بأثرها فيسقط ضعيف الأثر بمقابلة قوي الأثر ظاهرا كان او خفيا
مثال ما اجتمع فيه أول كل
من القياس والاستحسان
سباع الطير
أي سؤرها وكان الأولى ذكره كالصقر والبازي إذ
القياس نجاسة سؤرها
قياسا والاستحسان
على
نجاسة سؤر
سباع البهائم
كالأسد والنمر لأن السؤر معتبر باللحم ولحم سباع الطير نجس لأنه حرام وحرمته مع صلاحيته للغداء لا للكرامة آية النجاسة فكان سؤرها نجسا كسؤر سباع البهائم فإن لحمها لما كان حراما وكانت حرمته مع صلاحيته للغذاء لا للكرامة آية النجاسة كان سؤرها نجاسا فالمعنى الجامع بينهما نجاسة اللحم وهذا معنى ظاهر الأثر ثم حيث استويا فيه استويا في أثره وهو نجاسة السؤر
والاستحسان
طهارة سؤرها وهو
القياس الخفي على
طهارة سؤر
الآدمي
بجامع أن كلا منهما غير مأكول اللحم وإن كان حرمة أكل لحم الآدمي للكرامة وحرمة أكل لحم سباع الطير للنجاسة
لضعف أثر القياس
المذكور
أي مؤثره
أي مؤثر حكمه الذي هو نجاسة السؤر
وهو
أي مؤثره
مخالطه اللعاب النجس
للماء في سؤر سباع البهائم لأنه متولد من لحمها وهي تشرب بلسانها وهو رطب به فينفصل منه شيء في الماء عادة
لانتفائه
أي هذا المؤثر في سؤر سباع الطير
إذ تشرب
سباع الطير
بمنقارها العظم الطاهر
لأنه جاف ولا رطوبة فيه وإذ كان طاهرا من الميت فمن الحي أولى ثم تأخذ الماء به ثم تبتلعه ولاينفصل شيء من لعابها في الماء
فانتفت علة النجاسة
وهي مخالطة النجاسة للماء في سؤرها
فكان طاهرا كسؤر الآدمي وأثره
أي هذا القياس الخفي
أقوى
من ذلك القياس الظاهر الأثر لأن تأثيره ملاقاة الطاهر للطاهر في تبقيته طاهرا أشد من مجرد تأثير نجاسة اللحم في نجاسة السؤر ثم إن كانت مضبوطة تغذى بالطاهر فقط لا يكره سؤرها كما هو مروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف واستحسنه المتأخرون وأفتوا به وإن كانت مطلقة يكره لأنها لا تتحامى الميتة فكانت كالدجاجة المخلاة ولذا قال أبو يوسف في غير رواية الأصول ما يقع على الجيف منها سؤره نجس لأن منقاره لا يخلو من نجاسة عادة كذا في المبسوط
وأجيب بأنها تدلك منقارها بالأرض بعد الأكل وهو شيء صلب فيزول ما عليه بالدلك فيطهر ولأنا لم نتيقن بالنجاسة على منقارها مع البلوى بها فإنها تنقض من الهوا على الماء ولا سيما في الصحارى فتثبت الكراهة لا النجاسة كما في الدجاجة المخلاة
فإن قلت سبق عندهم
أي الحنفية في شروط العلة
أن لا عليل بالعدم وهذا الاستحسان قياس علل فيه به
أي بالعدم لأن حاصله تعليل الطهارة بعدم مخالطة اللعاب النجس
قلنا تقدم
ثمه
استثناء علة متحدة
لحكم
فيستدل بعدمها على عدم حكمها لا
أن ذلك الاستدلال
تعليل حقيقي
وهذا كذلك فإن علة نجاسة سؤرها مخالطة لعابها النجس للماء فيستدل بعدمها على عدمها
ومثلوا ما اجتمع فيه ثانياهما
أي القياس والاستحسان وهما القياس الظاهر فساده الخفي صحته والاستحسان الظاهر صحته الخفي فساده
بسجدة التلاوة الواجبة في الصلاة القياس
أنه يجوز
أن يركع بها
____________________
(3/297)
في الصلاة ناويها به سواء كان غير ركوع الصلاة أو ركوعها الصلاة أو ركوعها إذا لم يتخلل بينهما فاصل وهو مقدار ثلاث آيات كما هو مذهب أصحابنا
لظهور إن إيجابها
أي سجدة التلاوة
لا ظهار التعظيم
لله تعالى بالخضوع له موافقه لمن عظم ومخالفة لمن استكبر
وهو
أي إظهار التعظيم بالخضوع موجود
في الركوع
أيضا
ولذا
أي وجود التعظيم بالخضوع في الركوع
أطلق عليها
أي السجدة
اسمه
أي اسم الركوع في قوله تعالى { وخر راكعا } أي سقط ساجدا لأن الخرور السقوط على الوجه فجاز إسقاطها عنه به قياسا على سقوطها عنه بها نفسها بجامع الخضوع تعظيما بناء على أن التعظيم فيهما واحد فكانا في حصول التعظيم بهما جنسا واحدا
نعم السجود بها أفضل كما ذكره هكذا مطلقا عن أبي حنيفة في البدائع لأنه مؤد للواجب وهو السجود لقوله تعالى { واسجدوا لله } بصورته ومعناه وأما بالركوع فبمعناه
وهي
أي هذه النكتة
صحته
أي القياس
الخفية وفساده
أي ضعفه
الظاهر لزوم تأدي المأمور به
وهو السجود لقوله تعالى { واسجدوا لله }
بغيره
أي بغير المأمور به حقيقة وهو الركوع
و
لزوم
العمل بالمجاز
وهو الركوع
مع إمكانه
أي العمل
بالحقيقة
وهو السجود
والاستحسان لا
يجوز أن يركع بها كما هو قول الأئمة الثلاثة
قياسا على سجود الصلاة لا ينوب ركوعها
أي الصلاة
عنه
أي سجودها مع قرب المناسبه بينهما لكونهما من أركان الصلاة وموجبات التحريمة فلأن لا ينوب الركوع عن سجدة التلاوة أولى وعلى عدم تأديها به خارج الصلاة وخصوصا إذا كان ذلك الركوع ركوع الصلاة فإنه مستحق لجهة أخرى وهو خارجها غير مستحق لجهة أخرى
وهو
أي هذا المعنى
صحته
أي هذا القياس
الظاهرة لوجه فساد ذلك
القياس
من تأدى الخ
أي المأمور بغيره والعمل بالمجاز مع إمكانه بالحقيقة فإن وجه فساد ذلك الظاهر هو هذا
وفساد الباطن
أي باطن هذا القياس الذي هو الاستحسان
أنه
أي هذا الاستحسان
قياس مع الفارق وهو
أي الفارق
أن في الصلاة كل من الركوع والسجود مطلوب بطلب يخصه
على سبيل الجمع بينهما بدليل قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا } بناء على أن المراد بهذا السجود سجدة الصلاة كما هو قول أصحابنا إلى غير ذلك
فمنع
كون كل منهما مطلوبا بطلب يخصه على سبيل الجمع بينهما
تأدى أحدهما في ضمن الآخر
أي بالآخر لما فيه من الإخلال بالجمع المأمور به
بخلاف سجدة التلاوة طلب وحدها وعقل أنه
أي طلبها
لذلك الإظهار
للتعظيم
ومخالفة المستكبرين
عن السجود لله رب العالمين كما هو معلوم من النصوص الواردة في مواضع سجدة التلاوة
وهو
أي هذا المعنى من إظهار التعظيم ومخالفة المستكبرين
حاصل بما اعتبر عبادة
وهو الركوع
غير أن الركوع خارج الصلاة لم يعرف عبادة فتعين
أن يكون الركوع المجرد عنها
فيها
أي في الصلاة لحصول معنى التواضع تعظيما والعبادة فيه
فترجح القياس
بسبب قوة الباطن
____________________
(3/298)
المتضمن فساد الاستحسان على الاستحسان لما أسلفنا من أن العبرة لقوة لأثر الباطن
ونظر في أن ذلك
القياس
ظاهر وهذا
القياس الذي هو الاستحسان
خفي وهو
أي النظر في هذه الدعوى
ظاهر إذ لا شك أن منع تأدى المأمور شرعا بغيره أقوى تبادرا من جوازه
أي تأدى المأمور به شرعا بغيره
لمشاركته
أي غير المأمور به
له
أي للمأمور به
في معنى كالتعظيم أو لإطلاق لفظه
أي غير المأمور به
عليه
أي المأمور به
كقوله تعالى { وخر راكعا } أي ساجدا إذ لا يلزم من إطلاق لفظ على غير معناه الحقيقي جواز إيقاع مسماه
أي ذلك اللفظ الذي هو المعنى الحقيقي
مكان مسمى الآخر
الذي هو المعنى المجازي له
شرعا وإن كان المطلق الشارع
إذ طريق الاستعارة غير طريق القياس إذ الأول يصح مع علاقة ما والثاني يتوقف على صلاح العلة لذلك الحكم وعدالتها ولا تلازم بينهما على أنه لو صح أن يكون طريق الاستعارة طريق القياس لصح أن ينوب الركوع عنها خارج الصلاة لثبوت العلاقة بين مطلق الركوع والسجود لأن المستعار في النص مطلق الركوع لا الركوع الذي هو عبادة
ولو فرض قيام دلالة على ذلك
أي جواز قيام الركوع في الصلاة مقامها
لا يصيره
جواز قيامه في الصلاة مقامها الذي هو القياس
أظهر
من عدم جوازه الذي هو الاستحسان لما ذكرنا بل الأمر بالعكس فإن وجه الاستحسان يتوقف على تصور أن النص ورد بالسجود والركوع غيره ووجه القياس يتوقف على هذا وعلى أن الركوع أطلق على السجود في الآية مجازا والإطلاق بطريق التجوز يعتمد العلاقة المعتبرة وعلى أن تلك هي الخضوع وعلى أنها تصلح مناطا للأمر بالسجود وأن ذلك المناط ثابت في الركوع فيصلح أن يقوم مقام السجود ولا شك أن ما كان توقفه على مقدمات أقل يكون أجلي عند العقل مما يكون توقفه على مقدمات أكثر
ولهذا قيل العام أجلى عند العقل من الخاص فلا جرم أن بعدما ذكر الفاضل القاآني هذا قال والأولى أن يعرض عن هذه التكلفات صفحا ويقال ظاهر النص وإن ورد بالسجود إلا أن مواضع السجدة تدل على أن المقصود مجرد مخالفة المستكبرين بإظهار التواضع لله تعالى بدليل جريان التداخل فيه والركوع فيه صالح للتواضع فيعطى معناه كأداء القيمة في باب الزكاة انتهى ويؤيده ما عن ابن عمر أنه كان إذا قرأ والنجم أو أقرأ باسم ربك في صلاة وبلغ آخرها كبر وركع وإن قرأها في غير صلاة سجد رواه الأثرم وما عن ابن مسعود أنه سئل عن السجدة تكون آخر السورة أيسجد لها أم يركع قال إن شئت فاركع وإن شئت فاسجد ثم اقرأ بعدها سورة رواه سعيد وحرب واللفظ له ولم يرو عن غيرهما خلافه بل ذكره ابن أبي شيبة عن علقمة وإبراهيم والأسود وطاوس مسروق والشعبي والربيع بن خيثم وعمرو بن شرحبيل والله سبحانه أعلم
وحينئذ
أي حين إذ كان تبادر عدم تأديها بالركوع أظهر من تبادر تأديها به
وجب كون الحكم الواقع من تأديها بالركوع حكم الاستحسان
لأنه أخفى من عدم تأديها به
لا كونه
____________________
(3/299)
أي تأديها به
مما قدم فيه القياس عليه
أي على الاستحسان ثم لقائل أن يقول وحيث كان في تأديها بالركوع في الصلاة ما ذكرنا عن ابن وعمر وابن مسعود كان أداؤها به في الصلاة من قبيل الاستحسان بالأثر أيضا كما هو من قبيله بالقياس الخفي غير أن هذا إنما يتم على قول القائلين بحجية فعل الصحابي وقوله سواء كان للرأي فيه مدخل أو لا أما على قول القائلين بأن ذلك إنما يكون حجة إذا لم يكن للرأي فيه مدخل فلا والله تعالى أعلم
وظهر
من هذه الجملة
أن لا استحسان
ولو كان إجماع أو أثر أو ضرورة
إلا معارضا لقياس ولزم أن لا يعدى ما
ثبت
بغير قياس وهو
أي غير القياس
استحسان أو لا
أي أو ليس باستحسان
لأنه
أي ما ثبت بغير القياس
معدول
عن سنن القياس وتقدم أن من شروط حكم الأصل أن لا يكون معدولا عنه
كإيجاب يمين البائع في اختلافهما
أي البائع والمشتري
في قدر الثمن بعد قبض المبيع
وقيامه فإنه حكم هذا الاختلاف عند أبي حنيفة وأبي يوسف استحسانا
بإطلاق النص
النبوي القائل إذا اختلف البيعان ولم يكن بينهما بينة والسلعة قائمة فالقول ما قال البائع أو يترادان كما تقدم ذكره مخرجا في مسألة إذا انفرد الثقة بزيادة وإلا فالقياس أن لا يمين عليه
لأن المشتري لا يدعى عليه
أي البائع
مبيعا لتسلمه
أي المشتري
إياه
أي المبيع والبائع يقر بذلك وإذا لم يكن المشتري مدعيا لم يتوجه اليمين على البائع لأن اليمين على المنكر وأورد صورة الدعوى حاصلة من المشتري وإن لم يكن مدعيا حقيقة وقد اكتفى بها في قبول بينة المشتري فينبغي أن يكتفي بها في توجه اليمين على البائع وأجيب بالفرق بينهما المانع من المساواة في ذلك وهو أن المدعى عليه واقف على حقيقة الحال فلم يكتف بصورة الدعوى بخلاف البينة فإنهم لا وقوف لهم على حقيقة الدعوى فاكتفى بصورتها وإنما اليمين على المشتري خاصة إذا لم تكن بينة لإنكاره الزيادة التي يدعيها البائع فإن قيل لم لا يحمل النص المذكور على ما قبل القبض بدليل النص الآخر وهو البينة على المدعي واليمين على من أنكر
فالجواب لأنه إن كان المراد من التراد رد المأخوذ حسا فظاهر أن ذلك لا يتأتى إلا بعد القبض وإن كان المراد منه رد العقد وفسخه فكذلك لأنه لو لم يحمل على ما بعد القبض للغا قوله والسلعة قائمة إذ هلاك المبيع قبل القبض يوجب فسخ العقد فلا يتصور فيه الاختلاف لكن الفرض تصوره فجريانه الموجب للتحالف يدل على قيام المبيع فيكون التقييد بقيام السلعة بعد ذكر الاختلاف لغوا فيقتصر ثبوت التحالف في هذا الاختلاف على هذا المورد
فلا يتعدى إلى الإجازة
أي فيما إذا اختلف المتآجران في مقدار الأجرة بعد استيفاء المنفعة بل يكون القول قول المستأجر مع يمينه
و
إلى
الوارثين
بلفظ المثنى أي وارث البائع ووارث المشتري سواء اختلف وارث البائع مع المشتري أو وارث المشتري مع البائع أو وارثاهما بعد موتهما والسلعة قائمة بل يكون القول قول المشتري أو وارثه
خلافا لمحمد
فإنه قال يجري بين الوارثين في
____________________
(3/300)
جميع الصور
وقوله
أي محمد في توجيه قوله
إذ كل
من المتبايعين
يدعى
على صاحبه
عقدا غير
العقد
الآخر
الذي يدعيه صاحبه وينكر ما يدعيه صاحبه إذا البيع بألف غيره بألفين فيحلف كل منهما على دعوى صاحبه ويتعدى ذلك إلى الوارثين
دفع بأن اختلاف الثمن لا يوجبه
أي اختلاف العقد
كما في زيادته وحطه
أي الزيادة في الثمن والحط منه فإن البيع بألف يصير بعينه بألفين بزيادة الثمن والبيع بألفين يصير بعينه بألف بالحط منهما ووافقهما محمد على عدم التعدية إلى الإجارة في هذه الصورة لعدم إمكان التراد على تقدير الفسخ لتلاشي المنافع وعدم تقومها بنفسها بل بالعقد ولو تحالفا وفسخ العقد تبين أن لا عقد فيرجع على موضوعه بالنقض ولعل المصنف لم يقيد خلافه بالوارثين لإرشاد الدليل المذكور إليه واعتمادا على فهم كونه قيدا لما يليه خاصة
بخلاف ما
ثبت
به
أي بالقياس إن كان على وفقه استحسانا كان أو لا فإنه يعدى بشرطه فهو متصل بقوله ولزم أن لا يعدي ما بغير قياس
وهو
أي ما ثبت به
ما
أي تحالفهما الذي
قبل القبض
للمبيع إذا اختلفا في مقدار الثمن فإنه على وفق القياس الخفي فإن البائع ينكر وجوب تسليم المبيع بما أقر به المشتري من الثمن كما أن المشتري ينكر وجوب زيادة الثمن فيتوجه اليمين على كل منهما كما في سائر التصرفات فإن اليمين يكون على المنكر وإلا فالقياس الظاهر أن يكون اليمين على المشتري فقط لأنه المنكر وحده لأنه لا يدعى شيئا على البائع ليكون البائع أيضا منكرا وإذا كان تحالفهما على وفق القياس
فتعدى
التحالف
إليهما
أي إلى الوارث لكل منهما في الصور الثلاث الماضية إذا وقع الاختلاف في الثمن بعد موتهما أو موت أحدهما لأن الوارت يقوم مقام الموروث في حقوق العقد والحكم معقول فوارث البائع يطالب المشتري أو وارثه بتسليم الثمن ووارث المشتري يطالب البائع أو وارثه بتسليم المبيع فيجري التحالف بينهما
وإلى الإجارة قبل العمل فتحالف القصار ورب الثوب إذا اختلفا في قدر الأجرة
لأن كلا منهما يصلح مدعيا ومنكرا
وفسخت
لأن الإجارة تحتمل الفسخ قبل إقامة العمل وفي التحالف ثم الفسخ دفع الضرر عن كل منهما والتحالف مشروع لذلك فيجري بينهما
واستشكل اختصاص قوة الأثر وفساد الباطن مع صحة الظاهر بالاستحسان وقلبهما
أي واختصاص ضعف الأثر وصحة الظاهر مع فساد الباطن
بالقياس
والمستشكل صدر الشريعة قال لأنه لا دليل على ذلك
فأجرى تقسيم
أي فذكر أن بالتقسيم العقلي ينقسم القياس والاستحسان
بالاعتبار الأول
أي قوة الأثر وضعفه إلى أربعة أقسام لأنهما
أما قوياه أو ضعيفاه أو القياس قويه والاستحسان ضعيفة أو بالقلب
أي القياس ضعيفه والاستحسان قويه
وإنما يترجح الاستحسان
في هذه الأقسام الأربعة
فيه
أي في القلب
و
يترجح
القياس فيما سوى
القسم
الثاني
وهو ضعيفاه
للظهور
كما في الأول
والقوة
كما في الثالث
أما فيه
أي الثاني
فيحتمل سقوطهما
أي القياس والاستحسان لضعفهما كما يحتمل
____________________
(3/301)
أن يعمل بالقياس لظهوره
وضعف
وفي التلويح إلا أنه يشكل
بقول فخر الإسلام
ولما صارت العلة عندنا علة بأثرها
فسمينا ما ضعف أثره قياسا وما قوي أثره استحسانا
أي قياسا مستحسنا فإن ظاهر هذا يقتضي أن يكون ما ضعف أثره قياسا ظهر أو خفي وما قوي أثره استحسانا ظهر أو خفي فيكون كل من القياس والاستحسان نوعا واحدا ضعيف الأثر في الأول قويه في الثاني ودفع بأن فخر الإسلام قسم كلا منهما على نوعين بقوله وكل واحد منهما على وجهين أما أحد نوعي القياس فما ضعف أثره والنوع الثاني ما ظهر فساده واستترت صحته وأحد نوعي الاستحسان ما قوي أثره وإن كان خفيا والثاني ما ظهر أثره وخفي فساده فعلم منه أن أحد نوعي كل منهما بخلاف النوع الآخر فالنوع الثاني من القياس ما قوى أثره ومن الاستحسان ما ضعف أثره بقرينة التقابل وظهر منه أن ليس تسميته بالقياس والاستحسان باعتبار ضعف الأثر وقوته بل باعتبار خفائه بدليل قوله وقدمنا الثاني وإن كان خفيا على الأول وإن كان جليا حيث اعتبر الخفاء في الاستحسان والجلاء في القياس فلا جرم أن قال المصنف
والكلام في الاصطلاح وهو
أي الاصطلاح
على اعتبار الخفاء فيه وفي أثره وفساده
والضمائر المجرورة للاستسحان وقد ظهر انتفاء ما في شرح أصول فخر الإسلام للشيخ أكمل الدين من أن لا شيء من نوعي القياس مسمى بما قوي أثره ولا من نوعي الاستحسان بما ضعف أثره
وبالثاني
أي وأجرى تقسيم لهما بالاعتبار الثاني وهو فساد الباطن مع صحة الظاهر وقلبه أي ينقسمان بالتقسيم العقلي إلى أقسام تظهر ثمرتها في تعارضهما لأنهما
أما صحيحا الظاهر والباطن أو فاسداهما أو القياس فاسد الظاهر صحيح الباطن والاستحسان قلبه
أي صحيح الظاهر فاسد الباطن
أو قلبه
أي أو القياس صحيح الظاهر فاسد الباطن والاستحسان فاسد الظاهر صحيح الباطن
فصور المعارضة بينهما
أي القياس والاستحسان
ستة عشر
صورة قياس صحيح الظاهر والباطن مع استحسان صحيحهما مع استحسان فاسدهما مع استحسان صحيح الظاهر لا الباطن مع استحسان فاسد الظاهر لا الباطن قياس فاسدهما مع استحسان فاسدهما مع استحسان صحيحهما مع استحسان صحيح الظاهر لا الباطن مع استحسان فاسد الظاهر لا الباطن قياس صحيح الظاهر لا الباطن مع استحسان كذلك مع استحسان فاسد الباطن لا الظاهر مع استحسان صحيحهما مع استحسان فاسدهما قياس فاسد الظاهر لا الباطن مع استحسان كذلك مع استحسان صحيح الظاهر لا الباطن مع صحيحهما مع فاسدهما حاصلة
من أربعة في أربعة
أي من ضرب الأقسام الأربعة للقياس في الأقسام الأربعة للاستحسان
فصحيحهما
أي الظاهر والباطن
من القياس يقدم لظهوره أو صحته على أقسام الاستحسان ولا شك في رد فاسدهما
أي الظاهر والباطن
منه
أي من القياس لفساده ظاهرا وباطنا
فتسقط أربعة
أي قياس فاسد الظاهر والباطن مع استحسان كذلك مع استحسان صحيحهها مع استحسان
____________________
(3/302)
صحيح الظاهر لا الباطن مع استحسان فاسد الظاهر لا الباطن كما سقطت أربعة على التقدير الذي قبله وهي قياس صحيحهما مع استحسان كذلك مع استحسان صحيح الظاهر لا الباطن مع استحسان فاسد الظاهر لا الباطن مع استحسان فاسدهما
تبقى ثمانية
حاصلة
من
ضرب
باقي حالات القياس
وهما كونه فاسد الظاهر صحيح الباطن وقلبه
مع أربعة الاستحسان
أي فيهما
يقدم صحيحهما
أي الظاهر والباطن
منه
أي الاستحسان
عليهما
أي على باقي حالات القياس لصحته ظاهرا وباطنا
ويرد فاسدهما
أي الظاهر والباطن من الاستحسان لفساده ظاهرا وباطنا فسقطت أربعة
تبقى أربعة
حاصلة
من
ضرب
باقي كل
من حالات القياس والاستحسان في الآخرين أحدها استحسان صحيح الظاهر فاسد الباطن مع قياس بالقلب ثانيها استحسان فاسد الظاهر صحيح الباطن مع قيالس بالقلب ثالثها استحسان صحيح الظاهر فاسد الباطن مع قياس كذلك رابعها استحسان صحيح الباطن فاسد الظاهر مع قياس كذلك
فالاستحسان الصحيح الباطن الفاسد الظاهر مع عكسه
أي فاسد الباطن صحيح الظاهر
من القياس مقدم
على عكسه من القياس
وفي قلبه
أي الاستحسان الفاسد الباطن الصحيح الظاهر مع القياس الصحيح الباطن الفساد الظاهر
القياس
مقدم على الاستحسان
كما
القياس مقدم
مع الاستحسان الصحيح الباطن الخ
أي الفاسد الظاهر
مع مثله
أي الصحيح الباطن الفاسد الظاهر
من القياس للظهور
في القياس
ويرد قلبهما
أي صحيح الظاهر فاسد الباطن من كل من القياس والاستحسان لا أن القياس مقدم على الاستحسان في هذا كما ذكر صدر الشريعة
قيل
أي وقال صدر الشريعة
والظاهر امتناع التعارض في هذين
أي صحيح الباطن من القياس والاستحسان سواء كان صحتهما الباطنة مع الاتفاق في صحة الظاهر أو دونه
وفي قوي الأثر
من القياس والاستحسان
للزوم التناقض في الشرع
على تقدير التعارض لأن القياس لا يكون صحيحا في نفس الأمر إلا وقد جعل الشارع وصفأ من الأوصاف علة لحكم بمعنى أنه كلما وجد ذلك الوصف مطلقا أو بلا مانع يوجد ذلك الحكم لكنه قد وجد ذلك الوصف فى فرع فوجد الحكم فيه فلا يمكن أن يجعل الشرع أيضا وصفا آخر علة لنقيض ذلك الحكم بالمعنى المذكور ثم يوجد هذا الوصف في ذلك الفرع أيضا لأنه يلزم منه حكمه بالتناقض وهو محال على الشارع تعالى وتقدس وإنما يمتنع التعارض لجهلنا بالصحيح والفاسد
وبقليل تأمل ينتفي الترجيح بالظهور أي التبادر إذ لا أثر له
أي للظهور
مع اتحاد جهة الإيجاب
للحكم
بل يطلب الترجيح
للقياس والاستحسان الكائنين بهذه الصفة
إن جاز تعارضهما بما تترجح به الأقيسة المتعارضة غير أنا لا تسمى أحدهما استحسانا اصطلاحا
وحيث انجر الكلام إلى الترجيح في تعارض القياس والاستحسان الذي هو القياس الخفي فلنتمه بذكر الترجيحات بين الأقيسة عند تعارضها فنقول
وهذه تتمة فيه
أي فيما ترجح به الأقيسة المتعارضة
يقدم
القياس الذي هو
____________________
(3/303)
منصوص العلة
أي ما كانت علته ثابتة بالنص
صريحا على ما
أي على القياس الثابتة علته
بإيماء
من النص لأنه دون الصريح ثم في الإيماء يرجح ما يفيد ظنا أغلب وأقرب إلى القطع على غيره
وما بقطعي على ما بظني وما غلب ظنه
أي والقياس الثابت علية علته بدليل قطعي على القياس الثابت علية علته بدليل ظني أو غالب الظن لأن القاطع لا يحتمل غير العلية بخلافهما وما غلب ظنه على ما لم يغلب لأنه أقرب إلى القطع منه
وينبغي تقديم
العله
ذات الإجماع القطعي
أي الثابتة به
على
العلة
المنصوصة
بغيره وإن كان قطعيا كما نقل الإمام الرازي عن الأصوليين تقديم القياس الثابت حكم أصله بالنص على القياس الثابت حكم أصله بالإجماع واختاره صاحب الحاصل والبيضاوي لأن الأدلة اللفظية قابلة للتخصيص والتأويل بخلاف الإجماع واستشكال الإمام الرازي هذا بأن الإجماع فرع على النص لأن حجيته إنما تثبت بالأدلة اللفظية والأصل مقدم على الفرع لا يخفى ما فيه على المتأمل
نعم إن كان وجه تقديم المنصوصة بإجماع قطعي على المنصوصة بقطعي غيره ما تقدم من عدم احتمال الإجماع التخصيص والتأويل فلا يتم فيما إذا كانت المنصوصة ثابتة بنص قطعي مفسر أو محكم باصطلاح الحنفية لأنهما لا يحتملانها أيضا وإن كان ما قيل من عدم احتمال الإجماع النسخ فلا يتم في المنصوصة بنص قطعي محكم باصطلاحهم أيضا لأنه لا يحتمل النسخ أيضا كما تقدم في موضعه ومشى السبكي على تقديم القياس الثابت علته بالإجماع القطعي على الثابت علته بالنص القطعي وتقديم الثابت علته بالإجماع القطعي على النص القطعي
وما بالإيماء على ما بالمناسبة
أي وتقديم القياس الثابت علية علته بإيماء النص على القياس الثابت علية علته بالمناسبة عند الجمهور لما فيها من الاختلاف ولأن الشارع أولى بتعليل الأحكام ومشى البيضاوي على تقديم المناسبة على الإيماء لأنها تقتضي وصفا مناسبا والإيماء لا لأن ترتيب الحكم يشعر بالعلية سواء كان مناسبا أو لا والوصف المناسب أولى من غيره ثم حيث توافقا في الثبوت بالمناسبة
فما
أي الوصف الذي
عرف بالإجماع تأثير عينه في عينه
أي الحكم
أولى بالتقديم على ما
أي الوصف الذي
عرف به
أي بالإجماع
تأثير جنسه في نوعه
أي الحكم كما هو غير خاف لأن المناسبة كلما كانت أخص كان الظن بالعلية أقوى والأقوى مقدم على ما دونه
وهذا
الوصف الذي عرف بالإجماع تأثير جنسه في نوع الحكم
أولى من عكسه
وهو الوصف الذي عرف بالإجماع تأثير نوعه في جنس الحكم لأن اعتبار شأن الحكم لكونه المقصود أهم وأولى من اعتبار شأن العلة ذكره في التلويح ويخالفه ما في أصول ابن الحاجب وشروحه من أنه يقدم من اللذين المشاركة فيهما في عين واحد وجنس الآخر ما المشاركة فيه في عين العلة على ما المشاركة فيه في عين الحكم لأن العلة هي العمدة في التعدية لأن تعدية الحكم فرع تعديتها فكلما كان التشابه فى عينها أكثر كان أقوى
وكل منهما
أي هذين
أولى
____________________
(3/304)
من الجنس في الجنس
أي مما عرف بطريقة تأثير جنس الوصف فيه في جنس الحكم كما هو ظاهر مما ذكرنا آنفا
ثم الجنس القريب في الجنس القريب
أولى
من
الجنس
غير القريب
في غير القريب ثم الأقرب فالأقرب
وتقدم
في المرصد الأول في تقسيم العلة
أن المركب أولى من البسيط
وذكر نائمة وجهه وما على إطلاقه من التعقب
وأقسام المركبات
يقدم فيها
ما تركيبه أكثر
على ما تركيبه أقل
وما تركب من راجحين أولى منه
أي من المركب
من مساو ومرجوح
فضلا عن المركب من مرجوحين
فيقدم ما
أي المركب
من تأثير العين في العين والجنس القريب
في العين
على ما
أي المركب
من
تأثير العين فى الجنس القريب والجنس في العين ويظهر بالتأمل فيما سبق
من المركبات وغيرها
أقسام
أخر كالمركبين المشتمل كل منهما على راجح ومرجوح فإنه يقدم فيه ما يكون الراجح في جانب الحكم على ما يكون في جانب العلة كذا في التلويح ويعارضه ما قدمناه آنفا من أصول ابن الحاجب ويقدم ما يقطع بوجود العلة في فرعه على ما يظن وجودها فيها لأنه أبعد من الاحتمال القادح إلى غير ذلك مما يعرف بالتتبع والتأمل
وللشافعية ترجح المظنة على الحكمة
أي التعليل بالوصف الحقيقي الذي هو مظنة الحكمة على التعليل بنفس الحكمة قالوا لأن التعليل بالمظنة مجمع عليه بخلافه بالحكمة
قال المصنف
وينبغي
أن يكون هذا
عند عدم انضباطها
أي الحكمة
قلت حكى الآمدي في جواز التعليل بالحكمة ثلاثة مذاهب المنع مطلقا عن الأكثرين وعلى هذا فلا تعارض ليحتاج إلى الترجيح بل يتعين القياس المعلل بالمظنة والجواز مطلقا ورجحه الإمام الرازي والبيضاوي وهذا يحتمل أن يجري فيه ترجح المظنة على الحكمة مطلقا كما هو ظاهر البيضاوي وابن الحاجب أو بما ألحقه المصنف من التقييد المذكور والجواز إن كانت ظاهرة منضبطة بنفسها وإلا فلا وهو مختار الآمدي وهذا يحتمل جريان التعارض بينهما والترجيح المذكور بلا حاجة إلى القيد المذكور ويترجح التعليل بالحكمة عليه بالوصف العدمي قال الإمام الرازي لأن العلم بالعدم لا يدعو إلى شرع الحكم إلا إذا حصل العلم باشتمال العدم على نوع مصلحة فيكون التعليل بالمصلحة أولى وهذا وإن اقتضى ترجيح الحكمة على الوصف الحقيقي لكن عارضه كون الحقيقي أضبط فيقدم عليها وعلى هذا فالتعليل بالحكمة راجح عليه بالأوصاف الإضافية والتقديرية لأنها عدمية والله سبحانه أعلم
ثم الوصف الوجودي
أي التعليل به للحكم الوجودي على التعليل بالعدمي للعدمى أو للوجودي وبالوجودي للعدمي قال الإمام الرازي لأن العلية والمعلولية وصفان ثبوتيان فحملهما على المعدوم لا يمكن إلا إذا قدر المعدوم موجودا وتعقبه الإسنوي بأنهما عدميان كما صرح هو به في غير موضع لكونهما من النسب والإضافات ثم يلي هذا في الأولوية عند الإمام الرازي وأتباعه تعليل العدمي بالعدمي للمشابهة وتوقف هو وصاحب التحصيل في
____________________
(3/305)
الترجيح بين تعليل الحكم العدمي بالوجودي وعكسه وجزم صاحب الحاصل بأن تعليل العدمي بالوجودي أولى من عكسه هذا
وهل يترجح التعليل بالعدمي على التعليل بالحكم الشرعي ففي المحصول والحاصل يحتمل أن يقال الترجيح بالحكم الشرعي أولى لأنه أشبه الوجودي وأن يقال بالعكس لأن العدم أشبه بالأمور الحقيقية أي من حيث إن إتصاف الشيء به لا يحتاج إلى شرع بخلاف الحكم الشرعي ورجح صاحب التحصيل والبيضاوي العدمي ويلزمه كون التقديري أولى من الشرعي لأن التقديري عدمي لكن جزم في المحصول بالعكس لأن التعليل بالشرعي تعليل بأمر محقق فهو واقع على وفق الأصول فعلى هذا يترجح على العدمي أيضا ولعل المصنف مشى على هذا حيث قال
والحكم الشرعي
أي يترجح التعليل به عليه بغيره بل ظاهر هذا أن الوجودي والحكم الشرعي سواء
والبسيط
أي ويترجح التعليل بالوصف البسيط عليه بالوصف المركب لأنه متفق عليه ولأن الاجتهاد فيه أقل فيبعده عن الخطأ بخلاف المركب وقيل الكثير الأوصاف أولى
والحنفية
على أن البسيط
كالمركب
وهو مقتضى برهان إمام الحرمين واختاره القاضي عبد الوهاب ولا يناقض هذا ما تقدم عن الحنفية من أن المركب أولى من البسيط فإن المراد به ثمة الوصف المتعدد جهات اعتباره من كونه بعد أنه ثبت اعتبار عينه في عينه في المحل ثبت اعتبار جنسه في جنسه الخ وإن كان في نفسه بسيطا كالإسكار والمراد به هنا وجزأين فصاعدا ومن ثمة قال
وليس البسيط مقابلا لذلك المركب وما بالمناسبة
أي ويرجح التعليل بالوصف الثابت عليته بالمناسبة
أي الإخالة على ما بالشبه والدوران
أي على التعليل بالوصف الثابت عليته بأحد هذين لأن الظن الحاصل بالمناسبة أقوى من الظن الحاصل بهما لاشتمالها عنى زيادة المصلحة ثم ما بالشبه على ما بالدوران لقربه من المناسبة وقيل يقدم ما بالدوران على ما بالمناسبة والشبه لأنه يفيد إطراد العلة وانعكاسها بخلافهما
وما بالسبر
أي ويرجح التعليل بالوصف الثابت عليته بالسبر
عليهما
أي على التعليل الثابت علية وصفه بالشبه والتعليل الثابت علية وصفه بالدوران كما اختاره الآمدي وابن الحاجب
وعلل
ترجيح ما بالسبر عليهما كما في أصول ابن الحاجب وشروحه
بما فيه
أي السبر
من التعرض لنفي المعارض
بالوصف الذي هو العلة في الأصل بخلاف المناسبة فإنها لا تدل على نفي المعارض والحكم في الفرع كما يتوقف على تحقق مقتضيه في الأصل يتوقف على انتفاء معارض مقتضيه فيه أيضا فما دل عليهما أولى وإذا كان كذلك
فقد يقال فكذا الدوران
يترجح الوصف الثابت عليته به على الوصف الثابت عليته بغير من الطرق
لزياة إثبات الإنعكاس
أي لأن العلية المستفادة منه مطردة منعكسة بخلاف غيره
ويلزمه
أي تقديم الدوران لإثباته هذه الزيادة
تقديم ما بالسبر على ما بالدوران
لتحقق هذه الزيادة مع زيادة عليها فيه
لانعكاس علته
أي العلة الثابتة به
للحصر
أي لما تقدم من أنه حصر الأوصاف الصالحة للعلية ظاهرا
____________________
(3/306)
في عدد ثم إلغاء بعضها بطريقه فيتعين الباقي للعلية
ويزيد
السبر على الدوران
بنفي المعارض فيبطل ما قيل
أي ما قال البيضاوي
من عكسه
أي تقديم ما بالدوران على ما بالسبر قلت ولم يظهر في السبر تعرض لثبوت الانعكاس البتة فإن من المعلوم أن مجرد الحصر لا يقتضيه ولا الإلغاء أيضا عند التحقيق بل إنما يشبه بعض طرق الإلغاء العكس وليس به كما تقدم بيانه
نعم يمكن ترجيح السبر على الدوران بما تقدم للاتفاق على أن الحكم لا يثبت في الفرع إلا بنفي المعارض والاختلاف في اشتراط الانعكاس في العلة ثم في المحصول وهذا إذا كان السبر مظنونا فإن كان مقطوعا به فالعمل به متعين وليس هو من قبيل الترجيح
ولا يتصور
هذا الترجيح
للحنفية
لأنهم لا يرون هذه طرقا صحيحة لإثبات العلية والترجيح فرع كونها كذلك بل غاية ما في الباب أن من قبل السبر منهم يتعين عنده العمل به ويسقط ما عداه فلم يوجد أيضا ركن المعارضة المبني عليها وجود الترجيح والله تعالى أعلم
والضرورية على الحاجية والدينية منها على غيرها
أي وإذا تعارضت أقسام من المناسب رجحت بحسب قوة المصلحة فرجحت المقاصد الخمسة الضرورية التي هي حفظ الدين والنفس والنسل والمال على ما سواها من المقاصد الحاجية وغيرها المشار إليها في المرصد الأول في تقسيم العلة لزيادة مصلحة الضرورية ولذا لم تخل شريعة من مراعاتها
وهي
أي ورجحت الحاجية
على ما بعدها
وهي المقاصد التحسينية لتعلق الحاجة بالحاجية دون التحسينية
ومكمل كل
من الضرورية والحاجية والتحسينية
مثله
أي ذلك المكمل
فمكمله
أي الضروري مرجح
على الحاجي
فضلا عن مكمله لقرب المكمل من المكمل على ما ثبت من اعتبار الشارع مثله
وعنه
أي عن كون مكمل كل مثله
ثبت
شرعا من الحد
في
شرب
قليل الخمر
ولو قطرة
ما
ثبت منه
في
شرب
كثيرها
ويقدم حفظ الدين
من الضروريات على ما عداه عند المعارضة لأنه المقصود الأعظم قال تعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } وغيره مقصود من أجله ولأن ثمرته أكمل الثمرات وهي نيل السعادة الأبدية في جوار رب العالمين
ثم
يقدم حفظ
النفس
على حفظ النسب والعقل والمال لتضمنه المصالح الدينية لأنها إنما تحصل بالعبادات وحصولها موقوف على بقاء النفس
ثم
يقدم حفظ
النسب
على الباقيين لأنه لبقاء نفس الولد إذ بتحريم الزنى لا يحصل اختلاط النسب فينسب إلى شخص واحد فيهتم بتربيته وحفظ نفسه وإلا أهمل فتفوت نفسه لعدم قدرته على حفظها
ثم
يقدم حفظ
العقل
على حفظ المال لفوات النفس بفواته حتى أن الإنسان بفواته يلتحق بالحيوانات ويسقط عنه التكليف ومن ثمة وجب بتفويته ما وجب بتفويت النفس وهي الدية الكاملة
قلت ولا يعرى كون بعض هذه التوجيهات مفيدة لترتيب هذه المذكورات على هذا الوجه من التقديم والتأخير من تأمل
ثم حفظ
المال وقيل يقدم
المال
أي حفظه فضلا عن حفظ النفس والعقل والنسب
____________________
(3/307)
على
حفظ
الدين
كما حكاه غير واحد فكأن المصنف نبه بالأدنى على الأعلى بطريق أولى وقد كان الأحسن تقديم هذه الأربعة على الديني لأنها حق الآدمي وهو مبني على الضيق والمشاحة ويتضرر بفواته والديني حق الله تعالى وهو مبني على التيسير والمسامحة وهو لغناه وتعاليه لا يتضرر بفواته
ولذا
أي تقديم هذه على الديني
تترك الجمعة والجماعة
وهما دينيان
لحفظه
أي المال وهو دنيوي
ولأبي يوسف تقطع الصلاة
للدرهم
ولفظ الخلاصة ولو سرق منه أو من غيره درهم يقطع الفرض والنفل انتهى ولم يعزه إلى أحد وفي الفتاوي الظهيرية وإن خاف فوت شيء من ماله كان في سعة من قطع صلاته ولا فصل في الكتاب بين المال الكثير والقليل وعامة المشايخ قدر وإذ لك بدرهم لأن ما دونه حقير فلا يقطع الصلاة لأجله لأن اكتسابه ذميم
وقدم القصاص على قتل الردة
عند اجتماع القتل بهما فإن القصاص حق الآدمي وأمر دنيوي لحفظ النفس وقتل الردة أمر ديني
ورد
كون العلة في تقديم قتل القصاص على قتل الردة تقديم حق العبد على حق الله
بأن في القصاص حقه تعالى
ولهذا يحرم عليه قتل نفسه والتصرف بما يفضي إلى تفويتها فقدم لترجحه باجتماع الحقين وإيضاحه كما ذكر السبكي أن الشارع لا مقصد له في إزهاق الأرواح إنما مقصده دعوة الخلق إليه وهداهم وإرشادهم فإن حصل فهو الغاية وإلا تعين حسم الفساد بإراقة دم من لا فائدة في بقائه فإراقة دم المرتد والحربي إنما هو لعدم الفائدة في بقائه لا لقصد في الإزهاق فإذا زاحمه قتل القصاص وكان ولي الدم لا قصد له إلا التشفي باستيفاء ثأر موليه سلمناه إليه فإنه يحصل فيه المقصدان جميعا لتطهر الأرض من المفسدين بإراقة دم هذا الكافر ويتشفي ولي الدم ولا كذلك لو قتله الإمام عن الردة فإنة يبطل مقصد ولى الدم بالأصالة والجمع بين الحقين أولى والحاصل أن تسليمه إلى ولي الدم ليس تقديما لحق الآدمي بل هو جمع بين الحقين فليس مما نحن فيه وأما ما في حاشية الأبهري من أنه يمكن دفع هذا الجواب بأن القصاص محض حق الآدمي إذ لو كان فيه حق الله تعالى لكان للإمام أن يقتص وإن عفى ولي الدم كما قيل في قطع السرقة إنه ليس من الحقوق المحضة ويستوفيه الإمام باستدعاء صاحب المال ولو عفي عنه كان للإمام استيفاؤه انتهى فلا يخفي ما فيه نعم الغالب في القصاص حق العبد وأما حد السرقة فحق الله تعالى على الخلوص كما سلف ذلك في تقسيم الحنفية لمتعلقات الأحكام في الفصل الثاني في الأحكام والله تعالى أعلم
والأول
أي ترك الجمعة والجماعة لحفظ المال
ليس منه أي من تقديم حق العبد على حق الله
إذ له
أي لتركهما
خلف
يجبران به وهو الظهر والانفراد بالصلاة وإن فات فيها صفتها التي هي الجماعة والفائت إلى خلف كلا فائت والكلام إنما هو في الترك مطلقا ويؤخذ من هذا الجواب عن قطع الصلاة لسرقة درهم منه أو من غيره فإنه إلى خلف من إعادة أو قضاء لا إلى ترك بالكلية والله تعالى أعلم
____________________
(3/308)
وأما
ترجيح أحد القياسين على الآخر المعارض له
بترجيح دليل حكم أصله على دليل حكم
الأصل الآخر
ككون دليل حكم أصل أحدهما متواترا أو محكما أو حقيقة أو صريحا أو عبادة بخلاف الآخر إلى غير ذلك
فللنصوص بالذات
لا للقياس وتقدم ذلك في فصل الترجيح
وتركنا أشياء متبادرة
من تراجيح الأقيسة المتعارضة اعتمادا على ظهورها للمتقن ما سبق من المباحث ككون أحدهما علته منضبطة وعلة الآخر مضطربة أو جامعة مانعة للحكمة فكلما وجدت وجدت الحكمة وكلما انتفت انتفت الحكمة وعلة الآخر ليست كذلك إلى غير ذلك ومثارها زيادة غلبة الظن
وتتعارض المرجحات
للقياسين المتعارضين كما لغيرهما من المتعارضات
فيحتمل
الترجيح
الاجتهاد كالملايمة والبسيطة
قال المصنف يعني أن القياس بعلة ثبتت عليتها بالملايمة ترجح على ما بالدوران مثلا فلو كانت الملايمة مركبة والمضطردة المنعكسة بسيطة تعارض مرجحان واحتمل الترجيح الاجتهاد فيه
وعادة الحنفية ذكر أربعة
من مرجحات القياس
قوة الأثر والثبات على الحكم وكثرة الأصول والعكس فأما قوة الأثر
أي التأثير فلأنه المعنى الذي لأجله صار الوصف حجة منهما قوى قويت لأن قوة المسبب بسبب قوة سببه فإذا قوي أثر وصف على أثر وصف آخر زادت قوته على قوته فترجحت حجته على حجته لأن زيادة القوة مرجحة فتعين التمسك به وسقط الآخر في مقابلته وهو
ما ذكر من القياس والاستحسان
الذي هو القياس الخفي فإذا تعارضا فأيهما كان أثر وصفه أقوى قدم كما تقدم
ومنه
أي الترجيح بقوة الأثر في القياسين المتعارضين ترجيح القياس
في جواز نكاح الأمة
للحر
مع طول الحرة
أي قدرته على تزوجها
بأن يكون متمكنا من مهرها ونفقتها والأصل الطول على الحرة أي الفضل فاتسع فيه بحذف حرف الجر ثم أضيف المصدر إلى المفعول فقلنا يجوز له إذ
يملكه
أي نكاح الأمة
العبد
مع طول الحرة بأن يأذن له مولاه في نكاح من شاء من حرة وأمة ويدفع له مهرا يصلح لهما
فكذا الحر
يملكه مع طول الحرة كسائر الأنكحة التي يملكها العبد وقال الشافعي لا يجوز له قياسا على الحر الذي تحته حرة فإنه يحرم عليه تزوج الأمة إجماعا فإن قياسنا
أقوى من قياسه على نكاح الأمة على الحرة بجامع إرقاق مائه مع غنيته
عن إرقاقه وإن كان هذا وصفا بين الأثر في المنع إذ الإرقاق إهلاك معنى لأنه أثر الكفر والكفر موت حكما فكما يحرم قتل ولده شرعا يحرم عليه إرقاقه مع استغناءه عنه ولهذا يخير الإمام في الأسرى بين الاسترقاق والقتل فلا يباح إلا عند الضرورة وهو العجز عن نكاح الحرة وإنما قلنا قياسنا أقوى
لأن أثر الحرية في اتساع الحل أقوى من الرق فيه
أي في اتساع الحل
تشريفا
للحر
كالطلاق
فإن كونه ثلاثا يتبع الحرية إلى أنا اعتبرناها في جانب الزوجة واعتبرنا الشافعي في جانب الزوج
والعدة
فإنها في حق الحرية ثلاثة أقرؤ وثلاثة أشهر وأربعة أشهر وعشرة أيام وفي حق الأمة قرآن وشهر ونصف وشهران وخمسة أيام
والتزوج
فإنه يباح للحر أربع
____________________
(3/309)
وللعبد ثنتان
وكثير
من الأحكام لأن الحرية من صفات الكمال وأسباب الكرامة والشرف الموضوعة للبشر في الدنيا إذ بها يكون أهلا للولايات ويملك الأشياء فيكون تأثيرها في الإطلاق والاتساع في باب النكاح الذي هو من النعم لا في المنع والحجر والرق من أوصاف النقصان لانتفاء أهلية الآدمي به للولايات والتملكات فينبغي أن يكون أثره في المنع والتضييق فلو اتسع الحل الذي هو من باب الكرامة للعبد وضاق على الحر بأن لم يجز له نكاح الأمة مع طول الحرة لكان قلب المشروع وعكس المعقول لأن ما ثبت بطريق الكرامة يزداد بزيادة الشرف ولهذا جاز لمن كان أفضل البشر الزيادة على الأربع
قلت وأما ما في التلويح وربما يجاب أن هذا التضييق من باب الكرامة حيث منع الشريف من تزوج الخسيس مع ما فيه من مظنة الإرقاق وذلك كما جاز نكاح المجوسية للكافر دون المسلم انتهى ففيه نظر ظاهر إذ لا خسة كالكافر وقد جاز تزوج المسلم القادر على طول الحرة المسلمة بالكافرة الكتابية
ومنع
الشارع من
الإرقاق وإن تضمنه
أي التشريف
لكنه
أي الإرقاق بتزوج الأمة
منتف لأن اللازم
من تزوجها
الامتناع عن إيجاد
الجزء
أي الولد
الحر
إذا الماء ليس بولد ولا يوصف بالحرية بل هو قابل لأن يوجد منه الحر والرقيق فتزوجها امتناع من مباشرة سبب وجود الحرية فحين يخلق يخلق رقيقا
لا
أن اللازم منه
إرقاقه
أي الجزء أي لا إنه ينتقل من الحرية إلى الرق والهلاك إنما هو في إرقاق الحر
ولو إدعى أنه
أي الامتناع عن الجزء الحر هو
المراد بالإرقاق نقض بنكاح العبد القادر
على طول الحرة
أمة لأن ماءه
أي العبد إذا تخلق منه ولد في الحرة
حر إذ الرق من الأم لا الأب
وهو جائز اتفاقا
وبعزل الحر
عن أمته مطلقا وعن زوجته الحرة برضاها وبنكاح الصغيرة والعجوز والعقيم فإن العزل وما معه إتلاف حقيقة والإرقاق إتلاف حكما إذ في العزل ونحوه يفوت أصل الولد بحيث لا يرجى وجوده وفي الإرقاق إنما يفوت صفة الحرية لا أصل الولد مع أنه يرجى زواله بالعتق وإذا جاز الأول كان الثاني بالجواز أحرى
ومنه أي ومن الترجيح بقوة الأثر في القياسين المتعارضين ترجيح القياس في نفي استنان تثليث مسح الرأس كما هو مذهبنا على القياس باستنان تثليثه كما هو مذهب الشافعي وهو مسح الرأس
مسح فلا يثلث كالخف
أى كمسحه فإن قياسنا هذا
أقوى أثرا
في منع التثليث
من
أثر
قياسه
في استنان التثليث وهو مسح الرأس
ركن فيثلث كالمغسول
أي كغسل الوجه أو اليدين أو الرجلين ثم كون قياسنا أقوى أثرا من أثر قياسه
بعد تسليم تأثيره
أي كونه ركنا في التثليث
في الأصل وهو المغسول وإنما قلنا قياسنا أقوى حينئذ
فإن شرعه
أي مسح الرأس
مع إمكان شرع غسل الرأس وخصوصا مع عدم استيعاب المحل
أي الرأس بالمسح فرضا
ليس إلا لتخفيف
وهو في عدم التكرار فظهر أن تأثير قياسنا أقوى من تأثير قياسه
وإلا
إذا لم يسلم تأثير الركنية في التثليث
فقد نقض
كون الركنية مؤثرة في التثليث
طردا وعكسا لوجوده
أي
____________________
(3/310)
التثليث
ولا ركن في المضمضمة والاستنشاق ووجود الركن دونه
أي التثليث
كثير
كما في أركان الصلاة من القيام وغيره وأركان الحج إلى غير ذلك فلا يصلح التعليل بها أصلا فإن قيل المراد من كونه ركنا كونه ركنا في الوضوء لا مطلق الركنية فلا يرد أركان سائر العبادات
أجيب بأن ليس المقصود إيراد النقض بسائر الأركان بل بيان أن الركنية وإن سلم تأثيرها في الوضوء فليست بمؤثرة في غيره فلا يكون لها تأثير في التكرار على الإطلاق ووصف المسح مؤثر في التخفيف على الإطلاق فيكون اعتباره أولى
وأما الثبات
أي قوة ثبات الوصف على الحكم الذي يشهد الوصف بثبوته
فكثرة اعتبار الوصف في الحكم
أي اعتبار الشارع ذلك الوصف في جنس الحكم أي وجود ذلك الوصف في صور كثيرة ومعه ذلك الحكم وحاصله أن يكون وصف أحد القياسين ألزم للحكم المتعلق به من وصف القياس الآخر لأن بذلك يزداد قوة لفضل معناه الذي صار به حجة وهو رجوع أثره إلى الكتاب أو السنة أو الإجماع المتوقف اعتباره على ثبوته بأحد هذه الأدلة فكان زيادة ثباته على الحكم ثابتة بأحدها أيضا كثبوت أصل الأثر فيترجح على ما لم توجد فيه هذه القوة
كالمسح في
دلالته على
التخفيف فى كل تطهير غير معقول كالتيمم ومسح الجبيرة والجورب والخف
فإن المسح في هذه لا يسن فيه التكرار إجماعا بخلاف الاستنجاء بغير الماء من الحجر ونحوه فإنه مسح وقد شرع فيه التكرار لأنه عقل فيه معنى التطهير إذ المقصود التنقية والتكرار يؤثر في تحصيلها ولهذا قل 0 نا إذا حصلت بمرة لا يكرر المسح فكان في دلالته على التخفيف في مسح الرأس في قول الحنفية مسح فلا يسن له التكرار أثبت من دلالة الركن على التكرار في قول الشافعي ركن فيسن له التكرار كما أشار إليه بقوله
بخلاف الركن فإن أثره
أي الركن
في الإكمال وهو
أي الإكمال فيما نحن فيه
الإيعاب
بالمسح للمحل المتعلق به لا في سنية التكرار لانتفائه في كثير من الأركان
وكقولهم أي الحنفية
في
صوم
رمضان
صوم
متعين فلا يجب تعيينه
فيسقط بمطلق نية الصوم إذا التعيين أثبت في سقوط التعيين من قول الشافعي صوم فرض في دلالة التعيين وكيف لا
وهو
أي التعيين شرعا
وصف اعتبره الشارع
في سقوط التعيين إن لم يكن في سائر المتعينات الشرعية ففي الكثير منها كما
في الودائع والمغصوب
أي درهما
ورد المبيع في
البيع
الفاسد
إلى المالك حتى لو وجد الرد بهبة أو صدقة أو بيع يقع عن الجهة المستحقة لوجود تعين المحل لذلك شرعا
والإيمان بالله
وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر إلى غير ذلك فإنه
لا يشترط
في خروجه به عن الفرض
تعيين نية الفرض به مع أنه أقوى الفرائض بل على أي وجه أتى به يقع عن الفرض لكونه متعينا غير متنوع إلى فرض ونفل بخلاف الوصف الذي هو الفرضية فإنه لا يوجب إلا الامتثال المأمور به لا تعيين النية حتى إن الحج يصح بمطلق النية ونية النفل عنده فيكون أثره مختصا ببعض العبادات
وأما كثرة الأصول التي يوجد فيها جنس الوصف
في
____________________
(3/311)
عين الحكم أو جنس الحكم
أو عينه
أي الوصف في جنس ذلك الحكم
على ما ذكرنا للشافعية
في المقصد الأول في تقسيم العلة
فقيل لا ترجيح
الوصف الكائنة له على الوصف العاري عنها وهو معزو إلى بعض أصحابنا وأصحاب الشافعي
لأنه
أي الترجيح بكثرة الأصول
ككثرة الرواة
أي كالترجيح بها إذا لم يبلغوا حد الشهرة أو التواتر والخبر لا يرجح بها فالوصف لا يترجح بكثرة الأصول
ولأن كل أصل كعلة
على حدة
فبالقياس
أي فالترجيح بهذا النوع ترجيح القياس بالقياس وهو المراد بالترجيح بكثرة العلل وهو غير جائز
والمختار
كما هو قول الجمهور
نعم
أي ترجيح كثرة الأصول الوصف الكائنة له على الوصف العاري عنها
لأن مرجعه
أي هذا النوع الذي هو كثرة الأصول
اشتهار الدليل أي الوصف
هنا فصار الوصف بهذه القوة الحاصلة له من كثرة الأصول
كالخبر المشتهر
وإذا كان الخبر يترجح بالشهرة فكذا الوصف بهذه القوة لأنها شهرة له
فازداد ظن اعتبار الشارع حكمه
أي ذلك الوصف بهذه الوساطة
بخلاف ما
أي الوصف
إذا لم يبلغها
أي لم يتصف بكثرة الأصول فإنه لا يحصل له هذه الزيادة من الظن كالخبر الذي لم يبلغ الشهرة وليس هذا من ترجيح القياس بالقياس لأن القياس فيما نحن فيه واحد والعلة واحدة إلا أن أصوله كثيرة وكثرة الأقيسة أن يكون لكل قياس علة على حدة وذلك
كالمسح
فإنه وصف يشهد لتأثيره
في التخفيف
أصول إذ
يوجد في التيمم وما ذكرنا
من مسح الجبيرة والجورب والخف
فيترجح على تأثير وصف الركنية
في تأثيره
في التثليث
فإنه لم يشهد له إلا الغسل
فلذا
أي كون المسح في تأثيره التخفيف مثالا لهذا وللثاني
قيل
أي قال فخر الإسلام وصدر الشريعة
هو
أي هذا الثالث
قريب من الثاني
قيل لأن في الثالث اعتبر المؤثر وهو كثرة الأصول وفي الثاني اعتبر الأثر وهو ثابته على الحكم المشهود به وقيل لأن الترجيح في الثالث أخذ من نظائر الوصف كالتيمم ونحوه وفي الثاني أخذ من قوة الوصف وهو المسح في مسألة التثليث مثلا ونقل في التلويح عن صدر الشريعة أن التأثير إذا كان باعتبار الشارع جنس الوصف أو نوعه في نوع الحكم فهو مستلزم لشهادة الأصل فقوة الثبات حينئذ تستلزم كثرة شهادة الأصل وإذا كان بحسب اعتبار جنس الوصف أو نوعه في جنس الحكم أو نوعه فأحدهما لا يستلزم الآخر فبينهما عموم من وجه
والحق أن الثلاثة ترجع إلى قوة الأثر والتفرقة
بينهما إنما هي
بالاعتبار فهو
أي الأول الذي هو قوة الأثر
بالنظر إلى
نفس الوصف والثبات
أي وقوة الثبات على الحكم بالنظر
إلى الحكم وكثرة الأصول
بالنظر
إلى الأصل
وعزاه سراج الدين الهندي إلى المحققين ومن ثمة قال شمس الأئمة السرخسي بعد ذكرها وما من نوع من هذه الثلاثة إذا قررته في مسألة إلا وتبين به إمكان تقرير النوعين فيه أيضا وقال أبو زيد وقلما يوجد واحد من هذه الثلاثة إلا ومعه الآخران بناء على أن المراد به لا يوجد على ما قيل والله سبحانه أعلم
____________________
(3/312)
وأما العكس
ويسمى الانعكاس أيضا وهو عدم الحكم عند عدم العلة فعند بعض المتأخرين لا عبرة به لأن عدم العلة لا يوجب عدم الحكم ولا وجوده لأنه ليس بشيء فلا يصلح مرجحا لأن الرجحان لا بد له من سبب ومختار عامة الأصوليين أنه صالح للترجيح لأن عدم الحكم عند عدم الوصف الذي جعل حجة دليل على اختصاص الحكم بذلك الوصف ووكادة تعلقه به فصلح مرجحا من هذا الوجه لكنه ترجيح ضعيف كما يذكر المصنف قريبا
كمسح
أي كقولنا في مسح الرأس هو مسح لم يعقل فيه معنى التطهير
فلا يسن تكراره
فإنه ينعس صادقا إلى كل ما ليس بمسح لم يعقل فيه معنى التطهير يسن تكراره
بخلاف
قول الشافعي هو
ركن فيكرر
لأنه لا ينعكس صادقا إلى كل ما ليس بركن لا يكرر
لأنه
أي التكرار
يوجد مع عدمه
أي الركن
كما ذكرنا
من المضمضة والاستنشاق
وقولنا في بيع الطعام المعين
أي المطعوم حنطة كان أو غيرها بالطعام المعين لا يشترط قبضه لأن كلا منهما
مبيع معين فلا يشترط قبضه أولى من
قول الشافعي يشترط قبضه لأن كلا منهما
مأكول قوبل بجنسه حرم التفاضل
فيشترط قبضه
إذ لا ينعكس
هذا صادقا إلى كل ما لا يقابل بجنسه لايحرم الفضل فلا يشترط قبضه
لاشتراط قبض رأس مال السلم
حال كون رأس ماله
غير ربوي
من ثياب وغيرها
بخلاف الأول
أي مبيع معين فلا يشترط قبضه
إذ كلما انتفى
التعليل الذي هو التعيين
انتفى
الحكم الذي هو عدم اشتراط القبض
ولذا
أي ولأجل كون علة عدم اشتراط القبض ما ذكرنا
لزم القبض في الصرف
أي بيع جنس الأثمان بعضها ببعض كبيع الدرهم بالدرهم
لأن النقد لا يتعين بالتعيين
وهو الأصل في الصرف فانتفى عدم اشتراط القبض لانتفاء التعيين في البدلين ولو صح بدون القبض لكان بيع دين بدين وهو غير جائز
و
في
السلم لانتفاء تعيين المبيع
وهو المسلم فيه لأنه دين حقيقة مع أن رأس المال من النقد غالبا فيكون دينا فلا يتعين بالتعيين أيضا فيكون انتفاء عدم اشتراط القبض فيه لانتفاء التعيين أيضا قلت لكن هذا إنما يتم على الشافعي إذا كان قائلا بقول أصحابنا إن النقود لا تتعين بالتعيين في العقود وليس كذلك فإن عنده تتعين بالتعيين اللهم إلا إذا تم عليه أولا عدم تعيينها بالتعيين هذا وقد أورد ما ذكرتم غير مطرد فإن المبيع في بيع إناء فضة أو ذهب بإناء كذلك ورأس مال السلم إذا كان ثوبا بعينه يتعين بالتعيين مع إنه يشترط قبضه في المجلس وأجيب بأنه كان ينبغي عدم اشتراط القبض في هذه الصور إلا أنه لما كان الأصل في الصرف والسلم ورودهما على الدين بالدين وربما يقع عقدهما على غير ذلك ويتعذر على عامة التجار معرفة ما يتعين وما لا يتعين أقيم اسم الصرف والسلم مقام الدين بالدين وعلق وجوب القبض بهما تيسيرا على الناس فوجب القبض بهما سواء ورد العقد على دين بدين أو عين بعين لأن الكل في حكم الدين تقديرا إذ الشيء إذا أقيم مقام غيره فالمنظور نفسه لا الشيء الذي أقيم هو مقامه كالسفر لما أقيم مقام المشقة صار المنظور
____________________
(3/313)
السفر ولم يلتفت إلى المشقة بعد ذلك وفي التلويح فإن قيل المبيع في السلم هو المسلم فيه وليس بمقبوض والمقبوض رأس مال السلم وليس بمبيع أجيب بوجهين أحدهما المراد أن كل مبيع متعين لا يشترط قبض بدله وينعكس إلى كل مبيع لا يكون متعينا يشترط قبض بدله وثانيهما المراد أن كل بيع يتعين فيه المبيع والثمن لا يشترط فيه القبض أصلا وينعكس إلى كل بيع لا يتعين فيه المبيع ولا ثمنه يشترط فيه القبض في الجملة انتهى وتعقب بأن في كلا الوجهين نوع نبوة من تقرير الترجيح بالعكس في مسألة بيع الطعام بالطعام لأن حاصل الوجه الأول عدم اشتراط قبض البدل في الأصل واشتراطه في الانعكاس وهو خلاف ما صرح به من عدم اشتراط قبض المبيع واشتراطه ومؤدي الوجه الثاني عدم اشتراط القبض أصلا سواء كان قبض المبيع والثمن أو قبض أحدهما في الأصل واشتراط القبض في العكس في الجملة أيهما كان وهو أيضا خلاف المصرح به ثم هل القبض في هذين العقدين شرط صحة العقد أو شرط بقائه على الصحة قيل أشار محمد إلى كل وصحح الثاني
وهذا
أي العكس
أضعفها
أي هذه الأربعة
لأن الحكم يثبت بعلل شتى
فيجوز أن يوجد الحكم مع انتفاء علة معينة له لثبوته بغيرها لكن لما كان انعدامه عند انعدامها مع وجوده عند وجودها مطلقا صالحا لأن يكون دليلا على وكادة اتصاله بها صلح مرجحا على ما يوجد عند وجودها من غير عكس وتظهر ثمرة ضعفه عند المعارضة فإنه إذا عارضه ترجيح من الثلاثة السابقة كان ذلك مقدما عليه
وابتنى على ما سلف
في فصل الترجيح
من عدم الترجيح بكثرة الأدلة والرواة
عند أبي حنيفة وأبي يوسف على ما في عدم الترجيح من بحث تقدم فيه
أن لا يرجح قياس بآخر بأن خالفه
أي ذلك القياس المنضم إليه
في العلة لا الحكم على
قياس
معارضه
لأنه ترجيح بكثرة الأدلة
ولو اتفقا
أي القياسان
فيها
أي العلة كما في الحكم
كان
اتفاقهما
من كثرة الأصول لا
من كثرة
الأدلة
إذ لا يتحقق تعدد القياسين حقيقة إلا عند تعدد العلتين لأن حقيقة القياس ومعناه الذي يصير به حجة هي العلة لا الأصل
فيرجح
القياس المنضم إليه ذلك
على مخالفه
لأن كثرة الأصول مرجح صحيح
وكذا كل ما يصلح علة
مستقلة لحكم
لا يصلح مرجحا
لعلة مستقلة أخرى لذلك الحكم على علة معارضة لها فيه إذ تقوى الشيء إنما يكون بصفة توجد في ذاته وتكون تبعا له والمستقل لاستقلاله لا ينضم إلى الآخر ولا يتحد به فلا يفيد القوة
فلم يتفاوت بتفاوت الملك للشفيعين
كأن كان لأحدهما ثلث الدار وللآخر سدسها
ما يشفعان فيه
وهو النصف الآخر منها إذا باعه مالكه وطلبا أخذه بالشفعة بأن يكون لصاحب الثلث ثلثا النصف المبيع ولصاحب السدس ثلثه فضلا عن أن يترجح صاحب الثلث عليه بحيث ينفرد باستحقاق الشفعة ويسقط صاحب السدس بل يكون النصف المبيع بينهما أنصافا لترتب الحكم على العلة المتحققة في كل جانب لأن كل جزء من أجزاء نصيبهما علة مستقلة في استحقاق جميع المبيع وليس في جانب صاحب الثلث إلا
____________________
(3/314)
كثرة العلة وهي لا تصلح للترجيح
خلافا للشافعي
فإن عنده يكون المبيع بينهما أثلاثا ثلثه لصاحب السدس وثلثاه لصاحب الثلث
قال
الشافعى
هي
أي الشفعة
من مرافق الملك
أي منافعه
كالولد
للحيوان
والثمرة
للشجرة المشتركين بينهما فيقسم بقدر الملك
أجيب بأن ذلك
أي انقسام المعلول بحسب التفاوت في أجزاء العلة إنما هو
في العلل المادية
التي يتولد المعلول منها كالحيوان للولد والشجر للثمر
وعلة القياس
ليست منها بل هي
كالفاعلية
من حيث إنها مؤثرة في المعلول وقد ثبت في علم الكلام أن تأثير العلة الفاعلية في المعلول ليس بطريق التولد بل بإيجاد الله تعالى إياه عقبه وملك الدار المشفوعة من هذا القبيل فإنه علة فاعلية تثبت به الشفعة لا علة مادية تتولد منه فلا يكون ترتب استحقاق الشفعة عليه كترتب الثمر على الشجر فلا ينقسم عليه
هذا
وقد جعل الشارع الملك علة للشفعة قليله وكثيره
بالنصب بدل من الملك
فجعل كل جزء من العلة علة لجزء من المعلول نصب الشرع بالرأى
وهو باطل
ولو عجز
المجتهد
عن الترجيح
لأحد القياسين
عمل بأيهما شاء بشهادة قلبه
كما تقدم في فصل التعارض وأوضحناه ثمة
وقابلوا
أي الحنفية
أربعة الصحة
أي أربعة وجوه الترجيح الصحيحة السالفة الآن
بأربعة
من وجوه الترجيح
فاسدة الترجيح بما يصلح علة مستقلة
لأنه ترجيح بكثرة الأدلة وقد عرفت وجهه ودفعه في فصل الترجيح فهذا أحدها
وبغلبة الأشباه
أي والترجيح بها أي
كون الفرع له بأصل أو أصول وجوه شبه فلا يرجح
أي لا يقدم إلحاق الفرع بذلك الأصل أو الأصول بواسطة تعدد شبهه به أو بها
على ما
أي على إلحاقه بأصل آخر يخالف الأول
له
أي للفرع
به
أي بذلك الأصل
شبه
واحد
وعن كثير من الشافعية نعم
يرجح ماله وجوه شبه بأصل أو أصول على ماله شبه بأصل ونقله صاحب القواطع عن نص الشافعي لأن القياس إنما جعل حجة لإفادة غلبة الظن وهي تزداد عند كثرة الأشباه كما عند كثرة الأصول وإنما قلنا لا ترجح
لأنها
أي الأشباه
تعدد أوصاف
تجعل عللا فكل شبه وصف على حدة يصلح علة
فترجع
الأشباه
إلى تعدد الأقيسة
فالترجيح بها من الترجيح بكثرة الأدلة وهو غير جائز
بخلاف تعدد الأصول
فإنه ليس الترجيح بها من الترجيح بكثره الأدلة
لاتحاد الوصف
فيها
وكل أصل يشهد بصحته
أي الوصف
فيوجب ثبات الحكم عليه
أي على ذلك الوصف وقوته
واعلم أن كثرة الأصول
تكون
بوحدة الوصف
أي معها
وهو
أي وهذا
محل الترجيح
أي ما يقوم به الترجيح فيكون مرجحا
و
تكون
مع تعدده
أي الوصف
واتحاد الحكم وهي
أي والحال أنها
حينئذ
أي حين يتعدد الوصف ويتحد الحكم
أقيسة متماثلة لا ترجيح معها
لأنها حينئذ أدلة متكثرة ولا ترجيح بها
و
تكون
مع تعدده
أي الوصف حال كونها
متباينة متعارضة وهي التي يجب فيها الترجيح
ثم مثال الترجيح بغلبة الأشباه
كما لو قيل الأخ كالأبوين في المحرمية و
مثل
ابن العم في حل الحليلة والزكاة والشهادة والقصاص من الطرفين
إذ يجوز
____________________
(3/315)
لكل من الأخوين أن يتزوج حليلة أخيه وأن يدفع زكاته إليه وأن يشهد له وأن يقتص منه إذا وجد المقتضى لذلك وانتفى المانع منه كما في ابن العم
فيرجح إلحاقه
أي الأخ
به
أي بابن العم فلا يعتق بملكه إياه كما لا يعتق ابن عمه بملكه إياه لأن شبه الأخ به أكثر من شبهه بالأبوبن
فيمنع
ترجيح إلحاق الأخ بابن العم بكثرة الأشباه
بأنه
أي الترجيح بها
بمستقل
أي ترجيح بوصف مستقل
إذ كل
من وجوه المشبه به
يستقل
وصفا
جامعا
بين الأخ وابن العم في الحكم ولا ترجيح بمستقل وهذا ثانيها
وبزيادة التعدية
أي والترجيح بكون إحدى العلتين أكثر محال من الأخرى
كترجيح الطعم
أي التعليل به لحرمة الربا في الأشياء الأربعة التي هي الحنطة والشعير والتمر والملح على تعليل حرمته فيها بالكيل والجنس
لتعديه
أي الطعم
إلى القليل
كما للكثير فيحرم بيع تفاحة بتفاحتين وتمرة بتمرتين
دون الكيل
فإنه لا يتعدى إلى القليل الذي هو نصف صاع على ما قالوا
ولا أثر له
أي كونها أكثر محال من معارضتها في تأثيرها وقوتها الذي به يكون الترجيح
بل
الأثر
لدلالة الدليل
أي لقوة دلالته
على الوصف
أي كونه مؤثرا في ذلك الحكم قلت محاله أو كثرت وهذا ثالثها
وبالبساطة
أي والترجيح بكون إحدى العلتين وصفا لا جزء على الأخرى التي هي وصف ذو أجزاء لسهولة إثباتها والاتفاق على صحتها
كالطعم
أي كترجيح كونه علة حرمة الربا فيما تقدم
على الكيل والجنس
أي كونهما علته
ولا أثر له
أي كونها لا جزء لها في تأثيرها وقوتها لذي به يكون الترجيح بل لقوة دلالة الدليل على عليتها
كما ذكرنا
آنفا فالمركب والبسيط سواء عندنا لأن ثبوت الحكم بالعلة فرع ثبوته بالنص والنص الموجز لا يترجح على المطول في البيان فكذا العلة وكيف لا والقلة والكثرة صورة العلة والتأثير معناها والترجيح إنما يقع بالمعاني بزيادة قوتها وتأثيرها لا بالصورة ومن ثمة ربما كان المركب أرجح والوصف المختلف فيه أولى لكونه أقوى تأثيرا والله سبحانه أعلم
مسألة حكم القياس الثبوت
لحكم الأصل
في الفرع وهو
أي ثبوته في الفرع
التعدية الاصطلاحية فلزمه
أي القياس
أن لا يثبت الحكم ابتداء كإباحة الركعة
الواحدة
وحرمة المدينة
أي أن يكون لها حرم كحرم مكة
أو وصفه
أي الحكم
كصفة الوتر
من الوجوب والاستنان
بعد مشروعيته
بل إنما يثبت كل منهما بالنص أو الإجماع ولذا لم يستند من قال بحرمة المدينة أو كون الوتر واجبا أو سنة إلا إلى السمع كما عرف في كتب الفروع وإنما لم يثبتا بالقياس ابتداء
لانتفاء الأصل والفرع وكذا
لزمه أن لا يثبت
الشرطية والعلية ككون الجنس فقط يحرم النساء
أي البيع نسيئة
إلا
أي لكن يثبت كل منهما
بالنص دلالة وغيرها
أي عبارة أو إشارة أو اقتضاء فإن الثابت بهذه ثابت بالنص كما عرف
وكذا
لزمه أن لا يثبت
صفة السوم
أي اشتراطه لنصب الأنعام في وجوب زكاتها
والحل
أي وكذا لزمه أن لا يثبت اشتراط صفة الحل
للوطء الموجب حرمة المصاهرة
في ثبوت حرمتها من الجانبين
____________________
(3/316)
وشرطية التسمية
أي وكذا لزمه أن لا يثبت اشتراط ذكر اسم الله تعالى على المذبوح
للحل
له
ووصفية شرط النكاح
أي وكذا لزمه أن لا يثبت اشتراط وصفية شرط النكاح الذي هو الشهادة
بالعدالة
والذكورة في شهود بل إنما تثبت هذه الأمور بالنص أو الإجماع فلا جرم أن نص أصحابنا على أن كون الجنس بمفرده محرما للنسيئة وأن اشتراط السوم في نصف الأنعام للزكاة وذكر اسم الله تعالى على الذبيحة في حلها إنما هي بالنصوص الدالة على ذلك والشافعية على أن إباحة الركعة الواحدة وحرمة المدينة واشتراط وصف الحل للوطء في حرمة المصاهرة والعدالة والذكورة في شهود النكاح إنما هي بالنصوص فيها كما ذلك كله مسطور في فروع الفريقين وإنما الشأن في الترجيح ومحل الخوض فيه كتب الفروع
ثم الحاصل إنه لزم حكم القياس المتفق عليه من كونه مفيد الثبوت حكم شرعي من وجوب أو حرمة أو غيرهما في فرع بطريق التعدية إليه من أصل موجود في الشرع ثابت بنص أو إجماع عدم إثباته ابتداء لحكم شرعي أو علة أو شرط له أو صفة لأحدها لانتفاء تحقق القياس بانتفاء الأصل المعدي منه إلى المحل المدعى فرعيته له فيتمحض إثبات هذه إما نصبا للشرع بالرأي كما فيما عدا إثبات الشرط ووصفه ابتداء وإما إبطالا ونسخا بالرأي كما في الشروط ووصفه لأن الحكم كان ثابتا قبل الشرط وقبل وصفه وبعدما شرط له شرط أو أثبت له وصف صار متعلقا به ومعدوما قبل وجوده فالتعليل ابتداء به رفع للحكم الثابت ونسخ له بالضرورة وكلاهما باطل لأن ذلك إلى الله تعالى وحده لا إلى العباد
و
لزمه
إنه لو ثبت
بنص أو إجماع
مناط علية أمر
لشيء
أو شرطيته
أي أمر لشيء
أو وصفهما
أي العلية والشرطية لشيء
في غيره
أي غير ذلك الأمر أيضا فهو متعلق بثبت
كان
غير ذلك الأمر
في مثله
أي ذلك الشيء
علة وشرطا
بواسطة تحقق مناطهما في غير ذلك الأمر
لانتفاء التحكم
اللازم من تقدير جعل بعض أفراد ما تحقق فيه المناط لعلية حكم أو شرطيته علة أو شرطا دون البعض الآخر المتحقق فيه ذلك أيضا لتساويهما في الصلاحية وارتفاع المانع من ذلك والتحكم اللازم من جعل القياس مظهرا لثبوت حكم شرعي ليس بعلية ولا شرطية في فرع بطريق التعدية إليه من أصل في الشرع ثابت فيه ذلك بطريقه غير مظهر لثبوت حكم شرعي هو علية شيء أو شرطيته لآخر في محل بطريق التعدية إليه من أصل في الشرع ثابت فيه ذلك بطريقه لتساويهما في الصلاحية وارتفاع المانع من ذلك
والخلاف في المذهبين
الحنفي والشافعي
شهير فيه
أي في هذا الأخير
ففخر الإسلام وأتباعه
وصدر الشريعة
وصاحب الميزان
وعزاه إلى مشايخنا أيضا
وطائفة من الشافعية
بل أكثرهم على ما ذكر الآمدي
نعم
يعلل لإثبات العلية والشرطية
ووجد
ذلك أيضا
وهو الخلاف في اشتراط التقابض فى بيع الطعام
المعني
بالطعام المعين لأنه وجد لإثباته
أي اشتراط التقابض في هذا البيع كما ذهب إليه أصحابنا
أصل هو الصرف
فإن التقابض فيه شرط
بجامع أنهما
أي البديلين فيهما
____________________
(3/317)
ما لأن يجري فيهما ربا الفضل ولنفيه
أي اشتراط التقابض فيه كما ذهب إليه الشافعي
أصل
هو
بيع سائر السلع بمثلها أو بالدراهم
لأنه لا يشترط فيه التقابض
وقيل لا
يعلل لإثبات العلية والشرطية وهو قول كثير من الحنفية كالقاضي أبي زيد وشمس الأئمة السرخسي ومن الشافعية كالآمدي والبيضاوي وفي المحصول إنه المشهور اختاره ابن الحاجب
لأنه لم يثبت
مناط شرطية التقابض
كذلك
أي في الصرف ثم وجدت في بيع الطعام
قيل ولو ثبت
مناط علية أمر لحكم في غير ذلك الأمر أيضا
كان السبب
لذلك الحكم
ذلك المناط المشترك بينهما إن انضبط
وكان ظاهرا
وإلا
أي وإن لم ينضبط ولم يكن ظاهرا
فظنته
أي الوصف الظاهر المنضبط الذي ضبط هو به
إن كان
أي وجد وأيا ما كان فقد اتحد الحكم والسبب وحينئذ فلا قياس
وما يخال
أي يظن
أصلا وفرعا
أنهما هما
فراده
أي المناط المذكور
كما لو ثبت علية الوقاع
عمدا من المكلف الصحيح المقيم في نهار رمضان
للكفارة لاشتماله على الجناية المتكاملة على صوم رمضان
وهي هتك حرمته
فهي
أي الجناية المتكاملة عليه
العلة
للكفارة
وكل من الأكل
والشرب
والجماع
فيه من المكلف الصحيح المقيم عمدا بلا عذر مبيح للفطر
صور وجوده
أي هذا المعنى الذي هو العلة لتحقق هتك حرمة الصوم بكل منها
وكعلية القتل بالمثقل عليه
أي القتل
بالسيف
للقصاص إذ ثبت أنها أي علة القصاص القتل العمد العدوان
فالمثقل
أي فالقتل به
من محاله
أي من مناط القصاص
وقد يخال عدم التوارد
لهذا الخلاف على محل واحد
فالأول
أي القول بجواز التعدية في العلية معناه
تعدي علية الواحد لشيء
أي لحكم
إلى شيء آخر
فيكون ذلك الشي الآخر علة لذلك الحكم كما كان ذلك علة له أيضا فتعدد العلة ويتحد الحكم
والثاني
أي القول بعدم جواز التعدية في العلية معناه
تعدى عليته
أي الشيء الواحد لحكم
إلى
شيء
آخر لآخر
أي لحكم آخر فيكون الشيء الآخر المعدى إليه علة لحكم آخر فيتعدد العلة والحكم هذا ما يظهر من العبارة بعد التأمل
ولقائل أن يقول
كون معنى الأول ما ذكر ظاهر وأما إن معنى الثاني ما ذكر فلا بل كل من العلة والحكم فيه متحد للاتحاد في النوع ولا عبرة للتغاير بحسب الشخص ومعلوم أن هذا من أفراد القياس المتفق عليه فلا يتأتى إنكاره من قائل به كما أن المعنى الثاني في حد ذاته لا قائل به فيما يظهر فالنزاع إنما هو في المعنى الأول فليتأمل
وممن أنكره
أي جريان القياس في السبب أي العلة
من اعترف بقياس أنت حرام
في إثباته الطلاق بائنا
على طالق بائن وهو
أي هذا القياس قياس
في السبب
فهو بهذا مناقض نفسه في المنع حينئذ
وقيل لا خلاف في هذا
أي في إنه إذا ثبت علية شيء لحكم بناء على معنى صالح لتعليل ذلك الحكم به بأن يكون مؤثرا أو ملائما ووجد في غير ذلك الشيء ذلك المعنى المؤثر أو الملائم يكون ذلك الشيء الآخر علة لذلك الحكم ثم لا يكون هذا من إثبات العلة بالقياس لأن العلة بالحقيقة ذلك
____________________
(3/318)
المعنى المشترك بين الشيئين وقد تثبت عليته ما هو من مسالك العلة فتكون العلة شيئا واحدا له تعدد باعتبار المحل
بل
الخلاف
فيما إذا كانت
علية ذلك الوصف للحكم
لمجرد مناسبتها
أي العلة الحكم في الفرع فجعل ذلك الوصف علة للحكم ليحصل الحكم في الفرع
وليس له
أي ذلك الوصف الذي هو العلة للحكم في الفرع
محل آخر
تحققت فيه عليته لذلك الحكم معللا باشتماله على المعنى المناسب لذلك الحكم
لأنا إنما نثبت سببية
وصف
آخر
غير الوصف الثابت في الأصل إذ المفروض تغاير الوصفين
فليس ذلك
أي إثبات علية الوصف للحكم في الفرع بمجرد مناسبته له من غير أن يشهد باعتباره أصل
إلا المرسل
فيجوز عند من يقول بصحة التعليل به ولا يجوز عند من يشترط التأثير أو الملايمة
وهذا على
قول
الشافعية أما ما تقدم للحنفية في سببيته
أي الأول
بعينه لآخر
في مسألة اشتراط التقابض في بيع الطعام المعين بالطعام المعين
فينبغي كونه
أي هذا التعليل
القريب من الأقسام الأول
من أقسام المناسب
لوجود أصله
أي هذا الوصف الذي هو شرط التقابض وهو الصرف
إذ كانت سببيته
أي أصله
لشيء
وهو القبض قبل الافتراق
ثابتة شرعا
بقوله صلى الله عليه وسلم يدا بيد كما في صحيح مسلم والسنن إلى غير ذلك وبإجماع الفقهاء
وهو العين مع العين في المحل لكن لا يشهد له أصل بالاعتبار و
هذا هو القريب المذكور كما تقدم
كان الظاهر اتفاقهم
أي الحنفية
على منعه
أي هذا
لأنه بمنزلة الإخالة إن لم يكنها
أي الإخالة والظاهر أنه هي في المعنى
لكن الخلاف
في هذا ثابت
عندهم
أي الحنفية
ولو سلم عدم الإرسال
في ثبوت السببية بالقياس
لا يتصور ذلك
أي ثبوتها به أيضا
لأن الوصف الأصل أن تثبت عليته بمجرد المناسبة عند من يقول به
أي بثبوتها بمجرد المناسبة
فإذا وجدت المناسبة في
وصف
آخر كان
الوصف الآخر
علة بطريق الأصالة لا بالإلحاق بالأول لاستقلالها
أي المناسبة
بإثبات
علية
ما تحققت فيه وإن ثبتت
عليته
بالنص ثم عقلت مناسبتها
للحكم
ووجدت
المناسبة المذكورة
في ما
أي وصف
لم ينص عليه
أيضا
فكذلك
أي كان ذلك الوصف الذي لم ينص عليه علة بطريق الأصالة
للاستقلال
أي استقلال المناسبة بإثبات علية ما تحققت فيه
وحاصله
أي هذا
حينئذ
أي حين كان الحال هذا
ثبوت علية وصف بالنص و
علية وصف
آخر بالمناسبة
ولا ينبغي أن يقع في مثله خلاف
فالوجه أن يقصر الخلاف على مثل حمل علي رضي الله عنه وهو
أي حمله أي قياسه
أن ينص على علة منضبطة بنفسها فيلحق بها ما تصلح مظنة لها فيثبت معها حكم المنصوصة كما ألحق
علي رضي الله عنه
الشرب
للخمر
بالقذف
في الحد به ثمانين
بجامع الافتراء
بينهما
لكونه
أي شربها
مظنته
أي الأفتراء وقد أسلفنا المروي عن علي رضي الله عنه في هذا مخرجا في مسألة لا إجماع إلا عن مستند
قلت ثم قد يقال وإذا قصر الخلاف على هذا هل يترجح الملحقون على غيرهم لإجماع الصحابة السكوتي على الإلحاق
____________________
(3/319)
المذكور والجواب ينبغي أن يكون عند غير الحنفية ممن يرى الإجماع السكوتي حجة نعم وعندهم لا كما ستعلم في المسألة التي تلي هذه ولكن الشأن في موجب القصر عليه مع نقل عموم الخلاف له ولغيره كما تقدم
ثم هذا من المصنف إعراض عما أفاده ظاهر كلامه أولا من جواز ثبوت العلية والشرطية بطريق التعدية على الوجه الذي سبق تقريره ويندفع وجه الذي هو لزوم التحكم لولا جوازه بأن هذا من المرسل المردود عند الشافعية على اصطلاحهم والغريب غير المعتبر عند الحنفية على اصطلاحهم فلا تحكم لا لما ذكره المانع من أنه إذا ثبت مناط علية أمر في غير ذلك الأمر كان السبب المناط المشترك بينهما إن انضبط وإلا مظنته وأيا ما كان اتحد الحكم والسبب لأنه لو تم هذا انتفى القياس في الأحكام الشرعية التي هي غير العلية والشرطية لتأتي هذا بعينه فيه لكن انتفاؤها فيه ممنوع فكذا فيما نحن فيه والله تعالى أعلم
مسألة
قال
الحنفية لا تثبت به
أي بالقياس
الحدود لاشتمالها على تقديرات لا تعقل
كعدد المائة في الزنى
والثمانين في القذف والقياس فرع تعقل المعنى
وما يعقل
منها
كالقطع
ليد السارق لكونها الجانية بالسرقة
فللشبهة
في ثبوت الحكم بالقياس لاحتماله الخطأ والحدود تدرأ بالشبهات كما نطق به الحديث وتقدم تخريجه في مسألة خبر الواحد في الحد مقبول ودرؤها في عدم ثبوتها به وقال غير الحنفية يثبت به
قالوا أدلة القياس
الدالة على حجيته
معممة
لها كما لغيرها فوجب العمل به فيهما
قلنا ) عمومها
في مستكمل الشروط اتفاقا
والحدود ليست بمستكملة لها لما ذكرنا
وانتهاض أثر على
السالف
عليهم
أي
لحنفية كما ذكره المجيزون
موقوف على إجماع الصحابة على صحة طريقه
الذي هو القياس على القذف
وقولهم
أي الحنفية فيه إن إجماعهم ليس على طريقه بل
إنه
أي إجماعهم
على حكمه
الذي هو وجوب جلد ثمانين
باجتماع دلالات سمعية عليه
أي حكمه المذكور
كما ذكرناها في الفقه
أي في حد الشرب من شرح الهداية ولم نذكرها هنا تحاميا من التطويل مع أن كتب الفروع بها أليق وفي أصول الفقه للإمام أبي بكر الرازي فإن قيل لا يجوز عندكم إثبات الحدود بالقياسات فإن كانت الصحابة قد اتفقت على إثبات حد الخمر قياسا فهذا إبطال لأصلكم في إثبات الحدود قياسا قيل الذي نمنعه أن يبتدىء إيجاب حد بقياس في غير ما ورد فيه التوقيف فأما استعمال الاجتهاد في شيء ورد فيه التوقيف فيتحرى فيه معنى التوقيف فهذا جائز عندنا واستعمال اجتهاد السلف في حد الخمر من هذا القبيل وذلك لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضرب في حد الخمر بالجريد والنعال وروي أنه ضربه أربعون رجلا كل رجل بنعله ضربتين فتحروا في اجتهادهم موافقة أمر النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوه ثمانين من هذا الوجه ونقلوا ضربه بالنعال والجريد إلى السوط كما يجتهد الجلاد في الضرب وكما يختار السوط الذي يصلح للجلد اجتهاد
____________________
(3/320)
تنبيه الكفارات في هذا كالحدود بل قيل المراد بها ما يتناولهما جميعا والوجه ظاهر للمتأمل والله سبحانه أعلم
مسألة تكليف المجتهد بطلب المناط
للحكم الشرعي
ليحكم في محاله
أي المناط
بحكمه جائز عقلا
عند الجمهور
وقولهم
أي الأصوليين التكليف أو التعبد
بالقياس لا يصح على أنه
أي القياس
المساواة
بين الفرع والأصل في علة حكمه لأنها فعل الله تعالى ولا تعبد بفعله وإنما يصح إذا كان فعل المجتهد وقد تقدم الكلام في هذا في أوائل القياس
وإيجاب العمل بموجب القياس
أي جعل هذا موضوع المسألة كما يفيده كلام القاضي عضد الدين
فيه قصور عن المقصود
قال المصنف لأن معنى هذا إذا تم القياس فاعمل بمقتضاه ومقصود المسألة أنظر ليظهر لك في الواقع قياس أولا وهذا محل آخر للوجوب غير الأول وإن كان الغرض من استكشاف الحال المأمور به هوالعمل به
لا
أن تكليفه بذلك
واجب
عقلا
كالقفال
الشاشي
وأبي الحسين
البصري لئلا يلزم خلو الوقائع عن الأحكام فإن الوقائع غير متناهية والنصوص محصورة والقياس كافل بها فاقتضى التعبد به والجواب بعد تسليم وجوب أن يكون لكل واقعة حكم بناء على امتناع خلو الواقعة عن الحكم منع ذلك على تقدير عدم التعبد به كما أشار إليه قوله
ولزوم خلو وقائع
عن الحكم
لولاه
أي تكليف المجتهد بطلب المناط المذكور
منتف لانضباط أجناس الأحكام والأفعال وإمكان إفادتها
أي أجناس الأحكام الكائنة لأجناس الأفعال
العمومات
بالرفع على أنه فاعل إفادتها وهي مضافة إلى المفعول فتعلم أحكام جزئياتها التي لا تنحصر باندراجها تحتها مثل كل مسكر حرام وكل ذي ناب من السباع حرام وكل مكيل أو مطعوم ربوي
ولو لم تفدها
أي العمومات أحكام أجناس الأفعال على وجه يعلم منه أحكام جميع الوقائع
ثبت فيها
أي الوقائع التي لم تفدها العمومات
حكم الأصل
وهو الإباحة
فلا خلو
لواقعة منها عن الحكم
ولا ممتنع عقلا
كما ذهب إليه الزيدية وبعض المعتزلة منهم النظام لكنه قال في شريعتنا خاصة على ما في المحصول وغيره وإنما قلنا التكليف المذكور جائز
إذ لا يلزم إلزامه
أي المجتهد بطلب المناط
بحال
لا لنفسه وهو ظاهر ولا لغيره لأن الأصل عدم الغير وهو المراد بالجواز العقلي
وكون الظن ممنوعا عقلا لاحتماله الخطأ
والقياس منه لأنه لا يفيد إلا الظن والخطأ محظور قطعا والعقل يوجب الاحتراز عن المحذور فيمتنع التكليف بمناطه كا ذكره القائلون بامتناعه عقلا
ممنوع
ثبوته في جميع الصور وإنما هو مختص بما لا يغلب فيه جانب الصواب أما إذا ظن وكان الخطأ مرجوحا فلا
بل أكثر تصرفات العقلاء لفوائد غير متيقنة
إذ ما من سبب من الأسباب إلا والمطلوب منه غير متيقن الحصول فإن الزارع لا يزرع وهو متيقن أنه يأخذ الريع والتاجر لا يسافر وهو جازم بأن يربح والمتعلم لا يتعب في تعلمه وهو قاطع بأنه يعلم ويثمر عليه ما يتعلمه له إلى غير ذلك
وبه
أي ويكون أكثر
____________________
(3/321)
تصرقات العقلاء لفوائد مظنونة
ظهر إيجابه
أي العقل
العمل عند ظن الثواب
وإن أمن الخطأ تحصيلا لفوائد لا تحصل إلا به
وثبت وجوب العمل به
شرعا بتتبع موارده
أي الشرع كما تقدم في خبر الواحد العدل وكيف لا والمظان الأكثرية لا تترك بالاحتمالات الأقلية وإلا لتعطلت الأسباب الدنيوية والأخروية وأكثر الأحكام التكليفية لأن أكثر أدلتها ظنية
وثبوت الجمع
شرعا
بين المختلفات
كالتسوية بين قتل المحرم الصيد عمدا وخطأ في الفداء وبين زنى المحصن وردة المسلم في القتل إلى غير ذلك
و
ثبوت
الفرق
شرعا
بين المتماثلات
كقطع سارق القليل دون غاصب الكثير مع أنهما متماثلان فى أخذ مال الغير وجلد من نسب العفيف إلى الزنى دون من نسب المسلم إلى الكفرمع أنهما متماثلان في نسبة المحرم إلى الغير إلى غير ذلك
وإنما يستلزمه
أي كون التكليف بالمناط المذكور مستحيلا بناء على أن حقيقة القياس ضد ذلك وهو إلحاق النظير بالنظير فأنى يجتمعان كما ذكر النظام
لو لم يكن
الجمع بين المختلفات في الحكم الواحد
بجامع
اشتركت فيه وجد في الكل يقع به
التماثل
بينها فإن المختلفات لا يمنع اجتماعها في صفات ثبوتية وأحكام
أو
لم يكن الفرق بين المتماثلات لوجود
فارق
بينها في الحكم
تقتضيه
أي الفرق بينهما فإن المتماثلات إنما يجب اشتراكها في الحكم إذا كان ما به الاشتراك يصلح علة للحكم ولا يكون له في الأصل معارض يقتضي حكما غيره ولا في الفرع معارض أقوى يقتضي خلاف ذلك الحكم وكل من انتفاء الجامع والفارق غير معلوم
ولا
ممتنع
سمعا خلافا للظاهرية والقاساني
بالسين المهملة نسبة إلى بلدة بتركستان
والنهرواني
هذا على ما في الكشف وذكر ابن السمعاني وابن الحاجب وصاحب البديع عن داود وابنه والقاساني والنهرواني إنكار وقوعه شرعا ومعلوم أنه لا يلزم من إنكار وقوعه شرعا امتناعه شرعا ثم ذكر الآمدي أنهم اتفقوا على وقوع ذي العلة المنصوصة والمومى إليها قال السبكي وهو الأصح في النقل عنهم ولذا لا ينكرون قياس الأولى ولا يصح عند أحد من القائلين بالجواز إنكار وقوع القياس بجملته إلا عن أبي محمد بن حزم ثم قد ذهب بعض القياسين إلى أن ما صار القاساني والنهرواني ومن وافقهما ليس قولا بالقياس بل هو يتتبع النص وعلى هذا يصح النقل عنهم في إنكاره جملة والصحيح أن ذلك قول ببعض القياس انتهى ونقل البيضاوي عن القاساني والنهرواني وجوب العمل به في صورتين كون علة الأصل منصوصة بصريح اللفظ أو بإيمائه وكون الفرع بالحكم أولى من الأصل كقياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف قال الإسنوي واعترفا بأنه ليس للعقل هنا مدخل لا في الوجوب ولا في عدمه كما قاله في المحصول وهذا الثاني أبدله في المستصفى بالحكم الوارد على سبب كرجم ما عزو في البرهان بالحكم الذي هو في معنى المنصوص عليه كقياس صب البول في الماء بالبول فيه وجعل الثاني من كلام البيضاوي داخلا في الأول هذا
واستدلالهم
أي الظاهرية ومن
____________________
(3/322)
معهم وهذا وإن كان ظاهر شروح أصول ابن الحاجب أنه لمانعيه عقلا فالوجه أن يكون لمانعيه سمعا أما على أن هذا الدليل نقلى بناء على أنه ما كان للسماع فيه مدخل كما مشى عليه البيضاوي وغيره إذ إحدى مقدمتيه ثابتة بالنقل فظاهر وأما على أنه مركب من النقلي والعقلي بناء على أن النقلي ما كانت مقدمتاه ثابتتين بالنقل كما مشى عليه الإمام الرازي فلأنه لم يتمحض أن يكون المانع منه العقل نعم العبارة موهمة نقل هذا عن المانعين سمعا ولم أقف على التصريح به
بأن فى حكمه
أي القياس
اختلافا
من الجواز وعدمه
والإضافة وعدمها
فهو
أي القياس حينئذ
مردود لأنه من عند غير الله
لقوله تعالى { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } وما كان من عند غير الله فهو مردود
مدفوع بمنع كون الاختلاف الموجب للرد في الآية ما في الأحكام
الشرعية أي في بعضها من الأختلاف فإنه واقع لا يمكن إنكاره
بل
الاختلاف الوجب للرد فيها
التناقض
في المعنى
والقصور
عن البلاغة التي لأجلها وقع التحدي والإلزام بكون القرآن من عند الله أي لو كان القرآن من عند غير الله لكان بعض أخباره مطابقة للواقع دون بعض والعقل موافقا لبعض أحكامه دون بعض وكان متفاوتا في النظم إلى ركيك وفصيح ثم إلى فصيح بالغ حد الأعجاز وقاصر عنه على ما دل عليه الاستقراء لنقصان القوة البشرية وأورد لم قلتم لو كان من عند غير الله لزمه الاختلاف وكثير من الكتب المصنفه هي من عند غير الله ولا اختلاف فيها لإتقان مصنفيها إياها وأجيب بوجهين
أحدهما أن مثل القرآن في نظمه وطريق إعجازه لو قدر أن بشرا تكلفه في مثل حجمه للزمه الاختلاف لو عورة طريقه على السالك غير المعصوم
ثانيهما أنه لو تكلفه بشر بغير إذن إلهي لأعجزه الله فيه بوقوع الاختلاف فيه الدال على كذبه لما عرف من أنه عز وجل لا يؤيده بالمعجزة تمييزا للصادق من غيره
وتبيانا لكل شيء
أي واستدلال مانعيه سمعا بقوله تعالى { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء }
ونحوه
أي وبقوله تعالى { ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } أي على قراءة رفعهما فإن الله جعل كتابه بيانا لكل شيء وجميع الأحكام في الكتاب المبين فلو كان القياس حجة لم يكن الكتاب بيانا لكل شيء ولا كل الأحكام في الكتاب المبين وهو خلاف النص ممنوع لأنه بعد أن يكون المراد بالكتاب المبين القرآن لا اللوح المحفوظ كما عزى إلى عامة المفسرين أو علم الله على ما هو قول بعضهم العموم فيهما
مخصوص قطعا
إذ ليس كل الأشياء كائنة ما كانت في القرآن
أو هو
أي كل شيء
فيه
أي في الكتاب
إجمالا
ولو بالإحالة إلى السنة والقياس فيكون مبينا له بطريق إجمالي معنى وإن لم يذكر لفظا كما بعض الأشياء مبين فيه تفصيلا
فمجاز فيه
أي الكتاب أن يكون مذكورا
حكم القياس
وهو ثبوت حكم الأصل في الفرع أي اعتباره
فيعلمه المجتهد
بطريق الاجتهاد
كما جاز
أن يكون
الكل
أي كل الأحكام
فيه
أي في الكتاب
ويعلمه
____________________
(3/323)
النبي
صلى الله عليه وسلم كما قيل جميع العلم في القرآن لكن تقاصرت عنه أفهام الرجال
مع أنه
أي متمسكهم بهاتين الآيتين على الوجه المذكور
مستلزم أن لا يكون غير القرآن حجة
بعين ما ذكروه
وهو
أي انتفاء حجية غير القرآن
منتف عندهم
أي المانعين
أيضا
فما هو جوابهم عن هذا اللازم لهم فهو جوابنا
وبه
أي وبانتفاء هذا اللازم عندهم
يبعد نسبة هذا
الاستدلال بالآيتين
لهم على الاقتصار
عليه كما هو ظاهر حكاية الناقلين له عنهم
وأما
الجواب عنه على ما ذكره صدر الشريعة وهو أي القرآن تبيان للقياس
باعتبار دلالته
أي القرآن
على حكم الأصل نصا
أي لفظا
وحكم الفرع دلالة
أي معنى
فليس
كذلك
وإلا فكل قياس مفهوم موافقة
لأنه الذي شأنه هذا
مع أنه
أي كون القرآن أفاد الأصول بالنص والفروع بالدلالة
ممنوع في
الأشياء
الستة
الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والتمر بالتمر والذهب بالذهب والفضة بالفضة والملح بالملح
أصول الربا
المنصوص عليها في الأحاديث الصحيحة
و
في
كثير
من الأحكام المقيس عليها
بل
بيان هذا وأشباهه إنما هو
بالسنة فقط وحديث
لم يزل أمر بني إسرائيل مستقيما حتى كثرت فيهم أولاد السبايا و
قاسوا ما لم يكن على ما كان فضلوا
وأضلوا أخرجه البزار من حديث عبد الله بن عمرو وفي سنده قيس بن الربيع فيه مقال ورواه الدارمي وأبو عوانة بإسناد صحيح من قول عروة
ليس مما نحن فيه
وهو إظهار ما قد كان ورد مشروع إلى نظيره في حكمه بالعلة المؤثرة الجامعة بينهما بل ظاهره أنهم كانوا يقيسون في نصب الشرائع بالآراء ما لم يكن مشروعا بما كان مشروعا جهلا منهم ونحن بحمد الله تعالى وتوفيقه أشد الناس نكيرا لذلك
قالوا
أي المانعون له سمعا أيضا
أرشد إلى تركه
أي القياس
بإيجاب الحمل على الأصل
وهو الإباحة والبراءة الأصلية
فيما لم يوجد نص
فيه قوله تعالى { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } الآية فكل ما لم يوجد في كتاب الله محرما لا يكون محرما بل يكون باقيا على الإباحة الأصلية
الجواب
هذا
إنما يفيد منع إثبات الحرمة ابتداء به
أي بالقياس
وبه
أي وبمنع إثباتها ابتداء به
نقول كما
نقول بامتناعه فيما
لم يدرك مناطه قالوا
أيضا القياس
ظني
فلم يجز إثبات حق الشارع به وهو الحكم الشرعي لقدرته على البيان القطعي بخلاف حقوق العباد فإنها تثبت بما فيه شبهة كالشبهات لعجزهم عن الإتبات بقطعي
لا
أنه
كخبر الواحد
فإنه بيان من جهة الشارع قطعي وإنما تمكنت الشبهة في طريق الانتقال إلينا تمكنها في انتفاء اليقين وخرج الخبر بها من أن يكون حجة موجبة للعلم كالنص المؤول
وجوابه ما مر في مسألة تقديمه
أي خبر الواحد
عليه
أي القياس من أن المعتبر من الخبر الحاصل الآن وهو مظنون كالقياس على أن الوصف الذي هو علة عندنا موجب للعلم كما إن الخبر أصله موجب للعلم لأن الوصف كالخبر والتعليل كالرواية فكما احتملت الرواية الغلط احتمل التعليل الغلط فلا فرق بينهما والفرق المذكور بين حق الله
____________________
(3/324)
تعالى وحق العباد ساقط لأن جهة القبلة محض حق الله لأن التوجه إليها الأداء حق الله سبحانه ومع ذلك أطلق لنا العمل بالرأي فيه أما لتحقيق معنى الابتلاء أو لأنه ليس في وسعنا ما هو أقوى من ذلك وهذا المعنى بعينه موجود في الأحكام
ثم بعد جوازه
أي تكليف المجتهد بطلب مناط الحكم
وقع
التكليف به
سمعا قيل ظنا لأبي الحسين ولذا
أي وقوعه ظنا عنده
عدل
في إثباته
إلى ما تقدم
من الدليل العقلي
فإن السمعي يفيد ظن إيجاب القياس حينئذ وإثبات أصل ديني ثبت به الأحكام لا يكفي فيه الظن
وقيل
أي وقال الأكثر وقع
قطعا لقوله تعالى { فاعتبروا يا أولي الأبصار } فإن الاعتبار رد الشيء إلى نظيره بأن يحكم عليه بحكمه ومنه سمى الأصل الذي ترد إليه النظائر عبرة وهذا يشمل الاتعاظ والقياس العقلي والشرعي ولا شك أن سوق الآية للاتعاظ فتدل عليه عبارة وعلى القياس إشارة
وكونه
أي اعتبروا
مخصوصا بما انتفت شرائطه
أي خص من متعلقه ما انتفت فيه شرائط القياس
واحتمال كونه
أي اعتبروا
للندب و
احتمال
كونه
أي اعتبروا خطابا
للحاضرين
فقط
و
احتمال
إرادة المرة
من الاعتبار
وفي بعض الأحوال والأزمنة
فكيف يثبت بذلك وجوب العمل لكل مجتهد بكل قياس صحيح في كل زمان
جوابه أن اعتبروا في معنى افعلوا الاعتبار وهو عام والتخصيص المذكور
لا ينفي القطع به
أي بما عداه
لأنه تخصيص بالعقل
على أنه على تقدير عدم العموم فالإطلاق كاف ولفظ أولى الأبصار يعم المجتهدين بلا نزاع
وليس بكل تجويز عقلي ينتفي القطع
فلا عبرة بباقي الاحتمالات
وإلا انتفى
القطع
عن السمعيات
لطروقه لها بل لو اعتبر لم يصح التمسك بشيء منها
وأما ظهور كونه
أي الاعتبار
في الاتعاظ بالنظر إلى خصوص السبب
الذي ترتب عليه هذا الحكم
ولبعد يخربون بيوتهم بأيديهم
وأيدي المؤمنين
فقيسوا الذرة بالبر
كما هو لازم الاستلال لانتفاء المناسبة فلا يحمل كلام الله تعالى عليه
فالعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب فانتفى الأول وظهر كونه في الاتعاظ
وبه
أي وبهذا
انتفى الثاني
أيضا وهو بعد ترتيب فاعتبروا عليه
إذ المرتب على
سبب المذكور الاعتبار
الأعم منه
أي من قياس الذرة على البر
أي فاعتبروا الشيء بنظيره في مناطه في المثلاث
أي العقوبات جمع مثلة بفتح الثاء وضمها
وغيرها وهذا
الطريق في إثبات التكليف بالقياس بطريق القطع من الآية
أيسر من إثباته
أي التكليف به بطريق القطع منها
دلالة
كما تنزل إليه صدر الشريعة وقال وطريقها في هذه الصورة أن الله ذكر هلاك قوم بناء على سبب وهو اعتزازهم بالقوة والشوكة ثم أمر بالاعتبار ليكف عن مثال ذلك السبب لئلا يترتب عليه مثل ذلك الجزاء
فالحاصل أن العلم بالعلة يوجب العلم بحكمها فكذا في الأحكام الشرعية من غير تفاوت وهذا المعنى يفهم من لفظ الفاء وهي للتعليل فيكون مفهوما بطريق اللغة من غير اجتهاد فيكون دلالة نص لا قياسا حتى لا يكون إثبات القياس بالقياس بل في التلويح وفيه نظر لأن الفاء بل صريح الشرط
____________________
(3/325)
والجزاء لا يقتضي العلة التامة حتى يلزم أن يكون علة وجوب الاتعاظ هذه القضية السابقة غاية ما في الباب أن يكون لها دخل في ذلك وهذا لا يدل على أن كل من علم وجود السبب يجب عليه الحكم بوجود المسبب بل ما ذكره من التحقيق مما يشك فيه الأفراد من العلماء فكيف يجعل من دلالة النص وقد سبق أنه يجب أن يكون مما يعرفه كل من يعرف اللغة وإلى هذا أشار المصنف بقوله
إذ لا يفهم فهم اللغة الأمر بالقياس في الأحكام من
الأمر ب
الاتعاظ
وقد أجيب أولا بأن الفاء تدل على العلية في الجملة وظاهر أن لا علة هنا لوجوب الاتعاظ سوى القضية السابقة فتكون كل العلة وعلى تقدير التسليم لكونها لها دخل في العلة تثبت أيضا أن لها دلالة على العلية في الجملة وثانيا بأن التحقيق الذي ذكره صدر الشريعة مما لا ينبغي أن يشك فيه عارف باللغة فلو شك فيه واحد من أفراد العلماء فقد يكون لعدم علمه باللغة أو ممن يظهر الشك عنادا
هذا والشرط في دلالة النص أن يكون المعنى الذي هو مناط الحكم ثابتا في المنصوص عليه لغة بحيث يعرفه أهل اللسان وأما في غيره فلا يشترط أن يكون مناط الحكم مما يعرفه أهل اللسان
وأيضا قد تواتر عن كثير من الصحابة العمل به
أي القياس عند عدم النص وإن كانت التفاصيل آحادا كما تقف الآن عليه عن أعيان منهم
والعادة قاضية في مثله
أي العمل به
بأنه
إنما يكون
عن قاطع فيه
أي العمل به وإن لم نعلمه على التعيين
وأيضا شاع ما بحثتهم فيه
أي في العمل بالقياس
وترجيحهم
البعض على البعض
بلا نكير
لذلك
فكان
ذلك
إجماعا منهم في حجيته لقضاء العادة به
أي بكونه حجة
في مثله من أصول الدين لا سكوتا
يفيد الظن
وحديث معاذ
المفيد حجية القياس وقد سبق ذكره مخرجا في مسألة وليست لغوية مبدئية الأئمة الأربعة يجوز التخصيص بالقياس
يفيد طمأنينة
وهو فوق الظن المستفاد بالآحاد
فإنه
أي حديثه
مشهور عن الحنفية
فيثبت به الحصول فإن قيل الاجتهاد قد يكون بغير القياس المتنازع فيه كالحكم بالبراءة الأصلية والقياس المنصوص العلة والاستنباط من النصوص الخفية الدلالة ولو سلم فلا دلالة له على الجواز لغير معاذ فالجواب أن البراءة على تقدير تسليم احتياجها إلى الاجتهاد هي ما توجب في الكتاب لقوله تعالى { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } الآية ولو كان المراد منصوص العلة فقط لما سكت الشارع لبقاء كثير من الأحكام وهي التي تبتنى على قياس غير منصوص العلة
وكون الاجتهاد في المنصوص داخلا في قوله
أي معاذ أقضى بما في
كتاب الله وسنة رسول الله
ثابت أيضا لأن المستنبط منهما موجود فيهما
فلم يبق إلا القياس
مطلقا
والقطع بأن إطلاقه
أي إطلاق جوازه لمعاذ
ليس إلا لاجتهاده لا لخصوصه
فثبت في غيره بدلالة النص
والمروي عن جمع من الصحابة كالصديق والفاروق وعلي وابن مسعود
رضي الله عنهم
من ذمه
أي القياس فقد ذكر غير واحد عن أبي بكر رضي الله عنه أنه لما سئل عن الكلالة قال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا
____________________
(3/326)
قلت في كتاب الله برأيي
وروى البيهقي في المدخل عن عمر رضي الله عنه اتقوا الرأى في دينكم إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن اتهموا الرأي على الدين وروى أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح عن علي رضي الله عنه لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من أعلاه
وروى الطبراني عن ابن مسعود لا أقيس شيئا بشيء فنزل قدم بعد ثبوتها وعنه أيضا إياكم وأرأيت فتنزل قدم بعد ثبوتها وروى هو أيضا والبيهقي عنه يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم فينهدم الإسلام وينثلم فبعد صحته عنهم
فالقطع بأنه
أي الذم
في غيره
أي القياس الشرعي وإلا فما عن أبي بكر لم أقف عليه مخرجا بل أخرج ابن أبي شيبة عنه رأيت في الكلالة رأيا فإن يك صوابا فمن الله وإن يك خطأ فمن قبلي والشيطان الكلالة ما عدا الولد والوالد ورواه البيهقي بلفظ سئل أبو بكر عن الكلالة فقال أقول فيها برأيي الخ وفي مسند الطبراني جابر الجعفي ضعيف وفيما وافقه عليه البيهقي مجالد بن سعيد تكلم فيه ثم إنما كان مراد الذامين غير ما نحن فيه
إذ قاس كثير
وقال الزركشي الصحابة
حرام على طالق
ولم أقف على تخريج فيه بل روى سعيد بن منصور عن إبراهيم أن عليا رضي الله عنه كان يقول في الحرام والخلية والبرية والبتة هي ثلاث وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا قال في الذي يحرم أهله هي طالق ثلاثا قال شيخنا الحافظ ورجالهما ثقات لكن الأول منقطع بين إبراهيم وعلي والثاني منقطع بين محمد وعلي قال وصح عن ابن عمر أخرجه سعيد بن منصور أيضا وبه قال زيد بن ثابت على خلاف عنه اه فلا جرم أن ذكر ابن المنذر أنه روى وقوع الثلاث به عن علي وزيد بن ثابت وابن عمر ثم هذا لا يتأتى على قول أصحابنا فإنه لا يقع بطالق عندهم سوى واحدة رجعية وذكر بعضهم وقوع واحدة به عن ابن مسعود وهذا في تمشيته قياسا على طالق عند أصحابنا فيه تأمل فإنهم وإن كانوا يقولون بوقوع الواحدة به فهم يقولون بوقوعها بائنة والواقع بطالق واحدة رجعية ثم إنهم يقولون بوقوع الثلاث بالحرام إذا نواها لا بطالق
و
قاس
علي
رضي الله عنه
الشارب
للخمر
على القاذف
في الحد كما تقدم بيانه قريبا وبعيدا
و
قاس
الصديق
رضي الله عنه
الزكاة على الصلاة في وجوب القتال
في الترك ففي الحديث المتفق عليه أن عمر قال لأبي بكر كيف تقاتل الناس فساقه وفيه من قول أبي بكر والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ومن قول عمر فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق
وفيه
أي قياس أبي بكر المذكور
إجماع الصحابة أيضا
فإنهم وافقوه عليه
وورث
أبو بكر رضي الله عنه
أم الأم لا أم الأب
لما اجتمعتا
فقيل له
والقائل عبد الرحمن بن سهل أخو بني حارثة كما أفادته رواية الدار قطني وسعيد بن منصور ما معناه
تركت التي لو كانت الميتة
وهو حي
ورث الكل
منها أذا انفرد
أي هي
أي أم الأب
أقرب
من أم الأم
فشرك
أبو بكر
بينهما في السدس
على السواء أخرج معناه
____________________
(3/327)
البيهقي عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ورجاله رجال الصحيح
و
ورث
عمر المبتوتة بالرأي
فأخرج البيهقي عن النخعي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في الذي يطلق امرأته وهو مريض أنها ترثه في العدة ولا يرثها وهو مشهور عن عثمان كما رواه مالك والشافعي بسند صحيح
وابن مسعود
قاس
موت زوج المفوضة
قبل الدخول بها في لزوم جميع مهر المثل على موت زوج غيرها قبل الدخول بها في لزوم جميع المسمى لها وتقدم تخريجه في مسألة بعد اشتراط الحنفية المقارنة في التخصيص وفي التنبيه بذيل مسألة عرفان الشهرة معرف للعدالة نعم لم يقع في الرواية تصريح ابن مسعود بالقياس ولا ضير فإنه لازم قوله
وذلك
أي العمل بالقياس للصحابة فضلا عن غيرهم
أكثر من أن ينقل واختلافهم
أي الصحابة
في توريث الجد مع الأخوة
لأبوين أو لأب
كل
منهم
قال فيه بالتشبيه
فقد أخرج طلحة في مسند أبي حنيفة عنه عن جعفر بن محمد الصادق أن عمر شاور عليا وزيد بن ثابت في الجد مع الأخوة فقال له علي أرأيت يا أمير المؤمنين لو أن شجرة انشعب منها غصن ثم انشعب من الغصن غصن أيهما أقرب إلى أحد الغصنين أصاحبه الذي خرج منه أم الشجرة وقال زيد لو أن جدولا انبعث من ساقية ثم انبعث من الساقية ساقيتان أيهما أقرب إحدى الساقتين الى صاحبتها أم الجدول الى غير ذلك مما يطول ذكره
مسألة النص
من الشارع
على العلة
للحكم
يكفي في إيجاب تعدية الحكم بها
أي بالعلة إلى غير محل الحكم المنصوص المشارك له فيها
ولو لم تثبت شرعية القياس وفاقا للحنفية وأحمد والنظام والقاساني
وأبي إسحاق الشيرازي
وأبو عبد الله البصري
قال يكفي في إيجاب تعدية الحكم بها
في التحريم
أي إذا كانت علة لتحريم الفعل دون غيره
خلافا للجمهور
في أنه لا يكفي في إيجاب تعدية الحكم بها مطلقا
لهم
أي الجمهور
انتفاء دليل الوجوب
لتعدية الحكم بها ثابت
وهو
أي دليله
الأمر
بالتعدية بها
أو الإخبار به
أي بالوجوب فينتفي الوجوب
وأما الاستدلال
لهم كما ذكر ابن الحاجب وغيره
بلزوم عتق كل
عبد
أسود
له
لو قال أعتقت
عبدي
غانما لسواده
لأنه حينئذ بمثابة أعتقت كل عبد لي أسود وانتفاء اللازم مقطوع به
فمردود
كما أشار إليه عضد الدين
بأنهم
أي الحنفية ومن معهم
لا يقولون بثبوت حكم الفرع من اللفظ ليلزم ذلك
اللزوم المذكور
بل
يقولون
إنه
أي النص على العلة
دال على وجوب إثبات الحكم
بها على المجتهد
أين وجد
الوصف الذي هو العلة المنصوص عليها فذكرها باعتبار الوصف وهذا بناء على نقل الأكثرين عنهم أنهم جعلوا التنصيص على العلة أمرا بالقياس وإلا فقد نقل الغزالي في المستصفى والآمدي عن النظام أن التنصيص على العلة يقتضي تعميم الحكم في جميع مواردها بطريق عموم اللفظ فيتم اللزوم المذكور عليه
وكذا
الاستدلال للحنفية ومن معهم
____________________
(3/328)
بأنه لا فرق بين حرمت الخمر لإسكارها و
حرمت
كل مسكر إذا كان من واجب الامتثال
والثاني يفيد عموم الحرمة لكل مسكر فكذا الأول إذ لا فرق بين ذكر العلة صريحا وبين إضافة الحكم إليها وهو المطلوب مردود
لما ذكرنا
آنفا من أنهم لا يقولون بثبوت حكم الفرع من اللفظ ليلزم عدم الفرق وهذا إنما يتم أيضا بالنسبة إلى النظام على نقل غير الغزالي والآمدي
والفرق
المدعي للحنفية ومن معهم بين كون النص على العلة يوجب تعدية الحكم بها وبين عدم لزوم العتق في الصورة المذكورة
بأن القياس حق الله تعالى فيكفي فيه الظهور والعتق زوال حق آدمي فبالصريح
أي فلا يثبت إلا به وقوله أعتقت غانما لسواده ليس بصريح
ممنوع بأن العتق كذلك
أي يكفي فيه الظهور
لتشوفه
أي الشارع
إليه
حتى كان أحب المباحات إليه
ولأن فيه
أي العتق
حق الله تعالى
لأنه عبادة من جملة العبادات التي هي حقوق الله تعالى
ولنا أن ذكر العلة مع الحكم يفيد تعميمه أي الحكم
في محال وجودها لأنه يتبادر إلى فهم كل من سمع حرمة الخمر لأنها مسكرة تحريم كل ما أسكر ومن قول طبيب لا تأكله
أي الشيء الفلاني
لبردوته منعه
أي المخاطب
من
أكل
كل بارد واحتمال كونه
أي النص على العلة إنما هو
لبيان حكمته
أي الحكم
مع منع المجتهد من مثله
أي القياس عليه
أو أنه
أي النص عليها في نحو حرمت الخمر لإسكارها إنما هو
لخصوص إسكار الخمر
أي لإفادة أن العلة إسكار الخمر بحيث يكون قيد الإضافة إلى الخمر معتبرا في العله لجواز اختصاص إسكارها بترتب مفسدة عليه دون إسكار غيرها لا أن العلة الإسكار مطلقا احتمال
لا يقدح في الظهور كاحتمال خصوص العام بعد البحث عن المخصص
وعدم العثور عليه
فإنه
أي العام
حينئذ
أي بعد البحث عن المخصص وعدم العثور عليه
ظاهر في عدم التخصيص
فإن الظهور لا يدفع بالاحتمال الغير الظاهر وكيف وهو لازمه
فبطل منعه
أي كون النص على العلة موجبا لتعدية الحكم بها
بتجويز كونه
أي النص على العلة
لتعقل فائدة شرعيته
أي الحكم
فى ذلك المحل مع قصره
أي الحكم
عليه
أي ذلك المحل وإنما بطل لأنه خلاف الظاهر
وأبعد منه
أي من التجويز المذكور
تعليل كونه
أي تحريم الخمر
بإسكارها بأن حرمة الخمر لا تعلل بكل إسكار
بل بالإسكار المنسوب إليها كما ذكره عضد الدين وإنما كان أبعد
لأن المدعى ظهور
نحو
حرمتها لأنها مسكرة في التعليل بالإسكار الدائر في كل إسكار دون الإسكار المقيد بالإضافة الخاصة
وهي الإضافة إلى الخمر
لتبادر الغاية
أي خصوص الإضافة
إلى عقل كلى من فهم معنى السكر واعترف هذا القائل
يعني عضد الدين
بإفادة قول الطبيب لا تأكله لبرده التعميم
أي المنع من أكل كل بارد كما هو الظاهر
وهو
أي وحرمة الخمر لأنها مسكرة
مثله
فيكون مفيدا منع شرب كل مسكر
دون
أن يقول
إن المنع
فيه إنما هو
من ذلك البارد
بخصوصه
ولا يعلل
المنع منه
بكل برودة
كما قال في حرمة الخمر لإسكارها لا
____________________
(3/329)
تعلل بكل إسكار بل بالإسكار المنسوب إليها
وفرق البصري بأن ترك المنهي موجب ضررا
لأن النهي الشرعي المفيد للتحريم إنما يقع عن مضر
فيفيد
النهي عنه
العموم
في علته فالنهي عن أكل شيء لأذاه دال على طلب ترك أكل كل مؤذ كقول الطبيب المذكور
والفعل لتحصيل مصلحة
كالتصدق على فقير للمثوبة
لا يوجب كل تحصيل
لكل مثوبة
لا يفيد
مطلوبه
بعد ظهور أنه
أي النص على العلة
من الشارع يفيد إيجاب اعتبار الوصف
لذلك الحكم
ويستلزم وجوب الترتيب
لذلك الحكم على ذلك الوصف
وإلا
لو لم يكن مفيدا لاعتباره ومستلزما لوجوب ترتيب الحكم عليه لزمت مخالفة اعتباره
أي الوصف
وهو
أي خلاف اعتباره مضر كالنهي وهذا
الجواب
تفصيل رد دليلهم
أي الجمهور والظاهر رد تفصيل دليلهم
الأول
وهو انتفاء الأمر بالتعدية والإخبار بوجوبها فإن إفادة اعتبار الوصف بحيث يجب ترتب الحكم عليه أخبار معنى بوجوبها
وأما ما ذكر
في أصول ابن الحاجب وغيره
من مسألة لا يجري الخلاف
في جريان القياس
في جميع الأحكام
بمعنى أن ثم قائلا بجريانه في جميعها وقائلا بامتناعه في بعضها
فمعلومة من الشروط
له لكون حكم الأصل معقول المعنى وكون الفرع لا يتغير فيه حكم نص واجماع على حكم الأصل إلى غير ذلك فلا حاجة إلى إفراد مسألة فيه
ثم الذي في أصول ابن الحاجب وشروحه وغيرها لا يجري القياس في جميع الأحكام خلافا لشذوذ والمراد واحد
ويجب الحكم على الخلاف المنقول على الإطلاق
في هذا
بالخطأ
إذ لا خلاف ينقل بل ولا يعقل في امتناع جريان القياس في حكم لا يعقل معناه والذي في نفس الأمر في امتناع جريانه في بعضها اتفاقا على ما في بعضها من خلاف تقدم بيانه وما حكى من شبهة المخالف بأن الأحكام متماثلة لشمول حد الحكم الشرعي لها وقد جرى القياس في البعض فليجر في الكل لأن المتماثلات بحسب اشتراكها فيما يجوز عليها فساقط لأن شمول الحد الواجب لا يوجب تماثلها على أن هذا لو كان موجبا التماثل لكان مسوغا لقياس كل شيء على كل شيء وهو معلوم البطلان
ثم هذا فصل في بيان الاعتراضات الواردة على القياس ونذكر في طيها ما يرد على غيره وهو قليل بالنسبة إليها
يرد على القياس أسئلة مرجع ما سوى الاسفسار إلى المنع أو المعارضة
لا جميعها كما أطلق غير واحد ثم هذا على ما عليه أكثر الجدليين ووافقهم ابن الحاجب لأن غرض المستدل من إثبات مدعاه بدليله يكون بصحة مقدماته ليصلح للشهادة وبسلامته عن المعارض لتنفذ شهادته فيترتب عليه الحكم وغرض المعترض من عدم إثباته به بهدم أحدهما يكون بالقدح في صحة الدليل بمنع مقدمة منه أو بمعارضته بما يقاومها ويمنع ثبوت حكمها وما لا يكون من القبيلين لا تعلق له بمقصود الاعتراض فلا يلتفت إليه ومشى السبكي على أنها راجعة إلى المنع وحده موافقة لبعض الجدليين لأن المعارضة منع العلة عن الجريان
أولها
أي الأسئلة وطليعتها
الاستفسار وهو طلب بيان معنى الفظ
ولا يختص
____________________
(3/330)
القياس به
بل هو جار في كل خفي المراد وهو
متفق
عليه
ولم تذكره الحنفية لثبوته بالضرورة
إذ بالضرورة يعلم أن ما لم يفهمه المخاطب يستفسر عنه
وأنما يسمع فى لفظ يخفي مراده
ومن ثمة قال القاضي ما تمكن فيه الاستبهام حسن فيه الاستفهام
وإلا
لو كان المراد منه ظاهرا
فتعنت
أي فالاستفسار تعنت
مردود لتفويته فائدة المناظرة إذ يأتي في كل لفظ يفسر به لفظ ويتسلسل وفي الصحاح جاءني فلان متعنتا إذا جاء يطلب زلتك
وله
أي المستدل
أن لا يقبله
أي استفسار المعترض
حتى يبينه
أي المعترض خفاء المراد منه
لأنه
أي الخفاء
خلاف الأصل
إذ الأصل عدم الخفاء لأن الأصل وضع الألفاظ لبيان المراد منها والبينة على مدعي خلاف الأصل
ويكفيه
أي المعترض في بيان الخفاء
صحة إطلاقه
أي اللفظ
لمتعدد ولو
كان إطلاقه على المعاني المتعددة
بلا تساو لأنه
أي المعترض
يخبر بالاستبهام عليه لتلك الصحة
أي صحة إطلاقه لمتعدد فيكفيه ما يدفع به ظن التعنت في حقه ويصدق لعدالته السالمة عن المعارض
وجوابه
أي الاستفسار
بيان ظهوره
أي اللفظ
فى مراده
منه
بالوضع
أي ببيان وضع اللفظ لذلك المراد كقول المستدل لانتهاء حرمة المطلقة ثلاثا على زوجها الأول بوطء زوج ثان شرعا إذا كان قائلا بأن النكاح حقيقة شرعية في الوطء بقوله تعالى { حتى تنكح زوجا غيره } في جواب قول المعترض ما المراد بالنكاح فإنه يقال شرعا على الوطء والعقد المراد الوطء لوضعه له مع عدم الموجب للعدول عنه
أو القرينة
المنضمة إليه كقوله في ذلك إذا كان قائلا بأن النكاح حقيقة شرعيه في العقد والمرأة لا تصلح مباشرتها له في جواب المعترض المذكور المراد العقد بقرينة الإسناد إلى المرأة
أو ذكر ما أراد
به إذ عجز عن بيان ظهوره بأحد هذين الطريقين
بلا مشاحة تكلف نقل اللغة أو العرف فيه
نعم عند طائفة منهم ابن الحاجب يجب أن يفسره بما يجور استعماله فيه كتفسير يخرج في صدقة الفطر الثور لقائل ما الثور القطعه من الأقط وإلا كان من جنس اللعب فيخرج عما وضعت له المناظرة من إظهار الحق فلا يسمع وقيل يسمع لأن غاية الأمر أنه ناظره بلغة غير معلومة ورد بأن فيه فتح باب لا ينسد
قال السبكي هذا كله إذا لم يكن اللفظ مشهورا فإن كان مشهورا فالجزم تبكيت المعترض وفي مثله مر فتعلم ثم ارجع فتكلم قاله أبو بكر النوقاني
وأما
قول المستدل في دفع خفاء المراد من لفظه للمعترض
يلزم ظهوره أي اللفظ في أحدهما
أي المعنيين الذين يطلق على كل منهما
وإلا
لو لم يكن ظاهرا في أحدهما
فالإجمال
أي فيلزم الإجمال له
وهو
أي الإجمال
خلاف الأصل أو
يلزم ظهوره
فيما قصدت إذ ليس ظاهرا في الآخر بموافقتك إياي على ذلك
فالحق نفيه
أي هذا الدفع كما عليه بعضهم
وإلا
لو لم يكن الحق نفيه كما عليه آخرون بناء على ظهور وروده
فات الغرض فإنه
أي المعترض
ذكر عدم فهمه مراد المستدل
فلم يبين
له مراده
ومثله
أي سؤال الاستفسار في عدم الاختصاص بالقياس سؤال
____________________
(3/331)
التقسيم
فإنه جار في جميع المقدمات التي تقبل المنع ولذا عقبه به وهو
منع أحد ما تردد اللفظ بينه وبين غيره
بعينه
مع تسليم الآخر
أي كونه مسلما في نفس الأمر حال كون المنع
مقتصرا
إن لم يقرن بذكر تسليم الآخر بأن سكت المعترض عن ذكر كونه مسلما
أو
قرن
بذكره
أي التسليم له
كفى الصحيح المقيم
أي كما يقال في إجازة التيمم للصحيح المقيم
فقد الماء فوجب سبب التيمم
وهو فقد الماء
فيجوز
التيمم
فيقال
من قبل المعترض
سببية الفقد
للماء فقده
مطلقا أو
فقده
في السفر الأول ممنوع
والثاني مسلم لكن لا يلزم منه المطلوب إذ الكلام في الصحيح الحاضر
وفي الملتجىء
أي وكما يقال في القاتل عمدا عدوانا إذا لاذ بالحرم يقتص منه إذ
القتل
العمد
العدوان سببه
أي الاقتصاص منه
فيقتص فيقال
القتل العمد العدوان سببه
مطلقا
أي مع الالتجاء وبدونه
أو
هو سببه
ما لم يلتج الأول ممنوع
والثاني مسلم ولا يلزم المطلوب لأن الكلام في المتلجىء فقد اختلف في هذا السؤال
فقيل لا يقبل لعدم تعين الممنوع مرادا
للمعترض ولا يبطل كلام المستدل حتى يكون الممنوع مراده
ولأن حاصله
أي هذا السؤال
ادعاه المعترض مانعا
للحكم
وبيانه
أي المانع
عليه
أي المعترض لدعواه أمرا عارضا
والمختار قبوله
أي هذا السؤال
لجواز عجزه
أي المستدل
عن إثباته
أي الممنوع وله مدخل في هدم الدليل
واللفظ
للسائل
يفيد نفي
السببية لا وجود المانع مع السبب وأما كونه
أي المستدل
به
أي بالإبطال
يتبين مراده
أي المستدل وربما لم يمكنه تتميم الدليل مع الإبطال كما ذكره عضد الدين في توجيه هذا
فليس
كذلك
بل قياسه
أي المستدل
يفيده
أي تبيين مراده
إذ ترتيبه
أي المستدل الحكم إنما هو
على الفقد
للماء مطلقا
والقتل
العمد العدوان
مطلقا فهو
أي مراده
معلوم
بهذا
وترديد السائل تجاهل أو تحرير الترتيب على الفقد المقيد
بقوله في السفر
مبالغة في الاستيضاح ويكفيه
أي المستدل
الأصل عدم المانع
ولا يلزم بيانه فإن الدليل ما لوجود النظر إليه أي بلا التفات إلى وجود المانع وعدمه أفاد الظن وإنما بيان كونه مانعا على المعترض
هذا ويقبل
هذا السؤال
وإن اشتركا
أي احتمالا للفظ المتردد بينهما
في التسليم إذ اختلفا فيما يرد عليهما من
الأسئلة
الفوادح
فيهما وإلا لم يكن للتقسيم معنى كما لو اشتركا في المنع وليس من شرطه أن يكون أحدهما ممنوعا والآخر مسلما
هذا وقال الكرماني وعند التحقيق ليس هذا سؤالا آخر بل هو داخل تحت سؤال الاستفسار فلا معنى لجعله واحدا مستقلا من الاعتراضات
ثم
قال
الحنفية العلل طردية ومؤثرة و
علمت أن
منها
أي المؤثرة العلة
الملائمة عند الشافعية وليس للسائل فيها
أي المؤثرة
إلا المانعة
أي منع مقدمة الدليل مع السند أي ما المنع مبني عليه أو لا معه وهي منع ثبوت الوصف في الأصل أو في الفرع أو منع ثبوت الحكم في الأصل أو في الفرع أو منع صلاحية الوصف للحكم أو منع نسبة الحكم إلى الوصف
والمعارضة
وهي لغة المقابلة على سبيل
____________________
(3/332)
الممانعة واصطلاحا تسليم دليل المعلل دون مدلوله والاستدلال على نفي مدلوله
لأنهما لا يقدحان في الدليل
كما علمت
بخلاف فساد الوضع
أي كون العلة مرتبا عليها نقيض ما تقتضيه
و
فساد
الاعتبار
أي كون القياس معارضا بنص أو إجماع كما سنذكر
والمناقضة
أي وجود العلة في صورة مع تخلف الحكم وإنما قال
أي النقض
لئلا يتبادر بمعنى منع مقدمة بعينه كما هو اصطلاح الجدليين كما سيأتي فإن هذه الثلاثة ليست للسائل في المؤثرة
إذ يوجب
كل منها
تناقض الشرع
لأن التأثير إنما يثبت بالكتاب أو السنة أو الإجماع وهذه لا تحتمل التناقض فكذا التأثير الثابت بها لأن في مناقضته مناقضتها
وهذا أي هذا النقض إنما لا يكون للسائل في المؤثرة
على منع تخصيص العلة
أما على القول بجواز تخصيصها فله ذلك وقد تقدم بيان الخلاف في ذلك وأورد هذه الأدلة كما لا تحتمل المناقضة لا تحتمل المعارضة أيضا فلم فرق بينهما أجيب بأنها وإن لم تحتمل المعارضة حقيقة تحتملها بالنسبة إليها للجهل بالناسخ بخلاف المناقضة فإنها لا تحتملها أصلا لأن التناقض يبطل نفس الدليل ويلزم منه نسبة الجهل إلى الشارع وهو باطل فافترقا
وأما وجود الحكم دونها
أي العلة
وهو العكس فعام الانتفاء
عن المؤثرة والطردية عند شارطي انعكاس العلة وقد تقدم في شروطها ما فيه من الخلاف
وكذا المفارقة
أي منع علية الوصف في الأصل وإبداء وصف صالح للعلية غيره أو منع استدلاله بالعلة بادعاء أنه مع شيء آخر وهو العلة ولم يوجد في الفرع فعام الانتفاء عنهما أيضا على ما هو المختار عند الحنفية كما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى
فإن وجدت صورة النقض
في المؤثرة
دفع بأربع
من الطرق
نذكرها وعلى الطرد ترد
هذه الأسئلة المذكورة من الممانعة والمعارضة وفساد الوضع والاعتبار والمناقضة
مع القول بالموجب
أي التزام السائل ما يلزمه المعلل بتعليله مع بقاء النزاع في الحكم المقصود
ولا وجه لتخصيصها
أي الطردية
به
أي بالقول بالموجب كما يوهمه كلام فخر الإسلام وصدر الشريعة وغيرهما بل قول فخر الإسلام العلل قسمان طردية ومؤثرة وعلى كل ضروب من الدفع أما المؤثرة فبطريق صحيح وطريق فاسد أما الفاسد فأربعة أوجه المناقضة وفساد الوضع وقيام الحكم مع عدم العلة والفرق بين الأصل والفرع وأما الصحيح فوجهان المعارضة والممانعة ووجوه دفع العلل الطردية أربعة القول بموجب العلة ثم الممانعة ثم بيان فساد الوضع ثم المناقضة اه ملخصا وتابعه غير واحد
على هذا يوهم اختصاص كل من العلتين بما ذكر لها من وجوه الدفع ومن ثمه بعد أن ذكر الفاضل القاآني الطريق الصحيح في دفع المؤثرة أربعة أوجه أولها الممانعة ثم القلب المبطل ثم العكس الكاسر ثم المعارضة قال وأعلم أن المنوع المذكورة هنا والتي ذكرت في دفع العلل الطردية يتداخل بعضها في بعض والتي لا تداخل فيها لا اختصاص لها بواحدة منها بل
____________________
(3/333)
تجري فيها فتخصيص هذه الأربعة هنا وتلك الأربعة هنالك لا يخلو عن تحكم وبعد أن ذكر في ترتيب وجوه دفع الطردية ما هو المتداول من أنه قدم القول بموجب العلة لأنه يرفع الخلاف بتسليم موجب علته فهو أحق بالتقديم إذ المصير إلى المنازعة عند عدم إمكان الموافقة
ثم الممانعة على الباقيين لأن المنع أسهل منهما ثم فساد الوضع لأنه أقوى في الدفع إذ المناقضة خجل مجلس وهذا انقطاع كلي قال ولم أدر ما دعاهم إلى ترك المعارضة هنا مع أن العلة الطردية قد تدفع بها كما تدفع بها العلة المؤثرة كأنهم ظنوا أن الطردية تندفع لا محالة بأحد هذه الطرق وحينئذ لا يحتاج السائل إلى الاشتغال بها
هذا وقد وافق فخر الإسلام على فساد الاعتراض بالمناقضة وفساد الوضع على المؤثرة شمس الأئمة السرخسي والقاضي أبو زيد ومن تابعهم واعترض عليهم بأنهم إن أرادوا فسادها قبل ظهور أثر الوصف فممنوع لأن الاعتراض بالممانعة لما صح لاحتمال أن لا يكون الوصف مؤثرا صح الاعتراض بهما أيضا لهذا الاحتمال وإن أرادوا بعد ظهور تأثيره فلا فرق إذا بينهما وبين المانعة في الفساد لأن التأثير لما ثبت بدليل مجمع عليه لم يبقى محل الممانعة كما لم يبق محلها
وأجيب بأن مرادهم بطلان دفع السائل بهما بعد ظهور أثر الوصف عند المجيب لأنه بعد ظهوره لا يحتملهما ولكنه يقبل الممانعة لأن السائل إنما يمنعه حتى تظهر صحته وأثره عنده أيضا كما ظهر عند المجيب فتنفعه الممانعة وجوز صدر الإسلام ورود النقض وفساد الوضع على المؤثرة لأنهما في الحقيقة لا يردان على علة الشارع بل على ما يدعيه المجيب علة مؤثرة وذا في الحقيقة يثبت بغلبة الظن فجاز أن لا يكون كذلك في الواقع وإلى هذا أشار المصنف بقوله
ودفع
التخصيص مطلقا
بأن الإيراد
للاعتراض إنما هو
باعتبار ظنه
أي المستدل
للعلية لإنكار ظنه
أي إنكار السائل مطابقة ظن المستدل ما في نفس الأمر
لا على
العلل
الشرعية في نفس الأمر وإلا
إذا كان الإيراد على الشرعية في نفس الأمر
فيجب نفي
إيراد
المعارضة أيضا
على المؤثرة
إذ بعد ظهور تأثير الوصف
يلزم
في المعارضة المناقضة
للشرع
خصوصا بطريق القلب
ومناقضته باطلة فالمعارضة باطلة بل وعزا في الكشف الكبير كون النقيض سؤالا صحيحا تبطل به العلة خصوصا عند من لم يجوز تخصيصها إلى غاية الأصوليين ثم ذكر أنه يجوز أن يكون مراد فخر الإسلام بأنه فاسد على العلل المؤثرة فساده بعد ما ظهر تأثيرها باتفاق الخصمين فأما قبل ظهور التأثير فهو صحيح كما هو مذهب الجمهور وهو ممانعته في نفس الوصف في التحقيق فلا جرم أن قال صدر الأسلام فالاعتراضات الصحيحة على العلل خمسة الأول الممانعة ثم فساد الوضع ثم المناقضة ثم القلب ثم المعارضة ثم قال وأما الاعتراضات الفاسدة على العلل والطرديات الفاسدة فلا نهاية لها لأن كل إنسان فاسد الخاطر يعترض بألف ألف اعتراضات فاسدة ويأتي بألف ألف طرديات فاسدة فلا يقدر أحد على حصرها وفي الكشف وغيره
____________________
(3/334)
وهكذا ذكر عامة الأصوليين وهو الأظهر
وإذ لا تخصيص
لبعض الاعتراضات بالمؤثرة دون الطردية وبالعكس
نذكرها
أي الاعتراضات
بلا تفصيل وتعرض لخصوصياتهم
أي الحنفية فيها
الأول فساد الاعتبار كون القياس معارضا بالنص أو الإجماع فلا وجود له
أي القياس له
حينئذ لينظر في مقدماته
أي القياس لفقد شرطه وسمي بذلك لأن اعتبار القياس في مقابلة النص فاسد وإن كان وضعه وتركيبه صحيحا لكونه على الهيئة الصالحة لاعتباره في ترتيب الحكم عليه
وتخلصه
أي المستدل من هذا الاعتراض
بالطعن في السند
للنص
إن أمكن
بأن لا يكون كتابا ولا سنة متواترة بأن في روايته من ليس بعدل أو كذب الأصل الفرع فيه إلى غير ذلك مما هو في الواقع كذلك
أو
في
دلالته
على مطلوب المعترض بأنه غير شامل له أو غير ظاهر فيه
أو أنه
وإن كان ظاهره ما ذكرت فليس هو المراد بل هو
ما دل بدليله
أي التأويل المفيد يرجحه على الظاهر
أو
أنه
خص منه حكم القياس
مع بيان دليل التخصيص وهذا من عطف المقيد على المطلق فإن التأويل أعم من أن يكون بطريق التخصيص أو غيره من إضمار أو غيره
ومعارضته
أي المستدل نص المعترض
بمساو في النوع
له كالكتاب بالكتاب والسنة بالسنة
والترجيح
لأحدهما على الآخر
بعد ذلك
أي التساوي
بالخصوصية
الممتاز بها أحدهما على الآخر كالمحكم على المفسر وهو على النص وهو على الظاهر وإن انتفت الخصوصية لأحدهما على الآخر حتى يتساقط النصان سلم قياس المستدل
فلو عارض الآخر
أي المعترض
بآخر
أي نص آخر مع الأول
من غير نوعه
أي نوع الأول
وجب أن يبنى
ترجيح الأول بالثاني
على الترجيح بكثرة الرواية
والوجه الرواة وتقدم مافيه من الخلاف إذا لم يبلغ حد الشهرة في فصل الترجيح
وعلى
القول بأن
لا ترجيح بكثرة
الرواة
لا يعارض النص النص والقياس ليقف القياس للعلم بسقوط هذا الاعتبار في نظر الصحابة
فإنهم كانوا يرجعون عند تعارض النصين إلى القياس فما أوجبه القياس أخذوا به على ما يفيده تتبع أحوالهم في ذلك والمناظر تلو المناظر لاشتراكهما في القصد إلى إظهار الصواب
ومن نوعه
أي لو عارض المعترض دليل المستدل بنص آخر من نوع دليله الأول أيضا مع دليله الأول
لا يرجح
دليل المعترض الأول به
اتفاقا
بل كلاهما يعارضهما نص المستدل الواحد كما يعارض شهادة الاثنين شهاده الأربع
ولو قال المستدل
للمعترض
عارض نصك قياسي فسلم نصي فبعد أنه
أي هذا الجواب من المستدل هو
الانتقال الممنوع
لأنه حينئذ مثبت بالنص لا بالقياس بعد شروعه في الإثبات بالقياس
معترف بفساد الاعتبار على قياسه
لاعترافه بمعارضة قياسه النص مثاله
نحو
أن يقول الشافعي في حل ذبيحة المسلم المتروكة التسمية عمدا
ذبح التارك
لها ذبح
من اهله
وهو كونه مسلما
في محله
أي فيما جاز أكل لحمه من الأنعام وغيرها
فيحلها كالناسي
أي كذبح ناسي التسمية
فيقال
في جوابه هذا القياس
فاسد الاعتبار لمعارضة ولا
____________________
(3/335)
تأكلوا الآية
أي مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق
فالمستدل
الشافعى يقول هذا
مؤول بذبح الوثني بقوله
صلى الله عليه وسلم
المؤمن يذبح على اسم الله سمى أو لم يسم
ويتمشى له في الجملة إذا أثبت هذا وقد ورد معناه ففي مراسيل أبي داود عن الصلت وهو تابعي صغير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر إنه إذا ذكر لم يذكر إلا اسم الله ورجاله ثقات فلا يضر حينئذ قول السبكي ولا يعرف له إسناد
وما قيل
في دفع قول الشافعى
خص
مذبوح
الناسي
من نص ولا تأكلوا الآية
بالإجماع فلو قيس عليه
أي الناسي
العامد أوجب
القياس عليه
كونه
أي القياس
ناسخا
للنص
لا مخصصا إذا لم يبق تحت العام
يعني مما لم يذكر اسم الله عليه
شيء
لأن تحته الناسي والعامد وقد خرجا
إنما ينتهض
دافعا له
إذا لم يلزم
أن يكون النص
مؤولا
قال المصنف الحاصل أن للحنفية في إفساد هذا القياس طريقين
الأولى فساد الاعتبار فإذا أثبت الشافعي أن النص مؤول اندفع
الثاني إفساده بالزام أن قياسه حينئذ ناسخ للكتاب وهو أيضا مندفع بالتأويل يعني بما إذا ذبح للنصب وهو أحد قسمي العامد فالعامد ينقسم إلى تارك فقط وتارك مع الذبح للنصب وإذا أريد بالآية هذا الثاني فيلزم إما أن يبقي تحت العام هذا العامد فإن الشافعي لم يخرجه بل القسم الأول وإما أن لا يكون هذا القسم الثاني قسما من التارك العامد فليس حينئذ من العموم والخصوص في شيء وهذا هو الموعود به في فصل الشروط بقوله وفيه نظر ذكره المصنف
فلو قال
المستدل لما ألزمه المعترض فساد الاعتبار
قياسي أرجح من نصك
فلا يلزمني فساد الاعتبار
فليس للمعترض
أن يبين فساد قياسه بالفارق ليندفع قول المستدل أن قياسه أرجح من ذلك النص فيثبت فساد الاعتبار عليه فليس له في هذا المثال
إبداء فرق بينهما
أي العامد والناسي
بأنه
أي العامد
صدف
أي أعرض
عن الذكر مع استحضار مطلوبيته
أي الذكر منه
شرعا
فكان مقصرا
بخلاف الناسي
فإنه معذور إذ لا تقصير منه فكان العلة أنه ذبح من أهله في محله غير مقصر وهذا غير موجود في العامد وإنما لم يكن له ذلك
لأنه
أي بيان الفارق مستقل بفساد القياس فيكون رجوعا عن إفساده بفساد الاعتبار إلى إفساده ببيان الفارق فهو كما قال
انتقال عن فساد الاعتبار
أي إفساد القياس به إلى إفساده ببيان الفارق وأي شيء أقبح في المناظرة من الانتقال
وللمعترض منع معارضة خبر الواحد لعام الكتاب
أي مما لم يذكر اسم الله عليه
فلا يتم
أن يكون
مؤولا وللمجيب إثباته أي كون خبر الواحد معارضا لعام الكتاب
إن قدر
على ذلك
وليس
إثباته
انقطاعا وإن كان منتقلا إلى
دليل
آخر يحتاج فيه إلى مثل مقدماته
أي الدليل الأول
أو أكثر
من مقدماته
وإنما لا يكون انقطاعا
لأنه
أي المجيب
بعد ساع في إثبات نفس مدعاه كمن احتج بالقياس فمنع جوازه
أي القياس
فاحتج
المحتج به
بقول عمر لأبي موسى أعرف الأمثال والأشباه
____________________
(3/336)
وقس الأمور عند ذلك
ولم أقف عليه مخرجا
فمنع
مانع جوازه
حجية قول الصحابي فأثبته
أي المحتج حجيته
بقوله عليه الصلاة والسلام اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر
وتقدم تخريجه في الإجماع
فمنع
المانع المذكور
حجية خبر الواحد فأثبته
أي المحتج كونه حجة بما تقدم في السنة
وإذ يتردد في الأجوبة
شيء
من هذا
أي الانتقال من كلام إلى آخر
فهذه مقدمة في الانتقال
من كلام إلى آخر وهو إنما يكون قبل أن يتم المستدل إثبات الحكم الأول هو
إما من علة إلى
علة
أخرى لإثباتها
أي العلة الأولى التي هي علة القياس
أو
من حكم
إلى حكم آخر يحتاج إليه
الحكم الأول يثبت هذا الحكم المنتقل إليه
بتلك العلة
التي هي علة القياس
أو
إلى حكم آخر يحتاج إليه الحكم الأول يثبت هذا الحكم المنتقل
بأخرى
وهذه الثلاثة صحيحة اتفاقا أما الأول فلأن المستدل التزم إثبات الحكم بما ذكره من العلة فإذا أنكر الخصم ثبوتها يحتاج إلى إثباتها فما دام سعيه في إثبات تلك العلة يكون وفاء منه بما التزم وهذا إنما يتحقق في الممانعة فإن السائل لما منع وصف المعلل عن كونه علة لزمه إثبات عليته بدليل آخر ضرورة فلا يعد منقطعا لأنه اشتغال بما هو وظيفته
وأما الثاني والثالث فلأن الانتقال من حكم إلى آخر إنما يكون عند موافقة الخصم في الحكم الأول وذلك إنما يتحقق في القول بموجب العلة لأن السائل لما سلم الحكم الذي رتبه المجيب على العلة وادعى النزاع في حكم آخر لم يتم غرض المجيب فينتقل لإثبات الحكم المتنازع فيه بالعلة الأولى إن أمكنه ذلك وذلك آية كمال فقهه حيث علل على وجه يمكنه إثبات حكم آخر بتلك العلة ودليل على صحة وصفه حيث أمكنه إثبات حكم آخر به
أو
من علة
إلى
علة
أخرى لإثبات الحكم الأول
لا لإثبات العلة الأولى وهذا إنما يتحقق في فساد الوضع والمناقضة إن لم يمكن دفعهما ببيان الملائمة والتأثير والطرد
واختلف في هذا
الرابع
فقيل يقبل لمحاجة الخليل عليه السلام
نمروذ بن كنعان المشتمل عليها قوله تعالى { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر } فانتقل صلى الله عليه وسلم من حجة إلى أخرى لإثبات الحكم الأول وقد حكى الله تعالى ذلك عنه على سبيل التمدح فهو إذا صحيح
ودفع
هذا
بأن حجته
أي إبراهيم عليه الصلاة والسلام الأولى
ملزمة
للعين مفحمة له
ومعارضة اللعين
له بمنع دليله المستفاد من قوله أنا أحيي وأميت ثم بيان مستند منعه بإحضاره شخصين من السجن وجب قتلهما فأطلق أحدهما وقال قد أحييته وقتل الآخر وقال قد أمته
بترك التسبب في إزالة حياة شخص وإزالتها قتلا باطلة إذ المراد
بالإحياء
إيجادها
أي الحياة
فيما ليست فيه و
بالإماته
إزالتها
أي الحياة
بلا مباشرة محسوسة
أي بنزع الروح الحيواني من الجسد بغير علاج محسوس لا استبقاء الحياة في الإحياء وتفويتها بالعلاج المحسوس في الإماتة فإن
____________________
(3/337)
هذا مما يقدر عليه الشلوح وقطاع الطريق فأي مزية للعين فيه ولكن كما قال
وحاضره ضلال يسرع إليهم إلزام ما لا يلزم فانتقل إلى دليل آخر لا يحتمل التلبيس
ولا المغالطة ولا المكابرة فيه ومن ثمه لم يقل فأت بها من المشرق مع علمه بعجزه عن ذلك إذ قد تحمله وقاحته ومكابرته إلى أنه لو قال له هذا لقال له أنا آتي بها من المشرق ثم يصبر حتى تطلع منه فيقول ها قد أطلعتها منه فيحتاج إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى إبطال دعواه هذه أيضا وفي ذلك تطويل البحث وانتشاره فاستراح من ذلك بأن طلب منه ما يظهر منه إفضاحه للخاص والعام لعجزه عنه وهو أن يأتي بها من المغرب فهو انتقال إلى دليل أوضح وحجة أبهر ليكون نورا على نور وإضاءة غب إضاءة
قال المصنف
والحق أن لا انتقال فإن الأول
أي قوله ربي الذي يحيي ويميت
الدعوى واستدلاله لم يقع إلا بمعنى الإلزام فى قوله فإن الله يأتي بالشمس الخ
كأنه قال المراد بالإحياء إعادة الروح إلى البدن فالشمس بمنزلة روح العالم لإضائه بها وإظلامه بغروبها فإن كنت تقدر على إحياء الموتى فأعد روح العالم إليه بأن تأتي بالشمس من جانب المغرب وعلى هذا مشى نجم الدين النسفي حيث قال ثم هذا ليس بانتقال من حجة إلى حجة أخرى في المناظرة لأن إبراهيم علية الصلاة والسلام ادعى انفراد الله بالربوبية واحتج لذلك بكمال القدرة ودل عليه بالإحياء والإماتة فلما أراد النمروذ التلبيس أظهر كمال القدرة بحديث الشمس والدليل واحد والصورتان مختلفتان انتهى
وهذا ما قيل الانتقال في المثال كأنه قال إبراهيم ربي الذي يوجد الممكنات ويعدمها وأتى بالإحياء والإماتة مثالا فلما اعترض جاء بمثال أجلي لدفع الشغب فبهت الذي كفر أي انقطع لأنه إن ادعى أنه يأتي بها كذلك عجز عن تحقيق دعواه وإن اعترف بالعجز عن ذلك ظهر نقصه وبطلان دعواه الألهية
والكلام فيما إذا ظهر البطلان
لدليل المستدل
الأول فانتقل إلى دليل آخر فإنه
أي انتقاله
انقطاع في عرفهم
أي النظار
استحسنوه كي لا يخلو المجلس
للمناظرة
عن المقصود
وهو إظهار الحق
وإلا ففي العقل له
أي للمستدل
أن ينتقل إلى
دليل
آخر وآخر إذا لم يثبت ما عينه
من الحكم بما ذكر من الدليل
حتى يعجزه عن إثباته ولو
كان ذلك
في مجالس
وكيف لا والمقصود من المناظرة ظهور الحق بأي دليل كان وليس في وسع المعلل الانتقال من دليل إلى آخر لا إلى نهاية بل الانتقال من علة إلى علة لإثبات حكم شرعي بمنزلة الانتقال من بينة إلى أخرى لإثبات حقوق الناس وهو مقبول بالإجماع صيانة لها فكذا هذا
فالانقطاع
للسائل أو المعلل إنما يكون
بدليله
أي العجز عن تحقيق مطلوبه
سكوت
كما أخبر الله تعالى عن اللعين بقوله { فبهت الذي كفر } قال شمس الأئمة السرخسي وهو أظهر أنواع الانقطاع
أو إنكار ضرورى
أي معلوم ضرورة بالمشاهدة أو بغيرها فإنه يدل على أنه ما حمله عليه إلا العجز عن دفع حجة الخصم أو منع بعد تسليم
فإنه أيضا يدل على أنه لم يحمله عليه إلا عجزه عن الدفع لما ذكره الخصم وفي
____________________
(3/338)
الكشف ولا يقال يحتمل أن يكون تسليمه عن سهو أو عن غفلة لأن عند ذلك يبين وجه الدفع بطريق التسليم ثم يبني عليه استدراك ما سها فيه فأما أن يرجع عن التسليم إلى المنع فذلك لا يكون إلا للعجز فهذه الثلاثة يشترك فيها المعلل والسائل وبقي رابع يخص المعلل مختلف فيه وهو الرابع السالف
وفي
انتقال المعلل من
معرض الاستدلال إلى ما لا يناسب المطلوب أصلا دفعا لظهور إفحامه انقطاع فاحش
للمعلل بلا خلاف وأما انتقال السائل من دفع إلى آخر فليس به بأس لأنه معارض لكلام المجيب فما دام في المعارضة بدفع يصلح اعتراضا لا يكون منقطعا إليه أشير في الميزان
فالأول
أي الانتقال من علة إلى أخرى لإثبات الأولى مثاله
للحنفية في إثبات أن إيداع الصبي
غير المأذون ما ليس برقيق
تسليط
للصبي على استهلاكه
عند تعليله
أي الحنفي
به
أي بتسليطه عليه
لنفي ضمانه
إذا أتلفه كما هو قول أبي حنيفة ومحمد لأن الإتلاف مع التسليط لا يوجب الضمان كما إذا أباح له طعاما فأتلفه لا يضمن بالاتفاق وقال أبو يوسف والشافعي يضمن الصبي في ذلك فيكون إيداعه تسليطا علة القياس فإذا منعه الخصم فانتقل المعلل إلى إثبات كونه تسليطا بأن التسليط على الشيء هو التمكين منه بإثبات اليد على ما ينال بالأيدي وقد وجد هنا لا يكون منقطعا لأنه ساع في إثباتها
والثاني
أي الانتقال من حكم إلى آخر يحتاج إليه يثبت بتلك العلة مثاله
لهم
أي للحنفية أيضا في جواز إعتاق المكاتب الذي لم يؤد شيئا من بدل الكتابة عن كفارة اليمين
الكتابة عقد يحتمل الفسخ
بالإقالة وبالعجز عن أداء البدل
فلا يمنع التكفير بمن تعلقت الكتابة
به
في كفارة اليمين كما هو الاستحسان خلافا لزفر والشافعي
كالبيع بالخيار للبائع والإجاره
فإنه يجوز إجماعا لبائع عبده بشرط الخيار له ومؤجره إعتاقه بنية الكفارة فكونها عقدا يحتمل الفسخ علة القياس
فيقال
من قبل المعترض أنا أقول بموجب هذه العلة فإن الكتابة لا تمنع الصرف إلى الكفارة عندي
بل المنع لغيره
أي غير عقد الكتابة
من نقصان الرق به
أي بعقد الكتابة لأن العتق للمكاتب مستحق به فصار
كأم الولد
أي كاستحقاقها العتق بالولادة بل أولى لأن المكاتب أحق بأكسابه وأولاده دونها
فيجاب بإثبات عدم نقصانه
أي الرق بعقد الكتابة وهو حكم آخر
بالأولى
أي بالعلة الأولى فيقال
احتمال الفسخ
لعقد الكتابة
دليل عدم إيجابه
أي عقدها
نقصانه
أي رقه
لأن ما يوجبه
أي نقصان رقه
لا يحتمل الفسخ
بوجه
إذ هو
أي نقصان الرق
بثبوت الحرية من وجه
وكما أن ثبوتها من كل وجه لا يحتمل الفسخ فكذا ثبوتها من وجه فظهر أن ذكر كون قبول عقد الكتابة الفسخ يدل على أنه لا يوجب نقصا في الرق انتقال من إثبات حكم وهو عدم منعه من الصرف إلى الكفارة إلى اثبات حكم آخر وهو عدم إيجابه نقصا في الرق بالعلة الأولى وهي قبول عقد الكتابة الفسخ ثم مما يوضح أن هذا العقد لا يوجب تمكن نقصان في رق
____________________
(3/339)
المكاتب ولا يصير العتق مستحقا له أن حكم العتق في الكتابة متعلق بشرط الأداء ولو علق عتقه بشرط آخر لم يثبت به الاستحقاق فكذا هذا الشرط بل أولى لأن التعليق بسائر الشروط يمنع الفسخ وبهذا الشرط لا يمنع بخلاف الاستيلاد فإن به يتمكن النقصان في الرق حتى لا يعود إلى الحالة الأولى
والثالث
أي الانتقال من حكم إلى حكم يحتاج إليه الحكم الأول ويثبت بعلة أخرى مثاله
أن يجيب
المستدل في جواب الاعتراض المذكور آنفا من قبل المعترض
بقوله الكتابة عقد معاوضة فلا يوجب نقصانا فيه
أي الرق
كالبيع بالخيار
فيجوز إعتاقه عن الكفارة كإعتاق البائع عبده الذي باعه بشرط الخيار في مدته فعقد معاوضة علة أخرى لإثبات حكم هو عدم النقصان يحتاج إليه الحكم الأول
والكل
أي وجميع هذه الانتقالات الثلاثة
جائز
إلا أن التعليل المخرج إلى الانتقال فيه من علة إلى أخرى أو إلى حكم آخر لا يخلو عن ضرب غفلة حيث لم يعرف المعلل موضع الخلاف في ابتداء تعليله حتى علل على وجه افتقر فيه إلى الانتقال
هذا ويشبه الاستفسار في عمومه
للقياس وغيره
وفساد الاعتبار في عدم القياس
أي في كونة موجبا انتفاء وجود القياس في الواقع
القول بالموجب لأن حاصله
أي القول بالموجب
دعوى النصب
للدليل
في غير محل النزاع و
غير
لازمه
أي محل النزاع
إذ هو
أي القول بالموجب
تسليم مدلول الدليل مع بقاء النزاع في الحكم المقصود فإن القياس حينئذ
أي حين كان المراد بالقول بالموجب هذا المعنى
بالنسبة إليه
أي النصب في غير محل النزاع ولازمه
منتف فظهر
من هذا
أن لا وجه لتخصيصه
أي المخصص
القول بالموجب بالطردية
كما ذكر الحنفية
وهو
أي القول بالموجب
ثلاثة الأول في إثبات الحكم واستناده
أي المعترض
فيه
أي في القول بالموجب إلى لفظ المعلل كقوله
أي المعلل الذي هو الشافعي
في المثقل
أي في أن القتل به يوجب القصاص
قتل بما يقتل غالبا فلا ينافي القصاص كالحرق
أي كالقتل بالنار فإن الحرق يقتل غالبا
فيسلم
المعترض الذي هو الحنفي عدم منافاته أي القتل بما يقتل غالبا وجوب القصاص
مع بقاء النزاع في ثبوت وجوب القصاص وهو
أي وجوبه
المتنازع فيه
وكما أن عدم منافاته لوجوب القصاص ليس محل النزاع لا يقتضي محل النزاع أيضا إذ لا يلزم من عدم منافاته الوجوب أن يجب
أو استناده فيه إلى
حمله أي المعترض كلام المستدل
على غير مراده كالمسح
بالرأس
ركن فيسن تثليثه
كالغسل للوجه
فيقول
المعترض
بموجبه
وهو استنان تثليث المسح
إذ سننا الاستيعاب
في مسح الرأس
وهو
أي الاستيعاب فيه
ضم مثلي الواجب
فيه أي
الربع وزيادة إليه
أي الواجب فالاستيعاب تثليث وزيادة إذا هو جعل الشيئ ثلاثة أمثاله وذلك لا يقتضي اتحاد المحل فإن من دخل ثلاثة دور يكون ثلاث دخلات كما لو دخل دارا واحدا ثلاث مرات
ومقصوده
أي المستدل من التثليث ليس هذا بل
التكرير فإذا أظهره
أي
____________________
(3/340)
المستدل أن مراده التكرير
انتفى
القول بالموجب وتعينت الممانعة أي لا نسلم أن الركن يسن تكراره بل المسنون في الركن الإكمال دون التكرار وهو بالإطالة في محله كما في القراءة والركوع والسجود في الصلاة إلا إذا تعذر الإكمال بها لاستغراق الفرض محله كما في الغسل فإن تكميله بالإطالة يقع في غير محل الفرض فيصار إلى التكرار خلفا عنه وفي مسح الرأس الأصل مقدور عليه لأن محل المسح الرأس من غير تعيين موضع دون موضع وهو متسع يزيد على مقدار الفرض فيمكن تكميله بالإطالة والاستيعاب في محل الفرض فيبطل الخلف
وكذا
قول المستدل الشافعي لتعيين نية الصوم في رمضان
صوم فرض فيشترط
فيه
التعيين فيقول
المعترض الحنفي
بموجبه
أي الدليل أي
لزوم التعيين
في صوم رمضان
والنزاع في غيره
أي غير لزوم التعيين أي
كون الإطلاق بعد تعيين لزوم التعيين
لنية الصوم
بعد تعيين الشرع الوقت الخاص
وهو شهر رمضان
له
أي للصوم
تعيينا
له لأن الله تعالى لم يشرع فيه صوم غيره
حملا
للتعيين
على
التعيين
الأعم
من أن يكون بقصد الصائم أو بتعيينه بتعيين الشارع
ومراده
أي المستدل من التعيين
تعيين المكلف
فإذا أظهره انتفى القول بالموجب وتعينت الممانعة قال المصنف
والوجه للشارط
في التعيين كونه بقصد المكلف
لأن كون إطلاق الناوي تعيين بعض محتملاته
أي الأعم كالنقل بالأعم
يصير الأعم عين الأخص وتقدم تمامه
أي هذا في القسم الثاني من أقسام الوقت المقيد به الواجب وأوضحناه ثمة فليستذكر بالمراجعة ثم هذا قلما يقع لشهرة محل النزاع وتقدم تحريره غالبا
والثاني
من أقسام القول بالموجب
إبطال
المستدل بدليل الخصم
ما ظن مأخذ خصمه
ومبنى مذهبه في المسألة وهو يمنع كونه مأخذا لمذهبه فلا يلزم من إبطاله إبطال مذهبه
كفي القتل بالمثقل
إذا استدل الحنفي على نفي القتل به فقوله قتل بمثقل فلا يقتل به كالعصا الصغيرة
للمعترض
الذي هو الشافعي أن يقول هو كالقتل بالسيف لا تفاوت بينهما إلا في الوسيلة التي هي الآلة ثم
التفاوت في الوسيلة لا يمنع القصاص
كالتفاوت فى المتوسل إليه وهو أنواع الجراحات القاتلة
فيقول
المستدل المانع من القصاص غيره أي التفاوت في الوسيلة فيفتك عدم التفاوت فيها نفي مانع خاص
ونفى مانع
خاص
ليس نفي الكل
أي كل الموانع ولا يثبت الحكم إلا بعد ارتفاع جميع الموانع ووجود الشرائط بعد قيام المقتضى
ويصدق
المعترض إذا قال هذا مأخذي إن كان مجتهدا ومأخذ إمامي إن كان مقلدا على الصحيح لعدالته وكونه أعرف بمذهبه ومذهب إمامه وقيل لا يصدق إلا ببيان مأخذ آخر لأنه ربما كان مأخذه أو مأخذ إمامه ولكنه يعاند ثم هذا أكثر القول بالموجب لخفاء مأخذ الأحكام
والثالث
من أقسام القول بالموجب
أن يسكت
المستدل
عن مقدمة
غير مشهورة لظن العلم بها فيسلم
المعترض المقدمة
المذكورة وبقي النزاع في
المقدمة
المطوية نحو
قول المستدل
ماثبت قربة فشرطه النية
____________________
(3/341)
كالصلاة وطوى والوضوء قربة فيقول
المعترض ما ثبت قربة فشرطه النية
مسلم ومن أين يلزم أن الوضوء شرطه النية
ولو لم يسكت عن الصغرى لم يبق إلا منعها بأن يقول لا نسلم أن الوضوء يثبت قربة ولا يكون من القول بالموجب
قالوا
أي الجدليون
لا بد فيه
أي القول بالموجب
من انقطاع أحدهما
أي المتناظرين
إذ
في القسم الأول
لو بينه
أي المستدل المثبت
محل النزاع أو ملزومه
أي محل النزاع
أو
في القسم الثاني بين المستدل
أنه
أي المبطل
مأخذه
أي الخصم
أو
في القسم الثالث بين المستدل
كيفية
المقدمة المحذوفة
على الوجه الذي يبيح مطلوبه
انقطع المعترض
إذ لم يبق بعده إلا تسليم المطلوب
وإلا
لو لم يبين
المستدل
هذه الأمور انقطع المستدل إذ قد ظهر عدم إفضاء دليله إلى مطلوبه
واستبعد
أي واستبعد ابن الحاجب انقطاع أحدهما
في
القسم
الأخير إذ مراد المستدل أن المتروك
لظهوره
كالمذكور
فالمتروك لفظا مذكور معنى والمجموع يفيد المطلوب
و
مراد
المعترض
أن المذكور وحده لا يفيد فإذا ذكر
المستدل
أنه
أي الدليل
المجموع
من المذكور والمتروك
لا المذكور وحده
وحذف المتروك للعلم به
وحذف المعلوم شائع
كان
له
أي المعترض
المنع واستمر البحث
وإن سلم
فقد انقطع
وكذا لا يخفى بعد قولهم
أى الجدليين
إنه مأخذه بل يقول المعترض مأخذي غيره أو كذا انقطع
به المستدل وإلا المعترض
ولم أقف على هذا عنهم ولم يتضح لي المراد به لأوافق على بعده
وظهر
من هذه الجملة
أن قول الحنفية إنه
أي القول بالموجب
يلجىء أهل الطرد إلى القول بالتأثير لأنه
أي المعترض
لما سلم موجب علته
أي المستدل
مع بقاء الخلاف احتاج إلى معنى مؤثر غير واقع لأن غاية ما يلزمه
أي المستدل
الجواب بما ذكرنا
من بيان محل النزاع أو ملزومه أو مأخذه أو المحذوف
وليس منه
أي مما ذكرنا
ذلك
أي القول بالتأثير
وبعد التمكن من القياس بالجواب عن الاستفسار والتقسيم
وتحرير محل النزاع
بالقول بالموجب
يشرع
المستدل
فيه
أي في القياس
وأول مقدماته حكم الأصل ثم علته
أي حكم الأصل
ثم ثبوتها
أي علته
في الفرع
مع الشروط الأول
أي حكم الأصل يرد
عليه منع حكم الأصل
أي ثبوته فيه قيل والمنع أساس المناظرة فلا يتجاوز عنه إلى غيره إلا عند الضرورة وهل يكون مجرده قطعا للمستدل قيل نعم ولا يمكن من إثباته بالدليل لأنه انتقال إلى حكم شرعي آخر الكلام فيه بقدر الكلام في الأول سواء فقد حيل بينه وبين مرامه وشغل عنه بغيره وذلك للمعترض غاية مرامه
والصحيح ليس
مجرده
قطعا
للمستدل
وإنه
أي هذا المنع
يسمع إلا إن اصطلحوا
أي أهل بلد المناظرة على عدة قطعا فإنه لا يسمع لأنه
____________________
(3/342)
حينئذ قطع كما عليه الغزالي فإنه ذكر يتبع عرف المكان واصطلاح أهله فإن عدوه قطعا فقطع وإلا فلا لأنه أمر وضعي لا مدخل للعقل والشرع فيه ولا مشاحة في الاصطلاح
وهو
أي عدم سماعه إذا اصطلحوا على عده قطعا
محمل
قول
أبي إسحاق
الشيرازي على ما ذكر ابن الحاجب لا يسمع هذا المنع من المعترض ولا يلزم المستدل الدلالة على ثبوت حكم الأصل فينتفي استبعاد ابن الحاجب إياه بأن غرض المستدل إقامة الحجة على خصمه ولا يقوم عليه مع كون أصله ممنوعا ولم يقم عليه دليلا لأن قيام الدليل عليه جزء الدليل ولا يثبت الدليل إلا بثبوت جميع أجزائه
قال السبكي على أن الموجود في كتابي الملخص والمعونة للشيخ أبي إسحاق سماع المنع قال ثم المانع إما أن لا يختلف مذهبه في المنع فجوابه من أوجه
أحدها تفسير الحكم بما يسلم كقول الحنفي في الإجارة عقد على منفعة فبطلت بالموت كالنكاح فيمنع الأصل إذ النكاح لا يبطل بالموت وإنما يتم فيقول أردت بقولى يبطل أنه يرتفع ولا خلاف فيه فيسقط المنع
والثاني أن يبين موضعا يسلم فيه كقولنا الوضوء عبادة شرع لها الاختتام باليسار فشرط فيها الترتيب كالصلاة فيقول المخالف لا نسلم أن الترتيب شرط في الصلاة فإنه لو ترك أربع سجدات من أربع ركعات فأتى بهن في آخر الصلاة أجزأه فيقول لا خلاف أنه إذا قدم الركوع على القراءة أو السجود على الركوع لا يصح وهذا كاف في التسليم
والثالث أن يدل عليه كقولنا الخنزير حيوان نجس في حال حياته فيغسل منه سبعا كالكلب فيمنعون الأصل فيدل عليه بحديث إذا ولغ الكلب وإما أن يختلف مذهب المانع فإن كان لإمامه قولان أو لأصحابه وجهان فجوابه من الأوجه المذكورة ويزيد بتبيين أن الصحيح من مذهبه التسليم كما يقول فيمن تطوع بالحج وعليه فرضه أحرم وعليه فرضه فانصرف إلى ما عليه كما إذا أطلق النية فيمنع الخصم مستندا إلى رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه يكون تطوعا فيجيب بأن الصحيح من مذهبه ما ذكرناه وإما أن لا يعرف مذهب إمامه كقول الحنفي في الكافر يسلم على أكثر من أربع لا يختار أربعا منهن لأنه جمع محرم في نكاح فلا يخير فيه بعد الإسلام دليله إذا جمعت المرأة بين زوجين فإنها لا تخير بينهما فيقول الشافعي هذه المسألة لا نص فيها لأصحابنا ويحتمل أن لا يسلمه وتعقبه السبكي بأنها إذا أسلمت عليهما وقد وقع عقدهما معا لم تقر مع واحد منهما اعتقدوا جوازه أم لا وفيما إذا اعتقدوه وجه أن المرأة تختار أحدهما وإن وقعا مرتبين فهي زوجة الأول اه
ثم إنما قلنا هذا المنع ليس بقطع للمستدل
لأنه
أي هذا المنع
منع بعض مقدمات دليله
أي المستدل وكما لا يكون مجرد منع مقدمة غير هذه من مقدمات دليله قطعا له فكذا
____________________
(3/343)
هذا
وإلا
لو كان مجرد هذا المنع قطعا له
فكل منع قطع
وليس كذلك
وكونه
أي المستدل
به
أي بمنع المعترض حكم الأصل
ينتقل إلى
حكم شرعي هو حكم الأصل
مثل الأول
وهو حكم الفرع
لا يضر إذا توقف
حكم الأصل
عليه
أي ذلك المنتقل إليه
وسعه مجلس أو مجالس
فلا ينعم منه ذلك كما لو منع علية العلة أو وجودها في الأصل أو في الفرع فإنه يصح منه إثباتها ولا يعد المنع قطعا له
ولو تعارفه
أي كون منع حكم الأصل قطعا
طائفة أخرى
غير أهل بلد المناظرة
لم يلزم المستدل عرفهم
إذ لم يلتزمه
ثم لا ينقطع المعترض بإقامة دليله
أي حكم الأصل من المستدل
على المختار إذ لا يلزم صحته
أي الدليل
من صورته
ولا بد في ثبوت المقدمة الممنوعة من صحته وذلك بصحة مقدمة مقدمة
فله
أي المعترض
الاعتراض على مقدماته
أي الدليل المذكور على حكم الأصل وقيل ينقطع لأن اشتغاله بالاعتراض على دليل محل المنع خارج من المقصود الأصلي الذي هو ثبوت الحكم في الفرع أجيب بأنه ليس بخارج عن المقصود لأنه لا يحصل إلا به ولا ينقطع أحدهما إلا بالعجز عما تصدى له ولا عبرة بطول الزمان وقصره ولا بوحدة المجلس وتعدده
وأما معارضته
أي حكم الأصل وهو تسليم السائل دلالة ما ذكره المستدل من الدليل على مطلوبه وإقامة الدليل على خلاف مطلوبه فاختلف في سماعه
فقيل لا
يسمع
لأنه غصب لمنصب الاستدلال
لصيرورة السائل مستدلا لاحتياجه إلى ذكر العلة واقامة الدليل على صحتها إذ لا يتم إلا به فينقلب الحال إذ وظيفته الاعتراض لا الاستدلال وهذا قول بعض الجدليين وذهب جمهور المحققين من الفقهاء والمتكلمين إلى قبولها لأنها اعتراض على العلة لإيجابها وقوف المستدل عن العمل إذ العمل بعلته دون علة السائل بعد قيام المقابلة بينهما ترجيح بلا مرجح فوجب التوقف إلى قيام دليل الترجيح لأحدهما وليس معنى الاعتراض على العلة إلا ما يوجب توقفها عن العمل ويمنعها منه وما كان هكذا فهو اعتراض مقبول ويجب الجواب عنه
وليس
بغصب
وإلا
لو كان غصبا
منعت المعارضة
مطلقا
وليست بممنوعة
وقوله
أي المانع لقبولها سماعها
يصير
المعترض به
مستدلا في نفس صورة المناظرة إن أراد في عين دعوى المستدل فمنتف
لأنه إنما يستدل على خلافها
أو
أراد
في تلك المناظرة فلا بأس كمعارضة الدليل ولا تتم المناظرة إلا بانقطاع أحدهما مثاله للشافعية جلد الخنزير لا يقبل الدباغة لنجاسة عينه كالكلب فيمنع كون جلد الكلب لا يقبلها وفي العلل الطردية المسح ركن فيسن تكريره كالغسل فيمنع سنية تكرير الغسل بل
السنة
إكماله
أي
الغسل
غير أنه
أي الغسل
استغرق محله فكان
إكماله
بتكريره بخلاف المسح
المفروض فإنه لم يستغرق محله
فتكميله
أي المسح
باستيعابه
أي المحل به كما تقدم
____________________
(3/344)
وقولهم
أي الشافعية صوم رمضان
صوم فرض فيجب تعيينه
بالنية
كالقضاء فيقال إن
كان وجوب تعيينه بالنية
بعد تعيين الشرع
الزمان
له ف
هو
منتف في الأصل
أي القضاء فإن الشارع لم يضيقه بزمان
وإلا
بأن كان وجوب تعيينه بالنية قبل تعيين الشرع الزمان له
ففي الفرع
أي فهذا منتف في صوم رمضان لأنه متعين لعدم شرعية غيره فيه
الثاني
أي علة حكم الأصل يرد
عليه منوع أولها منع وجود العلة في الأصل مثاله الشافعية في الكلب حيوان يغسل
الإناء
من ولوغه
فيما فيه
سبعا فلا يطهر
جلده
بالدباغة كالخنزير فيمنع كون الخنزير يغسل
الإناء من ولوغه فيما فيه
سبعا و
مثاله لهم أيضا
في
العلل
الطردية
في استنان تثليث مسح الرأس
مسح فيسن تثليثه كالاستنجاء فيمنع كون الاستنجاء طهارة مسح بل
الاستنجاء طهارة
عن
النجاسة
الحقيقية
أي إزالتها ومن ثمة كان غسلها بالماء أفضل ولا استنجاء عليه إذا لم يتلوث شيء من ظاهر بدنه ثم اختلف في أنه هل يسوغ للمعترض تقرير المنع أو يجب عليه الاقتصار عليه بعد اتفاقهم على أنه لا يسوغ له المنع إلا إذا اعتزى إلى ذي مذهب يرى المنع والمختار إن كان المنع خفيا بحيث يخشى نسبة المانع إلى المكابرة مكن من تقريره وإلا فلا ذكره السبكي
وجوابه
أي هذا المنع
بإثبات وجوده
أي الوصف الذي هو العلة في الأصل مما هو طريق ثبوت مثله
حسا
إن كان حسيا
أو عقلا
إن كان عقليا
أو شرعا
إن كان شرعيا
ثانيها منع كونه
أي الوصف المدعى عليته في الأصل
علة وهو
أي هذا
قول الحنفية منع نسبته
أي الحكم
إليه
أي الوصف واختلف في قبوله فقيل لا يقبل
والصحيح قبوله لأن القياس المورد عليه
هذا المنع
مساواة في
وصف
مشترك
موجود في الأصل والفرع
تظن الإناطة
للحكم
به
أي بذلك الوصف المشترك وهذا لا يلزم أن يكون في نفس الأمر كذلك
وأما مساواة فرع الأصل في علة حكمه فالقياس في نفس الأمر
وهذا ليس بالمورد عليه ليقال قد أثبته المستدل فلا يكلف إثباته ثانيا
قالوا
أي المانعون
عدوله
أي المعترض
إلى المنع دليل عجزه عن إبطاله
أي كون الوصف المناط به الحكم علة له
أي نقضه لأن مرجعه
أي النقض
إلى منع بسنده أو كونه
أي الوصف المذكور وصفا
طرديا
فهو معطوف على نقضه وعجزه عن إبطاله دليل صحته فلا يسمع المنع ولا يشتغل بجوابه لأنه شاهد على نفسه بالبطلان
أما
المنع
بغيره
أي غير ما ذكر من النقض والطردية
فغضب
من المعترض لمنصب المستدل
لأنه
أي المستدل
لم يستدل عليه
أي على حكم الأصل
وإلا
لو لم يسمع النقض
لم يسمع المنع اتفاقا
وليس كذلك وإنما قلنا لم يستدل المستدل على حكم الأصل
لأنه
أي المنع
بعد إقامة الدليل
على حكم الأصل
غير منتظم لأنه
أي المنع
طلبه
أي الدليل
وقد حصل
الدليل
بل
المنع إنما يكون
فى مقدماته
أي الدليل وإنما لم يكن النقض غصبا لأنه منع بسند فمن حيث هو منع قبل ومن حيث السند الذي هو التخلف كان إبطالا
قلنا الملازمة
____________________
(3/345)
التي تضمنها قولهم عدوله إلى المنع دليل عجزه
ممنوعة ولو سلمت
الملازمة
لا يلزم صحته
أي الوصف المدعى عليته
لانتقاضه
أي هذا الدليل
بكثير
ثم في نسخة
إذ يلزم صحته كلما عجز المعترض عن إبطاله
ولو لم يكن دليلا صحيحا في نفس الأمر ولا قائل به
حتى دليل الحدوث
وهذا آخر ما في الكتاب نسخة يعني حدوث العالم وإثبات الصانع فإن المطلوب وإن كان حقا لا يصح دليلهما بمجرد عجز المعترض عن إبطاله بل لا بد من وجه دلالة وصحة ترتيب حتى إنه يبطل بمجرد المنع الذي لا يقدر المستدل على دفعه قال القاضي عضد الدين بل حتى دليلا النقيضين إذا تعارضا وعجز كل عن إبطال الآخر وقد يقال الفرق بين ما نحن فيه وسائر الصور ظاهر فإن طرق عدم العلية محصورة مضبوطة لا تخفى على المجتهد والمناظر فلما لم يظهر المناظر طريقا منها وهرب إلى مجرد المنع علم إنه ليس بموجود بخلاف سائر الأدلة فإنه لا يتعين طريق نفيها فلا يكون بحيث يظهر البتة للناظر والمناظر وكيف والسبر دليل للعلية ظاهر للناظر عام لكل علة لكل حكم لا يعجز عنه المستدل فإذا اقتصر المانع على مجرد منع العلية كان المستدل متمكنا من رجوعه إلى السير وحينئذ فلا بد مع سبر المستدل أن يعدل المانع من مجرد المنع إلى إبطال الوصف الذي أثبت المستدل عليته بالسبر بمعارضته بإبداء وصف آخر للعلية فليفعل المستدل ذلك في ابتداء القياس ويطرح مؤنة المنع وقبوله ولا قبوله
قال الكرماني وقد يعارض أيضا بأن عجز المستدل عن إثباته دليل فساده إذ طرق العلية مما لاتخفى فالفرار إلى مجرد صورة الدليل دليل على فساده
وإذا بينه
أي المستدل كون الوصف علة
بنص له
أي للمعترض الاعتراض بما يمكن
الاعتراض به
على ذلك السمعي
من منع ظهوره في الدلالة وصرفه عن ظاهره بدليله وطعن في السند إلى غير ذلك
ومعارضته
بنص آخر مقاوم له
وكذا الإجماع
أي إذا بين كون الوصف علة به للمعترض الاعتراض عليه بما يمكن الاعتراض به عليه كمنع وجوده
ويزيد
بيانه بالإجماع
بنفي كونه
أي الإجماع
دليلا بنحو كون السكوت يفيده
أي الظن
إن كان
الاجماع المثبت به
منه
أي من الإجماع السكوتي
أو
بينه
بغيرهما
أي النص والإجماع
من
مسلك
مختلف
فيه
كالدوران له
أي للمعترض
منع صحته وللآخر
أي المستدل
إثباتها
أي صحته
وقول بعض الحنفية
كصاحب المنار هذا المنع
يلجىء أهل الطرد إلى القول بالتأثير لأنه
أي المعترض
لا يقبل غيره
أي المؤثر فيضطر إلى إثباته ليمكنه الإلزام على الخصم
يفيده نفي تمكينه
أي المستدل
من إثباته
أي غير المؤثر
ومقتضى ما في الانتقال يخالفه
لأن هذا انتقال من علة إلى أخرى لإثباتها وهو جائز اتفاقا كما تقدم
إلا إن حمل
غير المؤثر
على أنه لا ينتهض
علة
لأوجه البطلان
لما سوى التأثير
فيرجع
المستدل حينئذ
إلى التأثير لكنه
أي رجوعه إليه
انتقال
من علة
إلى أخرى لإثبات الحكم الأول وهو
أي الحكم الأول
علية الوصف هنا وعلمت
في الانتقال
ما فيه
أي أنه الانتقال
____________________
(3/346)
الممنوع في عرف المناظرين استحسانا كيلا يخلو مجلس المناظرة عن المقصود
مثاله للشافعية في ذلك المثال
السابق لمنع وجود العلة وهو قولهم في الكلب حيوان يغسل من ولوغه سبعا فلا يطهر جلده بالدباغة كالخنزير
منع كون الغسل سبعا علة عدم قبوله
أي جلد الكلب
الدباغة شرعا و
مثاله
للحنفية في قول الشافعية
الأخ
لا يعتق على أخيه
بملكه إياه
إذ لا بعضية بينهما
أي الأخوين
كابن العم
فإنه لا يعتق على ابن عمه لانتفاء البعضية بينهما
منع إنها
أي البعضية
العلة فى العتق لينتفي الحكم
الذي هو العتق
بانتفاء العلة المتحدة
بينها وهي البعضية
بل
العلة في العتق
القرابة المحرمة
وهي موجودة في الأخوين دون ابني العم
ثالثها عدم تأثيره
أي الوصف في ترتب الحكم عليه عدم التأثير
للشافعية أي
عدم
اعتباره
شرعا
وقسموه
أي الشافعية عدم تأثيره
أربعة
من الأقسام
أن يظهر عدم تأثيره مطلقا أو
أن يظهر عدم تأثيره
في ذلك الأصل أو
أن يظهر عدم تأثير
قيد منه
أي الوصف
مطلقا أو لا
يظهر شيء من ذلك
بل يستدل عليه
أي على عدم تأثيره
بعدم إطراده في محل النزاع وردوا الأول
أي عدم تأثيره مطلقا
والثالث
أي عدم تأثيره في الأصل
إلى المطالبة بعلية الوصف وجوابه
أي هذا الاعتراض
المتقدم
وهو إثبات العلية بمسلك من مسالكها
جوابه
أي جواب هذا إذ هو هو
و
ردوا
الثاني
أي عدم تأثير قيد منه مطلقا
والرابع
أي أن لا يظهر شيء من ذلك
إلى المعارضة
في الأصل بإبداء علة أخرى
على خلاف في الرابع
يأتي قريبا وتعقبه القاضي عضد الدين بما حاصله كما ذكر التفتازاني أنه ليس حاصل الأول والثالث مجرد منع العلية وطلب إقامة الدليل عليها بل إثبات عدم علية الوصف مطلقا أو في ذلك الأصل وفرق بين منع العلية لقيام الدليل عليها وبين إقامة الدليل على عدمها وليس حاصل الثاني والرابع مجرد المعارضة في الأصل بإبداء ما يحتمل أن يكون هو العلة بل إثبات أن العلة هي ذلك الغير وفرق بين إبداء ما يحتمل العلة وإبداء ما هو العلة قطعا
مثال الأول ويسمى عدم التأثير في الوصف
أن يقال
في
صلاة
الصبح
صلاة
لا يقصر فلا يقدم أذانه
أي أذان أدائها على وقتها
كالمغرب فيرد عدم القصر لا أثر له في عدم تقديم الأذان إذ لا مناسبة ولا شبه
بين وصف عدم القصر وحكم عدم التقديم لا بالذات ولا بالتبع ولذا كان الحكم الذي هو منع تقديم الأذان على الوقت موجودا فيما قصر من الصلاة فهو وصف طردي فلا يعتبر اتفاقا
و
مثال
الثاني في منع بيع الغائب ويسمى عدم التأثير في الأصل مبيع غير مرئي فلا يصح
بيعه
كالطير في الهواء فيرد هذا
الوصف وهو كونه غير مرئي
وإن ناسب
نفي الصحة فلا تأثير له في الأصل الذي هو مسألة الطير
ففي الأصل ما يستقل
بمنع الصحة
وهو العجز عن التسليم ولذا
أي اشتمال الأصل على ما يستقل بإناطة الحكم
رجع
هذا القسم
إلى المعارضة في العلة
بإبداء علة أخرى هي العجز عن التسليم ولذا بناه بانون على التعليل
____________________
(3/347)
بعلتين
وبه
أي بهذا
ينكشف أن اعتبار جنسه
أي هذا الاعتراض
ظهور عدم التأثير غير واقع إذ لم يظهر عدم مناسبة في غير مرئي بما أبداه
من العجز عن التسليم
بل جوزه
أي ما أبداه
معه
أي كونه غير مرئي
و
مثال
الثالث ويسمى عدم التأثير في الحكم لو قال الحنفية في المرتدين
إذا أتلفوا أموالنا
مشركون أتلفوا مالا في دار الحرب فلا يضمنون
أموالنا إذا أسلموا كسائر المشركين
فيرد لا تأثير لدار الحرب
في نفي الضمان عندكم
للانتفاء
للضمان
في غيرها
أي غير دار الحرب
عندكم فهو
أي هذا القسم
كالأول
في كون مرجعهما إلى المطالبة بتأثير الوصف في الأصل كما تقدم
و
مثال
الرابع ويسمى عدم التأثير في الفرع زوجت نفسها من غير كفء فيرد كتزويج الولي الصغيرة من غير كفء فيقول
المعترض لا أثر لغير كفء
في الرد
لتحقق النزاع فيه
أي فيما إذا زوجت نفسها من كفء
أيضا فرجع
هذا
إلى المعارضة بتزويج نفسها فقط
وقد سمعت قولهم برجوعه إلى المعارضة بعلة أخرى كالثاني قال المصنف
ولا يخفى رجوعه إلى الثالث
وهو عدم تأثير قيد ذكر فيه فيرجع للمطالبة بتأثير ذلك فيه وهو ظاهر
وظهر أنه
أي هذا الاعتراض
ليس سؤالا مستقلا
بل هو إما مطالبة بعلية الوصف أو معارضة بعلة أخرى
فتركه الحنفية لهذا ولما نذكر ثم المختار أن الثالث
على قول المصنف والرابع على قولهم
مردود إذا اعترف المستدل بطرديته
أي ذلك الوصف لأنه في كونه جزء العلة كاذب باعترافه وإنه لقبيح وقيل لا لأن الفرض استلزام الحكم والجزء إذا استلزم فالكل مستلزم قطعا وهو المطلوب
وغير مردود إن لم يعترف
المستدل بطرديته
لجواز غرض صحيح
للمستدل في ذلك وهو
أن يدفع
المستدل
النقض المكسور وقد عرفت أنه نقض بعض العلة المركبة على اعتبار استقلاله بالحكمة أي إيراده عليه
وهو
أي إيراده
أصعب على المعترض
من إيراد النقض الصريح لأن فيه بيان عدم تأتير بعض أجزاء الوصف وبيان نقض البعض الآخر وفي النقض الصريح ليس إلا بيان الوصف أعني ثبوته في صورة مع عدم الحكم فيها فربما يعجز المعترض عن إيراده الأصعب ولا يعجز عن إيراده غيره وقيل مردود لأن ضمه إلى العلة لغو وأجيب بأنه إذا لم يعترف بطرديته يجوز أن يتعلق له به غرض صحيح بخلاف ما إذا اعترف فافترقا
وللشافعية بعده
أي هذا الاعتراض
أربعة
من الاعتراضات مخصوصة بالمناسبة
القدح في المناسبة بإبداء مفسدة راجحة
على المصلحة التي من أجلها قضى على الوصف بالمناسبة
أو مساوية
لها لما تقدم في تقسيم العلة بحسب الإفضاء من أن مختار الآمدي وأتباعه انخزام المناسبة لمفسدة تلزم راجحة أو مساوية
وجوابه
أي هذا الاعتراض
ترجيح المصلحة إجمالا
على المفسدة بأن يقال لو لم يقدر رجحانها لزم التعبد الباطل
وتقدم
ذكره في تقسيم العلة بحسب الإفضاء
وتفصيلا بما في الخصوصيات
أي خصوصيات المسائل من الرجحان كهذا ضروري وذاك حاجي وإفضاء هذا قطعي أو أكثري وذاك ظني أو أقلي إلى غير ذلك
مثل
أن يقال في
____________________
(3/348)
الفسخ في المجلس بخيار المجلس
وجد سبب الفسخ في المجلس وهو
أي سببه
دفع الضرر
عن الفاسخ
فيثبت
الفسخ
فيعارض بضرر الآخر
الذي لم يفسخ
مفسدة مساوية فيجاب بأن هذا
الآخر
يجلب باستبقاء العقد
نفعا وذاك
الفاسخ
يدفع ضررا
عن نفسه بالإمضاء
وهو
أي دفع الضرر
أهم
للعقلاء ولذلك يدفع كل ضرر ولا يجلب كل نفع
ومثله
أي هذا
التخلي
أي تفريغ النفس
للعبادة
النافلة
أفضل من التزوج لما فيه
أي التخلي للعبادة
من تزكية النفس فيعارض بفوات أضعافها
أي هذه المصلحة
فيه
أي التخلي للعباده منها كسر الشهوة وغض البصر وإعفاف نفسه وغيره وإيجاد الولد وتربيته وتوسعة الباطن بالتحمل في معاشرة أبناء النوع إلى غير ذلك
فيرجح
التزوج لما فيه من هذه المصالح التي منها تزكية النفس والتسبب لعبادة شخص آخر وترك المعاصي على التخلي للعبادة لأنها أرجح من مصلحة العبادة
فيرجحها
أي مصلحة العبادة
الآخر بأنها لحفظ الدين وتلك
المصالح التي في التزوج
لحفظ النسل
وحفظ الدين أرجح من حفظ النسل
غير
أنه يطرقه
أن فرض المسألة حالة الاعتدال وعدم الخشية
للوقوع في الزنى فلا يتم هذا الترجيح فهذا أول الاعتراضات الأربعة
والقدح في الإفضاء إلى المصلحة
المقصودة
في شرعه
أي الحكم لذلك الوصف المناسب
كتحريم المصاهرة للمحارم على التأبيد
للحاجة إلى رفع الحجاب
لضرورة الاختلاط وتعذر المعاش أو تعسره إلا بالتلاقي
إذ يفضي
التحريم على التأبيد
إلى دفع الفجور
لأنه يرفع الطمع المفضي إلى الهم والنظر المفضي إلى الفجور
فيمنع
كون التحريم على التأبيد غير مفض إلى الفجور
بل سد باب العقد أفضى
إلى الفجور
لحرص النفس على الممنوع فيدفع
هذا المنع
بأن تأبيد التحريم يمنع عادة
من مقدمات الهم والنظر
إذ يصير
ذلك الامتناع بهذا السبب
كالطبيعي
للإنسان فلا يبقى المحل مشتهى
أصله الأمهات
فإنه بواسطة تحريمهن على التأبيد صرن بهذه المثابة وهذا ثاني الاعتراضات الأربعة
وكون الوصف خفيا كالرضا
في العقود فإنه أمر قلبي لا يطلع عليه إلا الله تعالى
ويجاب بضبطه
أي الوصف
بظاهر كالصيغة
أي بضبط الرضا بصيغ العقود وهذا ثالث الاعتراضات الأربعة
وكونه
أي الوصف
غير منضبط كالحكم
جمع حكمة وهي الأمر الباعث من المقاصد
والمصالح
أي ما يكون لذة أو وسيلة إلى لذة
كالحرج والزجر لأنها
أي الحكم والمصالح
مراتب على ما تقدم
في الكلام على العلة بحسب المقاصد ونختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فلا يمكن تعيين القدر المقصود منها
وجوابه بإبداء الضابط بنفسه
كما يقال في المشقة والمضرة إنهما منضبطات عرفا
أو
إن الوصف
نيط بمنضبط كالسفر
نيط حصول المشقة به
والحد
نيط القدر المعتبر في حصول الزجر به وهذا رابع الاعتراضات الأربعة
ولم يذكرها الحنفية لا لاختصاصها بالمناسبة لأن هذا
أى انتفاءها
اتفاق بل لأنها
أي هذه الاعتراضات
انتفاء لوازم العلة الباعثة مطلقا
أي بأي مسلك كان
____________________
(3/349)
كما تقدم
في فصل العلة
ومعلوم أن بانتفاء لازمها
أي العلة الباعثة
يتجه إيراده
أي إنتفائها
إذ يوجب
انتفاء لازمها
انتفاءها
لأن انتفاء اللازم يوجب انتفاء الملزوم
فهو
أي انتفاء هذه الاعتراضات
معلوم من الشروط
لها
ومنعهم
أي الحنفية
بعضها
أي هذه الاعتراضات
وهو مرجع الثاني والرابع
من منع التأثير
لمنعهم المعارضة لعلة الأصل كما سنذكره إن شاء الله تعالى
إذا أفضت النوبة إلى الكلام فيها
وذكروا
أي الحنفية
منع الشروط
للتعليل وصح فيها لأن شرط دليل وجوب العمل سابق عليه فلا بد من إثباته ثم القاضي أبو زيد وشمس الأئمة السرخسي لم يشترطا كون الشرط متفقا عليه
وقيد فخر الإسلام محله
أى منع الشرط
بمجمع عليه
فقال وإنما يجب أن يمنع شرط منها هو شرط بالإجماع وقد عدم في الفرع أو الأصل
فيتجه
المنع
عند عدمه
أي الشرط المذكورة فيفيد منعه بطلان التعليل في المتنازع فيه وأما إذا منع شرطا مختلفا فيه فيقول المعلل ذلك ليس بشرط عندي فلا يضر عدمه فحينئذ يؤول الكلام إلى أن مانعه شرط أم لا فيخل بالمقصود إذ المقصود إثبات الحكم المتنازع فيه لا إثبات شرط القياس
قلت ومن هنا قال الشيخ قوام الدين الإتقاني إن فخر الإسلام شرط أن يمنع الشارط وجوب شرط هو شرط باتفاق بين السائل والمجيب فأشار إلى أن ليس المراد بالإجماع الإجماع المطلق هذا وفي الكشف وغيره ومع هذا لو منع شرطا مختلفا فيه يجوز لأنه يفيد دفع إلزام المعلل عن نفسه وإن لزم منه الانتقال إلى محل آخر اه
قلت ويمكن أن يؤخذ من هذا التوفيق بين كلام فخر الإسلام وكلام أبي زيد والسرخسي فإن محل وجوب المنع الشرط بالاتفاق عنده وهما لم ينفياه ومحل جواز المنع عندهما الشرط من غير تعرض لهذا القيد وهو لم ينفه وحينئذ فقول الإتقاني عدم اشتراطهما كون الشرط متفقا عليه هو الحق عندي لأن قول المجيب ليس بشرط عندي ليس بحجة على السائل فيثبت المجيب ما ادعاه على وجه يقبله السائل أو يسكت عن إنكاره يوهم أن فخر الإسلام يخالف هذا وليس كذلك فليتنبه له
وقد مثله فخر الإسلام بقول الشافعي يجوز السلم الحال لأن المسلم فيه أحد عوضي البيع فيجوز حالا ومؤجلا كثمن المبيع فيقال له لا نسلم أن شروط التعليل موجودة في هذا فإن من شروطه بالاتفاق أن لا يتغير حكم النص بعد التعليل وأن لا يكون الأصل معدولا به عن القياس وقد تغير هنا لأن شرط البيع أن يكون المبيع موجودا مملوكا مقدور التسليم والشرع نقل القدرة الحقيقية في البيع إلى القدرة الاعتبارية في السلم بذكر الأجل فصار ذلك رخصة نقل إلى خلف فلو جاز السلم حالا لصار رخصة إسقاط لا إلى خلف فكان تغييرا لحكم النص والسلم معدول عن القياس لكونه بيع ما ليس عند الإنسان
رابعها
أي المنوع الواردة على حكم الأصل
النقض وتسميه الحنفية المناقضة وهي للجدليين منع مقدمة معينة
من الدليل سواء كان مع السند أو لا وقد سلف أن السند ما كان
____________________
(3/350)
المنع مبنيا عليه وللسند صيغ ثلاث إحداها لا نسلم هذا لم لا يجوز أن يكون كذا ثانيتها لا نسلم لزوم ذلك وإنما يلزم أن لو كان كذا ثالثتها لانسلم كيف هذا والحال كذا
وغير المعينة
أي ومنع المقدمة التي ليست بمعينة من الدليل
بأن يلزم الدليل ما يفسده
أي الدليل
فيفيد
لزوم ذلك له
بطلان مقدمة غير معينه
من الدليل وغير خاف أن قوله وغير المعينة مبتدأ وخبره
النقض الإجمالي وردوا
أي الأصوليون
النقض
الكائن عندهم
إلى منع مسند
وتخلف الحكم بمنزلة السند له
وإلا
لو لم يرد إليه
كان
النقض
معارضة قبل الدليل
وهي لا تكون قبله
وعلى هذا يجب
أن يكون النقض
معارضة لو
كان
بعده
أي الدليل
لأنه
أي المعترض
استدل على بطلانه
أي كون الوصف علة
بالتخلف
أي بوجوده في صورة مع عدم الحكم فيها
ويجيب الآخر
أي المستدل
بمنع وجودها
أي العلة
في محل التخلف ويستدل المعترض عليه
أي على وجودها في محل التخلف
بعده
أي منع المستدل وجودها في محل التخلف
أو ابتداء
أي قبل منع المستدل إياه
فانقلب
المعترض معللا والمعلل معترضا
وقيل لا يقبل من المعترض إقامة الدليل على وجود الوصف إذا منع المستدل وجوده في صورة التخلف لأنه انتقال من الاعتراض إلى الاستدلال وهذا محكى عن الأكثر منهم الإمام الرازي وأتباعه
وقيل
لا يقبل
إن كان
ذلك الوصف
حكما شرعيا
لأن الاشتغال بإثبات حكم شرعي هو بالحقيقة الانتقال الممنوع وإلا فنعم لظهور تتميم المعترض لدليله على نفي العلة وعلى بطلان قياس المستدل ذكره ابن الحاجب قال السبكي ولم يوجد لغيره
وقيل
يقبل
إن لم يكن له قادح أقوى
من النقض فإن كان له قادح أقوى منه لا يقبل لأن غصب المنصب والانتقال إنما ينفعان استحسانا فإذا وجد الأحسن لم يتركبهما وإلا فالضرورات تبيح المحظورات
وليست
هذه الأقوال
بشيء
قوي
فلو كان المستدل استدل على وجودها
أي العلة
في الأصل بموجود
أي بدليل موجود
في محل النقض فنقضها
أي المعترض العلة
فمنع
المستدل
وجودها
أي العلة في صورة النقض
فقال المعترض فيلزم إما انتقاض العلة أو
انتقاض
دليلها وكيف كان
اللازم أي انتقاض العلة أو دليلها
لاتثبت
العلية إما على الأول فلما مر من أن النقض يبطل العلية وإما على الثاني فلأنه لا بد لثبوت العلية من مسلك صحيح
قبل
بالاتفاق فإن عدم الانتقال فيه ظاهر إن لم يترك ذكر نقض العلة
ولو نقض
المعترض
دليلها
أي العلية
عينا فالجدليون لا يسمع
هذا من المعترض
لسلامة العلة إذ نقضه
أي دليلها المعين
ليس نقضها
أي العلة فقد انتقل من نقضها إلى نقض دليلها
ونظر فيه
أي في عدم سماعه والناظر ابن الحاجب
بأن بطلانه
أي دليل العلية
بطلانها
أي العلة
أي عدم ثبوتها إذ لا بدلها
أي العلة
من مسلك صحيح وهو
أي بطلان العلة
مطلوبه
أي المعترض
وإلا
لو لم يكن المراد ببطلانها عدم ثبوتها
فبطلان الدليل المعين لا يوجبه
أي بطلانها
لكنه
أي بطلان الدليل المعين
يحوجه
أي المستدل
إلى
____________________
(3/351)
الانتقال إلى
دليل آخر لإثبات الأول
أي العلية
ويجيب
المستدل
أيضا
عوضا عن منع وجودها
بمنع انتفاء الحكم في ذلك
أي في محل النقض اتفاقا
وللمعترض الدلالة
أي إقامة الدليل
عليه
أي على انتفاء الحكم
في المختار
إذ به يحصل مطلوبه وهو إبطال دليل المستدل وقيل لا لأنه انقتال من الاعتراض إلى الاستدلال وقيل نعم إذا لم يكن له طريق أولى من النقض بالقدح وإلا سمع لمكان الضرورة
والمختار عدم وجوب الاحتراس عن النقض
على المستدل
في الاستدلال وقيل يجب
الاحتراس منه فيذكر قيدا يخرج محل النقض لئلا تنتقض العلة قال السبكي وهو الصحيح عندي
وقيل
يجب
إلا في المستثنيات
وهي الصور التي ينتفي فيها الحكم وتوجد العلة أية كانت من العلل المعتبرة في حكم المسألة على اختلاف المذاهب فإنه لا نزاع في أن ورود النقض على سبيل الاستثناء لا يفيد العلية لأنه لما ورد على كل مذهب كان مجامعا لما هو عليه ولهذا اتفقوا على أن المستثنى لا قياس عليه ولا يناقض به
كالعرايا عند الشافعية
إذا وردت على الربويات لأنهم يفسرون العرايا بما يقتضي ورودها على كل المذاهب سواء علل الربا بالطعم أو القوت أو الكيل والوزن وهي بيع الرطب على رؤوس النخيل بقدر كيله من التمر خرصا لو جف فيما دون خمسة أوسق
قال المصنف أما الحنفية فليست العرية عندهم إلا العطية وليس بين المعري والمعرى بيع حقيقي فلا يتصور هذا القول عندهم
لنا إنه
أي المستدل
أتم الدليل إذ انتفاء المعارض
له
ليس منه
أي الدليل ثم هو غير ملتزم لنفي المعارض فلا يلزمه
ولأنه
أي الاحتراس عنه بذكر قيد يخرج محل النقض
لا يفيد
دفع الاعتراض بالنقض
إذ يقول المعترض
القيد طرد والباقي
بعده
منتقض وهذان
أي منع وجود العلة ومنع انتفاء الحكم
دفعان لتحقق النقض
والجواب الحقيقي بعد الورود
أي تحققه
بإبداء المانع في محل التخلف وهو
أي المانع
معارض اقتضى نقيض الحكم
الذي أثبته المستدل
فيه
أي في محل التخلف كنفي الوجوب للوجوب
أو
اقتضى
خلافه
أي الحكم الذي أثبته المستدل والمراد به هنا المغاير الوجودي غير المساوي فيتناول الضد وهذا الاقتضاء
لتحصيل مصلحة كالعرايا لو أوردت على الربويات
لعموم الحاجة إلى الرطب والتمر لهم وقد لا يكون عندهم ثمن آخر
وكذا الدية
أي كضربها
على العاقلة
إذا أورد
على الزجر
للقاتل بسبب مشروعيتها
لمصلحة أوليائه
أي المقتول
مع عدم تحميله
أي القاتل شيئا منها ما لم يقصد به القتل
للشافعية
وإنما قيد بهم لأن عند الحنفية يؤدي القاتل كأحدهم
أو لدفع مفسدة كالاضطرار لو ورد على تعليل حرمة الميتة بالاستقذار فإنه
أي الاضطرار
اقتضى خلافه
أي التحريم
من الإباحة
فإن دفع هلاك النفس أعظم من مفسدة أكل القاذورات هذا كله إذا لم تكن العلة منصوصة بظاهر عام
فلو كانت
العلة
منصوصة ب
ظاهر
عام
لا يجب إبداء المانع بعينه بل
وجب تقدير المانع وتخصيصه
أي الظاهر العام
بغير محل
____________________
(3/352)
النقض
جمعا بين الدليلين وهذا أي تخصيصه بغير محل النقض
إذا كان النص على استلزامها
أي العلة الحكم
في المحال لا على عليتها
أي العله
فيها
أي المحال
إذ لا تنتفي عليتها بالمانع أو
كانت منصوصة
بخاص فيه
أي في محل النقض
وجب تقديره
أي المانع
فقط والحكم بعليتها فيه
أي في محل النقض
أما مانعو تخصيص العلة فبعدم وجودها
أي العلة أي يجيبون بهذا بدل إبداء المانع
إذ هي
أي العلة
الباعثة
على الحكم
مع عدمه
أي المانع
فهو
أي عدم المانع
شرط عليتها وغيرهم
أي المانعين لتخصيصها وهم الأكثرون عدم المانع
شرط ثبوت الحكم وتقدم
في المرصد الثاني في شروط العلة
ما فيه
أي هذا البحث فليراجع منه
وبعض الحنفية
قالوا
لا يمكن دفع النقض عن الطردية
لأنه يبطلها حقيقة
إذ الإطراد لايبقى بعد النقض
كما يفيده عبارة عامة المتأخرين كصاحب الكشف وهي أي المناقضة تلجىء أصحاب الطرد إلى القول بالأثر لأن الطرد الذي تمسك به المجيب ما انتقض بما أورده السائل من النقض لا يجد المجيب بدا من المخلص عنه إلا ببيان الفرق وعدم وروده نقضا ولا يتحقق ذلك إلا بالعدول عن ظاهر الطرد إلى بيان المعنى وهذا إن لم يجعل ذلك انقطاعأ أو سامحه السائل ولم يناقشه في الشروع في بيان الفرق والتأثير فأما إذا جعل انقطاعا كما هو مذهب البعض ولم يسامحه السائل في ذلك بأن يقول احتجت علي باطراد هذا الوصف وقد انتقض ذلك بما أوردته فلم يبق حجة فلا ينفعه بيان التأثير والشروع في الفرق في هذا المجلس لأن ذلك انتقال عن حجة هي الطرد إلى حجة أخرى وهي التأثير لإثبات المطلوب الأول فلا يسمع منه فيضطر إلى التمسك بالتأثير والرجوع عن الطرد فيما بعد من المجالس
وهو
أي عدم إمكان دفع النقض عنها
بعد كونة على
تقدير
النقض في نفس الأمر وعرف ما فيه
حيث قال سالفا وعلى الطردية ترد مع القول بالموجب ولا وجه لتخصيصها به ودفع بأن الإيراد باعتبار ظنه العلية لإنكار ظنه لا على الشرعية في تفس الأمر الخ
بناء على قصر الطردية على ما
يكتفى فيها
بالدوران أي بمجرد دوران الحكم مع العلة وجودا فقط أو عدما
ولا وجه له
أي لقصرها على ما بالدوران
بل
الطردية هي
غير المؤثرة
فتعم المناسب والملائم باصطلاح الحنفية
وعلى
تقدير
الورود
للنقض على الطردية لجوازه كما سلف
يحوج
وروده
إلى التأثير كطهارة
أي كقول الشافعى الوضوء طهاره
فيشترط لها النية كالتيمم فينقض بغسل الثوب
من النجاسة فإنه طهارة ولا يشترط فيه النية
فيفرق
بينهما
بأنها
أي الطهارة التي هي الوضوء طهارة
غير معقولة
لأنه لا يعقل في محلها نجاسة
فكانت متعبدا بها فافتقرت إلى النية
تحقيقا لمعنى التعبد إذ العبادة لا تنال بدون النية
بخلافه
أي غسل الثوب من النجاسة
لعقلية قصد الإزالة
للنجاسة به لا لتحقيق معنى التعبد
وبالاستعمال
للمائع القالع الطاهر فيه
تحصل
الإزالة
فلم يفتقرغسله إلى النية وتقدم في شروط الفرع ما يدفع هذا عن الحنفي
وأما
العلل
المؤثرة فتقدم
____________________
(3/353)
صحة ورود النقض عليها
بناء على دعوى المجيب كونها عله مؤثرة لا على كونها مؤثرة في نفس الأمر
وحيث ورد
النقض صورة عليها وكان من مفسداتها كما هو الحق وعليه الجمهور لأنها لما كانت مستلزمة للحكم لا يجوز تخلفه عنها إلا لمانع أو زوال شرط فقد
دفع بأربع إبداء عدم الوصف
في صورة النقض
كخارج نجس
أي كما يقال في الخارج النجس من بدن الإنسان من غير السبيلين إنه ناقض للوضوء لأنه خارج نجس
من البدن فحدث كما في السبيلين فينقض بما لم يسل
من رأس الجرح فإنه ليس بحدث مع أنه خارج نجس من البدن
فيدفع
النقض به
بعدم الخروج
في القليل من غير السبيلين
لأنه
أي الخروج
بالانتقال
من مكان باطن إلى مكان ظاهر ولم يوجد هذا في غير السائل بل ظهرت النجاسة بزوال الجلدة الساترة لها ثم هو ليس بنجس كما هو المروي عن أبي يوسف والمختار عند كثير من المشايخ بخلاف السبيلين فإنه لا يتصور ظهور القليل إلا بالخروج فانتفى الحكم في هذه الصوره لعدم علته
وملك بدل المغصوب
للمغصوب منه
علة ملكه
أي المغصوب للغاصب لئلا يجتمع البدل والمبدل في ملك شخص واحد
فينقض بالمدبر
فإن غصبه سبب لملك بدله للمغصوب منه ومع هذا لا يملك الغاصب المبدل ولم يزل عن ملك المغصوب منه
فيمنع ملك بدله
أي المغصوب
بل
هو
بدل اليد
لأن ضمانه ليس بدلا عن العين بل عن اليد الفائتة فلم يلزم من ملك البدل زوال ملك الرقبة فكان عدم الحكم أيضا في هذه الصورة وهو ملك رقبة المدبر للغاصب لعدم علته وهي كون الغصب سبب ملك الرقبة فهذا أحد الطرق الدافعة للنقض مع التمثيل له
ويمنع وجود المعنى الذي به صار
الوصف
علة
وذلك المعنى بالنسبة إلى العلة كالثابت بدلالة النص بالنسبة إلى المنصوص بمعنى أن الوصف بواسطة معناه اللغوي يدل على معنى آخر هو المؤثر في الحكم
فينتفي
وجود المعنى المذكور معنى
وإن وجد
المعنى
صورة كمسح
أي كما يقال في مسح الرأس مسح
فلا يسن تكراره كمسح الخف فينتقض بالاستنجاء
بالحجر فإنه مسح والعدد وإن لم يكن مسنونا فيه عند أصحابنا يقع تثليثه سنة بالإجماع إذا احتيج إليه
فيمنع فيه
أي في الاستنجاء
المعنى الذي شرع له
المسح في الوضوء
وهو
أي المعنى الذي شرع له
التطهير الحكمي
لأن الاستنجاء تطهير حقيقي
وله
أي ولأجل أن المسح تطهير حكمي
لم يسن
التكرار فيه
لأنه
أي التكرار
لتأكيد التطهير المعقول
المعنى وهو غسل النجاسة الحقيقية
لتحقق الإزالة
وتأكدها به
وهو
أي التطهير المعقول المعنى ثابت
في الاستنجاء
لأنه إزالة عين النجاسة
دونه
أي مسح الرأس
كما في التيمم
فإن كلا منهما تطهير غير معقول المعنى ولهذا كان الغسل في الاستنجاء أفضل بخلافه في مسح الرأس ولو أحدث بالريح لم يكن الاستنجاء سنة ثم المعنى اللغوي للمسح مما يشير إلى هذا لأنه الإصابة وهي تنبىء عن التخفيف هذا وفي التلويح ومبنى هذا الكلام على أن يكون المراد بعدم سنية التثليث كراهته
____________________
(3/354)
لئلا يكون حكما شرعيا فيعلل وهذا ثاني الطرق الدافعة للنقض مع مثاله
ويمنع التخلف
للحكم عن العلة في صورة النقض والقول بتحقق الحكم فيها
كما إذا نقض
المثال
الأول
لإبداء عدم الوصف
بالجرح السائل
فإن خروج النجاسة موجود فيه بدون الحدث
فيمنع كونه
أي خروج النجاسة فيه
ليس حدثا بل هو
حدث
وتأخر حكمه
لذى هو الحدث
إلى ما بعد خروج الوقت
على قول أبي حنيفة وموافقه
أو الفراغ
من المكتوبة وما يتبعها من النوافل على قول الشافعي وموافقه
ضرورة الأداء
لأنه مخاطب بأدائها فلزم أن يكون قادرا ولا قدرة إلا بسقوط حكم الحدث في هذه الحالة
ولذا
أي تأخر حكمه إلى ما بعد خروج الوقت
لم يجز مسحه
أي صاحب الجرح السائل
خفه إذا لبسه في الوقت مع السيلان
أو كان السيلان مقارنا للوضوء أو بعده قبل اللبس
بعد خروجه
أي الوقت لأن بخروج الوقت يصير محدثا بالحدث السابق إذ خروج الوقت ليس بحدث إجماعا والحكم قد يتصل بالسبب وقد يتأخر عنه لمانع كالبيع بشرط الخيار بخلاف ما إذا كان الوضوء واللبس على الانقطاع فإنه يمسح بعد الوقت إلى تمام المدة كغيره من الأصحاء لعدم صيرورته محدثا بالحدث السابق عليهما وهذا ثالث الطرق الدافعة للنقض مع مثاله
قلت وبعد العلم بمعنى هذا الطريق من الدفع فمن العجب قول فخر الإسلام في شرح التقويم إن هذا الوجه لا يسلم من القول بتخصيص العلة وقول صاحب الكشف إن هذا إنما يتأتى على قول مجوز تخصيص العلة لمانع لا على قول من لا يجوزه فإن الفرض أن الحكم لم يتخلف بل هو موجود كما أن العلة كذلك ولا تخصيص للعلة بدون وجودها وانتفاء حكمها لمانع والله الموفق
وبالغرض
المطلوب بالتعليل
فيقول
المستدل
في المثال
الأول لإبداء عدم الوصف
غرضي بهذا التعليل التسوية بين الخارج من السبيل وغيره في كونهما
أي الخارج منه والخارج من غيره
حدثا وإذا لزما
أي استمرا
صارا عفوا
بأن يسقط حكمهما في تلك الحالة ضرورة توجه الخطاب بأداء الصلاة حينئذ
فإن البول
الذى هو الأصل
كذلك
أي إذا دام يصير عفوا لهذا المعنى
فوجب في الفرع
أي الجرح السائل
مثله
أي إذا دام يصير عفوا لهذا المعنى وإلا لكان الفرع مخالفا للأصل وهو لا يجوز والحاصل أنه كما أن العلة موجودة في الصورتين فكذا الحكم وكما أن ظهور الحكم قد يتأخر في الفرع فكذا في الأصل فالتسوية حاصلة بكل حال وهذا رابع الطرق الدافعة للنقض مع مثاله
وحاصل الثاني الاستدلال على انتفائها
أي العلة
إذ هي
أي العلة
بمعناها لا بمجرد صورتها
والرابع كما في التلويح راجع إلى منع انتفاء الحكم لأن المناقض يدعي أمرين ثبوت العلة وانتفاء الحكم فلا يصح دفعه إلا بمنع أحدهما وإذا لم يتيسر الدفع للنقض بأحد هذه الطرق فقد بطلت
وذكر الشافعية من الاعتراضات نقض الحكمة ويسمونه كسرا وتقدم
في المرصد الثاني في شروط العلة
الخلاف في قبوله وأن المختار
عند الآمدي وابن الحاجب
قبوله عند العلم برجحان
____________________
(3/355)
الحكمة
المنقوضة
في محل النقض على المذكورة في الأصل
أو مساواتها
أي المنقوضة لها إلا أن شرع حكم آخر أليق بها فيسمع حينئذ
وحققنا ثمة خلافه
أي هو المختار وهو أنه لا يسمع وإن علم رجحان المنقوضة للإجماع على عدم الأكتفاء بسكوت بكر زانية اشتهر زناها وإن كان حياؤها أكثر من حياء بكر لم تزن
ثم منع وجود العلة هنا
أي في الكسر
على تقدير سماعه
أي الكسر
أظهر منه
أي من منع وجودها
في النقض
لأن قدر الحكمة متفاوت فقد لا يحصل ما هو مناط الحكم منه في الأصل في الفرع بخلاف نفس الوصف فإنه لا يتفاوت ومنع انتفاء الحكم هنا قد يدفع بوجه آخر وهو أنه لم لا يجوز أن يثبت حكم هو أولى بالحكمة ثم حيث يسمع فالكلام فيه كالكلام في النقض من أنه يجاب بأجوبة ثلاثة مما مضى بمنع وجود المعنى في صورة النقض أولا وبمنع عدم الحكم فيها كيلا يتحقق ثانيا وبإبداء المانع فيها إذا تحقق ثالثا وحينئذ فهل للمعترض أن يدل على وجود المعنى فيه المذاهب الأربعة الماضية وعلى وجود الحكم فيه المذاهب الثلاثة السابقة وهل يجب الاحتراز عن الكسر في متن الاستدلال المختار أنه لا يجب هذا وقدمنا مراد الإمام الرازي وأتباعه بالكسر وما ذكره السبكي في ذلك فليراجع
خامسها أي المنوع الموردة على حكم الأصل
فساد الوضع
وهو
أخص من فساد الاعتبار من وجه إذ قد يجتمع ثبوت اعتبارها
أي العلة
في نقيض الحكم
الذي هو فساد الوضع
مع معارضة نص أو إجماع
لذلك الذي هو فساد الاعتبار
ولا يخفى الآخران
أي انفراد ثبوت اعتبارها في نقيض الحكم عن كون القياس معارضا بالنص أو الإجماع وبالعكس وقيل فساد الاعتبار من جهة عدم اعتباره فقط وذلك لأنه لا يمكن اعتبار القياس في ترتيب الحكم عليه لا لفساد في وضعه وتركيبه وهو أن لا يكون على الهيئة الحاصلة لاعتباره في ترتيب الحكم عليه لصحته بل لمخالفته النص فقط فعلى هذا كل فاسد الوضع فاسد الاعتبار من غير عكس فيكون فاسد الوضع أخص مطلقا من فاسد الاعتبار وهو ظاهر كلام الآمدي وقيل هما واحد وعليه أبو إسحاق الشيرازي وإمام الحرمين
ويفارق
فساد الوضع النقض بتأثيره
أي الوصف في فساد الوضع في النقض
فإن الوصف في فساد الوضع هو الذي يثبت النقيض بخلاف النقض فإنه لا تعرض فيه لثبوته به وإنما يثبت النقيض معه سواء كان به أو بغيره
و
يفارق
القلب بكونه
أي الوصف في فساد الوضع يثبت نقيض الحكم
بأصل آخر
وفي القلب يثبت نقيض الحكم بأصل المستدل
و
يفارق
القدح في المناسبة بمناسبته
أي الوصف في فساد الوضع
نقيضه
أي الحكم
من حيث هو كذلك
إما مناسب لنقيضه لا من حيث الإفضاء إلى المصلحة
إذا كان
التناسب
من جهته
أي التناسب للحكم فتكون مناسبته لنقيض الحكم والحكم من جهة واحدة
بخلافه
أي ما إذا كان التناسب للنقيض
من غيره
أي التناسب للحكم
إذا كان له
أي للوصف
جهتان
يناسب بإحداهما
____________________
(3/356)
الحكم وبالأخرى نقيضه
ككونه
أي المحل
مشتهي
للنفوس
يناسب الإباحة
لنكاحه
لدفع الحاجة والتحريم لقطع الطمع
فإنه لا يقدح في المناسبة لأنه لا يلزم بطلان المناسبة حينئذ لجواز تعليل الضدين بوصف واحد بشرطين متضادين إذ عند التحقيق علة هذا غير علة ذلك وقد تلخص أن ثبوت النقيض مع الوصف نقض فإن زيد ثبوت النقيض بذلك الوصف ففساد الوضع وإن زيد على الفساد كونه به في أصل المستدل فقلب وأما بدون ثبوت النقيض مع الوصف في أصل فالمناسبة فإن ناسبت الحكم ونقيضه من جهة واحدة كان قدحا فيها ومن جهتين لا
مثاله
أي فساد الوضع قول القائل في التيمم
مسح فيسن تكراره كالاستنجاء فيرد
أن يقال المسح لإثبات التكرار فاسد الوضع إذ المسح
معتبر في كراهته
أي التكرار
كالخف
فإن تكرار المسح عليه يكره بالإجماع
وجوابه
أي هذا المنع
بالمانع
أي ببيان وجود المانع
فيه
أي في الخف الذي هو أصل المعترض أي بذكر
فساده
أي إنما كره التكرار في الخف لأنه يعرضه للتلف
و
مثاله
للحنفية إضافة الشافعي الفرقة
بين الزوجين الكافرين إذا أسلمت وأبى
إلى إسلام الزوجة
فإن هذه الإضافة من فساد الوضع
فإنه
أي الإسلام
اعتبر عاصما للحقوق
كما اقتضاه حديث الصحيحين السالف في بحث التأثير قلت وهذا مما اجتمع فيه فساد الوضع والاعتبار فليتأمل
فالوجه إضافة الفرقة بينهما
إلى إبائه
أي امتناعه من الإسلام لصلاحيته لإضافة انقطاع النكاح إليه لأنه عقوبة وهو رأس أسباب العقوبات كما تقدم ثمة أيضا
وكقوله
أي الشافعي في علة تحريم الربا في الحنطة والشعير والتمر والملح إنها الطعم إذ
المطعوم ذو خطر
أي عزه وشرف لتعلق قوام النفس وبقاء الشخص به والحرمة للشيء تشعر بتضييق طريق الوصول إليه وهو أمارة الخطر لأن ما ضاق إليه الوصول عز في الأعين إذا أصيب وإذا اتسع الوصول إليه هان في الأعين
فيزاد فيه
أي في تملكه
شرط التقابض
إظهارا للخطر كالنكاح فإنه لما كان استيلاء على محل ذي خطر لتعلق بقاء النوع به شرط لجوازه شرط زائد على غيره من العقود وهو حضور الشهود
فيرد اعتبار مساس الحاجة
إلى الشيء إنما يناسب أن يكون مؤثرا
في التوسعة
والإطلاق لا في التحريم والتضييق بدليل حل الميتة عند الاضطرار وجرت سنة الله بتسهيل طريق الوصول إلى كل ما كانت الحاجة إليه أمس كالهواء والماء والتراب بخلاف النكاح فإنه يرد على الحر والحرية تنبيء عن الخلوص والخلوص يمنع وروده عليها لأنه نوع رق فيصلح أن يكون الأصل فيه التحريم ولكن ثبت الحل بعارض الحاجة إلى بقاء النسل وما ثبت بالعارض يجوز توقفه على أشياء لمخالفته الأصل فظهر أن في ترتيب اشتراط التقابض في تملك المطعوم على كونه ذا خطر فساد الوضع لأنه نقيض ما يقتضيه من التوسعة والتيسير
ثم هذا المنع يبطل العلة بكليتها ولا يندفع إلا بتغيير الكلام فهو فوق النقض
سادسها المعارضة في الأصل
وهي
أن يبدي
المعترض
فيه وصفا آخر صالحا
____________________
(3/357)
للعلية
يحتمل أنه
وحده
العلة
وأن يكون هو مع وصف المستدل ولعله لم يذكره اكتفاء بقسيمه أعني
أو
أنه
مع وصف المستدل
العلة
فالأول
أي إبداء الوصف الآخر الصالح للعلية المحتمل إنه العلة أو أنه مع وصف المستدل العله
معارضة الطعم بالقوت أو الكيل
أي معارضة المعترض تعليل المستدل حرمة الربا بالطعم بأحدهما إذ يحتمل أن يكون القوت أو الكيل هو العلة وحده أو العلة مجموع الطعم والقوت أو مجموع الطعم والكيل
والثاني
أي إبداء الوصف الآخر الصالح للعلية المحتمل أن يكون مع وصف المستدل العلة
الجارح للقتل
العمد
العدوان
أي معارضة المعترض تعليل المستدل القصاص في المحدد بكونه قتلا عمدا عدوانا بكونه بالجارح
لنفي المثقل
أي القصاص بالقتل به كالحجر فإنه يجوز كون الجرح مع القتل هو المعتبر علة للقصاص والجارح لا يصلح سوى أن يكون هو جزء العلة لأنه لا يصلح للاستقلال
واختلف فيه
أي هذا المنع
في المذهبين
للحنفية والشافعية فمذهب الحنابلة
والمختار للشافعية قبوله لتحكم المستدل باستقلال وصفه
بثبوت الحكم دون الوصف المعارض المبدي
مع صلاحية المبدي له
أي للاستقلال بالعلية
وللجزئية
أي وأن يكون جزء العلة بأن يكون مع الأول علة مستقلة لذلك الحكم لتساويهما في الصلوح من غير مرجح في الوجود فإن قيل لا تحكم مع الرجحان ووصف المستدل راجح إذ في إعتباره دون وصف المعترض توسعة في الأحكام لأنه إذا اعتبر تعدي الحكم إلى الفرع ولو اعتبر وصف المعترض وهو لا يوجد في الفرع لم يتعد فالجواب أن الرجحان لوصف المستدل ممنوع
ولا يرجح
لكونه علة
بالتوسعة لأنه
أي حصول التوسعة
مرجح لما ثبتت عليته والكلام فيه
أي في ثبوت العلية لوصف المستدل هنا
ولو سلم
أنه يدل على ثبوت العلية
فمعارض بما يرجح وصف المعارضة وهو
أي المعارض
موافقة الأصل
وهو عدم الحكم
بالانتفاء
للحكم
في الفرع و
المختار
للحنفية نفيه
أي نفي قبوله
ويسمونها
أي المعارضة في الأصل
المفارقة فإن كان الفرق
صحيحا فليجعل ممانعة ليقبل
من المعترض لأن المفارقة من الأسئلة الفاسدة عند الجمهور والممانعة أساس المناظرة وبها يعرف فقه الرجل
ففي إعتاق عبد الرهن
أي إعتاق الراهن العبد المرهون إذا قال الشافعي ببطلانه لأنه
تصرف لاقى حق المرتهن
بالإبطال بدون رضاه
فيبطل كبيعه
أي كما لو باعه الراهن بغير قضاء الدين ولا إذنه
لو قال
الحنفي
هي
أي العلة
في الأصل
أي البيع
كونه
أي البيع
يحتمل الرفع
بعد وقوعه فيمكن القول بانعقاده على وجه يتمكن المرتهن من فسخه بخلاف العتق فإنه لا يحتمل الفسخ بعد وقوعه فلا يظهر أثر حق المرتهن في المنع من النفاذ لكان فقها صحيحا في نفسه لكن إذا
لم يقبل
لصدوره ممن ليس له ولاية
____________________
(3/358)
الفرق وهو السائل
فليقل إن ادعيت حكم الأصل
أي بيع العبد الرهن
البطلان منعناه
أي كون حكمه البطلان
أو
ادعيت حكمه
التوقف
على إجازة المرتهن أو قضاء دينه
فغير حكمك في الفرع
بالبطلان ومن شرط صحة القياس أن يكون حكم الأصل والفرع واحدا وقد ظهر أنه لو قيل ابتداء حكم الأصل التوقف ولم يوجد في الفرع لكفى
وهذا
أي كون المختار نفي قبوله
لأنه غصب
لمنصب التعليل والسائل جاهل مسترشد في موقف الإنكار فإذا ادعى عليه شيء آخر وقف موقف الدعوى وهذا بخلاف المعارضة فإنها إنما تكون بعد تمام الدليل فالمعارض لا يبقى سائلا بل يصير معللا مدعيا ابتداء
وليس
كذلك
لأنه لا يستدل عليه بل يجوز كونه
أي المبدي وحده
العلة أو مع ما ذكر
المستدل
وحاصله
أي هذا السؤال
منع استقلاله
أي وصف المستدل بالعلية
وتسميته معارضة تجوز لقولهم
أي الأصوليين
إذا أطلقت
المعارضة في باب القياس
فما في الفرع
أي فالمعنى بها المعارضة في الفرع
وهذه
أي المعارضة في الأصل تذكر
بقيد
هو في الأصل
وإذا رد النقض إلى المنع
كما صرحوا به وقد تقدم في تعريفه
فهذا
أي رد المعارضة في الأصل إلى المنع
أولى
منه في ذلك لأنه في النقض مستدل على البطلان بالتخلف وهنا يجوز المبدي تجويزا فلا جرم أن في التلويح ولا يخفى أنه نزاع جدلي يقصدون به عدم وقوع الخبط في البحث وإلا فهو ساع في إظهار الصواب
قالوا
أي الحنفية
ولجواز علتين في الأصل تعدي بكل
منهما
إلى محلها
الذي وجدت فيه وإن لم توجد الأخرى فيه
فعدم إحداهما
بعينها
في محل لا ينفي
كون
الأخرى
علة لحكمها المنسوب إليها في محل آخر وجدت فيه
وهذا
الوجه
يقتصر
أي يفيد اقتصار نفي القبول
على ما يجب فيه استقلال كل
من العلتين بدليل موجب لذلك
دون تجويز جرئيته
أي المبدى للعلة التي ذكرها المستدل
فالحق إن أجمع على أنها
أي العلة
في محل النزاع إحداهما
أي المذكورتين المستدل والمعترض بالاستقلال
كعلة الربا
أهي الكيل والوزن أو الطعم أو الاقتيات والادخار
قبل
هذا الاعتراض للتجويز المذكور
وإلا
لو لم يجمع على أنها في محل النزاع إحداهما بالاستقلال
لا
يقبل بتقدير الاستقلال لإحداهما أو لكل منهما لما ذكر في وجه المختار للشافعية
وقولهم
أي الشافعيه الثابت
بالاستقراء مباحث الصحابة جمع
أي تعميم الحكم يين أصل وفرع بموجب وصف مشترك بينهما
وفرق
أي تخصيص ذلك الحكم بالأصل بموجب وصف مختص بالأصل والبحث والنظر إنما هو في أن العلة الحكم في الأصل هي ذلك الوصف المشترك أو المختص وذلك إجماع على جواز إبداء وصف فارق غير موجود في الفرع في معارضة وصف جامع اعتبره المعلل وإنه يقبل ويترك به قياس المستدل ولا معنى لقبول المعارضة سوى هذا
لا يمسه
أي القبول على العموم
إلا إن نقلت
مباحثهم جمعا وفرقا
على العموم ولا يمكن
نقلها كذلك
وعلى قبولها
أي المعارضة في الأصل هل يلزم المعترض بيان إن
____________________
(3/359)
وصفه الذي أبداه في الأصل معارضا منتف في الفرع فيه أقوال
فأحدها يلزمه لينفعه دعوى التعليل به إذ لولاه لم تنتف العلة في الفرع فيثبت الحكم فيه ويحصل مطلوب المستدل
فثانيها لا يلزمه لأن غرضه عدم استقلال ما ادعى المستدل استقلاله وهذا يحصل بمجرد إبدائه
فثالثها
الذي هو
المختار لا يلزم
المعترض
بيان انتفائه
أي الوصف المبدي في الأصل معارضا
عن الفرع إلا إن ذكره
أي المعترض انتفاءه في الفرع
لأن مقصوده
أي المعترض
لم ينحصر في ضده
أي صرف المستدل
عن التعليل
بذلك
لينتفي لزومه
أي بيان انتفائه
مطلقا
أي ذكره أو لم يذكره كما هو وجه القول الأول
ولا نفي حكمه
أي ولم ينحصر في نفي حكمه
في الفرع ليلزم
بيان انتفائه
مطلقا
أي ذكره أو لم يذكره كما يشير إليه وجه القول الثاني
بل قد
يكون مقصود المعترض الأمر الأول
وقد
يكون مقصوده الأمر الثاني فإذا ادعاه
أي المعترض انتفاء كأن قال هذا الوصف الآخر الصالح في الأصل منتف في الفرع
لزمه
أي المعترض
إثباته
لأنه التزم أمرا فيلزمه بالتزامه وإن لم يجب عليه ابتداء ثم هل يلزم المعترض ذكر أصل يبين تأثير وصفه الذي أبداه في ذلك الوصف حتى يقبل منه قيل يلزمه لأن المناسبة بدون الاقتران لا تدل على علية الوصف فلا بد له من أصل يشهد له بالاعتبار
و
المختار
لا
يلزم المعترض
ذكره أصلا لوصفه
الذى أبداه في الأصل يبين تأثيره في ذلك الحكم
كمعارضة الاقتيات بالطعم
أي كأن يقول العلة الطعم لا القوت
كما في الملح
فإنه طعم وليس بقوت
وقد أثر فيه حيث جعل من الربويات
لأنه
أي المعترض
لم يدعه
أي كون وصفه علة حتى يحتاج إلى شهادة الأصل
إنما جوز ما ذكر من كون وصفه علة أو جزأها
ليلزم
المستدل
التحكم
على تقدير كون وصف المستدل علة دون وصفه مع تساويهما في الصلوح من غير مرجح في الوجود
وأيضا يكفيه
أي المعترض في وصفه المبدي
أصل المستدل
إذ أصل المستدل أصله إذ لا بد من وجود وصفه فيه وإلا لم يعارض
فيقول
المعترض
جاز الطعم أو الكيل أو هما
علة
كما في البر بعينه وجوابها
أي المعارضة من المستدل
على القبول بمنع وجوده
أي الوصف المعارض به في الأصل مثل أن يقول لا نسلم أنه مكيل في زمانه صلى الله عليه وسلم وهو المعتبر
أو
منع
تأثيره
أي الوصف المعارض به
إن كان
وصف المستدل أي عليته
لم يثبته المستدل أو أثبته
المستدل
بما
أي بأي طريق
كان وتقييد سماعه
أي هذا السؤال وهو مطالبة المستدل المعترض بتأثير وصف المعترض
من المستدل بما إذا كان المستدل أثبت وصفه
أى عليته
بالمناسبة ونحوها
أي بالشبه لأن المناسبة إنما تؤثر إذا لم تعارض بمناسبة أخرى
لا
إذا أثبت وصفه
بالسبر ونحوه
لأن الوصف يدخل في السبر بمجرد احتمال كونه مناسبا وإن لم تثبت المناسبة بالنظر إليه أو إلى الخارج على ما يعم الشبه فتتم المعارضة بمجرد إبداء وصف آخر محتمل للعليه من غير أن يثبت مناسبته كما ذكره القاضي عضدالدين
تحكم لأن ذاك
المثبت
____________________
(3/360)
بما كان من الطرق
وصفه
أي المستدل
وهذا
المبدي وصف
آخر مجوز
أي جوزه المعترض وقد
دفعه
المستدل
بعدم التأثير وهو
أي عدم التأثير
عدم المناسبة عندهم
أي الشافعية
فيجب إثباته
على المعترض بما شاء
فبالمناسبة ظاهر وكذا بالسبر لأن ما أفاد العلية أفاد المناسبة إذ هي
أي المناسبة
لازم العلة بمعنى الباعث
فما أفادها أفادها
لكن لا يلزم إبداؤها
أي المناسبة
في السبر ونحوه ولذا
أي عدم لزوم ابتدائها فيه
عورض المستبقى فيه
أي السبر
لعدمها
أي المناسبة
وقيل المعنى
للمستدل مطالبة المعترض بكون وصفه مؤثرا
إذا كان المعترض أثبته بالمناسبة
كما ذكره جماعة من شارحي مختصر ابن الحاجب
وهو خبط إذ بفرض إثباته
أي المعترض كون الوصف علة
بها
أي بالمناسبة
كيف يمنع
المستدل
التأثير وهو
أي التأثير
هي
أي المناسبة
إذ لا يمكن حمله
أي التأثير
على اصطلاحهم
أي الشافعية
فيه
أي في التأثير
وهو كون العين في العين بالنص أو الإجماع إذ لا يتعين
إثبات المعترض كون الوصف علة بهذا
عليه
أي المعترض
بعد إثباته
أي المعترض كون الوصف علة
بطريق صحيح هي المناسبة بالفرض نعم
يتعين على المعترض إثباته بالتأثير
لو كان المعترض حنفيا فإن المناسبة لا تستلزم الاعتبار عندهم
أي الحنفية كما تقدم
فالتأثير عندهم شرط مع المناسبة وهو
أي التأثير عندهم
إن ثبت اعتبار جنس المناسبة إلى آخر الأقسام
الماضية في بحث التأثير
ولا يصح
ممن أثبت وصفه بالسبر مستدلا كان أو معترضا الترجيح
بترجيح السبر
على المناسبة
لتعرضه أي لأجل تعرض السبر
لنفي غيره و لا
بكثرة الفائدة
وإنما لا يصح
لأن ذلك
أي تعرضه لنفي غيره إنما يكون مرجحا
بعد ظهور شرطه
أي السبر وهو مناسبة المستبقى لأن شرط كل علة مناسبتها في نفس الأمر إلا أنه لا يجب إظهارها على المعلل في كل إثبات لأن بعض طرق العلة لا تتعرض لذلك كالسبر
أو عدم ظهور عدمه
أي الشرط وهو منتف هنا
أما مع ظهوره
أي عدم الشرط كما إذا قال المعترض المستبقى أيضا غير مناسب فيما إذا أبدى وصفا آخر ليبطل الحصر فقال المعلل هذا لم أدخله في سبري لعدم مناسبته
فلا
يترجح السبر
إذ لا يفيد
السبر
مع عدم الشرط
أي المناسبة
وهو
أي عدم الشرط هو
المعترض به
لأن المعترض عارض ظهور مناسبة المستبقي عنده بظهور عدم مناسبة المستبقى عنده
أو بيان خفائه
أي الوصف المعارض به فهو مجرور بالعطف على منع وجوده أو تأثيره وكذا
أو عدم انضباطه أو منع ظهوره أو
منع
إنضباطه
أو كل منها عطف على ما يليه إذ هذه الأربعة من أجوبة المعارضة لما علم في شروط العلة اشتراط الظهور والأنضباط في الوصف المعلل به فلا بد
____________________
(3/361)
في دعوى صلوح الوصف علة من بيانهما والصادر عنهما إن تبين عدمهما وأن يطالب ببيان وجودهما
أو أنه
أي الوصف المعارض به ليس وصفا وجوديا بل هو
عدم معارض في الفرع
والعدم لا يكون علة ولا جزأ من العلة في الحكم الثبوتي على ما هو المختار
كالمكره
أي كقياس القاتل المضطر إلى القتل
على المختار
أي القاتل باختياره
في
وجوب
القصاص بجامع الفتل فيعارض بأنها
أي العلة
هو
أي القتل
مع الطواعية
فإنها مناسبة لإيجاب القصاص فلا تكون العلة القتل العمد العدوان فقط بل بقيد الاختيار
فيجيب
المستدل
بأنها
أي الطواعية
عدم الإكراه لا الإكراه المناسب لنقيض الحكم
أي عدم القصاص وعدم الإكراه عدم المانع وصف طردي لا يسند الحكم إليه لأنه ليس من الباعث في شيء وهذا أيضا من أجوبة المعارضة كقوله
أو بإلغائه
أي كون الوصف المعارض به ملغى إما مطلقا في جنس الأحكام كالطول والقصر أو في الحكم المعلل به كالذكورة في العتق
باستقلال وصفه
أي بسبب استقلال وصف المستدل بالعلية
بنص أو إجماع كلا تبيعوا الطعام
بالطعام إلا سواء بسواء وقدمنا في مباحث الاستثناء أن الشافعي أخرجه بمعناه
في معارضة الطعم
أي كجواب المستدل على أن علة الربا الطعم لمعترضه بمعارضته
بالكيل
بأن النص دل على اعتبار الطعم في صورة ما وهو هذا الحديث فإن اعتبار الحكم مرتبا على وصف يشعر بالعلية
ومن بدل دينه فاقتلوه
كما هو حديث صحيح أخرجه البخاري وغيره
عند معارضة مطلقه
أي التبديل
بتبديل الإيمان بالكفر
أي وكجواب المستدل على قتل اليهودي إذا تنصر والنصراني إذا تهود إلا أن يسلم كالمرتد لتبديله دينه لمعترضه بمعارضته لوصفه الذى هو مطلق التبديل بأن العلة تبديل الكفر بالإيمان بأن التبديل معتبر في صورة ما للحديث المذكور
ولو قال
المستدل
عم
الحديث
في كل تبديل
سواء كان تبديل دين حق بباطل أو باطل بباطل
كان
هذا القول
شيئا آخر
أي إثباتا للحكم بالنص لا بالقياس والمقصود إثباته به بل ويكون القياس حينئذ ضائعا ومن ثمة لم يسمع منه هذا
نعم لا يضره كونه عاما إذا لم يتعرض للتعميم ولم يستدل به
وليس منه
أي الإلغاء المقبول
انفراد الحكم عنه
أي الوصف المبدي للمعترض
لعدم
اشتراط
العكس
في العلة على ما هو المختار
لكن يتم استقلال وصف المستدل
لكونه لا يلزم من ثبوت الحكم بدون الوصف عدم علية الوصف وكونه لغوا
ولكونه
أي انفراد الحكم عنه
ليس إلغاء لا يفيد
المستدل في تمام إلغاء الوصف المعارض به في صورة عدمه
إبداء الخلف
أي وصف آخر يخلف الوصف المبدي أولا الذي ألغاه المستدل
من المعترض
لئلا يكون وصف المستدل مستقلا وإنما لا يقيد المستدل هذا تمام إلغائه لابتناء إلغاء الوصف المعارض به على استقلال وصف المستدل في صورة عدم الوصف المعارض به وقد بطل استقلاله بإبداء المعترض قيدا آخر ينضم إليه فيبطل ما يبتني عليه
وهو أي فساد الإلغاء على هذا الوجه
____________________
(3/362)
تعدد الوضع
لتعدد أصلي الوصفين اللذين أوردهما المعترض وصيرورته معللا بكل منهما على وضع أي مع قيد
نحو
أن يقال في صحة أمان العبد المسلم العاقل للحربي
أمان
صادر
من مسلم عاقل فيقبل كالحر أي كأمان الحر المسلم العاقل له
لأنهما
أي الإسلام والعقل
مظنتان للاحتياط للأمان
أي لإظهار مصلحة بدل الأمان
فيعترض باعتبار الحرية معهما
أي الإسلام والعقل
لأنها
أي الحريه مظنة التفرغ
للنظر في مصلحة الأمان لعدم اشتغاله بخدمة المولى
فنظره
أي الحر
أكمل
من نظر العبد
فيلغيها
أي المستدل الحرية
بالمأذون له في القتال
أي باستقلال الإسلام والعقل بالأمان في العبد الذى أذن سيده له في قتال الكفار فإن له الأمان بالاتفاق
فيقول
المعترض
الإذن
أي أذن السيد له في ذلك
خلفها
أي الحرية
لدلالته
أي إذن السيد له في ذلك
على علم السيد بصلاحه
لإظهار مصالح الأمان أو قام الإذن مقام الحرية فإنه مظنة لبذل الوسع في النظر
فالباقي
أي الإسلام والعقل
علة على وضع أي قيد الحرية
أي هما معها
وآخر
أي والباقي علة أيضا على وضع آخر وهو كون الإسلام والعقل مع
الإذن وجوابه
أي تعدد الوضع
أن يلغي
المستدل ذلك
الخلف بصورة ليس
ذلك الخلف
فيها فإن أبدى
المعترض
فيها
أي الصورة المبداة
خلفا
آخر
فكذلك
أي فجوابه إلغاؤه بإبدائه صورة أخرى لا يوجد فيها ذلك الخلف أيضا وعلى هذا
إلى أن يقف أحدهما
إما المستدل لعجزه عن الإلغاء أو المعترض لعجزه عن ثبوت عوض في هذا المقام يظهر الرجال ويتبين فرسان الجدال
ولا يلغي
أي ولا يفيد المستدل إلغاء الوصف المعارض به في الأصل
بضعف الحكمة إن سلم
المستدل المظنة
أي وجود المظنة المتضمنة لتلك الحكمة
كالردة علة القتل
في قياس المرتدة على المرتد في وجوب القتل
فيقال
من قبل المعترض بل
مع الرجولية لأنه
أي كون المرتد رجلا
المظنة لقتال المسلمين
إذ يعتاد ذلك من الرجال دون النساء فيلغيه
أي المستدل كون المرتد رجلا المظنة لذلك
بمقطوع اليدين
لضعف الرجولية فيه مع أنه يقتل اتفاقا إذا ارتد فهذا
لا يقبل من المستدل أي لا ينفعه
بعد تسليم كون الرجولية مظنة
اعتبرها الشارع فيدار الحكم عليها غير ملتفت إلى حكمتها كسفر الملك المرفه لا يمنع الرخص
ولا يفيد ترجيح المستدل وصفه
على وصف المعترض
بشيء من وجوه الترجيح في جواب المعارضة خلافا للآمدي
لأن المفيد
في ذلك
ترجيح أولوية استقلال وصفه
أي المستدل على أولوية استقلال وصف المعارضة إذ لا تعليل بالمرجوح مع وجود الراجح وهوأي ترجيحها
منتف مع احتمال الجزئية
أي جزئية وصف المعارضة لوصف المستدل وهو باق إذ لا يمتنع ترجيح بعض أجزاء العلة على بعض كما في القتل العمد العدوان فإن القتل أقوى في العلية من العمد العدوان فلو قيل باستقلال وصف المستدل على وصف المعارضة كان تحكما
أو يدعي
أي إلا أن يدعي
المعترض استقلال وصفه أي وصف نفسه فإنه حينئذ يفيد
____________________
(3/363)
ترجيح وصف نفسه
وأما أن
العلة
المتعدية لا ترجح
على القاصرة
لمعارضة موافقة الأصل
أي لكون القاصرة معارضة لها بأنها موافقة للأصل الذي هو عدم الإحكام كما أشار إليه عضد الدين
فلا
قال المصنف أي فلا يصح هذا التنزل منهم بعدم الترجيح لأجل معارضة الأصل بل يكون الوصف المستقل المتعدي مرجحا على المستقل القاصر
واختلف في
جواز
تعدد الأصول
أي أصول المستدل المقيس عليها
فقيل لا
يجوز
لأن
الأصل
الزائد لا يحتاج إليه
لأن المقصود الظن وهو يحصل به
ويدفع
هذا
بثبوت الحاجة
إلى الزائد عليه
لزياده القوة
في الظن فإن قوته مقصودة أيضا
والوجه الآخر
لهذا القول
وهو تأديه
أي جواز تعدد الأصول
إلى الانتشار وزيادة الخبط يدفعه
أي هذا الدفع المذكور
لأن معه
أي مع تأديه إلى هذا
يبعد الظن فضلا عن زيادته
أي الظن
فاختيار جوازه
أي التعدد
مطلقا
كما هو صنيع ابن الحاجب
ليس بذاك
القوي
بل
الوجه جوازه
في نظره لنفسه
لانتفاء الانتشار
لا
في
المناظرة
لتأديه إلى النشر
وعلى الجواز
أي جواز تعددها
اختلف في اقتصار المعارض على أحدها فالمجيز
لاقتصاره على أحدها قال
إبطال جزء من كلامه
أي المستدل
إبطاله
أي كلامه من حيث هو مجموع
وملزم إبطال الكل
قال
إذا سلم له
أي المستدل
أصل كفاه
في مطلوبه لسلامته عن المعارض فيتم القياس المقتضي للمقصود من الحكم
ومحله
أي هذا القول
اتحاد الوصف
المعارض به في الجميع كما أوجبه بعضهم حذرا من انتشار الكلام
دون تعدده
أي الوصف المذكور فيها أي جواز المعارضة في كل واحد بغير ما عارض به في الأصل الآخر لجواز أن يساعده في الكل علة واحدة
ولا يتلاقيان
أي هذان القولان
فنظر الأول إلى أنه
أي المستدل
التزم صحة الإلحاق بكل
من الأصول المذكورة
وعجز عنه
أي عن الإلحاق بكل فبطل الإلحاق
والآخر قائل
المقصود إثباته
أي الحكم
في الفرع ويكفيه
أي إثباته في الفرع
ما سلم
له من الأصول
وفي معارضة الكل أي جميع الأصول
لو أجاب المستدل
عن أحدها
أي دفع المعارضة عن أصل واحد
فالقولان
مجتمعان على أنه
لا بد أن يدفع
المستدل
عما التزمه
وهو الكل لأنه التزم ذلك ضمنا
يكفيه واحد وأما سؤال التركيب فتقدم في الشروط
لحكم الأصل حيث قال ومنها في كتب الشافعية أن لا يكون ذا قياس مركب الخ وإن حاصله المنع إما لعلية علة حكم الأصل أو لوجودها أو لحكم الأصل فهو مندرج في هذه المنوع وليس سؤالا برأسه والأمثلة مذكورة ثمة
وسؤال الترجيح بالتعدية
أي وأما سؤال التعدية كأن يقول المستدل في إجبار الأب أو الجد البكر البالغة على النكاح بكر فتجبر كالصغيرة
فبعارض البكارة المتعدية إلى البالغة
وغيرها
بالصغر المتعدي إلى الثيب
الصغيرة والبكر الصغيرة لمناسبته للإجبار
ليتساويا
في التعدية
ومرجعه
أي هذا السؤال
إلى المعارضة في الأصل بما يساوي
العلة
الأخرى في التعدية
دفعا لترجيح الوصف الذي عينه
____________________
(3/364)
المستدل بالتعدية
ولا ترجيح بزيادة التعدية للحنفية بخلاف أصلها
أي التعدية فإنه يكون مرجحا فلا يكون هذا السؤال سؤالا آخر بل هو من المعارضه في الأصل ثم عبارة الآمدي في تعريفه هو أن يعين المعترض في الأصل معنى ويعارض به ثم يقول للمستدل ما عللت به وإن تعدى إلى فرع مختلف فيه فكذا ما عللت به تعدى إلى فرع مختلف فيه وليس أحدهما أولى من الآخر
وإذ لم يقبلوا
أي الحنفية
المعارضة في الأصل لم يذكروا سؤال اختلاف جنس المصلحة
في الأصل والفرع بعد اتحاد الضابط فيهما
كإيلاج محرم
أى كأن يقول المستدل للحد باللواط هو إيلاج فرج محرم في فرج محرم شرعا مشتهى طبعا
فيحد به كالزنى فيقول المعترض
المصلحة مختلفة في تحريمهما
أي اللواط والزنى
ففي الزنى اختلاط النسب المفضي إلى عدم تعهد الولد وهو
أي عدم تعهده
قتل معنى وفي اللواط دفع رذيلته
وقد يتفاوتان في نظر الشرع بحيث لا تقوم إحداهما مقام الأخرى فيناط الحكم بإحداهما دون الأخرى وإنما لم يذكروا هذا السؤال تفريعا على عدم قبولهم المعارضة في الأصل
لأنه
أي هذا السؤال
هي
أي المعارضة في الأصل لإبداء خصوصية في الأصل فلم يذكروه مفردا وإنما قلنا إنه هي
إذ حاصله
أي قول المعترض
العلة
في الأصل
شيء آخر وهو كونه موجبا لاختلاط النسب
مع ما ذكرت ولذا
أي كونه معارضة في الأصل لإبداء خصوصية فيه
كان جوابه جوابها بإلغاء الخصوصية
أي مع إلغائها
بطريقة
أي الإلغاء فيحتاج إلى الأمرين
مع أنه
أي هذا السؤال
يندرج في معنى الشروط
للفرع إذ من شرطه أن يساوي الأصل فيما علل به حكمه من غير إلى آخر ما تقدم والمساواة هنا في الفرع منتفية على تقدير أن علة الأصل كونه موجبا لاختلاط النسب مع ما ذكره المعترض
الثالث
من مقدمات القياس المتقدم ذكرها وهو ثبوت العلة في الفرع عليه سؤالان الأول منع وجودها
أي العلة
في الفرع كقول الحنفية في قولهم
أي الشافعية للحنفية
بيع التفاحة بثنتين بيع مطعوم بمطعوم مجازفة فلا يصح كصبرة بصبرتين
ومقول قول
الحنفية
يمنع وجوده
أي الوصف
في الفرع لأن المجازفة باعتبار الكيل وهو
أي الكيل منتف فيه
أي التفاح
ويرد
على هذا المنع
أنها
أي المجازفة
باعتبار المقدر
لذلك شرعا
كيلا ووزنا فالإلحاق
للفرع بالأصل المذكورين
باعتبار
المقدر
الأعم
من الكيل والوزن
فإنما يدفع هذا
الإيراد
بانتفائهما
أي الكيل والوزن
لأنه
أي التفاح
عددي وهو
أي كونه
عدديا
موقوف على أنه
أي التفاح
كذلك
عددي
في زمنه صلى الله عليه وسلم وإلا
لو لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم عدديا
فالعادة
أي فالعبرة بما هو العرف في بيعه من وزن أو غيره
وهي
أي العادة
مختلفة فيه
أي التفاح من كونه وزنيا وغيره
ولمحمد
أي وكما فيما لمحمد
في إيداع الصبي
غير المأذون ما لا غير الرقيق حيث لا يضمن إذا أتلفه لأن مالكه
سلطه على استهلاكه
كما تقدم تقريره
فيمنعان
أي أبو حنيفة وأبو يوسف كما هو ظاهر هذه المقابلة
____________________
(3/365)
أنه
أي إيداعه
تسليط
له على إتلافه لكن المسطور في غير ما موضع كما مشينا عليه فيما سلف أن أبا حنيفة لا يضمنه كمحمد
وللشافعية
أى وكما فيما لهم
لي
صحة
أمان العبد أمان من أهله فيعتبر كالمأذون له في القتال فيمنع أهليته
أي العبد
له
أي الأمان
وجوابه
أي هذا السؤال
ببيان وجوده
أي هذا الوصف
بعقل أو حس أو شرع
أي بما هو طريق مثله من هذه الأمور الثلاثة
ويزيد المستدل هنا
أي في هذا الفرع
بيان مراده بالأهلية وهو
أي بيان مراده بها
كونه
أي المؤمن
مظنة لرعاية مصلحته
أي الأمان الثابتة للمسلمين فيه
وهو
أي كونه مظنة لذلك
بإسلامه وبلوغه ولو زاد المعترض بيان الأهلية ليظهر انتفاؤها
في الفرع
فالمختار لا يمكن
منه
إذ هو
أي بيان المراد بها
وظيفة المتكلم به
أي بهذا اللفظ لأنه العالم بمراده فيتولى تعيين ما ادعاه
دفعا لنشر الجدال
بالانتقال والاشتغال
السؤال
الثاني المعارضة في الفرع بما يقتضي نقيض الحكم
أي حكم المستدل
فيه
أي في الفرع بأن يقول ما ذكرته من الوصف وإن اقتضى ثبوت الحكم في الفرع فعندي وصف آخر يقتضي نقيضه فيتوقف دليلك
وهي
أي وهذه هي
المعارضة إذا أطلقت
في باب القياس كما تقدم
ولا بد له
أي لما يقتضي نقيض الحكم فيه
من أصل
بجامع بينهما يثبت عليته
فهي
أي هذه المعارضة
معارضة قياسين ولذا
أي كونها معارضة قياسين
كانت
هي المعارضة
الحقيقة
أي حقيقة المعارضة المطلقة
وله
أي المعترض
إثبات وصفه
أي عليته
بمسلكه وللآخر
أي المستدل
اعتراضه بما يعترض به على المستدل فينقلبان
أي فيصير المعترض مستدلا والمستدل معترضا لانقلاب وظيفتهما
وهو
أي انقلابهما لانقلاب التناظر
وجه منع مانعها
أي القائل بعدم سماعها لأنه خروج مما قصداه من معرفة صحة نظر المستدل في دليله إلى أمر آخر وهو معرفة صحة نظر المعترض في دليله والمستدل لا تعلق له بمعرفة صحة نظر المعترض في دليله ولا عليه أتم نظر المعترض في دليله أم لا
ودفع بأن
الانقلاب
الممتنع أن يثبت
المعترض
مقتضى دليله
نفسه
وهذا
ليس كذلك بل قصده
لهدمه
أي دليل المستدل
بنقيضه بعد تمامه
أي نقيضه
فالمعنى تمام دليلك
أيها المستدل
موقوف على هدم هذا
أي دليلي لمعارضته لدليلك
وقد يجاب عن سؤال المعارضه بوجه من الوجوه المذكورة في ترجيح القياس للعجز عن القدح فيها واختلف في قبول الترجيح
والمختار قبول الترجيح بما تقدم
في ترجيح القياس
ولا خلاف فيه
أي في قبول الترجيح فيه
عند الحنفية لأن وجوب العمل
بالدليل المعارض
بعد المعارضة موقوف عليه
أي الترجيح
وقيل لا يقبل الترجيح
لتعذر العلم بتساوي الظنين
إذ لا ميزان يوزن به الظنون ولا معيار يعرف به مراتبها
والترجيح فرعه
أي تساويهما
وهذا
ممنوع فإنه
يبطل الترجيح مطلقا ودلالة الإجماع عليه
أي الترجيح للإجماع على وجوب العمل بالراجح
يبطله
أي إبطال الترجيح مطلقا
وعلى المختار من قبول الترجيح هل يجب الإيماء إلى
____________________
(3/366)
الترجيح في متن الدليل كأن يقول أمان من مسلم عاقل موافقا للبراءة الأصلية فيه خلاف قيل يجب لأن الرجحان شرط العمل بالدليل فلا يثبت الحكم بدونه والمختار عند ابن الحاجب
لا تجب الإشارة إليه
أي الترجيح
على المستدل
قبل المعارضة
لأنه
أيما الترجيح
ليس
جزأ
منه
أي الدليل للتوصل بالدليل إلى المدلول مع قطع النظر عنه
نعم يوقف العمل بالدليل عليه عند حصول المعارض
وتوقف العمل عليه
أي الترجيح
عند ظهور المعارضة شرط
له
معلق على شرط
وهو ظهور المعارضة فهو من توابع ظهورها لدفعه لأنه جزء من الدليل فلا يجب ذكره في الدليل قال المصنف
والوجه لزومه
أي الإيماء إلى الترجيح في الدليل
في العمل
أي عمل المناظر
لنفسه
لأنه لا يتم دليلا موجبا للعمل إلا بشرط عدم المعارض أو مرجوحيته فيلزم الإيماء إلى الترجيح في دليله على تقدير وجود المعارض ليتحقق الشرط الموجب للعمل
لا
في
المناظرة
لعدم الاحتياج إليه قبل إبداء المعارضة
وأما ما ذكر الشافعية من سؤال اختلاف الضابط
أي الوصف المشتمل على الحكمة المقصودة في الأصل والفرع وهو
أن يجمع بمشترك بين علتين كشهود الزور
إذا شهدوا على إنسان بقتل عمد عدوان فقتل بشهادتهم ثم ظهر كذبهم برجوعهم فيقال يقتلون لأنهم
تسببوا في القتل فيقتص
منهم
كالمكره
لغيره على قتل عمد عدوان
فيقال الضابط
فيهما مختلف
في الأصل الإكراه وفي الفرع الشهادة ولم يثبت اعتبار تساويهما
أي الإكراه والشهادة
مصلحة
وهي الزجر عن التسبب للقتل الظلم
شرعا ليقتل
الشاهد
بالشهادة
فقد يكون ما وجد من التسبب في ضابط الأصل راجحا على ما وجد منه في ضابط الفرع فلا يمكن تعدية الحكم إليه
وجوابه
أي المستدل لهذا السؤال
إما بأن الضابط
بين هذين التسببين الخاصين
التسبب
المطلق وهو
منضبط عرفا
وهذا الجواب
على قياس ما تقدم
في مسألة حكم القياس الثبوت في الفرع
من القياس للعلة
أي لا يعلل لإثباتها
لمن منعه
أي القياس بها
وجعل المناط
المشترك
بين الأمر الذي ثبت عليته لحكم وبين غيره مما هو كذلك
علته
أي علة ذلك المناط المشترك إن انضبط وكان ظاهرا وحينئذ فلا قياس وما يخال أصلا وفرعا إنما هما فردا ذلك المناط المشترك
أو بأن إفضاءه
أي الضابط إلى المقصود في الفرع
مثله
أي مثل إفضاء الضابط إلى المقصود في الأصل
أو أرجح
منه فيثبت الحكم فيه بطريق المساواة على التقدير الأول وبطريق أولى على التقدير الثاني كما
فيما لو جعل أصله
أي أصل هذا الفرع
إغراء الحيوان بأن يقول المستدل يجب القصاص على الشاهد زورا بإغرائه لأولياء المقتول على القتل بالقصاص لشهادته قياسا على إغراء الحيوان على القتل
فإن الشهادة أفضى إلى القتل منه
أي من إغراء الحيوان فإن انبعاث أولياء المقتول على قتل من شهدوا عليه بالقتل طلبا للتشفي والأخذ بثأر المقتول أرجح من انبعاث الحيوان على قتل من يغري هو عليه لسبب نفرته عن الآدمي وعدم علمه بالإغراء
وكونهما
أي الأصل والفرع
____________________
(3/367)
في القياس المذكور
التسبب بالشهادة على التسبب بالإغراء
كما اقتضاه كلام ابن الحاجب وصرح به عضد الدين قياس
بلا جامع بل
الوجه فيهما
الشهادة
أي قياسها
على الإكراه أو الإغراء أو الشاهد
أي قياسه
على المكره بالتسبب أو بإلغاء التفاوت
بين ضابطي الأصل والفرع في المصلحة
إذا أثبته
أي المستدل التفاوت
في خصوصه
أي ذلك المحل كما إذا قال التفاوت المذكور ملغى في القصاص لمصلحة حفظ النفس إذ لا فرق في القصاص بالموت بقطع الأنملة وبالموت بضرب الرقبة وإن كان ضرب الرقبة أشد إفضاء إلى الموت من قطع الأنملة
وإلا
لو لم يثبته في خصوصه
لم يفد
لأنه لا يلزم من إلغاء فارق معين إلغاء كل فارق
فلم تذكره
أي هذا السؤال
الحنفية لرجوعه إلى المعارضة في الأصل وسؤال القلب مندرج في المعارضة
لأنها دليل يثبت به خلاف حكم المستدل والقلب كذلك إلا أنه نوع منها مخصوص فإن الأصل والجامع فيه مشترك بين قياسي المستدل والمعارض ذكره عضد الدين شرحا لقول ابن الحاجب والحق أنه نوع معارضة اشترك فيه الأصل والجامع لكن قال الأبهري المراد بهذه المعارضة ما عليه اصطلاح الخلافيين وهي إقامة الدليل على خلاف ما أقام المستدل عليه سواء كان مغايرا لدليله أو عينه وهي أعم من المعارضة في الأصل والفرع على الوجه المذكور لاشتراط مغايرة الوصفين أعني وصفي المعلل والمعارض فيها اه
فعلى هذا قول عضد الدين وفائدة ذلك أنه يجيء الخلاف المذكور في المعارضة في قبوله ويكون المختار قبوله إلا أنه أولى بالقبول من المعارضة المحضة لأنه أبعد من الانتقال فإن قصد هدم دليل المستدل لأدائه إلى التناقض ظاهر في القلب ولأنه مانع للمستدل من ترجيح دليله على دليل المعترض بالتوسعة والتعدية إذ الترجيح إنما يتصور بين الدليلين وهنا دليل واحد
اه موضحا فيه تأمل
وكلام الحنفية المعارضة وأسلفنا بيانها
نوعان
النوع الأول
معارضة فيها مناقضة
وهي المقابلة بالتعليل المبطل لتعليل المعلل
وهي القلب وتحقيقها أن المعارضة إبداء دليل مبتدأ بدون التعرض لدليل المعلل والمناقضة إبطال دليل المعلل بدون إبداء دليل مبتدأ ولما كان القلب مركبا من أحد جزأي المعارضة وهو إبداء علة مبتدأة وأحد جزأي المناقضة وهو إبطال الدليل سميناه باسم آخر منبىء عنهما وهو معارضة فيها مناقضة ولم يسم مناقضة فيها معارضة لأن إبداء العلة بمقابلة دليل المعلل سابق ومقصود وتخلف الحكم في ضمن ذلك فكانت المعارضة أصلا
ويقال
القلب
لجعل الأعلى أسفل
والأسفل أعلى كقلب الإناء
ومنه
أي جعل الأعلى أسفل والأسفل أعلى
جعل المعلول علة وقلبه
أي جعل العلة معلولا فجعل المعلول علة جعل الأسفل أعلى وجعل العلة معلولا جعل الأعلى أسفل
فإن العلة أعلى للأصلية
أي لأنها أصل في إثبات الحكم والمعلول فرع وهو أسفل فتبديلهما
بمنزلة جعل الإناء منكوسا
وإنما يمكن
هذا النوع من القلب
في التعليل بحكم
أي فيما إذا جعل
____________________
(3/368)
المستدل حكما في الأصل علة لحكم آخر فيه ثم عداه إلى الفرع لأن كلا منهما كما استقام علة أستقام حكما لا في التعليل بالوصف المحض لأنه لا يصير حكما بوجه ولا الحكم الثابت به علة له أصلا
كالكفار يجلد بكرهم
أي كقول الشافعي الإسلام ليس بشرط الإحصان حتى لو زنى الذمي الحر العاقل البالغ الذي وطىء امرأة في القبل بنكاح صحيح يرجم لأن الكفار جنس يجلد بكرهم مائة إذا كان حرا
فيرجم ثيبهم كالمسلمين أي كما أن المسلمين الأحرار البالغين العقلاء الواطئين لامرأة في القبل بنكاح صحيح يرجمون لأنه يجلد بكرهم مائة فجعل جلد البكر مائة علة لوجوب رجم الثيب في المسلمين وقاس الكفار عليهم بهذا الجامع وهو حكم من الأحكام والبكر والثيب يقعان على الذكر والأنثى
فيقول
الحنفي المعترض لا نسلم أن المسلمين إنما يرجم ثيبهم لأنه يجلد بكرهم بل
إنما جلد بكر المسلمين لأنه يرجم ثيبهم
فلا يلزم رجم الذمى الحر العاقل البالغ الثيب الزاني
فحيث جعل
الحنفي المعترض ما جعله الشافعي المستدل
العلة
في الأصل وهو جلد المائة
حكما
فيه وما جعله حكما فيه وهو رجم الثيب العلة فيه كان هذا القلب معارضة صورة لتعليل المستدل بتعليل يدل على خلاف الحكم الذي أوجبه المستدل وكان الحكم علة
لزمها النقض
لأنها لما صارت حكما فهي توجد ولا يوجد معها الحكم وليس النقض إلا وجود المدعى علة مع تخلف الحكم
وهو
أي وهذا
قولهم
أي الحنفية معارضة
فيها مناقضة
أي إبطال لتعليل المعلل هذا على ما مشى عليه فخر الإسلام ولم يذكر القاضي أبو زيد وشمس الأئمة السرخسي وعامة الأصوليين معنى المعارضة في هذا القلب وجعلوه إبطالا لدليل المستدل
وفي شرح البديع للهندي وهو الأظهر لأن المعارضة إبداء دليل يوجب خلاف ما أوجبه دليل المعلل في حل استدلاله عليه ولم يوجد هذا هنا في القلب إذ الحكم الثابت بتعليل القلب لا يتعرض لحكم المعلل لا بنفي ولا إثبات وإنما يدل تعليله على فساد تعليل المعلل فكان إبطالا لا معارضة وفي الكشف لكن فخر الإسلام اعتبر صورة المعارضة من حيث إن القالب تعارض تعليل المعلل بتعليل يلزم منه بطلان تعليل المستدل ثم يلزم منه بطلان حكمه المرتب عليه ثم أقام الدليل على معنى المناقضة في الأصل في المقيس عليه بتعليل القالب فلا جرم إن قال بعضهم لا خلاف في المعنى لكن تعقب بأنه لا يلزم من عدم العلة المعينة عدم المعلول لجواز ثبوته بعلة أخرى ولو سلم أنه يلزم لا يصح أن يكون معارضا لدليل المستدل لأن دليله تعليل بأمر وجودي وهذا عدمي وقد عرف الخلاف فيه وأن الأصح عدم جوازه فلا جرم أن في الكشف ولعمري هو أقرب إلى الممانعة منه إلى المعارضة لأنه في الحقيقة يمنع نفس الدليل وصلاحيته لإثبات الحكم المتنازع فيه وقطع به سراج الدين الهندى
والاحتراس عنه
أي عن هذا القلب حتى لا يتأتى إيراده على المعلل
جعله
أي الكلام
استدلالا
أي لا يورد الحكمان بطريق تعليل أحدهما
____________________
(3/369)
بالآخر بل بطريق الاستدلال بثبوت أحدهما على ثبوت الآخر إذ لا امتناع في جعل المعلول دليلا على العلة بأن يقيد الثبوت بتصديقها كما يقال هذه الخشبة قد مستها النار لأنها محترقة وهذا الإنسان متعفن الأخلاط لأنه محموم
وهو
أي الاحتراس عنه بهذا الطريق إنما يتم
إذا ثبت التلازم شرعا
بين الحكمين بحيث يمكن أن يستدل بثبوت كل منهما على صاحبه ويكون كل منهما دليل الآخر ومدلوله
كالتوأمين
أي المولودين في بطن واحد
في الحرية والرق والنسب
فإنه يثبت حرية الأصل لأحدهما أيهما كان لثبوته في الآخر والرق في أيهما كان لثبوته في الآخر ونسب أحدهما أيهما كان لثبوته في الآخر مثاله قول الحنفي الثيب الصغيرة يولى عليها في مالها فيولى عليها في نفسها كالبكر الصغيرة فلو قيل قلبا البكر الصغيرة يولى عليها في مالها لأنه يولى عليها في نفسها لا يضر لأن المثبت للولاية إنما هو العجز الموجود في المولى عليه عن التصرف بنفسه لنفسه مع حاجته إلى التصرف إذ الأصل عدم الولاية على الحر اكتفاء برأيه وإنما يقام رأي غيره مقامه إذا عدم لصغر أو جنون نظرا له ولهذا كانت تصرفات الولى له مشروطة بالغبطة فالولاية للولي ظاهرا وعليه معنى ولهذا لا يتمكن من ردها ويأثم بتقصيره في رعاية الأصلح له والنفس والمال والثيب والبكر في العجز والحاجة سواء فأمكن الاستدلال بثبوت الولاية في إحدى الصورتين على ثبوتها في الأخرى للمساواة في العلة بخلاف تعليل الشافعي المذكور فإنه لا يصح فيه هذا المخلص بهذا الطريق لأنه لا مساواة بين الرجم والجلد لا من حيث الذات لأن الرجم نهاية العقوبة لإتيانه على النفس والجلد نائب محله ظاهر البدن ولا من حيث الشرط لأن الثيابة شرط الرجم دون الجلد فجاز أن يفرقا في شرط الإسلام فلا يمكن الاستدلال بثبوت أحدهما على الآخر فيلزم الانقطاع صورة
هذا وظاهر كلام صاحب الكشف غيره يوهم أن المستدل يصير منقطعا بالقلب فلا يمكنه التدارك بعده قال الفاضل القاآني وفيه نظر لأنه لا يخلوا ما أن صرح بأن هذا علة لذاك أو لا بأن يقول الكفار يجلد بكرهم ويرجم ثيبهم كالمسلمين كما قال فخر الإسلام وعلى التقديرين التدارك ممكن أما على الأول فبأن يقول العلة كما تطلق على المؤثر تطلق على المعرف والمراد هو الثاني فلا يضرنا القلب لأن الشيء جاز أن يكون معرفا لشيء وذلك الشيء معرفا له كالنار مع الدخان قال في المحصول يجوز أن يكون كل واحد من الحكمين علة لصاحبه بمعنى كون كل واحد منهما معرفا لصاحبه وأما على الثاني فبأن يقول غرضي الاستدلال بثبوت أحدهما على الآخر وما ذكرت من القلب لا ينافي غرضي فظهر أن المعلل لا ينقطع بالقلب وله أن يتخلص عنه بهذا الطريق
و
يقال
لجعل الظهر بطنا
والبطن ظهرا كقلب الجراب
ومنه
أي هذا النوع
جعل وصفه
أي المستدل
شاهدا
أي حجة
لك
أيها المعترض لإثبات حكم يخالف حكمه بعد أن كان شاهدا له عليك في إثبات مدعاه فوجه الوصف كان إلى المعلل
____________________
(3/370)
أي مقبلا عليه وظهره إلى السائل أي معرضا عته فصار وجهه إلى السائل وظهره إلى المعلل وهذا أيضا فيه معنى المناقضة من حيث إن الوصف لما شهد للمعترض بعد ما شهد عليه صار متناقضا في شهادته فبطلت شهادته
ولا بد فيه
أي في هذا النوع
من زيادة
في الوصف الذي ذكره المعترض على الوصف الذي ذكره المستدل
تورد تفسيرا لما أبهمه المستدل
من الوصف وتقريرا له لا تغييرا فكان الحكم معلقا بعين ذلك الحكم لا بغيره ليلزم أن لا يكون قلبا بل يكون معارضة محضة غير متضمنة للإبطال وحقيقة هذا النوع من القلب أنه ربط خلاف قول المستدل على علة المستدل إلحاقا بأصل المستدل
كصوم فرض
أي كقول الشافعي في نية صوم رمضان صوم فرض
فلا يتأدى بلا تعيين للنية
كالقضاء
أي كصوم القضاء فعلق وجوب التعيين بوصف الفرضية
فيقول
الحنفي
صوم فرض متعين
قبل الشروع فيه لانتفاء سائر الصيامات عن الوقت
فلا يحتاج إليه
أي إلى تعيين النية بعد تعينه
كالقضاء
أي كصومه
بعد الشروع فيه
فإنه بعد ما عين مرة لا يجب تعيينه ثانيا فالمستدل قال صوم فرض ولم يذكر متعين في هذا الوقت ترويحا لمطلوبه وذكره المعترض تفسيرا له وبيانا لمحل النزاع فإن محله الصوم الفرض المتعين في وقته فيكون الأصل له صوم القضاء بعد الشروع فيه غايته أن تعيين الصوم في رمضان قبل الشروع بتعيين الله تعالى وفي القضاء بالشروع بتعيين العبد ولا ضير فإنه لا يكون تعيين الشارع أدنى من تعيين العبد
ومنه
أي هذا النوع قول الشافعي في مسح الرأس في الوضوء المسح
ركن في الوضوء فليس تكريره كالغسل فيقول
الحنفي المسح
ركن فيه
أي الوضوء
أكمل بزيادة على الفرض
وهو استيعاب باقيه
فلا يسن تكراره كالغسل فهي
أي الزيادة التي هي أكمل بزيادة على الفرض
تفسير
لحصول محل النزاع
لأن الخلاف قي تثليث المسح بعد إكماله كذلك
أي زيادة على الفرض
وهو الاستيعاب ولم يصح إيراد فخر الإسلام لهذا
المثال
في المعارضة الخالصة
بناء على أن الوصف مع تلك الزيادة ليس دليل المستدل بعينه لأن الزيادة تقرير في المعنى فيكون من قبيل ما جعل دليل المستدل دليلا على نقيض مدعاه فيلزم إبطاله
وإذ علمت
في أوائل هذا الفصل
أن الإيراد
أي إيراد المعترض للاعتراض
إنما هو
على ظنه
أي المستدل
التأثير لا
على
حقيقته
أي التأثير في نفس الأمر
صح إيراد القلب على
العلل
المؤثرة كفساد الوضع
إذ المنافاة إنما هي بين التأثير في نفس الأمر وتمام المعارضة على القطع ولا قائل بذلك
ويخالفه
أي القلب فساد الوضع
بالزيادة
في النوع الثاني من القلب
وبكونه
أي الوصف الذي ذكره المستدل في هذا النوع من القلب
أعم من مدعاه
فلا يكون منع وروده على المؤثرة صحيحا على هذا التقدير
هذا وقد ذكر بعض الأصوليين أن القلب مردود لأن القالب إن لم يتعرض لنقيض حكم المعلل فلا يقدح في دليله لجواز أن يكون للعلة لواحدة والأصل الواحد حكمان غير
____________________
(3/371)
متنافيين وإن تعرض لنقيضه فلا يمكن اعتباره بأصل المستدل ولا إثباته بعلته لاستحالة اجتماع النقيضين في محل واحد واستحالة اقتضاء العلة حكمين متنافيين لتعذر مناسبتهما لهما
وأجيب عن الأول بالمنع لجواز أن يكون ما تعرض لنفيه من لوزام حكم المستدل فلا يخرج بذلك عن كونه قادحا في الدليل وعن الثاني بأن شرط القلب اشتمال الأصل على حكمين غير متنافيين في ذاتيهما قد امتنع اجتماعهما في الفرع بدليل منفصل وأن لا يكون مناسبة الوصف للحكم ونقيضه حقيقة فلم يكن اجتماعهما في أصل اجتماع النقيضين ويمكن أن تكون العلة مناسبة للحكم في نظر المستدل ولنقيضه في نظر المعترض فلا يلزم اجتماع النقيضين في الفرع ثم حيث ثبت أن القلب صحيح وهو معارضة فللمستدل أن يمنع حكم القالب في الأصل بأن يقدح في تأثير العلة فيه بالنقض وعدم التأثير وأن يقول بموجبه إذا أمكنه ببيان أن اللازم لا ينافي حكمه وأن يقلب قلبه إذا لم يكن قلب القلب مناقضا لحكمه لأن قلب القلب إذا فسد بالقلب الثاني سلم أصل القياس من القلب كذا في عامة نسخ الأصول وقيل لا يسمع القلب والنقض على القلب لأنه خرج مخرج الإفساد لكلام الخصم لا على سبيل التعليل ولا يندفع إلا ببيان أن هذا القلب لا يخرج دلالة الوصف على الحكم والأول أصح لأنه تعليل في مقابلة تعليل المعلل فيرد عليه ما يرد على الأول كذا في الكشف وغيره
قالوا
أي الحنفية
ويقلب العلة من وجه فاسد كعبادة لا يجب المضي في فاسدها فلا تلزم بالشروع كالوضوء
أي كقول الشافعي فى أن الشروع في نفل من صلاة أو صوم غير ملزم للشارع فيه إتمامه وقضاءه إذا أفسد لأنه عبادة لا يجب المضي فيها إذا فسدت كالوضوء فإنه عبادة لا يمضي في فاسدها فلم يلزم بالشروع فيه بجامع أن الكل عبادة ولا يمضي في فاسدها واحترز بلا يجب المضي في فاسدها عن الحج لأنه يجب المضي فيه بالشروع لوجوب المضي في فاسده بالإجماع وهذا ظاهر في أن عدم وجوب المضي في الفاسدة علة لعدم الوجوب بالشروع
فيقول
الحنفي ما كان عبادة لا يمضي في فاسدها
فيستوي عمل النذر والشروع فيها كالوضوء
أي كما استوى عملهما في الوضوء فإن الوضوء لما لم يلزم بالشروع لم يلزم بالنذر
فتلزم
العبادة النافلة
بالشروع لأنها تلزم بالنذر إجماعا لأنه كما ذكر فخر الإسلام الشروع مع النذر في الإيجاب بمنزلة توأمين لا ينفصل أحدهما عن الآخر لأن الناذر عهد أن يطيع الله فلزمه الوفاء به لقوله تعالى { أوفوا بالعقود } والشارع عزم على الإيفاء فلزمه الإتمام صيانة لما أدى عن البطلان لقوله تعالى { لا تبطلوا صدقاتكم } وحيث وجبت بالنذر إجماعا وجبت بالشروع عملا بقضية الاستواء ويسمى هذا قلب التسوية
وسماه فخر الإسلام عكسا لأن حاصله عكس خصوص حكم الأصل وهو
أي حكم الأصل وهو الوضوء في هذا المثال
عدم اللزوم بالنذر والشروع في الفرع
أي العبادة النافلة وهو لزومها بهما
وهذا النوع من القلب هو
المنسوب إلى الحنفية أول القياس
____________________
(3/372)
مسمى بقياس العكس
وليس بقياس
وإنما هو اسم لاعتراض هو رد الحكم على خلاف سنن الأصل
واختلف في قبوله فقيل نعم
يقبل وهو معزو إلى الأكثر منهم أبو إسحاق الشيرازي والإمام الرازي
إذ جعل المعترض
وصفه
أي المستدل
شاهدا لما يستلزم نقيض مطلوبه
أي المستدل
وهو
أي الحكم المستلزم لنقيض مطلوب المستدل
الاستواء لأن الاستواء الشروع والنذر لو ثبت يلزم منه كون الشروع ملزما كالنذر وهو خلاف دعوى المستدل
والمختار
كما ذهب إليه آخرون منهم القاضي أبو بكر وابن السمعاني والخبازي وصاحب البديع أنه
لا
يقبل
لأن كون الوصف يوجب شبها في شيء لا يستلزم عموم الشبه
بين المتشابهين في كل شيء
ليلزم الاستواء مطلقا
لهما فيما يتعلق بهما ثم القياس المذكور باطل لانتفاء اتحاد الأصل والفرع في الحكم لاختلاف الاستوا فيهما فإن استواء النذر والشروع في الوضوء سقوط الإلزام بمعنى أنه لا أثر للنذر والشروع في إيجاب الوضوء بالإجماع واستواؤهما في الصوم والصلاة ثبوت الإلزام بمعنى أنه إذا ثبت استواؤهما كان كل منهما ملزما والثبوت والسقوط معنيان متنافيان وكيف لا وظاهر امتناع تعدية إستواء السقوط في الوضوء لإثبات الاستواء في الصوم والصلاة والقياس الصحيح لا يعارضه القياس الفاسد
وما أورده الشافعية من
النوع
الثاني
من القلب
وهو دعوى تجويز ثبوت نقيض حكم المستدل في الفرع بوصفه
أي وصف حكم المستدل في الأصل والحاصل أنه دعوى المعترض أن وجود الجامع في الفرع يستلزم مخالفة حكمه حكم الأصل فوجود الجامع في الأصل والفرع مستلزم لحكمين متخالفين فيهما يصح إضافتهما إلى الجامع لأنهما لازمان له وإلى الأصل والفرع لحلولهما فيهما
وهو قلب من المعترض
لتصحيح مذهبه
أي المعترض
ليبطل المستدل
أي مذهبه فيلزم منه بطلان مذهب المستدل لتنافيهما كلبث
أي كقول الحنفي الاعتكاف يشترط فيه الصوم لأنه لبث مخصوص
ومجرده غير قربة
إلى الله تعالى
كالوقوف
بعرفة فإن مجرده غير قربة وإنما صار قربة بانضمام عبادة إليه وهي الإحرام فلا بد حينئذ من اعتبار عبادة معه في كونه قربة
فيشترط فيه
أي في الاعتكاف
الصوم
لأن من قال لا بد من انضمام عبادة إليه في كونه قربة قال هي الصوم لا غير
فيقول
الشافعي
فلا يشترط
فيه الصوم
كالوقوف
بعرفة فقد تعرض كل منهما لتصحيح مذهبه إلا أن المستدل أشار إلى اشتراط الصوم بطريق الإلزام والمعترض أشار إلى نفي اشتراطه صريحا
و
قلب
لإبطال
مذهب
المستدل صريحا لتصحيح مذهبه
أي المعترض
كالحنفي في الرأس
أي كقوله في مسح الرأس إنه مقدر بالربع لأنه عضو
من أعضاء الوضوء فلا يكفي أقله
أي الرأس وهو ما ينطلق عليه اسم الرأس
كبقية الأعضاء فيقول
الشافعي عضو من أعضاء الوضوء
فلا يقدر بالربع كبقيتها
أي أعضاء الوضوء
ووروده
أي هذا القلب بناء
على أن المراد اتفقنا
معاشر الحنفية والشافعية على
أن الثابت أحدهما
أي
____________________
(3/373)
أقل الرأس أو الربع فإذا انتفى أحدهما ثبت الآخر وإلا فلا يلزم من وروده صحة مذهب المعترض إذا كان ثم قول ثالث وهو هنا الاستيعاب لجواز أن يكون هو الصحيح
أو
لإبطال مذهب المستدل
التزاما كقوله
أي الحنفي
في بيع غير المرئي عقد معاوضة فيصح مع الجهل بالعوض كالنكاح فيقول
الشافعي عقد معاوضة
فلا يثبت فيه خيار الرؤية
كالمرأة في النكاح فالمعترض لم يتعرض لإبطال مذهب المستدل وهو القول بالصحة صريحا بل بطريق الالتزام لأن من قال بها قال بخيار الرؤية فهما مثلا زمان عنده فيلزم من انتفاء خيار الرؤية انتفاء الصحة ومن ثمة قال
فلا يصح
إذ يقال له لكنك
قلت إذا رأى المشتري المبيع بعد البيع فله الخيار إن شاء فسخه وإن شاء استمر عليه وخيار الرؤية لازم للصحة عندك وقد انتفى اللازم فينتفي الملزوم
ثم في الكشف قلت هذه أقيسة ليست بمناسبة فضلا من أن تكون مؤثرة بلى بعضها طردية وبعضها شبهية فأصحاب أبي حنيفة الشارطون للتأثير المعرضون عن الطرد والشبه كيف يخطر ببالهم مثل هذه الأقيسة وكيف يعللون بها والالتفات إلى مثلها ليس ممن دأبهم وهجيراهم لكن المخالفين وضعوها من عند أنفسهم ونسبوها إلى أصحابنا وأوردوها أمثلة في كتبهم ليصح لهم أقسام القلب التي ذكروها النوع
الثاني
من نوعي المعارضة
المعارضة الخالصة
من معنى المناقضة
في
حكم
الفرع
وهو أن يذكر المعترض علة أخرى توجب خلاف ما توجبه علة المستدل
بلا تغيير
ولا زيادة في الحكم الأول في ذلك المحل بعينه فيقع به محض المقابلة من غير تعرض لإبطال علة المستدل فيمتنع العمل بهما لمدافعة كل منهما ما يقابلها ما لم تترجح إحداهما على الأخرى فإذا ترجحت وجب العمل بالراجحة فلا جرم إن قال
ويستدعى أصلا آخر وعلة
أخرى
كالمسح ركن في الوضوء فيسن تكريره كالغسل
أي كقول الشافعي هذا في مسح الرأس
فيقول
الحنفي مسح الرأس
مسح فلا يكرر كمسح الخف
فهذا قسم من أقسام المعارضة الخالصة الصحيحة مثبتا حكما مخالفا للأول بعلة أخرى في ذلك المحل بعينه من غير زيادة ولا تغيير في ذلك الحكم إذ أصل الأول الغسل وعلته الركنية وأصل الثاني مسح الخف وعلته كونه مسحا
والأحسن أن يجعل أصله
أي المعترض
لتيمم
فيقال كالتيمم
فيندفع
على هذا المتوهم من مانع فساد الخف أي إنما لم يكرر مسح الخف لإفضائه إلى التلف وأشار إلى القسم الثاني منها بعطفة على بلا تغيير قوله
أو بتغيير ما
في الحكم المتنازع فيه كقول الحنفي في إثبات ولاية التزويج لغير الأب والجد من الأولياء كالأخ
في صغيرة بلا أب وجد صغيرة فيولى عليها في الإنكاح كذات الأب أي كالصغيرة التي لها أب بجامع الصغر الموجب للعجز عن مراعاة مصالحه
فيقول
الشافعي
الأخ قاصر الشفقة فلا يولى عليها كالمال
فإن الأخ لا ولاية له على المال إجماعا وهذا معارضة صحيحة خالصة صحيحة مثبتة حكما مخالفا للأول بعلة أخرى في ذلك المحل بعينه لكن مع تغيير ما في الحكم الأول
____________________
(3/374)
إذ العلة في الأول الصغر وفي الثاني قصور الشفقة وفي الحكم تغيير من إطلاق يشمل الأخ وغيره إلى تقييد بالأخ
وأما نظمه
أي المعترض المعارضة
صغيرة فلا يولى عليها قرابة الإخوة كالمال
كما في أصول فخر الإسلام والتنقيح وغيرهما لكن المذكور فيها بولاية الإخوة
فليس منه
أي هذا القسم من المعارضة الخالصة بل من القلب فالمعترض
عارض مطلق الولاية
التي أثبتها المستدل
بنفيها
أي الولاية
عن خصوص
وهو الأخ فهذا القدر معارضة فاسدة لعدم قدحه في كلام المعلل لكن لما كان
يلزمه
أي نفيها عنه
نفي
حكم
المعلل لأن قرابته
أي الأخ
أقرب
إليها
بعد الولاد
أي الأب والجد والولد
فنفيها
أي ولاية الأخ
نفي ما بعدها
من ولاية من سواه من عم وغيره
مطلقا
ظهر معنى الصحة فيه وأشار إلى القسم الثالث منها بقوله
أو إثبات
المعترض حكما
آخر
يخالف في الصورة حكما آخر غير ما ذكره المعلل مقابلا لذلك الآخر لكنه
يستلزمه
أي نفي حكم المعلل
كقول أبي حنيفة في أحقية المنعي
أي الذي نعي إلى زوجته أي أخبرت بموته فتربصت منه ثم تزوجت
بولدها
الذي ولدته
في نكاح من تزوجته بعده
أي المنعي إذا جاء من الذي تزوجها بعده المنعي
صاحب فراش صحيح
لقيام نكاحه
فهو أحق
بالولد
من
صاحب الفراش
الفاسد
وهو المتزوج بها مع قيام نكاح المنعي
كما لا يحصى
من تقديم الصحيح على الفاسد عند التعارض
فيقول
المعترض كالصاحبين الزوج
الثاني صاحب فراش فاسد فيلحقه
الولد
كالمتزوج بلا شهود
إذا ولدت المتزوج بها يثبت النسب منه وإن كان الفراش فاسدا
لإثباته
أي الولد
من الثاني
معارضة فاسدة لأن هذا حكم آخر في غير المحل الذي أثبت المعلل فيه حكمه لأن المعلل أثبت النسب من الأول بفراش صحيح والمعترض أثبته من الثاني بفراش فاسد واتحاد المحل شرط لصحتها لكن لما كان
يلزمه
أي هذا الإثبات
نفيه
أي الولد
عن الأول للاجماع أن لا يثبت منهما
وقد وجد ما يصلح سببا لاستحقاق النسب في حق الثاني وهو الفراش الفاسد صحت واحتيج إلى الترجيح
فرجح
أبو حنيفة
الملك والصحة
الكائنين للأول لأن فراشه صحيح وملكه قائم
على الحضور والماء
أي كون الثاني حاضرا والماء له ( كالزنى
قال المصنف
والوجه
أن يقال
ترجح
الأول
بالصحة على
الثاني بمجرد
الحضور
مع انتفاء الصحة لأن صحة الفراش توجب حقيقة النسب والفاسد شبهته وحقيقة الشيء أولى بالاعتبارين من شبهته
أما الماء فمقدر فيهما
أي الزوج الأول والزوج الثاني لعدم القطع به من الثاني
قلت فاندفع ما في التلويح وربما يقال في الحضور حقيقة النسب وحقيقة الشيء أولى لأنه ولد من مائه
وذكر الشافعية من الأسئلة مخالفة حكم الفرع لحكم الأصل
إذ لا يصح معها قياس إذ من شرطه اتحاد الحكم كما عرف
كقياس البيع على النكاح وعكسه
أي النكاح على البيع
في عدم الصحة
بجامع فى صورة
فيقول
المعترض الحكم مختلف حقيقة
عدمها
أي الصحة
في البيع حرمة
____________________
(3/375)
الانتفاع
بالبيع
و
عدمها
في النكاح حرمة المباشرة والجواب البطلان
الذي هو عدم الصحة فيهما في الحقيقة
واحد عدم
ترتب
المقصود من العقد
عليه
وإن اختلفت صوره
أي محاله من كونه بيعا ونكاحا إذ اختلاف المحل لا يوجب اختلاف الحال بل اختلاف المحل شرط في القياس ضرورة فكيف يجعل شرطه مانعا منه إذ يلزم امتناعه أبدا ثم الحاصل أن جواب هذا السؤال ببيان الاتحاد عينا كالجواب المذكور أو جنسا كما في قطع الأيدي باليد كالأنفس بالنفس وأما إن اختلف الحكم جنسا ونوعأ كوجوب على تحريم ونفي على إثبات وبالعكس فباطل لأن الحكم إنما شرع لإفضائه إلى المقصود واختلافه موجب للمخالفة بينهما في الإفضاء
وهذا ) السؤال
وغيره
من الأسئلة
ككون الأصلى معدولا
عن القياس
داخل فيما ذكر الحنفية من منع وجود الشرط
فلا حاجة إلى إفراده بالذكر
وأما سؤال الفرق
بين الأصل والفرع
إبداء خصوصية في الأصل هي
أي الخصوصية
شرط
للوصف
مع بيان انتفائها في الفرع أو بيان مانع
بالرفع عطف على إبداء
فيه
أي في الفرع من الحكم
و
بيان
انتفائه
أي المانع
في الأصل فمجموع معارضتين في الأصل والفرع
أي فالفرق مجموعهما إذا تعرض لانتفاء الشرط في الفرع أو عدم لمانع في الأصل
أما الأول فلأن إبداء الخصوصية التي هي شرط في الأصل معارضة في الأصل وبيان انتفائها في الفرع معارضة فيه وأما الثاني فكما قال
وهو
أي وكونه مجموعهما
في الثاني
أي بيان مانع في الفرع وانتفائه في الأصل بناه
على أن العلة الوصف مع عدم هذا المانع
لا الوصف نفسه فيكون بيان وجود المانع في الفرع معارضة فيه بناء على أن المانع من الشيء في قوة المقتضى لنقيضه فيكون في الفرع وصف يقتضي نقيض الحكم الذي أثبته المستدل ويستند إلى أصل لا محالة وبيان انتفائه في الأصل على هذا معارضة في الأصل حيث أبدى علة أخرى لا توجد في الفرع
وعليه
أي المعترض
بيان كونه
أي ما أبداه من الخصوصية في الأصل شرطا
أو
ما أبداه من المانع في الفرع
مانعا على طريق إثبات المستدل عليه الوصف
المعلل به من التأثير وغيره
قال المصنف
والوجه أنه
أي الفرض معارضتان في الأصل والفرع
على إدعاء الشرط و
معارضة
في الفرع فقط على المانع لما تقدم
في شروط العلة
من الحق أن عدم المانع ليس جزأ من العلة الباعثة
زاد المصنف هنا
بخلاف الشرط لأنه
أي الشرط
خصوصية زائدة على الوصف
الذي علل به المعلل فهى جزء منه
ولو لم يتعرض
المعترض
لانتفائه
أي الشرط
من الفرع لم يكن
إبداء الخصوصية التي هي شرط في الأصل
الفرق بل
هو
معارضة في الأصل المسمى مفارقة
عند الحنفية وتقدم الكلام فيها فلم يذكروه اكتفاء بذكر المعارضة في الأصل والمعارضة في الفرع غير أن من الشافعية من يقول الفرق راجع إلى المعارضة في أحدهما فلا يتم نفي كون الأقتصار على إبداء الخصوصية التي هي شرط في الأصل فرقا وإنما يتم على القائلين منهم برجوعه إليهما
هذا وعلى القول
____________________
(3/376)
بجواز تعدد الأصول لو فرق المعترض بين الفرع وأصل منها كفى في القدح فيها لأنه يبطل جمعها المقصود وقيل لا يكفي لاستقلال كل منها وقيل يكفي إن قصد الإلحاق بمجموعها لأنه يبطله بخلاف ما إذا قصد بكل منها وهو حسن ولم يذكر غير واحد منهم جواب هذا السؤال ومما يجاب به منع كون المبدأ في الأصل جزأ من العلة في الفرع مانعا من الحكم وفي اقتصار المستدل على جواب أصل واحد على تقدير فرق المعترض بين الفرع وأصل من الأصول حيث جاز تعددها قولان يكفي لحصول المقصود بالدفع عن واحد ولا يكفي لأنه التزم الجميع فلزمه الدفع عنه وقد عرفت مما تقدم في بحث جواز التعدد وعدمه أنهما لم يتلاقيا ثم هذا هو التحقيق لا ما ذكر إمام الحرمين من أن الكلام في الفرق وراء المعارضة وإن خاصته وسره فقد يناقضه قصد الجميع ثم هو وابن السمعاني في طرفي نقيض في أمر هذا السؤال من القبول والرد كما يعرف من الوقوف على كلامهما والله سبحانه الموفق للصواب
والاتفاق على جمعها
أي الاعتراضات
من جنس
واحد إذ لا يلزم منها تناقض ولا انتقال من سؤال إلى آخر
وبعض الأصوليين
يذكر في كلامهم
النوع للمجنس والجنس للنوع
عكس ما عليه اصطلاح الأصوليين بل ذكر عضد الدين أنه اصطلاح الأصوليين ووافقه التفتازاني عليه
وأصول الحنفية
وفروعهم أيضا يذكر فيهما
الجنس للنوع
كالحنطة
والنوع
والجنس أيضا
للصنف كرجل
ولا مناقشة في الاصطلاح
وذلك
أي جمعها من جنس
كالاستفسارات والمنوع والمعارضات
فإن الاستفسارات يجمعها الاستفسار والمنوع يجمعها المنع والمعارضات تجمعها المعارضة
وفي الأجناس منعه
أي جمعها ( السمرقنديون للخبط
اللازم من ذلك
للانتشار
وأوجبوا الاقتصار على سؤال واحد حرصا على الضبط قالوا ولا يرد علينا إن كانت من جنس كما ألزمهم به الآمدي فإنا جوزنا تعددها وإن أدت إلى النشر لأن النشر في المختلفة أكثر منه في المتفقة والجمهور جوزوا الجمع بينها قال السبكي وهو الحق
ثم
إذا جاز الجمع
منع أكثر النظار
الاعتراضات
المرتبة طبعا
من نوع واحد
كمنع حكم الأصل ومنع أنه معلل بذلك
إذ تعليل الحكم بعد ثبوته طبعا
إذ يفيد
الأخير
تسليم الأول
فيتعين الأخير سؤالا فيجاب عنه دون الأول فيضيع الأول
والمختار
كما ذكره الآمدي وابن الحاجب
جوازه
أي جمع الاعتراضات المرتبة طبعا من نوع واحد كما ذهب إليه أبو إسحاق الاسفراييني
لأن التسليم
للمتقدم
فوضي أي لو سلم
الأول
ورد الثاني
وهو لا يستلزم التسليم في نفس الأمر
وحينئذ
أي حين إذا كان المختار جوازه وإن أدى إلى التسليم إذ كان التسليم فرضيا
الواجب ترتيبها
أي الاعتراضات المرتبة طبعا
وإلا
لو لم يجب ترتيبها
فمنع بعد التسليم
إذا عكس الترتيب
إذ
قول المعترض
لا نسلم أن الحكم معلل بكذا يتضمن تسليمه
أي
____________________
(3/377)
الحكم المذكور
فقوله
بعد ذلك
بمنع ثبوت الحكم رجوع
عن تسليمه
لا يسمع
لأنه إنكار بعد إقرار فيلزم أن يكون الشيء الواحد مسلما غير مسلم وحينئذ فيرد هذا إشكالا على أكثر النظار فإنهم لما منعوها مرتبة لما يلزم من التسليم بعد المنع يلزمهم أن لا يوجبوها غير مرتبة كما أشار إليه بقوله
فيبطل ما يلزم قول الأكثرين من وجوبها غير مرتبة
فإنه يستلزم المنع بعد التسليم وهو أقبح من التسليم بعد المنع
وإلا فالاتفاق على
جواز
التعدد من نوع ولا مخلص لهم
أي للأكثر
إلا بادعاء أن منع العلية بفرض وجود الحكم
إلا أن يجيبوا بأن تسليم حكم الأصل إنما يوجبه منع علية الوصف استلزاما ظاهرا فإذا صرح بعده بمنعه حمل على إرادته منع علية الوصف بفرض وجود الحكم كما أجبنا به فكأنه قال لا نسلم علية هذا الوصف لهذا الحكم لو كان ثابتا ونحن نمنع ثبوته وحينئذ يلزمهم مثله في منعهم المترتبة كذا أفاده المصنف
وما قيل
أي وقول التفتازاني
كل من الخمسة والعشرين
اعتراضا الواردة على القياس الماضية
جنس يندرج تحت نوع
على ما هو مصطلح الأصول من اندراج الأجناس تحت الأنواع
غلط يبطل حكاية الاتفاق على المتعدد من جنس إذ لا يتصور التعدد مثلا من منع وجود العلة وهو
أي منع وجودها
أحدها
أي الخمسة والعشرين بل المنع نوع يندرج فيه منع حكم الأصل ومنع وجود الوصف ومنع عليته ومنع وجودها في الفرع والمعارضة نوع يندرج فيها المعارضة في الأصل وفي الفرع وغير ذلك وهذه أجناس لأن تحتها أشخاص المنوع والمعارضات إذ الفرض أن الجنس هو النوع المنطقي بهذا الاصطلاح فالنقض حينئذ جنس انحصر فيه نوعه ذكره المصنف
وكلامهم
أي الأصوليين أيضا
في المثل وذكر الأجناس خلافه
أي هذا الذي ذكره التفتازاني ثم إذا وجب الترتيب فترتب الترتيب الطبيعي ليوافق الوضعي الطبيعي وحينئذ فالأولى كما قال الآمدي وغيره أن يبدأ بالاستفسار لأن من لا يعرف مدلول اللفظ لا يعرف ما يتجه عليه ثم بفساد الاعتبار لأنه نظر في الدليل من جهة الجملة وهو قبل النظر في تفصيله ثم بفساد الوضع قال الآمدي لكونه أخص من فساد الاعتبار يعني مطلقا وقد عرفت أنه أخص منه من وجه على قول غيره ثم كما أشار إليه المصنف
فتقدم المتعلق بالأصل
فتقدم منع حكم الأصل لأنه نظر فيه من جهة التفصيل
ثم
المتعلق
بالعلة
لأنه نظر فيما هو متفرع عن حكم الأصل فتقدم منع وجود علة الأصل فيه ثم المطالبة بتأثير الوصف وعدم التأثير والقدح في المناسبة والتقسيم وكون الوصف غير ظاهر ولا منضبط وكون الحكم غير مفض إلى المقصود منه لكون هذه الأسئلة صفة وجود العلة ثم النقض والكسر لكونه معارضا لدليل العلة ثم المعارضة في الأصل والتعدية والتركيب لأنه معارض للعلة
ثم
المتعلق
بالفرع
لابتنائه على العلة وحكم الأصل فيذكر منع وجود العلة في الفرع ومخالفة حكمه لحكم الأصل ومخالفته للأصل في الضابط أو الحكمة والمعارضة في الفرع وسؤال القلب
ثم القول
____________________
(3/378)
بالموجب لتضمنه تسليم كل ما يتعلق بالدليل المثمر له
وتقدم النقض على معارضة الأصل عند معتبرها
أي معارضة الأصل
إذ هي
أي معارضة الأصل
لإبطال استقلالها
أي العلة بالتأثير والنقض لإبطال أصل العلة فقدم عليها فيقال ليس بعلة لعدم الاطراد ولو سلم فليس بمستقل
ومنع وجود العلة في الأصل قبل منعها والقلب قبل المعارضة الخالصة لأنه معارضة بدليل المستدل
بخلاف المعارضة الخالصة فيذكر القلب أولا
ثم يقال
إذا ذكرت هي ثانيا
ولو سلم أنه
أي دليل المستدل
يفيد مطلوبه عندنا دليل آخر ينفيه
أي مطلوبه وأوجب أبو محمد البغدادي ترتيب الأسئلة فاختار فساد الوضع ثم الاعتبار ثم الاستفسار ثم المنع ثم المطالبة وهو منع العلة في الأصل ثم الفرق ثم النقض ثم القول بالموجب ثم القلب ورد التقسيم إلى الاستفسار أو الفرق وأن عدم التأثير مناقشة لفظية وعليه ما لا يخفى وقد اعترفوا بالفرق بين أسئلة الجدل وأسئلة الاسترشاد ومن هنا وقع التخبط وإلا فالحق أن لا يبنى الجدل إلا على وجه الإرشاد والاسترشاد لا للعلية والاستدلال والواجب رد الجميع إلى ما دلت عليه الأدلة الشرعية وكيف لا والجدل مأمور به بالحق كما دل عليه القرآن وفعله الصحابة والسلف ثم كما في الواضح لولا ما يلزم من إنكار الباطل واستنقاذ الهالك بالاجتهاد في رده عن ضلالته لما حسنت المجادلة للإيحاش فيها غالبا وإذا نفرت النفوس عميت القلوب وخمدت الخواطر وانسدت أبواب الفوائد ولكن فيها أعظم المنفعة إذا قصد بها نصرة الحق والتقوى على الاجتهاد ونعوذ بالله من قصد المغالبة وبيان الفراهة فضلا عن قصد التغطية على الحق وترويج الباطل بآفة من الآفات من محاباة لأرباب المناصب تقربا إليهم أو مناضلة مردودة روما لحصول المنزلة في قلوب العوام والتعظيم لديهم إلى غير ذلك من القصود المحرمة أو المكروهة ومن بان له سوء قصد خصمه فالذي يظهر أنه أدى إلى مكروه فمكروه ومحرم فمحرم لأنه إعانة على ذلك وقد قال تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } وقال عز وجل { وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون } قال ابن الجوزي وهذا أدب حسن علمه الله تعالى عباده ليردوا به من جادل تعنتا فلا يجيبوه وقد ذكر بعض العلماء أن اجتماع جمع متجادلين في مسألة مع أن كلا منهم لا يطمع أن يرجع إذا ظهرت له الحجة ولا فيه مؤانسة ومودة وتوطئة القلوب لوعي الحق بل هو على الضد محمل ما روى أحمد وحسنه وصححه الترمذي عن أبي أمامة مرفوعا ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل
ثم تلى ما ضربوه لك إلا جدلا وروى أحمد عن مكحول عن أبي هريرة مرفوعا لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك المراء وكون مكحول لم يسمع من أبي هريرة غير قادح في هذا عند التحقيق وروى أبو داود وابن ماجه والترمذي واللفظ له عن أبي أمامة مرفوعا من ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنة ومن تركه وهو محق بني له في وسطها ومن حسن خلقه
____________________
(3/379)
بني له في أعلاها قال الترمذي حديث حسن يقال مارى يماري مماراة ومراء أي جادل والمراء استخراج غضب المجادل من مريت الشاة استخرجت لبنها وفي الواضح واحذر الكلام في مجالس الخوف أو التي لا إنصاف فيها وكلام من تخافه أو تبغضه أو لا يفهم عنك واستصغار الخصم ولا ينبغي كلام من عادته ظلم خصمه والهزء والتشفي لعدواته والمترصد للمساوي والتحريف والتزيد والبهت وكل جدل وقع فيه ظلم الخصم اختل فينبغي أن يحترز منه وقدر في نفسك الصبر والحلم ولا ينقص بالحلم إلا عند جاهل ولا بالصبر على شغب السائل إلا عند غبي وترتفع في نفوس العلماء وتنبل عند أهل الجدل ومن خاض في الشغب تعوده ومن تعوده حرم الإصابة واستدرج إليه ومن عرف به سقط سقوط الدرة وفي رد الغضب الظفر ولا رأي لغضبان والغالب في السفه الأسفه كالغالب بالعلم الأعلم ومع هذا فلا أحد يسلم من الانقطاع إلا من عصمه الله وليس حد العالم كونه حاذقا بالجدل فإنه صناعة والعلم صناعة وهو مادة الجدل والمجادل يحتاج إلى العالم ولا عكس وأدب الجدل يزين صاحبه وتركه يشينه ولا ينبغي أن ينظر لما اتفق لبعض من تركه من حظوة في الدنيا فإنه وإن كان رفيعا عند الجهال فهو ساقط عند أولي الألباب قال أبو محمد البغدادي ويكره اصطلاحا تأخير الجواب عن السؤال كثيرا وعند بعض الجدليين منقطع والله سبحانه الموفق لمحاسن الآداب والهادي إلى سبيل الصواب
خاتمة
للكلام في هذه المقالة الثانية
الاتفاق على الأربعة
أي على كون الكتاب والسنة والإجماع والقياس أدلة شرعية للأحكام
عند مثبتي القياس
وهم الجمهور منهم الأئمة الأربعة
واختلف في أمور
أخرى أي في كونها أدلة شرعية للأحكام
الاستدلال بالعدم
والظاهر أن المراد به التعليل بالعدم فإنه الذي
نفاه الحنفية
وتقدم في المرصد الثاني من شروط العلة الكلام فيه نفيا له مطلقا عنهم إلا عدم علة متحدة كقول محمد ولد المغصوب لا يضمن لأنه لم يغصب على تحقيق للمصنف رحمه الله في أن إضافة الحكم إلى هذه العلة إنما هي إضافة إلى العدم لفظا وإلى الوجود معنى كما عرف ثمة وإثباتا له عن غيرهم على تفصيل فيه بين أن يكون عدما مطلقا ومضافا وبين أن يكون الحكم المعلل به وجوديا وعدميا وإلا فكلام المصنف ثمة يفيد أن عدم الحكم لعدم دليله صحيح عند الحنفية كما نزل عليه قول محمد المذكور ومشى عليه البيضاوي وقرره بقوله فقدان الدليل بعد الفحص البليغ يغلب ظن عدمه وعدمه يستلزم عدم الحكم لامتناع تكليف الغافل إذ الوجه أن يكون المراد فقدان الدليل بعد الفحص البليغ على ما يتعلق بالفعل المخصوص من الحكم الشرعي يوجب ظن عدم الدليل على ذلك وإلا فالوقف عليه وظن عدمه يوجب ظن عدم الحكم الشرعي إذ لو ثبت فيه وليس عليه دليل لزم تكليف الغافل وهو ممتنع والعلم بالظن واجب غير أن عده إياه من الأدلة المقبولة الشرعية للأحكام الشرعية غير ظاهر فإن الظاهر أن عدم الحكم
____________________
(3/380)
الشرعي الخاص أو مطلقا ليس بحكم شرعي فصدق أن العلة ليست من الأدلة الشرعية للأحكام الشرعية فلا جرم أن في التلويح لا قائل بأن التعليل بالنفي أحد الحجج الشرعية اه
وإنما هو نفي الحكم الشرعي لنفي المدرك الشرعي فليحمل كلام البيضاوي عليه والله سبحانه أعلم
فهذا واحد من الأمور المذكورة
والمصالح المرسلة
وهي التي لا يشهد لها أصل بالاعتبار في الشرع ولا بالإلغاء وإن كانت على سنن المصالح وتلقتها العقول بالقبول
أثبتها مالك
والشافعي في قول قديم
ومنعها الحنفية وغيرهم
منهم أكثر الشافعية ومتأخرو الحنابلة
لعدم ما يشهد
لها
بالاعتبار ولعدم أصل القياس فيها كما يعرف مما تقدم
في المرصد الأول من فصل العلة فلا حاجة إلى إعادته وأما قول القرافي المصلحة المرسلة في جميع المذاهب عند التحقيق لأنهم يقيسون ويفرقون بالمناسبات ولا يطلبون شاهدا بالاعتبار ولا يعنى بالمصلحة المرسلة إلا ذلك ومما يؤكد العمل بالمصالح المرسلة أن الصحابة عملوا أمورا لمطلق المصلحة لا لتقديم شاهد بالاعتبار نحو كتابة المصحف ولم يتقدم فيه أمر ولا نظير وولاية العهد من أبي بكر لعمر رضي الله عنهما ولم يتقدم فيها أمر ولا نظير وكذلك ترك الخلافة شورى وتدوين الدواوين وعمل السكة للمسلمين واتخاذ السجن فعمل ذلك عمر رضي الله عنه وهذه الأوقاف التي بإزاء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والتوسعة بها في المسجد عند ضيقه فعله عثمان رضي الله عنه وتجديد أذان في الجمعة بالسوق وهو الأذان الأول فعله عثمان ثم نقله هشام إلى المسجد وذكر كثير جدا لمطلق المصلحة وإمام الحرمين قد عمل في كتابه المسمى بالغياثي أمورا وجوزها وأفتى بها والمالكية بعيدون عنها وجسر عليها وقالها للمصلحة المطلقة وكذلك الغزالي في شفاء الغليل مع أن الاثنين شديدا الإنكار علينا في المصلحة المرسلة انتهى فلا يخفى ما فيه لمن تتبع وحقق والله سبحانه أعلم وهذا ثان من الأمور المذكورة
وتعارض الأشباه
أي بقاء الحكم الأصلي في المتنازع فيه لتعارض أصلين فيه يمكن إلحاقه بكل منهما
كقول زفر في المرافق
لا يجب غسلها في الضوء لأنها
غاية
لغسل اليد والغاية قسمان
دخل منها
في المغيا قسم كقوله تعالى { من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى } وخرج منها عن المغيا قسم كقوله تعالى { ثم أتموا الصيام إلى الليل } وإذ كانت كذلك فليس دخول المرافق في الغسل بأولى من عدم دخولها فيه
فلا يدخل بالشك
أي ولم يكن غسلها واجبا فلا يجب بالشك
ودفع
كونه دليلا
بأنه إثبات حكم شرعي بالجهل وأجيب بأن المراد
لزفر
الأصل عدمه
أي دخول المرافق في الغسل
فيبقى
عدمه مستمرا
إلى ثبوت موجبه
أي الدخول
والثابت
في الغاية بالنسبة إلى المغيا دخولا وخروجا إنما هو
التعارض
والجواب عن هذا يعرف مما تقدم في مسألة إلى من حروف الجر فليراجع وهذا ثالث من الأمور المذكورة
ومنها
أي الأمور المذكورة
الاستدلال
وهو استفعال من الدلالة ومعلوم أنه في اللغة يرد
____________________
(3/381)
لمعان منها الطلب كاستغفر الله والاتخاذ كاستعبد فلان فلانا واستأجره أي اتخذه عبدا وأجيرا فذكر القاضي عضد الدين وغيره أنه في اللغة طلب الدليل وفي العرف يطلق على إقامة الدليل مطلقا من نص أو إجماع أو غيرهما وعلى نوع خاص من الدليل وهو المقصود هنا
قيل ما ليس بأحد
الأدلة
الأربعة
الكتاب والسنة والإجماع والقياس
فيخرج قياسا الدلالة وما في معنى الأصل تنقيح المناط
وقد عرفت أن قياس الدلالة ما لا يذكر فيه العلة بل وصف ملازم لها كالنبيذ حرام كالخمر بجامع الرائحة المشتدة وإن القياس الذي في معنى الأصل ويسمى تنقيح المناط الجمع بين الأصل والفرع بإلغاء الفارق كقياس البول في إناء وصبه في الماء الدائم على البول فيه في المنع بجامع أن لا فرق بينهما في مقصود المنع الثابت في صحيح مسلم من نهيه صلى الله عليه وسلم أن يبال في الماء الراكد كما يخرج قياس العلة وهو ما صرح فيه بالعلة نحو يحرم النبيذ كالخمر للإسكار لإطلاق نفي كونه قياسا أيضا لأن منافي الأعم مناف للأخص
وقد يقيد القياس
المنفي
بقياس العلة فيدخلانه
أي قياسا الدلالة وما في معنى الأصل في الاستدلال فيكون الأول أخص لأن القياس أعم من قياس العلة ونفي الأعم لكونه أخص يكون أخص من نفي الأخص
واختير
أي واختار ابن الحاجب
أن أنواعه
أي الاستدلال ثلاثة
شرع من قبلنا والاستصحاب والتلازم وهو
أي التلازم
المفاد بالاستثنائي والاقتراني بضروبهما
في مباحث النظر
وقدمنا زيادة ضرب في تساوي المقدم والتالي
بل ضربين ضرب حاصل منهما مع استثناء نقيض المقدم كأن كان هذا واجبا فتاركه يستحق العقاب لكنه ليس بواجب فتاركه لا يستحق العقاب وضرب حاصل منهما مع استثناء عين التالي كان كان هذا واجبا فتاركه يستحق العقاب لكن تاركه يستحق العقاب فهو واجب فتصير ضروبه أربعة هذين والضربين المتفق على إنتاجهما وهما الحاصل منهما مع استثناء عين المقدم كأن كان هذا واجبا فتاركه يستحق العقاب لكنه واجب فتاركه يستحق العقاب والحاصل منهما مع استثناء نقيض التالي كأن كان هذا واجبا فتاركه يستحق العقاب لكن تاركه لا يستحق العقاب فهو ليس بواجب
وكذا
زيادة ضرب
في الاقتراني
وهو المركب من كليتين صغرى سالبة وكبرى موجبة متساوية الطرفين كلا شي من الإنسان بصهال وكل صهال فرس فلا شيء من الإنسان بفرس وذكر العبد الضعيف غفر الله تعالى له ثمة أنه يلزم من صدق هذا زيادة ضرب آخر أيضا وهو المركب من جزئية سالبة صغرى وكلية موجبة كبرى متساوية الطرفين كليس بعض الإنسان بفرس وكل فرس صهال فليس بعض الإنسان بصهال لاتحاد الوسط المقتضي للإنتاج في هذا كما فيما قبله
إلا أنه
أي التلازم
هنا على خصوص هو إثباته أحد موجبي العلة بالآخر فتلازمهما
أي موجبيها وهما الحكمان
بلا تعيين علة
جامعة
وإلا
لو كان إثبات أحدهما بالآخر لتلازمهما بعلة جامعة
فقياس
أي فإثباته بها قياس
ويكون
التلازم
بين ثبوتين
ولا بد فيه إما من الاطراد والانعكاس من الطرفين كما
____________________
(3/382)
فيما يكون التالي فيه مساويا للمقدم أو طرد إلا عكسا من طرف واحد فيما يكون التالي أعم من المقدم
كمن صح طلاقه صح ظهاره وهو
أي وثبوت التلازم بينهما يكون
بالاطراد
الشرعي وهو أنا تتبعنا فوجدنا كل شخص صح طلاقه صح ظهاره وكل من صح ظهاره صح طلاقه
ويقوى
ثبوته بينهما
بالانعكاس
وهو أنا تتبعنا فوجدنا كل شخص لا يصح طلاقه لا يصح ظهاره وكل شخص لا يصح ظهاره لا يصح طلاقه وحاصله التمسك بالدوران ممكن على أن العدم ليس جزأ منه بل هو شرط له وهذا بالنسبة إلى الشافعي وموافقه الذقائل بصحة ظهار الذمي لا الحنفي وموافقه القائل بعدم صحة ظهار الذمي فإنه لا تلازم عنده في هذا عكسا في كلا الطرفين بل في أحدهما الذي هو الظهار وسيشير المصنف إليه
ثم هذا من باب الاستدلال على التعريفين له
ويقرر
ثبوت التلازم بينهما أيضا إذا كانا أثرين لمؤثر بالاستدلال
ثبوت أحد الأثرين فيلزم
أن يوجد الأثر
الآخر للزوم
وجود
المؤثر
له ضرورة أنه أثره وكون نسبته إلى المؤثر كنسبة الآخر إليه
و
يقرر
بمعناه
أي معنى هذا وهو الاستدلال بثبوت أحد الأثرين على ثبوت المؤثر ثم ثبوته على ثبوت الآخر
كفرض الصحتين
للطلاق والظهار
أثر الواحد
كالأهلية لهما فإذا ثبت صحة الطلاق ثبت الأهلية لها ويلزم من ثبوت الأهلية ثبوت لها صحة الظهار لما ذكرنا وهذا من باب الاستدلال على التعريف الثاني لأنه ليس من قياس العلة بل من قياس الدلالة دون التعريف الأول له لأن قياس الدلالة نوع من أنواع القياس لكن بشرط أن لا يتعرض لتعيين المؤثر
ومتى عين المؤثر خرج
عن الاستدلال
إلى قياس العلة وبين نفيين
أي ويكون التلازم بينهما
ولا بد من كونه
أي التنافي بين
الطرفين
فسقط من القلم لفظ بين
طردا وعكسا
أي إثباتا ونفيا كما هو المنفصلة الحقيقية
أو أحدهما
أي طردا فقط كما هو مانعة الجمع أو عكسا فقط كما هو مانعه الخلو مثاله
لا يصح التيمم بلا نية فلا يصح الوضوء
بلا نية
وهو
أي ثبوت التلازم بينهما
أيضا بالاطراد
أي كل تيمم لا يصح إلا بالنية وكل وضوء لا يصح إلا بالنية
ويقوى بالانعكاس
أي كل تيمم يصح بالنية وكل وضوء يصح بالنية وهذا بالنسبة إلى الشافعي وموافقه
وأما بالنسبة إلى أبي حنيفة وصاحبه فيتم التلازم طردا وعكسا في أحد الطرفين فقط وهو التيمم فإن عندهم كل تيمم بالنية صحيح وبغير النية غير صحيح دون اللآخر وهو الوضوء فإنه وإن كان كل وضوء بالنية صحيحا فليس عندهم كل وضوء بلا نية غير صحيح بل ذاك الوضوء الذي هو عبادة لا الوضوء الذي ليس بعبادة فلا تلازم بينهما في النفي كما سيشير إليه المصنف
وأما بالنسبة إلى زفر فلا تلازم بين هذين النفيين أصلا لعدم توقف صحة وضوء وتيمم على النية عنده
ويقرر
ثبوت التلازم بينهما إذا كانا أثرين لمؤثر
بانتفاء أحد الأثرين فالآخر
أي فيلزم انتفاء الأثر الآخر لانتفاء المؤثر لفرض ثبوتهما أثرا لواحد وليس فرض كون الثواب واشتراط النية أثرين للعبادة
يوجبه
أي التلازم بين
____________________
(3/383)
النفيين
على الحنفي
لأنه لا يشترط في صحه كون الوضوء شرطا للصلاة كونه عبادة
وبين نفي لازم للثبوت
أي ويكون التلازم بين ثبوت ملزوم ونفي لازم له
وعكسه
أي وبين نفي ملزوم وثبوت لازم مثال الأول هذا
مباح فليس بحرام
ومثال الثاني هذا
ليس جائزا فحرام ويقرران
أي التلازمان بينهما
بإثبات التنافي في بينهما
كذا ذكر ابن الحاجب وظاهره أن المراد بين الثبوت والنفي وليس كذلك فإنه لا تنافي بين المباح وعدم الحرام لجواز اجتماعهما لأن عدم الحرام أعم من المباح ولا بين غير الجائز والحرام لأن غير الجائز إما مساوي الحرام أو أعم منه فلا جرم أن قال غير واحد من الشارحين أي بين المباح والحرام لكن في الاقتصار على هذا قصور بل وبين الجائز والحرام ثم كما قال العلامة في الأول وهو في الإثبات ولهذا استلزم المباح عدم الحرام وعكسه لا في النفي ولهذا لم يستلزم عدم المباح الحرام ولا عكسه
قلت إلا أن في استلزام عدم الحرام المباح كما أشار إليه بقوله وعكسه نظرا إلا أن يريد في الجملة فإن عدم الحرام لا يستلزم المباح البتة بل كما يستلزمه يستلزم المندوب
وقال في الثاني وهو في النفي والإثبات ولهذا يلزم من عدم الجواز الحرمة وعكسه ومن الجواز عدم الحرمة والعكس ويخص هذا موجها له الفاضل الأبهري فقال أي التلازم بين الثبوت ونفيه وعكسه يقرران ببيان ثبوت التنافي بين الثبوتين فإن كان التنافي بينهما في الجمع كما بين المباح والحرام استلزم كل من الثبوتين نفي الآخر فيصدق ما كان مباحا لا يكون حراما وإن كان التنافي بينهما في الخلو كما بين الجائز بمعنى ما لا يمتنع شرعا استلزم نفي كل من الثبوتين عين الآخر فيصدق ما لا يكون جائزا يكون حراما انتهى ولا يخفى أن هذه العناية لا تفيدها العبارة وقال بعضهم كالسبكي أي بين الحكمين وهو مع إبهامه راجع إلى أحد القولين الماضيين فعليه ما على أحدهما المراد منه ومن العجب إهمال عضد الدين ثم التفتازاني الكلام على هذا
أو
بإثبات التنافي بين
لوازمهما
وهو التأثيم اللازم لفعل الحرام وعدمه اللازم لفعل المباح والجائز فيلزم التنافي بين ملزومهما لأن تنافي اللوازم يدل على تنافي الملزومات
ويرد عليها
أي الأقسام الأربعة
منع اللزوم كالحنفي في الأولين
أي كمنع الحنفي التلازم بين الظهار والطلاق ونفي صحة التيمم بلا نية ونفي صحة الوضوء بلا نية كما قدمنا بيانه
و
منع
ثبوت الملزوم وما لا يختص بالعلة
من الأسئلة الواردة على القياس لأنه لم تتعين العلة في التلازم وما لم يتعين لم يرد عليه شيء
ويختص
التلازم بسؤال لا يرد على القياس وهو منع تحقق الملازمة
في مثل تقطع الأيدي بيد
واحدة
كقتل الجماعة بواحد لملازمته
أي القصاص
لثبوت الدية على الكل في الأصل أي النفس لأنهما
أي القصاص والدية
أثران فيها
أي النفس يترتبان على الجناية
ووجد أحدهما
أي الأثرين وهو الدية
في الفرع
أي اليد
فالآخر
أي اللأثر الآخر وهو
القصاص
على الكل يؤخذ فيه أيضا
لأن علتهما
أي الأثرين وهما القصاص والدية
____________________
(3/384)
في الأصل إن
كانت
واحدة فظاهر
وجود وجوب القصاص على الجميع في الفرع إذ لا خفاء في وجود الأثر عند وجود المؤثر
أو
كانت
متعددة فتلازمهما
أي الأثرين اللذين هما وجوب الدية والقصاص على الجميع
في الأصل
أي النفس دليل
لتلازمهما
أي العلتين فوجود أحد الأثرين وهو الدية في الفرع يستلزم وجود علته وهو يستلزم وجود علة الأثر الآخر
فيثبت
الأثر
الآخر
وهو القصاص في الفرع أيضا لثبوت علته المذكورة فيه
فيرد
الوارد المختص بهذا المثال وهو
تجويز كونه
أي ذلك الأثر الذي هو ثبوت الدية على الكل
بعلة
في الفرع أي اليد تقتضي وجوب الدية في الكل ثم
لا تقتضي قطع الأيدي
باليد
ولا
تقتضي
ملازمة مقتضية
أي قطع الأيدي باليد
وفي الأصل
أي النفس
بأخرى تقتضيهما
أي القصاص ووجوب الدية
أو
بعلة أخرى
لا تلازم مقتض قبل الكل ويرجح
المعترض كون ثبوته في الفرع بعلة أخرى
باتساع مدارك الأحكام
أي أدلتها التي يدرك بها فإن وجوب الدية على الجميع في الفرع بعلة أخرى يوجب التعدد في مدرك حكم الأصل والفرع
وهو
أي اتساع مدارك الأحكام
أكثر فائدة وجوابه
أي هذا السؤال
الأصل عدم
علة
أخرى
ويرجح الاتحاد
أي اتحاد العلة في الحكم الواحد وهو الدية مثلا على تعددها
بأنها
أي العلة المتحدة
منعكسة
والمنعكسة علة باتفاق بخلاف غيرها والمتفق عليها أرجح
فإن دفعه
أي المعترض الجواب المذكور بأنه معارض
بأن الأصل أيضا عدم علة الأصل في الفرع قال
المستدل إذا تعارض الأصلان وتساقطا كان الترجيح معنا من وجه آخر وهو العلة
المتعدية
من النفس إلى اليد
أولى
من القاصرة على النفس للاتفاق عليها والخلاف في القاصرة ولكثرتها وقلة القاصرة فإنا إذا أثبتنا الحكم في الفرع بعلة الأصل فقد عديناها من الأصل إلى الفرع وإذا لم يثبت بهما فقد قصرنا علة الأصل على الأصل وعلة الفرع على الفرع قال
الآمدي ومنه
أي الاستدلال
وجد السبب
فيثبت الحكم لأن الدليل ما يلزمه المطلوب بتقدير تحققه قطعا أو ظاهرا وما ذكر كذلك والمطلوب وإن توقف وجوده على الدليل في آحاد الصور فوجود الدليل غير متوقف على وجوده بل تميزه في نفسه فلا دور كما في منتهى السول له أي المطلوب يتوقف على الدليل من جهة وجوده في آحاد الصور والدليل يتوقف على لزوم المطلوب من جهة حقيقته فلا دور
ثم قال وليس نصا ولا إجماعا ولا قياسا لاحتمال تقرير سببية نص أو إجماع
و
وجد المانع وفقد الشرط
فيعدم الحكم
ونفي الحكم لانتفاء مدركه
وقد عرفت أنه المراد بالتعليل بالعدم
والحنفية وكثير على نفيه
أي الاستدلال بأحد هذه الأمور الأربعة
إذ هو دعوى الدليل
فهو بمثابة وجد دليل الحكم فيوجد فلا يسمع ما لم يعين الدليل المدعي وجوده
فالدليل وجود المعين
أي المقتضى أو المانع أو فقد الشرط
منها
أي هذه الأمور المستلزمة للحكم
وأجيب بأنه
أي المذكور
دليل
وهو مثلا هذا حكم وجد سببه وكل حكم وجد سببه فهو موجود
بعض
____________________
(3/385)
مقدماته نظرية
وهي الصغرى فإن الكبرى بينة
والمختار
عند ابن الحاجب
إن لم يثبت ذلك
أي وجود السبب أو المانع أو فقد الشرط
بأحدها
وهو سهو والصواب بغيرها أي النص والإجماع والقياس
فاستدلال وإلا
فإن ثبت بأحدها
فبأحدها
أي فهو ثابت بأحدها من نص أو إجماع أو قياس لا بالاستدلال
وعلى هذا
التفصيل
يرد الاستدلال مطلقا إلى أحدها إذ ثبوت ذلك التلازم لا بد فيه شرعا منه
أي من أحدها
وإلا
لو لم يكن التلازم ثابتا شرعا بأحدها
فليس
ذلك الحكم الثابت به
حكما شرعيا
لأن الحكم الشرعي لا بد من أن يكون ثابتا بأحدها
فالحق أنه
أي الاستدلال
كيفية استدلال
بأحد الأربعة التي هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس
لا
دليل
آخر غير الأربعة وتقدم شرع من قبلنا
قبل فصل التعارض بمسألتين
ويرد إلى الكتاب
بقصه له من غير إنكار
والسنة
بقصها له من غير إنكار
وقول الصحابي
وما فيه من التفصيل
ورد إلى السنة
حيث وجب العمل به في المسأله التي يليها فصل التعارض
ورد الاستصحاب إلى ما به ثبت الأصل المحكوم باستمراره فهو
أي الاستصحاب
الحكم
ظنا
ببقاء أمر تحقق
سابقا
ولم يظن عدمه
بعد تحققه
وهو حجة عند الشافعية وطائفة من الحنفية
السمرقنديين منهم أبو منصور الماتريدي واختاره صاحب الميزان والحنابلة
مطلقا
أي للإثبات والدفع
ونفاه
أي كونه حجة
كثير
من الحنفية وبعض الشافعية والمتكلمون
مطلقا
أي للإثبات والدفع
وأبو زيد وشمس الأئمة وفخر الإسلام
وصدر الإسلام ومتابعوهم قالوا هو حجة
للدفع
لا للإثبات
والوجه ليس حجة
أصلا كما قال الكثير
والدفع استمرار عدمه
أي عدم ذلك الأمر الطارىء
الأصلي
على ما تحقق وجوده
لأن موجب الوجود ليس موجب بقائه
أي الوجود وكيف لا وبقاء الشيء غير وجوده لأنه استمرار الوجود بعد الحدوث
فالحكم ببقائه
أي الوجود يكون
بلا دليل قالوا
أي القائلون بحجيته مطلقا الحكم ظنا بالبقاء المذكور الذي هو معنى الاستصحاب أمر
ضروري لتصرفات العقلاء باعتباره
أي الحكم ظنا بالبقاء المذكور
من إرسال الرسل والكتب والهدايا
من بلد إلى بلد إلى غير ذلك ولولا الحكم ظنا بالبقاء المذكور لكان ذلك سفها والاتفاق على أنه ليس كذلك وإذا ثبت الحكم ظنا بالبقاء المذكور فهو متبع كما عرف
ومنهم
أي القائلين بحجيته مطلقا
من استبعده
أي كونه حجة بالضرورة
في محل النزاع فعدلوا إلى أنه لو لم يكن حجة لم يجزم ببقاء الشرائع مع احتمال الرفع
أي طريان الناسخ واللازم باطل للقطع ببقاء شريعة عيسى صلى الله عليه وسلم إلى بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم بقاء شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم أبدا
و
إلى
الإجماع
أيضا
عليه
أي على الاستصحاب أي اعتباره في كثير من الفروع كما
في نحو بقاء الوضوء والحدث والزوجية والملك
إذا ثبت
مع طرو الشك
في طريان الضد
وأجيب
عن الأول
بمنع الملازمة لجوازه
أي الجزم ببقائها والقطع بعدم نسخها
بغيره
أي بدليل آخر غير الاستصحاب
كتواتر إيجاب العمل في كل شريعة بها
أي بتلك الشريعة
____________________
(3/386)
لأهلها
إلى ظهور الناسخ
ووجود القاطع على أنه لا نسخ لشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
وتلك الفروع
ليست مبنيه عل الاستصحاب بل
لأن الأسباب توجب أحكاما ممتدة
من جواز الصلاة وعدم جوازها وحل الوطء والانتفاع بحسب وضع الشارع
إلى ظهور الناقض شرعا واعلم أن مدار الخلاف
في كون الاستصحاب حجة أو لا مبني
على أن سبق الوجود مع عدم ظن الانتفاء هل هو دليل البقاء فقالوا
أي الشافعية وموافقوهم
نعم فليس الحكم به
أي بالاستصحاب حكما
بلا دليل والحنفية
قالوا
لا إذ لا بد في الدليل من جهة يستلزم بها
المطلوب
وهي
أي الجهة المستلزمة له
منتفية
في حق البقاء
فتفرعت الخلافيات
بين الحنفية والشافعية
فيرث المفقود
من مات من ورثته في غيبته
عنده
أي الشافعي عملا باستصحاب حياته المفيدة لاستحقاقه
لا عندهم
أي الحنفية لأن الإرث من باب الإثبات وحياته بالاستصحاب فلا يوجب استحقاقه
ولا يورث لأنه
أي عدم الإرث
دفع
للاستحقاق فيثبت بالاستصحاب
وعلى ما حققنا عدمه أصلي
من أنه ليس بحجة أصلا وأن الدفع استمرار العدم الأصلي للأمر الطارىء إنما لا يورث
لعدم سببه
أي الإرث
إذ لم يثبت موته
أي المفقود كما هو الفرض
ولا صلح على إنكار
أي لا صحة له مع إنكار المدعى عليه عند الشافعي
لإثبات استصحاب براءة الذمة
للمدعى عليه التي هي الأصل فكانت حجة على المدعي
كاليمين وصح
الصلح على إنكار
عندهم
أي الحنفية لأن الاستصحاب لا يصلح حجة للإثبات فلا تكون براءة الذمة حجة على المدعي فيصح الصلح
ولم تجب البينة على الشفيع
على الملك المشفوع به لإنكار المشتري الملك المشفوع به للشفيع عند الشافعي لأنه متمسك بالأصل فإن اليد دليل الملك في الظاهر والتمسك بالأصل يصلح حجة للدفع والإلزام جميعا عنده
ووجبت
البينة المذكورة
عندهم
أي الحنفية لأن التمسك بالأصل لا يصلح حجة للإلزام إلى غير ذلك من الخلافيات
هذا وأما السبكي فقال واعلم أن علماء الأمة أجمعوا على أنه ثم دليل شرعي غير ما تقدم واختلفوا في تشخيصه فقال قوم هو الاستصحاب وقال قوم هو الاستحسان وقال قوم هو المصالح المرسلة ونحو ذلك
وقد علمت موارد استفعل في اللغة وعندي أن المقصود منها في مصطلح الأصوليين الاتخاذ والمعنى أن هذا باب ما اتخذوه دليلا والسر في جعل هذا الباب متخدا دون الكتاب والسنة والإجماع والقياس أن تلك الأدلة قام القاطع عليها ولم يتنازع المعتبرون في شيء منها فكان منالها لم ينشأ عن صنعهم لاجتهادهم بل أمر ظاهر وأما ما عقد له هذا الباب فهو شيء آخر قاله كل إمام بمقتضى تأدية اجتهاده فكأنه اتخذه دليلا كما قال الشافعي يستدل بالاستصحاب ومالك بالمصالح المرسلة وأبو حنيفة بالاستحسان أن يتخذ كل منهم ذلك دليلا كما يقول يحتج بكذا وهذا معنى مليح في سبب تسميته بالاستدلال والله سبحانه أعلم
____________________
(3/387)
المقالة الثالثة في الاجتهاد وما يتبعه
من التقليد والإفتاء
هو
أي الاجتهاد
لغة بذل الطاقة في تحصيل ذي كلفة
أي مشقة يقال اجتهد في حمل الصخرة ولا يقال اجتهد في حمل النواة والمراد ببذل الوسع استفراغ القوة بحيث يحسن العجز عن المزيد
واصطلاحا ذلك
أي يذل الطاقة
من الفقيه في تحصيل حكم شرعي ظني
فبذل الطاقة جنس يصلح أن يتعلق بالقصود وغيره وفيه إشارة إلى خروج اجتهاد المقصر وهو الذي يقف عن الطلب مع تمكنه من الزيادة على ما فعل من السعي فإن هذا الاجتهاد لا يعد في اصطلاح الأصوليين اجتهادا معتبرا ومن الفقيه احتراز من بذل الطاقة من غيره فى ذلك فإنه ليس باجتهاد اصطلاحي وفي تحصيل حكم شرعي احتراز من بذلها منه في غيره من حسي أو عقلي فإنه ليس بذلك أيضا وظني قيل لأن القطعي لا اجتهاد فيه وسيأتي منعه وفيه إشارة إلى أن استغراق الأحكام في الاجتهاد ليس بشرط كما أنه ليس من شرط المجتهد أن يكون محيطا بجميع الأحكام ومداركها بالفعل لأن ذلك غير داخل تحت وسع البشر
ونفي الحاجة إلى قيد الفقيه
كما ذكر التفتازاني
للتلازم بينه
أي الفقيه
وبين الاجتهاد فإنه
لا يصير فقيها إلا بعد الاجتهاد ولهذا لم يذكره الغزالي والآمدي اللهم إلا أن يراد بالفقه التهيؤ لمعرفة الأحكام
سهو لأن المذكور
جنسا في التعريف إنما هو
بذل الطاقة لا الاجتهاد ويتصور
بذل الطاقة
من غيره
أي الفقيه
في طلب حكم
شرعي والظاهر كلام الأصوليين أنه لا يتصور فقيه غير مجتهد ولا مجتهد غير فقيه على الإطلاق وهو بالغ عاقل مسلم ذو ملكة يقتدر بها على استنتاج الأحكام من مأخذها
وشيوع الفقيه لغيره
أي المجتهد
ممن يحفظ الفروع
إنما هو
في غير اصطلاح الأصول
والكلام إنما هو في اصطلاح الأصول
ثم هو
أي هذا التعريف ليس تعريفا للاجتهاد مطلقا بل
تعريف لنوع من الاجتهاد
وهو الاجتهاد في الأحكام الشرعية الظنيه
لأن ما
أي الاجتهاد
في العقليات اجتهاد غير أن المصيب
في العقليات
واحد والمخطىء آثم والأحسن تعميمه
أي التعريف في الحكم الشرعي ظنيا كان أو قطعيا
بحذف ظني
فإن الاجتهاد قد يكون في القطعى من الحكم الشرعي ما بين أصلي وفرعي غايته أن الحق فيه واحد والمخالف فيه مخطىء آثم في نوع منه غير آثم في نوع آخر كما سيأتي
نعم إن لزم أن يكون محل الاجتهاد لا يحكم فيه بإثم المخطىء فيه احتيج إلى قيد مخرج لما يكون المخطىء آثما فيه من ذلك والشأن في ذلك وحينئذ فقول الآمدي والرازي وموافقهما المجتهد فيه كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي في حيز المنع
ثم ينقسم
الاجتهاد
من حيث الحكم
المتعلق به
إلى واجب عينا على المسؤول
على الفور في حق غيره
إذا خاف فوت الحادثة
على غير الوجه الشرعي وفي حق نفسه إذا نزلت الحادثة به بهذا الشرط أيضا
وكفاية
أي وإلى واجب كفاية على المسؤول في حق غيره
لو لم يخف
فوات الحادثة على غير الوجه الشرعي
وثم غيره
من المجتهدين فيتوجه الوجوب على جميعهم وأخصهم
____________________
(3/388)
بوجوبه من خص بالسؤال عن الحادثة حتى لو أمسكوا مع ظهور الجواب والصواب لهم أثموا وإن أمسكوا مع التباسه عليهم عذروا ولكن لا يسقط عنهم الطلب وكان فرض الجواب باقيا عند ظهور الصواب كما أشار إليه بقوله
فيأثمون بتركه
أي الاجتهاد حيث لا عذر لهم في تركه
ويسقط
الوجوب عن الكل
بفتوى أحدهم
لحصول المقصود بها
وعلى هذا
أي سقوط الوجوب بفتوى أحدهم لو أن مجتهدا ظن خطأ المفتي فيما أجاب به
لا يجب على من ظنه
أي الجواب
خطأ
الاجتهاد فيه لسقوط الوجوب بذلك الاجتهاد
هذا وذكر السبكي أن أصح الوجهين عندهم عدم الإثم بالرد إذا كان هناك غير المسؤول وأصحهما فيما إذا كان في الواقعة شهود يحصل الغرض ببعضهم وجوب الإجابة إذا طلب الأداء من البعض قال وفي الفرق غموض انتهى
قيل ولعل الفرق أن الفتوى تحتاج إلى نظر وفكر والمشوشات كثيرة بخلاف الشهادة فإنه لا يحتاج فيها إلى ذلك ولا يعرى عن بحث
وكذلك حكم تردد بين قاضيين
مجتهدين مشتركين في النظر فيه يكون وجوب الاجتهاد على كل منهما بالنسبة إلى الآخر وجوب كفاية
أيهما حكم بشرطه
المعتبر فيه شرعا
سقط
الوجوب عنهما وإن تركاه بلا عذر أثما
و
إلى
مندوب
وهو ما
قبلهما
أي وجوبه عينا ووجوبه كفاية كالاجتهاد في حكم شيء بلا سؤال عنه ولا نزوله ليطلع على معرفة حكمه قبل نزوله
ومع سؤال فقط
أي وفيما يستفتى عن حكمه قبل وقوعه
و
إلى
حرام
وهو الاجتهاد
في مقابلة
دليل
قاطع
من
نص
أو إجماع وشرط مطلقه
أي الاجتهاد في حق المجتهد
بعد صحة إيمانه
بمعرفة الباري تعالى وصفاته وتصديق النبي صلى الله عليه وسلم بمعجزاته فيما جاء به من عند الله وسائر ما يتوقف عليه ذلك ولو بالأدلة الإجماليه دون التدقيقات التفصيلية على ما هو دأب المتبحرين في الكلام وبلوغه وعقله
معرفة محال جزئيات مفاهيم الألقاب الاصطلاحية المتقدمة للمتن من شخص الكتاب والسنة في الظهور كالظاهر
والنص والمفسر والمحكم
والعام
والخاص
والخفاء كالخفي والمجمل
والمشكل والمتشابه إلى غير ذلك مما تقدم في انقسامات المفرد السابقة في فصولها مما يتعلق بالأحكام بحيث يتمكن من الرجوع إليها عند طلب الحكم كما جزم به غير واحد منهم الإمام الرازي ثم قيل هو من الكتاب خمسمائة آية كما مشى عليه الغزالي وابن العربي
قيل وكأنهم رأوا مقاتل بن سليمان أول من أفرد آيات الأحكام بالتصنيف ذكرها خمسمائة ودفع بأنه أراد الظاهرة لا الحصر ومن السنة خمسمائة حديث وقيل ثلاثة آلاف وعن أحمد ثلاثمائة ألف وقيل خمسمائة ألف وحمل على الاحتياط والتغليظ في الفتيا أو أراد وصف أكمل الفقهاء فأما ما لا بد منه فقد قال الأصول التي يدور عليها العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تكون ألفا ومائتين لا معرفة الجميع وهو في السنة ظاهر لتعذره لسعتها وإلا لانسد باب الاجتهاد فلا جرم أن قال الشيخ أبو بكو الرازي ولا يشترط استحضاره جميع ما ورد في ذلك الباب إذ لا يمكن الإحاطة ولو تصور
____________________
(3/389)
لما حضر ذهنه عند الاجتهاد وقد اجتهد عمر وغيره من الصحابة في مسائل كثيرة لم يستحضروا فيها النصوص حتى رويت لهم فرجعوا إليها
وأما في القرآن فقيل مشكل لأن تمييز آيات الأحكام من غيرها يتوقف على معرفة الجميع بالضرورة وتقليد الغير في ذلك ممتنع لأن المجتهدين متفاوتون في استنباط الأحكام من الآيات على أن ما يتعلق منه بالأحكام غير منحصر في العدد المذكور بل هو مختلف باختلاف القرائح والأذهان وما يفتحه الله تعالى على عباده من وجوه الاستنباط ولعلهم قصدوا بذلك الآيات الدالة على الأحكام بالمطابقة لا بالتضمن والالتزام كما ذكره ابن دقيق العيد وغيره إذ غالب القرآن لا يخلو من أن يستنبط منه حكم شرعي
وهي
أي جزئيات تلك المفاهيم
أقسام اللغة متنا واستعمالا لا حفظها
أي المحال المذكورة عن ظهر قلب كما نبه عليه الغزالي وغيره وقيل يجب حفظ ما اختص بالأحكام من القرآن ونقل في القواطع عن كثير من أهل العلم أنه يلزم أن يكون حافظا للقرآن لأن الحافظ أضبط لمعانيه من الناظر فيه ونقله القيرواني في المستوعب عن الشافعي
قلت والأول أشبه نعم الحفظ أحسن كما تعليل اللزوم يفيده
وللسند من المتواتر والضعيف والعدل والمستور والجرح والتعديل
قالوا والبحث عن أحوال الرواة في زماننا مع طول المدة وكثرة الوسائط كالمتعذر فالأولى الاكتفاء بتعديل الأئمة المعروف صحة مذهبهم في التعديل وكذا الكلام في الجرح
وعدم القاطع
بالرفع عطف على معرفة
و
عدم
النسخ
ووجه اشتراط هذه الجملة غير خاف من الاستنباط فرع معرفة المستنبط منه وكيفية الاستنباط وفهم المراد من المستنبط منه واعتباره موقوفا على كون المستنبط منه غير مخالف للقاطع ولا منسوخ ولا مجمع على خلافه وعلى هذا يزاد ومعرفته بمواقع الإجماع كي لا يخرقه وذلك كما ذكر الغزالي أن يعلم أنه موافق مذهب ذي مذهب من العلماء وأنه واقعة متجددة لا خوض فيها لأهل الإجماع ولا يلزمه حفظ جميع مواقع الإجماع والخلاف
و
شرط
الخاص منه
أي الاجتهاد معرفة
ما يحتاج إليه من ذلك
المذكور آنفا على اختلاف أصنافه
فيما فيه
الاجتهاد
كذا الكثير
منهم صاحب البديع
بلا حكاية عدم جواز تجزي الاجتهاد
أي أن يقال شخص منصب الاجتهاد في بعض المسائل فيحصل له ما هو مناط الاجتهاد من الأدلة فيها دون غيرها
كأنهم لا يعرفونها
أي حكاية عدم جواز تجزيه
وعليه
أي جواز تجزيه
فرع
أنه يجوز
اجتهاد الفرضي في
علم
الفرائض
بأن يعلم أدلته باستقراء منه أو من مجتهد كامل وينظر فيها
دون غيره
من العلوم الشرعية إذا لم يبلغ فيها رتبة الاجتهاد
وقد حكيت
هذه المسألة في أصول ابن الحاجب وغيرها وذكر فيها جوازه وهو قول بعض أصحابنا على ما ذكره البستي من مشايخنا ومختار الغزالي ونسبه السبكي وغيره إلى الأكثر وقال إنه الصحيح وقال ابن دقيق العيد وهو المختار وسيذكر المصنف أنه الحق في مسألة غير المجتهد المطلق يلزمه التقليد وظاهر كلام ابن الحاجب التوقف
واختار طائفة نفيه مطلقا لأنه
أي المجتهد
____________________
(3/390)
وإن ظن حصول كل ما يحتاجه لها
أي للمسألة التي هو مجتهد فيها (
حتمل غيبة بعضه
أي ما يحتاجه لها مما يقدح في ظن الحكم
عنه وهذا الاحتمال
المذكور ثابت
كذلك للمطلق
أي للمجتهد المطلق أيضا وهو الذي يفتي في جميع الأحكام الشرعية فإن ظن كل منهما حصول ما يحتاج إليه في ذلك إنما هو بحسب ظنه لا بحسب الواقع
لكنه
أي هذا الاحتمال
يضعف
أو ينعدم
في حقه
أي المجتهد المطلق
لسعته
أي نظره وإحاطته بالكل بحسب ظنه فيبقى ظنه بالحكم بحاله
ويقوى في غيره
أي غير المجتهد المطلق لعدم إحاطته بالكل بحسب ظنه فلا يبقى بالحكم بحاله فلم يقدح في الحكم بالنسبة إلى المطلق وقدح فيه بالنسبة إلى غيره
وقد يمنع التفاوت
أي تفاوتهما في الاحتمال المذكور
بعد كون الآخر
الذي ليس بمجتهد مطلق
قريبا
من درجة الاجتهاد المطلق محصلا في ذلك المطلوب بخصوصه ما حصله المجتهد المطلق
بل
ذلك المجتهد في المطلوب الخاص
مثله
أي المجتهد المطلق فيه
وسعته
أي المطلق
بحصول مواد أخرى لا توجبه
أي التفاوت في الاحتمال المذكور لأنه لا مدخل لذلك فيه
فإذا وقع
الاجتهاد
في
مسألة
صلوية
أي متعلقة بالصلاة
وفرض
وجود
ما يحتاج إليها من الأدلة والقواعد فسعة الآخر
أي المجتهد المطلق
بحضور مواد
الأحكام
البيعيات والغصبيات
وغيرها من المعاملات مثلا
شيء آخر
لا يوجب التفاوت في الاحتمال المذكور بالنسبة إليهما وحيث لم يقدح هذا بالنسبة إلى المطلق فكذا بالنسبة إلى غيره
وأما ما قيل
من قبل المثبتين
لو شرط
عدم التجزي للاجتهاد
شرط في الاجتهاد العلم بكل المآخذ
أي الأدلة
ويلزم
هذا
علم كل الأحكام
واللازم منتف لأن كثيرا من المجتهدين توقفوا في مسائل بل لم يحط أحد من المجتهدين علما بجميع أحكام الله تعالى
فممنوع الملازمة
أي لا نسلم أن العلم بجميع المآخذ يوجب العلم بجميع الأحكام
للوقف بعده
أي العلم بكل المآخذ المترتب عليه العلم بالأحكام
على الاجتهاد
ثم قد يوجد الاجتهاد ولا يوجد الحكم لتعارض الأدلة وعدم الاطلاع على مرجح أو لتشويش فكر أو غيرهما
قلت ثم قد ظهر من هذه الجملة أن ما ذكر ابن الأنباري من تقييد صحة جواز التجزي بوجود الإجماع عل ضبط مأخذ المسألة المجتهد فيها لا موجب له وأما قول ابن الزملكاني الحق التفصيل فما كان من الشروط كليا كقوة الاستنباط ومعرفة مجازي الكلام وما يقبل من الأدلة وما يرد ونحوه فلا بد من استجماعه بالنسبة إلى كل دليل ومدلول فلا تتجزأ تلك الأهلية وما كان خاصا بمسألة أو مسائل أو باب فإذا استجمعه الإنسان بالنسبة إلى ذلك الباب أو تلك المسألة أو المسائل مع الأهلية كان فرضه في ذلك الجزء الاجتهاد دون التقييد فحسن ولكن ظاهره أنه قول مفصل بين المنع والجواز وليس كذلك فإن الظاهر أن هذا قول المطلقين لتجزي الاجتهاد غايته أنه موضح لمحل الخلاف فيلتأمل
وأما العدالة
في المجتهد
فشرط قبول فتواه
فإنه لا يقبل قول الفاسق في الديانات
____________________
(3/391)
لا شرط صحة الاجتهاد لجواز أن يكون للفاسق قوة الاجتهاد حتى كان له أن يجتهد لنفسه ويأخذ باجتهاد نفسه ولا يشترط أيضا الحرية ولا الذكورة ولا علم الكلام ولا علم الفقه لإمكان حصول قوة الاجتهاد بدونها وانتفاء الموجب لاشتراطها أما الحرية والذكورة فظاهر وأما علم الكلام فقالوا لجواز الاستدلال بالأدلة السمعية للجازم بالإسلام تقليدا وأما علم الفقه فلأنه نتيجة الاجتهاد وثمرته نعم منصب الاجتهاد في زماننا إنما يحصل بممارسته فهو طريق إليه في هذا الزمان
مسألة المختار عند الحنفية أنه عليه السلام مأمور بانتظار الوحي
المتأخرين ما عن أكثرهم
أنه عليه السلام مأمور
في حادثة لا وحي فيها
بانتظار الوحي أولا ما كان راجيه
أي الوحي
إلى خوف فوت الحادثة
بلا حكم
ثم بالاجتهاد
ثانيا إذا مضى وقت الانتظار ولم يوح إليه لأن عدم الوحي إليه فيها إذن في الاجتهاد حينئذ ثم كون مدة الانتظار مفسرة بهذا وهو يختلف بحسب الحوادث هو الصحيح وقيل هي ثلاثة أيام ولا دليل عليه
وهو
أي الاجتهاد
في حقه
صلى الله عليه وسلم
يخص القياس بخلاف غيره
من المجتهدين
ففي دلالات الألفاظ
على ما هو المراد منها لعروض خفاء واشتباه فيه يكون لغيره فيها الاجتهاد
و
في
البحث عن مخصص العام و
بيان
المراد من المشترك وباقيها
أي الأقسام التي في دلالتها على المراد خفاء من المجمل والمشكل والخفي والمتشابه على قول القائلين الراسخ في العلم يعلم تأويله غير أن الاجتهاد في بيان المراد من المجمل يكون معناه على قول مشايخنا بذل الوسع في الفحص عما جاء من بيانه من قبل المجمل ليقف على مراده منه لما علم من تصريحهم بأنه لا ينال المراد به إلا ببيان من المجمل
نعم قد يكون ذلك البيان محتاجا في تحقق المراد به إلى نوع اجتهاد بخلاف المجمل على قول الشافعية فإن بعض أفراده قد ينال المراد به من غير المجمل عندهم كما تقدم هذا كله في موضعه فيوافق الأقسام الباقية التي في دلالتها خفاء في أن معنى الاجتهاد في بيان المراد به بذل الوسع في الوقوف عليه أعم من أن يكون باتفاق من المتكلم أو بغالب الرأي فليتنبه لذلك ثم هذا بالنسبة إلى دلالات الألفاظ عطف تفسيري لها أما النبي صلى الله عليه وسلم فكل هذا واضح لديه بلا اجتهاد
و
في
الترجيح
لأحد الدليلين
عند التعارض
بينهما
لعدم علم المتأخر
أي لهذا السبب وأما للنبي صلى الله عليه وسلم فهذا غير متأت في حقه لانتفاء تحقق التعارض بالنسبة إليه وانتفاء عزوب تأخر المتأخر على المتقدم عن علمه على تقدير وجود صورة التعارض
فإن أقر
صلى الله عليه وسلم على ما أدى إليه اجتهاده عند خوف الحادثة
أوجب
إقراره عليه
القطع بصحته
أي ما أدى إليه اجتهاده لما سيأتي من أن اجتهاده لا يحتمل الخطأ أو أنه لا يقر على الخطأ
فلم يجز مخالفته
كالنص
بخلاف غيره من المجتهدين
فإنه يجوز مخالفته إلى اجتهاد مجتهد آخر لاحتمال الخطأ والقرار عليه
وهو
أي اجتهاده المقر عليه
وحي باطن
على ما عليه فخر الإسلام وموافقوه وسماه شمس الأئمة السرخسي ما
____________________
(3/392)
يشبه الوحي في حقه صلى الله عليه وسلم وقال فإن ما يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الطريق فهو بمنزلة الثابت بالوحي لقيام الدليل على أنه يكون صوابا لا محالة فإنه كان لا يقر على الخطأ فكان ذلك منه حجة قاطعة
والوحي عندهم
أي الحنفية الذين هم فخر الإسلام وموافقوه
باطن هذا
الاجتهاد الذي أقر عليه
وظاهر ثلاثة
من الأقسام
ما يسمعه
النبي صلى الله عليه وسلم
من الملك شفاها
بعد علمه بأن المبلغ ملك نازل بالوحي من الله عز وجل وهو جبريل عليه السلام المراد بروح القدس قوله تعالى { قل نزله روح القدس من ربك بالحق } وبالروح الأمين في قوله تعالى { نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين } وبرسول كريم في قوله سبحانه { إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين } بالعلم الضروري أنه هو وهذا أحدها
أو
ما
يشير إليه
الملك
إشارة مفهمة
للمراد من غير بيان بالكلام
وهو المراد بقوله
صلى الله عليه وسلم إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب وهذا هو المراد بقوله
الحديث
أخرجه أبو عبيد القاسم ابن سلام وللحديث ألفاظ أخر عند غيره منها ما عن حذيفة قال قام النبي صلى الله عليه وسلم فدعا الناس فقال هلموا إلي فأقبلوا إليه فجلسوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا رسول رب العالمين جبريل عليه السلام نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها وإن أبطأ عليها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته رواه البزار قال الحافظ المنذري ورواته ثقات إلا قدامة بن زائدة بن قدامة فإنه لا يحضرني فيه جرح ولا تعديل ونفث بالمثلثة في روعي بضم الراء ألقى في قلبي وأجملوا في الطلب أي للرزق بمباشرة الأسباب المشروعة أو ترك المبالغة والزيادة في الحرص لئلا يؤدي إلى الوقوع في المحظور معتقدين أن الرزق من الله لا من الكسب وهذا ثانيها
أو
ما
يلهمه وهو
أي الإلهام
إلقاء معنى في القلب بلا واسطة عبارة الملك واشارته مقرون بخلق علم ضروري أنه
أي ذلك المعنى
منه تعالى جعله وحيا ظاهرا
وهذا ثالثها
ولما كان مما يتبادر أن هذا باطن أشار إلى نفيه بتوجيه كونه ظاهرا بقوله
إذ في الملك
أي مشافهته
لا بد من خلق
العلم
الضروري أنه
أي المخاطب
هو
أي الملك فلم يخالفه إلا بعدم مشافهته وإشارته وذلك لايمنع عده ظاهرا
ولذا
أي كون الإلهام وحيا
كان حجة قطعية
عليه صلى الله عليه وسلم
وعلى غيره بخلاف إلهام غيره
من المسلمين فإن فيه أقوالا أحدها حجة في حق الأحكام وهذا في الميزان معزو إلى قوم من الصوفية بل عزى فيه إلى صنف من الرافضة لقبوا بالجعفرية أنه لا حجة سواه ثانيها حجة عليه لا على غيره وهذا ذكره غيره واحد منهم صاحب الميزان أي يجب العمل به في حق الملهم ولا يجوز أن يدعو غيره إليه وعزاه فيه إلى عامة العلماء ومشى عليه الإمام السهروردي واعتمده الإمام الرازي في أدلة القبلة وابن
____________________
(3/393)
الصباغ من الشافعية قال ومن علامته أن ينشرح له الصدر ولا يعارضه معارض من خاطر آخر
ثالثها المختار فيه
أي إلهام غيره أنه
لا حجة عليه ولا
على
غيره لعدم ما يوجب نسبته
أي الملهم به
إليه تعالى
هذا وشمس الأئمة السرخسي جعل الوحي الظاهر قسمين ما ثبت بلسان الملك وما ثبت بإشارته وجعل الباطن ما ثبت بالإلهام قال الشيخ قوام الدين الإتقاني وما قال شمس الأئمة أحق لأن ما يثبت في القلب بالإلهام ليس بظاهر بل هو باطن وقد يقال المراد بالباطن ما ينال المقصود به بالتأمل في الأحكام المنصوصة وبالظاهر ما ينال المقصود به لا بالتأمل فيها وحينئذ ما قاله فخر الإسلام أوجه
قلت ويبقى عليهما التكليم ليلة الإسراء بلا واسطة وظاهر أنه من الوحي الظاهر ورؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ففي صحيح البخاري عن عائشة قالت أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح والظاهر أنهما من الباطن ولم يتعرضا لهما والله سبحانه أعلم
ثم شرح في قسم المختار فقال
والأكثر
أنه صلى الله عليه وسلم مأمور
بالاجتهاد مطلقا
وغير خاف أن تقدير مأمور هو الذي يقتضيه سوق الكلام وفي شرح البديع لسراج الدين الهندي وقيل بالجواز أي بجواز كونه متعبدا بالاجتهاد مطلقا في الأحكام الشرعية والحروب والأمور الدينية من غير تقييد بشيء منها أو من غير تقييد بانتظار الوحي وهو مذهب عامة الأصوليين ومالك والشافعي وأحمد وعامة أهل الحديث ومنقول عن أبي يوسف انتهى
ولعله المراد بالأكثر هؤلاء إلا أن المصنف حمل الجواز على كونه مأمورا به موافقة في المعنى لمثل ما في منتهى السول للآمدي ذهب أحمد والقاضي أبو يوسف إلى أن النبي كان متعبدا بالاجتهاد فيما لا نص فيه انتهى وبناء على أن محل النزاع إنما هو إيجابه عليه وإنه لا قائل بالجواز دون الوجوب كما سيصرح به لكن قول الآمدي بعيد ما قدمناه عنه وجوز الشافعي ذلك في رسالته من غير قطع وبه قال بعض الشافعية والقاضي عبد الجبار انتهى ظاهر في مخالفة هذا ذاك وأن المراد بهذا مجرد الجواز العقلي كما سيذكره عن بعضهم أيضا وفي المعتمد لأبي الحسين إن أريد باجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم الاستدلال بالنصوص على مراد الله فذلك جائز قطعا وإن أريد به الاستدلال بالإمارات الشرعية فإن كانت أخبار احاد فلا يتأتى منه صلى الله عليه وسلم وإن كانت إمارات مستنبطة يجمع بها بين الأصل والفرع فهو موضع الخلاف في أنه هل كان يجوز له أن يتعبد به والصحيح جوازه وذكر ابن أبي هريرة والماوردي أن في وجوب الاجتهاد عليه بعد جوازه له وجهين وصحح ابن أبي هريرة الوجوب وقال الماوردي والأصح عندي التفصيل بين حقوق الآدميين فيجب عليه لأنهم لا يصلون إلى حقوقهم إلا باجتهاد ولا يجب في حقوق الله انتهى وهذا صريح أيضا في أنه ثم من يقول بالجواز دون الوجوب
وقيل
أي وقال الأشاعرة وأكثر المعتزلة والمتكلمين
لا
يكون الاجتهاد في الأحكام الشرعية حظه صلى الله عليه وسلم ثم
____________________
(3/394)
بعضهم على أنه غير جائز عليه عقلا وهو عن الجبائي وابنه وبعضهم جائز عليه عقلا ولكنه لم يتعبد به شرعا ذكره في الكشف وغيرهم وقيل كان له الاجتهاد فى الأمور الدينية والحروب دون الأحكام الشرعية حكاه في شرح البديع
وقيل
كان له الاجتهاد
في الحروب فقط
وهو محكي عن القاضي والجبائي
لقوله تعالى { عفا الله عنك لم أذنت لهم } فعوتب على الإذن لما ظهر نفاقهم في التخلف عن غزوة تبوك ولا يكون العتاب فيما صدر عن وحي فيكون عن أجتهاد لامتناع الإذن منه تشهيا ودفعه السبكي بأن غير واحد قال إنه صلى الله عليه وسلم كان مخيرا في الإذن وعدمه فما ارتكب إلا صوابا فإن الله تعالى يقول { فأذن لمن شئت منهم } فلما أذن لهم أعلمه الله بما لم يطلع عليه من شرهم أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا وأنه لا حرج عليهم فيما فعل ولا خطأ
قال القشيري ومن قال العفو لا يكون إلا عن ذنب فهو غير عارف بكلام العرب وإنما معنى عفا الله عنك لم يلزمك ذنبا كما في عفا عن صدقة الخيل ولم يجب عليهم ذلك قط ومن هنا قال الكرماني ولقائل إنه عتاب على ترك الأولى ولكن لا يعرى عن بحث
و
لقوله تعالى { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } فإنها نزلت في فداء أسارى بدر ففي صحيح مسلم عن ابن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر وساق الحديث إلى أن قال قال ابن عباس فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر ما ترون في هؤلاء الأسارى فقال أبو بكر هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم للإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى يا ابن الخطاب قال قلت لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكن أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكنني من فلان نسيب لعمر فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت
فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان قلت يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي الذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة شجرة قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عز وجل { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } إلى قوله { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } فأحل الله الغنيمة لهم
قال صدر الشريعة أي لولا حكم سبق في اللوح المحفوظ وهو أنه لا يعاقب أحد بالخطأ وكان هذا خطأ في الاجتهاد لأنهم نظروا في أن استبقاءهم كان سببا لإسلامهم وتوبتهم وإن فداءهم يتقوى به على الجهاد في سبيل الله وخفي عليهم أن قتلهم أعز للإسلام وأهيب لمن وراءهم وأقل لشوكتهم ولقد رد القاضي أبو زيد هذا فقال في التقويم فإن قيل اليس الله عاتب رسوله على الفداء وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو نزل العذاب ما
____________________
(3/395)
نجا إلا عمر فدل أن أبا بكر كان مخطئا
قلنا هذا لا يجوز أن يعتقد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمل برأي أبي بكر ولا بد أن يقع عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقر عليه صوابا والله تعالى قرره عليه فقال فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا وتأويل العتاب ما كان لنبي أن تكون له أسرى حتى بثخن في الأرض وكان لك كرامة خصصت بها رخصة لولا كتاب من الله سبق بهذه الخصوصية لمسكم العذاب لحكم العزيمة على ما قال عمر والوجه الآخر ما كان لنبي أن يكون له أسرى قبل الإثخان وقد أثخنت يوم بدر فكان لك الأسرى كما كان لسائر الأنبياء عليهم السلام ولكن كان الحكم في الأسرى المن أو القتل دون المفاداة فلولا الكتاب السابق في إباحة الفداء لك لمسكم العذاب والملخص على هذا ما ذكره الكرماني بحثا وهو أنه أيضا ترك الأولى ولو كان حمكه فيه خطأ لكان الأمر بالنقض مع أنه ليس فيه إلزام ذنب النبي صلى الله عليه وسلم بل فيه بيان ما خص به وفضل من بين سائر الأنبياء فكأنه قال ما كان هذا لنبي غيرك وتريدون الخطاب فيه لمن أراد منهم ذلك وليس المراد بالمريد النبي صلى الله عليه وسلم لعصمته
ثم الحاصل من هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان له العمل برأيهم عند عدم النص فبرأيه أولى لأنه أقوى على أن في الكشف وغيره وكلهم اتفقوا أن العمل يجوز له بالرأي في الحروب وأمور الدنيا
وقد قلنا به
أي بوجوب اجتهاده في الحروب مستدلين بما استدلوا به من الآيتين وبوجوب اجتهاده في الأحكام أيضا بآية مفاداة الأسارى فإن جواز مفاداتهم وفسادها من أحكام الشرع
وثبت
اجتهاده
في الأحكام أيضا بقوله
صلى الله عليه وسلم لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدى وهو في صحيح مسلم بلفظ لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة وفي صححيح البخاري بلفظ ما اهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت وذلك حين أذن لمن لم يسق الهدي من أصحابه في حجتهم معه أن يجعلوها عمرة يطوفوا ثم يقصروا لأن السوق مانع من التحلل حتى يبلغ الهدي محله
وسوقه
أي
الهدي
متعلق حكم المندوب
فهو مندوب
وهو
أي الندب
حكم شرعى
ولو لم يكن عن وحي لأنه ليس له أن يبدله من تلقاء نفسه ولا بالتشهي لامتناعه عليه فكان بالاجتهاد
قلت ومما هو نص صريح في المطلوب أيضا ما عن أم سلمة قالت جاء رجلان من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مواريث بينهما قد درست فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنا بشر وأنكم تختصمون ألي وأنما أقضي برأيي فيما لم ينزل علي فيه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة على عنقه وهو حديث حسن أخرجه أبو داود ورواته رواة الصحيح إلا أسامة بن زيد وهو مدني صدوق في حفظه شيء وأخرج له مسلم استشهادا
ولأنه
أي الاجتهاد
منصب شريف
حتى قيل أنه أفضل درجات العلم للعباد فإذن
لا
يحرمه
أفضل الخلق
وتناله أمته ولأكثرية الثواب لأكثرية المشقة
كما يشير إليه ما أسلفناه في مسألة جواز النسخ بأثقل من صحيح البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة في العمرة فاخرجي إلى التنعيم فأهلي ثم اتينا بمكان كذا ولكنها على قدر
____________________
(3/396)
نفقتك أو نصبك وأخرجه الدارقطني والحاكم بلفظ إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك فإن ظاهره كما ذكره النووي أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة والمراد النصب الذي لا يذمه الشرع وكذا النفقة وفي الاجتهاد من المشقة ما ليس في العمل بدلالة النص لظهوره لكن هدا متعقب بأنه ليس بمطرد مطلقا إذ قد يفضل بعض العبادات الخفيفة على غيرها مما هو أكثر عملا وأشق في صور فالإيمان أفضل الأعمال مع سهولته وخفته على اللسان وفرض الصبح أفضل من أعداد من الركعات النافلة ودرهم من الزكاة أفضل من دراهم من الصدقة النافلة وفريضة فى المسجد الحرام أفضل من فرائض في غيره إلى غير ذلك
وأما الجواب
عن هذا الدليل كما أشار إليه ابن الحاجب وقرره القاضي عضد الدين
بأن السقوط
للاجتهاد
للدرجة العليا
وهي الوحي فإن متعلقه أعلى من متعلق الاجتهاد فإن الحكم بالوحي مقطوع به بخلافه بالاجتهاد فسقوطه
لا يوجب نقصا في قدره وأجره ولا اختصاص غيره بفضيلة ليست له فقيل
كما أشار إليه التفتازاني
ذلك أي سقوط الأدنى للأعلى ثم لا يكون فيه نقص آخر ممن لم يتصف بالأدنى ولا اختصاص المتصف به بفضيلة ليست لمن لم يتصف به إنما هو
عند المنافاة
بين الأدنى والأعلى بحيث لا يجتمعان
كالشهادة مع القضاء والتقليد مع الاجتهاد
أما عند عدم المنافاة بينهما فلا يسقط الأدنى بالأعلى والوحي مع الاجتهاد من هذا القبيل فلا يحرمه النبي صلى الله عليه وسلم
والحق أن ما سوى هذا
الدليل المعنوي من أدلة المثبتين
لا يفيد محل النزاع وهو الإيجاب
للاجتهاد عليه فيما لا نص فيه
وأما هذا
الدليل ففي التحقيق أنه لا يفيده أيضا
فقد اقتضت رتبته صلى الله عليه وسلم مرة سقوط
حرمة
ما
يحرم
على غيره
من أمته
كحرمة الزيادة
من الزوجات
على الأربع ومرة لزوم ما ليس
بلازم
عليهم كمصابرة العدو وإن زاد عددهم بخلاف الأمه فإنه إنما يلزمهم الثبات إذا لم يزد عدد الكفار على الضعف وإنكار المنكر وتغييره مقطلقا لأن الله تعالى وعده بالعصمة والحفظ وغيره إنما يلزمه عند الإمكان والسؤال على ما صحح إلى غير ذلك وإذا كان كذلك
فالشأن في تحقيق خصوصية المقتضى في حقة في المواد وعدمه أي تحقيق خصوصيته في حقه فيها
وغاية ما يمكن
فيما نحن فيه
أنها
أي أدلة المثبتين
لدفع المنع
لوجوب الأجتهاد عليه عند عدم النص في ذلك وإذا اندفع منع وجوبه عليه
فيثبت الوجوب إذ لاقائل بالجواز دونه
أي الوجوب ولكن قد عرفت ما على هذا من التعقب واحتج
المانع
لتعبده صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد بقوله تعالى { وما ينطق عن الهوى إن هو } أي ما ينطق به { إلا وحي يوحى } إذ هو ظاهر في العموم أي كل ما ينطق به فهو عن وحي فينتفي الاجتهاد
أجيب بتخصيصه
أي هذا النص
بسببه
فإنه نزل
لنفي دعواهم
أي الكفار
افتراءه
القرآن وحينئذ إذ فالمراد بقوله إن هو القرآن فينتفي العموم
سلمنا عمومه
في القرآن وغيره بناء على أن خصوص السبب لا يوجب خصوص الحكم وأنه ليس هنا ما
____________________
(3/397)
يقتضي التخصيص بما يبلغه عن الله تعالى من القرآن فلا نسلم أن عموم قوله وما ينطق عن الهوى ينافي جواز اجتهاده
فالقول عن الاجتهاد ليس عن الهوى بل عن الأمر به
أي بالاجتهاد وحيا فيكون الاجتهاد وما يستند إليه وحيا
وهذا وإن كان خلاف الظاهر وهو
أي الظاهر
أن ما ينطق به نفس ما يوحى إليه
والحكم الثابت بالاجتهاد على هذا إنما هو بالوحي لا وحي
يجب المصير إليه للدليل المذكور
أي الدال على وقوع الاجتهاد من نحو عفا الله عنك وما كان لنبي أن تكون له أسرى الآيتين
ولا يحتاجه
أي الدليل المذكور في الحمل المذكور
الحنفية إذ هو
أي اجتهاده
وحي باطن
إذا أقر عليه عند فخر الإسلام وموافقيه وبمنزلة الوحي عند شمس الأئمة
قالوا
أي مانعو تعبده بالاجتهاد ثانيا
لو جاز
له الاجتهاد
جازت مخالفته
أي اجتهاده للمجتهدين لأن جواز المخالفة من أحكام الاجتهاد إذ يجوز للمجتهد مخالفة المجتهد لأنه لا قطع بأن الحكم الصادر من الأجتهاد حكم الله لاحتمال الإصابة والخطأ والجواب منع لزوم أحكام الاجتهاد له مطلقا بل إذا لم يقترن به ما يمنع مخالفته من قطع به ومن ثمة لم تجز مخالفة اجتهاد صار سندا للإجماع وهذا اقترن به ما يمنع مخالفته كما أشار إليه بقوله
وتقدم
في أوائل المسألة
ما يدفعه
يعني قوله فإن أقر وجب القطع بصحته فلم يجز مخالفته ويأتي أيضا
قالوا
أي المانعون المذكورون ثالثا
لو أمر
النبي صلى الله عليه وسلم
به
أي بالاجتهاد
لم يؤخر جوابا
عن سؤال بل يجتهد ويجيب لوجوبه عليه
وكثيرا ما أخر
جواب كثير من المسائل كحكم الظهار وقذف الزوجة بالزنى وما تضمنه الحديث الحسن الذي أخرجه أحمد والطبراني وغيرهما أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أي البلاد شر قال لا أدري حتى أسأل فسأل جبريل عن ذلك فقال لا أدري حتى أسأل ربي فانطلق فلبث ما شاء الله ثم جاء فقال إني سألت ربي عن ذلك فقال شر البلاد الأسواق
الجواب جاز
التأخير
لاشتراط الانتظار
للوحي ما كان راجيه إلى خوف الحادثة
كالحنفية أو لاستدعائه
أي الاجتهاد
زمانا
فإن استفراغ الوسع يستدعي زمانا أو لكون المسؤول عنه مما لا مساغ للاجتهاد فيه
قالوا
أي المانعون المذكورون رابعا هو قادر على اليقين في الحكم بالوحي والحكم بالاجتهاد لا يفيد إلا ظنا ومعلوم أنه
لا يجوز الظن مع القدرة على اليقين
إجماعا ومن ثمة حرم على معاين القبلة الاجتهاد فيها فلا يجوز له الحكم بالاجتهاد
أجيب بالمنع
أي منع كونه قادرا على اليقين قال المصنف
فإن
كان هذا المنع
بمعنى أنه
أي اليقين وهو الوحي هنا
غير مقدور له فصحيح
إذ لا قدرة له على وصول الوحي إليه
لكنه
والوجه الظاهر وهو أي هذا المنع بهذا المعنى
لا يوجب النفي
لتعبده بالاجتهاد
بل
إنما يوجب
أن لا يجتهد إلى اليأس من الوحي أو
إلى
غلبة ظنه
أي اليأس من الوحي
مع خوف الفوت
للحادثة بلا حكم
وهو
أي وهذا
قول الحنفية كل من طريقي الظن واليقين
بالحكم
ممكن فيجب تقديم الثاني
أي اليقين
بالانتظار
للوحي
فإذا غلب ظن
____________________
(3/398)
عدمه
أي الوحي
وجد شرط الاجتهاد وهو
أي قول الحنفية
المختار
ومما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان من شأنه الانتظار للوحي فيما يسأل عنه ولم يكن أوحي إليه فيه شيء ما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض قيل ما بركات الأرض قال زهرة الدنيا فقال له رجل هل يأتي الخير بالشر فصمت حتى ظننت أنه سينزل عليه ثم جعل يمسح عن جبينه وفي رواية لمسلم فأفاق يمسح عنه الرحضاء وهو العرق وقال أين السائل قال ها أنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الخير لا يأتي إلا بالخير الحديث وكان صلى الله عليه وسلم إذا أوحي إليه يتحدر منه مثل الجمان من العرق من شدة الوحي وثقله عليه
وإن
كان هذا المنع
بمعنى جواز تركه
أي اليقين
مع القدرة عليه
إلى محتمل الخطأ مختارا فيمنعه
أي جواز ترك اليقين إلى محتمل الخطأ
العقل وما أوهمه
أي جوازه
سيأتي جوابه
غير أن هذا الشق لا يحتمله مع كونه قادرا على اليقين الذي هو محل الترديد اللهم إلا فرضا ولا داعي إليه
وقد ظهر من المختار جواز الخطأ عليه عليه السلام
أي على اجتهاده
إلا أنه لا يقر عليه
أي على الخطأ
بخلاف غيره
من المجتهدين وهذا قول أكثر الحنفية ونقله الآمدي عن الشافعية والحنابلة وأصحاب الحديث واختاره هو وابن الحاجب
وقيل بامتناعه
أي جواز الخطأ على اجتهاده نقله في الكشف وغيره عن أكثر العلماء وقال الإمام الرازي والصفي الهندي إنه الحق وجزم به الحليمي والبيضاوي وذكر السبكي أنه الصواب وأن الشافعي نص عليه في مواضع من الأم
لأنه
أي اجتهاده
أولى بالعصمة عن الخطأ من الإجماع لأن عصمته
أي الإجماع عن الخطأ
لنسبته
أي الإجماع بوإسطة الأمة
إليه
أي النبي صلى الله عليه وسلم
وللزوم جواز الأمر باتباع الخطأ
لأنا مأمورون باتباعه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } إلى غير ذلك
و
لزوم
الشك في قوله
صلى الله عليه وسلم أصواب هو أم خطأ
فيخل بمقصود البعثة
وهو الوثوق بما يقول إنه حكم الله
أجيب عن هذا
الأخير
بأن المخل ما في الرسالة
أي جواز الخطأ فيما ينقله عن الله تعالى من إرساله وهو معلوم الانتفاء بدلالة تصديق المعجزة له لا تجويز الخطأ في اجتهاده
و
أجيب
عما قبله
وهو لزوم جواز الأمر باتباع الخطأ
بمنع بطلانه
بوجوب اتباع العوام للمجتهدين منا مع جواز تقريرهم على الخطأ فضلا عن خطئهم فيه وتعقب الفاضل الكرماني هذا النقض بأنه غير وارد لأن المتابعة إيقاع الفعل على الوجه الذي فعله والعامي لا يتبع المجتهد في اجتهاده بل يقلده والفرق بين صورة النقض وما لزم من الدليل أن المأمور باتباعه قادر على الإصابة كالمجتهد ولا كذلك العامي وإذن لم يؤمر أحد بالخطأ وإنما العامي مأمور بالتقليد والخطأ واقع في طريقه قال الفاضل الأبهري والأول مدفوع لأن الوجه المذكور في تعريف المتابعة جهة للفعل وكيفية له والاجتهاد ليس كذلك بل هو كيفية للمجتهد والفاعل فتعريفه المتابعة لا يقتضي الاتباع في الاجتهاد وعلى تقدير
____________________
(3/399)
الاقتضاء اتباع الاجتهاد مخصوص من الأمر بالاتباع إجماعا سواء كان الأمر باتباع الرسول عليه السلام أو باتباع غيره من المجتهدين وقد ذكر صاحب المنهاج كونه مخصوصا في بيان حجة الإجماع وكذا الثاني لأن جميع الأمة مأمورون بمتابعة الرسول عليه السلام سواء في ذلك مجتهدهم ومقلدهم فلا فرق وأيضا مقدور المجتهد تحصيل الظن بالحكم لا الإصابة فيه وإذا جاز كون اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم خطأ فاجتهاد غيره أولى بجواز كونه خطأ وكذا الثالث لأن الأمر بالاتباع أمر باتباع الفعل كما ذكره وإذا كان إيقاعه على الوجه الذي فعله خطأ كان العامي مأمورا بالخطأ هذا وحل الاستدلال المذكور أن الحكم الخطأ له جهتان كونه غير مطابق للواقع وكونه مجتهدا فيه فالأمر فيه للجهة الثانية لا الأولى ولا امتناع فيه فإن المجتهد مأمور بالعمل بما أدى إليه اجتهاده إجماعا وإن كان خطأ فلا بعد في أمر غيره أيضا بالعمل به لذلك وإلى ملخص هذا يشير قوله
على أن الأمر باتباعه
أي الاجتهاد إنما هو
من حيث هو
أي الحكم الاجتهادي
صواب في نظر العالم وإن خالف نفس الأمر
والحاصل أنه يؤدي إلى العمل بالاجتهاد الذي هو صواب عملا كما هو مذهب المخطئة أو مطلقا كما هو مذهب المصوبة ولا بأس
و
أجيب
عن الأول
وهو أنه أولى بالعصمة من الإجماع
بأن اختصاصه
صلى الله عليه وسلم
برتبة النبوة وأن رتبة العصمة للأمة لاتباعهم
له
لا يقتضي لزوم هذه الرتبة له كالإمام
الأعظم
لا يلزم له رتبة القضاء
وإن كانت مستفادة منه ثم لا يعود ذلك عليه بنقص وانحطاط درجة فكذا هنا
وتقدم ما يدفعه
من أن هذا إنما هو عند المنافاة ولا منافاة بين مرتبة النبوة ودرجة الاجتهاد
وأيضا فالوقوع
للاجتهاد
يقطع الشغب
بالسكون أي النزاع في الجواز كما عليه الجمهور منهم الآمدي وابن الحاجب
ودليله
أي الوقوع قوله تعالى { عفا الله عنك } الآية وقوله تعالى { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } الآية
حتى قال عليه السلام لو نزل من السماء عذاب ما نجا منه إلا عمر
رواه الواقدي في كتاب المغازي والطبري بلفظ لما نجا منه غير عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ إلا أنه يطرق الاستدلال على الوقوع بالآية الأولى ما سلف من قول إنه كان مخيرا في الإذن والعتاب بها على ما يشوبه من بحث
نعم لا يضر في الاستدلال على الوقوع بالآية الثانية ما سلف فيها عن القاضي أبي زيد فليتأمل وحينئذ ينتفي إنكار وقوعه مطلقا كما عليه بعضهم والتوقف فيه كما اختاره القاضي والغزالي في المستصفى
وبه
أي بالوقوع
يدفع دفع الدليل القائل لو جاز
امتناع الخطأ عليه والأحسن كما قال ابن الحاجب لو امتنع
لكان
امتناعه عليه
لمانع
لأن الخطأ ممكن لذاته
والأصل عدمه
أي المانع
بأن المانع
من جوازه
علو رتبته وكمال عقله وقوة حدسه وفهمه
صلى الله عليه وسلم كما ذكر هذا الدفع العلامة
وقد أجيب أيضا بأن هذه الأوصاف لا تؤثر في المنع لأن جواز الخطأ والسهو من لوازم الطبيعية البشرية فإذا جاز سهوه حال مناجاته مع الرب سبحانه وتعالى على
____________________
(3/400)
ما روي أنه صلى الله عليه وسلم سها فسجد فجواز الخطأ عليه في غير حال الصلاة بالطريق الأولى
وأما الاستدلال
لجواز الخطأ عليه
بقوله
صلى الله عليه وسلم إنما أنا بشر
وإنكم تختصمون إلى
فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار متفق عليه
وقوله
صلى الله عليه وسلم أنا أحكم بالظاهر وقدمنا في فصل شرائط الراوي عن المزي والذهبي وشيخنا أنه لا وجود له وأن ابن كثير قال يؤخذ معناه من الحديث السابق إلى غير ذلك
فليس بشيء
مثبت له لأن الخلاف إنما هو في الخطأ في استنباط الحكم الشرعي عن أمارته لا في الخطأ في ثبوت الحكم الشرعي لمعين في أنه هل يندرج تحت العموم الذي أثبت له حكم هو صواب كما إذا جزم بأن الخمر حرام ثم زعم إن هذا المائع خمر محرم لحرمته فإن الإندراج وعدمه ليس من الأحكام الشرعية
وكذا
ليس بشيء
ما يوهمه عبارة بعضهم من ثبوت الخلاف في الإقرار على الخطأ فيه
أي الاجتهاد وهو القاضي عضد الدين فإنه قال أقول بناء على أن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز له الاجتهاد فهل يجوز عليه الخطأ فيه فيه خلاف فإذا وقع هل يقرر عليه أو ينبه على الخطأ المختار أنه لا يقرر انتهى
بل
كما قال المصنف
نفيه
أي الإقرار عليه
اتفاق
كم صرح به العلامة ثم قد ظهر سقوط التوقف في جواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم كما مال إليه الإمام الرازي وعزاه في المحصول لأكثر المحققين
هذا وقد ذكر القرافي أن محل الخلاف الفتاوى أما الأقضية فيجوز الاجتهاد فيها بالإجماع ولم أقف على هذا لغيره والوجه غير ظاهر
فرع قال الغزالي وإذا اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم فقاس فرعا على أصل فيجوز القياس على هذا الفرع لأنه صار أصلا بالنص وكذا لو أجمعت الأمة عليه وهو حسن ظاهر والله سبحانه أعلم
مسألة طائفة لا يجوز
عقلا
اجتهاد غيره
أي النبي صلى الله عليه وسلم
في عصره عليه السلام والأكثر يجوز
عقلا
فقيل
يجوز
مطلقا
أي بحضرته وغيبته نقله الكيا عن محمد بن الحسن وهو المختار عند الأكثرين منهم القاضي والغزالي والآمدي والرازي
وقيل
يجوز
بشرط غيبته للقضاة
والولاة دون غيره
وقيل
يجوز
بإذن خاص
ثم منهم من شرط صريحه ومنهم من نزل السكوت عن المنع منه مع العلم بوقوعه منزلة الإذن
وفي الوقوع
مذاهب
نعم
وقع
مطلقا
أي في حضوره وغيبته لكن
ظنا
واختاره الآمدي وابن الحاجب
قال السبكي ولم يقل أحد إنه وقع قطعا
ولا
أي لم يقع أصلا
والمشهور أنه
أي هذا مذهب
للجبائي وأبي هاشم والوقف
في الوقوع مطلقا ونسبه الآمدي إلى الجبائي
وقيل
الوقف
فيمن بحضرته
صلى الله عليه وسلم
لا من غاب
وهو مذهب عبد الجبار ونقله الرازي عن الأكثرين ومال إلى اختياره وقيل وقع للغائب دون الحاضر واختاره القاضي في
____________________
(3/401)
التقريب والغزالي في المستصفى وابن الصباغ وإليه ميل إمام الحرمين ونقله الكيا عن أكثر الفقهاء والمتكلمين قال وهو أدخل في الاستقامة وأميل إلى الاقتصاد من حيث تعذر المراجعة مع تنائي الدار في كل واقعة وقال القاضي عبد الوهاب إنه الأقوى على أصول المالكية وقال صاحب اللباب إنه الصحيح
الوقف لا دليل
يدل على الوقوع مطلقا في المطلق وفيمن بحضرته للمقيد به وكل من الوقوع وعدمه جائز فلا يحكم بأحدهما إلا بدليل
المانع
مطلقا مجتهدو عصره
قادرون على العلم بالرجوع إليه فامتنع ارتكاب طريق الظن
وهو الاجتهاد لأن القدرة على العلم تمنعه
أجيب بمنع الملازمة بقول أبي بكر
رضي الله عنه في حديث أبي قتادة الأنصاري خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين فذكر قصته في قتله القتيل وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قتل قتيلا فله سلبه وقوله فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال مثل ذلك الثانية فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال الثالثة مثله فقمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك أبا قتادة فقصصت عليه القصة فقال رجل من القوم صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه عني فقال أبو بكر جوابا لهذا القائل
لاها الله
إذن
لا يعمد إلى أسد من أسود الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه فقال عليه السلام صدق
فإن الظاهر أن هذا من أبي بكر رضي الله عنه بالاجتهاد وهو بحضرته وقد صوبه صلى الله عليه وسلم بتصديقه له في ذلك والحديث في الصحيحين هذا وقد ذكر ابن مالك وغيره في لاها الله أربع لغات حذف ألف ها وإثباتها كلاهما مع وصل همزة الله وقطعها ثم إن المصنف أسقط إذا مع ثبوتها في الرواية إما اختصارا وإما لما في ذلك من المقال فقد أنكر الخطابي وغيره من أهل العربية ثبوت الألف في أول إذا وقالوا إنه تعبير من بعض الرواة وصوابه لاها الله ذا بغير ألف في أوله قالوا ومنهم ابن الحاجب لأن العرب لا تقول لاها الله إلا مع ذا ولو سلم أنه يقال مع غير ذا كما نص عليه ابن مالك فليس هذا موضع إذن لأنها تقع جوابا وجزاء وهي هنا جواب لقول من طلب السلب وهو غير قاتل مع أنها ليست جزاء لفعله الذي هو الطلب وإلا لقال إذن تعمد ويمكن أن يقال هي جزاء لإقراره بأن السلب لأبي قتادة لأن إقراره سبب لعدم العمد إلى إعطاء ما هو حق غيره لا لطلبه والرواة ثقات فحمل روايتهم على التصحيف بعيد ومن هذا قال بعض المتأخرين من النحويين جعل لا يعمد جواب فأرضه عني ليس بصحيح وإنما هو جواب شرط مقدر يدل عليه قول الشاهد لأبي قتادة صدق فكأن أبا بكر رضي الله عنه قال إذا صدق أنه صاحب السلب إذن لا يعمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعطيك سلبه والجزاء على هذا صحيح لأن صدقه سبب في أن لا يعمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سلبه فيعطيه من طلبه وهذا واضح لا تكلف فيه
وتقدم
في التي قبل هذه
إن ترك اليقين لطالب الصواب إلى محتمل الخطأ مختارا يأباه العقل
فلا يكون الاجتهاد مع إمكان الرجوع إليه تركا لليقين إلى محتمل الخطأ غير أن هذا لا يتم الاستدلال به على الجواز بحضرته وغيبته بناء على
____________________
(3/402)
ما قيل بأن هذا يدل على أن أبا بكر رضي الله عنه كان مخيرا بين أن يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيعلم أو يجتهد فيحكم إذ لو تعين عليه العلم بالرجوع إليه صلى الله عليه وسلم لما جاز له العدول إلى الاجتهاد بل يتم على الجواز بحضرته كما أشير إليه بقوله
واجتهاد أبي بكر في هذه الحالة لا يستلزم تخييره مطلقا لعلمه
أي أبي بكر
أنه لكونه بحضرته
صلى الله عليه وسلم
إن خالف
الصواب في اجتهاد
رده
أي اجتهاده وهذا مفقود إذا كان في غيبته ولم يوقف عليه
فالوجه جوازه
أي الاجتهاد في عصره
للغائب
عنه صلى الله عليه وسلم سواء كان قاضيا أو لا
ضرورة
والظاهر أنها إنما تتحقق عند تعسر الرجوع أو تعذره عليه فيحسن تقييده بمن هو بهذه الحالة فلا يجوز لمن ليس بها لسهولة المراجعة عليه ثم قصة معاذ الشهيرة في إرساله إلى اليمن شاهدة بذلك وقصر الجواز على القضاة والولاة لحفظ منصبهم عن استنقاص الرعية لهم إذا رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقع لهم بخلاف غيرهم مما يتعجب من تكلف كتابته بلا تعقبه بالرد
والحاضر بشرط أمن الخطأ وهو
أي أمنه
بأحد أمرين حضرته
كما تقدم لأبي بكر رضي الله عنه
أو إذنه
في ذلك
كتحكيمه سعد بن معاذ في بني قريظة
ومن ثمة لما حكم بقتل الرجال وقسم الأموال وسبي الذراري والنساء قال له النبي صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله كما في الصحيحين وفي رواية ابن سعد في الطبقات الذي حكم به من فوق سبع سموات وكلاهما يرجحان كسر اللام في الرواية الأخرى في الصحيحين بحكم الملك والله سبحانه أعلم
مسالة العقليات ما لا يتوقف على سمع كحدوث العالم ووجود موجده تعالى بصفاته وبعثة الرسل والمصيب من مجتهديها
أي العقليات
واحد اتفاقا
وهو الذي طابق اجتهاده الواقع فأصاب الحق لعدم إمكان وقوع النقيضين في نفس الأمر
والمخطىء
منهم
إن
أخطأ
فيما ينفي ملة الإسلام
كلا أو بعضا
فكافر آثم مطلقا
أي اجتهد وعجز عن معرفة الحق أو لم يجتهد
عند المعتزلة أي بعد البلوغ وقبله
أيضا
بعد تأهله للنظر وبشرط البلوغ عند من أسلفنا
في فصل الحاكم
من الحنفية كفخر الإسلام إذا إدرك مدة التأمل
وقدرها إلى الله تعالى كما سلف ثمة
إن لم يبلغه سمع ومطلقا
أي أدرك مدة التأمل أم لا
إن بلغه
السمع
وبشرط بلوغه
أي السمع إياه
للأشعرية وقدمناه
ثمة
عن بخاري الحنفية وهو المختار
لأن حقيقة ملة الإسلام أبين من النهار لا مجال لنفيها بالاجتهاد ولا بغيره إذ الاجتهاد إنما يكون فيما فيه خفاء وغموض والمعاند مكابر فيها
وإن
كان ما أخطأ فيه
غيرها
أي ملة الإسلام من المسائل الدينية
كخلق القرآن
أي القول بخلقه
وإرادة الشر
أي القول بعدم إرادة الله تعالى الشر فكان الأولى وعدم إرادة الشر
فمبتدع آثم لا كافر وسيأتي فيه
أي في هذا النوع
زيادة
في التتمة التي تلي المسألة التي بعد هذه وما عن الشافعي من تكفير القائل بخلق القرآن فجمهور أصحابه تأولوه على كفران النعمة كما قاله النووي وغيره وإن كان من غير المسائل الدينية كوجوب تركيب الأجسام من ثمانية أجزاء ونحوه فلا المخطىء فيه آثم
____________________
(3/403)
ولا المصيب فيه مأجور إذ يجري مثل هذا مجرى الخطأ في أن مكة أكبر من المدينة أو أصغ كذا في بحر الزركشي هذا كله في الكلامية
وأما الفقهية فمنكر الضروري
منها
كالأركان
أي فرضية الصلاة والزكاة والصوم والحج التي هي الأركان الأربعة للإسلام بعد الشهادتين
وحرمة الزنى والشرب
للخمر وقتل النفس المحرمة والربا
والسرقة كذلك
أي كافر آثم لتكذيبه الله ورسوله
لانتفاء شرط الاجتهاد ) وهو كون المجتهد فيه نظريا
فهو إنكار للمعلوم ابتداء عنادا و
منكر
غيرها
أي الضرورية
الأصلية
القطعية من الفقهية
ككون الإجماع حجة والخبر
أي خبر الواحد حجة
والقياس
حجة فهو مخطىء
آثم
وقال القرافي وقد خالف جماعة من الأئمة في مسائل ضعيفة المدارك كالإجماع السكوتي والإجماع على الحروب ونحوهما فلا ينبغي تأثيمه لأنها ليست قطعية كما أنا في أصول الدين لا نؤثم من يقول العرض يبقى زمانين أو يقول بنفي الخلاء وإثبات الملاء وغير ذلك
بخلاف
إنكار
حجية القرآن
والسنة
فإنه
أي إنكارها
كفرو
منكر
غيرها
أي الضرورية
الفرعية
الاجتهادية من الفقهية
فالقطع لا إثم وهو
أي والقطع بنفي الإثم
مقيد بوجود شرط حله
أي الاجتهاد
من عدم كونه في مقابلة قاطع نص أو إجماع ولا يعبأ
أي لا يعتد
بتأثيم بشر
المريسي
والأصم
أبي بكر وابن علية والظاهرية والإمامية المخطىء في الاجتهاد في الأحكام الشرعية الفرعية الاجتهادية بناء على أن ما من مسألة إلا والحق فيها متعين وعليه دليل قاطع فمن أخطأه فهو آثم غير كافر ويفسق على ما ذكر ابن برهان ولا يفسق على ما ذكر الآمدي وغيره عنهم وإنما لا يعبأ به
لدلالة إجماع الصحابة على نفيه
أي تأثيم المخطىء فيها
إذ شاع اختلافهم
في المسائل الاجتهادية ومعلوم أن الحق ليس مع الجميع
ولم ينقل تأثيم
من بعضهم لبعض معين بأن يقول أحد الفريقين الآخر آثم ولا مبهم بأن يقولوا أحدنا آثم
ولو كان
أي وجد الإثم للمخطىء
لوقع
ذكره لأنه أمر خطير من المهمات ولو ذكر لنقل واشتهر ولما لم ينقل تأثيم علم قطعا عدم الإثم
ولو استؤنس لهما
أي بشر والأصم
بقول ابن عباس ألا يتقي الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل أب الأب أبا
ذكره في التقويم
أمكن
القدح في دعوى الإجماع على عدم التأثيم به لكن هذا إذا اتبع ابن عباس على مثله
لكنه
أي ابن عباس
لم يتبع على مثله إذ وقائع الخلاف أكثر من أن تحصى ولا تأثيم
من بعضهم لبعض فيها منقول عنهم وقال
الجاحظ لا إثم على مجتهد ولو
كان الاجتهاد
في نفي الإسلام وإن
كان نفيه اجتهادا
ممن ليس مسلما وتجري عليه
أي النافي في الدنيا
أحكام الكفار وهو
أي نفي الإثم
مراد
عبد الله بن الحسن قاضي البصرة المعتزلي
العنبري بقوله المجتهد في العقليات مصيب وإلا
لو لم يكن مراده هذا بل أراد وقوع معتقده في نفس الأمر
اجتمع النقيضان
في شيء واحد بتقدير اختلاف المجتهدين في القضايا العقلية كالقدم والحدوث في اعتقاد قدم العالم وحدوثه
في نفس الأمر
فخرج عن المعقول
____________________
(3/404)
لأن النقيضين لا يكونان حقين في نفس الأمر هذا ما مشى عليه الآمدي وغيره ونفى السبكي أن يكون أراد نفي الإثم فإن ذلك مذهب الجاحظ بلا زيادة بل أراد أن ما يؤدي إليه اجتهاده فهو حكم الله في حقه سواء وافق ما في نفس الأمر أم لا ووافقه الكرماني على هذا
وتعقبه التفتازاني بأن الكلام في العقليات التي لا دخل فيها لوضع الشارع ككون العالم قديما وكون الصانع ممكن الرؤية أو ممتنعها ثم قال السبكي ثم قيل إنه عمم في العقليات حتى يشمل أصول الديانات وإن اليهود والنصارى والمجوس على صواب وهذا ما ذكر القاضي في التقريب أنه المشهور عنه وقيل أراد أصول الديانات التي يختلف فيها أهل القبلة ويرجع المخالفون فيها إلى آيات وآثار محتملة للتأويل كالرؤية وخلق الأفعال وأما ما اختلف فيه المسلمون وغيرهم من أهل الملل كاليهود والنصارى والمجوس فإن في هذا الموضع أن الحق فيما يقوله أهل الإسلام حكاه صاحب القواطع ثم قال وينبغي أن يكون التأويل على هذا الوجه لأنا لا نظن أن أحدا من هذه الأمة لا يقطع بتضليل اليهود والنصارى والمجوس وإن قولهم باطل قطعا ولأن الدلائل القطعية قامت لأهل الإسلام في بطلان قول هؤلاء الفرق والدلائل القطعية توجب الاعتقاد القطعي فلم يكن بد من القول بأنهم ضالون مخطئون قطعا وإذا ثبت هذا فيما يخالفنا فيه أهل الملل فكذلك فيما يخالفنا فيه القدرية والمجسمة والجهمية والروافض والخوارج وسائر من يخالف أهل السنة لأنا نقول إن الدلائل القطعية قد قامت لأهل السنة على ما يوافق عقائدهم فيثبت ما اعتقدوه قطعا وإذا ثبت ما اعتقدوه قطعا حكم ببطلان ما يخالفه قطعا وإذا حكم ببطلان ذلك قطعا ثبت أنهم ضلال ومبتدعة انتهى ومشى على هذا التأويل لمذهب العنبري الكرماني والتفتازاني واستشهد السبكي له بما نقله صاحب القواطع عنه أيضا أنه حكى عنه أنه كان يقول في مثبتي القدر هؤلاء عظموا الله وفي نافيه هؤلاء نزهوا الله ولم ينقل عنه مثل ذلك في حق اليهود والنصارى وأمثالهم ثم قال السبكي وعلى هذا ينبغي حمل مذهب الجاحظ أيضا ولكن صرح القاضي عنه في التقريب بخلافه فانتفى ما في حاشية الأبهري وقول من زعم أن يكون الخلاف في الكافر الذي هو من أهل القبلة لاستبعاد الخلاف من المسلم في كون اليهودي مخطئا في نفيه رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم ليس على ما ينبغي لأن القول بأن اليهودي غير مخطىء في نفي رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم ليس بأبعد من القول بأن المجسمة من أهل القبلة غير مخطئة في أن الله جسم وفي جهة انتهى
لنا إجماع المسلمين قبل المخالف من الصحابة وغيرهم من لدنه عليه السلام وهلم عصرا تلو عصرا على قتال الكفار وإنهم في النار بلا فرق بين مجتهد ومعاند مع علمهم بأن كفرهم ليس بعد ظهور حقيقة الإسلام لهم
جميعهم بل لبعضهم ولو كانوا غير آثمين لما ساغ قتالهم وأنهم من أهل النار وهو ظاهر
ثم هذا إن كان خلاف المخالف فيمن خالف ملة الإسلام جملة وكيف لا والمخالف حينئذ خارج عن ملة الإسلام بهذه المخالفة لا يعتد بقوله لو كان قبلها مسلما
____________________
(3/405)
فالإجماع قائم من هذه الأمة بأسرها لكن كما قال المصنف رحمه الله
والأول
أي الإجماع على قتالهم
لا يجري
دليلا على تأثيم المجتهد منهم
على
قواعد
الحنفية القائلين وجوبه
أي قتالهم
لكونهم حربا علينا لا لكفرهم وإنما لهم
أي للحنفية في التأثيم
القطع بالعمومات
الدالة على ذلك
مثل ويل للكافرين ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين
وهذا القطع
إما من الصيغة
الموضوعة للعموم مثل الكافرين والخاسرين
أو
من
الإجماعات
الكائنة من الصدر الأول قبل ظهور المخالف
على عدم التفصيل
في كفرهم فإن كان خلاف المخالف مخصوصا بما اختلف فيه المسلمون من الأصول فهو محجوج بالإجماع قبله
قالوا
أي القائلون بنفي التأثيم عن المجتهد في نفي الإسلام وإن كان ممن ليس مسلما
تكليفهم
أي الكفار
بنقيض مجتهدهم
تكليف
بما لا يطاق لأنه
أي ما يؤدي إليه الاجتهاد
كيف
لأنه حكم هو إدراك أن كذا واقع أو ليس بواقع
لا فعل
اختياري للنفس ليكون مكلفا أن يأتي به على وجه كذا بعينه فهو مدفوع إليه بعد فعله الاختياري وهو النظر فليس مقدورا له فلا يكلف به
فالمكلف به اجتهاده وقد فعل الجواب منع فعله
أي لا نسلم أنه فعل ما كلف به من الاجتهاد
إذ لا شك أن على هذا المطلوب
أي الإيمان
أدلة قطعية ظاهرة لو وقع النظر في موادها لزمها
أي الأدلة القطعية المطلوب
قطعا فإذا لم يثبت
المطلوب عند مكلف
علم أنه
أي عدم ثبوته عنده
لعدم الشروط
في النظر
بالتقصير
أي بواسطته
مثلا من بلغه بأقصى فارس ظهور مدعي نبوة ادعى نسخ شريعتكم لزمه السفر إلى محل ظهور دعوته لينظر أتواتر وجوده ودعواه ثم أتواتر من صفاته وأحواله ما يوجب العلم بنبوته فإذا اجتهد جامعا للشروط قطعنا من العادة أنه
أي هذا المجتهد
يلزمه
أي اجتهاده
علمه
أي المجتهد
به
أي بهذا المدعى
لفرض وضوح الأدلة ولو اجتهد في مكانه فلم يجزم به لا يعذر لأنه
أي اجتهاده
في غير محله
أي ظهور دعوته
والحاصل أنه كلف بالنظر الصحيح ولم يفعله
على أن القول بأن الاعتقاد غير مقدور لكونه من الصفات والكيفات النفسانية والمقدور إنما هو الفعل الاختياري قال الأبهري لا يتم لأنه إن أريد بالفعل التأثير فلا نسلم أن غيره ليس مقدورا إذ العلم الكسبي مقدور مع أنه ليس تأثيرا بل من الصفات وإن أريد به ما يحصل به عقيب القدرة الحادثة ويكون أثرا لها على مذهب من يقول القدرة الحادثة مؤثرة فالاعتقاد من هذا القبيل ولهذا قالت العتزلة العلم الكسبي يتولد من النظر وعرفوا التوليد بأن يوجب فعله فعلا آخر لفاعله كيف ولو لم يكن الاعتقاد مقدورا لامتنع التكليف به
وأما الجواب
عن حجتهم كما في الشرح العضدي
بمنع كون نقيض اعتقادهم غير مقدور
لهم
إذ ذاك
أي غير المقدور لهم الذي لا يجوز التكليف به هو
الممتنع عادة كالطيران وحمل الجبل وما ذكروا من الامتناع
لتكليفهم بنقيض مجتهدهم هو امتناع بالغير أي
____________________
(3/406)
بشرط وصف الموضوع هكذا معتقد ذلك الكفر يمتنع اعتقاده غيره
أي الكفر
ما دام
الكفر
معتقده والمكلف به الإسلام وهو
أي الإسلام
مقدور
له ومعتاد حصوله من غيره ومثله لا يكون مستحيلا وخبر الجواب
لا يزيل الشغب
غير أن الأولى إثبات الفاء فيه لأنه جواب أما وإنما لا يزيله
إذ يقال التكليف بالاجتهاد لاستعلام ذلك
أي الإيمان
فإذا لم يؤد
الاجتهاد
إليه
أي إلى ذلك
لو لزم
ذلك
كان
التكليف بالاجتهاد لاستعلام ذلك تكليفا
بما لا يطاق
مسألة الجبائي
وابنه على ما في البديع
ونسب إلى المعتزلة لا حكم في المسألة الاجتهادية
أي التي لا قاطع فيها من نص أو إجماع
قبل الاجتهاد سوى إيجابه
أي الاجتهاد فيها
بشرطه فما أدى
الاجتهاد
إليه
أنه حكم الله فيها
تعلق
بها وكان هو حكم الله فيها في حقه وحق مقلده ونسبه إليهم فخر الإسلام وصاحب الميزان والروياني والماوردي وزاد وهو قول أبي الحسن الأشعري
ثم قال وقالت الأشعرية بخراسان لا يصح هذا المذهب عن أبي الحسن قال والمشهور عنه عند أهل العراق ما ذكرناه وذكره أيضا عنه وعن القاضي والغزالي والمزني وبعض متكلمي أهل الحديث غير واحد منهم صاحب الكشف فالحق عندهم متعدد وإنما اختلفوا في أن تلك الحقوق متساوية في الحقيقة أم لا فطائفة منهم نعم وطائفة لا بل أحد تلك الحقوق أحق من غيره
ولا يمتنع تبعيته
أي الحكم المتعلق بها
للاجتهاد لحدوثه
أي الحكم
عندهم
أي المعتزلة وإنما الشأن فيه على قول الأشعرية لأن الحكم قديم عندهم فذكر التفتازاني أن المعنى أن لله فيها خطابا لكنه إنما يتعين وجوبا أو حرمة أو غيرهما بحسب ظن المجتهد فالتابع لظن المجتهد هو الخطاب المتعلق لا نفس الخطاب وذكر الأبهري أن ليس المراد بالحكم هنا خطاب الله المختلف في قدمه وحدوثه بل ما يتأدى إليه الاجتهاد ويستلزمه ويجب عليه وعلى من يقلده العمل به
والباقلاني
والأشعري على ما ذكر السبكي
وطائفة
الحكم
الثابت
للواقعة
قبله
أي الاجتهاد
تعلق ما يتعين
ذلك الحكم
به
أي بالاجتهاد
وإذا علمه
عز وجل
محيط بما سيتعين
من الحكم
أمكن كون الثابت تعلق
حكم
معين
لها
في حق كل
من المجتهدين
وهو
أي الحكم المعين
ما علم أنه يقع عليه اجتهاده وإذ وجب الاجتهاد
للواقعة على المجتهدين واختلف ما يقع عليه اجتهادهم
تعدد الحكم بتعددهم والمختار
أن حكم الواقعة المجتهد فيها
حكم معين أوجب طلبه فمن أصابه
فهو
المصيب ومن لا
يصيبه فهو
المخطىء ونقل
هذا
عن
الأئمة
الأربعة
أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد
وذكر السبكي أن هذا هو الصحيح عنهم بل نقله الكرخي عن أصحابنا جميعا ولم يذكر القرافي عن مالك غيره وذكر السبكي أنه الذي حرره أصحاب الشافعي عنه وقال ابن السمعاني ومن قال عنه غيره فقد أخطأ عليه
ثم المختار كما صرح به أصحابنا وفي المحصول وهو قول كافة الفقهاء وينسب إلى أبي حنيفة
____________________
(3/407)
والشافعي
أن المخطىء مأجور
لما تقدم في بحث الخطأ من الصحيحين إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد
وعن طائفة لا أجر ولا إثم
ذكره في الكشف وغيره قال المصنف
ولعله
أي هذا الخلاف
لا يتحقق فإن القول بأجره ليس على خطئه بل لامتثاله أمر الاجتهاد وثبوت ثواب ممتثل الأمر معلوم من الدين لا يتأتى نفيه وإثم خطئه موضوع اتفاقا
بين أهل هذين القولين
فهو
أي فهذا القول الثاني هو القول
الأول
قلت وقد حكى الشافعية فيما عليه الأجر للمخطىء اختلافا فإمام الحرمين الذي ذهب إليه الأئمة أنه لايؤجر على الخطأ بل على قصده الصواب وقيل بل على اشتداده في تقصي النظر فإن المخطىء يشتد أولا ثم يزول قال والأول أقرب لأن المخطىء قد يحيد في الأول عن سنن الصواب والرافعي ثم الأجر علام فيه وجهان عن أبي إسحاق المروزي أحدهما وهو ظاهر النص واختيار المزني وأبي الطيب أنه على القصد إلى الصواب لا الاجتهاد لأنه أفضى به إلى الخطأ فكأنه لم يسلك الطريق المأمور به انتهى والنص المذكور قول المزني في كتاب ذم التقليد قال الشافعي في الحديث إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر لا يؤجر على الخطأ لأن الخطأ في الدين لم يؤمر به أحد وإنما يؤجر لإرادته الحق الذي أخطأه قال أبو إسحاق ويجوز أن يؤجر على قصده وإن كان الفعل خطأ كما لو اشترى رقبة فأعتقها تقربا إلى الله ثم وجدها حرة الأصل بعد تلف ثمنها فهو مأجور وإن لم يصح شراؤه ولم يقع عتقه لما أتى به من القصد إلى فك الرقبة والتقرب إلى الله وشبهه القفال برجلين رميا إلى كافر فأخطأ أحدهما يؤجر على قصده الإصابة والثاني يؤجر على القصد والاجتهاد جميعا لأنه بذل وسعه في طلب الحق والوقوف عليه وربما سلك الطريق فى الابتداء ولم يتيسر له الإتمام
قلت وعلى هذا أيضا غير واحد من الحنابلة منهم ابن عقيل لكن قال ابن الرفعة وهذا مناسب إذا سلكه في الابتداء فإن حاد عنه في الأول تعين الوجه الأول ونص القاضي أبو الطيب على أنه الأصح لأن ذلك الاجتهاد خلاف الاجتهاد الذي يصيب به الحق لأنه لو وضعه في صفته ورتبه على ترتيبه لأفضى به إلى الحق فلا يؤجر عليه ولا على بعض أجزائه
قلت ولا يعرى عن نظر للمصنف هذا وأورد عليه لو كان على القصد لوجب أن يكون له عشر أجر المصيب للحديث الصحيح من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة كاملة فإن عملها كتبت له عشر حسنات
وأجيب بالقول بالموجب لما عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال جاء خصمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اقض بينهما
فقلت يا رسول الله كنت أولى قال وإن كان
قلت ما أقضي
قال إنك إن أصبت كان لك عشر حسنات وإن أخطأت كان لك حسنة واحدة أخرجه النقاش في كتاب القضاة وصححه الحاكم في المستدرك لكن تعقب بأن مداره على فرج بن فضالة ضعفه الأكثرون ومحمد بن عبد الله النهرواني وأبوه مجهولان قلت ويمكن التقصي عن هذا الإيراد على قاعدة الشافعية بأن حديث الصحيحين
____________________
(3/408)
مقدم على ذا لأنه خاص وذا عام والخاص مقدم على العام عندهم وأما على قاعدة الحنفية فغير ظاهر إلا أنه لا إشكال بهذا عليهم حيث كان الأجر على نفس الاجتهاد كما هو ظاهر كلام المصنف والله سبحانه أعلم
هذا وقال ابن دقيق العيد لله تعالى في الواقعة حكمان أحدهما مطلوب بالاجتهاد ونصب عليه الدلائل والإمارات فإذا أصيب حصل أجران أجر الإصابة وأجر الاجتهاد والثاني وجوب العمل بما أدى إليه الاجتهاد وهذا متفق عليه فمن نظر إلى هذا الثاني ولم ينظر إلى الأول قال حكم الله على كل أحد ما أدى إليه اجتهاده ومن نظر إلى الأول قال المصيب واحد وكلا القولين حق من وجه دون وجه أما أحدهما فبالنظر إلى وجوب المصير إلى ما أدى إليه الاجتهاد وأما الآخر فبالنظر إلى الحكم الذي في نفس الأمر المطلوب بالنظر انتهى ثم قد أورد كيف يثاب على الإصابة وهي ليست من صنعه وأجيب لأنها من آثار صنعه وقيل يجوز أن يكون الثواب الثاني لكونه سن سنة حسنة يقتدي به فيها من يتبعه من المقلدين قيل فعلى هذا لا يؤجر المخطىء على اتباع المقلدين له بخلاف المصيب لأن ملقد المصيب قد اهتدى به لأنه صادف الهدى وهو كما قال صلى الله عليه وسلم ولأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم بخلاف مقلد المخطىء فإن المخطىء لم يحصل على شيء غاية الأمر سقط الحق عنه باعتبار ظنه قلت وفيه نظريظهر مما يذكر في آخر هذه المسألة والله سبحانه أعلم
وهذان
القولان بناء
على أن عليه
أي حكم الله في الحادثة
دليلا ظنيا
وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب الأئمة الأربعة وكثير من المتكلمين
وقيل
بل عليه دليل
قطعي والمخطئ آثم
وهو
قول بشر والأصم
ذكره ابن الحاجب وغيره وزاد بعضهم وابن علية وبعضهم ابن أبي هريرة
وقيل غير آثم لخفائه
أي الدليل القطعي وغموضه وعزاه في الكشف إلى الأصم وابن علية وأنه مال إليه أبو منصور الماتريدي وفي المحصول إلى الجمهور من قائلي إن عليه دليلا قطعيا وقيل لا دلالة عليه ولا أمارة بل هو كدفين يعثر عليه الطالب اتفاقا فمن وجده فله أجران ومن أخطأ فله أجر وعزى هذا في المحصول وغيره إلى طائفة من الفقهاء والمتكلمين زاد القرافي ونقل عن الشافعي
ونقل الحنفية الخلاف أنه
أي المخطىء
مخطىء ابتداء وانتهاء
في اجتهاده وفيما أدى إليه اجتهاده وهو اختيار أبي منصور الماتريدي
أو
مصيب في ابتداء اجتهاده مخطىء
انتهاء
فيما طلبه وهو قول الرسعني وعزاه بعضهم إلى الشافعي
وهو
أي وهذا الأخير
المختار
عند فخر الإسلام وموافقيه وغير خاف أن نقل الحنفية مبتدأ خبره
لا يتحقق إذ الابتداء بالاجتهاد وهو
أي المجتهد
به أي بالاجتهاد
مؤتمر غير مخطىء به
أي بالاجتهاد
قطعا
وكيف وهو آت بما كلف به ممتثل لما أمر به بقدر وسعه ويشهد له أيضا ما في التقويم وقال علماؤنا كان مخطئا للحق عند الله مصيبا للحق في حق عمله حتى أن عمله يقع صحيحا شرعا كأنه أصاب الحق عند الله تعالى
____________________
(3/409)
بلغنا عن أبي حنيفة أنه قال ليوسف بن خالد السمتي وكل مجتهد مصيب والحق عند الله واحد فبين أن الذي أخطأ ما عند الله مصيب في حق عمله وقال محمد بن الحسن في كتاب الطلاق إذا تلا عن الزوجان ثلاثا ثلاثا ففرق القاضي بينهما نفذ قضاؤه وقد أخطأ السنة فجعل قضاءه في حقه صوابا مع فتواه أنه مخطىء الحق عند الله تعالى انتهى
وقد ظهر من هذا أن ما نقله الماوردي وغيره عن أبي يوسف كل مجتهد مصيب وإن كان الحق في واحد فمن أصابه فقد أصاب الحق ومن أخطأه فقد أخطأه انتهى غير مخالف في المعنى لما عن أبي حنيفة ومحمد والله سبحانه أعلم
وإن حمل
كونه مخطئا ابتداء
على خطئه فيه
أي في الاجتهاد
لا خلالة ببعض شروط الصحة
للاجتهاد
فاتفاق
أي فكونه مخطئا اتفاق وقيل هو نزاع لفظي لأن من قال المجتهد مخطىء انتهاء وابتداء أراد بالإصابة أن دليله لا بد وأن يكون موصلا إلى ما هو حق عند الله ومن قال مخطىء انتهاء لا ابتداء أراد بالإصابة ابتداء استفراغ الجهد في رعاية شروط الاجتهاد وفي الدليل الموصل إلى ما هو الحق
لنا
على المختار
لو كان الحكم
في الحادثة
ما
أدى اجتهاد المجتهد
إليه كان
المجتهد
بظنه
للحكم
يقطع بأنه
أي مظنونه
حكمه تعالى والقطع
ثابت
بأن القطع
بأن مظنونه حكم الله تعالى
مشروط ببقاء ظنه
لذلك الحكم
والإجماع
أيضا ثابت
على جواز تغيره
أي ظنه بظن غيره
و
على
وجوب الرجوع
عن الحكم الأول إلى ذلك الغير
وإنه
أي ذلك الحكم الأول
لم يزل عند ذلك القطع
به بل يتأكد أن حكم القطع به القطع بأن متعلقه هو الحكم في حق المجتهد وبجب عليه العمل به أيضا فيكون عالما بالشيء ما دام ظانا له ولا يقال لا نسلم اجتماع الظن والعلم فيه إذ الظن ينتفي بالعلم لأنا نقول انتفاء الظن ممنوع فإنا نقطع ببقاء الظن
وإنكاره
أي بقاء الظن
بهت
أي مكابرة
فيجتمع العلم والظن
للشيء الواحد
فيجتمع النقيضان تجويز النقيض
للحكم
وعدمه
أي تجويز نقيضه
وإلزام كونه
أي اجتماع النقيضين
مشترك الإلزام
فإنه كما يلزم إصابة كل مجتهد يلزم إصابة واحد وخطأ الآخرين أيضا للعلم بالدليل القاطع وهو الإجماع أن الحكم الذي أدى إليه الاجتهاد صوابا كان أو خطأ يجب اتباعه على الوجه الذي أدى إليه من الوجوب وغيره والعلم بوجوب متابعته مشروط ببقاء ظن المجتهد فيكون المجتهد عالما حال كونه ظانا فيلزم القطع وعدم القطع وهما نقيضان وإذا كان مشترك الإلزام كان الدليل باطلا إذ به يعلم أن منشأ الفساد ليس خصوصية أحد المذهبين
منتف
لأنه إنما يتم لو اتحد متعلق الظن والعلم هنا لكنه لم يتحد هنا
لاختلاف محل الظن وهو
أي محله
حكمه أي خطابه
تعالى المطلوب بالاجتهاد
و
محل
العلم وهو
أي محله
حرمة مخالفته
أي الحكم المذكور لأنه واجب الاتباع
بشرط بقاء ظنه
لوجوب اتباع الظن لا أن محله الحكم المطلوب بالاجتهاد
فهنا خطأ بأن الثابت في نفس الأمر وهو المظنون وتحريم
____________________
(3/410)
تركه
أي المظنون
ويلازمه
أي هذا المجموع
إيجاب الفتوى به
أي بذلك الحكم المظنون
وهما
أي تحريم تركه وإيجاب الفتوى به
متعلقه
أي الحكم المظنون
المعلوم
بالرفع صفة متعلقه فلم يتحد المحلان
بخلاف
قول
المصوبة فإن الحكم في نفس الأمر ليس إلا ما تأدى إليه
الاجتهاد فيكون الخطاب متعلق العلم كما هو متعلق الظن فيتحد المحلان
فإن قالوا
أي المصوبة هذا الجواب بعينه وهو بيان تعدد متعلقي العلم والظن يجري في دليلكم لأنا
نقول متعلق الظن كونه
أي الدليل
دليلا
أي دالا على الحكم
و
متعلق
العلم ثبوت مدلوله
أي الدليل وهو الحكم
شرعا بذلك الشرط
أي بقاء ظنه
فإذا زال
ظنه
رجع
عنه لزوال شرط ثبوته وهو وظن الدلالة عليه لأن الشيء كما ينتفي بانتفاء موجبه قد ينتفي بانتفاء شرطه
أجيب بأن كونه
أي الدليل
دليلا
أيضا
حكم شرعي وإن كان غير عملي
أي ليس بخطاب تكليف بل هو حكم شرعي اعتقادي هو كون الدليل الذي لاح للمجتهد دليلا
فإذا ظنه
أي كون الدليل دليلا فقد
علمه
أي كون الدليل دليلا إذ لو لم يعلم كونه دليلا لجاز أن يكون الدليل عنده غيره فيجب عليه العمل بذلك الغير لا به فلا يحصل له الجزم بوجوب العمل بظنه ويكون مخطئا في اعتقاد أنه دليل فلا يكون كل مجتهد مصيبا إذ هذا مجتهد وقد أخطأ في هذا الحكم وهو اعتقاد أنه دليل
ويتم إلزامه
أي دليل المصوبة
اجتماع النقيضين
وهو القطع بكون الدليل دليلا وعدم القطع به بخلاف المخطئة فإن على مذهبهم لا يوجب ظن كون الدليل دليلا العلم به وجاز أن يكون في ظن الدليل دليلا مخطئا أيضا ولا يلزم خلاف الفرض هذا وفي حاشيته الأبهري وهنا نظر لأن الشارع جعل مناط وجوب العمل بالدليل الظني ظن كونه دليلا لا نفس الدليل فيجوز أن يوجب مجرد الظن بكونه دليلا العلم بوجوب العمل به من غير أن يحصل الجزم بكونه دليلا وتجويز كون غيره دليلا لا يوجب العمل بالغير ما لم يتعلق الظن بكون الغير دليلا فالمظنون ما دام مظنونا يجب العمل به وإذا صار غيره مظنونا انتفى الظن المتعلق به فلا يجب العلم به فلا فرق بين المذهبين في اندفاع التناقض على أن المراد بكون كل مجتهد مصيبا إصابته في الأحكام الفقهية لا في كل حكم فلا يتم الإلزام
وقال المصنف
والجواب
من قبل المصوبة عن هذا الجواب
أن اللازم
من ظن الدليل
ثبوت العلم بالحكم ما لم يثبت الرجوع
عنه
وهو
أي ما يثبت الرجوع عنه
انفساخ هذا الحكم بظهور
الحكم
المرجوع
إليه
لا
ظهور
خطئه
أي الحكم الأول
وبطلانه عندهم
أي المصوبة
وتجويز انقضاء مدة الحكم
الأول
بعد هذا الوقت لا يقدح في القطع به حال هذا التجويز
لنقيض الحكم وهو المرجوع إليه
فبطل الدليل
المذكور للمخطئة
عنهم
أي المصوبة
وبهذا
الجواب
يندفع
عن المصوبة الدليل
القائم
من المخطئة
لو كان
ظن الحكم موجبا للعلم به على ما هو اللازم لتصويب كل مجتهد
امتنع الرجوع
عن الحكم
لاستلزامه
أي الرجوع عنه
ظن النقيض
للحكم
والعلم
به
ينفي احتماله
لظن نقيضه
فلم
____________________
(3/411)
يكن العلم حين كان علما أو لو كان
ظن الحكم موجبا لعلمه
جاز ظنه
أي النقيض
مع تذكر موجب العلم
بالحكم الذي نقيضه ذلك
وهو
أي موجب العلم
الظن الأول
وجواز الظن مع تذكر موجب العلم باطل بيان الملازمة قوله
لجواز الرجوع أو لو كان
ظن الحكم موجبا للعلم به
امتنع ظنه
أي ظن نقيضه
مع تذكر الظن
للحكم الأول
لامتناع ظن نقيض ما علم مع تذكر الموجب
للعلم به لوجوب دوام العلم بدوام ملاحظة موجبه
وإلا
لو لم يمتنع ظن نقيضه مع تذكر الموجب
لم يكن
ذلك الموجب
موجبا
هذا خلف
لكنه
أي ظن نقيض الأول
جائز بالرجوع
عن الأول نقيضه ثم هذه الأوجه الثلاثة يمكن أن تجعل أدلة مستقلة من قبل المخطئة لإبطال مذهب المصوبة
وقد لا يكتفي بدعوى ضرورية البهت
لإمكان بقاء الظن
فتجعل
هذه الأوجه الثلاثة
دليل بقاء الظن عند القطع بمتعلقه
أي الظن
لا
دليلا
مستقلا وألزم على المختار
وهو قول المخطئة
انتفاء كون الموجب موجبا في الإمارة ) حيث قالوا لا يمتنع زوال ظن الحكم إلى ظن نقيضه مع تذكر الإمارة التي عنها الظن مع أنها بمنزلة الموجب
وجوابه
أي هذا الإلزام
أن بطلانه
أي كون الموجب موجبا الذي هو التالي إنما هو
في غيرها
أي الإمارة
أما هي
أي الإمارة
فإذ لا ربط عقلي
بين الظن وما ينشأ عنه حتى يكون بمنزلة الموجب له كما في العلم الذي لا يكون إلا عن موجب
جاز انتفاء موجبها مع تذكرها
كما يزول ظن نزول المطر من الغيم الرطب الذي هو مظنة له إلى عدم نزوله مع وجوده بل ربما يحصل الظن بشيء ثم يحصل العلم بنقيضه كما إذا ظن شخص كون زيد في الدار لأمارات تدل عليه ثم رآه خارج الدار وإذا لم يسلم للمخطئة ما تقدم دليلا لهم مع أن المطلوب حق لم يكن ذلك هو الدليل
بل الدليل إطلاق
الصحابة
الخطأ في الاجتهاد شائعا متكررا بلا نكير كعلي وزيد بن ثابت وغيرهما من مخطئة ابن عباس في ترك العول وهو
أي ابن عباس
خطأهم
في القول به
فقال من شاء باهلته
أي لاعنته والحقيقه التضرع في الدعاء باللعن
إن الله لم يجعل في مال واحد نصفا ونصفا وثلثا
لكن قال شيخنا الحافظ ولم أقف على إنكار علي وزيد صريحا وقدمنا في الإجماع في مسألة إذا أفتى بعضهم تخريج تخطئة ابن عباس معنى للقائلين بنحو هذا السياق بدون من شاء باهلته
وقول أبي بكر في الكلالة أقول فيها برأيي
فإن يكن صوابا فمن الله
إلى قوله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان
أراه ما خلا الولد والوالد فلما استخلف عمر قال إني لاستحيي من الله أن أرد شيئا قاله أبو بكر رواه البيهقي وقال ورويناه عن ابن عباس وابن أبي شيبة قال أبو بكر رأيت في الكلالة رأيا فإن يك صوابا فمن الله وإن يك خطأ فمن قبلي والشيطان الكلالة ما عدا الوالد والولد
ومثله
أي هذا القول
قول ابن مسعود في المفوضة المتوفى عنها
زوجها
اجتهد إلى قوله فإن يكن خطا فمن ابن أم عبد
ولم أقف عليه مخرجا ويغني عنه قوله
وعنه
أي ابن مسعود
مثل
قول
أبي بكر
الماضى ففي سنن أبي داود عنه فإن يك صوابا
____________________
(3/412)
فمن الله وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان وقد تقدم الأثر بدون هذا في الكلام في جهالة الراوي
وقول على لعمر في المجهضة
بضم الميم وكسر الهاء وهي المرأة التي أسقطت جنينا ميتا خوفا من عمر لما استحضرها وسأل عمر من حضره عن حكم ذلك فقال عثمان وعبد الرحمن بن عوف إنما أنت مؤدب لا نرى عليك شيئا ثم سأل عليا ماذا تقول فقال
إن كانا قد اجتهدا فقد أخطآ يعني عثمان وعبد الرحمن بن عوف
وإن لم يجتهدا فقد غشاك كذا في شرح العلامة ومشى عليه التفتازاني والذي في الشرح العضدي وعن على في قصة المجهضة إن كان قد اجتهد فقد أخطأ وإن لم يجتهد فقد غشك انتهى وهو المذكور في رواية البيهقي فأخرج عن الحسن البصري أن عمر أرسل إلى امرأة من نساء الأجناد يغشاها الرجال بالليل يدعوها وكانت ترقى في درج ففزعت فألقت حملها فاستشار عمر الصحابة فيها فقال عبد الرحمن بن عوف إنك مؤدب ولا شيء عليك قال علي إن اجتهد فقد أخطأ وإن لم يجتهد فقد غشك عليك الدية
فقال عمر لعلي عزمت عليك لتقسمنها على قومك قيل أراد قوم عمر وأضافهم إلى علي إكراما وقد ظهر أن الضمير في إن كان وما بعده في العضدي لعبد الرحمن لا لعثمان كما ذكر الكرماني ثم هذا مذهب الشافعي خلافا لأصحابنا ولا حجة له في هذا على أصوله لأنه منقطع فإن الحسن ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر ثم الاجهاض إلقاء الولد قبل تمامه والمعروف تخصيصه بالإبل قاله ابن سيده وغيره
واستدل للمختار بأوجه ضعيفة أحدها إن كان أحد قولي المجتهدين أو كلاهما بلا دليل فباطل لأن القول في الدين بلا دليل باطل وإن كان قولهما بدليل فالجواب
إن تساوى دليلاهما تساقطا
وكان الحكم الوقف أو التخيير فكانا في النفي والإثبات مخطئين
وإلا
إن ترجح أحدهما
تعين الراجح
للصحة ويكون الآخر خطأ إذ لا يجوز العمل بالمرجوح
وأجيب أن ذلك
التقسيم إنما هو
بالنسبة إلى نفي الأمر لكن الأمارات ترجحها بالنسبة إلى المجتهد
إذ ليست أدلة في نفسها بل بالنسبة إلى نظر الناظر فإنها أمور إضافية لا حقيقية
فكل
من القولين
راجح عند قائله وصواب
لرجحان أمارته عنده ورجحانه عنده هو رجحانه في نفس الأمر لأنه تابع لظن المجتهد
ثانيها ما أشار إليه بقوله
وبأن المجتهد طالب لمعرفة حكم الله في الواقعة
ويستحيل
طالب
بلا مطلوب
فإذن له مطلوب
فمن أخطأه
أي ذلك المطلوب فهو
المخطىء
ومن وجده فهو المصيب
أجيب نعم
يستحيل طالب ولا مطلوب
فهو
أي المطلوب
غلبة ظنه
أي المجتهد
فيتعدد الصواب
لتعدد الغالب على الظنون للمجتهدين
ثالثها ما أشار إليه بقوله
وبالإجماع على شرع المناظرة بين المجتهدين
وفائدتها ظهور الصواب
عن الخطأ وتصويب الجميع ينفي ذلك
وأجيب بمنع الحصر
أي حصر فائدة المناظرة في ذلك
لجوازها
أي فائدتها أن تكون
ترجيحا أي بيان ترجيح إحدى الأمارتين على الأخرى فتعتمد الراجحة أو تساويهما فيحكم بمقضتاه من وقف
____________________
(3/413)
أوغيره
وتمرينا
للنفس على المناظرة فتحصل ملكة الوقوف على المأخذ ورد الشبه وتشحيذ الخاطر فيكون ذلك عونا على الاجتهاد
ولا يخفى ضعفه
أي تمرينا فإن من الظاهر أن شرع المناظرة ليس لهذا ففي ما قبله كفايه
رابعها ما أشار إليه بقوله
وبلزوم
المحال كحل الشيء وتحريمه معا في زمان واحد على تقدير التصويب مثل
حل المجتهدة كالحنفية وحرمتها لو قال بعلها المجتهد كالشافعية أنت بائن ثم قال راجعتك
إذ هي بالنظر إلى معتقده حل لأن الكنايات عنده ليست بوائن فتجوز الرجعة وبالنظر إلى معتقدها حرام لأن هذه الكناية عندها طلقة بائنة فلا تجوز الرجعة
وحلها لاثنين لو تزوجها مجتهد بلا ولي
لكونه يرى صحته
ثم مثله
أي ثم تزوجها مجتهد
به
أي بولي لكونه لا يرى صحة الأول
وأجيب
بأن هذا
مشترك الإلزام
إذ يرد على المخطئة
إذ لا خلاف في وجوب اتباع ظنه
أي المجتهد
فيجتمع النقيضان وجوب العمل بحلها له
أي المجتهد كالشافعي لكون مظنونه جواز الرجعة
ووجوبه
أي العمل
بحرمتها عليه
لكون مظنونها عدم جواز الرجعة
وكذا وجوب العمل بحلها للأول ووجوبه
أي العمل بحلها
للثاني
في المسألة الثانية
فإن لم يكن الوجوبان متناقضين لتناقض متعلقيهما
نظرا إلى نفسيهما فإنهما متماثلان
استلزم اجتماع متعلقيه
أي الوجوب اجتماع
المتناقضين
فإن حلها لأحدهما يناقض حلها للآخر في زمان واحد
فإن أجبتم
أيها المخطئة بأنه
لا يمتنع
اجتماع النقيضين
بالنسبة إلى مجتهدين فكذلك المتنازع فيه
وهو كون كل مجتهد مصيبا لا يمتنع اجتماع النقيضين فيه مثل الحل والحرمة بالنسبة للمجتهدين
نعم يستلزم مثله مفسدة المنازعة
إذ يلزم على هذا في الأولى أن يكون للزوج طلب التمكين منها وللزوجة الامتناع منه
وفي الثانية أن يكون لكل من الزوجين طلب التمكين وهو محال
وقد يفضي إلى التقابل فيلزم فيه
أي في هذا حينئذ
رفعه إلى قاض يحكم برأيه فيلزم حكمه
الآخر وإذن فالجواب الحق أن مثله مخصوص من تعلق الحكمين
فلا يتعلقان في مثل هذا
بل الثابت حرمتها إلى غاية الحكم لأن لزوم المفسدة يمنع شرع ذلك
أي الحكمين مع إيجاب الارتفاع إلى القاضي لأن تلك المفسدة قد تقع قبل الارتفاع إليه بأن أتاها أي المجوز قبل الارتفاع لشدة حاجة له إليها أو أتاها كل منهما قبله وذلك قريب في العادة فتقع مفسدة المنازعة والتقاتل فوجب أن مثله وهو ما يؤدي إلى ذلك أن يثبت فيه إذا وجد حكم واحد وهو حرمتها إلى أن يحكم حاكم ذكره المصنف
وبما وضحناه
من أن مثل هذا مخصوص من تعلق الحكمين وأن الثابت حرمتها إلى غاية الحكم
اندفع ما أورد من أن القضاء لرفع النزاع إذا تنازعا في التمكين والمنع لا لرفع تعلق الحل والحرمة بواحد فإنه بعد الحكم لم يرتفع ذلك التعلق على تقدير تصويب كل مجتهد ذكره الخنجي
وقرره محقق
أي سكت عليه ولم يتعقبه التفتازاني
وهو
أي المورد
بعد اندفاعه بما ذكرنا
الآن من أنه مخصوص من تعلق الحكمين فليس الثابت إلا حرمتها إلى غاية الحكم الرافع للخلاف
____________________
(3/414)
غير صحيح في نفسه إذ لا مانع من رفع تعلق الحل والحرمة بالقضاء مع كون كل منهما
أي الحل والحرمة
صوابا لأنه
أي رفعه بالقضاء
نسخ منه تعالى
لأحدهما
عند حكم القاضي
بالموافق للآخر
كالرجوع
عن أحد القولين لأحدهما
عندهم
أي المصوبة وحول هذا حام الأبهري حيث قال ولقائل أن يقول بل حكم الحاكم يرفع تعلق الحل والحرمة لأن ظن المجتهد إنما يفيد تعلق الحكم به إذا لم يعارضه معارض وحكم الحاكم معارض له لأن الشارع أوجب العمل به
قالوا
أي المصوبة
لو كان المصيب واحدا وجب النقيضان على المخطىء إن وجب حكم نفس الأمر عليه
أيضا لأن المخطىء يجب عليه متابعة ظنه إجماعا وهو محال
وإلا
إذا لم يجب عليه الحكم في نفس الأمر
وجب
عليه
العمل بالخطأ
الذي هو مظنونه
وحرم
عليه العمل
بالصواب
الذي هو الحكم في نفس الأمر
وهو
أي وجوب العمل بالخطأ وتحريمه بالصواب
محال أجيب باختيار الثاني
أي عدم وجوب حكم نفس الأمر ووجوب مظنونه
ومنع انتفاء التالي أي وجوب العمل بالخطأ
للقطع به
أي بوجوب العمل بالخطأ فيما لو خفي على المجتهد
قاطع
من نص أو إجماع فأدى اجتهاده إلى مخالفته
حيث تجب مخالفته
لوجوب اتباع الظن
والاتفاق أنه
أي خلاف القاطع
خطأ إذ الخلاف
في أن كل مجتهد مصيب أو المصيب واحد إنما هو
فيما لا قاطع
فيه من الأحكام الاجتهادية
أما ما فيه
دليل قاطع
فالاجتهاد على خلافه
أي القاطع
خطأ اتفاقا
ثم إن كان قد قصر في طلبه فهو آثم أيضا لتقصيره فيما كلف به من الطلب وإن لم يكن قصر في طلبه بل إنما تعذر عليه الوصول إليه لبعد الراوى عنه أو لإخفائه منه فلا إثم عليه
قالوا ثانيا قال صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم
فجعل الاقتداء بكل منهم هدى مع اختلافهم
فلا خطأ
في اجتهاده
وإلا
لو كان أحدهم مخطئا في اجتهاده
ثبت الهدى في الخطأ وهو
أي الخطأ
ضلال
لا هدى لأنه عمل بغير حكم عينه الله تعالى
أجيب بأنه
أي الخطأ
هدى من وجه
وهو كونه مما أدى إليه الاجتهاد لإيجاب الشارع العمل به سواء كان مجتهدا أو مقلدا
فيتناوله الاهتداء في الحديث لأن المراد به فيه متابعة ما يوصل إلى الصواب والعمل بما أدى إليه الاجتهاد كذلك لما ذكرنا على أن الحديث له طرق بألفاظ مختلفة ولم يصح منها شيء على ما قالوا وقد أشبعنا القول فيه في مسألة ولا ينعقد بأهل البيت من مسائل الإجماع
تكميل ثم وجه القائلين باستواء الحقوق أن الدليل الدال على تعددها وهو تكليف الكل بإصابة الحق لم يوجب التفاوت بينها فترجيح بعضها ترجيح بلا مرجح ووجه القائلين بأن واحدا منها أحق وهو القول بالأشبه أن استواءها يقطع تكليف المجتهد ببذل المجهود في طلب الحكم في الواقع لتحقق إصابة كل مجتهد ما هو الحق بمجرد اختيار ما غلب عليه ظنه بأدنى نظر لأن الكل حيث كان حقا عند الله على السواء لم يكن في إتعاب النفس وإعمال الفكر في الطلب فائدة بل يختار كل مجتهد ما غلب على ظنه من غير امتحان كالمصلي في
____________________
(3/415)
جوف الكعبة يختار أي جهة شاء من غير بذل المجهود وذلك باطل لأن فيه إسقاط درجة العلماء والاجتهاد والنظر في المآخذ والمدارك لأن المقصود من النظر إظهار الصواب بإقامة الدليل عليه ودعوة المخالف إليه عند ظهوره بالدليل وإذا كان الكل على السواء في الحقية لم يتجه هذا ألا ترى إنه لا مناظرة في أصناف أنواع الكفارة ولا بين المسافر والمقيم في أعداد ركعات صلاتهما لثبوت الحقية على السواء فيلزم اللزوم المذكور
وأجيب عن هذا من قبل الأولين بإنه إنما يلزم هذا أن لو كان ما ذهب إليه كل حقا عند الله تعالى قبل الاجتهاد وليس كذلك بل الحكم بحقية ما أدى إليه اجتهاد كل تابع لاجتهاده وقبل الاجتهاد لا يمكن إصابة الحق بمجرد الاختيار فلا يثبت له ولاية الاختيار وبعد ما اجتهد وأدى اجتهاده إلى شيء مع سلامته عن المعارض لا يجوز له الاختيار أيضا لأن ذلك هو الحق في حقه دون ما أدى إليه إجتهاد غيره فلم تسقط درجة العلماء والاجتهاد ولا النظر في المآخذ على أن المقصود من المناظرة غير منحصر فيما ذكر كما تقدم والله سبحانه أعلم
تتمة من المخطئة الحنفية
فقد
قسموا الخطأ
بالمعنى المشار إليه يعني ضد الصواب
وهو إي الخطأ بهذا المعنى
الجهل المركب
وتقدم في مباحث النظر تعريفه والكلام فيه
إلى ثلاثة
من الأقسام والذي يظهر أولا أن الخطأ بهذا المعنى أعم من الجهل المركب كما لا يخفى
وثانيا إنهم لم يصرحوا بتخصيص هذه الأقسام الآتية بالجهل المركب ولا يظهر انطباقه على جميعها وخصوصا القسم الثالث كما سيظهر نعم قسموا الجهل إلى هذه الأقسام ويظهر أن مرادهم به ما هو أعم من كل من البسيط والمركب كما أشار إليه في التلويح وقد سبق ذكره في مباحث النظر حيث قال في بحث العوارض المكتسبة فمن الأولى أي التي تكون من المكلف الجهل وهو عدم العلم عما من شأنه فإن قارن اعتقاد النقيض فهو مركب وهو المراد بالشعور بالشيء على خلاف ما هو به وإلا فبسيط وهو المراد بعدم الشعور وأقسامه فيما يتعلق بهذا المقام أربعة جهل لا يصلح عذرا ولا شبهة فهو في الغاية وجهل هو دونه وجهل يصلح شبهة وجهل يصلح عذرا غير أن تربيع الأقسام له بناء على ما مشى عليه صدر الشريعة وغيره موافقة لفخر الإسلام وأما تثليثها كما مشى عليه المصنف فموافقة لصاحب المنار والأمر في ذلك قريب
القسم
الأول جهل لا يصلح عذرا ولا شبهة وهو أربعة
أقسام
جهل الكافر بالذات
أي ذات واجب الوجود تعالى
والصفات
أي وبصفات كماله ونعوت جلاله من الصفات الذاتية وغيرها
لأنه
أي هذا الكافر مكابر
أي مترفع عن الانقياد للحق واتباع الحجة إنكارا باللسان وإباء بالقلب
لوضوح دليله
أي وجود واجب الوجود بما له من صفات الكمال ونعوت الجلال
حسا من الحوادث المحيطة به
أي بالكافر أنفسا وآفاقا
وعقلا إذ لا يخلو الجسم عنها
أي عن الحوادث من الأعراض وغيرها
وما لا يخلو عنها
أي عن الحوادث
____________________
(3/416)
حادث بالضرورة لا بد له من موجد إذ لم يكن الوجود مقتضى ذاته ويستلزم
الحكم بوجود ذاته
الحكم بصفاته
العلي بالضرورة
كما عرف في فن الكلام
وكذا منكر الرسالة
من الله تعالى لأحد من رسله ولا سيما لخاتم النبيين محمد عليه من الله أفضل صلى الله عليه وسلم إلى الناس أجمعين وتقدم تعريفها في شرح خطبة الكتاب
بعد ثبوت المعجزة
وهي أمر لا يقدر عليه إلا الله تعالى خارق للعادة على وفق دعوى مدعي الرسالة مقرون بها مع عدم المعارضة من المرسل إليهم أي بأن لا يظهر منهم مثل ذلك الخارق ولا سيما القرآن العظيم فإنه المعجزة المستمرة على ممر السنين
و
ثبوت
تواتر ما يوجب النبوة
لمدعيها من أهليها بالإتيان بما يصدقه في ذلك وتقدمت الإشارة إلى تعريفها في شرح خطبة الكتاب أيضا لكونها ظاهرة محسوسة في زمانه ومنقولة بالتواتر فيما بعده حتى صارت بمنزلة المحسوس وخصوصا ذلك لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم
فلذا
أي فلكون منكرها كافرا مكابرا
لا تلزم مناظرته
لانتفاء ثمرتها حينئذ ثم لانتفاء العذر في حق المصر على الكفر وخصوصا بعد الإطلاع على محاسن الإسلام لم يبق المرتد عن الإسلام على ما صار إليه
بل إن لم يتب المرتد
بأن أصر على ما صار إليه
قتلناه
وخصوصا إن عرض الإسلام عليه ولم يرجع إليه وفي التلويح فإن قلت الكافر المكابر قد يعرف الحق وإنما ينكره تمردا واستكبارا قال الله تعالى { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا } ومثل هذا لا يكون جهلا
قلت من الكفار من لا يعرف الحق ومكابرته ترك النظر في الأدلة والتأمل في الآيات ومنهم من يعرف الحق وينكره مكابرة وعنادا قال الله تعالى { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } الآية ومعنى الجهل فيهم عدم التصديق المفسر بالإذعان والقبول انتهى وهذا يفيد أيضا ما ذكرنا من أن مورد التقسيم مطلق الجهل الشامل للبسيط والمركب وأن من أقسامه ما يكون جهلا بسيطا ومنها ما يكون جهلا مركبا
وكذا الكافر مكابر
في حكم لا يقبل التبدل عقلا ولا شرعا
كعبادة غيره تعالى
لوضوح الأدلة القطعية العقلية والنقلية على انفراده تعالى باستحقاق العبادة فلا يكون لكفره حكم الصحة أصلا
وأما تدينه
أي اعتقاد الكافر
في
حكم
غيره
أي غير ما لا يقبل التبدل وهو ما يقبله كتحريم الخمر حال كونه
ذميا فالاتفاق على اعتباره
أي تدينه
دافعا للتعرض
له حتى لو باشر ما دان به لا يتعرض له
فلا يحد لشرب الخمر إجماعا
لتدينه له
ثم لم يضمن الشافعي متلفها
أي خمرة مثلها إن كان ذميا ولا قيمتها إن كان مسلما وبه قال أحمد للحديث المتفق عليه
ألا إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام وما حرم بيعه لا لحرمته لم تجب قيمته كالميتة حتف أنفها ولأنها ليست بمال متقوم وإتلاف ما ليس بمتقوم لا يكون سببا للضمان وعقد الذمة خلف عن الإسلام فكل حكم يثبت به يثبت بعقدها والحاصل أن عنده خطاب التحريم يتناول الكافر الذمي كالمسلم وقد بلغه ذلك بإشاعة الخطاب في دار الإسلام فإنكاره تعنت فلا يكون
____________________
(3/417)
عذرا إلا أن الشرع أمر بأن لا يعرض له بعقد الذمة فكل ما يرجع إلى ترك التعرض يثبت في حقه وما يرجع إلى التعرض لا يثبت في حقه
وضمنوه
أي الحنفية متلفها مثلها إن كان ذميا وقيمتها إن كان مسلما وبه قال مالك
لا للتعدي
لديانة الكافر الذمي حلها
بل لبقاء التقوم
لها
في حقهم
أي أهل الذمة كما يشير إليه ما أخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وعن سعيد بن عفلة بلغ عمر أن عماله يأخذون الجزية من الخمر فناشدهم ثلاثا فقال له بلال إنهم ليفعلون ذلك قال فلا تفعلوا ولوهم بيعها زاد أبو عبيد وخذوا أنتم من الثمن وأخرجه أبو يوسف في كتاب الخراج بلفظ ولو أربابها بيعها ثم خذوا الثمن منهم ومن أتلف مالا متقوما في حق المتلف عليه وجب أن يضمن كإتلاف الشيء المتفق على ماليته وتقومه بخلاف الميتة حتف أنفها فإن أحدا من أهل الأديان لا يدين تمولها
ولأن الدفع عن النفس والمال بذلك
أي بالتضمين لأن المتلف إذا علم أنه إذا أتلف لا يؤاخذ بالضمان أقدم على الإتلاف والدفع واجب
فهو
أي التضمين
من ضرورته
أي الدفع ثم إذا وجب الضمان وهي من المثليات فعلى المتلف الذمي مثلها لأنه غير ممنوع من تملكها وتمليكها وعلى المسلم قيمتها لأنه ممنوع من تمليكها والقيمة غيرها
ثم قال أبو حنيفة ومنع
التدين
تناول الخطاب إياهم
في أحكام الدنيا
مكرابهم
وهو الأخذ على غرة
واستدراجا لهم
وهو تقريب الله تعالى العبد إلى العقوبة بالتدريج على وجه لا شعور للعبد به كالطبيب يترك مداواة المريض ولا يمنعه من التخليط عند يأسه من البرء لا تخفيفا عليه
فيما يحتمل التبدل كخطاب لم يشتهر فلو نكح مجوسي بنته أو أخته صح في أحكام الدنيا فلا تفرق بينهما لا إن ترافعا إلينا
لانقيادهما لحكم الإسلام حينئذ فيثبت حكم الخطاب في حقهما كما أشار إليه قوله تعالى { فإن جاؤوك فاحكم بينهم }
لا
إن رفع
أحدهما
صاحبه إلينا
خلافا لهما
أي لأبي يوسف ومحمد
في
نكاح
المحارم
لأنهما وإن وافقا أبا حنيفة على أن ما لإباحته أصل قبل شريعتنا يبقى عليه في حقهم لقصر الدليل عنهم فيه باعتبار ديانتهم وذلك كالخمر والخنزير فقالا يقومان في حقهم لإباحتهما قبل شريعتنا فيبقيان على الإباحة والتقوم والضمان كقول أبي حنيفة فهما يخالفانه فيما ليس لإباحته أصل قبل شريعتنا فقالا لا يصح في حقهم أيضا ونكاح المحارم من هذا القبيل
لأنه
أي جواز نكاحهن
لم يكن حكما ثابتا
قبل الإسلام
ليبقى
النكاح عليه
لقصر الدليل
عنهم بالديانة بل حين وقع وقع باطلا وإنما تركنا التعرض لهم لتدينهم ذلك وفاء بالذمة
وفي مرافعة أحدهما
صاحبه إلينا أيضا فقالا يفرق بينهما لزوال المانع من التفريق بانقياد أحدهما لحكم الإسلام قياسا على إسلامه ومن ثمة لا يتوارثون بهذه الأنكحة إجماعا ولو كانت صحيحة لتوارثوا بها ووجه قول أبي حنيفة العمل بظاهر الأمر بتركهم وما يدينون استدراجا لهم كما أشار إليه المصنف وإذا كان الفرض أنهم يدينون نكاح المحارم فيكون صحيحا على أنه قد كان مشروعا في شريعة آدم عليه السلام ثم إذ كان
____________________
(3/418)
صحيحا فرفع أحدهما لا يرجحه على الآخر بل يعارضه فيبقى على الصحة بخلاف إسلام أحدهما فإنه وإن عارض الباقي لتغير اعتقاده يترجح عليه لما تقدم في السكر مخرجا موقوفا ومرفوعا الإسلام يعلو ولا يعلى
ولو دخل
المجوسي
بها
أي بزوجته التي هي محرم منه
ثم أسلم حد قاذفها
والوجه قاذفة كما كانت عليه النسخة أولا وأحسن من هذا ثم أسلما حد قاذفهما عند أبي حنيفة أيضا لإحصانهما بناء على صحة النكاح عنده ولا يحد عندهما لعدم احصانهما بناء على بطلان النكاح عندهما فإن قيل إذا كانت ديانتهم معتبرة في ترك التعرض فيجب أن يتركوا على ديانتهم في الربا قلنا ليست ديانتهم مطلقا معتبرة في ترك التعرض لهم بل الديانة الصحيحة بالنسبة إليهم وليست ديانتهم تناول الربا صحيحة كمأ أشار إليه بقوله
بخلاف الربا لأنهم فسقوا به
أي بالربا
لتحريمه عليهم قال تعالى { وأخذهم الربا وقد نهوا عنه } وروى القاسم بن سلام عن أبي المليح الهذلي أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل نجران وكتب لهم كتابا وساقه وفيه ولا تأكلوا الربا فمن أكل منكم الربا فذمتي منه بريئة
وأورد
على أبي حنيفة
أن نكاح المحارم كذلك
أي ليست ديانتهم به صحيحة فلا يكون نكاحهن صحيحا فلا يحد قاذفهما بعد إسلامهما إذا دخل بها في الكفر ولا تجب به النفقة
لأنه
أي جواز نكاحهن
نسخ بعد آدم في زمن نوح فيجب أن لا يصح كقولهما فلا حد ولا نفقة إلا أن يقال بعد ثبوته
أي نسخ جواز نكاحهن
المراد من تدينهم ما اتفقوا عليه
أي ما كان شائعا من دينهم متفقا عليه فيما بينهم وردت به شريعتهم أم لم ترد حقا كان أو باطلا ونكاح المحارم في زمن المجوس وإن كان باطلا غير ثابت في كتابهم شائع فيما بينهم فلم تثبت حرمته عندهم فيكون ديانة لهم بخلاف الربا عند اليهود فإن حرمته ثابتة في التوراة فارتكابهم اياه فسق منهم لا ديانة اعتقدوا حله وليس المراد بمعتقدهم ما يعتقده بعض منهم كما أشار إليه بقوله
بخلاف انفراد القليل بعدم حد الزنا ونحوه
فإنه لا يكون دافعا أصلا
ولأن أقل ما يوجب الدليل ك { حرمت عليكم أمهاتكم } الآية
الشبهة
لعدم الصحة في حقهم
فيدرأ الحد
بها إذا سلمنا صحة نكاح المحارم وكونها حكما أصليا
وفرق
أبو حنيفة
بين الميراث والنفقة فلو ترك
المجوسي
بنتين إحداهما زوجته فالمال بينهما نصفان أي باعتبار الرد
مع فرضهما
لأنه
أي الميراث
صلة مبتدأة لا جزاء لدفع الهلاك بخلاف النفقة
فإن وجوبها لدفع الهلاك عن المنفق عليه لأن سببها عجز المنفق عليه ومن أسباب العجز الاحتباس الدائم فإن دوامه بلا إنفاق يؤدي إلى الهلاك عادة والمرأة محبوسة على الدوام لحق الزوج فتكون نفقتها عليه لدفع هلاكها فتكون ديانتها محبوسة لحقه على الدوام دافعة للهلاك لا موجبة عليه شيئا
فلو وجب إرث
البنت
الزوجة
بالزوجية
بديانتها
بالزوجية
كانت
ديانتها
ملزمة على
البنت
الأخرى
زيادة الميراث
والزيادة دافعة لا متعدية وأورد أن الأخرى دانت به
أي بجواز نكاح أختها حيث
____________________
(3/419)
اعتقدت المجوسية فيكون استحقاق أختها الزيادة في الميراث عليها بناء على التزامها بديانتها ولا يلتفت إلى نزاعها فيها لأنه بمنزلة نزاع الزوج في النفقة
فذهب بعضهم
وهو في طريقة الدعوى معزو إلى كثير من المشايخ
إلى أن قياس قوله
أي أبي حنيفة ينبغي
أن ترثا
والوجه أن ترث بها أيضا أي بالزوجية أو بهما أي بالزوجية والبنتية لصحة هذا النكاح عنده
وإن النفي
لإرثها بالزوجية
قولهما
أي أبي يوسف ومحمد
لعدم الصحة عندهما وقيل
أي وقال شيخ الإسلام خواهر زاده
بل
إنما لا ترث بالزوجية عنده
لأنه
أي نكاح المحارم
إنما تثبت صحته فيما سلف
أي في شريعة آدم عليه السلام
ولم يثبت كونه
أي نكاحهن
سببا للإرث
في دينه فلا يثبت سببا للميراث في اعتقادهم وديانتهم لأنه لا عبرة لديانة الذمي في حكم إذا لم يعتمد على شرع ومشى عليه في المحيط ومن هنا ما في التلويح المراد بالديانة المعتقد الشائع الذي يعتمد على شرع في الجملة
والقاضي
أبو زيد
الدبوسي
قال لا ترث البنت الزوجة بالنكاح
لفساده
أي النكاح
في حق
البنت
الأخرى لأنها
أي الأخرى
إذا نازعتها
أي البنت الزوجة
عند القاضي
في استحقاقها
الإوث بالزوجية
دل أنهم لم تعتقده
أي جواز النكاح واستحقاق الإرث مبني على النكاح الصحيح ولم يوجد في حقها وهذا بخلاف الزوج إذا نازع عند القاضي بأن لا ينفق عليها بعد النكاح فإنه لا يصح منه لما سنذكر قال المصنف
ومقتضاه
أي المذكور لأبي زيد
أنها
أي البنت الأخرى
لو سكتت
عن منازعة أختها الزوجة في استحقاقها الإرث بالزوجية
ورثت
البنت الزوجة بالزوجية أيضا
ولا يعرف عنه
أي عن أبي حنيفة
تفصيل
في أن البنت الزوجة لا تستحق بالزوجية إرثا ثم لما كان يرد على تعليل إيجاب النفقة لها على الزوج بأنه لدفع الهلاك عنها كما تقدم أن ما يكون ثبوته بطريق الدفع لا يكون بدون الحاجة والزوجة هنا تستحق النفقة وإن لم تكن محتاجة إليها لكونها غنية وقد أجيب بأن الحاجة الدائمة بدوام حبس الزوج لا يردها المال المقدم للزوجة فتتحقق الحاجه لا محالة فيكون وجوبها لدفع الهلاك ولا يخفي ما فيه واختار بعضهم طريقا غير هذا فوافقه المصنف عليه وأشار إليه بقوله
والحق في النفقة أن الزوج أخذ بديانته الصحة
لنكاح محرمة حيث نكحها لأن بذلك التزم النفقة عليها وديانته حجة عليه
فلا يسقط حق غيره
وهو النفقة على البنت الزوجة
لمنازعته بعده
أي النكاح في ذلك وإنما يسقط عنه بإسقاط صاحب الحق ولم يوجد
بخلاف من ليس في نكاحهما
كذا وقع في عبارة فخر الإسلام ثم صدر الشريعة والمراد من ليس مشاركا للبنت الزوجة وأبيها الزوج في النكاح له والأظهر من ليس في نكاحه
وهو البنت الأخرى
التي ليست بمنكوحة له لفوات الالتزام منها في هذا بخصوصه ابتداء وانتهاء
هذا وفي المحيط وكل نكاح حرم لحرمة المحل كنكاح المحارم والجمع بين خمس نسوة وبين الأختين لا يجوز عندهما واختلفوا على قول أبي حنيفة فمشايخ العراق يقع فاسد لأن
____________________
(3/420)
ديانتهم لا تصح إذا لم تعتمد شرعا كديانتهم اجتماع رجلين على امرأة واحدة وديانتهم نكاح المحارم لا تعتمد شرعا لأن نكاحهن لم يكن مشروعا في شريعة آدم عليه السلام إلا لضرورة أقامة النسل حال عدم الأجانب وهم يدينون جوازه في حالة كثرة الأجانب فلا يمكن الحكم بالجواز بديانتهم ومشايخنا يقع جائزا لأن نكاحهن كان مشروعا في شريعة آدم عليه السلام حال عدم الأجانب ولم يثبت النسخ حال كثرة الأجانب فكان مشروعا في غير حالة الضرورة فقد اعتمدوا ديانتهم جواز ما كان مشروعا وقد أنكروا النسخ فلم يثبت النسخ في حقهم لأنا أمرنا بأن نتركهم وما يدينون ولهذا لم يثبت حرمة الخمر في حقهم انتهى
وهذا يفيد أن ليس في المسألة نص عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى ثم يظهر أن الأوجه ما عليه العراقيون
ومنهم القدوري لا القول الآخر وان اختاره أبو زيد وذكر صاحب الهداية أنه الصحيح لأن الظاهر أن حل نكاح المحارم في الجملة في شريعة آدم عليه السلام لم يكن حكما أصليا بل كان حكما ضروريا لتحصيل النسل وإلا لم يحصل النسل أصلا ومن ثمة لم يحل في شرعه للرجل أخته التي في بطنه وحلت له أخته من بطن آخر والظاهر أنه لاندفاع الضرورة بالبعدي عن القربى وإلا لحلت القربى كالبعدي ثم لما ارتفعت الضرورة بكثرة النسل نسخ حل تلك الأخوات أيضا على أن المحكي في عامة كتب أصول الحنفية أن الكفار مخاطبون بالمعاملات في أحكام الدنيا بالاتفاق ولا خفاء في أن النكاح من المعاملات فيلزم كما قال شيخنا المصنف رحمه الله اتفاق الثلاثة على أنهم مخاطبون بأحكام النكاح غير أن حكم الخطاب إنما يثبت في حق المكلف ببلوغه إليه والشهرة تنزل منزلته وهي متحققة في حق أهل الذمة دون أهل الحرب فمقتضى النظر التفصيل
وفي البديع الكفار مخاطبون بشرائع هي حرمات عندنا هو الصحيح من الأقوال وعلى طريق وجوب الضمان وجهان
أحدهما أن الخمر وإن لم يكن مالا متقوما في الحال فهي بعرض أن تصير مالا متقوما في الثاني بالتخلل والتخليل ووجوب ضمان الغصب والإتلاف يعتمد كون المحل المغصوب والمتلف مالا متقوما في الجملة ولا نقف على ذلك للحال ألا ترى أن المهر والجحش وما لا منفعة له في الحال مضمون بالغصب والإتلاف والثاني أن الشرع منعنا عن التعرض لهم بالمنع عن شرب الخمر وأكل الخنزير حسا لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال أمرنا أن نتركهم وما يدينون وقد دانوا شرب الخمر وأكل الخنزير فلزمنا ترك التعرض لهم في ذلك ونفي الضمان بالغصب والإتلاف يفضي إلى التعرض لأن السفيه إذا علم أنه إذا غصب أو أتلف لا يؤاخذ بالضمان يقدم على ذلك وفي ذلك منعهم وتعرض لهم من حيث المعنى انتهى هذا أيضا يفيد فساد نكاح المحارم والله سبحانه أعلم فهذا هو الجهل الأول من القسم الأول من أقسام الجهل الثلاثة
وجهل المبتدع كالمعتزلة
وموافقيهم
مانعي ثبوت الصفات
الثبوتية الحقيقية من
____________________
(3/421)
الحياة والقدرة والعلم والإرادة والكلام وغيرها لله تعالى
زائدة
على الذات على اختلاف عباراتهم في التعبير عن ذلك فقيل هو حي عالم قادر لنفسه وقيل بنفسه إلى غير ذلك كما ذكرناه في فصل شرائط الراوي
و
ثبوت
عذاب القبر
وانكاره معزو في المواقف إلى ضرار بن عمر وبشر المريسي وأكثر المتأخرين من المعتزلة وفي شرح المقاصد اتفق الإسلاميون على حقية سؤال منكر ونكير في القبر وعذاب الكفار وبعض العصاة فيه ونسب خلافه إلى المعتزلة قال بعض المتأخرين منهم من حكى ذلك عن ضرار بن عمرو وإنما نسب إلى المعتزلة وهم برآء منه لمخالطة ضرار إياهم وتبعه قوم من السفهاء المعاندين للحق
و
ثبوت
الشفاعة
للرسل والأخيار وخصوصا سيد ولد آدم النبي المختار في أهل الكبائر في العرصات وبعد دخول النار
و
ثبوت
خروج مرتكب الكبيرة
إذا مات بلا توبة من النار
و
ثبوت جواز
الرؤية
لله تعالى بمعنى الانكشاف التام بالبصر لمن شاء الله تعالى ذلك له فضلا عن وجوبها للمؤمنين في الدار الآخرة
و
مثل
الشبهة لمثبيتها
أي الصفات المذكورة لله تعالى زائدة على الذات لكن
على ما يفضي إلى التشبيه
بالمخلوق سبحانه وتعالى عما يصفون ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
لا يصلح عذرا لوضوح الأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة
على ثبوت الصفات المشار إليها على الوجه المنزه عن التشبيه وكذا ما بعدها كما هو مذكور في علم الكلام وغيره
لكن لا يكفر
المبتدع في ذلك
إذ تمسكه بالقرآن أو الحديث أو العقل
في الجملة كما هو مسطور في موضعه
وللنهي عن تكفير أهل القبلة
أي ولما روى بعضهم عن النبي صلى الله عليه وسلم لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب لكن تعقب بأن عن أحمد أنه موضوع لا أصل له كيف بحديث النبي صلى الله عليه وسلم من ترك الصلاة فقد كفر وأجيب بأن في صحته عن أحمد نظرا فإن معناه في الصحيحين وهو ما عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فهو إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه وروى البهيقي بسند صحيح أن جابر بن عبد الله سأل هل تسمون الذنوب كفرا أو شركا أو نفاقا قال معاذ الله ولنا نقول مؤمنين مذنبين انتهى
قلت والأولى رد صحته عن أحمد بما روى أبو داود وسكت عليه عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال لا إله إلا الله لا نكفر بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل فإنه هو هو وحديث من ترك الصلاة فقد كفر مؤول بترك جحود أو مقارنه كفر ولو كان تركها كفرا لما أمر الشارع بقضائها بدون تجديد إيمان
وعنه عليه السلام من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبحتنا فاشهدوا له بالإيمان
رواه النسائي وهو طرف من حديث طويل أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي إلا أنهم قالوا بدل فاشهدوا الخ فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته كما
____________________
(3/422)
قدمناه في فصل شروط الراوي وعنه صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالإيمان فإن الله تعالى يقول إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر رواه ابن ماجه والترمذي وفي لفظ للترمذي بعباد وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه إلا أنهما قالا فاشهدوا عليه بالإيمان قال ابن حبان أي اشهدوا له وقال الحاكم لم يختلفوا في صحة هذه الترجمة وصدق رواتها
وجمع بينه
أي هذا الحديث
وبين
حديث افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة و
ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين
فرقة رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وللترمذي ورواية لأبي داود ملة مكان فرقة ولأحمد ورواية لأبي داود ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة وللترمذي كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي وقال حديث حسن صحيح ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه
وقد احتج مسلم بمحمد بن عمر واستدركه عليه الذهبي بأنه لم يحتج به منفردا ولكن مقرونا بغيره وللحديث طرق كثيرة من رواية كثير من الصحابة بألفاظ متقاربة
أن التي في الجنة المتبعون في العقائد والخصال وغيرهم يعذبون والعاقبة الجنة وعدوهم من أهل الكبائر
وقد ذيل القاضي عضد الدين المواقف بذكرهم على سبيل التفصيل وهذا الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم حيث وقع ما أخبر به ثم قال عطفا على قوله وللنهي
وللإجماع على قبول شهادتهم
أي المبتدعة
على غيرهم ولا شهادة لكفار على مسلم
لقوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا }
وعدمه
أي قبول الشهادة
في الخطابية
من الرافضة وتقدم الكلام فيهم في فصل شرائط الراوي ليس له
أي أي لكفرهم بل لتدينهم الكذب فيها لمن كان على رأيهم وحلف أنه محق
وإذ كانوا
أي المبتدعة
كذلك
أي غير كفار
وجب علينا مناظرتهم لإزالة شبهتهم وإظهار الصواب فيما نحن عليه لهم
وأورد استباحة المعصية كفر
وكثير منهم إن لم يكن عامتهم يستبيحها فيكونون كفارا
وأجيب
بأن عد فعلها مباحا إنما يكون كفرا
إذا كان عن مكابرة وعدم دليل بخلاف ما
يكون
عن دليل شرعي
فإنه لا يكون كفرا
والمبتدع مخطىء في تمسكه
بما ليس عند التحقيق بدليل لمطلوبه
لا مكابر
لمقتضى الدليل
والله تعالى أعلم بسرائر عباده
هذا والمراد بالمبتدع الذي لم يكفر ببدعته وقد يعبر عنه بالمذنب من أهل القبلة كما أشار إليه المصنف سابقا بقوله وللنهي عن تكفير أهل القبلة هو الموافق على ما هو من ضروريات الإسلام كحدوث العالم وحشر الأجساد من غير أن يصدر عنه شيء من موجبات الكفر قطعا من إعتقاد راجع إلى وجودا له غير الله تعالى أو إلى حلوله في بعض أشخاص الناس أو إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو ذمه أو استحقاقه ونحو ذلك المخالف في أصول سواها مما لا نزاع أن الحق فيه واحد كمسألة الصفات وخلق الأعمال وعموم الإرادة وقدم
____________________
(3/423)
الكلام ولعل إلى هذا أشار المصنف ماضيا بقوله إذ تمسكه بالقرآن أو الحديث أو العقل إذ لا خلاف في تكفير المخالف في ضروريات الإسلام من حدوث العالم وحشر الأجساد ونفي العلم بالجزئيات وإن كان من أهل القبلة المواظب طول العمر على الطاعات وكذا المتلبس بشيء من موجبات الكفر ينبغي أن يكون كافرا بلا خلاف وحينئذ ينبغي تكفير الخطابية لما قدمناه عنهم في فصل شرائط الراوي وقد ظهر من هذا أن عدم تكفير أهل القبلة بذنب ليس على عمومه إلا أن يحمل الذنب على ما ليس بكفر فيخرج المكفر به كما أشار إليه السبكي
غير أن قوله غير أني أقول أن الإنسان ما دام يعتقد الشهادتين فتكفيره صعب وما يعرض في قلبه من بدعة إن لم تكن مضادة لذلك لا يكفر وإن كانت مضادة له فإذا فرضت غفلته عنها واعتقاده الشهادتين مستمرة فأرجو أن ذلك يكفيه في الإسلام وأكثر الملة كذلك ويكون كمسلم ارتد ثم أسلم إلا أن يقال ما به كفر لا بد في إسلامه من توبته عنه فهذا محل نظر وجميع هذه العقائد التي يكفر بها أهل القبلة قد لا يعتقدها صاحبها إلا حين بحثه فيها لشبهة تعرض له أو مجادلة أو غير ذلك وفي أكثر الأوقات يغفل عنها وهو ذاكر للشهادتين لا سيما عند الموت انتهى فيه ما فيه ثم عدم تكفير أهل القبلة بذنب نص عليه أبو حنيفة في الفقه الأكبر فقال ولا نكفر أحدا بذنب من الذنوب وإن كانت كبيرة إذا لم يستحلها وجعله من شعار أهل الجماعة على ما في منتقي الحاكم الشهيد عن إبراهيم بن رستم عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي قال سألت أبا حنيفة من أهل الجماعة فقال من فضل أبا بكر وعمر وأحب عليا وعثمان ولم يحرم نبيذ الجر ولم يكفروا واحدا بذنب ورأى المسح على الخفين وآمن بالقدر خيره وشره من الله ولم ينطق في الله بشيء قالوا ونقل عن الشافعي ما يدل عليه حيث قال لا أرد شهادة أحد من أهل الإهواء إلا الخطابية فإنهم يعتقدون حل الكذب والظاهر أنه لم يثبت عنده ما يفيد كفرهم كما سلف في فصل شرائط الراوي وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رجع الأشعري عند موته عن تكفير أهل القبلة لأن الجهل بالصفات ليس جهلا بالموصوفات وقال اختلفنا في عبارة والمشار إليه واحد
قلت بل قال في أول كتاب مقالات الإسلاميين اختلف المسلمون بعد نبيهم في أشياء ضلل بعضم بعضا وتبرأ بعضهم عن بعض فصاروا فرقا متباينين إلا أن الإسلام يجمعهم ويعمهم انتهى
فلا جرم أن قال إمام الحرمين وابن القشيري وغيرهما أظهر مذهبي الأشعري ترك تكفير المخطىء في الأصول وقال الإمام أيضا ومعظم الأصحاب على ترك التكفير وقالوا إنما يكفر من جهل وجود الرب أو علم وجوده ولكن فعل فعلا أو قال قولا أجمعت الأمة على أنه لا يصدر ذلك إلا عن كافر ومن قال بتكفير المتأولين يلزمه أن يكفر أصحابه في نفي البقاء كما يكفر في نفي العلم وغيره من المسائل المختلف فيها وذكر غيره أن على هذا جمهور الفقهاء والمتكلمين ويترتب على عدم التكفير أنه لا يقطع بخلوده في النار وهل يقطع بدخوله
____________________
(3/424)
فيها حكى القاضي حسين فيه وجهين وقال المتولي ظاهر المذهب أنه لا يقطع وعليه يدل كلام الشافعي ثم قد ظهر أنه لا إجماع على قبول شهادتهم ومن ثمة في الاختيار ولا تقبل شهادة المجسمة لأنهم كفرة ويوافقه ما في المواقف وقد كفر المجسمة مخالفوهم قال الشارحون من أصحابنا والمعتزلة وقال شيخنا المصنف رحمه الله في المسابرة وهو أظهر فإن إطلاق الجسم مختارا بعد علمه بما فيه من اقتضاء النقص استخفاف انتهى
نعم من أهل السنة والجماعة من لم يكفرهم بناء على أن لازم المذهب ليس بمذهب لصاحبه فمن يلزمه الكفر ولم يقل به فليس بكافر وعليه مشى الإمام الرازي والشيخ عز الدين بن عبد السلام ثم كيف يكون في قبول شهادة أهل الأهواء إجماع ومالك لا يقبلها ولو لم يكفروا بأهوائهم بناء عئى أنهم فسقة وتابعه أبو حامد من الشافعية اللهم إلا أن يراد إجماع من قبله وهو يحتاج إلى ثبت فيه والله سبحانه أعلم
وهذا هو الجهل الثاني من القسم الأول من أقسام الجهل الثلاثة
وجهل الباغي وهو
المسلم
الخارج على الإمام الحق
ظانا على أنه على الحق والإمام على الباطل متمسكا بذلك
بتأويل فاسد
فإن لم يكن له تأويل فحكمه حكم اللصوص وهو لا يصلح عذرا لمخالفته التأويل الواضح فإن الدلائل على كون الإمام الحق على الحق مثل الخلفاء الراشدين ومن سلك طريقهم ظاهرة على وجه يعد جاحدها مكابرا معاندا قالوا وهذان الجهلان دون الجهل الأول وأما قول المصنف جهل الباغي
دون جهل المبتدعة
فلم أقف على تصريحهم به نعم
لم يكفره
أي الباغي
أحدا لا أن يضم
الباغي
أمرا لآخر
يكفر به إلى البغي
وقال علي رضي الله عنه إخواننا بغوا علينا
فأطلق عليهم أخوة المسلمين وظاهر ذلك لا يقال للكافر
فنناظره
أي الباغي
لكشف شبهته
لعله يرجع إلى طاعة الإمام الحق بلا قتال
بعث على ابن عباس لذلك
كما أخرجه بطوله النسائي وغيره
فإن رجع
الباغي إلى طاعة الإمام الحق
بالتي هي أحسن وإلا وجب جهاده
لقوله تعالى { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله } أي ترجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لأن البغي معصية ومنكر والنهي عن المنكر فرض وذلك بالقتال حينئذ وقيل إنما تجب محاربتهم إذا تجمعوا وعزموا على القتال لأنها إنما تجب بطريق الدفع ثم ظاهر هذا السوق يفيد أن هذه الدعوة لهم قبل القتال واجبة وإن القتال إنما يجب بعدها وليس كذلك بل القتال واجب قبلها وإن تقديمها عليه أحسن كما في المبسوط أو مستحب كما في الاختيار لأنهم علموا لماذا يقاتلون فصاروا كالمرتدين
وما لم يصر له أي الباغي
منعة
بالتحريك وقد يسكن أي قوة يمنعها بها من قصد من الأعداء
فيجري عليه
أي الباغي
الحكم المعروف
في قصاص النفوس وغرامات الأموال وغيرها بين المسلمين لبقاء ولاية الإلزام في حقه كما في حقهم
فيقتل
الباغي
____________________
(3/425)
بالقتل
العمد العدوان
ويحرم به
أى بالقتل المذكور لمورثه الإرث منه
ومعها
أي المنعة
لا
يجرى عليه الحكم المعروف
لقصور الدليل عنه
أي الباغي
لسقوط إلزامه
بسبب تأويله الذي استند إليه لدفع الخطاب عنه
والعجز عن إلزامه
حسا وحقيقة فيما يحتمل السقوط وهو حق العبد بواسطة المنعة
فوجب العمل بتأويله
الفاسد فيه بخلاف ما لا يحتمل السقوط بها وهو الإثم فإن الباغي يأثم وإن كان له منعة لأنها لا تظهر في حق الشارع ولا تسقط حقوقه لأن الخروج على الله حرام أبدا والجزاء واجب لله تعالى أبدا إلا أن يعفو
ولا نضمن ما أتلفنا من نفس ومال
وهذا ظاهر لا خلاف فيه وقد كان الأولى فلا يضمن الباغي ما أتلف من نفس ومال في هذه الحالة بعد أخذه أو توبته كما في الحربي بعد الإسلام تفريعا على وجوب العمل بتأويله فإن كان المال قائما في يده رده على صاحبه لأنه لا يملكه بالأخذ كما لا يملك ماله والتسوية بين الفئتين المتقابلتين في الدين في الأحكام أصل ثم في المبسوط عن محمد قال أفتيهم بأن يضمنوا ما أتلفوا من النفوس والأموال ولا ألزمهم بذلك في الحكم
قال شمس الأئمة وهذا صحيح فإنهم كانوا معتقدين الإسلام وقد ظهر لهم خطؤهم إلا أن ولاية الإلزام كانت منقطعة فيفتون به ولا يفتي أهل العدل بمثله لأنهم محقون في قتالهم وقتلهم ممتثلون للأمر ثم الحاصل أن نفي ضمان الباغى منوط بالمنعة مع التأويل فلو تجردت عنه كقوم غلبوا على أهل بلدة فقتلوا واستهلكوا الأموال بلا تأويل ثم ظهر عليهم أخذوا بجميع ذلك ولو انفرد التأويل عنها بأن انفرد واحد أو اثنان فقتلوا وأخذوا المال عن تأويل ضمنوا إذا تابوا أو قدر عليهم لإجماع الصحابة على إناطة نفي الضمان بالمتعة والتأويل كما يفيده ما في مصنف عبد الرزاق أخبرنا معمر أخبرني الزهري أن سليمان بن هشام كتب إليه يسأله عن امرأة خرجت من عند زوجها وشهدت على قومها بالشرك ولحقت بالحرورية فتزوجت ثم إنها رجعت إلى أهلها تائبة قال فكتب إليه
أما بعد فإن الفتنة الأولى ثارت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا كثير فاجتمع رأيهم على أن لا يقيموا على أحد حدا في فرج استحلوه بتأويل القرآن ولا قصاصا في دم استحلوه بتأويل القرآن ولا يرد مال استحلوه بتأويل القرآن إلا أن يوجد شيء بعينه فيرد على صاحبه وإني أرى أن ترد على زوجها وأن يحد من افترى عليها وبقاء ما عدا المجمع عليه على حكمه المعروف له
ويدفف على جرحاهم
في المغرب دفف على الجريح بالدال والذال أسرع قتله وفي كلام محمد عبارة عن إتمام القتل ويتبع موليهم وهذا إذا كان لهم فئة أما إذا لم يكن لهم فئة فلا يذفف على جريحهم ولا يتبع موليهم كما في المبسوط وغيره وكان الواجب ذكر القيد المذكور ثم ظاهر الكتاب كغيره وجوب التدقيق وقد صرح به فخر الإسلام لكن المذكور في المبسوط لا بأس بأن يجهز على جريحهم إذا كانت لهم فئة باقية
وقال الشافعي وأحمد لا يجهز على جريح ولا يتبع مدبر لما روى ابن أبي شيبة عن علي أنه قال يوم الجمل لا
____________________
(3/426)
تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح
وأجيب بأن القتل لدفع الشر وإذا كان لهما فئة لم يخرج كونه دفعا لأنهما يتحيزان إلى الفئة ويعود شرهما كما كان وأصحاب الجمل لم يكن لهم فئة أخرى سواهم
ويرث العادل
مورثه
الباغي
إذا قتله
اتفاقا لأنه مأمور بقتله فلا يحرم الميراث به وقد كان أولى التصريح بالعادل
وكذا عكسه
أي يرث الباغي مورثه العادل إذا قتله وقال كنت على الحق وأنا الآن عليه موافقة
لأبي حنيفة ومحمد
وكأنه لم يذكر هذا القيد لأن الظاهر من حاله إرادته ولو قال قتلته وأنا أعلم أني على الباطل لم يرثه عندهما وقال أبو يوسف والشافعي لا يرثه في الوجهين لأن إلحاق التأويل الفاسد بالصحيح بقول الصحابة كما في دفع الضمان والحاجة هنا إلى إثبات الأستحقاق فإلحاقه به بلا دليل وأبو حنيفة ومحمد يقولان المتحقق من الصحابة جعل تلك المنعة والاعتقاد دافعا ما لولاه لثبت لثبوت أسباب الثبوت ألا ترى أنه لولا تلك المنعة والاعتقاد لثبت الضمان لثبوت سببه من القتل العمد العدوان وإتلاف المال المعصوم فيتناول ما نحن فيه فإن القرابة التي هي سبب استحقاق الميراث قائمة والقتل بغير حق مانع وجد عن اعتقاد الحقية مع المنعة فمنع مقتضاه من المنع فعمل السبب عمله من إثبات الميراث
ولا يملك ماله
أي الباغي
بوحدة الدار أي بسبب اتحاد دار العادل والباغي لأنهما في دار الإسلام إذ تملك المال بطريق الاستيلاء يتوقف على كمال اختلاف الدار وهو منتف ثم
على هذا
أي عدم تملك مال الباغي
اتفق علي والصحابة رضي الله عنهم
فقد أخرج ابن أبي شيبة أن عليا لما هزم طلحة وأصحابه أمر مناديه فنادى أن لا يقتل مقبل ولا مدبر ولا يفتح باب ولا يستحل فرج ولا مال وزاد في رواية ولم يأخذ من متاعهم شيئا وأخرجه عبد الرزاق وزاد فيه
وكان علي لا يأخذ مالا لمقتول ويقول من عرف شيئا فليأخذه إلى غير ذلك ولم ينقل عن غيره عن الصحابة مخالفته فكان اتفاقا والله سبحانه أعلم وهذا هو الجهل الثالث من القسم الأول من أقسام الجهل الثلاثة
وجهل من عارض مجتهده الكتاب كحل متروك التسمية عمدا و
جواز
القضاء بشاهد ويمين
من المدعي
مع ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه
الآية قال الفاضل القاآني وفيه نظر لأن المخالفة إنما تتحقق بينهما أن لو لم يكن قوله تعالى { مما لم يذكر اسم الله عليه } كناية عما لم يذبحه موحد وهو ممنوع سلمنا أنه محمول على ظاهره ولكنه يحتمل أن يكون الذكر القلبي كافيا فلم قلت إنه ليس بكاف فلا بد له من دليل انتهى وأجيب بمنع إرادة هذا الاحتمال هنا لأنه تعالى قرن الذكر بكلمة علي وهو يفيد إرادته باللسان لأنه يقال ذكر عليه وسمى عليه بلسانه ولا يقال بقلبه
قلت على إنه أيضا لم يرد القائلون بأن المراد بالذكر الذكر القلبي حقيقته وهو حضور المعنى للنفس كما هو نقيض النسيان وهو ذهاب المعنى من النفس للزوم عدم جواز أكل ما نسي ذكر الله عليه حينئذ بل أريد به ما أقيم
____________________
(3/427)
مقامه وهو الملة ليدخل النسيان أيضا وأيضا النهي يقتضي تصور المنهي عنه وبحمل الذكر على الذكر القلبي ثم إقامة الملة مقامه لا يكون المنهي عنه متصورا فتعين إرادة الذكر اللساني ليكون المنهي عنه متصورا وفي غاية البيان ولا يقال المراد ذبيحة المشرك والمجوسي فيتصور المنهي عنه لأنا نقول حرمة ذبائحهم لا باعتبار ترك التسمية فإن المشرك لا تحل ذبيحته وإن سمى الله تعالى انتهى هذا وكون ما لم يذكر اسم الله عليه كناية عما لم يذبحه موحد سواء كان ميتة و ذكر غير اسم الله عليه وقد يؤيد بقوله وأنه لفسق والفسق ما أهل لغير الله به تأويل مخالف لظاهر محوج إلى معين له والشأن في ذلك نعم ظاهر الآية حرمة أكل ما لم يذكر اسم الله عليه من الحيوان وغيره لكن سوق الكلام وسبب النزول وإجماع من عدا عطاء دل على التخصيص باللحم والشحم ونحوهما من أعضاء الحيوان وأجزائه ثم هو يعم متروك التسمية مطلقا كما ذهب إليه داود وبشر لكن خرج متروك التسمية نسيانا إما بالإجماع على ما حكاه ابن جرير وغيره على ما فيه من بحث لأنه إن أريد الصدر الأول فيخدشه ما أخرج الشيخ أبو بكر الرازي أن قصابا ذبح شاة ونسي أن يذكر اسم الله عليها فأمر ابن عمر غلاما له أن يقوم عنده فإذا جاء إنسان يشتري يقول له إن ابن عمر يقول لك هذه شاة لم تذك فلا تشتر منها شيئا
وأخرج عن علي وابن عباس وغيرهما قالوا لا بأس بأكل ما نسي أن يسمى عليه عند الذبح وقالوا إنما هي على الملة وأن أريد من بعدهم فصحيح إذ لم يصح عن مالك ولا أحمد عدم الأكل في النسيان ولم يعتبر قول داود وبشر في الإجماع على مثله وأما لن الناسي ليس بتارك لذكر اسم الله في المعنى على ما قالوا لما عن أبي هريرة سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم الرجل منا يذبح وينسى أن يسمى الله قال
اسم الله على كل مسلم وفي لفظ على فم كل مسلم
أخرج الدارقطني وابن عدي لكن فيه مروان بن سالم متروك لكن يشده ما قدمناه في بحث فساد الاعتبار من مراسيل أبي داود ثم ظاهرهما أنه لا فرق بين الناسي والعامد وبه تتضاءل التفرقة بينهما بعذر الناسي لأن النسيان من قبل من له الحق فأقام الشارع الملة مقام التسمية فجعل عفوا دافعا للعجز وعدم عذر العامد لأن الترك من قبله فلم يكن في معناه فإن هذا إبطال النص بالمعنى وهو غير جائز على أنه يرد على هذا أيضا بالنسبة إلى أصل الدليل بعد التنزل نحو هذا فإن هذا خبر واحد وهو لا يجوز تخصيص الكتاب به ابتداء فالأول أشبه بعد أن يكون المراد إجماع من يعتد بإجماعه بعد الصدر الأول وحينئذ لا يلحق به العامد لأن الظاهر أن المعقول من حكم الإجماع بالأجزاء إنما هو دفع الحرج وهو في الناسي لا في العامد ثم هذا في ذبيحة المسلم وأما ذبيحة الكتابي فإن ترك التسمية عليها عمدا في الدراية لم تحل ذبيحته بإجماع الفقهاء وأهل العلم وصورة متروك التسمية عمدا أن يعلم أن التسمية شرط وتركها مع ذكرها أما لو تركها من لا يعلم اشتراطها فهو في حكم الناسي ذكره في الحقائق ومع قوله تعالى { واستشهدوا شهيدين من رجالكم }
____________________
(3/428)
الآية قالوا لأن الله تعالى بين المعتاد بين الناس من الشهادة وهو شهادة رجلين ثم انتقل إلى غيره وهو شهادة النساء مبالغة في البيان مع أن حضورهن في مجالس الحكم غير معتاد بل هو حرام بلا ضرورة لأنهن أمرن بالقرار في البيوت فلو كان يمين المدعي مع شاهد حجة لانتقل إليه لكونه أيسر وجودا ولم ينتقل إلى ما هو غير معتاد إذ لم يتحقق ضرورة مبيحة لحضورهن لإمكان وصوله إلى حقه بشاهد ويمين فكان النص من هذا الوجه بطريق الإشارة لا على أن الشاهد مع اليمين ليس بحجة والنص وإن كان في التحمل لكن فائدة التحمل الأداء فهو يفضي إليه وأيضا أول الآية وهو قوله تعالى { واستشهدوا } أمر بفعل الاستشهاد وهو مجمل فيما يرجع إلى عدد الشهود كقول القائل كلوا فإنه مجمل في حق تناول المأكولات فيكون ما بعده تفسيرا لذلك المجمل وبيانا لجميع ما هو المراد وهو استشهاد رجلين فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان كقوله كلوا الخبز واللحم فإن لم يوجد فالخبز والجبن وإذا ثبت أن المذكور في النص هو جميع المستشهد به فلا يكون القضاء بشاهد ويمين حجة إذ لوكان حجة لبينه الله تعالى في معرض الاستقصاء في البيان { وما كان ربك نسيا } وأيضا نص الله تعالى على أن أدنى ما تنتفي به الريبة ما هو المذكور في النص حيث قال { ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا } وليس دون الأدنى شيء تنتفي به الريبة فلو كان الشاهد مع اليمين حجة لزم منه انتفاء كون المنصوص أدنى فيكون مخالفا للنص ضرورة
والسنة المشهورة
أي وجهل من عارض مجتهده السنة المشهورة
كالقضاء المذكور
أي بشاهد ويمين المدعي
مع
قوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي
واليمين على من أنكر
لفظ البيهقي ولفظ الصحيحين واليمين على المدعي عليه فجعل جنس الإيمان على المنكر أو على المدعى عليه إذ لا عهد ثمة وليس وراء الجنس شيء فلا يكون بعض الإيمان في جانب المدعي وما أخرج مسلم وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين أجيب بأنه أخرجه عن سيف عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس وقد ذكر الترمذي أنه سأل محمدا يعني البخاري فقال عمرو لم يسمع هذا من ابن عباس عندي وقال الطحاوي قيس بن سعد لا يعلم أنه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء فقد رمى الحديث بالانقطاع في موضعين وسيف عن قيس ذكره ابن عدي في كتابه الموضوع في الضعفاء وهو الكامل وساق له هذا الحديث وعن ابن المديني أنه قال غلط سيف في هذا الحديث والحديث المعروف الذي رواه ابن أبي مليكه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه وسأل عياش ابن معين عن هذا الحديث فلم يعرفه ورواه محمد بن مسلم الطائفي أيضا عن عمرو بن دينار إلا أن محمدا هذا تكلم فيه قال أحمد ما أضعف حديثه وضعفه جدا ومع ضعفه اختلف عليه في هذا الحديث كما ذكر البيهقي في سننه وذكر في المعرفة أن الشافعي لم يحتج بهذا الحديث
____________________
(3/429)
في هذه المسألة لذهاب بعض الحفاظ إلى كونه غلطا وقال ابن عبد البر هذا الحديث إرساله أشهر انتهى وروي من وجوه لا تخلو كلها من نظر وروى ابن أبي شيبة بإسناد على شرط مسلم عن الزهري هي بدعة وأول من قضى بها معاوية وفي مصنف عبد الرزاق أخبرنا معمر سألت الزهري عن اليمين مع الشاهد فقال شيء أحدثه الناس لابد من شاهدين إلى غير ذلك وأورد لم يبق لتضعيف الحديث مجال بعد ما أخرجه مسلم
وأجيب بالمنع فإن مسلما ليس بمعصوم عن الخطأ وقد وهم في ذلك وقد أخذ عليه بمثل ذلك غير ناقد فذكر المازري أن فيه أربعة عشر حديثا مقطوعا وقال غيره أخذ على مسلم في سبعين موضعا رواه متصلا وهو منقطع ويجوز أن يطلع على أكثر من ذلك على أنه غير خاف رجحان الكتاب والسنة المشهورة على هذا الحديث مع أنه لا دلالة ظاهرة فيه على المطلوب إذ ليس فيه بيان المحكوم به والمحكوم عليه ولاكيفية السبب في ذلك ولا المستحلف من هو حتى يصح اعتبار غيره به إذ ليس هو عموم لفظ من النبي صلى الله عليه وسلم فيعتبر فيه لفظه بل هو قضية خاصه لا يدري ما هي أيضا وإذا كان قضية خاصة في شيء خاص فيجوز أن يكون على معنى متفق على جوازه وهو أن يكون قبل شهادة الطبيب أو امرأة في عيب لا يطلع عليه غير ذلك الشاهد واستحلف المشتري مع ذلك أنه ما رضي بالعيب فيكون قاضيا في رد المبيع بشاهد واحد مع يمين المشتري ويحتمل أيضا أن يكون معنى قوله قضى باليمين مع الشاهد أي مع البينة أو مع الشاهدين فإطلق اسم الشاهد وأراد به الجنس لا العدد إلى غير ذلك ومع الاحتمال يسقط الاستدلال
ثم جمهور العلماء على أن القضاء بيمين المدعي وشاهد واحد في غير الأموال لا يصح واختلفوا في الأموال فأصحابنا ومن وافقهم لا يصح أيضا والشافعي وأخرون يصح فيها والله أعلم
والتحليل
أي وكالقول بحل المطلقة ثلاثا لزوجها الأول إذا تزوجها الثاني ثم طلقها
بلا وطء
كما هو قول سعيد بن المسيب فقد روى سعيد بن منصور عنه أنه قال الناس يقولون حتى يجامعها وأما أنا فأقول إذا تزوجها نكاحا صحيحا فإنها تحل للأول
مع حديث العسيلة
وهو ما روى الجماعة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجت زوجا غيره فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها أتحل لزوجها الأول قال حتى يزوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول فإن قول سعيد مخالف لهذه السنة المشهودة واستغرب منه ذلك حتى قيل لعل الحديث لم يبلغه وقال الصدرالشهيد ومن أفتى بهذا القول فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وفي المبسوط ولو أفتى فقيه بذلك يعزر
والإجماع
أي وجهل من عارض مجتهده الإجماع
كبيع أمهات الأولاد
أي جوازه كما ذهب إليه داود الظاهري
مع إجماع المتأخر من الصحابة
والوجه من التابعين على عدم جواز بيعهن كما عليه الأئمة الأربعة لما تقدم في الإجماع من اختلاف الصحابة في جوازه وإجماع التابعين على منعه
فلاينفد القضاء بشيء منها
أي من حل متروك التسمية
____________________
(3/430)
عمدا ومن جواز ييع أمهات الأولاد وأما هذا فقد تقدم فى الإجماع ما فيه من اختلاف
وأن هذا هو الأظهر من الروايات عنهم وما نبهنا عليه من عدم نفاذ قضاء قاض من قضاة زماننا به ولو نفذه جم غفير منهم وأما عدم نفاذ وجود التحليل بلا وطء وعدم نفاذ القضاء بشاهد ويمين المدعي فظاهر لمخالفة كل منهما ظاهر الكتاب والسنة المشهورة إلا أن كون القضاء بشاهد ويمين المدعي لا ينفذ بل يتوقف على إمضاء قاض آخر هو المذكور في أقضية الجمع وفي بعض المواضع ينفذ مطلقا وأما عدم نفاذ القضاء بحل متروك التسمية عمدا فهو المذكور لكثير من غير حكاية خلاف وفي المحيط ذكر في النوادر أنه ينفذ عند أبى حنيفة خلافا لأبي يوسف وفي الخلاصة وأما القضاء بحل متروك التسمية عمدا فجائز عندهما وعند أبي يوسف لا يجوز وهو ظاهر الهداية مع إفادة أن عليه المشايخ
وكترك العول
كما ذهب إليه ابن عباس وخرجناه في الإجماع
وربا الفضل
أي القول بحله كما صح عن ابن عباس وقد روي رجوعه عنه فأخرج الطحاوي عن أبي سعيد الخدري قلت لابن عباس أرأيت الذي يقول الدينارين بالدينار والدرهم بالدرهمين أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما فقال ابن عباس أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت نعم فقال إني لم أسمع هذا إنما أخبرنيه أسامة بن زيد وقال أبو سعيد ونزع عنها ابن عباس فلا ينفذ القضاء بشيء منهما أيضا لمخالفة الأول الإجماع والثاني النص والإجماع وعلى هذا فقد كان الأولى تأخير قوله فلا ينفذ القضاء بشيء منها إلى ما بعدهما ثم كما قال المصنف رحمه الله في فتح القدير يراد بالكتاب المجمع على مراده أو ما يكون مدلول لفظه ولم يثبت نسخه ولا تأويله بدليل مجمع عليه فالأول مثل { حرمت عليكم أمهاتكم } فلو قضى قاض بحل أم امرأته كان باطلا لا ينفذ والثاني مثل { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } فلا ينفذ الحكم بحل متروك التسمية عمدا وهذا لا ينضبط فإن النص قد يكون مؤولا فيخرج عن ظاهره فإذا منعناه يجاب بأنه مؤول بالمذبوح للأنصاب أيام الجاهلية فيقع الخلاف في أنه مؤؤل أو ليس بمؤول فلا يكون حكم أحد المتناظرين بأنه غير مؤول قاضيا على غيره بمنع الاجتهاد فيه نعم قد يترجح أحد القولين على الآخر بثبوت دليل التأويل فيقع الاجتهاد في بعض أفراد هذا القسم أنه مما يسوغ فيه الاجتهاد أولا ولذا يمنع نفاذ القضاء في بعض الأشياء ويجيزونه وبالعكس ولا فرقا في كونه مخالفا للإجماع بين أن يكون على الحكم أو على تأويل السمعي
قلت ثم لقائل أن يقول المجتهد فيه المعارض لمدلول أحد هذه الأصول الثلاثة المحكوم بعد اعتباره حتى إن القضاء لا ينفذ إما أن يكون معارضا لما كان من الكتاب قطعى الدلالة غير منسوخ أو ما كان من السنة كذلك متواتر الثبوت أو ما كان من الإجماع قطعي الثبوت والدلالة وهذا لا شك فيه لكن في صدور هذا من المجتهد بعد عظيم لأن استحلال
____________________
(3/431)
مخالفة كل من هذه كفر فلا ينبغي أن يكون المراد وإما أن يكون معارضا لما كان من الكتاب أو السنة ظني الدلالة سواء كانت السنة قطعية الثبوت أو لا أو من الإجماع ما كان ظني الثبوت أو الدلالة وهذا في عدم نفاذ الحكم بمعارضه مطلقا نظر ظاهر وفي بعض شروح الجامع للمشايخ المتقدمين جملة قضاء القضاة على ثلاثة أقسام قسم منه أن يقضي بخلاف النص والإجماع وهذا باطل ليس لأحد أن يجيزه ولكل واحد من القضاة نقضه إذا رفع إليه
وقسم منه أن يقضي في موضع مختلف فيه وفي هذا ينفذ قضاؤه وليس لأحد نقضه
وقسم منه أن يقضي بشيء يتعين فيه الخلاف بعد القضاء أي يكون الخلاف في نفس القضاء فبعضهم يقولون نفذ قضاؤه وبعضهم يقولون بل يتوقف على إمضاء قاض آخر إن أجازه جار ويصير كأن القاضي الثاني قضى في مختلف فيه وليس للثاني نقضه وإن أبطله الثاني بطل وليس لأحد يجيزه انتهى وبعد إحاطة العلم بما ذكرناه لا يخفى ما في القسم الأول من النظر عند تحقيق النظر ثم إذا عرف هذا فلا خفاء في أن ما عدا التحليل بلا وطء من المجتهدات الأول ليس شيء منها معارضا لنص قطعي الثبوت والدلالة والإجماع كذلك فلا يكون القضاء به باطلا قطعا وإنما الشأن في أنه هل ينفذ من غير توقف على إمضاء قاض آخر أو يتوقف نفاذه عليه والذي يظهر أن القضاء بحل متروك التسمية عمدا وبشاهد ويمين المدعي ينفذ من غير توقف على إمضاء قاض آخر وببيع أمهات الأولاد لا ينفذ ما لم يمضه قاض آخر وأما القضاء بالتحليل بلا وطء بحكمه من جهة عدم النفاذ أصلا ومن جهة النفاذ مبني على أن اشتراط الوطء فيه بعد ابن المسيب ثابت بإجماع قطعي أو ظني للعلم بانتفاء النص القطعي الدلالة عليه فإن قيل بإجماع ظني لم ينفذ حتى يمضيه قاض آخر وإن قيل بإجماع قطعي وهو الأظهر وكيف لا وقد صار من ضروريات الدين فهو باطل قطعا وكذا الجواب بحل ربا الفضل وترك العول ثم حيث قلنا ينفذ القضاء بكذا أو يتوقف نفاذ القضاء به على إمضاء قاض آخر فهو بالنسبة إلى هذه الأزمان إذا كان ذلك من قاضي مذهب مقلده صح القضاء به على التقدير الأول وامضاء ذلك القضاء على التقدير الثاني لما أشرنا إليه في الإجماع من أن قضاة هذه الأزمان إنما فوض إلى كل منهم القضاء بمذهب مقلده من الأئمه الأربعة فلا ولاية له في القضاء بمذهب غير مقلده وإذن ففي هذه الأزمان لا سبيل بحال إلى نفذا القضاء ببيع أمهات الأولاد ولا بوجود التحليل بلا وطء ولا بحل ربا الفضل ولا بترك العول ولو فرض وقوع قضاء قضاة الأقطار به وتنفيذهم له وما ذكر من نفاذ بعض ذلك لو وقع فهو بالنسبة إلى القاضي المجتهد المفوض إليه الحكم باجتهاده على ما في ذلك من خلاف فليتنبه له والله سبحانه أعلم وهذا هو الجهل الرابع من القسم الأول من أقسام الجهل الثلاثة
القسم
الثاني
من أقسام الجهل الثلاثة
جهل يصلح شبهة
دارئة للحد والكفارة وعذرا في غيرهما وكان الأولى ذكره مثال هذا
كالجهل في موضع اجتهاد صحيح بأن لم يخالف
____________________
(3/432)
الاجتهاد
ما ذكر
أي الكتاب أو السنة المشهورة أو الإجماع وكان في مناط الحكم فيه خفاء وقد اختلف العلماء فيه
كمن صلى الظهر بلا وضوء
ظانا أنه على وضوء
ثم صلى العصر به
أي بوضوء
ثم ذكر
أنه صلى الظهر بلا وضوء
فقضى الظهر فقط ثم صلى المغرب يظن جواز العصر
بجهله بوجوب الترتيب
جاز
أداؤه صلاة المغرب
لأنه
أي ظنه جواز العصر
في موضع الاجتهاد
الصحيح
في ترتيب الفوائت
لأن في مناط الحكم بوجوبه فيها نوع خفاء ولهذا وقع فيه خلاف بين العلماء ثم خلافهم معتبر ليس فيه مخالفه لشيء مما ذكر فكان دليلا شرعيا صالحا لإفادة ظن جواز العصر فإن كأنت في الحقيقة إنما أديت قبل الظهر حتى كان عليه قضاء العصر فكان هذا الجهل عذرا في جواز المغرب لا العصر والفرق أن فساد الظهر بترك الوضوء فساد قوي مجمع عليه فكانت متروكة بيقين فيظهر أثر الفساد فيما يؤدي بعدها ولم يعذر بالجهل وفساد العصر بترك الترتيب ضعيف مختلف فيه فلم تكن متروكة بيقين فلم يتعد حكمه إلى صلاة أخرى لأن وجوب الترتيب ثبت بالسنة في متروكه بيقين علما وعملا وكان الحسن ابن زياد يقول إنما يجب مراعاة الترتيب على من يعلم فأما من لا يعلم به فليس عليه ذلك لأنه ضعيف نفسه فلا يثبت حكمه في حق من لا يعلم به وكان زفر يقول إذا كان عنده أن ذلك يجزيه فهو في معنى الناسي للفائتة فيجزيه فرض الوقت
وأجيب بأنه إن كان الرجل مجتهدا قد ظهر عنده أن مراعاة الترتيب غير واجب فهو دليل شرعي وكذا إن كان ناسيا فإنه حينئذ معذور غير مخاطب بأداء الثانية قبل أن يذكرها بخلاف ما إذا كان ذاكرا وهو غير مجتهد فإن مجرد ظنه ليس بدليل شرعي فلا يعتبر ومثال الأول ما أشار إليه بقوله
وكقتل أحد الوليين
قاتل موليه عمدا عدوانا
بعد عفو
الولي
الآخر
جاهلا بعفوه أو بسقوط القود بعفوه معتمدا على ظن أن القود له
لا يقتض منه
لأن هذا جهل في موضع الاجتهاد
لقول بعض العلماء
من أهل المدينة على ما في التهذيب
بعدم سقوطه
أي القصاص الثابت للورثة
بعفو أحدهم
حتى لو عفا أحدهم كان للباقين القتل هذا إذا لم يوجد الاجماع سابقا على هذا القول أو لاحقا إن ثبت عمن يعتد بخلافه وإلا فالظاهر أن هذا مخالف للإجماع لأن الاجتهاد وإن كان يقتضي أن لكل ولاية الاستيفاء بعد عفو حدهما لم يقل به أحد من الفقهاء فلا يكون ذلك الاجتهاد صحيحا وحينئذ فإنما يكون هذا الجهل شبهة في إسقاط القود لأنه جهل في موضع الاشتباه
أما على التقدير الأول فلأنه علم وجوب القصاص وما ثبت فالظاهر بقاؤه والظاهر يكون شبهة في درء ما يندرىء بالشبهات
وأما على التقدير الثاني فلأن الظاهر أن تصرف غيره في حقه غير نافذ عليه وسقوط القود لمعنى خفي وهو أن القول لا يقبل التجزيء فاشتبه عليه حكم قد يشتبة فيصير بمنزلة الظاهر في إيراث الشبهة
فصار
الجهل المذكور
شبهة تدرأ القصاص
وقد يسقط القود باعتبار الظن كما لو رمى إلى شخص ظنه كافرا فإذا هو مسلم وإذا سقط
____________________
(3/433)
القود بالشبهة لزمه الدية في ماله لأن فعله عمد ويحسب له منها نصف الدية لأن بعفو شريكه وجب له نصف الدية على المقتول فيصير نصف الدية قصاصا بالنصف ويؤدي ما بقي أما لو علم سقوط القود بالعفو ثم قتله عمدا يجب القود لإقدامه على القتل مع العلم بالحرمة ثم هذا كله عند علمائنا الثلاثة وقال زفر عليه القصاص لسقوط القود بالعفو علم به أو لا اشتبه عليه حكمه أو لا لأن مجرد الظن غير مانع من وجوب القود بعد ما تقرر سببه كما لو قتل رجلا على ظن أنه قتل وليه ثم جاء وليه حيا وقد انطوى دفعه فيما تقدم
و
مثل
المحتجم
في نهار رمضان إذا ظنها
أي الحجامة
فطرته
فأفطر بعدها
لا كفارة
عليه وإنما عليه القضاء لا غير
لأن
قوله صلى الله عليه وسلم
أفطر الحاجم والمحجوم
رواه أصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم
أورث شبهة فيه
أي في وجوبها بالفطر بعد الحجامة
وهذه الكفارة يغلب فيها معنى العقوبة
على العبادة عند الحنفية
لتنتفي بالشبهة
كما تقدم في فصل الحاكم وهذا يشير إلى أن فطره بعد الحجامة كان اعتمادا على هذا الحديث غير عالم بتأويله ونسخه وهو عامي وهو قول أبي حنيفة ومحمد لأن قول المفتي المعتمد في فتواه في بلده إذا كان يورث الشبهة المسقطة حتى لو أفتاه بالفساد كما هو قول أحمد فأفطر بعده لا كفارة عليه لأن الحكم في حق العمل فتوى مفتيه وإن كان مخطئا فيما أفتى به لأنه لا دليل له سواه فكان معذورا ولا عقوبة على المعذور فقول الرسول صلى الله عليه وسلم أولى لأنه الأصل وقال أبو يوسف عليه الكفارة لأنه ليس للعامي الأخذ بظاهر الحديث لجواز كونه مصروفا عن ظاهره أو منسوخا بل عليه الرجوع إلى الفقهاء لعدم الاهتداء في حقه إلى معرفة صحيح الأخبار وسقيمها وناسخها ومنسوخها فإذا اعتمده كان تاركا للواجب عليه وترك الواجب لا يقوم به شبهة مسقطة لها بقي لو أفطر بعدها ظانا الفطر بها ولم يستفت عالما ولم يبلغه الحديث أصلا أو بلغه ولكن علم تأويله أو نسخه ولا إشكال في وجوب الكفارة عليه اتفاقا أما الأول فلان الظن ما استند إلى دليل شرعي والقياس لا يقتضي ثبوت الفطر بما خرج فيكون ظنه مجرد جهل وهو لا يكون عذرا في دار الإسلام
وأما الثاني فلتعاضد عمله بكون الحديث على غير ظاهره أو نسخه مع كون الفطر بها على خلاف القياس على وجوب الكفارة لانتفاء الشبهة حينئذ في وجوبها قالوا وإن علم أن بعض العلماء قال بالفطر بها ولكن في هذا نظر
ومن زنى بجارية والده
أو والدته
أو زوجته يظن حلها لا يحد
عند علمائنا الثلاثة وقال زفر يحد للوطء الخالي عن الملك وشبهته ولا عبرة بتأويله الفاسد كما لو وطىء جارية أخيه أو عمه على ظن الحل وهم يقولون لا يحد
للاشتباه
لأن بين الإنسان وأبيه وأمه وزوجته انبساطا في الانتفاع بالمال فظنه حل الاستمتاع بأمتهم اعتماد على شبهة في ذلك فاندرأ الحد بها بخلاف الأخ والعم فإنه لا انبساط لكل منه ومنهما في مال الآخر فدعوى ظنه الحل ليست معتمدة على شبهة فلا تعتبر
ولا يثبت نسب
بهذا الوطء وإن ادعاه الواطىء
ولا
____________________
(3/434)
عدة
أيضا على الموطوءة بهذا الوطء
لما
عرف
في موضعه
من أنه تمحض زنى إذ لاحق له في المحل والولد للفراش وللعاهر الحجر ولا عدة من الزنى وهذه إحدى الشبهتين الدارئتين للحد عندهم وتسمى شبهة في الفعل وشبهة اشتباه لأنها إنما تؤثر في سقوط الحد على من اشتبه عليه لا على من لم يشتبه عليه كقوم سقوا خمرا على مائدة فمن علم بها وجب عليه الحد ومن لا فلا والشبهة الأخرى وتسمى الشبهة فى المحل وشبهة الدليل والشبهة الحكميه وجود الدليل النافي للحرمة في ذاته مع تخلف حكمه لمانع وهذه لا تتوقف على الظن كوطء الأب جارية ابنه فإنه لا يحد إن قال علمت أنها حرام علي لأن المؤثر في هذه الشبهة الدليل الشرعي كقوله صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك رواه ابن ماجه بسند صحيح وهو قائم فيؤثر في سقوط الحد مطلقا ويثبت به النسب إذا ادعاه وتصير الجارية به أم ولد وعند أبي حنيفة شبهة أخرى دارئة للحد وهي شبهة العقد سواء علم الحرمة أم لا كوطء التي تزوجها بغير شهود وإنما لم يتعرض المصنف لهاتين لأنهما ليستا مما هو بصدده كما هو غير خاف ثم كما قال المصنف ومعنى دعوى ظنه الحل أنه علم أن الزنى حرام لكن ظن أن وطأه ليس زنى محرما فلا يعارض ما في المحيط الآتي قريبا
وكذا حربي دخل دارنا فأسلم فشرب الخمر جاهلا بالحرمة لا يحد
لأنه في موضع الشبهة يحل شربها في وقت
بخلاف ما إذا زنى
بعد دخوله دار الإسلام وإسلامه زاعما حل الزنى فإنه لا يلتفت إلى زعمه ويحد وإن فعله أول يوم دخوله الدار وإسلامه
لأن جهله بحرمة الزنى لا يكون شبهة
دارئة للحد عنه لأن هذا الظن في غير محل الشبهة
لأن الزنى حرام في جميع الأديان
فلم يتوقف العلم بحرمته على بلوغ خطاب الشرع لتحقق حرمته قبله
فلا يكون جهله عذرا
لكونه من تقصيره في الطلب
بخلاف الخمر
فإنها لم يكن شربها حراما فى سائر الأديان
فما في المحيط وغيره شرط الحد أن لا يظن الزنى حلالا مشكل
فإن هذه المسألة تفيد أن ليس شرط وجوب الحد على الزاني عدم ظنه حل الزنى حتى يكون ظنه حله مانعا من إقامته عليه
هذا والذي في شرح الهداية للمصنف شرط وجوب الحد أن يعلم أن الزنى حرام انتهى وهو أخص مما هنا وما في الشرح هو المذكور في محيط رضي الدين وهذا لفظه وأما شرطه فالعلم بالتحريم حتى لو لم يعلم بالحرمة لم يجب الحد للشبهة وأصله ما روى سعيد بن المسيب أن رجلا زنى باليمن فكتب في ذلك عمر رضي الله عنه إن كان يعلم أن الله تعالى حرم الزنى فاجلدوه وإن كان لا يعلم فعلموه وإن عاد فاجلدوه لأن الحكم في الشرعيات لايثبت إلا بعد العلم وإن كان الشيوع والاستفاضة في دار الإسلام أقيم مقام العلم ولكن لا أقل من إيراث شبهة بعدم التبليغ والإسماع بالحرمة انتهى
غير أن ظاهر قول المبسوط عقب هذا الأثر فقد جعل ظن الحل في ذلك الوقت شبهة لعدم اشتهار الأحكام انتهى يشير إلى أن هذا الظن في هذا الزمان لا يكون شبهة معتبرة لاشتهار الأحكام فيه ولكن هذا إنما يكون مفيدا للعلم به
____________________
(3/435)
بالنسبة إلى الناشىء في دار الإسلام والمسلم المهاجر إليها المقيم بها مدة يطلع فيها على ذلك فأما المسلم المهاجر إليها الواقع منه ذلك في فور دخوله فلا وقد قال المصنف في الشرح ونقل في اشتراط العلم بحرمة الزنى إجماع الفقهاء انتهى وهو مفيد أن جهله يكون عذرا وإذا لم يكن عذرا بعد الإسلام ولا قبله فمتى يتحقق كونه عذرا وأما نفي كونه عذرا في حالة الكفر لتقصيره في الطلب لعرفة هذا الحكم في تلك الحالة كما تقدم فمحل نظر وحينئنذ فالفرع المذكور هو المشكل فليتأمل
بخلاف الذمي أسلم فشرب الخمر
بعد إسلامه وقال لم أعلم بحرمتها
يحد لظهور الحكم في دار الإسلام
وهو مقيم فيها
فجهله
بحرمتها مع شيوعها فيه
لتقصيره
في معرفته بها فلا يكون جهله عذرا في درء الحد ولا كذلك دار الحرب فإن حرمتها غير شائعة فيها فكان جهل الحربي بها دارئا للحد عنه فى المسألة السا بقة
القسم
الثالث جهل يصلح عذرا كمن أسلم في دار الحرب فترك بها صلوات جاهلا لزومها في الإسلام لا قضاء
عليه إذا علمه بعد ذلك لأنه غير مقصر في طلب الدليل وإنما جاء الجهل من قبل خفاء الدليل في نفسه لعدم اشتهاره في دار الحرب لانقطاع ولاية التبليغ عنهم فانتفى سماع الخطاب في حقه حقيقة وهو ظاهر وتقديرا لأنه بشهرته في محله ودار الحرب ليست محلها فانتفى قول زفر عليه قضاؤها لأن بالإسلام يصير ملتزما أحكامه ولكن قصر عنه خطاب الأداء لجهله به وذا لا يسقط القضاء بعد تقرر السبب كالنائم إذا انتبه بعد الوقت
وكل خطاب ترك ولم ينتشر فجهله عذر
لانتفاء التقصير عن جاهله بخفائه عنه ويدل على ذلك قوله تعالى { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } للذين شربوا
الخمر
بعد تحريمها غير عالمين
بحرمتها وهذا بناء على ما في التيسير من أن بعض الصحابة كانوا في سفر فشربوا بعد التحريم لعدم علمهم بحرمتها فنزل قوله تعالى { ليس على الذين آمنوا } الآية وعن ابن كيسان لما نزل تحريم الخمر والميسر قال أبو بكر رضى الله عنه كيف بإخواننا الذين ماتوا وقد شربوا الخمر وأكلوا الميسر وكيف بالغائبين عنا في البلدان لا يشعرون بتحريمها وهم يطعمونها فأنزل الله تعالى { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات } أي من الأموات والأحياء في البلدان جناح فيما طعموا من الخمر والقمار إذا ما اتقوا ما حرم الله عليهم سواهما
قلت لكن الذي ذكره الواحدي في سبب نزول الآية ما في الصحيحين عن أنس كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة رضي الله عنه وكان خمرهم يومئذ الفضيخ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي ألا أن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة اخرج فأرهقها فهرقتها في سكك المدينة فقال بعض القوم قد قتل فلان وفلان وفلان وهي في بطونهم فأنزل الله { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } وفي مسند الآية
____________________
(3/436)
أحمد عن أبي هريرة قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فساقه إلى أن قال فننزلت { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر } الآية فقالوا انتهينا يا رب وقال الناس يا رسول الله ناس قتلوا في سبيل الله وماتوا على فرشهم كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان فأنزل الله تعالى { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الآية وهذا إنما يفيد أن سبب نزولها القول المذكور نفيا للحرج عن الشاربين قبل التحريم
نعم الظاهر أن هذا الحكم لا خلاف فيه
بخلافه
أي الخطاب النازل
بعد الانتشار
فإن جهله ليس بعذر
لأنه
أي جهله إنما هو
لتقصيره
في معرفته
كمن لم يطلب الماء في العمران فتيمم وصلى لا يصح لقيام دليل الوجود
وهو العمران لأنه لا يخلو عن الماء غالبا
وتركه العمل
بالدليل وهو طلبه فيه وهذا إذا لم يستكشف الحال أو استكشفه فوجد الماء فيه أما لو استكشفه فلم يجده فيه فالظاهر الجواز كما صرح به في بعض الحواشي لظهور انتفاء ذلك في الظاهر وهذا بخلاف ما لو ترك الطلب في المفازة على ظن العدم فتيمم وصلى حيث جازت صلاته لأنه لم يلزمه الطلب لأنها مظنة العدم لا الوجود
وكذا الجهل
للإنسان
بأنه وكيل أو مأذون
من سيده إذا كان عبدا
عذر حتى لا ينفذ تصرفهما
الموكل والمولى قبل بلوغ الوكالة والإذن إليهما
ويتوقف
نفاذ تصرفهما عليهما على إجازتهما
كالفضولي
أي كتوقف نفاذ تصرفه على من تصرف له على إجازته بشرطها كما عرف في موضعه بأن في التوكيل والإذن نوع إلزام على الوكيل والمأذون حيث يلزمهما حقوق العقد من التسليم والتسلم والمطالبة وغيرها فلا يثبت حكم الوكالة والإذن في حقهما قبل العلم دفعا للضرر عنهما وإذا كانت أحكام الشرع مع كمال ولايته لا تثبت في حق المكلف قبل علمه فأولى أن لا يلزم حكم المكلف الذي هو قاصر الولاية على غيره بدون علمه
إلا في شراء الوكيل
فإنه لا يتوقف نفاذ شرائه على إجازة الموكل بل
ينفذ
شراؤه
على نفسه
ولو كان ذلك الشيء بعينه كانت الوكالة به
كما عرف
من أن العقد إذا وجد نفاذا على العاقد نفذ عليه
قلت كذا ذكر كثير من المشايخ في الأصول هذا الحكم لجهلهما بالوكالة والأذن وزاد صدر الشريعة معنى قول المصنف كالفضولي الخ وعليهم جميعا أمران أحدهما أن في النهاية وغيرها أعلم أن الروايات اتفقت أن الوكالة إذا ثبتت قصدا لا تثبت بدون العلم أما إذا ثبتت في ضمن أمر الحاضر بالتصرف بأن قال لغيره اشتر عبدي من فلان لنفسك أو لعبده انطلق إلى فلان ليعتقك أو لامرأته انطلقي إلى فلان ليطلقك فاشتري من فلان أو أعتق أو طلق فلان بدون العلم جاز
ثم قال والحاصل أن الوكيل هل يصير وكيلا قبل العلم بالوكالة أم لا فيه روايتان في رواية الزيادات لا يصير وفي رواية وكالة الأصل يصير كذا في المحيط
نعم في الخلاصة من أصحابنا من قال تأويله إذا علم اه
فإن تم هذا وإلا فينبغي أن
____________________
(3/437)
يقيدوا بالوكالة القصدية اللهم إلا إذا أختير رواية الزيادات ثم في شرح الجامع الصغير لقاضيخان وعن أبي يوسف أن الوكالة بمنزلة الوصاية لا يشترط فيها العلم لأن كلا منهما إثبات الولاية اه
وهذا باطلاقه يعكر حكاية اتفاق الروايات المذكورة الثاني فى الخلاصة ولو قال لأهل السوق بايعوا عبدي هذا صار مأذونا وإن لم يعلم العبد به فعلى هذا لا يتم كون الجهل عذرا في صحة الإذن غير أن فيها أيضا ولو قال لآخر بع عبدك من ابني إن علم الابن صار مأذونا وإلا فلا ولا فرق بينهما مؤثر فيما يظهر ولا محيص في دفع المعارضة بينهما إلا بأن يكون في اشتراط العلم روايتان فيتخرج كل من هذين الفرعين على رواية وقد أشار إليهما فيها أيضا حيث قال في كتاب المأذون ولا يصير مأذونا إلا بالعلم فلو قال بايعوا عبدي فإني أذنت له في التجارة فبايعوه والعبد لا يعلم بذلك من أصحابنا من قال في المسألة روايتان اه
بقي الشأن فيما هو الأرجح منهما فإن تم كون الشارطة للعلم هي الراجحة فيها وإلا فينتفي التقيد بكون ذلك في رواية وعلى ما ذكره المصنف من الزيادة التي ذكر معناها صدر الشريعة أن ظاهره يفيد أن شراء الفضولي لا ينفذ عليه مطلقا وليس كذلك ففي الخلاصة وفي الفتاوى الصغرى الفضولي إذا اشترى شيئا لغيره هذا على وجوه إن قال البائع بعت هذا من فلان وقال الفضولي قبلت أو اشتريت لفلان أو لم يقل لفلان يتوقف ولو قال بعت منك فقال الفضولي اشتريت أو قبلت لفلان لا يتوقف وينفذ عليه الاتفاق ولو قال الفضولي اشتريت ذا لفلان فقال البائع بعت منك الأصح إنه لا يتوقف بلا خلاف ولو قال البائع بعت منك هذا لأجل فلان وقال المشتري اشتريت أو قبلت أو قال المشتري اشتريت هذا لأجل فلان وقال البائع بعت لا يتوقف وينفذ بالاتفاق والله سبحانه أعلم
و
كذا الجهل
بالعزل
للوكيل
والحجر
على المأذون عذر في حقهما لخفاء الدليل لاستقلال الموكل بالعزل والمولي بالحجر ولزوم الضرر عليهما على تقدير ثبوتهما بدون علمهما إذ الوكيل يتصرف على أن يلزم تصرفه الموكل والعبد يتصرف على أن يقضي دينه من كسبه أو رقبته وبالعزل يلزم التصرف الوكيل وبالحجز يتأخر دين العبد إلى العتق ويؤدي بعده من خالص ملكه
فيصح تصرفهما
أي الوكيل والمأذون على الموكل والمولى قبل علمهما بالعزل والحجر قلت كذا ذكر في إلأصول ويحرر من كلامهم في الفروع أن هذا في العزل من الوكالة إذا كان قصديا أما في الحكمي وهو العزل بموت الموكل أو جنونه جنونا مطبقا أو لحاقه مرتدا بدار الحرب والحكم به أو بالحجر عليه إذا كان عبدا مأذونا وقد وكل ببيع أو شراء أو نحوهما أو بعجزه إذا كان مكاتبا أو بتصرفه فيما وكل ببيعه تصرفا يعجز الوكيل عن بيعه فلا يتوقف على العلم أما فيما عدا الأخير فلأن الوكالة تعتمد قيام أمر الموكل وقد بطلت هذه العوارض فبطل ما هو متفرع عليها وأما في الأخير فلفوات المحل ولعلهم لم
____________________
(3/438)
يقيدوا بذلك اعتمادا على ذكرهم له في الفروع ولا شك أن الأولى التقيد به فليتنبه له
ثم إنما يتوقف أنحجار المأذون على علمه بالحجر إذا لم يكن علم بالإذن غيره أما إذا كان الإذن مشهورا لا ينحجر إلا بشهرة حجره عند أهل سوقه و أكثره دفعا للضرر عنهم على تقدير نفاذه بدون علمهم لأنهم يبايعونه بناء على ظن تعلق حقهم بكسبه ورقبته لما عرفوه من الإذن والحال أن حقهم يتأخر إلى ما بعد الحرية فليتنبه لهذا أيضا
و
كذا
جهل المولى بجناية العبد
جناية خطأ عذر للمولى في عدم تعين لزوم الفداء مطلقا له إذا أخرجه عن ملكه قبل علمه بها
فلا يكون
المولى
ببيعه أي العبد قبل علمه بها
مختارا للفداء
وهو الأرش الذي هو أحد الأمرين اللذين هو خير فيهما وهو الدفع والفداء بل يجب عليه الأقل من القيمة والأرش لخفاء الدليل في حقه لاستقلال العبد بالجناية
و
كذا جهل
الشفيع بالبيع
لما يشفع فيه عذر له في عدم سقوط شفعته إذا أخرج عن ملكه ما يشفع به قبل علمه بالبيع
فلو باع الدار المشفوع بها بعد بيع دار بجوارها
هو شفيعها
غير عالم
ببيع المشفوع فيها
لا يكون
بيعه المشفوع بها
تسليما للشفعة
في المشفوع فيها بل له الشفعة فيهما إذا علم بالبيع لأن دليل العلم خفي لانفراد صاحب الملك ببيعه
و
كذا جهل
الأمة المنكوحة
عذر لها في عدم سقوط خيار العتق لها
إذا جهلت عتق المولى فلم تفسخ
النكاح
أو علمته
أي عتق المولى
وجهلت ثبوت الخيار لها شرعا لا يبطل خيارها وعذرت
فيكون لها الخيار في مجلس علمها لخفاء الدليل في حقها أما في الأول فلأن المولى مستقل بالعتق ولا يمكنها الوقوف عليه قبل الإخبار وأما في الثاني فلاشتغالها بخدمة المولى فلا تتفرغ بمعرفة أحكام الشرع في مثله فلا يقوم اشتهار الدليل في دار الإسلام مقام علمها
بخلاف الحرة زوجها غير الأب والجد
حال كونها
صغيرة فبلغت جاهلة بثبوت حق الفسخ
أي فسخ النكاح
لها
إذا بلغت فلم تفسخه
لا تعذر
بهذا الجهل بهذا الحكم فلا يكون لها حق الفسخ به
لأن الدار دار العلم وليس للحرة ما يشغلها عن التعلم فكان جهلها
بهذا الحكم
لتقصيرها
في التعلم
بخلاف الأمة
كما ذكرنا فافترقتا وإنما قيد بغير الأب والجد يعني الصحيح كما هو المراد عند الإطلاق لأنه لا خيار لها ببلوغ في تزويج أحدهما إياها لكمال رأيهما ووفور شفقتهما بخلاف من سواهما وقد شمل قوله المذكور الأم والقاضي حيث كانت لها ولاية تزويجها على ما هو الصحيح فيه لعدم كمال الرأي في الأم وعدم وفور الشفقة في القاضي والله تعالى أعلم
مسألة المجتهد بعد اجتهاده في واقعة أدى اجتهاده فيها إلى
حكم ممنوع من التقليد
لغيره من المجتهدين
فيه
أي في حكم الواقعة
اتفاقا
لوجوب اتباع اجتهاده
والخلاف
إنما هو في تقليده لغيره منهم
قبله
أي اجتهاده في تلك الواقعة
والأكثر
من العلماء على أنه
ممنوع
من تقليد غيره فيها مطلقا منهم أبو يوسف ومحمد على ما ذكر أبو بكر الرازي
____________________
(3/439)
وأبو منصور البغدادي ومالك على ما في أصول ابن مفلح
وذكر البابجي أنه قول أكثر المالكية والأشبه بمذهب مالك والشافعي فى الجديد على ما في أصول ابن مفلح وذكر الروياني أنه مذهب عامة الشافعية وظاهر نص الشافعي وأحمد وأكثر أصحابه واختاره الرازي والآمدي وابن الحاجب ويشكل على ما عن أبي يوسف ما في القنية أن أبا يوسف صلى بالناس الجمعة وتفرقوا ثم أخبر بوجود فأرة ميتة في بئر حمام اغتسل منه فقال نأخذ بقول اصحابنا من أهل المدينة إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا انتهى
وما عن ابن سريج
ممنوع من التقليد
إلا إن تعذر عليه
الاجتهاد في الواقعة فلا يكون ممنوعا بل يتعين
ولا ينبغي أن يختلف فيه
إذ الظاهر أن المسألة مفروضة فيما إذا كان متمكنا من الاجتهاد فلا ينبغي أن يعد هذا قولا آخر كما عدوه ثم الذي حكاه اللآمدي عن ابن سريج يجوز تقليد الأعلم إذا تعذر عليه وجه الاجتهاد هذا ويظهر أن خوف فوت وقت العمل بالحادثة من أسباب تعذر الاجتهاد ثم رأيت عن صاحب المعتمد نقله بخصوصه عنه ويؤيده جزم السبكي بمنعه من الاجتهاد في هذا عن ابن سريج وبطريق أولى أن يكون خوف فوت العمل بالحادثة أصلا من أسباب تعذر الاجتهاد فلا ينبغي أن يعد كل منهما قولا آخر ويستمتع خلاف الأول أيضا
وقيل لا
يمنع من التقليد مطلقا وعليه سفيان الثوري وإسحاق وأبو حنيفة على ما ذكر الكرخي والرازي
قال القرطبي وهو الذي ظهر من تمسكات مالك في الموطأ وعزاه أبو إسحاق الشيرازي إلى أحمد قال بعض الحنابلة ولا يعرف
وقيل
يمنع من التقليد
فيما يفتي به
غيره
لا فيما يخصه
أي يكون الغرض من الاجتهاد تحصيل رأي فيما يستقل بعلمه لا فيما يفتي به لغيره وليس المراد به اختصاص الحكم بالمجتهد بحيث لا يعم غيره من المكلفين وهذا حكاه ابن القاص عن ابن سريج وغيره عن أهل العراق
وقيل
يمنع من التقليد
فيه
أي فيما يخصه أيضا إلا أن خشي الفوت كأن ضاق وقت صلاة والاجتهاد فيها
أي في صلاته
يفوتها
فإنه يجوز له أن يقلد مجتهدا آخر ويعمل بقوله لئلا تفوت بفوات وقتها لو اشتغل بالاجتهاد فيها وهو عن ابن سريج وهذا ما تقدم الوعد به
وعن أبي حنيفة روايتان
إحداهما الجواز كما تقدم والأخرى المنع
وعن محمد يقلد
مجتهدا
أعلم منه
لا أدون منه ولا مساوي له نقله عنه القاضي والروياني والكيا قال وربما قال إنهما سواء ونقله أبو بكر الرازي عن الكرخي وقال إنه ضرب من الاجتهاد
والشافعي
في القديم
والجبائي
وابنه أيضا قالوا
يجوز
تقليد غيره
إن
كان الغير
صحابيا راجحا
في نظره على غيره ممن خالف من الصحابة
فإن استووا
أي الصحابة في الدرجة في نظره واختلفت فتواهم
تخير
فيقلد أيهم شاء ولايجوز له تقليد من عداهم ذكره ابن الحاجب وغيره قال الصفي الهندي وقضيته أن لا يجوز للصحابة تقليد بعضهم بعضا وهذا
من الشافعي
رواية عنه
أي الشافعي
في تقليد الصحابي
وهذا هو المذكور في رسالته
القديمة قال الأبهري
____________________
(3/440)
والمشهور من مذهبه عدم جواز تقليده للغير مطلقا وقيل يجوز تقليد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لا غيرهما مطلقا ونقل أبو منصور والبغدادي وإمام الحرمين عن أحمد أنه يجوز تقليد الصحابة ولا يقلد أحدا بعدهم غير عمر بن عبد العزيز واستغربه بعض الحنابلة
وقيل
يجوز تقليده للغير صحابيا
وتابعيا
دون غيرهما وعزا هذا في جامع الأسرار إلى الحنفية لكن بلفظ أو خيار التابعين وقيل يجوز للقاضي لا غيره لحاجته في فصل الخصومات إلى إنجازه بخلاف غيره
لأكثر الجواز
للتقليد
حكم شرعي فيفتقر إلى دليل
لأن القول في الدين بلا دليل باطل
ولم يثبت
الدليل والأصل عدمه
فلا يثبت
الجواز
ودفع
هذا من قبل المجوزين
بأنه
أي الجواز
الإباحة الأصلية
وهي ليست بحكم شرعي
بخلاف تحريمكم
التقليد فإنه حكم شرعي
فهو المفتقر
إلى الدليل ولم يثبت فلا يثبت غير أن هذا لا يتم على بعض الحنفية القائلين بأن الإباحة الأصلية حكم شرعي كما تقدم عنهم في النسخ
وأما
الدفع من الأكثر
بأن الاجتهاد أصل والتقليد بدل
عنه
فيتوقف
التقليد
على عدمه
أي الاجتهاد إذ لا يجوز الأخذ بالبدل مع التمكن من المبدل كالوضوء والتيمم فمنع بل كل
منهما
أصل
بمعنى أن المجتهد مخير فيهما كما في مسح الخف وغسل الرجل
فإن تم إثبات البدلية
للتقليد عن الاجتهاد
بعموم
قوله تعالى { فاعتبروا يا أولي الأبصار } لأنه يفيد الأمر بالاجتهاد وهو شامل العامي والمجتهد إلا أن ترك العمل به بالنسبة إلى العامي لعجزه عنه فيبقى معمولا به في حق المجتهد
ثم
الدفع المذكور
وإلا
إذا لم يتم إثبات البدلية بهذا
لا
يتم الدفع المذكور لتوقفه على ثبوت البدلية ولم يثبت بهذا والأصل عدم الثبوت
واستدل
للأكثر
لا يجوز
التقليد
بعده
أي الاجتهاد
فكذا
لا يجوز التقليد
قبله
أي الاجتهاد
لوجود الجامع
في المنع بينهما
وهو
أي الجامع
كونه
أي المقلد
مجتهدا أجيب بأنه
أي الموجب
في الأصل
أي العلة بالاجتهاد بعد الاجتهاد
إعمال الأرجح وهو ظن نفسه
بطريق الاجتهاد فإنه أقوى من ظنه بفتوى غيره لأن الغير يحتمل أن لا يكون صادقا فيما أخبر به عن اجتهاده والمجتهد لا يكابر نفسه فيما أدى إليه اجتهاده وهذا مقصود في الفرع وهو العمل بالاجتهاد قبل الاجتهاد لا كونه مجتهدا فلم يوجد الجامع بينهما واحتج
الشافعي
بقوله صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم فإنه يعلم منه أن إقتداء المجتهد بهم لا يكون ممنوعا إذ لا يمنع الشخص من الاهتداء قال المصنف
ويبعد
الاحتجاج به
منه
أي الشافعي
لأنه
أي هذا
لم يثبت
عن النبي صلى الله عليه وسلم كما بسطنا القول فيه في الاجماع
ولو ثبت تقدم جوابه
في ذيل مسألة الحكم في المسألة الاجتهادية حيث قال أجيب بأنه هدى من وجه فتناوله
قلت لكن لا خفاء في أن هذا لايفيد منع المجتهد الغير الصحابي من تقليد الصحابي بل هذا الجواب يقرر جواز تقليد غير الصحابي مطلقا أعني سواء كان غير مجتهد
____________________
(3/441)
أو مجتهدا قبل اجتهاده أو بعده للصحابي مطلقا أعني سواء كان مجتهدا أو لا كما هو ظاهر عموم بأيهم اقتديم اهتديتم لكنه متروك الظاهر بالنسبة إلى المجتهد بعد الاجتهاد إذ لا تقليد له بعد وبالنسبة إلى غير المجتهد إذ لا تقليد إلا لمجتهد فيبقى على عمومه بالنسبة إلى ما عدا هذين
ثم غير خاف أنه غير متعرض لمنع تقليد مجتهد غير صحابي لمجتهد غير صحابي وهو من المطلوب فالحق أنه لو ثبت لكان مثبتا لجزء المطلوب وهو جواز تقليد مجتهد غيرصحابي قبل اجتهاده لمجتهد صحابي إذ المطلوب جواز تقليد المجتهد قبل اجتهاده لمجتهد آخر مطلقا والله سبحانه أعلم
المجوز للتقليد مطلقا قال هو وموافقوه أولا أمر الله تعالى ليس من أهل العلم بسؤال أهل العلم فيما لا يعلم فقال تعالى { فاسألوا أهل الذكر } أي العلم بدليل { إن كنتم تعلمون } فيفيد وجوب سؤال المجتهدين لأنهم أهل العلم فيما لا يعلم وأدنى درجاته جواز اتباع المسؤول فيما أجاب وإلا لما كان للسؤال فائدة ولا معنى لجواز تقليده إلا العلم بقوله وليس المراد بالسائل من لا يعلم شيئا أصلا بل من لا يعلم بحكم المسألة
وقيل الاجتهاد لا يعلم
المجتهد المجتهد فيه فشمله طلب سؤال أهل الذكر فشمله أيضا ما يترتب عليه غايته أنه لم يتعين عليه سؤال غيره لتمكنه من العلم بحكم المسألة من اجتهاده أيضا فكان مع مجتهد غيره كمجتهدين بالنسبة إلى العامي فيسوغ له الرجوع إلى كل من اجتهاده واجتهاد غيره كما يجوز للعامي الرجوع إلى كل من اجتهادي مجتهدين
أجيب بأن الخطاب للمقلدين إذ المعنى ليسأل أهل العلم من ليس أهله بقرينة مقابلة من لا يعلم بمن هو أهل
للعلم
وأهل العلم من له الملكة
أي القدرة على تحصيل العلم بأهليته فيما يسأل عنه
لا بقيد خروج الممكن عنه
من الاقتدار
إلى الفعل
لأن أهل الشيء من هو متأهل له ومستعد له استعدادا قريبا لا من حصل ذلك الشيء له فيختص بالمقلد
قالوا
ثانيا
المعتبر الظن
فإن المجتهد باجتهاده لا يقدر على غيره
وهو
أي الظن
حاصل بفتوى غيره
فيجب العمل به
أجيب بأن ظنه اجتهاده
بنصب الدال أما بنزع الخافض أي باجتهاده أو على أنه بدل من ظنه
أقوى
من ظنه بفتوى غيره فيجب الراجح
فإن قيل ثبت
في الفروع
عن أبي حنيفة في القاضي المجتهد يقضي بغير رأيه ذاكرا له
أي لرأيه
نفذ
قضاؤه
خلافا لصاحبيه فيبطل
بهذا الثابت عنه
نقل الاتفاق على المنع
من التقليد
بعده
أي الاجتهاد
إذ ليس التقليد إلا العمل أو الفتوى بقول غيره
وقد وجد هذا من القاضي المذكور على أنه
وإن ذكر فيها
أي في هذه المسألة
اختلاف الرواية
عن أبي حنيفه فعنه ينفذ وجعلها في الخانية أظهر الروايات لأن رأيه يحتمل الخطأ وإن كان الظاهر عنده أنه الصواب ورأي غيره يحتمل الصواب وإن كان الظاهر عنده خطأه فليس واحد منهما خطأ بيقين فكان حاصله قضاء في محل مجتهد فيه فينفذ وبه أخذ الصدر الشهيد والإمام أبو بكر محمد بن الفضل وظهير الدين المرغيناني وعنه لا ينفذ لأن قضاءه به مع أعتقاده أنه غير
____________________
(3/442)
حق عبث فلا يعتبر كمن اشتبهت عليه القبلة فوقع تحريه إلى جهة فصلى إلى غيرها لا يصح لاعتقاده خطأ نفسه وبه أخذ شمس الأئمة الأوزجندي
فقد صحح أنه
أي نفاذ القضاء
مذهبه
أي أبي حنيفة ففي الفصول العمادية وهو الصحيح من مذهبه
قلنا النفاذ بتقدير الفعل لا يوجب حله
أي الفعل
نعم ذكر بعضهم
وهو صاحب المحيط
أنه ذكر الخلاف في بعض المواضع في النفاذ وفي بعضها
ذكر الخلاف
في الحل
أي حل الإقدام على القضاء بخلاف مذهبه
لكن لا يلزم أن المعول الحل بل يجب ترجيح رواية النفي
للحل لما تقدم فى وجهها ولأن المجتهد مأمور بالعمل بمقتضى ظنه إجماعا وهذا خلاف مقتضى ظنه وعمله هنا ليس إلا قضاءه فلا جرم أن نص صاحب الهداية والمحيط على أن الفتوى على قولما بعدم النفاذ في العمد والنسيان وهو مقدم على ما في الفتاوي الصغرى والخانية من أن الفتوى على قوله
وصرح بأن ظاهر المذهب عدم تقليد التابعي وإن روي خلافه
كما تقدم بيانه قبيل فصل التعارض فكون عدم تقليد غيره ظاهر المذهب أولى والله سبحانه أعلم
مسألة إذا
وقعت واقعة فاجتهد المجتهد فيها وأدى اجتهاده إلى حكم معين لها ثم
تكررت الواقعة
هل يجب عليه تكرير النظر وتجديد الاجتهاد فيها أم يكفي الاجتهاد الأول
قيل
والقائل ابن الحاجب وابن الساعاتي
المختار لا يلزمه تكرير النظر لأنه
أي إلزامه به
إيجاب بلا موجب وقيل يلزمه
تكرير النظر وبه جزم القاضي وابن عقيل وقال إلا يكون مقلدا لنفسه لاحتمال تغير اجتهاده وفيه ما لا يخفى وقال وكالقبلة يجتهد لها ثانيا وفيه أيضا بحث وقيل
لأن الاجتهاد كثيرا ما يتغير
فيرجع صاحبه عنه إلى غيره كما رجع الشافعي عن القديم إلى الجديد
وليس
تغيره
إلا بتكريره
أي النظر
فالاحتياط ذلك
أي تكريره فإن تغير أفتى بما أدى إليه أجتهاده ثانيا وإن لم يتغير استمر ظنه بالاجتهاد الأول وأفتي به
أجيب فيجب تكراره
أي النظر
أبدا لأنه
أي الاجتهاد
يحتمل ذلك
أي التغير
في كل وقت يمضي بعد الاجتهاد الأول
والوجوب الأبدي له باطل أتفاقا
قال المصنف
وهذا
اللازم
ليس بلازم لأن وجوب الاجتهاد لا يثبت إلا عند الحادثة بشرطه
أي وجوبه
فقد أخذ السبب حكمه
بالاجتهاد الأول عندها
واحتمال الخطأ فيه لم يقدح
فيه بعد ذلك
فلا يجب
الاجتهاد
الآخر إلا بمثله
أي الأول من وجود السبب والشرط بقي الشأن في أن تكرارها هل هو سبب موجب للنظر ثانيا فيها مستجمع لشرط وجوبه لم يفصح المصنف به وقال الآمدي المختار أنه إن لم يكن ذاكرا لاجتهاده الأول فيجب وإلا فلا واختاره أبو الخطاب من الحنابلة وقال السبكي وأعلن أن الأصح في مذهبنا لزوم التجديد والمسألة مفروضة فيما إذا لم يكن ذاكر الدليل الأول ولم يتجدد ما قد يوجب رجوعه فإن كان ذاكرا لم يلزمه قطعا وإن تجدد ما قد يوجب الرجوع لزمه قطعا انتهى
قلت وسبقه إليه النووي ثم الظاهر أن المراد فإن كان ذاكرا ولم يتجدد ما قد يوجب
____________________
(3/443)
الرجوع عما ظهر له بالاجتهاد الأول وحذفه لقرينة مقابله فإنه يفيد أنه إن تجدد ما قد يوجب الرجوع عنه لزمه سواء كان ذاكرا للدليل الأول أو لا وإن كان في لزومه مع ذكر الدليل الأول مطلقا نظر فلا جرم أن قال متأخر منهم فإن كان الأول راجحأ على ما يقتضي الرجوع عمل بالأول ولا يعد الاجتهاد وإلا أعاد بخلاف ما إذا لم يكن ذاكرا له فإن الأخذ بالأول من غير نظر يكون أخذا بشيء من غير دليل عليه إذ لا ثقة ببقاء الظن منه في هذه الحالة على ما فيه من تأمل
ومن ثمه حكي فيه قول بالمنع بناء على أن الظن السابق قوي فيعمل به لأن الأصل عدم رجحان غيره وقال شريح الروياني في روضة الحكام اجتهد لنازلة فحكم أو لم يحكم ثم حدثت ثانيا فيه وجهان الصحيح إذا كان الزمان قريبا لا يختلف في مثله الاجتهاد لا يستأنفه وإن تطاول استأنف وذكر الشافعية أيضا في العامي يستفتي المجتهد في واقعة ثم تقع له ثانيا إن علم أنه أفتاه عن نص كتاب أو سنة أو إجماع أو كان قد يتحرى في مذهب واحد من أئمة السلف ولم يبلغ رتبة الاجتهاد فأفتاه عن نص صاحب المذهب فله أن يعمل بالفتوى الأولى وإن علم أنه أفتاه عن اجتهاد أو شك في ذلك فوجهان أصحهما يلزمه السؤال ثانيا لاحتمال تغير اجتهاد المجتهد قال الرافعي وهذا عندي إذا مضت مدة من الفتوى الأولى يجوز تغير الاجتهاد فيها غالبا فإن قربت لم يلزمه الاستفتاء ثانيا وقال النووي محل الخلاف ما لم يكثر وقوع هذه المسألة فإن كثر لم يجب على العامي تجديد السؤال قطعا وخص ابن الصلاح الخلاف بما إذا قلد حيا وقطع فيما إذا كان خبرا عن ميت أنه لم يلزم العامي تجديد السؤال وهو ظاهر الرافعي وأفاد في جمع الجوامع أنه يلزمه لاحتمال مخالفة ما ذكر أولا بإطلاعه على مايخالفه من نص الإمام وفيه نظر
مسألة
قال عامة العلماء
لايصح في مسألة لمجتهد
بل لعاقل في وقت واحد
قولان
متناقضان
للتناقض فإن عرف المتأخر
منهما
تعين
أن يكون ذلك
رجوعا
عن الأول إليه
وإلا
لو لم يعرف المتأخر
وجب ترجيح المجتهد بعده
أي ذلك المجتهد لأحدهما
بشهادة قلبه
كما في تعارض القياسين
وعند بعض الشافعية يخير متبعه المقلد في العمل بأيهما شاء كذا في بعض كتب الحنفية المشهورة وكأن المراد بالمجتهد
المذكور المجتهد
في المذهب وإلا فترجيح
المجتهد
المطلق بشهادته
أي قلبه
فيما عن
أي ظهر
له
نفسه
والترجيح هنا
لأحدهما إنما هو
على أنه المعول
عليه
لصاحبهما
أي القولين
وقول البعض
من الشافعية
يخير المتبع في العمل
بأيهما شاء
ليس خلافا
لما قبله
بل )
هو
محل آخر ذكره ذلك البعض بالنسبة إلى غير المجتهد في حق العمل لا الترجيح
لأحدهما فليتنبه له
وفي بعضها
أي كتب الحنفية
إن لم يعرف تاريخ
للقولين
فإن نقل في أحد القولين عنه
أي المجتهد
ما يقويه فهو
أي ذلك المقوي هو
الصحيح عنده
أي المجتهد
وإلا
إذا لم ينقل عنه ما يقوي أحدهما
إن كان
أي وجد
متبع بلغ الاجتهاد
في المذهب
____________________
(3/444)
كما تقدم
رجح بما مر من المرجحات إن وجد وإلا
إذا لم يجد
يعمل بأيهما شاء بشهادة قلبه وإن كان عاميا اتبع فتوى المفتي فيه الأتقى الأعلم بالتسامع وإن
كان
متفقها تبع المتأخرين وعلم بما هو أصوب وأحوط عنده
وملخص ما ذكره الإمام الرازي وأتباعه أنه إن نقل عن مجتهد واحد في حكم واحد قولان متنافيان فله حالان
الحالة الأولى أن يكون في موضع واحد كفي هذه المسألة قولان فيستحيل أن يكونا مرادين له لاستحالة اجتماع النقيضين فإن ذكر عقب أحدهما ما يدل على تقويته كهذا أشبه أو تفريع عليه فهو مذهبه وإلا فهو متوقف وحينئذ فلعله يريد بقولين احتمالهما لوجود دليلين متساويين أو مذهبهم لمجتهدين
الحالة الثانية أن يكون في موضعين بأن ينص في كتاب على إباحة شيء وفي آخر على تحريمه فإن علم المتأخر فهو مذهبه ويكون الأول منسوخا وإلا حكى عن هـ القولان من غير أن يحكم على أحدهما بالرجوع
وإذ نقل قول الشافعي في سبع عشرة مسألة فيها قولان
كما ذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي عن الشيخ أبي حامد أو في بضع عشرة ست عشر أو سبع عشرة كما قال القاضي أبو حامد المروزي أو في ست عشرة كما نقله القاضي أبو الطيب عن الأصحاب أو فيما لا يبلغ عشرا كما نقلة الباقلاني في مختصر التقريب عن المحققين
حمل على أن للعلماء قولين
فيهما فقال بعضهم بذا وبعضهم بذا فيحكى قولهم وفائدته أن لا يتوهم من أراد من المجتهدين الذهاب إلى أحدهما أنه خارق للإجماع وقيل التنبيه على أن ما سواهما لا يؤخذ به فيطلب ترجيح أحدهما
أو يحتملهما
لوجود تعادل الدليلين عنده
وأيا ما كان فلا ينسب إليه شيء منهما ذكره الإمام الرازي وأتباعه وقيل يجب اعتقاد نسبة أحدهما إليه ورجوع عن الآخر غير عين دون نسبتهما جميعا ويمتنع العمل بهما حينئذ حتى يتبين كالنصين إذا علمنا نسخ أحدهما غير معين وهذا قول الآمدي قال الزركشي وهو أحسن من الذي قبله وإن كان خلاف عمل الفقهاء
أولى فيها
قولان
على القول بالتخيير عند التعادل
بين الدليلين قاله القاضي في التقريب وتعقبه إمام الحرمين بأنه بناء على إعتقاده أن مذهب الشافعي تصويب المجتهدين لكن الصحيح من مذهبه أن المصيب واحد فلا يمكن القول منه بالتخيير وأيضا فيكون القولان بتحريم وإباحة ويستحيل التخيير بينهما
أو تقدما
أي القولان
لي
فيحكي قوليه المرتبين في الزمان المتقدم قال إمام الحرمين وعندي أنه حيث نص على قولين في موضع واحد فليس له فيه مذهب وإنما ذكرهما ليتروى فيهما وعدم اختياره لأحدهما ولا يكون ذلك خطأ منه بل يدل على علو رتبة الرجل وتوسعه في العلم وعلمه بطريق الأشباه فإن قيل فلا معنى لقولكم للشافعي قولان إذ ليس له في هذه المسألة قول ولا قولان على هذا قلنا هكذا نقول ولا نتحاشا منه وإنما وجه الإضافة إلى الشافعي ذكره لهما واستقصاؤه وجوه الأشباه فيهما ووافقه الغزالي على هذا والله سبحانه أعلم
____________________
(3/445)
تنبيه وأما اختلاف الرواية عن أبي حنيفة وأحمد فليس من باب القولين للقطع فيهما بأن الشافعي نص عليهما بخلاف الروايتين وأن الاختلاف فيهما من جهة المنقول عنه لا الناقل والاختلاف في الروايتين بالعكس وذكر الإمام أبو بكر البليغي في الغرر أن الاختلاف في الرواية عن أبي حنيفة من وجوه منه الغلط في السماع كأن يجيب بحرف النفي إذا سئل عن حادثة ويقول لا يجوز فيتشبه على الراوي فينقل ما سمع ومنها أن يكون له قول قد رجع عنه ويعلم بعض من يختلف إليه رجوعه فيروي الثاني والآخر لم يعلمه فيروي الأول
قلت وهذا أقرب من الأول ومنها أن يكون قال الثاني على وجه القياس ثم قال ذلك على وجه الاستحسان فيسمع كل واحد أحد القولين فينقل كما سمع
قلت وهذا لا بأس به أيضا غير أن تعيين أن يكون الثاني على وجه القياس غير ظاهر بل الظاهر أن الذي يكون على وجه القياس غالبا هو الأول غالبا لما تقرر أن القياس مقدم على الاستحسان إلا في مسائل فالقياس بمنزلة القول المرجوع عنه والاستحسان بمنزلة القول المرجوع إليه والمرجوع عنه قبل المرجوع إليه على أن الأولى أن يقال قال أحدهما على وجه القياس والآخر على وجه الاستحسان فيسمع كل كلا فينقله ثم إن هذا إنما يتأتى فيما يتأتى فيه كلاهما ولم يكن في إحداهما قياس وإستحسان هي ماشية على إحداهما ومنها أن يكون الجواب في المسألة من وجهين من جهة الحكم ومن جهة البراءة الاحتياط فينقل كما سمع
قلت ثم لا يخفي أن المراد ما فيه روايتان لا يخرج عن أحد هذه الموارد لا أن كلا مما فيه ذلك يتخرج على كل منهما وحينئذ لا بأس بعدم اطراد كل في كل مافيه روايتان فإن الظاهر أن كل ما فيه روايتان صالح لأحدهما وهو المطلوب والله سبحانه أعلم
مسألة لا ينقض حكم اجتهادي أي ما كان من الأحكام الشرعية دليله ظني فخرج العقليى واللغوي وغيرهما وما دليله قطعي
صحيح
فخرج غيره ثم يظهر أن الوجه إسقاط
إذا لم يخالف ما ذكر أي الكتاب والسنة والإجماع والقياس لأنه لا يكون صحيحا مع مخالفته لقطعي منها وينقض إذا خالف قطعيا منها اتفاقا ولا ينقض لمخالفته لظني منها لتساويهما في الرتبة ثم لا فرق بين أن يكون حكم نفسه بأن تغير اجتهاده أو حكم غيره بأن خالف أجتهاده صح اجتهاده اتفاقا
وإلا
لو نقض بخلافه
نقض
ذلك
النقض بخلافه أيضا
وتسلسل
إذ يجوز نقض الحكم الذي هو النقض وهكذا لا إلى نهاية
فيفوت نصب الحاكم من قطع المنازعات
لاضطراب الأحكام وعدم الوثوق بها ثم كذا حكي الاتفاق المذكور ابن الحاجب والآمدي وغيرهما فلا يتم حينئذ تجويز ابن القاسم نقض ما بان أن غيره صواب
وفي أصول الشافعية لو حكم حاكم مجتهد
بخلاف اجتهاده وإن
كان الحاكم المجتهد
مقلدا فيه
أي في ذلك الحكم مجتهدا آخر
كان
ذلك الحكم
باطلا اتفاقا وعلل
كما في شرح العضد
بأنه يجب عليه العمل بظنه وعدم جواز تقليده
مع اجتهاده
إجماعا إنما
____________________
(3/446)
الخلاف
في جواز تقليده لمجتهد آخر
قبله
أي قبل اجتهاده
على ما مر
فيما قبل قبلها
وأنت علمت قول أبي حنيفة بنفاد قضائه على خلاف اجتهاده فبطل
اتفاق
عدم نفاذه وأن في التقليد
لغيره
بعد الاجتهاد
منه
روايتين
عن أبي حنيفة أيضا
ثم عدم حل التقليد
على ما قيل أن الخلاف فيه
لا يستلزم عدم النفاذ لو ارتكب
التقليد
فكم تصرف لا يحل يبتني عليه صحة ونفاذ الآخر
كعتق المشتري شراء فاسدا
وللشافعية فرع لو تزوج مجتهد
امرأة
بلا ولي
بناء على جوازه في اجتهاده
فتغير
اجتهاده بأن رآه غير جائز
فالمختار التحريم مطلقا
أي حكم الحاكم بالتحريم أم لا
لأنه مستديم لما يعتقده حراما
وهو باطل
وقيل
يحرم
بقيد أن لا يحكم به
أي بالجواز فإن حكم به لا يحرم
وإلا
لو حرم بعد حكم حاكم بجوازه
نقض الحكم
الجواز
بالاجتهاد المؤدي إلى التحريم والحكم لا ينقض بالاجتهاد
ولولا ما عن أبي يوسف
ما سيأتي
لحكم بأن
هذا
الخلاف خطأ وأن القيد
أي عدم
حكم الحاكم بالجواز
مراد المطلق
للتحريم
إذ لم ينقل خلاف في
المسألتين
السابقتين
في مسألة الجبائي ونسب إلى المعتزلة لا حكم في المسألة الاجتهادية الخ يعني في لزوم حل
المجتهدة
الحنفية
زوجة المجتهد
الشافعي له وحرمتها عليه إذا قال لها أنت بائن ثم راجعها
وحلها
أي المرأة التى تزوجها مجتهد بلا ولي ثم مجتهد بولي
للاثنين
أي المجتهدين المذكورين
ولأن القضاء يرفع حكم الخلاف لكن عنده
أي أبي يوسف
في مجتهد طلق البتة ونوى واحدة فقضى
عليه
بثلاث
بها
إن كان
المجتهد
مقضيا عليه لزم
أي وقع عليه الثلاث
أو
كان مقضيا
له أخذ بأشد الأمرين فلو قضى بالرجعة
له
ومعتقده البينونة يؤخذ بها
أي بالبينونة
فلم يرفع حكم رأيه بالقضاء مطلقا كقول محمد
فإنه قال يرفع مطلقا
ولو أن المتزوج مقلد ثم على تغير اجتهاد إمامه فالمختار كذلك
أي يحرم عليه كإمامه
ولو تغير اجتهاده في أثناء صلاته عمل في الباقي
من صلاته
به
أي باجتهاده الثاني
والأصل أن تغيره
أي الاجتهاد
كحدوث الناسخ يعمل به في المستقبل والماضي على الصحة
والحاصل أن حكم التغيير بالاجتهاد في العبادة والمعاملة واحد وهو أنه شبه الناسخ وابتنى عليه في العبادة الصحة في المستقبل وفي المعاملة فساده ذكره المصنف رحمه الله تعالى
مسألة في أصول الشافعية المختار جواز أن يقال للمجتهد احكم بما شئت
تعرف بمسألة التعريض
في أصول الشافعية المختار جواز أن يقال للمجتهد احكم بما شئت بلا اجتهاد فإنه صواب
أي موافق لحكمي بأن يلهمه إياه ويكون حكمه إذ ذاك من المدارك الشرعية حتى يكون قوله هذا حلال تعريفا لنا بأن الله حكم في الأزل بحله لا أنه ينشيء الحكم لأن ذلك من خصائص الربوبية قال ابن الصباغ وهو قول أكثر أهل العلم هذا والتعبير بالمجتهد موافق للآمدي وابن الحاجب وهو أخص من التعبير بالعالم والنبي كالبيضاوي والسبكي فإن المجتهد وإن عم النبي فهو أخص من العالم ثم
____________________
(3/447)
على كل يخرج العامي وقد ذكر الآمدي جوازه عقلا في حقه أيضا ومنعه غيره قيل للإجماع وقيل لفضل المجتهد وإكرامه ورد باستواء العامي وغيره هنا في الصواب لفرض أن ما يحكم به صواب وطريق وصوله إلى غير النبي إخبار النبي به وقيد بلا اجتهاد لأنه بالاجتهاد جائز للعلماء بلا خلاف وللنبي صلى الله عليه وسلم على ما فيه من خلاف كما تقدم
وتردد الشافعي
في الجواز على ما ذكر الآمدي والرازي قيل وهو في الرسالة واختاره الإمام وأتباعه وقيل يجوز للنبي دون غيره لأن رتبته لا تبلغ أن يقال له ذلك وذكر الآمدى أنه أحد قولي الجبائي واختاره ابن السمعاني وذكر أن كلام الشافعي في الرسالة يدل عليه وقال أكثر المعتزلة لا يجوز وقال أبو بكر الرازي إنه الصحيح إلا بطريق الاجتهاد وقد عرفت أن هذا لا خلاف فيه
ثم المختار
عند المجيزين كالآمدي وابن الحاجب
عدم الوقوع واستدلوا للتردد بتأديته
أي الجواز
إلى اختيار ما لا مصلحة فيه
لجهل المفوض إليه بوجود المصالح
فيكون باطلا
لأن الشارع لا يحكم بذلك
قال المصنف
وهذا
الدليل
يصلح للنفي
أي نفي الجواز
لا للتردد المفهوم منه الوقف ثم العجب منه
أي الشافعي كيف يتردد في الجواز
والفرض
قول الله تعالى ما تحكم به صواب ولا مانع من العقل
إذ لا يلزم من فرض وقوعه محال
والأليق أن تردده
أي الشافعي
في الوقوع
مع الجزم بالجواز
كما نقل عنه
وفي بحر الزركشي وهو الأصح نقلا
الوقوع
دليله قوله تعالى { كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه } فإنه لا يتصور تحريم يعقوب ما حرم من الطعام على نفسه إلا بتفويض التحريم إليه وإلا كان المحرم هو الله تعالى
أجيب لايلزم كونه
أي ما حرم إسرائيل على نفسه
عن تفويض
إليه فيه
لجوازه
أي كونه محرما عليه
عن اجتهاد في ظني
وإسناد التحريم إليه مجاز كما في نحو حرم أبو حنيفة كذا وأباحه الشافعي على أن الحاكم هو الله على كل حال والتفويض لا يقتضي إسناد الحكم إلى العبد وإنما يكون فعله علامة على ما ذكرنا وكلامنا في تفويض الحكم إلى المجتهد اختيارا من غير نظر فى مستنداته الشرعية لا اجتهادا
وقد يقال لو
كان تحريم ما حرم إسرائيل على نفسه عنه
أي عن اجتهاد ظني
لم يكن كله
أي الطعام
حلا
لبني إسرائيل
قبله
أي إنزال التوراة
لأن الدليل يظهر الحكم لا ينشئه لقدمه
أي الحكم فلا يتم الجواب المذكور
قال
القائل بالوقوع أيضا
قال عليه السلام
إن الله حرم مكة فلا تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار
لا يختلى خلاها
ولا يعضد شجرها ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف
فقال العباس
يا رسول الله
إلا الإذخر فقال إلا الإذخر
لفظ البخاري أي لا يقطع نباتها الرطب ولا شجرها والإذخر بالذال والخاء المعجمتين وكسر الهمزة والخاء
نبت طيب الرائحة معروف
ومثله
أي هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يكون عن وحي لزيادة السرعة
في الجواب مع عدم ظهور علامات نزوله
ولا اجتهاد
لذلك أيضا
أجيب بأحد
____________________
(3/448)
أمور كون الإذخر ليس منه
أى من الخلا أي لا يصلح لفظ الخلا له ليتناول الحكم والدليل الدال على إباحته استصحاب حال الحل
واستثناء العباس منقطع
وهو شائع سائغ ولو مجازا
وفائدته
أي هذا الاستثناء هنا
دفع توهم شموله
أي الإذخر
بالحكم الذي هو المنع
وتأكيد حاله
أي الإذخر الذي هو الحل
أو
كون الإذخر
منه
أي الخلا أي يصلح لفظ الخلاله
ولم يرده
النبى صلى الله عليه وسلم من عموم لفظ خلاها بناء على تخصيصه منه وصرف اللفظ عن ظاهره حيث أريد به بعض ما هو مدلوله
وفهم
العباس
عدمها
أي عدم إرادته منه
فصرح
بالمراد الذي هو قصر اللفظ على البعض تحقيقا لما فهمه
ليقرر عليه السلام
عليه فقال صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر ليقرر ما فهمه لا ليخرج من لفظ خلاها المذكور بعض ما هو داخل بحسب الدلالة غير داخل بحسب الحكم
أورد إذا لم يرد
الإذخر من دلالة لفظ الخلا
فكيف يستثنى
إذ المستثنى يجب أن يكون مرادا بحسب دلالة اللفظ غير مراد بحسب الحكم
أجيب بأنه
أي إلا الإذخر
ليس
مستثنى
من
الخلا
المذكور بل من مثله مقدرا
فكأن العباس قال لا يختلى خلافها إلا الإذخر وقرره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال
لا يختلى خلاها إلا الإذخر فالاستثناء والتقرير من خلاها المقدر لا المذكور والذي سوغ للعباس تقدير التكرير اتحاد معنى قولهما لا يختلى خلافها بحسب اللغة سواء كان الإذخر مرادا منه أو لم يكن قال المصنف
وهذا السؤال بناء على ما تقدم
في بحث الاستثناء
من اختيار أن المخرج
من الصدر
مراد بالصدر بعد دخوله
أي المخرج
في دلالته
أي الصدر عليه
ثم أخرج
المخرج من الصدر
ثم أسند
الحكم إلى الصدر كما هو مختار ابن الحاجب
ونحن وجهنا قول الجمهور أنه أي المخرج
لم يرد
بالصدر
وإلا قرينة عدم الإرادة
منه
كما هو بسائر التخصيصات فلا حاجة للسؤال وتكلف هذا الجواب وإما منه
والأحسن
أو منه أي من الخلا أي يصلح لفظه له
وأريد
الإذخر
بالحكم
الذي هو التحريم أيضا
ثم نسخ
تحريمه
بوحي كلمح البصر خصوصا على قول الحنفية إلهامه
صلى الله عليه وسلم وحي وهو إلقاء معنى في القلب دفعة
بلا واسطة عبارة الملك ولا إشارته مقرون بخلق علم ضروري أنه منه تعالى كما تقدم وكأنه إنما لم يذكره اكتفاء بتقدمه وظهور العلامات إنما يكون في الوحي المندرج لا فيما هو كلمح البصر أو كان إلهاما
وأورد الاستثناء يأباه
أي كونه منسوخا بوحي كلمح البصر لأن الاستثناء يمنع من الدخول في الحكم ومن شأن المنسوخ أن يكون داخلا في الحكم قبل النسخ
أجيب بأن الاستثناء من مقدر للعباس
مثل المذكور كما ذكرنا
لا مما ذكره عليه السلام والنسخ بعده
أي بعد ذكره صلى الله عليه وسلم مع ذكر العباس فذكره عليه السلام بعده
أي بعد ذكر العباس
ثم لا يخفى أن استثناء العباس من مقدر
مثل المذكور
على كل تقدير لأنه
أي استثناء العباس
تركيب متكمل آخر ووحدة المتكلم معتبرة في الكلام على ما هو الحق لاشتماله
أي الكلام
على النسبة الإسنادية ولا يتصور قيامها بنفسها بمحلين ومنه
أي
____________________
(3/449)
وكذا الاستثناء منه صلى الله عليه وسلم على الثاني
أي إن الإذخر من الخلا ولم يرد منه
قالوا
أي أي القائلون بالوقوع أيضا
قال عليه السلام لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم
بالسواك مع كل وضوء
أخرجه النسائي وابن خزيمة وعلقه البخاري جزما إلى غير ذلك فأضاف الأمر إلى نفسه وهو صريح في أن الأمر وعدمه إليه
وقال
أيضا
لقائل أحجنا هذا لعامنا أم للأبد فقال للأبد ولو قلت نعم لوجب
كذا ذكره ابن الحاجب وغير خاف أنه لا حاجة هنا إلى لفظ فقال ثم الحديث لم يحفظ بهذا السياق قال شيخنا الحافظ ملفق من حديثين حديث جابر بن عبد الله أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تسعا لم يحج ثم أذن في الناس بالحج وفيه فقال سراقة بن جعشم ألعامنا هذا يا رسول الله أو للأبد فقال بل للأبد وهو حديث صحيح أخرجه أصحاب السنن وأخرج المقصود منه البخاري ومسلم وحديث أبي هريرة خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا فقال رجل يا رسول الله أفي كل عام فسكت ثم أعاد فسكت ثم أعاد فقال لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم وهو حديث صحيح أخرجه مسلم والرجل الأقرع بن حابس كما في رواية أبي داود وغيره وهو صريح في أن قوله المجرد من غير وحي يوجب فدل على أنه كان مفوضا إليه فإنه لا ينطق عن الهوى
ولما قتل
النبي صلى الله عليه وسلم
النضر بن الحرث
بأمره عليا رضي الله عنه بذلك بالصفراء في مرجعه من بدر فقتله صبرا
ثم سمع ما أنشدته أخته قتيلة
على ما ذكر ابن إسحاق وابن هشام واليعمري وقال السهيلي الصحيح أنها بنت النضر كذلك قال الزبيدي ووقع في الدلائل ومشى عليه الذهبي في التجريد ومن قبله الآمدي والرازي وأتباعهما
( ماكان ضرك لومننت وربما ** من الفتى وهوالمغيظ المحنق )
في أبيات
سابقة على هذا هي
( يا راكبا إن الأثيل مظنة ** من صبح خامسة وأنت موفق )
( أبلغ بها ميتا بأن تحية ** ما إن تزال بها النجائب تخفق )
( مني إليه وعبرة مسفوحة ** جادت بواكفها وأخرى تخنق )
( هل يسمعن النضر إن ناديته ** أم كيف يسمع ميت لاينطق )
( أمحمد يا خير ضنء كريمة ** في قومهاوالفحل فحل معرق ) ولاحقة له وهي
( أوكنت قابل فدية فلينفقن ** بأعز ما يغلو به ماينفق )
( فالنضر أقرب من أسرت قرابة ** وأحقهم إن كان عتق يعتق )
____________________
(3/450)
( ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ** لله أرحام هناك تشقق )
( صبرا يقاد إلى المنية متعبا ** رسف المقيد وهوعار موثق ) الأثيل موضع قبر أخيها بالصفراء ومعنى من صبح خامسة أي ليله خامسة لأنها كانت بمكة وبينها وبين الأثيل هذه المسافة وتخفق بضم الفاء وكسرها تضطرب والهمزة في أمحمد للنداء والتنوين فيه للضرورة وضنء بكسر الضاد المعجمة وفتحها مع همزة آخره الولد الذى يضن به أي يبخل به لعظم قدره وأعرق فهو معرق على البناء للمفعول فيهما أي له عرق في الكرم وعلى البناء للفاعل بمعنى أنتج والمعنى أنت كريم الطرفين وما نافية أو استفهامية والمعنى أي شيء كان يضرك لو عفوت والفتى وإن كان مغضبا مضجرا مطويا على حنق وحقد وعداوة قد يمن ويعفو وفي هذا اعتراف بالذنب
قال لو بلغني هذا
الشعر
قبل قتله لمننت عليه
وذكر الزبير بن بكار في كتاب النسب فرق لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دمعت عيناه وقال لأبي بكر سمعت شعرها ما قتلت أباها وهذا مما يشهد بأنها ابنته فلو لم يكن القتل وعدمه إليه لم يفرق الحال بين بلوغ شعرها إليه وعدم بلوغه
أجيب بجواز كونه
صلى الله عليه وسلم
خير فيها
أي في هذه الصور الثلاثة
معينا أي كأنه قيل له أنت مخير في إيجاب السؤال وعدمه وتكرار الحج وعدمه وقتل النضر وعدمه
أو
كون القول المذكور فيها
بوحي سريع
لا من تلقاء نفسه على أن في الاستيعاب قال الزبير وسمعت بعض أهل العلم يغمز أبياتها ويذكر أنها مصنوعة وقال الإسنوي والأحسن في الجواب أن يقال أما قضية النضر فقد يكون النبي صلى الله عليه وسلم مخيرا فيه وفي غيره من الأسارى والتخيير ليس بممتنع اتفاقا بل هذا التخيير ثابت في حق كل إمام وأما قوله للأقرع لو قلت نعم لوجب فمدلوله الوجوب على تقدير قوله نعم
وهذا صحيح معلوم بالضرورة فإنه صلى الله عليه وسلم لا يقول نعم إلا إذا كان الحكم كذلك ولكن من أين لنا أن الحكم كذلك فقد يكون ممتنعا وقوله لو قلت نعم لا يدل على جواز قولها لأن القضية الشرطية لا تدل على جواز الشرط الذي فيها وأما قوله لولا أن أشق على أمتي فيحتمل أن يكون البارىء تعالى أمره بأن يأمرهم عند عدم المشقة فلما وجد المشقة لم يأمرهم انتهى
قال المصنف
ولا يخفى أن
الجواب
الأول رجوع عن الدعوى وهو
أي الدعوى
أنه
أي التفويض
لم يقع واعتراف بالخطأ
في نفي الوقوع لأنه من قبل نافيه
فالحق أنه
أي التفويض
وقع ولا ينافي
وقوعه
ما تقدم من أنه
صلى الله عليه وسلم
متعبد بالاجتهاد
أي مأمور بالقياس عند حضور الواقعة وعدم النص
لأن وقوع التفويض في أمور مخصوصة لا ينافيه
أي كونه متعبدا بالاجتهاد وإنما ينافيه وقوعه في الكل
وإذن فكونه
صلى الله عليه وسلم
كذلك
أي فوض إليه
في الإذخر
فيجاب به عن الاحتجاج به على الوقوع ولايلزم منه ثبوت المدعي إذ لا يلزم من التفويض إليه في هذه الجزئية الخاصة بل ولا في جزئيات خاصة ثبوته كليا
أسهل مما تكلف
في أجوبته من الوحي أو النسخ الذي
____________________
(3/451)
كلمح البصر المقارن لقول العباس مع أن النفس الحادثة لا يرتسم فيها المعاني المتباينة دفعة بل على التعاقب
وأقرب إلى الوجود
قلت غير أن كلام المصنف يوهم أن القول ما قاله القائلون بالوقوع وليس كذلك فإن الذي يظهر كون محل النزاع هو الوقوع كليا لأنه المتنازع في جوازه أولا ثم في وقوعه ثانيا كما هو ظاهر جواب مانعيه وموضع المسألة لا جواز التفويض في الجملة أولا ثم وقوعه ثانيا ليترتب عليه بهذه الجزئيات صحة قول القائلين بالوقوع وعدم صحة قول مانعيه وحينئذ فالحق الأبلج أنه إنما يثبت الوقوع بثبوت سمع يفيده المكلف أو مجتهد أو بني على الاختلاف في ذلك والقطع بانتفائه على التقديرين الأولين والظاهر انتفاؤه على التقدير الثالث مع ما يشده من وجود المنافي له من تحقق كونه متعبدا بالاجتهاد ثم لا يتعين وقوعه في جزئيات خاصة عن وقوعه له كليا ولا ينبغي أن يختلف فيه
هذا وقال ابن السمعاني هذه المسألة وإن أوردها متكلموا الأصوليين فليست بمعروفة بين الفقهاء وليس فيها كبير فائدة لأن هذا في غير الأنبياء لم يوجد ولا يتوهم وجوده في المستقبل فأما في حق النبي فقد وجد انتهى وقد عرفت ما في هذا والله سبحانه أعلم
مسألة يجوز خلو الزمان عن مجتهد
كما هو المختار عند الأكثر منهم الآمدي وابن الحاجب
خلافا للحنابلة
والأستاذ أبي إسحق والزبيدي من الشافعية في منع الخلو عنه مطلقا ولابن دقيق العيد في منعه الخلو عنه ما لم يتداع الزمان بتزلزل القواعد فإن تداعى بأن أتت أشراط الساعة الكبرى جاز الخلو عنه
قلت وما أظن أن أحدا يخالف في هذا والظاهر أن إطلاق المطلقين المنع محمول على ما دون هذا
لنا لا موجب
لمتعه
والأصل عدمه
أي عدم موجب المنع
بل دل على الخلو قوله صلى الله عليه وسلم إن الله لا يقبض العلم انتزاعا
ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء وهذا هو المراد بقوله إلى قوله حتى إذا لم يبق عالم
أو حتى إذا لم يبق عالما
اتخذ الناس رؤساء
أو رؤوسا
جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا
رواه أحمد والستة
وقوله صلى الله عليه وسلم إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل رواه البخاري والمراد برفع العلم قبضه
قالوا
أي الحنابلة أولا
قال عليه السلام لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله
وهم ظاهرون أخرجه البخاري بدون لفظ على الحق وابن وهب بلفظ
لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى تقوم الساعة وهذا يبين المراد بأمر الله
أو حتى يظهر الدجال
قال شيخنا الحافظ روينا معناه من حديث قرة بن أياس المزني بلفظ حتى يقاتلوا الدجال أخرجه الحافظ أبو اسماعيل في كتاب ذم الكلام هي لفظة شاذة فقد رواه الحافظ من أصحاب شعبة عنه بلفظ حتى تقوم الساعة فصرح بعدم الخلو إلى القيامة وأشراطها لأن ظهور طائفة على الحق في عصر مستلزم وجود العمل والاجتهاد فيه لأن القيام بالحق لا يمكن إلا بالعلم فيكون المجتهد موجودا في كل عصر وهو المطلوب
____________________
(3/452)
أجيب لا يدل على نفي الجواز
لأن القضية المطلقة أعم من الضرورية والعام لا يستلزم الخاص قال المصنف
ولا يخفى أن مرادهم
أي الحنابلة
لا يقع
خلو الزمان عن المجتهد
والإلزام كذبه
لو وقع واللازم باطل فالملزوم مثله
والحديث يفيده
أي عدم الوقوع
إذ لا يتأتى لعاقل إحالته
أي الخلو
عقلا فالوجه الترجيح بأظهرية الدلالة
للحديث الأول الدال على الخلو
على نفي العالم الأعم من المجتهد
فيستلزم نفي المجتهد لأن نفي العام يستلزم نفي الخاص
بخلاف الظهور على الحق
فإنه يستلزم وجود المجتهد
لأنه
أي الظهور على الحق الأعم من الاجتهاد
يتحقق دون اجتهاد كما يتحقق بإرادة الاتباع ولو تعارضا
أي ما يوجب الخلو وهو الأول وما يوجب عدمه وهو الثاني وتساقطا
بقي عدم الموجب
لوجود المجتهد فجاز على الله أن لا يوجده لعدم إخبار منه بلا معارض أنه يوجده البتة
قالوا
ثانيا الاجتهاد
فرض كفاية فلو خلا
الزمان عن المجتهد
اجتمعوا
أي الأئمة
على الباطل
وهو محال
أجيب إذا فرض موت العلماء لم يبق
فرضا لأن شرط التكليف الإمكان وإذا فرض الخلو بموت العلماء لم يكن ممكنا مقدورا
على أنه
أي هذا الدليل
في غير محل النزاع لأن فرض الكفاية الاجتهاد بالفعل
أي تحصيل المكلف مرتبته وهو ممكن للعوام ومحل النزاع إنما هو حصوله بالفعل لأنه المنافي لخلو الزمان بموت العلماء لا الإمكان والقدرة هذا وقول السبكي لم يثبت وقوع خلو الزمان من المجتهد إن أراد المطلق كما هو ظاهر الإطلاق فمتعقب بقول القفال والغزالي العصر خلا عن المجتهد المستقبل وبقول الرافعي الخلق كالمتفقين على أنه لا مجتهد اليوم وبما في الخلاصة القاضي إذا قاس مسألة في حكم فظهر رواية أن الحكم بخلافه فالخصومة للمدعى عليه يوم القيامة على القاضي وعلى المدعي لأن القاضي آثم بالاجتهاد لأنه ليس أحد من أهل الاجتهاد في زماننا والمدعي آثم بأخذ المال وما قيل الظاهر أن المراد المجتهد القائم بالقضاء فإن المحققين من العلماء كانوا يرغبون عنه ولا يلي في زمانهم غالبا إلا من هو دون ذلك وكيف يمكن القضاء على الأعصار بخلوها عن مجتهد والقفال نفسه كان يقول للسائل في مسألة الصبرة تسأل عن مذهب الشافعي أم ما عندي وقال هو والشيخ أبو علي والقاضي حسين لسنا مقلدين للشافعي بل وافق رأينا رأيه فماذا كلام من لا يدعي رتبة الاجتهاد وقال ابن الرفعة ولا يختلف اثنان أن ابن عبد السلام وابن دقيق العيد بلغا رتبة الاجتهاد فغير ظاهر بل كلام بعضهم ناب عنه كما رأيت ثم بعد تمشيته على ما فيه لا يلزم منه أنه لم يخل عصر من الأعصار الماضية من المجتهد المطلق ولا يجوز أن يخلو منه عصر من الأعصار الآتية وهو المطلوب والله سبحانه أعلم
مسألة التقليد العمل بقول من ليس قوله إحدى الحجج
الأربع الشرعية
بلا حجة منها فليس الرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم والإجماع منه
أي من التقليد على هذا لأن كلا منهما حجة شرعية من الحجج الأربع وكذا ليس منه على هذا عمل العامي بقول المفتي وعمل القاضي
____________________
(3/453)
بقول العدول لأن كلا منهما وإن لم يكن إحدى الحجج فليس العمل به بلا حجة شرعية لإيجاب النص أخذ العامي بقول المفتي وأخذ القاضي بقول العدول وكأنه لم يتعرض لهما لظهورهما بل على هذا لا يتصور تقليد في الشرع لا في الأصول ولا في الفروع فإن حاصله اتباع من لم يقم حجة باعتباره وهذا لا يوجد في الشرع فإن المكلف إما مجتهد فمتبع لما قام عنده بحجة شرعية وإما مقلد
فقول المجتهد رجحة في حقه فإن الله تعالى أوجب العمل عليه به كما أوجب على المجتهد بالاجتهاد فلو جاز تسمية العامي مقلدا جاز تسمية المجتهد مقلدا وعلى هذا مشى القاضي الباقلاني ثم ابن السمعاني وابن الحاجب وغيرهم قال أبو حامد ا لإسفراييني والروياني وإمام الحرمين وإنما صورة الأخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم صورة التقليد وليس بتقليد حقيقة بل نقل الباقلاني الإجماع عليه ومنع بقول أبى محمد الجويني إن الشافعي نص على أنه يسمى تقليدا فإنه قال فيما ذهب إليه من أنه لا يجب الأخذ بقول الصحابي ما نصه فأما أن يقلده فلم جعل الله ذلك لأحد بعد رسول صلى الله عليه وسلم اه
وكون مراد الشافعي أن صورته صورة التقليد كما ذكر الروياني خلاف الظاهر بل خطأ الماوردي من قال إنه ليس بتقليد اه
نعم قال إمام الحرمين هو اختلاف في عبارة يهون موقعها عند ذوي التحقيق وقال أيضا الذي عليه معظم الأصوليين أن العامي مقلد للمجتهد فيما يأخذه عنه وقال بعضهم إنه المشهور فلا جرم أن ذكر الغزالي والآمدي وابن الحاجب وغيرهم أنه لو سمي الرجوع إلى الرسول أو إلى الإجماع والمفتي والشهود تقاليدا فلا مشاحه في ذلك فإن لكل أحد أن يصطلح على ما شاء بعد رعاية المناسبة وعلى هذا قول المصنف
بل المجتهد إلى مثله وإلى المفتي
أي بل التقليد رجوع المجتهد إلى مثله والعامي إلى مثله وإلى المفتي أيضا في الأحكام الشرعية كما ذكر الآمدي وغيره
هذا هو المعروف من قلد عامة مصر الشافعي ونحوه
وقد يعبر عنه كما في جمع الجوامع بأخذ القول بغير معرفة دليله
وعليه مشى القفال وغيره فخرج أخذه مع معرفة دليله فإنه ليس بتقليد وان وافق قول مجتهد به فإنه في الحقيقة أخذ من الدليل لا من المجتهد بل قد قيل إن أخذه مع معرفة دليله نتيجة الاجتهاد لأن معرفة الدليل إنما يكون للمجتهد لتوقفها على معرفة سلامته من المعارض بناء على وجوب البحث عنه وهي متوقفة على استقراء الأدلة كلها ولا يقدر على ذلك إلا المجتهد بقي أخذ المجتهد بقول العامي فجزم القاضي والغزالي والآمدي وابن الحاجب إنه لا يسمى تقليدا لأن لا بد له من نوع اجتهاد
قلت وفيه نظر فإنه غير لازم كما في الرجوع في قيم المتلفات إلى العامي من أهل الخبرة بها نعم إن كان ذلك مجرد اصطلاح فلا مشاحة فيه ثم قيل على هذا يسمى العمل بقوله صلى الله عليه وسلم تقليدا إذا قلنا كان يقول عن قياس أيضا ولم يدرأ قال ذلك عن وحي أو قياس
قلت وحيث كان المسوغ لتسميته تقليدا عدم العلم بأخذه من الوحي عينا وكان صلى الله عليه وسلم لا يقر على خطأ على
____________________
(3/454)
تقدير تعيده بالاجتهاد فيما لا نص فيه بعد مضي مدة الانتظار للوحي وإنه وحي باطن كما تقدم
هذا كله فلا يسمى تقليد التعين كونه عن الوحي هذا والمراد بالقول الرأي فيشمل ما كان قولا أو فعلا وهذا أحسن من قول التفتازاني والمراد بالقول ما يعم الفعل والتقرير تغليبا وقول الأبهري هو أعم من اللفظي والنفسي فلا يرد عليه ما قاله بعض المتأخرين من من خروج الأخذ بفعل الغير من غير حجة عنه ثم غير خاف أنه لا بد أن يكون ذلك المأخوذ به له نوع اختصاص بالمأخوذ عنه ليخرج ما علم بالضرورة فإنه لا اختصاص له بالمأخوذ عنه قال المصنف
وكان الوجه جعل المعرف بما ذكر التقليد لأن
أي المقلد
جعل قوله
أي من قلده
قلادة
في عنقه وهذا تقلد لا تقليد
فتصحيحه
أن يقال المراد
جعل عمله قلادة إمامه
الذي قلده فكأنه يطوقه ما فيه من تبعة إن كانت
والمفتي المجتهد وهو الفقيه
أيضا اصطلاحا أصوليا كما قدمناه في أوائل الاجتهاد لأن من قامت به صفه جاز أن يشتق له منها اسم فاعل فلا جرم إن قال الصيرفي موضوع هذا الاسم لمن قام للناس بأمر دينهم وعلم جمل عموم القرآن وخصوصه وناسخه ومنسوخه وكذلك في السنن والاستنباط ولم يوضح لمن علم مسألة وأدرك حقيقتها وقال ابن السمعاني المفتي من استكمل فيه ثلاث شرائط الاجتهاد والعدالة والكف عن الترخيص والتساهل وللمتساهل حالتان
إحداهما أن يتساهل في طلب الأدلة وطرق والأحكام ويأخذ ببادىء النظر وأوائل الفكر فهذا مقصر في حق الاجتهاد ولا يحل له أن يفتي ولا يجوز أن يستفى
والثانية أن يتساهل في طلب الرخص وتأول السنة فهذا متجوز في دينه وهو آثم من الأول اه
وفي أصول ابن مفلح قال أصحابنا وغيرهم يحرم تساهل المفتي وتقليد معروف به وفي شرح البديع للهندي ويجب أن يكون عدلا ثقة حتى يوثق به فيما يخبر به من الأحكام اه
يعني فهذا من شرط قبول فتواه لا من شرط صحة اجتهاده كما تقدم في أوئل الاجتهاد وإنه لا يشترط فيه الذكورة والحرية وقال أحمد لا ينبغي أن يفتي حتى يكون له نية ووقار وسكينة قويا على ما هو فيه ومعرفته والكفاية وإلا مضغه الناس ومعرفة الناس قال ابن عقيل هذه الخصال مستحبة فيقصد الإرشاد وإظهار أحكام الله تعالى لا رياء ولا سمعة والتنويه باسمه والسكينة والوقار يرغب المستفتي وهم ورثه الأنبياء فيجب أن يتخلقوا بأخلاقهم والكفاية لئلا ينسبه الناس إلى التكسب بالعلم وأخذ العوض عليه فيسقط قوله ومعرفة الناس تحتمل حال الرواة وتحتمل حال المستفتين فالفاجر لا يستحق الرخص فلا يفتيه بالخلوة بالمحارم مع علمه بأنه يسكر والحق كما في أصول ابن مفلح أن الخصلة الأولى واجبة وللمفتى رد الفتوى وفي البلد غيره أهل لها شرعا خلافا للحليمى وإلا لزمه ذكره أبو الخطاب وابن عقيل وغيرهما ولا يلزمه جواب ما لم يقع وما لا يحتمله السائل ولا ينفعه بل ذكر ابن عقيل أنه يحرم إلقاء علم لا يحتمله ولعله المراد بقول ابن الجوزي لا ينبغي وقال البخاري قال علي رضي الله عنه حدثوا الناس
____________________
(3/455)
بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله وروى معناه مرفوعا من غير طريق وسئل أحمد عن يأجوج ومأجوج أمسلمون هم فقال للسائل أحكمت العلم حتى تسأل عن ذا ويفتي أخرس بإشارة مفهومة أو كتابة وكان السلف يهابون الفتيا ويشددون فيها ويتدافعونها وينكرون عليها حتى قال ابن أبي ليلى أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول وما منهم من أحد يحدث بحديث أو يسأل عن شيء إلا ودان أخاه كفاه وقال عطاء بن أبي رباح أدركت أقوما إن كان أحدهم ليسأل عن الشيء فيتكلم وإنه ليرعد إلى غير ذلك وما أحسن قول القائل ينبغي للمفتي الموفق إذا نزلت به المسألة أن يبعث من قلبه الافتقار الحقيقي الحالي لا العلمي المجرد إلى ملهم الصواب ومعلم الخبر أن يفتح له طرق السداد وأن يدله على حكمه الذي شرعه لعباده في تلك المسألة وما أجدر من فضل ربه إن لا يحرمه إياه
والمستفتي من ليس إياه
أي مفتيا
ودخل
في المستفتي
المجتهد في البعض
من المسائل الاجتهادية
بالنسبة إلى
المجتهد
المطلق
نعم حيث قلنا بتجزي الاجتهاد فقد يكون الشخص مفتيا بالنسبة إلى أمر مستفتيا بالنسبة إلى آخر وينبغي له حفظ الأدب مع المفتي وإجلاله قولا وفعلا وتركه ما لا يعنيه من السؤال
واحتج الشافعي على كراهة السؤال عن الشيء قبل وقوعه بقوله تعالى { لا تسألوا عن أشياء } الآية وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال وفي لفظ إن الله كره لكم ذلك متفق عليه وقال البيهقي كره السلف السؤال عن المسألة قبل كونها إذا لم يكن فيها كتاب ولا سنة لأن الاجتهاد إنما يباح عند الضرورة
ثم روى عن معاذ أيها الناس لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله وأخرج أبو داود في المراسيل عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجلوا بالبلية قبل نزولها فإنكم إن لم تفعلوا لم ينفك المسلمون أن يكون منهم من إذا قال سدد ووفق وإنكم إن عجلتم تشتت بكم السبل ههنا وههنا ولأحمد عن ابن عمر لا تسألوا عما لم يكن فإن عمر نهى عنه
وعن ابن عباس إنه قال عن الصحابة ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم
وله أيضا ولأبي داود عن معاوية مرفوعا نهى عن الغلوطات قيل بفتح الغين المعجمة واحدها غلوطة وقيل بضمها وأصلها الأغلوطات قال الأوزاعي هي شداد المسائل وقال عيسى بن يونس هي ما لا يحتاج إليه من كيف وكيف قال الحافظ ابن رجب ويروى من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
سيكون أقوام من أمتي يغلطون فقهاءهم بعض المسائل أولئك شرار أمتي وقال الحسن شرار عباد الله الذين يتبعون شداد المسائل يغمون بها عباد الله وقال الأوزاعي إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط فلقد رأيتهم أقل الناس علما وبالجملة فقد نهى السلف عنها قال بعض الحنابلة ويعزر فاعله والله سبحانه أعلم
والمستفتى فيه
الأحكام
الفرعية الظنية
قال المصنف
والعقلية ولذا
أي كون
____________________
(3/456)
المستفتى قيه قد يكون حكما عقليا
صححنا إيمان المقلد وإن أثمناه
بترك الاجتهاد وإلا لو كان العقلي غير جائز أن يكون مستفتى فيه لم يصحح إيمان المقلد لأنه رأس العقائد وأسر القواعد المتظافر على ثبوته الدليل العقلي والنقلي القطعي
نعم لا بد أن لا يكون ذلك منه مع تجويز شبهة فلا جرم إن قال صاحب الصحائف من اعتقد أركان الدين تقليدا فإن اعتقد مع ذلك جواز شبهة فهو كافر ومن لم يعتقد ذلك فقيل مؤمن وإن كان عاصيا بترك النظر والاستدلال المؤدي إلى معرفة أدلة قواعد الدين وهو مذهب الأئمة الأربعة والأوزاعي والثوري وكثير من المتكلمين وقيل لا يستحق اسم المؤمن إلا بعد عرفان الأدلة وهو مذهب الأشعري اه
وإذا عرف هذا
فما يحل الاستفتاء فيه
الأحكام
الظنية لا العقلية على الصحيح
فلا يجوز التقليد فيها بل يجب تحصيلها بالنظر الصحيح كما هو قول الأكثرين واختاره الرازي والآمدي وابن الحاجب بل حكاه الأستاذ الإسفراييني عن إجماع أهل العلم من أهل الحق وغيرهم من الطوائف ثم لا يخفى أن الأولى إن يذكر
لا قصر صحته
أي المستفتى فيه الذي يقع فيه التقليد
على
الأحكام
الظنية
بعد قوله إن أثمناه وقوله
كوجوده تعالى
مثال لما هو من العقليات ومقابل الصحيح
وقيل يجب
التقليد في العقليات المتعلقة بالاعتقاد
ويحرم النظر
والبحث فيها وهو معزو إلى قوم من أهل الحديث والظاهر ونقله صاحب الأحوذي عن الأثمة الأربعة ذكره الزركشي
قلت وفيه نظر فإنه لم يحفظ عنهم وإنما توهم عنهم من نهيهم عن تعلم علم الكلام والاشتغال به ولكن من تتبع حالهم علم أن نهيهم محمول على من خيف أن يزل فيه حيث لا يكون له قدم صدق في مسالك التحقيق فيقع في شك أو ريبة لا على من له قوة تامة وقدم صدق
والعنبري
وبعض الشافعية على ما في أصول ابن مفلح وعزاه الآمدى إلى الحشوية والتعليمية قالوا
يجوز
التقليد فيها ولا يجب النظر
لنا الإجماع
منعقد
على وجوب العلم بالله تعالى
وصفته على المكلف
ولا يحصل
العلم به
بالتقليد لإمكان كذبه
أي المفتي المخبر
إذ نفيه
أي الكذب عنه
بالضرورة منتف
لأنه لا يجب أن يكون معصوما فيما أخبر به من الاجتهاد فلا يحصل العلم بقوله فيكون تاركا للواجب وهو العلم اليقيني
وبالنظر لو تحقق يرفع التقليد ولأنه لو حصل
العلم بالتقليد
لزم النقيضان بتقليد اثنين
لاثنين
في حدوث العالم وقدمه
بأن يحصل لزيد العلم بحدوثه تقليدا منه للقائل به ولعمرو العلم بقدمه تقليدا للقائل به إذ العلم يستدعي المطابقة فيلزم حقه الحدوث والقدم
المجوز
للتقليد فيها النافي لوجوب النظر وموافقوه قالوا أولا
لو وجب النظر لفعله الصحابة وأمروا به
لأنهم لا يتركون واجبا عليهم يتعلق بهم أو بغيرهم من غير عذر في تركه والفرض انتفاؤه
وهو
أي المجموع من الفعل والأمر
منتف
ولا سيما بالنسبة إلى أكثر عوام العرب فإنهم لم يكونوا عالمين بالأدلة الكلامية
وإلا
لو وجد ذلك منهم
لنقل كما
نقل عنهم النظر
في الفروع
فلما لم ينقل علم أنه لم
____________________
(3/457)
يقع
الجواب منع انتفاء التالي
أي عدم فعلهم وإلا لزم نسبتهم إلى أنهم كانوا جاهلين بالله تعالى وبصفاته لأن العلم به ليس ضروريا وهو باطل وعدم أمرهم غيرهم به
بل علمهم و
علم
عامة العوام
بالله تعالى وبصفاته حاصل لهم
عن النظر إلا إنه لم يدر
النظر
في الفروع
فلما لم ينقل علم أنه لم يقع
الجواب منع انتفاء التالي
أي عدم فعلهم والإلزام نسبتهم إلى أنهم كانوا جاهلين بالله تعالى وبصفاته لأن العلم به ليس ضروريا وهو باطل وعدم أمرهم غيرهم به
بل علمهم و
علم
عامة العوام
بالله تعالى وبصفاته حاصل لهم
عن النظر إلا أنه لم يدر
النظر
بينهم
أي الصحابة
لظهوره
لهم بواسطة مالهم من سلامة الفطر ومشاهدة الآيات الباهرة
ونيله
لهم
بأدنى التفات إلى الحوادث
لصفاء قريحتهم ونقاء سريرتهم وكمال استعدادهم وكيف لا وهم معاينون بالليل والنهار أنوار منبع الأنوار وهدى المرسل رحمة للعالمين في سائر الأعصار فإن ذلك مما يعد النفوس الزكية لدرك الأمور الإلهية والصفات القدسية لانهزام عساكر الأوهام الموجبة لاختلاف الآراء وضلالات الخيالات والأهواء وكانوا يكتفون من النظر من غيرهم بما يظهر عليه من حصوله له من الانقياد والإذعان إلى الإيمان وآثار القطع به والإيقان بحيث لو سئل عن سببه لآتى به أكمل مما أجاب به الأعرابي للأصمعي عن سؤاله له
بم عرفت ربك حيث قال البعرة تدل على البعير وآثار الأقدام على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على اللطيف الخبير غايته أنهم ما كانوا يؤدون ذلك بالعبارات والترتيب المتعارف للمتكلمين
وليس المراد
من النظر الواجب
تحريره على قواعد المنطق
بل ما يوصل إلى الإيمان بطرق الاستدلال على أي طريق كان
ومن أصغى إلى عوام الأسواق امتلأ سمعه من استدلالهم بالحوادت
على محدثها
والمقلد المفروض
في الإيمان
لا يكاد يوجد فإنه قل أن يسمع من لم ينتقل ذهنه قط من الحوادث إلى موجدها و
الحال أنه
لم يخطر له الموجد و خطر فشك فيه من يقول لهذه الموجودات رب أوجدها متصف بالعلم بكل شيء والقدرة الخ
أي على كل شيء إلى آخر صفاته الذاتية
فيعتقد ذلك بمجرد تصديقه من غير انتقال
للسامع من المصنوع إلى الصانع
يفيد اللزوم بين المحدث
بفتح الدال
والموجد
بكسر الجيم وليس معنى الاستدلال إلا هذا فمن لم ينتقل فاعل يسمع ومن يقول مفعوله لكن الكيا بعد أن حكى إجماعهم على أنهم مؤمنون قال وإنما الخلاف في أنهم عارفون بالأدلة وقصرت عباراتهم عن أدائها أو غير عارفين بها لأن الله تعالى لم يوجب عليهم إلا هذا القدر فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتفي من الأعراب بالتصديق مع العلم بقصورهم عن معرفة النظر والاستدلال ففي مسلم عن معاوية بن الحكم في الأمة السوداء التي أراد عتقها وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ائتني بها فجاءت
فقال أين الله فقالت في السماء
فقال من أنا قالت أنت رسول الله
قال أعتقها فإنها مؤمنة فهذا دليل على الاكتفاء بالشهادتين في
____________________
(3/458)
صحة الإيمان وإن لم يكن عن نظر واستدلال قال النووي هذا هو الصححيح الذي عليه الجمهور اه
فما ذكره المصنف ماش على الأول
قالوا
أي مجوز والتقليد في العقليات الاعتقادية ونافوا وجوب النظر فيها ثانيا
وجوب النظر دور لتوقفه
أي وجوبه
على معرفة الله
الموجب له وتوقف معرفه الله على النظر
أجيب بأنه
أي إيجاب النظر متوقف
على معرفته أي الله سبحانه
بوجه والموقوف على النظر ما
أي معرفة الله تعالى
بأتم
أي بوجه أتم
أي الاتصاف بما يجب له
من صفات الكمال
كالصفات الثمانية
الحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر والكلام والتكوين
وما يمتنع عليه
من النقيصة والزوال وقال
المانعون
من النظر النظر
مظنة الوقوع في الشبه والضلال
لاختلاف الأذهان والأنظار بخلاف التقليد فإنه طريق آمن فوجب احتياطا ولوجوب الاحتراز عن مظنة الضلال إجماعا
قلنا
إنما يكون ممنوعا
إذا فعل
النظر
غير الصحيح المكلف به ونحن نقول يلزمه النظر الصحيح المكلف به
وأيضا فيحرم
على هذا النظر
على المقلد
بفتح اللام
الناظر أيضا لأن نظره مظنة الوقوع فيهما أيضا ثم تقليد المقلد إياه حينئذ أولى بالحرمة لأن فيه ما فيه مع زيادة احتمال كذبه واضلاله
إذ لا بد من الانتهاء إليه
أي إلى المقلد الناظر
وإلا
لو لم ينته إليه
لتسلسل
إلى غير النهاية ضرورة أن المقلد لا بد له من مقلد والتسلل المذكور باطل فإن قيل ينتهي إلى المؤيد بالوحي من عند الله بحيث لايقع فيه الخطأ فيندفع المحذور فالجواب ما أشار إليه بقوله
والانتهاء إلى المؤيد بالوحي والأخذ عنه ليس تقليدا بل
المأخوذ عنه
علم نظري
لتوقفه على ثبوت النبوة له بالمعجزة الدالة عليه فلا يصلح أن التقليد واجب وأن النظر حرام
مسألة غير المجتهد المطلق يلزمه التقليد
عند الجمهور
التقليد وإن كان مجتهدا في بعض مسائل الفقه أو بعض العلوم كالفرائض على القول بالتجزي
للاجتهاد
وهو الحق
لما تقدم أن عليه الأكثرين ووجهه
فيما لا يقدر عليه
وهو متعلق بالتقليد
ومطلقا
أي ويلزمه التقليد فيما يقدر عليه وفيما لا يقدر عليه
على نفيه
أي نفي القول بالتجزي
وقيل
أي وقال بعض المعتزلة إنما يلزم التقليد
في العالم بشرط تبيين صحة مستنده
أي المجتهد له
وإلا
لو لم يبينها له
لم يجز
له تقليده
لنا عموم
قوله تعالى { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }
فيمن لا يعلم
عاميا صرفا كان أو عالما ببعض العلوم غير عالم بحكم مسألة لزمه معرفته
وفيما لا يعلم لتعلقه
أي الأمر بالسؤال
بعلة عدم العلم
فكلما تحقق عدم العلم تحقق وجوب السؤال فيلزمه العموم فيما لا يعلم وهذا غير عالم بهذه المسألة فيجب عليه فيها السؤال والدليل على العلية أن الشرط اللغوي في السببية أغلب ويستعمل في الشرط الذي لم يبق للمسبب سواه
وأيضا لم يزل المستفتون يتبعون
المفتين
بلا إبداء مستند
لهم في ذلك وشاع وذاع
ولا نكير
عليهم فكان إجماعا سكوتيا على جواز إتباع العالم المجتهد
____________________
(3/459)
مطلقا
قال المصنف
وهذا
الوجه
يتوقف
عمومه للعالم
على ثبوته في العلماء المتأهلين
للاجتهاد
كذلك
أي اتباع المفتين بلا إبداء مستند لهم
قالوا
أي شارطوا تبيين صحة المستند القول بلزوم التقليد من غير تبيين صحة المستند
يؤدي إلى وجوب اتباع الخطأ
لجواز الخطأ عليه في الاجتهاد
قلنا وكذا لو أبدى
المفتي صحة المستند لجواز الخطأ عليه في ذلك لأنه لا يوجب اليقين بل الظن
وكذا المفتي نفسه
يجب عليه اتباع اجتهاد مع جواز الخطأ عليه
فما هو جوابكم
عن هذين فهو
جوابنا
إذا لم يبد صحة المستند
والحل الوجوب لاتباع الظن أو الحكم
المظنون إنما هو
من حيث هو مظنون
ومن حيث هو اتباع الظن وإن كان من حيث هو خطأ يحرم ولا امتناع في ذلك
لا من حيث هو خطأ
وهذا هو الممتنع
نعم لو سأله
أي المستفتي
عن دليله
استرشادا لتذعن نفسه للقبول لا تعنتا
وجب ابداؤه في
القول
المختار إلا إن
كان دليله
غامضا
على المستفتى
مع قصوره
عنه فإن إبداءه له حينئذ تعب فيما لا يفيد فيعتذر بخفائه عليه وفي بحر الزركشي ما ملخصه العلم نوعان نوع يشترك في معرفته الخاصة والعامة ويعلم من الدين بالضرورة كالمتواتر فلا يجوز التقليد فيه لأحد كعدد الركعات وتعيين الصلاة وتحريم الأمهات والبنات والزنى واللواط فإن هذا مما لا يشق على العامي معرفته ولا يشغله عن أعماله ومنه أهلية المفتي ونوع يختص بمعرفته الخاصة والناس فيه ثلاثة أقسام
الأول العامي للصرف والجمهور على أنه يجب عليه التقليد في فروع الشريعة جميعها ولاينفعه ما عنده من علم لا يؤدي إلى اجتهاد وعن الأستاذ والجبائي يجوز في الاجتهادية دون ما طريقه القطع إلحاقا لقطعيات الفروع بالأصول
الثاني العالم الذي حصل بعض العلوم المعتبرة ولم يبلغ رتبة الاجتهاد فاختار ابن الحاجب وغيره إنه كالعامي الصرف لعجزه عن الاجتهاد وقيل لا يجوز له ذلك ويجب عليه معرفة الحكم بطريقه لأن له صلاحية معرفة الأحكام بخلاف غيره قال الزركشي وما أطلقوه من إلحاقه هنا بالعامي فيه نظر لا سيما في أتباع المذاهب المتبحرين فإنهم لم ينصبوا أنفسهم نصبه المقلدين وقد سبق قول الشيخ أبي علي وغيره لسنا مقلدين للشافعي وكذا لا إشكال في إلحاقهم بالمجتهدين إذ لا يقلد مجتهد مجتهدا ولا يمكن أن يكون واسطة بينهما لأنه ليس لنا سوى حالتين قال ابن المنير والمختار أنهم مجتهدون ملتزمون أن لا يحدثوا مذهبا أما كونهم مجتهدين فلأن الأوصاف قائمة بهم وأما كونهم ملتزمين أن لا يحدثوا مذهبا فلأن إحداث مذهب زائد بحيث يكون لفروعه أصول وقواعد مباينة لسائر قواعد المتقدمين فمتعذر الوجود لاستيعاب المتقدمين سائر الأساليب
نعم لا يمتنع عليهم تقليد إمام في قاعدة فإذا ظهر له صحة مذهب غير إمامه في واقعة لم يجز له أن يقلد إمامه لكن وقوع ذلك مستبعد لكمال نظر من قبله
الثالث أن يبلغ المكلف رتبة الاجتهاد وهي المسألة السابقة وتقدم الكلام فيها مستوفى
____________________
(3/460)
تتميم
ثم في أصول ابن مفلح وذكر بعض أصحابنا يعني المسألة يعني الحنابلة والمالكية والشافعية هل يلزمه التمذهب بمذهب والأخذ برخصه وعزائمه فيه وجهان
أشهرهما لا كجمهور العلماء فيتخير ونقل عن بعض الحنابلة أنه قال وفي لزوم الأخذ برخص وعزائمه طاعة غير النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمره ونهيه وهو خلاف الإجماع وتوقف في جوازه وقال أيضا إن خالفه في زيادة علم أو تقوى فقد أحسن ولم يقدح في عدالته بلا نزاع بل يجب في هذه الحال وإنه نص أحمد وكذا قال القدوري الحنفي ما ظنه أقوى عليه تقليده فيه اه وقد سمعت موافقة ابن المنير لهذا آنفا غير أنه استبعد وقوعه وليس ببعيد والثاني يلزمه وستقف في هذا على مزيد فيه مقنع لمن ألقى السمع وهو شهيد
مسألة الاتفاق على حل استفتاء من عرف من أهل العلم بالاجتهاد والعدالة أو رآه منتصبا
للإفتاء
والناس يستفتونه معظمين
له
وعلى امتناعه
أي الاستفتاء
إن ظن عدم أحدهما
أي الاجتهاد أو العدالة فضلا عن ظن عدمهما جميعا
فإن جهل اجتهاده دون عدالته فالمختار منع استفتائه
بل نقل في المحصول الاتفاق عليه وقيل لا
لنا الاجتهاد شرط
لقبول فتواه
فلا بد من ثبوته
أي الاجتهاد
عند السائل ولو
كان ثبوته
ظنا لم يثبت
كما هو الفرض
وأيضا ثبت عدمه
أي الاجتهاد بالجهل
إلحاقا
لهذا
بالأصل
أي عدم الاجتهاد
كالراوي
المجهول العدالة لا تقبل روايته إلحاقا بالأصل وهو عدم العدالة
أو بالغالب إذ أكثر العلماء ببعض العلوم التي لها دخل في الاجتهاد غير مجتهدين
فضلا عمن لا مشاركة له والمسألة مفروضة في الأعم فالظاهر أنه منهم والأصل والظاهر إذا تضافرا يكاد تضافرهما يفيد العلم
قالوا
أي القائلون بعدم الامتناع
لو امتنع
فيمن جهل اجتهاده دون عدالته
امتنع فيمن علم اجتهاده دون عدالته
بدليلكم بعينه بأن يقال العدالة شرط والأصل عدمها والأكثر الفسق فالظاهر فسقه
أجيب بالتزامه
أي التزام الامتناع في هذا أيضا
لاحتمال الكذب ولو سلم عدم امتناعه وهو
أي عدم امتناعه
الحق فالفرق
بينهما
أن الغالب في المجتهدين العدالة فالإلحاق به
أي بالغالب
أرجح منه
أي من إلحاقه
بالأصل
الذي هو عدم العدالة
بخلاف الاجتهاد ليس غالبا في أهل العلم في الجملة
ولا سيما في هذه الأعصار إذ لم يقل بخلوها عنه بل قيل هو أعز من الإكسير والكبريت الأحمر ثم إذا بحث عن حاله فاشترط الإسفراييني تواتر الخير بكونه مجتهدا ورده الغزالي بأن التواتر يفيد في المحسوسات وهذا ليس منها وتكفي الاستفاضة بين الناس كما هو الراجح في الروضة ونقله عن الشافعية وقال القاضي يكفيه أن يخبره عدلان بأنه مفت وجزم أبو إسحاق الشيرازي بأنه يكفيه خبر الواحد العدل عن فقهه وأمانته لأن طريقه طريق الإخبار وبه قال بعض الحنابلة قال النووي وهذا محمول على من عنده معرفة يميز بها الملتبس من غيره ولا يقبل في ذلك أخبار آحاد العامة لكثرة ما يتطرق إليه من التلبس في ذلك وذكر معناه ابن عقيل واكتفى في المنخول
____________________
(3/461)
بقوله إني مفت
والمختار في الغياثي اعتماده بشرط أن يظهر ورعه وفي وجيز ابن برهان قيل يقول له لتجتهد أنت فأقلدك فإن أجابه قلده وهذا أصح المذاهب
اه
وقيل لا يعتمد وشرط غير واحد من المحققين كالقاضي امتحانه بأن يلفق مسائل متفرقة ويراجعه فيها فإن اصاب فيها غلب على ظنه كونه مجتهدا وقلده وإلا تركه ولم يشرطه آخرون
قلت وهو أشبه بعد فرض اعتبار قوله فإنه من أين للعامي معرفة كونه مصيبا في جوابها على أنه لو كان جوابه فيها خطأ عند مجتهد لا يلزم فيه نفي كونه مجتهدا إذ يجوز أن لا يتوارد المجتهدان على جواب واحد في المسألة الاجتهادية على المجتهد يخطىء ويصيب ولعل الأقرب أنه إذا اعتبر قوله إنه مجتهد إنما يعتبر إذا علمت عدالته ولم ينف معاصروه من العلماء الذين لا مانع من قبول شهادتهم عليه ذلك عنه إذا لم تعرف العدالة فيكتفي في الإخبار بها وقيل بعدل وقيل بعدلين وبهذا جزم في المنخول وهو أوجه والله سبحانه أعلم
مسألة إفتاء غير المجتهد بمذهب مجتهد تخريجا
على أصوله
لا نقل عينه
أي عين مذهب المجتهد
فإنه
أي نقله
يقبل بشرائط
قبول رواية
الراوي
من العدالة وغيرها اتفاقا وهذا اعتراض بين موضوع المسألة وجوابها وهو
إن كان
غير المجتهد
مطلقا على مبانيه أي مآخذ أحكام المجتهد
أهلا
للنظر فيها قادرا على التفريع على قواعده متمكنا من الفرق الجمع والمناظرة في ذلك
والحاصل أن يكون له ملكة الاقتدار على استنباط أحكام الفروع المتجددة التي لا نقل فيها عن صاحب المذهب من الأصول التي مهدها صاحب المذهب وهو المسمى بالمجتهد في المذهب
جاز وإلا
لو لم يكن كذلك
لا
يجوز وفي شرح البديع للهندي وهو المختار عند كثير من المحققين من أصحابنا وغيرهم فإنه نقل عن أبي يوسف وزفر وغيرهما من أئمتنا أنهم قالوا لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا ما لم يعلم من اين قلنا وعبارة بعضهم من حفظ الأقاويل ولم يعرف الحجج فلا يحل له أن يفتي فيما اختلف فيه
وقيل
جاز
بشرط عدم مجتهد واستغرب
نقله والمستغرب له العلامة
وقيل يجوز
إفتاء غير المجتهد بمذهب المجتهد
مطلقا
أي سواء كان مطلعا على المأخذ أم لا عدم المجتهد أم لا
وهذا مختار صاحب البديع قال شارحه وهو مذهب كثير من العلماء وقال المصنف
هو
أي هذا القول
خليق بالنفي
أي بنفي الصحة
وسيظهر
نفيها وقال
أبو الحسين لا
يجوز إفتاء غير المجتهد بمذهب المجتهد
مطلقا
بالمعنى الذي قبله وبه قال القاضي من الحنابلة في جماعة منهم ومن غيرهم كالروياني من الشافعية قال القاضي ومعناه عن أحمد
لنا وقوعه
أي إفتاء المتبحر غير المجتهد بمذهب المجتهد
بلا نكير
فإن المتبحرين من مقلدي أصحاب المذاهب ما زالوا على ممر الأعصار يفتون بمذاهب أصحابها مع عدم بلوغهم رتبه الاجتهاد المطلق ولم ينكر إفتاؤهم
وينكر
الإفتاء
من غيره أي غير المتجر بمذهب المجتهد فكان إجماعا على جواز فتيا المتبحر وعدم جواز فتيا غيره
فإن قيل
____________________
(3/462)
إذا فرض عدم المجتهدين
في حال الاتفاق وعدم الإنكار
فعدمه
أي الإنكار ووجود الاتفاق يكون من غير أهل الإجماع وكلاهما
من غير أهل الإجماع ليس حجة فالوجه كونه
أي جوازه
للضرورة إذن
أي لفقد المجتهدين
قلنا إنما يلزم
كونه للضرورة
لو منع الاجتهاد في المسألة
أي تجزي الاجتهاد إذ المفروض أن المفتي لا بد أن يكون عالما قادرا على الاجتهاد في أصول ذلك المجتهد ومثله له قدرة الاجتهاد في مسألة
وهو
أي منع تجزي الاجتهاد
ممنوع
فالمتفقون حينئذ على جواز هذا الإفتاء مجتهدون في هذه المسألة وإن لم يكونوا مجتهدين مطلقا
فكلاهما
أي الاستدلال بالاتفاق بلا نكير والاستدلال بالضرورة
حق
فأما إذا لم يفرض فقد المجتهد فمستند القول بجواز الإفتاء لغير المجتهد بمذهب المجتهد إنما ينهض بالإجماع على وقوعه من غير إنكار إذا تم لا بالضرورة لاندفاعها بالمجتهد الموجود
وبهذا
الجواب
بدفع دفعه
أي دفع الاعتراض المذكور
لدليل تقليد الميت وهو
أي تقليده القول
المختار وهو
أي دليل تقليده
إنه
أي تقليد
إجماع
لوقوعه في ممر الأعصار بلا إنكار
فلا يعارضه
أي هذا الدليل
قولهم
أي مانعي تقليده كالإمام الرازي
لا قول له
أي للميت
وإلا
لو كان له قول باق
لم ينعقد الإجماع على خلافه ك
ما ينعقد على خلاف قول
الحي
فإن هذا لا يعارض الإجماع المذكور على إن ما ذكروه معارض بحجيه الإجماع بعد موت المجمعين والدفع أن يقال لا عبرة بالاتفاق وبعدم الاتفاق وبعدم إنكار تقليد الميت لأن المتفقين عليه ليسوا مجتهدين فالوجه كونه للضرورة ودفعه أن يقال إنما يلزم لو منع تجزي الاجتهاد إلى آخر ما تقدم والتقريب ظاهر للمتأمل
المجوز
مطلقا قال المفتي
ناقل
فلا فرق بين العالم وغيره كما في الحديث فإنه لا يشترط في رواية العلم فرب حامل فقه ليس بفقيه
أجيب ليس الخلاف في النقل بل في التخريج وإذن سقط هذا القول لظهور أن مراده
أي قائله وهو النقل
اتفاق فهي
أي الأقوال في هذه المسألة
ثلاثة
جوازه للمتبحر جوازه له عند عدم المجتهد وقد عرف وجههما لا يجوز مطلقا لأبي الحسين ووجه أنه قال
أبو الحسين لو جاز
الإفتاء للمتبحر
لجاز للعامي
بجامع عدم بلوغهما رتبة الاجتهاد قال المصنف
وما أبعده والفرق
بينهما في الوضوح
كالشمس
لأن الإجماع جوزه للعالم دون العامي وكيف لا والعارف بالمآخذ بعيد من الخطأ لاطلاعه على مآخذ أحكام إمامه بخلاف العام فإنة لا يبعد منه الخطأ بل يكثر منه لعدم اطلاعه على المأخذ فإن يستويان قل { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب }
قلت وأما الاستدلال له بأنهما في النقل سواء كما في الشرح العضدي فيفيد سقوطه أيضا لأن الخلاف ليس في النقل فالأقوال فيها قولان حينئذ المختار والمستغرب هذا وفي شرح الهداية للمصنف بعد أن حكي إنه ذكر أنه لا يفتي إلا المجتهد قال وقد استقر رأي الأصوليين على أن المفتي هو المجتهد فأما غير المجتهد ممن يحفظ أقوال المجتهدين فليس
____________________
(3/463)
بمفت والواجب عليه إذا سئل أن يذكر قول المجتهد كأبي حنيفة على جهة الحكاية فعرف أن ما يكون في زماننا ليس بفتوى بل هو نقل كلام المفتي ليأخذ به المستفتي وطريق نقله كذلك عن المجتهد أحد أمرين
إما أن يكون له سند فيه إليه أو يأخذه من كتاب معروف تداولته الأيدي نحو كتب محمد بن الحسن ونحوها من التصانيف المشهورة للمجتهدين لأنه بمنزلة الخبر المتواتر عنهم والمشهور هكذا ذكر الرازي فعلى هذا لو وجد بعض نسخ النوادر في زماننا لا يحل عزو ما فيها إلى محمد ولا إلى أبي يوسف لأنها لم تشتهر في عصرنا في ديارنا ولم تتداول
نعم إذا وجد النقل عن النوادر مثلا في كتاب مشهور معروف كالهداية والمبسوط كان ذلك تعويلا على ذلك الكتاب فلو كان حافظا للأقاويل المختلفة للمجتهدين ولا يعرف الحجة ولا قدرة له على الاجتهاد للترجيح لا يقطع بقول منها يفتي به بل يحكيها للمستفتي فيختار المستفتي ما يقع في قلبه إنه الأصوب ذكره في بعض الجوامع وعندي أنه لا يجب عليه حكاية كلها بل يكفيه أن يحكي قولا منها فإن المقلد له أن يقلد أي مجتهد شاء فإذا ذكر أحدها فقلده حصل المقصود نعم لو حكى الكل فالأخذ بما يقع في قلبه أنه أصوب أولى وإلا فالعامي لا عبرة بما يقع في قلبه من صواب الحكم وخطئه اه
فلا جرم إن قال ابن دقيق العيد توقيف الفتيا على حصول المجتهد يفضي إلى حرج عظيم واسترسال الخلق أفي هويتهم فالمختاران الراوي عن الأئمة المتقدمين إذا كان عدلا متمكنا من فهم كلام الإمام ثم حكى للمقلد قوله فإنه يكتفي به لأن ذلك مما يغلب على ظن العامي أنه حكم الله عنده وقد انعقد الإجماع في زماننا على هذا النوع من الفتيا هذا مع العلم الضروري بأن نساء الصحابة كن يرجعن في أحكام الحيض وغيره إلى ما يخبر به أزواجهن عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك فعل علي رضي الله عنه حين أرسل المقداد في قصة المذي وفي مسألتنا أظهر فإن مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك ممكنة ومراجعة المقلد الآن للأئمة السابقين متعذرة وقد أطبق الناس على تنفيذ أحكام القضاة مع عدم شرائط الاجتهاد اليوم
ثم قال السبكي لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد المطلق مراتب
إحداها أن يصل إلى رتبة الاجتهاد المقيد فيستقل بتقرير مذهب إمام معين ويتخذ نصوصه أصولا يستنبط منها نحو ما يفعله بنصوص الشارع وهذه صفة أصحاب الوجوه والذي أظنه قيام الإجماع على جواز فتيا هؤلاء وأنت ترى علماء المذاهب ممن وصل إلى هذه الرتبة هل منعهم أحد الفتوى أو منعوا هم أنفسهم عنها
الثانية من لم يبلغ رتبة أصحاب الوجوه لكنه فقيه النفس حافظ للمذهب قائم بتقريره غير أنه لم يرتض في التخريج والاستنباط كارتياض أولئك وقد كانوا يفتون ويخرجون كأولئك اه
وقال شافعي متأخر عنه في إفتاء صاحب هذه الرتبة أقوال أصحها يجوز والثاني المنع والثالث
____________________
(3/464)
يجوز عند عدم المجتهد
الثالثة من لم يبلغ هذا المقدار ولكنه حافظ لواضحات المسائل غير أن عنده ضعفا في تقرير أدلتها فعلى هذا الإمساك فيما يغمض فهمه فيما لا نقل عنده فيه وليس هذا الذي حكينا فيه الخلاف فإنه لا اطلاع له على المأخذ وكل هؤلاء غير عوام اه
قلت وهذا يشير إلى أن له الإفتاء فيما لا يغمض فهمه قال متأخر شافعي وينبغي أن يكون هذا راجحا لمحل الضرورة لا سيما في هذه الأزمان اه
وهذا أحد الأقوال فيه
ثانيها المنع مطلقا ثالثها الجواز عند عدم المجتهد وعدم الجواز عند وجود المجتهد وقيل الصواب إن كان السائل يمكنه التوصل إلى عالم يهديه السبيل لم يحل له استفتاء مثل هذا ولا يحل لهذا أن ينصب نفسه للفتوى مع وجود هذا العالم وإن لم يكن في بلده أو ناحيته غيره فلا ريب أن رجوعه إليه أولى من أن يقدم على العمل بلا علم أو يبقى مرتبكا في حيرته مترددا في عماه وجهالته بل هذا هو المستطاع من تقواه المأمور بها وهو حسن إن شاء الله تعالى أما العامي إذا عرف حكم حادثة بدليلها فهل له أن يفتي به ويسوغ لغيره تقليده ففيه أوجه للشافعية وغيرهم
أحدها لا مطلقا لعدم أهليته للاستدلال وعدم علمه بشروطه وما يعارضه ولعله يظن ما ليس بدليل دليلا وهذا في بحر الزركشي الأصح
ثانيها نعم مطلقا لأنه قد حصل له العلم به كما للعالم وتميز العلم عنه بقوة يتمكن بها من تقرير الدليل ودفع المعارض له أمر زائد على معرفة الحق بدليله
ثالثها إن كان الدليل كتابا أو سنة جاز وإلا لم يجز لأنهما خطاب لجميع المكلفين فيجب على المكلف العمل بما وصل إليه منهما وإشار غيره إليه
رابعها إن كان نقليا جاز وإلا فلا قال السبكي وأما العامي الذي عرف من المجتهد حكم مسألة ولم يدر دليلها ولا وجه تعليلها كمن حفظ مختصرا من مختصرات الفقه فليس له أن يفتي ورجوع العامي إليه إذا لم يكن سواه أولى من الارتباك في الحيرة وكل هذا فيمن لم ينقل عن غيره أما الناقل فلا يمنع فإذا ذكر العامي أن فلانا المفتي أفتاني بكذا لم يمنع من نقل هذا القدر اه
لكن ليس للمذكور له العمل به على ما في بحر الزركشي لا يجوز لعامي أن يعمل بفتوى مفت لعامي مثله والله سبحانه أعلم
مسألة يجوز تقليد المفضول مع وجود الأفضل
في أصول ابن مفلح عند أكثر أصحابنا كالقاضي وأبي الخطاب وصاحب الروضة وقال الحنفية والمالكية وأكثر الشافعية
وأحمد
في رواية
وطائفة كثيرة من الفقهاء
كابن سريج والقفال والمروزي وا بن السمعاني
على المنع
وقيل يجوز لمن يعتقده فاضلا أو مساويا ثم الخلاف بالنسبة إلى القطر الواحد لا إلى أهل الدنيا إذ لا خلاف في أنه لا يجب عليه تقليد أفضل أهل الدنيا وإن كان نائيا عن إقليمه ذكره الزركشي في بحره
للأول
أي مجيزي تقليد المفضول مع وجود الأفضل
القطع
في عصر الصحابة
باستفتاء كل صحابي مفضول
مع وجود الأفضل
بلا نكير على المستفتي
فكان إجماعا ومن ثمة قال الآمدي لولا إجماع الصحابة على الجواز
____________________
(3/465)
لكان الأولى مذهب الخصم ولعل مستند الإجماع أن الكل طريق إلى الله تعالى قال المصنف
وهو
أي كون هذا دليلا على تمام المطلوب
متوقف على كونه
أي تقليد المفضول مع وجود الأفضل في زمان الصحابة
كان عند مخالفته للكل فإنه
أي هذا
من صورها
أي مسألة جواز تقليد المفضول مع وجود الأفضل وثبوت هذا ليس بالسهل
واستدل
للأول بأن العامي لو كلف هذا لكان تكليفا بالمحال
بتعذر الترجيح للعامي
لأن الترجيح فرع المعرفة ومبلغ علمه إنما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه
أجيب بأنه
أي الترجيح غير مستحيل من العامي لأنه يظهر له
بالتسامع
من الناس وبرجوع العلماء إليه وعدم رجوعه إليهم وكثرة المستفتين وتقديم سائر العلماء له وقال
المانعون
من جوازه
أقوالهم
أي المجتهدين بالنسبة إلى المقلد
كالأدلة
المتعارضة
للمجتهد
فلا يصار إلى أحدها تحكما كما لا يصار إلى بعض الأدلة تحكما بل لا بد من الترجيح
فيجب الترجيح
وما الترجيح إلا بكون قائله أفضل اتفاقا
أجيب
بأن هذا قياس
لا يقاوم ما ذكرنا
من الإجماع لتقديم الإجماع على القياس بالإجماع
وعلمت ما فيه
من أنه إنما يتم بالنسبة إلى تمام المطلوب إذا كان ذلك عند مخالفته للكل
وتعسره
أي الترجيح
على العامي
بخلافه لبعض الأدلة بالنسبة إلى المجتهد
ولا يخفى أنه
أي الترجيح
إذا كان بالتسامع لا عسر عليه
أي العامي فيه
وكون الاجتهاد المناط
لجواز التقليد
لا يفيد
وهو أن لا يوجد أفضل منه
لنا منعه عند مخالفة المفضول الكل
فيترجح المنع على الجواز هذا وقد ظهر على القول بتعين تقليد الأفضل أنه الأفضل في نفس الأمر بما ظهر من أماراته لا الأفضل في مجرد ظنه من غير استناد إلى أمارة على ذلك نعم نقل الرافعي عن الغزالي لو كان يعتقد أحدهم أعلم لا يجوز أن يقلد غيره وإن قلنا لا يجب عليه البحث عن الأعلم إذا لم يعتقد اختصاص أحدهم بزيادة علم فهذا يفيد القول بتعين تقليد الأفضل أنه الأفضل اعتقادا وإن لم يثبت ذلك عنده في نفس الأمر بأمارة لكن لعل هذا منه إذا لم يوجد أمارة لأفضلية أحدهم على الباقين وإلا فلو قامت أمارة على أفضليته وكان معتقدا في غيره الأفضلية من غير أمارة عليها فتقديم ذا على ذاك ليس بمتجه بل المتجه العكس فلا جرم أن ذكر ابن الصلاح فيما لو استفتى أحدهم واستبان أنه الأعلم والأوثق لزمه بناء على تقليد الأفضل وإن لم يستبن لم يلزمه اه
وقيل الحق أن ترجح المفضول بديانة وورع وتحر للصواب وعدم ذلك الفاضل فاستفتاء المفضول جائز إن لم يتعين وإن استويا فاستفتاء الأعلم أولي ولو استويا علما وتفاوتا ورعا فقيل وجب الأخذ بقول الأورع
قلت والظاهر أنه أولى لأن لزيادة الورع تأثيرا في الاحتياط وإن ترجح أحدهما في العلم والآخر في الورع فالأرجح على ما ذكر الرازي ونص السبكي على أنه الأصح الأخذ بقول الأعلم لأن لزيادة العلم تأثيرا في الاجتهاد فيكون الظن الحاصل بقوله أكثر بخلاف زيادة الورع وقيل يؤخذ بقول الأورع وقيل يحتمل
____________________
(3/466)
التساوي لأن لكل مرحجا فيتخير ولو تساويا علما وورعا ففي بحر الزركشي قدم الأسن لأنه الأقرب إلى الإصابة بطول الممارسة اه
قلت وإن لم يكن المراد التقديم بطريق الأولوية ففيه نظر ظاهر وأطلق جماعة من الحنابلة وغيرهم التخيير في استوائهم وفي المحصول وإن ظن استواءهما مطلقا فيمكن أن يقال لا يتصور وقوعه لتعاوض أمارتي الحل والحرمة ويمكن أن يقال بوقوعه ويخير بينهما والله سبحانه أعلم
مسألة لا يرجع المقلد فيما قلد
المجتهد
فيه أي عمل به اتفاقا
ذكره الآمدي وابن الحاجب لكن قال الزركشي وليس كما قالا ففي كلام غيرهما ما يقتضي جريان الخلاف بعد العمل أيضا وكيف يمتنع إذا اعتقد صحته لكن وجه ما قالاه أنه بالتزامه مذهب إمام مكلف به ما لم يظهر له غيره والعامي لا يظهر له بخلاف المجتهد حيث ينتقل من أمارة الى أمارة وفصل بعضهم فقال التقليد بعد العمل إن كان من الوجوب إلى الإباحة ليترك كالحنفي يقلد في الوتر أو من الحظر إلى الإباحة ليترك كالشافعي يقلد في أن النكاح بغير ولي جائز والفعل والترك لا ينافي الإباحة واعتقاد الوجوب أو التحريم خارج عن العمل وحاصل قبله فلا معنى للقول بأن العمل فيها مانع من التقليد وإن كان بالعكس فإن كان يعتقد الإباحة يقلد في الوجوب أو التحريم فالقول بالمنع أبعد وليس في العامي إلا هذه الأقسام
نعم المفتي على مذهب إمام إذا أفتى بكون الشيء واجبا أو مباحا أو حرا ما ليس له أن يقلد ويفتي بخلافة لأنه حينئذ محض تشهي كذا اه
قلت والتوجيه المذكور ساقط فإن المسأله موضوعة في العامي الذي لم يلتزم مذهبا معينا كما يفصح به لفظ الآمدي ثم ذكرهما بعد ذلك ما لو التزم مذهبا معينا على أن الالتزام غير لازم على الصحيح كما ستعلم وقد قال الإمام صلاح الدين العلائي ثم لا بد وأن يكون ذلك مخصصا بحالة الورع والاحتياط إذ لا يمنع فقيه من الرجوع في مثل ذلك
قلت وقد قدمنا في فصل التعارض أن مشايخنا قالوا في القياسين إذا تعارضا واحتيج إلى العمل يجب التحري فيهما فإذا وقع في قلبه أن الصواب أحدهما يجب العمل به وإذا عمل به ليس له أن يعمل بعده بالآخر إلا أن يظهر خطأ الأول وصواب الآخر فحينئذ يعمل بالثاني أما إذا لم يظهر خطأ الأول فلا يجوز له العمل بالثاني لأنه لما تحرى ووقع تحريه على أن الصواب أحدهما وعمل به وصح العمل حكم بصحة ذلك القياس وأن الحق معه ظاهر أو ببطلان الآخر وأن الحق ليس معه ظاهرا مما لم يرتفع ذلك بدليل سوى ما كان موجودا عند العمل به لا يكون له أن يصير إلى العمل بالآخر فعلى قياس هذا إذا تعارض قولا مجتهدين يجب التحري فيهما فإذا وقع في قلبه أن الصواب أحدهما يجب العمل به وإذا عمل به ليس له أن يعمل بالآخر إلا إذا ظهر خطأ الأول لأن تعارض أقوال المجتهدين بالنسبة إلى المقلد كتعارض الأقيسة بالنسبة إلى المجتهد وستسمع عنهم أيضا ما يشده والله سبحانه أعلم
وهل يقلد غيره
أي غير من قلده أولا في شيء
في غير
أي غير ذلك الشيء
____________________
(3/467)
كان يعمل أولا في مسألة بقول أبي حنيفة وثانيا في أخرى بقول مجتهد آخر
المختار
كما ذكر الآمدي وابن الحاجب
نعم للقطع
بالاستقراء التام
بأنهم
أي المستفتين في كل عصر من زمن الصحابة وهلم جرا
كانوا يستفتون مرة واحد أو مرة غيره غير ملتزمين مفتيا واحدا
وشاع وتكرر ولم ينكر وهذا إذا لم يلتزم مذهبا معينا
فلو التزم مذهبا معينا كأبي حنيفة أو الشافعي
فهل يلزمه الاستمرار عليه فلا يعدل عنه في مسألة من المسائل
فقيل يلزم
لأنه بالتزامه يصير ملزما به كما لو التزم مذهبه في حكم حادثة معينة ولأنه اعتقد أن المذهب الذي انتسب إليه هو الحق فعليه الوفاء بموجب اعتقاده
وقيل لا
يلزم وهو الأصح كما في الرافعي وغيره لأن التزامه غير ملزم إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة فيقلده في دينه في كل ما يأتي ويذر دون غيره على أن ابن حزم قال أجمعوا أنه لا يحل لحاكم ولا مفت تقليد رجل فلا يحكم ولا يفتي إلا بقوله اه
وقد انطوت القرون الفاضلة على عدم القول بذلك بل لا يصح للعامي مذهب ولو تمذهب به لأن المذهب إنما يكون لمن له نوع نظر واستدلال وبصر بالمذاهب على حسبه أو لمن قرأ كتابا في فروع ذلك المذهب وعرف فتاوى إمامه وأقواله وأما من لم يتأهل لذلك البتة بل قال أنا حنفي أو شافعي أو غير ذلك لم يصر كذلك بمجرد القول كما لو قال أنا فقيه أو نحوي أو كاتب لم يصر كذلك بمجرد قوله يوضحه أن قائله يزعم أنه متبع لذلك الإمام سالك طريقه في العلم والمعرفة والاستدلال فأما مع جهله وبعده جدا عن سيرة الإمام وعلمه بطريقه فكيف يصح له الانتساب إليه إلا بالدعوى المجردة والقول الفارغ من المعنى كذا ذكره فاضل متأخر
قلت ولو شاححه مشاحح في أن قائل أنا حنفي مثلا لم يرد به أنه متبع لأبي حنيفة في جميع هذا المذكور بل متبعه في الموافقة فيما أدى إليه اجتهاده عملا واعتقادا فسيظهر جوابه مما يذكره قريبا ثم قال الإمام صلاح الدين العلائي والذي صرح به الفقهاء في مشهور كتبهم جواز الانتقال في آحاد المسائل والعمل فيها بخلاف مذهب إمامه الذي يقلد مذهبه إذا لم يكن ذلك على وجه ألتتبع للرخص وشبهوا ذلك بالأعمى الذي اشتبهت عليه أواني ماء وثياب تنجس بعضها إذا قلنا ليس له أن يجتهد فيها بل يقلد بصيرا يجتهد فإنه يجوز أن يقلد في الأواني واحدا وفي الثياب آخر ولا منع من ذلك
وقيل كمن لم يلتزم إن عمل بحكم تقليدا
لمجتهد
لا يرجع عنه
أي عن ذلك الحكم
وفي غيره
أي غير ما عمل به تقليد المجتهد
له تقليد غيره
من المجتهدين قال السبكي وهو الأعدل وقال المصنف
وهو الغالب على الظن لعدم ما يوجبه
أي اتباعه فيما لم يعمل به
شرعا
بل الدليل الشرعي اقتضى العمل بقول المجتهد وتقليده فيه فيما احتاج إليه هو قوله تعالى { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } والسؤال إنما يتحقق عند طلب حكم الحادثة المعينة وحينئذ إذا ثبت عنده قول المجتهد وجب عمله به والتزامه لم
____________________
(3/468)
يثبت من السمع اعتباره ملزما كمن التزم كذا لفلان من غير أن يكون لفلان عليه ذلك لا يحكم عليه به إنما ذلك في النذر لله تعالى ولا فرق فى ذلك بين أن يلتزم بلفظه كما في النذر أو بقلبه وعزمه على أن قول القائل مثلا قلدت فلانا فيما أفتى به من المسائل تعليق التقليد أو الوعد به ذكره المصنف وقال
ويتخرج منه
أي من كونه كمن لم يلتزم
جواز اتباعه رخص المذاهب
أي أخذه من كل منها ما هو الأهون فيما يقع من المسائل
ولا يمنع منه مانع شرعي اذ للإنسان أن يسلك الأخف عليه إذا كان له إليه سبيل بأن لم يكن عمل بآخر فيه
وقال أيضا والغالب أن مثل هذه إلزامات منهم لكف الناس عن تتبع الرخص وإلا أخذ العامي في كل مسألة بقول من مجتهد قوله أخف عليه وأنا لا أدري ما يمنع هذا من العقل والسمع وكون الإنسان يتبع ما هو أخف على نفسه من قول مجتهد مسوغ له الاجتهاد ما علمت من الشرع ذمه عليه
وكان صلى الله عليه وسلم يحب ما خفف عليهم
كما قدمنا في فصل الترجيح أن البخاري أخرجه عن عائشة بلفظ عنهم وفي لفظ ما يخفف عنهم أي أمته وذكرنا ثمة عدة أحاديث صحيحة دالة على ذلك
قلت لكن ما عن ابن عبد البر من أنه لايجوز للعامي تتبع الرخص إجماعا إن صح احتاج إلى جواب ويمكن أن يقال لا نسلم صحة دعوى الإجماع إذ في تفسيق المتتبع للرخص عن أحمد روايتان وحمل القاضي أبو يعلى الرواية المفسقة على غير متأول ولا مقلد وذكر بعض الحنابلة أن قوي دليل أو كان عاميا لا يفسق وفي روضة النووي وأصلها عن حكاية الحناطي وغيره عن ابن أبي هريرة أنه لا يفسق به ثم لعله محمول على نحو ما يجتمع له من ذلك ما لم يقل بمجموعه مجتهد كما أشار إليه بقوله وقيده أي جواز تقليد غيره
متأخر وهو العلامة القرافي
بأن لا يترتب عليه
أي تقليد غيره
ما يمنعانه
أي مجتمع على بطلانه كلاهما
فمن قلد الشافعي في عدم فرضية
الدلك
للأعضاء المغسولة في الوضوء والغسل
ومالكا في عدم نقض اللمس بلا شهوة
للوضوء فتوضأ ولمس بلا شهوة
وصلى إن كان الوضوء بدلك صحت
صلاته عند ذلك وإلا إن كان بلا دلك
بطلت عندهما
أي مالك والشافعي وقال الروياني يجوز تقليد المذاهب والانتقال إليها بثلاثة شروط أن لا يجمع بينهما على صورة تخالف إلإجماع كمن تزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد وأن يعتقد فيمن يقلده الفضل بوصول أخباره إليه ولا يقلد أميا في عماية وألا يتتبع رخص المذاهب
وتعقب القرافي هذا بأنه إن أراد بالرخص ما ينقص فيه قضاء القاضي وهو أربعة ما خالف الإجماع أو القواعد أو النص أو القياس الجلي فهو حسن متعين فإن ما لا نقره مع تأكده بحكم الحاكم فأولى أن لا نقره قبل ذلك وإن أراد بالرخص ما فيه سهولة على المكلف كيفما كان يلزمه أن يكون من قلد مالكا في المياه والأرواث وترك الألفاظ في العقود مخالفا لتقوى الله وليس كذلك وتعقب الأول بأن الجمع المذكور ليس بضائر فإن مالكا مثلا لم يقل إن من قلد الشافعي في عدم الصداق أن
____________________
(3/469)
نكاحه باطل والإلزم أن تكون أنكحه الشافعية عنده باطلة ولم يقل إن من قلد مالكا في عدم الشهود أن نكاحه باطل والإلزم أن تكون أنكحه المالكية بلا شهود عنده باطلة
قلت لكن في هذا التوجيه نظر غير خاف ووافق ابن دقيق العيد الروياني على اشتراط أن لا يجتمع في صورة يقع الإجماع على بطلانها وأبدل الشرط الثالث بأن لا يكون ما قلد فيه مما ينقض فيه الحكم لو وقع واقتصر الشيخ عز الدين بن عبد السلام على اشتراط هذا وقال وإن كان المأخذان متقاربين جاز والشرط الثاني انشراح صدره للتقليد المذكور وعدم اعتقاده لكونه متلاعبا بالدين متساهلا فيه ودليل هذا الشرط قوله صلى الله عليه وسلم
والإثم ما حاك في الصدر فهذا تصريح بأن ما حاك في النفس ففعله إثم اه
قلت أما عدم اعتقاد كونه متلاعبا بالدين متساهلا فيه فلا بد منه وأما انشراح صدره للتقليد فليس على إطلاقه كما إن الحديث كذلك أيضا وهو بلفظ والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس في صحيح مسلم وبلفظ والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك فى مسند أحمد فقد قال الحافظ المتقن ابن رجب في الكلام على هذا الحديث مشيرا إليه باللفظ الأول إنه إشارة إلى أن الإثم ما أثر في الصدر حرجا وضيقا وقلقا واضطرابا فلم ينشرح له الصدر ومع هذا فهو عند الناس مستنكر بحيث ينكرونه عند اطلاعهم عليه وهذا أعلى مراتب معرفة الإثم عند الاشتباه وهو ما استنكره الناس فاعله وغير فاعله ومن هذا المعنى قول ابن مسعود ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن وما رآه المؤمنون قبيحا فهو عند الله قبيح ومشيرا إليه باللفظ الثاني يعني ما حاك في صدر الإنسان فهو إثم وإن أفتاه غيره بأنه ليس بإثم فهذه مرتبة ثانية وهو أن يكون الشيء مستنكرا عند فاعله دون غيره وقد جعله أيضا إثما وهذا إنما يكون إذا كان صاحبه ممن شرح صدر بالإيمان وكان المفتي له يفتي بمجرد ظن أو ميل إلى هوى من غير دليل شرعي فأما ما كان مع المفتي به دليل شرعي فالواجب على المستفتي الوجوع إليه وأن لم ينشرح له صدره هذا كالرخص الشرعية مثل الفطر في السفر والمرض وقصر الصلاة نحو ذلك مما لا ينشرح به صدر كثير من الجهال فهذا لا عبرة به وقد كان صلى الله عليه وسلم أحيانا يأمر أصحابه بما لا ينشرح به صدر بعضهم فيمتنعون من فعله فيغضب من ذلك كما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة فكرهه من كرهه منهم وكما أمرهم بنحر هديهم والتحلل من عمرة الحديبية فكرهوه وكرهوا مقاضاته لقريش على أن يرجع من عامه وعلى أن من أتاه منهم يرده إليهم وفي الجملة فما ورد النص به فليس للمؤمن الإ طاعه الله ورسوله كما قال تعالى { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } وينبغي أن يتلقى ذلك بانشراح الصدر والرضا فإن ما شرعه الله ورسوله يجب الرضا والإيمان به والتسليم له كما قال تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما }
____________________
(3/470)
وأما ما ليس فيه نص عن الله ورسوله ولا عمن يقتدى بقوله من الصحابة وسلف الأمة فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين منه شيء وحاك في صدره لشبهة موجودة ولم يجد من يفتي فيه بالرخصة إلا من يخبر عن رأيه وهو ممن لا يوثق بعلمه وبدينه بل هو معروف باتباع الهوى فهنا يرجع المؤمن إلى ما حاك في صدره وإن أفتاه هؤلاء المفتون وقد نص الإمام أحمد على مثل هذا اه
بقي هل بمجرد وقوع صحة جواب المفتي وحقيته في نفس المستفتي يلزمه العمل به فذهب ابن السمعاني إلى أن أولى الأوجه أنه يلزمه وتعقبه ابن الصلاح بأنه لم يجده لغيره
قلت وما ذكره ابن السمعاني موافق لما في شرح الزاهدي على مختصر القدوري وعن أحمد العياضي العبرة بما يعتقده المستفتي فكل ما اعتقده من مذهب حل له الأخذ به ديانة ولم يحل له خلافة اه
وما في رعاية الحنابلة ولا يكفيه من لم تسكن نفسه إليه وفي أصول ابن مفلح الأشهر يلزمه بالتزامه وقيل وبظنه حقا وقيل ويعمل به وقيل يلزمه إن ظنه حقا وإن لم يحد مفتيا آخر لزمه كما لو حكم به حاكم اه
يعني ولا يتوقف ذلك على التزامه ولا سكون نفسه إلى صحته كما صرح به ابن الصلاح وذكر أنه الذي تقتضيه القواعد وشيخنا المصنف رحمه الله على أنه لا يشترط ذلك لا فيما إذا وجد غيره ولا فيما إذا لم يوجد كما أسلفنا ذلك عنه في ذيل مسألة إفتاء غير المجتهد حتى قال لو استفتى فقيهين أعني مجتهدين فاختلفا عليه الأولى أن يأخذ بما يميل إليه قلبه منهما وعندي أنه لو أخذ بقول الذي لا يميل إليه جاز لأن ميله وعدمه سواء والواجب تقليد مجتهد وقد فعل أصاب ذلك المجتهد أو أخطأ اه
لكن عليه أن يقال ما قدمناه من أن القياس على تعارض الأقيسة بالنسبة إلى المجتهد يقتضي وجوب التحري على المستفتي والعمل بما يقع في قلبه إنه الصواب فيحتاج العدول عنه إلى الجواز بدونه إلى جواب ثم في غير ما كتاب من الكتب المذهبية المعتبرة أن المستفتي إن أمضى قول المفتي لزمه وإلا فلا حتى قالوا إذا لم يكن الرجل فقيها فاستفتى فقيها فأفتاه بحلال أو حرام ولم يعزم على ذلك حتى أفتاه فقيه آخر بخلافه فأخذ بقوله وأمضاه لم يجز له أن يترك ما أمضاه فيه ويرجع إلى ما أفتاه به الأول لأنه لا يجوز له نقض ما أمضاه مجتهدا كان أو مقلدا لأن المقلد متعبد بالتقليد كما أن المجتهد متعبد بالاجتهاد ثم كما لم يجز للمجتهد نقض ما أمضاه فكذا لا يجوز للمقلد لأن اتصال الإمضاء بمنزلة اتصال القضاء واتصال القضاء يمنع النقض فكذا اتصال الإمضاء
هذا وذكر الإمام العلائي أنه قد يرجح القول بالانتقال في أحد صورتين إحداهما إذا كان مذهب غير إمامه يقتضي تشديدا عليه أو أخذ بالاحتياط كما إذا حلف بالطلاق الثلاث على فعل شيء ثم ناسيا أو جاهلا أنه المحلوف عليه وكان مذهب إمامه الذي يقلده يقتضي عدم الحنث بذلك فأقام مع زوجته عاملا به ثم تخرج منه لقول من أوقع الطلاق في هذه الصورة فإنه يستحب له الأخذ بالاحتياط والتزام الحنث ولذلك قال
____________________
(3/471)
أصحابنا إن القصر في سفر جاوز ثلاثة أيام أفضل من الإتمام والإتمام فيما إذا كان أقل من ذلك فأفضل احتياطا للخلاف في ذلك
والثانية إذا رأى للقول المخالف لمذهب إمامه دليلا صحيحا من الحديث ولم يجد في مذهب إمامه جوابا قويا عنه ولا معارضا راجحا عليه إذ المكلف مأمور باتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما شرعه فلا وجه لمنعه من تقليد من قال بذلك من المجتهدين محافظة على مذهب التزام تقليده اه
قلت وهذا موافق لما أسلفناه عن الإمام أحمد والقدوري وعليه مشى طائفة من العلماء منهم ابن الصلاح وابن حمدان والله سبحانه أعلم
تكملة نقل الإمام
في البرهان
إجماع المحققين على منع العوام من تقليد أعيان الصحابة بل من بعدهم
أي بل قال عليهم أن يتبعوا مذاهب الأئمة
الذين سبروا ووضعوا ودونوا
لأنهم أوضحوا طرق النظر وهذبوا المسائل وبينوها وجمعوها بخلاف مجتهدي الصحابة فإنهم لم يعتنوا بتهذيب مسائل الاجتهاد ولم يقرروا لأنفسهم أصولا تفي بأحكام الحوادث كلها وإلا فهم أعظم وأجل قدرا وقد روى أبو نعيم في الحلية أن محمد بن سيرين سئل عن مسألة فأحسن فيها الجواب فقال له السائل ما معناه ما كانت الصحابة لتحسن أكثر من هذا فقال محمد لو أردنا فقههم لما أدركته عقولنا
وعلى هذا
أي على أن عليهم أن يقلدوا الأئمة المذكورين لهذا الوجه
ما ذكر بعض المتأخرين
وهو ابن الصلاح
منع تقليد غير
الأئمة
الأربعة
أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله
لانضباط مذاهبهم وتقييد
مطلق
مسائلهم وتخصيص عمومها
وتحرير شروطها إلى غير ذلك
ولم يدر مثله
أي هذا الشيء
في غيرهم
من المجتهدين
الآن لانقراض أتباعهم
وحاصل هذا أنه امتنع تقليد غير هؤلاء الأئمة لتعذر نقل حقيقة مذهبهم وعدم ثبوته حق الثبوت لا لأنه لا يقلد ومن ثمة قال الشيخ عز الدين عبد السلام لا خلاف بين الفريقين في الحقيقة بل أن تحقق ثبوت مذهب عن واحد منهم جاز تقليده وفاقا وإلا فلا وقال أيضا إذا صح عن بعض الصحابة مذهب في حكم من الأحكام لم يجز مخالفته إلا بدليل أوضح من دليله
هذا وقد تعقب بعضهم أصل الوجه لهذا بأنه لا يلزم من سير هؤلاء كما ذكر وجوب تقليدهم لأن من بعدهم جمع وسبر كذلك إن لم يكن أكثر ولا يلزم وجوب اتباعهم بل الظاهر في تعليله في العوام أنهم لو كلفوا تقليد الصحابي لكان فيه من المشقة عليهم من تعطيل معايشهم وغير ذلك ما لا يخفى وأيضا كما قال ابن المنير يتطرق إلى مذاهب الصحابه احتمالات لا يتمكن العامي معها من التقليد ثم قد يكون الإسناد إلى الصحابي لا على شروط الصحة وقد يكون الإجماع انعقد بعد ذلك القول على قول آخر ويمكن أن تكون واقعة العامي ليست الواقعة التي أفتى فيها الصحابي وهو ظان أنها هي لأن تنزيل الوقائع على الوقائع من أدق وجوه الفقه وأكثرها غلظا وبالجملة القول بأن العامي لا يتأهل لتقليد الصحابة قريب من القول بأنه لا
____________________
(3/472)
يتأهل للعمل بأدلة الشرع إما لأن قوله حجة فهو ملحق بقول الشارع وإما لأنه في علو المرتبة يكاد يكون حجة فامتناع تقليده لعلو قدره لا لنزوله فلا جرم أن قال المصنف
وهو
أي هذا المذكور
صحيح
بهذا الاعتبار وإلا فمعلوم أنه لا يشترط أن يكون للمجتهد مذهب مدون وأنه لا يلزم أحدا أن يتمذهب بمذهب أحد الأئمة بحيث يأخذ بأقواله كلها ويدع أقوال غيره كما قدمناه بأبلغ من هذا ومن هنا قال القرافي انعقد الإجماع على أن من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حجر وأجمع الصحابة رضي الله عنهم أن من استفتى أبا بكر أو عمر قلدهما فله أن يستفتي أبا هريرة ومعاذ بن جبل وغيرهما ويعمل بقولهما من غير نكير فمن ادعى دفع هذين الإجماعين فعليه الدليل
هذا وقد تكلم أتباع المذاهب في تفصيل أئمتهم قال ابن المنير وأحق ما يقال في ذلك ما قالت أم الكملة عن بنيها ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها فما من واحد منهم إذا تجرد النظر إلى خصائصه إلا ويفني الزمان لنا شرها دون استيعابها وهذا سبب هجوم المفضلين على التعيين فإنه لغلبة ذلك على المفضل لم يبق فيه فضلة لتفضيل غيره عليه إلى ضيق الأذهان عن استيعاب خصائص المفضلين جاءت الإشارة بقوله تعالى { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها } وإلا فما يتصور في آيتين أن يكون كل منهما أكبر من الأخرى بكل اعتبار وإلا لتناقض الأفضلية والمفضولية والحاصل أن هؤلاء الأربعة انخرقت بهما العادة على معنى الكرامة عناية من الله تعالى بهم إذا قيست أحوالهم بأحوال أقرانهم ثم اشتهار مذاهبهم في سائر الأقطار واجتماع القلوب على الأخذ بها دون ما سواها إلا قليلا على ممر الأعصار مما يشهد بصلاح طويتهم وجميل سريرتهم ومضاعفة مثوبتهم ورفعة درجتهم تغمدهم الله تعالى برحمته وأعلى مقامهم في بحبوحة جنته وحشرنا معهم في زمرة نبينا وعترته وصحابته وأدخلنا صحبتهم دار كرامته
وقد ختم المصنف الكتاب بقوله صحيح تفاؤلا بصحته والحمد لله على ما أولى له الحمد سبحانه في الآخرة والأولى والله المسؤول في أن يؤتي نفوسنا تقواها ويزكيها إنه خير من زكاها إنه وليها ومولاها وأن يقيها شرورها وسيآت أعمالها ووخيم هواها وأن يحسن لنا في الدارين العواقب ويتفضل علينا فيهما بجميل المواهب
وليكن هذا آخر الكلام في شرح هذا الكتاب والملتمس من فضل ذوي الألباب الواقفين على ما عاناه العبد الضعيف من العجب العجاب في شرح مقاصده وتوضيح مصادره وموارده أن لا ينسوه من دعائهم المستجاب في وقتهم المستطاب بمضاعفه الثواب وحسن المآب وأن يجعل ما عانيته فيه بمعونة العناية الإلهية ومساعدة التوفيق إلى سلوك سواء الطريق من التحقيق والتدقيق في غوامض يحار فيها كثير من الأفكار وخفايا يقصر عن كشف أسرارها ثواقب الأنظار مع إيضاح لمبهماته وتبيين لمشتبهاته
____________________
(3/473)
وتنقيح لزبد معقولاته وتصحيح لأنواع منقولاته قربة لله تعالى مقبولة لدى شريف جنابه وجنة في الدارين من سخطه وعذابه وذريعة إلى رضاه والخلود في دار ثوابه إنه سبحانه ذو الفضل العظيم والكرم العميم لا إله غيره ولا يرجى إلا كرمه وخيره وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولأولادنا ولأصحابنا ولجميع المسلمين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على من لانبي بعده وسلم آمين
صورة خط المصنف في أصل أصل أصله المنقول منه ما مثاله
وقد نجز نقل هذا السفر المبارك من السواد إلى البياض على يدي مؤلفه العبد الفقير إلى الله سبحانه ذي الكرم الجزيل والوعد الوافي محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن سليمان بن عمر بن محمد المشتهر بابن أمير حاج الحلبي الحنفي عاملهم الله بلطفه الجلي والخفي وغفر لهم وللمسلمين آمين وكان نجازه في يوم الخميس خامس شهر جمادى الأولى من سنة سبع وسبعين وثمانمائة أحسن الله تقضيها في خير وعافية بالمدرسة الحلاوية النورية رحم الله واقفها بحلب المحروسة لا زالت رايات الأعادي لها منكوسه ولا برحت رباعها بالفضائل والبركات مأنوسة والحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبي بعده وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
يقول المتوسل بجاه المصطفى الفقير إلى الله تعالى محمود مصطفى خادم التصحيح بدار الطباعة أدام الله له سلوك السنة والجماعة
____________________
(3/474)