البديل الفقهي
بين
الاصطلاح و التطبيق
رسالة مقدمة من
محمد خزعل محمود
إلى
مجلس كلية العلوم الإسلامية في جامعة بغداد كجزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في الفقه الإسلامي
بإشراف الدكتور
بشير مهدي الطيف الكبيسي
1427هـ بغداد 2006م(1/1)
الإهداء
إلى المعلم الأول معلم الناس الخير وهاديهم إلى الصراط المستقيم سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) ، وإلى جميع العلماء العاملين من الصحابة والتابعين وتابع التابعين إلى يوم الدين ، وإلى من قال تعالى في حقهما {وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا} ، وإلى شيخي وأستاذي علامة عصره الشيخ عبد الكريم بيارة (رحمه الله تعالى) أهدي هذه الرسالة ...
شكر وامتنان
أتوجه بالشكر والامتنان إلى الأستاذ المشرف على رسالتي هذه الدكتور بشير مهدي الطيف الكبيسي ، الذي بذل جهدا محمودا على الصعيد العلمي والمعنوي في إسنادي و تشجيعي المتواصلين أثناء مرحلة الكتابة ، وتفضله في قراءة رسالتي وتنقيحها وإملائه للكثير من الملاحظات والإضافات التي تتعلق بموضوع الرسالة ، وكذلك أتقدم بالشكر إلى الأستاذ الدكتور محمد محروس المدرس ، الذي لم تخل صفحة من صفحاتها إلا وقد نالت لمسة من لمساته العلمية البحثية النقدية البناءة ، وإلى كل من يسعى في إثبات ما هو جيد في شرع الله تعالى ...
المحتويات
الموضوع الصفحة
المقدمة 1
الفصل الأول
مفهوم البديل في الاستعمال واللغة والاصطلاح
المبحث الأول : البديل في الاستعمال
أولا- استعمال كلمة البديل في الكتاب 7
ثانيا- استعمال كلمة البديل في السنة 8
ثالثا- استعمال كلمة البديل في كتب التفسير والحديث والفقه 9
المبحث الثاني : المعنى اللغوي للبديل
أولا- المعنى اللغوي 12
ثانيا- المعاني المستفادة من المعنى اللغوي 12
المبحث الثالث : المعنى الاصطلاحي للبديل
المطلب الأول - البديل في الاصطلاح
أولا- البديل في النحو والصرف 15
ثانيا- البديل في المنطق 15
ثالثا- البديل في القانون والاقتصاد 16
رابعا- البديل في الفقه الإسلامي 16
المطلب الثاني - التعريف الموضوع من قبل الباحث
أولا- معنى البديل الفقهي باعتباره مركبا 20
ثانيا- معنى البديل الفقهي باعتباره مصطلحا 20
الفصل الثاني(1/1)
أدلة البديل الفقهي وشروطه وأقسامه وأسبابه ومظانه وقواعده
المبحث الأول : أدلة البديل الفقهي
تمهيد 25
المطلب الأول : أدلة البديل الفقهي في القرءان الكريم
أولا- الأدلة القرءانية للبديل في العبادات 26
في قصر الصلاة للمسافر 26
في الصوم 28
في الحج 29
ثانيا- الأدلة القرءانية للبديل في المعاملات 29
في الاستيثاق 29
في الشهادة على الدين 30
ثالثا- الأدلة القرءانية للبديل الفقهي في الأحوال الشخصية 31
في التعريض بالخطبة 31
في النكاح 32
في الخلع 33
رابعا- الأدلة القرءانية للبديل الفقهي في الحدود والجنايات 34
في القصاص 34
خامسا الأدلة القرءانية للبديل الفقهي في الكفارات 35
في كفارة اليمين 35
سادسا- الأدلة القرءانية للبديل الفقهي في الجانب السياسي 36
في الجزية 36
سابعا- الأدلة القرءانية للبديل الفقهي في آيات دفع الحرج 36
المطلب الثاني : أدلة البديل الفقهي في السنة المطهرة
أولا- أدلة السنة للبدائل في العبادات 38
في المسح على الخفين 38
في الإهاب المدبوغ 39
ثانيا- أدلة السنة للبدائل في المعاملات 40
بدائل في باب الربا 40
ثالثا- أدلة السنة للبدائل في الأحوال الشخصية 41
في الزواج 41
رابعا- تطبيقات السنة للبدائل في بعض خصوصيات النبي (صلى الله عليه وسلم)
في حرمة الصدقة على النبي (صلى الله عليه وسلم) 42
خامسا- أدلة السنة للبدائل في الجانب السياسي 43
في صلح الحديبية 43
سادسا- أدلة السنة للبدائل في الحدود والجنايات 43
في سقوط حد السرقة والقذف بالعفو 43
المبحث الثاني : شروط البديل الفقهي 46
المبحث الثالث : أقسام البديل الفقهي 51
المبحث الرابع : أسباب الأخذ بالبديل الفقهي 56
المبحث الخامس : مظان البديل الفقهي 58
المبحث السادس : قاعدة في ضوء البديل الفقهي 60
الفصل الثالث
البديل الفقهي والمصطلحات المقاربة
تمهيد 62
المبحث الأول : البديل الفقهي والحكم الشرعي
أولا- تعريف الحكم لغة واصطلاحا 63(1/2)
ثانيا- أقسام الحكم الشرعي 64
ثالثا- البديل الفقهي في ضوء الحكم الشرعي 65
المبحث الثاني : البديل الفقهي والعزيمة
أولا- العزيمة لغة واصطلاحا 67
ثانيا- خصائص العزيمة 67
ثالثا- الآثار المترتبة على العزيمة 67
رابعا- علاقة البديل بالعزيمة 68
خامسا- مواطن الاتفاق بين الحكم الأصلي والبديل الفقهي 68
سادسا- مواطن الافتراق بين الحكم الأصلي والبديل الفقهي 70
المبحث الثالث : البديل الفقهي والرخصة
أولا- تعريف الرخصة لغة واصطلاحا 71
ثانيا- خصائص الرخصة 71
ثالثا- مواطن الاتفاق بين الرخصة والبديل الفقهي 72
رابعا- مواطن الافتراق بين الرخصة والبديل الفقهي 73
خامسا- البديل الفقهي بين الجواز والترخيص 75
المبحث الرابع: البديل الفقهي و الضرورة
أولا- تعريف الضرورة لغة واصطلاحا 76
ثانيا- صفات الضرورة 76
ثالثا- الحكم المترتب على الضرورة 76
رابعا- مواطن الاتفاق بين البديل والضرورة 76
خامسا- مواطن الافتراق بين البديل والضرورة 76
المبحث الخامس: البديل الفقهي والنسخ
أولا- تعريف النسخ لغة واصطلاحا 78
ثانيا- الحكمة من النسخ 78
ثالثا- أنواع النسخ 79
رابعا- محل النسخ 80
خامسا- صفات النسخ 81
سادسا- مواطن الاتفاق بين النسخ والبديل 83
سابعا- مواطن الافتراق بين النسخ والبديل 83
المبحث السادس : البديل الفقهي والحيلة
أولا- تعريف الحيلة لغة واصطلاحا 84
ثانيا- أمثلة الحيلة 84
ثالثا- صفات الحيلة 85
رابعا- الحكم المترتب على الحيلة 86
خامسا- مواطن الاتفاق بين الحيلة والبديل 86
سادسا- مواطن الافتراق بين الحيلة والبديل 87
المبحث السابع : البديل الفقهي ومراعاة الخلاف
المطلب الأول- تعريف مراعاة الخلاف لغة واصطلاحا 89
المطلب الثاني - أنواع مراعاة الخلاف وأدلة حجيته ومن يقرر مراعاة الخلاف وشروطه
أولا- أنواع مراعاة الخلاف 91
ثانيا- أدلة حجية مراعاة الخلاف 91
ثالثا- من يقرر مراعاة الخلاف 92
رابعا- شروط مراعاة الخلاف 92(1/3)
المطلب الثالث - مكانة مراعاة الخلاف في أصول الفقه وتطبيقات الفقهاء لها
أولا- مكانة مراعاة الخلاف في أصول الفقه 94
ثانيا- تطبيقات الفقهاء لهذه القاعدة 94
المطلب الرابع-مواطن الاتفاق والافتراق بين البديل الفقهي وبين مراعاة الخلاف 96
الفصل الرابع
تطبيقات الفقهاء للبديل في الفقه الإسلامي
تمهيد 99
المبحث الأول : تطبيقات البديل الفقهي في العبادات
المطلب الأول - دفع القيمة في الزكاة
أولا- تعريف الزكاة لغة واصطلاحا 101
ثانيا- أدلة مشروعية الزكاة 101
ثالثا- المال الذي تجب فيه الزكاة 101
رابعا- دفع القيمة في الزكاة وجعلها بديلا عن إخراج العين 102
خامسا- التكييف الفقهي في جعل إخراج القيمة بديلا لإخراج العين 105
المطلب الثاني - غسل الرأس في الوضوء 106
المبحث الثاني :تطبيقات البديل الفقهي في المعاملات
المطلب الأول : بيع المعاطاة
الفرع الأول - تعريف البيع وبيان أركانه
أولا- تعريف البيع لغة واصطلاحا 108
ثانيا- أركان البيع 108
الفرع الثاني- بيع المعاطاة وجعله بديلا للصيغة
أولا- تعريف بيع المعاطاة 108
ثانيا- خلاف الفقهاء في بيع المعاطاة 109
ثالثا- التكييف الفقهي في جعل بيع المعاطاة بديلا للتصريح بالصيغة 109
المطلب الثاني - البيع بالكتابة والمراسلة 111
المطلب الثالث - تصحيح العقد الفاسد
أولا- تعريف الصحة والفساد لغة واصطلاحا 112
ثانيا- حكم الصحيح والباطل والفاسد 113
ثالثا- أمثلة العقود الفاسدة 113
رابعا- التكييف الفقهي في جعل تصحيح العقد الفاسد بديلا لفسخه 114
المطلب الرابع - إبدال الوقف
أولا- تعريف الوقف لغة واصطلاحا 115
ثانيا- أدلة الوقف 115
ثالثا- حكم الوقف 115
رابعا- بيع الوقف 116
خامسا- إبدال الوقف وجعله بديلا لبيعه 116
المبحث الثالث : تطبيقات الفقهاء للبدائل في الكفارات
أولا- معنى الكفارة لغة واصطلاحا 118
ثانيا- كفارة الوطء 118
ثالثا- جعل القيمة بديلا عن الكسوة أو الإطعام 118(1/4)
المبحث الرابع : تطبيقات الفقهاء للبدائل في الأحوال الشخصية
المطلب الأول - تطبيقات البديل في النكاح
أولا- تعريف النكاح لغة واصطلاحا 121
ثانيا- معنى الولاية لغة واصطلاحا 121
ثالثا- أقسام الولاية 121
رابعا- التكييف الفقهي في جعل مباشرة المرأة بديلا لمباشرة الولي 124
المطلب الثاني : تطبيقات البديل في الطلاق
أولا- تعريف الطلاق لغة واصطلاحا 125
ثانيا- أنواع الطلاق 125
ثالثا- حكم الطلاق 126
رابعا- معنى الطلاق الرجعي 126
خامسا- مشروعية الرجعة 126
سادسا- أحكام الطلاق الرجعي 127
سابعا- التكييف الفقهي للفعل في كونه بديلا للكلام في الطلاق الرجعي 127
المطلب الثالث - تطبيقات البديل في الميراث
أولا- تعريف الميراث لغة واصطلاحا 129
ثانيا- معنى التخارج 129
ثالثا- صور التخارج 129
رابعا- التكييف الفقهي في جعل التخارج بديلا للنصيب المقدر من التركة 129
الخاتمة 131
المصادر 133(1/5)
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي تنزه عن الشريك والبديل ، والصلاة والسلام على من أنزل عليه خير تنزيل سيدنا محمد(صلى الله عليه وسلم) ، وعلى آله وصحبه الذين شرفوا بالفقه والتأويل ،
أما بعد ، فإن من الأمور التي تميزت بها الشريعة الإسلامية ، أنها شريعة الأجيال إلى يوم القيامة ، فإنها تحتوي من النصوص ما تستوعب كل مستحدث في كل مجال من مجالات الحياة ، وأنها ليست شريعة مبهمة يصعب فيها تحصيل الحكم المراد ، فالنبي (صلى اله عليه وسلم) يقول : (( الحلال بين و الحرام بين و بينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ........ )) (1) ، فهناك نوعان من الأحكام :
الأول- حكم لا يعذر المكلف بجهله ، وهو ما علم من الدين بالضرورة .
الثاني- حكم لا يدرك إلا بعد تأمل واجتهاد .
__________
(1) - سنن الدارمي : لـ"عبد الله بن عبد الرحمن أبي محمد الدارمي" 2 / 319 (دار الكتاب العربي_ بيروت : 1407هـ) ط1 ، تحقيق : فواز أحمد زمرلي و خالد السبع العلمي .(1/1)
وبما أن الناس متفاوتون في الإدراك ، فقد وضع الفقهاء( رحمهم الله تعالى ) ضوابط وشروطا في من يتصدر للكلام في شرع الله تعالى ، وجعلوها حصنا يمنع دخول الخلل في فهم شرع الله تعالى ، أو أن تكون أحكاما مبنية على الهوى ، واجتهدوا أيضا في إيضاح النصوص الشرعية ، وأثبتوا أنها نصوص معقولة ، بعيدة عن الشكلية التي اتصفت بها كثير من الأديان والقوانين الوضعية ، وكذلك اجتهدوا في تنظير المصطلحات ، وأولوها العناية الفائقة ، لما يرون من أن لها الأهمية الكبيرة في التطبيق ، فـ[التطبيق الصحيح يعتمد على التنظير الصحيح] ، فهم قد ميزوا العلوم بعضها عن بعض ، فقد قسموا العلم الشرعي إلى فقه وعقيدة و أخلاق ، وأيضا فقد ميزوا بين أبواب العلم الواحد ، فنرى مثلا : أنهم قسموا الفقه إلى أبواب ، كـ(باب العبادات ، والمعاملات ، وأحكام الأسرة [الأحوال الشخصية] ، والحدود والجنايات ) ، ولم يقفوا عند هذا الحد ، فهم ميزوا بين المصطلحات المتشابهة في الظاهر ، وذكروا المواطن التي تتفق فيها والمواطن التي يفترق فيها بعضها عن الآخر ، وذكروا الأثر المترتب على هذا التمييز ، ودوره في احتواء ما يستجد من الوقائع ، وانتبهوا إلى أدق التفاصيل ، بل إننا نجد البعض من العلماء قد أمضى سنينا من أجل تحصيل الفرق بين مصطلحين قد يكونان مترادفين في الظاهر ، ومن الشواهد على ذلك ما ذكره الإمام القرافي (رحمه الله تعالى) في كتابه الفروق عندما تكلم عن الفرق بين الشهادة والرواية ما نصه : (( ابتدأت بهذا الفرق بين هاتين القاعدتين ؛ لأني أقمت أطلبه نحو ثماني سنين ، فلم أظفر به ، وأسأل الفضلاء عن الفرق بينهما ، وتحقيق ماهية كل واحدة منهما )) (1) ،
__________
(1) - الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق (مع الهوامش ) : 1/12 ، تأليف: أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1418هـ - 1998م، الطبعة: الأولى، تحقيق: خليل المنصور . ..(1/2)
وهذا تصريح منه على ضرورة الاهتمام بالمصطلحات الفقهية ، والاجتهاد في تحصيل الفروق بين المتشابهة منها ، وبيان الأثر المترتب على هذا التفريق ،
وكتابتنا في [البديل الفقهي] ينطلق من اهتمامين أحدهما الاهتمام بالمصطلح الفقهي ، وضرورة منع التداخل بين المصطلحات التي قد تكون مترادفة في الظاهر ، وإبراز خصوصية كل مصطلح ، وبيان الآثار المترتبة على هذا التمييز ،
والاهتمام الثاني هو أن حوادث الحياة في تجدد ، وثقافة الشعوب في تغير مستمر ، والمجتمع الإسلامي يعيش في خضم الصراعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ، والفرد المسلم لا يغنيه أن يعرف ما يحل له ، وما يحرم عليه فقط في ضوء هذه المتغيرات ، بل يحتاج إلى أن يواكب هذه المتغيرات في إطار مشروع ، فمن الصعب أن يكون في معزل عنها ، كيف ومقومات حياته تعتمد عليها ، وفي هذا يقول الله تبارك وتعالى : { يأيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ 13 } (1) ، والتعارف أعم من أن يكون تعارفا شخصيا ، بل هو عام في كل تعارف سواء كان تعارفا فكريا ، أو اقتصاديا ، أو سياسيا ، أو تكنلوجيا ...إلخ ، وشرع الله تعالى لم يكن حاجزا يعطل الإنسان عن حياته ، أو يوقف تقدمه ، بل هو يريد من الإنسان أن يتقدم بما يحافظ على إنسانيته ، ويجعله متميزا عن غيره من المخلوقات ،
__________
(1) - الحجرات : 13 .(1/3)
فالفرد المسلم إذن في حاجة إلى معرفة حكم الله تعالى في ما يستجد من الوقائع ، والجواز المطلق بدون ضوابط ، والتحريم المستمر بدون مبرر ، لهما مردود سلبي أكثر مما لهما من إيجابية ، وبما أن أغلب المستجدات آتية من المجتمع الغربي ، وبما أنه مجتمع غير مسلم لذا فإن هذه المستجدات لا يراعى فيها بيان الحلال والحرام ، ونحن لا نستطيع أن نرفض كل مستجد ؛ لصعوبة ذلك على أرض الواقع ، وكذلك من الصعب أن نستغني بما عندنا ، لذا فإن أقل ما يمكننا فعله أمام هذا الأمر هو تصحيح الأخطاء ، والقاعدة : [ ما لا يدرك كله لا يترك جله ] ، فلا نستطيع أن نلغي البنوك أو شركات التأمين .....إلخ ، لكن نستطيع أن نصححها بطرح الحلول البديلة التي تتصف بما يتصف به الحكم الأصلي من الشمولية والدوام ، ولا نجعل الحلول محصورة فقط في الرخص ، فإنها وإن كانت مشروعة إلا أنها تجعل المكلف في حالة حرج و قلق خشية الوقوع في الشبهة ، أو حتى في المحظور ،
والبديل الفقهي بعد دراستي له ، وبحثي عن تطبيقاته في الشريعة الإسلامية ، فإني قد توصلت بالبحث إلى أنه كفيل في احتواء الكثير مما يستجد من الوقائع ، دون حصر على عدد ، أو تقييد بمدة ، بالإضافة إلى أنه يمكن الرجوع إلى الحكم الأصلي [المبدل منه] ، فالبديل حكم متمم للأصل ، ويلبي حاجة المكلف المتجددة والمتغيرة من غير أن يقع في الحرج ،(1/4)
و[البديل الفقهي] بعد البحث عنه في أكثر المصادر الفقهية للقدامى والمحدثين ، فإني لم أقف له في الفقه الإسلامي على باب يختص به ، أو كتاب قد أعطاه الخصوصية في التأليف ، فلم أقف له في الفقه الإسلامي على مصطلح خاص به له حده ورسمه (1) ، وشروطه ، وأسبابه التي يوجد من أجلها ، بل وجد في الفقه الإسلامي مطبقا ، فتارة يعبر عن هذه التطبيقات بلفظ [البدل] ، أو إحدى مشتقاته ، كالبديل أو الإبدال أو ألاستبدال ...إلخ ، وتارة يعبر عنها بمصطلحات أخرى ، كالرخصة ، والحيلة ، ...إلخ ، فلو كان لهذه الكلمة خصوصية اصطلاحية لما حصل هذا الخلط ، وهذا لا يعني أنه لم يرتسم في نفوس فقهائنا الأوائل (رحمهم الله تعالى) ، أو أنهم لم يطبقوه في ما يستجد من الوقائع حينذاك ، بل إن منهجهم المنطقي في الفتوى ، وتسلسلهم في مراحل التشريع هو ما ألهمنا لطرح مثل هذا الموضوع ، فنحن في رسالتنا هذه عندما كتبنا في هذا الموضوع ما هو إلا جمع لهذه التطبيقات المتشابهة ، ودرجها تحت هذا المصطلح ، لتكون منطلقا لتطبيق مفهومه على ما يصدق عليه من الوقائع الحديثة ، وكما ذكرنا آنفا أن التطبيق الصحيح يعتمد على التنظير الصحيح ،
وهذه جملة من الأسباب والدوافع التي حملتني على الكتابة في هذا الموضوع ، أجملها في ما يأتي :
1. تجنب التضييق ، والتضييق يتحقق بأمرين :
__________
(1) - الحد هو : تعريف الشيء بالذاتيات ، مثل : الإنسان هو الحيوان الناطق ، والرسم هو : تعريف الشيء بالعرضيات ، مثل : الإنسان هو الحيوان الضاحك .(1/5)
الأول_ التحريم المستمر لكل ما يستجد من الأمور ، هذا التحريم المبني على عدم الوقوف على علة التحريم ، ومحاولة النظر في إمكانية إزالتها بإيجاد بدائل فقهية ، وهذا ما دعا إليه النبي (صلى الله عليه وسلم) بقوله : (( ثم الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل ، سواء بسواء ، فإذا اختلفت هذه الأصناف ، فبيعوا كيف شئتم ، إذا كان يدا بيد )) (1) ، فقوله (صلى الله عليه وسلم) : (( فإذا اختلفت هذه الأصناف ، فبيعوا كيف شئتم )) ، دعوة إلى النظر في إمكانية إيجاد بديل للتعامل يخرجنا من الحرمة إلى الحل ، فإذا كان بيع الذهب بالذهب متفاضلا يحقق الربا ، فبيع الذهب بالفضة متفاضلا لا يحقق ذلك ، إذا كان يدا بيد ، واختلاف الأصناف يتحقق عن طريق إيجاد طرق الاختلاف ، وهنا يأتي دور البديل .
__________
(1) - صحيح مسلم : لـ"مسلم بن الحجاج أبي الحسين القشيري النيسابوري" 3/1211 (دار إحياء التراث العربي _ بيروت : ) تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي.(1/6)
الثاني_ والأمر الثاني الذي يحقق التضييق ، هو التمسك بالأصل ، دون النظر إلى بدائله ، والتفريط في وضع الحلول ، ومن الواضح أن الحكم الأصلي لا يكون ملائما للمكلف على الدوام ، فهناك الكثير من المباحات والأمور المشروعة التي لا تحقق حاجة بعض المكلفين ؛ بسبب بعض الظروف الخاصة التي يخضع لها المكلف ، والتي لا تتلاءم مع التمسك والعمل بهذه الأمور المشروعة ، فعندما يلجأ المكلف إلى التحري عن طريق يتلاءم وظرفه ، ويسأل عن حكمه الشرعي ، فإن الجواب الذي يجده أمامه هو إرشاده إلى الحكم الأصلي الذي لا يتلاءم وحالته ، دون النظر إلى إمكانية إيجاد بديل للحكم الأصلي يتلاءم مع ظرفه ، مما يؤدي إلى ضياع الحقوق ، وتجعل المكلف في حالة حرج ، فهو بين أمرين ، أحدهما التمسك بالحكم الأصلي ، والآخر الوقوع في الحرام ، و ترتب المأثم ، والله تعالى يقول : { وما أبرئ نفسي ، إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي } (1) ، فالنفس الإنسانية قد جبلت على الوقوع في الخطأ ، وقليل من الناس من يفضل حق الله تعالى ، ويقدمه على حق نفسه ، إذا لم يجد هناك مندوحة ، أو مخرجا شرعيا ، أما إذا أمكن أن يوجد له بديل يتسم بالشرعية ، دون أن يحلل حراما ، أو يحرم حلالا ، فالواجب أن يجتهد في إيجاده بالبحث والنظر ، و إلا فالمسؤولية تقع على من يفرط في إيجادها ممن هم مشتغلون بالفقه والفتوى .
2. تجنب التميّع ، وأقصد به الانحلال الناشئ من التساهل غير المبرر في إعطاء الرخص ، والإفراط في إعطاء الحلول ، دون ميزان شرعي ، فكما أن ضياع الحقوق ينشأ بسبب التضييق ، فكذلك الإثبات المفرط للحقوق الناشئ من التمسك بالرخص ، لضرورة ، أو لغير ضرورة ، يؤدي إلى مساوئ وسلبيات كثيرة ، منها :
__________
(1) - يوسف : 53 .(1/7)
? الوقوع في الشبهة ، فالمكلف عندما يباشر فعل المحرم لضرورة ، فهذا رخصة من الله تعالى في ذلك ، إلا أن هذا الترخيص لا يرفع الحرمة الأصلية ، فالفعل محرم في ذاته ، فمباشرته له جائزة بقدر احتياجه ، إلا أنه لا يعني ، انه ارتفعت حرمته ، بل إن حرمته باقية ، فتكرار هذا الفعل أو ما يشابهه ، لأي مبرر ضروري ، أو غير ضروري ، إن لم يحكم عليه بالحرمة ، فأدنى وصف يستحقه هو الشبهة ، والنبي ( صلى الله عليه وسلم) يقول : ((الحلال بين ، والحرام بين و بينهما أمور مشتبهة ، فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك ، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان ، والمعاصي حمى الله ، من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه)) (1) .
? طمس الشخصية الإسلامية ، والشخصية الإسلامية تتجسد في الامتثال للخطاب ، بما يتضمنه من أوامر ، أو نواهي ، التي فرضها الله تعالى على عباده بشروطها ، و أركانها ، وهذا هو الأصل ، وأما الظروف الطارئة التي تكون سببا للرخص ، فهذه حالة خاصة ، ومؤقتة ، فلا يجوز أن تجعل الأصل في التشريع ، وأن يفسح المجال لاعتناقها لضرورة ، أو لغير ضرورة ، فهذا يؤدي إلى التهاون بالأحكام الشرعية ، وتقليل شأنها ، ويكون ذريعة للجاهلين ، وضعاف النفوس لاستحلال الكثير من المحرمات ، فيضيع بذلك حق الله تعالى ، وحق عباده ، فالأخذ بالبديل الفقهي تتكامل به المنهجية الشرعية التي تحفظ حقوق العباد بإعطاء كل ذي حق حقه ، دون إفراط أو تفريط ، مع الحفاظ على حق الله تعالى .
__________
(1) - صحيح البخاري : لـ"أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري"_ 2 / 723 ( المكتبة العصرية – صيدا ، بيروت : سنة النشر 1422 هـ- 2001 م ) .(1/8)
3. ترك المصطلحات التي تثير جدلا ، وذلك مثل مصطلح [الحيلة] ، فالبديل والحيلة بينهما تداخل قوي في الظاهر يكاد أن يجعلهما مترادفين ، فالحيلة كلمة ليست محل اتفاق بين الفقهاء ، فمنهم من استعملها ، ومنهم من لم يرتضها ، وشدد النكير عليها ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ، أما كلمة البديل ، فلم أقف على معترض من الفقهاء – من القدامى والمحدثين - في استعمالها ، وجعلها وصفا للحكم ، بل إنها قد استعملت في الكتاب والسنة بكثرة ، وقد وجدتها مستعملة أيضا ، كمصطلح له خصوصيته في غير العلوم الشرعية ، كالقانون ، والاقتصاد ، والفلسفة ، وحتى في استعمال البسطاء من الناس ، فهي مستعملة في العرف العام والخاص ، فاستعمال كلمة هي محل اتفاق خير من استعمال كلمة مختلف فيها . هذا
والخطة التي اتبعتها في بحثي هذا هي كما يأتي :
المقدمة ، وقد تناولت فيها بيان أهمية هذا المصطلح ، و الأسباب والدوافع للكتابة في الموضوع .
الفصل الأول ، وقد تناولت فيه البحث عن مفهوم البديل في الاستعمال واللغة والاصطلاح .
الفصل الثاني : وقد تناولت فيه البحث عن أدلة[البديل الفقهي] و شروطه وأقسامه وأسبابه و مظانه وقواعده .
الفصل الثالث : وقد تناولت فيه البحث عن المقارنة بين البديل الفقهي والمصطلحات المقاربة .
الفصل الرابع : وقد تناولت فيه البحث عن تطبيقات [البديل الفقهي] في الفقه الإسلامي .
الخاتمة : وقد ذكر فيها أهم النتائج التي توصل إليها الباحث .(1/9)
الفصل الأول
مفهوم البديل في الاستعمال و اللغة والاصطلاح
مما قرره علماء الميزان (1) أن : [ التصور مقدم على التصديق ] ، ومما عرف في المنهجية الإسلامية البحثية أن : [ تحديد مفاهيم المصطلحات مقدّم على تفصيلاتها ] (2) ، ومن المنطلق المتقدم ، نرى لزاما علينا أن نقوم أولا بتحديد مفهوم اللفظ الرئيس الوارد في عنوان البحث ، وذلك من خلال بحثها من حيث ورود استعمالها في الكتاب والسنة ، وقد تتبعنا ورود الكلمة واشتقاقاتها ، في نصوص : القرآن الكريم ، والسنة الشريفة ، والكتب الفقهية ، وبيان الدلالة الأصلية (الدلالة اللغوية) ، كما سنستعرض بعضا من العلوم التي اتخذت هذه الكلمة ، كمصطلح ، ومجال استعمالها في كل ما ذكر ، ومن ثم نبحث في إيجاد التعريف الاصطلاحي الذي يتلاءم مع مجموع التطبيقات التي جمعت مستفيدين من المباحث السابقة ؛ لذا فإننا سنقسم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : البديل في الاستعمال .
المبحث الثاني : الدلالة الأصلية للبديل (المعنى اللغوي) .
المبحث الثالث : البديل في الاصطلاح .
المبحث الأول
البديل في الاستعمال
وأعني بذلك ورود كلمة البديل ، وأخواتها في الاشتقاق مستعملة في الكتاب والسنة والفقه وأصوله ، سواء كان هذا الاستعمال لغويا أو عرفيا ،
وقد استعملت كلمة [البديل] وأخواتها في الاشتقاق استعمالا كثيرا في القرآن الكريم ، والسنة ، وعند المفسرين ، والمحدثين ، والفقهاء ، والآتي بيان لهذا الاستعمال :
أولا_ استعمال كلمة[ البديل ] في الكتاب ( القرآن الكريم ) ،
__________
(1) - أقصد بعلماء الميزان ، أي : علماء المنطق .
(2) - نثار العقول في الأصول : لـ" د. محمد محروس المدرس " – 9 . ( محاضرات في أصول الفقه الإسلامي مع التطبيقات القانونية والواقعية لقواعد هذا العلم ) .(1/1)
لم ترد كلمة [البديل] بهذه الصيغة في القرآن الكريم ، وإنما وردت بصيغ أخرى كـ[بدّل] ، و[بدلا] ، و[مبدّل] ، و[استبدال] ، وأدناه نماذج لهذا الاستعمال :
1. بدّل : وهي صيغة للفعل الماضي الثلاثي المزيد فيه حرف واحد، وهو تضعيف عين الكلمة ، أي : تضعيف الدال ، وقد استعملها القرآن الكريم بمعنى [ التغيير ] ، برفع شيء ، ووضع الآخر محله ، وأدناه نماذج من الاستعمال القرآني لهذا اللفظ بهذا المعنى ، كما في المواضع الآتية :
? قوله تعالى : { َفبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ 59 } (1) ، وهي بمعنى [التغيير] ... أي : إنهم رفعوا كلمة شرّعت لهم للدعاء ، ووضعوا أخرى مكانها (2) .
__________
(1) - البقرة : 59 ، وفي الأعراف : 162 { فبدّل الذين ظلموا .... بما كانوا يظلمون } .
(2) - أحكام القرآن : لأبي بكر احمد بن علي الرازي الجصاص [ ت سنة 370 ه ] – 1/33 ( طبعة مصورة بالأوفسيت عن ط1 المطبوعة في مطبعة الأوقاف الإسلامية – استانبول ، والنسخة المصورة أصدرتها دار الكتاب العربي – بيروت ، لبنان ) وقد أخذنا بهذا المعنى بناء على كون [ التغيير ] هو : تبديل الشيء بغيره ، راجع القاموس الوسيط/ لمجموعة من الباحثين – إصدار مجمع اللغة العربية في القاهرة – 2/668 ط2 مطبعة دار المعارف – مصر 1973م .(1/2)
? قوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ 180 فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 181 } (1) ، وهي بمعنى [التغيير] أيضا ... أي : رفع كل الوصية وأتى بغيرها ، أو غيّر بعض مضامينها (2) .
? قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ 28 } (3) ، وهي بمعنى [التغيير] أيضا ... أي : وضعوا [بدل] شكر الله تعالى عليها ، كفرهم بشرعه الذي جاءت به رسلهم (4) .
2. بدلا : وهو مصدر للفعل الثلاثي المجرد [بدل] ، وقد استعملها القرآن الكريم بمعنى : [التغيير] ، برفع شيء ، ووضع الآخر محله ، وأدناه الاستعمال القرآني لهذا اللفظ بهذا المعنى ، وهو لم يرد إلا في الموضع الآتي :
__________
(1) - البقرة : 180 و 181 .
(2) - أحكام القرآن للجصاص [ المرجع السابق ] : 1/ 169 .
(3) - إبراهيم : 28 .
(4) - المصحف الميسر : للشيخ عبد الجليل عيسى [ معاصر ] – 334 ، ( دار الشروق ط5 – بلا موضع – 1391 هج ) .(1/3)
? قوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا 50 } (1) ، وهي بمعنى [التغيير] ... أي : غيّروا ولايتهم لله بتولي الشيطان (2) .
3. مُبدّل : وهي صيغة لاسم الفاعل من الفعل الثلاثي المزيد ، وقد استعملها القرآن الكريم بمعنى : [التغيير] ، برفع شيء ووضع آخر محله ، وأدناه نموذج (3) من الاستعمال القرآني لهذا اللفظ بهذا المعنى ، كما في الموضع الآتي :
? قوله تعالى : { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ 34 } (4) ، وهي بمعنى [التغيير] ... أي : لا تغيير لكلمات الله التي بلغ بها أنبياءه السابقين لسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم ) ، فيما يتعلق بوعيده جلّ وعلا فقط ، مع تغيير الوعد منه جلّ وعلا (5) .
4. استبدال : وهي مصدر للفعل الثلاثي المزيد [استبدل] ، وقد استعملها القرآن الكريم بمعنى : [التغيير] ، برفع شيء ، وإقامة شيء آخر محله ، وأدناه الاستعمال القرآني لهذا اللفظ بهذا المعنى ، وهو لم يرد إلا في الموضع الآتي :
__________
(1) - الكهف : 50 .
(2) - راجع : تفسير روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني : لأبي الثناء محمود شهاب الدين الآلوسي / 15، 295 [ نسخة مصورة بالأوفسيت لدار إحياء التراث العربي – بيروت ، عن : إدارة الطباعة المنيرية – مصر / بدون تاريخ ] .
(3) - تكرر استعمال ذات اللفظ ، وبذات المعنى في : الأنعام /115 ، والكهف /27 .
(4) - الأنعام : 34 .
(5) - تفسير الآلوسي [ المرجع السابق] : 7/137 .(1/4)
? قوله تعالى : { وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً 20 } (1) ، وهي بمعنى [التغيير] ... أي : إن أردتم تغييرها بإقامة امرأة ترغبون فيها مقام الأولى (2) .
ومما تقدم معنا في بيان الاستعمال القرآني للمشتقات الأخرى لكلمة البديل ، فقد تبين أن القرآن الكريم لم يخرج معنى الكلمة عن التغيير في كل ما ورد من آيات ، وهي بهذا المعنى تساير المعنى اللغوي ، فالقرآن الكريم لم يخرجها عن معناها اللغوي .
ثانيا_ استعمال كلمة[ البديل ] في السنة :
لم ترد في أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم ) (3) ، استعمال كلمة [البديل] (4) ، وإنما استعملت المشتقات الأخرى ، مثل : [أبدل] ، و[استبدل] ، و[بَدَلٌ] ، و[ابتدال] ، وأدناه نماذج لهذا الاستعمال :
1. أبدل : وهي صيغة للفعل الثلاثي المزيد فيه حرفٌ واحد في أوله ، وهو همزة القطع المفتوحة ، ومن أمثلتها :
(( عن عائشة (رضي الله عنها) قالت : كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا ذكر خديجة أثنى ، فأحسن الثناء ، قالت : فغرت يوما ، فقلت : ما أكثر ما تذكر حمراء الشدقين ، قد [أبدلك] الله عز وجل بها خيرا منها ، قال : ما [أبدلني] الله عز وجل خيرا منها ، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس ، وصدقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد الناس )) (5) ،
__________
(1) - النساء : 20 .
(2) - تفسير الآلوسي : 4/ 243 .
(3) - نعم قد وردت كلمة [بديل]بهذه الصيغة كعلم لشخص ، وهو : بديل بن ورقاء الخزاعي [صحيح البخاري : 2/974]
(4) - أي : لم تأت بهذه الصيغة كوصف للتصرفات .
(5) - مسند أحمد بن حنبل : 6/118 ، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : لـ"نور الدين الهيثمي" 9/224 (دار الكتب العلمية ، بيروت : 1408هـ - 1988م ) .(1/5)
فهنا جاءت [أبدل] ، من قوله (صلى الله عليه وسلم) : (ما [أبدلني] الله عز وجل خيرا منها) ، بمعنى : الخَلف _ بتحريك اللام_ ، أي : ما أخلفني الله عز وجل خيرا منها .
2. بَدَّلَ : وهي صيغة للفعل الثلاثي المزيد فيه حرف واحد ، وهو تضعيف "عين الفعل" ، ومن أمثلتها :
? (( حدثنا يحيى بن بُكَير : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم ، قال : سمعت سهل بن سعد يقول : سمعت النبي(صلى الله عليه وسلم) يقول : { أنا فرطكم على الحوض ، من ورده شرب منه ، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً ليردن عليّ أقوام أعرفهم يعرفونني ، ثم يُحال بيني وبينهم ، قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عيّاش وأنا أحدثهم هذا ، فقال : هكذا سمعت سهلا ؟ فقلت : نعم ، قال : وأنا اشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه قال : { إنهم مني ، فيقال : انك لا تدري ما [بدّلوا] بعدك ، فأقول : سحقا سحقا لمن [بدّل] بعدي } )) (1) ، فـ[بدّل] هنا بمعنى : غيّر ، أي : لمن غير بعدي .
__________
(1) - صحيح البخاري – المرجع السابق - : 4 ، 2209 و2210 ، كتاب الفتن 1 .(1/6)
? (( حدّثنا : الحسن بن محمد الزعفراني ، حدّثنا شبّابة ، حدّثنا وَرْقاء بن عمر عن عمرو بن دينار عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال :{ يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده ، وأوداجه تشخب دما ، يقول : يا رب هذا قتلني حتى يدنيه من العرش ، قال : فذكروا لابن عباس التوبة ، فتلا هذه الآية : " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم" (1) ، قال : وما نسخت هذه الآية ، ولا [بُدّلت] ، وأنى له التوبة ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب ، وقد روى بعضهم هذا الحديث عن عمرو بن دينار عن ابن عباس : نحوه ، ولم يرفعه )) (2) ، فقوله : " ولا [بدلت] ، أي : ولا غيرت ، فجاءت كلمة [بدل] ، بمعنى : التغيير .
? (( عن ابن عمر ، قال : كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم ، فنأخذ [بدل] الدراهم الدنانير ، ونبيعها بالدنانير ، فنأخذ [بدلها] الدراهم ، فسألنا النبي (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك ، فقال : لا باس إذا تفرقتما وليس بينكما شيء )) (3) ، فقوله : " فنأخذ [بدلها] الدراهم " ، أي : عوضا عنها ، فجاءت كلمة [البدل] هنا ، بمعنى : العوض .
ثالثا_ استعمال كلمة [ البديل ] في كتب التفسير ، و الحديث ، والفقه :
__________
(1) - النساء : 93 .
(2) - سنن الترمذي : لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة – 804 و 805 ، ( دار إحياء التراث العربي – بيروت ، لبنان ط1 /سنة النشر : 1421 هج- 2000 م )
(3) - المغني : لـ"عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبي محمد "4/91 (دار الفكر ، بيروت : 1405هـ)ط1، الموسوعة الفقهية : 1/142 . (إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت ، طباعة دار السلاسل ط2 سنة النشر : 1404 هج – 1983 م ) .(1/7)
استعملت كلمة [البديل] ، و تصاريفه كثيرا في كتب التفسير ، والحديث ، والفقه ، فقد جاءت بهذه الصيغة ، وبصيغ أخرى ، كـ[البدل] ، فان : [البديل] و[البدل] قد وردا بمعنى واحد ، وهو الخلف ، كما سيأتي بيانه في ذكر المعنى اللغوي لـ[البديل] ، وأدناه نماذج لهذا الاستعمال :
1. في كتب التفسير :
? (( وقيل: أوجبت الدية [بدلا] من تعطيل حق الله تعالى قي نفس القتيل )) (1) .
? ((وأجمع الجميع على أن الطواف بالبيت لا تجزي منه فدية ولا [بدل] ولا يجزي تاركه إلا العود لقضائه)) (2) .
? ((يقول تعالى : { وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ 283 } (3) ، أي : مسافرين وتداينتم إلى أجل مسمى ولم تجدوا كاتبا يكتب لكم قال ابن عباس أو وجدوه ولم يجدوا قرطاسا أو دواة أو قلما فرهان مقبوضة ، أي : فليكن [بدل] الكتابة رهان مقبوضة ، أي : في يد صاحب الحق)) (4) .
__________
(1) - تفسير القرطبي : لـ" محمد بن احمد بن أبي بكر بن فرح القرطبي أبو عبد الله " 5/ 315 (دار الشعب ، القاهرة : 1372هـ)ط 2 ، تحقيق : أحمد عبد العليم البردوني .
(2) - تفسير الطبري المسمى بـ[جامع البيان عن تأويل آي القرآن]: لـ"محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري أبي جعفر " 2 / 50 (دار الفكر ، بيروت : 1405هـ) .
(3) - البقرة : 283 .
(4) - تفسير ابن كثير: لإسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبي الفداء . 1/338 .(دار الفكر ، بيروت : 1401هج) ، أحكام القرآن للشافعي : أحكام القرآن للشافعي : لـ" محمد بن إدريس الشافعي أبي عبد الله" 1/91 ( دار الكتب العلمية ، بيروت : 1400هـ) اسم المحقق : عبد الغني عبد الخالق .(1/8)
? (( الوجه السابع : أن التيمم جعل [بدلا] عن الوضوء عند الحاجة )) (1) .
2. في كتب الحديث والسير :
? ((باب النهي عن صوم يوم السبت تطوعا إذا أفرد بالصوم بذكر خبر مفسر بلفظ عام مراده خاص واحسب أن النهي عن صيامه إذ اليهود تعظمه وقد اتخذته عيدا[بدل] الجمعة)) (2) .
? (( كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :{ يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ،
فليتزوج ، ومن لم يستطع ، فعليه بالصوم ، فانه له وجاء} ، فدل المحب على علاجين أصليّ و[بدليّ] )) (3) .
3. في كتب الفقه :
__________
(1) - دقائق التفسير الجامع لتفسير ابن تيمية : لـ"أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبي العباس". 2/26 ( مؤسسة علوم القرآن ، دمشق : 1404هـ)ط2 ،عدد الأجزاء : 6 ،تحقيق : د. محمد السيد الجليند .
(2) - صحيح ابن خزيمة : لـ"محمد بن إسحاق بن خزيمة أبي بكر السلمي النيسابوري" 3/316 (المكتب الإسلامي ، بيروت : 1390هـ- 1970م) تحقيق : د. محمد مصطفى الأعظمي .
(3) - زاد المعاد في هدي خير العباد : لمحمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبي عبد الله – 4/ 272 . ( تحقيق : شعيب الارناؤوط و عبد القادر الارناؤوط .(1/9)
? ((وليس فيما دون خمس ذود صدقة فتجب فيها شاة إجماعا لقوله عليه السلام إذا بلغت خمسا ففيها شاة رواه البخاري وقال أبو بكر يجزئه دراهم لأنها [بدل] شاة الجبران وجعله في الشرحين إذا عدم الشاة وذكر بعضهم لا يجزئه مع وجود الشاة في ملكه و إلا فوجهان وتعتبر الشاة بصفة الإبل ففي كرام سمينة كريمة سمينة والعكس بالعكس وان كانت[بديلا] معيبة فقيل الشاة كشاة الصحاح لأن الواجب الجنس كشاة الفدية والأضحية وقيل بل صحتها بقدر المال ينقص قيمتها بقدر الإبل كشاة الغنم وقيل شاة تجزيء في الأضحية نظر إلى القيمة)) (1) .
? ((ولا يسقط الإخوة الجد بل يقاسمهم بخلاف الأب وإن اختلفوا في كيفية المقاسمة ............... قوله تعالى في الأب : { وهو يرثها إن لم يكن لها ولد} سورة النساء الآية ، وهذا عام لا يخرج منه إلا ما خصه دليل ، ولولا الإجماع لما سقط مع الأب لهذه الآية ، وأن الإخوة كالبنين[بديل] تعصيبهم أخواتهم ، فوجب أن لا يسقط مع الجد)) (2) .
? (( في الجمعة ، والظهر يوم الجمعة ثلاثة أقوال أحدها : كل واحدة أصل بنفسه ، والثاني : الظهر أصل والجمعة [بدل]، وهو القول بأنها ظهر مقصورة ، والثالث وهو أصحها : أن الجمعة أصل والظهر [بدل] )) (3) .
خاتمة
ومما تقدم في بيان الاستعمال القرآني والحديثي والفقهي لكلمة [البديل] ، والصيغ الأخرى ، نستخلص جملة من المعاني ، وهي :
__________
(1) - المبدع: لـ" إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي أبي إسحاق "2 / 312.(المكتب الإسلامي _ بيروت : 1400هج ) .
(2) - نيل الأوطار : لـ"محمد بن علي بن محمد الشوكاني "6 / 178 (دار الجيل ، بيروت :1973م) .
(3) - المجموع شرح المهذب : لـ" محي الدين بن شرف النووي" 4/451 ( دار الفكر ، بيروت : 1417هـ - 1996م)ط1 ، تحقيق : محمود مطرحي .(1/10)
1. إن القرآن الكريم لم يستعمل كلمة البديل بهذه الصيغة ، وإنما استعمل الصيغ الأخرى ، والقرآن الكريم لم يخرج هذه الكلمة عن معناها اللغوي .
2. إن [البديل] ، استعمل بمعان لغوية عدة ، فاستعمل بمعنى [التغيير] ، كما في قوله تعالى : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ 59 } (1) ، واستعملت بمعنى [الخلَف] ، كما في حديث السيدة عائشة (رضي الله عنها) : (ما أبدلني الله عز وجل خيرا منها) ، بمعنى : الخَلف – بتحريك اللام- ، أي : ما أخلفني الله خيرا منها ، واستعملت بمعنى [العوض] ، كما جاء في حديث ابن عمر(رضي الله عنهما) : (( عن ابن عمر ، قال : كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم ، فنأخذ [بدل] الدراهم الدنانير ، ونبيعها بالدنانير ، فنأخذ [بدلها] الدراهم ، فسألنا النبي (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك ، فقال : لا باس إذا تفرقتما وليس بينكما شيء )) (2) ، فقوله : " فنأخذ [بدلها] الدراهم " ، أي : عوضا عنها ، فجاءت كلمة [البدل] هنا ، بمعنى : العوض .
__________
(1) - البقرة : 59 ، وفي الأعراف : 162 { فبدّل الذين ظلموا .... بما كانوا يظلمون } .
(2) - المغني : 4/91 ، الموسوعة الفقهية : 1/142 .(1/11)
3. إن استعمال [البديل] ، في ما تقدم لم يشر إلى مدلول مقصود، أي : استعمال يدل على أنه مصطلح له حد وخصوصية تميزه عن باقي المصطلحات ، وإنما هو استعمال في بعض المواضع يتفق مع ما سنبحثه ، وفي البعض الآخر لا يتفق ، فلو كان مقصودا لما حصل هذا الخلط في الاستعمال ، فمثلا في بعض المواضع نجد أن استعمالهم لهذه الكلمة ، أو إحدى مشتقاتها يتفق مع مفهوم [البديل] ، فمن هذه المواضع التي يتفق فيها مع المفهوم الاصطلاحي : ما جاء في تفسير الفخر الرازي والقرطبي (( وقيل: أوجبت الدية [بدلا] من تعطيل حق الله تعالى قي نفس القتيل )) (1) ، فهنا وَصْفُ الدية على كونها [بديلا] يتفق مع مفهوم [البديل] من حيث اتصاف الدية بالشمول والدوام وهما الوصفان اللذان يتصف بهما القصاص ، ومن المواضع التي لا تتفق ، وَصْف التيمم على كونه [بديلا] للوضوء ، والتيمم في الحقيقة هو رخصة وليس [بديلا] ، كما سيأتي بحثه في موضعه إن شاء الله تعالى .
4. إن استعمال كلمة [البديل] ، أو الصيغ الأخرى ، غير ممنوع ، لذا نرى أن الكثير من العلماء ، قد استعملوها كوصف للأفعال التي رأوا أنها [بدائل] ، فمثلا : ابن تيمية قد أطلق على التيمم وصف[البدلية] ، حيث اعتبر التيمم [بديلا] للوضوء ، وبناء على هذا فإن استخدام كلمة[البديل] كمصطلح لا غبار عليه إلا أنه في حاجة إلى تأصيل وفرز ، بحيث يكون مصطلحا مستقلا له حده ، يجمع تحته ما ينطبق عليه ، ويمنع دخول ما ليس منه .
المبحث الثاني
المعنى اللغوي لـ[البديل] ( الدلالة الأصلية )
أولا- المعنى اللغوي للبديل :
البديل : البدلُ ، وبدل الشيء غيره ،
وإن بَدَلَك زيدُ ، أي : إن بديلك زيد ،
ويقول الرجل للرجل : اذهب معك بفلان ، فيقول : معي رجل بَدَلَه ، أي : رجل يغني غنائه ، ويكون في مكانه ،
وبِدْلُ الشيء ، وبَدَله ، وبديله .. الخَلَفُ منه ،
والأصل في التبديل : تغيير الشيء عن حاله ،
__________
(1) - تفسير القرطبي : 5/ 315 .(1/12)
والأصل في الإبدال : جَعْلُ شيء مكان شيء آخر ، كإبدالك من الواو تاءً في تالله ، والأبدال : قوم من الصالحين بهم يقيم الله الأرض ،
وبدّله الله تعالى من الخوف أمنا ،
وبدّله ، وبدّل منه : اتخذ منه بديلا : حرّفه : غيّره من حال إلى حال : غيّر هيئته والعين واحدة ،
وأبدل الشيء بالشيء : أزال عينا بعين : غيّر هيئته ،
وتبدّل الشيء : تغيّر ، وإن لم يأت ببدل (1) .
ثانيا- المعاني المستفادة من المعنى اللغوي للبديل :
من خلال النظر في ما تقدم ، من التعريف اللغوي لـ[البديل] ، نلاحظ الآتي :
1. أن [البديل] مغاير للأصل ،
إذ إنه لا يُبدل الشيء من نفسه ، فالشيء لا يكون بدلا عن نفسه (2) ، وبعبارة أخرى : إذا أزحنا زيدا ، ثم أعدناه ، فلا يجوز أن نقول : زيد هو بديل لزيد ، أما إذا غيرنا زيدا ، وأقمنا عمروا مقامه ، فيصح التعبير بأن نقول : عمرو بديل لزيد .
2. أن البديل خَلَفٌ للأصل ، ويقوم مقامه ،
__________
(1) - لسان العرب : لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري _ مادة "بدل"11/ 48 و 49( دار إحياء التراث العربي ، الطبعة الأولى : 1405هـ ) ، وهذا قول سيبويه وابن سيده ، مختار الصحاح : لـ"محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي" 1/18 (دار الكتب العلمية ، بيروت : 1415هـ - 1994م )ط1 ، اسم المحقق : أحمد شمس الدين، تاج العروس : للسيد محمد مرتضى الزبيدي _ فصل الباء من باب اللام 7/ 223 ( مكتبة الحياة ، بيروت ) ، معجم متن اللغة : موسوعة لغوية حديثة للشيخ أحمد رضا _ المجلد الأول . 255 ( دار مكتبة الحياة – بيروت سنة النشر : 1377 هج - 1958م ) .
(2) - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع : لـ" علاء الدين الكاساني " 5/ 105 و 106 (دار الكتاب العربي ، بيروت : 1982م )ط 2 .(1/13)
بمعنى : أن البديل يأخذ صفات الأصل ، فإذا كان الأصل صفته البقاء والشمول ، فحتى يكون شيء ما بديلا له ، فيجب أن يتصف بالبقاء والشمول ، فمثلا : النقود الورقية ، صفتها : أنها يشترى بها أي سلعة ، فهذه صفة الشمول ، وفي أي وقت ، فهذه صفة البقاء ، فعندما نريد أن نكيف الصكوك ، والبطاقات الائتمانية ، على كونها بدائل للنقود ، فيجب أن يكونا كذلك .
3. أن البديل يغني عن الأصل ، ويقوم مقامه ،
فمثلا : من وسائل الإثبات الإقرار ، فإذا أقر شخص لشخص آخر بحق ، لزمه هذا الإقرار ، ووجب عليه الوفاء بما يتضمنه هذا الإقرار ، ومن بدائل الإقرار في عصرنا هذا : التوقيع على وثيقة ، أو مستند فيها إثبات حق لشخص ما ، فيكون الموقِّع ملزما بالوفاء بما تتضمنه الوثيقة الموقَّع عليها ، فالتوقيع هنا أغنى عن الأصل ، وقام مقامه .
4.أن البديل قد جاء فيه استعمالان :
الأول : أنه استعمل بمعنى التبديل ،
والأصل في التبديل : تغيير الشيء عن حاله ، فالتبديل : تغيير في الهيئة من غير إبطال للأصل ، فمثلا : من لم يعجبه بناء بيته ، ولم يتمكن من شراء بيت آخر ، أوهدمه وبناءه من جديد ، فليس له حل بديل إلا أن يلجأ إلى ترميمه ، فالترميم هو بديل لشراء بيت آخر أوهدمه وبناءه من جديد ، فهنا التغيير الذي هو الترميم قد حصل في هيئة البيت دون إزالته .
الثاني : أنه استعمل بمعنى الإبدال ،
والأصل في الإبدال : جعل شيء مكان شيء آخر ، فالإبدال : تغيير في الذات ، وذلك عن طريق ترك العمل بالأصل ، ففي المثال المتقدم في الحالة الأولى : إذا أراد أن يشتري بيتا آخر ، فانه ترك الأصل الذي هو البيت الأول ، وأبدله ببيت آخر ، وكذلك إبدال التاء من الواو في : تالله ، فالأصل والله ، فتركنا العمل بالواو، ثم جعلنا بدلها التاء .(1/14)
5. أن الأصل في البديل استعماله في ما هو حسن ، ومحمود ، وأعني بالأصل (1) : الغالب ، فالغالب في البديل هو هذا الاستعمال ، ويؤيد ما قلناه الآتي :
أ . استعمال كلمة "البدل" ، ومشتقاتها في مواضع عدة من القرآن الكريم ، حيث جاء استعمالها فيما يحمد ، كما في قوله تعالى : { إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا 70 } (2) ، فالحسنات هي [البدل] ، والحسنات أمر محمود ، وحسن .
ب . الاستعمال اللغوي لكلمة [الخَلَف] (3) بتحريك اللام بالفتح ، وقد فُسِّر [البديل] بـ[الخَلَف] بالتحريك ، لا بالسكون [الخلْف] ، حيث إن كلمة [خلف] قد جاءت بالتحريك [خَلَف] ، وبالسكون [خلْف] ، إلا أنه استعمل بالتحريك في الخير ، يقال : هو خَلَفُ صدق من أبيه ، وبالتسكين في الشر ، يقال : هو خلْفُ سوء من أبيه ، قال تعالى : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا 59 } (4) .
المبحث الثالث
المعنى الاصطلاحي لـ[البديل]
وفيه مطلبان :
المطلب الأول _ البديل في الاصطلاح .
المطلب الثاني _ التعريف الموضوع من قبل الباحث .
المطلب الأول
البديل في الاصطلاح
__________
(1) - غريب الحديث : لـ" القاسم بن سلام الهروي أبي عبيد " 4/107 ( دار الطبع : مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية – الهند ، دار النشر : دار الكتاب العربي ، مدينة النشر : بيروت : 1396هـ ) ، اسم المحقق : محمد عبد المعيد خان .
(2) - الفرقان : 70 .
(3) - النهاية في غريب الحديث : لـ" ابن الأثير " 2 ، 66 ( مؤسسة إسماعيليان _ قم ) اسم المحقق : طاهر أحمد الزاوي و محمود محمد الطناحي ، لسان العرب : 9 ، 88 .
(4) - مريم : 59 .(1/15)
لقد استعمل البديل كمصطلح في كثير من العلوم غير الشرعية ، كالنحو والصرف والمنطق والقانون والاقتصاد ، وكذلك جاء استعماله كمصطلح في جملة المصطلحات الفقهية الإسلامية ، و سنتناول في هذا المطلب استعراض لبعض من هذه العلوم التي استعملت كلمة [البديل] ، أو مشتقاتها كمصطلح في جملة مصطلحاتها العلمية ، كي نكون على إحاطة ، بما يتعلق بمفهوم هذه الكلمة ؛ لنستخلص جملة من المعاني التي نستفيد منها للوصول إلى التعريف الذي سنقترحه إن شاء الله تعالى في المطلب الثاني ، والآتي عرض لبعض من هذه العلوم التي قد أوردت هذه الكلمة أو إحدى أخواتها في الاشتقاق في جملة مصطلحاتها إضافة إلى الاستعمال الفقهي لها :
أولا_ البديل في النحو والصرف :
لم يستعمل النحاة في اصطلاحهم كلمة [البديل] ، وإنما استعملوا كلمة [البدل] ، وجعلوها في جملة مصطلحاتهم التي تدل على معان مخصوصة ، وأفردوها في باب مستقل ، هو باب [البدل] ، فالبدل عندهم هو : التابع المقصود بالنسبة ، بلا واسطة ، وأقسامه أربعة :
1. بدل الكل من الكل ، وهو البدل المطابق للمبدل منه المساوي له في المعنى ، نحو : مررت بأخيك زيد .
2. بدل البعض من الكل ، نحو : أكلت الرغيف ثلثه .
3. بدل الاشتمال ، وهو الدال على معنى في متبوعه ، نحو : أعجبني زيد علمه .(1/16)
4. البدل المباين للمبدل منه ، وهو على قسمين ، أحدهما : ما يقصد متبوعه ، كما يقصد هو ، ويسمى بدل الإضراب ، وبدل البَدَاء (1) ، نحو : أكلت خبزا ، ثم بدا لك أنك تخبر أنك أكلت لحما أيضا ، والثاني : ما لا يقصد متبوعه ، بل يكون المقصود البدل فقط ، وإنما غلط المتكلم ، فذكر المبدل منه ، و يسمى بدل الغلط والنسيان ، نحو رأيت رجلا حمارا ، أردت أنك تخبر أولا أنك رأيت حمارا ، فغلطت بذكر الرجل (2) .
وكذلك الصرفيون لم يستعملوا هذه الكلمة بصيغة [البديل] ، وإنما استعملوا إحدى مشتقاتها ، وهي [الإبدال] ، والإبدال عند أهل الصرف : وضع حرف مكان آخر ، وله أربع صور :
1. إبدال حرف صحيح من صحيح ، نحو : اصطبر ، وازدهى ، أصلهما : اصتبر ، وازتهى .
2. إبدال صحيح من عليل ، نحو : تراث وتهمة .
3. إبدال عليل من صحيح ، نحو : دينار ، وقيراط ، وأصلهما : دِنّار وقِرّاط .
4. إبدال عليل من عليل ، نحو : قال ، وباع ، و أصلهما : قَوَلَ وبَيَعَ (3) .
ثانيا_ البديل في المنطق :
.لقد وردت كلمة [البديل] بهذه الصيغة ، كمصطلح في جملة المصطلحات المنطقية ، والفلسفية ، فقد جاء في كتاب "المعجم الفلسفي" ما نصه :
البديل Reciprocal . Reciproque
__________
(1) - البَدَاء ، بفتح الباء ، كسَحاب : ظهور الصواب بعد خفائه .
(2) - شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك : لعبد الله بهاء الدين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عقيل القرشي الهاشمي _ 2 ، 247 و 248 و249 ( مكتبة دار التراث _ القاهرة ) .
(3) - معجم المصطلحات النحوية والصرفية : د.محمد سمير نجيب اللبدي _ 19 و20 .( مؤسسة الرسالة _ بيروت و دار النشر _ عمان ، الأردن ) ط2 سنة النشر : 1406هـ _ 1986م .(1/17)
القضية الكلية السالبة (1) ، لها بديل ، وهو عكسها ، أما القضية الكلية الموجبة ، فليس لها [بديل] ؛ لأن عكسها هو القضية الجزئية الموجبة (2) .
ثالثا_ البديل في القانون والاقتصاد :
وردت كلمة البديل بهذه الصيغة ، وبصيغ أخرى في المعجم العلمي للمصطلحات القانونية ، والتجارية ، والمالية (3) ، وهي :
بَدَلٌ ، وبَدَليّ Facultatif .alternatif
وبديل Remplacant . supplent
ومن تطبيقاته في القانون ، ما جاء في كتاب الأحكام العامة في قانون العقوبات ما نصه :
(( إبدال الغرامة بالحبس عند عدم دفعها :
إذا حكم على الجاني بالغرامة ، ولم يدفعها ، فلا يخلو الحال ، من أمرين :
1. إما أن تكون الجريمة معاقبا عليها بالحبس ، والغرامة .
2. وإما أن تكون معاقبا عليها بالغرامة ، فحسب ، فإذا كانت الجريمة معاقبا عليها بالحبس والغرامة ، ولم يدفعها المحكوم عليه ، فللمحكمة أن [ تستبدلها ] بعقوبة الحبس مدة لا تزيد على نصف الحد الأقصى المقرر لعقوبة الحبس (4) ،
ومن الأمثلة الأخرى في استعمال كلمة البديل في القانون ما جاء في المعجم القانوني لحارث الفاروقي :
قانون اسكتلندي heir substitute in a bond
__________
(1) - معنى " كلية " أي : مشتملة على كلمة في بدايتها تدل على شمول جميع الأفراد ، مثل : كل إنسان جسم ، فلفظ " كل " دل على شمول جميع أفراد الإنسان بهذا الوصف لا يتخلف عنه أحد ،ومثل لفظ " لا أحد " في المثال المتقدم ، ومعنى سالبة أي : منفية .
(2) - المعجم الفلسفي : ل"يوسف كرم و د. مراد وهبة و يوسف شلالة " _ 30 (كوستاتسوماس وشركاؤه ) .
(3) - المعجم العلمي للمصطلحات القانونية ، والتجارية ، والمالية : ل" يوسف شلالة " _ بدل _ ( دار النهضة _ لبنان للطبع والنشر _ بيروت . لبنان ) .
(4) - الأحكام العامة في قانون العقوبات شرح على متن النصوص الجزائية : للمحامي محسن ناجي _ 415 . ( مطبعة العاني : العراق _ بغداد سنة النشر : 1974م ) ط1 .(1/18)
البديل الوارث في السند : الشخص الذي ينص السند على أيلولة القيمة المسماة إليه إذا مات المستفيد الأصلي (1)
ومن استعمالاته في الاقتصاد الإسلامي ، جعل النظام الاقتصادي الإسلامي [بديلا] للنظامين الرأسمالي والاشتراكي (2) .
رابعا_ البديل في الفقه الإسلامي وأصوله :
من خلال بحثي في الكتب الفقهية والأصولية للقدامى والمحدثين ، فاني قد اطلعت على استعمالات متنوعة ، وكثيرة لكلمة [البديل] ، ومشتقاتها إلا أني لم أقف على كتاب يختص بهذا المصطلح ، أو يفرد له بابا مستقلا ، له تعريفه الخاص ، وقواعده التي تضبط تطبيقاته ، وإنما وجدت صورة استعمالهم لهذه الكلمة استعمالا عاما ، وهو مطلق التغيير ، لذا فالتطبيقات التي ذكروها على كونها [بدائل] تارة نجدها تصلح تطبيقات للرخص ، وتارة للحيل ، وتارة تصلح أن تكون من تطبيقات [البديل] الذي سنتناوله بالبحث ، فلو كانوا قاصدين معنى خاصا لهذه الكلمة لما حصل هذا الخلط ، وعدم جعلهم لهذه الكلمة خصوصية لا يدل على أنه لم يرتسم هذا المفهوم في نفوسهم ، أولم تكن لهم منهجية يتعرفون من خلالها على التطبيقات التي تخص هذا المفهوم ، فقد يوجد هناك مصطلح فقهي يجمع هذه التطبيقات المتشابهة لم نقف عليه ، إذن فان التطبيقات التي ذكروها مندرجة تحت مصطلح [ البديل ] أو أحد مشتقاته تحتاج إلى نوع فرز ، بإرجاع كل تطبيق إلى ما يصدق عليه من المصطلحات ، وجعل منهجية خاصة لهذا المفهوم يسلكها الباحث الشرعي للوصول إليه ، وهذه جملة من الاستعمالات الفقهية الاصطلاحية لهذه الكلمة ، وهي :
1. جاء في الموسوعة الفقهية :
إبدال :
__________
(1) - المعجم القانوني : لـ"حارث سليمان الفاروقي[معاصر]" 1/333 (مكتبة لبنان ، بيروت )ط2: 1410هـ .
(2) - الأسعار وتخصيص الموارد في الإسلام : د.عبد الجبار حمد عبيد السبهاني _ 203 (دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث_ الإمارات العربية المتحدة ، دبي : 1426هـ 2005م) ط1 .(1/19)
? التعريف : الإبدال لغة : جعل شيء مكان شيء آخر ، والاستبدال مثله ، فلا فرق عند أهل اللغة بين اللفظين في المعنى ، وكذلك الأمر عند الفقهاء ، فهم يستعملون اللفظين أحدهما مكان الآخر .
? الحكم الإجمالي : [الإبدال] أو [الاستبدال] نوع من التصرفات ، الأصل فيه الجواز إذا كان صادرا ممن هو أهل للتصرف ، فيما يجوز التصرف فيه إلا فيما يخالف الشرع .
وقد يطرأ على هذا الحكم ما يجعل الفقهاء يختلفون فيه بين الجواز ، والمنع ، والوجوب ، ومن ذلك : اختلافهم فيما يتعلق به حق شرعي ، كالزكاة ، والكفارة ، فجمهور الفقهاء غالبا ما يمنعون إبدال الواجب إخراجه فيهما بالقيمة ؛ لأن الحق لله تعالى ، وقد علق على ما نُصَّ عليه ، فلا يجوز نقل ذلك إلى غيره ، بينما يجيز الحنفية إبدال الواجب إخراجه فيهما بالقيمة ؛ لتعلق الوجوب عندهم بمعنى المال ، وهو المال والقيمة (1) .
فهنا استعملت كلمة [الإبدال] بمفهومها اللغوي العام ، وهو مطلق التغيير ؛ لأنه لم يجعل لها قيدا سوى عدم مخالفة الشرع ، سواء كان هذا [الإبدال] من تطبيقات الرخص ، أو غيرها .
2. جاء في شرح مجلة الأحكام العدلية :
المادة 53 : إذا بطل الأصل يصار إلى [البدل] ، يُفهَم من هذه المادة أنه يجب الأصل ، ولا يجوز إيفاء [البدل] بدون رضاء صاحب المال ما دام إيفاء الأصل ممكنا (2) .
فهنا استعمل [البديل] في أحد معانيه ، وهو أن العمل بـ[البدل] يكون في حالة عدم التمكن من العمل بالأصل ، بحيث أن المكلف ليس له اختيار بين الأصل أو بديله ، بل لا يجوز له اللجوء إلى بديل الأصل ، إلا في حالة عدم التمكن من الأخذ بالأصل .
__________
(1) - الموسوعة الفقهية وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية : 1 ، 142 .
(2) - درر الحكام شرح مجلة الأحكام : لـ"علي حيدر " _ 49 .( تعريب المحامي فهمي الحسيني ) _ المطبعة العباسية . حيفا ، سنة النشر : 1343هـ _ 1925م .(1/20)
3. جاء في كتاب دقائق التفسير : (( الوجه السابع : أن التيمم جُعِلَ بَدَلا عن الوضوء عند الحاجة )) (1) ، فاستعمل الإمام ابن تيمية (رحمه الله تعالى ) هذه الكلمة ، وجعلها وصفا للتيمم ، إلا أن هذا الاستعمال ، لا ينطلق من مفهوم البديل الذي سنبحثه ، ولأنه مخالف لمجموع تطبيقاته التي سنذكرها فيما بعد ؛ لفقدانه وصف الدوام ، والشمول ، فالتيمم مرهون بظروف خاصة ، لذلك فقد وصف الدوام ، ومقصور على أفراد دون آخرين ، لذلك فقد وصف الشمول ، لذا فالتيمم يعتبر من تطبيقات [الرخصة] ، وليس من تطبيقات [البديل] ، وأما استعمال الإمام ابن تيمية لهذه الكلمة لهذا التطبيق ، فالذي أراه _ والله أعلم _ ، أنه استعمال غير مقصود في أن لهذه الكلمة خصوصية اصطلاحية ، وإنما استعماله ينطلق من المفهوم اللغوي العام ، وهو أن التيمم [بدل] ، أي : خَلَفٌ ، للوضوء .
__________
(1) - دقائق التفسير الجامع لتفسير ابن تيمية : 2/26 .(1/21)
4. جاء في كتاب " زاد المعاد في هدي خير العباد " :(( كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فانه له وجاء ، فدل المُحبُّ على علاجين أصليٌّ ، وبدليّ )) (1) ، فاستعمل كلمة [بدلي] ، وجعلها وصفا للصوم في كونه [بديلا] للزواج ، والذي أراه أن الصوم ليس [بديلا] للزواج ، وذلك لاختلاف الواقعتين ؛ لأن الزواج شرِّع في واقعة غير واقعة الصوم ، فواقعة الزواج هي إشباع الرغبة الجنسية بالدرجة الأولى ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ 5 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ 6 } (2) ، فهذه الآية الكريمة آتية ببيان صفة من الصفات الجلية للإنسان التي من اتصف بها فاز بالسعادة ، وهي العفة ، وصيانة النفس عما هي راغبة فيه من قضاء الشهوة الفرجية التي تورث الخير على الوجه المشروع ، وتورث الشر على غيره ، ولما كانت الشهوة المذكورة لازمة لطبع الإنسان ، ويصعب الانفكاك عن مقتضاها استثنى عن المذكور ، وقال : { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } (3) ، وأما واقعة الصوم فهي قطع هذه الرغبة ، فالفرق واضح والله تعالى أعلم .
__________
(1) - زاد المعاد في هدي خير العباد : 4/272 .
(2) - المؤمنون : 5 و6 .
(3) - مواهب الرحمن في تفسير القرآن : للشيخ العلامة عبد الكريم المدرس (رحمه الله ) _ 6 / 8 و9 .(دار الحرية للطباعة _ العراق ، بغداد : 1408هـ - 1988م ) ط1 .(1/22)
5. جاء في تفسير الفخر الرازي و القرطبي : (( وقيل : أوجبت الدية [بدلا] من تعطيل حق الله تعالى في نفس القتيل ، فإنه كان له في نفسه حق ، وهو التنعم بالحياة والتصرف فيما أحل له تصرف الأحياء ، وكان لله سبحانه فيه حق ، وهو أنه كان عبدا من عباده يجب له من أمر العبودية صغيرا كان أو كبيرا حرا كان أو عبدا مسلما كان أو ذميا ما يتميز به عن البهائم والدواب ، ويرتجى مع ذلك أن يكون من نسله من يعبد الله ويطيعه ، فلم يخل قاتله من أن يكون فوت منه الاسم الذي ذكرنا ، والمعنى الذي وصفنا ، فلذلك ضمن الكفارة . وأي واحد من هذين المعنيين كان ، ففيه بيان أن النص وإن وقع على القاتل خطأ فالقاتل عمدا مثله،بل أولى بوجوب الكفارة عليه منه،على ما يأتي بيانه ، والله أعلم .)) (1) ، فالواقعة هنا هي إقامة حق الله تعالى في القتل ، وإقامته تتحقق بالقصاص ، إلا أن أهل القتيل قد يكونون محتاجين إلى الدية أكثر من احتياجهم إلى إشفاء غليلهم ، وحتى لا يفوت حق الله تعالى ، فقد شرع لنا الدية [بديلا] عن القصاص ، وهذا الاستعمال لكلمة [البديل] في هذا الموضع استعمال حَسَنٌ ، ويتفق مع مفهوم [البديل] الذي سنأتي على ذكره .
6. جاء في معجم لغة الفقهاء :
(( البدل : الخلف والعوض ج أبدال Exchange
? إقامة شيء مكان شيء ، وإجزاؤه عنه في غير حالات الاضطرار ، ومنه قولهم : يؤدي فلان العمل بدل فلان ،
? العوض المكافئ ، فالثمن في البيع بدل عن السلعة ، والسلعة بدل عن الثمن )) (2) ،
7. ومن استعمالات هذه الكلمة في أصول الفقه ما جاء في باب العام والمطلق من كتاب إرشاد الفحول :
__________
(1) - تفسير القرطبي : 5 ، 315 .
(2) - معجم لغة الفقهاء : لـ"محمد قلعجي [معاصر]" 105 .(1/23)
(( المسألة الرابعة : اعلم أن العام عمومه شمولي وعموم المطلق بدلي ، وبهذا يصح الفرق بينهما ، ........ والفرق بين عموم الشمول وعموم البدل أن عموم الشمول كلي يحكم فيه على كل فرد فرد ، وعموم البدل كلي من حيث انه لا يمنع تصور مفهومه من وقوع الشركة فيه ولكن لا يحكم فيه على كل فرد فرد بل على فرد شائع في أفراده يتناولها على سبيل البدل ، ولا يتناول أكثر من واحد منها دفعة .....)) (1) ،
فاستعمال كلمة البدل هنا لم تخرج عن المعنى اللغوي العام ، وهو أن البديل يفيد مطلق التغيير ، فصورة العموم في المطلق هو أنه يطلق على كل ما يصدق عليه لكن عن طريق التبديل والتغيير ، فمثلا : رجل لفظ مطلق ، وهو لفظ يفيد العموم ، فهو يطلق على زيد وعلي وبكر محمد..إلخ ، لكن على سبيل التبديل بمعنى التغيير ، أي : إنك عندما تطلق رجل على زيد ، وتقول : زيد رجل ، فعندما تريد أن تطلقه على بكر فالإطلاق يكون بإبدال زيد ببكر ، وتقول : بكر رجل ،
وبهذا القدر من التمثيل أكتفي ، خشية الإطالة ، وحتى أنتقل إلى بيان التعريف الذي سنحاول أن نصيغه صياغة تتفق مع ما قرره علماء الميزان (2) في الشروط التي يجب توافرها في التعريف ، ومستفيدين من المباحث المتقدمة التي تناولت بيان الاستعمالات المختلفة لهذه الكلمة ، ونجعله الأصل في تحرير كل ما يتعلق بـ[البديل] ، من حيث : الشروط ، والقواعد ، والتطبيقات......الخ .
المطلب الثاني
التعريف الموضوع من قبل الباحث
__________
(1) - إرشاد الفحول : 1/200 .
(2) - أقصد بعلماء الميزان ، أي : علماء المنطق .(1/24)
لقد جرت عادة العلماء أنهم عندما يتعرضون لتعريف مصطلح مركب (1) ، أنهم يعرفونه تعريفان ، أحدهما باعتباره مركبا ، و ثانيهما باعتباره مصطلحا وعلما لشيء مخصوص ، فمثلا : عندما يعرفون " أصول الفقه " ، فإنهم يعرفونه أولا باعتباره كلمة مركبة من كلمتين " أصول + الفقه " ، والتعريف الآخر باعتباره علما لشيء مخصوص ، ونحن بدورنا سنسلك هذا المنهج في تعريف [البديل الفقهي] ، فسنعرفه أولا باعتباره مركبا وصفيا ، أي : باعتباره متركب من كلمتين ، الأولى هي الموصوف_البديل_ ، والثانية هي الصفة _الفقهي_ ، والثاني نعرفه باعتباره مصطلحا وعلما لشيء مخصوص ، كما هو مبين أدناه :
أولا_ معنى [البديل الفقهي] باعتباره مركبا :
1. معنى كلمة البديل ، لغة واصطلاحا ، وهذا قد تقدم بيانه في المباحث السابقة .
2. معنى كلمة الفقه ، لغة واصطلاحا :
__________
(1) - المركب ينقسم إلى : 1. المركب الإضافي ، وهو اللفظ المكون من مضاف ومضاف إليه ، مثل : غلام زيدٍ 2. المركب المزجي ، مثل : بعلبك ، حضرموت 3. المركب الوصفي ، مثل : الطالب الناجح ، المواطن الصالح .(1/25)
? الفقه في اللغة : الفهم ، ولكن استعماله في القرآن الكريم يرشد إلى أن المراد منه ليس مطلق العلم ، بل دقة الفهم ولطف الإدراك ، ومعرفة غرض المتكلم ، ومنه قوله تعالى : { قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ 91 } (1) ، أي : لا نفهم ، وقوله تعالى : { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا 44 } (2) ، ولكن لا تفقهون تسبيحهم الإسراء ، أي : لا تفهمون ، وتقول العرب : فقهت كلامك أي فهمته (3) .
? الفقه اصطلاحا : هو العلم بالمسائل الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيأتية ، أو هو هذه الأحكام نفسها (4) .
ثانيا_ معنى [البديل الفقهي] باعتباره مصطلحا :
__________
(1) - هود : 91 .
(2) - الإسراء : 44 .
(3) - مختار الصحاح : 1 / 213 ، الإحكام في أصول الأحكام : لـ" علي بن محمد الآمدي أبي الحسن " 1/22 (المكتب الإسلامي – دمشق : 1402هـ ).
(4) - الإحكام في أصول الأحكام [المرجع السابق] : 1/7 ، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول : لـ" محمد بن علي بن محمد الشوكاني" 1/ 17 ( دار الفكر ، بيروت : 1412هـ - 1992هـ ) ط1 ، تحقيق : محمد سعيد البدري ، درر الحكام شرح مجلة الأحكام : 15 ، الوجيز في أصول الفقه : لـ"د.عبد الكريم زيدان" 6 (مطبعة العاني ، بغداد )ط4 : 1390هـ - 1970م ، محاضرات في أصول الفقه على مذاهب أهل السنة والإمامية : لـ" الأستاذ بدر المتولي عبد الباسط " 1/ 5 (مطبعة دار المعرفة ، بغداد) ط1 : 1375هـ - 1956م.(1/26)
وبناء على المعطيات المستفادة من المباحث السابقة في استعمال كلمة [البديل] ، ومشتقاتها فإننا سنحدد بعضا من النقاط التي نستفيد منها في صياغة التعريف الاصطلاحي ، وهي :
1. إن [البديل الفقهي] هو غير [الحكم الأصلي] ، فإذا كان الحكم الأصلي على الواقعة بالتحريم ، فالبديل هو الجواز ، أو إذا كان الحكم الأصلي على الواقعة الحل بما لا يتلاءم مع حال المكلف ، فالبديل هو الحل بما يتلاءم مع حاله ، فمثلا : العقد بشرط الربا ، يعتبر عقدا فاسدا (1) ، ويحرم على المتعاقدين مباشرته ، ويجب عليهما فسخه ، فهنا الحكم الأصلي ، هو الحرمة ، ويجب على المتعاقدين فسخه ، و[البديل] لهذا العقد المحرم ، هو تصحيحه ، كما سيأتي بيانه ، إن شاء الله تعالى .
2. إن [البديل الفقهي] يغني غناء الأصل ، ويكون في مكانه ، وهذا من خلال :
أ . أن [بديل] الحكم الأصلي يسقط المسائلة الأخروية برفع الإثم ، فهو يحقق للمكلف صلاحية التصرف دون حرج أو كراهة ، ودون أفضلية للأصل من حيث الإباحة في كثير من المواضع ، فمثلا :المقايضة ، وهو بيع السلعة بالسلعة ، يعتبر الأصل في التعامل (2) ،
__________
(1) - وهذا عند الحنفية و الزيدية كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
(2) - فقه الزكاة ، اسم المؤلف : د. يوسف القرضاوي ، دار النشر : مؤسسة الرسالة ، سنة النشر : 1397هـ - 1977م ، رقم الطبعة : الثالثة .
- تفسير القرطبي : 10/189 ، الاستيعاب في معرفة الأصحاب : 1/320 لـ" يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر (دار الجيل ، بيروت : 1412هـ)ط1 تحقيق : علي محمد البجاوي .(1/27)
أما [البدائل] لهذا التعامل ، فهي : شراء السلع بالنقود ، أو الصكوك ، أو البطاقة الائتمانية ، فهنا التعامل بالأصل و[بدائله] مباح دون أفضلية بينهما ، من حيث الإباحة بخلاف الرخصة ، فمن حيث المقارنة بينها ، وبين الأخذ بالحكم الأصلي ، نجد أن الأخذ بأي واحد منهما جائز ، لكن مع أفضلية الأخذ بالحكم الأصلي ، كما نجد ذلك في ما حدث لاثنين من الصحابة (رضي الله عنهما) ، عندما أسرهم مسيلمة الكذاب ، وأراد منهما أن ينالا من النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فأما أحدهما فأبى ، والآخر أخذ بالرخصة ، فجاء المدح من النبي (صلى الله عليه وسلم) للذي أخذ بالعزيمة [الحكم الأصلي] (1) ، كما سيأتي بيانه في الكلام عن [البديل والرخصة] .
ب. أن [بديل] الحكم الأصلي تترتب عليه الآثار الشرعية ، من حل ، أو حرمة ، أو وجوب حق .........الخ .
ج. الدوام ، أي : إن [بديل] الحكم الأصلي لا يتقيد بمدة ، أو بحال مؤقتين ، بخلاف الرخصة .
ء. الشمول ، أي : إن [بديل] الحكم الأصلي عام غير خاص بأشخاص معينين ، بل يصلح للجميع .
3. إن [البديل الفقهي] ، يأتي بمعنى [التبديل] ، والأصل في التبديل : تغيير الشيء عن حاله ، فـ[التبديل] : تغيير في الهيئة من غير إبطال للأصل ، وهذا يعني : أن التغيير حصل في بعض أوصاف الحكم الأصلي ، مع إبقاء الأصل ، ويأتي بمعنى [الإبدال] ، والأصل في [الإبدال] : جعل شيء مكان شيء آخر ، فـ[الإبدال] : تغيير في الذات ، وذلك عن طريق ترك العمل بالأصل ، وهذا يعني : أن التغيير الذي حصل ،هو ترك العمل بالأصل ، والعمل ببديله ، فالعمل بالبديل على كلا المعنيين لا يؤدي إلى إلغاء الأصل سواء كان إلغاء مؤقتا كما في الرخصة ، أو دائما كما في النسخ ، كما سيأتي بيانه في موضعه ، إن شاء الله تعالى .
__________
(1) - تفسير القرطبي : 10/189 ، الاستيعاب في معرفة الأصحاب [المرجع السابق]: 1/320 .(1/28)
4. أنه لا حاجة لقيد [الشرعي] مع [البديل] عند الإطلاق ؛ لأن الشرعية مفهومة من لفظ [البديل] ، فالأصل في[البديل] استعماله فيما هو حسن ، ومشروع ، ويؤيد ذلك المعنى اللغوي ، والاستعمال القرآني ، والحديثي ، والاستعمال الاصطلاحي ، كما مر بيانه في المباحث السابقة ،
هذا وبناء على ما تقدم ، فإني أرى التعريف الذي يتناسب مع مفهوم [البديل الفقهي] ، ومع ما قدمنا من المعطيات ، بحيث يكون جامعا لتطبيقاته الموجودة في المصادر الشرعية ، ومانعا من دخول ما حسب عليه ، وهو ليس منه ، هو :
البديل الفقهي : هو تصرف ينتقل به المكلف من الحرمة إلى الحل ، أو من الحل بما لا يتلاءم مع حال المكلف إلى الحل بما يتلاءم مع حاله ، في نفس واقعة الحكم الأصلي ، دون تأقيت ، أو حصر ، بتغيير في بعض صفاته ، أو الوسائل المؤدية إليها ، دون إلغاء للأصل .
شرح التعريف :(1/29)
إن الحكم الشرعي ، هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين ، وهو قسمان : تكليفي ووضعي ، وأقسام الحكم التكليفي خمسة ، وهي : الوجوب ، والندب ، والإباحة ، والحرمة ، والكراهة (1) ، وهي الأوصاف الشرعية التي تتصف بها أفعال المكلفين ، فتقول : هذا فعل واجب ، أو مندوب ، أو مباح ، أو محرم ، أو مكروه ، والحكم قد يتغير من الوجوب إلى الندب ، أو الإباحة ، أو الحرمة ، أو الكراهة ، أو بالعكس ، إلا أن هذا التغيير قد يكون مؤقتا بفترة ، ومخصوصا بأفراد دون آخرين لظروف خاصة ، مثال ذلك : أكل لحم الميتة ، وأكل لحم الخنزير ، فالخطاب قد جاء فيها بالحرمة ، قال تعالى : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 173} (2) ، فجاء الخطاب بحرمة هذه الأشياء ، إلا في حالة الاضطرار ، فرخص أن يأخذ منها قدر حاجته ، غير باغ ولا عاد .
وقد يكون التغيير في الحكم بخلاف ما تقدم ، وهذا ما نلحظه في [البديل الفقهي] ، فيلاحظ من التعريف المتقدم ما يأتي :
? إن [البديل الفقهي] هو نوع من أنواع التصرفات الشرعية ،
والتصرف ، لغة : مأخوذ من الصرف ، وهو : التقلب والحيلة ، يقال : فلان يصرف – بكسر الراء- ويتصرف ويصطرف لعياله ، أي : يكتسب لهم ، ومنه التصرف في الأمور (3) ،
والتصرف : مصدر تصرف في الأمر ، أي : عالجه ،
وهو : كل قول أو فعل له أثر فقهي (4) ،
وهو نوعان :
__________
(1) - الوجيز في أصول الفقه : لـ"د.وهبة الزحيلي " 119و120و121 (نشر إحسان بإذن من دار الفكر، مهارت- طهران: 1381هـ)ط2 .
(2) - البقرة : 173 .
(3) - لسان العرب : 9/190 .
(4) - معجم لغة الفقهاء [محمد قلعجي] : 123 ، القاموس الفقهي : لـ"د. سعدي أبو حبيب " 210 (معاصر ، دار الفكر – دمشق : 1408هـ)ط2، بدائع الصنائع : 6/115 .(1/30)
تصرف قولي : كقبول الهدية ، والهبة ، وتصرف فعلي : كاستهلاك الشخص لأمواله (1) ، والقتل ، والسرقة ، ....إلخ ،
وعليه فإن [البديل الفقهي] إما أن يكون قوليا ، كجعل الهدية [بديلا فقهيا] عن الصدقة في حق النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فهذا تصرف قولي ، أو فعليا ، كجعل الدية [بديلا فقهيا] عن القصاص ، وهذا تصرف فعلي ، وسيأتي بيانهما إن شاء الله تعالى .
? إن [البديل الفقهي] هو انتقال بالمكلف من الحكم الأصلي إليه في نفس واقعة الحكم الأصلي ، أي : إننا نحافظ أولا على [الواقعة] دون العدول عنها بإبطالها ، أو تعطيلها باللجوء إلى واقعة أخرى ، ثم نجتهد في إيجاد حكم جديد يتلاءم مع حال المكلف ، والانتقال من الحكم الأصلي إلى بديله له صورتان :
1. الحكم بالحل على الواقعة بعد أن كانت محرمة ، _ ويشترط في الحرمة أن تكون طارئة (مؤقتة) غير أصلية ، فالمحرم بالأصالة لا بديل له ، كالزنا ، والسرقة ، والقتل ...الخ ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى _ مثال ذلك : قوله تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ 5 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ 6 } (2) ، فالواقعة هي : إشباع الرغبة الجنسية (3) ، وإشباع هذه الرغبة يكون عن طريق أحد الوسائل الثلاث الآتية :
__________
(1) - حاشية ابن عابدين : لـ"محمد أمين " 6/143 ( دار الفكر ، بيروت : 1386هـ ) ط2 .
(2) - المؤمنون : 5 و 6 .
(3) - مواهب الرحمن في تفسير القرآن[المرجع السابق] : 6 / 8 و9 .(1/31)
أ.[الزنا] ، وهو وسيلة غير مشروعة ، وهو حرام ، قال تعالى : { فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } (1) ، وقال تعالى :{ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً 32 } (2) ، فقوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى } نهي ، والنهي يقتضي التحريم (3) .
ب.[النكاح] الشرعي الناشئ عن عقد الزواج بعد استيفائه لأركانه ، وشروطه، فالزواج ليس بديلا للزنا ، وإنما هو حكم أصلي شُرِّعَ ابتداء، فلم يسبقه حكم مشروع آخر حتى يكون بديلا عنه ، فهو جائز من حيث كونه أصلا .
__________
(1) - المؤمنون : 7 .
(2) - الإسراء : 32 .
(3) - الوجيز في أصول الفقه للزحيأتي : 215 .(1/32)
جـ.[مِلْكُ اليمين] ، فمن كان متزوجا من أربع نساء، وعفت نفسه منهن جميعا ، وهو في حاجة إلى إشباع رغبته ، وهو لا يريد أن يطلق إحداهن ، فماذا يفعل ، هل يتزوج الخامسة ؟ الجواب : لا ، لأنه مستوفيا للعدد الذي شرعه الله تعالى بقوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ 3 } (1) ، فلا يجوز له أن يتجاوز ذلك ، فهنا الحرمة التي اقترنت بالزواج ،هي حرمة طارئة(مؤقتة) ، تزول بزوال المانع _وهو استيفاء العدد المشروع _ ، بطلاق أو وفاة إحداهن ، ولا يستطيع أن يزني ؛ لحرمته ، بقي له[ ملك اليمين] ، فملك اليمين يعتبر [بديلا] ، فهو في قوة الزواج من حيث الحل ، وهو ليس خاصا بأفراد دون آخرين ، وليس مقيدا بوقت معين ، والله سبحانه وتعالى أعلم (2) .
__________
(1) - النساء : 3 .
(2) - أي : ملك اليمين بالتملك لا بالتزوج من الجارية ، لأنه لا يجوز أن يتزوج من الجارية إلا في حالة عدم التمكن من التزوج من الحرة انظر : جامع البيان : لـ" محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري أبي جعفر "5/7 (دار الفكر ، بيروت : 1405هـ) ، زاد المسير في علم التفسير : لـ" أبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي " 2/107 (دار الفكر ، بيروت : 1407هـ)ط1 ، تحقيق : محمد بن عبد الرحمن عبد الله .(1/33)
2.الانتقال بالحكم من الحل في واقعة لا تتلاءم مع حال المكلف إلى الحكم بالحل بما يتلاءم مع حال المكلف في نفس الواقعة ، مثال ذلك : الزكاة بالقيمة ، فالأصل في الزكاة أن تدفع الزكاة بالعين من المال الذي فرضت فيها الزكاة ، فمن كان عنده أنعام ووجبت فيها الزكاة فالأصل أن يزكي بجزء من هذه الأنعام التي فرضت فيها الزكاة ، وكذلك من وجبت الزكاة على من يملك الذهب والفضة ، فالأصل أن يزكي بجزء من الذهب والفضة _ وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى _ ، إلا أن الزكاة بالعين قد لا يلائم حال المكلف الذي يدفع الزكاة ، لذا فإن البعض من الفقهاء قد أوجدوا بديلا لهذه المسألة تتلاءم مع حاله ، وهو دفع القيمة في الزكاة ، فبدلا من أن يزكي بالعين ، فله أن يزكي بقيمة العين ، فهذه الصورة من التعامل تعتبر [بديلا] للصورة السابقة ، وهي تتلاءم مع حال المكلف ، واحتياجه ، مع عدم حرمة الأصل .
? وقولنا : " في نفس الواقعة " (1) ، أي : إن [البديل] قد جاء في نفس واقعة الحكم الأصلي ، لا أننا جلبنا واقعة تختلف عن واقعة الأصل ، وجعلناها [بديلا] لها ، فمثلا : [الصوم] لا يعتبر [بديلا] عن الزواج _ لمن لم يستطع عليه _ ؛ لأن واقعة الزواج هي : إشباع الرغبة الجنسية بالجماع ، وواقعة الصوم هي : قطع هذه الرغبة ، والفرق واضح ، وأما ملك اليمين ، فقد صلح أن يكون بديلا للزواج ؛ لأنه قد جاء في نفس الواقعة التي شرع من أجلها الزواج ، وهو إشباع الرغبة الجنسية ، فهذا الإشباع يتحقق بملك اليمين ، كما في الزواج .
__________
(1) - الواقعة : بكسر القاف ، اسم فاعل من وقع الأمر ، أي : حصل ، وهي : الحادثة التي تحتاج إلى استنباط حكم شرعي لها ، أو : هي التي تحتاج إلى فتوى ، والواقعات : الفتاوى المستنبطة للحوادث المستجدة [معجم لغة الفقهاء : لـ"محمد قلعجي" 171و497 - معاصر- ] .(1/34)
? وقولنا : " دون تأقيت أو حصر " ، أي : إن [البديل الفقهي] يكون متصفا بالدوام ، أي : غير مقيد بفترة معينة ، بخلاف الرخصة ، فهي مؤقتة ، وبالشمول ، أي : غير محصور على أفراد دون آخرين ، بخلاف الرخصة ، فهي محصورة .
? وقولنا : " بتغيير بعض صفاتها ، أو الوسائل المؤدية إليها " ، أي : إن طريق الانتقال من الحكم الأصلي إلى [بديله] ، يكون : إما بتغيير بعض صفات الأصل ، كما في تصحيح العقد الفاسد ، فهو من حيث كونه عقدا صحيح ، إلا أنه فسد بسبب بعض الصفات غير الشرعية الموجودة في العقد ، فـ[البديل] هو عن طريق تغيير الصفات غير الشرعية بصفات شرعية ، أو تغيير الوسائل المؤدية إلى الحكم الأصلي ، كما في الزواج وملك اليمين ، فالواقعة هي إشباع الرغبة ، فالأصل للوصول إلى هذا الغرض هو الزواج ، فإن لم يتمكن من الزواج ، فيبدل بوسيلة أخرى ، وهو ملك اليمين .
? وقولنا : " دون إلغاء للأصل " ، أي : إن [بديل] الحكم الأصلي ، وان كان حكما جديدا ، إلا أنه لا يلغي العمل بالحكم الأصلي ، ولا يحرمه ، فهو لا يلغي الحكم الأصلي ، كما في النسخ ، فان النسخ يعطي حكما جديدا مع إلغاء الحكم الأصلي بصورة دائمة ، ولا يعطل الحكم في حالة الأخذ به ، كما في الرخصة ، فهي تلغي العمل بالأصل إلغاء مؤقتا .(1/35)
الفصل الثاني
أدلة البديل الفقهي وشروطه وأقسامه وأسبابه ومظانه وقواعده
وفيه مباحث :
المبحث الأول : أدلة البديل الفقهي
المبحث الثاني : شروط البديل الفقهي
المبحث الثالث : أقسام البديل الفقهي
المبحث الرابع : أسباب البديل الفقهي
المبحث الخامس : مظان البديل الفقهي
المبحث السادس : قواعد البديل الفقهي
المبحث الأول
أدلة البديل الفقهي
تمهيد
الأدلة جمع دليل ، والدَّلِيلُ ، لغة (1) : ما يستدل به والدليل الدال وقد دَلَّهُ على الطريق يدله - بالضم- ِدَلاَلةً بفتح الدال وكسرها ،
والدليل : المرشد والهادي إلى أي شيء حسيٍّ أو معنويٍّ ، خيرٍ أو شرٍّ .
وفي اصطلاح الأصوليين (2) : ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري ، مثل حدوث العالم بالنظر في أحوال العالم من تغير ، وتقلب ، وفناء ، ووجوب الصلاة بالنظر في دلالة النصوص الشرعية عليه ، كقوله تعالى : { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } (3) .
__________
(1) - مختار الصحاح : 1 / 88 . لسان العرب : 11/ 248و249 ، نثار العقول : 62، الوجيز في أصول الفقه للزحيأتي : 21 .
(2) - الوجيز في أصول الفقه للزحيأتي : 21 .
(3) - البقرة : 43 .(1/1)
وكما تقدم بيانه في التمهيد أننا لم نقف لمصطلح [البديل] على باب فقهي يختص به بحيث ينطوي تحته تعريفه الذي يجمع ما يصدق عليه ، ويمنع من دخول ما ليس منه ، وبعد أن وضعنا التعريف الذي يتلاءم إلى حد ما مع الأمثلة والتطبيقات التي تتلاءم مع مفهوم [البديل] ، فإن هذا المبحث معقود لذكر الأمثلة القرآنية و الحديثية التي تدل على أن لهذا المفهوم وجود في الكتاب والسنة وأنه معتبر ، فهي دليل يوصلنا إلى أن هذا المفهوم له وجود واعتبار، وإن لم تكن هذه الأمثلة منصوص عليها تحت مصطلح البديل ، فهي فقط في حاجة إلى فرز وتأصيل ، وسنذكر أقوال العلماء في تفسير الآية ، والحديث ، وآراء الفقهاء مختارين من ذلك الرأي الذي يحقق لنا صورة [البديل] ، متغاضين عن الراجح ، أو المرجوح ، أو عن كون الحكم الذي تتضمنه الآية منسوخا ؛ لأن المقام هنا هو إقامة الدليل على استعمال هذا المفهوم في الكتاب والسنة ، وليس اتخاذ هذا الرأي ؛ لأجل العمل به ، وأيضا فإننا سنذكر في نهاية كل مثال التكييف الفقهي (1) في جعل هذا المثال من تطبيقات [البديل] ،
لذا فإن هذا المبحث سيتضمن مطلبين :
المطلب الأول : أدلة البديل الفقهي في القرآن الكريم .
المطلب الثاني : أدلة البديل الفقهي في السنة المطهرة .
المطلب الأول
أدلة البديل الفقهي في القرآن الكريم
تعريف القرآن :
القرآن في اللغة مصدر بمعنى القراءة ،
__________
(1) - التكييف الفقهي : هو بيان الوصف الفقهي للتصرف ، أو الواقعة ، وهو نوع اجتهاد لا ينقطع وجوده ، ويسمى : فقه الفتيا ، ..... انظر : [ملخص بحث ] الأسواق المالية [البورصات] من المنظور الشرعي والقانوني _ 1 ، للدكتور محمد محروس المدرس .(1/2)
وفي اصطلاح الأصوليين : هو كلام الله تعالى المنزل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) باللسان العربي ؛ للإعجاز بأقصر سورة منه ، المكتوب في المصاحف ، المنقول بالتواتر ، المتعبد بتلاوته ، المبدوء بسورة الفاتحة ، المختوم بسورة الناس (1) ،
وقد وردت في القرآن الكريم تطبيقات كثيرة لـ[لبديل]في مختلف التصرفات ، فقد وردت [بدائل] في العبادات ، وفي المعاملات ، وفي الأحوال الشخصية ، وفي القصاص ، وفي الجانب السياسي ........الخ ، ونحن سوف نذكر هذه التطبيقات ، وآراء الفقهاء فيها مختارين الرأي الذي يحقق لنا صورة [البديل الفقهي] ، وان كان هذا الرأي الذي تتحقق فيه صورة [البديل] مرجوحا لا راجحا ، أو يكون حكم الآية التي تتحقق فيها صورة [البديل] منسوخا ، فالغرض ، كما قدمنا هو بيان أن هذا المصطلح له اعتبار ، و خصوصية تميزه عن باقي المصطلحات ، والآتي بيان لما ورد من تطبيقات [للبدائل] مرتبة على أبواب الفقه :
أولا- الأدلة القرآنية للبديل الفقهي في العبادات :
1- قصر الصلاة للمسافر (2) ،
قال تعالى: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا 101 } (3) .
? الحكم الذي دلت عليه الآية :
إن الحكم الذي دلت عليه الآية في هذا المقام هو جواز قصر الصلاة للمسافر ، حيث اختلف العلماء في حكم القصر في السفر ، على عدة أقوال (4) :
__________
(1) - الإحكام للآمدي : 1/159 ، الوجيز للزحيأتي : 24.
(2) - قصر الصلاة تعتبر من الأحكام الاستثنائية فصورة البديل هي في التخيير بين القصر والإتمام .
(3) - النساء : 101 .
(4) - تفسير القرطبي : 5/351 و352 ، تفسير ابن كثير : 1/545 . أحكام القرآن للشافعي : 1/91 .(1/3)
أ- روي عن جماعة أنه فرض ، وهو قول عمر بن عبد العزيز ، والكوفيين ، والقاضي إسماعيل ، وحماد بن أبي سليمان ، واحتجوا بحديث عائشة (رضي الله عنها) : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في السفر والحضر ، فأقرت صلاة السفر ، وزيد في صلاة الحضر ، ولا حجة فيه لمخالفتها له ، فإنها كانت تتم في السفر ، وذلك يوهنه ، وإجماع فقهاء الأمصار على أنه ليس بأصل يعتبر في صلاة المسافر خلف المقيم ،
وقد قال غيرها من الصحابة ، كعمر ، وابن عباس ، وجبير بن مطعم : إن الصلاة فرضت في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة ، رواه مسلم عن ابن عباس .
ب- مشهور مذهب مالك ، وجُلُّ أصحابه ، وأكثر العلماء من السلف ، والخلف أن القصر سنة ، وهو قول الشافعي ، وهو الصحيح (1) .
ج- مذهب عامة البغداديين ،من المالكيين أن الفرض التخيير ، وهو قول أصحاب الشافعي ، ثم اختلفوا في أيهما أفضل ، فقال بعضهم :القصر أفضل ، وهو قول الأبهري وغيره ، وقيل : إن الإتمام أفضل ، وحكي عن الشافعي (2) ، وحكى أبو سعيد الفروي المالكي أن الصحيح في مذهب مالك التخيير للمسافر في الإتمام ، والقصر ،
قال القرطبي تعليقا على ما في مذهب مالك :
__________
(1) - الأم : لـ" محمد بن إدريس الشافعي أبي عبد الله " 1/ 179 و180 (دار المعرفة ، بيروت : 1393هـ ) ط2.
(2) - روضة الطالبين وعمدة المفتين: 1/403 ( المكتب الإسلامي ، بيروت : 1405هـ )ط2 .(1/4)
قلت : وهو الذي يظهر من قوله سبحانه وتعالى : { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } ، إلا أن مالكا (رحمه الله) يستحب له القصر ، وكذلك يرى عليه الإعادة في الوقت ، إن أتم (1) ،
? تحديد الواقعة :
فالواقعة هنا هو كيف تصلى الصلاة الرباعية بالنسبة للمسافر ؟
فالجواب هو أن هناك حكمان أصلي وبدلي ، فالحكم الأصلي هو الإتمام ، والحكم البديل هو القصر ،
والقول الذي نختاره ؛ لتحقيق صورة [البديل] هو القول الثالث – وهو مذهب عامة البغداديين ....... - هو أن الفرض [التخيير] بين القصر والإتمام .
? التكييف الفقهي :
وتكييفنا لجعل القصر [بديلا] للإتمام هو كما يأتي :
أ إن الأصل الإتمام (2) ؛ لأن الإتمام مذكور ابتداء بطريق الإشارة ، فقوله تعالى : { أن تقصروا من الصلاة } يشير إلى أن حكم القصر كان مسبوقا بحكم آخر ، وهو الإتمام ، وأن القصر هو بعض من الإتمام ؛ لأنه قال تعالى : {من الصلاة} ، و{من} تدل على التبعيض ، وكذلك فالقصر إنما يكون من شيء أطول منه (3) .
ب إن القصر في قوة الإتمام ، من حيث أنه شامل لجميع المكلفين المسافرين ، ومن حيث كونه غير مقيد بمدة ، فهو يجوز في كل وقت يريد أن يسافر فيه (4) .
__________
(1) - صحيح مسلم : 1/481 ، فتح الباري : لأحمد بن علي بن حجر أبي الفضل العسقلاني الشافعي - 7/269 .(دار المعرفة ، بيروت : 1379هج ) تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي و محب الدين الخطيب . الدر المنثور : لعبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي – 2/658 .(دار الفكر ، بيروت : 1993م ) .
(2) - الكافي في فقه ابن حنبل : لـ"عبد الله بن قدامة المقدسي أبي محمد – 1/196 ( المكتب الإسلامي ، بيروت : 1408هـ - 1988م) ط5 ، تحقيق : زهير الشاويش، المجموع : 4/293.
(3) - نيل الأوطار : 3/247 .
(4) - لا اقصد بالمدة هنا مدة الإقامة .(1/5)
ت إنه لا وجوب في أحدهما - القصر و الإتمام - ، فيجوز للمكلف أن يأخذ بأي واحد منهما ، فلجوء المكلف إلى قصر الصلاة متوقف على مدى حاجته إلى القصر ، بحيث إنه ليس مضطرا إلى القصر .
ث إن القصر مسقط للمسائلة ، كما في الإتمام ، فإذا اختار المسافر القصر ، فلا يطالب عند الإقامة بإعادة ما صلاه في السفر .
2- في الصوم ،
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 183 أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ 184 } (1) .
? الحكم الذي دلت عليه الآية :
اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } على قولين :
أ فقيل : هي منسوخة ، روى البخاري ، وقال ابن نمير : حدثنا الأعمش ، حدثنا عمرو بن مرة ، حدثنا ابن أبي ليلى ، حدثنا أصحاب محمد (صلى الله عليه و سلم) : نزل رمضان ، فشق عليهم ، فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ، ورخص لهم في ذلك ، فنسختها {وأن تصوموا خير لكم } ، وعلى هذا قراءة الجمهور {يطيقونه} ، أي : يقدرون عليه ؛ لأن فرض الصيام هكذا ، من أراد صام ، ومن أراد أطعم مسكينا .
ب وقال ابن عباس نزلت هذه الآية رخصة للشيوخ ، والعجزة خاصة ، إذا أفطروا وهم يطيقون الصوم ، ثم نسخت بقوله : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } (2) ، فزالت الرخصة إلا لمن عجز منهم (3) ،
__________
(1) - البقرة : 183و184 .
(2) - البقرة : 185 .
(3) - تفسير الطبري : 2/132 و133 ، تفسير القرطبي : 2/ 287و288 ، صحيح البخاري : 2/688 ، صحيح مسلم : 2/ 802 .(1/6)
فهنا ، وإن كان حكم هذه الآية قد نسخ إلا أننا نلمح هنا صورة [البديل] بوضوح ، حيث إن المكلف سواء كان عجوزا أم لا مخير على القول الأول بين الصيام ، والفدية ، حيث ورد : ( فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ) ،
? تحديد الواقعة :
فالواقعة هنا هي الحفاظ على حق الله تعالى ، وذلك عن طريق الصوم ، فالصوم هو الحكم الأصلي ، ثم ذكر بعد ذلك حكما [بديلا] للحفاظ على هذا الحق ، وهو إعطاء الفدية .
ثم قيد ابن عباس أن هذا خاص للشيوخ والعجزة ، فعلى قوله ، فالفدية تعتبر [بديلا] في حق الشيوخ ، والعجزة ،
وكما ذكرنا أن هذا ليس لبيان الحكم ؛ لأنه منسوخ ، وإنما هو لبيان صورة من الأمثلة القرآنية [للبديل] ،
? التكييف الفقهي :
وتكييفنا لجعل الفدية [بديلا فقهيا] للصوم هو كما يأتي :
أ إن الصوم هو [الأصل] ؛ لأنه ذكر ابتداء ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ...... } ، والفدية[بديل] ؛ لأنها ذكرت بعده ، قال تعالى : { ... وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ..... }.
ب إن الفدية في قوة الصوم ، من حيث الشمول ، والدوام ، فهي شاملة لجميع المكلفين – على غير قول ابن عباس - ، وكونها غير مؤقتة ، فهي جائزة في جميع أيام رمضان ، وفي كل رمضان - قبل النسخ - .
ت إن المكلف مخير بين الصيام ، والفدية ، فهو غير ملزم بواحد منهما ، ولجوء المكلف إلى الفدية هو لحاجته ، لا أنه مضطر إلى ذلك .
ث إن إعطاء الفدية مسقطة للمسائلة ، كما في الصوم ، فلا يطالب المكلف بالقضاء بعد أداء الفدية .
3- في الحج ،(1/7)
قال تعالى : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ 196} (1) .
? الحكم الذي دلت عليه الآية :
إن قوله تعالى : { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } ففي الآية دليل على أنه يتخير بين هذه الأشياء الثلاثة ؛ لأنها ذكرت بحرف [أو] ، وذلك يوجب التخيير (2) .
? تحديد الواقعة :
فالواقعة هنا هي فدية الذي لا يستطيع الحلق ، أو التقصير ؛ لعذر ، وقد ذكر الله تعالى أن فدية ذلك { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } ،
فالأصل هنا الصوم ، و[بدائله] الصدقة ، والنسك .
? التكييف الفقهي :
وتكييفنا في جعل الصدقة والنسك [بدائل] للصوم هو كما يأتي :
أ إن الصوم هو [الأصل] ؛ لأنه ذكر ابتداء ، قال تعالى : { فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ } ، والصدقة والنسك هي [بدائل] ؛ لأنها ذكرت بعده ، قال تعالى : { فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } .
ب إن الصدقة والنسك في قوة الصوم ، من حيث أنه شامل لجميع من شملتهم الفدية ، وأنه غير مؤقت بحج دون آخر .
__________
(1) - البقرة : 196 .
(2) - المبسوط : لـ"محمد بن أبي سهل السرخسي أبي بكر"4/74 (دار المعرفة ، بيروت : 1406هـ) .(1/8)
ت إن المكلف مخير بين الصوم ، وبين الصدقة والنسك ، فهو غير ملزم بواحد بعينه .
ث إن الصدقة أو النسك مسقطتان للمسائلة ، كما في الصوم ، فمن أدى الفدية ، فلا يطالب بعدها بشيء آخر .
ثانيا- الأدلة القرآنية للبديل الفقهي في المعاملات :
1. في الاستيثاق ،
قال تعالى : { وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ 283 } (1) .
? الحكم الذي دلت عليه الآية :
إن الحكم الذي دلت عليه الآية هو جواز الاستيثاق على الدين بالرهن ، والمعنى : وان كنتم مسافرين عند التداين ولم تجدوا كاتبا فالذي يستوثق به هو الرهان المقبوض ، أي : المسلم إلى صاحب الدين ، وجرى التقييد بالسفر ؛ لأن الكاتب إنما يعدم غالبا فيه ، ولا يدل على منع الرهن إلا في السفر ، كما صار إليه مجاهد (2) ،
قال ابن قدامة المقدسي في كتابه المغني :
((ويجوز الرهن في الحضر ، كما يجوز في السفر ، قال ابن المنذر : لا نعلم أحدا خالف في ذلك إلا مجاهد ، قال ليس الرهن إلا في السفر ، لأن الله تعالى شرط السفر في الرهن بقوله تعالى : { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ...الآية} (3) ،
__________
(1) - البقرة : 283 .
(2) - مواهب الرحمن في تفسير القرآن للشيخ عبد الكريم المدرس : 3/131 . البرهان في علوم القرآن : لمحمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي أبي عبد الله – 2/23 (دار المعرفة ، بيروت : 1391هج) تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم.
(3) - البقرة : 283 .(1/9)
ولنا : أن النبي (صلى الله عليه وسلم) اشترى من زفر طعاما ، ورهنه درعه ، وكانا بالمدينة ، ولأنها وثيقة تجوز في السفر ، فجازت في الحضر ، كالضمان ، فأما ذكر السفر ، فإنه خرج مخرج الغالب ؛ لكون الكاتب يعدم في السفر غالبا ؛ ولأن الله تعالى قال : { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ...الآية} ، فجعله [بدلا] عن الكتابة ، فيكون في محلها ، ومحلها بعد وجوب الحق ، وفي الآية ما يدل على ذلك ، وهو قوله : { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } (1) ، فجعله جزاء للمداينة )) (2) .
? تحديد الواقعة :
فالواقعة هنا هو الاستيثاق على الدين ، وبماذا يستوثق عليه ؟
فالأصل في الاستيثاق هوالكاتب هنا ؛ وقد جعل الله تعالى الرهن المسلم إلى صاحب الدين [بديلا] عن الكاتب .
? التكييف الفقهي :
وتكييفنا في جعل الرهن [بديلا] للكاتب في الاستيثاق ، هو كما يأتي :
أ إن الكاتب هو [الأصل] ؛ لأنه ذكر ابتداء ، قال تعالى : { وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا } ، والرهن ذكر بعده فهو [بديل] له ، قال تعالى : { فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ } .
ب إن الرهن في قوة الكاتب ، من حيث كونه وسيلة للاستيثاق شاملة لجميع المكلفين عندما يكونون محتاجين إلى التوثق في معاملاتهم ، ومن حيث كونه غير مقيد بفترة معينة ، فهو يجوز في كل وقت .
ت إن المكلف مخير بين الاستيثاق بالكاتب أو الرهن ، فهو غير ملزم بواحد بعينه .
ث إن الاستيثاق بالرهن كاف ، وتترتب عليه الآثار الشرعية ، كما في الكاتب .
2. في الشهادة على الدين ،
__________
(1) - البقرة : 282 .
(2) - المغني : 4/215 .(1/10)
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ ....... إلى قوله تعالى : وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ..........282} (1) الآية .
? الحكم الذي دلت عليه الآية :
المعنى إن لم يأت الطالب برجلين ، فليأت برجل وامرأتين هذا قول الجمهور ، فرجل رفع بالابتداء ، وامرأتان عطف عليه ، والخبر محذوف ، أي : فرجل وامرأتان يقومان مقامهما ،
وقال قوم : بل المعنى فإن لم يكن رجلان ، أي : لم يوجد ، فلا يجوز استشهاد المرأتين إلا مع عدم الرجال ،
قال ابن عطية ، وهذا ضعيف ، فلفظ الآية لا يعطيه ، بل الظاهر منه قول الجمهور ، أي : إن لم يكن المستشهد رجلين ، أي : إن أغفل ذلك صاحب الحق ، أو قصده لعذر ما ، فليستشهد رجلا وامرأتين ، فجعل تعالى شهادة المرأتين مع الرجل جائزة مع وجود الرجلين في هذه الآية ، وهذا يكون في المال ، وإنما أقيمت المرأتان مقام الرجل ؛ لنقصان عقل المرأة (2) .
? تحديد الواقعة :
فالواقعة هنا هو بماذا تصح الشهادة ؟ ،
فالأصل في الشهادة هو الرجل مع الرجل ، وقد جعل الله تعالى المرأتين [بديلا] للرجل في الشهادة ،
? التكييف الفقهي :
__________
(1) - البقرة : 282 .
(2) - تفسير القرطبي : 3 / 391 ، تفسير ابن كثير : 1/336 ، الدر المنثور : 2/119 ، المغني لابن قدامة : 8/153 ، كشاف القناع : لـ"منصور بن يونس بن إدريس البهوتي " 6/434 ( دار الفكر، بيروت : 1402هـ )، تحقيق : هلا مصيلحي مصطفى هلال، المهذب : لـ"إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي أبي إسحاق " – (دار الفكر ، بيروت ) .بدائع الصنائع : 6/277و278و279 .(1/11)
وتكييفنا في جعل المرأتين [بديلا] للرجل في الشهادة هو كما يأتي :
أ إن الرجل هو الأصل في الشهادة ؛ لأنه ذكر ابتداء قال تعالى : { وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ } ، و المرأتين [بديل] للرجلين ؛ لأنهما ذكرتا بعده قال تعالى : { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } .
ب إن المرأتين في قوة الرجل ، من حيث الشمول والدوام ، فهو حكم شامل لجميع المكلفين ، فيجوز لكل مكلف أن يستشهد على دينه بالمرأتين مع الرجل ، ويجوز في كل وقت .
ت إن المكلف مخير في الشهادة في أن يستشهد برجلين ، أو رجل وامرأتين ، مع وجود الرجل ، فهو غير ملزم بأن يستشهد برجلين .
ث إن الاستشهاد بالمرأتين مع الرجل كاف ، وتترتب عليه الآثار الشرعية ، كما في الاستشهاد بالرجلين .
ثالثا- الأدلة القرآنية للبديل الفقهي في الأحوال الشخصية :
1. في التعريض بالخطبة ،
قال تعالى : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ 235 } (1) .
? الحكم الذي دلت عليه الآية :
فقوله تعالى : { ولا جناح عليكم فيما عرضتم } المخاطبة لجميع الناس ، والمراد بحكمها هو الرجل الذي في نفسه تزوج معتدة ، أي : لا وزر عليكم في التعريض بالخطبة في عدة الوفاة ، والتعريض ضد التصريح ،
قال ابن عطية : أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو نص في تزوجها ، وتنبيه عليه لا يجوز ،
__________
(1) - البقرة : 235 .(1/12)
ومن صور التعريض ، أن يقول الرجل للمرأة ، وهي في عدتها من وفاة زوجها : إنك علي لكريمة ، وإني فيك لراغب ، وإن الله لسائق إليك خيرا ، ورزقا ، ونحو هذا من القول (1) ،
و روي : ((أن سكينة بنت حنظلة ، وكانت بقبا تحت بن عم لها توفي عنها ، قالت : ثم دخل علي أبو جعفر محمد بن علي ، وأنا في ، ثم قال كيف أصبحت يا بنت حنظلة ، فقلت : بخير ، وجعلك الله بخير ، فقال : أنا من قد علمت قرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وقرابتي من علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه) ، وحقي في الإسلام ، وشرفي في العرب ، قالت : فقلت : غفر الله لك يا أبا جعفر أنت رجل يؤخذ منك ، ويروى عنك ، تخطبني في عدتي ، فقال : ما فعلنا ، إنما أخبرتك بمنزلتي من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ثم قال : دخل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية ، وتأيمت من أبي سلمة بن
عبد الأسد ، وهو بن عمها ، فلم يزل يذكرها بمنزلته من الله تعالى حتى أثر الحصير في كفه من شدة ما كان يعتمد عليه ، فما كانت تلك خطبة )) (2) ،
? تحديد الواقعة :
فالواقعة هنا : هو إعلام المعتدة في عدة وفاة زوجها في الرغبة بالزواج منها ، فالحكم الأصلي هو التصريح بخطبتها ، وهذا لا يجوز ، كما تقدم ، فجعل الله تعالى [بديلا] للتصريح ، وهو التعريض بالخطبة .
? التكييف الفقهي :
وتكييفنا في جعل التعريض [بديلا] للتصريح هو كما يأتي :
__________
(1) - تفسير القرطبي : 3/188 ، موطأ مالك : لـ"مالك بن انس أبي عبد الله الأصبحي " – 2/524 (دار إحياء التراث العربي ، مصر ) تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي . الكافي في فقه ابن حنبل : 3/51 ، بدائع الصنائع : 3/204 .
(2) - سنن البيهقي الكبرى : لـ"أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبي بكر البيهقي – 7/178 (مكتبة دار الباز ، مكة المكرمة : 1414هـ - 1994م ) تحقيق : محمد عبد القادر عطا .(1/13)
أ إن التعريض في قوة التصريح ، من حيث كونه شاملا لجميع المكلفين ، فيجوز لكل مكلف أن يعرض بخطبة من يريد من النساء المعتدة عدة الوفاة ، ومن حيث كونه غير مقيد بوقت دون آخر .
ب إن التعريض كاف في إعلام المعتدة بالرغبة في الزواج منها ، كما لو صرح بذلك .
ت إن عدم جواز التصريح بالخطبة هو ليس حرمة لذات التصريح ، وإنما هي حرمة عرضية بسبب عدة الوفاة ، فإذا انقضت العدة عاد حكم جواز التصريح .
2. في النكاح أو الزواج ،
قال تعالى : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ .......} (1) الآية ، وقال تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ 5 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ 6 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ 7 } (2) .
? الحكم الذي دلت عليه الآية :
إن الواقعة التي جاءت الآية لبيان حكمها هي إشباع الرغبة الجنسية ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ5 } (3) ، فهذه الآية الكريمة آتية ببيان صفة من الصفات الجلية للإنسان التي من اتصف بها فاز بالسعادة ، وهي العفة ، وصيانة النفس عما هي راغبة فيه من قضاء الشهوة الفرجية التي تورث الخير على الوجه المشروع ، وتورث الشر على غيره ، ولما كانت الشهوة المذكورة لازمة لطبع الإنسان ، ويصعب الانفكاك عن مقتضاها ، استثنى عن المذكور ، وقال : { إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْر ُمَلُومِينَ 6 } (4) ، فذكر الله تعالى حكمان الأول هو الزواج ، والثاني ملك اليمين .
? التكييف الفقهي :
__________
(1) - النساء : 25 ،
(2) - المؤمنون : 5و6و7 .
(3) - المؤمنون : 5 و6 .
(4) - مواهب الرحمن في تفسير القرآن للشيخ عبد الكريم المدرس : 6 / 8 و9 .(1/14)
وتكييفنا في جعل ملك اليمين [بديلا] للزواج هو كما يأتي :
أ إن الزواج هو [الأصل] ؛ لأنه ذكر ابتداء ،فقال تعالى : { إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ } ، وملك اليمين هو [البديل] ؛ لأنه ذكر بعده ، قال تعالى : { أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ }.
ب إن ملك اليمين في قوة الزواج ، من حيث أنه شامل لجميع المكلفين ، وأنه ليس محددا بوقت دون آخر .
ت إن المكلف مخير بين الزواج وملك اليمين ، فالغرض الأصلي من الزواج ، كما ذكرنا هو إشباع هذه الرغبة ، فبأي وسيلة مشروعة أشبع رغبته جاز له ذلك ، سواء كان بالأصل – الزواج – ، أو بـ[البديل] ، وهو ملك اليمين .
ث إن ملك اليمين كاف في تحقيق المقصد الأصلي ، وهو إشباع الرغبة ، كما في الزواج .
3. في الخلع ،
قال تعالى : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 229 } (1) .
? الحكم الذي دلت عليه الآية :
فالواقعة : هل يجوز للمطلق أن يأخذ من طليقته شيئا من المهر ؟
__________
(1) - البقرة : 229 .(1/15)
الجواب : لا يجوز له ذلك ، بنص قوله تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا } ،إلا في حالة الخلع ، فقال تعالى : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ، يعني قوله تعالى ذكره بذلك : فإن خفتم أيها المؤمنون ألا يقيم الزوجان ما حد الله لكل واحد منهما على صاحبه من حق وألزمه له من فرض ، وخشيتم عليهما تضييع فرض الله ، وتعدي حدوده في ذلك ، فلا جناح حينئذ فيما افتدت به المرأة نفسها من زوجها ، ولا حرج عليهما فيما أعطت هذه على فراق زوجها إياها ، ولا على هذا فيما أخذ منها من الجعل ، والعوض عليه (1) ،
وقوله تعالى : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } على جواز الخلع بما قل ، و كثر ، وأن له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ،
وقد ذكر عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل : (( أن الربيع بنت معوذ بن عفراء حدثته : أنها اختلعت من زوجها بكل شيء تملكه ، فخوصم في ذلك إلى عثمان بن عفان ، فأجازه ، وأمره أن يأخذ عقاص رأسها فما دونه ،
ورفعت إلى عمر بن الخطاب امرأة نشزت عن زوجها ، فقال اخلعها ، ولو من قرطها )) ذكره حماد بن سلمة عن أيوب عن كثير بن أبي كثير عنه (2) .
? التكييف الفقهي :
وتكييفنا في جعل الخلع [بديلا فقهيا]عن الأخذ غير المشروع من المطلقة هو ، كما يأتي :
أ إن [الأصل] هو عدم جواز المطلق أن يأخذ شيئا من المهر من طليقته ؛ لأنه ذكر ابتداء ، قال تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا } والخلع هو [البديل] ؛ لأنه ذكر بعد ذلك ، قال تعالى : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } .
ب إن الخلع يتصف بالشمول ، و الدوام ، فهو يجوز لكل امرأة تريد أن تختلع من زوجها على [بدل] من المال ، وأنه ليس محددا بوقت دون آخر .
__________
(1) - تفسير الطبري : 2/467 . الأم : 5/196 .
(2) - زاد المعاد : 5/193و194 .(1/16)
ت إن الحرمة التي اقترنت بالمال الذي يؤخذ من المطلقة بدون خلع هي حرمة عرضية ، بدليل أنه لو اختلعت منه حل له هذا المال على كونه بدلا للخلع ، فعليه جاز أن يكون الخلع على بدل من المال بديلا لأخذ المال من المطلقة بدون خلع .
رابعا- الأدلة القرآنية للبديل الفقهي في الحدود والجنايات :
? في القصاص ،
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى ....الآية} (1) .
? الحكم الذي دلت عليه الآية :
إن الحكم الذي دلت عليه الآية هو شرعية القصاص في القتلى ، والقصاص مأخوذ من قص الأثر ، وهو إتباعه ، ومنه القاص ؛ لأنه يتبع الآثار والأخبار ، وقيل : القص القطع ، يقال : قصصت ما بينهما ، ومنه أخذ القصاص ؛ لأنه يجرحه مثل جرحه ، أو يقتله به ، يقال : أقص الحاكم فلانا من فلان ، أي : اقتص منه ،
وصورة القصاص : هو أن القاتل فرض عليه إذا أراد الولي القتل الاستلام لأمر الله والانقياد لقصاصه المشروع ،
ولا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك ؛ لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعا أن يجتمعوا على القصاص فأقاموا السلطان مقام أنفسهم (2) ،
فالأصل : القصاص ،
__________
(1) - البقرة : 178 .
(2) - تفسير القرطبي : 2 / 245 .(1/17)
وقد جعل الله تعالى الدية المسلمة إلى ولي المقتول [بديلا] للقصاص ، قال تعالى : { ....... فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ 178 } (1) ، أي : إذا عفي عن القاتل من جانب أخيه في الدين ، وهو ولي المقتول ، إذ يسقط به الدم ، وتجب الدية، قال ابن عباس : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } ، فالعفو أن يقبل الدية في العمد ، و اتباع بالمعروف أن يطلب هذا بمعروف ويؤدي هذا بإحسان (2) ، ثم قال تعالى : { ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } (3) ،
أي : ذلك العفو الذي شرعه الله تعالى تخفيف من ربكم حيث [بدل] القتل بصرف المال (4) ، فأوجبت الدية [بدلا] من تعطيل حق الله تعالى في نفس القتيل ، فإنه كان له في نفسه حق ، وهو التنعم بالحياة ، والتصرف فيما أحل له تصرف الأحياء ، وكان لله سبحانه وتعالى فيه حق ، وهو أنه كان عبدا من عباده يجب له من اسم العبودية صغيرا كان ، أو كبيرا حرا كان ، أو عبدا مسلما كان ، أو ذميا ، ما يتميز به عن البهائم ، والدواب (5) .
? تحديد الواقعة :
فالواقعة هي الحفاظ على حق الله تعالى ، وعدم تعطيله ، فالأصل هو القصاص ، وقد جعلت الدية [بديلا] للقصاص ،
وتكييفنا في جعل الدية [بديلا] للقصاص هو كما يأتي :
__________
(1) - البقرة : 178 .
(2) - تفسير الطبري : 2 / 107.
(3) - البقرة : 178 .
(4) - مواهب الرحمن في تفسير القرآن : 2/319 ، تفسير القرطبي : 2 / 246.
(5) - تفسير القرطبي : 5/315 ، النهاية في غريب الحديث : 2/400 .(1/18)
أ إن القصاص هو [الأصل] ؛ لأنه ذكر ابتداء ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } ، والدية [بديل] ؛ لأنها ذكرت بعد ذلك ، قال تعالى : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } .
ب إن الدية في قوة القصاص ، من حيث الشمول والدوام ، فهو شامل لجميع المكلفين ، فكل ولي للمقتول يجوز له أن يتنازل عن القصاص ، ويأخذ الدية ، وغير محدد بوقت معين ، فأخذ الدية يجوز في كل وقت .
ت إن ولي المقتول مخير بين [الأصل] وهو القصاص ، وبين [بديله] ، وهو أخذ الدية .
ث إن الدية كافية في كونها يحفظ بها حق الله تعالى ، كما في القصاص .
خامسا- الأدلة القرآنية للبديل الفقهي في الكفارات :
? في كفارة اليمين ،
قال تعالى : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 89 } (1) .
? الحكم الذي دلت عليه الآية :
قوله تعالى : { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } ، أي : تغطية أيمانكم ، وكفرت الشيء غطيته ، وسترته ، ولا خلاف أن هذه الكفارة في اليمين بالله تعالى ، فأضاف الكفارة إلى اليمين ، والمعاني تضاف إلى أسبابها ، وأيضا ، فإن الكفارة [بدلا] عن البر (2) ،
__________
(1) - المائدة : 89 .
(2) - تفسير القرطبي : 6/275و283 .(1/19)
وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : (( إذا حلفت على يمين ، فرأيت غيرها خيرا منها فاءت الذي هو خير ، وكفر عن يمينك )) متفق عليه (1) .
? تحديد الواقعة :
فالواقعة : هي إذا حلف شخص على أن يفعل شيئا ، أو يترك شيئا ، مثلا يقول : والله لأزورنّ فلانا ، أو يقول : والله لا أزورنّ فلانا ،
فما هو الحكم الذي يتعلق بالحالف ، وكيف تسقط المسائلة عنه بسبب يمينه ؟
هناك حكمان قد ذكرهما الله تعالى أحدهما [أصلي] ، والآخر [بدليّ] :
فالحكم الأصلي في من يحلف ، البر بيمينه ، فإذا أبر بيمينه ، بأن فعل أو ترك ما أقسم عليه ، سقطت عنه المسائلة ،
والحكم البديل هو الكفارة ، فقد جعلها الله تعالى [بديلا] للبر باليمين.
? التكييف الفقهي :
وتكييفنا في جعل الكفارة [بديلا] للبر باليمين هو كما يأتي :
أ إن الكفارة في قوة البر باليمين ، من حيث الشمول ، فهي شاملة لجميع المكلفين الحالفين ، فكل حالف يريد أن يكفر عن يمينه بدلا من البر به جاز له ذلك ، ومن حيث الدوام ، فهي غير محددة بوقت معين ، فيجوز له في أي وقت أن يكفر عن يمينه .
ب إن المكلف مخير بين البر باليمين ، وبين الكفارة ، فهو غير ملزم بواحد منهما بعينه ، فبأي واحد قام به جاز له ذلك .
ت إن الكفارة مسقطة للمسائلة ، وكافية ، كما في البر باليمين ، فمن كفر عن يمينه ، فلا يطالب بعد ذلك بالبر بهذا اليمين .
سادسا- الأدلة القرآنية للبديل الفقهي في الجانب السياسي :
? في الجزية ،
قال تعالى : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ 29} (2) ،
__________
(1) - المغني لابن قدامة : 7/432 ، صحيح البخاري : 6/2443 ، صحيح مسلم : 3/1278 .
(2) - التوبة : 29 .(1/20)
فالأصل قتال المشركين (1) ،
والجزية هنا هي [بديل] لمقاتلتهم ، قال تعالى : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 61 } (2) ، أي : وإن مالوا إلى مسالمتك ، ومتاركتك الحرب ، إما بالدخول في الإسلام ، وإما بإعطاء الجزية ، وإما بموادعة ، ونحو ذلك كالسلم ، والصلح {فاجنح لها} ، أي : فمل إليها ، وابذل لهم ما مالوا إليه من ذلك وسألكوه (3) .
وتكييفنا في جعل الجزية [بديلا] للقتال هو كما يأتي :
? إن القتال هو [الأصل] ؛ لأنه ذكر ابتداء ، قال تعالى : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } والجزية [بديل] ؛ لأنها ذكرت بعد القتال ، قال تعالى : { حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ } .
? إن الجزية في قوة القتال ، من حيث الشمول ، فهي تجوز لكل قائد مسلم ، وكذلك فهي غير خاصة بقتال دون آخر ، ومن حيث الدوام ، فهي غير محددة بوقت معين ، فيجوز السلم بأخذ الجزية في أي وقت .
سابعا- الأدلة القرآنية للبديل الفقهي في آيات دفع الحرج :
قال تعالى : {مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 6} (4) ، وقال تعالى : {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (5) ،
__________
(1) - تفسير القرطبي : 8/41 و 109و 110 .
(2) - الأنفال : 61 .
(3) - تفسير الطبري : 10 ، 33 .
(4) - المائدة : 6 .
(5) - الحج : 78 .(1/21)
وكذلك من النصوص القرآنية التي تدل على اعتبار البديل ، وضرورة الاهتمام في تحصيله الآيات المتقدمة التي تدل على دفع الحرج ، فكما أن الحرج يندفع بالرخص ، فكذلك فالحرج يندفع أيضا بإيجاد البدائل ، فالمقصود من هذه الآيات هو دفع الحرج بأي وسيلة مشروعة سواء كان بالرخص أو بشيء آخر كالبدائل ، فدفعها غير محصور بالرخص فقط ، وكذلك فإننا عندما نقارن بين دفع الحرج بالرخص ، وبين دفعها بالبدائل لوجدنا أن البدائل أفضل من الرخص في دفع الحرج ، وذلك للاعتبارات التالية :
? كون البديل يحافظ على العمل بالأصل بخلاف الرخصة التي تلغي العمل بالأصل حال العمل بها .
? إن البديل يدفع الحرج على الدوام ، بخلاف الرخصة التي تكون دافعة للحرج في حال الضرورة فقط ، بحيث إذا زالت الضرورة زالت الرخصة .
? إن البديل يدفع الحرج عن جميع المكلفين ، بخلاف الرخصة التي تكون محصورة على بعض دون بعض .
المطلب الثاني
أدلة [البديل الفقهي] في السنة المطهرة
السنة في اللغة : السيرة و الطريقة المعتادة (1) ،
وفي اصطلاح الأصوليين : هي كل ما صدر عن الرسول(صلى الله عليه وسلم) من قول أو فعل أو تقرير، وهذا يرشد إلى أن السنة ثلاثة أنواع :
1. السنة القولية : وهي الأحاديث التي قالها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مختلف الأغراض والمناسبات ، مثل قوله(صلى الله عليه وسلم) : ((إنما الأعمال بالنيات)) (2) .
2. السنة الفعلية : وهي الأفعال التي فعلها الرسول(صلى الله عليه وسلم) ، مثل أداء الصلوات الخمس ، وأداء شعائر الحج ، وقضائه بشاهد ويمين المدعي ، وقطعه يد السارق اليمنى من الرسغ .
__________
(1) - مختار الصحاح : 1/133 ، الوجيز في أصول الفقه للزحيأتي : 35 .
(2) - صحيح البخاري :1/3 .(1/22)
3. السنة التقريرية : وهي ما أقره الرسول (صلى الله عليه وسلم)صراحة ، أو سكت عن إنكاره بعد أن صدر أمامه ، أو حدث في عصره وعلم به ، أو ظهر منه ما يدل على استحسانه والرضا به ، مثل : إقرار الصحابيين اللذين تيمما ، ثم وجدا الماء ، فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر ، قائلا لمن لم يعد : أصبت السنة و أجزأتك صلاتك ، وقال للذي أعاد : لك الأجر مرتين ، ومثل : أكل الضب على مائدة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وإقراره لمعاذ بن جبل في كيفية القضاء باليمن ، بدءًَ بالقرآن ، ثم بالسنة ، ثم بالاجتهاد ، ومثل : استبشار النبي(صلى الله عليه وسلم) بحكم القائف الذي حكم بأن أقدام أسامة من أقدام زيد (1) ،
وقد وردت في السنة الشريفة أمثلة كثيرة لـ[البدائل]في مختلف التصرفات ، مما يدل على أن لهذا المصطلح دورا كبيرا في استيعاب النصوص للوقائع المستحدثة في عهده (صلى الله عليه وسلم) ، والآتي بيان لهذه الأمثلة الحديثية مرتبة على أبواب الفقه :
أولا- أدلة السنة [للبدائل] في العبادات :
1. في المسح على الخفين ،
((عن عبد الله بن عمر عن سعد بن أبي وقاص عن النبي (صلى الله عليه وسلم) : ثم أنه مسح على الخفين ، وأن عبد الله بن عمر سأل عمر عن ذلك ، فقال : نعم إذا حدثك شيئا سعد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فلا تسأل عنه غيره )) (2) .
? الحكم الذي دل عليه الحديث :
إن الحكم الذي دل عليه الحديث المتقدم هو جواز المسح على الخفين .
? تحديد الواقعة :
فالواقعة هي إكمال فرائض الوضوء بطهارة القدمين ، فالشخص بعد أن يلبس الخفين على طهارة ، ثم ينقض وضوؤه ، فإذا توضأ وبقيت قدماه ، فما هو حكمهما ؟
__________
(1) - عون المعبود شرح سنن أبي داوود : لـ"محمد شمس الحق العظيم آبادي"1/369 (دار الكتب العلمية ، بيروت )ط2 : 1415هـ ، صحيح البخاري : 3/131و 8/12 ، الوجيز في أصول الفقه للزحيأتي : 35.
(2) - صحيح البخاري : 1/84 .(1/23)
فالأصل هو غسل الرجلين ؛ لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ........} (1) ،
وأما المسح على الخفين فهو [بديل] (2) لهذا الأصل .
? التكييف الفقهي :
وتكييفا لجعل المسح [بديلا] للغسل ، هو كما يأتي :
أ إن الغسل هو[الأصل]؛ لأنه ذكر ابتداء في القرآن الكريم ، فالغسل مشروع قبل المسح ، والمسح هو[البديل]؛ لأنه شرع بعد الغسل ، فهو قد ثبت في السنة بعد تشريع الغسل ، فقد ثبت بالنقل الصحيح : بال جرير ثم توضأ ومسح على خفيه ، قال إبراهيم النخعي : وإن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بال ، ثم توضأ ، ومسح على خفيه ، قال إبراهيم النخعي : كان يعجبهم هذا الحديث ؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة ، وهذا نص يرد ما ذكر، وما احتج به من رواية الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه : أن جريرا أسلم في ستة عشر من شهر رمضان ، وأن المائدة نزلت في ذي الحجة يوم عرفات ، وهذا حديث لا يثبت لوهاه ، وإنما نزل منه يوم عرفة : {اليوم أكملت لكم دينكم} (3) على ما تقدم ، قال أحمد بن حنبل : أنا أستحسن حديث جرير في المسح على الخفين ؛ لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة ، وأما ما روي عن أبي هريرة وعائشة (رضي الله عنهما) ، فلا يصح أما عائشة فلم يكن عندها بذلك علم ، ولذلك ردت السائل إلى علي (رضي الله عنه) ، وأحالته عليه فقالت سله فإنه كان يسافر مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ....... الحديث (4) .
__________
(1) - المائدة : 6 .
(2) - كشاف القناع : 1/110 ، مجموع الفتاوى : لـ"أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني أبي العباس "- 26/60 (مكتبة ابن تيمية )ط2 ، تحقيق :عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي .
(3) - المائدة : 3 .
(4) - تفسير القرطبي : 6 / 93 .(1/24)
ب من حيث أنه حكم شامل لجميع المكلفين اللابسين للخفاف ، فكل مكلف يجوز له أن يلبس الخف ، ويمسح عليه .
ت ومن حيث أنه غير مقيد بوقت دون آخر ، ففي أي وقت يلبس المكلف الخف ، يجوز له المسح ، ولا أقصد بالوقت مدة المسح للمقيم ، - وهي يوم وليلة ، أو المسافر ، وهي ثلاث أيام بلياليهن- ، وإنما الوقت الذي يريد المكلف أن يلبس فيه الخفين ، حتى يجوز له المسح .
ث ومن حيث أن المكلف مخير بين المسح ، والغسل ، دون أن يكون ملزما بواحد منهما بعينه ، فيجوز للمكلف أن يغسل رجليه ، أو يمسح على الخفين .
ج ومن حيث أنه مسقط للمسائلة ، من حيث أنه يقوم مقام الغسل في أنه يتم به الوضوء ، بل إن أكثر أهل العلم جعلوه أفضل من الغسل (1) .
2. الإهاب المدبوغ ،
((عن عبد الله بن عباس قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : ثم إذا دبغ الإهاب ، فقد طهر )) (2) .
? الحكم الذي دل عليه الحديث :
__________
(1) - المبدع : 1/135 ، المغني لابن قدامة : 1/174 .
(2) - صحيح مسلم : 1/277 ، سنن ابن ماجة : لـ"محمد بن يزيد أبي عبد الله القزويني " – 2/1193 (دار الفكر ، بيروت ) تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، السنن الكبرى : لـ"أحمد بن شعيب أبي عبد الرحمن النسائي " – 3/83 (دار الكتب العلمية ، بيروت :1411هـ - 1991م) تحقيق : د. عبد الغفار سليمان البنداري و سيد كسروي حسن .(1/25)
دل الحديث على أن جلد ما يؤكل لحمه طاهر بالذكاة ، فإذا مات ما يؤكل لحمه بدون ذكاة ، حرم ؛ لقوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ....... 3 } (1) ، وموت ما يؤكل لحمه داخل في عموم الآية ، ومما يحرم من الميتة في ما يؤكل لحمه جلدها ، لكن حرمته ليس لذات الجلد ، أي الحرمة ليست ناشئة من عين الجلد ، فجلد ميتة ما يؤكل لحمه يحرم ، بحدوث صفة الموت فيه (2) ،
إذن السبب في حرمته عرضي ، وليس ذاتيا ، لذا أمكن رفع هذه الحرمة .
? تحديد الواقعة :
فالواقعة : هو استعمال جلد ما يؤكل لحمه ،
فالأصل هو جواز استعمال جلد ميتة ما يؤكل لحمه إذا كانت مذكاة - مذبوحة بصورة شرعية- ، أما إذا ماتت بغير ذكاة فإنها تحرم بما في ذلك جلدها ،
و[البديل] : هو دباغة جلد الميتة ، فبالدباغة يخرج من صفة الميتة ، ويدخل في صفة الحلال ، كالجلود ، والأمتعة ، ويدل على ذلك أيضا تغير اسمه ، فهو يسمى إهابا إذا لم يدبغ ، فإذا دبغ لا يقال له إهاب إنما يسمى شنا و قربة (3) .
? التكييف الفقهي :
وتكييفنا في جعل الجلد المدبوغ [بديلا] للجلد غير المدبوغ هو كما يأتي :
أ إن دباغة جلد الميتة تتصف بالشمول والدوام ، فهي تشمل جميع أنواع الميتة مما يؤكل لحمها ، وغير محددة بوقت معين .
ب إن الدباغة كافية في جعل جلد الميتة يخرج من صفة الحرمة إلى صفة الحل ، كما في الذكاة .
ثانيا- أدلة السنة [للبدائل] في المعاملات :
? بدائل في باب الربا ،
__________
(1) - المائدة : 3 .
(2) - شرح معاني الآثار : لـ"احمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة أبي جعفر الطحاوي – 1/469و472 (دار الكتب العلمية ، بيروت : 1399هـ) ط1 ، تحقيق : محمد زهري النجار .
(3) - نيل الأوطار : 1/73 ، سبل السلام : لـ"محمد بن إسماعيل الصنعاني الأمير" – 1/31 (دار إحياء التراث العربي ، بيروت :1379هـ) ط4 ، تحقيق : محمد عبد العزيز الخولي .(1/26)
((عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال : ثم جاء بلال إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) بتمر برني ، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) : من أين هذا ، قال بلال : كان عندنا تمر رديء ، فبعت منه صاعين بصاع ؛ لنطعم النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : ثم ذلك أوه أوه عين الربا عين الربا ، لا تفعل ، ولكن إذا أردت أن تشتري ، فبع التمر ببيع آخر ، ثم اشتر به )) (1) .
? الحكم الذي دل عليه الحديث :
دل الحديث على وجوب المماثلة عند مقايضة التمر بالتمر ، وحرمة البيع متفاضلا ، أما إذا كان الجنس متخالفا ، كأن يكون التمر بالنقد فتجوز المفاضلة .
? تحديد الواقعة :
فالواقعة هنا : هي أن بلالا (رضي الله عنه) ، قد قايض صاعين من تمر رديء بصاع من تمر جيد ؛ ليطعم به النبي ( صلى الله عليه وسلم) ، وقد ذكر له النبي (صلى الله عليه وسلم) بأن ذلك تعامل ربويّ لا يصح ،
لأن الأصل : المماثلة بين التمر؛ لقوله (صلى الله عليه وسلم) : (( ثم الذهب بالذهب ،والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف ، فبيعوا كيف شئتم ، إذا كان يدا بيد)) (2) ، فإذا باع صاعا من تمر ، وكان العوض من التمر ، فيجب أن يكون صاعا أيضا ، سواء كان جيدا أو رديئا ؛ لذلك لم يصحح النبي (صلى الله عليه وسلم) فعل بلال ، فقال (صلى الله عليه وسلم) : (( ثم ذلك أوه أوه عين الربا عين الربا ، لا تفعل )) ،
__________
(1) - صحيح البخاري : 2/813 ، عمدة الأحكام :لـ"تقي الدين أبي الفتح ابن دقيق العيد"- 3/179 (دار الكتب العلمية ، بيروت ) . المغني لابن قدامة : 4/25 .
(2) - صحيح مسلم : 3/1211 ، البحر الرائق : 6/210 .(1/27)
وبما أن المنهجية النبوية في التشريع قد اهتمت بأن لا تجعل المكلف في حالة حرج ، وأن توجد له الحلول في نفس الواقعة ؛ لذا فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد أرشد بلالا (رضي الله عنه) إلى [البديل] ، وهو أن يبيع هذا الصنف من التمر ، ويشتري بثمنه الصنف الآخر، وهذا ما عبر عنه النبي (صلى الله عليه وسلم) بقوله : ((ولكن إذا أردت أن تشتري ، فبع التمر ببيع آخر ، ثم اشتر به)) .
? التكييف الفقهي :
وتكييفنا لهذه المسألة في جعلها [بديلا] لما ذكر هو كما يأتي :
أ إن [الأصل] هو المماثلة ؛ لأنه ذكر ابتداء بقوله (صلى الله عليه وسلم) : ((والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد )) ، و[البديل] هو التفاضل باختلاف الجنسين ؛ لأنه ذكر بعده ، وهو قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((فإذا اختلفت هذه الأصناف ، فبيعوا كيف شئتم ، إذا كان يدا بيد)).
ب إن اختلاف الجنسين في قوة الأصل [المماثلة بين الجنس الواحد] ، من حيث الشمول ، فهو شامل لجميع المكلفين ، فكل مكلف يجوز له أن يتعامل بهذه الأصناف متفاضلة إذا اختلف جنسها ، بأن يبيع متفاضلا الذهب بالفضة ، أو التمر بالملح ، و من حيث الدوام ، فهو غير محدد بوقت معين ، فيجوز للمكلف أن يتعامل بما ذكرنا في كل وقت .
ت إن المكلف مخير في الأخذ بين [الأصل] ، وبين [بديله] ، فهو غير ملزم بواحد منهما بعينه .
ث إن الأخذ بهذا [البديل] كـ[الأصل]، في انه لا تترتب عليه حرمة ، أو كراهة .
ثالثا- أدلة السنة [للبدائل] في الأحوال الشخصية :
? في الزواج :
وفيه زواج البكر بجعل صماتها بديلا عن كلامها ؛ ليكون دليلا على إقرارها :(1/28)
(( عن ابن عباس قال : قال : رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) : ثم الأيم أولى بنفسها من وليها ، والبكر تستأمر ، فإن صمتت فهو رضاها )) (1) .
? تحديد الواقعة :
فالواقعة : هي الوصول إلى رضا البكر على من يتقدم لطلب يدها ، والسنة قد دلت على أن هناك وسيلتان للوصول إلى رضاها :
أحدهما أصلي ، وهو إقرارها بدلالة المقال ، بأن تقول صراحة بأنها قد وافقت على من تقدم إليها ،
الثاني بدلي ، وهو إقرارها بدلالة الحال ، وهو صمتها .
? التكييف الفقهي :
وتكييفنا في جعل الصمت بديلا للكلام هو :
أ إن الأصل في الإقرار هو الكلام ، لأنه دلالة صريحة لا يحتمل شيئا آخر ، فهو مذكور ابتداء في الحديث الشريف التزاما ؛ لأن الكلام مفهوم من قوله (تستأمر) ، والدليل عليه أنه فرع بالفاء ، فذكر الصمت .
ب إن البكر مخيرة في أن يكون الدليل على رضاها بين الكلام [الأصل] ، وبين الصمت[البديل] ، فهي غير ملزمة بواحد منهما .
ت إن الصمت يترتب عليه الأثر الشرعي من انعقاد العقد ، كما لو أقرت بالكلام .
رابعا- أدلة السنة [للبدائل] في بعض خصوصيات النبي (صلى الله عليه وسلم) :
? في حرمة الصدقة على النبي (صلى الله عليه وسلم) ،
إن من الأمور التي اختص بها النبي(صلى الله عليه وسلم) هو تحريم الصدقة عليه ، وعلى آل بيته (صلى الله عليه وسلم) (2) ، (( فقد روي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنه قال : ثم كان رسول الله(صلى الله عليه وسلم) إذا أتي بطعام سأل عنه : أهدية ، أم صدقة ، فإن قيل : صدقة ، قال لأصحابه : كلوا ، ولم يأكل ، وإن قيل : هدية ضرب بيده (صلى الله عليه وسلم) ، فأكل معهم )) (3) ،
__________
(1) - سنن الدارقطني : لـ" علي بن عمر أبي الحسن الدارقطني البغدادي " 3/241 (دار المعرفة ، بيروت : 386هـ - 1966م) اسم المحقق :: السيد عبد الله هاشم يماني المدني.
(2) - صحيح ابن خزيمة : 4/57 .
(3) - صحيح البخاري : 2/910 .(1/29)
فالحكم الأصلي هو : تحريم أكل الصدقة على النبي (صلى الله عليه وسلم) ،
و[البديل] للأصل هو : تحول الصدقة إلى هدية ، وفي هذا الشأن روايات عدة منها :
1. عن عائشة (رضي الله عنها) : ثم أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق ، وأراد مواليها أن يشترطوا ولاءها ، فذكرت عائشة للنبي (صلى الله عليه وسلم) ، فقال لها النبي(صلى الله عليه وسلم) : اشتريها ، فإنما الولاء لمن أعتق ، قالت : وأتي النبي (صلى الله عليه وسلم) بلحم ، فقلت : هذا ما تصدق به على بريرة ، فقال : هو لها صدقة ، ولنا هدية )) (1) ، فالمأخوذ اعتبر في حق بريرة صدقة ، فحرمت على النبي(صلى الله عليه وسلم) ، وفي حق النبي (صلى الله عليه وسلم) هدية ، فلم تحرم عليه (صلى الله عليه وسلم) .
2. أخرج الطبراني عن سلمان في إسلامه ، قال : لما قدم النبي (صلى الله عليه وسلم) المدينة ، صنعت طعاما ، فجئت به ، فقال ما هذا ، قلت : صدقة ، فقال لأصحابه : كلوا ، ولم يأكل ، ثم إني رجعت حتى جمعت طعاما ، فأتيته به ، فقال : ما هذا ، قلت : هدية ، فأكل ، وقال لأصحابه : كلوا )) (2) ،
فالطعام حرم على النبي (صلى الله عليه وسلم) ؛ لأنه قدم له على صفة أنه صدقة ، فاجتهد سيدنا سلمان (رضي الله عنه) لإيجاد [بديل] تتحول فيه هذه الصدقة المحرمة في حقه (صلى الله عليه وسلم) إلى شيء آخر تكون حلالا في حقه (صلى الله عليه
وسلم) ، لذا فإنه اختار كلمة الهدية حتى تكون [بديلا] لكلمة الصدقة ، والقاعدة : تغير الاسم يدل على تغير المسمى (3) .
وتكييفنا لهذه المسألة في جعلها [بديلا] هو كما يأتي :
__________
(1) - صحيح البخاري : 2/543 .
(2) - الدر المنثور : 3/132و137و138 .
(3) - المبدع : 1/41 .(1/30)
أ إن الأصل هو حرمة الصدقة على النبي ( صلى الله عليه وسلم) ، إلا أنها حرمة غير ذاتية ، فهي حرمت عليه بسبب اتصافها بالصدقة ، فبمجرد ارتفاع هذه الصفة ترتفع الحرمة ، لذا فإن [البديل] لها هو رفع هذا الوصف ، وإقامة وصف الهدية بدلها .
ب إن الهدية في كونها جائزة في حق النبي (صلى الله عليه وسلم) تتصف بالشمول والدوام ، فهي شاملة لجميع من يريد أن يعطي للنبي( صلى الله عليه وسلم) هدية ، وفي كل وقت يراد به أن يهدى للنبي (صلى الله عليه وسلم) .
ت إن الحرمة التي اقترنت بالصدقة ، ترتفع بأمرين ، أحدهما شراء النبي (صلى الله عليه وسلم) للصدقة ، والآخر هو إهداء الصدقة ، والهدية كالشراء في كونها رافعة للحرمة .
خامسا- أدلة السنة [للبدائل] في الجانب السياسي :
? صلح الحديبية ،
عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء بن عازب يقول : ثم كتب علي بن أبي طالب الصلح بين النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وبين المشركين يوم الحديبية ....... )) (1) ،
وقال الزهري – مبينا الفوائد المترتبة على هذا الصلح - :
ما فتح الله في الإسلام كان أعظم من صلح الحديبية ؛ لأنه إنما كان القتال حين تلتقي الناس ، فلما كانت الهدنة وضعت الحرب أوزارها ، وأمن الناس بعضهم بعضا ، فالتقوا ، وتفاوضوا الحديث ، والمناظرة ، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه ، فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام مثل ما كان في الإسلام قبل ذلك ، وأكثر يدلك على ذلك أنهم كانوا سنة ست يوم الحديبية ألفا وأربعمائة ، وكانوا بعد عام الحديبية سنة ثمان في عشرة آلاف (2) ،
فالأصل هو قتال المشركين ، وهذا ما بينه الزهري بقوله : [ لأنه إنما كان القتال حين تلتقي الناس ] ،
__________
(1) - صحيح مسلم : 3/1409 .
(2) - تفسير القرطبي : 16/291 .(1/31)
و[ البديل] للقتال ، هو الصلح إذا ترتب عليه فوائد ترجع على الإسلام ، والمسلمين ، وهذا ما جنح إليه النبي (صلى الله عليه وسلم) في صلح الحديبية ؛ لما ترتب على هذا الصلح من فوائد ، كما ذكرها الزهري آنفا ،
وتكييفنا في جعل الصلح [بديلا] للقتال هو :
أ إن الصلح يتصف بالشمول والدوام ، فهو غير محصور على قائد بعينه ، بل هو يجوز لكل قائد يجد في الصلح تحقيق مصلحة الإسلام والمسلمين ، ويجوز أيضا في كل وقت ، فهي غير محددة بوقت معين .
ب إن الصلح يحق الأغراض والمقاصد الأصلية التي يحققها القتال ، بل إن المصالح التي تنتج عن الصلح أعم وأشمل من القتال ، وهذا ما بينه الزهري بقوله : ((فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام مثل ما كان في الإسلام قبل ذلك ، وأكثر يدلك على ذلك أنهم كانوا سنة ست يوم الحديبية ألفا وأربعمائة ، وكانوا بعد عام الحديبية سنة ثمان في عشرة آلاف )) .
سادسا- أدلة السنة [للبدائل] في الحدود والجنايات :
? سقوط حد السرقة والقذف بالعفو ،
العفو لغة : من عفا يعفو عفوا ، فهو عاف ، والعفو هو التجاوز عن الذنب ، وترك العقاب عليه (1) ، ومنه عفا الله عنك ، أي : محا ذنوبك ، وعفوت عن الحق أسقطته ، كأنك محوته عن الذي هو عليه (2) ،
__________
(1) - لسان العرب : 2/827 ، النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير : 3/265 ، مختار الصحاح للرازي : 443 .
(2) - القاموس المحيط : لـ"الشيخ نصر الهويني – الفيروز آبادي "4/364 ، مجمع البحرين : لـ"الشيخ فخر الدين الطريحي" 3/210 (مكتب نشر الثقافة الإسلامية )ط2 : 1408هـ ، تحقيق : السيد أحمد الحسيني .(1/32)
اصطلاحا ، والمراد بالعفو في الجنايات : إسقاط حق المجني عليه مقابل تنازله عن حقه مطلقا ، أو بعوض (1) ، وقد وردت أحاديث ثبت فيها جواز العفو عن القاذف من قبل المقذوف ، أو عن السارق من قبل المسروق منها :
1. قال (صلى الله عليه وسلم) : { تعافوا الحدود فيما بينكم ، فما بلغني من حد فقد وجب } (2) .
2. ما جاء في حديث صفوان بن أمية حين أخذ من سرق رداءه ، وهو نائم في المسجد إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فأمر به رسول الله أن تقطع يده ، فقال صفوان : غني لم أرد هذا يا رسول الله ، هو عليه صدقة ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : فهلا قبل أن تأتيني به (3) ،
3. روي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال : { أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم إذا أصبح قال : اللهم إني تصدقت بعرضي على عبادك } (4) ،
__________
(1) - سقوط العقوبات في الفقه الإسلامي : د.جبر محمود الفضيلات : 1/79 (دار عمار للطباعة والنشر ، الأردن : 1408هـ - 1987م ) .
(2) - سنن أبي داوود : لـ"سليمان بن الأشعث أبو داوود السجستاني الأزدي" 4/131رقم 4376 (دار الفكر) اسم المحقق : محمد محيي الدين عبد الحميد .، سنن الدارقطني : 3/113 .
(3) - السنن الكبرى : 4/329 ، مصنف ابن أبي شيبة : لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي - 7/307( مكتبة الرشد – الرياض : 1409هـ ) ط1 ، تحقيق : كمال يوسف الحوت .
(4) - أخرجه أبو داوود وفي لفظ له حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد عن ثابت عن عبد الرحمن بن عجلان قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : أيعجز أحدكم أن يكون مثل أبي ضمضم ؟ قالوا : ومن أبو ضمضم ؟ قال : رجل فيمن كان من قبلكم " بمعناه قال" : عرضي لمن شتمني )) سنن أبي داوود[المرجع السابق] : 4/273.(1/33)
وجه الاستدلال : أفاد الحديث جواز عفو المقذوف عن القاذف ؛ لأن التصدق بالعرض لا يكون إلا بالعفو عما يجب ، ولأنه لا يستوفي إلا بمطالبته ، فكان له العفو كالقصاص (1) ،
فالواقعة المعنية في هذه الأحاديث ، هي كيف يحافظ على الحق الشخصي للمسروق والمقذوف في جريمتي السرقة والقذف ؟
إن جريمتي السرقة والقذف يتصور فيهما الحق الشخصي بلا ريب ، إذ الأول اعتدي على ماله ، والثاني اعتدي على سمعته وكرامته ، واعتباره بين الناس (2) ، فللحفاظ على هذا الحق في هاتين الجريمتين ، فهناك حكمان [أصلي] و[بدلي] ،
فالحكم الأصلي :
أ. في السرقة قوله تعالى : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 38 } (3) ، فالحكم الأصلي بالنسبة للسارق هو قطع اليد .
ب. في القذف قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ 4 } (4) ، فالحكم الأصلي بالنسبة للقاذف هو جلده ثمانين جلدة ، بعد ثبوت الحد عليه .
والحكم [البديل] لحدي السرقة والقذف ، هو [العفو] عن السارق من قبل المسروق ، و[العفو] عن القاذف من قبل المقذوف ،
__________
(1) - المهذب في فقه الإمام الشافعي : لـ" إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي أبي إسحاق" 2/274 ( دار الفكر ، بيروت ).
(2) - الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي : لـ"محمد أبي زهرة "- 91و92 (دار الفكر العربي- القاهرة) .
(3) - المائدة : 38 .
(4) - النور : 4 .(1/34)
واعتبارنا للعفو في كونه [بديلا] لحدي السرقة والقذف ، مبني على من قال بجواز العفو مطلقا ، وهو ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية والمالكية في رواية عنهم و الإمامية (1) ،
و تكييفنا في جعل العفو [بديلا فقهيا] لحدي السرقة والقذف هو :
أ إن العفو في قوة إقامة الحد ، من حيث الشمول : فهو شامل لجميع المسروقين و المقذوفين في أن لهم الحق في إسقاط المطالبة بإقامة العقوبة على السارق أو القاذف بالعفو ، ومن حيث الدوام : فهو يجوز في كل وقت ، وليس محددا بفترة معينة .
ب إن المقذوف أو المسروق مخيران بين إقامة الدعوى بالمطالبة بإقامة الحد - بقطع يد السارق ، أو جلد القاذف- ، وبين العفو عنهما ، فهو غير ملزم بواحد منهما .
ت إن العفو عن السارق أو القاذف ، يحقق مسألة معينة وهي الحفاظ على الحق الشخصي للمقذوف أو المسروق ، كما في إقامة حد السرقة أو القذف .
المبحث الثاني
شروط البديل
الشرط لغة : العلامة اللازمة ،
__________
(1) - المهذب [المرجع السابق] : 2/274 ، حواشي الشيرواني وابن القاسم على تحفة المحتاج : لـ"عبد الحميد الشرواني وابن قاسم العبادي " 9/120 (دار إحياء ، بيروت) ، المغني لابن قدامة : 10/205 ، الشرح الكبير : لـ"سيدي أحمد الدردير أبي البركات " 4/331(دار الفكر ، بيروت ) تحقيق : محمد عليش ، الإنصاف للمرداوي : 10/201 ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق : 5/60 ، المختصر النافع : لـ"المحقق الحلي" 221 (الناشر : مؤسسة البعثة – طهران : 1410هـ ، طبعة : دار التقريب – قاهرة ) تحقيق : بإشراف الشيخ القمي . .(1/35)
وشرعا : ما يتم به الشيء ، وهو خارج عنه (1) ، فمثلا : شرط الصلاة الوضوء ، وهو شرط لا تصح بدونه الصلاة ، إلا انه خارج عن حقيقة الصلاة ، فالوضوء ليس من أركانها ، فأركانها : تكبيرة الإحرام ، والقيام ، والركوع ، والقعود ........الخ ، هذا
وبعد أن قدمنا التعريف الاصطلاحي لـ[البديل الفقهي] ، وحددنا مفهومه ، وذكرنا الأدلة القرآنية والحديثية التي تتضمن أمثلته ، فهو إذن كباقي المصطلحات الأخرى ، لابد أن تكون له شروط تكون علامات يهتدى بها إليه ، تكون مانعة من البحث فيما ليس منه ، وتمنع أيضا من دخوله فيما لا يصلح له ، ويتم بها مفهومه ، وهذه الشروط ليست حصرية ، وإنما هو ما توصلت إليه من خلال البحث ، والملاحظة ،
وهذه الشروط هي :
أولا- أن يكون [البديل] مسبوقا بحكم أصلي ، حتى يكون [بديلا] عنه ، فلا يمكن أن نعطي وصف [البديل] لتصرف إذا لم يكن هناك مبدل عنه ،
فالزواج من الأحكام الأصلية ، ولا يصح أن يكون [بديلا] ؛ لأنه شرع ابتداء ، ولم يسبقه حكم آخر مشروع ، حتى يكون [بديلا] عنه ،
لذا فإن ملك اليمين عندما كيفناه على كونه بديلا للزواج ؛ لأنه سبق بالزواج ، وهو حكم قد شرع قبله ، وفي نفس الواقعة ،
والبر باليمين أيضا لا يصح أن نعطيه وصف [البديل] ؛ لأنه لم يسبق بحكم مشروع ، حتى يكون [بديلا] عنه ،
لذا فإن البديل للبر باليمين هو الكفارة ؛ لأنها سبقت بحكم مشروع قبلها ، وهو البر باليمين ،
والقصاص ليس بديلا ؛ لأنه لم يسبق بحكم مشروع في نفس الواقعة ، فالبديل للقصاص هو إعطاء الدية لولي المقتول ؛ لأنها سبقت بحكم مشروع قبلها ، وهو القصاص ......إلخ .
ثانيا- الاتحاد بين [البديل] و [الأصل] ، في الواقعة ،
__________
(1) - الحدود الأنيقة : لـ"زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري أبي يحيى " 71 و 72 (دار الفكر المعاصر، بيروت : 1411هـ )ط1، تحقيق : د. مازن المبارك ، الدر المختار : لـ" علاء الدين الحصفكي" 1/101 (دار الفكر) الطبعة 1415 .(1/36)
فحتى يكون التصرف [بديلا] عن تصرف آخر ، فيجب أن يكون في نفس واقعة التصرف الذي جاء [بديلا] عنه ، فملك اليمين إنما صار بديلا عن الزواج ؛ لأنهما متحدين في نفس الواقعة ، وهي إشباع الرغبة الجنسية ،
لذا فإن [الصوم] لا يعتبر [بديلا] عن الزواج - لمن لم يستطع عليه - ؛ لأن واقعة الزواج هي : إشباع الرغبة الجنسية بالجماع ، وواقعة الصوم هي : قطع هذه الرغبة ، والفرق واضح ،
والعفو عن السارق من قبل المسروق ، والعفو عن القاذف من قبل المقذوف بديلان عن قطع يد السارق ، و جلد القاذف ؛ لأنهما اتحدا في نفس الواقعة ، وهو الحفاظ على الحق الشخصي للمسروق ، والمقذوف ، فإن الحق الشخصي يحفظ للمسروق أو المقذوف بالعفو عن السارق أو القاذف ، كما يحفظ بإقامة الحد عليهما .
ثالثا- أن يكون [البديل] موازيا للحكم الأصلي ، أي : في قوة الحكم الأصلي وموازاته له تتحقق من خلال :
1. الشمول ، فحتى يكون [البديل] موازيا للحكم الأصلي ، يجب أن يكون متصفا بالشمول ، أي : يكون شاملا لجميع المكلفين ، وليس خاصا بجماعة دون أخرى ، وبهذا يفترق [البديل] عن الرخصة ، فالرخصة حكم قاصر على بعض دون آخرين ، فالزواج حكم شامل لجميع المكلفين ، وملك اليمين يتصف بالشمول أيضا ، فهو غير قاصر على أفراد مخصوصين ، فيجوز لكل مكلف أن يملك اليمين ، وكذلك البر باليمين [الأصل] شامل لجميع المكلفين ، فيجوز لكل مكلف حالف أن يبر بيمينه ، وكذلك بديله ، وهي الكفارة شاملة لجميع المكلفين ، فيجوز لكل مكلف أن يكفر عن يمينه بدلا من البر ، و الاستيثاق على الدين يتم بالكاتب [الأصل] ، ويتم بالرهن [البديل] ، وكلاهما شاملين لجميع المكلفين ، فيجوز لكل مكلف أن يستوثق على دينه بالكاتب أو الرهن .(1/37)
2. الدوام ، وكذلك يجب أن يتصف [البديل] بالدوام ، أي : غير مؤقت بمدة معينة ، بل هو دائم ، كالحكم الأصلي ، فالزواج حكم غير محدد بمدة معينة ، فيستطيع المكلف أن يتزوج في أي وقت ، وكذلك ملك اليمين ، ومثل هذا يقال في الكفارة والرهن ، بخلاف الرخصة التي تكون مؤقتة بمدة معينة ، وهي المدة التي يسد المكلف فيها حاجته .
رابعا- أن لا يكون [البديل الفقهي] مبطلا أو ملغيا للحكم الأصلي ،
فيجوز للمكلف أن يأخذ بـ[البديل الفقهي] ، كما يمكنه أيضا أن يأخذ بالحكم الأصلي ، وبهذا يفترق [البديل] عن [النسخ] ، كما سيأتي بيانه في موضعه ، إن شاء الله تعالى ,
فـ[البديل الفقهي] يكون مع [الحكم الأصلي] ، كالآتي :
1. التخيير بين [البديل] ، و [الحكم الأصلي] ، وذلك :
? إما أن يسمح للمكلف بالأخذ بواحد منهما ، مع توقيف الآخر ، مثلا : الإتمام في صلاة المسافر يعتبر [الأصل] ، أما القصر ، فيعتبر [البديل] ، والمسافر مخير بينهما (1) ، إلا أنه لا يمكنه الإتيان بهما معا .
__________
(1) - التخيير بين الإتمام والقصر ، هو على رأي الإمام الشافعي ، انظر اختلاف الحديث :
لـ"محمد بن إدريس أبي عبد الله الشافعي" 76 (مؤسسة الكتب الثقافية ، بيروت : 1405هـ-1985م ، تحقيق : عامر أحمد حيدر ، وهذا هو ما يتماشى مع بحثنا ، كما ذكرناه سابقا .(1/38)
? أو إمكان الجمع بينهما - بين الحكم الأصلي وبديله - ، مثال ذلك : الاستيثاق على الدين يتم بالكاتب [الأصل] ، ويتم كذلك ببديله وهو الرهن ، ويجوز للمكلف أن يجمع بينهما في الاستيثاق ، فيستوثق على دينه بالكاتب والرهن جميعا ، وكذلك كفارة اليمين ، قال تعالى : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 89 } (1) ، فالحكم الأصلي الذي ذكر ابتداء في كفارة اليمين ، هو "إطعام عشرة مساكين" ، وما بعده [بدائل] للإطعام ، ومع ذلك فقد أمكن الجمع بين الإطعام ، والكسوة ، ففيها تخيير وترتيب ، فالتخيير بين الإطعام والكسوة ، والعتق ، والترتيب فيها بين ذلك ، وبين الصيام ، ويجوز أن يطعم المكفِّر بعضا من العشرة ، ويكسو بعضا منهم ؛ لأن الله تعالى خيَّر مَنْ وجَبَتْ عليه الكفارة بين الإطعام ، والكسوة ، فكان مرجعهما إلى اختياره في العشرة (2) ، وكذلك من الأمثلة على جواز الجمع بين الأصل و[بديله] : جواز الجمع بين مبادلة الذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد ، وهو الحكم الأصلي ، وبين [بديله] ، وهو مبادلة الذهب بالفضة متفاضلا ، إذا كان يدا بيد .
__________
(1) - المائدة : 89 .
(2) - كشاف القناع : لـ"منصور بن يونس بن إدريس البهوتي " 6 / 242 و243 ( دار الفكر، بيروت : 1402هـ )، تحقيق : هلا مصيلحي مصطفى هلال .(1/39)
2. تعين [البديل] محل الحكم الأصلي ، وذلك في حالة عدم تمكن المكلف من الأخذ بالحكم الأصلي ؛ لعدم تمكنه من فعله ، كمن لم يستطع إطعام عشرة مساكين ، فيتعين عليه [البديل] ،وهو كسوتهم ، أو تحرير رقبة ، ومن لم يستطع على نكاح الحرة ، فيتعين عليه البديل ، وهو ملك اليمين ، ومن لم يجد شاهدين يستوثق بهما على دينه ، فيتعين البديل ، وهو الرهن ، ومن لم يستطع على البر بيمينه ، فيتعين عليه البديل ، وهي الكفارة ........ إلخ .
خامسا- أن يكون [البديل الفقهي] مشروعا ، فحتى يكون [البديل الفقهي] معمولا به ، يجب أن يكون غير مخل بقاعدة شرعية ، أو يمس أصلا مشروعا ، وبعبارة أخرى : أن لا يُحَلَّ به الحرام ، ولا يحرم به الحلال ، ولا تضيع به الحقوق ، فالعباد كما ذكرنا في التمهيد متفاوتون في إثبات الحجج ، والبراهين ، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول : (( ثم إنما أنا بشر ، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا ، فإنما أقطع له قطعة من النار)) (1) ...رواه أبو هريرة ،
فهناك الكثير من المكلفين الذين يستطيعون أن يجعلوا الحق باطلا ، والباطل حقا ، وأن يوجدوا البدائل التي هي من حيث كونها عملا فقهيا لا شائبة فيه ، إلا أنه من حيث الآثار المترتبة عليها تؤدي إلى ضياع الحقوق ، فيحل بها الحرام ، ويحرم بها الحلال ، وهناك كثير من [البدائل] التي لا تتسم بالشرعية ، وأقتصر هنا على ذكر هذا المثال ، وهو زواج التحليل :
من طلق زوجته ثلاثا ، فإنها تبين منه بينونة كبرى (2) ،
فالواقعة هنا ، هو كيف يراجع طليقته هذه ؟
__________
(1) - صحيح ابن حبان : لـ"محمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم التميمي البستي" 11/461 ( مؤسسة الرسالة ، بيروت : 1414 هـ - 1993م )ط2 ، اسم المحقق :: شعيب الأرنؤوط ، السنن الكبرى : 3/ 472 .
(2) - المغني : 7/299 ، الأم : 5/137 .(1/40)
الجواب : هو أن تتزوج بآخر ، ثم يفارقها بموت ، أو طلاق ، ثم تنقضي عدتها ، فحينئذ يحل للزوج الأول أن يراجعها بعقد ومهر جديدين (1) ، قال تعالى : { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ 230 } (2) ، قال سعيد بن المسيب : إذا تزوجها تزويجا صحيحا لا يريد به إحلالا ، فلا بأس أن يتزوجها الأول (3) ،
إلا أن الجواب لا يمتثل له كثير من الناس ، فلا يرضى أحدهم أن تتزوج امرأته بآخر ، ويطأها ، وتذوق عسيلته ، ويذوق عسيلتها ، ثم ينتظرها ، إما أن تطلق ، أو يُتوفى عنها زوجها الثاني ؛ لذا فقد سولت لهم أنفسهم ، ودفعتهم إلى إيجاد حل [بديل] لهذه المسألة ، فأوجدوا [زواج التحليل] ، وهو أن يكون الزواج لمجرد التحليل للزوج الأول دون دخول بالزوجة من قبل الزوج الثاني ، ثم يطلقها بناء على اتفاق بينهم ،
فمثل هذا [البديل] لا يجوز ، وغير متصف بالشرعية (4) ، فقد ورد النهي عنه ، بقول النبي(صلى الله عليه وسلم) : (( لعن الله المحلل والمحلل له )) (5) .
__________
(1) - المغني : 7/389 .
(2) - البقرة : 230 .
(3) - المبدع : 7 / 403 .
(4) - تخريج الفروع على الأصول : لمحمد بن أحمد الزنجاني أبي المناقب : 1 / 289 . ( مؤسسة الرسالة _ بيروت : 1398هج ) ط2 ، تحقيق : د. محمد أديب صالح ، إعلام الموقعين :
لـ"محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبي عبد الله" 3 / 44 ( دار الجيل ، بيروت 1973هـ ) اسم المحقق : طه عبد الرءوف سعد ، شرح فتح القدير : 4 / 181 .
(5) - التمهيد لابن عبد البر : لـ" أبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري " 13 / 234 ( وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية ، المغرب : 1387هـ ) اسم المحقق : مصطفى بن أحمد العلوي , محمد عبد الكبير البكري .(1/41)
سادسا- أن لا يكون التحريم في الأصل ذاتيا ،وفي هذه الحال ، فلا بديل ، أما إن كانت حرمة [الحكم الأصلي] حرمة عرضية و طارئة ، أي : مؤقتة ، وليست ذاتية ، وهذا فيما إذا كان [البديل] عن حكم أصلي ، قد طرأت عليه الحرمة ؛ لعارض ، لا لذات الحكم الأصلي ، فالحرمة غير لازمة ، والحكم الأصلي ليس محرما بالأصالة ، وإنما تكون الحرمة لسبب عارض ، بحيث تزول هذه الحرمة بزوال السبب ، وبناء على هذا : لا [بديل فقهي] لما كان محرما بالأصالة ، أي : تكون حرمته أصلية ، مثال ذلك : أكل لحم الخنزير ، الزنا ، أكل مال اليتيم .....الخ ، فكل هذه المذكورات محرمة حرمة أصلية ، فلا [بدائل] فقهية لها ، ولا سبيل إلى اللجوء إليها إلا في حالات الضرورة ، فتكون حينئذ من تطبيقات الرخص .
فمثال ما يكون محرما حرمة طارئة ؛ لسبب ما :(1/42)
من أراد أن يتزوج الخامسة ، لا يجوز له ذلك ؛ لحرمة الزواج من الخامسة ، إلا أن هذه الحرمة غير أصلية ، أي عارضة لسبب ، وهو استيفاؤه للعدد المشروع ، وهو الأربع قال تعالى : {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } (1) ، فاستيفاؤه لهذا العدد مانع من زواجه بالخامسة ، فلا يستطيع أن يتجاوزه ، فبزوال هذا المانع ، بوفاة إحدى هذه الزوجات ، أو طلاق إحداهن ، تزول هذه الحرمة ، والقاعدة الفقهية تنص : [ إذا زال المانع عاد الممنوع ] (2) ، فمن أراد الزواج من الخامسة ، وهو لا يريد أن يطلق إحداهن ، لا يجوز له ذلك ، فليس له سبيل إلا ملك اليمين (3) ، فصار ملك اليمين [بديلا] للزواج ، ويتعين هنا ؛ لكون الزواج في هذه الحالة محرما حرمة طارئة (مؤقتة) ، وكذلك مبادلة صاعين من تمر رديء بصاع من تمر جيد حرام ، إلا أن حرمته غير أصلية ، فهو حرم لفقدان شرط المماثلة ؛ لذا فقد أمكن إيجاد بديل له ، وهو بيع التمر الرديء ، وشراء الجيد بثمن الرديء ، وكذلك جلد الميتة حرمته غير أصلية ؛ لأنه حرم لاتصافه بهذه الصفة ؛ لذا أمكن رفع هذه الصفة بالدباغة ، و حرمة الصدقة على النبي (صلى الله عليه وسلم) ليست لذات الصدقة ، وإنما لاتصافها بهذه الصفة ؛ لذا أمكن إيجاد بديل لها ، وهو إعطاءه هذا الشيء على كونه هدية .
__________
(1) - النساء : 3 .
(2) - درر الحكام شرح مجلة الأحكام : 35 .
(3) - أي : ملك اليمين بالتملك لا بالتزوج من الجارية ، لأنه لا يجوز أن يتزوج من الجارية إلا في حالة عدم التمكن من التزوج من الحرة انظر : جامع البيان : 5/7 ، زاد المسير في علم التفسير : 2/107 .(1/43)
سابعا- أن يكون [الحكم الأصلي] قابلا لإيجاد بديل له ، أما إذا لم يقبله فلا يكون البديل ، ومن ذلك بعض الفرائض العينية ، وذلك ، كالصلاة ، والصيام ، والحج ، والزكاة ، فهذه لا [بدائل] لها ؛ لأن المطلوب من المكلف ، هو فعل هذه المأمورات بعينها ، ومن قبل المكلف نفسه ، فهي فروض عينية ، فلا يجوز العدول عنها إلى غيرها ، أما ما يرد أن ما ظاهره قد حل محل هذه المأمورات على كونها [بدائل] ، أو غير ذلك ، فهذا ليس من باب [البدائل] ، كما في قيام الكفارة في الصوم مقام الصوم ، بالنسبة لمن يعجز عن الصوم ؛ لمرض ، أو غيره ، فهذا من تطبيقات الرخص ،
وبناء على هذا ، فلا يجوز أن تكون الصدقة العادية [بديلا] عن الزكاة ، ولا أن تكون العمرة [بديلا] عن الحج ، ولا أن تكون النافلة [بديلا] عن المفروضة ، ....الخ .
نعم قد تأتي [بدائل] في باب الزكاة ، أو الحج ، أو الصلاة ، فهذه [بدائل] في نفس هذه المفروضات ، وليست [بدائل] عنها ، فمثلا : إذا وجبت زكاة في المواشي و الزروع ، فالمفروض ، هو إخراج جزء معين من جنس الصنف الذي وجبت فيه الزكاة ، كما هو مقرر في كتب الفقه ، فإخراج القيمة (1) تعتبر [بديلا] عن إخراج المذكور ، فهذا ليس [بديلا] عن الزكاة ، وإنما [بديلا] في كيفية أداء الزكاة ، ومثل هذا يذكر في غير الزكاة كالصلاة ، والحج ....الخ .
__________
(1) - فقه الزكاة د. يوسف القرضاوي : 2/ من 799 إلى 808 .(1/44)
ثامنا- أن يكون [الحكم الأصلي] معللا ، لأن [البديل الفقهي] هو ضرب من الاجتهاد ، ولا مساغ للاجتهاد في مورد النص (1) ، فينبغي أن يكون الأصل معللا حتى يمكن أن يجتهد في إيجاد [بدائل فقهية] له ، فمثلا الاستيثاق على الدين الأصل فيه الكاتب ، والكاتب لم يكن وسيلة للتوثق لذاته ، أي : لكونه كاتبا ، وإنما لكونه يحصل به التوثق الذي يحفظ به حق الدائن ، فلذلك أشار الله تعالى بأن هذا المعنى ليس محصورا في الكاتب فقط ، وإنما قد يحصل بغيره مثل الرهن ، فهو كذلك وسيلة صالحة للتوثق ، ويحفظ بها حق الدائن ، فلذلك فإنه يجوز أن يجتهد في إيجاد بدائل عن الكاتب غير الرهن حتى تكون وسائل للتوثق ، ومن أمثلة ذلك : الكمبيالات ، والصكوك ، والتسجيل العقاري ، وغير ذلك من الوسائل الحديثة التي تؤدي إلى التوثق .
المبحث الثالث
أقسام البديل
ينقسم [البديل الفقهي ] إلى أقسام متعددة ، ويتنوع باعتبارات مختلفة ، وهي كما يأتي :
أولا- فمن حيث النص عليه في الكتاب والسنة ، وعدمه إلى :
1. [بديل] منصوص عليه ، وأقصد بالنص هنا ، وجوده من حيث التمثيل به في الكتاب والسنة ، لا أنه موجود من حيث الاصطلاح ، فنحن - كما قدمنا في التمهيد - لم نقف على باب يختص بـ[البديل] ، كمصطلح مستقل ، وإنما ذُكِرَ ذِكْراً عرضيا ، لا ينبئ عن شيء ،
وتطبيقاته في مصادر التشريع كثيرة ، وغير محصورة ، فمنها :
? ملك اليمين ، فهو [بديل] عن الزواج ، وقد نُصَّ عليه بقوله تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ 5 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ 6 } (2) .
__________
(1) - درر الحكام شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر : 29 .
(2) - المؤمنون : 5 و6 .(1/45)
? الدية ، وهي [بديل] عن القصاص ، وقد نُصَّ عليها بقوله تعالى : {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ } (1) .
? الكفارة على اليمين ، وهي بديل للبر ، قال تعالى : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 89 } (2) .
? الرهان المقبوض ، وهو بديل عن الكاتب ، قال تعالى : { وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ 283 } (3) .
وهذا النوع من [البدائل] ، لا يحتاج إلى اجتهاد بمعنى : الاستنباط ، وإنما يحتاج إلى تكييف فقهي ، في جعل هذه التطبيقات من [البدائل] .
2. [بديل] غير منصوص عليه ،
وأُعطيه تسمية أخرى ، كـ[البديل الاجتهادي] ، أو [البديل المبتكر] ، أو [البديل المقترح] ،
وهذا النوع من [البدائل] منوط بما يستجد من الوقائع ، فهو يحتاج إلى الاجتهاد بالبحث والاستدلال ، لذا يتطلب من الفقيه ، أو الباحث لإيجاد [بدائل فقهية] :
__________
(1) - النساء : 92 .
(2) - المائدة : 89 .
(3) - البقرة : 283 .(1/46)
أ. التعرف على الوسائل المؤدية إلى نتائج تتعلق بواقعة الحكم الأصلي ؛ لأن الأساس في إيجاد [البديل] هو تغيير الوسائل الأصلية بإيجاد وسائل [بديلة] ، فمثلا : مبادلة الذهب بالذهب ، فحتى يصح التصرف ، فيجب أن يكون مثلا بمثل ، ويدا بيد ، فهذا هو الحكم الأصلي ، إلا أنه لا يصلح لبعض من المكلفين ؛ لأنها لا تتلاءم مع حالهم ، وظرفهم ، لذا فقد وجدت حلول أخرى تتلاءم مع حالهم ، وهي :
? مبادلة الذهب بالذهب متفاضلا ، وهذا حرام ؛ لأنه يحقق الربا .
? مبادلة الذهب بالفضة متفاضلا إذا كان يدا بيد ، وهذا يعتبر [بديلا فقهيا] للحكم الأصلي ، فهو يحقق الغرض ، دون الدخول في الربا .
ب. بيان الشرعي من تلك الوسائل ، وغير الشرعي ، وذلك من خلال عرضها على قواعد الشريعة الإسلامية .
ج. اختيار ما يتلاءم من تلك الوسائل مع مفهوم [البديل]، وشروطه بأن تكون متوفرة فيها الشروط التي ذكرت في المبحث السابق من كون تلك الوسائل تتصف بالدوام والشمول ..... إلخ .
ومن الأمثلة للبدائل الاجتهادية في الوقائع الحديثة :
? وسائل التوثيق الحديثة ، كالكمبيالات ، والتسجيل العقاري ، و الصكوك والبطاقات الائتمانية ... إلخ ، فهذه كلها بدائل عن التوثق على الدين بالكاتب المذكور بقوله تعالى : { وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا ......} (1) .
? وسائل الإثبات الحديثة ، كالبصمة والتوقيع والـDNA ...... إلخ ، فهذه كلها بدائل للإقرار في كونها وسائل إثبات.
? وسائل التعاقد الحديثة ، كالتعاقد عبر الفاكس والانترنيت ....إلخ ، وسنؤجل الكلام عن هذا الموضوع في بحوث مستقبلية إن شاء الله تعالى .
ثانيا- ومن حيث الشرعية ، وعدمها إلى :
1. [بديل] مشروع ،
وهو كل [بديل] لا يُخرج المكلف من دائرة الامتثال للخطاب ، ولا يترتب على أخذه بـ[البديل] تحليل الحرام ، أو تحريم الحلال ، وأمثلته كثيرة ، منها :
__________
(1) - البقرة : 283 .(1/47)
? ملك اليمين ، فهو [بديل] للزواج ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ 5 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ 6} (1) .
? إعطاء الدية إلى ولي المقتول ، [بديل] للقصاص (2) ، قال تعالى : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ 178 } (3) .
? الكفارة على اليمين ، فهي بديل للبر ، قال تعالى : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 89 } (4) .
2. [بديل] غير مشروع ،
وذلك إذا عمد المكلف إلى [بدائل] يترتب على الأخذ بها ضياع الحقوق ، والواجبات ، فـ[البديل] من حيث كونه عملا فقهيا لا شائبة فيه ، إلا أنه من حيث ترتب الآثار السلبية ، أو المحظورة عليه ، قد يؤدي ذلك إلى اتصافه بعدم الشرعية ، فعدم الشرعية التي اتصف بها [البديل] هو ليس لكونه [بديلا] ؛ لأنه لو لم يكن معتبرا لَما ترتب عليه أثر ، وإنما بناء على الآثار السلبية التي ترتبت على الأخذ به ،
ومن أمثلة [البديل] غير المشروع :
? زواج التحليل ، فهو [بديل] غير مشروع ، وقد تقدم بيانه .
ثالثا- ومن حيث اقترانه بالحكم الأصلي ، وعدم اقترانه إلى :
__________
(1) - المؤمنون : 5 و6 .
(2) - تفسير القرطبي : 5/315 .
(3) - البقرة : 178 .
(4) - المائدة : 89 .(1/48)
1. [بديل] مقترن بالحكم الأصلي :
وهذا في حالة عدم حرمة الأصل ، و إمكان الإتيان به ، فيكون المكلف مخيرا بين الأصل و[بديله] ، مثال ذلك :
الاستيثاق على الدين يتم بالرهن ، وهو بديل الكاتب ، وهو مقارن للكاتب ، فيجوز للمكلف أن يستوثق على دينه بالرهن ، كما يجوز له أن يستوثق بالكاتب ،
والكفارة على اليمين ، فهي بديل للبر ، وهي مقارنة له ، فيجوز للحالف أن يكفر عن يمينه ، كما يجوز له أن يبر بما حلف عليه ،
وقصر الصلاة في السفر يعتبر [بديلا] للإتمام ، وهو مقارن له ، فيجوز للمكلف أن يقصر، أو يتم ، والتخيير بين القصر ، والإتمام هو مذهب عامة البغداديين ، من المالكيين ، وهو قول أصحاب الشافعي (1) .
2. [بديل] غير مقترن بالحكم الأصلي :
وهو الذي يتعين العمل به ، وهذا في حالة حرمة الأصل - أي : حرمة طارئة(مؤقتة)- ، وعدم إمكان الإتيان به ، مثال ذلك :
__________
(1) - اختلاف الحديث : 76 .(1/49)
حرمة الصدقة على النبي (صلى اله عليه وسلم) ،وهذه الحرمة ليست أصلية ؛ لذا أمكان إيجاد البديل ، فالبديل للصدقة هو إعطاؤه (صلى الله عليه وسلم) الصدقة على كونها هدية وليس صدقة ، فهنا يتعين البديل [الهدية] ، فالبديل هنا غير مقترن بالحكم الأصلي [الصدقة] ؛ لأنه لا يمكن الإتيان بالأصل ، ومن أراد أن يتزوج الخامسة ، لا يجوز له ذلك ؛ لحرمة الزواج من الخامسة ، إلا أن هذه الحرمة غير أصلية ، أي : عارضة لسبب ، وهو استيفاؤه للعدد المشروع ،وهو الأربع قال تعالى : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } (1) ، فاستيفاؤه لهذا العدد مانع من زواجه بالخامسة ، فلا يستطيع أن يتجاوزه ، فبزوال هذا المانع ، بوفاة إحدى هذه الزوجات ، أو طلاق إحداهن ، تزول هذه الحرمة ، والقاعدة الفقهية تنص : [ إذا زال المانع عاد الممنوع ] (2) ، فمن أراد الزواج من الخامسة ، وهو لا يريد أن يطلق إحداهن ، لا يجوز له ذلك ، فليس له سبيل إلا ملك اليمين (3) ، فهنا ملك اليمين [بديل] غير مقترن بالحكم الأصلي ؛ لأنه لا يمكن الإتيان بالأصل .
رابعا- ومن حيث أن للحكم الأصلي [بديلا] ، أو لا :
1. أحكام لها [بدائل] :
وذلك في الأحكام غير العينية ، و الأفعال المحرمة حرمة طارئة(مؤقتة)، وقد تقدم تمثيل ذلك .
2. أحكام ليس لها [بدائل] ، وذلك في :
__________
(1) - النساء : 3 .
(2) - درر الحكام شرح مجلة الأحكام : 35 .
(3) - جامع البيان : 5/7 ، زاد المسير : 2/107 .(1/50)
أ. الواجبات العينية (1) ، كالصلاة ، والصيام ، والحج ، فهذه لا [بدائل]لها ؛ لأنها مطلوب فعلها بعينها ، وبحقيقتها الشرعية التي نُصَّ عليها ، وحقيقتها لا تظهر إلا بإقامة أركانها ، وشروطها ، ومن قبل المكلف نفسه ،
نعم قد يظهر للبعض أن لهذه الواجبات [بدائل] ، كما مر معنا في صلاة المسافر ، فالحكم الأصلي هو الإتمام ، و[بديله] القصر ، فالقصر ليس [بديلا] لاغيا للأصل ، وهو الصلاة ، وإنما هو [بديل] في نفس الصلاة ، فالذي نريد إيضاحه : أن الصلاة ، وكل واجب عيني ليس لها [بدائل] من غير جنسها ، فدفع المال ليس [بديلا] عن الصلاة ، والصدقة العادية ليست [بديلا] عن الزكاة ، .......وهكذا .
ب. المحرمات حرمة ذاتية :
فالحرام نوعان :
__________
(1) - الواجب العيني : هو ما طلب الشارع فعله من كل مكلف على حدة ، ولا يجزئ قيام مكلف به عن آخر ، كالصلاة والزكاة والحج ، واجتناب المحرمات ، كالخمر والزنا والميسر والربا ، وحكمه : انه يلزم الإتيان به من مكلف ، ولا يسقط طلبه بفعل بعض المكلفين دون بعض [الوجيز في أصول الفقه للزحيلي : 128].(1/51)
? حرام لذاته (1) ،مثل : أكل الميتة ، أكل لحم الخنزير ، شرب الخمر ......الخ، وكل فعل نص الشارع على حرمته لعينه ، فهذا النوع من المحرمات لا [بدائل]لها ، ولا سبيل لفعلها إلا في حالة الاضطرار ، فيكون المكلف مرخصا في ذلك بقدر ما يسد حاجته ، فالحكم المترتب على تناول المحرمات حرمة ذاتية هو الرخصة ، وليس البديل .
? حرام لغيره (2) : وقد تقدم بيان ذلك .
خامسا- ومن حيث كون البديل متفق عليه ، أو لا :
__________
(1) - وهو : ما حكم الشارع بتحريمه ابتداء ومن أول الأمر ، وذلك لما اشتمل عليه من مفسدة راجعة إلى ذاته ، كالزنا والسرقة والصلاة بغير طهارة ، واكل الميتة ، ونكاح المحارم وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير وقتل النفس بغير حق ، واكل أموال الناس بالباطل ، وحكمه : انه غير مشروع أصلا ، وإذا فعله المكلف وقع باطلا ، فالزنا مثلا لا يصلح أن يكون سببا لثبوت النسب والإرث ، وكذا الزواج من المحارم لا يثبت النسب والإرث ، والسرقة لا تصلح سببا لثبوت الملك ، والصلاة بغير طهارة باطلة ، وبيع الميتة باطل ، والباطل لا يترتب عليه حكم [الوجيز –المرجع السابق- : 132].
(2) - وهو : ما يكون مشروعا في الأصل ، واقترن به عارض اقتضى تحريمه ، كالصلاة في ثوب مغصوب أو دار مغصوبة ، والبيع الذي فيه غش ، والبيع وقت النداء لصلاة الجمعة ، وصوم يوم العيد ، وصوم الوصال ، وزواج المحلل / والطلاق البدعي ، ونحو ذلك مما حرم لعارض ، فليس التحريم لذات الفعل ، ولكن لأمر خارجي جعل فيه مفسدة أو مضرة ، وحكمه : أنه مشروع بأصله وذاته وغير مشروع بوصفه ، فهو عند الحنفية يصلح سببا شرعيا وتترتب عليه آثاره فالصلاة في ثوب مغصوب صحيحة ومسقطة للفرض والمصلي آثم ؛ لأنه ارتكب الغصب والبيع المشتمل على الربا أو على شرط فاسد بيع فاسد لا باطل فإذا قبض العوضان ثبت الملك فيهما للعاقدين لكنه ملك خبيث يجب إزالة سبب الفساد فيه ؛ لنهي الشارع عنه [الوجيز –المرجع- السابق : 132].(1/52)
1. [بدائل] متفق عليها :
ومن أمثلتها :
المسح على الخف ، فهو [بديل] عن غسل القدمين ، والكل متفق على مشروعية المسح على الخفين ، حكى ابن المنذر عن ابن المبارك قال : ليس في المسح على الخفين اختلاف أنه جائز ، وعن الحسن قال : حدثني سبعون من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين ، قال أحمد ليس في قلبي من المسح شيء وفيه أربعون حديثا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رفعوا إلى النبي وما وقفوا (1) .
2.[بدائل] مختلف فيها :
وأسميها أيضا بـ[البدائل المذهبية] ؛ لأنها تتوقف على مدى اعتبار المذهب لهذا التصرف الذي نسميه [البديل] أو لا ، مثال ذلك :
القصر والإتمام : فعند الحنفية : يكون القصر واجبا ، فعلى رأيهم لا يعتبر القصر [بديلا] للإتمام ، ومذهب عامة البغداديين ،من المالكيين ، وهو قول أصحاب الشافعي (2) : يكون مخيرا بين القصر ، والإتمام ، وعليه ، فالقصر على رأيهم يكون [بديلا] عن الإتمام .
سادسا- ومن حيث كون التصرفات قولية ، أو فعلية إلى :
? [بدائل قولية] ، وهي التصرفات التي اتخذت صفة [البدلية] بسبب التغير الذي حصل في القول ، مثاله : في حرمة الصدقة على النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فمن الأمور التي اختص بها النبي(صلى الله عليه وسلم) هو تحريم الصدقة عليه ، وعلى آل بيته (صلى الله عليه وسلم) (3) ، (( فقد روي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنه قال : ثم كان رسول الله(صلى الله عليه وسلم) إذا أتي بطعام سأل عنه : أهدية ، أم صدقة ، فإن قيل : صدقة ، قال لأصحابه : كلوا ، ولم يأكل ، وإن قيل : هدية ضرب بيده (صلى الله عليه وسلم) ، فأكل معهم )) (4) ،
فالحكم الأصلي هو : تحريم أكل الصدقة على النبي (صلى الله عليه وسلم) ،
__________
(1) - المغني : 1/174 .
(2) - اختلاف الحديث : 76 .
(3) - صحيح ابن خزيمة : 4/57 .
(4) - صحيح البخاري : 2/910 .(1/53)
و[البديل] للأصل هو : تحول الصدقة إلى هدية ، وطريق تحول الأصل إلى [البديل] قولي .
? [بدائل فعلية] ، وهي التصرفات التي اتخذت صفة [البدلية] بسبب التغير الذي حصل في الفعل ، مثاله : الدية وجعلها [بديلا فقهيا] عن القصاص ، والتغير الحاصل هنا هو عن طريق الفعل ؛ لأن إعطاء الدية هو تصرف فعليّ ، وكذلك : الكفارة عن اليمين [بديل] للبر باليمين ، وهو أي الكفارة تصرف فعلي ....إلخ .
المبحث الرابع
أسباب الأخذ بـ[البديل الفقهي]
الأسباب جمع سبب ، والسبب في اللغة : بمعنى الحبل ، وكل شيء يتوصل به إلى غيره (1) ،
وفي الاصطلاح : ما يلزم من وجوده وجود الحكم ، ومن عدمه عدم وجود الحكم (2) ،
والأحكام الشرعية ترتبط دائما بأسبابها ، فكل حكم لا بد له من سبب يوجد لأجله ، وبما أن [البديل] حكم ، فلا بد له من سبب يوجده ، ويتناسب مع مفهومه ، وبناء على المباحث السابقة ، فإننا توصلنا بالبحث إلى أن [الضرورة] - كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى - لا يمكن أن تكون سببا يتوصل بها إلى حكم [البديل] ؛ لأن الضرورة سبب خاص تنشأ منه الرخص ، ومن خلال عرض الأمثلة الخاصة بالبديل ، فالبديل لا يتوقف الأخذ به على الضرورة ، وإنما اللجوء إلى البديل يكون في ضرورة ، وفي غير ضرورة ، فلا بد أن يكون هناك سبب آخر أعم من الضرورة ؛ كي يكون سببا ملائما مع مفهوم [البديل] ،
__________
(1) - لسان العرب : 1/458 ، مختار الصحاح : 1/119 .
(2) - فقه المواريث : لـ"نظام الدين عبد الحميد" 19 (مطبعة الجامعة ، بغداد : 1406هـ - 1986م)ط1 .(1/54)
وبعد البحث عن سبب يتناسب مع مفهوم البديل ، بحيث لا يتعارض مع صفاته التي يتصف بها والتي ذكرناها من قبل ، توصلنا إلى أن [الحاجة] سبب مناسب ينشأ منها [البديل] ، ويشهد على ذلك المعنى اللغوي للحاجة والاصطلاحي ، وكذلك من خلال استقراء الأمثلة القرآنية والحديثية ، وتطبيقات الفقهاء للبدائل نجد أن سبب لجوء المكلف للأخذ بالبدائل هو مطلق حاجته للبديل سواء كانت حاجته لضرورة ، أوغير ضرورة ، لذا فإنه يلزم علينا البحث في مفهوم الحاجة من خلال بيان المعنى اللغوي والاصطلاحي ،
فالحاجة في اللغة : حوج : الحاجة والحائجة : المأربة ، والحوج : الطلب (1) ،
وقيل : الحاجة تطلق على نفس الافتقار ، وعلى الشيء الذي يفتقر إليه ،
والحاجة : القصور عن المبلغ المطلوب ، يقال: الثوب يحتاج إلى خرقة ،
والفرق بين النقص والحاجة : أن النقص سببها ، والمحتاج يحتاج إلى نقصه ، والنقص أعم منها ؛ لاستعماله في المحتاج ، وغيره (2) ،
وفي الاصطلاح :
الحاجة : ما تكون حياة الإنسان دونها عسرة شديدة (3) ،
فيلاحظ من التعريف اللغوي والاصطلاحي للحاجة الآتي :
إن الحاجة تأتي بمعنى مطلق الطلب ، سواء كان المطلوب فعله أوتركه ضروريا ، أو غير ضروري ، والبديل أيضا قد يكون ضروريا ، ومثاله : تعذر الزواج ، والمكلف في ضرورة إلى العفة ، فليس له إلا [البديل] ، وهو ملك اليمين ، أو غير ضروري ، ومثاله : الحالف إذا قدر على البر بيمينه ، وهو [الأصل] ، أو التكفير ، وهو [البديل] ، فالعمل بهذا البديل غير ضروري ، ولا يتعين على المكلف .
إن الحاجة تكون سببا لتكميل المطلوب ، فالخرق في الثوب سبب لترقيعه .
إن الحاجة أعم من الضرورة ، لأن الضرورة قد فُسِّرت بالحاجة ، والمُفَسِّر أعم من المُفَسَّر (4) .
__________
(1) - لسان العرب : 2/242 .
(2) - تاج العروس : 2/25 .
(3) - معجم لغة الفقهاء ل"محمد قلعجي" : 171 .
(4) - القاموس المحيط : 2/75 ، مجمع البحرين : 3/15 .(1/55)
فـ[الحاجة] ، فإنها وان كانت حالة جهد ومشقة فهي دون الضرورة ولا يتأتى معها الهلاك ؛ لذا فإنها لا يستباح بها الممنوع شرعا ، فمثلا : الصائم المسافر بقاؤه صائما يحمله جهدا ومشقة فيرخص له الإفطار لحاجته للقوة على السفر (1) ، إلا أنه بصومه هذا لا يصل إلى مرحلة الهلاك ، بخلاف المضطر ،
فـ[الحاجة] تختلف عن [الضرورة] ، من حيث أن ارتباط الحكم بها لا يكون في حالة وصول المكلف إلى حالة الهلاك ، وأيضا ، فإن الحكم الذي يترتب على [الحاجة] يكون المكلف فيه مخيرا بين الأخذ بالحكم الأصلي ، وبين الحكم المترتب عليها ، كما هو واضح في المثال المتقدم ، فالصائم المسافر يكون مخيرا بين الصوم وبين الإفطار ، وليس ملزما بواحد منهما ، فالحكم المترتب على الحاجة يتصف بالشمول والدوام ، وهذان الوصفان هما اللذان يتصف بهما [البديل] ،
فـ[الحاجة] هي سبب مناسب ، لجعلها سببا ينشأ منه [البديل] ، ومن الأمثلة على البدائل التي صارت الحاجة سببا للجوء المكلف إليها :
الكفارة عن اليمين ، وملك اليمين ، والرهن ، ودفع القيمة في الزكاة ، ومباشرة البكر لعقد نكاحها ..........إلخ ، لا يلجأ المكلف إليها إلا في حالة حاجته إليها ، بحيث يستطيع أن لا يقوم بها ، ويرجع إلى الحكم الأصلي ، وحاجتهم هذه لم توصل المذكورين إلى حالة الهلاك ، بحيث أن الحالف لا يصل إلى الهلاك إذا لم يكفر عن يمينه ، وكذلك من لا يدفع القيمة في الزكاة ، فإن الفقير لا يصل إلى مرحلة الهلاك ، وهذا بخلاف الضرورة التي تنشأ منها الرخصة .
المبحث الخامس
مظان البديل الفقهي
__________
(1) - شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر : 34 .(1/56)
وأعني بذلك : النصوص التي يكثر فيها[البديل الفقهي] ، فالناظر في الأمثلة التي قدمناها في المباحث السابقة يرى أن وجود [البديل] يكثر في موضعين من النصوص أحدهما النصوص التي تتضمن حكمين قد خُيِّر المكلف بينهما بحرف التخيير [أو] ، والآخر قد ذكر في أوله حكما ، ثم قُرِن بحكم آخر على سبيل الإباحة ، لذا فإن المظان التي يكثر فيها [البديل] هي :
1. النصوص التي تشتمل على التخيير بين حكمين ، بكلمة [أو] ، فهو حرف موضوع للتخيير ، فالأصل فيه أنه موضوع للتخيير ، فالحكم المذكور قبلها ، هو [الحكم الأصلي] ، والحكم المذكور بعدها ، هو [الحكم البديل] لما قبلها ، ومن أمثلته :
? قوله تعالى : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ 196} (1) ،
فقوله تعالى : { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } ففي الآية دليل على أنه يتخير بين هذه الأشياء الثلاثة ؛ لأنها ذكرت بحرف [أو] ، وذلك يوجب التخيير (2) ،
__________
(1) - البقرة : 196 .
(2) - المبسوط للسرخسي : 4/74 .(1/57)
فالواقعة هنا هي فدية الذي لا يستطيع الحلق ، أو التقصير ؛ لعذر ، وقد ذكر الله تعالى أن فدية ذلك { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } ، فالأصل هنا الصوم ، و[بدائله] الصدقة ، والنسك .
2. الحكم إذا ذكر ابتداء ، فهو [الأصل] ، وما يذكر بعده ، فهو [بديل] له إذا كان في قوته ، ومن أمثلته في الكتاب و السنة و أقوال الفقهاء :
? مثاله في الكتاب قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 183 أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ 184 } (1) ،
فالواقعة هنا هي الحفاظ على حق الله تعالى ، وذلك عن طريق الصوم ، فالصوم هو الحكم الأصلي ، وقد ذكر ابتداء ، ثم ذكر بعد ذلك حكما [بديلا] للحفاظ على هذا الحق ، وهو إعطاء الفدية ،
وقوله تعالى : { وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ 283 } (2) ، فالأصل في الاستيثاق هو الكاتب هنا ، وقد ذكر ابتداء ، وقد ذكر الله تعالى بعد ذلك الرهن المسلم إلى صاحب الدين ، فجعله تعالى [بديلا] عن الكاتب .
__________
(1) - البقرة : 183و184 .
(2) - البقرة : 283 .(1/58)
? مثاله في السنة المطهرة : مبادلة الذهب بالذهب ، أنه لا يجوز التفاضل فيه لقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : (( ثم الذهب بالذهب ،والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف ، فبيعوا كيف شئتم ، إذا كان يدا بيد)) (1) ، فالأصل هو المماثلة بين هذه المذكورات ؛ لأنه ذكر ابتداء ، وأما [البديل] للأصل فهو ما ذكره النبي (صلى الله عليه وسلم) في آخر الحديث : (( فإذا اختلفت هذه الأصناف ، فبيعوا كيف شئتم ، إذا كان يدا بيد )) .
? ومثاله في الكتب الفقهية : جاء في كتاب المغني لابن قدامة :
(( مسألة : قال : ومن وجبت عليه بدنة ، فذبح سبعا من الغنم أجزأه ، وظاهر هذا أن سبعا من الغنم يجزي عن البدنة مع القدرة عليها سواء كانت البدنة واجبة بنذر ، أو كفارة وطء )) (2) ،
فالحكم الأصلي : هو الوفاء بما حدده ، فإذا كان النذر ببدنة ، أو وجب عليه أن يكفر ببدنة ، فالأصل أن يكفر بما حدد ،
و[البديل] للحكم الأصلي : هو الوفاء بما يعادل الأصل ، وهو سبع من الغنم .
المبحث السادس
قاعدة في ضوء البديل الفقهي
القاعدة ، لغة : أساس الشيء ، وفي اصطلاح الفقهاء : هو الحكم الكلي ، أو الأكثري الذي يراد به معرفة حكم الجزئيات (3) ،
ومما تقدم معنا بحثه في مفهوم البديل ، فإننا توصلنا بالبحث إلى أن الأخذ بالبديل لا يكون في حالة العجز عن العمل بالحكم الأصلي ، بل إن المكلف يلجأ إلى البديل ، وإن وجد الأصل ، وأمكن العمل به ، وهذا السلوك سار على جميع أمثلة البديل وتطبيقاته ، فجمعا لهذه الأمثلة وهذه التطبيقات ، فإن من القواعد التي توصلنا إليها في ضوء مفهوم البديل أنه : [ يصار إلى البديل و إن وجد الأصل] ،
__________
(1) - صحيح مسلم : 3/1211 ، البحر الرائق : 6/210 .
(2) - المغني لابن قدامة : 3/294 .
(3) - درر الحكام شرح مجلة الأحكام : 17 .(1/59)
فيكون المكلف مخيرا بين الأخذ بالحكم الأصلي ، وبين الأخذ بـ[بديله] ، فإذا وجد الأصل و[بديله] فيجوز الصيرورة إلى [البديل] مع وجود الأصل ، ومع إمكان الرجوع إلى الحكم الأصلي ، دون إيجاب في أحدهما ، وهذا بخلاف الرخصة فإنها لا يجوز الصيرورة إليها إلا بعد فقدان الأصل ، أو عجز المكلف بالإتيان به ، ومن الأمثلة على ذلك :
? الكفارة على اليمين يلجأ إليها المكلف ، وإن قدر المكلف على البر بيمينه .
? الاستيثاق على الدين بالرهن يلجأ إليه المكلف ، وإن وجد الكاتب .
? أخذ الدية في القتل العمد ، يلجأ إليه ولي المقتول ، وإن تمكن من إقامة القصاص على القاتل .
? والمسح على الخفين في الوضوء ، يلجا إليه المتوضئ ، وإن قدر على غسل الرجلين .
? دفع القيمة في الزكاة ، يلجأ إليها المكلف ، وإن قدر على دفع العين .
ويستثنى من هذه القاعدة ، ما كان الحكم الأصلي محرما حرمة طارئة ، فإنه في هذه الحالة يكون البديل متعينا ، ومن أمثلته :
من تزوج من أربعة ، وعفت نفسه عنهن ، فيتعين عليه البديل ؛ لأن الزواج هنا محرم حرمة طارئة - غير لازمة - ؛ لاستيفائه العدد المشروع ،
وأصل هذه القاعدة : إن هذه القاعدة هي تصرف في القاعدة الفقهية المذكورة في شرح مجلة الأحكام العدلية : المادة 53 : [ إذا بطل الأصل يصار إلى البدل ] (1) ، فهنا استعمل [البديل] في أحد معانيه اللغوية - وقد تقدم بيان ذلك في التمهيد - ، وهو أن العمل بـ[البدل] لا يجوز إلا في حالة عدم التمكن من العمل بالأصل ، فنحن هنا توسعنا في مفهوم هذه القاعدة ، وصغناها صياغة جديدة تتلاءم مع هذه التوسعة ، ونحن لم نبطل العمل بهذه القاعدة ، وإنما هي تبقى سارية على الجزئيات التي صيغت لأجلها ، بل إننا استفدنا منها في صياغة قاعدة في موضوع البديل الفقهي .
__________
(1) - درر الحكام شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر : 49 .(1/60)
الفصل الثالث
البديل الفقهي والمصطلحات المقاربة
تمهيد
لقد حرص الفقهاء القدامى والمعاصرون على تأصيل المصطلحات الفقهية ، التي يرون أن لها منهجا خاصا ، ومفهوما يختلف من مصطلح إلى آخر ، واجتهدوا في تحصيل الفروق بين هذه المصطلحات ، وبيان المواطن التي تلتقي فيها ، التي تخفى على كثيرين من القراء ، بل ومن المشتغلين في الفقه وأصوله ، لما يرون من أن بيان الفرق مهما كان بسيطا له الأثر في التطبيق ، ومن الشواهد التي تدل على عناية الفقهاء في تحصيل الفروق بين المصطلحات التي تبدو أنها في الظاهر مترادفة ، ما ذكره الإمام القرافي في كتابه الفروق :
(( الفرق الأول - بين الشهادة والرواية - ابتدأت بهذا الفرق بين هاتين القاعدتين ؛ لأني أقمت أطلبه نحو ثماني سنين ، فلم أظفر به ، وأسأل الفضلاء عن الفرق بينهما ، وتحقيق ماهية كل واحدة منهما ، فإن كل واحدة منهما خبر )) (1) ،
ونحن في هذا الفصل سنبحث في بيان المصطلحات التي لها تداخل ظاهر بينها وبين [البديل الفقهي] ، وذلك ببيان المواطن التي تتفق فيها مع [البديل الفقهي] ، و المواطن التي تفترق عنه ، حتى تتكامل الفائدة التي عقدت من أجلها هذه الرسالة ، فمجرد الوصول بالبحث إلى تعريف الشيء ، وبيان شروطه وأقسامه ، لا يميز الشيء تمييزا تاما ، حتى تذكر الأشياء التي تتداخل معه تداخلا يطمس خصوصيته الاصطلاحية ، ومن أبرز هذه المصطلحات : العزيمة ، و الرخصة ، والضرورة ، والحيلة ، والنسخ ، ومراعاة الخلاف ، لذا فإن هذا الفصل يتضمن المباحث الآتية :
المبحث الأول : البديل الفقهي والحكم الشرعي .
المبحث الثاني : البديل الفقهي والعزيمة .
المبحث الثالث : البديل الفقهي والرخصة .
المبحث الرابع : البديل الفقهي والضرورة .
المبحث الخامس : البديل الفقهي و النسخ .
المبحث السادس : البديل الفقهي و الحيلة .
المبحث السابع : البديل ومراعاة الخلاف .
المبحث الأول
__________
(1) - الفروق للقرافي : 74 .(1/1)
البديل الفقهي و الحكم الشرعي
أولا- تعريف الحكم لغة و اصطلاحا
1. الحُكْمُ ، لغة : جاء بمعان عدة ، وهي :
? القضاء ، وقد حَكَم بينهم يحكم بالضم حُكْما و حَكَم له وحكم عليه (1) ،
? العِلْمُ والفقه ، قال اللَّه تعالى: { وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا 12} (2) ، أَي : علماً وفقهاً ، هذا لِيَحْيَى بن زَكَرِيَّا ،
? المنع ، والعرب تقول: حَكَمْتُ و أَحْكَمْتُ وحَكَّمْتُ بمعنى مَنَعْتُ ورددت، ومن هذا قيل للحاكم بين الناس حاكِمٌ ؛ لأَنه يَمْنَعُ الظالم من الظلم ، و أَصل الحكومة رد الرجل عن الظلم ، قال: ومنه سميت حَكَمَةُ اللجام لأَنها تَرُدُّ الدابة (3) .
2. والحكم حكمان : حكم محق ، أو حكم حق ، وحكم صادق ، أو حكم صدق ، فالحق هو: الحكم المطابق للواقع إذا طابق الحكم حقيقة ما عليه الشيء وحاله ، كان الحكم حقا ، فالقاضي الذي يعطي المال المتنازع فيه إلى شخص ، والشخص هو مالكه بحقيقة الحال والواقع ، كان حكمه حقا ،
أما الصدق : فهو مطابقة الواقع للحكم ، أو للقول ، فإذا كان القول يتضمن حكما بإثبات شيء لشيء أو نفيه عنه ، وكان الواقع مؤيدا له ، كان ذلك الحكم أو القول صادقا ، فالحكم بعائدية المال لشخص ، وكان المال له ، وهو بيده ، كان الحكم حقا وصدقا ، وكذلك من أثبت الحضور للطلاب ، فذلك حكم ، فإذا طابق ذلك الواقع ، كان حقا ، وإذا طابق الواقع الحكم كان صدقا ،
فأعلى أنواع الأحكام هي التي يجتمع فيها الحق والصدق معا ، وقد يكون الحكم صادقا غير محق ، كالحكم بعائدية المال لواضع اليد مع أنه لا يملكه ، فإذا كان مالكا له بحقيقة الحال اجتمعت فيه الصفتان الحق والصدق ، وقد يكون الحكم غير صادق (4) .
3. الحكم اصطلاحا ،
__________
(1) - مختار الصحاح : 1 / 62.
(2) - مريم : 12 .
(3) - لسان العرب: 12 / 140و141 .
(4) - نثار العقول في الأصول : 58 .(1/2)
وفي الاصطلاح ، فإن الحكم يعرف بتعريفات متعددة عند كل فريق من المصطلحين ، ونحن سنستعرض تعريف الحكم عند الأصوليين والفقهاء ؛ لعدم الحاجة إلى بيان الحكم عند غيرهم ، فالغرض هنا هو بيان موقف البديل الفقهي من الحكم الشرعي :
? تعريف الأصوليين للحكم ،
يعرف الأصوليون الحكم بأنه هو : خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على وجه الاقتضاء ، أو التخيير ، أو الوضع (1) ،
فالحكم عند الأصوليين هو ذات الخطاب ، أي ذات الآيات والأحاديث تسمى عندهم حكما إذا تعلقت بأفعال المكلفين .
? تعريف الفقهاء للحكم ،
يطلق الفقهاء الحكم على أثر الخطاب ، أي : ما يترتب عليه والذي يترتب عليه هو وصف الفعل ، فنقول : هذا الفعل حلال ، وذلك الفعل حرام ، وهذا الفعل مندوب ، وذلك مكروه ، فكان الحكم أثر تلك النصوص ، أي : أثر الخطاب ، أي : أثر الحكم على معناه عند الأصوليين (2) ،
__________
(1) - المحصول في علم أصول الفقه : لـ" فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي " 1/89 (مؤسسة الرسالة ، بيروت : 1412هـ)ط2 ، تحقيق : د. طه جابر فياض العلواني ، الإحكام في أصول الأحكام : 1/135 ، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول : 1/23 .
(2) - نثار العقول في الأصول : 59 .(1/3)
فقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } (1) ، هذا النص المتعلق بإيفاء العقود هو نفسه الحكم الشرعي عند الأصوليين ، وأثره وهو ما يقتضيه من وجوب الإيفاء بالعقود هو الحكم عند الفقهاء ، ومثله قوله تعالى : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } (2) ، وقوله سبحانه وتعالى : { ولا تقربوا الزنا } (3) ، المتعلق بالنهي عن الزنا هو الحكم عند الأصوليين ، وأثره المترتب عليه ، وهو حرمة الزنا هو الحكم عند الفقهاء ، وقوله تعالى : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهَِ 229 } (4) ، المتعلق بأخذ الزوج بدلا ماليا من زوجته مقابل تطليقها هو الحكم عند الأصوليين ، و أثره المترتب عليه وهو إباحة عوض الخلع هو الحكم عند الفقهاء ، (5) .........إلخ ،
وخطاب الله تعالى ، أو كلامه يشمل المباشر منه ، وهو القرآن ، أو بواسطة ، وهو السنة والإجماع والقياس وبقية الأدلة ، فكل واحد من هذه الأدلة هو الحكم الشرعي عند الأصوليين ،
فقوله (عليه الصلاة والسلام) : (( لا يرث القاتل )) (6) ، هذا النص نفسه المتعلق بوضع القتل مانعا من الميراث هو الحكم الوضعي عند الأصوليين ، وأثره المترتب عليه ، أو الذي يقتضيه ، وهو الحرمان من الإرث هو الحكم عند الفقهاء ،
والمراد بالاقتضاء : الطلب ، سواء كان طلب الفعل أم طلب الترك ، وطلب الترك إن كان جازما فهو التحريم، و إلا فهو الكراهة ،
والمراد بالتخيير : الإباحة ، وهو استواء الفعل والترك ، فتدخل الأحكام الخمسة التكليفية في التعريف بقيدي الاقتضاء والتخيير ،
__________
(1) - المائدة : 1 .
(2) - البقرة : 43 .
(3) - الإسراء : 32 .
(4) - البقرة : 229 .
(5) - الوجيز في أصول الفقه : لـ" د. وهبة الزحيأتي " 119و120
(6) - سنن البيهقي الكبرى : 6/219 .(1/4)
والمراد بالوضع : جعل الشيء سببا لشيء آخر أو شرطا له أو مانعا منه أو صحيحا أو فاسدا أو عزيمة أو رخصة (1) .
ثانيا- أقسام الحكم الشرعي ،
ينقسم الحكم الشرعي عند الأصوليين ، كما تبين من تعريفه إلى قسمين :
1. الحكم التكليفي : وهو ما اقتضى طلب فعل من المكلف ، أو كفه عن فعل ، أو تخييره بين الفعل والكف عنه ،
مثال طلب الفعل ، قوله تعالى : { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ 43 } (2) ،
ومثال طلب الكف عن الفعل ، قوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 151 } (3) ،
ومثال ما اقتضى تخيير المكلف بين الفعل والترك ، قوله تعالى : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ......229 } (4) ،
وسمي هذا النوع حكما تكليفيا ؛ لأنه يتضمن التكليف بفعل أو ترك فعل أو التخيير بينهما ، لكن إطلاق التكليف على المباح هو من باب التغليب .
2. الحكم الوضعي : هو ما اقتضى وضع شيء سببا لشيء أو شرطا له أو مانعا منه أو صحيحا أو فاسدا أو عزيمة أو رخصة ، وأنواعه ، كما يتضح من التعريف سبعة :
أ السبب ، وهو عند الأصوليين : وصف ظاهر منضبط دل الدليل السمعي على كونه علامة لحكم شرعي ، مثاله ، قوله تعالى : { أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ....... 78 } (5) ، فدلوك الشمس سبب لوجوب صلاة الظهر .
ب الشرط ، وهو عند الأصوليين : ما يتوقف عليه وجود الحكم من غير إفضاء إليه ، ومثاله : الوضوء ، فهي شرط للصلاة ، وحولان الحول ، فهو شرط لوجوب الزكاة .
__________
(1) - إرشاد الفحول : 1/23 ، الوجيز في أصول الفقه : 120 .
(2) - البقرة : 43 .
(3) - الأنعام : 151 .
(4) - البقرة : 229 .
(5) - الإسراء : 78 .(1/5)
ت المانع ، وهو عند الأصوليين : ما يلزم من وجوده عدم الحكم أو بطلان السبب ، وهو نوعان : مانع الحكم ، كالشبهة المانعة من إقامة الحد ، ومانع السبب ، كالدين المانع من وجوب الزكاة عند الجمهور غير الشافعية .
ث الصحيح ، وهو : ما استوفى أركان الشيء وشروطه الشرعية ، وترتبت عليه آثاره الشرعية ، فالصحيح من العبادات عند الفقهاء : أن يقع الفعل على وجه يسقط القضاء ، والصحيح من المعاملات : ما ترتب عليه أثره الشرعي ، أي : ما شرع له ، كحل الانتفاع في البيع ، والاستمتاع في الزواج .
ج الباطل ، هو ما صدر من أفعال المكلفين غير مستوف أركانه وشروطه على الكيفية المطلوبة ، ولم تترتب عليه آثاره الشرعية ، وهذا يسمى عند الجمهور الباطل والفاسد ، فهما بمعنى واحد عندهم ، سواء في العبادات والمعاملات ، فالصلاة الباطلة كالصلاة الفاسدة ، لا تسقط الواجب ولا تبرئ الذمة ، والبيع الباطل كالبيع الفاسد لا يؤدي إلى ننقل الملكية في البدلين ، ولا يترتب عليه حكم شرعي ،
وقال الحنفية : لا فرق بين الباطل والفاسد في العبادات ، فهي إما صحيحة ، أو غير صحيحة ، وأما في العقود والتصرفات ، أي : في المعاملات المدنية ، فالعقد إما صحيح أو باطل أو فاسد .
ح العزيمة ، وهي عند الأصوليين : ما شرع من الأحكام الكلية ابتداء ؛ لتكون قانونا عاما لكل المكلفين في جميع الأحوال ، ومن أمثلتها : الصلاة والزكاة والحج .
خ الرخصة ، وهي : ما شرع من الأحكام لعذر شاق بقصد رعاية حاجة الناس ، أو للتخفيف على المكلف في حالات خاصة ، مع بقاء السبب الموجب للحكم الأصلي، ومن أمثلة الرخصة التلفظ بالكفر عند الإكراه ، والأكل من الميتة عند الضرورة (1) .
ثالثا- البديل الفقهي في ضوء الحكم الشرعي ،
__________
(1) - إرشاد الفحول : 1/24و25 ، الإحكام للآمدي : 1/176 ، الوجيز في أصول الفقه : من135إلى141 .(1/6)
مر معنا فيما تقدم أن الحكم الشرعي يختلف معناه عند الأصوليين عنه عند الفقهاء ، لذا فإن علاقة[البديل الفقهي] مع الحكم الشرعي ستختلف عند الأصوليين عنه عند الفقهاء ، والآتي بيان لهذا :
1. [البديل] والحكم الشرعي عند الأصوليين:
مر معنا في الفصل الأول -عند الكلام عن أدلة البديل في الكتاب والسنة – أننا عرضنا الكثير من النصوص التي تحتوي على أمثلة لـ[البديل] ، وبما أن الحكم عند الأصوليين هو نفس الخطاب ، إذن فـ[البديل] هو نفس الخطاب ، أي : النص الذي يشتمل على [البديل] ، كملك اليمين فهو [بديل] للزواج الثابت بقوله تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ 5 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ 6 } (1) ، وتقدم أيضا أن الحكم عند الأصوليين قسمان : تكليفي ووضعي ، و[البديل] في ضوء هذا التقسيم ، نعتبره من الأحكام التكليفية ؛ لأنه يوجد في النصوص التي تشتمل على تخيير المكلف بين الأصل وبديله ، كما في المثال المتقدم ، ومن الأحكام الوضعية ، فهو حكم جعل لأجل إخراج المكلف من حال إلى آخر ، وأما موقعه من بين الأحكام الوضعية السبعة التي ذكرناها ، فمن خلال الاستقراء في أمثلة [البديل] التي ذكرناها في الفصل الأول وجدنا أن [البديل] مذكور في نفس النصوص التي اشتملت على العزائم ، لذا فإن [البديل] من العزائم ، وعليه ، فإن العزيمة تشتمل على قسمين من الأحكام ، وسيأتي تفصيل هذا في المبحث الثاني عند الكلام عن [البديل] والعزيمة ، إن شاء الله تعالى .
2. [البديل] والحكم الشرعي عند الفقهاء :
__________
(1) - المؤمنون : 5 و6 .(1/7)
تقدم معنا أن الحكم عند الفقهاء هو الأثر الذي يترتب على الخطاب ، لذا فإننا عندما نبحث عن [البديل] عند الفقهاء نبحث عن الأثر المترتب على الأخذ بـ[البديل] ، من حيث وجوب الأخذ بـ[البديل] أو إباحته أو حرمته أو كراهته أو ترتب الأثر الشرعي بناء على الأخذ به .
المبحث الثاني
البديل الفقهي والعزيمة
أولا- العزيمة لغة واصطلاحا
1. لغة : العزيمة مأخوذة من العَزم ، والعزم الجِدُّ ، عَزَم على الأمر عَزْما ومَعْزَما ومَعْزِما ، وعُزْما وعَزيما وعزيمة وعَزْمة واعتزمه واعتزم عليه : أراد فعله ،
والعَزْمُ : ما عقد عليه قلبك من أمر أنك فاعله ، قال تعالى : { فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ 21 } (1) ، أي : فإذا جَدَّ الأمر و لَزِمَ فَرْضُ القتال ، وتقول : ما لفلان عزيمة ، أي : لا يثبت على أمر يعزم عليه ،
والعزائم : الفرائض التي أوجبها الله تعالى ، وأمرنا بها (2) ،
2. اصطلاحا ، والعزيمة : ما شرع من الأحكام الكلية ابتداء ؛ لتكون قانونا عاما لكل المكلفين في جميع الأحوال ، ومن أمثلتها : الصلاة والزكاة والحج ، وعرفت أيضا بأنها : ما شرع لغير عذر ، وهي إما واجبة أو مندوبة أو حرام أو مكروهة أو مباحة ، ويدخل تحت العزيمة : ما دعت إليه المصلحة العامة إلى تشريعه من أول الأمر ، كالبيع والإجارة والمضاربة والقصاص ، ولا تطلق العزيمة عادة إلا عند وجود رخصة في مقابلها (3) .
ثانيا- خصائص العزيمة
? العزيمة تكون من الأحكام الكلية ، أي : تندرج تحتها أحكام جزئية . (4)
__________
(1) - محمد : 21 .
(2) - لسان العرب : 12/400 .
(3) - حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح : لـ"أحمد بن محمد بن إسماعيل الطحاوي الحنفي " 1/ 275 ( مكتبة البابي الحلبي ، مصر : 1318هـ)ط3 . الوجيز في أصول الفقه : 141، نيل الأوطار : 1/271 .
(4) - الإحكام للآمدي : 4/26 .(1/8)
? العزيمة تكون مشرعة ابتداء ، أي : إنها لم تسبق في شريعتنا بأحكام أخرى في موضوعها (1) .
? العزيمة لا تتوقف مشروعيتها على وجود العذر ، فهي كما مذكورة في التعريف ما شرع لغير عذر ،
? العزيمة حكم عام تتسم بالشمول ، فهي تتسع لجميع المكلفين ، وليست محصورة على أفراد دون آخرين ، فمثلا : الصلاة والصوم والزكاة وجميع العزائم تجب على جميع المكلفين .
? العزيمة تتسم بالدوام ، فهي غير مؤقتة بمدة معينة ، فالصلاة تجب في كل وقت ، والحج غير محدد بسنة دون أخرى .
ثالثا- الآثار المترتبة على العزيمة
ومن الآثار المترتبة على الأخذ بالعزيمة أن العزيمة تسقط المسائلة ، فمن يؤديها بأركانها وشروطها لم يطالب المكلف بشيء آخر ، فمن صلى صلاة الظهر ، فلا يطالب بإعادتها ، ومن زكا ما وجب عليه ، فلا يطالب بزكاة ثانية في نفس السنة ، وهكذا .
وبناء على ما تقدم ، فإن العلاقة بين [العزيمة] و [البديل] هي العموم والخصوص المطلق (2) ، فكل [بديل] عزيمة ، وليس كل عزيمة [بديل] ، وكذلك فإن [البديل] و[الأصل] قسيمان (3) ، فـ[البديل] قسيم لـ[الحكم الأصلي] .
رابعا- علاقة البديل بالعزيمة
إن الذي ينظر في النصوص التي تشتمل على العزائم يجد أن العزيمة تشتمل على نوعين من الأحكام :
أ . أحكام مذكورة ابتداء ، ومن أمثلتها : الزواج ، والبر باليمين ، والإتمام في الصلاة ، و الاستيثاق بالشهود ......إلخ .
2. أحكام تذكر انتهاء ، ومن أمثلتها : ملك اليمين ، والكفارة ، والقصر في صلاة المسافر ، والرهن......... إلخ .
__________
(1) - الوجيز في أصول الفقه للزحيأتي : 141 .
(2) - العموم والخصوص المطلق بين شيئين هو أن يصدق أحدهما على جميع أفراد الآخر دون العكس ، فمثلا تقول : كل ثلج بارد ، وليس كل بارد ثلج .
(3) - قسيم الشيء عدله في التقسيم ، أي : مساويه في التقسيم .(1/9)
وكلا النوعين متحدين في كونهما عزيمة ، إلا أنهما في الحقيقة متغايران ، والذي يدل على هذا هو جمع هذه الأحكام بالعطف ، والعطف يفيد المغايرة ، لذا فإن لكل واحد منهما حقيقة نوعية تختلف عن الآخر ، فالعزيمة هو الجنس الذي يجمعهما ، و لا يمكن أن نعطيهما نفس الحقيقة النوعية ،
لذا فالأحكام التي ذكرت ابتداء تعتبر الأصل بالنسبة للأحكام التي تذكر بعدها ، من حيث ابتناء الحكم عليها ، فالأصل قد جاء بمعان عدة ، منها (1) :
أ . ما بني عليه غيره .
ب . الدليل ، فيقال : أصل هذه المسألة الإجماع ، أي : دليلها الإجماع .
ت . الراجح ، مثل قولهم : الأصل في الكلام الحقيقة ، أي : الراجح في الكلام حمله على الحقيقة لا المجاز ، ومنه الكتاب اصل بالنسبة إلى القياس ، أي : الراجح هو الكتاب .
ث . القاعدة ، فيقال : إباحة الميتة للمضطر على خلاف الأصل ، أي : على خلاف القاعدة العامة ، وقولهم : الأصل أن الفاعل مرفوع ، أي : إن القاعدة العامة المستمرة هي رفع الفاعل ، أو إن رفع الفاعل من قواعد علم النحو .
ج . المستصحب ، فيقال : الأصل براءة الذمة ، أي : يستصحب خلو الذمة من الانشغال بشيء حتى يثبت خلافه ،
__________
(1) - الوجيز في أصول الفقه لعبد الكريم زيدان : 6 ، محاضرات في أصول الفقه لمحمد المتولي : 1/6 .(1/10)
وأما الحكم المذكور انتهاء ، فهو الحكم البديل الذي بني على الحكم الأصلي ، فالأصل في الإشباع الرغبة الزوجية هو الزواج ؛ لأنه ذكر ابتداء ، والحكم البديل هو ملك اليمين ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ 5 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ 6 } (1) ، والأصل في الاستيثاق على الدين هو الكاتب ؛ لأنه ذكر ابتداء ، والرهان المقبوض هو البديل لأنه ذكر انتهاء ، قال تعالى : { وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ..... 283 } (2) .....إلخ ،
وبناء على ما تقدم ، فإنه يلزمنا في هذا المبحث أن نتناول بالبحث المقارنة بين [البديل الفقهي] وبين [الحكم الأصلي - المبدل منه -] ، من حيث بيان مواطن الاتفاق ، ومواطن الافتراق بينهما ، وليس المقارنة بين العزيمة والبديل ، فإنه كما تقدم البديل هو نوع من أنواع العزائم .
خامسا- مواطن الاتفاق بين الحكم الأصلي و [البديل الفقهي]
إن المواطن التي يتفق فيها الأصل مع البديل هي :
__________
(1) - المؤمنون : 5و6 .
(2) - البقرة : 283 .(1/11)
1. إن كلا من الأصل والبديل من العزائم ؛ لأن البديل قد جاء في نفس النص الذي جاء فيه الحكم الأصلي ، مثال ذلك قوله تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ 5 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ 6 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ 7 } (1) ، فالزواج الذي هو الأصل قد جاء معه في نفس النص بديله ، وهو ملك اليمين ، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 183 أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ 184 } (2) ، فالصوم هو الحكم الأصلي ، وقد جاء معه بديله، وهو إعطاء الفدية في نفس النص ......إلخ .
2. الشمول ، فكل من الأصل و [البديل الفقهي] يتصف بالشمول ، مثاله ، قوله تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ 5 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ 6 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ 7 } (3) ،
__________
(1) - المؤمنون : 5و6و7 .
(2) - البقرة : 183و184 .
(3) - المؤمنون : 5و6و7 .(1/12)
فالواقعة هي إشباع الرغبة الجنسية بالدرجة الأولى ، وقد ذكر الله تعالى في شأن هذه الواقعة حكمين أحدهما أصلي ، والآخر بدلي ، فالحكم الأصلي هو الزواج وهو من العزائم لأنه ذكر ابتداء ، والزواج يشمل جميع المكلفين ، فيحق لأي رجل أن يتزوج ، فهو ذكر بصيغة الاسم الموصول ، وهي قوله تعالى : { وَالَّذِينَ } ، وهو من صيغ العموم (1) ، والحكم البديل هو ملك اليمين ، لأنه ذكر متأخرا ، وهو كذلك شامل لجميع المكلفين الذكور ؛ لأنه ذكر أيضا بصيغة العموم ، وهي قوله تعالى : { أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } ، فكلمة { مَا } أيضا اسم موصول .
3. الدوام ، فكل من الأصل و[البديل الفقهي] يتصفان بالدوام ، فهما غير مؤقتين بفترة محددة ، بل هما يجوزان في كل وقت ، ففي المثال المتقدم ، فإن الزواج وملك اليمين غير محددين بوقت معين ، فيجوزان في كل وقت يريد المكلف فيه أن يتزوج ، أو أن يملك اليمين (2) .
4. إسقاط المسائلة ، فكل من الأصل والبديل مسقطان للمسائلة ، فالمكلف تسقط عنه المسائلة ، أو إعادة ما طلب منه ، بمباشرة أحدهما -الأصل أو البديل - ، فمثلا : في صلاة المسافر ، يكون المكلف مخيرا بين الإتمام والقصر ، فالإتمام هو الأصل ، والقصر هو [البديل] ، فإذا أتم المسافر ، أو قصر من الصلاة ، فإن المسائلة تسقط عنه ، وتبرأ ذمته بذلك ، ولا يطالب بعد الأداء بإعادة ما صلى ، وكذلك إذا حلف المكلف على شيء ، فإنه إما يبر بيمينه - وهو الأصل - ، أو يكفر عن يمينه - وهو البديل - ، فبأيهما فعل سقطت عنه المسائلة ، ولا يطالب بشيء آخر .
__________
(1) - الوجيز في أصول الفقه : 195 .
(2) - الغرض هنا هو بيان اتصاف البديل بصفة معينة ، وليس الغرض هو بيان حكم ملك اليمين فملك اليمين وإن لم يكن له وجود في واقعنا الحالي ، إلا أنه لا يعني أنه غير مباح في أصله ، فمتى ما تحققت صورته جاز للمكلف أن يباشره .(1/13)
5. الأصل و[البديل الفقهي] متساويان ، من حيث الجواز ، فلا أفضلية للأصل على [البديل] ، من حيث الجواز ، فكلاهما جائز ، وكلاهما يجوز للمكلف أن يأتي بأيهما شاء ، فيجوز للمكلف أن يستوثق بالكاتب - وهو الأصل - ، كما يجوز أن يستوثق بـ[بديله] - وهو الرهن- ، ويجوز للمكلف أن يبر بيمينه - وهو الأصل- ، كما يجوز له أن يلجأ إلى الكفارة - وهي البديل- ، ويجوز له أن يتم في صلاته إذا كان مسافرا - وهو الأصل - ، ويجوز له أن يقصر - وهو البديل - .
6. ترتب الحقوق والآثار الشرعية على من يباشر- الأصل- ، أو [بديله] ، فمثلا : الأصل في التعاقد أن يكون بالصيغة القولية ، فإذا قال البائع : بعت ، وقال المشتري : اشتريت ، فإنه يترتب على هذا الأثر الشرعي ، من حيث انتقال ملكية المبيع إلى المشتري ، وملكية الثمن إلى البائع ، وكذلك إذا تعاقد البائع والمشتري ببديل الصيغة القولية ، وهو الكتابة مثلا ، فإن الأثر المذكور كذلك يترتب بناء على هذه الصورة من التعاقد .
سادسا- مواطن الافتراق بين الأصل و [البديل الفقهي]
إن المواطن التي يفترق فيها البديل عن الأصل هي :
1. إن الأصل ، شرع لتصحيح التصرف في أغلب صوره ، فمثلا: الزواج شرع ؛ لأجل عصمة الرجل و المرأة من الزنا ، وبناء على هذا ، فإن الأصل الزواج يدل على بطلان التصرف الذي قبله ، وهو الزنا ،(1/14)
أما [البديل الفقهي] ، فهو عكس الأصل تماما في هذه المسألة ، فهو يدل على صحة التصرف الذي سبقه ، و هذا ما أثبتته تمثيلاتنا لـ[البدائل] التي بحثناها في ما سبق ، فملك اليمين [بديل] عن أصل صحيح ، وهو الزواج ، والرهن [بديل] عن أصل صحيح وهو الشهادة في باب الاستيثاق ، والكفارة في اليمين [بديل] عن أصل صحيح ، وهو البر باليمين ، وبيع الذهب بالفضة متفاضلا [بديل] عن أصل صحيح ، وهو بيع الذهب بالذهب مثلا بمثل ، ......إلخ ، وأما ما كان من الأمثلة التي تحتوي على حكم أصلي محرم ، فإن هذه الحرمة ليست أصلية ، وإنما هي حرمة عرضية طارئة .
2. إن الأصل يذكر ابتداء ، فالزواج في قوله تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ 5 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ } (1) ، هو الأصل في إشباع الرغبة الجنسية ؛ لأنه ذكر ابتداء ، أما ملك اليمين في قوله تعالى : { أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ 6 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ 7 } (2) ، فهو [بديل] للزواج ؛ لأنه ذكر متأخرا .
المبحث الثالث
البديل الفقهي والرخصة
أولا- تعريف الرخصة لغة واصطلاحا
1. لغة : الرُّخْصُ ضد الغلاء وقد رَخُصَ السعر بالضم رُخْصاً و أرْخَصَهُ الله فهو رَخِيصٌ و ارْتَخَصَ الشيء اشتراه رخيصا و ارْتَخَصَهُ أيضا عده رخيصا ، والرُّخْصَةُ في الأمر خلاف التشديد فيه وقد رُخِّصَ له في كذا تَرْخيصا فَتَرَخَّصَ هو فيه أي لم يستقص ، و رَخَّصَ له في الأَمر: أَذِنَ له فيه بعد النهي عنه، وتقول: رَخَّصْت فلاناً في كذا وكذا أَي أَذِنْت له بعد نهيي إياه عنه ، والرُّخْصةُ: تَرْخِيصُ الله للعبد في أَشياءَ خَفَّفَها عنه ، والرَّخْصُ الناعم يقال له رَخْصُ واليسر ومنه رخص السعر إذا تراجع وسهل الشراء (3) .
__________
(1) - المؤمنون : 5 .
(2) - المؤمنون : 6و7 .
(3) - لسان العرب ج: 7 ص: 40 ، مختار الصحاح ج: 1 ص: 101 .(1/15)
2. وفي الاصطلاح ، الرخصة : هي ما شرع من الأحكام ؛ لعذر شاق بقصد رعاية حاجة الناس ، أو للتخفيف على المكلف في حالات خاصة ، مع بقاء السبب الموجب للحكم الأصلي ،
أو هي : استباحة المحظور مع قيام الحاظر ، وقيل : ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح ،
ولا يسمى ما لم يخالف الدليل رخصة ، وإن كان فيه سعة ، كإسقاط صوم شوال ، وإباحة المباحات ، لكنما من الإصر الذي كان على غيرنا يجوز أن يسمى رخصة مجازا ؛ لما وجب على غيرنا ، فإذا قابلنا أنفسنا به حسن إطلاق ذلك ، فأما إباحة التيمم إن كان مع القدرة على استعمال الماء لمرض ، أو زيادة ثمن سمي رخصة ، وإن كان مع عدمه ، فهو معجوز عنه ، فلا يمكن تكليف استعمال الماء مع استحالته ، فكيف يقال السبب قائم ، فإن قيل فكيف يسمى أكل الميتة رخصة مع وجوبه في حال الضرورة قلنا يسمى رخصة من حيث إن فيه سعة (1) .
ثانيا- خصائص الرخصة
تتصف الرخصة بصفات مما يجعلها متميزة عن غيرها من المصطلحات الأخرى ، ونحن لزاما علينا حتى نقارن بين الرخصة و[البديل الفقهي] أن نذكر هذه الصفات حتى نتوصل إلى المواطن التي تتفق أو تفترق فيها الرخصة مع [البديل] ، وهذه الصفات هي :
1. إن الرخصة تكون عن أصل منهيّ عنه ، فمثلا : أكل الميتة للمضطر ، لحم الخنزير وقصر الصلاة للمسافر ، فإن كليهما رخصة ، وكليهما مبني على أصل منهي عنه ،
أما الأول ، وهو أكل الميتة للمضطر ، فإن الحكم الأصلي هو حرمة أكل الميتة الثابت
__________
(1) - روضة الناظر وجنة المناظر: لـ"عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبي محمد " 1 /60 ( جامعة الإمام محمد بن سعود ، الرياض : 1399هـ )ط2، تحقيق : د. عبد العزيز عبد الرحمن السعيد ، الوجيز في أصول الفقه : 141.(1/16)
بقوله تعالى : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 173 } (1) ، وأما الثاني ، وهو قصر الصلاة للمسافر ، فإن المقيم منهي عن قصر الصلاة لغير عذر ؛ لقوله تعالى : {...... فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ..... 103 } (2) ، أي : فأتموها (3) .
2. إن الرخصة متلازمة مع سببها ، وهو [العذر] وجودا ، وعدما ، بمعنى : أنها توجد بوجود العذر ، فإذا وجد العذر وجدت الرخصة ، وتنعدم بعدمه ، فإذا انعدم العذر انعدمت الرخصة ، فأكل الميتة يرخص للمكلف إذا وجد عذره ، وهو الاضطرار ، وتنتفي هذه الرخصة إذا انتفى الاضطرار ، وقصر الصلاة يرخص للمكلف إذا كان مسافرا ، وتنتفي هذه الرخصة إذا أقام ، أو نوى الإقامة .
3. إن الرخصة تكون بقدر محدود ، فلا يجوز أن يتجاوز المرخص له المقدار الذي حدد له ، فمثلا : المضطر الذي رخص له أكل الميتة أو شرب الخمر أو أكل لحم الخنزير ، يكون مرخصا بالقدر الذي يسد حاجته ، ولا يجوز له أن يتجاوز ذلك القدر ، قال تعالى : { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 173 } (4) .
4. إن الرخصة تكون محصورة على أشخاص معينين ، فهي لا تتسع لغير المعذورين .
5. إن الرخصة تكون مؤقتة ، فهي لا تجوز إلا في أوقات الضرورة .
6. الرخصة بعد العزيمة (5) ، فلا يجوز أن تتقدم الرخصة على العزيمة .
7. الرخصة :
? إما أن تكون بالفعل ، كأكل الميتة ، أو شرب الخمر ........إلخ ،
__________
(1) - البقرة : 173 .
(2) - النساء : 103 .
(3) - تفسير القرطبي : 5 / 353 .
(4) - البقرة : 173 .
(5) - سبل السلام : 2/159 .(1/17)
? أو تكون بترك الفعل ، كإسقاط وجوب صوم رمضان والركعتين من الرباعية في السفر (1) .
8. الرخصة شرعت ؛ لرفع المشقة التي يقع فيها المكلف ، والتي قد تصل إلى مرحلة الهلاك .
9. إن الرخصة إذا ارتفعت عاد حكم العزيمة ، فمثلا : الذي يكتفي من أكل الميتة بقضمة ، فإن الحكم الأصلي يعود وهو التحريم ، والمسافر إذا أقام ، فإن الحكم الأصلي يعود ، وهو الإتمام (2) .
10. إن الرخصة : إما أن تسقط الحكم ، كما في رخصة الإسقاط ، فالمسافر عندما يقصر فيصلي ركعتين ، فإن حكم الوجوب في الركعتين الأخيرتين يسقط ، فلا يطالب بعد الإقامة بالقضاء (3) ، أو أن تسقط المأثم لا الوجوب (4) ، فالذي يفطر في رمضان لعذر يكون مطالبا بالقضاء بعد زوال العذر .
11. إن الرخصة في بعض صورها لا يترتب عليها أثر شرعي ، فمثلا : الناطق بكلمة الكفر مكرها لا تترتب عليه أحكام الردة من وجوب الحد عليه ، أو حرمانه من الإرث ، أو وقوع الطلاق من الشخص الذي يطلق زوجته مكرها – على رأي الجمهور (5) - ، .........إلخ .
12. إن السبب الذي تنشأ منه الرخصة ، هو سبب خاص ، وهو [الضرورة] .
ثالثا- مواطن الاتفاق بين الرخصة و[البديل الفقهي] :
إن [البديل الفقهي] يتفق مع الرخصة - الحقيقية ورخصة الإسقاط - في بعض الأمور ، وهي :
1. إن كلا من [البديل الفقهي] والرخصة يأتيان بعد الحكم الأصلي ، فالواقعة أول ما ينظر فيها ، هو إيجاد حكم لها في القرآن أو السنة أو الإجماع ، فإذا لم يوجد لها حكم أصلي ، فيحتهد في إيجاد بديل له ، فإذا لم يوجد الأصل أو بديله ، وكان المكلف مضطرا لهذه الواقعة ، فيحكم له بالترخيص فيها بقدر ضرورته .
__________
(1) - الإحكام في أصول الأحكام للآمدي : 1/176 .
(2) - بدائع الصنائع : 1/90 .
(3) - حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح : 1/275 .
(4) - بدائع الصنائع : 2/96 .
(5) - سبل السلام : 3/177 .(1/18)
2. إن الرخصة تتفق مع [البديل الفقهي] في أحد قسميها ، وهو القسم الذي تكون فيه الرخصة بالفعل ، كأكل الميتة ، أو شرب الخمر ...إلخ ، فالبديل إيجاد تصرف يقوم مقام الأصل ، وهذا يكون في الفعل ، أما ترك الفعل ، فهو بمثابة نفيه ، والمنفي لا حاجة لإيجاد بديل له .
3. إن الرخصة تتفق مع [البديل الفقهي] في أحد قسميها ، وهي رخصة الإسقاط ، فكل منهما -الرخصة و[البديل]- يترتب عليه الأثر الشرعي ، وهو هنا في الرخصة سقوط المطالبة بالقضاء ، فالمسافر عندما يقصر فيصلي ركعتين ، فإن حكم الوجوب في الركعتين الأخيرتين يسقط ، فلا يطالب بعد الإقامة بالقضاء (1) .
4. إن الرخصة تتفق مع [البديل الفقهي] في كونهما مسقطين للمأثم ، فلا يترتب بمباشرتهما مأثم أخرويّ .
5. إن كلا من [البديل] و[الرخصة] حكم وضعي ، فكلاهما حكمان وضعا لإخراج المكلف من حالة الحرج ، والمشقة (2) هذا بالنسبة للرخصة ، وأما البديل فإنه وضع لتلبية مطلق حاجة المكلف .
ومن خلال ما قدمناه ، فإن الأمور التي اتفق فيها [البديل الفقهي] مع الرخصة هي أمور عامة و محصورة لا تثبت أن هناك تداخلا بينهما في المفهوم ، وبذلك فلا يؤثر هذا التشابه في حقيقة كل واحد منهما ، بإستثناء ما اتفق فيه [البديل] مع رخصة الإسقاط ، فالتداخل بينهما في المفهوم ، فرخصة الإسقاط تقابل [البديل الفقهي] .
رابعا- مواطن الافتراق بين الرخصة - الرخصة الحقيقية - والبديل الفقهي :
هذه المقارنة هي بين البديل والرخصة الحقيقية فقط ، أما رخصة الإسقاط ، فلا مقارنة بينهما من حيث الافتراق ؛ لأنهما كما تقدم متفقين في المفهوم ، هذا
فمن الأمور التي يفترق فيها [البديل الفقهي] عن الرخصة الحقيقية هي :
__________
(1) - حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح : 1/275 .
(2) - الوجيز في أصول الفقه : 143 .(1/19)
1. [البديل الفقهي] يكون عن أصل صحيح ، فملك اليمين [بديل] للزواج ، والزواج أصل صحيح ، أما الرخصة فتكون عن أصل منهي عنه ، فمثلا : أكل الميتة للمضطر ، فهو رخصة عن أصل باطل ثبتت حرمته بالنص بقوله تعالى : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 173 } (1) .
2. [البديل الفقهي] يكون في بعض صوره عن أصل محرم حرمة عارضة لسبب ، بحيث تزول بزوال السبب المحرم ، فمثلا : العقد الفاسد ، فالأصل حرمته إلا أن هذه الحرمة عارضة-غير ذاتية- فـ[البديل الفقهي] للعقد الفاسد هو تصحيحه بإزالة الوصف الذي كان سببا للفساد (2) ،
أما الرخصة ، فإن حرمة الأصل تكون ذاتية ، لا تزول بأي حال ، كأكل الميتة ، ولحم
الخنزير ، فالحرمة هنا هو لذات المحرم ، لا بسبب وصف خارجي .
__________
(1) - البقرة : 173 .
(2) - وهذا على رأي الحنفية والزيدية الذين يفرقون بين الفاسد والباطل في المعاملات .(1/20)
3. [البديل الفقهي] يتلازم مع السبب الذي يوجد من أجله ، من حيث الوجود ، إلا أنه لا يتلازم معه من حيث العدم ، فـ[البديل] يوجد ؛ لأجل الحاجة والترفيه والتوسعة على المكلف ، إلا أنه لا ينعدم إذا انعدم سببه ، فمثلا: في العقد الفاسد ، فإن الأصل هو حرمته ووجوب فسخه ، و[البديل] هو تصحيحه ، فالتصحيح وجد لوجود سببه ، وهو حاجة المتعاقدين إلى التصحيح ؛ لكونه أيسر من فسخ العقد ، وخصوصا في الوقت الحاضر نظرا إلى تقدم صور التعامل وتعقدها ، أما إذا انعدمت حاجة المتعاقدين إلى التصحيح ، بأن أمكن أن يفسخا العقد الفاسد ويتعاقدان من جديد ، فإن [البديل] وهو التصحيح لا ينعدم ، بل يبقى جائزا في حقهما متى أرادا ذلك ، أما الرخصة فإنها متلازمة مع سببها ، وهو [العذر] وجودا ، وعدما ، بمعنى : أنها توجد بوجود العذر ، فإذا وجد العذر وجدت الرخصة ، وتنعدم بعدمه ، فإذا انعدم العذر انعدمت الرخصة ، فأكل الميتة يرخص للمكلف إذا وجد عذره ، وهو الاضطرار ، وتنتفي هذه الرخصة إذا انتفى الاضطرار ، وقصر الصلاة يرخص للمكلف إذا كان مسافرا ، وتنتفي هذه الرخصة إذا أقام ، أو نوى الإقامة .
4. [البديل الفقهي] لا يكون مقدرا بمقدار معين ، بخلاف الرخصة ، فهي مقدرة كأكل الميتة ، فإذا سد المضطر حاجته ببعض من المحرم ، فلا يجوز له أن يتجاوز ذلك .
5. [البديل الفقهي] يتصف بالشمول ، فهو شامل لجميع المكلفين ، وليس محصورا على أفراد دون آخرين ، أما الرخصة فهي محصورة ، فهي خاصة فيمن تحقق فيهم العذر الشرعي ، وهم الأفراد المعذورون .
6. [البديل الفقهي] يتصف بالدوام ، فهو دائم وليس مؤقتا بفترة محددة ، أما الرخصة فهي مؤقتة بوقت معين ، فهي لا تجوز في كل وقت .
7. [البديل الفقهي] يوجد لأجل التوسعة والترفيه عن المكلف ، فقد يوجد [البديل] والمكلف ليس في مشقة ، أما الرخصة فقد وجدت لرفع المشقة .(1/21)
8. [البديل الفقهي] ، يوجد مع وجود الحكم الأصلي ، بحيث إن [البديل] إذا ارتفع لا يتحتم على المكلف أن يأخذ بالأصل ، فمثلا : من لا يريد أن يشبع رغبته بملك اليمين [البديل] ، فلا يتعين عليه الأصل ، وهو الزواج ،
أما الرخصة فإنها إذا ارتفعت عاد حكم العزيمة ، فمثلا : الذي يكتفي من أكل الميتة بقضمة ، فإن الحكم الأصلي يعود وهو التحريم (1) .
9. [البديل الفقهي] يسقط الوجوب ، فمثلا : التخيير بين الإتمام والقصر في صلاة المسافر ، فالإتمام هو الحكم الأصلي ، و[بديله] هو القصر ، فالمسافر إذا أخذ بالقصر ، فلا يطالب بعد الإقامة بقضاء الركعتين الأخيرتين في الصلاة الرباعية ، أما الرخصة ، فهي تسقط المأثم لا الوجوب (2) ، فالذي يفطر في رمضان ؛ لعذر يكون مطالبا بالقضاء بعد زوال العذر .
10. [البديل الفقهي] تترتب عليه جميع الآثار الشرعية في جميع التصرفات الفعلية والقولية ، فتصحيح العقد الفاسد [البديل] تترتب عليه الحقوق المذكورة في العقد المصحح ، كما تثبت بالأصل وهو العقد الذي ليس فيه فساد ، أما الرخصة فلا يترتب عليها أثر ، فمن أخذ مال غيره في حال الاضطرار ، فلا تثبت له ملكيته ، ومن طلق زوجته مكرها لا يقع طلاقه على قول الجمهور (3) .
11. لا تفاضل بين الحكم الأصلي , وبين [بديله] من حيث الأخذ بواحد منهما ، فكلاهما يجوز للمكلف أن يأخذ بواحد منهما ، دون إلزام في واحد بعينه ، أما الرخصة فكونها فاضلة أو مفضولة فموضع خلاف (4) .
__________
(1) - بدائع الصنائع : 1/90 .
(2) - بدائع الصنائع : 2/96 .
(3) - سبل السلام : 3/177 .
(4) - بدائع الصنائع : 2/ 96 ، سبل السلام : 2/39 .(1/22)
12. يجوز الجمع بين الحكم الأصلي و[بديله] ، مثال ذلك : كفارة اليمين ، قال تعالى : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 89 } (1) ، فالحكم الأصلي الذي ذكر ابتداء في كفارة اليمين ، هو "إطعام عشرة مساكين" ، وما بعده بدائل للإطعام ، ومع ذلك فقد أمكن الجمع بين الإطعام ، والكسوة ، ففيها تخيير وترتيب ، فالتخيير بين الإطعام والكسوة ، والعتق ، والترتيب فيها بين ذلك ، وبين الصيام ، ويجوز أن يطعم المكفِّر بعضا من العشرة ، ويكسو بعضا منهم ؛ لأن الله تعالى خيَّر مَنْ وجَبَتْ عليه الكفارة بين الإطعام ، والكسوة ، فكان مرجعهما إلى اختياره في العشرة (2) ، وكذلك من الأمثلة على جواز الجمع بين الأصل وبديله : جواز الجمع بين مبادلة الذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد ، وهو الحكم الأصلي ، وبين بديله ، وهو مبادلة الذهب بالفضة متفاضلا ، إذا كان يدا بيد ، أما الرخصة ، فلا يمكن الجمع بينها ، وبين الأصل ؛ لحرمته ، فلا يمكن أن يجمع بين رخصة أكل الميتة للمضطر ، وبين تجويزها لغير المضطر .
13. إن السبب الذي تنشأ منه الرخصة ، هو سبب خاص ، وهو [الضرورة] ، وأما سبب [البديل] ، فهو [الحاجة] ، وقد تقدم بيانها .
__________
(1) - المائدة : 89 .
(2) - كشاف القناع : 6/ 242 و243 .(1/23)
14. إذا وجد الأصل بطل العمل بالرخصة ، وهذا ليس على إطلاقه ، بل إنه مشروط بالقدرة على مباشرة الأصل ، فإذا وجد الماء ، وقدر المكلف على استعماله بطل التيمم ، ومن اكتفى من أكل الميتة ، او الخنزير، أو شرب الخمر، بجزء من هذه المحرمات لم يجز له أن يتعدى ذلك الجزء الذي اكتفى به ، أما بالنسبة للبديل ، فوجود الأصل لا يبطل العمل به ، فيجوز العمل بالبديل ، وإن وجد الأصل ، فيجوز التكفير عن اليمين ، وإن تمكن المكلف من البر بيمينه ، ويجوز قصر الصلاة ، وإن تمكن من الإتمام ....إلخ .
خامسا : [البديل الفقهي] بين الجواز والترخيص :
وأعني بهذا ما هو الوصف المناسب الذي يتلاءم مع [البديل الفقهي] هل هو وصف الجواز ، أم وصف الترخيص ؟
ومن خلال ما تقدم من المقارنة بين [البديل الفقهي] والرخصة ، تلخص لنا أن العلاقة بينهما هو التباين ، فـ[البديل] مفهومه يختلف عن مفهوم [الرخصة] ، لذا فإن الوصف المناسب لـ[البديل] هو وصف الجواز ، فنقول جاز في هذه المسألة أن يكون لها [بديل] ، ولا نقول رخص أن يكون لها [بديل] .
خاتمة
من خلال ما تقدم من بيان مواطن الاتفاق ومواطن الافتراق بين [البديل الفقهي] وبين [الرخصة] تبين لنا الآتي :
1. أن العلاقة بينهما هو التباين ، بمعنى أن كلا من المصطلحين لا يمكن أن نطلقه على أفراد الآخر ، فلا يجوز أن نطلق مصطلح [البديل] على أمثلة [الرخصة] ، ولا يجوز أيضا أن نطلق مصطلح [الرخصة] على أمثلة [البديل] ، فمثلا : التيمم من أحكام الرخصة ، فلا يجوز أن نقول : أن التيمم [بديل] للوضوء ، بل نقول : التيمم رخصة .(1/24)
2. أن الأمورالتي يتفق فيها[البديل]مع[الرخصة]هي أمور عامة لا تجعل المصطلحين متداخلين من حيث المفهوم ، فهو اتفاق من حيث الجنس ، لا من حيث النوع ، كالاتفاق بين الإنسان والفرس في الحيوانية ، فالإنسان حيوان ، والفرس حيوان ، إلا أن الإنسان يفترق عن الفرس في كونه ناطقا ، والفرس يفترق عن الإنسان في كونه صاهلا .
3. أن اتفاق [البديل] مع الرخصة في أحد نوعيها ، وهي رخصة الإسقاط لا يعني أن [البديل] من أقسام الرخصة ؛ لأن رخصة الإسقاط ليست رخصة حقيقية ، وإن تسميتها رخصة هو من باب المجاز، و الذي أراه هنا هو أن إعطائها وصف [البديل] أولى من إعطائها وصف الرخصة ؛ لأنه لا يصار إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة ، وهنا حمل قصر الصلاة للمسافر على كونه [بديلا] أولى من حمله على كونه [رخصة] فـ[البديل] يطلق عليه حقيقة والرخصة تطلق عليه مجازا ، والقاعدة : إذا تعذرت الحقيقة يصار إلى المجاز (1) .
المبحث الرابع
البديل الفقهي والضرورة
أولا- تعريف الضرورة لغة واصطلاحا
1. الضرورة ، لغة : الحاجة ، يقال : رجل ذو ضَرُورةٍ ، أي : ذو حاجة وقد اضْطَرَّ إلى الشيء ، أي : أُلجئ إليه ، وقوله عز وجل : { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 173 } (2) ، أَي : فمن أُلْجىءَ إِلى أَكْل الميْتةَ وما حُرِّم وضُيِّقَ عليه الأَمْرُ بالجوع ، وأَصله من الضّرَرِ ، وهو الضِّيقُ ، ومكانٌ ذو ضَرَرٍ ، أَي : ضِيقٍ ، ومكانٌ ضَرَرٌ: ضَيِّقٌ (3) ِ .
2. الضرورة ، اصطلاحا : وهي الحالة الملجئة لتناول الممنوع شرعا (4) .
ثانيا- صفات الضرورة
__________
(1) - شرح المجلة لعلي حيدر : 54 .
(2) - البقرة : 173 .
(3) - مختار الصحاح : 1 / 159 ، لسان العرب : 4 / 483 ، 484 .
(4) - درر الحكام شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر : 34 .(1/25)
1. ((الضرورات تبيح المحظورات )) (1) ؛ لآيات خمس في القرآن ، منها قوله تعالى : { فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 3 } (2) ، فلا إثم على المضطر في مجاعة إذا تناول شيئا من ميتة ، أو دم ، أو شراب محرم ، ولا حرج على المدافع عن نفسه من إلحاق الضرر بغيره ، ويؤخذ الدين من مال المدين الممتنع عن أداء دينه بغير إذنه ، ويجوز كشف الطبيب على عورات الأشخاص إذا توقفت عليها مداواتهم (3) .
2. ((الاضطرار لا يبطل حق الغير)) ، فمن اضطر لدفع الهلاك عن نفسه أن يأكل طعام غيره ، وعليه ضمان قيمته ، ومن أكره على إتلاف مال غيره ، فعلى المكره ، ضمان قيمة المال ؛ لأنه المتسبب (4) .
3. ((الضرورات تقدر بقدرها )) ، فليس للمضطر أن يتناول من المحرم إلا قدر ما يسد الرمق ، ولا يعفى من النجاسة إلا القدر الذي يشق الاحتراز عنه ، و الاطلاع على العورات يجوز للطبيب بمقدار ما يحتاج إلى كشفه فقط ، ولا يجوز للمرأة المعالجة عند الطبيب إذا وجدت امرأة تحسن ذلك ؛ لأن اطلاع الجنس على جنسه أخف خطرا وأقل ضررا ، وتبطل الرخص إذا زالت أسبابها ، كوجود الماء للمتيمم ، وإقامة المسافر في رمضان بالنسبة لصومه (5) .
ثالثا- الحكم المترتب على الضرورة
إن الحكم المترتب على الضرورة هو [الرخصة] ، فالضرورة ليست حكما ، وإنما هي سبب خاص لحكم خاص .
رابعا- مواطن الاتفاق بين البديل والضرورة
من خلال ما تقدم يتبين أنه لا اتفاق بين [البديل] وبين [الضرورة] ، فـ[البديل] هو حكم والضرورة هي سبب لحكم خاص ، وهو [الرخصة] .
خامسا- مواطن الافتراق بين البديل والضرورة
__________
(1) - كشاف القناع : 1/ 398 .
(2) - المائدة : 3 .
(3) - الوجيز في أصول الفقه للزحيأتي : 228 .
(4) - الوجيز في أصول الفقه للزحيأتي : 229 .
(5) - الوجيز في أصول الفقه للزحيأتي : 229 .(1/26)
بما أنه لا اتفاق بين [البديل] و[الضرورة] إذن هناك افتراق بينهما ، وهو واضح لما تقدم بيانه ، من أن البديل حكم ، والضرورة سبب خاص لحكم خاص ، و هو الرخصة .
خاتمة
إن الذي نريد أن نستخلصه مما تقدم هو أمران :
1. إن [الضرورة] و[البديل] متباينان ، فالعلاقة التي بينهما هو التباين ، فلا يصدق أحدهما على أفراد الآخر .
2. إن [الضرورة] ليست سببا ينشأ منها [البديل] ، فعندما يلجأ المكلف إلى البديل ليس لأنه صار في حالة ضرورة قد يصل بها إلى الهلاك ، وإنما لجوؤه إلى البديل هو لمجرد احتياجه دون أن يوصله احتياجه هذا إلى حالة الهلاك .
المبحث الخامس
البديل الفقهي و النسخ
أولا- تعريف النسخ لغة واصطلاحا (1)
1. النسخ لغة: نسخ الشيءَ يَنْسَخُه نَسْخاً و انْتَسَخَه و استَنسَخَه : اكتتبه عن معارضه ،
والاستنساخ : كتب كتابا من كتاب ؛ قال تعالى : { هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 29 } (2) ، أَي : نستنسخ ما تكتب الحفظة ، فيثبت عند الله ،
والنَّسْخ : إِبطال الشيء وإِقامة آخر مقامه ؛ قال تعالى : { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 106 } (3) ، والآية الثانية ناسخة والأُولى منسوخة.
والنسخ : تبديل الشيء من الشيء وهو غيره ، ونَسْخ الآية بالآية : إِزالة مثل حكمها .
والنسخ : نقل الشيء من مكان إِلى مكان وهو هو ؛
__________
(1) - الوجيز في أصول الفقه لـ"د.عبد الكريم زيدان" : من 329إلى332، محاضرات في أصول الفقه على مذاهب أهل السنة والإمامية : لـ" الأستاذ بدر المتولي عبد الباسط " من172 إلى 182 .
(2) - الجاثية : 29 .
(3) - البقرة : 106 .(1/27)
ونسخ الشيء بالشيء ينسَخهُ و انتسخه : أَزاله به وأَداله ؛ والشيء ينسخ الشيء نَسْخاً ، أَي : يزيله ويكون مكانه (1) .
2. والنسخ اصطلاحا : هو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر (2) ،
والنسخ واقع في الشرائع الإلهية ، فإن شريعتنا نسخت الأحكام الفرعية التي كانت مقررة في الشرائع السابقة ، وهو واقع أيضا في نطاق شريعتنا ، ولكن لا يقع النسخ إلا في حال حياة النبي(صلى الله عليه وسلم) ، ولا نسخ بعد وفاته ؛ لأن النسخ لا يعرف إلا بالوحي ، والوحي في حال حياة النبي(صلى الله عليه وسلم) ، أما بعد وفاته ، فلا نسخ لشيء من الأحكام ، إذ لا وحي ولا شرع ينزل من الله تعالى (3) ،
ثانيا- الحكمة من النسخ
والحكمة من النسخ : مراعاة تبدل وجه المصلحة التي يناط بها الحكم الشرعي ، فقد يشرع الحكم لتحقيق مصلحة معينة ، ولأسباب وقتية ، ثم تتبدل وجه المصلحة ، وتزول تلك الأسباب ؛ لأن المصلحة تختلف باختلاف الأوقات ، فتقتضي الحكمة تغيير الحكمة السابقة ، ويكون من الأصلح للناس المكلفين إنهاء الحكم القديم ، وإيجاد حكم آخر جديد يراد به الدوام والاستمرار ، وهذا متفق مع عدالة التشريع التي تقتضي التدرج ، ونقل الناس من وضع لوضع آخر أفضل ، وأحكم ، وأولى ، وقد يقصد بتغيير الحكم ، ونسخه اختبار المكلفين ،
وتغير المصلحة ، مثل نهي النبي(صلى الله عليه وسلم) عن ادخار لحوم الأضاحي بسبب ورود قوافل من الأعراب على المدينة في أيام عيد الضحى ، فلما رحلوا زال سبب النهي ، فأباح النبي(صلى الله عليه وسلم) للمسلمين الادخار (4) ،
__________
(1) - لسان العرب : 3/61 .
(2) - الوجيز في أصول الفقه للزحيأتي : 237 .
(3) - أصول السرخسي : لـ"أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهيل السرخسي" 2/78( دار الطبع : دار الكتب العلمية - بيروت ، اسم الناشر : لجنة إحياء المعارف ، حيدر آباد الدكن بالهند)ط1 .
(4) - سنن ابن ماجه : 2 / 1055 .(1/28)
وأما التدرج في التشريع ، فله أمثلة كثيرة منها التدرج في تحريم الخمر ، ففي آية ذكر الله تعالى أن الناس يستفيدون من ثمرات النخيل والأعناب ، فيجعلون منها سَكَراً ، ويتناولون منها فاكهة طيبة ، ورزقا حسنا على الطبيعة ، ثم ذكر الله تعالى أن في الخمر والميسر منافع اقتصادية للناس ، وإثما كبيرا ، تهيئة وتمهيدا للتحريم ؛ لأن ما غلب ضرره على نفعه ينبغي عقلا وشرعا اجتنابه ، ثم نهى الله تعالى المسلمين عن الاقتراب من الصلاة حال السكر ، تمهيدا ثالثا للتحريم ؛ لأن أوقات الصلاة متلاحقة ، فلا يأمن السكران إذا شرب في وقت أن يصحوا في وقت صلاة لاحقة ، فامتنعوا عن الشرب أثناء النهار ، وشربوا الخمر في الليل ، ثم جاء النص الصريح القطعي الدال على تحريم الخمر ، ووجوب اجتنابها في جميع الأوقات ؛ لأنها رجس من عمل الشيطان ، وتصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة ،
وكذلك كان تحريم الربا في مراحل أربعة ، وكان نظام الإرث مشروعا تدريجيا ، فنسخ أولا الإرث بالتبني ، ثم نسخ الإرث بالتحالف والمؤاخاة ، ثم نزل نظام مفصل لأحكام الإرث في سورة النساء (1) .
ثالثا- أنواع النسخ (2)
يتنوع النسخ إلى أنواع كثيرة باعتبارات مختلفة ،
? فهو يتنوع من حيث الدليل الناسخ إلى :
1. نسخ القرآن بالقرآن ، والسنة المتواترة بمثلها ، وخبر الآحاد بمثله ، وهذا جائز بالاتفاق .
__________
(1) - الوجيز في أصول الفقه للزحيأتي : 237و238 .
(2) -أصول السرخسي : 2/78 ، الوجيز المرجع السابق : 238و239و240و241.(1/29)
2. نسخ المتواتر بالآحاد ، و هو جائز عند الجمهور ، ونفى الشافعي وقوعه (1) ، وقال : لا ينسخ كتاب الله إلا بكتابه (2) ، ومثال نسخ الآية بحديث آحاد : تحريم كل ميتة بحديث (( هو الطهور ماؤه الحلال ميتته )) (3) ، ونسخ الآية بمتواتر الحديث ، مثل : نسخ عموم آيات المواريث بحديث متواتر : ((لا وصية لوارث)) (4) ،
ولا يجوز نسخ الإجماع بالإجماع ، ولا نسخ القرآن والسنة بالقياس (5) ،
? وينقسم النسخ من حيث الصيرورة إلى بدل ، أو لا إلى :
1. النسخ لا إلى بدل ، أي : بمجرد إلغاء الحكم ، كنسخ زواج المتعة .
2. النسخ إلى حكم بدل حكم ، كنسخ إيجاب الوصية للوالدين والأقربين بوضع نظام مفصل للإرث ، ونسخ الاتجاه إلى بيت المقدس بالاتجاه إلى الكعبة ، ونسخ العدة إلى حول بالتربص أربعة أشهر وعشرة أيام .
? وينقسم من حيث كون النسخ صريحا ، أو لا إلى :
__________
(1) - المستصفى في علم الأصول : لـ"أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي" 98(دار الكتب العلمية ، بيروت ) .
(2) - الرسالة : لـ"محمد بن إدريس أبي عبد الله الشافعي"1/107 (القاهرة : 1358هـ - 1939م ) ، تحقيق : أحمد محمد شاكر .
(3) - المنتقى من السنن المسندة : لـ"عبد الله بن علي بن الجارود أبي محمد النيسابوري" 1 / 222 ( مؤسسة الكتاب الثقافية ، : بيروت ، سنة النشر : 1408هـ - 1988م )ط1، اسم المحقق : عبد الله عمر البارودي .
(4) - سنن البيهقي الكبرى : 6 / 85 .
(5) - الوجيز في أصول الفقه للزحيأتي : 239 ، الفصول في الأصول : لـ"أحمد بن علي الرازي الجصاص" 1/231 - ط1: 1405هـ ، تحقيق : د. عجيل جاسم النشمي .(1/30)
1. النسخ الصريح : وهو أن ينص الشارع صراحة على إلغاء الحكم السابق ، مثل قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ 65 الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ 66 } (1) ،
ومثل قول الرسول(صلى الله عليه وسلم) : (( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، ألا فزوروها ، فإنها تذكركم بالآخرة )) (2) ، وقوله(صلى الله عليه وسلم) : (( إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت حضرة الأضحى ، فكلوا ، وادخروا ، وتصدقوا )) (3) .
2. النسخ الضمني : وهو ألا يصرح الشارع بالنسخ ، ولكن يشرع حكما معارضا حكمه السابق ، فيعد اللاحق ناسخا للسابق ضمنا ، وهذا كثير في الشريعة ، كنسخ وجوب الوصية للوالدين والأقربين بآيات المواريث ، فالحكمان متعارضان ، فيكون الثاني ناسخا للأول ، لذا قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : (( إن الله أعطى كل ذي حق حقه ، ولا وصية لوارث)) (4) .
? وينقسم من حيث كونه كليا أو جزئيا إلى :
__________
(1) - الأنفال : 65 و 66 .
(2) - مسند أحمد : لـ"الإمام أحمد بن حنبل " 1/ 145 (دار صادر ، بيروت ) .
(3) - المسند : لـ"الإمام الشافعي " 163 (دار الكتب العلمية ، بيروت ) ، التحقيق : مطبعة بولاق الأميرية والنسخة مطبوعة في بلاد الهند .
(4) - مسند أحمد[المرجع السابق] : 4/186 .(1/31)
1. النسخ الجزئي : وهو أن يبطل الشارع الحكم السابق في بعض الحالات ، أو بالنسبة لبعض الأفراد ، كأن يشرع الحكم عاما ، أو مطلقا ، ثم يشرع بعد ذلك بزمن حكما لبعض الأفراد ، أو يقيد ببعض القيود ، مثل تشريع حد القذف بقوله تعالى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ 4 إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 5 } (1) ، فإنه يشمل كل قاذف زوجا ، أو غيره ، ثم شرع الله تعالى حكم اللعان بالنسبة للزوج ، فلا يجلد بل يلاعن زوجته ، في قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ 6 وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ 7 عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ 8 وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ 9 وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ10 } (2) .
__________
(1) - النور : 4 و5.
(2) - النور : 6 و7و8و9و10.(1/32)
2. النسخ الكلي : وهو إلغاء الحكم السابق إلغاء كليا بالنسبة لجميع المكلفين ، مثل إبطال إيجاب الوصية للوالدين والأقربين بتشريع أحكام الإرث ، ومنع الوصية للوارث ؛ لقوله (صلى الله عليه وسلم) : ((لا وصية لوارث)) (1) ، وإبطال العدة حولا كاملا بالعدة أربعة أشهر وعشرة أيام ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 240 } (2) ، ثم قال تعالى : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 234 } (3) .
رابعا- محل النسخ (4)
ومحل النسخ هو كل حكم شرعي لم يلحقه تأبيد ولا توقيت ، وعليه ليست كل الأحكام قابلة للنسخ ، فمنها ما يقبل النسخ ، ومنها ما لا يقبل ، والذي يقبل النسخ هو أن يكون حسنه أو قبحه قابلا للسقوط ، والذي لا يقبل النسخ ثلاثة أنواع :
__________
(1) - مسند أحمد : 4/186 .
(2) - البقرة : 240 .
(3) - البقرة : 234 .
(4) - الوجيز في أصول الفقه للزحيأتي : 241و242 .(1/33)
1. النصوص التي اقترنت بما يفيد التأبيد ، مثل قوله تعالى : { خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } (1) ، وقوله تعالى في حق القاذفين : { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا } (2) ، وقول النبي(صلى الله عليه وسلم) في بقاء فرضية الجهاد : (( الجهاد ماض منذ بعثني الله تعالى إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ، ولا عدل عادل )) (3) .
2. الإخبار عن مضمون أمور ماضية ، مثل قوله تعالى : { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ 5 وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ 6 } (4) .
3. الأحكام الأساسية في الشرائع التي لا تختلف حسنا ولا قبحا ، باختلاف الأزمان ، كالأحكام المتعلقة بأصول الدين والاعتقاد والعبادات ، ومبادئ الإسلام الكبرى ، كالشورى ، والعدل ، والمساواة ، وأمهات الفضائل وأضدادها ، كالصدق والأمانة ، والعفة ، والكذب ، والخيانة ، و الفحش ، فهذه لا يتصور نسخها ؛ لأنها إما حسنة ، أو
قبيحة في كل حال (5) .
خامسا- صفات النسخ
ومن جملة ما تقدم ، فإننا استخلصنا صفاتا تتعلق بالنسخ ؛ لتكون مناطا يقارن بها بين النسخ والبديل ، وهي :
1. النسخ هو حكم متأخر يزال به حكم متقدم .
2. النسخ يقع في الأحكام الفرعية ، فلا نسخ فيما كان أصل من أصول الدين ، كالإيمان بالله تعالى ، واليوم الآخر ...إلخ .
__________
(1) - البينة : 8 .
(2) - النور : 4 .
(3) - كنز العمال : لـ"المتقي الهندي " 4/314 (مؤسسة الرسالة ، بيروت-لبنان) ، تحقيق : الشيخ بكر حياني والشيخ صفوة السقا .
(4) - الحاقة : 5و6 .
(5) - الفصول في الأصول : 2/261 ، الوجيز للزحيأتي : 242 .(1/34)
3. الحكم المترتب على النسخ يتصف بالدوام والشمول ، كالحكم المنسوخ ، فهو ليس مؤقتا بفترة ، وليس محصورا على بعض دون آخرين ، فمثلا : شرب الخمر يعتبر منسوخا ، فيحرم شربه ، وتعاطيه ، ........إلخ ، وحرمته هذه تسري على جميع المكلفين ، وليست حرمته مؤقتة ، بمعنى أنه يحرم في وقت ، ويجوز في وقت آخر ، كما أنه كان قبل النسخ مباحا لجميع المكلفين وفي أي وقت .
4. النسخ يدل في بعض صوره على قبح المنسوخ ، كالخمر ، قال تعالى : {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 90 } (1) ، فوصف تعالى الخمر بأنه رجس ، والرجس فسر عدة تفسيرات ، منها : العذاب ، والشيطان ، والنجس ، قال الطبري : ( والصواب في ذلك من القول عندي ما قاله ابن عباس ، ومن قال : إن الرجس والنجس واحد ؛ للخبر الذي روي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه كان يقول إذا دخل الخلاء : اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم ) (2) .
5. النسخ لا يكون إلا في حال حياة النبي(صلى الله عليه وسلم) ، فالنسخ قد توقف بعد وفاته (صلى الله عليه وسلم) ؛ لأن النسخ يكون عن طريق الوحي ، ولا وحي بعد وفاته (صلى الله عليه وسلم) .
6. مواضع النسخ محصورة ، فهي لا تشمل جميع الأحكام الشرعية ، فهي قد جاءت في بعض الأحكام دون بعض .
7. إن النسخ يثبت بالنص ، فالنسخ لا يثبت بالاجتهاد ، أو القياس .
__________
(1) - المائدة : 90 .
(2) - جامع البيان عن تأويل آي القرآن : لـ"أبي جعفر محمد بن جرير الطبري" 8/42و43 (دار الفكر ، بيروت : 1415هـ) ، ضبط و توثيق وتخريج : صدقي جميل العطار .(1/35)
8. النسخ يدل في أغلب صوره (1) على بطلان المنسوخ ، لذا فإن المباشر للمنسوخ لا يخرج من حالتين :
? ترتب الحرمة ، و المأثم ، ووجوب الحد في بعض صوره ، كشرب الخمر ، فالذي يشرب الخمر يترتب على شربه الحرمة والإثم ، ومن ثم يجب عليه حد الشرب ، وهو ثمانون جلدة (2) .
? عدم ترتب الآثار الشرعية على العمل بالحكم المنسوخ ، فمثلا : الوصية للوارث ، الثابتة بقوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ 180 } (3) ، منسوخة بآيات المواريث الثابتة بآيات المواريث ، ولقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : (( لا وصية لوارث )) (4) ، فمن أوصى لوارث ، فإنه لا يترتب عليها أثر شرعي من استحقاق الوارث الموصى له فوق إرثه بما تتضمنه الوصية ، وتكون وصية باطلة ، على الخلاف الموجود بين الفقهاء (5) .
9. الغرض من النسخ :
? إما مراعاة تبدل وجه المصلحة التي يناط بها الحكم الشرعي .
? أوقد يقصد بالنسخ اختبار المكلفين .
? أو التدرج في التشريع .
10. النسخ :
? إما أن يكون إلغاء للمنسوخ بدون أن يكون هناك بدل ، كما في تحريم الخمر ، فعندما حرم ، لم يشرع مشروبا في قوته ، أو شيئا آخر يكون بديلا عنه .
__________
(1) - قيدت ذلك بالأغلب ؛ لأن هناك بعض حالات النسخ لا تبطل العمل بالأصل ، كما في النهي عن ادخار الأضاحي ، فإنه منسوخ ، ومع ذلك فإن المكلف يستطيع ألا يدخر الأضحية ، فهو ليس ملزما بالادخار والله تعالى أعلم بالصواب .
(2) - الفصول في الأصول : 2/ 41 .
(3) - البقرة : 180 .
(4) - مسند أحمد : 4/186 .
(5) - أحكام الأسرة في الفقه الإسلامي [أحكام الوصية] : لـ"د.عبد الستار حامد " 53 ( مطبعة جامعة بغداد ، بغداد)ط1 : 1406هـ - 1986م .(1/36)
? أو يكون إلغاء للمنسوخ مع وجود بدل للمنسوخ مساو له ، كنسخ التوجه إلى بيت المقدس باستقبال الكعبة ، أو بدل أخف ، كنسخ العدة حولا كاملا بالعدة أربعة أشهر وعشرة أيام ، أو النسخ بأثقل أو أشد ، وهو جائز عند الجمهور ؛ لأنه قد تكون المصلحة في تشريع الحكم الأشد بعد الحكم الأخف ، مثل نسخ تحريم القتال في أول الإسلام بفرضه بعد الهجرة ، ونسخ إباحة الخمر بتحريمها (1) .
11. وجوب العمل بالحكم الجديد المترتب على النسخ ، فمثلا : وجوب اجتناب الخمر بعد تحريمها ، ووجوب الميراث للوارث ، فالمكلف ليس له اختيار فيما يترتب على النسخ .
12. النسخ لا يدخل في الواجبات العينية ، كالأركان الخمسة .
13. النسخ لا يدخل على المحرمات حرمة ذاتية ، كالزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر بعد تحريمها .
14. إن الحكم الناسخ لا يجري عليه النسخ ، فمثلا : التوجه إلى بيت المقدس عندما نسخ بالتوجه إلى الكعبة ، فإن الناسخ [التوجه إلى الكعبة] لم يجر عليه النسخ بالتوجه إلى مكان آخر ، وإباحة شرب الخمر عندما حرم بتحريمه لم يجر عليه النسخ مرة ثانية بإباحته .
سادسا- مواطن الاتفاق بين النسخ والبديل
إن من المواطن التي يتفق فيها البديل مع النسخ هي :
1. كل من النسخ والبديل تغيير للحكم ، فمثلا : شرب الخمر عندما جرى عليه النسخ ، فإن حكمه تغير من الإباحة إلى التحريم ، وكذلك العقد الفاسد حكمه حرمة مباشرته من قبل الطرفين المتعاقدين ، فعندما صحح بإزالة سبب الفساد ، فإن الحكم قد تغير من الحرمة إلى الحل .
2. البديل هو حكم جديد ، ويتفق مع النسخ في بعض صوره ، في هذا الموطن ، وهي صورة النسخ إلى بدل المنسوخ ، ومثاله : عندما نسخ التوجه إلى بيت المقدس ، فإن الله قد أرشد نبيه (صلى الله عليه وسلم) إلى بدل المنسوخ ، وهو التوجه إلى الكعبة .
__________
(1) - الوجيز في أصول الفقه للزحيأتي : 239 .(1/37)
3. كل من [البديل] والنسخ يتصفان بالدوام والشمول ، من حيث أنهما غير مؤقتين ، فـ[البديل] يجوز في كل وقت ، فهذا وصف الدوام ، وليس محصورا على أفراد دون آخرين ، فهذا وصف الشمول ، كما تقدم ، والنسخ حكمه أيضا ليس محددا بفترة معينة ، وليس محصورا على أفراد دون آخرين .
4. كل من [البديل]والنسخ لا يسريان على الواجبات العينية ، والمحرمات حرمة ذاتية ، فكما أن الأركان الخمسة لم يجري عليها النسخ ، فكذلك فإن الأركان الخمسة لا بديل لها ، فلا يجوز أن يكون إعطاء المال بديلا عن الصلاة ، أو تكون الصدقة العادية بديلا عن الزكاة المفروضة ....إلخ .
5. كل من [البديل]والنسخ يكونان في الأحكام الفرعية ، فلا نسخ ولا بديل لما كان أصل من أصول الدين ، كالإيمان بالله تعالى واليوم الآخر....إلخ .
سابعا- مواطن الافتراق بين النسخ والبديل
1. إن [البديل]ليس إبطالا للأصل ، فالبر باليمين هو الأصل ، والتكفير عن اليمين هو البديل ، فإذا لجأ المكلف إلى هذا البديل ، فإنه لم يبطل بذلك العمل بالأصل ، فيجوز له أن يتراجع عن التكفير عن اليمين ، ويبر بيمينه ، أما النسخ ، فهو إبطال للأصل في أغلب صوره ، فلا يجوز العمل بالمنسوخ (1) والرجوع إليه ، فعندما نسخ التوجه إلى بيت المقدس في الصلاة إلى التوجه إلى الكعبة ، فإن الملكف لا يجوز له الرجوع إلى الحكم المنسوخ والعمل به فلا يجوز له التوجه في الصلاة إلى بيت المقدس .
2. إن [البديل]مواضعه ليست محصورة ، بخلاف النسخ .
3. إن [البديل]يكون في حال حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وبعد حياته ، أما النسخ فلا يكون إلا في حال حياة النبي(صلى الله عليه وسلم) .
__________
(1) - يستثنى من ذلك "النهي عن ادخار الأضاحي" ، فإنه وإن جاء النص بنسخها إلا أنه يجوز العمل به ، فيجوز عدم ادخار الأضاحي .(1/38)
4. إن المكلف يكون مخيرا بالعمل بين[البديل]والحكم الأصلي ، بخلاف النسخ ، حيث يكون المكلف ملزما بالعمل بالحكم المترتب على النسخ - في أغلب صوره (1) - سواء كان اجتنابا ، كترك شرب الخمر ، أو فعلا ، كما في الميراث ، أو التوجه إلى الكعبة .
5. ترتب الآثار على العمل بالبديل الفقهي ، من حيث إسقاط المسائلة ، وترتب الحقوق والواجبات ...إلخ ، أما النسخ فلا يترتب على العمل بالمنسوخ أي أثر شرعي ، ويكون تصرفا باطلا ، فمثلا الوصية للوارث منسوخة بآية المواريث ، فمن أوصى للوارث ، فتكون وصية باطلة ، ولا يترتب عليها أثر شرعي (2) ، وكذلك من توجه في صلاته إلى بيت المقدس ، فإنه لا تجزئه صلاته هذه ، وتكون صلاته باطلة ، ولا تسقط عنه المطالبة بإعادة ما صلاه .
المبحث السادس
البديل الفقهي و الحيلة
أولا_ تعريف الحيلة لغة واصطلاحا
1. تعريف الحيلة لغة ، الحول والحيل والحولة والحيلة بالكسر والمحال والمحالة والاحتيال والتحول والتحيل كل ذلك معناه : الحذق في تدبير الأمور ، وجودة النظر ، وهو تقليب الفكر حتى يهتدي إلى المقصود ، والقدرة على دقة التصرف (3) ، والحيلة اسم من الاحتيال (4) ،
__________
(1) - فهناك بعض حالات النسخ يكون الحكم المترتب عليه هو الإباحة ، كما في ادخار الأضاحي .
(2) - أما تصحيح الحنفية لهذه الوصية بعد إجازة الورثة ، فهذا التصحيح قد ثبت بدليل آخر وليس بالآية التي ثبت فيها النسخ ، فالدليل الذي استدل به الحنفية هو قوله (صلى الله عليه وسلم) ((لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة )) انظر [المجموع للنووي : 15/421] .
(3) - مختار الصحاح : 1/68 ، لسان العرب : 11/186 .
(4) - معجم لغة الفقهاء لمحمد قلعجي : 189 .(1/39)
2. واصطلاحا ، فالحيلة ، وهي عند العلماء على أقسام بحسب الحامل عليها ، فإن توصل بها بطريق مباح إلى إبطال الحق ، أو إثبات باطل ، فهي حرام ، أو إلى إثبات حق ، أو دفع باطل ، فهي واجبة أو مستحبة ، وإن توصل بها بطريق مباح إلى سلامة من وقوع في مكروه ، فهي مستحبة ، أو مباحة ، أو إلى ترك مندوب ، فهي مكروهة ،
وقد عرفت أيضا بأنها : التوصل بما هو مشروع لما هو غير مشروع ، أو هي : ما يشبه المشروع ، وليس بمشروع ،
وقد اشتهر بالقول بالحيل عن الحنفية ؛ لكون أبي يوسف صنف فيها كتابا ، لكن المعروف عنه ، وعن كثير من أئمتهم تقييد إعمالها بقصد الحق (1) .
ثانيا- أمثلة الحيلة
وقد وردت أمثلة كثيرة في القرآن والسنة كيفها الفقهاء (رحمهم الله تعالى) على أنها من الحيل ، واستدلوا بها على صحة الحيلة إذا كانت مشروعة ، والآتي استعراض لبعض من هذه الأمثلة :
1. في القرآن الكريم :
? قال تعالى حكاية عن أيوب مع زوجته : {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ 44 } (2) ، فهذا تعليم المخرج لأيوب (عليه السلام) عن يمينه التي حلف ليضربن زوجته مائة ، فإنه حين قالت له لو ذبحت عناقا باسم الشيطان ......في قصة طويلة أوردها أهل التفسير (رحمهم الله) (3) .
__________
(1) - القاموس الفقهي لـ[د. سعدي أبو حبيب ] : 106 ، معجم لغة الفقهاء [المرجع السابق] .
(2) - ص : 44 .
(3) - المبسوط للسرخسي : 30/209 .(1/40)
? قال تعالى حكاية عن يوسف وإخوته :{ فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ 70 } (1) إلى قوله تعالى : { فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ 76 } (2) ، وذلك منه حيلة ، وكان هذا حيلة لامساك أخيه عنده حينئذ ؛ ليوقف إخوته على مقصوده (3) .
? قال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام : { قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا 69} (4) ، ولم يقل على ذلك ؛ لأنه قيد سلامته بالاستثناء ، وهو مخرج صحيح قال الله تعالى : {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا 23 إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا 24 } (5) .
2. في السنة المطهرة :
? ما روى : أن رسول الله قال يوم الأحزاب لعروة بن مسعود في شأن بني قريظة : فلعلنا أمرناهم بذلك ، فلما قال له عمر رضي الله عنه في ذلك ، قال (عليه السلام) : الحرب خدعة ، وكان ذلك منه اكتساب حيلة ومخرج من الإثم بتقييد الكلام بلعل (6) .
? وروي : ( أنه لما أتاه رجل ، وأخبره أنه حلف بطلاق امرأته ثلاثا أن لا يكلم أخاه ، قال له : طلقها واحدة ، فإذا انقضت عدتها فكلم أخاك ، ثم تزوجها ) وهذا تعليم الحيلة (7) .
__________
(1) - يوسف : 70 .
(2) - يوسف : 76 .
(3) - المبسوط للسرخسي : 30/209 .
(4) - الكهف : 69 .
(5) - الكهف : 23و24 .
(6) - المبسوط : 30/209 .
(7) - المبسوط : 30/ 209 .(1/41)
والآثار فيه كثيرة من تأمل أحكام الشرع وجد المعاملات كلها بهذه الصفة ، فإن من أحب أمرأة إذا سأل ، فقال : ما الحيلة لي حتى أصل إليها ، يقال له : تزوجها ، وإذا هوى جارية ، فقال : ما الحيلة لي حتى أصل إليها ، يقال : له اشترها ، وإذا كره البغوي امرأته ، فقال : ما الحيلة لي في التخلص منها ، قيل : له طلقها ، وبعد ما طلقها إذا ندم وسأل الحيلة في ذلك ، قيل له : راجعها ، وبعد ما طلقها ثلاثا إذا تابت من سوء خلقها ، وطلبا حيلة ، قيل : لهما الحيلة في ذلك أن تتزوج بزوج أخر ، ويدخل بها ،
فمن كره الحيل في الأحكام ، فإنما يكره في الحقيقة أحكام الشرع ، وإنما يقع مثل هذه الأشياء من قلة التأمل ، فالحاصل أن ما يتخلص به الرجل من الحرام ، أو يتوصل به إلى الحلال من الحيل ، فهو حسن ، وإنما يكره ذلك أن يحتال في حق لرجل حتى يبطله ، أو في باطل حتى يموهه ، أو في حق يدخل فيه شبهة ، فما كان على هذا السبيل ، فهو مكروه ، وما كان على السبيل الذي قلنا أولا ، فلا بأس به ؛ لأن الله تعالى قال : {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ 2} (1) ، ففي النوع الأول معنى التعاون على البر والتقوى ، وفي النوع الثاني معنى التعاون على الإثم والعدوان (2) .
3. ومن آثار الصحابة :
__________
(1) - المائدة : 2 .
(2) - المبسوط : 30/ 210 .(1/42)
ذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : من معاريض الكلام ما يغنى المسلم عن الكذب ، وفيه دليل على أنه لا بأس باستعمال المعاريض للتحرزعن الكذب ، فإن الكذب حرام لا رخصة فيه ، والذي يروى حديث عقبة ابن أبي معيط (رضي الله عنه ) أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) : (رخص في الكذب في ثلاثة مواضع : في الرجل يصلح بين الناس ، والرجل يكذب لامرأته ، والكذب في الحرب ) تأويله في استعمال معاريض الرجال الكلام ، فإن صريح الكذب لا يحل هنا ، كما لا يحل في غيره من المواضع ، وقال ابن عباس : ما يسرني بمعاريض الكلام حمر النعم فإنما يريد به أن بمعاريض الكلام يتخلص المرء من الإثم ويحصل مقصوده ، فهو خير من حمر النعم (1) .
ثالثا- صفات الحيلة
من خلال ما تقدم من التعريف اللغوي والاصطلاحي ، وأقوال العلماء في [الحيلة] ، فإن [الحيلة] تتصف بالآتي :
1. إن [الحيلة]وسيلة وليست حكما ، وهذا ظاهر من التعريف [فإن توصل بها] ، حيث استعمل الباء في وصفه للحيلة فقال : (بها) ، ومن معاني الباء الاستعانة .
2. إن [الحيلة]تؤول إلى نوعين من الأحكام :
? إما أن يكون حكما مشروعا ، فتسمى [حيلة شرعية] ،
? أو يكون حكما غير مشروعا ، فتسمى [حيلة غير شرعية] ،
لذا فإن [الحيلة]تحتاج إلى قيد الشرعية ، فعندما نعطي وصف [الحيلة]لفعل معين نقول هذه حيلة شرعية ، ولا يفهم قيد الشرعية من لفظ الحيلة عند الإطلاق ، بل إن بعضهم قد غلب استعمالها فيما هو غير مشروع ،
فكل حيلة توصل بها إلى السلامة من الإثم فهي جائزة ، وإنما المحرم الحيلة التي توصل بها إلى إبطال مقصد شرعي (2) .
3. إن الحيلة ليست محل اتفاق بين العلماء ، فهناك من العلماء من لم يرتض استعمالها ، وأطلق المنع في ذلك ، فقد جاء في كتاب "إبطال الحيل" :
__________
(1) - المبسوط للسرخسي : 30 / 211 و212 .
(2) - نيل الأوطار : 5 / 382 .(1/43)
حدثنا إبراهيم بن حبيب العطار حدثنا أبو داوود السجستاني ، قال : سمعت أبا عبد الله ، وذكر الحيل عن أصحاب الرأي ، فقال : يحتالون لنقض سنن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ،
وحدث موسى بن سعيد الديداني أن أبا عبد الله قال : لا يجوز شيء من الحيل ، حدثنا أبو بكر محمد بن أيوب ، حدثنا بشر بن موسى قال : سمعت إبراهيم بن شماس السمرقندي يقول : قال رجل للفضيل بن عياض (رحمه الله) : يا أبا علي إني استفتيت رجلا في يمين بُليت بها ، فقال : إن فعلت ذلك حنثت ، وأنا أحتال لك ، فافعل حتى لا أحنث ،
فقال له الفضيل : تعرف الرجل ، قال : نعم ، قال ارجع واستفته ، فإني أحسبه شيطانا شبه لك في صورة إنسان (1) ،
وهناك من العلماء رأى أنه لا بأس في استعمالها ، إذا كانت توصل إلى تصرف محمود ، بحيث يخرج بها المكلف من الضيق على السعة دون أن تتصادم مع أصل شرعي .
رابعا- الحكم المترتب على الحيلة
جاء في كتاب المبسوط للسرخسي :
((إن من أحب امرأة إذا سأل فقال ما الحيلة لي حتى أصل إليها يقال له تزوجها وإذا هوى جارية فقال ما الحيلة لي حتى أصل إليها يقال له اشتراها وإذا كره البغوي امرأته فقال ما الحيلة لي في التخلص منها قيل له طلقها وبعد ما طلقها إذا ندم وسأل الحيلة في ذلك قيل له راجعها وبعد ما طلقها ثلاثا إذا تابت من سوء خلقها وطلبا حيلة قيل لهما الحيلة في ذلك أن تتزوج بزوج أخر ويدخل بها )) (2) ،
فالحكم المترتب على الحيل متنوع ، فتارة يكون حكما [أصليا] ، فالزواج حيلة للوصول إلى المرأة التي يهواها الرجل ،
وتارة يكون حكما[بديلا] ، فملك اليمين حيلة للوصول إلى الجارية ،
__________
(1) - إبطال الحيل : 1/54 .
(2) -المبسوط للسرخسي : 30/210 .(1/44)
وتارة يكون [رخصة] ، كالطلاق ، فلا يباح إيقاع الطلاق إلا عند الضرورة ؛ لقوله (صلى الله عليه وسلم) : (( لعن الله كل ذواق مطلاق )) (1) ، وقوله (صلى الله عليه وسلم) : (( إن الله لا يحب كل ذواق من الرجال ، ولا كل ذواقة من النساء )) (2) .
خامسا- مواطن الاتفاق بين الحيلة و[البديل]
إن الحيلة كالضرورة لا اتفاق بينها ، وبين [البديل] ، من حيث كون الحيلة وسيلة للحكم الذي يكون أصليا ، أو بديلا ، أو رخصة .
سادسا- مواطن الافتراق بين الحيلة و[البديل]
وبما أنه لا اتفاق بينهما ، إذن فهما مفترقان ، ووجه الفرق واضح فالحيلة وسيلة تؤول إلى حكم ، و[البديل]قد يكون نتيجة وحكما لهذه الوسيلة .
خاتمة
من خلال ما تقدم ، فإننا نستخلص الآتي :
1. إن الحيلة وسيلة تؤول إلى حكم غير معين ، فقد يكون هذا الحكم أصليا ، وقد يكون بديلا ، وقد يكون رخصة ، وهذا بخلاف الضرورة ، فالضرورة سبب خاص لحكم خاص ، وهو الرخصة ، فالحيلة ليست وسيلة خاصة ، بمعنى أنها لا تؤول إلى حكم خاص ، فهي قد تكون وسيلة لحكم أصلي ، أو وسيلة لحكم بديل ، أو وسيلة للرخص .
2. إن استعمال كلمة البديل أولى من استعمال كلمة الحيلة ؛ لأن كلمة البديل لم أقف على معترض يعارض استعمالها ، بخلاف الحيلة ، لذا فإن استعمال كلمة لا خلاف عليها أولى من استعمال كلمة قد تحقق فيها هذا الاختلاف .
المبحث السابع
البديل الفقهي و مراعاة الخلاف
قبل البدء بالكلام في هذا المبحث تلزمني الأمانة العلمية أن أذكر بأن هذا المبحث مأخوذ من البحث الذي قد نشره الدكتور المشرف الأستاذ بشير الكبيسي في مجلة الجامعة الإسلامية ، حيث رأى أن لهذا الموضوع تداخلا مع البديل الفقهي ، وجزاه الله خيرا لأنه أمدني بنسخة من هذا المبحث ، وبعد قراءتي له ، فقد رأيت ذلك كما أشار إليّ ،
__________
(1) - المبسوط للسرخسي : 6/2 .
(2) - المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 4/172 .(1/45)
وتقسيم المبحث سيكون على وفق ما قد نهجه الدكتور المشرف ، بترك لبعض المطالب التي لعدم الحاجة إليها ، وليس لي في هذا المبحث فضل إلا الموازنة والمقارنة بين موضوع مراعاة الخلاف ، وبين البديل الفقهي ، وبيان المواطن التي يتداخلان أو يفترقان فيها ، لذا فالمبحث سيتضمن المطالب الآتية :
المطلب الأول - تعريف مراعاة الخلاف لغة واصطلاحا .
المطلب الثاني - أنواع مراعاة الخلاف وأدلة حجيته ومن يقرر مراعاة الخلاف وشروطه .
المطلب الثالث - مكانة مراعاة الخلاف في أصول الفقه وتطبيقات الفقهاء لها .
المطلب الرابع - مواطن الاتفاق والافتراق بين البديل الفقهي وبين مراعاة الخلاف .
المطلب الأول
تعريف مراعاة الخلاف لغة واصطلاحا
أولا- التعريف اللغوي :
يرادف هذا المصطلح (مراعاة الخلاف) أو يقرب منه كثيرا مصطلح آخر ، وهو(الخروج من الخلاف) ؛ لذا سنعرج أولا على التعريفات اللغوية للكلمات الثلاث [مراعاة ، الخروج ، الخلاف] ، ثم ندلف إلى التعريف الاصطلاحيّ الأصوليّ :
? المراعاة ، مصدر للفعل الرباعيّ راعى يراعي ، وما يعنينا هنا من معاني الكلمة أنها تأتي بمعنى الملاحظة الحسنة ، والتدبير الجيد ، يقال : راعيته ، أي : لاحظته محسنا إليه (1) ، ويقال : راعى أمره ، أي : حفظه وترقبه ، وراعيت فلانا مراعاة ورعاء ـ إذا راقبته وتأملت فعله ، والمراعاة : المحافظة والإبقاء على الشيء (2) ، ومن هذه المعاني قوله تعالى : { ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها } (3) .
? الخروج ، مصدر للفعل خرج يخرج ، ويعني خلاف دخل (4) ، فمعنى خرج من الخلاف - دخل في الوفاق .
__________
(1) - القاموس المحيط [الفيروز آبادي] : 4/337 .
(2) - لسان العرب : 14 / 327-329 .
(3) - الحديد : 27 .
(4) - القاموس المحيط : 1/191 .(1/46)
? الخلاف ، فهو المخالفة بين أمرين ، كأن يسير شخصان كل منهما باتجاه مغاير لاتجاه الآخر ، فيقال : خالفه في المسير ، ومنه قوله تعالى : { فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله } (1) ، وقد ذهب بعض العلماء إلى تحديد الخلاف بمعنى يغاير (الاختلاف) .
ثانيا- التعريف الاصطلاحي :
عرفه أبو العباس القباب المالكي (2) بقوله : هو إعطاء كل واحد من الدليأتين حكمه (3) ،
ثم شرح هذا التعريف قائلا ((وبسطه أن الأدلة الشرعية منها ما تبين قوته تبينا يجزم الناظر بصحة أحد الدليأتين والعمل بإحدى الإمارتين ، فهاهنا لا وجه لمراعاة الخلاف ، ولا معنى له ، ومن الأدلة ما يقوى فيها احد الدليأتين وتترجح فيها إحدى الإمارتين قوة ما ، ورجحانا لا ينقطع معه تردد النفس وتشوفها إلى مقتضى الدليل الآخر ، فهنا تحسن مراعاة الخلاف ، فيقول الإمام : ويعمل ابتداء على الدليل الراجح لمقتضى الرجحان في غلبة ظنه ، فإذا وقع عقد أو عبادة على مقتضى الدليل الآخر لم يفسد العقد ولم تبطل العبادة ؛ لوقوع ذلك على موافقة دليل له في النفس اعتبار ، وليس إسقاطه بالذي تشرح له النفس )) (4)
__________
(1) - التوبة : 81 . وانظر القاموس : 3/ 14 .
(2) - أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن الجذامي - انتهت إليه رئاسة الفتيا بفاس ، وتولى القضاء بجبل الفتح توفي بفاس 779هـ ، انظر جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس : 1/123 (دار المنصور ، الرباط : 1974)، الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب : لـ"ابن فرحون إبراهيم بن علي" 41(المعاهد ، مصر : 1351)ط1 .
(3) - المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء أفريقية والأندلس والمغرب : لـ"أحمد بن يحيى الونشريسي "6/388 (دار الغرب الإسلامي ، بيروت : 1401هـ- 1981م) تحقيق جماعة من الفقهاء .
(4) - المصدر نفسه .(1/47)
وعرفه ابن عرفة المالكي (1) بأنه : عبارة عن إعمال دليل في لازم مدلوله الذي أعمل في نقيضه دليل آخر (2) ،
وهذا التعريف لا يبتعد كثيرا عن المعنى الذي أراده القباب ، ويعني بهذا التعريف : أن المجتهد يصل إلى الحكم معتمدا على دليل ، ثم يأتي مجتهد آخر ، فيصل إلى حكم مناقض لهذا الحكم بدليل آخر ، ثم يقع أمر يحتاج إلى حكم ، فإن بناه على مدلول دليله ترتب عليه حكم ، وإن بناه على مدلول دليل المخالف ترتب عليه حكم آخر ، فهنا يحكم له بلازم مدلول دليل المخالف ؛ لأن لازم مدلول دليله راجح عنده ، مثال ذلك : أن الإمام مالكا قال بفسخ عقد الشغار، وقال غيره : العقد صحيح ، فمدلول هذا الدليل عدم الفسخ ، ولازم المدلول ثبوت الإرث بين الزوجين اللذين تزوجا وفق هذا العقد ، فالإمام مالك يحكم بفسخ عقد الشغار لكنه لو وقع ثم مات أحد الزوجين ، فإن مالكا يحكم بثبوت الإرث بين الزوجين ليس اعتمادا على دليل المخالف ، وإنما اعتمادا على لازم المدلول (3) ،
وقد صرح الدكتور المشرف بأن هذين التعريفين يقصران (مراعاة الخلاف) على حالة معينة ، وهي إخراج من حصل له أمر شاق وفق رأي المجتهد من وهدة المشقة إلى سعة التخفيف غير أن مستقرئ كتب الفقه والأصول يصل إلى نتيجة مؤداها أن مراعاة الخلاف ، أشمل من ذلك ، وما هذا الذي ذكرناه إلا بعض ما اشتمل عليه المصطلح ، وعليه يمكننا أن نصوغ تعريفا لمراعاة الخلاف على الوجه الآتي :
أن يحول المجتهد حكم مسألة بناها على دليل راجح عنده إلى حكم آخر موافق لاجتهاد غيره معتمدا على دليله المرجوح ،
__________
(1) - محمد بن محمد بن عرفة التونسي - إمام تونس وعالمها وصف بأنه مجدد المائة الثامنة ولد 716هـ وتوفي 803هـ -انظر الديباج المذهب : 337 - .
(2) - المعيار المعرب [المرجع السابق] :6/378 .
(3) - المصدر نفسه .(1/48)
ولنورد مثلا آخر مضافا لما قلناه سابقا ، وهو بيع العينة (1) ، فهذا البيع جار على القواعد الصحيحة للبيع عند الشافعية ، فقالوا بصحته ، لكن الإمام مالكا جعله باطلا لشائبة القصد السيئ ، فراعى الشافعية قول المالكية ، فقالوا : إن بيع العينة مكروه خروجا من الخلاف (2) .
المطلب الثاني
أنواع مراعاة الخلاف وأدلة حجيته ومن يقرر مراعاة الخلاف وشروطه
أولا- أنواع مراعاة الخلاف :
من التعاريف التي أوردناها آنفا يمكن شطر هذه القاعدة إلى شطرين :
1. مراعاة الخلاف ابتداء ، وهو ما يطلق عليه (الخروج من الخلاف) ، وذلك كأن يحكم المجتهد على مسألة بأنها مباحة ، ثم ينتقل إلى استحبابها خروجا من خلاف من أوجبها ، وهذا هو الشائع في كتب الفقه عموما ، ويعد أشمل من الشطر الآخر .
2. مراعاة الخلاف بعد الوقوع ، وهو أن يحكم المجتهد على المسألة بالحرمة ، فإذا ما تورط فيها أحد حكم له بالكراهية أو الإباحة اعتمادا على دليل المخالف ، وأكثر ما نجد ذلك عند المالكية .
__________
(1) - بيع العينة- هو أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به نقدا ، [انظر النهاية لابن كثير : 2/333] .
(2) - مراعاة الخلاف والخروج منه عند الأصوليين : لـ"الباحث الدكتور بشير مهدي الطيف الكبيسي"32و33و34و35و36و37 (بحث منشور في مجلة الجامعة الإسلامية العدد السابع السنة السادسة) .(1/49)
ومن الملاحظ أنك لا تحس لدى عامة الأصوليين تفريقا بين هذين المصطلحين[الخروج من الخلاف ومراعاة الخلاف] ، فتجدهم يغبرون بأحدهما عن الآخر أينما جاء ، وربما جمعوهما في عبارة واحدة كقولهم : (مراعاة الخروج من الخلاف) (1) ، بيد أن هناك فرقا فنيا وعلميا واضحا ، فـ(الخروج من الخلاف) هو القيام بعمل لا يتناقض بصورته مع الآراء المختلفة ، كان يقع الخلاف بين وجوبه واستحبابه وإباحته - فالقائم به اذّاك لا يعارض رأيا لأحد أو يقع الخلاف بين حرمته وكراهته وإباحته ، فتارك فعله لا يعارض رأيا لأحد ، ويعني هذا أن الخروج من الخلاف أمر تعبدي من باب الورع ، واتقاء الشبهات ،
أما مراعاة الخلاف ، فهو حكم يصل إليه المجتهد ، معتمدا على الأدلة التي بين يديه - أدلته وأدلة مخالفه- وبمقارنة هذه الأدلة وملاحظة قواعد شرعية أخرى ، يصل إلى حكم آخر ، فهو يقرر حكما معتمدا على أدلة متعارضة أمكنه البحث وتقليب النظر فيها أن يقرر ذلك الحكم .
وصور الخلاف من حيث الثواب والعقاب والصحة والبطلان نجملها فيما يأتي :
1. أن يكون الفعل واجبا في رأي مندوبا في آخر .
2. أن يكون الفعل واجبا في رأي مباحا في آخر .
3. أن يكون الفعل محرما في رأي مكروها في آخر .
4. أن يكون الفعل محرما في رأي مباحا في آخر .
5. أن يكون الفعل مندوبا في رأي مباحا في آخر .
6. أن يكون الفعل مندوبا في رأي مكروها في آخر .
7. أن يكون الفعل واجبا في رأي مكروها في آخر .
8. أن يكون الفعل واجبا في رأي حراما في آخر .
9. أن يكون الفعل صحيحا في رأي باطلا في آخر .
__________
(1) - الميزان الكبرى : لـ"عبد الوهاب بن أحمد الشعراني" 1/36 (مصطفى البابي الحلبي ، مصر )ط1 .(1/50)
ومراعاة الخلاف والخروج منه في الصور الخمسة الأولى ممكن بل وميسور ومن الممكن أيضا - ببعض إغماض - أن تضاف إلى هذه الصورتان السادسة والسابعة ، لكن ما يستوقف المتعبد إمكانية الجمع بين قطبين أحدهما في ذروة الإيجاب (الواجب ، الصحيح) ، والآخر في حضيض السلب(الحرام ، الباطل) ،
ومن خلال استقراء آراء الأصوليين توضح التفاوت الكبير بينهم ، فمنهم بين مطلق ومبرر ورافض .
ثانيا- أدلة حجية مراعاة الخلاف :
استدل الأصوليين على حجية هذه القاعدة بالاتي :
1. السنة النبوية ومنها : قوله عليه الصلاة والسلام : ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل باطل باطل ، فإن دخل بها فلها المهر )) (1) ، فبداية الحديث أثبتت بطلان هذا الزواج ، وأكد عليه السلام البطلان أكثر من مرة ، غير أن نهاية الحديث أوضحت فيما لو وقع مثل هذا الزواج ، فإنه يستمر مع استحقاق الزوجة حق المهر ، ويعني هذا مراعاة حالة منهي عنها (2) .
2. أقوال الصحابة : فقد ورد عن ابن مسعود(رضي الله عنه)أنه كان يخالف عثمان بن عفان (رضي الله عنه) الرأي في إتمام الصلاة بمنى ، ويرى حتمية القصر ، لكنه صلاها مع عثمان تامة ، وعندما سئل عن ذلك ، قال : الخلاف شر ، وواضح أن صلاته أربعا مع حكمه بأنها اثنتان نوع من أنواع الخروج من الخلاف (3) .
3. واستدلوا أيضا بأن أوامر الشريعة داعية إلى الاحتياط والاستبراء للدين ، وبما أن الخروج من الخلاف نوع من الاحتياط للدين .
ثالثا- من يقرر مراعاة الخلاف :
__________
(1) - سنن أبي داوود : 2/235 ، الترمذي : 4/227 ، الإمام أحمد : 6/66 ، ابن ماجة : 1/605 .
(2) - الموافقات في أصول الشريعة : لـ"أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي"4/204 (تعليق عبد الله دراز ، التجارية الكبرى ، مصر ) .
(3) - المنثور من القواعد : لـ"بدر الدين محمد الزركشيّ" 2/128(مؤسسة الفليج ، الكويت )ط2: 1402هـ- 1982م تحقيق : د. تيسير فائق .(1/51)
لا يغرب عن البال أن البحث المتقدم جعل مراعاة الخلاف قسمين :
? القسم الأول : مراعاة الخلاف ابتداء ، وهو الخروج من الخلاف ، وهذا القسم ليس بحاجة إلى شروط أو صفات لمن يقرره ، فقد أجمع العلماء على استحبابه ، ويقوم به المجتهد والمقلد على حد سواء .
? القسم الثاني : وهو مراعاة الخلاف بعد الوقوع ، وهذا ما لا يمكن للمقلد من تقريره ، بل هو من مهام المجتهد ، لما في هذا النوع من موازنة بين الأدلة لا يستطيعها غير المجتهد .
رابعا- شروط مراعاة الخلاف :
وضع العلماء للأخذ بهذه القاعدة شروطا ، وهي :
1. أن لا يخالف سنة ثابتة ، فإذا ثبت الحكم بالسنة، فلا يراعى الخلاف عندئذ ، فالسنة إذا ثبتت عند المجتهد ، فلا يمكن مخالفتها بحال ، لكن تبقى هنا أمور ثلاثة :
? أن تصله السنة ، ولم تثبت صحتها عنده .
? أن يحملها محملا تأويأتيا مقبولا ، فليس بمجتهد من يؤول السنة تأويلا غير مقبول .
? أن لا تصله .
ففي الأمرين الأولين تبقى إمكانية مراعاة الخلاف قائمة ، أما الأخير فهو الذي ينطبق عليه الشرط ، ونضيف هنا ينبغي أن لا تكون في مثل هذه الحالة خلاف ولا خروج منه ، حيث أن السنة هي دليل الجميع ، ومن خالفها ثم علم بها رجع إليها لا خروجا من الخلاف ، وإنما اتباعا للدليل .
2. أن لا توقع مراعاته في خلاف آخر (1) ، مثال ذلك : قال بعض العلماء : لا يجوز وصل الوتر ، وقال آخرون : لا يجوز فصل الوتر ، وأجاز الشافعيّ الوصل والفصل من غير أرجحية لأحدهما ، إذ لو رجح جانب الوصل لا بتعد عن القائلين بالفصل ، ولو رجح هذا لابتعد عن أولئك .
__________
(1) - القواعد المنثورة : 2/131 .(1/52)
3. أن يكون مأخذ المخالف قويا (1) ، فإن اعتمد دليلا ضعيفا ، فلا يراعى خلافه ، ومن أمثلته عند الشافعية : إن رفع اليدين في الصلاة عند الركوع و الرفع منه ثابت كما قال السيوطي : من رواية خمسين صحابيا ، وذهب أبو حنيفة إلى بطلان الصلاة برفع اليدين فيها ، وهذه الرواية عنه أنكرها بعضهم ، كما يقول الزركشيّ - وإن صحت عنه ، فلا يصح لها مسند ، فلا يمكن مراعاة الخلاف هنا .
4. أن لا تؤدي مراعاته إلى خرق الإجماع (2) ، أورد هذا الشرط الزركشي في قواعده ، ويبدو من المثال الذي أورده أنه يعني بذلك مسألة من مسائل الإجماع ، وهي فيما إذا ذهب العلماء إلى قولين في مسألة من المسائل ، فهل يحق لأحد بعد ذلك إحداث قول ثالث ؟ (3) ، وهذه مسألة خلافية ، ومثل له بما نقل عن ابن سريج أنه كان يغسل أذنيه مع الوجه ويمسحهما مع الرأس ، ويفردهما بالغسل مراعاة لمن قال : أنهما من الوجه ، ولمن قال : من الرأس ، ولمن قال : عضوان مستقلان (4) .
المطلب الثالث
مكانة مراعاة الخلاف في أصول الفقه وتطبيقات الفقهاء لها
أولا- مكانة مراعاة الخلاف في أصول الفقه (5) :
__________
(1) - القواعد المنثورة : 2/130 .
(2) - القواعد المنثورة : 2/131 .
(3) - المستصفى للغزالي : 1/196 .
(4) - مراعاة الخلاف والخروج منه عند الأصوليين : من37إلى47 .
(5) - مراعاة الخلاف والخروج منه عند الأصوليين : 47و48و49 .(1/53)
عنونها السيوطي في الأشباه والنظائر بقوله : ((القاعدة الثانية عشرة : الخروج من الخلاف مستحب )) (1) ، فاعلم أنها قاعدة أصولية من القواعد التي لا تندرج تحت باب معين ، ومن قبله فعل الزركشيّ في المنثور من القواعد (2) ، غير أن المالكية الذين سبق القول عنهم أنهم أكثر الناس لها تناوشا ، لا يكادون يقفون بها عند قرار ، فهؤلاء جماعة من علماء غرناطة - كما وصفهم الونشريسي - يتساءلون عن منزلة هذه القاعدة ، وما هو أصلها الشرعي ومستندها الأصولي يقولون : على فرض صحة مراعاة الخلاف ، فأصلها من الشريعة ؟ وعلام تبنى من أصول الفقه ؟ فقد عد الناس أصول الأدلة ولم أر من عد مراعاة الخلاف أصلا منها )) (3) ، لكنا نجد الإمام أبا زهرة (رحمه الله تعالى) أورد نصا عن كتاب شرح البهجة يفيد أن مراعاة الخلاف حين يراعيه الإمام مالك يكون الأصل السابع عشر من الأصول التي اعتمدها (4) ،
أما الإمام الشاطبي (رحمه الله) فقد عد مراعاة الخلاف في كتابه (الاعتصام) نوعا من أنواع الاستحسان ، إذ يقول : ((العاشر : أنهم قالوا إن من جملة أنواع الاستحسان مراعاة خلاف العلماء ، وهو أصل في مذهب الإمام مالك يبنى عليه مسائل كثيرة )) (5) ، بينما عده في (الموافقات) نوعا من أنواع مآلات الأفعال ، وأنه قسيم الاستحسان لا قسما منه ، وفي ذلك يقول : ((ومنها (قاعدة مراعاة الخلاف) ، وذلك أن الممنوعات في الشرع إذا وقعت فلا يكون إيقاعها من المكلف سببا في الحيف عليه بزائد على ما شرع له من الزواجر أو غيرها )) (6) .
__________
(1) - الأشباه والنظائر : لـ"جلال عبد الرحمن السيوطي " 136(مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، مصر الطبعة الأخيرة : 1378هـ-1959م) .
(2) - 2/127 .
(3) - المعيار المعرب : 6/367 ، الاعتصام للشاطبي : 2/146 .
(4) - مالك حياته وعصره وآراؤه الفقهية : لـ"محمد أبي زهرة"275 (دار الفكر العربي) .
(5) - الاعتصام : 2/145 .
(6) - الموافقات : 4/202-205 .(1/54)
ثانيا- تطبيقات الفقهاء لهذه القاعدة (1) :
وصف الإمام السيوطي (رحمه الله) هذه القاعدة بقوله : ((فروعها كثيرة جدا ، لا تكاد تحصى)) (2) ، والآتي بيان لجملة من هذه الأمثلة التي تدل على تطبيق الفقهاء (رحمهم الله تعالى) لهذه القاعدة :
1. ذهب الشافعية إلى أن المسافة التي قصر فيها المسافر الصلاة هي مسيرة مرحلتين - أي : يومين- مستدلين على ذلك بفعل ابن عمر وابن عباس (رضي الله عنهم) ، و إنهما لا يمكن أن يفعلا ذلك إلا بتوقيف من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ،
وذهب الحنفية إلى أن المسافة هي ثلاث مراحل ، مستدلين بالأحاديث التي حددت المسح للمسافر بثلاثة أيام ، ويمنع المرأة من السفر فيما زاد على ثلاثة أيام بما يعني أن مسافة السفر ثلاثة أيام ،
وقد استحب الشافعية أن لا يقصر الصلاة في أقل من ثلاثة أيام خروجا من خلاف الحنفية (3) .
2. ذهب الحنفية إلى أن زكاة الفطر تكون من الحنطة او الشعير أو التمر أو قيمة ذلك ، وكذلك أجازوها من الدقيق ،
وذهب الشافعية إلى عدم جواز القيمة أو الدقيق أخذا بظاهر النصوص الواردة في ذلك ،
ومع أن الحنفية أوردوا عن أبي يوسف انه يحبذ الدقيق على الحنطة والدراهم على الدقيق لليسر على الغني والمنفعة للفقير ، يقولون : و الأحوط الحنطة ؛ ليخرج من الخلاف (4) .
3. ذهب الإمام مالك إلى أن نكاح المحلل - وهو الذي يتزوج صوريا امرأة طلقها زوجها ثلاثا ليحل لزوجها مراجعتها - مفسوخ ؛ لقوله (صلى الله عليه وسلم) : (( لعن الله المحلل والمحلل له )) ،
__________
(1) - مراعاة الخلاف والخروج منه عند الأصوليين : 53و54 .
(2) - الأشباه والنظائر : 136 .
(3) - تنظر كتب الفقه باب صلاة المسافر ، وانظر الاختيار : 1/79 ، البجيرمي على المنهاج : 1/357 ، ابن رشد بداية المجتهد :1/162 ، السايس تفسير آيات الأحكام : 2/132 .
(4) -الاختيار : 1/124 .(1/55)
وذهب الشافعية والحنفية إلى صحة هذا النكاح ، لكنهم اعتبروه مكروها خروجا من خلاف المالكية (1) .
المطلب الرابع
مواطن الاتفاق والافتراق بين البديل الفقهي وبين مراعاة الخلاف
تتعلق بقاعدة مراعاة الخلاف بعض الصفات التي سنجعلها مناطا للمقارنة بين هذه القاعدة وبين البديل الفقهي ، وهي :
1. إن مراعاة الخلاف نوعان :
? النوع الأول : مراعاة الخلاف ابتداء ، وهذا يطلق عليه الخروج من الخلاف ، وهذا لا تجري المقارنة بينه وبين البديل الفقهي ؛ لأن الخروج من الخلاف هو أمر تعبدي يراد به الاحتياط و الخروج من الشبهة ، فهو ليس عملا فقهيا ، ولا يحتاج إلى إعمال النظر أو اجتهاد ، أما البديل الفقهي فهو عمل فقهي .
? النوع الثاني : مراعاة الخلاف بعد الوقوع ، وهو أن يحكم المجتهد على المسألة بالحرمة ، فإذا ما تورط فيها أحد حكم له بالكراهية أو الإباحة اعتمادا على دليل المخالف .
2. إن مراعاة الخلاف يكون بين حكمين اجتهاديين ، فلا تجري مراعاة الخلاف بين حكمين كلاهما قطعي ، أو أحدهما قطعي والآخر ظني ؛ لأن الحكم الذي تثبت قطعيته يجب العمل به ولا يلتفت إلى الدليل المخالف .
3. إن مراعاة الخلاف هو مجرد انتقال بالمكلف من حكم إلى آخر ، فصورة العلاج للمشكلة في مراعاة الخلاف هو فقط تكييف المجتهد للمسألة بالصحة باعتبار الدليل المرجوح .
4. الحكمان اللذان يجري بينهما مراعاة الخلاف متفاوتان بالقوة ، فأحدهما يكون راجحا ، والآخر يكون مرجوحا ، فالمجتهد كما تقدم بيانه ينتقل من الحكم الذي ثبت رجحانه عنده إلى حكم مرجوح .
__________
(1) - ابن رشد- بداية المجتهد : 2/58 ، السيوطي - الأشباه والنظائر : 137 .(1/56)
5. إن المجتهد لا يعمل بهذه القاعدة إلا بعد وقوع المكلف في الحرام بالنسبة للمسألة التي حكم عليها بحرمتها ، أما قبل الوقوع ، فالمكلف ملزم بالعمل بالرأي الذي ثبت رجحانه ، لذا فهذه القاعدة مقيدة وليست مطلقة بمعنى أن اللجوء إلى مراعاة الخلاف مرهون بالوقوع والتورط بالحرام .
وبعد هذا العرض فإن مراعاة الخلاف لا تتفق مع البديل الفقهي في شيء من الصفات الخاصة للبديل ، فهي تتداخل معه في بعض الصفات العامة ، كمثيلاته من المصطلحات التي تقدم بحثها ؛ وتفترق عن البديل الفقهي في جملة من الأمور ، وهي :
? إن مراعاة الخلاف تكون بين حكمين اجتهاديين فقط ، أما البديل الفقهي فيكون من الأحكام القطعية ، كما في ملك اليمين ، و الكفارة باليمين ، .... وهذه كلها أحكام قطعية ، ويكون من الأحكام الاجتهادية ، كمل في دفع القيمة في الزكاة .
? إن مراعاة الخلاف هو مجرد انتقال من حكم إلى آخر فقط دون إيجاد وسيلة للانتقال ، فهو فقط اعتبار للدليل المرجوح ، أما البديل الفقهي فهو انتقال من حكم إلى آخر بإيجاد وسيلة للانتقال .
? إن العمل بقاعدة مراعاة الخلاف يكون مقيدا ، فيكون مرهونا بتورط المكلف في الحرام ، أما البديل الفقهي فكما تقدم بحثه ، فالعمل به يكون مطلقا ، فالعمل بالبديل ليس مقيدا بفترة معينة ، وليس محصورا على أفراد دون آخرين .
? إن المكلف بالنسبة لمراعاة الخلاف يكون ملزما بالعمل بالرأي الراجح قبل التورط في الحرام ، أما بالنسبة للبديل ، فيكون مخيرا بين الحكم الأصلي وبين بديله .
? إن الحكمين في قاعدة مراعاة الخلاف متفاوتان في القوة ، فيكون أحدهما راجحا والآخر مرجوحا ، أما في البديل الفقهي ، فيكون الحكم الأصلي وبديله متوازيين بالقوة .
خاتمة(1/57)
من خلال ما تقدم بحثه ، فإنه تبين للباحث أنه لا تداخل بين المصطلحين في المفهوم ، وأن مصطلح مراعاة الخلاف مصطلح له خصوصيته الاصطلاحية التي تمنع غيرها من المصطلحات أن تشاركه في مفهومه ، وكذلك فإن مراعاة الخلاف وإن لم تتفق مع البديل الفقهي في المفهوم إلا أنهما يتفقان في المقصد ، وهو أنهما صورة تتجسد فيها الشمولية في التشريع التي اتصفت بها الشريعة الإسلامية ، بحيث أن المكلف وإن أخطأ في التصرف لقلة علمه ، أو جهله ، فإن الشريعة لا تتركه منفردا بما تورط به ، بل تأخذ بيده إلى ما هو صحيح ، وتحاول تصحيح ما تورط به سواء عن طريق مراعاة الخلاف أو إيجاد البدائل ، فهي لم تحصر المكلف في مخرج معين ، ولم تلزمه بطريقة محددة .(1/58)
الفصل الرابع
تطبيقات [البديل الفقهي] في الفقه الإسلامي
تمهيد
لقد وردت تطبيقات كثيرة لـ[البديل] عند الفقهاء على مختلف مذاهبهم ، فمنهم من طبق [البديل] بمفهومه دون أن يذكر أن هذا من [البدائل] ، ومنهم من طبقه وأعطاه وصف [البديل] ، أو إحدى مشتقاته ، دون أن يجعل لهذه الكلمة خصوصية اصطلاحية ، ونحن في هذا الفصل سنذكر آراء الفقهاء مختارين من ذلك الرأي الذي يحقق لنا صورة البديل الفقهي متغاضين عن كونه راجحا أو مرجوحا ؛ لأن الغرض هو بيان تطبيقات الفقهاء للبديل ، وليس الغرض اختيار هذا الرأي حتى يعمل به ، هذا وقد وردت تطبيقات الفقهاء لـ[البديل] في مختلف التصرفات فقد طبقوه في العبادات ، والمعاملات ، و الكفارات ، والأحوال الشخصية ، لذا فإن هذا الفصل سيتضمن المباحث الآتية :
المبحث الأول : تطبيقات البديل الفقهي في العبادات .
المبحث الثاني : تطبيقات البديل الفقهي في المعاملات .
المبحث الثالث : تطبيقات البديل الفقهي في الكفارات .
المبحث الرابع : تطبيقات البديل الفقهي في الأحوال الشخصية .
المبحث الأول
تطبيقات البديل الفقهي في العبادات
العبادات جمع عبادة ، وهي : الطاعة التي طلبها الشارع من العباد على وجه مخصوص قصد التقرب إليه ، وشكره طمعا في الثواب ، أو تفلتا من العقاب ، فهي علاقة بين العبد وربه ، وبها تزكو نفسه ، ويطهر قلبه ، وتسمو روحه ، وينتهي عن الفحشاء والمنكر ، وقد طلبها القرآن الكريم في كثير من آياته ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 21 } (1) ، وقوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ 56 } (2) ،
والعبادة تشمل أنواعا ثلاثة :
1. عبادة بدنية محضة ، كالصلاة والصوم ، ولا تصح فيها النيابة مطلقا .
__________
(1) - البقرة : 21 .
(2) - الذاريات : 56 .(1/1)
2. عبادة مالية محضة ، كالزكاة ، وتصح النيابة فيها مطلقا .
3. عبادة بدنية و مالية ، كالحج ، وتصح النيابة فيها عند العجز (1) .
وقد وردت تطبيقات كثيرة في العبادات ، ونحن سنبحث عن تطبيق الفقهاء لـ[البديل] في مسألتين ، وهما : [دفع القيمة في الزكاة في كونها بديلا عن إخراج العين] و [غسل الرأس في كونه بديلا عن مسحه في الوضوء] ، نذكر فيهما أقوال العلماء واختلافهم مختارين من ذلك الرأي الذي يتلاءم مع مفهوم [البديل] ،
لذا فإن هذا المبحث سيتضمن مطلبين ، وهما :
المطلب الأول - دفع القيمة في الزكاة
المطلب الثاني - غسل الرأس في الوضوء
المطلب الأول
دفع القيمة في الزكاة
أولا- تعريف الزكاة لغة واصطلاحا :
1. فالزكاة في اللغة : مصدر زكا الشيء إذا نما وزاد ، وزكا فلان إذا صلح ، فالزكاة هي البركة والنماء والطهارة والصلاح (2) .
2. وشرعا : تطلق على الحصة المقدرة من المال التي فرضها الله تعالى للمستحقين ، كما تطلق على نفس إخراج هذه الحصة (3) .
ثانيا- أدلة مشروعية الزكاة :
والزكاة واجبة بكتاب الله تعالى ، وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) ، وإجماع أمته :
1. فالكتاب قوله تعالى : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } (4) .
2. والسنة حديث ابن عمر المشهور : (( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان )) متفق عليه (5) .
3. والإجماع : حيث أجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوبها ، واتفق الصحابة (رضي الله عنهم) على قتال مانعيها (6) .
ثالثا- المال الذي يجب فيه الزكاة :
__________
(1) - الفقه المقارن : لـ" محمد إبراهيم " – 9 ( مطبعة معهد الثقافة العالمية ، بغداد – العراق ) .
(2) - المعجم الوسيط 1/398.
(3) - فقه الزكاة للقرضاوي 1/37و38 .
(4) - البقرة 110 .
(5) - صحيح البخاري : 1 / 12 ، صحيح مسلم : 1 / 45 .
(6) - المغني لابن قدامة : 2/433 .(1/2)
لم يحدد القرآن الكريم الأموال التي تجب فيها الزكاة ما هي ؟ وما شروطها ؟ كما لم يفصل المقادير الواجبة في كل منها ، وترك ذلك للسنة القولية والعملية تفصل ما أجمله ، وتبين ما أبهمه ، وتخصص ما عممه ، وتضع النماذج العملية لتطبيقه ، وتجعل مبادئه النظرية واقعا عمليا في حياة البشر ، وذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو المكلف ببيان ما أنزل الله من القرآن بقوله ، وفعله ، وتقريره ، وهو أعلم الناس بمراد الله تعالى من كلامه ، وكتابه الكريم ، قال تعالى : { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ 44} (1) ، نعم هناك أنواع من الأموال ذكرها القرآن ، ونبهنا على زكاتها ، وأداء حق الله فيها إجمالا ، وهذه الأنواع هي :
1. الذهب والفضة التي ذكرها الله تعالى بقوله : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ 34 } (2) .
2. الزروع والثمار التي قال الله تعالى فيها : { وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ 141 } (3) .
3. الكسب من تجارة ، وغيرها ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ 267} (4) .
__________
(1) - النحل : 44 .
(2) - التوبة : 34 .
(3) - الأنعام : 141 .
(4) - البقرة : 276 .(1/3)
4. الخارج من الأرض من معدن ، وغيره قال تعالى : { وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ } (1) .
وفيما عدا ذلك عبر القرآن عما وجبت فيه الزكاة ، بكلمة عامة مطلقة ، وهي كلمة ((أموال)) في مثل قوله تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 103 } (2) ، و قوله تعالى : { وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ 19} (3) .
رابعا- دفع القيمة في الزكاة وجعلها [بديلا] عن إخراج العين :
? اختلاف الفقهاء في دفع القيمة (4) :
إذا وجب على رب المال شاة في غنمه ، أو ناقة في إبله ، أو إردب في قمحه (5) ، أو قنطار في ثمره وفاكهته ، فهل يتحتم عليه أن يخرج هذه الأشياء عينها ، أم يخير بينها وبين أداء قيمتها بالنقود مثلا ، بحيث إذا أخرج القيمة أجزأته ، وصحت زكاته ؟
اختلف الفقهاء في ذلك على أقوال :
فمنهم متشدد في منع إخراج القيمة ، وهم الشافعية ، والظاهرية (6) ، ويقابلهم الحنفية ، فهم يجيزون إخراجها في كل حال ، وعند المالكية والحنابلة روايات وأقوال (7) ،
__________
(1) - الآية السابقة .
(2) - التوبة : 103 .
(3) - الذاريات19 .
(4) - فقه الزكاة د. يوسف القرضاوي : 2/ من 799 إلى 808 .
(5) - الإردب وقد جاء في حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) (( منعت مصر إردبها )) وهو : اسم مكيال يستعمل في مصر ، والإردب يسع أربعة وعشرين صاعا ، والهمزة فيه زائدة [انظر : النهاية في غريب الحديث لابن الأثير : 1/40] .
(6) - المجموع : 5/429 ، المحلى : لـ"ابن حزم الأندلسي" 6/ 27و28و29و 73 (دار الفكر ، بيروت) تحقيق : أحمد محمد شاكر .
(7) - مواهب الجليل : لـ"الحطاب الرعيني" 3/241 (دار الكتب العلمية ، بيروت) ط1 : 1416هـ ، تحقيق : الشيخ زكريا عميرات ، حاشية الدسوقي : 1/499 ، الشرح الكبير[أبو البركات] : 1/502 .(1/4)
وأما عند الحنابلة ، فذكر في المغني : أن ظاهر مذهب احمد : أنه لا يجزئ إخراج بالقيمة في شيء من الزكوات لا زكاة الفطر ، ولا زكاة المال ؛ لأنه خلاف السنة ،
وروي عن احمد القول بالجواز فيما عدا الفطرة ، وقال أبو داوود : سئل احمد عن رجل باع ثمرة نخله ؟ قال : عشره على الذي باعه ، قيل له : فيخرج ثمرا ، أو ثمنه ؟ قال : إن شاء أخرج ثمرا ، وإن شاء أخرج من الثمن ، وهذا دليل على جواز إخراج القيم ،
أما زكاة الفطر ، فقد شدد فيها ، ولم يجز إعطاء القيمة ، وأنكر على من احتج بفعل عمر بن عبد العزيز (1) .
? سبب الخلاف :
والسبب الأول لهذا النزاع يرجع إلى اختلاف زوايا النظر إلى حقيقة الزكاة : هل هي عبادة وقربة لله تعالى ، أم حق مرتب في مال الأغنياء للفقراء ؟
والحق أن الزكاة تحمل المعنيين ، ولكن بعض الفقهاء كالشافعي وأحمد – في المشهور عنه – وبعض المالكية ، وكذلك بعض الظاهرية غلبوا معنى العبادة ، والقربة في الزكاة ، فحتموا على المالك إخراج العين التي جاء بها النص ، ولم يجوزوا له إخراج القيمة ،
وغلب أبو حنيفة ، وأصحابه ، وآخرون من الأئمة الجانب الآخر : أنها حق مالي قصد به سد خلة الفقراء ، فجوزوا إخراج القيمة .
? الأدلة :
أولا- أدلة المانعين من إخراج القيمة :
استند المانعون إلى أدلة متفرقة – من النظر والأثر- نجمع شتاتها ، ونرتبها فيما يأتي :
__________
(1) - المغني : 2 / 357 .(1/5)
1. قال إمام الحرمين الجويني – وهو شافعي- : المعتمد في الدليل لأصحابنا : أن الزكاة قربة لله تعالى ، وكل ما كان كذلك ، فسبيله أن يتبع فيه أمر الله تعالى ، ولو قال إنسان لوكيله : اشتر ثوبا ، وعلم الوكيل أن غرضه التجارة ، ووجد سلعة هي أنفع لموكله ، لم يكن له مخالفته ، وإن رآه أنفع ، فما يجب لله بأمره أولى بالإتباع ، وكما لا يجوز في الصلاة إقامة السجود على الخد والذقن مقام السجود على الجبهة والأنف ، والتعليل فيه بمعنى الخضوع ؛ لأن ذلك مخالفة للنص ، وخروج على معنى التعبد ، وكذلك لا يجوز في الزكاة إخراج قيمة الشاة ، أو البعير ، أو الحب ، أو الثمر المنصوص على وجوبه ؛ لأن ذلك خروج على النص ، وعلى معنى التعبد ، والزكاة أخت الصلاة (1) .
وبيان ذلك : أن الله تعالى أمر بإيتاء الزكاة في كتابه أمرا مجملا ، بمثل قوله تعالى : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } (2) ، وجاءت السنة ، ففصلت ما أجمله القرآن ، وبينت المقادير المطلوبة ، بمثل قوله (صلى الله عليه وسلم) : (( في كل أربعين شاة شاة )) (3) ، وقوله (صلى الله عليه وسلم) : ((في خمس من الإبل شاة )) (4) ، فصار كأن الله تعالى قال : { وآتوا الزكاة من كل أربعين شاة شاة } ، فتكون للزكاة حقا للفقير بهذا النص ، فلا يجوز الاشتغال بالتعليل لإبطال حقه من العين .
__________
(1) - المجموع :5/430 . دار الفكر ، بيروت : 1417هـ - 1996م)ط1 ، تحقيق :: محمود مطرحي .
(2) - البقرة 110 .
(3) - تهذيب التهذيب : لـ" أحمد بن علي بن حجر أبي الفضل العسقلاني الشافعي " ، 2/206 (دار الفكر ، بيروت : 1404هـ - 1984م)ط1 .
(4) - سنن ابن ماجه : 1 / 573 .(1/6)
2. يؤكد هذا المعنى أمر آخر ذكره القاضي أبو بكر بن العربي المالكي ، وهو : أن التكليف والابتداء بإخراج الزكاة ليس بنقص الأموال فقط – كما فهم أبو حنيفة – فإن هذا ذهول عن التوفية لحق التكليف في تعيين الناقص ، وهو يوازي التكليف في قدر الناقص ، فإن المالك يريد أن يبقي ملكه بحاله ، ويخرج من غيره عنه ، فإذا مالت نفسه إلى ذلك وعلقت به كان التكليف قطع تلك العلاقة التي هي بين القلب ، وبين ذلك الجزء من المال ، فوجب إخراج ذلك الجزء بعينه (1) .
3. ومعنى ثالث ، وهو : إن الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير ، وشكرا لله على نعمة المال ، والحاجات متنوعة ، فينبغي أن يتنوع الواجب ؛ ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تدفع به حاجته ، ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه به (2) .
4. وبعد ذلك قد روى أبو داوود وابن ماجة (3) : أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : (( خذ الحب من الحب ، والشاة من الغنم ، والبعير من الإبل ، والبقر من البقر )) ، وهو نص يجب الوقوف عنده ، فلا يجوز تجاوزه إلى أخذ القيمة ؛ لأنه في هذه الحال سيأخذ من الحب شيئا غير الحب ، ومن الغنم شيئا غير الغنم ..........إلخ ، وهو خلاف ما أمر به الحديث .
ثانيا- أدلة المجوزين في إخراج القيمة :
أما الذين أجازوا إخراج القيمة [بدلا] عن العين ، من الحنفية ، ومن وافقهم من الفقهاء ، فشرحوا وجهة مذهبهم ، وبينوا مستندهم من العقل والنقل ، بما نذكره فيما يأتي :
__________
(1) - أحكام القرآن : القسم الثاني / 945 .
(2) - المغني: 2/ 358 .
(3) - نيل الأوطار 4/216 ، سنن ابن ماجة : 1/ 580 ، سنن أبي داوود : 2/109 .(1/7)
1. إن الله تعالى يقول : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 103 } (1) ، فهو تنصيص على أن المأخوذ مال ، والقيمة مال ، فأشبهت المنصوص عليه ، أما بيان النبي(صلى الله عليه وسلم) لما أجمله القرآن ، بمثل : (( في كل أربعين شاة شاة )) ، فهو للتيسير على أرباب المواشي ، لا لتقييد الواجب به ، فإن أرباب المواشي تعز فيهم النقود ، والأداء مما عندهم أيسر عليهم (2) .
__________
(1) - التوبة : 103 .
(2) - المبسوط : 2/157 .(1/8)
2. وقد روى البيهقي بسنده ، والبخاري معلقا على طاووس قال : قال معاذ باليمن : ائتوني بخميس ، أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة ، فإنه أهون عليكم ، وخير للمهاجرين بالمدينة ، وفي رواية : ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير ....)) (1) ، وذلك أن أهل اليمن كانوا مشهورين بصناعة الثياب ، ونسجها ، فدفعها أيسر عليهم على حين كان أهل المدينة في حاجة إليها ، وقد كانت أموال الزكاة تفضل عن أهل اليمن ، فيبعث بها معاذ إلى المدينة عاصمة الخلافة ، وقول معاذ الذي اشتهر ، فرواه طاووس فقيه اليمن وإمامها في عصر التابعين ، يدلنا على أنه لم يفهم من الحديث الآخر الذي أمره فيه الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأخذ الجنس (( خذ الحب من الحب ، والشاة من الإبل .....)) أنه إلزام بأخذ العين ، ولكن لأنه هو الذي يطالب به أرباب الأموال ، والقيمة إنما تؤخذ باختيارهم ، وإنما عين تلك الأجناس في الزكاة تسهيلا على أرباب الأموال ؛ لأن كل ذي مال إنما يسهل عليه الإخراج من نوع المال الذي عنده ، كما جاء في بعض الآثار : أنه عليه السلام ((جعل في الدية على أهل الحلل حللا )) (2) .
3. روى أحمد والبيهقي : (( أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أبصر ناقة مسنة في إبل الصدقة ، فغضب وقال : قاتل الله صاحب هذه الناقة !! – يعني : الساعي الذي أخذها - ، فقال : يا رسول الله إني ارتجعتها ببعيرين من حواشي الصدقة ، فنعم إذن )) ، وهذا الحديث صالح للاحتجاج به ، من حيث السند (3) ، ومن حيث الدلالة فإن أخذ الناقة ببعيرين إنما يكون باعتبار القيمة .
__________
(1) - صحيح البخاري : 2/525 ، السنن الكبرى للبيهقي : 4/113 .
(2) - الجوهر النقي لابن التركماني المطبوع مع السنن الكبرى : لـ"علاء الدين المارديني الشهير بابن التركماني " ، 4/113( دار الفكر ، بيروت ) .
(3) - انظر المصدر نفسه .(1/9)
4. إن المقصود من الزكاة إغناء الفقير ، وسد خلة المحتاج ، وإقامة المصالح العامة للملة ، والأمة التي بها تعلو كلمة الله تعالى ، وهذا يحصل بأداء القيمة ، كما يحصل بأداء الشاة ، وربما يكون تحقيق ذلك بأداء القيمة أظهر ، وأيسر ، ومهما تتنوع الحاجات ، فالقيمة قادرة على دفعها .
5. ثم إنه يجوز بالإجماع العدول عن العين إلى الجنس ، بأن يخرج زكاة غنمه شاة من غير غنمه ، و أن يخرج عشر أرضه حبا من غير زرعه ، فجاز العدول أيضا من جنس إلى جنس ، وفي هذا رد على القاضي ابن العربي الذي رأى أن للشارع قصدا في تعيين الجزء الواجب إخراجه من المال ؛ لقطع العلاقة بين قلب المالك ، وبين ذلك الجزء المعين من ماله ، ولو كان ذلك مقصودا للشارع ما جاز له بالإجماع أن يعدل عن هذا الجزء من ماله ، ويخرج مثله من جنسه من مال آخر لأي مخلوق من الناس .
6. روى سعيد بن منصور في سننه عن عطاء قال : (( كان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يأخذ العروض في الصدقة من الدراهم)) (1) .
خامسا- التكييف الفقهي في جعل إخراج القيمة [بديلا] لإخراج العين :
بعد هذا العرض لأراء الفقهاء واختلافهم في جعل القيمة [بديلا] للعين ، فإن الرأي الذي يحقق لنا صورة [البديل الفقهي] هو رأي الحنفية ، ومن وافقهم ،
وتكييفنا في جعل القيمة [بديلا فقهيا] لإخراج العين هو كما يأتي :
أ إن إخراج العين في الزكاة هي [الأصل] ؛ لأنها منصوص عليها في الكتاب والسنة ، قال تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ..} (2) ، فهو تنصيص على أن المأخوذ مال ، وقول النبي(صلى الله عليه وسلم) : (( في كل أربعين شاة شاة )) ، فالمنصوص هو الشاة ، وأما إخراج القيمة ، فهي [بديل] لأنها ثبتت بالقياس ، والنص يعتبر أصلا للقياس .
__________
(1) - المغني : 2 / 357.
(2) - التوبة : 103 .(1/10)
ب إن دفع القيمة تتصف بالشمول ، من حيث أن كل مكلف يستطيع أن يزكي بالقيمة بدلا من العين ، و بالدوام من حيث أن المكلف يستطيع أن يزكي بالقيمة في أي وقت تجب فيه الزكاة ، فليست خاصة بوقت معين .
ت إن المكلف على رأي المجيزين يكون مخيرا بين دفع الزكاة بالعين ، أو بالقيمة ، فلا إلزام عليه في واحد منهما .
ث إن دفع الزكاة بالقيمة يسقط المسائلة ، كما لو زكا بالعين ، فمن زكا بالقيمة ، لا يطالب بعدها أن يزكي بالعين .
المطلب الثاني
غسل الرأس في الوضوء
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ.....6 } (1) ،
فمن فرائض الوضوء مسح الرأس ، فالمفروض على من أراد أن يتوضأ لصلاة أو غيرها بعد غسل الوجه واليدين أن يمسح رأسه كله او بعضه على الخلاف الموجود بين الفقهاء (رحمهم الله تعالى) ،
فالواقعة هنا : هو من غسل رأسه فهل يكون الغسل بديلا يجزئ عن المسح ؟
قال ابن قدامة (رحمه الله تعالى) في كتابه المغني : فصل ، فإن غسل رأسه [بدل] مسحه ، فعلى وجهين :
1. أحدهما - لا يجزئه ؛ لأن الله تعالى أمر بالمسح ، والنبي (صلى الله عليه وسلم ) مسح ، وأمر بالمسح ، ولأنه أحد نوعي الطهارة ، فلم يجزىء عن النوع الآخر ، كالمسح عن الغسل .
2. الثاني - يجزىء ؛ لأنه لو كان جنبا فانغمس في ماء ينوي الطهارتين أجزأه عن المسح ، فكذلك إذا كان الحدث الأصغر منفردا ، ولأن في صفة غسل النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه غسل وجهه ويديه ، ثم أفرغ على رأسه ، ولم يذكر مسحا ، ولأن الغسل أبلغ من المسح ، فإذا أتى به ينبغي أن يجزئه ، كما لو اغتسل ينوي به الوضوء (2) .
__________
(1) - المائدة : 6 .
(2) - المغني لابن قدامة : 1/89 .(1/11)
فهنا صورة البديل الفقهي تتحقق على القول الثاني الذي ينص : على أن غسل الرأس يجزئ عن مسحه ، إضافة إلى ذلك أن ابن قدامة (رحمه الله تعالى) قد أعطاه وصف البدلية ،
وتكييفنا في جعل الغسل بديلا فقهيا للمسح هو :
أ إن مسح الرأس هو الأصل في الوضوء ؛ لأنه منصوص عليه في قوله تعالى : { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ } ، أما غسله ، فهو حكم ثبت بالقياس ، فإن غسل الرأس هو البديل لأنه حكم اجتهادي ، والثابت بالنص أصل بالنسبة للثابت بالقياس .
ب إن المكلف على هذا القول مخير بين المسح [الأصل] ، وبين الغسل [البديل] ، فيجوز له أن يغسل رأسه ، كما في المسح ، فهو غير ملزم بواحد منهما .
ت إن الغسل مسقط للمسائلة ، ويجزئ عن المسح ، فمن غسل رأسه فلا يطالب بعده بالمسح .
المبحث الثاني
تطبيقات البديل الفقهي في المعاملات
المعاملات جمع معاملة ، وهي : تبادل الأموال والمنافع بين الناس بواسطة العقود والتصرفات (1) ،
والمعاملات هي الباب الفقهي الأكثر في احتوائها للكثير من التطبيقات الفقهية للبدائل ، نظرا لما لهذا الباب من تماس مباشر في واقع الفرد المسلم ، لتوقف معاشه على ما يحصل من التبادل في المنافع والأموال ، هذا التبادل الذي لا يتوقف على تعامل معين ، ولا ينحصر بصيغة واحدة ، فهو في تجد وتغير بتغير الزمان والمكان ، مما يستدعي إلى معرفة الفرد المسلم على حكم الشارع في هذه المستجدات ، وإيجاد البدائل الشرعية التي تجعله مواكبا لهذه المتغيرات ، و لا تجعله في معزل عنها ، ولكثرة تطبيقات الفقهاء (رحمهم الله تعالى) للبديل الفقهي في هذا الباب ، فإننا سنتكلم عن تطبيقات الفقهاء لـ[البديل الفقهي] بالنسبة للمعاملات في المسائل التالية :
1. بيع المعاطاة في كونه [بديلا] عن الصيغة.
__________
(1) - كتاب المعاملات في الشريعة الإسلامية والقوانين المصرية : لـ"أحمد أبي الفتح "- 25 (مطبعة النهضة – مصر : 1341هـ - 1923م)ط2 .(1/12)
2. البيع بالكتابة والمراسلة في كونهما بديلا عن الصيغة القولية .
3. تصحيح العقد الفاسد في كونه بديلا عن فسخه .
4. إبدال الوقف في كونه بديلا عن بيعه .
لذا فإن هذا المبحث سيتضمن أربعة مطالب :
المطلب الأول : بيع المعاطاة.
المطلب الثاني : البيع بالكتابة والمراسلة .
المطلب الثالث : تصحيح العقد الفاسد .
المطلب الرابع : إبدال الوقف .
المطلب الأول
بيع المعاطاة
وفيه فرعان :
الفرع الأول : تعريف البيع وبيان أركانه :
أولا- تعريف البيع لغة واصطلاحا :
البيع لغة : مصدر باع ، وبَاعَ الشيء يبيعه بَيْعَاً ، و مَبِيعاً شراه ، وهو شاذ ، وقياسه مَبَاعاً ، و باعَهُ أيضا اشتراه ، فهو من الأضداد ، وفي الحديث : (( لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يبيع على بيع أخيه)) ، أي : لا يشتر على شراء أخيه ، فإنما وقع النهي على المشتري لا على البائع والشيء مَبِيعٌ و مَبْيُوعٌ ، مثل : مخيط و مخيوط ،
ويقال للبائع والمشتري : بَيَعانِ (1) .
واصطلاحا : مبادلة المال بالمال (2) .
ثانيا- أركان البيع (3) :
للفقهاء خلاف في تحديد الأركان في البيع ، وغيره من العقود هل هي الصيغة [الإيجاب والقبول] ، أو مجموع الصيغة ، والعاقدين [البائع والمشتري] ، والمعقود عليه ، أو محل العقد [المبيع والثمن] ،
فالجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة يرون أن هذه كلها أركان البيع (4) ،
ويرى الحنفية أن الركن في عقد البيع ، وغيره هو الصيغة فقط ، أما العاقدان ، والمحل ، فمما يستلزمه وجود الصيغة ، لا من الأركان ؛ لأن ما عدا الصيغة ليس جزء من حقيقة البيع ، وإن كان يتوقف عليه وجوده (5) .
__________
(1) - لسان العرب : 8 / 23 ، مختار الصحاح : 1 / 29 .
(2) - الموسوعة الفقهية : 9/98و99 ، بدائع الصنائع : 5/183.
(3) - الموسوعة الفقهية : 9/10و11 .
(4) - المجموع للنووي : 9/ 149 ، مواهب الجليل : 6/31و57 ، الموسوعة الفقهية [المرجع السابق].
(5) - بدائع الصنائع : 5/133 .(1/13)
والصيغة – كما صرح بذلك الحطاب – هي : الإيجاب والقبول ، ويصلح لهما كل قول يدل على الرضا ، مثل قول البائع : بعتك ، أو أعطيتك ، أو ملكتك بكذا ، وقول المشتري : اشتريت ، أو تملكت ، أو ابتعت ، أو قبلت ، وشبه ذلك (1) .
الفرع الثاني : بيع المعاطاة وجعله بديلا للصيغة :
أولا- تعريف بيع المعاطاة :
بيع المعاطاة : ويسمى بيع التعاطي ، وهو إعطاء كل من العاقدين لصاحبه ما يقع التبادل عليه دون إيجاب ولا قبول ، أو بإيجاب دون قبول ، أو عكسه ، كما لو قال له : خذ هذا الثوب بدينار فأعطاه ، ومنه ما لو عرف المشتري ثمن الشيء ، فأعطى ثمنه للبائع ، وأخذه
، ولم يتكلم ، وهي من قبيل الدلالة الحالية ، ويصح البيع بها في القليل والكثير عند الحنفية والمالكية والحنابلة ، وبعض الشافعية ، خلافا لغيرهم (2) .
ثانيا- خلاف الفقهاء في بيع المعاطاة :
وقد اختلف الفقهاء في بيع المعاطاة على ثلاثة أقوال (3) :
__________
(1) - مواهب الجليل : لـ"الحطاب الرعيني" 6/13 (دار الكتب العلمية ، بيروت) ط1 : 1416هـ ، تحقيق : الشيخ زكريا عميرات .
(2) - الموسوعة الفقهية : 9/5 ، حاشية الدسوقي :لـ"شمس الدين محمد بن عرفة الدسوقي" 3/3 (دار إحياء الكتب العربية)، مغني المحتاج : لـ"محمد الشربيني الخطيب" 2/3 (دار إحياء التراث العربي : 1377هـ - 1958م)، فقه المعاملات : لـ"د. محمد رضا عبد الجبار العاني والسيد إبراهيم فاضل الدبو " 13 - ط1.
(3) - المغني : 4 / 4 ، حاشية ابن عابدين : 4 / 513 ، الكافي في فقه ابن حنبل : 2 / 3 ، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل: لـ"علي بن سليمان المرداوي أبي الحسن " 4 / 263 (دار إحياء التراث العربي ، بيروت ) ، اسم المحقق : محمد حامد الفقي .، فقه المعاملات [المرجع السابق : 14].(1/14)
1. المعتمد في مذهب الحنفية جواز بيع المعاطاة في السلع الثمينة والرخيصة (الخسيس والنفيس) ، وعليه المالكية والحنابلة وبعض الشافعية (1) ، وقد استدلوا : بأن أصل البيع لم يشترط فيه كيفية معينة للتراضي ، فيرجع فيه للعرف ، وقد تعارف الناس على بيع المعاطاة في أسواقهم ، ومارسه المسلمون ، ولم ينقل عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه أنهم استعملوا الإيجاب والقبول ، ولو كان ذلك شرطا لطلبه النبي (صلى الله عليه وسلم) ؛ لأنه أمر تعم به البلوى (2) .
2. المعتمد في مذهب الشافعية منع بيع المعاطاة ، ويوافقهم الإمامية ، وحجتهم : أن غياب الإيجاب والقبول ترافقه الجهالة في البيع ، والجهالة مؤثرة في صحة البيع (3) .
3. فرق الإمام الكرخي من الحنفية ، ومثله بعض الشافعية بين السلع الثمينة والسلع الرخيصة ، فأجازوا بيع المعاطاة في السلع الرخيصة (الخسيسة) ، ومنعوه في السلع الثمينة (النفيسة) (4) ، ويظهر أن حجة هذا القول مبنية على حصول الجهالة في السلع الرخيصة يسيرة يتسامح بها ، فلا تكون مؤثرة في البيع .
ثالثا- التكييف الفقهي في جعل بيع المعاطاة [بديلا فقهيا] عن التصريح بصيغة العقد :
وبناء على ما تقدم بيانه في خلاف الفقهاء حول بيع المعاطاة ، فإن القول الذي يحقق لنا صورة البديل الفقهي في هذه المسألة هو القول الأول ، وهو قول الجمهور على جواز البيع بالتعاطي سواء في ذلك السلع الثمينة أو الخسيسة ،
__________
(1) - بدائع الصنائع : 5/243 ، حاشية ابن عابدين : 4/504 ، المغني: 4/4 ، مغني المحتاج [المرجع السابق] : 2/3 .
(2) - المغني : 4/4 ، مغني المحتاج : 2/4 .
(3) - مغني المحتاج : 2/3 ، قواعد الأحكام : لـ" العلامة الحلي " 2/16 (مؤسسة النشر الإسلامي – قم : 1413هـ )ط1 ، تحقيق : مؤسسة النشر الإسلامي .
(4) - حاشية ابن عابدين : 4/513، مغني المحتاج : 2/3 .(1/15)
فمن أراد أن يشتري شيئا ، فإن هناك وسيلتان للتعاقد عليه ، إما أن يستخدم صيغة الإيجاب والقبول القولية ، وهي [الأصل] ، وإما أن عن طريق بيع المعاطاة ، بأن يأخذ المشتري المبيع ، ويدفع ثمنه للبائع ، دون استخدام الصيغة القولية ، وهي [البديل] ،
وتكييفنا في جعل المعاطاة [بديلا] للتصريح بالصيغة ، هو كما يأتي :
? إن التعاقد بالصيغة القولية هو الأصل ؛ لأنه أقوى من المعاطاة ، والذي يدل على ضعف المعاطاة أن التأخير في المعاطاة مبطل لها (1) ، وكذلك فإن العبارة هي الأصل في الإفصاح عن المقاصد وبيان الرغبات (2) .
? إن بيع المعاطاة في قوة البيع بالصيغة القولية ، من حيث الشمول ، فهو شامل لكل من أراد أن يتعاقد بالتعاطي ، ومن حيث الدوام ، فهو غير مؤقت بفترة معينة .
? إن بيع المعاطاة يترتب عليه الأثر الشرعي ، من ثبوت ملكية البائع للثمن[النقود] ، وثبوت ملكية المشتري للمثمن[البضاعة] .
? إن المكلف مخير بين التعاقد بالمعاطاة ، وبين التعاقد بالصيغة ، فهو غير ملزم بواحد منهما ، فبأي واحد منهما توصل به إلى التعاقد ، فإنه يترتب عليه أثر البيع .
المطلب الثاني
البيع بالكتابة والمراسلة
يصح التعاقد بالكتابة بين حاضرين ، أو باللفظ من حاضر ، والكتابة من الآخر ، وكذلك ينعقد البيع إذا أوجب العاقد البيع بالكتابة إلى غائب بمثل عبارة : بعتك داري بكذا ، أو أرسل بذلك رسولا ، فقبل المشتري بعد إطلاعه على الإيجاب من الكاتب ، أو الرسول ، والقاعدة : الكتاب كالخطاب (3) ،
__________
(1) - كشاف القناع : 3/170 .
(2) - أحكام الأسرة في الفقه الإسلامي [أحكام الوصية] : 22 .
(3) - شرح مجلة الأحكام : 61 .(1/16)
واشترط الشافعية الفور في القبول ، وقالوا يمتد خيار المجلس للمكتوب إليه ، أو المرسل إليه ما دام في مجلس قبوله ، ولا يعتبر للكاتب مجلس ، ولو بعد قبول المكتوب إليه ، بل يمتد خياره ما دام خيار المكتوب ، كما قالوا : لا يشترط إرسال الكتاب ، أو الرسول فورا عقب الإجابة ، ولم يشترط غير الشافعية الفور في القبول ، بل صرح الحنابلة بأنه : لا يضر التراخي هنا بين الإيجاب والقبول ؛ لأن التراخي مع غيبة المشتري لا يدل على إعراضه عن الإيجاب (1) ،
فالواقعة هنا هي التعاقد على سلعة ما ، فالتعاقد هنا يحصل إما عن طريق التعاقد بالصيغة القولية ، وهي [الأصل] ، أو عن طريق التعاقد بالكتابة ، أو المراسلة ، وهي [بديل فقهي] للصيغة القولية ،
وتكييفنا في جعل التعاقد بالكتابة ، أو المراسلة [بديلا فقهيا] للتعاقد بالصيغة القولية ، هو كما يأتي :
أ إن التعاقد بالقول هو أصل للتعاقد بالكتابة او المراسلة ؛ لأن القاعدة تنص على أن : الكتاب كالخطاب ، فهنا شبه الكتابة بالخطاب ، والمشبه به أصل للمشبه ، وكذلك فإن العبارة هي الأصل في الإفصاح عن المقاصد وبيان الرغبات (2) .
ب إن التعاقد بالكتابة أو المراسلة في قوة التعاقد بالصيغة القولية ، من حيث الشمول ، فهي شاملة لكل من أراد أن يتعاقد بالكتابة أو المراسلة ، ومن حيث الدوام ، فهي غير محددة بفترة معينة .
ت إن المكلف مخير بين التعاقد بالكتابة أو المراسلة ، وبين التعاقد بالصيغة القولية ، فهو غير ملزم بواحد منهما .
ث إن التعاقد بالكتابة أو المراسلة يترتب عليها الأثر الشرعي للبيع ، كما لو تعاقد بالصيغة القولية .
المطلب الثالث
تصحيح العقد الفاسد
أولا- تعريف الصحة والفساد لغة واصطلاحا :
__________
(1) - الموسوعة الفقهية : 9/13 .
(2) - أحكام الأسرة في الفقه الإسلامي [أحكام الوصية] : 22 .(1/17)
الصحة لغة : الصحة- بكسر المهملة – ذهاب المرض ، والبراءة من كل عيب ، وريب (1) ،
وشرعا ، فالصحيح : هو ما استوفى أركان الشيء وشروطه الشرعية وترتبت عليه آثاره الشرعية ،
فالصحيح من العبادات عند الفقهاء : أن يقع الفعل على وجه يسقط به القضاء ، فمن صلى على ظن الطهارة ، كانت صلاته فاسدة ؛ لعدم سقوط القضاء ،
والصحيح من المعاملات : ما ترتب عليه أثره الشرعي ، أي : ما شرع له ، كحل الانتفاع في البيع ، والاستمتاع في الزواج ،
وعرفه الحنفية والزيدية بأنه : ما شرع بأصله ووصفه ، أو ما استجمع أركانه وشرائطه ، أي : كان أصله صحيحا ، وأركانه مستوفاة ، ولم يكن منهيا عنه لذاته ، أو لما اتصف به والعقود كلها في ذلك سواء (2) ،
والفساد لغة : هو مصدر فسد يفسد – بضم المهملة - ، ويفسد – بكسرها - ، وفسد يفسد فسادا وفسودا ، ضد صلح ، فهو فاسد ، والمفسدة ضد المصلحة (3) ، ومنه قوله تعالى : { ويسعون في الأرض فسادا} (4) ، وقوله تعالى : { والله لا يحب الفساد } (5) ،
وقاعدة جمهور العلماء أنه مرادف للبطلان ، أي : إن كليهما عبارة عن معنى واحد ، فلا فرق بينهما في العبادات ، ولا في المعاملات ، فكل باطل فاسد ، وكل فاسد باطل عندهم ، فهما سواء في المعنى والحكم (6) ،
وعند الحنفية والزيدية : الفساد قسم ثالث مغاير للصحة والبطلان (7) ،
__________
(1) - مختار الصحاح1/150 ، لسان العرب 2/507 .
(2) - الوجيز في أصول الفقه للزحيأتي : 140 ، المحصول في علم أصول الفقه : لـ"فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي " 1/112 ( مؤسسة الرسالة ، بيروت )ط2: 1412هـ ، تحقيق : د. طه جابر فياض العلواني .
(3) - لسان العرب 3/335 .
(4) - المائدة : 64 .
(5) - البقرة : 205 .
(6) - الإحكام للآمدي : 1/131 ، المستصفى للغزالي : 76 .
(7) - شرح الأزهار : لـ"أحمد المرتضى" 3/144(غمضان ، صنعاء : 1400هـ) ،.(1/18)
وقاعدتهم : هي التفريق بين فاسد المعاملات ، وبين باطلها ، وإن الفساد والبطلان في العبادات سواء (1) ، لذلك فهم يعرفون الفاسد بأنه : ما كان مشروعا بأصله دون وصفه (2) ، والباطل : هو الذي يكون الخلل فيه في أصل العقد و أساسه ، بأن كان في الصيغة أو العاقدين أو المعقود عليه ، ولا يترتب عليه أثر شرعي ، كأن يصدر البيع من مجنون ، أو صبي لا يعقل (غير مميز) ، أو يكون بيعا لمعدوم ، أو زواجا بإحدى المحارم (3) .
ثانيا- حكم الصحيح والباطل والفاسد :
? إن كل تصرف ، أو عقد يستوفي أركانه وجميع شروطه يصبح صحيحا ، وتترتب عليه آثاره و أحكامه المقصودة منه ، فإذا كان عبادة برئت منها ذمة المكلف ، وليس عليه قضاؤها ، كالصلاة والصيام والحج .....إلخ ، وإذا كان بيعا ثبت به ملك المشتري للمبيع ، والبائع للثمن ، وبالتالي يحل لكل منهما الانتفاع بما ملكه ، وتنفذ فيه تصرفاته.
? وحكم الباطل : اتفق الفقهاء على أنه لا يترتب عليه أي أثر من آثار الصحة ، فالعبادة الباطلة لا تبرأ الذمة منها ، وعلى المكلف قضاؤها إذا كانت مما يفوت إلى القضاء ، والعقد الباطل لا يفيد ملكا ، ولا حلا ، ولا حرمة ، ولا يترتب عليه أية آثار شرعية من آثار الصحيح (4) .
__________
(1) - حاشية رد المحتار : 1/492 و2/433، شرح الأزهار[المرجع السابق] : 4/26 .
(2) - شرح الأزهار : 3/144 ، المحصول للرازي [المرجع السابق]: 1/112 ، معجم لغة الفقهاء [محمد قلعجي] : 114.
(3) - الوجيز في أصول الفقه للزحيأتي : 140 .
(4) - الموافقات : 1/203و204، الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد :1/664 ، أصول الفقه لأبي العينين : 283و284 .(1/19)
? حكم الفاسد: والباطل والفاسد عند الجمهور من الأئمة سواء في العبادات والمعاملات ، فكل فاسد باطل ، وكل باطل فاسد ، ولا يترتب على الفاسد عندهم أي أثر من آثار الصحة (1) ، وأما الحنفية والزيدية ، فقد فصلوا ، وقالوا : الباطل والفاسد بمعنى واحد في العبادات ، وهو عدم ترتب الأثر على الفعل ، فلا يسقط به طلب الفعل ، ولا تبرأ به الذمة (2) ، وأما حكم الفاسد في البيوع ، فهو : إنه يجب على المتعاقدين فسخه ؛ دفعا للفساد ، حتى لو لم يرد العاقدان فسخه ، فإنه يفسخ بإرادة القاضي ، لكن لما كان الفساد ليس في أصل العقد ، وإنما في وصفه ، فإنه لو رفع هذا الفساد بدون فسخ عقد البيع ، فإن العقد ينقلب صحيحا ، ولا يفسخ .
ثالثا- أمثلة العقود الفاسدة :
ومن أمثلة العقود الفاسدة في المعاملات [ البيع المشتمل على الربا ] ، فمذهب الحنفية أن عقد البيع الربوي ينعقد ، لكنه يكون فاسدا لا باطلا ، واحتجوا : بأن الشارع نهى عن البيع الربوي بسبب الزيادة الربوية ، فالنهي متوجه إليها ، لا إلى أصل البيع ، فينعقد أصل البيع ، ويؤمر المتبايعان بإلغاء هذه الزيادة ، فإذا أبطلا هذا الوصف برد الربا ، فإن البيع ينقلب صحيحا ، وإلا كان باطلا (3) ،
وبعد هذا التمهيد ، فإننا سنحدد بعضا من النقاط التي توصلنا إلى صورة [البديل] في ضوء الصحة والفساد :
1. إن الأصل في العقود أن تكون صحيحة ، وذلك بعد أن تستوفي أركانها وشروطها .
2. إن الفساد والبطلان بمعنى واحد عند الجمهور سواء في العبادات أو المعاملات .
__________
(1) - المصادر السابقة .
(2) - يستثنى من عدم تفريق الحنفية في العبادات صوم الأيام المنهية ، كيوم النحر إذا نذر صومه فقد جاء في أصول السرخسي – رحمه الله تعالى – (فيصح نذره ويؤمر بالخروج عنه بصوم يوم آخر وبه يتم التحرز عن ارتكاب المحرم) : أصول السرخسي : 1/88و89، كشف الأسرار : 1/259 .
(3) - المبسوط : 12/109 .(1/20)
3. إن الفساد عند الحنفية والزيدية بمعنى البطلان في العبادات ، و أما في المعاملات فإن الفساد مغاير للبطلان .
4. إن العقد الفاسد عند الحنفية ما كان مشروعا بأصله دون وصفه ، والباطل ما لم يكن مشروعا في أصله .
5. إن الباطل لايمكن تصحيحه عند الجميع – الجمهور والحنفية والزيدية - .
6. إن الفاسد لا يمكن تصحيحه عند الجمهور ، ويمكن تصحيحه عند الحنفية والزيدية .
رابعا- التكييف الفقهي في جعل تصحيح العقد الفاسد [بديلا] لفسخه :
من خلال ما تقدم ، فإننا نلمح صورة [البديل] بالنسبة لمسألة الصحة والفساد ، على رأي الحنفية والزيدية القائلين بإمكان تصحيح العقود الفاسدة ، وذلك برفع الوصف الذي كان سببا للفساد ،
فالواقعة التي أمامنا في هذه المسألة هي : العقد بعد أن تقرر فساده ، فما هو حكمه الشرعي ؟
فالجواب : هو أنه هناك حكمان [أصلي] و[بدلي] :
فالحكم الأصلي هو: أنه يجب على المتعاقدين فسخه ؛ دفعا للفساد ، حتى لو لم يرد العاقدان فسخه ، فإنه يفسخ بإرادة القاضي ،
والحكم البديل وهو : تصحيح العقد الفاسد ، وذلك برفع الوصف الذي كان سببا للفساد ؛ لأن الفساد ليس في أصل العقد ، وإنما في وصفه ، فإنه لو رفع هذا الفساد بدون فسخ عقد البيع ، فإن العقد ينقلب صحيحا ، ولا يفسخ ، وتصحيح العقد خير من فسخه ، وأفيد للمتعاقدين خصوصا في عصرنا هذا ، حيث إن العقود قد ازدادت تعقيدا ، بزيادة القيود والرسوم التي تفرضها الحكومات على شعوبها ، فمثلا : إذا كان المتعاقدان في بلدين مختلفين ، وجرت بينهما صفقة ، وصادف أنه قد تخلل للعقد ما يفسده ، فإذا أرادا أن يفسخاه ويتعاقدان من جديد ، فإنهما سيصادفان حرجا ، فحتى يتلافيا هذا الحرج ، فلهما أن يأخذا بالحكم البديل ، وهو تصحيح هذا العقد ،
وتكييفنا لهذه المسألة في جعل تصحيح العقد الفاسد [بديلا فقهيا] لفسخه هو :(1/21)
أ إن الأصل هو الفسخ ؛ لأن الجميع متفق على الفسخ - الحنفية والجمهور- ، وأما تصحيحه ، فهو البديل ؛ لأنه مختلف فيه ، والمتفق أصل للمختلف .
ب إن تصحيح العقد في قوة فسخه ، من حيث الشمول ، فهو شامل لجميع المكلفين المتعاقدين على عقد فاسد ، فكل مكلف يستطيع أن يصحح عقده [بدلا] من فسخه ، ومن حيث الدوام ، فهو غير مقيد بفترة معينة .
ت إن المتعاقدين مخيرين بين فسخ العقد ، وبين تصحيحه ، فلا إلزام عليهما في واحد منهما ، لكن لا بد من مباشرة واحد منهما .
ث إن تصحيح العقد رافعا للحرمة التي ترتبت على العقد الفاسد ، كما في الفسخ - فالعقد الفاسد إذا فسخ ارتفعت الحرمة - .
المطلب الرابع
إبدال الوقف
أولا- تعريف الوقف لغة ، واصطلاحا :
الوقف ، لغة : الحبس ، والمنع ، وفيه لغتان : أوقف يوقف إيقافا ، ووقف يقف وقفا (1) ، قال الله تعالى :{ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ 24 } (2) ،
وشرعا ، فالوقف هو : جنس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه فيكون التصرف في رقبته على مصرف مباح (3) .
ثانيا – أدلته :
فقد دلت السنة النبوية على مشروعية الوقف ، فعن أبي هريرة (رضي الله تعالى عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : (( ثم إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)) (4) ،
__________
(1) - لسان العرب : 9/359و360 .
(2) - الصافات : 24 .
(3) - كتاب الوقف : لـ" الشيخ عبد الجليل عبد الرحمن عشوب[القاضي بمحكمة مصر الشرعية] " 1و2 ( مطبعة الرجاء ، مصر : 1354هـ - 1935م ) ، بدائع الصنائع : 6 / 221، المبسوط للسرخسي : 12 / 28 ، سبل السلام: 3/ 87 .
(4) - مسلم : 3 / 1255 .(1/22)
وقد فسر العلماء الصدقة الجارية بالوقف ، وكان أول وقف في الإسلام وقف عمر (رضي الله عنه) الآتي حديثه ، كما أخرجه ابن أبي شيبة : (( أن أول حبس في الإسلام صدقة عمر)) ، قال الترمذي : لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل الفقه خلافا في جواز وقف الأرضين )) ، وأشار الشافعي أنه من خصائص الإسلام لا يعلم في الجاهلية وألفاظه : وقفت وحبست وسبلت وأبدت ، فهذه صرائح ألفاظه ، وكنايته تصدقت ، واختلف في حرمت فقيل : صريح (1) ،
ونحن في هذا المبحث سنختار مسألة [إبدال الوقف] ، لتحقيق صورة البديل في باب الوقف .
ثالثا- حكم الوقف :
حكم الشيء أثره المترتب عليه شرعا ، وحكم الوقف أنه يلزم بمجرد تمامه ، فلا يصح للواقف أن يرجع عنه ، ولا يجوز له أن يتصرف في الموقوف بالبيع ، ونحوه ، وإذا مات لا يورث عنه ؛ لأنه بالوقف أخرج الموقوف عن ملكه ، ولم يدخل في ملك الموقوف عليه ، ولا أحد غيره من العباد ، وصار في حكم الله سبحانه وتعالى ، وإذا كان الأمر كذلك ، فليس له أن يتصرف في الموقوف أي تصرف من التصرفات التي تعتمد الملك ، وإذا مات لا يورث عنه ؛ لأنه خرج من ملكه بالوقف ، فلا يعتبر من التركة ، واستدل بالآتي :
بما روي أن عمر (رضي الله عنه) أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وقال له : (( أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس منه فكيف تأمرني به قال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث في الفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم متمول فيه)) (2) ،
__________
(1) - سبل السلام: 3/ 87 ، منار السبيل في شرح الدليل : لـ"إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان " 2/5 ( مكتبة المعارف ، الرياض : 1405هـ )ط2 ، اسم المحقق : عصام القلعجي .
(2) - صحيح البخاري : 3 / 1019 .(1/23)
أفادت رواية البخاري أن كونه لا يباع ولا يوهب من كلامه صلى الله عليه وسلم وأن هذا شأن الوقف ، وهو يدفع قول أبي حنيفة بجواز بيع الوقف ، قال أبو يوسف : إنه لو بلغ أبا حنيفة هذا الحديث لقال به ، ورجع عن بيع الوقف ،
قال القرطبي : رد الوقف مخالف للإجماع ، فلا يلتفت إليه (1) ،
وفي رواية أخرى : (( إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه ، فما تأمرني ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : إن شئت حبست أصله ، وتصدقت بثمرته ، فجعلها عمر صدقة لا تباع ، ولا توهب ، ولا تورث ، تصدق بها ، أي : بثمرتها على الفقراء ، والمساكين ، وذي القربى ، وابن السبيل ، وفي الرقاب ، والغزاة في سبيل الله ، والضيف ، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ، وأن يطعم صديقا غير متمول منه (2) ، وأوصى به إلى حفصة أم المؤمنين ، ثم إلى الأكابر من آل عمر)) (3) ،
فهذا الحديث صريح في أن الموقوف يمتنع التصرف فيه بالبيع ، ونحوه ، وهذا هو معنى لزوم الوقف المقتضي زوال ملك الواقف عن الموقوف (4) .
رابعا- بيع الوقف :
وبناء على ما تقدم ، فإن من أراد أن يرجع في وقفه ببيع أو هبة أو رهن ، فعلى قول أبي حنيفة أنه يجوز له بيعه أو رهنه أو هبته ؛ لأن الوقف عنده غير لازم ،
أما جمهور العلماء ، فإنه لا يجوز ذلك ؛ لأن الوقف عندهم لازم (5) .
خامسا- إبدال الوقف ، وجعله [بديلا] لبيعه :
وكما تقدم فإنه على قول الجمهور لا يجوز بيع الوقف ، إلا إذا كانت هناك حاجة ، أو مصلحة تترتب على بيع الوقف ، فالأصل هو عدم جواز بيع الوقف ،
__________
(1) - سبل السلام : 3 / 88 .
(2) - تمول الرجل ، أي : صار ذا مال .
(3) - سنن البيهقي الكبرى : 6 / 161 .
(4) - كتاب الوقف : 2و3و4 .
(5) - المهذب : 1 / 262 ، بدائع الصنائع : 5 / 78 ، حاشية ابن عابدين : 4 / 396 ، المبدع : 5 / 328 .(1/24)
فالواقعة هي ما هو حكم من أراد أن يبيع (1) الموقوف إذا كانت هناك حاجة ، أو مصلحة ؟
إن هناك حكمان :
الأول : هو عدم جواز ذلك ، وهو الأصل ، وهو قول الجمهور ، وقد اخترناه حتى نحقق من خلاله صورة البديل ،
أما على رأي أبي حنيفة (رحمه الله تعالى) ، فإننا لا نحتاج إلى بديل ؛ لأنه قد أجاز الرجوع في الوقف ببيع ، أو هبة ...إلخ .
الثاني : هو بيع الوقف بإبداله ، فيستبدل الموقوف بشيء آخر ، والإبدال يكون تارة ، بأن يعوض فيها بالبدل ، وتارة بأن يباع ، ويشترى بثمنها المبدل مثله ، أو خيرا منه (2) ، وفي هذا الشأن قال الشيخ تقي الدين (رحمه الله تعالى) : يجب بيعه بمثله مع الحاجة ، وبلا حاجة يجوز بخير منه ؛ لظهور المصلحة ، ولا يجوز بمثله لفوات التعيين بلا حاجة (3) .
فإبدال الوقف بمثله ، أو بخير منه هو [بديل فقهي] لبيعه ،
وتكييفنا في جعل إبدال الوقف [بديلا ] لبيعه هو :
أ إن الأصل هو عدم جواز بيع الوقف ؛ لأنه منصوص عليه في الحديث : ((فجعلها عمر صدقة لا تباع ، ولا توهب ، ولا تورث)) ، وأما بيعه بإبداله ، فهو البديل ؛ لأنه ثبت بالاجتهاد ، والثابت بالنص أصل للثابت بالقياس .
ب إن إبدال الوقف يتصف بالشمول ؛ لأنه غير محصور على أشخاص معينين ، ويتصف بالدوام ؛ لأنه غير معين بفترة محدودة .
ت إن الواقف مخير بين البقاء على الوقف ، وبين إبداله ، فلا إلزام في واحد منهما .
__________
(1) - وهذا على غير رأي أبي حنيفة (رحمه الله تعالى ) ، فإنه على رأيه لا حاجة للبحث عن بديل ؛ لأن الوقف عنده غير لازم ، فيجوز للواقف أن يبيعه أو يهبه أو يرهنه .
(2) - مجموع الفتاوى : 31/212 .
(3) - الإنصاف للمرداوي: 7 / 104 .(1/25)
ث إن الحرمة التي اقترنت ببيع الوقف هي حرمة عرضية ، وليست ذاتية ، فالموقوف قبل أن يوقف كان محلا قابلا للتعامل عليه ، وعندما صار وقفا امتنع أن يكون محلا للتعامل ؛ لأنه خرج إلى ملك الله تعالى ، فلذلك بقي فيه بعض صور التعامل التي لا تخرجه عن ملك الله تعالى ، ولذلك صح أن نوجد له [بديلا] لبيعه .
المبحث الثالث
تطبيقات الفقهاء للبدائل في الكفارات
أولا- معنى الكفارة لغة واصطلاحا :
الكفارة لغة : وهي اسم لتكفير اليمين ، وتكْفِيرُ اليمين : فعل ما يجب بالحنث فيها ُ ،
والكَفَّارة ؛ ما كُفِّرَ به من صدقة أَو صوم أَو نحو ذلك: قال بعضهم ؛ كأَنه غُطِّيَ عليه بالكَفَّارة (1) .
والكفارة شرعا : ما يستغفر به الآثم من صدقة ، وصوم ، ونحو ذلك ،
وقد حددت الشريعة أنواعا من الكفارة ، منها كفارة اليمين ، وكفارة الصوم ، وكفارة لترك بعض مناسك الحج (2) .
ثانيا- كفارة الوطء والنذر :
قال ابن قدامة في كتابه المغني :
(( مسألة : قال : ومن وجبت عليه بدنة ، فذبح سبعا من الغنم أجزأه ، وظاهر هذا أن سبعا من الغنم يجزي عن البدنة مع القدرة عليها سواء كانت البدنة واجبة بنذر ، أو كفارة وطء )) (3) ،
فالحكم الأصلي : هو الوفاء بما حدده ، فإذا كان النذر ببدنة ، أو وجب عليه أن يكفر ببدنة ، فالأصل أن يكفر بما حدد ،
و[البديل] للحكم الأصلي : هو الوفاء بما يعادل الأصل ، وهو سبع من الغنم ،
وتكييفنا لهذه المسألة في جعلها [بديلا فقهيا] هو كما يأتي :
أ من حيث أنه شامل لجميع المكلفين ، فالوفاء بهذا [البديل] غير محصور على أفراد دون آخرين .
ب ومن حيث الدوام ، فهو غير مقيد بفترة معينة ، أو بظروف خاصة .
ت ومن حيث أن المكلف مخير بين الوفاء بالبدنة أو بسبع من الغنم ، فهو غير ملزم بواحد منهما .
__________
(1) - لسان العرب : 5 / 148 ، مختار الصحاح : 1 / 239 .
(2) - القاموس الفقهي : لـ"د. سعدي أبي حبيب " 321 .
(3) - المغني لابن قدامة : 3/294 .(1/26)
ث من حيث أنه إذا كان الوفاء بسبع من الغنم ، أجزأه ذلك .
ثالثا- جعل القيمة [بديلا] عن الكسوة ، أو الطعام :
جاء في بدائع الصنائع ما نصه :
(( وأما جوازه عن الطعام إذا بلغ قيمته نصف صاع ، فلأن القيمة تجوز [بدلا] عن الكسوة عندنا ، كما تجوز [بدلا] عن الطعام )) (1) ،
فالأصل في التكفير هو الإطعام ، أو الكسوة ،
وأما [البديل] للإطعام ، أو الكسوة ، فهو إخراج القيمة ، أي : قيمة الواجب إخراجه من الطعام ، أو الكسوة ،
وتكييفنا لهذه المسألة في جعل القيمة [بديلا فقهيا] للإطعام ، أو الكسوة هو :
أ إن التكفير بالإطعام أو الكسوة هما الأصل بالنسبة للقيمة ؛ لأنهما ذكرا ابتداء في القرآن الكريم ، قال تعالى : {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} (2) .
ب من حيث أنه حكم شامل لجميع المكلفين .
ت ومن حيث أنه ليس مؤقتا بمدة ، أو خاص بظروف دون أخرى .
ث ومن حيث أنه مخير بين التكفير بالإطعام ، أو الكسوة ، وبين القيمة .
ج ومن حيث أنه إذا كفر بالقيمة أجزأه ذلك ، فلا يطالب بعد تكفيره بالقيمة أن يكفر بالطعام أو الكسوة .
المبحث الرابع
تطبيقات الفقهاء للبدائل في الأحوال الشخصية
وفيه ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : تطبيقات البديل الفقهي في النكاح .
المطلب الثاني : تطبيقات البديل الفقهي في الطلاق .
المطلب الثالث : تطبيقات البديل الفقهي في الميراث .
المطلب الأول
تطبيقات البديل الفقهي في النكاح
أولا- تعريف النكاح في اللغة والاصطلاح :
__________
(1) - بدائع الصنائع : 5/105و106 .
(2) - المائدة : 89 .(1/27)
1. النكاح في اللغة : بمعنى الضم والتمايل والجمع (1) ، تقول تناكحت أغصان الأشجار إذا تمايلت ، وانضم بعضها إلى بعض ، وهو بمعنى الزواج ، إذ الزواج يعني : الضم والاقتران ، ومنه قوله تعالى : { وزوجناهم بحور عين} (2) ، أي : أقرنا السعداء في الجنة بحور واسعات العيون ، وقوله تعالى : { وإذا النفوس زوجت } (3) ، أي : اقترنت بأبدانها يوم القيامة ، وانضمت إليها (4) .
2. والنكاح والزواج في الاصطلاح : عبارة عن عقد يفيد حق انفراد الرجل بالاستمتاع بالمرأة التي تدخل تحت عصمته بالعقد ، ويفيد حق تمتعها هي به وحده فقط (5) .
ونحن سنبحث عن تطبيقات الفقهاء للبديل الفقهي في مسألة [ولاية التزويج] ، من حيث كون مباشرة المرأة لعقد زواجها [بديلا فقهيا] لمباشرة وليها .
ثانيا- معنى الولاية في اللغة والاصطلاح :
1. الولاية لغة : الولاية بكسر الواو وفتحها هي النصرة ، وهي عند بعضهم بالكسر بمعنى السلطان ، وبالفتح بمعنى النصرة (6) .
2. واصطلاحا ، فإنه قد جاء تعريفها شرعا بعبارات مختلفة تؤدي إلى معنى واحد (7) :
? فقيل : إنها عبارة عن سلطة شرعية يتصرف بها صاحبها في شؤون الغير جبرا عليه .
? وقيل : هي القدرة على إنشاء العقد والتصرفات نافذا .
? وقيل : هي القدرة على إنشاء العقود والتصرفات نافذة من غير توقف على إجازة أحد .
ثالثا- أقسام ولاية التزويج :
وتنقسم ولاية التزويج إلى ثلاثة أقسام :
1. ولاية الإجبار :
__________
(1) - تاج العروس : 2/242و243 .
(2) - الطور : 20 .
(3) - التكوير : 7 .
(4) - أحكام الأسرة في الفقه الإسلامي [أحكام النكاح]: لـ"نظام الدين عبد الحميد " 7 (مطبعة جامعة بغداد ، بغداد - العراق )ط1 : 1986م .
(5) - أحكام النكاح [المرجع السابق] : 7 .
(6) - لسان العرب : 15/407 ، معجم الفروق اللغوية : لـ" أبي هلال العسكري " 577 (جامعة المدرسين ، قم ) ط1 : 1412هـ ، تحقيق : مؤسسة النشر الإسلامي .
(7) - أحكام الأسرة [المرجع السابق] : 73 .(1/28)
ويراد بهذه الولاية تمكن الولي من تزويج المولى عليها ، والمولى عليه جبرا عليهما دون أن يكون لهما أي رأي ، وهي تثبت على القاصرين ، والقاصرات ؛ لصغر ، أو جنون ، أو عته عند جمهور الفقهاء ، واستدلوا بالآتي :
? بقوله تعالى : { واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} (1) ، إذ الآية تشير إلى ضمن ما تشير إلى عدة الصغيرة التي لا تحيض ، وهي لا عدة لها إلا في زواج صحيح عند الطلاق ، أو موت الزوج .
? وبدليل تزويج سيدنا أبي بكر ابنته عائشة (رضي الله عنهما) من الرسول(صلى الله عليه وسلم) ، وتزويج سيدنا علي (رضي الله عنه) ابنته أم كلثوم ، وهي صغيرة من سيدنا عمر (رضي الله عنه) ، وتزويج ابن عمر (رضي الله عنهما) بنتا صغيرة له من عروة بن الزبير(رضي الله عنه) ، وأمثال هذه الحالات كثيرة ،
والشافعية أثبتوا هذه الولاية على العاقلة البالغة الباكر أيضا ؛ لخبر الدارقطني : (( الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر يزوجها أبوها )) (2) ، ولما رواه مسلم و أبو داود من أنه (صلى الله عليه وسلم) قال : (( الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن ، وإذنها صماتها )) (3) ، فالحديث لما أثبت الحق لصنف الأيم من النساء دل على نفيه عن صنف البكر ، واستأذانها مستحب ، وليس بواجب (4) ،
والمالكية أيضا أثبتوها عليها غير أنهم يرون في رأي لزوم رضاها إذا عنست (5) ، وهو احد قولي الإمام أحمد (6) .
2. ولاية الاستحباب :
وهي التي يتمكن بها صاحبها من تزويج المولى عليها شرط موافقتها مع ثبوت حق الولاية لها على نفسها ، وتمكنها من التزوج دون إذن الولي ،
__________
(1) - الطلاق : 4 .
(2) - مغني المحتاج : 3/149 .
(3) - صحيح مسلم : 2/1037 ، سنن أبي داوود : 2/232 .
(4) - المغني : 7/31 .
(5) - أي : بلغت ثلاثين سنة ، وقيل : أربعين سنة .
(6) - المغني : 7/31 ، أحكام النكاح [المرجع السابق] : 77و78و79 .(1/29)
وهي جارية على العاقلة البالغة بكرا كانت ، أو ثيبا عند أبي حنيفة وعند الصاحبين في رواية عنهما (1) ، واستدلوا بالآتي :
? بدليل أنه سبحان وتعالى أسند النكاح إلى المرأة بقوله تعالى : { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } (2) .
? وبقوله تعالى : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } (3) .
? وبدليل قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) : (( الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها ، وإذنها صماتها )) (4) ، فهذا الحديث يفيد بجملته الأولى صحة تولي الأيم عقد زواجها ، ويفيد بجملته الثانية هذه الصحة بالنسبة للبكر أيضا ؛ للزوم استئذانها ، فإذا توقف صحة عقد وليها على رضاها ساغ لها أن تتولى هي بنفسها عقد زواجها .
? ولأن العاقلة البالغة لها الحق في التصرف بأموالها ، فالأولى أن يثبت لها هذا الحق في نفسها ، وتتمكن من عقد زواج نفسها ممن تختاره شريكا لحياتها ،
وهذا هو الرأي المفتى به عند الشيعة الإمامية ، إلا أن الظاهر من الروايات - كما يقول أبو جعفر الطوسي - أن هذه الولاية خاصة بالثيب فقط دون الباكر ، إذ عليها ولاية الإجبار بالنسبة للأب والجد مع استحباب استئذانها ، أما مع غيرهما ، فهي أحق بنفسها ، فليس عليها سوى ولاية الاستحباب (5) ، ويذكر المحقق الحلي عدم وجود الولاية على البكر الرشيدة أيضا (6) .
3. ولاية الشركة :
__________
(1) - فتح القدير : 2/391.
(2) - البقرة : 232 .
(3) - البقرة : 230 .
(4) - صحيح مسلم ج: 2 ص: 1037 .
(5) - كتاب الخلاف : لـ"أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي " 4/250 (دار الطبع والنشر : مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ) ط1: 1417هـ ، تحقيق : سيد علي الخراساني وسيد جواد شهرستاني و شيخ محمد مهدي نجف .
(6) - المختصر النافع : 173 .(1/30)
وهي الولاية التي يتمكن بها صاحبها من تزويج موليته شرط موافقتها ، أي : لابد من توافق الإرادتين على الزواج ، ولكن حق تولية العقد ثابت للولي دون المولى عليها ؛ لأن النكاح لا ينعقد بعبارة النساء عند أصحاب هذا الاتجاه ،
وهذه الولاية ثابتة على البالغة العاقلة الثيب عند المالكية والشافعية والحنابلة ، وهي شرط لصحة الزواج عندهم (1) ، واستدلوا بالآتي :
? بقوله (صلى الله عليه وسلم) : (( لا تزوج المرأة المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها ، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها )) (2) .
? وبقوله (صلى الله عليه وسلم) : (( لا نكاح إلا بولي )) (3) .
? وقوله (صلى الله عليه وسلم) : (( أيما امرأة تزوجت بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، وإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له )) (4) .
? ولأن النساء قليلات الخبرة بأحوال الرجال ؛ ولأن الزواج يكون أصرة القرابة بين أسرتين ، فلا بد أن يكون للولي رأي واختيار في قبول هذه القرابة ، إذ إن أمر عار أو فخار هذا الارتباط يعود عليه ، ولايمكن قياس هذا الحق على حق المرأة في تصرفاتها المالية ؛ لاختلاف عقد الزواج عن العقود المالية ، إذ من الميسور زوال آثار هذه العقود بخلاف عقد الزواج ،
__________
(1) - المغني : 7/5و6و7 ، مغني المحتاج : 3/147 .
(2) - سنن ابن ماجه : 1 / 606 .
(3) - المنتقى من السنن المسندة لابن الجارود: 1 / 176 .
(4) - المنتقى لابن الجارود [المرجع السابق] : 1/175 .(1/31)
ويرى أبو ثور من فقهاء الشافعية انعقادها بعبارتها أيضا إن أذن لها وليها ، كما ينعقد بعبارة الولي إن أذنت هي له ، أي : إذا اتفقت إرادتهما على الزواج ، فأي منهما تولى إنشاء العقد جاز، وأسند الكاساني هذا الرأي إلى محمد بن حسن الشيباني أيضا في ظاهر الرواية عنه (1) ، واستدلوا بقوله (صلى الله عليه وسلم) : (( أيما امرأة تزوجت بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل ........ )) (2) ، إذ هو يشعر بأن المرأة لها أن تتولى عقد نكاحها إن أذن لها الولي (3) .
رابعا - التكييف الفقهي في جعل مباشرة المرأة بديلا لمباشرة الولي :
ومن خلال ما تقدم ، فإن الرأي الذي يحقق لنا صورة البديل في هذه المسألة هو رأي من قال بولاية الاستحباب ، وهو رأي أبي حنيفة والصاحبين في رواية عنهما ، وتكييفنا في جعل هذه المسألة بديلا فقهيا هو :
أ إن الأصل في مباشرة عقد المرأة البكر البالغة العاقلة هو وليها ؛ لأنه إذا باشر الولي للعقد مع رضا المرأة ، فلا خلاف في هذا ، والمتفق أصل للمختلف عليه ، وكذلك فإن مباشرة الولي للعقد هو المذكور نصا ، وأما مباشرة المرأة ، فهو ثابت ضمنا ، لذا فإن مباشرة المرأة بديلا لمباشرة الولي .
ب عن مباشرة المرأة لعقد زواجها يتسم بالشمول ، فهو شامل لجميع النساء البالغات العاقلات الأبكار ، فليس محصورا على بعض النساء دون بعض ، ويتسم بالدوام ، فهو غير مؤقت بزمن محدود ، فيجوز لها في كل وقت أن تتولى مباشرة عقد زواجها .
ت إن البكر البالغة العاقلة مخيرة بين مباشرتها لعقد زواجها ، وبين مباشرة الولي لعقد زواجها ، فيجوز لها أن تتولى عقد زواجها ، ويجوز أيضا أن يتولى وليها عقد زواجها بإذنها .
__________
(1) - بدائع الصنائع : 3/1365 .
(2) - المنتقى لابن الجارود [المرجع السابق] : 1/175 .
(3) - أحكام النكاح : 74 و75و76 .(1/32)
ث إن مباشرة البكر البالغة العاقلة لعقد زواجها يترتب عليه الأثر الشرعي من صحة عقد الزواج ، ولزومه ، وبقية الآثار الشرعية المتعلقة بالزواج ، كما لو باشره الولي .
المطلب الثاني
تطبيقات البديل الفقهي في الطلاق
أولا- تعريف الطلاق في اللغة والاصطلاح :
? الطلاق في اللغة ، بفتح الطاء عبارة عن إزالة القيد ، وهو مأخوذ من الإطلاق ، يقو ل الرجل : أطلقت إبلي ، وأطلقت أسيري ، وطلقت امرأتي ، فالكل من الإطلاق .
? وفي الشريعة : رفع الحل الذي به صارت المرأة محلا للنكاح ، أو إزالة عقد النكاح (1) .
ثانيا- أنواعه :
ينقسم الطلاق إلى أنواع متعددة منها :
1. فمن حيث كونه سنيا أو بدعيا إلى :
أ.الطلاق السني ، وهو عند الحنفية على نوعين :
? طلاق أحسن : أن يطلقها طلقة واحدة ، ثم يتركها حتى تنقضي عدتها .
? طلاق حسن : أن يطلقها في حيض لم يجامعها فيه ، ثم يتركها حتى تحيض ، وتطهر فيطلقها الثانية ، ثم يتركها حتى تحيض فتطهر ، فيطلقها الثالثة .
ب. الطلاق البدعي : أن يطلقها أكثر من طلقة واحدة بلفظ واحد ، أو بألفاظ متعددة ، ولكن في طهر واحد ، او أن يطلقها واحدة في طهر جامعها فيه .
2. ومن حيث كونه رجعي أو بائنا إلى :
أ . الطلاق الرجعي : أن يطلقها واحدة ، أو اثنتين فقط بلفظ الطلاق ، أو بما لا تعتبر به بائنا ، ويحق له إرجاعها ما دامت في العدة .
ب . الطلاق البائن ، وهو نوعان :
? الطلاق البائن بينونة صغرى : أن يطلقها طلاقا رجعيا ، ثم يتركها حتى تنقضي عدتها ، وفي هذه الحالة يحق له إعادتها بعقد جديد ، ومهر جديد .
? الطلاق البائن بينونة كبرى : وهو الطلاق المتمم للثلاث ، ولا يحق له إرجاعها فيه حتى تنكح زوجا غيره ، ويدخل بها دخولا صحيحا .
3. ومن حيث كونه صريحا أو لا إلى :
أ . الطلاق الصريح : وهو أن يستعمل في التطليق لفظ الطلاق .
__________
(1) - المبسوط : 6/2 ، معجم لغة الفقهاء [محمد قلعجي] : 291.(1/33)
ب . الطلاق بالكناية : وهو أن يستعمل في التطليق لفظا يحتمل الطلاق ، ويحتمل غيره ، كقوله : حبلك على غاربك ، وهو على نوعين :
? كناية ظاهرة في الطلاق ، كقوله : أنت خلية ، برية ، بت ، بائن .
? كناية غير ظاهرة في الطلاق ، كقوله : حبلك على غاربك ، وجهي من وجهك حرام ، ونحو ذلك (1) .
ثالثا- حكم الطلاق :
حكم الطلاق يختلف باختلاف الطلاق من الرجعي والبائن ويتعلق بكل واحد منهما أحكام بعضها أصلي وبعضها من التوابع (2)
ونحن في هذا المبحث سنتناول بالبحث مسألة [ إقامة الفعل بديل للصيغة في الطلاق الرجعي ] كتطبيق من تطبيقات الفقهاء للبديل الفقهي في باب الطلاق .
رابعا- معنى الطلاق الرجعي :
الطلاق الرجعي : هو أن يطلق الرجل زوجته واحدة ، أو اثنتين فقط بلفظ الطلاق ، أو بما لا تعتبر به بائنا ، ويحق له إرجاعها ما دامت في العدة (3) ،
وماهية الرجعة عند الحنفية : هي استدامة الملك ، ومنعه من الزوال وفسخ السبب المنعقد لزوال الملك ، فالملك عند الحنفية قائم من كل وجه ،
وعند الشافعي هي : استدامة من وجه وإنشاء من وجه بناء على أن الملك عنده قائم من وجه زائل من وجه .
خامسا- مشروعية الرجعة :
الرجعة مشروعة عرفت شرعيتها بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول ، وإليك بيان ذلك :
__________
(1) - معجم لغة الفقهاء [محمد قلعجي] : 292 .
(2) - بدائع الصنائع : 3 / 180 .
(3) - معجم لغة الفقهاء [المصدر السابق] : 292 .(1/34)
1. أما الكتاب العزيز ، فقوله تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ 228 } (1) ، أي : رجعتهن وقوله تعالى : { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 231 } (2) ، وقوله تعالى : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ 229 } (3) ، والإمساك بالمعروف هو الرجعة .
2. وأما السنة فما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما طلق امرأته في حالة الحيض قال رسول الله لعمر ( رضي الله عنه) : مر ابنك يراجعها .....الحديث وروي أن رسول الله لما طلق حفصة رضي الله عنها جاءه جبريل فقال له راجع حفصة فإنها صوامة قوامة ، فراجعها ، وكذا روي أنه طلق سودة بنت زمعة رضي الله عنها ثم راجعها وعليه الإجماع .
__________
(1) - البقرة : 228 .
(2) - البقرة : 231 .
(3) - البقرة : 229 .(1/35)
3. وأما المعقول فلأن الحاجة تمس إلى الرجعة ؛ لأن الإنسان قد يطلق امرأته ثم يندم على ذلك على ما أشار الرب سبحانه وتعالى جل جلاله بقوله : { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا 1} (1) ، فيحتاج إلى التدارك ، فلو لم تثبت الرجعة لا يمكنه التدارك لما عسى لا توافقه المرأة في تجديد النكاح ، ولا يمكنه الصبر عنها ، فيقع في الزنا (2) .
سادسا- أحكام الطلاق الرجعي :
إذا طلق الرجل امرأته طلاقا رجعيا ، فإنه يترتب على طلاقه هذا حكمان ، أصلي وتبعي :
1. أما الحكم الأصلي له فهو نقصان العدد فأما زوال الملك وحل الوطء فليس بحكم أصلي له لازم حتى لا يثبت للحال وإنما يثبت في الثاني بعد انقضاء العدة فإن طلقها ولم يراجعها بل تركها حتى انقضت عدتها بانت ، وهذا عند الحنفية ، وعند الشافعي زوال حل الوطء من أحكامه الأصلية حتى لا يحل له وطؤها قبل الرجعة وإليه مال أبو عبد الله البصري ، وأما زوال الملك فقد اختلف فيه ، فقال بعضهم : الملك يزول في حق حل الوطء ، وقال بعضهم : لا يزول أصلا وإنما يحرم وطؤها مع قيام الملك من كل وجه كالوطء في حالة الحيض والنفاس .
2. إن الشهادة على الرجعة ليست واجبة عند الحنفية بل مستحبة ودليلهم في ذلك ، وعند الشافعي فإن الشهادة على الرجعة واجبة (3) .
3. إن المطلق طلاقا رجعيا يملك المراجعة من غير رضا المرأة ، ومن غير مهر ، ومن غير تجديد العقد (4) .
4. هناك خلاف بين الحنفية والشافعي في الوسيلة التي تثبت بها الرجعة :
__________
(1) - الطلاق : 1 .
(2) - بدائع الصنائع : 3 /180و 181 .
(3) - بدائع الصنائع : 3/181 ، الأم : 5/260 .
(4) - تحفة الفقهاء : لـ"علاء الدين السمرقندي " 2/177، ( دار الكتب العلمية - بيروت ) ط2.(1/36)
? فالشافعي ذهب إلى أن الرجعة تثبت بالكلام ، كأن يقول : راجعتها ، أو قد ارتجعتها ، أو قد رددتها إليّ ، او قد ارتجعهتا إليّ ، فإذا تكلم بهذا فهي زوجته ، ولا تثبت الرجعة عنده بالفعل ، كالجماع ، أو التقبيل ، أو اللمس ، وحجته في ذلك قوله تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ ...... 228 } (1) ، فقد فسر الرد بالكلام ، ولأن إنشاء النكاح من كل وجه يكون بالقول ، والرجعة إنشاء من وجه ، فيجب أن تكون بالقول أيضا (2) .
? أما الحنفية فالرجعة تثبت عندهم بالكلام وبالفعل ، كالجماع والتقبيل واللمس بشهوة ، فمن جامع زوجته في عدتها ، أو قبلها ، أو لمسها بشهوة ، فإنها ترجع إليه ، وقد استدلوا على ذلك بقوله تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ ...... 228 } (3) ، فسمى الرجعة ردا ، والرد لا يختص بالقول ، كرد المغصوب ، ورد الوديعة، وأيضا استدلوا بقوله تعالى : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ 229 } (4) ، حيث أنه تعالى سمى الرجعة إمساكا ، والإمساك حقيقة يكون بالفعل (5) .
سابعا- التكييف الفقهي للفعل في كونه بديلا للكلام في الطلاق الرجعي :
وبعد هذا التمهيد لمعنى الطلاق الرجعي ، فإن الواقعة المعنية هنا هو كيف يراجع المطلق طليقته طلاقا رجعيا ؟
لهذه الواقعة حكمان أحدهما أصلي ، وهو أن يراجعها بالقول بأن يقول لها : راجعتك ، أو أي لفظ يدل على الرجعة ، وهذا لا اختلاف فيه ،
والثاني ، وهو الحكم البديل ، وهو أن يراجعها بالفعل ، بأن يجامعها ، أو يقبلها ، أو يلمسها بشهوة ،
__________
(1) - البقرة : 228 .
(2) - الأم : 5/260 ، تحفة الفقهاء[المرجع السابق] .
(3) - البقرة : 228 .
(4) - البقرة : 229 .
(5) - تحفة الفقهاء : 2/177و178 ، بدائع الصنائع : 3/182 .(1/37)
والرأي الذي يحقق لنا صورة البديل ، كتطبيق من تطبيقات الفقهاء لمفهوم البديل ، هو رأي الحنفية القائلين بجواز إرجاع المطلقة طلاقا رجعيا بالفعل ،
وتكييفنا لهذه المسألة في جعل الفعل بديلا للقول في إرجاع المطلقة طلاقا رجعيا هو :
أ إن إرجاع المطلقة طلاقا رجعيا بالقول هو الأصل لاعتبارين :
1. إن العبارة هي الأصل في الإفصاح عن المقاصد وبيان الرغبات (1) .
2. لأن الإرجاع بالقول متفق عليه ، والإرجاع بالفعل مختلف فيه ، والمتفق عليه أصل للمختلف فيه .
ب إن الإرجاع بالفعل على رأي الحنفية يتسم بالشمول من حيث أنه ليس خاصا بأفراد معينين ، فكل مطلق طلاقا رجعيا له أن يراجع طليقته بالفعل ، ويتسم بالدوام من حيث أنه ليس محددا بفترة معينة (2) .
ت إن المطلق طلاقا رجعيا يكون مخيرا بين الإرجاع بالفعل ، وبين الإرجاع بالقول ، فهو ليس ملزما بواحد منهما فبأيهما راجعها جاز له ذلك .
ث إن الإرجاع بالفعل يترتب عليه الأثر الشرعي ، من حلية الوطء ...إلخ ، كما لو أرجعها بالقول .
المطلب الثالث
تطبيقات البديل الفقهي في الميراث
أولا- تعريف الميراث في اللغة والاصطلاح :
الميراث في اللغة : بمعنى التراث و الإرث ، أي : ما يورث ، وهو انتقال الشيء من شخص إلى غيره سواء كان مالا أم أمرا معنويا ، تقول : فلان ورث مال أبيه ، أو ورث منه الشجاعة أو الذكاء ،
وفي الاصطلاح : عبارة عن العلم بالقواعد الفقهية والحسابية التي يعرف بها الوارثون نصيب كل منهم من تركة المورث (3) .
__________
(1) - أحكام الأسرة في الفقه الإسلامي [أحكام الوصية] : لـ"د. عبد الستار حامد" 22 (مطبعة جامعة بغداد - العراق )ط1 .
(2) - لا أقصد بالفترة هنا فترة الرجعة فإنها محددة ، وإنما القصد هنا هو أن المطلق ليس متعينا عليه أن يراجع في فترة يجبر عليها كأن يراجع في يوم معين أو في ساعة معينة .
(3) - المعجم الوسيط ، أحكام الأسرة في الفقه الإسلامي [فقه المواريث] : 17 .(1/38)
ونحن في هذا المطلب سنتحدث عن مسألة [التخارج] ، واختيارها كتطبيق من تطبيقات الفقهاء لـ[البديل] في الميراث .
ثانيا- معنى التخارج :
التخارج من باب التفاعل ، وهو من الخروج ، ويراد به في علم الميراث : اتفاق أحد الورثة في تركة مع وارث آخر ، أو مع جميعهم ؛ لينقل إليه أو إليهم ما يستحقه من الإرث مقابل شيء من التركة ، أو من غير التركة سواء كان نقدا أم عينا ،
وهو أمر مباح ؛ لما روي عن ابن عمر أن عبد الرحمن بن عوف طلق زوجته تماضر الكلبية في مرض موت مات فيه ، وهي في العدة ، فورثها الخليفة عثمان بن عفان مع بقية الزوجات في الثمن ، وهن صالحنها في حقها ، وهو ربع الثمن على مبلغ معين تسلمته ، وآلت حصتها إلى بقية الزوجات (1) .
ثالثا- صور التخارج :
وللتخارج صور ثلاث ، وهي :
1. الصورة الأولى : وهي خروج وارث من حصته من التركة لوارث آخر لقاء مبلغ يدفعه له هذا الوارث من ماله الخاص .
2. الصورة الثانية : وهي خروج أحد الورثة من حصته من التركة لبقية الورثة لقاء شيء معين منها نقدا كان أو عينا ، ويكون باقي التركة للورثة الآخرين بنسبة سهامهم قبل التخارج .
3. الصورة الثالثة : وهي خروج أحد الورثة من التركة لبقية الورثة لقاء مال معين يدفعونه له من أموالهم التي لا علاقة له بعين من أعيان التركة (2) .
رابعا- التكييف الفقهي في جعل التخارج [بديلا فقهيا] للنصيب المقدر من التركة :
إن الواقعة في هذه المسألة هو كيف يأخذ الوارث نصيبه من التركة بعد استحقاقه للإرث ؟
الجواب : هناك حكمان [أصلي] و [بدلي] ،
فالحكم الأصلي : هو أخذه لنصيبه من الميراث من خلال تقسيم التركة عليه ، وعلى بقية الورثة ، بما حدد له في الكتاب ، و السنة ، والإجماع ،
__________
(1) - شرح السراجية : 69.
(2) - أحكام الأسرة في الفقه الإسلامي [فقه الميراث] : من 230 إلى 236 .(1/39)
والحكم [البدلي] : هو التخارج ، بأن يأخذ شيئا من التركة ، أو من غير التركة ، مقابل تنازله عن نصيبه من التركة لأحد الورثة ، أو لجميعهم ، كما تقرر بيانه ،
وتكييفنا لهذه المسألة في جعل التخارج [بديلا فقهيا ] للنصيب المقدر من التركة هو :
أ إن التخارج في قوة الفرض المقدر ، من حيث الشمول ، فهو شامل لجميع المكلفين المتخارجين ، ومن حيث الدوام ، فهو جائز في كل وقت ، فهو غير محدد بمدة معينة .
ب إن الوارث الذي يريد التخارج مخير بين الأخذ بالحكم الأصلي ، وهو أخذ ما قدر له من التركة ، وبين الحكم [البديل] ، وهو التخارج .
ت إن التخارج يحقق المقصد الذي يحققه الإرث ، وهو إيصال الحقوق إلى أصحابها .(1/40)
الخاتمة
وخاتمة للدراسة التي عقدت من أجل البحث في مفهوم البديل الفقهي ، وتأصيل الأسس الابتدائية له ، فإننا قد وقفنا على أهمية [البديل الفقهي] في التشريع ، ودوره في استيعاب الوقائع المستحدثة ، وأنه تتكامل به المنهجية الشرعية التي يحفظ بها حق الله تعالى وحق عباده بإعطاء كل ذي حق حقه من العباد دون إفراط أو تفريط ، ودون أن يخل بالشخصية الإسلامية ، ودون أن يجعل المكلف في دائرة الضيق والحرج ، لذا فإن أهم النقاط التي تمخضت عن هذه الرسالة :
أولا- إن أي تصرف ، أو واقعة يجب أن يمرا في سلم شرعي متدرج ، وهذا التدرج في ضوء [البديل]هو كما يأتي :
1. الأخذ بالحكم الأصلي ،
فإذا كان لهذا التصرف ، أو الواقعة حكما أصليا فيحكم عليهما بالحكم الأصلي ، وأمثلة
ذلك كثيرة جدا ، منها : الزواج ، والبر باليمين ، والإتمام في الصلاة للمسافر ، والحكم على الواقعة ، أو التصرف بالأصل ليس لإيجاب المكلف على الأخذ به ، أو لكون الأصل أفضل من البديل من حيث الإباحة ، وإنما هذا الترتيب هو من حيث الترتيب بالأسبق ، لكون الأصل قد سبق البديل في التشريع .
2. الأخذ ببديل الحكم الأصلي ،
فإذا حرم الأصل (1) ، أو لم يحرم إلا أنه لا يتلاءم مع حال المكلف ، ولم يكن هناك
وجوب على أخذه بالحكم الأصلي ، بل توفر الحكم الأصلي مع [بديله] ، فيصار على بديل الأصل .
3. التحريم (2) ،
فإذا لم يوجد للواقعة ، أو التصرف حكما أصليا ، أو [بديلا] ، وكان قد حكم عليه بالحرمة ، فيحكم على هذه الواقعة بالحرمة ؛ لأنه حينئذ قد استنفد كل الحلول التي تخرجه من الضيق والحرج إلى السعة .
4. الترخيص ،
__________
(1) - وأعني بذلك الحرمة الطارئة ، أو العرضية التي تزول بزوال العارض .
(2) - بناء على من قال بأن الأصل في الأشياء الحظر .(1/1)
فبعد الحكم على الواقعة بالحرمة ، وكان المكلف في حالة ضرورة شرعية ، بحيث وصل إلى مرحلة الهلاك ، فحينئذ يكون مرخصا له بمباشرة المحرم بقدر ما يسد احتياجه .
ثانيا- حتى تكون الشريعة الإسلامية مواكبة للمستحدثات ، ومحتوية لجميع الوقائع ، وملائمة لكل جيل وعصر ، فلا بد أن تكون في لغة هذا العصر ، وهذا الجيل ، وهذا من خلال تحديث المصطلحات الشرعية ، ونقل الموروث الإسلامي الذي تركه لنا فقهائنا الأوائل (رحمهم الله تعالى) ، في ثوب عصري يتماشى مع ما هو موجود الآن .
ثالثا- إن الشريعة الإسلامية ليست محصورة بالأخذ بالأحكام الأصلية ، وإنما قد جعلت البدائل الفقهية متممة لها في حال لم تلبي الأصول المقصد الأصلي ، أو ترتب على الأخذ بها سلبيات وضرر يرجعان على عامة المسلمين ، فالبديل الفقهي له الأثر الإيجابي والفعال في معالجة جميع الأزمات التي يمر بها المسلمون ، وخاصة في الظروف الاستثنائية .(1/2)
رابعا- إن البدائل الفقهية كافية في استيعاب أغلب المستحدثات ، وخاصة على الصعيد السياسي ، فالأمة الإسلامية كما لا يخفى على الجميع لا تتميز بالتقدم والتكنلوجيا اللذان يؤهلاهما لمنازعة القوى الغربية ، وهذا ليس دعوة إلى التخاذل والانهزام ، وإنما هو دعوة إلى الموازنة بين القوتين ، ومن ثم النظر إلى ما يترتب على مقدار المفاسد والمصالح التي تنتج عن الأخذ بأحد الأمرين والحكم بناء على الأصلح للإسلام والمسلمين ، فالذي أريد أن أقترحه أن الحلول العسكرية هي ليست الحلول الشرعية الوحيدة ، وكذلك هي ليست الخلاص للعالم الإسلامي ، بل إن العدو متقصد في إثارة العاطفة والحمية والحماسة في نفوس المسلمين ؛ ليكون له الحق في أن يعيث في الأرض الفساد ، وأن يشوه صورة الإسلام والمسلمين بناء على التصرفات الفردية غير المسؤولة ، وهذا له نماذج كثيرة في التاريخ الإسلامي القديم والحديث ، وما زلنا نعيش هذه المعاناة في أرض الواقع ، كما هو الحال في أرض العراق وأفغانستان ولبنان ، مع أنه توجد الحلول البديلة التي تعالج جميع هذه الفوضى ، وتحقن بها الدماء وتصان بها الأعراض .
خامسا- إن البدائل الفقهية نموذج إسلامي وصورة حية تتجسد من خلالها كل المعاني الإنسانية التي انطوت تحت النصوص القرآنية والحديثية ، وأنها صورة للشمولية التي اتسمت بها الشريعة الإسلامية ، والتي تفتقر لها جميع الأديان والقوانين الوضعية .(1/3)
وختاما فإننا نلتمس من القارئ الكريم العذر فيما يبدر من أخطاء غير مقصودة كان سببها الظرف القاسي الذي يعيشه الباحث العراقي من قلة في المراجع وعدم الاستقرار الأمني والاقتصادي والعلمي ، بالإضافة إلى ذلك فإن هذا الموضوع لم أقف له على خصوصية في الفقه الإسلامي ، ولم أقف له على مؤلف قديم أو حديث قد تناوله بالبحث ، فهو إن صحت التسمية موضوع حديث الولادة ، وما كان كذلك فإنه تكثر أخطاؤه ويقل صوابه ، فرسالتنا هذه هي الكتابة الأولى في مثل هذا الموضوع ، و كذلك هذه دعوة مني إلى كل باحث يهتم في نقل الفقه الإسلامي إلى أرض الواقع في ثوب يليق في كونه فقها لشريعة هي خاتمة للشرائع السماوية التي أزلها الله تعالى من قبل ، أن يهتم في تطوير وتحسين هذا الموضوع ، لما له من أثر في استيعاب المستحدثات ، وتقريب وجهات النظر ، وتقليل الخلاف ، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى ، وان يجعلنا من الذين يعملون بما يعلمون ، ويفيدون بما يتعلمون ، فما كان من صواب فمن توفيقه تعالى ، وما كان من خطأ فمن قلة علمنا و سهو قلمنا .(1/4)
المصادر
مصادر التفسير
1. القرءان الكريم
2. أحكام القرآن ، اسم المؤلف : محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله ، وفاة المؤلف : 204هـ ، دار النشر : دار الكتب العلمية ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1400هـ ، عدد الأجزاء : 2 ، اسم المحقق : عبد الغني عبد الخالق .
3. أحكام القرءان لأبي بكر احمد بن علي الرازي الجصاص ، وفاته : 370هـ ، دار النشر : مطبعة الأوقاف الإسلامية ، مدينة النشر : استانبول ، رقم الطبعة : الأولى .
4. البرهان في علوم القرءان لمحمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي أبو عبد الله ، ولادته : 745هـ ، وفاته : 794هـ ،عدد الأجزاء : 4 ، دار النشر : دار المعرفة ، مدينة النشر : بيروت ، سنة لنشر :1391هـ ، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم .
5. تفسير الطبري لمحمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري أبو جعفر ، ولد 224هـ ، وتوفي 310هـ ،عدد الأجزاء : 30 ، دار النشر : دار الفكر ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1405هـ
6. تفسير القرطبي لمحمد بن احمد بن أبي بكر بن فرح القرطبي أبو عبد الله ، توفي : 671هـ ، عدد الأجزاء : 20 ، دار النشر : دار الشعب ، مدينة النشر: القاهرة ، سنة النشر : 1372هـ ، رقم الطبعة : الثانية ، تحقيق : أحمد عبد العليم البردوني .
7. تفسير ابن كثير لإسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبو الفداء ، توفي : 774هـ ، عدد الأجزاء : 4 ، دار النشر : دار الفكر ، مدينة النشر : بيروت سنة النشر : 1401هـ .
8. تفسير ر وح المعاني في تفسير القرءان العظيم و السبع المثاني ، لأبي الثناء محمود شهاب الدين الآلوسي ، دار النشر : دار إحياء التراث العربي ، مدينة النشر : بيروت .
9. جامع البيان عن تأويل آي القرءان ، اسم المؤلف : أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، سنة الوفاة : 310 هـ ، دار الطبع والنشر : دار الفكر 1415هـ ، عدد المجلدات :30 ، ضبط وتوثيق وتخريج : صدقي جميل العطار .(1/1)
10. دقائق التفسير الجامع لتفسير ابن تيمية (مختارات) ، لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس ، ولادة المؤلف : 661هـ ، وفاته : 728هـ ، دار النشر : مؤسسة علوم القرآن ، مدينة النشر : دمشق ، سنة النشر : 1404هـ ، رقم الطبعة : الثانية ، عدد الأجزاء : 6 ، اسم المحقق : د. محمد السيد الجليند .
11. الدر المنثور لعبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي ، وفاته : 911هـ ، عدد الأجزاء : 8 ،دار النشر : دار الفكر ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1993هـ .
12. زاد المسير في علم التفسير ، اسم المؤلف : أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي ، سنة الوفاة : 597هـ ، عدد المجلدات : 8 ، دار الطبع والنشر : دار الفكر ، مدينة النشر : بيروت ، رقم الطبعة :الأولى ، اسم المحقق : محمد بن عبد الرحمن عبد الله .
13. مواهب الرحمن في تفسير القرءان لعبد الكريم المدرس ، عدد الأجزاء : 7 ،دار النشر : دار الحرية للطباعة ، مدينة النشر : بغداد- العراق ، سنة النشر : 1408هـ ، 1988م ، رقم الطبعة : الأولى ، عني بنشره : محمد علي القرداغي .
14. المصحف الميسر للشيخ عبد الجليل عيسى [معاصر] ، دار النشر : دار الشروق ، رقم الطبعة : الخامسة ، سنة النشر : 1391هـ .
مصادر الحديث
1. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ، اسم المؤلف : أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري ، ولادة المؤلف : 368هـ ، وفاة المؤلف : 463هـ ، دار النشر : وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية ، مدينة النشر : المغرب ، سنة النشر : 1387هـ ، عدد الأجزاء : 24 ، اسم المحقق : مصطفى بن أحمد العلوي , محمد عبد الكبير البكري .(1/2)
2. تهذيب التهذيب ، اسم المؤلف : لـ" أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي " ، ولادة المؤلف : 773هـ ، وفاة المؤلف : 852هـ ، دار النشر : دار الفكر ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1404هـ - 1984م ، رقم الطبعة :: الأولى ، عدد الأجزاء : 14 .
3. التمهيد لابن عبد البر ، اسم المؤلف : لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري ، ولادته : 368هـ، وفاته : 463هـ ، عدد الأجزاء:22، دار النشر : وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، مدينة النشر : المغرب ، سنة النشر : 1387هـ ، تحقيق : مصطفى بن احمد العلوي و محمد الكبير البكري .
4. الجوهر النقي ، اسم المؤلف : علاء الدين المارديني الشهير بابن التركماني ، سنة الوفاة : 745هـ ، عدد المجلدات : 10 ، دار الطبع : دار الفكر ، دار النشر : دار الفكر .
5. سنن البيهقي لأحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي ، ولادته : 384هـ ، وفاته : 458هـ ، عدد الأجزاء : 10 ، دار النشر : مكتبة دار الباز ، مدينة النشر : مكة المكرمة ، سنة النشر : 1414هـ - 1994م ، تحقيق : محمد عبد القادر عطا .
6. سنن الترمذي لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة ، ولادته : 209هـ ، وفاته : 297هـ ، دار النشر : دار إحياء التراث العربي ، مدينة النشر : بيروت – لبنان ، سنة النشر : 1421هـ - 2000م ، رقم الطبعة : الأولى .
7. السنن الكبرى لأحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي ، ولادته : 215هـ وفاته : 303هـ ، عدد الجزاء : 6 ، دار النشر : دار الكتب العلمية ، مدينة النشر :بيروت ، سنة النشر : 1411هـ - 1991م ، رقم الطبعة : الأولى ، تحقيق : د. عبد الغفار سليمان البنداري و سيد كسروي حسن .
8. سنن ابن ماجة لمحمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني ، ولادته : 207هـ ، وفاته : 275هـ ، عدد الجزاء : 2 ، دار النشر : دار الفكر ، مدينة النشر : بيروت ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي .(1/3)
9. سنن أبي داوود لسليمان بن الأشعث أبو داوود السجستاني الأزدي ، ولادته :202هـ ، وفاته : 275هـ ، عدد الأجزاء : 4 ، دار النشر : دار الفكر ، تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد .
10. الاستيعاب في معرفة الأصحاب لـ" يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر" ، وفاة المؤلف : 463هـ ، دار النشر : دار الجيل ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1412هـ ، رقم الطبعة : الأولى ، عدد الأجزاء : 4 ، اسم المحقق :: علي محمد البجاوي .
11. سنن الدارمي ، اسم المؤلف : عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد الدارمي ، ولادة المؤلف : 181هـ ، وفاة المؤلف : 255هـ ، دار النشر : دار الكتاب العربي ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1407هـ ، رقم الطبعة : الأولى ، عدد الأجزاء : 2 ، تحقيق : فواز أحمد زمرلي و خالد السبع العلمي .
12. سنن الدارقطني ، اسم المؤلف : علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي ، ولادة المؤلف : 306هـ ، وفاة المؤلف : 385هـ ، دار النشر : دار المعرفة ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1386هـ - 1966م ، عدد الأجزاء : 4 ، اسم المحقق :: السيد عبد الله هاشم يماني المدني .
13. السنن الكبرى ، اسم المؤلف : أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي ، ولادة المؤلف : 215هـ ، وفاة المؤلف : 303هـ ، دار النشر : دار الكتب العلمية ، مدينة النشر :: بيروت ، سنة النشر : 1411هـ - 1991م ، رقم الطبعة : الأولى ، عدد الأجزاء : 6 ، اسم المحقق : د.عبد الغفار سليمان البنداري , سيد كسروي حسن .
14. شرح معاني الآثار ، اسم المؤلف : أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة أبو جعفر الطحاوي ، ولادة المؤلف : 229هـ ، وفاة المؤلف : 321هـ ، دار النشر : دار الكتب العلمية ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1399هـ ، رقم الطبعة : الأولى ، عدد الأجزاء : 4 ، اسم المحقق : محمد زهري النجار .(1/4)
15. عون المعبود شرح سنن أبي داوود ، اسم المؤلف : محمد شمس الحق العظيم آبادي ، دار الطبع والنشر : دار الكتب العلمية ، مدينة النشر : بيروت - لبنان ،رقم الطبعة : الثانية ، سنة الطبع : 1415هـ ، عدد المجلدات : 14 .
16. صحيح البخاري للإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، وفاته :256هـ ، راجعه وضبطه وفهرسه : الشيخ محمد علي قطب و الشيخ هشام البخاري ، دار النشر : المكتبة العصرية ، مدينة النشر : صيدا – بيروت ، سنة النشر : 1422هـ - 2001م .
17. صحيح مسلم ، اسم المؤلف : مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري ، ولادة المؤلف : 206هـ ، وفاة المؤلف : 261هـ ، دار النشر : دار إحياء التراث العربي ، مدينة النشر : بيروت ، عدد الأجزاء : 5 ، اسم المحقق : محمد فؤاد عبد الباقي .
18. صحيح ابن خزيمة لمحمد بن إسحاق بن خزيمة أبو بكر السلمي النيسابوري ، ولادته : 223هـ ، وفاته : 311هـ ، عدد الأجزاء : 4 ، دار النشر : المكتب الإسلامي ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1390هـ 1970م ، تحقيق : د. محمد مصطفى الأعظمي .
19. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان ، اسم المؤلف : محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي ، وفاة المؤلف : 354هـ ، دار النشر : مؤسسة الرسالة ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1414 هـ - 1993م ، رقم الطبعة : الثانية ، عدد الأجزاء : 18 ، اسم المحقق :: شعيب الأرنؤوط .
20. غريب الحديث ، اسم المؤلف : القاسم بن سلام الهروي أبو عبيد ، وفاة المؤلف : 224هـ ، دار الطبع : مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية – الهند ، دار النشر : دار الكتاب العربي ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1396هـ ، اسم المحقق : محمد عبد المعيد خان .(1/5)
21. فتح الباري لأحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي ، ولادته : 773هـ ، وفاته : 852هـ ، عدد الأجزاء : 13 ، دار النشر : دار المعرفة ، مدينة النشر :بيروت ، سنة النشر : 1379هـ ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي – محب الدين الخطيب .
22. كنز العمال ، اسم المؤلف : المتقي الهندي ، سنة الوفاة : 975 هـ ، دار الطبع والنشر : مؤسسة الرسالة ، مدينة النشر : بيروت – لبنان ، عدد المجلدات : 16 ، تحقيق : الشيخ بكري حياني والشيخ صفوة السقا .
23. موطأ مالك لمالك بن انس أبو عبد الله الأصبحي ، ولادته : 93هـ ، وفاته : 179هـ ، عدد الأجزاء : 2 ، دار النشر : دار إحياء التراث العربي ، مدينة النشر : مصر ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي .
24. مصنف ابن أبي شيبة لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي ، ولادته :159هـ ، وفاته : 235هـ ، عدد الأجزاء : 7 ، دار النشر : مكتبة الرشد مدينة النشر : الرياض ، سنة النشر : 1409هـ ، رقم الطبعة : الأولى ، تحقيق : كمال يوسف الحوت .
25. المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي عن الكتب الستة وعن سنن الدارمي وموطأ مالك ومسند أحمد بن حنبل ، تأليف : رتبه ونظمه لفيف من المستشرقين ، نشره : الدكتور أ.ي. ونسنك / أستاذ العربية بجامعة ليدن ، دار النشر : مكتبة بريل ، مدينة النشر : ليدن ، سنة النشر : 1936م .
26. المعجم الكبير ، اسم المؤلف : سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني ، ولادة المؤلف : 260هـ ، وفاة المؤلف : 360هـ ، دار النشر : مكتبة العلوم والحكم ، مدينة النشر : الموصل ، سنة النشر : 1404هـ - 1983م ، رقم الطبعة : الثانية ، عدد ، الأجزاء : 20 ، اسم المحقق : حمدي بن عبد المجيد السلفي .(1/6)
27. المنتقى من السنن المسندة ، اسم المؤلف : عبد الله بن علي بن الجارود أبو محمد النيسابوري ، ولادة المؤلف : 0 ، وفاة المؤلف : 307هـ ، دار النشر : مؤسسة الكتاب الثقافية ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1408هـ - 1988م ، رقم الطبعة : الأولى ، عدد الأجزاء : 1 ، اسم المحقق : عبد الله عمر البارودي .
28. مسند الإمام أحمد ، اسم المؤلف : الإمام احمد بن حنبل ، سنة الوفاة : 241هـ ، دار الطبع : دار صادر - بيروت ، دار النشر : دار صادر ، مدينة النشر : بيروت ، عدد المجلدات : 4 .
29. المسند ، اسم المؤلف : الإمام الشافعي ، دار الطبع والنشر : دار الكتب العلمية ، مدينة النشر : بيروت – لبنان ، عدد المجلدات : 1 ، التحقيق : مطبعة بولاق الأميرية والنسخة مطبوعة في بلاد الهند .
30. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، اسم المؤلف : نور الدين الهيثمي ، دار الطبع والنشر : دار الكتب العلمية ، مدينة النشر : بيروت - لبنان ، سنة الطبع : 1408هـ - 1988م ، عدد المجلدات : 10 .
31. النهاية في غريب الحديث ، اسم المؤلف : ابن الأثير ، وفاة المؤلف : 606هـ ، دار الطبع : مؤسسة إسماعيليان _ قم ، دار النشر : مؤسسة إسماعيليان _ قم ، عدد الأجزاء : 5 ، اسم المحقق : طاهر أحمد الزاوي و محمود محمد الطناحي .
مصادر الفقه
أولا: الفقه المالكي :
1. حاشية الدسوقي ، اسم المؤلف : شمس الدين محمد بن عرفة الدسوقي ، سنة الوفاة : 1230هـ ، عدد المجلدات : 4 ، الناشر والمطبعة : دار إحياء الكتب العربية .
2. الشرح الكبير ، اسم المؤلف : سيدي أحمد الدردير أبو البركات ، دار النشر : دار الفكر ، مدينة النشر : بيروت ، عدد الأجزاء : 4 ، اسم المحقق : محمد عليش .
3. مواهب الجليل ، اسم المؤلف : الحطاب الرعيني ، سنة الوفاة : 954هـ ، عدد المجلدات : 8 ، دار الطبع : دار الكتب العلمية - بيروت ، رقم الطبعة : الأولى 1461هـ .
ثانيا: الفقه الحنفي :(1/7)
1. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، اسم المؤلف : علاء الدين الكاساني ، سنة الوفاة : 587هـ ، دار النشر : دار الكتاب العربي ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1982م ، رقم الطبعة : الثانية ، عدد الأجزاء : 7 .
2. البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، اسم المؤلف : ابن نجيم المصري الحنفي ، سنة الوفاة : 970هـ ، عدد المجلدات : 9 ، دار الطبع : دار الكتب العلمية - بيروت ، رقم الطبعة : الأولى - 1418هـ ، اسم الناشر : محمد علي بيضون ، اسم المحقق : الشيخ زكريا عميرات .
3. تحفة الفقهاء ، اسم المؤلف : علاء الدين السمرقندي ، سنة الوفاة : 539هـ أو 535هـ ، عدد المجلدات : 3 ، رقم الطبعة : الثانية ، دار الطبع : دار الكتب العلمية - بيروت .
4. حاشية ابن عابدين لمحمد بن أمين ، عدد الأجزاء : 6 ، دار النشر : دار الفكر ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1386هـ ، رقم الطبعة : الثانية .
5. حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ، اسم المؤلف : أحمد بن محمد بن إسماعيل الطحطاوي الحنفي ، وفاته : 1231هـ ، عدد الأجزاء : 1 ، دار النشر : مكتبة البابي الحلبي ، مدينة النشر : مصر ، سنة النشر : 1318هـ ، رقم الطبعة : الثالثة .
6. الدر المختار ، اسم المؤلف : علاء الدين الحصفكي ، سنة الوفاة : 1088هـ ، عدد المجلدات : 8 ، الطبعة : 1415 ، دار الطبع : دار الفكر ، دار النشر : دار الفكر .
7. درر الحكام في شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر ، تعريب : المحامي فهمي الحسيني ، دار النشر : المطبعة العباسية – حيفا ، سنة النشر: 1343هـ - 1925م .
8. شرح معاني الآثار لأحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الطحاوي ، ولادته : 229هـ ، وفاته : 321هـ ، عدد الأجزاء : 4 ، دار النشر : دار الكتب العلمية ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1399هـ ، رقم الطبعة : الأولى ، تحقيق : محمد زهري النجار .(1/8)
9. شرح فتح القدير لمحمد بن عبد الواحد السيواسي ، وفاته : 681هـ ، عدد الأجزاء : 7 ، دار النشر : دار الفكر ، مدينة النشر : بيروت ، رقم الطبعة : الثانية .
10. المبسوط للسرخسي ، اسم المؤلف : محمد بن أبي سهل السرخسي أبو بكر، عدد الأجزاء : 30 ، دار النشر : دار المعرفة ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1406هـ .
11. مشايخ بلخ من الحنفية ، اسم المؤلف : د. محمد محروس عبد اللطيف المدرس ، عدد الأجزاء : 2 ، دار النشر : وزارة الأوقاف إحياء التراث الإسلامي ، مدينة النشر: الجمهورية العراقية .
ثالثا: الفقه الشافعي :
1. الأم ،اسم المؤلف : محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله ، ولادته : 150هـ ، وفاته : 204هـ ، عدد الأجزاء : 8 ، دار النشر : دار المعرفة ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1393هـ ، رقم الطبعة : الثانية .
2. الإحكام في أصول الأحكام ، اسم المؤلف : علي بن محمد الآمدي أبو الحسن ، ولادته : 551هـ ، وفاته : 631هـ ، دار الطبع : مؤسسة النور ، دار النشر : المكتب الإسلامي ، مدينة النشر : دمشق ، سنة النشر : 1402هـ ، رقم الطبعة : الثانية عدد الأجزاء : 4.
3. اختلاف الحديث ، اسم المؤلف : محمد بن إدريس أبو عبد الله الشافعي ، عدد الأجزاء :1، دار النشر : مؤسسة الكتب الثقافية ، مدينة النشر: بيروت ، سنة النشر : 1405هـ-1985م ، تحقيق : عامر أحمد حيدر .
4. روضة الطالبين وعمدة المفتين ، دار النشر : المكتب الإسلامي ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1405هـ ، رقم الطبعة : الثانية ، عدد الأجزاء : 12 .
5. صفوة اللآلىء من مستصفى الإمام الغزالي ، اسم المؤلف : عبد الكريم محمد المدرس ، دار النشر : مطبعة العاني ، مدينة النشر : بغداد .
6. المهذب ، اسم المؤلف : إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي أبو إسحاق ، عدد الأجزاء : 2 ، دار النشر : دار الفكر ، مدينة النشر: بيروت .(1/9)
7. المجموع شرح المهذب ، اسم المؤلف : محيى الدين بن شرف ، وفاة المؤلف : 676هـ ، دار النشر : دار الفكر ، مدينة النشر : بيروت ، عدد المجلدات : 20 .
8. مغني المحتاج ، اسم المؤلف : محمد الشربيني الخطيب ، وفاة المؤلف : 977هـ ، دار الطبع : دار إحياء التراث العربي : 1377هـ - 1958م .
رابعا: الفقه الحنبلي :
1. إعلام الموقعين عن رب العالمين ، اسم المؤلف : محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله ، ولادة المؤلف : 691هـ ، وفاة المؤلف : 751هـ ، دار النشر : دار الجيل ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1973هـ ، عدد الأجزاء : 4 ، اسم المحقق : طه عبد الرءوف سعد ،
2. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، اسم المؤلف : علي بن سليمان المرداوي أبو الحسن ، ولادة المؤلف : 817هـ ، وفاة المؤلف :: 85هـ ، دار النشر : دار إحياء التراث العربي ، مدينة النشر : بيروت ، عدد الأجزاء : 10 ، اسم المحقق : محمد حامد الفقي .
3. كشاف القناع ، اسم المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي ، عدد الأجزاء : 6 ، دار النشر : دار الفكر ، مدينة النشر: بيروت ، سنة النشر: 1402هـ ، تحقيق : هلا مصيلحي مصطفى هلال .
4. الكافي في فقه ابن حنبل ، اسم المؤلف : لعبد الله بن قدامة المقدسي أبو محمد ، عدد الأجزاء : 4 ، دار النشر : المكتب الإسلامي ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1408هـ- 1988م ، رقم الطبعة : الخامسة ، تحقيق : زهير الشاويش .
5. مجموع الفتاوى ، اسم المؤلف : لأحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس ، ولادته : 661هـ،وفاته :728م ، دار النشر: مكتبة بن تيمية ، رقم الطبعة : الثانية ، تحقيق : عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي .(1/10)
6. المغني ، اسم المؤلف : عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد ، ولادته : 541هـ،وفاته:620 م ، عدد الأجزاء : 10 ، دار النشر : دار الفكر ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1405هـ ، رقم الطبعة : الأولى .
7. المبدع ، اسم المؤلف : لإبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي أبو إسحاق ، ولادته : 816هـ ، وفاته : 884هـ ، دار النشر : المكتب الإسلامي ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر:1400هـ .
8. منار السبيل في شرح الدليل ، اسم المؤلف : إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان ، ولادة المؤلف : 1275هـ ، وفاة المؤلف : 1353هـ ، دار النشر : مكتبة المعارف ، مدينة النشر : الرياض ، سنة النشر : 1405هـ ، رقم الطبعة : الثانية ، عدد الأجزاء : 2 ، اسم المحقق : عصام القلعجي .
خامسا: الفقه الظاهري:
1. معجم فقه ابن حزم الظاهري ، اسم المؤلف : لجنة موسوعة الفقه الإسلامي ، دار النشر : دار الفكر ، مدينة النشر : بيروت .
سادسا : فقه الإمامية :
1. الخلاف ، اسم المؤلف : أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، سنة الوفاة : 460هـ ، دار الطبع : مؤسسة النشر الإسلامي ، دار النشر : مؤسسة النشر الإسلامي ، مدينة النشر : قم ، عدد المجلدات : 6 ، رقم الطبعة : الأولى ، سنة الطبع : 1417هـ ، تحقيق : سيد علي الخراساني وسيد جواد شهرستاني وشيخ محمد مهدي نجف .
2. قواعد الأحكام ، اسم المؤلف : العلامة الحلي ، سنة الوفاة : 726هـ ، تحقيق : مؤسسة النشر الإسلامي ، رقم الطبعة : الأولى : 1413هـ ، عدد المجلدات : 3 ، اسم النااشر : مؤسسة النشر الإسلامي – قم .
3. المختصر النافع ، اسم المؤلف :للشيخ أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي ، سنة الوفاة : 676هـ ، عدد المجلدات : 1 ، اسم المحقق : بإشراف الشيخ القمي ، الناشر : مؤسسة البعثة – طهران : 1410هـ ، طبعة : دار التقريب – قاهرة .
سابعا- الفقه الزيدي :(1/11)
1. شرح الأزهار ، اسم المؤلف : أحمد المرتضى ، سنة الوفاة : 840هـ ، عدد المجلدات : 4 ، دار النشر : غمضان ، مدينة النشر : صنعاء ، سنة النشر : 1400هـ .
ثامنا- المتفرقة:
1. إعلام الموقعين ، اسم المؤلف : محمد بن أبي بكر بن أيوب الدمشقي أبو عبد الله ، ولادته : 691هـ - 751هـ ، عدد الأجزاء : 4 ، دار النشر : دار الجيل ، مدينة النشر: بيروت ، سنة النشر : 1973م ، تحقيق : طه عبد الرءوف سعد .
2. أحكام الأسرة في الفقه الإسلامي [فقه المواريث] ، اسم المؤلف : نظام الدين عبد الحميد ، دار النشر : مطبعة جامعة بغداد ، مدينة النشر : بغداد ، سنة النشر : 1406هـ - 1986م ، رقم الطبعة : الأولى .
3. أحكام الأسرة في الفقه الإسلامي [أحكام النكاح] ، اسم المؤلف : نظام الدين عبد الحميد ، دار الطبع : مطبعة جامعة بغداد ، بغداد - العراق ، رقم الطبعة : الأولى - 1986م .
4. أحكام الفقه الإسلامي[أحكام الوصية]، اسم المؤلف : د. عبد الستار حامد ، دار الطبع : مطبعة جامعة بغداد ، مدينة الطبع : بغداد – العراق ، سنة الطبع : 1406هـ - 1986م .
5. أحكام الأسرة في الفقه الإسلامي [أحكام الوصية] ، اسم المؤلف : د. عبد الستار حامد ، دار الطبع : مطبعة جامعة بغداد ، مدينة الطبع : بغداد- العراق ، رقم الطبعة : الأولى .
6. تخريج الفروع على الأصول ، اسم المؤلف : محمود بن أحمد الزنجاني أبو المناقب ، وفاته : 656هـ ، عدد الأجزاء : 1 ، دار النشر : مؤسسة الرسالة ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1398هـ ، رقم الطبعة : الثانية ، تحقيق : د.محمد أديب صالح .
7. الحدود الأنيقة ، اسم المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري أبو يحيى ، ولادته : 824هـ - 926هـ ، عدد الأجزاء : 1، دار النشر : دار الفكر المعاصر ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1411هـ ، رقم الطبعة : الأولى ، تحقيق : د. مازن المبارك .(1/12)
8. الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي ، اسم المؤلف : محمد أبو زهرة ، دار النشر : دار الفكر العربي ، مدينة النشر : القاهرة .
9. سبل السلام ، اسم المؤلف : محمد بن إسماعيل الصنعاني الأمير ، ولادته : 773هـ ، وفاته : 852هـ ، عدد الأجزاء: 4 ،دار النشر : دار إحياء التراث العربي ، مدينة النشر :بيروت،سنة النشر : 1379هـ ، رقم الطبعة : 4 ، تحقيق : محمد عبد العزيز الخولي .
10. سقوط العقوبات في الفقه الإسلامي ، اسم المؤلف : د.جبر محمود الفضيلات ، دار النشر: دار عمار للطباعة والنشر ، مدينة النشر : الأردن ، سنة النشر : 1408هـ -1987م ، رقم الطبعة : الأولى .
11. عمدة الأحكام ، اسم المؤلف : لتقي الدين أبو الفتح ابن دقيق العيد ، وفاته :702هـ ، عدد الأجزاء : 4 ، دار النشر : دار الكتب العلمية ، مدينة النشر : بيروت .
12. فقه الزكاة ، اسم المؤلف : د. يوسف القرضاوي ، دار النشر : مؤسسة الرسالة ، سنة النشر : 1397هـ - 1977م ، رقم الطبعة : الثالثة .
13. الفقه المقارن ، اسم المؤلف : محمد إبراهيم ، دار النشر : مطبعة معهد الثقافة العالمية ، مدينة النشر : بغداد – العراق .
14. القاموس الفقهي ، اسم المؤلف : د. سعدي أبو حبيب ، سنة الوفاة : معاصر ، عدد الأجزاء : 1 ، دار النشر : دار الفكر ، مدينة النشر : دمشق ، سنة النشر : 1408هـ ، رقم الطبعة : الثانية .
15. كتاب الوقف ، اسم المؤلف : الشيخ عبد الجليل عبد الرحمن عشوب – القاضي بمحكمة مصر الشرعية - ، دار الطبع : مطبعة الرجاء ، مصر : 1354هـ - 1935م .
16. موسوعة جمال عبد الناصر في الفقه الإسلامي ، اسم المؤلف : يصدرها المجلس العلى للشئون الإسلامية ، مدينة النشر : القاهرة ، سنة النشر :1390هـ .
17. الموسوعة الفقهية : وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية ، رقم الطبعة : الثانية ، دار النشر : دار ذات السلاسل ، مدينة النشر : الكويت ، سنة النشر : 1404هـ - 1983م .(1/13)
18. معجم لغة الفقهاء ، اسم المؤلف : محمد قلعجي – معاصر - ، عدد المجلدات : 1 .
19. نيل الأوطار ، اسم المؤلف : محمد بن علي بن محمد الشوكاني ، وفاته : 255هـ ، عدد الأجزاء :9 ، دار النشر : دار الجيل ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1973م .
أصول الفقه
1. أصول السرخسي ، اسم المؤلف : أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهيل السرخسي ، سنة الوفاة : 490هـ ، دار الطبع : دار الكتب العلمية - بيروت ، اسم الناشر : لجنة إحياء المعارف ، مدينة النشر : حيدر آباد الدكن بالهند ، رقم الطبعة : الأولى - 1414هـ ، عدد المجلدات : 2 ، اسم المحقق : أبو الوفاء الأفغاني .
2. الإحكام في أصول الأحكام ، اسم المؤلف : علي بن محمد الآمدي أبو الحسن ، ولادة المؤلف : 551هـ ، وفاة المؤلف : 631 ، دار النشر : دار الكتاب العربي ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1404هـ ، رقم الطبعة : الأولى ، عدد الأجزاء : 4 ، اسم المحقق : د. سيد الجميلي .
3. إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول ، اسم المؤلف : محمد بن علي بن محمد الشوكاني ، ولادة المؤلف : 1173هـ ، وفاة المؤلف : 1250هـ ، دار النشر : دار الفكر ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1412هـ - 1992هـ ، رقم الطبعة : الأولى ، عدد الأجزاء : 1 ، اسم المحقق : محمد سعيد البدري .
4. روضة الناظر وجنة المناظر ، اسم المؤلف : عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد ، ولادة المؤلف : 541هـ ، وفاة المؤلف : 620هـ ، دار النشر : جامعة الإمام محمد بن سعود ، مدينة النشر : الرياض ، سنة النشر : 1399هـ ، رقم الطبعة : الثانية ، عدد الأجزاء : 1 ، اسم المحقق : د. عبد العزيز عبد الرحمن السعيد .
5. الرسالة ، اسم المؤلف : محمد بن إدريس أبو عبد الله الشافعي ، ولادة المؤلف : 150هـ ، وفاة المؤلف : 204هـ ، مدينة النشر : القاهرة ، سنة النشر : 1358هـ - 1939م ، عدد الأجزاء : 1 ، اسم المحقق : أحمد محمد شاكر .(1/14)
6. الفصول في الأصول ، اسم المؤلف : أحمد بن علي الرازي الجصاص ، سنة الوفاة : 370هـ ، رقم الطبعة : الأولى 1405هـ ، عدد المجلدات : 4 ، تحقيق : د. عجيل جاسم النشمي .
7. المحصول في علم أصول الفقه ، اسم المؤلف : فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي ، سنة الوفاة : 606هـ ، عدد المجلدات : 6 ، دار النشر و الطبع : مؤسسة الرسالة ، مدينة النشر : بيروت ، رقم الطبعة : الثانية 1412هـ ، تحقيق : د. طه جابر فياض العلواني .
8. المستصفى في علم الأصول ، اسم المؤلف : أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي ، سنة الوفاة : 505هـ ، دار الطبع : دار الكتب العلمية : 1417هـ ، دار النشر : دار الكتب العلمية ، مدينة النشر : بيروت .
9. الوجيز في أصول الفقه ، اسم المؤلف : د.وهبة الزحيلي ، دار النشر : نشر إحسان بإذن من دار الفكر، مهارت – طهران ، سنة النشر : 1381هـ ، رقم الطبعة : الثانية .
10. الوجيز في أصول الفقه ، اسم المؤلف : د. عبد الكريم زيدان ، دار الطبع : مطبعة العاني - بغداد ، رقم الطبعة : الرابعة ، سنة الطبع : 1390هـ - 1970م .
11. محاضرات في أصول الفقه على مذاهب أهل السنة والإمامية ، اسم المؤلف : بدر المتولي عبد الباسط ، دار الطبع : مطبعة دار المعرفة - بغداد ، رقم الطبعة : الأولى ، سنة الطبع : 1375هـ - 1956م ، عدد الأجزاء : 2 .
مصادر اللغة
1. تاج العروس من جواهر القاموس ، اسم المؤلف : محمد مرتضى الزبيدي ، سنة الوفاة : 1205هـ ، دار النشر : مكتبة الحياة ، مدينة النشر : بيروت ، عدد الأجزاء : 10 .
2. شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ، اسم المؤلف : لعبد الله بهاء الدين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عقيل القرشي الهاشمي ، دار النشر : مكتبة دار التراث ، مدينة النشر : القاهرة ، عدد الأجزاء : 2 .(1/15)
3. القاموس المحيط ، اسم المؤلف : الشيخ نصر الهويني – الفيروز آبادي - ، سنة الوفاة : 817هـ ، عدد االمجلدات : 4 .
4. القاموس الوسيط ، اسم المؤلف : لمجموعة من الباحثين – إصدار مجمع اللغة العربية في القاهرة ، دار النشر : دار المعارف ، مدينة النشر : مصر ، سنة النشر : 1973م .
5. معجم متن اللغة [موسوعة لغوية حديثة] ، تأليف : العلامة اللغوي الشيخ أحمد رضا – عضو المجمع العلمي العربي بدمشق ، دار النشر : دار مكتبة الحياة ، مدينة النشر : بيروت ، سنة النشر : 1377هـ - 1958م .
6. مختار الصحاح ، اسم المؤلف : محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، سنة الوفاة : 721هـ ، دار النشر : دار الكتب العلمية ، مدينة النشر : بيروت ، رقم الطبعة : الأولى ، سنة النشر : 1415هـ - 1994م ، الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت ، اسم المحقق : أحمد شمس الدين ، عدد الأجزاء : 1 .
7. معجم المصطلحات النحوية والصرفية ، اسم المؤلف : د.محمد سمير نجيب اللبدي ، دار النشر : مؤسسة الرسالة - بيروت ، و دار النشر- عمان ، الأردن ، رقم الطبعة : الثانية ، سنة النشر : 1406هـ - 1986م .
8. مجمع البحرين ، اسم المؤلف : الشيخ فخر الدين الطريحي ، سنة الوفاة : 1085هـ ، دار النشر : مكتب نشر الثقافة الإسلامية ، رقم الطبعة : الثانية : 1408هـ ، عدد المجلدات : 4 ، اسم المحقق : السيد أحمد الحسيني .
9. لسان العرب ، اسم المؤلف : أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري ، سنة الوفاة : 711هـ ، دار النشر : دار إحياء التراث العربي ، رقم الطبعة : الأولى ، سنة النشر : 1405هـ ، عدد الأجزاء : 15 .
مصادر القانون والاقتصاد والفلسفة
أولا - القانون :(1/16)
1. الأحكام العامة في قانون العقوبات[شرح على متن النصوص الجزائية] ، اسم المؤلف : المحامي محسن ناجي ، دار النشر : مطبعة العاني ، مدينة النشر : العراق – بغداد ، سنة النشر : 1974م ، رقم الطبعة : الطبعة الأولى .
2. المعجم العلمي للمصطلحات القانونية والتجارية والمالية ، تأليف : يوسف شلالة ، دار النشر : نهضة لبنان للطبع والنشر ، مدينة النشر : بيروت – لبنان .
3. المعجم القانوني ، اسم المؤلف : حارث سليمان الفاروقي [معاصر] ، دار النشر : مكتبة لبنان ، مدينة النشر : بيروت ، رقم الطبعة : الثانية 1410هـ .
ثانيا - الفلسفة :
1. المعجم الفلسفي ، تأليف : يوسف كرم ، د.مراد وهبة ، يوسف شلالة ، دار النشر : مطابع كوستاتسوماس وشركاه ، 5شارع وقف الخربوطي بالظاهر .
ثالثا- الاقتصاد :
1. الأسعار وتخصيص الموارد في الإسلام ، اسم المؤلف : د.عبد الجبار حمد عبيد السبهاني ، دار النشر: دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث ، مدينة النشر: الإمارات العربية المتحدة _ دبي ، سنة النشر : 1426هـ - 2005م ، رقم الطبعة : الأولى .
البحوث والمقالات
1. الأسواق المالية [البورصات] من المنظور الشرعي والقانوني . وهو ملخص بحث مقدم من قبل د.محمد محروس المدرس .(1/17)