$[1/1]
إيضاح القواعد الفقهية
لطلاب المدرسة الصولتية
تأليف
الشيخ عبد اللّه بن سعيد محمد عبَّادِي اللحجي
الحضرمي الشحَاري
المدرس بالمدرسة الصولتية
بمكة المكرمة
الطبعة الثالثة
1410 هـ
جزى اللّه من كان سبباً في إعادة طباعة هذا الكتاب
خير الجزاء وأسكنه فسيح جناته ، آمين
$[1/2]
بسم اللّه الرحمن الرحيم
ترجمة المؤلف
رحمه اللّه تعالى
آمين
هو شيخنا العلامة والبحر الفهامة فخر الإسلام عبد اللّه بن سعيد بن محمد عبادي اللحجي الحضرمي الشحاري المراوعي المكي :
ميلاده : ولد بقرية نوبة عياض من قرى لحج سنة 1342 هـ تقريباً .
مشايخه : كثيرون أوردهم في كتابه المرقاة إلى الرواية والرواة وهو مطبوع ومن أشهرهم السيد عبدالرحمن بن محمد الأهدل مؤلف الإعراب عن فن الإعراب في النحو المتوفى سنة 1372 هـ رحمه اللّه تعالى .
مكانته العلمية : كان رحمه اللّه مرجعا لطلبة العلم فاتحاً صدره لهم تدريساً وإنفاقاً لمن يحتاج منهم النفقة ومرجعاً للمشكلات والمسائل لا سيما الفقهية فله فيها الباع الطويل فقد قضى نحواً من ثلاثين عام يدرس في المسجد الحرام والمدرسة الصولتية بمكة .
مؤلفاته : له مؤلفات قليلة لأنه لم يشتغل بالتأليف عن التدريس إلا قليلاً في آخر حياته - فمنها « منتهى السول على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول صلى اللّه عليه وسلم » ، ويقع في أربعة مجلدات ضخام ، وفي أكثر من ألفي صفحة ، ومنها « إسعاف أهل الخبرة بحكم استعمال الصائم للإبرة » ، ومنها « فتح المنان في شمائل شيخنا عبدالرحمن » ، وله عدة مناظيم منها : نظمه للقيلات المعتمدة في المنهاج للنووي ، ونظم في السيرة ، وله ترجمة ترجمها لنفسه ، وأربعون حديثاً ، وحديقة الأبرار شرح بهجة الأنوار .
تلاميذه : أما تلاميذه فلا حصر لهم .
وفاته : فكانت ليلة الأحد الموافق للسادس والعشرين من جمادى الأولى سنة 1410 هـ بمكة المكرمة ، رحمه اللّه تعالى .
المترجم :(1/1)
علي عبداللّه عبدالرحمن محمد الأهدل
الطالب بجامعة أم القرى كلية الشريعة
والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة
$[1/3]
بسم اللّه الرحمن الرحيم
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد للّه رب العالمين .
****
يقول هيفننج ( Heffening ) : « إن ترتيب كتب الفقه عند الحنفية يحاكي ترتيب « المشنا » - وهي أصل التلمود اليهودي - وأن الشافعية تابعوا في موادهم الفقهية فلاسفة اليونان » (1) . . والذي ينبغي أن نقف عنده ونتأمله ، هو ذلك المنهج الذي يسلكه « المستشرقون » - غالباً للتشكيك فينا ، وفي تراثنا . . ، فهذا واحد منهم يزعم أن ( الفقه الإسلامي ) مدين للأسلوب ( اليهودي ) أو ( اليوناني ) في النشأة والتطور .
وليس الفقه الإسلامي وحده هو الذي تعرض لهذا الهجوم العاق ، بل إن كل المعارف الإسلامية - تقريبا - أصابها من ذلك الشيء الكثير ، فالعقلية الإسلامية في تصور هؤلاء ( المتعصبين ) عاشت عالة على العقليات الأخرى ، تأخذ منها ولا تعطيها، تتأثر بها ولا تؤثر فيها .
* وإنني لأتساءل - وفي النفس ما فيها من مرارة : - هل في ( فقه الإمام أبي حنيفة ) ما يتشابه به من قريب أو بعيد ( مع الفقه اليهودي ) المشنا والجمارا ( التلمود ) ؟ هل فيه ما في ( التلمود ) من جمود وجحود وعداء للإنسان وتاريخه ؟ . . هل فيه ما في التلمود من إرهاب ووحشية ومحاولا عربيدة للفتك بالحضارة والنظام ؟ . . هل فيه ما في التلمود من تمزيق للعلاقات الاجتماعية ، وحنين معتوه إلى الدم البشري المراق ؟ . .
ثم . . متى ؟ . . وأين ؟ . . وكيف اتصل ( أبو حنيفة ) بتلك العقلية المريبة فدرسها، أو تأثر بها أو نحا منحاها .
_________________________
(1) كارل بروكلمان : تاريخ الأدب العربي ( ج 3 ص 334 ) .
$[1/4]
والإمام الشافعي ... هلي في أسلوبه ما في أساليب ( فلاسفة اليونان ) من جفاف وجدل وغموض ، ومضغ للماء ؟(1/2)
* إنني هنا لا أحمل على ( هيفننج ) بقدر ما أحمل على الذين تأثروا به من أبناء لغتنا وجلدتنا . . . وإنني لا أتألم لسلوك المستشرقين ) الفكري ، لكنني أتألم لسلوك ( المستغربين ) منا ، أولئك الذين تنكروا لتاريخهم ومقدساتهم وحضارتهم ، وغفلوا عن أمجادهم وتراثهم .
* يؤلمني هذا . . ويؤلمني أكثر ألا نتنبه لتراثنا الفكري - ليس بالحراسة والحفظ فقط ولكن بالمناقشة والإضافة والتنقية والتنمية ، ومحاولة المواءمة بينه وبين متطلبات العصر . . .
إن ( عزل ) التراث عن واقعنا أمر له خطورته ، كذلك فإن ( حجب ) هذا التراث عن الأجيال أمر أشد خطورة . . ينبغي أن يعيش هذا التراث بيننا بتراثه وخصوبته ، وحيويته ، وينبغي أن نعتز به ونفخر .
وليس معنى هذا أن ( نتعصب في عمى ) لكل قديم ، ونتنكر في ( جمود ) لكل جديد ، بل نتخذ من أصالة القديم . و ( فعالية ) الجديد ما يدفع الخطوة ، ويرفع البناء . . إن عندنا الكثير ولكننا في حاجة إلى أن نعي هذا الكثير ، وندرسه ونحققه ، ثم نقدمه للناس ، فهو نتاج عقليات خصبة ثرية ، حملت على عاتقها عبر أجيال وأجيال ، هداية الإنسان وإسعاده .
* والفقه ( أصوله وقضاياه ) من المعارف الخصبة الثرية ، التي خلفتها العقلية الإسلامية ؛ تلك العقلية التي أنارت الدنيا ، ووطدت دعائم الخير . . ومن العقوق للإنسان المعاصر أن نحرمه هذا النور ، أو أن نطمس في وجهه معالم هذا الهدى ، وندعه عاثرا يبتلعه التيه ، ويحطمه الضياع .
* إن بمقدور الفقه الإسلامي ، أن يقدم الحل الأوفق ( لمشكلة الإنسان
$[1/5]
الحضارية ) وإنني لأنتهز هذه ( المقدمة الموجزة ) فأقول للفقهاء المسلمين - حيث كانوا من أرض اللّه - : إن عليهم تقع مسئولية حماية الإنسان والحضارة . . إن ( الفقيه المسلم ) يملك من ( الأصول والقواعد والنظريات ) ما يكفي ، لو أحسن فهمه والالتزام به - لكي يسعد الإنسان ويهديه .(1/3)
* تلك هي الكلمات التي أردت - أو أريد لي - أن أضعها في صدر كتاب : ( القواعد الفقهية ) - لمؤلفه العلامة : ( الشيخ عبداللّه بن سعيد ) والكتاب فيه من الخير والعلم ما ينفع القارئ المسلم ، ويدفعه إلى الاستزادة من هذه المباحث الجليلة .
حيا اللّه الكاتب الفاضل ، وحيا اللّه كل الذين يقدمون للإنسان ما ينفعه في دينه ودنياه والحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات .
محمد جميل غازي
القاهرة في الخميس
6 محرم 1388هـ
4 إبريل 1968م
$[1/6]
بسم اللّه الرحمن الرحيم
وبه نستعين بدأ وختما
الحمد لله الذي أسس قواعد الأحكام على مصالح الأنام والصلاة والسلام على رسول الإسلام ، سيدنا محمد وآله وأصحابه الكرام .(1/4)
أما بعد : فيقول الفقير إلى عفو اللّه الباري ، عبداللّه سعيد محمد عبادي اللحجي الحضرمي الشحاري : إن فن القواعد عظيم به تتدرب النفس في مآخذ الظنون ومدارك الأحكام ، وهو الأساس للفقه الذي هو علم الحلال والحرام ، وحاجة الناس غليه ضرورية لا فرق بين خواصهم والعوام ، ومسائله غير منحصرة ، وفروعه واسعة منتشرة ، وإنما تضبط بالقواعد ، فكانت معرفتها والاعتناء بها من أعظم الفوائد ، لذلك أشار فضيلة المدير ، على العبد الفقير ، بإيضاح قواعد الفقه المعلومة ، وجعلها نثرا بدلا عن كونها منظومة ، مع ضم زيادات ، من كتب العلماء القادات ، تقر بها أعين الطالبين ، وترتاح إليها أنفس الراغبين ، سالكا مسلك الاختصار ، خشية الملل من الإكثار ، فأجبت المطلوب ، وأسعفت بالمرغوب فحيث صرحت بنحو ، قال الشارح : فالمراد به شارح المنظومة الأصل « الفقيه العلامة ولي اللّه تعالى الشيخ عبداللّه بن سليمان الجرهزي » بجيم مفتوحة فراء ساكنة فهاء مفتوحة فزاي مكسورة آخرها مثناة تحتية ، اليمنى الزبيدي المتوفى سنة 1201هـ رحمه اللّه تعالى ، وحيث صرحت بنحو : « قال السيوطي » ، فهو الحافظ جلال الدين عبدالرحمن السيوطي ، المشهور رحمة اللّه تعالى تغشاه ، والمراد من ذلك ما كتبه في « الأشباه » والنقل عن غيرهما بواسطتهما إلا القليل ، فمن تتبع النظر الكليل ، وعند التمام جعلت الوسام :
« إيضاح القواعد الفقهية ، لطلاب المدرسة الصولتية » ، ويشتمل على مقدمات وثلاثة أبواب وخاتمة .
وأنا أسأل اللّه الرءوف الرحيم ، أن ينفع بها كما نفع بأصلها النظيم ، وأن يجعل
$[1/7]
جمعي لها خالصاً لوجهه الكريم ، وسببا للفوز بجنات النعيم إنه ولي كل خير ومتوليه وهو ذو الفضل العظيم ، وهذا أوان الشروع في المقصود ، بعون اللّه المعبود .
المقدمات(1/5)
قال الجلال السيوطي رحمه اللّه تعالى : حكى القاضي أبو سعيد الهروي : أن بعض أئمة الحنفية بهراة بلغهُ أن الإمام أبا طاهر الدباس إمام الحنفية بما وراء النهر رد جميع مذهب أبي حنيفة إلى شبع عشرة قاعدة فسافر إليه وكان أبو طاهر ضريراً (1) ، وكان يكرر كل ليلة تلك القواعد بمسجده بعد أن يخرج الناس منه ، فالتف الهروي بحصير وخرج الناس وأغلق أبو طاهر المسجد وسرد من تلك القواعد سبعاً فحصلت للهروي سعلة ، فأحس به أبو طاهر فضربه وأخرجه من المسجد ثم لم يكررها فيه بعد ذلك ، فرجع الهروي إلى أصحابه وتلا عليهم تلك السبع ، قال القاضي أبو سعيد : فلما بلغ القاضي حسينا ذلك رد جميع مذهب الشافعي إلى أربع قواعد :
الأولى : « اليقين لا يزال بالشك » .
الثانية : « المشقة تجلب التيسير » .
الثالثة : « الضرر يزال » .
الرابعة : « العادة محكمة » .
قال بعض المتأخرين في كون هذه الأربع دعائم الفقه كله ، نظر ، فإن غالبه لا يرجع غليها إلا بواسطة تكلف .
وضم بعض الفضلاء إلى هذه قاعدة خامسة وهي : « الأمور بمقاصدها » ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « إنما الأعمال بالنيات » ، وقال : « بني الإسلام على خمس » ، والفقه على خمس ، قال العلائي : وهو حسن جداً فقد قال الإمام الشافعي : « يدخل في هذا الحديث ثلث العلم » ، « يعني حديث إنما الأعمال بالنيات » .
وقال الشيخ تاج الدين السبكي : « التحقيق عندي أنه إن أريد رجوع الفقه
_________________________
(1) أي : أعمى .
$[1/8]
إلى خمس بتعسف وتكلف وقول جملي (1) فالخامسة داخلة في الأولى ، بل رجع الشيخ عز الدين بن عبدالسلام الفقه كله إلى اعتبار المصالح ودرء المفاسد ، بل قد يرجع الكل إلى اعتبار المصالح ، فإن درء المفاسد من جملتها ويقال على هذا : واحدة من هؤلاء الخمس كافية ، والأشبه أنها الثالثة وإن أريد الرجوع بوضوح فإنها تربو على الخمسين بل على المائتين . انتهى .
مسألة(1/6)
قال بعض المتأخرين : أعلم أن لهم في وضع القواعد طريقين :
الأولى : أن يضع القواعد التي تعين المجتهد على استنباط الأحكام من مصادرها وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس ، وهذا هو المسمى : بأصول الفقه ، وكان أول من وضع خطة البحث فيه إمامنا الشافعي رحمة اللّه تعالى عليه ورضوانه فصنف كتابه « الرسالة » ، وتبعه كل من جاء بعده من علماء المذاهب الأخرى ولا يمتري في ذلك إلا مكابر معاند .
والطريقة الثانية : استخراج القواعد العامة الفقهية لكل باب من أبواب الفقه ومناقشتها وتطبيق الفروع عليها ، فيستنتج (2) قواعد البيع العامة مثلاً ويبين مسلك التطبيق عليها ، وأول من فتح هذا الباب سلطان العلماء عز الدين عبدالعزيز بن عبدالسلام حيث رجع الفقه كله إلى قاعدة واحدة وهي اعتبار المصالح ودرء المفاسد ، وألف في ذلك كتابين يدعى أحدهما بـ « القواعد الصغرى » ، والآخر بـ « القواعد الكبرى » ، قاله السيوطي في « الأشباه والنظائر » النحوية ، فجاء العلامة بدر الدين محمد الزركشي فتبعه في القواعد وألف كتاباً ضمنه القواعد الفقهية ، وقبله كان الشيخ صدر الدين محمد بن عمر المعروف بابن الوكيل المتوفى سنة 716 رحمه اللّه تعالى ألف كتاباً في الأشباه والنظائر وتبع فيه ابن عبد السلام ، ثم جاء التاج السبكي فحرر كتاب ابن الوكيل في ذلك بإشارة من والده التقي السبكي وجمع أقسام الفقه
_________________________
(1) ضد تفصيلي .
(2) يستنبط .
$[1/9](1/7)
وأنواعه ، ولم يجتمع ذلك في كتاب سواه ، ثم جاء العلامة سراج الدين عمر بن علي بن الملقن الشافعي المتوفى سنة 804 فألف كتاباً في الأشباه والنظائر ، والتقطه خفية من كتاب التاج السبكي رحمه اللّه تعالى ، ثم جاء الإمام الحافظ جلال الدين عبدالرحمن السيوطي فنقح جملة من القواعد في كتابه « شوارد الفوائد ، في الضوابط والقواعد » ، ثم عمد إلى كتاب أوسع يضم جملة من العلوم الفقهية يقال لمجموعها الأشباه والنظائر . انتهى ببعض تصرف .
مسألة
اعلم أنه ينبغي لكل طالب في أي علم أن يتصوره حتى يكون على بصيرة ما في تطلبه أو على بصيرة تامة ، وذلك بمعرفة مبادئه العشرة التي نظمها العلامة الصبان في قوله :
إن مبادي كل فن عشرة ……الحد والموضوع ثم الثمرة
وفضله ونسبة والواضع……والاسم والاستمداد حكم الشارع
مسائل والبعض بالبعض اكتفى……ومن درى الجميع حاز الشرفا
فحد هذا العلم : « قانون تعرف به أحكام الحوادث التي لا نص عليها في كتاب أو سنة أو إجماع » .
وموضوعه : القواعد والفقه من حيث استخراجه من القواعد .
وثمرته : السهولة في معرفة أحكام الوقائع الحادثة التي لا نص فيها وإمكان الإحاطة بالفروع المنتشرة في أقرب وقت ، وأسهل طريق على وجه يؤمن معه التشويش والاضطراب .
وفضله : أنه أشرف العلوم بعد علم التوحيد كما شهد به صلى الله عليه وسلم حيث قال : « من يرد اللّه به خيرا يفقهه في الدين » ، ومعنى ذلك التفقه في الفروع المحتاج إليها وبالقواعد إذ التفقه بالفروع كلها من لدن بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى آخر الزمان عسير جداً حيث أن الوقائع تتجدد بتجدد الزمان كما لا يخفى ، فالمراد إذا التفقه ببعض الفروع والإحاطة بالقواعد .
$[1/10]
ونسبته : أنه نوع من أنواع علم الفقه ، ولعلم التوحيد أنه فرع منه ولبقية العلوم المباينة .(1/8)
وواضعه : الراسخون في الفروع إلا أنه كان منتشراً خلال الأسفار (1) ، وعلى أفواه الرجال ، حتى جاء الإمام أبو طاهر الدباس والقاضي حسين فاعتنيا به، وأشاعاه ، وابن عبدالسلام فألف فيه .
واسمه : « علم القواعد الفقهية » ، « وعلم الأشباه والنظائر »
واستمداده : من الكتاب والسنة وآثار الصحابة وأقوال المجتهدين .
وحكمه : قضاياه أي القواعد الباحثة عن أحوال الفروع من حيث التطبيق والاستثمار . انتهى .
ذكر ذلك بعض المتأخرين .
مسألة
قال التاج السبكي في قواعده : « القاعدة : الأمر (2) الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة تفهم (3) أحكامها منها ، ومنها ما لا يختص بباب كقولنا : « اليقين (4) لا يزال بالشك » ، ومنها ما يختص كقولنا : « كل كفارة (5) سببها معصية فهي على
______________________________
(1) الكتب .
(2) المراد به القضية الكلية أي : المحكوم فيها على كل فرد فرد .
(3) أي تعرف أحكام جزئيات موضوع القاعدة ، وكيفية ذلك أن تجعل القاعدة كبرى قياس ، وتضم إليها صغرى سهلة الحصول ، موضوعها جزئي من جزئيات موضوع القاعدة ، ومحمولها نفس موضوع القاعدة ، فتخرج النتيجة ناطقة بحكم ذلك الجزئي ، فتقول مثلاً الطهارة المتيقنة مع شك في ضدها يقين مقرون بشك ، وكل يقين هذا شأنه لا يزال بالشك ينتج الطهارة المتيقنة لا تزال بالشك في ضدها .
(4) فإنه كما قال السيوطي : « قاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه وإن المسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر » ، وسيأتي بعض مما يندرج فيها إن شاء اللّه .
(5) أي عظمى مغلطة وهي أربعة : كفارة ظهار ، وقتل وجماع نهار رمضان ، ويمين ، فخرجت الصغرى المخففة وأنواعها ثلاثة مد ، مدان ، دم .
$[1/11](1/9)
الفور » (1) والغالب فيما اختص بباب وقصد به نظم صور (2) متشابهة أن يسمى ضابطاً ، وإن شئت قلت ما عم صوراً ، فإن كان المقصود من ذكره القدر المشترك الذي به اشتركت الصور في الحكم ، فهو المدرك (3) ، وإلا (4) فإن كان القصد ضبط تلك الصور بنوع من أنواع الضبط من غير نظر إلى مآخذها فهو الضابط ، وإلا (5) فهو القاعدة » . انتهى ملخصاً .
_______________________
(1) أي واجبة على الفور لا يجوز تأخيرها في القتل ، وجماع نهار رمضان ، وفيما لو عصى بالحنث ، وفي الظهار عند إرادة الوطء بخلاف غير ذلك كما لو كان الحنث طاعة أو مباحاً ، وكأنواع الفدية فإنها على التراخي ، قاله بعض المتأخرين .
(2) أي جمعها وحصرها سواء كان مع استثناء شيء أو عدمه ، مثال ذلك قول الماوردي : « ليس في أعضاء الطهارة عضوان لا يستحب تقديم الأيمن منهما إلا الأذنين فإنه يستحب مسحمها دفعة واحدة » ، وقول الإمام النووي في روضته نقلاً عن الجرجاني : « كل من صح إحرامه بالفرض صح إحرامه بالنفل ، إلا ثلاثة : فاقد الطهورين ، وفاقد السترة ، ومن عليه نجاسة عجز عن إزالتها » ، وقول المحاملي : « الحجر أربعة أقسام : أحدها يثبت بلا حاكم ، وينفك بدونه ، وهو : حجر المجنون والمغمى عليه ، والثاني : لا يثبت إلا بحاكم ولا يرتفع إلا به وهو : حجر السفيه ، والثالث : لا يثبت إلا بحاكم وفي انفكاكه بدونه وجهان وهو : حجر المفلس ، والرابع : ما يثبت بدونه وفي انفكاكه وجهان ، وهو : حجر الصبي إذا بلغ رشيداً » ، قاله بعض المتأخرين .(1/10)
(3) بضم الميم أي موضع الإدراك والمراد منه . ما يدرك منه الحكم من نحو دليل ، والشائع على لسان الفقهاء فتحها ، قال في « المصباح » : « وليس لتخريجه وجه » . قال العلامة الكردي : « المدارك هي : الأدلة التفصيلية » ، مثال ذلك : قوله صلى اللّه عليه وسلم : « إنما الأعمال بالنيات » ، فهذا حديث يعم صوراً كثيرة ، وكان المقصود منه القدر المشترك الذي اشتركت تلك الصور بسببه في حكم هو الوجوب ، فالصور هنا مثلاً الوضوء ، والغسل ، والتيمم ، والصلاة بأنواعها ، والإمامة والاقتداء . والحج ، والعمرة ، والطواف والقدر الذي اشتركت بسببه في الحكم هو الحديث المذكور ، أو كونها من أعمال الجوارح .
(4) أي وإن لم يكن المقصود من ذكره القدر المشترك ، بل كان القصد منه ضبط تلك الصور بنوع من أنواع الضبط فيسمى الضابط ، وقد تقدمت أمثلة آنفاً .
(5) أي وإن لم يكن القصد ضبط تلك الصور بنوع من أنواع الضبط بأن كان القصد الضبط التام لجميع الصور ، فيسمى القاعدة ، مثال ذلك : قولهم : « اليقين لا يزال بالشك » ، فإنه قصد بذكره الضبط التام لصور اليقين الكثيرة في أنها محكوم عليها بحكم وهو : أنها لا تزال بالشك =
$[1/12]
الباب الأول
في القواعد الخمس البهية التي ترجع إليها جميع المسائل الفقهية
القاعدة الأولى
« الأمور بمقاصدها »
أي الشئون مرتبطة بنياتها ، والأصل في هذه القاعدة قوله صلى الله عليه وسلم : « إنما الأعمال بالنيات » ، وهذا حديث صحيح مشهور أخرجه الأئمة الستة ، البخار ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وغيرهم من حديث عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه .(1/11)
واعلم (1) : قد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر حديث النية قال أبو عبيدة : « ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع ، وأغنى ، وأكثر فائدة منه » ، واتفق الإمام الشافعي ، والإمام أحمد بن حنبل ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وعلي بن المديني ، وأبو داود ، والدارقطني ، وغيرهم على أنه « ثلث العلم » ، ومنهم من قال : « ربعه » ، ووجه البيهقي كونه ثلث العلم : « بأن كسب العبد يقع بقلبه ، ولسانه ، وجوارحه فالنية أحد أقسامها الثلاثة ، وأرجحها لأنها قد تكون عبادة مستقلة وغيرها يحتاج إليها » ،قال الإمام الشافعي رحمه اللّه تعالى : « حديث النية يدخل في سبعين باباً » .
_________________________
= وذلك لأن اليقين أصل ، والشك عارض فلا يكون مرجحا بجانب الأصل ولا يزال الأصل به . وقول الأصوليين : كل أمر يقتضي الوجوب حقيقة فإنه قصد بذكره الضبط التام لصور الأمر الكثيرة في أنها محكوم عليها بحكم هو اقتضاء الوجوب حقيقة ، وذلك لأن الأمر موضوع للطلب الجازم . ومثل ذلك قولهم : كل كفارة سببها معصية فهي على الفور ، فالصور هي : كفارة الظهار ، وكفارة القتل ، وكفارة جماع نهار رمضان . والقدر الذي اشتركت فيه هو كون سببها معصية ، والحكم هو الوجوب فورا ، قاله بعض المتأخرين .
(1) يا من يتأتى منك العلم .
$[1/13](1/12)
قال السيوطي : « وهذا ذكر ما يرجع إليه من الأبواب إجمالا . من ذلك ربع العبادات بكماله ، كالوضوء ، والغسل ، فرضاً ونفلاً ، ومسح الخف ، في مسألة الجرموق ، والتيمم ، وإزالة النجاسة على رأي ، وغسل الميت على رأي ، والأواني في مسألة الضبة . بقصد الزينة أو غيرها ، والصلاة بأنواعها ، القصر، الجمع ، الإمامة ، الاقتداء ، وسجود التلاوة ، والشكر ، وخطبة الجمعة على رأي، والأذان على رأي ، وأداء الزكاة ، واستعمال الحلي ، أو كنزه ، وصدقة التطوع ، والصوم والاعتكاف ، والحج والعمرة ، والضحايا ، والنذر والكفارات والجهاد والعتق ، والتدبير والكتابة والوصية والنكاح والوقف وسائر القرب بمعنى : توقف حصول الثواب على قصد التقرب بها إلى اللّه تعالى » ، كذا قال . « فإن أراد الثواب الكامل فلا بأس وإلا فهو ضعيف بناء على ما رجحه الشيخ زكريا » . ثم عدد (1) جملة من الأبواب كالبيوع ، والطلاق ، والظهار وغيرها ، ثم قال : « فهذه سبعون باباً أو أكثر دخلت فيه النية فعلم من ذلك فساد قول من قال : إن مراد الشافعي المبالغة » . انتهى .
ثم اعلم أن كلام العلماء في النية من سبعة أوجه يجمعها قول الشاعر :
حقيقة حكم محل وزمن ……كيفية شرط ومقصود حسن
أما ( مقصودها ) أي القصد من النية الذي شرعت لأجله ، فهو تمييز العبادات من العادات ، وتمييز رتب العبادات بعضها من بعض ، كالوضوء والغسل ، يتردد بين التنظيف والتبرد ، والعبادة والإمساك عن المفطرات ، قد يكون للحمية ، والتداوي ، أو لعدم الحاجة إليه ، والجلوس في المسجد قد يكون للاستراحة ، فشرعت النية لتمييز القرب من غيرها ، وكل من الوضوء ، والغسل، والصوم ، ونحوها قد يكون فرضاً ونذرا ونفلاً ، والتيمم قد يكون عن الحدث ، أو الجنابة والصورة واحدة فشرعت لتمييز رتب العبادات بعضها من بعض .
___________________________
(1) يعني : السيوطي
$[1/14]
ومن ثم ترتب على ذلك أمور :(1/13)
الأول : عدم اشتراط النية في عبادة لا تكون عادة أو لا تلتبس بغيرها كالإيمان باللّه تعالى ، والخوف ، والرجاء ، والنية وقراءة القرآن ، والأذكار ، لأنها متميزة بصورتها ، وأما التروك ، كالزنا وغيره ، فلم يحتج إلى نية لحصول المقصود منها ، وهو اجتناب المنهي بكونه لم يوجد وإن لم يكن نية ، نعم : يحتاج إليها في حصول الصواب المترتب على الترك .
الأمر الثاني : اشتراط التعيين فيما يلتبس دون غيره ، قال في « شرح المهذب » : « دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : « وإنما لكل امرئ ما نوى » ، فهذا ظاهر في اشتراط التعيين ، لأن أصل النية فهم من أول الحديث : « إنما الأعمال بالنيات » ، وذلك كالصلاة فيشترط التعيين في فرائضها لتساوي الظهر ، والعصر ، فعلا وصورة فلا يميز بينهما إلا التعيين ، وكالرواتب فيشترط تعيينها بإضافتها إلى الظهر مثلاً أو كونها التي قبلها أو التي بعدها » . قال السيوطي : كما جزم به في « شرح المهذب » ، انتهى . وجزم في« العباب » بعدم الاشتراط وخص بعضهم الوجوب بما إذا أخر المتقدمة لاشتراكهما في الوقت حينئذ ، وكصلاة عيد الفطر والأضحى ، وكصلاة التسبيح فإنه يشترط تعيينها على الراجح لكن اعتمد الشيخ ابن حجر في فتاويه عدم اشتراط التعيين في صلاة التسبيح .
ضابط : قال في « المهذب » (1) : « كل موضع افتقر إلى نية الفرض افتقر إلى تعيينها إلا التيمم للفرض في الأصح » . انتهى . أي فإنه لا يشترط فيه نية فرض التيمم ، بل لا يصح إن أطلق ما لم يرد بالفرض كونه بدلا عن الوضوء ، وإنما ينوي الاستباحة .
قاعدة : « ما لا يشترط التعرض له جملة وتفصيلاً إذا عينه وأخطأ لم يضر » ،
_________________________
(1) للشيخ أبي إسحاق .
$[1/15](1/14)
كتعيين مكان الصلاة وزمانها ، وكما إذا عين الإمام من يصلي خلفه ، أو صلى في الغيم ، أو صام الأسير ، ونوى الأداء والقضاء ، فبان خلافه ، وما يشترط فيه التعيين فالخطأ فيه مبطل ، كالخطأ من الصوم إلى الصلاة وعكسه ، ومن صلاة الظهر إلى العصر . وما يجب التعرض له جملة ولا يشترط تعيينه تفصيلا إذا عينه وأخطأ ضر ، وفي ذلك فروع . نوى الاقتداء بزيد فبان عمرا ولم يشر غليه لم يصح . عين زكاة ماله الغائب فكان تالفا لم يجزئه عن الحاضر ، نوى كفارة الظهار فكان عليه كفارة قتل لم يجزئه . وخرج عن ذلك صور :
منها لو نوى رفع حدث النوم مثلاً وكان حدثه غيره (1) أو رفع جنابة الجماع وجنابة باحتلام أو عكسه ، أو رفع حدث الحيض وحدثها الجنابة أو عكسه خطأ لم يضر ، وصح الوضوء والغسل في الأصح .
واعتذر عن خروج ذلك عن القاعدة بأن النية في الوضوء والغسل ليست للقربة بل للتمييز ، بخلاف تعيين الإمام والميت مثلاً ، وبأن الأحداث وإن تعددت أسبابها فالمقصود منها واحد وهو المنع من الصلاة ولا أثر لأسبابها من نوم أو غيره . ومنها لو نوى المحدث غسل أعضائه الأربعة عن الجنابة غلطا ظانا أنه جنب صح وضوؤه كما في « شرح المهذب » واعتمدوه .
الأمر الثالث : اشتراط التعرض للفرضية وذلك في الكفارات ، وفي الغسل والصلاة والزكاة ، بلفظ الصدقة دون الوضوء والصوم والحج والعمرة ، والزكاة والجماعة ، كما أنه لا يجب التعرض للأداء والقضاء .
تنبيه : هل تجوز الاستنابة في النية ؟ قال ابن القاص وغيره : « لا يجوز التوكيل في النية إلا فيما اقترنت بفعل كتفرقة زكاة ، وذبح أضحية ، وصوم عن الميت ، وحج » ، وتبعه على ظاهره السيوطي ؛ لكن المرجح كما في « التحفة » في باب
_______________________
(1) لمس المرأة .
$[1/16]
الوكالة صحة التوكيل في النية فقط قال : « وقول بعضهم لا يصح أن يوكل فيها آخر مردود » . انتهى نقله الشارح .(1/15)
الأمر الرابع : مما يترتب على التمييز الإخلاص في المنوي بأن يفرد العمل لله تعالى ، ويخلص من الشوائب وحظوظ النفس ، فلا تصح بالتشريك بين كونه لله تعالى وكونه لعادة أو غيرها ، وقال بعض المتأخرين . الإخلاص أمر زائد على النية لا يحصل بدونها وقد تحصل بدونه ونظر الفقهاء قاصر على النية وأحكامهم إنما تجري عليها . وأما الإخلاص فأمره إلى اللّه ، ومن ثم صححوا عدم وجوب الإضافة إلى اللّه تعالى في جميع العبادات .
والتشريك في النية أقسام :
الأول : أن ينوي مع العبادة ما ليس بعبادة فقد يبطلها كما إذا ذبح الأضحية لله وللصنم فانضمام الصنم يوجب حرمة الذبيحة ، وقد لا يبطلها وفيها صور . منها ما لو نوى الوضوء أو الغسل والتبرد صح الوضوء والغسل . ومنها ما لو نوى الصوم والحمية أو التداوي صح صومه . ومنها ما لو نوى الصلاة ودفع غريمه صحت صلاته . ومنها ما لو نوى الطواف وملازمة غريمه أو السعي خلفه صح طوافه إذا افرده بنية ، ولا ينسحب حكم النية في اصل النسك عليه لوجود الصارف وهو قصد ملازمة الغريم . منها إذا قرأ في الصلاة آية وقصد بها القراءة والتفهيم فإنها لا تبطل . ومنها ما حكاه النووي عن جماعة من الأصحاب فيمن قال له إنسان صل الظهر ولك دينار فصلى بهذه النية أنه تجزئه صلاته ولا يستحق الدينار ولم يحك فيها خلافه .
تنبيه : ما صححوه من الصحة في هذه الصور هو بالنسبة إلى الإجزاء وأما الثواب فصرح ابن الصباغ بعدم حصوله في مسألة التبرد ، نقله في الخادم ولا شك أن مسألة الصلاة والطواف أولى بذلك .
$[1/17]
القسم الثاني : أن ينوي مع العبادة المفروضة عبادة أخرى مندوبة وفيه صور :
منها : ما لا يقتضي البطلان ويحصلان معا . ومنها : ما يحصل الفرض فقط . ومنها : ما يحصل النقل فقط . ومنها : ما يقتضي البطلان في الكل .(1/16)
فمن الأول : أحرم بصلاة ونوى بها الفرض والتحية صحت ، وحصلا معا قال في « شرح المهذب » : « اتفق عليه أصحابنا ولم أر فيه خلافاً بعد البحث الشديد سنين ، قال الشمس الرملي » : السنن التي تندرج (1) مع غيرها ؛ تحية المسجد ، وركعتا الوضوء ، والطواف والإحرام ، وسنة الغفلة والاستخارة ، وصلاة الحاجة ، وركعتا القدوم من السفر ، وركعتا الخروج له » . انتهى . ومنه : نوى بغسله الجنابة والجمعة حصلا جميعاً على الصحيح . ومنه . نوى بسلامه الخروج من الصلاة والسلام على الحاضرين حصلا . ومنه . نوى حج الفرض وقرنه بعمرة تطوع أو عكسه حصلا . ومنه نوى بصلاته الفرض وتعليم الناس جاز للحديث .
ومن الثاني : نوى بحجه الفرض والتطوع وقع فرضاً ؛ لأنه لو نوى التطوع انصرف إلى الفرض .
ومن الثالث : أخرج خمسة دراهم ونوى بها الزكاة وصدقة التطوع لم تقع زكاة ووقعت صدقة تطوع بلا خلاف . عجز عن القراءة فانتقل إلى الذكر فأتى بالتعوذ ودعاء الاستفتاح قاصدا به السنة والبدلية لم يحسب عن الفرض جزم به الرافعي . خطب بقصد الجمعة والكسوف لم يصح للجمعة لأنه تشريك بين فرض ونفل جزم به الرافعي .
ومن الرابع : كبر المسبوق والإمام راكع تكبيرة واحدة ونوى بها التحرم والهوي إلى الركوع لم تنعقد الصلاة أصلا للتشريك . نوى بصلاته الفرض والراتبة لم تنعقد أصلاً .
_________________________
(1) تدخل .
$[1/18]
القسم الثالث : أن ينوي مع المفروضة فرضاً آخر ، قال ابن السبكي : « لا يجزي ذلك إلا في الحج والعمرة » ، قال السيوطي : « بل لهما نظير آخر وهو أن ينوي الغسل والوضوء معا فإنهما يحصلان على الأصح » .
القسم الرابع : أن ينوي مع النفل نفلاً آخر فيحصلان من ذلك : ما لو نوى الغسل للجمعة والعيد فإنهما يحصلان . ومنه ما لو نوى صوم يوم عرفة والاثنين مثلاً فيصح لأنهما سنتان .(1/17)
القسم الخامس : أن ينوي مع غير العبادة شيئاً آخر غيرها وهما مختلفان في الحكم ومن فروعه أن يقول لزوجته أنت علي حرام وينوي الطلاق والظهار ، فالأصح أنه يخير بينهما فما اختاره ثبت ، وقيل يثبت الطلاق لقوته ، وقي الظهار لأن الأصل بقاء النكاح واللّه أعلم .
وأما ( حقيقتها ) فهي لغة : مطلق القصد ، وشرعاً ؛ عرفها الماوردي : « بأنها قصد الشيء مقترناً بفعله » ، وأما ( حكمها ) فهو الوجوب غالباً .
وأما ( محلها ) ففي القلب في كل موضع ويتحصل من ذلك أصلان :
الأول : أنه لا يكفي التلفظ باللسان دون القلب .
الثاني : أنه لا يشترط مع القلب التلفظ .
فمن فروع الأول : أنه لو اختلف اللسان والقلب فالعبرة بما في القلب ؛ فلو نوى بقلبه الظهر وبلسانه العصر ؛ أو بقلبه الحج وبلسانه العمرة أو عكسه صح له ما في القلب . ومنها أنه إن سبق لسانه إلى لفظ اليمين بلا قصد فلا تنعقد ولا تتعلق به كفارة .
ومن فروع الثاني . مسائل العبادات كلها . ومنها . إذا أحيا أرضاً بنية جعلها مسجداً فإنها تصير مسجداً بمجرد النية . ومنها من حلف لا يسلم على زيد فسلم على قوم هو فيهم واستثناه بالنية فإنه لا يحنث .
$[1/19]
وخرج عن هذا الأصل صور يشترط فيها التلفظ بالمنوي . منها : الطلاق فلو نوى أصل الطلاق أو عدداً منه ولم يتلفظ بذلك فلا وقوع . ومنها : النذر فلو نواه بقلبه ولم يتلفظ به لم ينعقد ومنها : أن يشتري شاة بنية الضحية أو الإهداء للحرم فلا تصير أضحية ولا هدياً على الصحيح حتى يتلفظ بذلك . ومنها إذا باع سلعة بألف وفي البلد نقود لا غالب فيها فقبل ونويا نوعا لم يصح في الأصح حتى يبيناه لفظاً . ومنها لو قال : « أنت طالق » ، ثم قال : « أردت إن شاء اللّه تعالى » ، لم يقبل حتى يتلفظ بذلك ؛ قال الرافعي : « والمشهور أنه لا يدين » . ومنها من هم بقول معصية ولم يتلفظ به لم يأثم ما لم يقل فإن قال بعد الهم أثم بها أيضاً كما نبه عليه بعض المحققين .(1/18)
وأما ( زمنها ) أي وقتها ، فهو أول العبادات ونحوها ؛ ففي الوضوء ؛ عند غسل الوجه ؛ وفي الصلاة بالهمزة من التحريم ويستمر إلى تمام التحريم وفي المجموع والتنقيح : « المختار ما اختاره إمام الحرمين والغزالي أنه تكفي المقارنة العرفية بأن يوجد النية كلها أو بعضها في أول التكبير أو آخره بحيث يعد مستحضرا للصلاة وصوبه التقي السبكي وقال ابن الرفعة : « إنه الحق » ، وقال غيره : « إنه قول الجمهور » ، وقال الزركشي : « إنه حسن بالغ لا يتجه غيره » ، وقال الأذرعي : « إنه صحيح » ، وقال السبكي : « من لم يقل به وقع في الوسواس المذموم » ، وقال الخطيب الشربيني : ولي بهما أسوة » . انتهى . ذكره الشارح .
وخرج عن ذلك صور لا تجب فيها مقارنة النية لأول العبادة ، أي : فتصح النية قبل الشروع في العبادة .
فمن ذلك : الصوم فيجوز تقديم نيته على الفجر لعسر مراقبته ثم سرى ذلك إلى أن وجب؛ فلو نوى مع الفجر لم يصح في الأصح حتى قال الزركشي : « ليس لنا ما يمتنع مقارنته ويجب تقديمه إلا الصوم » . انتهى . والصحيح أنه عزم قام مقام النية : ومنها الزكاة فتصح نيتها قبل الشروع في الدفع للفقراء في الأصح للعسر
$[1/20]
قياساً على الصوم وكذلك الكفارة . والفرق بينهما وبين الصلاة حيث لا تجزئ إلا في أولها . أنه يجوز تقديمها عن وقت وجوبهما فجاز تقديم نيتهما بخلاف الصلاة كذا ذكروا . ومنها جمع الصلاتين في السفر ؛ حيث تكون نية الجمع في أولاهما ولو كانت في أول العبادة لكانت في أول الصلاة الثانية . لأنها المجموعة وإن جعلت الأولى أول العبادة فهو مما جاز فيه التأخير عن أولها لأن الأظهر جواز نية الجمع في أثنائها ومع التحلل منها . ومنها الأضحية فيجوز نية التضحية بالشاة مثلاً قبل الشروع في ذبحها ولا يجب اقترانها به في الأصح ؛ وتجوز عند الدفع إلى الوكيل في الأصح .
تنبيهان :(1/19)
الأول : ما أوله من العبادات ذكر وجب اقترانها بكل اللفظ وقيل يكفي بأوله .
فمن ذلك : الصلاة ؛ ومعنى اقترانها بكل التكبير أن يوجد جميع النية المعتبرة عند كل حرف منه . ومعنى الاكتفاء بأوله أنه لا يجب استصحابها إلى آخره ؛ واختاره إمام الحرمين والغزالي وقد تقدم . ونظير ذلك نية كناية الطلاق فإنه يشترط مقارنة النية لجميع اللفظ على خلاف فيه بين « الروضة » وغيرها . ومن ذلك الوضوء والغسل فيستحب اقتران النية فيهما بالتسمية . ومن ذلك : الإحرام فينبغي أن يقال بمقارنة النية للتلبية وهو ظاهر كما يفهم من كلامهم وإن لم يصر جوابه ؛ قاله السيوطي . ومن ذلك . الطواف وينبغي اقتران نيته بقوله : « بسم اللّه واللّه أكبر » ، ومن ذلك الخطبة إن أوجبنا نيتها ؛ والظاهر وجوب اقترانها بقوله : « الحمد لله » ، لأنه أول الأركان .
التنبيه الثاني : قد يكون للعبادة أول حقيقي وأول نسبي فيجب اقتران النية بهما .
من ذلك التيمم فيجب اقتران نيته بالنقل لأنه أول المفعول من أركانه وبمسح الوجه لأنه أول الأركان المقصودة والنقل وسيلة غليه ومن ذلك . الوضوء والغسل
$[1/21]
فيجب للصحة اقتران نيتهما بأول مغسول من الوجه والبدن ويجب للثواب اقترانها بأول السنن السابقة ليثاب عليها فلو لم يفعل لم يثب عليها في الأصح لأنه لم ينوها . وفي نظيره من نفل الصوم . لو نوى في أثناء النهار حصل له ثواب الصوم من أوله .(1/20)
وأما ( كيفية النية ) فتختلف باختلاف الأبواب . وذلك كنية الوضوء فإنها « قصد رفع الحرمة الناشئة من الحدث » . وفي اشتراط قصد (1) الفعل فيها خلاف ؛ رجح الشيخ ابن حجر في حاشيته على « فتح الجواد » الاشتراط ، وهو مشكل . ثم رأيت في بعض كتب الأئمة من أصحابنا عدم اشتراط قصد الفعل في الطهارة . انتهى . وبه يعلم أن المنقول خلاف ما بحثه . قاله الشارح وكنية الصلاة فإنها « قصد أقوال وأفعال مخصوصة مبتدأة بالتكبير مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة » ، وكنية الحج فإنها فيه « قصد الدخول في شيء (2) معنوي يقتضي قصد الدخول فيه تحريم أشياء كانت حلالا له قبل » ، هذا التعريف هو الذي يظهر من تعاريف كثيرة مدخولة قاله الشارح . وكنية الصيام فإنها فيه « قصد إمساك مخصوص » ، وكنية الزكاة فإنها فيه « قصد إخراج شيء مخصوص عن مال مخصوص على وجه مخصوص » .
وأما شروط النية فأربعة :
الأول : الإسلام ومن ثم لا تصح العبادات من الكافر أصلياً كان أو مرتداً على الراجح حتى في غسله على الراجح أيضاً . وخرج عن ذلك صور :
الأولى : الذمية تحت المسلم يصح غسلها من الحيض ليحل لحليلها وطؤها بلا خلاف للضرورة ويشترط نيتها كما قطع به المتولي والرافعي وصححه في التحقيق
__________________________
(1) أي الفعل المخصوص يعني : قصد غسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين .
(2) قال الباجوري الحج شرعاً : « هو النسك الذي هو النية والطواف والسعي والوقوف بعرفة والحلق وترتيب معظم هذه الأركان » فهو نفس هذه الأعمال ، كما أن الصلاة نفس الأعمال المعروفة . انتهى .
$[1/22]
قال في « الروضة » : « فإن امتنعت أجبرها عليه واستباحها ، وإن لم تنو للضرورة كما تجبر المسلمة المجنونة » .
الثانية : الكفارة تصح من الكافر ويشترط منه نيتها لأن المغلب فيها جانب الغرامات والنية فيها للتمييز لا للقربة .
الثالثة : الزكاة إذا أخرجها المرتد حال ردته فتصح وتجزئه .(1/21)
الرابعة : إذا نوى سفر القصر وهو كافر اعتبرت نيته ، فإذا أسلم في أثناء المسافة قصر على الأرجح .
الخامسة : إذا أسلم الكافر مع طلوع الفجر ووافق آخر إسلامه الطلوع فهو مسلم حقيقة ويصح من صوم النفل ؛ وأما الفرض فلا يصح منها والحالة هذه لأن التبييت شرط .
الشرط الثاني : التمييز فلا تصح عبادة صبي لا يميز ولا عبادة مجنون .
الشرط الثالث : العلم بالمنوي مطابقا للواقع فلو اعتقد أن الوضوء أو الصلاة سنة لم يصح . ولو اعتقد أن فيهما فروضاً وسنناً ولم يميز صح حتى من العالم كما قاله ابن حجر خلافاً للبغوي .
وبقي قسم ثالث : وهو ما لو أتى بالأفعال ولم يعتقد شيئاً وكان يخفى عليه مثل ذلك فالقياس الصحة وإن كان قولهم لا يجوز الإقدام على فعل حتى يعلم حكم اللّه فيه يقتضي خلافه قاله الشارح .
الشرط الرابع : عدم المنافي بأن لا يأتي بما ينافيها دواما وابتداء أي في أثناء العبادة وفي أولها فلو ارتد في أثناء الصلاة أو عند تحرمها لم تصح وكذا لو ارتد في أثناء الصوم أو الحج أو التيمم بطل أيضاً أو في أثناء الوضوء أو الغسل لم يبطلا ؛ لأن أفعالهما غير مرتبطة ببعضها ولكن لا يحسب المغسول في زمن الردة ويحتاج إلى استئناف النية ولو ارتد بعد الفراغ فالأصح أنه لا يبطل الوضوء والغسل ويبطل التيمم لضعفه ولو وقعت الردة بعد فراغ الصلاة أو الصوم أو الحج أو أداء الزكاة لم تجب عليه الإعادة ؛ وأما الأجر فإن لم يعد إلى الإسلام فلا يحصل له ؛ لأن الردة
$[1/23]
تحبط العمل وإن عاد إلى الإسلام فظاهر النص أنها تحبط أيضاً والذي في كلام الرافعي وغيره أنها إنما تحبط العمل إذا اتصلت بالموت لقوله تعالى : { فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم } ، وهذا هو المعتمد . ومن المنافي نية القطع ؛ وفي ذلك فروع بعضها يؤثر فيه نية القطع وبعضها لا يؤثر :
فمن الأول . نوى قطع الإيمان والعبادة باللّه تعالى من ذلك صار مرتداً في الحال .(1/22)
نوى قطع الصلاة أثناءها بطلت بلا خلاف لأنها شبيهة بالإيمان .
نوى قطع الجماعة بطلت وفي الصلاة قولان أصحهما لا تبطل .
نوى قطع الفاتحة فإن كان مع كسوت يسير بطلت القراءة في الأصح وإلا فلا .
نوى الإقامة وقطع السفر فإن كان سائرا لم يؤثر لأن السير يكذبها وإن كان نازلا انقطع .
نوى الإتمام في أثناء الصلاة امتنع عليه القصر .
نوى بمال التجارة القنية انقطع حول التجارة ولو نوى بمال القنية التجارة لم يؤثر في الأصح .
نوى بالحلي المحرم استعمالا مباحاً بطل الحول .
نوى بالحلي المباح محرما أو كنزاً ابتدأ حول الزكاة .
ومن الثاني نوى قطع الطهارة أثناءها لم يبطل ما مضى لكن يجب تجديد النية لما بقى .
نوى قطع الصوم والاعتكاف لم يبطلا في الأصح ؛ والفرق بينهما وبين الصلاة أن الصلاة أشد احتياطاً من غيرها وهي مخصوصة من بين سائر العبادات بوجوه من الربط ومناجاة العبد ربه قال الشارح : « وكان القياس أن التيمم يبطل بنية القطع ولم أر فيه نقلاً » .
نوى الأكل والجماع في الصوم لم يضره .
نوى فعل مناف في الصلاة كالأكل والعمل الكثير لم تبطل قبل الشروع فيه .
نوى قطع الحج والعمرة لم يبطلا بلا خلاف ، لأنه لا يخرج مهما بالفساد .
نوى الخيانة في الوديعة لم يضمن على الصحيح إلا أن يتصل به نقل من الحرز كما في قطع القراءة مع السكوت ومن المنافي عدم القدرة على المنوي إما عقلاً وإما شرعاً .
$[1/24]
فمن الأول . نوى بوضوئه أن يصلي صلاة وأن لا يصليها لم يصح لتناقضه .
ومن الثاني . نوى به الصلاة في مكان نجس لم يصح الوضوء لعدم قدرته شرعاً وإن قال في« العباب » الظاهر الصحة ، ومن المنافي التردد وعدم الجزم وفيه فروع .(1/23)
تردد هل يقطع الصلاة أو لا ؟ أو علق إبطالها على شيء بطلت ، وكذا في الإيمان ترد في أنه نوى القصر أو لا وهل يتم أو لا ؟ لم يقصر . تيقن الطهارة وشك في الحدث فاحتاط وتطهر ثم بان أنه محدث لم يصح وعليه الإعادة في الأصح . نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد عن رمضان إن كان منه فكان منه لم يقع عنه »! بخلاف! ما لو وقع ذلك ليلة الثلاثين من رمضان لاستصحاب الأصل . ليه فائتة فشك هل قضاها أو لا ؟ فقضاها ثم تيقنها لم تجزئه ؛ هجم فتوضأ بأحد الإناءين لم يصح وضوؤه وإن بان أن توضأ بالطاهر شك في جواز المسح على الخف فمسح ثم بان جوازه ؛ وجب إعادة المسح وقضى ما صلى به . تيمم أو صلى أو صام شاكا في دخول الوقت فبان في الوقت لم تصح تيمم بلا طلب للماء ثم بان أن لا ماء لم يصح صلى إلى جهة شاكا أنها القبلة فإذا هي هي لم تصح . قصر شاكا في جواز القصر لم يصح وإن بان جوازه . صلى على ميت شاكا أنه من أهل الصلاة عليه فبان أنه من أهلها لم تصح . صلى خلف خنثى فبان رجلاً لم يسقط القضاء في الأظهر . قال هذه زكاة أو صدقة لم تقع زكاة للتردد قال أصوم عدا إن شاء زيد لم يصح وإن شاء زيد ؛ أو قال أصوم غداً إن نشطت لم يصح .
وخرج عن ذلك صور يصح فيها النية مع التردد أو التعليق ؛ فمن صور التردد اشتبه عليه ماء وماء ورد لا يجتهد بل يتوضأ بكل مرة ويغتفر التردد في النية للضرورة عليه صلاة من الخمس فنسيها فصلى الخمس ثم تذكرها لا تجب الإعادة . عليه صوم واجب لا يدري هل هو من رمضان أو نذر أو كفارة فنوى صوما واجبا أجزأه كمن نسي صلاة من الخمس ويعذر في عدم جزم النية للضرورة .
ومن صور التعليق ما إذا علق إحرامه على إحرام صاحبه ؛ كأن يقول :
$[1/25](1/24)
إن كان زيد محرماً فقد أحرمت فإن تبين إحرام صاحبه انعقد إحرامه ؛ وإلا فلا لو أحرم ليلة الثلاثين من رمضان وهو شاك فقال : إن كان من رمضان فإحرامي بعمرة أو من شوال فإحرامي بحج فكان من شوال صح ؛ كما نقله في « شرح المهذب » شك في قصر إمامه فقال : إن قصر قصرت وإلا أتممت فبان قاصرا قصر . اختلط موتى مسلمون بكفار أو شهداء وصلى على كل واحد منهم بنية الصلاة عليه إن كان مسلماً أو غير شهيد صح . عليه فائتة وشك في أدائها فقال أصلي عنها إن كانت وإلا فنافلة فتبين أنها عليه أجزأه نقله في « شرح المهذب » عن الدارمي . نوى زكاة ماله الغائب إن كان باقيا لم يتلف وإلا فعن الحاضر فبان باقيا أجزأه عنه ، أو تالفاً أجزأه عن الحاضر .
أحرم بصلاة الجمعة في آخر وقتها فقال : إن كان باقياً فجمعة وإلا فظهر فبان بقاؤه ، صحت الجمعة على ما اعتمده الشهاب الرملي وتبعه ولده الجمال الرملي رحمهم اللّه تعالى .
تنبيهات :
الأول : اختلف أصحابنا الشافعية هل النية ركن في العبادات أو شرط ؟ فاختار الأكثر أنها ركن لأنها داخل العبادة ؛ وذلك شأن الأركان ، واختار القاضي أبو الطيب الطبري وابن الصباغ أنها شرط وإلا لافتقرت إلى نية أخرى . والشيخان الرافعي والنووي عداها في الصلاة ركنا ، وقالا في الصوم النية شرط الصوم والمعتمد الأول ؛ أي أنها ركن لا شرط . نعم أجرى العلماء النية مجرى الشروط في مسألة ؛ وهي ما لو شك بعد الصلاة في تركها أو ترك الطهارة فإنه تجب الإعادة بخلاف ما لو شك في ترك ركن قال في « شرح المهذب » : والفرق أن الشك في الأركان يكثر لكثرتها بخلاف الشروط .
التنبيه الثاني : قال الرافعي وتبعه في « الروضة » : « النية في اليمين تخصص اللفظ العام وتقصره على بعض أفراده ولا تعمم الخاص من اللفظ » .
$[1/26]
مثال الأول أن يقول ، واللّه لا أكلم أحداً ونوى زيداً ، قصر عليه فلا يحنث إلا بتكليم زيد لا بتكليم غيره .(1/25)
ومثال الثاني أن يمن عليه رجل بما نال منه ، فيقول واللّه لا أشرب منه ماء من عطش فإن اليمين تنعقد على الماء من عطش خاصة ؛ ولا يحنث بطعامه وثيابه ، وإن نوى أنه لا ينتفع بشيء منه وإن كانت المنازعة تقتضي ذلك لأن النية إنما تؤثر إذا احتمل اللفظ ما نواه بجهة يتجوز بها ؛ قال الأسنوي : « وفي ذلك نظر لأن فيه جهة صحيحة وهي إطلاق اسم البعض على الكل » .
التنبيه الثالث : قال العلماء مقاصد اللفظ على نية اللافظ ، والمعنى أن مقاصد اللفظ كاليمين (1) والاعتكاف (2) والنذر (3) والحج (4) ونحوها من الصلاة وغيرها (5) محمولة على نية اللافظ أي أنه لا يعتبر في النية إلا نية صاحبها المتلفظ بمضمونها إلا في صورة واحدة وهي اليمين عند من له ولاية التحليف كالقاضي والمحكم فإنها على نية القاضي ونحوه دون الحالف فلا تعتبر نيته ، وإلا لضاعت الحقوق سواء كان موافقا للقاضي في مذهبه أم لا ، فإذا ادعى حنفي على شافعي شفعة الجوار والقاضي حنفي يعتقد إثباتها فليس للمدعى عليه أن يحلف على عدم استحقاقها عليه عملا باعتقاده ، فلو
_________________________
(1) كمن حلف لا يدخل دار زيد ، فإنه يحنث بدخول ما يسكنها بملك لا بإعارة وإجارة وغصب ، إلا أن يريد مسكنه فيحنث بالمعار وغيره ويحنث بما يملكه ولا يسكنه إلا أن يريد مسكنه فلا يحنث بما لا يسكنه .
(2) كأن يقول ، اعتكف ويطلق ، ثم يخرج من المسجد ، فهل يجدد النية إذا عاد أم لا ؟ فإن كان خروجه بعد العزم على العود فلا يجب التجديد ، وإن كان بدون العزم على العود فيجب التجديد .
(3) كأن يقول نذرت لله لأفعلن كذا ، فإن نوى اليمين يلزمه إن حنث كفارة يمين .
(4) كأن يحرم مطلقاً في أشهر الحج فإنه يصرفه قبل العمل بالنية إلى ما شاء من حج وعمرة وقرآن .(1/26)
(5) أي غير الصلاة كالطلاق والعتق بأن يقول لزوجته واسمها طالق أو أمته واسمها حرة يا طالق أو يا حرة فإن قصد الطلاق أو العتق حصلا أو النداء باسمها فلا .
$[1/27]
حلف أثم اعتباراً بنية القاضي ومحله ما إذا صدق المدعي في دعواه دون ما إذا كذب بأن ادعى بدين قد أبرأه منه أو أداه ولا بينة مثلاً فإنه في هذه الحالة تنفع التورية من المدعي عليه كما بحثه البلقيني .
تذنيب : اعلم أن النفل لا يقوم مقام الفرض ولا يجزئ .
وخرج عن هذا الأصل صور يتأدى فيها الفرض بنية النفل .
منها : أغفل المتطهر لمعة وانغسلت بنية التكرار في الثانية أو الثالثة أجزأه في الأصح بخلاف ما لو انغسلت في التجديد . ومنها : تذكر في قيامه ترك سجدة وكان جلس بنية الاستراحة كفاه عن جلوس الركن في الأصح ، ومنها جلس للتشهد الأخير وهو يظنه الأول ثم تذكر أجزأه ومنها نوى الحج أو العمرة أو الطواف تطوعا وعليه الفرض انصرف إليه بلا خلاف .
خاتمة : المنقطع عن الجماعة لعذر من أعذارها إذا كان نيته حضورها لولا العذر يحصل له ثوابها كما اختاره في « الكفاية » ، ونقله عن « التلخيص » للروياني . قال في « المهمات » : « ونقله في البحر عن القفال وارتضاه وجزم به الماوردي في « الحاوي » والغزالي في « الخلاصة » ، وهو الحق » . انتهى . قال السيوطي : « والأحاديث الصحيحة تدل لذلك » ، واللّه أعلم .
القاعدة الثانية
« اليقين لا يزال بالشك »
أي لا يرفع حكمه بالشك أي التردد باستواء أو رجحان ، ودليلها قوله صلى الله عليه وسلم : « إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً ، فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا ؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحاً » ، رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه واصله في الصحيحين عن عبداللّه بن زيد قال : « شكى إلى رسول اللّه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ؟ قال : لا ينصرف حتى يسمع صوتا
$[1/28](1/27)
أو يجد ريحاً » ، وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه تعالى عنه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « إذا شك أحدكم في صرته فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعاً ؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن » .
واعلم أن هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر ، فلنذكر منها جملة صالح فنقول . يندرج في هذه القاعدة عدة قواعد منها : قاعدة : « الأصل بقاء ما كان على ما كان » ، أي الأس والمعيار في الأمور المتأخرة أن تبنى على الأمور المتقدمة ، ومن أمثلة ذلك : من تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو متطهر ، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث ، ومن ذلك عدم النقض بمس الخنثى أو لمسه .
ومنها : أحرم بالعمرة ثم بالحج ، وشك هل كان أحرم بالحج قبل طوافها فيكون صحيحاً أو بعده فيكون باطلاً ؟ حكم بصحته . أحرم بالحج وشك هل كان في أشهر الحج أو قبلها ؟ كان حجا . أكل آخر الليل وشك في طلوع الفجر صح صومه لأن الأصل بقاء الليل . أكل آخر النهار بلا اجتهاد وشك في الغروب بطل صومه ، لأن الأصل باء النهار . نوى وشك هل طلع الفجر أم لا ؟ صح صومه بلا خلاف . تعاشر الزوجان مدة مديدة ثم ادعت عدم الكسوة والنفقة فالقول قولها لأن الأصل بقاؤها في ذمته وعدم أدائهما . اشترى ماء وادعى نجاسته ليرده ، فالقول قول البائع لأن الأصل طهارة الماء . ادعت الرجعية امتداد الطهر وعدم انقضاء العدة صدق ولها النفقة لأن الأصل بقاؤها .
ومنها قاعدة : « الأصل براءة الذمة » ، أي : عن حقوق الغير ، قال الشافعي رضي اللّه تعالى عنه : « أصل ما أبني عليه الإقرار أني أعمل اليقين وأطرح الشك ، ولا أستعمل الغلبة » ، وهذه قاعدة مطردة عند الأصحاب ومرجعها إلى أن الأصل براءة الذمة وفروع القاعدة كثيرة .
$[1/29](1/28)
منها : اختلفا في قيمة المتلف حيث تجب قيمته على متلفه كالمستعير والمستام والغاصب والمودع المعتدي ، فالقول قول الغارم ، لأن الأصل براءة ذمته مما زاد ، ومنها توجهت اليمين على المدعى عليه ، فنكل لا يقضي بمجرد نكوله لأن الأصل براءة ذمته بل تعرض على المدعى . ومنها صيغ القرض ملكته على أن ترد بدله ، فلو اختلفا في ذكر البدل ، فالقول قول الآخذ لأن الأصل براءة ذمته . ومنها لو قال الجاني هكذا أوضحت ، وقال المجني عليه بل أوضحت موضحتين وأنا رفعت الحاجز بينهما صدق الجاني لأن الأصل براءة ذمته .
ومنها قاعدة : « من شك هل فعل (1) شيئاً أو لا فالأصل أنه لم يفعله » ، ويدخل فيها قاعدة أخرى : « من تيقن الفعل وشك في القليل أو الكثير عمل على القليل بأنه المتيقن » ، اللّهم إلا أن تشتغل الذمة بالأصل فلا تبرأ إلا بيقين ، وهذا الاستثناء راجع إلى قاعدة ثالثة ذكرها الشافعي رضي اللّه تعالى عنه وهي : « أن ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين » .
فمن فروع الأولى : شك في ترك مأمور به في الصلاة كالقنوت سجد للسهو ، أو شك في ارتكاب منهي عنه كركوع زائد فلا يسجد ؛ لأن الأصل عدم فعلهما . ومنها سها وشك هل سجد للسهو ؟ يسجد . ومنها شك في أثناء الوضوء أو الصلاة أو غيرهما من العبادات في ترك ركن وجبت إعادته . ومن فروع الثانية : شك هل غسل ثنتين أو ثلاثاً بنى على الأقل وأتى بالثالثة . ومنها شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً ؟ بنى على الأصل ومنها شك هل طلق واحدة أو أكثر ؟ بنى على الأقل ولا يخفى الورع ومنها عليه دين وشك في قدره لزمه إخراج القدر المتيقن كما قطع به الإمام إلا أن تشتغل ذمته بالأصل فلا يبرأ إلا بما تيقن أداؤه ، كما لو نسي صلاة من الخمس تلزمه الخمس . ومنها قاعدة : « الأصل العدم » ، أي الأصل في الحقوق العدم أي عدم لزوم شيء للغير .
_________________________(1/29)
(1) أي كطلاق امرأته إذا شك هل طلق أو لا فلا يقع الطلاق لأن الأصل أنه لم يفعله .
$[1/30]
فمن ذلك القول قول عامل القراض في قوله لم اربح ؛ لأن الأصل عدم الربح ، أو لم أربح إلا كذا ، لأن الأصل عدم الزائد ، وفي قوله لم تنهني عن شراء كذا لأن الأصل عدم النهي ، وفي قدر رأس المال لأن الأصل عدم دفع زيادة . ومنها لو ثبت عليه دين بإقرار أو بينة فادعى الأداء أو الإبراء فالقول قول غريمه لأن الأصل عدم ذلك . ومنها اختلف الجاني والولي في مضي زمن يمكن فيه الاندمال فالمصدق الجاني لأن الأصل عدم المضي ومنها أكل طعام غيره وقال كنت أبحته لين وأنكر المالك صدق المالك لأن الأصل عدم الإباحة ومنها قاعدة : « الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن » .(1/30)
ومن فروعها : رأى في ثوبه منياً ولم يذكر احتلاماً ، لزمه الغسل على الصحيح ولا يعيد إلا من آخر نومة نامها ، نص عليه في « الأم » ، ومنها ضرب بطن حامل فانفصل الولد حيا وبقي زمانا بلا ألم ثم مات ، فلا ضمان ، لأن الظاهر أنه مات بسبب آخر . ومنها فتح قفصا عن طائر فطار في الحال ضمنه ، وإن وقف ثم طار فلا يضمن إحالة على اختيار الطائر ، ومنها قاعدة : « الحلال عند الشافعي ما لم يدل الدليل على تحريمه » . وعند أبي حنيفة : « الحلال ما دل الدليل على حله » ، ويظهر أثر الخلاف في المسكوت عنه فعلى قول الشافعي هو « من الحلال » ، وعلى قول أبي حنيفة هو « من الحرام » ويعضد (1) الشافعي قوله صلى الله عليه وسلم : « ما أحل اللّه فهو حلال ، وما حرم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو ، فاقبلوا من اللّه عافيته ، فإن اللّه لم يكن لينسى شيئاً » ، أخرجه البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء بسند حسن ، وروى الطبراني أيضاً من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي اللّه عنه : « إن اللّه فرض فرائض فلا تضيعوها ، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها (2) وحد حدوداً فلا تعتدوها ، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها » ، وفي لفظ : « وسكت عن كثير من غير نسيان فلا تتكلفوها ، رحمة لكم فاقبلوها » ، وروى الترمذي
_________________________
(1) يقوى .
(2) تفعلوها .
$[1/31]
وابن ماجة من حديث سلمان أنه : « سئل عن الجبن والسمن والفراء فقال : الحلال ما أحل اللّه في كتابه ، والحرام ما حرم اللّه في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه » ، قاله السيوطي وعلى هذه القاعدة يخرج كثير من المسائل المشكل حالها :
منها : الحيوان المشكل أمره وفيه وجهان ، أصحهما الحل كما قال الرافعي . ومنها النبات المجهول تسميته ، قال المتولي : « يحرم أكله » وخالفه النووي ، وقال : « الأقرب الموافق للمحكي عن الشافعي في التي قبلها الحل » .(1/31)
تنبيه : إنما عدلت عن القاعدة التي عبر بها الناظم كأصله وهي : « الأصل في الأشياء الإباحة ، حتى يدل الدليل على التحريم عندنا ، وعند أبي حنيفة الأصل فيها التحريم حتى يدل الدليل على الإباحة » ، لأمرين :
الأول - أن ابن نجيم الحنفي انتقد نسبة هذا القول إلى أبي حنيفة .
الثاني - أن الزركشي من أئمتنا انتقد هذه القاعدة قائلاً في قواعده : « الأصل في الأشياء الإباحة أو التحريم أو الوقف ، أقوال بناها الأصوليون على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين ، على تقدير التنزل لبيان هدم القاعدة بالأدلة السمعية ، وحينئذ فلا يستقيم تخريج فروع الأحكام على قاعدة ممنوعة في الشرع » . انتهى . نقله الشارح . ومنها قاعدة : « الأصل في الأبضاع التحريم » ، فإذا تقابل في المرأة حل وحرمة غلبت الحرمة ولهذا امتنع الاجتهاد فيما إذا اختلطت محرمة بنسوة قربة محصورات ؛ لأنه ليس أصلهن الإباحة حتى يتأيد الاجتهاد باستصحابه وإنما جاز النكاح في صورة غير المحصورات رخصة من اللّه تعالى كما صرح به الخطاب لئلا ينسد عليه باب النكاح . ومن فروع هذه القاعدة ما ذكره الغزالي في الإحياء : « أنه لو وكل شخصاً في شراء جارية ووصفها فاشترى الوكيل جارية بالصفة وما! قبل أن يسلمها للموكل ؛ لم يحل للموكل وطؤها لاحتمال أنه اشتراها لنفسه وإن كان شراء الوكيل الجارية بالصفات المذكورة ظاهراً في الحل : ولكن الأصل التحريم حتى يتيقن سبب الحل » .
$[1/32]
قال الشارح : « وحاصل المعتمد في الإماء المجلوبات (1) من الحبشة إن علم أنهن من غنيمة خمست سباهن مسلم أو كافر ، ولم يسلمن في بلادهن فالحل ، وإن لم يعلم شيء فالعبرة باليد أي : يد من هي بيده ، أو علم عدم التخميس فالحرمة » . انتهى .
ومنها قاعدة : « الأصل في الكلام الحقيقة » ، وفي ذلك فروع :(1/32)
منها : إذا وقف على أولاده أو أوصى لهم لا يدخل في ذلك ولد الولد في الأصح لأن اسم الولد حقيقة في ولد الصلب . ومنها لو حلف لا يبيع أو لا يشتري، أو لا يضرب عبده فوكل في ذلك لم يحنث حملا للفظ على حقيقته ، ومنها لو قال وقفت على حفاظ القرآن لم يدخل فيه من كان حافظاً ونسيه لأنه لا يطلق عليه حافظ إلا مجازا باعتبار ما كان . ومنها لو وقف على ورثة زيد وهو حي لم يصح لأن الحي لا ورثة له قاله في البحر .
ذكر تعارض الأصل والظاهر الضابط في ذلك ما حرره ابن الصلاح حيث قال : « إذا تعارض أصلان ، أو أصل وظاهر وجب النظر في الترجيح ؛ كما في تعارض الدليلين فإن تردد في الراجح فهي مسائل القولين ؛ وإن ترجح دليل الظاهر حكم به بلا خلاف وإن ترجح دليل الأصل حكم به بلا خلاف » . انتهى . فالأقسام حينئذ أربعة :
الأول : ما يرجع فيه الأصل جزماً كمن شك أصلى ثلاثاً أم أربعاً فإن الأصل عدم الزيادة والظاهر أنها أربع لكثرة الركوع والسجود مثلاً وطول الزمن بحيث أنه خالف عادة نفسه في فعلها وكمن ظن طلاقا أو عتقا فإن الأصل فيهما العدم والظاهر المظنون وقوعهما .
الثاني : ما يرجح فيه الظاهر جزما . وضابطه أن يستند إلى سبب منصوب شرعاً أو سبب معروف عادة أو يكون معه ما يعتضد به .
_________________________
(1) اللاتي يؤتى بهن .
$[1/33]
مثال الأول : الشهادة تعارض اليد ، وإخبار الثقة بنجاسة الماء أو بدخول الوقت ونحو ذلك . ومثال الثاني : استعمال السرجين في أواني الفخار فيحكم بالنجاسة قطعاً ومثله الماء الهارب من الحمام لاطراد العادة بالبول فيه فيحكم بالنجاسة قاله الزركشي في قواعده .
ومثال الثالث : مسألة بول الظبية إذا بالت ووجد الماء عقب بولها متغيرا فيحكم بنجاسته ، وخرج بعقب بولها ما إذا وجد التغير بعد نحو طول الزمن عرفا فلا يحكم بنجاسته كما في « شرح العباب » في باب الصيد .(1/33)
الثالث : ما يرجح فيه الأصل على الأصح وأمثلته لا تكاد تنحصر .
منها : الشيء الذي لا يتيقن بنجاسته ولكن الغالب فيه النجاسة كثياب الخمارين والجزارين والكفار المتدينين بالنجاسة والطرق التي يغلب نجاستها ، والمقبرة المنبوشة التي لا يستيقن بنجاستها والمنعي بها كما قال الإمام وغيره ما حصل النبش في أطرافها والغالب على الظن انتشار النجاسة فيها ، وفي جميع ذلك قولان . أصحهما الحكم بالطهارة في الكل استصحابا للأصل ، وبذلك يعلم أن الضعف هنا بالنسبة إلى قوة الأصل ، وإلا فالظن الحاصل في هذه المسائل قوي من حيث هو .
الرابع : ما يرجح فيه الظاهر على الأصح وذلك إذا كان سببا قويا منضبطا وفيه فروع . منها من شك بعد السلام في ترك ركن غير النية وتكبيرة الإحرام فإنه لا يؤثر على المشهور من القولين ، لأن الظاهر مضيها على الصحة والشرط كالركن على الأصح في عدم تأثير الشك فيه بعد السلام ، قال في « التحفة » وغيرها . أما الشك في النية وتكبيرة الإحرام فيؤثر على المعتمد أي فتلزمه إعادة الصلاة لشكه في اصل الانعقاد . قال الشارح : « ورجح السيد السُمهودي وأبو مخرمة أن النية وغيرها سواء أي في عدم تأثير الشك بها بعد السلام .
وإذا تعارض أصلان رجح الأقوى منهما قال الإمام : وليس المراد بتعارض الأصلين تقابلهما على وزان واحد في الترجيح ، فإن هذا كلام يتناقض بل المراد
$[1/34]
التعارض بحيث يتخيل الناظر في ابتداء نظرة تساويهما ، فإذا حقق فكره رجح ثم تارة يجزم بأحد الأصلين ، وتارة يجري الخلاف ، ويرجح بما عضده من ظاهر أو غيره » ، قال ابن الرفعة : « ولو كان في جهة أصل ، وفي جهة أصلان جزم بذي الأصلين ولم يجر الخلاف » .(1/34)
مثال تعارض أصلين مع الجزم بأحدهما . من نوى وشك هل كانت نيته قبل الفجر أو بعده ؟ لم يصح صومه لأن الأصل عدم النية قبل الفجر قال النووي : « ويحتمل مجيء وجه أنه يصح لأن الأصل بقاء الليل » . ومثال تعارض أصلين مع تعضيد أحدهما بظاهر ما إذا ادعى العنين الوطء في المدة المضروبة من القاضي وهو سليم الذكر والأنثيين فالقول قوله لأن الأصل بقاء النكاح فيرجح هذا الأصل على أصل عدم الوطء لاعتضاد الأصل الأول بسلامة ذكره ؛ لأن سليمه لا يكون عنيناً في الغالب ، ومثال تعارض أصلين مع اعتضاد أحدهما بشيء غير ظاهر ، ما لو وقعت في الماء نجاسة وشك هل هو قلتان أو أقل ؟ فوجهان أحدهما يتجنس وبه جزم الماوردي وآخرون ، لتحقق النجاسة والأصل عدم الكثرة ، والوجه الثاني ، أنه لا يتنجس وصوبه النووي لأن الأصل الطهارة وشككنا في تنجسه والأصل عدمه ، ولا يلزم من النجاسة التنجس ، ورجح السبكي مقالة النووي .
وقد يتعارض ظاهران ومن أمثلته : ما لو أقرت بالنكاح وصدقها المقر له بالزوجية فالجديد قبول الإقرار لأن الظاهر صدقهما فيما تصادقا عليه ، إذ النكاح حق الزوجين فيثبت بتصادقهما كغيره من العقود والقديم إن كانا بلديين طولبا بالبينة لمعارضة هذا الظاهر بظاهر آخر وهو أن البلديين يعرف حالهما غالباً ويسهل عليهما إقامة البينة .
فوائد : نختم بها الكلام على هذه القاعدة :
الفائدة الأولى : - قال الإمام أبو العباس أحمد بن القاص في « التلخيص » : لا يزال حكم اليقين بالشك إلا في إحدى عشرة مسألة .
$[1/35]
الأولى - شك ماسح الخف هل انقضت المدة أم لا ؟
الثانية - شك هل مسح في الحضر أو في السفر ؟ يحكم في المسألتين بانقضاء المدة .
الثالثة - شك مسافر أوصل بلده أم لا ؟ لا يجوز له الترخص .
الرابعة - شك مسافر هل نوى الإقامة أم لا ؟ لا يجوز له الترخص .
الخامسة - إذا أحرم المسافر بنية القصر خلف من لا يدري أمسافر هو أم مقيم لم يجز القصر .(1/35)
السادسة - بال حيوان في ماء كثير ثم وجده متغيرا ولم يدر أتغير بالبول أم بغيره فهو نجس .
السابعة - المستحاضة المتحيرة يلزمها الغسل عند كل صلاة شكت في انقطاع الدم قبلها .
الثامنة - تيمم ثم رأى شيئاً لا يدر أسراب هو أم ماء بطل تيممه وإن بان سراباً .
التاسعة - رمى صيدا فجرحه ثم غاب فوجده ميتا وشك هل أصابته رمية أخرى من حجر أو غيره لم يحل أكله وكذا لو أرسل عليه كلبا .
العاشرة - من أصابته نجاسة في ثوبه أو بدنه وجهل موضعها يجب غسل كله .
الحادية عشرة - المستحاضة وسلس البول إذا توضأ ثم شك هل انقطع حدثه أم لا ؟ فصلى بطهارته لم تصح صلاته » ، هذا ما ذكره ابن القاص وقد نازعه القفال وغيره في استثنائها ونقل النووي ذلك في « شرح المهذب » وقال : « ما قاله القفال فيه نظر » ، والصواب في أكثر هذه المسائل مع ابن القاص ثم زاد النووي مسائل (1) :
منها : إذا شك الناس في انقضاء وقت الجمعة فإنهم لا يصلون الجمعة وإن كان الأصل بقاء الوقت ، ومنها : إذا توضأ وشك هل مسح رأسه أم لا ؟ فيه وجهان : الأصح صحة وضوئه ، ولا يقال الأصل عدم المسح ، ومنها . لو سلم من صلاته وشك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً ، الأظهر أن صلاته مضت على الصحة . وزاد التاج السبكي صوراً أخرى ، منها : مسألة الهرة فإن الأصل نجاسة فمها فترك لاحتمال ولوغها في
_________________________
(1) علي بن القاص .
$[1/36]
ماء كثير وهو شك ، ومنها : من رأي منياً في ثوبه أو فراشه الذي لا ينام فيه غيره ولم يذكر احتلاماً لزمه الغسل في الأصح مع أن الأصل عدمه ، ومنها من شلك بعد صوم يوم من الكفارة هل نوى ؟ لم يؤثر على الصحيح ، مع أن الأصل عدم النية ومنها : من عليه فائتة شك في قضائها لم يلزمه مع أن الأصل بقاؤها ذكره الشيخ عز الدين في مختصر النهاية قاله السيوطي .(1/36)
الفائدة الثانية : قال الشيخ أبو حامد الإسفرائيني : الشك على ثلاثة أضرب شك طرأ على أصل محرم ، وشك طرأ على أصل مباح ، وشك لا يعرف أصله .
فالأول : مثل أن يجد شاة مذبوحة في بلد فيها مسلمون ومجوس فلا تحل حتى يعلم أنها ذكاة مسلم لأن أصلها حرام وشككنا في الذكاة المبيحة فلو كان الغالب فيها المسلمون جاز الأكل عملا بالغالب المفيد للظهور .
والثاني : أن يجد ماء متغيرا واحتمل تغيره بنجاسة أو بطول المكث يجوز التطهر به عملاً بأصل الطهارة ولا يغير الشك حكمه .
والثالث : مثل معاملة من أكثر ماله حرام فتجوز معاملته ولا تحرم لإمكان الحلال وعدم تحقق التحريم لم يكره خوفاً من الوقوع في الحرام » . انتهى .
الفائدة الثالثة : الظن والشك عند الفقهاء بمعنى واحد وهذا باعتبار الغالب قال النووي : اعلم أن مراد أصحابنا بالشك في الماء والحدث والنجاسة والصلاة والعتق وغيرها هو التردد بين وجود الشيء وعدمه سواء كان الطرفان في التردد سواء أو أحدهما راجحا فهذا معناه في استعمال الفقهاء وفي كتب الفقه ، أما أصحاب الأصول فإنهم فرقوا بين ذلك وقالوا التردد إن كان على السواء فهو شك وإن كان أحدهما راجحا فالراجح ظن والمرجوح وهم » ، انتهى ذكره السيوطي .
الفائدة الرابعة : يعب عن الأصل في جميع ما تقدم بالاستصحاب وه استصحاب الماضي في الحاضر وأما استصحاب الحاضر في الماضي فهو الاستصحاب المقلوب .
$[1/37]
قال الشيخ تقي الدين السبكي : « ولم يقل به الأصحاب إلا في مسألة واحدة وهي إذا اشترى شيئاً فادعاه مدع وانتزعه منه بحجة مطلقة فإنهم أطبقوا على ثبوت الرجوع له على البائع بالثمن ، بل لو باع المشتري أو وهب كان للمشتري الأول الرجوع أيضاً فهذا استصحاب الحال في الماضي لأن البينة لا تنشئ الملك ولكن تظهره والملك سابق على إقامتها ويحتمل انتقال الملك من المشتري إلى المدعي ولكنهم استصحبوه مقلوباً ، وهو عدم الانتقال منه فيما مضى » . انتهى .(1/37)
القاعدة الثالثة
« المشقة تجلب التيسير »
الأصل في هذه القاعدة قوله تعالى : { يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ، وقوله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } ، وقوله صلى الله عليه وسلم : « بعثت بالحنيفية السمحة (1) » ، أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث جابر بن عبداللّه رضي اللّه عنهما ، وقوله صلى الله عليه وسلم : « إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين » ، رواه الشيخان ، البخاري ومسلم ، وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه وغيره ، وروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه مرفوعا : « إن دين اللّه يسر ثلاثاً » ، وروى الشيخان « البخاري ومسلم » عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها : « ما خير رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً » ، إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة .
قال العلماء يتخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته .
واعلم أن أسباب التخفيف في العبادات وغيرها سبعة :
الأول : السفر ، قال النووي : « ورخصه ثمانية » :
منها ما يختص بالطويل قطعاً وهو القصر والفطر والمسح أكثر من يوم وليلة
_________________________
(1) السهلة .
$[1/38]
ومنها ما لا يختص به قطعاً وهو ترك الجمعة وأكل الميتة . ومنها ما فيه خلاف والأصح اختصاصه به وهو الجمع . ومنها ما فيه خلاف والأصح عدم اختصاصه به وهو التنقل على الدابة وإسقاط الفرض بالتيمم .
الثاني - المرض ورخصه كثيرة .(1/38)
التيمم عند مشقة استعمال الماء وعدم الكراهة في الاستعانة بمن يصب عليه أو يغسل أعضاءه والقعود في صرة الفرض وخطبة الجمعة ، والاضطجاع في الصلاة والإيماء فيها والجمع بين الصلاتين على وجه اختاره النووي وجماعة ، وتبعهم السبكي والإسنوي والبلقيني ونقل عن النص واختاره السيوطي وقال : « صح به الحديث » ، والتخلف عن الجماعة والجمعة مع حصول الفضيلة كما تقدم . والفطر في رمضان والخروج من المعتكف وعدم قطع التتابع المشروط في الاعتكاف والاستنابة في الحج وفي رمي الجمار وإباحة محظورات الإحرام مع الفدية والتداوي بالنجاسات وإباحة النظر للعلاج حتى للعورة والسوأتين .
الثالث - الإكراه فإنه يبيح الخمر والتلفظ بكلمة الكفر ولا يبيح الزنا والقتل .
الرابع - النسيان فإنه مسقط للإثم كمن جامع في نهار رمضان ناسيا للصوم فلا كفارة عليه ولا يبطل صومه ؛ وكمن سلم من ركعتين ناسيا وتكلم عامدا لظنه إكمال الصلاة لا تبطل صلاته .
الخامس - الجهل بالحكم فإنه مسقط للإثم أيضاً فإذا أتى بمفسد للعبادة ناسيا أو جاهلا كالأكل في الصلاة والصوم ؛ وفعل ما ينافي الصلاة من كلام قليل وغيره . والجماع في الصوم لم تفسد صلاته ولا صومه ؛ وقد أطال السيوطي في مسائل الإكراه والنسيان والجهل بما يشفي العليل ؛ وقد أطال السيوطي في مسائل الإكراه والنسيان والجهل بما يشفي العليل ؛ ويروي الغليل فراجعه فإنه جدير بذلك .
السادس- العسر أي عسر تجنب الشيء وعموم البلوى ؛ كالصلاة مع النجاسة المعفو عنها كدم الفروج والدماميل والبراغيث والقيح والصديد وطين الشارع ؛
$[1/39]
وأثر نجاسة عسر زواله وذرق الطيور إذا عم في المساجد والمطاف ؛ ومنه العفو عما لا يدركه الطرف وما لا نفس له سائلة وريق النائم .(1/39)
السابع - النقص ضد الكمال فإنه نوع من المشقة إذ النفس مجبولة على حب الكمال وكراهة النقص فشرع التخفيف في التكاليف كعدم تكليف الصبي والمجنون وعدم تكليف النساء بكثير مما يجب على الرجال كالجماعة والجمعة والجهاد والجزية وتحمل العقل (1) وإباحة لبس الحرير ؛ وحلي الذهب وعدم تكليف الأرقاء بكثير مما على الأحرار ككونه على النصف من الحر في الحدود والعدة .
ومن التخفيف : جواز كثير من العقود لأن لزومها يشق ويكون سببا لعدم تعاطيها ؛ ومنه إباحة النظر عند الخطبة وعند التعليم ، وعند الإشهاد وعند المعاملة وإباحة نكاح أربع نسوة تيسيراً على الرجال وعلى النساء أيضاً لكثرتهن . ومنه مشروعية الطلاق لما في البقاء على الزوجية من المشقة عند التنافر . ومنه مشروعية الكفارة في الظهار واليمين تيسيرا على المكلفين ومشروعية التخيير بين القصاص والدية تيسيراً على هذه الأمة . ومشروعية الكتابة ليتخلص العبد من الرق ؛ ومشروعية الوصية عند الموت ليتدارك الإنسان ما فرط منه في حال الحياة ؛ ومنه إسقاط الإثم عن المجتهدين في الخطأ والتيسير عليهم بالاكتفاء بالظن ؛ قال السيوطي : « فقد بان بهذا أن هذه القاعدة يرجع إليها غالب أبواب الفقه » . اهـ .
فوائد مهمة : نختم بها الكلام على هذه القاعدة .
الفائدة الأولى : في ضبط المشاق المقتضية للتخفيف ، قال السيوطي : « المشاق على قسمين :
القسم الأول : مشقة لا تنفك عنها العابدة غالباً كمشقة البرد في الوضوء والغسل ومشقة الصوم في شدة الحر وطول النهار ومشقة السفر التي لا انفكاك للحج والجهاد
_________________________
(1) الدية .
$[1/40]
عنها ومشق ألم الحدود . ورجم الزناة وقتل الجناة ؛ فلا أثر لهذه في إسقاط العبادات في كل الأوقات .
القسم الثاني : مشقة تنفك عنها العبادات غالباً ، وهي على مراتب :(1/40)
الأولى : مشقة عظيمة فادحة (1) كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأعضاء فهي موجبة للتخفيف والترخيص قطعاً لأن حفظ النفوس والأطراف لإقامة مصالح الدين أولى من تعريضها للفوات في عبادة أو عبادات يفوت بها أمثالها .
الثانية : مشقة خفيفة لا وقع لها كأدنى وجع في أصبع وأدنى صداع في الرأس أو سوء مزاج خفيف ؛ فهذا لا اثر له ولا التفات إليه ، لأن تحصيل مصالح العبادات أولى من دفع مثل هذه المفسدة التي لا أثر لها .
الثالثة : متوسطة بين هاتين (2) المرتبتين فما دنا من المرتبة العليا أوجب التخفيف ، أو من الدنيا لم يوجبه كحمى خفيفة ، ووجع الضرس اليسير ، وما تردد في إلحاقه بأيهما اختلف فيه ولا ضبط لهذه المراتب إلا بالتقريب » .
الفائدة الثانية : قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام :
تخفيفات الشرع ستة أنواع :
الأول - تخفيف إسقاط ؛ كإسقاط الجمعة والحج والعمرة والجهاد بالأعذار .
الثاني - تخفيف تنقيص أي نقص من الواجب الأصلي كالقصر في السفر بناء على أن الفرض أربع ركعات .
الثالث - تخفيف إبدال كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم وكإبدال القيام في الصلاة بالقعود والاضطجاع والإيماء ، وكإبدال الصيام بالإطعام .
الرابع - تخفيف تقديم كجمع التقديم في السفر والمطر ومطلقا إذا لم يتخذ عادة عند جمع من المجتهدين وغيرهم . وكتقديم الزكاة على الحول وزكاة الفطر في رمضان والكفارة على الحنث .
_________________________
(1) شديدة .
(2) الشديدة والخفيفة .
$[1/41]
الخامس - تخفيف تأخير كجمع التأخير في السفر وتأخير رمضان للمريض والمسافر وتأخير الصلاة في حق مشتغل بإنقاذ غريق أو نحوه من أعذار الصلاة .
السادس - تخفيف ترخيص في الأمور التي كانت صعبة ثم سهلها الشارع كإباحة الميتة والتداوي بالنجاسة وشرب الخمر للغصة .(1/41)
واستدرك العلائي سابعا : وهو تخفيف تغيير كتغيير نظم الصلاة في الخوف ، وقد يقال هو داخل في النقص لأنه نقص عن نظمها الأصلي أو داخل في الترخيص وحينئذ فلا زيادة .
الفائدة الثالثة : الرخص أقسام : ما يجب فعلها كأكل الميتة للمضطر الذي غلب على ظنه الهلاك ، وكالفطر لمن خاف الهلاك بغلبة الجوع والعطش وإن كان مقيما صحيحا ، وكإساغة الغصة بالخمر .
وما يندب كالقصر في السفر إذا بلغ ثلاث مراحل ، وكالفطر لمن يشق عليه الصوم في سفر أو مرض ، وكالإبراد بالظهر ، وكالنظر إلى المخطوبة ، وما يباح كالسلم والصلح والإجازة باعتبار أصولها لا باعتبار ما يطرأ عليها فإنها قد تكون واجبة كإجارة القاضي أموال المفلس .
وما الأولى تركها كالمسح على الخف والجمع والفطر لمن لا يتضرر وكالتيمم لمن وجد الماء يباع بأكثر من ثمن المثل وهو قادر عليه ، وما يكره فعلها كالقصر في أقل من ثلاث مراحل خروجاً من خلاف أبي حنيفة .
الفائدة الرابعة : بمعنى هذه القاعدة قول الشافعي رضي اللّه تعالى عنه : « إذا ضاق الأمر اتسع » ، وقد أجاب بها في ثلاثة مواضع :
أحدها - فيما إذا فقدت المرأة وليها في سفر فولت أمرها رجلاً يجوز .
الثاني - في أواني الخزف المعمولة بالسرجين يجوز الوضوء منها .
الثالث - فيما يحمله الذباب على رجله من النجاسة يعفى عنه .
ولهم عكس هذه القاعدة وهي : « إذا اتسع الأمر ضاق » ، وذلك كقليل العمل في
$[1/42]
الصلاة لما كان يشق اجتنابه سومح به ، وكثيره لما لم يكن به حاجة لم يسامح به ، ومثله قليل الدم وكثيره .
وجمع الغزالي في الإحياء بين هاتين القاعدتين بقوله : « كل ما تجاوز عن حده انعكس إلى ضده » ، واللّه أعلم .
القاعدة الرابعة
« الضرر يزال »(1/42)
أصل هذه القاعدة الذي استنبطت منه قوله صلى الله عليه وسلم : « لا ضرر ولا ضرار » ، أخرجه مالك في الموطأ مرسلاً ، وأخرجه ابن ماجة عن ابن عباس وعبادة بن الصامت ، وأخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي والدارقطني عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه تعالى عنهم أجمعين وهو حديث حسن .
قال السيوطي : « اعلم أن هذه القاعدة ينبني عليها كثير من أبواب الفقه وهي مع القاعدة التي قبلها متحدة أو متداخلة ويتعلق بهذه القاعدة قواعد :
الأولى - « الضرورات تبيح المحظورات » ، بشرط نقصان المحظورات عن الضرورات ومن ثم جاز أكل الميتة عند المخمصة : وإساغة اللقمة بالخمر ودفع الصائل ولو أدى إلى قتله ويجوز إتلاف شجر الكفار وبنائهم لحاجة القتال وللظفر بهم ؛ وكذا الحيوان الذي يقاتلون عليه ويجوز نبش الميت بعد دفنه للضرورة بأن دفن بلا غسل أو لغير القبلة أو في ارض أو ثوب مغصوبين ويجوز غصب الخيط لخياطة جرح حيوان محترم .
وقولنا : « بشرط نقصان المحظورات عن الضرورات » ، ليخرج ما لو كان الميت نبيا فإن لا يحل أكله للمضر لأن حرمته أعظم في نظر الشرع من مهجة المضطر ؛ وما لو أكره على القتل أو الزنا فلا يباح واحد منهما بالإكراه كما تقدم لما فيهما من المفسدة التي تقابل حفظ مهجة المكره أو تزيد عليها ، وما لو دفن بلا تكفين فلا ينبش
$[1/43]
فإن مفسدة هتك حرمته أشد من عدم تكفينه الذي قام الستر بالتراب مقامه .(1/43)
الثانية : « ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها » ، ومن فروعها المضطر لا يأكل من الميتة إلا قدر سد الرمق ولا يشبع إلا إذا كانت بين يديه مسافة بعيدة لا يقطعها إلا بالشبع فلا بأس . ومن استشير في خاطب واكتفى بالتعريض كقوله : « لا يصلح لك » ، لم يعدل إلى التصريح وجوز أخذ نبات الحرم لعلف البهائم ولا يجوز أخذه لبيعه لمن يعلف ويعفى عن محل استجماره ولو حمل مستجمراً بطلت الصلاة ؛ ويعفى عن ميت لا نفس له سائلة فإن طرح ضر والمجنون لا يجوز تزويجه أكثر من واحدة لاندفاع الحاجة بها ؛ وإذا قلنا بجواز تعدد الجمعة لعسر الاجتماع في مكان واحد لم يجز إلا بقدر ما يندفع فلو اندفع بجمعتين لم يجز ثالثة .
وخرج عن هذا الأصل صور : منها العرايا ، فإنها أبيحت للفقراء ثم جازت للأغنياء في الأصح ؛ ومنها الخلع فإنه أبيح مع المرأة على سبيل الرخصة ثم جاز مع الأجنبي ؛ ومنها اللعان جوز حيث تعسر إقامة البينة على زناها ثم جاز حيث تمكن على الأصح .
فائدة : قال بعضهم المراتب خمسة ضرورة وحاجة ومنفعة وزينة وفضول . فالضرورة بلوغه حداً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب وهذا يبيح المحرم كالمضطر للأكل واللبس بحيث لو ترك هلك أو تلف منه عضو .
والحاجة : وصوله إلى حالة بحيث لو لم يأخذ الممنوع لم يهلك كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكله لم يهلك ، غير أنه يكون في جهد ومشقة وهذا لا يبيح الحرام ويبيح الفطر في الصوم .
والمنفعة : وهي ما كان اشتهاء كمن يشتهي خبز البر ولحم الغنم والطعام الدسم .
والزينة : وهي ما كان القصد به التفكه كالمشتهي الحلوى المتخذ من لوز وسكر والثوب المنسوج من حرير وكتان .
والفضول : بضم الفاء والضاد المعجمتين وهو التوسع بأكل الحرام أو الشبهة كمن يريد استعمال أواني الذهب والفضة .
$[1/44](1/44)
تذنيب : قريب من هذه القاعدة قولهم ما جاز لعذر بطل عند زواله كالتيمم يبطل بوجود الماء قبل الدخول في الصلاة ؛ ومثله الشهادة على الشهادة لمرض ونحوه تبطل إذا حضر الأصل عند الحاكم قبل الحكم .
الثالثة : « الضرر لا يزال بالضرر » ، أي يزال ضرر امرئ بارتكاب ضرر امرئ آخر لأن الخلق كلهم عيال اللّه فساوى بينهم في الاحترام .
فمن فروع هذه القاعدة : عدم وجوب العمارة على الشريك في الجديد ، وعدم إجبار الجار على وضع الجذوع ، وعدم إجبار السيد على نكاح الأمة التي لا تحل له ، ولا يأكل المضطر طعام مضطر آخر ، ولا يقتل ولده أو عبده ، ولا يقطع فلذة من نفسه إن كان الخوف من القطع كالخوف من ترك الأكل أو أكثر ، وكذا قطع السلعة المخوفة ، ولو سقط على جريح فإن استمر قتله وإن انتقل قتل كفاه يستمر لأن الضرر لا يزال بالضرر ، ولو كانت ضيقة الفرج لا يمكن وطؤها إلا بإفضائها فليس له الوطء لكنه يستثنى من ذلك ما لو كان أحدهما أعظم ضررا فإنه يرتكب أخف الضررين ولهذا شرع القصاص ، والحدود ، وقتال البغاة ، وقاطع الطريق ودفع الصائل ، وشق جوف المرأة إذا رجي حياة جنينها ، والنكاح والفسخ بعيب المبيع والإعسار ، والإجبار على قضاء الديون .
قال السيوطي : « ونشأ من ذلك :
قاعدة رابعة وهي : « إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما » ، ودليلنا حديث بول الأعرابي في المسجد وذلك كما في فسق السلطان إذا طرأ ، ومسألة التسعير إذا سعر الإمام فإنه يرتكب ولا يخالف ، ومثلها :
قاعدة خامسة وهي : « درء المفاسد أولى من جلب المصالح » ، فإذا تعارض مفسدة ومصلحة قدم دفع المفسدة غالباً ، لأن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات كما في حديث : « إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » إلخ .
$[1/45]
ومن فروعها : مشروعية التخلف عن الجماعة والجمعة بسبب المرض والخوف وتمريض الضائع ونحو ذلك .(1/45)
وقد تراعى المصلحة لغلبتها على المفسدة ، ومن ذلك الكذب مفسدة محرمة ومتى تضمن جلب مصلحة تربو عليه جاز كالكذب للإصلاح بين الناس وعلى الزوجة لإصلاحها قال السيوطي : « وهذا النوع راجع إلى ارتكاب أخف المفسدتين في الحقيقة » .
السادسة : « الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة » ، من الأولى مشروعية الإجارة والجعالة والحوالة ونحوها جوزت على خلاف القياس لما في الأولى من ورود العقد على منافع معدومة ، ولما في الثانية من الجهالة ، ولما في الثالثة من بيع الدين بالدين لعموم الحاجة إلى ذلك . والحاجة إذا عمت كانت كالضرورة .
ومن الثانية تضبيب الإناء بالفضة يجوز للحاجة قالوا ولا يعتبر العجز عن التضبيب بغير النقدين فإن العجز يبيح إصلاح الإناء منهما قطعاً ، بل المراد الأغراض المتعلقة بالتضبيب سوى الزينة كإصلاح موضع الكسر وكالشد والتوثق ، ومنها الحرير لحاجة دفع القمل والحكة فيجوز لبسه لذلك .
القاعدة الخامسة
« العادة محكمة »
أصلها حديث : « ما رآه المسلمون حسنا فهو عند اللّه حسن » ، قال الحافظ السخاوي في « المقاصد الحسنة » رواه الإمام أحمد في كتاب السنة من حديث أبي وائل عن ابن مسعود موقوفاً ووهم من عزاه لمسند الإمام أحمد قال العجلوني : « وهو موقوف حسن » ، وأخرجه البزار والطيالسي والطبراني وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في « الاعتقاد » عن ابن مسعود أيضاً . انتهى ملخصاً .
واعلم إن اعتبار العرف والعادة رجع إليه في الفقه في مسائل لا تعد كثرة .
فمن ذلك أقل الحيض والنفاس والطهر وغالبها وأكثرها ، وضابط القلة والكثرة في الضبة والأفعال المنافية للصلاة والنجاسات المعفو عن قليلها والبناء على الصلاة في
$[1/46](1/46)
الجمع والخطبة وبين الايجاب والقبول ، وفي إحراز المال المسروق ، وفي رد ظرف الهدية وعدمه وفي وزن أو كيل ما جهل حاله في عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإن الأصح أنه يراعى فيه عادة بلد البيع ، وفي صوم يوم الشك لمن له عادة وفي قبول القاضي الهدية ممن له عادة .
قال الزركشي رحمه اللّه تعالى : « لم يعتبر الشافعي العادة في صورتين :
الأولى - استصناع الصناع الذين جرت عادتهم بأنهم لا يعملون إلا بأجرة قال الشافعي : « إذا لم يجر استئجار لهم لا يستحقون شيئاً » .
الثانية - عدم صحة البيع بالمعاطاة على المنصوص وإن جرت العادة بعد الشافعي بفعل المعاطاة وإن كان المختار خلافه في الصورتين قاله الشارح رحمه اللّه تعالى ويتعلق بهذه القاعدة مباحث :
الأول - فيما تثبت به العادة وذلك يختلف فتارة تثبت بمرة كما في الاستحاضة وكما في زنا المبيع وإباقه وسرقته ، وكما في العادة في الإهداء للقاضي قبل الولاية ، وتارة تثبت العادة بثلاث كالقائف وتارة لا بد من تكرار يغلب على الظن أنه عادة كالجارية في الصيد لا بد من تكرار حتى يحصل غلبة الظن بالتعليم ، وكاختبار الديك للأوقاف كما قال الزركشي وكاختبار حال الصبي قبل البلوغ بالمماكسة في البيع ونحوه فيختبر حتى يغلب على الظن رشده .
المبحث الثاني - إنما تعتبر العادة إذا اطردت فإن اضطربت فلا ، وفي ذلك فروع منها : باع بدراهم وأطلق نزل على النقد الغالب ؛ فلو اضطربت العادة في البلد وجب البيان ، وإلا يبطل البيع ، ومنها إذا غلبت المعاملة بجنس من العروض أو نوع منه انصرف الثمن إليه عند الإطلاق في الأصح كالنقد .
فوائد :
الأولى - في تعارض العرف مع الشرع والمراد بالعرف عرف الاستعمال من الناس لشيء والمراد بالشرع لفظه بأن ورد في الكتاب أو السنة تسمية ذلك الشيء فيه وتعارضهما على نوعين :
$[1/47](1/47)
أحدهما - أن لا يتعلق بالشرع حكم فيقدم عليه عرف الاستعمال ، فلو حلف لا يأكل لحما لم يحنث بالسمك ، وإن سماه اللّه لحما أو حلف لا يجلس على بساط أو تحت سقف أو في ضوء سراج لم يحنث بالجلوس على الأرض وإن سماها اللّه بساطا ولا تحت السماء وإن سماها اللّه سقفا ، ولا في الشمس وإن سماها اللّه سراجا أو حلف لا يضع رأسه على وتد لم يحنث بوضعه على جبل ، أو حلف لا يأكل ميتة أو دما لم يحنث بالسمك والجراد والكبد والطحال ، فقدم العرف في جميع ذلك لأنها استعملت في الشرع تسمية بلا تعلق حكم وتكليف .
النوع الثاني - أن يتعلق به حكم فيقدم على عرف الاستعمال ، فلو حلف لا يصلي لم يحنث إلا بذات الركوع والسجود ، أو حلف لا يصوم لم يحنث بمطلق الإمساك ، أو حلف لا ينكح حنث بالعقد لا بالوطء ، أو قال : إن رأيت الهلال فأنت طالق فرآه غيرها وعلمت به طلقت حملا له على الشرع ، فإنها فيه بمعنى العلم لقوله : « إذا رأيتموه فصوموا » . ولو كان اللفظ يقتضي العموم والشرع يقتضي التخصيص اعتبر خصوص الشرع في الأصح ، فلو حلف لا يأكل لحما لم يحنث بالميتة ، أو أوصى لأقاربه لم تدخل ورثته عملا بتخصيص الشرع ؛ إذ لا وصية لوارث .
الفائدة الثانية : في تعارض العرف مع اللغة ، حكى صاحب « الكافي » وجهين في المقدم :
أحدهما - وإليه ذهب القاضي الحسين المقدم الحقيقة اللفظية عملا بالوضع اللغوي .(1/48)
والثاني - وعليه البغوي المقدم الدلالة العرفية لأن العرف يحكم في التصرفات لا سيما في الأيمان ، قال فلو دخل دار صديقه فقدم إليه طعاماً ، فامتنع فقال إن لم تأكل فامرأتي طالق فخرج ولم يأكل ثم قدم في اليوم الثاني فقد إليه ذلك الطعام فأكل فعلى الأول لا يحنث وعلى الثاني يحنث » . انتهى . وقال الرافعي في الطلاق : « إن تطابق العرف والوضع فذاك ، وإن اختلفا فكلام الأصحاب يميل إلى الوضع ، والإمام الجويني والغزالي يريان اعتبار العرف » ، وقال في الأيمان ما معناه : إن عمت اللغة
$[1/48]
قدمت على العرف ، وقال غيره : إن كان العرف ليس له في اللغة وجه ألبتة فالمعتبر اللغة ، وإن كان له فيه استعمال ففيه خلاف ، وإن هجرت اللغة حتى صارت نسياً منسياً قدم العرف .
ومن الفروع المخرجة على ذلك ما لو حلف لا يسكن بيتاً فإن كان بدوياً حنث بالمبنى وغيره لأنه قد تظاهر فيه العرف واللغة لأن الكل يسمونه بيتاً ، وإن كان من أهل القرى فوجهان بناء على الأصل المذكور : فإن اعتبرنا العرف لم يحنث والأصح الحنث ، ومنها حلف لا يشرب ماء حنث بالمالح وإن لم يعتد شربه اعتباراً بالإطلاق والاستعمال اللغوي ، ومنها حلف لا يأكل كل الخبز حنث بخبز الأرز وإن كان من قوم لا يتعارفون ذلك لإطلاق الاسم عليه لغة .
تنبيه : قال الشيخ أبو زيد : « لا أدري على ماذا بنى الشافعي رحمه اللّه تعالى مسائل الإيمان إن اتبع اللغة فمن حلف لا يأكل الرؤوس فينبغي أن يحنث برؤوس الطير والسمك ، وإن اتبع العرف فأهل القرى لا يعدون الخيام بيوتاً » .
قال الرافعي : « الشافعي يتبع مقتضى اللغة تارة وذلك عند ظهورها وشمولها وهو الأصل . وتارة يتبع العرف إذا استمر واطرد » .
وقال ابن عبدالسلام : « قاعدة الإيمان البناء على العرف إذا لم يضطرب ، فإن اضطرب فالرجوع إلى اللغة » .(1/49)
تنبيه : إنما يتجاذب الوضع والعرف في العربي أما العجمي فيعتبر عرفه قطعاً إذ لا وضع يحمل عليه فلو حلف على البيت بالفارسية لم يحنث ببيت الشعر ولو أوصى لأقاربه لم يدخل قرابة الأم في وصية العرف ويدخل في وصية العجم .
الفائدة الثانية - في تعارض العرف العام والعرف الخاص ، والضابط ، أنه إن كان الخصوص محصوراً لم يؤثر كما لو كانت عادة امرأة في الحيض أقل من عادة النساء كيوم دون ليلة ردت إلى الغالب في الأصح ، وقيل تعتبر عادتها ، وإن كان الخصوص غير محصور اعتبر كما لو جرت عادة أهل بلد بحفظ مواشيهم نهاراً وإرسالها
$[1/49]
ليلاً فهل العبرة بالعرف الخاص أم بالغالب ؟ الأصح الأول ، وينزل ذلك منزلة العرف العام خلافاً للقفال .
المبحث الثالث - العادة المطردة في ناحية هل ينزل منزلة الشرط أو لا ؟ غالب الترجيح في الفروع أنها لا تنزل منزلة الشرط ، وفي ذلك صور .
منها : لو جرت عادة قوم بقطع الحصرم قبل النضج فهل تنزل عادتهم منزلة الشرط حتى يصح بيعه من غير شرط القطع ، الأصح ، لا وقال القفال نعم ، ومنها لو عم في الناس اعتياد إباحة منافع الرهن للمرتهن فهل ينزل منزلة شرطه حتى يفسد الرهن قال الجمهور : لا . وقال القفال نعم ، ومنها لو جرت عادة المقترض برد زيادة مما اقترض فهل ينزل منزلة الشرط فيحرم إقراضه . الأصح لا . ومنها لو بارز كافر مسلماً وشرط الأمان لم يجز للمسلمين إعانة المسلم فلو لم يشرط ولكن اضطردت العادة بالمبارزة بالأمان فهل هو كالمشروط ؟ الأصح نعم .
فهذه الصورة مستثناة ، ومثلها : الأوقاف فإن العادة فيها تنزل منزلة الشرط كما إذا اعتيد البطالة من المدرسين في الأشهر الثلاثة والأعياد أو اعتيد الاستنجاء والوضوء من الماء المسيل للشرب .(1/50)
المبحث الرابع - العرف الذي تحمل عليه الألفاظ إنما هو المقارن السابق دون المتأخر أي . أن المعتبر هو العرف المقارن أي الذي كان موجودا حال تكلم المتكلم حتى ينزل كلامه عليه إذ كان مأخذه سابقا على وقت اللفظ دون العرف المتأخر .
ومن الفروع المخرجة على ذلك ما تقدم في مسألة البطالة فإذا استمر عرف وقف بها في أشهر مخصوصة حمل عليه ما بعد ذلك لا ما وقف قبل هذه العادة .
المبحث الخامس - قال الفقهاء : كل ما ورد به الشرع مطلقاً ولا ضابط له فيه ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف؛ وذلك كالحرز في السرقة والتفرق في البيع والقبض والإحياء وكالتعريف في اللقطة وكالمسافة بين الإمام والمأموم ، وقالوا
$[1/50]
في الأيمان أنها تبنى أولا على اللغة ثم على العرف وخرجوا عن ذلك في مواضع لم يعتبروا فيها العرف مع أنها لا ضابط لها في الشرع ولا في اللغة .
منها : المعاطاة على اصل المذهب لا يصح البيع بها ولو اعتيدت ، لا جرم أن النووي قال المختار الراجح دليلا الصحة لأنه لم يصح في الشرع اعتبار لفظ فوجب الرجوع إلى العرف كغيره .
ومن أمثلة ذلك : أن يدفع ثوباً إلى خياط ليخيطه ، أو قصار ليقصره ، أو جلس بين يدي حلاق فحلق رأسه ، أو دخل سفينة بإذن وسار إلى الساحل فلا يستحقون شيئاً إذا لم يشرط عليه شيئاً من المال وإن جرت عادتهم بالعمل بالأجرة .
***
$[1/51]
الباب الثاني
في قواعد كلية يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية
نذكر في هذا الباب أربعين قاعدة وقد يستثنى منها أشياء ، وفي الحقيقة هي قواعد أغلبية كما هو الغالب في قواعد الفقه خلاف اصطلاح المناطقة فإن قواعدهم كلية .
القاعدة الأولى
« الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد »(1/51)
ومعنى ذلك : أن الاجتهاد السابق ، لا تنقض أحكامه الماضية بالاجتهاد اللاحق فيصح ما فعله بالاجتهاد الأول وتبرأ به ذمته ولكن يغير الحكم في المستقبل لانتفاء الترجيح الآن . والأصل : في ذلك إجماع الصحابة رضي اللّه تعالى عنهم ، نقله ابن الصباغ ، وأن أبا بكر حكم في مسائل خالفه فيها عمر بن الخطاب ولم ينقض حكمه وحكم عمر في المشركة بعدم المشاركة ثم بالمشاركة وقال : « ذلك على ما قضينا ، وهذا على ما نقضي » ، وقضى في الجد قضايا مختلفة ، وعلته أنه ليس الاجتهاد الثاني بأقوى من الأول فيصح ما فعله بالاجتهاد الأول ويغر الحكم في المستقبل وإلا فإنه يؤدي إلى أن لا يستقر حكم . وفي ذلك مشقة شديدة فإنه إذا نقض هذا الحكم نقض ذلك النقض وهلم جرا . ومن فروع ذلك لو تغير اجتهاده في القبلة عمل بالثاني ولا قضاء حتى لو صلى أربع ركعات لأربع جهات بالاجتهاد فلا قضاء . ومنها لو اجتهد فظن طهارة أحد الإناءين فاستعمله وترك الآخر ثم تغير ظنه لم يعمل بالثاني بل يتمم ، ومنها لو ألحقه القائف بأحد المتداعيين ثم رجع وألحقه بالآخر لم يقبل ، ومنها لو حكم الحاكم بشيء ثم تغير اجتهاده لم ينقض الأول ، وإن كان الثاني أقوى غير أنه واقعة جديدة لا يحكم فيها إلا بالثاني ومنها حكم الحاكم في المسائل المجتهد فيها لا ينقض ولذلك أمثلة .
منها : الحكم ببطلان خيار المجلس والمرايا ، ومنع القصاص في المثقل وصحة
$[1/52]
النكاح بلا ولي ، وثبوت الرضاع بعد حولين ، وصحة نكاح الشغار ، ونكاح المتعة وجريان التوارث بين المسلم والكافر ، وقتل الوالد بالولد ، والحر بالعبد ، على ما صححه في أصل « الروضة » في الجميع ، ويستثنى من القاعدة صور :(1/52)
الأولى - للإمام الحمى (1) ولو أراد من بعد نقضه فله ذلك في الأصح ، لأنه قد يرى المصلحة في نقضه ، قال في فتح الجواد ، ولو حمى الخلفاء الأربعة فإنه يجوز نقضه خلافاً لما في « الروضة » ، وكذا حمى سيدنا عمر رضي اللّه تعالى عنه خلافاً للأذرعي ، ومنع الإمام (2) استثناء هذه الصورة ، واعتمده محققوا المتأخرين كالشيخ ابن حجر في « فتح الجواد » . قال الإمام إذ المتبع هو المصلحة فلا نقض .
الثانية - إذا قسم القاسم بين الشركاء قسمة إجبار كقسمة المتشابهات ، ثم قامت بينة بغلطه أو حيفه (3) انتقضت مع أن القاسم قسم باجتهاده .
الثالثة - إذا قوم المقومون ثم اطلع على صفة نقص أو زيادة ككون الدابة حاملا أو كون الزجاجة ليست زجاجة بل جوهرة مثلاً بطل التقويم الأول ، قال السيوطي : « لكن هذا يشبه نقض الاجتهاد بالنص لا بالاجتهاد » .
الرابعة - لو أقام الخارج بينة وحكم له بها وصارت الدار في يده ، ثم أقام الداخل بينة حكم له بها ونقض الحكم الأول ، لأنه إنما قضى للخارج لعدم حجة صاحب اليد هذا هو الأصح في الرافعي ، قال ابن حجر : « لكنه لا يكون من باب نقض الاجتهاد بالاجتهاد ، لأن الحكم إنما وقع بناء على أن لا معارض ، فإذا ظهر عمل به وكأنه استثنى من الحكم .
خاتمة : ينقض قضاء القاضي إذا خالف نصا أو إجماعاً أو قياساً جلياً ، قال القرافي : « أو خالف القواعد الكلية » ، وقال ابن حجر : « أو كان حكما لا دليل عليه قطعاً » ، قال السبكي : وما خالف شرط الواقف فهو مخالف للنص ، وهو حكم لا دليل عليه سواء كان نصه في الوقف نصاً أو ظاهراً ، وذلك كأن وقف على
___________________
(1) منع رعي قطعة من الأرض .
(2) إمام الحرمين .
(3) ظلمه .
$[1/53](1/53)
مسجد أرضاً فلا يجوز نقل غلتها لمسجد آخر ، نعم يجوز مخالفة شرط الواقف في حالة الضرورة في مسائل - كما في « التحفة » - منها ، إذا فضل من غلة الموقوف على عمارته ولم تتوقع العمارة عن قرب فإنه يتعين أن يشتري به عقارا ، ومنها ما لو وقف أرضا للزراعة فتعذرت وانحصر النفع في الغرس أو البناء فعل الناظر أحدهما أو أجرها لذلك .
وفي « التحفة » أيضاً : أن شرط الواقف المخالف للشرع كشرط العزوبة في سكان المدرسة أي مثلاً لا يصح ، كما أفتى به البلقيني وعلله بأنه مخالف للكتاب والسنة والإجماع من الحض على التزوج . اهـ .
قال السبكي : « وما خالف المذاهب الأربعة فهو كالمخالف للإجماع » . قال : « وإنما ينقض حكم الحاكم لتبين خطئه والخطأ قد يكون في نفس الحكم بكونه خالف نصا أو شيئاً مما تقدم ، وقد يكون الخطأ في السبب كأن يحكم ببينة مزورة ثم يتبين خلافه فيكون الخطأ في السبب لا في الحكم ، وقد يكون الخطأ في الطريق كما إذا حكم ببينة ثم بان فسقها . وفي هذه الثلاثة ينقض الحكم بمعنى أنا تبينا بطلانه » . اهـ . ملخصاً .
القاعدة الثانية
« إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام »
أورده جماعة حديثاً بلفظ : « ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال » ؛ قال الحافظ أبو الفضل العراقي : « ولا أصل له » ، وقال السبكي في « الأشباه والنظائر » - نقلاً عن البيهقي - : « هو حديث » رواه جابر الجعفي رجل ضعيف ، عن الشعبي عن ابن مسعود ، وهو منقطع ، قال السيوطي : « وأخرجه من هذا الطريق عبد الرزاق في مصنفه وهو موقوف على ابن مسعود لا مرفوع » ، ثم قال ابن السبكي : « غير أن القاعدة في نفسها صحيحة » قال الجويني في « السلسلة » : « لم يخرج عنها إلا ما ندر » . اهـ .
$[1/54](1/54)
ومن فروعها : إذا تعارض دليلان أحدهما يقتضي التحريم والآخر يقتض الإباحة قدم التحريم في الأصح ، ومن ثم قال عثمان لما سئل عن الجمع بين أختين بملك اليمين : « أحلتهما آية وحرمتهما آية والتحريم أحب إلينا » ، وكذلك تعارض حديث : « لك من الحائض ما فوق الإزار » ، وحديث : « اصنعوا كل شيء إلا النكاح » ، فإن الأول يقتضي تحريم ما بين السرة والركبة ، والثاني يقتضي إباحة ما عدا الوطء فيرجح التحريم احتياطا ومنها : لو اشتهيت محرم بأجنبيات محصورات لم تحل : ومنها قاعدة مد عجوة ودرهم ومنها من أحد أبويها كتابي والآخر مجوسي أو وثني لا يحل نكاحها ولا ذبيحتها تغليبا لجانب التحريم ، ومنها عدم جواز وطء الجارية المشتركة ، ومنها لو اشتبه لحم مذكى بلحم ميتة أو لبن بقر بلبن أتان ، أو ماء وبول لم يجز تناول شيء منها ، وخرج عن هذه القاعدة فروع :
منها : الاجتهاد في الأواني والثياب المتنجس بعضها فإنه يجوز ولا يجب اجتنابها والثوب المنسوج من حرير وغيره يحل إن كان الحرير أقل وزنا وكذا إن استويا في الأصح بخلاف ما إذا زاد وزنا ، ومنها لو رمى سهما إلى طائر فجرحه ووقع على الأرض فمات فإنه يحل إن لم يصبه شيء عند سقوطه على الأرض وإن أمكن إحالة الموت على الوقوع على الأرض لأن ذلك لابد منه فعفي عنه ، ومنها معاملة من أكثر ماله حرام باعتبار عقيدة المعامل فإنها لا تحرم على الأصح إذا لم يعرف عين الحرام لكن يكره ، وكذا الأخذ من عطايا السلطان إذا غلب الحرام في يده كما قال في « شرح المهذب » : « إن المشهور فيه الكراهة لا التحريم خلافاً للغزالي » . ومنها : لو اعتلفت الشاة مثلاً علفاً حراماً لم يحرم لبنها ولحمها ولكن تركه ورع نقله في « شرح المهذب » عن الغزالي ، ومنها أن يكون الحرام مستهلكاً أو قريباً منه وهذه الصورة تحتها صور :(1/55)
منها : لو أكل المحرم شيئاً قد استهلك فيه الطيب فلا فدية ومنها ، لو مزج لبن امرأة بماء بحيث استهلك فيه بأن زالت أوصافه الثلاثة من ريح وطعم ولو لم يحرم
$[1/55]
إن شرب البعض لا إن شرب الكل وكان يمكن أن يسقى من اللبن خمس رضعات وقد انفصل في خمس مرات فإنه يحرم ، ومنها : لو اختلطت محرمة بعدد غير محصور كنسوة قرية كبيرة فله النكاح منهن إلى أن يبقى محصوراً ، ومنها : لو اختلط حمام مملوك بمباح غير محصور جاز الاصطياد ، ولو كان المملوك غير محصور أيضاً في الأصح .
قال في « زوائد الروضة » : ومن المهم ضبط العدد المحصور فإنه يتكرر في أبواب الفقه وقل من بينه ، قال الغزالي : « وإنما يضبط بالتقريب فكل عدد لو اجتمع في صعيد واحد لعسر على الناظرين عده بمجرد النظر كألف ونحوه فهو غير محصور ، وما سهل كالعشرة والعشرين محصور ، وبين الطرفين أوساط متشابهة تلحق بأحد الطرفين بالظن وما وقع فيه الشك استفتى فيه القلب » ، وفي « التحفة » إن المائة عدد محصور .
تتمة : يدخل في هذه القاعدة تفريق الصفقة (1) وهي بأن يجمع في عقد واحد بين حرام وحلال ويجري في أبواب ، وفيها غالباً قولان أو وجهان ، أصحهما ، الصحة في الحلال ، والبطلان في الحرام ، واختلف في علته والصحيح إنها الجمع بين الحلال والحرام فغلب الحرام .
ومن أمثلة ذلك في البيع ، أن يبيع خلاً وخمراً أو شاة وخنزيراً أو عبداً وحراً أو عبدة وعبد غيره أو مشتركاً بغير إذن شريكه ، والأظهر الصحة في القدر المملوك بحصته من المسمى باعتبار قيمتهما! : وفي النكاح أن يجمع من لا تحل له الأمة بين حرة وأمة في عقد فالأظهر صحة النكاح في الحرة ، وكذا لو جمع في عقد بين مسلمة ووثنية أو أجنبية ومحرم أو خلية ومعتدة أو مزوجة .
تنبيه : ذكروا لجريان الخلاف في تفريق الصفقة ثمانية شروط :
الأول - أن لا يكون التفريق في العبادات ، فإن كان فيها صح قطعاً فلو عجل
___________________
(1) المبيع .(1/56)
$[1/56]
زكاة عامين صح لعام واحد قطعاً ، ولو نوى حجتين انعقدت واحدة قطعاً ، ويستثنى من هذا الشرط صور .
منها : لو نوى في رمضان صوم جميع الشهر بطل فيما عدا اليوم الأول وفيه وجهان أصحهما الصحة ، ومنها ادعى على الخارص الغلط بما يبعد لم يقبل فيما زاد على القدر المحتمل وفي المحتمل وجهان أصحهما القبول فيه ، ومنها ، مسح على الخف وهو ضعيف ووصل البلل إلى الأسفل القوي وقصدهما لم يصح في الأعلى ، وفي الأسفل وجهان أصحهما الصحة .
الشرط الثاني - أن لا يكون مبنيا على السراية والتغليب فإن كان كالطلاق والعتق بأن طلق زوجته وغيرها أو طلقها أربعاً أو أعتق عبده وغيره نفذ فيما يملكه إجماعاً .
الثالث - أن يكون الذي يبطل فيه معيناً بالشخص أو الجزئية ، مثال المعين بالشخص . الخمر والخنزير والحر ، ومثال المعين بالجزئية العبد المشترك إذا بيع بغير إذن الشريك ، وخرج بهذا الشرط ما إذا اشترط الخيار أربعة أيام فإنه يبطل في الكل ولم يقل أحد بأنه يصح في ثلاثة وغلط نجم الدين البالسي في « شرح التنبيه » حيث خرجها على القولين ، وخرج به أيضاً ما إذا عقد على خمس نسوة أو أختين معا فإنه يبطل في الجميع ، ولم يقل أحد بالصحة في البعض وغلط صاحب « الذخائر » مجلى! بن جميع بتخريجها ، ولو جمع من تحل له الأمة بين حرة وأمة في عقد فإنه يبطل في الأمة قطعاً كما في « التحفة » ويصح في الحرة ، وفرق بأن الحرة أقوى بخلاف إحدى الأختين ليس فيهما أقوى .
الشرط الرابع - إمكان التوزيع ليخرج ما لو باع أرضا مع بذر أو زرع لا يفرد بالبيع فإنه يبطل في الجميع على المذهب .
الخامس - أن لا يخالف الإذن ليخرج ما لو استعار شيئاً ليرهنه بعشرة فرهنه
$[1/57]
بأكثر فالمذهب البطلان في الكل لمخالفة الإذن ولو أجر الراهن العين المرهونة مدة تزيد على محل الدين بطل في الكل على الصحيح .(1/57)
السادس - أن لا يبني على الاحتياط فلو زاد في العرايا على القدر الجائز فالمذهب البطلان في الكل .
السابع - أن يورد على الجملة ليخرج ما لو قال : أجرتك كل شهر بدرهم فإنه لا يصح في سائر الشهور قطعاً ولا في الشهر الأول على الأصح .
الثامن - أن يكون المضموم إلى الجائز مما يقبل العقد في الجملة فلو قال زوجتك بنتي وابني ، أو بنتي وفرسي صح نكاح البنت على المذهب لأن المضمون لا يقبل النكاح فلغا .
ويدخل في هذه القاعدة أيضاً :
قاعدة : « إذا اجتمع في العبادة جانب الحضر وجانب السفر غلب جانب الحضر » ، لأنه اجتمع المبيح والمحرم فغلب المحرم ، فلو مسح حضرا ثم سافر أو عكس أتم مسح مقيم ، ولو أحرم قاصرا فبلغت سفينته دار إقامته أتم ولو قضى فائتة سفر في الحضر أو عكسه امتنع القصر ، ولو أصبح صائما في الإقامة فسافر أثناء النهار أو في السفر فأقام أثناءه حرم القصر على الصحيح ، ولو أقام بين الصلاتين بطل الجمع أو قبل فراغهما في جمع التأخير صارت الأولى قضاء ، ويدخل في هذه القاعدة أيضاً :
قاعدة : « إذا تعارض المقتضى - بكسر الضاد - والمانع قدم المانع » .
ومن فروعها لو استشهد الجنب فالأصح أنه لا يغسل ، ولو ضاق الوقت أو الماء عن سنن الطهارة ؛ حرم فعلها ولو جرحه جرحين عمدا وخطأ أو مضمونا وهدرا ومات بهما لا قصاص ، ولو كان ابن الجاني ابن ابن عم لم يعقل .
وخرج عن هذه القاعدة صور ؛ منها اختلاط موتى المسلمين بالكفار أو الشهداء بغيرهم يوجب غسل الجميع والصلاة وإن كانت الصلاة على الكفار والشهداء حراماً واحتج البيهقي بأن النبي : « مر بمجلس فيه أخلاط المسلمين والمشركين فسلم
$[1/58](1/58)
عليهم » ، ومنها يحرم على المرأة ستر جزء من وجهها في الإحرام ، ويجب ستر جزء منه مع الرأس للصلاة فتجب مراعاة الصلاة ومنها الهجرة على المرأة من بلاد الكفر واجبة وإن كان سفرها وحدها حراماً لكن في « التحفة » قيد وجوب الهجرة بما إذا أمنت على نفسها أو كان خوف الطريق دون خوف الإقامة .
خاتمة : لهم قاعدة عكس هذه القاعدة وهي : « الحرام لا يحرم الحلال » ، وهو لفظ حديث أخرجه ابن ماجة والدارقطني عن ابن عمر بن الخطاب مرفوعاً .
ومن فروعها : من اشتبه عليهم درهم حلال بدرهم حرام ، حل له الاجتهاد ومنها لو ملك أختين فوطئ واحدة حرمت عليه الأخرى فلو وطئ الثانية لم تحرم عليه الأولى لأن الحرام لا يحرم الحلال وفي وجه ، إذا أحبل الثانية حلت وحرمت الأولى قال في « الروضة » : « وهو غريب » ، واللّه أعلم .
القاعدة الثالثة
« الإيثار بالقرب مكروه »
أي أن اختيار الغير وتقديمه على النفس في الأمور المتقرب بها إلى اللّه تعالى مكروه قال الشارح : « وقد يستدل لها بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : « لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم اللّه تعالى » . انتهى .
أما غير القرب فالإيثار بها محبوب قال اللّه تعالى : { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } .
قال سلطان العلماء الشيخ عز الدين : « لا إيثار في القربات ، فلا إيثار بماء الطهارة ، ولا بستر العورة ولا بالصف الأول لأن الغرض بالعبادات التعظيم والإجلال ، فمن آثر به فقد ترك إجلال اللّه وتعظيمه » .
وقال الخطيب البغدادي في « الجامع » : « كره قوم إيثار الطالب غيره بنوبته في القراءة لأن قراءة العلم والمسارعة إليه قربة والإيثار بالقرب مكروه » . انتهى . وقد جزم بذلك النووي في « شرح المهذب » ، وقال في « شرح مسلم » : « الإيثار بالقرب مكروه أو
$[1/59](1/59)
خلاف الأولى » ، وإنما يستحب في حظوظ النفس وأمور الدنيا » ، قال الزركشي : « وكلام الإمام ووالده أبي محمد الجويني رحمهما اللّه تعالى يقتضي أن الإيثار بالقرب حرام » ، فحصل ثلاثة أوجه ، الكراهة وخلاف الأولى والحرمة .
وذكر السيوطي تفصيلاً حسناً حاصله : « أن الإيثار إن أدى إلى ترك واجب كماء الطهارة وساتر العورة ، ومكان الجماعة الذي لا يمكن أن يصلي فيه أكثر من واحد ولا تنتهي النوبة لآخرهم إلا بعد خروج الوقت وأشباه ذلك فهو حرام ، وإن أدى إلى ترك السنة أو ارتكاب مكروه فهو مكروه ، « مثال ترك السنة الإيثار بسد فرجة في الصف الأول ومثله الإيثار بالصف الأول بالقيام منه لغيره كذا قالوه وظاهر إطلاقهم أنه لا فرق بين الأفضل وغيره » ، ومثال ارتكاب المكروه التطهر بالماء المشمس ويؤثر غيره بغير المشمس ، وإن أدى إلى ارتكاب خلاف الأولى مما ليس فيه نهي مخصوص فخلاف الأولى ، قال وبهذا يرتفع الخلاف .
نكتة : قال السيوطي : « من المشكل على هذه القاعدة مسألة من جاء ولم يجد في الصف فرجة فإنه يجر شخصا بعد الإحرام ويندب للمجرور أن يساعده فهذا يفوت على نفسه قربة وهي أجر الصف الأول » . اهـ .
وأجيب عنه بأن فضيلة المعاونة على البر جبرت نقص فوات الصف الأول كما أشار له ابن حجر في فتح الجواد حيث قال : « يسن للمجرور مساعدته لينال فضيلة المعاونة على البر والتقوى وذلك يعدل فضل ما فاته من الصف الأول » وفي « التحفة » : « وليساعده المجرور ندباً لأن فيه إعانة على البر مع حصول ثواب صفه لأنه لم يخرج منه إلا لعذر » . انتهى .
القاعدة الرابعة
« التابع تابع »
أي : الشيء الذي جعل تابعاً لشيء آخر لا بد أن يكون تابعاً له في الحكم .
قال الشارح : « والذي يظهر أن التعبير بأن التابع ينسحب عليه حكم المتبوع
$[1/60]
أولى ، لما لا يخفى على الفطن أن في الألو الإخبار عن الشيء بنفسه » . انتهى . قال السيوطي : « ويدخل في هذه العبارة قواعد » :(1/60)
الأولى - « التابع لا يفرد بالحكم لأنه إنما جعل تابعاً » ، ومن فروعها :
لو أحيا شيئاً له حريم ملك الحريم في الأصح تبعا ، فلو باع الحريم دون الملك لم يصح ومنها الحمل يدخل في بيع الأم تبعا لها فلا يفرد بالبيع ، ومنها الدود المتولد من الفاكهة يجوز أكله معها تبعا لا منفردا في الأصح .
الثانية - « التابع يسقط بسقوط المتبوع » ، ومن فروعها :
من فاتته صلاة في أيام الجنون لا يستحب قضاء رواتبها لأن الفرض سقط فكذا تابعه بخلاف ما إذا لم يسقط المتبوع بأن فعل ، فإنه يستحب قضاء تابعه كالفرائض إذا فعلت ولو جمعة وفاتت راتبتها فإنه يستحب قضاؤها .
ومنها من فاتح الحج فتحلل بالطواف والسعي والحلق لا يتحلل بالرمي والمبيت لأنها من توابع الوقوف وقد سقط فيسقط تابعه ، ومنها لو مات الفارس سقط سهم الفرص لأنه تابع ، فإذا فات الأصل سقط هو ، ويستثنى محل التحجيل في نحو اليد فإنه يستحب غسله إذا قطع محل الفرض كذلك الغرة إذا تعذر غسل الوجه لعلة به مثلاً وكان ما جاوره صحيحاً فإنه يستحب الإتيان بها على المعتمد عند ابن حجر في « التحفة » و « الفتح » .
تنبيه : هذه القاعدة وهي : « كون التابع يسقط بسقوط المتبوع » ، يقرب منها قولهم : « الفرع يسقط إذا سقط الأصل » .
ومن فروعه إذا برئ الأصيل برئ الضامن لأنه فرعه ، وقد يثبت الفرع وإن لم يثبت الأصل ولذلك صور :
منها لو قال شخص ، لزيد على عمرو ألف وأنا ضامن به ، فأنكر عمرو ففي مطالبة الضامن وجهان أصحهما نعم ، ومنها ادعى الزوج الخلع ، وأنكرت ثبتت البينونة ، وإن لم يثبت المال الذي هو الأصل ومنها قال بعت عبدي من زيد وأعتقه
$[1/61]
زيد فأنكر زيد . أو قال بعته من نفسه فأنكر العبد عتق في المسألتين ولم يثبت العوض ، ومنها ادعت الإصابة قبل الطلاق وأنكر ففي وجوب العدة عليها وجهان الأصح نعم ، ومنها قال لزوجته المجهولة النسب : « أنتي أختي » وكذبته انفسخ نكاحها في الأصح .(1/61)
الثالثة - « التابع لا يتقدم على المتبوع » ، ومن فروعها المزارعة على البياض بين النخل والعنب حائزة تبعاً للمساقاة بشروط : منها أن يتقدم لفظ المساقاة ، فلو قدم لفظ المزارعة فقال : زارعتك على البياض وساقيتك على النخل على كذا لم يصح ، لأن التابع لا يتقدم على المتبوع .
ومنها : لو باع بشرط الرهن فقدم لفظ الرهن على لفظ البيع لم يصح ، ومنها لا يصح تقدم المأموم على إمامه في الموقف ولا في تكبيرة الإحرام ، ومنها لو كان بينه وبين الإمام شخص يحصل به الاتصال ولولا هو لم تصح قدوته ، ويقال له الرابطة لم يصح للمأمون أن يحرم قبل الرابطة لأنه تابع له كما أنه تابع لإمامه .
وخرج عن القاعدة وصور :
منها : أنه لو حضر الجمعة من لا تنعقد به كالمسافر والعبد والمرأة فإنه يصح إحرامهم قبل إحرام من تنعقد به الجمعة على الأصح عند المحققين ، ومنها الغرة والتحجيل فيصح فعلهما قبل غسل محل الفرض على الأصح عند ابن حجر ، وإن خالفه غيره لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه .
الرابعة - « يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها » .
ومن فروعها : حريم المسجد ليس له حكم المسجد في حرمة اللُبث فيه للجنب . ومنها : أنه تثبت الشفعة في المنقول تبعا للأرض وقريب من هذه القاعدة قولهم :
« يغتفر في الشيء ضمنا ما لا يغتفر فيه قصداً » . ومن فروعه :
نضح المسجد بالمستعمل حرام ، وفي الوضوء يجوز ، ومنها يثبت رمضان بعدل ويتبعه شوال من حيث الفطر ، ومنها البيع الضمني يغتفر فيه ترك الإيجاب
$[1/62]
والقبول ، ولا يغتفر ذلك في البيع المستقل ، ومنها الوقف على نفسه لا يصح ولو وقف على الفقراء ثم صار منهم استحق في الأصح تبعا ، وربما عبر عن هذه القاعدة بقولهم :
« يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل » ، ومن فروعها :(1/62)
ما لو حضر القتال أعمى لم يسهم له أو عمي أثناءه أسهم له . ومنها ، نكاح المحرم لا يصح وتصح رجعته ، وقد يقال تعبيراً عن هذه القاعدة : « أوائل العقود تؤكد بما لا يؤكد به أواخرها » ، وذلك كمن تزوج أمة بشرطه قال السيوطي : « والعبارة الأولى أحسن وأعم » .
القاعدة الخامسة
« تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة »
هذه القاعدة نص عليها إمامنا الشافعي رضي اللّه تعالى عنه وقال : « منزلة الإمام من الرعية منزلة الولي من اليتيم » .
قال السيوطي : « وأصل ذلك ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه عن عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه أنه قال : « إني نزلت نفسي من مال اللّه بمنزلة والي اليتيم إن احتجت أخذت منه ، فإذا أيسرت رددته ، فإن استغنيت استعففت » ، ومن فروع ذلك ما ذكره الماوردي ، أنه لا يجوز لأحد من ولاة الأمور أن ينصب إماما للصلوات فاسبقا وإن صححنا الصلاة خلفه لأنها مكروهة وولي الأمر مأمور بمراعاة المصلحة ولا مصلحة في حمل الناس على فعل المكروه ، ومنها إذا تخير في الأسرى بين القتل والرق والمن والفداء لم يكن له ذلك بالتشهي بل بالمصلحة حتى إذا لم يظهر وجه المصلحة يحبسهم إلى أن يظهر ، ومنها : أنه لو زوج بالغة بغير كفء برضاها لم يصح لأن حق الكفاءة للمسلمين وهو كالنائب عنهم فلا يقدر على إسقاطه ، هكذا اعتمده الشيخان « النووي والرافعي » ، وخالفهما أكثر علماء اليمن ، كالشهاب المزجد والرداد والطنبداوي وابن زياد وأبي الفتح المزجد وغيرهم .
$[1/63]
القاعدة السادسة
« الحدود تسقط بالشبهات »(1/63)
قال النبي صلى الله عليه وسلم : « ادرؤوا (1) الحدود بالشبهات » ، أخرجه ابن عدي في جزء له من حديث ابن عباس ، وأخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة : « ادفعوا الحدود ما استطعتم » ، وأخرج الترمذي والحاكم والبيهقي وغيرهم من حديث عائشة : « ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإن وجدتم للمسلم مخرجاً فخلوا سبيله ، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة » ، قاله السيوطي .
والشبهة ثلاثة أنواع :
شبهة الفاعل : كمن وطئ امرأة ظنها حليلته .
وشبهة المحل : بأن يكون للواطئ فيها ملك أو شبهة كالأمة المشتركة والمكاتبة وأمة ولده ومملوكته المحرم .
وشبهة الطريق : وهي الجهة التي أباح بها مجتهد ، أي أن يكون حلالا عند قوم حراماً عند آخرين كنكاح المتعة وكالنكاح بلا ولي ولا شهود كما في « الروضة » واعتمده جمع محققون كابن زياد وغيره وإن خالفهم الشيخ ابن حجر حيث قال في « التحفة » بوجوب الحد في النكاح بلا ولي ولا شهود ، انتهى .
وكذا كل نكاح مختلف فيه كالنكاح بلا ولي ، وكالنكاح بلا شهود ، لشبهة خلاف أبي حنيفة في الأولى ، وشبهة خلاف مالك في الثانية .
والشبهة بأنواعها الثلاثة تسقط الحد ، وكذا يسقط الحد بقذف من شهد أربعة بزناها . وأربع أنها عذراء لاحتمال صدق بينة الزنا واحتمال أنها عذراء لم تزل بكارتها بالزنا وسقط عنها الحد لشبهة الشهادة بالبكارة ، ولا قطع برقة مال أصله وفرعه وسيده ، واصل سيده وفرعه لشبهة استحقاق النفقة ، ولا قطع بسرقة ما ظنه
_________________________
(1) ادفعوا .
$[1/64](1/64)
ملكه أو ملك أبيه أو ابنه ولو ادعى كون المسروق ملكه سقط القطع نص عليه للشبهة هو اللص الظريف ، نعم الشبهة لا تسقط التعزير ؛ وتسقط الكفارة فلو جامع ناسيا في الصوم أو الحج فلا كفارة للشبهة وكذا لو وطئ على ظن أن الشمس غربت أو أن الليل باق وبان خلافه فإنه يفطر ولا كفارة قال القفال . ولا تسقط الفدية بالشبهة لأنها تضمنت غرامة بخلاف الكفارة فإنها تضمنت عقوبة فالتحقت في الإسقاط بالحد » ، وتسقط الإثم والتحريم إن كانت في الفاعل دون المحل وشرط الشبهة أن تكون قوية وإلا فلا أثر لها قال التاج السبكي : « ونعني بالقوة ما يوجب وقوف الذهن عندها وتعلق ذي الفطنة بسبيلها لا انتهاض الحجة فإن الحجة لو انتهضت بها لما كنا مخالفين لها » . انتهى . ولهذا يحد بوطء أمة أباحها السيد ولا يراعى خلاف عطاء في إباحة الجواري للوطء ؛ ومن شرب النبيذ يحد ولا يراعى خلاف أبي حنيفة .
القاعدة السابعة
« الحر غير داخل تحت اليد »
ومن فروعها : ما لو حبس شخص حرا شهرا فلا يضمن منفعته بالفوات بل بالتفويت بخلاف العبد فإنه تضمن منافعه بفواتها ولو وطء حرة بشبهة فأحبلها وماتت بالولادة لم تجب ديتها في الأصح ولو كانت أمة وجبت القيمة ولو نام عبد على بعير فقاده وأخرجه عن القافلة قطع ، أو حلا فلا في الأصح ولو وضع ضبياً حراً في مسبعة فأكله السبع فلا ضمان في الأصح بخلاف ما لو كان عبداً ، ولو كانت امرأة تحت رجل وادعى آخر أنها زوجته فالصحيح أن هذه الدعوى عليها لا على الرجل ؛ لأن الحرة لا تدخل تحت اليد ، ولو أقام كل بينة أنها زوجته لم تقدم بينة من هي تحته لما ذكرنا .
القاعدة الثامنة
« الحريم له حكم ما هو حريم له »
الأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : « الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات
$[1/65](1/65)
لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه ، وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام : كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه » ، الحديث ، أخرجه الشيخان « البخاري ومسلم » عن النعمان بن بشير رضي اللّه تعالى عنهما ، قال الزركشي : « الحريم يدخل في الواجب والحرام والمكروه » . وكل محرم له حريم يحيط به والحريم هو المحيط بالحرام كالفخذين فإنهما حريم للعورة الكبرى ، وحريم الواجب ما لا يتم الواجب إلا به ومن ثم وجب غسل جزء من الرقبة والرأس مع الوجه ليتحقق غسله ، وغسل جزء من العضد مع الذراع وجزء من الساق مع الكعب ، وستر جزء من السرة والركبة مع العورة ، وجزء من الوجه مع الرأس للمرأة ، وحرم الاستمتاع بما بين السرة والركبة في الحيض لحرمة الفرج .
ضابط : كل محرم فحريمه حرام إلا حريم دبر الزوجة وهو ما يكون بين أليتيها فإنه لا يحرم التلذذ به ، كما لا يحرم التلذذ بظاهر الدبر وإن حرم الوطء في الدبر كما في « التحفة » و « فتح الجواد » ويدخل في هذه القاعدة حريم المعمور فهو مملوك لمالك المعمور في الأصح ولا يملك بالإحياء قطعاً ، وحريم المسجد حكمه حكم المسجد ولا يجوز الجلوس فيه للبيع ولا للجنب على ما قاله السيوطي ، وقال ابن حجر وغيره : « إن حريم المسجد وهو ما يهيأ لإلقاء نحو قمامته ليس كالمسجد وهو المعتمد وأما الرحبة - بفتحتين - فالجمهور على عدها من المسجد وهي : ما حجر عليه لأجله أي تبنى لأجل المسجد ويحوط عليها وتتصل بالمسجد مع التحويط سواء علم وقفيتها مسجداً أم جهل أمرها ، عملاً بالظاهر وهو التحويط عليها » .
القاعدة التاسعة
« إذا اجتمع أمران من جنس واحد ولم يختلف مقصودهما دخل أحدهما في الآخر غالباً »
فمن فروع ذلك إذا اجتمع حدث وجنابة كفى الغسل على المذهب ، كما لو اجتمع جنابة وحيث ؛ فيكتفي بنية الجنابة عن الحيض والجنابة وعكسه أو اجتمع غسل
$[1/66](1/66)
جمعة وعيد فيكتفي بنية غسل العيد عن نية غسل الجمعة ، ولو باشر المحرم فيما دون الفرج لزمته الفدية ، فلو جامع بعد ذلك دخلت في كفارة الجماع على الأصح؛ ولو اجتمع حدث ونجاسة حكمية كفت لها غسلة واحدة في الأصح عند النووي ولو دخل المسجد وصلى الفرض دخلت فيه التحية ولو طاف القادم عن فرض أو نذر دخل فيه طواف القدوم بخلاف ما لو طاف للإفاضة لا يدخل فيه طواف الوداع ، لأن كلا منهما مقصود في نفسه ومقصودهما مختلف وبخلاف ما لو دخل المسجد الحرام فوجدهم يصلون جماعة فصلاها ، فإنه لا يحصل له تحية البيت وهو الطواف لأنه ليس من جنس الصلاة ولو تعدد السهو في الصلاة لم يتعدد السجود بخلاف جبرانات الإحرام لا تتداخل لأن القصد بسجود السهو رغم أنف الشيطان وقد حصل بالسجدتين آخر الصلاة والمقصود بجبرانات الإحرام : جبر هتك الحرمة فلكل هتك جبر فاختلف المقصود ولو زنى بكر مرارا أو شرب خمرا مرارا أو سرق مراراً ، كفى حد واحد . ولو زنى وسرق وشرب فلا تداخل لاختلاف الجنس ولو قذفه مرات كفى حد واحداً أيضاً في الأصح ولو وطء في الإحرام ثانياً فإن عليه شاة ولا تدخل في الكفارة لمصادفته إحراما لم يحل منه ولو لبس ثوبا مطيبا فرجح الرافعي لزوم فديتين وصحح النووي واحدة لاتحاد الفعل وتبعية الطيب ، ولو قتل المحرم صيدا في الحرم لزمه جزاء واحد . وتداخلت الحرمتان في حقه لأنهما من جنس واحد كالقارن إذا قتل صيداً لزمه جزاء واحد وإن كان قد هتك به حرمة الحج والعمرة ولو تكرر الوطء بشبهة واحدة تداخل المهر بخلاف ما إذا تعدد جنس الشبهة ولو وطئ بشبهة بكرا وجب ارض البكارة ولا تداخل لاختلاف الجنس والمقصود ، فإن ارض البكارة يجب إبلا والمهر نقدا والأرض للجناية والمهر للاستمتاع . وقد علمت مما أوردناه من الفروع ما احترزنا عنه بقولنا : « من جنس واحد » ، وبقولنا : « ولم يختلف مقصودهما » ، وبقولنا : « غالباً » .
$[1/67]
القاعدة العاشرة(1/67)
« إعمال الكلام أولى من إهماله »
ومن فروعها : ما لو أوصى بطبل وله طبل لهو وطبل حرب صح وحمل على الجائز نص عليه (1) ومنها لو قال لزوجته وحمار : « أحدكما طالق » ، فإنها تطلق بخلاف ما لو قال ذلك لها ولأجنبية وقصد الأجنبية يقبل في الأصح لكون الأجنبية قابلة في الجملة ومنها . لو وقف على أولاده وليس له أولاد أولاد حمل عليهم ، كما جزم به الرافعي لتعذر الحقيقة وصوناً للفظ عن الإهمال .
تنبيه : قال التقي السبكي وولده تاج الدين السبكي : محل هذه القاعدة أن يستوي الأعمال والإهمال بالنسبة إلى الكلام ، أما إذا بعد الأعمال عن اللفظ وصار بالنسبة إليه كاللغز (2) فلا يصير راجحا بل الإهمال مقدم .
ومن فروع ذلك : ما لو أوصى بعود من عيدانه وله عيدان لهو وعيدان قسي فالأصح : بطلان الوصية تنزيلا على عيدان اللّهو ، لأن اسم العود عن الإطلاق ينصرف له واستعماله في غيره مرجوح ، ولي كالطبل لوقوعه على الجميع وقوعا واحداً كذا فرق الأصحاب بين المسألتين ، ولو قال زوجتك فاطمة ولم يقل بنتي لم يصح على الأصح لكثرة الفواطم ، ويدخل في هذه القاعدة ، قاعدة : « التأسيس أولى من التأكيد » ، فإذا دار اللفظ بينهم تعين حمله على التأسيس .
وفيه فروع : منها قال : أنت طالق ، أنت طالق ، ولم ينو شيئاً فالأصح الحمل على الاستئناف (3) .
_________________________
(1) أي الشافعي .
(2) كالخفي .
(3) حمل الكلام على فائدة جديدة خير من حمله على فائدة الأول .
$[1/68]
القاعدة الحادية عشرة
« الخراج بالضمان »(1/68)
هو لفظ حديث صحيح أخرجه الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان من حديث عائشة رضي اللّه تعالى عنها ، وفي بعض طرقه ذكر السبب وهو : « أن رجلاً ابتاع عبداً فأقام عنده ما شاء اللّه (1) أن يقيم ثم وجد به عيباً فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرده عليه ، فقال الرجل : يا رسول اللّه قد استعمل غلامي فقال : الخراج بالضمان » . قال أبو عبيد : « الخراج في هذا الحديث غلة العبد ، يشتريه الرجل فيستغله زماناً ثم يعثر منه على عيب دلسه (2) البائع فيرده ، ويأخذ جميع الثمن ويفوز بغلته كلها ، لأنه كان في ضمانه ولو هلك هلك من ماله » . انتهى . وكذا قال الفقهاء : « معناه ما خرج من الشيء من غلة ومنفعة وعين فهو للمشتري عوض ما كان عليه من ضمان الملك ، فإنه لو تلف المبيع كان من ضمانه فالغلة له ليكون الغنم (3) في مقابلة الغرم » . انتهى .
ومن فروعها : إن ما حدث من المبيع من ثمرة وغيرها كالولد والأجرة وكسب الرقيق والركاز الذي يجده وما وهب له فقبله وقبضه وما وصى له به فقبله ومهر الجارية إذا وطئت بشبهة كل ذلك للمشتري . وخرج عن ذلك مسألة وهي . ما لو أعتقت المرأة عبداً فإن ولاءه يكون لابنها ولو جنى العبد جناية خطأ فالعقل على عصبتها دونه وقد يجيء مثله في بعض العصبات يعقل ولا يرث ، واللّه أعلم .
القاعدة الثانية عشرة
« الخروج من الخلاف مستحب »
فرعها كثيرة جدا لا تكاد تحصى . فمنها استحباب الدلك في الطهارة ، واستيعاب الرأس بالمسح ، وغسل المني بالماء ، والترتيب في قضاء الصلوات ، وترك صلاة الأداء
_________________________
(1) أي مدة .
(2) أخفاه .
(3) المصلحة .
$[1/69](1/69)
خلف القضاء ، وعكسه ، والقصر في سفر يبلغ ثلاث مراحل ، وتركه فيما دون ذلك وتركه للملاح الذي يسافر بأهله وأولاده ، وترك الجمع وكتابة العبد القوي الكسوب ونية الإمامة ، واجتناب استقبال القبلة واستدبارها مع الساتر حال قضاء الحاجة ، وقطع المتيمم الصلاة إذا رأى الماء خروجاً من خلاف من حرمه ، وكراهة صلاة المنفرد خلف الصف خروجاً من خلاف من أبطلها ، وكذا كراهة مفارقة الإمام بلا عذر ، والاقتداء في خلال الصلاة خروجاً من خلاف من لم يجز ذلك .
ولمراعاة الخلاف شروط :
أحدها : أن لا يوقع مراعاته في خلاف آخر ومن فروعه . أن الفصل في الوتر أفضل من وصله لحديث : « لا تشبهوا الوتر بالمغرب » ، ولم يراع خلاف أبي حنيفة القائل بمنع الفصل لأن من العلماء من لا يجيز الوصل قاله السيوطي ، وقال التاج السبكي : « وبفرض تجويز كلهم له يلزم منه ترك سنة ثابتة » . انتهى . ومن فروعه أيضاً : ما لو تقدم على إمامه بالفاتحة أو التشهد بأن فرغ من ذلك قبل شروع الإمام فيه لم يضره ويجزئه لكن تستحب إعادته خروجاً من خلاف من أوجبها وقدمت مراعاة هذا الخلاف لقوته على مراعاة الخلاف في البطلان بتكرير الركن القولي كما قاله ابن حجر .
الثاني : أن لا يخالف سنة ثابتة صحيحة أو حسنة ، ومن فروعه أنه يسن رفع اليدين في الصلاة ولم يراع خلاف من قال بإبطاله الصلاة من الحنفية لأنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية نحو خمسين صحابيا .
الثالث : أن يقوى مدركه أي دليله الذي استند إليه المجتهد قال التاج السبكي: « فإن ضعف ونأى عن مأخذ الشرع كان معدودا من الهفوات والسقطات لا من الخلافيات ونعني بالقوة وقوف الذهب عندها وتعلق ذي الفطنة بسبيلها لا انتهاض الحجة بها فإن الحجة لو انتهضت لما كنا مخالفين لها » . انتهى . ومن فروعه الصوم في السفر أفضل لمن لم يتضرر به ، ولم يراع قول داود الظاهري أنه لا يصح
$[1/70](1/70)
من المسافر ، وقد قال إمام الحرمين في هذه المسألة : « إن المحققين لا يقيمون لخلاف أهل الظاهر وزنا » ، قاله السيوطي تبعاً للنووي التابع لإمام الحرمين ، واعتمده ابن حجر الهيتمي ، رحمهم اللّه تعالى آمين .
القاعدة الثالثة عشرة
« الدفع أقوى من الرفع »
قال ابن حجر : « دفع الشيء ، منع التأثير بما يصله له لولا ذلك الدافع ، والرفع إزالة موجود » . انتهى .
ومن فروعها الماء المستعمل إذا بلغ قلتين في عوده طهوراً وجهان ، وإن كان الأصح أنه طهور ولو استعمل القلتين ابتداء لم يصر مستعملا بلا خلاف ، والفرق أن الكثرة في الابتداء دافعة وفي الأثناء رافعة ، « والدفع أقوى من الرفع » . ومن ذلك : وجود الماء قبل الصلاة للمتيمم يمنع الدخول فيها ؛ وفي أثنائها لا يبطلها حيث تسقط به . ومن ذلك اختلاف الدين المانع من النكاح يدفعه ابتداء ولا يرفعه في الأثناء فورا بل يوقف إلى انقضاء العدة ؛ ومن ذلك الفسق يمنع انعقاد الإمامة ابتداء ولو عرض في الأثناء لم ينعزل .
تنبيه : قال الشيخ ابن حجر في تحفته : « الدفع أقوى من الرفع غالباً » ، وخرج « بغالباً » الطلاق يرفع النكاح ولا يدفعه لحل الرجعة وعكسه الإحرام ؛ وعدة الشبهة فهو أي الطرق أقوى تأثيرا منهما انتهى . يعني الإحرام وعدة الشبهة فإنهما لا يرفعان النكاح وإنما يرفعان حل الاستمتاع ، وبقي هناك قسم ثالث يقال له فاعل الأمرين . بمعنى أنه يدفع ويرفع وذلك كالرضاع فإنه يدفع حل النكاح ويرفعه إذا طرأ عليه كما إذا تزوج برضيعة فأضعتها زوجته الكبيرة فإنه ينفسخ النكاح ، واللّه أعلم .
$[1/71]
القاعدة الرابعة عشرة
« الرخص لا تناط بالمعاصي »(1/71)
ومعنى ذلك : أن فعل الرخصة متى توقف على وجود شيء نظر في ذلك الشيء فإن كان تعاطيه في نفسه حراماً امتنع معه فعل الرخصة ، وإلا فلا وبهذا يظهر الفرق بين المعصية بالسفر . والمعصية في السفر ، فالعبد الآبق والناشزة والمسافر للمكس ونحوه ؛ عاص بالسفر ؛ فالسفر نفسه معصية والرخصة منوطة به أي معلقة به ومترتبة عليه ترتب المسبب على السبب فلا تباح فيه الرخص ومن سافر مباحاً فشرب الخمر في سفره فهو عاص فيه أي مرتكب المعصية في السفر المباح فنفس السفر ليس معصية ولا آثما به فتباح فيه الرخص لأنها منوطة بالسفر وهو في نفسه مباح ولهذا جاز المسح على الخف المغصوب بخلاف المحرم لأن الرخصة منوطة باللبس وهو للمحرم معصية وفي المغصوب ليس معصية « لذاته » أي لكونه لبسا بل للاستيلاء على حق الغير ؛ ولذا لو ترك اللبس لم تزل المعصية بخلاف المحرم . قاله السيوطي فعلم أن العاصي بسفره لا يستبيح شيئاً من رخص السفر ؛ كالقصر : والجمع والفطر والمسح ثلاثاً والتنفل على الراحلة وترك الجمعة وأكل الميتة كذا قال السيوطي ، ثم قال : « بل طرد الاصطخري القاعدة في سائر الرخص فقال : إن العاصي بالإقامة لا يستبيح شيئاً منها ، لكن ذهب عامة أصحابنا إلى أنه يستبيحها ، وفرقوا بأن الإقامة نفسها ليست معصية لأنها كف وإنما الفعل الذي يوقعه في الإقامة معصية بخلاف السفر فإنه في نفسه معصية » .
ومن فروع القاعدة : ما لو استنجى بمطعوم أو محترم أي له حرمة كالذي كتب عليه اسم معظم أو علم شرعي لا يجزئه الاستنجاء في الأصح لأن الاقتصار على الحجر رخصة فلا يناط بمعصية ومنها لو جن المرتد وجب قضاء صلوات أيام الجنون أيضا بخلاف ما إذا حاضت المرتدة لا تقضي صلوات أيام الحيض لأن سقوط القضاء
$[1/72]
عن الحائض عزيمة وعن المجنون رخصة والمرتد ليس من أهل الرخصة . ومنها لو لبس المحرم الخف فليس له المسح لأن المعصية هنا في نفس اللبس ذكرها الإسنوي في ألغازه .(1/72)
القاعدة الخامسة عشرة
« الرخص لا تناط بالشك »
ذكرها الشيخ تقي الدين أبو الحسن السبكي رحمه اللّه تعالى وقررها أهل الفروع ، ومن فروعها :
وجوب غسل الرجلين لمن شك في جواز المسح ومنها . وجوب الإتمام لمن شك في جواز القصر وذلك في صور متعددة وخرج عنها مسائل . منها الشاك في نية إمامه القصر إذا علق نية القصر على ما يفعله إمامه فتصح نيته ويقصر المأموم إن قصر الإمام كما تقدم في فروع القاعدة الأولى ومنها لو شك في المرحلتين اجتهد وقصر وجمع إذا ظن أنه القدر المعتبر في القصر . مع أن القصر رخصة وهو شاك .
القاعدة السادسة عشرة
« الرضا بالشيء رضى بما يتولد منه »
وقريب منها قاعدة : « المتولد من مأذون فيه لا أثر له » ، ومن فروعها :
رضي أحد الزوجين بعيب صاحبه فزاد العيب ؛ فلا خيار له على الصحيح لأن الزائد ناشئ من أصل العيب ، فلما رضي بالعيب صار راضياً بالزائد منه ، ومنها أذن المرتهن للراهن في ضر العبد المرهون فهلك بالضرب فلا ضمان؛ لأنه تولد من مأذون فيه . ومنها لو سبق ماء المضمضة والاستنشاق إلى الجوف بلا مبالغة فلا يفطر لأنه تولد من مأذون فيه بغير اختياره بخلاف ما إذا جعل الماء في أنفه أو في فمه لا لغرض أو سبق ماء غسل تبرد أو ماء المرة الرابعة من المضمضة
$[1/73]
والاستنشاق أو بالغ فيهما ، فإنه يفطر في جميع ذلك لأنه غير مأمور به بل منهي عنه في الرابعة وفي المضمضة والاستنشاق . ومنها لو قطع قصاصا أو حدا فسرى فلا ضمان ومنها قال مالك أمره اقطع يدي ففعل فسرى فهدر على الأظهر .
ويستثنى من ذلك ما كان مشروطاً بسلامة العاقبة كالزوج إذا ضرب زوجته ضربا غير مبرح على امتناعها من التمكين وأفضى إلى الهلاك فإنه يضمن بدية شبه العمد وكالوالي في التعزير إذا مات به المعزر فيضمنه عاقلة الوالي وكالمعلم فإنه مأذون له في تأديب المتعلم منه لكن بإذن ولي المحجور وهو مشروط بسلامة العاقبة فإذا تلف المتعلم ضمنه المعلم .(1/73)
قال الشبراملسي : ومن المعلم الذي له تأديب المتعلم الشيخ ما الطلبة فله تأديب من حصل منه ما يقتضي تأديبه فيما يتعلق بالتعلم » . انتهى .
القاعدة السابعة عشرة
« السؤال معاد في الجواب »
من فروعها : ما لو قالت : طلقني بألف ، فقال : طلقتك ، وقع الطلاق بالألف ، وإن لم يذكر المال في الأصح لأن السؤال معاد في الجواب ، ومنها لو قال : بعتك بألف ، فقال اشتريت ، صح بألف في الأصح ، ومنها لو قيل له على وجه الاستفهام : أطلقت زوجتك ؟ فقال : نعم ، كان إقراراً به يؤاخذ به في الظاهر ، ولو كان كاذباً . ولو قيل ذلك على وجه إلتماس الإنشاء فاقتصر على قوله : نعم فقولان ، أحدهما : أنه كناية لا يقع إلا بالنية والثاني صريح وهو الأصح لأن السؤال معاد في الجواب فكأنه قال : طلقتها . ومنها مسائل الإقرار ، فإذا قال : لي عندك كذا ، فقال : نعم ؛ أو قال : ليس لي عليك كذا ، فقال : بلى ، أو قال : أجل في الصورتين ، فهو إقرار بما سأله عنه ، وخرج عن ذلك النكاح فإذا قال : زوجتك بنتي ، فقال : قبلت ، لم يصح حتى يقول : قبلت نكاحها أو تزويجها ، لأن السؤال غير معاد في باب النكاح ، وهذا بخلاف ما إذا قال : زوجتكها بألف ، فقال : قبلت نكاحها ، فإنه يصح لكن بمهر المثل . قال العلامة الخطيب
$[1/74]
الشربيني : « وهذه حيلة فيمن لم يزوجها وليها إلا بأكثر من مهر المثل » .
تنبيه : قال الزركشي : « لهذه القاعدة قيد وهو أن لا يقصد بالجوانب الابتداء ، ولهذا لو قال المشتري : لم أقصد بقولي اشتريت جوابك ، فالظاهر كما قاله في « البحر » : القبول أي قبول قول المشتري ، فلا يلزمه الألف ولا يصح البيع » .
قال إمام الحرمين : « لو قال طلقتك بعد قولها طلقني بألف . ثم قال أردت ابتداء طلاقها قبل منه ، وله الرجعة ، ولها تحليفه على أنه لم يرد جوابها » ، قال الخطيب الشربيني : « ولو سكت عن التفسير فالظاهر أنه يجعل جواباً » . انتهى .
القاعدة الثامنة عشرة(1/74)
« لا ينسب للساكت قول »
هذه عبارة الشافعي رضي اللّه عنه . ولهذا لو سكت عن وطء أمته لا يسقط المهر قطعاً ، أو عن قطع عضو منه أو إتلاف شيء من ماله مع القدرة على الدفع لم يسقط ضمانه بلا خلاف بخلاف ما لو أذن في ذلك ، ولو سكتت الثيب عند الاستئذان في النكاح لم يقم مقام الإذن قطعاً ولو علم البائع بوطء المشتري الجارية في مدة الخيار لا يكون إجازة في الأصح ؛ ولو حمل من مجلس الخيار ولم يمنع من الكلام لم يبطل خياره في الأصح . وخرج عن القاعدة صور كثيرة :
منها : البكر سكوتها في النكاح إذن للأب فالجد قطعاً ، فسائر العصبة فالسلطان في الأصح للخبر الصحيح : « إذنها صماتها » ، ومنها سكوت المدعى عليه عن الجواب بعد عرض اليمين عليه ، يجعله كالمنكر الناكل ، وترد اليمين على المدعي فيحلف ويستحق ما ادعاه ومنها : لو نقض بعض أهل الذمة ، ولم ينكر الباقون بقول ولا فعل فعل بل سكتوا ، انتقض فيه أيضا . ومنها لو رأى السيد عبده يتلف ما لغيره وسكت عنه ضمنه ومنها إذا سكت المحرم على حلق الحلاق لرأسه مثلاً مع القدرة على منعه لزمه الفدية في الأصح ؛ لأن الشعر في يده بمنزلة الوديعة فيلزمه دفع مهلكاتها . ومنها : لو باع العبد البالغ وهو ساكت ، صح البيع ولا يشترط أن يعترف بأن البائع سيده في الأصح .
$[1/75]
ومنها : القراءة على الشيخ وهو ساكت ، ينزل منزلة نطقه في الأصح قال إمام الحرمين : « بشرط أن لو عرض من القارئ تصحيف أو تحريف لرده » . انتهى . ومنها : مسائل أخر ذكرها القاضي جلال الدين البلقيني أكثرها على ضعيف وبعضها اقترن به فعل قام مقام النطق وبعضها فيه نظر ، وألف فيها بعض العلماء مؤلفاً خاصاً ، وممن عنى بجمع شيء في هذه المسألة الجعبري في منظومته التي منها قوله :
قاعدة سكوت ذي التكليف ……ليس رضا في شرعنا الشريف
فيما سوى مسائل فمنها……صمت رسول اللّه عن أن ينهى
عما جرى يا ذا النهى بحضرته……والمجتمعين بعده من أمته(1/75)
والبكر في النكاح حين تجبر……فإذنها صماتها لا ينكر
كذا التي ليست بذي إجبار……سكوتها رضى على المختار
القاعدة التاسعة عشرة
« ما كان أكثر فعلا كان أكثر فضلا »
أصلها قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي اللّه تعالى عنها : « أجرك على قدر نصبك » رواه مسلم ، ومن ثم كان فصل الوتر أفضل من وصلة لزيادة النية وتكبير الإحرام والسلام ، وصلاة النفل قاعداً على النصف من صلاة القائم ومضطجعا على النصف من القاعدة وإفراد النسكين أفضل من القران ، وخرج عن ذلك صور :
الأولى - القصر أفضل من الإتمام إذا كان السفر ثلاث مراحل فأكثر .
الثانية - الضحى أفضلها ثمان وأكثرها اثنتا عشرة ركعة ، والأول أفضل تأسياً بفعله صلى الله عليه وسلم .
الثالثة - قراءة سورة قصيرة في الصلاة أفضل من بعض سورة وإن طال البعض كما قاله المتولي لأنه المعهود من فعله صلى الله عليه وسلم غالباً ، وقيل السورة أفضل من البعض المساوي للسورة الكاملة واعتمده الرملي في « النهاية » والشارح .
الرابعة - الصلاة مرة في الجماعة أفضل من فعلها وحده خمسا وعشرين مرة كذا
$[1/76]
ذكره الزركشي في قواعده وتابعه عليه السيوطي والناظم وضعفه الشيخ ابن حجر في « التحفة » فقال : « ولا يصح لأن إعادة الصلاة لغير وقوع خلاف في صحتها لا يجوز » . انتهى .
الخامسة - صلاة الصبح أفضل من سائر الصلوات غير العصر مع أن الصبح أقصر من غيرها . قال في « التحفة » : « العصر أفضل ثم الصبح ثم العشاء ثم الظهر ثم المغرب فيما يظهر من الأدلة » . انتهى . ونظمها والد شيخنا العلامة جمال الدين السيد محمد بن عبدالرحمن بن حسن عبدالباري الأهدل المتوفى سنة 1352هـ رحمه اللّه تعالى فقال :
وأفضل من كل الفرائض جمعة ……فعصر لها فالعصر للغير يا خلي
فصبح عشاء ثم ظهر ومغرب……كذا رتبوا فاحفظ هديتك للكل(1/76)
السادسة - ركعة الوتر إذا اقتصر عليها أفضل من ركعتي الفجر على الجديد بل من التهجد في الليل وإن كثرت ركعاته ذكره في المطلب .
السابعة - تخفيف ركعتي الفجر أفضل من تطويلهما .
الثامنة - صلاة العيد أفضل من صلاة الكسوف مع كونها أشق وأكثر عملا لأن صلاة العيد فرض كفاية على قول بخلاف الكسوف .
التاسعة - الجمع بين المضمضة والاستنشاق بثلاث غرفات أفضل من الفصل بست غرفات لورود التصريح بأفضلية الثلاث في رواية البخاري ، وإنما فضل الجمع لصحة أحاديثه على أحاديث الفصل لعدم صحة أحاديثه قاله في « التحفة » .
العاشرة - الفصل بغرفتين أفضل منه بست غرفات .
الحادية عشرة - التصدق بالأضحية بعد أكل لقم منها يتبرك بها أفضل من التصدق بجميعها .
الثانية عشرة - الإحرام من الميقات أفضل منه من دويرة أهله في الأظهر .
الثالثة عشرة - الحج والوقوف راكبا أفضل منه ماشيا تأسيا بفعله صلى الله عليه وسلم في الصورتين .
الرابعة عشرة - تحية المسجد ركعتان أفضل من أكثر من ركعتين بتسليم .
$[1/77]
الخامسة عشرة - الاستعاذة بلفظ أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم أفضل من زيادة كأعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم ، وقس عليه كل ما دل الدليل على أفضلية القليل فيه على الكثير كصلاة في أحد المساجد الثلاثة أفضل من الكثير في غيرها ، واللّه أعلم .
القاعدة العشرون
« العمل المتعدي أفضل من القاصر »(1/77)
يعني بالمتعدي الذي يعم نفعه صاحبه وغيره ، ومن ثم قال الأستاذ أبو إسحاق وإمام الحرمين وأبوه : « القائم بفرض الكفاية مزية على فرض العين ، لأنه أسقط الحرج عن الأمة » ، وقال الشافعي : « طلب العلم أفضل من صلاة النافلة » ، وأنكر الشيخ عز الدين بن عبدالسلام هذا الإطلاق وقال : قد يكون القاصر أفضل كالإيمان وقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم التسبيح عقب الصلاة على الصدقة » ، وقال : « خير أعمالكم الصلاة » ، وسئل : أي الأعمال أفضل ؟ فقال : « إيمان باللّه ثم جهاد في سبيل اللّه ثم حج مبرور » ، وهذه كلها قاصرة ، ثم اختار تبعاً لحجة الإسلام الغزالي في « الإحياء » أن أفضل الطاعات على قدر المصالح الناشئة عنها ، واللّه أعلم .
القاعدة الحادية العشرون
« الفرض أفضل من النفل »
قال صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه : « وما تقرب إلى المتقربون بمثل أداء ما افترضت عليهم » رواه البخاري ، قال إمام الحرمين . قال الأئمة خص اللّه نبيه صلى الله عليه وسلم بإيجاب أشياء لتعظيم ثوابه ، فإن ثواب الفرض يزيد على ثواب المندوبات بسبعين درجة ، وتمسكوا بما رواه سلمان الفارس رضي اللّه تعالى عنه : أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال في شهر رمضان : « من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه » . فقابل النفل فيه بالفرض في غيره ، وقابل الفرض فيه بسبعين فرضاً في غيره فأشعر هذا بطريق
$[1/78]
الفحوى أن الفرض يزيد على النفل سبعين درجة انتهى ، قال التاج السبكي : « وهذا أصل مطرد لا سبيل إلى نقضه بشيء من الصور » ، ويستثنى من هذه القاعدة صور وبعضها فيه نظر لبعض العلماء :(1/78)
أحدها - إبراء المعسر ، فإنه أفضل من إنظاره ، وإنظاره واجب وإبراؤه مستحب ونظر فيه السبكي : « بأنه لم يفضل مندوب واجباً بل الإبراء مشتمل على الإنظار » . انتهى . وقرره الشيخ ابن حجر في « التحفة » في باب النفل .
الثاني - ابتداء السلام فإنه سنة والرد واجب ، والابتداء أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم : « وخيرهما الذي يبدأ بالسلام » ، وقرر هذا الاستثناء الشيخ ابن حجر في « التحفة » في « باب الأذان » ، لكن خالف ذلك في باب النفل فقال : « وزعم أن المندوب قد يفضله كإبراء معسر وإنظاره وابتداء السلام ورده مردود بأن سبب الفضل في هذين اشتمال المندوب على مصلحة الواجب وزيادة ، إذ بالإبراء زال الإمهال وبالابتداء حصل الأمن أكثر مما في الجواب » . انتهى . واعترضه ابن قاسم ورده أبو قشير .
الثالث - الأذان فإنه سنة على الأصح ، وهو أفضل من الإمامة وهي فرض كفاية أو عين ونازع في ذلك الرافعي وظاهر كلام ابن حجر في « التحفة » رد منازعته .
الرابع - الوضوء قبل الوقت سنة وهو أفضل منه في الوقت صرح به القمولي في « الجواهر » ، وإنما يجب الوضوء بعد دخول الوقت ، واللّه أعلم .
القاعة الثانية والعشرون
« الفضيلة المتعلقة بنفس العبادة أولى من المتعلقة بمكانها »
قال في « شرح المهذب » : « هذه قاعدة مهمة صرح بها جماعة من أصحابنا وهي مفهومة من كلام الباقين » ، ويتخرج عليها مسائل مشهورة . منها الصلاة في جوف الكعبة أفضل من الصلاة خارجها فإن لم يرج فيها الجماعة وكانت خارجها فالجماعة خارجها أفضل ، ومنها صلاة الفرض في المسجد أفضل منه في غيره فلو كان مسجد لا جماعة فيه ، وهناك جماعة في غيره فصلاتها مع الجماعة خارجة أفضل من الانفراد في
$[1/79](1/79)
المسجد ومنها الصلاة في الصف الأول في المسجد النبوي أفضل من الصلاة في الروضة الشريفة ، ومنها صلاة النفل في البيت أفضل منها في المسجد لأن فعلها في البيت فضيلة تتعلق بها فإنه سبب لتمام الخشوع والإخلاص وأبعد من الرياء وشبهة حتى أن صلاة النفل في بيته أفضل منها في المسجد النبوي لذلك ، ومنها القرب من الكعبة في الطواف مستحب والرمل مستحب فلو منعته الزحمة من الجمع بينهما ولم يمكنه الرمل مع القرب وأمكنه مع البعد فالمحافظة على الرمل مع البعد أولى من المحافظة على القرب بلا رمل لذلك ، وخرج عن القاعدة صور منها ، الجماعة القليلة في المسجد القريب أو البعيد إذا خشي التعطيل لو لم يحضر فيه أفضل من الجماعة الكثيرة في غيره ومنها ، الجماعة في المسجد أفضل منها في غيره وإن كثرت صرح به الماوردي لأن اعتناء الشارع بكثرة إظهار شعار الجماعة في المساجد أكثر ، واللّه أعلم .
القاعدة الثالثة والعشرون
« الواجب لا يترك إلا لواجب »
وهذا الترك مقيد بما إذا شرعاً في محل واحد فيتخير بينهما . كستر بعض عورته بيده يتخير بينه وبين وضع يده حال السجود ، وعبر عن القاعدة قوم بقولهم : « الواجب لا يترك لسنة » وقوم بقولهم : « ما لا بد منه لا يترك إلا لما لا بد منه » ، وقوم بقولهم : « جواز ما لو لم يشرع لم يجز دليل على وجوبه » ، وقوم بقولهم : « ما كان ممنوعاً إذا جاز وجب » ، وفيها فروع منها قطع اليد في السرقة لو لم يجب لكان حراماً ، ومنها إقامة الحدود على ذوي الجرائم ومنها وجوب أكل الميتة للمضطر ، ومنها الختان لو لم يجب لكان حراماً فما فيه من قطع عضو وكشف العورة والنظر إليها ، ومنها العود من قيام الثالثة إلى التشهد الأول يجب لمتابعة الإمام لأنها واجبة ولا يجوز للإمام والمنفرد لأنه ترك فرض لسنة وكذا العود إلى القنوت ، ومنها : التنحنح بحيث يظهر حرفان إن كان لأجل القراءة فعذر لأنه لواجب أو للجهر فلا لأنه سنة .
$[1/80](1/80)
وخرج عن هذه القاعدة صور ، منها : سجود السهو وسجود التلاوة لا يجبان ولو لم يشرعا لم يجوزا ، ومنها النظر إلى المخطوبة لا يجب ولو لم يشرع لم يجز ، ومنها الكتابة لا تجب ، إذا طلبها الرقيق الكسوب وقد كانت قبلها ممنوعة لأن السيد لا يعامل عبده . ومنها رفع اليدين على التوالي في تكبيرات العيد فإنها لا تبطل الصلاة على المعتمد عند الرملي تبعا للسيوطي وغيره خلافاً للشيخ ابن حجر في تحفته ، ومنها قتل الحية مع توالي الضرب ومع الانحناء في الصلاة لا تبطل به الصلاة لمشروعيته فيها ، لو لم يشرع لكان مبطلا للصلاة مع أنه ليس بواجب بل سنة ، ومنها زيادة ركوع في صلاة الكسوف لا يجب ولو لم يشرع لم يجز .
القاعدة الرابعة والعشرون
« ما أوجب أعظم الأمرين بخصوصه لا يوجب أهونهما بعمومه »
ذكرها الرافعي وفيها فروع :
منها : لا يجب على الزاني التعزير بالملامسة والمفاخذة فإن أعظم الأمرين وهو الحد قد وجب ومنها زنا المحصن لم يوجب أهون الأمرين وهو الجلد بعموم كونه زنا خلافاً لابن المنذر ، ومنها خروج المني لا يوجب الوضوء على الصحيح بعموم كونه خارجا ، فإنه قد أوجب الغسل الذي هو أعظم الأمرين ، ومنها الشين الحاصل بسبب الموضحة فإنه لا يجب أرشه لأن هذه الموضحة قد أوجبت أعظم الأمرين وهو القصاص فلا توجب الأرش الأهون .
وخرج عن هذه القاعدة صور منها الحيض والنفاس والولادة فإنها توجب الغسل مع إيجابها الوضوء أيضاً ، ومنها من اشترى فاسدا ووطئ لزمه المهر وأرش البكارة ولا يندرج في المهر ، ومنها لو شهدوا على محصن بالزنا فرجم ثم رجعوا اقتص منهم ويحدون للقذف أولا ، ومنها . من قاتل من أهل الكمال وهو البالغ العاقل الحر أكثر من غيره حتى فعل نكاية في العدو فإنه يرضخ له مع سهمه ذكره الرافعي عن البغوي وغيره ، ومنها الجماع في رمضان وفي الحج يوجب القضاء مع الكفارة ، واللّه أعلم .
$[1/81]
القاعدة الخامسة والعشرون(1/81)
« ما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط »
ولهذا لا يصح نذر الواجب كالجمعة والصلوات الخمس ، ولو قال : طلقتك بألف على أن لي عليك الرجعة سقط قوله بألف ، ويقع رجعيا : لأن المال ثبت بالشرط والرجعة ثبتت بالشرع فكانت أقوى ، ونحوه تدبير المستولدة لا يصح لأن عتقها بالموت ثابت بالشرع فلا يحتاج معه إلى التدبير ، ولو اشترى قريبه ونوى عتقه عن الكفارة لا يقع عنها لأن عتقه بالقرابة حكم قهري والعتق عن الكفارة يتعلق بإيقاعه واختياره ومن لم يحج إذا أحرم بتطوع أو نذر وقع عن حجة الإسلام لأنه يتعلق بالشرع ووقوعه عن التطوع والنذر متعلق بإيقاعه عنهما والأول أقوى ، ولو نكح أمة مورثه ثم قال : إذا مات سيدك فأنت طالق فمات السيد والزوج يرثه فالأصح أنه لا يقع الطلاق لأنه اجتمع المقتضى للانفساخ ووقع الطلاق في حالة واحدة والجمع بينهما ممتنع فقدم أقواهما وهو الانفساخ لأنه حكم ثبت بالقهر شرعاً ووقوع حكم تعلق باختياره والأول أقوى ، واللّه أعلم .
القاعدة السادسة والعشرون
« ما حرم استعماله حرم اتخاذه »
ومن ثم حرم اتخاذ الملاهي وأواني النقدين واتخاذ الكلب لمن لا يصيد والخنزير والفواسق والخمر والحرير والحلي للرجل .
وخرج عن هذه القاعدة : مسألة الباب في الصلح ممن لا ممر له من أصحاب الدور فإن الأصح أن له فتح الباب إذا سمره ، وأجيب عنها بأن أهل الدرب يمنعونه من الاستعمال فإن ماتوا فورثتهم ، أما متخذ الإناء ونحوه فليس عنده من يمنعه فربما جره اتخاذه إلى استعماله .
قال الشارح : « وفي هذا الفرق توقف والأحسن الفرق بأن هذا ليس ممنوعا من
$[1/82]
الفتح ابتداء لأن له نقض الجدار كله ، فأولى بعضه فهو متصرف في ملكه فإبقاؤه على هذه الصور استصحاب لمباح بخلاف الأواني لأن صورتها محرمة لذاتها فلا أصل فيها يستصحب » فتأمله . اهـ .
القاعدة السابعة والعشرون
« ما حرم أخذه حرم إعطاؤه »(1/82)
وذلك كبذل المال في نحو خمر ، وبذل المال للحاكم ليبطل حقا وكالربا ومهر البغي ، وحلوان الكاهن ، والرشوة ، وأجرة النائحة ، والزامر ، وآلات الملاهي المحرمة ، ويستثنى صور :
منها الرشوة للحاكم ليصل إلى حقه فيجوز البذل ويحرم الأخذ ومنها المال لفك المحبوس فإذا بذل الشخص لمن يتكلم له عند الأمير في خلاصه مالا حرم الأخذ وجاز البذل على ما قاله في « شرح اللب » و « جمع الجوامع » و « فتح الجواد » لكن كلام! « التحفة » يفيد أن الأخذ حلال حيث قال في باب الجعالة ما نصه : « وكقول من حبس ظلماً لمن يقدر على خلاصه وإن تعين عليه على المعتمد : إن خلصتني فلك كذا بشرط أن يكون في ذلك كلفة تقابل بأجرة عرفاً » . اهـ .
وقال في باب القضاء : « ويجوز البذل لمن يتحدث له في أمر جائز يقابل بأجرة عند ذي سلطان وإن كان المتحدث مترصدا لها خلافاً للسبكي » .
وقوله : « لا يجوز الأخذ على شفاعة واجبة وكذا مباحة بشرط عوض إن جعل جزاء لها » ، ضعيف . اهـ .
ومنها : ما يبذله الشخص لمن يخاف هجوه والوقع في عرضه كالشعراء يهجون الناس إذا لم يعط لهم المال فيجوز البذل ويحرم الأخذ . ومنها لو خاف الوصي أن يستولي ظالم على مال المولى فللوصي إعطاء الظالم شيئاً من مال المحجور للضرورة لأجل سلامة باقية من الظالم ، ومنها أن للقاضي بذل المال على التولية ويحرم على السلطان أخذه ، قال في « التحفة » : « ولا يؤثر » ، يعني : - في العدالة وصحة التولية -
$[1/83]
« بذل مال مع الطلب » ، أي طلب القضاء إن تعين عليه أو ندب لكن الآخذ ظالم فإن لم يتعين ولا ندب له حرم عليه بذله ابتداء لا دواماً لئلا ينعزل » . اهـ .
تنبيه : يقرب من هذه القاعدة :
قاعدة : « ما حرم فعله حرم طلبه » ، وذلك كالرشوة طلبها حرام وفعلها حرام إذا كانت لإحقاق الباطل أو إبطال الحق ، ويستثنى من ذلك مسألتان :(1/83)
الأولى - إذا ادعى دعوى صادقة وأنكر الغريم فله طلب تحليفه ولا يحرم الطلب وإن حرم الفعل .
الثانية - الجزية يجوز طلبها من الذمي مع أنه يحرم عليه إعطاؤها لأنه متمكن من إزالة الكفر بالإسلام فإعطاؤه إياها إنما هو على استمراره على الكفر وهو حرام .
القاعدة الثامنة والعشرون
« المشغول لا يشغل »
ولهذا لو رهن رهناً بدين ثم رهنه بآخر لم يجز في الجديد ، ومن نظائره لا يجوز الإحرام بالعمرة للعاكف بمنى لاشتغاله بالرمي والمبيت ، ومنها لا يجوز إيراد عقدين على عين في محل واحد كما لو رهن داره ثم أجرها من غير المرتهن .
قال السيوطي رحمه اللّه تعالى : « واعلم أن إيراد العقد على العقد ضربان :
أحدهما - أن يكون قبل لزوم الأول وإتمامه ، فهو إبطال للأول إن صدر من البائع كما لو باع المبيع في زمن الخيار أو أجره أو أعتقه فهو فسخ أو إمضاء للأول إن صدر من المشتري بعد القبض .
الثاني - أن يكون بعد لزومه ، وهو ضربان .
الأول - أن يكون مع غير العاقد الأول فإن كان فيه إبطال لحق الأول لغا كما لو رهن داره ثم باعها بغير إذن المرتهن أو أجرها مدة يحل الدين قبلها ، وإن لم يكن فيه إبطال للأول صح كما لو أجر داره ثم باعها لآخر فإنه يصح لأن مورد البيع الغبن ومورد الإجارة المنفعة وكذا لو زوج أمته ثم باعها .
الثاني - أن يكون مع العاقد الأول فإن اختلف المورد صح قطعاً كما لو أجر
$[1/84](1/84)
داره ثم باعها من المستأجر صح ولا تنفسخ الإجارة في الأصح . بخلاف ما لو تزوج بأمة ثم اشتراها فإنه يصح وينفسخ النكاح لأن ملك اليمين أقوى من ملك النكاح فسقط الأضعف بالأقوى كذا عللوه ، واستشكله الرافعي بأن هذا التعليل موجود في الإجارة فالأولى أن يقال : إنما ينتقل إلى المشتري ما كان للبائع والبائع حين البيع لا يملك المنفعة بخلاف النكاح فإن السيد يملك منفعة بضع أمته المزوجة بدليل أنها لو وطئت بشبهة كان المهر للسيد لا للزوج وقد يجاب بأن الإشكال لا يرد المنقول ولو رهنه داراً ثم أجرها منه جاز ولا يبطل الرهن جزم به الرافعي قال : « وهكذا لو أجرها ثم رهنها منه يجوز أن أحدهما ورد على محل غير الآخر فإن الإجارة على المنفعة والرهن على الرقبة . وإن اتحد المورد كما لو استأجر زوجته لإرضاع ولده فقال العراقيون : « لا يجوز » ، لأنه يستحق الانتفاع بها في تلك الحالة فلا يجوز أن يعقد عليها عقدا آخر يمنع استيفاء الحق ، والأصح أنه يجوز ويكون الاستئجار من حين يترك الاستمتاع ، ولو استأجر إنساناً للخدمة شهراً لم يجز أن يستأجره تلك المدة لخياطة ثوب أو عمل آخر ذكره الرافعي في النفقات .
القاعدة التاسعة والعشرون
« المكبر لا يكبر »
ومن ثم لا يشرع التثليث في غسلات نجاسة الكلب وهذا ما اعتمده السيوطي تبعا لجماعة واعتمده المحقق جمال الدين محمد الرملي في « نهايته » وتبعهم الباجوري وخالف المحقق الشهاب أحمد بن حجر الهيتمي فاعتمد سنية التثليث ، وقال الزركشي : « إنه أقرب إلى القواعد » . والتثليث المذكور يكون بزيادة غسلتين بعد الطهر بسبع لأن السبع تحسب واحدة وقيل التثليث بزيادة سبعتين قال بعضهم وكل من القولين ضعيف ، والمعتمد ما عليه الرملي هنا » . انتهى .
ولا يشرع التغليظ في أيمان القسامة ولا دية العمد وشبهه ، وإذا أخذت الجزية باسم زكاة وضعفت لا يضعف الجبران في الأصح .
$[1/85]
القاعدة الثلاثون(1/85)
« من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه »
من فروعها إذا خللت الخمر بطرح شيء فيها لم تطهر لأنه استعجل إلى مقصوده بفعل محرم فعوقب بضد قصده كذا علله الجمال الرملي .
قال الشارح : « كالسيوطي وابن حجر الهيتمي الأصح أن العلة إنما هي تنجس الخل بالملاصق الواقع إذ لا ضرورة إلى التبعية حينئذ وقد يقال سبب عدم التبعية الطرح فيه فيعود إلى الاستعجال » . اهـ .
ومنها : حرمان القاتل من الميراث .
وخرج عن القاعدة صور : منها : لو قتلت أم الولد سيدها عتقت قطعاً لئلا تختل قاعدة أن أم الولد تعتق بالموت ، وكذا لو قتل المدبر سيده ، ولو قتل صاحب الدين المؤجل المديون حل في الأصح ، ولو قتل الموصى له الموصي استحق الموصى به في الأصح ، ولو أمسك زوجته مسيئاً عشرتها لأجل إرثها ورثها في الأصح ، أو لأجل الخلع نفذ في الأصح ، ولو شربت دواء فحاضت لم يجب عليها قضاء الصلاة قطعاً وكذا لو نفست به ، أو رمى نفسه من شاهق ليصلي قاعداً لا يجب القضاء في الأصح ، ولو طلق في مرض موته فراراً من الإرث نفذ الطلاق ولا ترثه في الجديد لئلا يلزم التوريث بلا سبب ولا نسب ، أو باع المال قبل الحول فرارا من الزكاة صح جزما ولم تجب الزكاة لئلا يلزم إيجابها في مال لم يحل عليه الحول في ملكه فتختل قاعدة الزكاة ، أو شرب شيئاً ليمرض قبل الفجر فأصبح مريضا جاز له الفطر قاله الروياني أو أفطر بالأكل متعديا ليجامع فلا كفارة ، ولو جبت ذكر زوجها ثبت لها الخيار في الأصح وكذا لو هدم المستأجر الدار المستأجرة ثبت له الخيار ولو خلل الخمر بغير طرح شيء فيها كنقلها من الشمس إلى الظل وعكسه طهرت في الأصح ولو قتلت الحرة نفسها قبل الدخول استقر لها المهر في الأصح .
تنبيه : إذا تأملت ما أوردناه علمت أن الصور الخارجة عن القاعدة أكثر من
$[1/86]
الداخلة فيها بل في الحقيقة لم يدخل فيها غير حرمان القاتل من الميراث ، واللّه أعلم .(1/86)
قال السيوطي : « كنت أسمع شيخنا قاضي القضاة علم الدين البلقيني يذكر عن والده أنه زاد في القاعدة لفظاً لا يحتاج معه إلى استثناء فقال : « من استعجل شيئاً قبل أوانه ولم تكن المصلحة في ثبوته عوقب بحرمانه » » . انتهى .
القاعدة الحادية والثلاثون
« النفل أوسع من الفرض »
ولهذا لا يجب فيه القيام ولا الاستقبال في السفر ولا تجديد الاجتهاد في القبلة ولا تكرير التيمم ولا تبييت النية ولا يلزم بالشروع وقد يضيق النفل عن الفرض في صور ترجع إلى قاعدة : « ما جاز للضرورة يتقدر بقدرها » . من ذلك وجوب الفرض على فاقد الطهورين ولا يجوز النفل ومثله العاري فلا يصلي إلا الفرض فقط ومن ذلك : الجنب الذي لم يجد الطهورين لا يقرأ غير الفاتحة .
القاعدة الثانية والثلاثون
« الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة »
ومن فروعها أن القاضي لا ولاية له مع وجود الأب والجد ومنها لو أذنت للقاضي أن يزوجها بغير كفء ففعل لم يصح على الأصح عند الشيخين النووي والرافعي ولو زوجها الولي الخاص صح وقد تقدمت هذه المسألة ؛ وللولي الخاص استيفاء القصاص والعفو عن الدية مجانا وليس للإمام العفو مجانا ؛ ولو زوج الإمام لغيبة الولي وزوجها الولي الغائب بآخر في وقت واحد وثبت ذلك بالبينة قدم الولي إن قلنا إن تزويج الإمام بطريق النيابة عن الغائب وإن قلنا إنه بطريق الولاية فهل يبطل ؟ كما لو زوج الوليان معاً ، أو تقدم ولاية الحاكم لقوة ولايته وعمومها ، كما لو قال الولي : كنت زوجتها في الغيبة فإن نكاح الحاكم يقدم كما صرحوا به تردد فيه صاحب الكفاية والأصح أن تزويجه بالنيابة بدليل عدم الانتقال إلى الأبعد فعلى هذا يقدم نكاح
$[1/87]
الولي .(1/87)
ضابط : الولي قد يكون ولياً في المال والنكاح كالأب والجد ، وقد يكون ولياً في النكاح فقط كسائر العصبة غير الأب والجد . وكالأب فيمن طرأ سفهها فإنه لا ولاية له إلا على البضع على الأصح . وأما المال فالولاية فيه للقاضي والجد كالأب في ذلك ، وقد يكون في المال فقط كالوصي فلو أوصى إليه بأن يزوج بطلت الوصية .
فائدة : مراتب الولاية أربع :
الأولى - العليا وهي ولاية الأب والجد وهي عامة وثابتة شرعاً بمعنى أن الشارع فوض لهما التصرف في مال الولد لوفور شفقتهما وذلك وصف ذاتي لهما فلو عزلا أنفسهما لم ينعزلا بإجماع لأن المقتضي للولاية الأبوة والجدودة وهي موجودة مستمرة لا يقدح العزل فيها لكن إذا امتنعا من التصرف تصرف القاضي وهكذا ولاية النكاح لسائر العصبات .
الثانية - وهي السفلى . الوكيل تصرفه مستفاد من الإذن مقيد بامتثال أمر الموكل فلكل منهما العزل وحقيقته : أنه فسخ عقد الوكالة أو قطعه ، والوكالة عقد من العقود قابل للفسخ .
الثالثة - الوصاية وهي بين المرتبتين فإنها من جهة كونها تفويضا تشبه الوكالة ومن جهة كون الموصي لا يملك التصرف بعد موته وإنما جوزت وصيته للحاجة لشفقته على الأولاد وعلمه بمن هو أشفق عليهم تشبه الولاية ، وأبو حنيفة لاحظ الثاني فلم يجوز له عزل نفسه ، والشافعي لاحظ الأول ، فجوز له عزل نفسه على المشهور من مذهبه .
الرابعة - ناظر الوقف يشبه الوصي من جهة كون ولايته ثابتة بالتفويض ويشبه الأب من جهة أنه ليس لغيره تسلط على عزله ، والوصي يتسلط الموصى على عزله في حياته بعد التفويض بالرجوع عن الوصية ومن جهة أنه يتصرف في مال اللّه تعالى ، فالتفويض أصله أن يكون منه ولكنه أذن فيه للواقف فهي ولاية شرعية ومن جهة أنه إما منوط بصفة كالرشد ونحوه وهي مستمرة كالأبوة وإما منوط بذاته كشرط النظر لزيد وهو مستمر فلا يفيد العزل كما لا يفيد في الأب بخلاف الوكيل
$[1/88](1/88)
والوصي فإنه يقطع ذلك العقد أو يرفعه انتهى . نقله السيوطي عن السبكي ، رحمهم اللّه تعالى آمين .
القاعدة الثالثة والثلاثون
« لا عبرة بالظن البين خطؤه »
معنى القاعدة : أن الظن المجوز للعمل إذا بان خلافه باليقين بطل ذلك العمل أي : صار غير معتد به غالباً بخلاف ما إذا أخلف الظن إلى أكثر منه فلا يبطل ذلك العمل ومن فروعها : لو ظن المكلف في الواجب الموسع أنه لا يعيش إلى آخر الوقت تضيق عليه فلو لم يفعله ثم عاش وفعله فأداء على الصحيح ومنها لو صلى بالاجتهاد في الوقت أو الماء أو القبلة ثم تبين الخطأ لم تصح صلاته ومنها لو ظن أن إمامه مسلم أو رجل أو قارئ فبان كافراً أو امرأة أو أمياً لم تصح الصلاة ، ولو ظن بقاء الليل أو ظن غروب الشمس فأكل ثم بان خلافه بطل صومه ولو دفع الزكاة إلى من ظنه من أهلها فبان خلافه لم تجز ، ولو رأوا سوادا فظنوه عدوا فصلوا صلاة شدة الخوف فبان خلافه قضوا في الأظهر ، ولو استناب على الحج ظانا أنه لا يرجى برؤه فبرئ لم يسقط الفرض عنه ووجب عليه الحج بنفسه ، ولو أنفق على البائن ظانا حملها فبانت حائلا استرد ، ويستثنى صور :
منها : لو صلى خلف من يظنه متطهرا فبان حدثه صحت صلاته ولو رأي المتيمم ركبا فظن أن معهم ماء توجه عليه الطلب وبطل التيمم ، ولو خاطب امرأته بالطلاق وهو يظنها أجنبية وقع الطلاق ، أو خاطب عبده بالعتق وهو يظنه لغيره نفذ العتق ، ولو وطئ حرة يظنها زوجته الرقيقة فالأصح أنها تعتد بقرأين اعتبارا بظنه أو وطئ أمة يظنها زوجته الحرة فالأصح أنها تعتد بثلاثة أقراء اعتبارا بظنه أيضاً .
$[1/89]
القاعدة الرابعة والثلاثون
« الاشتغال بغير المقصود إعراض عن المقصود »
ولهذا لو حلف لا يسكن هذه الدار ، ولا يقيم فيها فتردد ساعة حنث وإن اشتغل بجمع متاعه والتيهؤ لأسباب النُقلة فلا ، ولو قال : طالب الشفعة للمشتري عند لقائه اشتريت رخيصاً سقط حقه .
القاعدة الخامسة والثلاثون(1/89)
« لا ينكر المختلف فيه ، وإنما ينكر المجمع عليه »
هذه قاعدة عظيمة متفرعة عن أصل عظيم ، لأن نسبة المختلف فيه إلى المحرم ليست بأولى من نسبته إلى المحلل ، وهذا باعتبار استصحاب العدم الأصلي ، وباعتبار الإنكار الواجب ، أي أن الإنكار المنفي في القاعدة مراد به الإنكار الواجب فقط وهو لا يكون إلا لما أجمع على تحريمه ، وأما ما اختلف في تحريمه فلا يجب إنكاره على الفاعل لاحتمال أنه حينئذ قلد من يرى حله أو جهل تحريمه ، كذا في « التحفة » ويشترط في وجوب الإنكار أيضاً أن لا يؤدي إلى فتنة فإن علم أنه يؤدي إلى فتنة لم يجب بل ربما كان حراماً بل يلزمه أن لا يحضر المنكر ، ويعتزل في بيته لئلا يراه ، ولا يخرج إلا للضرورة ولا يلزمه مفارقة تلك البلدة إلا إذا كان عرضة للفساد قال في « التحفة » : « والكلام في غير المحتسب ، أما هو فينكر وجوبا على من أخل بشيء من الشعائر الظاهرة ولو سنة كصلاة العيد والأذان فيلزمه الأمر بهما ولكن لا يقاتلهم » . انتهى . ويستثنى صور ينكر فيها المختلف فيه :
الأولى : أن يرفع الأمر لحاكم يرى التحريم كما إذا رفع له حنفي شارب نبيذ فإنه يحده إذ لا يجوز للحاكم أن يحكم بخلاف معتقده .
الثانية : أن يكون للمنكر فيه حق كالزوج يمنع زوجته من شرب النبيذ إذا كانت تستحله هي وكذلك الذمية على الصحيح .
$[1/90]
الثالثة : إذا كان مأخذ المجوز لهذا المنكر بعيدا بحيث ينقض فيه قضاء القاضي فينكر حينئذ على الذاهب إليه وعلى مقلده كوطء المرهونة إذ يقول عطاء بحله فيجب الحد على المرتهن إذا وطئها ولا ينظر لذلك .
الرابعة : أن يكون الفاعل معتقدا للحظر أي المنع والتحريم لذلك الفعل كواطئ رجعيته فيعزز ، واللّه أعلم .
القاعدة السادسة والثلاثون
« يدخل القوي على الضعيف ولا عكس »(1/90)
ولهذا يجوز إدخال الحج على العمرة قطعاً لا عكسه على الأظهر ، أي : فلا تدخل العمرة على الحج إذ لا يستفيد به شيئاً ولو وطئ أمة ثم تزوج أختها ثبت نكاحها ، وحرمت الأمة لأن الوطء بفراش النكاح أقوى من ملك اليمين ، إذ يتعلق بفراش النكاح والطلاق والظهار والإيلاء وغيرها ، قال في المغني : « فلا يندفع الأقوى بالأضعف بل يدفعه » . انتهى . ولو تقدم النكاح حرم عليه الوطء بالملك لأنه أضعف الفراشين قال علي الشبراملسي : « أي ما دام النكاح باقياً فإن طلق المنكوحة حلت الأخرى » . انتهى . أي في الصورتين ، قال الشارح : « ويستثنى ما إذا نوى صوم نفل ثم أراد في أثنائه نية الفرض لم يصح » ، وهل يصح عكسه وهو ما لو نوى أثناء شوال صوم غد عن القضاء ثم في أثنائه شرك معه بنية صوم الست مثلاً أم لا ؟ القياس نعم ، أي تصح ويحصل كل من الفرض والنفل بناء على ما اعتمده الشهاب الرملي ، كغيره من أن الصوم في شوال لقضاء وغيره يحصل به ما نواه مع ست شوال أيضاً قاله بعضهم .
القاعدة السابعة والثلاثون
« يغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد »
ومن ثم جزم بمنع توقيت الضمان ، وجرى في الكفالة خلاف وإن كان الأصح منع توقيتها ، لأن الضمان التزام للمقصود وهو المال ، والكفالة التزام للوسيلة ، وهي
$[1/91]
إحضار المكفول الذي هو وسيلة لأداء الحق ، ويغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد ، وكذلك لم تختلف الأمة في إيجاب النية للصلاة واختلفوا في الوضوء .(1/91)
ومن فروعها : عدم حرمة السفر ليلة الجمعة لأن السفر ليلة الجمعة وسيلة لترك الجمعة ويغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد ، ومنها عدم حرم بيع مال الزكاة قبل الحول ، لأن البيع وسيلة لترك الزكاة فاغتفر فيه ، ومنها : عدم حرمة حيلة بطلان الشفعة لأنها وسيلة فاغتفر فيها ، ومنها . عدم حرمة الحيلة المخلصة من الربا إلا أنها مكروهة في سائر أنواع الربا كما قاله ابن حجر ، ومنها عدم وجوب قبول ثمن الماء في الطهارة ولو من اصله وفرعه لأن الثمن وسيلة والمقصود هو الماء ، فإذا وهب له وجب قبوله لا قبول ثمنه ، ويستثنى من القاعدة مسائل :
منها : تحريم التثليث في الوضوء عند ضيق الوقت مع جواز الاشتغال بالسنن في الصلاة إذا شرع فيها وقد بقي من الوقت ما يسعها فقط ، ومنها : وجوب استعارة الدلو والرشا للماء ، ووجوب فعل النزح للماء أي استقاؤه من البئر وكلها وسائل ، ولا يغتفر تركها إذا ضاق الوقت عن طلب الماء لأنه حينئذ يعد واجدا للماء ، ومنها : تحريم أكل نحو ثوم بقصد إسقاط الجمعة ، واللّه أعلم .
القاعدة الثامنة والثلاثون
« الميسور لا يسقط بالمعسور »
أي أن المأمور به إذا لم يتيسر فعله على الوجه المطلوب ، بل تيسر فعل بعضه لا يسقط بالمعسور ، أي بعدم القدرة على فعل الكل فيجب البعض المقدور عليه ، قال التاج السبكي : « وهذه القاعدة من أشهر القواعد المستنبطة من قوله صلى الله عليه وسلم : « إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم » الحديث ، رواه الشيخان البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه ، وذكر الإمام : « أن هذه القاعدة من الأصول الشائعة التي لا تكاد تنسى ما أقيمت أصول الشريعة » وفروعها كثيرة .
$[1/92](1/92)
منها : من قدر على الإيماء بالركوع والسجود وجب ، ومنها : من قدر على غسل بعض أعضاء الوضوء كأن قطع بعض الفرض من الدين والرجلين ، فإنه يجب غسل ما بقي منه ، ومنها : من قدر على نصف صاع في الفطرة وجب عليه إخراجه في الأصح ومنها القادر على بعض الفاتحة يأتي به بلا خلاف ومنها لو انتهى في الكفارة إلى الإطعام فلم يجد إلا إطعام ثلاثين مسكينا فالأصح وجوب إطعامهم ؛ ومنها من ملك نصابا بعضه عنده وبعضه غائب فالأصح أنه يخرج عما في يده في الحال ، وخرج عن هذه القاعدة مسائل .
منها : واجد بعض الرقبة في الكفارة لا يعتقها بل ينتقل إلى البدل بلا خلاف . ومنها : القادر على صوم بعض يوم دون كله لا يلزمه إمساكه ؛ لأنه ليس بصوم شرعي . ومنها : إذا وجد الشفيع بعض ثمن الشقص لا يأخذ قسطه من الشقص . ومنها : إذا أوصى بثلثه يشتري به رقبة فلم يف بها لا يشتري شقص بل تلغو الوصية ويرجع المال للورثة ، ومنها إذا اطلع على عيب ولم يتيسر له الرد ولا الإشهاد لا يلزمه التلفظ بالفسخ في الأصح .
القاعدة التاسعة والثلاثون
« ما لا يقبل التبعيض فاختيار بعضه كاختيار كله ، وإسقاط بعضه كإسقاط كله »
ومن فروعها : إذا قال أنت طالق نصف طلقة ، أو بعضك طالق طلقت طلقة . ومنها : إذا عفا مستحق القصاص عن بعضه أو عفا بعض المستحقين سقط كله ومنها ، إذا عفا الشفيع عن بعض حقه فالأصح سقوط كله ، ومنها عتق بعض الرقبة أو عتق بعض المالكين نصيبه وهو موسر عتق كله ، ومنها . إذا قال أحرمت بنصف نسك انعقد بنسك كالطلاق كما في « زوائد الروضة » ولا نظير لها في العبادات ؛ ومنها إذا اشترى عبدين فوجد بأحدهما عيبا لم يجز إفراده بالرد فلو قال : رددت المعيب منهما فالأصح لا يكون رداً لهما .
$[1/93](1/93)
تنبيه : حيث جعلنا اختيار البعض اختيارا للكل ، فهل هو بطريق السراية إلى الباقي من ذلك البعض ؟ بمعنى أنه يقع على الجزء ثم يسري إلى باقي الأجزاء أو لا يكون بطريق السراية ، بل اختياره للبعض نفس اختياره للكل بمعنى أنه عبر بالبعض عن الكل ، فيه خلاف مشهور في تبعيض الطلاق والعتق ، فقال إمام الحرمين : « إنه من باب التعبير بالبعض عن الكل » ، وقضية كلام الرافعي : « أنه من باب السراية » ، قال في « التحفة » : « وهو الأصح » .
وتظهر فائدة الخلاف : فيما إذا قالت : طلقني ثلاثاً بألف ، فطلق واحدة ونصفاً تقع ثنتان على القولين ، ويستحق ثلثي الألف على قول الإمام ؛ ويستحق نصفه على قول الرافعي ، وهو الأصح اعتبارا بما وقعها بما سرى عليه . انتهى .
قال السيد عمر البصري : « وقد يقال ينبغي أن محل الخلاف صورة الإطلاق أما إذا أراد به حقيقته فمن السراية قطعاً ، أو الكل فمن التعبير بالبعض قطعاً ؛ بخلاف ما إذا أطلق فإن المتبادر الحقيقة » . انتهى .
ضابط : لا يزيد البعض على الكل إلا في مسألة واحدة وهي إذا قال ، أنت علي كظهر أمي فإنه صريح في الظهار ولو قال أنت كأمي ، لم يكن صريحا بل كناية فإن نوى أنها كظهر أمه في التحريم كان ظهارا وإن قصد كرامة فلا يكون ظهاراً لأن مثل هذا اللفظ يستعمل في الكرامة والإعزاز .
القاعدة الأربعون
« إذا اجتمع السبب والمباشرة أو الغرور والمباشرة قدمت المباشرة »
السبب هو ما يضاف (1) إليه الحكم للتعلق به من حيث إنه معروف للحكم ، والغرور إبداء ما ظاهره السلامة ثم تخلف ومن فورعها :
لو أكل المالك طعامه المغصوب جاهلا به فلا ضمان على الغاصب في الأظهر وكذا
___________________
(1) أي يعتمد عليه ويستند إليه الحكم .
$[1/94](1/94)
لو قدمه الغاصب للمالك على أنه ضيافة فأكله . فإن الغاصب يبرأ ولو حفر بئرا فرداه فيها آخر أو أمسكه فقتله آخر ، أو ألقاه من شاهق فتلقاه آخر فقده . فالقصاص على المردي والقاتل والقاد فقط . ومنها : لو غر بامرأة معيبة أو رقيقة ووطئ وفسخ نكاحها فإذا غرم المهر لم يرجع على الغارم ، ويستثنى من القاعدة صور :
منها : إذا غصب شاة وأمر قصاباً بذبحها وهو جاهل بالحال فقرار الضمان على الغاصب قطعاً قاله في « الروضة » ومنها إذا استأجر لحمل طعام فسلمه زائدا ، فحمله المؤجر جاهلا ، فتلفت الدابة ضمنها المستأجر الذي هو الغارم لأن يد المباشرة والحالة هذه كيد الغار لأنه نائب عنه . ومنها : إذا أفتاه أهل الفتوى بإتلاف ثم تبين خطؤه فالضمان على المفتي فإن لم يكن المفتي أهلا فلا يضمن لأن المستفتى مقصر كذا في الشرح . قال بعضهم : « والمقرر في الفروع عدم الضمان مطلقاً لا على المجتهد ، ولا على المفتي وإن لم يكن عالما لأن المباشرة مقدمة على السبب » ، وعبارة « الروض » وشرحه : « وإن تلف بفتواه ما استفتاه فيه ، ثم بان أنه خالف القاطع أو نص أمامه لم يغرم من أفتاه ، ولو كان أهلا للفتوى إذ ليس فيها إلزام » . انتهى . ومنها قتل الجلاد بأمر الإمام ظلماً وهو جاهل ؛ فالضمان على الإمام بخلاف ما إذا كان عالما بظلمه أو خطئه فالضمان عليه ومنها : وقف ضيعة على قوم فصرفت غلتها إليهم فخرجت مستحقة ضمن الواقف لتغريره . واللّه سبحانه وتعالى أعلم .
$[1/95]
الباب الثالث
في ذكر عشرين قاعدة
وهي القواعد المختلف فيها ، ولا يطلق الترجيح لاختلافه في الفروع .
هكذا قال السيوطي وتبعه الناظم لكن المتأخرين رجحوا أحد الشقين في كثير من هذه القواعد ، وعليه فيكون ما خرج عن القاعدة من المستثنيات كما سيأتي بيان ذلك مفصلا عند ذكر كل قاعدة إن شاء اللّه تعالى .
القاعدة الأولى
« هل الجمعة ظهر مقصورة ؟ أو بل صلاة على حيالها ، قولان » : ويقال وجهان :(1/95)
قال في « شرح المهذب » : « ولعلهما مستنبطان من كلام الإمام الشافعي رحمه اللّه تعالى فيصح تسميتهما قولين ، ووجهين ، والترجيح فيهما مختلف في الفروع المبنية عليهما ، كما قاله السيوطي » .
أي لأن قولهم أن الخطبتين تنزلان منزلة الركعتين ، وقولهم لو خرج الوقت وهم فيها وجب الظهر بناء كلاهما يؤيد كونها ظهرا مقصورة وقولهم لو اقتدى مسافر بمصل صلاة الجمعة لزمه الإتمام . وقولهم ليست الخطبتان منزلتين منزلة ركعتين على المعتمد كلاهما يؤيد كونها صلاة على حيالها والأصح كما قال شيخ الإسلام أحمد بن حجر الهيتمي في « التحفة » : « إنها صلاة حيالها أي وغالب الفروع تنبني على هذا القول » .
وأما الفروع التي لا تدخل في القاعدة فمستثنيات . فمن فروع القاعدة : المسألة المتقدمة وهي ما لو خرج الوقت وهم فيها فإنهم يتمونها ظهرا بناء . وإن قلنا إنها صلاة على حيالها . ومنها هل له جمع العصر إلى الجمعة لو صلاها وهو مسافر ؟ الأصح الجواز وإن قلنا إنها صلاة مستقلة .
$[1/96]
القاعدة الثانية
« الصلاة خلف المحدث المجهول الحال . إذا قلنا بالصحة وهو الأصح هل هي صلاة جماعة أو انفراد ؟ وجهان » . والترجيح مختلف .
فرجح الأول في فروع . منها لو كان إماما في الجمعة وتم العدد بغيره إن قلنا صلاة جماعة صحت ، وإلا فلا والأصح الصحة منها : حصول فضيلة الجماعة والأصح تحصل ومنها : لو سها سهوا ثم علموا حدثه قبل الفراغ وفارقوه إن قلنا صلاتهم جماعة سجدوا لسهو الإمام لا لسهوهم ، وإلا فبالعكس والأصح الأول .
ورجح الثاني في فروع : منها إذا أدركه المسبوق في الركوع ، إن قلنا صلاة جماعة حسبت له الركعة وإلا فلا والصحيح عدم الحسبان ؛ والمرجح في هذه القاعدة أنها تكون جماعة . والحكم لغالب الفروع ولا يرد خروج بعضها بل تكون من المستثنيات كما أشرنا إليه فيما تقدم ، واللّه أعلم .
القاعدة الثالثة(1/96)
قال الأصحاب : « من أتى بما ينافي الفرض دون النفل في أول فرض أو أثنائه بطل فرضه وهل تبقى صلاته نفلاً أو تبطل ؟ فيه قولان » ، والترجيح مختلف .
فرجح الأول في فروع منها : إذا أحرم بفرض فأقيمت جماعة فسلم من ركعتين ليدركها فالأصح صحتها نفلاً ومنها إذا أحرم بالفرض فبل وقته جاهلا فالأصح الانعقاد نفلاً ومنها . إذا أترى بتكبيرة الإحرام أو بعضها في الركوع جاهلا فالأصح الانعقاد نفلاً .
ورجح الثاني في الصورتين الأخيرتين : إذا كان عالما وفيما إذا قلب فرضه إلى فرض آخر أو إلى نفل بلا سبب . وفيما إذا وجد المصلي قاعدا خفة في صلاته وقدر على القيام فلم يقم وفيما إذا أحرم القادر على القيام بالفرض قاعدا . ورجح العلماء في هذه القاعدة أنها تنقلب نفلاً مطلقاً إذا كانت غير كسوف بالكيفية الكاملة .
$[1/97]
القاعدة الرابعة
« النذر ، هل يسلك به مسلك الواجب أو الجائز ؟ ، قولان » : والترجيح مختلف في الفروع كذا قال السيوطي ، والمرجح في هذه القاعدة أن النذر يسلك به مسلك واجب الشرع غالباً كما صححه النووي في « باب النذر » لكنه في « باب الرجعة » اختار أنه لا يطلق ترجيح أحد من القولين بل يختلف الراجح منهما بحسب المسائل فمن فروع القاعدة : نذر الصلاة والأصح فيه الأول أي أنه يسلك به مسلك واجب الشرع ، فيلزمه ركعتان ، ولا يجوز القعود مع القدرة على القيام ، ولا فعلهما على الراحلة ، ولا يجمع بينهما وبين فرض أو نذر آخر بتيمم .(1/97)
ومنها : نذر الصوم والأصح فيه الأول فيجب التبييت ، ومنها نذر الخطبة في الاستسقاء ونحوه والأصح فيها الأول حتى يجب فيها القيام عند القدرة ؛ ومنها . الحج والأصح فيه الأول فلو نذره معضوب لم يجز أن يستنيب صبياً أو عبداً . ومنها : نذر إتيان المسجد الحرام والأصح فيه الأول ، فلزم إتيانه بحج أو عمره؛ ومنها : العتق إن نذره والأصح فيه الثاني فيجزئ عتق كافر ومعيب ومنها : لو نذر أن يصلي ركعتين فصلى أربعا بتشهد أو تشهدين . والأصح فيه الثاني فيجزئه .
ومنها : نذر التشهد الأول وتركه والأصح فيه الثاني ؛ فلا يعود إلى القعود لأن الواجب بالشرع مقدم على الواجب بالشرط ؛ كما تقدم . ومنها . لو نذر صوم يوم معين والأصح فيه الثاني فلا يثبت له خواص رمضان من الكفارة بالجماع فيه . ووجوب الإمساك لو افطر فيه . وعدم قبول صوم آخر من قضاء أو كفارة بل لو صامه عن قضاء أو كفارة صح ومنها : الطواف المنذور والأصح فيه الثاني فتجب فيه النية كما تجب في النفل ولا تجب النية في الفرض لشمول نية الحج والعمرة له . وهذا المعنى منتف في النفل والنذر .
$[1/98]
وخرج النذر عن الفرض والنفل معا في صورة وهي ما إذا نذر القراءة فإنه تجب نيتها كما نقله القمولي في الجواهر مع أن قراءة النفل لا نية لها وكذا القراءة المفروضة في الصلاة .
قال الشارح : « قلت ويلحق بها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم » . اهـ .
القاعدة الخامسة
« هل العبرة بصيغ العقود أي بألفاظها أو بمعانيها ؟ خلاف » ؛ والترجيح مختلف في الفروع كذا قال السيوطي . وفي الشارح : « الأصح أن العبرة بصيغ العقود غالباً . أي ومن خلاف الغالب العبرة بمعانيها . وعليه فالفروع التي على خلاف الغالب من المستثنيات » .(1/98)
فمن فروع القاعدة : إذا قال اشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم فقال : بعتك فرجح السيخان أنه ينعقد بيعا اعتبارا باللفظ والثاني - ورجحه السبكي- أنه ينعقد سلما اعتبارا بالمعنى والأرجح الأول .
ومنها : إذا قال استأجرتك لتتعهد نخل بكذا من ثمرتها فالأصح أنه إجازة فاسدة نظراً إلى اللفظ وعدم وجود شرط الإجازة والثاني . أنه يصح مساقاة نظرا إلى المعنى ومنها : لو تعاقدا في الإجارة بلفظ المساقاة فقال ساقيتك على هذه النخيل مدة كذا بدراهم معلومة فالأصح أنه مساقاة فاسدة نظرا إلى اللفظ وعدم وجود شرط المساقاة إذ من شرطها أن لا تكون بدراهم والثاني تصح إجارة نظراً إلى المعنى . ومنها : لو عقد الإجارة بلفظ البيع فقال بعتك منفعة هذه الدار شهرا فالأصح لا ينعقد نظرا إلى اللفظ وقيل ينعقد نظرا إلى المعنى .
ومنها : إذا قال قارضتك على أن كل الربح لك فالأصح أنه قراض فاسد رعاية للفظ ، والثاني قراض صحيح رعاية للمعنى . ومنها البيع من البائع قبل القبض ، قيل : يصح ويكون فسخا اعتبارا بالمعنى ، والأصح لا يصح نظراً إلى اللفظ .
$[1/99]
ومنها : إذا قال وهبتك هذا بكذا ، الأرجح أنه هبة نظرا للفظ . والثاني ، هو بيع نظر للمعنى . ومنها . إذا وقف على قبيلة غير منحصرة كبني تميم مثلاً ، وأوصى لهم فالأصح الصحة اعتبارا بالمعنى ، ويكون المقصود الجهة لا الاستيعاب كالفقراء والمساكين . والثاني لا يصح اعتبارا باللفظ فإنه تمليك لمجهول .
ومنها : لو قال إذا دخلت الدار فأنت طالق . فهل هو حلف نظرا للمعنى لأنه تعلق به منع أو ليس بحلف نظرا للفظ ، لكون « إذا » ليست من ألفاظه ، لما فيه من التأقيت بخلاف « إن » ؟ وجهان الأصح الأول .
القاعدة السادسة(1/99)
« العين المستعارة للرهن ؛ بأن قال له أعرني هذا لأرهنه ، هل المغلب فيها جانب الضمان أو جانب العارية ؟ ، قولان » : قال في « شرح المهذب » : « والترجيح مختلف في الفروع » ، قاله السيوطي ، ثم قال : « وعبر كثيرون بقولهم : هل هو ضمان أو عارية ؟ وقال الإمام : « العقد فيه شائبة من هذا ، وشائبة من هذا وليس القولان في تمحض كل منهما بل هما في أن المغلب منهما ما هو ؟ فلذلك عبرت به وكذا في القواعد الآتيات » . انتهى كلام السيوطي .
قال الشارح تبعا للنووي وغيره : « والأظهر أنه ضمان دين في رقبة ذلك الشيء بشرط ذكر جنس الدين وقدره وصفته » . انتهى . أي : فيكون الاشتراط مبنياً على قول تغليب جانب الضمان . وأما على قول جانب العارية فلا يشترط .
ومن فروع القاعدة : هل للمعير الرجوع بعد قبض المرتهن ؟ إن قلنا عارية نعم . وإن قلنا ضمان فلا وهو الأصح ومنها هل له إجبار المستعير على فكر الرهن ؟ إن قلنا : له الرجوع فلا . وإن قلنا لا فله ذلك على القول بالعارية وكذا على القول بالضمان إن كان حالا بخلاف المؤجل كمن ضمن دينا مؤجلا لا يطالب الأصل بتعجيله لتبرأ ذمته . ومنها : إذا حل الدين وبيعت العين فيه فإن قلنا عارية رجع المالك
$[1/100]
بقيمتها ، وإن قلنا : ضمان رجع بما بيعت به سواء كان أقل أو أكثر وهو الأصح ، ومنها : لو جنى المرهون فبيع في الجناية فعلى قول الضمان لا شيء على الراهن ، وعلى قول العارية يضمن ومنها : لو تلف تحت يد المرتهن ضمنه الراهن على قول العارية ولا شيء على قول الضمان لا على الراهن ولا على المرتهن . والأصح في هذا الفرع أن الراهن يضمنه كذا قال النووي أنه المذهب فقد صحح هنا قول العارية قاله السيوطي .
القاعدة السابعة(1/100)
« الحوالة ، هل هي بيع أو استيفاء ؟ خلاف » ؛ قال في « شرح المهذب » : « والترجيح مختلف في الفروع » . انتهى ؛ قال في « التحفة » : « والأصح أنها بيع دين بدين جوز للحاجة لأن كلا ملك بها ما لم يملكه قبل فكان المحيل باع المحتال ما له في ذمة المحال عليه بما للمحتال في ذمته أي الغالب عليها ذلك ومن خلاف الغالب قد تكون من باب الاستيفاء فتكون من المستثنيات » .
ومن فروع القاعدة : لو أحال على من لا دين عليه برضاه فالأصح بطلانها ، بناء على أنها بيع ، والثاني يصح بناء على أنها استيفاء ؛ ومنها في اشتراط رضى المحال عليه إن كان عليه دين . وجهان إن قلنا بيع لم يشترط لأنه حق المحيل فلا يحتاج فيه إلى رضى الغير وإن قلنا استيفاء اشترط لتعذر إقراضه من غير رضاه والأصح عدم الاشتراط ومنها : لو أحال أحد المتعاقدين الآخر في عقد الربا وقبض في المجلس فإن قلنا استيفاء جاز وإن قلنا بيع فلا يجوز والأصح المنع كما نقل السبكي في « تكملة شرح المهذب » عن النص والأصحاب . ومنها ثبوت الخيار فيها ، والأصح لا يثبت بناء على أنها استيفاء . وقيل نعم بناء على أنها بيع ومنها . الثمن في مدة الخيار في جواز الحوالة به وعليه وجهان إن قلنا استيفاء جاز وإن قلنا بيع فلا كالتصرف في المبيع في زمن الخيار والأصح الجواز ومنها؛ لو خرج المحال عليه مفلسا وقدر شرط يساره فالأصح لا رجوع له بناء على أنها استيفاء والثاني نعم بناء على أنها بيع ، واللّه أعلم .
$[1/101]
القاعدة الثامنة
« الإبراء هل هو إسقاط أو تمليك ؟ قولان » ، ومثل الإبراء الترك والتحليل كما في « التحفة » ، واعتمد في « التحفة » أن الإبراء تمليك للمدين أي : الغالب جانب التمليك ، فما غلب فيه جانب الإسقاط من المسائل يعد من المستثنيات .(1/101)
ومن فروع القاعدة : الإبراء مما يجهله المبرئ والأصح فيه التمليك فلا يصح ، ومنها : إبراء المبهم كقوله لمدينيه أبرأت أحدكما ، والأصح فيه التمليك فلا يصح : كما لو كان له في يد كل واحد عبد فقال ملكت أحدكما العبد الذي في يده لا يصح ، ومنها تعليقه والأصح فيه التمليك فلا يصح ، ومنها : اشتراط القبول والأصح فيه الإسقاط فلا يشترط . ومنها ارتداده بالرد ، والأصح فيه الإسقاط فلا يصح ومنها : لو عرف المبرئ قدر الدين ولم يعرفه المبرأ ، والأصح فيه الإسقاط كما في « الشرح الصغير » ، وأصل « الروضة » في الوكالة فيصح .
القاعدة التاسعة
« الإقالة هل هي فسخ أو بيع ؟ قولان » : والترجيح مختلف في الفروع ، ففي بعضها كعدم ثبوت الخيار فيها ما يقتضي أنها فسخ وفي بعضها كاعتبار المُقَّوم التالف بأقل قيمة من العقد إلى القبض ، كما قاله الشيخان النووي والرافعي ما يقتضي أنها بيع لكن قال في « شرح العباب » : « إنه ليس مبنيا على الضعيف ، إنها بيع بل هي فسخ لكنها تشبه البيع من بعض الوجوه فغلبوا شبه الفسخ تارة وهو الأكثر ، وشبه البيع أخرى وهو الأقل كما هنا » . انتهى . وما ذكره من أن الأكثر كونها فسخا هو المعتمد . كما في الإرشاد وغيره . قاله الشارح .
ومن فروع القاعدة : أن الإقالة تجوز قبل القبض إن قلنا فسخ وهو الأصح؛ وإن قلنا بيع فلا . ومنها : إذا تقابلا في عقود الربا يجب التقابض في المجلس بناء على أنها بيع ولا يجب التقابض بناء على أنها فسخ وهو الأصح . ومنها لو تقايلا بعد تلف
$[1/102](1/102)
المبيع جاز . إن قلنا فسخ وهو الأصح ويرد مثل المبيع أو قيمته وإن قلنا بيع فلا يجوز ومنها . الأصح لا يتجدد حق الشفعة بناء على أنها فسخ والثاني نعم يتجدد بناء على أنها بيع . ومنها لو اشترى عبدين فتلف أحدهما جازت الإقالة في الباقي ويستتبع التالف على قول الفسخ وهو الأصح وعلى مقابله لا ومنها : إذا تقابلا واستمر في يد المشتري نفذ تصرف البائع فيه على قول الفسخ وهو الأصح ولا ينفذ على قول البيع ، ومنها لو استعمله بعد الإقالة فإن قلنا فسخ فعلية الأجرة وهو الأصح ، وإن قلنا بيع فلا .(1/103)
خاتمة : تتعلق بالإقالة ملخصة من رسالة تسهيل المقالة في أحكام الإقالة للسيد العلامة مفتي الديار اليمنية ، محمد بن أحمد عبدالباري الأهدل المتوفى سنة 1298 ثمان وتسعين ومائتين وألف هجرية ، قال رحمه اللّه تعالى : « يسن متأكداً إقالة النادم لأجل ندمه لخبر ابن حبان في صحيحه : « من أقال مسلماً » ، وفي رواية البيهقي : « نادما أقال اللّه عثرته يوم القيامة » ، ولأبي داود : « أقال اللّه نفسه يوم القيامة » . والإقالة فسخ لا بيع ، وإلا لصحت مع غير البائع وبغير الثمن الأول ، ويتفرع على كونها فسخاً ، أنه يجوز تفرق المتقابلين في الصرف قبل التقابض ، ولا تتجدد بها شفعة وتصح في المبيع والمسلم فيه ، ولو قبل القبض أو بعد التلف ؛ والتلف الشرعي كالحسي فتصح بعد العتق والوقف أو بعد انتقال الملك إلى غيره فيرجع بالبدل على المشتري مثليا في المثلى ، وقيمة في المتقوم وشمل كلامهم الآبق فتصح الإقالة فيه لأنه لا يزيد على التالف وليست الإقالة من خواص البيع بل تجري في الهبة كما في « العزيز » وتجري في الحوالة كما في « الكافي » ، واعتمده المتأخرون وتجري في الصداق كما قاله القاضي حسين إن قلنا : أنه مضمون ضمان عقد وكذا في القسمة إن كان فيها رد وإن كان إفراز حق فلا وتجري في الإجارة إلا في الحج ، ولفظها : قول العاقدين تقايلنا أو تفاسخنا أو قول أحدهما للآخر : أقلتك ونحوه فيقبل الآخر ولا يشترط لصحتها ذكر الثمن ولا معرفته . قال الشيخ ابن حجر
$[1/103](1/104)
في « فتح الجواد » : « ولا يشترط لصحتها العلم بالثمن على المعتمد ، ولا تصح إلا بذلك الثمن فإن زاد فيه أو نقص عنه أو شرط فيها أجلا ، أو أخذ صحاح عن مكسر ، أو شرط رهناً أو ضامناً بالثمن » . انتهى . وتصح بلفظ البيع كما في « التحفة » ، وإن قلنا : إنها فسخ وتصح الإقالة من الوارث لأنه خليفة العاقد ، وتصح في بعض المبيع وبعض المسلم فيه وغيرهما مما يجري فيه الإقالة كما تصح في كله وإن لزم عليه جهالة الثمن بناء على المعتمد ، أنه لا يشترط ذكر الثمن ولا معرفته ، ولو تقايلا ثم اختلفا في قدر الثمن فالقول قول البائع بيمينه لأنه غارم ، ولو تقايلا وكان الثمن قد انقطع من أيدي الناس فليس له إلا قيمته ولو لم ينقطع ولكن نقصت قيمته فليس له إلا ذلك النقد ، ولم يتعرض الشيخان الرافعي والنووي لتعليق الإقالة وهو باطل لأنا إن قلنا : بيع فالبيع لا يقبل التعليق أو قلنا : فسخ ، فكذلك الفسوخ لا تقبل التعليق ، وإذا اشترى عيناً بدون ثمن المثل على أن البائع متى جاءه ردها إليه من غير أن يقع منهم شرط في صلب العقد يفسده فالبيع صحيح عند الشافعي رضي اللّه تعالى عنه ، وإذا جاء البائع بالثمن يخير المشتري بين أن يقيله وبين أن لا يقيله ولكن يبقى عليه إثم الغش والغرر ، فإن البائع إن علم أنه لا يقبله لم يكن بائعاً عليه (1) بذلك الثمن ، وإذا شرط البائع الإقالة في صلب العقد أو مجلسه وإن طال ، فسد العقد وفي ذلك يقول القائل :
إن يُلتزم في عقده الإقالة ……أو مجلس العقد وإن أطاله
فالبيع باطل وإن يكن وعد……خارج هذين فبيعه انعقد
وإن لم يشترط ذلك ، بل صدر من المشتري الوعد بها إن جاءه بالثمن فالعقد نافذ ولا يجبر المشتري بعد ذلك على الإقالة ؛ بل إن شاء أقاله وإن شاء امتنع فإقالته أفضل خروجا من الوعيد الوارد في خلف الوعد كحديث : « آية المنافق ثلاث ؛ إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان » . وكقوله تعالى : { فأعقبهم(1/105)
_________________________
(1) لعلها بائعاً له .
$[1/104]
نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللّه ما وعدوه وبما كانوا يكذبون } . ولا يجب عليه الوفاء بالوعد أخذا من حديث أبي داود والترمذي عن زيد بن أرقم بلفظ : « إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له فلم يف له فلا إثم عليه » ، وإسناده حسن ليس فيه من أجمع على تركه ، فإنه دل بمنطوقه على عدم إثم من وعد وأخلف من غير عزم على الإخلاف حالة الوعد وبمفهومه على أنه يأثم إن كان عازما على الإخلاف ، وهذه علامة الإخلاف حالة الوعد وبمفهومه على أنه يأثم إن كان عازما على الإخلاف ، وهذه علامة المنافق لأنه من يظهر خلاف ما يبطن فهو حال الشراء يظهر للبائع الرغبة في ثواب الإقالة متى جاءه ، وهو عازم على أنه متى وقع البيع بيده لا يقيله أبدا .
والحاصل : أنا وإن اطلعنا على أنه عازم على عدم الوفاء كأن أقر مثلاً وحكمنا بإثمه ونزلناه منزلة المنافقين لا يجبر على الإقالة ، ولم يرو عن أحد من السلف وجوب الوفاء بالوعد إلا ما نقل عن عمر بن عبدالعزيز ، وعن أصبغ المالكي ؛ قال البخاري : « وقضى ابن الأشوع بالوعد وفعله الحسن البصري ونقل عن مالك أنه يجب منه ما كان بسبب ؛ أي : فمن قال لآخر تزوج ولك كذا فتزوج لذلك جب الوفاء به » ، قال الحافظ ابن حجر : « قرأت بخط والدي رحمه اللّه تعالى في إشكالات على « الأذكار » للنووي لم يذكر جواباً عن الآية والحديث : « آية المنافق ثلاث » ، والدلالة للوجوب منهما قوية . فكيف حملوه على كراهة التنزيه مع الوعيد الشديد ؟ وينظر هل يمكن أن يقال يحرم الإخلاف ولا يجب الوفاء أي يأثم بالإخلاف وإن كان لا يلزمه وفاء ذلك » . انتهى .(1/106)
فالحاصل : أن اللّه تعالى أمر بإنجاز الوعد وحمله الجمهور على الندب قال المهلب : « إنجاز الوعد مأمور به مندوب إليه عند الجميع . وليس بفرض لاتفاقهم على أن الموعود لا يضارب بما وعد به مع الغرماء » . انتهى . واللّه سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .
القاعدة العاشرة
« الصداق المعين في يدو الزوج قبل القبض مضمون ضمان عقد أو ضمان يد ؟ قولان » :
$[1/ 105]
والترجيح مختلف في الفروع ، والأصح كما في المنهاج وغيره ، أنه مضمون ضمان عقد وضمان العقد هو ما يضم بالمقابل ، وهو هنا مهر المثل ، وضمان اليد : هو ما يضمن بيد له وهو مثله إن كان مثليا ، وقيمته إن كان متقوماً .
ومن فروع القاعدة : الأصح لا يصح بيعه قبل قبضه بناء على ضمان العقد ، والثاني . يصح بناء على ضمان اليد ، ومنها : الأصح انفساخ الصداق إذا تلف أو أتلفه الزوج قبل قبضه والرجوع إلى مهر المثل بناء على ضمان العقد ، والثاني لا ، ويلزمه مثله أو قيمته بناء على ضمان اليد ، ومنها : المنافع الفائتة في يده لا يضمنها على الأصح بناء على ضمان العقد؛ ويضمنها بناء على ضمان اليد ومنها : لو أصدقها نصاب سائمة وقصدت السوم وتم لها حول من الأصداق ولم تقبضه وجبت عليها الزكاة في الأصح بناء على ضمان اليد كالمغصوب ونحوه ، وفي وجه لا تجب بناء على ضمان العقد كالمبيع قبل القبض فقد صحح هنا قول ضمان اليد ، ومنها : لو كان دينا جاز الاعتياض عنه على الأصح بناء على ضمان اليد وعلى ضمان العقد لا يجوز كالمسلم فيه فهذه صورة أخرى صحح فيها قول ضمان اليد ، واللّه أعلم .
القاعدة الحادية عشرة
« الطلاق الرجعي هل يقطع النكاح أو لا ؟ قولان » . قال الرافعي أنه لا يطلق ترجيح واحد منهما لاختلاف الترجيح في فروعه ، قال الشارح : « لكن المعتمد أن المغلب فيه جانب القطع » .(1/107)
فمن فروع القاعدة : لو وطئها في العدة وراجع ؛ فالأصح وجوب المهر بناء على أنه ينقطع ومنها . لو مات عن رجعية فالأصح أنها لا تغسله ، والثاني تغسله كالزوجة ومنها . لو خالعها فالأصح الصحة بناء على أنها زوجة ؛ ومنها : ولو قال نسائي أو زوجاتي طوالق ، فالأصح دخول الرجعية فيهن ، لأن الرجعية ؛ كالزوجة في خمسة أحكام وهي . التوارث وصحة الطلاق ؛ والظهار والإيلاء ،
$[1/106]
واللعان ، قال الإمام الشافعي رحمه اللّه تعالى : « الرجعية زوجة في خمس آيات من كتاب اللّه تعالى ؛ أي الآيات التي تشمَلها وغيرَها ، وهي قوله تعالى : { إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } ، وقوله تعالى : { للذين يؤلون من نسائهم } ، وقوله تعالى : { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } ، وقوله تعالى : { والذين يرمون أزواجهم } ، وقوله تعالى : { والذين يظاهرون من نسائهم } . فالنساء والزوجات يشمل الرجعيات لا البوائن وليس المراد أنها نص فيها بل ظاهر » ، واللّه أعلم .
تنبيهات :
الأول - جزم بالأول في تحريم الوطء والاستمتاعات كلها والنظر والخلوة ووجوب استبرائها لو كانت رقيقة واشتراها ؛ وجزم بالثاني - في ثبوت الإرث إذا مات الزوج في العدة ؛ وفي لحوق الطلاق وصحة الظهار والإيلاء واللعان ووجوب النفقة .
التنبيه الثاني - في أصل القاعدة قول ثالث : وهو الوقف فإن لم يراجعها حتى انقضت العدة تبينا انقطاع النكاح بالطلاق ؛ وإن راجع تبينا أنه لم ينقطع .
التنبيه الثالث - يعبر عن القاعدة بعبارة أخرى فيقال : « الرجعة هل هي ابتداء نكاح أو استدامته ؟ » ، فصحح الأول ؛ فيما إذا طلق المولى في المدة ثم راجع فإنها تستأنف ولا تبنى ، وصحح الثاني . في أن العبد يراجع بغير إذن سيده وأنه لا يشترط فيها الإشهاد وأنها تصح في الإحرام لكن قال في « التحفة » : الأصح أنها استدامة ؛ انتهى واللّه أعلم .
القاعدة الثانية عشرة(1/108)
« الظهار - هل المغلب فيه مشابهة الطلاق أو مشابهة اليمين ؟ فيه خلاف » ؛ والأصح الأول ، كما في « التحفة » أي أن المغلب فيه مشابهة الطلاق .
ومن فروع ذلك ما إذا ظاهر من أربع نساء بكلمة واحدة فقال أنتن علي كظهر أمي ، فإذا أمسكهن لزمه أربع كفارات على الجديد تغليباً لشبه الطلاق فإنه لا يفرق فيه بين أن يطلقهن بكلمة أو كلمات ، والقديم تجب كفارة واحدة تشبيها باليمين؛ كما لو حلف لا يكلم جماعة لا يلزمه إلا كفارة واحدة ومنها . هل يصح الظهار
$[1/107]
بالخط ؟ الأصح نعم كما يصح به الطلاق صرح به الماوردي وأفهمه كلام الأصحاب حيث قالوا : « كل ما استقل به الشخص فالخرف فيه ، كوقوع الطلاق بالخط وجزم القاضي حسين بعدم الصحة في الظهار كاليمين فإنها لا تصح إلا باللفظ ، ومنها . إذا كرر لفظ الظهار في امرأة واحدة على الاتصال ونوى الاستئناف فالجديد يلزمه بكل فكارة كالطلاق والثاني يلزمه كفارة واحدة كاليمين ، ولو تفاصلت وقال : أردت التأكيد فهل يقبل منه ؟ الأصح لا يقبل تشبيها بالطلاق ، والثاني . نعم كاليمين ومن خلاف الغالب يعتبر فيه شبه اليمين في مسائل ، منها . لو ظاهر مؤقتا فالأصح الصحة مؤقتا كاليمين والثاني لا ؛ كالطلاق . ومنها : التوكيل فيه والأصح المنع كاليمين ؛ والثاني الجواز كالطلاق ، ومنها . لو ظاهر من إحدى زوجتيه ثم قال للأخرى أشركتك معها ونوى الظهار فقولان أحدهما يعتبر مظاهرا من الثانية أيضاً كما لو طلقها ثم قال للأخرى أشركتك معها ونوى الطلاق ؛ والثاني لا يعتبر مظاهرا من الثانية كاليمين ، واللّه أعلم .
القاعدة الثالثة عشرة(1/109)
« فرض الكفاية هل يتعين بالشروع أي يصير فرض عين أي مثله في حرمة القطع ووجوب الإتمام أو لا يتعين ؟ فيه خلاف » ، رجح في المطلب الأول ؛ ورجح العلامة هبة اللّه بن عبدالرحيم البارزي في « التمييز » الثاني ؛ قال في « الخادم » : « ولم يرجح الرافعي والنووي شيئاً لأنها عندهما من القواعد التي لا يطلق فيها الترجيح لاختلاف الترجيح في فروعها » . فمنها : صلاة الجنازة الأصح تعينها بالشروع لما في الإعراض عنها من هتك حرمة الميت ، ومنها . الجهاد ولا خلاف أنه يتعين بالشروع نعم . جرى خلاف في صورة منه ، وهي ما إذا بلغه رجوع من يتوقف غزوه على غذنه والأصح أنه تجب المصابرة ولا يجوز الرجوع . ومنها العلم فمن اشتغل به وحصل منه طرفا وأنس منه الأهلية ، هل يجوز له تركه ، أو يجب عليه الاستمرار وجهان : الأصح الأول ، ووجه بأن كل مسألة مستقلة برأسها منقطعة عن غيرها ،
$[1/108](1/110)
ذكره السيوطي ثم قال : « ولك أن تبدل هذه القاعدة بقاعدة أعم منها فتقول : « فرض الكفاية هل يعطى حكم فرض العين أو حكم النفل ؟ » ، فيه خلاف والترجيح مختلف في الفروع ، فمنها . الجمع بينه وبين فرض آخر بتيمم فيه وجهان والأصح الجواز ومنها ؛ صلاة الجنازة قاعدا مع القدرة على القيام وعلى الراحلة ، فيه خلاف والأصح المنع ، وفرق بأن القيام معظم أركانها فلم يجز تركه مع القدرة بخلاف الجمع بينها وبين غيرها بالتيمم ، ومنها . هل يجبر عليه تاركه حيث لم يتعين ؟ فيه صور مختلفة فالأصح إجباره في صورة الولي والشاهد ، إذا دعي للأداء مع وجود غيره ، والأصح عدم الإجبار فيما إذا دعي للتحمل ؛ وفيما إذا امتنع عن الخروج معها للتغريب وفيما إذا طلب للقضاء فامتنع » . انتهى كلام السيوطي ؛ وقال الشارح كغيره : « المعتمد ما في « التحفة » من أنه يحرم قطع فرض الكفاية الذي هو جهاد أو نسك أو صلاة جنازة ؛ وجزم جمع بتحريمه مطلقاً إلا الاشتغال بالعلم ، لأن كل مسألة مستقلة بنفسها ؛ وصلاة الجماعة لأنها وقعت صفة تابعة ضعيف ؛ وإن أطال التاج السبكي في الانتصار له وإلا لزم حرمة قطع الحرف والصنائع ولا قائل به » . انتهى .
القاعدة الرابعة عشرة(1/111)
« الزائل العائد ، هل هو كالذي لم يزل ؛ أو كالذي لم يعد ؟ فيه خلاف » ، والترجيح مختلف في الفروع ؛ فرجح الأول في فروع منها . إذا طلق قبل الدخول وقد زال ملكها عن الصداق وعاد تعلق بالعين في الأصح ؛ ومنها . إذا طلقت رجعيا عاد حقها في الحضانة ؛ ومنها إذا تخمر المرهون بعد القبض ثم عاد خلا يعود رهنا في الأصح . ومنها إذا باع ما اشتراه ثم علم به عيبا ثم عاد إليه بغير رد فله رده في الأصح ومنها . إذا خرج المعجل له الزكاة في أثناء الحول عن الاستحقاق ثم عاد تجزئ في الأصح ؛ ومنها إذا فاتته صلاة السفر ثم أقام ثم سافر يقصرها في الأصح ، ومنها إذا زال ضوء الإنسان أو كلامه أو سمعه أو ذوقه أو شمه أو أفضاها ثم عاد ؛ يسقط القصاص والضمان في الأصح .
$[1/109]
ورجح الثاني في فروع : منها : لو زال الموهوب عن ملك الفرع ثم عاد فلا رجوع للأصل في الأصح . ومنها : لو زال ملك المشتري ثم عاد وهو مفلس فلا رجوع للبائع في الأصح . ومنها : لو أعرض عن جلد ميتة أو خمر فتحول بيد غيره فلا يعود الملك في الأصح . ومنها : لو رهن شاة فماتت فدبغ الجلد لم يعد رهنا في الأصح . ومنها لو جن قاض أو خرج عن الأهلية ثم عاد لم تعد ولايته في الأصح ؛ ومنها . لو قلع سن مثغور أو قطع لسانه أو غليته فنبتت أو أوضحه أو أجافه فالتأمت لم يسقط القصاص والضمان في الأصح ومنها : لو عادت الصفة المحلوف عليها لم تعد اليمين في الأصح . ومنها : لو هزلت المغصوبة عند الغاصب ثم سمنت لم يجبر ولم يسقط الضمان في الأصح ، ومنها . إذا قلنا للمقرض الرجوع في عين القرض ما دام باقيا لحاله ، فلو زال وعاد فهل يرجع في عينه ؟ وجهان في « الحاوي » ؛ قال السيوطي : « قلت ينبغي ن يكون الأصح لا يرجع » .(1/112)
تنبيه : جزم بالأول في صور منها : إذا اشترى معيبا وباعه ثم علم العيب ورد عليه به فله رده قطعاً . ومنها : إذا فسق الناظر ثم صار عدلاً وولايته بشرط الواقف منصوص عليها عادت ولايته بغير إعادة أفتى به النووي ووافقه ابن الرفعة ، والنظر في مدة فسقه ، قال ابن الرفعة : « لمن بعده » ، وقال بعضهم : « للحاكم » ، وجزم بالثاني في صور . منها : إذا تغير الماء الكثير بنجاسة ثم زال التغير عاد طهورا فلو عاد التغير بعد زواله والنجاسة غير جامدة لم يعد التنجيس قطعاً قاله في « شرح المهذب » . ولو زال الملك عن العبد قبل هلال شوال ثم ملكه بعد الغروب لا تجب عليه فطرته قطعاً ، ولو سمع بينته ثم عزل قبل الحكم ثم عادت ولايته فلا بد من اعادتها قطعاً ، ولو قال إن دخلت دار فلان ما دام فيها فأنت طالق فتحول ، ثم عاد غليها ؛ لا يقع الطلاق قطعاً لأن إدامة المقام التي انعقدت عليها اليمين قد انقطعت وهضا عود جديد وإدامته إقامة مستأنفة نقله الرافعي . واختلف فيما لو وقف على امرأته ما دامت عزبا فتزوجت ثم عادت عزباً والأكثرون على أنه لا يعود لها الاستحقاق لانقطاع الديمومة .
$[1/110]
القاعدة الخامسة عشرة
« هل العبرة بالحال أو بالمآل ، أي المستقبل ؟ فيه خلاف » ، والترجيح مختلف في الفروع ، ويعبر عن هذه القاعدة بعبارات منها : « ما قارب الشيء هل يعطى حكمه ؟ » ، و « المشرف على الزوال هل يعطى حكم الزائل ؟ » ، و « المتوقف هل يجعل كالواقع ؟ » .(1/113)
وفيها فروع : منها إذا حلف ليأكلن هذا الرغيف غدا ، فأتلفه قبل الغد فهل يحنث في الحال أو حتى يجيء الغد ؟ وجهان ، أصحهما الثاني . ومنها : لو كان القميص بحيث تظهر منه العورة عند الركوع ولا تظهر عند القيام فهل تنعقد صلاته؟ ثم إذا ركع تبطل أو لا تنعقد أصلا ؟ وجها . أصحهما الأول ، ونظيرها لو لم يبق من مدة الخف ما يسع الصلاة فأحرم بها فهل تنعقد؟ فيه وجهان الأصح . نعم ، وفائدة الصحة في المسألتين صحة الاقتداء به ثم مفارقته ، وفي المسالة الأولى . صحتها إذا ألقى على عاتقه ثوبا قبل الركوع قال صاحب « المعين » : « وينبغي القطع بالصحة فيما غذ صلى على جنازة إذ لا ركوع فيها » ؛ ومنها من عليه عشرة أيام من رمضان فلم يقضها حتى بقي من شعبان خمسة أيام فهل يجب فدية ما لا يسعه الوقت في الحال أو لا يجب حتى يدخل رمضان؟ فيه وجهان أصحهما لا يلزم إلا بعد مجيء رمضان ومنها لو أسلم فيما يعم وجوده عند المحل فانقطع قبل الحلول؛ فهل يتنجز حكم الانقطاع وهو ثبوت الخيار في الحال أو يتأخر إلى المحل؟ وجهان أصحهما الثاني؛ ومنها : لو نوى في الركعة الأولى الخروج من الصلاة في الركعة الثانية ، أو علق الخروج بشيء يحتمل حصوله في الصلاة فهل تبطل في الحال أو حتى توجد الصفة ؟ وجهان أصحهما الأول . ومنها ، هل العبرة في مكافأة القصاص بحال الجرح أو الزهوق ؟ الأصح الأول . ومنها : هل العبرة في الإقرار للوارث بكونه وارثا حال الإقرار أو الموت ؟ وجهان أصحهما الثاني كالوصية . ومنها هل العبرة في الكفارة المرتبة بحال الوجوب أو الأداء؟ قولان أصحهما الثاني ، ومنها لو حدث في المغصوب نقص يسري إلى التلف بأن جعل الحنطة هريسة فهل هو كالتالف أو
$[1/111]
لا ؟ بل يرده مع ارش النقص قولان : أصحهما الأول .(1/114)
تنبيه : جزم باعتبار الحال في مسائل ؛ إذا وهب للطفل من يعتق عليه وهو معسر وجب على الولي قبوله لأنه لا يلزمه نفقته في الحال فكان قبول يسار للصبي وإعسار لهذا القريب لأنه غير مُتَحققٍ أنه آيل ، وجزم باعتبار المال في مسائل ، منها بيع الجحش الصغير جائز وإن لم ينتفع به حالا لتوقع النفع به مآلا ، ومنها جواز التيمم لم معه ماء يحتاج إلى شربه في المآل لا في الحال .
تنبيه : يلتحق بهذه القاعدة قاعدة : « تنزيل الاكتساب منزلة المال الحاضر » .
وفيها فروع : منها : في الفقر والمسكنة قطعوا بأن القادر على الكسب كواجد المال ، ومنها في سهم الغارمين هل ينزل الاكتساب منزلة المال؟ فيه وجهان : الأشبه لا ، ومنها المكاتب إذا كان كسوبا هل يعطى من الزكاة ؟ فيه وجهان الأصح : نعم كالغارم ، ومنها . إذا حجر عليه بالفلس أنفق على من تلزمه نفقته من ماله إلى أن يقسم إلا أن يكون كسوبا ، ومنها من له أصل وفرع ولا مال له هل يلزمه الاكتساب للإنفاق عليهما وجهان أحدهما لا ، كما لا يجب الاكتساب لوفاء الدين والأصح نعم لأنه يلزمه إحياء نفسه بالكسب فكذلك إحياء بعضه ، ومنها المنفق عليه من اصل وفرع لو كان قادرا على الاكتساب فهل يكلف به ولا تجب نفقته أقوال أصحها وفرع لو كان قادرا على الاكتساب فهل يكلف به ولا تجب نفقته أقوال أصحها لا يكلف الأصل لعظم حرمة الأبوة فتجب نفقته بخلاف الفرع .
تنبيه : وأعم من هذه القاعدة قاعدة : « ما قارب الشيء هل يعطى حكمه ؟ » ، وفيه فروع : منها الديون المساوية لمال المفلس هل توجب الحجر عليه ؟ وجهان . الأصح لا وفي المقاربة للمساواة الوجهان وأولى بالمنع ومنها : الدم الذي تراه الحامل حال الطلق ليس بنفاس على الصحيح ومنها ، لا يملك المكاتب ما في يده على الأصح ووجه مقابله أنه قارب العتق قال الشارح : « ومن فروعها تحريم مباشرة الحائض قريباً من الفرج » ، ومسائل الحريم فيما يظهر لأنها من هذا القبيل .(1/115)
$[1/112]
القاعدة السادسة عشرة
« إذا بطل الخصوص ؛ هل يبقى العموم ؟ فيه خلاف » ، والترجيح مختلف في الفروع . فمنها إذا تحرم بالظهر مثلاً فبان عدم دخول وقته . بطل خصوص كونه ظهرا ويبقى نفلاً في الأصح ومنها : لو نوى بوضوئه الطواف وهو بغير مكة فالأصح الصحة إلغاء للصفة ومنها : لو أحرم بالحج في غير أشهره . بطل وبقي أصل الإحرام فينعقد عمرة في الأصح ومنها : لو علق الوكالة بشرط فسدت وجاز للوكيل التصرف لعموم الإذن في الأصح . ومنها لو تيمم لفرض قبل وقته فالأصح البطلان وعدم استباحة النفل به . ومنها : لو وجد القاعد خفة في أثناء الصلاة فلم يقم بطلت ، ولا يتم نفلاً في الأظهر .
تنبيه : جُزِم ببقائه في صور :
منها : إذا أعتق معيبا عن كفارة بطل كونه كفارة وعتق جزما . ومنها لو أخرج زكاة ماله الغائب فبان تالفا وقعت تطوعا قطعاً ، وجزم بعدمه في صور .
منها : لو وكله ببيع فاسد فليس له البيع قطعاً ، لا صحيحا ، لأنه لم يأذن فيه ، ولا فاسدا لعدم إذن الشرع فيه . ومنها لو أحرم بصلاة الكسوف ثم تبين الانجلاء قبل تحرمه بها لم تنعقد نفلاً قطعاً لعدم نفل على هيئتها حتى يندرج في نيته .
القاعدة السابعة عشرة
« الحمل : هل يعطى حكم المعلوم أو المجهول ؟ فيه خلاف » ، والترجيح مختلف في الفروع :
فمنها : بيع الحالم إلا حملها ، فيه قولان أظهرهما لا يصح ، بناء على أنه مجهول واستثناء المجهول من المعلوم يصير الكل مجهولا ، ومنها بيع الحامل بحر وفيه وجها أصحهما البطلان ، لأنه مستثنى شرعاً وهو مجهول . ومنها : لو قال بعتك الجارية أو الدابة وحملها أو بحملها أو مع حملها ، وفيه وجهان ، الأصح البطلان أيضاً لما تقدم .
$[1/113](1/116)
ومنها لو باعها بشرط أنها حامل ، ففيه قولان : أحدهما البطلان ، لأنه شرط معها شيئاً مجهولا ؛ وأصحهما : الصحة بناء على أنه معلوم . لأن الشارع أوجب الحوامل في الدية . ومنها الإجازة للحمل . والأظهر كما قال العراقي . الجواز بناء على أنه معلوم . واللّه أعلم .
تنبيه : جزم بإعطائه حكم المجهول فيما إذا بيع وحده فلا يصح قطعاً وبإعطائه حكم المعلوم في الوصية أو الوقف عليه فيصحان قطعاً .
القاعدة الثامنة عشرة
« النادر هل يلحق بجنسه أو بنفسه ؟ فيه خلاف » . والترجيح مختلف في الفروع فمنها : مس الذكر المُبَان فيه وجهان . أصحهما أنه ينقض . لأنه يسمى ذكراً . ومنها لمس العضو المُبَان من المرأة فيه وجهان ، أصحهما عدم النقض لأنه لا يسمى امرأة والنقض منوط بلمس المرأة . ومنها النظر إلى العضو المُبَان من الأجنبية وفيه وجهان أصحهما التحريم ووجه مقابله ندور كونه محل فتنة . والخلاف جار في قلامة الظفر . ومنها لو حلف لا يأكل اللحم فأكل الميتة ففيه وجهان أصحهما عند النووي عدم الحنث ، ويجريان فيما لو أكل ما لا يؤكل كذئب وحمار ، ومنها : الأكساب النادرة كالوصية واللقطة والهبة ، هل تدخل في المهايأة في العبد المشترك ؟ وجهان الأصح نعم ومنها : جماع الميتة يوجب عليه الغسل والكفارة عن إفساد الصوم والحج ولا يوجب الحد ولا إعادة غسلها على الأصح فيهما ولا المهر ومنها : يجزئ الحجر في المذي والودي على الأصح . ومنها : يبقى الخيار للمتبايعين إذا ما داما أياما على الأصح ومنها : في جريان الربا في الفلوس إذا راجت رواج النقود ، وجهان : أصحهما : لا ، ومنها : ما يتسارع غليه الفساد في شرط الخيار ، فيه وجهان : أصحهما : لا ، ومنها : ما يتسارع إليه الفساد في شرط الخيار ، فيه وجهان . أصحهما ، لا يجوز .
تنبيه : جزم بالأول في صور :
منها : من خلق له وجهان لم يتميز الزائد منهما يجب غسلهما قطعاً ، ومن خلقت
$[1/ 114](1/117)
بلا بكارة لها حكم الأبكار قطعاً ، ومن أتت بولد لستة أشهر ولحظتين من الوطء يلحق به قطعاً ، وإن كان نادراً ، وجزم بالثاني في صور :
منها : الأصبع الزائدة لا تلحق الأصلية في الدية قطعاً ، وكذا سائر الأعضاء .
القاعدة التاسعة عشرة
« القادر على اليقين ، هل له الاجتهاد والأخذ بالظن ؟ فيه خلاف » ، والترجيح مختلف في الفروع . فمنها من معه إناءان ، أحدهما نجس ، وهو قادر على يقين الطهارة بكونه على البحر أو عنده ثالث طاهر أو يقدر على خلطهما ، وهما قلتان والأصح أن له الاجتهاد . ومنها لو كان معه ثوبان أحدهما نجس وهو قادر على طاهر بيقين ، والأصح أن له الاجتهاد ، ومنها . من شك في دخول الوقت وهو قادر على تمكين الوقت أو الخروج من البيت المظلم لرؤية الشمس ؛ والأصح أن له الاجتهاد . ومنها الصلاة إلى الحجر . الأصح عدم صحتها إلى القدر الذي ورد فيه أنه من البيت وسببه اختلاف الروايات . ففي لفظ الحجر من البيت وفي لفظ سبعة أذرع وفي آخر ستة وفي آخر خمسة . والكل في صحيح مسلم فعدلنا عنه إلى اليقين . وهو الكعبة قاله السيوطي . وذكر من فروعها أيضاً .
الاجتهاد بحضرته صلى الله عليه وسلم وفي زمانه والأصح جوازه . انتهى .
تنبيه : جزم بالمنع فيما إذا وجد المجتهد نصا فلا يعدل عنه إلى الاجتهاد جزما وفي المكي لا يجتهد في القبلة جزما ، وفرق بين القبلة والأواني بأن في الإعراض عن الاجتهاد في الآنية إضاعة مال وبأن القبلة في جهة واحدة فطلبها في غيرها مع القدرة عليها عبث والماء جهاته متعددة وجزم بالجواز فيمن اشتبه عليه لبن طاهر ومتنجس ومعه ثالث طاهر بيقين ؛ ولا اضطرار فإنه يجتهد بلا خلاف نقله في « شرح المهذب » .
$[1/115]
القاعدة العشرون
« المانع الطارئ ، هل هو كالمقارن ؟ فيه خلاف » ، والترجيح مختلف في الفروع :(1/118)
فمنها : طريان الكثرة على الاستعمال ، والشفاء على المستحاضة في أثناء الصلاة ، والردة على الإحرام وقصد لا معصية على سفر الطاعة وعكسه ، والإحرام على ملك الصيد وأحد العيوب على الزوجة ، والحلول على دين المفلس الذي كان مؤجلا ؛ وملك المكاتب زوجة سيده والوقف على الزوجة أعني إذا وقفت زوجته عليه . والأصح في الكل أن الطارئ كالمقارن فيحكم للماء بالطهورية وللصلاة والإحرام بالإبطال وللمسافر بعدم الترخص في الأولى وبالترخص في الثانية وبإزالة الملك عن الصيد وبإثبات الخيار للزوج ، وبرجوع البائع في عين ماله ، وبانفساخ النكاح في شراء المكاتب والموقوفة كما لا يجوز نكاح من وقفت عليه ابتداء ، ومنها طريان القدرة على الماء في أثناء الصلاة ونية التجارة بعد الشراء وملك الابن على زوجة الأب والعتق على من نكح جارية ولده واليسار ونكاح الحرة على حر نكح أمة ، وملك الزوجة لزوجها بعد الدخول قبل قبض المهر ؛ وملك الإنسان عبداً له في ذمته دين . والإحرام على الوكيل في النكاح والاسترقاق على حربي استأجره مسلم : والعتق على عبد آجره سيده مدة ، والأصح في الكل أن الطارئ ليس كالمقارن فلا تبطل الصلاة ، ولا تجب الزكاة ، ولا ينفسخ النكاح في الصور الربع ولا يسقط المهر والدين عن ذمة العبد . ولا تبطل الوكالة . ولا تنفسخ الإجارة في الصورتين .
تنبيه : جزم بأن الطارئ كالمقارن في صور :
منها : طريان الكثرة على الماء النجس ، والرضاع المحرم والردة على النكاح ووطء الأب أو الابن أو الأم أو البنت بشبهة ، وملك الزوج الزوجة أو عكسه ، والحدث العمد على لا صلاة ونية القنية على عروض التجارة وأحد العيوب على الزوج . وجزم بخلافه في صور .
$[1/116](1/119)
منها : طريان الإحرام ، وعدة الشبهة ، وأمن العنت على النكاح والإسلام على السبي فلا يزيل الملك ووجدان الرقبة في أثناء الصوم والإباق ، وموجب الفاسد على الرهن والإغماء على الاعتكاف والإسلام على عبد الكافر فلا يزيل الملك بل يؤمر بإزالته ودخول وقت الكراهة على التيمم لا يبطله بلا خلاف ، ولو تيمم فيه للنفل لم يصح .
تتمة : يعبر عن أحد شقي هذه القاعدة ، بقاعدة : « يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء » ، ولهم قاعدة عكس هذه وهي : « يغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في الدوام » ، ومن فروعها : إذا طلع الفجر وهو مجامع فنزع في الحال صح صومه ، ولو وقع مثل ذلك في أثناء الصوم أبطله . ومنها : الجنون لا يمنع ابتداء الأجل فيجوز لوليه أن يشتري له شيئاً بثمن مؤجل ويمنع دوامه على قول صححه في « الروضة » فيحل عليه الدين المؤجل إذا جن ولكن المعتمد خلافه ، ومنها وهي أجل مما تقدم الفطرة لا يباع فيها المسكن والخادم ، قال الأصحاب : هذا في الابتداء فلو ثبتت الفطرة في ذمة إنسان بعنا خادمة ومسكنه فيها لأنها بعد الثبوت التحقت بالديون ومنها . إذا مات للمحرم قريب وفي ملكه صيد ورثه على الأصح ثم يزول ملكه عنه على الفور ، ومنها الوصية يملك الغير الراجح صحتها حتى إذا ملكه بعد ذلك أخذه الموصى له ، ولو أوصى بما يملكه ثم أزال الملك فيه بطلت الوصية كذا جزموا به ، قال الإسنوي : « وكان القياس أن تبقى الوصية بحالها ، فإن عاد إلى ملكه أعطيناه الموصى له كما لو لم يكن في ملكه حال الوصية بل الصحة هنا أولى » . انتهى ، وعلى ما جزموا به قد اغتفر في الابتداء ما لا يغتفر في الدوام ، ومنها . إذا حلف بالطلاق لا يجامع زوجته لم يمنع من إيلاج الحشفة على الصحيح ويمنع من الاستمرار لأنها صارت أجنبية واللّه أعلم .(1/120)
خاتمة : نسأل اللّه حسن الخاتمة ، في ذكر المسائل التي يفتى فيها على القول القديم وهي أربع عشرة مسألة على ما ذكرها الإمام النووي في « شرح المهذب » رحمه اللّه تعالى :
$[1/117]
الأولى : مسألة التثويب في آذان الصبح ، القديم استحبابه .
الثانية : التباعد عن النجاسة في الماء الكثير ، القديم أنه لا يشترط .
الثالثة : قراءة السورة في الركعتين الأخيرتين ، القديم لا يستحب .
الرابعة : لمس المحارم ، القديم لا ينقض الوضوء .
الخامسة : تعجيل العشاء ، القديم أنه أفضل .
السادسة : الاستنجاء بالحجر فيما جاوز المخرج ، القديم جوازه .
السابعة : وقت المغرب ، القديم امتداده إلى غروب الشفق الأحمر .
الثامنة : المنفرد إذا نوى الاقتداء في أثناء الصلاة ، القديم جوازه .
التاسعة : مسألة أكل الجلد المدبوغ ، القديم تحريمه .
العاشرة : تقليم أظفار الميت ، القديم كراهته .
الحادية عشرة : مسألة شرط التحلل من التحرم بمرض ونحوه ، القديم جوازه .
الثانية عشرة : مسألة الجهر بالتأمين لمأموم في صلاة جهرية ، القديم استحبابه .
الثالثة عشرة : مسألة من مات وعليه صوم القديم يصوم عنه وليه .
الرابعة عشرة : مسألة الخط بين يدي المصلي إذا لم تكن معه عصى ، القديم استحبابه .(1/121)
تنبيه : قال الشيخ عبد الهادي نجا الإبياري رحمه اللّه تعالى بعد ذكر مسائل القديم ما نصه : المراد بالقديم ما صنفه الشافعي رضي اللّه عنه ببغداد ، واسمه : « كتاب الحجة » الذي رواه عنه الحسن بن محمد الزعفراني وقد رجع عنه الشافعي بمصر وغسل كتبه فيه ، وقال : « لا أجعل في حل من روى عني القول القديم » ، قال الإمام في باب الآنية من « النهاية » : « معتقدي أن الأقوال القديمة ليست من مذهب الشافعي حيث كانت لأنه جزم في الجديد بخلافها والمرجوع عنه لا يكون مذهبا للراجع وهذا يقتضي أن المرجوع عنه في القديم هو ما جزم بخلافه في الجديد » ، وبذلك صرح النووي ، وقال : « أما قديم لم يخالفه في الجديد أو لم يتعرض لتلك
$[1/118]
المسألة فيه فإنه مذهب الشافعي ، واعتقاده ويعمل به ويفتى عليه فإنه قاله ولم يرجع عنه وإطلاقهم أن القديم مرجوع عنه ولا عمل به إنما هو بالنظر إلى الغالب . انتهى ذكره العلائي في قواعده .(1/122)
وقال أيضاً : لا ينبغي لمقلد مذهب الشافعي أن ينسب القول القديم إليه ، ولا لمن يسأل عن مذهبه أن يفتي به لصحة رجوعه عنه ومخالفته إياه في الجديد ، بل ينظر في ذلك القول ، فإن كان موافقاً لقواعد الجديد عمل به لا لذاته بل لاقتضاء قواعد الجديد إياه أو دل عليه حديث صحيح مع قول الشافعي : « إذا صح الحديث فهو مذهبي » ، وقوله أيضاً : « كل مسألة تكلمت فيها صح الخبر فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي » ، وبذا عمل كثير من أصحابنا فكان من ظفر منهم بحديث ومذهب الشافعي بخلافه عمل بالحديث ولم يتفق ذلك إلا نادرا . وليس كل فقيه يسوغ له أن يستقل بالعمل بما رآه من الحديث لأنه قد يكون الشافعي اطلع على هذا الحديث وتركه عمدا على علم منه بصحته لمانع اطلع عليه وخفي على غيره ، كما قال أبو الوليد موسى بن أبي الجارود ، روى عن الشافعي أنه قال : إذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث وقلت قولا بخلافه فإني راجع عنه قائل بذلك » ، قال أبو الوليد وقد صح حديث : « أفطر الحاجم والمحجوم » ، فرد على أبي الوليد بأن الشافعي تركه مع صحته لكونه منسوخا عنده وقد بينه واللّه أعلم .
وتم ما قصدناه إلى هنا ، عسى بفضله يرحمنا إلهنا ، ويحسن لنا الختام ، على كلمة الإسلام والموت بجوار سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام . والحمد لله رب العالمين .
« الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات »
تم بتوفيق اللّه سبحانه وتعالى
طبع هذا الكتاب القيم ( بمطبعة النهضة الحديثة بمكة المكرمة )
في يوم الخميس 30/5/1402هـ
$[1/119]
الفهرس
صفحة ... الموضوع
3
7
8
9
10
12
12
27
37
42
45
51
51
53
58
59
62
63
64
64
65
67
68 ... المقدمة - بقلم : جميل غازي
القواعد التي يرجع إليها الفقه
طريق وضع قواعد الفقه
مبادئ فن القواعد العشرة
تعريف : « القاعدة “(1/123)
الباب الأول : في القواعد الخمس التي يرجع إليها جميع المسائل الفقهية
القاعدة الأولى - ( الأمور بمقاصدها )
القاعدة الثانية - ( اليقين لا يزال بالشك )
القاعدة الثالثة - المشقة تجلب التيسير )
القاعدة الرابعة - ( الضرر يزال )
القاعدة الخامسة - ( العادة محكمة )
الباب الثاني : في قواعد كلية يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية
القاعدة الأولى - ( الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد )
القاعدة الثانية - ( إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام )
القاعدة الثالثة - ( الإيثار بالقرب مكروه )
القاعدة الرابعة - ( التابع تابع )
القاعدة الخامسة - ( تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة )
القاعدة السادسة - ( الحدود تسقط بالشبهات )
القاعدة السابعة - ( الحر غير داخل تحت اليد )
القاعدة الثامنة - ( الحريم له حكم ما هو حريم له )
القاعدة التاسعة - ( إذا اجتمع أمران من جنس واحد ولم يختلف
مقصودهما دخل أحدهما في حكم الآخر غالباً )
القاعدة العاشرة - ( إعمال الكلام أول من إهماله )
القاعدة الحادية عشرة - ( الخراج بالضمان )
$[1/120]
صفحة ... الموضوع
68
70
71
72
72
73
74
75
77
77
78
79
80
81
81
82
83
84
85
86
86
88 ... القاعدة الثانية عشرة - ( الخروج من الخلاف مستحب )
القاعدة الثالثة عشرة - ( الدفع أقوى من الرفع )
القاعدة الرابعة عشرة - ( الرخص لا تناط بالمعاصي )
القاعدة الخامسة عشرة - ( الرخص لا تناط بالشك )
القاعدة السادسة عشرة - ( الرضا بالشيء رضى بما يتولد منه )
القاعدة السابعة عشرة - ( السؤال معاد في الجواب )
القاعدة الثامنة عشرة - ( لا ينسب للساكت قول )
القاعدة التاسعة عشرة - ( ما كان أكثر فعلا كان أكثر فضلا )
القاعدة العشرون - ( العمل المتعدي أفضل من القاصر )
القاعدة الحادية والعشرون - ( الفرض أفضل من النفل )
القاعدة الثانية والعشرون - ( الفضيلة المتعلقة بنفس العبادة أولى من
المتعلقة بمكانها )(1/124)
القاعدة الثالثة والعشرون - ( الواجب لا يترك إلا لواجب )
القاعدة الرابعة والعشرون - ( ما أوجب أعظم الأمرين بخصوصه لا
يوجب أهونها بعمومه )
القاعدة الخامسة والعشرون - ( ما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط )
القاعدة السادسة والعشرون - ( ما حرم استعماله حرم اتخاذه )
القاعدة السابعة والعشرون - ( ما حرم أخذه حرم إعطاؤه )
القاعدة الثامنة والعشرون - ( المشغول لا يشغل )
القاعدة التاسعة والعشرون - ( المكبر لا يكبر )
القاعدة الثلاثون - ( من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه )
القاعدة الحادية والثلاثون - ( النفل أوسع من الفرض )
القاعدة الثانية والثلاثون - ( الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة )
القاعدة الثالثة والثلاثون - ( لا عبرة بالظن البين خطؤه
$[1/121]
صفحة ... الموضوع
89
89
90
90
91
92
93
95
95
96
96
97
98
99
100
101
101
104
105 ... القاعدة الرابعة والثلاثون - ( الاشتغال بغير المقصود إعراض عن المقصود )
القاعدة الخامسة والثلاثون - ( لا ينكر المختلف فيه ، وإنما ينكر المجمع عليه )
القاعدة السادسة والثلاثون - ( يدخل القوي على الضعيف ولا عكس )
القاعدة السابعة والثلاثون- ( يغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد )
القاعدة الثامنة والثلاثون- ( الميسور لا يسقط بالمعسور )
القاعدة التاسعة والثلاثون- ( ما لا يقبل التبعيض فاختيار بعضه كاختيار
كله ، وإسقاط بعضه كإسقاط كله )
القاعدة الأربعون - ( إذا اجتمع السبب والمباشرة ، أو الغرور
والمباشرة قدمت المباشرة )
الباب الثالث : في ذكر القواعد المختلف فيها
القاعدة الأولى - ( هل الجمعة ظهر مقصورة أو صلاة على حيالها؟ )
القاعدة الثانية - ( الصلاة خلف المحدث المجهول الحال هي هي
جماعة أو انفراد ؟
القاعدة الثالثة - ( من أتى بما ينافي الفرض . . هل تبقى صلاته نفلاً أو تبطل ؟ )
القاعدة الرابعة - ( النذر : هل يسلك به مسلك الواجب أو الجائز؟ )(1/125)
القاعدة الخامسة - ( هل العبرة بصيغ العقود أو بمعانيها ؟ )
القاعدة السادسة - ( العين المستعارة للرهن . هل المغلب فيها جانب
الضمان أو جانب العارية ؟ )
القاعدة السابعة - ( الحوالة . هل هي بيع أو استيفاء ؟ )
القاعدة الثامنة - ( الإبراء ، هل هو إسقاط أو تمليك ؟ )
القاعدة التاسعة - ( الإقالة . هل هي فسخ أو بيع ؟ )
القاعدة العاشرة - ( الصداق المعين في يد الزوج قبل القبض مضمون ضمان عقد أو ضمان يد ؟ )
القاعدة الحادية عشرة - ( الطلاق الرجعي هل يقطع النكاح أو لا؟ )
$[1/122]
صفحة ... الموضوع
106
107
108
110
112
112
113
114
115
116 ... القاعدة الثانية عشرة - ( الظهار : هل المغلب فيه مشابهة الطلاق ، أو
مشابهة اليمين ؟ )
القاعدة الثالثة عشرة- ( فرض الكفاية : هل يتعين بالشروع أو لا يتعين؟ )
القاعدة الرابعة عشرة- ( الزائل العائد : هل هو كالذي لم يزل ، أو
كالذي لم يعد ؟ )
القاعدة الخامسة عشرة - ( هل العبرة بالحال أو بالمآل ؟ )
القاعدة السادسة عشرة - ( إذا بطل الخصوص ، هل يبقى العموم ؟ )
القاعدة السابعة عشرة - ( الحمل هل يعطى حكم المعلوم أو المجهول؟ )
القاعدة الثامنة عشرة - ( النادر : هل يلحق بجنسه أو بنفسه ؟ )
القاعدة التاسعة عشرة - ( القادر على اليقين : هل له الاجتهاد أو الأخذ
بالظن ؟ )
القاعدة العشرون - ( المانع الطارئ : هل هو كالمقارن ؟ )
( خاتمة ) : في المسائل التي يفتى فيها على القول القديم للإمام الشافعي(1/126)