التخصيص بالمفهوم
دراسة وتطبيقاً
د. محمد بن عبد العزيز المبارك
الاستاذ المساعد بقسم أصول الفقه كلية الشريعة
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
ابيض
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فإن من نعم الله تعالى على هذه الأمة أن هيأ لها علماء مخلصين حفظوا دينها، ودرسوا أحكامه، وأرسوا قواعده، ورسموا معالم شرائعه، وبذلوا كل وسعهم في سبيل ما يضمن للبشرية السعادة في الدنيا، باعتبار ما يؤول إليه التشريع الإسلامي من توجيه مسار الحياة إلى الاتجاه السليم.
ولعل أعظم ثروة علمية توارثتها أجيال هذه الأمة هي ثروة القواعد الأصولية،التي تم وضعها وأحكم نسجها في القرون الأولى، ثم تناقلها العلماء في سائر العصور، وأخذوا في تهذيبها وشرحها، وبيان ما يتفرع عليها.
ومن الموضوعات الأصولية التي كان لها أثر في الأحكام الفقهية: مسألة التخصيص بالمفهوم، حيث تطرق لها علماء أصول الفقه عند كلامهم عن مخصصات العموم المنفصلة.(1/1)
إلا أن الكلام عن التخصيص بالمفهوم بقسميه كان محل غموض وإشكال في بعض جوانبه يستدعي التأمل والتحقيق، وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ) إلى هذا الغموض والإشكال، حيث يقول عن مسألة التخصيص بالمفهوم: وقد اختلف الناس في هاتين الدلالتين(1) إذا تعارضتا: فمذهب أهل الرأي وأهل الظاهر وكثير من المتكلمين وطائفة من المالكية والشافعية والحنبلية إلى ترجيح العموم، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنبلية وطائفة من المتكلمين إلى تقديم المفهوم، وهو المنقول صريحا عن الشافعي وأحمد وغيرهما، والمسألة محتملة، وليس هذا موضع تفصيلها، فإنها ذات شعب كثيرة، وهى متصلة بمسألة المطلق والمقيد، وهى غمرة من غمرات أصول الفقه، وقد اشتبهت أنواعها على كثير من السابحين فيه" (2).
وللتخصيص بالمفهوم أهمية كبيرة؛ فإن مسائل التخصيص من المباحث المهمة التي يحتاج المجتهد إلى معرفتها؛ إذ يعين الإحاطة بها على تحقيق المقصود من علم أصول الفقه، وهو استنباط الأحكام الشرعية.
ونظراً لأهمية هذه المسألة وجدت أن الحاجة قائمة إلى بحثها، وبسط القول فيها، وتحريرها، وتحقيق نسبة الأقوال فيها، مع بيان أدلة كل قول وتوجيهها، وتوضيح ما يرد عليها من مناقشات، ومن ثم الخروج بما يترجح فيها، وما يتخرج عليها من تطبيقات فقهية.
ومما يعزز الحاجة إلى ذلك أني لم أجد من أفردها بالبحث، فكان الداعي إلى استقصاء كلام أهل العلم عنها ظاهراً.
وقد تضمن هذا البحث الذي سميته (التخصيص بالمفهوم "دراسة وتطبيقاً)، بعد المقدمة، تمهيداً ومبحثين وخاتمة.
أما التمهيد، فكان في تعريف التخصيص، وتعريف المفهوم وأقسامه، ومعنى التخصيص بالمفهوم، وجعلته في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريف التخصيص.
المطلب الثاني: تعريف المفهوم وأقسامه.
المطلب الثالث: معنى التخصيص بالمفهوم.
__________
(1) يعني: دلالتي العموم والمفهوم.
(2) مجموع الفتاوى 31/107-108.(1/2)
وأما المبحث الأول: ففي التخصيص بمفهوم الموافقة، وشمل ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: معنى التخصيص بمفهوم الموافقة.
المطلب الثاني: حكم التخصيص بمفهوم الموافقة.
المطلب الثالث: الأدلة على جواز التخصيص بمفهوم الموافقة.
وأما المبحث الثاني: ففي التخصيص بمفهوم المخالفة، وفيه سبعة مطالب:
المطلب الأول: معنى التخصيص بمفهوم المخالفة.
المطلب الثاني: تحرير محل النزاع في حكم التخصيص بمفهوم المخالفة.
المطلب الثالث: الأقوال في حكم التخصيص بمفهوم المخالفة.
المطلب الرابع: الأدلة.
المطلب الخامس: الترجيح.
المطلب السادس: منشأ الخلاف.
المطلب السابع: التطبيقات الفقهية.
وأما الخاتمة ففيها خلاصة البحث، وأهم نتائجه.
ثم إن المنهج الذي سلكته في إعداد هذا البحث يتلخص في النقاط الآتية:
1- الاستقصاء في جمع المادة العلمية للبحث من مظانه قدر الإمكان.
2- جمع أقوال أهل العلم في موضوع البحث مع الحرص على التحقيق في نسبة الأقوال إلى أصحابها، وذلك من خلال الرجوع إلى المصادر الأصيلة في ذلك.
3- وضع أمثلة تطبيقية لجل المسائل الواردة في البحث.
4- عزو الآيات القرآنية.
5- تخريج الأحاديث النبوية من مصادرها، فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما فأكتفي بتخريجه منهما، وإن لم يكن في أي منهما أخرجه من المصادر الأخرى المعتمدة.
6- بالنسبة لترجمة الأعلام فإني اتبعت المنهج الذي يرى أن يعامل العلم معاملة الألفاظ والكلمات الغامضة، فحيث احتاج ـ بسبب الجهل به ـ إلى ترجمة أترجم له، أما الترجمة لكل علم ففيها إثقال وزيادة لا داعي لها كتفسير الكلمات الواضحة، وقد اكتفيت بذكر سنة الوفاة بعد اسم العلماء المشهورين الذين لم أترجم لهم عند ذكرهم لأول مرة في البحث.
7- المعلومات المتعلقة بالمراجع (الناشر، ورقم الطباعة، ومكانها، وتاريخها.. إلخ) أكتفي بذكرها في قائمة المراجع.(1/3)
هذا وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد في القول والعمل، وأن يتجاوز عني ما في هذا البحث من جوانب النقص والتقصير، وأن يغفر لي ما قدمت وأخرت، وما أسررت وأعلنت، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التمهيد:
في تعريف التخصيص، وتعريف المفهوم وأقسامه، ومعنى التخصيص بالمفهوم، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول
تعريف التخصيص
قبل الدخول في مسائل هذا البحث يحسن تعريف التخصيص من الناحية اللغوية والاصطلاحية، ثم الكلام عن أقسامه إجمالاً، ليمكن التعرف على مقام التخصيص بالمفهوم عند أهل العلم.
فالتخصيص في اللغة: الإفراد، يقال: خصه بالشيء يخصه خصاً وخصوصاً وخصوصية، وخصصه، واختصه: إذا أفرده به دون غيره، ويقال: اختصَّ فلان بالأمر وتخصص له: إذا انفرد به (1).
والتخصيص في الاصطلاح: بيان أن بعض مدلول اللفظ العام غير مراد بالحكم(2).
وعرفه الرازي (ت 606هـ) بقوله: "إخراج بعض ما تناوله الخطاب عنه"(3).
وعرفه ابن الحاجب (ت 646هـ) بأنه: "قصر العام على بعض مسمياته"(4).
وأما أقسام التخصيص، فللتخصيص أقسام متعددة ذكرها علماء الأصول في أثناء بحثهم لمسائله، فكما قرروا أن اللفظ العام موضوع لاستغراق جميع أفراد مدلوله(5)، قرروا أيضاً أنه قابل للتخصيص، فإذا ثبت عموم اللفظ ثم قصر على بعض ما يصلح له سمي ذلك عندهم تخصيصاً، فكل خطاب يتصور فيه الشمول والعموم يتصور فيه أيضاً التخصيص؛ لأن التخصيص صرف اللفظ عن جهة العموم إلى جهة الخصوص، وما لا عموم له لا يتصور فيه هذا الصرف(6).
__________
(1) انظر: لسان العرب، مادة "خصص" 7/24.
(2) انظر: شرح مختصر الروضة 2/550.
(3) المحصول 3/7.
(4) انظر: بيان المختصر 2/235، البحر المحيط 3/241.
(5) انظر: المحصول 2/309.
(6) انظر: الإحكام، للآمدي 2/409.(1/4)
وقد اتفقوا أيضاً على أن تخصيص العام لابد أن يكون بأدلة معتبرة، وهذا الأدلة هي ما تسمى عندهم بالمخصصات، التي قد تكون ظاهرة جلية بحيث يدركها المجتهد وغيره، وقد يكون فيها نوع خفاء تحتاج معه إلى بحث واستنباط، وهذا ما يختص بإدراكه العلماء المجتهدون.
أقسام المخصصات:
ذكر علماء الأصول أن المخصصات على قسمين رئيسين:
القسم الأول: المخصصات المتصلة:
وهي المخصصات التي لا تستقل عن اللفظ العام، بل تفتقر إلى الاتصال به(1).
وهذه المخصصات على أنواع متعددة، يتفاوت علماء الأصول في تعدادها بحسب أخذهم بها، فذكر كثير منهم أنها أربعة، وهي: الاستثناء والشرط والصفة والغاية(2)، وأضاف بعضهم بدل البعض(3)، بينما أوصلها آخرون إلى اثني عشر نوعاً، وهي: الخمسة المتقدمة، وسبعة أخرى: الحال، وظرف الزمان، وظرف المكان، والمجرور، والتمييز، والمفعول معه، والمفعول لأجله(4).
القسم الثاني: المخصصات المنفصلة:
وهي المخصصات التي تستقل بنفسها عن اللفظ العام، بحيث لا تحتاج في ثبوتها إلى ذكره معها(5).
وهذه المخصصات على أنواع متعددة، ذكرها علماء الأصول، وتوسعوا في بيانها، وهي: العقل، والحس، والنص(أي: منطوقه)، والإجماع، وفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتقريره، والقياس، والمفهوم.
إذا تقرر ما سبق، تبين أن المفهوم نوع من المخصصات المنفصلة التي تقصر اللفظ العام على بعض أفراده.
المطلب الثاني
تعريف المفهوم وأقسامه
__________
(1) انظر: البحر المحيط 3/273، شرح المحلي 2/41، شرح الكوكب المنير 3/281، الآيات البينات 3/29، فواتح الرحموت 1/316.
(2) انظر: الإحكام، للآمدي 2/416، بيان المختصر 2/248، البحر المحيط 3/273.
(3) انظر: شرح المحلي 2/59، شرح الكوكب المنير 3/354.
(4) انظر: الفروق 1/186، البحر المحيط 3/273-274.
(5) انظر: البحر المحيط 3/355، شرح المحلي 2/60، شرح الكوكب المنير 3/277، الآيات البينات 3/71، فواتح الرحموت 1/316.(1/5)
المفهوم في اللغة: اسم مفعول من فهم الشيء: إذا علمه وعقله، يقال: فَهِمَ الشيء فَهْماً وفَهَماً وفهامة: إذا علمه، وفهمتُ الشيء: عقلته وعرفته(1).
وأما في الاصطلاح: فقد عرفه كثير من الأصوليين بأنه: ما دلَّ عليه اللفظ لا في محل النطق (2).
وقولهم في التعريف: "لا في محل النطق" أرادوا به أن يبينوا أن للفظ دلالتين: إحداهما: على معنى منطوق به، والأخرى: على معنى غير منطوق به، فالأول يُسمى منطوقاً (3)، والثاني يُسمى مفهوماً، وهو وإن كان في الأصل لكل ما فُهم من نطق أو غيره؛ لأنه اسم مفعول من الفهم، لكن اصطلح على اختصاصه بهذا، وهو المعنى الذي لم ينطق به غير أن اللفظ دلَّ عليه وفهمناه منه(4).
وينقسم المفهوم إلى قسمين رئيسين، هما: مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة.
أما مفهوم الموافقة، فهو: أن يكون مدلول اللفظ في محل السكوت موافقاً لمدلوله في محل النطق(5).
أو بعبارة أخرى: أن يدل اللفظ من جهة المعنى على أن حكم المسكوت عنه موافق لحكم المنطوق(6).
ويسمى هذا المفهوم: فحوى الخطاب، ولحن الخطاب، ومفهوم الخطاب، ويسميه الشافعي قياساً جلياً، والحنفية تُسميه دلالة النص(7).
__________
(1) انظر: مقاييس اللغة، مادة "فهم" 4/457، لسان العرب، مادة "فهم"، 12/459.
(2) انظر: مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد2/171، بيان المختصر 2/432، جمع الجوامع مع شرح المحلي 1/316-317، شرح الكوكب المنير 3/480.
(3) وهو: المعنى المستفاد من اللفظ من حيث النطق به.
انظر: شرح الكوكب المنير 3/473.
(4) انظر: شرح الكوكب المنير 3/480.
(5) انظر: الإحكام، للآمدي 3/94.
(6) انظر: نهاية الوصول 5/2035.
(7) انظر: أصول السرخسي 1/241، الإحكام، للآمدي 3/94، نهاية الوصول 5/2035-2036 البحر المحيط 4/7، شرح الكوكب المنير 3/481.(1/6)
ومثاله: قول الله تعالى: { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } (1)، فإنه يدل بمنطوقه على تحريم قول أف للوالدين، ويدل بمفهومه الموافق على تحريم الضرب والشتم ونحوهما(2).
وأما مفهوم المخالفة، فهو: أن يكون مدلول اللفظ في محل السكوت مخالفاً لمدلوله في محل النطق(3).
أو بعبارة أخرى: أن يدل اللفظ من جهة المعنى على أن حكم المسكوت عنه مخالف لحكم المنطوق(4).
ويسمى أيضاً دليل الخطاب (5)، وهو على أنواع كثيرة، من أبرزها:
مفهوم الصفة: وهو تعليق الحكم بإحدى صفتي الذات(6)، وذلك نحو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من باع نخلة قد أبرت فثمرتها للبائع"(7)، فإنه يدل بمفهومه المخالف على أن من باع نخلة غير ملقحة فإن الثمرة ليست له.
مفهوم الشرط: وهو تعليق الحكم على شرط بحيث ينتفي عند انتفائه(8)، وذلك نحو قول الله تعالى: { وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } (9)، فإنه يدل بمفهومه المخالف على عدم وجوب النفقة للمعتدة غير الحامل.
__________
(1) من الآية رقم: 23، من سورة الإسراء.
(2) انظر: الإحكام، للآمدي 3/94، نهاية الوصول 5/2037.
(3) انظر: الإحكام، للآمدي 3/99.
(4) انظر: نهاية الوصول 5/2039.
(5) انظر: إحكام الفصول 2/446، الإحكام، للآمدي 3/99، نهاية الوصول 5/2039،البحر المحيط 4/13.
(6) انظر: نهاية الوصول 5/2045، البحر المحيط 4/30، شرح الكوكب المنير 3/498.
(7) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب من باع نخلاً قد أبرت أو أرضاً مزروعة أو بإجارة 3/161، رقم 2204.
ومسلم في صحيحه، كتاب البيوع، باب من باع نخلاً عليها تمر 10/190.
(8) انظر: بيان المختصر 2/445، البحر المحيط 4/37، شرح الكوكب المنير 3/505.
(9) من الآية رقم: 6، من سورة الطلاق.(1/7)
مفهوم الغاية: وهو مَدُّ الحكم بأداة الغاية(1)، وذلك نحو قول الله
تعالى: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } (2)، فإنه يدل بمفهومه المخالف على تحريم الأكل بعد تبين طلوع الفجر.
مفهوم العدد: وهو تعليق الحكم بعدد مخصوص بحيث يدل على انتفاء الحكم فيما عدا ذلك العدد(3)، وذلك نحو قول الله تعالى: فَاجْلِدُوهُمْ { ثَمَانِينَ جَلْدَةً } (4)، فإنه يدل بمفهومه المخالف على عدم الزيادة في حد القاذف على عدد الثمانين ولا النقص عنه.
مفهوم اللقب: وهو تعليق الحكم بالاسم العلم أو اسم النوع(5)، أو يقال: هو إضافة نقيض حكم معبر عنه باسمه علماً أو جنساً إلى سواه(6)، وذلك نحو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الطعام بالطعام مثلاً بمثل"(7)، فإن مفهومه أن غير الطعام مخالف له في الحكم (8).
المطلب الثالث
معنى التخصيص بالمفهوم
قبل الشروع في الكتابة عن موضوع هذا البحث وكلام أهل العلم عنه واختلافهم فيه يحسن البدء أولاً ببيان المعنى الإجمالي للتخصيص بالمفهوم، وأنواعه، والتفريق بينه وما يلتبس به.
__________
(1) انظر: نهاية الوصول 5/2087، البحر المحيط 4/46، شرح الكوكب المنير 3/506.
(2) من الآية رقم: 187، من سورة البقرة.
(3) انظر: البحر المحيط 4/41، شرح الكوكب المنير 3/508.
(4) من الآية رقم: 4، من سورة النور.
(5) انظر: البحر المحيط 4/24.
(6) انظر: تيسير التحرير 1/131.
(7) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الربا 11/20.
(8) انظر: المستصفى 2/204.(1/8)
وأود أن أنبه هنا إلى أن مسألة التخصيص بالمفهوم كانت ـ وما زالت مسألة شائكة وغامضة عند أهل العلم، وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية من أوائل من نبه إلى غموضها ودقتها وحصول الاشتباه فيها على كثير ممن تعرض لها، حيث يقول في هذا الصدد عنها: "... فإنها ذات شعب كثيرة، وهي متصلة بمسألة المطلق والمقيد، وهي غمرة من غمرات أصول الفقه، وقد اشتبهت أنواعها على كثير من السابحين فيه"(1).
ويقول ابن رشد (ت595هـ) في أثناء كلامه عن مسألة تتفرع على القول بالتخصيص بالمفهوم: "... فوجب أن يرجح بين العموم ودليل الخطاب، ولا خلاف أن العموم أقوى من دليل الخطاب، لكن العموم يختلف أيضاً في القوة والضعف؛ ولذلك ليس يبعد أن يكون بعض أدلة الخطاب أقوم من بعض أدلة العموم، فالمسألة لعمري اجتهادية" (2).
وقال ابن دقيق العيد (ت702هـ) عن تخصيص العموم بالمفهوم: " وقد تردد كلام المتأخرين في هذا "(3) ثم ذكر أنهم اضطربوا بحيث نفى بعضهم الخلاف في جوازه، ومال بعضهم إلى أن الأشبه عدم الجواز.
وقال الشوكاني (ت1250هـ) أيضاً في معرض كلامه عن مسألة مما تتفرع على هذا الأصل: "... وهذا المقام من المضايق التي لا يهتدي إلى ما هو الصواب فيها إلا الأفراد"(4).
ولمزيد الإيضاح سيكون الكلام في هذا المطلب على النحو الآتي:
أولاً: المعنى الإجمالي للتخصيص بالمفهوم:
المقصود بهذه المسألة أن يرد دليل شرعي عام، ويعارضه مفهوم دليل آخر، سواء كان ذلك المفهوم موافقاً أو مخالفاً، فهل يجوز تخصيص عموم ذلك الدليل بمفهوم الدليل المعارض له، أو أن المفهوم لا يقوى على تخصيصه، وعليه يكون العموم مقدماً؟.
ولعل المقام يتضح أكثر بالمثال:
__________
(1) مجموع الفتاوى 31/108.
(2) بداية المجتهد 1/110.
(3) شرح الإلمام 1/422.
(4) نيل الأوطار 1/37.(1/9)
فمثال تخصيص العموم بمفهوم الموافقة: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته"(1)، فإنه عام في كل واجد، وظاهره يشمل الوالدين، إلا أن هذا العموم قد خص منه الوالدان الواجدان، بمفهوم قول الله تعالى: { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } (2)؛ فإنه يقتضي تحريم أذى الوالدين، وذلك أخذاً من المفهوم الأولوي للآية، ومن المعلوم أن حل عرض الوالدين وعقوبتهما أذى لهما، فكان مفهوم الآية مخصصاً للعموم الوارد في الحديث، فيخص الوالدان من حكمه العام(3).
قال ابن النجار الفتوحي (ت972هـ) مؤكداً هذا: "فلذلك لا يُحبس الوالد بدين ولده، بل ولا له مطالبته على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر العلماء"(4).
ومثال تخصيص العموم بمفهوم المخالفة: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الماء طهور لا ينجسه شيء"(5) ؛
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه تعليقاً في كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجة والتفليس، باب لصاحب الحق مقال 3/238.
وأخرجه موصولاً كل من :
أبو داود في سننه، كتاب الأقضية، باب في الحبس في الدين وغيره 4/45-46، رقم: 3628.
والنسائي في سننه، كتاب البيوع، باب مطل الغني 7/316-317
وابن ماجة في سننه، كتاب الصدقات، باب الحبس في الدين والملازمة 2/811، رقم: 2427والإمام، أحمد في مسنده 29/465، رقم: 17946.
وذكر الحافظ في الفتح 5/46 أن إسناده حسن.
(2) من الآية رقم (23) من سورة الإسراء.
(3) انظر: الفوائد السنية 2/488-489، التحبير 6/2663-2664، شرح الكوكب المنير 3/366-367، نشر البنود 1/251.
(4) شرح الكوكب المنير 3/367.
(5) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب ما جاء في بئر بضاعة 1/54 رقم 66.
والترمذي في سننه، أبواب الطهارة، باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء 1/95-96 رقم 66، وقال: حديث حسن.
... والنسائي في سننه، كتاب المياه، باب ذكر بئر بضاعة 1/141.
... وابن ماجة في سننه، كتاب الطهارة وسننها، باب الحياض 1/173.
... والإمام أحمد في مسنده 17/359 رقم 11257.
وذكر الحافظ ابن حجر في التلخيص 1/24 أنه قد صححه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وابن حزم.(1/10)
فإنه عام في كل ماء من جهة عدم تنجسه إلا بالتغير، سواء بلغ القلتين(1) أو لا، لكن خص منه ـ عند طائفة من أهل العلم ـ الماء إذا كان أقل من قلتين، فينجس بمجرد ملاقاة النجاسة وإن لم يتغير(2)، وذلك أخذاً من مفهوم المخالفة من قوله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث"(3)، وعليه فيخص عموم الحديث الأول بمفهوم الحديث
الثاني، فيحمل على ما إذا كان الماء قلتين فأكثر(4).
ثانياً: علاقة التخصيص بالمفهوم بتعارض المنطوق والمفهوم:
__________
(1) القلة هي: الجرة، سميت بذلك؛ لأنها تقل بالأيدي، أي: تحمل، ويقع اسم القلة على الكبيرة والصغيرة، وقد اختلف في مقدارها، والأظهر أن المراد بها في الحديث قلتان من قلال هجر، وهما خمس قرب.
انظر: الحاوي 1/333، المغني 1/36.
(2) وهذا مذهب الشافعية، وهو المشهور في مذهب الحنابلة.
... انظر: الحاوي 1/325-326، المغني 1/39.
(3) أخرجه: أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب ما ينجس الماء 1/51، رقم: 63.
... والترمذي في سننه، أبواب الطهارة، باب منه آخر 1/97 رقم: 67.
... والنسائي في سننه، كتاب المياه، باب التوقيت في الماء 1/175.
وابن ماجة في سننه، كتاب الطهارة وسننها، باب مقدار الماء الذي لا ينجس 1/172، رقم: 527.
... والدارمي في سننه، كتاب الصلاة والطهارة، باب قدر الماء الذي لا ينجس 1/152.
... والدارقطني في سننه، كتاب الطهارة، باب حكم الماء إذا لاقته النجاسة 1/13.
... والحاكم في المستدرك، كتاب الطهارة، باب إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء 1/132 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
والحديث صححه طائفة من الأئمة كابن خزيمة والذهبي والنووي وابن حجر والسيوطي.
... انظر: الجامع الصغير 1/37، إرواء الغليل 1/60.
(4) انظر: الواضح 3/443، مجموع الفتاوى 1/106، الفوائد السنية 2/489-490، التحبير 6/2665، شرح الكوكب المنير 3/367-369.(1/11)
من الأمور المقررة عند علماء أصول الفقه أن المنطوق مقدم على المفهوم عند التعارض، فإذا تعارض دليلان وكان أحدهما دالاً على الحكم بنطقه ولفظه، والآخر يفيد الحكم بمفهومه، فإن الدال نطقاً مقدم على الآخر(1).
وإذا كان هذا مقرراً عند الأصوليين فقد يتبادر إلى الذهن سؤال حول مدى تعارض هذا مع القول بالتخصيص بالمفهوم؛ وذلك لأن العام من قبيل النطق فكيف يقدم عليه المفهوم فيخصصه؟.
والجواب: أن المحققين من أهل العلم قد نبهوا إلى أنه إذا تعارض منطوق عام ومفهوم خاص، فإن المسألة هنا مستثناة من عموم تقديم المنطوق على المفهوم، فلا يقدم المنطوق، بل يخصص عموم المنطوق بالمفهوم(2).
وسبب ذلك أنه إذا تعارض منطوق عام ومفهوم، فخصصنا العام به، كان في ذلك عمل بالعموم من وجه، وإعمال للمفهوم، مما يترتب عليه إعمالهما جميعاً، فهو أولى من إلغاء أحدهما، أما إذا تعارض منطوق خاص ومفهوم: فإنه بتقدير تقديم المفهوم يلزم منه إسقاط المنطوق بالكلية، وهو غير جائز (3).
وهذا أمر ذكره ابن دقيق العيد، وزاده وضوحاً بالمثال، وذلك عند كلامه عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما، الذي يقول فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - : "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة، ـ وأشار بيده إلى أنفه ـ، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين" (4)،
__________
(1) انظر: نهاية الوصول 8/3708، التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية 2/186.
(2) انظر: نهاية الوصول 8/3708، الفائق 4/425، تهذيب السنن، لابن القيم 1/59-60.
(3) انظر: الإحكام، للآمدي 2/479-480، رفع النقاب 3/323.
(4) أخرجه البخاري في صحيحه، أبواب صفة الصلاة، باب السجود على الأنف 2/6.
ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس في الصلاة 4/207.(1/12)
فإن ظاهر الحديث ومنطوقه يدل على وجوب السجود على هذه الأعضاء؛ لأن الأمر للوجوب، إلا أن بعض أصحاب الشافعي قصروا الواجب منها على الجبهة دون بقية الأعضاء (1)، ثم علق ابن دقيق العيد على هذا بقوله: "ولم أرهم عارضوا هذا بدليل قوي أقوى من دلالته؛ فإنه استدل لعدم الوجوب بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث رفاعة: "ثم يسجد فيمكن جبهته"(2)، وهذا غايته أن تكون دلالته دلالة مفهوم، وهو مفهوم لقب أو غاية، والمنطوق الدال على وجوب السجود على هذه الأعضاء مقدم عليه، وليس هذا من باب تخصيص العموم بالمفهوم... فإنه ثمة يعمل بذلك العموم من وجه إذا قدمنا دلالة المفهوم، وههنا إذا قدمنا دلالة المفهوم: أسقطنا الدليل الدال على وجوب السجود على هذه الأعضاء ـ أعني: اليدين والركبتين والقدمين ـ مع تناول اللفظ لها بخصوصها"(3).
ابيض
المبحث الأول
التخصيص بمفهوم الموافقة
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: معنى التخصيص بمفهوم الموافقة.
المطلب الثاني: حكم التخصيص بمفهوم الموافقة.
المطلب الثالث: الأدلة على جواز التخصيص بمفهوم الموافقة.
ابيض
المطلب الأول
معنى التخصيص بمفهوم الموافقة
__________
(1) انظر: المجموع شرح المهذب 3/427، شرح عمدة الأحكام ص247.
(2) أخرجه النسائي في سننه، كتاب الافتتاح، باب الرخصة في ترك الذكر في السجود
2/179-180.
والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب إمكان الجبهة من الأرض في السجود 2/102.
(3) شرح عمدة الأحكام، ص247-248.(1/13)
يقصد بالتخصيص بمفهوم الموافقة أن يتقرر عموم في دليل شرعي لكن يعارضه مفهوم موافقة مستفاد من دليل شرعي آخر، بحيث يدل اللفظ فيه على ثبوت حكم المنطوق للمسكوت عنه، فيترتب عليه معارضة هذا الحكم المثبت له للحكم المتقرر من عموم الأول، فإذا جوزنا التخصيص بمفهوم الموافقة أعملنا العام فيما عدا صورة التخصيص، فكان المراد منه ما عدا ذلك البعض الذي دل عليه مفهوم الموافقة، فكان مخصصاً له، كما هو الحال في التخصيص بسائر المخصصات، وإذا لم نجوز ذلك قدمنا العام عليه، فجعلناه على ظاهره مستغرقاً لجميع ما يصلح له، واطرحنا المفهوم وألغيناه، كما هو الحال في تقديم المنطوق الخاص على المفهوم.
وقد سبق التمثيل لهذا فيما سبق، فليرجع إليه (1).
المطلب الثاني
حكم التخصيص بمفهوم الموافقة
الذي يظهر من خلال التأمل في كلام أهل العلم حول التخصيص بالمفهوم أن جواز التخصيص بمفهوم الموافقة محل اتفاق بينهم، وأن ما يذكر من خلاف في ذلك ليس مرده الاعتراض على أصل جواز التخصيص به، بل تفصيلات راجعة إلى أحكام التخصيص به من فقد شرط أو وجود مانع.
فالتخصيص بمفهوم الموافقة محل وفاق بين العلماء في الجملة، وإنما محل الخلاف في التخصيص بمفهوم المخالفة، كما صرح بذلك جهابذة المحققين منهم، بخلاف ما يفيده كلام الزركشي (ت794هـ) عن هذه المسألة من أن الخلاف ثابت في التخصيص بالمفهوم بقسميه(2)، ووافقه على ذلك بعض المصنفين على جمع الجوامع (3).
ويؤيد ما سبق من تقرير الاتفاق على التخصيص بمفهوم الموافقة ما يأتي:
1- ... ما صرح به بعض المحققين من قصر الخلاف على التخصيص بمفهوم المخالفة، وأن مفهوم الموافقة محل وفاق، ومن ذلك:
__________
(1) انظر: ما سبق في المطلب الثالث من التمهيد.
(2) قال الزركشي في البحر المحيط 3/382: "والحق أن الخلاف ثابت فيهما".
(3) انظر: الآيات البينات 3/81، حاشية العطار 2/66، حاشية البناني 2/31.(1/14)
قال صفي الدين الهندي (ت715هـ): "لا يستراب في جواز التخصيص بمفهوم الموافقة، سواء قيل: إن دلالته لفظة أو معنوية"(1). وعلق على هذا تاج الدين السبكي (ت771هـ) بقوله:
"وهذا حسن، وينبغي أن يجعل محل الخلاف في مفهوم المخالفة"(2).
قال تاج الدين السبكي مؤكداً هذا: "إنما محل الاتفاق في مفهوم الموافقة، ولذلك لم يتحدث فيه المصنف (3)؛ إذ لا كبير غرضٍ في الاحتجاج لما لا نزاع فيه، وإنما تحدث في موضع النزاع، وهو مفهوم المخالفة"(4).
ويؤيده أيضاً قول شمس الدين البرماوي (5): "أما الفحوى إذا لم نقل إنه قياس أو غيره فلا يبعد أنه باتفاق... ويكون محل الخلاف في مفهوم المخالفة" (6).
2- أن ظاهر كلام المصنفين في أصول الفقه حول هذه المسألة موجه إلى الخلاف في مفهوم المخالفة دون الموافقة، ومما يعزز هذا:
ما سبق نقله عن السبكي أثناء تعليقه على كلام ابن الحاجب.
__________
(1) نهاية الوصول 4/1678-1679.
وقال أيضاً في الفائق 2/378: "مفهوم الموافقة يخص وفاقاً".
(2) الإبهاج 2/180.
(3) يعني: ابن الحاجب.
(4) رفع الحاجب ص357.
(5) هو: محمد بن عبد الدائم بن موسى النعيمي، العسقلاني الأصل، البرماوي، ثم القاهري، الشافعي، شمس الدين، أبو عبد الله، محدث فقيه أصولي نحوي ناظم، من مؤلفاته: النبذة الألفية في الأصول الفقهية، وشرحها: الفوائد السنية، جمع العدة لفهم العمدة، توفي سنة 831هـ. انظر: البدر الطالع 2/181، معجم المؤلفين 10/132.
(6) الفوائد السنية 2/492.(1/15)
قال ولي الدين العراقي(1) في أثناء شرحه لمتن الجمع: "يجوز التخصيص بالفحوى، أي: مفهوم الموافقة، كما إذا قال: من أساء إليك فعاقبه، ثم قال: إن أساء إليك زيد فلا تقل له: أف، ومقتضى كلام المصنف (2) وغيره: الاتفاق عليه"(3).
وقال عبد العلي الأنصاري(4) في شرحه لمسلم الثبوت: "... وأما مفهوم الموافقة فعندهم يخصص مطلقاً" (5).
3- ... أن بعض من أنكر التخصيص بالمفهوم كالفخر الرازي صرح بأن الفحوى يكون ناسخاً بالاتفاق(6)، وإذا جاز النسخ به بالاتفاق كان مخصصاً بالاتفاق من باب أولى، مما يدل على أن مقصوده إنكار التخصيص بمفهوم المخالفة دون الموافقة.
__________
(1) هو أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن الكردي الأصل، الرازياني، المهراني،كنيته أبو زرعة، ولقبه ولي الدين، ويعرف بابن العراقي، كان عالماً فاضلاً، له تصانيف في الأصول والفروع وشرح الأحاديث، من مؤلفاته: أخبار المدلسين، طرح التثريب بشرح التقريب، المستفاد من مبهمات المتن والإسناد، الغيث الهامع شرح جمع الجوامع، توفي سنة 826 هـ. ... انظر: الضوء اللامع 1/336-344، البدر الطالع 1/72-74.
(2) يعني: تاج الدين السبكي.
(3) الغيث الهامع 2/387.
(4) هو: أبو العياش عبد العلي بن نظام الدين محمد السهالوي الأنصاري اللكنوي الهندي، عالم حنفي، له إلمام بالحكمة وعلم المنطق، من مؤلفاته: شرح السلم في المنطق، وتنوير المنار، وفواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت، اختلف في تاريخ وفاته، والذي يظهر أنها كانت بعد عام 1180هـ، ومنهم من حدد ذلك بعام 1225هـ.
انظر: الفتح المبين 2/132، الأعلام 7/71، معجم المؤلفين 3/669.
(5) فواتح الرحموت 1/353.
(6) انظر: المحصول 3/361 حيث قال عن الفحوى: "وأما كونه ناسخاً فمتفق عليه؛ لأن دلالته إن كانت لفظية فلا كلام، وإن كانت عقلية فهي يقينية، فتقتضي النسخ لا محالة".(1/16)
وهذا أمر قرره السبكي بقوله: "ينبغي أن يجعل محل الخلاف في مفهوم المخالفة، ويؤيده أن الإمام (1) صرح في آخر الناسخ والمنسوخ ـ قبل القسم الثالث فيما يظن أنه ناسخ ـ بأن الفحوى يكون ناسخاً بالاتفاق"(2).
4- ... وأما ما ذكره الزركشي ـ ومن وافقه ـ من أن الخلاف ثابت في مفهوم الموافقة، فلعله يحمل على خلاف آخر في مسألة متعلقة بالتخصيص به، وذلك أن أهل العلم المتفقين على أصل جواز التخصيص به اختلفوا: هل يجوز التخصيص به مطلقاً أو بعد تخصيص العام أولاً بدليل قاطع؟ وهذا من أحكام التخصيص به بعد فرض جوازه، فهو مخصص في الجملة على كل حال.
ويؤيد هذا قول عبد العلي الأنصاري: "وأما مفهوم الموافقة فعندهم يخصص مطلقاً، ويفهم من إشارات كلام البعض أنه لا يخصص؛ لأن العبارة أقوى، إلا إذا خص بعبارة قاطعة أولاً، والتحقيق أنه يخصص مطلقاً إن كان جلياً، وإلا فكما سبق"(3).
والقائلون بالتفصيل هنا هم الحنفية؛ وذلك لأنهم يرون أن دلالة العام في الأصل قطعية. فيخالفون الجمهور في قولهم بأن دلالته مظنونة لاحتمال التخصيص، وإذا كانت دلالته قطعية، فلا يخص بما هو ظني كخبر الواحد والقياس والمفهوم، إلا إذا خص منه البعض بقطعي، لأن مخصوص البعض ظني عندهم، فجاز تخصيصه بالظني(4).
المطلب الثالث
الأدلة على جواز التخصيص بمفهوم الموافقة
ذكر بعض أهل العلم ممن تكلم عن هذه المسألة طائفة من التعليلات لجواز التخصيص بمفهوم الموافقة، وقد جاءت هذه التعليلات في سياق إثبات أصل جواز التخصيص به، وسوف أسوقها على صورة أدلة، وذلك على النحو الآتي:
الدليل الأول:
__________
(1) يعني: الفخر الرازي.
(2) الإبهاج 2/180.
(3) فواتح الرحموت 1/353.
(4) انظر: تيسير التحرير 1/317، 322، فواتح الرحموت 1/353، سلم الوصول، للمطيعي 2/463-464، 468.(1/17)
ما ثبت من كون مفهوم الموافقة دليلاً شرعياً، وقد ثبتت حجيته، وإذا كان خاصاً وعارضه دليل عام فإنه يخصصه؛ لأن الخاص مقدم على العام.
وفي هذا الصدد يقول الآمدي (ت630هـ) في تقرير هذا الدليل: "وإنما كان كذلك (1)؛ لأن كل واحد من المفهومين دليل شرعي، وهو خاص في مورده، فوجب أن يكون مخصصاً للعموم؛ لترجيح دلالة الخاص على دلالة العام"(2).
الدليل الثاني:
أن الفحوى دليل خارج مخرج النطق، ومعناه معنى النطق في باب الاحتجاج به، ومن المعلوم أنه قد ثبت جواز التخصيص بالنطق، فكذلك بما هو جار مجراه (3).
الدليل الثالث:
أن دلالة الفحوى قوية، فهي إما منطوق أو في حكمه بأن تكون مستفادة بالقياس، وعلى تقدير أي منهما يجوز التخصيص به (4).
ويزيد الشيرازي (ت476هـ) هذا الدليل جلاءً بقوله عن مفهوم الموافقة: "يجوز تخصيص العموم به؛ لأنه على قول بعض الناس معقول من اللفظ في اللغة عند أهل اللسان.. وتخصيص العموم بالنطق جائز، وعلى قولنا: تحريم الضرب مستفاد من جهة المعنى بالقياس على التأفيف (5)؛ لأنه ليس معنا في المنع من الضرب لفظ، وإنما اللفظ في المنع من التأفيف خاصة، وإنما أثبتنا تحريمه بالقياس عليه، والشافعي رحمه الله يسميه القياس الجلي، وهو يجري مجرى النص، ولهذا ينقض حكم الحاكم إذا خالفه، كما يُنقض إذا خالف النص، وتخصيص العموم بالقياس جائز، فلأن يجوز بهذا النوع أولى"(6).
الدليل الرابع:
__________
(1) أي: جواز التخصيص بالمفهوم.
(2) الإحكام 2/479.
وانظر كذلك: مجموع الفتاوى 31/141.
(3) انظر: العدة 2/579، قواطع الأدلة 1/363.
(4) انظر: قواطع الأدلة 1/391، تشنيف المسامع 2/783، الآيات البينات 3/81، حاشية العطار 2/66.
(5) وذلك في قول الله تعالى: { فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ } [الإسراء: 23].
(6) شرح اللمع 2/27.(1/18)
أن القول بتخصيص العام بمفهوم الموافقة فيه إعمال لكلا الدليلين، وعدم التخصيص به يترتب عليه إلغاء مفهوم الموافقة بلا ضرورة، ومن المعلوم أن إعمال الدليلين متى أمكن مقدم على إبطال أحدهما، وقد أمكن بجعل أحدهما مخصصاً للآخر، فتعين الذهاب إليه(1).
الدليل الخامس:
اتفاق أهل العلم على جواز النسخ بالفحوى، كما حكاه طائفة من الأصوليين(2)، وإذا جاز النسخ به فلأن يجوز التخصيص به من باب أولى؛ وذلك لأن النسخ إبطال ورفع للحكم بعد ثبوته، ولهذا يشترط العلماء فيه ما لا يشترطون في التخصيص، بخلاف التخصيص، فإنهم يعدونه بياناً للمراد باللفظ العام، ولهذا يتساهلون في إثباته، وإذا جاز أن يرفع الفحوى الحكم بعد ثبوته، فجواز بيانه أولى(3).
المبحث الثاني
التخصيص بمفهوم المخالفة
وفيه سبعة مطالب:
المطلب الأول ... : معنى التخصيص بمفهوم المخالفة.
المطلب الثاني ... : تحرير محل النزاع في حكم التخصيص بمفهوم المخالفة.
المطلب الثالث ... : الأقوال في حكم التخصيص بمفهوم المخالفة.
المطلب الرابع ... : الأدلة.
المطلب الخامس: الترجيح.
المطلب السادس: منشأ الخلاف.
المطلب السابع: التطبيقات الفقهية.
ابيض
المطلب الأول
معنى التخصيص بمفهوم المخالفة
__________
(1) انظر: تشنيف المسامع 2/783، نشر البنود 2/251، شرح المحلي 2/66.
(2) انظر حكاية الاتفاق عليه في: المحصول 3/361، الإحكام، للآمدي 3/235، نهاية الوصول 6/2379.
(3) انظر: الإبهاج 2/180.
وانظر كذلك: نهاية الوصول 4/1454، البحر المحيط 3/243-244.(1/19)
قبل بيان معنى هذا المطلب، أود أن أنبه إلى أن التخصيص بمفهوم المخالفة هو المقصود الأساس في هذا البحث؛ نظراً لتحقق خلاف أهل العلم فيه، ولهذا قصر طائفة من الأصوليين الكلام عليه في حكم التخصيص بالمفهوم، فقد بيَّن ابن السبكي ـ مثلاً ـ أن كلام ابن الحاجب في مختصره إنما كان عن التخصيص بمفهوم المخالفة، فقال: "محل الاتفاق في مفهوم الموافقة، ولذلك لم يتحدث فيه المصنف؛ إذ لا كبير غرض في الاحتجاج لما لا نزاع فيه، وإنما تحدث في موضع النزاع، وهو مفهوم المخالفة"(1).
فكان أكثر كلام الأصوليين موجهاً إلى التخصيص بمفهوم المخالفة، فذكروا الخلاف فيه، وحرروا محل النزاع، وساقوا الأدلة والمناقشات، وما يترتب عليه من ثمرات فقهية.
ويقصد بالتخصيص بمفهوم المخالفة أن يتقرر عموم في دليل شرعي لكن يعارضه مفهوم مخالفة مستفاد من دليل شرعي آخر، بحيث يدل اللفظ فيه على ثبوت نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه، فيترتب عليه معارضة حكم المسكوت عنه للحكم المتقرر من عموم الأول، فإذا جاز التخصيص بمفهوم المخالفة أعمل العام فيما عدا صورة التخصيص، فكان المراد منه ما عدا ذلك البعض الذي دل عليه مفهوم المخالفة، فكان مخصصاً له، كما هو الحال في التخصيص بسائر المخصصات، وإذا لم يجز ذلك قدمنا العام عليه، فجعلناه على ظاهره مستغرقاً لجميع ما يصلح له، واطرحنا المفهوم وألغيناه، كما هو الحال في تقديم المنطوق الخاص على المفهوم.
وقد سبق التمثيل لهذا فيما سبق، فليرجع إليه (2).
ومثال آخر: تخصيص عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" (3)
__________
(1) رفع الحاجب، ص357.
(2) انظر: المطلب الثالث من التمهيد.
(3) أخرجه بهذا اللفظ البخاري في صحيحه، أول كتاب التيمم من حديث جابر - رضي الله عنه - 1/149.
وأخرجه مسلم في صحيحه، أول كتاب المساجد ومواضع الصلاة من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - 5/5.(1/20)
بمفهوم المخالفة الثابت من قوله - صلى الله عليه وسلم - : "جعلت لي الأرض طيبة طهوراً ومسجداً"(1)، فإن مفهومه أن الأرض الخبيثة لا تكون مسجداً ولا طهوراً، فكان مخصصاً لعموم الحديث الأول(2).
وكذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "وفي الغنم في كل أربعين شاة شاة"(3) دال على عموم إيجاب الزكاة في الغنم متى بلغت هذا القدر، لكن يخصصه قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخر: "في سائمة الغنم الزكاة"(4)،
__________
(1) أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، أول كتاب المساجد ومواضع الصلاة 5/3.
(2) انظر: مجموع الفتاوى 31/107.
(3) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة 2/225، رقم 1568.
والترمذي في سننه، أبواب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم 3/17، رقم 621، وقال عنه: حديث حسن، والعمل على هذا الحديث عند عامة الفقهاء.
وابن ماجة في سننه، كتاب الزكاة، باب صدقة الغنم 1/577.
والإمام أحمد في مسنده 8/257، رقم 4634.
(4) الحديث كذا يذكره كثير من الفقهاء والأصوليين، ولم أجده بهذا اللفظ في كتب السنة، وقد نقل الزركشي في المعتبر، ص170، عن ابن الصلاح قوله: "أحسب أن قول الفقهاء والأصوليين: في سائمة الغنم الزكاة اختصار منهم للمفصل في لفظ الحديث من مقادير الزكاة المختلفة النصب".
إلا أن معناه وارد في الصحيح، ومن ذلك: كتاب أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - إلى أنس بن مالك - رضي الله عنه - في الصدقات، وفيه: "وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة" أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم 2/238.(1/21)
فإنه دال بمنطوقه على إيجاب الزكاة فيما كان من الغنم سائمة، أما ما كان منها معلوفاً فإن مفهومه المخالف يدل على عدم إيجاب الزكاة فيه، فكان مخصصاً لعموم الحديث الأول، فلا تجب الزكاة فيما كان معلوفاً(1).
المطلب الثاني
تحرير محل النزاع في حكم التخصيص بمفهوم المخالفة
من خلال التأمل فيما كتبه أهل العلم حول تعارض العموم ومفهوم المخالفة يلحظ أنهم يتفقون في بعض الصور على تقديم العموم، كما يتفقون في صور أخرى على تقديم المفهوم، وعليه يمكن أن يحرر محل النزاع بينهم في المسألة من خلال النظر في النقاط الآتية:
أولاً: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ـ وتابعه عليه طائفة من محققي الحنابلة ـ أن تخصيص العموم بمفهوم المخالفة إنما يكون في كلامين منفصلين من متكلم واحد أو في حكم الواحد، ككلام الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، لا في كلام واحد متصل، ولا كلام متكلمين لا يجب اتحاد مقصودهما(2).
قال شيخ الإسلام: "هذا الذي تكلم الناس فيه من دلالة المفهوم هل هي حجة أم لا؟ وإذا كانت حجة فهل يخص بها العام أم لا؟ إنما هو في كلامين منفصلين من متكلم واحد، أو في حكم الواحد، ليس ذلك في كلام واحد متصل بعضه ببعض، ولا في كلام متكلمين لا يجب اتحاد مقصودهما، فهنا ثلاثة أقسام"(3).
وتفصيل الكلام عن هذه الأقسام على النحو الآتي(4):
القسم الأول:
__________
(1) انظر: الواضح 3/443، شرح تنقيح الفصول ص215، رفع الحاجب ص357، البحر المحيط 3/382.
(2) انظر: مجموع الفتاوى 31/106، أصول ابن مفلح 3/965، القواعد والفوائد الأصولية ص294، التحبير 6/2668.
(3) مجموع الفتاوى 31/106.
(4) انظر: مجموع الفتاوى 31/109-110.(1/22)
أن يكون العام والمفهوم في كلام واحد متصل بعضه ببعض، بحيث يكون آخره مقيداً لأوله، كما لو قال قائل: الماء طهور لا ينجسه شيء إذا بلغ قلتين، أو قال: في كل خمس من الإبل شاة إذا كانت الإبل سائمة، وكقول الموصي: وصيت بهذا المال للعلماء، يعطون منه إذا كانوا فقراء.
ففي هذا القسم لا خلاف بين العلماء القائلين بالمفهوم ونفاته على أن الكلام هنا لا يؤخذ بعموم أوله مراعاة للقيد المذكور في آخره؛ فإن تقييد الكلام بالصفة المتأخرة فيه واجب عند الجميع، حيث إنه من باب الكلام المقيد بوصف في آخره.
القسم الثاني:
أن يكون العام والمفهوم في كلام متكلمين لا يجب اتحاد مقصودهما، وذلك كأن يشهد شاهدان بأن جميع الدار لزيد، ويشهد آخران بأن الموضع الفلاني منها لعمرو.
فهنا تعارض العموم المستفاد من كلام البينة الأولى، مع المفهوم المستفاد من كلام البينة الأخرى، فلا يخصِّص هنا المفهومُ العام، بل هما كلامان متعارضان.
القسم الثالث:
أن يكون العام في كلام، والمفهوم في كلام آخر مستقل عنه، من متكلم واحد، أو في حكم الواحد، وإنما قيل: أو في حكم الواحد؛ ليدخل فيه إذا كان أحدهما كلام الله تعالى والآخر كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فإن حكم ذلك حكم ما لو كانا جميعاً من كلام الله أو كلام رسوله(1).
فهذا القسم هو محل النزع في هذه المسألة.
ثانياً: كما يمكن أن يلحظ من جهة أخرى أن محل التخصيص بمفهوم المخالفة عند الجمهور القائلين به فيما إذا كان ذلك المفهوم المعارض للعام حجة، أما إذا كان غير محتج به كمفهوم اللقب، فلا يجوز التخصيص به بلا خلاف بين أهل العلم، كما حكاه بعض العلماء، وقد ذكر بعضهم الخلاف فيه(2).
__________
(1) قد سبق التمثيل لهذا القسم في المطلب الأول.
(2) انظر: المسودة ص142، رفع الحاجب ص373، البحر المحيط 3/221-222.(1/23)
وعلى كل حال فالمحقق عند جماهير أهل العلم من القائلين بجواز التخصيص بالمفهوم وغيرهم أن تخصيص العام بمفهوم اللقب لا يجوز، وقد أفردوا الكلام عنه في مسألة مستقلة، وعنونوا لها بقولهم: "ذكر بعض أفراد العام لا يخصص"، أي: أن الشارع إذا ذكر فرداً من أفراد العام بأن نصَّ على واحد مما تضمنه، وحكم عليه بالحكم الذي حكم به على العام، فإنه لا يكون مخصصاً له (1).
وقد لخص بعض المحققين هذا بأن ذكر أنه إذا كان نصان: أحدهما عام، والآخر خاص لا مفهوم له يخالف العام، فلا تعارض بينهما، بل الخاص بعض العام، وهما متوافقان، أما إذا كان للخاص مفهوم يخالف العام، بأن كان بمفهومه ينفي الحكم عن غيره، فهذا هو مسألة تخصيص العام بالمفهوم(2).
ويعزز هذا أنه اعترض على الجمهور القائلين بأن إفراد فرد من العام لا يخصص: بأن كلامكم هذا يعارض ما اخترتموه من أن المفهوم يخصص العموم؛ فإن تخصيص بعض الأفراد بالذكر يدل بمفهومه على نفي الحكم عما عداه، فيكون مخصصاً للعام! فأجاب الجمهور بأنه إنما يخصص العموم من المفاهيم ما تقوم به الحجة.كمفهوم الصفة، وأما مفهوم اللقب فإنه مردود(3).
ومثال التخصيص بمفهوم اللقب المردود: ما ذكر بعض أهل العلم من أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : "أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون"(4)
__________
(1) انظر: الإحكام، للآمدي 2/488، المسود ص142، رفع الحاجب ص373، الإبهاج 2/194، نهاية السول 2/484، البحر المحيط 3/220، القواعد والفوائد الأصولية ص293، شرح العضد 2/152، فواتح الرحموت 1/355.
(2) انظر: المسودة ص142-143، شرح العضد 2/152، حاشية التفتازاني على شرح العضد 2/152.
(3) انظر: الإحكام، للآمدي 2/488-489، رفع الحاجب ص373، البحر المحيط 3/223.
(4) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى : "ملك الناس" 9/209.
ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في الأدعية 17/39.(1/24)
يدل بمفهومه على أن الملائكة لا تموت، قال الحافظ ابن حجر (ت852هـ): (ولا حجة فيه؛ لأنه مفهوم لقب، ولا اعتبار له،و على تقديره فيعارضه ما هو أقوى منه، وهو عموم قوله تعالى: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } (1))(2).
ثالثاً: لا يخالف الجمهور القائلون بجواز تخصيص العام بمفهوم المخالفة أنه إذا منع من التخصيص به دليل أقوى منه فإنه يسقط المفهوم ويطرح، ويبقى اللفظ العام على عمومه.
وصرح بهذا طائفة من محققي الأصوليين، حيث ذكروه في مقام الاحتراز من الاعتراض عليهم من قبل المخالفين في جواز التخصيص بالمفهوم بأنكم قد تركتم أصلكم هذا في بعض المواضع، وقدمتم العموم.
فقد نقل الزركشي عن القاضي أبي الطيب(3) قوله: "تخصيص العام بدليل الخطاب واجب، إلا أن يمنع منه دليل أقوى من المفهوم، فيسقط حينئذ المفهوم، ويبقى العام على عمومه"(4).
وكذا نص على هذا أبو يعلي (ت458هـ)، فقال: "تخصيص العام بدليل الخطاب واجب، إلا أن يمنع منه دليل أقوى من دليل الخطاب، فيسقط... ويجب حمل العام على عمومه"(5).
وأكد هذا أبو الوفاء ابن عقيل (ت513هـ) حيث قال بعد أن قرر جواز التخصيص بمفهوم المخالفة: "فإن ناقضونا بمواضع، فيجب أن ننظر إلى دلائل تلك، فإن كانت تنبيهاً أو قياساً فاعلم أننا نترك دليل الخطاب لما هو أقوى منه"(6).
وفي المسودة: "ومتى رأيت المفهوم قد ترك في موضع، وعمل بالعموم، فإن ذلك بدليل آخر"(7).
__________
(1) من الآية رقم: 88، من سورة القصص.
(2) فتح الباري 13/382.
(3) هو: طاهر بن عبد الله بن طاهر، أبو الطيب الطبري الشافعي، الفقيه الأصولي القاضي، صنف في الخلاف والأصول والجدل كتباً كثيرة، من مؤلفاته: شرح مختصر المزني، كتاب في طبقات الشافعية، توفي سنة 450هـ.
انظر: شذرات الذهب 3/284، معجم المؤلفين 5/37.
(4) البحر المحيط 3/386.
(5) العدة 2/634.
(6) الواضح في أصول الفقه 3/443-444.
(7) المسودة ص143-144.(1/25)
ومثال المفهوم المعارض بما هو أقوى منه: نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه - عن بيع ما لم يقبض(1)، مع قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "من ابتاع طعاماً، فلا يبعه حتى يستوفيه"(2)، ولم يقل جمهور أهل العلم هنا بدليل الخطاب في حديث ابن عمر، حيث لم يخصصوا به العموم الوارد في حديث حكيم فيخرجوا منه ما عدا الطعام، لأنهم تمسكوا بدليل أقوى من المفهوم، وهو التنبيه؛ فإن الطعام إذا لم يجز بيعه قبل القبض مع كون حاجة الناس داعية إليه، فلأن لا يجوز غيره من باب أولى، كما تمسكوا أيضاً بالقياس؛ فإنه يدل على أن غير الطعام بمنزلته؛ لأنه إنما لم يجز بيع الطعام لأنه لم يحصل فيه القبض المستحق بالعقد، وهذا المعنى موجود في غير الطعام(3).
وتلخيصاً لما سبق يمكن إيجاز الكلام عن تحرير محل النزاع في مسألة التخصيص بمفهوم المخالفة من خلال النقاط الآتية:
رابعاً: أن محل الخلاف في التخصيص بمفهوم المخالفة فيما إذا ورد العام في كلام، والمفهوم في كلام آخر مستقل عنه، وذلك من متكلم واحد أو في حكم الواحد.
1- أنه لا خلاف بين جماهير أهل العلم في أن مفهوم اللقب لا يخصص العام؛ وذلك نظراً لعدم حجيته، وحكي الاتفاق على ذلك.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 24/32، رقم 15316. ...
والدارقطني في سننه، كتاب البيوع 3/8. ... ... ... ... =
= والطيالسي في مسنده ص187.
والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب البيوع، باب النهي عن بيع ما لم يقبض وإن كان غير طعام 5/313.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب الكيل على البائع والمعطي 3/140.
وسلم في صحيحه، كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض 10/169.
(3) انظر: العدة 2/634-635، الواضح في أصول الفقه 3/444، المسودة ص144، البحر المحيط 3/386.(1/26)
2- أيضاً لا خلاف بين أهل العلم في أنه إذا منع من التخصيص بمفهوم المخالفة دليل أقوى منه فإنه يسقط، ويبقى العام على عمومه.
المطلب الثالث
الأقوال في حكم التخصيص بمفهوم المخالفة
قبل الشروع في ذكر أقوال أهل العلم في حكم التخصيص بمفهوم المخالفة أود تجلية أمرين متعلقين بخلافهم في هذه المسألة، وبيانهما على النحو الآتي:
أولاً: أن الخلاف في التخصيص بمفهوم المخالفة بين أهل العلم فرع للقول بحجيته، فهو خلاف بين القائلين بحجيته، ولهذا فإن من لا يرى حجية مفهوم المخالفة لا يبحث أصلاً عن جواز التخصيص به ومنعه.
فمفهوم المخالفة حجة شرعية عند جمهور أهل العلم، وأنكره جمهور الحنفية وطائفة في خطابات الشرع(1).
وعليه فالخلاف في التخصيص به كان بين القائلين بحجيته، وهذا ما نبه إليه طائفة ممن كتب عن هذه المسألة.
قال ابن الحاجب: "العام يخص بالمفهوم إن قيل به"(2).
وقال الزركشي عن الخلاف في التخصيص بمفهوم المخالفة: "والخلاف إذا قلنا: إنه حجة، فإن قلنا: ليس بحجة،امتنع قطعاً"(3).
وقال جمال الدين الأسنوي (ت772هـ): "إذا فرعنا على أن المفهوم حجة جاز عند المصنف (4) تخصيص المنطوق به"(5).
__________
(1) انظر: أصول السرخسي 1/256، الإحكام، للآمدي 3/72، شرح تنقيح الفصول ص270، نهاية الوصول 5/2045، البحر المحيط 4/30، تيسير التحرير 1/98، شرح الكوكب المنير 3/500.
(2) انظر: شرح العضد 2/150.
(3) تشنيف المسامع 2/784.
(4) يعني: ناصر الدين البيضاوي صاحب منهاج الأصول.
(5) نهاية السول 2/467.
وانظر كذلك: الإحكام، للآمدي 2/478، البحر المحيط 3/385، السراج الوهاج 1/576، الفوائد السنية 2/491، فواتح الرحموت 1/353، تيسير التحرير 1/316.(1/27)
ثانياً: أنه قد ادعى بعض أهل العلم الاتفاق على جواز التخصيص بمفهوم المخالفة، كما هو منقول عن أبي الحسين ابن القطان(1) وأبي إسحاق الاسفراييني(2)، وهو منصوص سيف الدين الآمدي.
جاء في البحر المحيط عن التخصيص بمفهوم المخالفة: "... وذكر أبو الحسين بن القطان أنه لا خلاف في جواز التخصيص به... وكذا قال الأستاذ أبو إسحاق الاسفراييني: إذا ورد العموم مجرداً من صفة، ثم أعيد بصفة متأخرة عنه، كقوله تعالى: اقتلوا المشركين مع قوله قبله أو بعده: اقتلوا أهل الأوثان من المشركين، كان ذلك موجباً للتخصيص بالاتفاق"(3).
وقال الآمدي: " لا نعرف خلافاً بين القائلين بالعموم والمفهوم: أنه يجوز تخصيص العموم بالمفهوم، وسواء كان من قبيل مفهوم الموافقة أو من قبيل مفهوم المخالفة"(4).
والتحقيق أن التخصيص بمفهوم المخالفة مسألة خلافية لا وفاقية، ولعل من نقل الاتفاق هنا لم يقف على آراء المخالفين فقال بالاتفاق، كما هو ظاهر عبارة الآمدي حيث قال: "لا نعرف خلافاً"، فهو ينفي معرفة الخلاف لا نفس الخلاف(5)، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، ولهذا عقب الزركشي على النقل السابق بقوله: "وليس كما قالا"، ثم نقل التصريح بوجود الخلاف في المسألة عن طائفة من محققي الأصوليين(6).
__________
(1) هو: أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن القطان البغدادي الشافعي، فقيه أصولي من أهل بغداد، له مصنفات في أصول الفقه وفروعه، توفي سنة 359هـ.
انظر: شذرات الذهب 3/28، معجم المؤلفين 2/75.
(2) هو: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الاسفراييني، متكلم أصولي فقيه شافعي، له تصانيف جليلة، منها: جامع الحلي في أصول الدين، وتعليقة في أصول الفقه، توفي سنة 418هـ. انظر: شذرات الذهب 3/209، معجم المؤلفين 1/83.
(3) البحر المحيط 3/382.
(4) الإحكام 2/478-479.
(5) انظر: دليل الخطاب وأثر الاختلاف فيه ص219.
(6) انظر: البحر المحيط 3/382.(1/28)
وقد عقب أيضاً شمس الدين البرماوي على كلام الآمدي بقوله: "وما ادعاه من الاتفاق مردود، فقد توقف الإمام(1) في ذلك، ولم يختر شيئاً، وقال سراج الدين الأرموي: في جواز ذلك نظر، وجزم الإمام في المنتخب بأنه لا يجوز، ونقله أبو الخطاب عن بعضهم، وقال ابن دقيق العيد في الكلام على الحديث الثاني من شرح الإلمام: إنه رأى المنع في ذلك لبعض المتأخرين"(2).
وقال ابن السمعاني (ت489هـ): "وأما دليل الخطاب، فيجوز تخصيص العموم به على الظاهر من مذهب الشافعي"(3)، وعلق على هذا ابن السبكي بقوله: "ولفظ الظاهر ظاهر في أن الخلاف موجود"(4).
* الأقوال في المسألة:
اختلف العلماء القائلون بحجية مفهوم المخالفة في حكم التخصيص به على قولين:
القول الأول: أنه يجوز التخصيص بمفهوم المخالفة:
وبهذا قال جمهور القائلين بحجية مفهوم المخالفة، فهو مذهب أكثر الحنابلة(5)، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه منقول صريحاً عن الإمام أحمد(6)، كما أنه مذهب أكثر المالكية(7)، وأكثر الشافعية(8).
القول الثاني: أن مفهوم المخالفة لا يخصص العام:
__________
(1) يعني: فخر الدين الرازي.
(2) الفوائد السنية 2/492.
(3) قواطع الأدلة 1/363-364.
(4) رفع الحاجب ص358.
وانظر كذلك: البحر المحيط 3/383.
(5) انظر: العدة 2/578، التمهيد، لأبي الخطاب 2/118، الواضح 3/397، روضة الناظر 2/131، شرح مختصر الروضة 2/568، المسود ص127، أصول ابن مفلح 3/962، شرح الكوكب المنير 3/366.
(6) انظر: مجموع الفتاوى 31/108.
(7) انظر: التقريب والإرشاد 3/251، تقريب الوصول ص143، مفتاح الوصولص537، نشر البنود 1/251.
(8) انظر: شرح اللمع 2/27، قواطع الأدلة 1/363، الإحكام، للآمدي 2/478، نهاية الوصول 4/1679، الإبهاج 2/180، رفع الحاجب ص357، البحر المحيط 3/381، شرح المحلي 2/66.(1/29)
وقال به طائفة ممن أثبت حجية مفهوم المخالفة، كبعض المالكية(1)، وبعض الشافعية (2)، وبعض الحنابلة (3).
بل جعله ابن العربي (ت543هـ) في المحصول مذهب الإمام مالك، فإنه لما ذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "في سائمة الغنم الزكاة" وتعارضه مع قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخر: "في كل أربعين شاة شاة"، قال: "فتعارض العموم والمفهوم، فنشأت ههنا عضلة من الترجيح، فرجح الشافعي المفهوم، ورجح مالك العموم، وترجيح مالك برأي الفقهاء الذين يقولون بالعموم أولى؛ لأن الدليل اللفظي مقدم على المعنوي اتفاقاً"(4).
وبهذا القول جزم الفخر الرازي في المنتخب: حيث قال: "دلالة المفهوم بتقدير كونه حجة أضعف من دلالة المنطوق، فلا يجوز التخصيص به"(5)، وأما في المحصول فلم يمنعه، بل استشكله وتوقف فيه(6).
وكذا اختار ابن رشيق (ت632هـ) عدم جواز التخصيص بمفهوم المخالفة، فإنه قال عنه: "وهذا فيه نظر عندي، فإن المفهوم إنما يكون حجة إذا لم يرد النطق بخلافه... والعموم ناطق بخلاف المفهوم، فلا يخصص به"(7).
وكذا مال سراج الدين الأرموي (ت682هـ) إلى أن في جواز التخصيص بمفهوم المخالفة نظراً(8).
المطلب الرابع
الأدلة
__________
(1) انظر: المحصول، لابن العربي ص94، نشر البنود 1/251.
(2) انظر: المنتخب 1/266، التحصيل من المحصول 1/396، شرح الإلمام 1/423، البحر المحيط 3/381.
(3) انظر: مجموع الفتاوى 31/107، التحبير 6/2666، المختصر في أصول الفقه ص123، شرح الكوكب المنير 3/369.
(4) المحصول ص94.
(5) المنتخب 1/266.
(6) وهذا ما قرره كثير من اتباع الفخر الرازي من أن كلامه في المحصول استشكال وتضعيف للتخصيص بمفهوم المخالفة.
انظر: الكاشف عن المحصول 4/539، رفع الحاجب ص357، الإبهاج 2/180، نهاية السول 2/468، البحر المحيط 3/381.
(7) لباب المحصول 2/585.
(8) انظر: التحصيل من المحصول 1/396.(1/30)
أولاً : أدلة أصحاب القول الأول :
وهم الجمهور القائلون بجواز التخصيص بمفهوم المخالفة :
الدليل الأول :
أن مفهوم المخالفة دليل شرعي قد ثبتت حجيته، فهو في منزلة النطق في وجوب العمل به، وهو ههنا خاص، فوجب أن يكون مخصصاً للعموم، لترجح دلالة الخاص على دلالة العام(1).
واعترض عليه: بأنه لا يلزم من كون مفهوم المخالفة دليلاً شرعياً أن يخصص به العام؛ لأن العموم إذا كان منطوقاً فهو دليل متفق على حجيته، ومفهوم المخالفة مختلف في حجيته، وما اتفقوا على حجيته أرجح مما اختلفوا في حجيته بلا شبهة(2) .
وأجيب عن هذا الاعتراض: بأنا نسلم أن العموم أقوى من المفهوم، إلا أن التساوي في القوة ليس شرطاً في باب التخصيص، ووقوع الخلاف في الدليل لا يقدح في جواز تقديمه على غيره من الأدلة عند التعارض، ولذا خص عموم الكتاب والمتواتر بخبر الواحد، مع التفاوت في القوة وكون المخالفين في حجية خبر الواحد أكثر من المخالفين في دلالة العموم(3).
الدليل الثاني :
أن في القول بتخصيص العام بمفهوم المخالفة إعمالاً للدليلين؛ فإن دلالة المفهوم هنا خاصة، فلو قدم العام عليه لبطلت دلالته جملة، وإذا خص به العموم عمل به وبالعموم فيما عدا المفهوم، ومن المعلوم أن العمل بالدليلين متى أمكن أولى من إلغاء أحدهما، وقد أمكن بجعل أحدهما مخصصاً للآخر، فتعين الذهاب إليه(4).
ثانياً : دليل أصحاب القول الثاني :
وهم القائلون بأن مفهوم المخالفة لا يخصص العام :
__________
(1) انظر: العدة 2/579، 630، قواطع الأدلة 1/364، 391، الواضح 3/443،الإحكام، للآمدي 2/479، شرح مختصر الروضة 2/568، مجموع الفتاوى 31/141.
(2) انظر: سلم الوصول 2/468-469.
(3) انظر: مجموع الفتاوى 31/141، السراج الوهاج 1/578، شرح العضد 2/151.
(4) انظر: بيان المختصر 2/326، رفع الحاجب ص357، تشنيف المسامع 2/783، رفع النقاب 3/320، شرح العضد 2/151.(1/31)
أن العام منطوق، ولاشك أن دلالة مفهوم المخالفة أضعف؛ لأن المفهوم لابد أن يستند في دلالته إلى منطوق، بخلاف المنطوق فإنه لا يحتاج إلى المفهوم، وإنما رجحنا الخاص على العام؛ لأن دلالة الخاص على ما تحته أقوى من دلالة العام على ما تحته، والأقوى راجح، وأما ههنا فلا نسلم أن دلالة المفهوم على مدلوله أقوى من دلالة العام على ذلك الخاص، بل أضعف، وإذا كان كذلك كان تخصيص العام به ترجيحاً للأضعف على الأقوى، وهو غير جائز (1) .
والجواب عن هذا الدليل من وجهين:(2)
الوجه الأول :
أنا وإن سلمنا أن المفهوم أضعف من المنطوق في الجملة، إلا أنا لا نسلم أنه في محل النزاع أضعف من المنطوق العام؛ فإن العام وإن كان راجحاً من حيث المنطوق، إلا أنه مرجوح لعموم دلالته وخصوص دلالة المفهوم، وإذا كان كذلك فيجمع بينهما؛ لأن الجمع بين الدليلين ولو بوجه أولى، كما سبق تقريره.
قال البناني(3) في تقرير هذا: " وقد يوجه أيضاً تقديم المفهوم في ذلك على المنطوق بأن المفهوم دال على الفرد المذكور بخصوصه، والعام دال عليه في جملة أفراده، والأول أقوى دلالة على ذلك الفرد من الثاني"(4) .
الوجه الثاني :
__________
(1) انظر: المحصول، لابن العربي ص94، المحصول، للرازي 3/103، لباب المحصول 2/585، نهاية الوصول 4/1682، رفع الحاجب ص359، رفع النقاب 3/319، فواتح الرحموت 1/353، نشر البنود 1/251.
(2) انظر: بيان المختصر 2/326، رفع الحاجب ص359، السراج الوهاج 1/577،شرح العضد 2/150، شرح المحلي 2/66.
(3) هو : عبد الرحمن بن جاد الله البناني (نسبه إلى بنانة من قرى منستير بإفريقية) المغربي المالكي، نزيل مصر، فقيه أصولي، من مؤلفاته: حاشية على شرح المحلي على جمع الجوامع في أصول الفقه، توفي عام 1198هـ.
... انظر: الأعلام 3/302، معجم المؤلفين 5/132.
(4) حاشية البناني 2/31.(1/32)
أنا إن سلمنا أن المفهوم أضعف في محل النزاع من المنطوق العام فلا نسلم بطلان تقديم الأضعف على الأقوى على إطلاقه؛ فإن التساوي في القوة ليس شرطاً في باب التخصيص، كما سبق تقريره(1).
المطلب الخامس
الترجيح
بعد استعراض ما مضى من قولي أهل العلم في المسألة وإيراد الأدلة والمناقشات، يتبين رجحان القول بجواز التخصيص بمفهوم المخالفة، وذلك للآتي:
1- قوة أدلة هذا القول وسلامتها من المناقشة المؤثرة، وضعف دليل المخالفين في المسألة.
2- أن هذا القول عليه جمهور أهل العلم من القائلين بحجية مفهوم المخالفة، حتى نقل بعض أهل العلم الاتفاق عليه، نظراً منهم إلى شهرته وإطباق العلماء عليه.
3- أن هذا القول يتجه إلى الجمع بين الدليلين المتعارضين، بتخصيص العام منهما بالآخر، ومن المعلوم أن الجمع بين الأدلة واجب ما أمكن، حيث إن ما أمكن إعماله منها لا يصح إهماله وإبطاله.
المطلب السادس
منشأ الخلاف
أشار بعض أهل العلم إلى أن الخلاف في التخصيص بمفهوم المخالفة قوي ومحتمل، وله حظ من النظر، والسبب في ذلك يعود إلى ضعف التخصيص به؛ نظراً إلى أن دلالته أضعف من دلالة المنطوق، بدليل أن الأصل تقديم المنطوق على المفهوم عند التعارض(2) .
وقد صرح ابن القيم (ت751هـ) بسبب الخلاف في هذه المسألة، حيث قال عنها: "وهي مسألة نزاع بين الأصوليين والفقهاء، وفيها قولان معروفان، ومنشأ النزاع تعارض خصوص المفهوم وعموم المنطوق، فالخصوص يقتضي التقديم، والمنطوق يقتضي الترجيح" (3) .
__________
(1) انظر: ما سبق من الجواب عن الاعتراض الوارد على الدليل الأول للجمهور.
(2) انظر: نهاية الوصول 4/1682-1683، مجموع الفتاوى 31/105، ورفع النقاب 3/319.
(3) تهذيب السنن 1/64.(1/33)
وعليه فمن قال بجواز التخصيص بمفهوم المخالفة نظر إلى خصوص دلالة المفهوم، فهو دال على الفرد المذكور فيه بخصوصه، ومن منع ذلك نظر إلى أن العموم ناطق بخلاف المفهوم، وهو أقوى منه للاتفاق على حجيته، فكان مقدماً عليه(1) .
المطلب السابع
التطبيقات الفقهية
المقصود الأساس من التأصيل يتمثل فيما ينبني عليه من نتائج عملية تطبيقية؛ إذ إن ربط التأصيل بالتطبيق الفقهي يكشف عن مدى أهمية الأصل وضرورة الاعتناء به، ويؤكد هذا الشاطبي (ت790هـ) بقوله: "كل مسألة مرسومة في أصول الفقه، لا ينبني عليها فروع فقهية، أو آداب شرعية، أو لا تكون عوناً في ذلك، فوضعها في أصول الفقه عارية"(2) .
إن الناظر في كتب الفقه وشروح الأحاديث يلحظ من خلال استقرائها أن الفقهاء وشراح الأحاديث كثيراً ما يستدلون بالتخصيص بمفهوم المخالفة لمسائل عدة في أبواب مختلفة من أبواب الفقه، مما يعزز أهمية هذا الأصل وكثرة دورانه في استنباطاتهم واستدلالاتهم.
وفي هذا المطلب سيكون الكلام عن بيان طائفة من الفروع الفقهية للخلاف في مسألة : التخصيص بمفهوم المخالفة بين أهل العلم، وأود أن أنبه إلى أنني لن أتعرض للتفصيل في الخلاف الفقهي الوارد في كل فرع؛ فإن هذا أمر يطول المقام به، كما أن فيه خروجاً عن النمط المعهود في تخريج الفروع من الأصول.
وفيما يأتي طائفة من هذه الفروع :
__________
(1) انظر: المصدر السابق.
(2) الموافقات 1/37.(1/34)
1- ذهب الشافعية والحنابلة في المشهور من المذهب إلى أن الماء الراكد إذا كان دون القلتين ولاقته النجاسة فإنه ينجس وإن لم يتغير بها(1)، ومما استدلوا به على ذلك: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث"، وذكروا أن التحديد بالقلتين يدل على أن ما دونهما ينجس بملاقاة النجاسة؛ إذ لو استوى حكم القلتين وما دونهما لم يكن التحديد مفيداً، فكان هذا المفهوم مخصصاً لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : "الماء طهور لا ينجسه شيء"(2) .
قال الشوكاني موضحاً وجه التخصيص بمفهوم المخالفة عند القائل به هنا: "أما ما دون القلتين، فإن تغير خرج عن الطهارة بالإجماع، وبمفهوم حديث القلتين، فيخص بذلك عموم حديث: "لا ينجسه شيء"، وإن لم يتغير ـ بأن وقعت فيه نجاسة لم تغيره ـ فحديث: "لا ينجسه شيء" يدل بعمومه على عدم خروجه عن الطهارة لمجرد ملاقاة النجاسة، وحديث القلتين يدل بمفهومه على خروجه عن الطهورية بملاقاتها، فمن أجاز التخصيص بمثل هذا المفهوم قال به في هذا المقام، ومن منع منه منعه فيه"(3).
وقد ذكر ابن القيم أن تقديم المفهوم هنا على العموم ممنوع، ثم قال: " فإن رجحتم المفهوم بخصوصه، رجح منازعوكم العموم بمنطوقه، ثم الترجيح معهم ههنا للعموم من وجوه: أحدها: أن حديثه أصح، الثاني: أنه موافق للقياس الصحيح، الثالث: أنه موافق لعمل أهل المدينة قديماً وحديثاً؛ فإنه لا يعرف عن أحد منهم أنه حدد الماء بقلتين ... "(4).
2- اختلف أهل العلم في مشروعية ما يقول كل من الإمام والمأموم بعد الرفع من الركوع في صلاة الجماعة (5) :
__________
(1) انظر: الحاوي 1/325-326، المغني 1/39.
(2) انظر: المغني 1/40، شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق العيد ص75.
(3) نيل الأوطار 1/30.
(4) تهذيب السنن 1/64.
(5) انظر أقول أهل العلم في المسألة في : الحاوي 2/123-124، بداية المجتهد 1/109-110، المغني 2/189، فتح الباري 2/331.(1/35)
فذهب جماعة منهم إلى أن الإمام يقول إذا رفع رأسه من الركوع: سمع الله لمن حمده فقط، ويقول المأموم: ربنا ولك الحمد فقط.
وذهب آخرون إلى أن الإمام والمأموم يقولان جميعاً: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وأن المأموم يتبع في ذلك الإمام كسائر التكبيرات.
وذهبت طائفة ثالثة إلى أن الإمام يقولهما جميعاً، وأن المأموم يكتفي بقول: ربنا ولك الحمد، ولا يشرع له قول: سمع الله لمن حمده.
ومن أسباب هذا الاختلاف ورود حديثين متعارضين في الظاهر, وهما:
الحديث الأول: حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا ربنا ولك الحمد "(1)، فإن هذا الحديث يقتضي بعموم أوله: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" أن يقول المأموم: سمع الله لمن حمده، ويقتضي بمفهوم آخره أن الإمام لا يقول: ربنا ولك الحمد، وأن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده.
الحديث الثاني: حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضاً، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"(2) ، فإن هذا الحديث يقتضي بمنطوقه أن الإمام يشرع له قول: ربنا ولك الحمد.
فالحديث الثاني دلالته على مشروعية قول الإمام: ربنا ولك الحمد بالمنطوق، فكان مقدماً على الحديث الأول الذي دلالته بالمفهوم؛ لأن المنطوق الخاص مقدم على المفهوم.
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به 1/280.
... ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب اتئمام المأموم بالإمام 4/131.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه، أبواب صفة الصلاة، باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء 1/294.(1/36)
وبقي معنا قول المأموم: سمع الله لمن حمده، فالعموم الوارد في أول حديث أنس - رضي الله عنه - يقتضي متابعة المأموم الإمام في هذا الذكر، ودليل الخطاب في آخره يقتضي أن لا يقوله، فتعارض العموم ودليل الخطاب، فوجب الترجيح.
ويصور ابن رشد هذا الخلاف مبيناً وجه ابتنائه على مسألة: التخصيص بمفهوم المخالفة بصورة دقيقة، وذلك في قوله: "فمن رجح مفهوم حديث أنس قال: لا يقول المأموم سمع الله لمن حمده ولا الإمام: ربنا ولك الحمد، وهو من باب دليل الخطاب؛ لأنه جعل حكم المسكوت عنه بخلاف حكم المنطوق به، ومن رجح حديث ابن عمر قال: يقول الإمام: ربنا ولك الحمد، ويجب على المأموم أن يتبع الإمام في قوله: سمع الله لمن حمده؛ لعموم قوله: "إنما جعل الإمام ليؤتم به"، ومن جمع بين الحديثين فرق في ذلك بين الإمام والمأموم، والحق في ذلك أن حديث أنس يقتضي بدليل الخطاب أن الإمام لا يقول: ربنا ولك الحمد، وأن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، وحديث ابن عمر يقتضي نصاً أن الإمام يقول: ربنا ولك الحمد، فلا يجب أن يترك النص بدليل الخطاب؛ فإن النص أقوى من دليل الخطاب، وحديث أنس يقتضي بعمومه أن المأموم يقول: سمع الله لمن حمده بعموم قوله: "إنما جعل الإمام ليؤتم به"، وبدليل خطابه أن لا يقولها، فوجب أن يرجح بين العموم ودليل الخطاب، ولا خلاف أن العموم أقوى من دليل الخطاب، لكن العموم يختلف أيضاً في القوة والضعف، ولذلك ليس يبعد أن يكون بعض أدلة الخطاب أقوى من بعض أدلة العموم، فالمسألة لعمري اجتهادية، أعني : في المأموم" (1).
3-ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن الإمام إذا سهى في الصلاة لزم المأمومين تنبيهه، فإن كانوا رجالاً سبحوا به، وإن كانوا نساء صفقن ببطون أكفهن على ظهور الأخرى(2) .
__________
(1) بداية المجتهد 1/110.
(2) انظر: المغني 2/410، فتح الباري 3/91، نيل الأوطار 2/327.(1/37)
وذهب المالكية إلى أن المشروع للرجال والنساء التسبيح دون التصفيق(1)، واستدلوا بالعموم الوارد في حديث سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من رابه شيء في صلاته فليسبح "(2) .
وأما الجمهور فيرون أن هذا العموم مخصوص بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء"(3)، وقد جاء في فتح الباري بيان كيفية ابتناء هذا الفرع على مسألة التخصيص بالمفهوم، حيث فيه: "ووجهه: أن دلالة العموم لفظية وضعية، ودلالة المفهوم من لوازم اللفظ عند الأكثرين، وقد قال في الحديث: "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء" فكأنه قال: لا تسبيح إلا للرجال، ولا تصفيق إلا للنساء، وكأنه قدم المفهوم على العموم(4)، للعمل بالدليلين؛ لأن في إعمال العموم إبطالاً للمفهوم، ولا يقال إن قوله: "للرجال" من باب اللقب؛ لأنا نقول: بل هو من باب الصفة؛ لأنه في معنى الذكور البالغين"(5).
__________
(1) انظر: الخرشي على مختصر خليل 1/320-321.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الأول أو لم يتأخر جازت صلاته 1/276-277. =
... = ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم 4/145-146. ...
(3) أخرجه البخاري في صحيحه، أبواب العمل في الصلاة، باب التصفيق للنساء 2/141.
... ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب تسبيح الرجل وتصفيق المرأة إذا نابهما شيء في الصلاة 4/148.
(4) يعني: الإمام البخاري؛ فإنه مع الجمهور في قولهم السابق.
(5) فتح الباري 3/91.(1/38)
4-أكثر أهل العلم يرون أن من أدرك ركعة من الجمعة مع الإمام فهو مدرك لها، حيث يضيف إليها أخرى فقط، أما من أدرك أقل من ركعة، فإنه لا يكون مدركاً لها، ويصلي ظهراً أربعاً(1) .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكون مدركاً للجمعة بأي قدر من الصلاة مع الإمام حتى وإن أدركه في التشهد(2) .
واستدل هؤلاء بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : "ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"(3)، قال ابن رشد: "من صار إلى عموم قوله عليه الصلاة والسلام: "وما فاتكم فأتموا" أوجب أن يقضي ركعتين، وإن أدرك منها أقل من ركعة"(4).
وأما أصحاب القول الأول فمما استدلوا به: أن هذا الحديث عام، وهو مخصوص بمفهوم حديث آخر، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة"(5) ،
__________
(1) انظر: بداية المجتهد 1/137، المغني 3/183-184، المجموع شرح المهذب 4/556، 558، فتح الباري 2/69.
(2) انظر: المبسوط 2/35، البناية 3/92.
(3) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب لا يسعى إلى الصلاة وليأت بالسكينة والوقار 1/260.
... ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهي عن إتيانها سعياً 5/98.
(4) بداية المجتهد 1/137.
(5) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، باب من أدرك من الصلاة ركعة 1/240.
... ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة 5/104.(1/39)
قال ابن قدامه (ت620هـ): "مفهومه أنه إذا أدرك أقل من ذلك لم يكن مدركاً لها"(1)، وقال ابن حجر: "مفهوم التقييد بالركعة أنه من أدرك دون الركعة لا يكون مدركا لها"(2)، وعليه فقد رأى هؤلاء العلماء تخصيص عموم الحديث الأول بالمفهوم المستفاد من الحديث الثاني(3).
5- ... الأصح عند أكثر أهل العلم ترك نقل الزكاة من بلدها ما دام فيه محتاج إليها(4)، واستدلوا على ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: "أخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم"(5)، وخصصوا به عموم قول الله تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } (6)؛ فإن مفهوم قوله في الحديث: "فقرائهم" يفيد أن الصدقة لا ترد على غير فقراء ذلك البلد، فوجب أن يكون مخصصاً للآية(7).
__________
(1) المغني 3/185.
(2) فتح الباري 2/69.
(3) انظر: بداية المجتهد لابن رشد 1/137، فقد بين في معرض كلامه عن المسألة كيفية ابتناء الخلاف فيها على التعارض بين العموم ودليل الخطاب.
(4) انظر: المغني 4/131، المجموع 6/221، فتح الباري 3/418-419.
(5) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة 2/215.
... ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام 1/197.
(6) من الآية رقم: 60، من سورة التوبة.
(7) انظر: المغني 4/131-132، شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/451-452، فتح الباري 3/418-419.(1/40)
6- ... أجمع أهل العلم على أن نصاب الفضة مائتا درهم، وأن فيه خمسة دراهم(1)، واختلفوا فيما زاد على المائتين، فقال الجمهور منهم: يخرج مما زاد بحسابه ربع العشر، سواء قلت الزيادة أو كثرت، وذهب بعضهم إلى أنه لا شيء في زيادة الدراهم على مائتين حتى تبلغ الزيادة أربعين درهماً، ففيها ربع عشرها، وذلك درهم(2).
وقد بيَّن ابن رشد أن من أسباب هذا الخلاف: التعارض بين عموم حديث ودليل خطاب حديث آخر(3)، حيث استدل أصحاب القول الثاني بعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث علي - رضي الله عنه - : " قد عفوت عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة, من كل أربعين درهماً درهماً، وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم "(4).
أما الجمهور فيرون أن هذا الحديث عام قد خصصه مفهوم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخر: " ليس فيما دون خمس أواق صدقة "(5)، قال ابن رشد معقباً على العموم الوارد في حديث علي السابق: "أما دليل الخطاب المعارض له، فقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة "، ومفهومه أن فيما زاد على ذلك الصدقة قلَّ أو كثر"(6).
__________
(1) انظر: المغني 4/214-215، المجموع 6/16.
(2) انظر: المصدرين السابقين، بداية المجتهد 1/187، البناية 3/432.
(3) انظر: بداية المجتهد 1/187.
(4) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة 2/232، رقم 1574.
... والترمذي في سننه، كتاب الزكاة، باب زكاة الذهب والورق 3/16، رقم 620، وذكر أن البخاري صححه.
... وابن ماجة في سننه، كتاب الزكاة، باب زكاة الورق والذهب 1/570، رقم 1790.
... والإمام أحمد في مسنده 2/118، رقم 711.
(5) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب زكاة الورق 2/234.
... ومسلم في صحيحه، أول كتاب الزكاة 7/51.
(6) بداية المجتهد 1/187.(1/41)
7- ... يجوز ركوب الهدي سواء كان واجباً أو متطوعاً به في قول كثير من أهل العلم، إلا أن ذلك مقيد عندهم بالحاجة على وجه لا يضر به(1)، واستدلوا على ذلك بما ورد عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أنه سئل عن ركوب الهدي، فقال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً "(2)، فمفهوم هذا الحديث أنه إذا لم يكن مضطراً إليها ووجد غيرها تركها، وعليه فقد خصصوا بمفهوم هذا الحديث حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يسوق بدنة، فقال: اركبها، فقال: إنها بدنة، فقال: اركبها، قال: إنها بدنة، قال: اركبها ويلك في الثانية، أو في الثالثة "(3)، فهذا الحديث عام من حيث إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل صاحب البدنة عن حاله، وترك الاستفصال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال
قال الحافظ ابن حجر: " والدليل على اعتبار هذه القيود الثلاثة، وهي الاضطرار والركوب بالمعروف وانتهاء الركوب بانتهاء الضرورة، ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعاً بلفظ: "اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً"؛ فإن مفهومه أنه إذا وجد غيرها تركها"(4).
__________
(1) انظر: المغني 5/442، شرح النووي في صحيح مسلم 9/74، فتح الباري 3/628.
(2) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها 9/75.
(3) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب ركوب البدن 2/323.
... ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن أحتاج إليها 9/73.
(4) فتح الباري 3/628.(1/42)
8- ... أجمع أهل العلم على جواز مباشرة الحائض فيما فوق السرة ودون الركبة(1)، واختلف في مباشرتها فيما بينهما، فذهب بعضهم إلى إباحته، ومما استدلوا به: العموم الوارد في حديث أنس - رضي الله عنه - أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل الله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } (2) إلى آخر الآية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اصنعوا كل شيء إلا النكاح"(3)، فالحديث يدل بعمومه على جواز الاستمتاع من غير تخصيص بمحل دون محل من سائر البدن غير الفرج(4).
وذهب جمهور أهل العلم إلى عدم جواز مباشرتها فيما بين السرة والركبة، ومما استدلوا به: ما ورد في الحديث أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال: "لك ما فوق الإزار"(5)، فمفهومه عدم جواز الاستمتاع بما عداه.
__________
(1) انظر: المغني 1/414، المجموع 2/364.
(2) من الآية رقم 222 من سورة البقرة.
(3) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله 3/211.
(4) انظر: المغني 1/416، نيل الأوطار 1/277.
(5) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب في المذي 1/145، رقم 212.
... وقال عنه الشوكاني في نيل الأوطار 1/277: "أورده الحافظ في التلخيص، ولم يتكلم عليه، وإسناده في سنن أبي داود فيه صدوقان وبقيته ثقات"(1/43)
قال الخطيب الشربيني(1) في تقرير مذهب الشافعية، وهو من الجمهور القائلين بعدم الجواز: "يَحرم الوطء في فرجها، ولو بحائل، والمباشرة بما بين سرتها وركبتها، ولو بلا شهوة؛ لقوله تعالى: { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } ، ولخبر أبي داود بإسناد جيد أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض، فقال: "ما فوق الإزار"، وخص بمفهومه عموم خبر مسلم: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح "(2) .
وقال الشوكاني عن الحديث الذي استدل به الجمهور: " يدل على جواز الاستمتاع بما فوق الإزار من الحائض، وعدم جوازه بما عداه، فمن أجاز التخصيص بمثل هذا المفهوم خصص به عموم " كل شيء" المذكور في حديث أنس "(3) .
9- ... اختلف أهل العلم في حكم استبراء الأمة المسبية إذا كانت بكراً: فذهب الجمهور منهم إلى وجوب استبرائها حتى لو كانت ممن لا تحمل(4)، وذلك أخذاً بعموم الأحاديث الدالة على ذلك(5) ، كحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في سبايا أو طاس "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة"(6)،
__________
(1) هو : محمد بن أحمد الشربيني القاهري الشافعي، شمس الدين، فقيه مفسر متكلم نحوي، من مؤلفاته: الخبير في التفسير، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للنووي، توفي سنة 977هـ. انظر: شذرات الذهب 8/384، معجم المؤلفين 8/269.
(2) مغني المحتاج 1/110.
(3) نيل الأوطار 1/277.
(4) انظر: المغني 11/274-275، مغني المحتاج 3/408، نيل الأوطار 6/306.
(5) انظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي 5/568-571، مغني المحتاج 3/408، زاد المعاد 5/714.
(6) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب في وطء السبايا 2/614، رقم 2157.
... والإمام أحمد في مسنده 18/140، رقم 11596.
... والدارمي في سننه، كتاب الطلاق، باب في استبراء الأمة 2/612، رقم 2210.
... والحاكم في المستدرك، كتاب النكاح 2/212، رقم 2790، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي في التلخيص.(1/44)
وكحديث رويفع بن ثابت - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها"(1). قال الخطابي(2) عن حديث أبي سعيد الخدري : " فيه دليل على أن استحداث الملك يوجب الاستبراء في الإماء، فلا توطأ ثيب ولا عذراء حتى تستبرئ بحيضة، ويدخل في ذلك المكاتبة إذا عجزت فعادت إلى الملك المطلق، وكذلك من رجعت إلى ملكه بإقالة بعد البيع، وسواء كانت الأمة مشتراة من رجل أو امرأة؛ لأن العموم يأتي على ذلك أجمع "(3).
وذهب جماعة من أهل العلم إلى عدم وجوب استبراء الأمة البكر؛ لأن الاستبراء إنما يكون في حق من لم تعلم براءة رحمها، أما من علمت براءة رحمها فلا استبراء في حقها(4).
__________
(1) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب في وطء السبايا 2/615-616، رقم 2158.
... والدارمي في سننه، كتاب السير، باب في استبراء الأمة 2/675، رقم 2383.
... والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب العدد، باب استبراء من ملك الأمة 7/449.
(2) هو: الإمام أبو سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي (وقيل: اسمه أحمد)، العلامة الحافظ الفقيه اللغوي، من مؤلفاته: معالم السنن في شرح كتاب السنن لأبي داود، غريب الحديث، شرح الأسماء الحسنى، توفي سنة 388هـ.
... انظر: سير أعلام النبلاء 17/23-28، معجم المؤلفين 2/61.
(3) معالم السنن 3/75.
(4) انظر: مجموع الفتاوى 32/338، زاد المعاد 5/714، نيل الأوطار 6/306.(1/45)
ومن أدلة هؤلاء: تخصيص العموم السابق بالمفهوم، ويوضح ابن القيم هذا بقوله عن العموم الذي يفيده حديث أبي سعيد الخدري في سبايا أوطاس: " فإن قيل: فعمومه يقتضي تحريم وطء أبكارهن قبل الاستبراء، كما يمتنع وطء الثيب؟ قيل: نعم، وغايته أنه عموم أو إطلاق ظهر القصد منه، فيخص أو يقيد عند انتفاء موجب الاستبراء، ويُخص أيضاً بمفهوم قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث رويفع: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ينكح ثيباً من السبايا حتى تحيض "(1)(2).
وكذا ذكر الشوكاني أن مفهوم حديث رويفع " فلا ينكحن ثيباً من السبايا حتى تحيض " مخصص لعموم حديث سبايا أوطاس(3).
10- ... جماهير أهل العلم ـ وحكي إجماعاً ـ يرون تحريم صيد المجوسي وذبيحته، إلا ما لا ذكاة له، كالسمك والجراد، فإنهم متفقون على إباحته(4).
وذهب أبو ثور(5)
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 28/207، رقم 16997، ولفظه: "لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره، وأن يصيب امرأة ثيباً من السبي حتى يستبرئها".
... وأخرجه أيضاً في مسنده 28/2095 رقم 16998 بلفظ: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبتاعن ذهباً بذهب إلا وزناً بوزن، ولا ينكح ثيباً من السبي حتى تحيض".
(2) زاد المعاد 5/717-718.
(3) انظر: نيل الأوطار 6/306.
(4) انظر: المغني 3/296، مغني المحتاج 4/266.
(5) هو: الإمام إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي، ويكنى أيضاً أبا عبد الله، الفقيه الحافظ الحجة المجتهد، مفتي العراق، كان أحد أئمة الدنيا فهماً وعلماً وورعاً وفضلاً، صنف الكتب، وفرع على السنن، وذب عنها، توفي سنة 240هـ.
... انظر: سير أعلام النبلاء 12/72-76.(1/46)
-وعُد قوله شاذاً - إلى إباحة صيد المجوسي وذبيحته، مستدلاً على ذلك بعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في المجوس: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب "(1).
وأما الجماهير فيرون أن هذا العموم مخصوص بمفهوم قول الله تعالى: { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } (2)، قال ابن كثير عن الحديث السابق في معرض مناقشة الاستدلال به: " تمسك(3) بعموم حديث روي مرسلاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب"، ولكن لم يثبت بهذا اللفظ، وإنما الذي في صحيح البخاري عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ الجزية من مجوس هجر، ولو سلم صحة هذا الحديث فعمومه مخصوص بمفهوم هذه الآية { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } ، فدل بمفهومه مفهوم المخالفة على أن طعام من عداهم من أهل الأديان لا يحل"(4).
11- ... ذهب قلة من أهل العلم على رأسهم الظاهرية إلى أن السارق يقطع في القليل والكثير،واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } (5)،حيث إن ظاهر الآية العموم في كل سارق(6).
__________
(1) أخرجه الإمام مالك في الموطأ، كتاب الزكاة، باب جزية أهل الكتاب والمجوس 1/183.
والشافعي في الأم، كتاب الجزية، باب من يلحق بأهل الكتاب 4/183.
... وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الزكاة، باب في المجوس يؤخذ منهم شيء من الجزية 3/122.
... والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الجزية، باب المجوس أهل كتاب والجزية تؤخذ منهم 9/189.
... وذكر في معرفة السنن 13/364 أنه حديث منقطع.
... وضعفه الألباني في إرواء الغليل 5/88.
(2) من الآية رقم 5 من سورة المائدة.
(3) يعني: أباثور.
(4) تفسير القرآن العظيم 2/20.
(5) من الآية رقم 38 من سورة المائدة.
(6) انظر: المغني 12/418، الجامع لأحكام القرآن 6/160، فتح الباري 12/108.(1/47)
وذهب الجمهور إلى أنه لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً(1)، ومما استدلوا به على ذلك: أن الآية عامة مخصوصة بمفهوم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً "(2)، قال ابن دقيق العيد عن هذا الحديث: " أما دلالته على الظاهرية، فليس من حيث النطق، بل من حيث المفهوم، وهو داخل في مفهوم العدد، ومرتبته أقوى من مرتبة مفهوم اللقب "(3).
12-ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقتل الحر بالعبد، مستدلين بعموم النصوص الموجبة للقصاص(4)، كقول الله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } (5)، وقوله: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } (6)، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " العمد قود "(7)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " المسلمون تتكافأ دماؤهم "(8).
__________
(1) انظر: المغني 12/418، الجامع لأحكام القرآن 6/160، شرح عمدة الأحكام ص649، نيل الأوطار 7/126.
(2) أخرجه بهذا اللفظ البخاري في صحيحه، كتاب الحدود، باب قول الله تعالى:
{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا } 8/287.
(3) شرح عمدة الأحكام ص650-651.
... وجاء في فتح الباري 12/108 عن هذا الحديث: "فإنه بمنطوقه يدل على أنه يقطع فيما إذا بلغه، وكذا فيما زاد عليه، وبمفهومه على أنه لا قطع فيما دون ذلك".
(4) انظر: المغني 11/473، البناية 12/101.
(5) من الآية رقم 178 من سورة البقرة.
(6) من الآية رقم 45 من سورة المائدة.
(7) أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الحدود والديات وغيره 3/94.
... وابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الديات، باب من قال العمد قود 6/402.
(8) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 11/402، رقم 6797.
... وأبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في السرية ترد على أهل السكر 3/183، رقم 2751، وسكت عنه.
... وابن ماجة في سننه، كتاب الديات، باب المسلمون تتكافأ دماؤهم 2/895، رقم 2683.=
... =والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الجنايات، باب فيمن لا قصاص بينه باختلاف الدينين 8/29.
... والحديث صححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 7/265.(1/48)
وذهب الجمهور إلى أنه لا يقتل حر بعبد(1)، ومما استدلوا به: أن العمومات التي استدل بها أصحاب القول الأول مخصوصة بأدلة كثيرة، منها: مفهوم قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ } (2) فمفهوم الحصر أن لا يقتل حر بعبد(3)..
قال ابن رشد مبيناً كيفية ابتناء هذه المسألة على التخصيص بالمفهوم: "... فمن قال: لا يقتل الحر بالعبد احتج بدليل الخطاب المفهوم من قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ } ، ومن قال بقتل الحر بالعبد احتج بقوله عليه الصلاة والسلام: " المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم "، فسبب الخلاف معارضة العموم لدليل الخطاب"(4).
هذه طائفة من الفروع الفقهية المخرجة على الخلاف في مسألة: التخصيص بمفهوم المخالفة، وقد تبين من خلال النظر فيها أهميتها وكثرة دورانها على ألسنة الفقهاء، وأنها طريق لاستنباط كثير من الأحكام الشرعية.
الخاتمة
الحمد لله الذي يسر إتمام البحث في هذه المسألة، وقد ظهر لي من خلاله نتائج ألخصها في النقاط الآتية :
1- أهمية مسألة التخصيص بالمفهوم بقسميه، وضرورة بحثها ولمّ أطرافها؛ فإن مسائل التخصيص لا غنى للمجتهد عن معرفتها والإحاطة بها، إذ يعين ذلك على تحقيق المقصود من علم أصول الفقه، وهو استنباط الأحكام الشرعية.
2- أن التخصيص بالمفهوم يذكر عند أهل العلم على أنه نوع من المخصصات المنفصلة التي تقصر اللفظ العام على بعض أفراده.
__________
(1) انظر: المغني 11/473، الجامع لأحكام القرآن 2/247، مغني المحتاج 4/17.
(2) من الآية رقم 178 من سورة البقرة.
(3) انظر: مغني المحتاج 4/17.
(4) بداية المجتهد 2/298.(1/49)
3- المقصود بالتخصيص بالمفهوم أن يرد دليل شرعي عام يعارضه مفهوم دليل آخر، فيخصص عموم الدليل الأول بمفهوم الدليل المعارض له، بحيث يعمل به فيما عدا صورة التخصيص.
4- أن تخصيص العموم بالمفهوم مستثنى من أصل تقديم المنطوق على المفهوم، ضرورة العمل بالدليلين الذي هو أولى من إلغاء أحدهما بلا موجب.
5- يظهر أن تخصيص العام بمفهوم الموافقة محل اتفاق بين أهل العلم، وما يذكر من خلاف في ذلك ليس مرده الاعتراض على أصل جواز التخصيص به، كما هو متقرر في تفاصيل هذا البحث.
6- أن الخلاف في التخصيص بمفهوم المخالفة بين أهل العلم فرع للقول بحجيته، فهو خلاف بين القائلين بحجيته، ولهذا فإن من يخالف في حجيته أصلاً لا يبحث عن جواز التخصيص به ومنعه.
7- الراجح من أقوال أهل العلم جواز التخصيص بمفهوم المخالفة؛ وذلك نظراً لقوة أدلة هذا القول، وسلامتها من المناقشة، وضعف أدلة المخالفين.
8- يترتب على الخلاف في التخصيص بمفهوم المخالفة تطبيقات فقهية كثيرة مبثوثة في كتب الفقه وشروح الأحاديث، مما يؤكد أهمية المسألة وحضورها الواضح في كتب أهل العلم على اختلاف مذاهبهم.
... هذه أهم النتائج التي توصلت إليها، فما كان في هذا البحث من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ أو قصور فهذه سنة الله في خلقه، وأسأله العفو والغفران.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قائمة المراجع
" الآيات البينات على شرح المحلي على جمع الجوامع ـ لأحمد بن قاسم العادي (ت994هـ)، دار الكتب العلمية ـ بيروت، الطبعة الأولى، عام 1417هـ 1996م.
" الإبهاج في شرح المنهاج ـ لتقي الدين السبكي (ت756هـ) وولده تاج الدين (ت771هـ)، دار الكتب العلمية ـ بيروت، الطبعة الأولى، عام 1404هـ ـ1984م.
" إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام ـ لتقي الدين ابن دقيق العيد (ت702هـ)، مكتبة السنة ـ القاهرة، الطبعة الأولى، عام 1418هـ ـ 1997م.(1/50)
" الإحكام في أصول الأحكام ـ لسيف الدين أبي الحسن الآمدي (ت631هـ)، دار الحديث ـ جوار إدارة الأزهر.
" إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ـ لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي ـ بيروت، 1405هـ ـ 1985م، الطبعة الثانية.
" أصول السرخسي ـ لأبي بكر محمد بن أحمد السرخسي (ت490هـ)، تحقيق/ أبو الوفا الأفغاني، لجنة إحياء المعارف النعمانية ـ حيدر آباد، الهند.
" أصول الفقه ـ لابن مفلح المقدسي الحنبلي (ت763هـ)، تحقيق الدكتور/ فهد السدحان، مكتبة العبيكان ـ الرياض، الطبعة الأولى، عام 1420هـ ـ 1999م.
" الأعلام ـ لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين ـ بيروت، الطبعة الثامنة، عام 1989م.
" الأم ـ للإمام الشافعي (ت204هـ)، دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1410هـ ـ 1990م.
" البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ـ لمحمد بن علي الشوكاني (ت1250هـ)، دار المعرفة ـ بيروت.
" البحر المحيط ـ لبدر الدين الزركشي (ت794هـ)، دار الصفوة ـ مصر، الطبعة الثانية، عام 1413هـ ـ 1992م.
" بداية المجتهد ونهاية المقتصد ـ لأبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (ت595هـ)، دار الفكر ـ بيروت.
" البناية في شرح الهداية ـ لأبي محمد محمود بن أحمد العيني (ت855هـ)، دار الفكر ـ بيروت، الطبعة الثانية، عام 1411هـ ـ 1990م.
" بيان المختصر (شرح مختصر ابن الحاجب) ـ لشمس الدين الأصفهاني (ت749هـ)، تحقيق الدكتور/ محمد مظهر بقا، طبع جامعة أم القرى ـ مكة المكرمة، مركز إحياء التراث الإسلامي.
" التحبير شرح التحرير في أصول الفقه ـ لعلاء الدين المرداوي (ت885هـ)، تحقيق الدكتور/ عبد الرحمن الجبرين، والدكتور/ أحمد السراح، والدكتور/ عوض القرني، مكتبة الرشد ـ الرياض، الطبعة الأولى، عام 1421هـ ـ 2000م.(1/51)
" التحصيل من المحصول ـ لسراج الدين الأرموي (ت682هـ)، تحقيق الدكتور/ عبدالحميد علي أبو زنيد، مؤسسة الرسالة ـ بيروت، الطبعة الأولى، 1408هـ ـ 1988م.
" تشنيف المسامع بجمع الجوامع ـ لبدر الدين الزركشي، تحقيق الدكتور/ عبدالله ربيع والدكتور/ سيد عبد العزيز، مؤسسة قرطبة للطباعة والنشر.
" التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية ـ للدكتور/ عبد اللطيف البرزنجي، دار الكتب العلمية ـ بيروت، الطبعة الأولى، عام 1413هـ ـ 1993م.
" تفسير القرآن العظيم ـ للحافظ ابن كثير (ت774هـ) دار الفكر العربي.
" التقريب والإرشاد الصغير ـ للقاضي أبي بكر الباقلاني (ت403هـ)، تحقيق الدكتور/ عبدالحميد أبو زنيد، مؤسسة الرسالة ـ بيروت، الطبعة الثانية، عام 1418هـ ـ 1998م.
" تقريب الوصول إلى علم الأصول ـ لأبي القاسم بن جزي الكلبي (ت741هـ)، تحقيق الدكتور/ محمد المختار الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية ـ القاهرة، الطبعة الأولى، عام 1414هـ.
" التلخيص ـ للحافظ الذهبي (ت748هـ)، انظر: مستدرك الحاكم.
" التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير ـ للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ)، تحقيق/ د. شعبان محمد إسماعيل، مكتبة ابن تيمية ـ القاهرة.
" التمهيد في أصول الفقه ـ لأبي الخطاب الكلوذاني (ت510هـ)، تحقيق الدكتور/ مفيد محمد أبو عمشة، دار المدني ـ جدة، الطبعة الأولى، عام 1406هـ ـ 1985م.
" تهذيب السنن ـ لابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة ـ بيروت.
" تيسير التحرير ـ لمحمد أمين المعروف بأمير بادشاه، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
" الجامع الصحيح (سنن الترمذي) ـ لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي (ت297هـ)، تحقيق/ أحمد شاكر، دار الحديث ـ القاهرة.
" الجامع الصغير ـ لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت911هـ)، دار الفكر ـ بيروت.(1/52)
" الجامع لأحكام القرآن ـ لأبي عبد الله القرطبي (ت671هـ)، تصحيح/ أحمد عبدالعليم البردوني، طبعة عام 1372هـ ـ 1952م.
" جمع الجوامع ـ لتاج الدين عبد الوهاب السبكي (ت771هـ)، انظر: شرح المحلي.
" حاشية البناني على شرح المحلي لجمع الجوامع ـ للشيخ عبد الرحمن بن جادالله البناني (ت1198هـ)، دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1402هـ ـ 1982م.
" حاشية التفتازني على شرح العضد ـ لسعد الدين التفتازاني (ت791هـ)، مطبوع على هامش شرح العضد.
" حاشية العطار على شرح المحلي لجمع الجوامع ـ للشيخ حسن العطار (ت1250هـ)، انظر: شرح المحلي.
" الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي ـ لأبي الحسن الماوردي (ت450هـ)، تحقيق/ علي معوض وعادل عبد الموجود، دار الكتب العلمية ـ بيروت، الطبعة الأولى، عام 1414هـ ـ 1994م.
" الخرشي على مختصر خليل ـ لأبي عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علي الخرشي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
" دليل الخطاب وأثر الاختلاف فيه ـ للدكتور/ عبد السلام أحمد راجح، دار ابن حزم ـ بيروت، الطبعة الأولى، عام 1421هـ ـ 2000م.
" رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب ـ لتاج الدين السبكي (ت771هـ)، مجموعة رسائل في كلية الشريعة والقانون ـ جامعة الأزهر، لكل من: الباحث/ أحمد مختار محمود، والباحث/ عثمان عبد الباري، والباحث/ محمد أبو سالم.
" رفع النقاب عن تنقيح الشهاب ـ لأبي علي حسين بن علي الرجراجي الشوشاوي، مكتبة الرشد ـ الرياض ، عام 1425هـ ـ 2004.
" روضة الناظر وجنة المناظر ـ لموفق الدين ابن قدامة المقدسي (ت620هـ)، تحقيق/ د. عبد الكريم النملة، دار العاصمة ـ الرياض، الطبعة السادسة، 1419هـ ـ 1998م.
" زاد المعاد في هدي خير العباد ـ لابن قيم الجوزية (ت751هـ)، تحقيق/ شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة ـ بيروت، الطبعة الثالثة عشر، عام 1406هـ ـ 1986م.(1/53)
" السراج الوهاج في شرح المنهاج ـ لأبي المكارم أحمد بن حسن الجاربردي (ت746هـ) تحقيق الدكتور/ أكرم أوزيقان، دار المعارج الدولية ـ الرياض، الطبعة الثانية، عام 1418هـ ـ 1998م.
" سلم الوصول لشرح نهاية السول ـ للشيخ محمد بخيت المطيعي (ت1354هـ)، انظر: نهاية السول.
" سنن الدارقطني ـ للحافظ علي بن عمر الدارقطني (ت385هـ)، عالم الكتب ـ بيروت.
" سنن الدارمي ـ للحافظ عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت255هـ)، تحقيق الدكتور مصطفى ديب البغا، دار القلم ـ دمشق، 1412هـ ـ 1991م، الطبعة الأولى.
" سنن أبي داود ـ للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت275هـ)، تعليق/ عزت عبيد دعاس، نشر/ محمد علي السيد ـ حمص، الطبعة الأولى، عام 1388هـ ـ 1969م.
" السنن الكبرى ـ للحافظ أبي بكر البيهقي (ت458هـ)، دار المعرفة ـ بيروت.
" سنن ابن ماجة ـ للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت275هـ)، تحقيق/ محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث ـ القاهرة.
" سنن النسائي ـ لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت303هـ)، مطبعة البابي الحلبي ـ مصر، الطبعة الأولى، عام 1383هـ ـ 1964م.
" شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ لابن العماد الحنبلي (ت1089هـ)، دار السيرة ـ بيروت، طبعة عام 1399هـ.
" شرح الإلمام بأحاديث الأحكام ـ لابن دقيق العيد (ت702هـ) تحقيق/ عبدالعزيز السعيد، دار أطلس للنشر والتوزيع ـ الرياض، 1418هـ ـ 1997م، الطبعة الأولى.
" شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول ـ لشهاب الدين القرافي (ت684هـ)، تحقيق/ طه عبد الرءوف سعد، دار الفكر ـ القاهرة، الطبعة الأولى، عام 1393هـ ـ 1973م.
" شرح الزركشي على مختصر الخرقي ـ لشمس الدين الزركشي (ت772هـ)، تحقيق الدكتور/ عبد الله الجبرين، طبع شركة العبيكان للطباعة والنشر ـ الرياض.
" شرح صحيح مسلم ـ للإمام النووي (ت676هـ)، دار الكتب العلمية ـ بيروت.(1/54)
" شرح العضد لمختصر المنتهى ـ للقاضي عضد الملة والدين الإيجي (ت756هـ) تصحيح الدكتور شعبان محمد إسماعيل، 1403هـ ـ 1983م.
" شرح الكوكب المنير ـ لابن النجار الفتوحي الحنبلي (ت972هـ)، تحقيق الدكتور/ محمد الزحيلي، والدكتور/ نزيه حماد، دار الفكر ـ دمشق، طبعة عام 1400هـ ـ 1980.
" شرح اللمع في أصول الفقه ـ لأبي إسحاق الشيرازي (ت476هـ)، تحقيق الدكتور/ علي العميريني، دار البخاري ـ القصيم، طبعة عام 1407هـ ـ 1987م.
" شرح المحلي على جمع الجوامع ـ للجلال شمس الدين المحلي (ت881هـ)، دار الكتب العلمية ـ بيروت (ومعه: حاشية العطار وتقريرات الشربيني).
" شرح مختصر الروضة ـ لنجم الدين الطوفي، تحقيق/ د. عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة ـ بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ ـ 1990م.
" صحيح البخاري ـ للإمام الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ)، عالم الكتب ـ بيروت، الطبعة الرابعة، عام 1405هـ ـ 1985م.
" صحيح مسلم ـ لمسلم بن الحجاج القشيري (ت261هـ)، انظر: شرح صحيح مسلم للنووي.
" الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ـ لشمس الدين السخاوي (ت902هـ)، مكتبة الحياة ـ بيروت.
" العدة في أصول الفقه ـ للقاضي أبي يعلى الحنبلي (ت458هـ)، تحقيق الدكتور/ أحمد المباركي، الطبعة الأولى، عام 1410هـ ـ 1990م.
" الغيث الهامع شرح جمع الجوامع ـ لأبي زرعة العراقي (ت826هـ)، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر ـ القاهرة، الطبعة الأولى، عام 1420هـ
" الفائق في أصول الفقه ـ لصفي الدين الهندي (ت715هـ)، تحقيق الدكتور/ علي العميريني، دار الاتحاد للطباعة ـ القاهرة، طبعة عام 1411هـ.
" فتح الباري بشرح صحيح البخاري ـ للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ)، دار الريان للتراث ـ القاهرة، الطبعة الثانية، عام 1409هـ ـ 1988م.(1/55)
" الفتح المبين في طبقات الأصوليين ـ لعبد الله مصطفى المراغي (ت1364هـ)، الناشر: محمد أمين دمج وشركاه ـ بيروت، الطبعة الثانية، عام 1394هـ ـ 1974م.
" الفروق ـ لشهاب الدين القرافي (ت684هـ)، عالم الكتب ـ بيروت.
" فواتح الرحموت ـ لعبد العلي بن نظام الدين الأنصاري، دار الكتب العلمية ـ بيروت، تصوير عن الطبعة الأولى بالمطبعة الأميرية ببولاق، سنة 1322هـ.
" الفوائد السنية شرح الألفية ـ لمحمد بن عبد الدايم البرماوي (ت831هـ)، تحقيق الدكتور/ حسين المرزوقي، رسالة دكتواره في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عام 1415هـ.
" القاموس المحيط ـ لمجد الدين الفيروزأبادي (ت817هـ)، دار الفكر ـ بيروت.
" قواطع الأدلة في أصول الفقه ـ لأبي المظفر السمعاني (ت489هـ)، تحقيق الدكتور/ عبد الله الحكمي، الطبعة الأولى، عام 1418هـ ـ 1998م.
" القواعد والفوائد الأصولية ـ لعلاء الدين ابن اللحام (ت803هـ)، تحقيق/ محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية ـ بيروت، الطبعة الأولى، عام 1403هـ ـ 1983م.
" الكاشف عن المحصول في علم الأصول ـ لأبي عبد الله العجلي الأصفهاني (ت653هـ)، تحقيق/ عادل عبد الموجود، وعلي معوض، دار الكتب العلمية ـ بيروت، الطبعة الأولى، عام 1419هـ ـ 1998م.
" لباب المحصول في علم الأصول ـ للحسين بن رشيق المالكي (ت632هـ)، تحقيق: محمد غزالي، دار البحوث ـ الإمارات، الطبعة الأولى، عام 1422هـ ـ 2001م.
" لسان العرب ـ لأبي الفضل محمد بن مكرم بن منظور (ت711هـ)، دار صادر ـ بيروت.
" المبسوط ـ لشمس الدين السرخسي (ت490هـ)، دار المعرفة ـ بيروت، طبعة عام 1409هـ ـ 1989م.
" المجموع شرح المهذب ـ لأبي زكريا النووي (ت676هـ)، دار الفكر ـ بيروت.
" مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728هـ) ـ جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مكتبة ابن تيمية ـ القاهرة.(1/56)
" المحصول في أصول الفقه ـ للقاضي أبي بكر بن العربي (ت 543هـ)،دار البيارق ـ عمان، الطبعة الأولى، عام 1420هـ ـ 1999م.
" المحصول في علم أصول الفقه ـ لفخر الدين الرازي (ت606هـ)، تحقيق الدكتور/ طه جابر العلواني، مؤسسة الرسالة ـ بيروت، الطبعة الثانية، عام 1412هـ ـ 1992م.
" المختصر في أصول الفقه ـ لعلاء الدين ابن اللحام الحنبلي (ت803هـ)، تحقيق الدكتور/ محمد مظهر بقا، دار الفكر ـ دمشق، طبع سنة 1400هـ ـ 1980م.
" المستدرك على الصحيحين ـ لأبي عبد الله الحاكم (ت405هـ)، تحقيق/ مصطفى عطا، دار الكتب العلمية ـ بيروت، الطبعة الأولى، عام 1411هـ ـ 1990م.
" المستصفى من علم الأصول ـ لأبي حامد الغزالي (ت505هـ)، دار الكتب العلمية ـ بيروت، الطبعة الثانية.
" مسلم الثبوت في أصول الفقه ـ لمحب الله ابن عبد الشكور، دار الكتب العلمية ـ بيروت، الطبعة الثانية (مطبوع مع فواتح الرحموت).
" مسند الإمام أحمد بن حنبل (ت241هـ)، مؤسسة الرسالة ـ بيروت، الطبعة الأولى، عام 1419هـ ـ 1999م (إشراف الدكتور/ عبد الله التركي).
" مسند أبي داود الطيالسي ـ لسليمان بن داود الطيالسي(ت204هـ)، دار المعرفة ـ بيروت.
" المسودة في أصول الفقه ـ تتابع على تصنيفها ثلاثة من أئمة آل تيمية، وهم: مجد الدين أبو البركات (ت652هـ)، وشهاب الدين عبد الحليم (ت682هـ)، وتقي الدين أحمد (ت728هـ)، وجمعها: أحمد بن محمد الحراني (ت745هـ)، تحقيق/ محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربي ـ بيروت.
" المصنف ـ للحافظ ابن أبي شيبة (ت235هـ)، تحقيق/ سعيد محمد اللحام، دار الفكر ـ بيروت، الطبعة الأولى، عام 1409هـ ـ 1989م.
" معالم السنن ـ لأبي سليمان الخطابي (مطبوع مع تهذيب السنن).
" المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر ـ لبدر الدين الزركشي (794هـ) تحقيق/ حمدي عبد المجيد السلفي، دار الأرقم ـ الكويت، 1404هـ ـ 1984م، الطبعة الأولى.(1/57)
" المعتمد في أصول الفقه ـ لأبي الحسين البصري (ت436هـ)، دار الكتب العلمية ـ بيروت، الطبعة الأولى، عام 1403هـ ـ 1983م.
" معجم مقاييس اللغة ـ لأبي الحسين بن فارس (ت395هـ)، تحقيق/ عبد السلام هارون، دار الفكر ـ بيروت، طبعة عام 1399هـ ـ 1979م.
" معجم المؤلفين ـ لعمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
" معرفة السنن والآثار ـ لأبي بكر البيهقي (ت458هـ)، تحقيق الدكتور/ عبد المعطي قلعجي، دار الوعي ـ القاهرة، الطبعة الأولى، عام 1412هـ ـ 1991م.
" المغني ـ لموفق الدين ابن قدامة (ت620هـ)، تحقيق الدكتور/ عبد الله التركي، والدكتور عبد الفتاح الحلو، دار هجر ـ القاهرة، الطبعة الأولى، عام 1406هـ ـ 1986م.
" مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ـ لمحمد الشربيني الخطيب، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، طبعة عام 1377هـ ـ 1958م
" مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول ـ لأبي عبد الله التلمساني .(ت771هـ)، تحقيق الدكتور/ محمد علي فركوس، مؤسسة الرسالة ـ بيروت، الطبعة الأولى، عام 1419هـ ـ 1998م.
" المنتخب من المحصول ـ لفخر الدين الرازي، تحقيق الدكتور/ عبد المعز حريز، رسالة دكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، رقم 216.1 ف.ر.م.
" الموافقات في أصول الشريعة ـ لأبي إسحاق الشاطبي (ت790هـ)، ضبط وتعليق/ مشهور آل سلمان، دار ابن عفان ـ الخبر، الطبعة الأولى، عام 1417هـ ـ 1997م.
" الموطأ ـ للإمام مالك (ت179هـ)، دار الريان للتراث ـ القاهرة، الطبعة الأولى، عام 1408هـ ـ 1988م.
" نشر البنود على مراقي السعود ـ لعبد الله بن إبراهيم الشنقيطي، دار الكتب العلمية ـ بيروت، الطبعة الأولى، عام 1409هـ ـ 1988م.
" نهاية السول في شرح منهاج الأصول ـ لجمال الدين الإسنوي (ت772هـ)، عالم الكتب ـ بيروت.(1/58)
" نهاية الوصول في دراية الأصول ـ لصفي الدين الهندي (ت715هـ)، تحقيق الدكتور/ صالح اليوسف، والدكتور/ سعد السويح، المكتبة التجارية ـ مكة المكرمة، الطبعة الأولى، عام 1416هـ ـ 1996م.
" نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخبار ـ لمحمد بن علي الشوكاني (ت1250هـ)، دار الحديث ـ القاهرة
" الواضح في أصول الفقه ـ لأبي الوقاء ابن عقيل (ت513هـ)، تحقيق الدكتور/ عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، عام 1420هـ ـ 1999م.
***(1/59)