سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (16)
التقِييدُ والإيضَاح لقولهم :
(لا مُشاحّة في الاصْطِلاح )
بقلم :أبي عبد الرحمن
محمد الثاني بن عمر بن موسى
قام بنشره
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده
الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ? (آل عمران:102).
?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي يتساءلون بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً? (النساء:1) .
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً? (الأحزاب:70-71).
أما بعد:
فقد تعارف أهل العلم علي استخدام مصطلحات معينة، لأغراض مختلفة، وفي مجالات متنوعة من العلوم والمعارف، وهي علي نوعين:
النوع الأول: الألفاظ الموضوعة من قبل الشارع، كلفظ الصلاة، والزكاة والصيام والحج وغير ذلك.
وهذا حكمه بقاؤه عليم من هو عليه، ولا يجوز لمتكلم في هذه الأمور تغييرها أو تبديل أخرى بها.
النوع الثاني: مصطلحات وضعت لتقريب فن من الفنون، أو لتوضيحه وتيسير الحصول علي مطالبه، وهذا النوع علي قسمين:(1/1)
القسم الأول: ما لم يقصد من وضعه إلا ما ذكر؛ من تقريب معاني العلوم وتيسيرها، كما هو الشأن في أكثر المصطلحات الموجودة في الكتب الإسلامية.
وهذا حكمه جواز استعماله فيما وضع له خاصة، ولا يتعدى ذلك إلي حمل معاني النصوص الشرعية عليه، أو تنزيل كلام الأئمة المتقدمين علي مقتضاه ما لم يكن ذلك مرادهم.
القسم الثانى: ما قصد به معني باطل؛ كصرف النصوص الشرعية عن ظواهرها، وتعطيلها من معانيها الحقيقية، أو ردها بالجملة وإبطال القول بموجبها.
وهذا القسم موفور في الكتب الكلامية الفلسفية، كما يوجد في كتب المتصوفة، وقد يوجد نوع من منه في الفقهاء والأصوليين.
وهذا القسم قد يكون مصطلحاً موضوعاً بمبناه ومعناه، وقد يكون بوضع معان معينة بإزاء ألفاظ شرعية تعرف عند علماء السلف بمعانيها الحقيقية، فيوضع لها معنى مغاير لذلك المعني الشرعي. وهذا حكمه المنع والحظر.
يقول العلامة البقاعي في كتابه (( صواب الجواب )) (1)
(( ولا يحل لأحد أن يصطلح علي كلمات الدين و الشريعة فيضعها بإزاء معاني الكفر، ولا العكس للعكس، ولا أن يقصد كلمات فيها نقص فيضعها لله سبحانه وتعالي بالإجماع ))
وقد شاع في كتب أهل العلم قاعدة: ( لا مشاحة في الاصطلاح) وهي قاعدة لابد من بيان حدودها وتخصيص عمومها ونقض اطرادها. ومعروف أنه ليس كل مصطلح مقبولاً إلا بحجة؛ كما قال الحافظ الذهبي في ترجمة ( أبي سعيد أحمد بن محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي )
(ت340هـ): (( وكان بن الأعرابي من علماء الصوفية، فتراه لا يقبل شيئاً من اصطلاحاتهم إلا بحجة )) (2) وقد وضع بعضهم هذه القاعدة فى غير موضعها، وسوغ كل ما يشار إليه بأنه اصطلاح؛ ولو كان يتضمن فساداً ظاهراً؛ إذ إن لبعض الاصطلاحات جناية على الشريعة.
كما حمل بعضهم بعض النصوص الشرعية؛ من الكتاب والسنة على مصطلحات حادثة، فوقعوا بسبب ذلك في غلط عظيم.(1/2)
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: ((ومن أعظم أسباب الغلط في فهم كلام الله ورسوله أن ينشأ الرجل علي اصطلاح حادث، فيريد أن يفسر كلام الله بذلك الاصطلاح ويحمله على تلك اللغة التي اعتادها)) (3)
وقد كتب الشيخ د. بكر عبد الله أبو زيد رسالة أسماها: ( المواضعة في الاصطلاح على خلاف الشريعة وأفصح اللغة ) تحدث فيها عن ضرورة الالتزام بالمصطلحات الشرعية في جميع ما يحدث في العلوم والحياة، وتجنب كل مصطلح غريب وافد على الأمة الإسلامية، لما في ذلك التمسك به من التجني على الشرع واللغة الفصحى في كثير من الأحيان. وقد أشار ـ باقتضاب ـ إلى نقض كلية القاعدة المذكورة (4).
كما كتب الشيخ د. محمد عمر باز مول رسالته التي بعنوان: ) الحقيقة الشرعية في تفسير القرآن العظيم والسنة النبوية ) تناول فيها عدداً من الألفاظ الشرعية التي شاع استعمالها لدى المتأخرين بخلاف ما هو في الكتاب والسنة وعند سلف الأمة.
ولقد رأيت ضرورة إبراز ما يمكن أن يكون بياناً وإيضاحاً للقاعدة المذكورة، وضبطاً لمسارها الصحيح، فرقمت هذه الرسالة الصغيرة، جامعاً فيها أطراف كلام الأئمة مما له تعلق بالموضوع، ومقسماً إياها إلي عناوين توضح المراد وتقرب المطلوب، سائلاً الله تعالى أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم، إنه قريب مجيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
……وكتب :
…………………… أبو عبد الرحمن
………………… محمد الثاني بن عمر بن موسى
…………………29/8 / 1420هـ ، 8/ 12/ 1999م
………………… المدينة النبوية
تمهيد
(( لا نزاع في أن لكل قوم من العلماء اصطلاحات مخصوصة يستعملونها في معان مخصوصة؛ إما لأنهم نقلوها بحسب عرفهم إلي تلك المعاني، أو لأنهم استعملوها فيها علي سبيل التجوز، ثم صار المجاز شائعاً، والحقيقة مغلوبة )) (5)..(1/3)
يقول العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله: ( لا ننكر أن يحدث في كل زمان أوضاع لما يحدث من المعاني التي لم تكن قبل، ولا سيما أرباب كل صناعة فإنهم يضعون لآلات صناعاتهم من الأسماء ما يحتاجون إليه فى تفهيم بعضهم بعضاً عند التخاطب، ولا تتم مصلحتهم إلا بذلك، وهذا أمر عام لأهل كل صناعة مقترحة أو غير مقترحة، بل أهل كل علم من العلوم قد اصطلحوا علي ألفاظ يستعملونها في علومهم تدعو حاجتهم إليها للفهم والتفهيم ) (6)..
ثم إن مما ينبغي لمن يطالع فناً من فنون العلم أن يلم بشيء من مصطلحات ذلك الفن، ويأتي علي وفق ما اصطلحوا عليه، وذهبوا إليه.
وقد اعتني أصحاب كل فن بإبراز مرادهم من كل مصطلح درجوا عليه، وإظهار قصدهم من جميع العبارات التي تتوارد علي ألسنتهم ي مخاطباتهم ومصنفاتهم، وبعضهم خصصوا كتباً لإبراز فحوى المطالب الاصطلاحية، وشرحها بأوجز عبارة؛ تسهيلاً لمن أراد ارتيادها (7)..
وإنما وضعت: (( مصطلحات الفنون)) لتقريب معاني كل فن، وضبط قواعده ومباحثه، وهذا (( من أصدق دلالة علي عظيم الجهود المبذولة في خدمة العلم وتذليل صعابه، وتقريب بعيده، وجمع متفرقة من أهل العلم في كل عصر ومصر)) (8).
ومما ينبغي أن يعلم أن نحت تلك الاصطلاحات من قبيل الصناعة، (( فلكل إمام من الأئمة المشاهير اصطلاح في التعليم يختص به شأن الصنائع كلها، فدل علي أن ذلك الاصطلاح ليس من غايات العلم، وإلا لكان واحداً عند جميعهم، ألا تري إلى علم الكلام كيف تخالف في تعليمه اصطلاح المتقدمين والمتأخرين، وكذا أصول الفقه، وكذا العربية، وكذا كل علم تتوجه إلي مطالعته تجد الاصطلاحات في تعليمه متخالفة، فدل على أنها صناعة في التعليم، والعلم واحد في نفسه )) (9).
بيان معنى قولهم: (( لا مشاحة في الاصطلاح)):
من الكلام الدارج علي ألسنة العلماء قولهم:(( لا مشاحة في الاصطلاح)) (10).(1/4)
يقولونه في كل مرة وجد التوافق في المعني، مع الاختلاف في اللفظ والمبني، ويعنون بذلك: أنه لا منازعة ولا ضنة علي اللفظ ما دام المعني المراد واحداً.
والمشاحة: هي المنازعة والضنة.
قال الزبيري رحمه الله: (( وقولهم لا مشاحة في الاصطلاح، ( المشاحة ) بتشديد الحاء، (الضنة ) وقولهم ( تشاحا على الأمر) أي تنازعاه( لا يريدان ) أي كل واحد منهما ـ ( أن يفوتهما ) ذلك الأمر. (11).
ولهم عبارات أخري في هذا المعني مثل قولهم:
(( لا مشاحة في الألفاظ بعد معرفة المعاني )) (12).، أو:
(( لا مشاحة في الأسامي )) (13).
لكن لما كانت الألفاظ هي قوالب المعاني، والأقوال ربما أطلقت، وهى مقيدة بالنسبة إلي الفهم والإدراك؛ إذ لا يعرف الشيء إلا بمعرفة معناه، ولا يفهم إلا بإيضاح فحواه (14).، أن اللفظ قد يكون استعماله في معني مؤدياً إلي فساد ظاهر، وقد يضعه واضع ليصرف به حقاً، ويؤسس باطلا، كان لا بد من أن يكون لتلك القاعدة إيضاح وتقييد وضوابط تجب مراعاتها، فلا تقبل علي إطلاقها وعومها. ومن تلك القيود والإيضاحات ما يلي:
1ـ لا ينزل كلام الله ورسوله ( على اصطلاح حادث:
من الأمور المسلمات لدى العلماء قاطبة أن كلام الله ورسوله ( يجب أن يفهم على مراد الله ورسوله ( ، وعلى ما جرت عليه لغة التخاطب في عصر الرسالة، ولا يجوز أن تحمل الألفاظ الشرعية على غير قصد الشارع، أو على مصطلح حادث، مهما صار له من القبول والرواج عند أصحابه.
ومن أمثلة ذلك: لفظ (القضاء) الذي يعني عند المتأخرين من الفقهاء ( فعل العبادة في غير وقتها)، وهذا خلاف ما دل عليه الشرع والوضع اللغوي في استعمال هذا اللفظ، فإن أطلقه متأخرو الفقهاء على ذلك فيقتصر به على فهم مرادهم في مصنفاتهم، ولا يحمل النصوص الشرعية عليه.(1/5)
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: (( لفظ (القضاء) في كلام الله وكلام الرسول المراد به إتمام العبادة، وإن كان ذلك في وقتها، كما قال تعالي: ?فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ?(الجمعة: من الآية10). وقوله:? فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ? (البقرة: من الآية200).
ثم اصطلح الفقهاء، فجعلوا لفظ ( القضاء) مختصاً بفعلها في غير وقتها، ولفظ الأداء مختصاً بما يفعل في الوقت، وهذا التفريق لا يعرف قط في كلام الرسول ( .
ثم يقولون: قد يستعمل لفظ (القضاء) في الأداء، فيجعلون اللغة التي نزل القرآن بها من النادر.
ولهذا يتنازعون في مراد النبي ( : (( فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأقضوا )) (15).وفي لفظ: ((فأتموا)) (16)
فيظنون أن بين اللفظين خلافاً، وليس الأمر كذلك، بل قوله " فاقضوا" كقوله: "فأتموا"؛ لم يرد بأحدهما الفعل بعد الوقت، بل لا يوجد في كلام الشارع أمر بالعبادة في غير وقتها، لكن الوقت وقتان: وقت عام، ووقت خاص لأهل الأعذار؛ كالنائم والناسي إذا صليا بعد الاستيقاظ والذكر؛ فإنما صليا في الوقت الذي أمر الله به؛ فإن هذا ليس وقتاً في حق غيرهما.
ومن أعظم أسباب الغلط في فهم كلام الله ورسوله أن ينشأ الرجل علي اصطلاح حادث، فيريد أن يفسر كلام الله بذلك الاصطلاح ويحمله على تلك اللغة التي اعتادها)). (17).
ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه المصطلحات منها ما هو موضوع لتقريب علم من العلوم، لا يرمي واضعه من ورائه قصداً سيئاً، كتقسيم الكلام إلي (فعل ) و( اسم ) و(حرف)، وأن كلا من هذه يسمي كلمة، فمثله لا حرج فيه.(1/6)
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: ((... وكذلك لفظ الكلمة في القرآن والحديث وسائر لغة العرب إنما يراد به الجملة التامة؛ كقوله ( : (( كلمتان حبيبتان إلي الرحمن، خفيفتان علي اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)) (18)
وقوله: (( إن أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شئ ما خلا الله باطل )) (19)
ومنه قوله تعالي:? كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً?(الكهف: من الآية5).
وقوله تعالي:? قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ? (آل عمران: من الآية64)..
وقوله تعالي:? وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السفلي وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ?(التوبة: من الآية40)..
وأمثال ذلك، لا يوجد لفظ في الكلام في لغة العرب إلا بهذا المعني.
والنجاة اصطلحوا علي أن يسموا ( الاسم ) وحده ( والفعل ) و( الحرف) كلمة، ثم يقول بعضهم: وقد يراد بالكلمة الكلام، فيظن من اعتاد هذا أن هذا هو لغة العرب. وكذلك لفظ:
(( ذوي الأرحام)) في الكتاب والسنة يراد به الأقارب من جهة الأبوين فيدخل فيهم العصبة وذوو الفروض، وإن شمل ذاك من لا يرث بفرض ولا تعصب، ثم صار ذلك في اصطلاح الفقهاء اسماً لهؤلاء دون غيرهم، فيظن من لا يعرف إلا ذلك أن هذا هو المراد بهذا اللفظ في كلام الله ورسوله، وكلام الصحابة. ونظائر ذلك كثيرة (20).(1/7)
وإن مما يترتب على هذه الاصطلاحات الحادثة استشكال بعض العقول لبعض النصوص الشرعية، كما يقول العلامة ابن القيم رحمه الله مبيناً بعض أسباب وقوع الغلط في فهم كلام الشارع: (( وينضاف إلي ذلك تنزيل كلامه على الاصطلاحات التي أحدثتها أرباب العلوم من الأصوليين، والفقهاء، وعلم أحوال القلوب وغيرهم، فإن لكل من هؤلاء اصطلاحات حادثة في مخاطبتهم وتصانيفهم، فيجئ من قدم علم تلك الاصطلاحات الحادثة، وسبقت إليه معانيها فيقع بسبب ذلك في الفهم عن الشارع ما لم يرد بكلامه، ويقع من الخلل في نظره ومناظرته ما يقع، وهذا من أعظم أسباب الغلط عليه، مع قلة البضاعة عن معرفة نصوصه.
فإذا اجتمعت هذه الأمور مع نوع فساد في التصور أو القصد أوهما ما شئت من خبط وغلط وإشكالات واحتمالات وضرب كلامه بعضه ببعض، وإثبات ما نفاه، وني ما أثبته )) (21).
وتبقى المنازعة والضنة واردة على من حمل المصطلحات الحادثة التي الغرض منها التقريب والبيان على النصوص الشرعية.
قال الإمام النووي رحمه الله في (( شرح صحيح مسلم )) (22):
(( والحديث يحمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية، ولا يجوز حمله علي ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح )).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (( ... وتفريق الحنفية بين الفرض والواجب باعتبار ما يثاب به لا مشاحة فيه، وإنما النزاع في حمل ما ورد من الأحاديث الصحيحة على ذلك؛ لأن اللفظ لا يحمل على الاصطلاح الحادث. والله أعلم )) (23)
وقال أيضاً ـ في الجواب عمن فسر حديث: (( التكبير جزم )) (24)
بأن معناه أنه لا يسكن : (( وفيه نظر؛ لأن استعمال لفظ الجزم في مقابل الإعراب اصطلاح حادث لأهل العربية، فكيف تحمل عليه الألفاظ النبوية )) (25)(1/8)
ويقول العلامة الشوكاني رحمه الله في معرض الرد علي من فرق بين النوافل وجعل بعضها مستحبة، وبعضها سنة: (( والحق يقال: إن الكل يصدق عليه اسم السنة، وإن كان بعضه آكد من بعض؛ لكونه ثابتاً بالسنة النبوية، بل السنة تشمل ما ثبت وجوبه بالسنة.
فإن قلت: هذا اصطلاح، ولا مشاحة فيه.
قلت: إذا جري اصطلاح علي ما يخالف المعني الشرعي فهو مدفوع من أصله )) (26)
وقال في موضع: (( فالواجب حمل كلام الشارع علي لسان قومه إلا أن يثبت له اصطلاح يخالفهم، ولا يجوز حمله علي المتعارف في لسان المتشرعة الحادث بعد عصره)) (27)
2ـ لا عبرة بمصطلح قصد به رد نص شرعي:
هناك بعض المصطلحات وضعت لرد بعض النصوص الشرعية، وعدم اعتبارها، ومنها ما قصد به صرف النصوص عن ظواهرها، وتأويلها تأويلاً فاسداً؛ مثل بعض مصطلحات أهل الكلام ( كالعرض ) و(الجواهر) و(الجسم ) و(الجهة) و(الحيز) وغير ذلك، مما نفوا بموجبه صفات الباري سبحانه وتعالى باسم الدفاع عن العقيدة الإسلامية، والرد علي الفلاسفة(28) ؛ حتى قال القرطبي مدافعاً عنهم: (( وهذه الاصطلاحات وإن لم تكن موجودة في الصدر الأول؛ فقد دل عليها الكتاب والسنة، وبنوا عليها كلامهم، وقتلوا بها خصومهم...)) (29)
هكذا جزم القرطبي ـ غفر الله له ـ بأن هذه المصطلحات الحادثة التي أولوا بها كلام الله ورسوله، ونفوا بسببها كثيراً من صفات الله، ولووا بموجبها أعناق النصوص الشرعية؛ يدل الكتاب والسنة عليها، لكنه لم يكشف لنا مواطن الدلالة ووجوهها، ولم يذكر لنا من علماء السلف من استعملها في كلامه، وهو يعترف بأنها لم تكن موجودة في الصدر الأول ؟!
ومن هذا الباب أيضاً: تقسيم الكلام إلي (حقيقة ) و(مجاز) فهذان الاصطلاحان لو لم تكن فيهما: ( لا مشاحة في الاصطلاح )، ولكن بما أنهما لا يستقيم معناهما، وقد استعملا لصرف ظواهر النصوص، والرد في نحورها، كانت المشاحة فيهما واردة، واجتنابهما متعيناً.(1/9)
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله وهو يرد على المجازيين: (( كما يعلم بالاضطرار عند العرب أنها لم تتكلم باصطلاح النحاة التي قسمت بعض الألفاظ: فاعلاً، واللفظ الآخر مفعولاً، ولفظاً ثالثاً مصدراً، وقسمت بعض الألفاظ: معرباً، وبعضها مبنياً. لكن يعلم أن هذا اصطلاح مستقيم المعني، بخلاف من اصطلح علي لفظ ( الحقيقة ) و( المجاز) فإنه اصطلاح حادث، وليس بمستقيم المعني، إذ ليس بين هذا وهذا فرق في نفس الأمر حتى يخص هذا بلفظ، بل أي معنى خصوا به اسم الحقيقة وجد فيما سموه مجازاً، وأي معنى خصوا به اسم المجاز يوجد فيما سموه حقيقة، ولا يمكنهم أن يأتوا بما يميز بين النوعين)).
إلي أن قال: (( وقد ظنوا أن هذه التسمية والفرق منقول عن العرب، وغلطوا في ذلك، كما يغلط من يظن أن هذه ذكره الشافعي أو غيره من العلماء، أو تكلم به واحد من هؤلاء؛ فإن هذا غلط، يشبه أن الواحد تربي علي اصطلاح اصطلحه طائفة فيظن أن المتقدمين من أهل العلم كان هذا اصطلاحهم )) (30)
وقد أشار إلي ما في هذا الاصطلاح من مفاسد شرعية ولغوية، وأن الأولى ترك أي مصطلح حادث والتزام الألفاظ التي نزل بها القرآن وتكلم بها الجيل الأول ولو لم يكن فيه مفسده، أما إذا تضمن مفسدة فيجب تركه؛ فقال رحمه الله: ( وهذا التفريق ـ أي بين الحقيقة والمجاز) اصطلاح حادث لم يتكلم به العرب، ولا أمة من الأمم، ولا الصحابة والتابعون، ولا السلف، فالمتكلم بالألفاظ الموجودة التي تكلموا بها ونزل بها القرآن أولي من المتكلم باصطلاح حادث لو لم يكن فيه مفسدة ، وإذا كان الفرق غير معقول، وفيه مفاسد شرعية، وهو إحداث في اللغة؟! كان باطلاً عقلاً وشرعاً ولغة. أما العقل فإنه لا يتميز فيه هذا عن هذا، وأما الشرع فإن فيه مفاسد يوجب الشرع إزالتها، وأما اللغة؛ فلأن تغيير الأوضاع اللغوية غير مصلحة راجحة، بل مع وجود المفسدة ))
(31)(1/10)
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: (( إن تقسيم الألفاظ إلي حقيقة ومجاز ليس تقسيماً شرعياً ولا عقلياً ولا لغوياً، فهو اصطلاح محض، وهو اصطلاح غير منضبط ولا مطرد، بل هو متضمن للتفريق بين المتماثلين من كل وجه )) (32)
ويدخل في هذا الباب: اصطلاحات المتصوفة، وعباراتهم؛ مثل ( الفناء) و(الجميع )، (المحو) ،(والسكر)، و(الوصول)، وغير ذلك، فهي كلها عبارات مناقضة لأصول الشرع في فحواها، مغايرة للوضع اللغوي في معناها.
وقد نقل الحافظ الذهبي رحمه الله قول أبي سعيد الأعرابي (ت. 340هـ): (( وكذلك علم المعرفة غير محصور لا نهاية له ولا لوجوده، ولا لذوقه )). إلي أ، قال ـ ولقد أحسن في المقال ـ : ( فإذا سمعت الرجل يسأل عن الجمع أو الفناء، أو يجيب فيهما،فاعلم أنه فارغ،ليس من أهل ذلك؛ إذ أهلهما لا يسألون عنه؛ لعلمهم أنه لا يدرك بالوصف )) (33)
خطرات ووساوس، ما تفوه بعباراتهم صديق، ولا صاحب، ولا إمام من التابعين. فإن طالبتهم بدعا ويهم مقتوك، وقالوا: محجوب وإن سلمت لهم قيادك تخبط ما معك من الإيمان، وهبط بك الحال إلي الحيرة والمحال،ورمقت العباد بعين المقت، وأهل القرآن والحديث بعين البعد، وقلت: مساكين محجوبون.
فلا حول ولا قوة إلا بالله!
فإنما التصوف والتأله والسلوك والسير والمحبة ما جاء عن أصحاب محمد( من الرضا عن الله، ولزوم تقوى الله، والجهاد في سبيل الله، والتأدب بآداب الشريعة من التلاوة بترتيل وتدبر، والقيام بخشية وخشوع، وصوم وقت، وإفطار وقت، وبذل المعروف، وكثرة الإيثار، وتعليم العوام،والتواضع للمؤمنين، والتعزز على الكافرين، مع هذا فالله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم.
والعالم إذا عرف عرى من التصوف(34) والتأله، فهو فارغ، كما أن الصوفي إذا عرى من علم السنة، زل عن سواء السبيل.
وقد كان ابن الأعرابي من علماء الصوفية، فتراه لا يقبل شيئاً من اصطلاحات القوم إلا بحجة)) (35)(1/11)
وكل هذه المصطلحات دخيلة علي العقيدة الإسلامية، ومردها إلي الفلسفات اليهودية، والمسيحية، والإغريقية، والهندية (36)؛ فالمشاحة في مثلها واردة ولا بد، والدافع في صدرها قائم لا محالة. والله الهادي إلي سواء السبيل.
ولما دافع بعض أهل التصوف عن ابن عربي الحاتمي حول مقالاته التي فيها كفر صريح، وحملها علي أنها اصطلاح اصطلحه لنفسه يعتذر له فيه، رد عليه العلامة البقاعي بكتابه (( صواب الجواب)) فقال ـ مستنكراً كلامه بشدة ـ (( وهل قال أحد من أتباع الأئمة الأربعة الذين هم حملة الشريعة وعليهم مدار الدين، أن من نطق بكلمة الردة، لا يحكم بكفره حتى يسأل هل له اصطلاح في ذلك زائد علي لغته أم لا ؟ وهل لأحد أن يصطلح على كلمات الدين التي لا أشرف منها كالتوحيد فيضعفها بإزاء معان، أو على الكلمات التي معناها الكفر الذي هو أقبح الأشياء فيضعها لمعان غيره، ثم يصير ينطق بتلك الألفاظ علي ذلك الاصطلاح، وإن ظهر لأهل الشرع أنها كفر بحسب لغتهم التي يتكلمون بها ويتعارفونها، أو يقصد كلمات فيها نقص كالإنسان، والعالم ـ بالفتح ـ فيضعه لله سبحانه وتعالي عما يقول الظالمون علواً كبيراً، حتى يقول : إنه الإنسان الكبير، وإنه العالم ....)) (37) إلي أخر كلامه الذي يحتوي استنكاراً شديداً لذلك الصوفي المدافع.
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله وهو يرد على القائلين بأن الزيادة على القرآن نسخ: (( .... إن تسميتكم للزيادة المذكورة نسخاً لا توجب رفع أحكام النصوص، فأين سمي الله ورسوله ذلك نسخاًُ؟! ، وأين قال الله : إذا قال رسولي قولاً زائداً على القرآن فلا تقبلوه ولا تعملوا به وردوه ؟ كيف يسوغ رد سنن رسول الله ( بقواعد قعدتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ؟ )).(1/12)
فمثل هذا الاصطلاح مدفوع من أساسه، فلا يجوز إبقاؤه، أو تسويغه بقاعدة ( لا مشاحة في الاصطلاح )، فضلاً عن الجريان عليه؛ إذ هو اصطلاح تضمن مفسدة، وكل اصطلاح هذه حاله فحكمة المنع:
يقول ابن القيم رحمه الله: (( والاصطلاحات لا مشاحة فيها إذا لم تتضمن مفسدة)) (38)
3- لا يجوز استعمال مصطلحات تتضمن الإخلال بالأدب مع الله تعالى أو مع أحد من أنبيائه ورسله صلوات الله عليهم أجمعين:
بعض المصطلحات تتضمن إساءة الأدب مع الله تعالى، أو مع رسله وأنبيائه أو مع الصالحين من الصحابة وغيرهم، فمثلها يجب على المسلم تجنبه، وقد أشار إلي ذلك فضيلة الشيخ د.بكر عبد الله أبو زيد عند الحديث عن مصطلح ( تع ) المختصر من لفظ ( تعالى )، فقال: (( اصطلح عليه بعض النساخ المتأخرون رغبة في الاختصار، وهو منتشر لدي طابعى بعض كتب أهل الإسلام من تصرفات الكفرة المستشرقين، وهو اصطلاح فاسد، بل بعض هذه المصطلحات في جانب التمجيد والتقديس لله سبحانه وتعالى، وفي جانب الصلاة والسلام علي أنبياء الله ورسله ، في جانب الترحم والترضى على السلف، جميعها مصطلحات فاسدة ليس من الأدب استعمالها، ولما في بعضها من معني قبيح لا يجوز، وإن كان غير مراد ، فليجتنب، وعلي المسلم احتساب ذكر الألفاظ المباركة خطاً ونطقاً؛ لما في ذلك من الأجر والثواب العريض.
( رض) مختصر: ( رضى الله عنه ) .
( رح ) مختصر: ( رحمه الله ).
(صلعم ) مختصر: ( صلى الله عليه وسلم) .....
نعم المصطلحات المختصرة التي لا محذور فيها، لا مشاحة فيها، وقد جرى عليها أهل العلم من المحدثين وغيرهم، وكل منهم يكشف عن اصطلاحه في مقدمة كتابه، ولعلماء مصطلح الحديث فضل التنبيه عليها في كتب مصطلح الحديث، بعنوان: ( معرفة الرموز) )) (39)
4ـ ضرورة بيان ما في بعض الاصطلاحات من إيهام وتلبيس:(1/13)
دأب أهل الكتاب على وضع معان بإزاء بعض الألفاظ الشرعية، ثم يحملون كلام الله ورسوله ( عليها، ويصرفون بذلك صفات الله سبحانه وتعالي عن حقيقتها إلي معان أخري ليست بمراد الله ورسول الله ( ؛ وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: (( والمقصود هنا أن كثيراً من كلام الله ورسوله يتكلم به من يسلك مسلكهم، ويريد مرادهم لا مراد الله ورسوله ، كما يوجد في كلام صاحب ( الكتب المضنون بها) (40) وغيره، مثل ما ذكره في اللوح المحفوظ حيث جعله النفس الفلكية، ولفظ القلم حيث جعله العقل الأول، ولفظ الملكوت، والجبروت، والملك، حيث جعل ذلك عبارة عن النفس والعقل، ولفظ الشفاعة حيث جعل ذلك فيضاً يفيض من الشفيع علي المستشفع، وإن كان الشفيع قد لا يدري، وسلك في هذه الأمور ونحوها مسالك ابن سينا...
والمقصود هنا ذكر من يقع ذلك منه من غير تدبر منه للغة الرسول ( ، كلفظ ( القديم )، فإنه في لغة الرسول التي جاءت بها القرآن خلاف ( الحديث) وإن كان مسبوقاً بغيره كقوله تعالي: ?وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ? (يّس:39) .
وقال تعالي عن اخوة يوسف: ?قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ?(يوسف:95) .
وقوله تعالي: ? قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ? (الشعراء: 75ـ76).
وهو عند أهل الكلام عبارة عما لم يزل أو عما لم يسبقه وجود غيره إن لم يكن مسبوقاً بعدم نفسه، ويجعلونه ـ إذا أريد به هذا ـ من باب المجاز، ولفظ (( المحدث)) في لغة القرآن يقابل (( القديم)) في القرآن(41).(1/14)
ونظير ذلك تسمية أهل الكلام كلامهم وسفطائياتهم بـ ( أصول الدين )، مثل المسائل والدلائل الفاسدة؛ والقدر، واستدلالهم علي حدوث العالم بحدوث الأعراض، وغير ذلك من اصطلاحاتهم وألفاظهم، وهى ليست من ( أصول الدين ) في شئ كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله حيث يقول: (( فهذه داخلة فيما سماه هؤلاء (( أصول الدين )) ولكن ليست في الحقيقة من الدين الذي شرعه الله لعباده، وأما الدين الذي قال الله فيه:? أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ? (الشورى: من الآية21).فذاك له أصول وفروع بحسبه.
وإذا عرف أن مسمي ( أصول الدين ) في عرف الناطقين بهذا الاسم فيه إجمال وإبهام؛ لما فيه من الاشتراك بحسب الأوضاع والاصطلاحات، تبين أن الذي هو عند الله ورسوله وعباده المؤمنين أصول الدين فيه موروث عن الرسول ( ، له لا يجوز أن تكون منقولة عن النبي (؛ إذ هو باطل ، وملزوم الباطل باطل، كما أن لازم الحق حق )) (42)
ونظير هذا لفظ (العقل)(1) ، فقد وقع فيه التدليس والتشويه ، فهناك العقل الفطري الصريح الذي لا التباس فيه ، وهو الذي كان حاصلاً للأمم التي بعث الله تعالى فيها رسله وأنزل فيها كتبه ، وهو الذي كان حاصلاُ للصحابة ومن بعدهم من السلق ، فهذا هو الذي يسوغ أن يقال : إن ما أثبته قطعاُ فهو الحق ، وما عارضه فهو باطل، والنصوص الشرعية لا تتعارض معه قطعاً ، وهناك ما سمي بالعقل وإنما هو نظير متعمق فيه، مبني علي تدقيق وتخرص ومقاييس يلتبس فيها الأمر في الإلهيات ويشتبه، ويكثر الخطأ واللغط، ويطول النزاع والمناقصة والمعارضة وهو ( العقل الفلسفي الكلامي )، فمن ناقض شرع الله ورسوله بدعوى مناقضة مثل هذا العقل الموهوم؛ فقد ضل عن الصراط المستقيم، وتنكب سواء السبيل.(1/15)
وقد أوضح العلامة المعلمي ـ رحمه الله ـ ما في هذا (العقل الفلسفي ) من تخبطات بدعوى وتخر صات وتناقضات، وأتى بما يدل علي أن حقيقته الجهل والسفه، لا المعرفة والعقل(43).
واليوم نجد كثيراً من الذين ينتسبون إلي ( العقل ) يناقضون أحكام الشرع بدعوى مخالفتهم ( لعقولهم ) وينبذون النصوص وراء ظهورهم بموجبها، فيوهمون العوام أن العقل لا يتمشى مع المسلمات الشرعية، فهي بحاجة ـ بزعمهم ـ إلي إعادة النظر فيها ودراستها على ضوء معطيات العصرـ نسأل الله أن يهدينا وإياهم إلي الصراط المستقيم.
5- لا يجوز التزام المصطلحات المنطقية في بيان القضايا الشرعية:
لا ينبغي لمن أراد شرح الدين وبيان أصوله ومباحثه أن يلجأ إلي عبارات أهل المنطق والفلسفة، ويمتطي صهوة تعبيراهم؛ لما في ذلك من خطورة على النصوص الشرعية، والمسائل العقدية، ولما يترتب على ذلك من الإبهام والغموض لكثير من المسائل؛ وذلك لسبب غموض ألفاظ أهل المنطق وتعقيداتها، فالشريعة ليست بحاجة إلي علم اليونان لشرحها وبيانها، بل هي أوضح من أن تكون محتاجة إلي تلك المصطلحات الغامضة، والقواعد الشائكة، فلو كان فهم الشريعة منوطاً بفهم ألغاز أهل اليونان لكان ذلك منافياً لروح التيسير ورفع الحرج الذي امتازت به هذه الشريعة عن غيرها.
وقديماً أفتي الحافظ أبو عمرو بن الصلاح ـ رحمه الله ـ بمنع استعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية وعد ذلك من المنكرات المستبشعة، فقال فيما قال: (( وأما استعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية فمن المنكرات المستبشعة، والرقاعات المستحدثة، وليس بالأحكام الشرعية والحمد لله ( افتقار) (44).
إلي المنطق أصلاً، وما يزعمه المنطقي للمنطق من أمر الحد والبرهان فقعاقع (45).(1/16)
قد أغنى الله عنها بالطريق الأقوام والسبيل الأسلم الأطهر، كل صحيح الذهن، لا سيما من خدم نظريات العلوم الشرعية، ولقد تمت الشريعة وعلومها وخاض في بحار الحقائق والدقائق علماؤها، حيث لا منطق ولا فلسفة، ولا فلاسفة، ومن زعم أنه يشتغل مع نفسه بالمنطق والفلسفة لفائدة بزعمها فقد خدعه الشيطان ومكر به ... (46).
وهذا الإمام الشاطبي ـ رحمه الله ـ لما تحدث عن مقدمتي الدليل: الأولي تحقق المناط، والأخرى تحكم عليه ـ قال مستدركاً ـ (( واعلم أن المراد بالمقدمتين ها هنا ليس ما رسمه أهل المنطق على وفق الأشكال المعروفة، لا على اعتبار التناقض والعكس، غير ذلك وإن جرى الأمر على وفقها في الحقيقة؛ فلا يستتب جريانه على ذلك الاصطلاح؛ لأن المراد تقريب الطريق الموصل إلي المطلوب على أقرب ما يكون، وعلى وفق ما جاء في الشريعة، وأقرب الأشكال إلي هذا التقرير ما كان بديهياً في الإنتاج أو ما أشبهه من اقتراني أو استثنائي؛ إلا أن المتحرى فيه إجراؤه على عادة العرب في مخاطباتها ومعهود كلامها، إذ هو أقرب إلي حصول المطلوب على أقرب ما يكون، ولأن التزام الاصطلاحات المنطقية والطرائق المستعملة فيها مبعد عن الوصول إلي المطلوب في الأكثر؛ لأن الشريعة لم توضح إلا على شرط الأمية، ومراعاة علم المنطق في القضايا مناف لذلك؛ فإطلاق لفظ المقدمتين لا يستلزم ذلك الاصطلاح)) (47).
6- لا يفسر كلام سلف الأمة أو يحكامون وفق اصطلاحات حادثة:(1/17)
درج بعض المتأخرين على بعض المصطلحات التي لم تكن معروفة لدي السلف؛ سواء وضعت تلك المصطلحات لتقريب العلوم وتيسيرها، كما هو الشأن في كثير من مصطلحات الفقه وأصوله أو الحديث وأصوله، أو جاءت نتيجة اختلاط العلوم الإسلامية بالنتاج الإغريقي من منطق وفلسفة، وأياً كان الأمر فلا يجوز لأحد أن ينزل عليها كلام السلف أو يفسر معاني عباراتهم علي وفقها، أو يحاججهم بموجبها؛ وهذا أمر بدهى؛ إذ لم تكن موجودة في عصرهم، ولا يعنونها أصلاً بكلامهم، فمن نازعهم بسببها وحاكمهم بمقتضاها وألزمهم بها؛ فهو منازع فيما ذهب إليه، مردود كلامه عليه.
ومن أمثلة ذلك لفظ ( النسخ)؛ فالمتعارف عليه عند الأصوليين أن النسخ هو: ( رفع الحكم الشرعي بخطاب متراخ عنه) (48).
لكنه في عرف السلف أعم من ذلك فهو يشمل التخصص، والتقليد، وتبيين المجمل، ورفع الحكم بجملته.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه ـ رحمه الله ـ: (( ولم يكن السلف يقبلون معارضة الآية إلا بآية أخري تفسرها وتنسخها؛ أو بسنة الرسول ( تبين القرآن وتدل عليه وتعبر عنه، وكانوا يسمون ما عارض الآية ناسخاً لها؛ فالنسخ عندهم اسم عام لكل ما يرفع دلالة الآية علي معني باطل، وإن كان ذلك المعني لم يرد بها، وإن كان لا يدل عليه ظاهر الآية؛ بل قد لايفهم منها وقد فهمه منها قوم فيسمون ما رفع ذلك الإبهام نسخاً، وهذه التسمية لا تؤخذ عن كل واحد منهم(49).
ولما نقل العلامة ابن القيم رحمه الله قول حذيفة رضي الله عنه: (( إنما يفتي الناس أحد ثلاثة: من يعلم ما نسخ من القرآن، أو أمير لا يجد بداً، أو أحمق متكلف )).(1/18)
علق عليه بقوله: (( مراده ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ رفع الحكم بجملته بارة، وهو اصطلاح المتأخرين، ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة؛ إما بتخصيص، أو تقييد، أوحمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه، حتى إنهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخاً؛ لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد.
فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو بيان المراد بغير ذلك لفظ، بل بأمر خارج عنه.
ومن تأمل كلامهم؛ أي من ذلك فيه ما لا يحصي، وزال عنه به إشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر)) (50).
وقال ابن العربي المالكي: (( إن علماء المتقدمين من الفقهاء والمفسدين كانوا يسمون التخصيص نسخاًً؛ لأنه رفع لبعض ما يتناوله العموم، ومسامحة، وجرى ذلك في ألسنتهم، حتى أشكل على من بعدهم، وهذا يظهر عند من ارتاض بكلام المتقدمين كثيراً)) (51).
وقوله: ((ومسامحة)) ليس من التوجيه بالمحل اللائق؛ إذ لم يكن لفظ النسخ عندهم مقتصراً علي ما هو عند المتأخرين فقط؛ حتى يقال تسمحوا في الخروج عن الوضع العرفي، علي ما تفيده عبارة ابن العربي هذه. والله أعلم.
وقد تعقب بعض المتأخرين بعض السلف على هذا الإطلاق وردوا عليهم بمقتضى اصطلاح المتأخرين، وخطؤهم بموجبه، من ذلك:
قال ابن منبه في قوله تعالى: ?وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ? (الشورى: من الآية5) نسختها الآية التي في غافر: ?َيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا? (غافر: من الآية7). (52).
وهذا معناه أن آية غافر مبينة لآية الشورى؛ ولا يقصد به النسخ بمفهومه عند المتأخرين.
لكن تعقبة ابن النحاس: (( هذا لا يقع فيه ناسخ ولا منسوخ؛ لأنه خبر من الله، لكن يجوز أن يكون وهب بن منبه أراد أن هذه الآية علي نسخة تلك الآية، لا فرق بينهما (53). وكذا يجب أن يتأول للعلماء، ولا يتأول عليهم الخطأ العظيم، إذا كان لما قالوه وجه)) (54).(1/19)
وهذا الذي قاله ابن النحاس غير متعين، وإنما لاحظه بمقتضى المصطلح المتأخر، ولم يرده ابن منبه أصلاً، بل جرى كلامه مجرى العرف في عصره؛ من إطلاق النسخ على ما هو من هذا القبيل، فكلامه يتخرج عليه، ولا يحتاج إلى ما تكلفه ابن النحاس رحمه الله من تأويل. والله أعلم.
كما تعقب ابن منبه على ذلك: المحاسبي، وعلي بن أبي طالب، وغيرهم(55).
وقال مكي: (( وقد ذكر عن ابن عباس في أشياء كثيرة في القرآن فيها حروف الاستثناء؛ أنه قال: منسوخ)).
قال: (( وهو مجاز لا حقيقة؛ لأن الاستثناء مرتبط بالمستثني منه، يليه حرف الاستثناء الذي يلزمه؛ فبين أنه في بعض الأحيان الذين عمهم اللفظ الأول. والناسخ منفصل من المنسوخ رافع لحكمه، وهو بغير حرف)) (56).
وهذا أيضاً فيه محاكمة صحابي جليل على وفق العرف الحادث عند المتأخرين، لا وجود له في عهد ابن عباس رضي الله عنه، فيقال: إنه تكلم بمجاز تاركاً الحقيقة، ولا ريب أن هذا لا يمكن بحال أن يسمى مجازاً حتى عند القائلين به؛ إذ ما ادعى فيه أنه الأصل وهو ( النسخ في عرف المتأخرين) لم يولد بعد، فكيف يكون الموجود قبله مجازاً، ويكون هو حقيقة.
ومن ذلك: أن أبا بكر الجصاص الرازي رحمه الله نقل في تفسيره عن بعض السلف قولهم بأن قوله تعالي: ?وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ?(لبقرة: من الآية284).
منسوخ بقوله تعالي:? لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا? (البقرة: من الآية286).
فتعقب القائلين بالنسخ بقوله: (( لا يجوز أن تكون منسوخة؛ لمعنيين: أحدهما: أن الأخبار لا يجوز فيها النسخ؛ لأن نسخ مخبرها يدل على البداء، والله تعالي عالم بالعواقب غير جائز عليه البداء.(1/20)
والثاني: أنه لا يجوز تكليف النفس ما ليس في وسعها؛ لأنه سفه وعبث، والله تعالي يتعالى عن فعل العبث، وإنما قول من روى عنه أنها منسوخة فإنه غلط من الراوي في اللفظ، وإنما أراد بيان معناها وإزالة التوهم عن صرفه إلي غير وجهه)) (57).
وهكذا غلط من روى عن الأئمة قولهم بالنسخ، بأنه غلط في حكاية لفظ( النسخ)؛ لأنه حمل معناه عندهم على ما هو عند المتأخرين؛ فكان هو الغالط. والله أعلم.
ومن ذلك لفظ( الكراهة) فإنه في كلام الله ورسوله ( ، وكلام أئمة السلف يطلق علي المحرم. لكنه في اصطلاح المتأخرين من الفقهاء والأصوليين يطلق على ( ما يمدح تاركه ولا يذم فاعله) فغلط من غلط في ذلك بسبب عدم التفريق بين المصطلح القديم والمصطلح الحادث، فحمل كل ما ورد في كلام الله ورسوله ( ، وما جاء عن السلف من لفظ الكراهة على الاصطلاح الحادث، فوقع بسبب ذلك إشكال كبير.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه ـ رحمه الله ـ ))والكراهية في كلام السلف كثيراً، وغالباً يراد بها التحريم )) (58).
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: (( وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك؛ حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم، وأطلقوا لفظ الكراهة وخفت مؤنته عليهم فحمله بعضهم على التنزيه، وتجاوز آخرون إلي كراهة ترك الأولى، وهذا كثير في تصرفاتهم فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة )) (59).
ثم ساق نصوص السلف في ذلك ثم قال: (( فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله، لكن المتأخرون اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم، وتركه أرجح من فعله، ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث فغلط في ذلك )) (60).(1/21)
وقال ابن بدران ـ رحمه الله ـ: (( ومراده بذلك ما وقع في كلام الأئمة من أن هذا مكروه، لا بالنظر إلي ما اصطلحوا عليه من بعدهم من التقسيمات التي يذكرونها في كتب الأصول والفروع، فإن هذا الاصطلاح حادث لا ينزل عليه كلام الأئمة )) (61).
ومن أمثلة محاكمة المتقدمين بمقتضى اصطلاح المتأخرين ما فعله أبو بكر الجصاص مع الإمام الشافعي رحمه الله تعالى؛ فقد عرف الشافعي البيان في كتابه (( الرسالة)) (62). بقوله: (( والبيان اسم جامع لمعاني مجتمعة الأصول متشعبة الفروع، فأقل ما في تلك المعاني المجتمعة المتشعبة أنها بيان لمن خوطب بها ممن نزل القرآن بلسانه، متقاربة الاستواء عنده وإن كان بعضها أشد تأكيد بيان من بعض، ومختلفة عند من يجهل لسان العرب)) .
ثم ذكر أمثلة لذلك فقال: (( وقال تعالي: ?وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ? (لأعراف: من الآية142). فكان بينا عند من خوطب بهذه الآية أن ثلاثين وعشراً أربعون ليله. وقوله: ? أَرْبَعِينَ لَيْلَةً? يحمل ما احتمل الآية قبلها: من أن يكون إذا جمعت ثلاثون إلي عشر كانت أربعين، وأن تكون زيادة في التبيين(63)
فاعترض عليه الجصاص رحمه الله بأنه لم يبين ماهية البيان، فالذي وصف به البيان هو بالإلباس أشبه منه بالبيان، وأن ما ذكره لا يجوز أن يكون تحديداً للبيان، ولا وصفاً له بوجه؛ لأنه يشركه فيه ما ليس ببيان ولا من جنسه؛ إذ أكثر الأشياء شاركته في أنها مجتمعة الأصول متشعبة الفروع(64) .
ثم قال عن كلام الشافعي في الآية: (( هذا لا يسميه أحد بياناً في شرع ولا لغة، لأن البيان هو إظهار المعني وإيضاحه منفصلاً مما يلتبس به، وليس في ذلك (( الأربعين )) بعد تقديم ذكر (( الثلاثين فالعشر)) إظهار شئ وإيضاح لما أشكل بالكلام الأول، وإنما سمي ذلك توكيداً وتقريباً)) (65)(1/22)
وذكر أن الشافعي جعل قوله تعالي: ?فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً?(لأعراف: من الآية142).
وقوله: ?عشرة كاملة ? بياناً وليس فيه إخراج الشيء من حيز الإشكال إلي التجلي (66).
وهذا واضح في أن الجصاص الرازي رحمه الله يناقش الإمام الشافعي ـ إمام الأصوليين ـ بمقتضى تعريف المتأخرين من الأصوليين (( للبيان ))؛ لأنهم عرفوه بأنه: ( إخراج الشيء من حيز الإشكال إلي حيز التجلي).
وهذا الاصطلاح الحادث بعد الإمام الشافعي رحمه الله لا يلزمه؛ إذ من البديهي جداً أنه لم يقصد بوضعه ( الرسالة ) الجري على عرف المتأخرين في اصطلاحاتهم، بل لم توجد هذه الاصطلاحات في عصره.
ثم إنه من حيث اللغة لا يمكن دفع ما قاله الإمام الشافعي، رحمه الله، فإنه يقال لمن غيره على شئ بينه له، فكل ما يدل على شئ فهو بيان له، لذلك لما كان القرآن دالا للناس على طريقة الهداية والنجاة سماه الله بياناً، فقال تعالي:? هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ? (آل عمران: من الآية138).
فإذا كان القرآن كله بياناً؛ فمن أين جاء خطأ الإمام الشافعي في إطلاقه ( البيان) على هذا النوع من السياق القرآني .
ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيميه ـ رحمه الله ـ: (( والمقصود ببيان الكلام حصول البيان لقلب المستمع حتى يتبين له الشيء ويستبين، كما قال تعالى: ? هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ?.
وهذا هو البيان الذي قصده الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ.
7- لا يصطلح مصطلح مغاير لما درج عليه أصحاب الفن:
لا بأس بـ(الاصطلاحات) التي توضع لتقريب فن من الفنون، وضبط قواعده ومباحثه، وليس لحمل نصوص الشرع من الكتاب والسنة وأقوال السلف عليها، كما رمز.لكن يجب علي المتكلم في ذلك الفن أن يتقيد بتلك الألفاظ المتعارف عليها، ولا يصطلح لنفسه مصطلحاً آخر مغايراً لما تعارف عليه أصحاب الفن، أو يستعمله في غير ما وضع له؛ لما في ذلك من إبهام وإيهام للقراء.(1/23)
يقول العلامة الشيخ طاهر الجزائري ـ رحمه الله ـ: (( هذا، وقد ذكر المحققون أنه ينبغي لمن تكلم في فن من الفنون أن يورد الألفاظ المتعارفة فيه مستعملاً لها في معانيها المعروفة عند أربابه، ومخالف ذلك إما جاهل بمقتضى المقام، أو قاصد للإبهام والإيهام، مثال ذلك ... أن يقول قائل عن حديث ضعيف: أنه حديث حسن، فإذا اعترض عليه قال: وصفته بالحسن باعتبار المعنى اللغوي؛ لاشتمال هذا الحديث علي حكمة بالغة.
وأما قولهم: (( لامشاحة في الاصطلاح )) فهو من قبيل تمحل العذر، وقائل ذلك عاذل في صورة عاذر)) (67).
وهناك تنبيهان لا بد منهما:
الأول: لا يكره مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم عند الحاجة:
قال شيخ الإسلام ابن تيميه ـ رحمه الله ـ: (( وأما مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ولغتهم فليس بمكروه؛ إذا احتيج إلي ذلك، وكانت المعاني صحيحة، كمخاطبة العجم من الروم والفرس والترك بلغتهم وعرفهم، فإن هذا جائز حسن للحاجة، وإنما كرهه الأئمة إذا لم يحتج إليه..
فالسلف والأئمة لم يكرهوا الكلام لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المولدة؛ كلفظ ( الجوهر) و(العرض) و( الجسم) وغير ذلك، بل لأن المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات فيها من الباطل المذموم في الأدلة والأحكام ما يجب النهي عنه؛ لاشتمال هذه الألفاظ علي معان مجملة في النفي والإثبات)) (68). فإذا كان المصطلح من حيث المعني صحيحاً فلا مانع من مخاطبة أصحابه به عند مناقشتهم ومحاورتهم، وأما إن كان يتضمن معني فاسداً فالأولي تركه وتجنبه، ولذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن من منهجه في أثناء الرد علي المخالفين ألا يعدل عن مصطلحات القرآن الكريم والسنة النبوية؛ بل يحرص على استعمالها، ويتقيد بها؛ لأن اتباع الكتاب والسنة هو مبتغاه ومتحراه.
فهو قد عدل عن لفظ ( التأويل ) إلي لفظ ( التحريف)؛ لأن الأخير هو القرآن، ونقاه الله سبحانه وتعالي عن نفسه بنص كتابه.(1/24)
أما ( التشبيه ) فهو فيه إجمال وإبهام؛ إذ ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك، وقدر فارق؛ والقدر المشترك إنما هو في الذهن، وليس فيما خرج عن الذهن سوي أعيان متباينة، وعند الإضافة لا يحصل الاشتراك.
وهما متفقان في أمر الأمور، ولو في الوجود نفسه(69) .
الثاني: لا يجب علي الناس التزام نوع معين من الاصطلاحات في المعاملات: الأصل في ألفاظ المعاملات من العقود والنكاح وغير ذلك الجري علي العرف المتعارف بين قوم معينين؛ فكل ما دل علي التراضي والقبول والإيجاب فيجوز أن يتعامل به أولئك القوم، فلا ينبغي إلزامهم باصطلاحات معينة في هذا الباب، (( فالكل ما عده الناس بيعاً وإجارة فهو بيع وإجارة، وإن اختلف اصطلاح الناس في الألفاظ والأفعال، انعقد العقد عند كل قوم بما يفهمونه بينهم، من الصيغ والأفعال، وليس لذلك حد مستمر، لا في الشرع، ولا في لغة، بل يتنوع بتنوع اصطلاح الناس، كما تتنوع لغاتهم؛ فإن لفظ البيع والإجارة في لغة العرب، ليس هو اللفظ الذي في لغة الفرس، أو الروم، أو الترك، أو البربر، أو الحبشة، بل قد تختلف أنواع اللغة الواحدة، ولا يجب علي الناس التزام نوع معين من الاصطلاحات في المعاملات، ولا يحرم عليهم التعاقد بغير ما يتعاقد به غيرهم؛ إذا كان ما تعاقدوا به دالاً على مقصودهم، وإن كان قد يستحب بعض الصفات)) (70) هذا وصلي الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
………
ثبت المصادر والمراجع
- أبجد العلوم: لصديق حسن خان، ط/1978هـ ، بيروت.
- أحكام القرآن: لأبي بكر الجصاص، ط2/1405هـ، دار إحياء التراث العربي ـ ببيروت.
- أحكام القرآن: لابن العربي، ط/ البجاوى، نشر دار المعرفة.
- الاستقامة: لشيخ الإسلام ابن تيميه،ط2/1409هـ ، توزيع مكتبة السنة ـ القاهرة.
- الأصول التي بني عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات: للدكتور عبد القادر عطا صوفي،ط1/1418هـ ، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة.(1/25)
- إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين: للبكري بن محمد الدمياطي، ط/دار الفكرـ بيروت.
- إعلام الموقعين عن رب العالمين: لابن القيم، ط2/1414هـ ، دار الكتب العلميةـ بيروت.
- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: للمراداوى، ط/ دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: لمكي بن أبي طالب، ط1/1406هـ ، دار المنارة،جدة.
- تاج العروس: للسيد محمد مرتضي الزبيري، ط/ دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- التخليص الحبير: للحافظ ابن حجر،ط/ عبد الله هاشم المدني (1384هـ). دار المعارف ـ الرياض.
- توجيه النظر إلي أصول الأثر: للشيخ طاهر الجزائري، ط1/1416هـ ، الناشر مكتب المطبوعات الإسلامية ـ حلب.
- تيسير علم أصول الفقه: لعبد الله يوسف الجديع، ط1/1418هـ ، توزيع مؤسسة الريان ـ بيروت.
- الجامع الصحيح: للإمام البخاري، ط3/1407هـ ، دار ابن كثير ـ بيروت.
- الجامع الصحيح: للإمام مسلم، ط/ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
- الجامع لأحكام القرآن: للقرطبي، ط2/1373هـ ، دار الشعب.
- جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود: لشمس الدين محمد أحمد المنهاجي، ط/ دار الكتب العلمية.
- حاشية البجيرمي: الناشر: المكتبة الإسلامية ـ دار بكر ـ تركيا.
- حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح: ط3/ مكتبة البابي الحلبي ـ مصر.
- حاشية رد المحتار على در المختار: لابن عابدين، ط2/ 1386هـ ، دار الفكرـ بيروت.
- الحاوي للفتاوى: لأبي بكر السيوطي، ط/1402هـ ، دار الكتب العلمية ، بيروت.
- الحقيقة الشرعية في تفسير القرآن الكريم والسنة النبوية: للشيخ محمد عمر باز مول، ط1/ 1415هـ ، دار الهجرة ـ الرياض.
- حواشي الشراواني: ط/ دار الفكر الإسلامي ـ بيروت.
- درء تعارض العقل والنقل: لشيخ الإسلام ابن تيميه، ط1/ 1399هـ ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ الرياض.
- الرسالة: للإمام الشافعي، ط/1358هـ ، القاهرة.(1/26)
- الروح: لابن قيم الجوزية، ط/ 1399هـ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
- روضة الناظر وجنة المناظر: لابن قدامه، ط2/1399هـ ، الرياض.
- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: لمحمد ناصر الدين الألباني، ط1/1412هـ ، مكتبة المعارف ـ الرياض.
- السنن: لأبي داود، ط، محمد محيي الدين، دار الفكرـ بيروت.
- سير أعلام النبلاء: للحافظ الذهبي، ط7/ 1410هـ ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
- السيل الجرار: للشوكاني، ط1/1405هـ ، دار الكتب العلميةـ بيروت.
- الشرح الكبير: لسيدي أحمد الدر دير، ط/ دار الكتب ـ بيروت.
- شرح الكوكب المنير: لابن النجار الفتوحي، ط/ مركز البحث العلمي بجامعة أم القرآن ، بمكة المكرمة.
- شرح صحيح مسلم: للإمام النووي، ط2/1392هـ ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
- صواب الجواب: للبقاعي، مخطوط، مصورته في الجامعة الإسلامية بالمدينة.
- الصواعق المرسلة: لابن قيم الجوزية، ط1/ 1408هـ ،نشر دار العاصمة ـ الرياض.
- الفتاوى الكبرى: لشيخ الإسلام ابن تيميه، ط1/ 1408هـ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
- فتح الباري: للحافظ ابن حجر، ط/ 1379هـ ، دار المعرفة ـ بيروت.
- الفصول: لأبي بكر الجصاص، ط1/ 1405هـ ، وزارة الأوقاف والشئون الإسلاميةـ الكويت.
- فقه النوازل: للشيخ بكر عبد الله زيد، ط1/1416هـ ، مؤسسة الرسالةـ بيروت.
- الفواكه الدواني: لأحمد بن غنيم النفراوي، ط/1415هـ ، دار الفكر ـ بيروت.
- كشاف القناع عن متن الإقناع: لمنصور بن يونس البهوتي، ط/ 1402هـ ، دار الفكر ـ بيروت.
- كشف الظنون: لحاجي خليفة، ط/ 1412هـ ، دار الكتب العلميةـ بيروت.
- المؤامرة على الإسلام: لأنور الجندي، ط3/1398هـ ، دار الاعتصام.
- المبدع : لابن مفلح الحنبلي، ط/ 1400هـ ، المكتب الإسلامي ـ بيروت.
- مجموع الفتاوى: لشيخ الإسلام ابن تيميه، مصورة الطبعة الأولي/ 1389هـ .(1/27)
- المحصول: لفخر الدين الرازي، ط1/ 1400هـ ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرياض.
- مختصر الصواعق المرسلة : للموصلي.
- مدارج السالكين: لابن القيم، ط/ 1375هـ ، مطبعة السنة المحمدية ـ القاهرة.
- المدخل إلي مذهب الإمام أحمد بن حنبل: عبد القادر بن بدران، ط2/ 1401هـ ، مؤسسة الرسالة.
- مذكرة أصول الفقه: للشيخ محمد الأمين الشيقيطي، ط/ مكتبة السلفية، بالمدينة المنورة.
- المستصفي: لأبي حامد الغزالي ، ط2/1413هـ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
- المسند: للإمام أحمد بن حنبل: ط1/ 1417هـ ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
- معجم المناهي اللفظية: للشيخ بكر أبو زيد، ط3/ 1417هـ ، دار العاصمةـ الرياض.
- المغني: لابن قدامه، ط1/ 1405هـ ، دار الفكر ـ بيروت.
- مفتاح دار السعادة: لابن القيم، ط1/ 1416هـ ، دار ابن عفان، السعودية.
- منهاج السنة: لشيخ الإسلام ابن تيميه، ط1/ 1406هـ ، مؤسسة قرطبةـ القاهرة.
- الموافقات: للشاطبي، ط1/ 1417هـ ، دار ابن عفان، السعودية.
- الناسخ والمنسوخ: للنحاس، ط1/ 1408هـ ، مكتبة الفلاح ـ الكويت.
- نيل الأوطار: للشوكاني، ط/ 1972م، دار الجيل ـ بيروت.
(1) مخطوط ( ل: 10/أ ـ ب11).
(2) (( سير أعلام النبلاء)) (15/410).
(3) (( رسالة مسألة الأحرف التي أنزلها الله علي آدم )) ضمن (( مجموع الفتاوى )) ( 12/ 106).
(4) انظر الرسالة المذكورة ( ضمن فقه النوازل 2/ 123) .
(5) (( المحصول للرازي (4/ 647).
(6) ((مختصر الصواعق المرسلة)) (ص272).
(7) انظر سرد أسماء وطبعاتها في رسالة: (( الموضوعة في الاصطلاح علي خلاف الشريعة وأفصح اللغة)) للشيخ بكر أبو زيد ( ضمن كتاب فقه النوازل 1/ 111ـ 118).
(8) ((المصدرالسابق )) (1/127).
(9) ((كشف الظنون )) (1/42).وما بين المعقوفتين إلحاق مني.(1/28)
(10) أنظر: (( إعانة الطالبين )) (3/37)، و((حاشية البجيرمي )) (1/243،3 3/352) واالموافقات للشاطبي (1/411)، و((روضة الناظر )) (2/ 177) و(( حواشي الشرواني )) ( 1/ 176) و(( حاشية الطحاوي علي مراقبي الفلاح )) (2/9)، و((حاشية الدسوفي )) (2/ 383) ، و(( االسبيل الجرار)) للشوكاني (2/351) و(( أبجد العلوم )) للقنوحي (1/29) وغيرها.….
(11) (( تاج العروس )) (6/501) ، انظر: (( حواشي الشرواني )) ( 4/ 277) .
وقد استعمل الفقهاء لفظ ( المشاحة ) كثيراً في مصنفاتهم، كقولهم فيمن قذف نساءه.: (( فلو بدأ بواحدة منهن ـ أي عند اللعان ـ من غير قرعة مع المشاحة صح )) .
انظر: (( المغني )) ( 7/46، 8/ 72 ) ، و( الإنصاف ) ( 9/ 242) ، و(( المبدع )) لابن مفلح (8/81) ، و(( كشاف القناع)) ( 5/ 394(
ويقولون : (( حق الله مبني علي المسامحة، وحق الآدمي مبني علي المشاحة)) .أنظر: (( إعانة الطالبين )) (2/280، 4/ 164) ، و(( حواشي الشرواني )) ( 4/ 277) ، و(( حاشية ابن الدواني )) (2/ 37) ، و(( حاشية الدسوقي )) ( 2/ 278، 290)، و(( الشرح الكبير)) للدردير ( 2/ 305، 4/14).
(12)انظر: (( المستصفي )) (ص23) ، و(( الروح)) لابن القيم (ص204).
(13)انظر: (( المصدر السابق (ص305) ، و(( الصواعق المرسلة)) لابن القيم (3/ 970).
(14)انظر: ((جواهر العقود)) للمنهاجي (2/ 586ـ 587).
(15) أخرجه أحمد في مسنده رقم (7250)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(16) أخرجه البخاري في (( صحيحه)) (رقم 866) ومسلم في (( صحيحه)) ( رقم 602).(1/29)
قال أبو داود في (( سننه )) (1/ 156رقم 572): قال أبو داود: كذا قال الزبيري وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر وشعيب بن أبي حمزة، عن الزهري. ( وما فاتكم فأتموا) ، وقال ابن عيينة عن الزهري وحده: ( فإقضوا) ، وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة وجعفر بن ربيعة عن الأعوج عن أبي هريرة: ( فأتموا) وابن مسعود عن النبي ( وأبو قتادة عن النبي ( كلهم قالوا فأتموا )) .
(17) (( رسالة مسألة الأحرف التي أنزلها الله علي آدم )) ضمن (( مجموع الفتاوى)) ( 12/ 106) بتصرف يسير. وانظر (( الحقيقة الشرعية )) لمحمد عمر بازمول ( ص134) ، و(( تيسير علم أصول الفقه )) لعبد الله الجديع ( 69ـ 70).
(18) أخرجه البخاري في (( صحيحه)) ( 6043) ، ومسلم في (( صحيحه )) ( 2694)عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(19) أخرجه البخاري في (( صحيحه)) ( رقم 3628) ، ومسلم ((صحيحه)) (رقم 2256)) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(20) (( مجموع الفتاوى )) ( 1/ 245ـ246).
(21) مفتاح دار السعادة ( 635ـ64),
(22)(5/63 ـ 64)
(23) ((فتح الباري)) (3/318) .
(24) لا أصل له مرفوعاً , انظر : (( سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (1/172 / رقم 71) , وللسيوطي فيه رسالة مستقلة في كتابه (( الحاوي للفتاوى)) (2/71) .
(25) (( التلخيص الحبير )) ( 2251)
(26) ((السبيل الجرار)) ( 1/ 326).
(27) ((نيل الاوطار)) (3/293ـ 294).(1/30)
(28) يقول العلامة المعلمي ـ رحمه الله ـ في كتابه الفذ (( التنكيل )) (2/ 237ـ238))) والمشهور.....بالاعتذار عن الخائضين من المنتسبين إلي السنة بأنهم اضطروا إلي ذلك لدفع شبهات الكفار والزنادقة والملحدين والمبتدعة الذين يخوضون في دقائق المعقول ثم يطعنون في الإسلام والسنة. قال المعتذرون:ولم يكن ذلك في عهد الصحابة والتابعين، وإنما حدث أخيراً بعد ضعف الإيمان وتشوف الناس إلي دقائق المعقول وإعجابهم بأهله، فالخوض محدث؛ لكن لحدوث داع إليه، وباعث عليه، ومقتض له. أقوال ( والقائل المعلمي ): أما من خاض وحافظ علي العقائد الإسلامية كما تعرف من المأخذين السلفيين ( يعني : النظر والشرع) وكما كان عليه السلف، فعسي أن ينفعه ذاك العذر، وإن كنا نعلم أن في حجج الحق من المأخذين السلفيين ما يغني من يؤمن )ِ? وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ? (يونس: من الآية101) .
وأما من خاض فغير وبدل فهؤلاء هم المبتدعة وأتباعهم، فهب أن منهم من يعذر في خوضه، فما عذره في تبديله؟! ولا سيما من بلغ به التغيير والتبديل إلي القول بأن النصوص الشرعية لا تصلح حجة في العقائد ! حتى = = صرح بعضهم بزعم أن الله تبارك وتعالي أقر الأمم التي بعث فيها= أنبياءه علي العقائد الباطلة وقررها في كتبه وعلي ألسنة رسله، وثبتها وأكدها وزادهم عليها أضعافها مما هو ـ في زعم هؤلاء ـ باطل !!
فهل هذا هو الذنب عن الإسلام وعقائده الذي يمتن به عليه أولئك الخائضون؟!))
(29) الجامع لأحكام القرآن ( 386/6ج).
(30) ((رسالة الحقيقة والمجاز)) ( ضمن مجموع الفتاوى ) (452/20،453).
(31) ((رسالة الحقيقة والمجاز)) ( ضمن مجموع الفتاوى ) (452/20، 453).
(32) ((المصدر نفسه )) ( ص 243)
(33) المراد نقل هذه العبارة؛ مكان تعليق الذهبي عليها، وليس لحد ذاتها؛ فإن فيها ما يستوقف الناظر.(1/31)
(34) قصد الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ بالتصوف هنا واضح من سياق كلامه المتقدم ، وهو التعبد علي وفق ما جاء عن الله ورسوله( ، وما عليه سلف الأمة، لا التصوف باصطلاحه الحادث الذي هو خروج عن الجادة المستقيمة،وسلوك طرق الغواية والضلالة، وخروج عن سواء السبيل. والله أعلم.
(35) سير أعلام النبلاء ( 15/410).
(36) انظر: المؤامرة علي الإسلام لأنوار الجندي (ص48).
(37) (( صواب الجواب )) ( ل:2/أب).
(38) مدارج السالكين ( 3/ 306).
(39) معجم المناهي اللفظية ( ص203ـ 204).
(40) ينسب إلي أبي حامد الغزالي رحمه الله.
(41)مجموع الفتاوى ( 1/ 245ـ 246).
(42) الفتاوى الكبرى ( 1/ 451).
(43) انظر (( التنكيل )) ( 2/210، وما بعدها )، وانظر أيضاً (المصدر نفسه ) (2/346).
(44) ما في المعقوفين وقع في الأصل المطبوع علي غير صواب.
(45) القعاقع: تتابع أصوات الرعد.
(46) (( فتاوى ومسائل ابن الصلاح)) (1/ 211).
(47) رسالة الفرقان بين الحق والباطل ( ضمن مجموع الفتاوي 13/29ـ30)، وانظر (( رسالة الإكليل في المتشابه والتأويل )) ( ضمن المجموع نفسه 13/272ـ 273)، و(( الاستقامة )) (1/23).
(48) (( الموافقات )) (5/ 418).
(49) (( رسالة الفرقان بين الحق والباطل )) ( ضمن مجموع الفتاوى 13/29ـ 30)، وانظر (( رسالة الإكليل في المتشابه والتأويل )) ( ضمن المجموع نفسه 13/ 272ـ 273)، و(( الاستقامة)) ( 1/23).
(50) ((إعلام الموقعين )) (1/28ـ29).
(51) ((أحكام القرآن )) ( 1/205).
(52) أخرجه النحاس في (( الناسخ والمنسوخ))( ص 235).
(53) يعني أنهما بمعني واحد، وإحداهما تبين الأخرى ـ قاله الشاطبي. (( انظر الموافقات))( 3/356).
(54) (( الناسخ والمنسوخ)) ( ص 253).
(55) انظر:((م القرآن )) (ص 474ـ475) للمحاسبي، و(( الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه)) ( ص 399) لعلي بن أبي طالب.
(56) الإيضاح ( ص 373ـ 374).
(57) انظر:(( أحكام القرآن)) ( 2/276).(1/32)
(58) (( مجموع الفتاوى )) ( 32/ 241).
(59) ((إعلام الموقعين )) ( 1/ 32).
(60) (( المصدر نفسه)) ( 1/34)، وانظر كلامه عن لفظ ( لا ينبغي ) في الموضع نفسه.
(61) (( المدخل )) ( 129).
(62) (ص 21، 27),.
(63) (( الرسالة )) ( ص27).
(64) انظر: (( الفصول )) للجصاص الرازي ( 2/10ـ 12).
(65) انظر: (( الفصول )) ( 2/13).
(66) انظر: (( الفصول )) ( 2/18).
(67) (( توجيه النظر)) ( 1/78).
(68) (( الفتاوى الكبرى)) ( 1/ 128).
(69) انظر: (( منهاج السنة)) ( 2/ 526)، و((درء تعارض العقل والنقل )) (5/183)، والسياق للدكتور عبد القادر عطا صوفي في رسالته: (( الأصول التي بني عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات)) ( 1/181).
(70) انظر: (( القواعد النورانية)) ( ضمن مجموع الفتاوى 29/7).
??
??
??
??
التقييدُ والإيضَاح لقولهم : (لا مُشاحّة في الإصْطِلاح ) 14(1/33)