العلامة الشيخ عبد الرازق عفيفى ومعالم منهجه الأصولي
للدكتور / عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله السديس
المقدمة :
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى آثره واهتدى بهداه وسلك سبيله الى يوم الدين .
أما بعد : فان للعلماء فى هذا الدين مكانه كبرى ومنزلة عظمى فهو ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل والأمناء على ميراث النبوة هم كواكب الأرض المتلألئة وشموسها الساطعة وإطنابها القوية واوتادها المتينة هم للامة مصابيح دجاها وانوار هداها هخم الاعلام الهداة والائمة التقاه اضواء تنجلى بهم غياهب الظلم واقطاب تدور عليهم معارف الامم تتبدد بنور عملهم سحب الجهل وغبوم العى هم أله خشية الله كما قال سبحانه : () إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)قرنهم الله بنفسه فى الشهادة على وحدانية فقال تعالى : ()شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وضمن الله لهم العلو والرفعة فقال جل وعلا : ()يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) .(1/1)
كما انهم شهداء الله فى ارضه وخلفاء رسوله فى امته والمحيون لما مات منسنته بهم حفظ الله الدين وبه حفظوا وما عزت الامم وبلغت القمم وشيدت الحضارات وقامت الامجاد الا بالعلماء مثلهم فى الارض كمثل النجوم يهتدى بها فى ظلمات البر والبحر فاذا انطمست النجوم واوشك ان تضل الهداة وفى المسند والسنن من حديث ابى الدرداء رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " فضل العالم على العبد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكوكب " .
يقول الامام احمد رحمه الله فى معرض فضائلهم وماثرهم " يدعون من ضل الى الهدى ويصبرون منهم على الاذى يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله اهل العمى فكم من قتيل لابليس قد احيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما احسن اثرهم على الناس وما اقبح اثر الناس عليهم ينفون عن دين اله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتاويل الجاهلين ".
وانما تبوأ العلماء هذه المكانة لما يضطلعون به من تبليغ علوم الشريعة التى هى مادة حياة اللوب والمقربة لعلام الغيوب فبالعلم الشرعى تبنى الامجاد وتشاد الحضارات وتبلغ القمم وتمحى غياهب الظلم قال تعالى : ()أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ) .
وان من اهم علوم الشريعة واجلها قدرا واعظمها اثرا واكثرها فائدة واكبرها عائدة علم اصول الفقه لانه الطريق لاستباط الاحكام الشرعية فهو منهل الائمة ومأوى المجتهدين ومورد المفتين لا سيما عند النوازل والمستجدات .(1/2)
ولقد زخر تاريخ الإسلام بكوكبه من علماء الاصول فى مختلف العصور مثلوا منارات عالية فى سماء العلم والمعرفة كما شهد عصرنا الحاضر نخبة مميزة من علماء الاصول يعدون امكتداد لسلفهم من الاصوليين بل انه نتيجة لاستقرار المناهج الأصولية ونضج التفكير الاصولى المرتبط بالمننهج الصحيح لدى صفوة منهم اصبح من المهم ابراز منهج هؤلاء ودراسة حياتهم العلمية ومناهجهم الأصولية لما لذلك من الاثر الكبير والخير الوفير على الباحثين وطلاب العلم عامة والمهتمين منهم بالاصول على سبيل الخصوص .
ولقد كان من اعلام هذا العصر فى العلوم الشرعية كافة وعلم الاصول خاصة شخصية علمية اصولية نادرة جديرة بالدراسة والابراز والاهتمام ذلكم هو العلامة الاصولى الشيخ عبد الرزاق عفيفى رحمة الله .
ونظرا لما يمثله الشيخ رحمه الله من مكانة علمية واصولية ولما يتمتع به من منهج وحاجة المكتبة الأصولية فيما ارى الى بحث مستقل يبرز منهجه ويجلى طريقته فقد عزمت على ان اقدم بحثا مستقل يبرز منهجه ويجلى طريقته فقد عزمت على ان اقدم بحثا فى ذلك اسهاما فى البحث العلمى ومشاركته فى ابرز المنهج الاصولىى لعلمائنا الافذاذ وفاء بحقهم علينا وربطا وللاجيال بعلمهم ومنهجهم وقد رايت ان يكون عنوان هذا البحث " الشيخ عبد الرازق عفيفى ومعالم منهجه الاصولى ".
ويشتمل البحث على مقدمه وتمهيد وفصلين وخاتمة .
التمهيد :
يشتمل التمهيد على ترجمة مختصرة للشيخ رحمه الله تضم تسعة مطالب هى :
الاول : اسمه ونسبه
الثانى : ولادته ونشأته .
الثالث : طلبه للعلم وحياته العلمية .
الرابع : شيوخه وأقرانه
الخامس: حياتة العملية .
السادس : صفاته وأخلاقه .
السابع : تلاميذه .
الثامن : وفاته .
التاسع : آثاره العلمية ومؤلفاته .
المطلب الأول : اسمه ونسبه :
هو الشيخ عبد الرازق بن عفيفي بن عطية بن عبد البر بن شرف النوبي المصرى أصلاً ومنشأ والنجدي موطناً ووفاة .
المطلب الثاني :مولده ونشأته :(1/3)
ولد رحمه الله في مصر في قرية تسمي ((شنشور)) في محافظة المنوفية سنة 1323هـ ونشأ رحمه الله نشأة دينية علمية فحفظ القرآن صغيرا وأقبل على المتون العلمية فى العقيدة والحديث والفقه واللغة ونحوها فاستظهرها لما من الله عليه بالذكاء وقوة الحافظة وكان مجتمع القرية الصغير المحافظ والجو الاسرى المترابط خير معين له على هذه النشأة الدينية العلمية .
المطلب الثالث : طلبه للعلم وحياته العلمية
تدرج الشيخ رحمه الله فى سلك التعليم فالتحق أولا بالكتاتيب لتعلم القراءة والكتابة وهى ما يعرف اليوم بالمرحلة الابتدائية وبعدها التحق بأحد المعاهد الازهرية التى تعادل المتوسطة والثانوية ثم التحق بالجامع الازهر قبل ان يكون جامعة وتخرج منه ونال الشهادة العالية ثم حاز شهادة التخصص ثم حصل على الشهادة العالمية العالية وجمع رحمة الله بين الدراسة النظامية والاخذ من الشيوخ مع حرصة الخاص على القراءة والتحصيل حتى بز الاقران وفاق الخلان وأشير اليه بالبنان بين زملائة ومجالسيه .
المطلب الرابع : شيوخه وأقرانه :
تتلمذ الشيخ فى مختلف المراحل النظامية لا سيما العليا على كوكبة من علماء الازهر انذاك حيث كان يضم نخبة مميزة ممن اشتهروا بالعمق العلمى والتأصيل المنهجى كما استفاد كثيرا بعد قدومة للملكة من سماحة المفتى الشيخ محمد بن ابراهيم ال الشيخ رحمه الله .
وكان من اشهر اقرانه سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز والشيخ عبد الله بن حميد والشيخ محمد الأمين الشنقيطى والشيخ محمد حامد الفقى والشيخ عبد الرحمن الوكيل والشيخ عبد الرحمن الافريقى والشيخ عبد الظاهر ابو السمح والشيخ محمد عبد الرازق حمزة والشيخ محمد خليل هراس وغيرهم .
…المطلب الخامس : حياته العملية :(1/4)
مزج الشيخ رحمه الله حياته العملية بالعلمية منذ كان طالبا خاصة فى المراحل العليا فكان يقوم بأعمال مباركة فى الدعوة الى الله والتدريس والمشاركة فى اعمال الخير وعمل بعد تخرجه مدرسا فى المعاهد الازهرية فى بعض القرى ومدينة الاسكندرية وقد انضم رحمه الله الى جماعة انصار السنة المحمدية لما عرف عنها من حرص على نشر العقيدة الصحيحة ودعوة الناس الى الكتاب والسنة وقد رشح رحمه الله فى سن مبكرة نائبا لرئيس الجماعة فى الاسكندرية ثم عين رئيسا لجماعة انصار السنة فى مصر كلها خلفا للشيخ محمد حامد الفقى وراس تحرير مجلة التوحيد المشهور سنوات عدة ثم يسر الله له القدوم الى المملكة العربية السعودية فشرفت به وشرف بها وعمل مدرسا فى دار التوحيد بالطائف ثم فى عنيزة ثم فى معهد الرياض العلمى ثم فى كلية الشريعة بالرياض واسندت اليه مهمة وضع العالى للقضاء عين اول مدير له وقام بوضع مناهجة ثم بعد ذلك انتقل الى رئاسة البحوث العلمية والافتاء وعين نائبا لرئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء وعضوا فى هيئة كبار العلماء واشؤف على عشرات الرسائل فى الماجستير والدكتوراه وشارك فى اعمال التوعية الاسلامية فى الحج مفتيا ومدرسا فى المسجد الحرام والمشاعر فى الموسم .
كما قام بالامامة والخطلابة والتدريس فى مسجده بالرياض وهكذا كانت حياته رحمه الله مليئة بالتدريس والارشاد والدعوة والافتاء شأن العلماء العاملين المخلصين لدينهم وامتهمك رحمه الله رحمة واسعة .
المطلب السادس : صفاته واخلاقه :(1/5)
لقد جبل الشيخ رحمه الله على صفات كريمة ومزايا عظيمة قل ان تجتمع فى رجل فكان رحمه الله وثالا فى الشمائل الحميدة والاخلاق الحسنة متسما بالورع والتواضع والزهد والبعد عن الاضواء مع ما وهبه الله من عمق فى العلم وقوة فى الحجة كما كان رحه الله عف اللسان منصفا للمخالف حكيما فى الراى بعيد النظر مع قوة فىالحق وتعامل بالحسنى وانزال الناس منازلهم كما كان رحمه الله مهيبا ذا وقار وخشية اما صفاته الخلقية فكان رحمه الله ربعة من الرجال الى الطول اقرب ابيض البشرة تزينه لحية طويلة تشعر بالبهاء والجلال والحرص على السنة فى مظهره ومخبره رحمه الله .
وله مواقف عظيمة ولطيفة كما له اسهامات فى البذل والجود فى اعمال الخير والانفاق على طلبه العلم كما عرف بالصبر والتحمل والاحتساب فكسب حب الناس وثناءهم وتقديرهم رحمه الله .
المطلب السابع : تلاميذه :
يعد الشيخ رحمه الله استاذ جيل يعتبر اليوم النواة المباركة فى نهضة هذه البلاد علميا وقضائيا واداريا فلا نبالغ اذا قلنا ان الطبقة التى هى كبار علمائنا هم من تلاميذ الشيخ رحمه الله فقج استفاد من الشيخ رحمه الله كل من درس فى المعهد والكلية والمعهد العالى للقضاء وهم جمع غفير اذكر من اشهرهم :
1- سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ .
2- الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان .
3- د . عبد الله بن عبد المحسن التىركى .
4- الشيخ صالح بن محمد اللحيدان .
5- الشيخ د . عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين .
6- الشيخ د . صالح بن فوزان الفوزان .
7- الشيخ صالح بن عبد الرحمن الاطرم .
8- الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام .
9- الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع .
10- الشيخ عبد الله بن حسن بن قعود .
وغيرهم كثير بارك الله فيهم ونفع بهم الإسلام والمسلمين .
المطلب الثامن : وفاته :(1/6)
قدر الله على الشيخ رحمه الله الاصابة بامراض فى اخر حياته وفى يوم الخميس لخامس والعشرين من الشهر الثالث سنة 1415 هـ ادخل المستشفى اثر تردى حالته الصحية وبقى فيه مدة وجيزة حتى فاضت روحه الى بارئها عن عمر يناهز التسعين عاما قضاها مجاهدا بقلمه ولسانه معلما مدرسا مفتيا مرشدا وقد ام المصلين عليد سماحة مفتى عام المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللع بن محمد آل الشيخ بحضور جمع غفير من طلابه ومحبيه ودفن فى مقبره العود فى الرياض رحمه الله رحمه الابرار وقد عزاه ولاة الامر وفقهم الله والعلماء وطلاب العلم واثنوا على ما كان يتمتع به رحمه الله من مكانه علمية عالية وما لفقدة رحمه الله من اثر على الساحة العلمية والاسلامية عوض الله المسلمين فيه خيرا ورفع درجاته فى عليين انه خير مسئول واكرم مأمول والحمد لله رب العالمين .
المطلب التاسع : اثاره العلمية ومؤلفاته :
كان الشيخ رحمه الله نظرة فى التأليف سببها تواضعه وتورعه رحمه الله فبالرغم من غزارة علمه وسعة ادراكه وتبحره فى علوم شتى الا انه لم يعرف له الا اقار قليلة منها : " مذكرة فى التوحيد " و " حاشية على تفسير الجلالين " وتعليقا على كتاب " الاحكام فى اصول الاحكام " للامدى كما ان له تعليقات يسيرة محفوظة على عدد من كتب العقيدة كما ان مقالات وكتابات فى مجلة التوحيد والهدى النبوى وله مجموعة من المحاضرات والدروس والمناقشات العلمية وفتاوى متنوعة جديرة بالعناية والرعاية والاهتمام وعسى الله ان ييسر اخراجها حتى ينفع الله بها طلاب العلم والباحثين والمهتمين بالتحقيق انه جواد كريم .
الفصل الأول : " المنهج " تعريفه واهميته واثاره :
ويشمل اربعه مباحث :
المبحث الاول : تعريف المنهج والمراد به فىاللغة والاصطلاح .
المبحث الثانى : اهمميته ودواعى العناية به .
المبحث الثالث : اثاره .
المبحث الرابع : نظرة فى مناهج الاصوليين .(1/7)
المبحث الاول : تعريف المنهج والمراد به فىاللغة والاصطلاح :
المطلب الاول : تعريف المنهج فى اللغة :
بالنظر فى قواميس اللغة لكلمة " المنهج " تجد انها تدل على الطريق الواضح المستقيم .
قال ابن فارس : " النون والهاء والجيم اصلان متباينان
الاول : النهج الطريق ونهج لى الامر : وهو مستقيم المنهاج .. "
وقال فى الصحاح : " النهج " الطريق الواضح وكذا المنهج والمنهاج وانهج الطريق اى استبان وصار نهجا واضحا بينا ونهجت الطريق اذا ابنته واوضحته ".
المطلب الثانى : تعريف المنهج فى الاصطلاح :
نستطيع ان نستشف تعريفا للمنهج من خلال ما سبق من تعريفه فىاللغة فنقول : ان المنهج هو مجموعة الركائز والاسس المهمة التى توضح مسلك الفرد او المجتمع او الامة لتحقيق الاثار التى يصبو اليها كل منهم .
ومن خلال الاستقرار فى المناهج عامة نجد انها قسمين : صحيحة وفاسدة والذى يهمنا هنا الاول وهو المنهج الذى يتخذ من الكتاب والسنة اصولا يعتمد عليها وهذا هو محور الحديث عن المنهج الذى نريده .
المبحث الثانى : اهمية المنهج ودواعى العناية به :
ان قضية المنهج قضية مهمة جدا لاسيما فىالنواحى العلمية ولقد زخر التاريخ الاسلامى بكوكبة من العلماء كان اعظمهم قدرا واكبرهم اثرا اوضحهم منهجا كما واجهت اساحة العلمية عبر التاريخ مشكلات عديدة كان من اخطرها غياب المنهج الصحيح او عدم وضوحه للمتلقين .
ونستطيع ان نلخص اهمية المنهج ودواعى العناية به من خلال النقاط الاتية :
1- السير العمى بخطوات سليمة متسمة بالوضوح والبيان .
2- اختصار الطريق للوصول الى الغاية المنشودة والهدف المرسوم .
3- انه ضمان باذن الله من التعثر والعقبات التى تحول دون الوصول الى المقصود .
4- تحقيق النفع المنشود والاثر المعقود .
5- التزود باهم رصيد فى حياة العلماء وما هو اهم من مجرد المعلومات الا وهو قضية المنهج القويم لنسير على مسارهم الصحيح .(1/8)
المبحث الثالث : الاثار الايجابية والسلبية فى قضية المنهج :
من خلال ما سبق فى ذكر اهمية البمنهج تبرز اهم الاثار الايجابية لتطبيق المنهج واهمهما :
1- ضمان المسيرة الصحيحة على ضوؤ ركائز قويمة .
2- التميز بالوضوح والبيان .
3- تحقيق المنافع المقصودة .
4- السلامة من المضار والتعثر والعقبات .
5- الوصول الى المراد باقصر طريق وايسر سبيل .
تلك اهم الاثار الايجابية التى تتحقق من خلال الالتزام بالمنهج الصحيح .
اما ترك المنهج واهماله فينتج عنه اثار سلبية اهمها :
1- السير بلا خطوات هادية للمراد .
2- الوقوع فى التخبط والتعثر والعوائق المانعة من الوصول الى الهدف المنشود .
3- حصول الغموض والتناقض عند المتلقين فتحدث الحيرة ويعسر الفهم .
4- طول الطريق واكتنافة بالعقبات.
5- النفور من العلم واهله والاخذ والتلقى من غيرهم .
6- التخبط العلمى والفوضى الفكرية وما ينبنى عليها من نتائج ضارة وافكار منحرفة تعود علىالمجتمع والامة بالسلبيات المتعددة والاضرار الخطيرة .
هذه اهم الاثار السلبية لتجاهل قضية المنهج وعدم التزامه مما يؤكد العناية بها وضرورة الاهتمام بتحقيقها .
والمستقرئ لحال العلماء رحمهم الله فىالتاريخ القديم ولامعاصر يجد ان للعما المشهورين اصولا راسخة ومنهجا واضحا بنو عليه مذاهبهم فتحقق الاثر والنفع من علومهم ومعارفهم ولا ادل على ذلك من منهج الائمة الاربعة رحمهم الله .(1/9)
والملاحظ انه بقدر الاهتمام بالمنهج يهيئ الله القبول للعالم والاستفادة منه ولاضرب لذلك نموذجا واحدا من عشرات الامثلة والنماذج ذلكم هو منهج العالم العلم الفذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مما حصل له من الاثر العام والخاص ما يقل نظيرة فى فنون العلم المختلفة ولا يزال علماؤنا الى اليوم يستفيدون من منهجه فى العقيدة والرد على المخالفين وفى الاحكام والاستدلال زوالمناقشة والفتوى وغيرها مما اكسبهم ثروة علمية ومنهجية قوية يندر نظيرها وهكذا شأن العلماء العاملين والمحققين المبدعين وفى المقابل تجد مئات العلماء المغمورين ممن لم يكن لهم الاثر البالغ بسبب تجاهل قضية المنهج وعدم وضوحها فى الغالب والله المستعان .
المبحث الرابع : نظرة فى مناهج الاصوليين :
لقد اعتنى علماء الإسلام وائمة الدين - عبر العصور - بعلم الاصول فالفت فيه المؤلفات وتعددت فيه المدارس وتباينت المناهج .
فمن العلماء من اعتنى بتحرير القواعد الأصولية واقامة الادلة النقلية عليها واهتم بايضاح منهجه فى الاستدلال وتاييده بالشواهد من اللغة العربية واكثر من الامثلة بغية الايضاح والبيان وركز على الناحية التطبيقية مع اسلوب جزل العبارة حكيم النزعة عند نقاش المخالفين .
ومنهم من سار على المنهج ولكن نحى منحى التوسع والقوة مع المخالفين والحدة عند مناقشة ادلة الخصم .
واستقر الامر على منهجين معروفين مشهورين هما : منهج الحنفية ومنهج المتكلمين ولا يكاد احد من طلاب هذا الفن يجهل هذين المنهجين واصحابهما وما الف فيهما .
وقد سار العلماء بعد ذلك على ضوء هذين المنهجين واكتفوا بالاختصار والتلخيص على احد المنهجين - فى الغالب - وقد يجمع بعضهم بين المنهجين .(1/10)
الا انه مما لا ينكر وجود اتجاهات اثر اصحابها العودة بهذا العلم الى اصله الاول الذى انبثق التأليف منه فتركوا الالتزام بهذين المنهجين مع جمعهم لمحاسن كل منهما وتوخوا التحيق فى المسائل وجردوا هذا العلم مما علق به من الاغراق فى العفقيات ، والغوص فى الجدليات واهتموا بجواهره ودرره فاكثروا من بناء المسائل الأصولية على الادلة النقلية والقواعد الشرعية وحرصوا على الاكثار من المسائل الفقهية وعمدوا الى الشرح والايضاح وتحرروا من التعصب والتقليد فجاء منهجهم سليما مشوقا مفيدات تالفه العقول المنصفة وتستريح له الاكار السليمة لما يكسبها من وصول الى غاية مقصودة وخروج بثمرة منشودة ويعتمد صاحبها على الادلة النقلية الصحيحة والحجج العقلية السليمة التى تمنح الاستقلال فى الحكم وتفتح الباب للقارئ اللبيب للبحث والتنقيب وتيسر تطبيق القواعد الأصولية على ما جد من قضايا الامم فى مختلف الامكنة والازمنة وقد استفاد شيخنا الشيخ عبد الرازق رحمه الله من هذا المنهج كثيرا ,
على ان ذلك ليس غضبا من مسيرة المنهجين الاولين واصحابهما اللذين اكسبا ويكسبان فهم هذا العلم على اصوله ويرسخان فى ذهن القارئ الخطوط العريضة للمنهج السليم فى هذا الفن وحيث امتازت بالتقعيد والتأصيل الدقق والاسلوب الرصين والتحرير الاوفق ولا غرو فهم بفنهم اعرف وبعلمهم اعمق وقد ساروا فى مناقشاتهم على قواعد الجدل واصول النقد والمناظرة المعروفة .
ولم يكن شيخنا رحمه الله بمعزل عن التاثر بايجابيات هذين المنهجين غير انه تميز بمنهج اسلم تتبين معالمه والنماذج عليه فى الفصل القادم ان شاء الله .
الفصل الثانى : معالم منهج الشيخ عبد الرازق الاصولى .(1/11)
بعد ان عرفنا فى المبحث السابق مناهج الاصوليين وطريقتهم فى عرض مسائل الاصول والتاليف فيه فاننا ناتى الان الى معرفة منهج شيخنا الشيخ عبد الراوق لنتمكن من الربط ومعرفة الفرق بين منهج الاصوليين ومنهج الشيخ رحمه الله ومع اسنفدة الشيخ رحمه الله من مناهج من سبقه الا انه تميز بعدد من المعالم التى تميز منهجة رحمه الله .
وقبل ان اذكر هذه المعالم تفصيلا اذكر منهجة اجملا كما ذكره هو رحمه الله فى المقدمة تعليقه على كتاب الاحكام فقد تحدث فى مقدمته عن علم الاصول واهميته ومناهج العلماء فيه واثنى على كتب المحققين منهم ودعا الى الاستفادة من طريقتهم لسلامة عقدتهم وحرصهم على النصوص وسلوكهم مسلك الايضاح والبيان والاختصار وبعدهم عن الجدل وعلم الكلام وعنايتهم باللغة العربية وكثرة الامثلة والتفريع .. الى اخر ما ذكره رحمه الله عن منهجهم الذى سار عليه ثم بين عمله فى الكتاب بعد ان اثنى على كتاب الامدى وعلو اسلوبه ووضوح عبارته فقال : " لذا اقتصرت على نقد دليل او التنبيه على خطأ فى راى او تأويل نص او بيان ضعف حديث او تصحيح لتحريف فى الاصول التى طبع عليها قدر الطاقة مع الايجاز ولم استقص فى ذلك .. " .
ومما يرسم منهجه اجمالا قوله ايضا بعدما ذكر مناهج الاصوليين :
واسعدهم بالحق من كانت نزعته الى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ووسعه ما وسع السلف مع رعاية ما ثبت من مقاصد الشريعة باستقراء نصوصها فكلما كان العالم ارعى لذلك والزم له كان اقوم طريقا اهى سبيلا .. "
ومن يقرأ مقدمته رحمه الله يجد ملامح ومعالم منهجه مجملة لذلك فسافصل القول فيما اجمله عن كريق وضع معالم رئيسة مدعمه بالنماذج الحية على رسمه رحمه الله .
المبحث الاول : المعلم الاول : اهتمامه رحمه الله بابراز عقيدة ونقده وما يخالفها :(1/12)
ووهذا هو المعلم المهم والرئيس فى منهج الشيخ رحمه الله فمن المعلوم ان مناهج الاصوليين قد تأثرت بعلم الكلام واستقت من بعض المناهج العقدية المخالفة لمنهج السلف فى العقيدة لا سيما المعتزلة والاشاعرة .
لذا كان الشيخ رحمه الله مهتما بابراز عقيدة السلف فى المسائل الأصولية التى لها علاقة بالعقيدة ولما كان سيف الدين الامدى رحمه الله علما فى مذهب الاضاعرة تعقبه الشيخ رحمه الله فى مواضع كثيرة اذكر منها نماذج تثبت اهمية هذا المعلم فى منهج الشيخ رحمه الله .
النموذج الاول :
عند كلام الامدى عن العلم وانقسامه الى قديم وحادث وجعله علم الله تعالى من القديم عقب الشيخ رحمه الله بقوله : " وصف علم الله او غيره من صفاته بالقدم لم يرد فى نصوص الشرع وهو يوهم نقصا ".
ويزيد الشيخ رحمه الله هذه القضية جلاء فى تعليق له علىاطلاق الامدى اسم القديم على الله سبحانه فيقول الشيخ رحمه الله ما نصه :" اسماء الله وصفاته توفيقية ولم يرد فى كتابه سبحانه ولا فى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم تسميته القديم ولا اضافة القدم اليه او الى صفة من صفاته سبحانه فيجب الا يسمى سبحانه بذلك والا يضاف اليه وخاصة ان القدم يطلق على ما يذه كالبلى وطول الزمن وامتداده فى الماضى وان كان لمن اتصف به ابتداء فى الوجود ". ا هـ
النموذج الثانى :
وفى مبحث اخر فى الاسماء واشتقاقها من الصفات رد الامدى على المعتزلة الذين جوزو اشتقاق اسم المتكلم لله تعالى من كلام مخلوق له عير قائم بذاته واحال القارئ الى بعض كتب الاشاعرة فى التماس ذلك فعلق الشيخ رحمه اللع بقوله : " يلتمس الصحيح بالرجوع الى كتب السلف صيانة للعقيدة مما ذهب اليه الاشعرية ممن اثبات كلام نفسى قديم لله ليس بحرف ولا صوت ولا ..."(1/13)
وكذا فى مبحث الامر علق الشيخ رحمه الله على مذهب الاشاعرة فى ملام الله تعالى واثبت مذهب السلف فى حقيقة كلام الله تعال وكذا فى تعريف القرآن لما اثبت الامدى الكلام النفسى رد وعلق رحمه الله بقوله : " والصواب ان كلام الله اسم لمجموع اللفظ والمعنى وانه بصوت وحرف وانه تكم مع من ارد من رسله وملائكته وسمعوا كلامه حقيقة ولا يزال يتكلم بقضائة وتسمعه ملائكته وسيتكلم مع اهل الجنة ومع اهل النار كل بما يناسبه " .
النموذج الثالث :
وفى مسألة التحسين والتقبيح استدل المصنف الامدى على مذهب الاشاعرة فى منع التحسين والتقبيح العقليين بقوله :" السابعة ان افعال العبد غير مختارة له ". ثم رد عليه بكلام عقلى لا يفيد الرد على الجبرية فعلق الشيخ رحمه الله بقوله :" وايضا هو مبنى على ان العبد مجبور على ما يصدر عنه من الافعال وهو باطل " .
وكلام الشيخ كما ترى يبين مذهب السلف فى باب القدر وان للعبد مشيئ واختيارا خلافقا للجبرية القائلين بعدم مشيئة العباد وانهم مجبورين على ما يصدر منهم من افعال .
كما بين الشيخ رحمه الله فى مبحث التكليف بما لا يطاق مذهب السلف فىالقدر ومخالفتهم للمعتزلة والجبرية .
وفصل مذهب السلف فى القدرة من العباد على الافعال فى كلام نفيس لولا خشية الاطالة لنقلته بنصه .
النموذج الرابع :(1/14)
ونموذج رابع فى حرص الشيخ رحمه الله على ابراز عقيدة السلف والرد علىالمخالفين لها يظهر فى مبحث المتشابه حيث عد الامدى جملة من آيات الصفات من المتشابه باطلاق وادعى انها مجازات تحتاج الى تأويل كمثل قوله تعالى: " وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ) ( مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا ) ( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ) ( وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) ثم قال بعدها : " ونحوه من الكنايات والاستعارات المؤولة بتأويلات مناسبة لافهام العرب " وقد علق الشيخ رحمه الله على ذلك بقوله : " للح سبحانه وجه ويمين حقيقة على ما يليق بجلاله فاسنادهما اليه فى الآيات والاحاديث لا تجوز فيه ويطوى سبحانه السموات بيمينه ويجئ هو نفسه يوم القيامة حقيقة على ما يليق بكماله وجاء اسناد البقاء الى الوجه فى الاية على معهود العرب فى كلامهم وتعبيرهم بمثل ذلك عن بقاء الشيء وصقاته جميعا واستهزاء الله ومكره بمن استهزأ بأوليائه وسخر منهم ومكر بهم حق على وجه يليق به مع كمال علم بما دبر واحكام له وعدل فبه وقدره على الانقام بدونه بخلاف عباده فقد يكون فى مكرهم وتدبيرهم قصور وضعف فى التنفيذ وجور فى الخصوم وعجز عن الانقام بدونه الا بعناية من الله وتسديد لعبده فمن خطر بفطره عند تلاوة نصوص الأسماء والصفات واستلزامها او ابهام ظاهرها ما لا يليق بالله من تشبيهه بخلقه فلذلك من سقم فكرة ووقوفه عند معهود حسه وقياسه ربه على خلقه لا من كلام الله ولا من حديث رسوله صلى الله عليه وسلم فشبه اولا وظن السوء بالله وبرسوله ونصوص الشريعة ثانيا فاعتقد ان ظاهر ما ثبت عنهما يدل على التشبيه واجتهد فى تحريفها عن مواضعها وتأويلها على غير وجهها ثالثا جون بينه من الله تهديه الطريق فانتهى به العسف الى التعطيل ونفى ما رضيه الله تعالى لنفسه ورضيه له رسوله صلى الله عليه وسلم من الاسماء والصفات تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ".(1/15)
وهكذا أبان الشيخ رحمه الله فى ها الانموذج عقيدة السلف فى ثفات الله عز وجل وانها حق تثبت على حقيقتها من غير تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل على حد قوله سبحانه : " ) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
خلافا لما عليه المعتزلة المعطلة والاشاعرة المؤولة فابدع رحمه الله وانتصر لعقيدة السلف بالدليل النقلى ولا بالعقل المجرد .
النموذج الخامس :
ونموذج خامس فى حكم اثبات الجهة لله تعالى فحين ذكر الآمدى فى مبحث الاجماع القضايا التى حصل عليها الاجماع مثل قضايا الاعتقاد ونفى الشريك لله تعالى ذكر منها : " رؤية الرب لا فى جهة " .
عقب الشيخ رحمه الله بقوله : " لم يرد فى النصوص نسبة الجهة الى الله نفيا ولا اثباتا ثم هى كلمة مجملة تحتمل حقا وباطلا ،فان اثباتها لله يحتمل ان يراد به انه تعالى فوق عباده مستو على عرشه وهذا حق ويحتمل ان يراد به انه يحيط به شيء من خلقه وهذا باطل ونفيها عن الله تعالى يحتمل نفى علوه على خلقه واستوائه على عرشه وهذا باطل ويحتمل تنزيهه عن ان يحيط به شيء من خلقه وهذا حق واذن لا يصح نسبة الجهة الى الله نفيا ولا اثباتا لعدم ورودها ولا حتمالها الحق والباطل ".
هذه مجموعة من النماذج على المعلم الاول والرئيس فى منهج الشيخ رحمه الله وهو عنايته بابراز عقيدة السلف والرد على المخالفين لها وقد تبين فيها ابراز عيدة والسلف فى الصفات والقرآن وعلم الله سبحانه وكلامه والرؤية والقدر واثبات الجهة وغيرها .
وهناك نماذج اخرى سواها تركتها ايثار للاختصار وسأحيل الى موضعها انشاء الله .
المبحث الثانى : المعلم الثانى : عنايته بالنصوص وصحة الاحاديث والاثار :(1/16)
وهذا من المعالم المهمة فى منهج الشيخ رحمه الله بل من المرتكزات والاسس التى بنى عليها رحمه الله منهجه الاصولى واذا كان كثير من الاصوليين منهجهم على مدارس كلامية عقلية او مذهبية فقهية فالشيخ رحمه الله يرفع لواء تعظيم النصوص والادلة النقلية والتركيز على الاستدلال بها والاستنباط منها وطرح كل ما يخالفها ومن النماذج على ذلك تعقبه الآمدى رحمه الله عند مقابلته الدليل العقلى بالشرعى حينما ذكر بعض الأمور المجمع عليها عقلا وشرعا ومثل لذلك برؤية الرب سبحانه لا فى جهة .
قال الشيخ رحمه الله ما نصه : " .. ثم نقابلة العقلى بالشرعى تشعر بأن رؤية الله وتنزيهه عن الشريك ونحوهما انما ثبت بالدليل العقلى لا بالدليل الشرع وهذه طريقة كثير من المتكلمين فانهم يرون ان ادلة النصوص خطابية لا بهانية لا تكفى لاثبات القضايا العقلية والمسائل الأصولية .. هذا غير صحيح فان نصوص الشرع كما جاءت بالخبر الصادق فى القضايا العقلية وغيرها جاءت بتقرير الحق فى ذلك بأوضح حجة واقوى برهان لكنها لم تجئ على اسلوب الصناعة امنطقية المتكلفة بل على اسلوب من نزل القرآن بلغتهم بافصح عبارة واعلى بيان واقرب طريق الى الفهم وايسره لاخذ الاحكام .. الى قوله : فاللهم اغننا بكتابك وسنة نبيك عن موارد الوهم ومزالق الضلال ".
وفى نموذج اخر لما اجاب الآمدى اجابة عقلية محصنة على اعتراض ورد فى الاحتجاج بالتواتر علق الشيخ رحمه الله بقوله : " هذا الجواب لا يصلح ضابطا ولا مقنع فيع للخصم بل يفتح باب الفوضى والتطاول على النصوص وردها بدعوى عدم العلم بها ".
وفى موضع اخر عند الاحتجاج بخبر الواحد واعتراض الآمدى على من قال بحجيته علق الشيخ رحمه الله بقوله : " والنصوص تشهد لمن قال بان خبر الواحد حجة فى اثبات اصول الشريعة وفروعها ".(1/17)
وفى المبحث نفسه رد الآمدى قبول أخبار الاحاد واجاب عن ادلة المحتجين به بان المكلفين انما يقبلون ما يخبرهم به الاحاد من جهة عقولهم علق الشيخ رحمه الله بقوله : " هذا غير صحيح .. فالحجة انما قامت بالادلة النقلية والا كانوا مكلفين بذلك قبل ورود الشرع او بلوغه لمجرد الادلة العقلية " .
واذا كان هذا كله فى مجال التأصيل فالشيخ رحمه الله يحرص علىالنصوص حتى فى مجال التمثيل ومن النماذج على ذلك أن الآمدى رحمه الله لما مثل فى باب الأمر المعلق على الشرط كقوله :" اذا زالت الشمس فصلوا " علق الشيخ رحمه الله بقوله :" لو مثل بأمثله من النصوص كقوله تعال () إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) الآية وقوله ()وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا .. ) الآية لكان أولى " .
واذا كان ما سبق ذكره فى هذا المعلم فى شقة الأول وهو عناية الشيخ بالنصوص فان الشق الثانى وهو اهتمامه بصحة الأحاديث والآثار لا يقل شأوا عنه .
وذلك يتجلى فى تعقب ما استشهد به الاصوليون عامة والآمدى خاصة من الاحاديث والآثار الضعيفة بل والموضوعة احيانا فقد امسك الشيخ رحمه الله بقلم الناقد البصير والمخرج القدير غيره على سنة النبى صلى الله عليه وسلم واجتهادا فى ان تبنى مسائل الاصول على ما صح فيه الخبر عن سيد البشر عليه الصلاة والسلام والنماذج فى هذا اكثر من ان تحصر بل ان الشيخ رحمه الله بتوسع احيانا فى التخريج والحكم على الحديث فياخذ الصفحتين واكثر استطرادا فى الروايات ونقدا للرواة ونقلا عن علماء هذا الفن وحكمهم على الحديث سندا ومتنا .
ومن باب الاختصار فساكتفى بذكر ارقام الصفحات على انها نماذج قوية وشواهد جلية لمن اراد التوسع فى ذلك .
وبعد : هذا هو المنهج الصحيح الذى ينبغى ان يحتذى ليكون علم الأصول مؤسسا على صحيح المنقول مع صريح المعقول والله المستعان .(1/18)
المبحث الثالث : المعلم الثالث : تركه الاغراق فى الجدل والمنطق والفرضيات والعقليات .
وهذا من المعلم البارزة جدا فى منهج الشيخ رحمه الله بل يكاد يكون فيصلا بين منهجه ومنهج عامة الاصوليين الذين تأثروا بعلم الكلام واولعوا بالجدل والمنطق واسترسلوا فى المسائل الفرضية والمباحث العقلية .
ولقد كان الشيخ رحمه الله قوى المأخذ شديد الانكار على صرف لب علم الأصول الى مباحث كلامية ومسائل عقلية .
ولاضرب بعض النماذج على ذلك .
اولا : تعريف الكتاب وبيان حقيقة القرآن لما أطال الآمدى النفس فى ذكر تعريفات الأصوليين له علق الشيخ رحمه الله بقوله : " كتاب الله أو القرآن من الكلمات الواضحة التى يفهم المراد منها الأميون وصبيان الكتاتيب فتعريفه بمثل ما ذكر من التكلف الذى لا يليق بعلماء الشريعة مع ما فيه من غموض احتاجوا معه الى سؤال وجواب واخراج ما يجب اخراجه بما فيه من قيود فما كان أغناهم عن ذلك لكنها الصناعة المنطقية المتكلفة تغلغلت فى نفوس الكثير من العلماء ".
ثانيا : فى انكار رحمه الله الافتراضات الخاطئة علق على اعتراض أورده الآمدى هو : " فان قيل : فلو بعث رسول وظهرت المعجزة القاطعة الدالة على صدقة .. الخ " .
علق رحمه الله بقوله : " هذا من الفروض الممقوته التى لا ينبغى الاسترسال فيها ولا ترتيب حكم عليها ولا الاجابة عنها فان البحث فيها بحث فى غير واقع ودخول فيما لا يعنى ".
كما انكر رحمه الله الأمثلة الافتراضية مثل ما أورده الآمدى بقوله : فلو قال : ط نهيتك عن ذبح شاة الغير بغير أذنه لعينه ولكن إن فعلت حلت الذبيحة ونهيتك عن استيلاد جارية الابن لعينة " علق رحمه الله بقوله : " هذه امثلة فرضيةلم يأت بمثلها اتلشرع " .(1/19)
ثالثا : وفى مبحث قوادح القياس اورد الشيخ رحمه الله تعليقا على ما له صلة وثيقة منها بالاصول ثم قال رحمه الله :" وما لم يندرج تحت ما ذكرناه فهو نظر جدلى يتبع شريعة الجدل التى وصفها الجدليون باصلاحهم فان لم بتعلق بها فائدة دينية فينبغى ان نشح على الاوقات ان نضيعها بها وبتفصيلها وان تعلق بها فائدة فهى ليست من جنس اصول الفقه لبل هى من علم الجدل فينبغى ان تفرد بالنظر ولا تمزج بالاصول التى يقصد بها تذليل طرق الاجتهاد للمجتهدين ".
رابعا : وفى الاحتجاج بشرع من قبلنا لما ذكر الآمدى تكافؤ الادلة قال :" كيف وان هذه الآيات متعارضة والعمل بجميعها ممتنع ".
وقد علق الشيخ رحمه الله على ذلك بقوله :
" هذا مسلك سيئ وجدل ممقوت لما فيه من ضرب آيات الله بعضها بعض وبمثل ذلك استولت الحيرة والشكوك على كثير ممن اولع بالجدل حتى تركوا النصوص الصحيحة الى ما يزعمونه ادلة عقلية قاطعة وقد تكون اوهاما وخيالا واعتمدوا عليها واثروها على النصوص فازدادوا حيرة واختلافا بينهم وتناقضا فى آرائهم ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ".
ولا أجد بعد هذه النماذج الحية تعليقا على هذا المعلم المهم فى منهج الشيخ رحمه الله وقد تركت مكثيرا منها للاختصار وساكتفى بايراد صفحاتها فى الحاشية .
المبحث الرابع : المعلم الرابع : التزامه المنهج العلمى الرصين :
لقد تميز منهج الشيخ رحمه الله فىالتعليق على المسائل الأصولية بالتزام الطريقة المثلى - فى نظرى - ومع التسليم بانه رحمه الله لم يدرس المسائل دراسة متكاملة الا انه ركز على لب المسائل وجوهرها وما ينعكس على النمتلقى بالفائدة المرجوة بحيث بفهم المسألة فهما صحيحا فى أقرب صورة ذلك لانه رحمه الله سلك مسلك التعليق ومع ذلك فقد جاء تعليقه ملتزما المنهج العلمى الرصين ويتضح ذلك من خلال المطالب الاتية :
المطلب الاول : عنايته بتحرير محل النزاع :(1/20)
المطلب الثانى : تركيزه على التطبيق وكثرة الامثلة وتخريجه الفروع على الاصول .
المطلب الثالث : اهتمامه بالتقعيد والتأصيل وبيان مقاصد الشريعة وحكمها واسرارها .
المطلب الرابع : ايراده لثمرة الخلاف
وسأورد فى كل مطلب نماذج مختصرة تدل عليها .
المطلب الآول : عنايته بتحرير محل النزاع :
وتلك قضية مهمة يغفلها كثير من الاصوليين فلا يعلم المتلقى الجزئية الى وقع فيه الخلاف مما كان محل اتفاق وذلك فى المسائل الخلافية ولذلك كان الشيخ رحمه الله كثيرا ما يلفت النظر فى تعليقاته على هذه القضية المهمة ومن النماذج على ذلك :
1- فى مسألة التحسين والتقبيح ذكر الآمدى اطقلاقات العلماء واعتباراتهم فى معنى التحسين والتقبيح ثم علق الشيخ على ذلك بقوله : " الصحيح ان محل النزاع الحسن والقبح بمعنى اشتمال العقل على مصلحة كان بها حسنا او على مفسدة كان بها قبيحا ثم نشأ عن ذلك خلاف اخر : هل تثبت الاحكام بها فى الافعال من حسن او قبح ولو لم يرد شرع او يتوقف ذلك على ورود الشرع ؟ " ذم ذكر الاقوال فى المسألة " .
2- كما كان الشيخ رحمه الله يعلق عى ما ليس من محل النزاع فى المسألة المراد بحثها ومن ذلك لما استدل الآمدى على منع تأخير البيان بقوله تعالى : " ) بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) علق الشيخ رحمه الله بقوله : " الأمر فى هذه الآية للوجوب قطعا وليس من محل النزاع فيما تقتضية صيغة الامر اذ محله الامر المجرد من القرائن وهم فى الاية قد اقترن بالتهديد على الترك فى قوله تعالى : ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) .
وهناك نماذج كثيرة تركتها رغبة فى الاختصار وساحيل على مواضعها ان شاء الله .
المطلب الثانى : تركيزه على التطبيق وكثرة الامثلة وتخريج الفروع على اصول :(1/21)
كان الشيخ رحمه الله حريصا على وصول المعلومة للقارئ باقرب طريق فكان ان سلك مسلك القاعدة والمثال اذ بالمثال يتضح الاستدلال فكان كثيرا ما يورد الامثلة ويعيب على الاصولييم تقصيرهم فى ذلك كما كان رحمه الله مركزا على الجمع بين التأصيل والتفريع بريط المسائل الأصولية العلمية بالمسائل الفرعية العملية التطبيقية .
ومن النماذج على ذلك ان الآمدى رحمهالله لما أطال النفس فى تعريفات القياس والاعتراضات عليها و الاجابات عنها علق الشيخ رحمه الله بقوله : " ... ولو سكوا فى البيان طريقة القرآن وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام ومعهود العرب ومألوفهم من الايضاح بضرب الامثلة - وهذا هو الشاهد - لسهل الامر وهان الخطب ".
وحين يجنح الاصوليين الى امثلة افتراضية يطالبهم بالامثلة الشرعية الواقعية ومن النماذج على ذلك .
انه حينما مثل الآمدى على مسألة ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب بقوله :" كما لو قال الشارع : اوجبت عليك الصلاة ان كنت متطهرا " .
علق الشيخ رحمه الله على ذلك بقوله : " لو مثل بأمثلة واقعية مثل قوله تعالى : " )وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا ... ) الاية لكان انسب وانفع " وفى ذلك كفاية ان شاء الله على الاستشهاد على هذا المطلب المهم .
المطلب الثالث : اهتمامه بالتأصيل والتقعيد وبيان مقاصد الشريعة وحكمها واسرارها :
وذلك مطلب مهم نحى فيه الشيخ رحمه الله منحى العناية بالجوهر واللباب لهذا العلم المهم فقد جمع رحمه الله بين الاستدلال بالنصوص وبين العناية والنظر فى مقاصد الشريعة وحكمها وذلك جمع بين الحسنيين فى المنهج الاصولى فهو لم يغرق فى الجدل والمنطق ولم يجمد على ظواهر النصوص ولم يغفل المقاصد والقواعد والحكم والاسرار وزتلك لعمر الحق لا تحقق الا لمن اوتى المنهج الصحيح ووفق للطريق العلمى السليم .(1/22)
ومن النماذج على ذلك انه لما اورد الآمدى مسألة شكر المنعم عقلا ورد على المعتزلة فى الوجوب العقلى علق الشيخ رحمه اللع على ذلك ببيان مذهب اهل السنة وجمعهم بين النصوص وحكمهم الشريعة ومقاصدها فقال رحمه الله : " والمخالف يعترف بذلك فى تعليلة الاحكام وبيان حكمها واسرارها وخاصة فى القياس وبيان ميزة الشريعة الاسلامية على غيرها ".
ومن النماذج المهمة فى ذلم عناية الشيخ رحمه الله بالاحاطة الى مبحث المقاصد فى كتاب الموافقات للشاطبى رحمه الله .
المطلب الرابع : ايراده لثمرة الخلاف :
كان الشيخ رحمه الله حريصا على تجليه الثمرة العملية فى مسائل الخلاف العلمية واذا م يكن ثم ثمرة اشار الى ان الخلاف لفظى لا تترتب عليه ثمرة عملية .
ومن النماذج على ذلك :
فى مسائل المندوب هل هو من الاحكام التكليفية حينما ذكر الآمدى الخلاف فى ذلك علق الشيخ رحمه الله بقوله : " الخلاف فى ان الندب والكراهة واباحة من الاحكام او لا ؟ اختلاف فى تسمية اصطلاحية لا فائدة من روائه عملية ".
وكذا فى مسألة المباح وهبل هو داخل فى مسمى الواجب او لا علق الشيخ رحمه الله عليها بأن الخلاف فيها لفظى لا يترتب عليه ثمرة عملية تطبيقية .
كل ذلك وغيره كثير دليل على ترسم الشيخ رحمه الله المنهج العلمى الرصين مما لا يسمح الاختصار بالاسترسال فى بيانه وذكر النماذج عليه وهى بادية للعيان بحمد الله فى كل من قرأ عن الشيخ وقرأ تعليقاته ومنهجه فيها رحمه الله رحمة واسعة .
المبحث الخامس : المعلم الخامس : تميزه بالدقة واستقلال الشخصية :
الحق ان كمل قارئ فى تعليقاته رحمه الله يلمس ذلك بجلاء بل ابالغ حينما اقول انك واجد ذلك فى كل تعليق له رحمه الله فكلها تبين استقلال شخصيته العلمية والمنهجية والاصولية وحينما يتأملها القارئ يجد الدقة بأجلى صورها .
وسأكتفى بنماذج قليلة محيلا لمن اراد الاستطراد الى ارقام الصفحات .(1/23)
لقد كان رحمه الله حينما يذكر مسائل الخلاف يعلق مبديا رأيه وشخصيته بان الراجح كذا او الصحيح كذا مرجحا ومدللة ومعللا ومفضلا .
ففى مسألة التكليف بما لا يطاق يعلق الشيخ رحمه الله فيقول : " الصحيح ان التكليف بما لا يطاق لايتحالة عقلا او عادة غير جائز ولا واقع شرعا اما ما لا يطاق لما فيه من الحرج فقد يقع التكليف به اما عقوبة واما امتحانا واختبارا فقط ".
ومن النماذج على ذلك موفقة المتميز فى مسلة الاحتجاج بخير الواحد فقد ذكر الآمدى الحجج للقائلين بآفاته العلم ثم فندها فعلق الشيخ رحمه الله على ذلك بقوله : " .. الا انه غر مسلم فانه قد يوجد من اخبار الآحاد ما يفيد بمجرده العلم لكنه غير مطرد فى كل خبر ولا لكل احد لتفاوت الرواة فى صفات القبول وتفاوت السامعين فى المعرفة وبعد النظر ودقته ".
والنماذج على ذلك اكثر من تذكر فى هذا المقام الموجز كما تبدو شخصيته رمه الله بنقد الاقوال المرجوحة والاستدلالات الضعيفة والاستنباطات البعيدة ونحو ذلك مما لا أجد مجالا للافاضة فيه لكم ساكتفى بالاحاطة الى ارقام الصفحات كنماذج حية على ذلك .
المبحث السادس : المعلم السادس : ميلة الى التيسير والتسهيل وسلوكه مسلك الاختصار والوضوح :
وهذا المعلم وضاء فى منهج الشيخ رحمه الله فهو بعيد ع التكلف والاطالة شغوف بالاختصار والوضوح شديد الانكار على مسالك المتكلمين والجدليين والمناطقة واليك بعض النماذج على ذلك :
1- فى تعريف العلم والفقه حين ذكر الآمدى تعريفهما فى او كتابه علق الشيخ رحمه الله على ذلك بقوله :" اولع الكثير بالتعاريف المتكلفة التى تورث العبارة غموضا والقارئ لها حيرة ومن ذلك تعريف العلم والفقه ونحوهما مما ذكر المؤلف ولذلك تراهم يحتاجون الى شرح التعريف واخراج المحترزات ويكثرون من الاعتراض والجواب ولا يكاد يخلص لهم تعريف من الاخذ والرد الواقع اصدق شاهد ".
ومثل ذلك علق فى تعريف القرآن .(1/24)
واذا ورد فى المسائل الأصولية امر يحتاج الى توضيح بينه بأيسر عبارة واوضح اسلوب بكلمات مختصرات مفيدات مصدره بقوله بيانه او توضيحه او نحوها .
ومن النماذج على ذلك :
ان الآمدى رحمه الله فى مبحث العلة المستنبطة مثل بقوله :
" كتعليل وجوب الشاة فى باب الزكاة بدفع حاجة الفقراء لما فيه من رفع وجوب الزكاة ".
فعلق الشيخ رحمه الله على ذلك توضيحا لمراد المؤلف فقال : " بيانه : ان وجوب الشاة زكماة عن اربعين شاة اذا كان المقصود منه مجرد دفع حاجة الفقراء ولو يبذل القيمة ارتفع وجوب الشاة على التعيين فى الزكاة ".
ولعل فيما سبق من اكبر الشواهد على هذا المعلم وايثارا للاختصار فساكتفى بذكر ارقام الصفحات المبينة لنماذج اخرى فى ذلك .
المبحث السابع : المعلم السابع : مجانبته التعصب والتقليد :
تبين مما سبق لا سيما فى المعلم الثانى حرص الشيخ رحمه الله على الدليل وتعظيمة للنصوص وبناؤه منهجه الاصولى عليها ولذلك كان رحمه الله بعيدا عن التعصب لمذهب او الجمود على مشرب او التقليد للغير بدون دليل صحيح او نظر سليم .
واذا كان للاصوليين اراء ومناهج بنوا عليها مسائلهم واستنباطاتهم وسار عليها الخلف اقتداء بالسلف فان الشيخ رحمه الله كانت له تميزه فى ذلك فلم يتعصب لمدرسة أصولية متكلمين أو غيرهم ولم يسلم عقله ومنهجه مذهب فقهى لا يحيد عنه كما عليه كثير من الفقهاء والاصوليين لكنه رحمه الله جانب ذلك كله وجعل الدليل منهجه والنظر الصحيح مسلكه فجاء منهجه متميزا بمجانبه التعصب والتقليد المجرد وهذه بعض النماذج على ذلك .
1- فى محاولة للآمدى رحمه الله ان يقتصر الرد للكتاب والسنة على المجتهدين فقط وهو يومئ ولو من طرف خفى للتقليد للذاهب دون رجوع مباشر الى الوحيين .(1/25)
علق الشيخ رحمه الله على ذلك بقوله : " .. ان وجوب الرد الى الله والرسول لم يخص بحال ولا زمن ولا بأحد فيجب بقاؤه على عمومه ولا يخرج منه الا الرد اليه بسؤاله بعد وفاته لتعذره والا من عجز عن الرد اليه لضعف استعداده او مؤهلاته فلا يكلف ذلك ... " وهو ظاهر فى اتباع الدليل وطلبه من كل احد ويتجلى هذا المعلم كثيرا فى مبحث الاجتهاد والتقليد عند الاصوليين بمثلهم الآمدى رحمه الله فكان الشيخ رحمه الله يعلق على المسائل الخاصة بذلك مما يؤكد هذا المنهج بجلاء .
خذ على سبيل المثال :
أول تعليق فى باب التقليد أحال الشيخ رحمه الله القارئ الى كلام المحققين من اله العلم فى هذه المسألة الذين حققوا مناطها وفصلوا القول فيها حسب قوة الدليل وسلامة التعليل وحذروه من التعصب والتقليد .
وفى التعليق الثانى والثالث فصل الشيخ رحمه الله فى مسألة من يجوز فى لاتقليد ممن يحرم عليه وفى الرابع حث على الدليل وعظم السنة وعد مساواتها بالاجماع تسامحا او تحريفا كما اورده المصنف رحمه الله .
وفى التعليق الخامس لما سوى المصنف بين التقليد والاتباع والاستفتاء وعدها خلافا فى عبارة علق الشيخ رحمه الله بقوله : " ليس هذا مجرد اختلاف فىالعبارة والاصطلاح بل الاختلاف بين حقائق ومدلولات تلك العبارات يتبعه اختلاف فى حكم بعضها واتفاق على حكم بعض اخر ".
وفى مسائل الاجتهاد فصل الشيخ الكلام فيها بقول نفيس خلاصته انه لا يخلو منه زمان وانه لا ينقطع .
وتلك دعوة الى تحرى الحق فى مسائل الاجتهاد والنظر فيها على حسب ادلة وقواعد الشريعة الغراء .
ولعله بذلك قد تبين حرص الشيخ رحمه الله على تحقيق هذا المعلم حرصا على ما دل عليه النقل الصحيح والعقل الصريح بعيدا عن التعصب والتقليد وفتحا لباب الاجتهاد بالضوابط الشرعية والشروط المرعية .
المبحث الثامن : المعلم الثامن : عنايته الفائقة باللغة العربية :(1/26)
اللغة العربية لغة القرآن الكريم بها نزل وبها أبان التوحيد وأوضح الاحكام وبمعهود العرب ومألوفهم واسلوبهم جاء الخطاب الشرعى ولما كانت الالفاظ قوالب للمعانى واللغة وعاء المعنى فان للغة العربية اثرا كبيرا واهمية كبرى ومنزلة عظمى عند العلماء لاسيما علماء الشريعة خاصة علماء الاصول لانها عمدة غفى معرفة دلالات الالفاظ وبناء الاحكام عليها كما يحتاجها المجتهدون والمفتون للنظر فى دلالات اللفظ ومن ثم بناء الحكم عليه ولهذا كانت اللغة مصدرا يستمد منه علم الاصول ومعينا ثرا للاصوليين يبنون من خلاله استنباطاتهم واحكامهم وكذلك سلك الشيخ رحمه الله فكان حريصا على اللغة العربية مجانبا البعد عنها وتركها .الى فلسفات منطقية ومذاهب كلامية يبنى عليه بعض الاستلالات الشرعية .
فها هو رحمه الله يعيب على بعض الاصوليين خروجهم عن منهج الكتاب والسنة واللغة العربية الى صناعة منطقية ومباحث كلامية لا سيما فى الحدود والتعريفات .
فغعند اغراق الآمدى فة التعريفات للقياس والاعتراضات عليها والمناقشات والاجابات علق الشيخ رحمه الله بقوله :" هذه التعريف دخلتها الصناعة المنطقية المتكلفة فصارت خفية غامضة واحتاجت الى شرح وبيان ومع ذلك لم تسلم من النقد والاخذ والرد ولو سلكوا فى البيان طريقة القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومعهود الرب ومألوفهم - وهذا هو الشاهد - من الايضاح بضرب الامثال لسهل الأمر ... الخ " .
كما اعتنى رحمه اله ببناء الدلالات الأصولية - كدلالة الامر والنهى والعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والمنطوق والمفهوم وغيرها - على ظاهر اللة فتبقى على دلالتها اللغوية حتى ياتى ما يصرفها عنه كالدلالة الشرعية او العرفية او نحوها وهذا هو المتمشى مع الاصل الذى سار عليه علماء الاصول .(1/27)
كما كان رحمه اله كثيرا ما يعلق على ملحوظات لغوية ونحوية مما تسامح فيه الآمدى وذلك غيره من الشيخ رحمه الله على اللغة وحرصا على الالتزام بها وبعدا عن اللحن فيها .
والنماذج على ذلك كثيرة لا يسمح المقام بسردها ولذلك فسأكتفى بالاحالة على اماكن وجودها .
ولاختم هذا المعلم بهذه الطيفة اللغوية فقد أورد الآمدى لفظه " ذات " على الله سبحانه وتعالى فعلق الشيخ رحمه الله على ذلك بقوله :" جرى علماء الكلام والأصول على اطلاق كلمة : " ذات " على نفس الشيء وعينه وحقيقته وان يدخلوا عليها الالف واللام وهذا لا يصح فى اللغة العربية فان كلمة " ذات " مؤنث كلمة " ذو " وكلتاهما لا يدخل عليها الالف والام ولا تطلق على نفس الشيء وحقيقته انما تنسب اليه نسبة الصفة الى الموصوف وتاف الى نا لها به نوع وملابسة واتصال " .
المبحث التاسع : المعلم التاسع : تاثره بمنهج المحققين من الاصوليين :
من المتقرر ان من العلماء من لم يسلك منهجى المتكلمين والفقهاء المعروفين فى علم الاصول بل استفاد من اجابيات كل منهما وجانب المؤخذات عليه والتزم بصحة الدليل وسلام التعليل والعناية بالتطبيق والتمثيل مع وضوح العبارة ومجانبة الولوغ فى الجدل فأخذ اللبا واهتم بالجوهر فكانت طريقته متميزة ومنهجه سليما بل منهم من هو مدون علم الاصول لكن نهج من جاء بعده - فى الغالب - نهج المتكلمين ذلك هو الامام الشافعى رحمه الله .
ولقد اثنى شيخنا رحمه الله عليه فى المقدمة فقال : " وكان اول من عنى بتدوين اصول االفقه فيما اشتهر بين العلماء ابو عبد الله محمد بن ادريس الشافعى فاملى كتابه المعروف بالرسالة .. وقد جمع فيه بين امرين :
الاول : تحرير القواعد الأصولية واقامة الادلة عليها من الكتاب والسنة وايضاح منهجه فى الاستدلال وتاييده بالشواهد من اللغة العربية .(1/28)
الثانى : الاكثار من الامثلة لزيادة الايضاح والتطبيق لكثير كم الادلة على قضايا فى اصول الشريعة وفروعها مع نقاش للمخالفين تزيده جزالة العبارة وقوة وتكسبه جمالا فكان كتابه قاعدة محكمة بنى عليها من جاء بعده ومنهجه فيه طريقا واضحا سلكه من الف مع هذا العلم ... " وتوسع فيه الى ان قال رحمه الله : " ولو سلك المؤلفون فى الاصول بعد الشافعى طريقته فى الامرين تقعيدا والاستدلالا وتطبيقا وايضاحا بكثرة الامثلة وتركوا الخيال وكثرة الجدل والفروض واطرحوا العصبية فى النقاش والحجاج ولم يزيدوا الا ما تقتضى طبيعة النماء فىالعلوم اضافته من مسائل وتفاصيل لما اصل فى الابواب والا ما تدعو اليه الحاجة من التطبيق والتمثيل من واقع الحياة للايضاح ... لسهل هذا العلم على طالبيه ولا نتهى بمن اشتغل به الى صفوف المجتهدين من قريب ".
وممن استفاد منه شيخنا رحمه الله الامام ابو محمد ابن حزم رحمه الله فقد أثنى عليه وعلى كتابه فىالاصول من حيث العناية بالادلة النقلية والاكثار منها وربطها بالفروع غير انه راى انه لا يبلغ مبلغ الشافعى رحمه الله انه اخذ عليه الجمود على الظاهر واغفال المقاصد والحكم الشرعية مع شدته فىالمعارضة والنقاش .(1/29)
واليك ما قاله الشيخ رحمه الله عنه وعن كتابه والمقارنه بينه وبين الشافعى فيقول : " وقد تبعه - يعنى الشافعى - فىالامرين وهما العناية بالقواعد الأصولية والاستدلال عليها والتمثيل والتطبيق - ابو محمد على بن حزم فىكتابه الاحكام فىاصول الاحكام بل كان اكثر منه سردا للادلة النقلية مع نقدها وايرادا للفروع الفقهية مع ذكر مذاهب العلماء فيها وما احتجوا به عليها ثم يوسع ذلك نقدا ونقاشا ويرجح ما يراه صوابا غير ان ابا محمد وان كان غير مدافع فى سعة علمه واطلاعه على النصوص وتمييز صحيحها من سقيمها والمعرفة بمذاهب العلماء وادلتها وايراد ذلك فى اسلو اسلوب رائع وعبارات سهلة واضحة لم يبلغ مبلغ الشافعى فقد كان الشافعى اخبر منه بالنقل واعرف بطرقه واقدر على نقده واعدل فى حكمه وادرى بمعانى النصوص ومغزاها وارعى لمقاصد الشريعة واسرارها وبناء الاحكام عليها مع جزالة فى العبارة تذكر بالعربية فى عهدها الاول ومع حسن ادب فىالنقد وعفة لسان فى نقاش الخصوم والرد علىالمخالفين .
ولقد كان منهج الشيخ رحمه الله وموقفه من ابن حزم موقف المنصف فاثنى عليه بما اصاب فيه ونقده حين اخطأ والكمال لله وحده بل انه رحمه الله احال على كتابه فىكثير من المواضع فعند ذكر الآمدى أدلة أدلة المنكرين للقياس احال الى كلام ابن حزم فى الاحكاتم لانه ذكرها وتوسع فيها والنماذج على ذلك كثيرة .(1/30)
ومن العلماء الذين تأثر الشيخ بهم العالم الامام والمجاهد الهمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بل اكاد اقول : انه الحائز لقصب السبق وصاحب القدح المعلى فى تأثر الشيخ به وليس هذا الا توفيقا من الله لهما فشيخ الإسلام ابن تيمية لا يستطيع القلم فى هذه العجالة ذكر افضاله وماثره فى كلا فن لا سيما علم الاصول مما حدا بشيخنا بل بكل سالك مسلك التحقيق والتدقيق والعلم العميق ان ينهل من معين علمه وان يستفيد من منهجه وطريقته فقد جمع رحمه الله ما قل ان يجمعه غيره ولقد استفاد منه الشيخ رحمه الله فى تعليقاته سواء منها ما يتعلق بالعقيدة ام بالاصول ام بغيرها حتى بلغ ما الحال الشيخ الى كتبه وعلمه نحو من ستين موضعا يصعب سردها فى هذه العجالة لذلك ساكتفى بالاحالة الى نماذج من ارقام الصفحات فى ذلك .
ومن العلماء الذين استفاد الشيخ منهم وتأثر بهم الامام اعلامة ابن القيم رحمه الله ولا غرو فهو تلميذ شيخ الإسلام واشد طلابه ولعا به وشغفا بملازمته والنهل من علمه وقد كان لابن القيم رحمه الله لمسات قيمة فى علم الاصول نهج فيها نهج شيخة رحمه الله ولقد استفاد شيخنا رحمه الله من منهجه واحال فى كثير من المواضع على كتبه لا سيما اعلام الموقعين وبدائع الفوائد وغيرها وقد وصلت احالة الشيخ الى كتب ابن القيم فى قرابة عشرين موضعا .(1/31)
ومن العلماء المحققين اذن استفاد الشيخ رحمه الله من علمهم ومنهجهم الامام الشاطبى رحمه الله الذى تميز منهجه بالنظر فى مقاصد الشريعة وجمع مسائل الفقه ولو اختلفت ابوابها تحت قضية اصولية وقد اثنى الشيخ رحمه الله على الاحكام فلما ذكر المناهج الأصولية واورد منهج الفقهاء وطريقة الحنفية قال : " ولو سلك هؤلاء طريق الاستقراء فاكثروا فعل ذلك الشاطبى احيانا فى كتاب الموافقات وقصدوا بذلك الشرح والبيان والارشاد الى ما بينها من معنى جامع يقتضى اشتراكها فى الحكم دون تقيد بمذهب معين ليخبصوا الى القاعدة الأصولية واتبعوا ذلك ما يؤيده الاستقراء من ادلة العقل والنقلا لكان طريقا طبيعيا تألفه الفطر السليمة وتعتمده عقول الباحثين المنصفين ولاكسبوا من قرأ فى كتبهم استقلالا فىالحكم وفتحوا امامهم باب ابحث والتنقيب ويسروا لهم تطبيق القواعد الأصولية على ما جد ويجد من القضايا فى مختلف العصور ".
ولهذا الاعجاب من شيخنا بالشاطبى رحمه الله فقد أحال الى كتابه القيم " الموافقات " فى مواضع شتى تزيد على العشرة لا سيما فىكتاب المقاصد .
كما احال الشيخ رحمه الله على كتاب الاعتصام للشاطبى رحمه الله .
وبذلك المعلم تتبين الكوكبة العلمية الوضاءة التى استنار الشيخ رحمه الله يمنهجها واستقى من حسن طريقتها ومسلكها فرحم الله الجميع ووفقنا للاستفادة من علمهم ومنهجهم .
المبحث العاشر : المعلم العاشر : موقفة المنصف من المخالف وفقهه لأدب الخلاف :(1/32)
العلم والادب صنوان لا يفترقان بل اقول : ينبغى الا يفترقا لان جمال العلم ادب جم يزين صاحبه ويدفعه للمعالى ويبعده عن السفاسف وعميق العلم لا يحتاج الى لجاج فى اثبات دعواه ولا تشنج فى الرد على خصمه وعفة اللسان منقبة كبيرة من وفق اليها فقد وفق للصواب وكان حريا بالأثر العظيم فى نشر علمه وفقهه ومنهجه وقد يحرم العالم من نشر علمه وافادة الاخرين بسبب تقصيره فى هذا المجال ولذلك لما فقه الصحابة ادب الخلاف ومن بعدهم الائمة العظام كان لذلك الاثر الفاعل فى قبول الناس لقولهم والافادة منه وعلى ذلك سار اهل العلم والايمان الى يومنا هذا ولله در النخبة والصفوة المميزة من علماء هذه الأمة كيف فقهوا العلم والأدب معا وما احسن وابلغ منهج شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فى ذلك فله فيه القدم الراسخة والقمة السامقة وعلى ذلك درج العلماء ياخذ الخلف بمنهج السلف وكان شيخنا رحمه الله من هؤلاء الأئمة الذين جمعوا بين العلم وأدبه فكان لمنهجهم التميز الموفق والأثر العظيم فكان الشيخ رحمه الله يسلك مسلك الحجة والدليل والبرهان الناصع مع عفة لسان وحسن أدب لاسيما عند نقد المخالف بل لعلة ان يعتذر عن مخالفة فانظر اليه رحمه الله عند ايراده القصة التى رمى فيها الآمدى بترك الصلاة فعمد اليه بعضهم ووضع على رجله شيئا من الحبر فبقيت نحو يومين فينبرى الشيخ انبراء المنصف فيلتمس العذر له فيقول : " قد يبقى الحبر اياما على العضو مع تتابع الوضوء والغسل وخاصة عضو من لا يرى التدليك فرضا فى الطهارة بل يكتفى باسالة الماء فى غسلة ووضوئه " ثم يختم القصة فيقول :" وعلى كل حال فالأصل البراءة حتى يثبت الناقل ".
الله أكبر هذا هو المنهج المتميز الذى يتلألأ أدبا واخلاقا اين هو من منهج كثير منالناس الذين اغرقوا يتتبع السقطات واولعوا يتصيد العثرات فسوء الظن طويتهم والمبادرة بالاتهام مطيتهم فالله المستعان .(1/33)
وقد كان الشيخ رحمه الله فى تعليقه على مواضع من الاحكام مترسما منهج الادب فكان يصحح الخطأ وينبه على الرأى المرجوح فيقول مثلا : " الصحيح كذا او فيه نظر ويبين الصواب ولا يتهم او يسئ الظن أو يعنف او يقسو فى العبارة نعم قد يمسك المخالف من مأمنه ويحتج عليه بنفس دعواه ويتألم لمواضع التناقض عند من يخالفه او التعسف فى الاستدلال او لى اعناق النصوص لخدمة مذهب او الاقناع برأى معين .
وهذا نموذج يثبت ذلك :
وهو ان الآمدى رحمه الله كثيرا ما يكرر ان مسائل الاصول قطيعة فيخالفه الشيخ رحمه الله وان مسائل الأصول فيها ما هو قطعى وفيها ما هو ظنى وقد تعقب الشيخ الآمدى رحمه الله فى مواضع صرح الآمدى واعترف بان بعض المسائل ظنية واحيانا يتوثق ولم يكن الشيخ رحمه الله فى ذلك معنفا ولا متعسفا بل يوقف القارئ بكل أدب على خطأ المؤلف وتناقضه فى المألة .
ولعلى اختصر القول فى ذلك بالاحاطة الى انماذج الحية فى هذا المعلم المهم .
وهكذا ينتهى الحديث عن هذا المعلم وبانتهائه تنتهى المعالم العشرة الرئيسه فى منهج الشيخ الأصولى رحمه الله واعترف انها خطوط عريضة وملامح خاطفة بحاجة الى التعمق والدراسة والاستقصاء وانى لارى ان كل معلم منها بحاجة الى بحث مستقل يتم من خلاله الشرح والبسط والاستقراء والتعليق والاستقصاء لكن لعلي وفقت بجهد المقل لانارسم صورة مختصرة عن منهجه رحمه الله وانى لاطالب بدارسة آراء الشيخ الاصولية ومنهجه العلمي بشكل موسع ومقارن ليفيد منه الباحثون وطلاب العلم عامة والمتخصصون فى علم الاصول خاصة فهو بحر محيط - بلا مبالغة - جدير بابحار المختصين للحصول على درره ولآلئه واصدافه عليه حمه الله .
الخاتمة :(1/34)
وبعد هذه الرحلة العلمية الممتعة التى عشنا فيها فى رحاب منهج علم من علمائنا الاجلاء ومشايخناا الفضلاء هو سماحة العلامة الشيخ عبد الرازق عفيفى يحسن ان اورد بعض النتائج التى توصلت اليها من خلال البحث فى معالم منهجه الاصولي رحمه الله .
ولقد تحصل لي من خلال هذا البحث نتائج عامة واخرى خاصة سافرد كلا منها بحديث كالاتى :
اولا : النتائج العامة :
اهمها :
1- الحاجة الماسة الىابراز مثل هذا النوع من البحوث فى التركيز على تجليه الصورة العلمية المشرقة لعلمائنا الاجلاء .
2- ضرورة العناية بقضة " المنهج " فى دراسة الشخصيات العلمية عامة والاصولية خاصة .
3- مكانة الشيخ عبد الرازق عفيفي رحمه الله علميا واصوليا ومنهجيا .
4- التعرف على جوانب سيرته المباركة والافادة منها .
5- تبحر الشيخ رحمه الله فى علم الاصول مما لم استطع معه لاخفاقى فى الابحار الا ان ارسم المعالم واوضح الملامح والخطوط العريضة فى منهجه رحمه الله .
6- ابراز المنهج الصحيح الذى سار عليه المحققون من العلماء وسلكه شيخنا رحمه الله التزاما بالعقيدة الصحيحة والادلة النقلية السليمة .
تلك اهم النتائج التى توصلت اليها .
اما النتائج فهى كما يلى :
1- بروز منهج الشيخ رحمه الله فى ابراز عقيدة السلف ونفد ما يخالفها وضرورة بناء علم الاصول على صحة الاعتقاد .
2- تركيز الشيخ رحمه الله فى منهجه الاصولى على الادلة الصحيحة وعنايته بالنصوص من كتاب والسنة وتقعيد علم الاصول على صحيح المنقول ونقد الروايات الضعيفة والاخبار الموضوعة .
3- تجلى منهج الشيخ رحمه الله فى تنقية علم الاصول مما علق به من الاغراق فى الجدل والمنطق والاسترسال فى المباحث العقلية والمسائل الافتراضية .(1/35)
4- لقد سار الشيخ رحمه الله فى عرض المسائل الاصولية وبحثها على المنهج العلمى الرصين الذى يقرب المعلومة للقارئ فى اجلى صورة واعتنى بتحرير محل النزاع وركز فيها على التطبيقات وكثرة الامثلة والتفريعات وربط المسائل الاصولية بالفروع الفقهية فجمع بين التقعيد والتأصيل والتفريع بمنهح متميز زاده بها وافادة تجليته لمقاصد الشريعة وحكمها واسرارها وعنايته بثمرة الخلاف العلمية فى جمع متكامل وعرض سليم وطرح فريد .
5- بروز شخصيته العلمية الاصولية رحمه الله وتميزه بالدقة فكل كلمة لها دلالتها وكل حرف له موضعه واثره وهذا شأن العالم المتمكن والاصولى المتمرس .
6- عنايته رحمه الله بزبدة هذا العلم تيسيرا وتسهيلا على المتلقى بذكر المسألة والقاعدة والمثال بطريقة واضحة وبصورة مختصرة بلا اغراق وتطويل فيما لا طائل تحته من المباحث الكلامية والمسائل الجدلية .
7- تحرر الشيخ رحمه الله من التعصب المذهبى والتقليد العلمى والمنهجى لاحد دون دليل واضح وبهان ساطع فالدليل رائده والحجة مطلبيه والحكمة ضالته .
8- عناية الشيخ رحمه الله بلغة القرآن الكريم اللغة العربية تأصيلا والتزاما واسلوبا ونقدا غيره على لغة الضاد وعاء المعانى وقالب الاحكام الشرعية .
9- استفادة الشيخ رحمه الله من منهج المحققين من الاصوليين اعلام التجديد فيه على ضوء الكتاب والسنة ومنهج سلف الامة فكان ان عاش بين التأثر بهم والتأثير من خلال منهجهم ومع كل هذا وذاك فهو مستقل الشخصية متميز النزعة رحمه الله .
10- جمعه بين العلم الجم والادب الاتم فقيه لادب الاتم فقيه لادب الخلاف منصف للخصم عف اللسان فى المناقشة للاخرين يقصد اصابة الحق بدليله واقامة الحجة على الغير لا للتشفى منه والتقليل من شأنه وتلك لعمر الحق سمة العلماء العاملين المخلصين .(1/36)
وفى الختام ان كان هناك من توصيات فى هذا الصدد فانها تكمن فى الحاجة الماسة الى ايلاء علم الشيخ ومنهجه فى مختلف الفنون - لاسيما فى العقيدة والاصول والفقه ونحوها - العناية والابراز من قبل المتخصصين وطلاب الدراسات العليا وضرورة نشر ذلك للباحثين وربط الناشئة والاجيال العلمية المعاصرة بعلمائهم ومشايخهم ذوى الاعتقاد الصحيح والمنهج السليم .
وقبل ان اضع القلم أسأل الله باسمائه الحسنى وصفاته العلى للشيخ رحمه الله سابغ الرحمه والرضوان والفردوس الاعلى فى الجنان وان يجزيه عن المسلمين وطلاب العلم خير الجزاء وان يوفق الباحثين للاستفادة من علمه ومنهجه وان يجمعنا بع فى دار كرامته وان يوفقنا لرد شيء من جميلة وفاء لبعض حقه علينا انه جواد كريم وهو سبحانه خير مسئول واكرم مأمول واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه أجمعين .
??
??
??
??
العلامة الشيخ عبد الرازق عفيفى ومعالم منهجه الأصولي
للشيخ السديس
17(1/37)