العلة عند الأصوليين
بقلم: مبارك عامر بقنه
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ? . أما بعد :
يعتبر القياس من مصادر الأحكام الشرعية المتفق عليها عند جمهور العلماء . ومن أركان القياس العلة ؛ بل هي أساس القياس ومرتكزه ، وهي الركن الأعظم من مقصود القياس . قال إمام الحرمين :"وهو على التحقيق بحر الفقه ومجموعه ، وفيه تنافس النظار ." (1) وعلى أساس معرفتها في الأصل والتحقق من وجودها في الفرع يتم القياس ويأخذ الفرع حكم الأصل .
ولأهمية هذا الموضوع في مبحث القياس فقد وجدت نفسي تواقاً لكتابة مختصراً في العلة لإخواني طلبة العلم . سائلاً الله أن ينفع به ، وأن يجعله خالصاً لوجه الكريم .
المبحث الأول : العلة في اللغة :
اسم لما يتغير الشيء بحصوله ، أخذاً من علة المريض ؛ لأن الجسم يتغير حاله من الصحة إلى السقم ، ومنه يسمى الجرح علة لأن بحلوله بالمجروح يتغير حكم الحال . أو أخذا من العلل بعد النهل ، فالسقية الأولى النهل والثانية العَلَل (2) وهو معاودة الشرب مرة بعد مرة لأن المجتهد يعاود النظر في استخراجها مرة بعد مرة . قال صاحب المحكم :"العلة ،الحدث يشغل صاحبه عن وجه ، وقد اعتل الرجل ، وهذا علة لهذا ، أي سبب. والعلة المرض، يقال منه :عل يعل واعتل وأعله الله تعالى، ورجل عليل ." (3)
قال القرافي :" العلة باعتبار اللغة مأخوذة من ثلاثة أشياء : العرض المؤثر : كعلة المرض ، وهو الذي يؤثر فيه عادة . والداعي للأمر : من قولهم " علة إكرام زيد لعمرو ، علمه وإحسانه . وقيل : من الدوام والتكرار : ومنه العلل للشرب بعد الري ، يقال : شرب عللاً بعد نهل ." (4)
وفي الاصطلاح:
اختلف العلماء في تعريف العلة على اقوال ، منها:(1/1)
القول الأول :أنها الوصف المؤثر في الحكم لا بذاته بل بجعل الشارع . وهو قول الغزالي (5) .
والمؤثر معناه : الموجود في الحكم ، وهو قيد يخرج بذلك العلة فإنه لا تأثير فيها . (6)
القول الثاني : أنها المؤثر في الحكم بذاتها لا بجعل الله . وهو قول المعتزلة وهذا على بناء قاعدتهم في التحسين والتقبيح العقلي . (7) فالعلة وصف ذاتي لا يوقف على جعل جاعل . (8)
القول الثالث : أنها الوصف الباعث على الحكم ، أي مشتملة على حكمة صالحة تكون مقصودة للشارع في شرع الحكم . وهو قول الآمدي (9) وهذا بناء على تعليل أفعال الرب بالأغراض . (10)
القول الرابع : أنها الوصف المعرف للحكم بوضع الشارع . وهو اختيار الرازي و البيضاوي وهو أضهر الأقوال . قال صاحب المراقي في تعريف العلة :
معرّف الحكم بوضع الشارع والحكم ثابت بها فاتّبع (11)
فالوصف : هو المعنى القائم بالغير . وهو جنس .
والمعرف : معناه الذي جعل علامة للحكم . وهو فصل خرج به التأثير في الحكم ، والباعث عليه . (12)
كالإسكار فإنه كان موجوداً في الخمر ولم يدل وجوده على تحريمها حتى جعله صاحب الشرع علة في تحريمها . فالإسكار وصف معروف أي علامة على الحكم وهو التحريم الذي وضعه الشارع .(13)
وللعلة أسماء مختلفة ، فهي تسمى : السبب ، والإمارة ، والداعي ، والمستدعي ، والباعث ، والحامل ، والمناط ، والدليل ، والمقتضي ، والموجب ، والمؤثر. (14)
وقد تكون العلة (15) حكماً شرعياً كتحريم بيع الخمر فلا يصح بيعه كالميتة .
وقد تكون وصفاً عارضاً محسوساً كالشدة في الخمر ، أو وصفاً لازماً كالأنوثة في ولاية النكاح .
وقد تكون فعلاً من أفعال المكلفين كالقتل والسرقة .
وقد تكون وصفاً مجرداً وتعرف بالعلة البسيطة وهي التي لم تتركب من أجزاء مثل الطعم في تحريم الربا.(1/2)
وقد تكون مركباً وتعرف بالعلة المركبة وهي التي تتركب من جزأين فأكثر بحيث لا يستقل كل واحد بالعلية مثل القتل العمد العدوان لمكافئ غير والد .
وقد تكون العلية عقلية وهي ما ستقل العقل بإدراكها . وقيل : وهي التي توجب الحكم بنفسها ، كالحركة علة في كون المتحرك متحركاً .
وقد تكون العلة شرعية وهي ما توقف العقل في إدراكها على الشرع كالإسكار في الخمر .
ومن المقرر في دين الإسلام أن الأحكام الشرعية ما شرعت عبثاً ، وإنما شرعت لمصلحة العباد في الدنيا والآخرة ، وهي إما جلب مصلحة أو تكميلها ، أو دفع مفسدة أو تقليلها . وهذا شامل لجميع أحكام الشريعة سواء كانت عبادات أم معاملات . فمن استقراء وتتبع الأحكام الشرعية في الكتاب والسنة وجدها لا تخرج عن هذا ، ومن ذلك قول الله تعالى :( فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ([البقرة : 184] فأباح للمريض والمسافر الفطر في رمضان وذلك لدفع المشقة عنهما . وقوله تعال :( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ([المائدة : 90] فحرم الشارع الخمر والميسر والحكمة من ذلك صيانة العقل ومنع ما يترتب عليها من مفاسد ومنها العداوة والبغضاء كما قال الله تعالى :( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون([المائدة:91]
فالملاحظ في الأحكام الشرعية هو تحقيق المصلحة : من جلب نفع أو دفع ضر. وهذه هي الحكمة التي أراد الشارع تحقيقها بتشريع ذلك الحكم .(1/3)
والاعتبار في تقدير المصالح والمفاسد هو تقدير الشارع ، وليس تقدير الناس ، لأن الناس تختلف عقولهم ، وتتباين أفهامهم ، وتتعدد أهوائهم ، وتكثر رغباتهم ، فقد يقدمون مصالحهم الخاصة على المصالح العامة فتهدر المصالح العامة ، وتسود الفوضى والاضطراب في الأحكام . كما أن الحكمة قد تكون خفية لا يمكن التحقق من وجودها ، وقد تكون أمراً غير منضبط يختلف باختلاف الأحوال أو باختلاف الناس ، لذلك لا يربط التشريع ـ غالباً ـ الحكم بحكمته ، وإنما يربطه بالوصف الظاهر المنضبط ، وهذا الوصف هو مظنة لتحقق حكمة الحكم حيث يغلب مع هذا الوصف تحقق الحكمة من الحكم وهو الذي يسميه الأصوليون : علة الحكم أو مناطه . وهذا هو معنى قولهم : أن الحكم يدور مع علته لا مع حكمته وجوداً وعدماً ؛ أي إذا وجدت العلة وجد الحكم ، وإذا انتفت العلة انتفى الحكم بخلاف الحكمة . فمثلاً : النوم يوجب النقض للطهارة ، وذلك لخروج الخارج بواسطة استطلاق الوكاء بالنوم ، ولكن إدراك الخارج وقت النوم لا يتحقق ، فعلق الشارع النقض على النوم الذي نتحققه لغالب وجود علة النقض ، وهو الخارج . وكذلك : السفر في رمضان علة تبيح الفطر وقصر الصلاة ، والحكمة من ذلك دفع المشقة ، والمشقة أمر تقديري غير منضبط تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال ، فإن انتفت المشقة حيث كان السفر لا مشقة فيه، فإنه مع ذلك يبيح له الفطر وقصر الصلاة ؛ لأن السفر هو علة الحكم والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً وليس مع حكمته. فيتبين من هذا أن الحكمة هي المصلحة التي قصد الشارع تحقيقها أو تكميلها ، أو المفسدة التي قصد الشارع درؤها أو تقليلها .والعلة هي الوصف الظاهر المنضبط الذي بني عليه الحكم وجوداً وعدماً . لأنه مظنة تحقق المصلحة المقصودة من تشريع الحكم . فربط الحكم بالعلل يؤدي إلى ضبط الأحكام واستقرار أوامر التشريع ووضوحها .
المبحث الثاني : شروط العلة(1/4)
ذكر الأصوليون في العلة شروطاً تجاوزت عشرين شرطاً (16)، على خلاف بين العلماء في تقرير بعضها ، ولذا سوف اقتصر هنا على أهم هذه الشروط .
أولاً :أن تكون العلة وصفاً متعدياً
وهو أن لا يكون الوصف مقصوراً على الأصل ، بمعنى أنه يمكن تحقق الوصف في عدة أفراد ؛ لأن أساس القياس مشاركة الفرع للأصل في علة الحكم .فإذا كانت العلة قاصرة على الأصل لم يصح القياس لانعدام العلة في الفرع . قال الشنقيطي ـ رحمه الله ـ :" أن علة الحكم إذا كانت لا تتعداه إلى غيره أجمع العلماء على منع القياس بها لعدم تعديها إلى الفرع " (17)واعلم أن تعديه العلة ليست شرطاً في صحة التعليل عند الجمهور ، وإنما هي شرط في صحة القياس .
قال ابن تيميه :" والعلة المستنبطة لا بد من دليل يدل على صحتها ، وذلك الدليل هو كونها مؤثرة في الحكم ، وسلامتها على الأصول من نقض أو معارضة ."(18)
العلة المستنبطة لا يجوز تخصيصها إلا بعلة مانعة ، مع بيان العلة المخصصة ، فلا يجوز تخصيصها إلا لفوات شرط أو وجود مانع أو ما علم أنه مستثنى تعبُّداً ، فإن تخصيصها بغير علة مانعة مبطل لكونها علة . وأما المنصوصة فيجوز تخصيصها لعلة مانعة ، أو دليل مخصص . قال ابن تيميه ـ رحمه الله ـ :" الذي يظهر في تخصيص العلة أن تخصيصها يدل على فسادها ؛ إلا أن يكون لعلة مانعة ، فإنه إذا كان لعلة مانعة فهذا في الحقيقة ليس تخصيصاً ، وإنما عدم المانع شرط في حكمها ، فإن كان التخصيص بدليل ولم يظهر بين صورة التخصيص وبين غيره فرقُ مؤثر : فإن كانت العلة مستنبطة بطلت ، وكان قيام الدليل على انتفاء الحكم عنها دليلاً على فسادها ، وإن كانت العلة منصوصة وجب العمل بمقتضى عمومها إلا في كل موضع يُعلم أنه مستثنى بمعنى النص الآخر." (19)
ثانياً : أن تكون العلة وصفاً ظاهراً جلياً(1/5)
ومعنى كونه ظاهراً أي يكون محساً يدرك بحاسة من الحواس الظاهرة . قال ابن تيميه :" وإن كانت العلية خفية ، فلا سبيل إلى تعليق الحكم بها ، وإنما يُعلق بسببها ، وهو نوعان :
أحدهما : أن يكون دليلاً عليها كالعدالة مع الصدق ، والأبوة في التملك والولاية فهنا يعمل بدليل العلة ما لم يعارضها أقوى منه .
الثاني : أن يكون حصولها معه ممكنا ، كالحدث مع النوم ، والكذب أو الخطأ مع التهمة القرابة أو الصداقة ." (20)
فالعلة الخفية لا يمكن معرفة مناط الحكم فيها إلا بعسر وحرج . والحرج منتفي بقوله تعالى :(وما جعل عليكم في الدين من حرج ([الحج:78] لذلك إذا كانت العلة خفية نرى أن الشارع يرد الناس فيه إلى المظان الظاهرة الجلية ، دفعاً للعسر على الناس والتخبط في الأحكام ، فمثلاً : قوله تعالى :? إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ? [النساء:29] فالتراضي بين المتبايعين هو أساس نقل الملكية ، وهو المعتبر في العقود ،والتراضي أمر خفي قلبي ، لا يمكن إدراكه فلا يصح أن يكون علة لنقل الملكية في العوضين ، فأقام الشارع مقامه أمراً ظاهراً وهو الإيجاب والقبول الذي هو مظنة التراضي .
ثالثاً: أن تكون العلة وصفاً منضبطاً
يشترط في الوصف المعلل سواء كان حقيقياً أو لغوياً أو شرعياً أو عرفياً أن يكون منضبطاً بأن يكون محدداً متميزاً يمكن التحقق من وجودها في الفرع بحدها فلا تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأماكن بخلاف الاختلاف اليسير فإنه لا يؤثر . فغير المنضبط لا يفيد القدر الذي علق به الحكم لأن العلة تفيد الحكم . مثال العلة المنضبطة : تحريم الخمر لعلة الإسكار ، فالإسكار وصف محدد منضبط يقاس عليه كل مسكر ولا يؤثر قوة الإسكار وضعفه ؛ لأنه اختلاف يسير فإن لم تسكر في بعض الأحوال فذها لا ينافي أن من شأنها الإسكار.(1/6)
ومثال العلة غير المنضبطة : المشقة في السفر ، فالمشقة علة غير منضبطة لكونها تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فلا يصح التعليل بها ، لذلك أقام الشارع مقامها أمراً منضبطاً وهو مظنة المشقة وهو السفر .
رابعاً : أن تكون العلة مناسبة للحكم
ومعنى كون العلة مناسبة في الحكم ، أي يصح تعليق الحكم بها وهو أن يغلب على ظن المجتهد أن الحكم حاصل عند ثبوتها لأجلها ، دون شيء سواها فهي مظنة لتحقيق حكمة الحكم . فالمصلحة التي قصدها الشارع بتشريع الحكم تتحقق بربطه بهذا الوصف . فالسرقة وصف مناسب وملائم لتشريع الحكم وهو قطع يد السارق ؛ لأن ربط الحكم بالسرقة فيه المحافظة على أموال الناس .
وغير المناسب هو ما تخلفت فيه الحكمة عن العلة في بعض الصور مع كون وجودها هو الغالب .
ومثاله المسافر سفر ترفه كالنائم على محمل فإن له أن يترخص بسفره وأن تخلفت الحكمة في حقه وهي تخفيف المشقة . فهذا الوصف هنا غير مناسب لتشريع الحكم. (21) فالأوصاف المناسبة بأصلها إذا جرأ عليها في بعض الجزئيات ما ذهب مناسبتها فإنه لا يصح التعليل بها . والوصف الطردي المحض لا يعلل به ، فمثلاً : كون السارق غنياً أو المسروق فقيراً أو عاملاً ، أو كون المسافر رجلاً أو امرأةً أو أبيضاً أو أسوداً فكل هذه الأوصاف لا تصلح أن تكون وصفاً مناسباً للحكم .
خامساً : أن تكون العلة سالمة بحيث لا تخالف نص ولا إجماع .
فالنص والإجماع لا يقاومهما القياس ؛ بل لا يكون لهذا الوصف اعتبار ولا مناسبة للحكم إذا خالف النص أو الإجماع ويكون الحكم باطلاً ، لأن القياس لا يستعمل إلا عند عدم وجود النص أو الإجماع فلا يكون رافعاً لهما . وهكذا كل مصلحة تخالف النصوص المقطوع بدلالتها تكون غير صالحة لأن تكون علة لإثبات حكم .(1/7)
فمثال مخالفة النص : أن المرأة يصح نكاحها بغير أذن وليها ؛ لأنها مالكة بضعها وذلك كبيعها سلعتها وهذا مخالف لقول النبي ( : ( أيما امرأة نكحت بغير أذن مواليها ، فنكاحها باطل ثلاث مرات.?(22)
ومثال مخالفة الإجماع أن المسافر لا تجب عليه الصلاة قياساً على عدم وجوب الصيام عليه في السفر بجامع المشقة . وهذا مخالف للإجماع على عدم اعتبار المشقة في الصلاة ووجوب أدائها على المسافر مع وجود مشقة السفر .
سادساً : أن تكون العلة مطردة
أي كلما وجدت العلة وجد الحكم دون أن يعارضها نقض ، والنقض هو أن توجد الحكمة ولا يوجد معها حكم. (23) فإن عارضها نقض بطلت . قال القاضيان أبو يعلى وأبو الطيب في العلة النصوص عليها صريحاً أو إيماء : إذا دل صاحب الشريعة على علة الحكم ، فإن كان وصفاً مُطّرداً فهو كمال العلة ، وإن انتقض وجب ضم وصف آخر إليه ، وعُلم أن صاحب الشرع لم ينصّ على كمال العلة ، وإنما نص على بعضها ، ووكَلَ الثاني إلى اجتهاد أهل العلم (24).
المبحث الثالث : مسالك العلة
المسالك جمع مسلك وهو في اللغة : مكان السلوك أي المرور.
وفي الاصطلاح : الطرق التي يتوصل بها إلى معرفة العلة الموجودة في الأصل ، وتمييزه من سائر الأوصاف الأخرى .
وطرق إثبات العلة هي : النص ، والإجماع ، والاستنباط . ويأتي تحت الاستنباط : الإيماء ، والمناسبة ، والدوران ، والسبر والتقسيم ، والشبه ، والطرد ، وتنقيح المناط (25) .قال العبادي ـ رحمه الله ـ في منظومته :
ويحصل العلم بأصل العلة أو ظنها بهذه الأدلة
النص والإيماء والمناسبة والسبروالتقسيم من بعد شبه
والسادس الدوران ثم الطرد كذاك تنقيح المناط بعد (26)
المسلك الأول : النص (27)
وهو أن يدل دليل من الكتاب أو السنة على العلة التي من أجلها وضع الحكم . والنص عل العلة نص على فروعها.
ودلالة النص على العلة قد تكون صريحة ، أو محتملة .(1/8)
الصريحة : وهي التي وضعت لإفادة التعليل ؛ بحيث لا تحتمل غير العلة . قال الآمدي :" الصريح هو الذي لا يحتاج فيه نظر ولا استدلال ؛ بل يكون اللفظ موضوعاً في اللغة له .(28) " وفي هذه الحالة تكون دلالة النص على العلة قطعية ، وله ألفاظ كثيرة منها : لكيلا ، لئلا ، ومن أجل ذا ، وكي لا ،وإذن ونحوها كقوله تعالى : ( فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم([الأحزاب :37] وقوله تعالى : (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل([النساء : 165] وقوله تعالى : (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل([المائدة:32] وقوله تعالى( : كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم([الحشر:7].
المحتملة : وهو النص الظاهر الذي دل على العلة مع احتمال غيرها احتمالاً مرجوحاً . وله ألفاظ : اللام ، والباء، وأنْ ، وإنّ
أما اللام فتارة تكون ظاهرة كقوله تعالى :(كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ( [إبراهيم :1] فاللام هنا للتعليل وتحتمل أن تكون للعاقبة ، قال صاحب "التنقيح" :"اللام في اللغة تأتي للتعليل ، وتستعمل للملك ، ولو أضيفت إلى الوصف تعينت للتعليل .(29)" وتارة تكون مقدرة كقوله تعالى: (عتل بعد ذلك زنيم،أن كان ذا مال وبنين ([القلم :13،14] أي لأن كان ذا مال.
أما الباء كقوله تعالى: ( فبما رحمة من الله لنت لهم ([ آل عمران :159] أي بسبب الرحمة، فهي مفيدة للتعليل ،والباء لها استعمالات كثيرة كالإلصاق ، والتعدية ،والاستعانة ،والمصاحبة ،والظرفية ،والمجاوزة وغيرها . ولهذا جعلت من قبيل الظاهر لاحتمالها غير التعليل .
أما أن الناصبة فإنها بمعنى "لئلا" ، والفعل المستقبل بعدها تعليل لما قبله ، كقوله تعالى :"أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا " [الأنعام :156] أي : لئلا تقولوا .(1/9)
أما إنّ فكقوله ( في الهرة:(إنها من الطوافين عليكم والطوافات?(30) فعلل طهارة الهرة بالطواف عليهم .
المسلك الثاني : الإيماء والتنبيه
هو اقتران الوصف أو نظيره بالحكم ، لو لم يكن الوصف أو نظيره للتعليل ، لكان ذلك الاقتران بعيداً من فصاحة الكلام ، ومعيباً عند العقلاء ، والشارع منزه من ذلك ، فيحمل على التعليل دفعاً للاستبعاد .
ودلالته على العلة غير صريح ولكنه يشير إلى العلة وينبه عليها وذلك بأن توجد قرينة تدل على العلة . قال أبو البركات :" التنبيه ليس بقياس ، بل هو من قبيل النصوص(31)" .
وذهب الآمدي وصفي الدين الهندي إلى أن الإيماء والتنبيه يدل على العلية بالالتزام ، وذلك أنه يفهم التعليل فيه من جهة المعنى لا من جهة الألفاظ ؛ إذ لو كان اللفظ موضوعاً لها لم يكن دلالته من قبيل الإيماء بل كان صريحاً (32) . وقد ضعف السبكي هذا الرأي وقال :" أن ترتيب الحكم على الوصف يفيد العلية بوضع اللغة ، ولم تضع العرب ذلك دالاً على مدلوله بالقطع والصراحة ؛ بل بالإيماء والتنبيه ولا بدع في مثل هذا الوضع ، وإنما لم نجعله من باب الصريح لتخلفه في بعض محاله عن أن يكون إيماء وهو حيث تكون الفاء بمعنى الواو ، فكانت دلالته أضعف . (33) " .فالتعليل لازم من مدلول اللفظ وضعاً ، وليس اللفظ دالاً بوضعه على التعليل .
والإيماء والتنبيه على أنواع ، منها :
النوع الأول : تعليق الحكم على العلة بالفاء ، وهذا يفيد العلية بالاتفاق ، وهو على أنواع :
الأول : أن تدخل الفاء على العلة ، ويكون الحكم متقدماً ، كقوله ( ـ في المحرم ـ الذي وقصته ناقته: ( لا تخمروا رأسه ، فإنَّه يبعث يوم القيامة ملبياً (34) ((1/10)
الثاني : أن تدخل الفاء على الحكم ، وتكون العلة متقدمة ، فهذا تنبيه على تعليل الحكم بالفعل الذي رُتب عليه ، كقوله تعالى :( والسارق والسارقة فاقطعوا أيدهما ([المائدة:38 ] فدل هذا أن القطع معلل بالسرقة ، وأنها سببه ، وقوله تعالى :( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما( [ النور:2 ] فسبب الجلد الزنى ، فهذا الاقتران يدل على أن الوصف الذي اقترن بالحكم هو علته ، ومن هنا قال الأصوليون : " تعليق الحكم بالمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق ".
الثالث : تعليق الحكم على العلة بالفاء في غير كلام الشارع ، ما رتبه الراوي بالفاء، كقول عمران بن حصين ( : ( أن النبي ( صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم ( رواه أبوداود (35) ، فعلة السجود السهو. فهذه الصيغة من الراوي تدل على أنه فهم الحكم ، وفهم سببه ، فالفاء في اللغة ظاهرة في التعقيب ، وأنه سببه ، إذ السبب ما ثبت الحكم عقبه ، ولهذا تفهم السببية مع عدم المناسبة ، كقوله? :" من مس ذكره فليتوضأ ." (36) فلا مناسبة تظهر بين مس الذكر والوضوء ؛ فالفاء تفيد تعقيب حكم الوصف ، وأنه سببه .
النوع الثاني : ترتيب الحكم على وصف بصيغة الجزاء ، كقوله تعالى :( من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ( وقوله تعالى ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ( أي لأجل تقواه ؛ لأن الجزاء يتعقب الشرط ويلازمه.
النوع الثالث : أن يقع الحكم موقع جواب لسؤال ، كقول الأعرابي للنبي ? : واقعت على امرأتي في رمضان . فقال ( :"اعتق رقبه (37) " فإنه يدل على أن الوقاع علة للعتق ،وهذا القسم يلحق بالذي قبله ، وإن كان أقل منه في الظهور وذلك أن ترتيب الحكم هنا بفاء التعقيب المقدرة وهي ليست بقوة فاء التعقيب الصريحة ؛ فكأنه قال : إذا واقعت فكفر. ولو كان المراد غير ذلك كان يلزم خلو السؤال عن الجواب ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ، ومع كونه خلاف الظاهر .(1/11)
النوع الرابع : أن يذكر الشارع مع الحكم وصفاً ولم يصرح بالتعليل فيه ، فلو قدر أن هذا الوصف غير مؤثر في الحكم لما كان لذكره فائدة ، ولكان لغواً غير مفيد ، فيجب تعليل الحكم بذلك الشيء المذكور معه صيانة لكلام النبي ( عن اللغو إذ الدليل القاطع دل على عصمته من ذلك ، فيكون ذكر الوصف تنبيها على أنه علة الحكم . وهو ينقسم إلى أقسام :
الأول : أن يسأل في الواقعة عن أمر ظاهر لا يخفى على عاقل ، ثم يذكر الحكم عقبه ، فيدل على أن ذلك الأمر المسؤول عنه هو علة الحكم ، كقوله ( لما سئل عن بيع الرطب بالتمر :? أينقص الرطب إذا يبس ؟ قالوا : نعم .قال : فلا إذا ? رواه مالك (38) ، فلو لم يقدر التعليل بنقص الرطب كان الاستنطاق عنه غير مفيد لظهوره . فكل عاقل يعلم أن الرطب ينقص إذا يبس لزوال الرطوبة الموجبة لزيادته فدل أن الأمر للتعليل .
الثاني :أن يذكر وصفاً في محل الحكم لا حاجة إلى ذكر ه؛ وإن جرى ابتداء كقوله ? : ? لعن الله اليهود : اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . ? (39) فعلة اللعن اتخاذ القبور مساجد ، ولو لم يكن كذلك ؛ لم يكن لذكر اتخاذهم القبور مساجد معنى في هذا المقام .
الثالث : أن يعدل في بيان الحكم إلى ذكر نظير محل السؤال ، فيعلم أن وجه الشبه هو العلة في الحكم ، إذ لولاه لم يكن ذكر النظير جواباً وليس له معنى ، وذلك كقوله ( لما سألته الخثعمية عن الحج عن الوالدين ، فقال ( : ( أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان ينفعه ذلك . فقالت : نعم . قال: فدين الله أحق بالقضاء (40) ( فالحج من حيث هو دين نظير لدين الآدمي فذكره لنظير المسؤول عنه ؛ مع ترتيب الحكم عليه يدل على التعليل به . ومثل هذا يسميه الأصوليون : "التنبيه على أصل القياس" (41) .
فكأنه نبه على الأصل الذي هو دين الآدمي على الميت ، وعلى علة حكمه ، وعلى صحة إلحاق المسؤول عنه بواسطة العلة المومي إليها .(1/12)
النوع الخامس : أن يفرق الشارع بين أمرين في الحكم بذكر صفة فاصلة ، فإن ذلك يشعر بأن تلك الصفة هي علة التفرقة في الحكم ، وقد يذكر الحكمين معاً نحو حديث ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : ( قسم رسول الله ( يوم خيبر للفرس سهمين ، وللراجل سهماً (42) ( فالحكمان هما إعطاء الراجل سهماً ، والفارس سهمين .
أو يذكر أحد الحكمين دون حكم الآخر، كقوله ( : ( القاتل لا يرث (43) ( فذكر الوصف وهو القتل وذكر معه أحد الحكمين وهو عدم الإرث ، ولم يذكر الحكم الآخر وهو ميراث من لم يقتل يشعر بأن القتل علة لعدم الإرث ، ولو لم يكن القتل هو العلة لما كان في إضافة الحكم إليه معنى .
أو يفرق بين الحكمين بشرط وجزاء كقوله( :(الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثل . سواء بسواء . يداً بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم ، إذا كان يد بيد (44)( فتفريقه بين منع بيع هذه الأشياء متفاضلاً ، وجوازه بشرط اختلاف الجنس ، فذكر اختلاف الجنس مشعر بكونه علة التفرقة بين الحكمين .
أو يفرق بينهما بغاية كقوله تعالى :( ولا تقربوهن حتى يطهرن ([ البقرة :222 ] ففرق بين المنع من قربانهن في الحيض ، وبين جوازه في الطهر ، مشعر بكون الطهر علة الجواز، والحيض هو علة المنع .
أو يفرق بينهما باستثناء ، كقوله تعالى :( فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون ([البقرة : 237 ] فتفريقه بين ثبوت النصف للزوجات ، وبين انتفائه إذا عفون عنه ، مشعر بأن العفو علة الانتفاء.
أو يفرق بين الحكمين باستدراك كقوله تعالى :( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ([المائدة:89 ] فتفريقه بين عدم المؤاخذة بالأيمان ، وبين المؤاخذة بالإيمان المنعقدة ، مشعر بأن علية المؤاخذة هو التعقيد لليمين .(1/13)
النوع السادس : أن يذكر في سياق الكلام شيئاً ، لو لم يعلل به صار الكلام غير منتظم ، كقوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ([الجمعة:9] والآية سيقت لبيان أحكام الجمعة وليس لبيان أحكام البيع ، فذكر النهي عن البيع في هذا المقام مشعر بأن له ارتباط بأحكام الجمعة ؛ فلو لم يعلل النهي عن البيع بكونه مانعاً من السعي إلى الجمعة ، لكان ذكره لاغياً ؛ وهذا ممتنع لأن البيع لا يمنع منه مطلقا .
النوع السابع : اقتران الحكم بوصف مناسب ، كقوله تعالى :( إن الأبرار لفي نعيم ، وإن الفجار لفي جحيم ( [الانفطار:13،14] أي لبرهم وفجورهم .
هل يشترط المناسبة في ترتيب الحكم على الوصف بدون فاء التعقيب
اختلف الأصوليون في ذلك على قولين (45)، وهذا الخلاف مبني على تعريفهم للعلة فمن قال أنها هي الباعثة على تشريع الحكم اشترط المناسبة ، ومن قال هي المعرف للحكم لم يشترطها :
القول الأول : اشتراط المناسبة ، وهو مذهب الآمدي وابن الحاجب وغيرهم فقالوا : أن ترتيب الحكم على الوصف بدون الفاء لا يفيد العلية إلا إذا كان الوصف مناسباً . واستدلوا لذلك :
أولاً : إن الغالب من تصرفات الشارع أن تكون على وفق تصرفات العقلاء وأهل العرف ، ولو قال قائل :" أكرم الجاهل ، وأهن العالم " فلا يفهم من ذلك أن الجهل علة الإكرام ، والعلم علة الإهانة ؛ بل إكرام الجاهل لوصف يناسب ذلك كشجاعته أو كرمه أو نحو ذلك ، وإن إهانة العالم لوصف إنما هي لوصف يفيد الإهانة كفسق أو بخل أو غير ذلك وليس لعلمه .
ثانياً : الاتفاق أن أحكام الله لا تخلو عن الحكم والمصالح ، والوصف الذي لا مناسبة بينه وبين الحكم لا يكون فيه مصلحة ، فلا يصح أن يكون علة .(1/14)
القول الثاني : عدم اشتراط المناسبة ، وهو قول الجمهور أن الحكم المرتب على الوصف بدون الفاء يفيد العلية ،سواء كان هذا الوصف مناسباً أو غير مناسب لذلك الحكم ، واستدلوا لذلك :
أولاً : أنه لو قال قائل :" أكرم الجاهل ، وأهن العالم " فإن أهل العرف يستقبحون ذلك ، وليس ما يوجب الاستقباح إلا أنه تبادر إلى الذهن أن علة إكرام الجاهل هي الجهل ، وعلة إهانة العالم هي العلم ، ففهم التعليل من ترتيب الحكم على الوصف بدون الفاء مع أنه لا مناسبة فيه بين الحكم والوصف .
الثاني : أن المناسبة مسلك مستق لمعرفة العلة ، والإيماء مسلك آخر فلا يتوقف أحدهما على الآخر .
وأجيب عن استدلال أصحاب القول الأول : أن أهل العرف لو فهموا من القول المذكور أن العلة في إكرام الجاهل وصف مناسب غير الجهل ، وكذلك أن العلة في إهانة العالم وصف مناسب غير العلم ، لما كان هناك ما يوجب الاستقباح .
وأجيب عن القول الثاني : إن الاتفاق وقع على امتناع خلو الأحكام من الحكمة والمصلحة في نفس الأمر ، ولكن الحكمة قد تخفى علينا فلا نستطيع إدراكها ، وبذلك تكون المناسبة بين الحكم والوصف موجودة في الواقع ولكنها غير ظاهرة لنا .
ويلحق التخصيص في الإيماء والتنبيه ولكن بشرط ومحل إذا قام الدليل على ذلك قال الغزالي ـ رحمه الله ـ :" والعلل المفهومة بالإيماء تحتمل التخصيص بالشرائط والمحَالِّ ، وليس في تخصيصها ـ بشرط دلت الدلالة عليه ـ إبطال لها ، وهذا كالتعليل بالسرقة في قوله تعالى :" والسارق والسارقة فاقطعوا أيدهما " [المائدة:38] ثم خصص ذلك بالنصاب ، ولم يكن إبطالاً للتعليل ، وتُعرف الأدلة المخصصة للعلل بالمحال والشروط ، بما يعرف به تخصيص الألفاظ :من إجماع ، ونص ، وقياس جلي وغيره ." اهـ. (46)
المسلك الثالث : الإجماع (47) .(1/15)
والمراد بالإجماع اتفاق المجتهدين من أمة محمد ? في عصر من العصور على أمر من الأمور . والمقصود هنا أن تجمع الأمة على أن هذا الحكم علته كذا ، كالإجماع على أن العلة في قوله ( : ( لا يقضي القاضي وهو غضبان (48) ( اشتغال قلبه عن الفكر والنظر في الدليل والحكم ، فيقاس به اشتغاله بجوع أو عطش أو خوف أو ألم أو نحو ذلك مما يشوش الفكر . وكإجماعهم في تقديم الأخ الشقيق على الأخ من الأب في الإرث لعلة امتزاج النسبين فيلحق به تقديمه في ولاية النكاح ونحوها . وكإجماعهم على أن الصغر علة في الولاية المالية ، فيقاس عليه الولاية في التزويج .
المسلك الرابع : السبر والتقسيم (49)
وهذا المسلك قد يسمى بالسبر فقط ، وبالتقسيم فقط ، وبهماً معاً وهو الأكثر. ويسميه الجدليون "التقسيم والترديد "، والمنطقيون "الشرطي المنفصل "(50). والسبر في اللغة : الاختبار ، ومنه الميل الذي يختبر به الجرح في الطب ،فإنه يقال له المسبار ، وسمى هذا به ؛ لأن المجتهد يقسم الصفات ويختبر كل واحدة منها ، هل تصلح للعلية أم لا ؟
والمراد بالسبر في الاصطلاح : هو اختبار الأوصاف التي يحصرها المجتهد ؛ ليميز الصالح للتعليل من غيره .
والتقسيم في اللغة : الافتراق . وفي الاصطلاح : هو حصر الأوصاف التي يمكن التعليل بها.
فالتقسيم مقدم في الوجود على السبر ، فكان الأولى أن يقال " التقسيم والسبر " وإن لم تدل الواو على الترتيب ، لكن البداءة بالمقدم أجود ، ولكن أخروا التقسيم لأن السبر أهم ، والعادة تقديم الأهم ، كما هي عادة العرب تقديم الأهم في التعبير على غيره.(1/16)
وتعريف السبر والتقسيم معاً : هو حصر الأوصاف التي يتوهم صلاحيتها للتعليل، ثم اختبارها وفحصها لإبطال ما يراه غير صالح للتعليل ، فمثلاً : كقوله تعالى :(أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا ([الأنبياء : ] وهي رد على العاص بن وائل السهمي بقوله :(لأوتين مالا وولدا ([الأنبياء :] ، فيقال له : لا يخلو مستندك من ثلاثة أمور :
الأول: أن تكون اطلعت على الغيب ، وعلمت أن الله قد كتب في اللوح المحفوظ إيتاءك المال والولد .
الثاني : أن يكون الله أعطاك عهدا بذلك . فلن يخلف الله وعده .
الثالث : أن تكون قلت ذلك افتراء على الله من غير عهد ولا إطلاع .
ولا شك أن القسم الأول والثاني باطل ؛ لأنه لم يطلع على الغيب ، ولم يتخذ عند الرحمن عهدا . فتعين القسم الثالث وهو الافتراء على الله (51).
ومثاله أيضاً : ورد النص بتحريم الخمر ( كل مسكر خمر ( ولم يبلغ بعض المجتهدين هذا النص ، أو بلغه ولم يصح عنده ، فيبحث عن العلة التي من أجلها حرم الخمر ، فيحصر الأوصاف عنده ، فهل حرم الخمر لكونه سائلاً ، أو لكونه متخذاً من العنب ، أو لكونه مسكراً وهكذا ، ثم يختبر ويتأمل الأوصاف التي حصرها فيلغي ما كان منها غير مناسباً للحكم ، ويستبقي الحكم الذي يجمع شروط العلة ،فالأول وصف طردي لا علاقة له بالحكم ، والثاني وصف قاصر غير متعدي ، والثالث الذي هو الإسكار وصف منضبط متعدياً جامع لشروط العلة فيكون الإسكار علة في تحريم الخمر.(1/17)
وعملية السبر والتقسيم تختلف أنظار المجتهدين فيه ، فما يراه هذا مناسباً ، لا يراه الآخر مناسبا ، وهذا الاختلاف يعود إلى الاختلاف في فهم وإدراك الوصف المناسب ، وأمثال هذا كثير ، فمثلاً : حديث عبادة بن الصامت ( أن رسول الله ( قال :( الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر، والملح بالملح ، مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد ( (رواه مسلم) فاختلف العلماء في العلة الدالة في تحريم بيع هذه الأجناس متفاضلة .والحديث يحتوي على جملتين :
الأولى : حالة النقدين ، والثانية : حالة الأصناف الأربعة .ولكل حالة منهما علة تنفرد بها ، فعلة الذهب والفضة غير علة الأصناف الأربعة . فنرى أن المجتهد في البحث بطريق السبر والتقسيم عن العلة في التحريم ، فقد يصل به بحثه إلى أن العلة في النقدين الوزن مع الجنس ، وفي الأصناف الأربعة الكيل مع الجنس سواء كان مطعوماً كالأرز أم غير مطعوم كالحناء ، وهذا مذهب أبي حنيفة ،وأحمد . أو قد يصل به بحثه إلى أن العلة في النقدين هي غلبة الثمنية أو جوهر الثمنية غالباً فالعلة قاصرة على الذهب والفضة ، وهذا مذهب مالك والشافعي ، وفي الأصناف الأربعة عند مالك العلة هي : الاقتيات والادخار ، وعند الشافعي : هي الطعم مع اتحاد الجنس (52) . وعلى أساس العلة التي استنبطها العلماء يكون القياس .
ذكر إمام الحرمين عن القاضي قوله : السبر من اقوى الطرق في إثبات علة الأصل . وقد استشكل إمام الحرمين ذلك ، فقال :" هو مشكل جداً فإن من أبطل معاني لا يلزم من إبطالها إثبات ما لم يتعرض له بالإبطال ؛ لاحتمال بطلانه أيضاً؛ لأنه لا يمكن تعليل كلل حكم ، فيمكن أن يكون لذلك الحكم علة أخرى ، لجواز تعليل الحكم بعلل ،ولو قام الدليل على اعتبار معنى لا يتوقف اعتباره على إبطال غيره،فلا حاجة إلى السبر والتقسيم ألبته ."(53)(1/18)
والسبر والتقسيم قسمان (54) :
الأول : التقسيم الحاصر : وهو الذي يدور بين النفي والإثبات . فهو عبارة عن حصر الأوصاف التي يمكن التعليل بها، ثم اختبارها وإبطال ما لا يصلح منها. وقد يكون في القطعيات وذلك إذا كان دليل إلغاء الأوصاف التي لا يصح التعليل بها قطعياً ، وهذا يكون حجة في العقليات والشرعيات ، كقولنا : العالم إما أن يكون قديماً أو حادثاً ، فالأول باطل ، فثبت أنه حادث.
وقد يكون في الظنيات ، كعلة ولاية الإجبار على النكاح إما الصغر أو البكارة ، والأول باطل ؛ وإلا لثبتت الولاية في الثيب الصغيرة ، وهذا مخالف للنص وهو قوله ( :( والثيب أحق بنفسها من وليها 55( فتعين أن يكون التعليل بالبكارة .
الثاني : التقسيم غير الحاصر أو المنتشر : وهو الذي لا يدور بين النفي والإثبات ، مثل أن يقول : علة تحريم الربا إما الطعم ، أو الكيل ، أو القوت ، أو المالية فيبين بطلان علية غير الوصف الذي يدعي أنه العلة ، فإذا أبطل غيره تعين هو للعلة. كأن يقول الشافعي مثلاً : بطل القوت والكيل والمالية بدليل كذا وكذا ، فثبت الطعم .
ونظراً لأن التقسيم غير الحاصر لم يردد فيه الأوصاف بالنفي والإثبات ، فإنه يجوز عقلاً وجود وصف آخر غير مذكور في التقسيم ، كما أنه قد يتطرق الشك في بطلان الأوصاف الأخرى . ولذلك اختلف في حجة التقسيم غير الحاصر فذهب بعض الأصوليين إلى أنه ليس بحجه لا في القطعيات ، ولا في الظنيات وذلك لجواز إبطال الأوصاف الباقية ، وجواز أن تكون العلة وصفاً آخر غير الأوصاف التي ذكرت في التقسيم (56)(1/19)
وذهب قوم إلى أنه حجة للناظر ومقلديه ، دون المناظر ؛ لأن ظنه لا تقوم به الحجة على غيره ، فإذا قال المناظر : سبرت وبحثت فلم أجد دليلاً أو قسماً آخر ، فإنه يقبل منه ذلك إذا كان في مقام الفتوى والاجتهاد ، فأما المناظر فلا يقبل منه ذلك على خصمه ، بل يجب على خصمه إظهار ذلك إن كان عنده لتحصل الفائدة ولا يكون كاتماً للعلم وقاصداً للعناد ، فإذا لم يظهره دل ظاهراً على عدمه عنده أيضاً . وهذا اختيار الآمدي (57) .
وقال أكثر الأصوليين : إلى أنه حجة في الشرعيات فقط ، وذلك أن أغلب الأحكام الشرعية معللة ، وفي الغالب أن العلة لا تخرج من هذه الأوصاف . وإذا ظهر بطلان ما عدا الوصف المستبقى غلب على الظن أنه هو العلة ، لأنه يفيد الظن (58) .
وهذا المسلك مبني على ثلاثة أمور :
الأول : أن يكون حكم الأصل معللاً .
الثاني : أن يكون التقسيم حاصراً لجميع ما يعلل به ، كأن يقول المجتهد : بحثت فلم أجد غير هذه الأوصاف ، والأصل عدم ما سواها ، فيوافقه الخصم ، أو يعجز عن إظهار وصف زائد . وهذا الحصر وما يتبعه من الإبطال متى ما كان قطعياً كان التعليل به قطعياً ، ومتى ما كان ظنياً كان التعليل به ظنياً .
الثالث : إبطال ما سوى ذلك الوصف . ولإبطال الأوصاف التي لا تصلح للعلية طرق ،وهي(59):
أولاً : الطردية : وهو وجود الحكم مع وجود الوصف الذي لا مناسبة بينه وبين الحكم لا بالذات ولا بالتبع ، أي ما علم من الشارع إلغاءه ، وعدم الالتفات إليه في إثبات الأحكام الشرعية . والوصف الطردي قسمان :
الأول : ما طرد في جميع الأحكام الشرعية كالطول والقصر، والسواد والبياض ، فإن الشارع لم يعتبر هذه الأوصاف في الأحكام مطلقاً ، فلا يعلل بها شيء من الأحكام .(1/20)
الثاني : أن يكون طردياً في بعض الأحكام مع كونه معتبراً في بعض آخر ،كالذكورة والأنوثة ، فإنهما لا يعتبران في أحكام العتق فالشارع قد سوَّى بينهما في ذلك قال تعالى (فتحرير رقبة ( شامل الذكر والأنثى ، بخلاف ما عداه فإنهما معتبران فيه كالشهادة والقضاء وولاية النكاح والإرث .
ثانياً : الإلغاء : وهو أن الوصف الذي استبقاه المجتهد قد ثبت به الحكم في صورة ، وأن الوصف المحذوف لم يثبت به الحكم ، وليس له أثر في الحكم ، فيظهر استقلال الوصف المستبقي بالتعليل .قال الآمدي:" ولا بد من بيان الاستقلال بالاستدلال ببعض طرق إثبات العلة " 60). ومثاله : قول الشافعي المعلل بتحريم الربا في البر بالطعم ، أن وصف الكيل والاقتيات والادخار لا يصح بدليل استقلال الطعم بالحكم الذي هو حرمة ربا الفضل في ملء كف من القمح دون الكيل والاقتيات ، فإن ملء الكف لا يكال وليس فيه اقتيات في الغالب ولكنه فيه الطعمية ، فاستقلت الطعمية بالحكم وألغى غيرها كالكيل والاقتيات .
ثالثاً : عدم ظهور مناسبة للأوصاف المحذوفة ، وذلك بأن يقول المجتهد بحثت فلم أجد بين الوصف والحكم مناسبة ، والظاهر صدقه ،وأن الوصف غير مناسب ، ولا يلزم إقامة الدليل على عدم ظهور المناسبة ؛ فيقبل قوله لعدالته وأهليته للنظر والبحث .
المسلك الخامس : المناسبة . (61)
وهذا المسلك يسمى أيضا : الإخاله ؛لأن المجتهد فيه يخال أي يظن أن الوصف هذا علة للحكم . ويسمى تخريج المناط ، والمناط العلة أي تخريج العلة واستنباطها ، ويسمى رعاية المقاصد ، والمصلحة ، والاستدلال ، والمؤذن بالحكم ، والمشعر به .
والمناسبة في اللغة : الملاءمة 62 .(1/21)
وفي اصطلاح الأصوليين : أن يكون الحكم مقترناً بوصف مناسب يترتب بناء الحكم عليه مصلحة مقصودة للشارع من جلب منفعة ، أو دفع مضرة ، فالمناسبة ترجع إلى رعاية المقاصد . كالزنا فإنه مناسب للتحريم ؛ لأن منع الزنا فيه مصلحة حفظ الأنساب وعدم ضياعها ، أو دفع مفسدة وهي اختلاط الأنساب وعدم التمييز بين الأولاد .وقد عرفه ابن الحاجب بقوله :" وصف ظاهر منضبط يحصل عقلا من ترتيب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصودا من جلب منفعة ، أو دفع مضرة " (63).
فالوصف : هو المعنى القائم بالغير ، وهو جنس يدخل الظاهر والخفي ، والمنضبط والمظطرب .
الظاهر : معناه الواضح الذي لا خفاء فيه ، وهو فصل فأخرج الوصف الخفي ،مثل :الرضا في البيع فلا يعتبر مناسباً لأنه أمر خفي .
المنضبط : وهو الذي لا يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال . وهو قيد ثان خرج نه غير المنضبط ،مثل : المشقة في السفر ؛ فإنه وصف غير منضبط فلا يعتبر وصفاً مناسباً .
يحصل عقلاً : قيد ثالث يخرج به الوصف الطردي.
فما ترتب الحكم عليه ... : قيد رابع يخرج به الوصف الشبهي ، وهو الوصف الذي لم تظهر مناسبته للحكم ، ولكن عهد من الشارع الالتفات إليه في بعض الأحكام .(1/22)
وقد اعترض على هذا الوصف بأنه غير جامع ؛لأن الأصوليين قسموا المناسب إلى ظاهر وخفي ، وإلى منضبط وغير منضبط والتعريف لا يدخل فيه الوصف الخفي ولا الوصف غير المنضبط. (64) وفي تعريف المناسب أقوال غير هذا لا تسلم من الملاحظات تركتها خشية الإطالة . قال الشنقيطي ـ رحمه الله ـ :"وضابط مسلك المناسبة والإخالة عند الأصوليين : هو أن يقترن وصف مناسب بحكم في نص من نصوص الشرع ، ويكون ذلك الوصف سالماً من القوادح ، ويقوم دليل على استقلاله بالمناسبة دون غيره ، فيعلم أنه علة ذلك الحكم . مثاله : اقتران حكم التحريم بوصف الإسكار في قوله ( :( كل مسكر حرام ( فالإسكار مناسب للتحريم ، مقترن به في النص، سالم من القوادح ،مستقل بالمناسبة " (65) .
والمناسب ينقسم إلى قسمين :مناسب حقيقي ، ومناسب إقناعي .
القسم الأول : المناسب الحقيقي :
هو الذي لا تزول مناسبته بعد التأمل فيه . مثل القتل العمد مناسب لوجوب القصاص حتى تحفظ النفوس ، فإن مناسبته لا تزول مهما بذل من جهد .
والحقيقي إما أن يكون دنيوي ، أو أخروي .
أما الحقيقي الدنيوي : وهو ما يجلب للإنسان نفعاً ، أو يدفع عنه ضراً . بحيث يكون كل منها متعلقاً بالدنيا ، كالزنا والسرقة فإن المنفعة المترقبة على شرع الحكم هي حفظ العرض والنفس وحفظ المال وهذه متعلقة بالدنيا .
الحقيقي الدنيوي ينقسم من حيث المنفعة والحكمة إلى ثلاثة أقسام :
الأول : ضروري : وهو الذي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا ، المتضمن حفظ مقصود من المقاصد الخمس : ( النفس ، والدين ، والعقل ، والنسل ، والمال ) وهو أعلى مراتب الناسبات ، وأصل المصالح . قال الجزائري(66) :
قد أجمع الأنبياء والرسل قاطبة على الديانة بالتوحيد في الملل
وحفظ نفس ومال معهما نسب وحفظ عقل وعرض غير مبتذل
وألحق بالضروري المكمل له ، كتحريم قليل السكر لحفظ العقل ، وتحريم البدعة لحفظ الدين.(1/23)
الثاني :حاجي : وهو ما يحتاج إليه ، ولم يصل إلى حد الضرورة فهو مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي ـ في الغالب ـ إلى الحرج والمشقة بفوات المطلوب . كالرخص المخففة بالنسبة إلى إلحاق المشقة بالمرض والسفر . وكالإجارة ، فإن الحاجة داعية إلى إجارة المسكن،خصوصاً مع عدم استطاعة التملك ، وامتناع مالكها من بذلها . وهكذا البيع والمساقة والمضاربة وما أشبهها.
وقد تكون الحاجة ضرورية في بعض الصور وذلك ما يتوقف عليه سلامة البدن من الهلاك ، ويلحق بالحاجي المكمل له كاعتبار مهر المثل في تزويج الصغيرة ، والنظر إلى المخطوبة فإنهما داعية إلى دوام النكاح ، وإن كان أصل الحاجة حاصلاً بدونهما . فهي كالتكملة والتتمة لرعاية المصالح .
الثالث : تحسيني أو تتميمي : وهو الأخذ بمحاسن العادات ، ومكارم الأخلاق ، واتباع أحسن المناهج في العبادات والمعاملات ، فهو ما يقع موقع التحسين والتزيين ، والمتمم للمصالح . كإزالة النجاسة ، وأخذ الزينة ، وآداب الأكل والشرب ،وأشباه ذلك . وذكر الغزالي مثال ذلك : وهوسلب العبد أهلية الشهادة ، وليس أهليته حاجة ولا ضرورة ، فالرقيق نازل القدرة والرتبة ، ضعيف الحال والمنزلة ، وكانت الشهادة ونفوذها إلى الفقير منصباً علياً لم يكن ذلك لائقاً بحاله . (67)
والتحسينات كالتكملة للحاجيات ، والحاجيات كالتكملة للضروريات ، وكل تكملة لها شرط ، وهو أن لا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال.فإذا أفضى اعتبارها إلى رفض أصلها، فلا يصح اشتراطها عند ذلك ، لوجهين :
أحدها : أن في إبطال الأصل إبطال التكملة ؛ لأن التكملة مع ما كملته كالصفة مع الموصوف ، فإذا كان اعتبار الصفة يؤدي إلى ارتفاع الموصوف ، لزم من ذلك ارتفاع الصفة أيضاً .(1/24)
الثاني : أنا لو قدرنا حصول المصلحة التكميلية مع فوات المصلحة الأصلية ، لكان حصول الأصلية أولى لما بينهما من التفاوت . وبيان ذلك كإتمام الأركان في الصلاة مكمل لضرورتها ، فإذا أدى طلبه إلى أن لا تصلى ـ كالمريض غير القادر ـ سقط المكمل . أو كان في إتمامها حرج ، ارتفع الحرج عمن لم يكمل ، وصلى على حسب ما أوسعته الرخصة(68).
الحقيقي الأخروي : هو ما يجلب للإنسان نفعاً أو يدفع عنه ضراً بحيث يكون كل منهما متعلق بالآخرة ، كتزكية النفس من الرذائل فإنه مناسب لشرع العبادات من صلاة وصوم وحج ونحوه .
وقد يكون المناسب دنيوي وأخروي معاً ،كإجاب الكفارة بالمال فإن فيه مصلحة للفقراء وهذا أمر دنيوي ، وثواب للمكفر وهذا أمر أخروي .
القسم الثاني : المناسب الإقناعي :
وهو ما تزول مناسبته بعد التأمل . فيظن بادئ الرأي أنه مناسب ، ثم بعد التأمل والبحث وإمعان النظر لا تظهر مناسبته لذلك . مثاله : تحريم الشافعي بيع الكلب قياساً على تحريم بيع الخمر والميتة لجامع النجاسة والقذارة ، والشارع أمر باجتناب النجاسة ، وكون الشيء نجساً يناسب إذلاله ، ففي بيع الكلب ، ومقابلته بالمال ، تشريف وإقامة وزن ، وإثبات قدر وهذا يناقض محاسن العادات . فهذه العلة تبدو في بادئ الأمر مناسبة ، ولكن بعد التأمل وتدقيق النظر في المعنى وفي الحكم ، تنتفي المناسبة . إذ لا معنى كون الشيء نجساً إلا عدم جواز الصلاة معه ولا يلزم من ذلك استعماله ؛ فالانتفاع بالنجسات جائز بالاتفاق ، ومعنى البيع : نقل الاختصاص ببدل ، فلا مناسبة بين بطلان الصلاة باستصحابه وبين المنع من بيعه .
والوصف المناسب هو ما اعتبره الشارع بنوع من أنواع الاعتبار ، فكون الوصف متوافر في رأي المجتهد فإنه لا عبرة به إذا لم يعتبره الشارع .
وقسم الأصوليون المناسب من جهة اعتبار الشارع له وإلغائه إلى أربعة أقسام :
مؤثر ، وملائم ، وغريب ، ومرسل
أولاً : المناسب المؤثر :(1/25)
أن يدل النص أو الإجماع على اعتبار تأثير عين الوصف علة في عين الحكم . وهذا النوع سماه البيضاوي بالمناسب الغريب(69). وسمي بالمناسب المؤثر، لحصول التأثير بما اعتبره الشرع بنص أو إجماع دل هذا الاعتبار التام أن الحكم نشأ عنه أو أنه أثر من آثاره وهذا المناسب لا خلاف في صحة القياس عليه عند القائلين بصحة بالقياس . وهو الذي يقال عنه أنه "في معنى الأصل" إذ لا يبقى بين الأصل والفرع إلا تعدد المحل. كإلحاق ولاية النكاح بولاية المال بجامع الصغر ، فالصغر اعتبره الشارع بعينه وصفا أثر عينه في عين الحكم وهو الولاية على مال الصغير ، فعدى الحكم بعينه وهو الولاية بهذه العلة وهي الصغر إلى محل النزاع ، وهو النكاح . فلم يختلف هنا إلا محل الولاية وهو المال والنكاح .و كظهور أثر الوقاع في إيجاب الكفارة على الأعرابي فالتركي والهندي في معناه .
ثانياً : المناسب الملائم :
هو ما دل الدليل بنص أو إجماع على اعتبار عين الوصف علة لجنس الحكم ، أو بالعكس ، أو جنس الوصف علة لجنس الحكم .
مثال اعتبار عين الوصف علة لجنس الحكم : كتقديم الأخوة من الأبوين على الأخ من الأب في الميراث ، فعين الأخوة أثرت في جنس التقديم ، فمطلق التقديم جنس ، فيقاس على الإرث ولاية النكاح . وهذا النوع جعله ابن قدامة من المناسب المؤثر. (70)
مثال اعتبار جنس الوصف علة للعين الحكم : تعليل جواز الجمع في الحضر ليلة المطر ، وذلك اعتبار للمشقة والحرج الحاصل من المطر . فالسفر والمطر جنس واحد وهو كونه مظنة المشقة ، وهو علة لعين الحكم وهو الجمع بين الصلاتين .
مثال اعتبار جنس الوصف علة لجنس الحكم : كاعتبار جنس الوصف الذي هو الجناية في جنس الحكم الذي هو القصاص في قياس القتل بالمثقل على القتل بالمحدد . وقد سمى الغزالي هذا القسم بالمناسب الغريب . (71)
ثالثاً : المناسب الغريب :(1/26)
هو ما دل الدليل على عدم اعتباره . والمناسب الغريب لا يجوز التعليل به ، مثال ذلك : كإيجاب صوم شهرين متتابعين ابتداء على من جامع في رمضان وكان يسهل عليه العتق ؛ لأنه هو المناسب لتحقيق حكمة الكفارة ، وهي الزجر والردع . فهذا القول مصادم للنص ، وتبديل لشرع الله ؛ لأن الشارع أوجب عتق رقبه ابتداء من غير أن ينظر إلى كونه يتضرر بالعتق أو لا يتضرر ، فالشارع ألغى عدم التضرر من العتق . وعلى هذا فقد أنكر العلماء على يحي بن يحي بن كثير الليثي صاحب الإمام مالك ، فتواه لأحد الخلفاء في الأندلس وقد جامع في نهار رمضان بأنه يجب عليه صوم شهرين متتابعين ابتداء ،بحجة أن الخليفة قادر على العتق والإطعام فلا ينزجر بغير الصوم . (72) فهذا القول لا يقبل قطعياً فإنه استحسان ووضع للشرع بالرأي ، والشارع لا يلغي مصلحة إلا لمصلحة أعظم منها ، فإلغاءه مصلحة زجر الملك بخصوص الصوم وذلك من أجل أن مصلحة العتق والإطعام أرجح في نظر الشرع .
رابعاً :المناسب المرسل :
وهو الوصف الذي لم يشهد له الشرع بالاعتبار أو الإلغاء . وإنما هو مجرد تعلق بالمصلحة من غير استشهاد بأصل معين .
ويسمى المصلحة المرسلة ،أو الاستصلاح . وسُمي مصلحة واستصلاحاً لما فيه من المصلحة التي اشتمل عليها الوصف المناسب ، وسمي مرسلا لإرساله وإطلاقه من الاعتبار والإلغاء. مثاله : جمع القرآن ، واتخاذ السجون ، وتجديد الأذان يوم الجمعة ، وضرب النقود وغير ذلك . وهو حجة عند المالكية والحنابلة ، بخلاف الحنفية والشافعية فإنه لا يجوز التعليل به عندهم .
المسلك السادس : الشبه . (73)
ويسميه بعض الفقهاء " الاستدلال بالشيء على مثله " ، وهو يطلق على كل قياس ، فإن الفرع يلحق بالأصل بجامع يشبهه فيه . ويعتبر هذا المسلك من أصعب مسالك العلة وأدقها فهماً .
اختلف الأصوليون في تعريف الشبه حتى قال الجويني : لا يمكن تحديده .(1/27)
وعرّفه بعض الأصوليين : بأن يتردد الفرع بين أصلين فيلحق بأكثرهم شبهاً (74) . كالعبد ، هل إذا قتل تلزم فيه القيمة أو الدية ؟ فإنه قد اجتمع فيه مناطان متعارضان : الأول : المالية ، فإنه يشبه الحيوان من حيث أنه يباع ، ويوهب ، ويرهن ، ويورث ، ويؤجر ونحو ذلك .
الثاني : النفسية ، فإنه يشبه الحر فهو يثاب ، ويعاقب ، وينكح ، ويطلق ، ويفهم ، ويعقل ، ويكلف بالعبادات ونحو ذلك . فيلحق بالأكثر شبهاً .
وذهب أكثر الأصوليين في تعريف الشبه : هو الوصف الذي لم تظهر مناسبته بعد البحث التام ، ولكن عهد من الشارع الالتفات إليه في بعض الأحكام . وهذا الذي عليه أكثر المحققين ، ومثال ذلك : قول الشافعي في مسألة إزالة النجاسة : طهارة تراد لأجل الصلاة ، فلا تجوز بغير الماء كطهارة الحدث ، فإن الجامع هو الطهارة ؛ ومناسبتها لتعيين الماء بعد البحث التام غير ظاهرة ، وبالنظر إلى كون الشارع اعتبرها في بعض الأحكام كمس المصحف ، والصلاة ، فذلك يوهم اشتمالها على المناسبة . ويعرف هذا بقياس الدلالة .
قال إمام الحرمين :" والشبه ذو طرفين : أدناه : قياس في معنى الأصل مقطوع به ، وأبعده : لا يستند إلى علم ولا ظن . مثال المقطوع به : لو ثبت مثلاً كون النية شرطاً في التيمم ، لكان الوضوء في معناه قطعياً . ومثال الآخر : قول الحنفي ـ لنفي النية ـ طهارة أشبهت إزالة النجاسة ، فهذا طردا. " (75)
حكم قياس الشبه :
اعلم أن قياس الشبه لا يصار إليه مع إمكان القياس بالعلة . وحكى الإجماع على هذا القاضي أبو بكر والباقلاني والزركشي وغيرهم (76) . وقد اختلف العلماء في حكمه على مذاهب :(1/28)
القول الأول : أنه ليس بحجة ، والتعليل به باطل . وهو قول الحنفية ، وإليه ذهب القاضي أبو بكر ، وأبو اسحاق الشيرازي ، والصيرفي ، والباقلاني . واحتجوا بأن الوصف الشبهي ليس بمناسب ، وما ليس بمناسب لا يعلل به اتفاقاً ، فحينئذ فالشبه لا يكون مثبتاً للعلية ، فلا يحتج به .
القول الثاني : أنه حجة . وهو قول أكثر الفقهاء ، وذلك أنه يفيد ظن العلية فوجب العمل به . ونوقش القول الأول : أن الذي لا يعلل به اتفاقاً هو الوصف الذي لا مناسبة فيه أصلاً لا باعتبار ذاته ولا باعتبار ما اشتمل عليه ، والوصف الشبهي فيه مناسبة بالتبع ، وذلك أن الحكم لا بد فيه من علة ، وان العلة إما تكون مناسبة أو غير مناسبة ، وغير المناسب إن كان مستلزماً للمناسب فلا شك أن إسناد الحكم إلى هذا الوصف أقوى من ميله إلى إسناده إلى غيره ؛ وهذا يفيد غلبة الظن ، فوجب العمل به . قال ابن تيميه :"من قال : ليس بحجة ، فقد يحكم فيه بحكم ثالث مأخوذ من الأصلين ، وهو طريقة الشبهين ، فيعطيه بعض حكم هذا وبعض حكم هذا ... وطريقة الشبهين ينكرها كثير من أصحاب الشافعي وأحمد ، وهو مقتضى قول من يقول بغلبة الاشتباه ويعتبر للحادثة معينا ... والاشبه أنه إن أمكن استعمال الشبهين ، ، وإلا أُلحق بأشبههما به(77)".
واختلف القائلون بحجته بماذا يعتبر الشبه ، على أقوال :
الأول : يعتبر الشبه في الحكم . وهو مذهب الشافعية ، وأكثر الحنابلة . مثاله : إلحاق العبد المقتول بسائر الأموال المملوكة في لزوم قيمته على القاتل ، بجامع أن كل واحد منهما يباع ويشترى .
الثاني : يعتبر الشبه في الصورة دون الحكم وهو مذهب الحنفية ورواية عن أحمد ، كقياس الخيل على البغال والحمير في سقوط الزكاة ، وكقياس الحنفية في حرمة لحم الخيل على لحم الحمير ، وقياسهم قتل الحر بالعبد . وعن أحمد قال بوجوب الجلوس في التشهد الأول ، لأنه أحد الجلوسين في تشهد الصلاة ، فوجب كالتشهد الأخير.(1/29)
الثالث : اعتباره فيما غلب على الظن أنه مناط للحكم ، بأن يظن أنه مستلزم لعلة الحكم .قال الرازي : " والحق : أنه متى حصلت المشابهة ـ فيما يظن أنه علة الحكم ، أو مستلزم لما هو علة له : صح القياس ـ سواء كان ذلك في الصورة أو في الحكم " (78) .
الرابع : اعتبار قياس غلبة الأشباه دون غيره . قال الشافعي في الأم :" والقياس قياسان : أحدهما ، يكون في مثل معنى الأصل ، فذلك الذي لا يحل لأحد خلافه . ثم قياس أن يشبه الشيء بالشيء من الأصل ، والشيء من الأصل غيره ، فيشبه هذا بهذا الأصل ، ويشبه غيره بالأصل غيره . قال الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ : وموضع الصواب فيه عندنا ـ والله تعالى أعلم ـ أن ينظر ، فأيهما كان أولى بشبهه صيره إليه . إن أشبه أحدهما في خصلتين والآخر في خصلة ،ألحقه بالذي هو أشبه في خصلتين " اهـ (79) .
والفرق بين المناسب والشبه أن صلاحية الشبه لما يترتب عليه من الأحكام لا يدركها العقل لو قدر عدم ورود الشرع ، فاشتراط النية في الطهارة ولو لم يرد بها الشرع في التيمم لم يدركها العقل .
أما المناسب فإن صلاحيته لما يترتب عليه من الأحكام يدركها العقل لو لم يرد الشرع باعتبارها . فالعقل قبل تحريم الخمر يدرك أن تحريمها مناسب لصيانة العقول ، فقد حرم قيس بن عاصم المنقري الخمر في جاهليته قبل الإسلام وذلك أنه سكر يوماً فعبث ببنات محرم منه فهربت منه ، فلما أصبح قيل له في ذلك فقال :
رأيت الخمرَ منقصةً وفيها مقابحَ تفضحَ الرجلَ الكريما
فلا والله أشربها حياتي ولا أشفي بها أبداً سقيما(80)
المسلك السابع : الدوران (81)
والدوران في اللغة مصدر دار دورانا إذا تحرك حركة دورية كالدولاب والرحا . ومنه دور العمامة ودور الخيل . (82)
وفي الاصطلاح : هو وجود الحكم مع وجود الوصف ، وانعدام الحكم مع انعدام الوصف .(1/30)
وسماه الآمدي وابن الحاجب "بالطرد والعكس" لكونه بمعناه ، والطرد في الاصطلاح : الملازمة في الثبوت ، والعكس : الملازمة في الانتفاء . ويسمى "بالجريان " ويسمى " بالسلب والوجود " . قال الجويني :" ذهب كل من يعزى إليه الجدل إلى أنه أقوى ما يثبت به العلل ." (83)
والدوران يقع على وجهين :
أحدهما : أن يقع في صورة واحدة . ومثاله : الإسكار في العصير ، فإن العصير قبل أن يوجد الإسكار فيه كان حلالاً ، فلما حدث السكر حرم ، فلما زال الإسكار وصار خلاً صار حلالاً . فدوران التحريم مع الإسكار وجوداً وعدماً .
الثاني : أن يقع في صورتين . كوجوب الزكاة في الحلي لكونه أحد النقدين ، وعدم النقدية في الثياب وغيرها من العروض يعدم فيها الحكم وهو وجوب الزكاة . فصار الدوران في صورتين وهو الوجود في النقد ، والعدم في غير النقد . قال الطوفي :" لكنّ الدوران في صورة أقوى منه في صورتين ، على ما هو مدرك ضرورة أو نظراً أو ظاهراً " (84) .
واختلف الأصوليون في إفادة الدوران للعلية ، على أقوال :
أحدها : أنه يفيد العلية قطعاً ، وهذا قال به بعض المعتزلة .
الثاني : أنه لا يفيد العلية لا قطعاً ولا ظناً. وهذا اختيار الغزالي و الآمدي وابن الحاجب وغيرهم .
واحتجوا أنه لا يفيد التعليل أصلاً لأنه يحتمل أن يكون الوصف ملازماً للعلة ، أو جزءاً من أجزائها كرائحة الخمر يزول التحريم بزوالها ، ويوجد بوجودها وليست بعلة . فإذا كان الدوران قد يوجد من غير أن يكون علة دل ذلك على عدم دلالته على العلية .(1/31)
وقالوا أيضاً :بأن وجود الحكم عند وجود الوصف طرد محض غير مؤثر ، وأما الانعكاس وهو انتفاء الحكم عن انتفاء الوصف فإنه ليس شرطاً ولا معتبر في العلل الشرعية عند جماهير الأصوليين . وعليه لا ينبغي الاعتماد على الدوران . قال الباقلاني :" لا يجوز التعلق بالطرد والعكس في محاولة إثبات العلة ، فإن الطرد لا يعم في صورة الخلاف على وفاق ؛ إذ لو كان يعم لما ثبت الخلاف في المحل الذي يدعي الطارد الطرد فيه ، والعكس ليس شرطاً في العلة التي تجري دليلاً وعلامة ." (85)
الثالث : أنه يفيد ظن العلية ، بشرط عدم المزاحم . وهذا هو مذهب الجمهور . وذلك أن العلة الشرعية لا توجب الحكم بذاتها ، وإنما هي إمارة ، فإذا دار الوصف مع الحكم غلب على الظن كونه معرّفاً له وينزل بمنزلة الوصف المومأ إليه بأن يكون علة وإن خلا عن المناسبة . ومثل هذا : لو دُعي رجل باسم فغضب ، ودُعي بغيره لم يغضب ، وتكرر ذلك منه دل على أن هذا الاسم سبب الغضب .
وأما من قال أنه لا يفيد التعليل أصلاً فالجواب عن ذلك أن صلاحية الشيء للتعليل لا يلزم أن يعلل به إذ قد يمتنع ذلك لمعارضة ما هو أولى منه . والنقض برائحة الخمر يدفعه القيد الذي ذكره أهل الأصول وهو أنهم جعلوا الوصف في مسلك الدوران يشترط فيه المناسبة أو احتمالها ، فإن كان طرداً محضاً علم قطعاً أنه غير العلة ولو دار معه الحكم وجوداً وعدماً كرائحة الخمر المذكورة .
والجواب عن الثاني : أنها حجة ضعيفة وذلك إن كان كل من الطرد والعكس لا يؤثر منفردا ، لا يمنع من تأثيرها مجتمعين ، لأن المجموع يفيد ما لا يفيده الإفراد ، فالاحتجاج بمجموع الأمرين . وقد روى عن الإمام أحمد اعتبار العكس عن العلة ، حيث قال :" لا تكون العلة علة حتى يقبل الحكم بإقبالها ويدبر بادبارها " (86) .
المسلك السابع : الطرد (87)(1/32)
ويسمى بالدوران الوجودي ، وهو مقارنة الحكم للوصف بلا مناسبة لا بالذات ولا بالتبع في جميع الصور ما عدا الصورة المتنازع فيها . وهو أضعف المسالك في الدلالة على العلة .
والفرق بينه وبين الدوران ، أن الدوران عبارة عن الملازمة وجوداً وعدماً . والطرد هو الملازمة في الوجود دون العدم . ويشترط في الطرد ألا يكون الوصف مناسباً بالذات ولا بالتبع إذ لو كان مناسباً بالذات لكان قياس علة ، ولو كان مناسباً بالتبع لكان قياس شبه . مثاله قول بعضهم : الخل مائع لا يبنى على مثله القناطر ، ولا يصاد منه السمك ، ولا ينبت فيه الزرع فلا تزال به النجاسة كالدهن . وكأنه علل إزالة النجاسة بالماء بأنه تبنى القنطرة على جنسه ، واحترز من الماء القليل . وهذا وصف طردي ليس بعلة .
اختلف الأصوليون في إفادة الطرد للعلية :فمن قال من العلماء بعدم حجية الدوران ، قال بعدم حجية الطرد من طريق الأولى .
ومن قال بحجية الدوران اختلفوا في حجية الطرد :
أولاً: أنه حجة وهذا قول طوائف من أصحاب أبي حنيفة ، وإليه مال الرازي وجزم به البيضاوي . وحجتهم : أن وجود الحكم مع الوصف في جميع الصور ما عدا صورة النزاع غلب على الظن أن يكون الوصف علة إلحاقاً للنادر بالأغلب ، فلو لم يجعل لهذا الوصف علة للحكم لخلا الحكم عن العلة ، فيخلوا عن المصلحة ، وهذا خلاف ما ثبت بالاستقراء من أن كل حكم لا يخلوا عن مصلحة .وحيث ثبتت عليته في غير المتنازع فيه ثبتت العلية في المتنازع فيه كذلك إلحاقاً بالأغلب .
الثاني : ذهب بعضهم إلى أنه ليس بحجة مطلقاً ، وهو مذهب أكثر الأصوليين. واحتجوا بأن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ لم يثبت عنهم الاعتماد عليه ، بل كانوا يأبونه ولا يرونه ولو كان الطرد مناطاً لأحكام الله تعالى لما أهملوه وعطلوه ، والمنقول عنهم هو العمل بالمناسب فقط .
وقالوا أيضاً : بأن ما لا يشتمل على مصلحة ولا درء مفسدة يجب ألا يعتبر .(1/33)
وقالوا أيضاً : أن الطرد هو وجود الحكم مع وجود الوصف وهذا معناه سلامة الوصف من النقض ، وانتفاء النقض ليس بدليل على الصحة ؛ لأن السلامة من مانع واحد لا تستلزم السلامة من كل الموانع ، إذ أن صحة العلة حكم والأحكام إنما تثبت صحتها بدليل الصحة لا بانتفاء المفسد ، وبوجود المقتضى لا بانتفاء المانع كعدالة الشاهد والراوي إنما تثبت بحصول المعدل لا بانتفاء الجارح ، وكذلك العلة .
وقول القائل هذه العلة صحيحة إذ لا دليل على فساده ، معارض بقول الخصم هي فاسدة إذ لا دليل على صحتها . وقول القائل : إن ثبوت حكم العلة معها واقترانه بها دليل على كونها علة ، ليس بدليل على صحة العلة وذلك أن الحكم قد يقترن به بما ليس بعلة كاقتران تحريم الخمر بلونها وطعمها وريحها وإنما العلة الإسكار . وقولكم إلحاق النادر بالغالب ما هو إلا إثبات الطرد بالطرد . فالقائل بالطرد يستند إلى ضرب من الطن وهو حصول التكرار والصورة الواحدة لا تكرا ر فيها .
قال ابن النجار :"وليس الطرد دليلاً وحده عند الأئمة الأربعة وغيرهم لأنه لا يفيد علماً ولا ظناً ، فهو تحكم... وبالغ والباقلاني فقال: من طرد عن غرر فجاهل، ومن مارس الشريعة واستجازه فهازئ بالشريعة" (88) .
الثالث : قول الكرخي : هو مقبول جدلاً. ، ولا يسوغ التعويل عليه عملاً ، ولا الفتوى به . وهذا القول ضعيف ، بل متناقض كما قال إمام الحرمين ، فليس في أبواب الجدل ما يسوغ استعماله في النظر مع الاعتراف بأنه لا يصح أن يكون مناطاً للحكم .
والفرق بين الطرد والشبه أن الطرد عهد من الشارع عدم الالتفات إليه مع عدم وجود المناسبة ، وأما الشبه فإنه يعدم فيه الوقوف على مناسبة ولكن عهد من الشارع الإعتبار له في بعض الأمور.
المسلك الثامن : تنقيح المناط (89)
بعض الأصوليين عده من مسالك العلة .(1/34)
التنقيح في اللغة : التهذيب والتمييز والتخليص ، فقولك : كلام منقح ، أي لا حشو فيه. ونقح الشاعر القصيدة إذا هذبها وخلصها من الأبيات التي لا دخل لها بالموضوع 90 .
والمناط : هو في الأصل مصدر ميمي بمعنى اسم المكان . وهو مكان النوط الذي هو التعليق والإلصاق ، ومنه "ذات أنواط" شجرة كانوا في الجاهلية يعلقون فيها سلاحهم (91) . وتسمى مناطاً ، لأن الشارع علق الحكم وربطه بها . قال ابن دقيق العيد :" وتعبيرهم بالمناط عن العلة من باب المجاز اللغوي ، لأن الحكم لما عُلِّق بها كان كالشيء المحسوس الذي تعلق بغيره " (92) .
أما في اصطلاح الأصوليين ، فتنقيح المناط : هو تهذيب العلة مما علق بها من الأوصاف التي لا مدخل لها في العلية . قال ابن تيميه :" هو أن ينص الشارع على الحكم عقيب أوصاف يُعرف فيها ما يصلح للتعليل وما لا يصلح ، فينقّح المجتهد الصالح ويلغي ما سواه (93)". مثاله : حديث الأعرابي الذي قال فيه " واقعت أهلي في نهار رمضان ... فقال له النبي ( أعتق رقبة " (94) . فينظر المجتهد إلى النص ويزيل الأوصاف التي لا علاقة لها بالعلة ، فكون المجامع أعرابياً وكون الموطوءة زوجة ، والواقعة حصلت في المدينة وفي رمضان من تلك السنة بعينها ، فهذه الأوصاف ملغاة لا تأثير لها في إيجاب الكفارة . ويبقى بعض الأوصاف مظنونا وذلك لأنه متردد بين الطردي والمناسب فيقع الخلاف في تعيين العلة ، فهل الوقاع عمداً في نهار رمضان هو علة الحكم ، فلا كفارة إلا بخصوص الجماع ، وذلك أن النفس لا تنزجر عن الجماع عند هيجان الشهوة بمجرد وازع الدين فيحتاج إلى كفارة رادعة بخلاف المفطرات الأخرى ، وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة . أما أن العلة هي انتهاك حرمة رمضان عمداً بتناول المفطر المفسد للصوم ، وعليه فتجب الكفارة بالإفطار في رمضان ، سواء كان بجماع أو بأكل أو بشرب ونحه من المفطرات .(1/35)
وقال الزركشي هو : إلحاق الفرع بالأصل بإلغاء الفارق ، بأن يقال : لا فرق بين الأصل والفرع إلا كذا وكذا ، وذلك لا مدخل له في الحكم البتة فيلزم اشتراكهما في الحكم لاشتراكهما في الموجب له ، كقياس الأمة على العبد في السراية ، فإنه لا فارق بينهما إلا الذكورة ، وهذا الفارق ملغى بالإجماع ، إذ لا مدخل له في العلية " (95) وإلغاء الفارق هذا يسمى بأسماء مختلفة : يسمى "بمفهوم الموافقة" ، "وفحوى الخطاب" ، "وقياس في معنى الأصل" وهو أن يجمع بين الأصل والفرع بنفي الفارق ، ويسمى كذلك "بتنقيح المناط" .
وسماه الحنفية بالاستدلال ويفرقون بينه وبين القياس بأن يخصوا اسم القياس بما يكون الإلحاق فيه بإلغاء الفارق الذي يفيد القطع حتى اجروه مجرى القطعيات في النسخ به ونسخه ، ولم يجوزوا نسخه بخبر الواحد . والحق أن تنقيح المناط قياس خاص مندرج تحت مطلق القياس(96) .
ويمكن أن يقال أن تنقيح المناط هو بعينه مسلك السبر والتقسيم . ولكن هناك فرق بينهما، فإن تنقيح المناط : يكون حيث دل نص على مناط الحكم ، ولكنه غير مهذب ولا خالص مما دخل له في العلية ، وأما السبر والتقسيم : فيكون حيث لا يوجد نص أصلاً على مناط الحكم ، ويراد التوصل به إلى معرفة العلة لا إلى تهذيبها (97).
قال الغزالي :" تنقيح المناط يقول به أكثر منكري القياس ، و لا نعرف بين الأمة خلافاً في جوازه .
ونازعه العبدري : بأن الخلاف فيه ثابت بين من يثبت القياس وينكره ، لرجوعه إلى القياس . وقال الأبياري : هو خارج عن القياس ، وكأنه يرجع إلى تأويل الظواهر ، ولهذا قال به أبو حنيفة مع إنكاره القياس في الكفارات (98).
ومن الاصطلاحات الأصولية : تحقيق المناط ، وتخريج المناط .
تحقيق المناط : وهو نوعان:(1/36)
الأول : وهو الذي لا خلاف فيه بين الأمة في قبوله ، وهو أن توكن القاعدة الكلية متفقة عليها أو منصوص عليها فيجتهد المجتهد في تحقيقها في الفرع . كقوله تعالى :" فجزاء مثل ما قتل من النعم "[المائدة: ] فالقاعدة الكلية وجوب المثلية ، فيجتهد في البقرة مثلاً بأنها مثل الحمار الوحشي ، والعنز مثلاً الغزال ، والعناق مثلاً للأرنب . ومنه الاجتهاد في القبلة ، فالتوجه إلى لا قبلة قاعدة كلية سندها قوله تعالى (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره([البقرة :144] فالقاعدة الكلية وجوب التوجه إلى القبلة ثم أن المجتهد يجتهد في تحقيق القبلة (99). واعتبار هذا النوع من تحقيق المناط فيه مسامحة ، قال الشنقيطي:" والناط هنا ليس بمعناه الاصطلاحي لأنه ليس المراد به العلة ، وإنما المراد به النص العام وتطبيق النص في أفراده هو هذا النوع من تحقيق المناط " (100).
النوع الثاني : وهو المقصود في الاصطلاح : أن يتفق على علية وصف ـ بنص أو إجماع أو غيرها من طرق استنباط العلة ـ فيحقق المجتهد وجودها في الفرع . فتحقيق هو النظر والبحث عن وجود علة الأصل بعد ثبوتها ومعرفتها في الفرع (101) . مثاله كتحقيق أن علة اعتزال النساء في المحيض هو الأذى ، فينظر المجتهد في تحقق هذه العلة في النفاس فإذا رآها موجودة فيه أجرى القياس على الفرع .
ولا يعتبر تحقيق المناط مسلك من مسالك العلة وذلك أن العلة ثابتة بالنص أو الاستنباط فيجب على المجتهد تحقيق العلة في المسكوت عنه بالمنطوق .(1/37)
تخريج المناط : هو الاجتهاد في استخراج علة الحكم التي دل النص أو الإجماع عليه من غير تعرض لبيان علته لا بالصراحة ولا بالإيماء (102). وذلك بأتباع أي مسلك من مسالك العلة . مثاله : قوله ( :(لا تبيعوا البر بالبر إلا مثلاً بمثل ( (103) فلم يتعرض النص على علة تحريم بيع البر بالبر ، هل هو الطعم أو القوت أو الكيل ؟ فيبحث المجتهد عن وصف مناسب يحكم عليه بأنه علة في تحريم بيع البر بالبر ، وذلك بالطرق التي يتوصل بها إلى معرفة العلة غير المنصوص عليها .فهنا المجتهد أخرج العلة من خفاء ، ولذلك سُمى تخريج المناط .
مسلكين فاسدين لا يصح اعتبارهما من مسالك العلة(104)
المسلك الأول : الاستدلال على العلية بعدم وجود دليل على عدم العلية . مثل أن يقال : هذا الوصف علة لأنه لا دليل يدل على عدم عليته ، لأنه إذا انتفى الدليل على عدم عليته ثبت كونه علة للزوم انتفاء المدلول بانتفاء الدليل ، ومتى انتفى عدم العلية ثبتت العلية لأنهما نقيضان ، والنقيضان لا يرتفعان ولا يجتمعان .وقالوا أيضاً : أن هذا كالمعجزة فإنها دلت على صدق الرسول ( للعجز عن معارضتها .
وأجيب عن الأول : أن هذا معارض بمثله ، فيقال هذا الوصف ليس بعلة لأنه لا دليل يدل على العلية ، فتنتقض العلية لأنهما نقيضان ، والنقيضان لا يرتفعان . ويقال عن الثاني : أن العجز في المعجزة من جميع الخلق والعجز هنا من خصوص الخصم وبينهما فرق كبير .
المسلك الثاني : الاستدلال على العلية بكونه محققاً للقياس المأمور به في قوله تعالى (فاعتبروا يا أولي الأبصار([الحشر:2] .مثل أن يقال : هذا الوصف على تقدير عليته يتأتى معه العمل بالقياس المأمور به، وعلى تقدير عدم عليته لا يتأتى معه ذلك ، فوجب أن يكون علة لتمكن الإتيان معه بالمأمور به .(1/38)
وأجيب عن هذا : أنه يلزم الدور ، وذلك أنه بمقتضى هذا الطريق أن ثبوت العلة متوقفة على القياس، وعلوم أن القياس متوقف على ثبوت العلة ، فما لم تتحقق العلة لا يتحقق القياس ، فتوقف كل منهما على الآخر وهذا محال .
المبحث الرابع : مسائل متعلقة بالعلة :
المسألة الأولى: تعليل بالعلة القاصرة المستنبطة :
العلة القاصرة الثابتة بنص أو إجماع فأطبق العلماء كافة على جواز التعليل بها خلافاً للقاضي عبدالوهاب(105) وإنما الخلاف في العلة القاصرة المستنبطة فهل يجوز التعليل بها أما لا ؟
فذهب مالك ، والشافعي ، وأحمد إلى جواز التعليل بالقاصرة المستنبطة ، ومنع ذلك أبو حنيفة .
واحتج أبو حنيفة لقوله بما يلي :
أولاً : أن القاصرة لا فائدة فيها ، وما لا فائدة فيه كان عبثاً لا يرد الشرع به ، لأن الفائدة من العلة التوسل بها إلى معرفة الحكم وهي مفقودة هنا .
ثانياً : أن الأصل أن لا يعمل بالظن لأنه جهل ورجم بالطن لقوله تعالى :( وإن الظن لا يغني من الحق شيئا([النجم:28] وإنما جوز في العلة المتعدية وذلك لأن فيها فائدة ، وهي التوسل بها إلى معرفة الحكم في غير محل النص ، وهذه الفائدة لا توجد في القاصرة فتبقى على الأصل لا عمل بها.
ثالثاً : العلة الشرعية أمارة ، فلا بد أن تكون كاشفة عن شيء ، والعلة القاصرة لا تكشف عن شيء من الأحكام .فلا تكون علة .
ويمكن الرد على هذه الأقوال :
أولاً : لا نسلم أن ليس هناك فائدة ؛ بل منها فوائد ، منها :
1ـ أنها تقوي الحكم بإظهار حكمته ، إذ بالتعليل تعرف الحكمة ، وأن الحكم على وفق الحكمة والمصلحة ، وهذا أدعى إلى القبول والطمأنينة والانقياد. فمثلاً : المسح على الخفين الحكمة منه دفع المشقة وإن لم يقس عليه غيره .
2ـ بالعلة القاصرة يعلم بسببها امتناع القياس لكون الحكم قاصر على محله . ومن ذلك جعل شهادة خزيمة كشهادة رجلين لعلة سبقه إلى ذلك النوع من تصديقه ((1/39)
3ـ أن النص يزداد قوة بها ، فيصيران كدليلين يتقوى كل منهما بالآخر. (106)
ثانياً : أنها تفيد الظن الراجح في صحة الحكم ، والظن الراجح يعمل به ، فلا يكون مخالفاً للآية .
ثالثاً : قولهم العلة القاصرة لا تكشف عن شيء من الأحكام لا يسلم لهم ؛ بل تكشف عن المنع من استعمال القياس. وبهذا يتبين أن الأرجح جواز التعليل بها مع منع القياس بها . والله أعلم
قال ابن تيمية:" والعلة المستنبطة لابد من دليل يدل على صحتها ، وذلك الدليل هو كونها مؤثرة في الحكم ، وسلامتها على الأصول من نقض أو معارضة 107 " . كما أن العلة المستنبطة لا يجوز تخصيصها إلا بعلة مانعة ، مع بيان العلة المخصصة ، فلا يجوز تخصيصها إلا لفوات شرط أو وجود مانع أو ما علم أنه مستثنى تعبداً ، فإن تخصيصها بغير علة مانعة مبطل لكونها علة. وأما المنصوصة فيجوز تخصيصها لعلة مانعة ، أو دليل مخصص . قال ابن تيمية :" الذي يظهر فى تخصيص العلة أن تخصيصها يدل على فسادها ؛ إلا أن يكون لعلة مانعة ، فإنه إذا كان لعلة مانعة فهذا في الحقيقة ليس تخصيصاً ، وإنما عدم المانع شرط في حكمها ، فإن كان التخصيص بدليل ولم يظهر بين صورة التخصيص وبين غيره فرق مؤثر: فإن كانت العلة مستنبطة بطلت ، وكان قيام الدليل على انتفاء الحكم عنها دليلا على فسادها ، وإن كانت العلة منصوصة وجب العمل بمقتضى عمومها إلا فى كل موضع يعلم أنه مستثنى بمعنى النص الآخر "108.
المسألة الثانية : تعليل الحكم بالحكمة :
اختلف الأصوليون في جواز تعليل الحكم بالحكمة المقصودة من تشريع الحكم ، على أقوال :
القول الأول : لا يجوز التعليل بالحكمة مطلقاً ، سواء كانت منضبطة أو غير منضبطة ، ظاهرة أو خفية ، وهو قول اكثر الأصوليين ، وعللوا ذلك : بأن تعليل الحكم بالحكمة من الأمور الخفية التي يتعذر فيها تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع ، وهي الفائدة المرجوة من التعليل .(1/40)
القول الثاني : الجواز مطلقا . وهو اختيار الرازي والبيضاوي . واحتج اصحاب هذا الرأي بأن الجكمة هي مقصودة الشارع من شرع الحكم ، وجواز التعليل بالوصف المشتمل عليها إنما هو من أجل تلك الحكمة ، فإذا لم يصح التعليل بنفس الحكمة لم يصح التعليل بالوصف المشتمل عليها من باب أولى .
القول الثالث : التفصيل ، فيجوز التعليل بالحكمة الظاهرة المنضبطة ، ولا يجوز التعليل بها أن كانت مضطربة أو خفية . وهو اختيار الآمدي وهو أرجح الأقوال ، وذلك أن الحكمة هي المقصودة من شرع الحكم فههي أولى بالتعليل من الوصف الظاهر المنضبط ؛ لأن الوصف وسيلة إلى العلم بوجود الحكمة .
أما الحكمة المضطربة الخفية فلا يعلل بها لأنه يتعذر فيها معرفة العلة إلا بعسر وحرج ، والحرج منتفي من الدين .
المسألة الثالثة : لتعليل بالوصف المركب (109) :
اختلف العلماء في تعليل الحكم بالوصف المركب من أجزاء متعددة بحيث لا يستقل كل واحد منها بالعلية ، كالقتل العمد العدوان .على أقوال :
القول الأول : لا يجوز التعليل بالوصف المركب من أجزاء .
واحتجوا على ذلك بقولهم : لو صح التعليل بالوصف المركب ، فإما أن تكون العلية قائمة بمجموع الأجزاء ، أو قائمة بكل واحد منها ، أو قائمة بواحد غير معين أو بواحد معين . والكل باطل ؛ لأن قيام العلية بجزء معين يجعل ذلك الجزء المعين هو العلة ، فتكون العلة مفردة لا مركبة وهو خلاف المفروض .
وقيام العلية بجزء غير معين باطل ؛ لأن العلية وصف موجود والواحد بعينه لا وجود له ، وغير الوجود لا يصح أن يقوم ببه الموجود . ولا يصح أن تكون العلة قائمة بالمجموع بمعنى أن كل جزء يقوم به جزء من العلية ؛ لأن ذلك يوجب قيام المتحد بالمتعدد ، أو اتحاد المتعدد وهو قلب الحقائق .(1/41)
وقالوا أيضاً : لو صح التعليل بالوصف المركب ، لكان عدم كل جزء علة لعدم العلية ؛ لأن العلية كما تنعدم بانعدام الأجزاء كذلك بانعدام ، كذلك بانعدام كل واحد من هذه الأجزاء ، ولو كان عدم كل جزء علة لعدم العلية للزم النقض أو تحصيل حاصل وكل منهما باطل ، فالتعليل بالوصف المركب باطل .
القول الثاني : يجوز التعليل بالوصف المركب من أجزاء . وهو قول الجمهور .
وقالوا : أن الوصف المركب من أجزاء قد يكون مناسباً للحكم ، وقد يدور مع الحكم وجوداً وعدماً ، فوجب أن تثبت عليته بذلك كالوصف المفرد ؛ لأن كلا من المناسبة ، والدوران طريق من الطرق المثبتة لعلية الوصف .
القول الثالث : ذكره الرازي في المحصول عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي عن بعضهم أنه قال : لا يجوز أن تزيد الأوصاف على سبعة (110) بحيث لو زادت عن سبعة أوصاف فإنه لا يجوز التعليل بالوصف المركب . وقال الرازي لا أعرف لهذا القول حجة . وقد أنكر ابن قدامة هذا الحصر في الروضة (111) . وذكر بعض العلماء (112) أن حجة هؤلاء هو الاستقراء والتتبع ؛ بحيث أنه ثبت بالاستقراء أن أجزاء الوصف هي سبعة فقط ، وإن زاد على ذلك فلا يجوز التعليل به . مثال ذلك : قول الشافعية : من كان بقرب مصر يجب عليه الحضور لصلاة الجمعة : إذا سمع النداء ، حر ، مسلم ، صحيح ، مقيم ، في موطن يبلغه النداء ، في موضع تصح فيه الجمعة فهو كالمقيم في مصر ، وهذا يتضمن سبعة أوصاف .
والحقيقة أن الخلاف في هذه المسألة خلاف لا يضر إذ هو خلاف لفظي ، فكل من المجيزين والمانعين اتفقوا على أن الوصف المركب لا بد له من علة ، ولكن اختلفوا هل جميع الأوصاف علة كما هو قول الجمهور ، أو أن التعليل تعلق بوصف واحد وباقي الأوصاف شروطاً لذلك الوصف . فالكل قال بعلة الوصف المركب فصار الخلاف لفظي .
المسألة الرابعة : التعليل بالوصف العدمي (113) :(1/42)
اتفق الأصوليون على جواز تعليل الحكم العدمي بالوصف العدمي . كتعليل : عدم نفاذ تصرفات المجنون بعدم العقل .
واتفقوا أيضاً على جواز تعليل الحكم الوجودي بالوصف الوجودي . كتعليل : تحريم شرب المسكر بالإسكار.
واتفقوا أيضاً على جواز تعليل الحكم العدمي بالوصف الوجودي . كتعليل : عدم قبول الشهادة بالفسق .
واختلفوا في تعليل الحكم الوجودي بالوصف العدمي ، على قولين :
القول الأول : الجواز ، وهو قول أكثر الأصوليين ، واستدلوا على ذلك : بأن الحكم الوجودي قد يدور مع الوصف العدمي وجوداً وعدماً ، فتثبت بذلك علته ؛ لأن الدوران طريق من طرق العلة . مثاله : قولك : ضربت العبد لعدم امتثاله ، ولم أسلم على فلان لعدم رؤيته ونحو ذلك .
القول الثاني : المنع ، وهو اختيار بعض الأصوليين كالآمدي وابن الحاجب ، واستدلوا على ذلك : بأن العدمي خفي وغير متميز وشروط العلة أن تكون ظاهرة متميزة .
ونوقش هذا الاستدلال بأن العدمي يكون ظاهراً ظهوراً لا خفاء فيه ، ويدل على ذلك إجماع العلماء على تعليل العدمي بالعدمي ، فلو كان العدمي غير ظاهر لما جاز التعليل به أصلاً . والأعدام التي لا تتميز هي الأعدام الطلقة وليس الكلام فيها ، أما الأعدام الإضافية فهي متميزة فيجوز التعليل بها .
المسألة الخامسة : تعليل الحكم بعلة واحدة ، اختلف الأصوليون في تعليل الحكم الواحد في صورة واحدة بأكثر من علة ، على أقوال114.
الأول : المنع مطلقا ؛ لأن فيه تناقض ، وذلك بأن الحكم إذا علل بعلة إلى افتقاره إلى تلك العة ، وإذا علل الحكم بعلة ثانية اقتضى أن الحكم مفتقر إليها وليس مفتقر إلى غيرها ، فيلزم أن كل علة مفتقر إليها وغير مفتقر إليها في وقت واحد وهذا تناقض ، فلا يجتمعان مؤثران على أثر واحد كقادرين وفاعلين ، وهذا يبنى على تفسير العلة بأنها مؤثرة .(1/43)
الثاني : أنه يجوز في المنصوصتين أو مجمع عليها أو إحداهما دون المستنبطين ، وذلك بأن الشارع علل حرمة وطء الزوجة : بالصوم ، والعدة ، والإحرام ولاظهار وقد يجتمع ذلك كله. وأما المنع من المستنبطة ، فإن الحكم يبنى على ظن المجتهد فظن ثبوت الحكم لأجل أحد الأمرين مانع من ظن ثبوته لأجل الأمر الآخر بمفرده أو لأجل المجموع ، فظن العلية من المجتهد لا يوجد إلا في وصف واحد كان هو العلة .
وهذا كما إذا تصدق على فقيه ، فقير ، قريب فيحتمل أن سبب الصدقة أحد الأوصاف أو مجموعها ، والاحتمالات متنافية لما ذكر . وهذا اختيار الرازي والبيضاوي.
الثالث : الجواز مطلقا ، وهو قول أكثر الأصوليون ، وذلك بناء على أن العلة معرفة ، فقد يجتمع في الشيء معرفان فأكثر ، فاجتماع معرفتين على معرف واحد لا شيء فيه ؛ ألا ترى أن العالم معرف للصانع كما أنه قد يجتمع في الشخص مثلاً حكم القتل بسبب : الردة ، والقتل ، والزنا .
فالخلاف بين المانعين والمجيزين أن المانعين اعتبروا العلة مؤثرة ، والمجيزين اعتبروها معرفة.
المبحث الخامس : قوادح العلة
ويعبر عنها بالاعتراضات ، والقوادح جمع قادح ، والمراد به ما يقدح في الدليل سواء كان علة أو غيرها . وهو ما يورده المعترض على كلام المستدل ، ويقصد به هدم قاعدة المستدل .
وأصل هذا المبحث من فن الجدل ، وعلى هذا لم يذكر الغزالي شيء من القوادح في المستصفى ، وقال : إن موضع ذكرها علم الجدل (115) إلا أنه ذكرها في المنخول116 . وذكرها جمهور الأصوليين لأنها من مكملات القياس الذي هو من أصول الفقه ، ومكمل الشيء من ذلك الشيء ، وسوف أذكر بعض من هذه القوادح التي تقدح في العلة استطراداً للفائدة .
وقد اختلف الأصوليون في عدد القوادح ، فذكر البيضاوي أنها ستة ، وبعضهم حصرها في عشرة ، وبعضهم في خمس وعشرين ، وأوصلها بعضهم إلى ثلاثين اعتراضا . وحاصل الأمر أن هذ
أولاً : النقض (117) .(1/44)
النقض في اللغة : هو الإفساد بعد الإحكام (118) . والنقض متى أضيف إلى الأجسام يراد به : إبطال تأليفها وتركيبها ، ومتى أضيف إلى المعاني : يراد به إخراجها عن إفادة المطلوب (119) فيقال : نقض العلة أي مفسد العلة التي تخرجه عن إفادة المطلوب .
وفي الاصطلاح : وجود الوصف المعلل به مع تخلف الحكم عنه . مثاله : أن يقول الشافعي : فيمن صام ولم يبيت النية ، صوم تعرى أوله عن النية فلا يصح ، فيقول المعترض : هذه العلة منقوضة بصوم التطوع ، فإنه يصح من غير تبيت النية . ومثاله أيضاً أن يقال في مسألة النباش سرق نصاباً كاملاً من حرز مثله فيجب عليه القطع ، فيجاب : هذا منتقض بصاحب الدين يسرق مال مديونه ولا تقطع يده .
والقدح بالنقض هو مذهب الشافعي ،ومذهب المتكلمين .
أما أصحاب أبي حنيفة ومالك وأحمد ، فإنه لا يقدح عندهم ، وهم لا يسمونه نقضاً ، بل يجعلونه من باب تخصيص العلة .
واتفق الأصوليون على أن النقض إذا كان وارداً على سبيل الاستثناء لا يقدح في كون الوصف علة في غير الصورة المستثناة (120) . مثاله : بيع العرايا (121) فهو ناقض لعلة تحريم الربا سواء جعلت علة التحريم الطعم أو الكيل أو القوت أو المال؛ لأن كل من هذه الأوصاف موجودة في العرايا ، والتحريم تخلف عنها ، حيث جاز بيعها إجماعاً مع وجود التفاضل ، وهذا لا يقدح في علة الربا بل هو تخصيص لحكم العلة ؛ كتخصيص العام فإنه إذا خرج بعض أفراده بقي حجة فيما سواه . كما أن دلالة الإجماع على الوصف أقوى من دلالة الدليل على تخلف الحكم المستلزم لعدم العلية ، فقد قام الإجماع على أن علة الربا لا تخرج من كونها الكيل أو الطعم أو الاقتيات أو الادخار أو المالية ، فقدم الإجماع عليه لترجيحه وكانت العلة ثابتة في غير محل التخلف .
وقد اختلف الأصوليون في النقض هل يكون قادحاً في العلة أم لا ، على مذاهب منها :(1/45)
الأول : أنه يقدح في العلة مطلقا ، سواء كانت العلة منصوصة (122) أو مستنبطة ، وسواء كان الحكم لمانع أو لا . وهذا مذهب المتكلمين ، وأكثر أصحاب الشافعي ، وهو قول القاضيان أبو يعلى وأبو الطيب (123) . وذلك أن العلة مستلزمة للمعلول ، فإذا انتفى الاستلزام فقد انتفى لازم العلة فتنتفي العلية ، وأجيب عن هذا بأن العلة هي الوصف المعرف للحكم ، وليست هي الوصف المستلزم للحكم . والوصف عند تخلف الحكم عنه لمانع يصدق عليه أنه معرف للحكم ، ويصدق عليه أنه علة.
الثاني : لا يقدح في العلة مطلقا ، وعليه أكثر أصحاب أبي حنيفة ومالك وأحمد ووجهه أن تخلف الحكم عن الوصف في بعض الصور إما أن يكون لدليل أو لغير دليل ـ فالعلة بالنسبة إلى محالها كالعموم اللفظي بالنسبة إلى موضوعاتها ، فكإجاز تخصيص العموم اللفظي وإخراج بعض أفراده فكذلك في العلة ـ فإن كان التخلف لدليل لم يقدح لأن هذا الدليل يكون مخصصاً للدليل الذي دل عليه على العلية ، والتخصيص جائز . وإن كان التخلف لغير دليل لم يعتبر ذلك التخلف ، والمعتبر هو الدليل الذي دل على العية وبذلك لا يكون قادحاً .
الثالث : لا يقدح في العلل المنصوصة ، ويقدح في المستنبطة ، قال إمام الحرمين :" ذهب معظم الأصوليين إلى أن النقض يبطل العلة المستنبطة " (124) ووجه : أن العلة المنصوصة أن تخلف عنها الحكم في بعض الصور بدليل فإنه لا يخرج عن كونه تخصيصاً للعلة لأن تخلف لمانع لا يقدح في العلة ، وأما المستنبطة ، فإن إثبات عليتها يرجع إلى المجتهد ، ومستنده ظني ، وإذا تخلف ما استنبطه عن الجريان ضعفت مسالك ظنه ، وليس له أن يحكم بتخصيص العلة .(1/46)
الرابع : لا يقدح حيث وجد مانع مطلقا ، سواء كانت العلة منصوصة أو مستنبطة ، فإن وجد مانع قدح . اختاره البيضاوي . ووجه : أن نقض العلة في بعض الصور بدليل على تخلف الحكم عن الوصف لا يبطل العلية ، في غير محل التخلف ، فلا يكون قادحاً . وكذلك ظن العلية عند وجود المانع لا يزال باقياً ، لأن العقل يسند التخلف إلى المانع ، ولا يسنده إلى عدم المقتضى ، وما دام الظن باقياً عند وجود المانع وجب العمل به ، أما عند عدم المانع ' فإن ظن العلية يزول لأن العقل يسند تخلف الحكم في هذه الحالة إلى عدم المقتضى ، ولا يسنده إلى المانع ، وإذا زال ظن العلية ، فقد زالت العلية .
وحاصله : أن القائلين بتخصيص العلة لا تفسد العلة بالنقض عندهم ، إذا كان التخصيص بدليل ، وأما المانعون من تخصيصها فالنقض مفسد للعلة عندهم (125).
للمستدل أن يدفع النقض بأوجه ، منها :
أولاً : منع وجود العلة في محل النقض ، لا عناداً ، بل بناء على وجود قيد مناسب أو مؤثر في العلة. فالنقض يتحقق بوجود العلة ، فإذا منع العلة لم يتحقق النقض ، مثاله : ما إذا رمى الوالد ولده بحديدة فقتله قتل عمد عدوان ، وهذه علة القصاص وقد تخلف الحكم عنها مع وجودها فهذا نقض للعلة ، فإنه يجاب بمنع العلة فيقال له هو ما قتله عمداً عدواناً لاحتمال أنه أراد تأديبه فمات ، فلم يتحقق وجود القتل العمد العدوان في هذه الصورة .
ثانياً : منع تخلف الحكم عن العلة في صورة النقض ويدعى ثبوته فيها إما تحقيقاً وغما تقديراً .
مثال وجود الحكم تحقيقاً : أن يقول الشافعي : السلم عقد فلا يشترط فيه التأجيل كالبيع . فيقول الحنفي : هذه العلة منقوضة بالإجارة فإنها عقد معاوضة ومع ذلك فالتأجيل شرط فيها ، فالحكم قد تخلف عن العلة . فيقال : لا نسلم تخلف الحكم في الإجارة ، فإن الأجل ليس شرطاً لصحة عقد الإجارة فهي كالبيع ، وإنما اشتراط التأجيل فيها لاستيفاء المعقود عليه وهو الانتفاع بالعين .(1/47)
مثال الحكم التقديري : رق الأم علة لرق الولد ةولو كان أبوه حراً ، فيقول المعترض : هذه العلة منفوضة بولد المغرور ، فإن الأمة إذا غرت الحر فادعت أنها حره فتزوجها ثم تبين له بعد ذلك أنها أمة ، فإن ولدها يكون حراً ، وبذلك تكون العلة وهي رق الأم موجودة ، والحكم وهو رق الولد قد تخلف عنها . فيقول المستدل : رق الولد موجود تقديراً ، فلا نسلم تخلف الحكم ، ولذلك يجب في الولد القيمة . ولو كان حراً ما وجب قيمته ، لأن الحر لا يقوم .
ثالثاً : أن الحكم قد تخلف عن العلة لمانع ، والتخلف لمانع لا يبطل العلية . مثاله : قتل الوالد ولده بالمحدد قتل عمد عدوان وهذه علة القصاص ، وقد تخلف الحكم ـ وهو القصاص ـ عن العلة في هذه الصورة لمانع ، وهو الأبوة ؛ فإن الوالد سبب في حياة ولده فلا ينبغي أن يكون الولد سبباً في موت أبيه.
رابعاً : كون الصورة الوارد فيها النقض مستثناة بالنص من القاعدة الكلية . كما إذا قال المستدل : مكيل فحرم فيه التفاضل ، فيقول المعترض : بيع العرايا إذ هي مكيل وقد جاز فيه التفاضل ، فهو نقض للعلة ، فيقول المستدل : هذا وارد عليك وعلي ، فليس بطلان مذهبي أولى من بطلان مذهبك . ثم أن هذه الصورة أخرجها دليل خاص مع بقاء علتها معتبرة في تحريم الرطب بالتمر فيما سواها .
خامساً : أن تكون المصلحة المشتملة عليها العلة معارضة بمفسدة أرجح منها أو مساوية لها .
كأكل المضطر للميتة ، فيقول المعترض : قذارة الميتة علة لحرمة أكلها ، والعلة موجودة مع أن الحكم تخلف ، فيقول المستدل : بأن مصلحة تجنب المستقذرات معارضة بمفسدة أرجح منها وهي هلاك المضطر إذا لم يأكل الميتة .
وقد اختلف أهل العلم هل يجب للمستدل أن يحترز في دليله أم لا ؟(1/48)
وصورة الاحتراز أن يقال مثلاً :النباش سرق نصاباً كاملاً من حرز مثله وليس هوأباً ولا مديوناً للمسروق منه فيجب عليه القطع كسارق مال الحي . فقولنا : ليس أباً ولا مديوناً للمسروق منه احتراز به عن صورة النقض ، فلو لم نحترز بذلك لقال المعترض : ينتقض بالوالد يسرق مال ولده ، وصاحب الدين يسرق مال مديونه فإن الوصف موجود فيهما ولا يقطعان .
واعلم أنه لا نزاع في استحباب الاحتراز ، وإنما النزاع في وجوبه . فمن قال بوجوبه قال : لأنه أقرب إلى الضبط ، وأجمع لنشر الكلام ، وحسم مادة الشغب وسداً لبابه فكان واجباً لما فيه من صيانة الكلام عن التبديل .
ومن لم يوجبه يقول : أن النقض سؤال خارج عن القياس فلا يجب إدخاله في صلب القياس ، بل إذا أورده المعترض لزم جوابه بما يدفعه كسائر الأسئلة ، ولأن فيه تنبيه للمعترض على موضع النقض وي هذا انتشار الكلام .
والاحتراز أولى لآن فيه صيانة عن النقض والنشر . ويجاب عن القائلين بأنه سؤال خارج عن القياس بأنه وإن كان خارجاً عن القياس إلا أنه مصحح له ومانع من إظهار الخلل . وعن كونه منبهاً للمعترض عن موضع النقض بأن ذلك لا يقدح في وجوب الاحتراز لأن المناظرة المشروعة مقام عدل وإنصاف يجب على الإنسان أن يتكلم فيه له وعليه متوخياً للحق لا قصد المشاغبة وغلبة الخصم . (126).
القادح الثاني : الكسر
عرّفه أكثر الأصوليين والجدليين : بأنه إسقاط وصف من أوصاف العلة المركبة ، وإخراجه عن الاعتبار بشرط أن يكون المحذوف مما لا يمكن أخذه في حد العلة (127) .(1/49)
وقال البيضاوي :"بأنه عدم تأثير أحد الجزئين ونقض الآخر (128) " ومعنى هذا أن العلة تكون مركبة من جزئين ، أحدهما : لا تأثير له ، أي يوجد الحكم بدونه . وثانيهما : منقوض ، أي يوجد ويتخلف الحكم عنه (129) . مثاله : أن يقول المستدل : صلاة الخوف صلاة يجب قضاؤها فيجب أداؤها كصلاة الأمن فالعلة وجوب قضاء الصلاة والحكم وجوب الأداء ، فيقول المعترض : كونها صلاة لا تأثير له ، لأن الحج واجب الأداء كالقضاء مع أنه ليس صلاة ، فيقول المستدل : إنها عبادة يجب قضاؤها فيجب فيها الأداء ، فيقول المعترض : منقوض بصوم الحائض فإنه عبادة يجب قضاؤها ولا يجب أداؤها بل يحرم .فيكون ذلك قدحاً في تمام العلة بعدم التأثير وفي جزئها بالنقض.
وأما الآمدي وابن الحاجب فعّرفا الكسر: بوجود الحكمة المقصودة من شرع الحكم مع تخلف الحكم عنه(130).فالنقض حينئذ تخلف الحكم عن العلة ، والكسر تخلفه عن حكمتها مثاله : أن يقول المستدل في المسافر العاصي بسفره : مسافر فيترخص في سفره فالمشقة حاصلة في سفره كغير العاصي ، فيقول المعترض : هذه الحكمة قد وجدت في الحضر وتخلف الحكم عنها كما في أرباب الصنائع الشائعة ، كعمال المناجم ، والحدادين ونحوهم .
وقد اختار كل من الآمدي وابن الحاجب وأبو الخطاب أن الكسر ليس قادحاً لأنه لم يرد على العلة التي أناط الشارع الحكم بها وإنما ورد على الحكمة ، وذلك لا يقدح في كون الوصف المشتمل عليها علة ، مادام الحكم لم يتخلف عنه . وقد جزم ابن قدامه في الروضة بأنه غير قادح . وبه قال بعض الأصوليين.(1/50)
وذهب جماعة من الأصوليين إلى أن الكسر من قوادح العلة . قال أبو إسحاق الشيرازي :" اعلم أن الكسر سؤال مليح ، والاشتغال به ينتهي إلى بيان الفقه ، وتصحيح العلة . وقد اتفق أهل العلم على صحته وإفساد العلة به ، ويسمونه : النقض من طريق المعنى ، والإلزام من طريق الفقه . وأنكره طائفة من الخراسانيين لأنه لا يمكن إلا بأن يغير العلة أو يبدأ لفظها بغيره ، أو يسقط وصفاً من أوصافها . قال : وهذا غير صحيح ؛ لأن الكسر نقض من حيث المعنى ، فهو بمنزلة النقض من طريق اللفظ (131)" .
والكلام في الكسر كالنقض لأنه نقض في المعنى ، وقد سبق . قال الشنقيطي :" الظاهر أن الكسر كالنفض ، فعلى أن النقض قادح فالكسر كذلك . والجواب عنه كالجواب عنه . وقال صاحب ضياء اللامع في شرح جمع الجوامع : واتفق أهل العلم على صحته وإفساد العلة به (132) ".
القادح الثالث : القلب
وهو إثبات أن ما استدل به في المسألة على ذلك الوجه عليه لا له إن صح (133) . فيثبت المعترض نقيض حكم المستدل بعين دليل المستدل فيقلب دليله حجة عليه لا له . مثاله : إذا قال المستدل : : أن الصوم شرط في الاعتكاف ؛ الاعتكاف لبث مخصوص فلا يكون بمجرده قربه كوقوف عرقه ، لابد ان يقترن به الإحرام والنية ، وكذلك الاعتكاف لابد أن يقترن به عباده وهو الصوم ، فيقول المعترض : الاعتكاف لبث محض فلا يشترط له الصوم كالوقوف بعرفه فإنه لا يشترط لصحته الصوم . فعلة المعترض هي علة المستدل ، وإنما قلب الدليل ليبطل مذهب الخصم ويصحح مذهبه .
ذهب أكثر الأصوليين إلى أن القلب حجة قادحة في العلة . وحجة ذلك ان القلب يضعف دليل المستدل لأنه ينتج خلاف ما أثبته دليله ، والدليل الواحد لا يدل على الشيء الواحد وخلافه (134) .(1/51)
وذهب قوم إلى أنه غير قادح في العلة . لأنه معارضة في غير الحكم الذي علل به المستدل ، وذلك أن المعترض إما أن يعترض في دليله لنقيض حكم المستدل أو إلى غيره . فإن كان الأول تعذر عليه القياس على أصل المستدل لاستحالة اجتماع حكمين في صورة واحدة . وإن كان الثاني ؛ فلا يكون اعتراضاً على دليل المستدل .
وأجيب عن الشق الأول . فإن القلب حقيقته إثبات خلاف مدعي المستدل بعلة المستدل وأصله ، واجتماع حكمين متقابلين في الصورة الواحدة واقع ولا يمتنع ، فالوقوف بعرفه قد ثبت فيه عدم اشتراط الصوم ، وكونه ليس بمجرده قربه مع تنافيها عند أبي حنيفة في الاعتكاف . والحكمين غير متنافين لذاتهما ، فلا جرم يصح اجتماعهما في الأصل ولكن قام الدليل على امتناع اجتماعها في الفرع فالخصمان متفقان على أن الثابت في الفرع من هذين الحكمين هو أحدهما فقط . فثبوت أحدهما يقضي بعدم ثبوت الآخر .
ومنهم من فصل فقال : لا يجوز قلب التسوية لأن حكم الأصل فيه يخالف حكم الفرع ، ويجوز القلب الآخر ، وهو : أن يصرح بحكم يستوي فيه الأصل والفرع ، ويلزم منه محل النزاع . (135)
وهناك نوع ثالث من القلب لا يفسد العلة عند الحنابلة وأكثر الشافعية وهو ان يكون الحكم المعلل علة ، والعلة معلولا ، بأن يقول : من صح طلاقه صح ظهاره ، ومن صح ظهاره صح طلاقه .
قال أبو الوليد الباجي : "القلب سؤال صحيح يوقف الاستدلال بالعلة ويفسدها ، وإليه ذهب القاضي أبوبكر ، وكان القاضي أبو الطيب وشيخنا أبو إسحاق الشيرازي يقولان : هو معارضة وأنه لا يفسد العلة (136).(1/52)
والفرق بين القلب والمعارضة أن كلاهما يثبت خلاف ما أثبته دليل المستدل إلا أن القلب يثبت خلاف حكم المستدل بأصل المستدل وعلته . والمعارضة هو أن يثبت خلاف حكم المستدل بدليل آخر وليس بأصل المستدل وعلته . كما أن المستدل في المعارضة له أن يعترض على دليل المعترض بأي وجه من وجوه الاعتراضات كالمنع والقلب ونحوه ، بخلاف القلب فلا يصح له لن ذلك يكون طعناً منه على أصله وعلته . كما أنه لا يمكن القلب الزيادة في العلة ، وفي سائر المعارضات يمكن . وكل قلب معارضة ، بخلاف العكس (137).
أقسام القلب :
الأول :أن يكون إبطال مذهب المستدل من غير تعرض لتصحيح مذهب المعترض وذلك إما صريحاً أو ضمناً
مثال الصريح : أن يقول الحنفي مسح الرأس ركن فيجب مسح ربع الرأس ولا يجب استيعاب ه كالخف . فيقول الخصم : هذا ينقلب عليك فإن مسح الرأس ركن في الوضوء ولا يتقدر بالربع كالخف .
وأما الضمني : وهو نفي لازم من لوازم مذهب المستدل ، ويلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم .
مثاله قول الحنفي في بيع الغائب : عقد معاوضة فيصح مع جهل العوض كالنكاح فإنه يصح مع جهل الزوج بصورة الزوجة وكونه لم يرها فكذلك في البيع بجامع عقد معاوضة . فيقول المعترض : بيع الغائب عقد معاوضة ، فلا يثبت فيه خيار الرؤية كالنكاح . فالحنفي يشترط لصحة بيع الغائب الخيار عند الرؤية ، فالخيار عنده لازم من لوازم صحة بيع الغائب ، وإذا بطل هذا الشرط بموجب قياسه على النكاح بطل مشروطه وهو صحة البيع فهو إبطال له بالملازمة لا بالتصريح .
الثاني : يكون فيه إبطال مذهب المستدل مع تصحيح مذهب المعترض إما صراحة أو ضمناً .
إما صريحاً : كقول الشافعي : بيع الفضولي عقد في حق الغير فلا ولاية ولا نيابة فلا يصح ، قياساًعلى شراء الفضولي فلا يصح لمن سماه . فيقول المعترض : عقد في حق الغير بلا ولاية فيصح ، كما إذا اشترى شيئاً لغيره بغير إذنه يصح بالإجماع في حق العاقد .(1/53)
وإما ضمناً : كمثال اشتراط الصوم في الاعتكاف ، وقد مر معنا.
الثالث : قلب المساواة أو التسوية : وهو أن يكون في الأصل حكمان ، واحد منهما منتف في الفرع بالاتفاق بين الخصمين ، والآخر مختلف على ثبوته ، فالمستدل يريد أن يثبت هذا الحكم للفرع بالقياس على الأصل ، فيقول المعترض : يجب التسوية بين الحكمين في الفرع بالقياس على الأصل . مثاله : أن يقول الحنفي في طلاق المكره : طلاق مكلف للطلاق فيقع طلاقه ، كطلاق المختار ، فيقول الشافعي : مكلف مالك فيسوي بين إيقاع الطلاق منه وإقراره به كالمختار للطلاق ، وبما أن إقرار المكره بالطلاق لا يعتبر فيكون إيقاع الطلاق منه معتبر كذلك . فكل من الحنفي والشافعي يقول : إن المكره لا يؤاخذ بإقراره بالطلاق لسلب الاختيار عنه ولكنهما مختلفان في إيقاع الطلاق منه .
القادح الرابع : القول بالموجَب (138) .
وهو تسليم المعترض بمقتضى دليل المستدل مع بقاء الخلاف بينهما في الحكم المتنازع فيه(139).
وبيان ذلك : أن يقول المعترض: نعم إن ما استدللت به صحيح إلا أنه ليس في محل النزاع ، فلا ينقطع النزاع لأن الحكم المتنازع فيه لم يثبته دليل . مثال ذلك : قوله تعالى ( يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ( [المنافقون:8] فهم كنّوا عن أنفسهم بالعزة ، وعن المؤمنين بالذلة ، والله سلّم لهم أن الأعز يُخرج الأذل ولكن ليس على مرادكم ؛ بل أنتم الأذلون ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ( فالقول بالموجَب من أحسن ما يجيء به المناظر ، وهو نوع من بديع الكلام .
وقد عرّفه الرازي : بأنه تسليم ما جعله المستدل موجَب العلة ، مع استبقاء الخلاف (140). وأجيب عن تعريفه : بأنه لا يختص بالقياس ، أي : أن يكون دليله لا يُشعر بحكم المسألة المتنازع فيها . وهذا فيه إشكال ؛ لأن الاستدلال على غير محل النزاع لا يعتد به ، والاستدلال على محل النزاع لا يمكن القول بموجبه (141).(1/54)
وينقسم القول بالموجب إلى أقسام :
الأول : أن يكون في جانب النفي : وهو أن يستنتج المستدل من الدليل نفي أمر يتوهم أنه مأخذ الخصم ، والخصم يقول : صدقت في نفيه لكنه ليس مبنى مذهبي ، فلا ينتفي مذهبي بنفيه . مثاله : وجوب القصاص في القتل بالمثقل فإنه لا فرق بينه وبين القتل بالمحدد ن فالتفاوت في آلة القتل لكونه قتله بسيف أو رمح أو رصاص أو غير ذلك لا يمنع وجوب القصاص . كالتفاوت في المتوسل إليه ، فإن الوضيع والشريف ، والغني والفقير على السواء في القصاص . وهذا إبطال لمذهب الحنفي ، فإنه يرى أن التفاوت في الآلة يمنع القصاص . فيقول الحنفي : سلمت أن التفاوت في الآلة لا يمنع القصاص ، ولكن لا يلزم من انتفاء مانع انتفاء جميع الموانع ، كما أن المقتصى لوجوب القصاص لم يتحقق وهو القتل العمد العدوان ، فإن القتل بالمثقل شبه عمد وليس بعمد ، فهو لم يقصد إزهاق روحه ولهذا يجب القصاص عندي بالسيف والسكين لأنها هي الآلة المعهودة للقتل .
الثاني : أن يكون في جانب الإثبات : وهو أن يستنتج المستدل من الدليل أمراً يتوهم أنه محل النزاع ، أو لازم مذهب الخصم ، فيقول الخصم أنا أقول بموجبه لكنه ليس محل النزاع ، ولا يلزم مذهبي . مثاله : أن يقول المستدل : القتل بالمثقل قتل بما يقتل غالباً فلا ينافي القصاص ، فيجب فيه القصاص قياساً على الإحراق بالنار . فيقول المعترض : سلمنا أنه لا ينافي القصاص ، لكن ليس هذا محل النزاع ، وإنما محل النزاع هو وجوب القصاص ولم يستلزمه دليلك وهو قولك : قتل بما يقتل غالباً لا ينافي القصاص ؛ لأن الدليل على الأعم ليس دليلاً على الأخص .(1/55)
الثالث : أن يرد لشمول لفظ المستدل صورة متفقاً عليها ،فيحمله المعترض على تلك الصورة ويبقى النزاع فيما عداها. مثاله : قول الحنفي مستدلاً على أن الخيل تجب فيها زكاة العين ؛ لأنه حيوان يسابق عليه كالإبل فتجب فيها الزكاة . فيقول المعترض : نوافقك أنه يجب فيها الزكاة إذا كانت من عروض التجارة ، وليس هذا محل النزاع ، ولا لازمه ، والنزاع هو في زكاة العين ، ودليلك مطلق ، والمطلق يتحقق ولو في صورة واحدة لأنه لا عموم له ، وقد عملنا به في زكاة التجارة ، فدليلك لم يثبت ما تدعيه.
الرابع : أن يذكر المستدل إحدى المقدمتين ، ويسكت عن الأخرى ، ظناً منه أنها مسلمة . فيقول الخصم بموجب المقدمة ، ويبقى على المنع لما عداها . مثاله : قول الشافعي في وجوب نية الوضوء : كل قربة شرطها النية كالصلاة ، ويسكت أن يقول أن الوضوء قربة . فيقول المعترض : هذا مسلم ، وأقول به ، ولا يلزم اشتراطها في الوضوء. فمراد المستدل أن الوضوء وإن كان محذوفاً لفظاً ، فهو مذكور تقديراً ، والمجموع يفيد المطلوب . ولو ذكر المستدل صغرى قياسه وهي الوضوء لمنعها المعترض . وخرج عن القول بالموجب إلى المعارضة .
وقد ذهب الجدليون إلى أن القول بالموجب ليس من قوادح العلة ؛ لأن القول بالموجب تسليم له ، فيكون مفسداً؟
وذهب كثير من الأصوليين كالرازي والآمدي وإمام الحرمين وغيرهم أنه من قوادح العلة . ووجهه أنه إذا كان فيه تسليم فوجب ما ذكره المستدل من الدليل ، وأنه لا يتناول موضع الخلاف ، علمنا أن ما ذكره ليس بدليل الحكم الذي قصد إثباته (142) .
والفرق بينه وبين المعارضة أن حاصله يرجع إلى خروج الدليل الصحيح عن كل النزاع ، والمعارضة فيها إعتراف بإن للدليل دلالة على محل النزاع (143) .
القادح الخامس : عدم التأثير(1/56)
وهو بدء وصف في الدليل مستغنى عنه في إثبات الحكم أو نفيه (144). وهو دعوى المعترض : بأن الوصف المعلل به غير مناسب للحكم ، وذلك لكون الوصف اختل فيه شرط من شروط العلة ، فلا يكتفي به في التعليل .
القدح بعدم التأثير له شروط (145)
أولاً : أن يكون القياس المقدوح فيه قياس علة ( قياس المعنى ) المشتمل على المناسب : أي أن العلة المشتركة بين الفرع والأصل ثبتت بالمناسبة .
ثانياً : أن تكون العلة مستنبطة .
ثالثاً : أن تكون العلة مختلف فيها ، لأن المنصوصة والمستنبطة المجمع عليها لا يشترط فيهما المناسبة .
قسم الأصوليون عدم التأثير إلى أقسام :
أولاً : عدم التأثير في الوصف .
وذلك بأن يكون الوصف المأخوذ في الدليل طردياً لا مناسبة فيه ولا شبه . مثاله : قول المستدل : صلاة الصبح ، قلا تقدم على وقتها، كالمغرب . فيقول المعترض: عدم القصر وصف طردي بالنسبة إلى وصف التقديم إذ لا مناسبة فيه ولا شبه ، لأن عدم التقديم موجود في الظهر والعصر ، مع أن كل منهما يجوز فيها القصر .
ثانياً : عدم التأثير في الأصل .
وهو كون المعترض يبدي علة لحكم الأصل خلاف علة المستدل ، مثاله : كما إذا قال المستدل في بيع الغائب : مبيع غير مرئي فلا يصح بيعه ، كالطير في الهواء ، والسمك في الماء . فيقول المعترض : هذه العلة ـ وهو كونه غير مرئي ـ لا تأثير لها في الأصل ؛ لأن عدم الصحة يوجد في الطير إذا كان مرئياً ، فالطير في الهواء مرئي ولا يجوز بيعه ، فالعلة إذن هي العجز عن التسليم .
وهذا النوع يتداخل مع المعارضة في الأصل ، لأن المعترض يلغي من العلة وصف ، ثم يعارضه المستدل بما بقي(146).
الثالث : عدم التأثير في الأصل والفرع جميعاً ، وذلك بأن يكون لذكر الوصف فائدة في الحكم .(1/57)
وقد تكون ضرورية ، مثاله : كقول من اعتبر العدد في الاستجمار بالأحجار : عبادة متعلقة بالأحجار لم تتقدمها معصية فاشترط فيها العدد كالجمار . فقوله لم تتقدمها معصية عديم التأثير في الأصل والفرع معاً ، ولكنه مضطر لذكره احترازاً عن الرجم فإنه عبادة تتعلق بالأحجار ولا يعتبر فيها العدد . قال أبو إسحاق الشيرازي :" هذا القسم أصعب ما يجيء في هذا الباب ، قال : وعندي : أن مثل هذا لا يجوز تعليق الحكم عليه (147)".
وقد تكون غير ضرورية ، مثاله : لو قيل : الجمعة صلاة مفروضة فلم تفتقر إلى إذن الإمام ، كالظهر ، فقوله :" مفروضة " حشو ، إذ لو حذف لم يضر ولكن ذكر لتقريب الفرع من الأصل بتقوية الشبه بينهما ، إذ الفرض بالفرض أشبه .
الرابع : عدم التأثير في الحكم .
وهو أن يذكر في الدليل وصفاً لا فائدة له في الحكم المعلل به . مثاله : كقولهم في المرتدين يتلفون الأموال : مشركون أتلفوا مالاً في دار الحرب ، فلا ضمان عليهم كالحربي ، فإن دار الحرب لا مدخل لها في الحكم ، فلا فائدة لذكرها ، فإن من أوجب الضمان أوجبه وإن لم يكن في دار الحرب ، وكذا من نفاة مطلقا (148).
الخامس : عدم التأثير في الفرع .
وهو أن الوصف المذكور في الدليل لا يطرد في جميع صور النزاع ، وإن كان مناسباً . مثاله : كقولهم : زوجت نفسها فلا يصح نكاحها ، كما لو تزوجت من غير كفء . فقوله : " من غير كفء " لا أثر له ، فإن النزاع في الكفء وغيره سواء. فلا اطراد له في صورة النزاع التي هي تزويجها نفسها مطلقا .
القادح السادس : عدم العكس (149)(1/58)
وهو وجود الحكم بدون الوصف في موضع غير الموضع الذي ثبتت فيه العلية . مثاله : استدلال الحنفي على منع تقديم أذان الصبح على وقتها بكونها صلاة لا تقصر ، فلا يجوز تقديم آذانها كصلاة المغرب ، فالعلة لعدم التقديم هي كونها صلاة لا تقصر ون والحكم عدم تقديم الأذان . فيقال له : هذا الوصف لا ينعكس ؛ لأن الحكم الذي هو منع تقديم الأذان على الوقت موجود في الظهر والعصر ، مع أن كلا منهما صلاة يجوز فيها القصر ، وكلا منهما غير المغرب . فالحكم قد وجد في غير المغرب مع تخلف الوصف عنه وهو عدم القصر .
اختلف الأصوليون في عدم التأثير وعدم العكس هل هما يقدحان في العلة أم لا ، وهذا الاختلاف مبني على اختلافهم في تعليل الحكم الواحد بعلتين أو أكثر ، فمن أجاز تعليل الحكم الواحد بعلتين قال : بأنهما لا يقدحان مطلقا سواء كانت العلة مستنبطة أو منصوصة ، وذلك أنه لا يلزم انتفاء الحكم عند انتفاء علة واحدة ؛ لأنه يصح أن يعلل الحكم بعلة أخرى غير العلة المنتفية ، فالحكم لا ينتفي إلا عند انتفاء العلل كلها .
ومن منع تعليل الحكم الواحد بأكثر من علة قال : بأنهما يقدحان مطلقا ، وذلك لأن وجود الحكم بدون الوصف المدعي كونه علة يقضي بعدم عليته لذلك الحكم ؛ لأن المعلول لا يوجد بدون علته .
ومن أجاز تعليل الحكم الواحد بأكثر من علة في العلل منصوصة ومنعه من المستنبطة قال :أنهما يقدحان في المستنبطة ولا يقدحان في المنصوصة .
والله أعلم وأحكم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى وصحبه وسلما تسليماً كثيرا .
وكتبه
الفقير لعفو ربه / مبارك عامر بقنه
mubarak200@gawab.com
(1) البرهان في أصول الفقه (2/23).
(2) لسان العرب (13/495)، وانظر مختار الصحاح (435).
(3) تهذيب الأسماء واللغات ـ للنووي (3/40).
(4) نفائس الأصول (7/3217).
(5) المستصفى (2/380) ؛ شفاء الغليل (20) ؛ أصول السرخسي (2/302).
(6) الأسنوي (3/60)(1/59)
(7) خلاصة التحسين والتقبيح عند المعتزلة : أن الحسن والقبح في الأشياء ذاتيان ، وهي من مدارك العقول على الجملة ، ولا يتوقف إدراكهما على السمع ، فالأحكام تابعة لما أدركه العقل في ذلك الفعل . والشرع في تحسينه وتقبيحه للأشياء مخبر عنها لا مثبت لها والعقا مدرك لها لا منشئ ورتبوا على هذا أن الإنسان مكلف قبل ورود الشرائع . وعندهم الحكم قديم والوصف حادث فيستحيل تعليله به . فالمعتزلة قدسوا العقل وقدموه على الشرع ، وخالفوا بذلك مذهب الحق مذهب أهل السنة الذين جعلوا العقل شرط في وجوب عموم الأحكام ، ولا تكليف قبل ورود الشرائع وبعث الأنبياء .انظر الكشاف للزمخشري (2/441) ؛الإرشاد للجويني (228) ؛ الملل والنحل للشهرستاني (1/55) ؛ تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل للباقلاني (292) ؛ الفتاوى لابن تيميه (8/248)؛ القضاء والقدر للمحمود(173)منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير للرومي ( 1/44).
(8) انظر :الإبهاج في شرح المنهاج (3/40) ؛ البحر المحيط للزركشي (5/112).
(9) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (3/224).(1/60)
(10) قال السبكي ـ رحمه الله ـ :" وهو ضعيف لاستحالته في حق الله تعالى ؛ لأن من فعل فعلاً لغرض فلا بد أن يكون حصول ذلك الغرض بالنسبة إليه أولى من لا حصوله ، وإلا لم يكن غرضاً ، وإذا كان حصول الغرض أولى كان حصول تلك الأولوية متوقفاً على فعل ذلك الفعل ، وكان حصول تلك الأولوية لله تعالى متوقفة على الغير فتكون ممكنة غير واجبة لذاته ، ضرورة توقفها على الغير ، فيكون كماله تعالى ممكناً غير واجب لذاته وهو باطل .: ا.هـ. الإبهاج (3/40) وقال الشنقيطي ـ رحمه الله ـ :" وقائل هذا القول يرى أن كون أفعاله معللة يتضمن نقصاً ؛ لأن الغرض كأنه تكميل لصاحب الغرض ، والذي يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ أن أفعال الله وتشريعه لم يخل شيء منها من حكمة بالغة لكن الحكَم المشتملة عليها علل الشرع مصالحها كلها راجعة إلى الخلق والله غني بذاته الغنى المطلق عن كل شيء ، محتاج إليه كل شيء ."ا.هـ. نثر الورود على مراقي السعود(2/462)
(11) انظر : المحصول ( 5/ 134 ) ؛ الإبهاج شرح المنهاج (3/ 37 ) ، الروضة (2/229)؛ تهذيب شرح الأسنوي (3/59) ؛ شرح الكوكب المنير (4/39)؛ نثر الورود على مراقي السعود (2/461).
(12)انظر تهذيب شرح الأسنوي (3/60).
(13) انظر إرشاد الفحول (2/157)، روظة الناظر (2/229)، نثر الورود (2/461)، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد (66) .
(14) ناظر : شفاء الغليل (20) ؛ البحر المحيط (5/115).
(15) انظر : الإبهاج (3/138) ؛ شفاء الغليل (21) ؛ الروضة (2/313).
(16)إرشاد الفحول (2/159)
(17)مذكرة أصول الفقه (377) ، وانظر الأحكام للآمدي(3/238)، والإبهاج(3/93).
(18) المسودة (386 ، 401).
(19) المسودة (414).
(20) المسودة (423)
(21)إرشاد الفحول (2/159)، مذكرة أصول الفقه (276)(1/61)
(22) رواه أبو داود رقم (2069)، الترمذي رقم(1108)، وابن ماجه رقم (1879)، وأحمد (6/46)، والشافعي في الأم (5/22)، والدارمي في السنن رقم(2016)، وابن حبان رقم(1248)، وابن أبي شيبة في المصنف رقم (36106)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/7)، والدارقطني في سننه (3/221 رقم 10) ، والبيهقي في السنن الكبرى (7/105)، والحاكم في المستدرك (2/168)، وعبد الرزاق في المصنف رقم( 10472)، والطيالسي في المسند رقم( 1463)، وابن عدي في الكامل (3/265)، وابن حزم في المحلى (9/451 مسألة 1821)، والبغوي في شرح السنة (9/39) كلهم من طرق عن ابن جريج ،عن سليمان بن موسى ، عن الزهري ، عن عروة ، عائشة عن النبي ( .
والحديث قد ضعفه بعض العلماء وذلك أن جريج لقي الزهري فسأله عن هذا الحديث ، فلم يعرفه .قال الترمذي :" وقد تكلم بعض أهل الحديث في حديث الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، عن النبي ? . قال ابن جريج : ثم لقيت الزهري فسألته فأنكره ، فضعفوا هذا الحديث من أجل هذا ."(1/62)
وقد ضعف ابن معين هذه الحكاية فيما ذكر عنه الترمذي أنه قال :" لم يذكر هذا الحرف عن ابن جريج إلا إسماعيل بن إبراهيم . وقال : سماع إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج ليس بذاك . إنما صحح كتبه على كتب عبد المجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد وما سمع من ابن جريج " . وقال ابن عبد البر في التمهيد (19/86):" ولو ثبت هذا عن الزهري لم يضر في صحة الحديث ، لأنه قد نقله عنه ثقات ، منهم : سليمان بن موسى ، وهو فقيه ثقة إمام ، وجعفر بن ربيعة ، والحجاج بن أرطأة ، فلو نسيه الزهري لم يضره ذلك شيء ، لأن النسيان لا يعصم منه إنسان ... هذا لو صح ما حكى ابن عليه ، عن ابن جريج ، فكيف وقد انكر أهل العلم ذلك من حكايته ولم يعرجوا عليه " اهـ .وللحديث متابعات أخرى انظر الكامل لابن عدي (3/17)، ومسند أبي يعلى رقم (4837) ، وله شاهد عن ابن عباس كما في المعجم الكبير للطبراني رقم (11494) ، والأوسط رقم (873)، وابن ماجه رقم (1880). والحديث صححه جمع من الأئمة ، قال الإمام احمد :" أحاديث [ أفطر الحاجم و المحجوم ، ولا نكاح إلا بولي ] أحاديث يشد بعضها بعضاً وأن أذهب إليها ." انظر الكامل (3/66) ، وميزان الاعتدال(2/225). وصححه علي ابن المديني ذكر ذلك الحاكم في مستدركه ، وقال الترمذي عقب الحديث : هذا حديث حسن . وقال الحاكم في المستدرك (2/183) :" فقد صح وثبت بروايات الأئمة الإثبات سماع الرواة بعضهم من بعض فلا تعلل هذه الروايات بحديث ابن علية وسؤاله ابن جريج عنه وقوله إني سألت الزهري عنه فلم يعرفه فقد ينسى الثقة الحافظ الحديث بعد أن حدث به ، وقد فعله غير واحد من حفاظ الحديث ." اهـ . وصححه ابن حزم في المحلى وقد رد على من ضعف الحديث بكلام جميل . وللاستزادة انظر نصب الراية للزيلعي (3/184)، والتلخيص لابن حجر(3/179) ، وتحفة الطالب لابن كثير(303) ، و إرواء الغليل للألباني (6/243) .
(23) سوف يأتي بيانه إنشاء الله عند نواقض العلة .(1/63)
(24) المسودة (410).
(25) انظر : الأحكام للآمدي (3/277)، المحصول للرازي (5/139)، شرح الكوكب المنير (4/115)،إرشاد الفحول (2/167).
(26) هداية الوصول في علم الأصول (43).
(27) انظر : شفاء الغليل (23) ؛ المحصول (5/139 ) ؛ البرهان (2/30) ؛ المستصفى(2/373) ؛ المعتمد (2/775) ؛ شرح جمع الجوامع (2/279) ؛ الإحكام للآمدي (3/277) ؛ الروضة (2/257) ؛ الإبهاج (3/42) ؛ البحر المحيط (5/186) ؛ نفائس الأصول ( 7/3230 ) ؛ إرشاد الفحول (2/ ) ؛ تهذيب شرح الأسنوي (3/63) ؛ نثر الورود على مراقي السعود (2/477) ؛ الوجيز في أصول الفقه (212) ؛ أصول الفقه للخضري (325) ؛ أصول الفقه لأبي زهرة (244) .
(28) الإحكام (3/277).
(29) البحر المحيط (5/190).
(30) رواه أبو داود رقم (75) ، والترمذي رقم (92) ، والنسائي رقم (68) ، وابن ماجه رقم (367) ، ومالك في الموطأ (1/81) مع الزرقاني ، والشافعي في الأم (1/47)، وأحمد (5/302)، والدارمي رقم(736)، والدارقطني (1/70 رقم 22)، والحاكم (1/160)، والبيهقي (1/245)، وابن حبان رقم (1299)، والمصنف لعبد الرزاق رقم (353) وأبو عبيد القاسم في كتاب الطهور رقم (195)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/18) كلهم من طريق مالك بن أنس ، عن إسحاق بن عبدالله ، عن حميدة بنت عبيد ، عن كبشة بنت كعب ، عن أبي قتادة . وقال الترمذي هذا حديث صحيح ، جوّد مالك هذا الحديث . وقال الحاكم : هذا حديث صحيح ولم يخرجاه ... صححه مالك واحتج به في الموطأ . والحديث صححه النووي كما في المجموع (1/171) وذكر عن البيهقي أنه قال : إسناده صحيح . وقال الحافظ في التلخيص (1/54): صححه البخاري ، والترمذي ،والعقيلي ، والدارقطني .اهـ . وللحديث شواهد أخرى تقويه كحديث عائشة وأبي هريرة وأنس بن مالك ( . انظر نصب الراية (1/134)، والتمهيد (1/318).
(31) المسودة (389).(1/64)
(32) انظر الإحكام للآمدي (3/279) ؛ البحر المحيط (5/197) ؛ تهذيب شرح الأسنوي (3/70).
(33) الإبهاج (3/47).
(34) رواه البخاري رقم (1851) ، ومسلم (2/94 رقم 1206) وغيرهما ، من حديث ابن عباس ( .
(35) رواه أبوداود رقم (1026) ؛ ورواه الترمذي رقم (393) ؛ والحاكم في المستدرك (1/323) ؛ ابن حبان في صحيحه رقم (2670) ترتيب بلبان ، وابن المنذر في الأوسط (3/316) ؛ والبغوي في شرح السنة رقم (761) كلهم من طريق أشعث ؛ عن ابن سيرين ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين . والحديث صححه ابن عبد البر كما في (التمهيد :10/209) وقال :"هو حديث ثابت ."(التمهيد :10/209) ، وصححه الحاكم وقال : "هو على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه." وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ،وسكت عنه أبو داود . وضعف الحديث ابن المنذر كما في الأوسط (3/317) فقال :" لا احسبه يثبت ." وقال الحافظ في الفتح ( 3/98) :" ضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما ووهموا رواية أشعث لمخالفته غيره من الحفاظ عن ابن سيرين ، فإن المحفوظ عن ابن سيرين في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد وروى السراج من طريق سلمة بن علقمة أيضاً في هذه القصة " قلت لابن سيرين : فالتشهد ؟ قال : لم أسمع في التشهد شيئاً " ... فصارت زيادة أشعث شاذة . ثم قال : لكن قد ورد في التشهد في سجود السهو عن ابن مسعود عند أبي داود ، والنسائي ، وعن المغيرة عند البيهقي وفي اسنادهما ضعف ، فقد يقال إن الأحاديث الثلاثة في التشهد باجتماعها ترتقي إلى درجة الحسن ، قال العلائي : وليس ذلك ببعيد ، وقد صح ذلك عن ابن مسعود من قوله أخرجه ابن أبي شيبة . "ا.هـ.(1/65)
(36) رواه ابن ماجه رقم ( 481) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/75)، والبيهقي ( 1/130) كلهم من طريق مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان . قال الطحاوي :" هذا حديث منقطع ، لأن مكحولاً ، لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان شيئا" . وقال البصويري في الزوائد :" في الإسناد مقال . ففيه مكحول الدمشقي ، وهو مدلس . وقد رواه بالعنعنة فوجب ترك حديثه ، لاسيما وقد قال البخاري وأبو زرعة : إنه لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان ، فالإسناد منقطع " . ومكحول هذا هو مكحول أبو عبدالله الدمشقي . قال النسائي : لم يسمع من عنبسة . وقد خالف ذلك ابن عبد البر فقال في التمهيد (17/194):"قد صح عند أهل العلم سماع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان ، ذكر ذلك دحيم وغيره " . والحديث صححه الحاكم وأبو زرعة . وللحديث شواهد ، كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، عن النبي ( قال : " أيما رجل مس فرجه فليتوضأ ، وإيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ " أخرجه أحمد ( 2/222) والدارقطني (1/147 رقم 8) ، والبيهقي (1/132)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/75) كلهم من طريق بقية بن الوليد عن الزبيدي عن عمرو بن شعيب . وبقية مدلس إلا أنه صرح بالتحديث كما عند الدارقطني والبيهقي . قال في التلخيص : قال الترمذي في العلل عن البخاري هو عندي صحيح اهـ . والحديث حسن . وقد يستأنس بحديث أبي أيوب . قال الألباني في الأرواء" (1/151): "وأما حديث أبي أيوب فلم أقف على إسناده ، وقد خرج الحافظ في " التلخيص " هذا الحديث عن جماعة من الصحابة وليس فيهم أبو أيوب." اهـ. قلت : قد خرجه ابن ماجه برقم (482) من طريق إسحاق بن أبي فروة ، عن الزهري ،عن عبدالله بن عبد القارئ ، عن أبي أيوب . وهو ضعيف جداً بسبب إسحاق بن أبي فروة فهو متروك الحديث .والله أعلم(1/66)
(37) رواه البخاري رقم (1936) ؛ ومسلم (2/81 رقم 111) ؛ وأبوداود رقم (2373) ؛ والترمذي رقم (720) ؛ وابن ماجه رقم (1671) واللفظ له ؛ والدارمي رقم (1668) ؛ كلهم من حديث أبي هريرة ( .
(38) أخرجه مالك في الموطأ رقم (1351) شرح الزرقاني ؛ وأبوداود رقم (3343) ؛والترمذي رقم (1243) ؛ والنسائي رقم (4545) ؛ وابن ماجه رقم (2264) ؛ وأحمد (1/174) ؛ والدارقطني (3/49 رقم 204) ؛ والشافعي في الأم (3/26) وفي الرسالة (331) فقرة (907) ؛ والحاكم (2 /38) ؛ والبيهقي (5/274) ؛ والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/6) ؛ وابن حبان رقم (5003) ترتيب ابن بلبان ؛ والطيالسي رقم (214)؛ وأبو يعلى في مسنده رقم (712)؛ والبغوي في شرح السنة (8/78) كلهم من طريق مالك بن أنس عن عبدالله بن يزيد عن زيد أبي عياش عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله ? . والحديث ضعفه ابن حزم في المحلى (8/466) مسألة (214) وعله بأن مداره على زيد بن عياش وهو مجهول كذا قال. وقال أبو حنيفة عن زيد في شرح فتح القدير (7/29): "إنه ضعيف عند النقلة". وقال أيضاً : زيدا ابن عياش ممن لا يقبل حديثه . أنظر البناية (7/3771).(1/67)
والحق أن زيداً بن عياش ، وهو أبوعياش الزرقي المدني ، ليس بمجهول ، فقد روى عنه ثقتان وهما مما احتج بهما مسلم في صحيحه : عبدالله بن يزيد ، وعمران بن أبي أنيس السلمي فتزول الجهالة ، وذكره ابن حبان في الثقات (4/251) ، وقال عنه ابن حجر في التقريب (ت2159): صدوق ، وقال صاحب الميزان (2/105 ت3023): أن البخاري روى له ، وقد وثقه الدارقطني . وانظر تهذيب التهذيب (3/236 ت2226). وقال الحاكم في المستدرك (2/39) :" وهذا الحديث صحيح لإجماع أئمة النقل عن إمامة مالك بن أنس وأنه محكم في كل ما يرويه من الحديث ، إذ لم يوجد في رواياته إلا الصحيح ، خصوصاً في حديث أهل المدينة ... والشيخان لم يخرجاه لما خشياه من جهالة زيد أبي عياش ." ا.هـ. وقال العيني في البناية (7/369) :" وقد تكلم بعض الناس ف يإسناد هذا الحديث ، وقال زيد أبو عياش مجهول ".
قلت: ليس كذلك ، فإن أبا عياش هذا مولى لبني زهرة معروف ، وقد ذكره مالك في الموطأ ، وأخرج حديثه مع شدة تحريه في الرجال ونقده وتتبعه لأحوالهم" أ.هـ. فتبين من هذه الأقوال أن زيداً ثقة ولا تضر جهالته عند أبي حنيفة وابن حزم فقد عرفه غيرهما ووثقوه فالحديث صحيح . وانظر :" نصب الراية" ( 4/40)، و"تحفة الأحوذي" (4/351).
(39) أخرجه البخاري رقم (436) ، ومسلم (1/315 رقم 531) ، ومن حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما.
(40) رواه البخاري رقم (1953) ، ومسلم (2/154 رقم 1148) وغيرهما ، من حديث ابن عباس ( ، واللفظ لمسلم .
(41)الإحكام للآمدي (3/283).
(42) رواه البخاري رقم (4228) ، وأبو داود رقم (2716) ، والترمذي رقم (1595) ، وابن ماجه رقم (2854) ، وأحمد (2/2) ، والدارمي رقم (23379) ، والدارقطني (4/102 ، رقم 5 ) ، والبيهقي (6/325).(1/68)
(43) رواه الترمذي رقم (3192) ، وابن ماجه رقم (2645)، والدارقطني (4/96 رقم 86) ، والبيهقي (6/220) ، والكامل في الضعفاء (1/328)، كلهم من طريق الليث بن سعد عن إسحاق بن أبي فروة ، عن أبي شهاب ، عن حميد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
والحديث مداره على إسحاق بن أبي فروة وهو متروك الحديث . قال الترمذي:" هذا حديث لا يصح ، لا يعرف هذا إلا من هذا الوجه ، وإسحاق قد تركه بعض أهل العلم ، منهم أحمد " . وقال الدارقطني : إسحاق متروك الحديث ، وذكره العقيلي في الضعفاء(1/102 ت119) ، قال أحمد : لا يحل الرواية عن إسحاق بن أبي فروة أ.هـ. وأنظر أقوال العلماء فيه في الجرح والتعديل (2/227) ، وفي الضعفاء والمتروكين للبغدادي (143 ت94) ، وفي الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (1/102 ت322) ، وميزان الاعتدال (1/193 ت 768) .
وللحديث شواهد أخرى تقوي درجته . قال البيهقي : إسحاق بن عبدالله لا يحتج به إلا أن شواهده تقويه. أهـ. ومن هذه الشواهد: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ليس للقاتل من الميراث شيء" رواه الدارقطني (4/96 رقم 87)، والبيهقي (6/220)، وقد صححه الألباني في الإرواء رقم (1671). ومن الشواهد : حديث عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" ليس لقاتل ميراث" رواه مالك في الموطأ رقم(1684) بشرح الزرقاني. وأنظر تحفة الطالب لابن كثير (272) ، وإرواء الغليل(6/115).
(44) رواه مسلم (3/981 رقم 1587) ، وأبوداود رقم ( 3333) ، وأحمد (5/320) ، والدرقطني(3/24 رقم82) ، والبيهقي(5/278).
(45) انظر : الإحكام للآمدي (3/286) ؛ شفاء الغليل (47) ؛ المحصول (5/145) ؛ نفائس الأصول (7/3246) ؛ الإبهاج (3/48) ؛ البحر المحيط (5/203) ؛ إرشاد الفحول (2/176) ؛ الروضة (2/264) ؛ فواتح الرحموت (2/298 ) ؛ شرح الكوكب المنير (4/141) ؛ تهذيب شرح الأسنوي (3/73) ؛ نثر الورود (2/484).(1/69)
(46) شفاء الغليل ( 98).
(47) انظر : المستصفى (2/380)، الإحكام للآمدي (3/277) ، فتح الرحموت (2/295) ، شرح الكوكب المنير (4/115)، روضة الناظر (2/265)، إرشاد الفحول (2/168) شفاء الغليل (110)؛ البحر المحيط (5/184)؛الإبهاج(3/53).
(48) رواه البخاري رقم(7158) ، ومسمل (3/10882 رقم1717) ، وأبو داود رقم(3572) ، والترمذي رقم(1349)، والنسائي رقم (5406) ، وابن ماجه من حديث أبي بكرة رضي الله عنه رقم (2316) واللفظ له.
(49)المستصفى (2/384) ؛ البرهان (2/35) ؛ المحصول(5/217) ، الأحكام للآمدي(3/289)،الإبهاج (3/77)،فتح الرحموت (2/299)؛ شرح الكوكب المنير (4/142) ؛ تهذيب شرح الأسنوي (3/113) ؛ شفاء الغليل (450) ؛ نفائس الأصول (8/3358) ؛ الروضة (2/286) ؛ البحر المحيط (5/222) ؛ إرشاد الفحول (2/179) ؛ مذكرة أصول الفقه(357).
(50)انظر " أضواء البيان " (4/395).
(6) انظر أضواء البيان (4/395).
(52)انظر " الربا والمعاملات المصرفية " (96، 112)
(53) البرهان (2/36) بتصرف
(54)" شرح الأسنوي " (3/113) ، "إرشاد الفحول " (2/178).
(55 ) رواه مسلم (2/841 رقم 1421) ، وأبو داود رقم (2085) ، والنسائي رقم(3264) ، وأحمد (1/19) ، والدارقطني (3/240 رقم70) ، وابن حبان رقم (4718) ، والبيهقي (7/186) ، والمعجم الكبير للطبراني رقم(10743).
(56)انظر " البرهان في أصول الفقه "(2/35).
(57)انظر "الإحكام " للآمدي (3/291) ، والمسودة (426).
(58)"المستصفى" (2/385)،" فواتح الرحموت"(2/525)،" تهذيب شرح الأسنوي "(3/116)،" نثر الورود " (2/487).
(59) المستصفى (2/386)،الآمدي(3/291)، المحصول(5/221)، فواتح الرحموت (2/527)،شرح الكوكب المنير (4/148)، نثر الورود على مراقي السعود (2/489).
(60) الأحكام للآمدي (4/292).
(61) شفاء الغليل (142) ؛ البحر المحيط (5/206).
(62 ) "اللسان"(2/252) ، "مختار الصحاح" ( 601) ، "القاموس المحيط" (176).(1/70)
(63) مختصر المنتهى (2/239)،الآمدي(3/294)، تهذيب شرح الأسنوي (3/87).
(64) انظر إرشاد الفحول (2/184) ، تهذيب شرح الأسنوي (3/88).
(65) مذكرة أصول الفقه (254).
(66) نثر الورود على مراقي السعود (2/496)، وقد نازع الزركشي في دعوى اتفاق جميع الشرائع على هذه الضروريات ، انظر : البحر المحيط (5/209).
(67) شفاء الغليل (196).
(68) الموافقات للشاطبي (2/10).
(69) تهذيب شرح الأسنوي (3/99).
(70) الروضة (2/271).
(71) المستصفى (2/421).
(72) انظر القصة في سير أعلام النبلاء (8/260)، وفيات الأعيان (6/145)، العقد الفريد (4/493).
(73) المستصفى (2/405)، الآمدي(3/325)، المحصول (5/201)،البحر المحيط (5/230)،فواتح الرحموت (2/529)،الإبهاج (3/66)، الروضة (2/295)،شرح الكوكب المنير (4/187)، إرشاد الفحول (2/194) ، تهذيب الأسنوي (3/102)، نثر الورود على مراقي السعود (2/509)، شفاء الغليل (303) ؛ نفائس الأصول (7/3325).
(74) انظر : البحر المحيط (5/231)
(75) البرهان (2/54) بتصرف
(76) انظر البحر المحيط (5/234)، والإبهاج (3/69)، وشرح الكوكب المنير (4/190).
(77) المسودة (386).
(78) المحصول (5/203).
(79) الأم (7/156).
(80) البداية والنهاية (8/31)، ونثر الورود على مراقي السعود (2/511).
(81) المستصفى (2/307 ) ، المحصول (5/207)، الآمدي (3/331)، الروضة (2/286)، فواتح الرحموت (2/529)،الإبهاج(3/72)، شرح العضد (2/245)، البحر المحيط (5/243)، شفاء الغليل (266) ؛ تهذيب الأسنوي (3/107)، إرشاد الفحول (2/200)، شرح الكوكب المنير (4/191)، نفائس الأصول(8/3339) ؛ نثر الورود على مراقي السعود (2/516)، مذكرة أصول الفقه (260)؛ الخلاف اللفظي عند الأصوليين (2/146).
(82) انظر : لسان العرب ( 5/382)، مختار القاموس (221)
(83) البرهان (2/44)
(84) شرح الكوكب المنير (4/192).
(85) البرهان في أصول الفقه (2/44).
(86) شرح الروضة لابن بدران (2/289).(1/71)
(87) المحصول(5/221)،المحلى على جمع الجوامع (2/291 )، البرهان (2/23) ، البحر المحيط (5/248) ، الإبهاج (3/78)، الروضة(2/291)، شرح الكوكب المنير (4/195)، إرشاد الفحول (2/198)، تهذيب شرح الأسنوي (3/197)، نثر الورود على مراقي السعود (2/519)، مذكرة أصول الفقه (262).
(88) البرهان (2/25)، شرح الكوكب المنير (4/198).
(89) المستصفى (2/231 ) ، فواتح الرحموت ( ) ، البحر المحيط (5/255)، المحصول (5/229)، الإبهاج(3/80)، نثر الورود (2/522)، شرح الأسنوي (3/119)، شرح الكوكب المنير (4/200)، إرشاد الفحول (2/202)، التلويح على التوضيح"(2/580)، "المسودة" (387)، "شفاء الغليل" ( 412)، "المحلى على جمع الجوامع" (2/292)، " الإيضاح لقوانين الاصطلاح" (65) ، "الموافقات" ( 4/64)، الروضة(2/232)، الآمدي(3/335)، الوجيز في أصول الفقه (216) ، المذكرة في أصول الفقة (244).
(90 ) "لسان العرب" ( 3/464) ، "مختار القاموس" (615).
(91) "اللسان"(9/297).
(92) البحر المحيط (5/255).
(93) المسودة (387).
(94) سبق تخريجه.
(95) البحر المحيط (5/256). انظر الغزالي
(96) انظر الإبهاج (3/81)، المسودة (393)
(97) علم أصول الفقه (79) ، أصول الفقه الإسلامي (2/693).
(98) انظر البحر المحيط (5/256)، والموافقات (4/69)، والمسودة (387) .
(99) انظر الموافقات (4/65)، والروضة (2/230).
(100) مذكرة أصول الفقة ( 244).
(101) الوجيز في أصول الفقة (218)
(102) انظر البحر المحيط (5/257)،الابهاج (3/83)، التقرير والتحبير (3/193)، روضة الناظر (2/234).
(103) سبق تخريجه
(104) البحر(5/258)،الابهاج (3/84)،تهذيب شرح الأسنوي (3/123)، نثر الورود(2/525)، والمحصول (5/233).
(105)انظر المحلى على جمع الجوامع (2/241)، إرشاد الفحول(163)، المسودة في أصول الفقه (411).
(106)المحصول للرازي(5/313) ، روضة الناظر(315) ، شرح الكوكب المنير (4/56)
(107 ) "المسودة" (386 ، 401)(1/72)
(108 ) " المسودة" (414)
(109) المحصول (5/305)؛ الآمدي (3/234) ؛ الإبهاج (3/148)؛ تهذيب شرح الأسنوي (3/162) ؛ البحر (2/154)؛ نفائش الأصول (8/3522) ؛ الخلاف اللفظي (2/154).
(110) (5/308)
(111) (2/314).
(112) انضر الخلاف اللفظي (2/155)
(113) المحصول (5/295)؛ الآمدي (3/228)؛ الإبهاج(3/141)؛ شرح الكوكب المنير (4/47) ؛ نثر الورود (2/465).
(114 ) انظر المحصول (5/261)، والإبهاج (3/115) ، الإجكام للآمدي(4/89) ، تهذيب شرح الأسنوي (3/137)، المسودة(416).
(115) المستصفى (3/349)
(116 ) المنخول (401)
(117) الآمدي(4/92)، المحصول (5/237) ، الروضة (2/363) ، البحر المحيط (5/261) ، الابهاج (3/84) ، إرشاد الفحول ( 2/210) ، شرح الكوكب المنير (4/281) ، تهذيب شرح الاسنوي (3/124) ، نثر الورود(2/527) ، مذكرة أصول الفقة ( 292).
(118) المعجم الوسيط (947).
(119) البناية شرح الهداية (1/194)
(120) تهذيب شرح الأسنوي (3/125)، مذكرة أصول الفقة (292).
(121) وهو بيع الرطب على رؤوس الأشجار بالتمر .
(122) أي منصوصة بالتصريح أو بالإيماء أو بالإجماع .
(123) المسودة (410).
(124) البحر المحيط ( 5/262).
(125) انظر المسودة(415)
(126)شرح الروضة (2/364)، وانظر المحصول (5/257)، و الآمدي (4/95)، والمذكرة (296).
(127)البحر المحيط (5/278)، إرشاد الفحول (2/214)، تهذيب شرح الأسنوي (3/139).
(128) الإبهاج (3/125).
(129) تهذيب شرح الأسنوي (3/139).
(130) الأحكام للآمدي (4/252)، شرح العضد (2/269)،شرح الكوكب المنير (4/293).
(131) البحر المحيط (5/280)، وإرشاد الفحول (2/215).
(132) مذكرة أصول الفقه (295).
(133) انظر المحصول (5/263)، والآمدي (4/112)، الإبهاج (3/127)، المحلى على جمع الجوامع (2/311)، شرح الكوكب المنير (4/331)، نثر الورود(2/538).
(134) انظر ابحر المحيط (5/290)،الآمدي (4/115)، تهذيب شرح الأسنوي(3/144).(1/73)
(135) انظر المسودة (446).
(136) البحر المحيط (5/291).
(137) انظر البح المحيط ( 5/292)، الإبهاج (3/131)، شرح تهذيب الأسنوي (3/144).
(138)بفتح الجيم ،أي: القول بما أوجبه دليل المستدل واقتضاه ، وبكسر الجيم : فهو نفس الدليل ؛لأنه الموجِب للحكم .
(139) انظر البحر المحيط (5/297)،شرح المنهاج (3/132)، الروضة (2/395)،تهذيب شرح الأسنوي (3/146).
(140) الحصول (5/269).
(141) انظر البحر الحميط ( 5/297)، وشرح المنهاج (3/132).
(142)انظر البحر المحيط (5/300) ، وشرح الكوكب المنير (4/347).
(143) البحر المحيط (5/299)، إرشاد الفحول (2/223).
(144) الأحكام للآمدي (4/89).، البحر المحيط ( 5/284)، وشرح الكوكب المنير (4/264)، تهذيب شرح الأسنوي (3/135).
(145)البحر المحيط ( 5/284)، نثر الورود على مراقي السعود (2/534).
(146) إرشاد الفحول (2/217) ، مذكرة أصول الفقه (206).
(147) الإبهاج (3/113)، البحر المحيط (5/286).
(148) الأحكام للآمدي (4/90).
(149) أنظر "الإبهاج شرح المنهاج"(3/112)، تهديب شرح الأسنوي (3/134)، إرشاد الفحول(2/216)، البحر المحيط (5/283)، الإيضاح لقوانين الاصطلاح (214).
??
??
??
??
العلة عند الأصوليين … بقلم مبارك عامر بقنه
10(1/74)