الاحتمال وأثره على الاستدلال
عبد الجليل زهير ضمرة
الملخص
يهدف هذا البحث إلى تحديد مفهوم الاحتمال وأنواعه والمقصد الشرعي من وروده على الدلائل الشرعية، ومن ثم تحديد أثر ورود الاحتمال في سياق الاستدلال على المسائل الفرعية والأصولية سواء كان الدليل قطعي الدلالة أو ظنّياً، مع بيان الاتجاهات الأصولية في هذه المسألة.
ولقد اعتمد الباحث لتحقيق هذا الغرض على المنهج الاستقرائي لمذاهب الأصوليين في هذه المسألة ثم تحليلها لاستنباط المعايير المعتمدة إثْر ورود الاحتمال على الاستدلال بالدلائل الشرعية.
ولقد انتهى الباحث إلى عدم الاعتداد بالاحتمالات العقلية الواردة على ظاهر الدلالة المستفادة بالوضع اللغوي أو العرف الشرعي، كما قرر أن مجرد ورود الاحتمال لا يؤثر على صحة الاستدلال بالدليل الشرعي.
Abstract
This study is aimed at identifying the concept and types of probability in order to clarify the religious intentions concerning the appearance of this concept as religious evidence.
The research is also aimed at specifying the effect of this concept in the deduction of primary and secondary matters whether the proof concerned is solid or embedded and to show fundamental opinions in this regard. The author adopted and analyzed the deductive approach of the fundamentalists doctrines concerning this issue in order to deduce the adopted criteria concerning the effect of probability when is comes to the deduction of religious proofs.
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
وبعد،،(1/1)
فإن المباحث اللفظية في الدراسات الأصولية تشكل المساحة الأوسع فيها؛ لما تضطلع به من أهمية كبرى في تحديد وضبط سبل اقتفاء المعاني من الألفاظ الواردة في الخطاب الشرعي، بحيث تتضح المرادات والمقاصد الشرعية في الأحكام لدى الفقهاء، فيتم اقتفاؤها والسير على نهجها في البعدين التنظري والتطبيقي.
غير أن هذه الألفاظ في دلالتها على المعاني قابلة لورود الاحتمالات(1)، فاللفظ الواحد قد يدل على عدة معانٍ فيها تغاير بل تنافر ظاهري أحياناً.
ومن هنا تبرز ضرورة البحث في الاحتمالات، وفي الأسس المعتمدة في حمل دلالة اللفظ على الراجح منها؛ وتزداد الحاجة إلى البحث في الاحتمالات الواردة على دلالة الألفاظ إذا عُلِم أن الخطاب الشرعي لم يجر في مخاطبة العباد بألفاظٍ ينقطع معها طروء الاحتمال في الجملة، مما يجعل البحث في الاحتمالات الواردة على الألفاظ تشكل الأساس المعرفي في دلالة الألفاظ الشرعية على الأحكام هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فلم يتناهى إلى علمي وجود أبحاث متكاملة عُنيت برصد هذا الموضوع وبيان أقوال الأصوليين فيه ودراسة مناهجهم تجاهه، لا سيما أن كلام المتقدمين فيه لم يعدُ الإشارة والتلويح في سانح المقام.
ولتحقيق هذا الغرض فقد قسمت هذا البحث إلى مبحثين:
المبحث الأول الاحتمال تعريفه، أنواعه، حكمة وروده على الدلائل الشرعية، وفيه ثلاثة مطالب.
المطلب الأول: تعريف الاحتمال والاستدلال لغة واصطلاحاً.
المطلب الثاني: أنواع الاحتمال.
المطلب الثالث: المقصد الشرعي من ورود الاحتمال على الدلائل الشرعية.
المبحث الثاني: مذاهب الأصوليين في أثر ورود الاحتمال على مسالك الاستدلال.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: أثر ورود الاحتمال على الاستدلال بظاهر المقال.
المطلب الثاني: أثر ورود الاحتمال على دلالة المفهوم .
المطلب الثالث: بناء الاستدلال على مجرد الاحتمال.
المطلب الرابع: أثر ورود الاحتمال على رفع دلالة المحكم (النص).(1/2)
المبحث الأول
الاحتمال تعريفه، أنواعه، حكمة وروده على الدلائل الشرعية
المطلب الأول: تعريف الاحتمال والاستدلال
أولاً: تعريف الاحتمال:
تعريف الاحتمال لغةً:
الاحتمال مصدره احتمل، ويُطلق ويراد به الارتحال والتحول من موطن إلى آخر، يقال: احتمل القوم أي ارتحلوا(2)، كما يطلق ويراد به الجواز والإمكان الذهني، يقال: احتمل الأمر أن يكون كذا، أي جاز(3)، كما يطلق ويراد به الغضب، يقال: غضب فلان حتى احتُمل وأُقِل(4)، ويطلق ويراد به حمل ما يشق على حامله ويثقله، يقال حمَّلْتُ عليه فاحتمله(5).
وقد استعمل القرآن الكريم لفظ الاحتمال غير مرة على معنى حمل ما عظُم من المأثم، للدلالة على عظم الجناية وقبحها(6). قال تعالى: "ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بُهتاناً وإثماً مبيناً" (النساء 112). ويطلق ويراد به العفو عن المخطئ والإغضاء عليه، يقال: احتمل ما كان منه، أي أغضى عليه وعفا عنه(7).
تعريف الاحتمال اصطلاحاً:
على طول بحثي وتنقيبي عن تعريف اصطلاحي للاحتمال لم أحفل بغير ما خطّه الجرجاني في تعريفاته، واعتمده من بعده أصلاً في تعريف الاحتمال.
يقول الجرجاني: "ما لا يكون تصور طرفيه كافياً بل يتردد الذهن في النسبة بينهما، ويراد به الإمكان الذهني"(8).
وتابعه على هذا التعريف عدد من المعاصرين ممن عُنُوا بمعاجم فقهية أو فلسفية(9). والملحوظ في كلام الجرجاني أنه حاول أن يحد الاحتمال بطريقتين(10):
الأولى: الحد بالرسم، وتكون بتتبع اللوازم العَرَضِّية في ماهية الشيء المحدود؛ وهذا حيث يقول: "ما لا يكون تصور طرفيه كافياً بل يتردد الذهن في النسبة بينهما".
الثانية: الحد بالفظ، وتكون بذكر لفظة مرادفة للكلمة المراد حدّها وبيان معناها، وهذا حيث يقول "ويراد به الإمكان الذهني".
أما بالنسبة للطريقة الأولى فعليها بعض الملحوظات، أهمها:(1/3)
أولاً: إن هذا التعريف يتوجه إلى تحديد حقيقة الشيء الذي يرد عليه احتمالان طرفان فيه يتشكل بهما مفهوم هذا المعرَّف في الذهن، غير أن صورة هذا الشيء ذهنياً لا تتم إلا بفرض تردد الذهن في النسبة بينهما(1(1).
والملاحظ أن هذا التعريف ليس تعريفاً للاحتمال ذاته بل للشيء القابل لأن يرد عليه الاحتمال، وهما متغايران ذاتاً وحقيقةً.
ثانياً: إن هذا التعريف مع أنه قد نأى عن حقيقة المعرّف فهو كذلك يفرض أن الاحتمال الذي يرد على الشيء ينحصر في طرفين اثنين فقط يتردد الذهن في النسبة بينهما، وهذا غير دقيق؛ إذ الاحتمالات المعنوية قد تتعدد في ورودها على الدلالة اللفظية بأكثر من احتمالين، ثم إن هذا التعريف غير جامع؛ لأنه يقصر الاحتمالات على تلك التي يتردد الذهن فيما بينها في دلالة اللفظ، وهذه الحالة على خلاص الأصل – كما في المشترك - ؛ لأن الأصل أن يكون أحد الاحتمالات راجحاً في الدلالة اللفظية وغيرها مرجوحاً بما ينتفي معه تردد الذهن في النسبة فيما بين الاحتمالات؛ وعليه فلا يظهر لي وجه الاعتداد بهذا التعريف.
أما بالنسبة للطريقة الثانية في التعريف – وهي الحد باللفظ – والذي عرِّف فيها الاحتمال بأنه: الإمكان الذهني، فلا يحسن الاعتماد عليها في بيان معاني الاصطلاحات الصناعية الفنية استقلالاً؛ لأن ببيان هذه المعايير أو اللوازم؛ ولهذا فقد شفع الجرجاني الحد بالرسم مع الحد باللفظ.
وإذا أردت تعريف الاحتمال، فيمكنني تعريفه باعتبارين:
الأول: باعتبار معنى المصدر. الثاني: باعتبار معنى اسم المفعول
أ. تعريف الاحتمال باعتبار معنى المصدر:
قبول الدلالة اللفظية بورود ممكن معنوي مقابل بمثله أو أمثاله يتردد الذهن فيما بينها عند عدم دليل الترجيح.
ب. تعريف الاحتمال باعتبار معنى اسم المفعول:
__________
(1) مثاله المشترك الدال على معنيين على سبيل الحقيقة فيهما، إذ يتردد الذهن في النسبة بينهما.(1/4)
الممكن المقابل بمثله أو أمثاله والذي يتردد الذهن فيما بينها عند عدم دليل الترجيح.
وسأكتفي بشرح التعريف الأول لتضمنه القيود الواردة في التعريف الثاني.
قوله (قبول الدلالة اللفظية): القبول جنس في التعريف، وهو ضد الامتناع، ومتعلق القبول الدلالة اللفظية، وهو قيد في التعريف يخرج به القبول في غير الدلالة اللفظية.
قوله (بورود ممكن معنوي): يقصد بالممكن المعنوي ما يُراد أن يقصد بالدلالة اللفظية من معانٍ، والإمكان في الدلالة اللفظية إما وضعاً – أي باعتبار ما تواضع عليه أهل اللغة – أو شرعاً أو عقلاً.
قوله (مقابل بمثله أو أمثاله) : قيد في التعريف يظهر به خصيصة الاحتمال بمقالته بالمثل أو الأمثال، والمماثلة هنا بإمكان الورود في الدلالة اللفظية في الجملة لا في درجة الدلالة معنوياً، ويخرج به ما تعيّن بعدم مقابلة المثيل في الدلالة كالقطعي.
قوله (يتردد الذهن فيما بينها عند عدم دليل الترجيح): هذه خصيصة أخرى للاحتمال، إذ الذهن يتردد فيما بينها إن عُدِم دليل الترجيح، وإلا كان منها الراجح في الدلالة اللفظية ومنها المرجوح.
ثانياً: تعريف الاستدلال
تعريف الاستدلال لغةً:
الاستدلال على وزن استفعال، وهذه الصيغة تطلق في اللغة على معنى طلب الفعل؛ لذا فالاستدلال يأتي على معنى طلب الدليل، والدليل في اللغة هو المرشد إلى الشيء والهادي إليه(11).
تعريف الاستدلال اصطلاحاً:
يقول الباقلاني: "فأما الاستدلال فقد يقع على النظر في الدليل، والتأمل المطلوب به العلم بحقيقة المنظور فيه وقد يقع أيضاً على المسألة عن الدليل والمطالبة به"(12).
ويقول ابن عقيل "الاستدلال: الطلب للدلالة على المعنى، ولا يخلو الاستدلال من أن يستخرج به المعنى أو يعلم به الحق في المعنى"(13).
ويعرف الطوفي بقوله: "ما أمكن التوصل به إلى معرفة الحكم"(14).
وبناءً على التعريفات المتقدمة أخلص إلى الاستدلال هو: طلب دلالة الدليل على معنى أو حكم.(1/5)
المطلب الثاني: أنواع الاحتمالات
إذا أردنا النظر إلى الاحتمالات المستفادة بالألفاظ باعتبارها عماد مادة الدلائل والاستدلالات الشرعية نجد أن الاحتمالات ممكنات معنوية أثارها اللفظ في الدلالة ليستفاد منه إذ ذاك معنى راجح متعين. لكنه لا بد من التنبه إلى أن الاحتمالات إنما تُستثار باللفظ عن طريق أسباب لإثارتها يتصل بها اللفظ ابتداءً فتحصل دلالته على الاحتمالات من خلالها، وهذه الأسباب المثيرة للاحتمالات تتنوع بحسب موضوعاتها؛ وهي على النحو التالي(1):
1. احتمالات وضعية.
2. احتمالات شرعية.
3. احتمالات عقلية.
النوع الأول: الاحتمالات الوضعية
إن من أبرز الأسباب الداعية لإثارة الاحتمالات الواردة في دلالة اللفظ المعين هو الوضع اللغوي، ذلك أنه القانون المهيمن على ضبط علاقات الألفاظ بالمعاني من جهة الدلالة والبيان. وما دام أن الخطاب الشرعي قد توسل اللغة العربية للدلالة على الأحكام الشرعية فقد كان لأوضاع هذه اللغة وأساليبها الصلة الوثقى في الاضطلاع بمرامي خطاب الشرع والكشف عن غاياته ومقاصده؛ لذا كان الإحاطة بأوضاع لغة العرب وسبل دلالتها على المعاني أمراً محقق الوجوب شرعاً(15).
ومما ينبغي معرفته وتقريره أن لغة العرب من أعظم اللغات تأهلاً للبيان وأنصعها إبانة عن مكنون الجنان بأوسع الألفاظ وألطفها.
والملاحظ أن ورود الاحتمال على اللفظ بمقتضى وضع اللغة له مظهران(16):
الأول: ورود الاحتمال على اللفظ في حال الإفراد.
الثاني: ورود الاحتمال على اللفظ في حال التركيب.
أولاً: ورود الاحتمال على اللفظ في حال الأفراد
__________
(1) أسباب الاحتمالات الخارجية – غير اللفظية – لا تكاد تنحصر، لذا نص الأصوليون على أن القرائن الحالية لا يمكن تجنيسها في أجناس محدودة، أنظر الجويني: البرهان 1/185 – 186، الغزالي : المستصفى 2/41 ، 1/3441.(1/6)
إن من أكثر مظاهر ورود الاحتمال على اللفظ في حال الإفراد قبل أن يتكامل مع غيره في تكوين جملة مفيدة لمعنى تام هو الاشتراك، فالمشترك لفظ موضوع في اللغة للدلالة على معنيين أو أكثر على جهة الحقيقة، ويحصل حمل اللفظ على أحد معانيه بالقرينة المرجحة(17).
مثال قول الله تعالى: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" (البقرة: 228) فلفظ القرء الوارد في الآية موضوع في اللغة للدلالة على معنيين هما: الطهر والحيض، وهما احتمالان معنويان استفيدا بدلالة اللفظ بلا مزية لأحدهما على الآخر على فرض عدم دليل الترجيح.
ثانياً: ورود الاحتمال على اللفظ في حالة التركيب
ومعنى التركيب في هذا المقام هو اجتماع الألفاظ بعضها مع بعض في تكوين جملة تامة أو جمل، ويشار هنا إلى أن ورود الاحتمالات في هذه الحالة – بمقتضى وضع اللغوي – واسع الانتشار بل قد تكون صوره فائقة عن الحد.
ومن أمثلته قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ذكاة الجنين ذكاة أمه"(18).
فهذا الحديث قد ورد بروايتين: الأولى بالضم في لفظة الذكاة والثانية بالفتح، وكلاهما ذو وجه صحيح في وضع اللغة، فعلى رواية الضم يستفاد حِلُّ أكل الجنين في بطن البهيمة المذكاة بغير تذكية، لأن تذكية أمة تقوم مقام تذكيته إذ التابع تابع، وعلى رواية الفتح يستفاد وجوب تذكية الجنين كي يحل أكله، فيكون المعنى: ذكوُّا الجنين كما تذكى أمه، من باب المصدر الذي ينوب عن فعله(19).
النوع الثاني: الاحتمالات الشرعية(1/7)
إن من جملة أسباب إثارة الاحتمالات في دلالة اللفظة أو النص على المعاني ما يرجع إلى طبيعة الخطاب الشرعي ذاته أو محتفاته – مع تحييد عامل الوضع اللغوي – إذ قبول ورود الاحتمال في دلالة الألفاظ في الخطاب الشرعي غير مستغرب ولا مستبعد؛ لذا يعتبر الأصوليون أن دلالة الألفاظ على المعاني الشرعية يكتفى فيها بغلبة الظن من غير اشتراط قطع كل احتمال ممكن الورود على الدلالة اللفظية ليصح الاعتداد بها(20).
ويمكنني في هذا المقام الإشارة إلى عاملين يظهر بهما إثارة الاحتمالات المعنوية في الدلائل الشرعية:
الأول: التعارض الظاهري بين دلائل الشرع
إن التعارض الظاهري بين النصوص في نظر المجتهدين يورث احتمالات ثلاثة: إما الجمع بين الدليلين المتعارضين بالتخصيص والتقييد ونحوه، وإما الترجيح لأحد الدليلين على الآخر، وإما النسخ بأحد الدليلين للآخر.
مثاله: ما روي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط ولكن شرَّقوا أو غرّبوا"(21).
وما روي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: ارتقيت فوق ظهر بيت حفصة لبعض حاجتي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته – مستدبر القبلة مستقبل الشام"(22).
الذي يظهر في مبتدأ النظر أن الحديثين متعارضان، فحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه دال على حرمة استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة، وحديث ابن عمر رضي الله عنه دال على جواز ذلك.
ولقد توجه الفقهاء في دفع هذا التعارض الظاهري إلى وجهات ثلاثة:(1/8)
الأولى: الجمع بين الدليلين بحمل العام على الخاص وتفسيره به، فحديث أبي أيوب الأنصار عام في البنيان والعمران أو المفاوز والصحاري الخالية، وحديث ابن عمر خاص في حالة البنيان فيحمل العام على الخاص فيتخصص عموم النهي في غير حالة البنيان، ويتأكد هذا الاحتمال بما روي عن ابن عمر نفسه أنه قال: "إنما نهى عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس به"(23). وإلى مثل هذا المذهب ذهب الشافعية والحنابلة في إحدى الروايتين عن الإمام أحمد(24).
الثانية: الترجيح بين الدليلين بتقديم حديث النهي على الجواز فيصار إلى تعميم الحرمة في استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة مطلقاً؛ وذلك لأن الحديثين متعارضان ولا يعلم المتأخر من المتقدم فيرجح الحاظر على المبيح عملاً بالأحواط، وإلى هذا ذهب الحنفية(25).
الثالثة: النسخ، وذلك بناءً على ثبوت التعارض بين الحديثين، وقد ظهر أن مشروعية استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة جاءت متأخرة عن التحريم، فيكون المتأخر ناسخاً للمتقدم، ويستدلون على هذا بما روي عن جابر بن عبدالله أنه قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها"(26)، وإلى هذا ذهب داود الظاهري(27).
الثاني: تعليل النص
إن التعليل منهج شرعي مطرد في خطاب الشارع يظهر به وحدة المنطق التشريعي في تفاريع الأحكام، غير أن هذا المنهج يثير احتمالات معنوية تضاف إلى الدلالة اللفظية التي تستفاد بالنص.
مثاله: ما روي عن أبي أوفى رضي الله عنه قال: "أصابتنا مجاعة يوم خيبر، فإن القدور لتغلي – قال: وبعضنا نضجت – فجاء منادي النبي صلى الله عليه وسلم: لا تأكلوا من لحوم الحُمُر شيئاً وأهريقوها. قال ابن أبي أوفى: فتحدثنا أنه نهى لأنها لم تخمس، وقال بعضهم: نهى عنها البتة؛ لأنها كانت تأكل العذرة"(28).(1/9)
وعن أبي عباس رضي الله عنهما قال: "لا أدري أنهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم أو حرّم في يوم خيبر لحم الحُمُر الأهلية"(29).
الأصل أن النهي المتوجه إلى العين يجري تعليله بمعنى راجع إلى ذات المنهي عنه لا إلى عارضٍ إضافي، لكن قد يقترن بالنهي ظروف تثير احتمال تعليله بعوارض إضافية بحيث ينصرف النهي عن ذات العين المنهي عنها، فالصحابي ابن أبي أوفى نقل احتمالات تعليلية عائدة إلى عوارض إضافية اقترنت بواقعة النهي فثارت الاحتمالات بين تعليل النهي بمعنى عائد إلى ذات المنهي عنه أو إلى بعض الأحوال التي قارنت خطاب الشارع بالنهي، كأن تكون هذه اللحوم ورد عليها النهي لأن حقها التخميس وهي لم تخمس بعدُ فالانتفاع بها محرم، أو لعلها كانت جلاّلة تعتاش على الأرواث، أو لعلها – كما قال ابن عباس – كانت حمولة الناس وطلبها للطُُعم يفضي إلى فنائها ووقوع الناس بالحرج لانقطاع وسيلة هامة للنقل في ذلك الأوان.
النوع الثالث: الاحتمالات العقلية
العقل آلة الإدراك الإنساني يفرق بين حقائق المعلومات من خلال موازين فطرية، وقوانين يحصل بها الاستدلال على المدلولات عن دلائلها في بدائه المعارف الإنسانية(30). وما دام أن بحثنا دائر حول الاحتمالات المعنوية المستفادة باللفظ فالملاحظ أنه لا مدخل للعقل في ضبط علاقة اللفظ بالمعاني المدلولة به، لأنها في الأصل علائق وضعية – لغوية أو شرعية -، وعليه فقد قرر الأصوليون(1) أن "العقول لا يُتوصل بها إلى مجاري اللغات وتخصيص الأسامي بالمسميات"(31).
__________
(1) الأصوليون مطبقون على أن العقل لا مدخل له في الدلالة اللفظية إلا ما حكاه الإسنوي عن القيرواني في المستوعب مُغرباً عن طريقة الأصوليين حيث سار في إثبات دلالة الأمر على الوجوب بالأدلة العقلية. راجع الإسنوي: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول 267.(1/10)
وعندها يقال: ما دام أن العقل لا مدخل له في إفادة الألفاظ للمعاني، فكيف يعد الاحتمال العقلي من جملة الاحتمالات الواردة في الدلالة اللفظية على المعاني؟ يجاب عنه بأنه قد ظهر أن من طبيعة الوضع اللغوي والشرعي قبول جنس الاحتمالات في إفادة المعاني من الألفاظ، وأن اشتراط القطع في خطاب الشرع المعتمد عليهما في الدلالة غير لازم. وعندها يكون اللفظ في دلالته قابلاً لورود الاحتمالات بمقتضى الوضع اللغوي والشرعي، وهذه الاحتمالات المعنوية الواردة على قسمين: إما أن تكون ظاهرة في معنى اللفظ أو قريبة من الظهور أو لا، فإن كانت خفية غير ظاهرة، ولا تخطر بالبال إلا بالإخطار، فيكون تقدير ورودها على اللفظ على باب التجويز العقلي والطرح الذهني، وهذا هو المعنيّ بـ "الاحتمالات العقلية".
ومن أمثلة ورود الاحتمال العقلي على الدلالة اللفظية: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما إمرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل"(32). يدل الحديث بظاهر الدلالة اللغوية على اشتراط الولي في تزويج النساء، إذ إن لفظة "امرأة" نكرة وردت في سياق الشرط فتعم كل امرأة.
وقد يعارض هذا الاستدلال بورود احتمالات منها(33):(1/11)
إن الحديث وإن خرج مخرج العموم فيحتمل أنه خرج جواباً لسؤال أو في واقعة حال أو في مقام حلّ إعضال، والتسليم بإجراء العموم على وجهه في هذه الأحوال كلها غير مسلّم. كما أن القول باشتراط الولي في تزوي النساء عملاً بهذا الحديث غير لازم؛ لاحتمال أن النبي صلى الله عليه وسلم عنى بقوله "امرأة" الصغيرة التي لا تلي أمر نفسها لا كل امرأة، أو لعله عنى به المرأة المملوكة، فيكون الحديث نصاً في اشتراط الولي لتزويج الإماء لا الحرائر، أو لعله عنى به المكاتبة قطعاً للوهم الذي قد يشكل ويعضل بظن أن مكاتبة الأمة على مبلغٍ من المال لتعتق به يطلق عنان تصرفها في نفسها بالتزويج، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يظهر خطأ هذا الظن وإطراحه. فهذه احتمالات غير ظاهرة بمقتضى الوضع اللغوي والشرعي، غير أن العقل يجوِّز ورودها على الدلالة اللفظية لنص عبارة النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعد هذا الاستعراض لأنواع الاحتمالات ينقدح في الذهن التساؤل عن علاقة القرائن بالاحتمالات الواردة في مساقات الاستدلال بالدلائل الشرعية.
ويجاب بأن القرائن دلائل تصاحب النص وتقترن به بما يفضي إلى تأثيرها على دلالته أو ثبوته أو إحكامه(34) وعليه فإن النص قد يستثير في سبيل دلالته احتمالات معنوية لغوية أو شرعية أو عقلية، غير أن اقتران الدلائل بالنص يكشف عن مقصود الشارع بما يقلل أو يحسم سبيل الاحتمالات المستثارة بحيث يغدو النص في غاية الوضوح والتجلي في دلالته على معناه. وعليه فيمكن القول بأن القرائن المحتفة بالنص تقلل من الاحتمالات المستثارة في سبيل دلالته، وكلما كانت القرائن أوضح في دلالتها على تعيين المقصود بالنص كانت أحسم لمادة الاحتمالات المستثارة في سبيل دلالته.
المطلب الثالث: المقصد الشرعي من ورود الاحتمالات على الدلائل الشرعية(1/12)
إذا تقرر أصولياً أن الشارع لا يخلي أفعاله وأوامره عن حكمة مقصودة فيها(35)، يرد التساؤل في هذا المقام عن حقيقة المقصد الشرعي في قبول الأدلة الشرعية – في الجملة – لورود الاحتمالات عليها رافعة قطعية الدلالة على المعاني.
الذي يظهر لي أن الجواب عن هذا السؤال لا بد له أن يتمهد بأمرين:
الأول: أن المقصد الأصلي للشارع في خطابه أن يكون في غاية الوضوح والبيان في الدلالة على المعاني المقصودة به(36)، يقول تعالى: "ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمةً وبشرى للمسلمين" (النحل 89).
ويقول تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين 8 يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم" (المائدة 15-16).
الثاني: أن ورود الاحتمال في مقام الاستدلال لا يُخل بالمقصد الأصلي من تحصيل الوضوح والبيان في الدلالة على المعاني الشرعية، إذ الخطاب الشرعي قد توسل اللغة العربية في الدلالة على مرادات الشارع ومقاصده، وإن من معهود اجتناء المعاني في لغة العرب أن تحصل بغلبة الظن من الجملة.
وعليه فخطاب الشرع وإن قبل ورود الاحتمال في دلالته على معناه فهو على حالةً من البيان والوضوح يضمن معها تبليغ مقاصد الشارع في خطابه.
أما السبب في اعتماد دلائل الشرع غلبة الظن في إفادة المعاني دون اليقين فهو التوسعة على العباد والتيسير عليهم، ويمكن الاستدلال على مقصد التيسير في هذه القضية تمثيلاً لا حصراً بأمور:(1/13)
أ. إن الأمة التي تلقت الخطاب الشرعي أمة أميّة تعتني بالمعاني وتعبر عنها بكل لفظ يحصل معه تفهيم السامع وتقريب المعنى إليه(37)، لذا لم يكن من عادتها المبالغة في التنقيب عن الألفاظ التي ينقطع معها مثارات ورود الاحتمالات في الدلالة على المعاني، وعليه فجريان خطاب الشرع على خلاف معهودها في مخاطباتها ينأى بها عن تفهم معاني الخطاب ومقاصده أو يلحق بها الحرج بمطالبتها على خلاف معهودها في الخطاب وقد فرضت أمة أمية، وهذا عود على مقصد الشارع من التفهيم والتيسير بالمعارضة والمناقضة.
يؤكد هذا المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يوسع على أمته في ألفاظ القرآن فيسهل عليهم، فاستجاب الله تعالى لذلك حتى أنزل على سبعة أحرف هي أشهر لغات العرب على الراجح، وهذا من أسباب إثارة الاحتمالات في دلالة الآيات القرآنية(38).
فقد روي عن أُبيّ بن كعب قوله: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال : "يا جبريل إن بعثت في أمة أميين فيهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط، قال: يا محمد إن الله أنزل القرآن على سبعة أحرف"(39).
ب. لو كانت الأحكام الشرعية لا تستفاد إلا بقواطع الأدلة ومستيقن الاستدلالات للزم تعيّن الحق في مذهب واحدٍ يأثم ويفسق مخطؤه(40). وفي هذا من إلحاق الحرج بالمجتهدين ما لا يخفى بما يفضي إلى التخوف من الإقدام على الاجتهاد، وبالتالي تضييق الاجتهاد وإضعافه، وهذا على خلاف مقصد الشارع من توسيع الاجتهاد لموافقة حكمه وحث المجتهدين عليه.
ج. لو كانت الأحكام الشرعية لا تستفاد بغير قواطع الأدلة ومستيقن الاستدلالات للزم عن ذلك أحد لازمين:
الأول: أن ينص الشارع على حكم كل واقعة تنزل بين يدي الساعة إلى قيامها على جهة القطعية في الدلالة وتفصيل الأحوال، والتالي عن هذا تكاثر أعداد النصوص على نحوٍ يثقل على المجتهدين الإحاطة بها وحصرها، وفي هذا من الحرج ما لا يخفى.(1/14)
الثاني: أن ينص الشارع على قواعد كلية وأصول عامة يتخرج عليها ما لا يحصى من النوازل والمستجدات التي ستقع بين يدي الساعة، غير أن الوقوف على أحكام النوازل يحصل بتخريج الفرع على الأصل، وهذا في غالب الأحوال يتحصل بغلبة الظن فلا يعمل به لدنوِّه عن رتبة القطعية المشترطة في الاستدلال، والتالي عن هذا تخلية الوقائع عن حكم الشرع، ولا معنى لهذا إلا قصور الشريعة ونقصها عن إمداد الزمان والمكان بحكمها وهو باطل.
فإذا كان اللازم الثاني باطلاً تعين الأول، واللازم الأول يقتضي إلحاق الحرج بالعباد، فكان عدم اشتراط القطعية بورود الاحتمال على الدليل والاستدلال من أعظم صور التوسعة والترخيص.
المبحث الثاني
مذاهب الأصوليين في أثر ورود الاحتمال على مسالك الاستدلال
سوف أتناول في هذا المبحث – بحول الله تعالى – أثر ورود الاحتمال على دلالة الدلائل الشرعية في إفادة المعاني المقصودة بها، موضحاً أقوال الأصوليين ومذاهبهم في هذه المسألة.
ولتحقيق هذا الغرض يتعين ابتداءً ببيان أحوال الأدلة بحسب ورود الاحتمال على دلالتها؛ إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
ويمكن تقسيم الأدلة بحسب ورود الاحتمال على دلالتها إلى ثلاثة أقسام(41)، هي: المحكم (النص)، الظاهر، المجمل.
الدليل قد تكون دلالته على معناه في غاية الوضوح والتجلّي، حتى لينقطع معه كل احتمال شرعي أو وضعي يرد على دلالته، فيكون قطعي الدلالة على معناه، وهذا الذي يطلق عليه المتكلمون من الأصوليين اسم النص(42)، ويطلق عليه الفقهاء من الأصوليين اسم المحكم(43). غير أن الدليل قد يكون واضح الدلالة على معنى ما، غير أن دلالته على هذا المعنى لا ينقطع معها ورود الاحتمالات المستفادة به، وإن كانت دلالته على هذه الاحتمالات ضعيفة أو قل غير ظاهرة ظهور المعنى الأول، وهذا الذي يطلق عليه المتكلمون اسم الظاهر(44).(1/15)
أما إذا كان الدليل قد دلّ على معانٍ متعددةٍ قد تساوت بدلالته عليها أو قاربت التساوي بغير أن يكون ظاهراً في واحدٍ فيها، فهذا الذي يطلق عليه المتكلمون من الأصوليين اسم الجمل(45).
وبناءً على ما سبق أقول:
إذا ورد الاحتمال على نصٍ من النصوص ينظر في حال هذا النص، إما أن تكون دلالته ظاهرة في معنى من المعاني المحتملة بمقتضى الوضع اللغوي أو الشرعي أو لا.
فإن كان النص ظاهر الدلالة على معنى من المعاني مع احتماله في الدلالة لغيره، فهل ورود الاحتمال في سياق الاستدلال على الظاهر مؤثر على دلالته أو لا؟
وإن لم يكن النص ظاهر الدلالة على معنى من معانيه المدلولة به، فهل يمكن بناء الاستدلال على واحد من هذه الاحتمالات المعنوية؟ صيانةً للنص من الإهمال والتعطيل بدعوى الإجمال عند خفاء دليل الترجيح أو عدم وجدانه.
أما إذا كان النص محكماً قاطع الدلالة على معناه كل احتمال يستند إلى دلالة الوضع اللغوي أو الشرعي، في رد السؤال: هل ورود الاحتمال العقلي المجرد عن الدلالة الذي لا يخطر بالبال إلا بالإخطار مؤثر على دلالة النص برفع القطعية وإحالتها إلى الظهور والرجحان بغلبة الظن؟
هذه المسائل الثلاث قد تناولها الأصوليون في مصنفاتهم لرصد أثر ورود الاحتمال على الاستدلال، فلا بد من بسط البحث فيها لبيان الراجح في كل منها.
المطلب الأول: أثر ورود الاحتمال على الاستدلال بظاهر المقال
إذا كان الدليل ظاهر الدلالة على معنى من المعاني وقد ثار في سبيل دلالته بعض الاحتمالات المعنوية غير المتبادرة، فهل يؤثر ورود الاحتمالات على الاستدلال بظاهر دلالة الدليل بحيث يكون طروق الاحتمال مسقطاً للاستدلال أو أن الاحتمالات غير المتبادرة الواردة في سبيل الاستدلال غير مؤثرة على دلالة الدليل على معناه الظاهر المتبادر؟(1/16)
انعقد إجماع الأمة من لدن الصحابة رضوان الله عليهم على وجوب العمل بما ظهر وتبادر في دلالة الدليل وإن لم تنقطع في سبيل دلالته الاحتمالات المعنوية غير المتبادرة؛ إذا كانت قضية الاستدلال تتعلق بأمر تفصيلي جزئي في مسألة فقهية فروعية(46).
كما اتفقوا على أن الدليل لا يقبل فيه دعوى النسخ والتخصيص مع ورود الاحتمال، إذ لا نسخ ولا تخصيص مع الاحتمال؛ لأن النسخ إبطال لدلالة الدليل المنسوخ بالدليل الناسخ، والمنسوخ مقرر لحكم ثابت قطعاً فلا يرتفع بالاحتمال(47)، كما أن العام دال على شمول واستغراق جميع ما يصدق عليه معناه من أفراد وضعاً، فلا يقبل دعوى خروج بعض الأفراد عن دلالة العام بالاحتمال(48).
واختلف العلماء في أثر ورود الاحتمال على الاستدلال بالدليل في موضوع التأصيل الفقهي، فهل الأصل الفقهي(1) لا يثبت أصلاً للاستدلال والأعمال إلا بدلائل قطعية ينقطع في سبيل دلالتها مثارات الاحتمال؟ أو أن الأصل الفقهي يصح الاستدلال عليه بدلائل شرعية تنهض بمعناه وإن لم ينقطع في سبيل دلالتها الاحتمال.
لا يخفى أن الخلاف في هذه القضية المنهجية الهامة في علم الأصول لم تناقش المصنفات الأصولية بصورة مباشرة، بل وردت في ثنايا المناقشات عرضاً؛ لذا لا أخفي شدة الجهد الواجب بذله في رصد هذا الموضوع المهم، وقد ظهر لي بعد طول الاعتبار وتكرار البحث والنظر – وهو جهد مقل – أن الاتجاهات الأصولية في هذه المسألة تنقسم إلى ثلاثة اتجاهات – طرفان ووسط - .
__________
(1) أعني بالأصل الفقهي: القاعدة الأصولية الكلية التي يتخرج عليها فروع فقهية تفوق الحصر، كدلالة العام والأمر ونحوه.(1/17)
الاتجاه الأول: ومن أبرز رموزه الشيخ أبو الحسن الأشعري(49) وعنه تلقاه شيخ الأصوليين القاضي أبو بكر الباقلاني(50) فأتم أُطُر هذا التوجه وقيّد سطره وضرب صوره، وسار على طريقته عدد من متكلمة الأصوليين كأبي بكر ابن فورك(51)، وإمام الحرمين الجويني(52)، والغزالي(53)، والفخر الرازي(54)، والآمدي(55)، وابن الحاجب(56)، وأبي الحسين البصري(57)، وقد نسب بعض الشافعية(58) هذا المذهب للإمام الشافعي، وقد أبان أبو الحسين بن القطان عن زيف هذه النسبة وبطلانها(59)، كما أن الصيرفي في كتابه الدلائل والأعلام قد بسط الأدلة على بطلان هذه النسبة(60). وينحو هذا الفريق من الأصوليين إلى تعظيم أثر الاحتمال – وإن كان عقلياً – عند وروده في مساق الاستدلال، إذ يشترط لتصحيح الاستدلال على المسألة الأصولية أن يكون الدليل المستدل به قطعي الدلالة، ويرى هذا الفريق أن طروء الاحتمال مبطل لصحة الاستدلال إذا ورد في سبيله.
يقول الغزالي: "لا يجوز إثبات الأصول بالظن والقياس"(61).
ويقول العضد: "المسألة أصولية فلا يجدي فيها الظن"(62).
ويقول الجويني: "والظاهر ليس بياناً أيضاً مع تطرق الاحتمال إليه، ولولا ما قام من القاطع على وجوب العمل به لما اقتضى به عملاً"(63).
ولقد أفرز هذا التوجه رؤىً خاصة في منهجية التقعيد الأصولي والاستدلال على مسائل هذا الفن، ومنها:(1/18)
1. التزام هذا المذهب الأصولي التوقف عن تقرير الراجح المعتمد في المسائل الأصولية التي لم يُظْفر فيها بقواطع الاستدلالات التي ينتفي عنها ورود الاحتمال المسقط لصحة الاستدلال(64). وقد ظهر الوقف في الاختيارات الأصولية معْلماً على هذا الفريق من الأصوليين؛ ولعل الذي ألزمهم بهذه الطريقة أنهم ألفوا الدلائل اللفظية لا تنقطع عنها الاحتمالات المعنوية في الجملة – سواء الوضعية منها أو الشرعية أو العقلية – وقد بلغ الأمر بعض رموز هذا المذهب(65) تعظيماً منه لأثر ورود الاحتمال على الدلائل اللفظية أن قال: إن الدلائل اللفظية "لا تفيد اليقين البتة"(66). وعليه فقد وسم رموز هذا التوجه باسم "الواقفة"(1) (67).
2. يعتمد هذا الفريق في الجملة على الاستدلالات العقلية طلباً منهم للدلائل اليقينية التي ينتفي عنها ورود الاحتمال(68).
3. يعبر بعض رموز هذا التوجه أن الحكم الشرعي لا يكون متعيناً عند الله تعالى إلا إذا استند إلى دليل قطعي ينتفي عنه الاحتمال، وإلا لم يكن لله تعالى في الواقعة المعينة حكم معين متقرر بل الحكم الشرعي عندها يكون تابعاً لاجتهادات المجتهدين كل بما غلب على ظنه في توجيه الدليل؛ لعدم انقطاع مثارات الاحتمالات(69).
__________
(1) الواقفة: فريق من الأصوليين آثر التوقف في إفادة الدليل لمدلوله إن ورد عليه احتمال إلى حين قيام القرينة القطعية المعينة للمراد به وهذا الفريق على مراتب منهم الغلاة والمتوسطون في الوقف.(1/19)
الاتجاه الثاني: ومن أبرز رموزه ابن حزم الظاهري وعموم الظاهرية(70)، وينحو هذا الفريق من الأصوليين إلى إهدار أثر الاحتمالات الواردة في سياق الاستدلال بما ظهر وتبادر بالدلالة اللفظية، حتى وإن الاستدلال بالظاهر – عند هذا الفريق – ليرتقي إلى مرتبة القطعية التي لا يقبل معها مخالفة(71)؛ لذا فكل استدلالٍ بغير ظاهر الدلالة اللفظية عمل بالاحتمال والظن في مقابلة الجلاء والبيان، والتالي باطل لتضمنه التقوّل على الله تعالى ونسبة ما لم يشرعه إلى شرعه(72).
يقول ابن حزم: " فإذا قام البرهان عند المرء على صحة قول ما قياماً صحيحاً، فحقه التدين به والفتيا به والعمل به والدعاء إليه والقطع أنه الحق عند الله عز وجل"(73).
ويقول أيضاً: "والفرض على الجميع الثبات على ما جاء به النص ما دام يبقى اسم ذلك الشيء المحكوم فيه عليه؛ لأنه اليقين والنقلة عنه دعوى وشرع لم يأذن الله به"(74).
ولقد أفرز هذا التوجه الأصولي عدداً من الآراء منها:
1. يذهب الظاهرية إلى بطلان الاستدلال بالتعليل والقياس بناءً على أن التعليل يعد خروجاً عن ظاهر الدلالة اللفظية بحيث يجري مجرى الاحتمال والظن في سياق الاستدلال، وهو مطرّح قطعاً(75)؛ إذ "لا يجوز أن نحكم في الدين بالشك"(76).
يقول ابن حزم: "والقياس اسم في الدين لم يأذن به الله تعالى، ولا أنزل به سلطاناً، وهو ظن منهم بلا شك، لتجاذبهم علل القياسات بينهم... وهذه كلها ظنون فاسدة وتخاليط، وأسماء لم يأذن الله تعالى بها ولا أنزل بها سلطاناً"(77).
ويقول: "وأعلم أنه لا يمكن أحد منهم أن يدعى علة في شيء من الأحكام إلا أمكن لخصمه أن يأتي بعلةٍ أخرى يدعي أن ذلك الحكم إنما وجب لها، وهذا ما لا مخلص لهم منه، وبالله تعالى نعتصم"(78).
وبناءً على هذا الأصل نفسه فهم يبطلون كذلك العمل بالمفاهيم عموماً؛ لأنه عمل بما يقابل الظاهر اللفظي(79).(1/20)
2. يذهب الظاهرية إلى أن خبر الآحاد يفيد علماً قطعياً يقينياً موجباً للعمل به شرعاً(80).
يقول ابن حزم: "ثبت يقيناً أن خبر الواحد العدل عن مثله مُبلغاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حق مقطوع به موجب للعمل والعلم معاً"(81).
الاتجاه الثالث: ومن أبرز رموزه أبو الطيب الطبري(82)، وأبو إسحاق الشيرازي(83)، وابن السمعاني(84)، والأبياري(85)، وابن عقيل(86)، وابن تيميمة(87)، وابن مفلح(88)، والطوفي(89)، والرافي(90)، والشاطبي(91)، والشوكاني(92)، وهو مذهب عامة المتكلمين من الأصوليين(93).
كما أن المنهج الأصولي الذي سار عليه الفقهاء من الأصوليين من مشايخ مذهب الحنفية من العراقيين(94)، والسمرقنديين(95).
وينحو هذا الفريق من الأصوليين إلى اعتماد الاستدلال بالظواهر وما يغلب على الظن ثبوته – كالآحاد من مرويات السنة – على مسائل الأصول كما هو الحال في الفروع، معتبرين أن الاحتمال الوارد في سبيل هذه الدلائل غير مؤثر على صحة الاستدلال بها بإبطالها، ولا هو مطرّح بالكلية؛ إذ قد يعتضد الاحتمال بما يربو بدلالته على دلالة ما ظهر وتبادر ابتداءً، حتى ليغدو هذا الاحتمال المرجوح راجحاً بما اعتضد به من دليل.
يقول القاضي أبو الطيب الطبري: "إن الأصول يجوز إثباتها بأخبار الآحاد؛ لأنه إذا جاز إثبات ما يترتب على هذه الأصول من ضرب الرقاب وإيجاب الحدود، وإباحة الإيضاح وغيرها من الأحكام، جاز أصولها بأخبار الآحاد"(96).
ويرى هذا الفريق أن الأصل التشريعي لا ينتهض أصلاً في الدين حتى تتعاضد النصوص الشرعية على الظهور. بمعناه على جهة الاطراد والغلبة، بحيث يضعف في سبيل اعتباره – أي الأصل التشريعي – ورود الاحتمالات ضعفاً يلحقها بالعدم أو قريبة؛ صيانةً لقواعد الدين وأصوله من أن يتساور إليها الإضظراب والشك.(1/21)
لذا فقد صرّح غير واحدٍ(97) من رموز هذا التوجه الأصولي باشتراط القطعية القاعدة الأصولية بناءً على أن مثارات الاحتمال تنقطع عن القاعدة الأصولية بكثرة نهوض الدلائل الشرعية متعاقدة في تأكيد معناها.
يقول القرافي: "قواعد أصول الفقه كلها قطعية، غير أن القطع لا يحصل بمجرد الاستدلال ببعض الظواهر، بل بكثرة الاستقراء لموارد الأدلة، ومن كثرت مطالعته لأقضية الصحابة رضوان الله عليهم واستقراؤه لنصوص الكتاب والسنة حصل له القطع"(98).
ولقد أفرز هذا التوجه الأصولي التوسع في الاستفادة من كامل الطاقات الدلالية لألفاظ النصوص الشرعية، خلافاً للتوجهين السابقين، إذ قرروا القول بمقتضى العام والأمر والنهي والتعليل والمفاهيم وغيرها(99)، في حين أن التوجه الأول قد ضيّق الاستفادة من الطاقات الدلالية لألفاظ النصوص، إذ توقفوا عن تقرير دلالة العام والأمر والنهي بغير مصاحبة القرينة. كما أن التوجه الأصولي الثاني قد أبطل العمل بالقياس والتعليل والمفاهيم.
الأدلة التي يستدل بها للتوجهات الأصولية الثلاثة:
أ. يستدل للتوجه الأصولي الأول الذي يقرر تعظيم أثر الاحتمال في سياق الاستدلال بما يلي:
1. إن نصوص الشرع قد دلت على النهي عن العمل بالظن في مقام الاستدلال على العقائد وأصول الدين. يقول تعالى: "وقالوا ما هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون". (الجاثية 24).
ويقول تعالى: "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلاّ يخرصون" (الأنعام 116) ويقول تعالى: "إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا" (النجم 28 ويقول تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا" (الإسراء 36).(1/22)
فإذا تقرر ذلك فإن أصول الفقه صنو لأصول الدين لاشتراكهما في ضبط أصول التصورات الشرعية وقواعد الاستدلال؛ فكما لا يقبل العمل بالظن الغالب في أصول الدين فكذلك الأمر في أصول الفقه(100). وأورد على هذا الاستدلال بأن مدلول الظن الوارد في الآيات المساقة إنما يراد به الرأي العاري عن مصاحبة الدليل المثبت لصحته(101)، وبالتالي فهي خارجة عن محل النزاع الذي هو الاستدلال بالظواهر وبما يغلب على الظن بترجيح مرجِّح معتبر.
2. "لا ينتصب الشيء دليلاً وعلماً في الشرعيات إلا بدلالة قاطعة؛ فإنه لو ثبت بما لا يقطع به لاحتيج إلى إثبات مثبته، ثم يتسلسل القول فيه إلى ما لا يتناهى، فهذه الدلالة السديدة وما عليها معترض"(102). ويرد على هذا الاستدلال العقلي بأن مقدمة الدليل العقلي غير مسلّمة؛ إذ لا دليل على أن المسائل الشرعية لا تثبت إلا بقاطع، وعليه فهذا الدليل العقلي تضمن مصادرة للدعوى، والمصادرة باطلة في الاستدلالات.
ب. يستدل للتوجه الأصولي الثاني الذي يقرر إهدار أثر الاحتمال في سياق الاستدلال بما يلي:(1/23)
إن الأحكام الشرعية تامة كاملة لا يحتاج إلى غيرها معها(103)، وهي واضحة بيّنة من خلال الوضوح المتجسد في دلالة النصوص عليها؛ إذ الدلائل الشرعية غاية في الجلاء والبيان في ذاتها، وسبيل البيان الشرعي هو ظاهر الدلالة اللفظية؛ حيث لا مقصود للشارع وراءه(104). وبالتالي فدعوى الاحتجاج لغير ظواهر النصوص يقتضي نسبة التعمية على العباد من قبل خالقهم او نسبة التقصير في التبليغ من قبل النبي صلى الله عليه و سلم "وهذا ما لا يجوز لمسلم أن يخطره بباله"(105). يقول تعالى: "ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين" (النحل 89) ويقول تعالى: "وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبيّن لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون" (النحل 64) ويقول تعالى: " بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون" (النحل 44).
ويقول تعالى : "ما فرّطنا في الكتاب من شيء" (الأنعام 38).
وعليه ففرض ورود الاحتمال المشكل في سبيل الاستدلال فرض غير عائد لذات النص الشرعي، بل لعوارض عرضت للمستدل في سبيل استظهاره للحكم وتبيُّنه، كتقصير في النظر أو انشغال بال أو غفلة ونحوه، فالواجب عندها إسقاط حظ الاحتمالات الواردة في سبيل الاستدلال على الظاهر اللفظي(106). واعترض على هذا الاستدلال بأنه لا يُنازع أحد بأن الأحكام قد تمت ودلل الشارع عليها بصورة واضحة، غير أن فرض انحصار الدلالة الشرعية بالظاهر اللفظي دون بقية الدلالات الشرعية على المعاني والأحكام أمر غير مسلَّم؛ إذ يقتضي توهين الدلالة المعنوية للنصوص من أن تدل على أحكام الوقائع النازلة التي لم تتناولها بالدلالة نصاً، ويلزم عن هذا أحد لازمين:
الأول: الإقرار بأن الشريعة قصرت عن إمداد هذه الوقائع المستجدة بالأحكام من معينها، والتالي باطل بالإجماع.(1/24)
الثاني: تشريك مصدر آخر مع دلالة النصوص على إظهار أحكام الوقائع، وهذا ما التزمته الظاهرية حيث اعتمدت على الاستصحاب خروجاً من مأزق تفريغ الوقائع عن أحكام الشرع، والمعلوم أنه لا يصار إلى الاستصحاب إلا إذا عُدمت دلالة النص، ودلالات النصوص غير الظاهر اللفظي قائمة فيكون الاستناد إلى الاستصحاب باطلاً لفوات شرط إعماله!
ج. يستدل التوجه الأصولي الثالث المصحح للاستدلال مع ورود الاحتمال
1. إن العمل بالظواهر في دلالة الأدلة بما يغلب على الظن وترجّح بمرجح معتبر واجب شرعاً في مسائل الفروع والوقائع الجزئية إجماعاً – كما تقدم – وتخصيص الاستدلال بها على مسائل الفروع دون الأصول تخصيص للاستدلال بالدليل بغير مخصّص، والتالي باطل لبطلان التحكم(107).
2. إن اشتراط القواطع في الاستدلال بها على مسائل الأصول يلزم عنه تحييد العمل بالظواهر، وبما يفيد غلبة الظن، والتالي عن هذا تحييد الدلائل الشرعية عن الإعمال بما يقتضي نسبتها إلى التعطيل والإهمال في مسائل الأصول على الجملة، واقتضاء هذا اللازم للبطلان أولى من سابقه(108).
3. إن مسائل علم أصول الفقه لا يلزم المخالف فيها أن ينسب إلى التكفير والتفسيق والابتداع ليشترط للاستدلال لها القواطع كما هو الحال في مسائل أصول الدين، فيكون الاستدلال بما يُغلّب على الظن ثبوتاً ودلالة جائزاً بل واجباً"(109).
4. لتصحيح الفرق بين مسائل الفروع والأصول في الاستدلال بحيث يُكتفى بما غلب على الظن من الأول دون الثاني؛ لا بد من إثبات صحة اعتماد الفرق شرعاً بينهما، وهذا لا سبيل إليه إذ لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته يفرِّقون في الاستدلال بين أصول وفروع(110).(1/25)
وأورد على هذا التوجه: إن مسائل علم أصول الفقه تُعنى بضبط قواعد التلقي والفهم عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن كان ثبوتها مما يتساور إليه احتمال الإخلاف لكانت أصول معارف دين الإسلام ثابتة بالظن ويتساور إليها احتمال الإخلاف، وهذا على خلاف التحقيق المتفق عليه بين طوائف أهل دين الإسلام(111).
يجاب عنه بأن قواعد أصول التلقي والفهم عن الشارع قطعية أو قريبة من القطع، وسبيل إثبات هذه الأصول هي الظواهر المتأثرة المتعاضدة على تأكيد معانيها بما يكون ورود الاحتمال – مع تكاثرها – نادراً بل قل منعدماً.
وعليه فاشتراط اطّراح الظواهر وما يغلب على الظن ثبوته طلباً لقطعية قواعد الأصول غير لازم(112). وبعد استعراض أدلة الاتجاهات الأصولية في هذه المسألة، فالذي يترجح لدي هو الاتجاه الأصولي الثالث المقرر لسلامة الاستدلال و إن ورد عليه الاحتمال؛ لأن مجرد وروده لا يؤثر على ظهور دلالة الدليل على معناه في المسائل الأصولية، والسبب في ترجيح هذا التوجه الأصولي؛ لأنه يفسح المجال رحباً أمام الاستفادة من الطاقات الدلالية المضمنة في الدلائل الشرعية بغير تحييد لها – كما في الاتجاه الأول – أو إضعاف لمقتضياتها – كما في الاتجاه الثاني -.
المطلب الثاني
أثر ورود الاحتمال على دلالة المفهوم
بعد أن تقدمت الإشارة إلى أقوال الأصوليين واتجاهاتهم في أثر ورود الاحتمال على دلالة المنطوق، يرد السؤال على أثر ورود الاحتمال على دلالة المفهوم؟ لا يخفى على المطالعين لمسائل هذا الفن – أعني أصول الفقه – أن المفهومات عند القائلين بها تنقسم إلى قسمين : الأول: مفهوم الموافقة. الثاني: مفهوم المخالفة.(1/26)
وعليه لا بد من دراسة هذين القسمين كل على حدة لتظهر أقوال الأصوليين في أثر ورود الاحتمال على دلالة المفهوم. غير أنه يحسن بي قبل هذا الإشارة إلى أن إثبات المفاهيم كأصول استدلالية هل يشترط فيها القطعية أولاً؟ يجاب عن هذا السؤال بأن الخلاف في اشتراط القطعية في المفاهيم يتخرج على المذاهب الأصولية الثلاثة المتقدمة الذكر، فلا حاجة بي إلى إعادة ذكرها، والراجح هو عدم اشتراط القطعية فيها كما تقدم بحثه في الاستدلال بظاهر المقال.
أولاً: مفهوم الموافقة:
يعرّف مفهوم الموافقة بأنه: دلالة اللفظ على ثبوت حكم المنطوق به للمسكوت عنه؛ لاشتراكهما في معنى يدرك كل عارف باللغة أنه مناط الحكم من غير حاجة إلى نظر واجتهاد(113). ويرى جماهير الأصوليين(114) أنه لا يشترط لصحة دلالة مفهوم الموافقة على الأحكام أن تنقطع عن سبيل دلالته طروء الاحتمالات؛ إذ قرروا أن مفهوم الموافقة في دلالته على الأحكام في غير محل النطق على ضربين: قطعي وظني(115). يمثلون للدلالة القطعية بقوله تعالى : "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً" (الإسراء 23).
فالآية قد نهت عن التأفف للوالدين، ولفظة "أف" اسم فعل يدل على التضجر، والعارف باللغة العربية يدرك عن طريق السياق أن المعنى الذي ورد التحريم من أجله هو الإيذاء والإيلام الصادر من الابن لأحد أبويه، ولفظة "أف" هي أقل الصور المقتضية لهذا المعنى، فيدل النص بمفهومه على تحريم الضرب والشتم ونحوه من باب أولى؛ لتحقق معنى الإيذاء والإيلام فيها على وجه آكد.
ويمثلون للدلالة الظنية بقوله تعالى: "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً خطأً ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا" (النساء 92).(1/27)
فالآية دالة على وجوب الكفارة على القاتل خطأ، والملاحظ لمعنى الآية يتبادر إلى فهمه أن ترتيب الكفارة على القتل إنما كان لزجر القاتل عن القتل على وجه يحقق المحافظة على النفس؛ لذا فالنص يدل بمفهومه على إيجاب الكفارة على القاتل عمداً من باب أولى؛ لأن مقتضي الزجر في حقه أعظم تحققاً منه في حالة القتل خطأ.
لكن قد يقال: لعل الشارع أوجب الكفارة في القتل الخطأ؛ لأنها جابرة للمأثم، غير أنه: "لا يلزم من كون الكفارة رافعة لإثم أدنى الجنايتين أن تكون رافعة لإثم أعلاهما"(116).
وقد حكى الجويني(117) والمازري(118) عن بعض الأصوليين ممن يذهب مذهب الوقف في المسائل الأصولية أن المفهوم إن تطرق إليه أدنى احتمال كساه ثوب الإجمال ويبطل به الاستدلال. وعليه فلا يرى هذا الفريق من الأصوليين صحة الاستدلال بمفهوم الموافقة إن كانت دلالته في غير محل النطق ظنية طرداً لأصلهم في دلالة المنطوق – كما تقدم -.
ثانياً: مفهوم المخالفة
ويعّرف بأنه: دلالة اللفظ على ثبوت حكم للمسكوت عنه مخالف لما دل عليه المنطوق؛ لانتفاء قيد من القيود المعتبرة في الحكم(119).
ويمثل عليه بقوله تعالى: "ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت إيمانكم من فتياتكم المؤمنات" (النساء 25).
النص دال بمنطوقه على إباحة نكاح الحر للأمة المؤمنة فيما إذا كان عاجزاً عن طول الحرائر من المؤمنات، وقيّد هذا الحكم بقيد ورد في صورة شرط كما في قوله تعالى: "ومن لم يستطع منكم طولاً".
وعليه فإن هذا القيد لو انتفى في حالة ما باقتدار الحر نكاح الحرة، فإن النص يدل بمفهومه المخالف على حرمة نكاح الأمة لانتفاء القيد الوارد على الحكم. ويرى المحققون من الأصوليين(120) أن دلالة مفهوم المخالفة على الحكم في غير محل النطق تحصل بغلبة الظن ولا يرتقي في الجملة مرتقى القطع واليقين.(1/28)
غير أنهم اختلفوا(121) في أثر ورود الاحتمال على القيد المخصّص للمنطوق بالحكم، فهل يشترط فيه أن يتمحض القيد الوارد في النص لإفادة نفي الحكم عن غير المقيَّد المنطوق به، بأن ينتفي كل احتمال لفائدة تشريعية غير هذه الفائدة المعينة؟
ذهب جمهور الأصوليين(122) من القائلين بمفهوم المخالفة إلى اشتراط تمحّض دلالة القيد على إفادة نفي الحكم عن غير المقيد المنطوق به، بحيث لا يفيد فائدة تشريعية أخرى، فينقطع كل احتمال بكينونة القيد خرج مخرج الغالب أو جيء به لبيان الامتنان أو التهويل والتفخيم أو ورد في محل رفع إشكال وحل إعضال أو أية فائدة تشريعية أخرى.
وعليه يرى هذا الفريق أن القيد إن دل على فائدة غير فائدة التقييد المحض بطل الاستدلال بدلالة مفهوم المخالفة لان المفهوم المخالف لازم عقلي مستفاد بدلالة المنطوق على تعيّن القيد لتخصيص الحكم وتقييده، وورود الدلالة المثيرة لاحتمال فائدة أخرى يرفع الملازمة العقلية؛ لعدم التعيّن لإرادة التقييد فتكسى الدلالة بثوب الإجمال لقيام مثار الاحتمال(123).
وهذا الرأي ينقله الأصوليون عن الشافعي نفسه(124)؛ إذ يذهب إلى أنه "إذا تردد التخصيص بين تقدير نفي ما عدا المخصًّص وبين قصد إخراج الكلام على مجرى العرف فيصير، تردد التخصيص بين هاتين الحالتين كتردد اللفظ بين جهتين في الاحتمال فيلتحق بالمحتملات"(125).
وخالف في هذه المسألة إمام الحرمين الجويني(126)، إذ يرى أن خروج القيد مخرج الغالب المعتاد لا يبطل دلالته على نفي الحكم عن غير المقيد، وإن كان يفتح عليه سبل التأويل، وقد وافقه على هذا الرأي الشيخ العز بن عبد السلام(127).
ويتخرج من هذا الرأي على أن دلالة القيد على ثبوت نقيض حكم المنطوق للمسكوت عنه تعد دلالة لفظية نطقية، وورود الاحتمال عليها لا يلحقها بالإجمال(128).(1/29)
ذلك أن تقييد حكم المنطوق بالقيد يعد تنبيهاً من الشارع على التعليل بهذا الوصف المستفاد بالنص؛ لذا فيشترط في الوصف المستفاد من هذا التنبيه ما يشترط في العلة المنصوصة، وعندها فثبوت نقيض حكم المنطوق للمسكوت عنه لفوات العلة المنبَّه عليها في محل النطق لا بدلالة المفهوم.
يقول الغزالي منبهاً على رأي شيخه – الجويني - : "ومثار هذا الاختلاف أنّا نتلقى المفهوم من الفحوى(1)، والشافعي رضي الله عنه يتلقاه من التخصيص – وهو فعل – فإنه عبارة عن قصد القاصد إلى مسمى بالذكر، والفعل لا صيغة له، فتطرُّق الاحتمال يكفي في رده"(129).
ويقول الجويني: "إن عين التخصيص لا يتضمن نفي ما عدا المخصَّص.... وإنما ظهر نفي ما عدا المخصوص في إشعار المنطوق به شرطاً أو تحديداً أو تعليلاً، ومقتضى اللفظ لا يسقط باحتمال يؤول إلى العرف"(130).
والراجح لدي هو ما ذهب إليه جمهور الأصوليين؛ ذلك أن خروج القيد مخرج الغالب المعتاد أو إفادته غيرها من الفوائد ينفي عنه الدلالة على تخصيص الحكم بالمنطوق أو نفيه عن المسكوت عنه الذي انتفى عنه القيد، مما يدل على أن القيد لا بد أن يتعين لغرض تخصيص الحكم وتقييده.
يقول القرافي: "إن الصفة إذا كانت غالبة صارت لازمة لتلك الحقيقة في الذهن، وذلك سبب الملازمة الخارجية فينطق بها السامع؛ لأنه وجدها في ذهنه مع الحقيقة، لا أنه استجلبها ليفيدنا أن التقييد بها سلب الحكم عن المسكوت عنه. أما إذا لم تكن غالبة فإنه قد استجلبها عن قصد إليها لينتفي الحكم عن المسكوت عنه. أما إذا لم تكن غالبة فإنه قد استجلبها عن قصد إليها لينتفي الحكم عن المسكوت عنه بالتقييد بها، فهذا هو سر قولهم: الكلام إذا خرج مخرج الغالب لا مفهوم له"(131).
__________
(1) أي دلالة المنطوق الملفوظ.(1/30)
أما ما ذهب إليه الجويني حاصله رد العمل بمفهوم المخالفة(132)؛ لأنه قصر فائدة القيد على الدلالة على العلة تنبيهاً، فكان نفي الحكم عن المسكوت عنه الذي انتفت عنه العلة إنما هو من آثار عكس العلة بنفي الحكم لانتفائها، وهذا خروج عن استفادة الحكم عن طريق المنطوق والمفهوم وإحالته على العرف الشرعي المقرر بدوران الحكم على علته وجوداً وعدماً، لذا احتمل أن يكون القيد عنده ذا دلالة على فوائد تشريعية غير تخصيص الحكم وتقييده.
وأختم كلامي في هذا المقام ببيان الفرق بين العلة والقيد في إفادة نفي الحكم عن الواقعة المسكوت عنها، فأقول: إن العلة هي السبب الموجب للحكم ابتداءً والذي من شأن ترتيب الحكم عليه تحصيل مصلحة مقصودة مبتغاة؛ لذا فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
أما القيد فهو بمثابة الشرط المعتمد في تطبيق الحكم، والذي من شأن إعمال الحكم في ظله التأكد من صحة جريان الحكم على علته على وجه يوافق مراد الشارع ومقصوده؛ وبهذا يظهر أن العلة مقصودة لذاتها في مشروعية الحكم دون القيد، إذ ليس القيد "هو السبب الموجب للحكم ابتداءً، ولا هو الباعث على تشريعه، ولكنه حالة للحكم أو ظرف من ظروفه أو شرط مقارن لعلته يحدد مجال تطبيقه فيجعله قاصراً على تلك الحالة دون سواها من الحالات"(133).
المطلب الثالث
بناء الاستدلال على مجرد الاحتمال
تضافرت آراء الأصوليين(134) على عدم الاعتداد بالاستدلال المبني على محتمل من محتملات الدليل مما لم يرتق إلى رتبة الظهور والتبادل بغلبة الظن في الدلالة؛ لذا اعتُبر سالك هذا المسلك في الاستدلال "مجاوزاً حد النظر متعدياً مسلك الجدال مائلاً إلى الانحلال"(135).(1/31)
يقول الشوكاني: "ما أبعد هذا التجويز(1)، ولو كان يقوم بمثله الحجة في مواطن الخلاف لقال من شاء ما شاء بمجرد التجويز، وتطرق المبطلون إلى دفع الأدلة الصحيحة بمجرد الاحتمالات البعيدة، واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله"(136).
والملاحظ أن الأصوليين في الغالب لم يحفلوا بالاستدلال على هذا الأصل مكتفين بتقرير عدم جواز العمل بالاحتمال غير المتبادل المقابل بمثله أو أمثاله في الجملة(137)، أو بتقرير بعض القواعد الأصولية التفصيلية المتصلة بهذا الأصل كالقاعدة الناصة على أن: حكايات الأحوال إذا طرقها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال(138).
وحرصاً مني على تتميم بناء هذا الأصل الاستدلالي رأيت أن أنقل طرفاً من الدلائل الناهضة بمعناه من المنقول والمعقول.
1. إن الله تعالى قد ذم في كتابه الكريم الظن ونعى على الأمم الكافرة العمل بمقتضاه في مقابلة الهدى. يقول تعالى:" وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما تدري ما الساعة إن نظنّ إلا ظنّا وما نحن بمستيقنين" (الجاثية 32). ويقول: "وقالوا ما هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدّهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنّون" (الجاثية 24). ويقول: "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتّبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون" (الأنعام 116). ويقول: "وما يتبع أكثرهم إلا ظنّا إن الظنّ لا يغني من الحق شيئاً إن الله عليم بما يفعلون" (يونس 36). ويقول: "وما لهم به من علم إن يتّبعون إلا الظنّ وإن الظنّ لا يغني من الحق شيئا". (النجم 28).
__________
(1) يقصد بالتجويز: العمل بما جاز من الاحتمالات المعنوية الواردة على اللفظ وإن ضعفت.(1/32)
والظن في الآيات المتقدمة هو الرأي العاري عن الديل المثبت لصحته ورجحانه(139)؛ لذلك فقد جعله الله تعالى في مقابلة اليقين في الآية الأولى، وفي مقابلة العلم في الثانية، وجعله في الاية الثالثة من ضروب الخرص وهو التقدير لا عن تثبيت ودليل(140)؛ لذلك جعل طريقاً للضلالة عن سبيل الله، وانتفت العناية به على الدلالة إلى الحق وبلوغه، ولذا جعله تعالى في الآية الأخيرة ملازماً لهوى النفس المذموم(141).
وبناية الاستدلال على مجرد الاحتمال غير المستند إلى دليل مرجِّح لا معنى له إلا الظن المذموم المذكور في الآيات المتقدمة، فيكون العمل بمجرد الاحتمال عملاً بالظن المنهي عنه شرعاً وهو محرم مقبوح.
2. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم"(142). وفي رواية أخرى عن ابن شهاب الزهري قال: أخبرني ابن نملة أن أبا نملة الأنصاري أخبره أنه بينما هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل من اليهود فقال: يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أعلم" فقال اليهودي: أنا أشهد أنها تتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولو: آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان حقاً لم تكذبوهم وإن كان باطلاً لم تصدِّقوهم"(143).(1/33)
دل الحديث على وجوب التوقف في العمل بخبر أهل الكتاب مما لم يرد في شرعنا تأكيده أو تكذيبه، لمخالجة أخبارهم الكذب إما منهم على كتابهم في الترجمة من العبرية إلى العربية أو لما وقع فيه من التغيير والتحريف، فلما كان احتمال الصدق مقابل احتمال الكذب بغير مرجح معتبر حرُم علينا ترجيح أحد الاحتمالين؛ إذ لو كذبناهم لاحتمال الكذب فقد يكون ما أخبرونا به من الحق الذي جاءهم، ولو صدّقناهم لاحتمال الصدق فقد يكون كذباً منهم، فوجب التوقف عن خبرهم، فكان هذا الحديث ناصاً على عدم جواز العمل بمجرد الاحتمال العاري عن دليل مرجِّح.
3. عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أخبر: أن عمر انطلق في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل ابن صياد(144) حتى وجده يلعب مع الغلمان عند أُطُم(145) بن مغالة(146)، وقد قارب يومئذ ابن صياد يحتلم، فلم يشعر بشيء حتى ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ظهره بيده، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميّين. فقال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: آمنت بالله ورسوله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا ترى؟ قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب. قال النبي صلى الله عليه وسلم خُلِّط عليك الأمر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني خبأت لك خبيئاً. قال ابن صياد: هو الدُّخُّ. قال النبي صلى الله عليه وسلم: اخسأ فلن تعدو قدرك. قال عمر: يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن يكنه فلن تسلّط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير في قتله"(147).(1/34)
وجه الاستدلال: أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لما رأى ما رأى من قول ابن صياد في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وانطباق بعض أوصاف الدجال عليه؛ استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله درءاً لفتنته في الأمة واجتثاثاً شره قبل استفحاله، فلم يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم له بذلك، وعلل عدم الإذن بقتله للتوقف في أمره والتردد في حاله بين احتمالين: الأول: أن يكون هذا الصبي هو الدجال المحذر منه. الثاني: أن يكون هذا الصبي موافقاً للدجال في بعض أوصافه وليس هو ذاته.
وهذان الاحتمالان المتقابلان يتقابلان؛ لعدم ظهور دليل الترجيح بين يديه صلى الله عليه وسلم، فصرف يد عمر بن الخطاب عن قتله لابن صياد لتوارد هذين الاحتمالين غير المتمايزين بدليل مرجّح، وعليه يكون الحديث صريحاً في الدلالة على النهي عن العمل بمجرد الاحتمال العاري عن دليل الترجيح.
4. نقل عدد من الأصوليين الإجماع على بطلان العمل بالاحتمال المجرد عن الدليل المتقابل بمثله أو أمثاله؛ لأنه ترجيح بغير مرجح، ولا معنى لهذا إلا التحكم، والتالي باطل شرعاً(149).(1/35)
5. إن نص الشارع إنما يستحق اسم دليل إذا كان ذا دلالة واضحة على مدلول معين، فإذا كان النص مما تتعاوره الاحتمالات المعنوية غير الممتازة بمزية دلالة فيما بينها لا يكون اللفظ عندئذ ذا دلالة على مدلول معين ولا يستحق اسم دليل، فيسقط عن محل الاعتبار(150). وإذا كان ذات دلالة على مدلول معين وعارضته الاحتمالات المعنوية الضعيفة فالعمل بواحد منها مع الإضراب عن المدلول الظاهر في دلالة النص إضراب عن مقصود الشارع(151) في التفهيم والإفادة(152)، ولا معنى لهذا إلا العمل بمقتضى الهوى في مقابلة مقصود الشارع، والهوى في الشرعيات مطرّح باطل، فيسقط العمل بالاحتمال المقابل للظاهر عن محل الاعتبار، فيظهر بهذا أن العمل بمجرد الاحتمال غير المستند لدليل مرجح باطل لا سبيل إليه. يقول الجويني: "إذا ثبت جواز التأويل فلا يسوغ التحكم به اقتصاراً عليه من غير عضد له بشيء، إذ لو ساغ لبطل التمسك بالظواهر، واكتفى المستدل عليه بذكر تطرّق الإمكان إلى الظاهر، وهذا إن قيل به يُسقط أصل الاستدلال، ويُلحق مجال الإجمال بما يُطلب فيه العلم المحض"(153).
فائدة:
اعتبر الحافظ ابن حجر العسقلاني(154) أن من القرائن التي تصرف دلالة الأمر عن وجهها من الوجوب إلى الندب تعليل الشارع الفعل المأمور به بمجرد احتمال حصول شيء ووقوعه؛ ذلك أن تعليق الأمر الشرعي لازم التحقيق على مجرد احتمال يقلل من دلالة اللزوم في الأداء والتحتيم في الطلب، فيكون هذا علامة الخروج من دلالة الإيجاب إلى الندب، ويمثل له بما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده"(155).(1/36)
أمر النبي صلى الله عليه وسلم من استيقظ من النوم بغسل يده بصيغة الأمر (فليغسل) وهي إن تجردت عن القرينة الصارفة دلت على وجوب غسل اليد بعد الاستيقاظ من النوم، وعلل هذا الحكم باحتمال ممارسة اليد لموضوع النجاسة أثناء النوم، فكان احتمال ممارسة اليد للنجاسة علة الأمر بغسل اليد، ولما كانت هذه العلة – ممارسة النجاسة – لا تعدو عن احتمال يقابله نقيضه من عدم الممارسة للنجاسة كان تعليق الأمر على مجرد الاحتمال موهناً لتحتيم الطلب ولدرجة الإلزام به، فدل هذا على صرف دلالة الأمر من الوجوب إلى الندب.
المطلب الرابع
أثر ورود الاحتمال العقلي في رفع قطعية دلالة المحكم (النص)
إذا ورد على الدليل الشرعي الذي تجلى في دلالته على معناه إلى درجة انقطعت معها الاحتمالات الوضعية والشرعية؛ احتمال عقلي فهل يؤثر ورود هذا الاحتمال على قطعية الدليل بحيث يحيل القطعية إلى الظهور وغلبة الظن؟
لقد انقسم الأصوليون في هذه المسألة إلى مذهبين:
الأول: ومفاده أن القطعية لا تثبت إلا بانقطاع كل احتمال يرد على دلالة الدليل سواءً كان الاحتمال وضعياً أو لغوياً أو شرعياً أو عقلياً.
وقد أم هذا المذهب عموم متكلمة الاصوليين كأبي بكر الباقلاني(156)، وأبي الحسن البصري(157)، والجويني(158)، وهو ما نصره الغزالي في المستصفى(159)، والرازي(160)، وابن السبكي(161)، وغيرهم(162). وعامة مشايخ الحنفية من السمرقنديين(163).
الثاني: ومفاده أن القطعية تثبت بانقطاع كل احتمال يستند إلى دليل، أما ورود الاحتمالات العقلية التي يثيرها العقل فلا تؤثر على قطعية الدليل الشرعي.(1/37)
وقد أمّ هذا المذهب عموم مشايخ الحنفية من العراقيين(164)، وهو ما نصره الغزالي في المنخول(165)، وابن قدامة المقدسي(166)، والقرافي(167)، والشاطبي(168)، وغيرهم(169). يُستدل للفريق الأول بأن مقتضى لفظ القطعية في اللغة هو الانقطاع عن جنس ورود الاحتمال بغض النظر عن مصادر إثارته، وتحقيق مدلول اللفظة لغة أمر لا محيص عنه(170).
ثم إن ورود الاحتمال يُخل بالقطيعة في الجملة؛ لأن الاحتمال البعيد كالقريب في العقليات، ويمكن أن يكون الاحتمال وإن تجرد عن الدليل مراداً باللفظ، وإن كان الأمر كذلك فيكيف يُدّعى قطعية دلالة الدليل(171)؟!
ويستدل للفريق الثاني بأن الاعتداد بكل احتمال يرد على دلالة الدليل – وإن كان عقلياً – ينفي القطعية عن الدلائل الشرعية في الجملة، والتالي باطل لتقرر قطعية بعض المقدمات عند مختلف الطوائف، وإن ورود بعض الاحتمالات أو الشبهات عليها لا ينفي عنها صفة القطعية(172).
وقد ذهب فريق من الأصوليين إلى اعتبار أن الخلاف في المسألة يرجع إلى اللفظية والاصطلاح ولا مشاحّة فيه.
قبل البوح بما يترجح لدي في هذه المسألة، لا بد لي من التفريق في استعمال لفظة القطعية بين اعتبارين:
الأول: استعمال القطعية باعتبارها دلالة شرعية ذات أثر في دلائل الشرع وتوجيه الاستدلال.
الثاني: استعمال القطعية باعتبارها دلالة صناعية فنية يتداولها أهل فن أصول الفقه.
فعلى الاعتبار الثاني لا أظن أن أحداً يخالف في أن المسألة ترجع إلى مجرد اللفظية والإصلاح ولا مشاحّة فيه. أما على الاعتبار الأول فالقول بلفظية الخلاف بعيد – فيما يلي -؛ لأنه يترتب عليه خلاف في مسألة أصولية لها فروع فقهية عديدة، هذه المسألة هي: دلالة العام على أفراده بين القطعية وغلبة الظن؟(1/38)
فمن اعتبر أن القطعية تعني قطع كل احتمال ناشئ عن دليل، قال : دلالة العام على أفراده قطعية؛ لعدم قيام احتمال ناشئ عن دليل يصرف العام عن عمومه(174)، ومن اعتبر أن القطعية تعني قطع كل احتمال يرد على الدليل حتى لو كان الاحتمال عقلياً. قال: دلالة العام على أفراده تفيد غلبة الظن؛ لأن احتمال التخصيص قائم بوروده مطرداً في عمومات النصوص، فيكون احتمال التخصيص في العام المعيّن يجري مجرى الاحتمال العقلي الرافع لقطعية دلالته(175).
والذي يترجح لدي المذهب الثاني وهو أن القطعية تثبت بانقطاع كل احتمالٍ ينشأ عن دليل، ولا عبرة بورود الاحتمالات العقلية المجردة عن الدليل؛ لأن الأدلة في دلالتها على معانيها المقصودة بها قد توسلت الوضع اللغوي أو الإصلاح الشرعي في الدلالة فيكون ما يثيره العقل من احتمالات مجردة ترد على الاستدلال خارجة عن سبيل الدلالة على المعاني أصلاً. ولو فتحنا هذا السبيل لما حصل لنا الوثوق بدليل من أدلة الشرع(176)، إذ العقل لا يفتأ يورث الاحتمالات المعنوية الواردة على الدلائل اللفظية بما يفضي إلى جعل نصوص الشرع مجملة ملتبسة والتالي باطل؛ إذ الله تعالى قد أنزل كتابه مفصّلاً مبيناً، والتفصيل ضد الإجمال والالتباس(177)، يقول الله تعالى: "وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصّلاً " (الأنعام 114) وبناءً على هذا الأصل فقد نعى الشاطبي(178) على الذين يأخذون المعاني من دلائل الشرع بحسب ما يعطيه العقل فيها من الدلالة لا بحسب سبيل الوضع اللغوي أو العرف الشرعي، وفي هذا منهجياً "فساد كبير وخروج عن مقصود الشارع"(179). وعليه فقد تنبّه الجويني(180) والشيرازي(181) إلى أن الجريان في فهم نصوص الشرع على مقتضى العربية في ألفاظها وأساليب دلالتها على المعاني ضرب من ضروب التعبد في فقه الألفاظ الواردة في نصوص الشرع.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الخاتمة(1/39)
الحمد لله في الأولى والآخرة لتمام هذا البحث، وألخص في هذا المقام أبرز نتائجه المتوصل إليها فيه على النحو التالي:
1. يمكن تعريف الاحتمال باعتبارين: الأول باعتبار معنى المصدر، الثاني باعتبار معنى اسم المفعول.
أما تعريفه على الاعتبار الأول، فنصه: قبول الدلالة اللفظية بورود ممكن معنوي مقابل بمثله أو أمثاله يتردد الذهن فيما بينها عند عدم دليل الترجيح، وأما تعريفه على الاعتبار الثاني فنصه: الممكن المقابل بمثله أو أمثاله والذي يتردد الذهن فيما بينها عند عدم دليل الترجيح.
2. تنقسم الاحتمالات المعنوية الواردة على دلالة الألفاظ إلى ثلاثة أقسام: وضعية، وشرعية، وعقلية.
3. المقصد الشرعي من قبول الدلائل الشرعية لورود الاحتمالات في الجملة هو التيسير ورفع الحرج عن الأمة.
4. لا أثر لورود الاحتمال على دلالة الدليل الظاهر المتبادر في الاستدلال به على المسائل الفروعية والأصولية.
5. لا يؤثر ورود الاحتمال على دلالة مفهوم الموافقة، غير أن الاحتمال إن ورد على القيد المفيد لدلالة مفهوم المخالفة بأن دل على فائدة غير تخصيص المنطوق به بالحكم بطلت دلالة المفهوم المخالف.
6. لا يصح بناء الاستدلال على مجرد الاحتمال إجماعاً.
7. الاحتمال إذا ورد على دلالة الدليل القطعي فلا يؤثر عليه بإحالته إلى الظنية ما لم يكن الاحتمال ناشئاً عن دليل.
الحواشي
1. أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي: الموافقات 5/401، تحقيق مشهور حسن آل سلمان، دار ابن عفان الرياض الطبعة الأولى 1997م، سيشار إليه الشاطبي: الموافقات.
2. جمال الدين محمد بن مكرم المشهور بابن منظور: لسان العرب مادة (حمل)، دار إحياء التراث، بيروت الطبعة الثانية. مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزأبادي: القاموس المحيط مادة (حمل)، المطبعة الأميرية ببولاق الطبعة الثانية، سيشار إليه الفيروزأبادي: القاموس المحيط.(1/40)
3. إبراهيم أنيس وجماعة: المعجم الوسيط 1/198، دار أمواج للطباعة والنشر، بيروت 1407هـ، سيشار إليه أنيس: المعجم الوسيط.
4. ابن منظور: لسان العرب مادة (حمل).
5. أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا: جمل اللغة 1/252 تحقق زهير عبد المحسن، سيشار إليه فارس: مجمل اللغة.
6. محمد الطاهر عاشور: التحرير والتنوير 5/196، الدار التونسية للنشر 1984م، سيشار إليه ابن عاشور: التحرير والتنوير، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني: المفردات في غريب القرآن 132، تحقيق محمد سيد كيلاني، الناشر دار المعرفة ببيروت، سيشار إليه الأصفهاني: المفردات.
7. أنيس: المعجم الوسيط 1/198.
8. علي بن محمد الجرجاني: التعريفات 26، دار الكتاب العربي، طبعة ثانية 1992م، سيشار إليه الجرجاني: التعريفات.
9. محمود عبد الرحمن عبد المنعم: معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية 1/77، دار الفضيلة القاهرة الطبعة الأولى، سعدي أبو جيب: القاموس الفقهي لغةً واصطلاحاً 74، دار الفكر دمشق طبعة أولى 1402هـ، عبد المنعم الحنفي: المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة 54 مكتبة مدبولي القاهرة الطبعة الثالثة 2000م، مراد وهبة: المعجم الفلسفي 28 دار قباء الطبعة الرابعة 1998م، السيد نفادي: الضروري والاحتمال بين الفلسفة والعلم 11 دار التنوير بيروت الطبعة الأولى 1983م.
10. محمد بن محمد الطوسي الغزالي: المستصفى من علم الأصول 1/48 – 49 المطبعة الأميرية بولاق القاهرة مصورة عن الطبعة الأولى 1322هـ.
11. ابن منظور : لسان العرب، مادة (د،ل،ل).
12. الباقلاني : التقرير والإرشاد 1/208.
13. ابن عقيل: الواضح 1/447.
14. الطوفي: شرح مختصر الروضة 1/134.(1/41)
15. محمد بن إدريس الشافعي: الرسالة 48، تحقيق أحمد شاكر، المكتبة العلمية القاهرة، سيشار إليه الشافعي: الرسالة، عبد الملك بن عبدالله الجويني: البرهان 1/375 تحقيق عبد العظيم الديب، الدوحة الطبعة الأولى 1399هـ، سيشار إليه الجويني: البرهان. الغياثي 292 تحقيق عبد العظيم الديب الدوحة الطبعة الثانية 1401هـ، سيشار إليه الجويني: الغياني، أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي: شرح اللمع 1/126 تحقيق علي بن عبد العزيز العميريني، الرياض مكتبة التوبة الطبعة الأولى 1412هـ. أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي: الاعتصام 1/52 تحقيق سليم عيد الهلالي، الرياض دار ابن عفان الطبعة الأولى 1412هـ، سيشار إليه الشاطبي: الاعتصام.
16. التلمساني: مفتاح الوصول 438.
17. الصالح: تفسير النصوص 2/134 – 135.
18. أخرجه الترمذي: كتاب الصيد باب ما جاء في ذكاة الجنين (1476)، أبو داود: كتاب الضحايا باب ما جاء في ذكاة الجنين (2828)، ابن ماجة، كتاب الذبائح باب ذكاة الجنين ذكاة أمة (3199).
19. عبدالله بن محمود بن مودود، الاختيار في تعليل المختار 5/13، دار الكتب العلمية بيروت سيشار إليه ابن مودود: الاختيار، محمد بن رشد القرطبي: بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1/442 الطبعة العاشرة، دار الكتب العلمية بيروت 1408هـ، سيشار إليه ابن رشد: بداية المجتهد. محمد بن علي الشوكاني: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار 8/144 – 145، طبعة دار الحديث، القاهرة، د. أسامة محمد عبد العظيم حمزة: أسباب الإجمال في الكتاب والسنة 223 الناشر دار الفتح للطباعة والنشر، أمام إدارة الأزهر طبعة أولى 1411هـ. محمد الروكي: نظرية التقعيد الفقهي 280، بيروت دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1421هـ.
20. الجويني: البرهان 1/514 وما بعدها، الزركشي: البحر المحيط 3/436.(1/42)
21. متفق عليه البخاري كتاب الصلاة باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق، حديث رقم (394)، مسلم كتاب الطهارة، باب الاستطابة حديث رقم (264).
22. متفق عليه، البخاري كتاب الوضوء، باب التبرز في البيوت حديث رقم (148)، مسلم كتاب الطهارة باب الاستطابة حديث رقم (266).
23. أخرجه أبو داود، السنن كتاب الطهارة باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة حديث رقم (11).
24. انظر النووي: المجموع 2/92 الحطاب: مواهب الجليل 1/279، ابن قدامة: المغني 1/220، الصنعاني: سبل السلام 1/124.
25. هذا مذهب الحنفية، أنظر ابن الهمام، فتح القدير 1/366.
26. أخرجه أبو داود: السنن، كتاب الطهارة، باب الرخصة في ذلك حديث رقم (12)، والترمذي السنن كتاب الطهارة، باب الرخصة في ذلك حديث رقم (9)، ابن ماجه: السنن كتاب الطهارة، باب الرخصة في ذلك حديث رقم (320).
27. هذا مذهب داود الظاهري، انظر ابن حجر: فتح الباري 1/296، الشوكاني: نيل الأوطار 1/76، الصنعاني، سبل السلام 1/23 وما بعدها.
28. أخرجه البخاري: الصحيح، كتاب الخمس، باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب حديث رقم (4220).
29. البخاري: الصحيح، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر حديث رقم (4227).
30. الكلوذاني: التمهيد 1/43، ابن فورك: الحدود 80.
31. الجويني: البرهان 1/216، التلخيص 1/212، 248، ابن السمعاني: قواطع الأدلة 1/87. القرافي: نفائس الأصول 3/1313 ابن عقيل: الواضح 3/334، ابن عبد البر: جامع بيان العلم 2/1042، الكلوذاني: التمهيد 2/283، 215، آل تيمية: المسودة 174، ابن تيميمة: درء تعارض العقل والنقل 1/299، العلائي: تلقيح المفهوم في تنقيح صيغ العموم 189، الرازي: المحصول ومعه النفائس 2/531 الشاطبي: الموافقات 1/44، الخضري: أصول الفقه 110.(1/43)
32. أخرجه الترمذي: السنن: كتاب النكاح باب لانكاح إلا بولي حديث رقم (1102) والنسائي: السنن كتاب النكاح باب في الولي حديث رقم (2083)، وابن ماجه السنن، كتاب النكاح باب لا نكاح إلا بولي حديث رقم (1879).
33. الجويني: البرهان 1/517، الغزالي: المستصفى 1/403، الآمدي: الإحكام 3/58 ابن النجار: شرح الكوكب المنير 3/467.
34. أيمن علي عبد الرؤوف: القرائن المحتفة بالنص وأثرها على دلالته، 32، أطروحة للدكتوراه مقدمة في الجامعة الأردنية، 2001م.
35. ابن عبد السلام: قواعد الأحكام 2/268 وما بعدها، ابن تيمية: الفتاوى 14/114، 470 الدهلوي: حجة الله البالغة 1/5.
36. اعتبر الشاطبي أن من المقاصد الشرعية العامة: أن الخطاب التشريعي موضوع للإفهام. انظر الموافقات 2/101، الجويني: البرهان 1/523، الزركشي: البحر المحيط 4/368، ابن تيمية الفتاوى 6/361، الدهلوي: حجة الله البالغة 1/172.
37. الشاطبي: الموافقات 4/131 – 132.
38. المرجع السابق.
39. رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف رقم (819).
40. الزركشي: البحر المحيط 6/108، الشوكاني: إرشاد الفحول 403.
41. الجويني: البرهان 1/163، القرافي: نفائس الأصول 2/641، التلمساني: مفتاح الوصول 438، الزركشي: البحر المحيط 4/5، الطوفي: شرح مختصر الروضة 1/553، 568.
42. الجويني: البرهان 1/277، الغزالي: المستصفى 1/386، المنخول 165، الباقلاني: التقريب والإرشاد 1/340.
43. البخاري: كشف الأسرار 2/63، التفتازاني: التلويح 1/124، ابن ملك: شرحه على المنار 1/355.
44. الشيرازي: شرح اللمع 2/147، الغزالي: المستصفى 1/385 – 386، السرخسي : اصول 1/163 وما بعدها، الجويني: البرهان: 1/146، السمرقندي: ميزان الأصول 349، القرافي: شرح تنقيح الفصول 37. آل تيمية: المسودة 574.(1/44)
45. الطوفي: شرح مختصر الروضة 2/647، الغزالي: المستصفى 1/345 – 346، الجويني: البرهان 1/421، الشيرازي: شرح اللمع 2/156، العضد: شرحه على المختصر 2/159، المحلي: حاشيته على جمع الجوامع 2/61، ابن النجار: شرح الكوكب المنير 3/419. الرازي: المحصول 1/ق3/232.
46. الشافعي : اختلاف الحديث 7/27 – 28، الجويني: البرهان 1/514، 516، التلخيص 3/252، الشوكاني: إرشاد الفحول 95، التفتازاني: حاشية على العضد 2/57. الزركشي: البحر المحيط 3/436، ابن تيمية: التفاوى 6/361، ابن القيم: الصواعق المرسلة 2/640.
47. الجصاص: الفصول 2/293، الغزالي: المستصفى 1/126، الفراء: العدة 3/835، الآمدي: الإحكام 3/215، آل تيمية: المسودة 229، ابن حزم: الإحكام 1/458، ابن حجر: فتح الباري 1/227، 563، ابن عقيل: الواضح 4/320، الزركشي: البحر المحيط 4/157، 131.
48. ابن حزم: الإحكام 3/139، الجويني: البرهان 1/745، ابن النجار، شرح الكوكب المنير 4/443، ابن حجر فتح الباري 2/175، 5/191 – 192.
49. الجويني : البرهان 1/451، الزركشي:البحر المحيط 3/24، العلائي: تلقيح المفهوم 110، العجلي: الكاشف عن المحصول 3/116.
50. الباقلاني: التقريب والإرشاد 1/172، 3/425 – 426.
51. ابن فورك: الحدود 139.
52. الجويني: البرهان 1/163، 173، التلخيص 3/143، 441.
53. الغزالي: المستصفى 1/105، 152، 146، 283، 411، 2/171.
54. الرازي: المحصول 1/307، 343، 370، 2/186.
55. الآمدي: الإحكام 1/102، 146، 186، 193، 2/288.
56. ابن الحاجب: مختصر المنتهى 2/32، 44، 57، 61، 251.
57. البصري: شرح العمد 1/242، 192-292، 312/ 337.
58. العلائي: تلقيح المفهوم 115، الشربيني: مغني المحتاج 3/121، الزركشي: البحر المحيط 3/18.
59. العلائي: تلقيح الفهوم 115، وانظر الشافعي: اختلاف الحديث 24.
60. الزركشي: البحر المحيط 3/18.
61. الغزالي: المستصفى 1/283، وانظر أيضاً 1/411، 2/171.(1/45)
62. العضد: شرحه على مختصر ابن الحاجب 2/61، وانظر أيضاً 2/44، 57.
63. الجويني: البرهان 1/163، الغياثي 40.
64. الباقلاني: التقريب والإرشاد 1/371، 3/425 – 426، الجويني: البرهان 1/212 وما بعدها، 320، 408، 488، 491. القرافي: شرح تنقيح الفصول 192، الشيرازي: التبصرة 203، الغزالي، المستصفى 1/357، الزركشي: البحر المحيط 2/168.
65. صاحب هذا المذهب هو الفخر الرازي، أنظر المحصول 1/ق3/318، 1/ق1/47 وما بعدها.
66. الرازي: المحصول 1/ق1/575.
67. ابن تيمية: الاستقامة 30-31.
68. ابن خلدون: المقدمة 455، أبو سليمان: الفكر الأصولي 446.
69. انظر الجويني: البهران 2/1319، الغزالي: المستصفى 2/363 وما بعدها، الشيرازي: شرح اللمع 2/1048، الزركشي: البحر المحيط 6/247، ابن النجار: شرح الكوكب المنير 4/489، التفتزاني: التلويح 2/118، آل تيمية: المسودة 502.
70. ابن حزم: الإحكام 3/145، 7/191 – 192، 4/125.
71. ابن حزم: الإحكام 5/64 – 65، 81.
72. ابن حزم: الإحكام 8/36- 65 النبذ في أصول الفقه 129.
73. ابن حزم: الإحكام 8/136.
74. ابن حزم الإحكام 8/136.
75. ابن حزم: الإحكام 7/1919 – 192، 8/21، 36، 3/139.
76. ابن حزم: الإحكام 4/55، 8/38.
77. ابن حزم : الإحكام 8/21.
78. ابن حزم : الإحكام 8/97.
79. ابن حزم : الإحكام 7/3 وما بعدها، 44، النبذ في أصول الفقه 62.
80. ابن حزم: الإحكام 1/108، 119 وما بعدها.
81. ابن حزم : الإحكام 1/124.
82. الشيرازي: شرح اللمع 2/130، 320، التبصرة 221.
83. المراجع السابقة.
84. ابن السمعاني: القواطع 1/31.
85. القرافي: نفائس الأصول 3/1293.
86. ابن عقيل: الواضح 5/118، 3/110، 245، 335، 284، 275.
87. ابن تيمية: مجموع الفتاوى 19/207.
88. ابن مفلح: أصول الفقه 2/388، 4/132 – 133، 3/984، 182، 665.
89. الطوفي: شرح مختصر الروضة 3/616.(1/46)
90. القرافي: نفائس الأصول 1/148، 3/1313، 1129، 1316.
91. الشاطبي: الموافقات 1/20، 28 وما بعدها.
92. الشوكاني: إرشاد الفحول 144.
93. ابن مفلح: أصول الفقه 2/388، هيتو: قواطع الأدلة (الحاشية) 1/85 – 86. العلائي: تلقيح المفهوم في تنقيح صيغ العموم 183 ، العضد، شرح مختصر ابن الحاجب 2/80 وما بعدها.
94. الدبوسي: تقويم الأدلة 1/244.
95. السمرقندي: ميزان الأصول 458، 570، 567، اللامشي: كتاب أصول الفقه 182-183.
96. الشيرازي: شرح اللمع 2/130.
97. من هؤلاء الأصوليين: الأبياري والقرافي والشاطبي، أنظر نفائس الأصول 3/1316، 1129، 1109، الموافقات 1/20.
98. القرافي: نفائس الأصول 1/148.
99. ابن السمعاني: القواطع 1/84، الشيرازي: شرح اللمع 1/319، ابن الحاجب، المختصر مع شروحه 2/102.
100. العروسي: المسائل المشتركة 23 وما بعدها، الشاطبي: الموافقات 1/20.
101. أنظر هذا البحث ص 25.
102. الجويني: التلخيص 3/143.
103. ابن حزم: الإحكام 5/16، 8/11 -12، النبذ في أصول الفقه 16، 59.
104. ابن حزم: الإحكام 7/180، 8/137، 148.
105. ابن حزم: الإحكام 7/180.
106. ابن حزم : الإحكام 8/148، 3/145.
107. العضد: شرح المختصر 2/80-81، الشيرازي: شرح اللمع 2/130، 320.
108. العضد: شرح المختصر 2/80، الشوكاني: إرشاد الفحول 144، الشاطبي: الموافقات 5/401.
109. ابن عقيل: الواضح 3/245، 275، 284، ابن مفلح: أصول الفقه 2/388، الطوفي: شرح مختصر الروضة 3/616.
110. ابن تيمية: مجموع الفتاوى 20-567 – 568.
111. الشاطبي: الموافقات 1/20.
112. الشاطبي: الموافقات 1/32، العلائي: تلقيح المفهوم 183، القرافي: نفائس الأصول 3/316 1129.
113. الصالح: تفسير النصوص 1/516، الدريني: المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي 307 وما بعدها.(1/47)
114. الجويني: البرهان 1/452، الغزالي: المستصفى 2/281 – 282، المنخول 208، 222، الآمدي: الإحكام 3/99، ابن قدامة: روضة الناظر 2/254، العضد: شرحه على المختصر 2/173، الأصفهاني: شرحه على المختصر 2/443، الزركشي: البحر المحيط 4/9، ابن النجار: شرح الكوكب المنير 3/486، الصالح: تفسير النصوص 1/627.
115. المراجع السابقة.
116. الآمدي: الإحكام 3/99.
117. الجويني: البرهان 1/451 – 452.
118. أنظر الزركشي: البحر المحيط 4/9.
119. الصالح: تفسير النصوص 1/609، الدريني: المناهج الأصولية 403.
120. الجويني: البرهان 1/473، الآمدي: الإحكام 3/117، الرازي: المحصول 1/ق2/235، الزركشي: البحر المحيط 4/16، الطوفي: شرح مختصر الروضة 2/768.
121. نقل الآمدي الاتفاق في هذه المسألة، ودعوى الاتفاق مدخولة غير سالمة. انظر الإحكام 3/144.
122. الآمدي: الإحكام 3/144، ابن الحاجب مختصر المنتهى مع شروحه 2/173-174، الزركشي: البحر المحيط 4/19، التلمساني: مفتاح الوصول 556، ابن النجار: شرح الكواكب المنير 3/392.
123. القرافي : نفائس الأصول 3/1432.
124. الجويني: البرهان 1/463، الغزالي: المنخول 218، الزركشي، البحر المحيط 4/21.
125. الزركشي : البحر المحيط 4/21.
126. الجويني: البرهان 1/477.
127. القرافي: نفائس الأصول 3/1432، الزركشي: البحر المحيط 4/21.
128. الجويني: البرهان 1/467 وما بعدها.
129. الغزالي: المنخول 219.
130. الجويني: البرهان 1/477.
131. القرافي: نفائس الأصول 3/1432.
132. الصالح: تفسير النصوص 1/701.
133. الدريني: المنهاج الأصولية في الاجتهاد بالرأي، 423.(1/48)
134. الشافعي: اختلاف الحديث 24، الجوين: البرهان 1/173، 537، 539، الشيرازي: شرح اللمع 2/157، الغزالي: المستصفى 1/53، 350، الدبوسي: تقويم الأدلة 1/212، 2/565، السمرقندي: ميزان الأصول 682، 666، ابن عقيل : الواضح 3/333، ابن قدامة: المغني 13/471، ابن تيمية: الفتاوى 21/56، 28/334، 17/293، رفع الملام 43، درء تعارض العقل والنقل 1/299، ابن حجر: فتح الباري 5/131، العلائي: تلقيح المفهوم 164، 172، الزركشي: البحر المحيط 4/494، 5/335، 3/152، التلمساني: مفتاح الوصول 438، 446، 479، القرافي: نفائس الأصول 4/1971، الفروق 2/82، الشاطبي: الموافقات 4/232، الشوكاني: إرشاد الفحول 203، الباجي: إحكام الفصول 626.
135. الجويني: البرهان 1/514.
136. الشوكان: إرشاد الفحول 52، أبو الحسين البصري: شرح العمد 1/242.
137. يرى د. محمد أديب الصالح أن هذا النوع من الإجمال بتساوي الاحتمالات أو مقاربة التساوي فيما بينها غير موجود في النصوص تحقيقاً؛ إذ يلزم عنه نسبة التقصير إلى مقام النبوة في مقام تبليغ الأحكام، وهذا تقرير مسلّم غير أن محل البحث هو ظهور تساوي الاحتمالات المانع من صحة الاستدلال في نظر بعض المجتهدين بما يظهر لهم لا في الدلائل ذاتها. راجع تفسير النصوص 1/292.
138. العلائي: تلقيح المفهوم 487 وما بعدها، الإسنوي: التمهيد 437، الزركشي: البحر المحيط 3/152، القرافي: نفائس الأصول 4/1971.
139. ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 3/76، 5/558، 561، 3/32، الكلوذاني: التمهيد 3/66، الشاطبي: الاعتصام 1/299، آل تيمية: المسودة 174؛ ابن عبد السلام: قواعد الأحكام 232.
140. ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 3/76.
141. الشاطبي: الاعتصام 1/299.
142. أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء" حديث رقم (7362) مع الفتح 13/345.(1/49)
143. أخرجه أبو داود كتاب العلم باب رواية حديث أهل الكتاب حديث رقم (3644)، أحمد: المسند 4/136، عبد الرزاق: المصنف 11/109 – 110، ابن حبان: صحيحه حديث رقم (6257)، البيهقي: السنن الكبرى 2/10، الطبراني: المعجم الكبير 22/874 وما بعدها، وقد حسّن الرواية الحافظ ابن حجر في فتح الباري 13/334.
144. اسمه صافي وقيل: عبدالله بن صياد أو صائد، كان من يهود المدينة وقيل من الأنصار، وكان صغيراً عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وذكر ابن كثير أنه أسلم، وكان ابنه عُمارة من سادات التابعين روى عنه مالك وغيره. اسماعيل بن كثير: نهاية البداية والنهاية في الفتن والملاحم 1/128، تحقيق محمد فهيم أو عبية، الناشر مكتبة النصر الحديثة، الرياض طبعة أولى 1968م.
145. اُطُم : بناء مرتفع كالحصن.
146. بنو مغالة: بطن من بطون الأنصار انظر فتح الباري 3/261.
147. متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجهاد باب كيف يعرض الإسلام على الصبي؟ حديث رقم (3055) ومسلم في صحيحه كتاب الفتن باب ذكر ابن صياد، حديث رقم (7283).
148. ابن حجر: فتح الباري 6/200، النووي: شرح مسلم 18/253، ابن حزم: الإحكام 2/7.
149. الشوكاني: إرشاد الفحول 203، الشاطبي: الموافقات 4/232، العضد: شرحه على مختصر ابن الحاجب 2/286، الزركشي: البحر المحيط 5/335.
150. الشاطبي: الاعتصام 1/305، الموافقات 5/215، ابن القيم: بدائع الفوائد 4/204، المقري: قواعده ق 25.
151. الطوفي: شرح مختصر الروضة 2/655.
152. نقل غير واحد من الأصوليين الإجماع على وجوب العمل بالظاهر واطّراح الاحتمالات الضعيفة المعارضة له. انظر الجويني: البرهان 1/514، الكلوذاني: التمهيد 2/283، القرافي: نفائس الأصول 1/152، التفتازاني: حاشيته على شرح العضد 2/75.
153. الجويني: البرهان 1/516.
154. ابن حجر: فتح الباري 1/318، النووي: المنهاج شرح صحيح مسلم ابن الحجاج 3/171.(1/50)
155. متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الوضوء باب الاستجمار وتراً حديث رقم (162)، وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب الطهارة باب كراهة غمس المتوضى يده المشكوك في نجاستها في الإناء قبل غسلها ثلاثاً حديث رقم (278).
156. الباقلاني: التقريب والإرشاد 1/340، 3/425-426.
157. البصري: المعتمد 1/294.
158. الجويني: البرهان 1/277، 163، 329.
159. الغزالي: المستصفى 1/384.
160. الرازي: المحصول مع شرح العجلي 3/130 وما بعدها.
161. ابن السبكي: الإبهاج 1/215.
162. العضد: شرح المختصر 2/102، التفتازاني: حاشيته على العضد شرح المختصر 2/37، البلجي: الحدود 42، ابن فورك: الحدود 140.
163. السمرقندي: ميزان الأصول 29، 360، اللامشي: أصول الفقه 92.
164. الدبوسي: تقويم الأدلة 1/220، السرخسي، أصوله 1/137، البخاري: كشف الاسرار، صدر الشريعة: التوضيح ومعه التلويح 1/40، القآني: شرح المغني (مخطوط) ق 22/ب، الأنصاري: فواتح الرحموت 1/265.
165. الغزالي: المنخول 165.
166. ابن قدامة: روضة الناظر 2/463، المغني 13/264.
167. القرافي: نفائس الأصول 3/240، 6/2926، شرح تنقيح الفصول 340.
168. الشاطبي: الموافقات 2/83.
169. ابن تيمية: الفتاوى 20/191، ابن القيم، الصواعق المرسلة 2/682، التلمساني: مفتاح الوصول 434 – 435.
170. البخاري: كشف الأسرار 1/617.
171. الغزالي: المستصفى 1/386.
172. الغزالي: المنخول 166، القوافي: شرح تنقيح الفصول 340، النفائس 2/634.
173. الطوفي: شرح مختصر الروضة 3/29 – 30، الأنصاري: فواتح الرحموت 1/265، الغزالي: المستصفى 1/386، صدر الشريعة: التوضيح مع التلويح 1/35.
174. الدبوسي: تقويم 1/220، السرخسي: أصوله 1/132، الأزميري: حاشيته 1/355 وما بعدها.
175. الزركشي: البحري المحيط 3/248، العلائي: تلقيح المفهوم 128.(1/51)
176. الجويني: البرهان 1/536-537، ابن قدامة: روضة الناظر 2/463، الشوكاني: إرشاد الفحول 203، ابن تيمية: رفع الملام 43.
177. الشاطبي: الموافقات 1/44.
178. ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل 5/221.
179. الموافقات 1/44.
180. الجويني: البرهان 1/357.
181. الشيرازي: شرح اللمع 1/126.(1/52)