بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب
بن عبد مناف المطلبي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الحمد لله الذي خلق السماوات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون (2) والحمد لله الذي لا يؤدى شكر نعمة من نعمه
الا بنعمة منه توجب مؤدي ماض نعمه بادائها نعمة حادثة يجب عليه شكره بها.
(3) ولا يبلغ الواصفون كنه عظمته الذي هو كما وصف نفسه وفوق ما يصفه به خلقه.
(4) أحمده حمدا كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله (5) وأستعينه استعانة من لا حول له وقوة الا به (6) وأستهديه بهداه الذي لا يضل من أنعم به عليه (7) وأستغفره لما أزلفت وأخرت استغفار من يقر بعبوديته ويعلم أنه لا يغفر ذنبه ولا ينجيه منه الا هو (8) صلى الله عليه وسلموأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله (9) بعثه والله صنفان (10) أحدهما أهل الكتاب بدلوا من أحكامه وكفروا بالله فافتعلوا كذبا صاغوه(1/1)
بألسنتهم فخلطوا بحق الله الذي أنزل إليهم
(11) فذكر تبارك وتعالى لنبيه من كفرهم فقال: (وإن منهم فريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو
من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) * (12) ثم قال * (فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) * (13) وقال تبارك وتعالى * (وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يأفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا به إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) * (14) وقال تبارك وتعالى * (الم تر إلى الذين أتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا
هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا) * (15) وصنف كفروا بالله فابتدعوا ما لم يأذن به الله ونصبوا بأيديهم حجارة وخشبا وصورا استحسنوا ونبزوا أسماء افتعلوا ودعوها آلهة عبدوها فإذا استحسنوا غير ما عبدوا منها ألقوه ونصبوا بأيديهم غيره فعبدوه فأولئك العرب (16) بسم الله الرحمن الرحيم وسلكت طائفة العجم سبيلهم في هذا وفي عبادة ما استحسنوا من حوت ودابة ونجم ونار وغيره (17) فذكر الله لنبيه جوابا من جواب بعض من عبد
غيره من هذا الصنف فحكى جل ثناؤه عنهم قولهم * (إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مقتدون) * (18) وحكى تبارك وتعالى عنهم * (لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا) *
(19) وقال تبارك وتعالى * (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه ان صديقا نبيا إذ قال لابيه يا ابت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا) * (20) وقال * (واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لابيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد اصناما فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون)(1/2)
وقال في جماعتهم يذكرهم من نعمه ويخبرهم ضلالتهم عامة ومنه على من آمن منهم * (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) * (22) قال فكانوا قبل انقاذه إياهم بمحمد صلى الله عليه وسلم أهل كفر في تفرقهم واجتماعهم يجمعهم أعظم الامور الكفر
بالله وابتداع ما لم يأذن به الله تعالى عما يقولون علوا كبيرا لا إله غيره وسبحانه وبحمده رب كل شئ وخالقه
(23) الله عز وجل من حيي منهم فكما وصف حاله حيا عاملا قائلا بسخط ربه مزدادا من معصيته (24) ومن مات فكما وصف قوله وعمله صار إلى عذابه (25) فلما بلغ الكتاب أجله فحق قضاء الله بإظهار دينه الذي اصطفى بعد استعلاء معصيته التي لم يرض فتح أبواب سماواته برحمته كما لم يزل يجري في سابق علمه عند نزول قضائه في القرون الخالية قضاؤه (26) فإن تبارك وتعالى يقول * (كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) * (27) فكان خيرته المصطفى لوحيه المنتخب لرسالته المفضل على جميع خلقه بفتح رحمته وختم نبوته وأعم ما أرسل به مرسل قبله المرفوع ذكره مع ذكره في الاولى والشافع
المشفع في الاخرى أفض خلقه نفسا وأجمعهم لكل خلق رضيه في دين ودنيا وخيرهم نسبا ودارا محمدا عبده ورسوله (28) وعرفنا وخلقه نعمه الخاصة العامة النفع في الدين والدنيا (29) فقال * (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم) * (30) وقال * (لتنذر أم القرى ومن حولها) * وأم القرى مكة وفيها قومه (31) وقال * (وأنذر عشيرتك الاقربين) *
(32) وقال * (وإنه لذر لك(1/3)
ولقومك وسوف تسألون) * (33) قال الشافعي أخبرنا بن عيينة عن ابن أبي
نجيح عن مجاهد في قوله * (وإنه لذكر لك ولقومك) * قال يقال ممن الرجل فيقال من العرب فيقال من أي العرب فيقال من قريش (34) قال الشافعي وما قال مجاهد من هذا بين في الآية مستغنى فيه بالتنزيل عن التفسير (35) فخص جل ثناؤه قومه وعشيرته الاقربين في النذارة وعم الخلق بها بعدهم ورفع بالقرآن ذكر رسول الله ثم خص
قومه بالنذارة إذ بعثه فقال * (وأنذر عشيرتك والاقربين) * (36) وزعم بعض أهل العلم بالقرآن أن رسول الله قال يا بني عبد مناف إن الله بعثني أن أنذر عشيرتك الاقربين وأنتم عشيرتي الاقربون
(37) قال الشافعي أخبرنا بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله * (ورفعنا لك ذكرك) * قال لا أذكر إلا ذكرت معي أشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله (38) يعني والله أعلم ذكره عند الايمان بالله(1/4)
والآذان ويحتمل ذكره عند تلاوة الكتاب وعند العمل بالطاعة والوقوف
عن المعصية (39) فصلى الله على نبينا كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وصلى عليه في الاولين والآخرين أفضل وأكثر وأزكى ما صلى على أحد من خلقه وزكانا وإياكم بالصلاة عليه أفضل ما زكى أحد من أمته بصلاته عليه والسلام عليه ورحمة الله وبركاته وجزاه الله عنا أفضل ما جزى مرسلا عن من أخرجت للناس دائنين بدينه الذي ارتضى واصطفى به ملائكته ومن أنعم عليه من خلقه فلم تمس بنا نعمة ظهرت ولا بطنت نلنا بها
حظا في دين أو دفع بها عنا مكروه فيهما وفي واحد منهما إلا ومحمد صلى الله عليه سببها القائد إلى خيرها والهادي إلى رشدها الذائد عن الهلكة وموارد السوء في خلاف الرشد المنبه للاسباب التي تورد الهلكة القائم بالنصيحة في الارشاد والانذار فيها فصلى الله على محمد وعلى آل محمد كما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم إنه حميد مجيد (40) وأنزل عليه كتابه فقال * (وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) * فنقلهم من الكفر والعمى إلى الضياء والهدى وبين فيه ما أحل منا بالتوسعة على خلقه وما حرم لما هو أعلم به من حظهم في الكف عنهم في الآخرة والاولى وابتلى طاعتهم بأن تعبدهم بقول وعمل وإمساك عن محارم حماهموها وأثابهم على طاعته من
الخلود في جنته والنجاة من نقمته ما عظمت به نعته جل ثناؤه (41) وأعلمهم ما أوجب لاهل طاعته (42) ووعظهم بالاخبار عمن كان قبلهم ممن كان(1/5)
أكثر منهم اموالا وأولادا وأطول أعمارا وأحمد آثارا فاستمتعوا بخلاقهم في حياة دنياهم فأذاقهم عند نزول قضائه مناياهم دون آماله ونزلت بهم عقوبته عند انقضاء آجالهم ليعتبوا في انف الاوان ويتفهموا بجلية التبيان ويتنبهوا قبل رين الغفلة ويعملوا قبل انقطاع المدة حين لا يعتب مذنب ولا تأخذ فدية و * (تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا) *
(43) فكل ما أنزل في كتابه جل ثناؤه رحمة وحجة علمه من علمه وجهله من جهله لا يعلم من جهله ولا يجهل من علمه (44) رضي الله تعالى عنه والناس في العلم طبقات موقعهم من العلم بقدر درجاتهم في العلم به (45) فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه والصبر على كل عارض دون طلبه وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصا واستنباطا والرغبة إلى الله في العون عليه فإنه لا يدرك خير إلا بعونه (46) فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصا
واستدلالا ووفقه الله للقول والعمل بما علمنه فاز بالفضيلة في دينه ودنياه وانتفت عنه الريب ونورت في قلبه الحكمة واستوجب في الدين موضع الامامة (47) فنسأل الله المبتدئ لنا بنعمه قبل استحقاقها المديمها علينا مع تقصيرنا في الاتيان إلى ما أوجب به من شكره بها الجاعلنا في خير امة أخرجت للنا س أن يرزقنا فهما في كتابه
ثم سنة نبيه وقولا وعملا يؤدي به عنا حقه ويوجب لنا نافلة مزيدة (48) قال الشافعي فليست تنزل في أحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها (49) قال الله تبارك وتعالى * (كتاب انزلناه إليك(1/6)
لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بأن ربهم ألى صراط العزيز الحميد) * (50) وقال * (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) * (51) وقال * (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) * (52) وقال * (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا كا كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي ألى صراط مستقيم) *
باب كيف البيان
(53) قال الشافعي والبيان اسم جامع لمعاني مجتمعة الاصول متشعبة الفروع.
(54) فأقل ما في تلك المعاني المجتمعة المتشعبة أنها بيان لمن خوطب بها ممن نزل القرآن بلسانه متقاربة الاستواء عنده وان كان بعضها أشد تأكيد بيان من بعض ومختلفة عند من يجهل لسان العرب (55) قال الشافعي فجماع ما أبان الله لخلقه في كتابه مما تعبدهم به لما مضى من حكمه جل ثناؤه من وجوه 56 - فمنها ما أبانه لخلقه نصا مثل جمل فرائضه في أن عليهم صلاة وزكاة وحجا وصوما وأنه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ونص الزنا والخمر وأكل الميتة والدم واحم الخنزير وبين لهم كيف فرض الوضوء مع غير ذلك مما بين نصا
(57) ومنه ما أحكم فرضه بكتابه وبين كيف هو على لسان نبيه مثل عدد الصلاة والزكاة ووقتها وغير ذلك من فرائضه التي انزل من كتابه (58) ومنه ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس لله في نص حكم وقد فرض الله في كتابه طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والانتهاء إلى حكمه فمن قبل عن رسول الله فبفرض الله قبل(1/7)
(50) ومنه ما فرض الله على خلقه الاجتهاد في طلبه وابتلى طاعتهم في الاجتهاد كما ابتلى طاعتهم في غيره مما فرض عليهم (60) فإنه يقول تبارك وتعالى * (ولنبلونكم حتى نعلم
المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا اخباركم) * (61) وقال * (وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم) * (62) وقال * (عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون) * (63) قال الشافعي فوجههم بالقبلة إلى المسجد الحرام وقال لنبيه * (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * (64) وقال * (ومن خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة) * (65) فدلهم جل ثناؤه إذا غابوا عن عين المسجد الحرام
على صواب الاجتهاد مما فرض عليهم منه بالعقول التي ركب فيهم المميزة بين الاشياء وأضدادها والعلامات التي نصب لهم دون عين المسجد الحرام الذي أمرهم بالتوجه شطره (66) فقال * (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) * وقال * (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) *
(67) فكانت العلامات جبالا وليلا ونهارا فيا أرواح معروفة الاسماء وإن كانت مختلفة المهاب وشمس وقمر ونجوم معروفة المطالع والمغارب والمواضع من الفلك (68) ففرض عليهم الاجتهاد بالتوجه شطر المسجد الحرام مما دلهم عليه مما(1/8)
وصفت فكانوا ما كانوا مجتهدين غير مزايلين امره جل ثناؤه ولم ولم يجعل لهم إذا غاب عنهم عين المسجد الحرام ان يصلوا حيث شاؤوا
(69) وكذلك أخبرهم عن قضائه فقال * (أيحسب الانسان أن يترك سدى) * والسدي الذي لا يؤثر ولا ينهى (70) وهذا يدل على انه ليس لاحد دون رسول الله أن يقول إلا بالاستدلال بما وصفت في هذا وفي العدل وفي جزاء الصيد ولا يقول بما استحسن فإن القول بما استحسن شئ يحدثه لا على مثال سبق (71) فامرهم أن يشهدوا ذوي عدل والعدل أن يعمل بطاعة الله فكان لهم السبيل إلى علم العدل والذي يخالفه (72) وقد وضع هذا في موضعه وقد وضعت جملا منه رجوت أن تدل على ما وراءها مما في مثل معناها
باب البيان الاول
(73) قال الله تبارك وتعالى في المتمتع * (فمن تمتع بالعمرة إلى
الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) * (74) فكان بينا عند خوطب بهذه الآية أن صوم الثلاثة في الحج والسبع في المرجع عشرة أيام كاملة (75) قال الله * (تلك عشرة كاملة) * فاحتملت أن تكون زيادة(1/9)
في التبيين واحتملت أن يكون أعلمهم أن ثلاثة إذا جمعت إلى سبع كانت عشرة كاملة
(76) وقال الله * (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة) * (77) فكان بينا عند من خوطب بهذه الآية أن ثلاثين وعشرا أربعون ليلة (78) وقوله * (أربعين ليلة) * يحتمل ما احتملت الآية قبلها من أن تكون إذا جمعت ثلاثون إلى عشر كانت أربعين وأن تكون زيادة في التبيين (79) وقال الله * (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * (80) وقال * (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام
أخر) * (81) فافترض عليهم الصوم ثم بين أنه شهر والشهر
ما بين الهلالين وقد يكون ثلاثين وتسعا وعشرين (82) فكانت الدلالة في هذا كالدلالة في الآيتين وكان في الآيتين قبله في بن جماعة زيادة تبين جماع العدد (83) واشبه الامور بزيادة تبيين جملة العدد في السبع والثلاث وفي الثلاثين والعشر أن تكون زيادة في التبيين لانهم لم يزالوا يعرفون هذين العددين وجماعة كما لم يزالوا يعرفون شهر رمضان
باب البيان الثاني
(84) قال الله تبارك وتعالى * (إذا قمتم إلى(1/10)
الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا) * (85) وقال * (ولا جنبا إلا عابري سبيل) *
(86) فأتى كتاب الله على البيان في الوضوء دون الاستنجاء بالحجارة وفي الغسل من الجنابة (87) ثم كان أقل غسل الوجه والاعضاء مرة مرة واحتمل ما هو أكثر منها فبين رسول الله الوضوء مرة وتوضأ ثلاثا ودل على أن أقل غسل الاعضاء يجزئ وان أقل عدد الغسل
واحدة وإذا أجزأت واحدة فالثلاث اختيار (88) ودلت السنة على أنه يجزئ في الاستنجاء ثلاثة أحجار ودل النبي على ما يكون منه الوضوء وما يكون منه الغسل ودل على أن الكعبين والمرفقين مما يغسل لان الآية تحتمل أن يكونا حدين للغسل وان يكونا داخلين في الغسل ولما قال رسول الله ويل للاعقاب من النار دل على انه غسل لا مسح (89) قال الله * (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث
فان كان له أخوة فلامه السدس) * (90) وقال * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم) *(1/11)
(91) فاستغنى بالتنزيل في هذا عن خبر غيره ثم كان لله فيه شرط أن يكون بعد الوصية والدين فدل الخبر على ان لا يجاوز بالوصية الثلث
باب البيان الثالث
(92) قال الله تبارك وتعالى * (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) * (93) وقال * (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * (94) وقال * (وأتموا الحج والعمرة لله) * (95) ثم بين على لسان رسوله عدد ما فرض من الصلوات ومواقيتها وسننها وعدد الزكاة ومواقيتها وكيف عمل الحج والعمرة وحيث يزول هذا ويثبت وتختلف سننه وتتفق ولهذا أشباه كثيرة في القرآن والسنة
باب البيان الرابع
(96) قال الشافعي كل ما سن رسول الله مما ليس فيه كتاب وفيما كتبنا في كتابنا من ذكر ما من الله به على العباد من تعلم الكتاب والحكمة دليل على ان الحكمة سنة رسول الله (97) مع ما ذكرنا مما افترض الله على خلقه من طاعة رسوله وبين من موضعه الذي وضعه الله به من دينه الدليل على ان البيان في الفرائض المنصوصة في كتاب الله من أحد
هذه الوجوه (98) منها ما أتى الكتاب على غاية البيان فيه فلم يحتج مع التنزيل فيه إلى غيره (99) ومنها ما أتى على غاية البيان في فرضه وافترض طاعة رسوله فبين رسول الله عن الله كيف فرضه وعلى من فرضه ومتى يزول بعضه ويثبت ويجب
(100) ومنها ما بينه عن سنة نبيه بلا نص كتاب (101)(1/12)
وكل شئ منها بيان في الكتاب الله (102) فكل من قبل عن الله فرائضه في كتابه قبل عن رسول الله سنتة بفرض الله طاعة رسول له على خلقه وأن ينتهوا إلى حكمه ومن قبل عن رسول الله فمن الله قبل لما افترض الله من طاعته (103) فيجمع القبول لما في كتاب الله ولسنة رسول الله القبول لكل واحد منهما عن الله وان تفرقت فروع الاسباب التي قبل بها عنهما كما أحل وحرم وفرض وحد بأسباب متفرقة كما شاء جل ثناؤه لا يسئل عما يفعل وهم يسألون
باب البيان الخامس
(104) قال الله تبارك وتعالى ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا
وجوهكم شطره (105) فرض عليهم حيث ما كانوا أن يولوا وجوههم شطره وشطره جهته في كلام العرب إذا قلت أقصد شطر كذا معروف أنك تقول اقصد فصد عين كذا يعني قصد نفس كذا وكذلك تلقاءه جهته أي أستقبل تلقاءه وجهته وإن كلها معنى واحد وان كانت وان كانت بألفاظ مختلفة (106) وقال خفاف بن ندبة
ألا من مبلغ عمرا رسولا وما تغنى الرسالة شطر عمرو (107)(1/13)
وقال ساعدة بن جوية أقول لام زنباع أقيمي صدور العيس شطر بنى تميم (108) وقال لقيط الايادي وقد أظلكم من شطر ثغركم هول له ظلم تغشاكم قطعا (109) وقال الشاعر
إن العسير بها داء مخامرها فشطرها بصر العينين مسحور(1/14)
110 - قال الشافعي يريد تلقاءها بصر العينين ونحوها تلقاء جهتها (111) وهذا كله مع غيره من أشعارهم يبين أن شطر الشئ
قصد عين الشئ إذا كان معاينا فبالصواب وإذا كان مغيبا
فبالاجتهاد بالتوجه إليه وذلك أكثر ما يمكنه فيه (112) رضي الله تعالى عنهما وقال الله * (جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) * (113) * وقال (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) * (114) فخلق لهم العلامات ونصب لهم المسجد الحرام وأمرهم أن يتوجهوا إليه وإنما توجههم إليه بالعلامات التي خلق لهم والعقول التي ركبها فيهم التي استدلوا بها على معرفة العلامات وكل هذا بيان ونعمة منه جل ثناؤه (115) * وقال (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * وقال * (ممن ترضون من الشهداء) * (116) أن العدل العامل بطاعته فمن رأوه عاملا بها كان عدلا ومن عمل بخلافها كان خلاف العدل (117) وقال جل ثناؤه * (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم
ومن قتله منكم متعمدا فجزاءه مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة) * (118) المثل على الظاهر أقرب الاشياء شبها في العظم من البدن واتفقت مذاهب من تكلم في الصيد من أصحاب رسول الله على أقرب الاشياء شبها من البدن فنظرنا ما قتل من دواب الصيد أي شئ كان من النعم أقرب منه شبها فديناه به (119) ولم يحتمل المثل من(1/15)
النعم القيمة فيما له مثله في البدن من النعم إلا مستكرها باطنا فكان الظاهر الاعم أولى المعينين
بها وهذا الاجتهاد الذي يطلبه الحاكم بالدلالة على المثل (120) وهذا الصنف من العلم دليل على ما وصفت قبل هذا على أن ليس لاحد أبدا أن يقول في شئ حل ولا حرم إلا من جهة العلم وجهة العلم الخبر في الكتاب أو السنة أو الاجماع أو القياس (121) وعنى هذا الباب معنى القياس لانه طلب فيه الدليل على صواب القبلة والعدل والمثل
(122) والقياس ما طلب بالدلائل على موافقة الخبر المتقدم من الكتاب أو السنة لانهما علم الحق المفترض طلبه كطلب ما وصفت قبله من القبلة والعدل والمثل (123) وموافقته تكون من وجهين (124) أحدهما أن يكون الله أو رسوله حرم الشئ منصوصا أو أحله لمعنى فإذا ما في مثل ذلك المعنى فيما لم ينص فيه بعينه كتاب ولا سنة أحللنا أو حرمناه لانه في معنى الحلال أو الحرام (125) أو نجد الشئ منه والشيئ من غيره ولا نجد شيئا أقرب به شبها من أحدهما فنلحقه بأولى الاشياء شبها به كما قلنا في الصيد (126) قال الشافعي وفي العلم وجهان الاجماع والاختلاف وهما موضوعان في غير هذا الموضع (127) ومن جماع علم كتاب الله العلم بأن جميع كتاب الله
إنما نزل بلسان العرب
(128) والمعرفة بناسخ كتاب الله ومنسوخة والفرض في تنزيله والادب والارشاد والاباحة (129) والمعرفة بالموضع الذي وضع الله به نبيه من الابانة عنه فيما أحكم فرضه في كتابه وبينه على لسان نبيه وما أراد بجميع فرائضه على الناس من طاعته والانتهاء إلى امره (130) ثم(1/16)
معرفة ما ضرب فيها من الامثال الدوال على طاعته المبينة لاجتناب معصيته وترك الغفلة عن الحظ والازدياد من نوافل الفضل (131) فالواجب على العالمين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا (132) وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الامساك أولى به أقرب من السلامة له إن شاء الله (133) فقال منهم قائل إن في القرآن عربيا وأعجميا
(134) والقرآن يدل على ان ليس من كتاب الله شئ إلا بلسان العرب (135) ووجد قائل هذا القول من قبل ذلك منه تقليدا له وتركا للمسألة عن حجته ومسألة غيره ممن خالفه (136) وبالتقليد أغفل من أغفل منهم والله يغفر لنا ولهم (137) ولعل من قال إن في القرآن غير لسان العرب وقبل
ذلك منه ذهب إلى أن من القرآن خاصا يجهل بعضه بعض العرب (138) ولسان العرب أوسع الالسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي ولكنه لا يذهب منه شئ على عامتها حتى لا يكون موجودا فيها من يعرفه (139) والعلم به عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه لا نعلم رجلا جمع السنن فلم يذهب منها عليه شئ
(140) فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن وإذا فرق علم كل واحد منهم ذهب عليه الشئ نها ثم ما كان ذهب عليه منها موجودا عند غيره (141) وهم في العلم طبقات منهم الجامع لاكثره وإن ذهب عليه بعضه ومنهم الجامع الاقل مما جمع غيره (142) وليس قليل ما ذهب من السنن على من جمعه(1/17)
أكثرها دليلا على ان يطلب علمه عند غير طبقته من أهل العلم بل يطلب عن نظرائه ما ذهب عليه حتى يؤتى على جميع سنن رسول الله بأبي هو وأمي فيتفرد جملة العلماء بجمعها وهو درجات فيما وعوا منها
(143) وهكذا لسان العرب عند خاصتها وعامتها لا يذهب منه شئ عليها ولا يطلب عند غيرها ولا يعلمه إلا من قبله عنها ولا يشركها فيه إلا من اتبعها في تعلمه منها ومن قبله منها فهو من أهل لسانها
(144) وإنما صار غيرهم من غير أهله بتركه فإذا صار إليه صار من أهله (145) رضي الله تعالى عنهما وعلم أكثر اللسان في أكثر العرب أعم من علم أكثر السنن في العلماء (146) فغن قال قائل فقد نجد من العجم من ينطق بالشيئ من لسان العرب (147) فذلك يحتمل ما وصفت من تعلمه منهم فإن لم يكن ممن تعلمه منهم فلا يوجد ينطق إلا بالقليل منه ومن نطق بقليل منه فهو تبع للعرب فيه (148) ولا ننكر إذ كان اللفظ قيل تعلما أو نطق
به موضوعا أو يوافق لسان العجم أو بعضها قليلا من لسان العرب كما يتفق القليل من ألسنة العجم المتباينة في أكثر كلامها مع تنائي ديارها واختلاف لسانها وبعد الاواصر بينها وبين من وافقت بعض لسانه منها (149) فإن قال قائل ما الحجة في أن كتاب الله محض بلسان العرب لا يخلطه فيه غيره (150) فالحجة فيه كتاب الله قال الله * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه (151) فإن قال قائل فإن الرسل قبل محمد كانوا يرسلون إلى قومهم خاصة وإن(1/18)
محمد بعث إلى الناس كافة فقد يحتمل أن يكون بعث بلسان قوموه خاصة ويكون على الناس كافة أن يتعلموا لسانه
وما أطاقوا منه ويحتمل أن يكون بعث بالسنتهم فهل من دليل على انه بعث بلسان قومه خاصة دون ألسنة العجم
(152) فإن كانت الالسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض فلا بد أن يكون بعضهم تبعا لبعض وان يكون الفضل في اللسان المتبع على التابع (153) واولى الناس بالفضل باللسان من لسانه لسان النبي ولا يجوز والله أعلم أن يكون أهل لسانه اتباعا لاهل لسان غير لسانه في حرف واحد بل كان لسان تبع للسانه وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه (154) وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه (155) قال الله * (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) * (156) وقال * (وكذلك أنزلناه حكما عربيا) * (157) وقال * (وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها) *
(158) وقال * (حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) * (159) وقال * (قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون) * (160) قال الشافعي فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها ثم اكد ذلك بان نفى عنه جل ثناؤه كل لسان
غير لسان العرب في آيتين من كتابه (161) فقال تبارك وتعالى * (ولقد نعلم انهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين) * (162) وقال * (ولو جعلناه أعجميا لقالوا لو لا فصلت آياته ءاعجمي وعربي) *@(1/19)
(163) قال الشافعي وعرفنا نعمه بما خصنا به من مكانه فقال * (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم
حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم) * (164) وقال * (هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) * (165) وكان ممن عرف الله نبيه من إنعامه أن قال * (وإنه لذكر لك ولقومك) * فخص قومه بالذكر معه بكتابه (166) وقال * (وأنذر عشيرتك الاقربين) * وقال * (لتنذر أم القرى ومن حولها) * وأم القرى مكة وهي بلده وبلد قومه فجعلهم في كتابه خاصة وأدخلهم مع المنذرين عامة وقضى أن ينذروا بلسانهم العربي لسان قومه منهم خاصة (167) فعلى كل مسلم أن يتعلم منن لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد به أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله ويتلوا به كتاب الله وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير
وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك
(168) وما ازداد من العلك باللسان الذي جعل الله لسان من ختم به نبوته وأنزل به آخر كتبه كان خيرا له كما عليه يتعلم الصلاة والذكر فيها ويأتي البيت وما أمر بإتيانه ويتوجه لما وجه له ويكون تبعا فيما افترض عليه وندب إليه لا متبوعا
(169) وإنما بدات بما وصفت من ان القرآن نزل بلسان العرب دون غيره لانه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب وكثرة وجوهه وجماع معانيه وتفرقها ومن علمه انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها (170) فكان تنبيه العامة على أن القرآن نزل بلسان العرب خاصة نصيحة للمسلمين والنصيحة لهم فرض لا ينبغي تركه وادراك نافلة خير لا@(1/20)
يدعها إلا من سفه نفسه وترك موضع حظه وكان يجمع مع النصيحة لهم قياما بإيضاح حق وكان القيام بالحق ونصيحة المسلمين من طاعة الله وطاعة الله جامعة للخير (171) أخبرنا سفيان عن زياد بن علاقة قال سمعت جرير بن عبد الله يقول بايعت النبي على النصح لكل مسلم
(172) أخبرنا بن عيينة عن سهيل بن اببي صالح عن عطاء بن يزيد عن تميم الداري أن النبي قال " إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة لله ولكتابه ولنبيه
ولائمة المسلمين وعامتهم @(1/21)
(173) قال الشافعي فإنما خاطب الله بكتابه العرب
بلسانها على ما تعرف من معانيها وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها وأن فطرته أن يخاطب بالشيئ منه عاما ظاهرا يراد به العام الظاهر ويستغني بأول هذا منه عن آخره وعاما ظاهرا يراد به العام ويدخله الخاص فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه وعاما ظاهرا يراد به الخاص وظاهر يعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره (174) وتبتدئ الشئ من كلامها يبين أول لفظها فيه عن آخره وتبتدئ الشئ يبين آخر لفظها منه عن أوله (175) وتكلم بالشيئ تعرفه بالمعنى دون الايضاح باللفظ كما تعرف الاشارة ثم يكون هذا عندها من أعلى كلامها لانفراد أهل علمها به دون أهل جهالتها (176) وتسمي الشئ الواحد بالاسماء الكثيرة وتسمي بالاسم الواحد المعاني الكثرة (177) هذه الوجوه التي وصفت اجتماعها في معرفة أهل العلم منها به وإن اختلفت أسباب معرفتها معرفة واضحة
عندها ومستنكرا عند غيرها ممن جهل هذا من لسانها وبلسانها نزل الكتاب وجاءت السنة فتكلف القول في علمها
تكلف ما يجهل بعضه (178) ومن تكلف ما جهل وما لم تثبته معرفته كانت موافقته للصواب إن وافقه من حيث لا يعرفه غير محمودة والله اعلم وكان بخطئه غير معذور وإذا ما نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الخطأ والصواب فيه@(1/22)
باب بيان ما نزل من الكتاب عاما يراد به العام ويدخله الخصوص
(179) وقال الله تبارك وتعالى * (الله خالق كل شئ وهو على كل شئ وكيل) * وقال تبارك وتعالى * (خلق السماوات
والارض) * وقال * (وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها) * فهذا عام لا خاص فيه (180) قال الشافعي فكل شئ من سماء وأرض وذي روح وشجر وغير ذلك فالله خلقه وكل دابة فعلى الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها (181) الله * (ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) * (182) وهذا في معنى الآية قبلها وإنما أريد به من أطاق الجهاد من الرجال وليس لاحد منهم أن يرغب بنفسه عن نفس النبي أطاق الجهاد أو لم يطقه ففي هذه الآية الخصوص والعموم
(183) وقال * (والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها) *
(
184) وهكذا قول الله * (حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما) * (185) وفي هذه الآية دلالة على ان لم يستطعما كل أهل قرية فهي في معناهما (186) وفيها وفي * (القرة الظالم أهلها) * خصوص@(1/23)
لان كل أهل القرية لم يكن ظالما فيهم المسلم ولكنهم كانوا فيها مكثورين وكانوا فيها أقل (187) وفي القرآن نظائر لهذا يكتفى بها إن شاء الله منها وفي السنة له نظائر موضوعة مواضعها
باب بيان ما انزل من الكتاب عام الظاهر وهو يجمع العام والخصوص
(188) قال الله تبارك وتعالى * (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) * (189) وقال تبارك وتعالى * (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام اخر) * (190) وقال * (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا
موقوتا) * (191) قال فبين في كتاب الله ان في هاتين الآيتين العموم والخصوص
(192) فاما العموم منها ففي قول الله * (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) * فكل نفس خوطبت بهذا في زمان رسول الله وقبله وبعده مخلوقة من ذكر وأنثى وكلها شعوب وقبائل (193) والخاص منها في قول الله * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * لان التقوى تكون على من عقلها وكان من أهلها من البالغين من بني آدم دون @(1/24)
المخلوقين من الدواب سواهم ودون المغلوبين على عقولهم منهم والاطفال الذين لم يبلغوا وعقل التقوى منهم (194) فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها إلا من عقلها وكان من أهلها أو خالفها فكان من غير أهلها (195) والكتاب يدل على ما وصفت وفي السنة دلالة
عليها قال رسول الله " رفع القلم عن ثلاثة النائم حتى يستيقظ والصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق " (196) وهكذا التنزيل في الصوم والصلاة على البالغين العاقلين دون من لم يبلغ ومن بلغ غلب على عقله ودون الحيض في أيام حيضهن
باب بيان ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله الخاص
(197) وقال الله تبارك وتعالى * (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) *@(1/25)
(198) قال الشافعي فإذ كان من مع رسول الله ناس غير من جمع لهم من الناس وكان المخبرون لهم ناس غير من جمع لهم وغير من معه ممن جمع عليه معه وكان الجامعون لهم ناسا فالدلالة بينة مما وصفت من أنه إنما جمع لهم بعض الناس دون بعض (199) والعلم يحيط أن من لم يجمع لهم الناس كلهم ولم يخبرهم الناس كلهم ولم يكونوا هم الناس كلهم (200) ولكنه لما كان اسم الناس يقع على ثلاثة نفر
وعلى جميع الناس من بين جمعهم وثلاثة منهم كان صحيحا في لسان العرب أن يقال * (الذين قال لهم الناس) * وإنما الذين قال لهم ذلك أربعة نفر * (إن الناس قد جمعوا لكم) * يعنون المنصرفين عن أحد (201) وإنما هم جماعة غير كثر من الناس الجامعون منهم غير المجموع لهم والمخبرون للمجموع لهم غير الطائفتين والاكثر
من الناس في بلدانهم غير الجامعين ولا المجموع لهم ولا المخبرين (202) وقال * (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنفذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) * (203) قال فمخرج اللفظ عام على الناس كلهم وبين عند أهل العلم منهم أنه إنما يراد بهذا اللفظ العام المخرج بعض الناس دون@(1/26)
بعض لانه لا يخاطب بهذا إلا من يدعو من دون الله إلها تعالى عما يقولون علوا كبيرا لان فيهم من المؤمنين
المغلوبين على عقولهم وغير المغلوبين ممن لا يدعو معه إلها (204) قال وهذا في معنى الآية قبلها عند أهل العلم باللسان والآية قبلها أوضح عند أهل غير العلم لكثرة الدلالات فيها (205) قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى * (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) * فالعلم يحيط إن شاء الله أن الناس كلهم لم يحضروا عرفة في زمان رسول الله المخاطب بهذا ومن معه ولكن صحيحا من كلام العرب أن يقال * (أفيضوا من حيث أفاض الناس) * يعني بعض الناس (206) وهذه الآية في مثل معنى الآيتين قبلها وهي عند العرب سواء والآية الاولى أوضح عند من يجهل لسان العرب من الثانية والثانية أوضح من الثالثة وليس يختلف عند العرب وضوح هذه الآيات معا لان أقل البيان عندها كاف من أكثره إنما يريد السامع فهم قول القائل فأقل ما يفهمه به
كاف عنده
(207) وقال الله جل ثناؤه * (وقودها الناس والحجارة) * فدل كتاب الله على أنه إنما وقودها الناس لقول الله * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) *
باب الصنف الذي يبين سياقه معناه
(208) الله تبارك وتعالى * (وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إنما تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون) @(1/27)
* (209) فابتدأ جل ثناؤه ذكر الامر بمسألتهم عن القرية الحاضرة البحر فلما * (إذ يعدون في السبت) * الآية
دل على أنه إنما أراد أهل القرية لان القرية لا تكون عادية ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا غيره وأنه إنما أراد بالعدوان أهل القرية الذين بلاهم بما كانوا يفسقون (210) وقال * (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون) * (211) وهذه الآية في مثل معنى الآية قبلها فذكر قصم القرية فلما ذكر أنها ظالمة بان للسامع أن الظالم إنما هم أهلها
دون منازلها التي لا تظلم ولما ذكر القوم المنشئين بعدها وذكر إحساسهم الباس عند القصم أحاط العلم انه إنما أحس البأس من يعرف الباس من الآدميين
الصنف الذي يدل لفظه على باطنه دون ظاهره (212) قال الله تبارك وتعالى وهو يحكي قول إخوة يوسف لابيهم * (ما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين وسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون) * (213) فهذه الآية في مثل معنى الآيات قبلها لا تختلف عند أهل العلم باللسان أنهم إنما يخاطبون أباهم بمسألة أهل القرية وأهل العير لان القرية والعير لا ينبئان عن صدقهم@(1/28)
باب ما نزل عاما دلت السنة خاصة على أنه يراد به الخاص
(214) قال الله جل ثناؤه * (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث فإن كان له إخوة فلامه السدس) *
(215) وقال * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم
ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم (216) فأبان ان للوالدين والازواج مما سمى في الحالات وكان عام المخرج فدلت سنة رسول الله على انه إنما أريد به بعض الوالدين والازواج دون بعض وذلك ان يكون دين الوالدين والمولود والزوجين واحدا ولا يكون الوارث منهما قاتلا ولا مملوكا (217) وقال * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) * (218) فأبان النبي أن الوصايا مقتصر بها على الثلث لا يتعدى ولاهل الميراث الثلثان وأبان أن الدين قبل الوصايا
والميراث وأن لا وصية ولا ميراث حتى يستوفي أهل الدين دينهم (219) ولو لا دلالة السنة ثم إجماع الناس لم يكن ميراث إلا بعد وصية أو دين ولم تعد الوصية ان تكون مبداة على الدين أو تكون والدين سواء (220) وقال الله * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وارجلكم إلى الكعبين) * (221) فقصد جل ثناؤه قصد القدمين بالغسل كما قصد الوجه واليدين فكان ظاهر هذه الآية أنه لا يجزئ في القدمين إلا ما
يجزئ في الوجه من الغسل أو الرأس من المسح وكان يحتمل أن يكون أريد@(1/29)
بغسل القدمين أو مسحهما بعض المتوضئين دون بعض (222) فلما مسح رسول الله على الخفين وأمر به من ادخل رجليه في الخفين وهو كامل الطهارة دلت سنة رسول الله على أنه إنما أريد بغسل القدمين أو مسحهما بعض المتوضئين دون بعض (223) وقال الله تبارك وتعالى * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) *
(224) وسن رسول الله أن لا قطع في ثمر ولا كثر وان لا يقطع إلا من بلغت سرقته ربع دينار فصاعدا (225) وقال الله * (والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) * (226) عز وجل وقال في الاماء * (فإذا احصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) * (227) فدل القرآن على انه إنما أريد بجلد المائة الاحرار دون الاماء فلما رجم رسول الله الثيب من الزناة ولم يجلده دلت سنة رسول الله على أن المراد بجلد المائة من الزناة الحران البكران وعلى أن المراد@(1/30)
بالقطع في السرقة من سرق من حرز وبلغت سرقته ربع دينار دون غيرهما ممن لزمه اسم سرقة وزنا (228) وقال الله * واعلموا أنما غنمتم من شئ
فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن
السبيل) * (229) فلما أعطى رسول الله بني هاشم وبني المطلب سهم ذي القربى دلت سنة رسول الله ان ذا القربى الذين جعل الله لهم سهما من الخمس بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم (230) وكل قريش ذو قرابة وبنو عبد شمس مساوية بني المطلب في القرابة هم معا بنو أب وأم وإن انفرد بعض بني المطلب بولادة من بني هاشم دونهم (231) فلما لم يكن السهم لمن انفرد بالولادة من بني المطلب دون من لم تصبه ولادة من بني هاشم منهم دل ذل ك على أنهم إنما اعطوا خاصة دون غيرهم بقرابة جذم النسب مع كينونتهم معا مجتمعين في نصر النبي بالشعب وقبله وبعده وما أراد الله جل ثناؤه بهم خاصا
(232) ولقد ولدت بنو هاشم في قريش فما أعطي منهم واحد بولادتهم من الخمس شيئا وبنو نوفل مساويتهم في جذم النسب وإن انفردوا بانهم بنوا أم دونهم@(1/31)
(233) صلى الله عليه وسلم قال الله * (واعلموا أنما غنمتم من شئ فان لله خمسه وللرسول) * (234) فلما أعطى رسول السلب القاتل في
الاقبال دلت سنة النبي على أن الغنيمة المخموسة في كتاب
الله غير السلب إذ كان السلب مغنوما في الاقبال دون الاسلاب المأخوذة في غير الاقبال وان الاسلاب المأخوذة في غير الاقبال غنيمة تخمس مع ما سواها من الغنيمة بالسنة
(235) ولو لا الاستدلال بالسنة وحكمنا بالظاهر
قطعنا من لزمه اسم سرقة وضربنا مائة كل من زنى حرا ثيبا واعطينا سهم ذي القربى كل من بنه وبين النبي قرابة ثم خلص ذلك إلى طوائف من العرب لان له فيهم وشايج ارحام وخمسنا السلب لانه من للمغنم مع ما سواه من الغنيمة@(1/32)
بيان فرض الله في كتابه اتباع سنة نبيه (236) قال الشافعي وضع الله رسوله من دينه وفرضه وكتابه الموضع الذي أبان جل ثناؤه انه جعله علما لدينه بما افترض من طاعته وحرم من معصيته وأبان من فضيلته بما قرن من الايمان برسوله مع الايمان به (237) فقال تبارك وتعالى * (فآمنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه ان يكون له ولد) *
238 - وقال * (إنما المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه) * 239 فجعل كما ابتداء الايمان الذي ما سواه تبع له
الايمان بالله ورسوله 240 فلو آمن عبد به ولم يؤمن برسوله لم يقع عليه اسم كمال الايمان أبدا حتى يؤمن برسوله معه (241) وهكذا سن رسوله في كل من امتحنه للايمان 242 أخبرنا مالك عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم قال " أتيت رسول الله بجارية فقلت يا رسول على رقبة أفأعتقها فقال لها رسول الله أين الله فقالت في السماء فقال ومن أنا قالت أنت رسول الله قال فأعتقها
243 قال الشافعي " معاوية بن الحكم " وكذلك رواه غير مالك وأظن@(1/33)
مالك لم يحفظ اسمه (244) قال الشافعي ففرض الله على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله (245) فقال في كتابه * (ربنا ابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) * 46 (2) وقال جل ثناؤه * (كما أرسلنا فيكم رسول منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) *
(247) وقال * (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم
رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) * (248) وقال جل ثناؤه * (هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) * (249) وقال * (واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به) * (250) وقال * (وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) * (251) وقال * (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات
الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا) * (252) فذكر الله الكتاب وهو القرآن وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول الحكمة سنة رسول الله (253) وهذا يشبه ما قال والله أعلم 254 - لان القرآن ذكر وأتبعته الحكمة وذكر الله منه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة فلم يجز الله والله اعلم أن يقال الحكمة ها هنا إلا سنة رسول الله (255) وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله وأن@(1/34)
الله افترض طاعة رسوله وحتم على الناس اتباع امره فلا يجوز أن يقال لقوله فرض إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله
(256) صلى الله عليه وسلم لما وصفنا من أن الله جعل الايمان برسوله مقرونا بالايمان به
(257) وسنة رسول الله مبينة عن الله معنى ما أراد دليلا على خاصة وعامة ثم قرن الحكمة بها بكتابه فاتبعها إياه ولم يجعل هذا لاحد من خلقه غير رسوله
باب فرض الله طاعة رسول الله مقرونة بطاعة الله ومذكورة وحدها
(258) قال الله * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ان يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) * (259) وقال * (يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) * (260) فقال بعض أهل العلم اولوا الامر أمراء سرايا رسول الله والله أعلم وهكذا أخبرنا
(261) وهو يشبه ما قال والله أعلم لن كل من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف غمارة وكانت تأنف ان يعطي بعضها بعضا طاعة الامارة (262) رضي الله تعالى عنهما فلما دانت لرسول الله بالطاعة لم تكن ترى ذلك
يصلح لغير رسول الله (263) فأمر ان أطيعوا أولي الامر الذين أمرهم رسول الله لا طاعة مطلقة بل طاعة مستثناة فيما لهم وعليهم فقال * (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله) * يعني إن اختلفتم في شئ@(1/35)
(264) وهذا إن شاء الله كما قال في أولي الامر إلا انه يقول * (فإن تنازعتم) * يعني والله أعلم هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم * (فردوه إلى الله والرسول) * يعني والله اعلم إلى مال قال الله
والرسول إن عرفتموه فإن لم تعرفوه سألتم الرسول عنه إذا وصلتم أو من وصل منكم إليه (265) لان ذلك الفرض الذي لا منازعة لكم فيه لقول الله * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ان يكون لهم الخيرة من أمرهم) * (266) ومن يتنازع ممن بعد رسول الله رد الامر إلى قضاء الله ثم قضاء رسوله فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاء نصا فيهما ولا في واحد منهما ردوه قياسا على أحدهما كما وصفت من ذكر القبلة والعدل والمثل مع ما قال الله في غير أية مثل هذا المعنى (267) وقال * (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) *
(268) وقال * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله) *
باب ما أمر الله من طاعة رسول الله
(269) قال الله جل ثناؤه: (غن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) (270) وقال: (ومن يطع الرسول فقد اطاع الله) (271) فاعلمهم أن بيعتهم رسوله بيعته وكذلك أعلمهم أن طاعتهم طاعته (272) وقال: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)@(1/36)
(273) نزلت هذه الآية فيما بلغنا والله أعلم في رجل خاصم الزبير في أرض فقضى النبي بها للزبير (274) وهذا القضاء سنة من رسول الله لا حكم منصوص في القرآن (275) والقرآن يدل والله أعلم على ما وصفت لانه لو كان قضاء بالقرآن كان حكما منصوصا بكتاب الله وأشبه أن يكونوا إذا لم يسلموا لحكم كتاب الله نصا غير مشكل الامر انهم ليسوا بمؤمنين إذا ردوا حكم التنزيل إذا لم يسلموا له
(276) وقال تبارك وتعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا
فليحذر الذين يخالفون عن أمره ان تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (277) وقال: (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون ان يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا وأطعنا واولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون) (278) فأعلم الله الناس في هذه الآية ان دعاءهم إلى رسول الله ليحكم بينهم دعاء إلى حكم الله لان الحاكم بينهم رسول الله وإذا سلموا لحكم رسول الله فإنما سلموا لحكمه بفرض الله (279) وانه أعلمهم ان حكمه حكمه على معنى افتراضه حكمه وما سبق في علمه جل ثناؤه من إسعاده بعصمته@(1/37)
وتوفيقه وما شهد له به من هدايته واتباعه أمره
(280) فاحكم فرضه بإلزام خلقه طاعة رسوله وإعلامهم أنها طاعته (281) فجمع لهم أن أعلمهم أن الفرض عليهم اتباع امره وأمر
رسوله وأن طاعة رسوله طاعته ثم أعلمهم أنه فرض على رسوله اتباع أمره جل ثناؤه
باب ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحي إليه وما شهد له به من اتباع ما أمر به ومن هداه وأنه هاد لمن اتبعه
(282) قال الشافعي قال الله جل ثناؤه لنبيه (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا) (283) الله عز وجلوقال * (اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين)
(284) وقال: (ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) (285) فأعلم الله رسوله منه عليه بما سبق في علمه من عصمته إياه من خلقه فقال: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) (286) وشهد له جل ثناؤه باستمساكه بما امره به والهدى في نفسه وهداية من اتبعه فقال: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط
مستقيم)@(1/38)
(287) وقال: (لو لا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ
وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) (289) فأبان الله أن قد فرض على نبيه اتباع امره وشهد له بالبلاغ عنه وشهد به لنفسه ونحن نشهد له به تقربا إلى الله بالايمان به وتوسلا إليه بتصديق كلماته (289) أخبرنا عبد العزيز عن عمرو بن أب يعمرو مولى المطلب عن المطلب بن حنطب ان رسول الله قال " ما تركت شيئا مما امركم الله به إلا وقد امرتكم به ولا تركت شيئا مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه " (290) قال الشافعي وما أعلمنا الله مما سبق في علمه وحتم قضائه الذي لا يرد من فضله عليه ونعمته انه منعه من ان يهموا به ان يضلوه وأعلمه انهم لا يضرونه من شئ
291 - وفي شهادته بأنه يهدي إلى صراط مستقيم صراط الله والشهادة بتأديبه رسالته واتباع أمره وفيما وصفت مت فرضه طاعته وتأكيده إياه في الآي ذكرت ما اقدم الله به الحجة على خلقه بالتسليم لحكم رسول الله واتباع أمره (292) قال الشافعي وما سن رسول الله فيما ليس لله فيه
حكم فبحكم الله سنة وكذلك أخبرنا الله في قوله (وإنك لتهدي@(1/39)
إلى صراط مستقيم صراط الله) (293) وقد سن رسول الله مع كتاب الله وسن فيما ليس فيه بعينه نص كتاب (294) وكل ما سن فقد ألزمنا الله اتباعه وجعل في اتباعه طاعته وفي العنود عن اتباعها معصيته التي لم يعذر بها خلقا
ولم يجعل له من اتباع سنن رسول الله مخرجا لما وصفت وما قال رسول الله (295) أخبرنا سفيان عن سالم أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله سمع عبيد الله بن أبي رافع يحدث عن أبيه أن رسول الله قال " لا الفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الامر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه "
(296) قال سفيان وحدثنيه محمد بن المنكدر عن النبي مرسلا
(297) قال الشافعي الاريكة السرير @(1/40)
(298) وسنن رسول الله مع كتاب الله وجهان أحدهما نص كتاب فاتبعه رسول الله كما انزل الله والآخر جملة بين رسول الله فيه عن الله معنى ما أراد بالجملة وأوضح كيف
فرضها عاما أو خاصا وكيف أراد ان يأتي به العباد وكلاهما اتبع فيه كتاب الله (299) قال فلم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن سنن النبي من ثلاثة وجوه فاجتمعوا منها على وجهين (300) والوجهان يجتمعان ويتفرعان أحدهما ما أنزل الله
فيه نص كتاب فبين رسول الله مثل ما نص الكتاب والآخر مما أنزل الله فيه جملة كتاب فبين عن الله معنى ما أراد وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما (301) والوجه الثالث ما سن رسول الله فيما ليس فيه نص كتاب (302) فمنهم من قال جعل الله له بما افترض من طاعته وسبق في علمه من توفيقه لرضاه أن يسن فيما ليس فيه نص كتاب (303) ومنهم من قال لم يسن سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب كما كانت سنته لتبيين عدد الصلاة وعملها على أصل جملة فرض الصلاة وكذلك ما سن من البيوع وغيرها من الشرائع لان الله@(1/41)
قال: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقال: (وأحل الله البيع وحرم الربا) فما أحل وحرم فإنما بين فيه عن الله كما بين الصلاة (204) ومنهم من قال بل جاءته به رسالة الله فأثبتت سنته بفرض الله
(305) ومنهم من قال ألقي في روعه كل ما سن وسنته الحكمة الذي القي في روعه عن الله فكان ما ألقي في روعه سنته (306) أخبرنا عبد العزيز عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب قال قال رسول الله " إن الروح الامين قد ألقي في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها فاجملوا في الطلب "
(307) فكان مما ألقي في روعه سنته وهي الحكمة التي ذكر الله وما أنزل به عليه كتاب فهو كتاب الله وكل جاءه من نعم الله كما أراد الله وكما جاءته النعم تجمعها النعمة وتتفرق بأنها في أمرو بعضها غير بعض ونسأل الله العصمة والتوفيق
(308) وأي هذا كان فقد بين الله أنه فرض فيه طاعة@(1/42)
رسوله ولم يجعل لاحد من خلقه عذرا بخلاف أمر عرفه من أمر رسول الله وان قد جعل الله بالناس الحاجة إليه في دينهم وأقام عليهم حجته بما دلهم عليه من سنن رسول الله معاني ما أراد الله بفرائضه في كتابه ليعلم من عرف منها ما وصفنا أن سنته صلى الله عليه إذا كانت سنة مبينة عن الله معنى ما أراد من مفروضه فيما فيه كتاب يتلونه وفيما ليس فيه نص كتاب أخرى فهي كذلك أين كانت لا يختلف حكم الله ثم حكم
رسوله بل هو لازم بكل حال (309) وكذلك قال رسول الله في حديث أبي رافع الذي كتبنا قبل هذا (310) وسأذكر مما وصفنا من السنة مع كتاب الله والسنة فيما ليس فيه نص كتاب@(1/43)
بعض ما يدل على جملة ما وصفنا منه إن شاء الله (311) رضي الله تعالى عنه فأول ما نبدأ به من ذكر سنة رسول الله مع كتاب الله ذكر الاستدلال بسنته على الناسخ والمنسوخ من كتاب الله ثم ذكر الفرائض المنصوصة التي سن رسول الله معها ثم ذكر الفرائض الجمل التي أبان رسول الله عن الله كيف هي ومواقيتها ثم ذكر العام من أمر الله الذي أراد به العام والعام الذي أراد به الخاص ثم ذكر سنته فيما ليس فيه نص كتاب
ابتداء الناسخ والمنسوخ
(312) قال الشافعي إن الله خلق الخلق لما سبق في علمه مما أراد بخلقهم وبهم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب (313) وأنزل عليهم الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وفرض فيهم فرائض أثبتها وأخرى نسخها رحمة لخلقه بالتخفيف عنهم وبالتوسعة عليهم زيادة فيما ابتدأهم به من نعمه وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم جنته والنجاة من عذابه فعمتهم رحمته فيما أثبت ونسخ فله الحمد على نعمه (314) وأبان الله لهم أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب
بالكتاب وان السنة لا ناسخة للكتاب وإنما هي تبع للكتاب يمثل ما نزل نصا ومفسرة معنى ما أنزل الله منه جملا (315) قال الله: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن
ابدله من تلقاء نفسي إن اتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) * (316) فأخبر الله أنه فرض على نبيه اتباع ما يوحى إليه ولم يجعل له تبديله نفسه (317) وفي قوله (ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي) * بيان ما وصفت من أنه لا ينسخ كتاب الله إلا بكتابه كما كان المبتدئ لفرضه فهو المزيل المثبت لما شاء منه جل ثناؤه ولا يكون ذلك لاحد من خلقه (318) وكذلك قال: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) (319) وقد قال بعض أهل العلم في هذه الآية والله أعلم دلالة على أن الله جعل لرسوله أن يقول من تلقاء نفسه بتوفيقه فيما لم ينزل فيه كتابا والله أعلم @(1/44)
(320) وقيل في قوه (يمحو الله ما يشاء) يمحو فرض ما يشاء ويثبت ما يشاء وهذا يشبه ما قيل والله أعلم
(321) وفي كتاب الله دلالة عليه قال الله (ما ننسخ من
آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير) (322) فأخبر الله أن ننسخ القرآن وتأخير انزاله لا يكون إلا بقران مثله (323) وقال: (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر) (324) وهكذا سنة رسول الله لا ينسخها إلا سنة لرسول الله ولو أحدث الله لرسوله في أمر سن فيه غير ما سن رسول الله لسن فيما أحدث الله إليه حتى يبين للناس أن له سنة ناسخة للتي قبلها مما يخالفها وهذا مذكور في سنته صلى الله عليه وسلم (325) فإن قال قائل فقد وجدنا الدلالة على أن القرآن ينسخ القرآن لا أنه لا مثل للقرآن فأوجدنا ذلك في السنة (326) قال الشافعي فيما وصفت من فرض الله على الناس
اتباع أمر رسول الله دليل على أن سنة رسول الله إنما قبلت عن الله فمن اتبعها فبكتاب الله تبعها ولا نجد خبرا ألزمه الله خلقه نصا بينا إلا كتابه ثم سنة نبيه فإذا كانت السنة كما وصفت لا شبه لها من قول خلق من خلق الله لم يجز أن ينسخها إلا مثلها ولا مثل لها غير سنة رسول لان الله لم يجعل@(1/45)
لآدمي بعده ما جعل له بل فرض على خلقه اتباعه فألزمهم أمره فالخلق كلهم له تبع ولا يكون للتابع أن يخالف ما فرض عليه اتباعه ومن وجب عليه اتباع سنة رسول الله لم يكن له
خلافها ولم يقم مقام ان ينسخ شيئا منها (327) فإن قال أفيحتمل أن تكون له سنة مأثورة قد نسخت ولا تؤثر السنة التي نسختها (328) فلا يحتمل هذا وكيف يحتمل أن يؤثر ما وضع فرضه ويترك ما يلزم فرضه ولو جاز هذا خرج عامة السنن من أيدي الناس بأن يقولوا لعلها منسوخة وليس ينسخ فرض أبدا إلا ثبت مكانه فرض كما نسخت نسخت قبله بيت المقدس فاثبت
مكانها الكعبة وكل منسوخ في كتاب وسنة هكذا (329) فإن قال قائل هل ننسخ السنة بالقرآن (330) قيل لو نسخت السنة بالقرآن كانت للنبي فيه سنة تبين أن سنته الاولى منسوخة بسنته الآخرة حتى تقوم الحجة على الناس بأن الشئ ينسخ بمثله
(331) فإن قال ما الدليل على ما تقول (332) فما وصفت من موضعه من الابانة عن الله معنى ما أراد بفرائضه خاصا وعاما مما وصفت في كتابي هذا وأنه لا يقول أبدا لشئ إلا بحكم الله ولو نسخ الله مما قال حكما لسن رسول الله فيما نسخه سنة (333) ولو جاز أن يقال قد سن رسول الله ثم نسخ سنته بالقرآن ولا يؤثر عن رسول الله السنة الناسخة جاز أن يقال فيما حرم رسول الله من البيوع كلها قد يحتمل ان يكون حرمها
قبل أن ينزل عليه (أحل الله البيع وحرم الربا) وفيمن رجم من الزناة قد يحتمل ا يكون الرجم منسوخا لقول الله (الزانية والزاني@(1/46)
فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة وفي المسح على
الخفين نسخت آية الوضوء المسح وجاز أن يقال لا يدرأ عن سارق سرق من غير حرز وسرقته أقل من ربع دينار لقول الله (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) لان اسم السرقة يلزم من سرق قليلا وكثيرا ومن حرز ومن غير حرز ولجاز رد كل حديث عن رسول الله بأن يقال لم يقله إذا لم يجده مثل التنزيل وجاز رد السنن بهذين الوجهين فتركت كل سنة معها كتاب جملة تحتمل سنته أن توافقه وهي لا تكون ابدا
إلا موافقة له إذا احتمل اللفظ فيما روي عنه خلاف اللفظ في التنزيل بوجه أو احتمل أن يكون في اللفظ عنه أكثر مما في اللفظ في التنزيل وإن كان محتملا أن يخالفه من وجه (334) وكتاب الله وسنة رسوله تدل على خلاف هذا القول وموافقة ما قلنا (335) وكتاب الله البيان الذي يشفي به من العمى وفيه الدلالة على موضع رسول الله من كتاب الله ودينه واتباعه له وقيامه بتبيينه عن الله
الناسخ والمنسوخ الذي يدل الكتاب على بعضه والسنة على بعضه
(336) قال الشافعي مما نقل بعض من سمعت منه من أهل العلم أن الله أنزل فرضا في الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس
فقال (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن@(1/47)
ترتيلا) ثم نسخ هذه في السورة معه فقال (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرض وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * (337) ولما ذكر الله بعد أمره بقيام الله نصفه إلا قليلا أو لزيادة عليه فقال: (أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك) فخفف فقال: (علم أن سيكون منكم مرضى) قرأ إلى (فاقرؤا ما تيسر منه) (338) قال الشافعي فكان بينا في كتاب الله نسخ
قيام الليل ونصفه والنقصان من النصف والزيادة عليه بقول الله (فاقرؤا ما تيسر منه) (339) فاحتمل قول الله (فاقرؤا ما تيسر منه) معنيين (340) أحدهما أن يكون فرضا ثابتا أنه أزيل به فرض غيره
(341) والآخر أن يكون فرضا منسوخا أزيل بغيره كما أزيل به غيره وذلك لقول الله (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) فاحتمل قوله (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) أن يتهجد بغير الذي فرض عليه مما تيسر منه (342) قال فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين فوجدنا سنة رسول الله تدل على ألا واجب من الصلاة إلا الخمس فصرنا إلى أن الواجب الخمس وأن ما سواها من واجب
من صلاة قبلها منسوخ@(1/48)
بها استدلالا بقول الله (فتهجد به نافلة لك) وأنها ناسخة لقيام الليل ونصفه وثلثه وما تيسر (343) ولسنا نحب لاحد ترك أن يتهجد بما يسره الله عليه من كتابه مصليا به وكيف ما أكثر فهو احب إلينا (344) أخبرنا مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول جاء أعرابي من أهل نجد ثائر الراس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الاسلام فقال النبي خمس صلوات في اليوم والليلة قال هل علي غيرها فقال لا إلا أت تطوع قال وذكر له رسول الله صيام شهر رمضان فقال هل علي غيره قال لا إلا أن تطوع فأدبر الرجل وهو يقول لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله أفلح غن صدق "
(345) ورواه عبادة بن الصامت عن النبي أنه قال " خمس صلوات كتبهن الله على خلقه فمن جاء بهن لم @(1/49)
يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهدا أن يدخله الجنة "
باب فرض الصلاة الذي دل الكتاب ثم السنة عن من تزول عنه بالعذر وعلى من لا تكتب صلاته بالمعصية
(346) قال الله تبارك وتعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) (347) قال الشافعي افترض الله الطهارة على المصلي في الوضوء والغسل من الجنابة فلم تكن لغير طاهر صلاة ولما
ذكر الله المحيض فأمر باعتزال النساء حتى يطهرن فإذا تطهرن أتين استدللنا على أن تطهرن بالماء بعد زوال المحيض لان الماء موجود في الحالات كلها في الحضر فلا يكون للحائض طهارة بالماء لان الله إنما ذكر التطهر بعد أن يطهرن وتطهرهن زوال المحيض في كتاب الله ثم سنة رسوله (348) أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة @(1/50)
وذكرت احرامها مع النبي وأنها حاضت فأمرها ان تقضي ما يقضي الحاج " غير أن لا تطو في بالبيت حتى تطهري "
(349) فاستدللنا على أن الله إنما أراد بفرض الصلاة من إذا توضأ واغتسل طهر فأما الحائض فلا تطهر بواحد منهما وكان الحيض شيئا خلق فيها لم تجتلبه على نفسها فتكون عاصية به فزال عنها فرض الصلاة أيام حيضها فلم يكن عليها قضاء ما تركت منها في الوقت الذي يزول عنها فيه فرضها (350) وقلنا في المغمي عليه والمغلوب على عقله بالعارض من أمر الله الذي لا جناية له فيه قياسا على الحائض إن الصلاة عنه مرفوعة لانه لا يعقلها ما دام في الحال التي لا يعقل فيها (351) وكان عاما في أهل العلم أن النبي لم يأمر الحائض بقضاء الصلاة وعاما أنها أمرت بقضاء الصوم ففرقنا بين الفرضين استدلالا بما وصفت من نقل أهل العلم وإجماعهم
(352) وكان الصوم مفارق الصلاة في أن للمسافر تأخيره عن شهر رمضان وليس له ترك يوم لا يصلي فيه صلاة السفر كان الصوم شهرا من اثنى عشر شهرا وكان في أحد عشر شهرا خليا من فرض الصوم ولم يكن أحد من الرجال مطيقا بالفعل للصلاة خليا من الصلاة (353) قال الله: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) (354) فقال بعض أهل العلم نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر@(1/51)
(355) فدل القرآن والله أعلم على ألا صلاة لسكران حتى
يعلم ما يقول إذ بدا بنهيه عن الصلاة وذكر معه الجنب فلم يختلف أهل العلم الا صلاة لجنب حتى يتطهر
(356) وإن كان نهي السكران عن الصلاة قبل تحريم الخمر فهو حين حرم الخمر أولى ان يكون منهيا بأنه عاص من وجهين أحدهما ان يصلي في الحال التي هو فيها منهي والآخر أن يشرب الخمر (357) والصلاة قول وعمل وإمساك فإذا لم يعقل القول والعمل والامساك فلم يأت بالصلاة كما أمر فلا تجزئ عنه وعليه إذا أفاق القضاء (358) ويفارق المغلوب على عقله بأمر الله الذي لا حيلة له فيه السكران لانه أدخل نفسه في السكر فيكون على السكران القضاء دون المغلوب على عقله بالعارض الذي لم يجتلبه على نفسه فيكون عاصيا باجتلابه (359) ووجه الله رسوله للقبلة في الصلاة إلى بيت المقدس فكانت القبلة التي لا يحل قبل نسخها استقبال غيرها ثم نسخ
الله قبلة بيت المقدس ووجهه إلى البيت فلا يحل لاحد استقبال بيت المقدس أبدا لمكتوبة ولا يحل أن يستقبل غير البيت الحرام (360) قال وكل كان حقا في وقته فكان التوجه إلى بيت المقدس يام وجه الله إليه نبيه حقا ثم نسخه فصار
الحق في التوجه إلى البيت الحرام لا يحل استقبال غيره في مكتوبه إلا في بعض الخوف أو نافلة في سفر استدلالا بالكتاب والسنة (361) وهكذا كل ما نسخ الله ومعنى " نسخ " ترك فرضه كان حقا في وقته وتركه حقا غذا نسخه الله فيكون من
أدرك فرضه مطيعا به وبتركه ومن لم يرك فرضه مطيعا باتباع الفرض الناسخ له (362) قال الله لنبيه @(1/52)
(قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (363) فإن قال قائل فأين الدلالة على أنهم حولوا إلى قبلة بعد قبلة (364) ففي قول الله: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) * (365) مالك عن عبد الله بن دينار عن بن عمر
قال " بينما الناس بقباء في صلاة الصبح غذ جاءهم آت فقال إن النبي قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستدركوا إلى الكعبة " (366) مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب
أنه كان يقول @(1/53)
" صلى رسول الله ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس ثم حولت القبلة قبل بدر بشهرين " (367) قال والاستدلال بالكتاب في صلاة الخوف قول الله (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) وليس لمصلي المكتوبة أن يصلي راكبا إلا في خوف ولم يذكر الله أن يتوجه القبلة
(368) وروى بن عمر عن رسول الله صلاة الخوف فقال في روايته " فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها " (369) وصلى رسول الله النافلة في السفر على راحلته أين توجهت به حفظ ذلك عن جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وغيرهما وكان لا يصلي المكتوبة مسافرا إلا بالارض متوجها للقبلة (370) بن أبي فديك عن بن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله بن@(1/54)
سراقة عن جابر بن عبد الله " أن النبي كان يصلي على راحلته موجهة به قبل المشرق في غزوة بني أنمار "
(371) قال الله (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبون مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بانهم قوم لا يفقهون) (372) ثم أبان في كتابه انه وضع عنهم ان يقوم الواحد
بقتال العشرة واثبت عليهم أن يقوم الواحد بقتال الاثنين فقال: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) (373) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن بن عباس قال " لما نزلت هذه الآية * إن يكن منكم عشرون صابرون
يغلبوا مائتين) كتب عليهم ألا يفر العشرين من المائتين فأنزل الله (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) إلى (يغلبوا مائتين) فكتب ان لا يفر المائة من المائتين " (374) قال وهذا كما قال بن عباس إن شاء الله وقد بين الله هذا في الآية وليست تحتاج إلى تفسير (375) قال: (واللاتي ياتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فغن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا@(1/55)
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما) (376) ثم نسخ الله الحبس والاذى في كتابه فقال (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) (377) فدلت السنة على أن جلد المائة للزانيين البكرين (378) أخبرنا عبد الوهاب عن يونس بن عبيد عن الحسن
عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " (379) أخبرنا الثقة من أهل العلم عن يونس بن عبيد
عن الحسن عن حطان الرقاشي عن عبادة بن الصامت عن النبي مثله
(380) قال فدلت سنة رسول الله أن جلد المائة ثابت على البكرين الحرين ومنسوخ عن الثبتين وأن الرجم ثابت على الثبتين@(1/56)
الحرين (381) لان قول رسول الله " خذوا عني قد جعل الله
لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " أول نزل فنسخ به الحبس والاذي عن الزانيين (382) فلما رجم النبي ماعزا ولم يجلده وأمر أنيسا أن يغدوا على امرأة الاسلمي فإن اعترفت رجمها دل على نسخ الجلد عن الزانيين الحرين الثيبين وثبت الرجم عليهما لان كل شئ أبدا بعد أول فهو آخر
(383) فدل كتاب الله ثم سنة نبيه على أن الزانيين
المملوكين خارجان من هذا المعنى (384) قال الله تبارك وتعالى في المملوكات (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) (385) والنصف لا يكون إلا من الجلد الذي يتبعض فأما الرجم الذي هو قتل فلا نصف له لان المرجوم قد
يموت في أول حجر يرمي به فلا يزاد عليه ويرمي بالف وأكثر فيزاد عليه حتى يموت فلا يكون لهذا نصف محدود أبدا والحدود موقتة باتلاف نفس والاتلاف موقت بعدد ضرب أو تحديد@(1/57)
قطع وكل هذا معروف ولا نصف للرجم معروف
(386) وقال رسول الله " إذا زنت امة أحدكم فتبين زناها فليجلدها " ولم يقل " يرجمها " ولم يختلف المسلمون في ألا رجم على مملوك في الزنا 87 (3) وإحصان الامة إسلامها (388) وإنما قلنا هذا استدلالا بالسنة وإجماع أكثر أهل العلم (389) ولما قال رسول الله إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها ولم يقل محصنة كانت أو غير محصنة استدللنا
على أن قول الله في الاماء (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) إذا اسلمن
لا إذا نكحن فأصبن بالنكاح ولا إذا اعتقن وإن لم يصبن (390) فإن قال قائل أراك توقع الاحصان على معاني مختلفة (391) قيل نعم جماع الاحصان أن يكون دون التحصين مانع من تناول المحرم فالاسلام مانع وكذلك الحرية مانعة وكذلك الزوج والاصابة مانع وكذلك الحبس في البيوت مانع وكل ما منع أحصن قال الله (وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم) @(1/58)
وقال: (لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة) يعني ممنوعة (392) قال وآخر الكلام وأوله يدلان على أن معنى الاحصان المذكور عاما في موضع دون غيره أن الاحصان
ها هنا الاسلام دون النكاح والحرية والتحصين بالحبس والعفاف وهذه الاسماء التي يجمعها اسم الاحصان
الناسخ والمنسوخ الذي تدل عليه السنة والاجماع
(393) قال الله تبارك وتعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين) (394) قال الله: (والذين يتوفون منكم ويذرون
أزواجا وصية لازواجهم متاع إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم)
(395) فأنزل الله ميراث الوالدين ومن ورث بعدهما ومعهما من الاقربين وميراث الزوج من زوجته والزوجة من زوجها@(1/59)
(396) فكانت الآيتان محتملتين لان تثبتا الوصية للوالدين والاقربين والوصية للزوج والميراث مع الوصايا فيأخذون بالميراث والوصايا ومحتملة بأن تكون المواريث ناسخة للوصايا (397) فما احتملت الآيتان ما وصفنا كان على أهل العلم طلب الدلالة من كتاب الله فما لم يجدوه نصا في كتاب الله طلبوه
في سنة رسول الله فإن وجدوه فما قبلوا عن رسول الله فعن الله قبلوه بما افترض من طاعته (398) ووجدنا أهل الفتيا ومكن حفظنا عنه من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي قال عام الفتح لا وصية لوارث ولا يقتل مؤمن كافر ويأثرونه عن من حفظوا عنه ممن لقوا من أهل العلم بالمغازي (399) فكان هذا نقل عامة عن عامة وكان أقوى في بعض الامر من نقل واحد عن واحد وكذلك وجدنا أهل العلم عليه مجتمعين (400) قال وروى بعض الشاميين حديثا ليس مما يثبته أهل الحديث فيه أن بعض رجال مجهولون فرويناه عن النبي منقطعا
(401) وإنما قبلناه بما وصفت من نقل أهل المغازي وإجماع العامة عليه وإن كنا قد ذكرنا الحديث فيه واعتمدنا على حديث أهل المغازي عاما وإجماع الناس (402) أخبرنا سفيان عن سليمان الاحول عن مجاهد أن@(1/60)
رسول الله قال " لا وصية لوارث "
(403) فاستدللنا بما وصفت من نقل عامة أهل المغازي عن النبي أن لا وصية لوارث " على أن المواريث ناسخة للوصية للوالدين والزوجة مع الخبر المنقطع عن النبي وإجماع العامة على القول به (404) وكذلك قال أكثر العامة إن الوصية للاقربين
منسوخة زائل فرضها إذا كانوا وارثين فبالميراث وإن كانوا غير وارثين فليس بفرض أن يوصى لهم (405) إلا أن طاوسا وقليلا معه قالوا نسخت الوصية للوالدين وثبتت للقرابة غير الوارثين فمن أوصى لغير قرابة لم يجز (406) فلما احتملت الآية ما ذهب إليه طاوس من أن الوصية للقرابة ثابتة إذ لم يكن في خبر أهل العلم بالمغازي إلا أن النبي قال " لا وصية لوارث " وجب عندنا على أهل العلم طلب الدلالة على خلاف ما قال طاوس أو موافقته@(1/61)
(407) فوجدنا رسول الله حكم في ستة مملوكين كانوا
لرجل لا مال له غيرهم فأعتقهم عند الموت فجزأهم النبي ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة
(4) عزوجل أخبرنا بذلك عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين عن النبي (409) قال فكانت دلالة السنة في حديث عمران بن حصين بينة بأن رسول الله أنزل عتقهم في المرض وصية
(410) والذي أعتقهم رجل من العرب والعربي إنما يملك من لا قرابة بينه وبينه من العجم فأجاز النبي لهم الوصية (411) فدل ذلك على أن الوصية لو كانت تبطل لغير قرابة بطلت للعبيد المعتقين لانهم ليسوا بقرابة للمعتق (412) ودل ذلك على أن لا وصية لميت إلا في ثلث ماله ودل ذلك على أن يرد ما جاوز الثلث في الوصية وعلى ابطال الاستسعاء وإثبات القسم والقرعة (413) وبطلت وصية الوالدين@(1/62)
لانهما وارثان وثبت ميراثهما (414) رضي الله تعالى عنه ومن أوصى له الميت من قرابة وغيرهم جازت الوصية إذا لم يكن وارثا (415) وأحب إلي لو أوصى لقرابة (416) وفي القرآن ناسخ ومنسوخ غير هذا مفرق في مواضعه في كتاب (أحكام القرآن)
(417) وإنما وصفت منه جملا يستدل بها على ما كان في
معناها ورأيت أنها كافية في الاصل سكنت عنه وأسأل الله العصمة والتوفيق (418) وأتبعت ما كتبت منها علم الفرائض التي أنزلها الله مفسرات وجملا وسنن رسول الله معها وفيها ليعلم من علم هذا من علم (الكتاب) الموضع الذي وضع الله به نبيه من كتابه ودينه وأهل دينه (419) ويعلمون أن أتباع أمره وطاعة الله وأن سنته تبع لكتاب الله فيما أنزل وأنها لا تخالف كتاب الله أبدا (420) ويعلم من فهم الكتاب (هذا الكتاب) أن البيان يكون من وجوه لا من وجه واحد يجمعها أنها عند أهل العلم بينه ومشتبهة البيان وعند من يقصر علمه مختلفة البيان
باب الفرائض التي أنزل الله نصا
(421) قال الله جل ثناؤه (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون) (422) قال الشافعي فالمحصنات ها هنا البوالغ الحراير وهذا يدل على أن الاحصان اسم جامع لمعاني مختلفة (423) وقال: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء
إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربعة شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله@(1/63)
عليها إن كان من الصادقين)
(424) فلما فرق الله بين حكم الزوج والقاذف سواه فحد القاذف سواه إلا أن يأتي بأربعة شهداء على ما قال وأخرج الزوج باللعان من الحد دل ذلك على ان قذفه المحصنات الذين أريدوا بالجلد قذفة الحرائر البوالغ غير الازواج (425) وفي هذا الدليل على ما وصفت من القرآن عربي يكون منه ظاهره عاما وهو يراد به الخاص لا أن واحدة من الآيتين نسخت الاخرى ولكن كل واحدة منهما على ما حكم الله به فيفرق بينهما حيث فرق الله ويجمعان حيث مع الله (426) فإذا التعن الزوج خرج من الحد كما يخرج الاجنبيون بالشهود وإذا لم يلتعن وزوجته حرة بالغة حد (427) قال وفي العجلاني وزوجته أنزلت آية اللعان ولا عن النبي بينهما فحكى اللعان بينهما سهل بن سعد الساعدي
وحكاه بن عباس وحكى بن عمر حضور لعان عند النبي فما حكى منهم واحد كيف لفظ النبي في أمرهما باللعان (428) وقد حكوا معا أحكاما لرسول الله ليست نصا في القرآن منها تفريقه بين المتلاعنين ونفيه الولد وقوله " إن
جاءت به هكذا فهو للذي يتهمه " فجاءت به على الصفة وقال " إن@(1/64)
أمره لبين لو لا ما حكى الله " وحكى بن عباس أن النبي قال عند الخامسة " قفوه فإنها موجبة " (429) فاستدللنا على أنهم لا يحكون بعض ما يحتاج إليه من الحديث ويدعون بعض ما يحتاج إليه منه وأولاه أن يحكى من ذلك كيف لا عن النبي بينهما إلا علما بأن أحدا قرأ كتاب
الله يعلم أن رسول الله إنما لاعن كما أنزل الله (430) فاكتفوا بإبانة الله اللعان بالعدد والشهادة لكل واحد منهما دون حكاية لفظ رسول الله حين لاعن بينهما (431) قال الشافعي في كتاب الله غاية الكفاية من اللعان وعدده (432) ثم حكى بعضهم عن النبي في الفرقة بينهما كما وصفت (433) وقد وصفنا سنن رسول الله مع كتاب الله قبل هذا
(434) قال الله * (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات) (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا) (435) ثم بين أي شهر هو فقال: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر
فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) (436) قال الشافعي فما علمت أحدا من أهل العلم بالحديث
قبلنا تكلف أن يروي عن النبي أن الشهر المفروض صومه شهر رمضان الذي بين شعبان وشوال لمعرفتهم بشهر رمضان من الشهور واكتفاء منهم بأن الله@(1/65)
فرضه (437) وقد تكلفوا حفظ صومه في السفر وفطره وتكلفوا كيف قضاؤه وما أشبه هذا مما ليس فيه نص كتاب (438) ولا علمت أحدا من غير أهل العلم احتاج في المسألة عن شهر رمضان أي شهر هو ولا هل هو واجب أم لا (439) وهكذا ما أنزل الله من جمل فرائضه في أن عليهم صلاة وزكاة وحجا من أطاقه وتحريم الزنا والقتل وما أشبه هذا (440) قال وقد كانت لرسول الله في هذا سننا ليست
نصا في القرآن أبان رسول الله عن الله معنى ما أراد بها وتكلم المسلمون في أشياء من فروعها لم يسن رسول الله فيها سنة منصوصة (441) فمنها قول الله (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوج غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا)
(442) فاحتمل قول الله (حتى تنكح زوجا غيره) أن يتزوجها زوج غيره وكان هذا المعنى الذي يسبق إلى من خوطب به أنها إذا عقدت عليها عقدة النكاح فقد نكحت (443) واحتمل حتى يصيبها زوج غيره لان اسم النكاح " يقع بالاصابة ويقع بالعقد (444) فلما قال رسول الله لامرأة طلقها زوجها ثلاثا ونكحها بعده رجل " لا تحلين حتى تذوقي عسيلته
ويذوق عسيلتك " يعني يصيبك زوج غيره والاصابة النكاح @(1/66)
(445) فإن قال قائل فاذكر الخبر عن رسول الله بما ذكرت (446) قيل أخبرنا سفيان عن بن شهاب عن عروة عن عائشة " أن امرأة رفاعة جاءت إلى النبي فقالت إن رفاعة
طلقني فبت طلاقي وأن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني وإنما معه مثل هدبة الثوب فقال رسول الله أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " (447) قال الشافعي فبين رسول الله أن إحلال الله إياها للزوج المطلق ثلاثا بعد زوج بالنكاح إذا كان مع النكاح إصابة من الزوج
الفرائض المنصوصة التي سن رسول الله معها
(448) قال الله تبارك وتعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم
وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا) (449) وقال: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) (450) فأبان أن طهارة الجنب الغسل دون الوضوء@(1/67)
(451) وسن رسول الله الوضوء كما أنزل الله فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ومسح برأسه وغسل رجليه إلى الكعبين (452) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن بن عباس عن النبي " أنه توضأ مرة مرة " (453) أخبرنا مالك بن عمرو بن يحيى عن أبيه أنه قال لعبد الله بن زيد وهو جد عمرو بن يحيى " هل تستطيع أن
تريني كيف كان رسول الله يتوضأ فقال عبد الله نعم فدعا بوضوء فافرغ على يديه فغسل يديه مرتين ثم مضمض واستنشق ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين ثم مسح براسه بيديه فاقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه "
(454) فكان ظاهر قول الله (فاغسلوا وجوهكم)@(1/68)
أقل ما وقع عليه اسم الغسل وذلك مرة واحتمل أكثر (455) فسن رسول الله الوضوء مرة فوافق ذلك ظاهر القرآن وذلك أقل ما يقع عليه اسم الغسل واحتمل أكثر وسنه مرتين وثلاثا (456) فلما سنه مرة استدللنا على أنه لو كانت مرة لا تجزئ لم يتوضأ مرة ويصلي وأن ما جاوز مرة اختيار لا فرض في الرضوء لا يجزئ أقل منه
(457) وهذا مثل ما ذكرت من الفرائض قبله لو ترك الحديث فيه استغنى فيه بالكتاب وحين حكي الحديث فيه دل على اتباع الحديث كتاب الله (458) ولعلهم إنما حكوا الحديث فيه لن أكثر ما توضأ رسول الله ثلاثا فارادوا ان الوضوء ثلاثا اختيار لا أنه واجب لا يجزئ أقل منه ولما ذكر منه في أن " من توضأ وضوء هذا وكان ثلاثا ثم وصل لا يحدث نفسه فيما غفر له " فأرادوا طلب الفضل في الزيادة في الوضوء وكانت الزيادة فيه نافلة@(1/69)
(459) وغسل رسول الله في الوضوء المرفقين والكعبين وكانت الآية محتملة أن يكونا مغسولين وأن يكون مغسولا إليهما ولا يكونان مغسولين ولعلهم حكوا الحديث إبانة لهذا أيضا (460) وأشبه الامرين بظاهر الآية أن يكونا مغسولين
(461) وهذا بيان السنة مع بيان القرآن
(462) وسواء البيان في هذا وفيما قبله ومستغنى بفرضه بالقرآن عند أهل العلم ومختلفان عند غيرهم (463) وسن رسول الله في الغسل من الجنابة غسل الفرج والوضوء كوضوء الصلاة ثم الغسل فكذلك أحببنا أن نفعل (464) ولم أعلم مخالفا حفظت عنده من أهل العلم في أنه كيف ما جاء بغسل وأتى على الاسباغ أجزأه وإن اختاروا غيره لان الفرض الغسل فيه ولم يحدد تحديد الوضوء (465) وسن رسول الله فيما يجب منه الوضوء وما الجنابة التي يجب منه الوضوء وما الجنابة التي يجب بها الغسل إذ لم يكن بعض ذلك منصوصا في الكتاب
الفرض المنصوص الذي دلت السنة على أنه إنما أراد الخاص
(466) - قال الله تبارك وتعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد)@(1/70)
(467) وقال: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) (468) عز وجلوقال (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه
الثلث فإن كان له اخوة فلامه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة
من الله إن الله كان عليما حكيما ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين) (469) وقال: (ولهن الربع) مع أي المواريث كلها (470) فدلت السنة على أن الله إنما أراد أراد ممن سمى له المواريث من الاخوة والاخوات والولد والاقارب والوالدين والازواج وجميع من سمى له فريضة في كتابه خاصا مما سمى (471) وذلك ان يجتمه دين الوارث والموروث فلا يختلفان ويكونان من أهل دار المسلمين ومن له عقد من المسلمين يأمن به على ماله ودمه أو يكونان من المشركين فيتوارثان بالشرك (472) أخبرنا سفيان عن الزهري عن علي بن حسين
عن عمرو بن@(1/71)
عثمان بن زيد أن رسول الله قال " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم "
(473) وأن يكون الوارث والموروث حرين في الاسلام (474) أخبرنا بن عيينة عن بن شهاب عن سالم عن أبيه أن رسول الله قال " من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا ان يشترطه المبتاع "
(475) قال فلما كان بينا في سنة رسول الله أن العبد لا يملك مالا وأن ما ملك العبد فإنما يملكه لسيده وأن اسم المال له إنما هو إضافة إليه لانه في يديه لا أنه مالك له ولا يكون مالكا له وهو لا يملك نفسه وهو مملوك يباع ويوهب ويورث
وكان الله إنما نقل ملك الموتى إلى الاحياء فملكوا منها ما كان الموتى مالكين وإن كان العبد أبا أو غيره ممن سميت له فريضة فكان لو أعطيها ملكها سيده عليه لم يكن السيد بأبي الميت ولا وارثا سميت له فريضة فكنا لو أعطينا العبد بأنه اب إنما أعطينا السيد الذي لا فريضة له فورثنا غير من ورثه الله فلم نورث عبدا لما وصفت ولا أحدا لم تجتمع فيه الحرية والاسلام والبراءة من القتل حتى لا يكون قاتلا (476) وذلك أنه روى مالك عن يحيى بن سعيد بن عمرو بن@(1/72)
شعيب ان رسول الله قال " ليس لقاتل شئ "
(477) فلم نورث قاتلا ممن قتل وكان أخف حال القاتل عمدا أن يمنع الميراث عقوبة مع تعرض سخط الله أن يمنع ميراث من عصى الله بالقتل (478) وما وصفت من ألا يرث المسلم إلا المسلم حر غير قاتل عمدا ما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم حفظت عنه ببلدنا ولا غيره (479) وفي اجتماعهم على ما وصفنا من هذا حجة تلزمهم
ألا يتفرقوا في شئ من سنن رسول الله بأن سنن رسول الله إذا قامت هذا المقام فيما لله فيه فرض منصوص فدلت على أنه على بعض من لزمه اسم ذلك الفرض دون بعض كانت فيما كان مثله من القرآن هكذا وكانت فيما سن النبي فيما ليس فيه لله حكم منصوص هكذا (480) وأولى أن لا يشك عالم في لزومها وأن يعلم أن أحكام الله ثم أحكام رسوله لا تختلف وأنها تجري على مثال واحد (481) قال الله تبارك وتعالى (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) (482) وقال (ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا)@(1/73)
(483) ونهى رسول الله عن بيوع تراضى بها المتبايعان
فحرمت مثل الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ومثل الذهب بالورق وأحدهما نقد والآخر نسيه وما كان في معنى هذا مما ليس بالتبايع به مخاطرة ولا أمر يجهله البائع ولا المشتري (484) فدلت السنة على أن الله جل ثناؤه أراد بإحلال البيع ما لم يحرم منه دون ما حرم على لسان نبيه (485) ثم كانت لرسول الله في بيوع سوى هذا سننا منها
العبد يباع وقد دلس البائع المشتري بعيب فللمشتري رده وله الخراج بضمانه ومنها أن من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ومنها من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع لزم الناس الاخذ بها بما ألزمهم الله من الانتهاء إلى أمره
جمل الفرائض
(486) قال الله تبارك وتعالى (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) (487) وقال (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) (488) وقال لنبيه (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (489) وقال (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) @(1/74)
(490) قال الشافعي أحكم الله فرضه في كتابه
في الصلاة والزكاة والحج وبين كيف فرضه على لسان نبيه (491) فأخبر رسول الله أن عدد الصلوات المفروضات خمس وأخبر أن عدد الظهر والعصر والعشاء في الحضر أربع أربع وعدد المغرب ثلاث وعدد الصبح ركعتان (492) وسن فيها كلها قراءة وسن أن الجهر منها بالقراءة في المغرب والعشاء والصبح وأن المخافتة بالقراءة في الظهر والعصر
(493) وسن أن الفرض في الدخول في كل صلاة بتكبير والخروج منها بتسليم وأنه يؤتى فيها بتكبير ثم قراءة ثم ركوع ثم سجدتين بعد الركوع وما سوى هذا من حدودها (494) وسن في صلاة السفر كلما كان أربعا من الصلوات إن شاء المسافر وإثبات المغرب والصبح على حالها في الحضر (495) وأنها كلها في القبلة مسافر كان أو مقيما إلا في حال من الخوف واحدة
(496) وسن أن النوافل في مثل حالها لا تحل إلا بطهور ولا تجوز إلا بقراءة وما تجوز به المكتوبات من السجود والركوع واستقبال القبلة في الحض وفي الارض وفي السفر وأن للراكب أن يصلي في النافلة حيث توجهت به دابته (497) أخبرنا بن أبي فديك عن بن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن جابر بن عبد الله " أن رسول الله في غزوة بني أنمار كان يصلي على راحلته متوجها قبل المشرق " (498) أخبرنا مسلم عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي@(1/75)
مثل معناه لا أدري أسمى بني أنمار أولا أو قال " صلى في السفر "
(499) وسن رسول الله في صلاة الاعياد والاستسقاء سنة الصلوات في عدد الركوع والسجود وسن في صلاة الكسوف فزاد
فيها ركعة على ركوع الصلوات فجعل في كل ركعة ركعتين (500) قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد بن عمرة عن عائشة عن النبي (501) وأخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبي (502) قال مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن بن عباس عن النبي مثله (503) قال فحكى عن عائشة وابن عباس في هذه الاحاديث@(1/76)
صلاة النبي بلفظ مختلف واجتمع في حديثهما معا على أنه صلى صلاة الكسوف ركعتين في كل ركعة ركعتين
(504) رضي الله تعالى عنها وقال الله في الصلاة (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) (505) فبين رسول الله عن الله تلك المواقيت وصلى الصلوات لوقتها فحوصر يوم الاحزاب فلم يقدر على الصلاة في وقتها فأخرها للعذر حتى صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء في مقام واحد 506 - أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن بن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال " حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل حتى كفينا وذلك قول الله (وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا) فدعا رسول الله بلالا فأمره فأقام الظهر فصلاها
فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أقام العصر فصلاها هكذا ثم أقام المغرب فصلاها كذلك ثم أقام العشاء فصلاها@(1/77)
كذلك أيضا قال وذلك قبل أن ينزل في صلاة الخوف (فرجالا أو ركبانا) " (507) قال فبين أبو سعيد أن ذلك قبل أن ينزل الله على النبي الآية التي ذكرت فيها صلاة الخوف (508) والآية التي ذكر فيها صلاة الخوف قول الله (وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا
لكم عدوا مبينا) وقال: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) (509) أخبرنا مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن من صلى مع رسول الله صلاة الخوف يوم ذات الرقاع " أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لانفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاء الطائفة الاخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لانفسهم ثم سلم بهم "
(510) أخبرني من سمع عبد الله بن عمر بن حفص يذكر
عن أخيه عبيد الله@(1/78)
بن عمر عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن أبيه خوات بن جبير عن النبي مثل حديث يزيد بن رومان (511) وفي هذا دلالة على ما وصفت قبل هذا في (هذا الكتاب) من أن رسول الله إذا سن سنة فأحدث الله إليه
في تلك السنة نسخها أو مخرجا إلى سعة منها سن رسول الله سنة تقوم الحجة على الناس بها حتى يكونوا إنما صاروا من سنته إلى سنته التي بعدها (512) فنسخ الله تأخير الصلاة عن وقتها في الخوف إلى أن يصلوها كما أنزل الله وسن رسوله في وقتها ونسخ رسول الله سنته في تأخيرها بفرض الله في كتابه ثم بسنته صلاها رسول الله في وقتها كما وصفت (513) أخبرنا مالك عن نافع عن بن عمر أراه عن النبي
فذكر صلاة الخوف فقال " إن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا وركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها " (514) أخبرنا رجل عن بن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي مثل معناه ولم يشك أه عن أبيه وأنه مرفوع إلى النبي
(515) قال فدلت سنة رسول الله على ما وصفت من أن القبلة في المكتوبة على@(1/79)
فرضها أبدا إلا في الموضع الذي
لا يمكن فيه الصلاة إليها وذلك عند المسايفة والهرب وما كان في المعنى الذي لا يمكن فيه الصلاة إليها (516) رضي الله تعالى عنهما وثبتت السنة في هذا ألا تترك الصلاة في وقتها كيف ما أمكنت المصلي
في الزكاة
(517) قال الله (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)
وقال: (والمقيمون الصلاة والمؤتون الزكاة) وقال (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون) (518) فقال بعض أهل العلم هي الزكاة المفروضة (519) قال الله: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكنا لهم والله سميع عليم) (520) فكان مخرج الآية عاما على الاموال وكان@(1/80)
يحتمل أن تكون على بعض الاموال دون بعض فدلت السنة على أن الزكاة في بعض الاموال دون بعض (521) فلما كان المال أصنافا منه الماشية فأخذ رسول الله
من الابل والغنم وأمر فيما بلغنا بالاخذ من البقر خاصة دون الماشية سواها ثم أخذ منها بعدد مختلف كما قضى الله على لسان نبيه وكان للناس ماشية من خيل حمر وبغال وغيرها
فلما لم يأخذ رسول الله منها شيئا وسن أن ليس في الخيل صدقة استدللنا على أن الصدقة فيما اخذ منها وأمر بالاخذ منه دون غيره (522) وكان للناس زرع وغراس فأخذ رسول الله من النخل والعنب الزكاة بخرص غير مختلف ما أخذ منهما
وأخذ منهما معا العشر إذا سقيا بسماء أو عين ونصف العشر إذا سقيا بغرب (223) وقد أخذ بعض أهل العلم من الزيتون قياسا على النخل والعنب (224) ولم يزل للناس غراس غير النخل والعنب والزيتون كثير من الجوز واللوز والتين وغيره فلما لم يأخذ رسول الله منه@(1/81)
شيئا ولم يأمر بالاخذ منه استدللنا على أن فرض الله الصدقة فيما كان من غراس في بعض الغراس دون بعض (525) وزرع الناس الحنطة والشعير والذرة وأصنافا سواها فحفظنا عن رسول الله الاخذ من الحنطة والشعير والذرة وأخذ من قبلنا من الدخن والسلت
والعلس والارز وكل ما نبته الناس وجعلوه قوتا خبزا وعصيدة وسويقا وأدما مثل الحمص والقطاني
فهي تصلح@(1/82)
خبزا وسويقا وأدما اتباعا لمن مضى وقياسا على
ما ثبت أن رسول الله أخذ منه الصدقة وكان في معنى ما أخذ النبي لان الناس نبتوه ليقتاتوا (526) وكان للناس نبات غيره فلم يأخذ منه رسول الله ولا من بعد رسول الله علمناه ولم يكن في معنى ما أخذ منه ومثل ذلك الثفاء
والاسبيوش والكسبرة وحب العصفر وما أشبهه فلم تكن فيه زكاة فدل ذلك على أن الزكاة في بعض الزرع دون بعض (527) وفرض رسول الله في الورق صدقة وأخذ المسلمون في الذهب@(1/83)
بعده صدقة إما بخبر عن النبي لم يبلغنا
وإما قياسا على أن الذهب والورق نقد الناس الذي اكتنزوه وأجازوه
أثمانا على ما تبايعوا في البلدان قبل الاسلام وبعده (528) وللناس تبر غيره من نحاس وحديد ورصاص فلما لم يأخذ منه رسول الله ولا أحد بعده زكاة تركناه اتباعا بتركه وأنه لا يجوز أن يقاس بالذهب والورق الذين هما الثمن عاما في البلدان على غيرهما لانه في غير معناهما لا زكاة فيه ويصلح أن يشترى بالذهب والورق غيرهما من التبر إلى أجل معلوم وبوزن معلوم (529) وكان الياقوت والزبرجد أكثر ثمنا من الذهب
والورق فلما لم يأخذ منهما رسول الله ولم يأمر بالاخذ ولا من بعده علمناه وكان مال الخاصة وما لا يقوم به على أحد في شئ استهلكه الناس لانه غير نقد لم يأخذ منهما
(530) ثم كان ما نقلت العامة عن رسول الله في زكاة الماشية والنقد أنه أخذها في كل سنة مرة (531) وقال الله (وآتوا حقه يوم حصاده) فسن رسول الله أن يؤخذ مما فيه زكاة من نبات الارض الغراس وغيره على حكم الله جل ثناؤه يوم يحصد لا وقت له غيره (532) وسن في الركاز الخمس فدل على أنه يوم يوجد لا في وقت غيره@(1/84)
(533) أخبرنا سفيان عن الزهري عن بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال " وفي الركاز الخمس " (534) عز وجل ولو لا دلالة السنة كان ظاهر القرآن أن الاموال كلها سواء وأن الزكاة في جميعها دون بعض
في الحج
(535) وفرض الله الحج على من يجد السبيل فذكر عن النبي أن السبيل الزاد والمركب وأخبر رسول الله بمواقيت الحج وكيف التلبية فيه وما سن وما يتقي المحرم من لبس الثياب والطيب وأعمال الحج سواها من عرفة والمزدلفة والرمي@(1/85)
والحلاق والطواف وما سوى ذلك (536) فلو أن امرأ لم يعلم لرسول الله سنة مع كتاب الله إلا ما وصلنا مما سن رسول الله يه معنى ما أنزله الله جملة وأنه إنما
استدرك ما وصت من فرض الله الاعمال وما يحرم وما يحل ويدخل به يه ويخرج منه ومواقيته وما سكت عنه سوى ذلك من أعماله قامت الحجة عليه بأن سنة رسول الله إذا قامت هذا المقام مع فرض الله في كتابه مرة أو أكثر قامت كذلك أبدا (537) واستدل أنه لا تخالف له سنة أبدا كتاب الله وأن سنته وإن لم يكن فيها نص كتاب لازمه بما وصفت من هذا مع ما ذكرت سواه مما فرض الله من طاعة رسوله (538) ووجب عليه أن يعلم أن الله لم يجعل هذا لخلق غير رسوله (539) وأن يجعل قول كل أحد وفعله أبدا تبعا لكتاب الله ثم سنة رسوله (540) وأن يعلم أن عالما إن روي عنه قول يخالف فيه شيئا
سن فيه رسول الله سنة لو علم سنة رسول الله لم يخالفها وانتقل عن وقوله إلى سنة النبي إن شاء الله وإن لم يفعل كان غير موسع له (541) فكيف والحجج في مثل هذا لله قائمة على خلقه بما افترض من طاعة النبي وأبان من موضعه الذي وضعه به من وحيه ودينه وأهل دينه
[ في العدد (7) ] (542) قال الله والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا وقال والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قرؤ @(1/86)
(543) وقال والائي يئسن من المحيض من نسائكم
إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر والائي لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن (544) فقال بعض أهل العلم قد أوجب الله على المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا وذكر أن أجل الحامل أمن تضع فإذا جمعت أن تكون حاملا متوفى عنها أتت بالعدتين معا كما اجدها في كل فرضين جعلا عليها أتت بهما معا (545) قال فلما قال رسول الله لسبيعة بنت الحرث ووضعت بعد وفاة زوجها بأيام قد حللت فتزوجني دل هذا على أن العدة في الوفاة والعدة في الطلاق بالاقراء والشهور إنما أريد به من لا حمل به من النساء وأن الحمل إذا كان فالعدة سواه ساقطة
في محرمات النساء
(546) قال الله (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الاخت وأمهاتكم التي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبناءكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما والمحصنا ت من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن@(1/87)
أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما) (547) فاحتملت الآية معيين أحدهما أن ما سمى الله من نساء محرما محرم وما سكت عنه حلال بالصمت عنه وبقول الله
(واحل لكم ما وراء ذلكم) وكان هذا المعنى هو الظاهر من الآية (548) وكان بينا في الآية تحريم الجمع بمعنى غير تحريم الامهات فكان ما سمى حلال حلال وما سمى حراما حرام وما نهى عن الجمع بينه من الاختين كما نهى عنه (549) وكان في نهيه عن الجمع بينهما دليل على أنه إنما حرم الجمع وأن كل واحدة منهما على الانفراد حلال في الاصل
وما سواهن من الامهات والبنات والعمات والخالات محرمات في الاصل (550) وكان معنى قوله (وأحل لكم ما وراء ذلكم)
من سمى تحريمه في الاصل ومن هو في مثل حاله بالرضاع أن ينكحوهن بالوجه الذي حل به النكاح
الجزء الثاني من الرسالة
قال أنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال بسم الله الرحمن الرحيم (551) فإن قال قائل ما دل على هذا (552) فإن النساء المباحات لا يحل أن ينكح منهن أكثر من أربع ولو نكح خامسة فسخ النكاح فلا تحل منهن واحدة إلا بنكاح صحيح وقد كانت الخامسة من الحلال بوجه وكذلك الواحدة يمعنى قول الله (وأحل لكم ما وراء ذلكم) بالوجه الذي أحل به النكاح وعلى الشرط الذي احله به لا مطلقا (553) فيكون نكاح الرجل المرأة لا يحرم عليه نكاح عمتها ولا خالتها بكل حال كما حرم الله أمهات النساء بكل حال فتكون العمة والخالة داخلتين في معنى من أحل بالوجه الذي احلها به@(1/88)
كما يحل له نكاح امرأة إذا فارق رابعة كانت العمة إذا فورقت ابنت أخيها حلت
في محرمات الطعام
(555) وقال الله لنبيه (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما
على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به) (556) فاحتملت الآية معنيين أحدهما أن لا يحرم على طاعم أبدا إلا ما استثنى الله (557) وهذا المعنى الذي إذا وجه رجل مخاطبا به كان الذي
يسبق إليه انه لا يحرم غير ما سمى الله محرما وما كان هكذا فهو الذي يقول له أظهر المعاني وأعمها وأغلبها والذي لو احتملت الآية معنى سواه كان هو المعنى الذي يلزم أهل العلم القول به إلا أن تأتي سنة النبي تدل على معنى غيره مما تحتمله الآية فيقول هذا معنى ما أراد الله تبارك وتعالى (558) ولا يقال بخاص في كتاب الله ولا سنة إلا بدلالة فيهما أو في واحد منهما ولا يقال بخاص حتى تكون الآية تحتمل أن يكون أريد بها ذلك الخاص فأما ما لم تكن محتملة له فلا يقال فيها بما لم تحتمل الآية@(1/89)
(559) ويحتمل قول الله (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه) من شئ سئل عنه رسول الله دون غيره
(560) ويحتمل مما كنتم تأكلون وهذا أولى معانيه استدلالا بالسنة عليه دون غيره (561) أخبرنا سفيان عن بن شهاب عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة (أن النبي نهى عن كل ذي ناب من
السباع " (562) أخبرنا مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي هريرة عن النبي قال " أكل كل ذي ناب من السباع حرام "@(1/90)
فيما تمسك عنه المعتدة من الوفاة
(563) قال الله (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير) (564) فذكر الله أن على المتوفى عنهن عدة وأنهن إذا بلغنها فلهن أن يفعلن في أنفسهن بالمعروف ولم يذكر شيئا تجتنبه في العدة (565) قال فكان ظاهر الآية أن تمسك المعتدة في العدة عن الازواج فقط مع إقامتها في بيتها بالكتاب (566) وكانت تحتمل ان تمسك عن الازواج وأن يكون عليها في الامساك عن الازواج إمساك عن غيره مما كان مباحا لها قبل العدة من طيب وزينة
(567) فلما سن رسول الله على المعتدة من الوفاة الامساك عن الطيب وغيره كان عليها الامساك عن الطيب وغيره بفرض السنة والامساك عن الازواج والسكنى في بيت زوجها بالكتاب
ثم السنة (568) واحتملت السنة في هذا الموضع ما احتملت في غيره من أن تكون السنة بينت عن الله كيف إمساكها كما بينت الصلاة والزكاة والحج واحتملت أن يكون رسول الله سن فيما ليس فيه نص حكم لله
باب العلل في الأحاديث
(569) - قال الشافعي قال لي قائل فإنا نجد من الاحاديث عن رسول الله لاحاديث في القرآن مثلها نصا وأخرى في القرآن مثلها
جملة وفي الاحاديث منها أكثر مما في القرآن وأخرى ليس منها شئ في القرآن وأخرى موتفقة وأخرى مختلفة ناسخة ومنسوخة وأخرى مختلفة ليس@(1/91)
فيها دلالة على ناسخ ولا منسوخ وأخرى فيها نهي لرسول الله فتقولون ما نهى عنه حرام وأخرى لرسول الله فيها نهي فتقولون نهيه وأمره على الاختيار لا على التحريم ثم نجدكم تذهبون إلى بعض المختلفة من
الاحاديث دون بعض ونجدكم تقيسون على بعض حديثه ثم يختلف قياسكم عليها وتتركون بعضا فلا تقيسون عليه فما حجتكم في القياس وتركه ثم تفترقون بعد فمنكم من يترك من حديثه الشئ ويأخذ بمثل الذي ترك وأضعف إسنادا منه (570) قال الشافعي فقلت له كل ما سن رسول الله مع كتاب الله من سنة فهي موافقة كتاب الله في النص بمثله وفي
الجملة بالتبيين عن الله والتبيين يكون أكثر تفسيرا من الجملة (571) وما سن مما ليس فيه نص كتاب الله فيفرض الله طاعته عامة في أمره تبعناه (572) وأما الناسخة والمنسوخة من حديثه فهي كما نسخ الله الحكم في كتابة عامة في امره وكذلك سنة رسول الله تنسخ بسنته
(573) وذكر له بعض ما كتبت في (كتابي) قبل هذا من إيضاح ما وصفت (574) فأما المختلفة التي لا دلالة على أيها ناسخ ولا أيها منسوخ فكل أمره موتفق صحيح لا اختلاف فيه (575) ورسول الله عربي اللسان والدار@(1/92)
فقد يقول القول عاما يريد به العام وعاما يريد به الخاص كما وصفت لك في كتاب الله وسنن رسول الله قبل هذا (576) ويسئل عن الشئ فيجيب على قدر المسألة ويؤدي عنه المخبر عنه الخبر متقصي والخبر مختصرا والخبر فيأتي ببعض معناه دون بعض (577) ويحدث عنه الرجل الحديث قد أدرك جوابه ولم يدرك المسألة فيدله على حقيقة الجواب بمعرفته السبب الذي يخرج عليه الجواب
(578) ويسن في الشئ سنة وفيما يخالفه أخرى فلا
يخلص عض السامعين بين اختلاف الحالين اللتين سن فيهما (579) ويسن سنة في نص معناه فيحفظها حافظ ويسن في معنى يخالفه في معنى ويجامعه في معنى سنة غيرها لاختلاف الحالين فيحفظ غيره تلك السنة فإذا أدى كل ما حفظ رآه بعض السامعين اختلافا وليس منه شئ مختلف (580) ويسن بلفظ مخرجه عام جملة بتحريم شئ أو بتحليله ويسن في غيره خلاف الجملة فيستدل على أنه يرد بما حرم ما أحل ولا بما أحل ما حرم (581) ولكل هذا نظير فيما كتبنا من جمل أحكام الله (582) ويسن السنة ثم ينسخها بسنته ولم يدع ان يبين
كلما نسخ من سنته بسنته ولكن ربما ذهب على الذي سمع من رسول الله بعض علم الناسخ أو علم المنسوخ فحفظ أحدهما دون الذي سمع من رسول الله الآخر وليس يذهب ذلك على عامتهم حتى لا يكون فيهم موجودا إذا طلب (583) وكل ما كان كما وصفت أمضي على ما سنه وفرق بين ما فرق بينه منه (584) وكانت طاعته في تشعيبه على ما سنه واجبة ولم يقل ما@(1/93)
فرق بين كذا كذا (585) أن قول " ما فرق بين كذا كذا " فيما فرق بينه ررسول الله لا يعدو أن يكون جهلا ممن قاله أو ارتيابا شرا من الجهل وليس فيه طاعة الله باتباعه
(586) وما لم يوجد فيه إلا الاختلاف فلا ان يكون لم يحفظ متقصي كما وصفت قبل هذا فيعد مختلفا ويغيب عنا من سبب تبيينه ما علمنا في غيره أو وهما من محدث (587) ولم نجد عنه شيئا مختلفا فكشفناه إلا وجدنا له وجها يحتمل به ألا يكون مختلفا وأن يكون داخلا في الوجوه التي وصفت لك (588) أو نجد الدلالة على الثابت منه دون غيره بثبوت الحديث فلا يكون الحديثان اللذان نسبا إلى الاختلاف متكافيين فنصير إلى الا ثبت من الحديثين (589) أو يكون على الا ثبت منهما دلالة من كتاب الله أو سنة نبيه أو الشواهد التي وصفنا قبل هذا فنصير إلى الذي هو أقوى وأولى أن يثبت بلا دليل (590) ولم نجد عنه حديثين مختلفين إلا ولهما مخرج أو على أحدهما دلالة بأحد ما وصفت إما بموافقة كتاب
أو غيره من سنته أو بعض الدلايل (591) الرب عز وجلوما نهى عنه رسول الله فهو التحريم حتى تأتي دلالة عنه على انه أراد به غير التحريم (592) قال وأما القياس على سنن رسول الله فاصله وجهان ثم يتفرع في أحدهما وجوه (593) قال وما هما
(594) قلت إن الله تعبد خلقه في كتابه وعلى لسان نبيه بما سبق في قضائه أن يتعبدهم به ولما شاء لا معقب لحكمه فيما تعبدهم به مما دلهم @(1/94)
رسول الله على المعنى الذي له تعبدهم به أو وجدوه في الخبر عنه لو ينزل في شئ في مثل المعنى الذي له تعبد خلقه
ووجب على أهل العلم أن يسلكوه سبيل السنة غذا كان في معناها وهذا الذي يتفرع كثيرا (595) والوجه الثاني أن يكون أحل لهم شيئا جملة وحرم منه شيئا بعينه فيحلون الحلال بالجملة ويحرمون الشئ بعينه ولا يقيسون عليه على الاقل الحرام لان الاكثر منه حلال والقياس على الاكثر أولى أن يقاس عليه من الاقل (596) وكذلك إن حرم جملة وأحل بعضها وكذلك إن فرض شيئا وخص رسول الله التخفيف في بعضه (597) وأما القياس فإنما أخذناه استدلالا بالكتاب والسنة والآثار
(598) وأما ان نخالف حديثا عن رسول الله ثابتا عنه فأرجو أن لا يؤخذ ذلك علينا إن شاء الله (599) وليس ذلك لاحد ولكن قد يجهل الرجل السنة فيكون له قول يخالفها لا أنه عمد خلافها وقد يغفل المرء ويخطئ في التأويل (600) قال فقال لي قائل فمثل لي كل صنف مما وصفت
مثالا تجمع لي فيه الاتيان على ما سألت عنه بأمر لا تكثر علي فأنساه وأبدا بالناسخ والمنسوخ من سنن النبي واذكر منها
شيئا مما معه القرآن وإن كررت بعض ما ذكرت @(1/95)
(601) فقلت له كان أول ما فرض الله على رسوله في القبلة أن يستقبل بيت المقدس للصلاة فكان بيت المقدس القبلة التي لا يحل لاحد أن يصلي إلا إليها في الوقت الذي استقبلها فيه رسول الله فلما نسخ الله قبلة بيت المقدس ووجه رسوله والناس إلى الكعبة كانت الكعبة القبلة التي لا يحل لمسلم أن يستقبل المكتوبة في غير حال من الخوف غيرها ولا يحل أن يستقبل بيت المقدس ابدا (602) وكل كان حقا في وقته بيت المقدس من حين استقبله النبي إلى أن حول عنه الحق في القبلة ثم البيت الحرام الحق في القبلة إلى يوم القيامة (603) وهكذا كل منسوخ في كتاب الله وسنة نبيه (604) قال وهذا مع إبانته لك الناسخ والمنسوخ من الكتاب والسنة دليل لك على ان النبي إذا سن سنة حوله الله
عنها إلى غيرها سن أخرى يصير إليها الناس بعد التي حول عنها لئلا يذهب على عامتهم الناسخ فيثبتون على المنسوخ (605) ولئلا يشبه على أحد بأن رسول الله يسن فيكون في الكتاب شئ يرى من جهل اللسان أو العلم بموقع السنة مع الكتاب أو ابانتها معانيه أن الكتاب ينسخ السنة
(606) فقال أفيمكن أن تخالف السنة في هذا الكتاب (607) قلت لا وذلك لان الله جل ثناؤه أقام على خلقه الحجة من وجهين أصلها في الكتاب كتابه سنة نبيه بفرضه في كتابه اتباعها (608) فلا يجوز أن يسن رسول الله سنة لازمة فتنسخ فلا يسن ما نسخها وإنما يعرف الناسخ بالآخر من الامرين
وأكثر الناسخ في كتاب الله إنما عرف بدلالة سنن رسول الله (609) فإذا كانت السنة تدل@(1/96)
على ناسخ القرآن وتفرق بينه وبين منسوخه لم يكن ان تنسخ السنة بقرآن إلا أحدث رسول الله مع القرآن سنة تنسخ سنته الاولى لتذهب الشبهة عن من أقام الله عليه الحجة من خلقه (610) قال افرايت لو قال قائل حيث وجدت القرآن ظاهرا عاما ووجدت سنة تحتمل أن تبين عن القرآن وتحتمل أن تكون بخلاف ظاهره علمت أن السنة منسوخة بالقرآن (611) فقلت له لا يقول هذا عالم (612) قال ولم (613) قلت إذا كان الله فرض على نبيه اتباع ما انزل الله إليه وشهد له بالهدى وفرض على الناس طاعته وكان اللسان كما وصفت قبل هذا محتملا للمعاني وأن يكون كتاب الله ينزل عاما يراد به الخاص وخاصا يراد به العام وفرضا جملة بينه رسول الله
فقامت السنة مع كتاب الله هذا المقام لم تكن السنة لتخالف كتاب الله ولا تكون السنة إلا تبعا لكتاب الله بمثل تنزيله أو مبينة معنى ما أراد الله فهي بكل حال متبعة كتاب الله (614) قال افتوجدني الحجة بما قلت في القرآن (615) فذكرت له بعض ما وصفت في كتاب (السنة مع القرآن) من أن الله فرض الصلاة والزكاة والحج فبين رسول الله كيف الصلاة وعددها ومواقيتها وسننها وفي كم الزكاة من المال وما يسقط عنه من المال ويثبت عليه ووقتها وكيف عمل الحج وما يجتنب فيه ويباح (616) قال وذكرت له قول الله (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) @(1/97)
و (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وأن رسول الله لما سن القطع على من بلغت سرقته
دينار فصاعدا على الحرين البكرين دون الثيبين الحرين والمملوكين دلت سنة رسول الله على أن الله أراد بها الخاص من الزناة والسراق وإن كان مخرج الكلام عاما في الظاهر على السراق والزناة (617) قال فهذا عندي كما وصفت أفتجد حجة على من روى أن النبي قال " ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فأنا قلته وما خالفه فلم أقله "
(618) فقلت له ما ورى هذا يثبت حديثه في شئ صغر ولا كبر فيقال لنا قد ثبتم حديث من روى هذا في شئ (619) وهذا أيضا رواية منقطعة عن رجل مجهول ونحن لا نقبل مثل هذه الرواية في شئ (620) قال فهل عن النبي رواية بما قلتم (621) فقلت له نعم (622) أخبرنا سفيان قال أخبرني سالم أبو النضر أنه سمع
عبيد الله بن أبي رافع يحدث عن أبيه أن النبي قال لاألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الامر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله تبعاناه (623) الرب عز وجل قال الشافعي فقد ضيق رسول الله على الناس أن يردوا امره بفرض الله عليهم اتباع أمره@(1/98)
(624) قال فأين لي جملا اجمع لك أهل العلم أو أكثرهم عليه من سنة مع كتاب الله يحتمل أن تكون السنة مع الكتاب دليلا على أن الكتاب خاص وإن كان ظاهره عاما (625) فقلت له نعم ما سمعتني حكيت في (كتابي) (626) قال فأعد منه شيئا (627) قلت قال الله (حرمت عليكم أمهاتكم
وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الاخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وان تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف غن الله كان غفورا رحيما والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم) (628) قال وذكر الله من حرم ثم قال (وأحل لكم ما وراء ذلكم) فقال رسول الله " لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها " فلم أعلم مخالفا في اتباعه
(629) فكانت فيه دلالتان دلالة على ان سنة رسول الله لا تكون مخالفة لكتاب الله بحال ولكنها مبينة عامة وخاصة (630) ودلالة على أنهم قبلوا فيه خبر الواحد فلا نعلم أحدا رواه من وجه يصح عن@(1/99)
النبي إلا أبا هريرة (631) قال أفيحتمل ا يكون هذا الحديث عندك خلافا لشئ من ظاهر الكتاب (632) فقلت لا ولا غيره (633) قال فما معنى قول الله (حرمت عليكم أمهاتكم) فقد ذكر التحريم وقال (واحل لكم ما وراء ذلكم) *
(629) قلت ذكر تحريم من هو حرام بكل حال مثل الام والبنت والاخت والعمة وبنات الاخ وبنات الاخت وذكر من حرم بكل حال من النسب والرضاع وذكر من حرم من الجمع بينه وكان أصل كل واحد منهما مباحا على الانفراد قال (واحل لكم ما وراء ذلكم) يعني بالحال التي احلها به (635) الا ترى أن قوله (وأحل لكم ما وراء ذلكم) بمعنى ما أحل به لا ان واحدة من النساء حلال بغير نكاح يصح ولا أنه يجوز نكاح خامسة على أربع ولا جمع بين أختين ولا غير ذلك مما نهى عنه
(636) فذكرت له فرض الله في الوضوء ومسح النبي على الخفين وما صار إليه أكثر أهل العلم من قبول المسح (637) فقال أفيخالف المسح شيئا من القرآن (638) قلت لا تخالفه سنة بحال (639) قال فما وجهه (640) قلت لما قال (غذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وارجلكم إلى الكعبين) دلت السنة على أن من كان@(1/100)
على طهارة ما لم يحدث فقام إلى الصلاة لم يكن عليه هذا الفرض فكذلك دلت على أن فرض غسل القدمين إنما هو على المتوضئ لا خفي عليه لبسهما كامل الطهارة
(641) وذكرت له تحريم النبي كل ذي ناب من السباع وقد قال الله (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم) فقال ثم سمى ما حرم (642) فقال فما معنى هذا (643) قلنا معناه قل لا أجد فيما يوحى إلي محرما مما كنتم تأكلون إلا أن يكون ميتة وما ذكر بعدها فأما ما تركتم أنكم لم تعدوه من الطيبات فلم يحرم عليكم مما كنتم تستحلون إلا ما سمى الله ودلت السنة على أنه حرم عليكم منه ما كنتم تحرمون لقول الله (يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث)
(644) قال وذكرت له قول الله (وأحل الله البيع وحرم الربا) وقوله (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) ثم حرم رسول الله بيوعا منها الدنانير بالدراهم إلى أجل وغيرها فحرمها المسلمون بتحريم رسول الله فليس هذا ولا غيره خلافا لكتاب الله (645) قال فحد لي معنى هذا بأجمع منه وأخصر (646) فقلت له لما كان في كتاب الله دلالة على أن الله قد وضع رسوله موضع الابانة عنه وفرض@(1/101)
على خلقه اتباع أمره فقال (وأحل الله البيع وحرم الربا) فإنما يعني أحل الله البيع إذا كان على غير ما نهى الله عنه في كتابه أو على لسان نبيه وكذلك
قوله (وأحل لكم ما وراء ذلكم) بما أحله الله به
من النكاح وملك اليمين في كتابه لا أنه إباحه في كل وجه وهذا كلام عربي (647) وقلت له لو جاز أن تترك سنة مما ذهب إليه من جهل مكان السنن من الكتاب ترك ما وصفنا من المسح على الخفين وإباحة كل ما لزمه اسم بيع وإحلال أن يجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وإباحة كل ذي ناب من السباع وغير ذلك (648) ولجاز أن يقال سن النبي ألا يقطع من لم تبلغ سرقته ربع دينار قبل التنزيل ثم نزل عليه (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) فمن لزمه اسم سرقة قطع (649) ولجاز أن يقال إنما سن النبي الرجم على الثيب حتى نزلت عليه (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة
جلدة) فيجلد البكر والثيب ولا نرجمه (650) وأن يقال في البيوع التي حرم رسول الله إنما حرمها قبل التنزيل فلما أنزلت (وأحل الله البيع وحرم الربا) كانت حلالا (651) والربا أن يكون للرجل على الرجل الدين فيحل فيقول أتقضي أم تربي فيؤخر عنه ويزيده غفي ماله وأشباه لهذا كثيرة (652) فمن قال هذا كان معطلا لعامة سنن رسول الله وهذا القول جهل@(1/102)
مما قاله
(653) قال أجل (654) وسنة رسول الله كما وصفت ومن خالف ما قلت فيها فقد جمع الجهل بالسنة والخطأ في الكلام فيما جهل (655) قال فاذكر سنة نسخت بسنة سوى هذا
(656) رضي الله تعالى عنه فقلت له السنن الناسخة والمنسوخة مفرقة في مواضعها وإن رددت طالت (657) قال فيكفي منها بعضها فاذكره مختصرا بينا (658) فقلت أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الله بن واقد عن عبد الله بن عمر قال " رسول الله عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث " قال عبد الله بن أبي بكر فذكرت ذلك لعمرة فقالت صدق سمعت عائشة تقول " دف ناس من أهل البادية حضرة الاضحى في زمان النبي فقال النبي ادخروا لثلاث فتصدقوا بما بقي قال فلما كان بعد ذلك قيل يا رسول الله لقد كان الناس ينتفعون بضحاياهم يجملون
منها الودك ويتخذون الاسقية فقال رسول الله وما ذاك أو كما قال قالوا يا رسول الله نهيت عن إمساك@(1/103)
لحوم الضحايا بعد ثلاث فقال رسول الله إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت حضرة الاضحى فكلوا وتصدقوا وادخروا " (659) وأخبرنا بن عيينة عن الزهري عن أبي عبيد مولى بن أزهر قال شهدت العيد مع علي بن أبي طالب فسمعته يقول
لا يأكلن أحدكم من لحم نسكه بعد ثلاث (660) أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن أبي عبيد
عن علي أنه قال قال رسول الله " لا يأكلن أحدكم من لحم نسكه بعد ثلاث " (661) أخبرنا بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة قال سمعت أنس بن مالك يقول إنا لنذبح ما شاء الله من ضحايانا ثم نتزود بقيتها إلى البصرة (662) قال الشافعي فهذه الاحاديث تجمع معاني منها
أن حديث علي عن النبي في النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث وحديث عبد الله بن واقد موتفقان عن النبي (663) وفيها دلالة على أن عليا سمع النهي من النبي وأن النهي بلغ عبد الله بن واقد (664) ودلالة على أن الرخصة من النبي لم تبلغ عليا ولا عبد الله بن واقد ولو بلغتهما الرخصة ما حدثا بالنهي والنهي منسوخ@(1/104)
وتركا الرخصة والرخصة ناسخة والنهي منسوخ لا يستغني سامعه عن علم ما نسخه (665) وقول أنس بن مالك كنا نهبط بلحوم الضحايا البصرة يحتمل أن يكون أنس سمع الرخصة ولم يسمع النهي قبلها فتزود بالرخصة ولم يسمع نهيا أو سمع الرخصة والنهي فكان النهي منسوخا فلم يذكره
(666) فقال كل واحد من المختلفين بما علم (667) بسم الله الرحمن الرحيم وهكذا يجب على من سمع شيئا من رسول الله أو ثبت له عنه أن يقول بما سمع حتى يعلم غيره
(668) قال الشافعي فلما حدثت عائشة عن النبي بالنهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم بالرخصة فيها بعد النهي وأن رسول الله أخبر أنه نهى عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث للدافة كان الحديث التام المحفوظ أوله وآخره وسبب التحريم والاحلال فيه حديث عائشة عن النبي وكان على من علمه أن يصير إليه (669) وحديث عائشة من أبين ما يوجد في الناسخ والمنسوخ من السنن (670) وهذا يدل على أن بعض الحديث يخص فيحفظ بعضه دون بعض فيحفظ منه شئ كان أولا ولا يحفظ آخرا ويحفظ أخرا ولا يحفظ أولا فيؤدي كل ما حفظ (671) فالرخصة بعدها في الامساك والاكل والصدقة من لحوم الضحايا إنما هي لواحد معيين لاختلاف الحالين (672) فإذا دفت الدافة ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث وإذا لم تدف دافة فالرخصة ثابتة بالاكل والتزود والادخار والصدقة
(673) ويجتمل ان يكون النهي عن إمساك لحوم الضحايا
بعد ثلاث منسوخا في كل حال فيمسك الانسان من ضحيته ما شاء ويتصدق بما شاء
وجه آخر من الناسخ والمنسوخ
(674) أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن بن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبي سعيد@(1/105)
الخدري قال " حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهوى من الليل حتى كفينا وذلك قول الله (وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا) قال فدعا رسول الله بلالا فأمر فأقام الظهر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أقام العصر فصلاها كذلك ثم أقام المغرب فصلاها كذلك ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضا قال وذلك قبل أن أنزل الله في صلاة الخوف (فرجالا أو ركبانا) " (675) الشافعي فلما حكى أبو سعيد أن صلاة النبي عام الخندق كانت قبل أن ينزل في صلاة الخوف إلا بعدها إذ حضرها أبو سعيد وحكى تأخير الصلوات حتى خرج من وقت عامتها وحكى أن ذلك قبل نزول صلاة الخوف
(676) قال فلا تؤخر صلاة الخوف بحال أبدا عن الوقت إن كانت في حضر أو عن وقت الجمع في السفر بخوف ولا غير ولكن تصلى كما صلى رسول الله
(677) والذي أخذنا به في صلاة الخوف أن مالكا أخبرنا عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن من صلى مع رسول الله صلاة الخوف يوم ذات الرقاع " أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لانفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الاخرى فصلى@(1/106)
بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لانفسهم ثم سلم بهم " (678) قال أخبرنا من سمع عبد الله بن عمر بن حفص يخبر عن أخيه عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات بن جبير عن أبيه عن النبي مثله
(679) قال وقد روى أن النبي صلى صلاة الخوف على غير ما حكى مالك (680) وإنما أخذنا بهذا دونه لانه كان أشبه بالقرآن وأقوى في مكايدة العدو (681) وقد كتبنا هذا بالاختلاف فيه وتبين الحجة في (كتاب الصلاة) وتركنا ذكر من خالفنا فيه وفي غيره من الاحاديث لان ما خولفنا فيه منها مفترق في كتبه.
وجه آخر
(682) قال الله تبارك وتعالى (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا
فامسكوهن بالبيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا واللذان ياتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فاعرضوا عنهما) (683) فكان حد الزانيين بهذه الآية الحبس والاذى حتى أنزل الله على رسوله حد الزنا فقال (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وقال في الاماء (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) فنسخ الحبس عن الزناة وثبت عليهم الحدود (684) رضي الله تعالى عنهما ودل@(1/107)
قول الله في الاماء (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) على فرق الله بين حد المماليك والاحرار في الزنا وعلى أن النصف لا يكون إلا من جلد لان الجلد بعدد ولا يكون من رجم لان الرجم إتيان على النفس بلا عدد لانه قد يؤتى عليها برجمة واحدة وبألف وأكثر فلا نصف
لما لا يعلم بعدد ولا نصف للنفس فيؤتى بالرجم على نصف النفس (685) واحتمل قول الله في سورة النور (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) أن يكون على جميع الزناة الاحرار وعلى بعضهم دون بعض فاستدللنا بسنة رسول الله بأبي هو وأمي على من أريد بالمائة جلدة (686) أخبرنا عبد الوهاب عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال " خذوا عني خذوا عني قد جعل لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة
وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " (687) قال فدل قول رسول الله " قد جعل الله لهن سبيلا " على أن هذا أول ما حد به الزناة لان الله يقول (حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا)
(688) ثم رجم رسول الله ماعزا ولم يجلده وامرأة الاسلمي ولم يجلدها فدلت سنة رسول الله على أن الجلد منسوخ عن الزانيين الثيبين (689) قال ولم يكن بين الاحرار في الزنا فرق إلا@(1/108)
بالاحصان بالنكاح وخلاف الاحصان به (690) وإذ كان قول النبي " قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام " ففي هذا دلالة على أن أول ما نسخ الحبس عن الزانيين وحدا بعد الحبس وأن كل حد حده الزانيين فلا يكون إلا بعد هذا إذ كان هذا أول حد الزانيين (691) أخبرنا مالك عن بن شهاب عن عبيد الله
بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد أنهما أخبراه " أن رجلين اختصما إلى رسول الله فقال أحدهما يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله وقال الآخر وهو أفقههما أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي في أن أتكلم قال تكلم قال إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فأخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وجارية لي ثم إني سألت
أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله والذي نفسي بيده لاقضين
بينكما بكتاب الله أما غنمك وجاريتك فرد إليك وجلد انه مائة وغربه عام وأمر أنيس الاسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها "@(1/109)
(292) أخبرنا مالك عن نافع عن بن عمر " أن النبي رجم يهوديين زنيا " (693) قال فثبت جلد مائة والنفي على البكرين الزانيين والرجم على الثيبين الزانيين (694) وإن كانا ممن أريدا بالجلد فقد نسخ عنهما الجلد مع الرجم وإن لم يكونا أريدا بالجلد وأريد به البكران فيهما مخالفان للثيبين
(695) ورجم الثيبين بعد آية الجلد بما روى رسول الله عن الله وهذا أشبه معانيه وأولاها عندنا والله أعلم
وجه آخر
(696) صلى الله عليه وسلم أخبرنا مالك عن بن شهاب عن أنس بن مالك " أن النبي ركب@(1/110)
فرسا فصرع عنه فجحش شقه الايمن فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد وصلينا وراءه قعودا فلما انصرف قال إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وغذا قال سمع الله لمن حمده
فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون " (697) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت " رسول الله في بيته وهو شاك فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا " (698) رضي الله تعالى عنهما قال وهذا مثل حديث أنس وإن كان حديث أنس مفسرا وأوضح من تفسير هذا (699) أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه " أن رسول الله خرج في@(1/111)
مرضه فأتى أبا بكر وهو قائم يصلي بالناس فاستأخر أبو بكر فأشار إليه رسول االله أن كما أنت
فجلس رسول الله إلى جنب أبي بكر فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر " (700) وبه يأخذ الشافعي (701) قال وذكر إبراهيم النخعي عن الاسود بن يزيد عن عائشة عن رسول الله وأبي بكر مثل معنى حديث عروة " النبي صلى قاعدا وأبو بكر قائما يصلي بصلاة النبي وهو وراءه قياما "
(702) قال فلما كانت صلاة النبي في مرضه الذي مات فيه قاعدا والناس خلفه قياما استدللنا على ان أمره الناس بالجلوس
في سقطته عن الفرس قبل مرضه الذي مات فيه فكانت صلاته في مرضه الذي مات فيه قاعدا@(1/112)
والناس خلفه قياما ناسخة لان يجلس الناس بجلوس الامام ز (703) وكان في ذلك دليل بما جاءت به السنة وأجمع عليه
الناس من ان الصلاة قائما إذا اطاقها المصلي وقاعدا إذا لم يطق وان ليس للمطيق القيام منفردا أن يصلي قاعدا (704) فكانت سنة النبي أن صلى في مرضه قاعدا ومن خلفه قياما مع أنها ناسخة لسنته الاولى قبلها موافقة سنته في الصحيح والمريض وإجماع الناس ان يصلي كل واحد منهما فرضه كما يصلي المريض خلف الامام الصحيح قاعدا والامام قائما (707) وهكذا نقول يصلي الامام جالسا ومن خلفه من الاصحاء قياما فيصلي كل واحد فرضه ولو وكل غيره كان حسنا (705) وقد أوهم بععض الناس فقال لا يؤمن أحد بعد النبي جالسا واحتج بحديث رواه منقطع عن رجل مرغوب
الرواية عنه لا يثبت بمثله حجة على أحد فيه " لا يؤمن أحد بعدي جالسا "
(707) قال ولهذا اشباه في السنة من الناسخ والمنسوخ (708) وفي هذا دلالة على ما كان في مثل معناها إن
شاء الله (709) وكذلك له أشباه في كتاب الله قد وصفنا بعضها@(1/113)
في كتابنا هذا وما بقي مفرق في احكام القرآن والسنة في مواضعه (710) قال فقال فاذكر من الاحاديث المختلفة التي لا دلالة فيها على ناسخ ولا منسوخ والحجة فيما ذهبت إليه منها دون ما تركت (711) فقلت له قد ذكرت قبل هذا أن رسول الله صلى صلاة الخوف يوم ذات الرقاع فصف بطائفة وطائفة في غير صلاة بإزاء العدو فصلى بالذين معه ركعة وأتموا لانفسهم ثم انصرفوا فوقفوا بإزاء العدو وجاءت الطائفة الاخرى فصلى بهم الركعة التبي بقيت ثم ثبت جالسا واتموا لانفسهم ثم سلم بهم (712) قال وروى بن عمر عن النبي أنه صلى
الخوف خلاف هذه الصلاة في بعض أمرها فقال صلى ركعة بطائفة وطائفة بينه وبين العدو ثم انصرفت الطائفة التي وراءه فكانت بينه وبين العدو وجاءت الطائفة التي لم تصل معه فصلى بهم الركعة التي بقيت عليه من صلاته وسلم ثم انصرفوا فقضوا معا (713) قال وروى أبو عياش الزرقي أن النبي صلى
يوم@(1/114)
عسفان وخالد بن الوليد بينه وبين القبلة فصف بالناس معه معا ثم ركع وركعوا معا ثم سجد فسجدت معه طائفة
وحرسته طائفة فلما قام من السجود سجد الذين حرسوه ثم قاموا في صلاته " (714) وقال جابر قريبا من هذا المعنى (715) قال وقد روى ما لا يثبت مثله بخلافها كلها
(716) رضي الله تعالى عنهما فقال لي قائل وكف صرت إلى الاخذ بصلاة النبي ذات الرقاع دون غيرها (717) فقلت اما حديث أبي عياش وجابر في صلاة الخوف فكذلك أقول وإذا كان مثل السبب الذي صلى له تلك الصلاة (718) قال وما هو (719) قلت كان رسول الله في ألف وأربعمائة وكان خالد بن الوليد في مائتين وكان منه بعيدا في صحراء واسعة لا يطمع فيه لقلة من معه وكثرة من مع رسول الله وكان الاغلب منه أنه مأمون على ان يحمل عليه ولو حمل من بينيديه وقد حرس منه في السجود إذ كان لا يغيب عن طرفه (720) فغذا كانت الحال بقلة العدو وبعده وان لا حائل دونه يستره كما وصفت أمرت بصلاة الخوف هكذا
(721) قال فقال قد عرفت ان الرواية في صلاة ذات الرقاع لا تخالف هذا لاختلاف الحالين قال فكيف خالفت حديث بن عمر (722) فقلت له رواه عن@(1/115)
النبي خوات بن جبير وقال سهل بن أبي حثمة بقريب من معناه وحفظ عن علي بن أبي طالب انه صلى صلاة الخوف ليلة الهرير كما روى خوات بن جبير عن النبي وكان خوات متقدم الصحبة والسن (723) فقال فهل من حجة أكثر من تقدم صحبته
فقلت ك نعم ما وصفت فيه من الشبه بمعنى كتاب الله (725) قال فأين يوافق كتاب الله (726) قلت قال الله: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك ولياخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتهم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم) (727) وقال (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) يعني والله أعلم فأقيموا الصلاة كما كنتم تصلون في غير الخوف (728) فلما فرق الله بين الصلاة في الخوف والامن
حياطة لاهل دينه ان ينال منهم عدوهم غرة فتعقبنا حديث خوات بن جبير والحديث الذي يخالفه فوجدنا حديث خوات بن جبير
أولى بالحزم في الحذر منه وأحرى أن تتكافأ الطائفتان فيهما (729) صلى الله عليه وسلم وذلك أن الطائفة التي تصلي مع الامام أولا محروسة بطائفة في غير صلاة والحارس إذا كان في غير صلاة كان متفرغا من فرض الصلاة قائما وقاعدا ومنحرفا يمينا وشمالا وحاملا إن حمل عليه ومتكلما إن خاف عجلة من عدوه ومقاتلا إن أمكنته فرصة @(1/116)
غير محول بينه وبين هذا في الصلاة ويخفف الايمان بمن معه الصلاة إذا خاف حملة العدو بكلام الحارس (730) قال وكان الحق للطائفتين معا سواء فكانت الطائفتان في حديث خوات سواء تحرس كل واحدة من الطائفتين الاخرى والحارسة خارجة من الصلاة فتكون الطائفة الاولى قد أعطت الطائفة التي حرستها مثل الذي أخذت منها فحرستها خلية من الصلاة فكان هذا عدلا بين الطائفتين (731) قال وكان الحديث الذي يخالف حديث خوات بن جبير على خلاف الحذر تحرس الطائفة الاولى في ركعة ثم تنصرف المحروسة قبل تكمل الصلاة فتحرس ثم تصلي
الطائفة الثانية محروسة بطائفة في صلاة ثم يقضيان جميعا لا حارس لهما لانه لم يخرج من الصلاة إلا الامام وهو وحده ولا يعني شيئا فكان هذا خلاف الحذر والقوة في المكيدة
(732) وقد أخبرنا الله أنه فرق بين صلاة الخوف وغيرها نظرا لاهل دينه أن لا ينال منهم عدوهم غرة ولم تأخذ الطائفة الاولى من الآخرة مثل ما أخذت منها (733) ووجدت الله ذكر صلاة الامام والطائفتين معا ولم يذكر على الامام ولا على واحدة من الطائفتين قضاء فدل ذلك على أن حال الامام ومن خلفه في أهم يخرجون من الصلاة لا قضاء عليهم سواء
(734) وهكذا حديث خوات وخلاف الحديث الذي يخالفه (735) قال الشافعي فقال فهل للحديث الذي تركت وجه غير ما وصفت (736) قلت نعم يحتمل ان يكون لما جاز أن تصلي صلاة الخوف على خلاف الصلاة في غير الخوف جاز لهم أن يصلوها كيف ما تيسر لهم وبقدر حالاتهم وحالات العدو إذا أكملوا العدد فاختلف صلاتهم وكلها مجزية عنهم@(1/117)
وجه آخر من الاختلاف (737) قال الشافعي قال لي قائل قد اختلف في التشهد فروى بن مسعود عن النبي " كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم
السورة من القرآن " فقال في مبتداه ثلاث كلمات " التحيات لله " فبأي التشهد أخذت
(738) فقلت أخبرنا مالك عن بن شهاب عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه سمع عمر بن الخطاب يقول على المنبر وهو يعلم الناس التشهد يقول قولوا " التحات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " (739) قال الشافعي فكان هذا الذي علمنا من سبقنا بالعلم من فقهائنا صغارا ثم سمعناه بإسناد وسمعنا ما خالفه فلم نسمع إسنادا في التشهد يخالفه ولا يوافقه أثبت عندنا منه وإن كان غيره ثابتا
(740) فكان الذي نذهب إليه أن عمر لا يعلم الناس على المنبر بين ظهراني أصحاب رسول الله إلا على@(1/118)
ما علمهم النبي (741) رضي الله تعالى عنهما فلما اتنهى إلينا من حديث يثبته عن النبي صرنا إليه وكان أولى بنا (742) قال وما هو (743) قلت أخبرنا الثقة وهو حي بن حسان عن الليث بن سعد عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير وطاوس عن بن عباس أنه قال كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن فكان يقول التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله
سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين أشهد أن لا إله غلا الله وأن محمدا رسول الله " (744) قال الشافعي فقال فانى ترى الرواية اختلفت فيه عن النبي فروى بن مسعود خلاف هذا وروى أبو موسى خلاف هذا وجابر خلاف هذا وكلها قد يخالف بعضها بعضا في شئ من لفظه ثم علم عمر خلاف هذا كله في بعض لفظه
وكذلك تشهد عائشة وكذلك تشهد بن عمر ليس فيها شئ إلا في لفظه شئ غير ما في لفظ صاحبه وقد يزيد بعضها الشئ على بعض@(1/119)
(74) فقلت له الامر في هذا بين (746) قال فأبنه لي (7) قلت كل كلام أريد بها تعظيم الله فعلمهم رسول الله فلعله جعل يعلمه الرجل فيحفظه والآخر فيحفظه
وما اخذ حفظا فأكثر ما يحترس فيه منه إحالة المعنى فلم تكن فيه زيادة ولا نقص ولا اختلاف شئ من كلامه يحيل المعنى فلا تسع إحالته (748) فلعل النبي أجاز لكل امرئ منهم كما حفظ إذ كان لا معنى فيه يحيل شيئا عن حكمه ولعل من اختلفت روايته واختلف تشهده إنما توسعوا فيه فقالوا على ما حفظوا وعلى ما حضرهم واجيز لهم (749) قال افتجد شيئا يدل على إجازة ما وصفت (750) فقلت نعم
(751) قال وما هو
(752) قلت أخبرنا مالك عن بن شهاب عن عروة@(1/120)
عن عبد الرحمن بن عبد القارئ قال سمعت عمر بن الخطاب يقول " سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما اقرؤها وكان النبي أقرأنيها فكدت اعجل عليه ثم امهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه فجئت به إلى النبي فقلت يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها فقال له رسول الله اقرأ فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله هكذا أنزلت ثم قال لي اقرأ فقرات فقال هكذا أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤا ما تيسر "
(753) قال فغذا كان الله لرأفته بخلقه انزل كتابه على سبعة أحرف معرفة منه بأن الحفظ قد يزل ليحل لهم قراءته وإن اختلف اللفظ فيه ما لم يكن في اختلافهم إحالة معنى كان ما سوى كتاب الله أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يحل معناه (754) وكل ما لم يكن فيه حكم اختلاف اللفظ فيه لا يحيل معناه
(755) وقد قال بعض التابعين لقيت أناسا من أصحاب رسول الله فاجتمعوا في المعنى واختلفوا علي في اللفظ فقلت
لبعضهم ذلك فقال لا بأس ما لم يحيل المعنى (756) قال الشافعي فقال ما في التشهد إلا تعظيم الله وأني لارجو ان يكون كل هذا فيه واسعا وأن لا يكون الاختلاف فيه إلا من حيث ذكرت ومثل هذا كما قلت يمكن في صلاة
الخوف فيكون إذا جاء بكمال الصلاة@(1/121)
على أي الوجوه روى عن النبي أجزأه إذ خالف الله بينها وبين ما سواها من الصلوات ولكن كيف صرت إلى اختيار حديث بن عباس عن النبي في التشهد دون غيره (757) قلت لما رايته واسعا وسمعته عن بن عباس صحيحا كان عندي أجمع وأكثر لفظا من غيره فأخذت به غير معنف لمن اخذ بغيره مما ثبت عن رسول الله .
اختلاف الرواية على وجه غير الذي قبله
(
758) أخبرنا مالك عن نافع عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا
بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا شيئا منها غائبا بناجز " (759) أخبرنا مالك عن موسى بن أبي تميم عن سعيد بن@(1/122)
يسار عن أبي هريرة أن رسول الله قال " الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما "
(760) أخبرنا مالك عن حميد بن قيس عن مجاهد عن بن عمر أنه قال " الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما هذا عهد نبينا إلينا وعهدنا إليكم " (761) قال الشافعي روى عثمان بن عفان وعبادة
بن الصامت عن رسول الله النهي عن الزيادة في الذهب بالذهب يدا بيد (762) قال الشافعي وبهذه الاحاديث نأخذ وقال بمثل معناها الاكابر من أصحاب رسول الله وأكثر المفتين بالبلدان (763) أخبرنا سفيان انه سمع عبيد الله بن أبي يزيد يقول@(1/123)
سمعت بن عباس يقول أخبرني أسامة بن زيد أن النبي قال " إنما الربا في النسية "
(764) قال فأخذ بهذا بن عباس ونفر من أصحابه المكيين وغيرهم (765) قال فقال لي قائل هذا الحديث مخالف للاحادث قبله (766) قلت قد يحتمل خلافها وموافقتها (767) قال وبأي شئ يحتمل موافقتها (768) قلت قد يكون أسامة سمع رسول الله يسئل عن
الصنفين المختلفين مثل الذهب بالورق والتمر بالحنطة أو ما اختلف جنسه متفاضلا يدا بيد فقال " غنما الربا في النسية " أن تكون المسألة سبقته بهذا وأدرك الجواب فروى الجواب ولم يحفظ المسألة أو شك فيها لانه ليس في حديثه ما ينفي هذا عن حديث أسامة فاحتمل موافقتها لهذا (769) فقال فلم قلت يحتمل خلافها (770) قلت لان بن عباس الذي رواه وكان يذهب فيه غير هذا المذهب فيقول لا ربا في بيع يدا بيد إنما الربا في النسية (771) فقال فما الحجة إن كانت الاحاديث قبله مخالفة في تركه غيره (772) فقلت له كل واحد ممن روى خلاف أسامة وإن لم يكن اشهر بالحفظ للحديث من أسامة فليس به تقصير عن حفظه وعثمان بن عفان وعبادة بن الصامت أشد@(1/124)
تدما بالسن
والصحبة من أسامة وأبو هريرة اسن واحفظ من روى الحديث في دهره (773) ولما كان حديث اثنين أولى في الظاهر بالحفظ وبأن ينفي عنه الغلط من حديث واحد كان حديث الاكثر الذي هو اشبه ان يكون أولى بالحفظ من حديث من هو أحدث منه وكان حديث خمسة أولى أن يصار إليه من حديث واحد
وجه آخر مما يعد مختلفا وليس عندنا بمختلف
(774) أخبرنا بن عيينة عن محمد بن العجلان عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع@(1/125)
بن خديج أن رسول الله قال " أسفروا بالفجر فإن ذلك أعظم للاجر أو أعظم لاجوركم "
(775) أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت " كن النساء من المؤمنات يصلين مع النبي الصبح ثم ينصرفن وهن متلفعات بمروطهن ما يعرفهن أحد من الغلس " (776) قال وذكر تغليس النبي بالفجر سهل بن سعد وزيد بن ثابت وغيرهما من أصحاب رسول الله شبيه بمعنى عائشة (777) قال الشافعي قال لي قائل نحن نرى أن نسافر
بالفجر@(1/126)
اعتمادا على حديث رافع بن خديج ونزعم أن الفضل في ذلك وأنت ترى ان جائزا لنا غذا اختلف الحديثان ان نأخذ بأحدهما ونحن نعد هذا مخالفا لحديث عائشة ز (778) قال فقلت له ك غن كان مخالفا لحديث عائشة فكان الذي يلزمنا وإياك ان نصير إلى حديث عائشة دونه لان أصل ما نبني نحن وأنتم عليه ان الاحاديث غذا اختلفت لم نذهب إلى واحد منهما دون غيره إلا بسبب يدل على ان هذا الذي ذهبنا إليه أقوى
من الذي تركنا (779) قال وما ذلك السبب (780) قلت أن يكون أحد الحديثين اشبه بكتاب الله فإذا أشبه كتاب الله كانت فيه الحجة (781) قال هكذا نقول (782) قلنا فإن لم يكن فيه نص كتاب كان
أولاهما بنا الا ثبت منهما وذلك ان يكون من رواه أعرف إسنادا واشهر بالعلم وأحفظ له أو يكون روى الحديث الذي ذهبنا إليه من وجهين أو أكثر والذي تركنا من وجه فيكون الاكثر أولى بالحفظ من الاقل أو يكون الذي ذهبنا إليه اشبه بمعنى كتاب الله أو اشبه بما سواهما من سنن رسول الله أو أولى بما يعرف أهل العلم أو أصح في القياس والذي عليه الاكثر من أصحاب رسول الله (783) قال وهكذا نقول ويقول أهل العلم (784) قلت فحديث عائشة اشبه بكتاب الله لان الله يقول (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) فإذا أحل الوقت فاولى المصلين بالمحافظة المقدم الصلاة
(785) وهو أيضا اشهر رجلا بالثقة واحفظ ومع حديث عائشة ثلاثة كلهم يروون عن النبي مثل معنى حديث عائشة زيد بن ثابت وسهل بن سعد
(786) وهذا اشبه بسنن النبي من حديث رافع بن@(1/127)
خديج (787) قال وأي سنن (788) قلت قال رسول الله " وأول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله "
(789) وهو لا يؤثر على رضوان الله شيئا والعفو لا يحتمل إلا معنيين عفو عن تقصير أو توسعه والتوسعة تشبه ان يكون الفضل في غيرها إذ لم يؤمر بترك ذلك الغير الذي وسع في خلافها (790) قال وما تريد بهذا
(791) قلت إذ لم نؤمر بترك الوقت الاول وكان جائزا ان نصلي فيه وفي غيره قبله فالفضل في التقديم والتأخير تقصير موسع (792) الرب عز وجل وقد أبان رسول الله مثل ما قلنا وسئل أي الاعمال أفضل فقال@(1/128)
" الصلاة في أول وقتها " (793) وهو لا يدع موضع الفضل ولا يأمر الناس إلا به (794) وهو الذي لا يجهله عالم ان تقديم الصلاة في أول وقتها أولى بالفضل لما يعرض للآدميين من الاشغال والنسيان والعلل
(795) وهذا أشبه بمعنى كتاب الله
(796) قال وأين هو كتاب الله (797) قلت قال الله (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) ومن قدم الصلاة في أول وقتها كان أولى بالمحافظة عليها ممن أخرها عن أول الوقت (798) وقد رأينا الناس فيما وجب عليهم وفيما تطوعوا به يؤمرون بتعجيله غذا أمكن لما يعرض للآدميين من الاشغال والنسيان والعلل الذي لا تجهله العقول (799) وغن تقديم صلاة الفجر في أول وقتها عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وأبي موسى الاشعري وأنس بن مالك وغيرهم مثبت (800) فقال فإن أبا بكر وعمر وعثمان دخلوا في الصلاة مغلسين وخرجوا منها مسفرين بإطالة القراءة
(801) فقلت له قد اطالوا القراءة وأوجزوها والوقت في الدخول لا في الخروج من الصلاة وكلهم دخل مغلسا وخرج رسول الله منها مغلسا (802) فخالفت الذي هو أولى بك ان تصير إليه مما ثبت عن رسول الله وخالفتهم فقلت يدخل الداخل فيها مسفرا ويخرج مسفرا ويوجز القراءة فخالفتهم في الدخول وما احتججت به من طول القراءة وفي الاحاديث عن بعضهم أنه خرج منها مغلسا (803) قال فقال أفتعد خبر رافع يخالف خبر عائشة (804) فقلت له لا@(1/129)
(805) فقال فباي وجه يوافقه (806) فقلت إن رسول الله لما حض الناس على تقديم الصلاة وأخبر بالفضل فيها احتمل ان يكون من الراغبين من يقدمها قبل الفجر الآخر فقال " أسفروا بالفجر " يعني حتى يتبين الفجر الآخر معترضا
(807) قال افيحتمل معنى غير ذلك (808) قلت نعم يحتمل ما قلت وما بين ما قلنا وقلت وكل معنى يقع عليه اسم " الاسفار " (809) قال فما جعل معناكم أولى من معنانا (810) فقلت بما وصفت من التأويل وبأن النبي قال " هما فجران فأما الذي كأنه ذنب السرحان فلا يحل شيئا ولا يحرمه وأما الفجر المعترض فيحل الصلاة ويحرم الطعام " يعني على من أراد الصيام.
وجه آخر مما يعد مختلفا (811) أخبرنا سفيان@(1/130)
عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الانصاري ان النبي قال " لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها لغايط أو بول ولكن شرقوا أو غربوا قال أبو أيوب فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد صنعت فننحرف ونستغفر الله " (812) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد
بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول " إن ناسا يقولون إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس فقال عبد الله لقد ارتقيت على
ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته " (813) قال الشافعي أدب رسول الله من كان بين ظهرانيه وهم عرب لا مغتسلات لهم أو لاكثرهم في منازلهم فاحتمل أدبه لهم معنيين (814) أحدهما أنهم إنما كانوا يذهبون لحوائجهم في الصحراء فامرهم الا يستقبلوا القبلة ولا يستدبروها لسعة الصحراء ولخفة المؤنة عليهم لسعة مذاهبهم عن أن تستقبل القبلة أو تستدبر لحاجة الانسان من غايط أو بول ولم يكرهم مرفق في استقبال القبلة ولا استدبارها أوسع عليهم من توقى ذلك
(815) وكثيرا ما يكون الذاهبون@(1/131)
في تلك الحال في غير ستر عن مصلي يرى عوراتهم مقبلين ومدبرين غذا استقبل القبلة فأمروا أن يكرموا قبلة الله ويستروا العورات من مصلي إن صلى حيث يراهم وهذا المعنى اشبه معانيه والله أعلم (816) وقد يحتمل أن يكون نهاهم أن يستقبلوا ما جعل قبلة في الصحراء لغائط أو بول لئلا يتغوط أو يبال في القبلة
فتكون قذرة بذلك أو من ورائها فيكون من ورائها أذى للمصلين إليها (817) قال فسمع أبو أيوب ما حكي عن النبي جملة فقال
به على المذهب في الصحراء والمنازل ولم يفرق في المذهب بين المنازل التي للناس مرافق ان يضعوها في بعض الحالات مستقبلة القبلة أو مستدبرتها والتي يكون فيها الذاهب لحاجته مستترا فقال بالحديث جملة كما سمعه جملة (818) وكذلك ينبغي لمن سمع الحديث أن يقول به على عمومه وجملته حتى يجد دلالة يفرق بها فيه بينه (819) قال اشافعي لما حكى بن عمر انه رأى النبي مستقبلا بيت المقدس لحاجته وهو إحدى القبلتين وإذا استقبله استدبر الكعبة انكر على من يقول لا يستقبل القبلة
ولا تستدبرها وراى أن لا ينبغي لاحد أن ينتهي عن أمر فعله رسول الله@(1/132)
(820) ولم يسمع فيما يرى ما أمر به رسول الله في الصحراء فيفرق بين الصحراء والمنازل فيقول بالنهي في الصحراء وبالرخصة في المنازل فيكون قد قال بما سمع ورأى وفرق بالدلالة عن رسول الله على ما فرق بينه لافتراق حال الصحراء والمنازل (821) وفي هذا بيان ان كل من سمع من رسول الله شيئا قبله عنه وقال به وإن لم يعرف حيث يتفرق لم يتفرق بين
ما لم يعرف غلا بدلالة عن رسول الله على الفرق بينه
(822) ولهذا أشباه في الحديث اكتفينا بما ذكرنا منها مما لم نذكر.
وجه آخر من الاختلاف
(823) أخبرنا بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس قال أخبرني الصعب بن جثامة " أنه سمع النبي يسئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم فقال رسول الله هم منهم " وزاد عمر بن دينار عن الزهري " هم من آبائهم@(1/133)
(824) أخبرنا بن عيينة عن الزهري عن بن كعب بن مالك عن عمه " أن النبي لما بعث إلى بن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والولدان " (825) قال فكان سفيان يذهب إلى ان قول النبي " هم منهم " إباحة لقتلهم وأن حديث بن أبي الحقيق ناسخ له وقال كان الزهري غذا حدث حديث الصعب بن جثامة اتبعه حديث ابن كعب
(826) قال الشافعي وحديث الصعب بن جثامة في عمرة النبي فإن كان في عمرته الاولى فقد قيل أمر بن أبي الحقيق قبلها وقيل في سنتها وإن كان في عمرته الآخرة فهو بعد أمر بن أبي
الحقيق غير شك والله اعلم (827) صلى الله عليه وسلم ولم نعلمه صلى الله عليه رخص في قتل النساء والولدان ثم نهى عنه (828) ومعنى نهيه عندنا والله أعلم عن قتل النساء والولدان أن يقصد قصدهم بقتل وهم يعرفون متميزين ممن أمر بقتله منهم (829) ومعنى قوله هم منهم انهم يجمعون خصلتين أن
ليس لهم حكم الايمان الذي يمنع به الدم ولا حكم دار الايمان الذي يمنع به الاغارة على الدار (830) وغذا أباح رسول الله البيات والاغارة على الدار فاغار على بني@(1/134)
المصطلق غارين فالعلم يحيط ان البيات والاغارة إذا حل بإحلال رسول الله لم يمتنع أحد بيت أو أغار من أن يصيب النساء والولدان فيسقط المأثم فيهم والكفارة والعقل والقود عن من أصابهم إذ أبيح له أن يبيت ويغير وليست لهم حرمة الاسلام (831) ولا يكون له قتلهم عامدا لهم متميزين عارفا بهم (832) فإنما نهى عن قتل الولدان لانهم لم يبلغوا كفرا فيعلموا به وعن قتل النساء لانه لا معنى فيهن لقتال وأنهن والولدان يتخولون فيكونون قوة لاهل دين الله
(833) فإن قال قائل أبن هذا بغيره
(834) قيل فيه ما اكتفى العالم به من غيره (835) فإن قال أفتجد ما تشده به غيره وتشبه من كتاب الله (836) قلت نعم قال الله (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما) (837) قال فأوجب الله بقتل المؤمن خطأ الدية وتحرير رقبة وفي قتل ذي الميثاق الدية وتحرير رقبة إذا كانا معا ممنوعي الدم بالايمان والعهد والدار معا فكان المؤمن في الدار غير
الممنوعة وهو ممنوع بالايمان فجعلت فيه الكفارة بإتلافه ولم يجعل فيه الدية وهو ممنوع الدم بالايمان فلما كان الولدان والنساء من المشركين لا ممنوعين بإيمان ولا دار ولم يكن فيهم عقل ولا قود ولا دية ولا مأثم إن شاء الله ولا كفارة@(1/135)
في غسل الجمعة
(838) فقال فاذكر وجوها من الاحاديث المختلفة عند بعض الناس أيضا (839) فقلت أخبرنا مالك عن صفوان بن سليم عن
عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم " (840) أخبرنا بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه
أن النبي قال " من جاء منكم الجمعة فليغتسل " (841) قال الشافعي فكان قول رسول الله في " غسل يوم الجمعة واجب " وأمره بالغسل يحتمل معنيين الظاهر منهما أنه واجب فلا تجزئ الطهارة لصلاة الجمعة إلا بالغسل كما لا يجزئ في طهارة الجنب غير الغسل ويحتمل واجب في الاختيار والاخلاق والنظافة @(1/136)
(842) أخبرنا مالك عن الزهري عن سالم قال " دخل رجل من أصحاب النبي يوم الجمعة وعمر بن الخطاب يخطب فقال عمر أيت ساعة هذه فقال يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت فقال عمر
الوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله كان يأمر بالغسل " (843) أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه كمثل معنى حديث مالك وسمى الداخل يوم الجمعة بغير غسل " عثمان بن عفان " (844) قال فلما حفظ عمر عن رسول الله أنه كان يأمر بالغسل وعلم أن عثمان قد علم من أمر رسول الله بالغسل ثم ذكر عمر لعثمان أمر النبي بالغسل وعلم عثمان ذلك فلو ذهب
على متوهم أن عثمان نسي فقد ذكره عمر قبل الصلاة بنسيانه فلما لم يترك عثمان الصلاة للغسل ولما لم يأمره عمر بالخروج للغسل دل ذلك على أنهما قد علما أن أمر رسول الله بالغسل على الاختيار لا على أن لا يجزئ غيره لان عمر بلم يكن ليدع أمره@(1/137)
بالغسل ولا عثمان إذ علمنا انه ذاكر لترك الغسل وأمر النبي بالغسل إلا والغسل كما وصفنا على الاختيار (845) قال وروى البصريون أن النبي قال " من توضأ يوم الجمعة فبها نعمة ومن اغتسل فالغسل أفضل "
(846) أخبرنا سفيان عن يحيى عن عمرة عن عائشة قالت " كان الناس عمال أنفسهم وكانوا يروحون بهيأتهم فقيل لهم لو اغتسلتم "@(1/138)
النهي عن معنى دل عليه في حديث غيره
(847) أخبرنا مالك عن أبي الزناد ومحمد بن يحيى بن حبان عن الاعرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه " (848) أخبرنا مالك عن نافع عن بن عمر عن النبي أنه قال " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه " (849) قال الشافعي فلو لم تات عن رسول الله دلالة على ان نهيه عن أن يخطب على خطبة أخيه على معنى
دون معنى كان الظاهر أن حراما ان يخطب المرء على خطبة غيره من حين يبتدئ إلى أن يدعها (850) قال وكان قول النبي " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه " يحتمل ان يكون جوابا أراد به فسي معنى الحديث ولم يسمع من حدثه السبب@(1/139)
الذي له قال رسول الله هذا فأديا بعضه دون بعض أو شكا في بعضه وسكتا عما شكا فيه (851) فيكون النبي سئل عن رجل خطب امرأة فرضيته وأذنت في نكاحه فخطبها أرجح عندها منه فرجعت عن الاول الذي أذنت في نكاحه فنهى عن خطبة المرأة إذا كانت بهذه
الحال وقد يكون ان ترجع عن من أذنت في نكاحه فلا ينكحها من رجعت له فيكون فسادا عليها وعلى خاطبها الذي اذنت في نكاحه (852) فإن قال قائل لم صرت إلى أن تقول إن نهي النبي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه على معنى دون معنى (853) فبالدلالة عنه (854) فإن قال فأين هي (855) قيل له إن شاء الله أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها فأمرها رسول الله أن تعتد في
بيت أم مكتوم وقال إذا حللت فادنيني قالت فلما
حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله فأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد قالت فكرهته فقال@(1/140)
انكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به (856) قال الشافعي فبهذا قلنا (857) ودلت سنة رسول الله في خطبته فاطمة على أسامة بعد إعلامها رسول الله أن معاوية وأبا جهم خطباها على أمرين (858) أحدهما أن النبي يعلم أنهما لا يخطبانها إلا وخطبة أحدهما بعد خطبة الآخر فلما لم ينهها ولم يقل لها ما كان لواحد
أن يخطبك حتى يترك الآخر خطبتك وخطبها على أسامة بن زيد بعد خطبتهما فاستدللنا على أنها لم ترضى ولو رضيت واحدا منهما أمرها أن تتزوج من رضيت وأن إخبارها إياه بمن خطبها إنما كان إخبارا عما لم تأذن فيه ولعلها استشارة له ولا يكون أن تستشيره وقد أذنت بأحدهما (859) فلما خطبها على أسامة استدللنا على أن الحال التي خطبها فيه غير الحال التي نهى عن خطبتها فيها ولم تكن حال تفرق بين خطبتها حتى يحل بعضها ويحرم بعضها إلا إذا أذنت للولي ان يزوجها فكان لزوجها إن زوجها الولي أن يلزمها التزويج وكان عليه أن يلزمه وحلت له فأما قبل ذلك فحالها واحدة ليس لوليها أن يزوجها حتى تأذن فركونها وغير ركونها سواء
(860) فإن قال قائل فإنها راكنة مخالفة لحالها غير راكنة (861) فكذلك هي لو خطبت فشتمت الخاطب وترغبت عنه ثم عاد عليها بالخطبة فلم تشتمه ولم تظهر ترغبا ولم تركن كانت حالها التي تركت فيها شتمة مخالفة لحالها التي شتمته فيها وكانت @(1/141)
في هذه الحال أقرب إلى الرضا ثم تنتقل حالاتها لانها قبل الركون إلى متأول بعضها أقرب إلى الركون من بعض
(862) ولا يصح فيه معنى بحال والله أعلم إلا ما وضفت من أنه نهى على الخطبة بعد إذنها للولي بالتزويج حتى يصير أمر الولي جائزا فأما ما لم يجز أمر الولي فأول حالها وآخرها سواء والله أعلم النهي عن معنى أوضح من معنى قبله
(863) أخبرنا مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله قال " كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار
(864) أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله قال " لا يبيع الرجل على بيع أخيه " (865) قال الشافعي وهذا معنى يبين أن رسول الله قال " المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا " وأن نهيه على ان يبيع الرجل على بيع
أخيه إنما هو قبل أن يتفرقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه (866) وذلك أنهما لا يكونان متبايعين حتى يعقدا البيع معا فلو كان البيع إذا عقداه لزم كل واحد منهما ما ضر البائع أن يبيعه رجل سلعة كسلعته أو غيرها وقد تم بيعه لسلعته ولكنه لما كان لهما الخيار كان الرجل لو اشترى من رجل ثوبا بعشرة دنانير فجاءه آخر فأعطاه مثله بتسعة دنانير اشبه ان يفسخ البيع إذا كان له الخيار قبل أن يفارقه ولعله يفسخه ثم لا يتم
البيع بينه وبين الآخر فيكون الآخر قد أفسد على البائع المشتري أو على أحدهما (867) فهذا وجه النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه@(1/142)
لا وجه له غير ذلك (868) الا ترى انه لو باعه ثوبا بعشرة دنانير فلزمه البيع قبل أن يتفرقا من مقامهما ذلك ثم باعها آخر خيرا منه بدينار لم يضر البائع الاول لانه قد لزمه عشرة دنانير لا يستطيع فسخها (869) قال وقد روي عن النبي أنه قال " لا يسوم أحدكم على سوم أخيه " فإن كان ثابتا ولست احفظه ثابتا فهو مثل " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه " لا يسوم على سومه إذا رضي البيع وأذن بأن يباع قبل البيع حتى لو بيع لزمه
(870) فإن قال قائل ما دل على ذلك@(1/143)
(871) فإن رسول الله باع فيمن يزيد وبيع من يزيد سوم رجل على سوم أخيه ولكن البائع لم يرضى السوم الاول حتى طلب الزيادة
النهي عن معنى يشبه الذي قبله في شئ ويفارقه في شئ غيره
(872) أخبرنا مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الاعرج عن أبي هريرة " أن رسول الله نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس " (873) أخبرنا مالك عن نافع عن بن عمر ان رسول الله قال "@(1/144)
لا يتحرى أحدكم بصلاته عند طلوع الشمس ولا عند غروبها " (874) أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي ان رسول الله قال " إن الشمس تطلع
ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها ثم إذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها ونهى رسول الله عن الصلاة في تلك الساعات " (875) فاحتمل النهي من رسول الله عن الصلاة في هذه الساعات معنيين (876) أحدهما وهو أعمهما أن تكون الصلوات كلها
واجبها الذي نسي ونيم عنه وما لزم بوجه من الوجوه منها محرما في هذه الساعات لا يكون لاحد أن يصلي فيها ولو صلى لم يؤدي ذلك عنه ما لزمه من الصلاة كما يكون من قدم صلاة@(1/145)
قبل دخول وقتها لم تجزئ عنه
(877) واحتمل أن يكون أراد به بعض الصلاة دون بعض (878) فوجدنا الصلاة تتفرق بوجهين أحدهما ما وجب منها فلم يكن لمسلم تركه في وقته ولو تركه كان عليه قضاه والآخر ما تقرب إلى الله بالتنقل فيه وقد كان للمتنقل تركه بلا قضا له عليه (879) ووجدنا الواجب عليه منها يفارق التطوع في السفر إذا كان المرء راكبا فيصلي المكتوبة بالارض لا يجزئه غيرها والنافلة راكبا متوجها حيث شاء (880) ومفرقان في الحضر والسفر ولا يكون لمن أطاق
القيام أن يصلي واجبا الصلاة قاعدا ويكون ذلك له في النافلة (881) فلما احتمل المعنيين وجب على أهل العلم أن لا يحملوها على خاص دون عام إلا بدلالة من سنة رسول الله أو إجماع علماء المسلمين الذين لا يكن أن يجمعوا على خلاف سنة رسول الله (882) قال وهكذا غير هذا من حديث رسول الله هو على الظاهر من العام حتى تأتي الدلالة عنه كما وصفت أو بإجماع المسلمين أنه على باطن دون ظاهر وخاص دون عام فيجعلونه
بما جاءت عليه الدلالة عليه ويطيعونه في الامرين جميعا (883) أخبرنا مالك عن زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر@(1/146)
بن سعيد وعن الاعرج يحدثونه عن أبي هريرة أن رسول الله
قال " من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " (884) قال الشافعي " فالعلم يحيط ان المصلي ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس والمصلي ركعة من العصر قبل غروب الشمس قد صليا معا في وقتين يجمعان تحريم وقتين وذلك أنهما صليا بعد الصبح والعصر ومع بزوغ الشمس ومغيبها وهذه أربعة أوقات منهي عن الصلاة فيها (885) لما جعل رسول الله المصلين في هذه الاوقات مدركين لصلاة الصبح والعصر استدللنا على أن نهيه عن الصلاة في هذه الاوقات على النوافل التي لا تلزم وذلك انه لا يكون
أن يجعل المرء مدركا لصلاة في وقت نهي فيه عن الصلاة (886) أخبرنا مالك عن بن شهاب عن بن المسيب أن رسول الله قال من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول (أقم الصلاة لذكري) " (887) وحدث أنس بن@(1/147)
مالك وعمران بن حصين عن النبي مثل معنى حديث بن المسيب وزاد أحدهما "
أو نام عنها " (888) قال الشافعي فقال رسول الله " فليصلها إذا
ذكرها " فجعل ذلك وقتا لها وأخبر به عن الله تبارك وتعالى ولم يستثني وقتا من الاوقات يدعها فيه بعد ذكرها (889) أخبرنا بن عيينة عن أبي الزبير عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم أن النبي قال " يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمر الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار @(1/148)
" (890) أخبرنا عبد المجيد عن بن جريج عن
عطاء عن النبي مثل معناه وزاد فيه " يا بني عبد المطلب يا بني عبد مناف " ثم ساق الحديث (891) قال فأخبر جبير عن النبي أنه أمر بإباحة الطواف بالبيت والصلاة له في أي ساعة شاء الطائف والمصلي (892) وهذا يبين أنه أنما نهى عن المواقيت التي نهى عنها عن الصلاة التي لا تلزم بوجه من الوجوه فأما ما لزم فلم ينه عنه بل إباحه صلى الله عليه (893) وصلى المسلمون على جنائزهم عامة بعد العصر والصبح لانها لا زمة (894) وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن عمر بن الخطاب
طاف بعد الصبح ثم نظر فلم يرى الشمس طلعت فركب حتى اتى ذا طوى وطلعت الشمس فأناخ فصلى فنهى عن الصلاة للطواف بعد العصر وبعد الصبح كما نهى عما لا يلزم من الصلاة (895) قال فإذا كان لعمر أن يؤخر الصلاة للطواف فإنما تركها لان ذلك له ولانه لو أراد منزلا بذي طوى لحاجة كان واسعا له إن شاء الله ولكن سمع النهي جملة عن الصلاة@(1/149)
وضرب المنكدر عليها بالمدينة بعد العصر ولم يسمع ما يدل على أنه
إنما نهى عنها للمعنى الذي وصفنا فكان يجب عليه ما فعل (896) ويجب على من علم المعنى الذي أباحها فيه خلاف المعنى الذي نهى فيه عنها كما وصفت مما روى علي عن النبي من النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث إذا سمع النهي ولم يسمع سبب النهي (897) قال فإن قال قائل فقد صنع أبو سعيد الخدري كما صنع عمر (898) قلنا والجواب فيه كالجواب في غيره
(899) قال فإن قال قائل فهل من أحد صنع خلاف ما صنعا (900) قيل نعم بن عمر وابن عباس وعائشة والحسن والحسين وغيرهم وقد سمع بن عمر النهي من النبي
(901) أخبرنا بن عيينة عن عمرو بن دينار قال رأيت أنا وعطاء بن أبي رباح بن عمر طاف بعد الصبح وصلى قبل أن تطلع الشمس@(1/150)
(902) سفيان عن عمار الدهني عن أبي شعبة أن الحسن والحسين طافا بعد العصر وصليا
(903) أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن بن جريج عن بن أبي مليكة قال رأيت بن عباس طاف بعد العصر وصلى (904) قال وإنما ذكرنا تفرق أصحاب رسول الله في هذا ليستدل من علمه على أن تفرقهم فيما لرسول الله فيه سنة لا يكون إلا على هذا المعنى أو على أن لا تبلغ السنة من قال خلافها منهم أو تأويل تحتمله السنة أو ما أشبه ذلك مما قد يرى قائله له فيه عذر إن شاء الله (905) وغذا ثبت عن رسول الله الشئ فهو لازم لجميع من عرفه لا يقويه ولا يوهنه شئ غيره بل الفرض الذي على الناس اتباعه ولم يجعل لاحد معه أمرا يخالف أمره
باب آخر
(906) أخبرنا مالك عن نافع عن بن عمر " أن رسول الله نهى عن@(1/151)
المزابنة بيع الثمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا " (907) أخبرنا مالك عن عبد الله بن زيد مولى الاسود
بن سفيان أن زيدا أبا عياش أخيره عن سعد بن أبي وقاص " أنه سمع النبي سئل عن شراء التمر بالرطب فقال النبي أينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم فنهى عن ذلك "
(908) أخبرنا مالك عن نافع عن بن عمر عن زيد بن@(1/152)
ثابت " أن رسول الله رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها " (909) أخبرنا بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه نعن زيد بن ثابت " أن النبي رخص في العرايا "
(910) قال الشافعي فكان بيع الرطب بالتمر منهيا عنه لنهي النبي وبين رسول الله أنه إنما نهى عنه لانه ينقص إذا يبس وقد نهى عن التمر بالتمر غلا مثلا بمثل فلما نظر في المتعقب من نقصان الرطب إذا يبس كان لا يكون أبدا مثلا بمثل غذ كان النقصان مغيبا لا يعرف فكان يجمع معنيين أحدهم التفاضل في المكيلة والآخر المزابنة وهي بيع ما يعرف كيله بما يجهل كيله من جنسه فكان منهيا لمعنين (911) فلما رخص رسول الله في بيع العرايا بالتمر كيلا لم تعدوا العرايا أن تكون رخصة من شئ نهى عنه أو لم يكن النهي عنه عن المزابنة والرطب بالتمر إلا مقصودا بهما إلى غير
العرايا فيكون هذا من الكلام العام الذي يراد به الخاص@(1/153)
وجه يشبه المعنى الذي قبله
(912) وأخبرنا سعيد بن سالم عن بن جريج عن عطاء عن صفوان بن موهب أنه أخبره عن عبد الله بن محمد بن صيفي عن حكيم بن حزام أنه قال " قال لي
رسول الله ألم أنبأ أو ألم يبلغني أو كما شاء الله من ذلك أنك تبيع الطعام قال حكيم بلى يا رسول الله فقال رسول الله لا تبيعن طعاما حتى تشتريه وتستوفيه @(1/154)
" (913) أخبرنا سعيد عن بن جريج قال أخبرني عطاء ذلك أيضا عن عبد الله بن عصمة عن حكيم بن حزام انه سمعه منه عن النبي (914) أخبرنا الثقة عن أيوب بن أبي تميمة عن يوسف
بن ماهك عن حكيم بن حزام قال " نهاني رسول الله عن بيع ما ليس عندي " (915) يعني بيع ما ليس عندك وليس بمضمون عليك (916) أخبرنا بن عيينة عن بن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن بن عباس قال " قدم رسول الله
المدينة وهو يسلفون في التمر السنة والسنتين فقال رسول الله من سلف فليسلف في كيل معلوم وأجل@(1/155)
معلوم " (917) قال الشافعي حفظي " وأجل معلوم "
(918) وقال غيري قد قال ما قلت وقال " أو إلى أجل معلوم "
(919) قال فكان نهي النبي " أن يبيع المرء ما ليس عنده " يحتمل أن يبيع ما ليس بحضرته يراه المشتري كما يراه البائع عند تبايعهما ويحتمل أن يبيعه ما ليس عنده ما ليس يملك بعينه
فلا يكون موصوفا مضمونا على البائع يؤخذ به ولا في ملكه فيلزم أن يسلمه إليه بعينه وغير هذين المعنيين (920) فلما أمر رسول الله من سلف أن يسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم أو إلى أجل معلوم دخل هذا بيع ما ليس عند المرء حاضرا ولا مملوكا حين باعه (921) ولما كان هذا مضمونا على البائع بصفة يؤخذ بها عند محل الاجل دل على أنه إنما نهى عن بيع عين الشئ في ملك البائع والله أعلم (922) وقد يحتمل أو يكون النهي عن بيع العين الغائبة
كانت في ملك الرجل أو في غير ملكه لانها قد تهلك وتنقص قبل أن يراها المشتري (923) قال فكل كلام كان عاما ظاهرا في سنة رسول الله فهو على ظهوره وعمومه حتى يعلم حديث ثابت عن رسول الله بأبي هو وأمي يدل على أنه إنما أريد بالجملة العامة
في الظاهر بعض الجملة دون بعض كما وضفت من هذا وما كان في مثل معناه (924) ولزم أهل العلم ان يمضوا الخبرين على وجوههما ما وجدوا لامضائهما وجها ولا يعدونهما مختلفين@(1/156)
وهما يحتملان أن يمضيا وذلك إذا أمكن فيهما أن يمضيا معا أو وجد السبيل إلى إمضائهما ولم يكن منهما واحد بأوجب من الآخر
(925) ولا ينسب الحديثان إلى الاختلاف ما كان لهما وجها يمضيان معا إنما المختلف ما لم يمضي إلا بسقوط غيره مثل أن يكون الحديثان في الشئ الواحد هذا يحله وهذا يحرمه
صفة نهي الله ونهي رسوله
(926) الله عز وجل فقال فصف لي جماع نهي الله جل ثناؤه ثم نهى لنبي عاما لا تبق منه شيئا (927) فقلت له يجمع نهيه معنيين (927) أحدهما ان يكون الشئ الذي نهى عنه محرما لا يحل إلا بوجه دل الله عليه في كتابه أو على لسان نبيه (929) فإذا نهى رسول الله عن الشئ من هذا فالنهي محرم لا وجه له غير التحريم إلا ان يكون على معنى كما وصفت (930) الله تبارك وتعالى قال فصف لي هذا الوجه الذي بدات بذكره من
النهي بمثال يدل على ما كان في مثل معناه@(1/157)
(931) قال فقلت له كل النساء محرمات الفروج إلا بواحد من المعنيين النكاح والوطئ بملك اليمين وهما المعنيان اللذان أذن الله فيهما وسن رسول الله كيف النكاح الذي يحل به الفرج المحرم قبله فسن فيه وليا وشهودا ورضا من المنكوحة الثيب وسنته في رضاها دليل على أن ذلك يكون برضا المتزوج لا فرق بينهما (932) فإذا جمع النكاح أربعا رضا المزوجة الثيب والزوج وأن يزوج المرأة وليها بشهود حل النكاح إلا في حالات سأذكرها إن شاء الله (933) وإذا نقص النكاح واحد من هذا كان
النكاح فاسد لانه لم يؤت به كما سن رسول الله فيه الوجه الذي يحل به النكاح (934) ولو سمي صداقا كان أحب إلي ولا يفسد النكاح بترك تسمية الصداق لان الله أثبت النكاح في كتابه بغير مهر وهذا مكتوب في غير هذا الموضع (935) قال وسواء في هذه المرأة الشريفة والدنية لان كل واحد منهما فيما يحل به ويحرم ويجب لها وعليها من الحلال والحرام والحدود سواء (936) والحالات التي لو أتي بالنكاح فيها على ما وصفت
يجوز النكاح فيما لم ينه فيها عنها من النكاح فأما إذا عقد بهذه الاشياء كان النكاح مفسوخا بنهي الله في كتابه وعلى لسان نبيه عن النكاح بحالات نهى عنها فذلك مفسوخ (937) وذلك أن ينكح الرجل أخت امرأته وقد نهى الله عن الجمع بينهما@(1/158)
وأن ينكح الخامسة وقد انتهى الله به إلى أربع فبين
النبي أن انتهاء الله به إلى أربع حظر عليه أن يجمع بين أكثر منهن أو ينكح المرأة على عمتها أو خالتها وقد نهى النبي عن ذلك وان ينكح المرأة في عدتها (938) فكل نكاح كان من هذا لم يصح وذلك أنه قد نهى عن عقده وهذا ما خلاف فيه بين أحد من أهل العلم (939) ومثله والله أعلم ان النبي نهى عن الشغار وأن النبي نهى عن نكاح المتعة وأن النبي نهى المحرم أن ينكح أو ينكح (940) فنحن نفسخ هذا كله من النكاح في هذه الحالات التي نهى عنها بمثل ما فسخنا به ما نهى مما ذكر قبله
(941) وقد يخالفنا في هذا غيرنا وهو مكتوب فسي غير هذا المرضع (942) ومثله أن ينكح المرأة بغير إذنها فتجيز بعد فلا يجوز لان العقد وقع منهيا عنه (943) ومثل هذا ما نهى عنه رسول الله من بيع
الغرر وبيع الرطب@(1/159)
بالتمر إلا في العرايا أو غير ذلك مما نهى عنه (944) وذلك أن أصل مال كل امرئ محرم على غيره إلا بما أحل به وما أحل به من البيوع ما لم ينه عنه رسول الله ولا يكون ما نهى عنه رسول الله من البيوع محلا ما كان أصله محرما
من مال الرجل لاخيه ولا تكون المعصية بالبيع المنهي عنه تحل محرما ولا تحل إلا بما لا يكون معصية وهذا يدخل في عامة العلم (945) فإن قال قائل ما الوجه المباح الذي نهي المرء فيه عن شئ وهو يخالف النهي الذي ذكرت قبله (946) فهو إن شاء الله مثل نهي رسول الله أن يشتمل الرجل على الصماء@(1/160)
وأن يحتبي في ثوب واحد مفضيا بفرجه
السماء وأنه أمر غلاما أن يأكل مما بين يديه ونهاه أن يأكل من أعلى الصحفة ويروى عنه وليس كثبوت ما قبله مما ذكرنا انه نهى عن أن يقرن الرجل غذا أكل بين التمرتين وأن يكشف التمرة عما في جوفها وأن يعر على ظهر الطريق
(947) فلما كان الثوب مباحا للابس والطعام مباحا لآكله حتى يأتي عليه كله إن شاء والارض مباحة له إن كانت لله لا لآدمي وكان الناس فيها شرعا فهو@(1/161)
نهي فيها عن شئ ان يفعله وامر فيها بأن يفعل شيئا غير الذي نهي عنه
(948) والنهي يدل على أنه إنما نهى عن اشتمال الصماء والاحتباء مفضيا بفرجه غير مستتر ان في ذلك كشف عورته قيل له يسترها بثوبه فلم يكن نهيه عن كشف عورته نهيه عن لبس ثوبه فيحرم عليه لبه بل أمره أن يلبسه كما يستر عورته
(949) ولم يكن أمره ان يأكل من بين يديه ولا يأكل من رأس الطعام إذا كان مباحا له أن يأكل ما بين يديه وجميع الطعام إلا أدبا في الاكل من بين يديه لانه أجمل به عند مواكله وأبعد له من قبح الطعمة والنهم وأمره ألا يأكل من رأس الطعام لان البركة تنزل منه له على النظر له في أن يبارك له بركة دائمة يدوم نزولها له وهو يبيح له إذا أكل ما حول رأس الطعام أن يأكل رأسه (950) وإذا أباح له الممر على ظهر الطريق فالممر عليه غذا كان مباحا
لانه لا مالك له يمنع الممر عليه فيحرم بمنعه فإنما نهاه لمعنى يثبت نظرا له فإنه قال " فإنها مأوى الهوام وطرق الحيات " على النظر له لا على أن التعريس محرم وقد ينهى عنه إذا كانت الطريق متضايقا مسلوكا لانه إذا عرس عليه في ذلك الوقت منع غيره حقه في المعمر.
(951) فإن قال قائل فما الفرق بين هذا والاول@(1/162)
(952) قيل له من قامت عليه الحجة يعلم أن النبي نهى عما وصفنا ومن فعل ما نهي عنه وهو عالم بنهيه فهو عاص بفعله
ما نهي عنه وليستغفر الله ولا يعود (953) فإن قال فهذا عاص والذي ذكرت في الكتاب
قبله في النكاح والبيوع عاص فكيف فرقت بين حالهما (954) فقلت اما في المعصية فلم أفرق بينهما لاني قد جعلتهما عاصيين وبعض المعاصي أعظم من بعض (955) فإن قال فكيف لم تحرم على هذا لبسه وأكله وممره على الارض بمعصيته وحرمت على الآخر نكاحه وبيعه بمعصيته (956) قيل هذا أمر بأمر في مباح حلال له فأحللت له ما حل له وحرمت عليه ما حرم عليه وما حرم عليه غير ما أحل له ومعصيته في الشئ المباح له لا تحرمه عليه بكل حال ولكن تحرم عليه أن يفعل فيه المعصية (957) فإن قيل فما مثل هذا (958) قيل له الرجل له الزوجة والجارية وقد نهي أن يطأهما حائضتين وصائمتين ولو فعل لم يحل ذلك الوطئ له
في حاله تلك ولم تحرم واحدة منهما عليه فيس حال غير تلك أحال إذا كان أصلهما مباحا وحلالا (959) رضي الله تعالى عنهما وأصل مال الرجل محرم على غيره إلا بما أبيح به مما يحل وفروج النساء محرمات إلا بما أبيحت به من النكاح والملك فإذا عقد عقدة النكاح أو البيع منهيا عنها على محرم
لا يحل إلا بما أحل به لم يحل@(1/163)
المحرم بمحرم وكان على أصل تحريمه حتى يؤتى بالوجه الذي احله الله به في كتابه أو على لسان رسوله أو إجماع المسلمين أو ما هو في مثل معناه (960) قال وقد مثلت قبل هذا النهي الذي أريد به غير التحريم بالدلائل فاكتفيت من ترديده وأسأل الله العصمة والتوفيق
باب العلم
(961) قال الشافعي فقال لي قائل ما العلم وما يجب على الناس في العلم فقلت له العلم علمان علم عامة لا يسع بالغا غير مغلوب على عقله جهله (962) قال ومثل ماذا (963) قلت مثل الصلوات الخمس وأن لله على الناس صوم شهر رمضان وحج البيت غذا استطاعوه وزكاة في أموالهم وأنه حرم عليهم الزنا والقتل والسرقة والخمر وما كان في معنى
هذا مما كلف العباد أن يعقلوه ويعملوه ويعطوه من أنفسهم وأموالهم وأن يكفوا عنه ما حرم عليه منه (964) وهذا الصنف كله من العلم موجودا نصا في كتاب الله وموجودا عاما عند أهل الاسلام ينقله عوامهم عن من مضى من@(1/164)
عوامهم يحكونه عن رسول الله ولا يتنازعون في حكايته ولا وجود به عليهم
(965) وهذا العلم العام الذي لا يمكن فيه الغلط من الخبر ولا التأويل ولا يجوز فيه التنازع (966) قال فما الوجه الثاني (967) قلت له ما ينوب العباد من فروع الفرائض وما يخص به من الاحكام وغيرها مما ليس فيه نص كتاب ولا في أكثر نص سنة وإن كانت في شئ سنة فإنما هي من أخبار الخاصة ولا أخبار العامة وما كان منه يحتمل التأويل ويستدرك قياسا (968) قال فيعدو هذا أن يكون واجبا وجوب العلم قبله أو موضوعا عن الناس علمه حتى يكون علمه منتفلا
ومن ترك علمه غير آثم بتركه أو من وجه ثالث فتوجدناه خبرا أو قياسا (969) فقلت له بل هو من وجه ثالث (970) قال فصفه واذكر الحجة فيه ما يلزم منه ومن يلزم وعن من يسقط (971) فقلت له هذه درجة من العلم ليس تبلغها العامة ولم يكلفها كل الخاصة ومن احتمل بلوغها من الخاصة فلا يسعهم كلهم كافة ان يعطلوها وغذا قام بها من خاصتهم من فيه الكفاية لم يحرج غيره ممن تركها إن شاء الله والفضل فيها لمن قام بها على من عطلها (972) فقال فأوجدني هذا خبرا أو شيئا في معناه
ليكون هذا قياسا عليه@(1/165)
(973) فقلت يه فرض الله الجهاد في كتابه وعلى لسان نبيه ثم أكد النفير من الجهاد فقال (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا بيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) (974) الله تعالى وقال (قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين) (975) وقال (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم) (976) وقال (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق
من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) (977) أخبرنا عبد العزيز عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله@(1/166)
(978) وقال الله جل ثناؤه (ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة
فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شئ قدير) (979) (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم
وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) (980) قال فاحتملت الآيات أن يكون الجهاد كله والنفير خاصة منه على كل مطيق له لا يسع أحدا منهم التخلف عنه كما كانت الصلوات والحج والزكاة فلم يخرج أحد وجب عليه فرض منها أن يؤدي غيره الفرض عن نفسه لان عمل أحد في هذا لا يكتب لغيره (981) واحتملت أن يكون معنى فرضها غير معنى فرض الصلوات وذلك أن يكون قصد بالفرض فيها قصد الكفاية فيكون من قام بالكفاية في جهاد من جوهد من المشركين مدركا تأدية الفرض ونافلة الفضل ومخرجا من تخلف من المأثم (982) ولم يسوي الله بينهما فقال الله (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أول الضرر والمجاهدون في سبيل الله
بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) فأما الظاهر في الآيات فالفرض على العامة
(983) رحمه اللهقال فأين الدلالة في أنه إذا قام بعض العامة بالكفاية أخرج المتخلفين ن المأثم (984) فقلت له في هذه الآية (985) قال وأين هو منها
(986) قلت@(1/167)
قال الله (وكلا وعد الله الحسنى) فوعد المتخلفين عن الجهاد الحسنى على الايمان وبأن فضيلة المجاهدين على القاعدين ولو كانوا آثمين بالتخلف إذا غزا غيرهم كانت العقوبة بالاثم إن لم يعفو الله أولى بهم من الحسنى (987) قال فهل تجد في هذا غير هذا (988) قلت: نعم قال الله (وما كان المؤمنين لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) وغزا رسول الله وغزى معه من اصحابه جماعة وخلف أخرى حتى تخلف
علي بن أبي طالب في غزوة تبوك وأخبرنا الله أن المسلمين لم يكونوا لينفروا كافة (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) فأخبر أن النفير على بعضهم دون بعض وأن التفقه إنما هو على بعضهم دون بعض (989) رضي الله تعالى عنه وكذلك ما عدا الفرض في عظم الفرائض التي لا يسع جهلها والله أعلم (990) وهكذا كل ما كان الفرض فيه مقصودا به قصد
الكفايه فيما ينوب فإذا قام به المسلمين من فيه الكفاية خرج من تخلف عنه من المأثم (991) ولو ضيعوه معا خفت أن لا يخرج واحد منهم مطيق فيه من المأثم بل لا أشك إن شاء الله لقوله (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما)
(992) قال فما معناها (993) قلت الدلالة عليها أن تخلفهم عن النفير كافة لا يسعهم ونفير بعضهم إذا كانت@(1/168)
في نفير كفاية يخرج من تخلف من المأثم إن شاء الله لانه إذا نفر بعضهم وقع عليهم اسم النفير (994) قلت ومثل ماذا سوى الجهاد (995) قلت الصلاة على الجنازة ودفنها لا يحل تركها ولا يجب على كل من بحضرتها كلهم حضورها ويخرج من تخلف من المأثم من قام بكفايتها
(996) وهكذا رد السلام قال الله (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها إن الله على كل شئ حسيبا) وقال رسول الله (يسلم القائم على القاعد) وإذا سلم من القوم واحدا أجزأ عنهم وإنما أريد بهذا الرد فرد قليل جامع لاسم الرد@(1/169)
والكفاية فيه مانع لان يكون الرد معطلا (997) ولم يزل المسلمون على ما وصفت منذ بعث الله نبيه
فيما بلغنا إلى اليوم يتفقة أقلهم ويشهد الجنائز بعضهم ويجاهد ويرد السلام بعضهم ويتخلف عن ذلك غيرهم فيعرفون
الفضل لمن قام بالفقه والجهاد وحضور الجنائز ورد السلام ولا يأثمون من قصر عن ذلك إذا كان بهذا قائمون بكفايته
باب خبر الواحد
(998) فقال لي قائل احدد لي القوم ما تقوم به الحجة على أهل العلم حتى يثبت عليهم خبر الخاصة (999) فقلت خبر الواحد عن الوحد حتى ينتهي به إلى
النبي أو من انتهى به إليه دونه (1000) ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا (1001) منها ان يكون من حدث به ثقة في دينه معروفا بالصدق في حديثه عاقلا لما يحدث به علما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ وأن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع لا يحدث به على المعنى لانه إذا حدث على المعنى وهو غير
عالم بما يحل معناه لم يدر لعله يحيل الحلال إلى حرام وإذا اداه@(1/170)
بحروفه فلم يبقى وجه يخاف فيه احالته الحديث حافظا إذا حدث به من حفظه حافظا لكتابه إذا حدث من كتابه إذا شرك أهل الحفظ في حديث وافق حديثهم بريا من أن يكون مدلسا يحدث عن من لقي ما لم يسمع منه ويحدث عن النبي ما يحدث الثقات خلافه عن النبي
(1002) ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه حتى ينتهي بالحديث موصولا إلى النبي أو إلى من انتهى به إليه دونه لان كل
واحد منهم مثبت لمن حدثه ومثبت على من حدث عنه فلا يستغني فكل واحد منهم عما وصفت (1003) فقال فأوضح لي من هذا بشء لعلي أكون به أعرف مني بهذا لخبرتي به وقلة خبرتي بما وصفت في الحديث (1004) فقلت له أتريد أن أخبرك بشئ يكون هذا قياسا عليه (1005) قلت نعم (1006) قلت هذا أصل في نفسه فلا يكون قياسا على غيره لان القياس أضعف من الاصل (1007) الرب عز وجل قال فلست أريد أن تجعله قياسا ولكن مثله لي على شئ من الشهادات التي العلم بها عام (1008) قلت قد يخالف الشهادات في أشياء ويجامعها في غيرها
(1009) قلت وأين يخالفها (1010) قلت أقبل في الحديث الواحد والمرأة ولا أقبل واحدا منهما وحده في الشهادة (1011) وأقبل في الحديث حدثني فلان عن فلان إذا لم يكن مدلسا ولا أقبل في الشهادة إلا سمعت أو رأيت
أو أشهدني (1012) وتختلف@(1/171)
الاحاديث فآخذ ببعضها استدلالا بكتاب أو سنة أو إجماع أو قياس وهذا لا يؤخذ به في الشهادات هكذا ولا يوجد فيها بحال (1013) ثم يكون بشر كلهم تجوز شهادته ولا أقبل حديثه من قبل ما يدخل في الحديث من كثرة الاحالة وإزالة بعض ألفاظ المعاني (1014) ثم هو يجامع الشهادات في أشياء غير ما وصفت
(1015) فقال اما ما قلت من الا تقبل الحديث الا عن ثقة حافظ عالم بما يحيل معنى الحديث فكما قلت فلم لم تقل هكذا في الشهادات (1016) فقلت ان احالة معنى الحديث أخفى من احالة معنى الشهادة وبهذا احتطت في الحديث بأكثر مما احتطت به في الشهادة (1017) قال وهكذا كما وصفت ولكني أنكرت إذا كان من يحدث عنه ثقة فحدث عن رجل لم تعرف أنت ثقته
امتناعك من أن تقلد فتحسن الظن به فلا تركه يروي الا عن ثقة وان لم تعرفه أنت (1018) فقلت له ارايت أربعة نفر عدول فقهاء شهدوا على شهادة شاهدين بحق رجل على رجل اكنت قاضيا به ولم يقل
لك الاربعة ان الشاهدين عدلان (1019) قال لا ولا أقطع بشهادتهما شيئا حتى أعرف عدلهما اما تبديل الاربعة لهما واما بتعديل غيرهم أو معرفة مني بعدلهما@(1/172)
(1020) له ولم لم تقبلهما على المعنى الذي امرتني أن اقبل عليه الحديث فتقول لم يكونوا ليشهدوا غلا على من هو اعدل منهم (1021) فقال قد يشهدون على من هو عدل عندهم ومن عرفوه ومن
لم يعرفوا عدله فلما كان هذا موجودا في شهادتهم لم يكن لي قبول شهادة من شهدوا عليه حتى يعده لو أو اعرف عدله أو عدل من شهد عندي على عدل غيره ة لا اقبل تعديل شاهد على شاهد عدل الشاهد غيره ولم اعرف عدله (1022) فقلت فالحجة في هذا لك الحجة عليك في الا تقبل خبر الصادق عن من جهلنا صدقه (1023) والناس من ان يشهدوا على شهادة من عرفوا عدله أشد تحفظا منهم من ان يقبلوا الا حديث من عرفوا صحة الحديثه (1024) وذلك ان الرجل يلقى الرجل يرى عليه سيما الخير فيحسن الظن به فيقبل حديثه ويقبله وهو لا يعرف
حاله فيذكر ان رجلا يقال له فلان حدثني كذا اما على وجه يرجو
ان يجد علم ذلك الحديث عند ثقة فيقبله عن الثقة واما ان يحدث به على إنكاره والتعجب منه واما بغفلة في الحديث عنه (1025) ولا اعلمني لقيت أحدا قط بريا من ان يحدث عم ثقة حافظ وآخر يخالفه (1026) ففعلت بهذا ما يجب على (1027) ولم يكن طلبي الدلائل على معرفة صدق من حدثني بأوجب على من طلبي@(1/173)
ذلك على معرفة صدق من فوقه لاني أحتاج في كلهم إلى ما أحتاج إليه فيمن لقيت منهم لان كلهم مثبت خبرا عن من فوقه ولمن دونه
(1028) فقال فما بالك قبلت ممن لم تعرفه بالتدليس أن يقول " عن " وقد يمكن فيه أن يكون لم يسمعه (1029) فقلت له المسلمون العدول عدول أصحاء الامر في أنفسهم وحالهم في أنفسهم غير حالهم في غيرهم ألا ترى أني إذا عرفتم بالعدل في أنفسهم قبلت شهادتهم وإذا شهدوا على شهادة غيرهم لم أقبل شهادة غيرهم حتى أعرف حاله ولم تكن معرفتي عدلهم معرفتي عدل من شهدوا على شهادته (1030) وقولهم عن خبر أنفسهم وتسميتهم على الصحة حتى نستدل من فعلهم بما يخالف ذلك فنحترس منهم في الموضع الذي خالف فعلهم فيه ما يجب عليهم (1031) ولم نعرف بالتدليس ببلدنا فيمن مضى ولا من
أدركنا من أصحابنا إلا حديثا فإن منهم من قبله عن من لو تركه عليه كان خيرا له (1032) وكان قول الرجل " سمعت فلانا يقول سمعت فلانا يقول " وقوله " حدثني فلان عن فلان " سواء عندهم لا يحدث واحد منهم عن من لقي إلا ما سمع منه ممن عناه بهذه الطريق قبلنا منه " حدثني فلان عن فلان " (1033) ومن عرفناه دلس مرة فقد أبان لنا عورته في روايته (1034) وليس تلك العورة بالكذب فنرد بها حديثه ولا النصيحة في الصدق
فنقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق (1035) فقلنا لا نقبل من مدلس حديثا حتى يقول فيه " حدثني " أو " سمعت "@(1/174)
(1036) فقال قد أراك تقبل شهادة من لا يقبل حديثه (1037) قال فقلت لكبر أمر الحديث وموقعه من المسلمين ولمعنى بين (1038) قال وما هو (1039) قلت تكون اللفظة تترك من الحديث فتحيل معناه أو ينطق بها بغير لفظة المحدث والناطق بها غير عامد لاحالة الحديث فيحيل معناه
(1040) فإذا كان الذي يحمل الحديث وجهل هذا المعنى كان غير عاقل للحديث فلم نقبل حديثه إذا كان ما لا يعقل إن
كان ممن لا يؤدي الحديث بحروفه وكان يلتمس تأديته على معانيه وهو لا يعقل المعنى (1041) قال أفيكون عدلا غير مقبول الحديث (1042) قلت نعم إذا كان كما وصفت كان هذا موضع ظنه بينة يرد بها حديثه وقد يكون الرجل عدلا على غيره ظنيا في نفسه وبعض أقربيه ولعله ان يخر من بعد أهون عليه من أن يشهد بباطل ولكن الظنة لما دخلت عليه تركت بها شهادته فالظنة ممن لا يؤدي الحديث بحروفه ولا يعقل معانيه أبين منها في الشاهد لمن ترد شهادته فيما هو ظنين فيه بحال (1043) وقد يعتبر على الشهود فيما فيه فإن استدللنا على ميل نستبينه أو حياطة بمجاوزة قصد للمشهود له
لم نقبل شهادتهم وإن شهدوا في شئ مما يدق ويذهب فهمه عليهم في مثل ما شهدوا عليه لم نقبل شهادتهم لانهم لا يعقلون معنى ما شهدوا عليه (1044) ومن كثر غلطه من المحدثين ولم يكن له أصل كتاب @(1/175)
صحيح لم نقبل حديثه كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة لم نقبل شهادته (1045) وأهل الحديث متباينون
(1046) فمنهم المعروف بعلم الحديث بطلبه وسماعه من الاب والعم وذوي الرحم والصديق وطول مجالسة أهل التنازع فيه ومن كان هكذا كان مقدما بالحفظ إن خالفه من يقصر
عنه كان أولى أن يقبل حديثه ممن خالفه من أهل التقصير عنه (1047) ويعتبر على أهل الحديث بأن إذا اشتركوا في الحديث عن الرجل بأن يستدل على حفظ أحدهم بموافقة أهل الحفظ وعلى خلاف حفظه بخلاف حفظ أهل الحفظ له (10) وإذا اختلفت الرواية استدللنا على المحفوظ منها والغلط بهذا ووجوه سواه تدل على الصدق والحفظ والغلط قد بيناها في غير هذا الموضع وأسأل الله التوفيق (1049) فقال فما الحجة لك في قبول خبر الواحد وأنت لا تجيز شهادة واحد وحده وما حجتك في أن قسته بالشهادة في أكثر أمره وفرقت بينه وبين الشهادة في بعض أمره
(1050) قال فقلت له أنت تعيد ما قد ظننتك فرغت منه ولم أقسه بالشهادة غنما سألت أن امثله لك بشئ تعرفه، أنت به أخبر منك بالحديث@(1/176)
فمثلته لك بذلك الشئ لا أني احتجت لان يكون قياسا عليه (1051) وتثبيت خبر الواحد أقوى من أن أحتاج إلى أن أمثله بغيره بل هو أصل في نفسه
(1052) قال فكيف يكون الحديث كالشهادة في شئ ثم يفارق بعض معانيها في غيره (1053) فقلت له هو مخالف للشهادة كما وصفت لك في بعض أمره ولو جعلته كالشهادة في بعض أمره دون بعض كانت الحجة لي فيه بينة إن شاء الله
(1054) قال وكيف ذلك وسبيل الشهادات سبيل واحدة (1055) قال فقلت أتعني في بعض أمرها دون بعض أم في كل أمرها (1056) قال بل في كل أمرها (1057) قلت فكم أقل ما تقبل على الزنا (1058) قال أربعة (1059) قلت فإن نقصوا واحد جلدتهم (1060) قال نعم (1061) قلت فكم تقبل على القتل والكفر وقطع الطريق الذي تقتل به كله (قال شاهدين (1062) قلت له كم تقبل على المال
(1064) قال شاهدا وامرأتين
(1065) قلت فكم تقبل في عيوب النساء (1066) قال امرأة (1067) قلت ولو لم يتموا شاهدين وشاهدا وامرأتين لم تجلدهم كما جلدت شهود الزنا (1068) قال نعم (1069) قلت أفتراها مجتمعة (1070) قال نعم في أن أقبلها متفرقة في عددها وفي أن لا يجلد إلا شاهد الزنا @(1/177)
(1071) قلت له فلو قلت لك هذا في خبر الواحد وهو مجامع للشهادة في أن أقبله ومفارق لها في عدده هل كانت لك حجة إلا كهي عليك
(1072) قال فإنما قلت بالخلاف بين عدد الشهادات خبرا واستدلالا (1073) قلت وكذلك قلت في قبول خبر الواحد خبرا واستدلالا (1074) وقلت أرأيت شهادة النساء في الولادة لم أجزتها ولا تجيزها في درهم (1075) قال اتباعا (1076) قلت فإن قيل لك لم يذكر في القرآن أقل من شاهد وامرأتين
الجزء الثالث من الرسالة
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن نصر قال نا أبو علي الحسن بن حبيب قال نا الربيع بن سليمان قال أنا الشافعي بسم الله الرحمن الرحيم (1077) قال ولم يحظر أن يجوز أقل من ذلك فأجزنا ما أجاز المسلمون ولم يكن هذا خلافا للقرآن (1078) عز وجل قلنا فهكذا قلنا في تثبيت خبر الواحد استدلالا بأشياء كلها أقوى من إجازة شهادة النساء (1079) فقال فهل من حجة تفرق بين الخبر والشهادة سوى الاتباع (1080) قلت نعم ما لا أعلم من أهل العلم فيه مخالفا
(1081) قال وما هو (1082) قلت العدل يكون جائز الشهادة في أمور مردودها في أمرو (1083) قال فأين هو مردودها (1084) قلت إذا شهد في موضع يجر به إلى نفسه زيادة من أي وجه ما كان الجر أو يدفع بها عن نفسه غرما أو إلى ولده أو والده أو يدفع بها عنهما ومواضع الظنن سواها (1085) الرب عز وجل وفيه في الشهادة أن الشاهد إنما يشهد بها على واحد ليلزمه غرما أو عقوبة وللرجل ليؤخذ له غرم أو عقوبة
وهو خلي مما لزم غيره من غرم غير داخل في غرمه ولا عقوبته ولا العار@(1/178)
الذي لزمه ولعله يجر ذلك إلى من لعله أن يكون أشد تحاملا له منه لولده أو والده فيقبل شهادته لانه لا ظنة ظاهرة كظنته في نفسه وولده ووالده وغير ذلك مما يبين فيه من مواضع الظنن (1086) والمحدث بما يحل ويحرم لا يجر إلى نفسه ولا إلى غيره ولا يدفع عنها ولا عن غيره شيئا مما يتمول الناس ولا مما فيه عقوبة عليهم ولا لهم وهو ومن حدثه ذلك الحديث من المسلمين سواء إن كان بأمر يحل أو يحرم فهو شريك العامة فيه لا تختلف حالاته فيه فيكون ظنينا مرة مردود الخبر وغير ظنين أخرى مقبول الخبر كما تختلف حال الشاهد لعوام المسلمين وخواصهم
(1087) وللناس حالات تكون أخبارهم فيها أصح واحرى أن يحضرها التقوى منها في أخرى ونيات ذوي النيات فيها أصح وفكرهم فيها أدوم وغفلتهم أقل وتلك عند خوف الموت بالمرض والسفر وعند ذكره وغير تلك الحالات من الحالات المنبهة عن الغفلة (1088) فقلت له قد يكون غير ذي الصدق من المسلمين صادقا في هذه الحالات وفي أن يؤتمن على خبر فيرى أنه يعتمد على خبره فيه فيصدق غاية الصدق وإن لم يكن تقوى فحياء من أن
ينصب لامانة في خبر لا يدفع به عن نفسه ولا يجر إليها ثم يكذب بعده أو يدع التحفظ في بعض الصدق فيه
(1089) فإذا كان موجودا في العامة وفي أهل الكذب الحالات يصدقون فيها الصدق الذي تطيب به نفس المحدثين كان أهل التقوى والصدق في كل حالاتهم أولى أن@(1/179)
يتحفظوا عند أولى الامرو بهم أن يتحفظوا عندها في أنهم وضعوا موضع الامانة ونصبوا أعلاما للدين وكانوا عالمين بما الزمهم الله من الصدق في كل أمر وأن الحديث في الحلال والحرام أعلى الامرو وابعدها من أن يكون فيه موضع ظنة وقد قدم إليهم في الحديث عن رسول الله النار (1090) عبد العزيز عن محمد بن عجلان عن عبد الوهاب بن
بخت عن عبد الواحد النصري عن واثلة بن الاسقع عن النبي قال " إن أفرى الفرى من قولني ما لم أقل ومن أرى عينيه ما لم ترى ومن ادعى إلى غير أبيه "
(1091) عبد العزي ز عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال " من قال على ما لم@(1/180)
أقل فليتبوأ مقعده من النار " (1092) يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن أبي بكر بن سالم عن سالم عن بن عمر أن النبي قال " إن الذي
يكذب علي يبني له بيت في النار "
(1093) حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن عبد العزيز بن محمد عن أسيد بن أبي أسيد عن أمه قالت قلت لابي قتادة مالك لا تحدث عن رسول الله كما يحدث الناس عنه قالت فقال أبو قتادة سمعت رسول الله يقول من كذب علي فليتلمس لجنبه مضجعا من النار فجعل رسول الله يقول ذلك ويمسح الارض بيده@(1/181)
(1094) سفيان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج
وحدثوا عني ولا تكذبوا علي " (1095) وهذا أشد حديث روي عن رسول الله في هذا وعليه اعتمدنا مع غيره في أن لا نقبل حديثا إلا من ثقة ونعرف صدق من حمل الحديث من حين ابتدئ إلى أن يبلغ به منتهاه (1096) فإن قال قائل وما في هذا الحديث من الدلالة على ما وصفت (1097) قيل قد أحاط العلم أن النبي لا يأمر أحدا بحال أبدا أن يكذب على بني إسرائيل ولا على غيرهم فإذا أباح الحديث
عن بني إسرائيل أن يقبلوا الكذب على بني إسرائيل أباح وإنما أباح قبول ذلك عن من حدث به ممن يجهل صدقه وكذبه (1098) ولم يبحه أيضا عن من يعرف كذبه لانه يروي
عنه أنه " من حدث بحديث وهو يراه كذبا فهو أحد@(1/182)
الكاذبين " ومن حدث عن كذاب لم يبرأ من الكذب لانه يرى الكذاب في حديثه كاذبا (1099) ولا يستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه غلا بصدق المخبر وكذبه إلا في الخاص القليل من الحديث وذلك أن يستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله أو ما يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالات بالصدق منه
(1100) وإذا فرق رسول الله بين الحديث عنه والحديث عن بني إسرائيل فقال " حدثوا عني ولا تكذبوا علي " فالعلم إن شاء الله يحيط ان الكذب الذي نهاهم عنه هو الكذب الخفي وذلك الحديث عمن لا يعرف صدقه لان الكذب إذا كان منهيا عنه على كل حال فلا كذب أعظم من كذب على رسول الله صلى الله عليه
الحجة في تثبيت خبر الواحد
(1101) قال الشافعي فإن قال قائل اذكر الحجة في تثبيت خبر الواحد بنص خبر أو دلالة فيه أو إجماع (1102) فقلت له أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير @(1/183)
عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي قال " نصر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل
عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله والنصيحة للمسلمين ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط من روائهم " (1103) فلما ندب رسول الله إلى استمع مقالته وحفظها وأدائها امرأ يؤديها والامرء واحد دل على انه لا يأمر
أن يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه لانه إنما يؤدي عنه حلال وحرام يجتنب @(1/184)
وحد يقام ومال يؤخذ ويعطى ونصيحة في دين ودنيا (1104) الله عز وجل ودل على أنه قد يحمل الفقه غير فقيه يكون له حافظا ولا يكون فيه فقيها (1105) وأمر رسول الله بلزوم جماعة المسلمين مما يحتج به في أن إجماع المسلمين إن شاء الله لازم (1106) أخبرنا سفيان قال أخبرني سالم أبو النضر انه سمع عبيد الله بن أبي رافع يخبر عن أبيه قال قال النبي " لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الامر من أمري مما نهيت عنه
أو أمرت به فيقول لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه " (1107) قال بن عيينة وأخبرني محمد بن المنكدر عن النبي بمثله مرسلا (1108) وفي هذا تثبيت الخبر عن رسول الله وإعلامهم أنه لازم لهم وإن لم يجدوا له نص حكم في كتاب الله وهو موضوع
في غير هذا الموضع (1109) أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار " أن رجلا@(1/185)
قبل امرأته وهو صائم فوجد من ذلك وجدا شديدا فأرسل امرأته تسأل عن ذلك فدخلت على أم سلمة أم المؤمنين فأخبرتها فقالت أم سلمة إن رسول الله يقبل وهو صائم فرجعت المرأة إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرا وقال لسنا مثل رسول الله يحل الله لرسوله ما شاء فرجعت المرأة إلى
أم سلمة فوجدت رسول الله عندها فقال رسول الله ما بال هذه المرأة فأخبرته أم سلمة فقال ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك فقالت أم سلمة قد اخبرتها فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاد ذلك شرا وقلا لسنا مثل رسول الله يحل الله لرسوله ما شاء فغضب رسول الله ثم قال والله إني لاتقاكم لله ولاعلمكم بحدوده (1110) وقد سمعت من يصل هذا الحديث ولا يحضرني ذكر من وصله
(1111) قال الشافعي في ذكر قول النبي صلى الله عليه " الا أخبرتيها أني أفعل ذلك " دلالة على أن خبر أم سلمة عنه مما يجوز قبوله لانه لا يأمرها بأن تخبر عن النبي إلا وفي خبرها ما تكون الحجة لمن أخبرته (1112) وهكذا خبر امرأته إن كانت من أهل الصدق عنده
(1113) أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال " بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ أتاهم آت فقال إن رسول الله قد أنزل عليه قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة "@(1/186)
(1114) وأهل قباء أهل سابقة من الانصار وفقه وقد كانوا على قبلة فرض الله عليهم استقبالا
(1115) الله عز وجل ولم يكن لهم أن يدعوا فرض الله في القبلة إلا بما تقوم عليهم الحجة ولم يلقوا رسول الله ولم يسمعوا ما أنزل الله عليه في تحويل القبلة فيكونون مستقبلين بكتاب الله وسنة نبيه سماعا من رسول الله ولا بخبر عامة وانتقلوا بخبر واحد إذا كان عندهم من أهل الصدق عن فرض كان عليهم فتركوه إلى ما أخبرهم عن النبي انه حدث عليهم من تحويل القبلة (1116) ولم يكونوا ليفعلوه إن شاء الله بخبر إلا عن علم بأن الحجة تثبت بمثله إذا كان من أهل الصدق
(1117) رضي الله تعالى عنها ولا ليحدثوا أيضا مثل هذا العظيم في دينهم إلا عن علم بأن لهم إحداثه (1118) ولا يدعون أن يخبروا رسول الله بما صنعوا منه (1119) ولو كان ما قبلوا من خبر الواحد عن رسول الله في تحويل القبلة وهو فرض مما يجوز لهم لقال لهم إن شاء الله رسول قد كنتم على قبلة ولم يكن لكم تركها
إلا بعد علم تقوم عليكم به حجة من سماعكم مني أو خبر عامة أو أكثر من خبر واحد عني (1120) أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة@(1/187)
عن أنس بن مالك قال " كنت أسقي أبا طلحة وأبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب شرابا من فضيخ وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت " (1121) وهؤلاء في العلم والمكان من النبي وتقدم صحبته بالموضع الذي لا ينكره عالم (1122) وقد كان الشراب عندهم حلالا يشربونه فجاءهم آت وأخبرهم بتحريم الخمر فأمر أبو طلحة وهو مالك
الجرار بكسر الجرار ولم يقل هو ولاهم ولا واحد منهم نحن على تحليلها حتى نلقى رسول الله مع قربه منا أو يأتينا خبر عامة (1123) وذلك انهم لا يهريقون حلالا إهراقه سرف وليسوا من أهله (1124) والحال في أنهم لا يدعون إخبار رسول الله ما فعلوا ولا يدع لو كان قبلوا من خبر الواحد ليس لهم أن ينهاهم عن قبوله
(1125) وأمر رسول الله أنيسا أن يغدو على امرأة رجل ذكر أنها زنت@(1/188)
" فإن اعترفت فارجمها " فاعترفت فرجمها (1126) وأخبرنا بذلك مالك وسفيان عن الزهري
عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد وساقا عن النبي وزاد سفيان مع أبي هريرة وزيد بن خالد شبلا (1127) أخبرنا عبد العزيز عن بن الهاد عن عبد الله بن أبي سلمة عن عمرو بن سليم الزرقي عن أمه قالت " بينما
نحن بمنى إذ علي بن أبي طالب على جمل قول إن رسول الله يقول إن هذه أيام طعام وشراب فلا يصومن أحد فاتبع الناس وهو على جمله يصرخ فيهم بذلك (1128) ورسول الله لا يبعث بنهيه واحدا صادقا إلا لزم خبره عن النبي بصدقه عن المنهيين عن ما أخبرهم أن النبي نهى عنه (1129) ومع رسول الله الحاج وقد كان قادرا على أن يبعث إليهم فيشافههم أو يبعث إليهم عددا فبعث@(1/189)
واحدا يعرفونه بالصدق (1130) الله تبارك وتعالى وهو لا يبعث بأمره إلا والحجة للمبعوث إليهم وعليهم قائمة بقبول خبره عن رسول الله
(1131) فإذا كان هكذا مع ما وصفت من مقدرة النبي على بعثه جماعة إليهم كان ذلك إن شاء الله فيمن بعده
ممن لا يمكنه ما أمكنهم وأمكن فيهم أولى ان يثبت به خبر الصادق (1132) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن عبد الله بن صفوان عن خال له إن شاء الله يقال له يزيد بن شيبان قال " كنا في موقف لنا بعرفة يباعده عمرو من موقف الامام جدا فأتانا بن مربع الانصاري فقال لنا أنا
رسول رسول الله إليكم يأمركم أن تقفوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم (1133) وبعث رسول الله أبا بكر واليا@(1/190)
على الحج في سنة تسع وحضره الحج من أهل بلدان مختلفة وشعوب متفرقة فأقام لهم مناسكهم وأخبرهم عن رسول الله بما لهم وما عليهم (1134) وبعث علي بن أبي طالب في تلك السنة فقرأ عليهم في مجمعهم يوم النحر آيات من (سورة براءة) ونبذ إلى قوم على سواء وجعل لهم مددا ونهاهم عن أمور
(1135) فكان أبو بكر وعلي معروفين عند أهل مكة بالفضل والدين والصدق وكان من جهلهما أو أحدهما من الحاج وجد من يخبره عن صدقهما وفضلهما (1136) رسول الله ليبعث إلا واحدا الحجة قائمة بخبره على من بعثه إليه غن شاء الله (1137) وقد فرق النبي عمالا على نواحي عرفنا
أسماءهم والمواضع التي فرقهم عليها (1138) فبعث قيس بن عاصم والزبرقان بن بدر وابن نويرة إلى عشائرهم بعلمهم بصدقهم عندهم
(
1139) رضي الله تعالى عنه وقدم عليهم وفد البحرين فعرفوا من معه فبعث معهم بن سعيد بن العاص (1140) وبعث معاذ بن جبل إلى اليمن وأمره أن يقاتل من أطاعه من عصاه ويعلمهم ما فرض الله عليهم ويأخذ منهم ما وجب عليهم لمعرفتهم بمعاذ ومكانه منهم وصدقه (1141) وكل من ولى فقد امره بأخذ@(1/191)
ما أوجب الله علة من ولاه عليه (1142) ولم يكن لاحد عندنا في أحد مما قدم عليه من أهل
الصدق ان يقول أنت واحد وليس لك أن تأخذ منا ما لم نسمع رسول الله يذكر انه علينا (1143) ولا أحسبه بعثهم مشهورين في النواحي التي بعثهم إليها بالصدق إلا لما وصفت من أن تقوم بمثلهم الحجة على من بعثه إليه (1144) وفي شبيه بهذا المعنى أمراء سرايا رسول الله فقد بعث بعث مؤتة فولاه زيد بن حارثة وقال " فإن أصيب فجعفر فإن أصيب فابن رواحة " وبعث بن أنيس سرية وحده
(1145) وبعث أمراء سراياه وكلهم حاكم فيما بعثه فيه لان عليهم أن يدهبوا من لم تبلغه الدعوة ويقاتلوا من حل قتاله (1146) وكذلك كل والي بعثه أو صاحب سرية
(1146) ولم يزل يمكنه ان يبعث واليين وثلاثة وأربعة وأكثر (1148) وبعث في دهر واحد اثنى عشر رسولا إلى اثنى عشر ملكا يدعوهم إلى الاسلام ولم يبعثهم إلا إلى من قد بلغته الدعوة وقامت عليه الحجة فيها والا يكتب فيها دلالات لمن بعثهم إليه على أنها كتبه (1149) وقد تحرى فيهم ما تحرى في أمرائه من أن يكونوا معروفين فبعث دحية إلى الناحية التي هو فيها معروف (1150) ولو أن المبعوث إليه جهل الرسول كان عليه طلب علم أن النبي بعثه ليستبرئ شكه في خبر رسول الله وكان على الرسول الوقوف حتى يستبرئه المبعوث إليه
(1151) ولم تزل كتب رسول الله تنفذ إلى ولاته بالامر والنهي ولم يكن لاحد من ولاته ترك إنفاذ أمره ولم يكن ليبعث رسولا@(1/192)
إلا صادقا عند من بعثه إليه (1152) وإذا طلب المبعوث إليه علم صدقه وجده
حيث هو (1153) ولو شك في كتابه بتغيير في الكتاب أو حال تدل على تهمة من غفلة رسول الله حمل الكتاب كان عليه أن يطلب علم ما شك فيه حتى ينفذ ما يثبت عنده من أمر رسول الله (1154) وهكذا كانت كتب خلفائه بعده وعمالهم وما أجمع المسلمون عليه من أن يكون الخليفة واحدا والقاضي واحد والامير واحد والامام (1155) فاستخلفوا أبا بكر ثم استخلف أبو بكر عمر
ثم عمر أهل الشورى ليختاروا واحدا فاختار عبد الرحمن عثمان بن عفان (1156) قال والولاة من القضاة وغيرهم يقضون فتنفذ أحكامهم ويقيمون الحدود وينفذ من بعدهم أحكامهم وأحكامهم أخبار عنهم (1157) ففيما وصفت من سنة رسول الله ثم ما أجمع المسلمون عليه منه دلالة على فرق بين الشهادة والخبر والحكم (1158) ألا ترى أن قضاء القاضي على الرجل للرجل إنما هو خبر يخبر به عن بينة تثبت عنده أو إقرار من خصم به أقر عنده
وأنفذ الحكم فيه فلما كان يلزمه بخبره أن ينفذه بعلمه كان في معنى المخبر بحلال وحرام قد لزمه ان يحله ويحرمه بما شهد منه (1159) ولو كان القاضي المخبر عن شهود شهدوا عنده على
رجل لم يحاكم إليه أو إقرار@(1/193)
من خصم لا يلزمه ان يحكم به لمعنى أن لم يخاصم إليه أو أنه ممن يخاصم إلى غيره فحكم بينه وبين خصمه ما يلزم شاهدا يشهد على رجل أن يأخذ منه ما شهد به عليه لمن شهد له به كان في معنى شاهد عند غيره فلم يقبل قاضيا كان أو غيره إلا بشاهد معه كما لو شهد عند غيره لم يقبله إلا بشاهد وطلب معه غيره ولم يكن لغيره إذا كان شاهدا أن ينفذ شهادته وحده
(1160) أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في الابهام بخمس عشرة وفي التي تليها بعشر وفي الوسطى بعشر وفي التي تلي الخنصر بتسع وفي الخنصر بست (1161) قال الشافعي لما كان معروفا والله أعلم عند عمر أن النبي قضى في اليد بخمسين وكانت اليد خمسة أطراف مختلفة الجمال والمنافع نزلها منازلها فحكم لكل واحد من الاطراف بقدره من دية الكف فهذا قياس على الخبر (1162) فلما وجدنا كتاب آل عمرو بن حزم فيه أن رسول الله قال " وفي كل إصبع مما هنالك عشر من الابل " صاروا إليه (1163) ولم يقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم والله أعلم
حتى يثبت لهم أنه كتاب رسول الله@(1/194)
(1164) وفي الحديث دلالتان أحدهما قبول الخبر والآخر ان يقبل الخبر في الوقت الذي يثبت فيه وإن لم يمضي عمل من الائمة بمثل الخبر الذي قبلوا
(1165) ودلالة على انه مضى أيضا عمل من أحد من الائمة ثم وجد خبرا عن النبي يخالف عمله لترك عمله لخبر رسول الله (1166) ودلالة على ان حديث رسول الله يثبت نفسه لا بعمل غيره بعده (1167) ولم يقل المسلمون قد عمل فينا عمر بخلاف هذا بين المهاجرين والانصار ولم تذكروا أنتم أن عندكم خلافه ولا غيركم بل صاروا إلى ما وجب عليهم من قبول الخبر عن رسول الله وترك كل عمل خالفه (1168) ولو بلغ عمر هذا صار إليه إن شاء الله كما صار إلى غيره فيما بلغه عن رسول الله بتقواه الله وتأديته الواجب عليه في اتباع أمر رسول الله وعلمه وبان ليس لاحد مع رسول الله
أمر وأن طاعة الله في اتباع أمر رسول الله (1169) فإن قال قائل فادللني على أن عمر عمل شيئا ثم صار إلى غيره بخبر عن رسول الله (1170) قلت فإن أوجدتكه
(1171) قال ففي إيجادك إياي ذلك دليل على أمرين أحدهما أنه قد يقول من جهة الرأي إذا لم توجد سنة والآخر أن السنة إذا وجدت وجب عليه ترك عمل نفسه ووجب على الناس@(1/195)
ترك كل عمل وجدت السنة بخلافه وإبطال ان السنة لا تثبت إلا بخبر بعدها
وعلم انه لا يوهنها شئ غن خالفها (1172) قلت أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب " ان عمر بن الخطاب كان يقول الدية للعاقلة ولا ترث المراة من دية زوجها شيئا حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن رسول الله كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته فرجع إليه عمر " (1173) وقد فسرت هذا الحديث قبل هذا الموضع (1174) سفيان عن عمرو بن دينار وابن طاوس عن
طاوس " أن عمر قال أذكر الله امرأ سمع من النبي في الجنين شيئا فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال كنت بين جارتين لي يعني ضرتين فضربت إحداهما الاخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا فقضى فيه رسول الله بغرة فقال عمر@(1/196)
لو لم أسمع فيه لقضينا بغيره " (1175) وقال غيره إن كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا
(1176) فقد رجع عمر عما كان يقضي به لحديث الضحاك إلى أن خالف حكم نفسه وأخبر في الجنين أنه لو لم يسمع هذا لقضى فيه بغيره وقال إن كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا (1177) قال الشافعي يخبر والله أعلم أن السمنة إذا كانت موجودة بأن في النفس مائة من الابل فلا يعدو الجنين أن يكون حيا فيكون فيه مائة من الابل أو ميتا فلا شئ فيه (1178) فلما أخبر بقضاء رسول الله فيه سلم له ولم يجعل لنفسه إلا اتباعه فيما مضى بخلافه وفيما كان رأيا منه لم يبلغه عن رسول الله فيه شئ فلما بلغه خلاف فعله صار إلى حكم رسول الله
وترك حكم نفسه وكذلك كان في كل أمره (1179) وكذلك يلزم الناس ان يكونوا (1180) أخبرنا مالك عن بن شهاب عن سالم أن عمر بن الخطاب إنما@(1/197)
رجع بالناس عن خبر عبد الرحمن بن عوف (1181) قال الشافعي يعني حين خرج إلى الشام فبلغه وقوع الطاعون بها
(1182) مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه " أن عمر ذكر المجوس فقال ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال له عبد الرحمن بن عوف أشهد لسمعت رسول الله يقول " سنوا بهم سنة أهل الكتاب "
(1183) سفيان عن عمرو انه سمع بجالة يقول " ولم
يكن عمر أخذ الجزية حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن النبي أخذها من مجوس هجر " (1184) قال الشافعي وكل حديث كتبته منقطعا فقد سمعته متصلا أو مشهورا عن من روى عنه بنقل عامة من أهل العلم يعرفونه عن عامة وكلن كرهت وضع حديث لا أتقنه حفظا وغاب عني بعض كتبي وتحققت@(1/198)
بما يعرفه أهل العلم مما حفظت فاختصرت خوف طول كتابي فأتيت ببعض ما فيه الكفاية دون تقصي العلم في كل أمره (1185) فقبل عمر خبر عبد الرحمن بن عوف في المجوس فأخذ منهم وهو يتلو القرآن (من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) ويقرأ القرآن بقتال الكافرين حتى يسلموا وهو لا يعرف فيهم عن النبي شيئا وهم عنده من الكافرين غير أهل الكتاب فقبل خبر عبد الرحمن في المجوس عن النبي فاتبعه
وحديث بجالة موصول قد أدرك عمر بن الخطاب رجلا وكان كاتبا لبعض ولاته (1187) فإن قال قائل قد طلب عمر مع رجل أخبره خبرا آخر (1188) قيل له لا يطلب عمر مع رجل أخبره آخر إلا على أحد ثلاث معاني
(1189) إما أن يحتاط فيكون وإن كانت الحجة تثبت يخبر الواحد فخبر اثنين أكثر وهو لا يزيدها إلا ثبوتا (1190) وقد رأيت ممن أثبت خبر الواحد من يطلب معه خبرا ثانيا ويكون في يده السنة من رسول الله من خمس وجوه فيحدث بسادس فيكتبه لان الاخبار كما تواترت وتظاهرت كان أثبت للحجة وأطيب لنفس السامع (1191) وقد رأيت من الحكام من يثبت عنده الشاهدان العدلان والثلاثة فيقول للمشهود له زدني شهودا وإنما يريد بذلك أن يكون أطيب لنفسه ولو لم يرده المشهود له على@(1/199)
شاهدين لحكم له بهما (1192) ويحتمل أن يكون لم يعرف المخبر فيقف عن خبره حتى يأتي مخبر يعرفه
(1193) وهكذا ممن أخبر ممن لا يعرف لم يقبل خبره ولا يقبل الخبر إلا عن معروف بالاستئهال له لان يقبل خبره (1194) ويحتمل أن يكون المخبر له غير مقبول القول عنده فيرد خبره حتى يجد غيره ممن يقبل قوله (1195) فإن قال قائل فإلى أي المعاني ذهل عندكم عمر (1196) الله تعالى قلنا أما في خبر أبي موسى فإلى الاحتياط لان أبا موسى ثقة أمين عنده إن شاء الله (1197) فإن قال قائل ما دل على ذلك
(1198) قلنا قد رواه مالك بن أنس عن ربيعة عن غير
واحد من علمائهم حديث أبي موسى وأن عمر قال لابي موسى وأما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله@(1/200)
(1199) فإن قال هذا منقطع (1200) فالحجة فيه ثابتة لانه لا يجوز على إمام في الدين عمر ولا غيره أن يقبل خبر الواحد مرة وقبوله له لا يكون إلا بما تقوم به الحجة عنده ثم يرد مثله أخرى ولا يجوز هذا على عالم عاقل أبدا ولا يجوز على حاكم أن يقضي بشاهدين مرة ويمنع بهما أخرى إلا من جهة جرحهما أو الجهالة بعدلهما وعمر غاية في العلم واعقل والامانة والفضل (1201) وفي كتاب الله تبارك وتعالى دليل على ما وصفت
(1202) قال الله (إنا أرسلنا نوحا إلى قومه) (1203) وقال (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه (1204) وقال (وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل) (1205) وقال (وإلى عاد أخاهم هودا) (1206) وقال (وإلى ثمود أخاهم صالحا) (1207) وقال (وإلى مدين أخاهم شعيبا) (1208) وقال (كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون إني لكم رسول مبين فاتقوا الله وأطيعون)
(1209) وقال لنبيه محمد صلى الله عليه (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح) (1210) وقال (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل)
(1211) فأقام جل ثناؤه حجته على خلقه في أنبيائه في الاعلام التي باينوا بها خلقه سواهم وكانت الحجة بها ومن بعدهم وكان الواحد في ذلك وأكثر منه سواء تقوم الحجة بالواحد منهم قياما بالاكثر (1212) قال (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ @(1/201)
أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شئ إن أنتم إلا تكذبون) (1213) قال الشافعي فظاهر الحجج عليهم باثنين ثم ثالث وكذا أقام الحجة على الامم بواحد وليس الزيادة في
التأكيد مانعة أن تقوم الحجة بالواحد إذ أعطاه ما يباين به الخلق غير النبيين (1114) أخبرنا مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب أن الفريعة بنت مالك بن سنان أخبرتها " انها جاءت إلى النبي تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له حتى إذا كان
بطرف القدوم لحقهم فقتلوه فسالت رسول الله أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه قالت فقال رسول الله نعم فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد@(1/202)
دعاني أو أمر بي فدعيت له فقال كيف قلت فرددت عليه القصة التي
ذكرت له من شأن زوجي فقال لي امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت فاعتددت فيه أربعة أشهرا وعشرا فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به " (1215) صلى الله عليه وسلم وعثمان في إمامته وعلمه يقضي بخبر امرأة بين المهاجرين والانصار (1216) أخبرنا مسلم عن بن جريج قال أخبرني الحسن
بن مسلم عن طاوس قال " كنت مع بن عباس إذ قال له زيد بن ثابت أتفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت فقال له بن عباس إما لي فسئل فلانة الانصارية
هل أمرها بذلك النبي فرجع زيد بن ثابت يضحك ويقول ما أراك إلا قد صدقت " (1217) رحمه الله قال الشافعي سمع زيد النهي أن يصدر أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت وكانت الحائض عنده من الحاج الداخلين في ذلك@(1/203)
النهي فلما أفتاها بن عباس بالصدر إذا كانت قد زارت بعد النحر انكر عليه زيد فلما
أخبره عن المرأة أن رسول الله أمرها بذلك فسألها فأخبرته
فصدق المرأة ورأى عليه حقا أن يرجع عن خلاف بن عباس وما لابن عباس حجة غير خبر المرأة (1218) سفيان عن عمرو عن سعيد بن جبير قال " قلت لابن عباس إن نوف البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل فقال بن عباس كذب عدو الله أخبرني أبي بن كعب قال خطبنا رسول الله ثم ذكر حديث موسى والخضر بشئ يدل على أن موسى صاحب الخضر (1219) فابن عباس مع فقهه وورعه يثبت خبر أبي
بن كعب عن رسول الله حتى يكذب به امرأ من المسلمين إذ حدثه أبي بن كعب عن رسول الله بما فيه دلالة على أن موسى بني اسرائيل صاحب الخضر@(1/204)
(1220) أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن بن جريج أن طاوسا أخبره " أنه سأل بن عباس عن الركعتين بعد العصر فنهاه عنهما قال طاوس فقلت له ما أدعهما فقال بن عباس (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) "
(1221) فرأى بن عباس الحجة قائمة على طاوس بخبره
عن النبي ودله بتلاوة كتاب الله على أن فرضا عليه أن لا تكون له الخيرة إذا قضى الله ورسوله أمرا (1222) وطاوس حينئذ إنما يعلم قضاء رسول الله بخبر بن عباس وحده ولم يدفعه طاوس بأن يقول هذا خبرك وحدك فلا أثبته عن النبي لانه يمكن أن تنسى (1223) فإن قال قائل كره أن يقول هذا لابن عباس (1224) فابن عباس أفضل من أن يتوقى أحد أن يقول له حقا رآه وقد نهاه عن الركعتين بعد العصر فأخبره أنه لا يدعهما
قبل أن يعلمه أن النبي نهى عنهما (1225) سفيان عن عمرو عن بن عمر قال " كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا حتى زعم رافع أن رسول الله نهى عنها فتركناها من أجل ذلك @(1/205)
" (1226) فابن عمر قد كان ينتفع بالمخابرة ويراها حلالا ولم يتوسع إذ أخبره واحد لا يتهمه عن رسول الله أنه نهى عنها أن يخابر بعد خبره ولا يستعمل رأيه مع ما جاء عن رسول الله ولا يقول ما عاب هذا علينا أحد ونحن نعمل به إلى اليوم
(1227) وفي هذا ما يبين أن العمل بالشيئ بعد النبي إذا لم يكن بخبر عن النبي لم يوهن الخبر عن النبي عليه السلام (1228) أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار " أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال له أبو الدرداء سمعت رسول الله ينهى
عن مثل هذا فقال معاوية ما أرى بهذا بأسا فقال أبو الدرداء من يعذرني من معاوية أخبره عن رسول الله ويخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرض "
(1229) فرأى أبو الدرداء الحجة تقوم على معاوية بخبره ولما لم ير ذلك معاوية فارق أبو الدرداء الارض التي هو بها إعظاما لان ترك خبر ثقة عن النبي ز (1230) وأخبرنا أن أبا سعيد الخدري لقي رجلا فأخبره عن رسول الله شيئا فذكر الرجل خبرا يخالفه فقال أبو سعيد والله لا آواني وإياك سقف بيت أبدا@(1/206)
(1231) قال الشافعي يرى أن ضيفا على المخبر أن لا يقبل خبره وقد ذكر خبرا يخالف خبر أبا سعيد عن النبي ولكن في خبره وجهان أحدهما يحتمل به خلاف خبر أبي سعيد والآخر لا يحتمله
(1232) أخبرنا من لا أتهم عن بن أبي ذئب عن مخلد بن خفاف قال " ابتعت غلاما فاستغللته ثم ظهرت منه على عيب فخاصمت فيه إلى عمر بن عبد العزيز فقضى لي برده وقضى علي برد غلته فأتيت عروة فأخبرته فقال أروح عليه العشية فأخبره أن عائشة أخبرتني ان رسول الله قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان فعجلت إلى عمر فأخبرته ما أخبرني عروة عن عائشة عن النبي فقال عمر فما أيسر علي قضاء@(1/207)
قضيته الله يعلم أني
لم أرد فيه إلا الحق فبلغتني فيه سنة رسول الله فارد قضاء عمر
وأنفذ سنة رسول الله فراح إليه عروة فقضى لي أن آخذ الخراج من الذي قضى به علي له "
(1233) أخبرني من لا أتهم من أهل المدينة عن بن أبي ذئب قال قضى سعد ب ن إبراهيم على رجل بقضية برأي ربيعة بن أبي عبد الرحمن فأخبرته عن النبي بخلاف ما قضى به فقال سعد لربيعة هذا بن أبي ذئب وهو عندي ثقة يخبرني عن النبي بخلاف ما قضيت به فقال له ربيعة قد اجتهدت ومضى حكمك فقال سعد واعجبا أنفذ قضاء سعد بن أم سعد وأرد قضاء رسول الله بل أرد قضاء سعد بن أم سعد وأنفذ قضاء رسول الله فدعا سعد بكتاب القضية فشقه وقضى للمقضي عليه (1234) قال الشافعي أخبرني أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الشهابي@(1/208)
قال حدثني بن أبي ذئب عن المقبري عن بن شريح
الكعبي أن النبي قال عام الفتح من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إن أحب أخذ العقل وإن أحب فله القود " قال أبو حنيفة فقلت لابن أبي ذئب أتأخذ بهذا يا أبا الحارث فضرب صدري وصاح علي صياحا كثيرا ونال مني وقال أحدثك عن رسول الله وتقول تأخذ به نعم آخذ به وذلك الفرض علي وعلى من سمعه إن الله اختار محمدا من الناس فهداهم به وعلى يديه واختار لهم ما اختار له وعلى لسانه فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين أو
داخرين لا مخرج لمسلم من ذلك قال وما سكت حتى تمنيت أن يسكت
(1235) قال وفي تثبيت خبر الواحد أحاديث يكفي بعض هذا منها (1236) ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذا السبيل (1237) وكذلك حكي لنا عمن حكي لنا عنه من أهل العلم بالبلدان (1238) قال الشافعي وجدنا سعيد بالمدينة يقول أخبرني أبو سعيد@(1/209)
الخدري عن النبي بالصرف فيثبت حديثه سنة ويقول حدثني أبو هريرة عن النبي فيثبت حديثه سنة ويروي عن الواحد غيرهما فيثبت حديثه سنة (1239) ووجدنا عروة يقول حدثتني عائشة " أن رسول الله قضى أن الخراج بالضمان " فيثبته سنة ويروي عنها عن النبي شيئا كثيرا فيثبتها سننا يحل بها ويحرم
(1240) وكذلك وجدناه يقول حدثني أسامة بن زيد عن النبي ويقول حدثني عبد الله بن عرم عن النبي وغيرهما فيثبت خبر كل واحد منهما على الانفراد سنة (1241) ثم وجدناه أيضا يصير إلى أن يقول حدثني عبد الرحمن بن عبد القارئ عن عمر ويقول حدثني يحيى
بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن عمر ويثبت كل واحد من هذا خبر عن عمر (1242) ووجدنا القاسم بن محمد يقول حدثتني عائشة عن النبي ويقول في حديث غيره حدثني بن عمر عن النبي ويثبت خبر كحل واحد منهما على الانفراد سنة (1243) ويقول حدثني عبد الرحمن ومجمع ابنا يزيد بن جارية عن خنساء بنت خدام عن النبي فيثبت خبرها سنة وهو خبر امرأة واحدة@(1/210)
(1244) ووجدنا علي بن حسين يقول أخبرنا عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن النبي قال لا يرث المسلم الكافر " فيثبتها سنة ويثبتها الناس بخبره سنة (1245) ووجدنا كذلك محمد بن علي بن حسين يخبر عن جابر عن النبي وعن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي فيثبت كل ذلك سنة (1246) ووجدنا محمد بن جبير بن مطعم ونافع بن جبير بن مطعم ويزيد بن طلحة بن ركانة ومحمد بن طلحة بن ركانة ونافع بن عجير بن عبد يزيد وأبا أسامة بن عبد الرحمن وحميد
عبد الرحمن وطلحة بن عبد الله بن عوف ومصعب بن سعد بن أبي وقاص وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وخارجة بن زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن كعب بن مالك وعبد الله بن أبي
قتادة وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار وغيرهم من محدثي أهل المدينة كلهم يقول حدثني فلان لرجل من أصحاب النبي عن النببي أو من التابعين عن رجل من أصحاب النبي فثبت ذلك سنة@(1/211)
(1247) ووجدنا عطاء وطاوس ومجاهد وابن أبي مليكة وعكرمة بن خالد وعبيد الله بن أبي يزيد وعبد الله بن باباه وابن أبي عمار ومحدثي المكيين ووجدنا
وهب بن منبه هكذا ومكحول بالشام وعبد الرحمن بن غنم والحسن وابن سيرين بالبصرة والاسود وعلقمة والشعبي بالكوفة ومحدثي الناس وأعلامهم بالامصار كلهم بحفظ عنه تثبيت خبر الواحد عن رسول الله والانتهاء إليه والافتاء به ويقبله كل واحد منهم عن من فوقه وقبله عنه من تحته (1248) ولو جاز لاحد من الناس أن يقول في علم الخاصة أحمع المسلمون قديما وحديثا على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي (1249) ولكن أقول لم أحفظ عن فقهاء المسلمين
انهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد بما وصفت من أن ذلك موجودا على كلهم (1250) قال فإن شبه على رجل بأن يقول قد روي
عن النبي حديث كذا وحديث كذا وكان فلان يقول قولا يخالف ذلك الحديث (1251) فلا يجوز عندي@(1/212)
عن عالم أن يثبت خبر واحد كثيرا ويحل به ويحرم ويرد مثله إلا من جهة أن يكون عنده حديث يخالفه أو يكون ما سمع من سمع منه أوثق عنده ممن حدثه خلافه أو يكون من حدثه ليس بحافظ أو يكون متهما عنده أو يتهم من فوقه ممن حدثه أو يكون الحديث محتملا
معنيين فيتأول فيذهب إلى أحدهما دون الآخر (1252) فأما أن يتوهم متوهم أن فقيها عاقلا يثبت سنة بخبر واحد مرة ومرارا ثم يدعها بخبر مثله وأوثق بلا واحد من هذه الوجوه التي تشبه بالتأويل كما شبه على المتأولين في القرآن وتهمة المخبر أو علم يخبر خلافه فلا يجوز إن شاء الله (1253) فإن قال قائل قل فقيه في بلد إلا وقد روى كثيرا يأخذ به وقليلا يتركه (1254) فلا يجوز عليه إلا من الوجه الذي وصفت
ومن أن يروي عن رجل من التابعين أو من دونهم قولا لا يلزمه الاخذ به فيكون إنما رواه لمعرفة قوله لا لانه حجة عليه وافقه أو خالفه (1255) فإن لم يسلك واحد من هذه السبل فيعذر ببعضها
فقد أخذ خطأ لا عذر فيه عندنا والله أعلم@(1/213)
(1256) فإن قال قائل هل يفترق معنى قولك " حجة " (1257) قيل له إن شاء الله نعم (1258) فإن قال فأبن ذلك (1259) قلنا أما ما كان نص كتاب بين أو سنة مجتمع عليها فيها مقطوع ولا يسع الشك في واحد منهما ومن امتنع من قبوله استتيب
(1260) فاما ما كان من سنة من خبر الخاصة الذي يختلف الخبر فيه فيكون الخبر محتملا للتأويل وجاء الخبر فيه من طريق الانفراد فالحجة فيه عندي أن يلزم العالمين حي لا يكون لهم رد ما كان منصوصا منه كما يلزمهم أن يقبلوا شهادة العدول لا أن ذلك إحاطة كما يمون نص الكتاب وخبر العامة عن رسول الله (1261) ولو شك في هذا شاك لم نقل له تب وقلنا ليس لك إن كنت عالمنا أن تشك كما ليس لك الا ان تقضي بشهادة الشهود العدول وإن أمكن فيهم الغلط ولكن تقضي بذلك على الظاهر من صدقهم والله ولي ما غاب عنك منهم (1262) فقال فهل تقوم بالحديث المنقطع حجة على من علمه وهل يختلف المنقطع أو هو وغيره سواء (1263) قال الشافعي فقلت له المنقطع مختلف (1264) الرب عز وجل فمن شاهد أصحاب رسول الله من التابعين فحدث
حديثا منقطعا عن النبي اعتبر عليه بأمور
(1265) منها أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة من قبل عنه وحفظه (1266) وأن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما يفرد به من@(1/214)
ذلك (1267) ويعتبر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم عنه من غير رجاله الذين قبل عنهم (1268) فإن وجد ذلك كانت دلالة يقوي به مرسله وهي أضعف من الاولى (1269) وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب رسول الله قولا له فإن وجد يوافق ما روى عن
رسول الله كانت هذه دلالة على أنه لم يأخذ مرسله الا عن أصل يصح إن شاء الله (1270) وكذلك ان وجد عوام من أهل العلم يفتنون بمثل معنى ما روى عن النبي (1271) قال الشافعي ثم يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم يسمي مجهولا ولا مرغوبا عن الرواية عنه فيستدل بذلك على صحته فيما روى عنه (1272) ويكون إذا شرك أحدا من الحفاظ في حديث لم يخالفه فإن خالفه وجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل
على صحة مخرج حديثه
(1273) ومتى ما خالف ما وصفت أضر بحديثه حتى لا سيع أحدا منهم قبول مرسله (1274) قال وإذا وجدت الدلائل بصحة حديث بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله (1275) ولا نستطيع أن نزعم أن الحجة تثبت به ثبوتها بالموتصل (1276) وذلك ان معنى المنقطع مغيب محتمل أن يكون حمل عن من يرغب عن الرواية عنه إذا سمى وإن بعض المنقطعات وان وافقه مرسل مثله فقد يحتمل أن يكون مخرجها واحدا@(1/215)
من حيث لو سمى لم يقبل وأن قول بعض أصحاب النبي إذا قال برأيه لو وافقه يدل على صحة مخرج الحديث دلالة قوية إذا نظر فيها
ويمكن أن يكون انما غلط به حين سمع قول بعض أصحاب النبي يوافقه ويحتمل مثل هذا فيمن وافقه من بعض الفقهاء (1277) فأما من بعد كبار التابعين الذين كثرت مشاهدتهم لبعض أصحاب رسول الله فلا أعلمن منهم واحدا يقبل مرسله لامور أحدها أنهم أشد تجاوزا فيمن يروون عنه والآخر أنهم يوجد عليهم الدلائل فيما أرسلوا بضعف مخرجه والآخر كثرة الاحالة كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه
(1278) وقد خبرت بعض من خبرت من أهل العلم فرأيتهم أتوا من خصلة وضدها (1279) رأيت الرجل يقنع بيسير العلم ويريد إلا أن يكون مستفيدا إلا من جهة قد يتركه من مثلها أو أرجح فيكون من أهل التقصير في العلم (1280) ورأيت من عاب هذه السبيل ورغب في التوسع في العلم من دعاه ذلك إلى قبول عن من لو أمسك عن القبول عنه كان خيرا له (1281) رضي الله تعالى عنه ورأيت الغفلة قد تدخل على أكثرهم فيقبل عن من يرد مثله وخيرا منه (1282) ويدخل عليه فيقبل عن من يعرف ضعفه إذا وافق قولا يقوله ويرد حديث الثقة إذا خالف قولا يقوله (1283) ويدخل على بعضهم من من جهات@(1/216)
(1284) ومن نظر في العلم بخبرة وقلة غفلة استوحش من مرسل كل من دون كبار التابعين بدلائل ظاهرة فيها (1285) قال فلم فرقت بين التابعين المتقديمن الذين شاهدوا أصحاب رسول الله وبين من شاهد بعضم دون بعض (1286) فقلت لبعد إحالة من لم يشاهد أكثرهم (1287) قال فلم لم تقبل المرسل منهم ومن كل فقيه دونهم (1288) قلت ولم وصفت (1289) قال وهل تجد حديثا تبلغ به رسول الله
مرسلا عن ثقة لم يقل أحدا من أهل الفقه به (1290) قلت نعم أخبرنا سفيان عن محمد بن المنكدر أن رجلا جاء إلى النبي فقال يا رسول الله ان لي مالا وعيالا وان لابي مالا وعيالا وانه يريد ان يأخذ مالي فيطعمه عياله فقال رسول الله أنت ومالك لابيك
(1291) فقال أما نحن فلا نأخذ بهذا ولكن من أصحابك من يأخذ به (1292) فقلت لا لان من أخذ بهذا جعل للاب الموسر أن يأخذ مال ابنه (1293) قال أجل وما يقول بهذا أحد فلم خالف الناس (1294) قال لانه لا يثبت عن النبي وأن والله لما فرض للاب ميراثه من ابنه فجعله كوارث غيره فقد يكون أقل حظا من كثير من الورثة دل ذلك على أن ابنه مالك للمال دونه (1295) قال فمحمد بن المنكدر عندكم غاية في الثقة (1296) قلت أجل والفضل في@(1/217)
الدين والورع ولكنا لا ندري عن من قبل هذا الحديث (1297) وقد وصفت لك الشاهدين العدلين يشهدان على
الرجل فلا تقبل شهادتهما حتى يعدلاهما أو يعدلهما غيرهما (1298) قال فتذكر من حديثكم مثل هذا (1299) قلت نعم أخبرنا الثقة عن مثل أبي ذئب عن
بن شهاب أن رسول الله أمر رجلا ضحك في الصلاة أن يعيد الوضوء والصلاة (1300) فلم نقبل هذا لانه مرسل (1301) ثم أخبرنا الثقة عن معمر عن بن شهاب عن سليمان بن أرقم عن الحسن عن النبي بهذا الحديث (1302) وابن شهاب عندنا إمام في الحديث والتخيير وثقة الرجال انما يسمي بعض أصحاب النبي ثم خيار التابعين ولا نعلم محدثا يسمي أفضل ولا أشهر ممن يحدث عنه بن شهاب (1303) قال فإني تراه أتى في قبوله عن سليمان بن أرقم
(1304) رآه رجل من أهل المروءة والعقل فقبل عنه وأحسن الظن به فسكت عن اسمه اما لانه أصغر منه وإما لغير ذلك وسأله معمر عن حديثه عنه فأسنده له (1305) فلما أمكن في أن شهاب أن يكون يروي عن سليمان مع ما وصفت به بن شهاب لم يؤمن مثل هذا على غيره (1306) قال فهل تجد لرسول الله سنة ثابته من جهة الاتصال خالفها الناس كلهم (1307) قلت لا ولكن قد أجد الناس مختلفين فيها منهم من يقول بها ومنهم من يقول@(1/218)
بخلافها فأما ينة يكونون مجتمعين على القول بخلافها فلم أجدها قط كما وجدت المرسل عن رسول الله
(1308) قال الشافعي وقلت له أنت تسأل عن الحجة
في رد المرسل وترد ثم تجاوز فترد المسند الذي يلزمك عندنا الاخذ به
باب الاجماع
(1309) قال الشافعي فقال لي قائل قد فهمت مذهبك في أحكام الله ثم أحكام رسوله وأن من قبل عن رسول الله فعن الله قبل بان افترض طاعة رسوله وقمت الحجة بما قلت بأن لا يحل لمسلم علم كتابا ولا سنة أين يقول بخلاف واحد منهما وعلمت أن هذا فرض الله فما حجتك في أن تتبع ما اجتمع الناس عليه مما ليس فيه نص حكم لله ولم يحكوه عن النبي أتزعم ما يقول غيرك أن إجماعهم لا يكون أبدا إلا على سنة ثابتة وإن لم يحكوها
(1310) قال فقلت له أما اجتمعوا عليه فذكروا أنه حكاية عن رسول الله إن شاء الله (1311) وأما ما لم يحكوه فاحتمل أن يكون قالوا حكاية عن رسول الله واحتمل غيره ولا يجوز أن نعده له حكاية لانه لا يجوز أن يحكي إلا مسموعا ولا يجوز أن يحكي شيئا يتوهم يمكن فيه@(1/219)
غير ما قال (1312) فكنا نقول بما قالوا به اتباعا لهم ونعلم أنهم إذا كانت سنن رسول الله لا تعزب عن عامتهم وقد تعزب عن
بعضهم ونعلم أن عامتهم لا تجتمع على خلاف لسنة رسول الله ولا عللا خطأ إن شاء الله
(1313) فإن قال فهل من شئ يدل على ذلك وتشده به (1314) قيل أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن رسول الله قال " نصر الله عبدا " (1315) أخبرنا سفيان عن عبد الله بن أبي لبيد عن بن سليمان بن يسار عن أبيه " أن عمر بن الخطاب خطب الناس
بالجابية@(1/220)
فقال إن رسول الله قام الله فينا كمقامي فيكم فقال أكرموا أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يظهر الكذب حتى إن الرجل ليحلف ولا يستحلف ويشهد ولا يستشهد ألا فمن سره بحبحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الفذ وهو من الاثنين أبعد ولا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهم ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن "
(1316) قال فما معنى أمر النبي بلزوم وجماعتهم (1317) قلت لا معنى له إلا واحد (1318) قال فكيف لا يحتمل إلا واحدا (1319) قلت إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان فلا
يقدر أحد أن يلزم جماعة وأبدان قوم متفرقين وقد وجدت الابدان تكون مجتمعة من المسلمين والكافرين والاتقياء والفجار فلم يكن في لزوم الابدان معنى لانه لا يمكن ولان اجتماع الابدان لا يصنع شيئا فلم يكن للزوم جماعتهم معنى إلا عليهم جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما (1320) ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أمر
بلزومها وإنما تكون الغفلة في الفرقة فأما الجماعة فلا يمكن فيها كافة غفلة عن معنة كتاب ولا سنة ولا قياس إن شاء الله@(1/221)
القياس
(1321) قال فمن أين قلت يقال بالقياس فيما لا كتاب فيه ولا سنة ولا إجماع أفالقياس نص خبر لازم (1322) قلت لو كان القياس نص كتاب أو سنة قيل في كل ما كان نص كتاب " هذا حكم الله " وفي كل ما كان
نص السنة " هذا حكم رسول الله " ولم نقل له " قياس " (1323) قال فما القياس أهو الاجتهاد أم هما متفرقان (1324) قلت هما اسمان لمعنى واحد (1325) قال فما جماعهما (1326) قلت كل ما نزل بمسلم فقيه حكم لازم أو على سبيل
الحق فيه دلالة موجودة وعليه إذا كان فيه حكم اتباعه وإذا لم يكن فيه بعينه طلب الدلالة على سبيل الحق فيه بالاجتهاد والاجتهاد القياس (1327) قال أفرأيت العالمين إذا قاسوا على إحاطة بهم من أنهم أصابوا الحق عند الله وهل يسعهم أن يختلفوا في القياس وهل
كلفوا كل أمر من سبيل واحد أو سبل متفرقة وما الحجة في أن لهم أي يقيسوا على الظاهر دون الباطن وانه يسعهم أن يتفرقوا وهل يختلف ما كلفوا في أنفسهم وما كلفوا@(1/222)
في غيرهم ومن الذي له ان يجتهد فيقيس في نفسه دون غيره والذي له أن يقيس في نفسه وغيره (1328) فقلت له العلم من وجوه منه إحاطة في الظاهر والباطن وممنه حق في الظاهر (1329) فالاحاطة منه ما كان نص حكم لله أو سنة لرسول الله نقلها العامة عن العامة فهذان السبيلان اللذان يشهد بهما فيما أحل أنه حلال وفيما حرم أنه حرام وهذا الذي لا يسع أحدا عندنا جهله ولا شك فيه وعلم الخاصة سنة من خبر الخاصة يعرفها العلماء
ولم يكلفها غيرهم وهي موجودة فيهم أو في بعضهم بصدق الخاص المخبر عن رسول الله بها وهذا اللازم لاهل العلم أن يصيروا إليه وهو الحق في الظاهر كما نقتل بشاهدين وذلك حق في الظاهر وقد يمكن في الشاهدين الغلط
(1331) وعلم إجماع (1332) وعلمك اجتهاد بقياس على طلب إصابة الحق فذلك حق في الظاهر عند قياسه لا عند العامة من العلماء ولا يعلم الغيب فيه إلا الله (1333) الله تبارك وتعالى وإذا طلب العلم فيه بالقياس فقيس بصحة أيتفق المقايسون في أكثره وقد نجدهم يختلفون @(1/223)
(1334) والقياس من وجهين أحدهما أن يكون الشئ في معنى الاصل فلا يختلف القياس فيه وأن يكون الشئ له في الاصول أشباه فذلك يلحق بأولاها به وأكثرها شبها فيه وقد يختلف القاسيون في هذا
(1335) قال فأوجدني ما اعرف به أن العلم من وجهين أحدهما إحاطة بالحق في الظاهر والباطن والآخر إحاطة بحق في الظاهر دون الباطل مما أعرف (1336) رحمه الله فقلت له أرأيت إذا كنا في المسجد الحرام نرى الكعبة أكلفنا أن نستقبلها بإحاطة (1337) قال نعم (1338) قلت وفرضت علينا الصلوات والزكاة والحج وغير ذلك أكلفنا الاحاطة في أن نأتي بما علينا بإحاطة (1339) قال نعم (1340) قلت وحين فرض علينا أن نجلد الزاني مائة ونجلد القاذف ثمانين ونقتل من كفر بعد إسلامه ونقطع من سرق
أكلفنا أن نفعل هذا بمن ثبت عليه بإحاطة نعلم أنا قد أخذنا منه (1341) قال نعم
(1342) قلت وسواء ما كلفنا في أنفسنا وغيرنا إذا كنا ندري من أنفسنا بأنا نعلم منها ما لا يعلم غيرنا ومن غيرنا ما لا يدركه علمنا كإدراكنا العلم في أنفسنا (1343) قال نعم (1344) قلت وكلفنا في أنفسنا أين ما كنا أن نتوجه إلى البيت بالقبلة (1345) قال نعم (1346) قلت افتجدنا على احاطة من أنا قد أصبنا البيت بتوهجنا (1347) قال اما كما وجدتكم حين كنتم ترون فلا واما أنتم فقد أديتم ما كلفتم (1348) قلت والذي كلفنا في طلب العين المغيب غير الذي كلفنا في طلب العين الشاهد@(1/224)
(1349) قال نعم (1350) قلت وكذلك كلفنا ان نقبل عدل الرجل على ما ظهر لنا منه ونناكحة ونوارثه على ما يظهر لنا من إسلامه (1351) قال نعم
(1352) قلت وقد يكون غير عدل في الباطن (1353) قال قد يمكن هذا فيه ولكن لم تكلفوا فيه الا الظاهر (1354) قلت وحلال لنا أن نناكحه ونوارثه ونجيز شهادته ومحرم علينا دمه بالظاهر وحرم على غيرنا ان علم منه أنه كافر إلا قتله ومنعه المناكحة والموارثة وما أعطينا (1355) قال نعم (1356) قلت وجد الفرض علينا في رجل واحد مختلفا على مبلغ علمنا وعلم غيرنا
(1357) قال نعم وكلكم مؤدي ما عليه على قدر علمه (1358) قلت هكذا قلنا لك فيما ليس فيه نص حكم لازم وانما نطلب باجتهاد القياس وإنما كلفنا فيه الحق عندنا (1359) قال فتجدك تحكم بأمر واحد من وجوه مختلفة (1360) قلت نعم إذا اختلفت أسبابه (1361) قال فاذكر منه شيئا (1362) قلت قد يقر الرجل عندي على نفسه بالحق لله أو لبعض الآدميين فاخذه بإقراره ولا يقر فآخذ بينة تقوم عليه ولا تقوم عليه بينة فيدعى عليه فأمره بأن يحلف ويبرأ
فيمتنع فأمر خصمه بأن يحلف ونأخذه بما حلف عليه خصمه إذا أبى اليمين التي تبرئه ونحن نعلم أن إقراره على نفسه بشحه على
ماله وأنه يخالف ظلمه بالشح عليه أصدق عليه من شهادة غيره لان غيره قد يغلط ويكذب عليه وشهادة العدول عليه أقرب من الصدق من امتناعه من@(1/225)
اليمين وخصمه وهو غير عدل وأعطي منه بأسباب بعضها أقوى من بعض (1363) قال هذا كله هكذا غير أنا إذا نكل عن اليمين أعطينا منه بالنكول (1364) قلت فقد أعطيت منه بأضعف مما أعطينا منه (1365) قال اجل ولكني أخالفك في الاصل (1366) وأقوى ما أعطيت به منه إقراره وقد يمكن أن يقر بحق مسلم ناسيا أو غلطا فاخذه به (1367) قال أجل ولكنك لم تكلف إلا هذا
(1368) قلنا فلست تراني كلفت الحق من وجهين أحدهما حق بإحاطة في الظاهر والباطن والآخر حق بالظاهر دون الباطن (1369) قال بلى ولكن هل تجد في هذا قوة بكتاب أو سنة (1370) قلت نعم ما وصفت لك مما كلفت في القبلة وفي نفسي وفي غيري (1371) قال الله * (ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما
شاء) فآتهم من علمه ما شاء وكما شاء لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب) (1372) الرب عز وجل وقال لنبيه (يسئلونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكرها إلى ربك منتهاها) (1373) سفيان عن الزهري عن عروة قال (لم يزل رسول الله يسئل عن الساعة حتى أنزل الله عليه (فيم أنت من ذكراها) فانتهى
(1374) وقال الله * (قل لا يعلم من في السماوات @(1/226)
والارض الغيب إلا الله) (1375) وقال الله تبارك وتعالى إن الله عنده علم الساعة وينزل ما في الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي ارض تموت إن الله عليم خبير) (1376) فالناس متعبدون بأن يقولوا ويفعلوا ما أمروا به وينتهوا إليه لا يجاوزونه لانهم لم يعطوا أنفسهم شيئا إنما هو عطاء الله فنسئل الله عطاءا مؤديا لحقه موجبا لمزيده
باب الاجتهاد
(1377) قال أفتجد تجويز ما قلت من الاجتهاد مع ما وصفت فتذكره (1378) قلت نعم استدلالا بقوله (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجهكم شطره) (1379) قال فما شطره (1380) قلت تلقاءه قال الشاعر إن العسيب بها داء مخامرها فشطرها بصر العينين مسجور
(1381) فالعلم يحيط أن من توجه تلقاء المسجد الحرام ممن نأت داره عنه على صواب بالاجتهاد للتوجه إلى البيت بالدلائل عليه لان الذي كلف التوجه إليه وهو لا يدري أصاب بتوجه قصد المسجد الحرام أم أخطأه وقد يرى دلائل يعرفها فيتوجه بقدر ما يعرف (ويعرف غيره دلائل غيرها فيتوجه بقدر ما يعرف) وإن اختلف توجههما (1382) قال فإن أجزت لك هذا أجزت لك في بعض الحالات الاختلاف (1383) قلت فقل فيما شئت (1384) قال أقول لا يجوز هذا (1385) قلت فهو أنا وأنت ونحن@(1/227)
بالطريق عالمان
قلت وهذه القبلة وزعمت خلافي على أينا يتبع صاحبه (1386) قال ما علي واحد منكما أن يتبع صاحبه (1387) قلت فما يجب عليهما (1388) قال إن قلت لا يجب عليهما أن يصليا حتى يعلما
بإحاطة فهما لا يعلمان أبدا المغيب بإحاطة وهما إذ يدعان الصلاة أو يرتفع عنهما فرض القبلة فيصليان حيث شاءا ولا أقول واحدا من هذين وما أجد بدا من أن أقول يصلي كل واحد منهما كما يرى ولم يكلفا غير هذا أو أقول كلف الصواب في الظاهر والباطن ووضع عنهما الخطأ في الباطن دون الظاهر (1389) قلت فأيهما قلت فهو حجة عليك لانك فرقت بين حكم الباطن والظاهر وذلك الذي أنكرت علينا وأنت تقول إذا اختلفتم قلت ولا بد أن يكون أحدهما مخطئ (1390) قلت أجل (1391) قلت فقد أجزت الصلاة وأنت تعلم أحدهما
مخطئ وقد يمكن أن يكونا معنا مخطئين (1392) وقلت له وهذا يلزمك في الشهادات وفي القياس (1393) قال ما أجد من هذا بدا ولكن أقول هو خطأ موضوع (1394) فقلت له قال الله (ولا تقتلو الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاءه مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة) (1395) فأمرهم بالمثل وجعل المثل إلى عدلين يحكمان فيه فلما حرم مأكول الصيد عما كانت لدواب الصيد أمثال على الابدان (1396) فحكم من حكم من أصحاب رسول الله على ذلك
فقضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي الارنب بعناق@(1/228)
وفي اليربوع بجفرة (1397) والعلم يحيط أنهم أرادوا في هذا المثل بالبدن لا بالقيم ولو حكموا على القيم اختلف أحكامهم لاختلاف أثمان الصيد في البلدان وفي الازمان وأحكامهم فيها واحدة (1398) والعلم يحيط أن يربوع ليس مثل الجفرة في البدن ولكنها كانت أقرب الاشياء منه شبها فجعلت مثله وهذا من القياس يتقارب تقارب العنز والظبي ويبعد قليلا بعد الجفرة من اليربوع (1399) ولما كان المثل في الابدان في الدواب من الصيد دون الطائر لم يجز فيه الا ما قال عمر والله أعلم من أن ينظر إلى المقتول من الصيد فيجزي بأقرب الاشياء به شبها منه في البدن
فإذا مات منها شيئا رفع إلى أقرب الاشياء به شبها كما فاتت الضبع العنز فرفعت إلى الكبش وصغر اليربوع عن العناق فخفض إلى الجفرة (1400) وكان طائر الصيد لا مثل له في النعم لاختلاف خلقته وخلقته فجزي خيرا وقياسا على ما كان ممنوعا لانسان فأتلفه انسان فعليه قيمته لمالكه (1401) قال الشافعي الحكم فيه بالقيمة يجتمع
في أنه يقوم يومه وبلده ويختلف في الازمان والبلدان حتى يكون الطائر ببلد ثمن درهم وفي البلد الآخر ثمن بعض ردهم
(1402) وأمرنا بإجازة شهادة العدل وإذا شرط علينا@(1/229)
أن نقبل العدل ففيه دلالة على أن نرد ما خالفه (1403) وليس للعدل علامة تفرق بينه وبين غير العدل في بدنه ولا لفظه وإنما علامة صدقه بما يختبر من حاله في نفسه (1404) فإذا كان الاغلب من أمره ظاهر الخير قبل وإن كان فيه تقصير عن بعض أمره لانه لا يعرى أحد رأينا من الذنوب (1405) وإذا خلط الذنوب والعمل الصالح فليس فيه إلا الاجتهاد على الاغلب من أمره بالتمييز بين حسنه وقبيحه وإذا كان هذا هكذا فلا بد من أن يختلف المجتهدون فيه (1406) الله تعالى وإذا ظهر حسنه فقبلنا شهادته فجاء حاكم غيرنا فعلم منه ظهور السيئ كان عليه رده
(1407) وقد حكم الحاكمان في أمر واحد برد وقبول وهذا اختلاف ولكن كل قد فعل ما عليه (1408) قال فتذكر حديثا في تجويز الاجتهاد (1409) قلت نعم أخبرنا عبد العزيز عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر بن سعيد عن
أبي قيس مولى عمرو بن@(1/230)
العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله يقول " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر "
(1410) أخبرنا عبد العزيز عن بن الهاد قال فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فقال هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة (1411) الله تعالى فقال هذه رواية منفردة يردها علي وعليك غيري وغيرك ولغيري عليك فيها موضع مطالبة (1412) قلت نحن وأنت ممن يثبتها (1413) قال نعم (1414) قلت فالذين يردونها يعلمون ما وصفنا من تثبيتها وغيره
(1415) قلت فأين موضع المطالبة فيها (1416) رضي الله تعالى عنهما فقال قد سمى رسول الله فيما رويت من الاجتهاد " خطأ " و " صوابا " (1417) فقلت فذلك الحجة عليك (1418) قال وكيف (1419) قلت إذ ذكر النبي أنه يثاب على أحدهما أكثر مما يثاب على الآخر ولا يكون الثواب فيما لا يسع ولا الثواب في الخطأ الموضوع
(1420) لانه لو كان إذا قيل له اجتهد على الخطأ فاجتهد على
الظاهر كما أمر كان@(1/231)
مخطئا خطأ مرفوعا كما قلت كانت العقوبة في الخطأ فيما نرى والله أعلم أولى به وكان أكثر أمره أن يغفر له ولم يشبه أن يكون له ثواب على خطإ لا يسعه (1421) وفي هذا دليل على ما قلنا أنه إنما كلف في الحكم الاجتهاد على الظاهر دون المغيب والله أعلم (1422) قال إن هذا ليحتمل أن يكون كما قلت ولكن ما معنى صواب خطأ (1423) قلت له مثل معنى استقبال الكعبة يصيبها من رآها بإحاطة ويتحراها من غابت عنه بعد أو قرب منها فيصيبها بعض ويخطئها بعض فنفس التوجه يحتمل صوابا وخطأ إذا قصدت بالاخبار عن الصواب والخطأ قصد أن يقول فلا أصاب
قصد ما طلب فلم يخطئه وفلان أخطأ قصد ما طلب وقد جهد في طلبه (1424) فقال هذا هكذا أفرايت الاجتهاد أيقال له صواب على غير هذا المعنى (1425) قلت نعم على أنه إنما كلف فيما غاب عنه الاجتهاد فإذا فعل فقد أصاب بالاتيان بما كلف وهو صواب عنده على الظاهر ولا يعلم الباطن إلا الله (1426) ونحن نعلم أن المختلفين في القبلة وإن اصابا بالاجتهاد
إذا اختلفنا يريدان عينا لم يكونا مصيبين للعين أبدا ومصيبان في الاجتهاد وهكذا ما وصفنا في الشهود وغيرهم (1427) قال أفتوجدني مثل هذا (1428) قلت ما أحسب هذا يوضح باقوى من هذا
(1429) قال فاذكر غيره (1430) قلت أحل الله لنا أن ننكح من النساء مثنى وثلاث ورباع وما ملكت أيماننا وحرم الامهات والبنات والاخوات (1431) قال نعم (1432) قلت فلو أن رجلا اشترى@(1/232)
جارية فاستبرأها أيحل له إصابتها (1433) قال نعم (1434) قلت فأصابها فولدت له دهرا ثم علم انها أخته كيف القول فيه (1435) قال كان ذلك حلالا حتى علم بها فلم يحل له أن يعود إليها (1436) قلت فيقال لك في امرأة واحدة حلالا له حرام
عليه بغير إحداث شئ أحدثه هو ولا أحدثته (1437) قال أما في المغيب فلم تزل أخته أولا وآخرا وأما في الظاهر فكانت له حلالا ما لم يعلم وعليه حرام حين علم
(1439) وقال إن غيرنا ليقول لم يزل آثما بإصابتها ولكنه مأثم مرفوع عنه (1439) فقلت الله اعلم وأيهما كان فقد فرقوا فيه بين حكم الظاهر والباطن وألغوا المأثم عن المجتهد على الظاهر وإن أخطأ عندهم ولم يلغوه عن العامد (1440) قال أجل (1441) وقلت له مثل هذا الرجل ينكح ذات محرم منه ولا يعلم وخامسة وقد بلغته وفاة رابعة كانت زوجة له واشباه لهذا
(1442) قال نعم أشباه هذا كثير (1443) فقال إنه لبين عند من يثبت الرواية منكم أنه لا يكون الاجتهاد أبدا إلا على طلب عين قائمة مغيبة بدلالة وانه قد يسع الاختلاف من له الاجتهاد (1444) فقال فكيف الاجتهاد @(1/233)
(1445) فقلت إن الله جل ثناؤه من على العباد بعقول فدلهم بها على الفرق بين المختلف وهداهم السبيل إلى الحق نصا ودلالة (1446) قال فمثل من ذلك شيئا (1447) قلت نصب لهم البيت الحرام وأمرهم بالتوجه إليه إذا رأوه وتأخيه إذا غابوا عنه وخلق لهم سماء وأرضا وشمسا وقمرا ونجوما وبحارا وجبالا ورياحا
(1448) فقال (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) (1449) وقال (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) * (1450) فأخبر أنهم يهتدون بالنجم والعلامات (1451) فكانوا يعرفون بمنه جهة البيت بمعونته لهم وتوفيقه إياهم بان قد رآه من رآه منهم في مكانه وأخبر من رآه منهم من لم يره وأبصر ما يهتدى به إليه مكن جبل يقصد قصده أو نجم يؤتم به وشمال وجنوب وشمس يعرف مطلعها ومغربها وأين تكون من المصلى بالعشي وبحور كذلك (1452) وكان عليهم تكلف الدلالات بما خلق لهم من العقول التي ركبها فيهم ليقصدوا قصد التوجه للعين التي فرض عليهم استقبالها
(1453) فغذا طلبوها مجتهدين بعقولهم وعلمهم بالدلائل بعد استعانة الله والرغبة إليه في توفيقه فقد أدوا ما عليهم (1454) وأبان لهم ان فرضه عليهم التوجه شطر المسجد الحرام والتوجه شطره لاصابة البيت بكل حال (1455) ولم يكن لهم إذا كان لا تمكنهم الاحاطة@(1/234)
في الصواب إمكان من عاين البيت ان يقولوا نتوجه حيث رأينا بلا دلالة
باب الاستحسان
(1456) قال هذا كما قلت والاجتهاد لا يكون إلا على مطلوب والمطلوب لا يكون أبدا إلا على عين قائمة تطلب بدلالة
يقصد بها إليها أو تشبيه على عين قائمة وهذا يبين أن حراما على أحد أن يقول بالاستحسان إذا خالف الاستحسان الخبر والخبر من الكتاب والسنة عين يتأخى معناها المجتهد ليصيبه كما البيت يتأخاه من غاب عنه ليصيبه أو قصده بالقياس وأن ليس لاحد أن يقول إلا من جهة الاجتهاد والاجتهاد ما وصفت من طلب الحق فهل تجيز أنت أن يقول الرجل أستحسن بغر قياس (1457) فقلت لا يجوز هذا عندي والله أعلم لاحد وإنما كان لاهل العلم ان يقولوا دون غيرهم لان يقولوا في الخبر باتباعه فيما ليس فيه الخبر بالقياس على الخبر
(1458) ولو جاز تعطيل القياس جاز لاهل العقول من غير أهل العلم ان يقولوا فيما ليس فيه خبر بما يحضرهم من الاستحسان (1459) وإن القول بغير خبر ولا قياس لغير جائز بما ذكرت من كتاب الله وسنة رسوله ولا في القياس (1460) فقال أما الكتاب والسنة فيدلان على ذلك لانه إذا أمر النبي بالاجتهاد فالاجتهاد أبدا لا يكون إلا على طلب شئ وطلب الشئ لا يكون إلا بدلائل والدلائل هي القياس قال فأين القياس مع الدلائل على ما وصفت (1461) قلت ألا ترى أن أهل العلم غذا أصاب رجل
لرجل عبدا لم يقولوا لرجل اقم عبدا@(1/235)
ولا أمة إلا وهو خابر
بالسوق ليقيم معنيين بما يخبركم ثمن مثله في يومه ولا يكون ذلك إلا بأن يعتبر عليه بغيره فيقيسه عليه ولا يقال لصاحب سلعة أقم إلا وهو خابر
(1462) ولا يجوز أن يقال لفقيه عدل غير عالم بقيم الرقيق أقم هذا العبد ولا هذه الامة ولا إجازة هذا العامل لانه غذا أقامه على غير مثال بدلالة على قيمته كان متعسفا (1463) فإذا كان هذا هكذا فيما تقل قيمته من المال وييسر الخطأ فيه على المقام له والمقام عليه كان حلال الله وحرامه أولى أن لا يقال فيهما بالتعسف والاستحسان (1464) وإنما الاستحسان تلذذ (1465) ولا يقول فيه إلا عالم بالاخبار عاقل للتشبيه عليها (1466) وإذا كان هذا هكذا كان على العالم أن لا يقول إلا من جهة العلم وجهة العلم الخبر اللازم بالقياس بالدلائل
على الصواب حتى يكون صاحب العلم ابدا متبعا خبرا وطالب الخبر بالقياس كما يكون متبع البيت بالعيان وطالب قصده بالاستدلال بالاعلام مجتهدا (1467) ولو قال بلا خبر لازم وقياس كان أقرب من الاثم من الذي قال وهو غير عالم وكان القول لغير أهل العلم جائزا (1468) ولم يجعل الله لاحد بعد رسول الله أن يقول إلا
من جهة علم مضى@(1/236)
قبله وجهة العلم بعد الكتاب والسنة والاجماع والآثار وما وصفت من القياس عليها
(1469) ولا يقيس إلا من جمع الآلة التي له القياس بها
وهي العلم بأحكام كتاب الله وفرضه وادبه وناسخه ومنسوخه وعامة وخاصة وإرشاده (1470) ويستدل على ما احتمل التأويل منه بسنن رسول الله فإذا لم يجد سنة فبإجماع المسلمين فإن لم يكون إجماع فبالقياس (1471) ولا يكون لاحد أن يقيس حتى يكون عالما بما مضى قبله من السنن وأقاويل السلف وإجماع الناس واختلافهم ولسان العرب (1472) ولا يكون له أن يقيس حتى يكون صحيح العقل وحتى يفرق بين المشتبه ولا يعجل بالقول به دون التثبيت (1473) ولا يمتنع من الاستماع ممن خالفه لانه قد يتنبه بالاستماع لترك الغفلة ويزداد به تثبيتا فيما اعتقده من الصواب
(1474) وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده والانصاف من نفسه حتى يعرف من أين قال ما يقول وترك ما يترك (1475) ولا يكون بما قال أعنى منه بما خالفه حتى يعرف فضل ما يصير إليه على ما ترك إن شاء الله
(1476) فأما من تم عقله ولم يكن عالما بما وصفنا فلا يحل له أن يقول بقياس وذلك أنه لا يعرف ما يقيس عليه كما لا يحل لفقيه عاقل أن يقول في ثمن درهم ولا خبرة له بسوقه (1477) ومن كان عالما بما وصفنا بالحفظ لا بحقيقة المعرفة فليس له أن يقول أيضا بقياس لانه قد يذهب عليه عقل المعاني (1478) وكذلك لو كان حافظا مقصرا العقل أو مقصرا عن علم لسان العرب لم يكن له أن يقيس من قبل نقص عقله عن الآلة التي يجوز بها القياس (1479) صلى الله عليه وسلم ولا نقول يسع هذا والله أعلم أن يقول أبدا إلا اتباعا ولا قياسا@(1/237)
(1480) فإن قال قائل فاذكر من الاخبار التي تقيس عليها وكيف تقيس (1481) قيل له إن شاء الله كل حكم لله أو لرسوله وجدت عليه دلالة فيه أو في غيره من أحكام الله أو رسوله بأنه حكم به لمعني من المعاني فنزلت نازلة ليس فيها نص حكم حكم فيها حكم النازلة المحكوم فيها إذا كانت في معناها (1482) والقياس وجوه يجمعها القياس ويتفرق
بها ابتداء قياس كل واحد منهما أو مصدره أو هما وبعضهما أوضح من بعض
(1483) فأقوى القياس ان يحرم الله في كتابه أو يحرم رسول الله القليل من الشئ فيعلم أن قليله إذا حرم كان كثيره مثل قليله في التحريم أو أكثر بفضل الكثرة على القلة (1484) وكذلك غذا حمد على يسير من الطاعة كان ما هو أكثر منها أولى ان يحمد عليه (1485) وكذلك إذا أباح كثير شئ كان الاقل منه أولى أن يكون مباحا (1486) فإن قال فاذكر من كل واحد من هذا شيئا يبين لنا ما في معناه
(1487) قلت قال رسول الله " إن الله حرم من المؤمن دمه وماله وأن يظن به إلا خيرا@(1/238)
(1488) فإذا حرم أن يظن به ظنا مخالفا للخير يظهره كان ما هو أكثر من الظن المظهر ظنا من التصريح له
بقول غير الحق أولى ان يحرم ثم كيف ما زيد في ذلك كان أحرم (1489) قال الله (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (1490) فكان ما هو أكثر من مثقال ذرة من الخير أحمد وما هو أكثر من مثقال ذرة من الشر أعظم في المأثم (1491) وأباح لنا دماء أهل الكفر المقاتلين غير المعاهدين
وأموالهم ولم يحظر علينا منها شيئا أذكره فكان ما نلنا من أبدانهم دون الدماء ومن أموالهم دون كلها أولى أن يكون مباحا (1492) وقد يمتنع بعض أهل العلم من أن يسمى
هذا قياسا ويقول هذا ما أحل الله وحرم وحمد وذم لانه داخل في جملته فهو بعينه ولا قياس على غيره (1493) ويقول مثل هذا القول في غير هذا مما كان في معنى الحلال فأحل والحرام فحرم (1494) ويمتنع أن يسمى " القياس " إلا ما كان يحتمل@(1/239)
أن يشبه بما احتمل أن يكون فيه شبها من معنيين مختلفين فصرفه على أن يقيسه على أحدهما دون الآخر (1495) ويقول غيرهم من أهل العلم ما عدا النص من الكتاب أو السنة فكان في معناه فهو قياس والله اعلم
(1496) فإن قال قائل فاذكر من وجوه القياس ما يدل على اختلافه في البيان والاسباب والحجة فيه سوى هذا الاول الذي تدرك العمة علمه (1497) قيل له إن شاء الله قال الله (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (1498) عز وجل وقال (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم
فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف) (1499) فأمر رسول الله هند بنت عتبة أن تأخذ من مال زوجها أبي سفيان ما يكفيها وولدها وهم ولده بالمعروف بغير أمره (1500) قال فدل كتاب الله وسنة نبيه أن على الوالد رضاع ولده ونفقتهم صغارا
(1501) فكان الولد من الوالد فجبر على صلاحه في الحال التي لا يغني الولد فيها نفسه فقلت إذا بلغ الاب إلا يغني نفسه بكسب ولا مال فعلى ولده@(1/240)
صلاحه في نفقته وكسوته قياسا على الولد (1502) وذل ك ان الولد من الوالد فلا يضيع شيئا هو منه كما لم يكن للولد أن يضيع شيئا من ولده غذ كان اولد منه وكذلك الوالدون وإن بعدوا والولد وإن سفلوا في هذا المعنى والله أعلم فقلت ينفق على كل محتاج منهم غير محترف وله النفقة على الغني المحترف (1503) وقضى رسول الله في عبد دلس للمبتاع فيه بعيب
فظهر عليه بعد ما استغله أن للمبتاع رده بالعيب وله حبس الغلة بضمانه العبد (1505) فاستدللنا غذا كانت الغلة لم يقع عليها صفقة البيع فيكون لها حصة من الثمن وكانت في ملك المشتري في الوقت الذي
لو مات فيه العبد مات من مال المشتري انه إنما جعلها له لانها حادثة في ملكه وضمانه فقلنا كذلك في ثمر النخل ولبن الماشية وصوفها وأولادها وولد الجارية وكل ما حدث في ملك المشتري وضمانه وكذلك وطئ الامة الثيب وخدمتها (1505) قال فتفرق علينا بعض أصحابنا وغيرهم في هذا (1506) فقال بعض الناس الخراج والخدمة والمتاع غير الوطئ من المملوك والمملوكة لمالكها الذي اشتراها وله ردها بالعيب وقال لا يكون له أن يرد الامة بعد أن يطأها وإن كانت ثيبا ولا يكون له ثمر النخل@(1/241)
ولا لبن الماشية ولا صوفها ولا
ولد الجارية لان كل هذا من الماشية والجارية والنخل والخراج ليس بشئ من العبد (1307) فقلت لبعض من يقول هذا القول أرأيت قولك الخراج ليس من العبد والثمر من الشجر والولد من الجارية أليسا يجتمعان في أن كل واحد منهما كان كان حادثا في ملك المشتري لم تقع عليه صفقة البيع (1508) قال بلى ولكن يتفرقان في أن ما وصل إلى السيد منهما مفترق وتمر النخل منها وولد الجارية والماشية منها وكسب الغلام ليس منه إنما هو شئ تحرف فيه فاكتسبه
(1509) فقلت له ارايت إن عارضك معارض بمثل
حجتك فقال قضى النبي أن الخراج بالضمان والخراج لا يكون إلا بما وصفت من التحرف وذلك يشغله عن خدمة مولاه فيأخذ له بالخراج العوض من الخدمة ومن نفقته على مملوكه فغن وهبت له هبة فالهبة لا تشغله عن شئ لم تكن لمالكه الآخر وردت إلى الاول (1510) قال لا بل تكون للآخر الذي وهبت له وهو في ملكه (1511) قلت هذا ليس بخراج هذا من وجه غير الخراج (1512) قال وإن فليس من العبد (1513) قلت ولكنه يفارق معنى الخراج لانه من غير وجه الخراج
(1514) قال وإن كان من غير وجه الخراج فهو حادث في ملك المشتري (1515) قلت وكذلك الثمرة والنتاج حادث في ملك المشتري والثمرة إذا باينت النخلة فليست من النخلة قد تباع الثمرة ولا تتبعها النخلة والنخلة ولا تتبعها الثمرة وكذلك نتاج الماشية والخراج أولى ان يرد مع العبد لنه قد يتكلف فيه ما تبعه من ثمر النخلة ولو جاز أن يرد واحد منهما (1516) وقال بعض أصحابنا بقولنا في الخراج ووطئ الثيب وثمر النخل وخالفنا في ولد الجارية (1517) وسواء ذلك كله لانه حادث في ملك المشتري لا يستقم فيه إلا هذا أو لا يكون لمالك العبد المشتري شئ
إلا@(1/242)
الخراج والخدمة ولا يكون له ما وهب للعبد ولا ما التقط ولا غير ذلك من شئ أفاد من كنز ولا غيره إلا الخراج والخدمة ولا ثمر النخل ولا لبن الماشية ولا غير ذلك لان هذا ليس بخراج (1518) ونهى رسول الله عن الذهب بالذهب والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير إلا مثلا بمثل يدا بيد (1519) فلما خرج رسول الله في هذه الاصناف المأكولة التي شح الناس عليها حتى باعوها كيلا بمعنيين أحدهما أن يباع منها
شئ بمثله حدهما نقد والآخر دين والثاني أن يزاد في واحد منهما شئ على مثله يدا بيد وكان ما كان في معناها محرما قياسا عليها (1520) وذلك كل ما أكل مما بيع موزونا لاني وجدتها مجتمعة المعاني في أنها مأكولة ومشروبة والمشروب في معنى المأكول لانه كله للناس إما قوت وإما غذاء وإما هما ووجدت الناس شحوا عليها حتى باعوها وزنا والوزن أقرب من الاحاطة من الكيل وفي معنى الكيل وذلك مثل العسل والسمن والزيت والسكر وغيره مما يؤكل ويشرب ويباع موزونا (1521) فإن قال قائل أفيحتمل ما بيع موزونا أن يقاس
على الوزن من الذهب والورق فيكون الوزن بالوزن أولى بأن يقاس من الوزن بالكيل (1522) قيل إن شاء الله له إن الذي منعنا مما وصفت
من قياس@(1/243)
الوزن بالوزن أن صحيح القياس إذا قست الشئ بالشيئ أن تحكم له بحكمه فلو قست العسل والسمن بالدنانير والدراهم وكنت إنما حرمت الفضل في بعضها على بعض إذا كانت جنسا واحدا قياسا على الدنانير والدراهم أكان يجوز أن يشتري بالدنانير والدراهم نقدا عسلا وسمنا إلى أجل (1523) فإن قال يجيزه بما أجازه به المسلمون
(1524) قيل إن شاء الله فإجازة المسلمين له دلتني على أنه غير قياس عليه لو كان قياسا عليه كان حكمه حكمه فلم يحل أن يباع إلا يدا بيد كما لا تحل الدنانير بالدراهم إلا يدا بيد (1525) فإن قال أفتجدك حين قسته على الكيل حكمت له حكمه (1526) قلت نعم لا أفرق بينه في شئ بحال (1527) قال أفلا يجوز أن تشتري مد حنطة نقدا بثلاثة أرطال زيت إلى أجل
(1528) قلت لا يجوز أن يشتري ولا شئ من المأكول والمشروب بشئ من غير صنفه إلى أجل (1529) حكم المأكول المكيل حكم المأكول الموزون (1530) قال فما تقول في الدنانير والدراهم (1531) قلت محرمات في أنفسها لا يقاس شئ من المأكول عليها لانه ليس في معناها والمأكول المكيل محرم في
نفسه ويقاس به في معناه من المكيل والموزون عليه لانه في معناه (1532) فإن قال فافرق بين الدنانير والدراهم (1533) قلت لم أعلم مخالفا من أهل العلم في إجازة أن يشتري بالدنانير والدراهم الطعام المكيل والموزون إلى أجل وذلك لا يحل في الدنانير والدراهم وإني لم أعلم منهم مخالفا في أني لو@(1/244)
علمت معدنا فأديت الحق فيما خرج منه ثم أقامت فضته أو ذهبه عندي دهري كان علي في كل سنة أداء زكاتها ولو حصدت
طعام أرضي فأخرجت عشرة أقام عندي دهره لم يكن علي فيه زكاة وفي أني لو استهلكت لرجل شيئا قوم على دنانير أو دراهم لانها الاثمان في كل مال لمسلم إلا الديات (1534) فإن قال هكذا (1535) قلت فالاشياء تتفرق بأقل مما وصفت لك (1536) ووجدنا عاما في أهل العلم أن رسول الله قضى في جناية الحر المسلم خطأ بمائة من الابل على عاقله الجاني وعاما فيهم أنها في مضي ثلاث سنين في كل سنة ثلثها وبأسنان معلومة (1537) فدل على معاني من القياس سأذكر منها إن شاء الله بعض ما يحضرني
(1538) إن وجدنا عاما في أهل العلم أن ما جنى الحر المسلم
من جناية عمد أو فساد مال لاحد على نفس أو غيره ففي ماله دون عاقلته وما كان من جناية في نفس خطأ فعلى عاقلته (1539) الرب عز وجلثم وجدناهم مجمعين على أن تعقل العاقلة ما بلغ ثلث الدية من جناية في الجراح فصاعدا (1540) ثم افترقوا فيما دون الثلث فقال بعض أصحابنا تعقل العاقلة الموضحة وهي نصف العشر فصاعدا ولا تعقل ما دونها (1541) فقلت لبعض من قال تعقل نصف العشر ولا تعقل ما دونه هل يستقيم القياس على السنة إلا بأحد وجهين
(1542) قال وما هما@(1/245)
(1543) قلت أن تقول لما وجدت النبي قضى بالدية على العاقلة قلت به اتباعا فما كان دون الدية ففي مال الجاني ولا تقيس على الدية غيرها لان الاصل الجاني أولى أن يغرم جنايته من غيره كما يغرمها في غير الخطأ في الجراح وقد أوجب الله على القاتل خطأ دية ورقبة فزعمت أن الرقبة في ماله لانها من جنايته وأخرجت الدية من هذا المعنى اتباعا وكذلك اتبع في الدية وأصرف بما دونها إلى أن يكون في ماله لانه أولى أن يغرم ما جنى من غيره وكما أقول في المسح عل الخفين رخصة بالخبر عن رسول الله ولا أقيس عليه غيره (1544) أو يكون القياس من وجه ثاني (1545) قال وما هو
(1546) قلت إذا أخرج رسول الله الجناية خطأ على النفس مما جنى الجاني على غير النفس وما جنى على نفس عمدا فجعل على عاقلته يضمنونها وهي الاكثر جعلت على عاقلته يضمنون الاقل من جناية الخطأ لان الاقل أولى أن يضمنوه عنه من الاكثر أو في مثل معناه (1547) قال هذا أولى المعنيين أن يقاس عليه ولا يشبه هذا المسح على الخفين (1548) فقلت له هذا كما قلت إن شاء الله وأهل العلم مجمعون على أن تغرم العاقلة الثلث وأكثر وإجماعهم دليل على أنهم قد قاسوا بعض ما هو من الدية بالدية (1549) قال أجل@(1/246)
(1550) فقلت له فقد قال صاحبنا أحسن ما سمعت أن تغرم العاقلة ثلث الدية فصاعدا وحكى أنه الامر عندهم أفرايت إن احتج له محتج بحجتين (1551) قال وما هما (1552) قلت انا وأنت مجمعان على أن تغرم العاقلة الثلث فأكثر ومختلفان فيما هو أقل منه وإنما قامت الحجة بإجماعي وإجماعك على الثلث ولا خبر عندك في أقل منه ما تقول له (1553) قال أقول إن إجماعي من غير الوجه الذي ذهبت إليه، إجماعي إنما هو قياس على أن العاقلة إذا غرمت الاكثر
ضمنت ما هو أقل منه فمن حد لك الثلث أرأيت إن قال لك غيرك بل تغرم تسعة اعشار ولا تغرم ما دونه (1554) قلت فإن قال لك فالثلث يفدح من غرمه
قلت معه أو عنه لانه فادح ولا يغرم ما دونه بين فادح (1555) قال أفرايت من لا مال له إلا درهمين أما يفدحه أن يغرم الثلث والدرهم فيبقى لا مال له أرأيت من له دنيا عظيمة هل يفدحه الثلث (1556) فقلت له أفرايت لو قال لك هو لا يقول لك " الامر عندنا " والامر مجتمع عليه بالمدينة
(1557) قال والامر المجتمع عليه بالمدينة أقوى @(1/247)
من الاخبار المنفردة قال فكيف تكلف أن حكى لنا الاقوى اللازم من الامر المجتمع عليه (1558) قلنا فإن قال لك قائل لقلة الخبر وكثرة الاجماع عن أن يحكى وأنت قد تصنع مثل هذا فتقول هذا أمر مجتمع عليه (1559) قال لست أقول لاحد من أهل العلم " هذا مجتمع عليه " إلا لما تلقى عالما أبدا إلا قاله لك وحكاه عن من قبله كالظهر أربع وكتحريم الخمر وما أشبه هذا وقد أجده
يقول " المجمع عليه " وأجد من المدينة من أهل العلم كثيرا يقولون بخلافه وأجد عامة أهل البلدان على خلاف ما يقول " المجتمع عليه " (1560) الله تعالى قال فقلت له فقد يلزمك في قولك " لا تعقل ما دون الموضحة " مثل ما لزمه في الثلث (1561) فقال لي إن فيه علة بان رسول الله لم يقض فيما دون الموضحة بشئ (15622) فقلت له أفرايت إن عارضك معارض فقال لا اقضي فيما دون الموضحة بشئ لان رسول الله لم يقضي فيه بشئ (1563) قال ليس ذلك له وهو إذا لم يقض فيما دونها بشئ فلم يهدر ما دونها من الجراح
(1564) قال وكذلك يقول لك هو إذا لم يقل لا تعقل العاقلة ما دون الموضحة فلم يحرم أن تعقل العاقلة ما دونها ولو قضى في الموضحة ولم يقضي فيما دونها على العاقلة ما منع ذلك العاقلة أن تغرم ما دونها إذا غرمت الاكثر غرمت الاقل كما قلنا نحن وأنت احتججت على صاحبنا ولو جاز هذا لك جاز عليك (1565) ولو قضى النبي بنصف العشر على العاقلة أن يقول قائل@(1/248)
تغرم نصف العشر والدية ولا تغرم ما بينهما ويكون ذلك في مال الجاني ولكن هذا غير جائز لاحد والقول فيه أن جميع ما كان خطأ فعلى العاقلة وإن كان درهما (1566) وقلت له قد قال بعض أصحابنا إذا جنى الحر على العبد جناية فأتى على نفسه أو ما دونها خطأ فهي في ماله دون
عاقلته ولا تعقل العاقلة فقلنا هي جناية حر وإذا قضى رسول الله أن عاقلة الحر تحمل جنايته في حر إذا كانت غرما لا حقا بجناية خطإ وكذلك جنايته في العبد إذا كانت غرما من خطإ والله أعلم وقلت بقولنا فيه وقلت من قال لا تعقل العاقلة عبدا احتمل قوله لا تعقل جناية عبد لانها في عنقه دون مال سيده غيره فقلت بقولنا ورأيت ما احتججت به من هذا حجة صحيحة داخلة في معنى السنة (1567) قال أجل (1568) قال وقلت له وقال صاحبك وغيره من
أصحابنا جراح العبد في ثمنه كجراح الحر في ديته@(1/249)
ففي عينه نصف ثمنه وفي موضحته نصف عشر ثمنه وخالفتنا فيه فقلت في جراح العبد ما نقص من ثمنه (1569) قال فأنا أبدأ فأسألك عن حجتك في قول جراح العبد في ديته أخبرا قلته أم قياسا (1570) قلت أما الخبر فيه فعن سعيد بن المسيب (1571) قال فاذكره (1572) قلت أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه قال عقل العبد في ثمنه فسمعته منه كثيرا هكذا
وربما قال كجراح الحر في ديته قال بن شهاب فإن ناسا
يقولون يقوم سلعة (1573) فقال إنما سألتك خبرا تقوم به حجتك (1574) فقلت قد أخبرتك أني لا أعرف فيه خبرا عن أحد أعلى من سعيد بن المسيب (1575) قال فليس في قوله حجة (1576) قال وما ادعيت ذلك فترده علي (1577) قال فاذكر الحجة فيه (1578) قلت قياسا على الجناية على الحر (1579) قلا قد يفارق الحر في أن دية الحر مؤقتة
وديته ثمنه فيكون بالسلع من الابل والدواب وغير ذلك أشبه لان في كل واحد منهما ثمنه (1580) فقلت فهذا حجة لمن قال لا تعقل العاقلة ثمن العبد عليك (1581) قال ومن أين (1582) قال يقول لك لم قلت تعقل العاقلة ثمن العبد إذا جنى عليه الحر قيمته وهو عندك بمنزلة الثمن ولو جنى على بعير جناية ضمنها في ماله (1583) قال فهو نفس محرمة (1584) قلت والبعير نفس محرمة على قاتله (1585) قال ليست كحرمة المؤمن (1586) قلت ويقول لك ولا العبد كحرمة الحر
في كل أمره
(1587) فقلت فهو عندك مجامع الحر في المعنى أفتعقله العاقلة (1588) قال ونعم (1589) قلت وحكم الله في المؤمن يقتل خطأ بدية وتحرير رقبة (1590) قال نعم (1591) رضي الله تعالى عنها قلت وزعمت أن في العبد تحرير رقبة كهي في الحر وثمن وأن الثمن كالدية (1592) قال نعم (1593) قلت وزعمت أنك تقتل الحر بالعبد (1594) قال نعم@(1/250)
(1595) قلت وزعمنا أنا نقتل العبد بالعبد (1596) قال وأنا أقوله (1597) قلت فقد جامع الحر في هذه المعاني عندنا وعندك في أن بينه وبين المملوك قصاصا في كل جرح وجامع البعير في معنى أن ديته ثمنه فكيف اخترت في جراحته أن تجعلها كجراحة بعير فتجعل فيه ما نقصه ولم تجعل جراحته في ثمنه كجراح الحر في ديته وهو يجامع الحر في خمسة معاني ويفارقه في معنى واحد أليس أن تقيسه على ما يجامعه في خمسة معاني أولى
بك من أن تقيسه على جامعه على معنى واحد مع أنه يجامع الحر في أكثر من هذا أن ما حرم على الحر حرم عليه وأن عليه الحدود والصلاة والصوم وغيرها من الفرائض ولي من البهائم بسبيل (1598) قال رأيت ديته ثمنه
(1599) قلت وقد رأيت دية المرأة نصف دية الرجل فما منع ذلك جراحها أن تكون في ديتها كما كانت جراح الرجل في ديته (1600) وقلت له إذا كانت الدية في ثلاث سنين إبلا أفليس قد زعمت أن الابل لا تكون بصفة دينا فكيف أنكرت أن تشتري الابل بصفة إلى أجل ولم تقسه على الدية ولا على الكتابة ولا على المهر وأنت تجيز في هذا كله أن تكون الابل بصفة دينا فخالفت فيه القياس وخالفت الحديث نصا عن النبي أنه استسلف بعيرا ثم أمر بقضائه بعد@(1/251)
(1601) قال كرهه بن مسعود (1602) فقلنا وفي أحد مع النبي حجة (1603) قال لا إن ثبت عن النبي (1604) قلت هو ثابت باستسلافه بعيرا وقضاه خيرا منه وثابت في الديات عندنا وعندك هذا في معنى السنة (1605) قال فما الخبر الذي يقاس عليه
(1606) قلت أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع " أن النبي استسلف من رجل بعيرا فجاءته إبل فأمرني أن أقضيه إياه فقلت لا أجد في الابل إلا جملا خيارا فقال أعطه إياه فإن خيار النا س أحسنهم قضاء "
(1607) قال فما الخبر الذي لا يقاس عليه (1608) قلت ما كان لله في حكم منصوص ثم كانت لرسول الله سنة بتخفيف في بعض الفرض دون بعض عمل بالرخصة فيما رخص فيه رسول الله دون ما سواها ولم يقس ما سواها عليها وهكذا ما كان لرسول الله من حكم عام بشئ ثم سن سنة تفارق حكم العام (1609) قال وفي مثل ماذا (1610) قلت فرض الله الوضوء على من قام إلى الصلاة من نومه فقال * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى@(1/252)
المرافق وامسحوا برؤسكم وارجلكم إلى الكعبين) (1611) فقصد الرجلين بالفرض كما قصد قصد ما سواهما في أعضاء الوضوء
(1612) فلما مسح رسول الله على الخفين لم يكن لنا والله أعلم أن نمسح على عمامة ولا برفع ولا قفازين قياسا عليهما وأثبتنا الفرض في أعضاء الوضوء كلها وارخصنا بمسح النبي في المسح على الخفين دون سواهما
(1613) قال فتعد هذا خلافا للقرآن (1614) قلت لا تخالف سنة لرسول الله كتاب الله بحال (1615) قال فما معنى هذا عندك (1616) رحمه الله قلت معناه أن يكون قصد بفرض إمساس القدمين من لا خفي عليه لبسهما كامل الطهارة (1617) قال أو يجوز هذا في اللسان (1618) قلت نعم كما جاز أن يقوم إلى الصلاة من هو
على وضوء فلا يكون المراد بالوضوء استدلالا بأن رسول الله صلى صلاتين وصلوات بوضوء واحد (1619) وقال الله (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم) (1620) فدلت السنة على أن الله لم يرد بالقطع كل السارقين (1621) فكذلك دلت سنة رسول الله بالمسح أنه قصد بالفرض في غسل القدمين من لا خفي عليه لبسهما كامل الطهارة (1622) قال فما مثل هذا في السنة (1623) قلت نهى رسول الله عن بيع التمر بالتمر إلا مثلا بمثل " سئل عن الرطب بالتمر فقال أينقص الرطب إذا يبس فقيل نعم فنهى عنه " " نهى عن المزابنة " وهي كل ما عرف كيله مما فيه الربا من الجنس الواحد بجزاف لا يعرف كيله منه وهذا كله مجتمع المعاني " ورخص أن تباع العرايا بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا "
(1624) فرخصنا في العرايا بإرخاصه وهي بيع الرطب بالتمر وداخلة في المزابنة بإرخاصه فأثبتنا التحريم محرما عاما في كل شئ من @(1/253)
صنف واحد مأكول بعضه جزاف بعضه بكيل للمزابنة وأحللنا العرايا خاصة بإحلاله من الجملة التي حرم ولم نبطل أحد الخبرين بالآخر ولم نجعله قياسا عليه (1625) قال فما وجه هذا (1626) قلت يحتمل وجهين أولهما به عندي والله أعلم أن يكون ما نهى عنه جملة أراد به ما سوى العرايا ويحتمل أن يكون أرخص فيها بعد وجوبها في جملة النهي وايهما كان فعلينا طاعته بإحلال ما أحل وتحريم ما حرم
(1627) وقضى رسول الله بالدية في الحر المسلم يقتل خطأ مائة من الابل وقضى بها على العاقلة (1628) وكان العمد يخالف الخطأ في القود والمأثم ويوافقه في أنه قد تكون فيه دية (1629) فلما كان قضاء رسول الله في كل امرئ فيما لزمه إنما هو في ماله دون مال غيره إلا في الحر يقتل خطأ قضينا على العاقلة في الحر يقتل خطأ ما قضى به رسول الله وجعلنا الحر يقتل عمدا إذا كانت فيه دية في مال الجاني كما كان كل ما جنى في ماله غير الخطأ ولم نقس ما لزمه من غرم بغير جراح خطإ على ما لزمه بقتل الخطأ
(1630) فإن قال قائل ما الذي يغرم الرجل من جنايته وما لزمه غير الخطأ
(1631) قلت قال الله (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) (1632) وقال (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)@(1/254)
(1633) وقال (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) (1634) وقال (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) (1635) وقال (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام)
(1636) وقال (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) (1637) وقضى رسول الله على " أن على أهلها الاموال حفظها بالنهار وما أفسدت المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها " (1638) فدل الكتاب والسنة وما لمن يختلف المسلمون فيه أن هذا كله في مال الرجل بحق وجب عليه لله أو أوجبه الله عليه للآدميين بوجوه لزمته وأنه لا يكلف أحد غرمه عنه
(1639) ولا يجوز أن يجني رجل ويغرم غير الجاني إلا في الموضع الذي سنه رسول الله فيه خاصة من قتل الخطأ وجنايته على الآدميين خطأ
(1640) والقياس فيما جنى على بهيمة أو متاع أو غيره على ما وصفت أن ذلك في ماله لان الاكثر المعروف أن ما جنى في ماله فلا يقاس على الاقل ويترك الاكثر المعقول ويخص الرجل الحر يقتل الحر الخطأ فتعقله العاقلة وما كان من جناية خطأ على نفس وجرح خبرا وقياسا (1641) وقضى رسول الله في الجنين بغرة@(1/255)
عبد أو أمة وقوم أهل العلم الغرة خمسا من الابل (1642) قال فلما لم يحكا أن رسول الله سأل عن الجنين أذكر هو أم أنثى إذ قضى فيه سوى بين الذكر والانثى
إذا سقط ميتا ولو سقط حيا فمات جعلوا في الرجل مائة من الابل وفي المرأة خمسين (1643) فلم يجز ان يقاس على الجنين سئ من قبل أن الجنايات على من عرفت جنايته موقتات معروفات مفروق فيها بين الذكر والانثى وأن لا يختلف الناس في أن لو سقط الجنين حيا ثم مات كانت فيه دية كاملة إذا كان ذكرا فمائة من الابل وإن كانت أنثى فخمسون من الابل وأن المسلمين فيما علمت لا يختلفون أن رجلا لو قطع الموتى لم يكن في واحد منهم دية ولا أرش والجنين لا يعدو أن يكون حيا أو ميتا
(1644) فلما حكم فيه رسول الله بحكم فارق حكم النفوس الاحياء وكان مغيب الامر كان الحكم بما حكم به على الناس اتباعا لامر رسول الله
(1645) قال فهل تعرف له وجها (1646) قلت وجها واحدا والله أعلم (1647) قال وما هو (1648) قلت يقال إذا لم تعرف له حياة وكان لا يصلي عليه ولا يرث فالحكم فيه أنها جناية على أمه وقت فيها رسول الله شيئا قومه المسلمون كما وقت في الموضحة (1649) قال فهذا وجه (1650) قلت وجه لا يبين الحديث أنه حكم به له فلا يصح أن يقال إنه حكم به له ومن قال إنه حكم به لهذا المعنى قال هو للمرأة دون@(1/256)
الرجل هو للام دون أبيه لانه عليها جني ولا حكم للجنين يكون به موروثا ولا يورث من لا يرث (1651) قال فهذا قول صحيح
قلت الله أعلم (1653) قال فإن لم يكن هذا وجه فما يقال لهذا الحكم (1654) قلنا يقال له سنة تعبد العباد بأن يحكموا بها (1655) وما يقال لغيره مما يدل الخبر على المعنى الذي له حكم به (1656) قيل حكم سنة تعبدوا بها لامر عرفوه بمعنى
الذي تعبدوا له في السنة فقاسوا عليه ما كان في مثل معناه (1757) قال فاذكر منه وجها غير هذا إن حضرك تجمع فيه ما يقاس عليه ولا يقاس
(1658) فقلت له قضى رسول الله في المصراة من الابل والغنم إذا حلبها مشتريها " إن أحب أمسكها وإن أحب ردها وصاعا من تمر " وقضى " أن الخراج بالضمان " (1659) فكان معقولا في " الخراج بالضمان@(1/257)
" أني إذا ابتعت عبدا فأخذت له خراجا ثم ظهرت منه على عيب يكون لي رده فما أخذت من الخراج والعبد في ملكي ففيه خصلتان أحداهما ك أنه لم يكن في ملك البائع ولم يكن له حصة من الثمن والاخرى
أنها في ملكي وفي الوقت الذي خرج فيه العبد من ضمان بائعه إلى ضماني فكان العبد لو مات مات من مالي وفي ملكي ولو شئت حبسته بعيبه فكذلك الخراج (1660) فقلنا بالقياس على حديث الخراج بالضمان فقلنا كل ما خرج من ثمر حائط اشتريته أو ولد ماشية أو جارية اشتريتها فهو مثل الخراج لانه حدث في ملك مشتريه لا في ملك بائعه (1661) وقلنا في المصراة اتباعا لامر رسول الله ولم نقس عليه وذلك أن الصفقة وقعت على شاة بعينها فيها لبن محبوس مغيب المعنى والقيمة ونحن نحيط أن لبن الابل والغنم يختلف وألبان كل
واحد منهما يختلف فلما قضى فيه رسول الله بشئ مؤقت وهو صاع من تمر قلنا به اتباعا لامر رسول الله
(1662) قال فلو اشترى رجل شاة مصراة فحلبها ثم رضيها بعد العلم بعيب التصرية فأمسكها شهرا حلبها ثم ظهر منها على عيب دلسه له البائع غير التصرية كان له ردها وكان له اللبن بغير شئ بمنزلة الخراج لانه لم يقع عليه صفقة البيع وإنما هو حادث في ملك المشتري وكان عليه أن يرد فيما أخذ من لبن التصرية صاعا من تمر كما قضى به رسول الله (1663) فنكون قد قلنا في لبن التصرية خبرا وفي اللبن بعد التصرية قياسا على " الخراج بالضمان " (1664) ولبن التصرية مفارق للبن الحادث بعده لانه وقعت عليه صفقة البيع واللبن@(1/258)
بعده حادث في ملك المشتري لم تقع عليه صفقة البيع (1665) فإن قال قائل ويكون أمر واحد يؤخذ من وجهين (1666) قيل له نعم إذا جمع أمرين مختلفين أو أمورا مختلفة
(1667) فإن قال فمثل من ذلك شيئا غير هذا (1668) قلت المرأة تبلغها وفاة زوجها فتعتد ثم تتزوج ويدخل بها الزوج لها الصداق وعليها العدة والولد لاحق ولا حد على واحد منهما ويفرق بينهما ولا يتوارثان
وتكون الفرقة فسخا بلا طلاق (1669) يحكم له إذا كان ظاهره حلالا حكم الجلال في ثبوت الصداق والعدة ولحوق الولد ودرء الحد وحكم عليه إذ كان حراما في الباطن حكم الحرام في أن لا يقرا عليه ولا تحل له إصابتها بذلك النكاح إذا علما به ولا يتوارثان ولا يكون الفسخ طلاقا لانها ليست بزوجة (1670) ولهذا أشباه مثل المرأة تنكح في عدتها
باب الاختلاف
(1671) قال فإني أجد أهل العم قديما وحديثا مختلفين في بعض أمورهم فهل يسعهم ذلك (1672) رضي الله تعالى عنهما قال فقلت له الاختلاف من وجهين أحدهما محرم ولا أقول ذلك في الآخر (1673) قال فما الاختلاف المحرم (1674) قلت كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصا بينا لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه (1675) وما كان من ذلك@(1/259)
يحتمل التأويل ويدرك قياسا فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس وإن خالفه فيه غيره لم أقل أنه يضيق الخلاق في المنصوص
(1676) قال فهل في هذا حجة تبين فرقك بين
الاختلافين (1677) قلت قال الله في ذم التفرق (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة) (1678) الله تعالى وقال جل ثناؤه (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) (1679) فذم الاختلاف فيما جاءتهم به البينات (1680) رضي الله تعالى عنهما فأما ما كلفوا فيه الاجتهاد فقد مثلته لك بالقبلة والشهادة وغيرها (1681) قال فمثل لي بعض ما افترق عليه من روى قوله من السلف مما لله فيه نص حكم يحتمل التأويل فهل يوجد على الصواب فيه دلالة
(1682) قلت قل ما اختلفوا فيه إلا وجدنا فيه عندنا دلالة من كتاب الله أو سنة رسوله أو قياسا عليهما أو على واحد منهما (1683) قال فاذكر منه شيئا (1684) فقلت له قال الله (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) (1685) فقالت عائشة " الاقراء الاطهار " وقال بمثل معنى قولها زيد بن ثابت وابن عمر وغيرهما (1686) وقال نفر من أصحاب النبي " الاقراء الحيض " فلا يحلوا المطلقة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة@(1/260)
(1687) قال فإلى أي شئ ترى ذهب هؤلى وهؤلى (1688) قلت يتجمع الاقراء أنها أوقا ت والاوقات في هذا علامات تمر على المطلقات تحبس بها عن النكاح حتى تستكملها (1689) وذهب من قال " الاقراء الحيض فيما نرى والله أعلم إلى أن قال إن المواقيت أقل الاسماء لانها أوقات والاوقات أقل مما بينها كما حدود الشئ أقل مما بينها والحيض
أقل من الطهر فهو في اللغة أولى للعدة أن يكون وقتا كما يكون الهلال وقتا فاصلا بين الشهرين (1690) ولعله ذهب إلى ان النبي أمر في سبي أوطاس أن يستبرين قبل أن يوطين بحيضة فذهب إلى أن العدة استبراء حيض وانه فرق بين استبراء الامة والحرة وأن الحرة تستبرأ بثلاث حيض كوامل تخرج منها إلى الطهر كما تستبرأ الامة بحيضة كاملة تخرج منها إلى الطهر (1691) فقال هذا مذهب فكيف اخترت غيره والآية محتملة للمعنيين عندك@(1/261)
(1692) قال فقلت له إن الوقت برؤية الاهلة إنما هو
علامة جعلها الله للشهور والهلال غير الليل والنهار وإنما هو جماع لثلاثين وتسع وعشرين كما يكون الهلال الثلاثون والعشرون جماعا يستأنف بعده العدد وليس له معنى هنا وأن القرء وإن كان وقتا فهو من عدد الليل والنهار والحيض والطهر
في الليل والنهار من العدة وكذلك شبه الوقت بالحدود وقد تكون داخلة فيما حدث به وخارجة منه غير بائن منها فهو وقت معني (1693) قال وما المعني (1694) قلت الحيض هو أن يرخى الرحم الدم حتى يظهر والطهر أن يقري الرحم الدم فلا يظهر ويكون الطهر والقري
الحبس لا الارسال فالطهر إذ كان يكون وقتا أولى في اللسان بمعنى القرء لانه حبس الدم (1695) وأمر رسول الله عمر@(1/262)
حين طلق عبد الله بن عمر امرأته حائضا أن يأمره برجعتها وحبسها حتى تطهر ثم يطلقها طاهرا من غير جماع وقال رسول الله فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء (1696) يعني قول الله والله أعلم " إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) فأخبر رسول الله أن العدة الطهر دون الحيض
(1697) وقال الله (ثلاثة قروء) وكان على المطلقة أن تأتي بثلاثة قروء فكان الثالث لو أبطأ عن وقته زمانا لم تحل حتى يكون أو تويس من المحيض أو يخاف ذلك عليها فتعتد بالشهور لم يكن للغسل معنى لان الغسل رابع غير ثلاثة ويلزم من قال " الغسل عليها " أن يقول لو أقامت سنة وأكثر لا تغتسل لم تحل
(1698) فكان قول من قال " الاقراء الاطهار " أشبه بمعنى كتاب الله واللسان واضح على هذه المعاني والله اعلم
(1699) فأما أمر النبي ان يستبرا السبي بحيضة فبالظاهر لان الطهر إذا كان متقدما للحيضة ثم حاضت الامة حيضة كاملة صحيحة برئت من الحبل في الطهر وقد ترى الدم فلا يكون صحيحا إنما يصح حيضة بأن تكمل@(1/263)
الحيضة فباي شئ من الطهر كان قبل حيضة كاملة فهو براءة من الحبل في الظاهر (1700) والمعتدة تعتد بمعنيين استبراء ومعنى غير
استبراء مع استبراء فقد جاءت بحيضتين وطهرين وطهر ثالث فلو أريد بها الاستبراء كانت قد جاءت بالاستبراء مرتين ولكنه أريد بها مع الاستبراء التعبد (1701) قال أفتوجدوني في غير هذا ما اختلفوا فيه
مثل هذا (1702) قلت نعم وربما وجدناه أوضح وقد بينا بعض هذا فيما اختلفت الرواية فيه من السنة وفيه دلالة لك على ما سألت عنه وما كان في معناه إن شاء الله (1703) وقال الله (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) (1704) وقال (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن)
(1705) رحمه الله وقال (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) (1706) فقال بعض أصحاب رسول الله ذكر الله المطلقات أن عدة الحوامل أن يضعن حملهن وذكر في المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرا فعلى الحامل المتوفى عنها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا وان تضع حملها حتى تأتي بالعدتين معا إذا لم يكن وضع الحمل انقضاء العدة نصا إلا في الطلاق@(1/264)
(1707) كأنه يذهب إلى أن وضع الحمل براءة وأن الاربعة الاشهر وعشرا تعبد وأن المتوفى عنها تكون غير مدخول بها فتاتي بأربعة اشهر وانه وجب عليها شئ من وجهين
فلا تسقط أحدهما كما لو وجب عليها حقان لرجلين لم يسقط
أحدهما حق الآخر وكما إذا نكحت في عدتها وأصيبت اعتدت من الاول واعتدت من الآخر (1708) عز وجل قال وقال غيره من أصحاب رسول الله إذا وضعت ذا بطنها فقد حلت ولو كان زوجها على السرير (1709) قال الشافعي فكانت الآية محتملة المعنيين معا وكان أشبههما بالمعقول الظاهر أن يكون الحمل انقضاء العدة (1710) رحمه الله قال فدلت سنة رسول الله على أن وضع الحمل آخر العدة في الموت مثل معناه الطلاق (1711) أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن
عبد الله عن أبيه " أن سبيعة الاسلمية وضعت@(1/265)
بعد وفاة زوجها بليال فمر بها أبو السنابل بن بعكك فقال قد تصنعت للازواج إنها أربعة أشهر وعشرا فذكرت ذلك سبيعة لرسول الله فقال كذب أبو السنابل أو ليس كما قال أبو السنابل قد حللت فتزوجي "
(1712) فقال اما ما دلت عليه السنة فلا حجة في أحد خالف قوله السنة ولكن أذكر من خلافهم ما ليس فيه نص سنة مما دل عليه القرآن نصا واستنباطا أو دل عليه القياس (1713) فقلت له قال الله (للذين يؤلون من نسائهم
تربص أربعة اشهر فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا
الطلاق فإن الله سميع عليم) (1714) فقال الاكثر ممن روي عنه من أصحاب النبي عندنا إذا مضت أربعة أشهر وقف المولى فإنا أن يفئ وإما أن يطلق (1715) وروي عن غيرهم من أصحاب النبي@(1/266)
عزيمة الطلاق انقضاء أربعة اشهر
(1716) ولم يحفظ عن رسول الله في هذا بأبي هو وأمي شيئا (1717) قال فأي القولين ذهب (1718) قلت ذهبت إلى أن المولى لا يلزمه طلاق وأن امرأته إذا طلبت حقها منه لم أعرض له حتى تمضي أربعة اشهر فإذا مضت أربعة اشهر قلت له في أول طلق والفيئة الجماع (1719) قال فكيف اخترته على القول الذي يخالفه (1720) قلت رأيته اشبه بمعنى كتاب الله وبالمعقول (1721) قال وما دل عليه من كتاب الله
(1722) قلت لما قال الله (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة اشهر) كان الظاهر في الآية أن من أنظره الله أربعة اشهر في شئ لم يكن له عليه سبيل حتى تمضي أربعة أشهر (1723) قال فقد يحتمل أن يكون الله عز وجل جعل له أربعة أشهر يفئ فيها كما تقول قد أجلتك في بناء هذه الدار أربعة اشهر تفرغ فيها منها
(1724) قال فقلت له هذا لا يتوهمه من خوطب به حتى يشترط في سياق الكلام ولو قال قد أجلتك فيها أربعة أشهر كان إنما أجله أربعة اشهر لا يجد عليه سبيلا حتى تنقضي ولم يفرغ منها فلا ينسب إليه ان لم يفرغ من الدار وأنه أخلف في الفراغ منها ما بقي من الاربعة اشهر شئ فإذا لم يبقى منها شئ لزمه اسم الخلف وقد يكون في بناء الدار دلالة على أن يقارب
الاربعة@(1/267)
وقد بقى منها ما يحيط العلم أنه لا يبنيه فيما بقى من الاربعة (1725) وليس في الفئة دلالة على ان لا يفئ الاربعة الا مضيها لان الجماع يكون في طرفة عين فلو كان على ما وصفت تزايل حاله حتى تمضي أربعة أشهر ثم تزايل حالة الاولى فإذا زايلها صار إلى ان الله عليه حقا فإما أن يفئ واما ان يطلق (1726) فلو لم يكن في آخر الآية ما يدل على معناها غير ما ذهبت إليه كان قوله أولاهما بها لما وصفنا لانه ظاهرها (1727) والقرآن على ظاهره حتى تأتي دلالة منه أو سنة أو إجماع بأنه على باطن دون ظاهر
(1728) قال فما في سياق الآية ما يدل على ما وصفت (1729) قلت لما ذكر الله عزوجل أن للمولى أربعة أشهر ثم قال (فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) فذكر الحكمين معا بلا فصل بينهما
أنهما إنما يقعان بعد الاربعة أشهر لانه إنما جعل عليه الفيئة أو الطلاق وجعل له الخيار فيهما في وقت واحد فلا يتقدم واحد منهما صاحبه وقد ذكر في وقت واحد كما يقال له في الرهن أفده أو نبيعه عليك بلا فصل وفي كل ما خير فيه افعل كذا أو كذا بلا فصل (1730) ولا يجوز أن يكونا ذكرا بلا فصل فيقال الفيئة فيما بين أن يولي أربعة أشهر وعزيمة الطلاق انقضاء الاربعة الاشهر فيكونان حكمين ذكرا معا يفسخ في أحدهما ويضيق في الآخر
(
1731) قال فأنت تقول إن فاء قبل الاربعة الاشهر فهي فيئة (1732) قلت نعم كما@(1/268)
أقول إن قضيت حقا عليك إلى أجل قبل محله فقد برئت منه وأنت محسن متسرع بتقديمه قبل يحل عليك (1733) فقلت له أرأيت من الاثم كان مزمعا على الفيئة في كل يوم إلا أنه لم يجامع حتى تنقضي أربعة أشهر (1734) قال فلا يكون الاجماع على الفيئة شئ حتى يفئ والفيئة الجماع إذا كان قادرا عليه (1735) قلت ولو جامع لا ينوي فيئة خرج من طلاق الايلى لان المعنى في الجماع
(1736) قال نعم (1733) قلت وكذلك لو كان عازما على ان لا يفئ يحلف في كل يوم ألا يفئ ثم جامع قبل مضي الاربعة الاشهر بطرفة عين خرج من طلاق الايلى وإن كان جماعه لغير الفيئة خرج به من طلاق الايلى (1738) قال نعم (1739) قلت ولا يصنع عزمه على ألا يفئ ولا يمنعه جماعه بلذة لغير الفيئة إذا جاء بالجماع من أن يخرج به من طلاق الايلى عندنا وعندك (1740) قال هذا كما قلت وخروجه بالجماع على أي معنى كان الجماع
(1741) قلت فكيف يكون عازما على أن لا يفئ في كل يوم فإذا مضت أربعة أشهر لزمه الطلاق وهو لم يعزم عليه ولم يتكلم به أترى هذا قولا يصح في العقول لاحد (1742) قال فما يفسده من قبل العقول (1743) قلت أرأيت إذا قال الرجل لامرأته والله لا أقربك أبدا أهو كقوله أنت طالق إلى أربعة أشهر @(1/269)
(1744) قال إن قلت نعم (1745) قلت فإن جامع قبل الاربعة (1746) قال فلا ليس مثل قوله أنت طالق إلى أربعة أشهر
(1747) قال فتكلم المولى بالايلى ليس هو طلاق
إنما هي يمين ثم جاءت عليها مدة جعلتها طلاقا أيجوز لاحد يعقل من حيث يقول أن يقول مثل هذا إلا بخبر لازم (1748) قال فهو يدخل عليك مثل هذا (1749) قلت وأين (1750) قال أنت تقول إذا مضت أربعة أشهر وقف فإن فاء وإلا جبر على أن يطلق (1751) قلت ليس من قبل أن الايلى طلاق ولكنها يمين جعل الله لها وقتا منع بها الزوج من الضرار وحكم عليه إذا كانت أن جعل عليه إما أن يفئ وإما أن يطلق وهذا حكم حادث بمضي أربعة الاشهر غير الايلى ولكنه مؤتنف يجبر صاحبه على أن يأتي بأيهما شاء فيئة أو طلاق فإن امتنع
منهما أخذ منه الذي يقدر على اخذه منه وذلك أن يطلق عليه لانه لا يحل أن يجامع عنه (1752) واختلفوا في المواريث فقال زيد بن ثابت ومن ذهب مذهبه يعطى كل وارث ما سمي له فإن فضل فضل ولا عصبة للميت ولا ولاء كان ما بقي لجماعة المسلمين (1753) وعن غيره منهم أنه كان يرد فضل المواريث على ذوي الارحام فلو أن رجلا ترك أخته ورثته النصف ورد عليها النصف
(1754) فقال بعض الناس لم لم ترد فضل المواريث (1755) قلت استدلالا بكتاب الله (1756) قال وأين يدل كتاب الله على ما قلت (1757) قلت قال الله (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد)@(1/270)
(1758) وقال (وإن كانوا أخوة رجلا ونساءا فللذكر مثل حظ الانثيين) (1759) فذكر الاخت منفردة فانتهى بها جل ثناؤه إلى النصف والاخ منفردا فانتهى به إلى الكل وذكر الاخوة والاخوات فجعل للاخت نصف ما للاخ (1760) وكان حكمه جل ثناؤه في الاخت منفردة ومع الاخ سواء بأنها لا تساوي الاخ وأنها تأخذ النصف مما يكون له من الميراث (1761) فلو قلت في رجل مات وترك أخته لها النصف
بالميراث وأردد عليها النصف كنت قد أعطيتها الكل منفردة وإنما جعل الله لها النصف في الانفراد والاجتماع (1762) فقال فإني لست أعطيها النصف الباقي ميراثا إنما أعطيها إياه ردا (1763) قلت وما معنى " ردا " أشيئ استحسنه وكان إليك أن تضعه حيث شئت أن تعطيه جيرانه أو بعيد
النسب منه أيكون ذلك لك (1764) قال ليس ذلك للحاكم ولكن جعلته ردا عليها بالرحم (1765) ميراثا (1766) قال فإن قلته (1767) قلت إذان تكون ورثتها غير ما ورثها الله
(1768) قال فأقول لك ذلك لقول الله (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) (1769) فقلت له (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض) نزلت بأن الناس توارثوا بالحلف ثم توارثوا بالاسلام والهجرة فكان المهاجر يرث المهاجر ولا يرثه من ورثته من لم يكن مهاجرا وهو أقرب إليه ممن ورثه فنزلت (وأولوا الارحام) الآية على ما فرض لهم@(1/271)
(1770) قال فاذكر الدليل على ذلك (1771) قلت (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض
في كتاب الله) على ما فرض لهم ألا ترى أن من ذوي الارحام من يرث ومنهم من لا يرث وأن الزوج يكون أكثر ميراثا من أكثر ذوي الارحام ميراثا وأنك لو كنت إنما تورث بالرحم كانت رحم البنت من الاب كرحم الابن وكان ذوو الارحام يرثون معا ويكونون أحق من الزوج
الذي لا رحم له (1772) ولو كانت الآية كما وصفت كنت قد خالفتها فيما ذكرنا في أن يترك أخته ومواليه فتعطى أخته النصف ومواليه النصف وليسوا بذوي أرحام ولا مفروض لهم في كتاب الله فرض منصوص
(1773) واختلفوا في الجد فقال زيد بن ثابت وروي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود يورث معه الاخوة (1774) وقال أبو بكر الصديق وابن عباس وروي عن عائشة وابن الزبير وعبد الله بن عتبة أنهم جعلوا أبا وأسقطوا الاخوة منه (1775) رحمه الله فقال فكيف صرتم إلى أن ثبتم ميراث الاخوة مع الجد أبدلالة من كتاب الله أو سنة (1776) قلت أما شئ مبين في كتاب الله أو سنة فلا أعلمه (1777) قال فالاخبار متكافئة والدلائل بالقياس مع من جعله أبا وحجب به الاخوة@(1/272)
(1778) قلت وأين الدلائل (1779) قال وجدت اسم الابوة تلزمه ووجدتكم مجتمعين على ان تحجبوا به بني الام ووجدتكم لا تنقصونه من السدس وذلك كله حكم الاب (1780) فقلت له ليس باسم الابوة فقط نورثه
(1781) قال وكيف ذلك (1782) قلت أجد اسم الابوة يلزمه ولا يرث (1783) قال وأين (1784) قلت قد يكون دون أب واسم الابوة تلزمه وتلزم آدم وإذا كان دون الجد أب لم يرث ويكون مملوكا وكافرا وقاتلا لا يرث واسم الابوة في هذا كله لازم له فلو كان باسم الابوة يرث ورث في هذه الحالات
(1785) وأما حجبنا به بني آدم فإنما حجبنا به خبرا لا باسم الابوة وذلك أنا نحجب بني الام ببنت بن بن متسفلة (1786) واما أنا لم ننقصه من السدس فلسنا ننقص الجدة من السدس (1787) وإنما فعلنا هذا كله اتباعا لا أن حكم الجد إذ وافق حكم الاب في معنى كان مثله في كل معنى ولو كان حكم الجد إذا وافق حكم الاب في بعض المعاني كان مثله في كل المعاني كانت بنت الابن المتسفلة موافقة له فإنا نحجب بها بني
الام وحكم الجدة موافق له لا ننقصها من السدس (1788) قال فما حجتكم في ترك قولنا نحجب بالجد الاخوة (1789) قلت بعد قولكم من القياس (1790) قال فما كنا نراه إلا بالقياس نفسه
(1791) رضي الله تعالى عنهما قلت أرأيت الجد والاخ أيدل واحد@(1/273)
منهما بقرابة نفسه أو بقرابة غيره (1792) قال وما تعني (1793) قلت أليس إنما يقول الجد أنا أبو أبي الميت ويقول الاخ أنا بن أبي الميت (1794) قال بلى (1795) قلت وكلاهما يدلي بقرابة الاب بقدر موقعه منها (1796) قال نعم
(1797) قلت فاجعل الاب الميت وترك ابنه وأباه كيف ميراثهما منه (1798) قال لابنه خمسة أسداس ولابيه السدس (1799) قلت فإذا كان الابن أولى بكثرة الميراث من الاب وكان الاخ من الاب الذي يدلي الاخ بقرابته والجد أبو الأب من الاب الذي يدلي بقرابته كما وصفت كيف حجبت الاخ بالجد ولو كان أحدهما يكون محجوبا بالآخر انبغى أن يحجب الجد بالاخ لانه اولاهما بكثرة ميراث الذي يدليان معا بقرابته أو تجعل للاخ خمسة أسداس وللجد سدس (1800) قال فما منعك من هذا القول (1801) قلت كل المختلفين مجتمعين على أن الجد مع
الاخ مثله أو أكثر حظا منه فلم يكن لي هندي خلافهم ولا الذهاب إلى القياس مخرج من جميع أقاويلهم (1802) وذهبت إلى اثبات الاخوة مع الجد أولى الامرين لما وصفت من الدلائل التي أوجدنيها القياس (1803) مع أن ما ذهبت إليه قول الاكثر من أهل الفقه بالبلدان قديما وحديثا (1804) مع أن ميراث الاخوة ثابت في المتاب ولا ميراث للجد في الكتاب وميراث الاخوة أثبت في السنة من ميراث الجد@(1/274)
أقاويل الصحابة
(1805) فقال قد سمعت قولك في الاجماع والقياس بعد قولك في حكم كتاب الله وسنة رسوله أرأيت أقاويل أصحاب رسول الله إذا تفرقوا فيها
(1806) فقلت نصير منها إلى ما وافق الكتاب أو السنة أو الاجماع أو كان أصح في القياس (1807) قال افرايت إذا قال الواحد منهم القول لا يحفظ عن غيره منهم فيه له موافقة ولا خلافا أتجد لك حجة باتباعه في كتاب أو سنة أو أمر أحمع الناس عليه فيكون من الاسباب التي قلت بها خبرا (1808) قلت له ما وجدنا في هذا كتابا ولا سنة ثابتة ولقد وجدنا أهل العلم يأخذون بقول واحدهم مرة ويتركونه أخرى ويتفرقوا في بعض ما أخذوا به منهم
(1809) قال فإلى أي شئ صرت من هذا
(1810) قلت إلى اتباع قول واحد غذا لم أجد كتابا ولا سنة ولا إجماعا ولا شيئا في معناه يحكم له بحكمه أو وجد معه قياس (1811) وقل ما يوجد من قول الواحد منهم لا يخالفه غيره من هذا.
منزلة الاجماع والقياس
(1812) قال فقد حكمت بالكتاب والسنة فكيف حكمت بالاجماع@(1/275)
ثم حكمت بالقياس فأقمتها مع كتاب أو سنة (1813) فقلت إني وإن حكمت بها كما احكم بالكتاب والسنة فأصل ما أحكم به منها مفترق (1814) قال أفيجوز ان تكون أصول مفرقة الاسباب
يحكم فيها حكما واحدا (1815) قلت نعم يحكم بالكتاب والسنة المجتمع عليها الذي لا اختلاف فيها فنقول لهذا حكمنا بالحق في الظاهر والباطن (1816) ويحكم بالسنة قد رويت من طريق الانفراد لا يجتمع الناس عليها فنقول حكمنا بالحق في الظاهر لانه قد يمكن الغلط فيمن روى الحديث (1817) ونحكم بالاجماع ثم القياس وهو أضعف من هذا
ولكنها منزلة ضرورة لانه لا يحل القياس والخبر موجود كما
يكون التيمم طهارة في السفر عند الاعواز من الماء ولا يكون طهارة إذا وجد الماء إنما يكون طهارة في الاعواز (1818) وكذلك يكون ما بعد السنة حجة إذا أعوز من السنة (1819) وقد وصفت الحجة في القياس وغيره قبل هذا (1820) قال أفتجد شيئا شبهه (1821) قلت نعم أقضي على الرجل بعلمي أن ما ادعى عليه كما ادعي أو إقراره فإن لم أعلم ولم يقر قضيت عليه بشاهدين وقد يغلطان ويهمان وعلمي وإقراره أقوى عليه من شاهدين وأقضي عليه بشاهد ويمين وهو أضعف من شاهدين ثم أقضي عليه بنكوله عن اليمين ويمين صاحبه وهو أضعف من شاهد ويمين لانه قد ينكل@(1/276)
خوف الشهرة واستصغار ما يحلف عليه ويكون الحالف لنفسه غير ثقة وحريصا فاجرا
آخر كتاب الرسالة
والحمد لله وصلى الله على محمد هذه صورة خط الربيع بن سليمان بالاجازة في آخر نسخته وهذا نص ما فيها أجاز الربيع بن سليمان صاحب الشافعي نسخ كتاب الرسالة وهي ثلاثة أجزاء في ذى القعدة سنة خمس وستين ومائتين وكتب الربيع بخطه@(1/277)