بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
... إن الحمد لله رب العالمين ، حمداً كثيراً طيباً ، على نعمه التي أنعم علينا بها ، ثم الصلاة والسلام على من أرسل هادياً للعالمين ، فبلغ الرسالة وبين طريق الهداية ونصح للأمة ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
... وبعد .....
... جاء الإسلام ـ كما الأديان الربانية من قبله ـ ليأخذ بيد البشرية من الغرق في الظلمات الدنيوية إلى النجاة في نور الهداية والاستقامة الربانية ، وليغير من حياة الفساد والانحراف إلى حياة الصلاح والنماء والسعادة الدنيوية والأخروية ، متخذاً في ذلك مناهج ربانية ، تعالج أمراض الإنسان في أي زمان ومكان ، وتغير من حياته بدون عنت أو مشقة لا تحتمل .
ومنذ بدء الرسالة الإسلامية ـ وعلى مرِّ العصور المتعاقبة ـ شهدت المجتمعات التي دانت بها ، الاستقرار والتطور والريادة في مختلف المجالات ، ولم يشكو عصر أو جيل من تلك الأجيال من عدم صلاحية الأحكام القرآنية والسنية لزمانه أو عدم معالجتها لمشكلاته ، بل كان يستلهم كل جيل من القرآن الكريم والسنة النبوية ما يقيم به أوجه الحياة المختلفة ترسيخاً لأخلاق فاضلة ، أو مزيدَ ترابطٍ بين قطاعات المجتمع ، أو تقويماً لسلطان وساسة ، أو حفزاً للإنتاج والتقدم والنماء .
وفي عصور متأخرة ـ عصرنا لها نموذجاً ـ بدأت بعض الأصوات الناشزة ، تدَّعي أن العصر الجديد في تطوره التكنولوجي والتقني يحتاج إلى فكر جديد ، لا يتصل بماض انقضى ، ولا يعتمد على أصول جاءت في قرون مضت ، وأن المجتمعات والشعوب عليها أن تلتزم روح العصر لافظةً كل قديم وعتيق في الفكر والاعتقاد ، وأن الرجعية الفكرية تتمثل في التمسك بتعاليم لم توجد في هذا العصر .(1/1)
إن هذه الدعوى ـ التي لا برهان عليها ـ عمّت الكثير من المجتمعات في العالم غير المسلم ، وراقت لبعض أهل الإسلام كذلك ، الذين فتنوا ببريقها الزائف ، وأصبح الجدل والتحاور يدور حول معاصرة الأحكام الإسلامية ، ومدى معالجتها لمشكلات الواقع ، ومن ثم فقد أصبح بعض أعداء الإسلام أو الذين لا يعرفونه ، يزعمون عداوةً أو جهلاً ، أن الأحكام الإسلامية تراث لا ينبغي الرجوع إليه ، وماض لا يفيد إلا النظر والاعتبار .
هذا البحث عبارة عن ملامح وإشارات ، القصد منها دحض مثل تلك المزاعم ، وبيان الوهم الذي فيها ، وسوء الفهم الناتج عنها . ثم هو كذلك محاولة لإيضاح صلاحية هذه الرسالة الربانية الخالدة لكل زمان وحال ، ومواءمة أحكامها لمعالجة معضلات الحياة في هذا العصر وفي العصور القادمة .
وأسأله تعالى القبول والرضا ....
...
المبحث الأول
مفهوم التراث والمعاصرة
مفهوم التراث :(1/2)
... التراث في اللغة هو الميراث أو ما تُرك للورثة من مال أو حسب (1) ، والواضح من عبارات أهل المعاجم أن الميراث لا يتحقق إلا بوفاة صاحب المال أو صاحب التركة (2) . وهذا المعنى هو المستخدم شرعاً ، فإن الميراث هو ما يتركه الميت لورثته ، ومنه قوله تعالى : ( .... وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ) (3) ، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما دخل على سعد ابن أبي وقاص يعوده بمكة ووجده يبكي : ( ما يبكيك ؟ ) قال : قد خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اللهم اشف سعداً ، اللهم اشف سعداً ) ، ثلاث مرات ، قال : يا رسول الله إن لي مالاً كثيراً وإنما يرثني ابنتّي أفأوصي بمالي كله ؟ قال : ( لا ) قال : فبالثلثين ؟ قال : ( لا ) ، قال: فالنصف ؟ قال : ( لا ) قال : فالثلث ؟ قال : ( الثلث والثلث كثير ، إن صدقتك من مالك صدقة ، وإن نفقتك على عيالك صدقة ، وإن ما تأكل امرأتك من مالك صدقة ، وإنك أن تدع أهلك بخير ـ أو قال بعيش ـ خير من أن تدعهم يتكففون الناس) (4) .
__________
(1) ) انظر لسان العرب (2/200) ، والمصباح المنير( 2/654) ، والمعجم الوسيط 2/1024) .
(2) ) انظر لسان العرب (10/405) ، والمطلع على أبواب المقنع (1/305) .
(3) ) النساء: من الآية12
(4) ) صحيح مسلم (3/1253) ، كتاب الوصية باب الوصية بالثلث .(1/3)
... والواضح من الاستعمال الاصطلاحي الحديث للفظ التراث أنه مأخوذ من المعنى اللغوي ، فغالباً ما يقصد به المتروك من الثقافة أو الفكر أو غير ذلك مما تركه السلف والأجداد للأجيال التي تَلَتْهم ، ومع هذا فأنه يصعب توصيف المراد بالتراث تحديداً بناء على الفترة الزمنية ، فالبعض قد يعتبر ما تُرك من القرن السابق تراثاً ، وآخرون قد يعتبرون التراث ما مضى عليه أكثر من ذلك ، وقد يجنح البعض إلى اعتبار أن ما تُرك قبل سنوات قليلة تراثاً ، وفي كل الأحوال فإن مفهوم التراث يدور حول ما تُرك من عصور أو فترات زمنية سابقة ـ بغض الطرف عن تحديد مقدارها ـ من قيم أو فكر أو ثقافة أو أدب أو غير ذلك ، سواءً كان هذا التراث محفوظاً في مصنفات أو منقولاً رواية جيلاً عن جيل .
... وإذا كان هذا هو المعنى المقصود بالتراث فلا غبار عليه ، وهو متفق عليه بين المفكرين والعقلاء وغيرهم ، ولكن بيت القصيد أن البعض يلقون على هذا المعنى دلالات وظلالاً أخرى ؛ فيعتبرون أن التراث ـ وإضافة إلى أنه من الماضي ـ هو ما انتهت فائدته ، وانقضت ثمرته ، وأصبح لا قيمة له إلا القراءة والاطلاع ، من باب أنه أحداث قد ولّى زمانها ، وغدت تاريخاً يذكِّر فقط بتلك الحقب والحضارة التي كانت سائدة فيها ، وعلى هذا فإنهم يعتبرون أن من يتمسك بأي فكرة أو قيمة موروثة عن أسلافه ، هو رجعي تخلف عن ركب الزمن المعاصر والحضارة الحديثة .(1/4)
... إن استعمال لفظ التراث للدلالة على الرجعية الفكرية والتخلف الذهني هو مجانبة للمنطق القويم والبرهان السليم ، بل هو جدل مدحوض بالواقع الحديث الذي كان التراث فيه في كثير من الأحيان مصدر إلهام وأساس بناء وقوام فكر ؛ فالتراث نوعان : تراث تاريخي ، يروي أحداثاً مضت ، لا يستفاد منها إلا القراءة التاريخية للتأمل واستنباط العبر والعظات ، وهذا هي الفائدة الأساسية له ، والنوع الثاني : التراث الفكري ، وهو الثقافة والقيم والأفكار الفاضلة والصالحة ، التي وُرثت عن سلف متميز عقلاً وروحاً ، وهذا النوع لا يمكن لعاقل أن ينكر أهمية الاستفادة منه والبناء عليه أو العمل به ، فكم من نظريات فكرية ، أو علمية أو تربوية ما زالت الأجيال حتى الآن تتبعها منهجاً ، أو تُؤسس عليها معرفة أو تَبْنى منها حضارة ، بل مازالت بعض الحضارات الحديثة تُمَجِّد ثلة من أصحاب تلك النظريات والأفكار لسبقهم ونتاجهم الذي أضاف للإنسانية ما يصلحها ويزيد في تقدمها .
... ومن هنا لابد من الإقرار أن التراث إذا كان مصدر تأملات أو استنباطات، أو كان عبارة عن علم وقيم ترفع من شأن المجتمعات وتعلي من بنائها فإنه أساساً من الضروري التمسك به والبحث في بحاره ، وأن الانفصال عن مثل هذا التراث هو عبارة عن تخلف فكري ، ومنهج منحرف لا يقدم البشرية ولا يطوِّرها ، لأن هذا معناه أن يبدأ كل جيل بداية جديدة في كل جوانب الحياة ولا يلتفت أبداً إلى عصارة أذهان من سبقوه ، وبالتالى لن تراوح الأمم والحضارات مكانها ، مَثَل ذلك مثل البناء الذي كل ما أتي إليه بانٍ جديد ، هدم ما بُنِيَ قبله ، وهكذا فلن يكتمل هذا البناء يوماً .(1/5)
... وبعبارة أخرى فإن التطور والارتقاء مرتبط بأخذ المحاسن والفوائد التي تركها لنا من قبلنا ، والاستفادة منها تطويراً وتحديثاً ، والمجتمعات اليوم ـ المتخلف منها والمتطور ـ ترتكز في البناء على ما أنتجته حضارات سابقة وعقول ماضية ، بل كل أصناف التنمية والتقدم والفكر والسلوك هي بناء فوق بناء ، تتوارثه الأجيال طبقة عن طبقة ، وتبني عليه لبنة بعد لبنة .
مفهوم المعاصرة :
... المعاصرة في اللغة مشتقة من العصر ، وهو الدهر (1) أو الزمن ، وعاصر فلاناً معاصرة وعِصاراً أي كان معه في عصر واحد ، أو أدرك عصره (2) .
... وقد استعمل علماء الشريعة "المعاصرة" بنفس المعنى اللغوي ، حيث يشيرون إلى معاصرة فلان لفلان ، ويقصدون بذلك وجود الأفراد في عصر واحد (3) . كما استعمل بعضهم المعاصرة بمعنى الزمن الحديث الذي هم فيه (4) ، وفي كل الأحوال فإن استعمالهم لا يخرج عن المعنى اللغوي .
... إن استعمال لفظ "المعاصرة" بالمعنى المشار إليه فيما سبق ، لا يشوبه أي اعتراض أو دخن ، ولكن المشكلة المحورية هي استعمال البعض في العصر الحاضر لفظ " المعاصرة " للدلالة به على معانٍ أخرى إضافية ، لا تفهم من دلالة اللفظ ولا يحتملها معناه ؛ ومن هذه المعاني :
? إن المعاصرة هي مواكبة الحضارة الحديثة وقيمها بغض النظر عن ما تحمله من قيم أو مبادئ أو أياً كانت مصادرها .
__________
(1) ) انظر القاموس المحيط (1/566) .
(2) ) انظر تاج العروس (13/73) .
(3) ) انظرتحفة الأحوذي (7/371) و مرقاة المفاتيح (1/63) و الباعث الحثيث (1/103) و التقرير والتحبير (2/340) و حاشية العطار على جمع الجوامع (2/96) و تاريخ ابن خلدون (2/280) .
(4) ) انظر الفروق (1/323) و إعلام الموقعين (3/78) و تفسير البحر المحيط (5/260) .(1/6)
? أن المعاصرة هي التخلي والتجاهل لكل المورثات التي تركها السابقون ممن انقضت أيامهم وذهبت أزمانهم ، والتمسك والعمل بما هو موجود في العصر الحالي ، مهما اختلف مع ما هو موروث عن الأسلاف .
? أن المعاصرة هي تطبيق الأحكام والمقاييس العقلية على كل القيم والمعتقدات ، وبالتالي رفض كل ما لا يقبله العقل .
? أن المعاصرة هي عدم النظر أو الأخذ بما كان سائداً في عصور سابقة ، ويشمل هذا كل القيم والاعتقادات .
والمتأمل للمعاني السابقة يلاحظ الآتي :
- أن هذه المعاني زائدة أو مختلفة عن المعنى اللغوي ، وبالتالي فإن هذا الاستعمال هو أقرب للاصطلاح الحديث منه من الاستعمال اللغوي القديم .
- أن المعاصرة هي رفض لكل المورثات ، سواءً كانت حضارة أو قيماً أو معتقدات ، وفي هذا رفض مبطن ـ وتارة يكون صريحاً ـ للأديان السماوية وما جاءت به من تعاليم وشرائع .
وعلى هذا فإن من يستعمل المعاصرة وفقاً للدلالات والمفاهيم المذكورة آنفاً ، يعتبر الدين الإسلامي أفكاراً وقيماً لا تواكب العصر الحديث ولا تلبي حاجته الفكرية والعلمية ، وانطلاقاً من هذا المبدأ يكون من الضروري التخلي عنه وعدم التمسك بما جاء به ، وأن من يلتزم المعتقدات والقيم الإسلامية رجعي متخلف عن ركب الحضارة المعاصرة والحديثة .(1/7)
إن هذا المفهوم ليس بحاجة إلى بسطٍ من القول ليرد أو يبين انحرافه ، إذ أن أحد قواعده التي انطلق منها المقابلة بين مفهومي التراث والمعاصرة ، واعتبارهما طرفي نقيض لا يجتمعان ، والمجتمع إما أن يكون معاصراً متجرداً عن كل الموروثات ، أو أن يكون تراثياً يتسم بتمسكه بماضٍ لا يُحفل له في عصر حديث متقدم . والحقيقة التي ينبغي الالتفات إليها أنه ليس هناك مجتمع أو حضارة حديثة لا ماضٍ لها أو أصول بُنيت عليها ، فلا يقوم بناء بلا قواعد ، ولا تكتمل أفكار دون تواصل فكري بين سلف مؤسس ، ومعاصر مبدع متمم ، وعليه فإن المقابلة بين التراث والمعاصرة واعتبارهما متناقضين ادعاء لا يؤيده برهان .
المبحث الثاني
الفقه الإسلامي بين التراث والمعاصرة
تعريف الفقه وموضوعه واستمداده :
... الفقه في اللغة الفهم (1) ، والعلم (2) ، وقد يطلق على معنى أعمق من الفهم ، فيُعرّف بأنه حسن الإدراك (3) .
... وأما في الاصطلاح فقد عُرِّف بعدد من التعريفات المتقاربة ، منها الآتي :
- (معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بالفعل أو القوة القريبة ) (4) .
- ( هو الأحكام الفقهية ) (5) .
- (العلم بالأحكام الشرعية ) (6) .
- (الفقه هو المعرفة بأحكام الشريعة من القرآن ومن كلام المرسل بها الذي لا تؤخذ إلا عنه ) (7) .
- (الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية ) (8) .
- (العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية ) (9) .
__________
(1) ) انظر المصباح المنير (2/479) .
(2) ) انظر لسان العرب (13/522) .
(3) ) انظر المعجم الوسيط (2/698) .
(4) ) شرح منتهى الإرادات (1/9) .
(5) ) انظرالمصدر السابق نفسه ( 1/9) .
(6) ) البرهان في أصول الفقه (1/79) .
(7) ) الإحكام لابن حزم (5/119) .
(8) ) شرح التلويح على التوضيح (2/301) .
(9) ) حاشية قليوبي (1/6) .(1/8)
ولعل هذه التعريفات متقاربة في المعنى وفي الدلالة على علم الفقه ، وأما الترجيح بينها وإخراج محترزات كل تعريف فالأنسب عدم الخوض فيه في مثل هذا المقام ، إذ ليس هو أحد أغراض البحث .
... وأما موضوع الفقه فهو أفعال العباد أو المكلفين من حيث تعلق تلك الأحكام بها (1) .
وأما استمداده فمن القرآن الكريم والسنة النبوية (2) ، فهما مصدرا التشريع اللذان يأخذ منهما المجتهدون الأحكام التفصيلية فهماً من النص ، أو استنباطاً من القواعد التي دلت عليها جملة الآيات والأحاديث النبوية .
... إن تعريف الفقه لغة واصطلاحاً وموضوعه واستمداده ، تظهر جميعها الحدود والإطار العام لهذا العلم عالي المنزلة ، بل وتبين ما يحمله من ثوب متجدد مع الحياة ، توجيهاً لسلوكها ، ومعالجة لقضاياها . فهو أولاً فهم عميق وإدراك حسن للقرآن الكريم والسنة النبوية والأحكام التي استخرجت منهما ، وبالتالي معرفةً لمقاصد الشرع المرتبطة بمصلحة البشرية إلى قيام الساعة ، حيث دل على ذلك استقراء الشريعة و نص عليه علماء الإسلام (3) ، وهو بذلك رحلة مع الإنسانية في كل عصورها وأحوالها . ثم هو علم مرتبط تمام الارتباط بحياة الناس وأعمالهم وتصرفاتهم ، وليس هذا فقط قصراً على عصور مضت أو أيام خلت ، وإنما هو متصل بالناس في كل عصر وجيل ، وبرهان ذلك الفتاوى التي ما زالت تصدر عن العلماء والمجامع الفقهية في أنحاء العالم المختلفة ، ما كان منها في العالم الإسلامي أو غيره .
المقاصد العامة لعلم الفقه :
__________
(1) ) انظر شرح منتهى الإرادات (1/9) ، و درر الحكام شرح مجلة الأحكام (1/16) .
(2) ) انظر حاشية قليوبي (1/6) .
(3) ) ومنهم على سبيل المثال الإمام السبكي ، انظر الإبهاج للسبكي (3/62) ، والإمام الشاطبي ، انظر الموافقات (2/6) ،
والإمام ابن القيم ، انظر إعلام الموقعين (3/3) .(1/9)
... لقد جاءت الشريعة الإسلامية ـ كما تقدم ذلك ـ لرعاية مصالح الناس في الدنيا والآخرة ، ومن أركان علوم الشريعة علم الفقه ، فهو يرمي إلى تحقيق الاستقرار في كل جوانب الحياة من أجل إسعاد البشرية ، بوضع الحدود وبيان الحقوق والواجبات لكل أفراد المجتمع وجماعاته ، وبذلك فإن وصف علم الفقه بأنه علم معاصر هو إنقاص لمكانته وتقليل من أهميته ، إذ علم الفقه علمٌ للأجيال السابقة والعصور السالفة ، وهو بالتأكيد علم للأجيال المعاصرة ، وفوق ذلك هو علم المستقبل بكل ما يحمله من متغيرات ومعطيات ، لا يدري أهل العصر الحاضر ما هي مكوناتها ولا كيف سيتعاملون معها ، وعلى هذا يمكن إجمال مقاصد هذا العلم في الآتي :
? يرمي علم الفقه إلى توجيه الإنسان وغاياته في هذه الحياة نحو رضاء الله تبارك وتعالى ، وبهذا فهو طريق للفوز الدنيوي والأخروي ، وما حياة الضنك التي تعيشها العديد من المجتمعات أو الأفراد في هذا العصر إلا نتاج لضلال الغايات أو انحرافها ، حيث يسير الأفراد في طرق لا يدرون نهاياتها ولا منتهى غاياتها ، ولا يعرفون غاية لحياتهم سوى كسب دنيوي زائل ، تتجاذبهم الشهوات والملذات ، يسعون لإشباعها حتى وإن أدت إلى دمار المجتمع وهلاك الحياة .
? وعلم الفقه ببيانه للعبادات المفروضة والمسنونة يهدف إلى تزكية النفس الإنسانية ، والسمو بها في مقامات الطهر والأخلاق والآداب ، التي تجعل من الفرد نموذجاً صالحاً في أسرته ومجتمعه ، فيكون نفعاً ترتقي به الأمة وتسعد بوجوده .(1/10)
? ومن أهم المقاصد لهذا العلم الرباني ، وضع الحدود التي تنتظم بها الحياة ، وبيان الحقوق والواجبات التي تكفل لكل فرد أو جماعة حياة خالية من المشكلات والخلافات والملاحقات ، في كل الحوانب الاقتصادية أو السياسية أو غيرها ، فإن من أكثر ما يعكر صفو مجتمعاتنا المعاصرة الاعتداءات المستمرة على حقوق الغير ، وضروب من الفساد الإداري والمالي المتمدد في أوصال الحكومات والمؤسسات والمجتمعات ، ونتاج ذلك عصف من الاقتتال والاختلاف والتنازع المتواصل الذي يسلب الحياة طعم الأمن والاستقرار .
? وأما في الجوانب الاجتماعية فإن علم الفقه ثري بالقواعد والضوابط والأحكام التي تحفظ الحقوق الاجتماعية بين الأسر والأفراد والجماعات ، وفي ثنايا تلك الضوابط والقواعد الحدود الرامية إلى حفظ المجتمع من التفكك والضياع والانحراف ، وفيها الترابط الذي يجعل منه جسداً واحداً ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
إن هذه المقاصد عبارة عن إشارات مجملة لكثير من الغايات التفصيلية المتحققة بتطبيق الأحكام الفقهية ، فإن الأمم لا ترتقي لأن تكون أمة ذات حضارة إلا إذا كانت لها أسساً وقوانين وأحكاماً يحتكم لها أفرادها ، وتلتزمها جماعاتها ؛ وهذا هو شأن كل الحضارات التي كان لها أثر في تاريخ الإنسانية . والتاريخ المعاصر يزخر بالدعوات التي تطلقها المنظمات أو الهيئات ـ دولية أو طوعية أو حكومية ـ تنادي بوضع الأحكام والقوانين التي تحفظ الحقوق الإنسانية ـ كحقوق الطفل و المرأة مثلاً ـ أو تنظم العلاقات بين المجتمعات والدول ؛ وكل ذلك من أجل استقرار وأمن ورفاهية تولد لتنتفع منها الأمم المعاصرة والمستقبِلة .(1/11)
والخلاصة أن أفضل القوانين والأحكام والنظم على الإطلاق ، هي التي تهتم بتنظيم حياة الناس في كل جوانبها ، بتفصيل لا يترك ما يعكر حياة فرد أو جماعة ، وبشمول يغطي مفاصل الحياة في الاقتصاد والاجتماع والحكم ، وبمرونة تستوعب المستجدات والأحداث المتعاقبة في كل عصر وفي كل جيل ؛ ولا تتوفر مثل هذه الخواص والميزات في قانون أو نظام على وجه هذه البسيطة إلا في الفقه الإسلامي ؛ إذ أن مصدره هو العليم بما خلق وبما يصلحهم في دنياهم وأخراهم ، والناظر في علم الفقه وأبوابه يدرك هذه الحقيقة بكل وضوح .
صلاحية الأحكام الفقهية للتطبيق في كل العصور :
... صلاحية الفقه للتطبيق في كل زمان وحال ليست ادعاء مجرد عن البرهان والدليل ، وليست هي دعوة مدفوعة بعاطفة قلبية تخلو من الشواهد والأمثلة الدالة على صدق المُدَّعَى ؛ بل إذا أراد المتجردون لإثبات هذه الصلاحية حشد الأدلة والبراهين لَمَا كفتهم حياتهم لإتمام ذلك ؛ لأن في كل يوم تشرق فيه الشمس دليل جديد على حاجة الأمم والشعوب للفقه الإسلامي منظماً لحياتهم ، وحادياً لأرواحهم.
إن من أهم الخصائص التي اختص بها الفقه خاصيتان : الأولى ما يمكن أن نعبر عنها بالمرونة ، والثانية الشمول ، وفي ما يلي نستعرض بعضاً من الأدلة والشواهد التي تثبت هذه الخصائص :
الخاصية الأولى : المرونة :(1/12)
... في بداية الحديث عن هذه الخاصية لا بد لنا من استجلاء معناها وتوضيح مفهومها ، حتى لا يفهم غير المقصود منها . فليست المرونة هي تغيير الأحكام الفقهية بدون ضابط أو حد ، فتكون تبعاً لهوى المكلف ورؤيته ، وليست هي قابلية لتغيير الحكم الفقهي دون دليل ومستند شرعي ؛ وإنما المرونة يقصد بها هنا ما شرعه الإسلام من أحكام تراعي الواقع وحال المكلف ، وذلك بمقتضى الدليل الشرعي المعتبر عند علماء الشريعة . وليست كل الأحكام يطرأ عليها التغيير ؛ فهناك الأصول الثابتة التي لا تتغير ، والتي لا تتأثر بواقع و حال المكلف ، مثل قضايا الإيمان والاعتقاد وأصول الأخلاق ، إذ أنها تناسب كل الأحوال وكل العصور بدون استثناء .
... وإذا اتضح القصد من مرونة الفقه الإسلامي ، فهذه بعض الأدلة التي توضح ذلك :
أولاً : مراعاة الأحكام للواقع والحال :
... لقد جاءت رسالة الإسلام والجزيرة العربية ترزح تحت الجهل والضلال ، وتعصف بها الانحرافات في الاعتقاد والسلوك ، إلا من بعض الأخلاق والقيم الموروثة عن ملة إبراهيم عليه السلام ، أو أمْلَتْها عليهم فطرهم السليمة وعقولهم الراجحة . ومثل هذا الواقع كان يحتاج إلى حكمة ربانية ، تأخذه من ذلك الحال إلى رحابة الصلاح والاستقامة ، وتغير مظهر الحياة وجوهرها المشوه بمس الشيطان ، إلى جمالٍ مستمد من النهج الرباني الهادي إلى الصراط المستقيم ، وعلى هذا جاء الإسلام منيراً للطريق ، ومخرجاً للبشرية من الظلمات إلى النور .(1/13)
... إن الإسلام عندما أراد أخذ هذه الأمة إلى النور والهداية ، انتهج نهجاً راعى فيه واقع الناس ، الذي تأصلت فيه الرزيلة والمعصية ، فما أخذهم بغتة من حال إلى حال ، ولا أمرهم بما لا يطيقون في أمر تغيير حياتهم بما يتفق مع تعاليم الدين الرباني ، ولكن وبلطف في الدعوة والإصلاح تغير ذلك المجتمع ، ثم غَيَّر ما حوله من البلاد والشعوب ، ولعل من تلك الشواهد على مراعاة الإسلام للواقع المراد تغييره الآتي :
أ/ التدرج في بعض الأحكام :(1/14)
كانت في الجاهلية الكثير من العادات المتأصلة في حياتهم وسلوكهم ، ولم يكن من السهل إخراجهم منها جملة واحدة ، لذلك بدأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - متدرجاً معهم في الانتقال من عادة سيئة إلى طاعة فاضلة ، وترك العديد من الانحرافات حتى يأت وقتها في التغيير والانتقال منها ، ومن أظهر الأمثلة على ذلك أن الله تعالى لم ينزل تحريم الخمر إلا بعد موقعة أحد وبعد الهجرة النبوية الشريفة (1) ، ولكن قبل ذلك كان القرآن ينبه إلى ضرر الخمر وما فيها من فساد وإثم ، حيث نزل قول الله تعالى : ( وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (2) ،
__________
(1) ) انظرفتح الباري (7/353) .
(2) ) النحل:67 ..(1/15)
وكان في هذا تنبيه واضح إلى أن الخمر ليست من الرزق الحسن ، إذ فَصَل الله تعالى بينهما ، ثم نزل قوله تعالى : ( يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (1) ، وفي هذه الآية بيّن الله تعالى صراحة ما في الخمر من إثم ومضار ، وأن أثمها أكبر من نفعها ، ثم نزل قول الله تعالى الذي جعل الصحابة يمتنعون عن شرب الخمر جزئياً ، إذ حرم عليهم الأتيان إلى الصلاة وهم سكارى ، حيث قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ) (2) فأصبح الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لا يشربون الخمر إلا في الليل ، ثم ختم الله تعالى ذلك التدرج في أمر الخمر بتحريمها نهائياً بقوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (3) .
__________
(1) ) البقرة:219
(2) ) النساء: من الآية43
(3) ) المائدة:90 ، 91(1/16)
ومن الأمثلة أيضاً على هذا التدرج ما كان في شأن الربا ، فقد كان أول ما نزل فيه قوله تعالى : (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (1) ، فبين الله تعالى أن الربا لا يزيد عند الله تعالى ، ولا يعطي فيه ثواباً ، ثم نزل قوله تعالى : ( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) (2) ، وفيها بيان صريح في شأن تحريم الربا على اليهود ، وأنه كان من الأسباب التي حرم الله تعالى عليهم بها عدداً من الطيبات التي أحلت لهم ، ثم نزل بعد ذلك النهي عن الربا وتحريمه ، فكان قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (3) ، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) (4) .
__________
(1) ) الروم:39
(2) ) النساء:160، 161 .
(3) ) آل عمران:130.
(4) ) البقرة:278 ، 279 ، وراجع كتاب حكمة التشريع الإسلامي في تحريم الربا ، الدكتور يوسف حامد العالم .(1/17)
هذا التدرج في تعديل وتغيير الحياة الجاهلية كان مراعاة لواقع الناس ، الذين يصعب عليهم الانتقال من حياة ألفوها واعتادوا عليها فجأة ، فاقتضت حكمته تعالى الانتقال بهم بهذا النهج الذي هو أدعى إلى القبول والامتثال ، خصوصاً مع أولئك العرب الذين كانوا في إباحية مطلقة تجعلهم ينفرون من التكليف بالجملة (1) .
ب/ تأخير الأحكام حتى تغير الحال :
إن أحكام الإسلام ما جاءت كلها جملة واحدة ، بل الكثير منها أُخر إلى حين مجيئ الحال والوقت المناسب ، ومن أظهر الأمثلة على ذلك أن الأصنام كانت منتشرة حول الكعبة المشرفة ، وكان المشركون في تعظيم مستمر وعبادة خالصة لها ، وقد جاء الإسلام إصلاحاً للعقائد وإرجاعاً للبشر إلى تعظيم ربهم الواحد الأحد جل وعلا ، ومع ذلك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر المسلمين بتحطيم هذه الأصنام والأوثان في بادئ الأمر ، إذ لم يكن الوقت مناسباً ، ولا الحال ملائماً ، لأن هذا كان من شأنه أن يثير حفيظة أهل الشرك ، فيزدادون نفوراً من الإسلام أولاً ، ثم إنهم لن يتوانوا في الثأر لآلهتهم والنيل من المسلمين الذين لم تكن لهم القوة والمنعة في تلك المرحلة ، ولكن عندما هاجر الرسول - صلى الله عليه وسلم - , وتبدل الواقع ، وجاء فتح مكة حطمت الأصنام وأزيلت من حرم الكعبة المشرفة (2) .
__________
(1) ) المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي ، مصطفى شلبي ، ص 75 .
(2) ) انظرالسيرة النبوية لابن هشام (5/81) .(1/18)
... ومما يستشهد به أيضاً في هذا المقام أن الله تعالى لم يأمر المسلمين بالجهاد في بداية الإسلام ، بل كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - مأموراً بالعفو والصفح كما كان توجيه الله تعالى له : ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) (1) ، (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (2) ، ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) (3) وغيرها من الآيات المكية (4) ، وقد عُلِّل هذا بأن المسلمين في تلك المرحلة لم تكن لهم القوة ولا العدد الذي يمكن أن يواجهوا به أعداء الله ، فلم يؤمروا بالقتال ، ولكن بعد الهجرة ، وبعد حصول الشوكة والأنصار بالمدينة النبوية أذن لهم في القتال (5) .
ثانياً : الأحكام الأصلية والاستثنائية ( الرخصة والعزيمة ) :
... لقد جاءت الشريعة الإسلامية لرعاية مصالح العباد في الدنيا والآخرة ، فأوجب الله تعالى العديد من الأمور التي فيها المصلحة الكاملة أو الراجحة ، مثل إيجاب الصلاة والصوم والحج والزكاة وغير ذلك ، وكان تحريم الزنا وشرب الخمر وعقوق الوالدين وغيرها من الأمور التي فيها المفسدة الظاهرة ، وبين هذا وذاك الكثير من المندوبات والمكروهات والمباحات ، وكل أمر أوجبه أو حرمه الله تعالى ابتداءً يسمى عزيمة (6) ، أوبعبارة أخرى فإن العزيمة هي الأحكام الأصلية التي لا تتعلق بالعوارض التي تطرأ على المكلف (7) ، مثل المرض والإكراه والسفر.
__________
(1) ) المائدة: من الآية13
(2) ) المؤمنون: من الآية96
(3) ) المزمل:10
(4) ) انظر الجامع لأحكام القرآن ، للإمام القرطبي (2/347) .
(5) ) انظر تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير (1/525)
(6) ) انظر المستصفى للغزالي (1/78) ، و الموافقات للشاطبي (1/300) .
(7) ) انظر أصول البزدوي (1/135) .(1/19)
... ولكن الله تعالى ـ ورحمة بعباده الذين تطرأ عليهم الكثير من الأحوال التي لا يستطيعون معها أداء الواجب أو الانتهاء عن المحرم ـ شرع الرخص التي هي أحكام في حالات استثنائية تقتضي التخفيف أو الإسقاط لعذر شاق (1) ، ومن أمثلة ذلك قصر الصلاة للمسافر من أربع ركعات في الصلوات الرباعية إلى ركعتين ، وجواز الفطر في شهر رمضان للمريض والمسافر ، وجواز أكل الميتة وفعل بعض المحظورات للمضطر ، وهي مسائل مشهورة في أبواب الفقه ، وليس المقام هنا مقام تفصيل فيها بقدر ما هو مقام تأمل لما يستفاد منها من معان .
خلاصة :
... هذه الأمثلة والشواهد تؤكد مرونة الفقه الإسلامي التي تميز بها على سائر القوانين الوضعية ، والمعتقدات البشرية ، والأعراف والعادات التي تلتزمها المجتمعات أو الجماعات ؛ فالفقه الإسلامي متصل بالواقع والعصر ، وهو بذلك صالح للتطبيق في كل حال وكل زمان وفي أي واقع ؛ فالفقه عند علماء الإسلام ليس هو مجرد حفظٍ لنصوص وأدلة ، ومعرفةٍ لأحكام تفصيلية استخرجت منها ، ولكن الفقه هو إدراك بصير لقضايا العصر ، وفهم لأحوال المجتمع ، وعمق في تحليل المشكلات التي تواجهه ، وعلى هذا فإن الفقه الإسلامي علم ونظام معاصر لكل الأجيال ، ما انقضى منها وما هو آتٍ.
__________
(1) ) انظرأصول البزدوي (1/136) ، والموافقات للشاطبي (1/301) ، والمستصفى للغزالي (1/78) .(1/20)
... وتأكيداً لمعالجة الفقه الإسلامي لقضايا كل عصر وواقع ، فقد اعتبر علماء الإسلام أن الفقيه الحق هو الذي يدرك ويفهم قضايا عصره ومشكلاته ، إلى جانب إلمامه بأبواب الفقه (1) ، ومن الأمثلة على ذلك أن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يناظر أصحابه في المقاييس فيجادلونه ويعارضونه ، حتى إذا قال استحسن لم يلحقه أحد منهم ، لكثرة ما يورد في الاستحسان من مسائل ، فيذعنون جميعاً ويسلمون له (2) ، وقد علق الإمام أبو زهرة على هذا بقوله : (وما ذاك إلا لإدراكه لدقيق المسائل ، وصلتها بالناس ومعاملاتهم وأغراضهم ، فإنْ استحسن فإنما يأخذ مادته من دراسته لأحوالهم ، مع دراسات أصول الشرع الشريف ومصادره) (3) .
الخاصية الثانية : الشمول :
... من الخصائص التي اختص بها الفقه الإسلامي شموله لكل جوانب الحياة ، وتغطيته كل المسائل والحوادث بالأحكام الشرعية ، وما من نازلة أو مستجد إلا وكان حكم الإسلام فيه ظاهراً وبيناً ، وفيما يلي بعض الجوانب التي اهتم بها الفقه ، والتي تجسد وتصور الشمول الذي تميز به :
أولاً : الأخلاق والقيم :
... لا يقوم مجتمع على بناء قوي ومتماسك إذا لم تكن الأخلاق والفضائل أحد ركائزه وأسسه ، فمن المشكلات المعاصرة التي تعاني منها المجتمعات ضعف البنية الأخلاقية التي قادت إلى تفكك وانهيار ، تنامى تأثيره ليضرب كيان الدول والشعوب في كل المجالات . لذلك كان اهتمام الإسلام بالقضايا الأخلاقية عظيماً ، حيث جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مؤكدة على ضرورة التزام الفرد والمجتمع بالأخلاق والفضائل التي تقوي أواصر التعاون والترابط ، فيكون المجتمع كاليد الواحدة في مواجهة الحياة ومعضلاتها ، ومن الأمثلة على ذلك :
__________
(1) ) فقه الدعوة ملامح وآفاق ، عمر عبيد حسنة (2/188) ، وانظر قواعد الفقه (1/578) .
(2) ) تاريخ المذاهب الإسلامية محمد أبو زهرة ص 358 .
(3) 4) المصدر السابق ، ص 75 .(1/21)
- أن الله تعالى امتدح نبيه بحسن الخلق ، وفي ذلك إشارة إلى كمال هذه الصفة ودعوة للاتصاف بها ، حيث يقول تعالى : ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (1) .
- ويقول الله تعالى أيضاً مرغباً في العفو عن الناس ، مما يزيد من الترابط والوحدة : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (2) .
- وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً) (3) .
- ويقول أيضاً : ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ) (4) .
- وقد سئل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ قال : ( تقوى الله وحسن الخلق .. ) (5) .
وأما تفاصيل تلك الأخلاق وأبوابها فهي أكثر مما تحصى ، خاصة في مثل هذا البحث ، ولكن لباب المسألة أن المطلع عليها يجد تنوع الأحكام الشرعية فيها ، فمن الأخلاق ما هو واجب الالتزام به كالصدق ، ومنها ما هو مندوب إليه مثل العفو ، ومنها ما هو محرم مثل عقوق الوالدين والغيبة ، وكل ذلك كما هو واضح يرمي إلى بناء مجتمع معافى متجه إلى التنمية والاستقرار أكثر من انكبابه على معالجة المشكلات الناتجة عن سوء الأخلاق والسلوك .
ثانياً : الأسرة :
__________
(1) ) القلم:4
(2) ) آل عمران:134
(3) ) صحيح البخاري ، كتاب المناقب ، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم (3/1305) .
(4) ) المستدرك ، كتاب الإيمان (1/43) .
(5) ) سنن الترمذي ، كتاب البر والصلة ، باب ما جاء في حسن الخلق (4/363) .(1/22)
... تعتبر الأسرة اللبنة الأولى والأساس في المجتمع ، وبناؤها على القيم الفاضلة ، ثم النجاح في تنشئة الأبناء فيها على قواعد تسهم في تطور المجتمع وارتقائه هو المفصل المؤثر في إيجاد أمة رائدة . والمطلع على المصنفات الفقهية لا يكاد يجد مصدراً أو مرجعاً جامعاً لأبواب الفقه لا يتعرض للأحكام التي تحكم التعامل بين الزوجين والأبناء وبقية أفراد الأسرة الممتدة ، سواءً كان ذلك في بيان الحقوق أو الواجبات ، أو الأخلاق التي من المفترض أن تسود . ومن الأمثلة على ذلك :
- قول الله تعالى محرماً أذية الوالدين : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) (1) .
- وقوله تعالى آمراً بتنشئة الأهل على الصلاح والاستقامة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (2) .
- وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - مشيراً إلى مسؤولية الوالدين في تنشئة الأسرة : ( كلكم راع ومسؤول عن رعيته ، الإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته ، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسؤولة عن رعيتها.... الحديث ) (3) .
ثالثاً : المجتمع :
__________
(1) ) الاسراء:23
(2) ) التحريم:6
(3) ) صحيح البخاري ، كتاب الوصايا ، باب تأويل قول الله تعالى ( من بعد وصية يوصي بها ) (3/1010) .(1/23)
... لا يمكن لمجتمع ينشد الارتقاء في سلم الحياة الحديثة المتقدمة أن يكون غارقاً في الانحرافات والرذائل ، تزلزله الجرائم ، وتهدد أمنه الانتهاكات والاعتداءات ، إذ تعتبر هذه من المعوقات التي تسبب الانهيار ، وتعمّق الفشل . وسعياً للمجتمع الذي ينعم بالاستقرار والطمأنينة ، وضع الإسلام الأحكام والضوابط الكفيلة بتحقيق ذلك ، كما حد الحدود ووضع العقوبات التي تردع المنفلتين والمعتدين ، حماية للمجتمع من شرهم وسوء فعالهم .(1/24)
... فحرم الإسلام الزنا حفاظاً على النسل والعرض ، يقول تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (1) ، وحرم الخمر حفاظاً على العقول ، يقول تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (2) ، وحرم الاعتداء على أموال الناس ، يقول تعالى : ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (3) ، وحرم قتل النفس ، يقول تعالى : ( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ... )
__________
(1) ) الاسراء:32
(2) ) المائدة:90
(3) ) البقرة:188(1/25)
(1) ، وشرع القصاص في القتل ، يقول تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (2) ، وشرع العقوبة في السرقة ، يقول تعالى : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (3) ، وشرع العقوبات في الحرابة وقطع الطريق ، يقول تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (4) ، وغير ذلك الكثير من النصوص القرآنية والنبوية التي ترمي إلى سلامة المجتمع وتحقيق أمنه وقوة رباطه .
رابعاً : الاقتصاد والمعاملات المالية :
__________
(1) ) الاسراء: من الآية33
(2) ) البقرة:178
(3) ) المائدة:38
(4) ) المائدة:33(1/26)
... إن من أهم أبواب الفقه باب المعاملات المالية ، حيث وُضعت الأحكام التي تنظم القضايا المختلفة في المجال المالي والاقتصادي ، ولا يوجد قانون أو نظرية تغطي جوانب الاقتصاد والمال كما غطتها النظرية الفقهية الإسلامية ، حيث شملت تعامل الفرد مع ماله ، وتعامل الأفراد فيما بينهم ، وتعامل المجموعات أو الشركات مع بعضها البعض أو مع الأفراد ، وحدود سلطان الدولة على الأموال الخاصة ، وما يجب من زكاة أو حقوق في كل مال ، ومعالجة مشكلة التوازن بين حق الملكية الفردية والحق العام ، إلى غير ذلك من القضايا التي تمثل ركائز العملية الاقتصادية.(1/27)
... ومن الأمثلة على النصوص التي تناولت مثل هذه القضايا قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (1) ، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (2) ، وقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (3) ، وقوله تعالى : ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (4) ، وقوله تعالى : ( آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) (5) ، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ) (6) ، ويقول - صلى الله عليه وسلم - : ( من غشنا فليس منا ) (7) ، ويقول - صلى الله عليه وسلم - : ( من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ) (8) ، ويقول - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يبع بعضكم على بيع بعض ) (9) ويقول - صلى الله عليه وسلم - : ( بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيدٍ ) (10) .
خامساً : الحكم والسياسة :
__________
(1) ) البقرة:188
(2) ) آل عمران:130
(3) ) النساء:10
(4) ) الذاريات:19
(5) ) الحديد:7
(6) ) المستدرك ، كتاب البيوع ( 2/21) .
(7) ) صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب من غشنا فليس منا ( 1/99) .
(8) ) صحيح مسلم ، كتاب المساقاة ، باب السلم ( 3/1226) .
(9) ) صحيح مسلم ، كتاب البيوع ، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه (2/1032) .
(10) ) سننن الترمذي ، كتاب البيوع ، باب ما جاء أن الحنطة مثلا بمثل (3/541) .(1/28)
... تشكل قضايا الحكم والنظم المتعلقة به أكبر المعضلات التي تواجه الدول ، وأكثر النزاعات والحروب والفتن الداخلية للدول ناتجة من اعتراك حول الحكومات وسياساتها في إدارة شؤون الدولة والشعب ، فمن بين مؤيد ومعارض ، هناك الحيارى الذين لا يساندون أحد الطائفتين ، وقد تضررت مصالحهم ، وأصابهم ضنك من العيش لا سبب له إلا إدارة سيئة ، أو معارضة ترمي للفوز بكراسي الحكم لتحقيق المصالح الشخصية .(1/29)
... لقد بين الإسلام الأسس التي يجب أن يقوم عليها الحكم ، والواجبات والحقوق للراعي والرعية ، فوضع مبدأ العدل بين الناس ، يقول تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (1) ، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - مبيناً فضل الإمام العادل : (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ... الحديث ) (2) ، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - مؤكداً هذا المبدأ : ( ما من أحد يؤمّر على عشرة فصاعداً لا يقسط فيهم ، إلا جاء يوم القيامة في الأصفاد والأغلال ) (3) ، ويقول في حديث آخر : ( ما من أحد يكون على شيء من أمور هذه الأمة ، قلت أم كثرت فلا يعدل فيهم إلا كبه الله في النار ) (4) . وهناك أيضاً مبدأ الشورى الذي يقول تعالى فيه : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (5) ، ويقول تعالى أيضاً : ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (6) . وفوق هذا الكثير من النصوص التي تعالج القضايا المتعلقة بالحكم وشؤونه ، منها اختيار الأمثل للعمل ، وتقريب البطانة أو الحاشية الصالحة الناصحة ، وقبول النصح من الرعية ، والاهتمام بقضاء حوائج الناس ، والسعي لتيسير الحياة عليهم ، وعدم خيانة الأمانات ؛ وحفظ الأرواح والأموال والممتلكات .
__________
(1) ) النساء:58
(2) ) صحيح ابن حبان (10/338) ، كتاب السير ، باب في الخلافة والإمارة.
(3) ) المستدرك (4/100) .
(4) ) المصدر السابق نفسه .
(5) ) آل عمران: من الآية159.
(6) ) الشورى:38(1/30)
ولقد استخرج العلماء من مجموع النصوص التي تتحدث عن أمر الحكم قواعد منها قولهم : ( التصرف على الرعية منوط بالمصلحة ) (1) ، وهي قاعدة جامعة في شأن الحكم ، خلاصتها أن كل أمير أو حاكم عليه أن يتصرف في أمور الدولة والحكم بما يحقق المصلحة للأمة ، وفي هذا مرونة واضحة تخول لأهل الحكم استحداث الأجهزة والنظم التي تؤدي إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد .
سادساً : الحوادث المستجدة :
... لا يقتصر دور الفقه الإسلامي في بيان الأحكام لما حدث في عصر ماض أو حاضر ، وإنما يمتد الفقه الإسلامي ليشمل بأحكامه ما يمكن أن يستجد من قضايا ومشكلات ، وهذه من خصائص الفقه الإسلامي ، إذ أنه أحد علوم الشريعة الإسلامية الخالدة والصالحة أحكامها ومنهجها إلى قيام الساعة ، وما زال العلماء في هذا العصر وما قبله من عصور يستخرجون من بحر الفقه الزاخر الأحكام الشرعية لكل المستجدات في جوانب الحياة المختلفة . فأحكام الفقه ليست مستخرجة كلها من النصوص التي دلت على آحاد المسائل فقط ؛ وإنما من النصوص ما دل على قواعد ـ نصاً أو إشارة وتنبيهاً ـ تُضبط بها الحياة ، وتستخرج بناءً عليها الأحكام ، وقد جُمعت هذه القواعد في علم أصول الفقه الذي هو أساس الاستنباط والفهم للأحكام الشرعية ، وبهذا العلم وما اشتمل عليه من قواعد ومباحث يتمكن الفقهاء ـ في أي وقت ـ من الوصول إلى أحكام القضايا والمستجدات ؛ ومن هنا تظهر أحد الدلائل على صلاحية الفقه الإسلامي في التطبيق في كل الأحوال والأزمان .
المبحث الثالث
أصول الفقه بين التراث والمعاصرة
تعريف علم أصول الفقه وموضوعه واستمداده :
__________
(1) ) شرح القواعد الفقهية (1/309 ) ، وانظر درر الحكام شرح مجلة الأحكام (1/51) .(1/31)
أصول الفقه مركب من جزأين ، وقبل تعريف المركب نلقي الضوء على تعريف كل جزء لغةً ؛ فأما الأصل فهو أساس الشيء الذي يقوم عليه و منشؤه الذي ينبت منه (1) ، وأما الفقه فهو الفهم ، وقد مرّ تعريفه ، وعلى هذا فإن تعريف أصول الفقه لغة هو ما استند إليه الفقه أو الفهم ولم يتم إلا به (2) .
وأما تعريف أصول الفقه اصطلاحاً فقد ذُكرت فيه عدد من التعريفات منها :
- " العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى الفقه " (3) .
- " العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى مسائل الفقه " (4) .
- " مجموع طرق الفقه من حيث إنها على سبيل الإجمال وكيفية الاستدلال وحالة المستدل " (5) .
- " مجموع طرق الفقه على سبيل الإجمال وكيفية الاستدلال ، بها وكيفية حال المستدل بها " (6) .
وهذه التعريفات متقاربة في المعنى ، يفهم من مجموعها أن أصول الفقه عبارة عن القواعد أو الأدلة الإجمالية التي يستند إليها المستنبط لأحكام الفقه ، والشروط التي يصح بها الاستدلال ، وشروط المجتهد أو المستدل الطالب لحكم الله تعالى ، وأحوال المقلد الذي يجب عليه أن يستفتي ، وغير ذلك مما يتعلق باستنباط الأحكام من الأدلة التفصيلية (7) .
وأما موضوع أصول الفقه فهو مجموعة المباحث التي يتناولها الأصوليون في أبواب هذا العلم ، والتي تبحث في أحوال الأدلة الموصلة إلى الأحكام الشرعية ، وأقسام هذه الأدلة واختلاف مراتبها وطرق استنباط الأحكام الشرعية منها ، وأحوال المجتهد وشروطه ، وغير ذلك من الموضوعات التي تتعلق باستنباط الأحكام التفصيلية من الأدلة الشرعية (8) .
__________
(1) ) انظر المعجم الوسيط (1/20 ) والمصباح المنير (1/16) .
(2) ) انظر البحر المحيط في أصول الفقه (1/17) .
(3) ) قواعد الفقه (1/182) .
(4) ) التوضيح في حل غوامض التنقيح (1/40) .
(5) ) البحر المحيط في أصول الفقه (1/17) .
(6) ) المحصول للرازي (1/94) .
(7) ) انظر المحصول للرازي (1/95) .
(8) ) انظرالإحكام للآمدي (1/23) .(1/32)
وأما استمداد هذا العلم فمن علم الكلام (1) ، وعلم اللغة العربية والأحكام الشرعية ، فأما علم الكلام فلتوقف العلم بكون أدلة الأحكام مفيدة لها شرعاً على معرفة الله تعالى و صفاته وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به عن ربه سبحانه وتعالى ، وأما علم العربية فلتوقف معرفة دلالات الأدلة اللفظية من الكتاب والسنة على معرفة موضوعات اللغة من جهة الحقيقة والمجاز والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد والحذف والإضمار والمنطوق والمفهوم والاقتضاء والإشارة والتنبيه والإيماء وغيره مما لا يعرف في غير علم العربية ، وأما الأحكام الشرعية فمن جهة أن الناظر في هذا العلم إنما ينظر في أدلة الأحكام الشرعية ، فلا بد أن يكون عالماً بحقائق الأحكام ليتصور القصد إلى إثباتها ونفيها ، وأن يتمكن بذلك من إيضاح المسائل بضرب الأمثلة وكثرة الشواهد ، ويتأهل بالبحث فيها للنظر والاستدلال ، ولا يقصد أن استمداد أصول الفقه هنا يكون من آحاد المسائل الفقهية ، إذ أن آحاد هذه المسائل متوقف استنباطها على علم أصول الفقه ، وللزم بذلك الدور (2) ، ولكن المقصود هو جملة هذه المسائل (3) .
المقصد العام لعلم أصول الفقه :
يلخص علماء الأصول مقصد أو فوائد أو ثمرة أو غاية علم أصول الفقه في أنه موصل إلى معرفة الأحكام الشرعية (4) ، ولما كان العلم بالأحكام الشرعية من أشرف الغايات لتوقف السعادة الدنيوية والأخروية عليه ، كان علم الأصول من أشرف العلوم لكونه السبيل إلى معرفة هذه الأحكام .
__________
(1) ) أي علم العقيدة .
(2) ) الدور توقف الشيء على ما يتوقف عليه ، انظر التعريفات للجرجاني ( 1/140) .
(3) ) انظر الإحكام للآمدي (1/24) والمنخول للغزالي ( 1/4) .
(4) ) انظرالإحكام للآمدي (1/24 ) وإرشاد الفحول (1/22) .(1/33)
فعلم الأصول يقصد إلى بيان كل ما يتعلق باستنباط ومعرفة الأحكام الشرعية ، وعلى وجه من التفصيل فإن علم الأصول يرمي إلى بيان الأدلة الشرعية على وجه الإجمال من قرآن وسنة وإجماع وقياس وغير ذلك ، وبيان حجيتها ومراتبها في الاستدلال ، كما يبحث في الأحكام الشرعية من واجب ومندوب ومحرم ومكروه وتعريفاتها وأقسامها ، كما يبين المبادئ والقواعد الشرعية و اللغوية التي بها تفهم النصوص والأدلة وتستنبط بها الأحكام ، ويتعرض في ذلك للأوامر والنواهي و العام والخاص والمطلق والمقيد والظاهر والمؤول والمفهوم والمنطوق وغير ذلك ، ثم يبين علم الأصول الشروط التي يجب توفرها في المجتهد المستنبط للأحكام الشرعية ، وشروط الفتوى وأحوال المستفتي ، إلى غير ذلك من المسائل والموضوعات التي يتوصل بها إلى الأحكام الشرعية (1) .
علم الأصول والقضايا المعاصرة :
كان الصحابة رضوان الله عليهم أصحاب دراية كاملة باللغة العربية ، وفهم عميق للنصوص القرآنية والسنية ؛ مما مكنهم من استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة دون انحراف في الفهم أو الوصول للحكم . وفي العصور التي تلت عصر الصحابة رضوان الله عليهم ، وبعد توسع الدولة الإسلامية ودخول الكثير من الناس في الإسلام ، والذين لم يكن فهمهم ولا إدراكهم لمرامي النصوص كما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم ، احتاج العلماء لوضع القواعد والضوابط والشروط التي تعين على فهم النصوص الشرعية واستخراج الأحكام الشرعية منها. وعلى هذا فإن علم الأصول يمكن اعتباره من أهم علوم التراث الإسلامي لثمرته وفوائده في مجال الضبط وتقعيد القواعد التي يقوم عليها الفقه .
__________
(1) ) راجع مصنفات أصول الفقه .(1/34)
... وإذا كانت ثمرات هذا العلم قد جنتها كل العصور السابقة من حيث استعماله أدوات للوصول إلى الأحكام الشرعية ، فإن هذا العلم وبما حمله من قواعد وضوابط ما زال زاخر بالفوائد التي تُصلح من شأن الحياة المعاصرة ؛ وتتجلى ملامح ذلك في الآتي :
تصحيح الفهم والاستنباط :
... إذا كان من أهم الأسباب التي دعت لوضع علم أصول الفقه في عصوره الأولى ضبط الفهم والاستنباط للأحكام الشرعية ، فإن الحياة المعاصرة ولذات السبب أحوج إلى تطبيق فصول وأبواب هذا العلم ، وإذا كان علماء الأصول عند وضعهم لأصول الفقه يريدون أن يُحدوا من سوء الفهم أو ضيق النظر أو بُعْد التأويل لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية ، فإن هذه الأمراض الفكرية تكثر في مجتمعاتنا المعاصرة ؛ فهناك من تشدد في أحكام الشريعة في غير موضع التشدد ، حتى شوّه صورة الإسلام ونفّر عنه الناس ، وهناك من تساهل حتى أضاع شعائر الإسلام وفروضه ، وميع مقاصده وحدوده ، وهناك الحيارى الذين لا يدرون أين الصواب والخطأ ، ومع هؤلاء جميعاً فهناك من فتح الله بصيرته ، وأنار عقله ، فعرف الإسلام وهديه ، مستناً بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ومتبعاً لسبيل صحابته الكرام . وكل هذه الأصناف في حاجة أكيدة لعلم الأصول إما لتصحيح الفهم والاستنباط ، أو لتلمس طريق الإصلاح في هذا الوسط الذي ضلّ فكره وانطمست بصيرته .
... وإذا كان أهل الإسلام يبتغون تقديم صورة الإسلام وشريعته الحنيفية السمحة ، فإن علم الأصول هو المتكأ ، إذ تحمل قواعده كمال الفهم ، ودقة الضبط لأحكام الشريعة ، وتبرز قواعده الاعتدال والوسطية من غير إفراط ولا تفريط .
تأصيل الحياة المعاصرة :(1/35)
... تأصيل الحياة المعاصرة أحد أهم القضايا التي من المفترض أن تتولى المبادرة فيه جميع الهيئات والمؤسسات والدول الإسلامية ، فضلاً عن العلماء والقادة ، فقد دخلت في المجتمعات الإسلامية الكثير من المستجدات ـ الوافدة أو الناشئة في المجتمع الإسلامي نفسه ـ في كل مجالات الحياة ، اجتماعية كانت أو سياسية أو اقتصادية أو غيرها ، وتحتاج إلى رؤية إسلامية واضحة ، تبين الطريق وتهدى الحائرين ، وتظهر مدى صلة هذه القضايا بالإسلام ودور المسلمين فيها .
... والتأصيل هو مصطلح معاصر للدلالة على تلك العملية الرامية إلى ربط الحياة بقواعد الإسلام ، حيث عُرِّف بأنه : (إرجاع المعارف إلى أصلها ؛ الوجود و الوحي ) (1) ، كما يطلق البعض على هذه العملية مصطلح الأسلمة ، حيث تُعرّف بأنها : (ممارسة النشاط المعرفي كشفاً وتجميعاً وتوصيلاً ونشراً من زاوية التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان ) (2) ، وتتلخص أهمية هذه العملية ـ التأصيل أو الأسلمة ـ في الآتي :
? الحياة الإنسانية بحاجة إلى مصدر موثوق ، ومنبع فياض ، تؤخذ منه الأسس والقواعد والسبل الهادية للناس ، والمحققة لسعادتهم ، ولا يتوفر هذا إلا في القرآن الكريم والسنة النبوية ، والتأصيل هو إرجاع الحياة إلى هذين المصدرين .
? المصلحة البشرية تقتضي وجود معايير وقواعد ، تكون هي الميزان الذي توزن به القضايا الكبرى التي توجه وتحكم حياة الناس ، وبها يعرف الصالح من الفاسد ، وما أحوج العالم اليوم إلى توحيد المعايير والمفاهيم والنظريات التي تؤثر على حياة الناس في كل البقاع . إن الإسلام بأصوله المستوعبة للحياة وتشريعاته القاصدة لمصلحة الأمم ، صالح ليكون هو المعيار والأصل الذي تبنى عليه الحياة ، وليس هذا ادعاءً محضاً ، ولكنه حقيقة يمكن أن يبرهن عليها بالأدلة والشواهد العلمية والمنطقية 0
__________
(1) ) انظر مجلة التأصيل العدد الأول ص54 0
(2) ) انظر مدخل إلى إسلامية المعرفة ص 15 0(1/36)
? أهمية التأصيل كذلك تستمد من القناعة بأن الإسلام هو أصل المعارف والعلوم ، وإذا ترسخت هذه القناعة وانطلق منها البحث عن المعرفة ، كان البحث يسير على هداية ربانية وقوة إيمانية تساعد في الوصول إلى النتائج الصحيحة والنظريات السليمة النافعة للأمم والدول والمطورة لحياتهم ، كما أن تزود المجتعات بهذه القناعات يجرد أهل المعرفة والباحثين عنها من حظوظ النفس والدنيا ، ويدفع إلى خدمة المجتمع بدون مطامع أو أهداف شخصية أو فئوية ؛ وهذا يجعل من البحث عن المعارف والعلوم عملية ذات معايير مجردة وخالصة من الشوائب التي قد تؤثر في نزاهتها وحيادها ، وتزيد من الانتفاع بها بما يصلح حال الإنسانية .
هذا الطواف المتعجل في ملامح العملية التأصيلية أوالأسلمة يرمي إلى بيان أهميتها ، وبالتالي أهمية علم الأصول في الحياة المعاصرة ؛ إذ أنه العلم الذي يحتوي على القواعد والضوابط والمباحث التي تحمل روح الإسلام ومقاصده ، ويُبنى عليها تأصيل الحياة وضبطها على أصول الدين الراشدة .
استيعاب القضايا والنوازل والحوادث المعاصرة :
... تبرز أهمية علم الأصول كذلك من جانب آخر ، وهو الاستفادة من قواعده ونظرياته في إصدار الأحكام على القضايا المستجدة ، فما يزال أهل الإسلام في كل وقت وحال ، في حاجة إلى معرفة الأحكام الشرعية لما يطرأ في حياتهم من أمور وقضايا ، ابتغاءً للدار الآخرة ، و حلاً للمشكلات ، وتجنباً للمضار ، وتحقيقاً للمصالح ، التي قد تصاحب هذه الأمور المستجدة في هذه الحياة . وعلم الأصول ـ وما يلحق به من أبواب مثل علم المقاصد وعلم القواعد الفقهية ـ زاخر بتلك القواعد والمباحث ، التي إذا ما كانت هي مناط الأحكام والأساس الذي يعتمد عليه فيها ، تحققت المصالح ودرئت المفاسد. ومن الأمثلة على هذه المباحث أو القواعد التي يستفاد منها في الوصول للأحكام الشرعية الآتي :(1/37)
- الأدلة الإجمالية للأحكام ، ومن أمثلتها الإجماع والقياس والمصلحة المرسلة والاستحسان والعرف ، والتي تعتبر مصدر الأحكام الشرعية ، ويتناول أهل الأصول مراتب هذه الأدلة وحجيتها وتعارضها وغير ذلك مما يتعلق بكونها دليلاً شرعياً (1) .
- أبواب مقاصد الشريعة الإسلامية ، والمبنية على الاستقراء الدال على أن الشريعة إنما جاءت لرعاية مصالح العباد (2) .
- القواعد الأصولية والفقهية ، ومن أمثلتها : ( الأمر للوجوب) ، ( النهي للتحريم ) ، ( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ) ، ( الأمور بمقاصدها ) ، ( اليقين لا يزول بالشك ) ، ( المشقة تجلب التيسير) ، (الضرر يزال ) ، ( العادة محكمة) (3) .
- مباحث الاجتهاد وشروط المجتهد ، والتي يبين فيها من هو أهل لاستنباط الأحكام للحوادث والوقائع ، والمعارف والعلوم التي يحتاجها المجتهد المبين لحكم الله تعالى (4) .
المبحث الرابع
شبهات حول التراث الفقهي والأصولي
__________
(1) ) راجع مصنفات أصول الفقه ، وعلى سبيل المثال : إرشاد الفحول للشوكاني ، والمستصفى للغزالي .
(2) ) انظر الإبهاج للسبكي (3/62) ، والموافقات للشاطبي (2/6) ، و إعلام الموقعين لابن القيم (3/3) .
(3) ) انظر التقرير والتحبير (1/38 ) والأشباه والنظائر للسيوطي ( 1/7 ) ، والمستصفى للغزالي (1/236) .
(4) ) انظر روضة الناظر (1/352) و البرهان في أصول الفقه (2/864) و اللمع في أصول الفقه (1/125) و الإبهاج (1/8) و البحر المحيط في أصول الفقه (4/567) .(1/38)
... إن شبهة تراثية الفقه والأصول ، واتهامهما بالرجعية ـ كسائر علوم التراث الإسلامي ـ وعدم الصلاحية للتطبيق في العصر الحاضر ، هي شبهة ناتجة من خلط واضح ـ وقد يكون متعمداً في بعض الأحيان ـ في بعض المفاهيم والمعتقدات والأفكار التي عمت الكثير من شعوب العالم المعاصر ، ولعل استجلاء بعض تلك المفاهيم ـ التي تدور في أذهان البعض أو تم التصريح بها من قبل آخرين ـ سيكون أظهر في عرض هذه المسألة وبيان الخلل في هذه الأفكار :
أولاً : الخلط بين الفقه وأصوله وبين الصياغة اللغوية للمصنفات التراثية :
... لعل من أول ما يدل على عدم استيعاب حقيقة الفقه الإسلامي وأصوله خلط البعض ـ ممن قلّ علمهم وضاقت بصيرتهم ـ بين الفقه أو أصوله والصياغة اللغوية والاصطلاحية لمصنفات التراث الفقهي ، وليس المقصود هنا ما احتوته هذه المصنفات من أحكام وأبواب في الفقه أو الأصول ، ولكن المقصود هو الطريقة واللغة المستخدمة والتي تعبر عن ثقافة العصر الذي وُجدت فيه ؛ فالمطلع على بعض هذه الكتب والمصنفات ـ خاصة المختصرات منها ـ يدرك صعوبة الفهم لها بناءً على اللغة المعقدة أو المختصرة التي صيغت بها ، ولعل هذه الصياغة كانت سهلة الإدراك لمجموع من كان في عصرها ، لسلامة لغتهم أو لتمام معرفتهم بالأسلوب الذي أُلفت به هذه المصنفات .
... وبعد تقدم الزمان وضعف اللغة العربية ـ كما هو ملاحظ الآن ـ عسر على الكثيرين فهم بعض هذه المصنفات ، مما جعل البعض من أصحاب الأغراض يخلطون بين أحكام الفقه وقواعد الأصول وبين أسلوب هذه المصنفات ؛ فأصبح الفقه وأصوله عند هؤلاء عبارة عن طلاسم ورموز لا تناسب العصر ولا تمثل لغته ولا أسلوبه ، وبالتالي يكون التمسك بها أو الاطلاع عليها رجعية فكرية ، وتخلف ثقافي ، ينم عن عدم المعاصرة والحداثة .(1/39)
... ولكن الحقيقة أن علمي الفقه وأصول الفقه والأحكام والقواعد التي فيهما صالحة لأن تدرك لكل فرد وفي أي عصر ، ويمكن أن تصاغ بأي لغة حتى وإن كانت غير العربية ، وما أدل على ذلك من المصنفات المعاصرة التي عرضت فيها أبواب الفقه أو أصول الفقه بأسلوب سلس ومفهوم ، يتمكن معظم المطلعين عليها من إدراك ما فيها بدون عسر أو تعقيد . وأما المختصرات التراثية في هذين العلمين والأسلوب المستخدم فيهما ، كانت له مقاصد جليلة وفوائد عظيمة ، وما زال العلماء الراسخون المدركون لطريقة التأليف فيهما يعتمدون عليهما مصادراً للفقه وقواعده ، ولكن هذه الصياغة قد لا تناسب عامة الناس في هذا الزمان الذين قد لا يمتلكون ناصية الفهم لمصطلحاتها وبليغ لغتها .
... وإذا كان من تجديد معاصر في هذه العلوم فيمكن أن يبدأ أولاً بإعادة صياغة الأسلوب الذي كُتبت به هذه المصنفات ، لتكون أسرع فهماً ، وأفضل تبويباً، فتسهل الاستفادة منها لكل طالب علم ومعرفة ، لأن في اطلاع أفراد العالم المعاصر ـ من عوام مسلمين وغير المسلمين ـ على هذه العلوم وفهم وإدراك ما فيها سبيل لإدراك ما تحمله هذه العلوم من صلاح وخير لا ينقطع لهذه البشرية . ...
ثانياً : الخلط بين التراث الفكري والمادي :(1/40)
... إن التطور التكنلوجي والتقني الذي ظهر في الحياة المعاصرة , وأصبح أحد أهم سماتها ، ألقى بظلاله على مفهوم المعاصرة والتراث ، فاعتبر البعض أن المعاصرة هي استخدام هذه الماديات المتطورة والعيش في كنفها ، وأن التراث هو الجنوح لاستخدام ما كان موجوداً في عصور خلت ، ثم جرَّ البعض هذا المفهوم ليشمل الفكر الإنساني ؛ فاعتبروا أن الأفكار والمعتقدات التي وجدت أو ظهرت في عصور سابقة ، تشبه ما كان موجوداً في ذلك العصر من آلات وتقنيات ، وإذا كانت المعاصرة في أمر هذه التقنيات تعني استخدام ما هو حديث وجديد ، والتخلي عن ما هو قديم ، فكذلك الأمر في الأفكار والمعتقدات ؛ لا ينبغي التمسك بما مضى عليه الزمن منها .
... ولكن وفي مثل هذا المقام لا بد من التفريق بين التراث الفكري والتراث المادي الذي تمثله التكنولوجيا والتقنية ، فإذا كانت المعاصرة في المخترعات والتقنيات هي استخدام آخر ما توصل إليه العلماء في هذا المجال ، فإن المعاصرة في الفكر هي الالتزام بالمعتقدات والمفاهيم التي تصلح من شأن الحياة وتوجهها نحو الريادة في كل المجالات ، حتى وإن كانت هذه الأفكار قد مضت عليها القرون، فليست العبرة هنا بالزمن الذي وُجد فيه الفكر ، ولكن العبرة بالمصالح التي تتحقق بالتزامه والعمل بموجبه .(1/41)
وليس هناك تناقض بين المادية الحديثة والفكر الإسلامي ـ الذي يمثل الفقه وأصوله أحد أعمدته ـ وبين الاستفادة مما أحدثه العلم المعاصر في كل المجالات التقنية والتكنولوجية ، بل تعتبر الاستفادة من هذه المخترعات والعلوم الحديثة وتطويرها أحد الواجبات الكفائية في الفقه الإسلامي ، وهي التي يجب على مجموع الأمة القيام بها ، فإذا قام بها البعض وكفت حاجة المجتمع سقطت عن الباقين ، وإذا لم يقم بها أحد أثم الجميع (1) ، ولقد مثل بعض علماء الإسلام لهذه الفروض الكفائية بعلم الطب والرياضيات (2) ، ومثل لها بعضهم بالصناعات المهمة (3) ، وأحسن بعضهم إذ عبرعنها بأنها كآفة الأمور التي تحقق المصالح وتدرأ المفاسد عن الأمة (4) . ...
ثالثاً : الخلط بين المعاصرة والتحرر الفكري :
... لا يختلف اثنان في أن العالم الآن ـ وخاصة غير المسلم منه ـ يعيش حالة من السعي نحو التحرر من معظم القيود الثقافية والفكرية وحتى الاعتقادية ، فلا تجد المجتمع يلتزم فكراً واحداً ، أو يعتمد ثقافة واحدة ، وفوق ذلك هو شتات من الاعتقادات المختلفة المتباينة ، فلا يجمع بين أفراده إلا المصالح والقانون الذي يحكم بلادهم في النواحي السياسية والاقتصادية والجنائية ، وأما في الأخلاق والعادات فقلّ ما يوجد ذاك المجتمع الذي يكون فيها على نهج وفكر واحد . وقد أرسى هذا التحرر الاعتقاد لدى تلك المجتمعات بأن الفرد حر في معاملاته وأخلاقه، لا يجب عليه مراعاة أي فرد أو جماعة أخرى في المجتمع ، سوى ما تمليه عليه توجهاته وأفكاره الخاصة .
__________
(1) ) انظر كشف الأسرار (2/222) .
(2) ) انظر المنثور (3/35) .
(3) ) انظر حاشية العطار على جمع الجوامع (1/236) .
(4) ) انظر قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/44) ، و الفروق (2/32) .(1/42)
وفي خضم هذه الفوضى الفكرية والأخلاقية تولد الإحساس لدى البعض أن هذا الحال يمثل قمة المعاصرة والارتقاء ، وتبعاً لذلك فإن الالتزام بما كان سائداً في عصور ماضية من اعتقادات أو أخلاق أو معاملات أو أفكار ، وتوحيد الناس عليها، ما هو إلا مخالفة لروح العصر المتحررة من كل القيود ، ومن هنا وُصم التراث الفقهي والأصولي بالتراثية وعدم المعاصرة ، باعتبارهما يمثلان نهجاً يدعو إلى الالتزام بدين واحد يشمل كل جوانب المجتمع والدولة .
إن مناقشة هذه التحررية الفكرية والاعتقادية لا طائل منها في مثل هذا المقام إلا من وجه واحد ، وهو النظر في المصالح والمفاسد المترتبة عليها ، ثم المقارنة مع المصالح المترتبة على الالتزام بالأحكام الفقهية الإسلامية ؛ وإذا كانت المصالح والمفاسد المترتبة على ذلك التحرر قد تكون محل خلاف وجدل مع بعض المعاندين ، فليس كذلك المصالح المتحققة بالتزام المنهج الإسلامي ؛ والتي برهنت عليها العصور المتعاقبة ، ولعل هذه الوريقات ليست مناسبة لبسطها والحديث عنها.
والخلاصة التي يختم بها هنا ، أن المعاصرة لا تعنى التحرر من كل ما هو موجه لأفكار وأخلاق المجتمع ، وهي لا تعني أن يكون أفراد المجتمع على مناهج شتى ؛ كل يفعل ما يروق له ، ولكنها تعنى الانتفاع من المصالح التي تتحقق بكل اعتقاد وفكر وثقافة ، تحفظ المجتمع من الانهيار والتفكك والضياع ، وتوحيد الناس على ذلك . ولا يحتاج الناس إلى المعاصرة إذا أصبحت بهذا المفهوم التحرري المهلك ؛ لأنها تؤدي في النهاية إلى حياة من الفوضى والعذاب ، سُلبت منها السعادة والاستقرار والأمن .(1/43)
إن توجه المجتمع الدولي اليوم ـ فضلاً عن الدول في أفرادها ـ إلى وضع القوانين الدولية التي تحفظ الحقوق وتضع الضوابط والحدود في الأمور التي كانت في الماضي متروكة لكل دولة وشأنها ؛ لهو دليل واضح على أن العصر يتوجه إلى توحيد أفكاره ومعاملاته تحقيقاً للمصلحة التي لم تتحقق بترك الأمر لكل جماعة وشعب ليتصرف فيه كما يروق له .
خاتمة
هذا البحث لم يكن يرمي إلى بيان كل الأدلة والبراهين التي تؤكد على معاصرة علمي الفقه والأصول ، ولكنه محاولة لبسط إشارات وإمارات تدل على صلاحية الفقه الإسلامي وأصوله لسائر الأحوال والأزمان ، وليس من كمال الحقيقة أن يقال إن الإسلام وعلومه صالحة لهذا العصر ، ولكن الحقيقة ـ وكما تقدم ذلك ـ أن الإسلام وعلومه صالحة لهذا العصر وما يستقبل من عصور .
... إن أهم النتائج التي يمكن استخلاصها من هذا البحث ، ما يلي :
أولاً : إن التراث مصطلح مختلف على حدوده ودقة معناه ، وعلى حدود الوقت الذي يمكن أن يسمى ما كان فيه تراثاً .
ثانياً : التراث نوعان ، أحدهما تراث تاريخي ، الفائدة منه العبرة والتأمل ، وتراث فكري تنبغي دراسته والبناء عليه ليتكامل البناء عبر العصور ، وإن ترك التراث الفكري وهجره هو إعادة من الأساس لبناء علا واستوى من قبل ، وعلى الأمم التي تريد إعلاء البناء أن تنطلق من حيث وقف من كان قبلهم .
ثالثاً : المعاصرة لا تعني التجاهل وهجر التراث ، ولكنها تعني الاستفادة من كل فكر وعلم وثقافة وتقانة ، وتوجيهها نحو بناء مصالح المجتمع ودرء المفاسد عنه ، وليست المعاصرة هي التحرر الأخلاقي أو الفكري ، أو مجاراة أهل العصر في كل شيء بدون توقف أو تأمل في المقاصد والمصالح .
رابعاً : يرمي الفقه الإسلامي إلى إصلاح الحياة ، والارتقاء بالأمم والمجتمعات في كل الجوانب وفي أدق التفاصيل ، في مناخ معافى ، لا تُقطع أوصاله الخلافات ، ولا ترديه أفعاله مهاوي الهلاك .(1/44)
خامساً : علم أصول الفقه علم يحتوي على المباحث والقواعد التي تضبط استنباط الأحكام في الشريعة الإسلامية ، وهو المُمكِّن للفقيه المعاصر من الفهم والاستيعاب لمقاصد الشريعة وقواعدها الأساسية ، التي تمكنه من توجيه الحياة المعاصرة نحو الإصلاح وفق النهج الرباني المحقق للسعادة الدنيوية والأخروية .
سادساً : هناك الكثير من الشبهات التي تثار ـ عمداً أو جهلاً ـ ضد الشريعة الإسلامية وعلومها ، وواجب العلماء الإيضاح والبيان لما تحمله العلوم الإسلامية من صلاح وخير ، يدفع إلى الاستقرار والأمن والطمأنينة والسعادة البشرية ، متبعين في ذلك أسلوب الحوار والإقناع ، مبسطين علوم الشريعة لكل الناس ، بما يناسب فهمهم واستيعابهم ، ضماناً لتوسيع القاعدة في فهم الإسلام وقواعده وأحكامه ومراميه .
والحمد لله رب العالمين ،،،،
قائمة المصادر والمراجع
أولاً : القرآن الكريم .
ثانياً :
1- الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي - لعلي بن عبد الكافي السبكي - دار الكتب العلمية - بيروت – 1404هـ- الطبعة الأولى - تحقيق جماعة من العلماء .
2- الإحكام في أصول الأحكام - لعلي بن أحمد بن حزم الأندلسي أبو محمد - دار الحديث - القاهرة – 1404 هـ - الطبعة الأولى .
3- الإحكام في أصول الأحكام- لعلي بن محمد الآمدي أبو الحسن - دار الكتاب العربي - بيروت – 1404هـ - الطبعة: الأولى- تحقيق د. سيد الجميلي .
4- إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول - لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني - دار الفكر - بيروت – 1412هـ - 1992م - الطبعة الأولى - تحقيق محمد سعيد البدري أبو مصعب .
5- الأشباه والنظائر - لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي - دار الكتب العلمية - بيروت – 1403هـ - الطبعة الأولى .
6- أصول البزدوي - كنز الوصول إلى معرفة الأصول - لعلي بن محمد البزدوي الحنفي - مطبعة جاويد بريس – كراتشي .(1/45)
7- إعلام الموقعين عن رب العالمين - لأبي عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي - دار الجيل - بيروت – 1973م - تحقيق طه عبد الرؤوف سعد.
8- الباعث الحثيث ( اختصار علوم الحديث ) - لأحمد بن عبد الحليم ابن تيمية .
9- البحر المحيط في أصول الفقه - لبدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله - دار الكتب العلمية - بيروت - 1421هـ - 2000م - الطبعة الأولى - ضبط نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه د. محمد محمد تامر.
10- البرهان في أصول الفقه - لعبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني أبو المعالي - دارالوفاء - المنصورة - مصر – 1418هـ - الطبعة الرابعة - تحقيق د. عبد العظيم محمود الديب .
11- تاج العروس لمحمد مرتضى الحسيني الزبيدي – دار الهداية – تحقيق مجموعة من المحققين.
12- تاريخ المذاهب الإسلامية لمحمد أبو زهرة - طبعة دار الفكر العربي .
13- تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي - لمحمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري أبو العلا - دار الكتب العلمية – بيروت .
14- التعريفات - لعلي بن محمد بن علي الجرجاني - دار الكتاب العربي - بيروت – 1405هـ - الطبعة الأولى- تحقيق إبراهيم الأبياري .
15- تفسير البحر المحيط - لمحمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي- دار الكتب العلمية - بيروت - 1422هـ -2001م - الطبعة الأولى – تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود - الشيخ علي محمد معوض - شارك في التحقيق : د.زكريا عبد المجيد النوقي و د.أحمد النجولي الجمل .
16- تفسير القرآن العظيم - لإسماعيل بن عمر بن كثير - طبعة عالم الكتب - بيروت .
17- التقرير والتحرير في علم الأصول - لابن أمير الحاج - دار الفكر - بيروت - 1417هـ - 1996م .
18- التوضيح في حل غوامض التنقيح في أصول الفقه - لعبيد الله بن مسعود المحبوبي البخاري الحنفي - دار الكتب العلمية - بيروت - 1416هـ - 1996م - تحقيق زكريا عميرات .(1/46)
19- الجامع الصحيح - لمحمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي - دار إحياء التراث العربي - بيروت - تحقيق أحمد محمد شاكر وآخرون.
20- الجامع لأحكام القرآن - لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي- الطبعة الثانية .
21- حاشية العطار على جمع الجوامع - لحسن العطار- دار الكتب العلمية - بيروت - 1420هـ - 1999م - الطبعة الأولى .
22- حاشية قليوبي على شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين - لشهاب الدين أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي - دار الفكر - بيروت - 1419هـ - 1998م – الطبعة الأولى - تحقيق مكتب البحوث والدراسات .
23- حكمة التشريع الإسلامي في تحريم الربا - للدكتور يوسف حامد العالم - الطبعة الأولى .
24- درر الحكام شرح مجلة الأحكام - لعلي حيدر- دار الكتب العلمية – بيروت – تحقيق وتعريب المحامي فهمي الحسيني .
25- روضة الناظر وجنة المناظر - لعبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد - دار النشر: جامعة الإمام محمد بن سعود - الرياض – 1399م - الطبعة الثانية - تحقيق د. عبد العزيز عبد الرحمن السعيد .
26- السيرة النبوية لابن هشام - لعبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري أبو محمد - دار الجيل - بيروت – 1411هـ - الطبعة الأولى- تحقيق طه عبد الرءوف سعد.
27- شرح منتهى الإرادات المسمى دقائق أولي النهى لشرح المنتهى - لمنصور بن يونس بن إدريس البهوتي - عالم الكتب - بيروت – 1996م - الطبعة الثانية .
28- صحيح ابن حبان لمحمد بن حبان بن أحمد - مؤسسة الرسالة – بيروت –1414هـ - 1993م - الطبعة الثانية – تحقيق شعيب الأرنؤوط .
29- صحيح مسلم - لمسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري – دار إحياء التراث العربي – بيروت – تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي .
30- فتح الباري شرح صحيح البخاري - لأحمد بن علي بن حجر – دار المعرفة – بيروت – تحقيق محب الدين الخطيب .(1/47)
31- الفروق - لأسعد بن محمد بن الحسين النيسابوري الكرابيسي - وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت – 1402هـ - الطبعة الأولى - تحقيق د. محمد طموم .
32- فقه الدعوة ملامح وآفاق - لعمر عبيد حسنة - سلسلة كتاب الأمة.
33- القاموس المحيط لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي – مؤسسة الرسالة – بيروت .
34- قواعد الأحكام في مصالح الأنام - لأبي محمد عز الدين السلمي - دار الكتب العلمية – بيروت .
35- قواعد الفقه - لمحمد عميم الإحسان المجددي البركتي - دار النشر: الصدف ببلشرز - كراتشي - 1407 هـ - 1986م - الطبعة الأولى .
36- كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - لعلاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري - دار الكتب العلمية - بيروت - 1418هـ - 1997م – تحقيق عبد الله محمود محمد عمر.
37- لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور – دار صادر- بيروت - الطبعة الأولى .
38- اللمع في أصول الفقه - لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي - دار الكتب العلمية - بيروت - 1405هـ -1985م - الطبعة الأولى .
39- مجلة التأصيل - تصدر عن إدارة التأصيل - وزارة التعليم العالي - جمهورية السودان – العدد الأول – ديسمبر 1994م – مطابع دار الحكمة الخرطوم .
40- المحصول في علم الأصول - لمحمد بن عمر بن الحسين الرازي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض – 1400هـ - الطبعة الأولى - تحقيق طه جابر فياض العلواني .
41- مدخل إلى إسلامية المعرفة مع مخطط مقترح لإسلامية علم التاريخ – للدكتور عماد الدين خليل – سلسلة إسلامية المعرفة – المعهد العالمي للفكر الإسلامي – 1412هـ ، 1991م – الطبعة الثانية .
42- المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي - لمصطفى شلبي - طبعة دار النهضة .
43- مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - لعلي بن سلطان محمد القاري - دار الكتب العلمية - بيروت - 1422هـ - 2001م - الطبعة الأولى - تحقيق جمال عيتاني .(1/48)
44- المستدرك على الصحيحين - لمحمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري - دار الكتب العلمية - بيروت - 1411هـ - 1990م- الطبعة الأولى - تحقيق مصطفى عبد القادر عطا .
45- المستصفى في علم الأصول - لمحمد بن محمد الغزالي أبو حامد - دار الكتب العلمية - بيروت – 1413 هـ - الطبعة الأولى- تحقيق محمد عبد السلام عبد الشافي.
46- المصباح المنير - لأحمد بن محمد بن علي الفيومي – المكتبة العلمية – بيروت .
47- المطلع على أبواب المقنع - لمحمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي أبو عبد الله - المكتب الإسلامي - بيروت – 1401 هـ – 1981م - تحقيق محمد بشير الأدلبي .
48- المعجم الوسيط - لإبراهيم مصطفى وأحمد الزيات و حامد عبد القادر و محمد النجار - دار الدعوة – تحقيق مجمع اللغة العربية .
49- مقدمة ابن خلدون - لعبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي - دار القلم - بيروت – 1984م - الطبعة الخامسة .
50- المنثور - لمحمد بهادر بن محمد بن عبد الزركشي - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت - 1405هـ - الطبعة الثانية - تحقيق د. تيسير فائق أحمد محمود .
51- المنخول في تعليقات الأصول - لمحمد بن محمد بن محمد الغزالي أبو حامد - دار الفكر - دمشق – 1400هـ - الطبعة الثانية - تحقيق د. محمد حسن هيتو .
52- الموافقات في أصول الفقه - لإبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي - دار المعرفة – بيروت - تحقيق عبد الله دراز .
********************
...
...
...(1/49)