد روي عن أحمد ما يدل على جواز انفراد كل واحد منهما بنصف التصرف فنقل عنه حرب فيمن قال لرجلين تصدقا عني بألفي درهم من ثلثي فأخذ كل واحد ألفا فتصدق بها على حدة ليكون أسهل عليهما فلم ير به بأسا وهذا قد يختص بالصدقة لحصول المقصود منها بالانفراد بخلاف غيره من التصرفات التي يقصد بها الحظ والغبطة والكسب قال في التلخيص ولو وكل اثنين في المخاصمة لم يكن لواحد الاستبداد بها كالوصيين ووكيلي التصرف ويحتمل أن يكون له لأن العرف في الخصومة يقتضيه بخلاف غيرها انتهى وقال القاضي أيضا ولو تعدد المعين فاحتمالان يعني في تعدد الصفقة واتحادها ومنها الضمان فإذا ضمن اثنان دية رجل لغريمه فهل كل واحد منهما ضامن لجميع الدين أو بالحصة على وجهين أحدهما كل منهما ضامن للجميع نص عليه أحمد في رواية مهنا في رجل له على رجل ألف درهم فكفل بها كفيلان كل واحد منهما كفيل ضامن فأيهما شاء أخذ جميع حقه منه وكذا قال أبو بكر في التنبيه فيمن قال للرجل ألق متاعك في البحر على أني وركبان السفينة ضمناء فألقاه ضمنه دونهم إلا أن يتطوعوا بالضمان معه وقد يكون مأخذ أبي بكر أن هذا من باب التغرير فإنه إنما ألقاه ظنا منه أن قيمته ترد عليه اعتمادا على قول هذا القائل فلذلك لزمه الضمان وعلى هذا فيفرق بين أن يكون صاحب المتاع عالما بالحكم أو جاهلا به والوجه الثاني أن الضمان بالحصة إلا أن يصرحوا بما يقتضي خلافه مثل أن يقولوا ضمنا لك وكل واحد منا الألف التي لك على فلان فإن كل واحد يلزمه الألف حينئذ وأما مع إطلاق ضمان الألف منهم بالحصة وهذا قول القاضي في المجرد والخلاف وصاحب المغني وذكر ابن عقيل في المسألة احتمالين وبناه القاضي على أن الصفقة تتعدد بتعدد الضامنين فيصير الضمان موزعا عليهما وعلى هذا فلو كان المضمون دينا متساويا على رجلين فهل يقال كل واحد منهما ضامن لنصف الدينين أو كل منهما ضامن
____________________
(1/290)
لأحدهما بانفراد إذا قلنا بصحة ضمان المبهم يحتمل وجهين والأول أشبه بكلام الأصحاب وشبيه بهذه المسألة ما إذا كفل اثنين شخصا لآخر فسلمه أحدهما إلى المكفول له فهل يبرأ الكفيل الآخر أم لا على وجهين أشهرهما أنه لا يبرأ لأنهما كفالتان والوثيقتان إذا انحلت إحداهما بغير توفية بقيت الأخرى كالضامنين إذا برئ أحدهما وهذا قول القاضي وأصحابه والثاني يبرأ لأن التوفية قد وجدت بالتسليم فهو كما لو سلم المكفول نفسه أو وفى أحد الضامنين الدين وهو احتمال في الكافي وقول الأزجي في نهايته وهو ظاهر كلام السامري في فروقه وهو يعود إلى أنها كفالة واحدة والأظهر أنهما إن كفلا كفالة الاشتراك فإن قالا كفلنا لك زيدا نسلمه إليك فإذا سلمه أحدهما برئ الآخر لأن التسليم الملتزم واحد فهو كأداء أحد الضامنين للمال وإن كفلا كفالة انفراد واشتراك بأن قالا كل واحد منها كفيل لك بزيد فكل منهما ملتزم له إحضارا فلا يبرأ بدونه ما دام الحق باقيا على المكفول فهو كما لو كفلا عقدين متفرقين وهذا قياس قول القاضي في ضمان الرجلين للدين واعلم أن عقود التوثقات والأمانات إذا اشتملت على جمل فإنه يمكن فيها توزيع أفراد الجملة أو أجزائها على أفراد الجملة المقابلة لها أو على أجزاء العين المقابلة لها فيقابل كل مفرد لمفرد أو كل مفرد لجزء أو كل جزء لجزء ويمكن توزيع كل فرد من الجملة على مجموع أفراد الجملة الأخرى أو أجزائها فيثبت الاشتراك بالإشاعة ويكون العقد على هذين الاحتمالين واحدا ويمكن أن يثبت حكم التوثقة والأمانة بكماله لكل فرد فرد فيكون هاهنا عقود متعددة وقد ذكرنا في هذه المسائل التفريع على هذه الاحتمالات الثلاثة فأما عقود التمليكات فلا يتأتى فيها الاحتمال الثالث ولو قيل بتعدد الصفقة فيما يتعدد المتعاقدين لاستحالة أن يكون الملك ثابتا في عين واحدة لمالكين على الكمال وإنما يقع التردد فيها بين الاحتمالين الأولين ويستثنى من ذلك صورتان إحداهما أن يوصي بعين لزيد ثم يوصي بها لعمرو ويقول ليس برجوع كما هو المشهور من المذهب فيكون كل منهما مستحقا للعين لكمالها ويقع التزاحم فيشتركان في قسمها فلو مات أحدهما قبل الموصي أو رد لاستحقها الآخر بكمالها والثانية أن يقف على قوم معينين أو موصوفين ثم على آخرين بعدهم فإن كل واحد من الطبقة الأولى مستحق لجميع الوقف بانفراده حتى لو لم يبق من الطبقة سواه لاستحق الوقف كله هكذا ذكره القاضي والأصحاب وقد نص عليه أحمد في رواية يوسف بن أبي موسى ومحمد بن عبيد الله المنادي فيمن وقف ضيعة على ولده وأولادهم
____________________
(1/291)
وأولاد أولادهم أبدا ما تناسلوا فإن حدث بواحد منهم حدث الموت دفع ذلك إلى ولده يعني الواقف وولد أولادهم يجري ذلك عليهم ما تناسلوا وقد ولد هؤلاء القوم الذين وقف عليهم أولادا هل يدخلون مع آبائهم في القسمة أو يصير هذا الشيء إليهم بعد الموت موت آبائهم ومن مات منهم ولم يخلف ولدا يرجع نصيبه إلى إخوته أم لا قال يجري ذلك على الولد وولد الولد يتوارثون ذلك حتى لا يكون للميت ولد فيرد على الباقين من إخوته وظاهر كلامه أنه يكون ترتيب أفراد بين كل ولد ووالده لقوله يتوارثون ذلك وجعل قول الواقف من مات عن ولد فنصيبه لولده مقتضيا لهذا الترتيب ومخصصا لعموم أول الكلام المقتضي للتشريك وقد زعم الشيخ مجد الدين أن كلام القاضي في المجرد يدل على خلاف ذلك وأنه يكون مشتركا بين الأولاد وأولادهم ثم يضاف إلى كل ولد نصيب والده بعد موته وليس في كلام القاضي ما يدل على ذلك لمن راجعه وتأمله وأما قوله حتى لا يكون للميت ولد فيرد على الباقين من إخوته فيعني به أن من مات عن غير ولد فنصيبه لإخوته وهذا قد يدل لما ذكره الأصحاب أن من مات من طبقة انتقل نصيبه إلى الباقين منها بإطلاق الواقف وقد يقال لا دلالة فيه على ذلك لأن هذا الواقف وقف على ولده وولد ولده أبدا بالتشريك فلو تركنا هذا ضرتك بين البطون كلها لكنه استثنى من ذلك أن من مات عن ولد فنصيبه لولده ففهم منه أن الولد لا يستحق مع والده فيبقى ما عداه داخلا في عموم أول الكلام فاستحقاق الإخوة هاهنا متلقى من كلام الواقف ومثل هذا لا نزاع فيه وإنما النزاع فيما إذا لم يدل كلام الواقف عليه ولا يقال قد دل كلام الواقف عليه حيث جعله بعد تلك الطبقة لطبقة أخرى فلم يجعل للثانية فيه حقا فيه مع وجود الأولى فدل على أن الأولى هي المستحقة ما دامت موجودة لأنه قد يجاب عنه بأن نفي استحقاق الثانية مع وجود الأولى لا يدل على أن الأولى هي المستحقة لجميعه لجواز صرفه مصرف المنقطع إلا أن هذا بعيد من مقصود الواقف والأظهر من مقصوده ما ذكرنا فعلى هذا يكون عوده إلى بقية الطبقة مستفادا من معنى كلام الواقف ويشبه ذلك ما لو وقف على فلان فإذا انقرض أولاده فعلى المساكين فهل يكون بعد موت فلان لأولاده ثم من بعدهم على المساكين أو تصرف بعد موت فلان مصرف المنقطع حتى تنقرض أولاده ثم يصرف على المساكين أو تصرف بعد موت فلان مصرف المنقطع حتى تنقرض أولاده ثم يصرف على المساكين على وجهين مذكورين في الكافي والأول قول القاضي وابن عقيل
____________________
(1/292)
ولنا في المسألة مسلك آخر وهو أن يقال الوقف تحبيس للمال في وجوه البر والموقوف عليهم هو المصرف المعين لاستحقاقه فلا يمنع أن يستحقه لكل واحد منهم بانفراده ويقع التزاحم فيه عند الاجتماع بخلاف التمليكات المحضة فإنه يستحيل أن يملك كل واحد من المملكين جميع ما وقع فيه التمليك وهذا على قولنا أن الموقوف عليه لا يملك عين الوقف أظهر ويتعلق بهذا من مسائل التوزيع ما إذا وقف على أولاده ثم على أولاد أولاده أبدا فهل يقال لا ينتقل إلى أحد من أولاد أولاده إلا بعد انقراض جميع أولاده أو ينتقل بعد كل ولد إلى ولده المعروف عند الأصحاب الأول وهو الذي ذكره القاضي وأصحابه ومن اتبعهم وحكى الشيخ تقي الدين رحمه الله وجها آخر بالثاني ورجحه فعلى الأول يكون من باب توزيع الجملة على الجملة وعلى الثاني يكون من باب توزيع المفرد على المفرد ويشهد لهذا من كلام أحمد ما رواه عنه يوسف بن أبي موسى ومحمد بن عبيد الله المنادي في رجل أوقف ضيعة على أن لعلي بن إسماعيل ربع غلتها ما دام حيا وربعا منها لولد عبد الله وولد محمد وولد أحمد بينهم بالسوية وإن مات علي بن إسماعيل فوزعوا هذين الربعين بين ولده وولد الثلاثة ففعلوا ذلك ثم إن بعض ولد علي بن إسماعيل مات وترك ولدا كيف نصنع بنصيبه يدفع إلى ولده أو يرد على شركائه ولم يقل الميت إن مات علي بن إسماعيل دفع إلى ولد ولده إنما قال ولد علي بن إسماعيل قال الإمام أحمد يدفع ما جعل لولد علي بن إسماعيل إلى ولده فإن مات بعض ولد علي بن إسماعيل دفع إلى ولده أيضا لأنه قال بين ولد علي بن إسماعيل وهذا من ولد علي بن إسماعيل فدل هذا الكلام على أصلين أحدهما أن ولد الولد داخل في مسمى الولد عند الإطلاق والثاني أنه إنما يستحقه ولد الولد بعد موت أبيه ويختص به دون طبقة أبيه المشاركين له حيث ذكر أن ابن إسماعيل توفي عن ولد وأن بعض ولده توفي عن ولد ونقل إلى هذا الولد نصيب أبيه مع وجود المشاركين للأب من إخوته ووجه هذا أنه لما رتب بين علي بن إسماعيل وولده ولم يجعل لولده شيئا إلا بعد موته فكذلك ينبغي أن يكون الترتيب بين ولده وولد ولده وهذا خلاف ما ذكره الأصحاب من الوجهين في كيفية استحقاق ولد الولد إذا قيل بدخوله في مطلق الولد هل يستحق مع الولد مشركا أو بعد انقراض الولد كلهم مرتبا ترتيب طبقة على طبقة فإن أحمد جعله مرتبا ترتيب أفراد بين كل ولد وولده فيؤخذ من ذلك أن من وقف على أولاده ثم على أولادهم أبدا أن يكون مرتبا بين كل
____________________
(1/293)
والد وولده وبين بقية طبقته وقد يفرق بينهما بأن الوقف هاهنا أولا كان بين شخص وولده فروعي هذا الترتيب في استحقاق ولده وولد ولده وليس في طبقة بعد طبقة ولكن سنذكر من كلام أحمد في مسألة التدبير ما يحسن تخريج هذا الوجه منه إن شاء الله تعالى ومنها إذا علق طلاق نسائه أو عتق رقيقه على صفات متعددة فوجد بعضها من بعض وباقيها من بعض آخر فهل يكفي في وقوع الطلاق والعتاق مع قطع النظر عن الحنث بوجود بعض الصفة فإن للأصحاب في الاكتفاء ببعض الصفة في الطلاق والعتاق طرقا ثلاثة إحداهن أنه يكتفي بها كما يكتفي بذلك في الحنث في اليمين وهي طريقة القاضي واستثنى في الجامع من ذلك أن تكون الصفة معارضة والثانية لا يكتفي بها وإن اكتفيا ببعض المحلوف عليه في الحنث لأن هذا شرط ومشروط وعلة ومعلول فلا يترتب الأثر إلا على تمام المؤثر وهي طريقة ابن عقيل وصاحب المغني والثالثة إن كانت الصفة تنتفي قطعا أو تبعا أو تصديقا أو تكذيبا فهي كاليمين وإلا فهي علة محضة فلا بد من وجودها بكمالها وهي طريقة صاحب المحرر والقاضي يفرع على اختياره في هذه المسائل فقال فيما إذا قال لعبيده إذا أديتم إلي ألفا فأنتم أحرار عتق كل واحد منهم بأداء حصته وكذلك إذا قال لعبيده إذا دخلتم الدار فأنتم أحرار عتق من دخل منهم لأن وجود الصفة تقوم مقام جميعها فمتى أدى واحد منهم عتق هكذا ذكره في باب الكتابة ورده الشيخ مجد الدين وقال هو عندي خطأ يقينا لأن هذه الصفة لا تشتمل على منع ولا حث انتهى وعندي أنه لو صح الاكتفاء ببعض الصفة هاهنا لم يصح ما قاله القاضي ولم يتفرع على الاكتفاء لبعض الصفة إذ لو كان التفريع على ذلك لعتقوا كلهم بأداء بعضهم لبعض الألف وبدخول بعضهم الدار وهذا خلاف قول القاضي وإنما يتوجه ما قاله القاضي على أن يكون من باب توزيع المفردات على المفردات فكأنه قال من دخل منكم الدار فهو حر ومن أدى إلي حصته من الألف فهو حر وهذا لا تعلق له بمسألة الاكتفاء ببعض الصفة وكلام أحمد يدل على اعتبار هذا التوزيع في مثل هذه التعليقات فإنه نص في رواية
____________________
(1/294)
مهنا في عبد بين رجلين قالا له إذا متنا فأنت حر ثم مات أحدهما عتقت حصته فقط فإذا مات الآخر عتقت حصته قال أبو بكر لأنهما كالمعتقين على انفرادهما وهذا هو المذهب عند أبي بكر وابن أبي موسى وتعليل أبي بكر يدل على أنه جعله من باب توزيع المفرد على المنفرد كأنهما قالا إن مات أحد منا فنصيبه منك حر وتأول القاضي ذلك على أن العتق حصل بوجود بعض الصفة ورده الشيخ مجد الدين بأن الصفة إنما تكفي ببعضها إذا كانت في معنى اليمين يقضي حضا أو منعا وما لم يكن كذلك كطلوع الشمس وقدوم زيد فلا يكتفي فيه بالبعض ونقل الإجماع عليه وهو مردود من وجه آخر وهو أنه لو اكتفى ببعض الصفة لعتق العبد كله عليها بموت أحدهما لم يكن وجه لعتق نصيب أحدهما وإنما لم يسر إلى نصيب صاحبه لأحد أمرين إما لأن السراية تمنع بعد الموت كما هو إحدى الروايتين أو لأن التدبير يمنع السراية وهو أحد الوجهين وخرج الشيخ مجد الدين المسألة على روايتين من مسألة تعليق العتق على صفة بعد الموت فإن في صحته روايتين أحدهما يصح هذا التعليق ولا يعتق منه شيء هاهنا حتى يموت الآخر منهما فيعتق العبد كله حينئذ والثانية لا يصح هذا التعليق ولا يعتق به شيء من العبد هاهنا لأن كلا منهما علق عتقه على موته وموت شريكه ولا يوجد إلا بعد موته ولكن هاهنا قد يمكن اجتماع موتهما في آن واحد فلا يتوجه إبطال التعليق من أصله بخلاف قوله إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر ومن هذه المسائل لو قال لزوجتيه إن دخلتما هاتين الدارين أو كلمتما زيدا وعمرا فأنتما طالقتان فكلمت إحداهما زيدا والأخرى عمرا أو دخلت كل واحدة منهما دارا وقلنا لا يكتفي ببعض الصفة فهل تطلقان أم لا فيه وجهان ذكرهما أبو الخطاب ومن بعده من الأصحاب وجعل أبو الخطاب المذهب الوقوع وإنما ذكر الأخرى تخريجا ومذهب الحنفية والمالكية الوقوع وهو أحد وجهي الشافعية مع قولهم وقول الحنفية أن بعض الصفة لا يكفي في الحنث فعلم بذلك أن هذا ليس مفرعا على الاكتفاء ببعض الصفة ويتخرج في مسائل التدبير السابقة أن تطلق هاهنا كل واحدة بدخول الدار عقب دخولها ولا يتوقف طلاقها على دخول الأخرى لأن معنى كلامه من دخلت منكما دارا من هاتين الدارين فهي طالق ويتخرج من هذا القول هاهنا فيما إذا قال لهما إن
____________________
(1/295)
حضتما فأنتما طالقان وجه أن كل واحدة تطلق بحيض نفسها وأن لا يشترط ثبوت حيض كل واحدة منهما بالنسبة إليهما بل يكفي ثبوت حقها في حيضها بإقرارها وكذلك في قوله إن شئتما فأنتما طالقتان فشاءت إحداهما أو إن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان ثم حلف بطلاق إحداهما أنها تطلق ومن العجب أن القاضي لم يفرع شيئا من هذه المسائل على اختياره في الاكتفاء بوجود بعض الصفة مطلقا سواء اقتضت حثا أو منعا أو كانت تعليقا محضا ومقتضى قوله أن يطلقا هاهنا معا بوجود حيض إحداهما ومشيئة إحداهما والحلف بطلاق إحداهما في هذه المسائل ومنها إذا قال لزوجاته الأربع أوقعت بينكن أو عليكن ثلاث تطليقات فهل تقسم كل طلقة على الأربع أرباعا ثم يكمل فيقع بهن الثلاث جميعا أو يوزع الثلاث على الأربع فيلحق كل واحدة ثلاثة أرباع طلقة ثم تكمل فتطلق كل واحدة منهن طلقة على روايتين الأولى اختيار أبي بكر والقاضي والثانية اختيار أبي الخطاب وصاحب المغني قال لأن القسمة بالأجزاء إنما تكون في المختلفات كالدور ونحوها فأما الجمل المتساوية من جنس كالنقود فإنها تقسم برءوسها ويكمل نصيب كل واحدة كأربعة لهم درهمان صحيحان يقسم لكل واحد نصف من درهم واحد فكذلك الطلقات ويمكن الأولين الجواب عن هذا بأن هذه القسمة لا تمنع الاشتراك في الاستحقاق من كل جزء ولهذا قيل في قسمة الأموال المشتركة إنها بيع ومتى ثبت استحقاق كل واحد من الشركاء لجزء من كل عين قبل القسمة توجه وقوع الطلاق الثلاث هاهنا بكل واحدة كما لو مات زوج المرأة وخلف إخوتها أرقاء مع عبيد آخر فإنه يعتق عليها من كل أخ لها بنسبة نصيبها من الميراث وإن كان نصيبها لا يستوعب قيمة الجميع ولو قال أنتن طوالق ثلاثا طلق كلهن ثلاثا نص عليه في رواية ابن منصور ولم يذكر القاضي فيه خلافا لأنه أضاف الثلاثة إلى الجميع وفي الصورتين الأولتين أرسل الثلاث بينهن أو عليهن ويتوجه تخريج الخلاف فيها أيضا لأن إضافة الثلاث إليهن لا ينافي أن يوزع الثلاثة على مجموعهن لا على كل واحدة منهن ومما يدخل في هذا الباب قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين الآية فهل المراد توزيع مجموع الصدقات على مجموع الأصناف أو كل فرد من أفراد الصدقات على مجموع الأصناف وينبني على ذلك مسألة وجوب استيعاب الأصناف بكل صدقة وفي
____________________
(1/296)
ذلك روايتان أشهرهما أنه غير واجب وهل يجب على الإمام إذا اجتمعت عنده الصدقات أنه يعم الأصناف منها أم لا قال ابن عقيل يجب على ذلك تبغضيني التوفية باستيعاب الأصناف بمجموع الصدقات كما دلت عليه الآية وقال القاضي يستحب ذلك ولا يجب لأن حق بقية الأصناف يسقط بإعطاء الملاك لهم وأيضا فليس في الآية إيجاب الاستيعاب لصدقات كل عام فيجوز تعويضهم في كل عام آخر ومما يدخل فيه أيضا قوله تعالى والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة الآية هل اقتضت مقابلة مجموع المظاهرين لمجموع نسائهم وتوزيعه مع كل مظاهر على زوجته أو مقابلة كل فرد من المظاهرين مجموع نسائه المظاهر منهن قرر أبو الخطاب وغيره من أصحابنا الثاني واستدل على أن المظاهرة من جميع الزوجات بكلمة واحدة لا يوجب سوى كفارة واحدة وكذلك قال في قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم إلى آخر الآية أن المراد حرمت على كل واحد بناته وأخواته وعماته وخالاته فأما الأمهات فجعلها في مقابلة الأفراد بالأفراد قال لأنه لما لم يتصور أن يكون للواحد أمان علم أنه أراد الواحد في مقابلة الواحد وأما ما احتمل الجمع في مقابلة الواحد فإنه عمل حيلة والأظهر والله أعلم أن الكل مما قوبل فيه الواحد بالواحد والجملة بالجملة وأن المعنى حرمت على كل واحد أمه وبنته وأخته إذ لو أريد مقابلة الواحد بالجمع لحرم على كل واحد أمهات الجميع وبناتهم وهو باطل قطعا
____________________
(1/297)
القاعدة الرابعة عشر بعد المائة إطلاق الشركة هل يتنزل على المناصفة أو هو مبهم يفتقر إلى تفسير فيه وجهان ذكرهما صاحب التلخيص في البيع والذي ذكره الأصحاب في الإقرار أنه مبهم وكذلك صرح به ابن عقيل في نظرياته مختارا له وقال القاضي في المجرد في البيع في خلافه أيضا ينزل على المناصفة وهل يقال باستحقاق الشريك من كل جزء أو بمرغينان يحتمل وجهين وكلام الأصحاب يدل على بالمزنية ويتفرع على ذلك مسائل منها لو قال لمشتري سلعة أشركني في هذه السلعة فهل يصح وينزل على المناصفة أم لا للجهالة على وجهين ذكرهما في التلخيص والمجزوم به في المحرر الصحة تنزيلا على المناصفة ومنها لو قال هذا العبد شركة بيني وبين فلان أو هو شريكي وفيه وجهان المجزوم في الإقرار الإبهام ويرجع في تفسيره إليه وهو اختيار ابن عقيل وقال القاضي في خلافه هو بينهما نصفين ومنها لو أوقع طلاقا ثلاثا بامرأة له ثم قال للأخرى شركتك معها فإن قلنا بالمناصفة اقتضى وقوع اثنتين وإن قلنا الإبهام لم يقع أكثر من واحدة لأنها اليقين إلا أن يفسره بأكثر من ذلك ويحتمل أن يقع ثلاثا بناء على أن الشركة تقتضي الاستحقاق من كل جزء وقد يقال هذا إنما يمكن في التمليكات دون طلاق فإن حقيقة الاشتراك في طلاق الأولى لا تمكن فحمل على استحقاق نظيره أما لو تعدد الشركاء فهل يقال يستحق الشريك نصف مالهم أو مثل واحد منهم على وجهين ذكرهما القاضي في البيع وبنى عليهما لو اشترى اثنان شيئا ثم اشتركا ثلاثا فيه فهل له نصفه أو ثلثه على وجهين وخرج صاحب الترغيب والشيخ مجد الدين في المسودة الوجهين فيما إذا قال لثلاثة نسوة أوقعت بينكن طلقة ثم قال لرابعة أشركتك معهن هل يقع بها طلقة واحدة أو طلقتين على الوجهين القاعدة الخامسة عشر بعد المائة الحقوق المشتركة بين اثنين فصاعدا نوعان أحدهما ما يقع استحقاق كل واحد بانفراده لجميع الحق ويتزاحمون فيه عند الاجتماع والثاني ما يستحق كل واحد من الحق بحصته
____________________
(1/298)
بخاصة وللأول أمثلة كثيرة منها الشفعاء المجتمعون كل منهم يستحق الشفعة بكمالها فإذا عفى أحدهم عن حقه توفر على الباقين ومنها غرماء المفلس الذي لا يفي ماله بدين كل واحد على انفراده وهم كالشفعاء ومنها الأولياء المتساوون في النكاح ومنها العصبات المجتمعون في الميراث ويتفرع على ذلك لو اجتمع اثنان نصف كل واحد منهما حر فهل يستحقان المال كله أم لا على وجهين أحدهما يستحقان جميع المال رجحه القاضي والسامري وطائفة من الأصحاب وله مأخذان أحدهما جمع الحرية فيها فيملك بها حرية ابن وهو مأخذ أبي الخطاب وغيره والثاني أن حق كل واحد منهما مع كمال حريته في جميع المال لا في نصفه وإنما أخذ نصفه لمزاحمة أخيه له وحينئذ فقد أخذ كل واحد منهما نصف المال هنا وهو نصف حقه مع كمال حريته فلم يأخذ زيادة على قدر ما فيه من الحرية والوجه الثاني لا يستحقان المال كله لئلا تستوي حال حريتهما الكاملة والمبعضة وهل يستحقان نصفه تنزيلا لهما حالين أو ثلاثة أرباعه تنزيلا لهما ثلاثة أحوال على وجهين ولو كان ابن نصفه حرا مع أم فعلى المأخذ الثاني في الوجه الأول يتوجه أن يأخذ نصف المال كله وهو أحد الوجوه للأصحاب ورجحه الشيخ تقي الدين وذكر أنه اختيار أبيه قيل يأخذ نصف الباقي بعد ربع الأم وهو اختيار أبي بكر والقاضي في خلافه وقيل يأخذ نصف ما كان يأخذه حال كمال الحرية وهو هنا ربع السدس وهو الذي ذكره إبراهيم الحربي في كتاب الفرائض واختاره القاضي في المجرد وابن عقيل وصاحب المحرر لأن القدر الذي حجبت عنه الأم يستحقه كله وإنما يتنصف عليه ما عداه ومنها ذو الفروض المجتمعون المزدحمون في فرض واحد كالزوجات والجدات ويتفرع على هذا إذا اجتمعت جدتان أم أم وأم أب مع ابنها الأب وقلنا إنه يحجبها فهل تستحق الأم السدس كله أو نصفه على وجهين أصحهما أنها تستحق السدس كله لزوال المزاحمة مع قيام الاستحقاق لجميعه والثاني يستحق نصفه وله مأخذان أحدهما أن أم الأب تحجبها عن السدس إلى نصفه فلا أثر لكونها محجوبة كما يحجب
____________________
(1/299)
ولد الأم الأم مع انحجابهم بالأب وفيه نظر فإن حجب الأم إنما هو بطريق المزاحمة ولا مزاحمة هنا وحجب الإخوة للأم ليس بالمزاحمة فإنهم لا يشاركونها في فرضها وإنما وجودهم هو مقتض لتنقيص فرضها والثاني أن أم الأب لها مع أم الأم نصف السدس فلما حجب الأب أمه توفر ذلك عليه لا على الأخرى ورد بأن ولد الأم يحجبون الأم عن السدس ثم لا يأخذونه بل يتوفر على الأب وقد يجاب عنه بأن ولد الأم لما كانوا محجوبين بالأب توفر ما حجبوا عنه الأم على من حجبهم وهو الأب كذلك هنا ومنها الوصايا المزدحمة في عين أو مقدار من مال فإن حق كل واحد منهم في مجموع وصيته وإنما يأخذ دون ذلك للمزاحمة فإذا رد بعضهم توفر على الباقين وإن أجاز الورثة بعض الوصايا دون بعض فهل يعطى المجاز له القدر الذي كان يأخذه في حال الإجازة للكل أو يكمل له الجزء المسمى في الوصية كله إن أمكن لقيام استحقاقه له وقد أمكن وصوله إليه بزوال المزاحمة بالرد على غيره فيه وجهان صحح صاحب المحرر الثاني ومن رجح الأول قال القدر المزاحم به كان حقا للمزاحم فإذا رده الورثة عليه توفر عليهم لا على الوصية الأخرى ويشهد للأول ما ذكره الخرقي وابن حامد والقاضي والأصحاب فيمن وصى لرجل بعبد قيمته ثلث ماله ولآخر بثلث ماله فإن أجازه الورثة فللموصى له بالعبد ثلاثة أرباعه لمزاحمة الآخر له فيه ولصاحب الثلث ربع العبد وثلث باقي المال وإن ردوا قسم الثلث بينهما نصفين فيأخذ صاحب وصية العبد بقدر سدس المال كله من العبد ويأخذ الآخر سدس العبد وسدس باقي المال لزوال المزاحمة بالرد فأمكن وصول كل منهما إلى نصف ما سمى له كاملا فلا ينقص منه وخرج صاحب المحرر وجها آخر من الوجه الثاني في المسألة التي قبلها أنه يقسم الثلث بينهما على حسب ما كان يقتسمان وصيتهما حال الإجازة فيفضل نصيب صاحب الثلث على نصيب صاحب العبد وهو اختيار صاحب المغني تسوية بينهما في الرد والإجازة وفي تخريج هذه المسألة التي قبلها نظر لأن الورثة هناك قد يكون مقصودهم بالرد على أحدهما توفير ما كان يأخذه بالمزاحمة عليهم كما لو أجازوا لصاحب الوصية بالكل
____________________
(1/300)
وردوا على الموصى له بالثلث فلو أعطينا صاحب الكل ما ردوه على صاحب الثلث لم يبق في ردهم فائدة لهم وهنا لا يخرج عنهم سوى الثلث فينبغي أن تقسم الوصيتان على قدرهما عملا بمراد الموصي من التسوية حيث أمكن ولا ضرر على الورثة في ذلك ومنها استحقاق الغانمين من الغنيمة متى رد بعضهم توفر على الباقين وسواء قلنا ملكوه بالاستيلاء أو لم يملكوه ومنها الموقوف عليهم إذا رد بعضهم توفر على الباقين كما لو مات بعضهم وقد سبقت ومنها حد القذف الموروث لجماعة يستحق كل واحد بانفراده فإذا أسقطه بعضهم فللباقين استيفاؤه وأما النوع الثاني فله أمثلة منها عقود التمليكات المضافة إلى عدد فيملك كل واحد منهم بحصته لاستحالة أن يكون كل واحد منهم مالكا لجميع العين ثم هاهنا حالتان أحدهما أن يكون التمليك بعوض مثل أن يبيع من رجلين عبدا أو عبدين بثمن فيقع الشراء بينهما نصفين ويلزم كل واحد نصف الثمن وإن كان لاثنين عبدان مفردان لكل واحد عبد فباعاهما من رجلين صفقة واحدة لكل واحد عبدا معينا بثمن واحد ففي صحة البيع وجهان أصحهما وهو المنصوص الصحة وعليه فيقتسمان الثمن على قدر قيمتي العبدين وذكر القاضي وابن عقيل وجها آخر أنهما يقتسمانه على عدد رءوس المبيع نصفين تخريجا من أحد الوجهين فيمن إذا تزوج أربعا في عقد بمهر واحد أو خالعهن بعوض واحد أنه يكون بينهن أرباعا وهو هاهنا بعيد جدا لأن البضع ليس بمال محض فكيف سوى به الأموال المبتغى بها الأرباح والتكسب وخرجاه أيضا في الكتابة وهو أقرب من البيع إذ الكتابة فيها معنى العتق الحالة الثانية أن يكون بغير عوض مثل أن يهب لجماعة شيئا أو يملكهم إياه عن زكاة أو كفارة مشاعا في الكفارة فقياس كلام الأصحاب في التمليك بعوض أنهم يتساوون في ملكهم وحكى صاحب المغني فيما إذا وضع طعاما في الكفارة بين يدي عشرة مساكين فقال هو بينكم بالسوية فقبلوه ثلاثة أوجه
____________________
(1/301)
أحدها وهو الذي جزم به أولا أنه يجزيه لأنه ملكهم التصرف فيه والانتفاع به قبل القسمة كما لو دفع دين غرمائه بينهم والثاني وحكاه عن ابن حامد يجزيه وإن لم يقل بالتسوية لأن قوله خذوها عن كفارتي يقتضي التسوية لأن ذلك حكمها والثالث وافتتاح عن القاضي أنه إن علم أنه وصل إليه كل واحد قدر حقه أجزأ وإلا لم يجزه هذا ما ذكره وأصل ذلك ما قاله القاضي في المجرد إذا أفرد ستين مدا وقال لستين مسكينا خذوها فأخذوها أو قال كلوها ولم يقل بالسوية أو قال قد ملكتموها بالسوية فأخذوها فقال شيخنا أبو عبد الله بن حامد يجزيه لأن قوله خذوها عن كفارتي يقتضي التسوية لأن حكم الكفارة أن يكون بينهم بالسوية فإن عرف أنها وصلت إليهم بالسوية أجزأه وإن علم التفاضل فمن حصل معه التفضيل فقد أخذ زيادة ومن أخذ أقل كان عليه أن يكمله وإن لم يعلم كيف وصل إليهم لم يجزيه وعليه استئنافها لأنه لم يعلم قدر ما وصل إلى كل واحد بعينه انتهى فحكى الكل عن ابن حامد وصاحب المغني جعل الإجزاء مطلقا قول ابن حامد واعتبار الوصول قول القاضي وليس كذلك وكذلك استشكل الشيخ مجد الدين ما وقع في المجرد وقال لعله وقع غلط في النسخة وليس كذلك أيضا فإني نقلت ما ذكرته قال ولعل من أصل القاضي بخطه ثم قال عندي أنا إن قلنا ملكوها بالتخلية وأنها قبض أجزأته بكل حال قال ولعل هذا اختيار ابن حامد وهذا بعيد جدا بل اختيار ابن حامد عكسه وإن الهبة والصدقة لا تملك بدون قبض وقد قدمنا ذلك عنه في مسائل القبوض وإن القبض في المنقول بالنقل فيتوجه على هذا أنه لا بد من تحقيق قبض كل واحد لمقدار ما يجزئ دفعه إليه لأنه لم يملكه بدونه ولا عبرة بالإيجاب لهم بالسوية وما حكاه القاضي عن ابن حامد يشعر بأن إطلاق قوله خذوا هذا وهو لكم لا يحمل على التسوية فإنه إنما علل بأن التسوية حكم الكفارة وهذا مخالف لما قرروه في عقود المعاوضات وأما ماحكاه في المغني من طرد الخلاف فيما لو قال هو بينكم بالسوية أو اقتصر على قوله هو بينكم ألبتة فليس ذلك في كلام القاضي ويتخرج ذلك على أصل وهو أن إطلاق البينة هل يقتضي التساوي أم لا وفي المسألة وجهان أحدهما أنه يقتضيه وهو الذي ذكره الأصحاب في المضاربة إذا
____________________
(1/302)
قال خذ هذا المال فاتجر فيه والربح بيننا أنهما يتساويان فيه وصرح القاضي وابن عقيل والأصحاب في مسألة المضاربة في أن إطلاق القرار بشيء أنه بينه وبين زيد يتنزل على الناصفة أيضا وكذلك صرحوا به في الوصايا إذا قال وصيت لفلان وفلان بمائة بينهما أن لكل واحد خمسين ونص عليه أحمد في رواية ابن منصور فيمن قال بين فلان وفلان مائة درهم وأحدهما ميت ليس للحي إلا خمسون درهما وكذلك لو قال لفلان وفلان مائة درهم وأحدهما ميت وأنكر قول سفيان بالتفرقة بينهما وهذا تصريح بأن إطلاق الوصية يتنزل على التساوي كما قال بينهما والوجه الثاني أن إطلاق البينة لا تقتضي التساوي وبه جزم القاضي في خلافه وابن عقيل في عمده في مسألة الإقرار في كتاب البيع وكذلك ذكره أبو الخطاب في الإقرار وصاحبا المغني والمحرر ومنها القصاص المستحق لجماعة بقتل موروثهم يستحق كل واحد منهم بالحصة فمن عفى منهم سقط حقه وسقط الباقي لأنه لا يتبعض وهاهنا صور مختلف فيها هل يلحق بالنوع الأول أو الثاني كالغرامات الواجبة على جماعة بسبب واحد كالمشتركين في قتل آدمي أو صيد محرم أو في وطء في الحج أو في الصيام هل يتعدد عليهم الديات والجزاء والكفارة وكذلك عقود التوثقات كالرهن والضمان والكفالة وقد سبق ذكرها القاعدة السادسة عشر بعد المائة من استند تملكه إلى سبب مستقر لا يمكن إبطاله وتأخر حصول الملك عنه فهل ينعطف إحكام ملكه إلى أول وقت انعقاد السبب ويثبت إحكامه من حينئذ أم لا يثبت إلا من حين ثبوت الملك فيه خلاف وللمسألة أمثلة كثيرة منها ملك الشفيع إذا أخذ بالشفعة وثم نخل مؤبر كان وقت البيع غير مؤبر وفيه وجهان سبق ذكرهما ومنها ملك الموصى له إذا قبل بعد الموت فهل يثبت له الملك من حين الموت أم لا وفيه خلاف معروف ومنها إذا تملك المالك للأرض زرع الغاصب بنفقته بعد بدو صلاحه فهل يجب زكاته عليه أم على الغاصب على وجهين وقد سبق في بيع الثمر قبل بدو صلاحها بشرط القطع
____________________
(1/303)
نحو ذلك ومنها الفسخ بالعيب والخيار فإنه يستند إلى مقارن للعقد فهل هو رفع للعقد من أصله أو من حينه وفيه خلاف معروف ومنها دية المقتول هل تحدث على ملك الوارث لأنها تجب بعد الموت أو على ملك الموروث لأن سببها وجد في حياته على روايتين معروفتين وحكى ابن الزاغوني في الإقناع الروايتين في القصاص أيضا هل هو واجب للورثة ابتداء أو موروث عن الميت ومنها إذا انعقد سبب الملك أو الضمان في الحياة وتحقق بعد الموت كمن نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته أو عثر بها إنسان ففيه خلاف سبق ذكره ومنها إذا كاتب عبدا ثم مات ولم يؤدي إليه شيئا فأدى إلى ورثته وعتق فهل الولاء للسيد الذي كاتبه لانعقاد سببه في ملكه أو للورثة المؤدى إليهم لتحقق السبب في ملكهم على روايتين والمذهب أن الولاء للسيد الأول ومنها إذا كاتب المكاتب عبدا فأدى إليه وعتق قبل أدائه أو أعتقه بمال وقلنا له ذلك ففي ولايته وجهان أحدهما أنه للسيد الأول وهو محكي عن أبي بكر لثبوت الولاء على هذا العتق في حال ليس مولاه من أهل الميراث فاستقر لمولى المولى والثاني هو موقوف فإن أدى المكاتب الأول وعتق فالولاء له لانعقاده له قبل عتقه وهو قول القاضي في المجرد ورجح في الخلاف قول أبي بكر حتى حكى عنه أنه لو عتق المكاتب الأول قبل الثاني فالولاء للسيد لانعقاد سبب الولاء له حيث كان المكاتب ليس أهلا له وكلام أبي بكر إنما يدل على استقرار الولاء للسيد إذا وقعت الكتابة أو العتق المنجز بإذنه وأما ما وقع بغير إذنه فالعتق عنده موقوف على أداء المكاتب الأول فينبغي أن يكون الولاء له كولاء ذوي رحمه والذين اشتراهم في حال الكتابة وأما العبد القن إذا أعتق بإذن سيده مما ملكه وقلنا بملكه فحكى صاحب المغني عن طلحة العاقولي من أصحابنا أنه موقوف فإن عتق فالولاء له وإن مات قنا فهو للسيد وفي المجرد للقاضي أن الولاء للسيد مطلقا ونص أحمد في رواية ابن منصور في عبد أذن له سيده أن يبتاع عبدا أو يعتقه أن ولاءه لسيده وقال إذا أذنوا له فكأنهم هم المعتقون وهذا يدل على الفرق بين عتق المكاتب بإذن سيده وعتقه بدونه كما سبق ويحتمل أن يكون
____________________
(1/304)
مخرجا على قوله أن العبد لا يملك وأنه أعتقه بإذن سيده بطريق الوكالة ثم ليس في نصه أن العبد عتق بعد ذلك وإنما فيه أن سيده باعه ويشبه هذه المسائل إذا أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة وأسلمن معه واختار منهن أربعا انفسخ نكاح البواقي وهل يبتدئن العدة من حين الاختيار لأن نكاحهن إنما انفسخ به أو من حين الإسلام لأنه السبب على وجهين فأما تصرف الفضولي إذا قلنا يقف على الإجازة فأجازه من عقد له فهل يقع الملك فيه من حين العقد حتى يكون النماء له أم من حين الإجازة على وجهين أحدهما من حين العقد وبه قطع القاضي في الجامع وصاحب المغني في مسألة نكاح الفضولي والثاني من حين الإجازة وبه جزم صاحب النهاية ولكن السبب هنا غير مستقر لإمكان زواله بالرد ويشهد للوجه الثاني أن القاضي صرح بأن حكم الحاكم المختلف فيه إنما يفيد صحة المحكوم به وانعقاده من حين الحكم وقبل الحكم كان باطلا ويلتحق بهذه القاعدة العبادات التي يكتفي بحصول بعض شرائطها في أثناء وقتها إذا وجد الشرط في أثنائها فهل يحكم لها بحكم ما اجتمعت شرائطها من ابتدائها أم لا فيه خلاف أيضا وينبني عليه مسائل منها إذا نوى الصائم المتطوع الصوم من أثناء النهار فهل يحكم له بحكم الصيام من أوله أم حين نواه فلا يثاب على صومه إلا من حين النية على وجهين والثاني ظاهر كلام أحمد ومنها إذا بلغ الصبي أو عتق العبد وهما محرمان قبل فوات وقت الوقوف فهل يجزئهما عن حجة الإسلام على روايتين أشهرهما الإجزاء فقيل لأن إحرامهما انعقد مراعى لأنه قابل للنقل والانقلاب وقيل بل بقدر ما مضى منه كالمعدوم ويكتفي بالموجود منه وقيل إن قلنا الإحرام شرط محض كالطهارة للصلاة اكتفى بالموجود منه وإن قيل هو ركن لم يكتف به القاعدة السابعة عشر بعد المائة كل عقد معلق يختلف باختلاف حالين إذا وجد تعليقه في أحدهما ووقوعه في الآخر
____________________
(1/305)
فهل يغلب عليه جانب التعليق أو جانب الوقوع في المسألة قولان إلا أن يقتضي اعتبار أحدهما إلى ما هو ممتنع شرعا فيلغي ويتفرع على ذلك مسائل منها الوصية لمن هو في الظاهر وارث فيصير عند الموت غير وارث أو بالعكس والمذهب أن الاعتبار بحال الموت ولم يحك الأكثرون فيه خلافا فإن الوصية للورثة لا يمكن أن تلزم والوصية للأجنبي بالثلث فما دون لا يمكن أن تقف على الإجازة ومنهم من حكى خلافا ضعيفا في الاعتبار بحال الوصية كما حكى أبو بكر وأبو الخطاب رواية أن الوصية في حال الصحة من رأس المال ولا يصح عن أحمد وإنما أراد به العطية المنجزة كذلك قال القاضي وغيره ومنها إذا علق عتق عبده في صحته بشرط فوجد في مرضه فهل يعتق من الثلث أو من رأس المال على وجهين وحكى القاضي في خلافه روايتين واختار أبو بكر وابن أبي موسى أنه يعتق من الثلث وهذا إذا لم تكن الصفة واقعة باختيار المعلق فإن كانت من فعله فهو من الثلث بغير خلاف وقد نص عليه أحمد في رواية صالح أنه إذا قال لامرأته أنت كذا وكذا وإن لم أخرج إلى البصرة وقال لم تكن لي نية في تعجيل ذلك فلا تطلق حتى يكون في وقت لا يقدر أن يخرج فيه وكذلك لو قال غلامه حر إن لم يفعل كذا وكذا فلم يكن له نية فلا يعتق حتى يكون في وقت لا يقدر أن يفعل الذي قال فإذا طلقت ورثته واعتدت وإذا عتق كان من ثلثه وهكذا حكم ما إذا أعتق حمل أمته في صحته ثم وضعته في مرضه وقلنا لا يعتق الحمل إلا بعد الوضع ومنها إذا علق طلاق امرأته في صحة على صفة فوجدت في مرضه ولم يكن من فعله فهل ترثه أم لا على روايتين والمنصوص أنها ترثه في رواية صالح ومهنا والأخرى مخرجة من مسألة قذفها في الصحة وملاعنتها في المرض ومنها إذا أوصى إلي فاسق وصار عدلا عند الموت فهل يصح الوصية بناء على قولنا لا يصح الإيصاء إلى الفاسق على وجهين ومنها لو وصى لزيد بدار ثم انهدم بعض بنائها قبل الموت فهل يدخل ملك الأنقاض في الوصية على وجهين وكذا الوجهان لو زاد فيها بناء لم يكن حال الوصية ذكر ذلك أبو الخطاب منها لو قال العبد متى ملكت عبدا فهو حر وقلنا يصح هذا التعليق من الحر كما
____________________
(1/306)
هو المشهور من المذهب ثم عتق ثم ملك عبدا فهل يعتق على وجهين ولو وصى المكاتب بشيء ثم عتق قبل موته فهل يصح وصيته خرجها الشيخ مجد الدين على وجهين ومنها لو قال العبد لزوجته إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم عتق ثم دخلت الدار فهل تطلق ثلاثا أو اثنين حيث لم يكن مالكا حال التعليق لأكثر منها على وجهين ومنها لو علق طلاق امرأته قبل الدخول على قدوم زيد مثلا ثم دخل بها ثم قدم زيد وهي حائض فإنه يقع الطلاق بدعيا لا بمعنى الإثم به بل بمعنى أمره بالمراجعة فيه ولو كان قد علق طلاقا أو غيره على طلاق البدعة ترتب عليه ولم يحك الأصحاب فيه خلافا ولو قال إن قمت فأنت طالق فقامت وهي حائض فهل يكون بدعيا قال في رعاية الانتصار مباح وفي الترغيب بدعي القاعدة الثامنة عشر بعد المائة تعليق فسخ العقد وإبطاله لوجوده إن كان فيه مقصود معتبر شرعا صح وإلا لم يصح إذ لو صح لصار العقد غير مقصود في نفسه هذا مقتضى قواعد المذهب ويتخرج على ذلك مسائل منها إذا علق الطلاق بالنكاح فالمذهب المنصوص عن أحمد أنه لا يصح لأن النكاح لا يقصد للطلاق عقيب العقد واختلفت الرواية عنه فيمن حلف لزوجته أن لا يتزوج عليها بتعليق طلاق من يتزوجها عليه بنكاحها هل يصح أم لا على روايتين لأن هذا فيه حق للزوجة فيصير مقصودا كما لو شرط أن لا يتزوج عليها فمن الأصحاب من خص الخلاف بهذه الصورة ولم يخرج ومنهم من خرج في الكل روايتين هذا كله إذا لم تكن حالة التعليق في نكاحه فإن كانت في نكاحه حينئذ وعلق طلاقها على نكاح آخر يوجد فنص أحمد في رواية ابن منصور وغيره على أنه يصح هذا التعليق وافتتاح القاضي في المجرد عن أبي بكر ورجحه ابن عقيل لأن التعليق هنا في نكاح ومن أصلنا أن صفة المطلقة تتناول جميع الأنكحة بإطلاقها وتعود الصفة فيها فكيف إذا قيدت بنكاح معين ولو علقه في ملك يمينه لأمته على نكاحها بعد عتقها فنص أحمد في رواية ابن هانئ على أنه يصح معللا بأن ملك اليمين كالنكاح في
____________________
(1/307)
استباحته الوطء فلا يكون التعليق كتعليق نكاح الأجنبية وكذلك نص فيمن أعتق أمته ثم قال لها متصلا بعتقها إن نكحتك فأنت طالق أنه يصح لأنه في هذه الحالة يملك عقد النكاح عليها قهرا فلم ينقطع آثار الملك فيه بالكلية فلذلك انعقدت فيه الصفة ومنها تعليق العتق بالملك والمذهب المنصوص صحته لأن الملك يراد للعتق ويكون مقصودا كما في شراء ذي الرحم وغيره والخلال وصاحبه لا يثبتان في المذهب في ذلك خلافا وابن حامد والقاضي يحكيان في ذلك روايتين ومنها تعليق النذر بالملك مثل إن رزقني الله مالا فلله علي أن أتصدق به أو بشيء منه فيصح ونقل الشيخ تقي الدين عليه بالاتفاق وقد دل على ذلك قوله تعالى ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن الآيات ومنها تعليق فسخ الوكالة على وجودها أو تعليق الوكالة على فسخها كالوكالة الدورية وقد ذكر صاحب التلخيص أن قياس المذهب صحة ذلك بناء على أن الوكالة قابلة للتعليق عندنا وكذلك فسخها وقال الشيخ تقي الدين لا يصح لأنه يؤدي إلى أن تصير العقود الجائزة لازمة وذلك تغيير لقاعدة الشرع وليس مقصود المعلق إيقاع الفسخ وإنما قصده الامتناع من التوكيل وحله قبل وقوعه والعقود لا تنفسخ قبل انعقادها ومنها تعلق فسخ البيع بالإقالة على وجود البيع أو تعليق فسخ النكاح بالعيب على وجود النكاح وقد صرح الأصحاب ببطلان ذلك منهم القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب معللين بأنه وقع العقد قبل عقده ومنهم من يعلل بأن الفسوخ لا تقبل التعليق وقد صرح كثير منهم كالقاضي وأبي الخطاب وابن عقيل وصاحب المغني بهذا المأخذ وهو مخالف لما نص عليه أحمد في مسألة إن جئتني بالثمن إلى كذا وكذا وإلا فلا بيع بيننا أنه يصح ويكون تعلقا للفسخ على شرط وقد صرح القاضي في جوازه في البيع خاصة في خلافه ومن المتأخرين من صرح به في فسخ الإجارة أيضا ومنها تعليق فسخ التدبير بوجوده وصرح القاضي في المجرد بامتناعه فيما إذا قال لأمته المدبرة كلما ولدت ولدا فقد رجعت في تدبيره فقال لا يكون رجوعا لأن الرجوع إنما يصح في تدبير موجود هذا بعد ما خلق فكيف يكون رجوعا كما لو قال لعبده متى دبرتك فقد رجعت لم يصح هذا لفظه
____________________
(1/308)
القاعدة التاسعة عشر بعد المائة إذا وجدنا لفظا عاما قد خص بعض أفراده بحكم موافق للأول أو مخالف له فهل يقضي بخروج الخاص من العام وانفراده بحكمه المختص به أو يقضي بدخوله فيه فيتعارضان مع اختلاف الحكم ويتعدد سبب الاستحقاق مع إبقائه هذا على قسمين أحدهما أن يكون الخاص والعام في كلام واحد متصل فالمذهب أنه يفرد الخاص بحكمه ولا يقضي بدخوله في العام وسواء إن كان ذلك الحكم مما يمكن الرجوع عنه كالوصايا أو لا يمكن كالإقرار ويتفرع على ذلك مسائل منها لو قال هذه الدار لزيد ولي منها هذا البيت قبل ولم يدخل البيت في الإقرار صرح به الأصحاب ويجيء على هذا اختيار ابن عقيل في مسألة كان له علي وقضيته أنه لا يقبل منه في القضاء أن لا يقبل هاهنا أفراد البيت لأن مأخذه أن المعطوف بالواو جملة مستقلة غير مرتبطة بما قبلها فهي دعوى مستقلة كما قالوا في قوله أنت طالق وعليك ألف أنها تطلق بغير عوض بخلاف الاستثناء والصفات فإنها مع ما قبلها شيء واحد والصحيح الأول وأن المعطوف بالواو مع المعطوف عليه في حكم الجملة الواحدة وهو المنصوص عن أحمد وأما أنت طالق وعليك ألف ففيها روايتان ومأخذ الوقوع بغير عوض ما ذكروه ومنها لو وصى لزيد بشيء وللمساكين بشيء وهو مسكين فإنه لا يستحق مع المساكين من نصيبهم شيئا نص عليه أحمد في رواية ابن هانئ وعلي بن سعيد ونقل القاضي فيما قرأته بخطه الاتفاق على أن زيدا لا يستحق من وصية المساكين في مثل هذه الصورة وإن كان مسكينا مع أن ابن عقيل في فنونه حكى عنه أنه خرج وجها آخر بمشاركتهم إذا كان مسكينا ومنها لو وصى لزيد بخاتم وبفصه لآخر أو وصى لرجل بعبد وبمنافعه لآخر أو لأحدهما بالدار ولآخر بسكناها ونحو ذلك بلفظ لا يقتضي انفراد كل واحد بما وصى له به صريحا فقال أبو بكر في الشافي لكل واحد منهما ما وصى له به لا يشاركه الآخر فيه وحمله الشيخ مجد الدين على أنه كان في كلام واحد متصل وأخذه من مسألة الإقرار السابقة والمنصوص عن أحمد هاهنا التوقف قال مهنا سألت أبا عبد الله عن رجل أوصى بعبد لرجل ثم أوصى به لآخر قال هذه
____________________
(1/309)
مشكلة فقلت له فإن ناسا يقولون يكون العبد بينهم نصفين قال لا فقلت له فإن أوصى بدار لرجل وأوصى بغلتها لآخر فقال هذه مثل تلك فقلت لأبي عبد الله أنه أوصى بخاتمه لرجل وأوصى بالفص لآخر فقال وهذه أيضا مثل تلك ولم يخبرني فيهم بشيء فتوقف في المسألة وأنكر قوله من قال بالاشتراك في العبد إذا أوصى به لاثنين وجعل حكم الوصية بالدار وغلتها والخاتم وفصه حكم الوصية بعبد لاثنين فدل على أنه لا اشتراك في الفص والغلة وظاهر كلامه أنه يكون للموصى له به بخصوصه لكن هذا قد يكون مأخذه أن الوصية الثانية رجوع عن الأولى كما أشعر به كلامه في العبد والمشهور في المذهب أن الوصية بعين مرة لرجل ومرة لغيره لا يكون رجوعا بل يشتركان فيها كما نص عليه أحمد في الوصية بالأجزاء المنسوبة كالثلث ونحوه ومنها لو وصى لرجل بثلثه ووصى لآخر بقدر منه قال أحمد في رواية الحسن بن ثواب في رجل قال ثلثي هذا لفلان ويعطى فلان منه مائة درهم في كل شهر إلى أن يموت قال هو للآخر منهما قيل كيف قال لأن الوصية رجعت إلى الذي قال ويعطى هذا منه كل شهر وإذا مات هذا أو فضل شيء يرد إلى صاحب الثلث هذه الرواية تدل على تقدم الوصية بالمقدر على الوصية بالجزء المنسوب لأنهما كالخاصة والعامة وكتب القاضي بخطه على حاشية الجامع للخلال ظاهر كلام أحمد أن الوصية الثانية تقتضي الرجوع عن الأولى لأن الثانية تستغرق جميع المال إذ العمر ليس له حد معروف قال وقد قيل لا يكون رجوعا ويقسم الثلث على أربعة للموصى له بالثلث سهم وثلاثة للآخر كما لو وصى لرجل بماله ولآخر بثلثه انتهى وكلا الوجهين المذكورين فيهما ضعف لأن أحمد رد الفضل عن النفقة إلى الأول وهذا يبطل أنه رجوع ولأن الوصية للثاني إنما هي من الثلث فكيف تكون وصية بالمال كله فتعين حملها على ما قدمناه أولا فأما المسألة التي ذكرها الخرقي في كتابه وهي إذا أوصى لرجل بمعين من ماله كعبد ولآخر وتبعه بجزء مشاع منه كالثلث أن الوصيتين يزدحمان في المعين مع الإجازة كما لو وصى به لاثنين وتبعه على ذلك ابن حامد والقاضي والأصحاب فهذا قد يحمل على ما إذا كانت الوصيتان في وقتين مختلفين ولا إشكال على هذا وإن حمل على إطلاقه وهو الذي اقتضاه كلام الأكثرين فهو وجه آخر ونصوص أحمد وأصوله تخالفه
____________________
(1/310)
كنصه في رواية مهنا في الوصية بالعبد لاثنين ونصه على أن من وصى لزيد بشيء ولجيرانه بشيء وزيد من جيرانه أنه لا يستحق من الوصية للجيران شيئا وقد ذكر ابن حامد أن الأصحاب استشكلوا مسألة الخرقي وأنكروها عليه ونسبوه إلى التفرد بها القسم الثاني أن يكون الخاص والعام في كلامين منفردين فهاهنا حالتان إحداهما أن يكون المتكلم بها لا يمكنه الرجوع عن كلامه ولا يقبل منه كالأقارير والشهادات والعقود فيقع التعارض في الشهادات ولا يكون الإقرار الثاني ولا العقد الثاني رجوعا عن الأول هكذا ذكره غير واحد المتأخرين مع أن كلام أحمد وأبي بكر عبد العزيز في أن الخاص لا يدخل في العام ليس فيه تفصيل بين الكلام الواحد وغيره وقد يقال إن الخاص لا يدخل في العام مطلقا ويكون تخصيصه بالذكر قرينة مخرجة من العموم ما لم يعارض ذلك قرينة تقتضي دخوله فيه وعلى تقدير دخوله فيه بقرينة أو مطلقا فإذا تعارض دلالة العام ودلالة الخاص في شيء فهل ترجع دلالة الخاص أم يتساويان ذكر ابن عقيل في الواضح أنهما يتساويان وذكر أبو الخطاب في التمهيد أنه يقدم دلالة الخاص وهذا هو الذي ذكره القاضي وابن عقيل أيضا والأصحاب كلهم في مسألة تخصيص القرآن بخبر الواحد وفي مسألة تقديم الخاص على العام عند التعارض وإن علم تقدم الخاص حتى قال أبو الخطاب وغيره لا يجوز أن ينسخ العام الخاص لأنه ليس بمساو له والحالة الثانية أن يكون الرجوع ممكنا كالوصية وعزل الإمام لمن يمكنه عزله وولايته فهذا يشبه تعارض العام الخاص في كلام الشارع في الأحكام وفي ذلك ثلاث روايات أشهرهن تقديم الخاص مطلقا وتخصيص العموم به سواء جهل التاريخ أو علم والثانية إن جهل التاريخ فكذلك والإقدام المتأخر منهما والثالثة إن علم التاريخ عمل بالمتأخر وإن جهل تعارضا ويتصل بهذه القاعدة قاعدتان إحداهما إذا اجتمع في شخص استحقاق بجهة خاصة كوصية معينة وميراث واستحقاق بجهة عامة كالفقر والمسكنة فإنه لا يأخذ إلا بالجهة الخاصة نص عليه أحمد ويتفرع على ذلك مسائل منها إذا وصى لزيد بشيء ولجيرانه بشيء وهو من الجيران فإنه لا يعطى من نصيب الجيران
____________________
(1/311)
ومنها إذا وصى لزيد بشيء وللفقراء بشيء وزيد فقير لا يعطي من نصيب الفقراء شيئا نص أحمد على الصورتين وخرج القاضي فيما نقله ابن عقيل في فنونه الاستحقاق بجهة الفقراء والجوار كما يستحق عامل الزكاة الأخذ بجهة الفقر مع العمالة ومنها لو وصى لأقاربه بشيء ووصى أن يكفر عنه بإيمان فلا يعطى من الكفارة من أخذ من الوصية من الأقارب نص على ذلك في رواية صالح ومنها لو وصى للفقراء وورثته فقراء لم يجز لهم الأخذ من الوصية نص عليه في رواية حرب وقال الوارث لا يصرف في المال مرتين على أن الوارث لا يحج عن الميت ويأخذ الوصية وحمله القاضي على منعه من أخذ الزائد عن نفقة المثل فأما نفقة المثل فيجوز لأنها معاوضة القاعدة الثانية إذا اجتمعت صفات في عين فهل يتعدد الاستحقاق بها كالأعيان المتعددة المشهور في المذهب أنها كالأعيان في تعدد الاستحقاق ويندرج تحت ذلك صور منها الأخذ من الزكاة بالفقر والغرم والغزو ونحوه ومنها الأخذ من الخمس بأوصاف متعددة ومنها الأخذ من الصدقات المنذورة والفيء والوقوف ومنها المواريث بأسباب متعددة كالزوج ابن عم وابن العم إذا كان أخا لأم بالاتفاق وكذلك الجدات المدليات بقرابتين والأرحام والمجوس ونحوهم ممن يدلي بنسبين فإنهم يرثون بالجميع على الصحيح من المذهب ومنها في تعليق الطلاق كما لو قال إن كلمت رجلا فأنت طالق وإن كلمت فقيها فأنت طالق وإن كلمت أسود فأنت طالق فكلمت رجلا فقيها أسود طلقت ثلاثا وكذا لو قال إن ولدت ولدا فأنت طالق وإن ولدت أنثى فأنت طالق فولدت أنثى طلقت طلقتين وقال الشيخ تقي الدين لا تطلق إلا طلقة واحدة في المسائل كلها مع الطلاق لأن الأظهر من مراد الحالف أنت طالق سواء ولدت ذكرا أو أنثى وسواء كلمت رجلا أو فقيها أو أسود فينزل الإطلاق عليه لاشتهاره في العرف إلا أن ينوي خلافه
____________________
(1/312)
ونص الإمام أحمد في رواية ابن منصور فيمن قال لامرأته أنت طالق طلقة إن ولدت ذكرا وطلقتين إن ولدت أنثى فولدت ذكرا وأنثى أنه على ما نوى إنما أراد ولادة واحدة وأنكر قول سفيان أنه يقع عليها فالأول ما علق وبه وتبين بالثاني ولا تطلق به وقول سفيان وهو الذي عليه أصحابنا أبو بكر وأبو حفص والقاضي وأصحابه وكذلك ابن حامد وزاد أنها تطلق بالثاني أيضا والمنصوص أصح لأن الحالف إنما حلف على حمل واحد وولادة واحدة والغالب أنه لا يكون إلا ولدا واحدا لكنه لما كان ذكرا مرة وأنثى أخرى نوع التعليق عليه فإذا ولدت هذا الحمل ذكرا وأنثى لم يقع به المعلق بالذكر والأنثى جميعا بل المعلق بأحدهما فقط لأنه لم يقصد إلا إيقاع أحد الطلاقين وإنما ردده لتردده في كون المولود ذكرا أو أنثى وينبغي أن يقع أكثر الطلاقين إذا كان القصد تطليقها بهذا الوضع سواء كان ذكرا أو أنثى لكنه أوقع بولادة أحدهما أكثر من الآخر فيقع به أكثر المعلقين تنبيه إذا كانت الجهة واحدة لم يتعدد الاستحقاق بتعدد الأوصاف المدلية إليها كالوصية لقرابته إذا أدلى شخص بقرابتين والآخر بقرابة واحدة ذكره القاضي في خلافه في الوصية للإخوة أنه يستوي الإخوة للأبوين والإخوة للأب والإخوة للأم لأن الكل مشتركون في جهة الأخوة فلا عبرة بتعدد الجهات الموصلة إليها القاعدة العشرون بعد المائة يرجح ذو القرابتين على ذي القرابة الواحدة وإن لم تكن إحداهما لها مدخل في الاستحقاق في مسائل منها في الأخ للأبوين على الأخ للأب في الميراث بالولاء رواية واحدة وخرج ابن الزاغوني في كتابه التلخيص في الفرائض رواية أخرى باشتراكه في مسألة النكاح ومنها تقديم الأخ للأبوين على الأخ للأب في ولاية النكاح في إحدى الروايتين اختارها أبو بكر ورجحه صاحب المغني ومنها تقديمه عليه في حمل العاقلة وفيه الروايتان ومنها تقديمه عليه في الصلاة على الجنازة وفيه الروايتان أيضا ومنها في الوقف المقدم فيه بالقرب وكذلك الوصية فيترجح الأخ للأبوين على الأخ للأب صرح به القاضي والأصحاب في الوصية وعللوا بأن الانفراد بالقرابة كالتقدم
____________________
(1/313)
بدرجة وخالف الشيخ تقي الدين في الوقف وقال لا يرجع فيه بالقرابة الأجنبية عن استحقاق الوقف القاعدة الحادية والعشرون بعد المائة في تخصيص العموم بالعرف وله صورتان إحداهما أن يكون قد غلب استعمال الاسم العام في بعض أفراده حتى صار حقيقة عرفية فهذا يختص به العموم بغير خلاف فلو حلف لا يأكل شواء اختصت يمينه باللحم المشوي دون البيض وغيره مما يشوى وكذلك لو حلف على لفظ الدابة والسقف والسراج والوتد لا يتناول إلا ما يسمى في العرف كذلك دون الآدمي والسماء والشمس والجبل فإن هذه التسمية فيها هجرت حتى عادت مجازا الصورة الثانية أن لا يكون كذلك وهو نوعان أحدهما ما لا يطلق عليه الاسم العام إلا مقيدا به ولا يفرد بحال فهذه لا يدخل في العموم بغير خلاف نعلمه فخيار شنبر وتمر هندي لا يدخلان في مطلق الثمر والخيار ذكره القاضي في خلافه ونظيره ماء الورد لا يدخل في اسم الماء المطلق والنوع الثاني ما يطلق عليه الاسم العام لكن الأكثر أن لا يذكر معه إلا بقيد أو قرينة ولا يكاد يفهم عند الإطلاق دخوله فيه ففيه وجهان ويتفرع عليهما مسائل منها لو حلف لا يأكل الرءوس فقال القاضي يحنث بأكل كل ما يسمى رأسا من رءوس الطيور والسمك ونقله في موضع عن أحمد وقال في موضع العرف يعتبر في تعميم الخاص لا في تخصيص العام وقال أبو الخطاب لا يحنث إلا برأس يؤكل في العادة مفردا وكذلك ذكر القاضي في موضع من خلافه أن يمينه تختص بما يسمى رأسا عرفا وحكى ابن الزاغوني في الإقناع روايتين إحداهما يحنث بأكل كل رأس والثانية لا يحنث إلا بأكل رأس بهيمة الأنعام خاصة وعزى الأولى إلى الخرقي وفي الترغيب ذكر الوجه الثاني أنه لا يحنث إلا بأكل رأس يباع مفردا للأكل عادة قال فإن جرت عادة قوم بأكل رءوس الظباء حنث به في ذلك المكان وفي غيره وجهان مأخذهما هل الاعتبار بأصل العادة أو عادة الحالف انتهى
____________________
(1/314)
ومنها لو حلف لا يأكل البيض فهو على الوجهين أيضا فيحنث عند القاضي بأكل بيض السمك وغيره ولا يحنث عند أبي الخطاب إلا بأكل بيض يزايل بائضه في حياته وزعم صاحب الكافي أن التخصيص هنا إنما كان إضافة الأكل إلى الرءوس والبيض حيث كانت العادة تختص بعض أنواعها وظاهر كلامه أنه لو علق حكما سوى الأكل لعم بغير خلاف وفيه نظر ومنها لو حلف لا يأكل اللحم فأكل لحم السمك ففيه وجهان أيضا وقال أحمد في رواية صالح هو على نيته قال القاضي معناه إن نوى لحما بعينه لم يحنث بأكل غيره مع الإطلاق وهو قول الخرقي وقال ابن أبي موسى لا يحنث مع الإطلاق وإنما يحنث بإدخاله بالنية ولعله ظاهر كلام أحمد ومنها لو حلف لا يدخل بيتا فدخل مسجدا أو حماما فالمنصوص في رواية مهنا أنه يحنث وأنه لا يرجع في ذلك إلى نية واستدل بأن المسجد والحمام يسمى بيتا بالكتاب والسنة وهذا يخالف نصه في رواية صالح في لحم السمك فيخرج له في المسألة روايتان وخرج الأصحاب في هذا وجها بعدم الحنث وخرجه صاحب المحرر من نصه الآتي فيمن حلف بصدقة ماله أنه يختص بما يسمى عنده مالا وكذا الخلاف لو حلف لا يركب فركب سفينة ومنها لو حلف لا يشم الريحان فقال القاضي تختص يمينه بالفارسي لأنه المسمى بالريحان عرفا وقال أبو الخطاب وغيره يحنث بكل نبت له رائحة طيبة لأنه ريحان حقيقة وهذا يعاكس قولهما في مسألة الرءوس والبيض ومنها لو حلف لا يأكل لحم بقر فهل يحنث بأكل لحم بقر الوحش على وجهين ذكرهما في الترغيب وخرجهما من وجهين حكاهما فيما إذا حلف لا يركب حمارا فركب حمارا وحشيا هل يحنث أم لا والخلاف هاهنا يقرب أخذه من مسألة وجوب الزكاة في بقر الوحش والحنث في مسألة الركوب أضعف لأن الركوب إنما يراد به الحمار الأهلي ويشبه هذا الخلاف لأصحابنا في مرور الحمار الوحشي بين يدي المصلي هل يقطع صلاته أم لا وقد حكاه أبو البقاء في شرح الهداية ومنها لو حلف لا يتكلم فقرأ أو سبح هل يحنث أو لا المشهور أنه لا يحنث وتوقف أحمد في رواية ومنها لو حلف بعتق عبيده أو أعتقهم منجزا فقال الخرقي وأبو بكر يتناول القن والمدبر والمكاتب وأم الولد وأشقاصه وزاد القاضي عبيد عبده التاجر ونص عليه أحمد
____________________
(1/315)
في المكاتب في رواية ابن منصور وخرج القاضي رواية بعدم دخول المكاتبين بدون نية من رواية مهنا في الأشقاص أنهم لا يدخلون في عتق المماليك إلا أن ينويهم ومأخذه أنهم خارجون من مسمى الرقيق والمملوك عرفا ولو قيل إن أم الولد كذلك لم يبعد ومنها لو حلف بصدقة ماله وأراد البر أو نذره نذر تبرر فإنه يتصدق بثلث جميع ماله عند الأصحاب ونقل الأثرم عن أحمد أنه سئل هل الثلث من الصامت خاصة أو من جميع ما يملك فقال ذلك على قدر ما نوى وعلى قدر مخرج يمينه والأموال عند الناس تختلف الأعراب يسمون الإبل والغنم الأموال وغيرهم يسمى الصامت وغيرهم الأرضين فلو أن أعرابيا قال مالي صدقة أليس كنا نأخذ بإبله أو نحو هذا قال القاضي في خلافه فظاهر هذا أنه يرجع إلى نيته في ذلك فإن أطلق يرجع إلى عرف الإطلاق عند الناذر وقال أحمد أيضا في رواية صالح إذا قال جاريتي حرة إن لم أصنع كذا وكذا قال ابن عمر وابن عباس تعتق وإذا قال مالي في المساكين لم يدخل فيه جاريته قال القاضي فظاهر هذا أن الأمة لا تدخل في عموم المال قال والمذهب التعميم والعجب أنه لم يحك بالتعميم عن أحمد نصا صريحا ولا ظاهرا ومنها لو حلف لا مال له وله مال غير زكوي فقال الأصحاب يحنث وأخذوه من المسألة التي قبلها قال ابن الزاغوني في الإقناع وظاهر كلام أحمد أنه لا يحنث لأنه قال في رواية الحربي نحن لا نعد الدار والثياب والخادم مالا القاعدة الثانية والعشرون بعد المائة يخص العموم بالعادة على المنصوص وذلك في مسائل منها لو وصى لأقربائه أو أهل بيته قال أحمد في رواية ابن القاسم إذا قال لأهل بيتي أو قرابتي فهو على ما يعرف من مذهب الرجل إن كان يصل عمته وخالته ونقل سندي نحوه وقال في رواية صالح في الوصية لأهل بيته ينظر من كان يصل من أهل بيته من قبل أبيه وأمه فإن كان لا يصل قرابته من قبل أمه فأهل بيته من قبل أبيه واختلف الأصحاب في حكاية هذه الرواية على طريقين أحدهما أنها رواية ثالثة في قرابة الأم خاصة أنهم لا يدخلون في الوصية إلا إن كان يصلهم في حياته وهذه طريقة القاضي في المجرد والطريق الثاني أنها هي المذهب وأن الاعتبار بمن كان يصله في حياته بكل حال فإن لم تكن له عادة بالصلة فهي لقرابة الأب وهي طريقة القاضي في خلافه ونقل عن
____________________
(1/316)
أحمد أنه لا اعتبار بالصلة قال في رواية ابن منصور في رجل وصى في فقراء أهل بيته وله قرابة في بغداد وقرابة في بلاده وكان يصل في حياته الذين ببغداد قال يعطي هؤلاء الحضور والذين في بلاده وكذلك نقل عبد الله أبو حفص البرمكي هذا قول آخر لا يعتبر بمن كان يصل في حياته قلت ويحتمل أن يقال منع الصلة هاهنا لمن ليس ببغداد قد علم سببه وهو تعذر الصلة للبعد والكلام إنما هو فيما تركه مع القدرة عليه قال القاضي ويشهد لرواية ابن منصور ما روى عبد الله عنه في رجل وصى بصدقة في أطراف بغداد وقد كان ربما تصدق في بعض الأرباض وهو حي قال يتصدق عنه في أبواب بغداد كلها ومنها لو وصى لقرابة غيره وكان يصل بعضهم أو وصى للفقهاء أو الفقراء وكان يصل بعضهم قال القاضي في خلافه لا رواية فيه ولا يمتنع أن نقول فيه ما نقوله في أقارب نفسه ومنها لو وقف على بعض أولاده ثم على أولاد أولاده فهل يختص البطن الثاني بأولاد المسمين أو لا أو يشمل جميع ولد ولده نص أحمد في رواية حرب على أنه يشمل جميع ولد الولد ويتخرج وجه آخر بالاختصاص بولد من وقف عليهم اعتبارا بآبائهم فإن هذه عطية واحدة فحمل بعضها على بعض أقرب من حمل الوصية على العطية في الحياة وهذا النص هو قوله في رواية حرب في رجل له ولد صغار خاف عليهم الضيعة فأوقف ماله على ولده وكتب كتابا وقال هذا صدقة على ولده فلان وفلان سماهم ثم قال وولد ولده وله ولد غير هؤلاء قال هم شركاء فحمله الشيخان صاحب المغني وصاحب المحرر على ما قلنا وتبويب الخلال يدل عليه وقد يقال إنما عم البطن الثاني ولد الولد لأن تخصيص البطن بالصغار كان لخوفه عليهم الضيعة وهذا المعنى مفقود في البطن الثاني فذلك أشرك فيه أولاد الأولاد كلهم وحمله القاضي وابن عقيل على أن البطن الأول يشترك فيه ولد المسلمون وغيرهم أخذا من عموم قوله صدقة على ولده وتخصيص بعضهم بالذكر لا يقتضي التخصيص بالحكم لقوله تعالى وملائكته ورسله وجبريل وميكال وهذا فاسد لأن الآية فيها عطف نسق بالواو وهاهنا إما عطف بيان أو بدل وأيهما كان فيقتضي التخصيص بالحكم لأن عطف البيان موضح لمتبوعه ومطابق له وإلا لم يكن بيانا والبدل هو الواسطة المقصود بالحكم فيعين التخصيص به ولهذا لو قال من له أربع زوجات زوجتي فلانة طالق لم تطلق الثلاث البواقي أو قال من له عبيد عبدي
____________________
(1/317)
فلان حر لم يعتق من عداه بغير خلاف ومنها لو استأجر أجيرا يعمل له مدة معينة حمل على ما جرت العادة بالعمل فيه من الزمان دون غيره بغير خلاف ومنها لو حلف لا يأكل من هذه الشجرة اختصت يمينه بما يؤكل منها عادة وهو الثمر دون ما لا يؤكل عادة كالورق والخشب القاعدة الثالثة والعشرون بعد المائة ويخص العموم بالشرع أيضا على الصحيح في مسائل منها إذا نذر صوم الدهر لم يدخل في ذلك ما يحرم صومه من أيام السنة أو وما يجب صومه شرعا كرمضان على أصح الروايتين ومنها لو حلف لا يأكل لحما لم يتناول يمينه اللحم المحرم على أحد الوجهين ومنها لو وصى لأقاربه لم يدخل فيهم الوارثون في أحد الوجهين حكاهما في الترغيب وظاهر كلامه الدخول وظاهر كلام ابن أبي موسى وابن عقيل خلافه ومنها لو وكله أن يطلق زوجته فهل يدخل فيه الطلاق المحرم على وجهين ذكرهما ابن عقيل وصاحب المحرر ومنها لو نذر اعتكاف شهر متتابع فله أن يعتكف في غير الجامع ويخرج إلى الجمعة لاستثنائها بالشرع وفيه وجه لا يجوز الاعتكاف في غير الجامع والأول المذهب كما أنه لا ينقطع في الصيام المتتابع بصوم رمضان ولا فطر أيام النهي القاعدة الرابعة والعشرون بعد المائة هل نخص اللفظ العام بسببه الخاص إذا كان السبب هو المقتضي له فيه وجهان أحدهما لا يخص به بل يقضي بعموم اللفظ وهو اختيار القاضي في الخلاف والآمدي وأبي الفتح الحلواني وأبي الخطاب وغيرهم وأخذوه من نص أحمد في رواية علي بن سعيد فيمن حلف لا يصطاد من نهر لظلم رآه فيه ثم زال الظلم قال أحمد النذر يوفى به وكذلك أخذوه من قاعدة المذهب فيمن حلف لا يكلم هذا الصبي فصار شيخا أنه يحنث بتكليمه تغليبا للتعيين على الوصف قالوا والسبب والقرينة عندنا تعم الخاص ولا تخصص العام
____________________
(1/318)
والوجه الثاني لا يحنث وهو الصحيح عند صاحبي المغني والمحرر ولكن صاحب المحرر استثنى صورة النهر وما أشبهها كمن حلف لا يدخل بلدا لظلم رآه فيه ثم زال وصاحب المغني عزى الخلاف إليها ورجحه ابن عقيل في عمد الأدلة وقال هو قياس المذهب لأن المذهب أن الصفة لا تنحل بالفعل حالة البينونة لأن اليمين بمقتضى دلالة الحال تقتضي التخصيص بحالة الزوجية دون غيرها وكذلك جزم به القاضي في موضع من المجرد واختاره الشيخ تقي الدين وفرق بينه وبين مسألة النهر المنصوصة بأن نص أحمد إنما هو النذر والناذر إذا قصد التقرب بنذره لزمه الوفاء مطلقا كما منع المهاجرون من العود إلى ديارهم التي تركوها لله وإن زال المعنى الذي تركوها لأجله فإن ترك شيئا لله يمتنع فيه العود مطلقا وإن كان بسبب قد يتغير ولهذا نهى المتصدق أن يشتري صدقته وهذا أحسن وقد يكون جده صاحب المحرر لحظ هذا حيث خص صورة النهر بالحنث مع الإطلاق بخلاف غيرها من الصور وأما مسألة الحلف على العين الموصوفة بالصفة فإن كان ثم سبب يقتضي اختصاص اليمين بحال بقاء الصفة لم يحنث بالكلام بعد زوالها صرح به في الكافي والمحرر فهي كمسألتنا ويتفرع على هذه القاعدة مسائل منها لو دعي إلى غداء فحلف لا يتغدى فهل يحنث بغداء غير ذلك المحلوف بسببه على وجهين وجزم القاضي في الكفاية وصاحب المحرر بعدم الحنث ومنها لو حلف لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى فلان القاضي فعزل فهل تنحل يمينه على وجهين وفي الترغيب وإن كان السبب أو القرائن تقتضي حالة الولاية اختص بها وإن كانت تقتضي الرفع إليه بعينه مثل أن يكون مرتكب المنكر قرابة الوالي مثلا وقصد إعلامه بذلك لأجل قرابته وذكر الولاية تعريفا تتناول اليمين حال الولاية والعزل وإن لم يكن دلالة بحال فهل يبر برفعه إليه بعد العزل ويحنث بتركه على وجهين فإن كانت يمينه رفعه إلى الولي من غير تعيين فهل يتعين المنصوص في الحال أم يبرأ بالرفع إلى كل من ينصب بعده على وجهين لتردد الألف واللام بين تعريف العهد والجنس ولو علم بمنكر بعد علم الوالي احتمل وجهين أحدهما أن البر قد فات كما لو رآه معه والثاني لم يفت لأن صورة الرفع ممكنة ثم على الوجه الأول يخرج على ما إذا تبدد الماء الذي في الكوز بعد حلفه على شربه أو أبرأه من الدين بعد حلفه على قضائه وفيه وجهان انتهى
____________________
(1/319)
فجعل محل الوجهين إذا انتفت القرائن والدلائل بالكلية ومع دلالة الحال والسبب يختص الرفع بحالة الولاية وجها واحدا ومنها لو حلف على عبده أو زوجته أو لغريمه لا يخرج إلا بإذنه ثم باع العبد وطلق الزوجة ووفى الغريم فهل تنحل يمينه على الوجهين ومنها لو قالت له زوجته تزوجت علي قال كل امرأة لي طالق فإن المخاطبة تطلق بذلك نص عليه في رواية المروذي وابن هانئ وكذلك نقل عنه أبو داود السجستاني في رجل تزوج امرأة فقيل له إن لك غيرها فقال كل امرأة لي طالق فسكت فقيل إلا فلانة فقال إلا فلانة فإن لم أعنها فأبى أن يفتي فيه وهذا توقف منه وخرج ابن عقيل في عمد الأدلة المسألة على روايتين القاعدة الخامسة والعشرون بعد المائة النية النية تعم الخاص وتخصص العام بغير خلاف فيها وهل تقيد المطلق أو تكون استثناء من النص على وجهين فيها فهذه أربعة أقسام أما القسم الأول فله صور كثيرة منها لو حلف على زوجته لا تركت هذا الصبي يخرج فخرج بغير اختيارها فنص أحمد في رواية مهنا أنه إن نوى أن لا يخرج من الباب فخرج فقد حنث وإن كان نوى أن لا تدعه لم يحنث لأنها لم تدعه ومنها لو قال إن رأيتك تدخلين هذه الدار فأنت طالق فنص أحمد في رواية مهنا أنه وإن أراد أن لا تدخلها بالكلية فدخلت ولم يرها حنث وإن كان نوى إذا رآها فلا يحنث حتى يراها تدخلها وقرر القاضي في موضع أن هذا اللفظ ونحوه موضوع في العرف لعموم الامتناع وكذلك ابن عقيل فعلى هذا لا يحتاج إلى نية العموم بل إذا أطلق اقتضى الامتناع من شرب الماء فما فوقه خاصة وصرح به ابن عقيل ومنها لو حلف لا يدخل هذا البيت يريد هجران قوم فدخل عليهم بيتا آخر حنث نص عليه في رواية أحمد بن يحيى الكحال ومنها فلو حلف لا يشرب له الماء ونوى الامتناع من جميع ماله حنث بتناول كل ما يملكه ومنها لو حلف أن لا يضربه ونوى أن لا يؤلمه حنث بكل ما يؤلمه من خنق وعض
____________________
(1/320)
وغيرهما نص عليه ومنها لو حلف لا يكلم امرأته يقصد هجرانها بذلك حنث بوطئها أومأ إليه أحمد ومنها لو طلق امرأته طلقة رجعية وحلف لا راجعتها وأراد الامتناع من عودها إليه مطلقا حنث بتزوجها بنكاح جديد بعد البينونة نص عليه أحمد في رواية ابن منصور ومنها لو حلف على زوجته لا خرجت من بيته لتهنئة ولا تعزية ونوى أن لا تخرج أصلا هل يحنث بخروجها لغير تهنئة ولا تعزية فذكر القاضي في بعض تعاليقه أنه توقف فيها وأن القاضي أبا الطيب الطبري من الشافعية قال له مقتضى مذهبكم أنه لا يحنث لأن الغرض يختلف في الخروج ولا يوجد المقصود في كل خروج بخلاف ما إذا قصد قطع المنة فإن المنة توجد في غير المحلوف عليه قلت والصواب الجزم بالحنث هاهنا مطلقا وعليه يدل نص أحمد في المسألتين الأولتين المذكورتين هاهنا ولا يشبه هذا المحلوف لا يلبس من غزلها يقصد قطع المنة فإنه لا يحنث بالانتفاع بغير الغزل وثمنه من أموالها لأن العموم هناك يستفاد من السبب وهنا يستفاد من النية فهو أبلغ وأما القسم الثاني فصوره كثيرة جدا منها أن يقول نسائي طوالق ويستثني بقلبه واحدة أو يحلف لا يسلم على زيد فسلم على جماعة هو فيهم ويستثنيه بقلبه ووقع في كلام القاضي وابن عقيل في هذه المسألة ما يقتضي حكاية روايتين في حنثه في مسألة السلام وتأوله صاحب المحرر في تعليقه على الهداية على أن المراد هل يقبل منه دعوى إرادة ذلك أم لا قال وقد صرحا بذلك في موضع آخر من كتابيهما ولو حلف لا يدخل على فلان بيتا فدخل بيتا هو فيه مع جماعة ونوى بدخوله غيره هل يحنث خرجه القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب على وجهين في مسألة السلام قال صاحب المحرر وعندي فيه نظر لأن الدخول فعل حسي لا يتميز بخلاف السلام ومنها لو قال لزوجته إن لبست ثوبا فأنت طالق وقال أردت أحمر وقال إن لبست فأنت طالق ثم قال أردت ثوبا أحمر وقال إن دخلت الدار فأنت طالق ثم قال أردت في هذه السنة فالجمهور من الأصحاب على أنه يدين في ذلك في قبوله الحكم روايتان وشذ طائفة فحكوا الخلاف في تديينه في الباطن منهم الحلواني وابنه وكذلك وقع في موضع من مفردات ابن عقيل في الإيمان وكذلك وقع للقاضي في
____________________
(1/321)
المجرد قال صاحب المحرر وهو سهو وذكر القاضي في كتاب الحيل إنه إن كان المخصص بالنية ملفوظا صح تخصيصه وإلا فلا فلو حلف لا يأكل شيئا أبدا ونوى به اللحم قبل وإن حلف لا يأكل ونوى اللحم لم تنفعه نيته لأنه خصص ما ليس في لفظه وحمل حنبل اختلاف كلام أحمد في قبول دعوى خلاف الظاهر في اليمين على اختلاف حالين لا على اختلاف قولين وذكر السامري في فروقه أن المنوي إن كان يرفع مقتضى الحكم بالكلية كالاستثناء بالمشيئة في اليمين بالله أو حيث ينفع لم يصح بالنية إلا مع الظلم وقد نص أحمد في رواية حرب على صحة استثناء المظلوم في نفسه بالمشيئة لأنها ترفع الحكم بالكلية فهو كالنسخ فلا يصح بالنية إلا مع العذر بخلاف شروط الطلاق ونحوها فإنها تصح بالنية مطلقا لأنها مخصصة لا رافعة وأما القسم الثالث فله صور منها إذا نذر الصدقة بمال ونوى في نفسه قدرا معينا فنص أحمد في رواية أبي داود أنه لا يلزمه ما نواه وخرج صاحب المحرر في تعليقه على الهداية اللزوم قال وقد نص أحمد فيمن نذر صوما أو صلاة ونوى في نفسه أكثر مما يتناوله اللفظ أنه يلزم ما نواه وهذا مثله وكذلك رجح ابن عقيل اللزوم فيما نوى في الجميع وكذلك ذكر صاحب الكافي أنه لو حلف ليأكلن لحما أو فاكهة أو ليشربن ماء أو ليكلمن رجلا أو ليدخلن دارا وأراد بيمينه معينا تعلقت يمينه به دون غيره وإن نوى الفعل في وقت بعينه اختص به ولم يذكر فيه خلافا ومنها لو قال أنت طالق ونوى ثلاثا فهل يلزمه الثلاث أم لا يقع به أكثر من واحدة على روايتين وجه القول بلزوم الثلاث إن طالقا اسم فاعل وهو صادق على ما قام به الفعل مرة وأكثر فيكون محتملا للكثرة فينصرف إليها بالنية ورأيت في كتاب شرح القوافي لابن جني أن الأفعال كلها للعموم وحكاه عن أبي علي وهو غريب وأما إذا قال ثلاثا فتطلق ثلاثا لكن لنا فيه طريقان أحدهما أن ثلاثا صفة بمصدر محذوف تقديره طلاقا ثلاثا والمصدر يتضمن العدد والثاني أن ثلاثا صالح لا يقع الثلاث من طريق الكناية وذكر الطلاق يقرر الإيقاع بها كنية الطلاق ويتفرع على المأخذين هل وقع الثلاث بقوله أنت طالق أنت طالق أم بقوله ثلاثا ولو ماتت مثلا في حال قوله ثلاثا هل تقع الثلاث أو واحدة على وجهين ذكرهما في الترغيب وهذا إنما يتوجه على قولنا أنه إذا قال أنت طالق ونوى
____________________
(1/322)
ثلاثا أنه يقع به الثلاث أما إذا قلنا لا يقع الثلاث بالنية لم يقع الثلاث إلا بقوله ثلاثا بغير خلاف ومنها إذا وقع العقد على اسم مطلق ونوى تعيينه قبل العقد فهل يصح أم لا قد سبق لنا أن في صحة النكاح وجهين إذا قال زوجتك بنتي وله بنات ونويا واحدة معينة وإن مأخذ البطلان اشتراط الشهادة على النكاح وهذا يقتضي صحة سائر العقود التي لا يحتاج فيها إلى الشهادة بمثل ذلك وصرح صاحب المحرر إذا اشترى شيئا بثمن مطلق في الذمة ونوى نقده من المال المغصوب ونقده منه فهل يكون العقد باطلا كما لو وقع على عين المغصوب أو يكون صحيحا على روايتين وإنما خرج الخلاف في تقييد المطلق بالنية دون تخصيص العام بها لأن تخصيص العام نقص منه وقصر له على بعض مدلوله وذلك إنما يكون بالنية والإرادة فهي المخصصة حقيقة وإنما تسمى الأدلة الدالة على التخصيص مخصصات لدلالتها على الإرادة المخصصة وهذا بخلاف تقييد المطلق فإنه زيادة على مدلوله فلا تثبت الزيادة بالنية المجردة فإن قيل هذا ينتقض عليكم بتعميم الخاص بالنية فإنه إلزام زيادة على اللفظ بمجرد النية قيل الفرق بينهما أن الخاص إذا أريد به العام كان نصا على الحكم في صورة لعلة فيتعدى الحكم إلى كل ما وجدت فيه تلك العلة وهذا غير موجود في المطلق إذا أريد به بعض مقيداته وأما القسم الرابع فله صور منها لو قال أنت طالق ثلاثا واستثنى بقلبه إلا واحدة فهل يلزمه الثلاث في الباطن على وجهين أحدهما لا يلزمه وهو قول أبي الخطاب وصاحب الحلواني والثاني يقع به الثلاثة في الباطن وهو الذي جزم به السامري في فروقه وصاحب المغني واختاره صاحب المحرر لأن النية إنما تصرف اللفظ إلى محتمل ولا احتمال في النص الصريح إنما الاحتمال في العموم ويشهد له قول أحمد في رواية صالح النية فيما خفي ليس فيما ظهر ومنها لو قال نسائي الأربع طوالق واستثنى بقوله فلانة فهي كالتي قبلها ومنها لو قال كل عبد لي حر واستثنى بقلبه بعض عبيده فذكر ابن أبي موسى في
____________________
(1/323)
صحته روايتين ولكن صحة الاستثناء هنا أظهر وفي كلام أحمد في مسألة الأشقاص ما يدل عليه لأن كلا وإن كانت موضوعة لاستغراق ما يضاف إليه إلا أنها من صيغ العموم القابلة في الجملة تنبيه حسن فرق الأصحاب بين الإثبات والنفي في الأيمان في مسائل وقالوا في الإثبات لا يتعلق البر إلا بتمام المسمى وفي الحنث يتعلق ببعضه على الصحيح وقالوا الأيمان تحمل على عرف الشرع والشارع إذا نهى عن شيء تعلق النهي بجملته وأبعاضه وإذا أمر بشيء لم يحصل الامتثال بدون الإتيان بكماله فأخذ الشيخ تقي الدين من هذا أن اليمين في الإثبات لا تعم وفي النفي تعم كما عمت أجزاء المحلوف قال وقد ذكر القاضي في موضع من خلافه أن السبب يقتضي التعميم في النفي دون الإثبات قال الشيخ وهذا قياس المذهب في الأيمان وقرره بأن المفاسد يجب اجتنابها كلها بخلاف المصالح فإنه إنما يجب تحصيل ما يحتاج إليه منها فإذا وجب تحصيل منفعة لم يجب تحصيل أخرى مثلها للاستغناء عنها بالأولى وكلامه يشمل التعميم بالنية أيضا حتى ذكر في العلة المنصوصة في كلام الشارع أنها كانت في تحريم تعدت بالقياس إلى غير المنصوص عليه بالعلة وإن كانت إيجابا لم تتعد وذكر أن هذا قياس المذهب وحكى عن أبي الخطاب أنه لو قال أوجبت كل يوم أكل السكر لأنه حلو وجب أكل كل حلو ثم قال وهذا بعيد بل الذي يقال إنه يجب كل يوم أكل شيء من الحلو كائنا ما كان قال وفيه نظر لأنه يبطل إيجاب السكر وعلى هذا التقدير يرفع إشكال في مسألة قول السيد أعتقت غانما لسواده وأنه لا يعتق عليه كل أسود كما هو قول الجمهور خلافا لما ذكره أبو الفتح الحلواني وأبو الخطاب القاعدة السادسة والعشرون بعد المائة الصور التي لا تقصد من العموم عادة إما لندورها أو لاختصاصها بمانع لكن يشملها اللفظ مع اعتراف المتكلم بأنه لم يرد إدخالها فيه هل يحكم بدخولها أم لا في المسألة خلاف ويترجح في بعض المواضع الدخول وفي بعضها عدمه بحسب قوة القرائن وضعفها ويتخرج على هذه القاعدة مسائل كثيرة منها إذا قيل تزوجت على امرأتك فقال كل امرأة طالق هل تطلق المرأة المخاطبة أم لا إذا قال لم أردها وقد سبق أن أحمد نص تارة على أنها تطلق وتوقف فيها أخرى وخرجها ابن عقيل على روايتين
____________________
(1/324)
ومنها لو قذف أباه إلى آدم وحواء فنص أحمد في رواية حرب أن عليه حدا واحدا ولم يجعله ردة عن الإسلام لأنه لم يقصد دخول الأنبياء في ذلك ولا يقصد ذلك مسلم وخرج شيخ الإسلام ابن تيمية فيها وجها آخر أنه ردة من المسألة الآتية ومنها لو قال عصيت الله فيما أمرني به هل يكون يمينا قال القاضي ليس بيمين لأن المشهور تخصيص المعاصي بالذنوب دون الكفر وقال صاحب المحرر عندي أنه يمين لدخول التوحيد فيه ومنها لو قال لعبيده وهم عنده أنتم أحرار وكان فيهم أم ولده وهو لا يعلم بها ولم يرد عتقها هل تعتق أم لا على روايتين حكاهما أبي بكر وابن أبي موسى ونص أحمد على عتقها في رواية ابن هانئ وغيره وشبهها في رواية أحمد بن الحسين بن حسان بمن نادى امرأة له فأجابته أخرى فطلقها يظنها المناداة وقال تطلق هذه بالإجابة وتلك بالتسمية وهذه المسألة أعني مسألة المناداة فيها روايتان إحداهما تطلق المناداة وحدها نقلها مهنا وهي اختيار الأكثرين كأبي بكر وابن حامد والقاضي فيتعين تخريج رواية في أم الولد أنها لا تعتق منها وعلى الرواية الثانية تطلق المناداة والمجيبة وظاهر كلام أحمد في رواية أحمد بن الحسين بن حسان أنهما يطلقان جميعا في الباطن والظاهر كما يقول في إحدى الروايتين إذا لقي امرأة يظنها أجنبية فطلقها فإذا هي زوجته أن زوجته تطلق ظاهرا أو باطنا وزعم صاحب المحرر أن المجيبة إنما تطلق ظاهرا والفرق بينهما وبين المطلقة التي يعتقدها أجنبية أن الطلاق هاهنا صادف محلا فنفذ فيه وهو المناداة فلا يحتاج إلى محل آخر بخلاف طلاق من يعتقدها أجنبية فإنه لو لم يقع بها للغي الطلاق الصادر من أهله في محله ولا سبيل إليه وقد أشار أحمد إلى معنى هذا الفرق وسنذكره فيما بعد إن شاء الله ومنها لو حلف لا يسلم على فلان فسلم على جماعة هو فيهم وهو لا يعلم بمكانه ولم يرده بالسلام فحكى الأصحاب في حنثه الروايتين ويشبه تخريجهما على مسألة من حلف لا يفعل ففعله جاهلا بأنه المحلوف عليه والمنصوص هاهنا عن أحمد الحنث في رواية مهنا حتى فيما إذا كان المحلوف عليه مستترا بين القوم ببارية في المسجد وهو لا يراه ونقل أبو طالب إن كان وحده فسلم عليه وهو لا يعرفه حنث وإن كان بين جماعة وهو لم يعلم به لم يحنث لأنه أراد الجماعة وهذا يشبه ما تقدم في الفرق بين المناداة إذا أجابت غيرها وبين من يطلقها يعتقدها أجنبية فإن المحلوف عليه لم يقصد
____________________
(1/325)
السلام عليه بالكلية وهناك من يصح قصده وغيره فانصرف السلام إليه دونه بخلاف ما إذا كان وحده فالمحلوف عليه وجد ولكن مع الجهل به وقد تأول القاضي رواية أبي طالب هذه على أنه أخرجه بالنية من السلام ولا يصح لأنه لم يكن عالما بحضوره بينهم فكيف يستثنيه بالنية ومنها لو وقف المسلم على قرابته أو أهل قريته أو وصى لهم وفيهم مسلمون وكفار لم يتناول الكفار حتى يصرح بدخولهم نص عليه في رواية حرب وأبي طالب ولو كان فيهم مسلم واحد والباقي كفار ففي الاقتصار عليه وجهان لأن حمل اللفظ العام على واحد بعيد جدا ومنها لو تهايأ المعتق بعضه هو وسيده على منافعه وأكسابه فهل يدخل فيها الأكساب النادرة كالركاز والهدية واللقطة أم لا على وجهين ومنها لو قال ما أحل الله علي حرام وله زوجة ومال وقال لم أرد زوجتي فهو مظاهر عليه كفارة الظهار نص عليه في رواية ابن منصور لأن الزوجة أشهر أفراد الحلال الذي يقصد تحريمه ولا ينصرف الذهن ابتداء إلى غيره فلا يصح إخراجه من العموم بعدم إرادة دخوله وإنما يصح إخراجه بإرادة عدم دخوله فأما إن لم تكن له زوجة وله مال فهو يمين كسائر تحريم المباحات وإذا كان له زوجة ومال فعليه كفارة ظهار لا غير نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وأبي طالب في صورة كل ما أحل الله علي حرام وقال ابن عقيل يجب مع كفارة الظهار كفارة يمين لدخول المال في العموم ووجه القاضي نص عليه أحمد بتوجيهات مستبعدة وعندي في تخريجه وجهان أحدهما أن المتبادر إلى الأفهام من تحريم الحلال تحريم الزوجة دون الأموال فإنها لا تقصد بالتحريم فلا تدخل في العموم لكونها لا تقصد عادة فتكون المسألة حينئذ في صورة القاعدة والثاني أن تكون مخرجة على قوله بتداخل الأيمان وأن موجبها واحد فإن الجنس هاهنا واحد وهو تحريم الحلال فصار موجبه كفارة واحدة ثم تعينت بكفارة الظهار لدخول كفارة اليمين فيها من غير عكس
____________________
(1/326)
القاعدة السابعة والعشرون بعد المائة إذا استند إتلاف أموال الآدميين ونفوسهم إلى مباشرة وسبب تعلق الضمان بالمباشرة دون السبب إلا إذا كانت المباشرة مبنية على السبب وناشئة عنه سواء كانت ملجئة ثم إن كانت المباشرة والحالة هذه لا عدوان فيها بالكلية استقل السبب وحده بالضمان وإن كان فيها عدوان شاركت السبب في الضمان فالأقسام ثلاثة ومن صور القسم الأول مسائل منها إذا حفر واحد بئرا عدوانا ثم دفع غيره فيها آدميا معصوما أو مالا لمعصوم فسقط فتلف فالضمان على الدافع وحده ومنها لو فتح قفصا عن طائر فاستقر بعد فتحه فجاء آخر فنفره فالضمان على المنفر وحده ومنها لو رمى معصوما من شاهق فتلقاه آخر بسيف فقده به فالقاتل هو الثاني دون الأول فأما أن لو ضرب بطن امرأة فألقت جنينا وفيه حياة مستقرة فضربه آخر فمات فالقاتل هو الأول وعليه الغرة ويعزر الثاني لأن الضارب ليس بمتسبب بل هو مباشر للقتل فلذلك لزمه الضمان وكذا لو رمى به صيدا فأصاب مقتله ثم رماه آخر فمات فالقاتل هو الأول فيباح الصيد بذلك والثاني جان عليه فيضمن ما خرق من جلده هذا قول القاضي والأكثرين وخرجه طائفة على الخلاف في تحريم ما سقط بعد الذبح في بناء ونحوه لإعانته على قتله وظاهر كلام الخرقي تحريمه هاهنا فيضمن الثاني قيمته كاملة ويسقط منها قدر جرح الأول ومن صور القسم الثاني مسائل منها لو قدم إليه طعاما مسموما عالما به فأكله وهو لا يعلم بالحال فالقاتل هو المقدم وعليه القصاص أو الدية ومنها لو قتل الحاكم حدا أو قصاصا بشهادة ثم أقر الشهود أنهم تعمدوا الكذب فالضمان والقود عليهم دون الحاكم ونقل أبو النصر العجلي عن أحمد إذا رجم الحاكم بشهادة أربعة ثم تبين أن المرجوم مجبوب فالضمان على الحاكم وهو مشكل لأنه قد تبين كذبهم بالعيان فهو كإقرارهم بتعمد الكذب وقد يفرق بأن المجبوب لا يخفى أمره غالبا فالإقدام على رجمه لا يخلو
____________________
(1/327)
من تفريط وبأن الشهود قد يشتبه عليهم فلا يتحقق تعمدهم للكذب وأما إن تبين أن الشهود فسقة أو كفار وقلنا ينقض الحكم وكان الحق لآدمي فالضمان على المحكوم له وإن كان لله تعالى فله حالتان إحداهما أن يستند الحاكم في قبول الشهادة إلى تزكية من زكاهم وفيه ثلاثة أوجه أحدهما الضمان على المزكيين قاله أبو الخطاب وصححه صاحب الكافي والترغيب لأنهم ألجئوا الحاكم إلى الحكم والحاكم فعل ما وجب عليه والشهود لا يعترفون ببطلان شهادتهم فيتعين إحالة الضمان على المزكيين والثاني الضمان على الحاكم وحده قاله القاضي وابن عقيل في كتاب الشهادات لأنه مفرط بالحكم بشهادة من لا تجوز شهادتهم وحكمه يختص بالمحكوم به بخلاف التزكية فإنها لا تختص بالمحكوم به والثالث يخير المستحق بين تضمين من شاء من الحاكم والمزكيين والقرار على المزكيين قاله القاضي وابن عقيل في كتاب الحدود لما ذكرنا من وجه تغريم كل منهما فيخير المستحق ويستقر الضمان على المزكيين لإلجائهم الحاكم إلى الحكم وحكي عن أبي الخطاب وجه رابع أن الضمان على الشهود كما لو رجعوا عن الشهادة ولا يصح حكايته عنه لتصريحه بخلافه وهو غير متجه لأنهم لم يعترفوا ببطلان شهادتهم ولا ظهر كذبهم بخلاف الراجعين عن الشهادة لكن ذكر القاضي وأبو الخطاب رواية أنه لا ينقض الحكم ويضمن الشهود وهذا ضعيف جدا وخرج صاحب المحرر في تعليقه على الهداية ضمان الشهود من إحدى الروايتين فيما إذا شهد أربعة بالزنا ثم بانوا فساقا فإنهم يحدون على إحدى الروايتين وإن لم يعترفوا ببطلان قولهم وهذا تخريج ضعيف لأن الشهادة بالزنا قذف في المعنى موجبة للحد في نفسها إلا أن يوجد معها كمال النصاب المعتبر ولم يوجد ذلك هنا ولذلك يجب عليهم حد القذف سواء استوفى من المشهود عليه الحد أو لا وليس المستوفى من الشاهد نظير المستوفى من المشهود عليه وأما الشهادة بالمال فلا يترتب عليها ضمان إلا بعد أن ينشأ عنها غرم ثم يتبين بطلانها إما بإقرار الشاهد أو يتبين كذبها بالعيان ولم يوجد واحد منهما
____________________
(1/328)
والحالة الثانية أن لا يكون ثم تزكية فالضمان على الحاكم وحده ذكره الخرقي والأصحاب لتفريطه بقبول من لا تجوز قبول شهادته من غير إلجاء له إلى القبول ومنها المكره على إتلاف مال الغير وفي الضمان وجهان أحدهما أنه على المكره وحده لكن للمستحق مطالبة المتلف ويرجع به على المكره لأنه معذور في ذلك الفعل فلم يلزمه الضمان بخلاف المكره على القتل فإنه غير معذور فلهذا شاركه في الضمان وبهذا جزم القاضي في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وابن عقيل في عمد الأدلة والثاني عليهما بالضمان كالدية صرح به في التلخيص وذكره القاضي في بعض تعاليقه احتمالا وعلل باشتراكهما في الإثم وهذا تصريح بأن الإكراه لا يبيح إتلاف مال الغير وكان فرض الكلام في الوديعة وحكى احتمالا آخر أن الضمان على المتلف وحده كما لو اضطر إلى طعام الغير فأكله وهذا ضعيف جدا لأن المضطر لم يلجئه إلى الإتلاف من يحال الضمان عليه ولو أكره على تسليم الوديعة إلى غير المالك فقال القاضي لا ضمان لأنه ليس بإتلاف وكذا ذكره في بعض تعاليقه وصرح به في المجرد مفرقا بينه وبين الإكراه على القتل بأن القتل لا يعذر فيه بالإكراه بخلاف هذا وهذا التعليل يشمل الإتلاف أيضا وتابع ابن عقيل في الفصول وصاحب المغني والقاضي في المجرد وفي شرح الهداية لأبي البركات المذهب أنه لا يضمن كما لو حلف لا يدخل الدار فدخلها مكرها وفي الفتاوى الرجبيات عن أبي الخطاب وابن عقيل الضمان مطلقا لأنه افتدى بها ضرورة وعن ابن الزاغوني أنه إن أكره على التسليم بالتهديد والوعيد فعليه الضمان ولا إثم وإن ناله العذاب فلا إثم ولا ضمان وأشار صاحب المحرر في مسألة الإكراه على الأكل في الصوم من شرح الهداية إلى خلاف في أصل جواز تضمين المكره على إتلاف المال وقد ذكر صاحب المغني في الأيمان أن المحرم إذا قتل صيدا مكرها فضمانه على المكره له وقد نص أحمد في رواية ابن ثوب على أن حافر البئر عدوانا إذا أكرهه السلطان على الحفر لم يضمن لكن هذا إكراه على السبب دون المباشرة وهذه النقول الثلاثة ترجع إلى أنه لا يضمن ابتداء من لا يستقر عليه الضمان وقد تقدم ذلك وأما المكرهة على الوطء في الحج والصيام إذا أفسدنا حجها وصيامها فهل يجب عليها
____________________
(1/329)
الكفارة في مالها أو لا يجب عليها شيء أو يجب على الزوج أن يتحملها عنها ثلاث روايات وتأول بعضهم الأولى على أنها ترجع بها على الزوج والمكره على حلق رأسه في الإحرام تجب الفدية على الحالق في أشهر الوجهين قاله أبو بكر والوجه الثاني تجب على المحلوق ويرجع بها على الحالق ذكره ابن أبي موسى وجها لأن حلق الشعر كالإتلاف ولهذا يستوي عمده وسهوه على المشهور ومن صور القسم الثالث مسائل منها المكره على القتل والمذهب اشتراك المكره في القود والضمان لأن الإكراه ليس بعذر في القتل وذكر القاضي في المجرد وابن عقيل في باب الرهن أن أبا بكر ذكر أن القود على المكره المباشر ولم يذكر على المكره قودا قالا والمذهب وجوبه عليهما كما نص عليه أحمد في الشهود الراجعين إذا اعترفوا بالعمد وقد بين القاضي في خلافه كلام أبي بكر وأنه قال في الأسير إذا أكره على قتل مسلم فقتله فعليه القود وهاهنا المكره ليس من أهل الضمان لأنه حربي فلذلك لم يذكر تضمينه وذكر ابن الصيرفي أن أبا بكر السمرقندي من أصحابنا خرج وجها أنه لا قود على واحد منهما من رواية امتناع قتل الجماعة بالواحد وأولى لأن السبب هاهنا غير صالح في واحد منهما لأن أحدهما متسبب والآخر ملجأ وفي صورة الاشتراك هما مباشران مختاران ومنها الممسك مع القاتل فإنهما يشتركان في الضمان والقود على إحدى الروايتين وفي الأخرى يختص المباشر بهما ويحبس الماسك حتى يموت ومنها لو حفر بئرا عدوانا في الطريق فوضع آخر حجرا إلى جانبها فهل يختص بالضمان الواضع جعلا له كالدافع أو يشتركان فيه كالممسك والقاتل على روايتين ولو كان الحافر غير متعد فالضمان على الواضع وحده وهي من صور القسم الثاني ومنها لو دل المودع لصا على الوديعة فسرقها بالضمان عليهما ذكرهما القاضي وغيره كما لو دل المحرم محرما آخر على صيد فقتله ولو دل حلالا فالضمان على المحرم وحده وهي من صور القسم الثاني ومنها لو أحرم وفي يده المشاهدة صيد وتمكن من إرساله فلم يفعل حتى قتله محرم آخر ففيه احتمالان ذكرهما القاضي في المجرد أحدهما الضمان على القاتل لأنه مباشر والأول متسبب غير ملجئ والثاني الضمان عليهما على الأول باليد وعلى الثاني بالمباشرة
____________________
(1/330)
ويتخرج على هذين الوجهين كل من أتلف عينا في يد من هي مضمونة عليه باليد هل يضمن المتلف وحده الجميع دون صاحب اليد أو يجوز تضمين صاحب اليد ويرجع على المتلف وفرض القاضي في كتاب التخريج مسألة الصيد في حالين صاد أحدهما في الحرم صيدا فقتله الآخر فيه وذكر أن عليهما جزاءين كاملين أحدهما على القاتل بقتله والآخر على الممسك لتلفه في يده قبل إرساله ثم يرجع الذي في يده على القاتل بما غرمه لأنه قرر عليه ضمانا كان قادرا على التخلص منه بالإرسال وصرح في أثناء المسألة بأن المغصوب إذا أتلفه متلف في يد الغاصب كان المالك مخيرا في المطالبة لمن شاء منهما القاعدة الثامنة والعشرون بعد المائة إذا اختلف حال المضمون في حالي الجناية والسراية فهاهنا أربعة أقسام أحدها أن يكون مضمونا في الحالين لكن يتفاوت قدر الضمان فيهما فهل الاعتبار بحال السراية أو حال الجناية على روايتين والقسم الثاني أن يكون مهدرا في الحالين فلا ضمان بحال والثالث أن تكون الجناية مهدرة والسراية في حال الضمان فتهدر تبعا للجناية بالاتفاق والرابع أن تكون الجناية في حال الضمان والسراية في حال الإهدار فهل يسقط الضمان أم لا على وجهين فأما القسم الأول فله أمثلة منها لو جرح ذميا فأسلم ثم مات فلا قود وهل يجب فيه دية مسلم أو دية ذمي على وجهين اختار القاضي وأبو الخطاب وجوب دية ذمي اعتبارا بحال الجناية وابن حامد وجوب دية مسلم وذكر ابن أبي موسى أنه نص أحمد وبكل حال فالدية تكون لورثته من المسلمين لأنه استحق أرش جرحه حيا فملكه ثم أسلم فانتقل ما ملكه إلى ورثته المسلمين ذكره القاضي في خلافه وأبو الخطاب في الانتصار ومنها لو جرح عبدا ثم أعتق ثم مات من الجرح فهل يضمن بقيمته أو بديته على روايتين نقل حنبل عن أحمد يضمنه بقيمته لا بالدية وكذلك ذكره أبو بكر في خلافه ونصره القاضي في الخلاف أيضا ونقل ابن منصور عنه فيمن ضرب بطن أمة فأعتقت ثم أسقطت جنينا حيا ثم مات هو
____________________
(1/331)
حر وعليه ديته لأن العتق لا يجب إلا بالولادة وهذا اختيار ابن حامد وحكى عنه القاضي أنه يجب أقل الأمرين من قيمة العبد أو الدية وحكى أبو الخطاب عن القاضي أن ابن حامد أوجب دية حر للمولى منها أقل الأمرين من نصف الدية أو نصف القيمة والباقي لورثته وذكر القاضي في المجرد احتمالا بوجوب أكثر الأمرين من القيمة أو الدية وذكر ابن أبي موسى أن المنصوص في الذمي إذا أسلم وجوب دية مسلم وفي العبد إذا عتق قيمة عبد ثم خرج المسألة على روايتين وعلى الأول فجميع القيمة للسيد ذكره أبو بكر والقاضي والأصحاب لأن السراية لا تثبت منفردة وإنما تجب تابعة للجناية وقد ثبت أرش الجرح للسيد حين كان المجروح عبدا لا يملك فتتبع السراية الجناية ويكون أرشها لمستحق أرش الجناية وهو السيد وهكذا لو باعه المولى بعد الجرح ثم مات عند المشتري فالقيمة كلها للأول ذكره القاضي وذكر ابن الزاغوني في الإقناع فيما إذا قطع يدي عبد وقيمته ألفا دينار فأعتقه سيده ثم مات احتمالين أحدهما أن الألفين بين السيد والورثة نصفين توزيعا للقيمة على السراية والجناية والثاني يقسم بينهما أثلاثا لأن للسيد ما يقابل اليدين وهو كمال الدية وللورثة كمال الدية وهو بقدر نصف القيمة ولا قصاص على الحر المسلم في هذه المسألة والتي قبلها لانتفاء المكافأة حال الجناية تنبيه ذكر القاضي في خلافه أن رواية الضمان بدية حر نقلها حرب عن أحمد وتبعه صاحب المحرر وزاد أن للسيد منها أقل الأمرين ولم ينقل حرب شيئا من ذلك وإنما نقل أنه ذكر له قول الزهري يضمنه بقيمة مملوك فقال ما أدري كيف هذا ولم يجب بشيء وهذا يدل على أنه أنكر ضمانه بالقيمة وإنما نقل ابن منصور عن أحمد أنه يضمنه بدية حر كاملة باللفظ الذي زعم القاضي أن حربا نقله ومنها لو ضرب بطن أمة حامل فأعتقت أو جنينها ثم ألقته ميتا فهل يضمنه بغرة جنين حر أو بقيمة جنين أمة على وجهين وكذلك لو ضرب بطن نصرانية حامل بنصراني فأسلمت ثم ألقت جنينا ميتا هل يضمنه ضمان جنين مسلم أو ذمي على وجهين ومنها لو قطع يدي عبد وقيمته ألفان ثم سرت إلى نفسه ومات وقيمته ألف فقال القاضي في خلافه قياس المذهب أنه لا يضمنه بألفين لأن نقصان القيمة كنقصان بدله بالحرية وقد قلنا يضمن بألفين إذا عتق كذلك هاهنا وهذا موضع مجمع عليه لأن موته حصل بقطع يده وقيمته في تلك الحال ألفان ويلتحق بهذا ما إذا جرح ذمي خطأ ثم أسلم وسرى الجرح إلى النفس وفيه ثلاثة أوجه
____________________
(1/332)
مذكورة في المغني والمحرر أحدها الدية على عاقلته حال الجرح وبه جزم في الكافي والمحرر اعتبارا بحال الجناية والثاني على عاقلته أرش الجرح والزائد بالسراية في ماله لأنه حصل بعد مخالفته لدين عاقلته والثالث الدية كلها في ماله كما لو اختلفت ديته حال الرمي والإصابة على ما يأتي ذكره لأن أرش الجرح إنما يستقر بالاندمال أو السراية ولو كان الجانب ابن معتقة لقوم ثم أنجز ولاءه إلى موالي أبيه ففي المحرر هو على هذا الخلاف وفي الكافي الدية في ماله ولم يذكر خلافا وأما القسم الثاني فمن أمثلته ما إذا جرح عبدا حربيا ثم عتق ثم مات أو جرح عبدا مرتدا ثم مات فلا ضمان لأن الحربي والمرتد لا يضمن حرا كان أو عبدا وأما القسم الثالث فله أمثلة منها لو جرح حربيا ثم أسلم ثم مات فلا ضمان ومنها لو جرح مرتدا ثم أسلم ثم مات فلا ضمان أيضا وذكر صاحب الترغيب أن الضمان هنا مخرج على الضمان فيما إذا طرأ الإسلام بعد الرمي وقبل الإصابة ومنها لو جرح صيدا في الحل ثم دخل الحرم فمات فيه فلا ضمان ويحل أكله ذكاة في الحل ذكره القاضي ونص عليه أحمد في رواية ابن منصور وقد سأله عن قول سفيان في صيد ذمي في الحل فتحامل فدخل الحرم فمات قال ليس عليه كفارة ويكره أكله لأنه مات في الحرم قال أحمد ما أحسن ما قال وهذه الكراهة كراهة تنزيه ومنها لو جرح عبد نفسه ثم عتق ثم مات فهل يضمنه أم لا على وجهين ذكرهما في الترغيب لأن عبد نفسه إنما يهدر ضمانه على السيد دون غيره فهو مضمون في الجملة بخلاف المرتد والحربي وظاهر كلام القاضي أنه يضمنه بدية حر وأما على قول أبي بكر أن الضمان بالقيمة فلا إشكال في عدم ضمانه ولهذا خرجه صاحب الكافي على الوجهين في الاعتبار بحال الجناية أو السراية وأما القسم الرابع فله أمثلة منها لو جرح مسلما أو قطع يده عمدا فارتد ثم مات فهل يجب القود في طرفه أم لا على وجهين المرجح منهما عدمه لأن الجراحة صارت نفسا لا قود فيها بالاتفاق وفي الترغيب أصل الوجهين الخلاف فيما إذا قطع يده عمدا فسرت إلى نفسه هل يقتص في
____________________
(1/333)
الطرف ثم في النفس أم في النفس فحسب وعلى وجه ثبوت القود هل يستوفيه الإمام أو وليه المسلم على وجهين والمحكي عن أبي بكر أنه يستوفيه الولي قال في الترغيب أصلهما أن ماله هل هو فيء أو لورثته وهو ظاهر كلام الآمدي قال في الترغيب وعلى القول بأن الوارث يستوفيه لو عفا على مال لم يكن له المال لامتناع إرثه وفي المحرر الوجهان على قولنا ماله فيء وأما ضمان طرفه ففيه وجهان أحدهما لا ضمان أيضا لأن الجناية صارت نفسا مهدرة والثاني يضمن لثبوت ضمان الطرف قبل الردة ثم هل يضمن بأقل الأمرين من دية النفس أو الطرف أو بدية الطرف مطلقا على وجهين المرجح منهما الأول ولم يذكر في المحرر سواه ومنها لو جرح صيدا في الحرم فخرج إلى الحل فمات لزمه كمال ضمانه ذكره القاضي وأبو الخطاب في خلافيهما تغليبا لضمان الصيد حيث كان له حالان يضمن في أحدهما دون الآخر كالمتولد بين مأكول وغيره ويتوجه أن يضمن أرش جرحه خاصة من المسألة التي قبلها القاعدة التاسعة والعشرون بعد المائة إذا تعينت حال المرمي تجيئ بين الرمي والإصابة فهل الاعتبار بحال الإصابة أم بحالة الرمي أم يفرق بين القود والضمان أم بين أن يكون بين الرمي مباحا أو محظورا فيه للأصحاب أوجه ويتفرع على ذلك مسائل منها لو رمى مسلم ذميا أو حر عبدا فلم يقع بهما السهم حتى أسلم الذمي وعتق العبد ثم ماتا فهل يجب القود أم لا على وجهين أحدهما لا يجب وهو قول الخرقي وابن حامد وصححه القاضي لفقد التكافؤ حين الجناية وهو حالة الإرسال فهو كما لو رمى إلى مرتد فأسلم قبل الإصابة والثاني يجب وهو قول أبي بكر وأخذه مما روى الحسن بن محمد بن الحارث عن أحمد في رجل أرسل سهما على زيد فأصاب عمرا قال هو عمد عليه القود فاعتبر الرمي المحظور إذا أصاب به معصوما وإن كان غير المقصود وفرق أبو بكر بين رمي المرتد والذمي بأن رمي المرتد مباح ورده القاضي بأن رميه للأمان لا إلى آحاد الناس فهو غير مباح لآحادهم وأما النص المذكور فلم يجب عنه القاضي ويمكن الجواب عنه بأنه قصد هناك مكافئا وأصاب نظيره وهنا لم يقصد مكافئا وقد خرج صاحب الكافي وجوب القصاص في مسألة النص على قول أبي بكر وقد
____________________
(1/334)
تبين أنها أصله وأما صاحب المحرر فجعله خطأ بغير خلاف لأنه أصاب من لم يقصده فأشبه ما إذا قصد صيدا وهذا ضعيف لأنه قصد معصوما فأصاب نظيره بخلاف من قصد صيدا ولهذا لو قصد صيدا معينا فأصاب غيره حل بخلاف ما إذا رمى هدفا يعلمه فأصاب صيدا فإنه لا يحل أما لو ظن الهدف صيدا فأصاب صيدا فوجهان وقد يتخرج هاهنا مثلهما لو رمى هدفا يظنه آدميا معصوما فأصاب آدميا معصوما غيره لأن أصل الرمي كان محظورا فهذا الكلام في القود وأما الضمان فيضمنه بدية حر ذكره الخرقي والقاضي والأكثرون ولم يحكوا فيه خلافا حتى نقل صاحب الترغيب اتفاق الأصحاب على ذلك اعتبارا بحالة الإصابة فإنه إنما أصاب حرا مسلما وتكون دية المعتق لورثته دون السيد ذكره القاضي ومنها لو رمى إلى مرتد أو إلى حربي فأسلما ثم وصل إليهما السهم فقتلهما فلا قود بغير خلاف لأن دمهما حال الرمي كان مهدرا وهل يجب الضمان فيه ثلاثة أوجه أحدها وجوبه فيهما قاله القاضي في خلافه والآمدي وأبو الخطاب في موضع من الهداية وعزاه غير واحد إلى الخرقي اعتبارا بحالة الإصابة وهما حينئذ مسلمان معصومان ولا أثر لانتفاء العصمة حال السبب كما لو حفر بئرا لهما فوقعا فيها بعد إسلامهما فإنه يضمنها بغير خلاف ذكره القاضي وغيره قال القاضي ولا نسلم أن رمي الحربي والمرتد مباح مطلقا بل هو مراعا فإن أسلم قبل الوقوع تبينا أنه لم يكن مباحا والثاني لا ضمان فيهما وهو أشهر وحكاه القاضي في رواية عن أبي بكر في المرتد وقال لا خلاف فيه في المذهب لأن رميهما كان مأمورا به وقد حصل على وجه لا يمكن تلافيه فأشبه ما إذا جرحهما ثم أسلما والثالث يضمن المرتد دون الحربي وأصل هذا الوجه طريقة القاضي في المجرد وابن عقيل وأبو الخطاب في موضع من الهداية أنه لا يضمن الحربي بغير خلاف وفي المرتد وجهان والفرق أن المرتد قتله إلى الإمام فالرامي إليه متعد وهو كالرامي إلى الذمي بخلاف الحربي فإن لكل أحد قتله فرميه ليس بعدوان أما عكسه وهو لما رمى إلى معصوم فأصابه السهم وهو مهدر كمسلم ارتد وذمي نقض العهد بين الرمي والإصابة فلا ضمان بغير خلاف أعلمه بين الأصحاب لأن الإصابة لم تصادف معصوما فهو كما لو رمى معصوما فأصابه السهم بعد موته وكذلك لو رمى عبدا قيمته عشرون دينارا فأصابه السهم وقيمته عشرة فإنه يضمنه بقيمته وقت الإصابة لا وقت الرمي بغير خلاف ذكره
____________________
(1/335)
القاضي وغيره ومنها لو رمى الذمي سهما إلى صيد فأصاب آدميا وقد أسلم الرامي فقال الآمدي يجب ضمانه في ماله لأنه لم يكن مسلما حال الرمي لتعقله عاقلته المسلمون ولا يجب على عاقلته من أهل الذمة لأنه حين الإصابة كان مسلما وبذلك جزم صاحب المحرر والكافي وكذلك حكم ما إذا رمى ابن معتقة فلم يصب حتى أنجز ولاؤه إلى موالي أبيه ولو رمى مسلما سهما ثم ارتد ثم أصاب سهمه فقتل فهل تجب الدية في ماله اعتبارا بحال الإصابة أم على عاقلته اعتبارا بحال الرمي على وجهين ذكرهما صاحب المستوعب ويخرج منها في المسألتين الأولتين وجهان أيضا أحدهما أن الضمان على أهل الذمة وموالي الأم والثاني أنه على المسلمين وموالي الأب ومنها لو رمى الحلال إلى صيد ثم أحرم قبل أن يصيبه ضمنه ولو رمى المحرم إلى صيد ثم أحل قبل الإصابة لم يضمنه اعتبارا بحال الإصابة فيما ذكره القاضي في خلافه في الجنايات قال ويجيء على قوم أحمد فيمن رمى طيرا على غصن في الحل أصله في الحرم أن يضمن هنا في الموضعين تغليبا للضمان انتهى ويتخرج عدم الضمان فيما إذا رمى وهو محل ثم أحرم من عدم ضمان الحربي إذا أسلم قبل الإصابة اعتبارا بإباحة الرمي إلا أن يفرق بأن قصد الإحرام عقيب الرمي سبب إلى الجناية على الصيد فبه ولا سيما إن قصد الرمي قبل الإحرام لذلك ومنها لو رمى الحلال من الحل صيدا في الحرم فقتله فعليه ضمانه على المنصوص قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل رمى صيدا في الحل فأصابه في الحرم قال عليه جزاؤه وقال أيضا في روايته وذكر له قول سفيان لو رمى شيئا في الحل فدخلت رميته في الحرم فأصابت شيئا ضمن لأن يده التي جنت قال أحمد ما أحسن ما قال وكذلك نص أحمد في رواية ابن منصور في شجرة في الحل غصنها في الحرم عليه طير لا يرمى ولم يفصل بين رميه من الحل والحرم وبهذا جزم ابن أبي موسى والقاضي والأكثرون ولم يذكر القاضي في خلافه سواه لأنه صيد معصوم بمحله فلا يباح قتله بكل حال وفيه الضمان وذكر القاضي في المجرد وأبو الخطاب وجماعة رواية أخرى أنه لا يضمنه اعتبارا بحال الرامي ومحله وهو ضعيف ولا يثبت عن أحمد وإنما أخذه القاضي في رواية ابن منصور في إباحة الاصطياد بالكلب وإرساله من الحرم إلى الحل قال فظاهر هذا أنه متى
____________________
(1/336)
كان أحدهما في الحل والآخر في الحرم فلا ضمان ولا يصح لوجهين أحدهما أن النص في الكلب والكلب له فعل اختياري فإذا أرسله في الحرم على صيد في الحل فهو بمنزلة من وكل عبده في الحرم في شراء صيد من الحل وذبحه فيه وهذا بخلاف ما إذا أرسل سهمه لأنه منسوب إلى فعله ولهذا فرق أحمد في رواية ابن منصور بين أن يرسل سهمه من الحل إلى صيد في الحل فيدخل الحرم فيقتل فيه فيضمنه وبين أن يرسل الكلب فلا يضمن لأن دخول الكلب إلى الحرم باختياره ودخول السهم لفعل الرامي ولهذا لو أصاب سهم آدميا لضمنه ولو أصاب الكلب آدميا لم يضمنه وإلى هذا التفريق أشار ابن أبي موسى حيث ضمن في الرمي السهم في المسألتين ولم يضمن في صيد الكلب إذا أرسله في الحل فصاد في الحرم إلا أن يرسله بقرب الحرم وأما إن أرسله في الحرم فصاد في الحل فحكى فيه روايتين قال والأظهر عنه أنه لا جزاء فيه ولكن القاضي إنما صرح بالخلاف في الكلب وأبو الخطاب هو الذي طرد الخلاف في السهم والوجه الثاني أن هذا النص إنما يدل على انتفاء الضمان فيما إذا أرسل سهمه من الحرم على صيد في الحل لأن صيد الحل غير معصوم فلا يصح إلحاق صيد الحرم به وقد فرق طوائف من الأصحاب بين الصورتين فمنهم من جزم بنفي الضمان فيما إذا أرسل سهمه من الحرم إلى الحل وبالضمان في العكس من غير خلاف حكاه فيهما وهو في المبهج للشيرازي ومنهم من حكى الخلاف فيهما وصحح الفرق وهو صاحب المغني ومنهم من حكى الخلاف فيما إذا أرسل سهمه من الحرم إلى الحل ولم يحك الخلاف في ضمان عكسه وهو القاضي في خلافه وأخذ نفي الضمان في الصورة الأولى من رواية ابن منصور المذكورة والضمان من رواية ابن منصور أيضا عن أحمد فيمن قتل صيدا على غصن في الحل أصله في الحرم أنه يضمنه وفي أخذ الضمان من هذا نظر فإن الغصن تابع لمحل معصوم وهو أصل الشجرة الذي في الحرم فكان حكمه حكم الحرم بخلاف الحل ولهذا لم يفرق أحمد بين قتله من الحل أو من الحرم فدل على أن حكم الغصن عنده حكم الحرم ونقل ابن منصور عنه أيضا وذكر له قول سفيان في شجرة أصلها في الحل الغصن عنده حكم الحرم ونقل ابن منصور عنه أيضا وذكر له قول سفيان في شجرة كان في الحرم فلا يرم قال أحمد ما أحسن ما قال فجعل القاضي هذه رواية ثانية مخالفة للأولى وحكى في الصيد الذي على غصن في الحل أصله في الحرم روايتين وليس كذلك فإن أحمد ضمن الصيد في الأولى
____________________
(1/337)
إلحاقا للفرع بأصله في الحرمة ولم يضمن في الثانية إلحاقا للفرع بأصله في عدم الحرمة وإنما ضمن ما كان على الغصن تابعا لقراره من الأرض دون أصله وهو مخالف لنص أحمد ومنها هل الاعتبار بحال الصيد بأهلية الرامي وسائر الشروط حال الرمي أو الإصابة فيه وجهان أحدهما الاعتبار بحال الإصابة وبه جزم القاضي في خلافه في كتاب الجنايات وأبو الخطاب في رءوس المسائل فلو رمى وهو محرم أو مرتد أو مجوسي ثم وقع السهم بالصيد وقد حل أو أسلم حل أكله ولو كان بالعكس لم يحل وقد سبق الخلاف في المحرم والثاني الاعتبار بحال الرامي قاله القاضي في كتاب الصيد وأخذه من نص أحمد في رواية يوسف بن أبي موسى في رجل رمى بنشاب وسمى فمات الرامي قبل أن يصيب فلا بأس بأكله إذا رماه بما يجرح وفرع عليه ما إذا رمياه جميعا فأصابه سهم أحدهما أولا فأثخنه ثم أصابه سهم الآخر فقتله أنه يجوز أكله لأن الثاني أرسل سهمه قبل امتناعه والقدرة عليه قال وقد أومأ إليه أحمد في رواية محمد بن الحكم في رجلين رميا صيدا فأصابه جميعا فإن كانا قد معلفها جميعا أكلاه قال القاضي معناه إذا كانا رمياه جميعا بماله حد ولم يفرق بين أن يتقدم إصابة أحدهما على الآخر أو يتأخر انتهى ومما يتفرع على ذلك التسمية فإنها تشترط عند الإرسال ولو سمى بعد إرساله فإن الزجر بالتسمية وزاد جريه كفى وإلا فلا نص عليه في رواية الميموني وقال القاضي في كتاب الجنايات إنما اعتبرت التسمية وقت الإرسال لمشقة معرفته وقت الإصابة وهذا مشعر بأنه لو سمى عند الإصابة مع العلم بها لأجزأ القاعدة الثلاثون بعد المائة المسكن والخادم والمركب المحتاج إليه ليس بمال فاضل يمنع أخذ الزكوات ولا يجب فيه الحج والكفارات ولا يوفي منه الديون والنفقات نص على ذلك أحمد في مسائل منها الزكاة قال أبو داود سئل أحمد عن رجل له دار يقبل من الزكاة قال نعم قلت
____________________
(1/338)
هي دار واسعة قال أرجو أن لا يكون به بأس قيل له فإن كان له خادم قال أرجو قيل له فرس قال إن كان يغزو عليه في سبيل الله فأرجو أن لا يكون به بأس وقال جعفر بن محمد سئل أبو عبد الله عن رجل عنده جارية تساوي مائة دينار يحتاج إليها للخدمة يأخذ من الزكاة قال نعم وسئل عن الدار قال إذا لم يكن فضل كثير ما يحتاج إليه يعطى وقال في رواية ابن الحكم يعطى من الزكاة صاحب المسكن وإن كان له مسكن يفضل عنه ويتفرع على هذا أن العرض الذي لا يباع على المفلس في دينه إذا كان يفي بدين صاحبه وبيده نصاب فإنه لا يجعل الدين في مقابلته حتى يزكي النصاب بغير خلاف لأنه لا يجب صرفه إلى جهة ودين ووفائه منه وأما ما يباع على المفلس فهل يجعل الدين في مقابلته ويزكي النصاب على روايتين ومنها الحج قال أحمد في رواية الميموني إذا كان المسكن والمسكنين والخادم أو الشيء الذي يعود به على عياله فلا يباع إذا كان كفاية لأهله وقد يكون المنازل يكريها إنما هي قوته وقوت عياله فإذا خرج عن كفايته ومؤنته ومؤنة عياله باع والضيعة مثل ذلك إذا كان فضلا عن المؤنة باعه وقال في رواية ابن الحكم إذا كان لرجل أرض فلا أرى أن يبيع ويحج ولا يجب المسكن والخادم في ملكه أو بيده نقد يريد شراءهما به في هذا الباب ومنها المفلس ولأحمد فيه نصوص كثيرة أنه لا يباع المسكن إلا أن يكون فيه فضل فيباع الفضل ويترك له بقدر الحاجة منه نص عليه في رواية أبي الحارث وأبي طالب وأما الخادم فلا يباع عليه إذا كان محتاجا إليه لزمن أو كبر أو حاجة غيرهما نص عليه أحمد في رواية عبد الله وأبي طالب وغيرهما وقال في رواية إسماعيل بن سعيد إذا كان مسكنا واسعا نفيسا أو خادما نفيسا يشتري له ما يقيمه ويجعل سائره للغرماء وكذلك نقل عنه موسى بن سعيد ولا فرق بين أن يكون الخادم والمسكن في ملكه أو يحتاج إليهما فيترك له ثمنهما على ظاهر كلام الأصحاب فإنهم قالوا لو كان مسكنه وثيابه عين مال رجل يرجع بها وترك له بدلها من بقية المال ليشتري له منه إن لم يكن فيه من جنسها لأن حق الغريم يتعلق بعين ماله بخلاف المفلس فإن حاجته تندفع بغيرها أما إذا لم يكن للمفلس سواها وهي عين مال رجل وكان الشراء قبل الإفلاس لم يؤخذ منه وإن كان بعده ففي الكافي يحتمل أن يؤخذ منه لئلا يؤدي إلى الحيلة على أخذ أموال الناس
____________________
(1/339)
ومنها الشريك في عبد إذا أعتق حصته وليس له سوى دار وخادم فهو معسر لا يعتق عليه سوى حصته ولا يباع ذلك في قيمة حصة شريكه قال ابن منصور قلت لأحمد من أعتق شقصا في عبد ضمن إن كان له مال قال عتق كله في ماله إن كان له مال قلت كم قدر المال قال لا يباع فيه دار ولا رباع ولم يقم لي على شيء معلوم قال القاضي معناه لا يباع ما لا غنى له عن سكناه كالمفلس ومنها التكفير بالمال لا يباع فيه المسكن والخادم ذكره القاضي والأصحاب وقالوا يباع فيه الفاضل عن ذلك حتى لو كان له رقبة نفيسة يمكن أن يشتري بثمنها رقبتان فيستغني بخدمة أحدهما ويعتق الأخرى لزمه ذلك وهكذا الدار والملابس وأما إن وجب عليه التكفير وله خادم لا يحتاج إليه ثم احتاج إليه قبل التكفير فمن الأصحاب من جزم هنا بلزوم العتق لأنه بمثابة من كان موسرا حال يحنث العتق ثم أعسر قبل التكفير فإن العتق يستقر في ذمته ومنها نفقة الأقارب قال أبو طالب قيل لأحمد فإن كان له دار يبيعها وينفق على ابنه قال لا بد له من مسكن إن كان له فضل عن مسكنه فضل عن نفقة عياله فلينفق عليهم وإن لم يكن له فضل ولا سعة فلا ينفق عليهم وصرح صاحب الترغيب بأن نفقة القريب لا يباع فيها إلا ما يباع على المفلس في دينه وهكذا ينبغي أن يكون حكم الجزية والخراج والعاقلة وذكر الآمدي أن من وجبت عليه نفقة قريبه فغيب ماله وامتنع منها ووجد الحاكم له عقارا فله بيعه والنفقة فيه على أقاربه وكذا ذكر صاحب المغني في نفقة الزوجة والأولاد ولعل المراد بذلك العقار الذي لا يحتاج إليه للسكنى أو أن هذا يختص بالممتنع من النفقة مع قدرته عليها للضرورة حيث لم يقدر له على غير عقاره القاعدة الحادية والثلاثون بعد المائة القدرة على اكتساب المال بالبضع ليس بغنى معتبر صرح به القاضي في خلافه وفرع عليه مسائل منها إذا أفلست المرأة وهي ممن يرغب في نكاحها لم تجبر على النكاح لأخذ المهر بغير خلاف ومنها أنه لا يجب عليها نفقة الأقارب بقدرتها على النكاح وتحصيل المهر
____________________
(1/340)
ومنها أنه لا تمنع من أخذ الزكاة بذلك أيضا ومنها لو كان لمفلس أم ولد لم يجبر على نكاحها وأخذ مهرها وإن كان يجبر على إجارتها وأخذ أجرتها القاعدة الثانية والثلاثون بعد المائة القدرة على اكتساب المال بالصناعات غني بالنسبة إلى نفقة النفس ومن تلزم نفقته من زوجة وخادم وهل هو غني فاضل عن ذلك على روايتين ويتفرع على ذلك مسائل منها القوي المكتسب لا يباح له أخذ الزكاة بجهة الفقر فإنه غني بالاكتساب وهل له الأخذ للغرم إذا كان عليه دين وعلى وجهين أحدهما له ذلك قاله القاضي في خلافه وابن عقيل في عمده في الزكاة وكذلك ذكراه في المجرد والفصول في باب الكتابة والثاني لا يجوز وبه جزم الشيخ مجد الدين في شرح الهداية وهذا الخلاف في إجباره على التكسب لوفاء دينه كما سنذكره إن شاء الله تعالى والأول ظاهر كلام أحمد لأنه أباح السؤال للمكاتب فقال هو مغرم ويباح له الأخذ من الزكاة مع قوته واكتسابه مع أن دينه لا يجبر على الكسب لوفائه على المذهب فمن عليه دين يجبر على الكسب لوفائه أولى بالأخذ ومنها وجوب الحج على القوي المكتسب فإن كان بعيدا عن مكة فالمذهب انتفاء الوجوب وإن كان قريبا فوجهان وقال الشيخ مجد الدين يتوجه على أصلنا في البعيد أن يجب الحج إن كان قادرا على التكسب في طريقة كما يجبره على الكسب لوفاء دينه ولكن يمكن بأن حقوق الله مبنية على المسامحة بخلاف حقوق الآدميين ولهذا لا يجب عليه التكسب لتحصيل مال يحج به ولا يعتق به في الكفارة ومنها وفاء الديون وفي إجبار المفلس على الكسب للوفاء روايتان مشهورتان فأما المكاتب فلا يجبر على الكسب لوفاء دينه على المذهب المشهور لأنه دين ضعيف وخرج ابن عقيل وجها بالوجوب كسائر الديون ومنها أن القدرة على الكسب بالحرفة يمنع وجوب نفقته على أقاربه صرح به القاضي في خلافه وكذا ذكر صاحب الكافي وغيره وأما إن لم يكن له حرفة وهو صحيح فهل تجب له النفقة حكى أبو الخطاب روايتين وخصهما القاضي بغير العمودين وأوجب نفقة العمودين مطلقا مع عدم الحرفة وفرق في زكاة الفطر من المجرد بين الأب وغيره وأوجب النفقة للأب بكل حال وشرط في الابن وغيره الزمانة
____________________
(1/341)
وأما وجوب النفقة على أقاربه من الكسب فصرح القاضي في خلافه وفي المجرد وابن عقيل في مفرداته وابن الزاغوني والأكثرون بالوجوب قال القاضي في خلافه كلام أحمد أنه لا فرق في ذلك بين الوالدين والأولاد وغيرهم من الأقارب وخرج صاحب الترغيب المسألة على روايتين من اشتراط انتفاء الحرفة للإنفاق وهو ضعيف وأظهر منه أن يخرج على الخلاف في إجبار المفلس على الكسب لوفاء دينه ومنها أن الفقير المكتسب هل يحتمل العقل مع العاقلة فيه روايتان ومنها الجزية هل تجب على الفقير المكتسب على روايتين أشهرهما الوجوب القاعدة الثالثة والثلاثون بعد المائة يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا في مسائل منها شهادة النساء بالولادة يثبت بها النسب ولا يثبت النسب بشهادتهن به استقلالا ومنها شهادة النساء على إسقاط الجنين بالضربة يوجب الغرة إن سقط ميتا والدية إن سقط حيا ومنها شهادة امرأة على الرضاع يقبل على المذهب ويترتب على ذلك انفساخ النكاح ومنها لو شهد واحد برؤية هلال رمضان ثم أكملوا العدة ولم يروا الهلال فهل يفطرون أم لا على وجهين أشهرهما لا يفطرون لئلا يؤدي إلى الفطر بقول واحد والثاني بلى ويثبت الفطر تبعا للصوم ومن الأصحاب من قال إن كان غيما أفطروا وإلا فلا ومنها لو أخبر واحد بغروب الشمس جاز الفطر ومن الأصحاب من اقتضى كلامه حكاية الإنفاق عليه لأن وقت الفطر تابع لوقت صلاة المغرب وله مأخذ آخر وهو أن للغروب عليه أمارات تورث ظنا بانفرادها فإذا انضم إليها قول الثقة قوي بخلاف الشهادة برؤية هلال الفطر ومنها صلاة التراويح ليلة الغيم تبعا للصيام على أحد الوجهين وذكر القاضي احتمالا بثبوت سائر الأحكام المعلقة بالشهر من وقوع الطلاق المعلق به وحلول آجال الديون وهو ضعيف هنا نعم إذا شهد واحد برؤية الهلال ثبت به الشهر وترتبت عليه هذه الأحكام وإن كانت لا تثبت بشهادة واحدة ابتداء صرح به ابن عقيل في عمد الأدلة ومنها لو حلف بالطلاق على حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله فرواه واحد ثبت الحديث به ووقع الطلاق وإن كان الطلاق لا يثبت بخلاف واحد ذكره ابن عقيل في
____________________
(1/342)
العمد أيضا ويتخرج عدم وقوع الطلاق في المسألتين من المسألة الآتية ومنها لو حلف بالطلاق أنه ما غصب شيئا ثم ثبت عليه بشاهد ويمين أو برجل وامرأتين فهل يقع به الطلاق على وجهين وحكاهما القاضي في خلافه في كتاب القطع في السرقة والآمدي روايتين وجزم القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول وصاحب المغني بعدم الوقوع واختار السامري الوقوع وقال صاحب المحرر في تعليقه على الهداية وعندي أن قياس قول من عفا عن الجاهل والناسي في الطلاق أن لا يحكم عليه به ولو ثبت الغصب برجلين ومنها لو علق الطلاق بالولادة فشهد بها النساء حيث لم يقبل قول المرأة في ولادتها هل يقع الطلاق المشهور الوقوع وبه جزم القاضي في خلافه وتبعه الشريف أبو حفص وأبو المواهب العكبري وأبو الخطاب والأكثرون ويشهد له نص أحمد في رواية مهنا إذا قال لها إن حضت فأنت وضرتك طالق فشهد النساء بحيضها طلقتا جميعا وخرج صاحب المحرر فيه وجها آخر أنه لا يقع الطلاق من المسألة التي قبلها ومنها لو ادعى المكاتب إذا أخر نجوم الكتابة فأنكر السيد فأتى المكاتب بشاهدين ويمين أو برجل وامرأتين على ما قال فهل يعتق أم لا قال الخرقي يعتق ولم يحك صاحب المغني فيه خلافا وحكى صاحب الترغيب فيه وجهين ومنها إذا وقف وقفا معلقا بموته فإنه يصح على المنصوص في رواية الميموني وذكره الخرقي وقال القاضي لا يصح والأول أصح لأنها وصية والوصايا تقبل التعليق ومنها البراءة المعلقة بموت المبرئ تصح أيضا لدخولها ضمنها في الوصية نص عليه في رواية المروذي وقاله القاضي والأصحاب وكذا إبراء المجروح للجاني من دمه أو تحليله منه يكون وصية معلقة بموته وهل هي وصية للقاتل على طريقين فعند القاضي هي وصية للقاتل فيخرج على الخلاف في الوصية وعند أبي بكر ليس الإبراء والعفو وصية لأنه إسقاط لا تمليك وقال الآمدي هو المذهب قال وإنما يكون إبراء محضا قبل الاندمال فأما بعده فعلى وجهين ومنها إذا قال إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق بألف فإنه يصح ذكره القاضي وتدخل المعاوضة تبعا للطلاق إذا قبلته فإنه لا بد من قبولها كذلك لو قالت له إن طلقتني فلك علي ألف فطلقها بانت ولزمها الألف قال الشيخ تقي الدين ذكر القاضي في خلافه ما يقتضي أنه لا يعلم فيه خلافا وقال الشيخ عليه ما إذا قالت إن طلقتني فأنت بريء
____________________
(1/343)
من صداقي فطلقها أنه يبرأ من صداقها ويقع الطلاق بائنا لأن تعليق الإبراء أقرب إلى الصحة من تعليق التمليك لتردد الإبراء بين الإسقاط والتمليك يقع معلقا في الجعالة والسبق فهاهنا كذلك ومنها إذا قال من أسلم على أكثر من أربع نسوة كلما أسلمت واحدة منكن فهي طالق فهل يصح على وجهين أحدهما لا يصح لأن الطلاق اختيار والاختيار لا يتعلق بالشرط والثاني يصح لأن الطلاق يقبل التعليق والاختيار يثبت تبعا له وضمنا ومنها إذا قال رجل لآخر أعتق عبدك عني وعلي ثمنه فقال القاضي في خلافه هو استدعاء للعتق والملك يدخل تبعا وضمنا لضرورة وقوع العتق له وصرح بأنه ملك قهري حتى أنه يثبت للكافر على المسلم إذا كان العبد المستدعى عتقه مسلما والمستدعي كافرا مع أنه منع من شراء الكافر من يعتق عليه بالملك من المسلمين حيث كان العقد موضوعا فيه للملك دون العتق وكذلك على قياس قوله سراية عتق الشريك وأولى إتلاف محض يحصل بغير اختيار أحد ولا قصده ويتفرع على ذلك إذا أعتق الكافر الموسر شركا له من عبد مسلم فإنه يسري ولا يخرج على الخلاف في شراء مسلم يعتق عليه بملكه كما فعل أبو الخطاب وغيره ومنها صلاة الحاج عن غيره ركعتي الطواف تحصل ضمنا وتبعا للحج وإن كانت الصلاة لا تقبل النيابة استقلالا وقد أشار الإمام أحمد إلى هذا في رواية الشالنجي ومنها أن الوكيل ووصي اليتيم لهما أن يبتاعا بزائد على ثمن المثل ما يتغابن بمثلها عادة ولا يجوز لهما هبة ذلك القدر ابتداء ذكره القاضي وغيره ولكنهم جعلوا مأخذه أن المحاباة ليست ببذل صريح وإنما فيها معنى البذل وجعلها من هذه القاعدة أولى ومنها لو كان له أمتان لكل منهما ولد فقال أحدهما ولدي ثم مات ولم يتبين ولم يبين وارثه ولم يوجد قافة أقرع بينهما فمن خرجت له القرعة فهو حر وأمه معتقة بالاستيلاد وإن كان أقر أنه أحبلها في ملكه وهل يثبت نسب الولد ويرثه أم لا على وجهين أحدهما أنه لا يثبت نسبه ولا يرث به وهو الذي ذكره القاضي في المجرد وابن عقيل والسامري لأن القرعة لا مدخل لها في الأنساب قال القاضي وهذان الوجهان مخرجان من الخلاف في دخول القرعة فيما إذا زوج الوليان فلم يعلم السابق منهما والثاني يثبت نسبه ويرث وهو الذي ذكره القاضي في خلافه وصاحب التلخيص وذكر صاحب التلخيص أنه قياس المذهب لأنه حر استندت حريته إلى الإقرار فأشبه ما لو
____________________
(1/344)
عينه في إقراره ومنها لو طلق واحدة معينة من نسائه ثم مات ولم يعلم عينها أقرع بينهن وأخرجت المطلقة بالقرعة ولم يجب عليها عدة الوفاة وتحسب لها عدة الطلاق من حينه وعلى البواقي عدة الوفاة في ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه لأن الطلاق لما ثبت بالقرعة تبعه لوازمه من العدة وغيرها وقال القاضي يعتد الكل بأطول الأجلين وستأتي المسألة فيما بعد إن شاء الله تعالى ومنها لو قال الخنثى المشكل أنا رجل وقبلنا قوله في ذلك في النكاح فهل يثبت في حقه سائر أحكام الرجال تبعا للنكاح ويزول بذلك إشكاله أم يقبل قوله في حقوق الله تعالى وفيما عليه من حقوق الآدميين دون ماله منها لئلا يلزم قبول قوله في استحقاقه بميراث ذكر وديته فيه وجهان القاعدة الرابعة والثلاثون بعد المائة المنع أسهل من الرفع ويتخرج على ذلك مسائل كثيرة جدا منها تخمير الخل ابتداء بأن يوضع فيها خل يمنع تخميرها مشروع وتخليلها بعد تخميرها ممنوع منها ذبح الحيوان المأكول يمنع نجاسة لحمه وجلده وهو مشروع ودبغ جلده بعد نجاسته بالموت لا يفيد طهارته على ظاهر المذهب ومنها السفر قبل الشروع في الصيام يبيح الفطر ولو سافر في أثناء يوم من رمضان ففي استباحة الفطر روايتان والإتمام فيه أفضل بكل حال ونقل ابن منصور عن أحمد رضي الله عنه إن نوى السفر من الليل ثم سافر في أثناء النهار أفطر وإن نوى السفر في النهار وسافر فيه فلا يعجبني أن يفطر فيه والفرق أن نية السفر من الليل تمنع الوجوب إذا وجد السفر في النهار فيكون الصيام قبله مراعى بخلاف ما إذا طرأت النية والسفر في أثناء النهار ومنها أن الرجل يملك منع زوجته من حج النذر والنفل فإن شرعت فيه بدون إذنه ففي جواز تحليلها روايتان ومنها أن وجود الماء بعد التيمم وقبل الشروع في الصلاة يمنع الدخول فيها بالتيمم ولو دخل فيها بالتيمم ثم وجد الماء فهل يبطل الصلاة أم لا على روايتين وكذلك الخلاف
____________________
(1/345)
في القدرة على نكاح الحرة بعد نكاح الأمة هل يبطل نكاحها على روايتين ونمنعه ابتداء وكذلك في القدرة على كفارة الظهار بالعتق بعد الشروع في الصيام لا يوجب الانتقال على الصحيح وقبله يوجب منها أن المرأة تملك منع نفسها حتى تقبض صداقها فإن سلمت نفسها ابتداء قبل قبض الصداق فهل تملك الامتناع بعد ذلك حتى تقبضه على وجهين وكذلك اختار صاحب المغني في البيع أن البائع يملك الامتناع عن تسليم المبيع حتى يقبض ثمنه فإذا سلمه لم يملك استرجاعه ومنع المشتري من التصرف فيه والحجر عليه مستندا إلى هذه القاعدة وهو خلاف ما قاله القاضي وأصحابه في مسألة الحجر الغريب ومنها اختلاف الدين المانع من النكاح يمنعه ابتداء ولا يفسخه في الدوام على الأشهر بل يقف الأمر على انقضاء العدة فيه ومنها الإسلام يمنع ابتداء الرق ولا يرفعه بعد حصوله وإنما استرق ولد الأمة المسلمة لأنه جزء منها فهو في معنى استدامة الرق على المسلم وأما الأسرى إذا أسلموا قبل الاسترقاق فإنما أجاز استرقاقهم لانعقاد سببه في الكفر انعقادا تاما فاستند إلى سبب موجود في الكفر القاعدة الخامسة والثلاثون بعد المائة الملك القاصر من ابتداء لا يستباح فيه الوطء بخلاف ما كان القصور طارئا عليه نص على ذلك أحمد رضي الله عنه فمن الأول المشتراة بشرط الخيار في مدة الخيار وكذلك المشتراة بشرط أن لا يبيع ولا يهب وإن باعها فالمشتري أحق بها نص عليه أحمد ونصوصه صريحة بصحة هذا البيع والشرط ومنع الوطء قال في رواية عبد الله فيمن باع جارية على أن لا يبيع ولا يهب البيع جائز ولا يقربها لأن عمر بن الخطاب قال لا يقرب فرجا فيه شرط لأحد كذلك قال مهنا في رواية حرب وزاد إن اشترطوا إن باعها فهم أحق بها بالثمن فلا يقربها يذهب إلى حديث عمر حين قال لابن مسعود وكذلك نقل مهنا وقال في رواية أبي طالب فيمن اشترى أمة بشرط لا يقربها وفيها شرط وكذلك نقل ابن منصور وقول عمر الذي أشار إليه وهو ما رواه حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن مسعود اشترى جارية من امرأة وشرط لها إن باعها فهي لها بالثمن الذي اشتراها فسأل ابن مسعود عن ذلك عمر بن الخطاب فقال لا ينكحها وفيها شرط قال حنبل قال
____________________
(1/346)
عمي كل شرط في فرج فهو على هذا والشرط الواحد في البيع جائز إلا أن عمر كره لابن مسعود أن يطأها لأنه شرط لامرأته الذي شرط فلم يجوز عمر أن يطأها وفيها شرط وكذلك نص أحمد في رواية ابن هانئ على منع الوطء في الأمة المشتراة بشرط التدبير ونص أيضا في رواية ابن منصور على منع وطء بنت المدبرة دون أمها وكاع الأصحاب في توجيهه والأمر فيه واضح على ما قررناه إذ بنت المدبرة مدبرة من ابتداء ملكها بخلاف أمها وكذلك نص على المنع من وطء الأمة المملوكة بالعمرى وحمله القاضي على الاستحباب وهو بعيد والصواب حمله على أن الملك بالعمرى قاصر ولهذا نقول على رواية إذا شرط رجوعها إليه بعد صح فيكون تمليكا مؤقتا ومن ذلك الأمة الموصى بمنافعها لا يجوز للوارث وطؤها على أصح الوجهين وهو قول القاضي خلافا لابن عقيل ولكن لهذه المسألة مأخذ آخر وهو أن منفعة البضع هل هي داخلة في المنافع الموصى بها أم لا ومن الثاني أم الولد والمدبرة والمكاتبة إذا اشترطوا وطئها في عقد الكتابة والموجرة والجانية وأما المرهونة فإنما منع من وطئها لوجهين أحدهما أنه يفضي إلى استيلادها فيبطل الرهن ويسقط حق المرتهن والثاني أن الراهن ممنوع من الانتفاع بالرهن بغير إذن المرتهن ولو بالاستخدام وغيره فالوطء أولى القاعدة السادسة والثلاثون بعد المائة الوطء المحرم العارض هل يستتبع تحريم مقدماته أم لا إن كان لضعف الملك وقصوره أو خشية عدم ثبوته كالأمة المشتراة إذا ملكت بعقد محرم فيحرم سائر أنواع الاستمتاع بها وإن كان لغير ذلك من الموانع فهو نوعان أحدهما العبادات المانعة من الوطء وهي على ضربين ضرب يمتنع فيه جنس الترفه والاستمتاع بالنساء فيمنع الوطء والمباشرة كالإحرام القوي وهو ما قبل التحلل الأول والاعتكاف وضرب يمتنع فيه الجماع وما أفضى إلى الإنزال فلا يمنع مما بعد إفضاؤه إليه من الملامسة ولو كانت لشهوة وهو الصيام وأما الإحرام الضعيف وهو ما بين التحللين والمذهب أنه يحرم بالوطء والمباشرة وفيه رواية أخرى أنه يحرم الوطء خاصة النوع الثاني غير العبادات فهل يحرم مع الوطء غيره فيه قولان في المذهب ويخرج على ذلك مسائل منها الحيض والنفاس يحرم بهما الوطء في الفرج ولا يحرم ما دونه في المذهب الصحيح وفيه رواية أخرى يمنع الاستمتاع ما بين السرة والركبة
____________________
(1/347)
ومنها الظهار يحرم الوطء في الفرج وفي الاستمتاع بمقدماته روايتان أشهرهما التحريم ومنها الأمة المسبية في مدة الاستبراء يحرم وطئها وفي الاستمتاع بالمباشرة روايتان وصحح القاضي في المجرد الجواز ومنها الزوجة الموطوءة لشبهة يحرم وطؤها مدة الاستبراء وفي مقدمات الوطء وجهان ومنها الجمع بين الأختين المملوكتين في الاستمتاع بمقدمات الوطء قال ابن عقيل يكره ولا يحرم ويتوجه أن يحرم أما إذا قلنا أن المباشرة لشهوة كالوطء في تحريم الأخت حتى تحرم الأولى فلا إشكال القاعدة السابعة والثلاثون بعد المائة الواجب بقتل العمد هل هو القود عينا أو أحد أمرين إما القود وإما الدية فيه روايتان معروفتان ويتفرع عليهما ثلاث قواعد استيفاء القود والعفو عنه والصلح عنه القاعدة الأولى في استيفاء القود فيتعين حق المستوفي فيه بغير إشكال ثم إن قلنا الواجب القود عينا فلا يكون الاستيفاء تفويتا للمال وإن قلنا أحد الأمرين فهل هو تفويت للمالك أم لا على وجهين ويتفرع عليها مسائل منها إذا قتل العبد المرهون فاقتص الراهن من قاتله بغير إذن المرتهن فهل يلزمه الضمان للمرتهن أم لا على وجهين أشهرهما اللزوم نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وهو اختيار القاضي والأكثرين قالوا ولا يجوز له القصاص بدون إذن المرتهن لأن الواجب كان أحد أمرين فإذا عينه بالقصاص فقد فوت المال الواجب على المرتهن وقد كان تعلق حقه برقبة العبد المرهون فيتعلق ببدله الواجب فهو كما لو قتله أو أعتقه فيضمنه بقيمته في المنصوص وبه جزم في المحرر وقال القاضي والأكثرون بأقل الأمرين من قيمته أو أرش الجناية والخلاف في هذا يشبه الخلاف فيما يضمن به العبد الجاني إذا أعتقه عالما بالجناية والوجه الثاني لا يلزمه ضمان وصححه صاحب المحرر لأن المال إنما يتعين بالاختيار والاختيار نوع تكسب والتكسب للمرتهن لا يلزم ولهذا لم يلزم المفلس أخذ المال إذا جنى عليه جناية توجب القود بل له الاقتصاص ولا نعدم شيئا مع تعلق حقوق الغرماء بأعيان ماله وليس له مال آخر يغرم منه فظاهر كلام صاحب الكافي أن الوجهين على قولنا موجب العمد القود عينا فأما إن قلنا أحد أمرين وجب الضمان لتفويت المال الواجب وهو بعيد فأما إن قلنا الواجب القود عينا فإنما فوت اكتساب المال لم يفوت مالا واجبا فلا
____________________
(1/348)
يتوجه الضمان بالكلية وأطلق القاضي وابن عقيل من غير بناء على أحد القولين ويتعين بناؤه على القول بأن الواجب أحد أمرين لأنهما صرحا في العفو أنه لا يوجب الضمان إذا قلنا الواجب القود عينا وعللا بأنه إنما فوت على المرتهن اكتساب المال وذلك غير لازم له والاقتصاص مثل العفو ثم وجد الشيخ مجد الدين صرح بهذا البناء الذي ذكرته ومنها إذا قتل عبد من التركة المستغرقة بالديون عمدا وقلنا ينتقل الملك إلى الورثة فاختاروا القصاص فهل يطالبون بقيمة العبد أم لا يخرج على المرهون ومنها العبد الموصى بمنفعته إذا قتل عمدا فهل لمالك الرقبة الاقتصاص بعد إذن مالك المنفعة وهل يضمن أم لا صرح القاضي في خلافه بالمنع كالرهن سواء وهذا يتخرج على أحد الوجهين وهو أن حق مالك المنفعة لم يبطل بالقتل وأما على الوجه الآخر وهو بطلان حقه بالقتل جعلا للوصية بالمنفعة كالهبة التي لم تقبض فلا يمنع مالك الرقبة من الاقتصاص فلا شيء عليه ومنها إذا جنى على المكاتب فهل له أن يقتص بدون إذن سيده ذكر القاضي في المجرد وابن عقيل الجواز لأن المطالبة بالقصاص والعفو عنه إلى العبد دون سيده ولو كان قنا وقال القاضي في خلافه قياس المذهب قول أبي بكر في منعه من الاقتصاص من عبيده إذا قتل بعضهم بعضا لأنه لا يجوز له الاقتصاص بدون إذن سيده وفيه نظر فإن القاتل قد فوت مالا مملوكا فهو كقتل الراهن المرهون بقصاص استحقه عليه ولكن لا يلزم ضمان المكاتب لسيده لأن السيد لا يستحق انتزاع ذلك منه وهذا بخلاف اقتصاص المكاتب من الجاني عليه فإنه لم يفوت به مالا مملوكا له ومنها لو قتل العبد الموصى به لمعين قبل قبوله فهل للورثة الاقتصاص بدون إذن الموصى له إذا قلنا هو ملك يتوجه المنع إذا قلنا إن الجناية أوجبت أحد شيئين فإن فعلوا ضمنوا للموصى له القيمة إذا قبل ومنها لو قتل عبد من مال المضاربة عمدا فإن كان في المال ربح فهما شريكان وليس لأحدهما الانفراد بالقصاص ولا العفو هذا ظاهر كلام القاضي وابن عقيل فلو اقتص رب المال بغير اختيار المضارب توجه أن يضمن للمضارب حصته من الربح إن قلنا الواجب بالقتل أحد شيئين القاعدة الثانية في العفو عن القصاص وله ثلاثة أحوال أحدها أن يقع العفو إلى الدية وفيه طريقان إحداهما ثبوت الدية على الروايتين وهي طريقة القاضي والثانية
____________________
(1/349)
بناؤه على الروايتين فإن قلنا موجبه أحد شيئين ثبتت الدية وإلا لم يثبت شيء بدون تراض منهما وهي طريقة أبي الخطاب وابن عقيل وذكرها القاضي أيضا في المضاربة فيكون القود باقيا بحاله لأنه لم يرض بإسقاطه إلا بعوض ولم يحصل له والحالة الثانية أن يعفو عن القصاص ولا يذكر مالا فإن قلنا موجبه القصاص عينا فلا شيء له وإن قلنا أحد شيئين ثبت المال وخرج ابن عقيل أنه إذا عفي عن القود سقط ولا شيء بكل حال على كل قول لأنه بعفوه عنه تعين الواجب فيه بتصرفه فيه فهو كما لو أسلم على أكثر من أربع ثم طلق إحداهن فإنه يتعين الاختيار فيها وهذا ضعيف فإن إسقاط القود ترك له وإعراض عنه وعدول إلى غيره وليس اختيارا له ولهذا يملك العفو عن القود والمال جميعا وليس له اختيارهما جميعا بخلاف الزوجات فإنه لا يملك طلاق أكثر من أربع منهن على المشهور الحالة الثالثة أن يعفو عن القود إلى غير مال مصرحا بذلك فإن قلنا الواجب القصاص عينا فلا مال له في نفس الأمر وقوله هذا لغو وإن قلنا الواجب أحد شيئين سقط القصاص والمال جميعا فإن كان ممن تبرع له كالمفلس المحجور عليه والمكاتب والمريض فيما زاد على الثلث والورثة مع استغراق الديون للتركة فوجهان أحدهما لا يسقط المال بإسقاطهم وهو المشهور لأن المال وجب بالعفو عن القصاص ولا يمكنهم إسقاطه بعد ذلك كالعفو عن دية الخطأ الثاني يسقط في المحرر أنه المنصوص عليه لأن المال لا يتعين بدون اختياره له أو إسقاط القصاص وحده وأما إسقاطهما في كلام واحد متصل سقطا جميعا من غير دخول المال في ملكه ويكون ذلك اختيارا منه نقول لترك التملك فلا يدخل المال في ملكه إذا تقرر هذا فهل يكون العفو تفويتا للمال إن قلنا إن الواجب القود عينا لم يكن العفو تفويتا للمال فلا يوجب ضمانا صرح به القاضي وابن عقيل وكلام أبي الخطاب يدل على وجوب الضمان وصرح في الكافي بأنه على وجهين كما لو اقتص منه في هذه الحالة فإن عنده في الضمان وجهين وقد سبق بيان ضعف ذلك ومخالفته لظاهر تعليل القاضي وابن عقيل وكذلك في التلخيص أن في الضمان هاهنا وجهين وصحح عدمه ولم يذكر في الضمان إذا اقتص خلافا وفرق بعض الأصحاب بين الضمان بالاقتصاص وعدم الضمان بالعفو بأنه إذا اقتص فقد استوفى بدل المال فلذلك لزمه الضمان بخلاف ما إذا عفى فإنه لم يستوف له بدلا بل
____________________
(1/350)
فات عليهما جميعا ولهذا لو أبر أحد الشريكين الغريم من حقه برئ ولم يلزم الضمان لشريكه بخلاف ما إذا استوفى حقه أو بدله فإنه لشريكه نصيبه منه وإن قلنا الواجب أحد شيئين فعفي مجانا ففي الكافي هو كالعفو عن المال فإن كان محجورا عليه لم يصح وإن كان واهيا ففيه ثلاثة أوجه أحدهما لا يصح وهو اختياره أعني صاحب الكافي كما لا يصح عفو المفلس والثاني يصح يؤخذ منه القيمة تكون رهنا لأنه أتلفه بعفوه وهو قول أبي الخطاب وبه جزم صاحب التلخيص والثالث يصح بالنسبة إلى الراهن دون المرتهن فتؤخذ القيمة من الجاني تكون رهنا مكانه فإذا زال الرهن ردت إلى الجاني وهو قول القاضي وابن عقيل وأما على الوجه الثاني الذي حكيناه في أصل المسألة في صحة عفو المفلس والمريض فيما إذا زاد على الثلث والورثة ونحوهم فيتخرج في الضمان وجهان كالاقتصاص إذا قلنا الواجب أحد شيئين ويتخرج على هذا الأصل مسائل منها عفو الراهن عن الجناية على المرهون وقد ذكرنا حكمه مستوفى ومنها عفو المفلس عن الجناية الموجبة للقود مجانا فالمشهور أنا إن قلنا الواجب القود عينا صح وإن قلنا الواجب أحد أمرين لم يصح العفو عن المال وعلى الوجه الآخر الذي قيل أنه المنصوص يصح وعلى طريقة من حكى الضمان وهو المرهون وإن قلنا الواجب القود عينا يخرج هاهنا مثله ومنها عفو المكاتب عن القصاص وحكمه حكم المفلس ومنها عفو الورثة عن القصاص مع استغراق الديون وحكمه حكم ذلك ومنها عفو المريض عن القصاص وحكمه فيما إذا زاد على الثلث كذلك ومنها إذا عفى الوارث عن العبد الجاني على العبد الموصى بمنفعته هل يضمن لمالك المنفعة قيمتها على وجهين حكاهما في الترغيب والأظهر تخريجهما على أن حق صاحب المنفعة هل سقط بالإتلاف أم لا ويتوجه أن لا ينفذ عفوه في قدر قيمة المنافع لأنها ملك للغير إذا قلنا الواجب أحد أمرين وهذا بخلاف العفو عن الجاني على العبد المستأجر لأن الإجارة تنفسخ بالقتل ويرجع المستأجر ببقية الأجرة ومنها إذا قتل العبد الموصى به المعين قبل قبوله فهل للورثة العفو عن قاتله بدون اختيار الموصى له به لأن قيمته له صرح بذلك أبو الخطاب والأصحاب ويتوجه تخريج ذلك
____________________
(1/351)
على هذا الأصل إن قلنا الواجب القصاص عينا فلم يجب بهذه الجناية مال فلهم العفو ولا سيما على قولنا أن ملكه قبل القبول لهم وإن قلنا الواجب القود عينا في المرهون يخرج هاهنا مثله ومنها العفو عن الوارث الجاني في مرض الموت عن دم العمد إن قلنا الواجب القود عينا فهو صحيح وإن قلنا الواجب أحد شيئين فكذلك صرح به القاضي في خلافه في ويتوجه فيه وجه آخر بوقوفه على إجازة الورثة تنبيهان أحدهما لو أطلق العفو عن الجاني عمدا فهل يتنزل عفوه على القود والدية أو على القود وحده وحكى صاحب المحرر ثلاثة أوجه أحدها وذكر أنه المنصوص أنه ينصرف إليها جميعا ونص عليه أحمد رحمه الله في رواية مهنا والثاني ينصرف إلى القود وحده إلا أن يقر بقوري بإرادة الدية مع القود والثالث يكون عفوا عنهما إلا أن يقول لم أرد الدابة فيحلف ويقبل منه وفي الترغيب إن قلنا الواجب القود وحده سقط ولا دية وإن قلنا أحد شيئين انصرف العفو إلى القصاص في أصح الروايتين والأخرى يسقطان جميعا الثاني لو اختار القصاص فله ذلك وهل له العفو عنه إلى الدية إن قلنا الواجب هو القصاص عينا فله تركه إلى الدية وإن قلنا الواجب أحد شيئين فعلى بالسقى حكاهما في الترغيب أحدهما نعم وهو قول القاضي وابن عقيل ولأن أكثر ما فيه أنه معين له القصاص فيجوز له تركه إلى مال كما إذا قلنا هو الواجب عينا والثاني لا وهو احتمال في الكافي والمحرر لأنه أسقط حقه من الدية باختياره فلم يكن له الرجوع إليها كما لو عفى عنها وعن القصاص وفارق ما إذا قلنا أن القود هو الواجب عينا لأن المال لم يسقط بإسقاطه ويجاب عن هذا بأن الذي أسقطه هو الدية الواجبة بالجناية والمأخوذ هنا غيره وهو مأخوذ بطريق المصالحة عن القصاص المتعين القاعدة الثالثة الصلح عن موجب الجناية فإن قلنا هو القود وحده فله الصلح عنه بمقدار الدية وبأقل وأكثر منها إذ الدية غير واجبة بالجناية وكذلك إذا اختار القود أولا ثم رجع إلى المال وقلنا له ذلك فإن الدية سقط وجوبها وإن قلنا أحد شيئين فهل يكون الصلح عنها صلحا عن القود أو المال على وجهين يتفرع عليهما مسائل منها هل يصح الصلح على أكثر من الدية من غير جنسها أم لا قال أبو الخطاب في
____________________
(1/352)
الانتصار لا يصح لأن الدية تجب بالعفو والمصالحة فلا يجوز أخذ أكثر من الواجب من الجنس وكذلك قال صاحب التلخيص يصح غير جنس الدية ولا يصح على جنسها إلا بعد تعيين الجنس من إبل أو بقر أو غنم أعطي من ربا النسيئة وربا الفضل وأطلق الأكثرون جواز الصلح بأكثر من الدية من غير تفصيل قال في المغني لا أعلم فيه خلافا وصرح السامري في فروقه بجواز الصلح بأكثر من الدية وإن قلنا الواجب أحد شيئين وعلل بأن القود ثابت فالمأخوذ عوض عنه وليس من جنسه فجاز من غير تقدير كسائر المعاوضات الجائزة وأما القود فقد يقال إنما يسقط بعد صحة الصلح وثبوته وأما مجرد المعاوضة في عقد الصلح فلا يوجب سقوطه فإنه إنما يسقطه بعوض فلا يسقط بدون ثبوت العوض له ومنها لو صالح عن دم العمد بشقص هل يؤخذ بالشفعة أم لا إن قلنا الواجب القود عينا فالشقص مأخوذ بعوض غير مالي فلا شفعة فيه على أشهر الوجهين وهو قول أبي بكر والقاضي والأكثرين خلافا لأبي حامد وإن قلنا الواجب أحد شيئين فهو مأخوذ بعوض مالي إذ هو عوض عن الدية لتعيينها باختيار الصلح صرح به صاحب المغني والتلخيص وكذلك السامري في المستوعب وهو خلاف ما قرره في الفروق ويتوجه على قول من قال الصلح عن القود أن يطرد فيه الوجهان الأولان وهو وقف على إطلاق الأكثرين ومنها لو قتل عبده عبدا من مال التجارة عمدا فصالح المالك عنه بمال فذكر القاضي في التخريج أنه إن قلنا الواجب القصاص عينا لم يصر المال المصالح به للتجارة إلا بنية وعلل بأنه ليس بعوض عن المقتول بل عن القصاص وإن قلنا أحد شيئين فهو من مال التجارة بغير نية كثمن المبيع وعلل بأنه عوض عن المقتول فهو كقتل الخطأ وهذا منزل على أن الصلح وقع على المال أما إن قيل إنه واقع عن القود فقد يقال كذلك لأنه بدل عن العبد وقد يقال لا يصير للتجارة إلا بنية وظاهر تعليل القاضي يدل عليه لأنه عوض عما كان يستحقه على مالك الجاني من إراقة دمه بخلاف ما إذا أخذ قيمة الجاني أو باعه في الجناية فإنه استوفى المال الواجب بالقتل عوضا عن العبد المقتول وذكر القاضي وابن عقيل في المضاربة إذا قتل عبد عبدا من عبيد المضاربة عمدا فصالح عنه بمال من مال المضاربة لأنه بدل بكل حال عن مال المضاربة فهو كالثمن ولم يبنياه على الخلاف في موجب العمد إذ هو بدل عنه بكل حال فلا حاجة هاهنا إلى نية ولكن قد يبني على ما ذكرناه من أن الصلح هل وقع عن المال أو عن القود وقال أبو البركات في تعليقه
____________________
(1/353)
على الهداية يحتمل عندي أنه متى قلنا القصاص يجب عينا أن المضاربة قد بطلت ويكون الجميع ما صالح عنه للسيد ملكا جديدا القاعدة الثامنة والثلاثون بعد المائة العين المتعلق بها حق لله تعالى أو لآدمي إما أن تكون مضمونة أو غير مضمونة فإن كانت مضمونة وجب ضمانها بالتلف والإتلاف بكل حال وإن لم تكن مضمونة لم يجب ضمانها بالتلف ووجب بالإتلاف إن كان مستحق موجود وإلا فلا أما الأول فله أمثلة منها الزكاة فإذا قلنا تتعلق بالعين على المشهور فإنها لا تسقط بتلف المال ويجب ضمانها ومنها الصيد في حق المحرم وفي الحرم مضمون على المالك بالجزاء وأما الثاني فله أمثلة كثيرة منها الرهن يضمن بالإتلاف مثل أن يستهلكه الراهن أو يعتقه إن كان عبدا ولا يضمن بالتلف ومنها العبد الجاني إذا أعتقه سيده فإنه يضمنه وهل يضمنه بأرش الجناية مطلقا أو بأقل الأمرين منه ومن قيمته على روايتين ذكرهما القاضي في المجرد وأنكر في الخلاف رواية الضمان بالأرش مطلقا قال لأنه أتلف محل الحق فلم يلزمه أكثر من ضمانه بخلاف ما إذا اختار فداءه فإنه مع بقائه قد يرغب فيه راغب فيبذل فيه ما يستوفي منه الأرش كله فلذلك ضمنه بأرش كله على رواية ونقل عنه ابن منصور أنه إذا علم بالجناية ضمنه بالأرش كله وإن لم يعلم لزمه الأقل ونقل عنه حرب إن لم يعلم فلا شيء عليه بحال وإن علم ضمنه بالقيمة فقط ولو قتله المالك لزمه قيمته للمجني عليه ذكره القاضي في خلافه وإن قتله أجنبي ففي الخلاف الكبير يسقط الحق كما لو مات وحكى القاضي في كتاب الروايتين والآمدي روايتين إحداهما يسقط الحق قال القاضي نقلها مهنا لفوات محل الجناية والثانية لا تسقط نقلها حرب واختارها أبو بكر وبها جزم القاضي في المجرد فيتعلق الحق بقيمته لأنها بدله فهو كما لو مات القاتل عمدا فإن الدية تجب في تركته وجعل القاضي المطالبة على هذه الرواية للسيد والسيد يطالب الجاني بالقيمة ومنها إذا قتل رجلا عمدا ثم قتل القاتل قال أحمد في رواية ابن ثواب في رجل قتل
____________________
(1/354)
رجلا عمدا ثم قتل الرجل خطأ لهم الدية قيل له وإن قتل عمدا قال وإن قتل عمدا فقيل له فإن قوما يقولون إنه إذا قتل إنما كان لهم دمه وليس لهم الدية قال ليس كذلك الحديث إن أولياءه بالخيار إن شاءوا قتلوا وإن شاءوا قبلوا الدية فقد نص على أن القاتل إذا قتل تعينت الدية في تركته وعلل بأن الواجب بقتل العمد أحد شيئين وقد فات أحدهما فتعين الآخر وهذا يدل على أنه لا يجب شيء إذا قلنا الواجب القود عينا وهذا يقوى على قولنا إن الدية لا تثبت إلا بالتراضي وخرج الشيخ تقي الدين وجها آخر وقواه أنه يسقط الدية بموت القاتل أو قتله بكل حال معسرا كان أو موسرا وسواء قلنا الواجب القود عينا أو أحد شيئين لأن الدية إنما تجب بإزاء العفو وبعد موت القاتل لا عفو فيكون موته كموت العبد الجاني والعجب من القاضي في خلافه كيف حمل هذه الرواية على أن أولياء المقتول الأول يخيرون في القاتل الثاني بين أن يقتصوا منه أو يأخذوا الدية وتبعه على ذلك صاحب المحرر فحكاه رواية ومن تأمل لفظ الرواية علم أنها لا تدل على ذلك ألبتة وقال القاضي أيضا في خلافه الدية واجبة في التركة سواء قلنا الواجب أحد شيئين أو القصاص عينا وكلام أحمد يدل على خلاف ذلك كما رأيته وكذلك نص عليه في رواية ابن القاسم في الرجل يقتل عمدا ثم يقدم ليقاد منه فيأتي رجل فيقتله قال الولي الأول بالخيار إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية فلما ذهب الدم فينظر إلى أولياء هذا المقتول الثاني فإن هم أخذوا الدية من القاتل الأخير فقد صار ميراثا من ماله ثم يعود أولياء الدم الأول فيأخذونها منهم بدم صاحبهم وكذلك نقل أبو الخطاب عن أحمد وقال إذا فاته الدم أخذ الدية من ماله إن كان له مال لأنه مخير إن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا وهذا كله تصريح بالحكم والتعليل وجعل المطالبة بالدية لأولياء القاتل الأول لأن الدية في ماله وخرج صاحب المغني وجها أن المطالبة لقاتل القاتل لأنه لو فوت محل الحق فهو كما لو قتل العبد الجاني وللأصحاب وجهان فيما إذا قتل الجاني بعض الورثة حيث لا ينفرد بالاستيفاء هل الباقين حصتهم من الدية في مال الجاني أم على المقتص على وجهين وعلى الأول يرجع ورثة الجاني على المقتص بما فوق حقه ونقل صالح وابن منصور عن أحمد في رجل قتل رجلا فقامت البينة عند الحاكم فأمر بقتله فعدا بعض ورثة المقتول فقتل الرجل بغير أمر الحاكم فقال هذا قد وجب عليه القتل ما للحاكم هاهنا وظاهر هذا أنه لا
____________________
(1/355)
يلزمه ضمان لأنه استوفى الحق لنفسه ولشركائه ولا سيما إن قلنا الواجب بقتل العمد القود عينا ومنها لو عين الأضحية أو هديا لا عن واجب في الذمة فإن أتلفه أو تلف بتفريطه فعليه ضمانه بمثله لأن مستحقه موجود وهم مساكين وإن تلف بغير تفريط فلا شيء عليه ونقل القاضي في خلافه وأبو الخطاب في انتصاره وابن عقيل في عمده رواية بوجوب الضمان كالزكاة وأخذوا من قول الخرقي ومن ساق هديا واجبا فعطب دون محله فعليه مكانه وهذا بعيد جدا وكلام الخرقي إنما هو في الواجب في الذمة قالوا وكذا الخلاف فيمن نذر الصدقة بمال معين ولم يفعل حتى تلف هل يضمنه على الروايتين ومنها لو نذر عتق عبد معين فمات قبل أن يعتقه لم يلزمه عتق غيره ولزمه كفارة يمين نص عليه أحمد لعجزه عن المنذور وإن قتله السيد فهل يلزمه ضمانه على وجهين أحدهما لا يلزمه قاله القاضي وأبو الخطاب لأن القصد من العتق تكميل الأحكام والمصرف للعبد فإذا فات المصرف لم يبق مستحق للعتق والثاني يلزمه قاله ابن عقيل فيجب صرف قيمته في الرقاب أخذا من قولنا في الولاء إذا حصل من المعتقين في الكفارة صرف في الرقاب والولاء أليس من القيمة لأنه بدل الاكتساب والقيمة بدل الذات وإذا كانت هذه الرقاب مصرفا فلا وجه لسقوط القيمة عنه ولو أتلفه أجنبي فقال أبو الخطاب لسيده القيمة ولا يلزمه صرفها في العتق وخرج بعض الأصحاب وجها بوجوبه وهو قياس قول ابن عقيل لأن البدل قائم مقام المبدل ولهذا لو وصى له بعبد فقتل قبل قبوله فإن قيمته له إذا قتل القاعدة التاسعة والثلاثون بعد المائة الحقوق الواجبة من جنس إذا كان بعضها مقدرا بالشرع وبعضها غير مقدر به فهي ثلاثة أنواع أحدها أن يكون تقدير الحق خشية سقوط صاحبه فحيث كان من لم يقدر حقه يستحق الجميع عند الانفراد كذوي الفروض مع العصبات في الميراث فهاهنا قد يزيد الحق الذي لم يقدر على الحق المقدر لأنه أقوى منه والنوع الثاني أن يكون التقدير لنهاية الاستحقاق وغير المقدر موكولا إلى الرأي والاجتهاد من غير تقديره بأصل يرجع إليه فلا يراد الحق الذي لم يقدر على المقدر هاهنا وله صور
____________________
(1/356)
منها الحد والتعزير فلا يبلغ بتعزير الحر والعبد أدنى حدودهما إلا فيما سببه الوطء فيجوز أن يبلغ بالتعزير عليه في حق الحر مائة جلدة بدون نفي وقيل لا يبلغ المائة بل ينقص منه سوطا وفي حق العبد خمسين إلا سوطا ويجوز النقص منه على ما يراه السلطان ومن الأصحاب من حكى أنه لا يبلغ بالتعزير في معصية حدا مشروعا في جنسها ويجوز أن يزيد على حد غير جنسها قال في المغني ويحتمله كلام أحمد والخرقي وعن أحمد لا يزاد في كل تعزير عشر جلدات لخبر أبي بردة ومنها السهم من الغنيمة والرضخ فلا يبلغ بالرضخ لآدمي سهمه المقدر ولا بالرضخ لمركوب سهمه المقدر النوع الثالث أن يكون أحدهما مقدرا شرعا والآخر تقديره راجع إلى الاجتهاد ولكنه يرجع إلى أصل يضبط به فهل هو كالمقدر أم لا إن كان محلهما واحدا لم يجاوز به المقدر وفي بلوغه خلاف وإن كان محلهما مختلفا فالخلاف في بلوغ المقدر ومجاوزته فالأول كالحكومة إذا كانت في محل له مقدر فلا يجاوز بها المقدر وكذلك المحل وفي بلوغه وجهان والثاني كدية الحر مع قيمة العبد فإذا جاوزت قيمة العبد فهل تجب القيمة بكماله أم لا يجوز أن يبلغ بها دية الحر بل ينقص منها على روايتين وقد يخرج عليهما جواز بلوغ الحكومة الأرش المقدر مطلقا القاعدة الأربعون بعد المائة من سقطت عنه العقوبة بإتلاف نفس أو طرف مع قيام المقتضى له لمانع فإنه يتضاعف عليه الغرم ويتخرج على ذلك مسائل منها إذا قتل مسلم ذميا عمدا ضمنه بدية مسلم ومنها من سرق من غير حرز فإنه يتضاعف عليه الغرم نص عليه وقيل يختص ذلك بالثمر والكثر ومنها الضالة المكتومة يضمن بقيمتها مرتين نص عليه أحمد في رواية ابن منصور معللا بأن التضعيف في الضمان هو لدرء القطع وهذا متوجه على أصله في قطع جاحد العارية ومنها لو قلع الأعور عين الصحيح فإنه لا يقتص منه وتلزمه الدية كاملة نص عليه ومنها الصغير إذا قتل عمدا وقلنا إن له عمدا صحيحا ضوعف عليه الدية في ماله
____________________
(1/357)
ومنها السرقة عام المجاعة قال القاضي في خلافه يتضاعف الغرم فيها من غير قطع على قول أحمد لأنه لو احتج في رواية الأثرم بحديث عمر في رقيق حاطب ومنها السرقة من الغنيمة إذا قلنا هي كالغلول وإن الغال يحرم سهمه منها على رواية فيجتمع عليه غرم ما سرقه مع حرمان سهمه المستحق منها وقد يكون قدر السرقة وأقل وأكثر وليس من هذه القاعدة تغليظ الدية بقتل ذي الرحم عمدا لأن القصاص فيه قد يكون واجبا في غير الابن وإنما هو لزيادة حرمة الجناية فهو كالتضعيف بالقتل في الحرم والإحرام القاعدة الحادية والأربعون بعد المائة إذا أتلف عينا تعلق بها حق الله تعالى من يجب عليه حفظها واستيفاؤها إلى مدة معلومة لزمه ضمانها بقيمتها في ذلك الوقت لا يوم تلفها أو بمثلها على صفاتها في ذلك الوقت لا يوم تلفها على أصح الوجهين ويتخرج على ذلك صور منها لو ترك الساعي زكاة الثمار أمانة بيد رب المال فأتلفها قبل جفافها أو تلفت بتفريطه ضمنها بقدرها يابسا لا رطبا على الصحيح وعنه يضمنها بمثلها رطبا ومنها لو أتلف الأضحية أو الهدي فعليه ضمانه بأكثر القيمتين من يوم الإتلاف أو يوم النحر وفيه وجه يضمنها بقيمتها يوم التلف قبل يوم النحر بكل حال كما لو كان أجنبيا وفي الكافي يضمنها بأكثر الأمرين من قيمتها أو هدي مثلها لأنه فوت الإراقة والتفرقة بعد لزومهما فلزمه ضمانها كما لو أتلف شيئين قال ويشتري بالقيمة هديا ويحتمل أن يتصدق به ويلتحق بهذا ما إذا أكل المضحي جميع أضحيته أو الهدي مما منع من أكله فإنه يضمنه بمثله لحما نص عليه في رواية ابن منصور لا تلزمه الإراقة والتفرقة وقد أتى بأحدهما وبقي الآخر فلزمه ضمانه ولو أتلفه غيره فعليه قيمته لأنه لا يلزمه الإراقة فلزمته القيمة ويشتري بها مثله القاعدة الثانية والأربعون بعد المائة ما زال من الأعيان ثم عاد بأصل الخلقة أو بصنع آدمي هل يحكم على العائد بحكم الأول أم لا فيه خلاف يطرد في مسائل منها لو قلع سنه أو قطع أذنه فأعاده في الحال فثبت والتحم كما كان لم يرح فهل يحكم بطهارته أم لا نص أحمد على طهارته إذا ثبت والتحم وعلى نجاسته إذا لم
____________________
(1/358)
يثبت وحكى القاضي المسألة على روايتين وفرق ابن أبي موسى بين أن يثبت ويلتحم فيحكم بطهارته لعود الحياة إليه وهذا بخلاف ما إذا لم يثبت وهذا حسن فإن كان بجناية جان فالمنصوص عن أحمد أنه لا قود فيه ولا دية سوى حكومة نقصه واختاره أبو بكر وبناه كثير من الأصحاب على القول بطهارته وقال القاضي حقه بحاله فأما إن اقتص من الجاني فأعاده والتحم فهل للمقتص إبانته ثانيا أم لا نص أحمد في رواية ابن منصور على أن له إبانته وعلل بأن القصاص للشين والشين قد زال وقال القاضي في المجرد ليس له ذلك ومنها لو قلع ظفر آدمي أو سنه أو شعره ثم عاد أو جنى عليه فأذهب شمه أو بصره ثم عاد بحاله فلا ضمان بحال في المذهب لأن أطراف الآدمي لا تضمن بالإتلاف إذ ليست أموالا فإنما يضمن بما نقص الجملة ولم يوجد نقص ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد صرح به جماعة ويتوجه التفريق لأن أعضاء الرقيق أموال ولهذا يجوز بيع لبن الأمة دون الحرة على وجه لنا وقد ذكروا في الجارية المغصوبة إذا هزلت عند الغاصب ثم سمنت فهل يضمن نقصها على وجهين والأشبه بكلامه أنه لا ضمان لأنه نص في رواية ابن منصور فيمن كسر خلخالا لغيره أن عليه إصلاحه وبينهما فرق فإن إصلاح الخلخال نوع ضمان بخلاف عود السمن ولكن صرح صاحب التلخيص بأنه لو غصب جدارا فنقضه ثم أعاده فعليه أرش نقصه إلا أن هذا بناه على أن الواجب الأرش فالبناء عدوان ولا يسقط به الواجب وكذلك ذكر القاضي فيما إذا باع الغاصب الدار المغصوبة فنقضها المشتري ثم بناها أن على المشتري ضمان قيمتها مبنية ومنقوضة يرجع به على الغاصب ومنها نبات الحرم إذا قطعه أو غصنا من شجرة منه ثم عاد ففي ضمانه وجهان وكذلك لو جنى على ريش طائر في الحرم أو الإحرام ثم نبت فهل يضمنه على وجهين لتردد ضمان صيد الحرم ونباته وصيد المحرم بين ضمان الأموال إذ هي أموال في الجملة وبين ضمان الآدميين لأنه واجب لحق الله تعالى والأشبه أن صيد الحرم ونباته ملحق بالآدميين لعصمته بمحله بالنسبة إلى جميع الناس بخلاف صيد المحرم فإن تحريمه يختص به فهو شبيه بالأموال المملوكة التي تحل لمالكها دون غيره ومنها لو أعاره حائطا لوضع خشبه عليه فسقط الجدار ثم أعاده فهل له إعادة الوضع أم لا فيه وجهان ليس له ذلك بدون إذن لأن الثاني غير الأول فلم تتناوله الإعادة
____________________
(1/359)
والصلح ذكره القاضي وابن عقيل في العارية والثاني له ذلك إن أعاده بآلته العتيقة وإلا فلا وحكي عن القاضي ولا أظنه يصح عنه ولو كان الوضع مستحقا بعقد صلح فله الوضع بكل حال وجها واحدا ومنها إذا أجره دارا فانهدم جدارها فأعاده المؤجر فصرح به القاضي وابن عقيل بأن هذا المجدد لم يقع عليه العقد وفرعا عليه أنه لا يجبر على التجديد وكذا ذكر صاحب التلخيص مع قوله إن جدد فلا خيار له وحكى وجها بإجباره على التجديد كما يجبر على الترميم ويتوجه التفريق بين أن تعاد بآلتها العتيقة أو غيرها كما في التي قبلها ومنها مسألة الجدار المشترك إذا انهدم وأعاده أحد الشريكين فهل يعود حق شريكه فيه إن أعاده بآلة جديدة لم يعد وإن كان بآلته العتيقة فوجهان سبق ذكرهما ومنها لو وصى له بدار فانهدمت فالمشهور بطلان الوصية بزوال الاسم ولا يعود بعود البناء لأنه غير الأول ويتوجه عودها إن أعادها بآلتها القديمة وفيه وجه آخر لا تبطل الوصية بكل حال ولو لم يعد بناؤها وعلى هذا فهل يستحق أنقاضها الموجودة حال الوصية على وجهين يرجعان إلى أن الاعتبار هل هو بحال الوصية أو بحال الموت وهل يستحق البناء المتجدد فيها على وجهين أيضا ومنها إذا تهدمت الكنيسة التي تقر في دار الإسلام فهل يمكنون من إعادتها على روايتين معروفتين بناء على أن الإعادة هل هي استدامة أو إنشاء ولو فتح بلد عنوة وفيه كنيسة متهدمة تقر فهل يجوز بناؤها فيه طريقان أحدهما المنع منه مطلقا والثاني بناؤه على الخلاف في بناء المنهدمة القاعدة الثالثة والأربعون بعد المائة يقوم البدل مقام المبدل ويسد مسده ويبني حكمه على حكم مبدله في مواضع كثيرة وقد سبق ذكر بعضها ومنها إذا مسح على الخف ثم خلعه فإنه يجزئه غسل قدميه على إحدى الروايتين ولو فاتت الموالاة لأن المسح كمل الوضوء وأتمه وقام مقام غسل الرجلين إلى حين الخلع فإذا وجد الخلع وتعقبه غسل القدمين فالوضوء كالمتواصل وعلى هذا لو وجد ما يكفي لغسل بعض أعضاء الحدث الأصغر فاستعمله فيها ثم تيمم للباقي ثم وجد الماء بعد فوات الموالاة لم يلزمه إلا غسل باقي الأعضاء وهو ظاهر ما ذكره الشيخ مجد الدين في شرح الهداية لكنه بناه على سقوط الموالاة للعذر
____________________
(1/360)
ومنها لو افترق المتصارفان ثم وجد أحدهما بما قبضه عيبا وأراد الرد وأخذ بدله في مجلس الرد فهل ينتقض الصرف بذلك أم لا على روايتين ومنها إذا حضر الجمعة أربعون رجلا من أهل وجوبها ثم تبدلوا في أثناء الخطبة أو الصلاة بمثلهم انعقدت الجمعة وتمت بهم ومنها لو أبدل نصابا من أموال الزكاة بنصاب من جنسه بني على حول الأول على المذهب ولو أبدله بغير جنسه استأنف إلا في إبدال أحد النقدين بالآخر فإن فيه روايتين وخرج أبو الخطاب في انتصاره رواية بالبناء في الإبدال من غير الجنس مطلقا ومنها لو أبدل مصحفا بمثله جاز نص عليه بخلاف ما لو باعه بثمن وذكر أبو بكر في المبادلة هل هي بيع أم لا على روايتين وأنكر القاضي ذلك وقال هي بيع بلا خلاف وإنما أجاز أحمد إبدال المصحف بمثله لأنه لا يدل على الرغبة عنه ولا على الاستبدال به بعوض دنيوي بخلاف أخذ ثمنه ومنها لو أبدل جلود الأضاحي بما ينتفع به في البيت من الآنية جاز نص عليه لأن ذلك يقوم مقام الانتفاع بالجلد نفسه في متاع البيت ومنها إبدال الهدي والأضاحي بخير منها وهو جائز نص عليه وكذلك إبدال الوقف إذا خرب والمسجد إذا باد بأهله والوقف مع عمارته بخير منه روايتان ومنها لو مات رب المال وهو في يد المضارب أو شريك العنان وأراد الوارث تقريره وأذن له في التصرف جاز وهل هو ابتداء عقد أو استدامة على وجهين ذكرهما في التلخيص وغيره وأشار إليهما القاضي وابن عقيل بأن كان المال عرضا وقلنا يصح القراض على العرض فلا كلام وإن قلنا لا يصح فخرجهما القاضي على وجهين قال في التلخيص إن قلنا هو ابتداء فلا يصح وإن قلنا تقرير جاز لأنه عرض هو اشتراه وجنس رأس المال قد تعين من قبل فرجع إليه بخلاف الابتداء أما إذا مات العامل وأراد المالك تقرير وارثه وكان المال عرضا فهو كالابتداء وجها واحدا قاله القاضي والأكثرون وفرقوا بين موت رب المال وموت العامل بأن رب المال ترك للوارث أصلا يبني عليه وهو المال فلذلك صح بناء العقد عليه بخلاف العامل فإنه لم يكن منه سوى العمل وقد زال بموته فلم يخلف لوارثه أصلا يبني عليه ومنها لو كاتبه على عرض فأداه فوجده معيبا فرده فهل يستحق بدله ولا يرتفع العتق أم يرتفع العتق برده على وجهين وبناه بعضهم على أن الملك هل يحصل بالقبض أم يقف
____________________
(1/361)
على الرضى ومنها لو اعتاض عن دين الكتابة بغير جنسه فهل يعتق المكاتب على وجهين ومنها أن العوض هل يقوم مقام المعوض في البر والحنث أم لا على وجهين القاعدة الرابعة والأربعون بعد المائة فيما يقوم فيه الورثة مقام موروثهم من الحقوق وهي نوعان حق له وحق عليه فأما النوع الأول فما كان من حقوقه يجب بموته كالدية والقصاص في النفس فلا ريب في أن لهم استيفاءه وسواء قلنا إنه ثابت لهم ابتداء أو منتقل إليهم عن موروثهم ولا يؤثر مطالبة المقتول بذلك شيئا على المعروف من المذهب ومال الشيخ تقي الدين إلى أن مطالبته بالقصاص توجب تحتمه فلا يتمكنون بعدها من العفو وما كان واجبا له في حياته إن كان قد طالب به أو هو في يده ثبت لهم إرثه فمنه الشفعة إذا طالب بها نص عليه أحمد في أكثر الروايات وتوقف في رواية ابن القاسم وقال هو موضع نظر ومنه حد القذف ونص عليه أيضا ويستوفيه الوارث لنفسه بحكم الإرث عند القاضي وقال ابن عقيل فيما قرأته بخطه إنما يستوفي للميت بمطالبته منه ولا ينتقل وكذا الشفعة فيه فإن ملك الوارث وإن كان طارئا على البيع إلا أنه مبني على ملك موروثه ومنه خيار الشرط ونص عليه أحمد أيضا ومنه الدم نص عليه أحمد في رواية محمد بن موسى والمراد به ما دون النفس إذا وجب له في حياته ثم مات من غير سرايته بعد طلبه ومنه خيار الرجوع في الهبة إذا طالب به ذكره القاضي في خلافه ومنه الأرض الخراجية التي بيده لأن هذا حق قد أحدثه وحازه وكذلك الموات المتحجر وحقوق الاختصاصات التي تحت يده كلها ومنه حصة المضارب من الربح إذا قلنا لا تملك بالظهور فإن اشتراطه لها في العقد مع عمله في المال لأجلها أبلغ من المطالبة باللفظ وهذا بخلاف الغانم إن سلمناه على قولنا لا يملك حصته بدون التملك فإنه لم يجاهد للغنيمة وإنما جاهد لإعلاء كلمة الله تعالى والغنيمة تابعة وأما إن لم يكن يطالب به فهو ضربان أحدهما حقوق التملكات والحقوق التي ليست بمالية فبعثت وحد القذف ففيه قولان في المذهب أشهرهما أنه لا يورث
____________________
(1/362)
ويندرج في ذلك صور منها الشفعة فلا تورث مطالبته على المذهب وله مأخذان أشار إليهما أحمد أحدهما أنه حق له فلا يثبت بدون مطالبته به ولو علمت رغبته من غير مطالبته لكفى في الإرث ذكره القاضي في خلافه والثاني أن حقه فيها سقط بتركه وإعراضه لا سيما على قولنا إنها على الفور فعلى هذا لو كان غائبا فلهم المطالبة وليس لهم ذلك على الأول ونقل عنه أبو طالب إذا مات صاحب الشفعة فلولده أن يطلبوا الشفعة تورثه وظاهر هذا أن لهم المطالبة بها بكل حال فإنه صرح ببقاء إرثها في رواية مهنا وغيره وقد وقع التردد في كلامه في ثبوت الإرث فيها ومنها حق الفسخ بخيار الشرط فلا تورث بغير مطالبة نص عليه أيضا وخرج أبو الخطاب وغيره وجها آخر بإرثه مطلقا ومنها الفسخ الثابت بالرجوع في الهبة فلا يثبت بدون المطالبة أيضا صرح به القاضي وظاهر كلام أبي الخطاب تخريج الخلاف فيه وعن أحمد في الهبة المخصص بها بعض الولد إذا مات الواهب قبل التعديل والرجوع هل للورثة الرجوع أم لا روايتان ومأخذهما أن رجوع الوالد في هذه الهبة هل هو من باب الرجوع في الهبة الثابتة للوالد دون غيره فلا يقوم فيه مقامه أو هو ثابت لاستدراك الظلم والجور وعلى هذا هل هو مأمور به لحق نفسه حيث ظلم واعتدى فأمر بالتعديل فإذا لم يفعله سقط أو هو مأمور به لحق بقية الأولاد المظلومين فيثبت لهم الرد إذا تعذر الرد من جهته ومنها حد القذف فلا يورث بدون المطالبة أيضا نص عليه وخرج أبو الخطاب فيه وجها بالإرث والمطالبة ومنها القصاص فيما دون النفس وظاهر كلام أحمد كما قدمناه أنه يسقط بدون الطلب وظاهر كلام القاضي والأكثرين أنه يستوفي وعللوا بأنه يسقط إلى مال فهو كخيار الرد بالعيب ومنها خيار قبول الوصية المنصوص عن أحمد أن الوصية تبطل بموت الموصى له قبل وصولها إليه كذلك نقله عنه ابن منصور وغيره وهو اختيار القاضي والأكثرين إذا مات قبل القبول وقال الخرقي يثبت الخيار بين القبول والرد لورثة الموصى له لأن الوصية لزمت بموت الموصي فهي كالمملوكة ونقل صالح عن أبيه إذا أوصى لقرابته أو أهل بيته ثم مات بعضهم بعد الميت وقبل القسمة وقد وجبت الوصية لكل من أوصى له إذا كان حيا أوصى
____________________
(1/363)
له قال الشيخ مجد الدين وهذا نص لما قال الخرقي وليس بنص فيه لاحتمال أن يكون أثبت ملكا بمجرد الموت من غير قبول أو بالقبول فليس في النص ما ينفيه صريحا ورواية ابن منصور بالبطلان لم يتعرض فيها للقبول بل للقبض الضرب الثاني حقوق أملاك ثابتة متعلقة بالأملاك الموروثة فينتقل إلى الورثة بانتقال الأموال المتعلقة بها بدون المطالبة بخلاف الضرب الأول فإن الحقوق فيه من حقوق المالكين لا من حقوق الأملاك ولهذا لا تجب الشفعة عندنا لكافر على مسلم لأنه ليس من أهل الاستحقاق على المسلم ومن صور ذلك الرهن فإذا مات وله دين برهن انتقل برهنه إلى الورثة ومنها الكفيل وهو كالرهن لأنه توثقة فهو كالشهادة وعلله القاضي بأنه يستوفي منه المال كالرهن والضابط عنده أن ما فيه مال ينتقل إلى الورثة وما لا فلا ومنها الضمان فإذا مات وله دين له به ضامن انتقل إلى الورثة مضمونا بخلاف ما إذا أحال به رب الدين في حياته فإنه ينفسخ الضمان بالحوالة نص أحمد عليه في رواية مهنا لأن الأجنبي ليس بخليفة لرب الدين فلا ينتقل إليه بحقوقه بخلاف الوارث ومنها الأجل فلا يحل الدين المؤجل إذا أوثقه الورثة برهن أو كفيل في أشهر الروايتين ومنها الرد بالعيب وقد تردد القاضي في خلافه هل هو ثابت ابتداء أو بطريق الإرث والمشهور أنه إرث لأن الرد إنما يثبت لمن كان العقد له والخيار الثابت بفوات الصفة المشروطة في العقد مثله ذكره القاضي أيضا معللا بأنه يستحق فيه الأرش وذكر القاضي في كتاب التخريج أن من باع سلعة إلى أجل ثم مات المشتري فاشتراها البائع من وارثه بأقل من الثمن لم يجز لأن الوارث يملكها على حكم ملك الميت بدليل أنه يردها على بائعها بالعيب فصار الشراء منه كالشراء من المورث وهذا غريب وهو يشبه الوجه الذي حكاه ابن عقيل في بناء الوارث على حول المورث في الزكاة النوع الثاني الحقوق التي هي على الموروث فإذا كانت لازمة قام الوارث مقامه فيقام الوارث مقامه في إيفائها وإن كانت جائزة فإن بطلت بالموت فلا كلام وإن لم تبطل بالموت فالوارث قائم مقامه في إمضائها وردها ويتخرج على ذلك مسائل منها إذا مات وعليه ديون أو أوصى بوصايا فللورثة تنفيذها إذا لم يعين وصيا
____________________
(1/364)
ومنها إذا مات وعليه عبادة واجبة تفعل عنه بعد موته كالحج والمنذورات فإن الورثة يفعلونها عنه ويجب عليهم بذلك إن كان له مال وإلا فلا ولو فعلها عنه أجنبي بدون إذنهم ففي الإجزاء وجهان وكذلك الكفارات الواجبة بالمال قال في المغني إن أعتق فيها الأجنبي لم يصح وإن أعتق الوارث صح لأنه قائم مقام الموروث في مال وأداء واجباته وفي البلغة إن كان له مال صح عتقه عنه وإن لم يكن له مال لم يصح عتقه عنه ويصح إطعامه عنه وأما الأجنبي فلا يصح عتقه عنه وفي صحة إطعامه عنه وجهان ولو مات من أوجب أضحية قبل ذبحها فالوارث يقوم مقامه في الذبح تنبيه كثير من الأصحاب يطلق ذكر الوارث هنا وقال ابن عقيل وغيره هو الأقرب فالأقرب وكذلك قال الخرقي هو الوارث من العصبة فأما الوارث بالشفعة فيدخل فيه العصبات وذوو الفروض والرحم وأما الوارث لحد القذف فكذلك على المنصوص وقيل يختص بالعصبة وقيل بمن عدا الزوجين من الورثة ومنها إذا مات الراهن قبل إقباض الرهن الذي لا يلزمه بدون قبض فوارثه قائم مقامه في اختيار التقبيض والامتناع ذكره الأصحاب وقالوا وهو ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور وأبي طالب لأنه عقد يئول إلى اللزوم فلا يبطل في الموت كالبيع في مدة الخيار بخلاف الشركة والمضاربة مع أن في المضاربة خلافا سبق ومنها إذا مات الواهب قبل لزوم الهبة بالقبض ففيه وجهان أحدهما يقوم وارثه مقامه في ذلك كالرهن قاله أبو الخطاب والثاني يبطل وهو المنصوص في رواية ابن منصور واختيار ابن أبي موسى وقاله القاضي وابن عقيل في الهبة في الصحة وأما العطية في المرض إذا مات قبل إقباضها فجعلا الورثة فيها بالخيار لشبهها بالوصية القاعدة الخامسة والأربعون بعد المائة المعتدة البائن في حكم الزوجات في مسائل منها أن المبتوتة في مرض الموت ترث في العدة دون ما بعدها على إحدى الروايتين لأن الطلاق مانع من الإرث فلما قصد به الفرار من الحق المنعقد سببه ضعف منه فلم يعمل في المنع ما دامت علق الزوجية قائمة ومنها تحريم نكاح الأخت في عدة أختها البائن والخامسة في عدة الرابعة تنزيلا لحالة العدة منزلة حالة النكاح
____________________
(1/365)
ومنها أن العدتين من رجلين لا يتداخلان فإذا وطئت البائن بشبهة في عدتها أتمت عدة الأول واستأنفت العدة للثاني على المذهب فلا تكون محبوسة على رجلين في عدة واحدة كما لا يحبس عليهما في نكاح واحد وإن كان الواطئ بشبهة هو الزوج تداخلت العدتان لأنهما من رجل واحد إلا أن تحمل من أحد الوطأين ففي التداخل وجهان لكون العدتين من جنسين وذكر أبو بكر فيما إذا وطئت زوجة الطفل ثم مات عنها ثم وضعت قبل تمام عدة الوفاة أنها لا تحل له حتى تكمل عدة الوفاة قال الشيخ مجد الدين وظاهر هذا تداخل العدتين ومنها لو طلق المدخول بها طلاقا بائنا ثم نكحها في العدة ثم طلقها قبل الدخول ففيها طريقان أحدهما أنها على الروايتين في الرجعية إذا روجعت أو طلقت في العدة قبل الإصابة هل تبني أو تستأنف وهو المذكور في المجرد والفصول والمحرر والثاني تبني هنا رواية واحدة وهو ما في تعليق القاضي وعمد الأدلة لانقطاع النكاح الثاني عن الأول بالبينونة بخلاف الرجعية ومنها لو مات مسلم وزوجته ذمية فأسلمت في العدة قبل قسمة الميراث فنص أحمد في رواية البرزاطي على أنها ترث ما لم تنقض عدتها وعلى هذا فلو أسلمت المرأة أولا ثم ماتت في مدة العدة لم يرثها زوجها الكافر ولو أسلم قبل القسمة لانقطاع علق الزوجية عنه بموتها وحكى القاضي عن أبي بكر أن الزوجين لا يتوارثان بالإسلام قبل القسمة بحال قال وظاهر كلام الأصحاب خلافه وأنه لا فرق في ذلك بين الزوجين وغيرهما كما يرث الزوجان من الدية سواء قيل بحدوثها على ملكهم أو على ملك الموروث ولم يذكر القاضي المنصوص عن أحمد وأما نفقة البائن فإن كانت بفسخ أو طلاق فلها السكنى والنفقة مع الحمل وإلا فلا هذا ظاهر المذهب لأن النفقة في مقابلة التمكين من الاستمتاع ولهذا لم يجب قبل التسليم ولا مع النشوز وعنه لها السكنى خاصة إذا لم تكن حاملا وعنه لها النفقة والسكنى حكاها ابن الزاغوني وغيره مطلقا وقيل هي كالزوجة يجوز لها الخروج والتجول بإذن الزوج مطلقا القاعدة السادسة والأربعون بعد المائة تفارق المطلقة الرجعية الزوجات في صور منها أن في إباحتها في مدة العدة روايتين وعلى رواية التحريم فهل يجب لها المهر بالوطء على وجهين
____________________
(1/366)
ومنها أن طلاقها في مدة العدة طلاق بدعة على أصح الروايتين ومنها أن الإيلاء منها هل يصح منها على روايتين ومنها هل يصح اختيارها لزوجها إذا عتقت تحت عبد على وجهين ومنها لو نكحت المطلقة ثلاثا زوجا آخر فخلى بها ثم طلقها وقلنا تجب عليها العدة بالخلوة وثبتت الرجعة وهو ظاهر المذهب ثم وطئها في مدة العدة فهل يحلها لزوجها الأول على روايتين حكاهما صاحب الترغيب ومنها إذا علقت الرجعية في مدة العدة بولد فهل تلحق بمطلقها أم لا على روايتين ومنها أن المعتدة من أجنبي من طفلها هل تعود إلى حضانته في مدة الرجعة أم لا تعود حتى تنقضي عدتها على وجهين ومنها لو مات زوج الرجعية فهل تنتقل إلى عدة الوفاة أو تعتد بأطولهما على روايتين ومنها أن الرجعية يجب عليها لزوم منزلها لحق الله تعالى كالمتوفى عنها نص عليه أحمد في رواية أبي داود وذكره القاضي في خلافه وصاحب المحرر وقيل هي كالزوجة يجوز لها الخروج والتجول بإذن الزوج مطلقا القاعدة السابعة والأربعون بعد المائة أحكام النساء على النصف من أحكام الرجال في مواضع منها الميراث والدية ومنها العقيقة عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة ومنها الشهادة والعتق فيعدل عتق امرأتين بعتق رجل في الفكاك من النار كما دل عليه الحديث وحكى ابن أبي موسى في المسألة روايتين إحداهما كذلك والثانية وجعلها المذهب أن عتق العبد والأمة في ذلك سواء ومنها عطية الأولاد في الحياة فإن المشروع عندنا أن يكون على سبيل الميراث خلافا لابن عقيل ومنها الصلاة فإن المرأة تسقط عنها الصلاة أيام الحيض وأكثر الحيض على ظاهر المذهب خمسة عشر يوما وهو نصف الشهر
____________________
(1/367)
القاعدة الثامنة والأربعون بعد المائة من أدلى بوارث وقام مقامه في استحقاق إرثه سقط به وإن أدلى به ولم يرث ميراثه لم يسقط به ويتخرج على ذلك مسألتان إحداهما ولد الأم يدلون بالأم ويرثون معها لأنهم يرثون بالأخوة لا بالأمومة والثانية الجدة أم الأب ترث مع الأب على ظاهر المذهب لأنها لا ترث ميراث جدة لا ميراث جد القاعدة التاسعة والأربعون بعد المائة الحق الثابت لمعين يخالف الثابت لغير معين في أحكام منها من له وارث معين ليس له أن يوصي بأكثر من ثلثه ومن لا وارث له من ذي فرض ولا عصبة ولا رحم هل له أن يوصي بماله كله أم لا على روايتين فمن الأصحاب من بناهما على هذه القاعدة ومنهم من بناهما على أن بيت المال هل هو عصبة وارث أم لا ويتعلق بهذا إذا أقر الإمام بنسب من لا يعلم له وارث معين قال القاضي وابن عقيل يثبت نسبه لأن المال للمسلمين والإمام نائبهم وهذا كأنه تفريع على القول بتوريث بيت المال ويتوجه مثل ذلك في إجازة الإمام وصية من وصى بكل ماله وقلنا لا يجوز له الزيادة على الثلث وذكر الأصحاب أن من قتل ولا وارث له فللإمام العفو عن قاتله إلى الدية وليس له العفو مجانا لأنه كتوريث القاتل وهل له أن يقتص على وجهين قد سبق ذكر مأخذهما ومنها الأموال التي يجهل ربها يجوز التصدق منها بخلاف ما علم ربها وقد سبق من ذلك صور عديدة ومنها إذا مات من لا وارث له وعليه دين مؤجل فهل يحل قال القاضي وابن عقيل في المجرد وصاحب المغني يحل لأن الأصل يستحقه الوارث وقد عدم هنا وذكر القاضي في خلافه احتمالين لأن له وارثا لكنه غير معين وقد يتخرج على هذا ما إذا مات المستأجر ولا وارث له هل تنفسخ الإجارة أم لا فإن أحمد نص فيمن اكترى بعيرا ليحج عليه فمات في بعض الطريق فإن عاد البعير خاليا فعليه بقدر ما وجب له ووجهه صاحب المغني غيره بأنه تعذر انتفاعه في بقية المدة وليس له وارث يستوفي المنفعة فانفسخت الإجارة بذلك
____________________
(1/368)
وصرح الأصحاب بأن الإمام يأخذ بالشفعة إذا مات من لا وارث له بعد المطالبة بها وفي عمد الأدلة لابن عقيل أن حد القذف كذلك في قياس المذهب ومنها أن المال المستحق لغير معين كالزكاة لا تقف أداؤه على مطالبتهم ولا على مطالبة وكيلهم وهو الإمام ولهذا لا تسقط الزكاة عندنا بتلف النصاب قبل التمكن من الأداء بخلاف المستحق لمعين فإنه لا يجب الأداء إليه بدون مطالبة القاعدة الخمسون بعد المائة تعتبر الأسباب في عقود التمليكات كما يعتبر في الأيمان ويتخرج على هذا مسائل متعددة منها مسائل العينة ومنها هدية المقترض قبل الأداء فإنه لا يجوز قبولها ممن لم يجر له منه عادة ومنها هدية المشركين لأمير الجيش فإنه لا يختص بها على المذهب بل هي غنيمة أو فيء على اختلاف الأصحاب ومنها هدايا العمال قال أحمد في رواية أبي طالب في الهدايا التي تهدى للأمير فيعطى منها الرجل قال هذا الغلول ومنع الأصحاب من قبول القاضي هدية من لم تجر العادة بهديته له قبل ولايته ومنها هبة المرأة زوجها صداقها إذا سألها ذلك فإن سببها طلب استدامة النكاح فإن طلقها فلها الرجوع فيها نص عليه أحمد في رواية عبد الله ومنها الهدية لمن يشفع له بشفاعة عند السلطان ونحوه فلا يجوز ذكره القاضي وأومأ إليه لأنها كالأجرة والشفاعة من المصالح العامة فلا يجوز أخذ الأجرة عليها وفيه حديث صريح في السنن ونص أحمد في رواية صالح فيمن عنده وديعة فأداها فأهديت إليه هدية أنه لا يقبلها إلا بنية المكافأة وحكم الهدية عند أداء سائر الأمانات حكم الوديعة ومنها ما نص عليه أحمد في رواية ابن ماهان فيمن اشترى لحما ثم استزاد البائع فزاده ثم رد اللحم بعيب فالزيادة لصاحب اللحم لأنها أخذت بسبب اللحم فجعلها تابعة للعقد في الرد لأنها مأخوذة بسببه وإن كانت غير لاحقة به وتأولها القاضي على أنها إن كانت مأخوذة في المجلس فلحقت بالعقد وخرج ابن عقيل منها رواية بلحوق الزيادة بعد
____________________
(1/369)
لزوم العقد والحاجة إلى ذلك ومنها ماحكاه الأثرم عن أحمد في المولى يتزوج العربية يفرق بينهما فإن كان دفع إليها بعض المهر ولم يدخل بها يردوه وإن كان أهدى هدية يردونها عليه قال القاضي في الجامع لأن في هذه الحالة تدل على أنه وهب له بشرط بقاء العقد فإذا زال ملك الرجوع بها كالهبة بشرط الثواب انتهى وهذا في الفرقة القهرية لفقد الكفاءة ونحوها ظاهر وكذلك الفرقة الاختيارية المقسطة للمهر فأما النسخ المقرر للمهر أو نصفه فتثبت معه الهدية فأما إن كانت العطية لغير المتعاقدين لسبب العقد كأجرة الدلال ونحوها ففي النظريات لابن عقيل أن فسخ البيع بإقالة ونحوها لم يقف على التراضي فلا يرد الأجرة وإن فسخ بخيار أو عيب ردت لأن البيع وقع مترددا بين اللزوم وعدمه وقياسه في النكاح أنه إن فسخ لفقد الكفاءة أو العيب ردت وإن فسخ لردة أو رضاع أو مخالعة لم ترد فأما إن كانت العطية لغير المتعاقدين لسبب العقد كأجرة الدلال ونحوها ففي النظريات لابن عقيل أن فسخ البيع بإقالة ونحوها لم يقف على التراضي فلا يرد الأجرة وإن فسخ بخيار أو عيب ردت لأن البيع وقع مترددا بين اللزوم وعدمه وقياسه في النكاح أنه إن فسخ لفقد الكفاءة أو العيب ردت وإن فسخ لردة أو رضاع أو مخالعة لم ترد فأما إن كانت العطية لغير المتعاقدين لسبب العقد كأجرة الدلال ونحوها ففي النظريات لابن عقيل أن فسخ البيع بإقالة ونحوها لم يقف على التراضي فلا يرد الأجرة وإن فسخ بخيار أو عيب ردت لأن البيع وقع مترددا بين اللزوم وعدمه وقياسه في النكاح أنه إن فسخ لفقد الكفاءة أو العيب ردت وإن فسخ لردة أو رضاع أو مخالعة لم ترد القاعدة الحادية والخمسون بعد المائة دلالة الأحوال يختلف بها دلالة الأقوال في قبول دعوى ما يوافقها ورد ما يخالفها ويترتب عليها الأحكام بمجردها ويتخرج عليه مسائل منها كنايات الطلاق في حالة الغضب والخصومة لا يقبل دعوى إرادة غير الطلاق بها ومنها كنايات القذف وحكمها كذلك على الصحيح حتى إن ابن عقيل جعلها مع دلالة الحال صرائح ومنها لو تلفظ الأسير بكلمة الكفر ثم ادعى أنه كان كرها فالقول قوله لأن الأسر دليل الإكراه والتقية ومنها لو أتى الكافر بالشهادتين على طريق الاستهزاء والحكاية وقال ولم أرد الإسلام مع دلالة الحال على صدقه فهل يقبل منه على روايتين حكاهما القاضي في روايتيه ويتخرج عليهما لو أقر بمال في هذه الحال وأفتى جماعة بلزوم ما أقر به ومنها لو أقر المحبوس أو المضروب عدوانا ثم ادعى الإكراه قبل قوله نص عليه ولو أحضر إلى سلطان فأقر ثم ادعى أنه دهش ولم يعقل ما أقر به لم يقبل نص عليه أيضا ويتخرج قبوله إذا ظهرت منه أمارة ذلك من تلجلجه في كلام ورعدة ونحوها ومنها لو دخل حربي إلينا ومعه سلاح فادعى أنه جاء مستأمنا لم يقبل قوله وإن لم
____________________
(1/370)
يكن معه سلاح قبل نص عليه وكذلك لو جاء بعض عسكرنا بحربي وادعى أنه أسره وقال بل أمنتني ففيه روايتان وثالثها أن القول قول من يدل الحال على صدقه لضعفه أو قوته ومنها لو جاء المكاتب سيده بتمام كتابته فقبضها السيد ثم قال له أنت حر ثم بان المال مستحقا وقال السيد إنما أردت الإخبار بعتقه بالأداء ولم أرد تنجيز عتقه فالقول قوله ذكره القاضي في المجرد وابن عقيل وقد نص أحمد في رواية المروذي في رجل قال لامرأته إن خرجت فأنت طالق فاستعارت امرأة ثيابها فلبستها فأبصرها زوجها حين خرجت من الباب فقال قد فعلت أنت طالق وقال يقع طلاقه على امرأته فنص على وقوع طلاقه مع أن الظاهر أنه أراد الإخبار بوقوع طلاقها المحلوف به على خروجها ولم يدنيه في ذلك وأيضا فلو قيل أنه قصد إنشاء الطلاق فإنه إنما أوقعه عليها بخروجها الذي منعها منه ولم يكن موجودا وهذا يشهد لقول القاضي فيما إذا قال لزوجته أنت طالق أن دخلت الدار بفتح الهمزة أنها تطلق مطلقا سواء كانت قد دخلت أو لم تدخل خلافا لما ذكره ابن أبي موسى أنها لا تطلق إذا لم تكن دخلت من قبل لأنه إنما طلقها لعلة فلا يثبت الطلاق بدونها وكذلك أفتى ابن عقيل في فنونه فيمن قيل له قد زنت زوجتك فقال هي طالق ثم تبين له أنها لم تكن زنت أنها لا تطلق وجعل السبب كالشرط اللفظي أولى وهذا هو قول عطاء بن أبي رباح ومنها لو سرق عينا وادعى أنها ملكه ففي قطعه روايتان ثالثها إن كان معروفا بالسرقة قطع وإلا فلا صححها صاحب الترغيب ومنها لو ادعى دفع ثوبه إلى من يخيطه أو يقصره أو ركب سفينة وهو معروف بأخذ الأجرة على ذلك استحق الأجرة ومنها الهبة التي يراد بها الثواب بدلالة حال الواهب من غير شرط نقل حنبل عن أحمد ما يدل على وجوب ناعم والمشهور خلافه ومنها لو وجد لقيط وبجنبه مال ظاهر أو مدفون طريا فإنه يحكم له به وكذلك ما يكون بالقرب من الإنسان أو بين يديه من متاع أو طعام ونحوه ذكره ابن عقيل قال كذلك رزمة الثياب تشاجر الحطب يحكم بها للواقف بقربها لأن ذلك شاهد وضعها عنه للاستراحة فكأنه على رأسه انتهى وينبغي تقييده بمن كان يليق به حملها دون من لا يحملها مثله
____________________
(1/371)
ومنها لو تنازع الزوجان في متاع البيت فما صلح للرجل فهو للرجل وما صلح للنساء فهو للمرأة وكذلك لو اختلف صانعان في آلة دكان لهما أو نازع رب الدار خياطا فيها في إبرة أو مقص أو تنازع المؤجر والمستأجر في رف مقلوع أو مصراع له شكل منصوب ومن هذا الباب اللوث في القسامة والقضاء بمعاقد القمط وهو رواية حكاها ابن أبي موسى وإلحاق النسب بالقافة ومنها لو ادعى دعوى يشهد الظاهر بكذبها مثل أن ادعى على الخليفة أنه اشترى منه ما فيه ثقل وحملها بيده لم تسمع دعواه بغير خلاف ذكره القاضي في خلافه وإن أطلق الدعوى عليه ففي سماعها قبل أن يبين أن لها أصلا روايتان لاحتمال معاملته بوكيله ومنها لو اختلف الزوجان في قدر المهر فالقول قول من يدعي مهر المثل على إحدى الروايتين القاعدة الثانية والخمسون بعد المائة المحرمات في النكاح أربعة أنواع النوع الأول المحرمات بالنسب وضابط ذلك أنه يحرم على الإنسان أصوله وفروعه وفروع أصله الأدنى وإن سفلن وفروع أصوله البعيدة دون بناتهن فيدخل في أصوله أمه وأم أمه وأم أبيه وإن علون ودخل في فروعه بنته وبنت بنته وبنت ابنه وإن نزلن ودخل في فرع أصله الأدنى أخواته من الأبوين أو من أحدهما وبناتهن وبنات الإخوة وأولادهم وإن سفلن ودخل في فروع أصوله البعيدة العمات والخالات وعمات الأبوين وخالاتهما وإن علون ولم يبق من الأقارب حلالا سوى أصول فروعه البعيدة وهن بنات العم وبنات العمات وبنات الخال وبنات الخالات النوع الثاني المحرمات بالصهر وهن أقارب الزوجين وكلهن حلال إلا أربعة أصناف حلائل الآباء والأبناء وأمهات النساء وبنات النساء المدخول بهن فيحرم على كل واحد من الزوجين أصول الآخر وفروعه فيحرم على الرجل أم امرأته وأم أبيها وإن علت ويحرم عليه بنت امرأته وهي الربيبة وبنت بنتها وإن سفلت وتحرم بنت الربيب أيضا نص عليه في رواية صالح وذكر الشيخ تقي الدين أنه لا يعلم فيه نزاعا ويحرم عليه أن يتزوج بامرأة أبيه وإن علا وامرأة ابنه وإن سفل النوع الثالث المحرمات بالجمع فكل امرأتين بينهما رحم محرم يحرم الجمع بينهما بحيث لو كانت إحداهما ذكرا لم يجز له التزوج بالأخرى لأجل النسب دون الصهر فلا
____________________
(1/372)
يجوز له الجمع بين المرأة وعمتها وإن علت ولا بينها وبين خالتها وإن علت ولا بين الأختين ولا بين البنت وأمها وإن علت قال الشعبي كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون لا يجمع الرجل بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يصلح له أن يتزوجها ذكره الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله بإسناده وإنما قلنا لأجل النسب دون الصهر ليخرج من ذلك الجمع بين زوجة رجل وابنته من غيرها فإنه مباح إذ لا محرمية بينهما ليخشى عليهما القطيعة لكن يرد على هذا من كان بينهما تحريم من الرضاع فإنه يحرم عليه الجمع بينهما نص عليه في رواية الأثرم وحرب وتوقف في رواية ابن منصور في كون تشبيه الزوجة بالمحرمة من الرضاع ظاهرا فدل أن تحريم الرضاع لا يساوي تحريم النسب من جميع الوجوه والله أعلم النوع الرابع المحرمات بالرضاع فيحرم به ما يحرم من النسب في الأنواع الثلاثة المتقدمة واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يثبت به تحريم المصاهرة فلا يحرم على الرجل نكاح زوجته وابنتها من الرضاع ولا على المرأة نكاح أبي زوجها وابنه من الرضاع وقال أحمد في رواية ابن بدينا في حليلة الابن من الرضاع لا يعجبني أن يتزوجها يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وليس على هذا الضابط إيراد صحيح سوى المرضعة بلبن الزنا والمنصوص عن أحمد في رواية عبد الله أنها محرمة كالبنت من الزنا فلا إيراد إذا والله أعلم القاعدة الثالثة والخمسون بعد المائة ولد الولد هل يدخل في مسمى الولد عند الإطلاق هذا ثلاثة أنواع أحدها أنه يدخل في مسماه مطلقا مع وجود الولد وعدمه وذلك في صور منها المحرمات في النكاح كالبنات وحلائل الأبناء ومنها امتناع القصاص بين الأب وولده ومنها امتناع قطعه في السرقة من مال ولده ومنها رد شهادة الوالد لولده ومنها وجوب إعتاق الولد على والده ومنها جر الولاء فإذا كان ابن معتقه قوم أبوه وجده رقيقين فبعتق جده انتقل الولاء إلى موالي الجد سواء كان الأب موجودا أو لم يكن في إحدى الروايتين وفي الأخرى
____________________
(1/373)
إن كان الأب مفقودا جر الجد الولاء إلى مواليه وإن كان موجودا لم يجره بحال وفي الثالثة لا يجره الجد بحال فيختص جر الولاء بعتق الأب ومنها الوقف على الولد فيدخل فيه ولد الولد نص عليه أحمد في رواية المروزي ويوسف بن أبي موسى ومحمد بن عبيد الله المنادي وهو الذي جزم به الخلال وابن أبي موسى والقاضي فيما علقه بخطه على ظهر خلافه وغيرهم وهل يدخلون مع آبائهم بالتشريك أو لا يدخلون إلا بعدهم على الترتيب على وجهين للأصحاب وفي الترتيب فهل هو ترتيب بطن على بطن فلا يستحق أحد من ولد الولد شيئا مع وجود فرد من الأولاد أو ترتيب فرد على فرد فيستحق كل ولد نصيب والده بعد فقده على وجهين والثاني هو منصوص أحمد وقد سبق ذكره وفي أحكام القرآن للقاضي إن كان ثم ولد لم يدخل ولد الولد وإن لم يكن ولد دخل واستشهد بآية المواريث قال ويصح حمل اللفظ على حقيقته ومجازه وفي حالين مختلفين لا في جهة واحدة مع أنه ذكر احتمالا بأن إطلاق الولد على ولد الولد حقيقة قال والأشبه أنه مجاز لصحة نفيه وفي المجرد للقاضي لو وقف على أولاده ثم على أولاد أولاده ثم على الفقراء فهو بعد البطن الثاني من ولده للفقراء ومن الأصحاب من فهم منه أن ولد الولد لا يدخلون في إطلاق الولد ومنهم من قال بل إنما رتب بطنا بعد بطن مرتين ثم جعل بعدهما للفقراء أعلم أنه أراد البطنين الأولين خاصة بخلاف حالة الإطلاق وإلى هذا أشار صاحب التلخيص ومنها الوصية لولده وقد جعل الأصحاب حكمها حكم الواقف وذكر أبو الخطاب أن أحمد نص على دخولهم في ذلك والمعروف عن أحمد إنما هو في الوقف وأشار الشيخ تقي الدين إلى دخولهم في الوقف دون الوصية لأن الوقف يتأبد فيستحق ولده طبقة بعد طبقة والوصية تمليك للموجودين فيختص بالطبقة العليا الموجودة وحيث قيل بدخول ولد الولد في الوقف والوصية فإنما هو في ولد البنين فأما ولد البنات ففيه وجهان للأصحاب اختار الخرقي والقاضي أنهم لا يدخلون واختار أبو بكر وابن حامد دخولهم ونص أحمد في رواية المروذي على أنهم لا يدخلون في الوقف على الولد فمن الأصحاب من قال لا يدخلون في مطلق الولد إذا وقع الاقتصار عليه ويدخلون في مسمى ولد الولد لأنهم من ولد الولد حقيقة ليسوا بولد حقيقة وهذه طريقة ابن أبي موسى والشيرازي ومال إليها صاحب المغني
____________________
(1/374)
ومنها المنع في دفع الزكاة إلى الولد يدخل فيه ولد الولد وسواء في ذلك ولد الذكور والإناث على المنصوص عن أحمد لأن ولد البنت قد ثبت له حكم الولد في موضع فيثبت له حكم المنع من الزكاة بخلاف الوقف والوصية فإن المراعى فيهما صدق الاسم وثبوته في العرف لا جريان الحكم والله أعلم النوع الثاني ما يدخل فيه عند عدم الولد لا مع وجوده وذلك في صور منها الميراث فيرث ولد الولد جدهم مع فقد أبيهم كما يرثون آباءهم ولكن لا يرثهم الجد مع فقد الأب كما يرث الأب على ظاهر المذهب وفيه وجه آخر أنه يرثهم كأب مطلقا بحيث يحجب الإخوة كلهم اختاره ابن بطة وأبو حفص البرمكي والشيخ تقي الدين ومنها ولاية النكاح فيلي الجد فيها بعد الأب مقدما على الابن على قول الخرقي والقاضي لكن لا يقوم مقام الأب في الإجبار على المذهب وحكى ابن الزاغوني رواية أنه يقوم مقامه في الإجبار ومنها ولاية الصلاة على الجنازة فيلي الجد بعد الأب مقدما على الابن على الصحيح أيضا ومنها الحضانة فإن الجد أولى رجالها بها بعد الأب النوع الثالث ما لا يدخل فيه في مسمى الولد بحال وذلك في صور كثيرة منها الرجوع في الهبة ومنها الأخذ من مال الولد بغير حاجة ومنها ولاية المال وفيه رواية ومنها الاستئذان في الجهاد ومنها الاستتباع في الإسلام ومنها الانفراد بالنفقة مع وجود وارث غيره موسرا كان الوارث الذي معه أو معسرا فالمعروف أن حكمه حكم سائر من تلزمه النفقة هل يلزمه كمال النفقة أو بقدر إرثه على روايتين أصحهما لا يلزمه أكثر من مقدار إرثه منه وفي الإقناع لابن الزاغوني أن هذا الخلاف في الجد والجدة خاصة وأن سائر الأقارب لا يلزم منهم الغني النفقة إلا بالحصة بغير خلاف
____________________
(1/375)
القاعدة الرابعة و الخمسون بعد المائة خروج البضع من الزوج هل هو متقوم أم لا بمعنى أنه هل يلزمه المخرج له قهرا ضمانة للزوج بالمهر وفيه قولان في المذهب ويذكر أن روايتين عن أحمد وأكثر الأصحاب كالقاضي ومن بعده يقولون ليس بمتقوم وخصوا هذا الخلاف بمن عدا الزوجة فقالوا لا يضمن الزوج شيئا بغير خلاف واختار الشيخ تقي الدين أنه متقوم على الزوجة وغيرها وحكاه قولا في المذهب ويتخرج على ذلك مسائل منها لو أفسد مفسد نكاح امرأة قبل الدخول بها برضاع أو غيره فإنه يجب عليه نصف المهر حيث يلزم الزوج نصف المهر كما إذا كانت الفرقة من الأجنبي وحده وله مأخذان أحدهما أن خروج البضع من الزوج متقوم فيتقوم قبل الدخول بنصف المهر المسمى وفيه وجه بنصف مهر المثل والثاني أنه ليس بمتقوم لكن المفسد قرر هذا النصف على الزوج إذا كان بصدد أن يسقط عنه بانفساخ النكاح بسبب من جهتها والثالث أن المهر كله يسقط بالفرقة لكن يجب لها نصف المهر وجوبا مبتدئا بالفرقة التي استقل بها الأجنبي فلذلك لزمه ضمانه ذكره القاضي في خلافه وفيه بعد وأما حيث لا يلزم الزوج شيء كما إذا وطئ الأب أو الابن زوجته قبل الدخول بتمكينها فهل يلزمه له نصف المهر أم لا على وجهين مذكورين في المغني وغيره وهما متنزلان على أن البضع هو متقوم أم لا إذ لا غرم هنا على الزوج ونقل مهنا عن أحمد في رجل تزوج امرأة فبعثوا إليه ابنتها فدخل بها وهو لا يعلم قال حرمتا عليه جميعا قال فقلت له ما عليه فقال عليه لهذه المهر بما استحل من فرجها قلت وللأخرى ما عليه قال لها نصف الصداق قلت يرجع بالنصف الذي غرم لابنتها قال لا وإنما لم يرجع هنا عنده لأن فساد نكاحه منسوب إليه مباشرة فلذلك استقر الضمان عليه ويخرج فيه وجه آخر أنه لا يرجع بما غرمه على من غره وأما إن كان الإفساد بعد الدخول بإرضاع أو غيره ففيه وجهان أحدهما أن على المفسد ضمان المهر المستقر على الزوج وهو منصوص أحمد في رواية ابن القاسم بناء على أن خروج البضع متقوم وكما يضمن الغار المهر لمن غره وإن استقر بالدخول بل هنا أولى لأن المغرور قد يكون فسخ النكاح باختياره كما إذا دلس عليه عيب أو نحوه حيث لم يرض بالمهر إلا مع السلامة من العيوب وهنا الفسخ بسبب الأجنبي فإنه هو المانع للزوج من الاستمتاع فكان الرجوع عليه بالمهر أولى إذ الزوج يجب تمكينه من جنس الاستمتاع ويعود إليه المهر بمنعه من جنسه إذا لم يكن يستحقه مقدرا بخلاف منفعة الإجارة فإنها تتقسط على المدة مع أن الإجارة
____________________
(1/376)
تسقطها الأجرة عندنا بمنع المؤجر من التسليم المستحق بالعقد كله والوجه الثاني أنه لا ضمان على المفسد بحال لاستقرار المهر على الزوج بالوطء بناء على أن خروجه غير متقوم وإليه ميل ابن أبي موسى واختاره طائفة من المتأخرين وأما إن كان المفسد للنكاح هو الزوجة وحدها بالرضاع أو غيره فقال الأصحاب لا ضمان عليها بغير خلاف لئلا يلزم استباحة بضعها بغير عوض واختار الشيخ تقي الدين أن عليها الضمان وأخذه من مسألة المهاجرة وامرأة المفقود كما سيأتي وكما قال الأصحاب في الغارة أنه لا مهر لها بل عندنا في الإجارة أن غصب المؤجر يسقط الأجرة كلها بخلاف غصب غيره لاستحقاق التسليم عليه وأجاب عما قيل من استباحة البضع بدون عوض بأن العوض وجب لها بالعقد ثم وجب عليها ضمانه بسبب آخر فلم يخل العقد من عوض كما يجب لها بالعقد على البائع ضمان ما تعلق به حق توفية بإتلافه قبل القبض ولم يخل البيع من ثمن والله أعلم ومنها شهود الطلاق إذا رجعوا قبل الدخول فإنهم يغرمون نصف المهر وإن رجعوا بعد الدخول فهل يغرمون المهر كله أم لا يغرمون شيئا على روايتين مأخذهما تقويم البضع وعدمه وعلى التغريم يغرمون المهر المسمى وقيل مهر المثل ومنها امرأة المفقود إذا تزوجت بعد المدة المعتبرة ثم قدم زوجها المفقود فإنه يخير بين زوجته وبين المهر فإن اختار المهر أخذ من الزوج الثاني المهر الذي أقبضه إياها أعني الأول لأنه هو الذي استحقه على أصح الروايتين وعلى الثانية يأخذ المهر الذي أعطاها الثاني وبكل حال فهل يستقر ضمانه على الزوج الثاني أم يرجع به على المرأة على روايتين أحدهما يرجع به عليها لأن الفرقة جاءت منها فيستقر الضمان عليها والثاني لا يرجع به لأن المرأة استحقته بالإصابة فلا يجوز أخذه منها ومنها إذا طلق رجل امرأة ثم راجعها في العدة وأشهد على الرجعة ولم تعلم المرأة حتى انقضت عدتها وتزوجت ودخل بها الثاني وقلنا على رواية إن الثاني أحق بها فهل تضمن المرأة لزوجها المهر أم لا على وجهين واختار القاضي الضمان لأن خروج البضع متقوم ومنها إذا أسلمت المرأة من أهل دار الحرب وهاجرت إلينا ثم تزوجها مسلم بعد انقضاء عدتها في دار الإسلام فهل يلزمه أن يرد على زوجها الكافر مهرها الذي أمهرها إياه على روايتين حكاهما ابن أبي موسى وظاهر القرآن يدل على وجوبه لكن أكثر الأصحاب
____________________
(1/377)
على عدم الوجوب لأن الآية نزلت في قصة صلح الحديبية وكان الصلح قد وقع على رد النساء قبل تحريمه فلما حرم الرد بعد صحة اشتراط وجب رد بدله وهو المهر وأما بعد ذلك فلا يجوز اشتراط رد النساء فلا يصح اشتراط رد مهورهن لأنه شرط مال للكفار من غير ضرورة ومن اختار الوجوب كالشيخ تقي الدين منع أن يكون رد النساء مشروطا في صلح الحديبية ومنع عدم جواز شرط رد المهر لا سيما إذا كان مشروطا من الطرفين ومنها خلع المسلم زوجته بمحرم يعلمان تحريمه كخمر أو خنزير قال أبو بكر والقاضي والأصحاب هو كالخلع الخالي عن العوض فإذا صححناه لم يلزم الزوج شيء بخلاف النكاح على ذلك وعند الشيخ تقي الدين يرجع إلى المهر كالنكاح ويحتمل كلام الخرقي في خلع الأمة على سلعة بيدها أنه لا يصح ويتبع بقيمتها بعد العتق ومنها مخالعة الأب ابنته الصغيرة بشيء من ماله فالمذهب أنه غير جائز وأن الضمان على الأب نص عليه أحمد في رواية محمد بن الحكم وخرج بعض المتأخرين وجها بجوازه بأن خروج البضع متقوم فما بذل مالها إلا فيما له قيمة فلا يكون تبرعا وخرجه بعضهم من الرواية التي تقول فيها أن للأب العفو عن نصف المهر في الطلاق قبل الدخول بناء على أنه الذي بيده عقدة النكاح وذكر صاحب المغني احتمالا في ولي الصغيرة والسفيهة والمجنونة مطلقا إذا رأى الحظ في ذلك وكذلك أشار إليه ابن عقيل في الفصول ومنها إذا قال لزوجته أنت طالق بألف فلم تقبل طلقت رجعيا ولم يلزمها شيء نص عليه أحمد رحمه الله تعالى في رواية مهنا ولو قال لعبده أنت حر بألف فلم يقبل لم يعتق عند الأصحاب والفرق بينهما أن خروج البضع غير متقوم بخلاف العبد فإنه مال محض وخرج الشيخ تقي الدين وجها أنه يعتق العبد بغير شيء كما في الطلاق لأن الطلاق والعتاق فيهما حق لله تعالى وليس العوض بركن فيهما إذا لم يعلقهما عليه بل أوقعهما منجزا وشرط فيهما العوض فإذا لم يلتزما العوض لغي ووقع الطلاق والعتق لما فيهما من الحق لله تعالى الذي لا يمكن إبطاله القاعدة الخامسة والخمسون بعد المائة يتقرر المهر كله للمرأة بأحد ثلاثة أشياء الأول الوطء فيتقرر به المهر على كل حال وأما مقدماته كاللمس للشهوة والنظر إلى
____________________
(1/378)
الفرج أو إلى جسدها وهي عارية فمن الأصحاب من ألحقه بالوطء وجعله مقررا رواية واحدة لأنه آكد من الخلوة المجردة ومنهم من خرجه على وجهين أو روايتين من الخلاف في تحريم المصاهرة به وقال ابن عقيل إن كانت عادته فعل ذلك في الملأ استقر به المهر لأن ذلك خلوة مثله وإلا فلا والمنصوص عن أحمد رحمه الله في رواية مهنا أنه إذا تعمد النظر إليها وهي عريانة تغتسل وجب لها المهر والثاني الخلوة ممن يمكن الوطء بمثله فإن كان ثم مانع إما حسي كالجب والرتق أو شرعي كالإحرام والحيض فهل يقرر المهر على طرق للأصحاب أحدهما أن في المسألة روايتين مطلقتين وهي طريقة القاضي في الجامع وصاحب المحرر وكذا لصاحب المغني إلا أنه أورد رواية ثالثة بالعوض بين المانع المتأكد شرعا كالإحرام وصيام رمضان ففيه روايتان وإن كان لا يمنع الدواعي كالحيض والجب والرتق استقر رواية واحدة وهي طريقة القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول والثالثة إن كانت الموانع بالزواج استقر الصداق رواية واحدة وإن كانت بالزوجة فهل يستقر على روايتين وهي طريقة القاضي في خلافه ومن الأصحاب من حكى رواية أخرى أنه لا يستقر المهر بالخلوة لمجردها بدون الوطء أخذا مما روي يعقوب بن بختان عن أحمد إذا خلا بها وقال لم أطأها وصدقته إن لها نصف الصداق وعليها العدة وأنكر الأكثرون هذه الرواية وحملوا رواية يعقوب هذه على وجه آخر وهو أن الخلوة إنما قررت المهر لأنه مظنة الوطء المقرر فقامت مقامه في التقرير لأن حقيقة الوطء لا يطلع عليه غالبا فعلق الحكم على مظنته فإذا تصادق الزوجان على انتفاء الحقيقة التي هي الوطء لم يقبل ذلك في إسقاط العدة لأن فيها حقا لله تعالى وهل يقبل في سقوط نصف المهر على روايتين نقل ابن بختان قوله لأنه حق محض للزوجة وقد أقرت بسقوطه ونقل الأكثرون عدم قبوله لملازمته للعدة وهذا يرجع إلى أن الخلوة مقررة لمظنة الوطء ومن الأصحاب من قال إنما قررت لحصول التمكين بها وهي طريقة القاضي وردها ابن عقيل بأن الخلوة مع الجب لا تمكين بها قال وإنما قررت لأحد أمرين إما لإجماع الصحابة وهو حجة أو لأن طلاقها بعد الخلوة بها وردها زهدا فيها ففيه ابتذال وكسر لها فوجب جبره بالمهر وقيل بل المقرر هو استباحة ما لا يستباح إلا بالنكاح من المرأة فدخل في ذلك الخلوة واللمس بمجردهما لأن ذلك كله معقود عليه في النكاح والمهر يستقر بنيل بعض المعقود عليه لا يقف على نيل جميعه وهذا ظاهر كلام
____________________
(1/379)
أحمد في رواية حرب قيل له فإن أخذها وعندها نسوة فمسها وقبض عليها ونحو ذلك من غير أن يخلو بها قال إذا نال منها شيئا لا يحل لغيره فعليه المهر وعلى هذا فقال الشيخ تقي الدين يتوجه أن يستقر المهر بالخلوة وإن منعه الوطء بخلاف ما ذكره ابن حامد والقاضي والأصحاب المقرر الثالث الموت قبل الدخول وقيل الفرقة وإن طلقها في المرض ثم مات فيه فهل يستقر لها المهر على روايتين بناء على توريثها منه وعدمه ويتقرر بأمر رابع وهو البغاك عذرتها بدفعها على رواية خرجها صاحب المغني وقد سبقت القاعدة السادسة والخمسون بعد المائة فيما ينتصف به المهر قبل استقراره وما يسقط به الفرقة قبل الدخول إن كانت من جهة الزوج وحده أو من جهة أجنبي وحده تنصف بها المهر المسمى وإن كانت من جهة الزوجة وحدها سقط بها المهر وإن كانت من جهة الزوجين معا أو من جهة الزوجة مع أجنبي ففي تنصف المهر وسقوطه روايتان فهذه خمسة أقسام القسم الأول ما استقل به الزوج وله صور منها طلاقه وسواء كان منجزا أو متعلقا بصفة وسواء كانت الصفة من فعلها أو لم تكن كذا ذكره الأصحاب قالوا لأن السبب كان منه وهو الطلاق وإنما حقيقته لوجود شرطه والحكم إنما يضاف إلى صاحب السبب وقال الشيخ تقي الدين إن كانت الصفة من فعلها الذي لها منه بد فلا مهر لها ويمكن تخريج ذلك من إحدى الروايتين في المريض إذا علق طلاق امرأته على ما لها منه بد ففعلته فإن في إرثها روايتين ويشهد لذلك مسألة التخيير فإنه لو خيرها قبل الدخول فاختارت نفسها فهل يسقط مهرها أو ينتصف على روايتين حكاهما ابن أبي موسى والتخيير توكيل محض والتعليق بفعلها في معناه والمنصوص عن أحمد رحمه الله أنه لا مهر للمخيرة قال مهنا سألت أحمد عن رجل تزوج امرأة ثم طلبت منه الخيار فاختارت نفسها ولم يكن دخل بها لها عليه نصف الصداق قال في قلبي منها شيء ثم قال لا ينبغي أن يكون لها شيء قلت إني سألت غير واحد قال يكون لها عليه نصف الصداق فقال لي فإن أسلمت امرأة مجوسية وأبى زوجها أن يسلم يكون لها عليه صداقها قال في هذا يدخل عليهم انتهى ومنها خلعه ونص عليه أحمد في رواية مهنا أنه يوجب نصف المهر وعلله القاضي بأن الخلع يستقل به الزوج لأنه يصح مع الأجنبي بدون رضى المرأة فلذلك نسب إليه وفيه
____________________
(1/380)
وجه آخر أنه يسقط به المهر فمن الأصحاب من خرجه على أنه فسخ فيكون كسائر الفسوخ من الزوج ومنهم من جعله مما يشترك به الزوجان لأنه إنما يكون بسؤال المرأة فتكون الفرقة فيه من قبلها ولذلك يسقط إرثها بالخلع في المرض وهذا على قولنا لا يصح مع الأجنبي أظهر فأما إن وقع مع الأجنبي وصححناه فينبغي أن ينتصف به المهر وجها واحدا ومنها إسلامه والزوجة غير كتابية في إحدى الروايتين وفي الأخرى يسقط المهر لأنه فعل الواجب عليه وإنما وقعت الفرقة بامتناعها من الإسلام فلا يكون لها مهر ومنها ردته عن الإسلام ومنها إقراره بالنسب أو بالرضاع أو غير ذلك من المفسدات فيقبل منه في انفساخ النكاح دون سقوط النصف ومنها أن يطأ أم زوجته أو ابنتها بشبهة أو زنا فينفسخ نكاح البنت ويجب لها نصف الصداق نص عليه أحمد في رواية ابن هانئ ويستثنى من هذا القسم الفسوخ التي يملكها الزوج لضرر يلحقه إما لظهور عيب في الزوجة أو فوات شرط فيسقط بها المهر لأن حكم الفسوخ في العقود لعيب ظهر في المعقود عليه يزداد للعوضين من الجانبين وقد وجد ذلك قبل تمكنه من قبض المعقود عليه واستيفائه وإنما استحقت نصف المهر في الصداق وما كان في معناه جبرا لها حيث لم يكن له موجب من جهتها وهنا قد وجد سبب من جهتها فصار كالمنسوب إليها القسم الثاني ما استقل به الأجنبي وحده ومن صور ذلك أن ترضع زوجته الكبرى زوجته الصغرى ومنها أن يكره رجل زوجة أبيه أو ابنه على الوطء قبل الدخول القسم الثالث ما استقلت به الزوجة وحدها وله صور منها ردتها ومنها إسلامها فيه رواية أخرى أن لها نصف المهر لأنها فعلت الواجب عليها فنسب الفسخ إلى امتناع الزوج ومنها إرضاعها ممن يثبت به المحرمية بينها وبين الزوج وكذلك ارتضاعها منها وهي صغيرة
____________________
(1/381)
ومنها فسخها النكاح لعيب الزوج قال الأصحاب هو منسوب إليها لا إليه فسقط المهر أيضا لذلك وفرقوا بينهما بأن فسخه لعيبها رد للمعقود عليه بعيب فلا ينسب إلا إلى من دلس العيب بخلاف فسخها لعيبه فإن العيب ليس في المعقود عليه بل في غيره فقد امتنعت من تسليم المعقود عليه مع سلامة العوضين لضرر دخل فلذلك نسب الفعل إليها وهذا يرجع إلى أن الزوج غير معقود عليه في النكاح وفيه خلاف سبق ذكره والأظهر في الفرق أن يقال الفسوخ الشرعية التي يملكها كل من الزوجين على الآخر إنما شرعت لإزالة ضرر حاصل فإذا وقعت قبل الدخول فقد رجع كل من الزوجين على الآخر إلى ما بذله سليما كما خرج فلا حق له في غيره بخلاف الطلاق وما في معناه من موجبات الفرقة بغير ضرر ظاهر فإنه يحصل به للمرأة انكسار وضرر فجبره الشارع بإعطائها نصف المهر عند تسمية المهر والمتعة عند فقد التسمية والله أعلم ونقل مهنا عن أحمد في مجبوب تزوج امرأة فلما دخل عليها لم ترض به لها ذلك وعليه نصف الصداق إذا لم ترض به قال الشيخ تقي الدين هذا يدل على أن المرأة إذا فسخت قبل الدخول فلها نصف الصداق لأن سبب الفسخ هو العيب من جهته وهي معذورة في الفسخ وأما القاضي فقال قد وجد الدخول وإنما لم يقرر المهر كله للمانع القائم به ومنها فسخها النكاح لإعسار الزوج بالمهر أو النفقة أو غير ذلك كالفسخ لفوات شرط صحيح قال القاضي والأكثرون هو منسوب إليها فيسقط به مهرها كما في الفسخ لعيب الزوج وقال أبو بكر في التنبيه فسخها لفوات الشرط يجب لها به نصف الشرط لأن فوات الشرط من قبل الزوج فنسب الفسخ به إليه دونها وقياسه الفسخ بمنع النفقة ونحوها مما هو من فعل الزوج وهو قادر على إزالته وأما الفسخ لعسرته فهو كالفسخ لعيبه كما تقدم قال الشيخ تقي الدين ويلزم من قال إن خروج البضع متقوم بمهر المثل وإن الفرقة من جهتها كإتلاف البائع للمبيع قبل القبض أن يخير الزوج بين مطالبتها بمهر المثل وضمان المسمى لها وبين إسقاط المسمى ومنها فسخ المعتقة تحت عبد قبل الدخول وفيه روايتان أحدهما لا مهر لها اختارها الخرقي وغيره لاستقلالها بالفسخ كالحرة والثانية ينتصف المهر نقلها مهنا واختارها أبو بكر لأن السيد هو مستحق المهر فلا يسقط بفسخ غيره ويجاب عنه بأن إعتاق السيد لسبب في الفسخ يسقط حقه لتسببه في سقوطه وإن باشره غيره كمن قال لغيره ألق متاعي في البحر ففعل
____________________
(1/382)
القسم الرابع ما اشترك فيه الزوجان وله صور منها لعانها فذكر أبو بكر أن فرقة اللعان جاءت من جهة الزوجة لأن الفرقة إنما تقع بلعانها وقال القاضي يخرج على روايتين أصلهما إذا لاعنها في مرض موته فهل ترثه على روايتين ومنها أن يخالعها وقد سبق أن المنصوص عن أحمد أن لها نصف الصداق وهو قول القاضي وأصحابه ولأن لنا فيه وجها آخر أنه يسقط المهر كله إذا قلنا هو فسخ فإنه يكون منسوبا إليهما فيكون كالتلاعن بخلاف ما إذا قلنا إنه طلاق فإن الطلاق يستقل به الزوج فهو كما لو قال لها ابتداء أنت طالق بألف فقبلته ويتخرج لنا وجه آخر أنه يسقط به المهر وإن قلنا هو طلاق بناء على أنه جاء من قبلها بسؤالها ولهذا كان لنا فيمن خالعت زوجها في مرضه هل ترثه أو لا روايتان وجزم ابن أبي موسى أنها لا ترثه لأن الفرقة جاءت من قبلها فلا يكون لها شيء من الصداق حينئذ يؤيد هذا أن الخلع يسقط حقوق الزوجية كلها في إحدى الروايتين عن أحمد ونصف المهر من الحقوق فيسقط على هذه الرواية القسم الخامس ما كان من جهة الزوجة مع أجنبي وله صور منها شراؤها للزوج وفيه وجهان أشهرهما وهو اختيار أبي بكر والقاضي وأصحابه أنه ينتصف بها المهر تغليبا لجهة الأجنبي هنا وهو البائع إذ هو أصل العقد ومنه نشأ وعنه تلقى والثاني يسقط المهر تغليبا لجهة الزوجة إذ الانفساخ متعقب لقبولها فأما شراء الزوج لزوجته فهل يتنصف به المهر أو يسقط على وجهين أيضا واختار أبو بكر أنه يسقط تغليبا لجهة البائع هنا أيضا وهو سيد الأمة المستحق لمهرها فهو كمجيء الفسخ من الحرة المستحقة للمهر وهذا متجه على ما اختاره في فسخ المعتقة تحت عبد فعلى هذا لو باعها السيد الذي زوجها لأجنبي ثم باعها الأجنبي للزوج قبل الدخول لم يسقط لأن الفرقة جاءت من البائع الثاني وهو غير مستحق للمهر هذا كلام صاحب المحرر وعلل صاحب الكافي سقوط المهر بأن الزوجة شاركته في الفسخ فسقط مهرها كالفسخ بعيب ومعنى هذا أن كونها أمة صفة لها ثابتة بعد ملك الزوج وذلك يوجب الفسخ فأسند إليه وإن لم يكن باختيارها كما استند فسخها لعيب الزوج إليه وإن لم يكن باختياره وعلى هذا فلا فرق بين شرائها من مستحق مهرها وغيرها وهو مقتضى إطلاق الأكثرين ومنها إذا مكنت الزوجة من نفسها من ينفسخ النكاح بوطئه كأب الزوج أو ابنه فقال
____________________
(1/383)
القاضي ومن اتبعه يسقط مهرها إسنادا للفسخ إليها وقال الشيخ تقي الدين يتخرج على وجهين لأن الفرقة منها ومن الأجنبي وبقي هنا قسم سادس وهي الفرقة الإجبارية ولها صور منها أن يسلم الكافر وتحته عدد لا يجوز له جمعه في الإسلام فينفسخ نكاح العدد الزائد فلا يجب لهن شيء من المهر ذكره القاضي في الجامع والخلاف معللا بأنه ممنوع من إمساكهن فهو كالنكاح الفاسد وجزم به صاحب المغني والمحرر ويتخرج لنا وجه آخر أنه يجب تنصف المهر من المسألة التي بعدها وأما الطلاق في النكاح الفاسد فذكر ابن عقيل وجها أن المهر ينتصف به قبل الدخول وعلى المشهور فإنما يسقط لأن المهر يجب في النكاح الفاسد بالإصابة لا بالعقد بخلاف الصحيح ومنها إذا تزوج أختين في عقدين وأشكل السابق وأمرناه بالطلاق فطلقها فقال أبو بكر يتوجه في المهر قولان أحدهما يجب نصف المهر ثم يقترعان فمن وقعت عليها القرعة حكم لها به لأنه واجب عليه لإحداهما في نفس الأمر فتعين بالقرعة والثاني لا يجب شيء به لأنه مكره على الطلاق فكأن الفسخ جاء من جهة المرأة فلا تستحق شيئا والمنقول عن أحمد في هذه المسألة ما نقله عنه مهنا أنه قال يفرق بينهما وقد قيل يكون نصف المهر لهما جميعا وما أخلقه أن يكون كذلك ولكن لم أسمع فيه شيئا وهذا يدل على أنهما يقتسمان نصف المهر لا يقترعان عليه ولو زوج الوليان امرأة من زوجين وجهل السابق منهما وأمرناهما بالطلاق فهل يجب لها نصف المهر على أحدهما ويعين بالقرعة أم لا يجب لها شيء على وجهين وحكى عن أبي بكر أنه اختار أنه لا شيء لها وبه أفتى أبو يعلى النجاد قال الشيخ تقي الدين ويتخرج على هذا الخلاف ما إذا ورثت المرأة زوجها فإن الفرقة هاهنا بفعل الله عز وجل فهو كاشتباه الزوج القاعدة السابعة والخمسون بعد المائة إذا تغير حال المرأة التي في العدة بانتقالها من رق إلى حرية أو طرأ عليها سبب موجب لعدة أخرى من الزوج كوفاته فهل يلزمها الانتقال إلى عدة الوفاة أو إلى عدة حرة إن كان زوجها متمكنا من تلافي نكاحها في العدة لزمها الانتقال وإلا فلا إلا ما يستثنى من ذلك من الإبانة في المريض ويتخرج على هذا مسائل منها الرجعية إذا أعتقت أو توفي زوجها انتقلت إلى عدة حرة أو عدة وفاة ومنها إذا كانت تحت عبد مشرك إماء فأسلمن وأعتقن فإن عدتهن عدة حرائر لأنه عتق
____________________
(1/384)
في عدة يتمكن الزوج فيها من الاستدراك بالإسلام فهي في معنى عدة الرجعية بخلاف ما إذا أسلم العبد ثم عتق الإماء وهن على الشرك فإن عدتهن عدة إماء لأن الزوج لا يمكنه تلافي نكاحهن ومنها المرتد إذا قتل في عدة امرأته فإنها تستأنف عدة الوفاة نص عليه في رواية ابن منصور لأنه كان يمكنه تلافي النكاح بالإسلام بناء على أن الفسخ يقف على انقضاء العدة ومنها لو أسلمت المرأة وهي تحت كافر ثم مات قبل انقضاء العدة فإنها تنتقل إلى عدة الوفاة في قياس التي قبلها ذكره الشيخ تقي الدين القاعدة الثامنة والخمسون بعد المائة إذا تعارض معنا أصلان عمل بالأرجح منهما لاعتضاده بما يرجحه فإن تساويا خرج في المسألة وجها غالبا من صور ذلك ما إذا وقع في الماء نجاسة وشك في بلوغه القلتين فهل يحكم بنجاسته أو طهارته على وجهين أحدهما يحكم بنجاسته وهو المرجح عند صاحب المغني والمحرر لأن الأصل عدم بلوغه قلتين والثاني هو طاهر وهو الأظهر لأن الأصل في الماء الطهارة وأما أن أصله القلة فقد لا يكون كذلك كما إذا كان كثيرا ثم نقص وشك في قدر الباقي منه ويعضد هذا أن الأصل وجوب الطهارة بالماء فلا يعدل إلى التيمم إلا بعد تيقن عدمه وأيضا فللأصحاب خلاف في الماء الذي وقعت فيه النجاسة هل الأصل فيه أن ينجس إلا أن يبلغ حد الكثرة فلا ينجس لمشقة حفظ الكثير من النجاسة أم الأصل فيه الطهارة إلا أن يكون يسيرا فينجس لأن اليسير لا يكاد يحمل النجاسة عليه غالبا فعلى الأول يجب الحكم بنجاسة هذا الماء وعلى الثاني يحكم بطهارته وعلى هذين المأخذين يتخرج الخلاف في إثبات نصف القربة الذي روى الشك فيه في ضبط القلتين وإسقاطه وينبني على ذلك أن القلتين هل هما خمس قرب أو أربع والله أعلم ومنها ما إذا وقع في الماء اليسير روثة وشك هل هي من مأكول أو غيره أو مات فيه حيوان وشك هل هو ذو نفس سائلة أم لا وفيه وجهان أحدهما أنه نجس لأن الأصل في الأرواث والميتات النجاسة وحيث قضى بطهارة شيء منها فرخصة على خلاف الأصل ولم يتحقق وجود المرخص هاهنا فيبقى على الأصل والثاني أنه طاهر وهو المرجح عند الأكثرين لأن الأصل في الماء الطهارة فلا يزال عنها بالشك وقد منع بعضهم
____________________
(1/385)
أن الأصل في الأرواث النجاسة ونص أحمد في رواية محمد بن أبي حرب في رجل وطئ على روث لا يدري لحمار أو برذون فرخص فيه إذا لم يعرفه ومنها إذا قعد الذباب على نجاسة رطبة ثم سقط بالقرب على ثوب وشك في جفاف النجاسة ففيه وجهان أحدهما أنه نجس لأن الأصل بقاء الرطوبة نقلها أبو بكر عن أحمد والثاني لا ينجس لأن الأصل طهارة الثوب ومنها إذا أدرك الإمام في الركوع فكبر وركع معه وشك هل رفع إمامه قبل ركوعه أو بعده فالمذهب أنه لا يعتد له بتلك الركعة لأن الأصل عدم الإدراك وهو منقول عن ابن عمر رضي الله عنهما وقال صاحب التلخيص يحتمل وجهين أحدهما أنه يعتد له بها لأن الأصل بقاء الإمام في الركوع ومنها إذا شك هل ترك واجبا في الصلاة فهل يلزمه السجود على وجهين أحدهما يلزمه لأن الأصل عدم الإتيان به والثاني لأن الأصل عدم لزوم السجود ومنها إذا كان ماله غائبا فإن كان منقطعا خبره لم يجب إخراج الزكاة وإن لم يكن خبر منقطعا كالمودع ونحوه ففي وجوب إخراج زكاته قبل قبضه وجهان والمنصوص عن أحمد في رواية مهنا أنه لا يجب وعلل بأنه لا يدري لعل المال ذهب ويبني بعض الأصحاب هذا على الخلاف في محل الزكاة فإن قلنا في العين لم يجب الإخراج حتى يقبضها ويتمكن من الإخراج منها وإن قلنا في الذمة وجب الإخراج من غيرها ويتوجه عندي أن أذيتك في وجوب الزكاة في المال المنقطع خبره وجهان بناء على محل التعليق فإن قلنا هو العين وجب لأن الأصل بقاؤها لكن لا يلزم تساعا الزكاة حتى يقبض كالدين وإن قلنا هو الذمة لم يجب لأن الأصل براءة الذمة وقد شك في اشتغالها وأما إن قلنا لا تجب الزكاة في المال الضال والمغصوب فهذا مثله ومنها العبد الآبق المنقطع خبره هل تجب فطرته أم لا المنصوص عن أحمد في رواية صالح أنه لا تجب لأن الأصل براءة الذمة والفطرة في الذمة ويتخرج لنا وجه آخر أنه يجب بناء على جواز عتقه لأن الأصل بقاؤه ومنها جواز عتقه في الكفارة والمشهور عدمه وذكر أبو الخطاب احتمالا بالإجزاء لأن الأصل بقاؤه وذكر ابن أبي موسى في شرح الخرقي وجهين عن الأصحاب وصحح عدم الإجزاء لأن الأصل بقاء الكفارة في الذمة وقد عضده الظاهر الدال على هلاك العبد من انقطاع خبره فرجح هذا الأصل باعتضاده بهذا الظاهر وأيضا فالكفارة ثابتة في
____________________
(1/386)
الذمة وقد شك في وقوع العتق عنها فلا يسقط بمجرد ذلك ومنها إذا ظهر بالمبيع عيب واختلفا هل حدث عند المشتري أو عند البائع ففيه روايتان إحداهما القول قول البائع لأن الأصل سلامة المبيع ولزوم البيع بالتفرق والثانية القول قول المشتري لأن الأصل عدم القبض المبرئ وأطلق أكثر الأصحاب هذا الخلاف وفرق بعضهم بين أن يكون المبيع عينا معينة أو في الذمة فإن كان في الذمة فالقول قول القابض وجها واحدا لأن الأصل اشتغال ذمة البائع فلم تثبت براءتها ومنها من لزمه ضمان قيمة عين فوصفها بعيب ينقص القيمة وأنكر المستحق فهل يقبل قوله في دعوى العيب لأنه غارم والأصل إبراء ذمته أو قول خصمه في إنكار العيب لأن الأصل عدمه على وجهين ومنها إذا آجره عبدا وسلمه إليه ثم ادعى المستأجر أن العبد آبق من يده وأنكر المؤجر ففيه روايتان إحداهما القول قول المؤجر نقلها حنبل لأن الأصل عدم الإباق وأن المؤجر ملك الأجرة كلها بالعقد والثانية القول قول المستأجر نقلها ابن منصور لأن الأصل عدم تسليم المنفعة المعقود عليها ولو ادعى أن العبد مرض فالقول قول المؤجر نص عليه في رواية ابن منصور مفرقا بينه وبين الإباق لأن المرض يمكن إقامة البينة عليه بخلاف الإباق ومنها إذا ضرب للعنين الأجل واختلفا في الإصابة والمرأة ثيب فهل القول قول الزوجة لأن الأصل عدم الوطء أو قول الزوج لأن الأصل عدم ثبوت الفسخ على روايتين وعنه رواية ثالثة أنه يخلى معها ويؤمر بإخراج مائه وهذا يرجع إلى ترجيح الظاهر على الأصل ومنها إذا شك الزوجان بعد الدخول فقال الزوج أسلمت في عدتك فالنكاح باق فقالت بل أسلمت بعد انقضاء عدتي فوجهان أحدهما أن القول قوله لأن الأصل بقاء النكاح والثاني القول قولها لأن الأصل عدم إسلامه في العدة ومنها إذا قال أسلمت قبلك فلا نفقة لك وقالت بل أسلمت قبلك فلي النفقة ففيه أيضا وجهان أحدهما القول قولها لأن الأصل وجوب النفقة والثاني والقول قوله لأن النفقة إنما تجب بالتمكين من الاستمتاع والأصل عدم وجوده كذا ذكر صاحب الكافي وعلل القاضي أن النفقة تجب يوما فيوما فالأصل عدم وجوبها وينتقض التعليلان بالاختلاف في النشوز
____________________
(1/387)
ومنها إذا علق الطلاق على عدم شيء وشك في وجوده فهل يقع الطلاق على وجهين أحدهما لا يقع وهو المذهب عند صاحب المحرر لأن الأصل بقاء النكاح وعدم وقوع الطلاق والثاني يقع ونقل مهنا عن أحمد ما يدل عليه فيمن حلف ليأكلن تمرة فاختلطت في تمر كثير إن لم يأكله كله حنث وبذلك جزم ابن أبي موسى والشيرازي والسامري ورجحه ابن عقيل في فنونه لأن الأصل وجود شرط الطلاق وهو العدم وهو بخلاف ما إذا استمر الشك ولم يوجد ما يدل على بقاء العدم ولا على انتفائه فإن وجد ما يدل على بقائه يقينا وقع الطلاق بغير خلاف وإن وجد ما يدل على بقائه ظاهرا وكان حجة شرعية يجب قبولها فكذلك وإن كان أمارة محضة وقع أيضا على المشهور وإن وجد ما يدل على انتفاء العدم يقينا لم يقع الطلاق بغير خلاف وإن وجد ما يدل على انتفائه ظاهرا فوجهان على قولنا بوقوع الطلاق مع استمرار الشك المساوي المطلق عليه ومنها لو قتل من لا يعرف ثم ادعى رقه أو كفره وأنكر الولي ذلك فهل يقبل قوله لأن الأصل عصمة دمه أو قول الولي لأن الأصل في القتل إيجاب القصاص إلا أن يمنع مانع ولم يتحقق وجود المانع على وجهين أشهرهما الثاني وحكى الأول عن أبي بكر وكذا الخلاف فيما إذا جنى على عضو ثم ادعى شلله فأنكر المجني عليه لكن المحكي هاهنا عن أبي بكر أن القول قول المنكر وكذلك الوجهان فيما إذا قد ملفوفا نصفين ثم ادعى أنه كان ميتا فأنكر الولي لأن الأصل عصمة الدم والأصل حياة المقدود وكذا الوجهان لو جنى على بطن حامل فألقت ولدا لوقت يعيش المولود في مثله واختلفا في حياته عند الوضع لتعارض أصل الحياة وبراءة الذمة وكذا الوجهان لو زاد في القصاص من الجرح وقال إنما حصلت الزيادة باضطراب المقتص منه وأنكر ذلك لأن الأصل عدم الاضطراب ووجوب الضمان والأصل براءة ذمته وما يدعيه محتمل ومنها لو شهدت بينة بالنكاح وقد ثبت الطلاق فهل يجب به جميع المهر أو نصفه فقط على وجهين أحدهما يجب المهر كله لأنه وجب بالعقد ولم يثبت له مسقط ولا لبعضه وهو مقتضى كلام أبي الخطاب وصاحب المحرر والثاني يجب نصف المهر فقط لأن النصف الآخر لا يستقر إلا بالدخول ولم يتحقق والأصل عدمه وهو قول القاضي وقال صاحب المغني إن أنكر الزوج الدخول فالقول قوله في نصف المهر وإلا فالقول قولها في وجوبه كله ومنها إذا رمى صيدا فجرحه ثم غاب ووجده ميتا ولا أثر به غير سهمه أو جرحه جرحا موحيا ثم سقط في ماء ونحوه فهل يباح على روايتين لأن الأصل عدم مشاركة
____________________
(1/388)
سبب آخر في قتله والأصل تحريم الحيوان حتى يتيقن سبب إباحته لكن الأصل الأول معتضد بأن الظاهر موته بهذا السبب دون غيره ومنها إذا جاء بعض العسكر بمشرك فادعى المشرك أن المسلم أمنه وأنكر ففيه روايتان إحداهما القول قول المسلم في إنكار الأمان لأن الأصل عدم الأمان والثانية القول قول المشرك لأن الأصل في الدماء الحظر إلا بيقين الإباحة وقد وقع الشك هنا فيها وفيه رواية ثالثة أن القول قول من يدل الحال على صدقه منهما ترجيحا لأحد الأصلين بالظاهر الموافق له وقريب من هذه المسألة إذا دخل الحربي دار الإسلام وادعى أن بعض المسلمين عقد له أمانا فهل يقبل قوله على وجهين ذكرهما صاحب المغني ونص أحمد أنه إذا ادعى أنه جاء مستأمنا فإن كان معه سلاح لم يقبل منه وإلا قبل فيخرج هاهنا مثله القاعدة التاسعة والخمسون بعد المائة إذا تعارض الأصل والظاهر فإن كان الظاهر حجة يجب قبولها شرعا كالشهادة والرواية والإخبار فهو مقدم على الأصل بغير خلاف وإن لم يكن كذلك بل كان مستنده العرف أو العادة الغالبة أو القرائن أو غلبة الظن ونحو ذلك فتارة يعمل بالأصل ولا يلتفت إلى الظاهر وتارة يعمل بالظاهر ولا يلتفت إلى الأصل وتارة يخرج في المسألة خلاف فهذه أربعة أقسام القسم الأول ما ترك العمل فيه بالأصل للحجة الشرعية وهي قول من يجب العمل بقوله وله صور كثيرة جدا منها شهادة عدلين بشغل ذمة المدعى عليه ومنها شهادة عدلين ببراءة ذمة من علم اشتغال ذمته بدين ونحوه ومنها إخبار الثقة العدل بأن كلبا ولغ في هذه الإناء ومنها إخباره بدخول وقت الصلاة ومنها شهادة الواحد العدل برؤية هلال رمضان فإنه مقبول على ظاهر المذهب وفيه رواية أخرى لا بد من شهادة عدلين كسائر الشهود وفرق أبو بكر بين أن يراه في المصر فلا يقبل وبين أن يراه خارج المصر فيقدم المصر فيقبل خبره ومنها إخبار الثقة بطلوع الفجر في رمضان فإنه يحرم الطعام والشراب والجماع
____________________
(1/389)
ومنها إخباره بغروب الشمس في رمضان فإنه يبيح الفطر صرح به الأصحاب ولم يجعلوه كالشهادة على هلال شوال والفرق بينهما من وجهين أحدهما أن وقت الفطر ملازم لوقت صلاة المغرب فإذا ثبت دخول وقت الصلاة بإخبار الثقة ثبت دخول وقت الإفطار تبعا له وقد يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا بخلاف الشهادة بهلال شوال والثاني أن إخبار الثقة هنا يقارنه أمارات تشهد بصدقه لأن وقت الغروب يتميز بنفسه وعليه أمارات تورث غلبة الظن فإذا انضم إليها إخبار الثقة قوي الظن وربما أفاد العلم بخلاف هلال الفطر فإنه لا أمارة عليه وفي صحيح ابن حبان من حديث سهل بن سعد قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان صائما أمر رجلا فأوفى على شيء فإذا قال قد غابت الشمس أفطر وصح عن ابن عباس أنه كان يضع طعامه عند الفطر في رمضان ويبعث إقرارا يرقب الشمس فإذا قال قد وجبت قال كلوا ومن ذلك قبوله قول الأمناء ونحوهم ممن يقبل قوله في تلف مال أو ثمن عليه من مال أو غيره ومنه أيضا قبول قول المعتدة في انقضاء عدتها بالأقراء ولو في شهر في أحد الوجهين والمنصوص أنه لا يقبل إلا بالبينة في الشهر وفرق صاحب الترغيب بين من لها عادة منتظمة فلا يقبل مخالفتها إلا ببينة بخلاف من لا عادة لها وفي الفنون لابن عقيل لا يقبل مع فساد النساء إلا ببينة تشهد أن هذه عادتها أو أنها رأت الحيض على هذا المقدار وتكرر ثلاثا القسم الثاني ما عمل بالأصل ولم يلتفت إلى القرائن الظاهرة ونحوها وله صور كثيرة منها إذا ادعت الزوجة بعد طول مقامها مع الزوج أنه لم توصلها النفقة الواجبة ولا الكسوة فقال الأصحاب القول قولها مع يمينها لأن الأصل معها مع أن العادة تبعد ذلك جدا واختار الشيخ تقي الدين الرجوع إلى العادة وخرجه وجها من المسائل المختلف فيها كما سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى قال وإذا وجد معها نظير الصداق أو الكسوة ولم يعلم لها سبب يملك ذلك به من غير الزوج فينبغي أن يخرج على وجهين كما إذا أصدقها تعليم سورة ثم وجدت متعلمة لها بعد مدة وقالت لم يعلمني الزوج وادعى هو أنه علمها فإن في المسألة وجهين ومنها إذا تيقن الطهارة أو النجاسة في ماء أو ثوب أو أرض أو بدن وشك في زوالها
____________________
(1/390)
فإنه يبني على الأصل إلى أن يتيقن زواله ولا يكتفي في ذلك بغلبة الظن ولا غيره وكذلك لو تيقن حدثا أو نجاسة وغلب على ظنه زوالها فإنه يبني على الأصل وكذلك في النكاح والطلاق وغيرهما ومنها إذا شك في طلوع الفجر في رمضان فإنه يباح له الأكل حتى يتيقن طلوعه نص عليه أحمد ولا عبرة في ذلك بغلبة الظن وبالقرائن ونحوها ما لم يكن مستندا إلى إخبار ثقة بالطلع ومنها إذا زنى من له زوجة وولد فأنكر أن يكون وطئ زوجته قال أصحابنا لا يرجم لأن الأصل عدم الوطء ولحوق النسب يثبت بمجرد الإمكان ووجود القرائن القسم الثالث ما عمل فيه بالظاهر ولم يلتفت إلى الأصل وله صور منها إذا شك بعد الفراغ من الصلاة أو غيرها من العبادات في ترك ركن منها فإنه لا يلتفت إلى الشك وإن كان الأصل عدم الإتيان به وعدم براءة الذمة لكن الظاهر من أفعال المكلفين للعبادات أن تقع على وجه الكمال فيرجع هذا الظاهر على الأصل ولا فرق في ذلك بين الوضوء وغيره على المنصوص عن أحمد وفي الوضوء وجه أن الشك في ترك بعضه بعد الفراغ كالشك في ذلك قبل الفراغ لأن حكمه باق بعد الفراغ منه بخلاف الصلاة وغيرها ومنها لو صلى ثم رأى عليه نجاسة وشك هل لحقته قبل الصلاة أو بعدها وأمكن الأمران فالصلاة صحيحة وإن كان الأصل عدم انعقاد الصلاة وبقاؤها في الذمة حتى يتيقن صحتها لكن حكم بالصحة لأن الظاهر صحة أعمال المكلف وجريانها على الكمال وعضد ذلك أن الأصل عدم مقارنة الصلاة للنجاسة وترجع المسألة حينئذ إلى تعارض أصلين رجح أحدهما بظاهر عضده ومنها إذا اختلف الجنسان بعد العقد في بعض شرائط صحة العقد كما إذا ادعى البائع أنه كان صبيا أو غير ذلك وأنكر المشتري فالقول قول المشتري على المذهب ونص عليه أحمد في صورة دعوى الصغير في رواية ابن منصور لأن الظاهر وقوع العقود على وجه الصحة دون الفساد وإن كان الأصل عدم البلوغ والإذن وذكر الأصحاب وجها آخر في دعوى الصغير أنه يقبل لأنه لم يثبت تكليفه والأصل عدمه بخلاف دعوى عدم الإذن من مكلف فإن المكلف لا يتعاطى في الظاهر إلا الصحيح قال الشيخ تقي الدين وهكذا يجيء في الإقرار وسائر التصرفات إذا اختلفا هل وقعت
____________________
(1/391)
بعد البلوغ أو قبله لأن الأصل في العقود الصحة فإما أن يقال هذا عام وإما أن يفرق بين أن يتيقن أنه وقت التصرف كان مشكوكا فيه غير محكوم ببلوغه أو لا يتيقن فأما مع تيقن الشك قد تيقنا صدور التصرف ممن لم تثبت أهليته والأصل عدمها فقد شككنا في شرط الصحة وذلك مانع من الصحة وأما في الحالة الأخرى فإنه يجوز صدوره في حال الأهلية وحال عدمها والظاهر صدوره وقت الأهلية والأصل عدمه قبل وقتها فالأهلية هنا متيقن وجودها ثم ذكر أن من لم يقر بالبلوغ حتى تعلق به حق مثل إسلامه بإسلام أبيه أو ثبوت الذمة له تبعا لأبيه أو بعد تصرف الولي له أو تزويج ولي أبعد منه لموليته فهل يقبل منه دعوى البلوغ حينئذ أم لا لثبوت هذه الأحكام المتعلقة به في الظاهر قبل دعواه وأشار إلى تخريج المسألة على الوجهين فيما إذا ارتجع الرجعية زوجها فقالت قد انقضت عدتي وشبهه أيضا بما إذا ادعى المجهول المحكوم بإسلامه ظاهرا كاللقيط المقر بعد البلوغ فإنه لا تسمع منه على الصحيح وكذا لو تصرف المحكوم بحريته ظاهرا كاللقيط ثم ادعى الرق ففي قبوله خلاف معروف ومنها إذا غلب على ظنه دخول وقت الصلاة فإنه تصح صلاته ولا يشترط أن يتيقن دخوله في ظاهر المذهب وحكى عن ابن حامد أن يعتبر التيقن ومنها الفطر في الصيام يجوز بغلبة ظن غروب الشمس في ظاهر المذهب ومن الأصحاب من قال لا يجوز الفطر إلا مع تيقن الغروب وبه جزم صاحب التلخيص والأول أصح لأن الوقت عليه أمارات تعرف بها فاكتفي فيها بالظن الغالب بخلاف ما لا أمارة عليه من إتمام الصلاة والطهارة والحدث ونحوها وأيضا فالصلاة والطهارة ونحوهما كل منهما عبادة فعليه مطلوبة الوجود إذا شك في فعل شيء منها فالأصل عدمه فلا يخرج من عهدته إلا بيقين والصوم عبادة وكف عن محظورات خاصة فمتى لم يتيقن وقوع محظوراتها في وقتها لم يحكم ببطلانها وإنما منع من الخروج منها بمجرد الشك المساوي لأن الأصل بقاء الصوم ولم يترجح ظن يعارضه فإذا ترجح الظن عمل به ولم يحكم ببطلانه بوقوع محظوراته حينئذ لا سيما وفعل محظوراته مع ترجيح ظن انقضائه مطلوب شرعا على الأظهر ولهذا جاز الأكل أو استحب مع ظن طلوع الفجر حتى يتيقن طلوعه كما سبق والفرق بينه وبين وقت الصلاة من وجهين أحدهما أن الصلاة يجوز فعلها مع غلبة ظن دخول وقتها ولا يجب وكذلك الصيام يجوز الإمساك بنية الصوم مع
____________________
(1/392)
غلبة ظن ولا يجب فهما سواء والثاني أن الصلاة عبادة فعليه لا تستغرق مجموع وقتها بل تفعل في جزء منه فإذا فعلت في زمن يغلب على الظن أنه من وقتها كفى والصوم عبادة تستغرق زمنها وهي من باب الكف والترك لا من باب الأعمال فيكفي اشتراط الكف عن محظوراتها في زمانها المحقق دون المشكوك فيه ولا يبطل بفعل شيء من محظوراتها في زمن لا يتحقق أنه وقت الصيام إلا أن يكون الأصل بقاء وقت الصيام ولم يغلب على الظن خروجه فلا يباح حينئذ الإقدام على الإفطار ولا تبرأ الذمة بمجرد ذلك وهذا كما قلنا فيمن صلى ثم رأى عليه نجاسة يمكن أنها لحقته بعد الصلاة سواء ومنها أن المستحاضة المعتادة ترجع إلى عادتها وإن لم تكن لها عادة فإلى تمييزها وإن لم يكن لها عادة وتمييز رجعت إلى غالب عادات النساء وهي ست أو سبع على الصحيح لأن الظاهر مساواتها لهن وإن كان الأصل عدم فراغ حيضها حينئذ ومنها امرأة المفقود تتزوج بعد انتظار أربع سنين ويقسم ماله حينئذ لأن الظاهر موته وإن كان الأصل بقاؤه لكن هل يثبت له أحكام المعدوم من حين فقده أو لا يثبت إلا من حين إباحة أزواجه وقسمة ماله على وجهين ينبني عليهما لو مات له في مدة انتظاره من يرثه فهل يحكم بتوريثه منه أم لا ونص أحمد على أنه يزكي ماله بعد مدة انتظاره معللا بأنه مات وعليه زكاة وهذا يدل على أنه لا يحكم له بأحكام الموتى إلا بعد مدة وهو الأظهر ويلتحق بهذا أن امرأة المفقود بعد مدة انتظارها تعتد للوفاة ثم تباح للأزواج فهل تجب لها النفقة من ماله في مدة العدة كما في مدة الانتظار أم لا على وجهين أحدهما لا يجب وهو الذي ذكره ابن الزاغوني في الإقناع وقال أبو البركات في الشرح هو قياس المذهب عندي لأنه حكم بوفاته بعد مدة الانتظار فصارت معتدة للوفاة والثاني يجب لها النفقة قاله القاضي لأن النفقة لا تسقط إلا بيقين الموت ولم توجد هاهنا وكذا ذكر صاحب المغني وزاد أن نفقتها لا تسقط بعد العدة أيضا لأنها باقية على نكاحه ما لم تتزوج أو يفرق الحاكم بينهما ومنها أن النوم الخلعين ينقض الوضوء لأنه مظنة خروج الحدث وإن كان الأصل عدم خروجه وبقاء الطهارة وحكى ابن أبي موسى في شرح الخرقي وجها آخر أن النوم نفسه حدث لكن يعفى عن يسيره كالدم ونحوه ومنها إذا زنا من نشأ في دار الإسلام بين المسلمين وادعى الجهل بتحريم الزنا لم يقبل
____________________
(1/393)
قوله لأن الظاهر يكذبه وإن كان الأصل عدم علمه بذلك ومنها إذا ادعت المعتقة تحت عبد الجهل بالعتق أو بثبوت الخيار ومثلها لا يجهل ذلك فإنه لا يقبل قولها ومنها إذا زوج المولى امرأة يعتبر إذنها لصحة العقد ثم أنكرت الإذن فإن كان بعد الدخول لم يقبل قولها لأن تمكينها يكذبها وإن كان قبله فإن كان إذنها السكوت وادعت أن سكوتها كان حياء لا رضا لم يقبل قولها نص عليه أحمد في رواية الأثرم لأن السكوت في حكم الشارع إقرار به ورضا فلا يسمع دعوى خلافه وإن ادعت أنها ردت أو كان إذنها النطق فأنكرته فقال القاضي القول قولها لأن الأصل معها ولم يوجد ظاهر يخالفه ومنها لو ادعت امرأة على رجل أنه تزوجها في يوم معين بمهر مسمى وشهد به شاهدان ثم ادعت عليه أنه تزوجها في يوم آخر معين بمهر مسمى وشهد به شاهدان ثم اختلفا فقالت المرأة هما نكاحان ولي المهران وقال الزوج بل نكاح واحد تكرر عقده فالقول قول الزوجة لأن الظاهر معها وكذا لو شهدت بينة أنه باعه هذا الثوب في يوم كذا بثمن كذا وشهدت بينة أخرى أنه باعه منه في يوم آخر بثمن فقال المشتري هو عقد واحد كررناه وقال البائع بل هو عقدان فالقول قول البائع لأن الظاهر معه ذكره أبو بكر والقاضي والأصحاب وقال الشيخ تقي الدين ينبغي أن يكون القول قوله لأن الأصل عدم الفرقة بينهما والأصل براءته من المهر الثاني القسم الرابع ما خرج فيه خلاف في ترجيح الظاهر على الأصل وبالعكس ويكون ذلك غالبا عند تقاوم الظاهر والأصل تساويهما وله صور كثيرة منها إذا سخن الماء بنجاسته وغلب على الظن وصول الدخان إليه ففي كراهته وجهان أشهرهما أنه يكره ومنها لو أدخل الكلب رأسه في إناء فيه ماء وشك هل ولغ فيه أم لا وكان فمه رطبا فهل يحكم بنجاسة الماء لأن الظاهر ولوغه أم بطهارته لأنها الأصل على وجهين ذكرهما الأزجي ومنها إذا وقع في ماء يسير ما لا نفس له سائلة وشك هل هو متولد من النجاسة أم لا وكان هناك بئر وحش فإن كان إلى البئر أقرب أو هو بينهما بالسوية فهو طاهر وإن كان إلى الحش أقرب فوجهان أحدهما أنه نجس والآخر أنه طاهر ما لم يعاين خروجه من
____________________
(1/394)
الحش نقل ذلك صاحب المبهم عن شيخه ابن تميم ومنها طين الشوارع وفيه روايتان إحداهما أنه طاهر ونص عليه في مواضع وجعله أبو البركات في شرحه المذهب ترجيحا للأصل وهو الطهارة في الأعيان كلها والثانية أنه نجس ترجيحا للظاهر وجعله صاحب التلخيص المذهب حتى حكى عن ظاهر كلام الأصحاب أنه لا يعفى عن يسيره وأبدى احتمالا بالعفو عنه لمشقة الاحتراز وحكى عن ابن عقيل العفو عن يسيره إلا ما تحقق نجاسته من الأرض فلا يعفى عنه وذكر صاحب المبهم عن ابن تميم أنه قال إذا كان الشتاء ولم يتعين موضع النجاسة ففي نجاسة الأرض روايتان فإذا جاء الصيف حكم بطهارتها رواية واحدة وللمسألة أصول تنبني عليها أحدها ما ذكرنا من تعارض الأصل والظاهر والثاني طهارة الأرض وغسالتها بماء المطر وغيره إذا لم يبق للنجاسة أثر سواء كانت النجاسة التي على الأرض أثرا أو عينا على الصحيح من المذهب والثاني بالاستحالة وفي المذهب خلاف يبنى عليه طهارة الطين إذا بقيت فيه عين النجاسة ثم استهلكت فيه حتى ذهب أثرها والثالث طهارة الأرض بالجفاف والشمس والريح وقد توقف فيه أحمد وذهب كثير من الأصحاب إلى عدم طهارتها بذلك وخالفهم صاحب المحرر في شرح الهداية ويبنى على ذلك طهارة الأرض مع مشاهدة النجاسات فيها وإن لم يصبها الماء والله أعلم ومنها المقبرة المشكوك في نبشها إذا تقادم عهدها هل يحكم بنجاستها لأن الظاهر نبشها أو بطهارتها لأن الأصل عدمه على وجهين ومنها ثياب الكفار وأوانيهم وفيها ثلاث روايات عن أحمد إحداها الإباحة ترجيحا للأصل وهو الطهارة والثانية الكراهية لخشية إصابة النجاسة لها إذ هو الظاهر والثالثة إن قوي الظاهر جدا لم يجز استعمالها بدون غسل ويتفرع على هذه الرواية روايتان إحداهما أنه يمنع من استعمال ما ولي عورتهم من الثياب قبل غسله دون ما علا منها والثانية يمنع من استعمال الأواني والثياب مطلقا ممن يحكم بأن ذبيحته ميتة كالمشركين والمجوس دون غيرهم وقال الخرقي في شرحه وابن أبي موسى لا يجوز استعمال قدور النصارى لاستحلالهم الخنزير وزاد الخرقي ولا أواني طبيخهم دون أوعية الماء ونحوها مما يبعد إصابته بالنجاسة وزاد أبي موسى المنع من استعمال ثياب من لا تحل ذبيحته كالمجوس مطلقا وما سفل من ثياب أهل الكتاب ولصق بأبدانهم حتى تغسل ومنها ثياب الصبيان ومن لا يتحرز من النجاسة وفيه ثلاثة أوجه الكراهة وعدمها
____________________
(1/395)
والمنع حتى تغسل وهو اختيار ابن أبي موسى ومنها إذا شك المصلي في عدد الركعات وفيه ثلاثة روايات عن أحمد رحمه الله ورضي عنه إحداها أنه يبني على الأقل وهو المتيقن لأن الأصل عدم الزيادة المشكوك فيها والثانية يبني على غالب ظنه للحديث الوارد في ذلك والثالثة إن قوي الظن بإقرار غيره له عليه بنى على غالب ظنه وهو الإمام إذا أقره المأمومون وإن كان منفردا بنى على اليقين وهي المشهورة في المذهب فأما إن سبح له اثنان من المأمومين فإنه يرجع إليهما ما لم يتيقن صواب نفسه على الروايات كلها وقال ابن عقيل إنما يرجع إليهما إذا قلنا يبني على غالب ظنه لأن تنبيههما إنما يفيد غلبة الظن والأول أصح لأن الرجوع إلى قولهما رجوع إلى بينة شرعية فيترك الأصل لأجلها كسائر البينات الشرعية بخلاف غلبة الظن المجردة إذا جوزنا له العمل بالظن الغالب فإنه يجوز له ترك العمل باليقين وصرح به القاضي في كتاب أحكام القرآن وغيره ولو شهد اثنان من المأمومين على الإمام أنه أحدث في صلاته وأنكر هو وبقية المأمومين أعادوا الصلاة كلهم نص عليه في رواية مهنا واحتج بخبر ذي اليدين ومنها إذا شك في عدد الطواف وفيه روايتان إحداهما يرجع إلى الأصل وهو المتيقن والثاني يرجع إلى غالب ظنه كالصلاة فإن أخبره اثنان بما طاف فهل يرجع إلى قولهما على وجهين والمنصوص أنه يرجع إليهما وكذا الوجهان لو أخبر المصلي من ليس معه في الصلاة هل يرجع إليهما أم لا وفي المغني يرجع الطائف إلى خبر الثقة الواحد العدل لأنه خبر ديني فلا يشترط فيه التعدد وإنما اشترطنا العدد في الصلاة لخبر ذي اليدين فبقي ما عداها على الأصل ومنها لو وجد في دار الإسلام ميت مجهول الدين فإن لم يكن عليه علامة السلام ولا الكفر أو تعارض فيه علامة السلام والكفر صلى عليه نص عليه فإن كان عليه الكفر خاصة فمن الأصحاب من قال يصلى عليه والمنصوص عن أحمد أنه لا يصلى عليه ويدفن وهذا يرجع إلى تعارض الأصل والظاهر إذ الأصل في دار الإسلام الإسلام والظاهر في هذا الكفر ولو كان الميت في دار الكفر فإن كان عليه علامات الإسلام صلي عليه وإلا فلا نص عليه أحمد في رواية علي بن سعيد وهذا ترجيح للظاهر على الأصل هاهنا كما رجحه في الصورة الأولى ولم يرجح الأصحاب هنا الأصل كما
____________________
(1/396)
رجحوه ثم لأن هذا الأصل قد عارضه أصل آخر وهو أن الأصل في كل مولود أنه يولد على الفطرة ومنها إذا اختلف الزوجان في قدر المهر ولا بينة ففيه روايتان إحداهما القول قول الزوج لأنه منكر وغارم والأصل براءة ذمته من القدر الزائد على ما يقرر به والثانية القول قول مدعي مهر المثل لأن الظاهر معه ومنها إذا أسلم الزوجان قبل الدخول وقال الزوج أسلمنا معا فنحن على نكاحنا وقالت الزوجة بل على التعاقب فلا نكاح فوجهان أحدهما القول قول الزوج لأن الأصل معه والثاني القول قول الزوجة لأن الظاهر معها إذ وقوع الإسلام معا في آن واحد نادر والظاهر خلافه ومنها إذا خلا بامرأته وصدقته أنه لم يطأها وقلنا لا يتقرر بذلك المهر على رواية سبقت وكان له منها ولد فهل يتقرر المهر بذلك لأن الغالب أن الولد إنما ينعقد عن الإصابة أولا لأن الأصل عدم إصابتها ويحتمل أنه سبق الماء إلى فرجها فانعقد به الولد على وجهين ذكرهما القاضي في المجرد وفيه نظر فإن سبق الماء إلى الفرج إنما يكون بعد ما تقرر المهر من وطء دون الفرج كما سبق تقريره والأظهر في تعليل عدم تقرر المهر أن يقال الولد يثبت نسبه بمجرد الإمكان بخلاف استقرار المهر ومنها لو زوج رجل وليته ثم ظهرت معيبة وادعى الولي أنه لم يعلم عيبها ففيه وجهان أحدهما القول قول الولي مع بينته لأن الأصل معه إلا أن يكون العيب جنونا ويكون الولي ذا اطلاع عليها فلا يقبل قوله وهو اختيار صاحب المغني والثاني إن كان الولي قريبا كالأب والجد والابن لم يقبل قوله مطلقا لأن الظاهر يكذبه وإن كان بعيدا قبل قوله مع يمينه وهو قول القاضي ووافقه ابن عقيل إلا أنه فصل بين عيوب الفرج وغيرها فسوى بين الأولياء كلهم في عيوب الفرج بخلاف غيرها ومنها إذا اختلط مال حرام بحلال وكان الحرام أغلب فهل يجوز التناول منه أم لا على وجهين لأن الأصل في الأعيان الإباحة والغالب ههنا الحرام كما قال أحمد في رواية حرب إذا كان أكثر ماله النهب والربا ونحو ذلك فكأنه ينبغي له أن يتنزه عنه إلا أن يكون شيئا يسيرا امرأتك لا يعرف وقريب من هذا إذا اشتبه الماء الطاهر بالنجس وكان الطاهر أكثر فإن في جواز التحري روايتين وظاهر كلام أحمد في رواية المروذي جوازه واختاره أبو بكر وابن شاقلا وأبو علي النجاد وصححه ابن عقيل لكن هنا اعتضد أصل الطهارة فإن الظاهر إصابة
____________________
(1/397)
الطاهر لكثرته ومنها إذا قذف مجهول النسب وادعى رقه وأنكر المقذوف فهل يحد على روايتين لأن الأصل عدم لزوم الحد والأغلب على الناس الحرية أو يقال الأصل فيهم الحرية فيكون ذا من باب تعارض الأصلين ومنها إذا قال لمدخول بها أنت طالق أنت طالق ولم يقصد بالثانية تأكيدا ولا إيقاعا بل أطلق النية فقال الأصحاب تطلق اثنين لأنه موضوع للإيقاع كاللفظ الأول ولهذا يقال إذا دار الأمر بين التأسيس والتأكيد فالتأسيس أولى وهذا يرجع إلى الحمل على الظاهر مع بقاء الزوجية وعدم وقوع الثانية والثالثة إذا كرر ثلاثا فيتوجه أن يخرج رواية أخرى بوقوع الرستفغني مع الإطلاق لأنه المتيقن ويشهد ما نقله صالح عن أبيه أنه قال إذا قال أنت طالق أنت طالق وقد دخل بها فهو على ما أراد إن كان أراد إفهامها فهو الذي أراد وإن أراد غير ذلك فهو على ما أراد فلم يوقع الثانية بدون النية وقد حكى أبو بكر عبد العزيز فيما إذا قال أنت طالق بل أنت طالق وأطلق النية أنه لا يلزمه أكثر من واحدة فإن نوى بالثانية طلقة أخرى فهل يلزمه أم لا على قولين لأنه إعادة اللفظ الأول بعينه فلا يحتمل التكرار كذلك حكى القاضي عنه في كتاب الروايتين ويلزم من ذلك أنه إذا قال أنت طالق وكرره وأطلق النية أنه لا يلزمه أكثر من واحدة وههنا مسألة حسنة نص عليها أحمد في رواية ابن منصور فيما إذا قال لامرأته أنت طالق بل أنت طالق قال هي تطليقتان هذا كلام مستقيم وإن قال أنت طالق لا بل أنت طالق هي واحدة والفرق بينهما أن بل من حروف العطف إذا كان بعدها مفرد وهي هنا كذلك لأن اسم الفاعل من المفردات وإن كان متحملا لضمير بدليل أنه يعرب والجمل لا تعرب ولأنه لا يقع صلة ولو كان جملة لوقع صلة وحينئذ فيكون ما بعده معطوفا على ما قبله وقد أوقع قبله واحدة ثم عطف عليها أخرى فتقع اثنتان كما لو أتى بواو خلعت وهذا معنى قول أحمد هذا كلام مستقيم يعني أنه نسق بعضه على بعض كسائر المعطوف بالواو وثم ونحوهما وأما قول ابناي إن ما قبله يصير مسكوتا عنه غير مثبت ولا منفي فهذا فيما يقبل النفي بعد إثباته والطلاق ليس كذلك فتعين إثبات الأول وعطف الثاني عليه وأما إذا قال أنت طالق لا بل أنت طالق فقد صرح بنفي الأول ثم أثبته بعد نفيه فيكون المثبت هو المنفي بعينه وهو الطلقة الأولى فلا يقع به طلقة ثانية وهو قريب من
____________________
(1/398)
معنى الاستدراك كأنه نسي أن الطلاق الموقع لا ينفى فاستدرك وأثبته لئلا يتوهم السامع أن الطلاق قد ارتفع بنفيه فهذا إعادة للأول لا استئناف طلاق ومنها إذا قال الطلاق يلزمني أو أنت الطلاق فهل يلزمه واحدة أو الثلاثة على روايتين لأن الألف واللام قد يراد بها العهد أي الطلاق المعهود المسنون وهو الواحدة ويراد بها مطلق الجنس ويراد بها استغراق الجنس لكنها في الاستغراق والعموم أظهر والمتيقن من ذلك الواحدة والأصل بقاء النكاح وعلى رواية وقوع الثلاث فلو نوى به ما دونها فهل يقع به ما نواه خاصة أو يقع به الثلاث ويكون ذلك صريحا في الثلاث فيه طريقان للأصحاب ولو قال الطلاق يلزمني وله أكثر من زوجة فإن كان هناك نية أو سبب يقتضي التعميم أو التخصيص عمل به ومع فقد النية والسبب خرجها بعض الأصحاب على الروايتين في وقوع الثلاث بذلك على الزوجة الواحدة لأن الاستغراق في الطلاق يكون تارة في نفسه وتارة في محله وقد فرق بعضهم بينهما بأن عموم المصدر لأفراده أقوى من عمومه لمفعولاته لأنه يدل على أفراده بذاته عقلا ولفظا وإنما يدل على مفعولاته بواسطة فلفظ الأكل والشرب مثلا يعم الأنواع منه والأعداد أبلغ من عموم المأكول والمشروب إذا كان عاما فلا يلزم من عمومه لأفراده عموم أنواع مفعولاته ذكر ذلك كله الشيخ تقي الدين رحمه الله بمعناه وفي موضع آخر قوي وقوع الطلاق بجميع الزوجات دون وقوع الثلاث بالزوجة الواحدة وفرق بأن وقوع الثلاث بالواحدة محرم بخلاف وقوع الطلاق بالزوجات المتعددات وقد يقال إن قوله الطلاق يلزمه وإن كان صيغة عموم لكن إذا لم ينو عمومه كان مخصصا بالشرع عند من يحرم جمع الثلاث وهو ظاهر المذهب فتكون المسألة حينئذ من صور التخصيص بالشرع وقد ذكرنا نظائرها في قاعدة سبقت ومنها إذا قال زوجتي طالق أو عبدي حر وله زوجتان وعبيد فالمنصوص أنه يقع الطلاق والعتق بالجميع إلا أن ينوي عددا معينا لأن اسم الجنس المضاف للعموم فهو كالجمع المعروف ذكر صاحب المغني احتمالا ورجحه أنه لا يقع الطلاق والعتاق مع إطلاق النية إلا بواحد لأن اللفظ صالح للواحد والجميع فحمله على الواحد أولى لأنه المتيقن ولو كان الجمع أظهر فيه ترجيحا للأصل على الظاهر ومنها إذا قال له عندي درهم ودرهم ودرهم فهل يلزمه درهمان أو ثلاثة على
____________________
(1/399)
وجهين ذكرهما أبو بكر في الشافي ونزلهما صاحب التلخيص على تعارض الأصل والظاهر فإن الظاهر عطف الثالث على الثاني ويحتمل إرادة التكرار به لأنه بلفظه فيحمل عليه عند الإطلاق لأنه اليقين قال ولو قال أردت بالثلاث تكرار الثاني قبل على الوجهين لاحتماله وذكر صاحب المغني في الطلاق احتمالا أنه لا يقبل إرادة التكرار والتأكيد مع حرف العطف لمخالفة الظاهر لأن ظاهر العطف يقتضي المغايرة القاعدة الستون بعد المائة تستعمل القرعة في تميز المستحق إذا ثبت الاستحقاق ابتداء لمبهم غير معين عند تساوي أهل الاستحقاق ويستعمل أيضا في تمييز المستحق المعين في نفس الأمر عن اشتباهه والعجز على الاطلاع عليه وسواء في ذلك الأموال والأبضاع في ظاهر المذهب وفي الأبضاع قول آخر إنه لا تؤثر القرعة في حل المعين منها في الباطن ولا يستعمل في إلحاق النسب عند الاشتباه على ظاهر المذهب ويستعمل في حقوق الاختصاص والولايات ونحوها ولا تستعمل في تعيين الواجب المبهم من العبادات ونحوها ابتداء وفي الكفارة وجه ضعيف أن القرعة تميز اليمين المنسية ونحن نذكر هاهنا مسائل القرعة المذكورة في المذهب من أول الفقه إلى آخره بحسب الإمكان والله الموفق فمنها إذا اجتمع محدثان حدثا أكبر أو أصغر وعندهما ما يكفي أحدهما ولا اختصاص لأحدهما به ففيه وجهان أحدهما يقترعان عليه لاستوائهما في الحاجة إليه والثاني يقسم بينهما ولو كان أحدهما جنبا والآخر محدثا حدثا أصغر وكان الماء يكفي كل واحد منهما ويفضل عنه فضلة لا يكفي الآخر ففيه ثلاثة أوجه أحدها المحدث أولى لأن فضلته يمكن الجنب استعمالها بخلاف فضلة الجنب فإنما لا ترفع حدث المحدث ولا شيئا منه والثاني الجنب أولى لغلظ حدثه والثالث هما سواء فيقرع بينهما أو يعطيه باذل الماء لمن شاء منهما قال صاحب التلخيص هذه المسألة صورها جماعة من أصحابنا في ماء مباح أو مملوك أراد مالكه بذله لأحدهم وفيه نظر فإن المباح قبل وضع الأيدي عليه لا ملك فيه وبعد وضع الأيدي للجميع والمالك له ولاية صرفه إلى من شاء قال ويتصور ذلك عندي في الوصية بالماء لأولاهم به انتهى ويتصور أيضا في النذر لأولاهم به والوقف عليه وفيما إذا طلب المالك معرفة أولاهم ليؤثره به وفيما إذا ما وردوا على مباح وازدحموا وتشاحوا في التناول أولا
____________________
(1/400)
ومنها إذا تشاحوا في الأذان مع تساويهم المرجح بها فيه فإنه يقرع بينهم نص عليه أحمد في رواية أبي داود وأبي طالب ومحمد بن موسى واحتج بأن سعدا أقرع بينهم في الأذان يوم القادسية ونص في رواية أبي داود على تقديم القرعة على اختيار الجيران وفي رواية محمد بن أبي موسى على أن المتعاهد للمسجد بالعمارة أحق ومنها إذا اجتمع عراة ومع واحد ثوب قد صلى فيه استحب له إعارته لرفقائه فإن ضاق الوقت وفيهم من يصلح للإمامة استحب إعارته فيصلي فيه إماما والعراة خلفه فإن استووا ولم يكن الثوب لواحد منهم أقرع بينهم فمن خرجت له القرعة فهو أحق به ذكره في المغني ومنها إذا استوى اثنان في الصفات المرجح بها في الإمامة من كل وجه وتشاحا أقرع بينهما كما في الأذان وكذلك إذا اجتمع اثنان من أولياء الميت واستويا وتشاحا في الصلاة عليه أقرع بينهما ولو ولي إمامة المسجد رجلان صح وكانا في الإمامة سواء وأيهما سبق إليها كان أحق بها فإن حضرا معا احتمل أن يقرع بينهما فيقدم من قرع له منهما واحتمل أن يرجع إلى اختيار أهل المسجد لأحدهما ذكر ذلك القاضي في الأحكام السلطانية ومنها إذا قدم ميتين إلى مكان من مقبرة مسبلة في آن واحد ولم يكن لأحدهما هناك مزية من أهل مدفونين عنده أو نحو ذلك فإنه يقرع بينهما صرح به الأصحاب وكذلك إذا دفن اثنان في قبر واحد واستويا في الصفات فإنه يقدم أحدهما إلى القبلة بالقرعة كما فعل معاذ بن جبل بامرأتيه ومنها إذا اجتمع ميتان فبذل لهما كفنان وكان أحد الكفنين أجود من الآخر ولم يعين الباذل ما لكل واحد منهما فإنه يقرع بينهما لما ورد في السنة بذلك فروى الإمام أحمد في المسند من حديث الزبير أنه قال لما كان يوم أحد أقبلت صفية يعني أمه فأخرجت ثوبين معها فقالت هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة فكفنوه فيهما قال فجئت بالثوبين ليكفن فيهما حمزة فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل قد فعل به ما فعل بحمزة قال فوجدنا غضاضة وحياء أن يكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له فقال لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر فأقرعنا بينهما فكفنا كل واحد في الذي طار له وقد ذكره الأثرم للإمام أحمد لما عدد أحاديث القرعة فعرفه أحمد وعده معها وهذا يشعر بأنه أخذ به
____________________
(1/401)
ومنها ولو اشتبه عبده بعبد غيره فهل يصح بيع عبده المشتبه من مال الآخر قبل تمييزه أم لا قال القاضي في خلافه يحتمل أن لا يصح العقد حتى يقع التمييز وبماذا يقع يحتمل أن يقرع بينهما فيعين بالقرعة ثم يبيعه لأنه قد اختلط المستحق بغيره ويحتمل أن يقف على المراضاة ولو سلمناه فلأن الجهالة هنا بغير فعله فعفي عنها قال وأجود ما يقال فيها إنهما يبيعان العبدين ويقتسمان الثمن على قيمة العبدين كما قلنا إذا اختلط زيته بزيت الآخر وأحدهما أجود من الآخر أنهما يبيعان الزيت ويقتسمان الثمن على قدر القيمة انتهى ومنها إذا ادعى الوديعة اثنان فقال المودع لا أعلم لمن هي منكما فإنه يقرع بينهما فمن قرع فصاحبه حلف وأخذها نص عليه أحمد وهي من فروع مسألة تداعي عين بيد ثالث يعترف بأنها لأحدهما وسنذكرها إن شاء الله ومنها إذا سبق اثنان إلى الجلوس بالأماكن المباحة كالطرق الواسعة ورحاب المساجد ونحوها لمعاش أو غيره فالمذهب أنه يقدم أحدهما بالقرعة وفيه وجه بتقديم السلطان لمن يرى منهما بنوع من الترجيح وكذلك لو استبقا إلى موضع في رباط مسبل أو خان أو استبق فقيهان إلى مدرسة أو صوفيان إلى خانكاه ذكره الحارث وهذا يتوجه على أحد الاحتمالين اللذين ذكرهما في المدارس والخوانق المختصة بوصف معين أنه لا يتوقف الاستحقاق فيها على تنزيل ناظر فأما على الوجه الآخر وهو توقف الاستحقاق على تنزيله فليس إلا ترجيحه له بنوع من الترجيحات وقد يقال إنه يرجح بالقرعة مع التساوي ومنها إذا سبق اثنان إلى معدن مباح أو غيره من المباحات وضاق المكان إلا عن أحدهما ففيه وجهان أحدهما يقترعان عليه اختاره صاحب المغني والثاني قاله القاضي وإن كان أحدهما للتجارة هايأ الإمام بينهما باليوم أو الساعة بحسب ما يرى لأنه يطول وإن كان للحاجة فاحتمالات أحدها يقرع بينهما والثاني ينصب من يأخذ لهما ثم يقسم والثالث يقدم من يراه أحوج وأولى وأما إن وقعت أيديهما على المباح فهو بينهما بغير خلاف وإن كان في كلام بعض الأصحاب ما يوهم خلاف ذلك فليس بشيء ومنها إذا اجتمع اثنان بين نهر مباح لكل منهما أرض يحتاج إلى السقي منه وكانا متقابلين ولم يمكن قسمة الماء بينهما أقرع بينهما فقدم من له القرعة فإن كان لا يفضل
____________________
(1/402)
عن أحدهما سقى من له القرعة بقدر حقه من الماء ثم تركه للآخر فإنه يساويه في استحقاق الماء وإنما القرعة للتقديم في استيفاء الحق لا في أصل الحق بخلاف الأعلى مع الأسفل فإنه ليس للأسفل حق إلا فيما فضل عن الأعلى وهنا الماء بينهما يستحق كل منهما أن يأخذ بقدر نسبة حقه منه ذكره في المغني ومنها إذا وصف للقطة نفسان فهل يقسم بينهما أو يقرع فمن خرجت له القرعة فهي له على وجهين ومنها إذا التقط اثنان طفلا وتساويا في الصفات أقرع بينهما ولم يقر بأيديهما جميعا كما في الحضانة وإن ادعى نفسان التقاط طفل فإن كان في أيديهما أقرع بينهما فأقر بيد من خرجت له القرعة فإن استويا في عدم اليد ولم يصفه أحدهما فقال القاضي والأكثرون لا حق لأحدهما فيه ويعطيه الحاكم لمن شاء منهما أو من غيرهما لأنه لم يثبت لهما سبب الاستحقاق وقال صاحب المغني الأولى أن يقرع بينهما لأنهما تنازعا شيئا في يد غيرهما فأشبه ما لو تنازعا وديعة وفيه نظر فإن الوديعة لمعين ولا مدعي لها سواهما بخلاف اللقيط فإن الحق لمن سبق إليه ولم يثبت السبق لواحد منهما فصار كغيرهما ولو ادعى اثنان لقطة بين أيديهما كل منهما يقول أنا سبقت إليها أقرع بينهما ذكره القاضي في خلافه وهذا في الظاهر يخالف قوله في دعوى التقاط الطفل إلا أن يفرق بينهما بأن اللقطة تئول إلى الملك فهي كتداعي اثنين ملكية عين بين أيديهما لا يد عليها لأحد كما سيأتي إن شاء الله ومنها إذا وصى لجاره محمد وله جاران بهذا الاسم فهل تبطل الوصية أو تصح ويميز أحدهما بالقرعة فيه خلاف سبق ذكره مبسوطا وكذا سبق ذكر من وهب أحد أولاده وتعذر الوقوف على عينه أو وقف عليه واشتبه فيهم ومنها إذا أوصى لزيد بعبد من عبيده قال الخرقي يعطي واحدا منهم بالقرعة كما لو أعتق واحدا مبهما والمنصوص عن أحمد في رواية ابن منصور أن له أخسهم يعني أدنى ما يقع عليه الاسم لأنه المتيقن وإنما أقرعنا في العتق لأن العتق حق للعبيد وقد تساووا في استحقاقه فيميز بالقرعة وهنا الحق للموصى له وإنما يستحق ما يصدق عليه الاسم ومنها إذا مات المتوارثان وعلم أسبقهما موتا ثم نسي فقال القاضي لا يمتنع أن نقول هنا بالقرعة لتعيين السابق والمذهب أن حكم ذلك حكم ما لو جهلوا الحال أو لأنه
____________________
(1/403)
يورث كل واحد منهما من الآخر من تلاد ماله دون ما ورثه منه ولو ادعى ورثة كل واحد منهما بسبق الآخر ولا بينة لهما أو تعارضت البينتان ففيه أوجه أحدها يعين السابق بالقرعة اختاره ابن أبي موسى وضعفه أبو بكر في كتاب الخلاف والثاني يتوارثان كما لو جهل الورثة الحال وهو قول أبي الخطاب وقال القاضي في المجرد وابن عقيل هو قياس المذهب والثالث يحلف ورثة كل واحد لإسقاط دعوى الآخر ولا يتوارثان نص عليه أحمد واختاره الخرقي لأن ورثة كل واحد قد علم استحقاقه لإرثه وغيرهم يدعي عليهم استحقاق مشاركة وهم ينكرون ذلك فيكون القول قولهم مع أيمانهم بخلاف مسائل الغرقى فإن الورثة متفقون فيها على عدم العلم بالسابق وليس فيهم مدع لاستحقاق انفراده بمال ميته والوجه الرابع وهو اختيار أبي بكر في كتاب الخلاف أنه يقسم القدر المتنازع فيه من الميراث بين مدعيه نصفين وعليهما اليمين في ذلك كما لو تنازعا دابة في أيديهما ومنها إذا مات عن زوجات وقد طلق إحداهن طلاقا يقطع الإرث أو كان نكاح بعضهن فاسدا لا تورث فيه وجهل عين المطلقة وذات النكاح الفاسد فإنها تعين بالقرعة والميراث للبواقي نص عليه أحمد ومنها الأولياء المستوون في النكاح إذا تشاحوا أقرع بينهم فإن سبق من أخطأته القرعة فزوج فهل يصح أم لا على وجهين ومنها لو زوج وليان من اثنين وجهل أسبق العقدين ففيه روايتان أحدهما يمين الأسبق بالقرعة فمن خرجت له القرعة فهي زوجته ولا يحتاج إلى تجديد عقد ولا يحتاج الآخر إلى طلاق هذا ظاهر كلام أحمد في رواية حنبل وابن منصور وقد ذكر هذه الرواية في هذا الوجه القاضي في المجرد وابن عقيل وغيرهما وذكر القاضي في الجامع والخلاف والروايتين وأبو الخطاب وغيرهما أن الآخر يؤمر بالطلاق كما يطلق في النكاح الفاسد وفيه ضعف فإن هذا لم يتحقق له نكاح منعقد بخلاف الناكح نكاحا فاسدا وأيضا فمجرد طلاقه بتقدير أن يكون نكاحه هو السابق لا يفيد حل المرأة للآخر فلهذا قال طائفة من الأصحاب يجدد الذي خرجت عليه القرعة النكاح لتحل له بيقين وقد حكى ذلك القاضي في كتاب الروايتين عن أبي بكر أحمد بن سليمان النجاد ثم رده بأنه لا يبقى حينئذ معنى للقرعة فإنه إذا أمر أحدهما بالطلاق وأمر القارع بتجديد النكاح فقد خلت المرأة من زوجيتهما معا فلها أن تتزوج من شاءت منهما ومن غيرهما ولا فائدة حينئذ
____________________
(1/404)
للقرعة وهذا بعينه قول من يقول بفسخ نكاحهما كما سيأتي وقال الشيخ تقي الدين لو كان الأمر كما ذكروه لم يبق من الروايتين فرق ولا للقرعة فائدة وإنما يجب على رواية القرعة أن يقال هي زوجة القارع بحيث يجب عليه نفقتها وسكناها ولو مات ورثته لكن لا يطؤها حتى يجدد العقد فيكون تجديد العقد يحل الوطء فقط ولعل هذا قياس المذهب أو يقال أنه لا يحكم بالزوجية إلا بالتجديد ويكون التجديد واجبا عليه وعليها كما كان الطلاق واجبا على الآخر قال وليس في كلام أحمد تعرض لطلاق ولا لتجديد الآخر النكاح فإن القرعة جعلها الشارع حجة وبينة تفيد الحل ظاهرا كالشهادة والنكول ونحوهما مما لا يوقف معه على حقيقة الأمر في الباطن والمجهول غير مكلف به العباد بل هو في نظر الشرع كالمعدوم ما دام مجهولا ونظير هذه الرواية في القرعة أن المشهور من المذهب أن من طلق واحدة من زوجاته ثم أنسيها فإنها تعين بالقرعة ويحل له وطء البواقي فكذلك هاهنا يميز النكاح الصحيح من الباطل بالقرعة ويفيد حل الوطء ولا يقال هناك الأصل فيمن لم يخرج عليها القرعة بقاء النكاح ولم يتيقن وقوع الطلاق عليها وهنا الأصل عدم انعقاد النكاح في كل واحد منهما فلا يباح الوطء بدون تيقن العقد الصحيح لأنا نقول الاستصحاب بطل بيقين وقوع الطلاق المحرم ولهذا أبطل أصحابنا الاستصحاب في مسألة اشتباه الماء الطاهر بالنجس ومنعوا استعمال أحدهم بالتحري لأن الاستصحاب زال حكمه بيقين التنجس وحينئذ تتفق الصورتان لأن في إحداهما اشتبهت الزوجة بالمطلقة ثلاثا وفي الأخرى اشتبه الزوج بغيره وكون أحدهما له أصلا في الحل دون الآخر لا أثر له عندنا ولهذا يسوى بين اشتباه البول بالماء الطاهر واشتباه الماء النجس بالطاهر ونحن نقول على أحد الوجهين لو أقر بأن ولد إحدى إمائه ابنه ثم مات ولم يعينه بين بالقرعة وإن كان حر الأصل واعلم أن القاضي حكى عن أبي بكر بن سليمان النجاد أنه يقرع بين الزوجين فمن قرع أمر صاحبه بالطلاق ثم جدد الآخر نكاحه وقرأت بخط القاضي في بعض مجاميعه قال حكى أبو الحسن الجزري قال سئل أبو علي النجاد عن رجل زوج ابنته على صداق ألف درهم ثم مات الأب قبل دخول الزوج بها فحضر ثلاثة رجال كل واحد منهم يقول زوجني أبوك منك على صداق ألف درهم قبضها مني وعدم كل واحد منهم البينة في الحال وقالت البنت أعلم أن واحدا من هؤلاء الثلاثة تزوجني يقينا ولكن لا أعرفه عينا فقال أبو علي النجاد ترفع أمرها إلى الحاكم فيجبر الثلاثة على أن يطلقها كل واحد منهم طلقة واحدة ثم يقترع بين الثلاثة على
____________________
(1/405)
الألف فأيهم كانت له القرعة أخذ الألف ثم يقال للمرأة تزوجي أيهم شئت إن أحببت فإن كانت هذه الحكاية مستند القاضي في الحكاية عن النجاد فقد وهم في تسميته فإن الحكاية عن أبي علي ونسبها هو إلى أبي بكر بن سليمان وليست المسألة في نكاحين مشتبهين بل في دعوى القرعة فيها إنما هي للمال لا لمحل البضع فلا يصح ماحكاه القاضي عن أبي بكر النجاد بالكلية فليحقق ذلك والرواية الثانية يفسخ النكاحان جميعا ثم تتزوج من شاءت منهما أو من غيرهما إذا شاءت نقلها أبو الحارث ومهنا وهي اختيار أبي بكر في خلافه والخرقي وحكى ابن أبي موسى في المسألة روايتين إحداهما يبطل النكاحان والثانية يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة فهي له قال والأول أظهر وأصح وظاهره أن النكاحين يبطلان من غير فسخ ويشهد له ما نقله ابن منصور عن أحمد في وليين زوجا امرأة لا تدري أيهما زوج قبل قال ما أرى لواحد منهما هاهنا نكاحا ومن الأصحاب من حكى ذلك وجها وقيده بما إذا أمكن وقوعهما معا وقد جعل القاضي في خلافه المذهب كذلك وأما إن علم وقوعهما معا فهما جميعا باطلان غير منعقدين وذكر القاضي في خلافه وفي كتاب الروايتين أن حكمه حكم ما لو وقعا مترتبين وجهل أسبقهما فيه الروايتان قال أبو البركات وهذا لا وجه له ولعله خرق الإجماع فأما حكم المهر في هذين النكاحين المشتبهين فقد سبق ذكره وإن في وجوب نصف المهر على من تخرج القرعة عليه منهما وجهين فإن ماتت المرأة قبل الفسخ ففي المغني احتمالان أحدهما يوقف نصف ميراثها أو ربعه حتى يصطلحا عليه والثاني يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف أنه المستحق وورث قال الشيخ تقي الدين وكلا الوجهين لا يخرج على المذهب وأما الأول فلأنا لا نقف الخصومات قط وأما الثاني فكيف يحلف من قال لا أعرف الحال وإنما المذهب على رواية القرعة أيهما قرعه فله الميراث بلا يمين وأما على قولنا لا يقرع فإذا قلنا إنها تأخذ من أحدهما نصف المهر بالقرعة فكذلك يرثها أحدهما بالقرعة بطريق الأولى وإما إن قلنا لا مهر فهنا قد يقال بالقرعة أيضا انتهى وإن مات الزوجان جميعا فلها ربع ميراث أحدهما فإن اتفقت مع أحد الزوجين قبل موته أو مع ورثته أنه هو السابق فالميراث لها منه بغير إشكال وإن ادعت أن أحدهما هو
____________________
(1/406)
السابق وأنكر هو أو ورثته فالقول قولهم مع أيمانهم فإن نكلوا قضى عليهم وإن لم تقر المرأة بسبق أحدهما ففي المغني احتمالان أحدهما أن يحلف ورثة كل منهما ويبرأ والثاني يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة فلها ربع ميراثه وهذا الوجه الثاني يتعين فيما إذا أنكر الورثة العلم بالحال ويشهد له نص أحمد في رواية حنبل وغيره فيمن زوج إحدى بناته من رجل ثم مات الأب ثم مات الزوج ولم يعلم عين الزوجة أنه يقرع بينهن فأيتهن أصابتها القرعة فهي التي ترثه وقد ذكر ذلك صاحب المغني أيضا فيما إذا ادعى كل واحد منهما أنه السابق بالعقد ولم يقر الواحد منهما بذلك ثم ماتا أنه يقرع بينهما ويكون لها ميراث من تقع القرعة عليه ولم يذكر فيه خلافا ومنها إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة ثم طلق الجميع ثلاثا فالمشهور عند الأصحاب أنه يخرج منهن أربع بالقرعة فيكن المختارات وله نكاح البواقي بعد عدة الأربع بناء على أن الطلاق اختيار والقرعة لها مدخل في تعيين المطلقات المبهمات فيميزن بالقرعة ويحكم باختيارهن وينفسخ نكاح البواقي بغير طلاق فيباح له نكاحهن بدون زوج وإصابة بعد انقضاء عدة البواقي وقال القاضي في خلافه في كتاب البيع يطلق الجميع ثلاثا لأن نكاحهن ثابت لم يحكم بفساده فيلحقهن الطلاق الثلاث فلا ينكح شيئا منهن إلا بعد زوج وإصابة وهذا يرجع إلى أن الطلاق فسخ وليس باختيار ولكن يلزم منه أن يكون للرجل في الإسلام أكثر من أربع زوجات يتصرف فيهن بخصائص ملك النكاح من الطلاق وغيره وهو بعيد واختيار الشيخ تقي الدين أن الطلاق هنا فسخ ولا يحسب من الطلاق الثلاث وليس باختيار وإن مات قبل أن يختار منهن أربعا فإنه يقرع بينهن فيورث أربع منهن بالقرعة وأما العدة ففيها وجهان أحدهما على الجميع عدة الوفاة قاله القاضي في الجامع لأنه مات والكل محبوسات على نكاحه فكان عليهن عدة الوفاة وإسلامه لم يوجب البينونة في الزائد على الأربع بل البينونة تقف على اختياره فإذا اختار في حياته أربعا فعدة البواقي من حين الاختيار على المشهور لا من حين الإسلام والثاني وهو قول القاضي في المجرد وابن عقيل وصاحب المغني أن عليهن أطول الأمرين من عدة الوفاة وعدة الوطء وعللوه بأن أربعا منهن زوجات والبواقي موطوآت بشبهة فيجب على الجميع أطول العدتين لتبرأ الذمة من العدة الواجبة بيقين وهذا لا يخرج إلا على القول بأن البينونة ثبتت بالإسلام وتتبين بالاختيار فإذا
____________________
(1/407)
اختار أربعا فعدة البواقي من حين إسلامه وأما إذا قلنا عدتهن من حين اختياره فهن زوجات له حتى يختار فلا يتوجه أن يجب عليهن سوى عدة الوفاة إلا أن يقال إن نكاحهن في حكم الفاسد لأنه لا يجوز استدامته بحال فلا يجوز أن يثبت له خصائص النكاح الصحيح ويجاب عنه بأن النكاح الفاسد إذا اتصل به الموت أوجب عدة الوفاة على المنصوص فهذا أولى ويلتحق بهذه المسألة ما إذا طلق واحدة مبهمة أو معينة ثم أنسيها ثم مات قبل القرعة فإنا نقرع بينهن وتخرج المطلقة بالقرعة ويورث البواقي كما نص عليه أحمد وأما العدة فذكر القاضي في خلافه أنه يجب على كل واحدة منهن عدة الوفاة إن لم يكن دخل بهن يسقط الفرض بيقين وإن دخل بهن لزمهن أطول الأمرين من عدة الطلاق ومن حينه وعدة الوفاة من حينها لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون مطلقة وأن تكون زوجة فلا تبرأ الذمة بدون ذلك وهذا يخالف المنصوص عن أحمد فإنه نص في رواية أبي طالب أنه يقرع بينهن فأيتهن أصابتها القرعة لم تورث ولم تعتد ومراده أنها لم تعتد عدة الوفاة وهذا يدل على أن العدة تابعة للميراث وهو ظاهر كلام القاضي في المجرد فمن خرجت لها قرعة الطلاق فليس عليها سوى عدة الطلاق من حينها وعلى البواقي عدة الوفاة من حينها لأن القرعة بينة شرعية وقد حكمنا بحل البضع بها كما سبق فجاز أن يبتني عليها حكم العدة لأنها من توابع الطلاق ولوازمه فعلى هذا المنصوص يتخرج في مسألة من أسلم على أكثر من أربع ثم مات قبل أن يختار منهن أن يقرع بين أربع منهن فيكن المختارات وتلزمهن عدة الوفاة من حينها ويلزم السهوكة عدة الوطء من حين الإسلام إذا قلنا إن عدتهن من حين الإسلام وعلى قول القاضي على الجميع أطول الأجلين ومنها إذا أصدق الزوجة عبدا من عبيده فحكى طائفة من الأصحاب في المسألة روايتين أحدهما أنه يتعين بالقرعة والثانية لها الوسط منهم وخرج ابن عقيل فيها وجهين آخرين أحدهما أنه يعطيها ما يختاره هو والثاني يعطي ما تختاره هي واختار أنهم إن تساووا فلها واحد بالقرعة وإلا فلها الوسط والمنصوص عن أحمد في ذلك ما نقله مهنا في رجل تزوج امرأة على عبد من عبيده فقال أعطيها من أحسنهم قال ليس له ذلك ولكن يعطيها من أوسطهم فقلت له ترى أن يقرع بينهم قال نعم فقلت تستقيم القرعة في هذا قال نعم يقرع بين العبيد وتأول أبو بكر هذا على أنه تزوجها على
____________________
(1/408)
عبد معين واشتبه قال القاضي ولا يصح هذا التأويل لأنه قال يعطي وسطهم ولو كان معينا لم يعتبر الأوسط ونقل عنه جعفر بن محمد يقوم الخادم وسطا على قدر ما يخدم مثلها ومنها إذا دعاه اثنان إلى وليمة عرس واستويا في الصفات المرجحة أقرع بينهما ومنها إذا زفت إليه امرأتان معا فإنه يقدم إحداهما بالقرعة ومنها إذا أراد السفر بإحدى زوجاته أو البداءة بها لم يجز بدون قرعة إلا أن يرضى البواقي بذلك ومنها لو طلق امرأة من نسائه مبهمة بأن قال لامرأتيه إحداكما طالق ولم ينو معينا فإنه يعين المطلقة بالقرعة في ظاهر المذهب ونص عليه أحمد في رواية جماعة وفيه رواية ثانية أن له تعيينها باختياره وتوقف أحمد مرة فيها في رواية أبي الحارث ومنها إذا طلق واحدة معينة من نسائه ثم أنسيها أو جهلها ابتداء كمن قال إن كان هذا الطائر غرابا ويسعه طالق وإن لم يكن غرابا ففلانة طالق فطار ولم يعرف ما كان فالمشهور أيضا أنها تعين بالقرعة ويحل له البواقي كما أنه لو أعتق أمة من إمائه وأنسيها عينها بالقرعة وحل له البواقي لأن القرعة قامت مقام الشاهد والمخبر للضرورة والشارع لم يكلف العباد بما في نفس الأمر بل بما ظهر وبدا وإن كان مخالفا لما في نفس الأمر والمجهول كالمعدوم مادام مجهولا فإذا علم ظهر حكمه كالاجتهاد مع النص والتيمم مع الماء وقد نص أحمد صريحا على هذا في رواية جماعة وعن أحمد لا يقرع بل يوقف حتى يتبين قال الشالنجي سألت أحمد عن الرجل يطلق امرأة من نسائه ولا يعلم أيتهن طلق قال أكره أن أقول في الطلاق بالقرعة قلت أرأيت إن مات هذا قال أقول بالقرعة أي لأجل الميراث بعد الموت وهذه اختيار صاحب المغني والمذهب الأول وعليه فلو ذكر أن المطلقة غير من أصابتها القرعة وأنه يذكر ذلك لزمه الطلاق فيها وهل ترجع التي وقعت عليها القرعة توقف فيه أحمد مرة وقال في رواية الميموني إن كانت تزوجت لم ترجع إليه لأن حق الزوج الثاني تعلق بها فلا يقبل قوله في إسقاط حقه وفسخ
____________________
(1/409)
نكاحه وإن لم تتزوج فإن كانت القرعة بفعل الحاكم لم ترجع إليه أيضا نص عليه في رواية الميموني أيضا قال ابن أبي موسى وهو يرجع إلى أن حكم الحاكم له تأثير في التحريم وفيما قاله نظر بل الظاهر أنه يرجع أن فعل الحاكم حكم فلا يقبل قول الزوج فيما يرفع فعل الحاكم لأن تعليق حكم الحاكم كتعلق حكم الزوج وأولى وإن لم تكن القرعة من الحاكم رجعت إليه نص عليه أيضا لأن إخباره بذلك مقبول قبل القرعة فكذلك بعدها إلا أن يتضمن إبطال حق لغيره ولم يوجد ذلك هنا وعن أبي بكر وابن حامد لا يرجع إليه لأنه متهم في نفي الطلاق عنها فلا يقبل قوله فيه ومنها لو رأى رجلان طائرا فقال أحدهما إن كان غرابا فامرأتي طالق ثلاثا وقال الآخر إن لم يكن غرابا فامرأتي طالق ثلاثا ففيه وجهان أحدهما يبني كل واحد منهما على يقين نكاحه ولا يحكم عليه بالطلاق ولأنه متيقن لحل زوجته شاك في تحريمها بخلاف ما إذا كانت الزوجتان لرجل واحد فإنه تيقن زوال النكاح في إحدى زوجتيه فلذلك عينت بالقرعة وهذا اختيار القاضي وأبي الخطاب وكثير من المتأخرين والثاني أنه يقرع بينهما فمن وقعت عليه القرعة طلقت زوجته كما لو كانا لرجل واحد وهو اختيار الشيرازي في الإيضاح وابن عقيل والحلواني وفي الجامع للقاضي أنه قياس المذهب وعلى الأول فمن اعتقد خطأ الآخر دونه حل الوطء وإن شك وتردد كف عنه وجوبا عند القاضي وورعا عند ابن عقيل والمنصوص عن أحمد في هذه المسألة ما رواه ابنه عبد الله أنه قال يعتزلان نساءهما حتى يتيقن فيحتمل أن يكون حكما لوقوع الطلاق على أحدهما ولكن لم تخرجه بالقرعة كما رواه الشالنجي عنه ويحتمل وهو الأظهر أنه منع من الوطء خاصة كما قاله القاضي قال الشيخ تقي الدين تأملت نصوص أحمد فوجدته يأمر باعتزال الرجل امرأته في كل يمين حلف الرجل عليها بالطلاق وهو لا يدري أهو بار فيها أم لا حتى يستيقن أنه بار فإن لم يعلم أنه بار اعتزلها أبدا وإن علم أنه بار في وقت وشك في وقت اعتزلها وقت الشك وحاصله أنه متى علق الطلاق بشرط وأمكن وجوده فإنه يعتزل امرأته حتى يعلم انتفاؤه نص على فروع هذا الأصل في مواضع منها إذا قال إن كنت حاملا فأنت طالق يعتزلها حتى يتبين الحمل
____________________
(1/410)
ومنها إذا وكل وكيلا في طلاق امرأته يعتزلها حتى يدري ما يفعل ومنها إذا قال أنت طالق ليلة القدر يعتزلها إذا دخل العشر الأواخر لإمكان أن يكون أول ليلة ومنها إذا قال أنت طالق قبل موتي بشهر فإنه يعتزلها مطلقا نقله عنه مهنا ومنها مسألة إن كان الطائر غرابا وهي هذه المسألة ومن مسائل القرعة إذا قال لامرأته إن ولدت ذكرا فأنت طالق طلقة وإن ولدت أنثى فأنت طالق طلقتين فولدت ذكرا وأنثى متعاقبين وأشكل السابق منهما فوجهان أحدهما أنه يقع بها واحدة لأنه المتيقن والزائد عليه مشكوك فيه فيلغى كما لو طلق وشك هل طلق واحدة أو اثنتين وهذا قول أبي الخطاب ورجحه صاحب المغني والثاني يعين الواقع منهما بالقرعة قاله القاضي وابن عقيل لأنه تيقن وقوع أحد المتعلقين وشك فميز بالقرعة كما لو تيقن وقوع طلاق إحدى الزوجتين وشك في عينها ومأخذ الخلاف أن القرعة لا مدخل لها في إلحاق الطلاق لأحد الأعيان المشتبهة فمن قال بالقرعة هنا جعلها لتعيين إحدى الصفتين وجعل وقوع الطلاق لازما لذلك ومن منعها نظر إلى القصد بها هنا هو اللازم وهو الوقوع ولا مدخل للقرعة فيه وهذا أظهر ومن غرائب مسائل القرعة في الطلاق إذا قال لزوجاته الأربع أيتكن لم أطأها الليلة فصواحباتها طوالق ولم يطأ تلك الليلة واحدة منهن فالمشهور عند الأصحاب أنهن يطلقن ثلاثا ثلاثا لأن شرط الطلاق وهو خلو الوطء في الليلة قد تحقق في آخر جزء منها فإذا بقي جزء منها لا يتسع للإيلاج تحقق شرط طلاق الجميع دفعة واحدة فيطلق الجميع ثلاثا ثلاثا لأن لكل واحدة ثلاث صواحبات لم يطأهن فاجتمعت شروط وقوع الثلاث عليها وحكى أبو بكر في التنبيه في المسألة وجهين عن الأصحاب أحدهما هذا والآخر وهو الذي ذكره أولا وجزم به أن إحداهن تطلق ثلاثا والبواقي يطلقن اثنتين اثنتين وعلله بأنه لما امتنع عن الأولى طلقت الثلاث واحدة واحدة فلما امتنع عن الثانية طلقت الأولى واحدة والثالثة والرابعة ثنتين ثنتين فلما امتنع عن الثالثة طلقت الأولى اثنتين والثانية اثنتين والثالثة كذلك وبانت الرابعة فلما امتنع عن الرابعة امتنع عنها وهي غير زوجة فلم يقع بالامتناع فيها طلاق فعلى هذا الوجه ينبغي أن يقرع بينهن فمن خرجت لها قرعة
____________________
(1/411)
الثلاث حرمت بدون زوج وإصابة وملك رجعة البواقي وشرح كلامه إن يقدر على الامتناع من وطئهن مرتبا لأنه لا يمكن إلا كذلك فإذا بقي من الليلة زمن لا يتسع للإيلاج في أربع فقد تعذر وطء الأولى حينئذ فتطلق الثلاثة البواقي طلقة طلقة فإذا بقي زمن لا يتسع للإيلاج في الثلاث فقد تعذر وطء الثالثة فتطلق به الأولى والثانية والرابعة طلقة طلقة فيجتمع على الأولى والثانية طلقة وعلى الثالثة والرابعة طلقتان فإذا بقي زمن لا يتسع للإيلاج في اثنتين فقد تعذر وطء الثالثة فتطلق به الأولى والثانية والرابعة فيجتمع على الأولى والثانية طلقتان وعلى الرابعة ثلاث طلقات فتحرم حينئذ وتخرج عن الزوجية فلا يبقى الامتناع من وطئها شرطا لطلاق صواحباتها لأن تقدير الكلام أيتكن لم أطأها الليلة وهي زوجتي وقد تعذر ذلك في هذه الرابعة وهذا يرجع إلى أنه متى حلف بالطلاق على فعل شيء في وقت متسع فتعذر فعله في آخر أجزاء ذلك الوقت أنه لا يحنث لأن حنثه إنما هو بترك ذلك في آخر الوقت فيستدعي وجود المحلوف عليه حينئذ والمعروف من المذهب أنه يحنث في حال التعذر كما لو حلف ليشربن ماء هذا الكوز اليوم فتلف قبل مضي اليوم فإنه يحنث في الحال وعلى ما ذكره أبو بكر لا يحنث وقال صاحب المستوعب ويمكن أن يقال الأولى منهن من كان وقت اليمين حظها من القسم والثانية التي تليها ومنها إذا ادعى الزوج الرجعة والزوجة انقضاء العدة في آن واحد ففيه وجهان أحدهما القول قول المرأة لأن الزوج مدع وهي منكرة والثاني يقرع بينهما فمن قرع له فالقول قوله ومنها إذا آلى من واحدة معينة واشتبهت عليه فإنها تميز بالقرعة ذكره أبو بكر وإن آلى من واحدة غير معينة ففي المحرر وجهان أحدهما يعين بالقرعة والثاني بتعيينه وهما مخرجان من الروايتين في مسألة الطلاق وفي المعنى له وطء الجميع سوى واحدة منهن فإذا لم يبق سوى واحدة تعين الإيلاء فيها لأنه لا يمكن وطؤها بدون الحنث في هذه الحال بخلاف ما قبلها فلا يصير مواليا بدون ذلك ومنها إذا تعذر إثبات النسب بالقافة إما لعدمها أو لعدم إلحاقها بالنسب لإشكاله عليها ولاختلافها فيه ونحو ذلك فالمشهور أنه لا يلحق بالقرعة وقد قال أحمد في رواية
____________________
(1/412)
علي ابن سعد في حديث علي في ثلاثة وقعوا على امرأة فأقرع بينهم قال لا أعرفه صحيحا وأوهنه وقال في رواية يعني ابن منصور وفي حديث عمر في القافة أعجب إلي يعني من هذا الحديث وعلى هذا فهل يضيع نسبه أو يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من يميل طبعه إليه من المدعين له فيلحق به على وجهين والأول قول أبي بكر والثاني قول ابن حامد واختار صاحب المحرر أنه يلحق بالمدعيين معا كالمدعيين لعين ليست في يد أحدهما إذا استويا في البينة أو عدمها فإن العين تقسم بينهما وكذا هاهنا يلحق النسب بهما إذ لا يمكن إلحاقه بالقرعة وقال إسحاق بن إبراهيم سألت أبا عبد الله عن حديث عمر أن رجلين اختصما إليه أيهما وقع على امرأة في طهرها أيش تقول فيه قال أحمد إن ولدت خيرت الابن أيهما شاء اختار ويرثهما جميعا ويخير في حياتهما أيهما شاء من الأبوين اختار قال القاضي هذا موافق لقول ابن حامد أنه ينسب إلى من شاء منهما وقال الحارثي إنما دل على أنه ينسب إليهما كما اختاره صاحب المحرر لأنه ورثه منهما ولم يوقفه إلى بلوغه وتخييره إنما هو للحضانة والأظهر عندي أن مراد أحمد أنه إذا ألحقته القافة بالأبوين معا ورثهما وخير في المقام عند من يختار منهما فإنه سئل عن حديث عمر وحديث عمر فيه هذان الحكمان وعن أحمد أنه يقرع بينهما فيلحق نسبه بالقرعة ذكرهما في المغني في كتاب الفرائض وهي مأخوذة والله أعلم مما روى صالح عن أبيه أنه قال القرعة أراها قد أقرع النبي صلى الله عليه وسلم في خمسة مواضع فذكر منها وأقرع في الولد من حديث الأجلح عن الشعبي عن أبي الخليل عن زيد بن أرقم وهو مختلف فيه وأذهب إلى القرعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرع قلت إن بعض الناس لا يجيزون القرعة إلا في الأموال قال أليس قد أقرع النبي صلى الله عليه وسلم بين نسائه والقرعة في القرآن في موضعين وظاهر هذا أنه أخذ بالقرعة في النسب وقد ذكرنا طرق حديث زيد بن أرقم والاختلاف فيه وكلام الحفاظ عليه وتوجيه ما تضمنه من توزيع العزم في جزء مفرد وقد قال أبو بكر عبد العزيز لو صح لقلنا به وأما حكم تحريم النكاح فإن ألحقت القافة الولد بأحد الواطئين وكانت بنتا حلت لأولاد الآخر ولم تحل لأحد من الواطئين لكونها ربيبة له وإن لم توجد قافة فإن قلنا يضيع النسب حرمت على الواطئين وأولادهم كما إذا اشتبهت ذات محرم بأجنبي وإن قلنا
____________________
(1/413)
يترك حتى يبلغ فينسب إلى أحدهما بميل الطبع ففي حلها لولد الآخر بلبن هذه المرأة احتمالان ذكرهما صاحب الترغيب في الرضاع وأما حكم العدة فقال أكثر الأصحاب إن ألحقت القافة الولد بأحدهما انقضت به عدتها منه ثم اعتدت للآخر وإن ألحقته بهما انقضت به عدتها منهما وفي الانتصار لأبي الخطاب لا يمتنع على أصلنا أن نقول تنقضي به عدة أحدهما لا بعينه وتعتد للآخر فيما إذا ألحقته القافة بهما كما لو وطئها رجلان بشبهة وجهل السابق وأما إن ضاع نسبه فإن لم توجد قافة وأشكل عليهم ففي الإقناع لابن الزاغوني يضاف إلى أحدهما بالقرعة وتنقضي به عدتها منه قال ويحتمل أن تستأنف العدة لهما لأنه لا يعلم به البراءة من ماء أحدهما حيث لم ينسب إلى واحد منهما وفي المجرد والفصول والمغني يلزمها أن تعتد بعد وضعه بثلاث قروء لأنه إن كان من الأول فقد أتت بما عليها من عدة الثاني وإن كان من الثاني فعليها أن تكمل عدة الأول ليسقط الفرض بيقين وأما حكم الميراث إذا تعذر إلحاق النسب بواحد منهما ومات الولد ففي المجرد في العدد قياس المذهب أنه يقرع بينهما فمن تقع عليه القرعة حكم له بالميراث كما قلنا إذا طلق إحدى نسائه ومات ثم قال فإن كان للطفل أم ولأحد المتداعيين فيه ولد أو كان لها ولد ولأحدهما ولد فيجوز أن يكون للميت أخوان ويجوز أن لا يكون فيحكم له بالثلث ولا تحجب بالشك قال الشيخ مجد الدين وفي هذا عندي نظر من وجهين أحدهما أن القرعة إنما تشرع عندنا إذا امتنع الجمع من الأمرين وهنا يمكن أن يكون منهما عندنا والثاني أن القاضي ذكر في المجرد في كتاب الفرائض أنه يوقف المشكوك فيه حتى يصلح عليه ثم العجب أنه جعل للأم هنا الثلث حيث يشك هل لها الثلث أو السدس وكان ينبغي أن تعطى بمقتضى القرعة انتهى وأقول القرعة هنا أرجح من الإيقاف لأن فيها فصلا للأحكام وأما احتمال كونه منهما فهو بعيد جدا فلا تعويل عليه وإنما التعويل على العادة الغالبة وأنه ابن لواحد منهما نعم لو عولنا على هذا الاحتمال لقسمنا إرثه بينهما بالسوية وهو متوجه أيضا وأما دخول القرعة فيما تستحقه الأم من الثلث أو السدس فغير ممكن كما لا تدخل القرعة فيما تستحقه الخنثى من ميراث ذكر أو أنثى ولأنه فيما يستحقه من له حاجب مفقود ونحو ذلك
____________________
(1/414)
تنبيه هذا الكلام في إلحاق النسب ابتداء بالقرعة فأما إذا أقر بولد مبهم من أمة له ثم مات ولم يتبين وتعذرت القافة أقرعنا لأجل الحرية فمن خرجت عليه القرعة فهو حر وهل يثبت نسبه بذلك فيه خلاف سبق ذكره لأن الحرية هنا مستندة إلى الإقرار والقرعة فيرجحه ومنها إذا بلغ سبع سنين فإنه يخير بين أبيه وأمه في الحضانة على ظاهر المذهب فإن لم يختر واحدا منهما أو اختارهما جميعا أقرع بينهما على المشهور وفيه وجه يعطى لأمه وأما قبل السبع فإذا استوى في استحقاق حضانته رجلان كأخوين أو امرأتين كأختين فإنه يعين أحدهما بالقرعة أيضا ومنها إذا استحق القود جماعة وتشاحوا في مباشرة الاستيفاء ففيه وجهان أشهرهما أنه يقدم أحدهما بالقرعة والثاني بتعيين الإمام قاله ابن أبي موسى هذا إذا كان المقتول واحدا فإن كانوا جماعة وطلب ولي كل واحد منهم أن يقتص على الكمال ففيه وجهان أيضا أحدهما أنه يقرع بينهم فمن خرجت قرعته أقيد به ويجب للباقين الدية والثاني يبدأ بالسابق في القتل فيقاد به وتتعين الدية للباقين فإن قتلهم دفعة واحدة قدم من تخرج له القرعة ولم يذكر صاحب المغني سوى هذا الوجه وقال أبو الخطاب في الانتصار يقتل للجميع ويؤخذ من ماله بقية ديات الجميع تقسم بينهم وحكى أن المنصوص عن أحمد أنهم إذا طلبوا القتل فليس لهم غيره ويكونون قد أخذوا بعض حقوقهم وسقط بعضها وبعد بأن القصاص لا يتبعض في الاستيفاء والإسقاط ومنها إذا أعطينا الأمان لمشرك في حصن ليفتحه لنا ففعل ثم اشتبه علينا وادعى كل منهم أنه المستأمن ففيه وجهان أحدهما وهو المنصوص في رواية ابن هانئ أنه يحرم قتلهم واسترقاقهم جميعا والثاني يخرج أحدهم بالقرعة فيكون حرا ويرق الباقون وحكي ذلك عن أبي بكر والخرقي لأن القرعة تميز الحر من العبد عند الاشتباه ولو كان حر الأصل كما لو أقر أن أحد هذين الولدين من هذه الأمة ولده ثم مات ولم يوجد قافة فإنا نقرع بينهما للحرية وإن كان حر الأصل ومن نصر الأول قال إرقاق الباقين هنا يؤدي إلى ابتداء الإرقاق مع الشك في إباحته بخلاف من أعتق أحد عبيده واشتبه عليه فإنه ليس فيه سوى استدامة الإرقاق مع الشك في زواله فالاستدامة تبقيه على
____________________
(1/415)
الأصل الذي لم يتحقق زواله والابتداء نقل عن الأصل المتحقق مع الشك في إباحته نعم لو كان المعطي للأمان امرأة واشتبهت علينا لتوجيه جواز إرقاق النساء سوى واحدة بالقرعة لأن النساء يصرن أرقاء بنفس السبي فقد اشتبه ها هنا الرقيق بحر الأصل كمسألة الإقرار المشار إليها وكذلك لو أسلم واحد من حصن قبل فتحه ثم فتحناه وادعى كلهم أنه المسلم فإنه يخرج بالقرعة واحد فلا يسترق ويسترق الباقون لأنهم إنما أسلموا بعد القهر وذلك يوجب استرقاقهم على ليكسبوا فقد اشتبه هاهنا الحر بمن يثبت استرقاقه فيميز بالقرعة وجعل أصحابنا حكم هذه المسألة حكم مسألة دعوى الأمان في جريان الخلاف فيها ومنها إذا جعلنا مالا لمن يفتح الحصن فادعى اثنان كل منهما أنه الذي فتحه دون الآخر فقال أبو بكر في التنبيه فيه قولان أحدهما أن المال بينهما جميعا لأنهما فيه سواء بدعواهما له والآخر يقرع بينهما فمن أصابته القرعة كان المال له ومنها لو حلف بيمين ولم يدر أي الأيمان هي فالمنصوص عن أحمد أنه لا يلزمه شيء قال في رواية ابن منصور في رجل حلف بيمين لا يدري ما هي طلاق أو غيره قال لا يجب عليه الطلاق حتى يعلم أو يستيقن وظاهره أنه لا يلزمه شيء من موجبات الأيمان كلها لأن الأصل براءة الذمة من موجب كل يمين بانفرادها وتوقف أحمد في رواية أخرى قال صالح سألت أبي عن رجل حلف على يمين لا يدري ما حلف بالله أم بالطلاق أو بالمشي قال لو عرف اجترأت أن أجيب فيها فكيف إذا لم يدر وفي المسألة قولان آخران أحدهما أنه يقرع بين الأيمان كلها من الطلاق والعتاق والظهار واليمين بالله فما خرج بالقرعة لزمه مقتضاه وهو بعيد لما يتضمنه من إيقاع الطلاق والعتاق بالشك ولكنه احتمال ذكره ابن عقيل في فنونه وذكر القاضي في بعض تعاليقه أنه استفتي في هذه المسألة فتوقف فيها ثم نظر فإذا قياس المذهب أنه يقرع بين الأيمان كلها الطلاق والعتاق والظهار واليمين بالله فأي يمين وقعت عليها القرعة فهي المحلوف عليها قال ثم وجدت عن أحمد ما يقتضي أنه لا يلزمه حكم هذه اليمين وذكر رواية ابن منصور والثاني أنه يلزمه كفارة كل يمين لأنه يتيقن وجوب أحدهما وشك في عينه وذكره ابن عقيل في فنونه
____________________
(1/416)
أيضا وهو متجه فيما إذا علم أنها إحدى الأيمان المكفرة وأما إن شك هل هي مما يدخله التكفير أو لا فلا يزول شكه بالتكفير المذكور وفي مسائل إبراهيم الحربي سمعت رجلا سأل أحمد بن حنبل عن يمين حلفها فقال له أحمد كيف حلفت فقال له الرجل ليس أدري كيف حلفت فقال أحمد حدثنا يحيى بن آدم قال قال رجل لشريك حلفت وليس أدري كيف حلفت فقال له شريك ليتني إذا دريت أنت كيف حلفت دريت أنا كيف أفتيك انتهى وهذه الرواية يحتمل أن يكون المراد أنه لم يدر بماذا حلف فيكون كرواية صالح السابقة ويحتمل أنه لم يدر ما حلف عليه مثل أن يعلم أنه حلف بالطلاق مثلا ليفعل شيئا ونسي ما حلف عليه وهنا قد شك في شرط الطلاق وهو عدمي فلا يلزمه طلاق على المذهب عند صاحب المحرر وفيه وجه يحنث في آخر أوقات الإمكان لأن الأصل وجود ما علق عليه وهو العدم وإن حلف بالطلاق لا يفعل كذا فهنا شرط الطلاق وجودي وهو الفعل فلا يقع الطلاق بالشك في وجوده وأفتى الشيخ تقي الدين فيمن حلف لا يفعلن شيئا ثم نسيه أنه لا يحنث لأنه عاجز عن البر وهو يرجع إلى الوجه المذكور في الصورة الأولى ومنها إذا تناضل حزبان واقتسموا الرجال بالاختيار واختلفوا في البادي بالاختيار من كل حزب أقرع بينهم لذلك وكذلك إذا اختلفت الرماة في المبتدي بالرامي وتشاحوا أقرع بينهم في قياس المذهب قاله الآمدي واختار القاضي أنه يقدم من أخرج السبق فإن لم يكن أقرع بينهم واختار صاحب الترغيب أنه لا يصح عقد المناضلة حتى يعين المبتدئ فيه بالرمي ومنها إذا استوى اثنان من أهل الفيء في درجة ففي المجرد يقدم أسنهما ثم أقدمهما هجرة وفي الأحكام السلطانية يقدم بالسابقة في الإسلام ثم بالدين ثم بالسن ثم بالشجاعة ثم ولي الأمر مخير إن شاء أقرع بينهما وإن شاء رتبهما على رأيه واجتهاده ومنها إذا تنازع الإمامة العظمى اثنان وتكافآ في صفات الترجيح قدم أحدهما بالقرعة قال القاضي هذا قياس المذهب كالأذان ومنها لو عقدت الإمامة لاثنين في عقدين مترتبين وجهل السابق منهما فقال القاضي يخرج على روايتين إحداهما بطلان العقد فيهما والثانية استعمال القرعة بناء على
____________________
(1/417)
ما إذا زوج الوليان وجهل السابق منهما فإنه على روايتين كذلك هنا انتهى ولكن المشهور في حكاية الرواية الأولى في كتاب القاضي وأصحابه أنه يفسخ النكاحان وقياس هذا أنه يفسخ العقدان لأنهما يبطلان من غير فسخ ومنها إذا ولى الإمام قاضيين في بلد عملا واحدا وقلنا بصحة ذلك فاختلف الخصمان فيمن يحتكمان إليه فالقول قول المدعي فإن تساويا في الدعوى اعتبر أقرب الحاكمين إليهما فإن استويا أقرع بينهما وقيل يمنعان من التخاصم حتى يتفقا على أحدهما قال القاضي والأول أشبه بقولنا ومنها إذا هجم الخصوم على القاضي دفعة واحدة وتشاحوا في التقدم وليس فيهم مسافر فإنه يقدم أحدهم بالقرعة وكذا إذا ادعى الخصمان عنده معا فإنه يقدم أحداهما بالقرعة ومنها القرعة في القسمة إذا عدل القاسم السهام بالأجزاء إن تساوت وبالقيمة إن اختلفت وبالرد فيما يقتضي الرد فإنه يقرع بين الشركاء وهو مخير إن شاء كتب اسم كل واحد منهم في رقعة ثم تخلط الرقاع ويخرج على كل اسم رقعة منها وإن شاء كتب اسم كل سهم في رقعة ثم خلطها وأخرج واحدة واحدة كل منهما على اسم واحد من الشركاء فإذا تمت القرعة لزمت القسمة للشركاء وفيه وجه لا يلزمه فيما فيه رد حتى يتراضيا به بعد القسمة لأنها بيع إذا دخلها الرد فيشترط لها التراضي ومنها إذا تداعى اثنان عينا بيد ثالث فأقر بها لأحدهما مبهما وقال لا أعلم عينه فإنه يقرع بينهما فمن قرع فهي له وهل يحلف على وجهين ذكرهما أبو بكر والمنصوص عن أحمد أن عليه اليمين وعليه حمل حديث أبي هريرة إذا أحب الرجلان اليمين أو كرهاها فليستهما عليه لكنه قال إذا كرها اليمين وخرجت القرعة لأحدهما فهي له بغير يمين ولا فرق بين أن يكون وديعة أو عارية أو رهنا أو بيعا مردودا بعيب أو خيار أو غيرها نص عليه في المردود في رواية ابن منصور وإن قال من هي في يده ليس لي ولا أعلم لمن هي ففيها ثلاثة أوجه إحداها يقترعان عليها كما لو أقر بها لأحدهما مبهما والثاني يجعل عند أمين الحاكم والثالث تقر في يد من هي في يده والأول ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية صالح وأبي طالب وأبي النصر وغيرهم والوجهان
____________________
(1/418)
الآخران مخرجان من مسألة من هي في يده شيء معترف بأنه ليس له ولا يعرف مالكه فادعاه معين فهل يدفع إليه أم لا وهل تقر بيد من هو في يده أم ينتزعه الحاكم فيه خلاف ومنها إذا تداعى اثنان عينا ليست في يد أحدهما ففيها وجهان أحدهما يقسم بينهما كالتي بأيديهما والثاني يقرع بينهما فيعطى لمن قرع كما لو كانت بيد ثالث وهو ظاهر كلام أحمد في رواية صالح في اثنين تداعيا كيسا ليست أيديهما عليه أنهما يستهمان عليه فمن خرج سهمه فهو له مع يمينه ولم يفرق بين أن يكون في يد غيرهما أو لا يكون في يد واحد منهما ومنها إذا تعارضت البينتان ففي المسألة ثلاث روايات إحداهن يسقطان بالتعارض ويصيران كمن لا بينة لهما والثانية يستعملان بقسمة العين بينهما بغير يمين والثالثة يرجح أحدهما بالقرعة فمن قرع له حلف وأخذ العين هكذا حكى القاضي في بعض كتبه هذه الرواية وتبعه عليها كثير من الأصحاب وأنكرها في كتاب المجرد والخلاف وقال إنما معناها أن البينتين يسقطان بالتعارض وتصير العين في يد غيرهما المتداعيين فيقرع بينهما على ما تقدم وصرح أحمد بهذا المعنى في رواية حنبل فقال لو أقاما البينة جميعا أسقطت البينتين جميعا لأن كل واحدة منهما قد أكذبت صاحبتها ويستهمان على اليمين وحكى ابن شهاب في عيون المسائل رواية أخرى أنه يوقف الأمر حتى يتبين أو يصطلحا عليه ولو كانت العين المنازع فيها بيد أحدهما فلا تعارض بل نقدم بينة الخارج في أشهر الروايتين وفي الأخرى بينة الداخل إلا أن يكون التنازع في سبب اليد بأن يدعي كل منهما أنه اشتراها من زيد أو اتهبها منه ويقيم بذلك بينة ففيه روايتان إحداهما أنه كبينة الداخل والخارج على ما سبق وهي المذهب عند القاضي والثانية يتعارضان لأن السبب اليد هو نفس المتنازع فيه فلا تبقى مؤثرة لأنهما اتفقا على أن ملك هذه الدار لزيد وعنه هو سميتك فلذلك لم يبق لليد تأثير لأنه قد علم مستندها وهو الشراء الذي عورض بمثله وهذه الرواية اختيار أبي بكر وابن أبي موسى وصاحب المحرر واختار أبو بكر هاهنا وابن أبي موسى أنه يرجح بالقرعة ونص عليه أحمد في رواية ابن منصور في رجل باع ثوبا فجاء رجل فأقام البينة أنه
____________________
(1/419)
اشتراه بمائة وأقام الآخر البينة أنه اشتراه بمائتين والبائع يقول بعته بمائتين والثوب في يد البائع بعد قال ليس قول البائع بشيء يقرع بينهما فمن أصابته القرعة فهو له بالذي ادعى أنه اشتراه به قلت فإن كان الثوب في يد أحدهما ولا يدري أيهما اشتراه أولا قال لا ينفعه ما في يده إذا كان مقرا أنه اشتراه من فلان فلا ينفعه ما في يده والعجب أن القاضي في المجرد حكى هذا النص عن أحمد وذكر أنه أجاب بقسمة الثوب بينهما نصفين ثم تأوله على أنه كان في أيديهما وإنما أجاب أحمد فيه بالقرعة كما ذكرناه وإنما المجيب بالقسمة سفيان الثوري فإن إسحاق بن منصور يذكر لأحمد أولا المسألة وجواب سفيان فيها فيجيبه أحمد عنها بعد ذلك بالموافقة أو بالمخالفة فربما يشتبه جواب أحمد بجواب سفيان وقد وقع ذلك للقاضي كثيرا فلينبه لذلك وليراجع كلام أحمد من أصل مسائل ابن منصور ووقع في الإرشاد لابن أبي موسى في هذه المسألة كما وقع للقاضي فإنه نقل عن أحمد أنه إذا كان الثوب في يد البائع فهو بينهما نصفين وإن كان في يد أحدهما أقرع بينهما وهو وهم أيضا وذكر الشيخ تقي الدين أن مقتضى المذهب أنه إذا شهدت البينتان بالعقدين أو الإقرارين أو الحكمين أن يصدق البينتان به إن علم السابق وإلا كان بمنزلة أن تشهد بينة واحدة بالعقدين ولا يعلم السابق منهما فهنا إما أن يقرع أو يبطل العقدان فلا يبقى هنا عقد صحيح يحكم به فيقر في يد ذي اليد وتكون الدعوى حينئذ لمن انتقل عنه على صاحب اليد قال وقياس المذهب فيما إذا اشتبه أسبق عقدي البيع أن يفسخهما إلا إذا تعذر موجب الفسخ من رد الثمن ونحوه فإنه يقرع لأن من أصلنا أنه إذا اشتبه المالك بغير المالك أو الملك بغير الملك فإنا نقرع فإذا أمكن فسخ العقد ورد كل مال إلى صاحبه فهو خير من خطر القرعة ومنها الإقراع في العتق وهو أشهر ما وردت فيه السنة بالإقراع فيه ويندرج تحته صور كثيرة فمنها إذا أعتق في مرضه عبيده أو دبرهم ولم يخرجوا من ثلثه فإنه يقرع بينهم فيعتق منهم بقدر الثلث نص عليه أحمد في رواية جماعة قال القاضي ويكون العتق مراعى فإن مات ولم يجز الورثة تبينا أن الحر منهم اثنان مثلا وأن العتق كان واقعا عليهما دون
____________________
(1/420)
غيرهما ولكنهما كانا غير معينين وإنما تميزا وتعينا بالقرعة كما يتميز ويتعين الحقوق المشتركة في العقار وغيره بالإقراع في القسمة وغيرها ويستثنى من هذا صور لا إقراع فيها ذكرها الأصحاب أحدها إذا كان عتق أحد العبدين مرتبا على الآخر بأن قال إن أعتقت سالما فغانم حر فإنه يعتق سالم وحده إذا عتقه ولا يقرع لأن القرعة قد تفضي إلى عتق غانم وحده فيلزمه منه ثبوت المشروط بدون شرطه والثانية إذا قال في مرضه اعتقوا سالما إن خرج من الثلث وإلا فاعتقوا منه ما عتق وقال أيضا اعتقوا غانما إن خرج من الثلث وإلا فاعتقوا منه ما عتق قال الأصحاب يعتق من كل واحد نصفه مع تساوي قيمتها لأنه لم يقصد بالوصية تكميل الحرية في كل واحد فلم يقرع كما لو قال اعتقوا نصف سالم وإلا فنصف غانم والثالثة إذا أعتق أمة حاملا في مرض موته ولم يتسع الثلث لها ولحملها قالوا لا يجوز الإقراع لأن الحمل تبع لأمه وجزء منها ولا يجوز إفراده بالعتق دونها والقرعة قد تفضي إلى ذلك ولا أن تعتق هي دون حملها إذا استوعبت قيمتها الثلث لأن الولد تبع لها وعتقه ملازم لعتقها فلا يمكن أن يعتق منها شيء ولا يعتق منه مثله فيتعين أن يعتق منها ومن حملها بالحصة وذهب علي بن أبي موسى إلى أن الإقراع إنما يدخل حيث كان العتق لمبهم غير معين وتشاح العبيد فيه فأما إن كان لمعين فلا إقراع وكذا إن لم يتشاح فيه العبيد وحكي عن أبي بكر في خلافه ما يوافق ذلك فعلى هذا إذا وصى بعتق عبيده ولم يجز الورثة أعتقوا منهم بمقدار الثلث فإن تشاح العبيد في العتق أقرع بينهم فعتق من وقع عليه سهم الحرية منهم وكذلك لو دبرهم ذكره ابن أبي موسى وذكر هو وأبو بكر فيما إذا شهدت بينة على مريض أنه أعتق عبده هذا وشهدت أخرى أنه أعتق عبده هذا أنه يجب العتق لهما ويتحاص فيه العبدان قال أبو بكر لأن القرعة إنما تجب إذا كان أحدهما حرا والآخر عبدا يعني إذا كان العتق لواحد لا للجميع وهذا مناقض لما ذكره ابن أبي موسى في تدبيرهم كلهم إلا أن نقول تدبيرهم يقع موقوفا مراعى كعتقهم المنجز في مرضه فيعتق منهم من عدم الإجازة قدر الثلث وهو مبهم فيميز بالقرعة بخلاف ما إذا أعتق عبدين معينين وهو ضعيف فإنه لا فرق بين أن يكون العبيد جميع ماله أو نصفه مثلا إذ لا بد من الرد إلى الثلث وقد نقل ابن
____________________
(1/421)
منصور عن أحمد فيمن قال في مرضه اعتقوا عني أحد عبدي هذين أنه يعتق أحدهما فإن تشاحا في العتق يقرع بينهما وإنما قال يعتق أحدهما ابتداء لأنه وصية فالواجب فيها ما يصدق عليه الاسم كما لو وصى بأحدهما لزيد ومنها لو عتق أحد عبيده فإنه يعين بالقرعة ويتخرج وجه آخر أنه يعتقه بتعيينه من الرواية السابقة في الطلاق ولو أعتق عبدا من عبيده ثم أنسيه أو جهله ابتداء كمسألة الطائر المشهورة فإنه يخرج بالقرعة أيضا ويتخرج وجه آخر أنه لا يقرع هاهنا من الطلاق وأشار إليه بعض الأصحاب لكن قياس الرواية المذكورة في الطلاق أنه يقرع فمن خرجت له القرعة عتق ويستدام الملك في غيره إلا أنه لا يستباح وطء شيء منهن إذا كن إماء ولو قال رجل إن كان هذا الطائر غرابا فعبدي حر وقال آخر إن لم يكن غرابا فعبدي حر وجهل أمره فالمشهور أنه لا يعتق واحد من العبدين فإن اشترى أحد المالكين عبد الآخر ففيه وجهان أحدهما يعتق ما اشتراه لأن استدامته لاسترقاق عبده إقرار منه لأن عبد صاحبه هو الذي عتق فإذا اشتراه نفذ إقراره على نفسه فعتق عليه والثاني أنه يعتق أحدهما غير معين ثم يميز بالقرعة وهو أصح لأن تمسكه بعبده إنما كان استصحابا للأصل لا غير وأما الولاء فعلى الوجه الأول هو موقوف حتى يتصادقا على أمر يتفقان عليه وعلى الثاني إن وقعت الحرية على المشتري فكذلك وإن وقعت على عبده فولاؤه له ويتوجه أن يقال يقرع بينهما فمن قرع فالولاء له كما تقدم مثل ذلك في الولد الذي يدعيه أبوان وأولى لأن هاهنا إنما عتق على واحد غير معين وهناك يمكن أن يكون الولد لهما وكذلك يقال لو كان عبد بين شريكين موسرين فقال أحدهما إن كان الطائر غرابا فنصيبي حر وقال الآخر إن لم يكن غرابا فنصيبي حر فإن العبد يعتق على أحدهما وهو غير معلوم فيميز بالقرعة ويكون له الولاء ومنها لو قال لأمته أول ما تلدينه حر فولدت ولدين واشتبه أولهما خروجا فإنه يميز بالقرعة نص عليه لأن العتق وقع على معين وجهل ابتداء ولو قال أول غلام لي يطلع فهو حر فطلع عبيده كلهم أو قال لزوجاته أيتكن طلع أولا فهي طالق فطلعن كلهن فنص أحمد على أنه يميز واحد من العبيد وامرأة من الزوجات بالقرعة في رواية مهنا واختلف الأصحاب في هذا النص فمنهم من حمله على أن اطلاعهم كان مرتبا وأشكل السابق فيميز بالقرعة كمسألة الولادة ومنهم من أقر النص على ظاهره وأنهم طلعوا دفعة واحدة وقال صفة الأولية شاملة لكل واحد منهم بانفراده والمعتق إنما أراد عتق واحد
____________________
(1/422)
منهم فميز بالقرعة وهي طريقة القاضي في خلافه ومن الأصحاب من قال يعتق ويطلق الجميع لأن تركة صفة لكل واحد منهم ولفظه صالح للعموم لأنه مفرد مضاف أو يقال الأولية صفة للمجموع لا للأفراد وهو الذي ذكره صاحب المغني في الطلاق ومنهم من قال لا تطلق ولا يعتق شيء منهم لأن الأول لا يكون إلا فردا لا تعدد فيه والفردية مشتبهة هنا وهو الذي ذكره القاضي وابن عقيل في الطلاق والسامري وصاحب الكافي ويتخرج وجه آخر وهو أنه إن طلع بعدهم من عبيده وزوجاته طلقن وعتقن وإلا فلا بناء على أن الأول هو السابق لغيره فلا يكون أولا حتى يأتي بعده غيره فيتحقق له بذلك صيغة الأولية وهو وجه لنا ذكره ابن عقيل وغيره وقريب من هذه المسألة ما ذكره ابن أبي موسى في كتاب العتق فقال واختلف قوله في الرجل يقول لعبيده أيكم جاءني بخبر كذا فهو حر فأتى بذلك الخبر اثنان معا أو أكثر على روايتين قال في أحدهما قد عتق واحد منهم فيقرع بينهم فمن قرع صاحبه فقد عتق وقال في الأخرى فقد عتقا جميعا انتهى فأما وجه عتقهما جميعا فظاهر لأن أيا من صيغ العموم وأما وجه عتق أحدهما بالقرعة فهو أن المتبادر إلى الأفهام من هذا التعليق الخصوص وأنه إنما أريد به عتق واحد يجيء بالخبر فيصير عموم هذا اللفظ عموما بدليله لا عموم شمول فلا يعتق به أكثر من واحدة فإذا اجتمع اثنان على الإتيان بالخبر أعتق أحدهما بالقرعة وليس هذا كما لو قال لزوجاته أيتكن خرجت فهي طالق فإذا خرجن جميعا طلقن لأن الخروج بالنسبة إلى الجميع سواء وأما الإخبار فالمقصود منه يحصل من أحد المخبرين فلا حاجة إلى الآخر ولهذا قلنا على أحد الوجوه وهو قول القاضي أنه لو قال لزوجاته من أخبرني منكن بكذا فهي طالق فأخبرنه متفرقات أنه لا يطلق منهن إلا الأولى لأن مقصوده من الإخبار وهو الإعلام حاصل بها ولهذا لو قال من دخل داري فله درهم فدخل جماعة فلكل واحد منهم درهم ولو قال من جاءني فله درهم فجاءه جماعة فلهم درهم واحد بينهم ذكره القاضي في كتاب أحكام القرآن قال لأن الشرط وجد من الجماعة وجودا واحدا بخلاف دخول الدار فإن كل واحد وجد منه دخول كامل ولو قال رجل من سبق فله كذا فسبق اثنان معا ففيه وجهان أحدهما السبق المذكور بينهما كما لو قال من رد ضالتي فله كذا فردها جماعة والثاني لكل منهم سبق كامل لأنه سابق بانفراده
____________________
(1/423)
وحاصل الأمر في هذا الباب أن المعلق عليه تارة يكون شيئا واحدا لا تعدد فيه كرد الآبق ونحوه فلا يتعدد المشروط بعدد المحصلين له لأنهم اشتركوا في تحصيل شيء واحد فاشتركوا في استحقاق المرتب عليه وتارة يكون قابلا للعدد وهو نوعان أحدهما ما يكون التعدد فيه مقصودا لدخول الدار ونحوه فيتعدد الاستحقاق على الصحيح كما إذا قال من دخل داري فهو حر أو فله درهم أو فهي طالق وكذلك تجيء على هذا إذا قال من جاءني فله درهم لأن تعدد الاثنين مطلوب بخلاف ما ذكره القاضي ومسألة السبق قد يقال هي من هذا النوع وقد يقال السبق إنما حصل من المجموع لا من كل فرد منهم أو كل فرد منهم ليس بسابق للباقين بل هو سابق لمن تأخر عنه ومساو لمن جامعه فالمتصف بالسبق هو المجموع لا كل فرد منهم فلذلك استحقوا جعلا واحدا وهذا أظهر والنوع الثاني ما لا يكون التعدد فيه مقصودا كالإتيان بالخبر فهل يشترك الآتون به في الاستحقاق أم يختص به واحد منهم ويميز بالقرعة فيه الخلاف الذي ذكره ابن أبي موسى والذي نقله صالح عن أحمد أنه يعتق الجميع ونقل حنبل أنه يعتق واحد منهم بالقرعة وحمل أبو بكر رواية صالح على أنه أراد العموم ورواية حنبل على أنه أراد واحدا غير لبزيغ معين وما ذكرنا أشبه وعلى هذا يتخرج مسألة أو لكن يطلع على ما إذا قيل إن الأولية صفة لكل واحد من المجتمعين لأن هذا التعليق لم يقصد به إلا واحد غير معين لم يرد به الجميع وأما إن قيل الأولية صفة للمجموع يوجه وقوع العتق والطلاق ومنها لو اشتبه عبده بعبيد غيره قال القاضي قياس المذهب أنه يعتق عبده الذي يملكه عن واجب وغيره ثم يقرع بينهم فيخرج عبده بالقرعة ولو اشتبهت زوجته بأجانب فطلقها فله إخراجها بالقرعة ونكاح البواقي على قياس ما ذكره الأصحاب فيمن أسلم على أكثر من أربع فطلق الجميع ثلاثا أنه يخرج أربعا بالقرعة ثم ينكح البواقي ولو اشتبهت أخته بأجنبيات فقال القاضي في خلافه لا يمتنع التميز بالقرعة كما لو زوج إحدى بناته برجل واشتبه فيهن فإنها تميز بالقرعة على المنصوص وفي عمد الأدلة لابن عقيل لو اختلط عبده بأحرار لم يقرع ولو اختلط من أعتقه وله عتقه ومن لا يملك عتقه إلا بإجازة جاز أن يقرع بينهما لأن القرعة لا تعمل في آكد التحريمين وتعمل في أيسرهما فصل وهذه فوائد تلحق بالقواعد وهي فوائد مسائل مشتهرة فيها اختلاف في المذهب ينبني على الاختلاف فيها فوائد متعددة
____________________
(1/424)
المسألة الأولى فمن ذلك ما يدركه المسبوق في الصلاة هل هو آخر صلاته أو أولها وفي هذه المسألة روايتان عن الإمام أحمد أحدهما ما يدركه آخر صلاته وما يقضيه أولها وهو ظاهر المذهب والثانية عكسها ولهذا الاختلاف فوائد إحداها محل الاستفتاح فعلى الأولى يستفتح في أول ركعة يقضيها إذ هي أول صلاته نقلها حرب وفي شرح المذهب للقاضي لا يشرع الاستفتاح فيها لفوات محله وعلى الثانية يستفتح في أول ركعة يدركها لأنها أولته نقلها ابن حزم الفائدة الثانية التعوذ فعلى الأولى يتعوذ إذا قام للقضاء خاصة وعلى الثانية يتعوذ في أول ركعة يدركها وهذا بناء على قولنا إن التعوذ يختص بأول ركعة فأما على قولنا هو مشروع في كل ركعة فتلغى هذه الفائدة الفائدة الثالثة هيئة القراءة في الجهر والإخفات فإذا فاتته الركعتان الأولتان من المغرب أو العشاء جهر في قضائهما من غير كراهة نص عليه في رواية الأثرم وإن أم فيهما وقلنا بجوازه سن له الجهر وهذا على الرواية الأولى وعلى الثانية لا جهر هاهنا الفائدة الرابعة مقدار القراءة وللأصحاب في ذلك طريقان أحدهما أنه إذا أدرك ركعتين من الرباعية فإنه يقرأ في المقضيتين بالحمد وسورة معها على كلا الروايتين قال ابن أبي موسى لا يختلف قوله في ذلك وذكر الخلال أن قوله استقر على ذلك وفي المغني هو قول الأئمة الأربعة لا نعلم عنهم فيه خلافا والطريق الثاني بناؤه على الروايتين فإن قلنا ما يقضيه أول صلاته فكذلك وإلا اقتصر فيه على الفاتحة وهي طريقة القاضي ومن بعده وذكره ابن أبي موسى تخريجا وقد نص عليه أحمد في رواية الأثرم وأومأ إليه في رواية حرب وغيره وأنكر صاحب المحرر الطريقة الأولى وقال لا يتوجه إلا على رأي من رأى قراءة السورة في كل ركعة أو على رأي من رأى قراءة السورتين في الآخرتين إذا نسيهما في الأولتين قلت وقد أشار أحمد إلى مأخذ ثالث وهو الاحتياط للتردد فيهما وقراءة السورة سنة مؤكدة فيحتاط لها أكثر من الاستفتاح والاستعاذة ولو أدرك من الرباعية ركعة واحدة فإن قلنا ما يقضيه أولى صلاته قرأ في الأولتين من الثلاثة بالحمد وسورة وفي الثالثة بالحمد وحدها ونقل عنه الميموني يحتاط ويقرأ في الثلاث بالحمد وسورة قال الخلال رجع عنها أحمد الفائدة الخامسة قنوت الوتر إذا أدركه المسبوق مع من يصلي الوتر بسلام واحد فإنه يقع في محله ولا يعيده إن قلنا ما يدركه آخر صلاته وإن قلنا أولها أعاده في آخر
____________________
(1/425)
ركعة يقضيها الفائدة السادسة تكبيرات العيد الزوائد إذا أدرك المسبوق الركعة الثانية من العيد فإن قلنا هي أول صلاته كبر خمسا في المقضية وإلا كبر سبعا الفائدة السابعة إذا سبق ببعض تكبيرات صلاة الجنازة فإن قلنا ما يدركه آخر صلاته تابع الإمام في الذكر الذي هو فيه ثم قرأ في أول تكبيرة يقضيها وإن قلنا ما يدركه أول صلاته قرأ فيها بالفاتحة الفائدة الثامنة محل التشهد الأول في حق من أدرك من المغرب أو الرباعية ركعة وفي المسألة روايتان إحداهما تودها عقيب قضاء ركعة والثانية عقيب ركعتين نقلها حرب والأولى اختيار أبي بكر والقاضي وذكر الخلال أن الرويات استقرت عليها واختلف في بناء الروايتين فقيل على الروايتين في أصل المسألة إن قلنا ما يقضيه أول صلاته لم يجلس إلا عقيب ركعتين وإن قلنا هو آخرها تشهد عقيب ركعة لأنها ثانيته وهذه طريقة ابن عقيل في فصوله وأومأ إليها أحمد في رواية حرب وقيل إن الروايتين على قولنا ما يدركه آخر صلاته وهي طريقة صاحب المحرر وغيره ونص أحمد على ذلك صريحا في رواية عبد الله والبراثي مفرقا بين القراءة والتشهد وعلل في رواية عبد الله بأنه احتاط بالجمع من مذهب ابن مسعود في الجلوس عقيب ركعة وهو مذهب ابن عمر في القراءة في الركعتين وقد صح عن ابن مسعود أنه يجلس عقيب ركعة مع قوله أن ما أدركه مع الإمام آخر صلاته نقله عنه أحمد وزعم صاحب المغني أن الكل جائز ويرده ما نقله مهنا عن أحمد أنه إذا جلس عقيب ركعتين سجد للسهو فجعله كتارك التشهد الأول ومما يحسن تخريجه على هذا الخلاف ولم نجده منقولا تطويل الركعة الأولى على الثانية وترتيب السورتين في الركعتين فأما رفع اليدين إذا أقام من التشهد الأول إذا قلنا باستحبابه فيحتمل أن يرفع إذا قام إلى الركعة المحكوم بأنها ثالثته سواء قام عن تشهد أو غيره ويحتمل أن يرفع إذا قام من تشهده الأول المعتد به سواء كان عقيب الثانية أو لم يكن لأن محل هذا الرفع هو القيام من هذا التشهد فيتبعه حيث كان وهذا أظهر والله أعلم الثانية الزكاة هل تجب في عين النصاب أو ذمة مالكه اختلف الأصحاب في ذلك على طرق إحداها أن الزكاة تجب في العين رواية واحدة وهي طريقة ابن أبي موسى والقاضي
____________________
(1/426)
في المجرد والثانية أن الزكاة تجب في الذمة رواية واحدة وهي طريقة أبي الخطاب في الانتصار وصاحب التلخيص متابعة للخرقي والثالثة أنها تجب في الذمة وتتعلق بالنصاب وقع ذلك في كلام القاضي وأبي الخطاب وغيرهما وهي طريقة الشيخ تقي الدين والرابعة أن في المسألة روايتين إحداهما تجب في العين والثانية في الذمة وهي طريقة كثير من الأصحاب المتأخرين وفي كلام أبي بكر في الشافي ما يدل على هذه الطريقة ولكن آخر كلامه يشعر بتنزيل القولين على اختلاف حالين وهما يسار المالك وإعساره فإن كان موسرا وجبت الزكاة في ذمته وإن كان معسرا وجبت في عين ماله وهو غريب وللاختلاف في محل التعلق هل هو العين أو الذمة فوائد كثيرة الأولى إذا ملك نصابا واحدا ولم يؤد زكاته أحوالا فإن قلنا الزكاة في العين وجبت زكاة الحول الأول دون ما بعده ونص عليه أحمد واختاره أكثر الأصحاب لأن قدر الزكاة زال الملك فيه على قول وعلى آخر ضعف الملك فيه لاستحقاق تملكه والمستحق في حكم المؤدى فصار كالمنذور سواء فإن المنذور يجوز عندنا إبداله بمثله وهذا كذلك وإن قلنا الزكاة في الذمة وجبت لكل حول إلا إذا قلنا إن دين الله عز وجل يمنع الزكاة وقال السامري يتكرر زكاته لكل حول على القولين وتأول كلام أحمد بتأويل فاسد وهذا فيما كانت زكاته من جنسه فأما إن كانت من غير جنسه كالإبل المزكاة بالغنم تكررت لكل حول على كلا القولين نص عليه معللا بأنه لم يستحق إخراج جزء منه فيبقى الملك فيه تاما وهذا ما ذكر الخلال وابن أبي موسى والقاضي والأكثرون وذكر الشيرازي في المبهج أنه كالأول لا يجب سوى زكاة واحدة ومتى استأصلت الزكاة المال سقطت بعد ذلك صرح به في التلخيص ونص أحمد في رواية مهنا على وجوبها في الدين بعد استغراقه بالزكاة فإما أن يحمل ذلك على القول بالوجوب في الذمة وإما أن يفرق بين الدين والعين بأن الدين وصف حكمي لا وجود له في الخارج فتتعلق زكاته بالذمة رواية واحدة ولكن نص أحمد في رواية غير واحد على التسوية بين الدين والعين في امتناع الزكاة فيما بعد الحول الأول وصرح بذلك أبو بكر وغيره تنبيه تعلق الزكاة بالعين مانع من وجوب الزكاة في الحول الثاني وما بعده وهل هو مانع من انعقاد الحول الثاني ابتداء فيه وجهان أحدهما أنه مانع منه لقصور الملك فهو
____________________
(1/427)
كدين الآدمي وأولى لتعلقه بالعين وهو قول القاضي في شرح المذهب وصاحب المغني والثاني أنه غير مانع من الانعقاد وهو قول القاضي في المجرد وابن عقيل ونقل صاحب المحرر الاتفاق عليه وهو ظاهر ما ذكره الخلال في الجامع وأورد عن أحمد من رواية حنبل ما يشهد له فلو أخرج الزكاة الأولى من غير النصاب في أثناء الحول الثاني بني الحول الثاني على الأول من غير فصل بينهما على هذا وعلى الأول يستأنفه من حين الإخراج وينبني على هذين الوجهين مسألة معروفة في باب الخلطة والله أعلم الفائدة الثانية إذا تلف النصاب أو بعضه قبل التمكن من أداء الزكاة وبعد تمام الحول فالمذهب المشهور أن الزكاة لا تسقط بذلك إلا زكاة الزروع والثمار إذا تلف بجائحة قبل القطع فيسقط زكاتها اتفاقا لانتفاء التمكن من الانتفاع بها وخرج ابن عقيل وجها بوجوب زكاتها أيضا وهو ضعيف مخالف للإجماع وعن أحمد رواية ثانية بالسقوط فمنهم من قال هي عامة في جميع الأموال ومنهم من خصها بالمال الباطن دون الظاهر ومنهم من عكس ذلك ومنهم من خصها بالمواشي واختلفوا في مأخذ الخلاف على طريقين أحدهما أنه البناء على الخلاف في محل الزكاة فإن قيل هو الذمة لم يسقط وإلا سقطت وهو طريق الحلواني في التبصرة والسامري وقيل إنه ظاهر كلام الخرقي وفي كلام أحمد إيماء إليه أيضا والطريق الثاني عدم البناء على ذلك وهو طريق القاضي والأكثرين فوجه استقرار الوجوب مطلقا إنما إن قلنا التعلق بالذمة فظاهر وإن قلنا بالعين فلأن وجوبها كان شكرا لنعمة ثم سببها وهو النصاب الباقي النامي وشرطها وهو الحول فاستقر وجوبها بتمام الانتفاع بهذا المال حولا كالأجرة المعينة المستقرة بانقضاء مدة الإجارة وأيضا فمنهم من قال تعلقها بالعين ولا يبقى تعلقها بالذمة فهي كدين الرهن ووجه السقوط مطلقا أنا إن قلنا تعلقها بالعين فواضح كالأمانات والعبد الجاني وإن قلنا بالذمة فالوجوب إنما يستقر فيها بالتمكن من الفعل كالصلاة على رواية يوضحه أن الزكاة وجبت مساواة للفقراء من المال فيسقط بتلفه وفقر صاحبه واختار السقوط مطلقا صاحب المغني الفائدة الثالثة إذا مات من عليه زكاة أو دين وضاقت التركة عنهما فالمنصوص عن أحمد أنهما يتحاصان نقله عنه أحمد بن القاسم وحرب ويعقوب بن بختان واختلف الأصحاب في ذلك فمنهم من أقر النص على ظاهره وأجرى المحاصة على كلا القولين في محل الزكاة لأنا إن قلنا هو الذمة فقد تساويا في محل التعلق وفي أن كلا منهما حق لآدمي وتمتاز الزكاة بأنها من حق الله عز وجل وإن قلنا العين فدين الآدمي يتعلق بعد موته بالتركة أيضا فيتساويان وهذه طريقة أبي الخطاب وصاحب المحرر ومنهم من حل
____________________
(1/428)
النص بالمحاصة على القول بتعلق الزكاة بالذمة لاستوائها في محل التعلق فأما على القول بتعلقها بالنصاب فتقدم الزكاة لتعلقها بالعين كدين الرهن وهذه طريقة القاضي في المجرد والسامري وفي كلام أحمد إيماء إليها ومن الأصحاب من وافق على هذا البناء لكن بشرط أن يكون النصاب موجودا إذ لا تعلق بالعين إلا مع وجوده فأما مع تلفه فالزكاة في الذمة فيساوي دين الآدمي وهذا تخريج في المحرر مع أن صاحبه ذكر في شرح الهداية أن النصاب متى كان موجودا قدمت الزكاة سواء قلنا يتعلق بالعين أو بالذمة لا تعلق بسبب المال يزداد بزيادته وينقص بنقصه ويختلف باختلاف صفاته والزكاة من قبل مون المال وحقوقه ونوائبه فيقدم كذلك على سائر الديون وحمل نص أحمد بالمحاصة على حالة عدم النصاب فأما إن كان المالك حيا وأفلس فظاهر كلام أحمد في رواية ابن القاسم أنه يقدم الدين على الزكاة لأن تأخر إخراج الزكاة سائغ للعذر وهو محتاج هاهنا إلى إسقاط مطالبة الآدمي له وملازمته وحبسه فيكون عذرا له في التأخر بخلاف ما بعد الموت فإنه لو قدم دين الآدمي لفاتت الزكاة بالكلية وظاهر كلام القاضي والأكثرين أنه تقدم الزكاة حتى في حالة الحجر وهذا قد يتنزل على القول بالوجوب في العين إلا أن صاحب شرح الهداية صرح بتقديمها على كلا القولين مع بقاء النصاب كقوله فيما بعد الموت على ما سبق الفائدة الرابعة إذا كان النصاب مرهونا ووجبت فيه الزكاة فهل تؤدى زكاته منها هاهنا حالتان إحداهما أن لا يكون له مال غيره يؤدي منه الزكاة فتؤدى الزكاة من عينه صرح به الخرقي والأصحاب وله مأخذان أحدهما أن الزكاة ينحصر تعلقها بالعين ودين الرهن يتعلق بالذمة والعين فيقدم عند التزاحم وما اختص تعلقه بالعين كما يقدم حق الجاني على المرتهن إذا لحق المنحصر في العين يفوت بفواتها بخلاف المتعلق بالذمة مع العين فإنه يستوفي من الذمة عند فوات العين وهذا مأخذ القاضي وفيه ضعف فإن الزكاة عندنا لا تسقط بتلف النصاب مطلقا بل تتعلق بالذمة حينئذ فهي إذا كدين الرهن والأظهر في هذا أن يقال تعلق الزكاة قهري وتعلق الرهن اختياري والقهري أقوى كالجناية أو يقال هو تعلق بسبب المال وتعلق الرهن بسبب خارجي والتعلق بسبب المال يقدم كجناية العبد المرهون على هذا المأخذ متى قيل يتعلق الزكاة بالذمة خاصة لم يقدم على حق المرتهن لتعلقه بالعين وصرح به بعض المتأخرين والمأخذ الثاني أن النصاب سبب دين الزكاة يقدم دينها عند مزاحمة غيره من الديون في النصاب كما يقدم من وجد عين ماله عند رجل أفلس وهذا مأخذ صاحب التلخيص وعلى هذا فلا يفرق الحال بين قولنا تتعلق الزكاة بالذمة أو
____________________
(1/429)
بالعين الحالة الثانية أن يكون للمالك مال يؤدي منه الزكاة غير الرهن فليس له أداء الزكاة منه بدون إذن المرتهن على المذهب وذكره الخرقي أيضا لأن تعلق حق المرتهن مانع من تصرف الراهن في الرهن بدون إذن والزكاة لا يتعين إخراجها منه وذكر السامري أنه متى قلنا الزكاة تتعلق بالعين فله إخراجها منه أيضا لأنه تعلق قهري وينحصر في العين فهو كحق الجناية الفائدة الخامسة التصرف في النصاب أو بعضه بعد الحول ببيع أو غيره والمذهب صحته ونص عليه أحمد قال الأصحاب وسواء قلنا الزكاة في العين أو في الذمة وذكر أبو بكر في الشافي أنا إن قلنا الزكاة في الذمة صح التصرف مطلقا وإن قلنا في العين لم يصح التصرف في مقدار الزكاة وهذا لمدبر على قولنا أن تعلق الزكاة تعلق شركة أو رهن صرح به بعض المتأخرين وترك أبو بكر على هذا الاختلاف الروايتين المنصوصتين عن أحمد في المرأة إذا وهبت زوجها مهرها الذي لها في ذمته فهل تجب زكاته عليه أو عليها قال فإن صححنا هبة المهر جميعه فعلى المرأة إخراج زكاته من مالها وإن صححنا الهبة فيما عدا مقدار الزكاة كان قدر الزكاة حقا للمساكين في ذمة الزوج فيلزمه أداؤه إليهم ويسقط عنه بالهبة ما عداه وهذا بناء غريب جدا وعلى المذهب فلو باع النصاب كله تعلقت الزكاة بذمته حينئذ بغير خلاف كما لو تلف فإن عجز عن أدائها فطريقان أحدهما ما قاله صاحب شرح الهداية إن قلنا الزكاة في الذمة ابتداء لم يفسخ البيع كما لو وجب عليه دين الآدمي وهو موسر فباع متاعه ثم أعسر وإن قلنا في العين فسخ العقد في قدرها تقديما لحق المساكين لسبقه والثاني ما قاله صاحب المغني إنها تتعين في ذمته كسائر الديون بكل حال ثم ذكر احتمالا بالفسخ في مقدار الزكاة من غير بناء على محل التعلق الفائدة السادسة لو كان النصاب غائبا عن مالكه لا يقدر على الإخراج منه لم يلزمه إخراج زكاته حتى يتمكن من الأداء منه نص عليه أحمد في رواية مهنا وصرح به الشيخ مجد الدين في موضع من شرح الهداية لأن الزكاة مواساة فلا يلزم أداؤها قبل التمكن من الانتفاع بالمال المواسي منه ونص أحمد في رواية ابن تواب فيمن وجب عليه زكاة مال فأقرضه أنه لا يلزمه أداء زكاته حتى يقبضه لأن عوده مرجو بخلاف التالف بعد الحول وهذا لعله يرجع إلى أن أداء الزكاة يجب على الفور وقال القاضي وابن عقيل يلزمه أداء زكاته قبل قبضه لأنه في يده حكما ولهذا يتلف من ضمانه بخلاف الدين الذي في ذمة غريمه وكذلك ذكر صاحب شرح الهداية في موضع آخر وأشار في
____________________
(1/430)
موضع إلى بناء ذلك على محل الزكاة فإن قلنا الذمة لزمه الإخراج عنه من غيره لأن زكاته لا تسقط بتلفه بخلاف الدين وإن قلنا العين لم يلزمه الإخراج حتى يتمكن من قبضه والصحيح الأول ووجوب الزكاة عن الغائب إذا تلف قبل قبضه مخالف لكلام أحمد الفائدة السابعة إذا أخرج رب المال زكاة حقه من مال المضاربة منه فهل يحسب ما أخرجه من رأس المال ونصيبه من الربح أم من نصيبه من الربح خاصة على وجهين معروفين بناهما بعض الأصحاب على الخلاف في محل التعلق فإن قلنا الذمة فهي محسوبة من الأصل والربح كقضاء الديون وإن قلنا العين حسبت من الربح كالمئونة لأن الزكاة إنما تجب في المال النامي فيحتسب من نمائه ويمكن أن ينبني على هذا الأصل أيضا الوجهان في جواز إخراج المضارب زكاة حصته من مال المضاربة فإن قلنا الزكاة تتعلق بالعين فله الإخراج منه وإلا فلا وفي كلام بعضهم إيماء إلى ذلك وأما حق رب المال فليس للمضارب تزكيته بدون إذنه نص عليه في رواية المروذي اللهم إلا أن يصير المضارب شريكا فيكون حكمه حكم سائر الخلطاء والله أعلم الثالثة المستفاد بعد النصاب في أثناء الحول هل يضم إلى النصاب أو يفرد عنه إذا استفاد مالا زكويا من جنس النصاب في أثناء حوله فإنه يفرد بحول عندنا ولكن هل نضمه إلى النصاب في العدد ونخلطه به ويزكيه زكاة خالطة أو يفرده بالزكاة كما أفرده بالحول فيه ثلاثة أوجه أحدها أنه يفرده بالزكاة كما يفرده بالحول وهذا الوجه مختص بما إذا كان المستفاد نصابا أو دون نصاب ولا يعتبر فرض النصاب أما إن كان دون نصاب وتغير فرض النصاب لم يتأت فيه هذا الوجه صرح به صاحب شرح الهداية لأنه مضموم إلى النصاب في العدد فيلزمه حينئذ جعل ما ليس بوقص في المال وقصا وهو ممتنع ويختص هذا الوجه أيضا بالحول الأول دون ما بعده لأن ما بعد الحول الأول تجتمع مع النصاب في الحول كله بخلاف الحول الأول صرح بذلك غير واحد وكلام بعضهم يشعر باطراده في كل الأحوال وصرح القاضي أبو يعلى الصغير بحكاية ذلك وجها والوجه الثاني أنه يزكى زكاة خلطة وصححه صاحب شرح الهداية كما لو اختلط نفسان في أثناء حول وقد ثبت لأحدهما حكم الانفراد فيه دون صاحبه وزعم أن صاحب المغني ضعفه فيه وإنما ضعف الأول
____________________
(1/431)
والوجه الثالث أنه يضم إلى النصاب فيزكى زكاة ضم وعلى هذا فهل الزيادة كنصاب منفرد أم لكل نصاب واحد على وجهين أحدهما أنها كنصاب منفرد ولولا ذلك لزكى النصاب عقيب تمام حوله بحصته من فرض المجموع ولم يزك زكاة انفراد وهذا قول أبي الخطاب في انتصاره وصاحب المحرر والثاني أنه نصاب واحد وهو ظاهر كلام القاضي وابن عقيل وصاحب المغني وهو الأظهر إنما زكاة النصاب زكاة انفراد لانفراده في أول حوله الأول بخلاف الحول الثاني وما بعده فعلى هذا إذا تم حول المستفاد وجب إخراج بقية المجموع بكل حال لأنه بكمال حوله يتم حول الجميع فيجب تتمة زكاته ولا يكون ذلك عن المستفاد بخصوصه وعلى الأول إذا تم حول المستفاد وجب فيه ما بقي من فرض الجميع بعد إسقاط ما أخرج عن الأول منه إلا أن يزيد بقية الفرض على فرض المستفاد بانفراده أو نقص عنه أو يكون من غير جنس فرض الأول فإنه يتعذر هاهنا وجه الضم ويتعين وجه الخلطة ويلغو وجه الانفراد أيضا على ما سبق وبهذا كله صرح صاحب شرح الهداية وبناه على أن المخرج عن المستفاد بخصوصيته ويظهر فائدة اختلاف هذين الوجهين في أنواع ثلاثة النوع الأول أن يكون تتمة فرض زكاة الجميع أكثر من فرض المستفاد لخصوصية مثل أن يملك خمسين من البقر ثم ثلاثين بعدها فإذا تم حول الأولى فعليه مسنة فإذا تم حول الثانية فعليه مسنة أخرى على الوجه الثاني وهو الأظهر وعلى الأول يمتنع الضم هنا لئلا يئول إلى إيجاب مسنة عن ثلاثين ويجب إما تبيع على وجه الانفراد أو ثلاثة أرباع مسنة على وجه الخلطة النوع الثاني أن تكون تتمة الواجب دون فرض المستفاد بانفراده مثل أن يملك ستا وسبعين من الإبل ثم ستا وأربعين بعدها فإذا تم حول الأولى فعليه ابنتا لبون فإذا تم حول الثانية فعلى الوجه الثاني يلزم تمام فرض المجموع وهو بنت لبون وعلى الأول يمنع ذلك لأن فرضه على الانفراد حقة فيزكي ما على الخلطة أو الانفراد وهذا بعيد فإن وجه الضم إذا اعتبر مع كون المستفاد يصير وقصا محضا يضمه إلى النصاب إن كان فيه زكاة بانفراده فكيف لا يعتبر إذا كان فرضه دون فرضه بانفراده النوع الثالث أن يكون فرض النصاب الأول المخرج عند تمام حوله من غير جنس فرض المجموع أو نوعه مثل أن يملك عشرين من الإبل ثم خمسا بعدها فعلى الوجه الأول يمتنع الضم هاهنا لتعذر طرح المخرج عن الأول من واجب الكل وعلى الثاني وهو الأظهر يجب إخراج تتمة الزكاة وإن كان من غير الجنس لضرورة اختلاف الحولين لا
____________________
(1/432)
سيما ونحن على أحد الوجهين نجبر بتشقيص الفرض لغير ضرورة كإخراج نصفي شاة عن أربعين أو حقتين وبنتي لبون ونصفا عن مائتين من الإبل فهاهنا أولى وعلى هذا فقد يتفق وجه الخلطة ووجه الضم على هذا التقدير حيث لم تكن زكاة الخلطة مفضية إلى زيادة الفرض أو نقصه وقد يختلفان حيث أدى الاتفاق إلى أحد الأمرين وسبب ذلك أن هذا النوع على ضربين أحدهما أن لا يكون في واحد منهما أعني النصاب والمستفاد وقص ولا حدث من اجتماعهما وقص فيزكى كما تقدم وهو أن يأخذ فرضي الجميع فيخرج عند تمام حول المستفاد حصته منه ويتفق منها وجه الضم والخلطة فيوجب على الوجهين فيما إذا كان المستفاد خمسا من الإبل بعد عشرين خمس بنت مخاض وهو مقارب لشاة فإن الشارع أوجب أربع شياه في عشرين وبنت مخاض في خمس وعشرين فتكون مقدرة في خمس فاستقام وكذا لو استفاد عشرة من البقر بعد ثلاثين فإنه يجب للزيادة ربع مسنة لأن التبيع مقابل لثلاثة أرباع مسنة والمسنة تعدل تبيعا وثلثا أبدا الضرب الثاني أن يكون في المال وقص إما حالة اجتماعه أو حالة انفراده فقط فيختلف ها هنا وجه الضم والخلطة فإنا على وجه الضم نجمع من النصاب الأول ما تعلق به الفرض منه ويضم إليه تتمة نصاب المجموع من الباقي ثم يأخذ من فرض المجموع حصة هذه التتمة وهي بقية ما يتعلق به الفرض من مجموع المال ويجعل الباقي من المال إن بقي منه شيء كالمعدوم فمثال ذلك والوقص موجود حالة الاجتماع لو ملك عشرين من الإبل ثم تسعا منها فإذا تم حول الثانية ضممت إلى العشرين الأولى خمسا تكن خمسة وعشرين فرضها بنت مخاض وقد أخرجنا عن العشرين أربع شياه فيخرج عن الباقي خمس بنت مخاض وعلى وجه الخلطة يخرج عنها تسعة أجزاء من أصل تسعة وعشرين جزءا من بنت مخاض ومثال الوقص موجودا حالة الانفراد فقط لو ملك أربعة عشر من الإبل ثم أحد عشر بعدها فإذا تم حول الأولى فعليه شاتان فإذا تم حول الثانية ضمها إلى عشرة من الإبل تتمة النصاب وهي عشرة فأوجبنا فيها ثلاثة أخماس بنت مخاض لأن فيهما جميعا وقصا لم يؤد عنه والمال عند الاجتماع لا وقص فيه فيجب تأدية زكاته كله فإذا كان قد أخرج عن بعضه وجب الإخراج عن جميع ما لم يخرج عنه منه وعلى وجه الخلطة يجب في الزيادة وحدها خمسان من بنت مخاض وخمس خمس بنت مخاض فإذا تعذر هذا فالمستفاد لا يخلو من أربعة أقسام الأول أن يكون نصابا معتبرا للفرض مثل أن يملك أربعين شاة ثم إحدى وثمانين
____________________
(1/433)
بعدها ففي الأربعين شاة عند حولها فإذا تم حول الثانية فوجهان أحدهما فيها شاة أيضا وهو متخرج على وجهي الضم والانفراد والثاني فيها شاة وأحد وأربعون جزءا من أصل مائة وأحد وعشرين جزءا من شاة وهو وجه الخلطة لأن ذلك حصة المستفاد من الشاتين الواجبتين في الجميع وذكر القاضي وابن عقيل وجماعة أن وجه الخلطة هنا كوجه الانفراد يجب فيه شاة أيضا لئلا يفضي إلى إيجاب زيادة على فرض الجميع وهو مردود بأنهم أوجبوا بالخلطة زيادة على فرض الجميع في غير هذا الموضع القسم الثاني أن تكون الزيادة نصابا لا يغير الفرض كمن ملك أربعين شاة ثم أربعين بعدها ففي الأول إذا تم حولها شاة فإذا تم حول الثانية فثلاثة أوجه أحدها لا شيء فيها وهو وجه الضم لأن الزيادة بالضم تصير وقصا والثاني فيها شاة وهو وجه الانفراد والثالث فيها نصف شاة وهو وجه الخلطة القسم الثالث أن تكون الزيادة لا تبلغ نصابا ولا تغير الفرض كمن ملك أربعين من الغنم ثم ملك بعدها عشرين ففي الأول إذا تم حولها شاة فإذا تم حول الثانية فوجهان أحدهما لا شيء فيها وهو متوجه على وجهي الضم والانفراد والثاني فيها ثلث الشاة وهو وجه الخلطة القسم الرابع أن لا تبلغ الزيادة نصابا وتغير الفرض كمن ملك ثلاثين من البقر ثم عشرا بعدها فإذا تم حول الأولى ففيها تبيع فإذا تم حول الزيادة فقال الأصحاب يجب فيها ربع مسنة ولم يذكروا فيها خلافا ومنهم من صرح بنفي الخلاف كصاحب المحرر وعلل بأن وجه الانفراد متعذر لما سبق وكذا وجه وتوى لأنه يفضي على أصله إلى استثناء شيء وطرحه من غير جنسه وهو طرح التبيع من المسنة وهو متعذر فتعين وجه الخلطة وأما صاحب الكافي فظاهر كلامه أن هذا متمش على وجه الضم أيضا بناء على أصله الذي تقدم من أن الكل نصاب واحد وفرضه مسنة وقد أخرج تبيعا وهو يعدل ثلاثة أرباع مسنة فيجب إخراج بقية فرض المال وهو هنا ربع مسنة لأن التبيع يعدل ثلاثة أرباع المسنة كما سبق تقريره فتبيع وربع مسنة يعدل المسنة كاملة الرابعة الملك في مدة الخيار هل ينتقل إلى المشتري أم لا في هذه المسألة روايتان عن الإمام أحمد أشهرهما انتقال الملك إلى المشتري بمجرد العقد وهي المذهب الذي عليه الأصحاب والثانية لا ينتقل حتى ينقضي الخيار فعلى هذا يكون الملك للبائع ومن الأصحاب من حكى أن الملك يخرج عن البائع ولا يدخل إلى المشتري وهو ضعيف
____________________
(1/434)
وللروايتين فوائد عديدة منها وجوب الزكاة فإذا باع نصابا من الماشية بشرط الخيار حولا فزكاته على المشتري على المذهب سواء فسخ العقد أو أمضى وعلى الرواية الثانية الزكاة على البائع إذا قيل الملك باق له ومنها لو باعه عبدا بشرط الخيار وأهل هلال الفطر وهو في مدة الخيار فالفطرة على المشتري على المذهب وعلى البائع على الثانية ومنها لو كسب المبيع في مدة الخيار كسبا أو نما نماء منفصلا فهو للمشتري فسخ العقد أو أمضى وعلى الثانية هو للبائع ومنها مئونة الحيوان والعبد المشترى بشرط الخيار يجب على المشتري على المذهب وعلى البائع على الثانية ومنها إذا تلف المبيع في مدة الخيار فإن كان بعد القبض أو لم يكن منهما فهو من مال المشتري على المذهب وعلى الثانية من مال البائع ومنها لو تعيب المبيع في مدة الخيار فعلى المذهب لا يرد بذلك إلا أن يكون غير مضمون على المشتري لانتفاء القبض وعلى الثانية له الرد بكل حال ومنها تصرف المشتري في مدة الخيار فلا يجوز إلا بما يحصل به تجربته إلا أن يكون الخيار له وحده كذا ذكر الأصحاب والمنصوص عن أحد في رواية أبي طالب أن له التصرف فيه بالاستقلال وفرق بينه وبين وطء الأمة المشتراة بشرط من وجهين أحدهما أن ذلك فرج فيحتاط له والثاني أن ذلك شرط وهذا خيار وهذا يدل على جواز تصرفه بما لا يمنع البائع من الرجوع كالاستخدام والإجارة وإنما يمنع من إخراجه من ملكه أو تعريضه للخروج بالرهن والتدبير والكتابة ونحوها هذا كله على المذهب وعلى الرواية الثانية يجوز التصرف للبائع وحده لأنه مالك ويملك الفسخ فإن الخيار وقع لغرض الفسخ دون الإمضاء فأما حكم نفوذ التصرف وعدمه فالمشهور في المذهب أنه لا ينفذ بحال إلا بالعتق ونقل مهنا وغيره عن أحمد أنه موقوف على انقضاء مدة الخيار هذا إذا كان الخيار لهما فإن كان للبائع وحده فكذلك في تصرف المشتري الروايتان وحكى ابن أبي موسى رواية أخرى أنه إن أجازه البائع صح والثمن له وإن رده بطل البيع وعلى المشتري استرداده فإن تعذر فعليه قيمته وإن سرق أو هلك فهو من ضمان المشتري فحمل السامري هذه الرواية على أن الملك لم ينتقل إلى المشتري وآخرها يبطل ذلك والصحيح
____________________
(1/435)
أنها رواية بطلان التصرف من أصلها لكنها مفرعة أن الفسخ بالخيار رفع للعقد من أصله فيتبين به أن الملك كان للبائع وعلى أن تصرف الفضولي موقوف على إجازة المالك وإن كان الخيار للمشتري وحده صح تصرفه ذكره أبو بكر والقاضي وغيرهما لانقطاع حق البائع ها هنا وظهر كلام أحمد في رواية حرب أنه لا ينفذ حتى يتقدمه إمضاء العقد وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى أيضا لقصور الملك فلو تصرف المشتري مع البائع والخيار لهما صح ذكره صاحب المغني والمحرر وفي المجرد للقاضي احتمالان هذا كله تفريع على المذهب وهو انتقال الملك إلى المشتري فأما على الرواية الأخرى فإن كان الخيار لهما وللبائع وحده صح تصرف البائع مطلقا لأن الملك له وهو بتصرفه مختار للفسخ بخلاف تصرف المشتري فإنه يختار به الإمضاء وحق الفسخ يقدم عليه ومنها الوطء في مدة الخيار فإن وطئ المشتري فلا شيء عليه لأن الملك له وإن وطئ البائع فإن كان جاهلا بالتحريم فلا حد عليه وإن كان عالما فالمنصوص عن أحمد في رواية مهنا أنه يجب عليه الحد وهو اختيار أبي بكر وابن حامد والقاضي والأكثرين لأنه وطء لم يصادف ملكا ولا شبهة ملك وهو محرم بالإجماع فوجب به الحد كوطء المرتهن ومن الأصحاب من قيد ذلك بأن يعلم أن الملك لا ينفسخ بوطئه أما إن اعتقد أنه ينفسخ بوطئه فلا حد لأن تمام الوطء وقع في ملك فتمكنت الشبهة فيه ومن الأصحاب من حكى رواية ثانية بعدم الحد مطلقا ومال إلى ذلك ابن عقيل وصاحبا المغني والمحرر لوقوع الاختلاف في حصول الملك له وفي انفساخ العقد بوطئه بل وبمقدمات وطئه فيكون الوطء حينئذ في ملك تام وأما على الرواية الثانية فلا حد على البائع وعلى المشتري الخلاف ومنها ترتب موجبات الملك من الانعتاق بالرحم أو بالتعلق وانفساخ النكاح ونحوها فتثبت في البيع بشرط الخيار عقيب العقد على المذهب وعلى الثانية لا يثبت إلا بعد انقضائه ولو حلف لا يبيع فباع بشرط الخيار خرج على الخلاف أيضا ذكره القاضي وأنكر الشيخ مجد الدين ذلك وقال بحنثه على الروايتين فأما الأخذ بالشفعة فلا يثبت في مدة الخيار على الروايتين عند أكثر الأصحاب ونص عليه أحمد في رواية حنبل فمن الأصحاب من علل بأن الملك لم يستقر بعد ومنهم من علل بأن الأخذ بالشفعة يسقط حق البائع من الخيار فلذلك لم تجز المطالبة بها في مدته وهو تعليل القاضي في خلافه فعلى هذا لو كان الخيار للمشتري وحده لثبتت الشفعة وذكر أبو الخطاب احتمالا بثبوت الشفعة مطلقا إذا قلنا بانتقال الملك إلى المشتري ومنها إذا باع أحد الشريكين شقصا بشرط الخيار فباع الشفيع حصته في مدة الخيار
____________________
(1/436)
فعلى المذهب يستحق المشتري الأول انتزاع شقص الشفيع من يد مشتريه لأنه شريك الشفيع حالة بيعه وعلى الثانية يستحق البائع الأول لأن الملك باق له ومنها لو باع الملتقط اللقطة بعد الحول بشرط الخيار ثم جاء ربها في مدة الخيار فإن قلنا لم ينتقل الملك فالرد واجب وإن قلنا بانتقاله فوجهان المجزوم به في الكافي الوجوب ومنها لو باع محل صيدا بشرط الخيار ثم أحرم في مدته فإن قلنا انتقل الملك عنه فليس له الفسخ لأنه ابتداء ملك على الصيد وهو ممنوع منه وإن قلنا لم ينتقل الملك عنه فله ذلك ثم إن كان في مدة المشاهدة أرسله وإلا فلا ومنها لو باعت الزوجة قبل الدخول الصداق بشرط الخيار ثم طلقها الزوج فإن قلنا الملك انتقل عنها ففي لزوم استردادها وجهان وإن قلنا لم يزل فيها استرده وجها واحدا ومنها لو باع أمة بشرط الخيار ثم فسخ البيع وجب على البائع الاستبراء على المذهب وعلى الثانية لا يلزمه لبقاء الملك ومنها لو اشترى أمة بشرط الخيار واستبرأها في مدته فإن قلنا الملك لم ينتقل إليه لم يكفه ذلك الاستبراء وإن قلنا بانتقاله ففي الهداية والمغني يكفي وفي الترغيب والمحرر وجهان لعدم استقرار الملك الخامسة الإقالة هل هي فسخ أو بيع في المسألة روايتان منصوصتان اختار الخرقي والقاضي والأكثرون أنها فسخ وحكاه القاضي عن أبي بكر وفي التنبيه لأبي بكر التصريح باختياره أنها بيع ولهذا الخلاف فوائد عديدة الأولى إذا تقايلا قبل القبض فيما لا يجوز بيعه قبل قبضه فيجوز على قولنا هي فسخ ولا يجوز على الثانية إلا على رواية حكاها القاضي في المجرد في الإجارات أنه يصح بيعه من بائعه خاصة قبل القبض الفائدة الثانية هل يجوز في المكيل والموزون بغير كيل ووزن إن قلنا هي فسخ جازت كذلك وإن قلنا هي بيع فلا هذه طريقة أبي بكر في التنبيه والقاضي والأكثرين وحكي عن أبي بكر أنه لا بد فيها من كيل ثان على الروايتين كما أن الفسخ في النكاح يقوم مقام الطلاق في إيجاب العدة الفائدة الثالثة إذا تقايلا بزيادة على الثمن أو نقص منه أو بغير جنس الثمن فإن قلنا
____________________
(1/437)
هي فسخ لم يصح لأن الفسخ رفع للعقد فتبين إذا أن العوضين على وجههما كالرد بالعيب وغيره وإن قلنا هي بيع فوجهان حكاهما أبو الخطاب ومن بعده أحدهما يصح وقاله القاضي في كتاب الروايتين كسائر البيوع والثاني لا يصح وهو المذهب عند القاضي في خلافه وصححه السامري لأن مقتضى الإقالة رد الأمر إلى ما كان عليه ورجوع كل واحد إلى ماله فلم يجز بأكثر من الثمن وإن كانت بيعا فبيع التولية وهذا ظاهر ما نقله ابن منصور عن أحمد في رجل اشترى سلعة فندم فقال أقلني ولك كذا وكذا قال أحمد أكره أن يكون ترجع إليه سلعته ومعها فضل إلا أن يكون تسعرت السوق أو تاركا البيع فباعه بيعا مستأنفا فلا بأس به ولكن إن جاء إلى نفس البيع فقال أقلني فيها ولك كذا وكذا فهذا مكروه فقد كره الإقالة في البيع الأول بزيادة بكل حال ولم يجوز الزيادة إلا إذا أقر البائع بحاله وتبايعاه بيعا مستأنفا إذا تسعرت السوق جازت الإقالة بنقص في مقابلة نقص السعر وكذا لو تغيرت صفة السلعة وأولى ونص في رواية أحمد بن القاسم وسندي وحنبل على الكراهة بكل حال نقدا كان البيع أو نسيئة بعد نقد الثمن أو قبله معللا كشبهة مسائل العينة لأنه ترجع السلعة إلى صاحبها ويبقى له على المشتري فضل درهم ولكن محذور الربا هنا بعيد جدا لأنه لا يقصد أحدا أن يدفع عشرة ثم يأخذ نقدا خمسة مثلا لا سيما والدافع هنا هو الطالب لذلك الراغب ونقل عنه ما يدل على جوازه قال في رواية الأثرم وسأله عن بيع العربون فذكر له حديث عمر فقيل له تذهب إليه قال أي شيء أقول وهذا عن عمر ثم قال أليس كان ابن سيرين لا يرى بأسا أن يرد السلعة إلى صاحبها إلا إذا كرها ومعها شيء ثم قال هذا مثله فقد جعل بيع العربون من جنس الإقالة بربح وهو يرى جواز بيع العربون وهذا الخلاف هنا شبيه بالخلاف في جواز الخلع بزيادة على المهر فأما البيع المبتدأ فيجوز بأكثر من ثمنه كما نقله عنه ابن منصور وكذلك نقله عنه حرب فيمن باع ثوبا بعشرين وقبضها ثم احتاج إليه فاشتراه وصيتهما وعشرين نقدا قال لا بأس به ولا يجوز نسيئة ولم ير بأسا أن يشتريه بمثل الثمن نقدا ونسيئة ونقل عنه أبو داود فيمن باع ثوبا بنقد ثم احتاج إليه يشتريه بنسيئة قال إذا لم يرد بذلك الحيلة كأنه لم ير به بأسا وصرح أبو الخطاب وطائفة من الأصحاب بأن كل بيع وإن كان ينفذ لا يجوز لبائعه شراؤه بدون ثمنه قبل نقد الثمن ويجوز بعده وكذلك نقل ابن منصور عن أحمد أنه بعد القبض يبيعه كيف شاء الفائدة الرابعة تصح الإقالة بلفظ الإقالة والمصالحة إن قلنا هي فسخ ذكره القاضي وابن عقيل وإن قلنا هي بيع لم ينعقد بذلك صرح به القاضي في خلافه قال ما يصلح
____________________
(1/438)
للحل لا يصلح للعقد وما يصلح للعقد لا يصلح للحل فلا ينعقد البيع بلفظ الإقالة ولا الإقالة بلفظ البيع وظاهر كلام كثير من الأصحاب انعقادها بذلك تكون معطاة الفائدة الخامسة إذا قلنا هي فسخ لم يشترط لها شروط البيع من معرفة المقال فيه والقدرة على تسليمه وتميزه عن غيره ويشترط ذلك على القول بأنها بيع ذكره صاحب المغني في التفليس ولو تقايلا العبد وهو غائب بعد مضي مدة لأن يتغير في مثلها أو بعد إباقه واشتباهه بغيره صح على الأول دون الثاني ولو تقايلا مع غيبة أحدهما بأن طلبت منه الإقالة فدخل الدار وقال على الفور أقلتك فإن قلنا هي فسخ صح وإن قلنا هي بيع لم يصح ذكره القاضي وأبو الخطاب في تعليقهما لأن البيع يشترط له حضور المتعاقدين في المجلس ونقل أبو الخطاب عن أحمد صحة قبول الزوج للنكاح بعد المجلس واختلف الأصحاب في تأويلها وفي كلام القاضي أيضا ما يقتضي أن الإقالة لا تصح في غيبة الآخر على الروايتين لأنها في حكم العقود لتوقفها على رضى المتبايعين بخلاف الرد بالعيب والفسخ بالخيار وهل يصح مع تلف السلع على طريقتين أحدهما لا يصح على الروايتين وهي طريقة القاضي في موضع من خلافه وصاحب المغني والثاني إن قلنا هي فسخ صحت وإلا لم تصح قال القاضي في موضع من خلافه هو قياس المذهب وفي التلخيص وجهان فإن أصلهما الروايتان إذا تلف المبيع في مدة الخيار الفائدة السادسة هل تصح الإقالة بعد النداء للجمعة إن قلنا هي بيع لم تصح وإلا صحت ذكره القاضي وابن عقيل الفائدة السابعة نمي المبيع نماء منفصلا ثم تقايلا فإن قلنا الإقالة بيع لم يتبع النماء بغير خلاف وإن قلنا فسخ فقال القاضي النماء للمشتري وينبغي تخريجه على الوجهين كالرد بالعيب والرجوع للمفلس الفائدة الثامنة باعه نخلا حائلا ثم تقايلا وقد اطلع فإن قلنا المقايلة بيع فالثمرة إن كانت مؤبرة فهي للمشتري الأول وإن لم تكن مؤبرة فهي للبائع الأول وإن قلنا هي فسخ تبعت الأصل بكل حال سواء كانت مؤبرة أو لا لأنه نماء منفصل ذكره في المغني وقد سبقت المسألة في قاعدة النماء الفائدة التاسعة هل يثبت فيها خيار المجلس إن قلنا هي فسخ لم يثبت الخيار وإن قلنا هي بيع ففي التلخيص يثبت الخيار كسائر العقود ويحتمل عندي أن لا يثبت أيضا لأن الخيار وضع للنظر في الحظ والمقيد وعلى دخل على أنه لا حظ له وإنما هو متبرع
____________________
(1/439)
والمستقبل لم يطلب الإقالة بعد لزوم العقد إلا بعد ترو ونظر وعلم بأن الحظ له في ذلك وندم على أن العقد الأول فلا يحتاج بعد ذلك إلى مهلة لإعادة النظر والله أعلم الفائدة العاشرة هل يرد بالمعيب إن قلنا هي بيع ردت به وإن قلنا هي فسخ فيحتمل أن لا يرد به لأن الأصحاب قالوا الفسخ لا يفسخ ويحتمل أن يرد به كما جوزوا فسخ الإقالة والرد بالعيب لأحد الشفيعين وأفتى الشيخ تقي الدين بفسخ الخلع بالعيب في عوضه وبفوت حقه فيه وبإفلاس الزوجة به الفائدة الحادية عشرة الإقالة في المسلم فيه قبل قبضه وفيها طريقان أحدهما على الخلاف فإن قلنا هي فسخ جازت وإن قلنا بيع لم يجز وهي طريقة القاضي وابن عقيل في روايتهما وصاحب الروضة وابن الزاغوني والثانية جواز الإقالة فيه على الروايتين وهي طريقة الأكثرين ونقل ابن المنذر الإجماع على ذلك الفائدة الثانية عشرة باعه جزءا مشاعا من أرضه ثم تقايلا فإن قلنا الإقالة فسخ لم يستحق المشتري ولا من حدث له شركة في الأرض قبل المقايلة شيئا من الشقص بالشفعة وإن قلنا هي بيع تثبت لهم الشفعة وكذلك لو باع أحد الشريكين حصته ثم عفا الآخر عن شفعته ثم تقايلا وأراد العافي أن يعود إلى الطلب فإن قلنا الإقالة فسخ لم يكن له ذلك وإلا فله الشفعة الفائدة الثالثة عشر اشترى شقصا مشفوعا ثم تقايلاه قبل الطلب فإن قلنا هي بيع لم يسقط كما لو باعه لغير بائعه وإن قلنا فسخ فقيل لا تسقط أيضا وهو قول القاضي وأصحابه لأن الشفعة استحقت بنفس البيع فلا تسقط بعده وقيل يسقط وهو المنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحكم وهو ظاهر كلام أبي حفص والقاضي في خلافه الفائدة الرابعة عشر هل يملك المضارب أو الشريك الإقالة فيما اشتراه من الأصحاب من قال إن قلنا الإقالة بيع ملك وإلا فلا لأن الفسخ ليس من التجارة المأذون فيها وهي طريقة ابن عقيل في موضع من فصوله والأكثرون على أن يملكها على القولين مع المصلحة كما يملك الفسخ بالخيار والخامسة عشر هل يملك المفلس بعد الحجر المقايلة لظهور المصلحة إن قلنا هي بيع لم يملكه وإن قلنا فسخ فالأظهر أنه يملكه كما يملك الفسخ بخيار أو عيب ولا يتقيد بالأحظ على الأصح لأن ذلك ليس بتصرف مستأنف بل من تمام العقد الأول ولواحقه
____________________
(1/440)
الفائدة السادسة عشر لو وهب الوالد لابنه شيئا فباعه ثم رجع إليه بإقالة فإن قلنا هي بيع امتنع رجوع الأب فيه وإن قلنا هي فسخ فوجهان وكذلك حكم المفلس إذا باع السلعة ثم عادت إليه بإقالة ووجدها بائعها عنده الفائدة السابعة عشر باع أمة ثم أقال فيها قبل القبض فهل يلزمه استبراؤها فيه طريقان أحدهما قاله أبو بكر وابن أبي موسى إن قلنا الإقالة بيع وجب الاستبراء وإن قلنا فسخ لم يجب والثاني أن في المسألة روايتين مطلقا من غير بناء كل هذا الأصل ثم قيل إنه مبني على انتقال الضمان عن البائع وعدمه وإليه أشار ابن عقيل وقيل بل يرجع إلى أن تجدد الملك مع تحقق البراءة من الحمل هل يوجب الاستبراء وهذا أظهر الفائدة الثامنة عشر لو حلف لا يبيع أو ليبيعن أو علق على البيع طلاقا أو عتقا ثم أقال فإن قلنا هي بيع ترتبت عليها أحكامه من البر والحنث وإلا فلا وقد يقال الأيمان تبنى على العرف وليس في العرف أن الإقالة بيع الفائدة التاسعة عشر تقايلا في بيع فاسد ثم حكم الحاكم بصحة العقد ونفوذه فهل يؤثر حكمه إن قلنا هي بيع فحكمه بصحة العقد الأول صحيح لأن العقد باق وقد تأكد ترتب عقد آخر عليه وإن قلنا هي فسخ لم ينفذ لأن العقد ارتفع بالإقالة فصار كأنه لم يوجد ويحتمل أن ينفذ وتلغى الإقالة لأنها تصرف في بيع فاسد قبل الحكم بصحته فلم ينفذ ولم يؤثر فيه شيئا هذا ظاهر ما ذكره ابن عقيل في عمد الأدلة الفائدة العشرون لو باع ذميا آخر خمرا وقبضت دون ثمنها ثم أسلم البائع وقلنا يجب له الثمن فأقال المشتري فيها فإن قلنا الإقالة بيع لم يصح لأن شراء المسلم للخمر لا يصح وإن قلنا هي فسخ احتمل أن يصح فيرتفع بها العقد ولا يدخل في ملك المسلم فهي في معنى إسقاط الثمن عن المشتري واحتمل أن لا يصح لأنه استرداد لملك الخمر كما قال أصحابنا في المحرم أنه لا يسترد الصيد بخيار ولا غيره فإن رد عليه بذلك صح الرد ولم يدخل في ملكه فيلزمه إرساله وفي التلخيص لو رد العبد المسلم على بائعه الكافر بعيب صح ودخل في ملكه لأنه قهري كالإرث فيمكن أن يقال في رد الصيد على المحرم بعيب ورد الخمر على المسلم بالعيب كذلك إذا قلنا يملكان بالقهر الفائدة الحادية والعشرون الإقالة هل تصح بعد موت المتعاقدين ذكر القاضي في موضع من خلافه أن خيار الإقالة يبطل بالموت ولا يصح بعده وقال في موضع آخر إن قلنا هي بيع صحت من الورثة وإن قلنا فسخ فوجهان
____________________
(1/441)
المسألة السادسة النقود هل تتعين بالتعيين في العقد أم لا في المسألة روايتان عن أحمد أشهرهما أنها تتعين بالتعيين في عقود المعاوضات حتى إن القاضي في تعليقه أنكر ثبوت الخلاف في ذلك المذهب والأكثرون أثبتوه ولهذا الخلاف فوائد كثيرة منها أنه يحكم بملكها للمشتري بمجرد التعيين فيملك التصرف فيها وإن تلفت تلفت من ضمانه على المذهب وعلى الرواية الأخرى لا يملكها بدون القبض فهي قبله ملك البائع وتتلف من ضمانه ومنها لو بان الثمن مستحقا فعلى المذهب الصحيح يبطل العقد لأنه وقع على ملك الغير فهو كما لو اشترى سلعة فبانت مستحقة وعلى الثانية لا تبطل وله البدل وهاهنا مسألة مشتملة على قواعد المذهب وهي إذا غصب نقودا واتجر فيها وربح فإن نصوص أحمد متفقة على أن الربح للمالك فمن الأصحاب من بناه على القول بوقف تصرف الغاصب على الإجارة كابن عقيل وصاحب المغني ومنهم من بناه على أن تصرفات الغاصب صحيحة بدون إجازة لأنه مدة تطول فيشق استدراكها وفي القضاء ببطلانها ضرر عليه وعلى المالك بتفويته الربح وهي طريقة صاحب التلخيص والصحة عنده مختصه بالتصرف الكثير وأشار إليه صاحب المغني وأن ما لم يدركه المالك ولم يقدر على استرجاعه يصح التصرف فيه بدون إنكاره لهذا المعنى ومن الأصحاب من نزله على أن الغاصب اشترى في ذمته ثم نقد الثمن وهي طريقة القاضي في بعض كتبه وابن عقيل في موضع آخر ويشهد لهذا أن المروذي نقل عن أحمد التفرقة بين الشراء بعين الغصب والشراء في الذمة فتنزل نصوصه المطلقة على هذا المقيد وإنما كان الربح للمالك مع أن الشراء وقع للغاصب لأنه نتيجة ملك المغصوب منه وفائدته فهو كالمتولد من عينه ويحتمل أن يخرج ذلك على رواية عدم تعيين النقود بالتعيين في العقد فيبقى كالشراء في الذمة سواء ومنها إذا بان النقد المعين معيبا فله حالتان أحدهما أن يكون عيبه من غير جنسه فيبطل العقد من أصله نص عليه وذكره الأصحاب وعللوه بأنه زال عنه اسم الدينار والدراهم بذلك فلم يصح العقد عليه كما لو عقد على شاة فبانت حمارا وأومأ إليه أحمد في رواية الميموني فقال إن كان ذهبا حمل عليه شيء دخل فيه من الفضة أو النحاس أو خالطه غيره فقد زال عنه اسم الذهب لما دخل فيه وهذا متوجه إذا كان كله أو غالبه كذلك وأما إن كان فيه يسير من غير جنسه فلا يزال عنه الاسم بالكلية فلا ينبغي بطلان العقد ها هنا بالكلية وهذا ظاهر كلام أبي محمد التميمي في خصاله
____________________
(1/442)
ويحتمل أن يبطل العقد هاهنا لمعنى آخر وهو أن البائع لا يمكن إجباره على قبول هذا وإنما باع بدينار كامل والمشتري لا يجبر على دفع بقية الدينار لأنه إنما اشترى بهذا الدينار المتعين فبطل العقد ويحتمل أن يصح البيع بما في الدينار من الذهب بقسطه من المبيع ويبطل الباقي وللمشتري الخيار لتبعض المبيع عليه وأصل هذين الاحتمالين الروايتان فيما إذا باعه أرضا معينة على أنها عشرة أذرع فبانت تسعة يحتمل أن يصح البيع كله بدينار ويلزم المشتري بثمن الدينار من غيره ذهبا لأن العقد وقع على دينار كامل فإذا بان دونه وجب إتمامه جمعا بين المقصدين التعيين والتسمية وأصل هذا الوجه ما نص عليه أحمد في رواية ابن منصور فيمن اشترى سمنا في ظرف فوجد فيه ربا إن كان سمانا عنده سمن أعطاه بوزنه سمنا وإن لم يكن عنده سمن أعطاه بقدر الرب من الثمن وإنما فرق بين السمان وغيره لأن السمان شأنه بيع السمن فكأنه باعه بمقدار الظرف سمنا وأما غيره فإنما باعه هذا الظرف المعين والنقود من جنس الأول لا الثاني الحالة الثانية أن يكون عيبها من جنسها ولم ينقص وزنها كالسواد في الفضة فالبائع بالخيار بين الإمساك والفسخ وليس له البدل لتعيين النقد في العقد ومن أمسك فله الأرش إلا في صرفها بحبسها صرح به الحلواني وابنه وصاحب المحرر وفي بعض نسخ الخرقي ما يقتضيه وظاهر كلام أبي الخطاب خلافه فهذا كله تفريع على رواية تعيين النقود فأما على الأخرى فلا يبطل العقد بحال إلا أن يتفرقا والعيب من غير الجنس لفوات قبض المعقود عليه في المجلس ولا فسخ بذلك وإنما يثبت به البدل دون الأرش لأن الواجب في الذمة دون المعين ومنها إذا باعه سلعة بنقد معين فعلى المشهور لا يجبر واحد منهما على البداءة بالتسليم بل ينصب عدل يقبض منهما ثم يقضيهما لتعلق حق كل واحد منهما بعين معينة فهما سواء وعلى الرواية الأخرى هو كما لو باعه بنقد في الذمة فيجبر البائع أولا على التسليم لتعلق حق المشتري بالعين دونه ونص عليه أحمد في رواية ابن منصور وتأوله القاضي على أن البيع وقع على ثمن في الذمة ومنها لو باعه سلعة بنقد معين ثم أتاه به فقال هذا الثمن وقد خرج معيبا وأنكر المشتري فيه ثلاث طرق أحدها إن قلنا النقود تتعين بالتعين فالقول قول المشتري لأنه يدعي عليه استحقاق الرد والأصل عدمه وإن قلنا لا يتعين فوجهان أحدهما القول قول المشتري أيضا لأنه أقبض في الظاهر ما عليه والثاني قول القابض لأن الثمن في ذمته والأصل اشتغالها به إلا أن يثبت براءتها منه وهذه طريقة السامري في المستوعب
____________________
(1/443)
والطريقة الثانية إن قلنا النقود لا تتعين فالقول قول البائع وجها واحدا لأنه قد ثبت اشتغال ذمة المشتري بالثمن ولم يثبت براءتها منه وإن قلنا تتعين فوجهان مخرجان من الروايتين فيما إذا ادعى كل من المتبايعين أن العيب حدث عنده في السلعة أحدهما القول قول البائع لأنه يدعي سلامة العقد والأصل عدمه ويدعي عليه ثبوت الفسخ والأصل عدمه والثاني قول القابض لأنه منكر التسليم والأصل عدمه وهذه طريقة القاضي في بعض تعاليقه وجزم صاحب المغني والمحرر بأن القول قول البائع إذا أنكر أن يكون المردود بالعيب هو المبيع ولم يحكيا خلافا ولا فصل بين أن يكون المبيع في الذمة أو معينا نظرا إلى أنه يدعي عليه استحقاق الرد والأصل عدمه وذكر الأصحاب مثل ذلك في مسائل الصرف وفرق السامري في فروقه بين أن يكون المردود بعيب وقع عليه معينا فيكون القول قول البائع وبين أن يكون في الذمة فيكون القول قول المشتري لما تقدم وهذا فيما إذا أنكر المدعى عليه العيب أن ماله كان معيبا أما إن اعترف بالعيب فقد فسخ صاحبه وأنكر أن يكون هذا هو المعين فالقول قول من هو في يده صرح به في التفليس في المغني معللا بأنه قبل استحقاق ما ادعى عليه الآخر والأصل معه ويشهد له أن المبيع في مدة الخيار إذا رده المشتري بالخيار فأنكر البائع أن يكون هو المبيع فالقول قول المشتري حكاه ابن المنذر عن أحمد لاتفاقهما على استحقاق الفسخ بالخيار وبذلك وجهه صاحب المغني وقد ينبني على ذلك أن المبيع بعد الفسخ بعيب ونحوه هل هو أمانة في يد المشتري أو مضمون عليه وفيه خلاف سبق ذكره فإن الأمانات القول قول من هي في يده مع الاختلاف في عينها وقد نص عليه أحمد في الرهن ولذلك نص في اختلاف المتبايعين في عين المبيع المعين قبل قبضه أن القول قول البائع وقد يكون مأخذه أنه أمانة عنده ومن الأصحاب من علل بأن الأصل براءة ذمة البائع مما يدعي عليه فهو كما أقر بعين لرجل ثم أحضرها فأنكر المقر له أن تكون هي المقر بها فإن القول قول المقر مع يمينه ومنها لو كان عبدين شريكين قيمة نصيب كل منهما عشرة دنانير فقال رجل يملك عشرة دنانير لا يملك غيرها لأحدهما اعتق نصيبك عني على هذه الدنانير العشرة ففعل عتق نصيب المسئول عن السائل وهل يسري عليه إلى حصة الآخر أم لا إن قلنا إن النقود تتعين بالتعيين لم يسر لأن المسئول ملكها عليه بالعقد فلم يبق في ملك السائل شيء فصار معسرا وإن قلنا لا يتعين سرى إلى حصة الشريك كما لو اشترى ذلك النصيب بثمن في الذمة لأنه مالك لقيمة حصة الآخر وذكر السامري ويفيد هذا أن الدين المستغرق لا يمنع السراية
____________________
(1/444)
المسألة السابعة العبد هل يملك بالتمليك أم لا في المسألة روايتان عن أحمد أشهرهما عند الأصحاب أنه لا يملك وهو اختيار الخرقي وأبو بكر والقاضي والأكثرين والثانية يملك اختارها ابن شاقلا وصححها ابن عقيل وصاحب المغني ولهذا الخلاف فوائد كثيرة جدا فمنها لو ملك السيد عبده مالا زكويا فإن قلنا لا يملكه فزكاته على السيد لأنه ملكه وإن قلنا يملكه فلا زكاة على السيد لانتفاء ملكه له ولا على العبد لأن ملكه مزلزل ولهذا لم يلزمه ففيه نفقة الأقارب ولا يعتق عليه رحمه بالشراء هذا ما قال أكثر الأصحاب منهم أبو بكر والقاضي وهو ظاهر كلام الخرقي وفي كلام أحمد إيماء إليه وحكى بعض الأصحاب رواية وجوب زكاته على العبد على القول بأنه ملكه ومنهم من اشترط مع ذلك إذن السيد لقول أحمد فيزكيه بإذن سيده وإنما مراده أن المال للسيد وزكاته عليه والعبد كالوكيل والمودع فلا يزكي بدون إذنه وعن ابن حامد أنه ذكر احتمالا بوجوب زكاته على السيد على كلا القولين لأنه إما ملك له أو في حكم ملكه لتمكنه من التصرف فيه كسائر أمواله ومنها إذا ملكه السيد وأهل عليه هلال الفطر فإن قلنا لا يملكه ففطرته على السيد وإن قلنا يملكه فوجهان أحدهما لا فطرة له على أحد قاله القاضي وابن عقيل اعتبارا بزكاة المال كما سبق والثاني فطرته على السيد صححه صاحب المغني لأن نفقته على السيد وكذلك فطرته ومنها تكفيره بالمال في الحج والأيمان والظهار ونحوها وفيه للأصحاب طرق أحدها البناء على ملكه وعدمه فإن قلنا يملك فله التكفير بالمال في الجملة وإلا فلا وهذه طريقة القاضي وأبي الخطاب وابن عقيل وأكثر المتأخرين لأن التكفير بالمال يستدعي ملك المال فإذا كان هذا غير قابل للملك بالكلية ففرضه الصيام خاصة وعلى القول بالملك فإنه يكفر بالإطعام وهل يكفر بالعتق على روايتين لأن العتق يقتضي الولاء والولاية والإرث وليس العبد من أهلها وهل يلزمه التكفير بالمال أو يجوز له مع إجزاء الصيام المتوجه إن كان في ملكه مال فأذن له السيد بالتكفير منه لزمه ذلك وإن لم يكن في ملكه بل أراد السيد أن يملكه ليكفر لم يلزمه كالحر المعسر إذا بذل له مال وعلى هذا يتنزل ما ذكره صاحب المغني من لزوم التكفير بالمال في الحج ونفي اللزوم في الظهار الطريقة الثانية أن في تكفيره بالمال بإذن السيد روايتين مطلقتين سواء قلنا يملك أو
____________________
(1/445)
لا يملك حكاها القاضي في المجرد عن شيخه ابن حامد وغيره من الأصحاب وهي طريقة أبي بكر فوجه عدم تكفيره بالمال مع القول بالملك أن يملكه ضعيف لا يحتمل المواساة ولهذا لم يجب فيه الزكاة ولا نفقة الأقارب فكذلك الكفارات والوجه تكفيره بالمال مع القول بانتفاء ملكه مأخذان أحدهما أن تكفيره بالمال إنما هو تبرع له من السيد وإباحة له أن يكفر من ماله والتكفير عن الغير لا يشترط دخوله في ملك المكفر عنه كما يقول في رواية في كفارة المجامع في رمضان إذا عجز عنها وقلنا لا يسقط تكفير غيره عنه إلا بإذنه جاز أن يدفعها إليه وكذلك في سائر الكفارات على إحدى الروايتين ولو كانت قد دخلت في ملكه لم يجز أن يأخذها هو لأنه لا يكون حينئذ إخراجا للكفارة والمأخذ الثاني أن العبد ثبت له في ملك قاصر بحسب حاجته إليه وإن لم يثبت له الملك المطلق التام فيجوز أن يثبت له في المال المكفر به ملك ينتج له التكفير بالمال دون بيعه وهبته كما أثبتنا له في الأمة ملكا قاصرا أبيح له التسري بها دون بيعها ولا هبتها على ما سنذكره وهذا اختيار الشيخ تقي الدين ووجه التفريق بين العتق والإطعام أن التكفير بالعتق محتاج إلى ملك بخلاف الإطعام ذكره ابن أبي موسى ولهذا لو أمر من عليه الكفارة رجلا أن يطعم عنه ففعل أجزأته ولو أمر أن يعتق عنه ففي جزائه عنه روايتان ولو تبرع الوارث بالإطعام الواجب عن موروثه صح ولو تبرع عنه بالعتق لم يصح ولو أعتق الأجنبي عن الموروث لم يصح ولو أطعم عنه فوجهان الطريقة الثالثة أنه لا يجزئ التكفير بغير الصيام بحال على كلا الطريقين وهي ظاهر كلام أبي الخطاب في كتاب الظهار وصاحب التلخيص وغيرهما لأن العبد وإن قلنا يملك فإن ملكه ضعيف لا يحتمل المواساة كما سبق فلا يكون مخاطبا بالتكفير بالمال بالكلية فلا يكون فرضه غير الصيام بالأصالة بخلاف الحر العاجز فإنه قابل للتملك ومن هاهنا والله أعلم قال الخرقي العبد أيضا إذا حنث ثم عتق لا يجزئه التكفير بغير الصوم بخلاف المعسر إذا حنث ثم أيسر وقال أيضا في العبد إذا فاته الحج أنه يصوم عن كل مد من قيمة الشاة يوما وقال في الحر المعسر إنه يصوم في الإحصار صيام التمتع والفرق بينهما أن العبد ليس من أهل الملك القابل لتعلق الواجبات به فيتعلق به وجوب الصيام بالأصالة وفدية الفوات والإحصار ولم يرد فيها نص بغير الهدي فأوجبنا على العبد صياما يقوم مقام الهدي ويعدل قيمة الشاة كما وجب في جزاء الصيد لأن هذا الصيام واجب بالأصالة ليس بدلا عن الهدي ويعدل الهدي وشبيه به فيكون فرض العبد بالأصالة بخلاف الحر المعسر فإن الواجب في ذمته بالأصالة هو الهدي فإن عجز عنه انتقل إلى البدل الذي شرع للهدي وهو صيام المتعة
____________________
(1/446)
ومنها إذا باع عبدا وله مال وفيه للأصحاب طرق إحداها البناء على الملك وعدمه فإن قلنا يملك لم يشترط معرفة المال ولا سائر شرائط البيع فيه لأنه غير داخل في العقد وإنما اشترط على ملك العبد ليكون عبدا ذا مال وذلك صفة في العبد لا تفرد بالمعاوضة وهو كبيع المكاتب الذي له مال وإن قلنا لا يملك اشترط لمالكه معرفته وأن بيعه بغير جنس المال أو بجنسه بشرط أن يكون الثمن أكثر على رواية ويشترط التقابض لأن المال حينئذ داخل في عقد البيع وهذه طريقة القاضي في المجرد وابن عقيل وأبي الخطاب في انتصاره وغيرهم والطريقة الثانية اعتبار قصد المال أو عدمه لا غير فإن كان المال مقصودا للمشتري اشترط علمه وسائر شروط البيع وإن كان غير مقصود بل قصد المشتري تركه للعبد لينتفع به وحده لم يشترط ذلك لأنه تابع غير مقصود وهذه الطريقة هي المنصوصة عن أحمد وأكثر أصحابه كالخرقي وأبي بكر والقاضي في خلافه وكلامه ظاهر في الصحة وإن قلنا إن العبد لا يملك وترجع المسألة على هذه الطريقة إلى بيع ربوي بغير جنسه ومعه من جنسه ما هو غير مقصود وقد استوفينا الكلام عليها في القواعد ورجح صاحب المغني هذه الطريقة والطريقة الثالثة الجمع بين الطريقتين وهي طريقة القاضي في الجامع الكبير وصاحب المحرر ومضمونها أنا إن قلنا العبد يملك لم يشترط لماله شروط البيع بحال وإن قلنا لا يملك فإن كان المال مقصودا للمشتري اشترط له شرائط البيع وإن كان غير مقصود له لم يشترط له ذلك ومنها إذا أذن المسلم لعبده الذمي أن يشتري له بماله عبدا مسلما فاشتراه فإن قلنا يملك لم يصح شراؤه له وإن قلنا لا يملك صح وكان مملوكا للسيد قال الشيخ مجد الدين هذا قياس المذهب عندي قلت ويتخرج فيه وجه آخر لا يصح على القولين بناء على أحد الوجهين أنه لا يصح شراء الذمي لمسلم بالوكالة ولو كان بالعكس بأن يأذن الكافر لعبده المسلم الذي يثبت ملكه عليه أن يشتري بماله رقيقا مسلما فإن قلنا يملك صح وكان العبد له وإن قلنا لا يملك لم يصح ومنها تسري العبد وفيه طريقان أحدهما بناؤه على الخلاف في ملكه فإن قلنا يملك جاز تسريه وإلا فلا لأن الوطء بغير نكاح ولا ملك يمين محرم بنص الكتاب والسنة وهي طريقة القاضي والأصحاب بعده والثانية يجوز تسريه على كلا الروايتين وهي
____________________
(1/447)
طريقة الخرقي وأبي بكر وابن أبي موسى ورجحها صاحب المغني وهي أصح فإن منصوص أحمد لا تختلف في إباحة التسري له فتارة علل بأنه يملك وتارة اعترف بأنه خلاف القياس وأنه جاز لإجماع الصحابة عليه وهذا يقتضي أنه أجاز التسري وإن قيل لا يملك اتباعا للصحابة في ذلك ووجهه أن العبد وإن قيل إنه لا يملك فلا بد من أن يثبت له ملك ما يحتاج إلى الانتفاع به ولذلك يملك عقد النكاح وهو ملك لمنفعة البضع فكذلك يملك التسري ويثبت له هذا الملك الخاص لحاجته إليه ولا يجوز تسريه بدون إذن نص عليه في رواية جماعة كنكاحه ولأنه لا يملك التصرف في ماله بما يتلف ماليته ويضر به لتعلق حق السيد به والتسري فيه إضرار بالجارية وتنقيص لماليتها بالوطء والحمل وربما أدى إلى تلفها ونقل عنه أبو طالب وإبراهيم بن هانئ يتسرى العبد في ماله كان ابن عمر يتسرى عبيده في ماله فلا يعيب عليهم قال القاضي فيما علقه على حواشي الجامع للخلال ظاهر هذا أنه يجوز تسريه من غير إذن له لأنه مالك له انتهى ويمكن أن يحمل نص اشتراطه على التسري من مال سيده إذا كان مأذونا له ونصه يقدم على اشتراط تسريه في مال نفسه الذي يملكه وقد أومأ إلى هذا في رواية جماعة وهو الأظهر ونقل الأثرم عنه في الرجل يهب لعبده جارية لا يطؤها ولكنه يتسرى في ماله إذا أذن له سيده وفسر ماله بمال العبد الذي في يديه وهذا في اعتبار الإذن في التسري من مال نفسه وتفريقه بين ذلك وبين الأمة التي يملكها السيد فيه إشكال ولعله منع الوطء بدون إذن السيد فيكون ذلك منه اشتراطا لإذن السيد بكل حال واعلم أن الإمام أحمد متردد في تسري العبد بأمة سيده ونكاحه هل هما جنس واحد أم لا فقال في رواية حنبل لا يبيع أمته المزوجة بعبده حتى يطلقها العبد فجعله تمليكا لازما ونقل عنه الأكثرون جوازه واختلف عنه في بيع سرية عبده فنقل عنه الميموني الجواز ونقل عنه جعفر بن محمد المنع معللا بأن التسري بمنزلة النكاح يريد أنه لازم لا يجوز الرجوع فيه وكذا نقل عنه ابن هانئ وغيره واختلف عنه في جواز تسري العبد بأكثر من أمتين فنقل عنه الميموني الجواز وأبو الحارث المنع كالنكاح ولم يختلف عنه في أن العبد وسريته يوجب تحريمهما عليه لزوال ملكه عنها ونقله عن ابن عمر واختلف عنه في عتق العبد وزوجته هل ينفسخ به النكاح على روايتين بناء على تغليب جهة التمليك فيه أو جهة النكاح وقد استشكل أكثر هذه النصوص القاضي وربما أولها ونزلها على ما ذكر الشيخ تقي الدين وهذه المسائل المذكورة منصوصة عن السلف حكما
____________________
(1/448)
وتعليلا كما ذكرنا وكذلك قال الشيخ مجد الدين ظاهر كلام أحمد إباحة التسري للعبد وإن قلنا لا يملك فيكون نكاحا عنده وحمل قول أبي بكر على مثل ذلك وعلى هذا فهل يشترط له الإشهاد وكلام أحمد يقتضي استحبابه لا غير وفي ثبوت المهر به خلاف معروف ومنها لو باع السيد عبد نفسه بمال في يده فهل يعتق أم لا المنصوص عن أحمد أنه يعتق بذلك وذكره الخرقي مع قوله إن العبد لا يملك ونزله القاضي على القول بالملك فيكون دخول السيد مع عبده في بيعه نفسه بماله إقرارا له على ملكه فيصح بيعه ويعتق وإن قلنا لا يملك لم يصح بيعه ويحتمل أن يقال بيعه نفسه هنا كناية عن عتقه فيعتق به بكل حال ولهذا قال الأصحاب أن بيع السيد عبده نفسه بمال تعليق لعتقه على التزامه فيعتق على ملك السيد فيكون هاهنا تعليقا على إيفاء هذا المال يعتق به أما إن دفع مالا إلى رجل ليشتريه به من سيده ففعل وأعتقه المشتري فهل يصح العقد ويعتق إن اشتراه الرجل في الذمة ثم نقد المال صح وعتق وإن اشتراه بغير المال انبنى على الروايتين في تعيين النقود بالتعيين على ما سبق والمنصوص عن أحمد في رواية عبد الله وأبي الحارث وأبي داود البطلان معللا بما ذكرنا وذكره الخرقي والفرق بين هذه والتي قبلها أن السيد لم يعلم ههنا أنها ماله فلا يكون إقرارا لها على ملك العبد ونص في رواية مهنا وحنبل على أنه يعتق ويغرم المشتري الثمن وهذا قد يتنزل على القول بأن النقود لا تتعين وقد يتنزل مع القول بالتعيين على أنه عقد فاسد مختلف فيه فينفذ فيه العتق كما ينفذ الطلاق في النكاح المختلف فيه وهو أحد الوجهين للأصحاب وكذلك نقل مهنا عنه في عبد دفع إلى رجل ألف درهم من مال رجل آخر فاشتراه بها من سيده وأعتقه أنه يرجع صاحب المال بماله فإن استهلك كان دينا على العبد ويعتق العبد وحمل القاضي في موضع من المجرد وتبعه ابن عقيل في المسألة على أن العبد وكل الرجل في شراء نفسه من سيده فيكون المشتري وكيلا للعبد وتكون وكالة صحيحة قال الشيخ مجد الدين فعلى هذا يكون قد عتق في الباطن في الحال ويلزم المشتري الثمن ويرجع به على العبد وقال أيضا في موضع آخر هذا فيه إشكال لأن العبد عندنا لا يصح أن يشتري من سيده شيئا بنفسه فكيف يصح توكيله فيه ولهذا قال أحمد لا ربا بين العبد وسيده قال ويحتمل أن يصح بناء على أن العبد يملك ويلتزم عليه جريان الربا بينهما قال ويحتمل أن تكون هذه المسألة غلطا في كتابيهما يعني القاضي وابن عقيل وأن الصواب في ذلك أن يقال إذا وكل رجل العبد في شراء نفسه من سيده
____________________
(1/449)
ومنها إذا عتق السيد عبده وله مال فهل يستقر ملكه للعبد أم يكون للسيد على روايتين فمنهم من بناهما على القول بالملك وعدمه فإن قلنا يملكه استقر ملكه عليه بالعتق وإلا فلا وهي طريقة أبي بكر والقاضي في خلافه وصاحب المحرر ومنهم من جعل الروايتين على القول بالملك ومنها لو اشترى العبد زوجته الأمة بماله فإن قلنا يملك انفسخ نكاحه وإن قلنا لا يملك لم ينفسخ ومنها لو ملكه سيده أمة فاستولدها فإن قلنا لا يملك فالولد ملك السيد وإن قلنا يملك فالولد مملوك للعبد لكنه لا يعتق عليه حتى يعتق فإذا عتق ولم ينزعه منه قبل عتقه عتق عليه لتمام ملكه حينئذ ذكره القاضي في المجرد ومنها هل ينفذ تصرف السيد في مال العبد دون استرجاعه إن قلنا العبد لا يملك صح بغير إشكال وإن قلنا يملك فظاهر كلام أحمد أنه ينفذ عتق السيد لرقيق عبده قال القاضي في الجامع الكبير فيحتمل أن يكون رجع فيه قبل عتقه قال وإن حمل على ظاهره فلأن عتقه يتضمن الرجوع في التمليك ومنها الوقف على العبد فنص أحمد على أنه لا يصح فقيل إن ذلك يتفرع على القول بأنه لا يملك فأما إن قيل إنه يملك صح الوقف عليه كالمكاتب في أظهر الوجهين والأكثرون على أنه لا يصح الوقف عليه في الروايتين لضعف ملكه ومنها وصية السيد لعبده بشيء من ماله فإن كان بجزء مشاع منه صح وعتق من العبد بنسبة ذلك الجزء لدخوله في عموم المال وكمل عتقه من بقية الوصية نص عليه فقيل لأن الوصية إنما صحت لعقده فتقديم العتق أهم وأنفع له وقيل بل الجزء الشائع الموصى به غير متعين فتعين في العبد تصحيحا للوصية مهما أمكن ويحتمل أن يقال ملك بالوصية جزءا مشاعا من نفسه فتعتق عليه وملك به بقية الوصية فصار معسرا فسرى العتق إلى الباقي مضمونا بالسراية من بقية الوصية إذ لا مال له سواها كمن ملك بعض ذي رحم محرم منه بفعله وأولى وهذا المأخذ منقول عن ابن سيرين وهو حسن وفي كلام أبي الحسن التميمي ما يشعر به أيضا وصرح بعضهم أنه يعتق منه بنسبة الوصية من المال فيسري العتق إلى جميعه إذا احتمله الثلث بناء على القول بالسراية بالوصية بعد الموت ويكمل له بقية الوصية من المال إن احتمل الثلث ذلك وإن كانت الوصية بجزء معين أو مقدر ففي صحة الوصية روايتان أشهرهما
____________________
(1/450)
عدم الصحة فمن الأصحاب من بناهما على أن العبد هل يملك أم لا وأشار إلى ذلك أحمد في رواية صالح وهذه طريقة ابن أبي موسى والشيرازي وابن عقيل وغيرهم ومنهم من حمل الصحة على أن الوصية كقدر المعين أو المقدر من التركة لا بعينه فيعود إلى الجزء المشاع وهو بعيد جدا ومنها لو غزا العبد على فرس ملكه إياها سيده فإن قلنا يملكها لم يسهم لها ولأن الفرس تبع لمالكها فإذا كان مالكها من أهل الرضخ فكذلك فرسه وإن قلنا لا يملكها أسهم لها لأنها لسيده كذا قال الأصحاب والمنصوص عن أحمد في رواية ابن الحكم أنه يسهم لفرس العبد وتوقف مرة أخرى وقال لا يسهم لها متحدا ونقل عنه أبو طالب إذا غزا العبد مع سيده ومعه فرسان ومع سيده فرسان يسهم لفرسي السيد ولا يسهم لفرسي العبد لأن الكل للسيد ولا يسهم لأكثر من فرسين تنبيه الخلاف في ملك العبد بالتمليك هل هو مختص بتمليك سيده أم لا قال صاحب التلخيص وهو مختص به فلا يملك من غير جهته وكلام الأكثرين يدل على خلافه ويتفرع على ذلك مسائل منها ملكه اللقطة بعد الحول قال طائفة من الأصحاب ينبني على روايتي الملك وعدمه جعلا لتمليك الشارع كتمليك السيد وظاهر كلام ابن أبي موسى أنه يملك اللقطة وإن لم يملك بتمليك سيده لأنه تمليك شرعي يثبت قهرا فيثبت له حكما وفارق الميراث لأن العبد ليس من أهله لانقطاع تصرفه وهنا هو من أهل الحاجة إلى المال وعند صاحب التلخيص لا يملكها بغير خلاف وكذلك في الهداية والمغني أنها ملك لسيده ومنها حيازته المباحات من احتطاب أو احتشاش أو اصطياد أو معدن أو غير ذلك فمن الأصحاب من قال هو ملك لسيده دونه رواية واحدة كالقاضي وابن عقيل لأن جوارح العبد ومنافعه ملك لسيده فهي كيد نفسه فالحاصل في يد عبده كالحاصل في يده حكما نعم لو أذن السيد له في ذلك فهو كتمليكه إياه ذكره القاضي وغيره وخرج طائفة المسألة على الخلاف في ملك العبد وعدمه منهم الشيخ مجد الدين وقاسه على اللقطة وهو ظاهر كلام ابن عقيل في موضع آخر ومنها إذا وصى للعبد أو وهب له وقبله بإذن سيده أو بدونه إذا أجزنا له في ذلك على المنصوص فالمال للسيد نص عليه في رواية حنبل وذكره القاضي وغيره وبناه ابن عقيل وغيره على الخلاف في ملك العبد
____________________
(1/451)
ومنها لو خلع العبد زوجته بعوض فهو للسيد ذكره الخرقي وظاهر كلام ابن عقيل بناؤه على الخلاف في ملك العبد ويعضده أن العبد هنا يملك البضع فملك عوضه بالخلع لأن من يملك شيئا ملك عوضه فأما مهر الأمة فهو للسيد لأنه عوض عن ملك السيد وهو منفعة البضع فيكون تملكه له كأجرة العبد له بخلاف ما تقدم فإنه ليس عوضا عن ملكه الثامنة المضارب هل يملك الربح بالظهور أم لا ذكر أبو الخطاب أنه يملك بالظهور رواية واحدة وقال الأكثرون في المسألة روايتان إحداهما يملكه بالظهور وهي المذهب المشهور والرواية الثانية لا يملك بدون القسمة ونصرها القاضي في خلافه في المضاربة ويستقر الملك فيها بالمقاسمة عند القاضي وأصحابه ولا يستقر بدونها ومن الأصحاب من قال يستقر بالمحاسبة التامة كابن أبي موسى وغيره وبذلك جزم أبو بكر عبد العزيز وهو المنصوص صريحا عن أحمد ولهذا الاختلاف فوائد منها انعقاد الحول على حصة المضارب من الربح قبل القسمة فإن قيل لا يملك بدونها فلا انعقاد قبلها وإن قيل يملك بمجرد الظهور فهل ينعقد الحول عليها قبل استقرار الملك فيها أم لا ينعقد بدون الاستقرار ففيه للأصحاب طرق أحدهما لا ينعقد الحول عليها بدون استقرار بحال من غير خلاف وهي طريقة القاضي في المجرد والخلاف ومن اتبعه وكذلك طريقة أبي بكر وابن أبي موسى إلا أن القاضي عنده الاستقرار بالقسمة وعندهما بالمحاسبة التامة فينعقد الحول عندهما بالمحاسبة وهو المنصوص عن أحمد في رواية صالح وابن منصور وحنبل والطريقة الثانية إن قلنا يملكه بالظهور انعقد الحول عليه من حينه وإلا فلا وهي طريقة القاضي من موضع من الجامع الصغير وأبي الخطاب والطريقة الثالثة إن قلنا لا يثبت الملك قبل الاستقرار لم ينعقد الحول وإن قلنا يثبت بدونه فهل ينعقد قبله على وجهين وهي طريقة ابن عقيل وصاحبي المغني والمحرر لكنهما رجحا عدم الانعقاد وابن عقيل صحح الانعقاد في باب المضاربة وأما رب المال فعليه زكاة رأس ماله مع حصته من الربح وينعقد الحول عليها بالظهور وأما بقية الربح فلا يلزمه زكاته سواء قلنا يملكه العامل بالظهور أو لا في ظاهر كلام أحمد وهو قول القاضي والأكثرين لأنه إن سلم فهو للعامل وإن تلف تلف عليهما وحكى أبو الخطاب عن القاضي أنه يلزمه زكاته إذا قلنا لا يملكه العامل بدون القسمة وهو ظاهر كلام القاضي
____________________
(1/452)
في خلافه في مسألة المزارعة وهو ضعيف ومنها لو اشترى العامل بعد ظهور الربح من يعتق عليه بالملك ففيه طريقان أحدهما البناء على الملك بالظهور وعدمه فإن قلنا يملك به عتق عليه وإلا فلا وكذلك قال القاضي في خلافه وابنه أبو الحسين وأبو الفتح الحلواني والطريق الثاني إن قلنا لا يملك بالظهور لم يعتق وإن قلنا يملك به فوجهان كذا قال جماعة منهم صاحب التلخيص أحدهما يعتق عليه وهو قول القاضي وأبي الخطاب وأومأ إليه أحمد في رواية ابن منصور والثاني لا يعتق لعدم استقرار الملك وهو قول أبي بكر في التنبيه فإن الملك فيه غير تام ولهذا لا يجزئ في حول الزكاة كما سبق والعتق يستدعي ملكا بدليل أن المكاتب لا يعتق عليه ذو رحمه بملكه والأول أصح فإن العتق يسري إلى ملك الأجنبي المحض ولا يمنعه الدين بخلاف الزكاة والمكاتب ليس من أهل التبرع ولهذا لو باشر العتق بنفسه لم ينفذ فكذا بالملك وأولى وعلى هذا إذا اشترى رحمه بعد ظهور الربح عتق عليه منه بقدر حصته ثم إن كان موسرا سرى عليه لأن العتق بالشراء وهو ما فعله باختياره ولو اشترى قبل ظهور الربح ثم ظهر الربح بارتفاع الأسواق وقلنا يملك به عتق عليه نصيبه ولم يسر إذ لا اختيار له في ارتفاع الأسواق وذكره في التلخيص ومنها لو وطئ العامل أمة من مال المضاربة بعد ظهور الربح فإن قلنا يملكه بالظهور فالولد حر وعليه قيمة الأمة وتصير أم ولد وإن لم يكن ظهر ربح لم يثبت شيء من ذلك ونص عليه أحمد في رواية ابن منصور وهل عليه الجلد إن لم يكن ظهر على وجهين أحدهما لا حد عليه ويعزر ونص عليه في رواية ابن منصور واختاره صاحب المغني لأن الربح مبني على التقويم وهو أمر اجتهادي لا يقطع به والثاني عليه الحد قاله القاضي لانتفاء الملك وشبهته ومنها لو اشترى العامل لنفسه من مال المضاربة فإن لم يظهر ربح صح نص عليه لأنه ملك لغيره وكذلك إن ظهر ربح وقلنا لا يملكه بالظهور وإن قلنا يملكه به فهو كشراء أحد الشريكين من مال الشركة والمذهب أنه يبطل في قدر حقه لأنه ملكه فلا يصح شراؤه له وفي الباقي روايتان تفريق الصفقة وخرج أبو الخطاب رواية بصحته في الكل من الرواية التي يخير فيها لرب المال أن يشتري من مال المضاربة لنفسه لأن علاقة حق المضارب به صيرته كالمنفرد عن ملكه فكذا المضارب مع رب المال وأولى
____________________
(1/453)
ومنها لو اشترى العامل شقصا للمضاربة وله فيه شركة فهل له الأخذ بالشفعة فيه طريقان أحدهما ما قال أبو الخطاب ومن تابعه فيه وجهان أحدهما لا يملك الأخذ واختاره في رءوس المسائل لأنه يتصرف لرب المال فامتنع أخذه كما يمنع شراء الوصي والوكيل فيما يتواليان بيعه والثاني له الأخذ وخرجه من وجوب الزكاة عليه في حصته فإنه يصير حينئذ شريكا يتصرف لنفسه وشريكه ومع تصرفه لنفسه تزول التهمة ولأنه يأخذ مثل الثمن المأخوذ به فلا تهمة بخلاف شراء الوصي والوكيل وعلى هذا فالمسألة مقيدة بحالة ظهور الربح ولا بد والطريقة الثانية ما قال صاحب المغني إن لم يكن في المال ربح أو كان وقلنا لا يملكه بالظهور فله الأخذ لأن الملك لغيره فكذلك الأخذ وإن كان فيه ربح وقلنا يملكه بالظهور ففيه الوجهان بناء على شراء العامل من مال المضاربة بعد ملكه من الربح على ما سبق ومنها لو أسقط العامل حقه من الربح بعد ظهوره فإن قلنا يملكه بالظهور لم يسقط وإن قلنا لا يملكه بدون القسمة فوجهان وقد سبقت في القواعد ومنها لو قارض المريض وسمى للعامل فوق تسمية المثل قال القاضي والأصحاب يجوز ولا يعتبر من الثلث لأن ذلك لا يؤخذ من ماله وإنما يستحقه بعمله من الربح الحادث ويحدث على ملك العامل دون المالك وهذا إنما يتوجه على القول بأنه يملكه بالظهور وإن قلنا لا يملكه بدون القسمة احتمل أن يحسب من الثلث لأنه خارج حينئذ من ملكه واحتمل أن لا يحسب منه وهو ظاهر كلامهم لأن المال الحاصل لم يفوت عليهم منه شيئا وإنما زادهم فيه ربحا التاسعة الموقوف عليه هل يملك رقبة الوقوف أم لا في المسألة روايتان معروفتان أشهرهما أنه ملك للموقوف عليه والثانية لا فعلى هذه هل هو ملك للواقف أو لله تعالى فيه خلاف أيضا ويتنزل على هذا الاختلاف مسائل منها زكاة الوقف إذا كان ماشية موقوفة على معين فهل يجب زكاتها فيه طريقان أحدهما بناؤه على هذا الخلاف فإن قلنا هو ملك للموقوف عليه فعليه زكاتها وإن قلنا ملك لله فلا زكاة وهذه طريقة المحرر وهو ظاهر كلام أحمد في رواية مهنا وعلي بن سعيد وعلى هذا فإن قلنا يملكه الواقف فعليه زكاته ونص أحمد على أن من وقف على
____________________
(1/454)
أقاربه فإن الزكاة عليه بخلاف من وقف على المساكين والطريقة الثانية لا زكاة فيه على الروايتين قاله القاضي وابن عقيل لقصور الملك فيه فأما الشجر الموقوف فتجب الزكاة في ثمره على الموقوف عليه وجها واحدا لأن ثمره ملك للموقوف عليه وقال الشيرازي لا زكاة فيه مطلقا ونقله غيره رواية ومنها لو جنى الوقف فأرش جنايته على الموقوف عليه إذا قيل إنه مالكه لأنه امتنع من تسليمه فيلزمه فداؤه وإن قيل هو ملك لله فالأرش من كسب العبد وقيل بل من بيت المال وفيه وجه لا يلزم الموقوف عليه الأرش على قولين لأن امتناعه من التسليم بغير اختياره إذ لا قدرة له عليه على التسليم بحال ومنها إذا كان الوقف أمة فولاية تزوجها للموقوف عليه إن قيل إنه يملكها وإن قيل هي ملك لله فالولاية للحاكم فيزوجها بإذن الموقوف عليه وإن قيل هي ملك الواقف فهو أولى ومنها نظر الواقف إذا لم يشترط له ناظر فعلى القول بملك الموقوف عليه له النظر فيه وعلى القول بأنه ملك لله نظره للحاكم وظاهر كلام أحمد أن نظره للحاكم وهو قول ابن أبي موسى قال الحارثي وعندي أن هذا القول لا يختص بالقول بانتفاء ملك الموقوف عليه بل ينظر فيه الحاكم وإن قلنا للموقوف عليه لعلاقة حق من يأتي بعد ومنها هل يستحق الشفعة وبشركة الوقف فيه طريقان أحدهما البناء على أنه هل يملك الموقوف عليه فإن قيل بملكه استحق به الشفعة وإلا فلا والثاني الوجهان بناء على قولنا يملكه وهذا ما قال صاحب المحرر لأن الملك قاصر وهذا كله متفرع على المذهب في جواز قسمة الوقف من المعلق أما على الوجه الآخر بمنع القسمة فلا شفعة إذ لا شفعة في ظاهر المذهب إلا فيما يقبل القسمة من العقار وكذلك بنى صاحب التلخيص الوجهين هنا على الخلاف في قبول القسمة ومنها لو زرع الغاصب في أرض الوقف فهل للموقوف عليه تملكه بالنفقة إن قيل هو المالك فله ذلك وإلا فهو كالمستأجر ومالك المنفعة ففيه تردد سبق ذكره في القواعد ومنها نفقة الوقف وهي في غلته ما لم يشرط من غيرها فإن لم يكن له غلة فوجهان أحدهما نفقته على الموقوف عليه والثاني هي في بيت المال فقيل هما مبنيان على انتقال الملك وعدمه وقد يقال بالوجوب عليه وإن كان الملك لغيره كما نقول بوجوبها على الموصى له بالمنفعة على وجه
____________________
(1/455)
ومنها لو فضل بعض ولده على بعض في الوقف فالمنصوص الجواز بخلاف الهبة فقيل هو بناء على أن الملك لا ينتقل إلى الموقوف عليه فإن قلنا بانتقاله لم يجز كالهبة وهو قول أبي الخطاب وغيره وقيل بل يجوز على القولين لأنه لم يخصه بالملك بل جعله ملكا لجهة متصلة على وجه القربة وجعل الولد بعض تلك الجهة وشبيه بهذا وقف المريض على وارثه هل يقف على الإجازة كهبة أم ينفذ من الثلث لأنه ليس تخصيصا للوارث بل تملك لجهة متصلة فالوارث بعض أفراده وفيه روايتان ومنها الوقف على نفسه وفي صحته روايتان وبناهما أبو الخطاب على هذا الأصل فإن قلنا الوقف ملك للموقوف عليه لم يصح وقفه على نفسه لأنه لا يصح أن يزيل الإنسان ملك نفسه إلى نفسه وإن قلنا لله تعالى صح ومنها الوقف المنقطع هل يعود إلى ورثة الموقوف عليه أو إلى ورثة الواقف فيه روايتان والمنصوص عن أحمد في رواية حرب وغيره أنه يعود إلى ورثة الموقوف عليه وظاهر كلامه أنه يعود إليهم إرثا لا وقفا وبه جزم الخلال في الجامع وابن أبي موسى وهذا منزل على القول بأنه ملك للموقوف عليه كما صرح به أبو الخطاب وغيره ويشهد له أن أحمد في رواية حنبل شبه الوقف بالعمرى والرقبى وجعلها لورثة الموقوف عليه كما ترجع العمرى والرقبى إلى ورثة المعطي وجعل الخلال حكم الوقف المنقطع والرقبى واحدا وأنكر الشيخ مجد الدين هذا البناء وادعى أنه إنما يرجع وقفا على الورثة فلا يلزم ملك الموقوف عليه وهذا مخالف لنص أحمد لمن تأمله نعم وفرق أحمد في رواية أبي طالب بين الوقف المنقطع وبين العمرى بأن العمرى ملك للمعمر والوقف ليس يملك به شيئا إنما هو لمن أوقفه يضعه حيث شاء مثل السكنى فهذه الرواية تدل على أن الموقوف عليه لا يملك سوى منفعة الرقبة وأن الرقبة ملك للواقف ومنها لو وطئ الموقوف عليه الأمة الموقوفة فأولدها فلا حد لأنها إما ملك له أو له فيها شبهة ملك وهل تصير أم ولد له إن قلنا هي ملك له صارت مستولدة له فتعتق بموته ويؤخذ قيمتها من تركته يشتري بها رقبة مكانها تكون وقفا وإن قلنا لا يملكها لا تصير مستولدة له وهي وقف بحالها ومنها لو تزوج الموقوف عليه الأمة الموقوفة فإن قيل هي ملك له لم يصح وإلا صح ذكره صاحب التلخيص وغيره وفيه نظر فإنه يملك منفعة البضع على كلا القولين ولهذا يكون المهر له
____________________
(1/456)
المسألة العاشرة إجازة الورثة هل هي تنفيذ للوصية أو ابتداء عطية في المسألة روايتان معروفتان أشهرهما أنها تنفيذ وهذا الخلاف قيل إنه مبني على أن الوصية بالزائد على الثلث هل هو باطل أو موقوف على الإجازة وقيل بل هذا الخلاف مبني على القول بالوقف أما على البطلان فلا وجه للتنفيذ وهو أشبه قرر الشيخ تقي الدين أن الوارث إذا استثنى حقه قبل القسمة فإنه يسقط وطرد هذا في الأعيان المشاعة كالغانم إذا استثنى حقه من الغنيمة والموقوف عليه إذا أسقط حقه من الوقف والمضارب إذا أسقط حقه من الربح وأحد الزوجين إذا عفا عن حقه من المهر إذا كان عينا والحق المشاع بالديون في جواز إسقاطه قبل القسمة ولهذا الخلاف فوائد عديدة منها أنه لا يشترط لها شروط الهبة من الإيجاب والقبول والقبض فيصح بقوله أجزت وأنفذت ونحو ذلك وإن لم يقبل الموصى له في المجلس وإن قلنا هي هبة افتقرت إلى إيجاب وقبول ذكره ابن عقيل وغيره وكلام القاضي يقتضي أن في صحتها بلفظ الإجازة إذا قلنا هي هبة وجهين قال الشيخ مجد الدين والصحة ظاهر المذهب وهل نعتبر أن يكون المجاز معلوما للمجيز ففي الخلاف للقاضي والمحرر هو مبني على هذا الخلاف وصرح بعد ذلك صاحب المحرر بأنه لو أجاز قدرا منسوبا من المال ثم قال ظننت المال قليلا لم يقبل قوله ولا تنافي بينهما لوجهين أحدهما أن صحة إجازة المجهول لا ينافي ثبوت الرجوع إذا تبين فيه ضرر على المجيز لم يعلمه استدراكا لظلامته كما تقول فيمن أسقط شفعته والاستكساب ثم بان بخلافه فإن له العود إليها فكذلك هاهنا إذا أجاز الجزء الموصى به يظنه قليلا فبان كثيرا فله الرجوع بما زاد على ما في ظنه والثاني أنه إذا اعتقد أن النصف الموصى به مثلا مائة وخمسون درهما فبان ألفا فهو إنما أجاز مائة وخمسين درهما ولم يجز أكثر منها فلا تنفذ إجازته في غيرها وهذا بخلاف ما إذا أجاز النصف كائنا ما كان فإنه يصح ويكون إسقاطا لحقه من مجهول فينفذ كالإبراء وطريقة صاحب المغني أن الإجازة لا تصح بالمجهول ولكن هل يصدق في دعوى الجهالة على وجهين ومن الأصحاب من قال إن قلنا الإجازة تنفيذ صحت بالمجهول ولا رجوع وإن قلنا هبة فوجهان ومنها لو وقف على وارثه فأجازه فإن قلنا الإجازة تنفيذ صحت بالمجهول ولا رجوع وإن قلنا هبة فوجهان ومنها لو وقف على وارثه فأجازه فإن قلنا الإجازة تنفيذ صح الوقف ولزم وإن قلنا هبة فهو كوقف الإنسان على نفسه
____________________
(1/457)
ومنها إذا كان المجاز عتقا فإن قلنا الإجازة تنفيذ فالولاية للموصي تختص به عصبته وإن قلنا عطية فالولاء لمن أجاز وإن كان أنثى ومنها لو كان المجيز أبا للمجاز له كمن أوصى لولد ولده فأجازه ولده فليس للمجيز الرجوع فيه إن قلنا هو تنفيذ وإن قلنا عطية فله ذلك لأنه قد وهب لولده مالا ومنها لو حلف لا يهب فأجاز فإن قلنا هي عطية حنث وإلا فلا ومنها لو قبل الوصية المفتقرة إلى الإجازة قبل الإجازة ثم أجيزت فإن قلنا الإجازة تنفيذ فالملك ثابت له من حين قبوله أولا وإن قلنا عطية لم يثبت الملك إلا بعد الإجازة ذكره القاضي في خلافه ومنها أن ما جاوز الثلث من الوصايا إذا أجيز هل يزاحم بالزائد ما لم يجاوزه وهو مبني على هذا الخلاف ذكره صاحب المحرر وأشكل توجيهه على الأصحاب وهو واضح فإنه إذا كانت معنا وصيتان إحداهما مجاوزة للثلث والأخرى لا تجاوزه كنصف وثلث وأجاز الورثة الوصية المجاوزة للثلث خاصة فإن قلنا الإجازة تنفيذ يزاحم صاحب النصف صاحب الثلث بنصف كامل فيقسم الثلث بينهما على خمسة لصاحب النصف ثلاثة أخماسه والآخر خمساه ثم تكمل لصاحب النصف نصفه بالإجازة وإن قلنا الإجازة عطية فإنما يزاحم بثلث خاص إذ الزيادة عليه عطية محضة من الورثة لم تتلق من الميت فلا يزاحم بها الوصايا فينقسم الثلث بينهما على نصفين ثم يكمل لصاحب النصف ثلثه بالإجازة وهذا مبني على أن القول بأن الإجازة عطية أو تنفيذ فيفرع على القول بإبطال الوصية بالزائد على الثلث وصحتها كما سبق ومنها لو أجاز المريض في مرض موته وصية موروثة فإن قلنا إجازته عطية فهي معتبرة من ثلثه وإن قلنا تنفيذ فطريقان أحدهما القطع بأنها من الثلث أيضا كذلك قال القاضي في خلافه وصاحب المحرر وشبهه بالصحيح إذا حابا في بيع له فيه خيار ثم مرض في مدة الخيار فإنه تصير محاباته من الثلث لأنه تمكن من استرداد ماله إليه فلم يفعل فقام ذلك مقام ابتداء إخراجه في المرض ونظيره لو وهب لولده شيئا ثم مرض وهو بحاله ولم يرجع فيه والطريق الثاني أن المسألة على وجهين وهي طريقة أبي الخطاب في انتصاره وهما منزلان على أصل الخلاف في حكم الإجازة وقد يتنزلان على أن الملك هل ينتقل إلى الورثة في الموصى به أو يمنع من الوصية للانتقال وفيه وجهان فإن قلنا ينتقل إليهم فالإجازة من الثلث لأنه إخراج
____________________
(1/458)
مال مملوك وإلا فهي من رأس ماله لأنه امتناع من تحصيل مال لم يدخل بعد في ملكه وإنما تعلق به حق ملكه بخلاف محاباة الصحيح إذا مرض فإن المال كان على ملكه وهو قادر على استرجاعه ومنها إجازة المفلس وفي المغني هي نافذة وهو منزل على القول بالتنفيذ ولا يبعد على القاضي في التي قبلها أن لا ينفذ وقاله صاحب المغني في الشفعة معللا بأنه ليس من أهل التبرع الحادية عشرة الموصى له هل يملك الوصية من حين الموت أم من حين قبوله لها في المسألة وجهان معروفان وعلى القول بأنه إنما يملكها من حين قبوله فهل هي قبله على ملك الميت أو على ملك الورثة على وجهين أيضا وأكثر الأصحاب على القول بأنه ملك للموصى له وهو قول أبي بكر والخرقي ومنصوص أحمد بل نص أحمد في مواضع على أنه لا يعتبر له القبول فيملكه قهرا كالميراث وهو وجه للأصحاب حكاه غير واحد ولهذا الاختلاف فوائد عديدة فمنها حكم نمائه بين الموت والقبول فإن قلنا هو على ملك الموصى له فهو لا يحتسب عليه من الثلث وإن قلنا هو على ملك الموصي فتتوفر به التركة فيزداد به الثلث وإن قلنا هو على ملك الورثة فنماؤه لهم خاصة وذكر القاضي في خلافه أن ملك الموصى له لا يتقدم القبول وأن النماء قبله للورثة مع أن العين باقية على حكم ملك الميت فلا يتوفر الثلث لأنه لم يكن ملكا له حين الوفاة وذكر أيضا إذا قلنا إنه مراعى وإنا نبين بقبول الموصى له ملكه له من حين الموت فإن النماء يكون للموصى له معتبرا من الثلث فإن خرج من الثلث مع الأصل فهما له وإلا كان له بقدر الثلث من الأصل فإن فضل شيء من الثلث كان له من النماء ومنها لو نقص الموصى به في سعر أو صفة ففي المحرر إن قلنا يملكه بالموت اعتبرت قيمته من التركة بسعره يوم الموت على أدنى صفاته من يوم الموت إلى القبول لأن الزيادة حصلت في ملكه فلا يحسب عليه والنقص لم يدخل في ضمانه بل هو من ضمان التركة ولهذا لو تلفت العين أو بعضها لبطلت الوصية في التالف وأما نقص الأسعار فلا تضمن عندنا وإن قلنا يملكه من حين القبول واعتبرت قيمته يوم القبول سعرا وصفة لأنه لم يملكه قبل ذلك والمنصوص عن أحمد في رواية ابن منصور وذكره الخرقي أنه يعتبر قيمته يوم الوصية ولم يحك صاحب المغني فيه خلافا فظاهره أنه يعتبر بيوم الموت على الوجوه
____________________
(1/459)
كلها لأن حقه تعلق بالموصى له تعليقا قطع تصرف الورثة فيه فيكون ضمانه عليه كالعبد الجاني إذا أخر المجني عليه استيفاء حقه منه حتى تلف أو نقص ومنها لو كان الموصى به أمة فوطئها الموصى له قبل القبول وبعد الموت فإن قلنا الملك له فهي أم ولده وإلا فلا ولو وطئها الوارث فإن قلنا الملك له فهي أم ولده ويلزمه قيمتها للموصى له وإن قلنا لا يملكها لم تكن أم ولد له ومنها لو وصى بأمة لزوجها فلم يعلم حتى أولدها أولادا ثم قبل الوصية فإن قيل يملكها بالموت فولده حر والأمة أم ولده ويبطل نكاحه بالموت وإن قيل لا يملكها إلا بعد القبول فنكاحه باق قبل القبول وولده رقيق للوارث ومنها لو وصى لرجل بابنه فمات الموصى له قبل القبول وقلنا يقوم وارثه مقامه فيه فقبل ابنه صح وعتق وهل يرث من أبيه الميت أم لا إن قلنا يملكه بالموت فقد عتق به فيكون حرا عند موت أبيه فيرث منه وإن قلنا إنما يملكه بعد القبول فهو عند موت أبيه رقيق فلا يرث ولو كانت الوصية بمال في هذه الصورة فإن قلنا يثبت الملك بالموت فهو ملك للميت فيوفي منه ديونه ووصاياه وعلى الوجه الآخر هو ملك للوارث الذي قبل ذكره في المحرر ويتخرج فيه وجه آخر أنه يكون ملكا للموصى له على الوجهين لأن التمليك حصل له فكيف يصح الملك ابتداء لغيره ولهذا نقول على إحدى الروايتين إن المكاتب إذا مات وخلف وفاء أنه يؤدي منه بقية مال الكتابة ويتبين بذلك موته حرا مع أن الحرية لا تثبت للمكاتب إلا بعد الأداء ومنها لو وصى لرجل بأرض فبنى الوارث فيها وغرس قبل القبول ثم قبل ففي الإرشاد إن كان الوارث عالما بالوصية قلع بناءه وغرسه مجانا وإن كان جاهلا فعلى وجهين وهو متوجه على القول بالملك بالموت أما إن قيل هي قبول قبل القبول على ملك الوارث فهو كبناء المشتري الشقص المشفوع وغرسه فيكون محترما يتملك بقيمته ومنها لو بيع شقص في شركة الورثة والموصى له قبل قبوله فإن قلنا الملك له من حين الموت فهو شريك للورثة في الشفعة وإلا فلا حق فيها ومنها جريانه من حين الموت في حول الزكاة فإن قلنا يملكها الموصى له جرى في حوله وإن قلنا للورثة فهل يجري في حولهم حتى لو تأخر القبول سنة كانت زكاته عليهم أم لا لضعف ملكهم فيه وتزلزله وتعلق حق الموصى له به فهو كمال المكاتب فيه تردد
____________________
(1/460)
المسألة الثانية عشرة الدين هل يمنع انتقال التركة إلى الورثة أم لا في المسألة روايتان أشهرهما الانتقال وهو اختيار أبي بكر والقاضي وأصحابه قال ابن عقيل هي المذهب وقد نص أحمد أن المفلس إذا مات سقط حق البائع من عين ماله لأن المال انتقل إلى ورثته والرواية الثانية لا ينتقل نقلها ابن منصور في رجل مات وترك دارا وعليه دين فجاء الغرماء يبتغون المال وقال أحد بنيه أنا أعطي ربع الدين ودعوا لي ربع الدار قال أحمد هذه الدار للغرماء لا يرثونها يعني الأولاد ولا فرق بين ديون الله تعالى وديون الآدميين ولا بين الديون الثابتة في الحياة والمتجددة بعد الموت لسبب منه يقتضي الضمان كحفر بئر ونحوه صرح به القاضي وهل يعتبر كون الدين محيطا بالتركة أم لا ظاهر كلام طائفة اعتباره حيث فرضوا المسألة في الدين المستغرق وكلام أبي الخطاب في انتصاره كالصريح في قيمته ومنهم من صرح بالمنع من الانتقال وإن لم يكن مستغرقا ذكره في مسائل الشفعة وعلى القول بالانتقال فيتعلق حق الغرماء بها جميعا وإن لم يستغرقها الدين صرح به صاحب الترغيب وهل تعلق حقهم بها تعلق رهن أو جناية فيه خلاف يتحرر بتحرير مسائل إحداها هل يتعلق جميع الدين بالتركة وبكل جزء من أجزائها أو يتقسط صرح القاضي في خلافه بالأول إن كان الوارث واحدا وإن كان متعددا انقسم على قدر حقوقهم وتعلق بحصة كل وارث منهم قسطها من الدين وبكل جزء منها كالعبد المشترك إذا رهنه الشريكان بدين عليهما والثانية هل يمنع هذا التعلق من نفوذ التصرف وسنذكره والثالثة هل يتعلق الدين بعين التركة مع الذمة فيه للأصحاب ثلاثة أوجه أحدها ينتقل إلى ذمم الورثة قاله القاضي وأبو الخطاب في خلافيهما وابن عقيل ومنهم من قيده بالمؤجل ومنهم من خصه بالقول بانتقال التركة إليهم والثاني هو باق في ذمة الميت ذكره القاضي أيضا والآمدي وابن عقيل في فنونه وصاحب المغني وهو ظاهر كلام الأصحاب في ضمان دين الميت والثالث يتعلق بأعيان التركة فقط قاله ابن أبي موسى ورد بلزوم براءة ذمة الميت فيها بالتلف وإذا عرف هذا فلهذا الاختلاف فوائد
____________________
(1/461)
منها نفوذ تصرف الورثة فيها ببيع أو غيره من العقود فإن قلنا بعدم الانتقال إليهم فلا إشكال في عدم النفوذ وإن قلنا بالانتقال فوجهان أحدهما لا ينفذ قاله القاضي في المجرد وابن عقيل في باب الشركة من كتابيهما وحمل القاضي في غير المجرد رواية ابن منصور على هذا والثاني ينفذ قاله القاضي وابن عقيل أيضا في الرهن والقسمة وجعلاه المذهب وإنما يجوز لهم التصرف بشرط الضمان قاله القاضي قال ومتى خلى الورثة بين التركة وبين الغرماء سقطت مطالبتهم بالديون ونصب الحاكم من يوفيهم منها ولم يملكها الغرماء بذلك وهذا يدل على أنهم إذا تصرفوا فيما طولبوا بالديون كلها كما تقول في سيد الجاني إذا فداه إنه يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ على رواية وكلام أحمد في رواية البرزاطي هاهنا يدل عليه وسنذكره وفي الكافي إنما يضمنون أقل الأمرين من قيمة التركة أو الدين وعلى الأول ينفذ العتق خاصة كعتق الراهن ذكره أبو الخطاب في انتصاره وحكى القاضي في المجرد في باب العتق في نفوذ العتق مع عدم العلم بالدين وجهين وأنه لا ينفذ مع العلم وجعل صاحب الكافي مأخذهما أن حقوق الغرماء المتعلقة بالتركة هل يملك الورثة إسقاطها بالتزامهم الأداء من عندهم أم لا ورواية ابن منصور السابقة تدل على أنهم لا يملكون ذلك وفي النظريات لابن عقيل أن عتق الورثة إنما ينفذ مع يسارهم دون إعسارهم اعتبارا بعتق موروثهم في مرضه لأن موروثهم كان ملكه ثابتا فيها بغير خلاف ولا ينفذ عتقه مع الإعسار فلأن لا ينفذ عتقهم مع إعسارهم والاختلاف في ملكهم أولى وهل يصح رهن التركة عند الغرماء قال القاضي في المجرد لا يصح وعلل بأنها كالمرهونة عندهم بحقهم والمرهون لا يصح رهنه وبأن التركة ملك للورثة فلا يصح رهن ملك الغير بغير إذنه فعلى التعليل الأول لا يصح رهن الورثة لها من الغرماء وإن قيل هي ملكهم وعلى الثاني ينبغي أن يصح رهن الموصى لها إذا قلنا ليست ملكا للورثة ومنها نماء التركة فإن قلنا لا ينتقل إلى الورثة تعلق حق الغرماء بالنماء كالأصل وإن قلنا ينتقل إليهم فهل يتعلق حق الغرماء بالنماء على وجهين وقد سبق بسط هذه المسألة في قاعدة النماء ومنها لو مات رجل عليه دين وله مال زكوي فهل يبتدئ الورثة حول زكاته من حين موت موروثه أم لا إن قلنا لا تنتقل التركة إليه مع الدين فلا إشكال في أنه لا يجري في حوله حتى ينتقل إليه وإن قلنا ينتقل انبنى على أن الدين هل هو مضمون في ذمة الوارث
____________________
(1/462)
أو هو في ذمة الميت خاصة فإن قلنا الدين في ذمة الوارث وكان مما يمنع الزكاة انبنى على أن الدين المانع هل يمنع انعقاد الحول من ابتدائه أو يمنع الوجوب في انتهائه خاصة فيه روايتان محكيتان في شرح الهداية والمذهب أنه يمنع الانعقاد فيمتنع انعقاد الحول على مقدار الدين من المال وإن قلنا إنما يمنع وجوب الزكاة في آخر الحول منع من الوجوب هاهنا آخر الحول في قدره أيضا وإن قلنا ليس في ذمة الوارث شيء فظاهر كلام أصحابنا أن تعلق الدين بالمال مانع وسنذكره ومنها لو كان له شجر وعليه دين فمات فهاهنا صورتان إحداهما أن يموت قبل أن يثمر ثم أثمرت قبل الوفاء فينبني على أن الدين هل يتعلق بالنماء أم لا فإن قلنا يتعلق به خرج على الخلاف في منع الدين الزكاة في الأموال الظاهرة وإن قلنا يتعلق به فالزكاة على الوارث وهذا كله بناء على القول بانتقال الملك إليه أما إن قلنا لا ينتقل فلا زكاة عليه إلا أن ينفك التعلق قبل بدو صلاحه الصورة الثانية أن يموت بعد ما أثمرت فيتعلق الدين بالثمرة ثم إن كان موته بعد وقت الوجوب فقد وجبت عليه الزكاة إلا أن نقول إن الدين يمنع الزكاة في المال الظاهر وإن كان قبل وقت الوجوب فإن قلنا تنتقل التركة إلى الورثة مع الدين فالحكم كذلك لأنه مال لهم تعلق به دين ولا سيما إن قلنا إنه في ذمتهم وإن قلنا لا تنتقل التركة إليهم فلا زكاة عليهم وهذه المسألة تدل على أن النماء المنفصل يتعلق به حق الغرماء بغير خلاف ومنها لو مات وله عبيد وعليه دين وأهل هلال الفطر فإن قلنا لا ينتقل الملك فلا فطرة لهم على أحد وإن قلنا ينتقل ففطرتهم على الورثة ومنها لو كانت التركة حيوانا فإن قلنا بالانتقال إلى الورثة فالنفقة عليهم وإلا فمن التركة كمؤنته وكذلك مؤنة المال كأجرة المخزن ونحوه ومنها لو مات المدين وله شقص فباع شريكه نصيبه قبل الوفاء فهل للورثة الأخذ بالشفعة إن قلنا بالانتقال إليهم فلهم ذلك وإلا فلا فلو كان الوارث شريك الموروث وبيع نصيب الموروث في دينه فإن قلنا بالانتقال فلا شفعة للوارث ولأن البيع وقع في ملكه فلا يملك استرجاعه وإن قيل بعده فله الشفعة لأن المبيع لم يكن في ملكه بل في شركته ومنها لو وطئ الوارث الجارية الموروثة والدين يستغرق فأولدها فإن قلنا هي ملكه فلا حد ويلزمه قيمتها يوفي منها الدين كما لو وطئ الراهن وإن قلنا ليست ملكه فلا حد
____________________
(1/463)
أيضا لشبهة الملك فإنه يملكها بالفكاك فهي كالرهن وعليه قيمتها ومهرها يوفى بها الدين ذكره أبو الخطاب في انتصاره ففائدة الخلاف حينئذ وجوب المهر ومنها لو تزوج الابن أمة أبيه ثم قال لها إن مات أبي فأنت طالق وقال أبوه إن مت فأنت حرة ثم مات وعليه دين مستغرق لم تعتق لاستغراق الدين للتركة فلا ثلث للميت لينفذ منه العتق وهل يقع الطلاق قال القاضي في المجرد نعم وعلل بأنه لم يملكها فهي باقية على نكاحه وقال ابن عقيل لا تطلق لأن التركة تنتقل إلى الورثة فيسبق الفسخ الطلاق فالوجهان مبنيان على الانتقال وعدمه وكذلك لو لم يدبرها الأب سواء وفي المذهب وجه آخر بالوقوع وإن قيل بالانتقال حتى ولو لم يكن دين بنى على ما سبق من الطلاق للفسخ وقد ذكرناه في القواعد ومنها لو أقر لشخص فقال له في ميراثه ألف فالمشهور أنه متناقض في إقراره وفي التلخيص يحتمل أن يلزمه إذ المشهور عندنا أن الدين لا يمنع الميراث فهو كما لو قال له في هذه التركة ألف فإنه إقرار صحيح وعلى هذا فإذا قلنا يمنع الدين الميراث كان مناقضا بغير خلاف ومنها لو مات وترك ابنين وألف درهم وعليه ألف درهم دين ثم مات أحد الابنين وترك ابنا ثم أبرأ الغريم الورثة فذكر القاضي أنه يستحق ابن الابن نصف التركة بميراثه عن أبيه وذكره في موضع إجماعا وعلله في موضع بأن التركة تنتقل مع الدين فانتقل ميراث الابن إلى أبيه وهذا يفهم منه أنه على القول بمنع الانتقال يختص به ولد الصلب لأنه هو الباقي من الورثة وابن الابن ليس بوارث معه والتركة لم تنتقل إلى أبيه وإنما انتقلت بعد موته ويشهد لهذا ما ذكره صاحب المحرر في الوصية إذا مات الموصى له وقبل وارثه فإنه يملكه هو دون موروثه على قولنا بملك الوصية من حين القبول ومنها رجوع بائع المفلس في عين ماله بعد موت المفلس ويحتمل بناؤه على هذا الخلاف فإن قلنا ينتقل إلى الورثة امتنع رجوعه وبه علل الإمام أحمد وإن قلنا لا ينتقل يرجع به ولا سيما والحق هنا متعلق في الحياة تعلقا متأكدا ومن العجب أن عن أحمد رواية بسقوط حق المرتهن من الرهن بموته فيكون أسوة الغرماء كغريم المفلس حكاها القاضي وابن عقيل وهذا عكس ما نحن فيه ومنها ما نقل البزراطي عن أحمد أنه سئل عن رجل مات وخلف ألف درهم وعليه للغرماء أكثر من ألف درهم وليس له وارث غير ابنه فقال ابنه لغرمائه اتركوا هذا الألف في
____________________
(1/464)
يدي وأخروني في حقوقكم ثلاث سنين حتى أوفيكم جميع حقوقكم قال إذا كانوا استحقوا قبض هذه الألف وإنما يؤخرونه ليوفيهم لأجل أن يتركها في يديه فهذا لا خير له فيه إلا أن يقبضوا الألف منه ويؤخرونه في الباقي ما شاءوا قال بعض شيوخنا تخرج هذه الرواية على القول بأن التركة لا تنتقل قال إن قلنا تنتقل إليهم جاز ذلك وهو أقيس بالمذهب وتوجيه ما قال إن حق الغرماء في عين التركة دون ذمة الورثة فإذا أسقطوا حقهم من التعلق بشرط أن يوفيهم الورثة بقية حقوقهم فهو إسقاط بعوض غير لازم للورثة فإن قيل بانتقال التركة إلى الوارث فقد أذن له في الانتفاع بماله بعوض يلزمه له في ذمته وإن قيل بعدم الانتقال فهو شبيه بتمليكه ألفا بألفين إلى أجل وإن لم يكن تمليكا مع أن قول أحمد لا خير فيه ليس تصريحا بالتحريم فيحتمل الكراهة قوله ويؤخرونه في الباقي ما شاءوا يدل على أن الورثة إذا تصرفوا في التركة صاروا ضامنين جميع الدين في ذمتهم فيطالبون به ومتى كان الدين في ذمم الورثة قوي الجواز لأن انتقاله إلى ذممهم فرع انتقال التركة إليهم فيبقى كالمفلس إذا طلب من غرمائه الإمهال وإسقاط حقوقهم من أعيان ماله ليوفيهم إياها كاملة إلى أجل ومنها ولاية المطالبة بالتركة إذا كانت دينا ونحوه هل للورثة خاصة أم للغرماء والورثة قال أحمد في رواية عبد الله في رجل مات وخلف وديعة عند رجل ولم يوص إليه بشيء وخلف عليه دينا يجوز لهذا المودع أن يدفع إلى ولد الميت فقال إن كان أصحاب الدين جميعا يعلمون أنه مودع ويخاف تبعتهم أن يرجعوا عليه ليخلفوا جميع أصحاب الدين والورثة يسلم إليهم ونقل صالح نحوه وهذا يدل على أن للغرماء ولاية المطالبة والرجوع على المودع إذا سلم الوديعة إلى الورثة وحمله القاضي على الاحتياط قال لأن التركة ملك للورثة ولهم الوفاء من غيرها وظاهر كلامه إن قلنا التركة ملك لهم فلهم ولاية الطلب وإن قلنا ليست ملكا لهم فليس لهم الاستقلال بذلك وقال الشيخ مجد الدين عندي إن نص أحمد على ظاهره لأن الورثة والغرماء تتعلق حقوقهم بالتركة كالرهن والجاني فلا يجوز الدفع إلى بعضهم قال وإنما المشكل أن مفهوم كلامه جواز الدفع إلى الورثة بمفردهم ولعله أراد إذا وثق بتوفيتهم الدين انتهى ولا ريب أن حقوق الورثة تتعلق بها أيضا وإن قلنا لا ينتقل إليهم وهم قائمون مقام الوصي عند عدمه أيضا في إيفائه الديون وغيرها عند طائفة من الأصحاب فالمتوجه هو الدفع إلى الورثة والغرماء جميعهم ولا يملكون الدفع إلى الغرماء بانفرادهم بكل حال وقد نص أحمد في رواية مهنا فيمن عنده وديعة وصى بها ربها لرجل ثم مات أن المودع لا
____________________
(1/465)
يدفعها إلى الموصى له فإن فعل ضمن ولكن يجمع الورثة والموصى له فإن أجازوا وإلا دفع إليهم جميعا ولعل هذا فيما إذا لم يثبت الوصية في الظاهر وإنما المودع يدعي ذلك وأنها لا تخرج من الثلث وكذلك قال إن أجازوا لغير الورثة وإلا فالعين الموصى بها إذا خرجت من الثلث لا حق فيها للورثة ولا تنتقل إليهم بكل حال على الصحيح وفي المحرر أن من عليه دين يوصي به لمعين فهو مخير إن شاء دفعه إلى الموصي وإن شاء دفعه إلى الموصى له بخلاف الوصية المطلقة فإنه لا يبرأ بدون الدفع إلى الوارث والوصي جميعا لأنها كالدين وقد نص أحمد أيضا في رواية أبي طالب فيمن عليه دين لميت وعلى الميت دين فقضى ربه أنه يجوز في الباطن دون الظاهر ووجهه القاضي بأن الورثة لا حق لهم في ذلك المال الذي في مقابلة الدين فلا يكون متصرفا في حقوقهم وهذا متوجه على القول بأن التركة لا تنتقل إليهم مع الدين فلا يكون القضاء من أموالهم ويرجع ذلك إلى أن كل مال مستحق يجوز دفعه إلى مستحقه مع وجود من له ولاية القبض وقد سبق ذكره في القواعد الثالثة عشر التدبير هل هو وصية أو عتق بصفة في المسألة روايتان ينبني عليهما فوائد كثيرة منها لو قتل المدبر سيده هل يعتق وفيه طريقان أحدهما بناؤه على الروايتين إن قلنا هو عتق بصفة عتق وإن قلنا وصية لم يعتق لأن المذهب أن الموصى له إذا قتل الموصي بعد الوصية لم يعتق وهي طريقة ابن عقيل وغيره والثانية أنه لا يعتق على الروايتين وهي طريقة القاضي لأنه لم يعلقه على موته بقتله إياه ومنها بيع المدبر وهبته والمذهب الجواز لأنه وصية أو تعليق بصفة وكلاهما لا يمنع نقل الملك قبل الصفة وفيه رواية أخرى بالمنع بناء على أنه عتق بصفة فيكون لازما كالاستيلاء ومنها اعتباره من الثلث على المذهب لأنه وصية ونقل حنبل أنه من رأس المال وهو متخرج على أنه عتق لازم كالاستيلاء ومنها إبطال التدبير والرجوع عنه بالقول وفي صحته روايتان بناهما الخرقي والأصحاب على هذا الأصل فإن قيل هو وصية جاز الرجوع عنه وإن قلنا عتق فلا وللقاضي وأبي الخطاب في تعليقهما طريقة أخرى أن الروايتين هنا على قولنا إنه
____________________
(1/466)
وصية لأنها وصية نتجت بالموت من غير قبول بخلاف بقية الوصايا وهو منتقض بالوصية لجهات البر ولأبي الخطاب في الهداية طريقة ثالثة وهي بناء هاتين الروايتين على جواز الرجوع بالبيع أما إن قلنا يمتنع الرجوع بالفعل فالقول أولى ومنها لو باع المدبر ثم اشتراه فهل يكون بيعه رجوعا فلا يعود تدبيره أو لا يكون رجوعا فيعود فيه روايتان أيضا بناهما القاضي والأكثرون على هذا الأصل فإن قلنا التدبير وصية بطلت بخروجه على ملكه ولم يبعد نفوذه وإن قلنا هو تعليق بصفة عاد بعود الملك بناء على أصلنا في عود الصفة بعود الملك في العتق والطلاق وطريقة الخرقي وطائفة من الأصحاب أن التدبير يعود بعود الملك هاهنا رواية واحدة بخلاف ما إذا أبطل تدبيره بالقول وهو يتنزل على أحد أمرين إما أن الوصية لا تبطل بزوال الملك مطلقا بل تعود بعوده وإما أن هذا حكم الوصية بالعتق خاصة ومنها لو قال عبدي فلان حر بعد موتي بسنة فهل يصح ويعتق بعد موته بسنة أم يبطل ذلك على روايتين بناهما طائفة من الأصحاب على هذا الأصل فإن قلنا التدبير وصية صح تقييدها بصفة أخرى توجد بعد الموت وإن قلنا عتق بصفة لم يصح ذلك وهؤلاء قالوا لو صرح بالتعليق فقال إن دخلت الدار بعد موتي بسنة فأنت حر لم يعتق رواية واحدة وهي طريقة ابن عقيل في إشارته والصحيح أن هذا الخلاف ليس مبنيا على هذا الأصل فإن التدبير والتعليق بالصفة إنما يبطل بالموت مع الإطلاق لأن مقتضى الإطلاق وجود الصفة في حياة السيد فأما مع التنفيذ بما يمنع بعد الموت فتنفيذ به ومن الأصحاب من جعل هذا العقد تدبيرا ومنهم من ينفي ذلك ولهم في حكاية الخلاف فيه أربعة طرق قد ذكرناها في غير هذا الموضع ومنها لو كاتب مدبره فهل يكون رجوعا عن التدبير إن قلنا عتق بصفة لم يكن رجوعا وإن قلنا هو وصية انبنى على أن كتابة الموصى به هل تكون رجوعا فيه وجهان أشهرهما أنه رجوع والمشهور في المذهب أن كتابة المدبر ليست رجوعا عن تدبيره ونقل ابن الحكم عن أحمد ما يدل على أنه رجوع ومنها لو وصى بعبده ثم دبره ففيه وجهان أشهرهما أنه رجوع عن الوصية والثاني ليس برجوع فعلى هذا فائدة الوصية به أنه لو أبطل تدبيره بالقول لاستحقه الموصى له ذكره في المغني وقال الشيخ تقي الدين ينبني على أن التدبير هل هو عتق بصفة أو وصية فإن قلنا هو عتق بصفة قدم على الموصي به وإن قلنا هو وصية فقد ازدحمت وصيتان في
____________________
(1/467)
هذا العبد فينبني على أن الوصايا المزدحمة إذا كان بعضها عتقا هل يقدم أو يتحاص العتق وغيره على روايتين فإن قلنا بالمحاصة فهو كما لو دبر نصفه ووصى بنصفه ويصح ذلك على المنصوص انتهى وقد يقال الموصى له إن قيل لا يملك حتى يقبل فقد سبق زمن العتق لزمن ملكه فينفذ وإن قيل يملك من حين الموت فقد قارن زمن ملكه زمن العتق فينبغي تقديم العتق كما نص عليه أحمد في مسألة من عتق عبده ببيعه ومنها الوصية بالمدبر والمذهب أنها لا تصح ذكره القاضي وأبو الخطاب في خلافيهما لأن التدبير الطارئ إذا أبطل الوصية على المشهور فكيف يصح طريان الوصية على التدبير ومزاحمتها له وبنى الشيخ هذه المسائل أيضا على الأصول السابقة ومنها ولد المدبرة والمشهور أنه يتبعها في التدبير كما ولدته بعده سواء كان موجودا حال التعليق أو العتق أو حادثا بينهما وحكى القاضي في كتاب الروايتين في تبعية الولد روايتين وبناهما على أن التدبير هل هو عتق لازم كالاستيلاد ومن هنا قال أبو الخطاب في انتصاره تبعية الولد مبني على لزوم التدبير وخرج أبو الخطاب وجها أنه لا يتبعها الحادث بينهما وإنما يتبعها إذا كان موجودا معها في أحدهما من حكم ولد المعلق عتقها بصفة بناء على أن التدبير تعليق بصفة فينبغي على هذا أن يخرج طريقة أخرى أنه لا يتبعها الولد الحادث بينهما بغير خلاف وإنما كان موجودا في أحد الحالين فهل يتبعها على وجهين بناء على أن المدبر وصية وحكم ولد الموصى بها كذلك وعند الأصحاب ومنها لو جحد السيد التدبير عن أحمد أنه ليس برجوع وقال الأصحاب إن قلنا هو عتق بصفة لم يكن رجوعا وإن قلنا هو وصية فوجهان بناء على أن جحد الموصي الوصية هل هو رجوع أم لا الرابعة عشر نفقة الحامل هل هي واجبة لها أو لحملها في المسألة روايتان مشهورتان أصحهما أنها للحمل وهي اختيار الخرقي وأبي بكر وينبني عليها فوائد منها إذا كان أحد الزوجين رقيقا فإن قلنا النفقة للزوجة وجبت لها على الزوج لأن نفقة زوجة العبد في كسبه أو تتعلق برقبته حكاه ابن المنذر إجماعا وفي الهداية نفقة زوجته على سيده فتجب هاهنا على السيد وإن قلنا للحمل لم تجب عليه لأنه إن كان هو الرقيق فلا يجب عليه نفقة أقاربة وإن كانت هي الرقيقة فالولد مملوك لسيد الأمة فنفقته على مالكه ومنها إذا كان الزوج معسرا فإن قلنا النفقة للزوجة وجبت عليه وإن قلنا للحمل
____________________
(1/468)
لم تجب عليه لأن نفقة الأقارب مشروطة باليسار دون نفقة الزوجة ومنها لو مات الزوج فهل يلزم أقاربه النفقة إن قلنا هي للحمل لزمت الورثة وإن قلنا هي للزوجة لم يلزمهم بحال ومنها لو غاب الزوج فهل تثبت النفقة في ذمته فيه طريقان أحدهما إن قلنا هي للزوجة ثبتت في ذمته ولم تسقط بمضي الزمان على المشهور من المذهب وإن قلنا هي للحمل سقطت لأن نفقة الأقارب لا تثبت في الذمة والثاني لا تسقط بمضي الزمان على الروايتين وهي طريقة المغني وعلل بأنها مصروفة إلى الزوج ويتعلق حقها بها فهي كنفقتها ويشهد له قول الأصحاب لو لم ينفق عليها يظنها حائلا ثم تبين أنها حامل لزم نفقة الماضي ومنها إذا اختلعت الحامل بنفقتها فهل يصح جعل النفقة عوضا للخلع قال الشيرازي إن قلنا النفقة لها تصح وإن قلنا للحمل لم تصح لأنها لم تملكها وقال القاضي والأكثرون يصح على الروايتين لأنها مصروفة إليها وهي المنتفعة بها ومنها لو نشزت الزوجة حاملا فإن قلنا نفقة الحمل لها سقطت بالنشوز وإن قلنا للحمل لم تسقط به ومنها الحامل من وطء الشبهة أو نكاح فاسد فهل تجب نفقتها على الواطئ إن قلنا النفقة لها لم تجب لأن النفقة لا تجب للموطوءة بشبهة ولا في نكاح فاسد لأنه لا يتمكن من الاستمتاع بها إلا أن يسكنها في منزل يليق بها تحصينا لمائه فيلزمها ذلك ذكره في المحرر وتجب لها النفقة حينئذ ذكره الشيخ تقي الدين وإن قلنا النفقة للحمل وجبت لأن النسب لاحق بهذا الواطئ ونص أحمد في رواية ابن الحكم على وجوب النفقة لها وقال الشيخ تقي الدين يتوجه وجوب النفقة لها مطلقا من غير حمل كما يجب لها المهر المسمى ويتقرر بالخلوة على المنصوص لأنها محبوسة عليه في العقد الفاسد ولا تتزوج عندنا بدون طلاقه وقاسه على العبد المقبوض بعقد فاسد ولو ألزم حاكم بالنفقة في النكاح الفاسد المختلف فيه لاعتقاد صحته فللزوج الرجوع بالنفقة عند من يرى فساده ذكره القاضي في المجرد وذكر صاحب المغني احتمالا بعدم الرجوع لأنه نقض للحكم المختلف فيه ولا يجوز ما لم يخالف كتابا أو إجماعا وذكر في المغني أيضا أنه لو أنفق في النكاح الفاسد من غير حاكم لم يرجع لأنه إن علم فساده كان متبرعا وإن لم يعلم فهو مفرط
____________________
(1/469)
ومنها لو كان الحمل موسرا بأن يوصي له بشيء فيقبله الأب فإن قلنا النفقة له سقطت نفقته عن أبيه وإن قلنا لأمه لم تسقط ذكره القاضي في خلافه ومنها لو دفع إليها النفقة فتلفت بغير تفريط فإن قلنا النفقة لها لم يلزم بدلها وإن قلنا للحمل وجب إبدالها لأن ذلك حكم نفقة الأقارب ومنها لو أعتق الحامل من ملك يمينه فهل يلزمه نفقتها إن قلنا النفقة لها لم تجب إلا حيث تجب نفقة العتق وإن قلنا النفقة للحمل وجبت بكل حال ومنها فطرة المطلقة الحامل إن قلنا النفقة لها وجبت لها الفطرة وإن قلنا للحمل ففطرة الحمل على أبيه غير واجبة على الصحيح ومنها هل تجب السكنى للمطلقة الحامل إن قلنا النفقة لها فلها السكنى أيضا وإن قلنا للحمل فلا سكنى لها ذكره الحلواني في التبصرة ومنها نفقة المتوفى عنها إذا كانت حاملا وفي وجوبها روايتان بناهما ابن الزاغوني على هذا إلا أنه قال فإن قلنا النفقة للحمل وجبت من التركة كما لو كان الأب حيا وإن قلنا للمرأة لم تجب وهذا لا يصح لأن نفقة الأقارب لا تجب بعد الموت والأظهر أن الأمر بالعكس وهو أنا إن قلنا للحمل لم يجب للمتوفى عنها لهذا المعنى وإن قلنا للمرأة وجبت لأنها محبوسة على الميت لحقه فتجب نفقتها من ماله وقد سبق ذكر ذلك في قاعدة الحمل هل له حكم أم لا ومنها البائن في الحياة بفسخ أو طلاق إذا كانت حاملا فلها النفقة وحكى الحلواني وابنه رواية أنه لا نفقة لها كالمتوفى عنها وخصها ابنه بالمبتوتة بالثلاث وبناها على أن النفقة للمرأة والمبتوتة لا تستحق نفقة إنما تستحق النفقة إذا قلنا هي للحمل وهذا متوجه في القياس إلا أنه ضعيف مخالف للنص والإجماع فيما أظن ووجوب النفقة للمبتوتة الحامل يرجح القول بأن النفقة للحمل ومنها لو تزوج امرأة على أنها حرة فبانت أمة وهو ممن يباح له نكاح الإماء ففسخ بعد الدخول وهي حامل منه ففي كتاب النكاح من المجرد هو النكاح الفاسد إن قلنا النفقة للحمل وجبت على الزوج وإن قلنا للحامل لم تجب عليه ذكره في النفقات ما يدل على وجوبها على الروايتين وهو الصحيح لأن هذا نكاح صحيح فيلزم فيه النفقة وفي عدته
____________________
(1/470)
ومنها لو وطئت الرجعية بشبهة أو نكاح فاسد ثم بان بها حمل يمكن أن يكون من الزوج والواطئ فيلزمها أن تعتد بعد وضعه عدة الواطئ فأما نفقتها في مدة هذه العدة فإن قلنا النفقة للحمل فعليهما النفقة عليها حتى تضع لأن الحمل لأحدهما يقينا ولا نعلم عينه ولا ترجع المرأة على الزوج بشيء من الماضي وإن قلنا لا نفقة للحامل فلا نفقة لها على واحد منهما مدة الحمل لأنه يحتمل أنه من الزوج فيلزمه النفقة ويحتمل أنه من الآخر فلا نفقة لها عليه فلا تجب بالشك فإذا وضعته فقد علمنا أن النفقة على أحدهما وهو غير معين فيلزمهما جميعا النفقة حتى ينكشف الأب منهما وترجع المرأة على الزوج بعد الوضع بنفقة أقصر المدتين من مدة الحمل أو قدر ما بقي من العدة بعد الوطء الفاسد لأنها تعتد عنه بأحدهما قطعا ثم إذا زال الإشكال وألحقته القافة بأحدهما بعينه عمل بمقتضى ذلك فإن كان معها وفق حقها من النفقة وإلا رجعت على الزوج بالفضل ولو كان الطلاق بائنا فالحكم كما تقدم في جميع ما ذكرنا إلا في مسألة واحدة وهي أنه لا ترجع المرأة بعد الوضع بشيء على الزوج سواء قلنا النفقة للحمل أو للحامل لأن النفقة لا تستحق مع البينونة إلا بالحمل وهو غير متحقق هنا أنه منه بخلاف الرجعية ذكر ذلك كله القاضي في المجرد ولو قيل في صورة الرجعية إذا قلنا النفقة للحمل إنها تجب على من خرجت عليه القرعة من الزوج والواطئ وكذا بعد الوضع وقبل ثبوت نسبه من أحدهما ليوجبه إلا أن يقال يحتمل أن يكون منهما جميعا فتمتنع القرعة على أحدهما لذلك ومتى ثبت نسبه من أحدهما فقال القاضي في موضع من المجرد يرجع عليه الآخر بما أنفق لأنه لم ينفق متبرعا وقيده في موضع آخر منه بأنه يشترط الرجوع وينفق بإذن الحاكم فإن شرط الرجوع وأنفق من غير إذن حاكم فعلى روايتين كقضاء الدين وقد ذكرنا ذلك مستوفى في القواعد والصحيح هنا الرجوع مطلقا لأنه واجب عليه في الظاهر وقد ذكر صاحب المغني أن الملاعنة لو أنفقت على الولد ثم استلحقه الملاعن رجعت عليه لأنها إنما أنفقت لظنها أنه لا أب له وأما إذا قلنا النفقة للحامل فإنا لم نوجب لها النفقة على واحد منهما لأن الحامل لا نفقة لها على الواطئ بشبهة أو في نكاح فاسد كما سبق والزوج ليس بمتمكن من الاستمتاع بها في حالة الحمل لأن الرجعية إذا حملت في عدة من شبهة انقطعت عدة الزوج من مدة الحمل وحرم على الزوج الاستمتاع بها وهل له رجعتها في هذه المدة لبقاء بقية عدته عليها على وجهين وجزم القاضي في خلافه بالمنع ورجح صاحب المغني الجواز على الوجهين لا نفقة لها لتحريم الاستمتاع بها على الزوج سواء كانت مكنت من الوطء أو لا فإنه لو غصبها غاصب فلا نفقة لها الخامسة عشر القتل العمد هل موجبه القود عنها أو أحد أمرين في المسألة
____________________
(1/471)
روايتان وقد سبق ذكرهما وفوائدهما في القواعد بما يغني عنه السادسة عشر المرتد هل يزول ملكه بالردة أم لا في المسألة روايتان إحداهما لا يزول ملكه بل هو باق عليه كالمستمر على عصمته والثانية تزول وفي وقت زواله روايتان إحداهما من حين موته مرتدا والثانية من حين ردته فإن أسلم أعيد إليه ماله ملكا جديدا وهي اختيار أبي بكر وابن أبي موسى رواية ثالثة أنا نتبين بموته مرتدا زوال ملكه من حين الردة ولهذا الاختلاف فوائد كثيرة منها لو ارتد في أثناء حول الزكاة فإن قلنا زال ملكه بالردة انقطع الحول بغير تردد وإن قلنا لا يزول فالمشهور أن الزكاة لا تجب عليه وإن عاد إلى الإسلام فينقطع الحول أيضا لأن الإسلام من شرائط وجوب الزكاة فيعتبر وجوده في جميع الحول وحكى ابن شاقلا رواية أنه تجب عليه الزكاة إذا عاد لما مضى من الأحوال واختارها ابن عقيل وإن ارتد بعد الحول لم تسقط عنه إلا إذا عاد إلى الإسلام وقلنا إن المرتد لا يلزمه قضاء ما تركه قبل الردة من الواجبات والصحيح من المذهب خلافه ومنها لو ارتد المعسر ثم أيسر في زمن ارتداده ثم عاد إلى الإسلام وقد أعسر فإن قلنا إن ملكه يزول بالردة لم يلزمه الحج باليسار السابق وإن قلنا لا يزول ملكه فهل يلزمه الحج بذلك اليسار فينبني عليه وجوب العبادات عليه في حال الردة وإلزامه قضاءها بعد عوده إلى الإسلام والصحيح عدم الوجوب فلا يكون بذلك مستطيعا ومنها حكم تصرفاته بالمعاوضات والتبرعات وغيرها فإن قلنا لا يزول ملكه بحال فهي صحيحة نافذة وإن قلنا يزول بموته أقر المال بيده في حياته ونفذت معاوضاته ووقفت تبرعاته المنجزة والمعلقة بالموت فإذا مات ردت كلها وإن لم تبلغ الثلث لأن حكم الردة حكم المرض المخوف وإنما لم تنفذ من ثلثه لأن ماله يصير فيئا بموته مرتدا وإن قلنا يزول ملكه في الحال جعل في بيت المال ولم يصح تصرفه فيه بحال لكن إذا أسلم رد إليه ملكا جديدا وإن قلنا هو موقوف مراعى حفظ الحاكم ماله ووقفت تصرفاته كلها فإن أسلم أمضيت وإلا تبينا فسادها تنبيه إنما تبطل تصرفاته لنفسه في ماله فلو تصرف لغيره بالوكالة صح ذكره القاضي وابن عقيل لأن إبطال تصرفاته إنما هو لزوال ملكه ولا أثر لذلك فيتصرفه بالوكالة نعم لو كان قد وكل وكيلا ثم ارتد وقلنا يزول ملكه بطلت وكالته ولو تصرف لنفسه بنكاح لم يصح لأن الردة تمنع الإقرار على النكاح وإن زوج موليته لم يصح لزوال ولايته
____________________
(1/472)
بالردة حتى عن أمته الكافرة ومنها لو باع شقصا مشفوعا في الردة فإن قلنا بصحة بيعه أخذ منه بالشفعة وإلا فلا ولو بيع في زمن ردته شقص فجعل في تركته فإن قلنا ملكه باق أخذ بالشفعة وإلا فلا ومنها لو حاز مباحا أو عمل عملا بأجرة فإن قلنا ملكه باق ملك ذلك وإن قلنا زال ملكه لم يملكه فإن عاد إلى الإسلام بعد ذلك فهل يعود ملكها إليه فيه احتمالان مذكوران في المغني ومنها الوصية له وفي صحتها وجهان بناء على زوال ملكه وبقائه فإن قلنا زال ملكه لم تصح الوصية له وإلا صحت ومنها ميراثه فإن قلنا لا يزول ملكه بحال فهو لورثته من المسلمين أو من دينه الذي اختاره على اختلاف الروايتين في ذلك وإن قلنا يزول ملكه من حين الردة أو بالموت فماله فيء ليس لورثته منه شيء ومنها نفقة من تلزمه نفقته فإن قلنا ملكه باق ولو في حياته أو مراعى أنفق عليهم من ماله مدة الردة وإن قلنا زال بالردة فلا نفقة لهم منه في مدة الردة لأنه لا يملكه ومنها قضاء ديونه وهو كالنفقة فيقضي ديونه على الروايات كلها إلا على رواية زوال ملكه من حين الردة فلا تقضى منه الديون المتجددة في الردة وتقضى منه الديون الماضية فإنه إنما يكون فيئا ما فضل عن أداء ديونه ونفقات من يلزمه نفقته لأن هذه الحقوق لا يجوز تعطيلها فيؤخذ من ماله ويصير الباقي فيئا ومنها لو دبر عبدا ثم ارتد السيد ثم عاد إلى الإسلام فإن قلنا لا يزول ملكه فالتدبير بحاله وإن قلنا زال ملكه انبنى على أن زوال الملك على المدبر هل يبطل تدبيره أم لا وجزم ابن أبي موسى ببطلان تدبيره السابعة عشر الكفار هل يملكون أموال المسلمين بالاستيلاء أم لا المذهب عند القاضي أنهم يملكونها من غير خلاف والمذهب عند أبي الخطاب في انتصاره أنهم لا يملكونها وقد نقل أبو طالب عن أحمد ما يدل على ذلك وحكى طائفة روايتين في المسألة منهم ابن عقيل في فنونه ومفرداته وصحح فيها عدم الملك وقال الشيخ تقي الدين إن أحمد لم ينص على الملك ولا على عدمه وإنما نص على أحكام أخذ منها ذلك والصواب أنهم يملكونها ملكا مقيدا لا يساوي أملاك المسلمين من كل وجه ولهذا الخلاف فوائد
____________________
(1/473)
منها أن من وجد من المسلمين عين ماله قبل القسمة أخذه مجانا بغير عوض وإن وجده بعد القسمة فالمنصوص عن أحمد أنه لا يأخذه بغير عوض وهل يسقط حقه منه بالكلية أو يكون أحق به بالثمن على روايتين واختار أبو الخطاب أنه أحق به مجانا بكل حال وقد قال أحمد في رواية أبي طالب في هذا هو القياس لأن الملك لا يزول إلا بهبة أو صدقة ولكن عمر قال لا حق له فيه ومنها إذا قلنا يملكون أموال المسلمين فغنمت منهم ولم يعلم أربابها من المسلمين فإنه يجوز قسمتها والتصرف فيها ومن قال لا يملكوها فقياس قوله إنه لا يجوز قسمتها ولا التصرف بل توقف كاللقطة ذكره صاحب المغني وغيره وأما ما عرف مالكه من المسلمين فإنه لا يجوز قسمته بل يرد إليه على القولين ونص عليه أحمد في رواية غير واحد وقيد ذلك من رواية أبي داود فيما إذا كان مالكه بالقرب ومنها إذا أسلموا وفي أيديهم أموال المسلمين فهي لهم نص عليه أحمد وقال في رواية أبي طالب ليس بين الناس اختلاف في ذلك وهذا يتنزل على القول بالملك فإن قيل لا يملكونها فهي لربها ومتى وجدها وقال أبو الخطاب في انتصاره ونفى صاحب المغني الخلاف في المذهب في المسألة فكأنه ظن أن أبا الخطاب وافق عليها فإنه لم يقف على الانتصار ولعل مأخذه أن الشارع ملك الكافر بإسلامه ما في يده من أموال المسلمين بقوله من أسلم على شيء فهو له فهذا تمليك جديد يملكونها به لا بالاستيلاء الأول والله أعلم وقد قيل إن هذا يرجع إلى كل ما قبضه الكافر من الأموال وغيرها قبضا فاسدا يعتقدون جوازه فإنه يستقر لهم بالإسلام كالعقود الفاسدة والأنكحة والمواريث وغيرها ولهذا لا يضمنون ما أتلفوه على المسلمين من النفوس والأموال بالإجماع ومنها لو كان لمسلم أمتان أختان فأبقت إحداهما إلى دار الحرب فاستولوا عليها فله وطء الباقية عنده لأن ملكه زال عن أختها وقياس قول أبي الخطاب لا يجوز حتى يحرم الآبقة بعتق أو نحوه لأنه لا يمنع من وطء إحدى الأختين ابتداء قبل تحريم الأخرى ومنها لو استولى العدو على مال مسلم ثم عاد إليه بعد حول أو أحوال فإن قلنا ملكوه فلا زكاة عليه لما مضى من المدة بغير خلاف وإن قلنا لم يملكوه فهل يلزمه زكاته لما مضى على روايتين بناء على زكاة المال المغصوب والضائع من ربه
____________________
(1/474)
ومنها لو أعتق المسلم عبده الذي استولى عليه الكفار فإن قلنا ملكوه لم يعتق وإلا عتق ومنها لو سبى الكفار أمة مزوجة بمسلم فإن قلنا يملكونها فالقياس أنه ينفسخ النكاح لأنهم يملكون رقبتها ومنافعها فيدخل فيه منفعة بضعها فينفسخ نكاح زوجها كما ينفسخ نكاح الكافرة المسبية لسبينا لها لهذا المعنى ومن الأصحاب من علل انفساخ الكافرة المسبية بالجهل ببقاء زوجها فيكون كالمعدوم وعلى هذا يمتنع انفساخ النكاح هاهنا وأبو الخطاب منع من انفساخ النكاح بالسبي بكل حال وهو قول شاذ ومخالف الكتاب والسنة والعين المؤجرة كالأمة المزوجة سواء فأما الزوجة الحرة فلا ينفسخ النكاح بسببها لأنهم لا يملكون الحرة بالسبي فلا يملكون بضعها وفي مسائل ابن هانئ عن أحمد إذا سبيت المرأة ولها زوج ثم استنقذت تعود إلى زوجها إن شاءت وهذا يدل على انفساخ النكاح بالسبي ووجهه أن منافع الحرة في حكم الأموال ولهذا تضمن بالغصب على رأي فجاز أن تملك بالاستيلاد بخلاف غيره ولا سيما والاستيلاء سبب قوي يملك به ما لا يملك بالعقود الاختيارية ولهذا يملكون به المصاحف والرقيق المسلم ويملكون به كأم الولد على رواية فجاز أن يملكوا به منفعة بضع الحرة ولا يلزم من ذلك إباحة وطئها لهم لأن تصرفهم في أموال المسلمين لا يباح لهم وإن قيل إنهم يملكونها وعلى هذا فلو سبوا أجيرا مستأجرا لمسلم انفسخت الإجارة أيضا وقد تأول الآمدي قول أحمد ترجع إليه إن شاءت على أن المراد إن شاءت ترجع إليه في العدة من وطء أهل الحرب وإن شاءت اعتدت في موضع آخر لأن العدة ليست بحق له وإنما هي حق عليها لزمها في غير جهته ولا يخفى بعد هذا التأويل من كلام أحمد وأن كلامه لا يدل عليه بوجه ومنها لو استولى الكفار على مدبر لمسلم ثم عاد إلى سيده فهل يبطل تدبيره إن قلنا إنهم لم يملكوه لم يبطل وإن قلنا ملكوه انبنى على أن المدبر إذا زال الملك فيه فهل يبطل التدبير أم لا على روايتين وجزم ابن أبي موسى ببطلانه هاهنا فأما المكاتب فلا تبطل كتابته لأنه يجوز بيعه ويبقى على كتابته وكذلك المرهون لأن الملك ينتقل فيه بالإرث وغيره والرهن باق سؤال عندكم الكافر لا يملك انتزاع ملك المسلم بالشفعة قهرا مع أنها معلومة فكيف يملك عليه قهرا بغير عوض الجواب عنه أن الكفار لا يملكون أموال المسلمين بمجرد الاستيلاء على المنصوص عن
____________________
(1/475)
أحمد بل بالحيازة إلى دارهم فعلى هذا لا يثبت لهم تملك في دار الإسلام وعلى الرواية الأخرى المخرجة أنهم يملكون بمجرد الاستيلاء فالمستولى عليه إما أن يكون عقارا فلا يتصور استيلاؤهم عليه إلا بمصير الدار دار حرب فلا ملك لهم في دار الإسلام أيضا وإما أن يكون منقولا فالمنقول يخالف حكمه حكم العقار لأن العقار يختص بدار الإسلام والكافر ملتجئ إليها ومستذم ومتحصن بها وليس من أهلها بالأصالة فهو كالمستأجر مع المالكين ولهذا يمنع الكافر من إحياء الموات في دار الإسلام على قول مع أنه زيادة عمارة وليس الموات ملكا لمعين من المسلمين فكيف يمكن من انتزاع ملك المسلم المعين وإذا كان المسلم يباح له مزاحمة الكافر فيما ثبت له فيه حق رغبة وإبطال حقه منه بعد سبقه إليه بالخطبة على خطبته والسوم على سومه كما نص عليه أحمد استدلالا بالحديث فكيف يمكن من نقص ملك المسلم وانتزاعه منه قهرا بعد ثبوت الملك له هذا باطل قطعا وهذا أحسن من الاستدلال بقوله وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه مع أني لم أر أحدا استدل به وقد استدل أحمد بحديث الطريق وبالأمر بإخراجهم من جزيرة العرب الثامنة عشر الغنيمة هل تملك بالاستيلاء المجرد أم لا بد معه من نية التمليك المنصوص عن أحمد وعليه أكثر الأصحاب أنها تملك بمجرد الاستيلاء وإزالة أيدي الكفار عنها وهل يشترط مع ذلك فعل الحيازة كالمباحات أم لا قال القاضي في خلافه لا يملك بدون احتياز الملك وتردد في الملك قبل القسمة هل هو باق للكفار أو أن ملكهم انقطع عنها وينبني على هذا الخلاف فوائد عديدة منها جريانه في حول الزكاة فإن كانت الغنيمة أجناسا لم ينعقد عليها حول بدون القسمة وجها واحدا لأن حق الواحد منهم لم يستقر في جنس معين وإن كانت جنسا واحدا فوجهان أحدهما ينعقد الحول عليهما بالاستيلاء بناء على حصول الملك به قاله القاضي في المجرد وابن عقيل والثاني لا ينعقد بدون القسمة قاله القاضي في خلافه وحكاه عن أبي بكر وبناه على أن الملك لا يثبت فيها بدون اختيار التملك لفظا وهذا بعيد لأن أبا بكر يقول بنفوذ العتق قبل القسمة ولأنه لو كان كذلك لانعقد الحول عليها باحتياز التملك دون القسمة إذ القسمة مجردها يفيد الملك عند القاضي وإنما مأخذ أبي بكر أن استحقاق الغانمين ليس
____________________
(1/476)
على وجه الشركة المحضة ولذلك لا يتعين حق أحدهم منها بدون حصوله له بالقسمة فلا ينعقد عليها الحول قبلها كما لو كانت أصنافا ومنها لو أعتق أحد الغانمين رقيقا من الغنم بعد ثبوت رقه أو كان فيهم من يعتق عليه بالملك عتق وإن كان بقدر حقه وإن كان حقه دونه فهو كمن أعتق شقصا من عبد نص عليه في رواية المروذي وابن الحكم واختاره أبو بكر والقاضي في المجرد وقال في الخلاف لا يعتق حتى يسبق تملكه لفظا ووافقه أبو الخطاب في انتصاره ولكنه أثبت الملك بمجرد قصد التملك واختار صاحب المحرر المنصوص فيما إذا كانت الغنيمة جنسا واحدا وقول القاضي فيما إذا كانت أجناسا كما سبق في الزكاة وفي الإرشاد لابن أبي موسى إن أعتق جارية معينة قبل القسمة لم يعتق فإن حصلت له بعد ذلك بالقسمة عتقت قال وإن كان في السبي من يعتق عليه بالملك عتق عليه إن كان بقدر حصته وإلا عتق منه بقدر حصته فكأنه جعله عتقا قهريا كالإرث وفرق بينه وبين العتق الاختياري ومنها لو استولد أحد الغانمين جارية من السبي قبل القسمة فالمنصوص أنها تصير أم ولد له ويضمن لبقية الغانمين حقوقهم منها وقال القاضي في خلافه لا تصير مستولدة له وإنما يتعين حقه فيها لأن حملها بحر يمنع بيعها وفي تأخير قسمتها حتى تضع ضرر على أهل الغنيمة فوجب تسليمها إليه من حقه وهذا بعيد جدا ولأبي الخطاب في انتصاره طريقة أخرى وهي أنه إنما نفذ استيلادها لشبهة الملك فيها وإن لم ينفذ إعتاقها كما ينفذ استيلاد الابن في أمة أبيه دون إعتاقها وهو أيضا ظاهر ما ذكره صاحب المحرر وحكى في تعليقه على الهداية احتمالا آخر بالفرق بين أن تكون الغنيمة جنسا واحدا أو أجناسا كما ذكره في العتق ومنها لو أتلف أحد الغانمين شيئا من الغنيمة قبل القسمة فإن قلنا الملك ثابت فيها فعليه ضمان نصيب شركائه خاصة ونص عليه أحمد في الاستيلاد وإن قلنا الملك فيها فعليه ضمان جميعها منها لو أسقط الغانم حقه قبل القسمة ففيه طريقان أحدهما أنه مبني على الخلاف فإن قلنا يملكونها لم يسقط الحق بذلك وإلا سقط وهو ظاهر ما ذكره القاضي في خلافه والثاني يسقط على القولين لضعف الملك وعدم استقراره وهو ما ذكره صاحب المحرر والترغيب
____________________
(1/477)
ومنها لو مات أحدهم قبل القسمة والاحتياز فالمنصوص أن حقه ينتقل إلى ورثته وظاهر كلام القاضي أنه وافق على ذلك وجعل الموروث هو الحق دون المال وفي الترغيب إن قلنا لا يملك بدون الاختيار فمن مات قبله فلا شيء له ولا يورث عنه كحق الشفعة ويحتمل أن يقال على هذا يكتفي بالمطالبة في ميراث الحق كالشفعة ومنها لو شهد أحد الغانمين بشيء من المغنم قبل القسمة فإن قلنا قد ملكوه لم يقبل كشهادة أحد الشريكين للآخر وإن قلنا لم يملكوا قبلت ذكره القاضي في خلافه قال الشيخ تقي الدين وفي قبولها نظر وإن قلنا لم يملكوا لأنها شهادة تجر نفعا قلت هذا ذكره القاضي في مسألة ما إذا وطئ أحد الغانمين جارية من المغنم وذكر في مسألة السرقة من بيت المال والغنيمة أنه لا يقبل شهادة أحد الغانمين بمال مطلقا وهو الأظهر التاسعة عشر القسمة هل هي إفراز أو بيع المذهب أن قسمة الإجبار وهي ما لا يحصل فيه رد عوض من أحد الشريكين ولا ضرر عليه إفراز لا بيع وذهب ابن بطة إلى أنها كالبيع في أحكامه وحكى الآمدي روايتين قال الشيخ مجد الدين الذي يتحرر عندي فيما فيه رد أنه بيع فيما يقابل الرد وإفراز في الباقي لأن أصحابنا قالوا في قسمة الطلق عن الوقف إذا كان فيها رد من جهة صاحب الوقف جاز لأنه يشتري به الطلق وإن كان في جهة صاحب الطلق لم يجز ويتفرع على الاختلاف في كونها إفرازا أو بيعا فوائد كثيرة منها لو كان بينهما ماشية مشتركة فاقتسماها في أثناء الحول واستداما خلطة الأوصاف فإن قلنا القسمة إفراز لم ينقطع الحول بغير خلاف وإن قلنا بيع خرج على بيع الماشية بجنسها في أثناء الحول هل يقطعه أم لا ومنها إذا تقاسما وصرحا بالتراضي واقتصرا على ذلك فهل يصح إن قلنا هي إفراز صحت وإن قلنا بيع فوجهان حكاهما صاحب الترغيب وكأن مأخذهما الخلاف في اشتراط الإيجاب والقبول وظاهر كلامه أنها تصح بلفظ القسمة على الوجهين ويتخرج أن لا يصح من الرواية التي سعيت في التلخيص باشتراط لفظ البيع والشراء في البيع ومنها لو تقاسموا ثمر النخل والعنب على الشجر أو الزرع المشتمل في سنبله خرصا أو الربويات على ما يختارون من كيل أو وزن فإن قلنا هي إفراز جاز ونص عليه أحمد في رواية الأثرم في جواز القسمة بالخرص وإن قلنا بيع لم يصح وفي الترغيب إشارة إلى
____________________
(1/478)
خلاف في الجواز مع القول بالإفراز وكذلك لو تقاسموا الثمر على الشجر قبل صلاحه بشرط التبقية فيجوز على القول بالإفراز دون البيع ومنها لو كان بعض العقار وقفا وبعضه طلقا وطلب أحدهما القسمة جازت إن قلنا هي إفراز وإن قلنا بيع لم يجز لأنه بيع للوقف فأما إن كان الكل وقفا فهل يجوز قسمته فيه طريقان أحدهما أنه كإفراز الطلق من الوقف سواء وهو المجزوم به في المحرر والثاني أنه لا يصح قسمته على الوجهين جميعا على الأصح وهي طريقة الترغيب وعلى القول بالجواز فهو مختص بما إذا كان وقفا على جهتين لا على جهة واحدة صرح به الأصحاب نقله الشيخ تقي الدين ومنها قسمة المرهون كله أو نصفه مشاعا إن قلنا هي إفراز صحت وإن قلنا بيع لم تصح ولو استقر بها المرتهن فإن رهنه أحد الشريكين حصته من حق معين من دار ثم اقتسما فحصل البيت في حصة شريكه فظاهر كلام القاضي أنه لا يمنع منه على القول بالإفراز قال صاحب المغني يمنع منه ومنها إذا اقتسما أرضا فبنى أحدهما في نصيبه وغرس ثم استحقت الأرض يقلع غرسه وبناؤه فإن قلنا هي إفراز لم يرجع على شريكه وإن قلنا بيع رجع عليه بقيمة القبض إذا كان عالما بالحال دونه ذكره في المغني وجزم القاضي بالرجوع عليه مع قوله إن القسمة إفراز ومنها ثبوت الخيار فيها وفيه طريقان أحدهما ينبني على الخلاف وإن قلنا إفراز لم يثبت فيها خيار وإن قلنا بيع ثبت وهو المذكور في الفصول والتلخيص وفيه ما يوهم اختصاص الخلاف في خيار المجلس فأما خيار المجلس فلا يثبت فيها على الوجهين والثاني يثبت فيها خيار المجلس وخيار الشرط على الوجهين قاله القاضي في خلافه معللا بأن ذلك جعل للارتياء فيما فيه الحظ وهذا المعنى موجود في القسمة وقال الشيخ تقي الدين وهذا صريح في أن قسمة التراضي إفراز لأن قسمة الإجبار لا معنى لثبوت الخيار فيها إذ في كل لحظة يملك الإجبار فلا يقع ثبوت الخيار في فسخها وذكر أيضا أنه حيث وجبت القسمة فينبغي أن تكون لازمة لأن أحدهما لو فسخها كان للآخر مطالبته بإعادتها فلا فائدة فيه وقد يكون فيه ضرر على أحدهما فإنه قد يتصرف فيما حصل له ولغيره فإذا انقضت القسمة تقرر بذلك ولم يحصل له الانتفاع ولا سيما إن تكرر ذلك من شريكه مضارة قلت ويشهد لهذا ما ذكره القاضي في خلافه في المعنيين بالنفقة فإذا طلق الحاكم عليه رجعيا ثم
____________________
(1/479)
ارتجع من غير يسار تحدد له أنه لا يصح رجعته لما فيه من إعادة الضرر الذي أزلناه بالطلاق وقال ابن عقيل في عمد الأدلة وصاحب المغني له الرجعة فإذا ارتجع عادت المطالبة له فإن طلق عليه حتى يستوفي الطلاق الثلاث وأخذه ابن عقيل من المولي عليه إذا طلق في أثناء المدة بعد طلب الفيئة طلاقا رجعيا فإن له رجعتها ويطالب بالفيئة ثانيا والقاضي يفرق بينهما بأن رجعة المولى أقرب إلى حصول مقصود المرأة من الفيئة من حال العدة الجارية إلى البينونة بخلاف رجعة المعسر ولكن لا يتوجه على قول ابن عقيل التمكين من فسخ قسمة الإجبار هنا لأن الضرر في الطلاق لا يتأبد لأنه محدود بثلاث مرات بخلاف ضرر الفسخ هنا فإنه يكون لا نهاية له وذكر الشيخ تقي الدين أن المولى إذا طلق لم يكن من الرجعة إلا بشرط أن يفيء لأن أصل الرجعة إنما أباحها الله لمن أراد الإصلاح فكيف بالمولي الذي يظهر قصد الإضرار فلا يمكن من الرجعة بدون شرط الفيئة لأن ارتجاعه زيادة في الإضرار وذكر في الكافي في هذه المسألة أنهما إن اقتسما بأنفسهما لم يلزم القسمة إلا بتراضيهما وتفرقهما كالبيع وإن قسم بينهما الحاكم أو قسمه عدل عالم نصفاه بينهما لزمت قسمته بغير رضاهما إلا أن يكون فيها رد فوجهان نظرا إلى أنها بيع فيقف على الرضاء وإلى أن المقاسم كالحاكم وقرعته كحكمه ومنها ثبوت الشفعة فيها وفيه طريقان أحدهما بناؤه على الخلاف فإن قلنا إفراز لم يثبت وإلا ثبت وهو ما ذكره السامري في باب الربا والثاني لا يوجب الشفعة على الوجهين قاله القاضي وصاحب المحرر لأنه لو ثبت لأحدهما على الآخر لثبت الآخر عليه فيتناميان ومنهما قسمة المتشاركين في الهدي والأضاحي اللحم فإن قلنا إفراز جازت وإن قلنا بيع لم يجز وهذا ظاهر كلام الأصحاب ومنها لو حلف لا يبيع فقاسم فإن قلنا القسمة بيع حنث وإلا فلا ذكره الأصحاب وقد يقال الأيمان محمولة على العرف ولا تسمى القسمة بيعا في العرف فلا يحنث بها ولا بالحوالة ولا بالإقالة وإن قيل هي بيوع ومنها لو اقتسم الورثة العقار ثم ظهر على الميت دين أو وصية فإن قلنا هي إفراز فالقسمة باقية على الصحة وإن قلنا بيع فوجهان بناء على الخلاف في بيع التركة المستغرقة بالدين وقد سبق ومنها لو ظهر في القسمة غبن فاحش فإن قلنا هي إفراز لم يصح لتبين فساد
____________________
(1/480)
الإفراز وإن قلنا بيع صحت وثبت فيها خيار الغبن ذكره في الترغيب والبلغة ومنها لو اقتسما دارا نصفين ظهر بعضها مستحقا فإن قلنا القسمة إفراز انتقضت القسمة لفساد الإفراز وإن قلنا بيع لم ينتقض ويرجع على شريكه بقدر حقه في المستحق كما إذا قلنا بذلك في تفريق الصفقة كما لو اشترى دارا فبان بعضها مستحقا ذكره الآمدي وفي المحرر إن كان المستحق معينا وهو في الحصتين فالقسمة بحالها ولم يحك خلافا وذكره صاحب الكافي احتمالا بالبطلان بناء على عدم تفريق الصفقة إذا قلنا هي بيع وإن كان المستحق معينا في إحدى الحصتين أو شائعا فيهما أو في أحدهما فثلاثة أوجه في المحرر أحدها تبطل والثاني لا تبطل والثالث تبطل بالإشاعة في أحديهما خاصة وهو ظاهر كلام القاضي والأول اختيار القاضي وابن عقيل مع قولهما بتفريق الصفقة قال الشيخ مجد الدين والوجهان الأولان فرع على قولنا بتفريق الصفقة في المبيع فأما إن قلنا لا تفريق هناك بطلت هاهنا وجها واحدا وفي البلغة إذا ظهر بعض حصة أحدهما مستحقا انتقضت القسمة وإن ظهرت حصتها على استواء النسبة وكان معينا لم ينتقض وإذا عللنا بفساد تفريق الصفقة بالجهالة وإن عللناه فسعى على ما لا يجوز بطلت وإن كان المستحق مشاعا انتقضت القسمة في الجميع على أصح الوجهين ومنها إذا مات رجل وزوجته حامل وقلنا لها السكنى فأراد الورثة قسمة المسكن قبل انقضاء العدة من غير إضرار بها بأن يعلموا الحدود بخط أو نحوه بغير نقص ولا بناء ففي المغني يجوز ذلك ولم ينبه على الخلاف في القسمة مع أنه قال لا يصح بيع المسكن في هذه الحال لجهالة مدة الحمل المستثناة فيه حكما وهذا يدل على أن هذا يغتفر في القسمة على الوجهين ويحتمل أن يقال متى قلنا القسمة بيع وإن بيع هذا المسكن يصح لم تصح القسمة ومنها قسمة الدين في ذمم الغرماء فإن قلنا القسمة إفراز صحت وإن قلنا بيع لم تصح وقد حكى الأصحاب في المسألة روايتين وهذا البناء متوجه على طريقه من طرد الخلاف في قسمة التراضي كالشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى مع أنه يميل إلى دخول الإجبار في قسمة الدين على الغرماء المتقاربين في الملاءة لأن الذمم عندنا تتكافأ بدليل الإجبار على قبول الحوالة على الملي وخص القاضي وابن عقيل الروايتين بما إذا كان الدين في ذمتين فصاعدا فإن كان في ذمة واحد لم تصح قسمته رواية واحدة وأنكر ذلك الشيخ مجد الدين ويشهد لقوله أن القاضي في خلافه قال إذا قبض أحد الشريكين من الدين بإذن شريكه اختص بما قبضه وفرق في موضع آخر بين الدين الثابت بعقد فيختص أحد
____________________
(1/481)
الشريكين بما قبضه منه ولو بغير إذن وبين الثابت بإرث ونحوه فلا يختص وقد نص أحمد في رواية ابن منصور على الاشتراك في ثمن الطعام المشترك ونص في روايته على جواز القسمة بالتراضي في الذمة الواحدة وسلك صاحب المغني في توجيه الروايتين في المسألة طريقة ثانية وهي أن قبض أحد الشريكين من الدين المشترك هل هو قسمة للدين أو تعيين لحقه بالأخذ كالإبراء فإن قلنا هو قسمة لم يجز لأحدهما الانفراد بالقبض فإن أذن الشريك فيه فوجهان أحدهما يصح وينفرد به القابض لأن الحق لشريكه وقد أسقطه والثاني لا يصح وهو قول أبي بكر لأن حق الشريك في الذمة لا في عين المال فلا ينفذ إذنه في قبض الأعيان وفيه ضعف فإن الأعيان هي متعلق حقه وكذلك يتعلق حقوق غرماء المفلس بماله وإن قلنا ليس القبض قسمة جاز لأن حق الشريك في الذمة ولا ينتقل إلى العين إلا بقبض الغريم أو وكيله فقبض الشريك تعين لحقه لا غير فيختص به دون شريكه سواء كان بإذن الشريك أو بدونه وكذلك حكى صاحب المغني هذه الرواية وذكر عن أحمد ما يدل عليها وقد أنكرها أبو بكر عبد العزيز ويتوجه عندي في توجيه الروايتين طريقة ثالثة وهي أن أحد الشريكين إذا قبض من الدين فإنما قبض حقه المختص به لكن ليس له القبض دون شريكه لاشتراكهما في أصل الاستحقاق كغرماء المفلس فإذا قبض بدون إذن شريكه فهل لشريكه مقاسمته فيما قبضه أم لا على الروايتين فوجه المحاصة القياس على قبض بعض الشركاء من الأعيان المشتركة بدون قسمة كالمواريث أو من الأعيان المتعلق بها حقوقهم كمال المفلس ووجه عدم المحاصة أن المقبوض من الدين كله حق للقابض ولهذا لو أتلف في يده كان من نصيبه ولم يضمن لشريكه شيئا بخلاف القبض من الأعيان فعلى هذا الرواية لا فرق بين أن يقبض بإذن الشريك أو بدونه وعلى الأولى إن قبض بإذنه فهل له محاصة فيه على وجهين لأن حقه في المحاصة إنما ثبت بعد القبض فهو كإسقاط الشفعة قبل البيع والله أعلم وقد يقال التراضي بقبض كل واحد منهما بعض الدين قسمة له لأن القسمة في الأعيان تقع في المحاسبة والأقوال في المنصوص فكذا في الديون وأما إن كان المشترك بعضه عينا وبعضه دينا فأخذ بعض الشركاء العين وبعضهم الدين وقد نص أحمد على جوازه مع الكراهة وحكاه عن ابن عباس وقال لا يكون إلا في الميراث وخرجه الشيخ مجد الدين على القول بجواز بيع الدين من غير الغريم لأن هذه القسمة بيع بغير خلاف عنده وعلى ما ذكره الشيخ تقي الدين قد يطرد فيها الخلاف والله أعلم ومنها قبض أحد الشريكين نصيبه من المال المشترك المثلي مع غيبة الآخر وامتناعه من
____________________
(1/482)
الإذن بدون إذن الحاكم وفيه وجهان سبق ذكرهما في القواعد والوجهان على قولنا القسمة إفراز فإن قلنا هي بيع لم يجز وجها واحدا فأما غير المثلي فلا يقسم إلا مع الشريك أو من يقوم مقامه كالوصي والولي والحاكم ومنها لو اقتسما دارا فحصل الطريق في نصيب أحدهما ولم يكن للآخر منفذ يتطرق منه فقال أبو الخطاب وصاحب المغني والمحرر تبطل القسمة وخرج صاحب المغني فيه وجها آخر أنها تصح ويشتركان في الطريق من نص أحمد على اشتراكهما في مسيل الماء وقد ذكرنا ذلك فيما سبق في القواعد ويتوجه أن يقال إن قلنا القسمة إفراز بطلت وإن قلنا بيع صحت ولزم الشريك تمكينه من الاستطراق بناء على قول الأصحاب إذا باعه بيتا من وسط داره ولم يذكر طريقا صح البيع واستتبع طريقه كما ذكره القاضي في خلافه لو اشترط عليه الاستطراق في القسمة صح قال الشيخ مجد الدين هذا قياس مذهبنا في جواز بيع الممر ومنها لو حلف لا يأكل مما اشتراه زيد فاشترى زيد وعمرو طعاما مشاعا وقلنا يحنث بالأكل منه فتقاسماه ثم أكل الحالف من نصيب عمرو فذكر الآمدي أنه لا يحنث لأن القسمة إفراز حق لا بيع وهذا لا يقضي أنه يحنث إذا قلنا هي بيع وقال القاضي قياس المذهب أنه يحنث مطلقا لأن القسمة لا تخرجه عن أن يكون زيدا اشتراه عند أصحابنا بأكل ما اشتراه زيد ولو انتقل الملك عنه إلى غيره وفي المعنى احتمال لا يحنث هنا وعليه يتخرج أنه لا يحنث إذا قلنا القسمة بيع ونختم هذه الفوائد بذكر فائدتين بل قاعدتين يكثر ذكرهما في مسائل الفقه وانتشر فروعهما انتشارا كثيرا ونذكر ضوابطهما وأقسامهما العشرون الفائدة الأولى التصرفات للغير بدون إذنه هل تقف على إجازته أم لا ويعبر عنها بتصرف الفضولي وتحتها أقسام القسم الأول أن تدعو الحاجة إلى التصرف في مال الغير أو حقه ويتعذر استئذانه إما للجهل بعينه أو لغيبته ومشقة انتظاره فهذا التصرف مباح جائز موقوف على الإجازة وهو في الأموال غير مختلف فيه في المذهب وغير محتاج إلى إذن حاكم على الصحيح وفي الإبضاع مختلف فيه غير أن الصحيح من المذهب جوازه أيضا وفي افتقاره إلى الحاكم خلاف فأما الأموال فكالتصرف باللقطة التي لا تملك وكالتصديق بالودائع والغصوب التي لا يعرف ربها أو انقطع خبره وقد سبق في القواعد استقصاء هذا النوع ويكون ذلك موقوفا
____________________
(1/483)
فإن أجازه المالك وقع له أجره وإلا ضمنه المتصرف وكان أجره له صرح به الصحابة رضي الله عنهم وأما الإبضاع فتزويج امرأة المفقود إذا كانت غيبته ظاهرها الهلاك فإن امرأته تتربص أربع سنين ثم تعتد وتباح للأزواج وفي توقف ذلك على الحاكم روايتان واختلف في مأخذهما فقيل لأن أمارات موته طاهرة فهو كالميت حكما وقيل بل لأن انتظاره يعظم به الضرر على زوجته فيباح لها فسخ نكاحه كما لو ضارها بالغيبة وامتنع من القدوم مع المراسلة وعلى هذين المأخذين ينبني أن الفرقة هل تبطل ظاهرا وباطنا أو ظاهرا فقط وتبني الاختلاف في طلاق المولى لها وله مأخذ ثالث وهو الأظهر وهو أن الحاجة دعت هنا إلى التصرف في حقه من بضع الزوجة بالفسخ عليه فيصح الفسخ ويزوجها بغيره ابتداء للحاجة فإن لم يظهر فالأمر على ما هو عليه وإن ظهر فإن ذلك موقوف على إجازته فإذا قدم فإن شاء أمضاه وإن شاء رده والقسم الثاني أن لا تدعو الحاجة إلى هذا التصرف ابتداء بل إلى صحته وتنفيذه بأن تطول مدة التصرف وتكثر ويتعدد استرداد أعيان أمواله فالأصحاب فيه طريقان أشهرهما أنه على الخلاف الآتي ذكره والثاني أنه ينفذها هنا بدون إجازة دفعا لضرر المالك بتفويت الربح وضرر المشتري بتحريم ما قبضوه بهذه العقود وهذه طريقة صاحب التلخيص في باب المضاربة وصاحب المغني في موضع منه والقسم الثالث أن لا تدعو الحاجة إلى ذلك ابتداء ولا دواما فهذا القسم في بطلان التصرف فيه من أصله ووقوفه على إجازة المالك وتنفيذه روايتان معروفتان واعلم أن لتصرف الشخص في مال غيره حالتان إحداهما أن يتصرف فيه لمالكه فهذا محل الخلاف الذي ذكرناه وهو نائب في التصرف في ماله بالبيع والإجارة ونحوهما وأما في النكاح فللأصحاب فيه طريقان أحدهما إجراؤه على الخلاف وهو ما قال القاضي والأكثرون والثاني الجزم ببطلانه قولا واحدا وهو طريق أبي بكر وابن أبي موسى ونص أحمد على التفريق بينهما في رواية ابن القاسم فعلى هذا لو زوج المرأة أجنبي ثم أجاز الولي لم ينفذ بغير خلاف كما لو زوجت المرأة نفسها نعم لو زوج غير الأب من الأولياء الصغيرة بدون إذنها أو زوج الولي الكبيرة بدون إذنها فهل يبطل من أصله أو يقف على إجازتها على روايتين ذكر ذلك ابن أبي موسى الحالة الثانية أن يتصرف لنفسه وهو الغاصب ومن يتملك مال غيره لنفسه فيجيزه له المالك فأما الغاصب فذكر أبو الخطاب في جميع تصرفاته الحكمية روايتين إحداهما البطلان والثانية الصحة قال وسواء في ذلك العبادات
____________________
(1/484)
كالطهارة والزكاة والحج والعقود كالبيع والإجارة والنكاح وعلى ذلك جماعة ممن بعده ثم منهم من أطلق هذا الخلاف غير مقيد بالوقف على الإجازة ومنهم من قيده بها كالقاضي في خلافه وابن عقيل وصاحب المغني في موضع من كلامهما فإن أريد بالصحة من غير وقف على الإجازة ووقوع التصرف من المالك وإفادة ذلك للمالك له فهو الطريق الثاني في القسم الثاني الذي سبق ذكره وإن أريد الوقوع للغاصب من غير إجازة ففاسد قطعا في صورة شرائه في الذمة إذا نفذ المال من المغصوب فإن الملك ثبت له فيها نص عليه في رواية المروذي ولا ينافي ذلك قولنا إن الربح للمالك لأنه فائدة ماله ويلزمه فيختص به وإن كان أصل الملك لغيره صرح به القاضي في خلافه ومن فروع ذلك في العبادات المالية لو أخرج الزكاة عن ماله من مال حرام فالمشهور أنه يقع باطلا وحكى عن أحمد أنه إن أجازه المالك أجزأته وإلا فلا ومنها لو تصدق الغاصب بالمال فإنه لا تقع الصدقة له ولا يثاب عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول ولا يثاب المالك على ذلك أيضا لعدم نسبته إليه ذكره ابن عقيل في فنونه ونقل عنه ونقل نحوه عن سعيد بن المسيب ومن الناس من قال يثاب المالك عليه ورجحه بعض شيوخنا هذا الذي تولد من مال اكتسبه فيؤجر وإن لم يقصده كما يؤجر على المصائب التي تولد له خيرا وعلى عمل ولده الصالح وعلى ما ينتفع به الناس والدواب من زرعه وثماره ومنها لو غصب شاة فذبحها لمتعته أو قرانه مثلا فإنه لا يجزئه صرح به الأصحاب ونص عليه أحمد في رواية علي بن سعيد لأن أصل الذبح لم يقع قربة من الابتداء فلا ينقلب قربة بعده كما لو ذبحها للحمها ثم نوى بها المتعة وحكى الأصحاب رواية موقوفة على إجازة المالك كالزكاة ونص أحمد على الفرق بين أن يعلم أنها لغيره فلا يجزيه وبين أن يظنها لنفسه فتجزيه في رواية ابن القاسم وسندي وسوى كثير من الأصحاب بينهما في حكاية الخلاف ولا يصح ومنها لو أنكح الأمة المغصوبة وفي وقفه على الإجازة الخلاف وعلى طريقة أبي بكر وابن أبي موسى هو باطل قولا واحدا ويبعد هاهنا القول بنفوذه مطلقا وبدون إجازة بل هو باطل مخالف لنص السنة ولنصوص أحمد المتكاثرة وأما من يتملك مال غيره لنفسه بعوض أو غيره فيجيزه لمالك فهو شبيه بتصرف الفضولي المحض فيخرج على الخلاف فيه ومن صور ذلك ما إذا قال عبد فلان حر في مالي فأجازه المالك فالمنصوص عن أحمد أنه لا ينفذ وخرج ابن أبي موسى وجها بنفوذه بالإجازة ويلزمه ضمانه
____________________
(1/485)
القسم الرابع التصرف للغير في الذمة دون المال بغير ولاية عليه فإن كان بعقد نكاح ففيه الخلاف السابق وإن كان ببيع ونحوه مثل أن يشتري في ذمته فطريقان أحدهما أنه غير الخلاف أيضا قاله القاضي وابن عقيل في موضع وأبو الخطاب في الانتصار والثاني الجزم بالصحة هاهنا قولا واحدا ثم إن أجازه المشتري له ملكه وإلا لزم من اشتراه وهو قول الخرقي والأكثرين وقال القاضي في موضع آخر وابن عقيل يصح بغير خلاف لكن هل يلزم المشتري ابتداء أو بعد رد المشتري له على روايتين واختلف الأصحاب هل تفتقر الحال بين أن يسمى المشترى له في العقد أم لا فمنهم من قال لا فرق بينهما منهم ابن عقيل وصاحب المغني ومنهم من قال إن سماه في العقد فهو كما لو اشترى له بعين ماله ذكره القاضي وأبو الخطاب في انتصاره في غالب ظني وابن المنى كذا وهو مفهوم كلام صاحب المحرر القسم الخامس التصرف في مال الغير بإذنه على وجه تحصل فيه مخالفة الإذن وهو نوعان أحدهما أن تحصل مخالفة الإذن على وجه يرضى به عادة بأن يكون التصرف الواقع أولى بالرضا به من المأذون فيه فالصحيح أنه يصح اعتبارا فيه بالإذن العرفي ومن صور ذلك ما لو قال بعه بمائة فباعه بثمانين فإنه يصح وكذلك لو قال اشتر لي بمائة فاشترى له بثمانين ومنها لو قال له بعه بمائة نسيئة فباعه بمائة نقدا فإنه يصح ومنها لو قال بعه بمائة درهم فباعه بمائة دينار فإنه يصح على الصحيح وفيه وجه لا يصح لمخالفته في جنس النقد ومنها لو قال بع هذه الشاة بدينار فباعها بدينار وثوب أو ابتاع شاة وثوبا بدينار فإنه يصح قال القاضي هو المذهب ثم ذكر احتمالا أنه يبطل في الثوب بحصته من الشاة لأنه من غير الجنس ومنها لو أمر أن يشتري له شاة بدينار فاشترى شاتين بالدينارين تساوي كل واحد منهما دينارا فإنه يصح لذلك فإن باع إحداهما بدون إذنه ففيه طريقان أحدهما أنه يخرج على التصرف الفضولي والثاني وجها واحدا وهو المنصوص عن أحمد لخبر عروة بن الجعد ولأن ما فوق الشاة المأمور بها لم يتعين أنه صحيح فصار موكولا إلى نظره وما يراه النوع الثاني أن يقع التصرف مخالفا للإذن على وجه لا يرضى به الآذن عادة مثل مخالفة المضارب والوكيل في صفقة العقد دون أصله كأن يبيع المضارب نسئا على قولنا بمنعه منه أو يبيع الوكيل بدون ثمن المثل أو يشتري بأكثر منه أو يبيع نسئا أو بغير نقد البلد
____________________
(1/486)
صرح القاضي في المجرد باستواء الجميع في الحكم فللأصحاب هاهنا طرق أحدها أنه يصح ويكون المتصرف ضامنا للمالك وهو اختيار القاضي في خلافه ومن اتبعه في المخالفة في الثمن لأن التصرف هنا مستند أصله إلى إذن صحيح وإنما وقعت المخالفة في بعض أوصافه فيصح العقد بأصل الإذن ويضمن المخالف لمخالفته في صفته وعلى هذا فلا فرق بين أن يبيع الوكيل بدون ثمن المثل أو يشتري بأكثر منه على المنصوص في رواية ابن منصور ومن الأصحاب من فرق بينهما وأبطله في صورة الشراء كصاحب المغني والسامري ولا فرق أيضا بين أن يقدر له الثمن أو لا على أصح الطريقين وصرح به القاضي وغيره ونص أحمد على ذلك في رواية الأثرم وأبي داود وابن منصور والثاني أنه يبطل العقد مع مخالفته التسمية لمخالفة صريح الإذن بخلاف ما إذا لم يسمه فإنه إنما خالف دلالة العرف ومن قال ذلك القاضي في المجرد وابن عقيل في فصوله وفرق القاضي في خلافه وكثير من الأصحاب بين البيع نسئا وبغير نقد البلد فأبطله فيهما بخلاف نقص الثمن وزيادته وفرقوا بأن المخالفة في النساء وغير نقد البلد وقعت في جميع العقد وفي النقص والزيادة وفي بعضه وفيه ضعف وقد نص أحمد على التفريق بينهما في رواية ابن منصور والطريقة الثانية أن في الجميع روايتين إحداهما الصحة والضمان والثانية البطلان وهي طريقة القاضي في المجرد وابن عقيل وصححا رواية البطلان وتأولا رواية الضمان على بطلان العقد وأن العين تعذر ردها فيأخذ المالك الثمن ويضمن المشتري ما نقص من قيمة السلعة من الثمن وهذا بعيد جدا وهو مخالف لصريح كلام أحمد وحاصل هذه الطريقة أن هذه المخالفة كتصرف الفضولي سواء وظاهر كلام الخرقي في الوقف هاهنا عن الإجازة دون المخالفة لأصل العقد مثل أن يشتري بعين ماله ما لم يأذن له في شرائه فإنه صرح في البطلان هاهنا وجعله كتصرف الفضولي المحض ونص أحمد في رواية عبد الله وصالح فيمن أمر رجلا أن يشتري له شيئا فخالفه كان ضامنا فإن شاء الذي أعطاه ضمنه وأخذ ما دفعه إليه وإن شاء أجاز البيع فإن كان فيه ربح فهو لصاحب المال على حديث عروة والبارقي وهذا نص للوقف بالمخالفة إلا أنه لم يقيده بالمخالفة بالصفة والطريقة الثالثة أن في البيع بدون ثمن المثل وغير نقد البلد إذا لم يقدر له الثمن ولا عين النقد روايتين البطلان كتصرف الفضولي والصحة ولا يضمن الوكيل شيئا لأن إطلاق العقد يقتضي البيع بأي ثمن كان وأي نقد كان بناء على أن الأمر بالماهية الكلية ليس
____________________
(1/487)
أمرا بشيء من جزئياتها والبيع نسئا كالبيع بغير نقد البلد وهذه الطريقة سلكها القاضي في المجرد وابن عقيل أيضا في موضع آخر وهي بعيدة جدا لمخالفته لمنصوص أحمد وكذلك حكم المخالفة في المهر فلو أذنت المرأة لوليها أن يزوجها بمهر سمته فزوجها بدونه فإنه يصح ويضمن الزيادة نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وحكى الأصحاب رواية أخرى أنه يسقط المسمى ويلزم الزوج مهر المثل وكذا لو لم يسم المهر فإن الإطلاق ينصرف إلى مهر المثل ويستثنى من ذلك الأب خاصة فإنه لا يلزم في عقده سوى المسمى ولو لم تأذن فيه أو طلبت تمام المهر نص عليه في رواية مهنا وأما المخالفة في عوض الخلع إذا خالع وكيل الزوجة بأكثر من مهر المثل أو وكيل الزوج بدونه فيه ثلاثة أوجه البطلان وهو قول ابن حامد والقاضي والصحة وهو قول أبي بكر ومنصوص أحمد والبطلان بمخالفته وكيله والصحة بمخالفته وكيلها وهو قول أبي الخطاب ومع الصحة يضمن الوكيل الزيادة والنقص وهذا الخلاف من الأصحاب منهم من أطلقه مع تقدير المهر وتركه ومنهم من خصه بما إذا وقع التقدير فأما مع الإطلاق فيصح الخلع وجها واحدا وفيه وجهان آخران ذكرهما القاضي أحدهما يبطل المسمى ويرجع إلى مهر المثل والثاني يخير الزوج بين قبول العوض ناقصا ولا شيء له غيره ويسقط حقه من الرجعة وبين رده على المرأة ويثبت له الرجعة وفي مخالفته وكيل الزوجة وجه آخر أنه يلزمها أكثر الأمرين من المسمى ومهر المثل ذكره ابن البنا القسم السادس التصرف للغير بمال المتصرف مثل أن يشتري بعين ماله سلعة لزيد ففي المجرد يقع باطلا رواية واحدة ومن الأصحاب من خرجه على الخلاف في تصرف الفضولي وهو أصح لأن العقد يقف على الإجازة ويعتبر الثمن من ماله يكون إقراضا للمشتري له أو هبة له فهو كمن وجب لغيره عقد في ماله فقبله الآخر بعد المجلس وقد نص أحمد على صحة مثل ذلك في النكاح في رواية أبي طالب والصحيح في توجيهها أنها من باب وقف العقود على الإجازة وهو مأخذ ابن عقيل وغيره فعلى هذا لا فرق في ذلك بين عقد وعقد فكل من أوجب عقد الغائب عن المجلس فبلغه فقبله فقد أجازه وأمضاه ويصح على هذه الرواية ويرى أبو بكر رواية أخرى أنه لا يصح إلا في مجلس واحد واختارها الحادية والعشرون الفائدة الثانية الصفقة الواحدة هل تتفرق فيصح بعضها دون بعض أم لا فإذا بطل بعضها بطل كلها في المسألة روايتان أشهرهما أنها تتفرق وللمسألة صور
____________________
(1/488)
أحدها أنه يجمع العقدين ما يجوز العقد عليه وما لا يجوز بالكلية إما مطلقا أو في تلك الحال فيبطل العقد فيما لا يجوز عليه العقد بانفراده وهل يبطل في الباقي على الروايتين ولا فرق في ذلك بين عقود المعاوضات وغيرها كالرهن والهبة والوقف ولا بين ما يبطل بجهالة عوضه كالمبيع وما لا يبطل كالنكاح فإن النكاح فيه روايتان منصوصتان عن أحمد غير أن صاحب المغني اختار أن البيع إذا كان الثمن منقسما عليه بالقيمة كعبدين أحدهما مغصوب أنه لا يصح العقد فيهما تعليلا بجهالة العوض بخلاف ما يقسم الثمن عليه بالأجزاء كقفيز من صبرة واحدة وهذا مأخذ البطلان وراء تفريق الصفقة كما لو قالوا فيما إذا باع معلوما ومجهولا إنه لا يصح رواية واحدة لجهالة الثمن فهذا هو المانع هنا من تفريقهما وفي التلخيص أن للبطلان في الكل مأخذين أحدهما كون الصفة لا تقبل التجزئة والانقسام والثاني جهالة العوض قال فعلى الأول يطرد الخلاف في كل العقود وعلى الثاني لا يطرد فيما لا عوض فيه أو لا يفسد بفساد عوضه كالنكاح قال على الأول لو قال يقبل كل واحد بكذا لم يصح ويصح على الثاني انتهى ثم إنه حكى في تعدد الصفقة تفصيل الثمن وجهين وصحح بعددها فعلى هذا يصح في قوله يقبل كل واحد بكذا على المأخذين ثم أنه اختار أن المتبايعين إن علما أن بعض الصفقة غير قابل للبيع لم يصح رواية واحدة لأنهما دخلا على جهالة الثمن وإن جهلا ذلك فهو محل الروايتين لأن الجهل بمثل ذلك تأثير في الصحة كما لو شرى المبيع الذي لا يسقط أرشه بعد العتق وهذا ضعيف فإن البائع علم بالعيب في العقد ولا يمنع الصحة وكذا في بيع النجش واختار البائع بزيادة على الثمن عمدا فإن البيع يصح في ذلك كله ويسقط بعض الثمن وهاهنا طريقة ثانية لدفع جهالة الثمن وهي تقسيطه على عدد المبيع لا على القيم ذكره القاضي وابن عقيل وجها في باب الشركة والكتابة من المجرد والفصول فيما إذا باع عبدين أحدهما له والآخر لغيره أن الثمن يتقسط عليهما نصفين كما لو تزوج امرأتين في عقد وهذا بعيد جدا ولا أظن يطرد إلا فيما إذا كان جنسا واحدا وذكر في باب الضمان من كتابيهما طريقة ثالثة وهي أنه يمسك ويصح العقد عليه بكل الثمن أو يرده وهذا في غاية الفساد اللهم إلا أن يخص هذا بمن كان عالما بالحال وأن بعض المعقود عليه لا يصح العقد عليه فيكون قد دخل على بذل الثمن في مقابلة ما يصح عليه العقد خاصة كما نقول فيمن أوصى لحي وميت يعلم موته بشيء أن الوصية كلها للحي ولبعضهم طريقة أخرى في المسألة وهي إن كان مما لا يجوز عليه العقد غير قابل للمعاوضة
____________________
(1/489)
بالكلية كالطريق بطل البيع لأنه غير قابل للتحول بالكلية وقياسه الخمر وإن كان قابلا للصحة ففيه الخلاف ذكره الأزجي ولا يثبت ذلك في المذهب وعلى القول بالتفريق فللمشتري الخيار إذا لم يكن عالما بتبعيض الصفقة عليه وله أيضا الأرش إذا أمسك بالقسط فيما ينقص بالتفريق كالعبد الواحد والثوب الواحد ذكره صاحب المغني في الضمان الصورة الثانية أن يكون التحريم في بعض أفراد الصفقة ناشئا من الجمع بينه وبين الآخر فهاهنا حالتان إحداهما أن يمتاز بعض الأفراد بمزية فهل يصح العقد بخصوصه أم يبطل في الكل فيه خلاف والأظهر صحة المزية فمن أمثلة صور ذلك ما إذا اجتمع عقد نكاح بين أم وبنت فهل يبطل فيهما أو يصح في البنت لصحة ورود عقدها على عقد الأم من غير عكس على وجهين ومنها لو جمع حر واجد للطول أو غير خائف للعنت بين حرة وأمة في عقد ففيه روايتان منصوصتان إحداهما يبطل النكاحان معا الثانية يصح نكاح الحرة وحدها وهي أصح لأنها تمتاز بصحة ورود نكاحها على نكاح الأمة من غير عكس فهي كالبنت مع الأم وأولى لجواز دوام نكاح الأمة معها على الصحيح أيضا ومنها أن يتزوج حر خائف للعنت غير واجد للطول حرة تعفه بإفرادها وأمة في عقد واحد وفيه وجهان أحدهما يصح نكاح الحرة وحدها وهو ظاهر كلام القاضي في المجرد لأن الحرة تمتاز على الأمة بصحة ورود نكاحها عليها فاختصت بالصحة والثاني يصح نكاحهما معا قال القاضي وأبو الخطاب في خلافيهما لأن له في هذه الحال قبول نكاح كل واحدة منهما على الانفراد فيصح الجمع بينهما كما لو جمع بين أمة ثم حرة والأول أصح لأن قدرته على نكاح الحرة تمنعه من نكاح الأمة بمقارنة نكاح الحرة أولى بالمنع أما إذا كان المتزوج عبدا وقلنا بمنعه من نكاح الأمة على الحرة التي تعفه ففيه وجهان أحدهما أنه كالحر سواء قاله القاضي في الجامع وصاحب المحرر والثاني يصح جمعه بينهما في عقد بغير خلاف و وصاحب المغني لأن العبد لا تمنعه القدرة على نكاح الحرة من نكاح الأمة مقارنة نكاحهما وإنما يمنع بسبق نكاح الحرة الحالة الثانية أنه لا يمتاز بعضها عن بعض بموته فالمشهور البطلان في الكل إذ ليس بعضها أولى ببعض في الصحة مثل أن يتزوج أختين في عقد أو خمسا في عقد فالمذهب البطلان في الكل نص عليه أحمد في رواية صالح وأبي الحارس ونقل عنه ابن منصور إذا
____________________
(1/490)
تزوج أختين في عقد يختار إحداهما وتأوله القاضي على أنه يختارها بعقد مستأنف وهو بعيد وخرج القاضي فيما إذا زوج الوليان من رجلين وقعا معا أنه يقرع بينهما فمن أقرع له فهي زوجته ويخرج هنا أمثلة الصورة الثالثة أن يجمعا في صفقة شيئين يصح العقد فيهما أم يبطل العقد في أحدهما قبل استقراره فإنه يختص بالبطلان دون الآخر قال القاضي وابن عقيل رواية واحدة لأن التفريق وقع هنا دواما لا ابتداء والدوام أسهل من الابتداء ومع هذا فقد حكموا فيما إذا تفرق المتصارفان عن قبض بعض الصرف أنه يبطل العقد فيما لم يقبض وفي الباقي روايتان تفريق الصفقة وهذا تفريق في الدوام إلا أن يقال القبض في الصرف شرط لانعقاد العقد لا لدوامه وأن العقد مراعى بوجوده صرح به جماعة من الأصحاب فيكون التفريق حينئذ في الابتداء غير أن القاضي حكى الخلاف في تفريق الصفقة في السلم والصرف تصريحه في المسألة بأن القبض شرط للدوام دون الانعقاد وهذا يقتضي ولا بد تخريج الخلاف في تفريق الصفقة دواما قبل استقرار العقد وذكر أبو بكر الشامي أن مال الزكاة إذا بيع ثم أعسر البائع بالزكاة فللساعي الفسخ في قدرها فإذا فسخ في قدرها فهل ينفسخ الباقي يخرج على روايتي تفريق الصفقة وهذا تصريح بإجراء الخلاف في التفريق في الدوام فإن انفسخ هنا بسبب سابق على العقد فلا يستقر العقد معه فهذا في البيع ونحوه فأما في النكاح فإن طرأ ما يقتضي تحريم إحدى المرأتين بعينها كردة ورضاع واختصت بانفساخ النكاح وحدها بغير خلاف وإن طرأ ما يقتضي تحريم الجمع بينهما فإن لم يكن لأحديهما مزية بأن صارتا أما وبنتا بالارتضاع فروايتان أصحهما يختص الانفساخ بالأم وحدها إذا لم يدخل بهما لأن الاستدامة أقوى من الابتداء فهو كمن أسلم على أم وبنت ولم يدخل بهما فإنه يثبت نكاح البنت دون الأم والله أعلم وجد في آخر النسخة ما نصه الحمد لله كثيرا بلا انتهاء وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم تمت القواعد بتجديد مالكها الفقير إلى الله تعالى محمد بن أحمد سيف الحنبلي غفر الله له ولوالديه ومشايخه في الدين آمين
____________________
(1/491)