http://www.shamela.ws
تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة
الكتاب : افعال الرسول
بسم الله الرحمن الرحيم
فاتحة القول
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركاً فيه. وصلوات الله وتسليمه على نبيه الأمين، الذي حمل وحيه، وأداه إلينا كاملًا، مبيناً، لا عوج فيه، فعلمنا به من الجهالة، وهدانا به من الضلالة، وجمعنا به بعد الفرقة، وجعل لنا في الدنيا والآخرة مكانا لا تنكره الأمم.
وبعد، فإن نهر الشريعة الخالد ينبع أولا من كتاب الله العظيم وحي الله المبارك، وكلمته إلى العالمين. ويستمد هذا النهر بعد من سنن النبى!.
منذ أن اختار الله نبيه محمداً! لحمل الرسالة، استشعر عظم المهمة التي ألقيت
على عاتقه لهداية الب!ثر، وتخلف ثقل الممول ألفي كلَف به. لقد أهمه.سر الجموع الزائغة من البشر، في الجزيرة وخارجها، من يهديها؟ وتلك الأجيال المتلاحقة عبر الزمان إلى أن تقوم الساعة، من يعلمها أحكام الكهف
حتى وردت الطمأنينة له من السماء: كما ودعك ربك وما قلى! وللآخرة
خير لك من الأصلى* ولسموه يعطيك ربك فترضى! الله معك، أما أنت فاستقم كما أمرت، ولا تحد عنه. لا تقهر اليتيم، ولا تنهر السائل، وحيث الناس بما جاءك من الوحي، واعبد الله واتقِه حق تقاته. فهذا الذي عليك. ولست علمهم بمسيطر.
إذن الأمر هين: تبليغ واستقامة، بيان بالقول، وضرب مثل بالفعل. أما الهداية والإضلالط فهما بيد أفه وحده.
(1/1)
فشرح الله صدره للأمر، ووضع عنه وزره الذي أنقض ظهره، ويسر له ما
كان عليه عسيراً
ولكن هل كانت المهمة يسيرة حقاً لقد كلن عليه عن لن يقف الليل إلا قليلاً يتدبر تلك الكللمات الالهَية، ويقوّم بقيلها فكلمه وقلبه، حتى إذا أصبح، بلغها قومه، واستقام عليها ليُقْتَدَى به، ونفذ ما علمه اللّه، ليكلوز شاهدا عليهم، كما أرسل الله إلى فرعون رسولًا، فعصاه فأخذه الله أخذا وبيلي- فالأمر جدّ، وليس عبثاً(1/1)
لقد حرصت الأمة عله تدوين ما صدر عنه ينهيه من أقواله وأفعاله،
وحفظ الله الذاكر بتلك الجهود المضنية التي بذلتها الأمة، في شتم ميادين العلم، والتي تكاد تماثل ما بذلته من الجهود في الجهاد والتبليغ. فكان في كلا النوع!!ن من الجهاد، رفع ذكر محمد عنه، وذكر قومه في العالمينا.
أفعال النبي يكل!!ا حقيقة الأمر أكد من أقواله أضعافا مضافة.
وهذا ملاحظ في سائر الب!ثر. فقلما ينفك البشر عن فعل. ولكنه لا يتكللم
ألأ إذا بدا له ذلك.
والتقرير أكثر من ذلك كله، فإن ما رآه النبي كبر من أفعال الصحابة وتروكهم، وما رآه في بيئته من الأمور فلم يغيره، لا يحمى، والذي أنكره من ذلك قليل جداً
لكن ما نقل إلينا في دواوين السنة من الأفعال والتقارير، أقل من الأقوال أو يمساويه. وقد جمع السيوطي عامة السنن المروية في جامعه الكبير، فكانت الروايات الفعلية مساويا تقريبا للروايات القولية.
ومع ذلوا، فهل خدَمَ الأصوليون الأفعال التي حمّلت كما خدموا الأقوال؟
إن كتب الأصول الشاملة تعرضت للأقوال، من جميع جوانبها لّقريباً. فبحثت في الأمر والنهي، والعموم والخصوص، واطقيقة والمجاز، وغيرها.
(1/2)
بل تعرضوا لألفاظٍ معينة ودلالتها، فتكلموا في من والى وعن وعل وأمثالها.
وهناك المباحث التي تدخل فيها الأفعال! مع الأقوال، كالحلم، والنسخ،
والبيان والإجمال، وما سواها، كادت هذه المباحث أن تكون يخل كلام الأصولية مقصورة على الأقوال، ولا يذكر الفعل فيها إلا لِمامأ، كانه ضيف زائر، أو حبيب معاتَب.
وكتب الباحثون المتخصصون قديما وحديثا في مباسط الأقوال!، وأفردوا
أكثرها بمؤلفات متخصصة. فكتبوا في الأمر والنهي، وفي الحقيقة والمجاز، وفي تفسير النصوص المجملة. وكتبوا في العموم والخصوص وغيرذلك.
وبالإضافة إلى ذلك كانت الدراسات اللغوية في النحو والبيان والمعاني تقوم
بخدمة الأقوال، وبيان أدق الفروق في دلالاتها،(1/2)
لقد حرمت الأفعال النبوية إلا من مجهودات ضئيلة، لقد منها الأصوليون
مسّاً سريعاً في مؤلفاتهم الأصولية الشاملة.
فهل ذلك هو الوزن الحقيقي للأفعال؟ هل أعطيت الأفعال بكامل حقوقها
وما ينبغي لها؟) إن استقراء مواقع الخلاف بين الفقهاء يظهر بجلاء، أن من أسباب الخلاف بينهم اختلافهم في الأحكام المستفادة من الأفعال، بل لعتي لا أكون مبالِغأ إذا قلت: إن الخلاف لا قواعد الأفعال هذه هو السبب الأكبر في الخلاف الفقهي.
ولم نجد، بعد طول البحث، أحدا خض الأفعال بمؤلف خاص، ما عدا
اثني من فضلاء المتأخرين، أحدهما الشيخ أبو شامة المقدسي، من رجال القرن السابع. ورسالته في ستيهأ ورقة تقريباً. والاشخر من رجال القرن الثامن وهو الحافظ العلائية، ورسالته في نحو ثلاثين ورقة.
/ يُغَط المؤلفان المذكورات جميع نواحي مباحث الأفعال؟ وكان بحوثهما في المواضع التي طرقاها قاصرا من جهات.
(1/3)
لقد كان ذلك كله حافزاً لاختيار الأفعال النبوية موضوعاً لدراسة أصولية،
أخدم بها السنة المطهرة!
وقد سرت في عمان بحماس شديد شاعرا بعظم المهمة، ناظرا إلى الفهل!
الكلبين الذي ينتظر السداد.
لقد كان السير في الطريق الممتدة سيراً رفيقاً أما الفيلم الذي/ يطرىْ من
قبل فقد كان السير فيه عسيرأمضلًلأ، لولا عودة الله وتسديده وتوفيقه،
وحرصا عله الطريته الممتدة،/ أما أن أبدأ السير قبل أن أطَلع على كتابات
شاملة في الأفعال، فحرصت كل الحرص على الحصول على رسالتي الحافظ العلاجي وأبو شامة.
أما الأولى فقد حصلت عليها بيسر، إذ وجدها هنا بالقاهرة،
وأما الأخرى، فقد طال البحث عنها في مكتبات العم/ العربي فلم توجد
فيه. ثم يسخر الله الكريم العثور عليها صدفة في إحدى المكتبات النائية في أوروبا، ولعلها النسخة الوحيدة في العد/ من المؤلف المذكور. فحصلت صورتها بعد عناء شديد.
ألأ أنه قد تبين أن كلًا من الرسالتيهة المذكورين عجالة، تغني من جرع(1/3)
ولكنها لا تسمِن، وتنقع الغلة دون أن تعطي الريف أو تشفا الصدر.
واستعنت بالله.
ورأت أن من الأفعال ما ليس في فعلمته خفاء، كالصلاة والصوم والجهاد والركوع والسجود والأكل والشرب والنوم.
وأن من الأفعال ما اختلف في أنه فعل أو ليمسكه بفعل كالترك والكتابة والإشارة والسمكرة والإقرار.
فخصصت النوع الأول بباب وسميّته باب الأفعال الصريحة.
15
(1/4)
وخصصت النوع الثاني بباب وسميته باب الأفعالى غير الصريحة.
وجعلت للتعارض بي الأفعال وما سواها من الدلائل بابا ثالثاً
وقد مهدت للرسالة بتعريف السنة لغة واصطلاحا. وبيان حجية السنة
إجمالا ومنزلتها من القرآن. وفي تحرير المهمات العبرية وبمكان درر الأفعالى في أدائها على الوجه الأكمل.
وأما الباب الأول وهو باب الأفعال الصريحة فقد انتظم في تسعة وفصول:
الفصل الأول تعرضت فيه للبيان بالأفعال في حالة انفرادها أو اجتماعها
مختلفة أو متفقة. وفي حال اجتماعها مع الأقوال.
والفصل الثاني تعرضت فيه لأحكام أفعال النبي !. فأوضحت أق فعله
قد يصدر عن النصوص القرآنية، أو كن اجتهاد، أو تفويض، وأنه قد يصدر على أساس مرتبة العفو، أي عدم الحكم.
وبينت في الفصل الثاني أن الأفعال التي تصدر عنه !، إما أن تكون من قبيل الواجبات، أو المندوبات، أو المباحات، وتعرضت للعصمة عن الكرويات وا لمحرمات.
وذكرت الطرق التي يتعيّن بها حكم فعله عن. فحصرت ذلك، وناقشت النظريات التي أويى!ت في أماكن شتى من كلام الأصولية حول ذلك.
وفي الفصل الثالث بينت أن الأفعال النبوية من حيث الجملة حجة شرعية. وناقشست المخالفين في ذلك. وأوردت الأدلة المقنعة.
وفي الفصل الرابع قسّ!مت الأفعال النبوية الصريحة عشرة أقسام: الفعل الجبِلى. والعاطفي. والدنيوفي. والخصائص. والمعجزات. والفعل البيافط. والَامتئاليّ. والمتعدي. والمفعول لانتظار الوحي. ثم الفعل المجرد.(1/4)
وخصصت كل واحد منها بمبحث خاص أوضحت ما يستمل به منها وما لا يستدل به، وكيفيهّ ذلك.
11
(1/5)
غير أفق خصصت الفعل المجرّد بفصل ما وهو الفصل الخامس، لما أنه
لبث باب الأفعال، وهو ألفي يقع فيه الخلاف.
وفي الفصل السادس تحدثت عن الأحكام التي يصح استفادتها من الأفعال،
ومن أين يؤخذكل منها، سواء الأفعال التكليفية والوضعية.
ولا الفصل السابع تحدثت عن صفة الدلالة الفعلية، بطبيعتها، وهل تتمي إلى الدلالة المطابقئة أو التضمنية أو الالتزامية. وذكرت أن الفعل قد يدل بالفهم. وبينت كيفية انسحاب حكم الفعل النبوئي على أفعال الأمة-
وتعرضت في الفصل الثامن لدلالة متحلّقات الفعل النبوي. فذكرت دلالة
سبب الفعل، وفاعله، ومفعوله، ومكانه، وزمانه، وهيئته، وما يقارنه، وأدواته الماضية، وعدد الفعل ومقداره.
وفي الفصل التاسع ذكرت مباحث متنوعة تتعلق بالأفعال، فعقدت مبحثا
بئنْتُ فيه للمجتهد الطريق العملي الذي يسلكه لاستفادة الحكم من الفعل النبوئما؟
ومبحثأ آخر للاعتراضات التي تورد على الاستدلال بالأفعالى، وكيف الجواب عنها.
ومبحثأ ثالثا لنقل الفعل الكبري، وما قد يقع عن الخلل في-أدوات النقل وعباراته، وما يحصل من الأوهام بسبب ذلك، ليحصل التنبه لها، والحذر من الوقوع فيها.
أما الباب الثاني: فقد عقدته للأفعال غير الصريحة وهي الكتابة والإشارة والأوجه الفعلية للقول، والترك، والسكلرت، والتقرير، والهم بالأعلى- وعقدت لكل منها فصلاً ثم عقدت فصلا لأمورتلحق بالأفعاله النبوية.
أما الباب الثالث: فقد عقدته للمعارض بين الأفعال النبوية بعضها ببعض، والمعارض بينها وبن الأدلة الأخرى. وانتظم عندي في أربعهّ فصول. وألحقصَ به قطعة من رسالة الحافظ العلاثيّ المسقاة بتفصيل الإجمال في تعارض
13
(1/6)
الأقوال والأفعال) رأيت من الضروري أن تكون بين يدَيْ من يطلع على هذا البحث.(1/5)
وقد كان مما أخذته على نفسي في هذا البحث أن أزن الأمور بما تستحقه، فلا أستقل قولا للجهالة بقائله، أو لأنه نُبِزَ بوصف غير لائق، ولا أغتر بقول نسب إلى الجمهور أو الكلثير، أو إلى فلان أو فلان من المشهورين.
وقد أوردت من الفروع الفقهية أمثلة تتضح بها القواعد، ويبلامن بها المراد. وأخذت على نفسي ألأ أستطرد وراء تلك الفروع نقاشا راستدلالأ إلا بمقدار ما تتضح به القاعدة الأصولية ويبين به المراد منها. والذي يريد دراسة الفرع المقهى ينبغي أن يأخذه من مظانه من كتب الفقه.
وخرجت ما ورد في هذه الرسالة من الآيات والأحاديث+ وترجمت للأعلام المستغربة نوعاً ما، وتركت الترجمة للمشهورين اكتفاء بشهرتهم.
ولستم ذوي العصمة، ولا أزعم الإحاطة. وإنما أدعي وأزعم أنني بذلت
جهدا في جمع شمل نواحي هذا الموضوع الهام، وأنني حللت جزءاً من تلك المشكلات، وسلطت الأضواء على مواضع الإشكال الأخرى.
وليس ذلك بحولي ولا بقصتي، وإنما بفضل الله وعونه وتي!بحيره لكل صعب،
لمست ذلك عندما رأيت تفتّح المقالات، وتيسير الشدائد، وتسهيل كل عسير. وأتقدم بالشكر إلى أستاذي فضيلة الشيخ عبدالغني محمد عبدالخالق، الذي
كان لتشجيعه وتوجيهه أثره الكبير لا خروج هذه الرسالة علا هذا الوضع، ولكل من أسدى في ذلك يداً.
9 والحمد للُه أولا وآخراً
القاهرة- مدينة نصر
لوم الخميسي 17 من رجب الحرام 1396 هـ 15 من يوليو 1976 م
13
(1/7)
لمجد
1- السنة في اللغة رفي الاصطلاح.
2- حجية السنة إجمالاً، ومنزلتها من القرآن.
3- تحرير المهمات النبوية وبيان دور الأفعال في أدائها على الوجه الأكمل. 4- تعريف (الفعل) وانقسامه إلى صريح وغير صريح.
5- الأفعال النبوية في الدراسات الحديثية والأصولية.
15
(1/8)
المبحث الأول
السنة في اللغة وفي الاصطلاح(1/6)
السنة في اللغة الطريق: المسلوك حسياً كان أر معنوياً (1). قال صاحب اللسان: والسنة، وشنن الطريق وسَنَنُهُ، نهجه. وقالت شمر: السنة في الأصل سنة الطريق. وهو طريق سنه أوائل الناس فصار مسلكا لمن بعدهم ".
وقال الله تعالى: حسنة الله في الذين خلوا من قبل ! (2) أي: 9 سن الله في الذين نافقوا الأنبياء وأرجعوا بهم أن يقتلوا أينما وجدوا" (3). وقال أيضاً أفهل ينظرون إلا سنة الأولين جمع فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلأ! (4)، أي: وإنما ينتظرون العذاب الذي نزل بالكفار الأولين. فقد أجرى الله العذاب على الكفار، وجعل ذلك سنة فيهم، فهو يعذَب بمثله من استحقها لا يقدر أحد أن يبذل ذلك " (ْ).
وسواء أكانت الطريقة حميدة أو ذميمة، فكلاهما في اللغة سنة، يدل للنوع الأول قول لبيد في معلقته ة
من معشرسنت لهم آباوْهم ولكل قوم سنة وإمامها
(1) المعل!ب الحسية الواردة في اللغة لمادة (سنن) ثلاثة:
ا- السن بمعنى تحديد الشكلين ونحوها.
2- السنة بمعنى الحط. وقط ذي قي الاسمان من مزايا السنة الخط في جلد الحمار (الوحشي). 3- السنن والسمنة بمعنى الطريق.
(2) سورة الأحزاب: آية 38 و 62 (3) تفسير الآية عن لسان العرب.
(4) سورة فاطر: آية 43 (5) تفسر هذه الآية عن القرطيى 4 1/ 0 36
17
(1/9)
ويمل للنوع الثاني قول خالد بن زه!ير:
ولا تَعْجَبنْ من سيرةٍ أنتَ سرتَها (1) فأول راض سنة مَنْ يسيرها
بل ورد هذه ا الاستعمال في السنة، كما في حديث الصحيحين، أنه !كل! قال:
ومن سن في الإسلايم سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعلحِه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة". وقال خمس: التتبعُن سُنن الذين من قبلكم، شبراً بشبر، وذراعا بذيل؟ حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه 9 (2).
وبهذا يتبين ضعف قول الخطابي: "إن 9 السنة" في اللغة للطريقة المحمودة خاصة" (3).
"السنة" في الاصطلاح:(1/7)
السنة في اصطلاح الأصوليين ما صدر عن النبي عن غهير القرآن من الأقوالى
وا أأ فعال.
وهي في اصطلاح المحدثين لمعنى أوسع من ذلك؟ إذ هي عندهم: كما أضيف إلى النبي يكن، من قول، أو فعل، أو صفة خَلْقئة، أو خلُقية، وما يتصل بالرسالة من أحواله الشريفة قبل البعثة بنحو ذلك "،4). وإنما جعلوها كذلك لأنهم أهل العناية برواية الأخبار.
وتطلق السنة على ما يقابل البدعة. وبذلك تصدق على كل الشريعة، من قرآن، وحديث ثابت، واجتهاد صحيح. ومن هنا استعمل الاصطلاح المشهور
(1) هذه رواية ابن قريبة في (عيرن الأخبار 108/4 ولكن في والشعر والشعراء): و (الأغاني. ط بولاق 62/6-63): فلا تجزعن من سنة أنت سرتها. وللبيت قصة، فلتراجع يخص هذه المواضع.
(2) متفق عليه والفتح الكبه!. 31! مرشد الفحول ص 33
(4) محمد عمد أبو زهو: ا-أديث والمحدثون/ 10
18
(1/10)
ة أهل السنة" تمييزا لهم عن البتدعة في الأعمال أو الاعتقادات، كالمعتزلة، والشيعة، والخوارج. ولهذا الاستعمال أصل في الحديث النبوي، قالي ضم: 9 عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي. تَمَسكوا بها، وعَضُوا عليها بالنواجذ، والاكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة!،1). فقابل السنن بالبدع.
وفي الصدر الأول كانت السنة تطلق على طريقة الخلفاء الراشدين، بالإضافة إلى طريقة النبي !. وقد روي ذلك من قول النبي له وسنة الخلفاء الراشدين) كما في الحديث الأنف الذكر. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (جلَد النبي !نَي أرسين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنة" (2). إلا أنه لما أخذ الفقهاء فيما بعد بللبدأ القائل بأنه لا حجة في قول أحد بعد النبي !ئهبئ، قُصِرت دلالة لفظ (السنة! علا أقوالِ وأفعالِ النبي له وحده. قال ابن فارس: ذكره العل!! قول من قال: سنة أبو بكار وعمر، وإنما يقال سنة الله وسنة رسوله !+).(1/8)
أما في اصطلاح الفقهاء فالسنة بمعنى النافلة والمندوب، أي ما يتقرب به
إلى الله تعالى مما ليس بمتحتم على المسلم.
وبعضهم جعله لنوع خاص من القربة هي ما داوم عليه النبي عن من التعبدات، كالوتر والزواتجط وصوم الاثنين والخميس، دون ما لم يداوم عليه، كالنوافل المطلقة. واستعمل الفقهاءأ السنة! في باب الطلاق خاصة للدلالة عله الجواز الشرعي، فقالوا: طلاق السنة، وقابلوه بقولهم: طلاق البدعة، وهو غير المشروع، كالطلاق في الحيض، وطلاق الثلاث دفعة واحدة.
هذا ويلاحظ على تعريف الأصوليين للسنة، أنه يدخل فيه ما/ يكن من
أقوال النبي ! وأفعاله حجة، كأفعاله وأقواله في شؤون الدنيا الصرفة، لقوله:
(1) رواه أبو!اود 12/ 360 وحسنه الترمذي !رراه الترمذي وأبت هاجمه (الفتع الشبيهه. (2) رواه مسلم ونيل الأوطار 147/7) (3) إرشاد الفحول ص 6 19
(1/11)
وأنتم أعدم بأمر دنياكم " (1). والأولى إخهل! مثل هذا"2)، ودعلّهم إنما تركوا التصريح به لظهوره، لأن من ترك العمل بما لا حجة فيه، لا يقال إنه تارك للسنة. ويشير إلى هذا قول عائشة: يانزول الأبطح ليس بسنة، إنما نزله ريسول الله !ن! لأنه كان أسمح لخروجه ! (3). مع أن النبي جمع فعله،
ويلاحظه يضأ أن أقواله وأفعاله !، قبل النبوة، ليست بتشريع، وتخرج بقولهم في التعريف بما صدر عن النبيذ فإن ما صدر عنه ! قبل النبوة لا يصدق عليه أنه مصادر عن النبيذ-
وملاحظة ثالثة، وهىخ أن قول المحذث!!ن كما أضيف إلى النبي !ه) أشمل مما
قال الأصوليون، فالحديثة عند المحدثين سنة بقطع النظر عن أبوته. ولا يكون سنة عند الأصولية إلا بقيد ثبوته عن النبي يكن، ومن أجل ذلك عثروا بقولهم كما صدر عن النبي !).
وملاحظة رابعة، وهي أن بعضا الأصوليين قال في تعريف السنة ة إنها ما(1/9)
صدر عن النبي ! من قول أو فعل أو تقرير، وبعضهم يضيف التراث، وبعضهم يضيف الهام والإشارة ونحو ذلك. والأولى ترك ذكر ما عدا الأقوال والأفعال، كما صنع البيضاوي في المنهاج، لأن كل ما ذكر مما سواهما فهو فعل على الراجح، كما سنذكره في مواضعه إن شاء الله.
وأما من ادعى أن شيئاً مما ذكر ليس فعلاً وأنه حجة، فيلزمه ذكرت في التعريف.
(1) رواه مسلم 118/16
(2) عبدال!اب خلاف نمه على أنه ذلك "من السنة ولكنه ليست تشريعا واجيبأ اتباعها. وعندي أن ذلك هو من (السنهَ) في اصطلاح المحدثين لا في اصطلاح الأصوليين لأن الأصوليين يعتمدون (الحجية). وقد أشار إلى اعتبار قيد الحجية في التعريف صاحب تيسير التحرير 3/ 20
(3) رواه مسلم 58/9
20
(1/12)
المبحث الثاني
حجية السنة إجمالًا
الاحتجاج بالسنة الواردة عن النبي !، واعتبارها أحد أصول الشريعة الإسلاميّة الدالة على الأحكام الشرعية، هو دأب المسلمين قديما وحديثاً والذين يعرضون عن اتخاذها كذلك، ولا يعتبرونها عليهم حجة، قوم زائغون منحرفون عن الحق. بل قال الشوكاف!: فإن ثبوت حجيتها، واستقلالها بتشريع الأحكام، ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلا من لا حد له في دين الإسلام " (1).
القرآنيون ة
وقد نبغ بين المسلمين قوم سفوا أنفسهم بالقرآنيين "، ادعوا أن الشريعة لا
تؤخذ ألأ من القرآن، وأن المسلمين ليسوا بحاجة إلى السنة. وصنعوا من فهمهم المجرد للقرآن تركيبة شرعيّة في الطهارات والصلاة والزكاة والحج وغيرها، يعلم المطلع عليها يقيناً أنها محالفة لما كان عليه رسول الله-كيرك وأصحابه. ولهؤلاء القوم المعاصرين المذكورين سلف فيمن مضى، لم يزالوا تذرع نجومهم، فتطمسها شموس الحق من أئمة الهدى في كل زمان. وقد ألف السيوطي رسالته المشهورةإ مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة" للرد على من وجد من دعاة هذه الفكرة في زمانه من الرافضة. وذكر فيه أن أصحاب هذا الرأي من الزنادقة والرافضة، كانوا موجودين(1/10)
(1) (رشاد الفحول ص 33
21
(1/13)
بكثرة في زمن الأئمة الأربعة فمن بعدهم يتصدى لهم الأئمة الأربعة، وأصحابهم، في دروسهم ومناظراتهم وتصانيفهم " (1).
وذكر الشاطبين (2) طائفة شبيها حالها بحال هؤلاء، إلا أنها كانت تقبل الحديث إذا وافق القرآن. ومع ذلك فقد قال الشاطري عنهم: لا أنهم قوم لا خلاق لهم ". ولا شك أنهم أهل لهذه الحكم.
ومما تمسك به هؤلاء ظواهرقرآنية، نحو ظاهر قوله تعالى: وما فرطنا في الكتاب من شيء!"3) وقوله: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء!،4). والجواب أن الأمة الأولى ليس المراد بالكتاب فيها القرآن، بل اللوح المحفوظ، كما هو واضح من السياق. وكان القرآن تبياناً لكل شيء بما دل عليه من الأدلة الأخرى، وها السنة والإجماع والقياس.
ومما تمسكوا به أيضا أحاديث ضعيفة مردودة، كما روي أن النبي خط قالت:
إ ما أتاكم عني فاعرضحه على كتاب الله، فإن رافق كتاب الله فانه قلته، وإن خالف كتاب الله فلم أقله أنا، وكيف أخالف كتاب الله وبه هداني الله؟ !. قالي عبدالرحمن بن مهدوي: "الزنادقة وضعوا هذا الحديث " (ْ). وقال الصِّغَاني:أ هذا الحديث موضوع " (6).
وعنه ما روي أن النبي ينهض قال: ولا تكتبوا عني شيئا إلا القرآن، فمن كتب
عني شيئا غير القرآن فليمحهأ (7،. وهو معارض بقوله !: واكتبوا لأبي شاهد "،8). ! أذنه لعبدالله بن عمرو(9) قي كتابة ما يسمعه منه !.
(1) السيوطي: مفتاح ا-أنة في الاحمتجاج بالسنة ص 3؟ 4
(2! الموافقات 17/4، 8 1 (3) سورة الأنعام: آية 38 (4) سورة النحل: آية 89 (5) الموافقات للشاطب!8/4 1 61) المقاصد الحسنة. وانظر أيضاً السيوطي: مفتاح ا-أنة، ص 14
(7) ربه أحمد ومسلمة الفتح ال!بيه!.
(8! رواه البخاري يفتح البارين ط مصطفى الحلبي 1/ 216
91) رواه أحمد و!بّو داود (ففح الجاري ط مصطفى الحلبي 218/1)
(1/14)
ا لحديثيون:
ونحن ولإن كنا ننعى على القوم الذين تقدم ذكرهم أسلوبهم في فهم الدين،(1/11)
لا يسعنا ألأ أن نوجه اللوم- منصفين- إلى قسم انتسبوا إلى الحديث الشريف انتساباً جعلهم يعرضون عن كتاب الله، ولا يتدئرونه حق التدبر لاستفادة الأحكام منه. بل كل اعتمادهم على السنة وحدها. ولو سألت أحد (علمائهم) عن حكم شرعي ودليله، لما عَرئي على كلام ربه، ولا التفت إليه، بل يسارع إلى الاستشهاد بالحديث والاستدلال به، ولو كان الحكم في القرآن بئنأ واضحاً لا لبس فيه. ولست أعني أنهم يعتقدون وجوب تقديم السنة على الكتاب، ولكن الذي
أعنيه تصرفهم العملي في دراساتهم وتكليفهم وفتاواهم ونحو ذلك. وكان الواجب الهيم إنزال السنة منزلتها الحقيقية، منزلة الخادم لكتاب الله، التابع له، الواقف حيله، يترجم عنه، ويوضّح ما غمض من معانيه.
وليس هناك- في ما نعلم- طائفة من المسلمين يعتقدون تنحية القرآن عن الاحتجاج به في الدين، ولا طائفة معينة يعتقدون تقديم السنة على القرآن، وإن نقل القول بذلك عن قوم لم يعينوا (1). بل المسلمون ما بين معتقد لمساواة القرآن للسنة في الاحتجاج، وبين معتقد لتقديمه عليها، وهو الراجح، كما في الحديث المشهور من إقرار النبي ! لمعاذ إذ قال: "أقضي بكتاب الله، فإن لم أجد فبسنة برسول الليه، فإن لم أجد أجتهد رأي ولا آلون (2). وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال في كتابه إلى شريح قاضيه على الكوفة:أ إذا أتالى!ر فاقض بما له كتاب الله، فإن أتاك ما ليس في كتاب الله فاقض بما سن فيه رسول الله !" (3). وفي رواية: وإذا وجدت شيئا في كتاب الله فيقضى فيه ولا تلتفت إلى غيرها.
(1) نجعله القاطعي في الموافقات 8/4- 5 1 وحمّله الجويئأ أرشاد الفحول ص 273)
(2) بمعنى ما في سنن أب داود (9/ 509) وفي عرض المعنيّ: أخرجه الترمذي وقالت ليس أسناد 8 بمتصل، ولكن قال الخطيب: دلا احتجوا به بهيعأ أغنى عن طلب الإسناد لها "
(1/15)
(3) هذا الأثر بروايتيه ذكره الشاطري في الموافقات (8/4) وقد انفرد به النسائي 4/ 331
23(1/12)
(1/16)
هذا وقد ورد عن بعض أهل العلم أنه قال: لا السنة قاضية على الكتاب،
وليس الكتاب بقادر على الشر" (1)- ومعناه أن السنة تبين مجمل القرآن، وتخصص عامه، وتقود مطلقه- ولكن هذا القائل عبر تعبيراً غير موفق، أوجد نوعا من التصور الفاسد لتقديم السنة على القرآن، وفتح لأعداء الإسلام مطعنا، إذ ادعوا أن تقييم المسلم!س للسنة تطور صُغدأ، حتى قدموها على القرآن. وقد ذكر أن الإمام أحمد سمع مثل هذا القولي، فكان تعليقه عله ذلك أن قالي: 9 لا أجسر أن أقوله؟ ولكون أقول: السنة تفسر القرآن وتبيّنه " (2).
أدلة حجية السنة النبوية:
؟- من القرن ن:
قوله تعالى: نقل أطيعوا الله والرسول ! (3). وقوله: (وأطيعوا الله والرسوله لعلكم ترحمون ! (4)، أومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيمان (ْ) وهوي أمورنا باتباع سنته، والأخذ بها، فيلزم طاعته في ذلك، ليتحقق امتثال هذه الأيام المذكورة وأمثالها.
وهوت قدم مَرَنا أيضا بأمور تفصيلية، ونهانا عن غيرها، فيلزمنا طاعته فيها
عملاً بالآيات المذكورة أعلاه، وذلك هو الأخذ بالسنة.
وورد في كتاب أفه تعالى أمره لنا باتباع نبيه عن، وتعليق فلاحنا على ذلك، وجعله مقتضى محبتنا الله، ومقتضيألمحبة الله لنا.
فقد قال تعالى: والذين يتبعون الرسول النبي الأفيش الذي يجدونه مكتوباً
(1) ذكره الشاطري في المهافقاهمّه 41/ 10) ونقله أدفأ في مادة (السنة) من دائرة المعارف الإسلامية (13/ 284) غير منسوب إلى قائل محين، و/ نجده في مصدر مسند.
(12 نقله الشاطري في الموافمْات 26/4 31) سورة امل عمران/ 33.
(4) سورة آل عمران: آية 132 (5) سورة الأحزاب: آية 71 24
(1/17)
عندهم لا التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزِل معه أولئك هم المفلحون ! (1).(1/13)
وقال: (قل إن كنتم تحبون ألمحه فاتبعوني يحببكم الله ! (2).
ماذا ثبتت مشروعية اتباعه جمة، فإن الاتباع هو سيولى السبيل الذي سلكه المتبوع. وسبيل محمد صن هي سنته، وهو المطلوب.
بل قد ورد في القرآن الكريم بيان أن تعديل السنة، بالإضافة إنما تقديم الكتاب، هو من مهمة محمدي. قال الله تعالى: وهو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مب!شّ وهو (3)*
قال قتاده: 9 الحكمة السنة وبيان الشرائع " (4).
ولكن يحتمل أن يقال: إن المراد بالحكمة الفهم العميق، ومعرفة معالجة
الأمور بما تستحقه، لا فجرها آخرون. وعلى هذا الوجه لا تكون الآية حجة في هذه المسالة.
إلا أنه ورد في سورة الأحزاب قوله تعالى: ويا نساء النبي لستن كأحد من
النساء إن اتقيتنّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض... ! إلى قوله: (... واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة! (5) وهو يبذلن أن الحكمة شيء خاص متميز كان (يتلى! أو يصنع به ما هو شبيه بالتلاوة (6) من المذاكرة (1) سورة الأعراف: آية 175 (2) سورة ال عمران: آية 31
(3) سورة الجمعة: آية 2
(4) تفسير القرطبي 2/ 1 3 1 وهو عند البخاري (فتع الجاري ط الحلبي 0 39/1)
(5) سورة الأرض أب: آية 34، 35
(6) على حد ما ليال النحويون في قول الشمر:
شاة. لا تبنا وماءأباردأ حتى شتَستْ عمالة عيناها
25
(1/18)
والتحفظ والدراسة. وهذا يبيّئ) ن تفسير قيادة للحكمة هو الصواب، وتكون الاهية دليلا على حجية السنة كما تقدم (1)- ومما يبزكد هذا المعنى أن الصحابة رضي ألك عنهم كانوا (يتعلمرن السنة كما يتعلمون القرآني ففي صحيح مسلم: !جط! ناس إلى النبى-!، فقالوا: ابعث معنا رجالا يعلموننا القرآن والسنة" (3).
2- من السنة:(1/14)
شهد المسلمون أن محمدأ! هر رسول الله حقاً، بدلالة المعجزات التي أجراها الله على يعيه، وهذا يقتلهما الإيمان بعصمته من الكذب فيما يبلغنا إياه عن ربه عز وجل، وما جاء به من أمر الدين.
وقد صح عنه له أنه قال:أ تركت فيكم 3 مرين لن تضلّرا ماتم!كتم بهما،
كتاب ألفه وسنة نبيه !+).
أخبر أن في التمسك بالسنة، كالكتاب،) مانع من الضلالة، وهذا يقتلهما
أنها حق ودليل صحيح على الأحكام.
وقال رسول الله-!: "ألا لأني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك أن يقعد الرجل متكئا على أريكته، يُحَذث بحديث من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدتا فيه من حلال استحللناه، كما وجدنا فيه من حرام حرمناه. ألا وإلا ما حرام رسول الله مثل ما حرم الله !.
(1) قال الشافعي رضي الله عنه (.. ما من أفه له على العباد من تعلم الكتاب والحكمة دليل علاج ما الحكمة سنة رسولا الله وأ الرسالة حما 32) فقالا: "سمعت من أرضى من ليل العلم بالقرائن يقول: الحكمة سنة رسول الله. قالت الشافعية ة "وهذا يشبه ما قاله والله ظلم، لأنا القرآن ينكر وأثبتته الحكمة، وذكر الله منةً على خلقه بتعليمهم الي أب وا-لكمة. فلم يجز ألف عمّال الحكمة ها هنا إلا سنة رسول الله " والآية الأخرى التي ذكرناها أشد وضوحاً في الدلالة على المراد. والحمد حثه على توفيقه.
(3! صحبة وسلم: 46/13
!ه! ربه مالك بلاغا في المرفا (عبدالباقي) 2/ 899
26
(1/19)(1/15)
وفي رواية عند أحمد، قال ي: "ألا إفك أوتيتُ القرآن ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك ربع ينثني شجعاناً هكذا بالأصل، عل أريكته، يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فلوس، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. ألا لا يحل لكلم الحمار الأهلي، ولا كل ذجم! ناب من السباع، ألا ولائقَطة من مال مُعَل!د، إلا أن يستغني عنها صعبها. ومن نزلت بقوم فعليهم أن يَقْرُوهم، فإن لم يَقْروهم فلهما ن يعقبوهم بمثل قراهم ! (1).
ومعنى قوله !: وألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه " أي أوتيتْ القرآن وأوتيت مثله من السنة التي/ ينطق بها القرآن. وكمثال عله ذلك نؤكد أن الله آل نبيه، تحريم الخبائث، فُضَل بعضها في القرآن، كالميتة والدم ولحم الخنزير وبعضها بالسنة، كما ذكر لا هذا الحديث، كلحوم الحمر الأهلية ولحوم الشباب.
وقال: "العلم ثلاثة. وما سوى ذلك فهو مضل: آية محكمة، أَر صلة قائمة،
أر فريضة عادلة" (2).
لا يقال!: أن هذا الاحتجاج للسنة بالسنة، فكيف يحتج بها قبل أن يثبت أنها حجة؟
لأن المراد أنه لما ثبت إخباره في هذه الأحاديث وأمثالها بكون سنته حقاً
ومثل القرآن في لزوم اتباعها، فإما أن يكون خبره هذا كذباً، وهو مستحيلة، لدلالة المعجزة على صمته، ولما ثبت من عصمته عن الكذب في أمر الدين. فلا يبقى ألأ أن قوله هذا حق. وهو المطلوب.
3- دلالة الإجماع:
إن المتتبع لتصرفات الصحابة رضي الله عنهم في تعرفهم لأحكام الدين لأجل العمل به، يجد أنهم إذا وجدوا السنة عملوا بها، وجعلوها حجة فِي الديني ولم يستجيزوا مخالفتها وإغفالها واطْراحها.
(1)1 لمسند 131/4
21) رواه أبو داود بعون المعبود 8/ 92) وابن ماجه. 27
(1/20)
!!! !!!!!!! !!! !!!! !!!!! !!!!!!! !!!!! !!! !!!!!!!!! !!!!! !!!!!!!! !! !!!!!!!!!! !!! !!! !!! !!!! !!!!!!!!!!!! !!!! !!!!!!! !! !!!!!!! !!!!! !!! !!!! !!!!!!! !!! !!!!!! !!!! !!! !!!!!! !!! !!!!!!!!!!!!! !!! !!!!!!!!! !!!!! !!!!!! !!!!!!! !!!! !!!! !!!! !!!!!!!! )(1/16)
1/381(!!!!! !!!!! !!!!! !!!!!! !!! !!!! !!28
(1/21)
وعثمان رضي الله عنه قاد: في مملوكة ولدت من زنا: "أقضي بينكما بقضاء
رسول الله جمع: الولد للفراش، وللعاهر الحجر" (1).
وذكّر الناس في يوم الفطر والنحر، وقال: أنهى رسول الله ! عن صوم
هذين اليومين " (2).
وكان يعلم الناس الوضوء بفعله، ويقول: أرأيت رسول الله !ك! توضأ نحو وضوئي هذان (3)،
وعلي رضي الله عنه جلد الشارب أربعين، واحتخع بسنة النبي يا. ورجم
الزانية محتلاً بان ذلك سنة رسول اله !.
في وقائع كثيرة، لا تنحصر كثرة، تبتتة عن الأربعة الراشدين، وغيرهم من الصحابة الأكرمين، مما لا يدع مجالا للشك أنه كان متقررأ لديهم أن سنة رسول الليه ! حجة حثه على عباده، لك العمل بها عمل بدين الله وشرعه. فانعقد على ذلك إجماعهم، ولم يخالف فيه أحد منهم. واستمرت الأمة الإسلامية على ذلك، أولم يخالف فيه إلا من لا حط له في الإسلام !، كما قال الشوكاني.
أنواع الحديث النبوي من جهة دلالته على الأحكام:
ذكر وفي انه الدهلوي أن ما روي عن النبي له و!ؤَن في كتب الحديث، على قسمين، قالا: فالأول: ما سبيله سبيل تبليغ الرسالة! (4)، وفيه قوله تعالى: روما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا!ا (5).
ومن هذا القسم علوم المعاد وعجسائب الملكوت. وهذا كلّه مستند إلى الوحي.
(1) رواه أحمد 338/1، وإسناده حسن "حمد شاكها.
(2) رواه أحمد 427/1 وإسناده صحيح "حمد شاكر.
(3) رواه مسلم 8/3 0 1 (4) حجهم إلة البالغة 272/1، 273 (5) سورة الحشر: آية 7
29
(1/22)
ومنه شرائع وضبط للعبادات والاتفاقات وهذه بعضها مستند إلى الوحي، وبعضها مستند إلى الاجتهاد واجتهاد 8!ه بمنزلة الوحي، لأن الله تعالى عصمه من أن يتقرر رأيه على الخطة.
ومنه حكم مرسلة ومصالح مطلقة لم يوفرها و/ يبيهاحدودها...(1/17)
والثاف!: ما ليس من باب تبليغ الرسالة، وفيه قوله !: !إنحا أنا شر. ألأ ا أمرتكم بشيء من دينهم فخذوا به، !اذأ أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر". فمنه البحث؟ ومنه باب قوله عن: وعليكم بالأدهم الأقرع " (1) ومستنده
الحجر بل.
ومنه ما فعله عنه علا سبيل العادة، وبحسب الاتفاق دون القصد...
ومنه ما ذكره كما كان يذكره قومه كحديث أم زرع.
ومنه ما قصد به مصلحة جزئية يومئذ، وليس من الأموراللازمة لجميع
الأمة، وفلك مثل ما يأمر به الخليفة من تعبئة الجيوش، وتعيين الشعار...
ومنه حكم وقضاء خاص. وإنما كان يتبع فيه البينات والأيمان ". الـ.
وهو تقسيم جيد وتحديد واضح. وسوف نفصل القول في مثل ذلك في ما يتعلق بالأفعال النبوية في ما نستقبله من هذا البحث إِن شاء الله.
منزلة السنة من القرآن:
يتبين مما تقدم أن في منزلة السنة في القرآن ثلاثة أقوال:
الأول: أن القرآن مقيم في الرتبة عله السنة، فلا يُنْسخ القرآن بالسنة. وقد
(1) أي من الخيل، والأدهم الأسود، والأقرب ألفي في جمبهقه بياض دون الغرة. والحديث رواه أحمد والترمذي والحاكم وابن ماجه عن أبي قتادة مرفوعا بلفظة خير الخيل الأدهم الأقرب الأرقم المحجل ثلاث. فإن لم يكن أ!!م فكميصّ على هذه الضفة. وهو صحيح وصحيح الجامع الصغيها.
30
(1/23)
!!! !!! !!!!!!!!!!!!!!!!!! !!!!!! !!! !!! !!!!!!!! !! !! !!!!!!!!!!! !!!!!!!!!!!! !!!!!!!!!!! !!! !!!!!!!! !! !!! !!!!!! !!!! !!!!!! !! !!!! !!!!! !!! !!!!!! !! !!! !!!!! !!!!! !!! !! !!!!!!!! !!!! ! 8411. !!!!!!!! !!!! !!!!! !!!!!!! !!! !! !!!!!!! !!!!!!
(1/24)
!!!!!!! !! !!!!!!!!! !!!!!!!!!! !! !!!!!!!!! !! !!! !!!!! !!!!! !!!!!! !!!!!!! !! !!!!!!!! !! !!!! !!!!!!!!!!! !! !!!!!! !!! !!!!!!!!!!! !! !!!!! !! !!!! !!!!!!!!! !!!!!!!!!!!!! !!!!!!! !!!! !!!!!!!!!! !!!!!!!!!! !!!!!!!!!!!! !!! !!!!!! !!! !!!! !!!!!! !!!! !!!! !!!! !!!!!!!! !!!(1/18)
21) !!!! !!!! !!! !!!! 41) !!!! !!!!!!!!! ! 194.32
(1/25)
!! !!!!! !!!!!!! !!!!!! !!!! !! !! !!!!!!!!!!!! !!!!! !!!! !!!!! !!!!!!! ! !!!!!!!!!!! !!!!! !!! !!!! !!!!! !! !!! !! !!""ْ(. !!!! !!! !!!!! !!!! !!!!!! !!! !!!!!! !!!!!!!!!! !! !!!!!!! !!!! !!!!!!!! !!!! !!!!! !!!!!! !!!!!!!!!!! !!!!
!!! !!!!!!!!! !!!!31) !!!! !!!!!! !!! !!!! !!! !!!!!!! !!!!!!! !!!!!!!! !!!!!!
(1/26)
!!!!!!!!!! !!! !!!! !!!!! !!!!!! !!!! !!!! !!!!!!! !! !!!! !!!!!!!!!! !! !!!!!!!!!! !!!!!!!!!!! !!!!!!!!!!!!! !!!! !!!!! !! !! !! !!!!!! !!! !!!!!! !!!!!!!!!!!!!! !!! !!!!!!!! !!!! !!! !!!! !!!!!!!!!! !!!!! !!!!!!!!!!!!! !!! !!!!!! !!!!!!!!! !!!!! !!!!!!!!!!!!! !!! !!!! !!!!!!!! !!!34
(1/27)
!!!! !!! !!!!!!!!!!!!!! !!!!!!!!!!! !!! !!!!!! !!!!!! !!!!!!! !!!! !!!!!!!!! !!!!! !!!!!!!! !!!!!!!! !!!!! !!!!!!!!!!!!! !!! !!! !!!!!!! !!! !!!! !!!!!!! !!!! !!!!!!!! !!!!!!!! !!!!!! !!!!!!! !!!!!!! !!!!!!!! !!!!!!! !!!! !!!!!!!!! !!!!! !!!! !!!!!!!!!! !!!! !!!!!!!!!! !35
(1/28)(1/19)
ب- وقسم يمكن إرجاعه إلى القرآن على معنى أن القرآن أرشد إلى العمل بالسنة. ومثاله ما ورد عن عبداللي بن مسعود، أنه قال: والعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله " (1). فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فاتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت كيف وفيت؟ فقال: روما لي لا ألعن من لعن رسول الله مع، وهو في كتاب الله... أأ. قال الله تعالى: روما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا! (2) ولو أنه رضي الله عنه أجبا إذ أنكلرت كون ذلك في القرآن، بأنه بيان لقوله تعالى عن الشيطان: (ولآمرنَّهم فليغيرن خلق الله ! (3) لكان جواباً ولكنه قطع عليها خط الرجعة، بما يدل على حجية السنة ولو كانت مستقلة عن القرآن في الدلالة على الأحكام.
ومن فلك أن السنة نهت عن أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي
مخلب من الطير(4)، وليس ذلك قي القرآن.
وحرمت على المحرم لبس الثياب المفضلة المخيطة، وليس ذلك في القرآن.
وقد ذكر الشاطري أن بعضهم رام أن يرجع ما فِي الأحاديث إلى النصوص القرآنية بالتفصيلا بحيث يجد في القرآن دلالة تفصيلية، نضال أو إشارة، إلى ما دلت عليه الأحاديث النبوية. قال: دي ولكنه لا يفي بما افعله، إلا أن يتكلف في ذلك مآخذ لا يقبلها كلام العرب، ولا يوافقا على مثلها السلف الصالح، ولا العلماء الراسخون في العليا وذكر أن: (هذأ الرجل المشار إليه نصب نفسه لاستخراج معافي الأحاديث التي أخرجها مسلم في صحيحه، دون سواه "ْ).
وليت الشاطري أشار إلى اسم هذا المؤلف، ليمكن العثور على ما صنعه، إذ
أنه مبحث جدير بالاهتمام.
وسنعود ألي هذه المسالة بشيء من التفصيل في الفصل الثاف! من الباب الأول
إِن شاء اللّه.
(11 حديث ابن مرعي، مع قصة الحدسثط؟ رواه مسلم 186/13 ورواه أحمد والبخاري وأبو (2) سورة الحشر: آية 7 (3) سورة النساء: آدهَ 119
(1/29)(1/20)
(4) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والفتح الكب!!. (5) الموافقاله 4/ 53
36
(1/30)
المبحث الثالث
تحديد المهمات النبوية
وبيان دور الأفعال النبوية في أدائها على الوجه ا كمل
تعرضت آيات الكتاب العزيز، بالتفصيل، للغرض من البعثة النبوية الشريفة. فذكرت أن الله أرسل رسوله ورحمة للعالمين ! (1) و (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ! (2، و ولينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ! (3) و (ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النوري (4) و (ليقوم الناس بالقسط !"ْ).
وفي سبيل تحقيقا هذه الأهداف السامية، أنزل الله تعالى كتابه العظيم، على رسوله الكريم.
تدبيران كل منهما بالغ الحكمة: أن جعل الله بين أيدي البشر كتاباً مشتملاً
على ما يريد لهم أن يعلموه، وما يريد لهم أن يعملوا به.
وأن خامل هذا الكتاب بشرا اختاره لكي يؤديه عن الله إلى عباد الله.
وهما تدبيران متكاملان، يكوّنان تدبيرا واحدة، هدفه أن يعلم العباد ما يريدالله منهم، فتكون له عليهم الحجّة، فيؤمن به من شاء الله له أن يؤمن، فتتحقتا له رحمه الله، ويحق القول علا الكافرين، ولتنفذ شريعة الله لا الأرض
(1) سورة الأنبيا،: آية 107 (3) سورة يس: آية 70 (5) سورة الحديد: آية 25
(2) سورة النساء: آية 165 (4) سورة الطلاق: آية 11
7كم
(1/31)
فيقوم الناس بالقسط، ويخرج النامما من الظلمات إلى النور. وبذلك تتحقق الأهداف المطلوبة من البعثة النبوية.
وفي سبيل ذلك عملت الكلمات الإلهية محمدأك! مهمات جسيمة، وقد استقرأنا الأيام التي تعرضت لذلك، فتبين أن المهمات الرئيسية التي ذكرتها خمسيه هي سمايلي:
أ!لهمة الأولى: التبليغ، والمراد به تبليغ القرآن، وتبليغ أحكلام أخرى زائدة
عله ما يتضمنه القرآن العظيم. قال الله تعالى: فإن عليك وفي البلاغ ! (1)، (ما عله الرسول إلّا البلاغ ! (2).(1/21)
ومن البلاد تلاوة القرآن، ليسمع فيُعلم؟ وليُحرف كيف يُقرأ* قال الله تعالى: لقد أنزل الله إليكم ذكراً! رسولا يتلو عليهم آيات الله مبينات ! (3). المهمة الثانية: بيان القرآن، أي تفسير ما غمض من معانيه، وإيضاح ما أشكل منه، ورفع ما فيه من إجمال، وتقييد مطلقه، وتخصيص عامَه، لكيها وفهيم وينفذ عله الوجه الذىِ أراده الله. قال أدنّه تعالي: (وأنزلنا إليك الذكر لتبإنَ للناس ما نُزَل! إليهم ولعلهم يتفكرون ! (4).
المهمة الثالثة: الدعوة إلى اللّه، بأن يطلب من الكلفار الإيمان، وأن يدعو العصاة والمذنبين إلى الإقلاع عما يبعدهم عن رحمة الله. فكان له مكلفا بالا يكون داعيا إلى الخلاص من الكفر والفسوق والعصيان في الدنيا، والخلاص كنتيجة لذلئط من آثارها المدمرة يخص الآخرة. كما أته كُلًف أن يدعو إلى الأعمال الصالحة من العبادة وفعل الخير، ليكون ذلك موصلًا فاعله إلى جنة الله-
وفي سبيل ذلك كلف، جمل، بمهمات أخرى معاونة لهذه المهمة، وهىخ مهمات: ا لتذكير، وا لتبشير، وا لا نذكر.
(1) سورة الشورك!: آية 48
(2) سورة النور: آية 54 وسورة العنكبوت: آية 18
(3) سورة الطلاق: آية 10، 1د 41) سورة النحل: آية 44
8كم
(1/32)
قال الله تعالى: (فذكر إنما أنت مذكّر ول لست علي!يِم بمسيطر! (1) وقال: (يا
أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرأ* وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرأ! (2).
وامر!ف! بالجهاد، تحقيقا للدع!ق، لإزالة كل ما يقف في طريقها من ظلم المتعسفين، الذين يحولون بقوتهم وسيطرتهم، بين الناس وبين أن يسمعوا كلام ربهم ويستجيبوا له.(1/22)
المهمة الرابعة: تعليم الأمة القرآن، والسنن. فيعلّمهم تلاوة القرآن وحفظه، ويعودهم على تدبره وتفهمه واستنباط الأحكام منه، حتى يصبحوا به علماء من جميع الوجوه. وكذلك الشأن في السنن التي أراد لها أن تظهر وتصدران رسوله مجد. وقد روي قي الحديث أن النبي عنه قال: وإنما بعثت كما" (3)، وقال: 9 إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم ! (4)، وقال: ولكن الله بعثني معلما ميسراً (ْ). ا!لهمة الخامسة: التزكية، وهي التربية، أي تنمية الغرائز والمَلَكَات والقدرات الصالحة في المؤمنين به، وتطهيرهم من خبائث الاعتقادات والأخلاق والعادات والأعمال والأقوال، حتى تكون الأمة أمة قوية نافذة في أمورها، متحررة من جميع الانحرافات التي تزيغ بها عن الطريق، وبذلك يصبحون لملأ للخلافة في الأرض، فيقوموا بحق الخلافة بقوة وصدق، ليستحقوا أن يكونوا هم الوارثين والذين يرثون الفردوس ! (6).
هذا وإن المهمة الرابعة والمهمة الخامسة، تكادان أن تكونا مهمة واحدة،
لشدة الترابط، ولأن أولاهما تؤدي إلى أخراهما، فمن تَعفم الكتاب والسنة حقاً استقامت حاله في جميع النواحي التي ذكرناها.
وقد ذكر الله هاتف المهمتين، مع مهمة التبليغ، مجتمعة جميعاً، يخص أربعة
(1) سورة الغاشية: آية 21 (2) سورة الأحزاب: آية 46، 47
(3) رواه ابن ماجه 17/1 وفي الزوائد: إسناد ضعيف.
(4) رواه أحمد وأبو داود وابن حبان (الف! ال!به!.
(5) رواه أحمد 3/ 328 (6) سورة المؤمنون: آية 1 1 39
(1/33)
مواضع من كتابه الكريم. منها في سورة الجمعة!هو الذي بعث يخص الأفشين رسولَاَ منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم !يعتمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلاله مبين ! (1).
ومن الملاحظ أن التبليغ. والبيان والدعوة، تتم وتعافى بلورة الواحدة مع
المبلّغ والسبق له والمدعو.(1/23)
وأما التعليم والتزكية فأمرهما أشد من ذلك، إذا إن التعلّم لا يقتصر على اكتساب الحقائق والمعارف والمعلومات، وإنما هو أوسع من ذلك. إذ يشمل اكتساب المهارات الحركية، والعادات السلوكية، والاتجاهات الاجتماعية، والقيم الخلقية، والدوافع الثانويةأ (2).
وهذا يستدعي من المعفَم للاحقة والمواصلة لعملية التعليم يوما بعد يوم بل وربما ساعة بعد ساعة. وأن ينتهز الفرص لإلقاء المعلومات، وتفسيرها، وتكرارها، والمناقشة فيها، لتصحيح أخطاء المتعليمن عند استذكارها وتطبيقها، والثناء عليهم إذا أحسنوا استيعابهما والعمل بها، وأن لا تحليهم من ذلك كله إلِّا بعد أن يطمئن إلى أن ما حملوه رسخ لديهم على وجه مستقيم، وأصبحت لهم ملكة فيه قرية.
وهكذا كان شانه ! مع أصحابه رضي الله عنهم.
دور الأفعال:
هذا وإن الأقوال كانت هي الوسيلة الرئيسية للنبي عن في لداء هذه المهمات.
ولكن مع ذلك كانت الأفعال النبوية تؤدى دورا بارزا في تنفيذ المهمات المطلوبة منه، وخصوصا مهمة البيان، ومهمهّ التعاليم والتزكية.
11) سورة الجمعة/2، وانظر المواضع الأخرى ة في سورة البقرة ز، موضعين: الأيتام 129، 151، وفي سورة آل عمران/ 164
(2)) بو الفتوح رضوان: المدرس يخص الممرسهّ والمجتمع حما 106، 107
40
(1/34)
طرائق التعليم:
كشفت الدراسات التربوية عن أن تؤثر شخص ما بشخص آخر، في تحصيلي
أنها من المعرفة والتعلم، واكتساب الاتجاهات والقيم والعادات، يمكن أن يتمٌ بثلاث طرق: الاستماع للأقوال، والمشيدة للأفعال والاقتداء بها، والممارسة من جانب المتعلم مع التصحيح من جانب المعلم.
وإن دراسة طبيعة هذه الطرق وخصائصها، يكشف لنا عن مدى حاجة
البشر إلى رسول منهم، يؤدي المهمات المذكورة إليهم. راتبي بها حكمة الله في ذلك، وعظيم منته التي ذكرها في سورة آلى عمران في قوله: ولقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من نفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة!*(1/24)
أولاً طه دقة. الاستماع للقول:
إن القول أساسي في عملية التعليم. وبه تنتقل الأفكار والمعلومات من ذهن
المعلم إلى ذهن المتعلم، عن طريق حاسة السمع، ويمكن بيفن الواسطة نقل معلومات وافرة في برهة قصيرة.
وتمتاز هذه الطريقة، بإمكان التحديد الدقيق للمعلومات، وربط الأسباب بالمسببات، وذكر الصيغ بدرجة العموم والخصوص المطلوبة، وذلك بما توفره أداة اللغة من إمكانيات لا تكاد تقف عند حد، يستطاع بواسطتها أداء الفكرة على درجة عالية من الكمال، بحسب تمكن المعد من الفصاحة والبلاغة، ووفرة محصوله من الألفاظ والتراكيب.
وتسمى هذه الطريقة في عالم التدريس بطريقة الإلقاء والمحاضرة.
ومن أجل الميزات المذكورة لهذه الطريقة، جعل الله أصل الشريعة الأصيل
لّولأ يتلى وشحمه، وسمّاه (قرآنأ مبينأ!، وجعله مشتملا على المسالْل الرئيسية في الشريعهّ، وأمر بتلاوته !تدئره وتفهّمه، ووعد على فلك الأجر الجزيل، وجعل لقناعته واستماعه مناس!بات دينية تتكرر بتكلرر الساعات والأيم والشهور،
41
(1/35)
كالصلوات الخمس، واللمحات والأعياد، وكقيام الليل، وخاصة قيام شهر رمضان شهر القرآن.
وجعله عز وجل مكتوبا عفوظأ ليبقى دون تحريف ولا تغيير، ينتقل بذلن
أيدي البشر جيلا بعد جيل، ليستمعوا كلام الله غضّأ كما انْزِل، فتحصل منه المنافع المشار إليها لكل من وفقه الليه لرفقة القرآن.
كما أن القسم الأكبر من السنة النبوية هو سنن قولية.
فكلام النبي عنه يبلغ بلفظه ما يوحى إليه من أحكام، ويبين بلفظه ما أشكال(1/25)
من معاني القرآن، ويجيب على الأسئلة والاستفسلراقة الموجهة إليه من صحابته الكرام، ويدعو إلى أله تعالى الأفراد والجماعات، في لقاءات خاصة، أو اجتماعات عامة لأمرر واقعة، أو لمناسبات تتكرر، كما في مجالس حديثه مع المؤمنيها، في المسجد، والسوق، والمنزل، والسفر والإقامة، وكما في خطبه قي الجمعات والأعياد والحج وغير ذلك. واتخذ المنبر ليسمع قوله أكبر عدد من الحاضرين، بأكبر قمر من الوضوح. واتخذ له أصحابه دكة من طين في المسجد يجلس عليها إذا أراد أن يكلَمهم ويعلّمهم.
وواضح أن طريقة الإلقاء والقول كانت هي الوسيلة الكبرى لأداء المهمات
النبوية الخمس التي أشرنا إليها.
الطريقة الثانية للتعلّم: مشاهدة الفعل لآجل الاقتداء به ة
الراغب في تعلم مهنة ما، يدرس أولأ) سنها نظرئأ، ويتفهم قواعدها وأصولها من الأقوال المسموعة أو المدونة في دواوين تلك المهنة. في ا انتهى من ذلك وخرج إلى ا-ليلة العملية مزؤدأ بتلك المعلومات، وهو يظن أنه قد أتقن ما سمع وعلمه حق العلم، مجد أنه عند المباشرة لتطبيق المعلومات التي حصلها يخفى عليه شيء كثير من التفاصيل التي تجدّ عليه، واليد هي بحاجة إلى أن يستكشف أسرارها وطرق علاجها.
والمشاهدة لفعل نموذجي من معلم نموذجه، من أعلى المسعتويات في تلك
المهنة ذي خبرة بدقائقها وأسرارها، يطبوَ المعلوميات النظرية، هذه المشاهدة هي
42
(1/36)
وسيلة حية، ومصدر مهتم، يتعلم منه طالب العلم الشيء الكثير عن المادة التي يحرسها. وخاصة إذا كانت 8 مشاهدة قصدية، وموجهة توجيها صحيحاً لنواحي مختلفة من عمل المدرس. وهي ضرورية مع الطلبة الصغار والكبار على السواء وينبغا ألا تتوقف طيلة مدة الدراسة. وهي طريقة ناجحة قي تنمية اتجاهات محمودة نحو المهنة موضوع الدرس، وكذلك في تنمية مهارات كافية في تلد المهنة"،؟).(1/26)
هذا وقد أصبح استخدام وسائل الإيضاح المشاهدة جزءا لساسيأ من عملية التعليم في العصر الحاضر، وأولتها المؤسسات التعليمية الاهتمام البالغ. إذ إنها تعطي للمعلومات مزيدا من الحيوية، وتجعل الطالب متشفقأ إلى المادة العلمية، ومتمتعا متلذذاً بما يصحبه منها، بالإضافة إلى معاونتها للطالب على تحليل المدة الدراسية، وفهمها فهما جيداً فإن من طبيعة هذه الوسائل أن توضح ما غمض لا المادة. وتفسير ما يصعب التعبير عنه بالقول.
كما أن هذه الوسائل من ظهر أن تجعل المعلومات المدروسة ذات قيمة تطبيقية عملية، يستطيع الطالب أن يستفيد منها في فعالياته المختلفة في حياته. وكل ذلك يعي إنما الميزة البارزة في وسائل الإيضاح، وهي ربطها للمعلومات الجديدة التي يقدمها المعلم إلى الطالب بالمعلومات القديمة، وبذلك تعين الوسائل الإيضاحية على تثبيت ما يعرضه المدرّس من المادة في ذهن الطالب. وبالإضافة إلى ذلك، تثير الوسائل الإيضاحية الملاحظة والحافل في التشيلو والحوادث والمواقف الجديدة، حتى تطلب النفسي الجواب على ما يقع من المشكلات التي يشاهد الطالب وقوعها، وتتحدد أمامه مجسمة واضحة؟ فيقع الجواب عنها لديه موقعا مستقراً
وواضح أن المعلومات تصل إلى ذهن الطالب، في طريقة المشاهدة، عن
طريق حاسة البصر.
(1) محمد حس!ق آل ياسين: مبادئ في طرق التمرش!. بيروت، المكتبة العصرية ص 284
43
(1/37)
ويؤكد عللي النفس ك الإدراك الحسي لشيء ما، يقوى ويتعاظم لدى الفرد
كلما اشترك فيه شراكه من الحواس عدد أكبر. فما وصف المدرس للطلبة تهرأ معينا تحصَّل لديهم فكرة ما عن هذا الشهر. ولكون إذا رسم أ!لدرس الظهر، أو أخذهم أليه، تتوسع فكرضه!م عن هذا الشهر، وترسخ معلوماتهم عنه حتى لا تكاد تمحي من أف!انهم، فيسهل تذكيرهم له واستعادة صورته.
فإذا سبحوا في مائه، وشربوا منه، وشعرنا ببرده أو حرة، قويت معرفتهم وازدادت رسوخاً(1/27)
وبذلك تخرج المعلومات بالمشاهدة من لا/ العقل إلى ما/ الواقع، ومن
القول إلى الفعل، ومن التصور المجرد إلى الحقيقة الراقعة (1).
الأفعال النبوية!وسيلة بيانية وتعليمية مشاهدة:
إن أمه وهو العم/ بطبائع البشر، الخبير بما يصلح لهم ويصلحهم، لم يشأ أن تكلون معرفتهم بالدين عن طريق كتاب يلقى إليهم دون بيان رسول وينتهي الأمر، أو عن طريق رسول يبلغهم الكتاب وينتهي الأمر، ولكن، لكي تتم حجة الله على العالمي، جعل هذا الرسول نمي جو بشريا لذلك الكتاب، حتى كأن ذلك الرسول قرآن متحرك. أو كانت المنهج القرآني تحولا إلى حقيقة واقعة، تتحرك بين الناس. تحوّل إلى بشر يترجم بسلوكه وتصرفاته ومشاعره وأفكاره، مبادئ ذلئ! المنهج ومعانيه "،، ووضع الله في شخص ا ذلك الرسول الصورة الكاملة للمنهج الإسلامي، الصورة الحية الخالدة على مدار التاريخ ! (2).
وقد سال سعد بن هشام عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، عن خُلق رسول الله يا، فقالت:أ أليست تقرأ القرآن؟ " قال: "بلى!، قالت: أفإن خلق
(1) محمد حسينة آل ياسين: مبادئ في طرق التدريسي، ص 253، 253، وأيضاً أبو الفتوح رضوان وآخرون: المدرس في المدرسة والمجتمع ص 232- 225
(2) عمد قطب: منهج التربية الإسلامية ص 220
44
(1/38)
نبي الله يكره كان القرآن "، قال: "فهممت أن أقوم ولا أسال عن شيء حتى أموت " (1).
لقد تمثلت في النبي !م! خصائص المنهج الرئاف! في الحياة البشرية كما تمثلت
في حياته تفاصيل ذلك المنهج، فالذي شاهد حياته وأفعاله ! فقد شاهد ذلك المنهج، ومن قبس منه، فقد قبس من النور الذي أرسله الله لهداية الب!ثر. رمن هنا نعلم رجه وصفه بالسراج في الأمة التي حددت مهماته !، إذ قال الله عز وجل: فيا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرأ! رداعيأ إنما الله بإذنه وسراجاً منيرأ! (2).
إن مشاهدة الناس للمبادئ القرآنية متمثلة في الواقع الأرضي البشري،(1/28)
يعطي لهم دفعات من الثقة والتصديق بذلك المنهج، لأنهم يرونه بعيونهم متحققاً، فيُسارعون إلى تطبيق تلك المبادع!، اقتده 4 بمن رأوها متمثلة فيه. ولو أن القرآن نزل مجرداً عن رسول حامل له ممثل لما فيه، لتعزقت كثير من النفوس عن امتثاله، توهما أن ذلك أمر صعب المنال، أو لا يمثلن تحقيقه في واقع الحيلة.
هذه ان أن الذين شاهدوه عن باعيخهم، تأثروا به، وتعلموا منه على أتم ما
يمكن من أحوال هذه الطريقة.
ولكن الذين/ يشاهدوه يتيسئر لهم الاطلاع على أفعاله وأحواله بما نقل إليهم
عن طريق الذين شاهدوه، ويكون هذا الاطلاع وسيلة قريبة من المشاهدة، تؤدي. إلى ثمارى قريب من ثمار المشاهدة. فهو قدوة متجددة حيثما ذكرت سيرته وأخباره وأحواله !.
وقد تمثلت فيه جو صورمتنوعة، كل منها يوضح للبشر كيف يكون الملتزم
بالمنهج الرباني في ناحية معينة من نواحي الحياة.
فالعم/ يرى في محمدا الصورة السامية المثالية للعب/، والعابد يرى فيه
(1) الحديث بأتم من هنا. رواه مسلم 6/ 26 وأحمد وي بو داود. (2) سورة الأحزاب: آية 45
45
(1/39)
صورة المثلى الأعلى للعابد، وهكذا الداعية، ورجل السياسة، ورجل الحرب، والأب، والزوج، والقريب، والصاحب والصديق، حتى العدو يستطيع أن يتعلم منه كيف ينبغي أنا يعامل عدمه.
ولكل هذه الصور كانت مجتمعة في محمد مجد على توافق وانسجام !،1) وتعادل، لا يطغى بعضها على بعض كما قد تطغى بعض الصفات في الأبطالى على سائر الصفات.
هل كلام محمد صلى ارثه عليه وسلم مثلا أعلى:
يقول جولد تسيير: الو أن الإسلام قد تملك بشهادة التاريخ الحق تمسكاً
دقيقا لوجد أنه لا يستطيع أن يُمس المؤمن!!ن به بفكرة مثالية للحياة الأخلاقية، وهي فكرة أتخذ الرسول فيه مثلا أِعلى واحتذائه. لكن دلؤمنين/ يتركوا أنفسهم يتأثرون بصورة محمدا كما رسمها التاريخ الصادق، بل حلّ محلها من أول الأمر، الصورة المثالية للنبي في رأ!م ".(1/29)
ثم يقول: 9 إن علم الكلام في الإسلام، حقق هذا المطلب، بما رسم
للنبيّ جمع من صورة تمثله بطلًا ونموذجا لأعلي الفضائل، لا مجرد أداة للوحي الإلهي ونشره بين غير المؤممين ! عله أنه يبدو أن هذا/ يرده عمد عن نفسه، فقد قال إن الله أرسله (شاهدأ ومبشرا ونذيرأ! وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرأ! أي إنه مرشد، لا نموذج ومثل أعلى، أو- على الأقل- إنه ليس كذلك وأسوة حسنة! إلا بفضل رجائه وذكره الله كئيرأ بسورة الأحزاب: آية 21) ولعدد كان على ما يبدو مدركا بإخلاص ضعفه الإنسافإ، ومن ثَمُّ كان عمله أكد من شخصه ". اهـ(3). هذا المعنى ألفي ألح عليه المستشرف اليهودي، أشار إليه الآخر: يوسف شاخت، في مادة (1 صول الفقه) في (دائرة المعارف الإسلامية) حي!ث ذكر أن
(1) محمد قطب: منهج التربية الإسلامية أيا 233
(2) جولد تسيير: العقيدة والشريعة في الإسلام- درجة عمد يوسف موسى وزميليه ط ثنية. القاهرة، دار الكتب اطديثة ود. تم ص 35
46
(1/40)
أقواله يكن/ تكن موضع شك منذ البداية، لمما الأفعاله فإنما اتّخذ فيها مثلاً) على رَغما عن أن شريعته لا تدل على ذلك.
ونحن سنثبت- إن شاء الله- حجية أفعال النبي !ك! في الفصل الثالث من
الباب الأول. ولن نرد على ما في كلامهما من الباطل الذي دعاهما إليه الكفر. رل!ن جمهمنا هنا إثبات أنه له جُعِل الصورة المقتضى بها في الدين، وأن بملاحظة أفعاله يحصل تعلم الدين، وأنه كان المثل الأعلى للبشر في حدود البشرية من جهة الدين، وأن ما أشار إليه جودة تسيطر و!ل! عنه، وهو قول 5 تعالما في الأخلاق والعبادة والمعاملة: ولقد كان لكلم في رسول الله أسوة حسنة! دليل في ذلكم وسياق الآية في النبات قي الحرب، لا في مجرد العبادة.
وحتى الأمة التي كفر بها جولد تسيطر، فيها أن الله أرسل نبيه (سراجأ منيراً!، والسراج يضيء من داخله.
وقد جاء ثلاثة رهط إنما أبيات النبي مجده، يسالوفي عن عبادته دربه، فأخبروا(1/30)
بها، فكأنهم تقالُّوها. فقالوا: وأين نحن من رسول أله له، قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فالتزم بعضهم أن لا ينكح النساء؟ والأخر أن يصوم ولا يفطر، والثالث: أن يقوم فلا ينام. فأخبر النبي ! بقولهم؟ فقال: وأما والله إفك لأخشاكم دمه وأتقاكم له ! لكني أصوم وأفطر، وأقوم، وأنام، ود تزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس منير (9). فلم ينبههم إلى الحق بذكر آية،) و تبليغ وحي، وأنما نبههم إلى فعل نفسه، والى ما يلتزم به، وأن من ناقَضَ مقتلا الاقتداء به في ذلك، فليس على شريعته.
وأمر آخر يدل على المطلوب دلالة واضحة، وهي أن الله تعالى قض علينا في
كتابه قصص أنبيائه والصالحين من عباده. وإنما حضهم ليكونوا عبراً ومُثُلأ تحتذى، كما في توبة آدم، ودعوة شعيب، والتزام إبراهيم، ووصية يعقوب لبنيه بالتوحيد، وعفة يوسف، واستغفار يونس، وطاعة إسماعيل، وقوة موسى، وعبادة مريم،
(1) يمعني روجيه البخاري يفتح الجاري. ط مصطفى الحلبي 11/ !ا) ورواه فسلم 176/9
(1/41)
47
(1/42)
وعبودية عيسى، عليهم جميعاً صلاة الله وسلامه. فكيف لا تكون أفعال أفضلهم وأكرمهم وأتقاهم دمه، قدرة ومثالا يحتذى، وهو خادمهم الذي جعل للناس كافة رسولاً وكان خاتما للرسل، فهو نبي جميع العصور اللاحقة حتى تقوم الساعة،
ومعلوم أن أفعاله يقتدى بها من حيث هو دليل على أحكام الله، لا لذاتها(1/31)
من حيث إنها أفعاله، وكونه (مثلأ أعلى) إنما هو في شرق تمسكه بما أمره به ربه، وشدة متابعته للمنهج الذي رسمه له. وقد وضّح ئي هذا عندما قال لمنع بي الاقتداء به في حكم ديني، مجتزأ بان الله يحل لرسوله ما شاء: قالي له: 9 لكني أخشاكم للُه، ود المكلم بما أتَقي ! فأشار إلى أنه قدوة من حيث كونه أعلى الناس في تقوى الله، مع كونه أعلمهم بأحكام الله. وقال لبعض الصحابة: وأما لكم جمة قسوة" (1) وكلام المستشرق الأنف الذكر يرهم أن المسلمين جعلوه يا مثلا أعلى تحتذى أفعاله لذاتها، على اعتبار أنه من فعل شيئاً أصبح شرعاً ولو لم يقصد به التشريع. وهذا لم ينهب إليه أحد. من المسلمين، إلا بعضهم في أفعالي محدودة سنبقيها في موضعها إن شاء الله. بله أكزكلام الأصوليين في باب الأفعال دائر حول تمييز ما هو دليل على الحكم الشرعي مما ليس بدليل.
وقد حقق الاقتداءُ به !ك!ه مستو، ت عالية أخا الإيمان والإخلاص والجهاد والعلم والعبادة والدعوة، تمثلت في أشخاص الصحابة الكراني، وفي المجاهدين المخلصين دكه في كل عصر وجيل من أجياله أهل الإسلام. ولا تزال هذه القدوة العظيمة تنبع أبطالا في كل عصر، يكونون شجىً في حلوق أعداء الله ! وكانت الله عز وجل يش!ير إلى هذا بقوله: ومحمد رسول اللا والذين معها أداء على الكفار رحماء بينهم... ! إلى توله: (... ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج خطأه فآزره فاستغلت فاستوى على سوقه يعجب الز!لأ ليغيظ جهم الكمار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيمات"2)*
(1) رواه مسالم 186/5
(2) سورة الفمّح: آخر السورة.
8 ما
(1/43)
الطريقة الثالثة للتعليم:
الممارسة للفعل تحت نظر المعلم ليصحح للمتعلم إن كان في فعله خطأ،
ويقره عليه إن كان صواباً ويقابلها في السنة النبوية والإنكار والتقريه!. !والممارسة والعمل منهل من مناهل التعلم ! وقد نادى ولا يزال ينادي جهما(1/32)
مربو العصر الحاضر. والقول الأمور والتعلم بالعملة يهيمن على فلسفة جميع المدارس الأمريكية، وشميطر على تفكير جميع مدرسيها، حتى إن المتأخرين من المران والمشتغلين بالتعليم أخذوا يضعون الأهمية العظمى على الناحية العملية. وما والمدارس التجريبية) إلا مؤسسات أعِئت لتطبيق هذه الفكرة، إذ نجد الطلاب في مثل هذه المدارس في غرف مملوكة بالآلات البخارية أو الكهربائية، كانوا في معمل من المعامل، لا في مدرسة جاء إليها الطلاب ليتلقوا فيها العلوم. ومن أجل هذا فالطلاب في كل هذه المدارس، يتلذذ دون رر!ل ما يعهد إليهم عمله، ويتعلمون أكثر مما يتعلمه الطلاب في المدارس التقليدية"،1).
المدرسة النبوية قد طبقت هذه الطريقة بمستوى رفيع: لقد حث القرآن طوائف الأمة على النفير إلا رسول الله به، والنفير معه، ليتعلموا) ثناء النفير، ويعملوا بأحكام دينهم تحت سمع النبي !حم! وبصره. وكان النبي ! يصحح لهم ويندد لهم أفعالهم إن كان فيها خطا، ويقر ما هو صالح وصحية من أفعالهم، ويثني على ما هو حسن، حتى يستقر في نفوسهم الميل إليه واستحسانه.
وكان النبي عبد حيثما أقام أو سافر أو غزا، يلاحظ أفعال صحابته ولا يترك
الخطأ كيميا، بل ينبه عليه، كما حدث في حديث المسيء في صلاته، وحديث أنهم كانوا يحلفون بآبائهم فنهاهم، وغير ذلك مما هو معروف في دواوين السنة. وكان يكل إلى أصحابه المهاجم الجسيمة في السرايا والبعوث والولايات والوفود في غيبته، بل يكل إليهما حياني الحكم والخطابة والمفاوضة في حضرته. فيتعلّمون بّالعمل. وهويئه! يقرّ لهم الصواب فيعلمون أنه صواب، وينكر عليهم الخطة فيجتنبونه.
(1/44)
(1) عمد حسين آل ياسين: مبادع! في طرق التدريسي ص 282، 283
49
(1/45)
المبحث الرابع
تقسيم السنن الئبَويَّة
إلى قولبة وفعليِّة صريحة وكير صريحة
تنقسم السنن النبوية من حيث طبيعتها قسمين رئيسيين:
ا لأول: ا لأقوال.
وا لها قد: ا أأ فعال-(1/33)
والزركشي في البحر المحيط توقع في ذكر أقسام السنن بالتفصيل، فجعلها ثمانية: الأول: القول، الثاقب: الفعل، الثالث: التقرير، الرد بع: ما هئت به، الخامس: الإشارة، السادس: الكتابة، السابع: الترك، الثامن: التنبيه على العلة، نقله عن أبي منصور، والحارث المحاسبي (1).
ونحن نرى أن الخمسة التي ذكرها بعد الفعل راجعة إلى قسم الأفعال، وإن
كانت ذات صفات خاصة تميزها عن سائر الأفعال-
وأما الثامن، وهو التنبيه على العلة، فهو إِما راجع إلى الأولى، إن كان
الدليل قولئاً، أو إلى الفعل إن كان الدليل فعلياً-
ومن أجل ذلك فإن تقسيم المسنن إلى أقوال وأفعال هو تقسيم حاصر. ثم الأفعال تنقسم إلى أنو 3.
وسوف نسير في رسالتنا هذه على هذه الطريقة. فنقسم السنن إلى قسمين: قولية، وفعليهّ.
(1) البحر المحيط 2/ 1260*
50
(1/46)
تعريف الفعل:
الفعل هو حركة البدني و النفس.
وعرٌ به صاحب اللسان بأنه: وكناية عن كل عمل متعد أو كير متعدد ".
والفعل عند المنطقين "تائ!ير من جرم مختار أو مطبوع في جرم آخر، فيحيله
عن بعض كيفئاته إلى كيفه أت أخرى، كفعل السكن والحجر، والقاطع بهما، فإنهما يحيلان المقطوع، كالتفاحة مثلاً عن حال الاجتماع إلى حال الافتراق. وقد يكون الفعل مجرداً، كالقيام والتحرك والتفكر، وما أشبه ذلك " (1).
وقال الجرجاني في التعريفات:أ الفعل هو الهيئة العارضة للمؤثر في غير 8
بسبب التأثير، كالهيئة الحاصلة للقاطع بسبب كونه قاطعاً.. ومنه الفعل العلاجي، وهو ما يحتاج حدوثه إلى تحريضا عضو كعالضرب والشتما (2).
ثم ذكر ابن حزم أن الفعل ينقسم إلى ما يبقى أثره بعد انقضائه، كأعلى التراث والنهار والزوّاق، كما لا يبقى أثره بعد انقضائه يفعل السابح عالماشي والمتكلّم، ومما أشبه ذلك (3).
هذا وليس كل ما يعبر عنه بالفعل الصرفيّ مرشداً هنا، فنحو مات وعاش،(1/34)
واسود وابيضت، وكان وصار، وحُرِمً وزحِمً، هذه أفعال عند الصرفيين ولكنها ليست عند المناطقة والأصولي!!ن أفعالاً لأن من نسبت إليه/ يفعلها.
والقول هو فعل من بعض الوجود. وسيأتي بيان ذلك في الفصل الثالث من
الباب الثاني إن شاء الله.
فعل كيره بأمره صلى اللُّه عليه وسلم:
لو أمر النبي ! أحد المسلملاين أن يفعل شيئا ففعله، فهل يكون ذلك فعلاً
نبويا حتى يسود/ به على طريقة الاستدلال بالأفعال، أم هو قول يفهم كغيره من ا لأول مر؟
(1) بتصرف عن ابن حزم: التقريب لحد المنطته، بيروت، دار مكاتبة الحياة، ص 60
(2) ص 75 (3) المّقريب لحد المنطق.
(1/47)
يمثّل الأصوليون في باب الأفعال النبوية بأنه جمعه (رَجَم) ماعزاً و (قطع)
سارق رداء صفران. ومن المعلوم أنه !/ يباشر ذلك، ولكن فعل بأمره.
وقد اعترض على التمثيل بذلك ابن الهمم في التحرير، ثم قال:إ إلا أن
ئححل ال ا؟ موركفعله ! ما كان بأمره، وفيه ما فيها (1"،
وأنا أقول: إن القول النبوي الذي بمعنى الإفتاء والإخبار بحكم الشرع هو (قول)، وما فعل بناء عليه يكون منسوباً إلى فاعله لا إلى الآمر به. وذلك كما نصلي ونصوم ونحج ولاينسب فعلنا إلى النبي !.
وأما الأمر التنفيذفي الصادر عن النبي !ك!رو، بوصفه وإمام العامة) أو القائد
أو الأمير، أو نحو ذلك، فإن ما يفعله المأمور تنفيذا مطابقاً فهو من جهد فعل للمأمور، لأنه قام بالحركة، فتنسب إليه حقيقة. ويجوز نسبته إلى الأمر به، !ك!. وأهل البيان يجعلون نسبة الفعل إلى الاشمر به من المجاز العقلي، لماكان الأمر
هو السبب في وجود الفعل وليس هو الفاعل الحقيقي.
إلا أن مرادنا هنا توضيح أن مثل ذلك الفعل هل ينسب إنما النبيّ ثم، حتى
يكون من باب الأفعال النبوية، وششدلى به كما يستدل بالأفعال، فيدل مثلاً إِذا كان مجرداً على الاستحباب في ما هو من باب القرب، أو هو أمر فيستدل به على الوجوب؟ وهي مسالة مهمة تنبني عليها فروع كثيرة.(1/35)
إن الشخص الذي وجّه إليه الأمر التنفيذي يلزمه الطاعة، لأنه (ملمور)
والأمر يقتلهما الوجوب. ولكن غيره ممن/ يؤمر به، يقتدي بالفعل، ويعتبره كسائر أفعاله عز، فيجريما عليه قانون الاستدلال بالأفعال النبوية.
ووجه ذلك ألا المغمور في هذه ا-لإلى لا يزيد عن كونه كالآلة للاحمر، وخاصة
وأنه مجد نبيل ورسول، فتابعه الأمور ليس له الحيرة من أمره، ولا محيص له من التنفيذ، طاعهّ منه لأمر الله ورسوله، وثقةً بان تقدير رسول الله !كل! للحكم
(1) التقرير والنحور 2/ 302، 303
52
(1/48)
وللظروف والأسباب والطريقة والنتائج، تقدير هو الصواب بعينه، وليس لأحد من البشر أن يعقب على حكمه.
وأهل اللغة عندما يسندون الأفعال إنما الأمر بها، المسؤول عن تقدير أسبابها وظروفها ونتائجها، إنما يصدرون في ذلك عن قناعة نفسية بان الفعل يعتبر صادرا عن الاشمر المسؤول كما يعتبر صادرا عن المأمور الذي لا يزيد عن كونه مجرد آلة"1)، بل أولى.
وكمثال لما تقدم نضرب ما ذكره ابن حزم في مسالة حكم إشعارالهدي. فقد
روى ابن حزم (2) حديثا من طريق النسائي أن النبي ! أمر ببدنته فأشعَر في سنامها من الشق الأيمن، ثم سَلت الذم عنها وقلدها نعلين.
ثم قال ابن حزم: وليس في هذا الخبر أنه أمَر بالإشعار. ولو كان فيه، لقلنا بإيجابه مسارعين. وأنما فيه أنه (1 مر ببدنته فاشعر في سنامها)، فمقتضاه أنه أمر بها، فادنِيَتْ إليه، فاشعر في سنامها، لأنه هو عنه أولا بيده إشعارها. بذلنا صح الأثري. الـ. أي فيدل على الاستحباب.
فليت شعري لو أن رسول الله !ع! كان قد-مر أجير 8، أو خادمه أو أحد
(1) ألمح إلى فلك سعد الدين التفتازاني في حاشيته على شرح مختمر ابن الحاجب في الأصول (157/1! حيث يقول ما نحو (1 نبت الربيع البقلي: ليس هنا مجاز وضعي أصلا لا في المفرد ولا في المركب، بل عقلي، بان لشد الفعلي إلى غير ما يقتلهما العقلي إسناده إليه، تشبيها له بالفاعل الحقيقي.(1/36)
قال ة وليس المقصود بهذا التشبيه هو الذي يقال بالكلام وكان ونحوهما، بل ها عبارهّ عن جهة راعيا في إعطاء الربيع- وهو الجدول- حكم القادر المختار، كما قالوا: شبها مال
ب اليسر فرفع بهذا الاسم رنصسب الخبر، الـ. فجعله التشبيه هنا عبارة عن وجهة راعوها)، نظير لما فكرنا من القناعهَ النفسية لسى) هل اللغة إذ ينسبون الفعل ألما الآمر الواجب الطاعة، رشمند الفعل في كلل من الصورتين إلى غير فاعله على سبيل المجاز العقلي.
(2) المحلى 7/ 115، 112
530
(1/49)
الحاضرين، أن يتولّى عنه ما تولاه هو بنفسه، أكان ينتقل الحكام في حق الأمّة من الندب إلى الوجوب؟ إن الأوْلى أن يقاوما: إن الذي وجِهَ بالأمر يتعين عليه التنفيذ، ولكن فلك الفعل ينسب إلى النبي ! كسائر أفعاله، ليجري على قانونها في حق الأمة.
وبهذا يتبينه أن تمثيل الأصوليين للأفعال النبوية برجم ماعز، وقطع يد السارق، وقتال أهل مكة، وغير ذلك، هو تمثيل صحيح. واعتراض ابن الهمام الذي تقدم ذكره غزير وارد. والله أعلم.
تقسيم الفعل إلى صريح وكير صريح:
من الأفعال ما هو صريح في الفعلية، فلا يختلف في كونه فعلاً
وذلك كالضرب، والمشي، 1 والحب. والمثال الأول وهو الضرب، هو للفعل
المؤتمر في غير فاعله، والثاني للمجرد المشاهَد، والثالث للمجرَد النفط ي.
ومن الأفعالى ما ليس صريحا في الفعلية، فيدور الوهم فيه بين أن يكون فعلاً
أو لا يكون. ومن ذلك الكتابة، والإشارة، والترك الإيجاجم! الذي يعبر عنه بالكفر أو الإمساك، والسكوت عن الجواب، والتقرير، والهمّ بالفعل، ونحو ذلك. فهناك من يدعي أن الكتابة قول، وأن الترك والسكوت والتقرير ونحوها
ليست أفعالًا.
والقول فعل غيرصريح* فهو فعل من بعض الوجوه. كما سيأق! في موضعه
في الفصل الثالث من البا!بإلثاني.
ما بعشر عنه بالفعل وهو قول:(1/37)
كثير من الأقوال يعبر عنها بما يوهم الفعلية- ويجب أن لا يخدعنا ذلك عن حقيقة كونها أقوالاً، وذلك مثل: تشهد، وكبّر، وسبّح، ولبِّى، ومدح، وأثنى، ووبّخ فلاناً، ولعنه، ودعا عليه، وأمره، ونهّاه.
ودليل كونها أقول ألاً أنها تفسر بالقول. ف (التشهّد) هو قول: أشهد أن لا إله
(1/50)
إلّا الليه، و (التسبيح) هو قول: سبحان الله، و (التلبية) هي قول: لبيك اللهم. وهكلذا.
ولكن لا يمنع ذلك أن تكون هذه الأقراص ذات أوجه فعلية، كما يأتي (1) كغيرها من الأقوال.
انقسام السنن الفعلية إلى صريحة بكير صريحة:
تبعا لما تقدم إيضاحه من أنه ما يصدر عن الإنسان من الأفعال ينقسم إلى
فعل صريح وفعل غير صريح، فإن السنن الفعليق! الصادرة عن النعي ! تنقسم إلى أفعال صريحة، وأفعال غير صريحة.
وحجيّة الأفعال النبوية الصريحة تثبت بمجرد إثبات حجية الأفعال النازية،
إِذ إنها لعدم الخفاء في فعليتها، تدخل في ما تثبت حجرته من الأفعال دخرلأ أولئك. وهذا بخلاف الأفعال النبوية غير الصريحة، كالترلى والسكلوت، إذ إنها،
لخفاء فعلئتها بما يميزها عن الصريح من الأفعال، بحاجة إنما مزيد من الأدلة والاحتجاج، يبين عدم خروجها عما ثبتت حجيته من الأفعال.
يوضح هذا أننالما أثبتنا حجية السنة بصفتها الإجمالية، وكان دخول السنن
القولية في نطاق والسنة" ظل!رأ لا مرية فيه، بخلاف الأفعال، احتجنا لإثبات حجية الأفعال إِلى مزيد من الأدلة.
وشبيه هكذا كله ما ذكره الأسنوِي من أن: لإطلاق الأصولي!!ن يقتضي أن
الفرد النادر يدخل قي العموم، وَصَرَحَ بعضهم بعدم دخوله " (2) وذكر لذلك فروعاً منها:
1- الأنساب النادرة كاللقطة والهبات ونحوها، هل تدخل في المهايرة، والصحيح دخولها.
(1) في الفصل الثالث من الباب الثاني. (2) التمهيدي 155
55
(1/51)(1/38)
2- ومنها أن المتمتع يجب عليه صوم ثلاثة أيام في الحج. فلو أراد تأخير التحلل الأول إلى ما بعد أيلم التشريق؟ بان يؤخر الحلق والطواف، ويصومها!ا ملئه الوقت، لكونه زمن الحج، فإنه لا يجوز على الصحيح عند الرافعي، وعقله بقوله: "لأنها صورة نادرة" فلا تكثرن مرادة مت ألاَية، بل تحمل الأمة على الغالب المعتاد.
هذا ومن أنكور فعلية بعض ما سميناه والأفعال غير الصريحة)- كالترك والسكوت مثلاً فإن افتقاره إلى الاستدلال على حجئت!ا افتقار حقيقي، وتكون الأدلة بالنسبة إليه تأسيسيَة.
أما بالنسبة إلى من يرى فعلتتها- وهو ما نسير عليه- فإن الاستدلال على حجرتها يكون للتأكيد على عدم خروجها عن حجرة السنن الفعلية بصفتها ا لإجمالية+
من أجل ذلك رأينا أن نقسم البحث إلى قسم!سن نجعل لكل منهما بابل:
الأول: للأفعال الصريحة.
والثاني: للأفعال غير البرمجة.
ونتبع ذلك بباب ثالث، خادمه بالتعارض ب!!ن السنن الفعلية بعضها وبعده، وكذلك للتعارض بينها وبين الأقوال وغيرها من الأدلة. والله المستعان، وبه التوفيق-
مرتبة مباحث الأفعال من علم الأصول:
أصول الفقه هو العلم بأدلة الفقه الإجمالية، وكيفيّة استفادة الأحكام الفقهية
منها، وحال المستفيد. ويتعرض فيه الأصوليون لأربعة أمور أساسية، جعلها الغزالي في المستشفى (أقطابأ) أدار عليها مباحث هذا العلم، وذلك أنه جعل الحكم الشرعي كالثمرة التي ليستثمرها المجتهد من الأدلة.
القطب الأول: قي الأحكام الشرعية وهي الثمرهّ. وكل ثمرة لها صفة وحميمية في نفسها وأقسام. فيبحث في هذا المّطبّ في حقيقة الحكام، وانقسامه إلى
56
(1/52)
وا جب، ومحظور، ومنذ وب، ومكر له، ومباح، وقضاء، وج د ان، ورخصة، وعز يمق، وصحة، وفساد، ويبين أن الحكم الشرعي لا يكون إلًا من حاكم، هو الله وحده. ويبحث في أحوال المحكم عليه. ومن يجري تأليفه ومن لا يجوز.(1/39)
القطب الثاني: في الأدلة إجمالاً الكتاب والسنة والإجماع وغيرها؟ وهي المثمِرة للأحكام. فيبين في هذا القطب خذ الكتاب، وما هو منه وما ليسوا منه، وطريق إثباته، وما يجوز أن يشتمل عليه من حقيقة ومجاز، وعربية وعجمئة، ويبحث في السنة عن أنواعها، وطرق ثبوتها، وصفات رواتها. لم يبحث في الإجماع وسائر ما يستدل به على الأحكلام الشرعية.
القطب الثالث: في طرق الاستثمار، وهي دلالات الألفاظ عله المعافي بمنطوقها ومفهومها واقتضائها وما يعقل منها كالقياس.
القطب الرابع: في المستثمر وهو المجتهد، يذكر فيه صفات المجتهد، والموضع الذي يجري فيه المجتهد، دون الذي لا مجال للاجتهاد فيه، وسائر مسائل الاجتهاد والتقليد.
ولغير الغزالي من الأصول!ن ترتيبات أخرى لمسائل علم الأصولي يراعون
فيها جهات مختلفة.
وعلى كل حال فإنه لما كانت الأفعال النبوية دليلاً على الحكم الشرعي ومفيدة له، كان موقع مباحثها ضمن مباحث الأدلة. وذلك على ترتحِب الغزالي في القطب الثاني، وهو المثمر.
والأدلة: كتاب وسنة وإجماع وقياس، ويتبعها عضد بعض الأصوليين أدلة أخرى.
والسنة أقواله النبي بئه! وأفعاله.
ولما كانت الأقوالي أدل على الأحكام، وهي الأصل في التبليغ والبيالط، فإني مباحث الأفعال تؤخر في باب السنة، غالباً عن مباحث الأقوال.
وإثبات ورود الأحاديمث بنوعيها، وهو ما يسمما باب (الأخبار) أو باب 57
(1/53)
أ الإسنادي يؤخر عن باب الأفعال غالباً، كما فعله البيضاوىِ (1)، لأن الغرض منه إثبات ورود السنن بصفتها العامة، أي بشقيها القولي والفعلي. وقد يؤخر إلى ما بعد ذكور الدليل الثالث وهو الإجماع كما فعله الرازي في المحصول (2). ولعلى وجهه أد 5 باب الأخبار الغرض منه إثبات ورود الدليل سواء كان كتابا أو سنة أو إجماعاً. فكان باب الأخبار ملحقا بالأدلة الثلاثة.(1/40)
غيي أن الأفعال النبوية تذكرة يضأ في غير باب أدلة الأحكام. فتذكر ضمن مباحث الإجمال والبيان ونحوها من مباحث الدلالة، لبيان كيفية البيان بها. وتذكر أيضا في باب القياس بإيجاز شديد، لبيان كيفية استخراج عللها
لأجل القياس عليها.
ومن جهة أخرى قد تتعارض دلالة الأفعال بعضها مع بعض، أو مع الأقوال، أو مع غيرها من الأدلة، فيذكر ملئه ضمن مباحث التعارض والترجيح بين الأدلة.
ولكن كثيرا من الأصولييهة يبادرون بذكر التعارض الذي للفعل علاقة به،
ضمن مباحث الأفعال من باب السنة؟ لتجتمع مباحث الأفعاله ما مكان واحد، ما فعله أبو الحسن البصري والشوكاني وغيرهما.
3!شملات مباحث الأفعال:
لن نتعرض في بحثنا في الأفعال لما يتعلق بروايتها وإثباتها، فذلك أمر تشترك
فيه الأقوالا والأفعال على حد سواء. أفرد له المحدثون علم لمصطلح الحديثة وتعزضيه له الأصوليون في باب (الأخبار) من مباحث السنة. وهو لذلك متروك للباحثة في السنة بصفتها العلامة، أو لا الأخبار خاصة. وسيكون بحثنا في والأفعال النبوية) بعد افتراض ثبوتها عن النبي له ووقوعها منه، وذلك فيما صغ عند أهل الحديث، ثقة بأنهم لكل الاختصاص في فلك.
(1) منتهى الموله 3/2 وقد تعرض الأسروي لهذه المسالة. (2) المصدر نفسه والصفحة نفسها.
58
(1/54)
غير أننا نستثني فنذكر مما يتعلق برواية الفعل أشياء يسيرة، لها علاقة باستفادة الأحكام من الأفعال، كتعبير الصحابي عن الفعل، وما يمكن أن يستفاد من ذلك من تعليل أو تعميم أو غيرهما.
تصنيف الأفعال كقَسِيمٍ لسائر الأدلّة:
الأدلة المعتمدة في الشريعة أغلبها أقوال، فالكتاب العظيم قولي الله لحاله، والسنة النبوية منها أقوال ومنهاج فعال، والإجماع منه قولي ومنه فعلي. ومذهب الصحابي عند من قال به، منه قولي ومنه فعل.
ولكن دليل القياس، وهو العلة، ليس قولا ولا فعلاً ولكون هي معنى اعتبره الشارع في الأصل.(1/41)
فالأدلة، إذن، إلا أقوال. !إفا أفعال. وأما غيرهما. ويقول ابن تيميه: والأصل قول الله، وفعله، وتركه القول، وتركه الفعل، وقول ريسول الله لحجم وفعله، وتركه القول وتركه الفعل، وإن كانت جرت عادة الأصوليين أن يذكروا قول الله فقط، ومن جهة النبي عن قوله وفعله وإقراره " (1).
فهذا لتقسيم للأدلة من وجه طبيعتها.
وتقسيما إلى كتاب وسنة وإجماع وقياس وغيرذلك، هو تقسيم لها من وجه مصادرها. وهو التقسيم السهل المعتمد عند الأصول!ن.
وعلى التقسيم الأول ليس كل الأفعال داخلا في بحثنا بصفة أساسية، لأق موضوعه والأفعال النبوية). فلا تدخل فيه أفعال الله تعالى، ولا أفعالا الصحابة رضي الله عنهم. ولا أفعال أهل الإجماع.
ولكننا سنلحق بأبحاث الأفعال النبوية بعض ما يشاكلها مما يتعلق بأفعاله
غير النبي ! تتميما للبحث، لأنها تشارك أفعال النبى! في طبيعتها (الفعلية) وفي الدلالة على أحكام عند من يقول بها.
(1) المسودة ص 298
59
(1/55)
المبحث الخامس
الأفعال النبَويَّة
في التآليف الحديثية والأضوليِّة
مظان التعرف على الأفعال النبوية:
تذكر دواوين السنة أفعال النبي يكره مبثوثة بين أحاديثه القولية. و/ يفردها
من المسندين أحد بالرواية فيما نعلم، كما لم يفرد الأقوال أحد عن الأفعال.
ولما استقرت دواوين السنة المسندة، من الصحاح والسنن والمسانيد والموطاَت والمستخرجاقرغيرها، في القرن الخامس تقريباً وبدأ عصر التجميع منها 6 جمع الشيخ ابن العاقوري، وهو محمد بن محمد بن عبداللي (733- 797 هو أحد أساتذة الجامعة المستنصرية ببغداد، كتابه والرصف لما روي عن النبي يا من الفعل والوصفة اعتمد فيه ما ذكره ابن الأفق في جامع الأصول، وأضاف إليه ما ذكر يخص بعض المصادر الأخرى. وهو- أعني ابن العاقوري- أولى من اعتنى بجمع الأفعال، وإفرادها عن الأقوال، فيما يظهر-
وقد قالا في مقدمته: 11 ما الأفعال! فلم نر من اعتنى بجمعها مفصلة قبل(1/42)
كتابنا هذا، وإنما تذكر في أثناء الأقوال " (1) واكد لنا هندا المعنى، وهو إغفاله المتقدمين من المحدثين لإفراد الأفعال (2).
(1ر1 نظر:3/1
(2) بعد أن كتبنا هذا اطلعنا على ممّدمة صحيح ابن جبان (354 هو فوجدناه يذكره له اسم كتابه خمسة أقسام: الأوامر، والنواهي، والأخبار، والإباحات، والأفعال. وانظر 1/ 58)=
65
(1/56)
ولم يكن هدف ابن العاقوري من تجميع الأفعال التهيئة لاستفادة الأحكام الفقهية منها، وإنما كان يريد التعريف بالنبي بن (1)، ولذلك لدمج أوصاف النبي أو الخلقية، ونسبه الشريف، ونحر ذلك. وأورد في ضمن ذلك أقوالا يسيرة.
وجلس بعد ذلك السيوطي، فافرد الأفعال عن الأقوال. ولم يكن الذي دعاه
إلى هذا أمرا يتعلق بالاحتجاج بها، وإنما كان هدفاً فنشأ صرفاً وذلك أنه أراد تجميع الأحاديث النبوية المأثورة بأسرها، من جميع دواوينها المسودة، في كتاب واحد، سماه والجامع الربيع (2). واختار أن يرتبه ترتيبا يمهد الطريق للباحثين، للوصول إلى الحديث المطلوب بيسر وسهولة. فكانت ن رتبه ترتيبا هجائياً كَلِمِئأ"3)،
= و/ يطبع أول كتابه، غانما طُبع بترتيب الأمير علاء الدين الفارممصي، الذي سمياه "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان " حيث رتبه على أبواب الفقه، وقد نشر منه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله الجزء الأول، وتقوم الآن مؤسسة الرسالة بإصداره كاملا بتحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط في ستة عشر جزءا.
إلا أننا نحمد اللغا عله أن رجعنا بأودية فصل الأفعال النبوية عن الأقوال، إلى القرن الرابع. ملاحظة: يبعده ن يكون لنضج مباحث الأصول في ذلك القرناس ثم علا ابن حبان في ترتيبه الذي اختاره. فإنه قسم الأفعال خمسيها نوعاً يظهر في أكد عناوينها ذلك، من مثل قيه
(فِى ص 104، 105 منا المقدمة):
النوع السادس: فعل فعده !،/ تقم الدلالة علا أنه خص باستعماله دون أمته، مباح
لهم استعمال مثل ذلك الفعل، لعدم وجود تخصيص فيه. وقوله أيضاً(1/43)
النوع الثامن عشر: أفعاله !، التي تفسر عنه وأمره المجملة. وذلك ظل!ر أيضا في سائر الأقسام غير الأفعال.
فإن صدق الظن، فإن كتاب ابن حبان، على أصله الذي ألفه عليه، يصلع) ن يكلون بسشانأ للأصرلي!!ن، ينتقون منه فيتأنقون، أطايب ثماره، كممثلة لمسائلهم الأصولية.
(1) الرصف 2/1 (2) ب!ه! بطبعه بالمَاهرة.
(1/57)
(3) فرق يخص الترتيب الهجائي بين النظام العلمي والنظام الحرفي. يراجع للتفصيل رسالتنا والفهرسة والمّرتيب المعجمية نشر دار البحوث العلمية، بالكويت، 1372 هـ.
61
(1/58)
بحسب حروف كلمات اللفظ النبوي، الأول فالثاني فالثالث، كلمة كلمة. فاستقام له ذلك في الأحاديث القوليّة الصرفة. أما "الأحاديث الفعليّة، أو التي فيها قول وفعل، أو سبب أو مراجعة! (1) له أو نحو ذلك، فلم يمكن إدخالها في سلسلة هذا الترتيب. فاضطره ذلك إلى إفرادها. فجمعها جميعا في قسم مستقل، رتبه هجائياً بحسب أولا الصحابة رواة الأحاديث. فثبت والجامع ال!به! عنده كلى قسمين، أولهما للأقوال وثانيهما للأفعالا،
ثم اختصر كتابه والجامع الصغيه! من قسم الأقوال خاصة من والجامع الكب!! إلا أنه أدخل في الجامع الصغير في آخر حرف الكاف منه، ما ورد من الأحاديث الفعلية، مبدوعق روايته بلفظ شكلن يفعله.
وجاء بعده علي المتقي الهندي، فجمع القسمة من كتاب السيوطي مرة أخرى في ترتيب غالي. ونفى كتابة وكنز العمال من سنن الأقوال والأفعالا) فقد رتب كتابه لا على (الهجاء)، وإنما على والأبواب الموضوعية) كالإيمان والصلاة والنكاح ونحو ذلك، مرتبا بين عناوين تلك الأبواب بحسب حروفها. وأما الأحاديث يخف داخل كل باب فإنه يذكر أولًا ما كان قولئأ، ثم يذكر ما كان فعليّا. فقد بقيت الألَوال والأفعال يخص كتابه منفصلة بعضها عن بعض، ولكن داخل ا لأبواب-
ولا نجد كتاباً أفردت فيه الأفعال عن الأقوال سوى ما ذكرنا،(1/44)
وعلى هذا فالأحاديث الفعلية، التي هي موضوع بحثنا، يرجع إليها في دواوين السنة المسندة، أو التجميعات كجامع الأصول وغيره، أو في كتّاب ابن العاقوري، أو القسم الثاني منا الجامع الكبير أو باب مكان يفعلى) في الجامع الصغير، أو كنز العمال. والله أعلم.
والا من مقدمة الأسيوطي للجامع الكلبين، نقلها صاحب كنز العمال، ط الهند 6/1- 9
(1/59)
الأفعال النبوية في الدراسات الأصوليّة ة
يتعرض الأصوليون في مؤلفاتهم الشاملة للأفعال النبوية، ضمن مباحث السنة، كما ذكرنا. وأكثرهم يفرد الأفعال بباب، أو فصل، أو مسألة. يتعرضون للفروق في الدلالة بينها وب!!ن الأقوال، ويردون ما يثار حول حجيتها من الشبهات. وقليل منها يذكر مباحث السنة بصفتها العامة ويغفل الأفعال، كما فعل ابن قدامه في وروضة النافع، اكتفاء بكلامه على حجية السنة ودلالتها، غير إننا نعتبر ذلك قصورا ممن فعله. بل ينبغي إعطاء الأفعال من الدراسة حقها، ليفرق الفقيه بين القول والفعل، ويعلم كيف يستفيد الحكام من كل منهما على استقامة، وحسب ما تقتضيه ما أأ صولة.
ولم أجد أحداً أفرد أفعال النبي !جمغ بمؤلف خاص، ما عدا اثنين من المؤلفين الفضلاء:
أحدهما: أبو شامة المقدسىِ، وهو عبدالرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي، نزيل دمشق، والمقتول غيلة ببيته سنة 665 هو وهر أحد تلامذة الأصولي الشهير سيف الدين الأسدي. وأبو شامهَ مؤرخ، أديب، فقيه، عالم بالقراءات، بالإضافة إلى تطلعه يخص علم الأصول، وله باع جيد في بيانه حقيقة البدع وإنكارها كما يعلم من كتابه المشهور الذي سفاه والباعث على إنكار البدع وا لحوا دثد.(1/45)
وتأليفه في الأفعال سفاه والمحقق من علم الأصول في ما يتعلق بأفعال الرسول نم!) وهو كتاب جيد، يدل على بصر مؤلفه بعلم الأصولي، ولاحقته يخص أبحاثه، مع ورع وأمانة. وقد نمّل عنه الزركشي في والبحر المحيطة واعتمد ما نقل عنه. ونقل عنه أيضاًا لشوكاني في وإرشاد الفحولة فأكد، وخالفه في بعض ما نقل عنه. ونقل عنه ابن أبي شريوف في حاشيته على جمع الجوامع (1) ونقل عنه غيرهم.
(1) ق 176 ب.
63
(1/60)
ثانيهما: الحافظ العلاجي، وهو خليل بن كَيْكلْدي بن عبداللي، الدمشقي الشافعي (694- 761 هو وهو محدث فقيه أصولي. وكتابه في الأفعال ليست شاملًا لمباحثها، وإنما هو في باب خادما هو باب التعارض، كما يدل عليه اسمه بتفصيل الإجمال في تعارض الأفعال والأقوال) وقد بحث بالتفصيل مسالة التعارض ب!!ن الفعل والفعل، ثم !ححألة التعارض بين المحلى والقول، وقسم هذه المسألة إلى ستين صورة، وبين حكم كل صورة منها وما تقتضيه مذاهب الأصولية فيها، ومثل لأكل تلك الصور.
ويظهر أنه اطّلع علا كتاب أبو شامة، الذي بحث مسألة التعارض بحثا مجملاً فاراد العلاجي أن يخدم كتابه بتفصيل إجماله. وهو- أعني العلاوي- لا يذكر كتاب بي شامة، ولكنه يوافقه في كث!ير من عباراته بحروفها، وكذلئا تقسيماته للبحث، والله أعلم (1).
(1) 1) فعال النبي ا!! رسالة لأب الحسنة الأشعري. ذكر ذلك في قائمة مؤلفات الشيخ إلى الحسن الأشّعري التي نقلتها ا!ققة: فوقية قسمين، ضمن مقدمتها لرسالة!الابانة" إى، ونشرتها "دار الأنصار بالقاهرةأ ص 65. وقالم!!/ "يرد عن الرمسالة المذكورهّ أي تعليق لا
من القدامى ولا من المحدثين " وقد عزت إلى وتبين كذب المفتري لابن عساكر ص
5 دم ا. فلير اجعل
64
(1/61)
اللَابُ ا لأوّلظ أ!بمافْ!ألُا!ف!تحبن،
ا- البيان بالأفعال.
2- أحكام أفعال النبي ! بالنسبة إليه.
3- حجرة أفعال النبي عن.
!- أقسام الأفعال النبوية الصريحة، ودلالتها علا الأحلام. 5- الفعل المجرد.(1/46)
6- الأحكام المستفادة من الأفعال.
7- صفة الدلالة الفعلئِة.
8- دلالة متعلقات الفعل النبوئي.
9- مباحث متنوعة تتعلق بالأفعال.
أ- الطريتا العملي لاستفادة الحكم من الفعل.
ب- الاعتراضات التي تورد على الاستدلال بالأفعال. ج- نقلا الأفعال النبوية.
د- نية التأسي.
65
(1/62)
قدمنا في التمهيد أننا نعني بالأفعال الصريحة كل أفعال النبي نج!مم ما عدا
الترك والتقرير والسكلوت والكتابة والإشارة والأوجه الفعلية للقول، وأننا سنفرد هذه الأنا 3 من الأفعال بباب خاص (1).
وأمثلة أفعاله الصريحة نحو صلاته وو!صومه وزكاته وحجه وسائر أنول عباداته، ونحو بيعه وشرائه، وقيامه وقعوده، ونومه، ومعاشرته لأزواجه وأقاربه وأصحابه وأعدائه من الكفار والمنافمَين، وغير ذلك مما يساويه في الفعليّة دون غشل! يغطي وجه فعليته، أو يضعف رؤيتها.
ونودّ هنا أن نوضح أن كثيرا من مباحث هذا الباب الأول تنطبق على الأفعال
غير الصريحة، فما يستوي فيه القسمان يذكر في هذا الباب. وإنما نفرد الأفعال كير الصريحة بباب خاص لنذكر فروقها، لئلا يظن الاستواء بينها وبن الأفعال الصريحة في جميع الأحكام،
11) تنبيه؟
قد نتساهل في التعبير في أثناء هذه الرسالة، فنقول أحياناْ: فليفعل والترك، أو: الفعل والتمَرير، فيكون المراد الصريح منه خاصة، بقرينة ضمه إلى تسميمه، وليس ذلك قمنا ارثها، لمذهب من أخرج الترك والتقرير عن حيز الفعل.
67
(1/63)
الفَضل ا لْاوَّل
ان كان إلهُيخَال
تمهيد في القدوة، والاقتداء بالأفعال النبوية. 1- البيان.
2- البيان الفعلي.
3- اختلاف القول والفعل في البيان.
4- اختلاف الفعلين في البيان.
69
(1/64)
تمهيد
في القدوة والاقتداء بالأفعال النبويّة
قد ذكرنا أن النبي ! كان مكففأ بمهمات البيان، والتعليم، والتزكية.
وأنه ضوء قال:أ إنما بعثت معفَماً".
وقد حمل النبي ! الأمانة، وإفكا المهمة على أكمل وجه وأتمه. فاستعمل(1/47)
جميعٍ الوسائل الممكنة، لإبلاغ دين اللّه تعالى وتمكينه في الأرضية، حتى كان بحن إماما، بل كان إمام الأئمة، هَدَى بفعله مجد كما هَدَى بقوله، حتى كان فعله نموذجا حياً للمسلم، يتعلم منه الدين، كهذا يتعلمه من أقواله !.
درجة الإمامة في الدين:
درجة الإمامة في الدين درجة عالية، ذكر الله تعالى الذين يعملون للوصولى
إليها بطيب الذكر، وجعلهم ممن سيجزون الغرفة! إذ قالوا ة (واجعلنا للمتقي إماماً! (1). وامتن الله بها علا خليله إبراهيم بقوله: !إف! جاعلئه للناس إماماً!.
و (الإمام) في اللغة المتّبَع الدالّ. يقال للطريق إمام، ولرئيس القوم إمام.
وقوله تعالى: ويوم ندعو كل أناس بإمامهم ! (3) قيل في تفسيره: بنبيّهم وشرعهم (3) ! والإمام في الصلاة، كما في الحديث: 8 إنما جعل ليؤتمّ به، فإذا كبر فكئبّروا، ماذا رفع قارفعوا!إ4) يرشد بفعله، فيفعل المؤتمون به كما يفعل.
(1) سورة الفرقان: آية 74 (3) لسان العربي.
(2) سورة لإسراء: آية 71 (4) متفق عليه (الفتع ال!ب!!.
71
(1/65)
وقال !ن! لأصحابه: يتقدموا فأْتموا به، وليأتئم بكم من بعدكم " (1) وواضح من هذا أن الإمام من يتبع فعله كما يتبع قوله.
ميزة القدرة الملتزمة وأثرها في الاتباع:
المقتدى به الذي هو ما/ بالمبدأ الذي يدعو إليه، مؤمن به، حريص على
نشره بين الناس، لا يكاد يتخلف عمله عن علمه. إذ إن ما يعلمه يصبح كالطبيعة المغروزة فيه، فيفعل ما يفعله بتأثر ذلك العلم الذي أصبح كالوصف الراسخ فحصه. وذلك أنه إذا تعود نقسه، فلم يسمح أن يصدر عنه ما يخالف مقتكما ما لمجمله من العدم، ودعاها إلى ممارسة كله ما يدعوه إليه العدم، فإنه يتعمد أن يسير حسب المبدأ، وتتقوى فيه تلك العادة بالتكرار والضبط، حتى تكاد أن تكون طبيعة أخر ى-
وحينئل! يكون ما فعله تصديقا لأقواله ودعوته التي يدعو إليها، وترسيخا لها
في نفوس أتباعه، وتصح القدوة بفعله كما تصح بقوله.(1/48)
وعلى العكس من ذلك من خالف فعله قوله، يكون ذلك منه تكذيبألقوله،
وعائدا عليه بالإبطال في نفوس الأتباع، ويكون ذلك منفرا لهم عن دعوته، وعن استماع كلامه، والانتفاع به-
قال الشاطري 21):
"إن المفتي إذا أمر مثلا بالصمت عما لا يعني، فإن كان صامتا عما لا يعنيه
ففتواه صادقة، وان كان من الخائض!ين فيما لا يعني، فهي غير جمادقة. ! إذا دلك عله الزهد في الدنيا وهو زاهد فيها صدقت فتياه، صان كان راغباً في الدنيا فهي كاذبة. وإن دلك على الصلاة وكالة محافظا عليها، صدقت فتياه، وإلا فلا. وهكذا في ضمائر الأوامر!.
(1) رواه مسلم وأبو داود (الفح الكبير.
72
(112 أمو ا فقات 4/ 252، 3/ 17 س.
(1/66)
أ ومثلها النواهي ة فإذا نهى عن النظر إلى الأجنبيات، وكان في نفسه منتهيا عنها، صدقت فتياه. أو نهى عن الكذب، وهر صادق اللسان،) و عن الزنا، وهو لا يزني، أو عن التفخش وهو لا يتفخش، وما أشبه ذلك، فهو الصادق الفتيا، والذي يقتدى بقوله وفعله، والا فلا، لأن علامة صدق القول مطابقة الفعل، بل هو الصديق في الحقيقة عند العليا، قال تعالى: فيا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ركرنوا مع الصادقة !،1) فهكذا إذا أخبر العم/ بأن هذا راجبن و محرم، فإنما يريد: على كل مكلف، ولمعا منهم ". الـ.
وقال في موضع آخر:
"إذا وقع القول بيانا فالفعل شاهد له ومصداق... وبيانه ذلك.+. إن(1/49)
العالم إذا أخبر عن إيجاب العبادة الفلانية، أو الفعل الفلافل، ثم فعله هو و/ يخل به في مقتل ما قال فيه، قوي اعتقاد إيجابه، وانتهي العمل به عند كل من سمعه يخبر عنه ورآه يفعله. ماذا أخبر عن تحريمه مثلاً ثم تركه، فلم يُرَ فاعلا له، ولا دائراً حواليه، قوي عند متبعه ما أخبر به عنه، بخلاف ما إذا أخبر عن إيجابه ثم قعد عن فعله، أو أخبر عن تحريمه ثم فعله، فإن نفوس الأتباع لا تطمئن إلى ذلك القول منه، طمأنينتها إذا ائتمر وانتهى. بل يعي من الفعل إلى القول ما يقدح فيه على الجملة: إما من تطويق احتمال إلى القول، وإما من تطبيق تكذيب إلى الناقل، أو استراحة في بعض مآخذ القول. مع أن التالي في الأفعال! والتروي بالنسبة إلى من يعظم في دين أو دنيا كللغررز في الجبلة، كما هو معلوم بالعيان. فيصير القول بالنسبة إلى القائل كالتبع للفعل ! فعلى حسب ما يكون القائل في موافقة فعله لقوله يكون اتباعه والتقصي به، ! عدم ذلكم (2) الـ.
والنبي ! كان أصدق الناس، وأقومهم بحتما الإمرة، وأسرعهم إلى تنفيذ
ما أرسل به من شريعة الله، على نفسه أولاً، ثم أهل بشر، وأقاربه، وعلى غيره ممن ينفذ أمره عليهم، وانظر قوله يوم حجة الودل!: 19 لاو إن ربا الجاهلية موضوع، إلاّ
(1/67)
(1) سورة التوبة: آية 119
(2) 1 لموا فقات 3/ 317. 73
(1/68)
خط لا أول ربآ أضع ربا عمي العباس بن عبدالمطلب. ألأ وإن دماء الجاهلية موضوعة، وح ول دم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب " (1).
ما كان النبي صلى انته عليه وسلم يلاحظه في أفعاله من حيث إنها قدوة: النبي صن الذي أرسله الله إلى هذه الأمة كان هو إمامها في مسيرتها على
شريعة الله.
وهذه الدرجة تأتيها صاحبها أن يلاحظ أفعاله من حيث إنها قدوة ومتبعة، ومتالئئ بها، فلا يسترسل كما قد يسترسل غيره ممن لا يقتدى بهم.
بقد قال النبي أمه: ومن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من(1/50)
عمل بها من بعده، من غيرهن ينقص من أجورهم شيء. رمن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، لا ينقص من أوزارهم شيء"2). وقال !: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله أأ")*
كان النبي ! يلحظ هذا كله، ويعلم أن أفعاله حجة، وأنه منظور إليه،
ومؤتئم به ومتبع، وهذا دعاه إلى وزن أفعاله وميزانا الشرع، بالإضفة إلى عناية خاصة تتبع مهمة التعليم اقتضت أمورا نفصلها ومما يلي:
الأمر الأول: أنه ! كان يجتذب مواضع التهم، ولا يفعل شيئا يتضمن
نقص مروعة. ولا يفعل ما يستنكر ظاهرا وإن كان جائزا باطنه. فإن وقع شيء من ذلك لحاجة أو نحوها أخبر بحكمه وعذره ومقصي ه، كيلا ينفر عنه مشهده، وليستفيد ذلك الحكم ا:لأهل به (4).
ولذلك قال النبي بن للرجلين لما رأياه يتحدّث مع زوجته صفية في المسجد
(1! صحيح مسلم وجامع الأصول 4/ كم2)
(2) رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي عن جرير والفتح الكبه!.
31) رواه مسلم وأحمد وأبو داودي الفعل الغب!!.
(4) انظر: ابن جماعة: تذكرة السامع والمتك! م في أدب العم/ والمتن. ط الهندي 20 74
(1/69)
ليلا، فولّيا، قال:أ على رسلكما، إنها صفمِة بنت حُعَي " (1) ثم قال:أ إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فخفت أن يقفز في قلوبكما شيئاً"
وقد نوه عبدالكريم زيدان (2) إلى قيد جيد في هذه المسألة، وهو أن الفعل
الذي يترك حذرا من الشبهة، ينبغي أن لا يكون من صميم الدعوة، فإن كان من صميم الدعوة فينبغي فعله، ولو كان فيه تنفير. في ظان أن حكمه التحريم وليعد بمحرم، فإنه يفعل لبيان الجواز، وإن قال الناس ما قالوا. فهذا من بيان الحق، كما تزيح النبي عن زينب مطلقة زيد الذي كان يدعى ابنه قبل أن ينزل القرآن بإبطاله التبني. فكان زواجه بها بيانا (3)،/ يمتنع من فعله خوف حالة الناس.
الأمر الثاني: الحرص على خفة الفعل المظهر، فلا يكون فيه مشقة وعسر،
لئلا يأخذ الاتباع أنفسهم بالشدة كما يأخذ بها نفسه.(1/51)
وقد أثنى الله تعالى على نبيه عن بأنه كان يشق عليه ما يشق على الأمة، بقوله: ولقد جاءكم رسولا من أنفسكم عزيز عليه ما عَنتم حريص عليكم بالمؤمن!ق رؤوف رحيم ! (4) وتقول عائشة رضي الله كنها: فإنْ كان رسولي الله !! لَيَاَع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أدت يعمل به الناس فيشق عليهم " (ْ). وتقول رضي الله عنها في الركعتين اللتين بعد العصر: فوالذي ذهب به ما تركهما حتى لقي الله، وما لقي الله حتى ثقل عن الصلاة. وكان يصون كلثيراً من صلاته قاعداً وكان يصلّيهما، ولا يبقيهما في المسجد، كافة أن يثقل على أمته، وكان يحبّ ما خفف عنهم " (6).
وتروي رضي الله عنها الحادثة التالية، قالت: فخرج رسول الله أو من
(1) رواه البخاري ومسلم وأبو داود (!بهامع الأصول 1/ 246)
(2) عبدالكريم زيدان: أصول الدعوة، ص 403، 404
(3) لنا في الاسمّدلال بالآية الواردة في ذلها رأي خاص مذكرة في الفصل الثالث. (4) سورة التوبة: آخر السورة. (5) رواه البخاري 3/ 10 ومسلم. (6) رواه البحاريمما 2/ 64
75
(1/70)
عندي، وهو قرير العجين طيب النفس، فرجع وهو حزين النفس، فقلت له، فقال: إق! دخلت الكعبة وودت أفق/ أكن فعلت، إني أخشى أن أكون أتعبت أفتي من بعدي " (1).
فإن عمل بما فيه شدة، وكان خاطئا به، بق اختصاصه بذلك لئلا يقتدوا به
فيه، كما فعل في الوصال في الصوم، إذ قال: فإني لست كهيئتكم، إني أبيت لي مطعم يطعمني وشحقيني " (2).
الأمر الثالث: أنه !ك!ه كان في الأفعال الشرعية التي تتكرر يواظب غالباً على
فعل الشيء على أكمل الوجوه وأتمها، وذلك ليتعلم منه من لا يعلم، وليصححوا أفعالهم حسب فعله !. ومع ذلك الوضؤ!كان أك!ثر وضوئه ثلاثا ثلاثاً مع الإسباغ والمبالغة. وربما توضأ مرة مرة. لو مرتب مرتين، لبيان الجواز (3).
ومن ذلك الصلاة، يؤديها جماعة أمم الناس على أكمل القوه والهيئة،(1/52)
مع تخفيفها، لتتعلم منه كيفية الصلاة برؤيته و!ريصلي، بخلاف ما إذا صلى حيث لا يراه الناس، فقد كان يترخص فيصلي جالساً أحميانأ، واتخذ عمودا في مصلاه يعتمدعليه (4).
وقد قال ابن جماعة في مثل ذلك من آداب المعلم المقتدى به: "أن يحافظ على
القيام بشعائر الإسلام، وظواهر الأحكلام،..*، ولا يرضى من أفعاله الظاهرة والباطنة بالجائز منها، بل يأخذ نفسه بأحسنها وأكملها. فإن العجلى هم القدوة، وإليهم المرجع في الأحد أم، وهم حجة الله على العوّام، وقد يراقبهم من لا يعلمون " (ْ).
الأمر الرابع: عنايته يكن بان لا يسلم فهم دلالها الفعل عنه، بان يفهم منه
(1) رواه الترمذي وهذا لفظه، وأبو داود وجامع الأصولي 4/ 54) ورواه احمد.
(2) رواه البخاري ولبر!ود وجامع الأصول 7/ 250)
(3) ذكر ذلك الزركشي في والبحر المحيط) 252/2
(4) لما أسن وحمل اللحم. رواه أبو داود 3/ 226
(5) فقأ لّذكلرهّ السامع والمتكلمة ط الهند. ص 21 76
(1/71)
النسخ لقول سابق وهر لا يريده، أر نحو ذلك. فيبين ما يفرق به رائي الأعلى بين ما يجوزوما لا يجوز.
من ذلك إنه بن طه عندماظن أن سعد بن عبادة مات. وكان قد نهى عن السياحة، وقال: فإن أفه لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب. ولكن يعذب بهذا أو يرحم ! (1). وأشار إلى لسانه.
ومن ذلك أنه غضب عندما علم أن عليا يريد أن يتزوج زوجة أخرى على فاطمة رضي الله عنهما، ولم يؤذن في ذلك، ثم قال: (وإني لست أحرم حلالاً ولا أحل حراماً ولكون والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكانا واحدة أبدأ" (2). فبين أن غضبه ليس لكون الأمر محرماً، بل هو على الحل، وإن كان يرفضه هو.
ولم يتحلل من عمرته في حجة الود!غ، فامتنع بعضه الناس من التحلل،
فبي لهم أن الذي معه من الحل أنه ساق الهدي، فلا يحل حتى ينحر.
ومن ذلك أنه كان إذا فعل فعلاً بمقتضى الرخصة والعذر، ينبه أحياناً على(1/53)
ذلك من لا يدري، لئلا يظن أن ذلك الفعل هو العزيمة. ومثاله أنه ولما صلى بأصحابه بمكة قصراً وكان معهم في الصلاة مكيون، قالي لهم: ويا أهل البلد صلوا "أربعا فإننا قوم سفر" (3).
الأمر الخامس: حرصه له على نقل فعاله إلى الناس ليقتلوا بها ويتعلموا
منها أحكام الشريعة، فكثيرا ما كان يعمل العمل في مكان بارز، ويستدعي التفات الناس إليه، كما فعل في يوم عرفة، إذ شرب وهو يخطب الناس، وهم ينظرون إليه (4)، ليعلم الناس أن سنة الواقف بعرفة الفطر.
(1) رواه البخاري ومسلم وجامع الأصول 1406/11
(2) رواه البخاري ومسلم ك الرّمذي وي بو داود وجامع الأصول 83/10)
(3) رواه أبو داود والترمذي، وقال: حد!يث حسن صحيح بعون المسعود 4/ 96) (14 يفهم من روايات البخاري ونيل الأوطار 252، 254). 77
(1/72)
وكما صفه يوما على المنبر، ورجع وسجد بالأرض، وقال: وإنما صنعت هذا
لتاتموا بن ولتعلموا صلاتي " (1).
وكان يضفي بمصلى العيد (2) أمام جمهور الناس.
ود طاف بالبيت وبين الصفا وللقوة، على بعينه، ليراه الناس، وليشرف، وليسالوه ي (3).
ومن وسائده ونقله أفعاله إخباره بنفسه عن كثير مما يفعل ابتداء، أو جوابا
وعلى سؤال، أو إنكلارأ على من فعل خلاف ذلك، أو ثناء على من فعل مثل فعله ! اقرارك له.
من ذلها قوله: (إف! لا آكل متكئاً (4).
وسأله سائل هل يغتسل إذا أق أهله من كير إنزال، فقال:إ إفك لأفعل ذلك
ثم اغتسل " (ْ).
وقال لرهط أرادوا التشديد على أنفسهم: الفني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام،
وآمل، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني " (،).
وقالت لجعفر بن أبي طالب: 9 أشبهت خلقي وخلقي " (7).
ومن وسائله أيضاً أنه جمعه كان يحاول تكثير مشاهديه، وانتقاعصم من كل
العلم والإيمان ليأخذوا عنه، كما قالي في صفوف الصلاة: 9 ليلني منمنم أولو الأحلام
11 1 رواه البخاري 397/3 ومسلم 5/ 35(1/54)
(2) أبو داود والنسائي وجامع الأصول 4/ 146). (13 رواه مسلم وأبو داود والرصف/ 5531). (4) رواه البخاري 9/ هـ 54 وأبو داود 5 243/1 (5) رواه مسالم والرصف 204/1).
61) رواه البخاري 9/ 4 0 1 ومسلم 9/ 176
(7) رواه البخاري 4/5 30 واقى!يْ ا/ْ 27 78
(1/73)
والنهى، ثم الذين يلونهم 4 ثم الذين يلونهم " (1). وفي رواية: داليلني منكم الذين يتخذون عني " (2).
ورأى في أصحابه (3) تأخُرأ، فقال: !تقذموا فاتمّوا بي وليأتمَّ بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم اللهم (4).
ومن ذلك أيضا ما قال السبكي في ترشيح التوشيح عن والده:أ إن السر في
نكاح النبي عن أكل منه ربع نسوة، أن الله أراد نقل براون المثمريعة وظواهرها، وما يُستحيا من ذكره وما لا يُستحيا. والان رسول الله ! أشد الناس حياء. فجعل الله له نسوة ينقلن من الشرع ما يرينه من أفعاله، ويسمعنه من أقواله التي قد يستحيل من ذكرها بحضرة الرجال، فيتكلفل نقل الشريعة. وهز عدد النساء كتكثير الناقلين لهذا النوع. ومنهن عرف غالب مسائل الغسل والحيض والعزة وغيرها. وأيضا فقد نقلن ما لم ينقله غيرهن مما رأينه في منامه وحالة خلوته، من الأيام البيانات على نبوته ! (ْ) الـ.
ملاحظة الصحابة للأفعال النبوية من أجل الاقتداء:
كان ما تقدم ذكره داعيا الصحابة رضي الله عنهم إلى ملاحظة الأفعال النبطية الشرعية وتعرف كيفياتها، لأجل الاقتداء بها.
وتفصيل ذلك أن تؤثر شخص ما بشخص آخر حتى يقلده في فعله وأحواله
على درجات:
الدرجة الأولى: إن أي شخصين تخالطا، ورلي، حدهما ما يفعل الآخر،
فلا بد أن يتأثر به ولو قليلَاَ، ما لم يمنع ذلك مانع.
(1) رواه مسلم والأربعة والفتح الكبير 73/3).
(2) أخرجها الكم (الفمّع الكبير 72/3).
(3) المقصود كبار أصحابه المتقدمون على غيرهم قي الصحبة.
(4) رواه مسلم وأحمد وأبو داود (الفمع الكبير 36/2).(1/55)
51) نقله عبداطي الكمّاف في الترتيبات الإدارية (236/2 لموطنه نقلنا. 79
(1/74)
الدرجة الثانية: فإن كان لأحد الشخصين فضل على الاءخر، ومزيد منصب ررياسبما كان تأثر المفضول والمرؤوس بأفعال الفاضل والرئيس أظهر وأبين، حتى إنه كثيرا ما يقلده في هيئة لباسه، وعاداته في كلامه ومشيه وأكله وشربه ونحو ذلك. رقد تعَثم قول الشاطبي: فإن التالمئي في الأفعال والتروي، بالنسبة إلى من يعلم في دين أو دنيا، كالمغروز في الجبلة، كما هو معلوم بالعيان ". وإلى هذا المعنى يشير المثل القائل "الناس على دين ملوكهم " فهر يعتر عن هذه الطبيعة البشرية تحبيراً صادقاً وقد أشار ابن خلدون في المقدمة نص 147! إلى تعليل ذلك، فليرجع إليه.
الدرجة الثالثة: فإن كان لدى المتاجر مودة للآخر ومحبة وألفة، كان التوتر أعظم. وكلما كانت المحبة أعظم كان التاجر أعظم وأتت، حيث إن المحبة تدعو إلى الاتفاق بفعل ما يفعل المحبوب، ومحبة ما يحبه. وقد فضل القول في ذلك المتكلمون في المحبة (1).
وقد لمهى أفه تعالى عن في ويب المشركين والتزود ج إليهم، وعمل ذلك بقوله: فأولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ! (2) وقال النبي !: والمرء على!ين خليله فلينظر أحدكم من يخالف " (3).
وهذه الدرجات الثلاث موجودة في المؤمن بالنسبة إلى نبيه ! وكانت في الصحابة رضي الله عنهم على أتهم ما يكون، لكثرة غالطتهم له، ورؤيتهم فضله عليهم بالفضائل التي حلمه انه بها، ومنصب النبوة والإمامة اللذين أكرمه الله بهما، والمحبة العظيمة التي خالطت قلوبهم بما شاهدوه من رعاية أدبه له، ود ورام الله لهم بان اختارهم لصحبته الكريمة، وللنقل عنه إلى العافي.
وانضمّ إلى ذلك عندهم بالنسبة إليه يكره درجتان أخريين، هما:
الدرجة الرابعة: أن الله تعالى أثنى على والذين يتبعون الرسول النبيّ
(1) راجع مئلأ: ابن القيم ة روضها المحبة ! ط همشته، ص 285- 287
21) سورة البقرهّ ة آية 221(1/56)
(3) رواه الّرمفي 49/7 وقال: حديث حمسن صحيح. 80
(1/75)
الأفق ! وجعل لذلك نصيبا في الحكم عليهم بقوله: فأولئك هم المفلحون ! (1).
الدرجة الخامسة: أن الله تعالى جعل من شأن المؤمن الذي يرجو الله واليوم الأخر أنه يتامى برسول الله !ي!. قال الله تعالى: ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخرس (2)، وسيأتي القول في دلالة هذه الآية إن شاء الله، في الفصل الرابع من هذا الباب.
أثر ذلك كله في صحابته رضي الله عنهم حتى كانوا يراعون ما يفعل، وينظرون إليه كيف يفعل. ويتحينون الفرص لذلك لأجل أن يقتدوا به. فهذا زيد بن خالد يقول:أ قلت لأرقبن الليلة صلاة رسول الله تم، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين، وهمادون اللون قبلهما... " (3) الحديث.
وعن الفضل بن عباس قال:إ بت ليلة عند رسول الله !ك!يم لأنظر كيف
يصلي من الليل... " (4) الحديث.
وكان أشدُّهم يخص هذه الناحية، وقدومهم عليها، وأحرصهم على التحري
عن أفعاله كي حتى في أدق التفاصيل، عبداللي بن عمر رضي الله عنهما* وقد حفظت لنا الوثائته الحديثية نماذج كثيرة من ذلك تكشف لنا عن دوافع نفسية عميقة التاجر، بل يكاد يكون هذا المعنى هو مفتاح فقه ابن عمر، والسمة الرئيسية لما ينقل عنه من الأداء التشريعية.
فمن ذلك أنه لما دخل النبي ! الكعبة ثم خرج، يقول ابن عمر:إ فلما
فتحوا كنت أول من ولج؟ فلقيت بلالا فسألته: هل صلى فيه رسول الله مجد قال: نعم، بين العمودين العمانيين !. قال ابن عمر: (فذهب عني أن أسأله: كم صلى! (ْ).
(1) سورة الأعراف: آية 157
(2) سورة الأحزاب: آية 21
(4) رواها بولارد والرصف 377/1).
!ك! رواه مسلم والرصف 1/ 373).
(5) يراه البخاري ومسلم والرصف 1/ 557). 81
(1/76)
وكان ابن عمرت وبيت بذي طوَى بين الثنيتين، ثم يدخله من الثنية التي(1/57)
بأعلى مجلة. وكان إذا قدم حاداً أو معتمراً ينخ ناقته إلا عند باب المسجد، وكان يذكر أن النبي ! وكان، يفعل ذللا"؟).
وأحيا ابن عمر الأماكن التي صفا فيها النبي ! عند سفره لحجة الودل!
من مكة إلى المدينة، وحذر مواقعها بأوصاف دقيقة- وقد أورد البخاري حديثه في ذلك بتمامه، وهو حديث طريف طويل فليرجع إليه (3).
أثر اقتداء الأمة بأفعال نبيها في نشر دعوة الإسلام والاقتناع به:
لقد كان اقتداسر الأمة الإسلامية بنبيها جمد بعد عصر الصحابة، النابع من أحكام دينها، وتأثرها بشخصيته وأخلاقه الكريمة، دافعا كبيرا لها علما الاستقمة على أمر الدين على بصيرة من أمرها.
ولم تزل سيرة نبيها! تمثل لها أنبل الصفات والأعمال! والأخلاق. وتجسيم
المثل والمبادع! الإسلامية أمام أنظارها، فتعمل بدينها حق العمل، اقتداء بتلك السيرة العطرة.
ولم تزل تلك السيرة تبدع في الضفة أجيالا من البطولات ! تحقق القدوة
بالنبي ! بدرجة عالية، حتى كأنهم تسخ أخرى لتلك الشخصية الفذة، في صبرها وبلادها ويقينها بالله، وفي تواضعها وزهدها وصدقها مع الله، ويخص معملة الناس، مع الصدق في العلم بدين أله صايصال! منافسه إلى البشر.
وقد كان لتلك الشخصيات العظيمة الأثر البعيد فِي جذب الناس إنما الإسلام، واقتناعهم به، ورغبتهم في الدخول فيه والعمل به، ما لم تؤثره الخطب والمواعظ والأقوال البليغة. لأنهم يرون بأعينهم، ويلمسون بأيديهم، مدى الإخلاص والمّفاف! في حب الله، ومقدار النفع الحاصل بتلك الشموس المضيئهّ
11، رواه البخاري والرصف 1/ 586).
(2) 1 لبخارى 1/ 567 82
(1/77)
المبحث الأول البيان
ماهية البيان:
البيان اسم مصدر (ب!ق) فهو بمعنى التبيإ!ن، كالسلام والكلام، بمعنى التسليم والتكلليم. والتبيين في اللغة الكشف عما ليس بمعروف ولا معلوم،
و (البيان) يستعمل عند الأصولي!سن ستعمال!سن؟):(1/58)
الأول: بيان المبإق للمعنى الذي في نفسه فيصد!ق عل ما يسمى البيان (الابتدائا) وهو ما لم يرد بيانا للفظ سابق. ويصدقه يضأ على البيان بالاستعمال الثاني.
فعلى هذا كل كلام فهو بيان. قال الله تعالى في وصف كتابه العظيم: وهذا
بيان للناس ! (2)، (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء! (3) وقال عز من قائل: (الرحمن* عام القرآني خلق الإنسان علمه البيان ! (4).
والاستعمال الثاني: وضحه الصيرفي بقوله: والبيان إخراج الشيء من حيتز الإشكال إلى حيز التجلي والوضوح " (ْ). ومنه قول الله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر
(1) أشار إلى ذلك السعد التقازاني، فليراجع: التصريح على التوضيح 17/2 وذكره أيضا أبو الحسين البصري: المتحد في أصول الفقه 217/1 رسمي النوع الأول البيان العام والثاني البيان اطاع.
(2) سورة آل عمران: آية 138 (3) سورة النحل: آية 89
(4) سورة الرحمن: آية ا- 3
(5) الأمني ة الأحكام نية صولا الأحكام س/2 يم العناني: حاص!ية بها الجوامع 66/2
يم 8
(1/78)
لتبيهة للناس ما نزل إليهم !"ان فهذا الاستعمال أخحئ! من الأول. وهو الأغلب في كلام الأصولي!لن. وهر الذي سنجري عليه، ونخص ما خرج عنه، من الاستعمال الأول، لا صطلاحأ البيان الابعد ائيل.
ما يحتاج إلى البيان وما لا يحتاج إليه:
ليس كل كلام بحاجة إلى بيانه بل إن أريد بالكلام ظاهره وحقيقته كان
بئنأ لمن يعلم وضع القول. وذلك لقوله تعالى: !وأقيمرا الصلاة* وآتوا الزكلة! هو بين في إنجاب هاتين العبادتين. وقوله: لشهر رمضان ألفي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبه ناس من الهدى والفرقان فمن شهد متكلم الشهر فليصمه ! (3) بين في إيجاب أصل الصوم، لأن الوقت شهر رمضان. وكذا آية تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الليه به، هي بيّنة في تحريم ما ذكر فيها (3).
فإن أراد المتكلم بالكلام غير ظهره فلا بد من البيان. هكذا إن أراد غير حقيقته فهو يحتاج إلى القرينة المبينة للمراد-(1/59)
فمن الأولي: العام إذا أريد به الخصوص. نحو فاقتلوا المشركين !،4)،
أريد به ما عدا النساء والصبيان والرهبان ونحلم، فهو علاج إلى البيان.
ومن الثِافإ: نحو قوله تعالى ة!حتى يتب!!ق لكلم الخيط الأبيض من الخيط الأسودي (ْ) بُ!!نَ بقوله ت ومن الفجر*!-
(ا! سورة النحل: آية 44 (2) سورة البقرة: آية 185
(3) قال الشافعي رضي الله عنه: البيان في الفرائض المنصرمة في كتاب أله تعالى من أَحد هذه الوجوه،
منها: ما أنّ الكتاب على غايهّ البيان فيه فلم يحتل فيه مع التنزيل إلى كيره.
ومنها: ما أىّأ الكتبي على غزة البيان في فرف، وافترضيه طاعة الرسول، فبين رسول ألد
ين عن الله كيف فرضه. وعلى من فرضه ومتى يزال بعضه ويثبت بعضه.
ومنها: ما بينه عن سنة نبيه بلا نص كتاب بالرسالة: تحقيق أحمد محمد ضاكرص 32).
(4) سورة التوبة: آية ه (5) سورة البقرة:أ يا 187 84
(1/79)
فإن لم يكلن للكللام ظاهر 6 بان كان محتملا لأمور احتمالات متسارعة فهو مجمل. والبيان له لا بد منه أيضاً كقوله تعالى: توني أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ! (1) لم يعرف ذلك الحق ما هو، فلا بدع من بيانه.
ويقول الغزالي: 9 يحتاج إلى البيان كل ما يتطرق إليه احتمال، كالمجمل، والمجاز، والمنقولة بتصرف الشرع، والعام المحتمل للخصوص، والظاهر المحتمل للتمويل، ونسخ الحكم بعد استقراره، ومعنى قول (افعل) أنه للندب أو الوجوب، أو أنه على الفور أو على التراخي، أو أنه للتكرار أو المرة الواحدة، والجملة المعطوفة إذا عقبت باستثناح!، وما يجري مجراه مما يتعارض فيه الاحتمال، والفعل من جملة ذلك " (2) الـ.
وواضح أن الكلام قد يكون بثناء من وجه أو وجره، ولكنه محتاج إلى البيان(1/60)
من وجه أو وجوه أخرى. كما في آية لشهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن... ! إلى قوله تعالى: (... فمن شهد منكم الشهر فليصمه ! فهي بينة من حيث إيجاب أصل الصوم، ومن حيث إن وقته شهر رمضان. لكن تبقى الحاجة إلى بيان الصوم أفي الليل هو أم في النار، ومتى يبدأ ومتى ينتهي. وأيضا إذا خفي دخول الشهر أو خروجه بغيمة و نحوه. وكل ذلك قد بقلق في آيات أخرى أو يخص السنة المطهرة.
الإجمال في الفعل، ووجوهه:
الفعل وإن صحّ البيان به على الراجح، قد يكون هو في ذاته مجملا يحتاج
إلى بيان.
وقد ذكر الأصوليون من أنور المجمل الفعل، فقد يكون الفعل دائرا بإذن احتمالين فأكثر.
وممثلون لذلك بقيام النبي جمع من الركعة الثانيهّ دون جلوس: يحتمل أنه
(1) سورة الذاريات: آية 19
(2) المستشفى 51/2 85
(1/80)
ترجمه قصدا فيدل على عدم وجوبه، ويحتمل أنه تركه نسياناً فلا يدلّ على ذلك. وقد بين هذا الإجمالي بفعل آخر، وهو أن النبي ! سجد للسهر في آخر صلاته. فدلىّ طه أن تركه كان عن نسيان.
ويمكن حصر وجوه الإجمال في دلالة الفعل فيما يلي:
أولاً أنه قد يدور حكمه بي الاختصاص بفاعله، كما في الخصائص النبوية، وبينّ أن يكلون عافت له وللأمة. وكذا الاختصاص بالمكان والزمان والحال التي فعل فيها وبين سائر الأمكنة والأزمنة والأحوال.
ثانياً أنه قد يدور حكمه بي الوجوب والندب والإباحة كما سيأتي في الفصل التالي إن شاء الله.
ثالثاً أنه قد يدور بين أن يكون مقصودا به التعبد والتشريع، ربن أن يفعل
على حد الإباحة العقلية،
رابعاً أنه حتى لو كان مقصودا به التشريع، يدور بين أن يكون بيانا لمجمل
معين أر لا يكون بيانا له.
خامساً أنه قد يحور ب!!ن الارتباط بسبب معين وبين عدم الارتباط به، كالخروج في صلاة العيد إلى المصلى في الصحرا!و، هل كان لعذر ضيق المسجد فلا يسند إلا عند الضيق، أولم يكن لذلك فيسن مطلقاً
وظائف البيان:(1/61)
قام الأصوليون البيان من حيث الوظيفة التي يمكنه خط ي!ؤديها، بعض أقسام،
ا لتقر ير، وا لتفسير، وا لتغيير، وا لتبد يل (1).
(1) يقسم الحنفية البيان إلى خمسة أقسام: هذه الأربعهّ، وبيان الضرورة. ونحن/ نذكر بيان الضرورة، لأنه لا يخرج في وظيفته عن الأربعة، وإنما سمي أيان الضرورة بالنظر إلى سببه لا!الى وظيفته فلم نتعرض لذكره.
86
(1/81)
النوع الأول: بيان التقرير، ومعناه تأكيد الكلام بما يقطع احتمال المجاز،
إن كان المراد بالكلام المؤكسد حقيقته، وبما يقطع احتمال الخصوص إن كان المزيد عاماً فمن الأول قوله تعالى: أولا طائر يطير بجناحيه !"؟) فقوله: (بجناحيه ! بيان يقرر أن المراد بالطائر حقيقته، وهي الطائر المعروف كالحمام والعصافير مثلاً لا مجازه كالبريد مثلاً
ومن الثاني: !فسجد الملائكة كلهم أجمعون ! (2) فقوله: (كلهم أجمعين !
بيان يقرر ويؤكد أن المراد بلفظ: (الملائكة! عمومه، وأن الخصوص ليس هو ا لمر ا د.
النوع الثاني: بشأن التفسير. وهو بيان ما كان غير واضح الدلالة، سواء
أكان خفاء الدلالة فيه راجعا إلى الجهل بأصل الوضع وهو الغريب، أو إلي تعدد الوضع وهو المشترك، أو إلى أمر عرض عند استعمال اللفظ وارتباطه بغيره من أجزاء الكلام، أو عند تطبيقه على بعض الصور.
فمن بيان التفسير قوله تعالى: فإن الإنسان خُلِق هلوعأ* إذا مسّه الشر جزوعأ* و(ذا منه الخبير منوعأ! فإن الهلوع لفظ كريب، وقد فسرته الآيتان بعده.
ومنه قوله تعالى: جوا بطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء! فإن القرء دائر
بين الطهر والحيضة، وقد بُين بقول النبي !: إطلاق الأمة طلقتان، وعدتها حيضتانأ يا فبإذن ن القرء الحيضة.
ومنه قوله تعالى: (إلأ أن يعفون أو يعفو الذي بيده عمادة النجاح ! فإن الموصول والذي ! يحتمل أن المراد به الزوجة و الولي. وورد في حديث الدارقطني: !ولم! عقدة النكاح الزوج " (4).(1/62)
(1) سورة الأنعام: آية 38 (2) سورة الحجر: آيهّ 30 (3) رواه أبو داود والترمذي والحاكم والفتح الكبير.
(4) انظر تفسير القرطبي 3/ 206
87
(1/82)
ومما يخفى عند تطبيقه على بعض الصور نحو قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيدجهما! فإن دخول من أخذ مال كيره على سبيل العارية ثم جحده، في مفهوم (السارق)، أمر مشتبه بحاجة إلى بيان (1). فلما قطع النبي ي امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده، تبين دخوله.
النوع الثالث: بيلي التغيير. وهو البيان الذي فيه تغيير لموجب اللفظ من
المعنى الظاهر إلى غيره- وذلك في المخصصات كالشرط والاستثنل! ونحوها، وتقييد المطلق. نحر قول القائل لامرأته: "أنت طالبه إن دخلت الدار" ونحو: لله علي ألف إلا مائة" وذلك أن آخر الكلام بَ!!ق أن المراد بأوله كير ما دل عليه. والشافعية يجعلون التخصيمه من بيان التفسير.
النوع الرابع: بيان التبديل، وهو النسخ، إذ هو بيان انتهاء مدة الحكم (2)
وفي اعتبار هذا النوع بيانا اختلاف، إذ ليس هناك لفظ خفي دبي بالنسخ.
ما به يمكن البيان:
نقل الشوكاني (،) عن السمعاني) ن البيان يقع بستة أشياء:
أحدها: القول، وهو الأكبر. والثاف! ة الفعل. والثالث: الكتابة، كما بين
النبي ! أسنان الديات، ومقادير الزكاة بكلحَبه المشهورة. والرابع: الإشارة، كقوله: "الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا! (4) والخامس: التنبيه، وهو المعافي والعلل التي نوه بها على الأحكام. كقوله في بيع الرطب بالتمر: !أينقص الرطب إذا يبس؟ " (ْا والسادس: الاجتهاد من العلماء.
(1) بيان النصوكا التشريعية ص 170
،2) عمد أبيب صالح: تفسير النصوصية في الفمّه الإسلامي- ص 1 ما 3 ولداً: بدران أبو العينين بدران ة بيان النصوصية النشرعية. ص 215 وما بعدها.
(3) أرشاد الفحول ص 172 (4) رواه مسلم ونيل الأوطار 4/ 1 0 2).
،5) رواه الخمسة وصححه الترمذي ونيل الأوطار 5/ 211).
88
(1/83)(1/63)
قال الشوكاني ش وزاد شارح القمع وجها سابعاً وهو البيان بالتحلى، كما روي
أن آخر الأمرين منه ي كان ترك الوضوء مما مست النار.
قلت ة/ يذكروا التقرير في هذا الحصر، ولا بد من ذكره. فتتم بالتفصيل ثمانية.
فالفعل أحد ما يقع به البيان. وسيأتي ذكر من خالف في ذلك إن شاء الله-
حكم البيان:
البيان لما يحتاج إلى البيان واجب، لقوله تعالى: (!اذ أخذ الله ميثاق الذين
أوتوا الكتاب ليبيننه للناس ولا تكتمونه، فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون ! (1).
غانما يجب في حالين:
الأول: أن يكون السائل عن المسألة جاهلا بحكمها وهي منصوصة! دل
على ذلك قوله النبي له: ومن سئل عن علم فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من ناري (2).
الثانية: أن يأتي وقت العمل بالمجمل، ولا يتمكن المكلف من امتثاله،
لجهله بالحكم أصلًا أر لخفائه عليه. كمن أسلم، وأف عليه رمضان، وهو لا يعلم وجوب صومه، أو كيفيته، فيجب البيان له.
فلا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
أما قبل ا-حاجة ألما التنفيذ، وقبل السؤال عن الحكم، فلا يجب البيان.
ثم حيث وجب، فإن كان في الجهة أكد من عالم واحد كان وجوب البيان كفائياً و!إدط لم يكن إلا واحد تعينّ عليه
(1) سورة امل عمران: آية 187
(12 رواه أحمد والأربعة والحاكم (الفتع ال!بيى. 89
(1/84)
وبالنسبة إنما النبي !غ!رو خاصة كان بيان المجمل الذي لا يعلم إلّا من جهة المجمِل، متعينا عليه، تكليفية الصلاة، وأعداد ركعاتها وشروطها، لأنه ليس هناك ) مارة يمكن أن يعلم بها الحكم غيره من العلماء، !ك!ه.
ومثله بيان التغيير، إنْ لم يكن على التغير دلالة موجي ة يمكن أن يُعلم من قبلها.
ويدعي عليه أيضا البيان الابتدائيُّ للأحكام الشرعية الموحى بها إليه مما/
يرد في القرآن-
ويتعين عليه أيضا سائرة نري البيان حيث وجبت، إن كان لا يوجد غيره،
ممن يمكن أن يدلل على المطلوب.(1/64)
فإن وجد غيره كفى. كما فعل أبو بكر، إذ بين حكم ال!لَب أنه يجمع إعادته
إلى القاتل. باقر النبي ! ما قال،1).
هل يجب البيان لجميع الأحكام (2):
قد بيْئا أن البيان يجب في حالة: أن يسالم العم/ عن المسالة وهي منقوصة؟ وأن تقع الحادثة ويجهل حكمها.
فأما في الأولى: وهي حالة السؤال عن المنصب ع: فالبيان واجب لجميع الأحكام الخمسة واجبها ومندوبها وأباحها ومكروهها وحرامها.
وأما في الثانية: وهي حالة الوقوع رالمكئف جاهل: فإنه إذا جلس وقت المأمور به الواجب، فتركه المكلف، وجب بيانه له. أو أراد المكلف فعل محرم، وجب بيالي ترجمته إى. أما بيان المستحب فيستحب، وكذلك بيان المكروه، وذلك حرصاً من ا!لبنَ على حصول الأجر للفاعل بفعل المستحب وترك المكروه، فيصل
(11 انظر القصة في صحيح البخاري 35/8 وصحيح مسلم 12/ "6
(3) هذه المسالة تعرض لها الأجدى 3/ 40، ونحن أوفيناها بحثاً، وعرضناها عرضا أشمل. وبحثه التوفيق. وانظر أيضاً، اّلمحقق من علم الأصرلا حق 11 به.
(1/85)
للمبإ!نِّ أجر الدلالة على الخير- ولا يكون بيان المستحب والمكروه في هذه الحالة الثانية واجباً، وكذلك بيان المباحات.
ولعلّ هذا هو معنى ما نقله الغزالي عن أقوم من القدرية) أنهم قالوا:إ بيان الواجب واجب، وبيان المستحدث مستحدث " وهر قول حق، لكن بالقيود التي ذكرناها. وقد ألزمهم الغزالي أن يقولوا: وبيان الحرام حرام، وبيان المكروه مكروه. ويظهر أنه لم يفطن إلى مقصدهم.
ويستثنى مما تقدم حالة واحدة يجب فيها بيان المستحب والمكروه، وهي أن
يكون المكلف يعتقد في الفعل حكماً غير حكمه الشرعي، كمن يتنفل. في الوقت المكروه، أو يتعهد دمه بمباح ليس موضرعأ للتعدد، أو يكره سنة من السنن أو يحرِّمها. ففي هذه الحالة يجب البيان (1).(1/65)
ويمكن إعادة هذا الاستثناء إلى النوع الأول، وهو بيان الواجب، لأفي اعتقاد الأحكام الصحيحة للأفعال واجب على المسلم. فإذا أخطأ في ذلك الاعتقاد فقد ترك الواجب، ووجب بيانه له.
هذا حكم البيان في حق غير النبي !ك!-
أما بالنسبة إليه !نه! فالبيان كله واجب ليخرج الحكم كن الإبهام المطلق إذ
لا يعلم إلا من جهته. فإدا خرج، فحكمه !ن! حكم غيره إلا في بيان المكروه. أما المكروه فيجب عليه بيانه لئلا يعتقد الفاعل والمشاهد إباحته كما ياقش في فصل التقرير من الباب الثاني إن شاء الله.
(1) ا نظر: الشر طبي: ا لموا فقات 3/ 322
91
(1/86)
المبحث الثاني
البَيَان الفِعلي
ذكرنا في المبحث السابق أحكام البيان إجمالاً ونخصص هذا المبحث بالبيان الفعلي:
حكم البيان بالفعل:
البيان بالفعل أحدث هو، البيان. فيمكلن استعماله حيث أفاد المطلوب.
وواضح عقلا أن النبي-له لما كان واسطة لتبليغ الشريعة وبيانها، فإنه يبين بالطريقة التي يختارها. فإما أن يبين المشكل بأقواله أو بأفعاله. فلما صحّة البيان بالأقوال لكلونها!ليلأ على المطلوب فكذلك يصح البيان بالأفعال حيث تدل على المطلوب.
فما أفاد فيه البيان بالأقوالى والأفعال، أجزأ بكل منهما"\ ). ويكون ذلك واجباً نحئرأ، أفيَ الخصلتين فعل فقد أو ما وجب عليه. وهذا مذهب أكر العلماء. وقد قاده عبدالجبار (2) بان لا يختص أحدهما في كونه مصلحة بما ليس في الأخر، وهو بمعنى ما ذكرناه أعلاه من اشتراط الإفادة.
وقد منع بعض الأصولي!!ن وقوع البيان بالأفعال. ئقِلى ذلك عن أبي إسحاق
(1) راجع كتاب أبى ضامة ة المحقق من علم الأصول، ق 11 ب. (2)1 لمغني 250/17
92
(1/87)(1/66)
المركزي الشافعي، رعنا ب الحسن الكرخي الحنفي (1). ونقله السرخسي (2) عن وبعض المتكلمين)، وقال: (إن هذا منهم بناء على أصلهم أن بيان المجمل لا يكون إلا متصلا به. والفعل لا يكلون إلا منفصلا عن القول ". تم قاله: (فأما عندنا: بيان المجمل قد يكون متصلا به، وقد يكون منفصلا عنه "*
وذكر البناني+) أن محل ا-خلاف إذ/ يعلق البيان بالفعل قرلأ. والا فلو قال:
القصد بما كلفتم به من هذه الآية ما أفعله، ثم فعله، فلا خلاف أنه بيان، كما ذكره القاضي (الباقلاني) في تقريبه.
أقول ة فعلى هلالا ينبغي أن يكون خلاف في أن ما فعله النبي ي في حجة
الودل! مثلًا، بيان لاغية الأمر بالحج، ديونه ! قال لهم: أخذوا مناسككم دولي لا أرضى بعد حجتي هذه "،4).
وكذلك لما صلى به جبريل لبيان أوقات الصلوات يومين متتالين، يصلي في
اليوم الأول أول الوقت، وفي اليوم الثاني آخره؟ ثم قال: الوقت ما بين هذين. أقول: وينبغي أن يحصر الخلاف أيضا في الأفعال التي تدل بالأسوة، لا فيما يستعمل بمعنى المخاطبة، كالإيماء، والإشارة، فإنها قائمة مقام الأولى. كما سئل النبي ! يوم النحر: (ذبحتة قبل أن أرمي " فأوما بيته، قال: ألا حرج وأ هو. وكما قال !: كان في الجمعة ساعةً لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي
يسال الله فيها خيرا ألأ أعطاه إياه 611). وأشار بيده يقللها.
(1) انظر النقل عنهما في: برشاد الفحرلا ما 173
(2) انظر: أصوله الأرضي 27/2
(3) حاشية السناني على بيع الجوامع 2/ ملأ وقد جعلا صاحب تيسير الشحرير،175/3، 176) هذا النوع مما فيه ا-آلاف وما قاله البياني والباقلاني أولى.
(4) رواه متسلم 44/9 وهذا لفظه. ورواه النسائي 5/ 270 بلفظ يا أيها أمناس خذوا مناسككم لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا.
(5) رواه أبو داود وجامع الأصول 4/ 1111.
(6) رواه مالك واحمد ومسلم والفتح الكب!!.
93
(1/88)
ومثل الإشارة: الكتابة والعقد، وسائر ما يؤدي مؤسس القول (1).(1/67)
ووجهة من يمنع كون الفعل بيانا أن البيان بالقول ممكن، والبيان بالفعل أطول زمنا منه بالقول، فيتأخر البيان به مع إمكان تعجيله وتياره بالقول، وذلك عبث، والعبث ممتنع على الشارع.
وقد أجاب الأولون عن ذلك بأجوبة (2):
الجواب الأول: عدم التسليم بالون البيان بالأطول عبئاً فإن كون أحد الطريقين إلى الهدف أقصر من الاءخر، لا يلزم منه وجوب سلوكه، وترك سلوك الطريته الأطول. فقد يكون الأطول أيسر كما هو معلوم. وقد يكون أوضح وأثبت في الذهن وقد يتبع سلوكه حصول فوائد أخرى (3". وقد تقدم إيضاح ذلك له التعليم بالمشاهد!ة، فلا نقرره.
(2 (3
أشار ألي ذلك أبر الحسين البصري في المعتمد 338/1 وأيضا الشاطري في الموافقات 346/4، 247
انظر: في هذه المسالة كلام أبي الحسيها البصري في المعتمد 338/1 رالقرافي: شرح تنقيح الفصوله دعا 123، 24 1. وأيضاً تيسير التحرير 3/ 175، 176 والأمني 3/ 34 وانظر كمثال على ذلك هذا الحديث:
عن أبي هريرة رضي إلة عنه قلل: () قيمت الصلاة، وعدلت الصفوف قياماً، فخرج إلينا رسول ا ضؤ لأكرر علما ولم في مصلاه ذي أف جنب، فقاد: "مكانكم " ثم رجع ف!نهتسل، 3 طرح إلينا!رأسه يقطر، فيبر وصلينا معه " رواه البخاري ومسلم وغيرهما. فقد تبينت بهذا الحديث أمور، كما بوب له بها أصحاب كتب الحديث.
فبوب له البخارىِ: باب إذا ذكر في المسجد أنه جلب يخرج كما هو ولا يتيمم.
و: باب هل يخرج من المسجدي بعد الأذان) لحلة.
و: باب إذا قال الإمام: مكانكم ثم رجع انتظروه.
وفي صحيح مسلم: باب متى يقم الناصية إلى الصلاة.
ولمالك يخص الموطأ: باب إعادة الجانب الصلاة وغسله.
ولأبي داود: الجنب يصلا بالمقوم وهو نايمه.
وللنسّائى: الإمام يذكر يعد لقيامه أنه على غر طهارة.
وقال اطافظ يخص الفتح: ويخص هذا ا-لثلث من الفوائد:
(1/89)
جواز النسيان على الأنبياء. قال: في أمر العبادة، لأجل التشريع. 940
(1/90)(1/68)
الجواب الثاني: عدم التسليم بكون الزمان الفعل أطول في كل حال. وخاصة في الفعل ذي الهيئات والكيفيات التي يصعب تحديدها بالقول، كالوضوء مثلاً، فإن تبيين كيفيته بالفعل أخصرمنه بالقول. ولو ذهبنا نحدد بالقول ما أوضحناه بالفعل لطال الأمر وتكرر، وصعب على الذهن مع ذلك ضبطه (؟). الجواب الثالث:) ن ذلك وقع في السنة، ومنه شربه عن يوم عرفة وهو راكب على بعيره ليعلم الناس أنه مفطر.
هل يشترط لاعتبار الفعل بياناً عدم وجود قول صالح للبيان:
اشترط ابن فورك (2، لصحة اعتبار الفعل بيانا أن لا يكون هناك قول صالح
لأن يكون بياناً ووجه ذلك عنده أن الأولى هو الأصل لا البيانو، وأن الفعل يكون بيانا بغيره، والقول يكون بيانا بنفسه، فإذا وجد ما هو الأصل في البيان امتنع العدول عنه إلى غيره.
وسياقه في مبحث اختلاف القول والفعل في البيان، ما يعلم به بطلان هذا
ا لا شهر ان.
(1
(2
جواز الفصل بين الإقامة والصلاة.
جواز انتظار اكمومين مجيء الإمام قياما للضرورة-
لا يجب علا من احتلم في المسجد فاراد الخروج منه أن يتيمم.
جواز الكللام بين الإقامة والصلاة.
جرأة تأخير الجنب الغسل عن وقت الحدث.
فانظر هذه الفوائد كدها كيف تحصلت منا فعلا واحد،،يمثلن للحاضرين) ن يفقهوها بيسر. وكيفا آه لو اشمّغل ببيانها قولا لاحتاج إلى مجل!حا طويل أر مجالسي، وربما لم تستقر في أذهانهم استقرارها بهذا الفعل اليسير.
يقول العمدي (35/3، 36):) ما القول بان البيان بالفعل مما يفيهما إلى تأخير البيان مع إمكلون تقدمه بالقول فغير مسلم. بل التعريف بالقول، وذكر كل فعل بصفته بهيئته وما يتعلق به، أبعد عن التشبث بالذهن من الفعل المشاهد... وربما احتيج في ذلك إلى تكرير في أزمنة تزيد على زمان وقوع الفعل بأزمنة كثيرة، عل ما يشهد به العرف والعادة. الزركلي: البحر المحيط 2/ 181 بن
95
(1/91)
هل يصلح الأعلى وحده بيانا دون اضمم قول يدل على أنه بيان:(1/69)
يبتلامن مما تقدم أن الفعل يمكن أن يقع بياناً بقرينة تدلى على أنه بيان لكذا
وكذا من الأقوالا القرآنية) و النبوئية.
ثم قد تكون تلك القرينة قرلأ؟ كمارا الحديث: وصلوا كما رأيتموف! أصلي !
و 8 خذوا مناسككم " وقد تكون غير ذلك (1).
كليفية بيان كل من الأحكام الخمسة بالأفعال:
تقدم لنا أن البيان بالفعل قد ينفرد عن الأولى. وقد يرد مع القول فيؤيده ويقويه، ويقطع عنه احتمالات شتى، ويدخل معنا هنا البيان الابتدائي بالفعل فيصدق عليه ما يصدق على بيان المجمل.
والمراد هنا أن نوضح الطرق التي بها يكون الفعل بياناً للأحكام الواردة في الكتاب والسنة، بترتيب أحكامها. وقد اعتنى بذلك الشاطري (2). ونحن نذكر بإيجاز، مع العلم أنها قواعد غالبية، ويكفي بها البيان بالقول أحياناً
ا- الواجب: بيانه بالأعلى. مع المداومة عليه وعدم الترك، ولا يتسامح في
الترك مطلقاً
2- المحرَم: بيانه بالترك المطلق، ولا يتسامح فتى فعله ألبتة، سواء أكان
كبيرا أو صغيراً، وسيأتي ذلك في مبحث العصمة النبويَة، في فصل راحتي إن شاءالله.
3- المندوب: ينقسم قسم!!ن، بحسب حالي المبين له:
أ- فإن كان جاهلا بأصل الحكم، فالبيان له بالفعل ليقتدي به.
ب- وإن كان المبيت له مظنة أن يعتقد أن ذلك المندوب واجب، كما إذا حافظ علمه والتزمه التزام الواجبات، أو خيف عليه أن يعتقد ذلك، وجب) ن (1) وسيا!ما استيفاء الأولى في ذلك في مبحث الفعل البياني من الفصل الرابع إن شاء الله. (2) الموافقا!318/3- 336
96
(1/92)
يفرق له بينهما بترك التزامه من قبل الطبق. وفي حديث عيشة: د!إن كان رسول الله ف ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به نحافة أن يعمل به الناس فيفرض عليهم "ا)، "وكان يحب ما خفّ على الناس " (3".
وقصة إفطاره ! يوم عرفة بمرأى من الناس تصلح شاهداً لهذا الأصل،
وقام في رمضان ليلتين أو ثلاثاً، فقاموا خلفه حتى كثروا، فتركه بعد ذلك 6(1/70)
حمله الخطابب+) على معنى الترك بياناً لئلا يظن وجوبه.
4- المكروه: بيانه ينقسم قسمين بحسب حال المبيّن له؟ كما تقدم في المندوب.
أ- فإن كان المبين له جاهلًا بأصل الحكم، فالبيانه له يكون بالامتناع من الفعل، وإظهار كراهته، لتعلم. والترك في المكروهات هو الأصلح في حق النبي صل لمقتضى العصمة، كما ياقش في مبحث الفعل البياني.
ب- وإن كان المكروه مظنة اعتقاد لزوم الترك، كمن اعتقد المكروه محرما أو
خيف عليه أن يعتقد ذلك، فإن بيانه يكون بفعل الكروي. وسيأتي أن النبي-أحلى قد يفعل المكروه بيانا لعدم تحريمه. وهذا الغرض هو المقصود هنا. وعندما علم النبي ! أن أناساَّ كرهوا (4) أن يستقبلوا بفروجهم القبلة قال: () وَقد فعلوها؟ حؤَلوا مقعدته إنما القبلة!أْ).
5- المباح: بيان إباحته بفعله أحيانا وتركه أحياناً ويتأكد الفعل إذا كان
المباح مظنة اعتقاد التحريم أو الكراهة، ويتأكد الترك إده لا- ن مظنة اعتقاد الوجوب أو الندب. وقد قال ابن مسعود: ألا يجهلن أحدكم للشيطان من نفسه جزءاً لا
(1) رواه البخاري 3/ 10
21) رواه مالك في الموطأ من حديث عائشة (فتع الجاري 525/10).
لأن فتح البارز 3/ْ ا
(4) الكراهة هنا بمعنى التحريم.
(5) رواه أحمد وابن ماجه، وقال النووي: إسناده حسن. وقال الذهبي حديث منكر (نيلى الأوطار 1/ 95، 96).
97
(1/93)
يرى إلّا أن حقاً عليه ألَا ينصرف الاّ عن يمينه ث أكثر ما رأيت رسول الله !نه!ه ينصرف عن شماله " (1).
ما يمكن حصوله بالأفعال من أنهلك البيان:
قال الجمعاني: "يحصل بالفعل جميع أنو 3 البيان "2).
أومأت البيان الابتدائي: سيأق! ذكر إمكانية كون الفعل النبوي بياناً ابتدائيات، والخلاف حول ذلك؟ في فصله الفعل المجرد، مت هذا الباب.
ثانياً بيان التقرير: وهذا واضح من دلالة الأفعالى. فإن السنن العملية(1/71)
كئيرأ ما تكون مقررة لحقائق ألفاظ الكتاب والسنة القولية، وظواهرها. فما فعله النبي !ك! تنفيذاً لما في الكتاب، عُلِم به يقيناً أن المراد به حقيقة اللفظ دون مجازه. ويمكن بهذه الطريق الرد على المؤوِّلة من الفلاسفة والباطنية ودعاة الفاطمي!س وغيرهم من الملحدين والمبتدعيها، فيما لخلوه من الأحكلام الشرعية. فلو تعرفوا في تأويل الأقوالى لم يمكنهم ذلك في الأفعال. ومن أجل ذللت يحصل التحقق دون ريب من كذبهم في دعاوى كثيرة "3).
هذا وإن فائدة الأفعال في هذا النوع من البيان واضحة أيضا في قطع استبعاد الحقائق التي تتضمنها الأقوال ! ومن ذلك ما قصه الله علينا يخص كتابه: وأو كالذي مر علا قرية وهي خاوية على عروشها، قالت أنَّ يحي هذه اللّه بعد موتها فأماته الليه مِئَة عام ثم بعثه... ! إلى أن قالي: !... فلماتبيّن له قال أعلم أن الله على كل شيء قديرا (4) وفي الآية التالية لها: !وإذا قال إبراهيم رث أرفع كيف تحمي (1) رواه متسلم 5/ 330 وروى مسلم عن أقصى بمعناه.
21) الزركشي ة البحر المحيط 1253/3.
(3) مثل ما ذكر في وقواعد عقائد آل محمد؟ لمحمد بن الحسن الديلمي، أستانبول، مطبعة الدولة، 938 1 صهكا 47) من فوله: قالا صاحب (تاولل الشريعة): "ال!لواث الخمسلى طاعات الأول والثاف! والناطق والأساس والإمام " وقال صاحب (ت!يل الشريعة) (الصوم
(1/94)
هو السر على إمامك وح!جتكأ ودال "الشجرة الملعونة في القرآن بنو أمية! وقال في ((ذ يبايعونك تحت الشجرة): شجرة الإمام.
(14 سورة البقرة: 359، 265
98
(1/95)
السوق، قالت اوًلمْ تؤمن قال بلى ولكن ليطمكئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصُرْهُنَ إليك ثم اجعل على كل جبل مخهن جزءاً ثم ادعهن يقينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم ! فحصل بالفعل من طمانينة القلب واليقين بالخبر ما/ يحصل بالقول، وإن لم يشك في صدقه، إذ هو قول رب العالمينا.(1/72)
ثالثاً بيان التفسير: وقوع هذا النوع من البيان، بالأعلى، كثير. فقد بين يد الوضوء فعلاً، وكذلك الصلاة، والحج، والطواف، والسعي، وغيرها.
رابعاً بيان التغيير: وهو بيان أن المراد باللفظ خلاف ظاهره، ومثاله
خديه عن عن القول في الطرف قبل الاندمال! (1) وروي أنه أقاد قبل الاندمال (2)، فتبيَئ بالفعل أنه أراد بالنهي الكراهة دون التحريم. ومن بيان التغيير التخصيص، وسنفرد لتخصيص الأدلة الشرعية بالأفعال النبوية مبحثاً خاصا في أوائل باب التعارض وهو الباب الثالث من هذه الرسالة-
خامساً: بيان التبديل: وهو النسخ، وسيأتي ذكره أيضاً في باب التعارض.
القوة والوضح بين البيان القوليّ والبيان الفعليّ:
اختلفت أقوال الأصوليين أيهما أقوى دلالة: القول أم الفعل؟ فمن قائل:
القول أدل من الفعل، ومن قائل: الفعل أدل منه،3)، ومن قائل بالتفصيل في ذلك.
المذهب الأول: احتج القائلون بأن القول أدق، بما يلي:
أولًا: أن القول له صيغة، فيمكن أن يعلم المراد به من جميعِ الوجوه، والتعب!!ر به عن كل ما يخص النفس، بما يكون نضأ في المطلوب أو ظاهران. حيث إده الألفاظ موضوعة لمدال! معلومة يمكن تركيبها لتدل على المراد عيناً، وبدرجة العموم (1) روى ذلك الدارقطني ونيل الأوطار 7/ 30)
(2) رواه أحمد والد القطني ونيل الأوطار 7/ 35).
(3) قالت بو الحسين البصري في المعتمد نص 340): إن الفعل أكشف لأنه ينبىء عنا صفة المبين مشاهدة.
99
(1/96)
والخصوص المطلوبة، وبما يدل على الحكم المراد. وقد قال الشاعر:
القول ينفد ما لا ينفي الإبَر
أما الفصل فلا يقع إلا على صورة واحدة، ولا يتعدى تلك الصورة بنفسه،
فلا يفهم منه بنفسه درجة الحكم أهي الوجوب، أم الاستحباب، لا الإباحة، ولا يعلم قدر انسحابه على أشخاص آخرين غير الفاعل، وعلى أحواله أخرى غير الحالة التي وقع عليها،؟).
ثانياً أن القول يمكن أن ئدَل به على أنه بيان للمجمل، بخلاف الفعل،(1/73)
فإنه لا يدل بنفسه على فلك، فلا يعلم ذلك إلها بدليل غيي فعلي، إما بالأولى، وإما بالعقل؟ وإما بان يعلم ذلك بالضرورة من قصده.
ثالثاً إن الفعل لا يمكن الدلالة به على المعدوم والمعقولة، بل على الموجود والمحسوس خاصة، بخلاف القول، إذ يمكن الشعبي به عن كل ذلك (2).
رابعاً إن الفعل البياني، قد يلازمه حركات وأوصاف غير مراد أن تكون
بياناً ويعرف ذلك بالاستقراء (3). وهذا قد مشعل ما كل جزء من أجزاء الفعل البياني احتمالاً أنه غير مراد. وهذه الاحتمالات لا يمثلن إزالتها إلا بتكرار الفعل مع حذفها، أو بالقولة، أو بغير ذلك من القرائن، كما وقف النبىِ! بعرفة في مكان معين، فلئلا يظن ظان أن ذلك المكان مقصود قالت:، وقفت هنا وعرفة كلها موقف ". وقال في مزدلفة مثل ذلوا، وقال قي النحر به: 9 نحرت هنا ومنى كلها منبر" (4). وفي رواية (ْ)- "وكل فجاج مكة طريق ومنحرف (6).
(1) القاضي عبدالجبار بن أحمد الهمداني: المغني في التوحيد والعدل 17/ 265، 226، وانظر أيصح: تيسيير التحرير، حيث حكاه في 148/3 والبنائي: حاشَيته على شرح جمع الجوامع
31) عبدألكه طراز: حاشية على المواف!قات 3/ 314
(3) تيسر المّحرير 149/3 والبناف! على شرح جمع الجوامع 2/ 0 0 1 والعلاجي ة تفصيل المجال ق 12
(4) تيسر التحرير 3/ 76 1 (5) رواها بو داود 3/5 1 4 رسم ت عنه المنذرة. (6) انظر: روايات الحديث لا جامع الأصول 4/ 75
100
(1/97)
والقول يمكن إخلاؤه عن مثل هذه الاحتمالات.(1/74)
ووجه خامس: نضيفه إلى ما ذكره الأصوليون، وهر أن الأولى تتبلور به الأحكام والصلاة بأن الأمور. وكم من حقائقه كانت موجودة بالفعل، ولكن لا يلتفت الناس إلى وجودها، ولا ينتبهون إلى أنها تمثل دررا فيما يجري (بالفعل) أمام أبصارهم. فلما قُيض لها شخص ذو فنانة وذكاء، فلمحها وعبر عنها بالقول، أصبحت شيئا معل!مأ يمثلن لغيره من الناس فهمه وتطبيقه والاستفادة منه، ويؤكد ذلك حوادث استخراج موانيها الظواهر الطبيعية، كالكهرباء والجاذبية والمغناطيسية والحرارة والبرودة، وتاثيراتها المختلفة. وشبيه به ما نراه لعللا الصحابة كعائشة رضي الله عنها، في فهمها للأحكام وأسبابها من أفعال النبي كننا، في شؤون طهارته وصلاته بالليل والمار وصيامه وغير ذلك، وما نراه لأئمة الأصوليلاين من استنباطهم لقوانين الأصولي، مع أنها كانت جارية قبلهم (بالفعلى) في نصوص الكتاب والسنة وكلام الناس، وهكذا الخليل مع قوانين العروض، وهكذا أيضا قوانين كل علم وفي مما يوقته الله من شاء من كل المواهب لاستخراجه والتعبير عنه. وبه تعالى التوفيق.
المذهب الثاني: احتج القائلون بانا الفعل أبلغ في البيان، بأدلة، منها:
أولاً: أن يتب!ق بالفعلة من الهيئات والتفصيلات ما يصعب بيانه بالقول،
حتى أن ما يتبلاينَ بالفعل ليتعذر ر بيانه بالقول أحياناً (1)، خاصّة وأن من الهيئات الفعلية ما لم يوضع له لفظ خاص.
وثانياً: أن الفعل أفعله في النفس، بحيث تطمئن إليه أكد، ويشمر في الذاكرة زمناً أطول (2). وقد تقدم ذكر هذا في التعلم بالمشاهدة، وأيضا في البيان الحّقريري بالفعل.
ومما ذكروه من هذا الباب ما وقع في الحديبية، حين أمرهم النبي يئه! بالفسخ
(1) انظر تيسير التحريري والقرافي: شرح تنعّيح الفصول ص 123، 124 والأمني: الإحرام 34/3
(2)) شار الأمدي إلى هذا الدليل، حكاه القاضي عبدالجبار في المغنهط.
(1/98)(1/75)
فلم يمتثلوا، حتى اشتد حزن النبي ويهيم لذلك، فلما أشارت عليه أم كلمة بأن يحلق دون أن يكلمهم، فحلق، سارعوا إلى الامتثال (1).
وثالثاً أن القول يؤكد بالفعل، والتأكيد أقوى من المؤكسد. وقد كان
النبيّ هون يؤكد قوله بفعله، كفسخ الحج، والطهارات.
رلكلن هذا الدليل لا يثبت، إذ ليس من المسلّم أن التوكيد لا يكون إلا
أقوى من المؤكسد، بل قد يؤكد الشيء بأضعف منه، إذ الحاصل بالاجتماع أقوى مما يحصل بالانفراد، وملئه هو المطلوب بالتأكيد. وسيأتي لهذا المعنى مزيد بيان ما ما يأتي من هذا الفصل.
ورابعاً: أنا القول يدخله احتمال المجاز والنقل، وغزير ذلك. والفعل يخلو
عنها (2).
المذهب الثالث: القول بالتفصيل:
الشاطري في الموافقات (3/ نحا منحى آخر غير ما تقدم، فهو يرى أنه لا يصح
إطلاق الكولا بالترجيح بين البيانو. وقسّم المسألة قسمين:
القسم الأول: يستوي فيه البيانالي وملئه أن يكون المور به فعلَاَ بسيطاً، أو
وجد له نظير في المعتاد ولو كان مركباً لكونه معلومآَ، فينصرف إليه اللفظ. فالأول: كمسألة الغسل من التقاء الختانن مثلًا، فإنه لبسطاته وقلة
(1) أشار إلى هذا الدليل السرخسي الحنفي؟ انظر أصوله؟ 27/2
(2) لعل هذه الوجوه تفسر لنا لم كانت بعض الأحكام تبين بالفعل مع طوله، ويترك القول مع إيم!ازه وقصره، ومن ذلوا أن الله تعالى اختار أن يبين مواقيت الصلاة فعلاً وارسل جبريل
عام النبي ! بالصلوات الخمس في يومنا متواليين، صلى في الأول في أود الوقت، وفي الجاف في آخر الوقت. وسالم سائل النبي عن عن مواقيت الصلاة، فقال له: فعل معنا، فصلا معهم يومين، صلى فيها النيل جم!لى رسوم الصلوات في اليوم الأول أود وقتها وفي
اليوم الثاني آخر وقتها، ثم قال: الوقصّ ما بين هذين !
فقد استغرق البيان لهذه المسالة يومين كاملين.
(13 الصفحات 3/ 311- 315
102
(1/99)(1/76)
تفصيلاته، شيء واحد. ولكونه معتاداً ينصرف إليه القول إذاسفَي باسمه الخاص. فلو أريد تبيان الجنابة الموجبة للغسل بالقول مثلاً، كقوله-له: وإذا التقى الختانان فقد وجب الغسل " (1)، أو اغتسل فعلا من التقاء الخزانين، حصل بيان الجنابة بكل منهما على التساوي.
والثاني: وهو ما له نظير في المعتاد، ولو كان مركباً. كما لو طلبْتَ من البناء
أن يبني لك بيتا على أن يكون مماثلا لبيت معين مبين فعلَاَ، وضمان الاسم الموضوع لذلك النوع يطلق عليه بتفاصيل كثيرة الأ!ها معتادة ومتعارف عليها. فيكفي القول، ويقع مقام الفعل، والفعل يقوم مقامه تماماً
(1/100)(1/77)
القسم الثاني: الأفعال المركبة الكثيرة التفاصيل، من أركان وشروط ومستحسنات، وتلحقها مبطلات رعوأرض، و/ تجربها عادة بحسن لناس تحئَد المراد باللفظ تحديدا وافية. فحينئذ يكون البيان لها بالفعل أبلغ ومن جهة بيان الكيفي أت المعيّنة المخصوصة التي لا يبلغها البيان القولي. ولفلك بيّن النبي ! الصلاة بفعله لأمته، والحج، والطهارة، وإن جاء فيها بيانا بالأولى، فإنه إذا عرض نصف الطهارة في القرآن على عين ما تلقي بالفعل من الرسول به، ! أن المدخلى بالحسقَ من الفعل، فوق المدرك بالعقل من النص، لا محالة. وهَبْه عن زاد بالوحي الخاضكا أمورا لا تدرك من النصر على الخصوص، فتلك الزيادات بعد البيان إذا عرضت على النص لم ينافها، بله يقبلها، كما في آية الوضوء!. فالفعل من هذه الجهة أبلغ. أقول: ومثاله من الواقع ما لو أردت أن دبي صفة حيوان غريب لم يره السامعون من قبل، فوصفت تفاصيل خلقته وحجمه ولونه وطباعه، فمهما أطنبت في ذكر التفاصيل قولاً فلن تتم من لدى السامين الصورة المطابقة للحقيقة بتفاصيلها، فلو أريتهم الصورة الشمسية الملوّنة لذلك الحيوان، اتّضحت الفكرة عنه أكثر، فلو أريتهم تمثالاً مجرما للحيوان بنفس حيجمه ولونه تعاظم وضوح الفكرة. ثم لو أريتهم الحيوان نفسه، فرأوه بأعينهم، ولمسوه بأيديهم، ورأوا أحواله وحركاته، وشاهدوا طباعه، فإنهم يعلمون من تفاصيل ذلك ما لم يعرفوه بسمماع
(1) رواه ابن ماجه (الفتع الكب!!.
153
(1/101)
الأولى، حنى لو حصلت مقارنة بين الصورة الذهنية التي تكوّنت بسماع القول ) ولا، وبين الصورة التي تكلؤنت برؤيته (فعلأ) لكانت الأخيرة مختلفة عن الأولى بنسبة كبيرة، هي بها أقرب إلى الحقيقة.(1/78)
ومثل ذلك في الشريعة أن الحجَّ تذكر صفته يخص كتب الحديث والفقه بالتفصيل، ومع ذلك فإنه لا يتبلايق تبيّنا كاملا حتى للمدرس!سنسائر الفقهاء، إلا برؤية أفعال الحجاج وأماكن الحج وما يفعل في كل منها، فإذا رأى ذلك، وفعَله، أصبحت معرفته ضرورية، على ما هو معلوم بالتجربة.
ومن جهة أخرى يكون القول أبلغ، وذلك أنا القول بيان للعموم والخصوص في الأحوال والأزمان والأشخاص، فإن القول ذو صيغ يمكن بها تبي!!ن هذه الأمور ونحوها، أما الفعل فهو قاصر عله فاعله، وزمانه، ومكانه، وحالته. قاله الشاطري: الو تُرِكنا بالفعل الذي فعله النبي ئي مثلاً لم يحصل لنا
منه غير العلم بأنه فعله، في هذا الوقت المعين، وعلى هذه الحالة المعينة- فيبقى علينا: هل ينسحب طلب هذا الفعل منه في كل حالة لو في هذه الحالة؟ أويختصٌ بهذا الزمان أو هو عام في جميع الأزمنة؟ أو يختمه به ضده أو يكون حكم أمته حكمه؟ ثم بعد النظر في هذا، يتصدى نظر آخر في حكم هذا الفعل الذي فعله: من أفي نوع هو من الأحكام الشرعية".
فهذان النتعدد لا يمكن تبيينهما بالفيلا، ولا بدا من القول، أو وضوح القرائن، لبيان ذلك. ومن هنا احتاجت الأفعال النبوية إنما دليل خارج عنها يبين أنها دليل في حق الأمة.
والحاصل: ان البيانين يستويان في الفعل البسيط، أو الأعلى المركب المعتاد
الذي له لفظ يدل عليه بالتحديد.
ويرجح البيان بالفعل من جهة بيان الفعل الكثير التفاصيل غير المديد، ومن
جهة قولوه في عمق التاثيث النفسي، وقوة التشبث بالذهن.
154
(1/102)
ويرجح البيان بالقول من جهة العموم والخصوص، ومن جهة درجة حكم الفعل، ومن جهة تعليقه بما هو بيان له.
أعلى أولا البيان:
نقل الزركشي أن بعضهم رتب أنها ما يقع به التبيين حسب قوتها، هكذا:
القول، ثم الفعل، ثم الإشارة؟ ثم الكتابة ثم التنبيه على العلة (1).
ولما الشاطري (2) فيرى أن اجتماع القول والفعل متطابقين هو الغاية في(1/79)
البيان، كما حصل بذلك تبيين الطهارة والصلاة والضرب والحجّ. ولا شك أن اجتماع البيانين المذكورين أقوى، وذلك من وجره:
الأول: إن كلا من القول والفعل، يسد ما في الآخر من النقص، برفع الاحتمالات التي مر ذكرها.
الثاني: أنه يضيف إلى الأخر ما له من خصائص بيانية.
الثالث: أنه أصلا نوع من التكرار، والتكرار تأكيد وتقوية.
ومن الملاحظ عملئأ أن ما!رد فيه البيان بالقرل! والفعل من العبادات، كالصلوات الخمس مثلاً هو أوضح كثيرا مما ورد فيه البيان بالقول خاصة، كصلاة الاستخارة، أو بالفعل خاصة، كصلاة الكسوف، وصلاة الجنازة، وصلاة العيدين، وصلاة ا-فوف، وصلاة الاستسقلر. ولعله لذلك يجري فيها من الخلاف ما هو أكثر، نسبياً من النوع الأول، وان كان إثبات ذلك بحاجة إلى تتبع وا ستقر ام.
ألأ أننا نرى اجتماع أنو 3 أخرى من البيان معهما، يكون به البيان أقوى.
وأهتم ذلك التقرير، فإن لدل على رضا السبق عن الصورة الذهنية التي حصلت لدى المبني له. فإن البيان قد ينهون وافياً، ولكنّه فهام بعض السامعين تقصر أو تغفل. فإن عَمِل المبيّن له بما بُيَن، فوافقه السبق على فعله، رأقرِّه، فذلك أقوى ما يكون البيان، كما تقدم في التعلم بالممارسة.
(1) الشوكاني: أرشاد الفحولة ص 73 1 (2) الموافقات 3/ 1 31- 4 31
(1/103)
رجوع البيان بالقول إلى البيان بالفعل:
إن القول المبين عن الفعل قد يرجع إلى الفعل. وذلك أن الفعل يسمى بألفاظ لغوية، فإن كانت مجملة فسرت بألفاظ أخرى تعبر عن أفعال، ف (الصلاة) مجمل يفقتر بأنها الأفعال المعلومة، من القيام رالتكلبير والقراعق والركوع والسجود والتسليم وغير ذلك. ومعافي هذه الألفاظ/ تُعلم ألأ بفعلها،-لو رؤية من يفعلها، بحيث إن من لا يعلمها لوس ريد تفسيرها له، لفعلنا أمامه الركوع مثلاً ثم قلنا له: هذا الركوع، وهكذا السجود وغيره، فقد عاد البيان القولي عن الفعل إلى الفعل.(1/80)
وقد قال الشاطرى: 9 هـ(نما يقرب مثل هدا القول الذي معناه الفعلي بسيط
وجد له نظير قي المعتاد، وهو إذ ذاك بحالة على فعل المعتاد، فَبِه حصل البيان لا لا لقوله (1).
والألفاظ المعبرة عنه فعال مركبة أشدُّ حاجة إلى هذا النوع من البيان الفعلي.
وهذا شان الأسماء اللغوية غالباً فإن فهمها، أو فهم ما في رد به من الألفاظ لا يتم من غير أن تكون لدى السامعي خبرات عمليّة سابقة)، إذا سمع اللفظ نزّله عليها ليفقه المراد به. ومن هنا يعلم أن ضيق الأفق، وقلة الخبرات العملية، وقلة التجارب في الحياة، ينشا عنها ضيق فهم اللغة، وعسر تبين المراد بالألفاظ ه
(1) 1 لموا فقات 3/ 313
106
(1/104)
المبحث الثالث
اجْتماع القول والفِعل في البَيان
الكلام في هذه المسالة ينقسم قسمين، لأنه إن لجأ بعد المجمل قول وفعل وكلاهما صالح لأن يكون بياناً، فإما أن يكونا متطابقين لا يزيد أحدهما على الأخر، وإما أن لا يكونا كذلك.
بمعنى صلاحيتهما للبيان أن يفعل ما أمر به، وأن يصفه به كر أجزائه وأعداده وهيئاته. أما إذا أحال بالقول على الفعل، كان قال: أخذوا مناسككم " ود صلوا كما رأيتموني أصلب " (1). ونحو ذلك، فهذا القول ليس بياناً وإنما هو قول معفًق للبيان على الفعل، فيُعلم به كون الفعل بيانا (2). فإن علم بالضرورة أو بالعقل، أن الفعل بيان، كان مثل هذا مؤكَدأ لذلك "3).
القسم الأول: حالة الاتفاق.
و-أمثلته أن النبي ئمة بيّن بقوله عندما أمر به الله من الصلوات، فباق بالقول
أنها خمس صلوات، وصلاها فعلأكذلك، لم تزفي ولم تنقص-
وكذلك ب!!نّ مقادير ما أمر الله به من الزكاة المفروضة في الذهب والفضة أنها
ربع العشر، وأخذها كذلك.
(1) سياقه تخريج هذا الحديث بتوسع في فصل الفعل البيان.
(2) أبو الحسين البصري: المعتمد 338/1 حيث قال: 9 ن البيان هو الفعل، دون القول المعلق للفعل بالمب!سن.
(3) تيسير التحرير 3/ 176
107
(1/105)(1/81)
ومثال هذا القسم، ما روي الأم أن النبي ! قرن فطاف طوافة، وسعى تعيين. وروي عنه أنه قال بعد نزول آية الحج:إ من أحرم بالحج والعمرة، أجزأت طواف وأحد، وسعي وأحد عنهما، حتى يحل منهما جميعأ!.
وفي المسألة ثلاثة مذاهب:
الأول: مذهب الرازي وابن الحاجب أن القول هو البيان، سواء تقدم أو
تأخر. وقال به أيضا أبو الخطاب الحنبلي (3) وغيرهم.
ودليل هذا المذهب أن القول يدل بنفسه على أنه بيان، والفعل لا يدل ألأ بالواسطة. وما يدل بنفسه أول (3). والقول هو الأصل في البيان، فينبغي أن يكون هو البيان.
ويكون الفعل الزائد عن القول، علا هذا المذهب، كالطواف الثاني في المثال، ندباً، أو خاصا به به.
وقد نقل الزركشي (4) عن ابن فورك، أنه يبني على هذا القولي اشتراطاً معيناً
في جواز اعتبار القول بياناً فرأى أن الفعل إنما يأتي بياناً إن/ يكن هنالك قول صالح للبيانو، والا لم يرجع إلى الفعل.
(1)
(2) (3)
لما الفعل ففي صحيح مسلم أن النبي له قرن فطاف طوافيهه- طواف القدوم وطواف الزيارة يوم النحر. وسعى سعيا واحداً بعد طواف القدس ثم، و/ يسع بعد طواف الزيارة. هذا ما يؤخذ عن حديث جابر وغيره. وقد روى النسائي عن علا أن النبا!! "قرن فطلت بالبيت طوافين، وسعى سعييئ ".
ربما القتل فما أخرجه أحمد من حديث ابن عمر بلفظ 5 هن قرن فيها حجته وعمرته أجزأت لهما طواف واحد". ولم يذكر الساعي والفصح الكئبيهه وروى الترمذي وابنا ماجه عن ابنا عمر أيضاً أنه له قاله: 5 من أحرز بالحجر والعمرة! جزاه طواف واحد وسعي واحد عنهما، و/ يحل حتى يقضي حجه ويحل منهما جميعان والفتح الكبيرة.
التمهبدق 192.
الشوكاني: إرشاد الفحولة ص 73 (4) البحر المحيط 3/ 1 8 أب.
115
(1/106)
الثاني: مذهب أبي الحسين البصري، وهو أن المتقدم في نفس الأمر هو البيان حقيقة. قال: "لأن الخطاب المجمل، إذا تعقبه ما يجوز أن يكونا بيانا له، كان بيانا له " (1)-(1/82)
ثم إن علم المتقدم من القول والفعل فالحكم عنده كذلك. وإن جهل فالقول عنده هو البيان، لأن الفعل لا يكون بياناً للمجمل إلا بما يعلقه به من قوله أو ضرورة، ولا ضرورة هنا مع وجود القول المي!ق للمجمل.
وقد قدم في أول هذه المسالة، قبل تفصيلها وشرحها، أنه حيث قيل إن القول هو البيان، فالطواف الثاف! في المثال المضروب نحب. وحيث ليلى بأنه الفعل، فالطواف الثاف! واجب.
استدراك الأمني على مذهب أب الحسين:
نقل الأمدي (3) مذهب أبي الحيمن البصري المتهم ذكره، ووافقه في حال
العلم بالتقدم على ما ذكر، غير أنه أضاف، أنه في حال تقدم الفعل، فإنه وإن دل على أن الطراز الثاني واجب، إلِّا أنه لا بد من تقديره منسوخا بالقول، أو خاصا بالنبي ي. والخصوصية أرجح، لخلوها من نسخ- للفعل أو تعطيل للقول.
وهذا عندي استدراك لا يخفى، وإنما الذي فعله أبو الحسين أنه نبهه إلى
حكم الفعل الزائد عند وروده وقبل ورود القول عليه، و/ يذكر فكلمه عند ورود القول بعده مخالفا له.
فمذهبهما في الحقيقة شيء واحد.
وأماترجهيحه الخصوصية على النساخ فلا يوافق عليه، لأن الأصل تساوي الأحكام بين النبي صل ود متهم وسيأق! إيضاح ذلك في مبحتّ الخصائص.
(1) المعتمد 340/1
(2) 1 لا حكام 3/ 38
(1/107)
الموارنة بنين الذهبي:
إن المذهبين متفقان في حال العلم بتقدم القول، أو الجهل بالتقدم، أدت
القول هو المقدم في الحاليهة.
وأن ما اختلف فيه المذهبان حالة العلم بتقدم الفعل. فيرى أبو الحسين أنجه
لا يجوز إهماله، إذ هو نوع من أنول البيان، وقد جاء في وقت الحاجة إليه، فوجب أن يكون بياناً.
وأصحاب المذهب الأول نظروا إلى أرجحية القول من حيث البيان، ووضوح ارتباطه بالسبق- فقدموه.
ونحن نرى أن ماطل القول!!ن واحد، فعندما ورد الفعل وهو صالح للبيان،(1/83)
فلا بد عن اعتباره بياناً، ثم إذا جاء القول بعد ذلك، فلا بد من الأخذ به، لأن ((القول بإهمال دلالة القول ممتنع 9 كما قال العمدي. فهو يَرِد حينئذ على الفعل فيمل عله أن ما زاد منه على القول ندب، أو يلغي دلالته على الحكم في حق الأمة دون نبيها فيكونا مخصصاً أو في حق الجميع فيكون ناسخاً.
فالخلاف بينهم في المسالة إنما هو في ما قبل ورود القول المتاجر، فانا بعد وروده فالعمل يكون بالقول على كل حال بالنسبة للأمة، لأنه إما أن يكون هو البيان علا القول الأول. أر يكون ناسخا لحكم الفعل، على القول الثاني. والله أعلم.
الثالث: وفي المسالة قول ثالث، وهو الوقف عند الجهل بالمتقدم، فلا يحكم
بكون أحدهما هو البيان دون الأخر، بل البيان أحدهما لا بعينه. لأن كلأ منهما أقوى من الأخر من وجه، فلا يرجح عليه بلا مرجح. وقد رجح هذا القول ابن السمعافإ (1).
وقالت العلائق في إبطال هذا الدليل: (إدط البيان بالقول أكد، وغاية الأمر
ان نقله عنه الزركشي: البحر المحيط 1253/2-
112
(1/108)
) نهما متساويان قي البيان (1 ي في قوته ووضوحها وتسلم بقية الأوجهأ) ي في ترجيح القولي وبهذا يظهر ترجيح القول تقدميه، فلا تعادل حينئذ. والله أعلم " (1) الـ. كلامه.
وعندي أن جعل دلالة القول أرجح هو الذي ينبغي اعتماده. وبث لك لا
يكون القول بالوقف صواباً
والحاصل: أننا بعد النظر في هذه المسألة وت!ثحعباتها عند الأصوليين، نرى
أن المسالة تلتئم بان يقال: إنه بالنظر إلى الواقع في نفس الأمر، وعند من يعلم ذلك الواقع، لا بد من اعتبار أول الواردين من قول أو فعل بعد المجمل، هر البيان له.
وأما بالنسبة إلى العمل وبالنظر لمن لا يعلم الواقع، فيعمل بالقول، ويقال
إنه هو البيان، حقيقة إذا تقدم، ومجازا إذا تأخير. وما زاد من الفعل فهو إما ندب أو خاص أو منسوخ.
وهذا التوفيق صادق على حالتي الاتفاق والاختلاف.(1/84)
وتكلون القاعدة العامة!أنه إذا ورد بعد المجمل قول وفعل كلاهما صالح للبيان، فالبيان في الحقيقة المتقدم منهما، والعمل بالقول على كل حال ".
تنبيه: المثال الذي ذكر في هذه المسالة الفحل فيه أكد من القول. فلو كان العكس، ونقص الفعل، بان أمَرَ بطوافة، وفَعَل واحدة، فمقت!ما القول الأول، وهو قول الرازي ومن معه، البيان القول، ونقْصُ الفعل تخفيف في حقه !، تقدم القول أو تأخر، ومقتضى قول أبي الحسين أن البيان المتقدم، فإن كان المتقدم الفعل، ما زاده القول بعده مطلوب بالقول، وأدت كان المتقدم الأولى فالنقص تخفيف خاص في حقه !ح!و (2).
(1) تفصيل الإجمال ق 52 ب.
(2) المحلى: شرح جمع الجوامع 2/ 69 113
(1/109)
المبحث الرابع
إذا اختلف فعلان في البيان فايهمَا البيان
الأصوليون لم يذكروا هذه المسألة، وذكرها ابن دقيق العيد في شرح العمدة (؟) وواضح أن أول المعين ورودا يكون هو البيان ما/ يدلى على أن البيان هو آخر الفعلين.
فإذا اعتبرنا الفعل الأول هو البيان، يبقى الزائد من الفحل الثاقب فعلا مجردا
لا يدل على وجوب، بل قد يدل عل الندب أو الإباحة كما يأتي في الأفعلد المجردة. وهذا إن كان الفعل الثاني زائداً على الأول. أما إن نقمه عنه فهو إما ناسخ للزائد في حق الجميع، داما تخفيف في حق النبي في خاصة. والنسب أول كما تقدم. ولا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع-
وقد يعلم أن الفعل المنقولة إلينا متأخر، ويحلم أن قبله فعلا هو البيان، لكن/ ينقل إلينا أولا الفعلين، كبعض رواية أصاغر الصحابة ومتاخري الإسلام مخهم هذا رووا بعض هيئات الصلاة، أو أعمالا في الصوم أو غيره من الأمور المستمرة. فإن الظاهر تأخر!روياتهم، وهي لا شك قد سبقت ببيان، فلا تكون مروياتهم تلك بياناً ولا يمتنع- إذا/ يحد على التغيير- الاستدلال بالأعلى المتاجر، هذا على أن الفعل المتقدم مثله، لأن الأصل عدم التغير. والله) علم.
(1)6/1"2
114
(1/110)(1/85)
الفَ! له الخط يوما أبحكلَنماجما"فأيّ؟! بَزإل!علإدنه
ا- ما يصدر عنه الفعل النبوي.
أ- الوحي.
ب- ا لاجمَهاد.
ج- مسالة التفويض.
د- مسألة العفو.
2- أحكام الأفعال النبوية.
أ- ما يكلف به النبي ! من الأفعال-
ب- أحكام ما صدر عنه من الأفعال!.
ج- العصمة عن المحرمات !
د- العصمة عن المكروه.
3- كيف يعين حكم الفعل إذا صدر عنه صح بالنسبة إليه خاصة.
115
(1/111)
المبحث الأول
ما يصدرون النبي صلى انته عليه وسلم في أفعاله
يدرك النيل ! أنه مكلف بكذا وجربت أو ندباً وبكذا تحريما أو كراهة، أو
أو أنه حلال له كذا، فيفضل أو يترك بناء على ذلك.
وربما يفعل الشيء بماء على أنه/ ينزل عليه فيه شيء، أي على أنه ليس فيه
حكم شرعه..
فينقسم هذا المبحث إلى مطلبين: لأنه أما أن يفعل بناء على التكليف، أوان
يفعل بناءعلى عدم التكليف.
المطلب الأول
أن يفعل بناءعلى التكليف
إدراكه له لكونه مكلفا بفعل ما، يحصل من طريقين:
الأول: الوحي إليه به، بالطرق التي نصت عليها الاهية التي في آخر
سورة الشورى "وما كان لبشر أن يكلمه الليه ألأ وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم !.
ثم قد يكودط الوحي متلؤاً، وهو القرآن العظيم، بأن يكون آية أو آيات خاصة بالواقعة أر شاملة لها، كقوله تعالى. ويا أيها النبي قل لأزوأجد إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها... الأيتيئ ! فإدا فحصهما الأمر له ! بتخيير أزواجه. 117
(1/112)
وقد يكون الوحي غير قرآن. كما في الحديث: "أن رجلًا سأل النبي له:
كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جثة، بعدما تضمن بطيب؟ فنظر إليه النبي ع!! ساعة ثم سكت، فبلغه الوحي...... فقالت يا: أما الطيب الذي بك فاغسله، وأما الفئة فانزعها، ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك 9"؟).(1/86)
وكما حصل في موقعة الأحزاب. فإن النبي !ك!ه بعد رحيل المشركين "وضع سلاحه واغتسل، فأتاه جبريل فقال: لقد وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه، اخرج إليهم ". قال: (فإلى أين؟أ قال: 9 ها هنا"- وأشار إلى بني قريظة- فخرج النبي ! إليهم " (2).
وهذا النوع كثير لا يخفى على من له خبرة بالسيرة النبوية الشريفة. وهو
متفق عليه فيها كل المؤمنين برسالة محمديك!ه، إذ لا بد منه لتحقيق الإيمان بالرسالة-
ثم إن ما كان من الوحي قرآناً، فإما أن يكون نصا في المسالة، فلا محتاج إله
إعمالا فكر ونظر، ومنه ما يحتاج إلى ذلك، فهذا الفكر والنظر في ما يحتاج إليه من الوحي ندخله في النوع التالي وهو الاجتهاد.
الثاني: الاجتهاد- فلا أقره الله تعالى عليه كان ذلك من الله تعالى بيانا
لكونه اجتهاده صائباً. ومن أجل ذلك سفا الحنفية الأول الوحي الظاهر، وسموا هذا الطريق: الوحىِ الباطن "3).
والاجتهاد أولا:
الأول: اجتهاد في دلالات الألفاظ الموحى بها إليه حكم، من المجمل والمشترك، والحقيقة والمجاز، والعام والخاص، وغير ذلك- فيجتهد فيها بما يعرفه من لغة قومه، وأساليبهم في القول، لأن المّرآن بلغتهم نزل ليبصق لهم !
(1! رواه مسلم.
(2) رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة وجمع الأصول 9/ 199).
(3) أصول البزاوي 3/ 924
118
(1/113)
وليست كل السنة البيانية صادرة عن اجتهلكى. بل إن من المتفق عليه أن
جز!رأ كبيرا منها منحىً به، فيدخل في قسم الوحي السابق الذكر. ومنها تبيين جبريل لمواقيت الصلاة.
الثاني: الاجتهاد القيالصي، بقياس غيي المنصوص على المنصوص، فيلحق
الفروع بالأصول بناء على الاشتراك في العلل.
الثالث: الاجتهاد في الأمر الواقع بما يراه دون الرجوع إلى نص معين. وهي
المسماة بمسالة التفويض.
ونحن نعود إلى هذه الأصول، واحدة واحدة، فنبيع مذاهب العجلى فيها،
وأدلة المثبت!!ن والنفاق (1).
النوع الأول: الاجتهاد البياني:(1/87)
ولا يقال هنا أن تفسير النبي عن للقرآن هو عمل بالقرآن، فكيف يكون
زاثدأ عنه كما يقال إنه بالاجتهاد؟.
لأنه لما أمر الله تعالى بالسجود مثلاً لم يبرق أن الساجد يسجد على الأف السبعة. فذلك ليس في القرآن، بل هو تفسير له، زائد عليه.
ومن هذا النوع رؤيته !ك! تفاصيل كيفيات العمل في كثير مما أوحي إليه
مجملاً، من الزكاة والصوم والحج وغير ذلك، وأسباب ذلوا شروطه، مما/ يفصله الوحي الظاهر.
ومنه رؤيته انطباق العمومات الواردة قي القرآن على أشياء معينة، فيحكم
عليها بحكم العام الوارد في القرآن. ولعل من ذلك أنه !كيهه: ينهى عن أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطيرلم (2)*إ وعن أكل لحوم الحمر
(1) يراجع لاستيفاء هذا البحث: أبواب الاجتهاد من كل الأصول المشهورة، وأيضاً عبدالجليل عي!مى: اجتهاد الرسول، نشر بالكويت.
(2) رواه مسلم وأبو داود والنسائي وجامع الأصول 8/ من 2).
119
(1/114)
الأهليّة (1)، وقال: إنها ركن " (3). وقاله في القنفذ: فإنه خبيثٌ من الخبائثأ (3". فالظاهر أن ملئه كان باجتهاد منه، ومن الممكن أنه !ك!يم رآها داخلة في قوله تعالى: !ويحرم عليهم الخبائث ! (4).
منه رؤيته محل الأمر المسكوت عنه، الدائر بيها أصلي، أنه أقرب إلى أحدهما من الاءخر، فيعطيه حكامه. كهأ في ميراث البنتين. قال الليه تعالى: لافون كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك، وإن كانت واحدة فلها النصف !"ْ) وسكت عن الاثنتين. فألحق يعني ألاثنتيئ بما فوق الاثنتإس فجعل لهما الثلثين. كما فب قصة ابنتي سعد بن الربيع حين قال لعمهما: "أعط ابنتي سعد الثلثين ".
وحرم إلة عز وجل الميتة، وأحل المذكرة، فدار جنين المذكرة بين الطرفين، فحكم يكن بأن زكاة أمه زكاة له، بقوله: "ذكية الجن!!ن زكاة أفه ".(1/88)
ومنه معرفة أن إحدى الآيت!من اصصة للأخرى دون العكس. كما في حديث البخاري عن أبي سعيد بن المعلم أنه قالا:أ كنت أري في المسجد. ودعاني رسوله الله في. فلما جبه، فقلت يا رسول اللّه، كنت أصلي. فقال للم يقل الله عز وجل: واستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكلم ! قلت: بلى" (6). فيظهر أن أبا سعيد كان يظن آية (وقوموا لله قانتين ! مقدمة في موضع التعارض على الأمة التي ذكرها النبي !، فبين له النبي !ك! أن التكلس هو الصواب.
فهذا النوع من الاجتهاد قريب، وذلها أن النبي فنون كان أفصح العرب وأعلمهم بكللامهم، وكان نظره ثاقباً، وفكره وقّادأ، وقدأمر واتبع ما أنزل إليه منا ربه. ورعاية ربه فوقه، إن أخطا صلبه؟ وإن/ يصحح له يتبين أنه قد عمل بالصواب.
(1) انظر الشاطري: الموافقات 33/4- حيث ذكر أمثلة لهنا النوع. 131 رواه النسائي. وأصل النهي عنها عند البخاري ومسلم وجامع الأصول 8/ 290). (3) رواه أبو داود وجامع الأصول 272/8) وإسناده ليس بقوي.
(4) سورة الأعراف: آية 157 (5) سورة النساء: آية 11
(1/115)
(6! البخاري 8/ 156!رواه الترمذي وكيره بسيارة آخر. 125
(1/116)
وبعض المجيزين لاجتهاد النبي له يمنع اجتهدت في هذا، ويرى أن هذا
النوع لا يكون إلا بوحي ظاهر، ففي تيسير التحرير (1) ما يلي:
" (وهو) أي الاجتهاد شيخا حقه) عن (يخصص القياس، بخلاف غير 8) من المجتهدين..- أما في القياس فظاهر، وأما في غيره جففي دلالات الألفاظ) وفي (البحث عن نحصل العام، والمراد من المشترك، وباقيها) أي باقي الأقسام التي في دلالتها خفاء، من المجمل وأخواته،-..... وكل ذلك ظاهر عندي ي لا يحتاج إلى نظر وفكر" الـ.
فهو يميز الاجتهاد القيالصي، كما سيأتي في النوع الثاني، وأما في هذا النوع
فهو نرى أن ما حكم به النبي عنه من ذلك هو حكم بالوحي. ولهذا أوجه: الأول: أن يكون كل ذلك بوحي خاليا من النَه تعالى.(1/89)
الثاقب: أن يكون إلهاما منه تعالى، لأجل توضيح مرادف بكلامه.
الثالث- أن يقال كان ذلك من أثر نفاذ البصيرة، وسلامة الإدراك. فهو وضاح عنده لأجل ذلك، لا يحتاج إلى اجتهاد.
وظاهر قوله تعالى: لا إن علينا جمعه وقرآنهم فإذا قرأناه فاتبع قرآنه كم ثم إن
علينا بيانه ! (2) يؤيد هذا القول (3)، إذ إن اللّه تعالى جعل على نفسه أن يبينه لنبيه زر
(1) 183/4 (2) من سورة القيامة.
(3) حكف! الرمحي (43/3، 44) عن بعضهم احتمالا في آية إثم إن علينا بيانها إن المراد ببيان القرآن إظهاره وهو على وفق الظاهر، دون أن لكلود المراد بيان المجمل بالخصوص والتمَييد إلخ.
وقد أقر العمدي هذا الاحتمالي، ومنع دلالة الآية على ما ذكرنا.
وعندي أن حمل الآية على ذلك تاهلل مردود، لأن الظاهر أن البيان إنما هو لما في المراد به خفاء، ويؤيده أنه عطف البيان ب (ثم) على الجمع والقرآن، فهر بفن شيء آخر، لبمّعيئ
أنه بيالي المجمل ونحوه.
121
(1/117)
ونحن نرى أنه يجوز لن يكون بيان النبي مجهر لمجالات القرآن بالأوجه الثلاثة المذكورة آنفاً، بالإضافة إلى وجه رابع، وهو الاجتهاد. فثبت جواز اجتهاده له في بيان القرآن.
وأما قوله تعالما: إثم إنه علينا بيانمهـ فإذا أقرّت ألذ تعالى رسوله على ما بين،
فهو بيان من الله، يوضحه أده تقرير النبي ! لبعض أصحابه على عمرو ما، هو بيان لمشروعية ذلك العمل، كما سيأتي في فصل التقرير، من الباب الثاني، إن شاءالله.
النوع الثاني: الاجتهاد القيال!يّ:
لا جواز كون النبي محغ! متعبّداً بالاجتهاد القياسية خلاف- قالي الصمدي: (اختلفوأ يخف أن النبي ي هل كان متعبدا بالاجتهاد في ما لا نصِّ فيه "ان.
فقال أحمد بن حنبل والقايها أبو يوسف: إنه كان متعبدا به.
وقال أبو علي الجبالي وابنه أبو هاشم:/ يكن محعئدأ به.
قالت: وجوز الشافعي في رسالته ذلك من غير قطع (2)، وبه قال بعض أصحاب الشافعي، والقاضي عبدالجبار، وأبو الحسين البصري.(1/90)
والمختار جواز ذلك عقلا ووقوعه سمعاً (3) 0 الـ. كلام الاَمدي.
(1) هذه العبارة من كلام الآمديا في ما لا نصها فيه " مجملة، لأن (النص) يطلق كله اللفظ الدال علا المعنى سواءكان فيه احتمال أم لا، فحِصدق علا الظاهرة ويطلق على اللفظ الدالة على المنى دون احتمال، فلا يصدق على الظاهر. فإن كان محاور بعبارته الإطلاق الأول، فالخلاف عنده في ثحويز الاجتهاد القياسى!ون البياني. وان كان مراده بها الإطلاق الثاني يكون الخلاف عنده في تجهيز الاجتهادين القياسي والبياتي، وتحن حملنا كلامه على الأول احتياطي، حتى يتبعها لنا، فذكرنا كلامه يخص (الاجتهلد القياسي).
(2) كلام الشافعي في الرسالة وتحقيق أحمد محمد شككماص 92
(3) الإحن أم 4/ 222. وانظر ايضاَ: أصوله البزاوي 3/ 936- 933 وتيسير المّحرير 4/ 88 1، 89 1
122
(1/118)
قلت: وقد نسب صاحمب تيسير التحرير إلى الأشعرية) به ! لم يكن متعئدأ
به. وحكى صاحب التحرير أن القاضي والجبائيِّ أجازا اجتهاده له في الحروب فقط، أي دون الأحكلام الشرعية (1).
والمختار ما نص كليه الحنفية (2) أنه ص!!ان عليه العمل بالوحي أولاً وكان
عليه أن ينتظر الوحي في الوقائع، فإن لم يأته الوحي بعد الانتظار اجتهد رأيه (3).
الدليل العقلي لجواز صدور أفعال النبي صلى ارثه عليه وسلم عن اجتهاد:
إنا لو فرضنا أن الله تعهده بذلك، بأن قالا له: حكمي عليك أن تقيس فيما
لا نص فيه،/ يلزم من ذلك أمر محال.
رقد نوقش هذا الدليل بأنه لو كان في الأحكام الصادرة عنه جمع ما يكون
عن الجهاد، لجازان لا يُجعل أصلا لغيره، وأن يخالف فيه، وأن لا يكفر مخالفه، لأن جميع ذلك من لوازم الأحكام الثابتة بالاجتهاد.
وأجاب عن ذلك العمدي بانا لا نسلم أن ما ذكروه من لوازم الأحكام الثابتة بالاجتهاد، بدليل الإجماع عن اجتهاد، فإن الإجماع معصوم من الخطأ. فكذلك اجتهاد النبي دكا الذي لا يقر على خطا في الأحكم الشرعية.
الأدلة القرآنية: منها:(1/91)
أ--على أة القياس، كقوله تعالى ة (فاعتبروا يا أولي الأبصار!"4) والدامور بالاعتبار، وهو القياس، المؤمنون به ا وأولهم النبي !. فهو مأمور بالقياس. والبحث يستولنى في باب القياس. فمن أثبت القياس أصلا في الشريعة لزمه القول به هنا،
2- قوله تعالما: وإنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم ب!!ن الناس بما
11) 184/4
+) تياسير التحرير 4/ 190
(2) أصول البزاوي 3/ 926- 933 (4) سورة الحشر: آية 2 123
(1/119)
أراك الله ! (1" والذي أراه إياه يعد الحكم بالنص، والاستنباط من النصوص، والقياس عليها.
ونوقش هذا الدليل بان ما أراه هو ما أنزله إليه.
والجواب أن يقال: أن ما تكلم به قياسا على المنزل هو حكم بالمنزل، لأنه
حكم بمعناه وعلته.
وجواب آخر: أن حكمه بالاجتهاد هو حكم بما أراه الله، فتقييده بالمنزل
مخالف لإطلاق الأمة.
3- قوله تعالى: كما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن فىف الأرض ! (2) فعاتبه الله علا إطلاقهم، كما في حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: فجئت فإذا رسول الله وأبو بكر يبكيان. فقلت: يا رسول الليه أخبرني من أي شيء تبالي أنت وصاحبك؟ فإن وجمت وكلاء بكيت، وإن/ أجد بكاء تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله له: أبكي للذي عَرَض علي أصحابك من أخذهم الفداء. لقد عُرِض علي عذابهم أدق من هو 8 الشجرة! لشجرة قريبة منه- وأنزل الله عز وجل: كما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرضي،- الآيات ! فاحلّ الله الغنيمة لهم "+) الـ.
فإنه هنا حكم بالمصلحة. وإذا جاز الحكم بالمصلحة، فالحكم بالقياس أصلى.
4- أنه صد صفا على كبير المنافقين عبداللي بن أبي. فجذبه عمر، وقال:(1/92)
أليس الله تعالى قد نهاك أن تصان على المنافقين؟ فقال: 11 ما بين خيرتن، قال الله تعالى: وأستغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ! (4) فلأزيدنّ عليى السماعين ". فصلّى عليه (ْ). فنزل قولي تعالى: أولا تصلّ على أحد منهم مات أبداه ولا تقم على قبره ! (6).
(1) سورة النساء: آية 105 (2) سورة الأنفال: آية 67
(3! رواه مسلم والتبرمذي وجامع الأصول 9/ 142!.
(4! سورة التوبة: آية 85 (6) سورة التوبة: آية 84
51) ح!ريث صلاته كل على ابن أبي رواه البخاري 138/3 ورواه مسلم والنسائي وابن ماجه.
(1/120)
الأدلة من السنة النبوية:
ما وقع فعلًا من النبي عن، من العمل بالاجتهاد، في مواطن كثيرة، ثم ودت
لو أنه عمل بطريق آخر. ما في قوله !ح! في سوقه الهدي في حجة الوفد له: أدو استقبلت من أمري ما استدارت، ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت. قال قي تيسير التحرير: ة أي لو علمت قبل سوق الهدي، ما علمته بعده من أمري،- يريد به ما ظهر عنده من المشقة عليه، وعلى من تبعه، في سوقه الهدي، الملزم دوام الإحرام ألما قضاء مناسك الحج- لما سقته، بل كنت أحرمت بالعمرة، ثم أحللت بعد أدائها، كهذا هو دأب المتمتع. فغلِم أنه لم يسق بالوحي، وإلّا لم يقل " (2)1 هـ.
أدلة المانعين:
1- قالوا: يمتنع ذلك لقوله تعالى ة!وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحا! (3) وما يؤدي إليه الاجتهاد ليس بوحي. فيلزم على إجازته الخلف في القرآلأ، وهو مستحيل.
ويجاب عن ذلك بأن سبب نزول الآية أن المشركين كانوا يزعمون إن القرآن
افتراء من محمد عنه، فنزلت. فالمقصود بالوحي فيها القرآن خاصة.
ولو سلم أنها تعم جميع ما قاله تنهض فما يؤدي إِليه الاجتهاد، إن أقر عليه، هو
وحي باطن كما قال الحنفية.
2- وقالوا: لو أمر شبهه بالاجتهاد لم يؤخّر جوأبأ؟ وقد ثبت أنه كحكم كان يؤخر الجواب في بعض ا!رقائع حتا يأتيه الوحي، كما في قصة (4) من سأله في عمرة(1/93)
(1) صحيح البطارفي 3/ 504، 606 21) 4/ 186
(3) سورة النجم: آية 3، 4
(4) تقدم ذكرها قريباً أخرجها مسلم 78/8
125
(1/121)
الجعرانة: كيف ترى في رجل أحرم بعمرة بعد ما تضمن بطيب؟ فلم يجبه حتى نزل الوحي.
وأجيب عن ذلوا بأنه قد يكون التأخير لانتظار الوحي، إذ لا اجتهاد مع النص. وربما كان التأخير لغموض الدليل المجتهد فيه، فيحتاج إلى زمان مهلة. 3- وقالوا: لا يجوز العلم بالظن مع القدرة على اليقين.
ود جيب عن ذلوا بمنع قدرته !كل!ه على اليقين بإنزال الوحي، لأن إنزال الوحي لم يكن إليه !ك!، بل هو إلى الله تعالى. فإن لم ينزل عليه وحياً في المسألة الواضحة جاز له الاجتهاد فيها-
4- قالوا: لو كان ! يفعل بالاجتهاد، لجازت مخالفته من مجتهد آخر.
وأجيب عن ذلك، بان اجتهاده، إذا أقر عليه، وحي باطن، فلا تجوز مخالفته. وأنا قبل تبرق الإقرار، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يشيرون عليه، فيقبل مشورتهم، ويعترضون عليه أحيانا كما تقدم النقل عن عمر رضي الله عنه، فيبيهة وجه اجتهاده (1).
النوع الثالث: مسألة التفويض:
وهي أنه هل يجوز أن يكل النَه إلى نبيه ! أن يحكم في " بعض الأمور بما
يراه، دون نص ولا قياس على منصوص، وأن يفعل بناء على ذلك، فما قاله بناء على ذلك أو فعله فهو شرع اللّه، ويكون مكلّفة به؟.
قدم جاز ذلك كث!ير من أهل العلم منهم أبو علي الجبالي، والاَمدي، وابن
ا لسمعا لي، وا ليبكي؟ وا أشير ا زي (2).
(1) تيسير التحرير 189/1
(2) انظر الأملس 282/4، وجمع الجوامع 2/ 1 39، وتيسير التحرير 4/ 236، والمعتمدة 9 مهم، والفواجع ق 287 1، و القمع ص 78 126
(1/122)
ومنعه أبو الحسي البصري وأكد المعتزلة، وأبو بكر الرازي الرصاص من
الحنفية.
وكثير ممن أجاز ذلك قال إنه مع جوازه/ يقع،
وتردد الشافعي، فقيل إن ترزيه في الجواز، وقيل في الوقوع،1)
وقد احتج المجيزون لذلك:
ا- بقوله تعالى: أكل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلّا ما حرم إسرائيل(1/94)
عل نفسه ! (2) أضاف التحريم إلى إسرائيل عليه السلام، فاز على أنه كان مفوضاً إليه، وإلّا لكان قد- فعل ما ليس له، ومنصب النبوة يلي ذلك.
وقد نوقش هذا الدليل، باحتمال كون تحريمه لما حرمه عن قياس.
ويجابه بأنه لو كان عن قياس، عزم أن لا يكون ما حرمه حلالا قبل تحريمه
له، بل يكون حراما ظهرت حرمته بعد اجتهاده. وهو خلاف ظاهر الآية، فإنهما نسبت التحريم إليه.
2- واحتجوا:لما روي أن النبي صل قالت يوم فتح مكة: أأ إن الله حبس عن
مكة الفيل، وسقط عليها رسوله والمسنين. وأنها لن هكذا، تحل لأحد كان قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي، فلا يُنفر صيدها، ولا يُخْتَلَى شوكها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد..- " فقال العباس: "إلا الإذْخِر يا رسول الله، فإناْ نجعله في قبورنا وبيوتنا!. قال: !إلّا الإذخِر" (3)
(1) قال الشافعي في الرسالة بعدما ذكر أنا السنة قد تأتي بما ليس له أصل في القرآن ومنهم من قال: جعل أفه له !ْ بما افترض من طاعته وسبق في علمه من توفيقه ليضله، أن يسن فيما
ليس فيه نص كتاب " وهذا هر التفويض، ثم ذكر أنه قد قيلا أيضاً إنها صادرة عن القرآن،) و بوحي خاص،) و بالهام ثم قال الشافعي "ولي ذلك كان فقد بين الله أنه فرض طاعة رسوله، و/ يمثل لأحمد من خلوّه عذراًأ والرسالة ص 91- 153) فالتفويصر عنده
أمر محتمل وجائز.
(2) سورة آل عمران: آية 93 (3) مسلم 8/ 29 1 وهذا لفظه ورواه البخاري.
127
(1/123)
ومعلم لن استثناؤه الإذْيخر لم يكن إلا من تلقاء نفسه، لمحلمنا بأنه يوم إليه
تلاه اللحظة.
وقد نوقش الاستدلال بهذه الواقعة، باحتمال أن يكون جاعه الوحي باستثناء الإذْخِر، بوحي كلمح البصر.
3- ومما يجوزان يحتج به لذلك قوله له: !لقد!ت أن أنهى عن الغيلة،
حتى ذكرت أن فارس والروم يصنعون ذلك، فلا يضرّ أولادهم "،؟).(1/95)
فظاهر أنه عندما هام أن ينهى عن ذلك، لم يكن خديه لأجل وحي أتاه بذلك، بل لمجرد) به يرى في ذلك مصلحة، وأنه امتنع من النهي عن ذلك عندما علم أن أقواما يفعلونه ثم لا يقَع عليهم منه ضرر.
4- واحتجوا بقول النبِا!: ولولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند
كل صلاةأ (2). وهو صريح في أن الأمر بالسواك، وعدمه، مفوض إليه، لأن مثل هذا القول لا يصدر إلا عمن كان الأمر بيده.
ومثل ذلك ما في صحيح مسلم أنه ! لمر بالحمى فمَال رجل أفي كل عم يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً فقال رسول الله غل: الو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم. ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ! (3)* ولولا أن الأمر مفوض إليه لماكان هذا الخطر محتمَلأ، لأن الوحي لا يعجل لعجلة أحد من الناس.
ومثله أيضاً ما في سيرة ابن هشم، أنه جميع قتل النضر بن الحارث له الأسر
بعد وقعة بدر، فقالت أخته قتَيْلَة أبياتاً تعاتب النبي له تقول منها:
ماكان ضَرك لومنضتَ ورعبا منه الفتى وهو المَغيط ائمحَنَقُ فقال ي: الو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته ". فلو لم يكن القتل وعدمه مفوضاً إليه، لكانط سماعه لهذا الشعر، وعدم سماعه له، سواء.
(1) مالك ومسلم وأحمد والأربعهّ والفتح الكب!!.
(2) رواه السبعهّ (الفتع الكبه! (3) صحيح مسلم 8/! 10 ورواه البخاري.
128
(1/124)
وقد نوقش الاستدلال بهذه الوقائع باحتمال أنه خط خٍّير فيها تخييره خاصاً والسياق يابي هذا الاحتمالي، كما لا يخفه.
أدلة المانعين:
وقد احتخع القاضي عبدالجبار(1) للمنع من التفويض، بأن الشرائع إنما
يَتَعَبَّد الليه بها الناس لكونها مصالح، والإنسان قد يختار الفساد، فلو أباح الله تعالى للإنسان أن حكم بمجرد اختياره، لكان ملئه إباحة للحكم بما لا يأمن كونه فساداً.
وقد أكد هذا الاستدلال أبو الحسن البصري وأخذ به.(1/96)
ونقضه الاَمدي بأنه مبين على رعاية المصلحة في أفعال الله تعالى، فمن لا
يرى ذلك لا يلزمه القول بمقت!ما دليل القاضي ث ومن سلم رعاية المصلحة في أفعاله تعالما، فإن التفويض لا يكون إلا مع التسديد للمصلحة باللطف الخفي، وبذلك يؤمن اختيار الفساد، كما هو واضح في الوقائع التي حصل الاحتجاج بها. واختار ابن الجمعاني القول بأنها ينبغي أن تُبنى على مسألة العصمة، فلما كان النبي صل معصوماً، جاز التفويض إليه. وهو وجيه.
فالحقد أن التفويض إلى النبي-! قد وقع، ولو في مسائل قليلة+
تنبيه ة قال الجمعاني: "هذه المسالة أوردها متكلمو الأصول!ن، وليست بمعروفة ب!!ن الفقهاء، وليس فيها كبثير فائدة، وقد وجد قي حق النبي حبه!م!م، فقلنا على ماوُجد"،2).
ولنشا معه في قوله: "ليس فيها كبر فائدة!. فإن معرفة المسلم للطرق التي تصحر بها الأحكام عن نبيه !ه) مر له خطورته-
(1) المعتمد لأية الحسين البصري. 9. لا (2) القواطع ق 289 ب.
(1/125)
المطلب الثاني
أن يفعل بناء على عدم التكليف وهي مسألة العفو
اختلف عللي الأصول في هذه المسألة المهمة على مذهبه:
1- فمنهم من رأى أن الشريعة حاكمة على بديع أفحالط العباد، فلا يخلو
فعل منهاتن حكم شرعيا ومامن عمل يُفرض، ولاحركة ولاس!ون يدَّعي، إلا والشريعة حاكمة عليه إفرادي وتركيبا 9 (1). وقد أحاطت الشريعة بالأفعال إحاطة تامة، فلم يشذّ منها شيء.
وممن قال بهذا الإمام الشافعي، وابن السمعافن. قال ابن السمعاف!: أألا بد(1/97)
أن يكون له تعالى في كل حادثة حكم، إما بتحليل أو بتحريم، (2) وفي موضع آخر: (1 لا نعلم قطعاً أنه لا يجوز أن تخلو حادثة عن حكم دمه تعالما منسوب إلى شريعة نبينا محمد!ئئ. يبينه أنه لم يرد عن السلف الماضين أنهم أعربا واقعة عن بيان حكم فيها لله تعالى وتقدس. وقد استرسلوا في بث الأحكام استرسال وافق بانبساطها كلى جميع الوقائع. ولا يخفى على منصف أنهم ما كانوا يفترن فتوى من تنق!سم الوقائع عنده إلى ما يعرى عن حكم و!إلى ما لا يعرى عنه ! (3)0 الـ.
2- ومنهم من يرى أن الشريعة جاءت باحكام معينة في أفعالا معينة،
أراد الله عزّ وجل أن تكون تلك الأحكام هي الديني وترك ما سموي تلك الأفعال
(1) الشاطري في المرافقا!78/1 (3) القواطع ق 239 ب.
21) الفواجع ق 1192.
138
(1/126)
المعينة، فلم يتعرَض له، لا بأمر ولا بنهي، ولا بتحليل ولا بتحريم، بل أبقاه على ما كان عليه قبل ورود الشريعة.
وأفعال العباد على هذا قسمان: قسم فيه حكم شرعي، سواء أكتفي واجباً أو مندوباً أو مباحا أو مكروها أو محرماً، وقسم آخر خارج عن نطاق الشريعة، مغفلة من حكم شرعي، وهو ما يسمى بالعفو.
وقد توقف الشاطري في إثبات مرتبة العفو و/ يرجح أحدا من المذهبين.
وبعضهم يسلم ثبوت مرتبة العفو في زمن النصي كفء ويمنعها بعده (؟).
وربما وشع بعضهم معنى هذا المصطلح (العفو! ليشمل فعل المخطىء والناسي والمضطر ونحو ذلك. ونحن نقتصر على النوع الأول، إذ به يتعلق بحثنا هنا.
أدلة المذهب الأولى:
يحتج للمذهب الأولي بأدلة:
ا- لو/ تكن أفعال المكلفين بجملتها داخلة تحت خطاب التكليف، لكان
بعض المكلفين خارجا عن حكم خطاب التكليف، ولو في وقت أو حالة ما. لكن ذلك باطل، لأنا فرضناه مكلفاً، فلا يصح خروجه.
ويمكن إبطال هذا، بأنّا نمنع أن يكنون العبد البالغ العاقل مكلفا على الإطلاق، وإنما هو مكتف بما كلفه الله به، لا بما سكت عنه فلم يكلفه به-(1/98)
2- قول الله تعالما: (ونزّلنا عليك الكتاب تبياناَ لكل شيء!. وقوله: واليوم أكملت لكم دينكم ! (3).
وجه الاستدلال باحالة الأولى: أن الكتاب تبيان لكل شيء، وتدخلي أفعال
(1) الشاطري لا الموافقات 167/1
21) سورة المائدة: آية 3
131
(1/127)
العباد دخولَاَ أوليّاً. إذ إن ضبطها حسب أوامر اللّه، هو المقصود، الأولي من نزول القرآن ! فينبغي أن يكون في الكتاب بيان أحكامها جميعاً
ويمكن الجواب عن هذا، بأن الأمة عامة لكل ما من شانه أن يدخل فيها قال مجاهد: (تبيانأ لكلل شيء: للحلال والحرام " (1)، وهي واردة في شؤون الدين، كالأمة الثانية- فما ليس من الدين خارج عن عمريهما. والفعل إذا/ يرد الله تعالى إنزال حكم فيه فهو خارج عن حكيم الدين.
أدلة المذهب الثاني:
1- وردته حديثه سلمان الفارسي عن النبي ! أنه سئل عن الجبن والسمن والفراء، فقال: "الحلال ما أحل ألمحه في كتابه. والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفي عنه " (2).
2- وعن أبي الجرداء عن النبي !! قال: لاما أحلّ الله لا كتابه فهو حلال.
كما حرم فهو حرام. وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكلن لينسى شيئاً (3). ثم تلا: روما كان ربك نسياً!.
وهذا نص في المسالة.
وقال ابن عباس: وكان أهل الجاهلية يأكلون أشيله، ويتركون أشياء تجذراً.
فبعث الله نبيه !ع!، وأنزل كتابه، وأحل حلاله، وحرم حرامه، فما أحلى فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو" (4). وتلا: (قل لا أجد في ما أوحي إلي محرمآَ على طاقم يطعمه ! إلى آخر الآية.
3- وعن أبي ثعلبة أن النبي ينا، قال: فإن الله حدّ حدوداً فلا تعودوها
(1) تعسمير القرطبي 10/ 164
(2) أخرجه الترمذي والحاكمة الفتح الكبير قال الترمذي (297/5) حديث غريمه. ظهر عند ابن ماجد 1117/3
(3) ذكره الشاطري، و/ نجده قي الأصول من حديث أبي الدادا،.
(4) رواه أبو!اود 273/15
132
(1/128)(1/99)
وفرض فرائض فلاتضيعوها، وحرم أشياء فلاتنتهكوها، وترك أشياء من غير نهيان عن ربكم، ولكن رحمة منه لكم، فاقبلوها ولا تبحثوا عنها" رواه ا لحاكم (1) وا أد ا ربطني (2،.
4- قولا النبي ينه!مه: أأ أن أعظم المسلمة في المسلمين جرما من سال عن شيء/ يحرم؟ فحرم من أجل رسالته " (3)،
ولهذا الحديث شاهد: ما ذكره الله في قصة بقرة بني إسرائيل حيه!) كثيرا من السؤال فشدد الله عليهم، فقد كان اللون خارجاً عن المحكوم فيه أصلاً دالاً يؤاخذهم بالسؤال عنه.
5- نهي النبي !ف!م عن كثرة السؤال، وحرمه من فعل ذلك، ولو كان لكل
شيء حاكم شرعي لماكان السائل عنه ملوماً. رمما ورد من ذلك النهي: حذروني ما تركتكم، فإنما أهلها من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم !41). رأينا في هذه الم!سالة:
الذي نميل إليه صحة العقول بمرتبة العفو، وأن أحكلام الشريعة طائفة محدودة
من الأحمكام، سواء أكانت مستفادة بالنص، أو الاجتهاد البياف!، أو القياصيه، أو غير ذلك. وما/ يدل عليه دليل صحيح، يكون خارجا عن جملة الأحكام أصلا و الله أعلم وأحكم.
وبناء علا ذلك لا يمتنعن ن يكون النبي !لمجع يفعل التنس بناء كلى أنه لا
حكم فيه من قبل الله تعالى. بل هرمسكوت عنه.
وعلى هذا يحمل ما كهان يده يفعله مما حرمه الله بعد ذلك كالتبني، تلبس المذهب،، ما أقر غيره عليه من ذلك كشرب الحيمر.
(1) الجامع الصغير. (3) عبداللي طراز في لتعليمه على المرافمّالىّ 1/ 162 (3)! واه وسلم 13/ .11 ض ر واه البخار يشأ، أبو دان د.
(4) ر رام مسالم 8/ 101 سر واه البخار لا.
133
(1/129)
تنبيه:
إنه وإن كان القولي بجواز كون أحكامه ! عن اجتهاد قياسي أو مصلحية(1/100)
حقاً، وأن أفعاله كاقواله قد تكون صادرة عن ذلك النوع من الاجتهاد، إلها أنه يجب التنبه إلى أن إرجاع فعله صح وقوله إلى القرآن، وصدورهما عن فهمه له للقرآن، هون ولى من اعتبارهما اجتهاده مستقلاً وحيث دار الفعل بين أن يكون دالا على تشريع مستأنف، وبيهم أن يكون تاولأ للقرآن، فاعتباره تاولأ للقرآن أ ولى.
والمسالة خلافية، فقد قال الزركشي:إ إن السرخسي نقل عن الحنفية، أن
قوله النبي مجخ؟ أو فعله، متى ورد موافقاَّ لما في القرآن يجعل صلعرأ عن القرآن، وبيانا لما فيه- قال: والشافعية يجعلونه بيان حكم مبتدأ حتى يقوم الدليمى على خلافه... لما في ذلك من زيادة الفائدة! (1).
إلا أن قول الحنفية يترجح بدون النبي مجد مبعوثاً في الأصل لبيان القرآن والعمل به.
(1) البحر المحيط 252/2 ب.
134
(1/130)
البحث الثاف!
أحكام الأفعال النَبًوية
البحث في هذه ارسالة يتفرع فرعي:
الأول: أحكام الأفعال التي يكلف بها النبي !ك!، أي قبل صدورها عنه.
الثاني: أحكام الأفعال التي صدرت منه. أغني ما يحكم به على الفعل بعد صدوره عنه عن.
فنخ!ئ! كل فرع مخهابمطلب.
المطلب الأول
ما يكلّف به النبي صلى اللّه عليه وسلم من الأفعال
النبي عنه بشر من خلق ان، وعبد من عباداللُه، مكلِّف كغيره من المكلفين. فهو مطالب بأفعال يفعلها، على وجه الحتم والإلزام، وتلك هي الواجبات. وأفعال مطلوبة منه لا على وجه الإلزام، وتلك هي المستحبات، ومطالب بأن يترك حتماً أموراً معينة وتلك هي المحرمات، وأن يترك، لا على وجه الحتم، أموراً وتلك هي المكروهات. وجعل له ا-أيار في أمور أخرى أن يفعلها ) و لايفعلها، وهي ما أبيح شرعاً
ثم قد يوجه التصنيف إلى الناس عامة، أو المؤمنين عامة، فيدخل فيه !ن!.
وذلك كقوله تعالى: (يا!يها الناس اتّقوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم 5 س ا
(1/131)
لعلكم تحققون !،1) وقوله: !يا!ها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا!،2)+(1/101)
وقد يوجه التكليف إليه ! بالتعيين، كقوله تعالى: فيا أيها النبي أتق الله
ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كانا عليما حكيماً* واتبع ما يوحه إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرأ! (3).
الفرض والواجب، والحرام والمكلروه، عند الحنفية، ومدى انطباقه على التكاليف النبوية:
من المعلوم أن الحنفية يفرقون بين الفرض والواجب:
فالفرض عندهم ما كان.دليل التكاليف به قطعياً والواجب ما كان في دليله
ا قطر أب.
ولكن النبي مجد كان يأتيه الوحي من الله بطريق لا يشك فيه، لأنه كما قالي تعالى: روما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاءه (4) فيأتيه الوحي مباشرة كالتعليم وحياً أو من وراء إجابة، أو بسند هو رواية جبريل الأميهأ عن ربه عز وجل. فليس في الطريته شبهة، ومن أجل ذلك قال بعض الحنفية إنه فعاله !م! التي هو مكلف بها حتماً، كلها من قبيل الفرض، وليس فيها من المسمّى (واجباً) في اصطلاحهم شيء.
ولنا البزاوي والسرخسي يثبتان الواجب مع الفرض. يقول البزاوي:
"باب أفعال النبي له. وهي أربعة أقسام: مباح، ومسمتحب، وواجب، وفرض " (ْ). وقال شارحه البخاري: "الشيغأ يعني البزدوي) وشمس الأزمة
(1) سورة البقرة: آية 21 (2) سورها المائدة: آيهَ 87. (3) سورة الأحزاب: آية 1، 2 (4) سورها الشورى: آية 51 (5) أصولا البزاوي مع شرحه كشف الأسرار للبخاري.
136
(1/132)
ويعني السرخسي) قسما أفعاله !به!م الربعة أقسام. والقاضي الإمامة لأ)، وسائر الأصوليين قسموها ثلاثة: واجب ومستحب ومباح. وأرادوا بالواجب الفرض. وهذا أقرب إلى الصواب، لأن الواجبة الاصطلاحي ما ثبت بدليل فيه اضطراب، ولا يتصور ذلك في حقه هو، لأن الدلائل الموجبة يخهـ، حقه كلها قطعيُة"!(1/102)
هذا ما قال. ولكون بتدقيق النظر يتبين أن كلام الإمامين البزاوي !السرخسي صواب. وذلك أنهم يثبتون أن النبي يكن كان متعئدأ بالاجتهاد، وأن اجتهاده قد يداخله الخطة (2)، كما تقدم. وهم وإن قالوا إنه لا يقرّ عليه، ألأ أنه !ك! عندما يقدم على الفعل باجتهاد، يقدم عليه بدليل ظمئ هر القياس. وشبهة الخطأ في القياسي قائمة، بدليل أن الخطة رقع فعلاً كما قد أثبتوا ملئه.
فهذا يبيّن أن ما ذهب إليه البزاوي والسرخسي صحيح ثابت، وأن ما
رجحه البخاري مرجوص!.
أقول: ويجغا أن يقال مثل هذه ا القول على مذهب الحنفية، في المحرم والمكروهة فما كُفَف ينص بتركه حتما نصا فهو محرم، وما رأى اجتهادا منه أنه مكلف بتركه، فهو مكرره كراهة تحريم. فإذا أقر عليه تبين أنه محرم، والله أعلم. الحصار أفعاله صلى اللّه عليه وسلم في الواجب والمحرم، من جهة منصب البيان:
ذكر الشاطبي (3) أن القائم في مقام البيان عن الشريعة له في أفعاله وأقواله
ا عتباران؟
أحدهما: من حيث إنه واحد من المكلفين، ينقسم حكم فعله إلى الأحكم الحنمسة وهذا ما قدمنا ذكره في المسائل السابقة من هذا المبحث.
والثاف!: من حيث مدن أفعاله وأحواله صارت بياناً وتعّريرأ لما شرع الله عزِّ
(1) لعله يعني أبا زيد الدبوسي. (3) ألموا فقط ل 3/ 318
(2) انظر تفسير التحرير 4/ 184
137
(1/133)
وجل إذ انتصب في هذا المقام- فالأفعال في حقه، إما واجب، وإما محرم، ولا ثالث لهما، لأنه من هذه الجهة وأجب، واللجان واجب لا غير. فيجب أن يفعل ما بيانه بالفعلة. ويجب أن يترك ما بيانه بالترك، ولو كان ما يفعله أو يتركه غير واجب كلى الرجل العادي، إلا أنه عله المب!!ق يجب.
ولكون هذا إنما يتعين حيث تظهر الحاجة إلى البيان، وذلك في حالين:
الأولى: عند جهل المشاهد للفعل بحكم الفعل ومع لزوم الفعل لها-
والثانية: عند اعتقاد خلاف الحكم، أو مظِنة اعتقاد خلافه.(1/103)
ومنَاله أن يجهل قوم الحديثَ الوارد في الندب إلى التطوع قبل صلاة المغرب
بعد الأذان، ويسضنكروأ ذلك، فعلى السبق أن يفعل ذلك، ليحصل البيالي، لأن البيان يخص حقه واجب.
ولعله من هذا ما فعله النبي !غ! إذ طلب أن يَطْعَم من غير عبد غير المحرم، وطلب أن يطْعَم من الجعل الذي أخذوه على الرقية. قياما بواجب البيان. والله أعلم.
138
(1/134)
المطلب الثاني
أحكام الأفعال الصادرة
عن النببم صلى انته عليه وسلم
إذا صدر عن النبات فعل، احتمل بحسب الأصل أن يكون فعله علا
سبيل الرجوع، أر على سبيل الندب، أو على سبيل الإباحة، ولا إشكال في شيء من هذه الثلاثة.
ويبقى القول في مقاميها:
الأول: هل يمكن أنا يكلون بعض الأفعالى الصادرة عنه ينهي محرمة، وقد
فجلها عمداً أو خطا، أن نسيانه، أو على نحو ذلك من الطرق؟ وهي المسالة التي تغنوْن عامة بمسالة العصمة.
الئاف!: هل يفعل النبي يكن ما حكمه الشراهة؟.
المقام الأول
عصمة الأنبياء عن المحرمات
أصل البحث يقتضي أن يكون عنوان هذه المسالة وعصمة محمد جم!ي)، غير
أننا أثرنا بحثها نحو عنوان وعصمة الأنجياء) لأنا الأنبياء صله الله عليهم بهيعأ يخص هذه المسالة سواء.
وتبحث هذه المسعاله أصلا في كتاب العمّاثد، لأنها في ما يجب للنبي-لجما،
، يجوز له، ويرم عليه، بمعّتضي النبوة.
9 س\
(1/135)
ويذكرها الأصوليون في أوائل مباحث السنة، فعل ذلك ابن الهمام، وقال:
إن ذلك من عللي ة الأصولية من غير الحنفية (1،.(1/104)
ومنهم من ذكرها في بحث الأفعال النبوية من السنة، كما فعل البيضاوي في منهاجه (3)، إذ جعلها أولى مسائل بحث الأفعال النبوية. وقالت الأسروي شارحه: يوهي مقدمة لما بعدها، لأن الاستدلال بأفعالهم متوقف على عصمتهم 9. وفعلي ذلك الزركشي في البحر المحيط (3)، وقال: القسم الثاني- من السنة- الأفعاله، وعدتهم يقدمون عليها الكلام على العصمة، لأجل أنه ينبني عليها وجوب التالي بأفعاله. أهم. وفعله الغزالي في المنخول والمستشفى.
ونحن نرى أن مسالة العصمة ينبغا بذا ذكرت في الكتب الأصولية الشاملة ة أن تذكر في أولا مباحث السنة، إذ أن تعلقها إنما هو بالسنة بصفتها الشاملة للقول والفعل، لا بالفعل على وجه الخصوص. صارما نذكرها نحن في قسم الأفعال لأنه أحد نوعي السنة، لا لاختصاصها به.
العصمة في اللغة والاصطلاح:
العصمة في اللغة اسم مصدرعصم، وهي بمعنى: المنع، كذا في السفن العرب). وفي (القاموسي عصم: منع شوقى- أقوله: ولعلها بمعنى المنع المضمن معنى الوقاية، على ما تدل عليه استعمالاتها المختلفة ث فليس كل منع عصمة، وأنما العصمة أدت تمنع الشيء أن يلحقه الضرر. قال الله تعالى ة!قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، قال لا عاصم اليوم من أمر الله ألأ من رحم ! (4) وقال: (ومن يعتصم بالله فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم ! (ْ) أي يتمسك بحبله وهداه خشية الانحراف، كما قال الله تعالى: !واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا! (6) وتقول العرب: اعتصم بالفرس، إذا أمسك بعرفه حين يخ!تى السقوط. وقال الزجاج:
(1) تيسير التحرير 3/ 25
لم) 1245/2.
(5) سورة آل عمران: آية 101
(2)53/2
(4) سرية هود: آية 43
(6) سورة آل عمران: آية 183
140
(1/136)(1/105)
أصل العصمة الحبل، وكل ما أمسها شيئا فقد عصمه. وتقول العرب: عصام القِربة، وعصام الإظ!. فالعظام: الحبل أو الحلقة التي يعلق بها الشيء فلا يسقط. أما في الاصطلاح، فالعصمة: منع الله عبل!ه من السقوط في القبيح من الذنوب والأخطاء ونحو ذلك، وهو المعنى المراد في هذا المبحث.
هذا، وتستعمل العصمة في حق النبي له بمعنى آخر وهو أنه تعالى عصمه
من أن يصله إليه أذى الناس، لأجل أن يتمكن من إبلاغ دعوته. ففي الحديث أن عائشة قالت:أ كان النبي ! يحرس، حتى نزلت هذه الآية: فوالله يعصمك من الناس ! (1) فاخرج رسول الله عن رأسه من القمة، فقال لهم: يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني اللهم (3).
وسيأتي لهذا المعنى مزيد بسط فيه وأخر مسألة العصمة.
والعصمة بهذا المعنى، خارجة عن المعنى الاصطلاحي للعصمة، الذي
قدمنا ذكره، كما لا يخفى.
حقيقة العصمة:
اختلف علماء الكلام وعللت الأصول في حقيقة العصمة، على أقوال (3).
ا- قيل ة المعصوم من لايمكنه الإتيان بالمعصية.
وأصحاب هذا القول على طريقتين:
أ- فقيل: حقيقة العصمة أن يختص المعصوم في نفسه أو بدنه بخاضئة لمقتضي امتناع إقدامه على المعصية.
وهذا القول في حقيقة العصمة مردود، إذ لو كان الذنب من المعصوم ممت!نعاً
(1) رواه الترمذي 8/ 411 وقال في الشرح: قال الحافظ وابن حجر ادناور حسن وأخرجه ابن أبي صح!اتم وابن جرير ما-لكم ي مستدركة.
(2) سورة المائدة: آيهّ 67 (3) انظر إرشاد الفحرلط ص 34
؟14
(1/137)
لما استحق المدح بترك الذنب، وأزال تكليفه، إذ لا تكليف بما لا يطاق، ولا ثواب عليه (1).
ب- وقيل: ليس العصمة أن يكون في نفس المعصوم أو بدنه خاطئة ليست
في غير المعصوم، ولكن العصمة القدرة على الطاعة، وعدم القدرة على المعصية. وهذا قول الأشعري (2). ومعناه إما أن الله يسلب من المعصوم القدرة على المعصية؟ فمفهوم العصمة على هذا عدمي. أو يخلق مانعاً يمنع العبد من المعصية، ومفهومها على هذا وجودي (3).(1/106)
2- وليلى المعصم يمكنه الإتيان بالمعصية، ولكن الله يمنعه منها باللطف، بصرف دواعىِ المعصب عن المعصية، بما يلهمه إياه من رغبة ورهبة، وكماله معرفة، كالتحقيق بقوله تعالى: نقل إفك أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ! (4). وهذا قول المعتزلة.
واللطيف عند المعتزلة هو:أ كل ما يختار المرء عنده الواجب، ويجتنب القبيح " أولما يكون العبد عنده أقرب إلى اختيار الواجب، أو ترك القبيح، مع تمكنه من الفعل في الحالين " (ْ).
واللطف عندهم يسمى ترفيقأ، أو عصمة ث فإذا وافق اللطفُ فِعْلَ الطاعة
يقال له توفيره، وإذا وافق اجتناب القبيح يسمى عصمة (6).
العصمة هل هي جائزة أو واجبة.
واضح من تعريف العصمة أن كل صدقي الوقوع في الذنب فقد عاصم
منه. وفي حديث البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي عن أنه قال: ما استُخلفَ خليفةٌ إلا كان له بطانتان، بطانة تأمره بالخير وتحضِّه عليه،
(1) عضد الدين الهيجا ة المواقف، وطرحه للشريف الجرجاني 8/ 281
(2) البحر المحيط للزركشيى 246/2 ب.
(3) لتيسير التحرير 3/ 30 (4) سورها الأنعام: آية 15
(5) د. عبدالكريم عثمان: نظرية التكليف، ص من 3، نقلًا عن المغني لعبدالجبار 93/13. (6) المصدر نفهمه ص 387 نقلات عن المغني لعبد الجبار . 2/ 8 23
(1/138)
وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله لا (1). فالعصمة أصلَاَ في حق البحار بطريق الجواز، والخلاف الواقع بين الأمة في عصمة الأنبياء إ-لما هو في وجوبها أو عدم وجوبها.
لمحة عن تاريخ القول بعصمة الأنبيل!:
لسنا نجد في القرآن العظيم بيانا لعصمة الأنبياء بطريق النص 4 وقد ذكر الرازي في كتابه وعصمة الأنبياء) اثنتي عشرة آية، رأى أنها دالة على عصمتهمء ودلالتها عنده هي بطريق اللزوم، لا بطريق النص، كما هو واضح من استقرارها في كتابه المذكور، وكما سيأتي إيضاحه إن شلل الليه.
والسنة كذلك فيها إشارات ليست نصوصاً. ومن أصرح ما ورد في ذلك ما(1/107)
في الحديث أن النبي له قال: كما متكلم من أحد ألأ وقد ركل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة". قالوا: كاياك؟ قال:أ وإياي، ألأ لذ الله أعانني عليه فأسلم فلا يامرف! إلا بخير" (!"ومنذ قوال الصحابة، ما في مسند أحمد، من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه قال ينا أول خطبة له بعد توليه الخلافة: ولئن أخذتموني بسنة نبيكم يفي ما أطيقها، إن كان لمعصرمأ من الشيطان، وان كان لينزل عليه الوحي من السلى! (3).
وذُجمر أن أول من ألف يخت العصمة (الشريف) المرتكز، وكان من كبار دعاة الإمامية. فقد ألف كتابه وتنزيه الأنبياء) قاله فيه بعصمة الأنبيل!، وأضاف إلى ذلك أن أوجب العصمة لأئمة الشيعة. بله يرى بعض الكاتبين أنه اتخذ القول بعصمة الأنبياء سلما للقول بعصمة (الأوصياء) كما ادي عام.
ثم ألف الرازي، وهو محمد بن عمر بن الحسيين، المتكلم الأصولي الشهير، (543- 656 هو كتابه الآنف الذكري عصمة الأنبياءإ (4) الذي أصبح
(1) 11/ 501 (2) رواه احمد ومسلما الفرع الطبي.
(3) قال احمد عمد شاكر: إسناده حسيسن
(4) كتاب (عصمة الأفبحا،!، طبعت بداره الطباعة المصرية بالقاهرة ط!1355 هـ أقدم له تعلق علميه عمد منير الدمشقي.
143
(1/139)
عمله الأكثرين بعده قي تقرير المسالة والاستدلال لها. وقد صنف مباحث المسألة. وذكر أقواله العلاء فيها، واختار عصمة الأنبياء في زمان تفوتهم، لا قبلها، عن تعميد الكبائر والصغائر. وأجاز صدورها عنهم سهواً وذكر الدولة، ثم تسع قصص الأنبيل!، وتامل ما ظاهره صدور الذنب عنهم مما ذكره اللّه تعالى في قصصهم.
مذاهب العلماء في العصمة إجالَاَ:(1/108)
1- الشيعة الإمامية غالت لا إثبات عصمة الأنبياء، حتى منعوا صدور المخالفة عن النبي عن قبل النبوة وبعدها، كبيرة كانت المخالفة أو صغيرة، عمدا كانت أو سهوا (1)، ونقل البعض أن ابن أيا الحديد، من الشيعة الإمامية، شارح منهج البلاغة)، مال إلى الاعتدال؟ فأجاز صدور الذنب سهوا أو نسياناً ولا يقر عليه (2". ويظهر أن الشيعة الزيدية/ يوافقوا الإمامية على ما ذهبوا إليه (3)-
2- وأكد المعتزلة يوافق الشيعة في مذهبهم، إلا في الصغائر غي ائسَخفَة
قبل البعثة وبعدها، والكتب صغيره وكبيره، والسهو في ما يؤدونه. ولخص أبو الحسين البصري ما يمتنع عليهم بقوله: "لا يجوز عليهم ما يؤثر في الأداء، ولا ما يؤثر في التعليم، ولا في القبول "،4). وفضل ما ذكرنا.
3- المتكلمون ومنهم الأمني والرازي والباقلاني (ْ) وبعض المعتزلة وغيره،
قالوا إنهبم لا يمتنع عليهم قبل النبوة الكبائر ولا الصغائر، قال الأسدي: بل ولا يمتنع عقلا إرسال من أسلم وآمن بعد كفره.
(1) الاَمدي 242/1
21) وهبه الرحيلي "عصمة الأنبياء" مقالة في مجلة الوعي الإسلامي الكويتية،) ى شبه؟ سنة 95 صفا هـ ص 25
(3) المصدر السابق. وانظر هداية العقول.
(4) أبو الحسيمة البصري ة المعتمد 1/ 370
(5) قاله ابن حزم في والفصل 2/4)أ ول ما هذا الباقلافب، فإنا قد رأينا في كتاب صاحبه أبدا
144
(1/140)
أما بعد النبوة، فقد قالوا إن الأنبياء معصومون عن تعمّد كل ما يخلّ بصدقهم، فيما دئ!تا المعجزة القاطعة على صدقهم فيه من دعوى الرسالة والتبليغ عن الله تعالى. أما بطريق الخطأ والنسيان فقد اختلفوا فيها وجوزه الباقلافإ، ومال إليه العمدي.
وأما الكفر فقد منعوه عمداً وسهرت.(1/109)
ود ما المعاصي الكبائر وصغائر ايخ!ة فقد منعوها عمدا وجوزوها سهواً كما جوزوا الصغائر على سبيل الندرة (1) ولو عمداً ومنهم من منع ملئه كله، ومن أولئك السبكي وابنه، والإسفرائيني والشهرستاف!، والقاضي رياض (2) ! بل أن القاضي رياض وافق الشيعة الإمامية في دعوى العصمة قبلي النبوة، والعصمة بعد النبوة من الصغائر ولا سهرا (3).
4- والخوارج نقل الأمني عن الأفارقة منهما نهم أجازوا بعثة نبي يعلم الله
أنه يكفر بعد نبوته. والفضيْلئة منهم أجازوا صدور الذنوب عن الأنبياء، ركل ذنب فهو عندهم كافر. وبذلك يكونون قد أجازوا صدور الكفر عنهم.
!- وأما أهل الحديث؟ فينقل الكلاتبرنه في الأصول كنهم وعن إلزامية،
أنهم أجازوا صدور الكبائر عن الأنبياء عيداً وابن تيميه ينقل ((ن عصمتهم في ما
(2) (3)
جعفر السحمناف! قاضي الموصل، أت وانا يقول: "كل ذنب، دقة و جمل، فإنه جائز على الرسل، حاشية الكذب في التبليغ فقط ". قالت: "رجاثز عليهما ن يكفروا" فال: ة!اذا كما النبع تم رد عن !ئيء، تم فعله، فليس فلك دليلًا عله أن ملئه أليها قد نسخ، لأنه قد يفعله عاص!يأ دمه عز رجل " قال ة، وليس لأصحابه أنا ينكرها عليه ذلكم 10 هـ.
فإنه كانت هذه الناقوس عن الباقلاني نفحمه؟ فجا روايهّ أخرى تخالف ما يتناوله الأصولييها من منصبه.
انظر الاه!يى 243/1، 244
ابن السبكي والمحير: جمع الجوامع وشرحه 93/2 والقاضي رياض ة الشفاء بتعريف حقروا المصطافى ط القاهرة، محمد علي ربيع 115/2
الشفاء140/3
145
(1/141)(1/110)
يبفغرنه عن الله تعالى ثابتة باتفاق الأمة" (1). وقال !، موضع آخر: "النبي معصوم في ما يبلغه عن الليه تعالى، فلا يستقر خطا في المبلغة وأما فيما يتعلق بالذنوب فليسرا عنده معصومين عن صدورها منهم، ولكون هم معصومون من الإقرار على الذنب، بل يُنبَّهونا أو يتوبون،3) وظاهر قوله هذا أنه يجيز صدور الذنب منهم كبيرا كان أو صغيراً عمدا وسهول. فلا عصمة عنده للنبي عن صدور الذنب والمخالفة منه، وأنما العصمة عن استمراره على الذنب دون توبة، وعن استقرار ما يؤديه من الشريعة على ا-خطأ.
6- وأما الظاهرية، فإن ابن حزم ترك ظاهريته هنا، وقال بعصمة الأنبيل!
بعد النبوة عن كل ذنب صغير أو كبير عمداً و/ يمنع أن يصدر عنه مجد ذلك سهوا عن غير قصد. والتزم أنهم لا يُقَرون على ذلك، بل ينبههم الله تعالى عليه ولا بد، إثر وقوعه منهم، ويظهر ذلك لعباده ويبين لهم (3).
ا أأ قلة؟
لن نستعرض بالتفصيل) صلة القائلين بالعصمة، وأدلة مخالفيهم، وسنكتفي بعرض الأدلة إجمالاً، ونضرب لها بعض أمثلة تتبين بها طريقة كل طائفة في الاستدلال لما تقول. ونختار ما نراه،جي. سافين ألذ تعالى التوفيق والعصمة.
أولاً: أدلة القائلين بالعصمة ضن صدور الجنوب عن الأنبياء:
ا- آيات قرآنية، من مثل قوله تعالى ت وألا لعنة الله على الظالمين ! والعاصي لا/، فلو عمى النبي عن لتوجه إليه حكم الأمة. وانقاد ذلك في حق النبي ! كفر. وقوله: وألا إن حزب الشيطان هم الحاسرون ! فلو صدرت
11) مجموعة فتاوى ابن تنمية، القاهرة، مطبعة كردستان العلمية 283/2 وليضأ: منهاج الشر 130/1
(2) الفتاوى الكبرى لابن تيميه. ط. الرياض 10/ 390
(3) ابن حزم ة الفصل في المجله والضحل 2/4
146
(1/142)(1/111)
عنهم الذنوب كانوا من حزب الشيطان ولكان من قال الله فيهم: وألا إن حزب الله هم المفلحون ! من العباد والصلحاء، خيرا من الأنبياء. وذلك باطل. ويناقش ابن تنمية مثل هذا الاستدلالي، بان الظالم هو من أصل على الفني
ولم يتب منه، أما من وقعِ منه فبادر إلى التوبة والإنابة إلى الله، فلعله يكون خيرا ممن/ يقع منه الذنب أصلان (1إ. قال:إ وفي الأثر: كان داود بعد التوبة، خيراً منه قبل الخطيئة! (3،. فلم يذكر الله تعالى عن نبي ذنباًا أأ مقرونا بتوبة واستغفار(3). 2- أنا ماموررن بالتاسيّ بالنبي !به!مع، بقوله تعالى: نقل إن كنتم تحبون الله فاتبعوف! ! ونحو ذلك من الأيام. فلو صدر تعمّد المخالفة أو الغلط أو النسيان عنه لكنا مغمورين بالاقتداء به فيه، وهذا لا يجوز. فثبت استحالة صدور المعصية عنه (4).
ونوقش هذا الدليل بأنه لا يُ!نتج إلا منع استقرار الشرع على كيي الوجه الصحيح. قال ابن تيميه:أ حجة التاسئي بالأنبياء صلوات الله عليهم لا تنتج منع الذنب، ولكن منع الإقرار عليه !. قالت: "المختار أن العصمة ثابتة عن الإقرار على الذنوب مطلقاً والحجج العقلية والنقلية تنتج هذا لا غير" (ْ).
وقالت يضأ:أ أن هؤلاء من أعظم حججهم ما اعتمده القاضي عياضة
وغيره حيث قالوا: نحن مأمورون بالتاسئي بهدم في الأفعالى، وتجهيز ذلك يقدح في التالمتي. فأجيبوا بان الخالصي هو فيما أقروا عليه، لا أن النسخ جائز في ما يبتغونه من الأمر والنهي، وليس ذلك مانعا من وجوب الطاعة، لأن الطاعة تجب في ما/ ينسلخ. فعدم النسمة يقرر الحكم؟ تعمم الإنكار يقرر الفعل، والأصل عدم كل منهما! (6)10 هـ.
(1) القاو!ما الكبر!ط ط الرياض.ْ 293/1- 395 (3) منهاج السنة.
(3) الفتاوى الكبرى ط الرياض هـ 296/1
(4) الرازي: عصمة الأتبيا، ص ه، ورياض: الشفا 4،
(5) ابن تيميهّ: الفتاوى الكبرى 5 293/1 (6) اب!! تسمية: الفتاوى الكمبرى 15/ 49 1
147
(1/143)(1/112)
وقال الشيخ محمد خليل هراس ة "الواجب أن نستحي من الله أن نقول ما يخالف كلام انه عز رجل. وما وقع من الكسلى من مخالفات قليلة جدا في أعمارهم الطويلة أفي إليها أحيانا غلبة طبع أو نسيان بمقتضى أنهم بشر، لا يمكن أن يغض من أقدارهم، ولا لن يخرجهم عن منصبْالقدوة التي جعلها الله لهم "،1). ونوقش هذا الدليل أيضا مع من أجاز صدور المعصية الكبيرة نسيانا أو سهرا
أو الصغيرة كمدا وسهول، بانا مأمورون بالاقتداء به يكن في صغير أعماله وكبيرها. فلما/ يقبض دليل الاقتداء منع النسيان والسهو والصغيرة، فكذلك لا يقتضي منع صدور الكبيرة عمداً وإنما يقتضي الدديلا منع الإقرار على الكل كما تقدم.
وقد أجاب أبرهاشم الجنائي عن هذا الاستدلال بقوله:أ إن التاسئي بالعاصي قد
يكون طاعة". كالذاهب إلى الكنيسة للكفر، يتاسىً به من يمضي معه لمطالبة غريم واسترجاع وديعة.
وهذا الجواب غير مرضي، وقد رفها بو عبد الله البصري بان: (المتاسئي بغيره
لا يكلون متاشمِأ في جنس الفعل، هإنما يكلون كذلك بأن يفعله على الوجه الذي فعل ". يعني بالرجل: غرضه من الفعل.
وقد راح القاضي عبدالجبار طريقة شيخه أب عبداللي البصري (2). وهو
الصواب.
أقول: والعجب من الرازي أنه جعل الحاجة إلى التأسي به له دليل عصمته، ولكنه في باب الأفعال النبوية من كتابه المشهور (المحصول) توقف في مسالة التاسيس بها، ورأى أنه غير لازم (3). لاحتمالها الخصوصية- ما/ يبين لنا بالقول أن الفعل المعد مقصود به التاسئي. وهذا تناقض من الرازي، عفا الله عنا وعنه.
11) تعليقه على الخصائص الكبرى السيوطي 336/3
(2) عبدالجبار: المغني 5 1/ 286 (3) المحصول للرازي ق 48 1. 148.
(1/144)
3- دليل التكفير: وهو دليل عقلي. وهو عمدة المعتزلة: قالوا: كلّ ما ينفر(1/113)
عن القبول من النبي عن، من الكذب فحما يؤديه وفي غزير ما يؤديه، والكبائر، وصغائر الخسة ونحو ذلك، فيجب أن يكونه معصوما منه، لا يصدر عنه. ويكلون لذلك معصوما من الفظاظة والغلظة، وحتى عن كث!!رمن المباحات القادحة في التعظيم. ويدخل فيه قول الشعر والكلتابة، إذ كانت معجزة محمد مجمع الفصاحة، والإخبار عن الغيوب (1).
وقد ناقش الغزالي الاستدلال بالتكفير على العصمة، بقوله ة!لا يجب عندنا عصمتهم من جميع ما ينفر، فقد كانت الحرب سِجالاً بينه شبيهة الكفار، مع أنه خفف عن الخط والكتاب لئلا يرتاب المبطلون. وقد ارتاب جماعة بسبب النسب، وجماعة بسبب الآيات المتشابهات " (2) 0 الـ.
وناقشه أيضا صاحب (التحريه! (3) في ما قبل البعث بقوله:إ بعد صفاء السريرة، وحسن السيرة، ينعكس حالهم في القلوب رأي إلى التعظيم والإجلالى) ويؤكده دلالة المعجزة، والمشاهدة واقعة به في آحاد انقادَ الخلق إلى بجلالهم، بعد العلم بما كانوا عليه. فلا معنى لإنكاره " الـ.
فالحقد ن دليل التنفير غير قائم، ولا يصح الاعتماد عليه في هذه المسالة.
4- دليل الإجماع: قالوا: أجمعت الأمة على عصمة الأنبياء، ولكن الأصوليين وغيرهم اختلفوا فيما ادعوا الإجماع عليه من ذلك، فالقاضي عيان ذكر الإجماع على عصمتهم 10- في العقيدهّ. و 2- في الأقوال البلاغية، عن العمد والسهو والنسحيان والغلط وغزير ذلك. و 3- من الخُلف في الأقوال الدينية عمدا وسهواً. و 4- من الذنوب الكلبائر.
والرازي أنور الإجماع فيها إذا كان سبيله السهر والغلط، دون العمد. وادعى
(1) أبو الحسين البصري: المعتمد 1/ 371 (3)25/3 و 21
(2) 1 لمستشفى 49/3
49؟
(1/145)(1/114)
الإجماع على العصمة من تعمد الصغائر والكبائرء كما حكى عمّن سمّاهمٍ (الحشْؤية)- ولعفه يقصد أصحاب الحديث- إجازتهم صدور الكبائر سهوا وعمداً. وحتى عن الفُضَيْلئة جواز صدور السفر عنهم. وأيضا حكى الزركشي في البحر المحيط، عن مط لك وعن ابن الساعاتي، صحة وقوع الصغائر منهم. وتتدارك بالتوبة (1)-
وابن تيميه حكى الإجماع، ولكن جعله إجماعاً على امتناع إقرار الأنبيل! على الذنوب، وعلى امتناع استقرار الخلف في التبليغ، دون ما سوى ذلك.
وهكذا نرى أن ما يتحققا فيه الإجماع هو العصمة من الإقرار على الذنوب الكبائر للتعمية، ومن استقرار الخلف في التبليغ.
5- دليل اقتضاء المعجزة للعصمة: وهو دليل عقلي. وبه أخذ ابن فُورَلى والغزالي له فيما خالف مقتكما المعجزة.
قاله الغزالي: بكل ما يناقض مدلول المعجزة فهو محال عليهم بطريق العقل. ويناقض مدلول المعجزة جهاز الكفر، والجهل بالله تعالى، وكتمان رسالة أفه، والكذب والخطط والغلط فيما يبلغ، والتقصير في التبليغ، والجهل بتفاصيل الشرع الذي أمر بالدعوة إليه ".
قال: () ما ما يرجع إلى مقارنة الذنب فيما يخصه، ولا يتعلق بالرسالة، فلا
يدل على عصمتهم منه دلحِل العقل، بل دليل التوقيف والإجماع " 21) الـ.
إذن فدلالة المعجزة على العصمة دلالة صحيحة، ولكنها دلالة محدودة بدعوى الرسالة وما وقع عليه التحدي، وما يستقر في الشرع مما يبلغه- ك بقوله أو فعله، دون سائر الأقوالى والأفعال.
6- دليل عملي: إِن الذنوب تنافي الكمال، وأن الأنبياء لكرامتهم علا الله لا
يصدر عنهم ذنب يم).
(1) البحر المح!يط 2/ 1246. (س!) جمع ابرامز 2/ 95
(3) 1 لمستشفى 49/2
هـ 15
(1/146)
ونوقش هذا بأن التوبة النصوح التي يقبلها الله يرفع بها صاحبها إلى) عظم
مما كانا عليه،1).(1/115)
ثانياً: أدلة القائلين بإمكان صدور المخالفة عن النبي صلى ارثه عليه وسلم: 1- استدلوا لذلك بما ورد في كتاب ألد وسنة رسوله ! من نسبة والعصيان) و (الذنرب) و (الظلم) إلى بعض الأنبياء. ومن ذلك قوله تعالى: (وعصى آدم ربه فغوى* ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى! (2)، وقوله تعالى: وليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تاخرا (3).
وقال عن آدم وزوجه: فقالا ربنا ظلمنا أنفسنالا (4) وعن يونسي له قال: فسبحانك إني كنت من الظالميها! (ْ) ونحر ذلك من الآيات.
2- وقالوا: حدر اللهم نبتاعه من الوقوع في الشرك والمعاصي بنحو قوله عز وجل: (ولقد أرحب إليها وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنا عملك ولنكونن من الحاسرين ! (6)، وقال: !ولرلا أن ثبًتناكَ لقد كدت تركن إليهم شيئا قلبلأ! إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ! (7).
3- قالوا: فلو كان لا يتصور أن يقع منهم الذنب، لما كان لهذا التحذير معنى.
وذكر الله في قصصيا أنبيائه، قي مواضع كثيرة جداً، وقوع الذنودب منهم.
ولكن الله عز وجل لا يذكر عن نبي ذنبا إلا أتبعه بذكور تربة النبي منه، أو تذكيره، وتنبيهه ألي ذلوا كما في قصة آدم من الشجرة، وطلب نوح نجاة ابنه، رأي مغاربة
(؟) ابن فضية: مجموع الفتا، ى، طبعة كلرر! وانا العلمية 283/2 ونقله الشيخ عبدالجليل عيصي في ة اجتهاد الرسول ول دعا 43 دعا بعدهما.
(2) سورة طه: آية 131 (3) سورة الفتح: آيهّ 2
(4) سو ري الأعراف: أية 23 (5) صررهّ الأنبياء: آية 87
61) سورها الزهر: أية 65 (7) سورها الإسراء: امية 75، 76
151
(1/147)(1/116)
يونس؟ وقتل موسى للقبطي، وقصة داود مع الخصم الذين تسوروا المحراب، وقوله تعالى في قصة ابن أم مكتوم: دعبس وتولاه أن جمع الأعمى! الاذيات. في أمثال ذلك؟ مما كان فيه التعليم للنبي، الذي وقعت منه المعصية، وضرب المثل لغيره من البشر، حتى يكون قدوة في المسارعة إلى الخيرات، والتباعد عن المعاصي، بعد تعليم الله له، والمسارعة إلى التوبة من المخالفات، والتحصن من ) سبابها المؤدية إليها.
يقول محمد قطب في مجال حديثه عن التربية بالقصة: لأيستعرض (القرآن)
في حق الأنبياء، بعض مظاهر الضعف البشري. ولكن ليس الاحتفال فيها بنقطة الضعف، ولكن بالإنابة منها إلى الله. يعرضها القرآني دون مداراة على أصحابها... ولكنه لا يصنع منها بطولة، لأنها في الحقيقة ليست كذلك... وقصة آدم من ذلك... إنها لحظة ضعف، أصابت آدم، فنسي نفسه، وفهمه مع ربه، وجنح إلى شهوة من شهوات نفسه، فاستزئه الشيطان منها، وقاده من مقودها" (1). 4- قالوا: وفي السنة مواضع تدل على ذلك، منها قول النبي !كيهه: حيا أم
سليم أما تعلمين أني اشترطت على ربي، فقلت: إنما أنا بشر، أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، ففيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل، أن تجعلها له طهوراً وزكاة وقربة تقريبه بها منك يوم القيامة 9 (2).
ومخها أن النبي يئه!ه قبيل وفاته قام في أصحابه على المنبر فقاد: وأما بعد، لمجا الناس، إنه قد دنا مني خفوقي مِنْ بَين أظهركم، ألا فمن كنت جلدتُ له ظهرا فهذا ظهري فليَسْتَقِدْ منه، ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقدْ. ولا يقولنَ قائل: أخافُ الشحناءَ من قبل رسول الله !كل!، فإنها ليست من شماني " (3).
(1) منهج التربيهَ الإسلامية ص 341
(2) رواه أحمد ومسلم والفتح الكلبين 3/ 9 كل).
(3) أخرجه ابن سعد وأبو يعلى والطبراقا والبيهمَي وي بو نعيم من حديث الفضل بن العباس (الحصائما الكبرى 378/3)
152(1/117)
(1/148)
ومعلوم أن ذلك كله لسكان بحق، فلا قوة، ولا وفاء فيه. ولا يجوزان ئظَنً
أن ذلك القول منه صك تخييل، لمجرد التعليم، لأن التخييل يؤدي إنما اعتقلت خلاف الحق.
وقد نوقشمت هذه الأدلة وأمثالها مناقشات طويلة، حفلت بها كتب التفسير،
وكتب شروح الحديث، والتماثل، والخصائص، وكتب العقائد، وكتب الأصول- وقد أخذت هذه المناقشات من علماء طرائف الملة جهوداً كبيرة. وقد اعتنى بها الرازي في كتابه عن العصمة، ورياض في الشفاء (؟)، والعضد في المواقف (2)، وغيرهم، واستعرضوا الآيات والأحاديث الدالة على إمكال! وقوع الذنوب من الأنبياء، والآيات والأحاديث الدالة على أنها رقعت فعلاً ثم شرعوا في تحويلها وبيان احتمالات يمكن صرف الكلام إليها. ووفَقوا في بعض ذلك، ولكن كان كثير من تحويلهم متكفلاً بعيداً يغلب عند القارىء لكتاب الله أنه لم يُرَد أصلاً وأنه لو أريد لما كان الكتاب والسنة بياناً، بل كانا يكلونان تعمية عن الحق؟ ! ايهامه لخلافه.
رمن أمثلة ذلك ما قال الرازي ما قوله تعالى:. !وع!ما آدم ربه فغوى!
عنه بكونه تاركا للمندوب،
ويخص إخراج آدم من الجنة بسبب معصيته قال: ليسكه في الآية ألا أنه اخرج
من الجنة عند إقدامه على هذا الفعل، أو لأجل إقدامه عله هذا الفعلي، وذلك لا يدلي علا أن ذلك الإخراج كان علا سبيل التنكيل-
وقال في قصة قتله موسى القبطي، وقوله: وهذا من عمل الشيطان !،
قال: يحتمل أن المراد: عمل المقتول من عمل الشيطان. وفيه قول مولمة: حارب إلي ظلمت نفم!ي فاغفر لي فغفر له ! اغفر لي: أي اقبل مني هذه الطاعة.
وقال في قي ل هارودز لأخيه: حالا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ! أخذ برأس
(1) 149/2- 169
(2) 268/8- 0 28
153
(1/149)
أخيه ليدنيه فيتفحص كيف الواقعة، فخاف هارون أن يسبق إلى قلوبهم ما لا أصل له، فقال إشفاقا عله مولمة عليه السلام: ألا تأخذ بلحيتي ! لئلا يظن القوم بك ما لايعيق.(1/118)
وقال في قوله تعالى: (ووجدك ضالا فهدى! يحتمل المراد: ضالا عن المعيشة وطريق الكسب. أو: وجدك ضالا في زمان الصبا في بعض المفاصز* أو مضلولأ عنه في لم ظفار.
وقال في قوله تعالى: وليغفر لك الليه ما تقدم من ذنبك وما تأخرت لي ذنب أمتك، أر ليغفر لأمتك ما أذنبوا في حقك. وقال البناف!: قاد ابن السبعلي في قوله تعالى: كما كان لنبي أن يكون له أسرى! أي إنبى كيبك. وفي قوله تعالما: أتريدون عرض الدنيات: المخاطب الصحابة دون النبي ! (1).
قال ابن تيميه:أ وفي الكتاب والسنة الصحيحة والكتب التين نزلت قبل القرآن مما يوافىَ هذا القول ما يتعذر إحمصاؤه " (2).
وقال أيضاً: إثم إن العصمة المعلومة بدليل الشرع والإجماع، وهي العصمة
في التبليغ، لم ينتفعوا بها،- يعني المتكلمة- إذ كانوا لا ئقِرُون بموجب ما بلغته الأنبيلكل، و(نما يقرون بلفظ يحرفون معناه. والعصمهْ التي كانوا ادعوها- لو كانت ثابتة- لم ينتفعوا بها، ولا حاجة بهم إليها عندهم، فإنها متعلقة بغيرهم لا بما أمروا بالإيمان به. فيتكلم أحدهم فيها على الأنبياء بغير سلطان من الله، ويدع ما يجب عليه من تصديق الأنبياء وطاعتهم. وهو الذي تحصل به السعادة، وبضده تحصل الشقاوة ". ا هـ.
وقال نرى موضع ثالث: (والذين لا يقولون بصدور مخالف عن الأنبياء،
تأولوا كل ذلك بمثل تأولات الجهمية، والقدرية، لنصوص الصفات والمعاد، وهي
(1) حاشية البناف! على بيع الجوامع 378/2 (2) الفتاوى الكبرى، ط الرياض 10/ 295
154
(1/150)
من جنس تحويلات الباطنية والقرامطة، التي يعلم بالضرورة أنها باطلة، ولذا من باب تحريف الكلم عن مواضعه 191).
!!لأ
قدم منا بياناً لمذاهب العلماء في عصمة الأنبياء، وما يحتج به لكل قول، ونحن
نبين ما نختاره، ونرَتب ذلك بحسب ما يقال بالعصمة منه.
أولاً: دعا إى الرسالة ومجموع القرآن والشريعة:(1/119)
فما وقصت المعجزة مصدقة له من صحة دعوى الرسالة، ود القرآن والشريعة من عند الله تعالى، وما بلغه !به!م وأثبته العجزة، فكل ذلك مقطوع بالعصمة من أي خلف فيه، بدليل المعجزة المتقدم ذكرها.
ثانياَ: تبليغ ا، ذات وبيان الأحكام بالأولى والفعل:
تقدم أن هذا الأمر مجمع عل العصمة من الإصرار عليه، فما استقرت في الشرلعه مما أبلغه يكن أمحه لا بد أن لكون من عند الله تعالى، بدلاله الإبداع كما تقدم.، بدلالة قوله تعالى ة جولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمن ثم لقطعنا منه اللتين لا 2)، رقوله:.(فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ! (3)، وقوله:أ وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليها لتفتري علينا غيره وإلاَّ لاتّخذوك خليلا " ولولاه ن ث!تْناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاَ! إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تحدد لك علمِنا نصيراً! (4).
لكن هلا يتصور أن يصدر ما فيه هدف فيصبح، أو لا يتصور صدرته أصلا؟ هذا موضع الاشتبل!، وعنده اختلفت الأنظار. وظاهر الآيات السابقة مشعر بإمكلان ذلك ! ومنهم من نمّل الإبداع كلا امتناعه كما تقدم، والله أعلم.
(1) يصوغ الافتاوف البىت ق، مطبعة، كردستان العلمية، 283/2 (3) سلم رد بطاقة: أية 44 (3) سرية اتت: آية 2 في (4) سو/8 الم- ا": أية 73
155
(1/151)
ما لصاً: ا لكلباثر:
القول فيها كالقول في النوع الثاني المتقدم أعلاه سواء.
لا بعد: ا لصغائر:
أما صغائر الخسّة فهي والكبائر ولا فرق.
وأما ما عداها كالنظرة، والكلمة اليسيرة من السب ونحن عند الغضب، والضربة بغير حق، فقد قال الغزالي: توأما الصغائر ففيه تردد بين العلي !، والغالب علا الظن وقوعه، وإليه يشير بعض الآيات والحكايات ! (1"-
وأجازه كثير من المعتزلة والأشاعرة (3) وهو المعتمد، خلافاً للإمامية والحنفية يا وبعفه متاخرة المتكلمين (4). ويتدارك بالتوبة أو الإنكار من جهة الله تعالي.(1/120)
خامساً: الخطأ في العمل بالشريعة، والإفتاء:
أي قي استنباط الأحكام وفي تطبيق الأحكام عله الوقائع، في حق
نفسه عن، وحده غيره، من غير تعضد للمخالفة، لأن تعميد المخالفة داخل قي الصغائر أو في الكبائر، وحكمها قد تقدم.
والخطأ مبني على جواز الاجتهاد وعدمه، فمن قال بجواز اجتهاده ! قال بإمكلان صدور الخطة تاؤلًا، وينبه عليه. هذا على مذهب من يقول: المصيب واحد- لا على مذهب من يقول: كل مجتهد مصيب (5).
وصاحب جمع الجوامع صعب أنه جم!يم يجتهد، ولكن لا يخطى!ر (،)، مع
قوله: إن المصيب في الاجتهاد واحد. وهذا الجمع بن الأمرين مستبعد.
(1) المنخول فيه 223 (2) الموافق 8/ 265
(3) لّيسم!مر التحرير 3/ 21 (4) انظر ليضأ: إرشاد الفحول ص 34 51) 1 لمستشفى 49/2
(6) جمع الجوامع لل!سبكي وشرحه للمحلى 387/2، 389
(1/152)
والقول بإمكان وقوع الخطر بالتحول، مع التنبيه عليه، أصوب. وهو مذهب الحنفية (1،، فلقد اختاره الأمني، ونقله عن الحنابلة وأصحاب الحديث وجماعة من المعتزلة، وأكثر المتكلمين (2).
ومن أدلة وقوعه قوله تعالى: فعفا الله عنك لم أذنت لهم ! وقصة استغفاره جمعه للمشركين، وقيامه على قبور المنافقين.
ربما ورد في قصة أسرى بدر(3"، من أمره سر باستئجار الأسرى، ثم إفاداتهم
بإشارة أبي بكر رضي الله عنه، حتى نزل قول أرز تعالى: كما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم ! لولا كتاب من الله سبق لمسعكم فيمار خاتم عذاب عظيم ! (4).
ونحن نرى أن الخطر الذي وقع، على القول بإمكلان صدوره، أن الله تعالى(1/121)
أمروه سورة القتال في حق العدل قبل الإثخان بأمر واحد محمد: (فإذا لعَيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدَوا الوثيق ! (ْ) وحالة القتال في بدر كانت داخلة في هذا الحكم، إذ كان المسلمون فقراء، مستضعفيهة، محتقرين، لا يرهبهم أحد من العرب وخاصة أهل مكة. وكان ذلك يؤلّب العرب عليهم، ومحالهم مطمعاً لكلا حد. فكان تأسيس الهيبة والرهبة، التي تكف العدوان عنهم، لا بد فيه من ضرب الرقاب وامتناع الأسر حتى يحصل الإثخان. وكانا شذ الوثادْ، وتجميع الأسرى، مخالفاً للشص. فكان الأسر ومعاداة الأسرى أجتهادأ، وكان ا-لأمل عليه ما قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسوله اللّه هم لذلك وعشيرتك، ولعلّ الله أن يهديهم ة كما أشار إليه (تريدوده عرض الدنيات أي الفدية، وهذا عمل بالقياس أو المصلحة في مقابلة النص. ومن أجل ذلك وقع العتاب فيه، وامشحقه العاملودن به العقاب. قال الله تعالى: لألولا كتّاب الله سبق
(1) كشف الأسرار علي البزاوي 3/ 929 وتيسير التحرير- كتاب الاجتهاد. (2) الأيام 4/ 1 29 (4) سورة الأنفال: آية 68، 69 31) روضة الناظر بتعليق بدران 2/ 421 (5) سورة عمد (القحَال): آية 4
157
(1/153)
لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ! ولو كان الأمر مجرد خطا في الاجتهاد المأذون فيه، لما استحق المجتهد العقوبة، لأن الأدلة الشرعية قد قررت أن المجتهد معذور، بل هو مثاب عله اجتهاده.
ولا يعني قوله تعالى: (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبأ! نسخ آية تحريم الأسر
قبل الإثخان، بل هي باقية ثابتة، تؤيدها العلوم العسكرية، واستقراء الوقائع التاريخية المعلومة عند نشاط الحولة الجديدة. ولكون الذي وقع هو تسويغ التعاقد الدولي الذي تتم مع أهل محلة. لأن العقد على المناداة كان قد وقع، وكان يخص إلغائه ضرر كبثير يلحق سمعة الدولة الإسلامية، وينفِّر عنها المقبلتين عليها، ويمكن للدعاية المعادية من التأثير على أهلها (1".(1/122)
وقد احتخ! مانع صدور الخطأ عنه غد بأمور:
الأولى: أن اجتهاد أهل الإجماع معصم من الخطأ، فاجتهاد النبي !غ!يو أصلى بالعصمة من الخطأ.
ود جيب عن هذا بان اجتهاد!! أولى بالصواب من اجتهاد كل واحد من
أهل الإجماع على انفراده. ذكره الرازي الرصاص (2).
وأجيبك يضاف، بأنه لا مانع من أن تختص الأمة برتبة بسبب اتباعها لنعيها،
وله جمع من الفضائل من النبوة ة وغيرها، وأصل العصمة؟ ما يرجح به على الأمة. ونظروا لذلك بالإمام الأكبر، لا يلزم أدت يكون له رتبة القضاء، وإن كانت رتبة القضاء مستفادة منه، ولا يعود ذلك عليه بنقص أو انحطاط رتبة.
وإنما جاز وقوع الخطر منه، لأجل مصلحة تشريع الاجتهاد، والتشاور،
(1) هذا المعنى الذي أخفنا به فىه هذه الواقعهَ، وجدنا الشيخ عبدالرحمن الجفيري قد أخذ به في مقال له بمجلهّ الأزهر مجلد سنة 1356 ص 680. وقال السيد رشيد رضا يتوجه العتاب إليهم، بعد بيان سنة النبيل لا المسالة، الدال بالإيماء على وممول الإنكلار رالمتاب له صلوات اللّه وسلامه عليه وعلا آله ".أ تفسحير المنار 86/10).
21) أصول الرصاص 320 ب.
158
(1/154)
واستنباط الأحكام، ووراء ذلك الوحي يصحح ما وقع من الخطأ، بخلاف الإجماع بعده يكره (1،، فليس هناك ولا يصححها
الثاني: يلزم على إجازة الخطر، أن الصحابة كانوا مخمورين باتباع جاهز الخطر. وذلك باطل.
وأجيب بان بطلان ذلك ممنوع، بدليل الأمر بطاعة الأئمة وأولي الأمر في اجتهاداتهم، مع عدم عصمتهم من الخطأ.
الثالث: أنه يلزم، على إجازة الخطر، الشك فيما يقوله يئه!رو عن اجتهاد،
وذلك يخل بمقصود البعثة.
وأجيب عن ذلك بان الشوا في ما يصدر عن اجتهاد لا يحلّ بمقصود البعثة.(1/123)
إ:لما الذي يخل بمقصودها الشك في نفس الرسالة (3). وقد عهد من الصحابة مراجعة النبي جمل فيما علموا) له صدر عن اجتهاد، كما فعل الشباب بن المنذر، إذ قال ة يا رسول اللهم هذا منزل أنزئكة الله، ليس لنا أن نتهم عنه أو نتأخر، أم هو الرأي والحرب،1 لمكيدة؟ قال: بل هو الرأجما والحرب والمكيدة. قال: ليس هذا لما بازل... إلخ الحديث (3". وكاعتراض عمر لصلاته بل على كبير المنافقإق عبدالله بن أبي.، قد تقدمت.
فالأصح إذن جواز وقوع الحطب. كما أشرنا إلى ذلك؟ مع عدم الإقرار عليه.
(1) بتصِ ف لكن تيسير الثح!رير 191/4
(2) تيسيير التحرير،/ 190
31) سسِرة ابن هشام قي قصة بدر.
أنني الائحافاء2/ 144-تيحسو الأحرى 263/3 وانظر أيضا ابن دقيق العيد، الأحكم في عمدة إلى، حكام 282/1. وقد ذهب صواحب تيسر التحرير إلى الحقه أن السهر
!.، ألا ا لثيرء ميت الذات ة مح يقدمه احاقظة، والنسيان ذهابه من الذاكرة والحافظة كلمهما. فالنسيان كنمه أعم!! أثران.
159
(1/155)
سادساَ: السهو والنسيان:
أما فيما لا يتعلما بالبلاغ وبالتكليف، كانت ينسى ما سمعه من القصص والأخبار وكلام الناس، فلا إشكال في جواز ذلك.
ولا القرآن إشارات إلى أن الله تعالى قد يُنسي نبيه !حنم شيئاً مما أوحاه إليه من
القرآن مما يريد تعالما أن ينسخه، كقوله تعالى: !سنقرئك فلا تنسى إلّا ما شاء الله ! (1)، وقوله: لأما ننسخْ من آية أو ننْسِها نأت بخير مخها أومثلها! (2). وأما سائر ما يوحى إليه !ئه! من القرآن، والأقوال! التي يأمره بتبليغها، فهو معصم من النسيان فيها بالإجماع. فإن قوله تعالما: (سنقرئك فلا تنسى! يدل على أن الله تعالى يعصمه من نسيانه، وكذلك قوله تعالى: ألا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه !،3) وجمعه، كما قال المفسرون، جمعه في صدره ! حتما لا يفقد منه لمياء.
ولكون ورد جما بعض الأحاديث أنه خط نسي بعض الأيام. ففي سنن أبي(1/124)
داود عن ابن عمر: أن رسول الله عن صلى صلاة، فقرأ فيها، فلنسيا عليه. فلما انصرف قال لأبي بن كعب: "أصليت معنا؟ ! قال: نعم. قال: أفما منعك ! قال الخطابي: إسناده جيد-
وروى أبو داود أيضا عن مسور بن يزيد المالكي، قال: شهدت
رسول الله !ك! يقرأ في الصلاة، فترك آية من القرآن، فقيل: يا رسولي الله: آية كذا وكذا تركتها. قال: (فهلا ذكرتنيها".
فإن صح الحديث بذلك، فالذي ينبغي أن، يقال: إنه إذا أبلغ النبي له
) صحابه ما أوحي إليه به، وخاصة إذا كتب يخص المصحف، وقد حصل البلاد وقأدًت الأمانة، فلا يمتنع أن ينسى!ه شيثأ منه. قال ذلك ابن عطية (4).
(1) سورة الأعلى: آية 6
31) سورة القيامة: آية 16
(4) الزركشي ة البحر المحيط 246/2 ب.
(2) سورة البقرة: آية 186
165
(1/156)
وأما ما كلّف به قط من الأفعال فهل ينسى فيفعله ما نهى عنه، أو يترك ما
أمر به سهراً عنه
تقدم أن الإمامية من الشيعة، والرازي في بعض كتبه، وبعض من تابعهم
رجلا في النبي !، منع صدور النسيان عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقد احتجوا برفعة مقام الأنبيل!، وأن النسيان ينقص منه قدارهم*
ويجاب عن ذلك بان النبي !ي! لا يخرج عن طبيعته البشرية المقتضية لوقوع
ذلك منه. قال النبي يقع: وإنما أنا بشر مثلكم- في رواية: أذكر كما تذكرون و- أنسى كما تنسون " (؟).
وقد استثنى بعض الذاهبيهط إلى امتناع النسيان عليه مج!عرر، فاجازرا أن يسهو
في أحوال خاصة، ليعقَم أفته كيف يصنعون إذا نسوا، كهذا سها في الصلاة، فعلمهم سجود السهو (2). واحتجوا بحديث رواه مالك في موطئه "3)، بلاغاً، وانفرد به، ونوه: فإني لأذهب أو أنَسى لأسُن !. وقد قال بعض الذاهبين إلى ذلك: إنه جمع كان يتعمد ألا ينسى في الصلاة ليسن (4). وملئه خطا، فإنا تعمد السلام من اثنتين لا الظهر مثلاً يبطل الصلاة والبيانو بالقول كاف، فلا ضرورة تُلْجىء إلى ذلك. هذا بالإضافة إلى عدم معقولية تعقيد النسيان.(1/125)
والقول الثاني: وهو المصوات إن شاء الله: جواز نسيالط التكليف والسهو
فيه. وبهذا قالت الرازي في كتابه وعصمة الأنبياء)، والآمدي والغزالي والباقلاني وغيرهم؟ وهو قوله جمهور العلماء، بل ادعى بعضهم الإجماع عليه (ْ).
(1) رواها حمد وابن ماجه (الفتع الكبه! ورواه مسلم 5/ 66 والبخ!ارطَا صلاة/ 31
(2) الزركلي ة البحر المحيط 246/2 ب.
(3) البنات: حاشسّه على شرح الجواء2/ 95
(4) البحر المحمِط 7/2!ا 2 1، الشفاء2/ 144 ونحسب هذا القول إلى أبي المغلفة الإسنمرائيجا. (د) الشوكاني: أرشاد الفحول كل 33
161
(1/157)
والدليل لذلك أنه لا امتناع فيه عقلًا. وقد ورد في الكتاب العظيم نسبته ألما الأنبياء، كقوله تعالى: !ولقد تهدف إلى آدم من قبل فضلي و/ نجد له عزماً! ووقع فعلا ما قد ذكر في السنة. فقد حفظ من سهوه صون في الصلاة مواضع، وقوله: (أريث ليلة القدر ثم انسِيها".
الإقرار عله النسيان:
الذين قالوا بجواز النسيان عليه ! في الأفعال التكليفية، قاله بعضهم: لا يُقَرون عليه، بل ينئهرن عن قرب. وهو قول الجمهور، كما حكاه الزركشي. وقيل: قد يتراخى التصحيح، وإليه مال الجويني، ولكان لا ينقرض زماخه!م وهم مستمرون على النسيان.
وهذا فيما يترتب عليه تشريع من الأفعال.
أما الأفعال التي لا يترتب عليها تشريع، فقد قال ابن القشيري: لا بُعد أن ينسى، ثم لا يتذكر حتى ينقرض زمانه، وهو مستمر على النسيان، مثل أق ينسى صلاة ثم لا يتذكرها (1).
ملحق: العوارض البدنية والنفسية:
/ يقل أحد بوجوب عصمة الأنبياء عن أن تلحقهم العوارض التي تلحق غيرهم، من المرض والجوخ والعطش، والنوم والإغماء (3) والتعب، والضعف والكبر، والجراح والموت. وسواء لحقهم ذلك بدون تسبب من البشر أو بتسرب منهم، فقدقتل بعفه الأنبياءقتلاً.
وفي بعض الأحوال كان الله عز وجل يعصمهم من أَعدائهم، كما عصم
(1) البحر المحيط 247)*(1/126)
(2) الذكاء الذي يطرح الشهر والشهرين ود كم، قال الدارمي: هو غير جائز لأنه كالجنون. بخلاف الساعة والساعتين، فهو جائز لأنه شيه بالمرض والبحر المحيط للزركشي 247/2
162
(1/158)
إبراهيم من الاحتراق بالنار، وعصم مولمة من أذى فرعون، وعصم عيسى من القتل والصلب، صلى الله عليهم أجمعين.
وأما نبينا محمد!ه فقد أصابه ما أصابه في الليه، وناله أذى المشركا!ن،
فشُجَّ يوم أخلت وكُسرت رباعيته (1)، مسقط عن بعيره، وجُحِش شِقه، وسُحر. ومن جهة أخرى عصم يخص بعض المواقف، فعاصم من أذى أبي جهل، وأنجي ليلة الهجرة من المشركين، وفنِع عنه إراقة بن مالك، وبقي سيف نورث بن الحارث، واغتيال عثمان بن طلحة العبدلي، رأرْبَد بن قيس، وعامر بن الطفيل، وأعدمه الله بان بني النض!ير يريدون اغتياله، وأخبرته الذصل! الذي شفت له، إلى غير ذلك من الوقائع التي ذكرت لا السيرة، وعصمه الله فيها (2،.
وهذا فشكل مع قوله تعالى: فوالله يعصمك من الناس ! فإن هذه الآية تقتضي عصمته في جمع الأحوال.
والذكر أرا!) ن الوقائع التي ناله قرر فيها الأذى من الناس إنما كانت قبلي
نزولا آية العصمة. فإنها من سورة المائدة. وسورة المائدة من أواخر ما نزلت. قال القرطبي: قي روي لمنها نزلت مُنْصَرف النبي جمعه من الحديبية" (3،. ونُقل أدت آية العصمة المذكورة، نزلت في قصة نورث بن الحارث التي وقعت بالحديبية (4). فإن صح الخبر بذلك، دل على أن العصمة من أذى الناسخ مر ضمنه الله تعالى لنبيه يخص السنة السابعة للهجرة، لا قبل ذلك. وحينئذ فلا إشكال إلا في قضية أكله-جبرا فراغ الشاة المسمومة، وأنه قالا عند وفاته !مح!: وما أزال أجده/ الطعام الذجَما أكلها بخيبر، فهذان وأن وجدت انقطاع أزهريا من ذلك الي لم ما رواه البخاري (ْ" وانفرد به.(1/127)
(1) شرقا البخاري قصة شجته يحور ولمحسر رباعيتهأ فتح الباريَاط الحلبي 1375/8 ريكا سيرة ابن هشام أنه !لأيممي! صفا الظهر يوم أحد قاعداً من الجراح التي أصابحَه (اليرة النبوية. تحكتيق مصطانى الملا، زملائه 87/2).
(2) المّاخمصي عيان: الشفا 73/2 1 (3) الجمع لأحكام المّرأن 6/ 0 3
(1/159)
(4) ا!لامح !احطَام القرآن 6/ 346 (3) يا البارقاط (مصطفا الحلبي 9/ 193) 163
(1/160)
خلاصة القول في العصمة:
قد تبين مما نقلناه من الخلاف والاحتجاج في المسألة، أن الاتفاق حاصل على
أنه لا يستقر فيما بلغه النبي ! من الشريعة خطأ ولا عمل مخالف لما أراد الله تشريعه لهذه الأمة. وهذا كافٍ من وجهة نظر الأصرلما لأن يبني عليه حجية البلاغ.
) ما الأفعال النبوية فلا ينبني على الخلاف في العصمة فيها كبيرأمر- فأما من
قال بجواز صدور الذنب، ولم يلتزم العصمة من الإقرار عليه، فقد قيل بأنه يبني على ذلك عدم حجية الفعل النبوي. وقد نسب إلى الباقلاني في ظاهر ما نقله ابن حز!ع! في والفصل) (1). وقال الأموي في الفعل الصادر عن النبي !، هل يستفاد منه الحكم في حقنا أوْ لا، قال: !وبعض من جوز المعاصي على الأنبياء قال هي على الحمرا. ورد ذلك تلميذه أبو شامة بقوله:إ ليس ماخذ قولهم إنها على الحظر تجهيزهم المعاصي على الأنبياء، بل ماخده أنه الأشياء باقية على أصلها في التحريم إلى أن يقوم دليل الإباحة، بصورة الفعلي لا دليل فيها بالنسبة إلى الأمة! (3). ونحن سنذكر إثبات العليا حجّية الفعل النبوي حتى عله افتراض قيام هذا الاحتمالي في بعفالأفعال.
وأما من أجاز صدور الذنب والخطأ والسهو منهم، وألتزم وجوب العصمة(1/128)
من الإقرار عليه، فالأمر في حقه واضح. إلّا أنه قد بَنَى عليه ابن عقيل الحنبلي قيدا في الاستدلالي بالفحل النبوي، وهو أن الأفعالط الواقعة على غيي جهة القربة، لا تدل على الإباحة إليّ مشروطةً بان لا تتحقبَها مَعْتَبَة من الله، أو استغفار منه يا، واستدراك، حيث إنه لا يقر على الحنطة. قالت: !وهذا ملحوظ في هذا الفصل على من أغفله، مستدرَكٌ على من أجله، بل أطلق القول اطلاقاً!. وضرب مثلا بقيامه يد على قبور المنافقين، واستغفاره لبعض المشركين (3).
(1) الفصل فخا الملل والنحل 2/4
(3) المحقق من علم الأصول، محطوط: الورقة 10)
(3) الواضح في أصول الفقه ق 1126-
164
(1/161)
ومن أبي ذلك فتحقيق القول في العصمة، ليس موضعه الباحث الأصولية، وإنما موضعه كتب العقائد. وقد أحسن الأمني بإخراج دقيق هذه المسألة عن مباحث الأصول، والإحالة بها إلى كتب علم الكلام.
هل يجوز أن يرتكب النبي مجد، المحرم للمال ملحة الراجحة:
ذكر الشاطري أن ذلك قد يقع (1). ومثل ذلك بتقريره له للزاف! بصريح
القول. يعني الشاطري قول النبي !! للمِقِر: "لعلك... لعلك... " حتى قال له: 11 نكتها؟ " لا يكلني (2). مع أن ذكر هذا اللفظ في الأصل محرم. ولكن فعل ذلك لأنه يترتب على ذكره الأمْنُ من أن يكلون المقِر توفر ما ليس بزناً زنا، فيفضي إلى رجمه بلا حق. ولذلك أكده !ك! بقوله: وكما يغيب الميل في الرحلة، والرجاء في البئر". قال: نعم، قال: (أتدري ما الزنا؟ " إلى آخر الحديث.
وليس معنى ذلك أن النبي ! يكون قد فعل ما فيه الإثم، بل الصلحةُ الراجحة ألغت التحريم، فعاد الفعل مباحاً بل واجباً، في تلك الحالة الخاصة.
(1) ا لمرا فقات 3/ 1كم 3
(2) رواه البخاري 12/ 135 165
(1/162)
المقام الثاني
هل يفعل النبي صلى اللِّي عليه وسلم فعلاً حكمه الكراهة؟(1/129)
أما أنه-! يفعل المكروه سهوا أو غلطا أو تأولا، فلا إشكالي في إمكان ذلك، وخصوصا على قوله من يجيز صدور الصغائر على ذلك الوجه، لأن صغائر الذنوب من جملة المحزمات، وهي أشد من المكلروهات، والمكروه لا إثم في فعله ! أن كاد تركه أولما.
وأما أنه يفعله عمداً. ففيه تفصيل. وذلك أن فعل المكروه على وجهين:
الوجه الأول:
أن يفعله لا بقصد بيان الجواز. وقده منع هذا النوع كثير من الأصولية.
ومن أجاز صدور الصغائر عنه !، يلزمه إجازة المكلروهات من باب أولى. والذين منعوه أدخلوه يخص ما ئعْصَم منه النبي له بدليلين:
الأول: أن المكروه منهي عنه، وقبيح، فكيف يحالف النبا!كل! فيرتكب ما
نهاه الله عنه من القبيح؟ (1).
والثاف!: أن التاسيس به مطلوب، فلا يقع منه مكروه، إذ لو وقع لكان التأسئي
فيه مطلوباً، فلا يكون مكروهاً"2)
(1) ابن السبكي: انظر النقل عنه عند البناء في حاشيته علا شرح جمع الجوامع 96/2 ونقده الزركشي في البحر عتا ببعضهم، 2/ 246 ب وانظر الشاطبي: الموافقات.
21) ابنا أبي شرف: حاشيته عله جمع الجوامع. نسخ خطية بمكبة الأوقاف بالكويت ص 175
166
(1/163)
وبعضهم/ يستند في منعه إلى العصمة، وإنما/ يحمل فعله قط على الكراهة
لأنا الظاهر وقوفه ين عند النهي لا يتجاوزه. قال القرافي: فإن فعل الدم !ن!، لا يقع فيه محرّم لعصمته، ولا مكرره لظاهر حاله ". ومعنى هذا وجود احتمال ضئيل بكون فعله به مكروهاً ولكن لا أثر لذلك الاحتمال في منع استفادة الأحكام من الأفعال. ولعل هذا مراد ابن السبكي في قوله في جمع الجوامع: (وفعله ضد غير محزم للعصمة، وغزير مكروه للندرة) (1)-
الوجه ا- لثاني:
أن يفعل المكروه عَمْدأ ليب!!ق الجواز. وذلك أن المكروه جائز، لعدم الإثم(1/130)
واللوم في فعله، وإن كان تركه أولى لأن قي تركه أجرأ، فإذا أريد بيان ذلك، أي بيان أن الفعل غير محرم، فقد يبينه !ك! بأن يفعله، فإذا فعلهُ علم أنه غ!يرمحرم. رالفعلا حيئنذ في حق النبي يكن واجب من جهة البيان كما تقدم. فلا يقال إنه رقع في الكراهة، بل هذا في حقه من باب تعارض المصلحة والمفسدة 4 فإن نىف فعله مصلحة البيان، ومفسدة مخالفة الخفي، ومصلحة البيان أرجح-
وقد تكون المصلحة غير البيان، فيفعل المكروه لأجلها، كالتهاجر ثلاثاً
فإنه في الأصلي مكروه، ومجوز لمصلحة التأديب.
وقد نقل ابن تيميه (2) عن القاضي () بي يعله الحنبلي)، المنع من فعله ! المكروه لبيان الجواز، محتجِّأ بان فعله ! يفهم منه انتفاء الكراهية، فيختلّ أليان. وربما استُدلَا لهذا القول بقول النبي !ك!: "ما بال قوم يتنزهون عن الشيء اصنعه، فواللْه أني لأخشاكم دمه، وأعلمكم بما أتقيأ (3). والمكروه إنما يترك تنزهت. وقد أنكر النبي كك!ع التنزه عن مثل فعله، فدل على أنه لا يكون مكروهاً.
والصواب جواز هذا النوع، لأنه يحصل به البيان المطلوب، ويمكن التنبيه
عله كراهته بالقول، إذا لم تعلم بالقرائن.
(1) جمع الجوامع مع شرح المحلي 96/2 (3) البخاري ومسلم ود حمدا الفتح ال!ب!!.
(2! المسودة في أصول الفقه ص 74
167
(1/164)(1/131)
وقد جعل منه ابن حجر استعانة النمو مجد بالغيرة في صب الماء عليه لأجل الوضوء- وصل عليه أيضا أسامة بن زيد (1)، وجعل بعضهم منه الاقتصار في الوضوء على مرة مرة، أو مرتين مرتين ! وهر المكروه الذي بمعنى خلاف الأولى. ركل ذلك ليبينَ جوازه وإجزاحه. وجعل منه الحنفية وضرعه ! بسؤر الهرة. بالشاطبي جعل في جواز فعل المكلروه للبيان شرطاً هو أن لا يكن الفعل المكروه، ولا يواظب عليه، لأن ذلك يفيها إلى إيهام إباحته أر استحبابه أو وجوبه، فينقلب حكمه عند من لا يعلم. قال: 9 ولا سيما المكروهات التي هي عرضة لأن تتخذ سنناً، وذلك المكروهات المفتولة في المساجد، وفي مواطن الاجتماعات الإسلامية والمحاضر الجمهورية" (3). وهو تقييد حسن.
وقيد أيضاً بأنه ! يقتصر على القدر الذي يحصل به البيان، فلا يتعداها
قال: "إذا ترجح بيان المكروه بالفعل، تائهة الفعل على أقل ما يمكن وأقربه لألأ). وموضع بيان المكروه بفعله هو أن يكون مظنة لاعتقاد تحريمها ولذلك يكون
بيانه بفعله أبلغ من بيانه بالقول. وقد تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى.
11) صحيح البارد. انظر فتح البارز 1/ 285
(2) ألموا فمئات 3/ 332 (3) ا لمرا فقات 3/ 0 32 168
(1/165)
المبحث الجاك
كليف يعيّن حكم الفعل الصادر عنه به بالنسبة إليه خاصية
قدمنا في المبحث السابق أن الأفعال التي تصدر عنه به إمساك يكون واجبة
عليه، أو مندوبة، أر مباحة. وقد يفعل المكروه لبيان الجواز. وأنه علا قول بعض الأصوليين قد يفعل ما نهاه الله تعالى عنه خطا، أو نسياناً، أو تعمداً للصغائر، ولكنه عند جميعهم لا يُقرّ كلى ما ترتب عليه من ذلك شيء من التشريع، بل يصبح له لكيما تتم عصمة الشريعة.
فانحصرت) فعاله التشريعية التي أقر عليها في الواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه الذي يفعله لبيان الجواز، ولكنه في حمقه جائز بل ربما كان راجبن. وغرضنا في هذا المبحث الذي نحن فيه أن نتعرف الطرقة التي بها يتعلق(1/132)
لدينا حكم فعله صح، إذ إنا ذلك المعين أساس لاستفادة الحكم من الفعل في حق الأمة، كما ياقش في الفصول التالية أن شاء الله.
المطلب الأول
تعلن الواجب من أفعاله صلى اللّه عليه وسلم
يدعيهما الواجب منا أفعاله مجدو بأمور:
الأول: القول، بان ينص النبي ! بالقول على أن ها فعله واجب عليه. الثاني: أن يكون الفعل قد ورد مراد البيان لقول ما/ على الوجوب.
169
(1/166)
ومثاله فعله جمب!م لأعداد الرعاة في الصلوات المكتوبات، هو بيان لقوله تعالى: (رأقيموا الصلاة! (1). وسئل ! عن أوقات الصلوات المفروضة، فقال للسائل: "صلِّ معنا هذين اليومين ". فبيهأ بفعله 3 ول الوقت وآخره ".
وشبيه بذلك أن يقع الفعل امتثالا لأية دالة على الوجوب، فيعلم أنه واجب- ومثاله صوم شهر رمضان، فإنه واجب، لأنه امتثال لقوله تعالى: أفمن شهد منكم الشهر فليصمه !.
الثالث: أن يكون موافقاً لفعل نذَره. كما لو قال !ك!: "إن هزم الله العدوي
غدا فله علي أن أصوم يرم كذا، فصامه على إثر هزيمة العدو، فيعلم أن ذلك وقع ولا 2 للنذر"،2). وقد قال الزر!ثي: (1 ن يقع (الفعل) جزاءَ شرط، كفعل ما وجب بالنذر إن قلنا إن النذر غير مكلروه " (3).
الراية: التسوية بين الفعل وفعل آخر في حكم!ما،4)، بان يقول النبيل عن
فعلاً ثم يقوله: هذا الفعل مثل الفعل الفلاني، وقد علم حكم هذا الفعل الأخر.
ولو خُير! بين فعليها، أحدهما قد علم أنه واجب، فالأخر مثله، لأن التخييريقتيها التسوية (ْ)، إذ لا يمثلن الشخير بين الواجب وما ليس بواجب. الخامس: أن يكون وقوعه مع أمارة قد تقرر في الشريعة أخا أمارة للوجوب، كالصلاة بأذان داقامة (6). فلم يعهد في الشريعة الأذان والإقامة لصلاة غير واجبة.
(1) القصاص: أصوله. مخطوط. ق 12150. وأين حزم: الإحلأ أم ص 138
(2) الأسمري: نهاية الدول 63/2 وأبو شامة: المحقق 35 1.
(3) البحر المحيط 2/ 1 35 ب. (4، ابن السبكي: جمع الجوامع 98/2(1/133)
(5) البيضاوي: منهاج الأصول، وشرحه نهاية الدول للأسنوي 2/ 61، أبو شامة ة المحقق ىء 5 يم أ.
(6) لو شامة: المحقق ق 135! ابن السبكي: جمع الجوامع 2/ ما 175
(1/167)
السادس: قال بعض الأصولي!سن أن يكون الفعل لو لم يكن واجبا لكان
ممنوعا (1)، كالركوع الثاني في صلاة الكسوف (2). فإنه لو زيد في الصلاة ركود قصداً ولم يكن من أركانها، كصلاة الظهر، فإنها تبطل، فلما زيد في صلاة الكسوف ركوع قصداً، كان ذلك الركوع واجبة، لا يجوز الإخلال به.
ومثاله أيضاً سجود السهو، فإنه لو لم يكن واجبا لما جاز.
قال الأسروي (3) بعد ذكره هذه القاعدة ة!هكذا ذكر (الرازي) في المحصول،
وتبعه على ذلك من بعده "أقول: بل قد سبق إلى تقرير هو 8 القاعدة القاءها عبدالجبا!، كما في المغني (4)، وخصّ ذلك بالعبادات، قال: الو أنه ! تعود فعلًا لو/ نجعله شرعيا لكان منهيا عنه في العبادة، فيجب أن يعلم أنه من شرائط تلك العبادة، نحو ما رأي أنه !ك! ركع ركوعيهأ في صلاة الكسوف ".
وتقرير الدليل:) ن الفعل. كالختان مثلاً هو ممنوع منه بحسب الأصل،
لأنه نوع من الجراح، رقد ورد النهي عن دم الغرير بقول النبي !: وإِن دماءكم ود موالكلم وأعراضكم عليكم حرام (. فلا يجوز ارتكاب هذا التحريم إلّا بأمر ملزم. وهو الوجوبي
فدار هذا الفعل بين الوجوب والتحريم لا غيره وحين فعله النبي كلكم علمنا
أنه ليس محرماً لأنه !نه!ر لا يفعل المحرم، فلم يبق ألأ أنه واجب، وهو الطلاب. ومن جهة أخرى: يلزم لإجراء عملية الختان كشف العورة، وذلك محرم، رالمحرَم لا يحوز ارتكابه ألأ لواجب "ْ).
(1) ذكر ذلك السيوطي لا ا، شباب والنظائر نص 148)، وجعله قاعدة فقهية بعنوان والواجب لا يترك لسنة، و بجواز ما لو/ يشرع/ يجز، دليل على وجربه).
(3) أبو شامة: المحقتاق 35 1، أبت السبكي: جمع الجوامع 98/2 أبر السين البصري: المع!تمدص 386
لأن التمهيدي 134 (4) 372/17(1/134)
(5) انظر تقرير المسالة والاستدلالا فيها في المجموع للنووي ني فصل الح!تالط من الجزء الأول. 171
(1/168)
وعندي في هذا الاستدلال نظر، فإن الفعل إذا كان مستحبا أو مباحاً، فقد
خرج أيضا عن المنع، ولو كان في الأصل منهيا عنه، فإن نقيض الحرمة رفع الحرج، وذلك صادق على كل من الوجوب والندب والإباحة، بل والكراهة كما تقدم. فبكل منها يخرج الفعل عن الحظر-
وحاصله أننا نمنع وجود فعل دائر بين الوجوب والحرمة. ومن قالي به طالبناه
بان يبين حده لنناقشه فيه.
وأيضاً؟ فإن كثيراً من الصور في الشريعة خارجة عن هذه القاعدة. فمن المستحب ألت ختان النساء، بل بختان الرجال على قولي، وسجود التلاوة أثنل! الصلاة، لاشعار اليحيى، ورفع اليدين على التوالي في تكلبيرات العيد، بل والقيام الثاني والركوع الثاني في صلاة الكسوف عند بعضهم على ما ذكره النووي في المجموع، ونقله عن الكثيرين) له مستحب (1)، وسجود السهو ليضأ عند الشافعية، وبعضي الرخص كالقصر والفطر للمسافر، والفطر للمريض.
ومن المباحات أكل المضطر الميتة، أو مال الغير، وحلق الشعر للمحرم المريض، والجمع بين الصلالإ!ن عند العذر، وذبح البهائم، والصيد بالجوارح. وذكر السيوطي أيضا النظر إلى المخطوبة، والمكاتبة، وقتل الحية في الصلاة، وغير ذلك مما لا يكاد يحصى.
وقد ذكر الزركون في البحر المحيط أن هذه الم!سألة أخذت عن ابن جريج في إيجاب الختان. وأشار إلى عدم استقامتها، ثم قال: (وتنتقض هذه القاعدة بصور كثيرة، منها سجود السهو، وسجود التلاوة في الصلاة، فإنه ممنوع منه، ولما جاز/ يجب " (2).
وقال الأسروي أيضاً: "وهو مناقض بصور كثيرة! (3).
(1) الأسنوىِ: التمهيدي 134 31) نهاية الدول 63/2
(3)1152/2ء
172
(1/169)
وأراد المحلفي أن يصححها، ويجعل ما خرج عنها موقوفاً على الدليل، وذلك
حيث يقولي: "وقد يتخلف الوجوب عن هذه الأمارة لدليل، كما في سجود السهو وسجود التلاوة"أ ان-(1/135)
وعندي في قوله هذا نظر، إذ الشالط في صحة القاعدة أولاً وذلك ما يحتاج
إلى إثبات.
وأي!ضأ فاعتبار الصرر الخارجة عن القاعدة نقضا لها، كما قال الزرك!ثي، هو الصواب.
وثالثاً أر كانت هذه القاعدة صواباً فإنها تقتيله وجوب سجود التلاوة، وتكبيرات العيد، وختان النساء، د أشعار الهدي، و/ يرد دليل يمنع الوجوب، فلم لا يقولون به؟ وان ادعوا وجود دليل مانع، فما هو؟.
الس!ابع: أن يكون الفعل قضاء لواجب، فيعلم أنه واجب (2)، لأنه قد عهد
في الشريعة أن قضاء الواجب حيث شرع، فهر واجب. ومثاله قضاء النبي ! لصلاة الصبح، بعدما خرجوا من الوادي الذي ناموا فيه عن الصلاة (3".
الثامن: وقال به بعض المالكية: أن يقيها العبادة إذا خرج رقتها دون أداء،
أو فجعلت في الوقت على فساد: فيعلم بذلك أن العبادة المقضيَة واجبة، إذ في غير الواجب لا يقرا (4).
ومثاله: أن النبي يئه!ور:أ كان إذا غلبه عن قيام الليل نرمم أو وجع صلٌى في
النهار اثنتي عشرة ركعة!أْ) فيعلم أنه كان يصلي قيام الليل على جهة الوجوب.
(1) شرح جمع الجوامع 98/2
(2) الأسروي: نهاية الدول 63/2، (3، أبو شامة: المحقق ق 35).
41) القرافي: شرح تنقيح الفصولاص 138. وفى الأصل الذي نقلنا منه قوله: 9 و (يستدلا) بالقضاء علا عدم الرجوع. هذا على لفمب مسالك أن النوافل لا تقضيه وواضح أن كلمة (عدم) في هذا النص قد دخلت خطا من الناسف، أو هو سيق قلم من القناني، كما لا يخفى.
(5) ذكره في نيل الأوطار قي مباحث المتر.
173
(1/170)
ومثال آخر: قضاؤه !ك! لعمرة الحديبية، التي أحصر عنها. فقد عاد في السنة التالية واعتمر، وسميت عمرة القضاء. فيدله على أن عمرة الحديبية كانت واجبة- والمراد أنها وجبت بالدخول فيها.
والصواب أن هذا النوع ليس دليلا على وجوب المقضي، لأن دعواهم أن(1/136)
غير الواجب لا يقضى، دعوى مردودة، لما ثبت في الصحيحة عن أم كلمة رضي ايه عنها أنه ! قص الركعتين اللتين بعد الظهر، قضاهما بعد العمرا ام. وعند الجماعة، إلّا البخاري، عنه !: "من نام عن حزبه من الليل، أو
عن شيء منه، فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل ". وهذا حث عله قضاء ما رتبه المسلم لنفسه من الأذكار. فالصلاة والصوم ونحوهما أول. والذي عند الشافعية استحباب قضاء السنن الرواتب.
ولو قيل في هذه الأمارة: ما وجب قضاؤه واجب لكلام صواباً ومنه وجوب قضاء حج التطوع، يدل على أنه وجب بالشروع. وقد أشار إلى ذلك السرخسي (2).
التاسع: ذكره الزركشي في البحر المحيط:) ن يداوم !ع! على الفعل مع عدم
ما يدل على عدم الوجوب. قال: ألأنه لو كان غير واجب لأخل به " (3) وذكره أيضا صاحب مسلم الثبوت وصاحب تيسير التحرير (4).
وقد وضح ذلك ابن تيميه حين قال في الاستدلال على وجوب الطمأنينة في الصلاة: "إن مداومته ! على ذلك قي كل صلاة كلا يوم، مع كثرة الصلوات؟ من أقوى الأدلة على وجوب ذلك، إذ لوران غير واجب لتركه ولو مرة واحدة ليبيّن الجواز، أو لبينا جواز تربة بقوله، فلما لم يبين- لا بقوله ولا بفعله- جواز ترك ذلك، كان ذلك !ليلأ على وجوبه "أن).
(1) نيل الأوطار 29/3، 30 وفيها ن عند أحمد في رواية أنه ! سئل: انقضيهما إذا فاتتا، قال: "لها. قال الشوكاف!: قال البيهقي: وهي رواية ضعيفة.
(12 أصول السرخسي 116/1+) ق 1252
(4) 27/3 1 (5) القواعد النورانية الفقهية ص 2 5 174
(1/171)
وعندي في هذا نظر. فقد كان يئه!رو يحافظ على الرواتب فلايخل بها، بل:
مكان عمله قيمة" (1). وكان يقول: وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ ""2). وكان يقضي ما فاته من النوافل المرتبة، كالركعتيئ اللتين بعد الظهر، قضاهما بعد العصر لما شغِل كنهما.(1/137)
وما ذكره ابن تيميه مناقض بقراءة سورة بعد الفاتحة./ يبين ! عدم وجودها قولاً ولا نُقِل أنه تركها ولو مرة واحدة فيما نعلم. وأما حديث: ألا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " (3) فيدل على الركنية، ولا يدل على جواز ترك ما عدا الفاتحة. ومع ملئه، فإن قراءة سور؟ بعد الفاتحة ليس بواجب، بلا خلاف (4). ومثل السورة كثير غيرها من أفعال الصلاة المستحبة، كالجهر في الجهرية، وبعض هيئات الركوع والسجود، ورفع اليدين، وغير ذللت-. ولم يرتَضِ الأنصاري شارحُ مسفٍالثبوت القولَ بان المواظبة مع عدم الترك دليل الوجوب عند الحنفية. ونقَض ذلك بما هو معلوم عندهم من سنية صلاة الجماعة، والأذان، والإقامة، وصلاة الكسوف، والخطبة الثانية في الجمعة، والترتيب والوالدة في الرضا والمضمضة، والاستنشاق، وغير ذلك مما ثبتت فيه المواظبة من غير تروى، مع عدم تبيان بنيتها، بل ثبت عدم التقلى. فيعلم أن المواظبة ليست دليل الرجوع عددهم (ْ).
وأما قول ابن تيميه:أ إنه لو كان غير واجب لتركه- ولو مرة، أو ب!!ن عدم وجوبه بالقول " فإن هذا يلزم لو كان هناك ما يجعل هذا النوع من الفعل دالا على الرجوب، وفيه الخلاف. كيف وقد قال الكثيرون ومنهم الظاهرية والحنفية 9 إن الوجوب لا يؤخذ من الفعل " فيكفي ذلك للدلالة على عدم الوجوب، فلا يلزم البيان بعد ذلك بالقول ولا بالفعل. والله أعلى وأعلم،
(11 رواه البخاري: كتاب الصوم ب 64 ومسلم 73/6
(2) 1 لبخاري 4/ 5 س 2 وسمملم.
(3) رواه الشيخان والفتح الكبيه!ا. (4) ابن قديمة: المغني 1/ 491 (5) فوالّح الريموت شرح مسلم الثبوت 180/2 175
(1/172)
وبهذا يتب!!ن أن الفعل النبوي لا يخرج بالمداومة عليه عن أن يكون فعلًا
مجرداً.
العاشر: ونقله الزرك!ثي عن الصيرفي: "أن يفعل جمع بين المتداضِينْ فعلاً
على سبيل الجبر، فيعلمه به واجب. قال: وكذلك ما أخذه من مالي رجلي وأعطاه لأخر. فيعلم أن ذلك الأخذ واجب " (1).(1/138)
وقال القصاص: "ما فعله به من استخراج حق من رجل لغيره، ومن
عقوبة رجل على فعل كان منه، فهذا على الوجوب، لأن ذلك لا يجوز على جهة الإباحة والندب "،2)- قال له: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام " (3). وقال الله تعالى: ألا تاكارا أموالكم بينكم بالباطل ! (4).
ولهذا النوع شبه بالنوع السادس المتقدم، ألأ أن هذا!ه القضاء والأمور التنفيذية خاصة.
والزركشي ذكر النرع!ن كليهما.
والذي نقوله في هذا النوع، إنه لا يدل على وجرب الفعل على النبي !،
وإنما يدل كلى أن من أرقعت به العقربة، أو أخذ منه المالك، مستحقه لذلك، لأنه قد وجب عليه. فلا يدل ذلك على وجوب القضاء أو التنفيذ-
وقد قال الله تعالى: أفإن جاؤوك فاحكلم بينهم أوأعرض عنهم وإن تعرض
عنهم فلن يضرولى شيئأ! (ْ) فلو جاعه أهلي الكتاب، ليحكم بينهم، وقد جاؤوه فعلاً فحكم بينهم ترجم الزانية، فلا يدلىٌ فلسا على أن الحكم بينهم والتنفيذكان واجبة عليه، بنمئن الآية المذكورة.
ونظ!!ر ذلك رفي الدم في جناية العمد، له أن يقتص، فإذا اقتمق لم يصح
(11 البحر المحيط 2/ 251 ب !ك! مسلم وأبو داود والفتح الكلبين (5) سورها المائدة: أية 42
(2) أصول الجصاصعا 12100
(4) سورة البمّرة: من ا، والإساءة 29
176
(1/173)
القول إنه كان واجباً عليه الاقتصاص، بل يقال: إن القصاص كان حقاً له واجبة على الجافة أن يستسلم له.
والحاصل أنه !ت! إذا أخذ المال لو عاقب، وكان ذلك جائزاً له أو مندوباً
صح، وخرج وبذلك عن الحرمة، فلا يلزم أن يكلون واجباً عليه !.
فذكر هذا النوع في هذا الموضع سوهو مبحث حكم فعل النبي يكن بالنسبة
إليها ليس صواباً. د أنما ينبغي أن يذكر في مباحث الحكلع! المستفاد من الفعل في حق الأمة. ونحن سنذكره هناك إن شاء اله في مبحث الفعل المتعدي.
177
(1/174)
المطلب الثاني
تعيين المندوب من أفعاله صلى اللّه عليه وسلم
يتعين المندوب من أفعاله ي بأمور:(1/139)
الأول: بالقول. ومثاله أنه ! سئل عن قيمه ليومي الاثنين والخميس فقال: "تعرض الأعمال يوم الاثن!!ن والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا دائم " (1)-
فب!!ق !ك! أنه استحدث صيام اليرم!سن لمذ!ورين. ولو كان حرمهما واجبا لما
ذكر هذا، بل كان يبصق وجوده.
الثاني: أن يكون الفعل بيانا لقوله دال على الندب، أو امتئالأ له.
الثالث: أن يسري بين الفعل بفعل آخر مندوب، رالتخير تسوية، لأنه لا يخئرب!ن ما هرمنموب وما ليس بمندوب (2،.
الرابع: أن يكون وقوعه مع قرينة قد تقرر في الشريعة!ها أمارة للندب،
على وزن ما قالته في الوجوب. ومثاله عندنا. أنه !: 9 كان يوتر على البعير" (3). فذلك يقتضي أن الوتر في حقهه يكن مندوب، وليس راجبن، كما قاله اذنا أنه كان واجبا عليه به خاصة. وكذا يرد به على أبو حنيفة في قوله ة!إنه واجب عليه ! وعليناأ (4).
(1د الترمذي، وقال "غريب، لنيل الأمطار 4/ 263)
(2) أبو شامة: المحقق ق 34 ب (3) متفق عليه (الفتحى اركبيها. (4) نيل الأوطار 3/ س 3
178
(1/175)
الخامس: أن يقع الفعل قضاء ل!دوب (1)* كالركعت!س بعد العصر، صلاها
النبي به بدلا عن الركعتين اللتين بعد الظهر.
ويشكله على ملئه قضاء الحجة والعمرة المتطوع بهما إذا فسدا، فإن ذلك القضاء واجب.
وحل هذا الإشكلال أن الحج والعمر 6 يلزمان بالدخول فيهما وإن كانا جمع الأصل تطوعاً فإذا فسدا بعد الدخول فيهما كان فسادهما بعد الوجوب، فلا تنتقل القاعدة.
السادس: المراقبة على الفعل في العبادة، مع الإخلال (2) به أحيانا لغير عذر(1/140)
ولا نسخ، أو!رنه بالاستقراء مما لا يكون واجبا، يدل علا استحبابه بخصوصه. ومثاله أن النبي يئه! كان يقرأ في الصبح يوم الجمعة لآ/ تنزيل ! وأهل قه على الإنسالة... ! فدلّ ذلك على استحباب قراءتههأ في تلك الصلاة. ومثلها الزراعة لا الجمعة ب يسبح؟ و (الغاشية!، وفي العيوب حق ! ر!أقتربت !. فقد أخل ببعضه ذلك، إذ كان يقرأ أحيانا في الجمعة بسورة (الجمعة! وسرعة (المنافقوق ! وفي العيدبأ سبح أو (الغاشية!.
هذا بالإضافة إلى أنه لم يعهد في الشريعة وجوب تخصيص صلاة معينة بقراعق محيصنة.
بخلاف ما أر/ تنقل مواظبته على الفعل، بل نغل مرة واحدة، فلا يدله ذلك على استحباب التخصيكا. ومثاله ما ورد أن النبي مجده قرأ في المغرب ب والمرسلات !، وررد) له قرأ فيهاب (الطور!.
السابع: أن يكون الفعل قربة من المغرب، ويعرف أنه غير راغب، لانتفل!
(1) أبر شامة: المحقتاق 34 ب. الأسمري: نهاية الدول 2/ رد
(2) ابو!ثامة: المحقماق 34 ب، والزركشي: البحار المحيط 2/ 353) و الأسروي على البيضاوي: نهاية الأول شرح منهاج الأصول 63/2 نقلا عن المحصود للرازي.
179
(1/176)
دليل الوجوب، فيثبت الندب (1). لأن قصد القربة يدل عل طلب الفعل الدائر بين الوجوب والندب، والوجوب منتفٍ لأجل البراعة الأصلية.
والحق أن هدا النوع من جنس الفعل المجرد، وفيه خلاف، وسيعقب ذكره في الفصل الخاص بالفعل المجرد إن شاء الليه.
(1) المقاضي عبدالجبار: المغني 17/ 271، 272 والقرافي: شرح شّقيح الفصول ص 28 1 185
(1/177)
المطلب الثالوث
تعيين المباح من أفعاله صلى انته عليه وسلم
يعلم أن الفعل مباح بأمور:
الأول: النص علا أن ما فعده مباح له. ثم قد يكون النص في الكتاب العظيم، كقوله تعالى: كما قطصَم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وأ؟).
وقد يكون في السنة: كقوله ضم: (استاذنت ربي في أن أستغفر لأمي فلم
يأذن لي، واستأذنته في أن أزرر قبرها فأذن لي،،3).(1/141)
الثاني: أن يكون بيانا أو امتثاله لأية دالة على الإباحة يلأ)، كاهله ي من الغنيمة، امتثالا لقوله تعالى ة (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبأ! يأكله من لحم الهدي امثتالأ لقوله تعالى: (ف!ذا وجبت جنوبها فكلوا منها".
وهذا الوجه ذكره بعضي الأصولييهة. وفي ذكر ألامتثال! في المباح نظر، إذ
المباح غزير مطلوب حتى يقال لفاعله إنه ممتثل.
الثالث: التسوية بينه وبين فعل معروفة إباحته.
الرابع: انتفاء دليلا يدل على الوجوب أو الندب، وذلك لانحصار
111 سورة الحهثر: آية ه
(3) أبو شامة ة المحقق ق ما 3 ب
21) رواه ومسلم 7/ 45 وأبو داود.
181
(1/178)
أفعاله !ك! في الأنف 3 الثلاثة، فإذا لم يثبت الوجوب ولا الندب حمل على الإباحة لأنها الأصل (1).
وهذا النوع أيضا هو من الفعل المجرد، وفيه الخلاف، وسيأتي القول فيه قي
فصل الفعل المجرد.
(1) أبر شامة: المحقق ق 34 ب. الزركشي: البحر المحيط 2/ 352 أ الإسنوي: نهاية الس!ؤل 63/2 ونقله عن المحصول للرازي.
182
(1/179)
افضل ا لحثا!ث بهئرء!!ال/تن!لمجنىآنملمالىءمبهمَانيَلمجز
ا- ا لأدلة.
2- منشأ حجرة الأفعال، والشبه التي تورد عليها.
يم 18
(1/180)
حجرة الأفعال النبوية على الأحكام
من حيث الجملة
أفعال النبي ينهي، من حيث الجملة، حجة على العباد، إذ هي دليل شرعه
يدل على أحكام الله تعالى في أفعال المكلفة.
لقد نقل بعضا الأصولييها الإبداع على ذلك، منهم القاضي عبدالجبار(1)،
وي بو الحسين البصري (2). حيث ذكرا أنه: ولا خلاف بين أهل العلم أنه ئرْجَع إلى ) فعاله صن في ثبوت الأحكام للأفعال الشرعية، لا يرجع إلى قراره، وذلك كله عندهم واحد في هذا الباب " (3".
ونقل الأمني في ذلك خلافاً حيث قال: لأمعظم الأئمة من الفقهاء والمتكلمين، متفقون على أننا متعودون بالتالصتي به !ف! في فعله، راجب!أ كان أو مندوبا أو مباحاً ومنهم من منع من ذلها مطلقأ! (14.(1/142)
ومما يؤكد وجود الخلاف، ما ينقله بعض الأصوليين من القول بان الفعل النبوي على ا-نظر في حقنا، حتى يقوم الدليل على خلاف فلك، كما يأتي إن شاءاللَه.
وتد بسب الخلاف في ذلك إلى) بن بكر الدلّاق من الشافعية، رأيي الحسن
(1)1 لمنمط 257/17 (ملأ)1 لمنني 257/17
(2) المعتمد 77/1!م (4) 1 لإحكام 1/ 265 185
(1/181)
الكرخي من الحنفية، والى الأشعرية (1). قالوا: ليست أفعاله !ك!ه حجة في حقنا ما لم يقم دليل الاشتراك بيننا وبينه ! في حكم ذلك الفعل، وإلا فهو خاص به. ونقسم الكللام في فذا الفصل إلى مبحثين، أولهما في الأدلة، وثانيهما في
الشبه التي يوردها بعض الأصوليين.
(1) انظر: تمسحين التحرير 3/ 120 وهو و(ن خص خلافهم بما عدا الجبلي والبياني، فدن لمجلس أمره واضح لا يحتاج إلى استدلال، والبياف! يستفاد حكمه من المبين. فالدليل في الحقيقة هو المب!سن فرجع خلافهم إلى أن الأفعال النبوية لا يحتج بها لذاتها*
186
(1/182)
المبحث الأول ا لأدلِّة
أما النظر العقلي فلا يأتيها كون فعله !نه!ع حجة (1)، بخلاف أقواله،
لوجهين:
الأول ة أن الأقوال معلومة المدلول، فهي موضوعة لمعان معينة تفيدها بالوضع، إلا الخبر، وإما الطلب. وتصديقنا له مع فيما أخبر، وطاعتنا له فيما طلب، هي مقتضى اللفظ بالضرورة، إذ لو/ يفدنا القول فلك، لخلا عن أي فائدة، وكان عبئآَ محضاً بخلاف الفعل، كالصلاة المعينة، فإنه له قد يفعله لما في الفعل من المصلحة الخاصة به، كما يفعل كل منا إذ يقيها مصالحه الخاصة، وقد يفعله لنقتدي به، أو للمقصدين بهيعأ، فلو تصورنا خلو فعله من فائدة الاقتداء به، بقي الفاثب! الأخرى؟ وها أدت يكون فعله للمصلحة الخاصة به ! فلم يخلُ فعله عن فائدة.
فافترق الفعل عن القول قي ذلك.
ويكلون الفعل الذي/ يدل على كونه حجة، بمنزلة اللفظ كير الموضوع،(1/143)
وأما الذي بمنزلة اللفظ الموضوع، فهو الفعل إذا دلت الشرع على أنه حجة"3). ثانياَ: أنه ئتصوَر في الفعل أن يكون مصلحة النبي !كي! درن أمته، فيكون مطلوباً منه دونهم. فقد يكون واجبا عليها و مندوبآَ له أو جمائزاَ. وهو بخلاف ذلك
(1) انظر: في هذه المسالة القاضي عبدالجبار: المغني 17/ 351، 252. 257. وأبا الحسيها البصري: المعتمد 1/ 76!م
(2) المَاضي عبدالجبار: المغني 17/ 1 33، 2 د 3
187
(1/183)
في حق الأمة. فقد ثبت للنبي-! في الشريعة أحكام خاصة به، هي ما يسمى (الخصائطه النبوية)، مخها أن الله أحل له أن يتزوج أك!ثر من أربع وحرم ذلك على أمته؟ وأوجب عليه قيام الليل وليس ذلك عليهم واجبا.
فيدل ذلك على إمكان افتراقه !ك!ه عنهم في سائر الأحكم-
وقد يقع في قلوب بعض الناس شبه عقلية، يظنونها قاضية بكون فعله ! حجة، منها:
أولاً أنه ! من حيث هو رسولي، ينبغي متابعته في فعله، ولو/ تطلب منا
تلك المتابعة قولًا.
والجواب أن ذلك غير لازم، إذ يعقل أن يرسل الله تعالى رسولاً يقول: أطيعوني في ما آمركم به، ولا تقتدوا بالعالي، لأنها ليست كلها صالحة لكم- وأيضأث لما كان الفعل غير ما؟ إن كان من غيررسول، فكذلك لا يدل إن
كان من رسول، ما لم يدل على ذلك دليل.
ثانياً أننا لو لم نتبعه في أفعاله لكان ذلك مخالفةَ له، ولا يجوزغالفة الرسول، والجواب: أن مخالفة الرسول تكون بترك ما أراد منا فعله، أو فعلى مال راد
منا تركه. ونحن لا نعلم أنه يريد منا أن نوافقه في أفعاله، ألأ بان يقول لنا ذلك.
الأدلة 1 ا،8ر8 ه؟ ة
هل حجية السنة كافية في إثبات حجيّة الأفعال النبوية:
قد يسبق إلى بعض الأفهام الاستدلال لحجيّة الأفعال النبوية بان يقولي: إن الأفعال النبوفيّ من السنة، وحجيّة السمنية ثابتهّ بدلالة الكتاب والإجماع- وذلك يدل عله أن الأفعال النبويّة حجة.
وفي هذا الاستدلال نظر؟ فإن اعتبار أفعال النبى!ه من السنن، إنما يصح
188
(1/184)(1/144)
إذا ثبت طلخا حُلة، فإن/ يثبت أنها حجة فليست سنناً بل تكون كأفعال غيره من الناس.
وفي الاستدلال المذكور نظر من جهة أخرى، فإن السنة الثابتة حجيّتها بدلالة الكتاب هي السنن القولية، وهي الي ينطبق عليها قوله تعالى: ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ! (1)، وقوله: (وما ينطق عن الهوى! (2) ونحوهما من الأيام التي يستدل بها على حجية السنة. تدل على صدقه !ك! في القول بوجوب طاعته فيه، فيما المتابعة في الفعل فلا تقتضيها المعجزة.
وأما قوله تعالى: نقل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني " (3) ونحرها من الأيام، وقوله: ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة! فإن الاتباعَ رالتاسئي صادق على طاعة القول قطعاً. وشمول الاتباع والتا!ئي للاقتداء بالفعل أمر فيه خفاء، ولفلك فهو بحاجة إلى إثبات. وهو ما يفعله الأصوليون في باب الأفعال. !!*
بتدقيق النظر في ما ورد في القرآن العظيم، والسنن القبلية، بالإجماع، يتبين
أنها تدل علا حرية الفعل النبوي. ونحن نذكر ذلك بالترتيب، فحقول ة
أولاً: الأدلة القرآنية
استُمِلّ من كتاب الليه تعالى على كون أفعاله النبي محمدا حجة على
عباد الله، بآيات ثلاث:
الآية الأولى ة قوله تعالى: ولقد كان لكلم في رسول أدبه أسرة حسنة لمن كان
يرجو أدلة واليوم الآخر وذكر الليه كثيرأ!.
نزلت هذه الآية في شان غزوة الخندق، قي سياق لاعداد نعم الله تعالى على
(1) سر، ة النساء: آيهّ 85 (3! سرية امل عمران: آية 31
(2) سورة النجم: آيهّ 3
189
(1/185)(1/145)
المؤمنين، بأن أرسل الله على الكافرين جريحاً وجنوداً لم تروها!. ذكر الله المومني بان الكلفار جمعوهم من فوقهم ومن أسفل منهم وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، حتى ظنوا بالله الظنون وزلزل المؤمنون زلزالاً شديداً وأرجف المنافقون والذين في قلوبهم مرض، وبدءوا يتسرّبون من مواقعهم بأعذار كاذبة يريدون الفرار، وانهارت مقاومتهم، لما كانوا عليه من الجبن الخالع، لضعف إيمانهم أو انعدامه- ثم قال تعالى: !سبرن الأحزاب/ يذهبوا صان يات الأحزاب يوفوا لو أنهم باقون في الأعراب يسألون عن أنبائكم !-لي لو عاد الأحزاب إلى حصار المدينة، لوذ هؤلاء المنافقون، والمرضى القلوب، لو لمنهم في البادية، بعيدين عن موطن القتال، لا يصلهم منه إلا الأخبار.
ثم تأتي الآية التي معنا ولقد كان لكم في رسوله الله أسوة حسنة لمن كلن
يرجو الله واليم الأخرس يحتمل أن الخطاب فيها للمنافقن، تب!يتأ لهم على مواقفهم الدنيئة التي وقفوها، وتذكيراً لهم بما كان ينبغي لهدم أن يفعلوه. ويحتمل أن الخطاب فيها للمؤمنين (1) تأييداً لموقفهم وثنا 2 عليه وتثبيمَاَ لهم.
والأولى أن يقال: هو خطاب للمجموعة كلها وزمنها ومنافقها. وتعني الآية
أن الله رضي من عباده المؤمنين الصبر في مواطن البلاء، لْاسّيا بالنبي !، وكره من المنافقيهأ عدم تأسّيهم به ينهض في فلكه.
إلا أن لفظ (الأس!ق) مما ينظر فيه.
فمادة كأس ح تكون بمعنى مداواة الجراح. تقول العرب: أسوت الجرح،
وفي كلامهم: الأسد وهو الطبيب، والاَسية الفاتنة، والنساء الدواء.
وتكون بمعنى المساواة، وفي كتاب عمر إلى) بي موسى: مآس بين الناس " أي
ساو بينهم.
(1) المّرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/ 156
1951
(1/186)
) ما (الأسوة) فقد وردت في اللغة لمعنيين:
الأول: ما يتسلى به الحزين عن مصابه، والمهموم عن همّه.(1/146)
والثاني: المماثلة، تقول: وجعلته في مالي أسوة، أي قسمتُ مالي بيني وبينه نصفين، حتى صار مثلي فيه. ومنه جاءت الأسوة بمعنى القدوة.
وبن المعنيين صلة واضحة، فإن المحزون يتسلى بان يقولي لنفسه: قد أصاب فلانا مثل ما أصابني، فعلا أن أصبر كما صبر.
ويحتمل أن الأسرة التي بمعنى التسثن عن المصاب، من (الإسا! ألفي بمعنى الدواء والمعالجة، إذ إن المصيبة كالجراح، والسلع دواؤها.
و (الأسهة) في الأمة، لأول وهلة، يبدوا ما محتملة للمعنيين جميعاً يقول القرطبي: "قوله تعالى (أسوة! الأسوة: القدوة، والأسوة: ما يُتامىٌ به، أي يتعرى به، فيقتدى به قي جميع أفعاله، ويُتَعَرى به في جميع أحواله، فقد شخص وجهه !ئه!، وكُسِرَت رَبَاعِيَتُه (1)، وقُتل عمه حمزة، وجاع بطنه، و/ يُلْفَ ألأ صابراً محتسبا وشاكراً راضياً"
ولكن إن نحن جعلنا (الأسوة) في الآية بمعنى ما يتصدر به الحزين، لم تكن
الأمة حجة في الاقتداء بأفعال النبي !، لأن لنا أسوَةً بكل صابر.
وإن جعلناه بمعنى القدوة، فهي حجة على المطلوب، وهر قبل جمهور الأصوليين. وهو الصواب، كما نبئنه بعد.
وقد أراد بعضهم على الاحتجاج بهذه الآية، أنها وردت في سر خاص هو الاقتداء به ! في الصبر في الحرب، وليس لفظ (أسوة! لا الآية من ألفاظ العموم حتى يقتدى به في غير هذا الفعل.
لقالوا: وحتى لو قلنا إنها ليست خاصة بما ذكر في السعياوّ، فلا تحوز القول
ا) الرباعيهّ، (حدي الأسنان الأربع التي تلي الثنايا، بين الثنية والناب (اللسان). 191
(1/187)
بأنها عمة في كل فعل، بلى هي مطلقة. وتتحقق النية فيمن اقتدى به ! في بعض الأمور درن غيرها (؟،.
وقد أجاب الأمدي،2) بان تعيين المتاسئي فيه ممتنع، لعدم دلالة اللفظ عليه.
والقول وإبهام المتاسئي فيه ممتنع لأنه على خلاف الغالب من خطاب الشرع، فلم يبق إلا العموم.(1/147)
وهذا الجواب متهافت كما لا يخفى. بل القول بتعئنه في ما فيه السباق ممكن ومقبول، كما قال أبن دقيق العيد: "إن السياق طريقٌ لتخصيص العمومات وبيان ا لمحتملات "+).
وجواب أبي الحسين البصري،4) أصح، وهو أنه لا يطلق في اللغة على الإنسان أنه أسوة لزيد بذا كان إنما ينبغي لزيد أن يتبعه ما فعل واحد، وإنما يطلق ذلك إذا كان ذلك الإنسان قدوة لزيد، يهتدي به في أموره كفها، إلا ما خضه الدليل.
ومما يؤكد العموم أيضا ما!رد في الحديث، مما يدل على الصواب من تفسير
الآية، أهم كانوا مع النبي !م! في سفر، فسلموا حتى فاتتهم صلاة الفجر. فصلتها بهم، وذلك بعد ارتفاع الشمس. فتهامس بعضهم إلى بعض وما كفارة ما صنعنا اليم؟ " فقال النبي صن:إ أما لهم يخص أسوة؟ " (ْ) وملئه أنه اكتفى بقضلر الصلاة. وكانت تلك كفارة ما حصل منهم. وهذا حكم شرعي حمايل بالاقتداء بالفعل.
(1) تبنى هذه الشبهة الرازي في المحصول حق 152)
(2) 1 لأحد أم 2/ ملا 2
(3) يرى ابن دقيق العيد أن السيالّا أحد مخصصات العموم، رمبينات المراد بللجملات. انظر كتابه: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام 2/ 19، 233، كرق بذلن فقد وبن قاعدة والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السببي وبن أن الأصولييها/ يذكروا قاعدة التخصيصي بالسياق، ألا بعض المتأخرين ممن أدرك هو أصحابهم.
(4) 1 لمعتمد 3/ 384
(5) رواه مسلم 186/5
192
(1/188)
وسياقه في الاستدلال بالإجماع، ما يدل على أن الصحابة كانوا يحتجون
بكونه كلفه أسوة، على لمحكلام شرعية مأخ!ة من الأفعال. فهذا يفسر معنى الأسوة في الأمة.
وقال الصنعاني: وأما ما قيل من أن (أسوة! نكرة في الإثبات لا عموم لها،
وإنما هي خاصة في ما نزلت فيه، فغير صحيح، لأن قوله: ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة! هو في المعنى جواب لقوله: المن كان يرجو أله واليوم الآخرة. وهو شرط (1)؟ والشرط من ألفاظ العموم " (2)0 اهل-(1/148)
وحتى لو قلنا بان الأسرة هي القدوة في أمور معينة دون غيرها، فقد ثبت مطلوبنا هنا وهو أن الأفعال النبوية، من حيث الجملة، حجة في الشريعة، لأن قولنا:أ من حيث الجملة" نعني به: بني بعضها دون بعمى".
وسيأتي في الفصل التالي تمييز ما هو منها حجة، مما لا يحتج به.
الآية الثانية: قوله تعالى: نقل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ! وشبيه بها قوله تعالى: والذين يتبعون الرسول النبي الأميّ... ! إنما قوله: (... واتبعوه لعدكم تهتدون ! (3).
فقد أمرنا الله عز رجل باتباع نبيه !. والاتباع قي اللغة أن يسير الإنسان خلف آخر. والمراد هنا أن نتخذه !نه!ه رئيساً وقائداً إلى أعمال الخير والبر نهتدي بهديه.
والاتباع يكون في الأقوال والأفعاله.
فمن استعمال الاتباع في طاعة الأقوال، قوله تعالى: واتبع ما أوحي إليك
من ربك ! (4)، وقوله: والذين يستمعون القولي فيمَبعون أحسنه ! (ْ".
(1) هداية العقول.
(2! أي في المعنى. أما في اللفظ في منع موصول. والمعنى ومن كان يرجو الله واليوم الآخر فله فِي رسول الله أسوة حسنة).
(3) سورة الأعراف: آية 157، 158
(4) سورة الأنعام: آية 106 (5) سورة الزمر: آية 18 193
(1/189)
ومن اتباع الأفعال قوله تعالى: "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا
بهم ذريتهم ! (!)، وقوله: لروما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض !،2).
وقدم ورد بعضهم على الاحتجاج بالآيات المذكورة، أنها ليست عامة، بل مطلقة، والمطلق يتحقق قي ضمن فرد من أفراده، فربما كان المراد اتباعه في القول خاصة.
وأجاب أبو الحس!من البصري، بان الإطلاق يقتضي صحة الاتّباع في كل ما يصدق عليه. قال:أ إن إطلاق قوله !واتبعوه ! وإن لم يفد العموم، فإنه يفيد أن لنا اتباعه في أفعاله لأن ذلك اتباع له، والخطاب مطلق " (3)،(1/149)
ويرى القاضي عبدالجبار: لأن الاتباع إذا أطلق انصرف إلى اتباع الأفعال، كاتباِع الإمام، أما طاعة الأقوال فتسمى، "امتثالا"، ولا تسمّى واتباعاً" إلا مقئداَ" (4).
الآية الثالثة: قوله تعالى: وفلما قنا زيد منها وطرأ زوجناكها لكي لا يكون
على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهم وطرأت (ْ) قالا المستدلرن بها: ولولا أن اتهمه-له فيما يفعله يفيد الحكم الشرعي في حق الأمة، لما كان للآية معنى، لأن معناها: أنه ينتفي عنهم الحرج في نكاحِ مطلقات أدعيائهم، بكونه مجد تزوج مطلقة دعيه، وهذا لا يتسم ما لم يكن متقرراَ أن أفعاله حجة" (6).
وقد اعترض على الاستدلالي بالآية بأنها واردة في متابعته ! في تزوج مطلقات الأدعياء، وليس فيها ما يدل على التأسثي قي غير ذلك من الأفعال.
(1) سورة الطور: آية 21 (2) سورة البقرة: آية 135
(3) المعتمد 1/ 384 41) المغني 17/ 0 26، 1 26
(5) سورة الأحزاب: آية 37
(6) انظر الأمدي 266/1- 268، أبو الحسين البصري: المعتمد 1/ 384، ابن تيميه مجموع الفتاوى الكبرى 443/15
194
(1/190)
وأجيب عن ذلك بأنه ليس فيها دلالة على خصوص متابعة المؤمنين
للنبي عنه في ذلك، ولولا أن الكائن بالنبى!ه جما ما يصنعه قاعدة شرعية عامة، لما فهم الصحابة رضي الله عنهم الحكم في ذلك في حقهم.
ولذلك قال الأسدي: وهذا من أقوى ما يستدل به ها هنا.
وعندي في الاستدلال بهذه الاهية نظر. فإن إباحة التزويج كانت معلومة منذ
نزلا تحريم التبني، وبيان فساد ما سبق وقوعه منه، في قوله تعالى: روما جعلي أدعياءكم أبناءكم ذلك قولكم بأفواهكم.. !إلما قوله: (.. وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به (1) مع قوله تعالى في المحرمات (وحلائل أبنائكم الذين من ) صلاتكم !. وإلغاء نظام التبني إلغاء لكل ما ترتب عليه، ومن ذلك ما كانوا يعتقدونه من تحريم مطلقات الأدعياء،
إذن ليس الغرض منا تزويجه غد بزينب الإعلام بالحكم، فإن العلم به حاصل من قبل.(1/150)
ولكون العادات لها سلطان توفي على النفوس، ويصعب خالفتها، ويجد الإنسان في ذلك حرجاً كبيراً. وكم من لباس مباح نافع للناحمه، يمتنع الإنسان من لبسه، وهو يعلمه له حلال، لمجرد أنه أحد الحرج يخل ذلك 4 لعدم جريان العادة بلبسه في بيئته. ركذلئا في المناكب والعلاقات المجتمعية وغيرها. والرماد هم الدين لا يبالون بذلك الحرجِ، فيفعلون الحسن لحسنه، وبذلك يكونون عادات جديدة نافعة، ويوجدون قبولها لها في بيئتهم، وبذلك يفتحون المجال أمام غيرهم لينتفعوا بتلك العادات الجديدةغ وهنوا عين ما تشير إليه الآيلة 21).
(1) سورة الأحمزٍ أب ة آية 4
(2)/) جد أحدا من المتقدم!ش أشار إلى هذا المعنى- ثم وجدت الأستاذ الفاضل محمد مصطفى شابا ذكوره، وأ كد لي ما فهمته، حيث قال في كتابه "تعديله الأحكام " أيا 17 ما نصه
عامر ألذ رسوله الكريم بزواجها، معللا هذا الحكم بدفع الحرج والضيق عن المؤمنة يخص إقدامهم على ذلك الفعل. وكيف لا لكون حرج وقد كانت عادة التبني في الجاهلية فاشية-
195
(1/191)
فليس الحرج المطلوب إبطاله في الآية إذن هو الحرج من جهة الله تعالى،
وهو الإثم، ولكن الحرج هو الضغط الاجتماعي المانع من العمل بما أباحه الشرع.
وبذلك لا تكون الآية دالة على المطلوب قي هذا الموضع. وبالله التوفيق.
ثانيا الأدلة من السنة
لا يصلح الاحتجاج بالسنة الفعلية في هذا المقام، لأنه يكون من باب إثبات الشيء بنفسه. وإنما يصح الاحتجاج هنا بالسنة القولية.
وقد ورد مما يدل على ذلك أمور:
الأول: أن تومي سألوا عن عبادة النبي !نن!. مكانهم تقالوها، وأراد أحدهم
أن يقم الليل فلا ينام، والأخر أن يصوم فلا يفطر، والثالث أن لا يتزوج النساء. فلما علم النبي ! بأمرهم، قال: وأنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ ! قالوا: نعم، قال: ولكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني " (1).
(1)(1/151)
فيهم مواصلة، حتى حكلمرا للأدعياء بما للأبنا 4 منا الحقوق، فلو اقتصر القرآن في إبطالا التبني على قوله: روما جعل أدعيائكم) بنائكم) لشتا علا بعض النفرحما الإقدام علا نكاح حليلة المتبنى مخافة لوم الآخرين. لذلك شلل الله ما كان من زواج زيد لزينب، وحصول الكراهة بينهما، ووقوع الشكاية؟ حتى يتم الفراق، وأمر رسوله ! بنجاحها ليقطع جذور هذه العالة، فإذا أقدم غيره من المؤمنين على مثل هذا أجاب بقوله: القد كان لكل في رسولا انه أسوهّ حسنةأ ا هـ.
ثم وجدت صاحب مسلمٍ الثبوت وشارحه (2/ 181) يقولانه: "القول ينفي الحرج شرعاً لا طبعاً فإن الإنسان كثيرا ما يتحرج من فعل المباح لما (يرى) فيه من المداهنة. ينفر الطبع، وفعل الرسول الممّبوع ينظمهما جميعآَ" وهو لتوجيه مقبول، إلا أنه يلزمه أن هذا الفعل لا يتعين بياناً شرعياً وهو مطلوبنا، خاصة وقد كان الها أن القولي في هذه المسالة سابقا للفعل. رواه مسلم 9/ 176 والبخاري أولا كتاب النكاح.
196
(1/192)
فقد أنكور عليهم مخالفته فيما يفعله، وذلك دالّ على المطلوب.
ثم أخبرهم بما يفعله هو، وغرف أن يقتدوا به في ذلك، وفي هذا دلالة أخرى.
ثم وضع قاعدة عامة ومن رغب عن سنتي فليس مني ! ولفظ (السنة) هنا
عام، وقد ورد على سبب معيق هو الاقتداء بالأفعال، وقد تقرر في علم الأصول أن صورة السبب قطعية الدخول في العام. فثبت المطلوب. ويدل ذلك على أن الأفعال النبوية جزء من السنة النبوية يحتج به كما يحتج بالأقوال.
الثاني: أن النبي ينهي كان إذا عرض الأمر الذي هو بحبة ألما بيان حكمه،
يذكر للقوم أحياناً أن يفعله و1"، ويرى ذلك كافيا في البيان. ولا يكون كافيا ما/ يكن متقررأ أن فعله دليل وحجة. ومن ذلك على سبيل التجميل لا الحصر:
1- حديث جبهير بن مطعم عن النمى! قي صفة الغسل، أنه قال: !أما) ما فيفيض على رألصي ثلاثاً" وأشار بيديه كلتيهما ا (2).
وروي مثله من حديث جابر+).(1/152)
2- وحديث أنس: !إف! لأتوب إلى الله تعالى في اليوم سبع!ين مرة" (4).
3- وحديث أبي رافع: 9 إني لا أليس بالعهد و!* أحبس البُرُد" (5).
4- وحديث عائشة أن رجلا قال: يا رسول ألد، تدركجما الصلاة وأنا جنب، فيصوم؟ قال:إ وفي تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم "6).
(1) ابن تيميهَ: الفتاوى الكبرى 18/ 9
(2) البخاري (فتح البارز 367/1) ومسلم كأصحاب السنن والفتح ال!ب!!.
(3) أحمد ومسلم والفتح الكب!!.
(4) النسافه وابن حبان والفتح الكبيه!.
(5) أحمد وابن حبان (1 بو داود والنسمائي والفتح الكب!! والبرد جمع بريد، وهو الرسول. (6) أحمد ومسلم ونيل الأوطار 4/ 225)
197
(1/193)
وروي مثله عن أم سلطة. فقد سأل عمر بن أبي سلمي رسول الله !نه!ه:
أيقول الصائم؟ قالا: غسل هذه "- لأم كلمة. فأخبرته أن رسول الله !ئه!ه يفعل ذلك (1).
5- حديث عائشة، أن رجلًا سأل النبي عن، عن الرجل يجامع أصله ثم يكسل. وعائشة جالسة. فقال رسول الله !ك!: فإني لأفعل هذا أنا وهذه ثم نغتسل " (2).
ثالثاً: دليل الإجماع
نجد الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم من التابعين والأئمة، قد ورد
عنهم ما لا يكاد يُححما كاثرة، الاحتجاج بالسنة العملية.
والذي عن الصحابة من ذلك صنفان:
الأول: القول الصريح الناطق بان أفعال النبي !ته! حجة.
والثاني: الاحتجاج عملئأ بالفعل النبوي،
فمن النوع الأول:
ا- أن أبا بكر رضي الله عنه جاءته فاطمة بنت رسول الله سكر، تسأله ميراثها من رسول الله عبده. فقالت أبو بكر: إفي سمعت رسول الله به يقول: ألا نورث، ما تركنا صدقة" إنما يأكل آل محمد في هذا المال، وإف! والد لا أن أمراً رأوا رسول الله !! يصنعه فيه إلا صنعته (3) وفي رواية قال أبو بكر: لامست تاركا شيئاً كانط رسول انه نمط يعمل به ألأ عملته، فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أنى يا (4).
2- حديث عمر، هلال له يعلى بن أمية ة ألا تستلم هذين؟ يعني الركنيهأ من(1/153)
(1) مسلم (نيل الأوطار 223/4) (3) أحمد في المسند 4/1
(2) سالم (نيل الأوطار 1/ 242) 41) أحمد في المسند 6/1 198
(1/194)
الكعبة اللذين من جهة الحِجْر. قال عمر: ألم تطف مع رسول الله !م!م؟ قال: بلى. قال: أليس لك في رسولي الله أسوة حسنة؟ قال: بلى. قال: فانفذ عنده !1). فقوله رضي الله عنه:أ أليس لك في رسول الله أسوة حسنة" إِثبات به يربط
أن الفعل النبوي حجة. ويفيد أيضاً أنه يرى الاهية دالة على ذلك، وأن هذا هو تفسيرها، كما تقدم. وهكذا يقال في الأحاديث التالية.
3- عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب أكَبُّ على الركن (2) فقال:أ إني
لأعلم أنك حجر، ولو/ أر حبيبي ! قولك أو استلمك، ما استلمتك ولا في انك، لقد كان لكم في رسول أدلة أسوة حسنة"لان.
4- حديث علي (4" في مناظرته للخوارج، إذ نقموا عليه التحكيم، كان في
ما قال لهم: نقموا علي أفق لما كالنبت معاوية، كتبت: عيد بن أبي طالب: ويعني: لم يكتب: أمير المؤمنين! وقد جد سهيل بن عمرو، فكتب رسول الليه-! وبسم الله الرحمن الرحيمي قال: لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم. قال: وكيف نكتب؟ قاله سهيل: أكت: باسمك اللهم. فقال رسول الله عن: فاكتب: محمد رسول الله. فقال: لو أعلم أنك رسول الله/ أخالفك. فكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبداللي قريشاً قال علي: ويقول الله تعالى: ولقد كان لكم في رسول ألمحه أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخرس.
5- حديث عائشة، عندما سئلت عن القبلة للصائم. قالت: كان رسول انه ي يفعله، ولهم قي رسول الله أسوة حسنة (5).
(1) احمد 422/4 (2) بعني الركن الذي فيه الحجر ألاسود. (3) أحمد في المسند 31/1 قال أحمد شاكر "صحيح. وله طرق كثيرةأ قلت هو في الصحاح والسنن من طرق، لكن ذكر الأسرة الحسنة ليس إلا في هذه الرواية لأحمد. وهي صسحيحة.
(4) مجمع الزوائد 6/ 235 وقالا: رواه أبو يعلي ورجاله ثقات. والحاكم في المستدرك 3/ 2 5 1 (5) 1 حمد 192/6
199
(1/195)(1/154)
6- أدب ابن عمر سئل عن رجل طاف بالبيت في عمرة، و/ يطف بين الصفا والمروة، أياق! امرأته؟ فقال: قدم النبي ! فطاف بالبيت سبعاً وصلّى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة سبعاً وقد كان لكم في رسولي الله أسوة حسنة،1).
7- حديث ابن عمر أيضاً أن أحد أصحابه نزلت عن راحلته فاولر ثم أدركه، فقال له ابن عمر: أين كنت؟ قال: خشيت الفجر، فنزلت فاخترت. فقال ابن عمر: أليس لك في رسول الله أسوة حسنة؟ قال: بلى والله. قال: إن رسول الله عنه كان يوتر على البعير 2)،
8- عن أنس أنه صلى على حماره لغير القبلة، فلما أنكروا عليه قال: لألولا
أني رأيت رسول الله !م! يفعله ما فعلته " (3).
فهذه آثار مختلفة، يحتج فيها الصحابة، بأن لنا!قي رسول اللة!ه أسوة حسنة" على أن الحكم الشرعي يؤخذ من فعله به.
والنوع الثاني:
ما ورد مما لا يكاد يحسما كثرة، من بيان الصحابة للأحكلام بنقلهم ما كان رسول الله !ك! يفعله، في طهاراته وصلاته وصيامه وحجه، ويخص بيعه وشرائه، ومعاشرته لزوجاته، ومعاملته لأهل الحرب وكيرهم. ويرون ذلك ديناً، ود له تقوم به الحجة على الناس إذا علموا به. ونحن يخص غنى عن التمثيل لهذا النوع لكونه لا يخفى على أحد ممن له صلة بفقه السنة النبوية.
هذا وقد ردّ الرازيّ "4) والغزالما (ْ) الاستدلال بالسنة والإجماع في هذه
(1) حديث ابن عمر في العمرة: رواه البخاري يفتح الجاري 3/ 615)
(12 حديث ابن عمر في الوتر على الراحلة ة رواه مسلم 487/1 وهو في الموطأ أيضاً في باب صلاة الليل.
(3) مسلم ا/ ول 4 (4) المحصول ق 50).
(5) المستشفى 51/2
300
(1/196)
المسالة. قال الرازي: لأهله أخبار آحاد لا تفيد العلم ". وأيضاً أكثر هذه الأخبار واردة في الصلاة والحج، فلعله !!ان قد بيّن لهم أن شرعه وشرعهم سواء في هذه الصور. قال يكن:أ صلوا كما تراني (كذا) أصلي ". وقاله: !خذرا عني مناسككم "- الـ.(1/155)
والشبهة الأولى التي ذكرها، مردودة بان الأخبار الواردة في ذلك فإن كان
كل منها بذاته خبر آحاد، إلا أنها متواترة معنوئأ، لاتفاقها على ذلك المعنى. والشبهة الثانية مردودة أيضاً إذ هي دعوى محالفة للواقع، وخيال لا حقيقة
له، فإن أهل العلم والفقه منذ عصر الصحابة، ما زالوا يعتبرون الاقتداء به ضد في أفعاله دينا وشرعاً ولا يخلو كتاب من كتب الفقه المدللة من الاحتجاج بأفعاله ! في غير الصلاة والحج، كالطهارة، والبيع، والنكاح، والحرب، وغهير ذلك. ونُقِل ذلك عن الصحابة فمن بعدهم. وإنكار ملئه مكابرة.
وقد أحسن الأمني بالإعراض عن هاتين الشبهتين وإغفال ذكرهما!
251
(1/197)
المبحث الثاني
الشبه التي تورد
على حجية الفِعل النووي
ثبت بما ذكرنا 8 من الكتاب والسنة القولية والإجماع، أن الأصل في أفعاله-! أنها حجة؟ تستفاد منها الأحكام في حق الأمة، بالاقتداء به فيها رعب. ومنشأ حجرة الأفعال النبوية يمكن إيضاحه كما يلي:
1- لله تعالى في أفعال نبيه !!كم شرعية معينة.
2- وهو مجده عالم بتلك الأحكم.
3- ويريد بفعله مطابقتها-
4- ويعلم أن الفعل مطابق للحكم.
فينتج أن فعله مطابق لحكم الله في حقه.
5- وحكم أفعالنا المماثلة لأفعاله، كحكم أفعاله.
فها هناخمسة أمور، وما يورد من الشبه على حجية الفعل النبرفي، يرد
في واحلم أو أكثر من هذه الأمور.
فنذكر هذه الأمور ا-فمسة بالترتيب، ونذكر ما قد يورد على كل منها. فيكون الكلام على ذلك في خمسة مطالب ة
202
(1/198)
المطلب الأولي
أن لفعله صلى اللِّي عليه وسلم
عند اللّه تعالى حكما شرعيا
وملئه أنه !ك! بشر مكثف كسائر المكلفين، إذ هو عبد محبوب، وقد نزل
عليه الوحي آمرا وناهيك.
والذي قد يورد على هذا، أن يبالى- ليس كل فعل فيه حكم شرعي، وإذا(1/156)
/ يكلن في كل فعل حكم شرعي، احتملت أن يكون ما فعله ! صادرأعن العمل على مرتبة الإباحة العقلية، أي بناء على أن لا تكلم في المسالة، فإذا استفيد من فعله حكام الفعل في حقنا، نسب ذلك إلى الشرع. فكانت الاستفادة خطا. والذي نقوله في هذه الشبهة: إنها لا يمكن إيرادها على أحكام الأفعال التي يُتَقَزَث بها واجب ومندوب، د أنما على الأفعال التي يفعلها! على درجة الإباحة، فتلك يحتمل فيفا هذا القول. فمن قال بوجود مرتبة العفو في الشريعة، لزمه أن يقول إن تلك الأفعال لا تدل على الإباحة الشرعية، بل على الإباحة العقلية، أعني أن الفعل الذي فعله !ك! يكون خاليا عن حكم شرعي.
ومن نفى مرتبة العفو أصلا لم يلزمه ذلك.
وقد تقدم الكللام في مرتبة العفو.
المطلب الثاني
أنه صلى اللِّي عليه وسلم
عالم بالحكم الشرعبي في حق نفسه
فقد ضمن له الله تعالى أن لا ينسى شيئا من الكتاب الموحما إليه به، وضمن الله لّعالى أن عليه بيانه لرسوله به. فالأحكام الموحى بها إليه !ف! ظاهرة عنده لا تخفوا. وهذا العنصر الهام هو أحد الدواعي التي تحدو بعل!! الملة إلى تتبع أفعاله ! لأجل الاقتداء بها. وقد أشار أليه جابر بن عبدالله الأنصاري، رضي الله 253
(1/199)
عنه، في سياق وصفه لحجة الودل!، عندما قال:إ أفن رسول الله بما قي الناس (بالحج) في السنة العاشرة: أن رسول الله ! حاج. فقدم المدينة بمقر كث!ير، كلهم يلتمس أن ياتتَم برسول اللة!ن!وو، ويعمل مثل عملهم..، ورسول الله بيئة أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تمويله، وما عمل به من شيء عملنا به " الحديث (1).
والذي قد يورد على هذا الأصل أنه ! قد يفعل باجتهاد، ويخطىء، في
ذلك ألاجتهاد!ما تقدم.
إلا أن الجواب عن هذا الإيراد واضح وهو أن الله تعالى لا يقرأ رسوله على
خطا في الاجتهاد.
المطلب الثالث
أنه على استه عليه وسلم يريد بفعله
موافقة الحكم الشرير في حقه
والذي قد يورد علا هذا شبه أربع:(1/157)
الشبهة الأولى: أن يقال: قد أجاز بعض الأصوليين صدور المعصية عنه !
عمدا إذا كانت صغيرة (2)، مع احتمال أن لا ينزل تصحيح لذلك 6 كما تقدم. فلو استفدنا الحكم من فعله لزم الاقتداء به في ما هو محرم.
وا:أواب من وجهين:
ا- أن يقال: إن من أجاز ذلك أجازه على سبيل الندرة، والنادر لا يلغي
(1) حديث جابر في حجة الوصل: رواه مسلم 6/2 ملا
(2) أورد هذاك بو المعالي الجويني على قول من جوز تعمد الصغرِة على الأنبيل!. انظر المحقق لأب شامة ق 15 ولحرصه التميمي اطنبلي وجعله مؤيدا لقول الوقف في الفحل المجرد. انظر التمّهيد لأبي الحطاب: ق 95 ب.
204
(1/200)
القانون العام الذي ثبت بالأدلة المتقدمة. بل الأصل في أفعاله جمعه أنه يريد بها الموافقة. وهذا جواب المازني، وأقره أبو شامة، وقرره الأمني "1)،
2- أن يقال: من أجاز صدور الصغيرة عنه به إنما أجازها فيما لا ينبني عليه تشريع، فإذا انبنى عليها تشريع امتنعت عند قوم ر 2)، ولزم التنبيه كند آخرين، كما تقدم، لئلا يستقر في الشريعة ما هو مخالف لأحكام الله، إذ الشريعة معصومة بالإجماع.
هذا وقد تتقوى هذه الشبهة بتدخل عنصر مع!يق، وهو أن الله تعالى أمر
رسوله !، جزاء صبره على تكاليف الدعم كلما أن فتح عليه، أمنه بمغارة سابقة لما قد يقع منه من المخالفات. قال تعالى في أول سورة الفتح: ((نا فتحنا لك فتحا مبيناً! ليغفر لك ا!للُه ما تقدم من ذنبك وما تاخرا فقد يُظَن أن ذلك مما يدعوه عد إلى الاسترسال وعدم التحرري، اعتمادا على المغفرة السابقة.
وقد عرضت هذه الشبهة في الأفعال النبوية لبعض الصحابة.(1/158)
ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: 11 ن رجلأجاء إلى النبة! يستفتيه، وهي تسمع من وراء الباب، فقال: يا رسول الله، تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم، فقال رسولي دمه !: وأنا تحركني الصلاة وأنا جنب فاصويم. فقال: لست مثلنا يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعْلَمكم بما أتقي "3)، وفي رواية ) بن داود: "وأعلمكم بما أتّبع،. وفي مسند أحمد: 8 وأعلمكم بحدودها. مني رواية: (وأحفظكم لحدوده !.
(1) 1 لا حق أم 1/ 250
(2) منهما بو عبداله البصري، والقاضي عبدالجبار المحمّزلي، انظر كتابه: المغني 15/ ول 2 حيث يقول: "لم يثبت لن لا فعل ألا ويجب التالي فبه، وإنما يتبرز فلك على رجه التاريخ،
وما هذا حاله لا تجوز فيه المعصيهّ، ر(نما يجوز فلك على وجه التأويل فيما لا يتعلىَ بالشرائع ". ونقل مثل ذلك عن أيي عبدالله (البصري) 287/15
لأن صحيح مسلم، ط عبدالبالّىِ 2/ 781
205
(1/201)
والحديث في الموطأ أيضاً.
فلعل الذي خطر ببال الصحابة السائل أن بقاء النبي في أعلى الجنابة أثناء
الصوم يحتمل أن يكون معصية، وقد أقدم عليها اعتمادا على المغفرة السابقة. وربما كان ما خطر بباله أنه ! لم يهتما بتعرّف الحكم في المسألة، اعتمادا على
المغفرة المشار إليها.
وكان جوابه عن مبطلا لكلا الاحتمالين:
فقوله:إ إني أخشاكم ضد" ردّ للاحتمال الأولى. وهو إشارة إلى أن المغفرة/
تمنع كمال الخشية 6 لعلمه ي بجلالي ربه وعظمته.
وقوله: "وأعلمهم بما أتقي "، إذ للاحتمال الثاني، إذ هوت أعلم الأمة بمرادات ربه في الوحي المنزل إليه. وقد أشرنا إلى رد هذا الاحتمالي في المطلب الثاني المتقدم.
الشبهة المائية: أنه ينهي قد يفعل المكروه لبيان الجواز، كما تقدم. فما يؤفننا
أن يكون الفعل الذي نراه مفيدا للإباحة، هو في الأصل مكروه وقد فعله-! لبيان الجواز، فتكون استفادتنا للحكم خطا.(1/159)
ويجاب عن هذا بأنه لا بد أن تتبين كراهته إما بخفي عنه قي موضع آخر، أو
ما لقر ا من.
الشبهة الثالثة ة أنه ! كان يعامل الناس بما يخالفهم ولا ينفرهم، وقد
قال الله تعالى له: (فبمارحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ! (1).
فما يؤفننا أن يكون الفعل النسي نريد أن نقحَدي به جنيه مكروهاً أو محرماً عليه
في الأصل، ولكن أبيح له فعله للمصلحة الراجحة من تأليف القلوب، وحسن السياسة، والتوصل ألما ما هو أهم وأعظم.
11) سورة آل عمران: آية 159
206
(1/202)
واقماعدة ا!ررة عند الفقهاء بجواز ارتكاب أدق المفسدتين لدرء أعلاهما" والقاعدة الأخرى 9 احتمال المفسدة المرجوحة لتحصيل المصلحة الراجحة" ولم تولى هاتان القاعدتان دسحْور الساسة المهرة في كل العصور، وقد اتفقت على صحتهما الأمم.
وقد قال الله تعالى: ألا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين
ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ألأ أن تتقوا منهم تقاة! (1).
وأباح الله تعالى النطق بكلمة الكفر للتخلص من الأذى، إذا اطمأن القلب
لا لا يمكن.
وقال ابن حجر: روينا في مسند الارياني وغيره لإسناد صحيح عن أبي ذرأن رسول الله ! قال له ة "كيف ترى جُعيْلاً؟ " قال: كشكله من الناس، يعني المهاجرين. قال: "فكيف ترى فلاناً؟ " قال ة سيد من سادات الناس. قال: 8 فجعيل خير من ملء الأرض من فلان ". قال: قلت: ففلان هكذا وأنت تصنع به ما تصنع؟ قال: 5 إنه رأس قومه فانه أخالفهم به " (2).
فقد كان رسول الله !ح! يكرئم ذلك الرجل تالفاً لقومه دون أن يكون أهلًا للكرامة لذاته.
وقد أجاب القاضي عبدالجبار بمنع جواز التُّقْيَة للرسول، في ما أمر بأدائه،
يقول: "ولو كانت مجهزة/ تعظم رتبة النبي، لأنها إنما تعظم لأنه يتكفل بأداء الرسالة، والصبر على كل عارض دونه " (3).
والمعتمد في الجواب أن يقال: إن المهمة الأولمب لرسول الله مجيهيم كانت البيان(1/160)
عن الله تعالى. فحيث كانت السياسة لا تتعارض مع البيان، فلا إشكال، كان يقدّم بعض المباح ويؤخر بعضه. ومنه عندي حديث جعيل، المتقدم.
(1) سورة آل عمران: آية 28 (3) المغني 284/15
(2) فتح البارز 80/1
207
(1/203)
وحيث تعارضا، فإن كان هناك قرائن تبين انه له فعل ما فعل، على سبيل السياسة، فالأمر واضح، وإلا امتنع أن يكون فعله له مكروهأ) و محرماً، لأنه يؤدي إلى أن يستقر في الشريعة ما ليس مخها. واللهم علم.
الشبهة الرابعة: أنه جد قد يكون له عذر فيما فعل، أي أن يكون فعل
الفعل على سبيل الرخصة، كأنه يكون أفطر في رمضان، ويكون إفطاره لأجل مرنهاخفى.-
ومثاله أيضاً: أن يكون قد صلى في ملابسَ دوني، لقلة الملابس اللائقة بجلال الصلاة، فمن اقتدى به ! في ترك الملابس الفاخرة لا الصلاة، كان ذلك خطا-
ومثاله أيضاً مما ورد في السنن أن النبي له كان يكن الإنفاق حتى لا يبقي
شيئاً ويتقشف في معيشته. يحتمل أن يكون ذلوا للحاجات والضرورات الواقعة في المجتمع الإسلامي مما لا بدّ من الوفاء به. فإن اقتدي به في ذلك في السعة كان خطا.
ونظير ذلك في الإصرار ما ورد عن أبي بن كعب أنه تال: الصلاة في الثوب الواحد سنة، كنا نفعله مع رسول الله ! ولا يعاب علينا، فقال ابن مسعود: إِنما كان ذلئط إذ كان في الثياب قلة، فيما إذ وشع الله فالصلاة قي الجويين أزكى"؟).
ومن هنا وقع الخلاف في المنيا ، ففي حليمة عائشة أخا كانت تفركه من ثوب رسوله أدبه ! فركا فيصلي فيه (3). قال الشافعية والحنابلة ة ذاك دليل طهارته. وقال الحنفية: هو نجس؟ ويجزع! فرك يابسه.
ومثاله أيضية تعامل النبي له بالدنانير الذهبية، والدراهم الكسرويهّ، !اقراره التعامل بها، مع ما عليها من صور القياصرة، ومعابد النيران. يحتمل أدت
(1)) حمد في المسند 141/5
(12 رواه مسلم 3/ 196 258
(1/204)
يكون فعل ذلك من باب الضرورة لعدم إمكان سك نقود جديدة خالية من ذلك على عهده ! (1).(1/161)
ومثاله أيضاً تركها ن يصلي العيد بالمسجد، بل خرج إنما المصلى، يحتمله
أنه فعل ذلك لضيق المسجد عن أن يتسع لجميع القارى مين لصلاة العيد، ريحتملى أن ذلك هو السنة.
والجواب: أن أفعاله هذه موافقة للحكم الشرعي في حقه يكه، وهو الرخصة، وليست مخالفة لهاء والواجب الفحص عنها على أي وجه رقعت، وما العذر الذي لأجله حصلت. وهذا هو ما يصنعه المجتهدون حيال مثل هذه الأحاديث. فإذا علموا السبب أناطوا الحكم به. وإذا جهل السبب فيكون الظاهر أن الحكم مطلق، ويحمل بذلها الظاهر. راللْه أعلم.
المطلب الرابع
أنه صلى اللّه عليه وسلم
عالم بمطابقة فعله للحكم الشرعي
والذي قد يورد على هذا، أن النبي ! لكونه بشراً قد ينسى كما تقدم.
وربما فعل أثناء ذلك النسيان، أو ترك، ما هو معذور به، فنبني عليه أحكاماً شرعية، وذلك خطا.
والجواب: ما تقدم في بحث العصمة منذ نص !تهفمرو إذا فعل نسيانا ما هونحالف للحكام الشرعي، فإنه ينبه لذلك، أور يُقْتدى به فيه.
) ما على قول من منع النسيان في ما ينبني عليه حكم شرعي، فسالجواب واضح.
(1) الشيخ عبدالمريد وافي جعل هذا الوضع دليلا علا إباحة استعمال الصرر وانكسر علا النووي قوله بالتحريم. انظر معّاله يخص كتاب لعمر- نظرة عصرية جديدة) ط مؤسسة الدراسات العربية، بيروت ص 161
209
(1/205)
وقد يورد عليه أيضا عله أصول الحنفية، أنهم أثبتوا!ا أفعاله !ك!ه الزقلة، وعرفوها بأنها 9 اسم لفعل كير مقصود في عينه، لكنه اتصل به الفاعل عن فعل مباح قَصَدَه، جزئه بشغله (به) عنه إلى ما هو حرام لم يقصده أصلاً" (1). والجواب: عن هذا الإيراد أنهم التزموا أن الزلة لا بدل من اقترانها ببيان لمخها
فئة.
المطلب الخامس
أن حكام أفعالنا المماثلة لأفعاله صلى اللّه عليه وسلم،
كحكم أفعاله ولا فرق
فما كان واجبا عليه فهو واجب علينا، وما كان مندوبا له فهو مندوب لنا،
وما هو حلال له فهو لنا حلال.(1/162)
ومقتضى هذا أننا إِذا علمنا أنه،! فعل فعلا على وجه الوجوب وجوبا علينا
أن نفعله. وإذا فعل فعلا على وجه الندب، وجب علينا اعتماده مندوبا لنا وصح منا التنفل به. وإذا فعله على وجه الإباحة وجب اعتقاده مباحا لنا وجاز لنا أن نفعله.
والذي قد يورد على هذا الأصل، أنه قد ثبت للنبي !! أفعال خاصة به أجمعت الأمة عليها، فما يؤمًننا أن الفعل الذي نريد الاستدلالي به هو أحد الخصائص، فيكون الاستدلال به خطا؟.
والجواب: أن ما علم بدليل، أنه من خصائصه ! خرج عن هذه القاعدة، إذ كونه خاضت به يقتضي أدب لا مشاركة في حكمه.
(1) البزاوي: أصول البزاوي ص 920
310
(1/206)
وما علمنا بدليله خاص أنه مشترك بيننا وبينه جم!يم فحكمنا فيه حكمه بالاتفاق، لأجل ذلك الدليل الخاصّ الدال على التاسيس.
وأما ما/ يعلمه له خاضت به، ولم يعلم أنه مشترك بيننا وبينه مجد، وهوأكز أفعاله، فهذا محل الاشتباه، وعنده اختلفت أنظار الأصوليين.
وسياقه إيضاح الخلاف في ذلك واستيفاء القول فيه له الفصل التالي والذي
بعده إن شاء الله.
211
(1/207)
ا لفَصحل الّرَأب!
أ تمام الىُ! ال/ فَبرقيم اِلمّرجمَ! وَ على ل!بهط!ماَ!ا لهُ جمام
1- الفعل الجبلي.
2- الفعل العادي.
3- الفعل في الأمور الدنيوية-
4- الفعل الخارق للعادة (المعجزات). 5- الخصائص النبوية.
6- الفعل البياني.
7- الفعل الامتثالي (التنفيذي).
8- الفعل المتعافي،
9- ما فعله !ك! لانتظار الاجما.
213
(1/208)
أقسام الأفعال النبويّة ودلالتها على الأحكام
قدمنا في الفصل السابق أن أفعال الرسول مج!م! من حيث الجملة حجّة على الأمة. وأن ذلك هو الأصل فيها. وأثبتنا ذلك بالأدلة، ورددنا الشبه التي قد تورد على حجيتها.
وفي هذا الفصل نستعرض الأفعال! النبوية بأنواعها، ونبلايق ما يعرف به كل
نوع، وهل يدل على حكم أو لا يدل عليه، والأحكام التي تمل عليها تلك الأ!ل!.
أقسام الأفعال النبوية:(1/163)
فعله !: إما متعلق بغيره وهو الفعل المتعدية، أو قاصر عليه.
وفعله القاصر عليه إما أن يصدر عنه لداعي الجبلة،) و اتباعت للعادة، أو لتقديره فيه منفعة أو دفع مضرة؟ أو هو تابع للشرع.
وفعله التابع للشرع إما معجز أو غيي معجز.
وفعله غير المعجز إما أن يفعله لأنه مطلوب منه خاصة وهي الخصائص النبوية، أو هو مشترك بيننا وبينه،
والمشترك إما أن يعلم أنه متعلق بوحي معيه!، يفعله بغرض تبيين مجمل في
ذلك الوحي أو مشكل وارد فيه، أو لمجرد امتثال الأمر الإلهي في ذلك الوحي. وإما أنه لا يعلم تعلقه بوحي معين.
215
(1/209)
وألفي لا يعلم تعلقه به إما أن يفعله مؤقتاً لانتظار الوحي، وإما أن يفعله
على غير ذلك الوجه، وهو الفعل المبتدأ المجرد-
فانحصرت أفعاله كلكم في عشرة أقسام (1)، هي كما يلي:
1- الفعل الجِبِلأ.
2- الفعل العادي.
3- الفعل الدنيوي.
4- الفعل المعجز.
5- الفعل الخاص.
6- الفعل الام!مالي.
7- الفعل المؤقت لانتظار الوحي.
8- الفعل المتعدي.
9- الفعل المبتدأ المجرد.
وسوف نعقد لكل قسم منها مبحثأخاصاً من هذا الفصل، ونخص الفعل
المبتدأ بفصل مستقل، نظراً لأن البحث فيه هو لب باب الأفعال وأهتم ما فيه، وما عداه إنما يذكره الأصوليون مع وضوحه، بقصد تحديد المراد بالفعل المبتدأ.
وقبل التفصيل نشير إشارة مجملة لما يدل عليه كل قسم منها، فنقولى: إن
الفعل الجبلي والعادي والدنيوي لا قدوة فيها، ولا تدل على أكثر من الإباحة، والفعل المعجز والخاص وذلك لا قسوة فيهما، لما فيهما من معنى الاختصاص به !ك!، والفعل البياني والام!حالي يقتدى بهما، والمؤقت لانتظار الوحي لا قدوة فيه إذا جاء الوحي بخلافه، والمجرّد فيه تفصيل، يعلم في موضعه.
ونقدم قبل ذلك بيان الطرق العامة التي يسلكها علماء الأمة، على اختلاف نزعاتهم، في استفادة الحكم من الفعل النبوي.(1/164)
(1) ذكر أبو الحسم!!ن البصرية المعتمد 1/ 385) تقسيما للأفعال، و/ يحصر عددها، وحصرهما أبو شامة في ستهب أقسام (المح!ى 3 به ونحن استوفينا حصرها استيفاء/ نطلع على مثله.
وبات المّوفيق.
216
(1/210)
طرق العلماء في حجية أنول الأفعال النبوية، ودلالة كلل منها على ا لأحكام:
للعلماء يخل ذلك ثلاث طرق رئيسية:
الطريقة الأولى: لن الفعل النبويّ بمجرده دالَ على الحكم في حقنا، يعني
سواء علمنا حكمه بالنسبة إلى النبي !، أو/ تعلم.
وأصحاب هذه الطريقة على ثلاثة مسالك:
فمنهم من قال: هي دالة على الوجوب في حقنا.
ومنهم من قال: هي دالة على الندب في حقنا.
ومنهم من قال ت هي دالة على الا باحط.
الطريقة الثانية: أنها لا تدل على شيء في حقنا إلا باعتبار حكامها بالنسبة
إليه !.
فما فعله على وجه الوجوب فهو علينا واجب.
وما فعله على وجه الندب فهو لنا مندوب.
وما فعله على وجه الإباحة فهو لنا مباح.
وما/ نعلم حكمه بالنسبة إليه ! حملناه علا أدق الاحتمالات.
ورد ى أبو علي بن خلاف أن التساوي بيننا وبينه مجيئه حط صل في أحكم العبادات خاصة، وأما فيما عداها فلا.
الطريقة الثالثة: أنها ليست أداة بمجردها، وليسحت أدلة باعتبار حكمها بالنسبة إليه عن، لاحتمال أن يكون الفعل الذي فعله من خصائصه !ن!"1).
11) انظر: أبا الحسيها البصري: المعتمد 377/1، الأيدي: الإحكام 47/1 2 وما بعدها. المحلي: شرح جمع الجوامع 97/2- 99، أبا شامة: المحقق ق 2، 3
217
(1/211)
تحرير محل النزلة:
ليبيا الخلاف السابق ذكر 8 هو لا جميع الأفعال، بل ما كان من أفعاله عن
جبليا أو شبهة، أو كان من خصائص، أو اقترن به دلالة خاصاً على أز، المراد به التأسئي، أو وقع بيانا لشيء من آي الكتاب، فالأمر فيه واضح. صارما الخلاف فيما وراء ذلك وهو الفعل المجراد المبتدأ. والأقوال المذكورة إنما هي في هذا النوع "1).
(1) سياف أن أبا شامة رأى أن الفعل الجبلي يندب لنا الموافقهّ فيه.
218(1/165)
(1/212)
المبحث الأول
الفِعل الجبلي
إن النبي محمدأ!يئ كغيره من أنبياء الله، بيضر كسائر البشر،/ يتميز عن
سائر البشر إلها بان الله أوحى إليه برسالته، واختاره ليؤدي مهمة البلاغ وما يتبعها مما تقدم ذكره. قال الله تعالى: فقل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلمر أنما إفكهم إله راحد! (1). (قل سبحان ربي هل كنت إلّا بشرا رسولأ! (2).
كان اختيار الله تعالما له لحمل الرسالة لم يَسشبم انخلاى!صن! من رتبة البشرية، بل بقي واحدا من البشر، له مثل ما لهم من الحاجات البدنية والنفسية. وذلك مقتكما إنسانيته وبحريته، من أجل ذلك كان قضاؤه لتلك الحاجات أمرا دعت إليه جبلته البشرية، وليس بمقتضى الرسالة، أما الذي بمقتكما الرسالة فهو الأفعال التشريعية التي يفعلها لتكون مطابقة لشرع الله تعالما.
تنبيه: إن كان الفعل مما لا تقتضيه الجبلة كالركوع والسجود، ورفع اليدين
في الدط!، ونحو ذلك، فهو خارج كن هذا المبحث، بخلاف القيام والجلوس والاضطجاع والأكل والشرب.
فإذا وجد المخالف لمقتضى الجبلة في الفعل العبادي، فهو مشروع فيها
قطعاً، إما صمسَحبً أو واجب، ما لا يُظَن أن النبي نجده فعله في أثناء العبادة لغرض بدني أو نحوه فيكون من المباح.
11) سورة فصلت: آية 6
(2) سورة الي بر ان: آية 93
219
(1/213)
ونضرب لذلدُ مثلًا بفرعي:
الفرع الأول: تحويل الرداء في الاستسقل!، الجمهور أنه فعل تشريعي.
وعن بي حنيفة وبعده المالكلية: لا يستحب من ذلك شيء (1).
الفرع الثاف!: وضع اليدين على الصدر في الصلاة، لا تقتضيه الجبلة، وقد
ثبت عن النبي ! أنه فعله. قالا الجمهور باستحبابه. وهو الذي ذكره مالك في الموطأ. صروي ابن القاسم عن مالئة الإرسال، وصار إليه أكثر أصحابه، ومخهم من كره الإمساك،2).
والأفعاله الجبلية على ضربن:
الضرب الأول؟
فعل يقع منه !! اضطراراً دون قصد منه لإيقاعه مطلقاً وذلك ما نقل أنه(1/166)
كان هذا سُزَ استنار وجهه كانه قطعة قمر (3)، ماذا كره شيئا رئي في وجهه (4)، وكتالمه من جرح يصيبه، أو حصول طعم الحلو والحامض في فمه من طعام يأكله، وما يحور في نفسه من حيث وكراهة لأشخاص أو أشياء، مما لا سيطرة له عله منعه أو إيجاده، ككراهيته أكل لحم الضب، وكراهيته قاتل حمزة.
ومثل هذا أيضاً ما يقوله في حالات اللاوعي، كما يقع منه من الحركات وانتقال الأعضاء في منامه، أو غفلته، أو نحو ذلك.
فهذا النوع لا حكم له شرعاً، لوقوعه دونا قصد منه !ي!، وهو لذلك خارج عن نطاق التصنيف، ومن أجل ذلك لا يستفاد منه حكم، ولا يتعلق به أمر باقتداء ولا نهي عن محالفة.
ومما يستأنس به لصحة هذه القاعدية ما 5 رد أنا النبي !ك! كان يقسم بيننا
نسائه فيعدل، ويقول: يا اللهم هذه ا قسمي في ما أملك، فلا تلمني في ما تملك ولا
(1) فتح البارز، مصطفى الحلبي 152/3 (2) ابن حمار: فتح الباري 224/2 (3) متفق عليه (الفتع الكبير. (4) الطبراني في الأوسط (الف!ح الربيع. 220
(1/214)
أملك " (1). والذي لا يملكه !م!ر هنا هو ميل القلب إلى إحداهن أكثر من الأخرى. فهذا لا قدوة فيه، والمطلوب العدل قدر الإمكان-
وقد يقع من الأفعال ما يشتبه فيه في اضطراري أو غي اضطراري، فيقع الاشتباه في حكمه على أساس ذلك. ومن ذلك ما ورد عن مشرف بن عبداللي عن أبيه، قال: أرأيت رسوله اللّه ينص يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرٌحَى من البكاء! (2) !ئه!رر مجتمع أنه كان يستدعي البكاء بمناسبته لمقصرد العبادة، فيدلى على جواز استدعائه، رمجتمل أنه تم كان يغلبه البكاء وهو لا يريده، فلا يخلط على جواز استدعاء البكاء. ولا بد لنا أن نفرق في لمر المحبة والكراهية ونحوها أيضا بين نوعين منهما، لكل نوع حكمه:(1/167)
النوع الأول: المحبة والكراهية الناشئتان عن تعويد النفس على موافقة الشرع، بمحبة المطلوبات الشرعية، وكراهية الممنوعات، هما فعلان دالأق على الأحكام، وينبغي الاقتداء بهما. وقد روي عن النبي ! أنه قال ة!لا يؤدي أحمدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ! (3). ففي هذا الحديث، إن صحة، حث على لعبة النفس لتستجيب للدواعي الشرعية، وتابع ما جاء به الشرع.
والنوع الثاني: المحبة والكراهية الطبيعيتان؟ من محبة المستلذات وكراهية المسلمات. فهذا النوع هو المقصود هنا، وهر الذي لا قدرة فيه لخروجه عن سلطان الإرادة. ومن أجل ذلك قئدْنا ما لا قدوة فيه من المحبة والكراهة ب كما لا سيطرة له على منعه أو إيجاده لا.
1) أحمد والأخ بعد والحاكم (الف!ح الكلبير) والنسائي،
3) أبو داود 3/ 172 وهذا لفشله رالترمذفي.
3، هن حديث عبداله بن عمرو بن العاصية وتفسير القرطبي 167/16) و/ يسنده إلى شيء من كتب الحديث. وفي الأربعيهأ السورية والحديث 41) قالا السوري: 9 هذا حديث صحيح رويناه يا كتاب الحجة بإسناد صحيح " وكاب (الحجة) هو لأيا الفاتح نصر بن (براهمم المقلصة الواقعي، ود واه الطبرايا.
221
(1/215)
فمن النوع الأول من المحبة والكراهة، وهي التي تدل على الحكم، ويقتدمم!
به عز فيها، ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنه !نه!يو: "كان يحب التضامن ما استطاع في طهوره وتنقله وتدخله وفي شانه كله " (1). وكالة رجب من أصحابه أبا بكر وعمر، وقال لمعاذ: فإني أحبوك " (3).
وكان يكوه النفاق والمنافقين، ويكره الكذب والكاذبين، وكان يكره أن عطا
أحد عقبه (3).
وقي كل ذلك من أمره قدوة.
ومن النوع الثاني، وهو المحبة والكراهة الطبيعيتان، ما ورد عن عائشة
أنه عن كان يحب الحلفاء والعسل (4)، ويحب الدتاء"ْ)، وكان أحب الشراب إليه الحلو البارد (6). وكان أحب الطعام إليه الثريد من الخبز والثرلِد من الحرس "3). وكان يكره ريح الحناء (8). فلا قدوة في شيء من ذلك.(1/168)
ومنه أنه !م! ترك أكل الضب كراهة له. قال: وأجدني أعرفه " فلم يقتدِ به الصحابة في ذلك، بل أكله خالد بن الوليد على مائدته !.
الضرب الثاني:
الأفعال الجوفية الاختيارية، وهي ما يفعله عن قصد وإرادة، ولكنها أفعالا تدعو إليها ضرورته من حيث هو بشر، وبوقعها الإنسان قصداً عند شعوره بتلك
(1) متفقا عليه والفتح ال!ب!يع.
،2) أحمد وي بو داود وابن حبان والفتح الكلبين 3/ 401).
(3) الحاكم في المستل شك والفتح الكبير.
(4) البخاري ومسلم والأربعة والفتح الربيع.
(5) أحمد والنسائي وافي ماجه عن أنسيا والفتح الطبع والدواء المشرع.
(6) متفق عليه والفتح الكبير.
(7) أبو داود والحاكم والفتح البيع والحرس السمر يعجن بسمان وأقر ويخرج منه نواه. (8) أحمد وأبو داود والنسائي (الفثع الكبير.
222
(1/216)
الضرورة- إلّا أن إيقاعها تابع لإرادته وقصده، بحيث يستطيع الامتناع عن ذلك في وقت دون وقت.
ومثال هذا الضرب: تناولي الطعام والشراب، وقضاء الحاجة، واتخاذ المنزل، والملابس، والفراش، والمشي والجلوس والنوم والتداوي من المرض، والنكال.
فإن أصل هذه الأشياء ضروركما للإنسان من حيث هو إنسان، بحيث
يصيبه الضرر لو امتنع منها كلية. فهو يفعلها تحت ضغط الضرورة، وبذلك يكون فعله لها خارجا عن التكليف، ولا قدوة بما لا تكليف فيه، وتكون من الضرب الأول الذي تقدم ذكره. فمن فجل شيئاً من ذلك وزعم أنه يقتدي بالنبي تم فقد أخطأ، لأنه سيفعله شاء أم أبى.
إلّا أنه لا بد من التقائي لأمور أربعة تتبع ذلك، هي التي تدخل في المراد
بهذا الضرب الثاف!.
أولاً الهيئات التي يمكن أن تقع عليها الأفعال المشار إليها في هذا الضرب.(1/169)
إذ الفعل يمكن أن يقع على هيئات مختلفة، فيفعل النبي ! الفعل علا إحدى تلك الهيئات دولة غيرها، كما ورد أنه كان ينام على جنبه الأيمن، ويشكل بيمينه، ويشرب ثلاثاً ويأق! أهله بطريق أو طرقا معينة. فليس ذلك دليلا على استحباب تلك الطريقة أو وجوبها، لإمكان عمله على الهيئة أو الهيئات الأخرى، ما لم يدل دليلي على أنه ي قصد بذلك موافقة الأمر الشرعي.
ووجهه أن هذه الهيئات هي أيضاً أفعال جبلية اختيارية، وتدل على
ا لا باحة.
ثانياً: أن!ل! الأشياء المسمتعمدة من الضرورات المشار إليها، إذ قد يأكل طعاما معيناً كما قد أكل التمر والعسل وخبز الشعير ونحو ذلك، وليس شي صه من ذلك ضروربأ، إذ قد يترك ما أكله ويادل لدلى شيئا آخر. 223
(1/217)
وكذلك اتخذت بيوتا مبنية من طين، ومسقوفة بالجريد. وكان له فراش من
أدم حشوة ليف.
وتزوج نسلم على أوصاف معينة، ومن قبائل معينة.
وهذا النوع يدل على الإباحة أيضاً
ثالثاً الأمكنة والأزمنة التي يوقع فيها الفعل الجبلي، إذ قد يأكل قي وقت
دون وقت، أو ينام في مكان درن آخر.
رابعاً: ويلتحق بذلته أن يفعل مما تقتضيه الجبلة ما ليس أصله ضرورياً.
! أنما هو حاجي، كامل اتخاذ المرافق، أو مراكب منذ !ل! خاصة كالخيل والحمير والبغال.
وكذلك ما يفعله !ي! لما فيه من المنفعة، وإن/ تكن حامية، كاتخاذ العصا
وشم الطيب-
والفعل الجبلي الاختيارفي مهما كان نوعه يدل على الإبل، ولا يدل على استحباب أو وجوب، ما/ يقترن بقول أو قرينة، تدل على ذلك، أو يكون له صلة بالعبادة، كما سيأتي قي بقية هذا البحث.
أقسام الفعل الجبلّيّ الاختياري:
الفعل الجبلي الاختياري على قسمين، لأنه إما أن يكون له صلة بالعبادة، أو حايكون له بفاصلة.
القسم الأولي
الفعل الجبلي الصرف(1/170)
والمراد به ما ليس له صلة بالعبادة، كامل طعام معيئّ كالتمر واللحم والعسل، وسير قي طريق معين، ولبست ثياب ذات شكل معين، كالوباء والعطاء والقميص، أو من مادة معينة كالقطن والصوف.
(1/218)
وهذا النوع من الأفعال يقع من النبي يكيه! على سبيل الإباحة. والمشهور عند الأصوليين أنه لا أسوة فيه، بل من شاء أن يفعل مثله فعل، ومن شاء أن يتولى تركه، دون أن يكون للفعل ميزة على الترك من ثواب أر غيره، ودون أن يكثرن في الترك ذم شرير. وبعضهم ادعى الإجماع على ذلك.
ألأ أن ابن حزم اشترط في جواز التقلى أن لا يكون رغبة عما فعله النبي !،
فإن كان كذلك كان التارك آثما. واحتج بالحديث: ألكني أنا أصوم وأفطر، ود قام وأنام، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب كن سنتي فليس مني ". فذكر أكل اللحم، وهو فعل جبلي صرف-
ورأينا أن الحديث المشار إليه وارد فيمن ترك المباح تدينا وتقرباً إلى الله به،
فهذا خلاف الشرع، إذ لا يُعْبَد الله بعبادة لم تشرع، ولأن ذلك ترك للمباح مع اعتقاد تحريمها و كراهته، وذلك تغيير لشرع الله.
ولا يصح أن يفهم من الحديث أن من أكل بالملعقة وتولى الأكل بالأصابع
فقد ركب عن السنة واستحق الوعيد، ولا أن من ترضي من المغسلة أو الإبريق وترك الوضوء من إناء صفريغترف منه باليد فقد رغب عن السنّة، ولو اعتقد الانكل بالملعمَة والمتوضىء من المغسلة أن ذلك أنظف وأحسن فليس ذلك أيضا رغبة عيد السنة، لأنه ترك للمباح مع اعتقاد إباحته، وليس في ذلك حرج.
وأما دعوى الإجماع فالصحيح أن المسالة ليست مجمعا عليها.
فقد نقل الباقلاف! في التقريب عن قوم/ يسفَهم، أن التاسئي به ! في
أفعاله المباحة مندوب. وكذا حكاه الغزالي عن بعض المحدثين. وبه صرخ السبكي في قواعده (1)، وإليه يميل أبو شامةأ3)، ونقل المازريّ عن قوم لم يسمَهم القول بوجوب التألمئي في جميع الأفعال على الإطلادّ، وذلك يقتضي دخولك هذا النوض!.
(1) ق 11015.(1/171)
(2) أبو شامة: المحقق ق 3 ب، 14. 225
(1/219)
والقول بالوجوب هنا بعيد جداً.
أما القول بأنه يدل على الندب فله حظ من النظر. والندب هنا على طريقته للقائلي به:
الأولى: أن يقال: إن الظاهر من فعله مجده إنه تشريع، فيحمله علا الظاهر، والوجوب/ يتحققا، فيبقى حمله على الندب منه يكن، ولما كان حكمنا كحكمه، يحمل على الندب يخص حقنا أيضاً. فالحكم فيه مستو بشا وبينه. والثانية: أن يقال: الأصل عدم التشريع، فهو منه جمعه محمول على الإباحة، ولكن ئنْدَب لنا إيقاعه على مثل هذه الصورة التي توقعها عليها. هويئه!ه. فالحكم بيننا وبينه عن نختلف، هو منه مباح، ومنا مستحب- والتألمئي هنا واقع في صورة الفعل دون حكمه. فيؤجر على القصد لا على الفعل.
ونحن نفصل القول في هذا القسم ليتبين الحق فيه إن لخط ايه.
فنقول: إن له أحموالأ محتلفة الدرجات.
الدرجة الأولى: أن يرشد إلى الهيئة المخصوصة بالقول مع الفعل. وهذا
يخرج الفعل عن هذا البحث، لأن النظر حينئذ في الدليل القولي-
ومثاله ما ورد في الحديث: إنه كان إذا شرب تنفس ثلاثاً ويقول: فإنه أهنأ وأمرأأ.
ومثاله أيضاً: أف كان يأكل بيمينه، وأمرَ بذلك، ويأكل مما لليه وأمر بذلك.
الدرجة الثانية: أن يواظب النبي عن على إيقاع الأعلى الجبلي على هيئة مخصوصة ووجه معروف، كما نقل عنه ذلك في بعض هيئات الأكل والشرب والنوم ونحو ذلك. فهنا ا لمجتمع أن المقصود به التشريع، فيكون مستحباً ويحتمل أنه فعل فلك لداعي ا:لبلة وحدها فلا يكون مستحبا (1). ومن ذلك أنه ئ ن إذا نام
(1) الزركشجما: البحر المحيط 248/2) 0 الشوكاني: إرن!ماد الفحول ص 35 226
(1/220)
وضع يده اليمنى تحت خده (1)، وينام على جنبه الأيمن. وكان ياللا بثلاث أصابع،3).(1/172)
ومنشأ التردد فيه قاعدة يتعارض الأصل والظاهر، إذ الأول عدم التشريع، وبراعة الذمم من التكاليف الشرعيهٌ ، وهذا يقضيها في هذا النوع أن لا يكون واجبا ولا مستحباً. والظاهر أن فعله لما واظب عليه على طريقة معينة أنه شرع يتبع، لألف الغالب من فعاله يبه!يو التشريع، إذ هوت مبعوث لبيان الشرعيات (3).
وقد نقل الزركشي عنا أبي إسحاق في ذلك وجهن للشافعية، أحدهما: أنه
سنة متبعة، والثاني: أنه لا يتبع فيه إلا بدليل. ونقل عنه أيضاً من موضع آخر من !تابه) ن الوجه الثاف! لهما به يتوقف فيه لاحتمال الخصوصية (4".
وقد مال السبكي في القواعد إلى القول بالاستحجاب.
والمشهور عند المحذثيها، وهو المتداوَل في كتبهم وشروحهم للحديث، أن
ذلك الفعل يدلا على الندب، ويطلب المأتي به يوم فيه.
والأرجح عندي القول الثاني، وهو أنه دال على الإباحة لا أكل. ولا ت!تهض المواظبة والتكرار دليلا على كون الفعل مقصوداً به التشريع، إذ كثيرا ما يقع من الإنسان أن يفعل الأفعالا التي ميت نوع واحد بطريقة واحدة، بل إن ذلك هو الأغلب على الناس، لأن يخص ذلك اقتصاداً في المجهود الفكري، فالشيء إذا فعله الإنساني علا الطريقة التي جرى عليها في مثله، أمكنه فعله دون إعمال للفكر مجه، ويمكن الاستفادة من الفكر فِي أثناء ذلك الفعل في أشياء أخرى. فلما كان هذا من طبيعة البشر، فإن ما واظب عليه ئلْحَق بما لم يواظب عليه، ولا يستفاد من كل ذلك حكام أعلى من الإباحة.
(1) أحمد والترمذي والنائي (الفتع الكلئير).
(2) مسلم وأحمد وأبو داود (الفتع الكبير).
(3) الزركشي: البحر المحيط 248/2 1.
(4) البحر المحيط 1248/2.
227
(1/221)
الدرجة الثالثة:) ن يقع منه الفعل الجبلَيّ لا على سبيل المواظبة والتكلرار.(1/173)
ومثاله أن يكون ييل قد سار في أيمن الطريق أو أيسرها. أو جلس تحت شجرة معينة أو تحو ذلك. فهذا أضعف درجات الفعل الجبلي الاختياري. ودلالته على الإباحة واضحة. أما الندب فالقول به هنا أضعف منه فيما واظب عليه !ك!رر.
وقد نُقِل عن ابن عمر رضي الله عنهما، ما يدل على في كان يَتَتَبَع آثار النبا!ئه!، والمراضع التي سار فيها أر جلس فيها، ذكر منها ابن سعد كاتب الواقدفي في الطبقات طرفا (1). ومما يرويه المحدثون من ذلك أنه رضي الله عنه جر خطام ناقته حتى أبرزها في الموضع الذي بركت فيه ناقة النبي !ئبيم، وسار براحلته في جانب من الطريق سارت فيه ناقة النبي يا، وقال: الحل خفاً يقع على خط" (2). ونزل تحت شجرة كان نزل تحتها النبي !، وصت في أصلها اخر. وبال في موضع بال فيه النبي !، وقالت عائشة: كما كان أحدُ يتبع آثار النبي يكن فِي منازله، كما كان يتبعها ابن عمر"يمر.
وشبيه بذلك ما نُقِل عنه أنه كان يلبس النعال السببية اقتداء بالنبي جمة.
وكان ابن عمر يستجير يالألًؤة غ!يرفطَرة، وبكافور يطرحه مع الأئمة، ثم
قال: هكذا كان يستثمر رسول الله د (4).
وهذا النقصان أشبه بالنوع الذي قبل هذا، وهو ما حصل على سبيل التكرار والمواظبة.
وابن تيميه يفرق ب!!ن نوعين من المتابعة في هذا: المتابعة في صورة الفعل، والمتابعة في مكان الفعل، فيقر بالخلاف في الأولى، وأما الثانية فهي عنده ممنوعة
(1) طبمّات ابن سعد، بيروت، دار صادر، 1377 هـ 2/4 4 1- من\ .
(2) نسبه علي الطنطاوي إلى حلقة الأولياء315/1 ذكره في كتابه (س!رة ضمربن الحطاب ود كبار ضبداللأ بن دمياط بيروت، دار الفكر، 1385 ص 475
(3) طبمّات ابن سعد 25/4 1. وانظر البداية والنهاية 5/ 179
(4) مسلم 1766/4 والألوهّ العود الهندي المعروف، وقطرية العرب خلطه بالعنبر أو غيره. 228
(1/222)(1/174)
اتفاقا. يقول: "لو فعل النبي ضد فعلًا بحكم الاتفاق، مثل نزوله في السفر بمكان أو أن يفضل في إدارته طن فيصبه نية صل شجرة، أو أن تمشي راحلته في أحد جانبا الطريق، ونحو ذلك، فهل يستحبٌ قصد متابعته في ذلك؟ كان ابن عمر يحب أن يفعل مثل ذلك. وأما الخلفل! الراشدون وجمهور الصحابة فلم يستحبوا ذلك، لأن هذا ليس بمتابعة لها، إذ المتابعة لا بد فيها من القصد، فإذا/ يقصد هر ذلك الفعل، بل حصل له بحكام الاتفاق، كان غير متابع له في قصده.
"وابن عمر يقول: وإن/ يقصده، أكلن نفس فعله حسن على أفي وجه
كان، صاحب أنه فعل مثله، إما لأن ذلك زيادة في محبته، وإما لبركة مشابهته له..-
5 وهكذا للناس قولان في ما فعله من المباحات على غير وجه القصد، هل متابعته فيه مباحة فقط، أو مستحبة، على قولين في مذهب أحمد وغيره.
يقول:أ ولم يكن ابن عمر ولا غيره، يقصدون الأماكن التي كان ينزل فيها، ويبيت فيها، مثل بيوت أزواجه، يمثل مواضع نزوله في مغازيه، وإنما كان الكلام في مشابهته في صورة الفعل فقط دان كان هر لم يقصد التعهد به. فيما الأمكنة نفسها فالصحابة متفقون على أنه لا يعلم منها إلا ما عظمه الشارع " (1) اهـ كلامه. وقد يظن لأول وهلة أن هذا وهم من ابن تنمية، فقد صح عن ابن عمر أنه
تحرى الأمكلنة التىٍ حصل الفعل النبوئي فيها بحكم الاتفاق، ومن ذلك الحديث الطويل الذي رواه البخاري،2) في الباب الذي عقده بعنوان شباب المسحاجد التي على طرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي !) ذكر فيه المواقع التي كان ابن عمر يتحرى الصلاة فيها، ويخبر أن النبي عن صلّى فيها في أسفاره إلى مكة- وأيضاً كان ابن عمر يتحرِّى أن يصلي من الكعبهّ في المكان الذي دليل له إن
(1) ابن تيميه: مجموع الفتاوى الكبرى 409/15، 415 (2) 1 لبخا ري: 2/ 569.
329
(1/223)
النبي ي إلَى فيه (1". ويتحرّى أن يقف من عرفة في المكان الذي وقف فيه النبى!ك! (2).(1/175)
ولكن قد بين ابن تيمية مراده في موضع آخر 3)، حيث فيها أن ما فعله ابن
عمر لم يزد على أنه كان يختار إحدى الصورتين الممكنتين قي الفعل الواحد، وهي الموافقة لما فعله النبي جو دون الأخرى، بأن تحضره الصلاة مثلا في بقعة معينة قد صلى النبي ! يلا ناحية منها فيختار الصلاة يخص تلك الناحية ويترك سائر نواحيها. والمستنكر عند ابن تنمية، ويدعى الاتفاق على إنكاره، أن تعظم بقعة/ يقصد النبي سيئ تعظيمها، ويظهر ذلك بأن ينشاء المسلم لها سفرا طويلا أو قصيراً
فهذا تقييد جيد في المسألة وتحرير صحيح لمحل الن!ل!.
هذا وقد عوض ما كان يفعله ابن عمر من هذا النوع، بما فعله والده
رضي الله عنهما! قال ابن حجر: ثبت عن عمر أنه رأى الناس في سفر يتبادلون إلى مكان. فسأل عن ذلك. فقالوا: قد صلى فيه النبي !. فقال:، من عرضت له الصلاة فليصل، وإلا فليمض، فإنما هلك أهل الكتاب لأنهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعأ!.
وقد أؤل ابن حجر هذا الفعل عن عمر رضي الله عنه، بحمله على من لا يعرف حقيقة الأمر، فيظن الصلاة هناك واجبة. وهو تأويل فيه نظركم فسياقما القصة يابيه.
واحتج أيضا بحديث عتبات بنا مالك، الوارد في صحيح البخاري، أنه
طلب من النبي !ن! أن يأتيه في بيته، ليصلي له قي مكان منه يتخذه مصلا، وفعل ذلك.
(1) البخاري 1/ 579
(2) ذكره ابن حجر يخص الإصابة 2/ 349 مسيرة عمر لعلي الطنطاوي). (3) أين تيميهَ: اقتضاء الصراط المستقيم محالفة أصحاب الجحيم ص 423
230
(1/224)
وهذا خارج عن الموضوع، لأن صلاته جملي هناك مقصودة ولهدف محلوم هو
أن تتخذ مصلى، وليس ذلك وأردأ على موضع النزلة، لأدب الن!ل! في ما حصل من الأفعال بحكم الاتفاق.
وذكر ابن حجر أيضاً أن عمر بن عبدالعزيز بنى مساجد علا مواضع بالمدينة
ثبت له أن النبي ! صلى فيها،1).(1/176)
ورأينا في مثل ذلك أن الفعل الجبلية الصرف لا يدل على الاستحباب مطلقاً بل يدل على الإباحة. وسواء أكان مما واظب علحِه ! كما تقدم الترجيح فيه، أو مما/ يواظب عليه.
ورأينا قي ما نقل عن ابن عمر أنه فعل ذلك لا عله سبيل التعبيد دمه بلك-
أعني لا على سبيل أنه مستحب شرعاً وإنما فعله بداعي عظم المحبة للنبي منى، فهو يسلّي نفسه، أو يستثير شوقه، بان يعمل صورة ما عمل النبي !، أو بالكون في المكان الذي كان فيه: لأشعل خفاً يقع عله خف ! كما قال رضي الله عنه. فهي مسالة شخصية صرفة، كما يصنع المحبة المتهم بآثار حبيبه، إذ يحتفظ بصورته، أو بقطعة من ثيابه، أو يذهب إلى المكان الذي قابله فيه، أو نحو ذلك.
وقد حصل بسبب فعله ذاك، وحرصه عليه، أن ئقِلت إلينا معلومات تاريخية قيمة في بيان أمكنة حصل فيها من النبي يكرهه أفعال معينة، كصلاته داخل الكعبة مثلاً إذ حدد لنا موقع صلاته !نه! منها بالضبط. وفي مقابل ذلك حصلت من أفعاله تلك ما يقابل هفت المصلحة، وهو ما حاصل من الوهم عند كثير من الناس أن الاقتداء يخل ذلك مستحبا.
وأما الذي يقتدي به يخص هذا منها عمر رضى الله عنه، ثلث الراشدين، اللذين أمرنا أن نقتديَ بسنتهم، وهذا من سنتهم.
تنبيه: بعض ما نقلناهُ عن ابن عمر داخل في القاسم التالي، وهو ما له علاقة
ان فتح البارز 571/1
231
(1/225)
بالعبادة، ولكن ذكرناه في هذا القسم استيفل! لما نقل عنه، رجمعأ له في مكاني واحد.
القسم الثاني
الفعل الذي له علاقة بالعبدة
وهر ما وقع في أثناء العبادة، أوفي وسيلتها (1)، أر قبلها قريبا منها، أو بعدها كذلك.(1/177)
فمما وقع في أثناء العبادة نزوله ئي بالمحضر ليلة النفط 2)، وقبض الأصابع الثلاث في التشهد، ووضعها على الأرض مضطرمة في السجود. وجلسة الاستراحة (3) بعد الركعة الأولى وبعد الثالثة، والتطيب للإحلال من الإحرام، واتكاؤه ! أثنل! الخطبة على قوس ! عصا، ولبست النعلين في الصلاة، يحتمل في فعله لكلونه من سنة الصلاة، ويحتمل أنه فعله على سبيل الجواز فقط، كما يلبس في الصلاة قطنا أو صرفا أو كبير ملئه (4)-
ومما وقع في وسيلة العبادة دخوله مهلة من طريق كُدً في، وخروجه من طريق
(2! (3)
(4)
العناني: حاشية على شرح جمع الجو!ع 97/2
المنصب بطحاء مكة.
قال ابن الس!بكي: مما دار بين الجبل والشرعي: جلسة الاستراحهً عندما حمل اللحم. فقيل فلك جبلي فلا يستحب، وقيل شرعا وهو الصحيح. وقيل يستحب للمبدأ وفي معناه العاجز الضعيف دون غيرهما (قراعد ابن السبكاق 1115).
وقال ابن دقيق العيد: جلسة الاستراحة قال بها الرافعي في قوله، وأصحاب الحديث، وأباها مالك وي بو حنيفة ركيرهما، وعذرهم عن الحديث ويعني حديث مالك بن الحريري أنه كان بِحلس إذا رفع رأسه من السمجود قبله ن يغهض) أنه يح!ملى على أنها بسبب الضعف للكبر، فإدا تؤيد هذا التمويل، بقرينة، مثل أن يتبين أنه فعاله !ك! السابقة على حالة الكلبي / يكن فيها هذه الجلسة فلا باس بهذا الئا!ل. فإن قوي ذلك باستمرار عمل السلف عله ترك الجلوس كان زيادة في الرجحان 10 هـ بتصرف مّليل (إحئى م الأحكام 225/1). وانظر- أبى ري 1/ 494
332
(1/226)
كَدَاء ودخوله المسجد الحرام من باب بني شيبة، وطوافه ! بالبيت راكبا على بعير، وكذلك في السعي بين الصفا والمروة، ررقوت في الموقف بعرفات على بعير، وعودته ي من صلاة العيد من طريق غير طريق الذهاب، وذهابه إلى العيد ورجوعه منه ماشيا (1)، ووقوع جملانه في السفر في مواضع معينة.
ومما وقع قبله العبادة قريباً منها: اضطجاعه ! قبل صلاة الفجر بعدم ق(1/178)
يصلي النافلة. قالت عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله ! إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنتءشء ظل حدثني، والا اضطجع حتى يؤفَن بالصلاقه. رواه البخاري ومسلم. وفي رواية للبخاري: اضطجع على شقه الأيمن. رقد أنجب ابن حزم (2) الرجعة بعد ركعتي الفجر،
وقال الشافعية باستحبابها بنل! على هذا الحديث. ربوٌ ب عليه البخاري: "باب الرجعة على الشق السيئ بعد ركعتي الفجر". مما يوحي بأنه يرى استحبابه. واستنكاره ابن مسعود وابن عمر و(براهيم النخعي والحسن المصرفي ممن فعله، وقال ابن عمر هو بدعة (3).
ومما وقع بعد انتهاء العبادة انصرافه ! من الصلاة عن يمينه أو عن يساره.
فهذا القسم الثاني وهو ما له صلة بالعبادة، بأنواعه الأربعة أعلى من القسم
الذي قبله، رالقرل بالندب فيه أظهر عن القسم الأعلى، وهو ما لا صلة له بالعبادة. فيفا انضم إلى صلته بالعبادة عنصر المَكلرار رالمراظبة عليه قرب القري بالندب فمه.
وباستقراء الفروع الفقهية يأتين أن هدا النوع على درجات (4):
(1) حديث: كانا يخرج إلى العيد ماش!يأ..: رواه ابن ماجه (المفني لابن قدأمهً 2/ 374! (2) الإحرام ص 432
(3) حد يا اضطجاعه ! بعد ركعتي الفجر ة البخاري 43/3 ومسلم. وذكر الشق الأيمن هر عند البخاري خاصة. والعقول عن السلف هي من اللام ابن حجر في فتح البخاري 43/3
(4) وانظر الزر!ثي: البحر المحيط 48/2 لأب.
233
(1/227)
الدرجة الأولى: أن الفعل الجبلي يُلحق فيه أحياناً أنه مقصود في العبادة
ليكون جزءا منها. وقد قيل بالوجوب في ذلك أحيانا ولو لم يرد فيه قول آخر. ومن ذلك الجلوس بين الخطبتيهة، قال الشافعي بوجوبه، وقال غيره من الأئمة بأنه مستحدث، ونُقِل عن بعض الصحابة أفهام خطبوا فدم يجددوا حتى الفرل! (؟ ". وكذلك القيام في الخطبتن، واظب عليه النبي !. فقيل بوجوبه. وهو
أحد القولين في مذهب أحمد- والقول الآخر أنه لا يجب، وهو مذهب أبي حنيفة (2).(1/179)
وعندي أن الوجوب هنا ليس متلقى من مجرد الفعل، بل من كونه فعلا
بيانتأ في اعتقاد القائل بالوجوب، أي اعتقاد أن الفعل مقصود به بيان صفة خطبة الجمعة المأمور بها قي سورة الجمعة، فهذا القصد هو سبب القولي بالوجوب. إذ الفعل البياف! يمكن أن ئدَل به على الوجوب، كما يأتي.
الدرجة الثانية: ما سبيله الاستحباب من ذلك، وهو ما وضح فيه أمر التعدد، وذلك أن عُلم، أو غَلَب على الظن بأمارة، أن المقصود التعهد به، كالقيام في الخطبتين والجلوس بينهما كما تقدم، وصلاته !م! داخل الكلعبة، وإفطاره على رطباتٍ وتراً ونحو ذلك.
ومن هذا النوع عند الجمهور تحويله النبي جو وداعه في دعاء الاستسقاء،/
يقل أبوحنيفة بمشروعيته. وقال من احتج له: إنما قلب ي وداعه ليكون أثبت على عاتقه عند رفع وليده ين في الدعاء، فهو عنده جبلة. وأجيب بأن تثبيت الرداء لا يدعو لقلبه، فالظاهر أنه قلبه قصدا تعئدأ (3).
الدرجة الثالثة: ما حصل التردد فيه بين أن يكون مقصود شبه التعبيد أو
لا. فهذا الذي فيه الخلاف-
(1) أبن قدامها: المغني 2/ 306.
(2) ابن قدامه.: المغنى 2/ 2. س، 303 (3) ابن لقيته العيد. الأحمكام 342/1
234
(1/228)
والخلاف فيه لاشيء عن تعارنهه الأصل والظاهر كما تقدم. إذ الظاهر أن المقصود به التشريع، لصلته بالعبادة، والأصل عدم هذا القصد، والذي نرجحه أنه لا يدل على الاستحباب، و(نما قصاراه أن يدلى على الجواز في العبادة، كرفضه يا التنشيف من الغسل بالمنديل، وجعل ينفض الماء بيده. واستعماله آنية منذ نول معينة في الوضع وكالضجعة بعد ركعتي الفجر، وأكله من كبد أضحيته يوم عيد الأضحى، وذهابه إلى عرفة من طريق ضب، ورجوعه من طريق اللازمين، وركوبه أثناء الطواف والسعي والوقوف، وكون الركوب في تلك المواضع على بعير. فكل ذلك دالّ على الإباحة فقط، ولا قدوة فيه.(1/180)
وهذا يفسر لنا قفة عناية الصحابة رضي الله عنهم بنقل أفعاله التي من هذا النوع، حيث إنها على الإباحة، وهي الأصل ! والله أعلم.
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما يخص المبيت بالمحصٌب بعد النفر:
أ المنصب ليس من النسك، أنما هو منزل فزله رسول الله يكلنا ليكونا سمح لخروجه !.
ألأ أدت احتمالَا يرد هنا، وهو أن يقال ة إن احتمالا عدم قصد التعبّد بهذا
النوع يقتضي عدم اعتباره جزءا من العبادة. ولكن الاستحباب فيه وارد في جهة أخرى هي موافقة صورةِ ما عمله النبي حجي، فيثبت الاستحباب. وقد أشار إلى هذا ابن السبيلا، قال في مسالة التحصيل: وقال أصحابنا: يستحوا النزول به، ولو تركه/ يؤثّر في نسكه لأنه ليس من مناسك الحج !أ1).
وقد تقدّم القول في هذا عند ذكر معابعالت ابن عمر في القسم الأول، وبتنا
ما نعتمده في ذلك. والله ولي التوفيق.
والحرجة الرابعة: ما وضَح فيها له ليس مقصوداً به التعبّد؟ ولكن وقع لغرض جبليّ أو نحوه، فلا إشكال في أدب ذلك يدلى على الإباحة مطلقاً أو إذا وجد
(1) القواعد 1115.
235
(1/229)
سببه، ولا ئظَن) ن أحداً يقول بالاستحباب فيه- وذلك كالتفاته به في الصلاة وقت الخطر، وسيره فيها حتى فتح الباب لعائشة، وأشار بيده ليَرد السلام 6 واعتماده على عمود في صلاة اللحِل عندما أسن وكبر، رقعرده في موضع القيام ولذلك، واختيارِه ما أكله وشربه أثناء حجه، ونزوله في خيمة حينذاك، ونحو ذلك.
236
(1/230)
المبحث الثاني الفعل العادي
كثيرا ما يقصد بالأمور (العادية) في كلام الأصولي!سنالفقهاء ما سرى الأمور العباسية. فيدخل فيه المعاملات والآداب والأمور الجبلية وغيرها.(1/181)
ونحن نقصد بالفعل (العادفي) في هذا المبحث أمراً أخص من ذلك 8 فمقصي ما به ما فعله النبي له جريا على جماعة قومه ومالرفهم. مما يدل دليل على ارتباطه بالشرع، كبعض الأمور التي تتصل بالعناية بالبدن، أو العوائد الجارية بي الأقوام في المناسبات الحيوية، !الزراج والولادة والوفاة.
ومن أمثلتها أنه ! لبس المِرْط المُرَخل، رالمخَطط، والجنة، بالعمامة، والقضاء. ود طال شعره، واستعمل القرب الجلديًة في خزن الملك، وكان يكتحل، وششعمل الطيب والعطور.
رأيضأ كانت العروس تزف إليه في بيته، لا في بيت أبيها كما هي عاد 8 بعض
البلاد الإسلامية الآن، و!نَن السوق في قبور محفورة في التراب دون المبنية بالحجارة أو غيرها.
وحكم هذه الأمور العادية وأمثالها، كنظائرها من الأفعالى الجبلية، والأصل
فيها جميعا أنها تدل على الإباحة لا غير، إلا في حالين:
ا- أن يرد قول يأمر بها أو يرغّب فيها، فيظهر أنها حينئذ تكلون شرعية.
2- أن يظهر ارتباطها بالشرع بقرية غير مّولئة. كترجيه المي!ت في قبره إلى القبلة، فإن ارلّباط ذلك بالشرع لا خفاء به.
237
(1/231)
ومن هنا يتبيّن أن قول بعض المتأخرين، كالشيخ محمد أبي زهرة (1) رحمه الله،
بان إعفاء النبي جمعه لحيته، وتقصير شاربيه، كان أمرا عاديَأ وليس شرعياً هو قوله يخرج عما يقتضيه العمل بالأدلة، وذلك لورود القول الأمر، ولأنه ئي علّقه بأمر شرعي هو محالفة أعداء الدين. أعني قوله !: "خالفوا المشركين، وفروا اللحى وأوفوا الشوارب " (2". وفي رواية: وخالفوا المجوس !.
(1)
(2)(1/182)
قال الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (1 صول الفقه ص 109):، كثيرون على أنه- يعني إعفاء اللحية- من السنلآ المتبعة، وزكوا فلك بأن النص ! قال: عصرا الغارب، وأعفوا اللحم". فقالوا: إن هذا دليل على أنا إبقاء اللحية/ يكن عادة، بل كان من قبيل الحكم الشرعي. والذين قالوا إن من قبيل العادة قررنا أن الغني الذي هكذا بالأصيما لا يفيد اللزوم بالإجماع، وهر معلل بمنع التشبه بالنهي والأعاجم، الذين كانوا يطيلون شواربهم ويحلقون لحاهم. وهذا يزكي أنه منا قبيل العادة، وذلك ما نختارها 10 هـ.
ونحن نقول بن تعليله ! بمخلفة اليهود والأعاجم هو الذي يدل على كونه شرعياً لأن نحالفتهم مقصد شرعي معتبر، كما في القبلة. وانظر: (اقمّضاء الصراط المستقيم محالفة أصحاب الجحيمي لابن لّيمية ففيه البيان الشافية
محَفق عليه بجامع الأصول 428/5)
238
(1/232)
المبحث الثالث
الفعل في الأمور الدّنيوية
نعطي بالأمور الدنيوية ما فعله ! بقصد تحصيل نفع في البدن أو المال، له أو لغيره، أو دفع ضرر كذلك، أو دثر تدبيرا في شأنه خاصة أو شؤون المسلمة عامة، لغرض التوصل إِلى جلب نفع أو دفع ضرر.
ويشمل هذا النوع من الأفعال المضرب التالية:
الضرب الأول: الأفعال الطبيّة، وهي ما يجريه على بدنه خاصة، أو أبدان
غيره من الناس بقصد دفع مرضي حاضر أو متوقّع.
فقد تناول النبي يكن، أو أعطى غيره، أطعمه وأشربة متنوعة على سبيل
حفظ الصحّة، أو لدرء أمراض معينة، طالبان الإبل وأبطالها (1).
وكذلك تعاطى وأعطت أنواعا مختلفة من العلاجي، فقد أحمتجم واستَعَط (2)، وكانت حجارته قي وسط رأسه،3)، وكانت حجارته من شقيقة كانت به (4).
ولما اشتدت به وجعه يهريق عليه من سبع قرب/ تحلل أوكِيَتُفن "ْ). ولما جُرح باحمد، ألقته على جرحه رماد حصير ليرقا الدم (6). وداوى بريقه مع تراب (7).
(1) البخاري 178/105 (3) البخاري 10/ 152 (5) ا لبا ري 10/ 167 (7) 1 لبخاري 10/ 308(1/183)
(2) البخاري 147/15 (4) 1 لبخاريمما 10/ 153 (116 لبخا ري " 1/ 174
239
(1/233)
ترفض أد!يةً معينة كاللدرد (1).
الضرب الثاني: الأفعال في الزراعة، بان يزرع أنراعأ معينة من النبات 4
أو يزرع بطريقة ما، أو يسقي المزروعات طفلك، أر يفعل بالنبات شيثأ بقصد تكلثير إنتاجه أو تحسينها و نحو ذلك.
وشبيه بها ما يفعل بالحيوان بقصد تكلثير إنتاجه وتحسينه، كإطعامه أعلافا معينة، أو المزاوجة برس سلالات منه محتلفة بقصد الحصول على نسل أجود. الضرب الثالث: الصناعة، بان يصنع بكافة شيئا ما بقصد تحويلها إلى
شكله ذي أوصاف مخالفة لشكللها الأول، لتكون أنفع؟ أر يحفل مادة ما إلى حالات أبسط، أو يركب مادة مع مادة بقصد الحصول منهما على مدن جديدة، هي أنفع من الأصل-
الضرب الرابع: التجارة، بان يعمل في البيع والشراء، في أشيله معينة،
في ظروف معينة، بقصد تحصيل مكاسب عن فروق الأسعار.
الضرب الخامس: أنول أخرى من المكلاسب كرعي الغانم، أر العمل
للغير بأجر.
الضرب السادس: التدابير التي اتخذها عن في الحرب من استعمال المجانيق والسيوف والرماح والسهام، وتربية ا-فيل للقتال، وحفر الخنادق، وترتيب الجيوش وتدريبها-
الضرب السابع: التدابير التي اتخذهايك! في الإدارة المدنية، من اتخاذ
الولاة والكتاب والحراس والحض ان والسفراء، وكذلك الأعلام والشعارات، والمرافق من الطرق والحصري وكيرها (2).
(1) حديث اللدودة البخارىِ 166/10 واللدود ما سقيما من الدواء بللسعط في الفم أ الله أن).
(2) انظر الكتاب المقيم في لتفاصيل ذلك: الرّاتيب الإدارية لمؤلفه عبمالحي الكتاني. نثرته ببيروت، دار أحياء التراث العربي، صورة بالأوفست.
. لا 2
(1/234)
فهذه الإضراب وأمثالها قد وقع من النبي !كفحر الكثير من أفرادها ونقل إلينا
أشياء من ذلك.
والنظر في الأحكام التي يمكن أن تدل عليها مثل تلك الأفعال من وجهين:(1/184)
الوجه الأول: أصل الطب والزراعة والصناعة والتجارة والقصد إلى تحصيل المكاسب، والسعي لتحقيق التدابير المدنية والعسكلرية المناسبة، ونحو ذلك، يستفاد من فعله ! في ذلك إباحته، وأنه لا يحالف العقيدة ولا الشريعة. وقد يترقّى، إلى درجة الاستحباب أر الوجوب، بحسب الأحوال الداعية إليه.
وفي الحديث القرني إشارة إلى ذلك حيث قال صون: كما أجل أحد طعاماً قط
خيرا من أن يشكل من عمل يده، لان نبه الله دارد!ان يأكل من عمل يدمه (1). رمن قال في الأمور الجالية أقي ! زوج اء ورحب ما ا!ال!ئي بها، فكذلك يقال هنا، ومن اذنا الرجوع فكلذلك. إلأ) ن الممول بان الأصل فيها الإباحة أصوب، كما تقدم في أفعال الجِبِفة الاختيارية.
الوجه الثاني: الأمر الذي عمله بخصوصه، هو مباح له، رقد يكون مستحبا له، أو واجبا عليه، لاعتقللى!! أنه هو المؤدي إلى غرض مستحب أو واجب. ولكن هل يكون حكام مثله بالنسبة إلينا كذلك، كما لو شرب دون 2 معينا لعلاج مرض معين، فهل يستحب لنا شرب ذلك الدواء لذللث المرضى مثلاً أر يجب، بل هل يباح بناء على ذلك أم لا؟.
هذا ينبني على أصل، وهو لن اعتقاداته أو ظنونه ! في الأمور الدنيوية هل
يلزم أن تكون مطابقة للراقع، بمقتضى نبوته، إى أن هذا أصر لا صلة له بالنبوة؟. اختلف العلي في ذلك على مذهبين ة
المذهب الأول: أنه ! معصوم من خطا الاعتقاد له أمور الدنيا. بل كل
ما يعتقده في ذلك فهر مطابق للراقع.
(1) رواه البخاري 4/ 303
241
(1/235)
و/ نجد أحداً من قدماء الأصوليين، صرخ بمثل هذا المذهب-
ولكنه لازم لمن جعل جميع أفعاله به حجة حتى في الطبيات والزراعة ونحوها. وهو لازم أيضاً لمن صحح منهم أن تقريره مجد لمخبر عن أمر!نيوكا يدلى على صحة ذلك الخبر، كما فعل السبكي والده المحلي والبنافإ"1).
والذين عند حصرهم أقسام الأفعال النبوية،/ يذكروا الفعل النبوي في(1/185)
الأمور الدنيوية، كقسم من أفعاله لا دلالة فيه، يظهر!نهم يقولون بهذا القول، إذ يلزمهم أن يكون فعله ! في الطب مثلا دليلاً شرعياً. من هؤلاء مثلاً أبو شامة، والسبعلي، وا بن الهمام، وغيرهم.
وابن القيم في كتابه والطب النبوفيإ (2) يذهب إلى حُخئة أفعاله ! في الطب، فيلزمه القول بهذا المنصب.
ويظهر أن هذه طريقة المحدثين، فإنا نجد عند البطارفي مثلاً هذه الأبواب،
ولم يذكر فيها من الأحاديث إلّا أحميك فعليّة: شباب السعوط! شباب أي ساعة يحترم) (باب الحجامة في السفعة شباب الحجامة علا الرأس) (باب الحجامة من الشقيقة والصدل!) (3) وعند غيره من المحدثين، كأصحاب السنن، تبويبات مشابهة. ويوافقهم الشراح غالبا على ذلك، فيذكرون استحباب أدوية معينة لأمراض معينة، بناء على ما ورد في فلك من الأفعال النبوية.
المذهب الثاني: أنه لا يلزم أن يكون اعتقاده في أمور الدنيا مطابقا للواقع،
بل قد يقع ا-خطأ فِي ذلك الاعتقاد قليلا أوكثيرأ. بل قد يصيب غيره ويحث يخطىء هوع!ه "
قالوا: وليس في ملئه حط من منصبه العظيم الذي أكرمه الله به، لأن منصب النبوّة منصب على العلم بالأمور الدينية، من الاعتقاد في الله وملائكته
1 1) انظر بها الجوامع شرحه وحاشيته 27/2 1، 28 1 وألجأ 5/2 9
(2) هو بعض كتابه المشهور وزاد المعاد قي هدى خير العبادة وقد طبع أيضا مفرداً (3) صحيح البخاري 10/ 145- 152
242
(1/236)(1/186)
وكتبه ورسله واليوم الأخر، ومن الأمور الشرعية. أما إذا اعتقد أن فلانا مظلوم فإذا هو ظالم،) و أن دواء معئنأ يشفي من مرض معيان، فإذا هو لا يشفى منه، أو أن تدبيرا زراعيا أو تجاريا أو صناعيا يؤدي إلى هدف معين، فإذا هو لا يؤدي إليه، أو يؤديها إلى عكلسه، أن تدبيرا عسكريا أو إداريا سينتج مصلحة معينة، أو يدفع ضرراً معتنق، فإذا هو لا يفعل، فإن ذلك المعتقد لا دخل له بالنبوة، بل هو يعتقده من حيث هو إنسان، له تجاربه الشخصية، وتأثراته بما سبق من الحوادث، وما سمع أو رأى من غيره، مما أدى إلى نتائج معينة، فكل ذلك يكفيهما إلى أن يعتقد كما يعتقد غيره من البشر، ثم قد ينكشف الغطاء فإذا الأمر علا خلاف ما ظن أو اعتقد.
وقد صرخ بأصل هذا المذهب، دون تفاصيله، القاضي عياض (1) والقاضي عبدالجبار الهمداف! المنزلي (2) والشيخ محمد أبو زهرة (3). وظاهر الحديث أنه شبهه كغيره من الناس في ذلك، بل فيه التصريح بأن أصحاب الخبرة في صنائعهم وتجاراضهم وزرعاتهم قد يكونون أعلم منه بدقائقها، إلا أن القاضي عئاضأ أوجبها أن يكون الخطأ في ذلك نادراً لا كثيرا يؤذن بالبله والغفلة (4).
ويحتَجّ لهذا المذهب بأدلة، منها:
أولاً حديث تأثير النخل. ففي صحيح مسلم كن رافع بن خديه، أنه
قال: قدم النبي ! المدينة؟ فإذا هم يعبرون النخل- فقال:إ ما تصنعون؟ ! قالوا: كنا نصنعه. " قال: لألعلكم لو لم تفعلوا كان خيرأأ فتركوه. فنفضت، فذكروا ذلك له، فقال: 9 إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، لاذا أمرتكلم بشيء من رأي فإنما أنا بشري.
(1) 1 لشفاء2/ 178
(2) المغني 256/17 حيث جعل من شرط الاقتداء بالفعل 9 أن يكون مما له مدخل في الشرع ولا يكون مما يفعل للمنافع والمضار".
(3) كتابه: تاريخ المذاهب الفقهية ص 10
(4)1 لشفاء180/2
243
(1/237)(1/187)
وفي رواية طلحة، قال !: "ما أظن ذلك يغني شيئاً" فأخبِروا بذلك، فتركت، فأخبر رسول أله مجد بذلك، فقال ة فإن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظناً فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن أفه شيئا فخذوا به، فإني دن أكذب عله الله ". وفي رواية أنى: "أنتم أعلم بدنياكم " (1)-
وشبيه به حديث ابن عباس قي قصة الخرصىلأ)، وفيه: فقال رسول الله !ك!:أ إنما أنا بشر، فما حذثتكلم عن الله فهرحق، وما قلت فيه من قبلي نفي فإنما أنا بشر".
رقد إذ الاستدلال بهذا الحديث، بان المراد: أنتم أعلم بدنياكم من أمر دينكلم (3). ويكلون توبيخا لهم.
وسياق الأحاديث على اختلاف رواياته يابي هذا التاريخ فيبطله.
ثانياً: حديث أم كلمة رضي الله عنها، أن النبي ! قال:، إنما أنا بشر،
وإنكم تختصمون إلي، ولعله بعضكم أن يكون أفي بحجته من بعض، فاقضي له على نحوها أسمع. فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار" (4،.
وفي رواية الزهري للحديث المذكور: "إ:لا أنا بشر، وانه يأتيني الخصم.
فلعله بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فاحسِمث أنه صادق، فاقضي له بذلك)،ْ).
بذا ثبت الأصل الذي ذكرناه آنفاً، فإنه ينبني عليه أن ما فعله ! من أمرر
الديني مما مرجعه إلى تجاربه الخاصة، وخبرته الشخصية، رتفكليره وتقديره في الأمور الدنيوية التي وضحناها، لا يدلى على مشروعية ذلك الفعل بالنسبة إلى الأمة.
(1) راجع لروايات هذا الحديث: صحيح مسلم 4/ 1835 ومسند احمد 2/3 5 1
(2) ذكره القاضي رياض: الشفاء178/2 و/ يعزه.
31) العناني: حاشيته على شرح جمع الجوامع 128/2 وأيضاٌ : علي المصري: شرح الشفا. (4) البخاري 157/13 وأصله عند مسلم وأنما داود.
(5) 1 لبخا ر ى 13/ 172
244
(1/238)
وممن صرّح بهذه القاعدة بصفتها العامة، من الأصوليين القدامى القاضي
عبد ا لجدار (1) هـ(1/188)
يصرخ به حديثا ولي انه الدهلوي (2)، ومحمد أبو زهرة"3)، وعيدالوهاب خلاف (4)، بعبدالجليل عيصي"!"، وفتحي عثمان (6).
أما من حيث التفصيل، فقد روحه أين خلدون في المقدمة، في شان ما ورد
عنه !ئه! في شان الطب ! حيث قال:
أ الطب المنقولُ في الشرعيات من هذا القبيل ويعني بحث البادية المبني عله تجارب قاصرة) وليس من الوحي في شيء، لانكا هر لمر كان عددأ للعرب، ووقع في ذكر أحوال النبي !ك!، من نوع ذكر أحواله التي هي عليه وجبلة، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل، فإنه ! إنما بعث ليعلمنا الشرائع، و/. يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات. رقد وقع له في شان تلقحِح النخل ما وقع، فقال: "أنتم أعلم بأمور دنياكم ". قال: "فلا ينبغي أن يحمل شيء من الطمث الذي وقع في الأحاديث المنقولة على أنه مشروع، فليس هناك ما يدل عليه. اللهم الأم إذا استعمل على جهة التبرك وصدق العقد الإيماني فيكون له أثر عظيم النفع، وليس ذلك لا الطب المواجه " (7)0 الـ.
رأينا في ذلك:
نختار المذهب القائل بان أفعاله الدنيوية ليست تشريعاً، وذلك لأجل الأدلة الآتية:
1- قوله تعالى: فقل إنما أنا بشر مثلكم يوحه أفي ! وقوله: نقل سبحان
(1) 1 لمانحي 269/17
(2) حجة أله البالغة 272/1 (3) كتاب، تاريخ المذاهب الفقهية، ص 0 1 (4) ككتابه: أصول الفقه ص 43 (5) اجمقللى الرسول !
(6) الفكر القانوني الإسلامي بين أصول الشريعة وتراث الفقه، القاهرة، مكاتبة وهبة ود. تم عن، 68)
أ ى المقدمة ص 493
245
(1/239)(1/189)
رب هل كنت إلا بشراً رسولأ! وقد تكرر التأكيد في الكتاب على بشرية الرسول !ك!ه، وأنه ليس إلهاً ولا الكلأ، ولا يعلم الغيب. ومن المعلوم أنه ! لما نبأه الله عز وجل، لم يمنعه من تصرفاته البشرية كما يتصرف غيره من الناس على غالب الظنون والتقارير التي تخطى" وتصيب، ولا تعود له بأن يمنعه من الخطأ في ذلك، فالأصل استمرار حاله في ذلك كما كان قبل النبوة، لمّا/ يدل على انتقاله عن ذلك دليل- وقد أكَدت السنة النبوية ما بينه القرآن من ذلك، كما يأتي.
2- قوله غنيم:- وإنما أنا بشر، فإذا أمرتكم بأمر دينكم فاقبلوه. ماذا أمرتكم
بشيء مت دنياكم فإنما أنا بشر". وقي رواية ة أنتم أعلم بدنياكم. وقد تقدم هذا الحدشا.
وبهذا الحديث، برواياته المختلفة، يفضل النبي !ئه! أصلا عظيماً في الشريعة، ويبينه لنا، ويشعرنا بأن بعض أفراد الأمة قد يكونون أحيانا أعلم منه ! بما يتقنونه من أمور الدنيا، والمقصود أهل الخبرة في كله فن وصدمة، وأنه لا دأعيَ شرعا لالتفاتهم إلى ما يصدر عنه مجد من ذلك إلا كما يلتفتون إلى قولي غيره من الناس.
3- ما ذكر ابن إسحاق في سيرته، في سياق غزوة بحر، قالي: خذلت عن
رجال من بني سلمة، أنهم ذكروا أن الحبيب بن المنذر، قال: يا رسول الله، ورأيت هذا المنزل؟ أمنزلأ أنزلكله ألمه، ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتسر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقالت: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض حتى نادي أدق ماء من القوم، فننزله. ثم نغير ما وراعه من القُلُب. ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء لم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون. فقال رسول الله يكن: ولقد أشرت بالرأي " (1).
(1د سيرها ابن هشم، وعليها الروض الأنف للسهيلا، وتحقيقا عبدالرحمن الرحيل. القاهرة دار الكتب الحديثةأ د. شاب 97/5
246
(1/240)(1/190)
4- ما ورد في الحديث أن نفرا دَخَلوا على زيد بن ثابت، فقالوا له: حدثنا أحاديث رسول الله عنه. قال: كنت جاره،ْ فكان إذا نزل عليه الوحي بعث إلا فكلتبته له. فكان إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، صاذأ ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا، فكل هذا أحدثكم عن رسوله الله محنها (1).
5- ما ورد عن هشام بن عروة،) ن عروة بن الزبير كان يقول لعائشة: أيا
أماه، لا أعجب من فهمك، أقول: زوجة رسول الله عن ربنا أبي بكر. ولا أعجب من علمنا بالشعر وأيام الناس، أقول: ابنة أبي بكر، وكان أعلم الناس، أو من أعلم الناس. ولكن أعجب من علمك بالصمت، كيف هو رمن أي هو؟ قال: فضرَبَتْ على منكبه، وقالت: إن غرَثة! أن رسول الله !! كان يَسْقَم عند آخر عمره، أو في آخر عمره. فكانت تقديم عليه وفود العرب من كل وجه، فينعتون له الأنعام، وكنت أعالجها له " (3).
مسائل متهمة لبحث الأفعال النبوية الدنيوية:
المسالة الأولى: إذا انضم إلى الفحل الدنيوي قوة آمر، فذلك يخرجه من
باب الأفعال. ويعود النظر إلى الدليل القولي، وذلك خارج عن موضوع بحثنا. وليت بعض الباحثين يتولّى بحث الأقوال النبوية المتعلقة بالأمور الدنيوية،
ليصل في شأنها إلى قول فصل، ثم يجمعها من كتب الحديث وينص على ما يصل استفادته منها من الأحكام وما لا يصح.
المسألة الثانية: إذا نطق القرآن علىا مر دنيوية فهو حق لا مرية فيه، لأنه
من الله تعالى الذي لا تخفوا عليه خافية في السموات ولا في الأرض-
فإن كان الفعل النبوئي في الشؤون الدنيوية استجابة لإرشادات القرآن التي تتعلّق بذلك الأمر، فيكون الفعل بياناً أو امتثالاً للقرآن. ويحمل عله الشرعيّ.
ان ذكره الدهلوي في حجة انه البالغة 272/1 و/ يعزه. 2) رواه أحمد في مسنده (67/6)
247
(1/241)
ولعل خير مثال على ذلك شرفه ! العسل للتداوي (1)، فإن ذلك تطبيق لقوله تعالى: ويخرج من بطونها شراب نختلف ألوانه فيه شفاء للناس !.(1/191)
وشبيه بذلك ما أخبريي! أنه فعله عن رأي من الله تعالى.
المسالة الثمالثة: إذا تردد الفعل بين أن يكلون دنيويا أو دينياً عمل على الديين، لأنه الأرز من أفعاله يكن. والله أعلم-
(1) الخطيب البغدادي عن أي: كان رسول الله ! أفا اشتكت ا اقترح كفا من شرنيز وشرب عليه ماءوعسلاًأ الفرع الكبيرة.
248
(1/242)
المبحث الرابع
الأفعال الخارقة للعادة
بالمعجز أت والكر اماتو
أجرى الله تعالى هذا الكون عل سنن ثابتة وعوائد مطردة. وربط الأشياء بأسبابها، وجعل علاقة السببية هذه وسيلة إلى توليدو شراء جديدة، ذات صفات موافقة أو مخالفة لأصولها. وبها تتطور الكائنات وتحرير الموجودات، وتتجدد ا أحرا دي.
ومعنى اطراد السنن الكلانية، أنه إذا أثر شيء في شيء تحت ظروف معينة،
فينتج شيئاً آخر، فإنه لو أعيد تسليط المؤثر، أو مثيل له، على المؤثر فيه أرعلى مثيل له، مع وجود ظروف مماثلة تماماً فلا بدع أن تحصلي نتيجة مماثلة تماماً لما نتج في الحالة الأولى.
ومثالها أنا لو أخذنا قضيبا من الحديد، في درجة حرارة فعينة، وقسنا طوله،
ثم شيناه مئة درجة مئوية، فإنه سيتمدد بالحرارة- فلو قسنا الزيادة هي الطولى وأثبتناها، ثم أخذنا قضيبا آخر، أيضا من الحديد، مساويا في الطول للأول، وفي نفس درجة الحرارة، ورفعنا ومرارته مئة درجة مئوية، فلا بد أن يتمدد، وأن تكون ريادته مساوية تماجماً للزيادة في حالة القضيب الأول. فإن اختلف مقدار الزيادة بين اسدالتن، فلا بد أن عاملا آخر مخالفا لما كان في الحالة الأول هو سبب الاختلاف، بالي كان الحديد مختلف النوعية مثلاً
وهذا الاطراد في سجن الكائنات، سب من أسباب التمّدم البشري، وسيطرة البشر على الأرض، وذلك لأن العقل الذي أكرم الله به الإنسان يستطيع
(1/243)(1/192)
إدراك الصلات السببية بين الأشياء بإدراكه خواصها، فيستطيع الإنسان بذلك أن جهىَء الظروف المختلفة التي تؤدي إلى نتيجة معينة. فإذا كملت تلك الظروف، تولدت عنها النتيجة ولا بد. وذلك حسب قاعدة اطراد السنن.
واطَراد السنن كما هو في العناصر البسيطة للكون وفي مركباته، وفي صفاتها
العامة من الجاذبية والحرارة والرطوبة واللون والصلابة والمرونة وكير ذلك، هو أيضا في الأحياء من النبات والحيوان، وفي النفوس الإنسانية، وفي المجتمعات البشرية، كذلك، وقد قال الله تعالى ة أفهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا 3م (1) وقد ذكر الله تعالى أنه لا تبديل لسنته في ثلاثة مواضع أخرى غير هذه الاهية (3).
إذَا أن قوانا السببية في الأحياء أكد تعقيداً وأبعد تصوراً وأصعب
منالاً
وليست العلوم الكونية، الكيعياثية، والطبيعية، والحيوية، والنفسمية، إلا
نتائج المساعي لاستكشاف القوانين المشار إليها، والأ تطبيقا لتلك القوانن، واستفادة مخها فيما ينفع الناس أو يضرهم-
وقد خطط ت ألد خانات السماوية حربا على دعاوى السببية الكاذبة. فمن ذلك إبطال التطور، وإبطال الزجر والعرافة والمخرجة، وإبطال دعاوى عبدة الأصنام لجنتا تجمع أو تضر، ودعاوى المنظمين بأنة حركات النجوم أسباب لعلم الغيب، أو أنها تؤثر على الحوادث الأرضية، أو نحو ذلك، مما لا يخفى على المطِّلع على حقائق ما جاء عن الأنبياء.
وأتهم ما ورد من ذلك وأوضحه ما جامو به محمد!ك!،
إلا أن الإسلام جاء بأمرين عظيمين يتعلقان بقانون السببية.
ان سورة فاطر: آية 62
2) سورة الإسراء: آية 77، سورة الأحزاب: آية 62، سورة الفتح: آية 23!
255
(1/244)(1/193)
أولهما: البيان الواضح لكون الأسباب هي منا وضع الله تعالى، فهو مسببها، وهو الذي جعل فيها تأثيراتها المعينة. وهذا لأنه تعالى خالق كل الأشيل!، والجاعل فيها صفاتها وخصائصها. والقرآن مليء بهذا النوع من البيان. ومن أمثلته قوله تعالى: وإنا كل شيء خلقناه بقدرة (1)، وقوله: !واللَه جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكلم من الجبال أ!نانأ وجعله لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم ! (3).
وثانيهما: أنه لما كان الله تعالى هو مسبب الأسباب، فإنها لا شك تحت تصرفه وإرادته وقهره. فلو شاء أن يبطلها لأبطاها، بان يفقدها نتائجها المحتومة، أو يوجد الأشيل! من دون أسبابها المسنونة، كما قال للنار: لكوني بردا وسلاما على إبراهيم ! (3) فيفقدها خاصية الإحراق، وكما أوجد عيسى من أم بلا أب.
إلّا أن هذا النوع من التصرف الإلهي نادر، وأما الأكثر الذيمما هو الأصل،
فهو اطراد السنن كما تقدم.
أهداف خرق السنن الكونية بالمعجزة:
المعجزات التي يؤكد الليه بها أنبياع! خرق للسنن الكونية، لتكون حججا لهم
على العباد أنهم رسل الله، إذ إن السنن الكونية لا يحرقها إلا الذي وضعها ورتبوا وهو الله تعالى. فإذا جاء ذلك على يد من يدّعي عله الله أن الله أرسله، كان بينة على صدقه، حيث أجرى الله ذلك على يده، ولا يجريه على يد من يدعي الرسالة كذبا عليه تعالما. ومن هنا فقد جاء أكد رسل الله تعالى بمعجزات، أجريت على أيديهم، وشاهدها أقوامهم. كزر الله تعالى ذكرها في كتابه، لتحصل الطمأنينة بصدقهم ويتم الانقياد لهم.
وقد يأتي خرق العادة إعداداً للنبي لتحمل تكاليف الدعم، أو إظهاراً
(1) سورة القمر: آية 49 (3) سورة الأنبا ان: آية 69
(2) سورة النحل: آية 81
251
(1/245)
من الله لكرامة نبمِه عليه جزاء قيامه بتكاليف الدعوة، وبذل نفسه في سبيلها، كالإسراء بمحمدييحي!
وقد يكلون خرق العادة معونة من الله لنبيه على أداء تكاليف الدورة، لضعفه(1/194)
عنها، كما في إنزاله الملائكية للقتال يوم بدر، رفي حفظه نبيه ئي برز شخصه عمن أراد اغتياله.
ومثلها إنشاء أنبيائه من كيد أعدائهم بغ!!ر الأسباب المعتمدة، كرفع عيسى*
وفلق البحر لموسى.
حد المعجزة:
المعجزة، عند عبل!الجبار المعتزلي: أمر واقع من الله تعالى، تنتقل به العادة، ويتعذر ر كلى العباد فعله، خاضت بمنعي النبوة، على وجه التصميم له (1). والمعجزة عند الباقلاني الأشعري: أمر واقع من أله تعالى، تنتقل به العادة، ويتعذر على العباد فعله، يقع على يد مدّعي النبوّة، مقترنا بالتحدي، على وجه التصديق له.
فاشترط الباقلاني اقتران المعجزة بالتحدي لإثبات النبوة، لأن الخارق عنده
قد يقع للولي كرامة، ولبهن لا يقع للولي إذا تحدى به لإثبات النبوّة، بل يمنع منه حينئذ (2). وعبدالجبار لم يشترط ذلك لأنه ينكر الخوارق لغير الأنبياء أصلاً-
حي الكرامة:
عرف صاحب المواقف الكرامة بأنها وظهور الخارق عله يد العارف بالله
لّعالى وصفاته، مقروناً بعمل الطاعات، غير مقرون بدعوى النبرة" (3).
(1) القاضي عبدالجبار: المغني 199/15 وفي بعض كلامه يرافقه الباقلاء انظر المغني 15/ 234
(2) الباقلاني: البيان عن الفرق بين المعجزات والغرامات ص 17-
(3) شرح المواقف 228/8.
252
(1/246)
وهي عند القشيري: "فعل ناقض للعادة في أيام التكليف، ظاهر على موصوف بالولاية، في معنى تصديقه في حاله "لأن.
خرق السنن الكونية على أيدي الأولياء:
اختلفت الآراء في الأمة الإسلامية حوله هذه النقطة.
فالمعتزلة وأبو إسحاق الإسفراييني والسليمي، يرون أن النواميس الكونية لا تنخرط إلا لنبين ، لتكون معجزة له، وأما ما عدا ذلك، فالسنن مطردة اطرادا منضبطا لا يتخفف مطلقاً فانكررا بذلك كرامات الأولياء الخارقة للعادة- وسواء أكانت صغيرة أم كبيرة (2)- وأجازوا أن ييسر للأولياء نحو إِجابة دعاء، وموافاة ماء في أرض فلاة مما ينحط عن رتبة خرق العادات+).(1/195)
ونسب الرازي في الأربعين إلى أبي الحسن المصرفي المعتزلي، موافقة أهل
السنة في إثباتهم كرامات الأولياء الخارقة (4).
وصل السنة والصرفية وجمهور الأمة، عل إثبات كرامات الأولياء، إلا أنهم
في ذلك على قولين:
الأول: أن كل ما جاز أن يكون معجزة لنصي جاز أن يكلون كرامة لرفي. ولا
فرق بينهما ألأ أن النبي يتحدى بخرق العادة ليثبت نبوته، والولي لا يتحقق (ْ). ونسب هذا القول إلى جمع سر العليا رممن صرح به النووي في شرح صحيح مسلم، والجويني ما الإرشاد.
الثاني: أن كرامات الأولياء بخرق العادات ثابتة، ألأ أنها لا ترقما إلى مثل
(1) الرسالة البشيرية ص 6،0
(2) القاضي عبدالجبارة المغني 205/15، 325، 241، 242
(3) المحليّ: شرح جمع الجوامع 2/ 420، عليش: هدايهّ المريدة 177 (4) العضد: الموالّف، وشرحه للجرجاف! 8/ من 2
(5) هداية المريدة 177
س 25
(1/247)
وجود ولد دون والد، وقلب جماد بهيمة. وممن قال بهذا القول القشيري (1)، وابن السبكي، وابن حجر العسقلافإ(3). ويظهر أن الباقلاني يقول به في كتابه في التفريق بين المعجزات والكرامات (3)، حيث يرى أن السحرة يقدرون على كل ما يقدر عليه الأنبياء، ما عدا ما اجمع على أنهم لا يقدرون عليه، كإخراج ناقة من صخرة، وفلق البحر، وآيات موسى التسع. وإنما يقدرون على نحو الطيران في الهواء، وموت المسحور وحده أو بغضه. فيظهر أن قوله في خوارق الأولياء مثل ذلك.
ا لأدلة:
1- قول المعتزلة:
الدليل الأول: احتج عبد الجبار- ونقله عن أبي هاشم الجنائي- لإنكار
خرق العادة على سبيل الكرامة، بأن إثبات ذلك إبطاله لدلالة المعجزات على صدق الأنبياء- ومن أجل ذلك أنكر أن يكون للسحر حقيقة وتأثير في قلب ا لأعيان (4).
وقد نوقشكه هذا الدين بأن الأولياء لا يتحلون بها لإثبات دعوى النبؤة"ْ)،
ولو تحدث وا بها لمنع الله تعالى لتأثيرها. ومثل ذلك يقوله في حق السحرة من أثبت أن للسحرحقيقة"6)-(1/196)
الدليل الثاني: أن إثبات الكرامة مفسدة، لأنه ينفر عنْ النظر في دلالة
(1) الرسالة البشيرية ص 664
(2) ابن السبكي، والمحلي، والبنائي: جمع ا:لوامع وشرحه وحاشيته 2/ 420
(3) ص 48
(4) المغني 205/15، 226 وفي بعض كلام عبدالجبار ما يوافق فيه قول الباقلاني. وقال انه المصّمد. انظر المغني 234/15
(5) العضد: المواقف 8/ ههـ 2 (6) الباكن!: البيان ص 95- 97
254
(1/248)
معجزات الأنبياء. وقد نقل هذا الدليل عن أبي إسحاق العتيلي، وهو معتمد لعب عبداللي البصري "1).
والجواب ما تقوم نقله عن الغزالي في رد الاستدلال بالتنفير.
أدلة المثبتين:
أولًا: لها فعل ممكن في نفسه، لقدرة الله عليه. وكل ممكن وقوعه فهو جائز،ْ ومن زعم أنه ممتنع فعليه بيان المانع "3).
وقد تقدم الرد على ما ادعاه الوفاة مانعاً
ثانياً احتجوا بالوقوع، لما في كتب الحديث من إضاعة السوط لعَئاد بن
بِشْر، واسَيْد بن خضَيْر، وزيادة الطعام لضيوف لا بتلر، ونحو بدئه ! وكما هو ماثور عن التابعين والأولياء!بشر وغيره مما يبلغ حد التواتر 3).
وقد أجاب عبدالجبار بان التواتر في ذلك ممنوع؟ إذ التكاثر مفيد للعلم. وقال:أ ونحن تعرف خلاف ذلك من أنفسنا، وأنتم تعلمون منا أنا لا نعتقد ذلك، وأنا نتدئن بخلافه " أي فلو كان يفيد العلم لأفادنا، فبقي أنه أخبار أحد، ولا يثبت بذلك اعتقاد (4).
وناقشه أيضاً بأنه لو كان حقا لكان ظهوره في الصحابة أولى من ظهوره علا
شعبان الراعي، وبشر الحافي، ومعروف الكرخي، وسهل التستري، وأضرابهم- أما والمنقول عن الصحابة أقلْى مما نقل عن هؤلاء كثيراً بل إنه لم يظهر على عليِّ بن أبي طالب مثلًا مع حاجته الشديدمة إليه، وإمكان أن تحقن دماء المسلمة بظهور
(1) المغني 5 223/1 (2) عليش: هداية المريدة 179
(3) انظر نصوصاَّ مجمعة منها، فيه الفرقان بِن أولياص! الرحمن وأولياء الشيطاني لعبنا لّيمية ص 125
(4) المغني 325/15
255
(1/249)(1/197)
ملئه على يديه في قتاله مع معارضة. وأركان حقا لظهر حينئذ+ ولاستغنوا أيضاً عن التحكيم،1).
والذي نختاره، أن ذلك ممكن ود طه راقع.
أومأت بدليل ما نقله القرآن العظيم من ذلك، فلو ادعى فؤَع عمم صحة
النقلة فيما سواه،/ يمثلن من معني إلأ) ن يضمن بنقل الله. والله تعالى ذكر أن أصحاب الكهفِ: (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سني وازدادوا تسعأ!،2) نائملا!ن/ يتنازلوا طعاما ولا شراباً. وذكر ضن صاحب سليمان أنه لتاه بعرش بلقيس قبل أن يرتد إليه طرفه. وإن كان في هذا الثاني احتمال (3).
وأيضاً ذكر عن مريم أنها كاتب: (!لما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أق لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشد بغير حساب ! (4).
وثانياً بما نقل من ذلك في كتب السنة، وفي الصحيح!س من ذلك جملة.
وانظر أبواب فضائل الصحابة في الصحيحين وغيرهما!من كتب السنة، تجد من ذلك أخباراً إن/ تتواتر آحادها، فإنها متواترة معنوياً لأنها متفقة في الدلالة على أنهم كانوا يصدقون بذلك وأمثاله.
إلا أننا مع ذلك نرى أنه كوثر ما ينقل عن كثير ممن يدعون الرواية، أو تذعَى
لهم، من خرقهم للعادات والسنن الكونية، كذب مفترى لا أصل له، أو له أصل من الحق وقد عظمه الاتباع المغلوبود! على عقولهم وأفهامهم، أو هو من الباطل من
(1) المغني 241/15 (2) سورة الكهف: آية 25
(3! سورة النمل: آيهَ 25
في تفسير الآية أن الذي كلّما به هر سليمان نفسه، انظر، مثلاً، تفسير البغوي عند قوله تعالى: وقال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد الييه طرفك ! من سورة النمل.
(4) انظر الإرلثاد للجويني ص 320
256
(1/250)(1/198)
الألاعيب والمخرجات، أو من تصرفات الجن والشياطن، بمعاونتهم أولياءهم وإيحائهم إليهم 11)، مما قد ينخدع به كث!ير من العوامّ وأشباههم من المنتسبة إلى العلم ممن لا فرقان له (2)، حتى عظموا بسبب ذلك كثيرا من الحفرة، ممن كفره أعظم من كفر فرعون وقارون وهامان. واعتقدوا أن أولياءهم هؤلاء يتصرفونه في الكون مع الله تعالى عما يقولون علوا كبيراً،3).
وزاد بعض الصوفية المسألة عنفاً بدعواهم أن الخارق يقع بقوة ذاتية في
نفس الولي، وادعوا أنها قوة إلهية (4)*
وكانت من نتيجة ذلك أن انطلت الحقائق علا كثير من المسلحلاين، وفقد
قانون السببية عندهم فاعليته الحضارية، حتى أصبحوا في مؤخرة الركب العالمي. وكان من أعظم العوامل التي أفت إنما ذلك، هذا النوع من (الإيمان) الكافر. ولما كالي الخارق نحالفأ للعادات والسنن الكلانية، كانت العادات والسنن الكونية شاهداً مكذبا لما يُروَى منه. ولذلك ينبغي أن لا يصدّقها ما ينقل من ذلك أو يروى من الحوادث، ما لم يكن له معهود أكد قوة، بأن يكون النقل على درجة عالية من الثبوت، تحصل بها الطمأنينة، ويتم عندها الإذعان والتسليم، ويكلون الرواة لذلك من أهل البصيرة الذين لا ينخدعون باللعب والمطرقة.
وها نحن في زماننا نستمع إلى شيء كثيراما ينقل من مثل ذلك من حوادث معاصرة، فإذا حقق الأمر تبق زيف الدعوى. ولم مجال عندنا اليقين، ولو بحادثة واحدة مخالفة للسنن. وهذا يؤكد ما قلنا.
ويؤكده أيضا ما عرف من طباع النقلة لهذا النوع من الأخبار، فإنهم يتزودون فيها ويبالغون، فيظهرون بعض ما فيه غرابة مما هو عا!يئ، بشكلي الخارق
(1) سورة الأنعام: آية 121
(2) ابن لّيمية: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 145، 150 (3) محمد رلثيد رضا: الوحي المحمدي ص ول\
(4) إبراهيم إبراهيم هلال: ولاية الله والطريق إليهاص 182
257
(1/251)(1/199)
للعادة، كل ذلك ليجلبوا استحسان الجامعي واستغرابهم، وحتى يكون لكلامهم طلاوة، ويعود المستمعون إليه مرة بعد مرة.
فإذا الان الرواة على درجة عالية من التقوى والبصر والثقة والتشرد، وتعددت طرق الرواية، جبر ذلك النقص، وصل الوثوق بهذا النوع من الأخبار.
الاقتداء بالأفعال النبوية الحارقة للعادة:
لهذا الاقتداء موقعان:
لأنه إما أن يقتدي بما يسبق الفعل من أسبابه.
أو يقتدي بما يلحقه من فوائده.
أما الخارق نفسه فهو من فعل الله تعالى، ولا ينسب إنما الرسول له إلا مجازاً.
أولية هل للمؤمن أن يعمل على حصول الكرامات الخارقة؟:
إذا وقع الخارق على يد نبي مثلاً، فوقوعه بالنسبة إليه اضطراريّ، إذ هو
من فعل الله تعالى، لا يقدر عليه إلّا الله. ولكن الذي بيد النبي جمع أسبابه التي جعلها في له أسباباً كرميه !نه!م التراب في وجوه الكفار، فأوصله الله إنما أعينهم، وقال: روما رميت إذ رميت ولكن الله رمى! (1) وعندما عطش الجيش طلب النبي !ت! بقية ماء في قدح فوضع يده فيه، ودعا الله، فَنَبَع المر من بكين أصابعه حتى ملأ الجيش كل ما عنل!م من الآنية ه
فهذا الرمي منه صك، وهذا الطلب للماء، ووضع يده فيه، ودعاء الله، هو سبب لحصول المعجزة (3). فهل للمؤمن، اقتدأءَ بذلك، أن يحاول بالرياضهّ التوصل إلى التمكن من ذلك، وأن يفعل الأسباب الموصلهّ إلى الخوارفّى؟.
(1) سورة الأنفال: آية 17
(2) ا أشا طبي: ا لموافقات 2/ 277 258
(1/252)
من العجلى من ذهب إلى أن كرامة الولي لا تقع بقصد منه، بل تقع له دون قصد(1).
ومنهم منه جاز وقوعها بالقصد. ومن هؤلاء القشيري (2)، بالشاطبي. فقد(1/200)
أجاز للمؤمن أن يعمل لإيقاعها (3). ولكن ذلك عنده في موضع الرخص، والعزيمة عنده الدخولى في الأسباب المعتادة. وإذا طلب وقوع الخارق فليطلبه لمعنى شرعيّ، لا لحظ نفسه. والحجة عند الشاطري لأن لك أن النبي ! كان يظهر المعجزات طلباً لإيمان الكافرين، وتقوية ليقين المتقي !4)، وأفعاله !ك! يقتدى بها.
ونحن نرى أن الكلرامات لا تقع على سبيل القصد، وما يقع منها يقع ولا
يعلم المؤمن به إلا بعد وقوعه.
ودليلنا على ذلك أن المعجزات خصائص للأنبيل!، والأصل في الخصوصية
عدم الاقتداء.
وأيخصاً فإن دليل إمكان خرق العادات على سبيل الكرامات هو وقوعها+ وباستقراء ما وقع منها لغير الأنبياء مما صح نقله يتب!لنٌ أنه وقع لهم دون قصد. كنوم أهل الكهف، وإنزال الطعام على مريم، !اضاءة السوط لعباد بن بشر وأسعد بن خضير، وتنزل السكينة لأبي بن كعب.
ومن العلماء من أجاز للويس أن يتحدى بالخارق لإثبات ولايته، كما يتحدى
النبي بالمعجزة لاثبات نبوته (ْ)، بأن يقول: (1 لا ولن الله سبحانه، وآية ولايتي
(1) نقله الجويني في الإرشادي 316 ونقله محمد عليش: هداية المريد، وشرحه للسنوسي ص
177
(3) الرسالة البشيرية ص 662 (13 الشاطري: الموافيمّال!1/ 355
(4) الشاطري: الموافقات 278/2 وممّصد 5 بالعمل وصول الحارق لذ يطلبه بالدعاء ولا يجوز عنده أن يؤدي العبادة بنية حصول الخارق.
(5) الشاطري: ألموا فقا!1/ 355 و 253/2
259
(1/253)
طيراف! في الهواء، أو تعلَقي به، أو انشقاق القمر". ولا تفترق الكلرامة عن المعجزة على هذا إلّا بدعوى الرسالة في المعجزة"ان.
وحجة من أجاز ذلك، التألصئي بأفعال النبي عنه.
وقد تقدم جوابها
ثانياً: تصرف النبي !ك!يو بمقتضى الخارق هل يقتدى به فيه:
يرى الشاطري أن المزايا والمناقب التين عليها النبي !ك! كافة كعموبم التكاليف، بل قد زعم ابن العربي أن سنة الله جرت أنه إذا أعطى الله نبيا شيئا أعطت أمته منه 4 وأشركهم معه فيه (2)-(1/201)
وبنى الشاطري على هذا الأصل أن للمؤمن، إذا حصل له شيء من ذلك،
أن يبني عليه ويتصرف على أساسه، قال:
"ومما ينبني على هذا الأصل أنه ما ثبت أن النبي جمعه حذر وبشر وأنذر، وتصرف بمقتضى الخوارق، من الفراسة الصادقة، والإلهام الصحيح، والكشف الواضح، والرؤيا الصالحة، كان من فعل مثل ذلك ئميتْ اختصّ بشيء من هو 8 الأمور على طريق الصواب، وعاملا بما ليس بخارج عن المشروع ! (3).
واحتجز لذلك أيضا بان الأصل عدم الخصوصية. فلما كان النبي !ئه! يفعل
أشياء من ذلك، كقوله في خيبر عن علي: المعطي الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه " (4). وإخباره أنه:إ ستكون لكم أ:أماط ! (ْ) فرتّب على الاطلاع الغيبة وصاياه النافعة، ومثله ماء خبر به من وصاياه عند الفتن، لحذيفة وغيره، فلنا أن نفعل مثل ذلك، لأنه لم يقل إن ذلك خاصة به هو، فيثبت بذلك أعمامه، "6).
(1) لجثة: هداية المريدة 78، الجويني: الإرشادي 316
(2) 1 أمو أ فقات 2/ 249
(3) الموافقات 263/2 (4) مسالم 5 178/1 ورواه البخاري. (5) البخاري (مع فتح البارز ط مصطفا الحلبي 7/ 441)
(6) 1 لموا فقات 2/ 265
265
(1/254)
واحتوى لذلك ثالثا بفعل الصحابة، من نحو قول عمر: أيا سارية الجبل " (1) وقعئ! على عمر رجل أنه رأى الشمس والقمر يقتتلان، فقالت له: مع أيهما كنت؟ قال: مع القمر. قال: وكنتَ مع الأمة الممحاة، لا تلي عملا أبداً".
واشترط الشاطري لجواز التصوف على أساس الخارق، أن لا يخرم ذلك التصرف حتى شرعئأ ولا قاعدة دينية. فلو حصل للمؤمن مكاشفة أن هذا المد مغصوب أو نجس، فلا يجوز له الانتقال إلى التيمم، لأن القاعدة الشرعية أن لا ينتقل عن الوضوء إلى التيمم إذا وجد ماء محكوماً بطهارته. ولوحصلت له مكاشفةٌ أن هذا المالك لزيد، وقد تحصل بالحجة لعمرو، لم يجز له أن يشهد به لزيد (2). والجائز عنده من ذلك نحو أن يترك أحد الجائزين ويفعل الأخر. فهو عمل(1/202)
على وفق الأحكام الشرعية. فموضع العمل بها يتبين، على سبيلي التمثيل، في ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون ما مباح، كان يرى أن فلانا يقصده في وقت كذا بخير أو
شر، فيستعد لذلك.
والثاني: أن يكون لحاجة، فكما أن النبي يكن ما كان يخبر بكل ما يعلم من المغيبات، بل بحسب الحاجة، فكذلك المكاشف بذلك.
والثالث: أن يكون فيه تحذير أو تبش!ير، ليستعذ لكل عدّته، كالإخبار عن
أمر ينزل إن فعل كذا، أو لا يكون إن فعل كذا.
ونحن نوافق الشاطري فيما نقلناه عنه هنا، لا من حيث إن العمل بذلك مدلول للفعل النبوئي، بل لأنه كما ذَكَر، لّصرث في حدود المباح، والتصرف في حدود المباح لا حرج فيه. فإن رأى رؤيا مثلاً وغلب على ظنه صدقها، فلا حرج عليه ألا يعمل بمقتضاها فيما لا يخالف الشرع.
(1) ابن كثير: البداية والنهاية 7/ 131 من رواية سيف !! عمرو الوالّدي، وفي روايتهما مقال، عند أهل الشأن.
(2) ا لمرا فقات 3/ 263- 266 ود يضأ 4/ 83- 86
261
(1/255)
المبحث الخامس
الأفعال الخاصِّة به صلى انته عليه وسلم
له الخصائص النبويَّة،
بعض الأفعال التي كان يفعلها النبي جمام، هي مما أبيح له خاصة من دون
سائر المؤمنلا!ن، أو وجب عليه دونهم ث وبعض ما حرام عليه، حرف م عليه خاصة من دونهم. وهذا النوع من الأفعال داخل فيما يسمى الخصائص النبوية.
ونحن نقمَ بين يدي القول في الاستدلال بهذا النوع من الأفعال توضيحا للخصائص.
الخصائص:
تقول العرب ت خصمه بالشيء يخُضُه خطأ وخصُوصيّةً، وخَضوصئة وخِصًيحَما، وخضَصه واختصره: أفرده به دون كيره. واختصئَ! فلان بالأمر، وتخضع إذا انفرد به (1).
فما أفرد أفه تعالما به إنسانا من الناس، من صفة في خلْقه أو خُلُقه، أو من
حكم شرعي، أو غفير ذلك، فكل ذلك خصائص.
فمن الأحكام الخاضعة بغير النبي مج!وو أنه أجاز لأبي برفع ة هانية بن نهار الأنيساري، التضحية بعناق، وقال له: 9 تجزيء عنك ولا تجزيء عنان حد
ان لسان العرب
262
(1/256)(1/203)
بعدك " (1). ومنها أنه جعل شهادة خزيمة بن ثابت بشر أدة رجلي، وحكم بها لنفسه به. ومن أجل ذلك سمي خزيمة!ذا الشهادتين ".
الخصائص النبوية:
ما اختصّ به النبي ! أمور كثيرة، أفردها العجلى بالتكليف (2) المؤلفون في السيرة النبوية، وفي الشمائل النبوية.
ة ص طع ة، الخصائص النبوية:
تقسم الخصائما النبوية بحسب ما يلي:
ا- بحسب من عنه الاختصاص.
2- بحسب زمن الاختصاص.
. ويذكرها
(2)
رواه الشيخان وأصحاب السنن وجامع الأصول 142/4)
ذكر حاجي خليفة في كشف الظنون حمادة: الخصائص) الأولى التالية:
ا- يوسف بن موسى الغذامي الأندلسي المعروف بابن السري (- 663 هو
3- جمال الدين محمد سالم بن نصر انه بن واصل الحموي (- 697 هو ذكره صاحب ذيل كشف الظنون.
3- القطب الخيبري.
4- سراج الدين، عمر بن علي ين الملتهب الشافعي (- 804 هو
5- جلال الدين عبدالرحمن بن عمر التلقيني (- 824 هو
6- كمال الدين، محمد بن محمد الشامي، إمام العاملية (- 874 هو
7- رالف السيوطي كتابه المشهور بعنوان (الحصاثص الكبرى)، واسمه (كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيبة ذكر أنه تتبع هذه الخصائص عشرين سنة حتى زادسْه على الألف وذكر أنه قصد به الاستيعاب، يعني أف يذكر كل ما قيل فصه أنه من الحنصائص. ولم يقصد إلى تحقيق صحة ما يذكره. وقد نشر كتّاب السيوطي محققاً.
وقد اختصر السيوطي كتّابه وسمى المختصر (انموذج اللبيب في خصائص الحبيبة واخمّصره أيضاًا لشيخ عبدالوهاب الشعراء (- 972 هو
8- أقول: وقد خص ابن حبان (- 354 هو الحصاثص المروية في السنن بفصل من كتابه المشهور بصحيح ابن حبان، كما ذكر ذلك في المقدمة. 263
(1/257)
3- بحسب ما فيه الاختصاص.
أولاً تنقسم الخصائص النبوية، بحسب من عنه الاختصاص، ثلاثة أقسام:(1/204)
ا- منها ما تشاركه فيه أمته، وينفرد به هو وأمته !ك! عن سائر الأنبياء وأممهم. وذلك مثل ما ورد في الحديث:أ أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهرة وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا، !ا!ا رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ث وأحلت لي الغنائم و/ تحل لأحد قبلي ث وأعطيت الشفاعة؟ وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة! (1)+ ومثل تجهيز الدية في قتل العمدولم تكن لمن قبلنا جائزة.
2- ومخها ما ينفرد به ! عمن ليس بنبي، لكن يشاركه فيه كل الأنبيلص، أو بعضهم.
وأمثلة ذلك تأييدهم بالمعجزات، وبالعصمة من المعاصي كلى ما تقدم، وتكليم الله لهم. ونزول الوحي عليهم، وكونهم لا يورثون، وُيدفنون حيث يموتون.
3- ومنها ماينفرد به محمدا عن جميع البشر من الأنبيل! وغيرهم، ككونه
خاتم النبي!!ن، وامام المرسين، وأنه مبعوث إلى جميع العالمين إنسهم وجنهم، وشفاعته العظمى يوم الحساب.
ثانياً: وتنقسم بحسب زمان الاختصاصي قسمين:
أ- فمنها في الدنيا، كالإسراء به، وكإباحة نكاح أك!ثر من أربع نسوة.
2- وفي الآخرة، بكونه "أول من يبعث " (1) ولأول شافع وأول مشفع " ولأول منا يقرع باب الجنة" و أأ أكثر الأنبياء تابعاً يوم القيامة! رصيده لواء الحمد يوم القيامة، وأعطي الكوثر، والحوض-
(1) رواه البخاري ط مصطفا الحليم 453/1
(2) وانظر لمثل هذا النوع من الخصائص: الفتح الكبير 2/ 270 وما بعدها. 264
(1/258)
وتنقسم أيضا من هذا الوجه قسمين، لأنها إما دائمة كما تقدم، وإما موقوتة
بوقت محدود، لا أحِلَت له مكة!ساعة من نهار"11).
ثالثاً: وتنقسم بحسب ما فيه الاختصاص إلى:
ا- ما ليس بحكم شرعي، وأمثلته ما كان في خلقته !، كخاتم النبوة بين كتفيه، وتأييده بالمعجزات، والوحي، والنمر بالرعب مسيرة شهر.
2- وما هيحكم شرعي.
وهذا القسم نوعان:
لأنه إما حكم شرعي لفعل غيره بسببه كرامة له، كتحريم نسائه على غيره،(1/205)
وما نسخ من وجوب الصدقة على المؤمنين عند مناجاته، ووجوب احتجاب نسائه (3)، وتحريم أخذ الزكاة على آل بيته؟ وأنه لا يورث، وأن الكذب عليه عمدا كبيرة، وتحريم رفع الصوت فوق صوته.
وإما حكم شرعه لفعله هو!!وجوب قيام الليل، وتحريم الصدقة عليه، وإباحة نكاح ما زاد على أربع نسوة، وتحريم نجاح من/ تهاجر معه.
الحكومة في تخييص!!! بما خضه الله تعالى به:
لم نجد أحداً ممن اطلعنا على تكليفهم فصل: هذا الموضوع بالبحث، والذي
يظهر عند العامل في المناسبة، أنه ! لما كان يشارك أمته في البشرية؟ ويخالفهم في الرسالة، فإن منها الاخمّصاص بما خصّه تعالى به عن الخصائص، راجع إلى الرسالة دون غيرها من الأوصاف المشتركة بينه !ب!!ن سائر الناس-
ان رواه البخاري (ف!ح البارىِ ط الحلب!ا 216/1) روبر داود رالنسالْي.
2) أكثر العجلى على أن بدن المرأة كله عورة ما عدا الوجه والكفين. فعلى هذا يكون وجوب تغطية أسماء النبي الوجوه واصف من الخصائص، وهو الذي اعتمدناه أعلاه. وفي روايهَ عند أحمد: يجب تغطية الوجه والكفين على كل امرأ ة، فعلى هذا ليس في المسألة اختصاص. انظر: وبداية المجتهدة الحلبي 115/1. تفسير القرطبي 227/13)
265
(1/259)
أما ما يختصّى به مج!يهيه عن سائر النبيل، فمنشؤه كون رسالته أهم، لأنها أعلم بالنظر إلى المدعوين، إذ كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، ومحمد!نه!سيه مبعوث إلى الثقلين الإنس والجن. وبالنظر إلا الزمان، به رسالته-فييه هي الخاتمة، فوقتها مستمر إلى قيام الساعة.
فالخصائص إذن ناشئة من طبيعة الرسالة، ودائرة حولها؟ لتتم حكمة الله
بأداء الرسالة على أفضل حال.
والوجوه التي عليها تخدم الخصائص الرسالة يظهر لنا أنها كما يلي:
الأول: الإعداد للرسالة قبل مبعث النبي !، وذلك كأخذ الله تعالى الميثاق على الأنبياء أن يؤمنوا به (1) ليأخذوا هم المطاف على أقوامهم، ويكون ذلك داعياً للأمم إلى قبول رسالته !.(1/206)
ومن هذا أيضاً ما حصل قبل المبعث من الإرهاصات بنبوته، والبشائر التي وقعت عندبعثته.
الثاني: توثيق رسالته، ومن ذلك ما خضه الله تعالى به من المعجزات، والعصمة من المعاصي، وخاتم النبوة بين كتفيه !، ومنعه من الكتابة وقول الشعر.
ومن ذلك ما أخبر به من المغيبات التي تقع بعد وفاته، لتبقى دلائل التصديق والثقة مستمرة بعده؟ بتجدد تحقق ما أخبر به جمعه.
ومن ذلك أيضا في أحكام أفعاله: تحريم الصدقة عليه، لئلا يظن به أنه أق
بما أق له لتحصيل مال. وئّمم بالحكم بأنه لا يورث، حتى تقطع الأمة بأنه/ يحصِّل برسالمّه منهم لأله مالأ!إن هو إلا ذكرى للعالمين ! (3).
(1) انظر سورة آل عمران: آية 81 (2) سورة الأنعام: آية 90
266
(1/260)
ومن ذلكم يضاف ما أشار أليه في الحديث:أ إن كذباً عليّ ليس ككذب عله
أحد، فمن كذب علي متعمدا فليلج النار" (1).
الثالث: تهيئته لأداء الرسالة، وإعداده لتحفل) عطائها، ومن ذلك ما أوجب اله عليه من قيام الليل، ليتمَ له تدور الوحي الإلهي وتعلمه وتفهمه في أنسب الأوقات لملئه، قال ألذ تعالى: رقم الليل إلّا قليلأ! نصفه أو أنقص منه قليلأ* أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً* إنا سنلقي عليك قولأثقيلاً! (3). هذه الإَيات له ولغيره من أمته، ثم نسخ الوجوب في حق غيره وبقي قي حقه هو، كما بُيَن ذلك في حديث عائشة.
ومن ذلك الإسراء به، قال تعالى* وسبحان ألفي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إله المسجد الأق!ما الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا! (3). الرابع: ما اختصه الله به كعون له على أداء الرسالة. من ذلك عصمته من الناس، وإظهار الآيات على يديه، كتكثير الطعام ونبع الماء.(1/207)
ومت ذلك إباحة نجاح ما زاد علا أربع نسوة، ليقمن بمعاونته على الأداء، باطلاعهن على ما خفي من شؤونه وإبلاغها لكافة، وليكون إصداره إلى قبائل العرب تاليفه لهم وتسهيلا لدخولهم في الإسلام، كما حصل يخص زواجه ! من جويريه بنت الحارث، من بني المنطلق، فقد كان ذلك سببا لإسلام قومها. ومن ذلك إباحة القتال له بمكة، ونصره بالرعب مسيرة شهر.
ومن ذلك أيضا تحريم نكاح من/ تهاجر معه، فإن ذلك يحصل به عملئأ
تأكيد قوي لفضل الهجرة، ويكون حثّاً غير مباشر، ولكنه ذو مفعولي قوي، على استجابة المسلمين الذين/ يهاجروا.
الخامسة: إدامة الرسالة من بعده !كل!يم، كحفظ الكتاب الذي جلب به من التبديل، وأنه لا تزال طائفة من أمته علا الحق-
11) متفق عليه من حديث المغيرة والفتح الكب!ع.
(2) سورة المزمل: آية 2- ه (3) أول سورة الإسراء. 267
(1/261)
السادس: ما أعطاه الله من التوسعة، ومن رفع مكانته في الدنيا والآخرة
جزاء على ما تحمله من التكاليف في تبليغ الرسالة. قال الله تعالى: كما ودعك ربك وما قلى حكم وللآخرة خير لك من الأولى-! ولسوف يعطيك ربك فترضى! (1). فمما أعطاه إباحة نكاح أكد من أربع، وهذا وجه آخر في ذلك غير ما تقدم
ذكره. ومنه ما رفع الله عنه من كثير من الحرج في مسائله النجاح، قال الله تعالى: كما كان على النبي من حرج في ما فرض النَه له سنة اللّه في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدراً مقدوراً* الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا ألنه ! (2).
ومنه قرن اسمه باسمه قي الشهادتن، وما أوجب أله تعالى على المؤمنين من الصلاة عليه في الصلاة، والصلاة عليه كلما ذكر. ومن ذلك، بعد موته، تحريم نسائه على غيره، وما في الآخرة من إعطائه المقلم المحمود، والحوض المطرود، وسائر درجاته الخاصة.
الفعل الدائر بين الخصوصية وكيرها:
يدور بين الخصوصية وغيرها نوعان من الأفعال:(1/208)
الأول: ما تلمح فيه الخصوصية، كوضعه بجريدة على قبرين بقصد التخفيف من عذاب صاحبيهما. وسائر ما تُدعى فيه الخصوصية ونقول محتملة! والثاني: ما لا تلمح فيه، ولكن يجوز عقلا أن يكون خاضت وأن يكلون مشتركاً
وهذا النوع الثاني هو سائر الأفعال المجردة، ويأتي بيان الحكم فيها في الفصل الخامس أن شاء الله.
أما النوع الأول، فقد ادُّعِيت الخصوصية في أفعال معدودة، لما حصل
\ ) سورة الضحى: أية 2- 4
(2) سورة الأحزاب: آية 38، 39
268
(1/262)
التعارض بحق الفعل وغيره من الأدلة، فتخلص بعض العلماء بدعوى الخصوصية في الفعل.
والمعتمد أن الأولى في الفعل عدم الخصوصية، لأنه لا تجوز دعوى الخصوصية بغير!ليل، كما سيأتي إيضاحه إن شلل الله. وكفلك لو كانت الدلالة ضعيفة وأمكن التخلص منها.
وسبب ذلك أن الخصوصية خلاف الأصل، لأنه جمعه مبعوث قسوة وداعيا
بفعله وقوله كما تقدم. فأفعاله هي للاقتداء، والخصوصية تدفع الاقتداء-
وفي المثال الذي أشرنا إليه قال ابن حجر: "استنكر الخطًابب ومن تبعه
وضع الناس الجريد على القبر عملا بهذا الحديث. قال الطرطوشي: لأن ذلك خاص ببركة يده !. وقالت عيان: لأنه عمل غرزهما على القبر بأمر مغرب، وهو قوله: إنهما ليعذبان. يقول أبن حجر: لا يلزم من كوننا لا نعلم أيعذب أم لا، أن لا نتسبِّب له في أمر يخفف عنه العذاب أر كان يعذب. وقد تاسىَّ فريدة بن الخصيب الأسلمي الصحابة بذلك، فأوصى أق يوضع عند قبره جريدتان. ذكر ذلك البخاري في باب الجنائز تعليقاً قال ابن حجر: وهو أول من غيره أن يتبعه (1)1 هـ.
وكلام ابن حجر راجع إلى القاعدة التي ذكرنا.
أدلة الخصوصية:
يعلم أن حكم الفعل من خصائصه ! بلفور:
الأول: أن يرد في القرآن النص على الخصوص والمنع من الاشتراك، وقوله تعالى: (وامرأة مؤمنة إن رهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤتمن أد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أممانم !ُ1)(1/209)
(1) فتح البارز 1/ 9 أس
(2) سورة الأحزاب: امية 50
269
(1/263)
وقد يكون في النمسا الدالّ على الخصوصية خفاء فيقع فيه الخلاف. ومن ذلك قوله تعالى في صلاة الخوف: لواذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة... ! (1) الأيام، يقول القرطبي:أ هذه الأمة خطاب للنبي !نه!ه، وهو يتناول الأمراء بعده إلى يوم القيامة. هذا قول كافة العجلى. وشذ أبو يوسف، وإسماعيل بن علية، فقالا: لا تصلى صلاة الخوف بعد البي عز، فإن الخطاب كان خاصّا له بقوله: (!إذا كنت فيهم ! وإذا/ يكن فيهم لم يكن لهم ذلك، لأن النبي جمعه ليس كغيره في ذلك، وليس أحد بعده يقوم مقامه... فلذلك يصلي الإمام بفريق، ويدمر من يصلي بالفريق الأخر، وأما أن يصلوا بإمام واحد فلا" (3) 0 الـ.
ثم ذكر أن الجمهور يرون اتباعه !ئه!ي! مطلقا حتى يملى دليل واسع على الخصوص، ولئلا تكون الشريعة قاصرة على من خوطب. وقد عمل الصحابة بصلاة الخوف بعده !
ثم إن خاطب الله تعالى نبيه بالحكم بضمير المفرد، أو بقوله يا أيها النبي، لم
يدل ذلك على الاختصاص، لأنه عند قائد أمته في طريقها إلى الله، والأمر للقائد أمر لأتباعه. ومن رفض المشاركة في الحكم هنا بمقت!ا اللفظ لا يمنع القياس. ومثاله قوله تعالى ة ألا تمدن عينيك إلا ما متعنا به أزواجا منهم ! (3) وقوله: !!وشاورهم في ا!مر! (4،-
وسياقه لهذا البحث زيادة بيان في مبحث قوله المساواة من فصل الفعل المجرد.
الثاقب: أن يقول-فييه ذلك. كنهيه لهم عن الوصال لما واصل، وقالت: أأ إفك
لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ". وقال لا دخولي مكة مقاتلاً إ إن أحد نرخص بقتال وممول الله ي، فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يؤذن لكم ".
(1) سورة النساء: آية 102
(2) الجامع لأحكام القرآن 5/ 4 36- 366 (13 سورة الحجر: آية لمه
(4) سورة آل عمران: آية 159
270
(1/264)
أمّا لو ورد الإخبار من النبي ! أنه يفعل كذا أو لا يفعل كذا، فلا يدل(1/210)
على الاختصاص، كقوله !: ولا آكل مت!ئأأ.
الثالث: أن يعلم ذلك بالضرورة، كما إذا فعل فعلاً ثم نهلة م عنه لا وقت
قريب (1). وكما إذا أمرهم بكر، ثم ترك في الحال ما نهاهم عنه،) و نهارهم عن شيء وفعله في الحال، فيعلم أن حكم تركه أو فعله خاص به !ك!ه،3).
وكل هذا على طريقة المعتزلة، لأضه!م لا يجيزون النسخ قبل التمكن من الامتثال. أما عند غيرهم فيجوز النسخ قبل التمكن، فلا يكون هذا النوع دليل الخصوصية.
أما إن نهاهم عن الشيء وهو متلمس به، فينبغي أن يكون ذلك دليل الاختصاص عند المعتزلة وغيرهم، كما نهاهم عن الوصال وهو مواصل، ونهاهم عن نكاح أكثر من أربع وهو مقيم على ذلك.
وعلى قول المعتزلة، إن تاخار الترك أو الفعل طرأ احتمال بان الحكام الأول
قد نُسخ، فلا تتحقق الضرورة.
ومثاله أن النبي جمعه نهاهم أن يصلوا قياما والإمام جالس، وصلى بهم في
مرض موته وهم قائمون وهو جالس.
نقيل: ذلك من خصائصهأ3".
وهو مردود، لما تقدم.
ثم قد قيل: إنه فعله ليبين الجواز، فبئهما بفعله أن النهي السابق إنما هو للكراهة. وهو مذهب الحنابلة.
وقيل إن النهي منسوخ (4).
(1) أبو اطس!ين البصري، المعتمد 1/ 5 39 (2) نفس المصدر 387/1
(13 ابن قديمة: المغني 2/ 220- 222 (4) السميوطى: الخصائص الكبرى 3/ 284 271
(1/265)
الرابع: الإجماع كلى الخصوصية، كإجماعهم على تحريم الزيادة على أربع نسوة. واختصاصه !ك!رر بإباحة ذلك.
الخامس: القياس الجلي، كتحريم نكاح امرأة تكر 8 صحبته. لأنه إذا وجب
عليه طلاق من تكره صحبته ممن قد تزوجهن، فأن لا يبتدىء نكاح الفارهة أول. ودليل وجرب الخلاف عليه في تلكإلحال قوله تعالى: فيا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتنَ تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالج أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلأ!الأ).
الخصائص التي تدخل في موضوع بحثنا:(1/211)
لا يدخل في بحثنا الآتي، ما شاركته أمته جور فيه وانفردوا به عن سائر الأنبياء ود منهم، لأن الغرض بيان ما تقتدي به الأمة فيه من أفعاله جد، والذي تشاركه فيه الأمة أمره واضح لا خفاء بها
وأيضا لا يدخل في بحثنا ما كان من الخصائص في أفعاله ! في الأسرة، لخروجها عن نطاق التكليف.
ولا يدخل ما كان صفة من صفاته البدنية، كخاتم النبوة، وسائر ما ليس
من أفعاله جمة.
فانحصرت الخصائص النبوية التي سنبحثها في هذا المصلى، في ما كان
حكماً شرعيا لفعل من أفعاله !، قي هذه الدنيا، مما ينفرد به عن أمته، سواء شاركه فيه غيره من الأنبياء، أو/ يشاركه فيه منهم أحد.
وأما ما كان من الخصائص في فعل غيره بسببه، فسنذكر الاستدلال به بعد
ذكر الاستدلال باسنان من أس!كام أفعاله هو*!.
11) سورة الأحزاب: آية 38
272
(1/266)
درجات خصائصه مج!ا!ا سلِّم الأحكلام:
يقسم الفقهاء خصائصه ! في أفعاله إلى ثلاثة أنر 3:
1- أفعال واجبة عليه خاصة، كتخيير نسائه. وفائدة تخصيصه بالوجوب
عند الفقهاء، زيادة الأجر والثواب، لأن ثواب الفرض أكد من ثواب النفل. 2- وأفعال محرمة عليه خاصة، كتبذل أزواجه، ونجاح من/ تهاجر معه.
وفائدة تخصيصه بالتحريم عندهم كمال التطهير والتنزيه؟ ولأن أجر تراث المحرم ) كل من أجر ترك المكروه.
وليس ما ذكر من فائدة تخصيصه بالرجوع والتحريم مطردا في كل الخصائص، كما هو واضح. وقد ذكرنا الأوجه الستة لخصائصه في ما تقدم.
!ع!- وأفعال مباحة له خاصة، كالزيادة على أربع درجات.
ولم يذكروا في خصائصه المندوب ولا المكروه ة(1/212)
أما المندوب، فالظاهر أنه ثابت في خصائصه ضو، وعندي ن من ملئه الوصال. والفقهاء يذكرون الوصال في قسم المباح. ونسبه السيوطي إلى الجمهور- ولكن ذكره في المندوب هو الصواب؟ كما لا يخفى، وبه قال الجويني،1)، وأبو شامة (2). ويفهم من كلام الشاطري أنه لا يرى الوصال من الخصوصيات (3). ومثلا الوصال في ذلك القسم بين الزوجات، فهو مندوب له لا شيئا في
ذلك.
وأما المكروه له خاصة فلم نظفر له بمثال.
ومن أجل وقوع المندوب له في خصائصه !، فالذي نراه أن ننقسم
(1) الحصاثص الكبرى للسيوطي 3/ 284 31) الموافقات 3/ 62، 150
273
(2) المحقق ق 111
(1/267)
خصائصه أربعة أقسام لا ثلاثة، إلّا أن يعبر بدلي المباح بالجائز ليشمل ما ذكرناه في قسم المندوب. والله أعلم.
ونلاحظ في النوع الثالث وهو المباح له خاصة أنه ينقسم ثلاث أقسام (1):
الأول: أن يكون مباحا له، وحكمه على الأمة الوجوب.
والثاني: أن يكلون مباحا له وحكمه في حق الأمة التحريم، وذلك مثل
الزيادة على أربع نسوة، إذ هو علينا محرم.
والثالث: أن يكلون مباحاً له وحكامه كلى الأمة الشراهة، وهذا قليل، ومنه
القضاء والفتيا حال الغضبة
وأما أن يكلون مباحاً له وحكمه في حقنا الندب، فلم نظفر له بمثال.
ما يمتنع الاختصاص فيه:
1- لاحظ الحافظ العلاجي أن النبي !/ يختص قي باب القربات والتعظيم بالترخص في شيء (2)، يعني بذلك أن ما الان واجباً على غيره من الأمة من العبادات، وتعظيم الله، وتعظيم شعائر الله، فلا يكون له ! خصوصية بان يكون ذلك يخص حقه مباحا أو مندوباً وذلك واضح، فإنه ! يخص بإيجاب ما ندب إليه غيره من العبادات، كالمَهجد، زيادة في الزلفى والقربة، فكيف يرخص له في ترك ما وجب على غيره منها وهو!ئه! أولى الناس بالتزام القرب والطاعات والتعظيم، لقوة علمه بالله تعالى. وكذلك ما حُرئم على الناس تعظيما لحرمات الله، لايرخص له شئون فِي فعله(1/213)
ورد العلاجي بهذه القاعدة قول من زعم أن استدرار النبي ! القبلة عند
قضاء الحاجهّ كان خصوصية له، لأن ما ورد من النهي عن استدباريا إنما هو لتعظيم شعائر الله، وتكريمها!
(1) قسمه الماوردي قسعمين كما عند الزركشي في البحر 3/ 1249، ونحن أضفنا الثالث. (2) انظر رسالته: تفصيل الإبهار، في أثناء كلامه في الفصل الثاني ز، 49 ب.
274
(1/268)
وقوله في نجلك وجيه.
2- ولاحظ السرخسي ملاحظة أخرى. وهي أن ما كان واجبا على غيره مع
من أقوال معينة يخص مواقع معينة، فلا مجرد أن يختص بعدم إعجابه، قال: أفإن معنى الخصوصية هو التخفيف والتوسعة......... وقد كان ! أفصح الناس، وما كان يلحقه حرج في استعمال اللفظ والواجب) (1) ورد بهذا الأصل قول الشافعي إن انعقاد النكاح بلفظ الهبة خاص بالنبي يف!!.
ونحن نتوسع قي هذه القاعدة، فنقول: كل ما لم يكن فيه حرج على
النبي ! في اختيار من قول أو فعل، فلا يكون خاصاً به، بل هو مشترك. وممكن الاستفادة من ذلك أيضا في رد قول من زعم أن استدبارا-!!
في قضاء الحاجة خاص به، إذ الترجَه إلى الجهات المختلفة سواء من حيث الخفة والثقل. والله أعلم.
عدد الخصائصر:
ذكر صاحب كشف الظنون أن السيوطي ذكر في والخصائص الكبرى! أنه
تتبع الخصائص عشرين سنة حتى زادت عنده على الألفي وهو قد قصد أن يكون كتابه: (مستوعبأ لما تناقلته أئمة الحديث باسانيد!ا المعتبرة، 00، أورد فيه كل ما
غير أنه/ يلتزم الصحة، إنما التزم أن لا يذكر خبراً في ذلك موضوعاً. ويفهم من ذلك أنه لم يلتزم ترك الضعيف من الأخبار، فورد في كتابه أخبار ضعيفة كثيرة. بل ادعى محقته الكتاب "3) أن السيوطي/ يلتزم بشرطه في تنزيه كتابه عن الأخبار ا!لوضوعة 41)
11)) صول السرخسي 1/ 180
(2) الخصائص الكبرى 8/1+) الشيخ عمد خليل هراس، رحمه إلة. (4) انظر الحصاثص الكبرى 652/3 التعليىّ رقم (2! 275
(1/269)(1/214)
كما صحة الخبر فيه مما أورده، كثيرا ما لا يكون دالَأ على الاختصاص،
كإجابة الدعكاء (4)، فالله تعالى يستجيب لمن أعلى من نبي وغيره.
وبعض ما ذكره من الاختصاص دعوى لا سند لها (؟).
فلو أن ما جعله من الخصائص عويرض على ميزان النقد لما ثبت منه في
تمَديري أكثر من ثلث الألف أو ربعه.
وهذا في الخصائص بصفتها العامة.
أما ما التصق به ! في أحكم أفعاله، فإن يعض فقهل! الشافعية والمالكية
ذكروها في مؤلفاتهم في أوائل كتاب النجاح "2)، لما كان كثير من خصائصه مجد هي
في باب الن!ا!.
وأوله من استطرد إليها المدني صاحب الشافعي رضي الله عنهما.
وقد ذكرها القرطي! المالكي بالتفصيل، وحصرها في 37 خاصة، قال: إن
منها المتفق عليه، والمختلف فيه (3). وذكرها السيوطي، فجعلها 65 خاصة. يذكرها الرملي الشافعي في شرح المنهاج فجعلها 47 خاصة.
ولعله ما يصح دليله من كل ما ذكر قريب من خمس عشرة خاصة لا أكل.
منها في الواجبات ة التهجد بالليل، وتخيير نسائه.
ومنها قي المحرمات تحريم الزكاة عليه وعلى آله، وتحريم أكل الأطعمة
الكريهة الرائحة، وتحريم التبدل بازواجه.
(1) الخصائص الكبرى 1/ 366- 1 ك 3
(2) مثلاً أنه كلف من الحلم ما كلفه الناس باجمحهم (264/3) ولا تجب عليه الزكاة (3) انظر مثلان من كتب الشافعية: روضة الطال!نن للنووي. ونهاية المحتاج، للزمني، على المنهاج، ط الحليه!1357 هـ 175/6 ومن كتب المالكية: حاشية الدسوقي على الشرح
الكبير- كتاب النكاح.
(4) تمْسير القرطبي 212/14.
276
(1/270)
ومنها في الفائزات: خمس خُمسِ الغنيمة، وخمس الفيء، رالرصال، والزيادة على أربع نسوة، وسقوط القسم بكين زوجاته، والقتال بمكة.
الاستدلال بأفعاله صلى اللّه عليه وسلم الخاصة به في الأحكام المماثلة ة إذا ثبتت الخصوصية في فعل من أفعال النبي !ك! فإنها تقتضي أن حجم كيره
ليس كحكلمه وذلك إبداع (1)، إذ لو كان حكمه حكم غيره لما كان للاختصاص معنى.(1/215)
ومن أجل ذلك كانت فائدة معرفة الخصائص معرفة أن حكم غيره ! ليس كحكمه فيها، ولئلا يقتدي بها جاهل إذا سمع الحديث مثلا أن النبي ! فعل كذا. هذا ما يذكره الفقهاء من فائدة معرفتها (2).
إلا أن المهم ثبوت الخصوصية بدليل صحيح، أعني بصحته صحة الثبوت، بالإضافة إلى صحة الدلالة على الخصوصية. وليس كل ما ذكره المؤلفون من الخصوصيات صحيحاً كما تقدم. وقد تتبع ابن حجر في وتلخيص الحبيب يمر ما ذكره الرافعي في شرح الوجيز من الخصائص، وهي التي يتناقلها الفقهاء، فزحف أدلة بعضها كوجوب ركعتي الفجر، وبين عدم صحة دعوى الخصوص في بعير آخر، وأثبت أن الاشتراك أصحو .
ثم إنه وأن امتنعت مشاركتنا للنبي مج!رو في خصوصياته، فإن للاقتداء به فيها
وجهاً واضحاً، فإنه إذا امتنع من أكل الثوم والبصل لكونهما محرمين عليه خاصة، فيتجه أن يقال ت إن من اقتدى به في الامتناع من ذلك يؤجر، ويكون في حقله مكروهاً وإدّا وجب عليه تخيير نسائه إذا بدا من الضيق، استُحِمث ذلك لغيره.
(1) انظر التقرير والتحرر 2/ 2 30، الأمدي: الأحكام 1/ 247
(2) الرملي: نهاية المحتابم 174/6 (3) تلخيص الحبر 17/3 1 وما بعدها. 277
(1/271)
وفي هذه المسالة للعلماء قولان:
الأولى الأول: ما قاله الشوكاف!: يتوقف إمام الحرم!!ن (1) في أنه هل !لمتنع
الكافي به يكره في ذلك أم لا- وقال: ليس عندتا تقل لفظي أو معنوي قي أن الصحابة كانوا يقتدون في هذا النوع، و/ يتحقق عندنا ما يقتضي ذلك. فهذا محل التوقف " (2".
وقال أبو شامة: تابع القشيرفي والمازريمّما إمامَ الحرم!!ن على ذلكم
وقال الغزالي: ما عرف أنه خاصيته فلا يكون دليلا في حق غيره (3).
أقول: وابن السبكي في جمع الجوامع وشارحه، وافقا الجويني على ما ذا(1/216)
إليه، فقد ذكر ابن السبكي أن حكم الفعل المخصص (واضح) وفسره المحلي بأننا السنا متعبدين بها وذكر السناني عن وشيخ الإسلامي (4) أن مرادهما أن الفعل الخاصة لا يكون دليلاً في حقنا، ولا يمتنع أن يكون الدليل شيئا آخر كالقول مثلا (5).
هذا وإن أكثر ما نقِل من خصائصه له سيئ الحكام فيه في حقنا بأدلة مستقلة، كاستحباب الضحى والأضحا والوتر والتهجد في حقنا للأدلة القولية الواردة في ذلك. وتخيير المرأة الكارهة نوع من الإحسان، والإحسان مطلوب شرعاً
وككراهية أخذ الزكاة رالصمقة في حقنا، وكراهة أن ل ماله ريح كريهة والبصل والثوم.
ولعل الجويني ومن وافقه ذهبوا إلى ما ذهبوا أليه لهذا المعنى، فإن معرفتنا
بكون هذه الأمور وأشباهها م!ستحبة لنا أو مكروهة إنما منشؤه الأدلة الخاصة الواردة
(1) يعني الجويني 210) إرشاد الفحول ص 35
(3) المستثنى 2/ 94ْ (4) يعني الشحِغ زكريا الأنصاري. (5) بها الجوامع وشرحه وحماسية البياني 97/2
278
(1/272)
بذلك، وإنما الدليل الذي يدل على صحة القاعدة قول الشارع، أو الإقرار، أو عمل الصحابة، ولم يتحقق شيء من ذلئ! عند الجويني ومن تبعه.
والقول الثاني: ما قاله أبو شامة (1) فإنه يرى أن الاقتداء به ! ممنوع في ما
أبيح له خاصة، لدلالة الخصوصية عله امتناع ذلك قي حقه غيره.
وأن الاررراء؟-! على سبيل الاستحباب ثابت فيما فعله على سبيل الوجوب، وفي ترك ما تركه على سبيل الحرمة.
فيندب لنا على هذا القول: فعل ما فعله يكن مما اختص به من الواجبات، ويندب لنا التنزه عما تركه مما اختص به من المحرمات.
فخصوصيته جمة، على هذا القول، إنما هي في تحتم الفعل أو التقلى بالنسبة
إليه، والمشاركة بيننا وبينه هي في أصل مطلوبين الفعل أو الترك المقتضية للاستحباب أو الكراهة، وتمتنع المشاركة في ما زاد على ذلك وهو تحتّم الفعل أو الترك، لدلالة الخصوصية على هذا الامتناع-(1/217)
وقال أبو شامة: إن ما ذكره "لا نزلت فيه لمن فهم الفقه وقواعده، ومارس
أدلة الشرع ومعتقده ومعانيه !.
وقد نقل الشوكاني بعض كلام أبو شامة، ووافقه على ما ذهب إليه "2).
ونقله قبله الزركشي في البحر وأسرة.
ألأ أن الشوكاف! قيد هذه المسالة بأنه إذا علم ودليل قوي الحكم في حقنا فهو المعتمد، فإن كارل القول ما يستفاد من هذه القاعدة يقدًم الدليمى القولين ويفهم من كلام أبي شامة نمه يدلل لقوله بوجهين:
الأولي: البناء على القواعد الشرعية. ولم يبابا القاعدة التي يشير إليها. ولعله
يعني أن ما أمر به-! لا بد أن يكون مصلحة، وذلك يعني أنه في حقَنا كذلك
(1) انظر!تابه (المحفق) ق 5)
(2) إرشاد الفحول معه 35، 36 وفي كلام الشوكاني هنا خفل!، وماله إلى ما ذكرنا. 279
(1/273)
مصلحة، فيكون مستحباً وإن ما نهى عنه لا بد أن يكون مفسدة، فيكون في حقنا مكروهاً. وامتنع التحتم الذي هو الإيجاب والتحريم بدليل الخصوصية. فإن كان هذا مقصوده، فلا يسلم له، إذ قد يكون الشيء مصلحة لشخص
ولا يكون مصلحة لأخر، كالصوم، هو مصلحة للطاهر، وليس مصلحة للحائض، وكالقصر هو مصلحة للمسافر، رئيس مصلحة للمقيم. وهكذا يقاد في جانب المفسدة.
الثاني: أنه قد ورد عن الصحابة الاقتداء به ! في الفعل الخاص. ومن
ذلك أن ابن عباس ائتم بالنبي !ع! في صلاة الليل. وقد امتنع النبي نحمل من أكل طعام في منزل أبي أيوب الأنصاري، كان فيه ثوم، فقال أبو أيوب: فإني أكره ما تكلفه " ولم ينكسر ذلك عليه، ! (1).
وهذا أيضا غير مسلم، أما اهتمام ابن عباس بالنيىِ جمع في صلاة الليل،
فإن استحباب صلاة الليل معلم بدلالة الكتاب والسنة القولية كما لا يخفى، فلا يكون دليلا في المسالة.
وأما قول أبي أيوب: 8 فإني أكره ما تكره ". فهو محمول على أنه للكراهة الطبيعية، لا للكراهة الشرعية.
وبذلك لا يثبت دليل القاعدة؟ الذي أراد أبو شامة رحمه الله إثباتها له.(1/218)
إذَا أننا نرى أن استقراء الخصائص الواجبة والمحرمة (وعددها مابين خمس وثلاثين عند السيوطي إلى تسع عشرة كما غذها الرملي والقرطبي) يُظهر) ن هذه القاعدة الحقة على جميع هذه الجزئيات- ما عدا تحريم الكتابة والشعرأ3) عليه جمعه
(1) رواه مسلم وجامع الأصول 283/8)
(2) من عدما كذلك السيوطي والخصائص 371/3) ونقله عن النووي في الروضة. وقد أغفلهما الرملي.
280
(1/274)
عند من عنهما من الخصائص، والمقصود بتحريمهما عليه تحريم تعاطه) سبابها الموصلة إليهما، فإن الكتابة والشعر لا ئكْرهان في حق الأمة إذا استعملا في مباحث فإن لم تثْبت قاعدة أبو شامة، بما استدل/ به لها، فإن الاستقراء ئغفب على
الظن صحتها. والله أعلم.
هذا وإن أغلب ما اختمئ! به النبي ي في باب الوجوب والتحريم، يعلم حكمه في حقنا بأدلة غير الأفعال. ومن أجل ذلك كانت فائدة هذه القاعدة ضئيلة في استفادة الأحكم الشرعية من الأفعال الخاصة، إذ إنها تحصيل حاصل.
ويجوز استعمالها للتوكيد والاستئناس.
ونحن نرى لها فائدة أخرى. وذلك أن كثيراً من العلماء!ا شروحهم للأحاديث، والجمع بين الأحاديث القولية والفعلية، كثيرا ما يحملون الحديث الفعلي على أنه من خصائصه ضد. فإن كانت الخصوصية بالإيجاب أمكن معرفة صحة ذلك من عدمها، باستخدام هذه القاعدة: فإن وجد أن الحكم في حقنا ليس الاستحباب، بل الإباحة أو الكراهة أو التحريم، يتبين أن الحمل علا الخصوصية فاسد.
ونظير ذلك يقال في الخصوصية بالتحريم.
وكمثال تطبيقي لذلك نذكر مسالة عن تحريم الكتابة والشعر من الخصائص النبوية. فالمشهور أنه !/ يكن يقدر عليهما، ولو أراد تعلمهما لما أمكنه ذلك. فخرجا على هذا القول في حقه عن عن نطاق التكليف، وهو الراجح.
أما على القول المرجوة، وهو أنه كان قادرا عليهما، فقد ادعى قوم تحريمهما(1/219)
عليه، وإن ذلك من خصائصه. وذلك مردود، بناء على هذه القاعدة إذ لو كانا في حقه حراما لكانا في حقنا مكروه!!ن، وذلك ممنوع. فتنتفي الخصوصية. والله أعلم. ما يختص به صلى اللّه عليه وسلم في أفعال غيره:
وذلك ما شرعه الله تعالى من الأحكام من فعل غيره بسببه لمجه، لّعظيما
لمقامه ورفعاً لشانه. ومنه أنه لا يرثه أحد من أقاربه ولا زوجالّه، ومنه أن ما تركه 281
(1/275)
من ماله صدقة، وأنه لا يحل لأحد نكاح زوجاته بعده، وأنهن أمهات المومني، وعن فعل منهن معصية يضاعف لها العذاب ضعفي، ومن يقنت مخهن لله ورسوله فلها الأجر مرتب، وتحريم رفع الصوت فوق صوته، والكذب عليه عمدا كبيرة، ويجب القتل عله من سبه أو أجله.
هل يصل تعدية هذه الخصائص! إلى كير النبي صلى اللّه عليه وسلم: ينقل عن بعض الصوفية أنه ادعى لنقسه في أتباعه أشياء من مثل هذا النوع
من الخصائص.
فنُقل عن بعضهم أن الويب فِي أتباعه ومريديه كالنبي يك!ؤ بي أصحابه؟
ولهذا يجعلونا لشيوخهم من الخصائص مثل ما هو ثابت لرسول الله ! د، فلا يجوز عندهم نكاح امرأة الشيخ بعد موته، ولا يجوزرفع الصوت عنده (1).
إن ما تقدم ذكره من الإجماع على عمم جواز الاشتراك فيما ثبت من خصائصه ينفي دعوى مشاركة (الأولياء) في خصائصه يكن.
ولما كانت خصائصه له لا تدل قي حقنا على المماثلة، فلذلك يكون من
حرم على الناس لنفسه مثل ما حرم عليهم لرسول الله !نه!يه، قد حرم ما ليس حوامل، وذلك لا مجوز. وكذا من أوجب عليهم لنفسه مثل ما وجب عليهم لرسول الله !كل! فقد أوجب ما ليس بواجب وذلك لا يجوز.
وقد ورد عن أبي بردة الأسلمي، قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق.
قاله، فقاله أبو بركة: ألا أضرِث عنقه؟ قال: فانتهزه أبو بكر، وقال: ما هي لأحد بعد رسول الله ! (3).
فلو كان للولد أن يكون له مشاركة في هذا النوع من الخصائص، لكان أول
الناس بذلك، صديق الأمة أفضلها بعد نبيها وأكرم (أوليائها) على الله.(1/220)
(1) محمد خليل هراس، نقلاً عن والعهد الوثيقة للشيخ محمود خطاب السبكي وغيره لا-فصائصكا الكلبرى) للسموطى 3/ 306 حاشية (2)
(2) رواه أحمد. وصححه أحمد شاكلة والمسند، بتحمّيقه 1/ 55)
282
(1/276)
خاصة التبرك بآثاره صلى اللّه عليه وسلم:
من خصائصه-! التبرك بآثاره والاستشفاء بها، فقد نقل أفه عن دعا بقدح
فيه ماء، فغسل يديه ووجهه، ومج فيه، ثم قال أأ"ب موسى وبلال: اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما، ونحوركما.
وتوضح وصب على جابر، وأمر بشعره أن يقسم بي المسلمين.
وكان إذا توضأ يقتتلون على وضوئها
وبعض ثيابه كانت تغسل بعده ويعطي ماؤها للمرضى،
وجمعت أم سليم عرقه لتطييب به.
وشرب بعضهم دم حجارته !.
وحنك بعض صبيانهم بالتمر.
والدليل على أن هذا من خصائصه !، أن الصحابة رضي الله عنهم/
يتبرع كما بأفاضلهم. وليس في الأمة بعد نبئها أفضل من أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي. فلم ينقل عن أحد منهم، ولو حادثة واحدة،) نهم تبركوا بهؤلاء الأولياء الأربعة أو غيرهم "ان- فهذا إجماع علا الترْك*
والتبرك كناليس له وجه إلا اعتقادهم أن ذلك خاص به !. إذ لو كان للتشريع لعملوا به ليبينوه للأمة.
وقد ذكر الشاطري احتمالَآ أنهم تركوه من باب سد الذرائع. لئلا يصل الجهال منه إلى عبادة غير الله.
ومن أجل ذلك كانت المسالة عند الشاطري مشتبهةأ2).
إلا أن هذا الاحتمال لا ينبغي أن يُلغي دلالة الإبداع، إذ إن أكد الأدلة الشرعية ظنية، وتظرقيها بعض الاحتمالات الضعيفة، ولا يبطل ذلك العمل بها. والله أعلم.
(1) الشاطري: الاعتصام 2/ 6- 11
(2) ا أشا طبي: ا لا عتصام 3/ 11 س 28
(1/277)
المبحث الي ادست الفعل البياني
تقدم في الفصل الأول أن البيان بالفعل جائز وواقع. ويهمنا هنا أن نذكر ما يستفاد من الأحكام من الفعل الواقع بياناً
وقد قدمناك مرادنا بالفعل البياني، ما وقع بياناً للمشكل من مجمل وغيره مما(1/221)
ورد في القرآن وتكفلت السنة ببيانه، وهر الذي نقصده هنا أيضاً أما الفعلي الواقع بيانا ابتدائية فهو من الفعل المجرد، وسيأتي ذكره في الفصل التالي إن شاءالله.
جهات الفعل البياني:
للفعل البياني ثلاث جهات، يستفاد من كل منها نوع من الأحكام:
الجهة الأولى: جهة أنه امتثال للأمر أو النهي في العبادة، فإذا بق غزو آية
الحج بان حج وقال لهم: "خذوا مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذان فإن حقه في حق ذاته امتثال لما أوحت اطل عليه من الحج، ويجزيه عنه، فيسقط عنه الفرض بذلك.
ويعترض هنا سؤال، وهو أنه هل يمكن أن يتجرد الفعل البيافط عن جهة الامتثال هذه، فيتخصص بياناً؟.
وصورة ذلك أن يأتي عن بفعل هيئته هيئة العبادهّ، وهو لا يقصد العبادة،
وإنما يمّصد مجرد التعليم، كما يفعله المعلّمون أحيانا من أداء صورة الصلاةِ مثلاً على سبيل المّمثيل لطلبتهم، دون أن يقصدوا الصلاة.
284
(1/278)
يفهم من كلام البياني (1) أنه يرى أن البيان والامتثال "يحصل بكل منهما الأخر" فظاهر هذان له لا يتصور انفصال الفعل البياف! عن الامتثال.
وقد ورد في حديث عند ابن ماجه والبيهقي؟ أنه النبي يكن توضع مرة مرة،
ثم قال: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ". ثمة توضأ مرتب مرتين، وقالت: إ من توجا مرتين آتاه الله أجره مرين ". ثم توضأ ثلاثا ثلاتأ، وقال: وهذا وضوئي بوضوء الأنبياء قبلي "- قال القاضي حسين من الشافعية: من أصحابنا من قال: فعل رسول اللة! هذه الوقوعات في مجالس، لأنه لو كان في مجلس واحد لصار غسل كل عضو ست مرات، وذلك مكروه.
قال: ومنهم من قال: كالي ذلك في مجلس واحد للتعليم، ويجوز مثل ذلك للتعليم.
قال النووي:أ ظاهر رواية ابن ماجه أنه كان في مجلس واحد. وهذا كالمتعيئ، لأن التعليم لا يكاد يحصل إلا في مجلس واحد" (2)0 الـ.
فالوضوء الأخير من الثلاثة كان ةلمثيلأ لمجرد البيان. فإن صح الحديث كان
دليلا أنه ! كان يفعل أحيانا لمجرد البيان.(1/222)
ومثال آخر: أنه !ئه! قال لعمار بن ياسر حين أراد أن يعلمه التيمم: هـ إنما يكلفيك أن تقول بيديك هكذا.. ! الحديث. فلا يبعد أنه يكن كان متوضئا وأن ما فعله من التيمم صوري. وحتى لو لم يكن متوضئاً فالظاهر أنه كان بالمدينة، والتيمم للحاضر لا يجزمح!-
ومن جهة أخرى، قد تنفرد جهة الامتثال، فيكون الفعل امتثالًا مجردا من
دون أن يكون بياناً لشيء. ومن ذلك ما كان ونهيئ يفعله في خلواته مما لا يطلع عليه أحد من الأمة!لأن ما أريد به البيان يلزم إظهاره " (3)،
(1) حاشية شرخا بها الجوامع 98/2 ييل ا لغز ا لي: ا لمستشفى 2/ 28
(2) 1 لنووي: ا لمجموع 1/ 471
285
(1/279)
وما كان الممتثل بئنأ بنفسه كغسل اليدين في الوحل.
أو سبق بيانه بقول أو فعل، كما بين المواقيت بصلاته يوميا متواليلاين، فصلاة
اليوم الثالث ليست بيانا للوقت.
الجهة الثانية: جهة أنه امتثال لما أمر به من البيان. وهو من هذه الجهة واجب أو مستحب لا تقدم. وقد يختلف حكام الفعل الواحد من هاتف الجهان، فيكون مندوبا من حيث إنه امتثال للأمر بعبادة مندوبة، واجبا من حيث إنه امتثال للأمر بالبيان، كما لو بين بفعله صلاة مندوبة.
والقدوة حاصلة بأفعاله ! من هذه الناحية. والمقتدي به فيها هم لك
العلم والدعاة، والقائمون مقامه في بيانا الأحكام للأمة، وليس العوام من لا علم عندي.
ولم يزل القائمون على الدعوة والتربية يتمشون به ! في كيفية بيانه للأحكام
من انتهاز الفرص لها، والدخول بالموعظة، والبداية بالأهم، والتدرج في البيان، إلى كيي ذلك من النواحي التي يذكرها الكاتبون في مباحث التربية الإسلامية، ومباخما الدعوة-
وينظر حكم الاقتداء به مجده في كيفيات البيان في مبحث بالفعل الامتثالية.
الجهة الثالثة: جهة ما يحصل بالفعل من البيان، فيعلم به تفاصيل الفعل(1/223)
الذي أمرنا به، ويعلم أنه واجب في حقنا أو مندوب أو مباح، وذلك بتعلقه بما هو بيان له، فإن تعلق بآية دالة على الوجوب، دلى على الوجموب، وإن تعلق بآية دالة على الندب في إى على الندب، وإن تعلق بما دلطّ على الإباحة دلّ على الإباحة، كما سيأتي وان شاء الله.
وهذه ا:لها هي المرارة غالباً في كلام الأصول!ن عند ذكرهم الفعل البياتي. ،28
(1/280)
الفرق بين الفعل البياني والفعل الامتثالي:
البيان يكون لغة بمعنى (الإظهار) ويكون بمعنى (الظهور) والبيان في مصطلح الأصوليين اختلفوا فيه على ثلاثة) وجه: إنه بمعنى وتبيين الحكم)، أو بمعنى بدليل الحكم)، أو بمعنى والعلم بالحكم الحاصل عن الدليل) (1). واختار البزاوي أنه بمعنى (التبيإسن " وهو الذي نعتمده في هذا المبحث. فالبيان هو القول أو الفعل الصادر عن المبينة بقصد إظهار المراد بالجمل ونحوه.
وعلى هذا فالفعل البياف! هو الفعل الذىِ قصد به النبي !ئه! بيانا مشكل في الأحكام الشرعية.
أما ما فعله ! لا بقصد التبيين، غانما لمجرد أن الله أمره أن يفعله ففعل،
على حد ما يفعل غيره من المكلفين، فذلك هو الفعل الامتثالية
وليس المراد القصد العام لبيان الشريعة ككل. فإن هذا القصد كان ملازما
للنبي ! طيلة حياته بعد البعثة.
وإنما المراد القصد الخاص، بأن يريد أن هذا الفعل المعين هو بيان لهذا المشكل المعين.
ما يعرف به الفعل البياني:
أنكر المروزفا الشافعي، والكرخي الحنفىِ، جواز البيان بالفعل. والجمهور
على جوازه. وقد تقدم ذكر ذلك.
واختلف الجمهور القائلون بج!وازه، يخص أدت الفعل هل يكون بيانا بنفسه؟.
(1) قال البزاوي: مالمراد بالبيان يخص هذا الباب عندنا الإظهار!رن الظهور" وكْهال البخاري أ وعند بعض أصحابنا وأكد أصسحا! الشافعي معناه ظهور المراد للمخاطب ".
وانظر أيضاً المسسّصفى 153/1 والبحر المحيط 2/ 181 وبيان النصوص التشريعية ص 23- 25
287
(1/281)(1/224)
فالأكثرون على أن الفعل لا يكون بياناً إلّا بقرينة تدلّ على أنه بيان (1). والقرينة التي تري أن الفعل الواقع هو بيان، اشترط صاحب والكبريت الأحمهه أن تكلون قولاً ورأى أن غير القول لا يقوم مقامه ما/ يتكرر الفعل (2) أعلى صفة واحدة،.
وقد حصر صاحب المحصول القرائن في ثلاثة: أن يعلم ذلك بالضرورة من قصده، أو بالقول، أو بالدليل العقلي، بأن يذكر الممجْمل وقت الحاجة إلى العمل به ثم يفعل فعلا يصلح أن يكون بياناً. وقال: لا يحصل البيان إلا بأحد هذه الأمور الثلاثة،3).
وغيره جعل كل ما فيه دلالة بياناً وجعل أفي قرينة تدل على ذلك دالّة على
كونه بياناً فذكر الغزالم! في المستشفى سبع طرق، وذكر أبو شامة ثمانية"4). ونحن نورد منها هنا ما يتعلق بهذا الموضوع ونترك باقيها إلى مواضع هي بها أليق- وعندي أن مبنى اختلافهم في هذا هو اختلافهم في ما يعبّرون عنه
ب والبيان) فمن رأى أن البيان هو (الدليل) لو العلم الحاصل عنه جعل كل ما يستدل به من الأفعال بياناً. ومن جعل (البيان) هو (التبيين)، أي فعل الابن، فقد حصر طرق معرفة الفعل البياني في ما يدل على قصد الإجهاز (ْ).
وهذا هو الذي نعتمده رب هذا المبحث، لأنا قد خصصناه ب بالفعل البياني)، وجعلنا للفعل الامتثالي مبحثاً خاصاً وبئنًا 3 له يستدل به أيضاً
(1) الزرك!ثي: البحر المحيط 1/2 ونمَله عن المازري.
(2) الزركشي: البحر المحبط 2/ 1181.
31) وأبو الحسمية البصري/ يذكر غير الثلاثة. المعتمد 1 83ْ، 386
(4) المحلى ق 35 ب
(5) انظر الحلاف في ذلك نموا أصول البزدوي 3/ 824- 826 والمستشفى 153/1 والبحر المحيط 2/ 1 18 وبيان المنصوص المّشريعية ص 23- 25 وغيرها. 288
(1/282)
أما من جعل كل فعل يستدل به في الأحكلام بياناً فلا يستقيم له أن يذكر في
أقسام الفعل، البيافط والامتثال! كليهما معاً
وبندر على ما اعتمدناه، فإن الأفعال الواقعة من النبي ! يستدل على أنها
بيان بطرق مختلفة:(1/225)
الطريق الأولى: القول الصريح، بان يقولى!: ما فعلته،) و؟ ما سيفعله، هو بيان لكذا. وهذه أعلى الطرق. ومثاله قول النبي !بهيهز لعمار بن ياسر لما أراد أن يعلمه التيمم: وإنما كان يكفيك أن تقول هكذا، ثم ضرب بيده إلى الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمن، وظاهر كفيه، ووجهه " (1). فمسح الكفي يب!!نٌ به الإشكال في المراد باليد في آية التيمم.
والبيان هنا هو الفعل، وليس القول هر البيان-
والذين قالوا: لا يكون البيان بالفعل، قالوا: القول هذا هو البيان.
وقال في تيسير التحرير: الأولى أن يقال: القول لزيادة البيان (2).
والصواب ما قاله أبو الحس!!ن البصري من أن القول معفَق للبيان على
الفعل (3).
وهذا ما اعتمدناه، إذ جعلنا القول هنا طريقة ئسمَدل بها على كون الفعل
بياناً وباله التوفيق.
وهذه الطريق مرحلتان:
المرحلة الأولى: أن يقول إن الفعل بيان، ولا يعيهّأ ما هو بيان له، ويتعيَن بالقرائن. كما تقدم من قوله !! في التيمم.
(1) رواه اليخاريمما ومسلم وأبو داود والنسائي وجامع الأصولي 148/8) (2) تيسير الي حرير 3/ 75 1، 76 1
(3) أبو الحسميها البصري: المعمّمد 338/1
289
(1/283)
المرحلة الثانية: أن يعيّن بقوله ما هو بيان له، كأن يقول: هذا الفعل بيان
لاغية كذا وكذا. و/ نظفر لها 8 المرحلة بمثال.
والعمدة في تعيين السبق على ما يأتي من الطرق سوى القول.
الطريق الثانية: إبداع العل!! على أن الفعل المعينة بيان لأية معينة. كإجماكهم في أعداد الركعات في الصلوات؟ وما فيها من الأركان التي اتفقوا عليها أن ذلئلأ بيان للصلاة المأمور بها في الكتاب. وأن مقادير الزكاة التي أخذها! هي بيان للزكاة المأمور بها-(1/226)
الطريق الثالثة: أن يرد خطاب مجمل، ولم يبينه !نه! بالقول، لك وقت التنفيذ، رحَل ينهي أمامهم فعلا صالحاً للبيان، فيعلم الحاضرون أنه بيان لذلك المجمل. هذا بالنسبة إلى من شاهد الفعل الواقع بعد المجمل. أما بالنسبة إلى من / يشاهده، كغير الصحابي، فإننا إذا بلغنا الفعل الضبوفي يحتمل عندنا أنه عن كان قد بينه بالقولة ولم يبلغنا. فيكون الظاهر عندنا أن الفعل بيان. قاله الغزالي،1). ومثاله أنه تعالى أمر بالوقوف بعرفة، و/ يذكر وقت الوقوف، فوقف
النبي ضؤ تاسع ذي الحجة، فتبينِّ بذلها وقته للواقفين معه.
ومثاله يخص جانب المحرّمات:. إن الله حرم الميتة، فاحتمل دخول الجراد في
فلسا، فلما أكله ! أمامهم، أو أقرّ آكليه وهو يراهم يفعلون، عُلِم عدم دخوله في الميتة المحرمة.
الطريق الواقعة ة أن يُسال !لمجغ عن بيان مشكل، فيفعل فعلاً ويعلم بقرائن الأحوال أنه يريد جواب السائل (2)، كالذي سال النبي جمعه عن مواقيت الصلاة، فقال: حصل معنا" فصلى في اليم الأول في أولى الوقت، وصلٌى في اليوم الثافط في آخره، فعلم بذلك؟ أول الوقت وآخر؟. ولما قال جمام: وأين السالْل،
(1)1 لمستشفى 52/2.
(2) أبو شامة: المحعىّ ق 36 ب.
290
(1/284)
الوقت ما بين هذين " (1). زاد ما علم من الحر لئن توكيداً، وانتقل بذلك إلى الطريقة الأول،.
الفر يق الخامسة: وقد قررها) بو نصر القشيرفي، وخلاصتها) ن يعتبر الفعل
بيانا للمجمل، إن كان المجمل قد ورد، وفعل النبي غد ما يصلح أن يقرن بيانا لذلك المجمل، ولم تقترن بالفعل قرينة تدل على أنه هو البيان، و/ يرد بيان آخر توفي ولا فعلاً وتويخة النبي ومتى قبل أن يرد بيان غير ذلك الفعل الصالح للبيان. قال القشيري: ولا ئحتَرم مجده مع في الالتباس في اللفظ المجمل. فيحمله
فعله على البيان في مثل هذه الصورة إجماعا من الأمة" (2).
ومثاله الجزية، إذ قد وردت مجملة، وأخذها النبي ي بمقادير معينة.(1/227)
ما يدل عليه الفعل البياني من الأحكام:
حكم الفعل البياني عند الأصوليين بحسب ما هو بيان له، فيرجع إلى المبيت
في معرفة حكمه.
فإن كان الفعل بيانا لأية دالة عل الوجوب، دل على الوجوب، كقوله تعالى: (وأقيمو الصلاة! بيٌن كل بفعله ميقات صلاة الظهر، مثلاً فيجب إيقاعها في ذلك الوقت. وبأنّ أنها أربع ركعات، فلا يجزى غير ذلك. وبين ما فيها من القيام والركوع والسجود. فوجب الإتيان بها في الصلاة.
وكذللئ! الجمعة، بين صي بفعله أنها ركعتان.
ودليل كون الفعل بيانا في أك!نر هذه الفروع الإجماع.
وإن كان المبين ندبا كان الفعل البيانيّ ندباً كإقامة ثالث أيام التشريق به
إلى ما قبل الغروب. وكافعال العمرة.
(11 رواه مسلم والترمذي وأبو لمحمود وجامع الأصيرل 6/ 145) (2) أبو شامة: المحقق ىء 37 ب.
291.
(1/285)
وإن كان إباحة كان الفعل عباحأً (1).
ويقول القرافي: والبيان ئعَذ كانه منطوق به في ذلك المدن (2) فبيانه الحبس
الوارد في كتاب الله يعد منطوقا به في آية الحج، كان الله تعالى قال ت (ودثه على الناس حِضى البيشهـ- على هذه الصفة- وكذلك بيانه لاغية الجمعة، فَعَلها!ه بخطوة وجماعة وجامع وغير ذلك، فصار معنى الآية: لا ليها الذين آمنوا إذا نوديمَما للضلاة!- التي هذا شانها- ومن يرم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللة!. وإذا كان البيان يعد منطوقا به في المدن، كان حكمه حكم ذلك السبق، إن واجبه فواجب، أو مندوبا فمندوب، أو مباحا فمباح " (3) 0 الـ.
الفعل البياني هل هو دليل الحكم؟:
قدمنا أن الفعل البياني يفضل المراد بالمجمل، وحكم التفاصيل حكم المجمل، فاتبع ركعات في الظهر حكمها الوجوب، لأن المبني بالفعل فاز على الوجوب، وهو وأقيموا الصلاة!.(1/228)
فمأخذ الوجوب على هذا، المجملُ نفسه؟ وليس في الفعل دلالة على الحكام. وبهذا صرخ عبدالجبار(4)، وأبو الحسين البصري، وأبو يعلى الحنبلي (ْ). قال أبو الحسإ!ن: بكير صحيح أن البيان يدلل على الوجوب كما يدل المبينة ، لأن البيان إنما يتضمن صفة المبين، وليس يتضمن لفظة يفيد الوجوب " (6). وقاد في موضع آخر: وبذا كان الفعل بياناً لمجمل، وكان المجمل دالا على الوجوب، عد الفعل للوجوب، لكن الإيجاب بالمجمل، لا بالفعل، فالفعل لا يجد جملي الوجوب أساساً (7).
(1) الشوكاني: إرشاد الفحول ص 36 ابن عقيل: الواضح 1126.
(2) فمرح تنقيح الفصول ص 126
(3) أجمل من ناحية البيان والدلالة فرّط، لا من كل الجهات فلا يصح نسخ الكتاب به مثلاً، فذلك ممتع. وانظر ابن دقيق العيد: إحكام الأدنى م 1/ 186
41) المغني 216/17 (5) العامة ق 1154.
(6) المعتمد 1/ 341 (7) المعتمد (الزيادات) 2/ 4 0 0 1 292
(1/286)
ويرى البناف! أن الحكم يكون له، بورود الفعل البياف!، دليلان: المجمل، والفعل نفسه. فيكون الفحل دليلا مؤكداً، بالإضافة إلى أنه يفيد فائدة أخرى تأسيسية، هي وجوب الصفة التي لم تعلم إلا بالفعل.
وكمثال على ذلك، الطواف الذي فعله النبي ! بيانا لقوله تعالى: (وليطؤفوا بالبيت العتيق ! يستفاد منه، بالإضافة إلى توكيد الوجوب المستفاد من الاهية، وجوب صفته التي وقع عليها، ككونه سبعاً والابتداء بالحجر، وجعْل الطائف البيت عن يساره (1).
وعندي أن من قال إِن الرجوع يستفاد من المجمل لا من الفعل نظر إلى
أصل التالي، فإن الفعل ساكت عن الطلب فلا يؤثر إيجاباً والمزهر للإيجاب هو الخطاب الأمر.
ومن قال إن الوجوب يستفاد أيضاً مت الفعل فقد نظر إلى أن الوجوب
يمكن أن يعرف بالنظر في الفعل. فالفعل علامة على الوجوب، وليس هو المؤثر للوجوب. ثم هو يفيد أيضاً وجوب الصفة.
الأجزاء غير المرادة من الفعل البيانيّ ت(1/229)
المشكلة الكبرى في الأفعال البيانية، وخاصة في العبادات، أن النبي !
كان يفعل الفعل بجميع أجزائه، الواجبة والمندوبة، ويفعل لا فنائه بعض الأفعال! المباحة أيضاً، ولا ينفصل في بادي الرأي واخبُه من مندوبِهِ من مباحث. وقد قالي ابن الهمام: إده الاستقراء يدل على أن كثيرا من الأفعال البيانية تشتمل على أفعال كر مرادة من المجمل (2).
ويمثل كثير من الأصوليين للفعل البيافإّ بصلاة النبي !، ويجعلونها بيانا لأيام الأمر بإقام الصلاة، وبحجِّه !، ويجعلونه بيانا لأية!ودثه على الناس حجم
(1) حاشية عله شرح جمع الجوامع 98/3 (2) تيسير التحرير 3/ 176
293
(1/287)
البيت ! ويقولون: إن دليلي كون صلاته عن، وحجه، بياناً للآيحين، هو الطريق القولي، وهو قوله عن: وصلوا كما رأيتموني أصلي 9 وقوله: أخذوا عتي مناسككم ".
ففي الصلاة كان عن يقوم، فيرفع يديه حذو منكبيه، ويكبِّر، ثم يضع يديه
على صدره، ثم يقرأ الفاتحة وسورة، سرا في بعض الصلوات، وجهرا في بعضها... إلى آخر ما يذكر في صفة صلاته عنه.
ومن المعلم أن ذلك كله ليس بواجب، بل قد قاله ابن قديمة: إن أك!ثر
أفعال النبي يئه!ه في الصلاة مسنونة كير واجبة (1).
وكذلك صفة أداء المناسك، من طوافِ القدوم، والرمل، والانطباع، وركعتي الطواف، والصلاة داخل الكعبة، والشرب من ماء زمزم، والسعي مع الهرولة، إلى غير ذلك.
فما يقوله جمهور الأصوليين، من أن الفعل الواقع بيانا لواجب فهو واجب، مشكل. لأنه يقتضي أن جميع ما فعله به في الصلاة التي صلاها بيانا هو واجب، وكذلك جميع أفعاله في أخذ" الزكاة، وفي الحج، وغير ذلك مما فحله بياناً. وهذا ما لا يقول به من الفقهاء أحد.(1/230)
قال ابن دقيق العيد في ما ورد أن النبي جمع كان يقرأ قي الصلاة سورة بعد الفاتحة: لقد اذن هي في كثير من الأفعال التي قصِد إثبات وجوبها أنها بيان لمجمل. وهذا الموضعِ مما يحتاج إلى إخراجه من كونه بياناً أو أن يفرق بينه وبي ما ادعي فيه كونه بيانات من الأفعال، زمانه ليس معه له تلك المواضع إلا مجرد الفعل، وهو موجودهنا! (2).
وقد تصدى لهذه المسألة أبو يعلى الحنبلي. وكان رأيه أن ا:جزء الذي أجمعوا
على أنه بيان، يكون بياناً وإلّا فلا؟ قال: "ليس كل فعله يخص فنيّ الصلاة
(1) المغني 553/1
(2) 1 لإح! أم 1/ 244 294
(1/288)
والصدقة بيانا للجودة التي في الكتاب، لأنه لو صلى لنفسه/ يدلّ عله أنه بيان لقوله تعالى: (1 قيموا الصلاة!، ولو تصدق بصدقة،/ يدل على أنها مرافق ة بقوله تعالى: (وآتوا الزكاة!. وأنما وجه البيان ما ئحمِع الناس على أنة من المكتوبات، لأن ما يفعله في نفسه/ يثبت أنه فعله فرضاً فلا يكون فيه دلالة على أنه فعله بياناً" (1).
وعندي أن هذا لا يكفي لحل الإشكال إذ لا يمكن توقف فهم الأحكام على الإجماع. بل ما أجمعوا على أنه يعلن كعدد ركعات الصلاة فهلا بيان بلا شك، وما أجمعوا على أنه ليس بيانا كالتثليث في غسله اليدين، فليس هو بياناً بلا شك. وأما ما/ يجمعوا فيه بنفي ولا إثبات فقول أبي يعلى يقتضي منع كونه بياناً مع أنه اتفق على أنه يمكن تعليق البيان بالفعل بقول من النحل-! كما تقدم في الطريق الأولى، والنص عله الحكم كالإجماع عليه، بل هو أولى.
فلا يزال الإشكال قائما، والقاعدة التي ذكرها الأصوليون مع قوله !:
9 صلّوا كما... وخذوا عني،.. " تقتلهما أنه بيان، فيكون واجباً ويكون الأصل في ما فعله النبي ! في الصلاة والحج، أنه للوجوب.
وهذه النتيجة مخالفة للواقع. بل إن أكل ما فعله !كل! في هات!سن لعبادتين هو مستحدث وليس بواجب.(1/231)
وسلك ابن دقيق العيد طريقاً آخر لحل ذلك الإشكال، فقال: "ما ثبت استمرار فعل النبي صل عليه دائما، دخل تحت الأمر كما هو في قوله ! لمالك بن الحويرب: وصلّوا كما رأيتموف! أصلي " وكان واجباً. وبعض ذلك مقطوع به- أي مقطوع باستمرار فعله له- وما لم يقم دليل على وجوده في تلك الصلوات التىِ تعلق الأمر باتباع الصلاة علا صفتها، لا يُجْزَم بتناول الأمر لها (2).
وفي هذا المسلك ما فيه، أتراه !ن! في الصلوات التي صلاها أثناء!فهد جماعة
مالك بن الحويرب، ترك ما كان يواظب عليه من المستحبات جمع الأقوال والأفعال
(1) أبو يعلي الحنبلي: العدة ق 17
(2) إحكام الأحكام 257/1 295
(1/289)
والهيئات، كالجهر والإسرار، وتعديد التسبيح والأذكار، والتحرك في التشهد، وقراءة سورة بعد الفاتحة؟ يغلب على الظن أنه !/ يتولى شيئا من ذلك، ولا يتمّ لابن دقيق العيد مسلكه.
ونحن رقد أخذنا على عاتقنا بحث مسائل الأفعال النبوية لا يسعنا إلا أن
نعطي هذه المسألة مزيدا من الاهتمام، وخاصة في مسائل الصلاة والحج، كنموذج لغيرها.
فنقول: إن الدين مكون من أربع حلقات:
الأولى: إن لفظ (الصلاة) الأمور بها في قوله تعالى: (أقيمواْ الصلاة!
و (الحج) في قوله: (ولثه على الناس حج البيشهـ هما من المجمل.
الثانية: والأمر للوجوب.
الثالثة: وقوله !: "صلوا ما رأيتموني أصلي " ود خذوا عني مناسككم "
دليل على أن أفعاله، في الصلاة والحج بيان للمجمل.
الرابعة: والبيان حكمه حكام المبين.
فتكون النتيجة: أن أفعاله عن في الصلاة والحج واجبة.
ونجيب عن هذه النتيجة بجوابين: مجمل ومفصل.
أما المجمل، فلو أنها كانت صحيحة لاقتضت وجوب جميع أفعاله صلاته
وحجه عن. وهو مردود يقيناً وقد تقدم النقل عن ابن دقيق العيد في الصلاة بخصوصها.
وأما الحج فقد قال السبكي في قواعده، في شان ركعتي الطواف: 9 فأما(1/232)
قوله له: أخذوا عني مناسككم "، فلا دلالة له على وجوب شيء خاص منها لأن المناسك وعامة في) (1) الواجب والمندوب، وإذا احتُخ! به في وجود فعل شيء
(1) في الأصل المخطوط كلمة غر مقروءة، والسياق يقتضي ما ذكرنا.
296
(1/290)
خاصّ لزم طرده في الجميع، كالرمل، والانطباع، وسائر المكنونات لا (1).
وأما الجواب المفصل، فإن الخلل لا شك، هو في واحدة أو أك!ثر، من هذه الحلقات الأربع.
فالحلقة الأولى: صحيحة ولا نظير فيها.
وأما الثانية: فإنه وإن أختلف الأصوليون في دلالة الأمر على الوجوب؟ فلا اشكاله في أن الصلاة والحج واجبان، ولكنهما يشتملان على أفعال مندوبة فيه، ولا يمكن إيقاعهما على الواجب مفصرلأ من المستحق أت، إلا بتكق! كث!ير.
وأما الثالثة والرابعة: ففيهما نظر.
فأما الحديث الأول: وهو قول النبي بع: وصلوا كهذا رأيتموني أصلي " فهو
في قصة وفود مالك بن الحويرب ورفاقه، على النبي ئي. أخا آخر العهد المدني. وقد أورد قصة وفرده أكد أصحاب كتب الحديث المشهورة دون قوله يا لهم: "صلوا كما رأيتموني أصلي " وهذه الزيادة ذكرها البخاري وأحمد والدارمي دون غيرهم.
وفي أكثر روايات البخاري وأحمد ذكرت القصة بدون هذه الزيادة وهي دائرة
ء!لى أبو قرابة. والزيادة من الثقة مقبولة.
ونوه في إحدى روايات البخاري كما يلي:
قال البخاري: حدثنا مسعد، حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن أبي صلابة، عن أبي سليمان مالك بن الحويرب، قال: يأتينا النبيئً يد ونحن شبَبَة ممّقاربون. فأقمنا عنده عشرين ليلة. فظن أنا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمن تركنا في أهلنا، فأخبرناه. وكان رقيقا رحيماً، فقال: ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم
(1) السبكي: القواعدي 116 ب.
297
(1/291)
ومُرُوهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، ثم ليؤمكم أكبركم " (؟).
فإن صحت هذه الزيادة؟ فالكلام عنها في باب الأفعالى متردد بي طريقين:(1/233)
الأول: أن الأمر في قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي ! للوجوب. فيدل على
أن الأصل في أفعاله ! في الصلاة الوجوب-
الشافي: وهو الذي نعتمده، أن الأمر للمرشد، وهو إرشاد لقوم مخصوصين، فهم شباب من البادية، حديث عهدهم بالإسلام،/ يقيموا عند النبي جمعه مدة تكفي أن يتعلموا جميع الأحكلام، بل عشرين يوما فقط، وحملهم الشوق إلى أهلهم، لصغر أسنانهم، وعنفوان شبابهم، على أن يستعجلوا المسهير. فأوصاهم النبي ! تلك الوصية.
فهل تصلح تلك الوصية أن تكون قاعدة عامة؟ ويكون الحكم في حق سائر الصحابة وضمائر الأمة كذلك.
شكلا، بل كما يجوز أن يقال لمن يسير في طريق يجهلها: 9 سر وراء فلان، واصنع ما يصنع ! لأن هذه ها العلامة الوحيدة الميسورة، مع أن فلاناًا لمتبوع قد يميل عن الطريق يمنة أو يسرة يستطرد لغرض خاص، فيضطر التابع له أن يسير خلفه. وقد يصنع المتبوع أشياء ليست ضرورية فيفعلها التابع، فكذلك الأمر في قصة مالك بن الحويرب رضي اللّه عنه.
و/ تحفظ هذه اللفظة!صلرا كما رأيتموني أصلي ! عن غير مالك بن الحويرب، فيبعد أن تكون قاعدة عامة ا،! علان، ولا يبثّها النبي عن في أصحابه، إذ لو بثّها لبعد أدب لا ينقلها كبار النقلة من الصحابة.
وفي حديث عالك بن الحويرب أنه كان يجلسه بعد الركعة الأولمب وبعد الثالثة، وهي الجلسة المسمماة جلسة الاستراحهّ، والتي يمنعها أكد الفقهاء، كمالك
(1) فتح البارز 5 37/1!ا، 438 وانظر أطراف الحديث في المصدر نفسه 1/ 0 1 1 298
(1/292)
رأبي حنيفة والشافعي قي قول "؟) وأحمد في رواية (3)، وكان مالك بن الحويرنث يعلمها الناس، ولم ينقل فعلها عن أحد من الصحابة غيره "3).
وغاية ما يصح أن يقال في قوْلتِهِ-ريو: (صلوأ ما رأيتموني أصلي ! إنها إرشاد(1/234)
من النبي به لمالك، ومن كان في مثل حاله رضي الله عنه، ممن/ يسعفه الوقت للتعلم، والتفريق بين واجبات الصلاة وسننها، وما ليس من واجباتها، ولا من سننها، فيقال له: اصنع مثل فعل فلان من الناس، وفلان ممن يحسن الصلاة. فيشابهه قي الصورة دون القصد.
أما أن يكون كل ما فعله النبي لمجد في الصلاة بياناً، ويكون بذلك واجبا،
فذلك أمر يتجاوز ما يدل عليه هذا الحديث بملابساته الواردة!ا كتب السنة. بلى هذه واقعة حال- ووقائع الأحوال مشهور الكلام فيها. فلا عمله على العموم، لأن الخطاب فيها موجه إلى مالك وصحبه، فلا يشاركهم في المدلول إلا من كان في مثل حالهم (4).
أما من سواهم من أهل العلم، من المجتهدين والمتفرغة، فعليهم أن يعتمدوا في التفريق بين واجبات الصلاة وسننها على الدلائل الكثيرة المبثوثة في الكتاب والسنة. فإن لم يكن ثم شيء يميز بينها فإنها تكون من الأفعال المجردة، وسيأتي حكمها إن شاء ألمه.
جواب أخر: وقد أجاب به أبو شامة: سلمنا أن الحديث يدل على أن صلاته به بيان، لكنها بيان للصلاة المطلوبة من المسلمة، بواجباتها وسننها وما يجوز فيها، فلماذا يحمله فعله ! على أنه للراكب خاصة؟.
بل الناتج من كون صلاته بياناً أن يكون كله فعل فعله ! في الصلاة دائراً
بين هذه الأنبا الثلاثة، والعملاق تمييز بعضها عن بعض إما القول، وإما
(1) ابن دقيق العيد: الأحكام 225/1 (3) المصدر السابق 529/1
(2) ابن قدامها: المغني 529/1 41) وانظر: التحقتا لأبي شامهّ. 299
(1/293)
الإجماع، ربما القرائن الأخرى، ولا يصلح الفعل وحده دليلاً ولذلك قال القصاص:أ أمرنا بالاقتداء به ئع! على وصف هو أن نصلي كما رأيناه يصلي. فنحتاج أن نعلم كيف صلّى من ندب أرفرف فنفعل مثله " (1).
فإن لم يوجد دليل مميز، فنحن قاطعون بأن الفعل ليس بياناً للحكم بل يدخل في ما يأتي من الفعل المجرد، في الفصل التالي إن شاء اثهء(1/235)
وأما الحديث الثاني: هو!خذوا عني مناسككلم " فهو خطاب عام للأمة،
ولا يمكن فيه دعوى الخصوص، لأنه-! قاله لجمهور الحجاج، وهو على بعيره يرمي جمرة العقبة (2)* وفي رواية:أ قاله قبل يوم التروية وخروجهم للحج. فلا يرد هنا ما قلناه في الحديث الأول من امتناع دلالته على البيان العام ! (3).
ولما الوجه الأخر الذي قلناه في الحديث السابق فيأتي هنا، فإن النبي دون
فعل في حجته أفعال الحج كلها من واجب، ومندوبه. ولا يتميز بالفعل راتبه من مندوبه، فلا يصلح الفعل بيانا في ذلك، ما/ يقترن بكل فعل جزئي قرينة تدل على أنه بيان.
ويضاف هنا وجه ثالث، وهو أن قوله عن: أخذوا عني مناسككم " لا يتفق
أن يكلون المراد به ملاحظة) فعاله بخصوصها، بل يصدق على الأخذ عنه !خ! من أقواله بسؤاله عما يشكل عليهم، والاستماع إلى ما يأمر به ويرشد إليه-
فاقمت ما يدل عليه الحديث، أن يدل على مشروعية أفعاله يئه! في الحج،
أما التفريق بين واجبها ومندوبها فلا بد من المصير إلى وجه آخر في الدلالة على ذلك. وحكم أفعاله ! من هذه الناحية حكم سائر الأفعال المجردة. والخلاصة: أن هذين ا-حديثين لا يصلحان دليلا على أن أفعاله ئي في
(1) أصول الرصاص ق 1210.
(2) صحيح مسلم وكتاب الحج ح 0 31) ومسند أحمد 318/3، 327، 328 (3) مسند أحمد 366/3
300
(1/294)
الصلاة والحج واجبة، بناء على أنها بيان للواجب. بل أفعاله جنيه في هاتين العبادتن مختلطة واجبها بمندوبها غيي متميزة، والعمدة في تمييز ذلك على الأدلة الأخرى. وينظر في كل فعل بخصوصه ما يحتف به منه القرائن.
لقد كثر في كلام الفقهاء إيجاب كثير من أفعاله ضؤ في الصلاة والحج اعتمادا
على أن هذين الحديث!!ن دليل على أن أفعال النبي ي في الصلاة والحج بيان للمجمل الواجب، ولا يوجبون أفعالا منها كثيرة أخرى، حتى ليعجب الناظر من تفريقهم في ذلك.
والصواب إن شلل الله ما ذكرناه من أد أفعاله ! فيهما ليست مميزة للواجب(1/236)
من المندوب إلا فعلاً خاصا عليه دلالة خاصة، أنه بيان لذلك. والله أعلم.
الاختلاف في أن ما ورد عليه الفعل مجمل أو كير مجمل:
إن الفعل إذا ورد وله علاقة بنص قرآفإ، فلا بد من اعتبار كون النصّ
مجملًا حتى يكون الفعل بيانا له، فمن لم يُثْبِتْ أنه مجمل،/ يكن الفعل عنده بياناً ويتبين ذلك بمثالب فرعئ!سن
الأولى: قوله تعالى!ه آية الوخز: (وأيديكم إلى المرافق !، مع فعله !
في وضوئه، فإنه 9 أدار الماء عل مرفقيه ".
من العلماء من قال إن (إلى) مجمل، لأنه يكون بمعنى انتهاء الغاية، ويكون
بمعنى (مع)، فهو مشترك، والمشترك مجمل، فجاء الفعل مبينا أن وإلى) بمعنى (معه دون معنى انتهاء الغاية، واقتضى ذلك وجوب غسلي المرفقين (1).
ونهم من قال إن (إلا) واضع، لانتهلر الغاية؟ وذلك بين، فلا يكلون
فعله يا بيانا (2)، وبكون غسله ! لمرفقيه منم!بأ.
(1) ابن قديمة: المغني 122/1 وانظر تيسير التحرير 3/ 125، 121 (2) التقرير والتحبير 2/2 5 3 ابن دقيق العيد: الإحكللم 36/1
؟30
(1/295)
وقد قال بالوجوب عطاء ومالئه والشافعي وأصحاب الرأي. وقال بعضا أصحاب مالك وديور لا يجب، وحكى ذلك عن زفر.
الفرع الثاني: أ، !ه!نهمة، في الوضوء، هي واجبة عند أحمد وابن أب ليلى، مسنونة عند الحنفية والمالكية والشافعية. فمن قال بوجوبها فوجهته عنده أن الله قال في شأن الود (فاغسلوا وجوهكم ! بالفم يحتمل أنه داخل في مسمى (الوجه) ويحتمل أنه ليس بداخل لأنه غير مواجه. فكان ما فعله النبي جمع من المضمضة بياناً فيدلر على أن الفم من الوجه، فيجب غسله.
ومن قال بأنها مستحبة فهو يقول: الفم كير داخل قطعا في مسمى الوجه،
وما فعله النبي !ف!ه من المضمضة زيادة فعلية صرفة، فتكون مستحبة.
352
(1/296)
المبحث السابع الفعل ألامم!الي الضنفيذيّ
ما يفعله عاقة المسلمين الملتزمين، من الأفعال التي طلبنا الله تعالى منهم في(1/237)
كتابه أو على لسان رسوله، يفعلون تنفيذا وامتثالا للأوامر والتوجيهات الإلهية.
وهم حين يقولون ذلك لا يقصدون تبيين أمر خفي أو دعوة معينة.
والنبي ! لما كان واحدا من الأمة، وقد وُجّهت إليه التكاليف، وهو أول المسلمين، فهو يؤدي تلك التكاليف، طاعة لأمر ربه، وتلبية لدعوته. فأفعاله التي يستجيب بها للتكاليف الإلهية، هي أفعال امتثالية.
لكننا نبيّن مرادنا بالفعل الامتثالي هنا بما يلي:
فما فعله في امتثالًا لطلب خاص به، كقيم الليل، فهو من الخصائص وقد
تقدم بحثها.
وما فعله امتثالًا، وقَصَد به من الافتثال! بيان مجمل أو مشكل، فهو من
الفعل البياف! الذي تقدم ذكره، وهو في إفادة الأحكام أعلى درجة من الفعل المراد به مجرد الامتثال. ومن أجل ذلك فليس مراداً هنا.
وما احتمل أن يكون امتثالا لطلب إلهي، ألأ أننا لم نعلم ذلك الطلب ما
هو، فليس مرادا هنا، بل يدخل في الفعل المجرّد الذي ياقة ذكره بعد هذا الفصل.
كلأ. س
(1/297)
فللراد هنا خاصة، الأعلى الذي قصد به مجرد الامتثال لطلب معلوم لم يثبت
) له خاصة من نجصائص! النبي !نس!.
ومثاله الإتيان بالشهادة، وأداء الصلاة، والصوم والحج، وما كان يفعله !
من القربات إلى الليه تعالى، كما كان يفعله من المعاملات والعقود ملتزما فيها ما شرع تعالى، وكافاً عما عما عنه.
وكل فعل من أفعاله ! صادر عن الأوامر الإلهية العامة للمكلفين، إذا لم
يكن فيها إجمال ولا خفاء، أوزان فيها إجمال لو خفاء ولكن/ يفعله ! للتبيين، فهو امححالي.
وقد قال أبو شامة:إ وهذا القسم لا حاجة إلى النظر فيه " (1).
إلا أننا نرى أنه بحاجة إلى النظر من جهات، نعرضها في مطالب:
المطلب الأول
حكم الفعل الامتثالي:(1/238)
يتبين حكمه من الطلب الممتثلة، فإن كان إيجابا فالفعل واجب. و(ن كان استحباباً فالفعل مستحب. وكذلك يخص جانب الترك إن ترك عن امتثالا لطلب تحريمه فالترك واجب، أو لطلب كراهة فالترك مستحب، وإن كان الخطاب تحليلا لإباحة فالفعل مباحأ3).
المطلب الثاني
معرفتنا للنمو الممتثل بالفعل المعلق فائدتها ربط الفعل الامتثالي بالنص الممتثل لتتضح أبعاد الحكم.
(1)1 لمحقق: ق 2 بن
(2) في تسمية الفعل المباح امتثالا نظر، ويذكر هنا لتتميم الأقسام.
354
(1/298)
المطلب الثالث
الطرق التي يمكن بها معرفة النص الممتثل
هي سمايلي:
الطريقة الأولى: القول من النبي !، كقوله لما صلى على ابن لببَ كبير المنافقين: فإن اللا خبرني فاخترت، وليزيدن على السبعين ". يشير إلى قوله تعالى: واستغفر لهم أو لا تستغفرلهم... !الأية.
ومن هذا أن يخبر أدب الله تعالى قد أمره بفعل فَغله، كقوله !: ما أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ((1)0 أر بترفي ترَكَه، كقوله له في ترك قتل المخنثة: ونهيت عن قتل المصلين " (2).
الطريقة الثانية: أن يفعل الفعل بعد نزولي الأمر مباشرة، بحيث لا يخفى
أن فعلَه امتثال لذلك الأمر النازل، وخاصة إن كان سبب النزول متعلِّقأ بذلك. كآية: فإن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى) هلها! (3). نزلت في 3 خذ النبي ! مفتاح الكعبة من بني شيبة، فلما نزلت أعاده إليهم وقالا: "اليوم يرم وفاء وبرِّ" (4). ومثاله أيضا آية الأمر للنبي ي بتخيهيرنساثه فخيرهن (ْ).
وشبيه بهذا أن يبيع الصحاب الراوي ذلك، كما قالت عائشة: كما صلى
النبي !ئه! صلاة بعد أن نزلت عليه وإذا جلس نصر الله والفتح ! إلا يقول فيها: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي " (6) وفي بعض الرواياقه قالت
(1) متفق عليه والفتح ال!ب!!.
(2) رواه أبو داود 13/ 276 وانفرد به وفى سنده مجهول. وحمسنه في وصحيح الجامع الصغير من رواية الطبراني بلفظة نهيت عن المصلينأ.
(3) سورة النساء: آية 58(1/239)
(4) سيرة ابن هشام بتحقيق مصطفي ا السقا!زميليه ط ثانية 412/3 لتفسير القرطمى 356/5 (5) سورة الأحزاب: آيهّ 28
(6) البخاري (إحكام الأحكام لابن دقيقة 1/ 296
305
(1/299)
عائلة ت 9 يتأوًل القرآن ". وقد بيّن ابن دقيق العيد (1) أن هذا فيما كان من فعله بعد الفتح، إذ به يتمَ الأمر؟ أما ما قبل الفتح فما فعله من ذلك يكون فعليًا بتدائيأ. الطريقة الثالثة: أن توجد مناسبة ومطابقة بين الأعلى ونمق معين. قال أبو
الحسين البصري: "أما ما يعلم به أن فعله أو تركه امتثال لدلالة نعرفها فهو أن يكون مطابقا لبعض الأدلة التي نعرفها" (3).
ثم قد تكون المناسبة بسنة مقبولة، وقد تكون خفية فيكون في قبولها نظر،
وذلك على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: أن يكون ذلك بئنأ وواضحا تمام الوضوح، بحيث لا
يخفى ولا يحتاج إلى تطلب الدليل عليه. ومثاله سجوده له وركوعه في الصلاة، هو امتثال لآيات الأمر بالركوع والسجود. ومثل طوافه جمع بالبيت في حجة الود 3 يوم النحر، هو امتثال لآية (وليطؤفوا بالبيت العتيق !.
ثم قد تكون المناسبة خفية يقل التفات العم/ إليها، فإذا نبه إلى ذلك أقر به،
ولم يشكل فيه، فيكون من هذه الدرجة، ومثاله ما ورد (3) أن النبي ! لما ذبح في حجة العدل مئة ناقة، أخذ من كل ناقة بضعة، فجعلت في قدر وطبخت فشرب من مرقها، فهو تنفيذ لاغية (فكلوا منهار.
الدرجة الثانية: أن يكون الفعل متررًراً بين أن يكون امتثالا لاغية معينة أو
يكون فعلاً مبتدأ.
والتردد فيه ناشىء من صلاحيته ليكون امتثالاً لتلك الأمة نظراً لوجود التناسب، مع إمكان أن لا يكون امتثاله لها، بل يكون فعليًا بتدائيأ مجرداً
وقد نقل السرخسي عن الحنفيّة أن فعل النبي !ئهيرو أو قوله إذا ورد موافقا لما
(1) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام 1/ 299
(2) المعتمد 386/1
(3) رواه مسلم وأبو داود والنسائي منا حديث جابر الطويل يخص صفها حجهم الودل! وجامع
ا أأ صرح 4/ 245)
356
(1/300)(1/240)
يخص القرآن يجعل صادرا عن القرآن. قال: والشافعية يجعلونه مبتدأ حتى يقوم الدليل على خلافه (1). قاله: وعلى هذا فبيانه صح التيمَم في حق الجنب صادر عهدا في القرآن. وبه يتبين أن المراد بقوله تعالما: وأو لامستم النساء! الجماع دون المسح باليد وهم- يعني الشافعية- يجعلون ذلك بيان حكم مبتدأ، ومجدلون قوله: وأو لامستم ! على المس باليد، لأنه يحتمله أنه يكونا صادرا عما في القرآن، وجمتمل أن يكون شرع حكم مبتدأ، وهو في الظاهر غير متصل بالآية، فيحمل علا أنه بيان حكم مبتدأ باعتبار الظاهر، لما فيه من زيادة الفائدة*
وقال أبو شامة: وإذا فعل جمع فعلا يوافق ما ورد به القرآن العزيز كالوضوء والاغتسال! والصيام فإن ذلئط يكون تنفيذا لما أعر به "،2) وقال القاضي أبو بكر؟) أ يجوز مع ذلك أن يكون فرضا ابتدأ به، وما يلزمنا خاصة، أو يلزمنا وإياه، فعلٌ آخر" ! فلا بد من إشعار لنا بأنه فعله ائباعأ لحكم الأمة، والا فجواز ما قلناه قائم: وقال أبو شامة وفي هذا الكلام نظري،4).
وهذا المثال (ْ) هو من أفراد الفعل البياف!، ولكن القول في الامتثالي من نفس الباب، لا فرق في ذلك.
وأما أبو يعلى الحنبلي فإنه يرى أن الظاهر!ا الفعل الموافق للآية أنه امتثال
لها. قال: ألأنه نجلو لا يترك فعلاً أوجبه أله عليه، أو ندبه إليه،. وهو بالله يوافق ما نقله السرخسي عن الحنفية-
والذي نراه أن قوله الحنفية ومن وافقهم في ذلك أولى بالصحة من قول من
(1). ينقل عن الثافعي) له قال: "ما سئلت صحاب محمدا عن شيء إلا وعلمه في القرآن ولكن علمنا قصر عنه ". فإن صح هذا الهتفل كان تحالفاً لما نقله السرخسي كن الشّافعمة. فلينظر وليحرر.
(2) البحر المحيط للزركشي 252/2 ب (3) هو الباكئب
(4) أبو!ثامة: المحقىّ ق 5 ب، كل). (5) المقصود مثال التيمم.
307
(1/301)(1/241)
خالفهم نظرا لأنه مجده مبعوث بالقرآن ليعمل به ويدعو إليه، قالي ألذ تعالى: فقل إنما أوجع ما يوحى إلي من ربن هذا نجصائر من ربكم !11).
وقد تقدمت الإشارة إلى ذلكم
الدرجة الثالثة: أن تكون المناسبة خفية جداً بحيث يقرن اعتبار الفعل
تطبيقا للامية المعينة نوعا من التحكم، فلا ينبغي المصير إليه.
المطلب الرابع
دلالة الفعل ألامتئالي:
يقال هنا مثل ما تقدم قوله في الفعل البياتي، من أن دلالته مؤكدة لدلالة
النص الممتثل. والفعل حينئذ علامة على الحكام، وليس مؤثرا له. فيدل على الوجوب إن كان امتثالا لواجب، وعلى الندب إن كان امتثالاً للندب، والا فعلى الإباحة، وقال أبو الحسن المصرفي: فإن امتثل !نه! فيها ويعني أفعالهم طريقة معروفة لنا فإن ذلك لا يمنع من كون فعله دلالة لنا أيضا على أننا متعبدون بمثله !- على حلو لو انفرد أحدهما لفعلْنا الفعل لأجله 9.
وقد يفيد فواثد) قرى:
ا- فيجوز التخصيص بالفعل الامتثالي أي مخالفة العمرة، ومثاله أن
النبي كل صلى بالمسجد الحرام، والناس+لجرون بين يدبر، خلق به فقيه عن الصلاة إلا بسترة.
2- ويجوز الممييد به. فالأمر القرآني الوارد يغسل الأعضاء في الوضوء مطلق
من جهها العدد، قيوده عنه بفعله، فغسل مرة ومرتلا!ن وثلاثاً ولم يزد. وقد أبى مالك اعتبار العدد. قال ابن قديمة: "الوضوء مرة مرة، والثلاث أفضله. هذا قول أكثر
(1) سورة الأمر أف: آيهَ 203
308
(1/302)
!!ل العلم، إلّا) ن مالكاً يوقت مرة ولا ثلاثاً قال: إنما قال الله ة (فاغسلوا وجوهكم ! (1).
ومثله التراويح عند الظاهرية، الأمر بها مطلق من جهة العدد، وفي الحديث(1/242)
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سالم يكن النبي ! يزيد في رمضان ولا في غيره على!حدى عشرة ركعة" (3) ركز الأئمة على عدم الوقوف عند هذا العدوى، فاختار أحمد والشافعي وأبو حنيفة ثلاثاً وعشرين لفعل عمر، واختار مالك تسعا وثلاثين كعمل أهل المدينة، و/ يقل أحد من متقدمي عللي الأمة بالوقوف عندما فعله ! فيما نعلم ما عدا بعض الظاهرية يو. قال النووي: 9 قال القاضي: ولا خلاف أنه ليس في ذلك حدث لا يزاد عليه ولا ينقص منه. وإن صلاة الليلة من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد الأجر، وإنما الخلاف في فعل النبي له وما!تاره لنفسه " (4).
ووجه ما رآه الأئمة الأربعة أن الأمر الوارد من الله تعالى مطلق، يتوفى بالتهجد بأي عدد كان. وما فعله جمني لا يزيد عن أن يكون اختارعددأ يناسبه، ثم حافظ عليه، لأنها كان عًمَلُه !يهَة!. فلا يدل ذلك على وجوب ما اختاره من العدد، ولا استحبابه. قال الشافعي: ورأيت الناس يقومون بالمدينة بتسع وثلاثة، وبمكة بثلاث وعشرين، وليس في شيء من ذلك ضيق " (ْ).
الفرق بحسن حالة الفعل البيافط ودلالة الفعل الامتثليئ:
الفعل البياف! مقصود به البيان يانهار المراد بالمجمل، وذلك نوع من التعليم. فالأصل أن ئعْتنى به مزيد عناية. فإن كان بيان واجب، فلا يعمل فيه بالرخص والتيسيرات التي يمكن أن تفهم على غير وجهها. ولا يضاف إليه ما هو مسعتحب وليس بواجب.
(1) المغني 39/1 1 (2) مسلم 18/6 والبخاري.
(3) يلمح من كلام ابن حزم انه يرى التقييد بالصور الواردة فىف صلاة الليل. انظر المحلى س/42
(4) شرح صحيح مسلم 19/6 (5) ابن حجر: فتح البارز 253/4 309
(1/303)
فإن انضم إليه شيء من ذلك وجَبَ بيانه لئلا ينضم إلى الواجب ما ليس(1/243)
منه. وليعتبر في ذلك ببيان النبي مجد مواقيت الصلاة، فقد إلَى في اليوم الأول في أول الوقت، وصلى في اليوم الثاني في آخر الوقت، وقال: الوقت ما بين هذين. وأيضا قال يطل في عرفات: وقفت هنا وعرفة كلها موقف. وقال في مزدلفة:
وقفت هناوجمع كنها موقف. وقال في نحره به: نحرت هنا فجاج مكة كلها منير. لئلا يتوهم الاختصاص بالموضع الذي يقف فيه أو نحر.
أما الفعل الامتثالي فلا يلاحظ فيه ما يلاحظ في الفعل البياني- بل هو امتثال
مجرد، فيداخل الواجب ما ليس منه ليُفعل على وجهٍ أكمل. فهو أضعف دلالة من الفعل البياني.
3- وقد يتبينّ بالفعل الامتثاليّ مجمل أو نحوه.
فعقوبته ! للسارق بقطع يده من المفصل، يستفاد منها أمران:
الأولى: تأكيد أصل وجوب القطع المستفاد من الاهية.
والثاني: وجوب أن يكون القطع من المفصل. فلا يكفي قطع الأصابع
مثلاً ولا يجوز التجاوز بقطع الساعد. فقد تبين به موضع القطعة
ورجه استفادة هذا الحكم الثاني أن (اليد! في الآية لفظ (مجملى) على قول، لاحتمال أن يكون المراد الذ!ل! كدها، أو الكف. وعلى القول الآخر الظاهر من لفظ باليد) الذ!ل! (1)، وعلى كل فقد تبينّ بهذا الفعل الامتثالي أن المراد به قي الأمة الكف.
ووجه تبينُ ذلك من الفعل، أن الواجب لو كان أمّلَ، لكان النبي يا قد
زاد على الواجب، وهذا ممتنع لتحريم دم المسلم بغير حق.
ولوران الواجمبا أكثرَ لكان ي قد نقص، و/ ينفّذكل ما أمر الله به، وذلك
ان انظر المّولن يخص حاشية ابن أبي شريف ص 175 العناني: حاشية جمع الجوامع 97/2 310
(1/304)
المبحث الثامن
الفعل المتعدي
المراد بالأعلى المتعمّد ما فعله النبي ! مما له علاقة بالغي، من الععَوبات والمعاملات والقضاء بين الناس ونحو ذلك.
وقد أفرده بعض الأصوليين نوعاً خاصا من الأفعال، منهم أبو الحسين
ا لبصري (1)، وا أز ركني (2)، وا لشوكا في (3)، وغير هم.
وهو بالنسبة إلى ومهره عن النبي ! وبالنسبة إليه خاصة، لا يعدو أن(1/244)
يكون واحداً من الأنبا الأخرى؟ لأنه إذا جبان أو خاص أو بيان أو امتثال، أو ليس كذلك يخشون من الفعل المجرد. فحكم الاقتداء به ! في ذلك يعلم في موضعه من المباحث المشار إليها.
أما بالنظر إلى الغير، أعني الشخص الذي تعليق به الفعل، فللفعل صور:
الأول: ما يوقعه النبي جمع بشخص من العقوبة حياً أو تعزيراً) و غرامة
يدل على أن ما نسب إنما ذلك الشخص وكان سبباً فيها هو معصية. فيفهم منه حكام الفعل الذي فعله المعاقَب.
ويفهم منه استحقاق من فعل ذلك الفعل لمثل تلك العقوبة.
وليال القاضي الباقلاني: ألا يكون الأمر كذلك إلا بتنبيه منه شر على أن من
فعل مثل ذلك استحق مثل تلك العقوبة. وقال: لأنه، وإن تقدم ذلك الفعل،
(1) المعتمد 387/1 (س) الإرشادي 36
(12 البحر المحيط 3/ 249 1.
311
(1/305)
فإنه لا يتعيّن لكونه موجِب أخذِ المال وإيقاع العقوبة، فإنه لا يمتنع وجود فعل آخر هو المقتفيى للمال والعقوبة" (1) 0 الـ.
أقول: وحصول التنبيه يعلق السببية، وأيضا لو قامت قرائن الحال كلى ذلك
كانت كافية. والله أعلم.
الصورة الثالثية: قد يم من الفعل المتعدّي (آمرأ) أو (نل!يأ)، بمنزلة الخطاب، فيدل كدلالة الأمر والنهي. ومثاله أن ابن عباس اهتم وحده بالنبي جمع في صلاة الليل، فقام عن يساره، فأخذ النبي جمع بيده فأقامه عن يمينه (2). قال ابن حزم: 9 هو على الوجوب، لأنه وإن كان فعلا فهر أمر لابن عباس بالوقوف عن مِمينه ينهي له عن الوقوف عن يساره " (3).
وقالت أبو شامة: وذلك على النحو " (4) ولحلَه بَنى ذلك على قاعدته له أن الوجوب والتحريم لا يمكن استفادته من مجرْد الفعل.
والصواب عندي جعله بمنزلة الأمر، إذ إن هذا ليس فعلا مجرداً، بل تدلىّ(1/245)
طبيعته المتعدية الأسرة، على المراد به، ويرد عليه الخلاف في مؤداه كما ترد على الأمر القولم!. وقد قال بالوجوب في هذا الفرع الحنابلة والظاهرية، وقالت مالك والشافعي والحنفية بصحة صلاة المنفرد عن يسار الإمام. ومأخذهم القرينة الدالة على أن الأمر ليس للوجوب، هي أن النبي !ك!رر/ يُبْطِل تحرياته. فاز على الجواب (ْ).
ومثال آخر: أن عبداللي بن مسعود كان يصلي وقد وضع يسراه على يمناه،
فرآه النبي بيع فوضع يمناه على يسراه (6). فذلك !يدل! على استحباب وضع اليمنى على اليسرى وكلراهية العكسي.
(1) أبو شامة: المحقق ق 138. (2) مسلم 6/ 50
(س) الإحكام 429/1 41) المحقق ص س 2
(5) ابن قديمة: المغني 2/ يلي 21
(6! ا أبوه أود والنسائي وابن ماجه. وقال ابن حجر: إسناده حسن ونيل الأوطار
312
(1/306)
الصورة الثالثة: قضاؤه جم!هه بين اثنين (6) له ثلاث جهات:
الأولى: الإثبات بالله ذات والشهود والقرائن. وهو من هذه الناحية فعل كسائر الأفعال، يقتدى به فيها حسبما تقدم.
الثانية: تقديره لثبوت الواقعة. هو مبني عله الظاهر، رئيس يديه على أن المحكوم عليه هو في الباطن لا/، إلا أن المحكوم له محقق ويجب على المحكوم عليه التسليم والرضا بحكمه لمج!يع.
الثالثة: ما تكلم به على تقدير ثبوت الواقعة، فهو شرع، فإن ثبت لدى القضاء مثل ماثبت لديه !ن!، تعيق الحكام بما تكلم به.
الصورة الرابعة: لو باع أر اشترى من شخص لم يدل ذلك على أن المال
كان موكله في الباطن إذ إن هذا تعامل على أساس الظاهر.
(1) انظر في هذا البحث. الزركشي: البحر المحيط 20/ 249 01 الشوكاني: الإرشادي 36 عبدالوهاب خلاف: علم أصول الفقه ص 044 أبو شامة: المحقىّ ق 138. 313
(1/307)
المبحث التاسع
ما فعَله صلى اللّه عليه وسلم في انتظار الوحي(1/246)
هذا النوع جعله الزركشي والشوكاف! قس!أ مستقلا من أقسام الأفعالْ النبوية. ذكر الزركشي (1) أن النبي فيه أبهم إحرامه في الحج، يعني أنه أحرم دون أن يعيق أنه يقرن أو يتمتع أو يُفرد الحج عن العمرة. ونقل عن الشافعية أنه يُسْتَحَبّ التأستي به جمعه، فيكون إبهام الإحرام أفضل، تاشياً*
والاقتداء بهذا النوع، على سبيل الاستحباب، غير مرضي. ففي منسابة
إبهام الإحرام أنه- وإن ثبت أن النبي !! أجلهم الإحرام منتظراً لوحي خاص- لا مساس للاقتداء به في ذلك بعد مجىِء الوجه، وتبين الأمر.
ولكون يدل على أن الإبهام مباح لا غير. إذ لو كان فاسداً يفعله !ك!يم. وانتظار الوحي لا يبيح فعل ما لا يجوز. ويتأكد الجواز بأن علماً أحرم عند مجيئه من اليمن بمثل ما أحرم به النبي عز وهو لا يعلم ما أحرم به النبي-!، وشرط القى بالنبي لمره أن يصنع كما صنع هو. فهذا إقرار يدل على الجواز. والله أعلم.
(1) المقصودة (الصفة) حكم الفعل من وجوب أو غيره. وقد يعبر الأصوليون عنها يضأ بي (الوجه).
(2) البحر المحيط: 2/ 249 1. إرشاد الفحول ص 36
4؟3
(1/308)
ا لفَصغل الجَام!ئهما ان لُ البر
ا- الفعل المجرد المعلوم الصفة.
2- الفعل المجرد المجهول الصفة.
3- ما ينسب إلى الأئمة عن القول في الفعل المجرد بنوعيه. 4- الأدلة والمناقشات.
أ- مناقشة دعوى امتناع التأسئي في الفعل المجرد.
ب- قول الوقف.
خذ- قول التحريم.
د- قول الإباحة.
هـ- قول الندب.
و- قال الوجوب.
زي قوله المساواة.
ح- قول المساواة في العبادات خاصة.
315
(1/309)
الفعل المجَرَّد
تعريف وتحديد:
مرادنا بالفعل المجرد، ما كان من أفعاله !خم! خلافاً لما تقدم من الأنبا السابق ذكرها. نص 168 وما بعدها!.(1/247)
ومعنى كونه مجرْداً، أن الأفعال السابقة أقترن بكلل منها قرينة يتبيٌئ منها حكمه بالنسبة إلينا، فالجبلي يدل على الإباحة، ولسنا متعهدين بفعلي مثله، والذي غلام أنه بيان حكمه مأخوذ من الخطاب المبلا!ق، والذي علم أنه امتثال كذلك حكمه مأخوذ من الخطاب الممتثل، وهكذا.
والفعل المجرد بالنظر إلى حقيقته على نوعين:
الأول: ما قد يكون في الحقيقة والباطن واحداً من الأنبا السابقة، لكن لم
يظهر لدينا دليل نلحقه به. فقد يكون في الحقيقة خاصا ولكن/ نطلع على دليل خصوصيته، أو يكون في حقيقته امتثالا لأمر إلهي معيق، سواء أكان في القرآن العظيم ولم نجد ما نحكم بها ن الفعل امتثالا لذلك الأمر، أو كان الفعل امتثالا لوحي خاص/ نخبَر به، بل ظهر لنا الفعل مجردات.
الثاني: أن يكون فعلا فعله النبي-له ابتداء هن ذات نفسه مطابقا لما
فرضه الليه تعالى له من إنشاء بعض الأحكام، أو من تصرفه في حدود مرتبة العفو، كما تقدم.
317
(1/310)
ما يستفاد من الأفعال النبوية المجرّدة، من الأحكام في حق الأمة:
إذا علمنا أن النبي صل فعل فعلا مجرداً، فما حكام مثل ذلك الفعل يخص حقنا؟10؟.
إن الإجابة على هذا السؤال! هي أهتم مسالة في باب الأفعالى النبوية، وعليها
يحور أكثر كلام الأصوليين في هذا الباب، نظرا لأن هذه الإجابة تتحكم في مسلك الفقهاء عند استنباطهم للأحكام الفقهية، مما يؤثر عنه يئه!غ من الأحاديث الفعلية المجردة، وليدا ما تقدم ذكره من أقسام الأفعال النبوية، عدا المجرد، أمره واضح لا يكاد يخفى.
ولكي نستطيع تبيين دلالة الفعل المجرَّد بجلاء، نقسمه قسمين:
القسم الأول: المعلوم الصفة بالنسبة إليه !ي!. وهو ما علمنا بدليل أنه
فعله واجبة،، و فعله ندباً أو على أنه مباح.
وتُعلم صفته بالأدلة التي تقدم ذكرها.
القسم الثاني: المجهول الصفة.
رعى حمبه!حي
فنعقد لكل مالنوعين مبحثأخاصأ.
ونُتبع بمبحث لذكر ما نسب إلى الأئمة المتبوعين، والأصوليين المشهورين من(1/248)
القول في ذلك.
وبمبحث آخر نستوفي فيه الأدلة، ونختار ما نراه أولى بالحق. والله ولي التوفيق.
318
(1/311)
المبحث الأول
الفعل المجرد المعلوم الصِّفَة
إذا علمنا بصدور فعل عن النبي جمة، ولم يكن مما تقدم من أقسم الأفعال النبوية، وتعكس عندنا بدليل أنه جمع فعله على سبيل الوجوب أو الندب أر الإباحة، فللعلماء قي دلالته على الأحكام في أفعالنا المماثلة لفعله أقواله سبعة هي:
ا- المساواة مطلقا 40- الندب.
2- المساواة في العبادات دون غيرها 50- الإباحة.
صح- ا لوجوب 60- البحر يم.
7- الوقف.
أما المساواة- وبها يقول الجمهوري فمعناها أننا نساوي النبي كئف! في أحكام أفعاله المجردة، فها فعله واجباً فهو علينا واجب، وما فعله ندبا فهوعلينا مندوب، ومافعله مستبيحاً له فهولنامباح-
وأما قول الوجوب فمعناه أن ما فعله النبي د، وجب علينا أن نفعله على
كل حال. سواء علمنا أنه ! فعله واجبة أر مندوبا أو مباحاً. ولو جهلنا ذلك فالحكم الوجوب كذلك كما يأتي.
وأما قول الندب فمعناها له يندب لنا فعل مثل ما فعله النبي عينه مطلقاً
أعني سواء علمنا صفة فعله أوجهلناها. وحتى لو علمنا أنه ! فعله وجوباً فإنه لا يجب علينا بل يندب.
(1) أصول البزاوي وشرح البشاري 3/ 925 19 س
(1/312)
ولا الإباحة فانه يباح لنا مثل فعله !كل!ييه، ولا يجب ولا ينضب.
وأما التحريم، فمعنله) له لا يجوز لنا فعل مثل شيء من أفعاله المجرّدة!
وأما الوقف، فمعناه أنا لا نحكم على فعلنا المماثل لفعله !ن! بحكم ما.
سواء جهلناحكم فعله أوعلمناه.
منشأ الاختلاف:
هذه الأقوال الأنفة الذكر تتجه اتجاه!سنئيس!!ن، ثم يتشعبان:
الاتجاه الأول: أن التأسئي به له في أفعاله المجردة مطلوب شرعاً بدلالة ما
تقحم ذكره قي فصل حجية الأفعال النبوية، من الآيات والأحاديث والإجماع، الدائر على مشروعية الاتباع والتاسع.
والاتجاه الذاتي: أن التاسئي به ييل فيها غير مطلوب شرعاً ووجهه أنه كان(1/249)
ثبشَتْ حجية الأفعال النبوية، إذَا أن مانعا منع من التأسئي بالفعل المجرد، وذلك المانع هو احتمال الخصوصية، فكيف يُتَأسى به ي في أمر قد يكون من خواصه، فنكون قد أوجبنا ما لا يجب علينا أوأبحنا ما لا يباح لنا.
وأورد بعضهم، أيضاً احتمالا أن يكون فعله !كل! معصية، على قول من
يجيز صدور الصغائر عن الأنبياء. كما تقدم في الفصل الثالث. قالوا: وذلك مانع من الاقتداء.
ثم تشعب أصحاب الاتجاه الأول شعبتين، بحسب تفسحِرهم للتاصئي المطلوب شرعاً
الشعبة الأولى: قالوا: الحّا!يّ واجب، ومعنى التأسئي عندهم هو مساواة الفعل للفعل، في الصورة والحكم. وهؤلاء أصحاب القولين الأول والثاني، (المسماواة المطلقة والمقيدة).
والشعبة الثانية: قالوا التأسيس هو المساواة في الصورة دون الحكم. ثم للفرع هؤلاءفرعين:
320
(1/313)
الفرع الأحد: قالوا: التأسئي مطلوب منا على سبيل الوجوب، فيجب علينا
أن نفعل صورة ما فعل ضد، سواء كان هو قد فعله على سبيل الوجوب أوغيره، وهؤلاء هم أصحاب القول الثالث (الوجوب).
والفرع الثاني: قالوا: التاسيس مطلوب منا على سبيل الندب، وهم أصحاب
القول الرد بع (الندب).
وأما أصحاب الاتجاه الثاني: وهم الذين قالوا إن التاسثي بالأفعالى المجردة
غير مطلوب شرعاً، فقد منعوا بذلك دلالة فعله المجرد على الأحكام في حقنا، فكان وجود الفعل النبوي المجرد عندهم كعدمه بالنسبة إلى هذا الأمر. وبقي حكام فعلنا كما كان قبل ورود مثيله من الأفعال النبوية المجردة. فمن قالي الأصل في الأفعال الإباحة، قال بها هنا وهو القول الخامس. ومن قال الأصل التحريم قال به هنا وهو القول السادس- ومن نظر إلى أن الفعل المجرد متردد ب!!ن أن يكون خاصاً أو مشتركاً فقد توقف، وهو القول السابع.
321
(1/314)
المبحث الثاني
الفعل المجهول الضيفة(1/250)
يجري في الفعل المجرد المجهول الصفة، ما يجري في المعلم الصفة من الخلاف. وترد فيه الأقوال المتقدمة على السواء، ما عدا قولَ المساواة، ففيه هنا- أعني في مجهول الصفة- تفصيل.
أما في ما عدا قول المساواة فلان العلم بصفة صدوره عنه ! لا يؤثر في
الحكم المستفاد، بل الحكم المستفاد في حقنا على القول الثالث هو الوجوب مطلقاً أعني سواء كان حكم الفعل بالنسبة إليه !ئه!ه الوجوب أو غيره، وعلى القول الرابع الندب، مطلقاً وهكذا في سائر الأقوال. ولذلك تجري الأقوال الخمسة في مجهول الصفة. !-
أما قول المساواة، فإن المساواة بي حكم فعلنا وحكم فعله ! لا يمكن تحقيقها ما لم يتعين لفعله واحد من الأحكام الثلاثة.
ومن أجل تحقيق قول المساواة في الفعل المجرد المجهول الصفة، كان لا بدل
من حمل فعله على واحد من الأحكلام الثلاثة في حقه كل، بنوع ترجيح ظاهرتي، مع الاعتراف بأنه قد يكون في الحقيقة والباطن على حكم آخر. وبعكس العلماء أبى حمله على شيامن الثلاثة.
من أجل ذلك كان في المسألة أقوال أربعة:
القول الأول: أنه يحمل على الوجوب في حقه يئهيم، لأنه الأحوط بالنسبة
إلينا (1). ولأن فعله أكظم أجرأ، فيكون أليق بحقه له.
(1) القاضي أبو يعله: العدد ق 1106.
22 يمر
(1/315)
والقول بالوجوب في ما ظهر فيه قصد القربة من الفعل المجرد، أقوى منه في
ما لم يظهر فيه ذلوا القصد.
ونقل القول بالوجوب فيما ظهر فيه قصد القربة عن مالئا"؟) وعن ابن جريج، وأبو سعيد الأصطخري، وابن أبي هريرة، وابن خيران من الشافعية، وعن الحنابلة (2) ونصره القاضي أبؤيعلى الحنبلي في كتابه بالعدة) (3) وصرخ به من متأخري الشافعية الشيخ زكريا الأنصاري (4)، والتزم أنه للوجوب قي حقه-كنوع وحقنا حتى في ما لم يظهر فيه قصد القربة*
القول الثاني:) له مجمل على الندب في حقه غد، وهو أصح الأقوال في ما
ظهر فيه قصد القربة- إذ إن القربة دائرة بين الوجوب والندب، فالمباح لا قربة(1/251)
ولما دارت القربة بين الوجوب والندب، وكان حمله كله الوجوب لا بد له
من دليل، إذ هو أمر زائد على مجرد القربة، كان الأولى حمله على الا ب لأنه المتيقن، والوجوب مشكوك فيه.
وقال أبو شامة: وهو متردد بين أن يكون مندوبا له، أو واجباً عليه وجوب الخصوصية. إذ لو كان واجباً مشتر!أ لوجب عليه أنه يبلغه المكلّفين. فلما لم يفعل دلت على أنه غير واجب عليهم. ثم إذا وقع التردد بين كونه مندوباً إليه،) و واجبة عليه، غلب على الظن كونه مندوباً لغلبة المندوب في أفعاله جمعهم وقلة ما اختصّ به من الواجبات ! (ْ) وفي هذا التقسيم نظر يعلم مما ياقة في قول الندب،
وأما القول بالندب في ما لم يظهر في قصد القربة، فقد وجْه بأن الغالب مت أفعاله ! المندوبات. وهو توجيه ضعيف.
وقد قال الشوكاني(6) بالندب، ووجّهه بأن فعل النبي ع!!إِن/ يظهر فيه
(1) تيسير التحرير 3/ 122
21) الأجدى: الأحكام 248/1 يمر العدة ق 1105.
(4) غاية الوصول شرح لب الأصول ص 92
(5) المحقق ود 111 (6) إرشاد الفحول ص 38 لم 32
(1/316)
قصد القوية، فهو لا بد أن يكون لقربة. وأقل ما يتقرب به المندوب، ولا دليلي يدلل على زيادة على الندب، فوجب القول به.
وهذا أيضا توجيه آخر ضعيف، لأن قوله:إ لا بد أن يكون لقربة" مردود
فالنبي له واحد من البشر، يفعل كغيره من الناس، ما أباح الله له. وليس فعل المباح عبثاً فيلزم تنزيهه عنه، بل قد يفعل لجلب نفع أو دفع ضرر.
القول الثالث: أنه للإباحة وهو ضعيف بالنسبة إلى ما ظهر فيه قصد القربة. ولكان هو أصح الأقوال فيما لم يظهر فيه ذلك القصد، وادَعى بعض الحنفية الإجماع عليه (1). ووجهه أن الفعل المجرد لا يفهم منه أكد من رفع الحرج، ترِك ذلك يخص ما ظهر فيه قصد القربة، وبقي ما لا قربة فيه خاليا من دليل يدل على أكل من الإباحة، فيحمله عليها.
فإذا دار الفعل بين أن يكون مقصودا به القربة أو لا يكون، فمن غلب فيه(1/252)
قصد القربة استدل بالفعل على الاستحباب، ومن غلّب فيه عدم قصد القربة أستدلَ به على الجواز.
ومثاله لبس النبي عنه نعليه قي الصلاة قال ابنا دقيق العيد: "إنه يدل على الجواز، ولا ينبغي أن يؤخذ منه الاستحباب، لأن ذلك لا يدخله في المعنى المقصود من الصلاة إلا أنا في ليل على إلحاقه بما يُتجمل به للصلاة، فيرجع إليه أأ (2).
أقول: قد صح فيه الحديث: وخالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا
في خلافهم ! (3). فكان قصد القربة فيه من وجه آخر غير التجمّل. والله أعلى وأعلم..
القول الرابع: التوقف. ومعناه الامتناع لكن حمل الفعل المجهود الصفة
على حكم معينة- فيمتنع المساواة فيه، بناء على ذلك،
11) انظر تيسير التحرير 3/ 122 (2) الأحكم 227/1 31) رواه أبو داود والاكم والبيهقي (الفتح! الكب!!. 324
(1/317)
ووجه الوقف فيما ظهر فيه قصد القربة، احتمال أنه ! فعله وجوباً أر
فعله ندباً وعدم الملل عل أنه فعله رجوبا، لا يدل لحظ عدم كونه كذلك، فلا يدعي الندب.
وأما ما لم يظهر فيه قصد القربة، فلاحتمال في بل فعله وجوبا لو ندبا أو إباحة. وعدم الدليل على كونه فعله وجوبا أو ندبا لا يدل على عدم كونه كذلئه، فلا تتعين الإباحة. !
وممن قال بهذا: الفخر الرازيّ، والغزالي.
فالتوقف في ما ظهر فيه قصد القربة بين الوجوب والندب.
والتوقف في ما/ يظهر فيه ذلك القصد، بين الأحكام الثلاثة.
وقيل: الوقف بين الثلاثة، على!ل حالي (1).
القول المختار في محمل الفعل المجهول الصفة:
الذي نختاره إن ما ظهر فيه قصد القربة يحمل على الندوب في حقه جمة وما/
يظهر فيه ذلك يحمل على الإباحة.
أما ما احتجوا به لقول الوجوب، من أنه أحوط، فنترك الرد عليه إلى موضعه الأليق به في المبحث الرابع من هذا الفصل.
وأما الاحتجاج بألا فعل الواجب أعظم أجرأ، وأن ذلك أليق بحاله غ!ع(1/253)
فهو مردود بما هو معلوم الوقوع من أن أفعاله المندوبة قي العبادات أعز من أفعاله الواجبة، ومثال ذلك الصيام، فكان-فييه يصوم الاثنيها والخميس، وثلاثاً من كل شهر، ويصوم من رجب وشمعدان والحرم وغير ذلك، وكان لا يلتزم بذلك. وهذا يدل على عدم وجوبه، وأن أكد أفعاله فيما عدا العبادات على الإباحة.
وأما ما احتجّ به الواقفون، فهو حق، لأن انتفاسو دليل الوجوب في ما ظهر
فيه قصد القربة، لا يمنع أنه !ئه!ي! فعلها في الواقع وحمّيقة الأمر علّى سبيل الوجوب. فلذلك لا يتعلق الندب.
(1) جمع الجهوامع 2/ 99
325
(1/318)
ولكن نقول: إنما نحمل القربة المجهولة الضفة على الندب، لأنه لما ثبت
لدينا وجوب التأسي به عن وكما سياقإ)، وعلمناه قد فعل هذه القربة، فكان لا بد لنا من حملها على أحد الحالمين، لنتمكن من التأل!ئي. ولما كان حمل القربة على الوجوب في حقه يأتيها الوجوب في حقنا، والأصل براعة ذممنا من ذلك، حملناه على الندب، لأنه المتحقق بعد ثبوت الطلب "\ )-
وكذلك القول فيما فعله يكن، مما/ يظهر فيه قصد القربة، يحمل على الإباحة لأنها المتيقنة-
تنبيه: يتضح مما تقدم عرضه في هذا المبحث والذي قبله، أنه حيث قال
أحد من العلماء في فعل من الأفعال النبوية المجردة إنه يدل على الوجوب في حقنا، فذلك القول له أحد متخذين.
المأخذ الأول: أن يكون قائله ممن يرى أن الفعل المجرد يدل على الوجوب
في حقنا بالقول الثالثة بقطع النظر عن حكمه بالنسبة إليه عن.
المأخذ الثاني: أن يكون قائله من أصحاب القول الأول وهو قول المساواة،
مع كونه يعتقد في الفعل أنه صدر عن النبي عن واجبه، إن كان معلوم الصفة أو يلحقه بالواجب إن كان مجهول الصفة.
ولا يتعين أحد هذين المأخذين بمجرَد نسبة القول بالوجوب ألما قائل معي،
ما/ تقم قرينة تبرق مقصوده.
وكذلك القول بالندب يدور بين مأخذين موازي!لن لماخذ! قول الوجوب-
ومثله أيضا القولي بالإباحة.(1/254)
وأما قول الوقف فله في الفعل المعلوم الصفة ماخذ واحد، هو احتمال الخصوصية، وقي المجهول الصفة ماخذالط: الأول احتمال الخصوصية والمعصية ونحوها. والاشخر: عدم تعين الحكم قي حمله جي على دول المساواة.
(1) انظر: إرشاد الفحول للشرجماتي ص/ 38
26 س
(1/319)
البحث الثالث
ما يئسبُ إلى الأئمَّة من القول
قي الفعل المجرّد بنوعَيْه
اضطربت كتب الأصول في ما تنسب إلى بعض الأئمة من القول في دلالة الفعل المجرد على الأحكام، حتى إننا لنجدهم ينسبون إنما الإمام الواحد أقوالاً متضاربة ينقض بعضها بعضاً
فالإمام مالك مثلًا نسب إليه القول بالوجوب، والقتل بالندب ع والقول
ما لا باحة.
والثلاثة منسوبة إلى الإمام الشافعي أيضاً
وكذلك نسبت الأقوال الثلاثة إلى الإثم أحمد بن حنبل.
ولعل هذا الاضطراب راجع:
أولأث إلى أن ما السند إليهم ليس منصوصا لهم وإنما هو تخريج على بعض أقوالهم في الفروع. قال المازني: وأشار ابن بويز مقداد إِلى أن قوله الوجوب مذهب مالك، وقال: وجدته في موطئه يستدل بأفعال النبي سكر كما يستدل باقوالهأ.
وسنبين أشياء من هذه تريبس إن شاء اله.
وثانياً إِلى اختلافهم في مقصودهم بالوجوب أو الندب أو الإباحة، أهو راجع إلى حكم الفعل في حقه له، أم في حقنا. وفي مقضودهنمْ بالتالمتي الذي يوجبونه أو يندبون إليه، أهو المساواهّ في مجرد الصورة أو في "الصبورة معا ! الحكم. 327
(1/320)
وكثير من ملئه سيبقى مبهماً دون حل، نظراً لتعذّر الحصول على نصوص
لهم أو نسبة أقوال منضبطة محررة.
أما متأخرو الأصوليين، فكلثير من أقوالهم منضبطة محررة نسبياً
وأنا أنسب الأقوال إلى أصحابها مرتبة بحسب المذاهب، وقد كان بالإمكان ترتيبها بحسب الأقوال أنفسها كما هو المعتاد في مثل هذا، إلّا) لا غرضي أن أخذ على كثرة الاضطراب في هذه المسالة المهمة، حتى عند أصحاب المذهب الواحد. 1- الإمام أبو حنيفة وأتباعه:(1/255)
لم نجد نقلًا عن أبي حنيفة رضي الله عنه في كتب أتباعه، وقاد الغزالي في المنخول: 9 غزاي إليها له يُتَلَقى من الفعل الوجوب مطلقاً (1).
والجضاص، من الحنفية، يرى أن الأصل في أفعاله يا الاشترالى في معلوم الصفة، فيجب علينا المتابعة فيها حتى يقوم دليل الخصوص، وفي مجهول الصفة تثبت الإباحة حتى يقوم دليل الحكم في حقه (2).
وأبو الحسن الكرخي الحنفيّ اختلف النقل عنه، فبعض الحنفية نقل عنه أنه
يثبت الإباحة في حقه يكن لأنه لا يقدم على معصية، ويحمل الأفعال المجرّدة كلها على الخصوصية فيمنع الاقتداء بها ما/ يقم دليل الاشتراك.
ونقل عنه آخرون أنه يثبت المتابعة يخص معلوم الصفة، ويمنعها في مجهول الصفة (3). وقد أشار الجصّاص إلى اختلاف النقل عن الكرخي، ثم قالي:إ والذي يغلب علا ظني من مذهبه أن علينا اتّباعه فيه على الوجه الذي أوقحه عليه (4). ونقل عنه ابن الباقلاف! أنها تدل على الوجوب (ْ).
(1) ص 225
(2) البخاري: شرح البزاوي 3/ 921 وأصول الرصاص ق 255 ب.
(3) أصول البزاوي وشرحه 3/ 921، 922 (4) أصول ا:رصاص ق 205 ب. (5) المحقق لأبي شامة ق 6 ب.
338
(1/321)
ونقل عنه صاحب مسلم الثبوت (1) الأولى بالوقف.
والذي استقر عند متأخري الحنفية المساواة في معلم الصفة، والإباحة في مجهولها. وخضه ابن الهمام جما لم يظهر فيه قصد القربة (2).
2- المالكية:
نقل ابن بويز مقداد المالكي عن الإمام مالك أن فعله ! على الرجوع.
وقال: "وجدته في موطئه يستدل بأفعاله !ن!" أقول: إن/ يكن عنده دليل يثبت به مذهب مالك ما عدا هذا، فإنه لا يثبت مذهبه في المسالة، لاحتماله أق مالكا يحتج في موطئه على الوجوب بالأفعال! البيانية، أو بما علم وجوبه في حقه !، على قول المساواة. وقد وجدنا مالكا رحمه الله ذكر في الموطأ في الوضوء تمضمض النبي !ف!ه قبل غسل وجهه، ثم قال: وأما الذي غسل وجهه قبل أن يتمضمض فليه ض حض ولا يعد غسل وجهه "لان.(1/256)
فهذا فعل مجرد/ يره مالك دالا على الوجوب، والا لأوجب إعادة كسل الوجه.
وقال صاحب تيسير التحرير (4) ما مفاده أن قول مالك هذا هو في ما كان
قربة من مجهول الصفة، يعني الدائر بين الوجوب والندب. فيحمله على الرجوع في حقه !وحقنا. "
ونقل الرازي،5، والآمدي "6) عنه القول بالإباحة في ما ظهر فيه قصد القربة. وا!اقلاف!- وهو مالكي- يقول بالوقف.
(1) مسلم الثبوت وعليه فوابالرحموت 2/ 180، 191
21) تيسير التحرير 23/3 1 (3) المرطة 1/ 0 2
(4) 3/ 122 (15 المحصول ف 48 1. 61) 1 لإحكلام 1/ 248
29!لأ
(1/322)
3- الشافعيّة:
أما الإمام الشافعي نفسه فقد نسب إليه الأولى بالوجوب (1)، والقتل بالندب (2)، والقول بالإباحة*
وأبر إسحاق الشيرأزي+) قال بالمساواة في ما ظهر حكمه، وبالإباحة فيما/
يظهر فيه قصد القربة من مجهول الصحة، وبالوقف في ما ظهر فيه ذلك القصد، ب!!ن الوجوب والندب.
والمنقول عن جمهور الشافعية أن فعله ع!ع على الندب في حقنا ما/ يدل على
غير ذلك دليل (4)، رقد تبنّى هذا القول أبو شامة في كتابه والمحقق من علم الأصول فيما يتعلق بأفعال الرسولي وانتصر له، بل بنى كتابه عليه.
وفريق من الشافعية، وهم ابن جريج ومن معه (ْ)، قالوا بأن فعله !نه! في الحريات، إذا كان مجهول الصفة، يحمل على الرجوع في حقه وبالتالي يكون مثله منها واجبا.
ومن الشافعية من قال بالمساواة، منهم الصيرفي وابن فورك. ونقل عنهما الزركشي وأبو شامة قوله الوقف (6).
وكثير من المتكلمين صاروا إلى الرقم، منهم الغزالي نية المستصفى) وأما في (المنخول) (7) فقد أخذ بقول المساواة، مع حمل القربة مجهولة الصفة على الندب، وحمل ما عدا القربة من ذلك على الإباحة.
والرازي قالت بالوقف في كتابه (المحصولأ، وقال بالوجوب في كتابه (المعا/).
(1) المنخول ص 226
(2) الامميى 248/1
(4) ابن حزم: الإحرام ص 422
(6) البحر المحيط 255/2 ب رالمحمّىّ 18. 330
(3) القمع ص 40(1/257)
51) تمّام ذكرهم في المبحث السوابق. (7) المدخول دعا 226
(1/323)
ومن الواقفة في ذلدُ أيضا الدقاق (1)-
والجريسي يقول في والبرهان) بالندب (2).
وأما العمدي فقد قال بالمسارعة في ما ظهر حكمه- وأما ما جهل حكمه وظهر
فيه قصد القربة فإنه يدل عنده على ترجيح الفعل على الترك، ولعله يعني النلإط 3). وما/ يظهر فيه قصد القربة، يدل عنده على الإباحة في حقنا كما صرخ 4 () الحنابلة:
نسب أبو الخطاب إلى الإمام (ْ). أحمد ثلاث روايات في دلالة الفعل المجرد: الوجوب، والندب، والوقف، وقال: إنه استنبط القول بالوقف من قول أحمد بالأمر من النبي له سرى الفعل، لأنه له يقول الشيء على جهة الفضل، وقد يفعل الشيء وهو خاص به، وإذا أمر بالشيء فهو المسلمي " هذا بينما ادعى أبو يعلى أن هذا القول من أحمد نص منه على الحب.
وقال أبو الحسن التميمي الحنبلي:إ الذي انتهى إلا من قول أبي عبداللّه-
يعني الإمام أحمد- إن فعل النبي ! موقوف على ما يضيفه من الدليل "ر 6).
وقد نقد ابن تيميه تخريج القول بالوقف وبين أنا التخريج باطل 71).
وقد نسب الأمني إلى الحنابلة القول بالوجوب في مجهول الصفة من القرب
في حقه !ئه! وحقنا (8) وممن صرخ به منهم القاضي أبو يعلى وقال ة هذا قياس
(1) أبو شامة: المحقق ق 5 ب. (2) أبو شامة: المحقق 8).
(3) أكد ابن شريف في حاشيته على جمع الجوامع أن مراد الأمدي بترجح الفعل على التقلى في ما ظهر فيه قصد القربة هو الندب. وقال: كما فهمه عنه ابن الحاجب وغيره-
(4) الإحكام 1/ 264
(5) التمهيد لأبي الحطاب ق 89 ب ونقلها بو يعلى أيضاً في العدة ق 1104.
(6) العدة ق 104 ا. ويمّول) بو يعلى انه وجد كلام التميمي في سائلة له مفرلهّ.
(7) ابن تيميه: المسودة ص 72 (8) الإحرام 348/1
1 سيما
(1/324)
المذهب (1) ا لمسا وا ة (2)
. يعني في القرب خاصة إذا/ يتعين حكَمها بدليل. فإن تعين فالحكم
5- المعتزلة:(1/258)
ينسب إلا طوائف من المعتزلة القولي بالوجوب (3)-
والذي عند القاضي عبدالجبار في المغني، المساواة في معلوم الصفة. وأما مجهولها فما!ان قربة فهو دائر بيئة الوجوب والندب، ويحمل على الندب (4) وما/ يكن قربة يحمل على الإباحة (ْ).
ورأي أب الحسين البصري المساواة في معلوم الصفة. و/ يتضح لنا قوله له مجهولها.
أما ابن خلود المعتزلي(6) وقد نقل عنه التفريق في التأسيَ بين العبادات وغيرها. فأعجب الاقتداء في الفعل العباسي لمجرد، ومنع الاقتداء في غير ذلك ! والنقل عضه في كتب الأصولي!س مضطرب وغير محرر.
6- الظاهر يا:
يقول الظاهرية إن الأفعالى المجردة تدل في حقنا على الندب خاصة، فإذا
نقل إلينا فعله ! فلا وجوب-
قال ابني حزم ونقله وعن جميع أصحاب الظاهيا: وليس شيء من أفعاله به واجباً، وإنما ندِبْنا إلى أن نتأسئى به فيها فقط... إلّا ما كان بيانا أو تنفيذاً" (7).
(1) العدة ق 105 النقله ابن تيميه في المسوح حما 76
(2) العدهَ ق 139.
(3) البحر المحيط للزركشي 249/2 ب.) بو يحلى الحنبلي: العدة ق 05 101.
(4) المغنىِ 17/ 256 (5) المصدر نفسه 17/ 271
(6) له ترجمة قصيرة في كاب والمنية والأملأ لابن المرتضى، نشرته دار صادر، ص 62. وزر جعله من الطبقة العاشرة من المعتزلة، من أقرانه بما الحسي البصري. وهو تلميذ أبي هاشم الجبائي.
(7) الإحكام ص 422
332
(1/325)
المبحث الرابع
الأدلِّة والمناقشات
نتعرض في هذا المبحث لأدلة الأقوالى السبعة المتقدمة، فنوردها؟ رنب!مق أوجه الاستدلال بها، ونذكر ما يورد عليها.
وقد قدمنا أن الأقوال الثلاثة الأخيرة، وهي قول الإباحة، وقولي التحريم.
وقول الوقف، مبناها على عدم التأملي بالفعل النبوئي المجرد بدعوى أنه محتمل للخصوصية، والفعل الخاصين يمتنع الاقتداء به.
ونحن نناقش هذه الدعوى المشتركة بي الثلاثة في مطلب، ثم نستعرض الأقوال الثلاثة، واحداً واحداً، ونعقد لكل مخها مطلباً
المطلب الأول(1/259)
في مناقشة دعوى امتناع التاسيس
لاحتمال الخصوصية ونحوها
لا شك أن للنبي حد خصائص لا يشاركه فيها أحد من أمته، وقد لقدم ذكر
ذلك.
وهناك أفعال ثبمّت المشاركة في أحكامها بين النبي عن والأمة كالإسلام والصلاة والصوم والحج وصلة الرحم ونحو ذلك، وكسائر الأفعال البيانية، والأفعال التي هي امتثال وتنفيذ لآيات معلومهّ عامة للنبي !ك! والأمرّ. ومثلها أيضا الأفعال التي أمرنا بالتاسيّ فيها بأعيانها.
333
(1/326)
وأما الواسطة، وهي الفعل المجرد الذي/ نعلم أنه خاص، ولم يحلم أنه مشترك الحكم، فهل يقتدى به؟ هذا مرضع الاختلاف.
فيما الذين منعوا التالمئي به أصلاً وهزم أصحاب الأقوال الثلاثة المذكورة
فقد قالوا: إنه لما كان احتمال الخصوصية قائما في كل فعل مجرد، فليس لأحد أن يدعي جواز أخذ الحكم ا منه، فلعلَه) ن يكون مما يجوز له كله ومجرم على غيره، فيكلون من اقتدى به قد فعل حراماً
بذا نظرنا- منصفين- نجد أن خصائصه التي ثبتت بأدلة صحيحة قليلة جداً وقد قدرناها فيما مضى بخمس عشرة خاصة، وجزء كبير منها إنما خصوصيتها بكونها محرمة عليه، والمحرم لا يفعله !، فلا يبقى من الأفعال التي فعلها والتي ثبت اختصاصه بأحكامها أكثر من عشر خصائص.
هذا بينما أكد الأحكام الشرعية ت ثبت الاشتراك فيها، كانوا العبادات وأركانها وشروطها، وما يستحب فيها من الأفعال والهيئات وكذلك الأداء والمعاملات التي ثبت الاشتراك فيها، تزيد أضعافا مضاعفة عما ثبت الاختصاص فيه.
ومن هنا فإن الفعل المجرم د ينبغي ألأ تُمنع دلالته في حقنا لأجل الاحتمال الضئيل لكونه خاصه من خصائصه عن.(1/260)
يقول الأسدي:ا وأما بالنسبة إلى أمته، فلا له وأن كان، عليه الصلاة والسلام، قد اختل عنهم بخصائص لا يشاركونه فيها، غير أنها بلدا ة، بل أندر من النادر بالنسبة إلى الأحكام المشترلى فيها. وعند ذلك، فما من أحد من آحاد الأفعال إلآ واحتمال مشاركة الأمة للنبي ! فيه أغلب من احتمال عدم المشاركة،! !راجأ للناظر تحت الأعم الأغلب، فكانت المشاركة أظهرت (1) 0 الـ.
وبمثله أجاب ابن الحمّام أيضأأ2).
(1) الإحكام 1/ 250 (2) لّيسعير التحرير 127/3
334
(1/327)
لقد حاول الغزالي أن يرد هذا الاستدلال بقوله: أفإن قيل التعميم أك!ثر
فلينزل عليه.
أ قلنا: وَ/ يُجب التنزيل على ان ز، وإذا اشتبهت أخته بعشر أجنبيات فالأك!ثر حلال ولا يجوز الأخذ به " (1)0 الـ.
وهذا التنظير كير مستقيم، لأن المخالف يدعي ندرة الخصوصيات، لا مجرّد قلتها. والتنظير الصحيح ينبغي أن يكون بما يقوله الفقهاء من أنه لو اشتبهت أخته بنسله أهل مدينة أو قرية غير محصورات، لم يحرم عليه الزواج منها (2).
ولا شكل أن القاعدة والحكم للأغلب ولا كبرة بالنادي قاعدة صحيحة في
باب الأدلة الشرعية. ولو نحن أبطلنا كل دليل في الكتاب والسنة لاحتمال ضئيل؟ لأبطلنا بذلك حجرة القسم الأكبر من الشريعة، من أخبار الأحاد والقياس، بلى والاَيات والأحاديث المتواترة التي قد يتطرق احتمال إلى دلالالتها.
ويقول المازني:أ وبالجملة فالأظهر في هذا أننا مأمورون بالاتباع عله الجملة فإن الصحابة بلانت تدين بهذا. وإذا طرقنا إلى مثل هذا الاستدلال ما أشار إليه الواقعية من التجهيز، فتحنا على أنفسنا مطاعن من طعن علينا في استدلالنا باَثارهم في إثبات القياس والعمل بخبر الواحد. وهذا واضح. !(نما يبقى النظر في مسلكهم اتباعه !ك!رر (كذا) هل كانوا يعتقدون الوجوب أو الندب ! (3).(1/261)
ويقول أبو شامة:أ مذهب الواقعية مستلزم للترقية له أقوال الشا!رع وأفعاله، ولزم من ذلك التوقف في أكثره الأحكام الشرعية، وهو خلاف ما عليه السلف وأئمة الهدى من فقهاء الأمصار" (4).
هذا وقد أحسن أبو الحطاب صياغة الردّ على من منع التاسئي لاحتمال الخصوصية، إذ يقول ة (احتجّرا بان ما يفعله يجوز أن يكون مصلحة له دوننا (5؟
(1) المسحصفه 51/2 131 أبو شامة: المحضر ق 13 ب. (5) التمهيد وَ 89 ب !
335
(2) السيوطي: الأشباه رالنظائرص 56 (4) المحقق ق 32 ب.
(1/328)
!والجراب أنه يجوز أن يكون مصلحة لنا أيضاً، وقد أمرنا اتباعه، فوجب ذلك، لأن الظن رد ن المصلحة في الفعل تعضه وإيانا، إلا أن يردّد دليل بتخصيصه ".
وأما احتمال المعصية ونحوها فقد أجبنا عليه في الفصل الثالث.
336
(1/329)
الطلب الثاني
قول الوقف
مبنى هذا القول على أن الفعل المجرد لا دلالة له، لأن حكمه واثر برس الاختصاص والاشتراك، ولاحتمال المعصية ونحوها عند من يقول به.
وقد وجّهوه في الفعل المجهول الصفة أيضا بان التأسئي به غير ممكن، أو
التالصيّ يستدعي المساواة في صورة الفعل وحكمه، فلما كان حكمه مجهولا امتنع الاقتداء به ووجب التوقف.
فيما الاستدلال باحتمال الخصوصية والمعصية فقد أبطلنله في ما تقدم.
وأما توجيههم الوقف في الفعل المجهول الصفة فقد تقدم مناقشتها يناً في مبحث الفعل المجهول الصفة.
إلا أنه يتعين هنا النظر في مقصودهم بالتوقف، والتصرف الذي يرون أنه
ينبغي إزاء الفعل المجرد.
فأما قولهم في الفعل المجهول الصفة أنه يتوقف فيه، فيحتمل أنهم عادوا التوقف في حكمه بالنسبة إليه ن!!. وهذا أمرُهُ قريب.
ولكنهم قالوا بالوقف أيضا فيما ظهر حكمه، وحينئذ فإما أن يمنعوا الاقتداسو
به فيؤول إلى قول الحظر الآتي ذكره، ولكنهم أعني الواقعية: الغزالي، والرازي، ومن معهما- ممن ورد قول الحظر.
و كما أن يجيزها الاقتداء به مع الجهل بوجهه، وهذا أيضا ما صوتوا ببطلانه ه
337(1/262)
(1/330)
فلا يبقى ألأ أنهم يعتبرون وجود الفعل المجرد كعدمه بالنسبة إلينا، وحينئذ
نرجع إلى الأصل في الأفعال قبل فرد الشرع، وهو ارتفاع الحرج عن الفعل. وليس ذلك عندهم هو الإباحة لأن الإباحة عندهم حكم شرعي، وهذا ليس حئى(1). وإنما هو خلؤالفعل عن الحكمة ويكون الحكم في حقنا عندهم بمعنى الإباحة على قولي من يقول: الإباحة حكم عقلي (3).
(1ر1 لمستشفى 40/2
(2) انظر!شف الأسرار على أصول البزاوي 922/3 أو البحر المحيط للزركشي 2/ 251 1. 338
(1/331)
الطلب الثالث قول التحريم
/ ينسب هذا القول إلى قاتل معيق (1)، وإنما نسب إلى بعضا من قال بأن الأصل في الأشياء قبل ورود السمع التحريم. فإذا انتفت دلالة الفعل النبوي على الأحكام بقي الفعل على ذلك الأصل. قال الغزالي ة وهذا خيال من رد ى الأشيل! قبل الشرع على الحظر" (2).
والاَمدفي ذكر أن مبناه على قول من يجوز على الأنبياء المعاصي (3).
وقد أب أبو شامة طريقة الأمصيَ في بناء هذا القول، ولم يذكر وجه رده، ولا
داعي لرده إذ هو محتمل. ووجه أنه كيف يقتدى به فيما يحتمل أنه معصية؟.
ويردّ هذا القول من أصله، بان الأصل في المنافع الإباحة، كما يعلم في موضعه من كلام الأصوليين.
وبان النبي ! معصم من المعصية، أو من الإقرار عليها.
وأن من أجاز وقوعها فإنما يقع ذلك عند 8 على سبيل الفلتة والأمر النادر.
وقد أجاب الغزالي بجواب آخر، قال: "يلزم من هذا القولي تناقض،
(1) وجدنا ابن بحزم في الفصل 2/4 ينسبه إلى الباقلاني أو صاحبه أ!! جعفر السمناف! بناء على احتمال كودي الفعل النبوي معصية.
(2) 1 لمستشفى 2/ 49 (3) 1 لإح! أم 1/ 250
339
(1/332)
بتمَدير) ن يفعل النبي-وجيه فعلين متضادين لا وقتين، فيؤدي إلى أن يحرم الشيء وضده، وهو تكليف محال "11).
ومن أجل ذلك قال أبو شامة: وهذا قول سخيفٌ رديء على ألا الأمين
بُني " (3).
(1) 1 لمس!صفى 49/2
(3) المحقق ق 115. 340
(1/333)
المطلب الرابع(1/263)
قولي الإباحة
ا- هو راجع عند بعض القائلة به إلى امتناع التاسيِّ في معلوم الصفة ومجهولها. وأن الواجب العودة إلى الأصل في الأفعال، وهو الإباحة+
ويري عل أصحاب هذا الاتجاه بما تقدم في إبطال دعوى امتناع التأسي.
2- ويرجع عند آخرين إلى أننا/ يطلب منا الخالصي به يكن في أفعاله المجردة، بل أبيح لنا ذلك.
وجوابه بما تقدم في فصل حجيّة الفعل النبوي من الأدلة القاضية بأن التسلحي مطلوب شرعاً
3- ومبناه عند طائفة ثالثة أننا حملنا فعله يكن المجهول الصفة في حقه ي
على الإباحة، وذلك يقتضي الإباحة في حقنا، على قول المباراة الآتي.
وهذا البناء صواب في الفعل المجهولة الصفة إذا/ يظهر فيه قصد القربة. لما
إذا ظهر قصد القربة فذلك يرقى بالفعل إلا الندب. ولا تصح دعوى الإباحة فيه، إذ أنها على خلاف مقتضى الظاهر-
* صف"
انتهينا من استعراض الأقوال التي تمنع الخالصي بالفعل المجرد بحجّة احتمال الخصوصية أو غيرها. وانتهينا إلى بطلانها جميعاً.
وبقي أن نستعرض الأقوال التي تقول بمشروعية التاسئي به-له. وهي أربعة: القول بالندب، والقول بالوجوب، والقول بالتساوي في العبادات خاصة؟ بالقول بالتساوي يخصه جميع الأفعال المجردة.
ونعقد لكل منها مطلباً.
341
(1/334)
المطلب الخامس قولي الندب
المراد بهذا القول عند من قالوا به معنيان:
الأول: من قصر ولقوله بالندب في الفعال المجهول الصفة على ما ظهر فيه
قصد القربة، فهو من القاصين بالتساوي لكن يحمل الفعل على أنه صدر منه !نه! مندوباً ولذا فإننا سنذكر القول بالندب بهذا المعنى مع قول التجاري.
الثاني ت أننا إذا علمنا أن النبي !كل! فعل فعلاً فإنه يندب لنا أن نفعل مثله،
سواء، علمنا أنه !كيهه فعل ذلك على سبيل الوجوب، أو الندوب، أو الإباحة، أو لم نعلم ذلك، وسواء أكان الفعل قربة أم لم يكن، كما صرخ بذلك بهذا التفصيل أبو شامة (1).
ونقصر القول في هذا المطلب على المعنى الثاني.(1/264)
وقد وضح أبو شامة قول الندب، وما يجري فيه؟ حيث يقول:
أ كلا فعل ظهر فيه قصد القربة، وكان معدوم الصفة من وجوب أو ندب،
أو لم يكن، فالأمة مندوبون ألي إيقاع مثل ذلك الفعل مطلقاً
وما لم يظهر فيه قصد القربة، وكالة محتملًا للقربة، دن خهفيت عنا، فكذلك. مثاله رفع اليدين عند التحرك بالصلاة، وعند الركوع، والرفع عنه، وعند القيام من الركعتين، وكنزوله !ئه! في حجّته بذي طوَى ومبيته به ليلة يوم
(1) المحمىّ ق 16
(2) المحقق ق 12 342
(1/335)
عرفة. فهذا رنص) فعال صدرت منه يا تحتمل القربة، وأن/ يظهر لنا فاستحدث عللي المذهب متابعته رالتاسئي به فيها. وهي في هذا الباب بمثابة الأوصاف الشبهئة في باب القياس، إلاانها مخطوطة الدرجة عما ظهر فيه قصد القربة. فيكون الاستحباب فيها أكد مما لم يظهر فيه قصد القربة، ويكلون الاستحباب فيما رجب عليه ! أكد، لأن مصلحته أتم بدليل تحتمه عليه.
فهذه ثلاث درجات: أعلاها متابعته ! في ما رجب عليه.
وبعدها متابعته في ما ندِب إليه، لو فيما لم تعلم صفته، لكن ظهر فيه قصد
السر بل-
بالدرجة الثالثة ما احتمل القربة وإن لم تظهر.
وبعد هذه الدرجات درجة رابعة، وهي متابعته ! في الأفعال التي يكاد
يقطع فيها بخلّوها من القربة، كهيئة وضع أصابع اليد اليمنى في التشهد، فتستحب المحافظة عليها والأخذ بها ما أمكن، تدريبا للنفس الجموح، وتمريناً لها علا أخلاق صاحب الشرع، لتعتاد ذلك، فلا تخل بعده بشيء مما فيه قربة. فهذا ونحوه هو الذي يظهر لي أن إبداله بن عمر رضي الله عنهما كان يلاحظه، فأخذ نفسه بالمحافظة على جميع آثاره !-.. فالمئصف بالإيمان، من علامات صحة إ!لمانه ومحبته لرسول الله ! التبرك بآثاره، والاتباع فيها- وفا- وإن لم تصدر من رسول الله !ك! قربها- قربة. فنحن نرجو بفعلها التقرب إلى الله تعالى، لما انطوى عليه فعلنا لها من محبته يكن التي حملتنا عليها، ربما يُحْدِث ذلك من رقة القلب بتذكره ئي". الـ.(1/265)
ثم نقل أبو شامة عن ابن عَبْدان قوله:إ أفعال النبي ! إليّ لم تحصل منه
على وجه القُرَب، يستحبَ التاسيس به فيها، نجد بركلته، مثل أكله وشربه وعطائه ومعاشرته لنسائه، وجميع أفعاله المتعلقة بأمور الدنيا. يستصحب التاسيس به في جميع ذلك،10 هـ،
343
(1/336)
أدلة القائلاين بالندب:
القائلون بالندب في الفعل المجرد بأنواعه، استدلوا بما ورد في الشريعة من
طلب الباستي بالنبي ! والاتباع له، ومن فعل الصحابة"؟ " وقالوا: إن الشرع طلب التالي لا على سبيل الوجوب، فلا يبقى إلا أنه دال على الندب. واستدلوا على انتفاء الوجوب بانتفاء دليل يحتّم التأسيَ. وحاولوا رد أدلة القائلين بالوجوب بما نذكره في المطلب التالي.
واستدلوا على انتفاء الوجوب أيضا بأمور(2):
الأول: أن الفعل أضعف دلالة من القول، والقول يدل على الوجوب،
فينبغي أن لا يكون الفعل دالا عليه، بل على الندب (3).
ويجاب عن ذلك بأنه لا يلزم من كونه أضعف دلالة خروجه من دائرة الدلالة على الوجوب.
الثاني: حديث أبي هريرة، عن رسول الله !، قال: لكل أمتىِ يدخلون
الجنة ألأ من أبى" قالوا: ومن باب يا رسول الله؟ قال: ومن أطاعني دخلي الجنة، ومن عصاني فقد أبى" (4) ! قالوا: والطاعة والعصيان إنما هي بالنسبة إلى القولي درن الفعل. فدل على أن الوجوب مستفاد من القول دون الفعل (ْ).
ويجاب بأنه إذا أمر بالقول باتباع فعله، فلم يتّبع، كان عصياناً.
سلمنا أن الطاعة اتباع مقتحما القولي، والعصيان مخالفته، لكن ليس في الحديث تعرض ض للفعل أصلا. ولو دلّ هذا الحديث على عدم الوجوب، بالفعل
(1) تقدم إيضاح فلك في الفصل الثالث.
(2)/ نر أحداً تتم هذه الأحاديث بالرد على استدلال ابن حزم و!! شامة بها ألا قليلاً وقد رددنا عليهما بما يسره الله.
(3) أبو شامة: المحقته ق 15 ب. 41! البخاري 249/13
(5) أبو شامة: المحقتاق 15 ب.
44!لأ
(1/337)(1/266)
لزم مثلى ذلك في الأدلة الأخرى، التي/ تذكر في هذا الحديث، كالإجماع والقياس.
الثالث: حديث: كما تركت شيثأ مما أمركم الله به إلا وقدم مرتكب به، ولا تركت شيئاً مما نهاكم اله عنه إلا رقد نهيتكم عنه " (1). قالوا: وهذا ظهر في القول دون الفعل (3).
ويجاب بأنه إذا دفع بالقول على اتباع فعله فقد بين بالقولة.
وأيضاً هذا منتقض! بكل ما يدل عله الوجوب من غير أمره، كالقياس والمفهوم والإجماع.
وأجاب بعض الحنفية (3) أيضاً بان الاستحباب كذلك يستدعي التبليغ، فإن
/ يكن الفعل تبليغأللوجوب فلايكون تبليغاً للنمو.
الرابع: حديث: ليدعوني ما تركتكم، فإنما أهلكَ من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبه، وإذاك مرتكب بشيء فأتوا منه ما استطعتم ! (4) قالوا: فلم يوجب على أحد إلا ما استطاع، مما أمر به، واجتناب ما نهي عنه فقط، وأسقط ما عداه. وأمرهم بتركه ما تركهم (ْ). ويجاب عن ذلك بمثل ما تقدم في الحديث السابق !
الخامس: قالوا: إنا قد علمنا بضرورة الحد والمشل!دة أنه له، وكلف حي
في الأرض، لا يخلو طرفة عين من فعل، إما جلوس، أو م!ثي، أو وقوف؟ و اضطجاع، أو نوم؟ أو الكلاء، أو غير ذلك من الأفعال. وفعله/ يظهر دائهأ، بلى هو في حال خلوته لا يترك الأفغان. قالوا: وهذا يدل على عدم وجوب شيء من
(1) قال أبو شامة: رواه الشافعي من حديث المطالب بن حاطبا.
(2) أبو شلمهّ: المحقق ق 15 ب.
(3) تيسير التحرير 3/ 26 1 1، وأيضاً فراتع الريموت 182/3
(4) رواه مسلم 109/15 (5) ابن حزم: الإحكام 429/1 345
(1/338)
أفعاله، إذا لو كان واجبا لوجب أن يحضر 8 أحد منهم دائماً، لينقل إليهم ما فعله -! من الواجبات.
وهذا من أقوى ما يحتجزون به (1).
وجوابه، وبالة التوفيق، من وجوه:
ا- أن ما يفعله ! في غيبته مما كان واجبا، لا يمتنع أن يفعل مثله مرة أو
مرات أخرى بحضرتهم، فيحصل المقصود.(1/267)
2- أنه يكن قد حرص على تكثير نسائه، والحكمة أن يرين أحواله في خلوته رينقلنها إلى الناس، وهذا يدل على خلاف ما ذكروا-
3- أن دليلهم ينتقل بقولهم هم. إذ إنهم يقولون: فعله يدل على الاستحباب+ والاستحباب شرع يجب بيانه، فكان يلزم إظهاره كالواجب.
4- أن ما مثلوا به أفعال جبليّة، لا ترقى إلى مرتبة الوجوب، بل ولا الاستحباب. والواجبات من أفعاله في قليل، فيمكن إظهارها.
السادس: واحتج به ابن حزم (2)، أن الأفعال لو كانت على الوجوب لكان
ذلك تكليفألما لا يطاق، من وجهين:
ا- أنه كان يلزمنا أن نضع أيدينا حيث وضع ! يده، وأن نمشي حيث مشى، وننظر إلى ما نظر إليه. وهذا كله خروج عن المعقول.
ريجان عن هذا الوجه، بأن هذه مباحات جبلية لا دخل لها في الأحكام،
فلا ترد على قول القائلين بالوجوب، والقائلين بالمساواة.
وأيضا لو صحّ هذا لكان وأردأ على قول الندب الذي يقول به ابن حزم، فما
كان جواب القائلين بالوجوب.
(1) انظري صول الرصاص حق 1209).
(3) الأحكام 1/ 435 46 س
(1/339)
2- أن أكثر هذه الأشياء- يعني الأشياء المائتة التي تصرف فيها النبي جمئ! بأعيانها- قد فنيت، فكنا من ذلك مكتفين ما لا نطيق.
والجواب أن القائلين بالوجوب،! !ا!قولون !وجولب إيجاد فعل مماثل لفعله
!. والمماثلة تتحقق دون ما ذكر.
وأيضا هذا لو صح لكان وأردأ على قتل الاستحباب.
السابع: واستدلوا أيضاً بحديث الأعرابي (1) الذي حلفإق لا يزيد شيئا
على ما أخبره النبي ! منذ وكان الإسلام الخمسة. فقالت النبي عينه: أفلح إن صدق. قالوا: لم يُلزمه النبي متي لغعاله. و/ ينكر عليه الاقتصار عليها بلى شهد له بالفلاح (2)-
وجوابه ما ثبت من إيجاب أمور أخرى كالجهاد وصلة الرحم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاحتمل أن يكون هذا الحديث متقدّما ويكلون كله ما ثبت وجوبه غير الخمسة المذكورة متأخراً ويكلون دليل التألصي متأخر الورود عن حديث ا لأعر أب.(1/268)
الثامن: واستدلوا) يضأ بحديث عبدالله بن مسعود (؟) قاله: صلى رسول انه
!! فزاد وأو قال: فنقصد فلما سلم قيل له: يا رسولي الله، أحدَثَ في الصلاة شيء؟ قال: 9 وما ذاك؟ ! قالوا: صليتَ كذا وغدا. قالت: فثنى رجله واستقبل القبلة، فسجد جهنم سجدتين ثم سلم. فلما انْفتَل أقبل علينا بوجهه، فقالا: "أر حدث يخص الصلاة شيء أنبائكم به، ولكن إنما أنا بأثر، أنسى كما تنسون. فإذا نسيتُ فذكَروتي. وإذا شكّ أحدكم قي صلاته فليتحر الصواب فليبني عليه، تم يسجد سجدتين "4) ! قالوا: معنى قوله يكن: الو حدث في الصلاة شيء سباتكم به !، ما كنت أقتصر على بيان ذلك بفعلي، بل كنت أنبئكم به قولِّا.
(1) رواه البخاري 6/1 0 1 ومسالم 166/1 21) أبو شامة: المحرّق ق 17 ب. 31) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن الثلاثة وجامع الأصول 6/ 354) (4) أبو شامة: المحقتاق 123
347
(1/340)
والجواب أن مثل هذه الحادثة خالفَ فيها الفعل القولىَ المتقدم المستقر المعلوم، فلا يكفي الفعل لنسخه لو كان المراد النسخ، فلو/ ينبئهم به لقُدم القول.
وحينئذ فإذا أريد نسخه لا بد من أن يكون ذلك بقول. وخاصة على قول
من يقول: الفعل لا ينسخ القول مطلقاً، أو لا ينسخه ما/ يتكرر.
وأيضا ما ذكره النبي ! من أنه يضحى كما ينسون، يجعل تركه لما ترك مجملاً
لأنه يحور بين النسيان وبين التشريع، ومن أجل ذلك لا يصلح الفعل بياناً في مثل هذا المقام، ويتعين القول.
** !
هذه أدلتهم التين وردوها، وقد زئفناها وبينا أنها لا تدل على مطلوبهم.(1/269)
ولقد صربي أبو شامة بأن والاقتداء بالواجب من فعله-له لا يكون واجباً، وأنه لا يعلم شيئا من الأحكام الواجبة مستندُ وجوبه الفعلي. وهذه مجازفة غير مقبولة، كان ينبغي له أن يحترز من إطلاقها، لعل الذي حمله على ذلك اقتفاء خطوات ابن حزم رحمة الله عليهما. صالح لافي دليل قولمأ يدل على وجوب خطبة الجمعة 4 وركنية ركعتين في صلاة العيد، ووجوب السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة، والبدء بالصفا، ووجوب ركوعان صلاة الكسوف، وسجود السهو، وغير ذلك.
دليل بطلان قول الندب:
التاسئي المطلوب شرعا يقتلهما المساواة في صورة الفعل، وفي حكم الفحل. وبدون ذلك لا يكون الفعل الذي نفعله تأسياً فمن/ يفعل ما يماثل الفعل النبويّ في الصورة فليس متأسمِّأ، بل يكون مخالفا (1). وكذلك مَن فعَل ندبا ما فعله النبي ! واجبة، فذلك ليس تأسياً، بل هو نوع من المخالفة، أو هو أقرب إلى ألا بتدل،
(1)) بو الخطاب: التمهيدي 190.
348
(1/341)
وهذا دليل صحيح. وهو عمدة القائلين بالساواة قي الحكم. وهو الذي
نأخذ به. وله يمكن الرد أيضاً على قول القاثليهة بالوجوب.
وقد اعترض على هذا الدليل بشبه أربع:
الشبهة الأولى: وقد اعترض بها أبو شامةأ1). وحاصلها أن تفسير الأسوة بللساواة في الصورة والحكم تفسير غير مقبول، إذ لا يعرفه أئمة اللغة. بلى الوارد في مصنفاته تفسير الأسوة بالاقتداء، وهو لا يقتضي المساواة في الحكم. يقول أبر شامة: (/ أر أحدا ممن وقفت على مصنفه في اللغة ذكر في معنى الائتسل! والاتباع ما ذكروا، ولا يشترط ما شرطوا، بل يفكرون الإثتساء بالاقتداء، هكذا مطلقاً نحوقول الراغب ة الأسوة والأسوة كالقُدوة والقدوة. وهىخ الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره، إن حسنا وإن قبيحاً وإن سازي وإن ضازأ. ولهذا قال تعالى: ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة! فوصفها بالحسنة"،
ثم نقل عن غير الراغب مثل ذلك، ثم قال: (فالتأسي عله هذا عبارة عن(1/270)
فعل يوافق فعل الغير، مفعولٍ لأجل فعله، متصل بصفاته الظاهرة دون الموافقة له في النية".
ثم قال: فإن دعواهم مقابلة بدعوى أكد مخهم من أهل الأصول، وهم القائلون بالتعي!س من وجوب أو نطلب، فإنهم لا يفي دون الخالصي والاتباع بما ذكروا، فليرجع إلى تفسير أهل اللغة فإنه الأسدي".
وقد تلقف هذا التفسير للأسوة المحدد ث الصنعاني (2)، وأكده بالاستشهاد
بقول الخنساء في مرثاة أخيها صخر:
ومايبكون مثل أخي ولكن أسئَن النفسي عنه بالتاستى بعدقولها:
ولولاكثرةُ الباكر حولي على إخوانهم ا ة ت ا، حيط نفمصي
(1) المحقق ق 118، ب.
(2) حاشية هداية العقول 466/1 349
(1/342)
واحتجوا على القائلين بالمساواة، بأنهم أجازوا التالي فيما لا يعلم وجهه،
بان يفعل على طريق الندب، أو على طريق الإباحة. وهذا عندهم يدل على أن التالي لا يشترط فيه معرفة حكم الفعل-
كشف أمر هذه الشبهة:
ونحن تقول، وبالله التوفيق: إن !لًا من القائلين بالندب والعائلي بالوجوب، قد شط، والذي يقتضيه ما أورده أن الاحتساء والاتباع الموافقة في الأفعال، كما فسره ليل اللغة. والموافقة المساواة من جميع الوجوه.
فإذا علمناه غد عمل عملا على رجه الوجوب لا نكون وافقناه بعملنا إياه
عن وجه الندب، إذ إن هذه ه مخالفة حقيقية، فلا تتحقق الأسوة.
وكذلك عكسه، فإن علمناه قد فعل الفعل ندباً فمن المخالفة له أن نفعله
على وجه الوجوب ونتخذه علينا واجبا، وكذلك لو علمناه فعل ما فعل على وجه الإباحة يكون من الخطأ اعتبار ذلك قربة والتقرب إلى الله تعالما به وجوباً أو ندباً- إذ إن ذلك نرع من الابعد 3.
أما إذا لم نعلمه فعله ندباً أو وجوبا أو إباحة فإن صفة الفعل لا تكون عندنا
أمرا ظاهراً وليس لنا حينئذ إلا العمل بالظن، وهو حمل القُربات على الندب، والتأسي به فيها، وحمل ما عداها على الإباحة.(1/271)
والحاصل أن الأولى أن يقال: التساوي في الحكم في الفعل المعلوم الصفة واجب، لأن ذلك ظاهر في الفعل، وتركه مخالفة. وأما مجهولها فيعمل بقوله الندب في القربة، وبالإباحة فيما عداها، وهذا هو عين هود التساوي كما يأتي إن شلل الله. وأما ما نقلوه من قول الخنساء، فإن التسلّي عن أخيها لا يدخلها في أغراضه الوجوب أو الندب، حتى يحتج به في هذه المسالة، أما بالنسبة إلى أفعال النبي مجده فإدا التقرب على سبيل الوجوب، أو الندب، أو فعلها على سبيل الإباحية من أهمّ الأغراض فيه، فلا بد من اعتباره.
شبهة ثالثية: وقد اعمّرض بهذا الفخر الرازي فيه المعالم)، وهو يقول فيه
350
(1/343)
بالوجوب. قال: فإن قالوا ة بتقدير أن يعتقد الرسول أن تلك الأفعال غيرراجبة على الأمة كان اعتقاد الأمة وجربها عليها مخالفة، وتركز للمتابعة. قلنا: الاعتقاد أمر خفة متعارض، فثبتت ما إن اعتبرنا الاعتقاد جاء التعارض، فرجب أطرافه والاقتصار على الأفعال الظاهرة (1).
وبمثله أجاب أبو الطيّب الطبرسي (2".
وهذه شبهة مطرحة. لأنا من أُمِر بالتالي فيما لا يعلم وجهه، وقد استطاع
أن يستدل عليه بالأمارات، فلم لا يفعل؟ ثم إن فعل فأخطأ فلا يصح نسبته إلى المخالفة وترك الاتباع. بل هر مجتهد ماجور. ولا يقتضي ذلك جواز المخالفة في معلم الحكم.
شبهة ثالثة: وقد أثارها أبو شامة. فقد بي أن من فعل فعلا من العبادات
لا يدري وواجب هو أم مندوب، أن عبادته صحيحة. ثم إن كان الشرع يأتيها وجوبها، وقع فعله واجبة وأجزأ عنه، وإلا فيقع نلجأ، وله الأجر على كل حال. وكذلك لو نوى العبادة المعلنة مطلقاً أعني لمحور أن ينوي أنها فرض أو نفل، فعبادته صحيحة.
ثم استدل لذلك،
ثم احتج بهذا على أن التأسي لا يشترط فيه معرفة حكم القربة التي علم أن
النبي مجد تقرب بها، بل يكفىِ عنده معرفة أنها قربة، وتميزها مما ليس بقربة. ورأى أن ذلك يأتيها أنه لا يشترط في التاسع المساواة في حكم الفعل (3).(1/272)
وفي سبيل الرد على ذلك نحب أن نبيّن، أن قول المساواة، وهو الذي نختاره، يوافق قول الندب فيما عُلِم أن النبي مجد فعله ندباً وفيما جهل حكمه مما ظهر فيه قصد المّربهّ.
(ا! أبو شامة: المحرّق وَ 18 ب. لم!) المحرّق ق 20-23
(2) أبو شامهّ: المحقق 18!.
351
(1/344)
ويبقى الخلاف في نوعين: الأول ما علم أنه جمعه فعله على سبيل الوجوب، والثاني: ما علم أنه فعله على سبيل الإباحة، والمحمول عليه.
فيما في الثاني فبطلان دعوى أبو شامة واضح، لأن ما جاز على سبيل العانى ة والإباحة لا مجوز فعله على سبيل العبادة، فالله تعالى لا ئعْبَد إلا بما شرع. والمباحات لا يتعهد بها؟ وذلك أصل مقرّر في الشمريعة.
وأما في الأولى. وهو معلم صفة الوجوب، فإن من التحدي والمباينة لرسول الله ! أن يفعل الشيء واجبة، ونحن نعلم ذلك، ثم لا نتابعه فيه، فهذا خلاف التالي. نعم: من جهل حكم القربة فأطلق النية فلا باس بفلك في بعض صور العبادات، وكذا مائة علمه فيطلق النية (1).) ما أن يعلم صفة النية من رسول الله ي ثم يتعقد أن ينوي خلافها، فإنه مشاق ومعاند، بل ومبتدع متباعد. والله الهادي إلى أقوم طريق.
شبهة رابعة: قالوا التساوي في حجم الفعل قد ثبت عدم اعتباره في صور
من التا!صي والاقتداء معترف بها، فيدل ذلك على أن التالي لا يشترط لحصوله ما ذكرتم من المساواة في الحكم.
فمن الصور المشار إليها اقتداء المصلي المتنقل بالمفترض، والاتفاق حاصل
على صحته، واقتداء للفترة بالمتنفل، وهو جائز عند الشافعي وغيره (2). وكمن خرج لجهاد فتبعه آخر يريد التجارة يسمى متبعا له في سفره، وإن خالفه في قصده (3) ء
ونحن نقوله: حقيقة التأسي والمتابعة المساواة من جميع الوجوه، فإذا دل الدليل على سقوط شيء، بقي ما عداه على الأصل (4)- ومن هنا تطَفبَ الفقهاء الأدلة على جواز اقتداء المفترض بالمتنفل وعكسه. وليس حكم الفعل مما قام الدليل على سقوطه. فيجب التزام المساواة فيه.(1/273)
(1) انظر: السميوطي: الأشباه والنظاثرص 18 31) أبو معلا: العدوّ ف 1104.
52 يلي
(2) ابها قديمة: المغني 2/ 225، 226 (4) الأنصاري: فواتح الريموت 2/ 181
(1/345)
وقال أبو الخطاب الحنبلية ا": إن المتنفلى خلف المفترض إن قلنا يكون تابعاً
فلأن الصلاة تجمع قربة وإسقاط فرض والمتنفس متقرب، فهو تابع في القربة دون إسقاط الفرض.
وعندي أن هذا الرد لا يكفي، بل هو تصحيح لجواب أصحاب الندب. وأجاب شارح مسلم الثبوت، على طريقة الحنفية بان المتنقل إذا أحرم بالصلاة أصبحتْ عليه واجبة، فيستوي الإمام والمأموم في نية الوجوب. وهذا الجواب لا يجري على غيرطريق الحنفية.
وأما استشهادهم بأن من خرج لجهاد فتبعه من يريد النخع يسمى متبعاً، فالجواب أنه متبع له في أصل السفر، وليس هو متبعا له في جهاده. وكذلك اتباعنا للنبي ئي يجب أن يكون اتباعه في مقاصده الشريفة، من التقرب إنما الله تعالما بما كان يتقرب به، كل الواجبات والنوافل.
* بح!عبم
وإذ فرغنا من ذكر ما استدل به القائلون بالندب، والرد عليهم بما فتح الله
به، نذكر هنا أن قول الندب إن استضاف أحد في ما وجب على النبي !، فلا ينبغي أن يستساغ في ما فعله صل على وجه الإباحة، والفرق أن الواجب قد فُعِل على وجه القربة، فللندب في مثله منا وجه. أما ما فعله !س!م عله وجه الإباحة، فإن في فعده على وجه التعبد نوعا من الابتدل! في الدين، والتقرب إنما الله تعالى بما/ يشرعه.
وقد تقدم القول في ذلك في مبحث الفعل الجبلي.
(1)1 لمّمهيد: ق 90 ب.
353
(1/346)
المطلب السادس قول الوجوب
مراد العائلي بالوجوب إن ما ثبت لدينا من الأفعال النبوية المجردة يجب علينا
أن نفعل مثله في الصورة، سواء علمنا أن النبي ! فعله وجوباً أو ندبا أوإباحة، أو جهلنا حكمه بالنسبة إليه به. وبعض القاصين به خصه بالمجهول الصفة من ا لأفعال (1).(1/274)
وهذا القول يوافق قول الندب في اعتبار الموافقة يخص صورة الفعل دون حكمه. ويخالف في الحكم المستفاد في حقنا.
وقد استدل لهذا القول بلدية عقلية وقرآنية وسنيّة و(جماعية.
الدليل الأول: أن الفعل النبوي يحتمل أن يكون حكم مثله في حقنا الوجوب أو الندب أو الإباحة. والاحتياط أعلى المراتب، فوجب الأخذ به احتياطي لئلا نترك ما وجب علينا، كصيام الثلاثين من رمضان إذا/ يرَ الهلال، يحتمل أن يكون من شوفال، ومع ذلك نصومه احيتاطأ لئلا يكون من رمضان.
وأجب عن ذلك (3) بان الاحتياط يمكن أن يقال به إذا خلا عن احتماله الضرر. وما نحن فيه يحتمل أن يكون الفعل حراما على الأمة فيكون ضرراً
قال الصمدي: وهذا الجواب غير صحح، فإنه لو غمس الهلال ليلة الثلاثين
11) أبو الحسين البصري: المدّمد 382/1
(2) نقل الشوكاني هذا الجواب وأقره وإرشاد الفحول ص 36) ما 5 يمر
(1/347)
من رمضان؟ يجب صومه احتياطاً للواجب، وإن احتمل أن يكون حراماً بكونه يوم العيد (1). وقاله مثل ذلك صاحب تيسيير التحرير (2).
والجواب الصحيح أن يقالا: إن الاحتياط الواجب هو في وجوب أداء ما
ثبت وجوبه وشئنا في أدائه، كمن نسي صلاة من الخمس، و/ يعلم عينها، يجب عليه أن يصلي الخمس احتياطي. ويخص ما كان ثبوته هو الأصل، كصوم الثلاثين من رمضان، إذ الأصل إنه من رمضان وإن احتمل أن يكون من شوالة.
أما ما/ يثبت وجوبه والأصل عدم وجوبه، فلا يصح إيجابه احتياطي كصوم الثلاثة من شعبان (3".
الدليل الثاني: قالوا: النبي صح لا يفعل إلا حقا وصواباً فاتباعه حق وصواب. وترك الحق والصواب باطله وخطأ.
والجواب أن ما يفعله عُلِمَ انقسامه إلى واجب ومندوب ومباح. فما فحله عله
سبيل الندب فالحقّ إيقاعه على سبيل الندب، وذلك هو الحق والصواب وكذلئا يقال في المباح-
الدلمِل الثالث: قالوا: إن الفعل أكد يخل البيان من القول، فلذا أفاد الأمر الوجوب، فالفعل أولى.(1/275)
ويجاب عن ذلك بأنه يجوز أن يكون الفعلي في بعفن الأحوال أقوى بياناً
ولكن موضع ذلك هيئات التفاصيل، فأما قوة الطلب وتحتمه فليس الفعل موضوعاً لذلك، بخلاف القول، فإن القول الأمر موضوع ل!يجاب، فبطل كون الفعلي أولىأ 4)*
الخليل الراب!ع: وهو شبيه بما للقدم، قالوا: إن النبي ذوو أمر الصحابة عام
(1) الأمدي: الإحكام 263/1 21) دم/ 26 1
(3) ابن اطاجصب والعضد: منتهي السوء وشرحه (2/ 24)
(4) أبو الحسين البصري: المعتمد 378/1 0 أبو الخطاب: التمهيد 1 9 1. 355
(1/348)
الحديبية بالفسخ فلم يفسخوا، حتى غضب وقال لأم كلمة: أما شعرت أنني أمرتهم باهر فإذا هم يترددون. فأشارت عليه بان يخرج فينحر ورحلته ولا يكلمهم. فخرجِ فنحر وحلق. فلما رأوه فعل ذلك نحروا وحلقوا حتى كاد بعضهم يقتل بعضات من الغم.
قالوا: فلولا أن الصحابة علموا أن فعله أشذ استيجابأ لمثله منهم، لما ترددوا
يخص طاعة الأمر، ثم انصاعوا لدلالة الفعل.
والذي نقوله في الجواب: إنهم استجابوا لاجتماع الفعل مع الأولى، إذ مجموعها أقوى من القول وحده كما لا يخفا.
وجواب آخر أجاب به الحمدي،1): إن ترددهم كان رجاء أن ينزل أمر ينسخ الأمر بالإحلال، فلما حلق هوي يئسوا من ذلك فحلقوا.
وأجاب بجواب آخر: أن فعله وقع بياناً لقوله !نه!ه: 9 خذوا عني مناسككمأ فوجب من حيث هو بيان.
وهذا الجواب غيي مرضي، لأنه إذا اجتمع القول والفعلِ في البيان وتقدم
القول فهو البيان اتفاقا، كما تقدم. فالبيان هنا هو القول اتفاقات، والفعل مؤكسد للبيان وهذا يصحح ما أجبنا به.
هذا إنْ سلمنا إن هنا ما يحتاج إلى البيان، ولكن الصواب عدم التسليم بذلك، لعدم وجوده أصلاً، لأن آية الإحصار بينة وهي قوله تعالى: أفإن أحصرتم فها استفسر من الهد!!. وقوله يكرهه: 9 خذوا عني مناسككم " كان في حجة الودل! بعد الحديبية بأعوام.(1/276)
الدليل الخامس: قوله تعالى ة!فاتبعوه ! فالاتباع له ! واجب بدلالة هذه الآية، والاتباع الامتثال للمثول، والإتيان بمثله الفعل.
(1) الإحكام 1/ 261
56 س
(1/349)
وقد أجاب ابن حزم بأن الاتباع هو طاعة الأمر. وهو جواب غيي مرضي.
فإن بين الطاعة والاتباع فرقا لا يخفى.
والجواب الصحيح أن يقال: مماثلة الفعل تقتضي المماثلة من جميع الوجوه،
فهي الواجبة. وليس من المماثلة والاتباع أن نفعل واجبة ما فعله ندبا أو إباحة. وبهذا أجاب عبدالجبار والأمني "1).
و/ يرتض ابن الهمام هذا الجواب بالنسبة إلى الفعل المجهول الصفة، ورأى
أن الصواب في الإجابة أن يقال: الأمر بالاتباع غير محمول على عمومه، إذ لا يجب قيام وقعود وسائر الأفعال الجبليّة. وليس ثم مخصص مع!!ن، فتعي حمله على أخض الخصوص من معلم صفة الوجوب، ففيه خاصة يجب الاتباع (2".
وعندي أن قوله: أوليس ثم مخصص معينة مردود، لما تقدم في فصل الأفعال الجبلية. ولذا فجواب الاَمدي أصلها.
الدليل السادس: قوله تعالى: لألقي كان لهم في رسول أدلة أسوة حسنة لمن
كان يرجو الله واليوم الاَخر! قالوا: لا هذه الاهية تحذير من المخالفة، لأن معناها: من كان يرجو الله واليوم الاءخر فله في رسول الله أسوة حسنة. ومفهومها. أن من/ يتاسق به. ! فليس ممن يرجرالله واليوم الآخر.
وهذا دال على الوجوب، فلا بد لنا من فعل مثل ما فعل، ولا يهمنا على أفي
وجه فعل.
والجواب بتسليم دلالة الآية على وجوب التأسيس، ومنع أن يكون معنى التأسي الموافقة في الصورة دون الحكم، بل الخالصي هو الموافقة في الصورة مع الاتفاق أيضا في الحكم-
الدليل السابع ت قوله تعالى: !فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهبم
(1) الأمني: الإحكام 257/1 عبدالجبار: المغني 17/ 5 26 (2) تيسير المّحرير 123/3
57 يم
(1/350)(1/277)
فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ! (1) قالوا: والفعل من الأمر، بدلالة قوله تعالى: يوما أمر فرعون برشيد) أي أحواله وشأنه وأفعاله. وإليه يرجع الأمر كله ! (! إذا كانوا معه على أمرجامع ! قالوا: فلما كان فعله من أمره لم تجز مخالفته.
وأجيب عنه بأن الأمر في الأمة المستدل بها هو الأمر بالقول، بدليل قوله
تعالى في أول الآية: ولا تجعلوا دعاء الرسولي بينكم كدلح! بعضكم بعضاً! في عبّر عنه أولا بالدعاء، عبر عنه أخرا بالأمر.
و (الأمها يخص اللغة يأتي لمعنيي، الأول: القول الطالب، والثاني: الحالة والشأن، ومنه الأفعال. والعرب قد فرّقرا بينهما. فقالوا في جمع الكلمة بللعنى الأول (أوامع، وفي جمعها بالمعنى الثاني (أمور). فالأمور غير الأوامر. والأمر واحد الأمور، غير الأمر واحد الأوامر. ف بالأمر) مشترك (2). والقرينة تبائما أن المراد به في الآية القول دون الفعل.
وأجاب القاضي عبدالجبار بأنه على تقدير أن الفعل داخل قي مسمى الأمر،
أو أن الأمر في الآية بمعنى الفعل، فالنهي عن مخالفته يقتلهما الموافقة، ولا يكون أحدنا موافقا إلا إذا فعل على الوجه الذي فعله عليه ي (3) وهو جواب سديد. الدليل الثامن: قوله تعالى: روما آتاكم الرسول فخذومهـ وفعله هو مما
آتيناه، فكان الأخذ به واجباً.
والجواب عندنا أن هذه الاهية من سورة الحشر، نزلت في شان مال الفيء،
أمَرَهم أفه تعالى أن يقبلوا ما أعطاهم رسول الله منه،4). وأن يكفوا عما نهاهم عن
(1) سورها النور: آية 63
(2) نقل صاحب البحر المحيط (291/1 ب) في (الأمر خمسة مذاهب: 1- أنه حقيقهَ في القول والفعل 2- حقيقة لا القول مجاز في الفعل- الصحفية 3- مشترلى بينهما- الشريف المرتضى 4- حقيقة يخص القول والشالط والطريتا دون آحاد الأفعال 5- لا يتضمن الفعل أمزح- ا أشير ا زي.
(3) 1 لمغني 262/17، 263
(4) هذا تفسير الحسن والسدي للآية كما في تفسير القرطبي 17/18
58 يم
(1/351)(1/278)
أخذه. فالإيتل! بمعنى الإعطلر، والأمر بأخذ المال أمر إِباحة، وليس أمرَ إيجاب قطعاً فلا صلة للآية بقضية التألمئي بالأفعال النبوية.
والتفسير الأخر للآية هو ما قاله ابن جرير من أن معناها: ما آتاكم الرسولي
من طاعتي فاقبلوه، وما نهاكم عنه من معصيتي فاجتنبوه.
فعلى هذا التفسير، يجاب عن استدلالهم، بأن الإيتاء هنا بمعنى الأمر (1)،
- بدليل مقابلته ! بما بعده (3) يوما نهاكم عنه فانتهوا! وبدليل أن القولي يتعدى إلينا، فيكون بمعنى العطية (3). ومثله قوله تعالى!خذوا ما آتيناكم بقوة! أي افعلوا ما أمرتم به-
ولو سلمنا أن المؤن يصدق على الأفعال، فذلك لا يدلى على وجوب جميع
أفعاله !ئه!رو، بل على اتِّباعها على ما هي عليه من الأحكام.
الدليل التاسع: الإجماع، فقد رُوي عن الصحابة، لأنهم لما اختلفوا في الغسل من الوطء دون إنزال، أرسل عمر إلى عائشة رضي اللّه عنها فسألها عن ذلك، فقالت: فعلتُه أنا ورسول الله ! واكتسبنا. فأخذ عمر بذلك. وقالت: لا أسمع أحدا قال بعد هذا: الماء من الماء، إلا جعلته ن!الأ! (4). وأجمعت الأمة علا ذلك بعده.
فكان اكتفاؤهم فِي إنجاب ذلك بمجرد الفعل، دليلا على أنهم مجمعون على
أن الفعل دليل الوجوب.
وقد أجيب عن ذلك بأجوبة:
1- إن ذلك فعل بيافا وليس فعلا مجرَداً (ْ)، والفعل إذا كان بيانا لواجب
1 1) الشوكاني: إرشاد الفحولة ص 36 (2) أبو الحسيمة البصري المعتمد 1/ 1 38 (3) القاضي عبدالجبار: المغني 17/ 264
(4) الطحاوي في مشكل الادثار بسند فمه ابن لهيعة سوهو ضحيف) وأصل الحديث عند مسلم 9ا!زركثسي: الإجابة ص 78) قلت: هو عند الشافعي وأحمد بسياق آخر وانظر كنز العمال
(5) العضد على مختصر ابن الحاجب 2/ 34، الصنعاني: هداية العقول 467/1
359
(1/352)(1/279)
فهو يدل على الوجوب. ووجه كونه بياناً أن الله تعالى قال: مم!وإن كنتم جنبا فاط!روا! والجنابة، وإن كانت معلومة المعنى لغة إلا أن معرفة المقدار الموجب للغسل من العلاقة الجنسية أمر مبهم، فئيَن بالفعل.
وعندي في هذا الجواب نظر، لأنه إذا كان قد سبق قوله تم: وإنما الماء من
الماء" فقد حصل البيان به، والفعل الزائد مستحب أو خاص حسب ما تقيها به القواعد الأصولية. فلعله عن يكون قد اغتسل استحباباً أو زيادة في التوظف. 2- وأجيب أيضاً: بأنهم أوجبوه لكونه شرطا في صحة الصلاة، فيكون مأمورا به، لدخوله تحت الأمر في قوله عنه: لأصلوا كما رأيتموني أصلية "\ ). وليس هذا الجواب بمرضي أيضاً وقد تقدم القول في دلالَة حديث "صلوا كما رأيتموني أصلي 9. !
3- وأجيب أيضا أن عائشة لما قالت ذلك في معرض الاحتجاج على ما يوجب الغسل، وفصله مما لا يوجبه، قصدت بالإخبار به الأخبارَ عن أن النبي لامه كان يراه واجبا، فوجا تبعا لذلك. فليس ذلك فعلاً بيانياً، ود ولما هو فعل مجرد قام دليل وجوبه في حقه جمعه، فيجب في حقنا، على قول المساواة الآتي.
4- وأيضاً لعلها أخبرتهم بما كانت ترويه من قوله !؟ " 9 إذا جلس بين شعبها الأربع، وممزق الختان الختان، فقد وجب الغسل !. فإن أبا مولمة الأشعري، لمّا اختلف المهاجرون والأنصار في ذلك، سألها، فروت له قوة النبىِ كصف: 9 إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل ". هذه رواية مسلم. وفي الموطأ 31)، والحت:أ إذا جاوز الختماق الختان فقد وجب المحتل ".
فهذا ما ينبغي أن يعتمد في الجواب عن هذه الشبهة "4).
(1) العضد على ابن اطاجب 24/2 !م) جامع الأصول 8/ 160
(2) رواه مسلم ومالك والترمذي.
(4) على أن دعوى الإجماع في هذا مردودة. 360
(1/353)
إبطال قول الوجوب(1/280)
قول الوجوب في الفعل المجرد، سواء أكان مجهولي الصفة أو معلومها، قول مردود، لا يثبت له أساس. ويغلب على ظني أنه لو أمكن التنقيب لتبين أن من نسب إليهم القول به من الأئمة، براء منه. وخاصة في ما لم يظهر فيه قصد القربة. وقد قال الجريسي: (نسبره- يعني القول بالوجوب- إلى ابن جريج، وهر زلل في النقل عنه. وهوت جل قدرا من ذلك " (1).
ويكفي في بطلانه عدم الدليل على صحته.
ويمكن إبطاله أيضاً بالأدلة التالية:
الأول: أنه يلزمنا على هذا القول تناقض، لأن من المعلوم أن النبي له كان
يفعل الشيء من المندوب والمباح في وقت، ثم لا يفعله، أو يفعل ضده، في وقت آخر، فمقتضى قول الرجوع أنه يجب علينا فعل الشي سر وضده، أو فعله وتركه. وذلك إما أن يكلون في وقت واحد، أو في وقتلها مختلفين، فإن كان في وقتن مختلفين فذلك نفي للوجوب، لأن الواجب لا يجوز تركه. و(ن كان في وقت واحد لزم التناقض، وهر محال (3).
الثاني: أنه يقتضي أن الفعل يجب علينا إن فعله النبي ! مباحاً أو مندوباً
وهذا ضد التأسئي والاتباع المأمور بهما في القرآن يا.
وقد حاول المنتصرون لهذا القول أن ير!را هذا الدليمى بمثل ما رفه به أهل مذهب الندب، ولكن لا يتم لهم ذلك- وقد تقدم بيانه.
الثالث: حديث عائشة رضي الله عنها: قالت ة!إنْ كان رسولي الله يكره
(1) الزركشي: البحر المحيط 2/ 255 أ.
(2) أشار إلى هذا الاستدلال أبو الحسين البصري في المعتمد (1/ 1381 والعضد في شرحه لمختصر ابن الحاجب (2/ 84)
+) أبو الخطاب الحنبلي: التمهيدي 190.
361
(1/354)
ليدعُ العمل وهو يحبّ أن يعمل به، خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم ما. ففي هذا الحديث دليل على أن الفرض/ يكن بنفس فعله، بل بفرض
من الله تعالى إذا اقتدوا به فيه (1).
ولا يرد هذا الدليل على قول المساواة، لأنه لا يجب علينا مثل فعله- على(1/281)
قول المساواة- إلا في حالة واحدة، وهي أن يعلم أنه له فعلى الفعل على وجه الوجوب خاصة. وليس العمل الذي كان يتركه !ي! مفروضا عليه، لأن الواجب لا يترك. فالحديث وارد في المندوبات قطعاً
تشبيه في لك ما قال القصاص في رد دعوى الوجوب، فقد احتخع بان النبي
! صلى بهم ليلتين في رمضان ثم/ يخرج إليهم، فلما أصبح قال: فخشيت أن تكتب عليكم ! يقول القصاص ة قد صلى النبي بهم ليلتي، وأخبر مع ذلك أنها لم تجب بفعله، فلو كان فعله !كيَئ يقتضي الوجوب لكان وجب بأول ليلة (2). الـ.
الرابع: الزم ابن حزم العائلي بالوجوب (3) أن يقولوا بوجوب صوم الأيام
التي كان ! يصومها، ووجوب صلاة ما كان يصلي، ووجوب المشي حيث مشى !ك!ه. ومثل هذا لا يقول به من الفقهاء أحد.
11) أبو شامة: التحقتا 13، ابن حزم: الإحغ!ام 1/ 430
(2) أصول الرصاص ق 1208. (3) الإحكام 1/ 145 362
(1/355)
المطلب السابع قول المساواة
ومعناه أن ما فعله النبي ! واجباً فإنه يدل على وجوب مثله علينا، وما فعله
ندبا فمثله مندوب منا، وما فعله على سبيل الإباحة فهو لنا مباح. وسراء!ان فِعْله عبادة) و كير عبادةء
وقد يعبر بعض الأصوليين، كما ذكر الأسروي (؟). عن هذا القول بعنوان:
أ وجوب التأسئي). ولكنه عنوان يجعل هذا القول يلتبس بقول الوجوب الذي سبق ذكره. وأفا عنوانا المساوأة) الذي حضرناه، فهو عنوان معبر لا يحصل به التباس. ثم إن كان حكام الفعل بالنسبة إليه يكن معلرمأ فالمساواة فيه واضحة، صان
/ يكن معلوما فإن المساواة فيه هي بحسب ما يترجح لدى المجتهد. فمن رجِّح الوجوب في حقه يكن، فبمقتضى قول المساواة يكون الحكم في حقنا الرجيب، ومن رجح الندب فالندب، ومن رجح الإباحة فالإباحة.
ونحن قد ربحنا قول من حمل فعله المجهول الصفة على الندب في حقه !
إن ظهر قصد القربة، وعلى الإباحة إن لم يظهر. فعله قول المساواة يكون الحكم في حقنا كذلئه.(1/282)
ويستدل لهذا القول بالأدلة التي سقناها في الفصل الذي ظللنا فيه على حجية الأفعال النبوية من حيث الجملة، حيائه سقنا الآيات والأحاديث الدالة على ذلك. وذكرنا أن الإجماع يدل عليه أيضاً فبذلك يثب!ت أصل التالي.
(1) نهاية الدول 2/ 55
363
(1/356)
ونضيف هنا أمرين لا بد منهما لاثبات قول المساواة:
الأول: إن الاتباع والتأسيس في الأفعال واجب (1).
واحشاني: إن الاتباع والتأسيس يقتضي المساواة في صورة الفعل وفي حكمه
أيضاً
فإذا ثبت الأمران ثبت أنه يجب أن تكلون أحكام أفعالنا مساوية لأحكام
أفعاله !كلض.
أما الأول: فإثباته بأدلة، مخها:
ا- قوله تعالى: (واتبِعى! أمر، والأمر يفيد الوجوب.
والقائلون بالندب ادعوا أن هذا الأمر (اتبعوه) لا يفيد إلا الندب، كما زعم
ذلك أبو شامة،2)، قال: الصراع حمله على الندب لا على الوجوب، لأنا لو حملناه على الوجوب لخصصناه بأشياء!ثيرة نابحة لا تجب علينا وقد فعلها. ودر حملناه كله الندب/ يلزمنا مثل ذلك.
والجواب على طريقته ة إنا أر حملناه على الندب لخصصناه أيضاً بأشياء كثيرة
واجبة تستفاد من فعله !ك!-
فالصواب حمل هذا الأمر (اتبعوه) على ظاهره من وجرب المتابعة، الذي
يقتضي المساواة في الأحكام- فلا يخصص بشيء، لأن ما فعله مجرباً نفعله وجوباً ونعتقد وجوبه، وما فعله ندبا نعتقده ندبا في حقتا، وما فعله إباحة نعتقد 8 في حقنا كذلك.
(1) قد يشكل القول بوجوب التالي في الفعل المندوب أر المباح، فكيف يكون التالي واجبا ولا يكون المتاسى فيه واجبه، وقد وضح الأنصاري شارح مسلم الثبوت مقصي القيعملين بذلك حيث يقول: 9 الماضي واجب يعني أنا مراعاة الصفهّ واجبة. وهذا كما يقال: العمل
على طبق خبر الواحد واجب، مع أن بحض الأخبار يفيد الندب أر الإباحة، يعنى) ن مراعاة حكم الخبر واجب، فكذا التالي بمراعاة الصفة واجب، فرالّح الرحمات 2/ 185) (2) المحرق 25 ب.
64!م
(1/357)(1/283)
2- ومنها آية التأسيس، وقد تقدم إيضاح وجه دلالتها على الوجوب.
والقائلون بالندب نَفَرْا دلالتها على الوجوب، لقوله تعالى: ولقد كان
لكلم أولم يقل وعليكم) (1).
والجواب أن قوله تعالى: المن كان يرجو الله واليوم الآخرة بكل من الكمأ فيؤول المعنى إلى أن: من كان مؤعنأ فله برسوله الله أسوة حسنة. وفي مفهومه تهديد ووعيد لمن ترك ذلك، والتهديد يدل على الوجوب.
فأجاب الجمعاني (2) أن الذي لنا هو الأجر، فالأخوة لنا من هذا الوجه لا
من غيره. وهو جواب سديد، ويؤيده ما في حديث الإسراء:إ فأعطاني خمس صلوات ". فهي فرائض، وهي عطاء، لي ما في فعلها من الأجر- وأجاب أبو الحس!سن لبصري يعد بأن قولك: الناس ن نفعل " معناه: لا حظر علينا في فعله، والواجب ليس بمحظور فعله.
وأجاب القاضي لبو يعلى: بان الهم) بمعنى (عليهما. كقوله تعالى: كلهم ا!ورتهـ وليس هذا الجواب مرضياً إذ هو خلاف الظاهر.
3- ومنهاماتقدم من قوله !: فمن رغب عن سنتي فليس مني "* قي سياق مساواته ! في أحكام أفعاله.
وأما الثاني: وهو اقتضاء التالمئي والاتباع المساواة في أحكم الأفعال: فإن مفهوم المتابعة والتأسي المرافقة والمساواة، وذلك ما هر معتبر في صورة الفعل، يعتبر أيضا في حكمه.
وقد أنكر القائلون بالندب، والقائلون بالوجوب، اقتضاء التأسئي والمتابعة المساواة في الحكم. وسبق جرابه. فيثبمت المطلوب.
(1) المحقق ق 27). (3) 1 لمعتمد 1/ 385
(2) القواطع لا 6- ب،
365
(1/358)
من أجل ذلك فقول المساواهَ هو الذي نختاره. وبه قال الشوكاني (1). وقبله
قال به أبو الحسن البصري، والآمدي، والسبكي في جمع الجوامع، وغيرهم. ويتائد هذا الذي اخترناه بأن الأمر إذا وجه إلي النبي شبهه من ربه عز وجل،(1/284)
فإن الأمة تدخل تبعا فيما كان صالحا لهم، ما لم ينص على اختصاصه به. وكذلك الخير. بل ربما نزلت الآية بسبب صحابي معين ولكن يوجه الخطاب فيها إلى النبي صل، كقوله تعالى: واقم الصلاة طرفي النهار وزلفَاً من الليل أن الحسنات يذهبن السوآت ذلك ذكرى للذاكرين !. نزلت في أبو اليسار بن عمرو الأنصاري "2). روى الترمذي أن رجلا جاء إلى النعيم ي، فقال: إني عبت امرأة في أقاما المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن أمنها وأنا هذا، فاقض فيه ما شئت. فذكَرَ نزول الآية. فالخطاب فيها بحسب الظاهر موجه إنما النبي !، وهي نازلة في شان غيره. وما ذاك إلا لهذا الأصل، وهو الاشتراك في الأحكام.
وليست هذه القاعدة متفقا عليها.
بل الواقعية يخالفون فيه أيضاً ويقولون: إن الخطاب الموجه إلى النبي ييل بضمير المفرد، لا يدخل فيه غيره، لأن لفظ الأمر وقد خاصاً ليس يتناوله غيره، فلا يجوز إثباته. يقول الغزالي: "قوله تعالما لنبئه: فيا أيها النبي اتق الله ! رقرله: ولئن أشركت ليحبطن عملك ! نحتصّ به بحكم اللفظ، وإنما يشاركه فيه غيره بدليل، لا بموجب هذا اللوفر، كقوله فيا أيها الرسول بلغ ما أنزلت إليك ! وقوله: (فاصدع بما تؤمر! قال:، وقال قوم: ما ثبت في حقه فهو ثابت في حق غيره، إلا ما دل الدليل على أنه خاص به. وهذا فاسد. لأن الأصل اتباع موجَب الخطاب، وما ثبت للنبي ! كقوله تعالى: فيا أيها النبي ! فيخوض به، إلا ما دل دليل على الإلحاق. وكذا قال النبي !نه!ه لابن عمر: "راجعها! إنما يشمل غيره بدليل آخر، مثل قولي: "حكمه على الواحد حكمي على الجماعة! (3) أو ما جرى مجراه 10 هـ.
(1) (رشاد الفحول ص 36 (2) تفسير القرطبي 9/ 111
(1/359)
(3) حديث "حكمي على الواحد حكمي على الجماعة" يكثر الأصوليين من ذكره والاحتجاج- 366
(1/360)
أقول: ومما جرى مجراه قوله !: وإنما قولي لمئة امرأة كقولي لامرأة واحل!ق! (1).(1/285)
وهذا الكلام من الغزالي حق، ونحن نقول بمقتضاه، ولكن نقوله إن الأدلة
قامت على التساوي في الأحكام، بصفتها العامة، وأيضا في حق أحكام الأفعال خاصة، وهي ما تقدم في حجية الأفعال النبوية.
وأيضا استعمال أهل اللغة يساعد عله ذلك، فإن الرئيس الأعلي إذا قال
لقائد الجيش: انزل في محل كذا، وسرْ في وقت كذا، واستعمل من السلاح كذا وكذا، ونحو ذلك، فليس ملئه خاصا به، بل له ولمن معه. ولو أراد أن ياسر 8 في خاصة نفسه ب!ثيء فإنه ينصا على الاختصاص (2).
فالنبي !ك! صاحب شرعِ، ومنه يؤخذ الشرع، إذا أمره الليه بالأمر من الشرع فهو له وللأمة التي هي تبَع لها
وفي الحديث عن النبي ي: "ما أمرني الله بشيء إلا وقدم مرتكب به، ولا
نهاف! عن شيء إلا وقد نهيتكلم عنه ".
وفي الحديث أيضاً: قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فقد أذنَ لمحمد في
زيارة قبر أمه، فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة" (3). فإنه يد لما جاعه الإذن بزيارة قبر أمه، بنى على ذلك جواز زيارة سائر المسلمين للقبور.
ومما يدل على المساواة أيضاً قول الله تعالى: فيا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك ممات فاء الله عليها..- إلى قوله:
- به. قالت السماوي "ليس له أصل، قاله العراقي. ومثلى عنه المضي والذهبي فانكرامه (الممَاصد السنة ص 192)
(11 رواه الرّمذي وهو من الأحاديث التي ألزم الدارقطني الشيخين بإخراجها لثبوتها على شرطهما والمقاصد الحرة ص 193)
(2) نقل الأمدي هذا الاستدلالي عنا قرن، ووجهه، ثم رد عليه. رانظر!تابه: الإحكام 2/ 0 8 س- 382
يمم رواه الترمذي والفتح ال!ب!!.
367
(1/361)
وامرأةً مؤمنة إن وهبت نفسها للنبيّ إن أراد النبي أن يستنكرها خالصة لك من دون المؤمنين ! (1).
قال ابن تيميه (2؟ فإنها تدل على هذا الأصل من وجهن:(1/286)
أحدها: أنه قال مخالصة لك !ليبيٌن اختصاصه بل لك، فعلم أنه حيث سكت عن الاختصاص كان الاشتراك ثابتاً، وإلا فلا معنى لتخصيص هذا الموضع ببيان الاختصاص.
والثاني-) ن ما أحلّه له من الأزواج والمملوكات أطْلق، وفي الراهبة قادها بالخلوص له، فعلم أنه حيث سَكت كن التقييد فذلك دليل الاشتراك ".
ويتاثد أيضا بما بينه الشاطري (3) من أن الأدلة الجزئية في الشريعة يمكن أخذها كلية إلا ما خضه الدليل.
واستدل على ذلك بأدلة.
منها: أن الأصل عموم التشريع، كقوله تعال،: نقل يا!يها الناس إني رسول الله أليكم جميعأ! (4) بقوله: (وما أرسلناك إلا كافة للناس !"1ْ) وقولي النبي !:أ بعثت إلى كل أحمر وأسود" (6).
ومخها: أصل شرعية القياس، إذ لا معنى له إلا جعلي الخاصئ! الصيغة عاماً
في المعنى. قال وهو معنى متفق عليه..
ومنها: قالوا: إن النبي ي قال: (ح!مي على الواحد حكمي على الجماعة! (7) وقال: (إني لأنْسىَ أو أُنسى لأشن " (8).
(1) سورة الأحزاب: آية. ه (12 الفتاوكلا الكرة 4/ 444.
(3) الموافقال!3/ 51- 53 (4) سورة الأعراف: ألا 158
(5) سرية سبا: آية 28 (6) رواه مسلم 5/ 1
(7) تقدم آنفا الإشارة إلى أدب الحديث لا أصل له.
(8) رواه مالك (1/ 100) بلازا، وانفرد به. انظر الكلام عليه في مقدمة تنوير الحوالة للسيوطي، وعمّيق محمد فؤاد عبدالبارى للموطن (1/ 105)
368
(1/362)
ومنها: ما بأنه في موضع آخر (1) من أن الشريعة موضوعة في الأصل لمصالح العباد، واحكامها على العموم لا على الخصوص، إلا ما ثبت فيه الخصوحمه بالدليل، وأن دليل الاختصاص يذكر في الحكم المختص إعلاما بان الشريعة خارجة عن قانون الاختصاص.
(1) المرافقات 3/ 51- 53
369
(1/363)
المطلب الثامن
قول المساواة في العيادات الخاصة
قول ابن خلود المنسوب إليه قي كتب الأصوليين أن التالصيَ في العبادات واجب، وفي العادات لا يجب بل يستحب، هو قولٌ غير محرر. ولم يطلّع على ما قاله بحروفه لنرد عليه.(1/287)
قال القرافي: ووجه تخصيص الرجوع بالعادات قوله !: أخذوا عني مناسككم " و (صلوا!ما رأيتموني أصلي " وظاهر المنطوقة الوجوب، لأنه أمر، ومفهومه أن غير المذكور لا يجب "ان.
وواضح أن قوله مجد: 9 صلوا كما رأيتموني أصلي " ونحوه لا تخصيص فيه
حتى يكون له مفهوم. وآية التاسئي عامة، فيجب العمل بها في العبادات وغيرها- والله أعلم.
فائدة مهمة نلحقها بقول المساواة:
قاله ابن تيميه:
(مسمائل الأفعال لها ثلاثة أصول:
أحدها: أن حكم أمته دون كحكمه في الوجوب والتحريم ولَوابعهما، إلا أن
يأتي دليل يخالف ذلك.
الأصل الثاني: أن نفس قوله يدل على حكمه ينته إما حكمٌ محيو، أو حكم
(1) شرح تتقيح الفصولاص 127
370
(1/364)
مطلق، وأدق الدرجات الإباحة..،... فمتى ثبت أن الفعل يدل على حكم كذا، وثبت أنا مساوون له يخص الحكم، ثبت الحكم في حقنا.
الأصل الثاء: أن الفعل هل يأتيها حتى قي حقنا من الوجوب هثلاً!ان/
يكن واجبا عليه كتب، كما يجب على المأموم متابعة الإمام في ما لا يجب على الإمام، وعلى الجيش متابعة الإمام في ما لا يجب على الإمام، وعلى الحجيج موافقة الإمام في المقام بالمعطف إلى إفاضة الإمام؟ هذا ممكن أيضاً بل من الممكلن أيضاً أن يكلون سبب الوجوب في حقه معدوماً قي حقنا، ويجب علينا لأجل المتابعة ونحوها، لا يجب علينا الرمال والانطباع مع عدم السبب الموجب له في حق الأولين، أو سبب الاستحباب منتفياً في حقنا- وقد نبه القرآن على هذا بقوله: كما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفَوأ عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ! فصار واجبا عليهم لموافقته، ولو/ يكن قد تعي الغزو في ذلك الوقت إلى ذلك ا لوجه " (1)- اهـ كلامه !
فابن تنمية يرى أنه يخرج عن هذا الأصل- وهو الاشترالى في الحكم- ثلاثة أمور:.
الأول: ما دلى عليه دليل، وهر الخصائص. وقد تقدم القول فيها.(1/288)
الثاني: ما يجب علينا، وهو عليه !ي! غير وأجب، وإنما!جب علينا لأجلى المتابعة. كالخروج معه في الغزو.
ونحن نرى أدي هذا النوع لا ينبغي أن يستثنى، لأن المتابعة له جمع إنما وقع
من جهة كونه إماماً، لا من جهة الرسالة، بدليل أنها تجب مع كل إمام في الغزو، ومع كل إمام في الصلاة. وإنما وجب من لتلك المتابعة ما وجب، مؤقتا حالة حياته وتوليه السحلية. لا بعد ذلك.
أما أن يجيب ملئه في شيء من أفعاله به من حيث هو رسولي، فلا نجد له مثالاً وهو- أعني ابن تيمية- لم يمثل له.
(1) السورة في أصول الفقه ص 74، ص 192 (مكرع
371
(1/365)
الثالث: وقد ذكر في بقية كلامه: ما يستحب لنا، و/ يكن بالنسبة إلى النبي
! مستحتأ. وقد مثله لها بان أحمد بن حنبلي تسري لأجل المتابعة، واحتجت ثلاثا لأجل المتابعة، وقال: ما بلغني حديث إلَأ عملت به، حتى) عطي الحجم ديناراً" فمن أصل هذه الأفعال من النبي يكن مباحة؟ وقد فعلها أحمد على سبيل ا لا ستحباب.
ونحن قد سبق أن بئنَا الرأي في مثل هذه الأفعال في قول الندب، فليرجع
إليه.
أما ما ذكره ابن تنمية من أن الحكم في حق النبي ينج قد يكون معلقا بسبب
وهو منا مطلق، فسنذكره في مبحث السبب من الفصل الثامن.
372
(1/366)
ا لفَصعْل ا لمَا دِدعغ
ا في جمام ا لسْتظَ رد مِلنل نحَال
ا- الوجوب.
2- الندب.
3- ا لا باحة.
4- ا لكر ا هو،
5- التحريم.
6- الأحكللم الوضعية.
373
(1/367)
الأحكام المستَفادة مِنَ الأفعَال
مما تقم في الفصول السابقة من هذا الباب، وعله أساس القول المختار،
وهو قول المساواة في الفعل المجرد، نلخص الأحكام التي تستفاد من أفعال النبي دون بما فيها من بحث، في مطالب: !
المطلب الأول
الوجوب
يستفاد الوجوب من الفعل النبوي من مواضع:
أ- أن يكلون فعله صن قد صدر عنه بيانا لآية دالة على الوجوب في حقه وحفنا. ب- أن يكون امتثالا لأية دالة على الوجوب كذلك.(1/289)
بر- أن يكلون مجرّداً، وقد علمنا بدلالة أنه يكلف فعله واجبة.
ويلاحظ أن الواجب إما أن يكون فعلا متكلاملأ، يجب إيجاده من أصله كصلاة الظهر مثلاً
وإما أن يكون خارجا عن العبادة تتوقف صحته ا عليه، وهو مقدور للمكلف، وهو الشرط، فيجب من حديث إن الواجب لا يتيم إلا به، كالوضوء للصلاة. ونذكر أمثلته في بحث الشرط، وسيأتي.
لاما أن يكون جزءاً لا العبادة، وهو قسمان:
1- الركن، ظهر جزء الماهية الذي لا تتحقق إلا بوجوده، ولا يسقط عمدا
ولا سهواً ولا يجبَر، ومثاله الركوع، وهو ركن في الصلاة، والطواف بالبيت، ركن في الحج.
375
(1/368)
2- الواجب الذي ليس بركن، وهو ما يجوز سقوطه سهواً، ويجبر، كالتشقد الأول عند الحنابلة، يجبر في الصلاة بسجود السهو، وفي الحجّ بدم، كما في ترك الإحرام من الميقات.
ثم قد يكون الجزء واجبه في العبادة المسنونة. وكونه واجبة فيها يعني توقُّف صحتها عليه، كالركوع في صلاة النافلة، لا من حيث إنه يعاقب على تركه، إذ يجوز ترك النافلة أصلاً فهو بمعنى الشرط إلا أنه جزء من العبادة. ولا يدل الفعل على الركنية بمجرده، بل على مجرد الوجوب. وكأمثلة على استفدت الوجوب من الفعلي نذكر مسائل:
1- منها: صلاة العيد:
قال الحنابلة وبعض الشافعية: ها فرض على الكلفاية.
وقال أبو حنيفة: واجبة على الأعيان.
وقال مالك وأكد أصحاب الشافعي: سنة مؤكدة غير واجبة.
نقل ذلك ابن قدامه (1)، ثم قال: لنا على رجليها في الجملة أمر الله تعالى بها بقوله: يفصل لربك وانحرف والأمر يقتيهه الوجوب، ومداهمة النبي ! على فعلها وهذا دليل الوجوب. واحتوى الحنفية لوجوبها بللواظبة عليها"2).
2- ومنها: مسألة السعي في الحج:
ففي السعي ثلاثة أوجه، وهي ثلاث روايات غن أحمد (3):(1/290)
الأول: أنه ركن لا يتم الحمى إلا به. وهو قول عائشة وعروة ومالك والمشافعي، وغلّط السوري من نًسَبَ إلى الشافعي القول بأنه واجب غير ركن. قالت عائشة. وطاف رسول الله ي وطاف المسلمون- تعني بين الصفا والمروة-
(1) المغمس 2/ هلا 213) فواتح الريموت 2/ 180 31) انظر ابن قدامة: المغني 3/ ول 3، 389، النووي: المجموع 8/ 86، 87 376
(1/369)
فكانت سنة، ولعمري ما أتم أفه حجر من/ يطف بين الصفا والمروة ولحديث حبيبة بنت أبي تَجْرَا؟ مرفوعا "اسعوا فإن الله كاتب عليكم السعي "لا".
الثاني ت أنه واجب. وهو قول أبي حنيفة، والثوري، والقاضي أر، يعلى الحنبلي. نقل عن أبي حنيفة أنه يجبر بدم ! ونقل النووي أنه الأصح كن أحمد. الثالث:) له سنة لا يجب بتركه دم. روى عن ابن عباس وابن مسعود وأبو
ابن كعب وأنس وابن الزبر.
واما القول بأنه ركن فلا يصح استفادته من الفعل، وقد نَقَل النووي عن
ابن المنذر تعليق القول بركنئته على ثبوت حديث حبيبة، وإلا فيكون تطوعاً صرخة ابن قدامه أنه واجب. وقال: لأن دليل من أوجبه دل على مطلق الرجيب، لا على كونه لا يتم النخع إلا به.
3- ومنها: مسالة ركعتي الطواف:
في ركعتي الطواف خلاف هل هما واجب أو تطلع. وقيل أنا الطواف لا
يصح إلا بهما فهما على هذا في معنى الركنلأ). رمن أسباب الخلاف فيهما الخلاف في دلالة الفعل. وقال السبكي فىف قواعده: وفي ركعتي الطواف قولان مشهوران، أصلهما أنها سنة، والثاني أنها واجبة، ولا راجعان إنما دلالة الفعل المجرد. فأما قوله !: أخذوا أمني مناسككم " فلا دلالة له على وجوب شيء خاص منها!10 هـ (3،.
ومما استُحِل على وجوبه بالأفعال مما ذكره السبكي في القواعد: الموالاة في الوضوء، وفي الغسل والتيمم، والموالاة بين أشراط الطواف، والموالاة بين الطواف(1/291)
11) قالا النووي في المجموع (73/8) حديث حبيبة ليس بقوي، في إسناده ضعف. ونقل أن ابن عبدالبرّ قال: فيه اضطراب، وقال: قد رواه الشافعي وأحمد والدارقطني والبيهقي. ثم
قالا النووي (87/8) رواه الدارقطني والبيهقي لإلسناد حسن من حديث صفية بنت شيبة مرفوعاً
(2) انظر المجموع 8/ 60، 61 (3) ق 116 ب.
377
(1/370)
والسعي، والموالاة بين الخطبة وصلاة الجمعة، والموالاة بين كتب الجمع في وقت الأولى أو وقت الثانية، والقيام في خطبة الجمعة مع القدرة، والفصل بين الخطبت!س بجلسة، وقراءة شيء عن القرآن في الخطبة، والترتيب بين أركانها، والجمع بين الوقوف بالنهار والليل بعرفة، والمبيت في للمزدلفة.
وأعز هذه المسائل يستدل فيها بالفعل المجرد خاصة، وفي أكثرها قولان بالوجوب والاستحباب، والاستحباب أرجح إلا فيما ورد فيه دليل غير الفعل يمل على الوجوب. ويحتمل أن تكون هذه الأفعال التي ذكرها من أفراد الفعل البياتي، لا من الأفعال المجردة. ونحن نرجح أن تكون منْ الأفعال المجردة كما تقدم بحثه في مبحث الفعل البياني. والله أعلم.
378
(1/371)
الطلب الثاني الندب
ويستفاد من مواضع:
أ- أن يكون قد فعله كله على سبيل الوجوب، وعلم أن الرجوع خاص به. ب- أن يكون قد فعله على سبيل البيان لأمر ما/ على الندب.
ب- أن يكون قد فعله على سبيل الامتثال لأمر دال على الندب.
د- أن يكون قد فعلَ فعلاً مجرداً دل الدليل على أنه فعله ندباً
هـ- أن يكون قد فعل فعلا مجرداً ولم يعلم حكمه بالنسبة إليه، ولكن يظهر فيه قصد القربة، بأن يكون مما فعله في العبادة، وكان على خلاف مقتلا الجبلة، أو ظهر فيه ذلك بقرينة أخرى.
مسألة تابعة للندب: دلالة الأعلى على الأفضلية:
إذا كانت العبادة أو غيرها من الأفعال الجاهزة أو المندوبة أو الواجبة يمكن(1/292)
عملها على صور مختلفة، وفَعَلها النبي ! مرة واحدة أو مرات كثيرة، فهل يحمل فعله علا أنه صادر على أفضل الوجه لبيان الكمالي فيها، أو يحمل علا الأقلّ لبيان المجزية؟.
قال ابن تيميه في دلالة الفعل النبوئي على الأفضلية: هي مسألة كثيرة المنفعة، وذلك قي صفات العبادات وفي مقاديرها وفي العادات، وفي الأخلاق والأحوال 10 هـ(1).
فمثال ما/ يكثر فعله: إحرامه من الميقات، مع أنه يجوز أن يحرم من المدينة
ولا خلاف في جواز الإحرام قبل الميقالت (2)، فهل يقال: إحرام ا-لان والمعتمر من (1! المسودة معه 74 (3) ابن قديمة: المغني 3/ 264 379
(1/372)
منزله أفضل، لكثرة العمل، أو من الميقات لأن النبي جمعه أحرم منه؟.
قال الحنابلة بأفضلية الإحرام من الميقات استناداً إلى فعل النبي من.
وقال أبو حنيفة ومالك الإحرام من البلد أفضل. وفعَلَه بعض الصحابة.
وعن الشافعي قولان كالمذهب!سن
ومثله الأضحية: فقد ورد أن النبي يا ضحى بكبشين أقررن أملحين ذَبَحهما بيده. استفاد منه بعض الفقهاء أفضليةَ الذكور في الأضاحي؟ وأن تكون باللون المذكور في الحديث. وعن مالك: الأفضل أن تكون من الغنم، بخلاف الهدي فالأفضل عنده الإبل.
والحنابلة فضَلوا الإبل، أخذا ببعض الأحاديث القولية (؟).
وقد اذُعِيَت الأفضلية بناء على فعله ! في الركوب في الحج، وهي الوقوف بعرفة، والاقتصار في الضحى على ثمان، وغير ذلك.
ومما واغلب عليه-جمحس! قصر الصلاة في السفر، وجعله بعض الفقهاء راجبن وبذلك يخرج عن رسالتنا. أما القائلون بأن القصر جائز ويجوز الإتمام، فمنهم من قال: القعر أفضل، أخذا بالدليل الفعلي، وهو قولك أحمد ومالك، وأحد قولي الشافعي. وقوله الأخر: الإتمام أفضل لكونه أكد عملًا وعددا وهو الأصل (2). والاستدلال بالفعل على الأفضلية، قي الحالة الثانية، وهي المواظبة، أقوى
وأتهم.(1/293)
ويرى النووي التفريق بين النوعيها، فما وقع مرة واحدة فإنه يقع على أكمل الوجوه وأتموا، وأما ما يتكرر فإنه يفعل أحيانا على القدر المجزمح! لبيان الجواز، والأكل على الأكمل، لما صنع !! يخص الوضوء مرة مرة، وثلاثاً ثلاثاً، أكد عمله الثلاث.
ونحن نميل إلى الأخذ بالاتجاه الناظر إلى طبيعة العمل، فما كان أكثر عملا
(1) ابن قديمة: المغني 2/ 621
(2) 1 لمغني 2/ 270 " 38
(1/373)
فهو أفضل ما"، فعله هذا: الإحرام من الأبعد أفضل، والتضحية بالبقر أفضلي من الغنم، وبالإبل أفضل، وكلما كان أكثر فضلا فهر خير، ما/ يخرج إلى حيز التشديد والإرهاق. وكذلك نرى أن إتمام الصلاة في السفر أفضل، على القولي بأنه جائز. وإنما يكون هذا في حق من لا يقتل!ى به، أما من يُقتَدى به فينبغي) ن يعمد إلى التيسير والتسهيل لئلا يشق على المقتدين، ويكون في حقه من هذه الناحية أفضلي، ويحمل فعله يا بالاجتزاء من بعض الأعمال بالقليل، على هذا المحمل، أو غيره من المحتمل. واللّه أعلم وأحكم.
تمايز المندوبات فِي الدرجة، ودلالة الأفعال على ذلك:
من المعلوم أن المندوبات تتمايز في القوة، فبعضها أكد من بعض؟ وقد يتبين
التأكد بالقول، وهو كثير. وقد يتبع بالفحل، وذلك علا أنو 3 فمنها:
أولاً أن يحافظ به علا المندوب حتى مع قيام الأعذار، وذلك كركعتي
الفجر والوتر، فقد قره ركعتي الفجر في السفر لما نام عنهما، ود/ يكن على شيء من النوافل أشذ تعاهُداً منه على ركعتي الفجر"،2) وكذلك حافظ على الوتر، حتى إنه أرتب على بعيره (3)، فإن ذلك يمل من جهة تركه ينه!م! لما عداها من الرواتب وإفرادها بالمحافظة عليها، على أنها أكد من غيرها. وقد قيل بوجوبها عليه ئت! خاصة، ولا يثبت ذلئط.
ثانياً أن يظهره الاعتناء بالمندوب والاحتفال به، كهذا في صلاة العيد عند(1/294)
من يقول بندبئتها، هرصلاة الكسوف، وصلاة الاستسقل!، فبن فعلها!ا جماعة، ودعا الناس لها، مظهرانه لتاكْدها، حتى لقد قال الحنابلة بوجوب صلاة العيد على الحماية، وقال الحنفية بوجوبها على الأعيان (4).
(1) هذه بحدي القواعد الفقهية المشهورة، ذكرها السيوطي بهذه الصيغة 8 ما كان أكد فعلاً كان أكد فضلاً والأشباه والنظائرص 143).
(2) متفق علمه ونيل الأوطار 3/ 1 2) 0 31) رواه الجماعة (ثبل الأوطار 33/3)
(4) المغنى لابن قدامه 367/2 والقول بأنها سنة مؤكدة هر قول الشافعية والمالكية. 381
(1/374)
الطلب الثالث ا لا باحة
وتستفاد من مواضع:
1- ما فعله ! من الأمور الجبلية الاختيارية.
2- ما فعله من الأمور العادية والدنيوية.
ثم- ما فعله بياناً لآية دالة على الإباحة.
4- ما فعله امتثالًا لأية دالية على الإباحة.
5- ما فعله وعلمناه قد فعله على سبيل الإباحة لقرينة تدل على ذلك.
6- ما فعله وجهلنا حكمه وليعد مماظهر فيه قصد القربة.
نظرة في استفادة الإباحة من الأفعال النبوية:
إن الإباحة تؤخذ من الفعل النبوي من جهة الفعل خاصة دون جهة الترك، فبالفعل النبوي يتبين أن لا حرج في فعل ذلك الأمر، وأما ارتفاع الحرج عن الترك فيستفاد من عدم وجود دليل طالب، أو من جهة وقوع الترك أيضاً.
ومبنى الدلالة الأولى أن النبي !كل!ه يعلم أن ما يفعله ليس معصية، وهو معصوم من المعصية، وعلى القول بعدم عصمته في حالة أو عن نوع منها، فإنه يعاتب على ذلك ولا يُقَر عليه فيما انبنى عليه تشريعي وقد تقدم ذلك في مواضع. غير أنه لا بد من معرفة وجه تلك الإباحة هل هي إباحة عقلية أو إباحة شرعية-
وللتفريق بينهما نقوله: إده المعتزلة يرون أن الأشياء قبل ورود الشرع تحت
حكم العقل، ثم يفصل العقل بان الفعل واجب إذا كان في تركه مفسدة وحرام 382
(1/375)(1/295)
إذا كان لا فعله مفسدة، وإن كان في تركه مصلحة فمكروه، أو كان في فعله مصلحة فمندوب أو/ يشتمل على مصلحة أر مفسدة فمباح (1).
وأما عند غير المعتزلة فلا حكم قبل مجيء الشريعة أصلاً
وأما بعد مجيء الشريعة؟ فالإباحة العقلية عند المعتزلة، هي رفع الحرج
عن الفعل والترك، مستمرة. فليست الإباحة عندهم حتى شرعيا بل عقلي. وأما عند غيرهم، فالإباحة شرعية، وهي الخطاب الشرعي الدال على التخي!يربيئ فعل الشيء وتركه.
وأقر العمدي بان الإباحة بعد مجيء الشريعة قسمان: إباحة شرعية، د!لجئ عقلية، وهي بقاء الشيء دون حكم يقتضي المنع منها و إيجابه (2). وصرح بذلك الغزالي أيضاً (3) ولقولهما وجه بين، وهو معنى ما قدمناه يخص مرتبة العدو.
والأصل في الأشياء بعد مجيء الشرع الإباحة في ما ينفع، والمنع في ما يضر.
وهذا ما قرره الرازي، واتبعه فيه كثير من الأصوليين.
11) جمع الجوامع بشرح المحلي 62/1 (3) شفاء الغليل ص 633
(2) 1 لإح! أم 1/ 176
383
(1/376)
ويقرر ابن تيميه أصلا آخر، وهو أن الأصل في العبادة بعد مجيء الشرع
المنع حتى يرد دليل شرعيتها، وجواز الشيء على سبيل العادهَ لا يعني أنه يجوز على سبيل العبادة. وأما العاديات من العقود وغيرها فالأصل لها عدم المنع ما/ يرد دليل المنع. قرر ذلك في مواضع من كتبه ينسبه إلى فقهاء الحديث أحمد وغيره،1)- الإباحة المستفادة من الفعل النبوي:
إن الإباحة التي يدل عليها الفعل النبوي. إن كان بيانا أو امتثالاً أدا/ عليها، فهي إباحة شرعية. وأما ما فعله من المباحات الجبلية والعادية، وما حكمنا بإباحته من الأفعال المجردة، فإن إباحته عقلية، أو- كما قرر الغزالي- لا حكم فيه من جهة الشرع، وذلك أن غاية ما في الفعل الدلالة على أن ليس في الشرع ما يدلل على المنع منه.
فائدة استفادة الإباحة من الأفعال النبوية المجردة:(1/296)
قد يقال: إن الإباحة هي الأصل في المعاملات والأمور الجبلية والدنيوية والعادية ونحوها. لا فائدة الفعل النبوئي في ذلك المجال؟.
فالجواب أن فائدته من جهات:
الأولى: أن الإباحة المستفادة من الفعل أقوى من المستفادة من العمومات الواسعة، فأكله ! من لحم العنبر الميت أدل على إباحته من عموم الاهية لأخلق لكلم ما في الأرض جميعأ! بل ومن عموم الآية: وأحل لكم صيد البحر وطعامه ! وهي، من باب أولما، أقوى فِي الدلالة على إباحة الفعل المعيق من الإباحة العقلية، التي يقول بها المعتزلة.
الثانية: نفي احتمال أن تكون الصورة مشمولة بنص مانع أن قياس مانع،
(1) شفاء الغليل ص 633
القاهرة 2/ 326 ابن القيم: إعلام الموقعيها 2/ 336 384
(1/377)
كما في قصة أكله عنه من لحم العنبر الميت. وقصة أكله !! من لحم شاة تُصُذق به على بحيرة فعهدت إليه منها.
ومثل تشبيكه ! بين أصابعه في المسجد بعد الصلاة، كما في حديث ذي اليدين، يدل على إباحته وعدم القياس على ما ورد من نهيه هو القادم إلى المسجد عن التشبيك (1).
ومثل خروجه من المسجد دون تيمم، عندما تذكر أنه جنب، وقد أوجب
بعض الفقهاء التيمم في مثل هذه الحال (3). ومثل إخراجه !نش! رأسه فلما عائشة لتدخله وهي حائض وهو معتكف في المسجد. فقد شبيهة به أنها من المباحات. ومن هنا كوثر نقل الصحابة للأفعاله التي من هذا النوع لبيان الإباحة حيث(1/297)
يُظَن الممل، كما في أحاديث مسح الخفيفة، كل نقلها لما في الأمة من الأمر بالغسل، بل كثيرا ما كان في التحريم لأمر من الأمور من بعضه الناس، حافزا للصحابة على رعاية الأفعال لإثبات الإباحة. وبهذا السبب ظهر جزء كبير من السنن. الثالثة: إثبات الجواز في ما الأصل فيه المنع. وهي قاعدة مهمة جدا في باب العبادات، فإن الأولى فيها المنع كما تقدم، فلا يعبد الله إلا بما شرع، وحيت فعل ئمة العبادة الخاصة علم أنها جائزة من أصلها، ولو فعل العبادة في حال معينة أفاد جواز فعلها في تلك الحال، كالصلاة على الميت الغائب، وفعل صلاة الفرض على الراحلة عند المطر إذا كانت الأرض مبتلة، وفعل النافلة عل الراحلة، وأنه يتجه حيثما توجهت ركابه.
(1) انظر في أبى ري 566/1
!2! ابن روجر: فتح البارجما 383/1
85 س
(1/378)
اغلب الرابع الكر ا هو
الفعل لا يدل على الكلراهة، وقد يدل الترك عليها كما يأتي إن شلل الليه.
المطلب الخامس
التحريم
لا يدل الفعل (1) على التحريم بطريق التائي. ولكن يدل على ذلك الفعل المتعدي، أحياناً كما تقدم، كالعقوبة بالحق أو التعزير، تدل على تحريم ما كان سببا لها.
وقديدل نزعه عن للشيء وي لك كسره وتحطيمه ونحوذلك، على تحريم
لبسه واتخاذه. كمارا حديث عقبة بن عمر: وأهدي لرسول الله جمع فَروج حرير، فدبسه ثم صلا فيه، ثم أتصرف، ثم نزعه نزعا شديدا كالكاره له، ثم قالت: ألا ينبغي هذا للمتقيئ " (2).
و (كان لا يترك في بيته شيئاً فيه تقاليب إلا نقضه (3) " ومثله ما ورد أن
النبي صل اتخذ خاتماً من ذهب ثم نَزَعه ورمى به " (14. و 9 رأى رجلا يطوف بالكعبة بخزانة لا أنفه فقطعها، (ْ). وفي رواية "رأى في المطاف رجلين بزمام بينهما فقطعه 9 (6).
(1) أما الشرك فقد يدل على التحريم. وسياقه بحث ذلك في فصل الترك منا الباب الثريا. (2) البخاري ومسلم وجامع الأصول 11/ 281) والفروج: القضاء.(1/298)
(3) البخاري 0 1/ 385 (4) انظر صحمع مسلم 4 1/ 6، رالبخارى 0 1/ 5 1 3 (5، البخاري 1 1/ 586 (6) البخارىِ 482/3 386
(1/379)
وإنما يدل على ذلك إذا عرف أنه صنع ما صنع بقصد بيان الشرع أو الامتثال له.
فإنه نزْع الثوب نزكي معتادا لا دلالة فيه، وكذا لو كسر شيئاً تالفا لا يحتاج
إليه.
وإن/ يعلم أنه قصد البيان لو الامتثال فلا يدل أيضاً على التحريم-
ومثاله ما ورد في الصحيح أنه النبي يكلف فرق ما جاع!!من مال البحرين حتى
/ يبق منه شيء. فقال ابن حجر: لأيما الحديثما بيان أن الإمام ينبغي له أن يفرق مال المصالح في مستحقيه ولا يؤخرم!را).
ونحن لا نرى دلالة الحديث على تحريم التأخير ولا كراهته، لاحتماله أنه/
يقصد امتثالا حكم خاص بذلك، بل لكثرة المحتاج!سن أو لوجود مالي غيره مخزون لديه، ينفق منه عند الحاجة. فللإمام إذن أن يقدّمه و يؤخر بحسب المصلحة. وقد كان النبي ! يحتبس بعض الأموال لنوائبه.
(1) فتح البارز 517/1
87 س
(1/380)
المطلب السادس
دلالة الفعل النبوي على الأحكام الوضعية
ما تقدم قبل هذا كله راجع إلى دلالة الأفعال النبوية على الأحكام التكليفية. أما دلالتها على الأحكام الوضعية فهي دلالة خفية، وقلما يمكن بيافا بالفعل دون قول يوضح ارتباط الحكم بسببه ونحوه. فأما مع القول فهو في الشريعة كث!!ر.
فمن ذلك:
1- السببية:
مثالي بيالي السببية بالفعل دون القول أنه عن: لقاء فتوضأت، هوسها فسجد".
2- الشرطية ة
من بيان الشرطية بالفعل وحده، في شرط الوجوب، بأن يترك الفعل في
حال ويفعل في حاله آخر، فيعلم أن ذلك الحال شرط. ومثالا ما روي عن الزهرثمما عن أبي سلمي تال:أ تلت لأبي هريرة: على كم تجب الجمعة من رجل؟ قال: لما بلغ أصحاب رسول اللا جمع خمسين جمع بهم رسول الله به ! استدل بذلك أن شرط وجوب الجمعة وجود خمسين إجلالا"1).(1/299)
ومن أمثلته أيضاً أن النبي ي كان يقيم الجمعة في المدينة، ولا يقيمها في أسفاره، فعلم بذلك أن شرط وجوبها الإقامة.
(1) اجتماع الحميمين شرط وجوب الجمعة علا رواية في مذهب احمد والمغني 328/2). 88 يلي
(1/381)
وقد يتبيّن بالفعل عدم الشرطية؟ وهو كثير في الشريعة. وذلك أن يفعل الشيء ومجتزع! به مع انعدام ما يظن شرطاً كفعله ! صلاة الجمعة قبل الزوال، فيعلم بذلك أن الزوال ليس شرطاً،1). وكإجرائه عقد البيع دون إشهاد، فيعلم أن الإشهاد ليس شرطاً لصحة البيع.
وقد استفاد بعض العلماء الشرطية من الفعل الذي لا قول معه، كما في تقدم الطواف لصحة السعي، قاله النووي: وقال أصحابنا: يشترط كون السعي بعد طواف صحيح سواء أكان بعد طواف القدوم أو طواف الزيارة... واستدلت للماوردي بأن النبي يا سعى بعد الطواف. مع أنه قد قالي يس: !لتاخذوا عني مناسككم ! وبإجماع المسلمين- قالت: وشذ الجويني فقاله في كتابه "الأساليب ": قال بعض أئمتنا: لو قدّم السعي عله الطواف أعوذ بالسعي. قال النووي: وهذا النقل غلط ظاهر، مردود بالأحاديث الصحيحة وبالإجماع الذي قدمناه عن نقل للماوردي والله أعلم ! (2).
أقول: وقد نقل عدم الشرطية في ذلك عن عطاء، ونقل عن أحمد بن حنبل: يجزئه إن سعى قبل الطواف ناسياً. واختار صاحب المغني (3) إنه شرط، واحتج بالفعل النبوي مع قوله صكنيع:، لتأخذوا عتي مناسككمأ.
فإن ثبت الإجماع فهو حجة. وألا فإن الحديث لا يدلى على الوجوب كما
تقدم. والشرط هنا من الواجب. ولهذا!نإن القول بالاشتراط في هفت المسألة خارج عن القاعدة الأصولية. والله أعلم.
ومثله قوله من قاله باشتراط جعل البيت عن يسارك في الطوافة
يقول النووي: الترتيب عندنا شرط لصحة الطواف بأن يجعل البيت عن
يساره ويطوف عن يمينه تلقاء وجهه. فإن عكسه لم يصح، وبه قال مالئه وأحمد(1/300)
(1) في حديمث كلمة عند أبىِ!اود: كنا نصلي الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطالنا كلا. (2) المجموع 8/ 1 8 (3، ابن قديمة: المغني 3/ 5 39
389
(1/382)
وجمهور العلماء. وقال أبو حنيفة يعيده إن كان بمكة، فإن رجع إلى وطنه و/ يعده لزمه دم لأجزأه طوافه (1).
والحجة لوجوبه حديث جابر أن النبي مجد لما قبلي الحجر الأسود طاف على
يمينه. مع قوله مجد: أخذوا عني مناسككم ! وبهذا احتج الشيرازي (2).
وأما ابن حزم فلم يستدل بالفعل في هذه المسألة، وإنما رأى"3) إن النبي !بحمم
لما أمرهم بالخيبة، فلا بد أنه لمرهم من أين يبتدئون وكيف يصنعون فالوجوب عنده بالقول المنقول بطريق اللزوم.
والأولى القول بالوجوب. ومأخذه عندي أن فعله !! بيان لاغية الأمر بالطواف. فمن هنا وجبت الكيفية، والعيد أيضاً
3- المانوية:
وأما بيان المانعئة بالفعل مع القول فهو كثير، ومنه أن النبي أو رد هدية الصيد لما كان محرماً. وقال للمهدي: وإنا/ نرلمحه عليك ألأ أنّا حُرم " (4).
وأما بالفعل دون قول، فإن كان الفعل نبياً، فكثير، كما في حديث ابن عباس في تحويل النبِا جمع له من موقفه عن يسار الإمام إلى يمينه.
وأما الفعل الذي لا نهي فيه، فيرد قليلاً وذلك كصلاته !ي!!ا مرضه جالساً يدل على أنْ المرض المنع وجوب القيام.
وقد يدل الفعل على عدم المانوية، وذلك أن يفعله العبادة أو العقد مع التلبس بما يظن مانعا من الصحة، فيعلم بذلك أنه ليس مانعاً وهو كثير. ومنه غلام أن العمل اليستير فيه الصلاة لا يبطلها، كما صنع !م! إذ فتح الباب لعائشهَ وهو
(1) 1 لمجموع 67/8
(2) المجموع 8/ 34 (3) المحلى 7/ 97 (4) رواه البخاري ومسلم ومالك وجامع الأصول 3/ 419!. 90 س
(1/383)
في الصلاة لا"، وحملت مهمة ابنة ابنته زينب. فكان إذا قام رفعها وإذا ركع وضعها وهو في الصلاة.
ومنه علم أيضا أن الكلام اليسرى في شان الصلاة سهوا لا يبطلها، صنع !(1/301)
ملئه إذ تكليم سهواً، بعد أن سلم من نقص 6 كما في حديث ذي اليدين.
ومنه علم أيضا أن السفر لا يمنع صحة الصوم، فقد كان قرر يصوم أحياناً
قي السفر (2).
وكذلك في المنع من الوجوب. فقد أقاد النبي !ئه! يهوديا من امرأة قتلها باحمجار(3)، فعلم أنه لا يمنع وجوب القصاص كون القاتل يهودياً ولا كون القاتلة رجلًا والمقتول امرأة، ولا كون آلة القتل مثقلًا غير محدد.
4- الرخصة والعزيمة:
أما الرخمه فبيانها بالفعل الذي معه قولي، كثير، كنيته !ك! صوم النفل بالنهار، والمسح على الخفين. قال مجد للمغيرة حينما لراد أن ينزع خفيه:إ دعهما فإف! أدخلتهما طاهرتين أأ. فمسح عليهما.
وكذلك بيانها بالفعلة الذي لا قول معه كثير، ووجه كثرتها هنا لنما على خلاف الأصل، فكلام ذلك كافيا في بيان أنها رخص، ومثاله جمحه ! بين الصلات!ق في السفر، وصلاته في ملف جالساً وتطوره على الدابة، وتوجهه خليها إلى غير القبلة، والاستثمار، واستدرار القبلة عند قضاء الحاجة في البنيان-
5- الصحة والفساد:
إذا فعل النبي له عبادة علا وجه ما فإنه يدله على صحة عملها عله مثل
ذلك الوجه. ولكن لا يدله على فسادها إذا عملت كله وجه آخر، ما لم يكن دليل
(1) روى القصة أبو داود والترمذي والنسائية وجامع الأصولي 6/ 329) (2) رواه البخاري ومسلم ثابت دقيق العيد: شرح العمدة 18/2) (3) رواه الجماعة ونيل الأوطار 18/7)
391
(1/384)
على أن ملئه الوجه الذي عملها عليه ! بعينه واجب. وكذلك في العقود ونحوها، ما فعله منها دل على صحته بأنه مرافق للشرع ومستكلمل لجميع أركانه وشروطه، رمنتفية عنه الموانع.
ومن هذا الباب مسالة القرعة، فقد ثبت أن النبي ! كان إذا سافر سفراً(1/302)
أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها سافر بها معه (1). وأيضا أتبع بين أعْئل! ستة أعتقهم رجلا عن فئة/ يكن له مال غيرهم فمات. فاقرع بينهم النبي !ئه!، فاعتق بالقرعة اثني، رأرَق سبعة (2)- يدلي هذا الفعل منه مجد على أن القرعة طريق صحيح لتعيين الحقوق إذا تساوت و/ يكن للترجيح طريق آخر. وللفقهاء تفصيل جما تمييز ما تجري فيه القرعة مما لا تجري فيه يمر.
ومن هذا أيضا اكتفاؤه كغ عن القول في قبول الهبة بالقبض، وفي تصرفه بالإذن العرفي عن الإذن القولي، كما في مبايعة نفسه عن عثمان، وإدخاله أهل الخندق إلى طعام أب طلحة، وأيضا إلى طعام جابر. ونحو ذلك. كل ذلك يدلى على الصحة في مثله منالتصرف (4).
ومن هذه الجهة، وهي جهة دلالة الفعل على الصحة، يمكن استنباط أن
شيئا معينا لسِ! ركناً أو أنه ليس شرطاً كما تقدم-
(1) متسلم 103/17!رواه البخاري.
(2) رواه مسلم 11/ 145 ررواه) بر داود والترمذي والنسائي. (3) انظر: الفروق للقرافي 113/4
(4) يراجع: ابن تيميه: المّواعد النورانية ص 114 وما بعدها.
392
(1/385)
ا لعَصْل ا لشَائ!
! لا لرلَىلتر المجد
الدلالة وأنواعها
1- طبيعة الدلالة الفعلية.
2- وجه انسحاب حكم فعله ! على أفعال الأمة.
393
(1/386)
صفَة الدلالة الفعليَّة
تمهيد
ا لدلا لة!أنوأ عهدا
الدلالة كون الشي بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر. والأمل هو الدال، والثاف! هر المدلول.
والبحث في الدلالة من جهتين: جهة الارتباط والتلازم بين الدار والمدلولى والثانية جهة الدار.
أولاً جهة الارتباط بين الدال والمدلول:
الرابطة بين الدال والمدلول على أنها، لأنها تكون عقلية، وطبيعية؟
دعا د يم، ووضعية.
أ- فالعقليَة، كدلالة وجود الشيء على عدم نقيضه، ودلالة الأثر على أن له مؤثراً..(1/303)
ب- والطبيعية أن يكون الترابط بينهما بسبب الطبع والخلق، ومثاله دلالة الدخان على النار، ودلالة الصوت ذي الصفة الخاصة اللاشيء من النقر، على أن المضروب نحاس، أو حديد، ودلالة الأعراض على الأمراض عند الأطباء، ودلالة الارتجاف أو قول (إح) على إصابة صاحبه بشدة البرد.
أمي- وأما العائلة، فكأنْ تكون جرت العادة أن يقع أمران معينان متحدين
قي الوقت أو مع سبق أحدهما للآخر، فإن علم وقوع أحدهما دل على وقوع الأسمر، 395
(1/387)
ومثاله الاستدلال بوجوده ص إلزوج!ن في بلد على وجود الأخر فيه، وبالولادة على السرور بها، وبالموت على الدفن، وعكسه، وعلى التعزية.
د- وأما الوضعية فبان يجعل أحذ أو طائفة من الناس، ششِأ ليدل على شيء، كالإشارات الضوئية التي ترضع لتنبيه سائقي السيارات أو السفن أو الطائرات، وكدلالة الخط والعقد والإشارة، على ما أريد أن تدل عليه. وكالألفاظ المستعملة في اللغة، وضعت لتدل على معافا تعرف من كتب اللغة+
ثانياً: جهة الدال:
الدال إما أن يكون لفظه، أو فعلاً أو صفة، أو شيثأ مادّيأ. وغرضنا يتعلق بالدليل إذا كان فعلاً ولكن نقدم تقسيم المنطقيين للدلالة اللفظية، ليتب!!ق حكم الدلالة الفعلية إذا قورنت بها.
"!*
الدلالة اللفظية:
الألفاظ الصادرة تختلف دلالاتها، فقد تكون عقلية كدلالة الكلام على متكلم، وطبيعية، مقرل (آه) على شدة ألأ/، وعادية كدلالة قولهم وكل عام وأنتم بخير على أن اليوم عيد. ووضعية وهر الأرز.
ثم الدلالة الوضعية في الألفاظ تنقسم ثلاثة أقسام، لأنها:
أما: دلالة مطابقة، وها دلالة اللفظ علا كل معناه الموضوع له، كدلالة (البيت) على البيت.
وأما: دلالة تضمن، وهي دلالة اللفظ على بعض معناه، كدلالة (البيت)
على السقف أو الباب.
لاما: دلالة التزام، ولا دلالة اللفظ علا خارج عن معناه لازم له، كدلالة (السقف) على الحائط (1".(1/304)
(1) وانظر لاستكمال هذا البحث القت على الثممسية، رحاشمة الجرجاني ص 22، رأيضأ السبكي والمحلي: بها الجوامع وشرحه 9/1*، والمستص!ى: المقدمة.
396
(1/388)
ومن الدلالة الالتزامية:
ا- الاقتضاء: وهو دلالة المذكور على مقصود للمتكلم مضمر، يتوقف عليه
صدق الكللام، كقوله تعالى ة (واسال القريهَ ! أي أهلها، أر تتوقف عليه صحة الكلام، كحديث "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " أي المؤاخذة بهما.
2- والإيماء: وهر دلالة اللفظ على لازم مقصي للمتكلم لا يتوقف عليه
صمت الكلام ولا صحته، كقوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما! لي لأجل السرقة.
3- والإشارة: وهي دلالة اللفظ على ما ليس مقصود للمتكلم، لكنه يعلم
من كلامه.
4- والمفهوم: وهو أن يدل اللفظ على حكم في غير محلى النطق.
وهو نوعان: وهرم مخالفة، رمقهم موافقة.
أ- فمفهوم المخالفة، أن يكون المسكوت عنه مخالفاً في الحكم للمنطوق،
كدلالة قوله ضد:أ في قائمة الغنم الزكاة" على أن ما عدا القائمة من الغنم لا زكاة فيها.
ب- ومفهوم الموافقة: نوعان:
الأول: وتحمى (فحرى الخطابة وقد سماه يعض الحنابلة (التنبيه)، ظهر
أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق، كدلالة قوله تعالى: أولا تقل لهما أف ! على تحريم ضرب الوالدين.
والثاني: وشممت ألحن الخسطاب) أر (دليل الخطابة وهر أن يكون المسكوت عنه مساويا في الحكم للمنطوق، كدلالة تحريم؟ كل مال اليتيم على تحريم إحرالّه "لو إغراقه،
397
(1/389)
المبحث الأول
طبيعَة الدلالة الفعلية
قد يكون للفعل دلالات محتلفة، وغرضنا يتعلق بذكر دلالة أفعال النبي ! خاصة.
وليست دلالة أفعاله !نه! على الأحكام في حقنا عقليه. وقد تقدم سيضع
ذلك قي فصل حجية أفعال النبي مجد.
وليست كذلك طبيعية، ولا عادلة، إذ لا دخل للطبْع ولا للعادة في شيء من ذلك.
غانما هي دلالة وضعية، بمعنى أن الشرع جعلها لنا علامة، إذا رأيناها علمنا
ما الحكم في حقنا.(1/305)
وأمثاله أننا إذا علمنا أنه !، صلى بعد الجمعة ركعتين ندباً كان ذلك لنا علامة موضوعة تدلنّا على أن حكم ركعتين بعد الجمعة في حقنا الندب.
ويقول القاضي عبدالجئار: الو كان الفعل بمجرده- يعني من غير دلالة شرعية على حجيته- يدل، لكان القول بذلك أولى، فإذا صحّ أن القول لا يدل إلا بالمواضعة على الوجوه التي تقدم ذكرها، فالواجب مثل ذلك في الفعل " (1). والذي يدلنا على هذا الوضع في الأفعال النبوية أمران:
الأول: أمر غر شرعي، بل هو مواضعة عامة، وذلك في أفعال نجاعة من
11) المغني 351/17
398
(1/390)
أفعاله ينه!يه، كالكتابة، والخط، والعقد، والإشارة ونحو ذلك كدلالة دفعه جميهي!فه من مر أمامه على منعه من ذلك، وككلسره التقاليب في الدلالة على النص منها- فهذه الدلالة ليست شرعية، أعنيه ن مثل هنا الأفعال دالة على مراد الفاعل بفعلها مطلقاً سواء أكانت من نصي أم من غيره. ولوكسَر غي نبي إظؤ معينألعلمنا أنه لا يريد بقاعه. وذلك كالكللام سواء، فليس كون الكلام دالا على مراد المتكلم خاصا بنبي دون غيره، ومتى صدر من النبي ! دل عله الحكم الشرعي.
وكذلك استفيدت الأحكام الشرعية من هذا النوع من الأفعال من حيث
إنها صدرت عن النبي !، أما المواضعة فهي عامة.
الثاني: أمر شرعي، وهو ما تقدم من الأدلة القاضية بحجية الأفعال النبوية
من حيث الجملة، مع ما قدمناه من البيان لأنها الأحكام التي تؤخذ من الفعل- فهذا وضع شرعي.
أولا الدلالة الوضعية الفعلية:
من الأفعال ما يدل مطابقة، وتضمناً، والتزامه- وهو الكلتابة، لأنها بمنزلة القول، فيمكن أن تدل عله ما يدل عليه القول سواء بسواء. وسياقه إن شاء الله في الباب الثاف! الكلام على الكتابة.
وأما ما سواها من الأفعال، ففيه تفصيل:
أولاً دلالة المطابقة:
تتصوردلالة الفعل مطابقة علا الحكم الشهير في موضعي:
ان- الإشارة، والعقد، ونحوه من الأفعال (الأمرة والناهية).(1/306)
2- الفعل البياني، على ما قدمنا ذكره من أنه دال على الحكم بالقصد.
كبيانه ! هيئة الطواف بفعله، وهيئة الحج، وأوقات الصلوات الخمس.
ثانياً: دلالة التضمن:
لا تتفق دلالة التضمن على الأحكام في الأفعال. ولو دلى الأعلى البياني كطوافه 99 يم
(1/391)
جمعه، على جزء من الطواف، كالبدء من عند الحجر، فإن تلك دلالة مطابقين، لأن حقيقتها دلالة ذلك الجزء من فعله يكن على حكم مثل ذلك الجزء في حقنا. ثالثاً دلالة الاليز أم:
تتفق دلالة الفعل التزاما، كلى الحكم في حقنا، في صور:
1- الأفعال الجبلية والعادلة، والأفعال الامتثالية. فإنه يلزم من فعله ينه!ع لها
انها مطابقة للشرع، ومن معرفة أن حكمنا كحكمه فيها معرفة حكمنا.
2- ما تقدم في الفعل المتعدي، من أنه ! إذا عاقب أحدا بحث أو تعزير،
علمنا أن ذلك الشخص قد فعل كبيرة، بطريق الالتزام، ثم يعلم أن مثل ذلك الفعل في حقنا أيضا كبيرة، بناء على أصل الاستواء في الأحكام الشرعية.
ويقول القرافي:إ إن إقدام الحاكم على بيع عبد كان قد أعتقه من أحاط
الدين بماله، يستلزم الحكم ببطلان ذلك العتق !. ويقول: بالفعل الذي هو البيع ونحوه لا تتفق فيه دلالة التضمن ألبتة، فإن الحكم لا يقع إلا لازماً له " (1). وقوله هذا هو في الدلالة على الحكم القضائي. والحكم الشركي أيضاً مثله
سراء.
3- رمما يدل عليه الفعل بالالتزام أيضا باب الطهارة والنجاسة، فمن ذلك
أنه ! توضح، فادخل يديه في الاظن واغترف منه، فإن ذلك يدل بالالتزام على عدم فقدان الماء الجهورية بمثل ذلك. وحديث عائشة أنه كم كان يصلي: توني ثوبه بقع الماعز تعني الميت بعد أن تحكه يابساً. استولى به على طهارة المني الشافعية والحنابلة، وقال الحنفية: هو نجس ويكفي في تطهيره الفرك، كتطهير النعل بكلكلها بالتراب (2).
ومثله طوافه ! بالبيت على بعير، استدل به بالالتزام على طهارة فضلات(1/307)
(1) في رسالته: الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص 124 (2) ابن دقيق العيد: الإحكام 1/ 151- 104
400
(1/392)
الإبل، إذ لو كانت نجسة/ يعرض النبي لمجه المسجد للتنجيمسلأ).
أنهل الدلالة الالتزامية الفعلية:
أرجأ- دلالة الاقتضاء:
لا تتفق دلالة الاقتضاء في الأفعال. ولا تكون إلا لفظية.
ثانياً ا لا يشاء:
هذه الدلالة تتلق من الفعل، كان يفعل النبي له شيئاً/ يكلن من عادته
فعله، بعد لمحة حادث، فيدل ملئه على السبئية، كصلاته ثمان ركعات بعد فتح مكة، استدل به على أن الفتح كان سببا لذلك. وكوجي ه بعد صلاة سها فيها، فيعلم أن السهو سبب للسجود.
و!سجوده عقب تلاوة آية فيها ذكر السجود دمه، يدلى على أن التلاوة سبب للسجاد.
ثالثاً- ا لا شارة:
الدلالة الإشارية كثيرة في الأفعال، فبيانه به للصلاة على المنبر، ورجوعه وسجل ه بالأرض، كانط القصد منه بيان هيئات الصلاة، و/ يقصد منه بيان جواز ارتفاع الإمام عن الماجموم، ولا بيان جواز الحركة خطوات قليلة أثناء الصلاة، وقد حصل العلم لنا بذلك بدلالة الإشارة.
رابعاً مفهوم الفعل:
أولاً مفهوم المخالفة بدليل الفسل):
قد تتفق استفادة الأحكام من الأفعال النبوية بطريقة المفهوم المخالف. وقد رضع ذلك القاضي أبو يعلى ا-لنبلي في السدة (2)، حديث يقول: !) فعال النبي بل لها
11) أين دقيق العيد: الإحرام 76/2 (2) العدة ق 64.
401
(1/393)
دليللأ)، وقد قال أحمد رحمه الله: لا يصلى على القبر بعد شهر، على ما فعل بملغ إذ صلى على قبر أم سعد بعد شهر. فجعل صلاته بعد شهر دليلا على المنع في ما زاد عليه، لأن الفعل كالقول في أنه يقتيه! الإيجاب، ويخصص بها (كذا) العموم ". وقال ابن تيميه إ 3)"قال ابن عقيل: ذكر (بعض) أصحابنا عن أحمد أنه جعل للفعل دليلاً وأخذه من مسألة الصلاة على القبر، وأحال هو- يعني ابن عقيل- ذلك، وجوز أن يكون المستند استصحاب الحال. وبسط الأولى، وسلام الدلالة إذا كل الفعلي" (3).(1/308)
وهذا يعني أن ابن عقيل يرفض نظرية القاضي أبو يعلى في نسبة القول بذلك
إلى مذهب أحمد، للاحتمال الذي ذَكَر، فيما عدا حالة واحدة، وهي أن يكثر فعله ! على صفة معينة، أو يخص حال أو وقت معين، فيفهم المنع في ما سواها. ويظهر أن ما سلمه من القول بالمفهوم المخالف إِذا كل الفعل مستقيم في صرركثيرة نص الفقهاء فيها على المنع، ولا يظهر مستند إلا مفهوم المخالفة. فمن ذلك منعهم الزيادة في الوضوء على مرات ثلاث استدلالا بالفعل.
وفيه حديث قبلي، أنه ! توضح ثلاثا ثلاثاً ثم قال: بهذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم؟ (4). ولا يصح هذا الحديث.
ومن ذلك كراهية بعضهم لصلاة العيد في المسجد، واعتبار أن السنة فعلها بالمصلى، أخذا من الفعل.
ئانيأ- دلالة الفحوى:
تتفق دلالة الفحوى بالأفعال كثيراً، ويقول مجد الدين ابن تسمية أ الجدّي:
أ قد يستفاد التنبيه من الفعل كما يستفاد من المثول، ومثله ابن عقيل بقوله تعالى:
(1) يعني: كدليل الخطاب، وهو مفهوم المخالفة.
(2) المسودة ص 353 لان ابن قديمة: المغني 1/ 140 (4) أخرجه أحمد وأبن ماجه، والتسلي بنحوه (145).
(1/394)
أومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ! (1) نبّه بأدائهم القنطار على أداء ما دونه " ا هـ،
وعندي أن هذه دلالة قوليةء لأن اللا تعالى يدلنا بالقول على ذلك، لا بالفعل، ولو قال: !نئهرا بأدائهم للقنطار على أدائهم لما دونه ! لكان لقول ابن عقيل وجه.
ويقول الجد: مثله هو: ويعني ابن عقيل " بالبصاق في المسجد، والى القبلة، على البول. ولعفه يعني أن حك النبي هيكله للفخامة من قبلة المسجد يدل على المنع من التبول من باب أولى.
ويقول (2): "وأحسن من هذا ما أشار إليه أحمد بن حنبل واستدل به، من أن
النبي ! جمع بين الصلات!س بالمدينة من غير خوف ولا سفر، فإنه يفيد الجمع للخرف والسفر والمطر" (3).
وهذا استغلال مستقيم.
ثالثاً- مفهوم الموافقة المساعي ألحن الفعلي(1/309)
وهذا كثير في الأفعال، وهو نوعان:
الأول: كرضخه ! من الفيء لمن كان معه في الحرب من النساء (4) فكذلك ينبغي أن يرضخ لغيرهم ممن يماثلهم في ذلك إذا حضروا الحرب، كالصبيان. ومثل اتخاذه طبيعة سيفه من فضة، يدل على جواز اتخاذ رأس الدواة، وحلقة المرآة، ونحو ذلك، من الفضة.
(1) سورة آل عمران: آية 75
(2) ابن تيميه: المسودة في أصول الفقه ص 348
(3) انظر الحديث في ذلكم عند أحد 6/ 0 38 وأبو داود 7/ 1 0 4، 2 0 4
(4) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن والمغني لابن قدامها 8/ 322) ،453
(1/395)
وضابط هذا النوع أن يفهم من حكم فعله !ك! حكم فعلى من نوع آخر،
مسافر له، بخلاف النوع الآتي.
الثاني: وهو أن يقال: ما فعله غد فحكمنا فيه كحكلمه؟ وهو ما تقدم من
قول المساواة في الفعل المجرد.
وهذا النوع، وهو انسحاب أحكام أفعاله عن على أحكام أفعال الأمة بطريق المساواة، هو الدلالة الرئيسية للأفعال النبوية المجردة، وإذا أطلقت الدلالة الفعلية فإنما يراد بها هذا النوع خاصة.
ويتعلق بهذه الدلالة خاصة، أعني دلالة المساواة في الحكم بيننا ربينه !، مسائل مهمة، نستعرضها في المبحث التالي.
404
(1/396)
المبحث الثاني
وجْه أنسِحَاب حُكم الفِعْل النبويّ عَلى أفعَال الأمية
قدمنا أن ملئه من دلالة مفهوم الموافقة- وهذا هر ما نميل إليه.
ولكن قد اختلف تكييف الأصولي!س لذلك الانسحاب على وجهي. فمنهم
من قال بان ذلك بطريق العموم، ومنهم من قال بأنه بطريق القياس.
أولاً القول بالعموم:
نسب الزركشي في البحر المحيط، القول بجريان العموم في الأفعال إلى أصحاب مالك (1) وبعض أصحاب الشافعي.
وقال الشوكلاني: الفعل لا عموم له، فلا يشمل جميع الأوقات المستقبلة.
ونسب ذلك إلى وجمهور أهل الأصول على اختلاف طبقاتهم " (2).
وقد وجه الغزالي ذلك+) بان الفعل لا يقع إلا على وجه معين، فلا يجوزان
يحمل على كل وجه يمكن أن يقع عليه.(1/310)
وقد ب!!ق غيره أنه كما لا عموم للفعل بالنسبة إلى الزمان والمكان والأسباب فكذلك لا عموم له بالإضافة إلى غير فاعله من الفاعلين، ولا غفير مفعوله من
(1) البحر المحيط للزركشي ق 14 (3) 1 لمستشفى 22/2
(2) إرشاد الفحول ص 38
455
(1/397)
المفعولية، ولا غير السبب الذي وقع من أجله. ومعلوم أن الفاعل/ يفعل ذلك الفعل إلا مرة واحدة، في زمان واحد، ومكان واحد، وبمفعول واحد، وعلى هيئة وا حدة. وهاذ ا.
فالفعل إذْ يقع إنما يقع خاصاً بفاعله، وعلى الهيئة والحال التي وقع عليها.
هذا بالنظر إنما الفعل في ذاته من حيث هو فعل.
ثم إن دل الدليل على أنه !بهبه!ه يبين بذلك الفعل مجملا عافت لنا وله، كقوله
!!ة ما صلى على المنبر "إنما فعلت هذا لتاتموا بي ولتعلموا صلاق! ! (1) وكقوله: "خذوا عني مناسككم " فإن فعله يكون عاماً بحسب عمره المدن، لأنه يكون حينثل! بمنزلة القول. وقال ابن الهمام: العموم هنا للمحل لا لنقل الفعل (3)-
ود ما فيما سوى ذلك مما دل الدليل على تأتي الأمّة به ! كالفعل المجرد،
فإن القول بالعموم فيه لا يصح إلا على نوع من المسامحة* ربما في الحقيقة فإن العموم إنما هو يخص الأدلة الدالة على وجمرك تاسئي الأمة به !، في الحالات المماثلة.
الثاني: القول بالقياس:
لم نجد أحداً صرح ن ن إلحاق غير النبي !م! بالنبي في حكم أفعله هر قياس، ما عدا الاَمدي. فإنه يرى أن معنى التأسي الذي أمرنا به هو القياس عينه. فقد ذكر في شباب حجية القياسي حديث أم كلمة أنها سئلت عن قبلة الصائم، فسألته به، فقال لها: وهل أخبرتِهِ أني أهبِّل وأنا صائم؟أ ثم قال الأسدي: وإنما ذكر ذلك تنبيهاً لقياس غيره عليه " (3). وذكر اعتراض من يعترض على ذلك بان هذا يدل على أدب فعل النبي ! حجة متبعة، وليسن بقياس. قالت الصمدي: (1 له
(1) رواه البخاري 397/2 رواه مسلم 38/5
(2) انظر تيسير التحرير 8/1!ا 2!ك! التحكم 4/ 44 456
(1/398)(1/311)
اعتراض غير صحيحٍ ، وذلك لأنه لو/ يكن اتباعنا له في فعله بطريق التاسئي به، لما كان حكم فعله ثابتا في حقنا، ولا معنى للقياس سوى ذلك أأ 11).
وقال الأمني أيضاً فإن العمل بخبر فرك المني، والغسلى من التقاء الخزانين، وقبلة الصائم، كل ذلك مستند إلى القياس، لا إلى عموم الفعل، لتعذره ! (2).
ويفهم من كلام الغزالي أنه يذهب إلى مثل ما ذهب إليه الحمدي، قال الغزالي في حديث أم كلمة المتقدم ذكره ة ما إن ذلك تنبيه لقياس غيره عليه مجد" وهذا يدلل على أنه يرى مساواتنا له عن في أحكام أفعاله قياساً (3).
رأينا في ذلك:
إننا نرى أن الذين عبّروا بعموم الفعل إنما عبروا به على طريق المسامحة، لا
على اعتقاد أن الفعل في الحقيقة عام. ونرى أن م إنما يقصدون العموم من حيث انطباق مثل حكم فعله ! على أفعالنا. فليس هناك صيغة تنطبق على أفرادا حتى يقال بالعموم.
أما القائلون بأن الحكم ينسحب على أفعالنا بطريق القياس، كما قال العمدي وأشار إليه الغزالي، فيكودط القياحمه حيحئل! من القياس بنفي الفارق، لا من قياس العلة. فما يحتخ! به من أفعاله بمحرر لا يحتاج إلى الاستدلالي على علته لأجل الإلحاق بهما، بل يكفي أن نعرف أن لا فارق بيننا وبينه ضر إلا النبوة، ثم نعلم أن الندوة ليسكت فارقا مؤثرا في الأحكام التشريعية. ودليل ذلك ما تقدم في فصل إثبات حجية أفعاله-له من آيات التاسيس والاتباع ونحوها، فإنها تدل عله أن النبوة ليست فارقاً، فيما سوى ما ثبت بالدليل من الخصائص النبويهّ.
ثم ينبغي أن يقال: إن تلفا الدلالة هي من باب مفهوم الموافقة، لا قذمنله
(1) المصدر نفسه 4/ 1 5 (2) المصدر نفسه 372/2 (3) المستصفى 2/ لا 6 ود شاحال مثل ذلك يخص شفاء الغليل ص 640- 645 407
(1/399)(1/312)
قبل هذا الفصل. وهو أولى من جعلها قياساً، وذلك أن الأصول!ن ذكروا في حد القياس العشواء في العلة. لذلك قال ابن الهمام: "إن الجمع بنفي الفارق ليس من حقيقة القياس " لا" فالأولى اعتبار الدلالة الفعلية من باب مفهوم الموافقة.
ولما اتفقا الحكام بينه ييل ربان غيره، صار ذلك هو عموم الفعل على سبيل المسامحة كما تقدم ذكره.
فأما ما كان الجمع فيه بالعلة، فإنه قياس، ولا إشكال يخل ذلك. ويتفق ذلك
في الفعل كثيراً، كقياس جواز الإتمام في السفر على جواز صوم الفرض فيه، للاستياء في العلة، وهي ترك الترخص.
(1) تيسير المّحرير 77/4
408
(1/400)
ا لفن ل ا يخّامِن
على لنم !تعَلِمَا ضالفِحْلا فَبَوقي
1- سبب الفعل.
2- الفاعل وجهاته.
3- المفعول به وجباته.
4- مكان الفعل وزمانه.
5- هيئة الفعل.
6- دلالة الاقتران،
7- الأدوات والعناصر المادية. 8- العدد والمقدار.
409
(1/401)
دلالة متَعلقات الفِعْل النبَويّ
ذكرنا فيما تقدم من هذا الباب أن الدلالة الرئيسيهَ للأفعاله هي الدلالهَ عل
أن أحكلام أفعالنا مساوية لأحكم أفعاله-كيف فما وجب عليه رجب علينا، وما ندب له ندب لنا، وما أبيح له أبيح لنا.
ثم بينا أن ذلك هو من مفهم الموافقة لفعله !، أو من القياس بنفي
ا لفا رقم
والذي يراد بيانه في هذا الفصل، أن فعل النبي له لا يقع إلا مع التلبّس
بأمور مختلفة، فكما أنه وقع 1- لسبب معين، كذلك 3- يقع من فاعله 3- وقد يتعدى إلى مفعول، 4- ولا بد أنه واقع في زمان معين؟ ومكان معي، 8- وعلى هيئة معينة، 6- وقد تستعمل فيه آلة وعناصر مادية معينة 7- وقد يقارنه أمورتقع معه، 8- وقد يقع الفعل مرة أو مرات معلومة أو مجهولة.
فلما قلنا إن استفادة الحكم من فعله ! تقتيله أن نفعل مثل ما فعل،
وجوبا أو ندبا أو إباحة، على التفصيل المتقدم بيانه، فهل يعني ذلك أن الأسوة المطلوبة شرعاً تقتضي ممالْله فعلنا لفعله ي يخص هذه الأمور؟.(1/313)
لم يتعرض أحد من الأصوليين الذين اطلعنا على كلامهم لهذه المسألة بالتفصيل، ونحن نرجو أن نتمكن بعون الله من إيضاح فلك، مسترشدين بتصريحات وإشارات مجملة، وردت لا مواضع متفرقة من كلام القوم.
فنقول: أما أصل الفعل فلا بد من الاتفاق فيه، صالا فلا تتحقق المماثلة أصلاً وذلك كصلاة وصلاة، وصوم وصوم، ولا يتم الاستدلال بفعل صلاة على فعل صوم إلا بنوع من القياس عند الاستواء في العلة-
11!ا
(1/402)
وأما ما سوى ذلك، فإن القول الجامع أن يقال: إن المطلوب المماثلة فيه ما
الان من المتعلقات المذكورة غرضا مفصودأ على سبيل أنه شرع، عندما فعل النبي من ذلك الفعل.
يقوله أبو الحسلاسن لبصري في شرح قولهم: وعلى الوجه الذي فعلى) (أما
الوجه الذي وقع عليه الفعل، فهو الأغراض والنيات، فكل ما عرفناه أنه غرض في الفعل اعتبرناه. ويدخل في ذلك نية الوجوب والنفل " (1). ويقول ابن أمبير الحاج: بمعنى على وجهه أن يكون مشاركا له في الصفة والغرض، والنية" (2). فإن علمنا أن شيئاَ مخها ليس مقصوداً فلا يدخل في التألصي، ويقول أبو الخطاب الحنبلي: 4 إذا فعل النبي نحو الفعل في زمان ومكان، وعلمنا أن في ذلك غرضاً مثل صلاة الجمعة، وصوم رمضان، والوقوف بعرفة (ف!ننا لا نكون مطعن د4! !ا!نناه لا غير الزمان والمكانة وإن/ نعلم أن فيه غرضاً؟ مثل أن ينقل أن تصدق بيمينه وقت الظهر بباب مسجده، فإن التالي يحصلن بالصدقة، وإن تصدق بشماله، في غير باب مسجده، وغير وقت الظهر"،3).
والحاصل أن ما علمناه مقصردأ!ا الفعل، من المتعلقات المذكورة فهو معتبر
في الاقتداء+
وما علمناه غير مقصود فهو خارج.
وما/ نعلم أنه مقصود، ولا أنه غير مقصود، فهو موضع الإشكال، وهو موضع البحث في هذا المصلى.
وقبل الشروع به التفاصيل نقوم مسائل تتعلق بهذا الأصل العام.
المسألة الأولى: أن المراد بالقصد والغرض فيما تقدم، قصد المتعمق من حي!ث(1/314)
الموافقة للشريعة، لا قصد المتعلق لذاته، أو لمصلحة عارضة، فبذا صلى، يكن، في
(1) المعتمد 372/1
31) أبو الخطاب: التمهيدي 89).
(2) التقرير والتحبير 353/2
412
(1/403)
بقعة من المسجد مثلاً، فقد قصد أن يصلي فيها، لا شك في ذلك، لكن قد يكون قَصَدَها لأنه يريد موافقة الشرع بشخص: علاء ا، كالصلاة عند المقام، فيكون تخصيصها مطلوبا في حقنا شرعا، رقد يكون قصدها مع أنها عنده كي متميزة شرعا عما سواها بشيء، وإنما قصده قصد عاطفي لغرض موقوت، كان تكون أقرب إليه مما سواها، أو لأن فيها ظلا يستظل به من الشمس مثلًا،) و لغيرذلك. فلا يدل على استحباب تخصيصها أو وجوبه.
وبهذا يرد على من زعم استحباب الصلاة عند أساطين معينة من المسجد النبوي، أو في بقاع معينة من أنحاء المدينة وغيرها، لمجرد أنه قد نقل أن النبي ! قد صلى فيها، أوعال فيها عملاً ما (1).
و/ يفرق ابن تيميه بين القصدين، فقد ذكر تحري كلمة بن الاكوع الصلاة
عند سارية المصحف من المسجد النبوي- قال كلمة: 8 إني رأيت النبي له يتحرى الصلاة عندها" (7). يقول ابن تيمية: أوقد ظن بعفالمصنفين أن هذا مما اختلف فيه، وليس بجعد، فإنه هنا قد أخبر أن النبي ! كان يتحرى البقعة، فكيف لا يكون هذا القصد مستحباً (13 ا هـ.
ونحن نجحِبه بما تقدم من التفريق بين القصدين. وأما ما فعله كلمة(1/315)
رضي حدثه عنه، فليس نعله حجة. ولعله نعله بناء منه على أن ذلك التحري من النبي عن كان لقصد!مرعي ! فإن تلك البقعة المعينة واقعة ب!!ن المنبر والبيت، وقد قالت إن:أ ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي ". المسالة الثانية: أنه عن قد يقصد في الفعل الواحد بعض متعلقاته على سبيل الوجوب، وبعضها على سبيل الندب، وبعضها على سبيلي الإباحة، فتختلف الأحكام ا!لستفادة بحسب ذلك. فعندما صلى صلاة الاستسقاء ركعتين؟ كان لابسا ملابس بذلة، لها لا شك لون خاص. فأما كون الصلاة ركعتين فذلك واجب، وأما التبذل في الثياب في صلاة الاستسقاء فمستحب؟ وأما اللون فمباح.
(1/404)
(1) ذكر في (الرصف) مراضع نقلت فيها أفعال النبي بالمدينة وغيرها (163/1- 175) (2) رواه البخاري يفتح ا.لباري 1577/1 (3) اقتضاء الصراط ص 389
13!
(1/405)
وبهذا يتبيّن أن لكل متعلق من المتعلقات الثمانية حكمه المنفرد، ثم قد تتفق
تلك الأحكام أو تختلف.
المسألة الثالثة: أن القصد أمر قلبه، ثم قد يعلم إذا دلت عليه الأدلة القولية أو الحالية؟ وقد يكون خفيا فيستدل! عليه بالأمارات. ويستعان أؤلك بالأصول التي نذكرها في ما يأتي.
المسألة الرابعة: الأصل التأسي في المتعلق الذي نعلم أنه مراد، أو غلب على
الظن إرادته بأمارة، فإنه يعتبر في التاسئي. ولا يصل التأل!ي فيما علم أنه غير مراد من جهة الشرع. وأما ما/ تعلم إرادته ولم يغلب على الظن إرادته، فيختلف باختلاف نوع المتعلق. وسيتبين أن الأصل في بعضها الاعتبار، وفي بعضها عدم ا لا متبار.
المسألة الخامسة: ما كان من المتعلقات اتفاقية، وقد تعلق به الفعل مصادفة(1/316)
دون قصد أصلاً فهو أبعد ما يكون عن الاعتبار في التأصيل . ولا يجوز إفي خاله في التأسي وقصده في العبادة أو غيرها. ويتولى ابن تيميه: "متابعة النبي عنه في فعله بان نفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعله. فإذا قصد النبي ! العبادة في مكان، كان قصد العبادة فيه متابعة له كقصد المشاعر والمساجد. أما إذا نزلت في مكان بحكم الاتفاق، لكونه صادف وقت النزول، أو غير ذلك مما يعلم أنه/ يتحر ذلوا المكان، فإنا إذا تحرينا ذلك المكان لم نكن متبعين له، فإنما الأعمال بالنيات 9 (1).
ويقول: يجب الفرق بي الاستناد به ضد في ما فعله غ وبيهم ابعد 3 بدعة لم يسندها، لأجل تعلقها به (2)،
ونحن نرى أن مما يندرج تحث هذه القاعدة المثال!!ن الآتيين:
الأول: أن النبي-! حج حجة العدل، فوافق وقوفه بعرفة يوم الجمعة.
(1) اقتضاء الصراط المستقيم ص 387
(2) اقتضاء الصراط المستقيم ص 389
(1/406)
ومن المعلوم أنه ي لم يقصد ذلك، فقد خرج من المدينة وهولا يعلم متى يقف- لأنه خرج قبل أن يدخل شهر ذي الحجة. فمن ادعى- والسيوطي (؟) ونقله عن أبن جَمَاعَة- أن الوقوف بعرفة إذا وافق يوم الجمعة أفضل، من جهة أن النبي مج!وقف وقوفه الجمعة؟ فقوله مردود. وبحسبنا!ا رده أنه يستلزم تتبع أعياده ! أي الأيام وافقت؟ ومسيره وحركاته متى حصلت، لنخضها بمزيد من العمل. وملئه غير مستقيم شرعاً
وقد احتج السيوطي لما ذهب- إليه بأدلة أخرى لا كلام لنا فيها في هذا المقام.
المثال الثاني: قالت عائشة: تزوجني النبي له في شوال، وبنى به في شوال،
فان نسائه كان أحظى مني عنده؟ وكانت عائشة تستحب أن يبنى بنسائها في شوال. "
وقال النووي في شرح صحيح مسلم: وفيه استحباب التزويج والدخوله في شوال. قد نص أصحابنا (2) على استحبابه، واستدلوا بهذا الحديث "3) 1 هـ.
ومن المعلوم أنه جميعه/ يقصد شوالا بالبنا- فيه، ولو استحب ذلك لكان علينا(1/317)
تتبع شهور بنائه بزوجاته الباقيات، واعتبارها مواسم يستحب فيها الزواج !
فما قاله النووي مردود، ولا يصح بنا!و الاستحباب على التعلق الاتفاقي-
ولعل عائشة قالت ذلك ردا علا من تطور من شوال فكره الزواج فيه؟ وقد
ذكر النووي ذلك نفسه، فيكون قولها دالا على إثبات الجواز، ونفي تطور الجاهلين بشوال.
(1) انظر رسالته أنور اللمعة يخص خصائص الجمحة) ضمن مجموعة الرسائل المديرية 1/ 220 قال فيه 9 وقفة الجمعة لأفضل كيرها من خمسة) وجه، أحلها: موافقها النبي !، فإن وقفته كانوت يوم الجمعة، وإنما يا دار الأفضل " ثم ذكر باقي الأوجه.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 259 31) وانظر: نهالهّ المحتاج 182/6
415
(1/407)
المبحث الأولى.
سَبَمث الفعْل
السبب ما يضاف إليه الحكم، لتعلق الحكم به من حيث إنه معروف للحكم، أو مؤثر في حصوله، أو باعث على اشتراكه. وهي الأقوالى الثلاثة التي تنكر!يخا علة القياس. وسواء ظهرت المناسبة في ذلك أو لم تظهر، فكل ذلك وإضافة الحكام إليه أن يقال: وجب الجلد للزنا، ووجبت الظهر بزوال الشمس.
فإذا فعل جمع فعلا ما، لسبب من الأسباب، فإن الذي يقتدي به فيه هر من
وجد مثل ذلك السبب في حقه، أما من لم يوجد فليس له أن يفعل مثل ذلك الفعل، بدعوى الاقتداء والتأسي به عبده،
فاعلة التأسي والمتابعة والاقتداء، مقيدة بحصوله سبب الفعل، فإذا وجد السبب وجب الاقتداء، مقيدة بحصول سبب الفعل، فإذا وجد السبب وجب الاقتداء، دالا فلا.
وسواء أكان الفعل المنوط بالسبب واجباً أو مستحبا أو مباحاً.
ويمكن توضيح الاقتداء به ي عند وجود السبب بالتمثيل بأنه ! قطع يد
(1) جمع الجوامع للسبكي، وشرحه للمحلي 94/1. وهذا الذي اعتمدناه في السعبب هر أحد قولي في مّحديده. وعليه يكون شاملا للعلهّ. والقول الآخر أن المسبب مباين للعللهّ، فالسببّ ماتان موصلاً دون تأثير، والعلة ما لوصلت مع التأثير.
416
(1/408)(1/318)
رجلي سرق رداء صفران. فالسبب هنا هو السرقة. ولا يجوز الاقتص اء به مجيهغ في قطع يد إنسان ما لم يوجد سبب القطع، وهو السرقة. فإذا وجد ذلك السبب وجب الاقتداء بإقامة الحد على السارق.
ومثاله أيضا أن النعي ! وقف يصلي بأصحابه، فذكر أنه جنب، فانصرف فاغتسل ثم جد، فلم ينصرفا حدمنهم ليغتسل. ووجه ذلك أن سبت الغسل وهو الجنابة، نجد في حقه هر، و/ يوجد في حقهم. وإنما يقتدي به في ذلك من وجد في حقه السبب المماثل.
ومثال ثالث: لن رسول الله يا: ة قرأ عام الفتح ساحة، فسجد الناس
كلهم، منهم الراكب والساجد في الأرض، حتى إن الراكب ليسجد على يده ! (1). يحتمل أنهم سجدوا لكونه له قرأ سجدة التلاوة، أو سجدوا لكونه قارئا ساجداً للتلاوة.
فعلى الاحتمال الأول يسجد كل من استمع للقراعق التي فيها السجدة،
سواء سجد القارئ أو لم يسجد.
وعلى الاحتمال الثاني: يسجد المستمعون إن سجد القارة 6 ولا يسجدون
إن لم يسجد.
ويظهر أن مذهب ة لبخاري الأخذ بالاحتمال الثاني، فقد باب على الحديث: شباب من سجد لسجود القارع!! واحتخع بقول ابن مسعود للقارىء اسجد كانت إمامنا فيها.
ومن الحجة لذلك أيضا رواية زيد بن أسلم، أن غلاما قرأ عند النبي ست السجدة. فانتظر الغلام النبي ! أن سجد، فلما/ يسجد قال: يا رسوله اللهم أليس في هذه السجدة سجود؟ قال: "بلى، ولكنك كنت إماضخا فيها ولو سجدت لسجدنا" (13.
(1) رواه البخاري. فتح الباريمط 2/ 556
(2) رواه ابن أيا شيبة (فتع الجاري 556/2) 417
(1/409)
المطلب الأول
أنواع الأفعال من حيث تعلقها بالأسباب
الأفعال من حيث تعلقها بالأسباب على أنو 3:
الأول: ما هو مرتبط بالعبادة ارتباط الجزء بالكل، فهذا لا يطلب له سبب،
وذلك كالركوع والسجود بالنسبة إلى الصلاة، وكغسل الوجه أو اليدين بالنسبة إلى الوضوء، وإنما ينظر في سبب العبادة ككلل.(1/319)
وليس كل أجزاء العبادة يجري هذا المجرى، بل منها ما يتبع سببا خاصاً كالركوعات الزائدة عن الأول في صلاة الكسوف، فإنها منوطة بالكسوف. والقنوت، فإنه مرتبط بالوتر، وسجود السهو، فإنه مرتبط بالسهو في الصلاة. وكسجود التلاوة فيهَا، فسببه تلاوة السجدة، وهكذا.
الثاف!: النوافل المطلقة، من صلاة وصوم وصدقة وأذكار مطلقة، وغير
ذلك. فإنها ليست منوطة بسبب من الأسباب.
وكذلك ما يفعله به من المباحات علا الإطلاق، لا يطلب لها سبب لأنها
تفعل لملائمة الطبيعة البشرية كما تقدم.
الثالث: ما هو مقيد بسبب زماف! كالصلوات الخمس، والرواتب، وقيام
الليل، وبعض الصوم كصوم رمضان، وصوم يوم عاشوراء، وست من شوال. أو بسبب مكانيّ، كتحية المسجد، والطواف بالبيت، والوقوف بعرفة.
وبنّ القرافي (1) إن الصوم لا يكون منوطا بالمكان، أما الصلاة فقد لّثاط بالزمان وقد لتناط بالمكان، كما تقدم في الأمثلة.
(1) 1 لفر وق 2/ 170 418
(1/410)
أو بسبب حادث من الحوادث، كصلاة الكسوف.
أو بسبب مناسب يتضمن تحصيل مصلحة أودري مفسدة، كصلاة الاستسقاء عند القحط، وقطع يد السارق، وسائر الحدود التين قامها، وتولى الأكل من الميتة، وأكل الميتة للضرورة، وسائر الرخص.
المطلب الثاني
طرق معرفة سبب الفعل
ذكر الأصوليون في أبواب القياس طرق استخراج علة الحكم. وكان ما صرفوا إليه جل لهم استخراج علل الأحكم المدْلول عليها بالأدلة القولية. أما الأفعال فقد حظيت من اهتمامهم بحظ بخس- وقد كانت جديرة بمزيد من الاهتمام، لتفتح أمام الفقهاء باب تفهم العقول الفعلية، ووضعها!ا مواضعها السليمة.
وأننا نقتفي- هنا في بيان طرق استخراج أسباب أحكام الأفعال- آثارهم في بيانهم لأسباب الأحكام القولية، مسترشدين بما وضحوه. والله الموفق والوعي، فنقول:(1/320)
إن سبب الفعل يعرف بطرق: إما أن يرف بالنص القولِى الصريح أو غير الصريح، أو بالإجماع، أو الإيماء، أو قول الصحابي، أو الاستنباط، أو المناسبة. الطريقة الأولى: إثبات العلة بالنص الصريح أو الظاهر، أو بالغ الماء
لا لمَول.
والنمو إما من كتاب الله تعالي.
وإما من رسول اللّه عز، كقوله بعد أن صلى على المنبر: وإنما فعلت هذا لتاةلمّوا يا ولتعلموا صلاتي ".
419
(1/411)
وكقوله، إذ شمّت أحد العاطسين ولم يشمّت الآخر: فإن هذا حمد ازا فشفاه، و(نك/ أحمدالله ! (1).
ومثال الإيماء بالقول: أنه عن خلعَ نعليه قي الصلاة فخلعوا نعاهم. فلما
سلم قال لهم في ذلك، فقالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا. فقال: 9 إن جبريل أخبرني إن فيهما أذى".
وكقوله عندما قام لجنازة يهودي:أ أليست نفساً "21).
وكقوله عندما وضع الحجر على قبر عثمان بن ملعون: وأعلم به قبر أخي،
ود دفن إليه من مات من أهلي "-
الطريقة الثانية: الإيماء بالفعل. ومثاله أن يفعل النبي عنه فعلا بعد أمر طلرع!. فيعلم أنه سبب الفعل، ومن ذلك أنه عن نقص من الصلاة سهواً وسلّم. فلما قيل له، قم الصلاة، وسجد سجدتيها وسلم. فإن إيقاعه سجدتين في آخر الصلاة لا يعهد في الصلاة، فارتباطهما بالنقص سهوا أمر واضح، وإلا لجانا لغوي لايعيق به-جمي!+).
الطريقة الثالثة: إثبات السبب بالإجماع.
فإذا أجمعت الأمة على أن فعلا من أفعاله ! كان لسبب كذا، فإنه يتعين. الطريقة الرابعة: إثبات السببية بقول الصحابي. وذلك أن الصحابة يرى الفعل، ويشاهد ما يحتف به- من القرائن الدالة على سببه، وهو عدل عارف باللغة* فالظاهر أدر ما أخبر بسلبيته هو السبب حقاً بله لا يبعد أدن يكون سمع من النبي كتب قولا يدل على السمببية فنقل إلينا السبب ولم ينسبه إلى قول النبي ينهض.
(1) رواه البخاري ومسلم وجامع الأصول 7/ 396)
(2) رواه البخاري ومسلم وجامع الأصول!1/ 435)(1/321)
31) مثل المقاضي الباقلاني في التمّريب بسجن السهو للاستدلال على علة الحكم بفعل النبي يا. فذكر هذا المثال، ونحن بينا أن ذلك من قبيل الذكاء. وانتظر الشوكلاف!: ارشيد الفحول حما 213
420
(1/412)
وهذا النوع- وهو إثبات السببية بفول الصحابي- هو في الحقيقة- راجع إلي طريقة أو أك!ثر من الطرق الأخرى المذكورة فتئ هذا المبحث، لأن الصحابة يفهم السببية أولاً ثم يعبر عنها. وطريقة فهمه لها راجعة إلى طريق من الطرق المذكورة ولا!!ك.
إلا أن قوله بالنسبة إلينا طريق، من حيث الجملة.
ويحتمل أن الصحابة ظنت ما ليس بسبب سبباً. ولكنه احتمال ضئيل لا
يصح الذهاب إليه، ما/ يتبين أن الصحابة كان يخص فهمه ذاك نحطئأ (6!-
وأمثلة هذا النوع كثيرة، كقول جابر بن عبدالله في ميعاد صلاة العشاء:
9 كان ضيف إذا رآهم اجتمعوا عمل، وإذا رآهم أبطلوا أخر" (2) فغرف بذلك سبب تعجيله سر العشاء وسبب تأخيرها.
وقول عائشة: وكان النبي له إذا كان جنباً وأراد أن يأكل لو ينم توضأ"3).
فبينت أن الأكل والنوم على الجنابة سببان لوضوئه.
وقولها: "كان بذا دخل العشر شذ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله " "4). فبيّنت
أن سبب الاجتهاد في العبادة عشر رمضان الأخير.
وقول ابن عباس: لما ذكر أن النبي ! جمع بالمدينة بين الظهر والعصر،
وجمع بين المغرب والعشاء من غي خوف ولا سفر. (8) فسئل: ما أراد إلى ذلك؟ فقال: بأن لا يحرج أحذر من أمته " (6). فإنه يدلل على أن الجمع منوط بالحرج، الطريقة الخامسة ة أنا يعرف السبب بالاستنباط. وذلك إما بال!بْرِ والتقسيم
أو بالمناسبة، أو بالذوَران.
(1) انظر تبسبر التحرير 4/ 40
(3) رواه أحمد ومسلم لنيل الأؤطار) 2/ 235 (4) رواه مسلم 8/ 70 ورواه البخاري. (6) انظر فتح البارز 2/ 24
(2) متفق عليه ونيل الأوطار 13/2)
51) رواه الجماعة تجمع الأصولي 6/ 459)
421
(1/413)(1/322)
فمثال الأول، وهو معرفة السبب بالسبر والتقسيم، أنه يئهيهلى صلى يوم عرفة ركعتي وخطب. فقيل كانت خطبته للجمعة لأنه وافقه يوم جمعة. وقيل إنها خطبة لعرفة، والركعتان ظهر مقصورة.
فلما علمنا أنه أسعَ في الركعتي بالقراءة، علمنا أن الخطبة ليست للجمعة،
فلا يبقى إلا للوقوف بعرفة. وعليه فيقتدى به عمرو، فيثبت للوقوف بعرفة خطبة،1).
ومثال آخر: رأت أم هانيه أن النبي !! صلى يوم فتح مكة ثماني ركعات،
وذلك وقت الضحى (2). فاختلف في سببه هل هو الوقت، فيدل على استحباب صلاة الضحى، أو الفتح. وقد ذكر ابن القيم أن الأمراء كانوا يصلونها وش!مونها صلاة الفتح (3).
فلما صلى، !كل! الضحى قي غير هذا. الموطن، وعلم من شانه الترغيب في صلاة الضحى، عرف ارتباطها بهذا السبب. والله أعلم.
ومثالا الثاني: وهو المناسبة، أنه عن حسم يد السارق، بعد القطع، والغرض
حفظ العضو من التلف.
ومثال إثباته بالدوران: حديث عبداللي بن عمر رضي الله عنهما قال: "عرضت علا النبي مجد يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة، فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق، وأنا ابن خمس عشرة فأجازني 9.
احتج به لمذهب الشافعي وأحمد في أن المدة التي إذا بلغها الإنسان و/ يحتلم
11) انظر مناظرة طريفه بين القاضي أبي يوسف ة أبيها مالك، بمحضر هارون الرشيد، في هذه الممسالهّ. ذكرها القضايا في الفروق 2/ 125
(2) حديث أم هافإء في صلاته الضحى يوم الفتح سّفق عليه ونيل الأوطار 3/ 75)
(3) انظر الشوكاني ة نيل الأوطار 67/3
422
(1/414)
حُكمَ ببلوغه، هي خمس عشرة سنة، فقد أجاز ابنَ عمر في القتال بخمس عشرة سنة، ولم يجزه فيما دوخها، فإذ عله ذلك (1).
وأما أبو حنيفة ومالك فلم يتخذا بذلك. وقال أبو حنيفة: يحرم ببلوغ الجارية ببلوغ سبع عشرة، وإما الغلام ففيه روايتان: أحدهما: بسبع عشرة كالجارية؟ والأخرى بثمان عشرة. وقاله مالك: لا حل للبلوغ بالسن (3)*(1/323)
وقد اعتذر لمن لم يتخذ بحديث ابن عمر كل ذلك: بان الإجازة في القتال حكمها منوط بإطاحته والقدرة عليه؟ وأن إجازة النصي له لابن كمر فىف الخمس عشرة: لأنه رآه مطيقاً للقتال و/ يكن مطيقا له قبلها (3،.
(1) ابن دقيق العيد: الأحكام 2/ 335 (3) ابن دقيق: الإحكام 2/ 335
(2! أبت قديمة: المغني 4/ 460
23!ا
(1/415)
المطلب الثالث
هل يتوقف الاقتداء بالأفعالى النبوية على معرفة أسبابها
إن الأفعال بالنسبة إلى هذا الأمر علىا حسام:
لأن الفعل إما أن يكون مما يتوقف على سبب، أو لا.
والأول: إما أن يعلم سببه، أو لا.
والأول: إما أن يكون السبب مستمرا بعده؟ أو لا.
فهي أربعة) حسام:
1- ما لا يتوقف على سبب. 2- ما فعله لسبب معلوم وهومستمر بعده. 3- ما فعله لسبب فزال. 4- ما جهل سببه.
القسم الأول: ما لا يكون مرتبطا بسبب أصلاً بل هو مطلق، كنوافل الصوم والصلاة:
فهذا يفعل اقتداء به يكن. ويفعل مطلقاً كما أن المتأَمئي به مطلق. فلا يجوز
ربط نوافل بأسباب لم يربط بها النبي نمو فعله. فمن اقتدى به جل في نوافل الصلاة المطلقة لا يجوز أن يفعلها مرتبطة بأسباب من عنده. كما لو تداعى قوم لتخصيص الثلاثاء أو الأرلج! على سبيل القربة بصوم أن صلاة، أو تخصيص مكان لم يخصه به النبي له بشيء من ذلك. ووجه ذلك أن سببية السبب الشرعي، هي حكم شرعي. والحكم الشرعي لا يجوز إثباته إلا بدليل.
424
(1/416)
القسم الثاف!: ما علم ارتباطه بالسبب. وهو مما كان الفعل في الأصل ممنوعا أو مكروهاً، وقد فعله ! لسبب.
وهذا القسم لا يجوز فعله بلا سبب، لأنه لو!لمتين لغير سبب مماثل لانتقل من حيز الممنوعات إلى حيز المباحلى، فيكلرن نسخاً وإبطاله للحكم الأصلي، وذلك غير مراد.
ويدخل في هذا القسم أنر 3:
ا- الرخص: كجمعه صل بين الصلاتين. إذ أن فيه تقديم الصلاة عن
وقتها، أو تأخيرها ضن رقتها، وكلانا حرام. وإنما يجوز الجمع عند سببه.(1/324)
ومثال آخر: تقريره الذاتي باللفظ الصريح، والتصريح بمثل ذلك، لأنه من الفحش وهو محرم، وإنما جاز لسبب هو الأمن من إقامة الحج عل بريء-
ومثال ثالث: ما رولي الترمذي: 11 نهم كانوا مع النبي ! في مسير، فانتهوا
إلى مضيق، فحضرت الصلاة، أمطروا، السلع من فوقهم والبِفة من أسفل منهم. فاتن رسول الله رتبه وهو على راحلته. وأقام، فتقدم على راحلته فصلى بهم، يومىء! قطر، يجعل السجود أخفضت من الركوعأ (1).
فالأصل أنا صلاة الفريضة لا تجوز على الراحلة، لما في ذللا من نقعا
بعض الأركان، ولكن جاز لما ذكر في الحديث.
2- العقوبات: وهي منوطة بأفعال معينة صدرت هن المكلفيهة الذين أوقعت بهم، كقطع يد السارق، ورجم الزاني الثيب، وجلد القاذفين لعائشة رضي ألذ عنها. قاعة الشوكاني: وما يفعله !ن! مع غيره عقوبة له اختلفوا فيه هل يقتدى به أم لا؟ فقيل يجوز، وقيل هو بالإجماع موقوف على معرفة المسبب، وهذا هو الحق ! فإن وضح لنا السبب الذي فعله لأجله، كان لنا أن نفعل مثل فعله عند وجود مثل ذلك السبب، وإن/ يظهر السبب/ يجز،31).
(1)458/2
(2) لإرشاد الفحول صر، 39
(1/417)
والأمر كما قال!*
3- ما أخذه ! من مال إنسان: فإن الأصل تحريمه، لقوله تعالما: أولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ! فإذا أخذت مال إنسان فلا يؤخذ مثله من مثله، حتى يعرف هل أخذه على وجه الزكاة، أو الصدقة، أو الهدية أو غير ذلك. وقد قال القاضي عبدالجبار: الو أنه !ئه! أكره غيره على أخذ شيء من ماله لعلمناه حقاً فإذا علمنا سببه صح التاسئي به " (؟ ".(1/325)
4- العبادات الخاصة المرتبطة بالأسباب، فلا تفعل إلا عند وجرد سببها، كصلاة الحسنى، لا تفعل إلا عند وجرد السبب. وكسجود السهو، وسجود التلاوة، وكالقنوت في الصبح على رأي ابن تيميه ومن وافقبما، فإنه يراه منوطا بالنرازل، بناء على حديث أنس (2) أنه !ن!: لقنت شهرا بعد الركوع في صلاة الصبح، يدعو على يىعْل وذَكْولنَ " (3). قال ابن تنمية، بعد أن ذكر حكم القنوت: إ هذا النزلة الذي وقع في القنوت، له نظائر كثيرة في الشريعة. فكثيرا ما يفعله النبي ي لسبب، فيجعله بعض الناس سنة، ولا يميز بين السنة العارضة والد أئمة " (4).
القسم الثالث: ما فعله لسبب فزال.
ما فعله النبي ! لمعنى معين، ثم زال ذلك المعنى نقل فيه الزركشي (ْ) عن للماوردي حكاية قولين للشافعيلأ:
القول الأول: وقد قاله أبو إسحاق المركزي، أننا لا نفعله، لزوال معناه،
إلا بدليل يدل على فعله بعد زوال المعنى- وبمثل هذا القول يقول لبو شامة (،).
(1) المغني 17/ 272 (2) البخاري 2/ 0 49، ومسلم 5/ 179
(3) رجل وذكران اسمان لقبيلتين، تعرضوا ليصل النيل ! فقتلوهم. فكلن يقنت ويدعو عليهم.
(4) مجموع الفتاوى 13/23 1، 4 1 1 (5) البحر المحيط 248/2 ب
(6) المحق!ق 17 ب
426
(1/418)(1/326)
القول الثاني: ونسبه إلى أبن أبي هريرة: يقتدى به وإن زال معناه، نظرا إلى مطلق المالمئي ! لقوله تعالى: (واتبعره !. ولما ورد قي السنة من أن النبي يك!!ه عمرة القضاء، وأصحابه، اضطلعوا بأرديتهم وعملوا في الطواف من الحجر الأسود إلى الركن اليماني، ومشوا من اليماني إلى الأسود، فعلوا ذلك ثلاث مرات، وبئس عن الغرض من ذلك بقوله: "رحم الله أمرا أرضهم من نفسه اليوم قمة". وكان المشركون قد وقفوا في المسجد الحرام من جهة الحِجْر، وقد قالوا فيما بينهم: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتم حمى يثرب. فأمر النبي ضد أصحابه بفلك ليظهروا الجلَد والقوة والنشاط، إرغاما للمشركين، وكسرا لحده سخريتهم. ثم بعد ذلك فتحت مكة، وقيها على قوة الشولى، ففعل النبي !، هو!أصحابه في طواف القدوم ما فعلوه في عمرة القضية، مع زوال السباب. فلم يكن هناك مشركلرن يقفون من جهة ألحِجْر، ينظرون إلى المسلمين تلك النظرة. فدزذلك على أن ما فعله لغرض فزال، أنه يستمر حكمه.
وقد يعترض على ذلك بان يقال ت/ تخل مكة عند حجة الودل! أيضاً، من
قوم حاقدين من ليل مكة، يتربصون بالمسلمين الدوائر، ولو/ يروا من المسلميها قوة وشوكة ترهبهم لانتفضوا عليهم. وبهذا يتب!ق أن السبب/ يزل في حجة العدل.
فلأصحاب القول الثاني أن يجيبوا عن ذلك بجوابين:
الأول: أن ما ذكرتم، لو سلم، يقتضي المحافظة على الاضطلاع والرمل أما
المشي من الركن اليماني إلى الأسود، فذلئه لا يقتضيه، إذ كان، بالإمكان أن يستمرّ الرمل الأشواط الثلاثة، أو أن نكون الاستراحة بالمشي في كير الموضع الذي مشوا فيه أولاً فلما حافظوا على المشي في المكان عينه الذي مشوا فيها ولا، وعملوا في المكان الذي عملوا لديه أولاً دل ذلك على أن الفعل يستمر حكامه صان زال سببه.
القاق: إنه حتى بعد أن قوى الإسلام، وزالت العداوات والإحَن، 427
(1/419)(1/327)
واجتعع! كلمة أهل مكة على الإسلام، لم يترك المسلمون الرمال و/ يُعْلم خلاف بين كل العلم في بنيته (1،. والانطباع سنة كذلك عند الجمهور، وخالف فيه الإمام مالك. وعندما حجي عمر بن الخطاب، وأن المطاف، قال:أ ما لنا وللرمل، إنما!ناراءينا به المشركين " (2؟ ثم قال: "شيء فعله رسول الله !، لا نحدث أن نتركه "- وفي رواية أبو داود: قال عمر بن الخطاب: 9 فيم الرميلان والكشف عن المناكب وقد عطا الله الإسلام، ونفس الكفر و-كله؟ مع ذلك لا ندع شيئأكنا نفعله مع رسول اللة!". وذلك يدل على المطلوب.
وقد تقل السبكي في قواعده (3) القولإسن ومثل للمسالة برجوعه يئه! في
صلاة العيد في طريتي آخر. ثم ذكر المعافي المحتملة لفلك، ثم قال: وإن رجح معنا مما ذكر، فمن وجد فيه ذلك المعنى كان مستحئأ، في حمقه، ومن/ يوجد فيه فوجهان، والأصح الاستحباب ".
وهذا من السبكي يقتضي ترجيح القول الثاني، وهو قول ابن أبي هريرة أن
الفعل النبوي يقتدى به، ولا يعتبر السبب،
رأينا في هذه المسالة:
الذي نراه ترجيح القول الأول، وهو أن الفعل إذا زالي سببه، فلا يتّبع،
لأن الفعل الذي فعِل لغرض، إنما يكون اتبعه لتحصيل ذلك الغرض. فإن علم أنه لا يحصل، فإدا فعل مثله لا يكلون اتباعه رتأسئأ، وإنما يكون غفلة ومخالفة. وأيضا فإن السببية حكم شرعي، فإن كان الشيء مما لا يفعل إلا عند السبب لم يجز فعله بعد زوال السبب.
ونستدل لذلك أيضاً بان النبي ! خلع نعليه في الصلاة فخلعوا نعالهم.
فلما سلم قال لهم ة ألم خلعتم نعالكم؟ " قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا
(1) ابن مّدامهّ: المغنى 373/3 (2) جامع الأصول 4/ 12
(3) قواعد السبكي ق 115، 1، ب. 428
(1/420)(1/328)
نعالنا. قال: فإن جبريلا أتاني فأخبرني أن فيهما أذىُ. فإذا جاء أحدكم المسجد فلينظر في نعليه، فإن وجد فيهما أسىً أرقذرأ فليمسحه، وليصل فيهما"+ فلم يصرْ خلع النعال في الصلاة سنة بخلع النبي ! لنعليه، إلا أن يكون عند وجود الأذى فيهما. أما إذا زال ذلك المعنى فلا، كما يشير إِليه الحديث.
فإن قيل: فما وجه استمرار الرمل والانطباع سنة؟ حتى بعد أن انقضى السبب؟.
فالجواب: أن هذا نوع من الأفعال غيي ما تقدم ذكره. كذلك أن الشرع دلى
على أنه يراد لهذا الفعلي أن يكلون صفة من صفات الصراف، مشروعة فيه. وإيضاح ذلك، أن أفعال الحج مثلاً كث!ير منها اتخذت فيه أفعالي وأحوال متقدمة، من أيام إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأسرته، رقعت منهم، فاتخذت نموذجاً وضعت على مثاله أفعال الحج !
ولنعتبر ذلك بال!عْيِ بين الصفا والمروة. فاصله سعي أبو إسماعيل بينهما، لتطلب الماء لابنها الذي تركته يضغُو عند زمزم. فعلت ذلك سبعا، وقد هرولت في المنخفَض الذي هو بطن الوادي. فزضِع السعر على مثاله ذلك، تجعل جزءا من أجزاء الحج. يقول ابن عباس مشيرا إلى هذه القصة، كما روى عنه البخاري، قال رسول ان عمه: 9 فذلئ! سعي الناس بينهما" (1).
وكذلك تضحية إبراهيم بالكبش اتخذت أساساً لمشروعية الهدي. وقد أمرنا
باتخاذ مقامه مصله.
وهذه الأفعال أبقيت في العبادات مستمرة دائمة، كما تبقى الأمم بعض
الآثار الحسية المشاهدة، لتدلها على عظمة أسلافها السابق!!ن، ولتكون ذكراها ماثلة أمام الأبناء، تثيرهم نحو التضحية والفداء، والاقتداء بسمابقيهم من المعظمين. فهذه آثار من الحجارة والط!!ن، وتلك آثار من المّفاف! في طاعة ام.
(1) البخاري بشرحه فتح البارز ط اطلبي 259/7 429
(1/421)
يقول ابن دقيق العيد في شان بقاء الرمل والانطباع ونحوهما مما بقي من الأحكام بعد زوال سببه:
في ذلك من الحكمة تذكر الوقائع الماضية للسلف الكرام. وفي طيّ تذكرها(1/329)
مصالح دينية. إذ يتبين في أثناء كثير منها ما كانوا عليه من امتثاله أمر الله، والمبادرة إليه، وبذل الأنفس في ذلك. وبهذه النكتة يظهر لنا أن كثيرا من الأعمال التي وقعت لا النخع، ويقال بفنها (تعبد)، ليست كما قيل. ألا ترى أنا إذا فعلناها وتذكرنا) سبابها، حصل لنا من ذلك تعظيم الأولين، وما كانوا عليه من احتمال المشاق في امتثال أمر اللّه، فكان هذا التذكر باعثا لنا على مثل ذلك، ومقررا في أنفسنا تعظيم الأولين. وذلك معنى معقول " (1)0 الـ.
ثم ذكر أن السعي بين الصفا والمروة اقتداء!بفعل هاجر، وأن رمي الجمار
سببه فعلُ إبراهيم، إذ رمى إبليس بالجمار في هذا الموضع " 10 هـ.
فالذي نقوله إذن في فعله !ك! الرمال والانطباع، إنه اتخذ أساساً رضعت
العبادة على مثاله.
فإن قيل: هذا يدل كلى أن أفعاله ينته يقتدي بها حتى بعد زوال السبب.
فالجواب: إن ما جعل منها مثالا فوالذي يتبع. كالرمل والانطباع، دون
ما لم يجعل مثالاً، كحمل السيوف مثلاً، أو قعقعة السلاح، أو غير ذلك. والفرق بين النوعي أن الأول وضعته الشريعة أسلوبا للعبادة، ولم تضع الثاني. وإن كان هذا الثاني مستحثاً عند وجود سببه وهو إخافة المشركين. لكن لم تجعله الشريعة جزءاً من عبادة الحج. ولو جعلته لصار منها.
والحاصل، أن الفعل النبوي إذا فعل لسبب، ثم زال السبب، فإنه لا
يقتدى به إلا بدليل يدل على ذلك، وهو قول أبي إسحاق المروزقي المتقدم ذكره. والله أعلى وأعلم.
(1) 1!إحكام 2/ 75
430
(1/422)
القسم الرابع: ما فعله ولم نعلم سببه:
ويدخل في هذا القسم ما جهل سببه بالشللية. ويدخل أيضا ما دار بين شعور
لا يدري أيها هو السبب ولم يترجح واحد منها.
والاقتداء بأفعال هذا القسم أعله من الاقتداء يافعان القسم السابق، لأنه ما
علم زوال معناه قطعا لا يوازي ما جهل معناه مع احتمال أن يكون باقيا في حق المقتدي، إذ إنه قد يفعله حينئل! احتياطاً لعفه أن يصادف السبب-(1/330)
ومن أجل ذلك كان حكمه أخفما+
وقد قال أبو إسحاق المروزقي في هذا النوع: يقتدى به،1)* رفضه إلى ما
علم معناه وكان باقياً. ولم يضمه إلى ما زال معناه.
وكذلك قال السبكي: يقتدى به بالإطلاق (2).
وقال النووي أيضاً يستحب التاسئي به قطعاً (!.
وهذا هو الحق، ولا يجوز سواه. لأننا قد افترضنا أنه فعل شرعي، ليس
جبلئأ ولا هو من الخوارق. فلا شكّ أنه دكه فعله لمصلحة مشروعة، إما لذاته د أما منوطا بسبب. فإذا جهلنا السبب بقي احتمال حصول المصلحة بفعله قائما، مرجحاً للفعل على الترك، وذلك معنى الاستحباب* ويفارق أفعال القدم السابق، فإننا علمنا أن المصلحة لا تحصل بالفعل منها إلا عند سبب معدين، فلا معنى لإيجاد الفعل مع القطع بين المصلحة المطلوبة لا تحصل به. بخلاف أفعال هذا القسم الذي نحن فيه، فإن رجاء حصول المصلحة به/ ينعدم.
وقد مثل له السبكي في قواعده بالذهاب للعيد من طريق والرجوع من طريق آخر. وجعل تكرار ذلك منه !ئه!فه دليل شرعيته. وذكر أن الشافعية قالوا في معناه أقوالاً
(1) الزركشي: البحر المحيط 2/ 248 ب.
(2) السبكي: القواعد 15 1 1، ب. (3) الزركشي: البحر المحيط ق 48/2 لأب 431
(1/423)
منها: أنه كان يطيل طريق الذهاب لتحصيل الفضيلة، ثم يرجع من طريق أقصر. قال وهذا هو الراجح عند الأكثرين.
وقيل: ليتصدق فيهما.
وقيل: ليسعى بين أهل الطريقين.
وقيل: لتشهد له الطريقان.
وقيل: ليغيظ المنافقين بإظهار الشعار.
وقيل غير ذلك.
فهو مثال لما تردد فيه الفعل ب!!ن أسباب.
ومثال ما لم ينقده فيه سبب أصلاً تقبيل النبي يا للحجر الأسود، قال
عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما وقف عند الحجر: فإني لأقبفك، وإق! لأعلم أنك حجر، وأنك لا تضرب ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله له قبلك ما قبلتك ".(1/331)
وهذه قاعدة ينبني عليها الاقتداء بأفعال كثيرة مما فعله النبي ! من الأمور المشروعة التي لم تعلم أسبابها. لجمها ينبغي أن تكون محلَّا للقدرة ولا ينبغي أن يقال: لا نفعلها إلا بعد معرفة السبب. فلو قيل ذلك لسقطت دلالة أفعال كثيرة تتصل بالشرع ولم تعلم أسبابها، تعلم من تتبع كتب الحديث ولكن الشرط أن يعدم أن الفعل خارج عن الجبلة ونص مما تقدم، مما لا يقتد!ى به أصلاً والله أعلم.
ا سيدراك؟
يلوح لنا في هذه المسالة تغيير:
فإن الفعل إذا جهل معنياه، ولكن دار بين احتمالات بعضها باق وبعضها
زائل، فيتال القولي السحابة بصحهّ الاقتداء به. ومما هو زائد في المثال السابق الذي ذكره الس!بكى: قصد التصدق في الطريقين، فإنه زائد بالنسبة إلى من أأ يريد أن 11) رواه مسلم 17/19 والبخاري.
432
(1/424)
يتصدق. وكذلك التسوية برس ليلى الطريقين، فقد يكون أحد الطريقين لا ساكن به. وأما إذا قلنا: سببه تحصيل الفضيلة بالحد الطريق!سن فذلك يأتيها أن ليرجع أيضاً في الطريق الأبعد لحصل الاقتداء. وإن قلنا: المعنى أن يشهد له الطريقان، فذلك باتي لا يتصور زواله.
ولكن إذا دار الفعل بين احتمالات كلها باقية فذلك يتأسئى به قطعا ولا مجاله للتردد، لحصول المصلحة قطعاً
وكذلك إن دار بين احتمالات كلها زائلة بالنسبة إلى المقتدي، فلا يكثرن الفعل بالنسبة إليه من هذا القسم، بل من القسم السابق وهو ما زال حكمه- واله أعلم.
استدراك آخر:
ما تقدم اختياره في أفعال هذا القسم هو ما كان الأصل في الأعلى الإباحة، والسبب يقتسما فيه الاستحباب أو الرجوب، لولا ذلك السبب لكان من المباح. فيصح أن يقال حينئلإ: يقتدى بفعله ! صان جهل السبب،(1/332)
أما إن كان أصل الفعل التحريم أو الكراهة والسبب يقتضي الإباحة أو غيرها، فإنه إن جهل السبب/ يصح الاقتدار. ومثال ذلك الرخصة التي تبيح المحرم. فلو أنه !ن! أفطرته رمضان لسبب لا ندري ما هو،/ يصح الاقتداء به، وكذلك أر عاقب إنساناً لسبب/ ندره.
وحاصل هذه 10 لقاعدة، أن ما كان الأصل فيه المنع، فلا ننتقل عن هذا الأصل إذا صدر عن النبي ! فعل خارج عن ذلك لسبب/ يعلم.
وشبيه بذلك في الاستدلال بالأقوال، أن بَرِيرَةَ كانت أَمَة مملوكة كاتَبَها أهلها، فارا!ت عائشة أن تشتريها لتعتقها، وأراد أهلها أن يشترطوا أن يكون لهم ولاؤها بعد سحقها. وذكرت عائشة ذلك للنبي !ن!، فقال: لا اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء، فإن الولاء لمن أعتق " (11.
(1) رواه مسلم 144/15 والبخاري ومالك و، المرطب.
لم 43
(1/425)
فليس لغيره ركض أن يشترط للبائعين شرطاً لهم فيه مصلحة وهو يعلم أنه لا
يلزمه شرعاً ويزعم أنه فعله بناء على إذنه ينهيه في ذلك، " في !!ك من ا!خا!ىة الممنوعة شوعأ.
فإن علم السبب جاز. والسبب على ما ذكره الشافعي في الأم "\ ) وما رجحه
ابن القيم (2): استحقاقهم للعقوبة، جزاء على أقدامهم على مخالفة الشريعة، وهم يعلمون حكمها القاضي بأن 9 الولاء لمن أعتق " فمن اقتدى به عند حدود مثل هذا السبب جاز. والله أعلم.
(1) فتح البارز 191/5
(2) (علام الموقعين 338/4 434
(1/426)
المبحث الثاني الفَاعِل وَجهَاته
النبي-له بعث مبينا بقوله وفعله، وملتزما فيهما بالمنهج الرباني. وكان من
تمام البيان الفعلي أن النبي ! قام في حياته بأدوار مختلفة في البيئة الاجتماعية التي كان واحدا من أفرادها. وكان في كل دور من تلك الأدوار قدوة لمن يأتي بعده ! ممن يمثل ذلك الدور.(1/333)
فكان الإنسان المسلم، ورب أسرة، وكان رئي!س الدولة، ومتولي السلطات، والمحتسب، وقائد البيشى، والقاضي، والمفتي، وكان إمام الصلاة. وكان كثير من هذه الأدوار ممتزجاً بعضه ببعض، في شخصه كون.
والتصرف الذي كان وتصرفه كان ينتمي إلى واحد أو أكل من هذه الجهات
من شخصه الشريف.
والاقتداء به !ي!ه في فعل من أفعاله يكون صحيحاً إذا كان المقتدي به مساوياً له في الجهة التي صدر عنها ذلك الفعل.
فالتصرفات الصادرة عنه بوصفه رئيس الدولة، يقتدي به فيها من كلن بعده
رئيس دولة.
وما فعله بوصفه مفتياً، يقتدي به فيه المفتي.
وما فعله بوصفه قاضياً، يمّتدي به فيه المقاضي.
وما فعله بوصفه إماماً في الصلاة يقتدى به فيه الأئمة بعده، وذلك كمّقحمة
435
(1/427)
أمام الصف، ونيته الإمامة، وجهره بالقراءة بصوت مرتفع، وسبقه لهم بأفعال الصلاة، واتخاذه سترة، وتركه التطوع مكان الفريضة.
وسائر المصلي يقومون به في ما يفعله بوصفه مصليا مطلقاً، كرفع اليدوي، والتكلبر، وقول آمن والركوع والسجود ونحو ذلك.
التمييز ب!!ن جهات الفاعلية:
لكن تمييز ما ينتمي إليه الفعل من هذه الجهات المختلفة قد يكون أمرا بئنأ لا يختلف فيه، كما تقدم في ما ذكرناه من أفعال إمام الصلاة، وقد يكون مشكوكا فيه فيقع الاختلاف فيه.
وقد تبينت الحاجة إلى التمييز بين أوصافه التي ترجع إليها أفعاله ! بل وأقواله، عندما انفصلت الأعمالى في المجتمع الإسلامي، واختص بكل دور شخعمع!منّ أو طائفة من الناس. وبعض ذلك حصل في زمنه !ن!ه.
لقد حاول الِقرافي محاول جادة، وضع قاعدة التمييز بين الجهات المختلفة
المشار إليها، لكن في حيز الأحكام القضائية، وما يمكن أن تشتبه به، وذلك في رسالته والإحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكم وتصرفات القاضي والإمامة ميز فيها (1) بين أنول من التصرفات:
الأول: تصرفه ! بمقتضى الرسالة. ومقتضاها التبليغ. يقول القرافي:(1/334)
أ أما الرسالة فليس يدخل فيها إلا مجرد التبليغ... وهذا لا يستلزم أنه فُؤَض
أليه أمر السياسة العامة. فكم من رسل للْه تعالى لم يؤمروا بالنظر في المصالح العامة".
الثاني: تصرفه بمقتضى الإمامة والسلطة العامة)، ومقتضاها الي سياسة العامة، وتنفيذ الأحهكام، والقيام بالصالح.
(1) انظر الرسالة المذكورة ص 87- 94
436
(1/428)
الثالث: تصرفه بمقتضى الإفتاء، وهو تطبيق الأحكم الشرعية على الوقائع
دون إلزام.
الرابع: تصرفه بمقتضى الحكم، يعني القضاء، وملئه يقتضي أن له سلطة
إنشاء الأحكام القضائية.
ونحن قد توقعنا في بيان جهلت الخرى غيرها ذكره القرافي.
ونضيف أيضا بيان الحكمهْ في جمعه ! لهذه المناصب، رفاثدتها من جهة التبليغ.
فقد يُقال: إنه كان بالإمكان أن يقوم !ن! بمهمة الرسالة وحدها، أي بمجرد التبليغ. فيبيّئ بقوله ما على رئيس الدولة أق يفعله وما على القاضي أن يفعله، وهكذا المحتسب، وإمام الصلاة، والمفتي وكيرهم، وما لهم أن يفعلوه أيضاً والجواب ما تقدم من أن وظيفة النبي ! ومهمته التي حددت في القرآن
ليست مقصورة على التبليغي. بل منها التعليم والتزكية أيضاً وذلك يتئ! بان يكون ما بلغه ! بالقول، مطلقا تطبيقا حيّا مشل!دأ، ليحصل تمام الإدراك والتعقل لما يبلغه بالقول.
فحصل بجمعه ! منصب القضاء إلى منصب الرسالة البيان الفعلي لما
يراعى في القضاء من الأحكام الشرعية. وبجمعه منصب الإفتاء إلى منصب الرسالة البيان الفعلي لما يراعيه المفتي عند إصداره الفتيا. وبجمعه إمامة الصلاة البيان الفعلي كذلك. وكذلك يقال في الإمامة العامة والإدارة، وما سواها من المناصب. وكان هذا أظهر في الحكمة من أن يكون متولدا منصب الرسالة وحده، إذ لا
تتبين حيسئل! الأحكام الشرعية المتعلقة بسائر المناصب إلا قولا فقط، وذلك يكون قصورا في البيالي والتعليم. والله عليم حكيم-(1/335)
ولكن قد حصل بسبب هذا الجمع بيئة المناصب أشتبله في بعض الأحيكام المستفادة من الفعل: أهي أحكام شرعية عاقة تلزم الأمة، أم هي أحكم خاصة مؤقتة، تلزم من تعلقت بثه وحده.
437
(1/429)
أ" صتبارة أخرى: هل هي صادرة عن النبي يبه!حيه بوصفه رسولاً، أو بغير
ذلك من صفات، منا الجهات التي تقدم ذكرها.
لقد ذكر الأسروي من هذه الجهات ثلاثاً: منصب النبوة، ومنصب الإمامة العامة، ومنصب الإفتاء. ثم قال:إ إن ما ورد بلفظ يحتمل رده إلى المناصب الثلاث يحمل عند الشافعي على التشريع العام، لأنه الغالب من أحواله يا ولأنه المنصب الأشرف، ولأن الحمل كليه أك!ثر فائدة، فوجب المصير إليه.*. وقال أبو حنيفة: يحمل على الثاف! لأنه المتيقن " (1).
وقال القرافي أيضاً: فإن غالب تصرفاته ! بالتبليغ، لأن وصف الرسالة
غالب عليه دم (2).
ونحن نضرب أمثلة يتبين منها ما تقدم ذكره في هذا المطلب:
المثال الأول:
عن عبداللي بن مسعود أنه كان يصلي، فوضع يده اليسرى على اليمنى، فرآه رسول الله ! فوضع يده اليمني على اليسرى (3).
باب عليه النسائي: باب في الإمام إذا رأى رجلا قد وضع شماله على
يمينه. وهو تبويب حمسن. لأن هذا الحكيم د أن كان من باب تبليغ الشريعة، وهو لائق بمنصب النبوة، ويقتدي به كل أحد، إلا أن ذلك ألصق بمهمة إمام الصلاة المرتب لها، فكما أنه يقيم للناس صلاتهم بمتابعتهم إى، فكذلك ينبغي أن يعلمهم إتقان صلاخمهم،
وكما قيل قي هذا الحديث، يقال في حعديتَ المسيء صلاته، وحديث مسح
النبي ي مناكبهم في الصلاة ليستروا، وأنه عن كان وتخولهم بالموعظة، وسائر ما فيه وعظ أو إنكاره و تعليم من النبي غد في شأن الصلاة والوضوء وغيرهما من
(1) الأسروي: التمهيدي 156 (2) الفروق 208/1، 209 و دعا/8
(3) رواه النسائي 2/ 126 وأبو داود. 438
(1/430)(1/336)
الأحكام الشرعية، والآداب والأخلاف الدينية، مما وقع منه يكرهه في مسجده، ينبغي أن يجعل مثل ذلك من مهمة إمام المسجد، ووظيفته.
ويمكن البحث من هذه الجهة، في كثير من أفعاله ! المتعلقة بالمسجد،
كبناء بيوته أو ملتصقة بالمسجد، فإن ذلك يمكن جعله أصلا لتقريب بيت الإمام من المسجد. ومناسبة ذلك ظاهرة.
المثال الثاني:
قصة حديث ذي اليدين في تسليم النبي ! من نقص، وما جرى من السؤال والجواب بينه عنه وبحسن ي اليدين وأبو بكير وعمر، ثم أتئَم الصلاة وسجد للسهو.
قيل إن ذلك يدل على أن من سلم من نقص ثم تكلم؟ يظن أن صلاته قد
تمت لم تفسد صلاته. وهر مروي عن مالكي
وقيل تفسد صلاة الجميع.
وقيل إن عدم فساد الصلاة بذلك نحرص بالإمام. وتفسد صلاة من- تكلم
غيره. وهر مذهبإلحنفية. واعتذروا عن تسلم أبو بكر وعمر بأن كلامهما كان جواباً للنبي عز، وقد كانت إجابتهما للنبي له واجبة عليهما ولو في الصلاة؟ أو كان جوابهما بالإيماء لا بالقول.
وعن تكلم ذي اليدين بأنه تكلم سائلا عن نقص في الصلاة يخص وقت يمكن
ذلك فيها. قالوا: والنبي ده كان إماماً فيدل ما فعله على حكم فعل الإمام، ويبقى ما عداه على الأصل (؟).
المثال الثالث:
حديث عبداللي بن زيد أن النبي خرج يستسقي، فحول ألما الشاسيه ظهره، واستقبل المّبلهّ، ثم حاول خداعه.
(1) انظر: ابن قدامه ة المغنى 2/ 08، ابن لمحقيىّ العيد: الإحكام 256/1
439
(1/431)
قال جمهور الفقهاء: يستحب لكل من حضر صلاة الاستسقاء، من إمام ومامرم تحويل أرديتهم.
وقال الليث، وأبو يوسف، ومحمد: يستحب ذلك للإمام درن 81 مهم لأنه
نقل عن النبي به دون أصحابه (1).
فالخلاف هنا راجع إلى الاحتمال الذي ذكرنا في أول هذا المطلب.
المثال الرابع:
عن كلمة بن الركوع قال: قالى!!:أ من ضخا منكم فلا يصبحن بعد(1/337)
ثالثة وبقي في بيته منه شيء"- فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول انه، نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: وكلوا، وأطعموا، وادخروا، فإن ذلك العام كان بالناس جهد، واردت أن تعينوا فيها" (2".
فإن آخر القصة يدل على أن النهي الأول كان صادرا عنه يكن بوصفه صاحب السلطة الإدارية، وكان هذا منه إجراء موقتا لعلائي حالة اجتماعية طارئة بما يحقق المصلحة ويدرأ المفسدة.
ولكن باجتماع منصب السلطة مع منصب الرسالة يدل هذا الحديث أنه
بِحوز لصاحب السلطة الي دراية أن يتخذ مثل هذا الإجراء، بللنع من بعض المباحات، ولا يكون ذلك نحالفأ لعقيدة الإسلام ولا شريعته.
ومثل ذلك قال النبي !ك!ي! يوم حنين: ومن قتل قتيلاً فله سلبه ! هو عند الحنفية من باب تصرفات الأئمة. ويمكن البناء عليه أن للإمام أن يضع مثل هذا القانون لتحصيل مصلحة معينة عسكرية أو مدنية.
المثال الخامس
حديث غضبه ! حين علم أنه علي بن أبي طالب يريد أن يتزوج بنت أبي
جهل على فاطمة بنت محمديفيئ، ورفضه ! الموافقة على ذلك (3).
(1) ابن قديمة: المغمس 2/ 434 (2) رواه البخاري 0 1/ 24
(ك! راجع صحيح البخاري وشرحه فتح البارز 327/9 وصحيح مسلم 6 3/1
(1/432)
وقد ذكر ابن حجر أن ذلك يحمل على ثلاثة أوجه:
الأول: أنه ! حرم ذلك على علي خاصة.
الثاني: لن الجمع كان مباحا لعله، ولكن منعه بل من ذلك رعاية لخاطر فاطمة، وقَبِل علي ذللت امتثالا لأمر النبي !.
الثالث: إنه من خصائص النبي ! أن يحرم التزوج على بناته. أو على فاطمة خاصة، وهو راجع إلى الأول.
ولما!ان الأصل عدم الخصوصية كما تقدم فإني أصوب ما تحمل آلية القصة(1/338)
الوجه الثاني، ويكون ما وقع من النبي !ك! وقع بصفته واحدا من المسلمين، وغضب كما يغضب الواحد منهم، ورفض كما يرفض الواحد منهم، أن يكون لابنته ضَزة. ويؤيد ذلك أن في إحدى روايات هذه القصة، أن النبي ضد قال: أ وإني لست أحرم حلالاً ولا أحِلُّ حراماً (1). فهو إذن أمر شخصي بحت، لا علاقة له بالتشريع. بل كما لو استؤذن أي رجل من سائر الناس في أن يتزوج صهره على ابنته فإنه قد يرفض، وإن لم يكن ذلك ممنوعا ولا مكروهاً ثم قد يطيعه صهره ويعبر خاطره إن كان له فضل عليه. وذلك كله في حيّز المباح. ويؤيد هذا ما وقع قي بعض روايات البخاري الحديث، أن فاطمة قالت له له: (إد! الناس يزعمون أنك لا تغضب لبناتك " أي: كما يغضب سائر الناس. فقال !كل!ع ما قال- ويؤيده أيضا أن في رواية مسلم، قال !: !وإن فاطمة بضعة مني يرِيِئني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها".
المثال السادس:
قالت هند بنت عتبة: يارسول!الله، إن أبا سفيران رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهولا يعلم، فقال عمه: (خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف ! (2).
(1) رواه مسالم 16/ 4
(2) حديث هند رواه البخاري 557/9
441
(1/433)
فقد بين النبي غبه! الحكم في حقّ أبي سفيان وهو غائب. فهل يدل هذا على
جواز التكلم على الغائب؟.
قال بعض الشافعية: يجوز، واحتجوا بهذا الحديث. وترجم عليه البخاري: شباب القضاء على الغائبة.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
وقال النووي ة لا يصح الاستدلال، بل هو إفتاء.
والذي عين جهة الإفتل! ما تبت من أن أبا سفيان كان حاضرا بمكة (1). فلو
كان ذلك القول قضاء للزم أن يحضر المجلس.
المثال السابع:
أحاديث الإقطاع، منها أنفه خط أقطع الزبير حضر فرسه، وأقطع وائل بن
حجر معدن القبلية. وغير ذلك.
وهذا بالاتفاق صادر عنه به بوصفه إماما للعامة. وينبني على ذلك أن للإمام
أن يقطع من الأراضي التي/ يَجْر عليه ملك لأحد، يخص حدود المصلحة.
(1) ابن حجر: فتح البارز 9/ 510(1/339)
442
(1/434)
المبحث الثالث جهَاتُ المفعُول بهِ
الكولا هنا شبيه من بعض الوجوه بما تقدم من الأولى في جهات الفاعلة، غير
أن المجال هنا أضيق.
ومما اختلف فيه من الفعل بسبب اختلاف جهات المفعول به، صلاة النبي
عن على النجاشي عندما مات بأرض الحبشة، فمن منع الصلاة على الغائب، اعتذر عن هذا الحديث بأن النجاشي لم يصل عليه ببلده أحد (1).
ومن ذلك في باب صلاة الجنازة أيضاء أنه ! قام عند صور الرجل ووسط
المرأة. فذهب الحنابلة والشافعية إلى استحباب ذلك لظاهر الحديث. وقالت أبو حنيفة: يقوم عند صدر الرجل وصدر المرأة لأنههما سواء (2).
ومثله أن النبي دون أتي بصبي لم يأكل الطعام فأجلسه في حماره، فبال علا
ثيابه. فدعا بماء فنضحه و/ يغسله (3). فقيل بناء عليه: ينضح بولي الغلام والجارية، ولا يجب غسلهما. وقيل يغسلان جميعاً وقيل ينضحان جميعاً وهو الأصح ما/ يأت من فرق بينهما بحجة قائمة. لأن الأولى المساواة.
(1) ابها لقيته: الأحكام 52/1 يعد
(س) صحيح البخاري وفتح الجاري 337/1
(2) ابن قديمة: المني 2/ 90
443
(1/435)
المبحث الرابع
مَكان الفعْل وَزمانِه
يعلم مما تقدم في الفصول السابقة حكم أفعال النبي يكن بالنسبة إلينا 4 على أساس استواء الحكم بيننا وبينه بل. ومن المعلم أن فعله يفي يقع في ظرف زماني وميلاني، ولا بد. فهل الاقتداء به ! يقتضي أيضاً مساوتَه في زمان الفعل ومكلانه؟.
ولكي نوضح المقصود بهذا السؤال، نقول أن النبي ! صلى بأصحابه الجمعة مثلا في مسجده، وفتى الوقت المعلوم. وفهم الفقهاء أن المسجد معتبر، وأن الوقت معتبر كذلك، فتفعل صلاة الجمعة في المسجد في الوقت الذي صلى فيه، وذلك مستفاد من قضية التساوي. ومن أجل ذلك يبحثون عن الأرقام التي صلى فيها، لتكون القدوة على أتمها بإيقاع الصلاة في مثل ذلك الوقت.(1/340)
ومثل ذلك في اعتبار المكان: الوقوف خاص بعرفة، والطواف خاص بالبيت، وركعتا الطواف خاصتان بمقام إبراهيم، ونحر الهدي خاص بمكة. ومثل ذلك في الزمان ة ألبوم خاص برمضان، وركعتا الفجر بعد طلوعه، وبعض الصوم خاص بالاثنين والخمسة وعاشوراء.
ومما لم يعتبر فيه المكان: الصوم، والذكر، وصلاة النفل المطلق، والبيع والشراء وعقد النكاح، وغير ذلك.
الأدلة الدالة على اعتبار الزمان والمكان، أو إلغائهما:
ا- قد يدل على اعتبار المكان أو الزمان بالقول.
ومثاله في المكان، ما قاله !ئ! أي حجة العدل، في عرفة 9 وقفت هنا وعرفة
(1/436)
كلها موقف لا فدل على اعتبار عرفة في الوقوف، وألغى خصوصية المكان الذي وقف فيه من عرفة. وقال كذلك ومزدلفة توقفت هنا- يعني عند جبل قزَح- وجمعٌ كلها موقف ! وقال بئر:أ نحرت هنا ومنى!لها منبر". وفي رواية: "وكل فجاج مكة منير (.
ومثاله في الزمان: ما في حديث عائشة، أنه يكن صام عاشوراء وأمر بصيامه.
ومثاله إلغائه أنه ! كان يصلى بعد العصر، وينهي عنه (1).
2- أن يفعله-! بالمكان المعيق، قاصداً أن تتخذ من بعده لمثل ذلك الفعل. ومثاله أن عتبات بن مالك طلب منه ! أن يصلي في بيته في مكان يتخذه مصلى (2). ففعل-
3- التكرار: فقد قيل بأنه يحب اعتبارهما في التأسي إذا كرر الرسول ! الفعل في ذلك المكائن أو الزمان. نقله الباقلافإ (3) عن قوم، وضعفه.
وإذا ترك الفعل في الزمان أو المكان فلم يفعله مرة أخرى مع التمكن والسعة فقد يدل ذلك على عدم اعتبارهما. كتركه ! قصد غار حراء وغار ثوبي لن ذاتيهما للتعود فيهما، في أيام الفتح وحجة الودلء
وتركه-طيور الفعل المعيّن له مكان آخر، تم عوده إلى الفعل في المكان الأول
يدلل على اعتباره، كتركه الجمعة في السفر والعودة إليها في الحضر، يدلى عله أن الحضر معتبر، بخلافه في صلاة الجماعة.
4- نقل الصحابة للفعل مقروناً بذكر الزمان أو المكان. و/ أجد أحداً ذكر(1/341)
(1) حديث: كان يصلي بعد العصر وينهي عنه: رواه أبو داود من حديث عائشة. (2) رواه البخاري في مواضع ومسلم 242/1 ومالئا 173/1
(3) أبو شامة: المحققان 139
445
(1/437)
هذا النوع. وهو واضح من ذكرهم لنظائره في مواضع أخرى. ووجهه أن الصحابة قد رأى قرائن الحال، وربما سمع من النبي له ألفاظا تدل على اعتبار الظرف لم ينقلها إلينا* وهوعدل، فيقتلها أن الأمر كما قال. وخاصة إذا احتج به، أو أمر به.
ومع ذلك فهذه أمارة ضعيفة. ووجه ضعفها احتمال أن مراده بنقل الزمان
أو المكان مجرد الإخبار، دون الاحتجاج. ولو وضح أنه يريد الاحتجاج، فذلك رأيه، وليس قوله حجة! وكونه رأى قرائن تدل على ذلك ليس إلا مجرد احتمال. ثم إذا انضمت هذه الأمارة إلى التكرلمر قويت الدلالة على ذلك، ومثاله حديث جابر: "كان النبي !ك!ه يصلي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس نقية، والمغرب إذا وجبت... والصبح كان يصليها بغلسإ، ان. يدل ذلك على أفضلية إيقاع الصلاة في هذه الأوقات.
ومثاله أيضا حديث ابن عمر: لأنه-!ه! كان يأتي مسجد قبله كله سبت فيصلي فيه ركعمَين " (2). وقد اعد مشروعيته قوله تعالما: المسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ! على القول بأن المراد بللسجد في الآية مسجد قبل!+
ما يعتبر من زمان الفعل النبوي ومكانه:
أما مار دل دليل خاص على اعتباره في التألصي عن الزمان أو المكان، فإنه يعتبر، اتفاقات.
وما دل الدليل الخاص على إلغاء التأكصي فيه، فهو ملغى اتفاقا.
وما لم يدل دليل خاص علا اعتباره ولا عل إلغائه فقد اختلف فيه عسلي مذاهب:
المذهب الأول: أدت الأصل عدم اعتبار الزمان ولا المغالط. وهذا مذهب
(1) حديث جابر: متفق عليه.
(2) 1 لبخا ريما 3/ 69
446
(1/438)
القاضي عبدالجبار الهمداني المعتزلي "ا"؟ وتلميذه أبي الحسين، وابن الهمام الحنفي (3) والقاضي ألبا قباني، وا لغز ألي (3) وا لاي مدي (4،.(1/342)
استدل عبدالجبار بان اعتبارهما يؤدي إلى نقض التالصيَ وإبطاله، لأنه يقتضي
أن المراسي لا بد أن يفعل الفعل في الوقت نفسه الذي فعل فيه المتألمىٌ به، وقد فات، فيؤدي إلى أن التأسي مستحيل.
وكذلك في المكان، إذ من المستحيلة جمع الناس في مكان واحد، هو المكان
الذي حصل فيه الفعل المتأسس به. فيؤدي ذلك إلى نقض التالي وإبطاله وقد قال أبو الحسن (ْ) في إبطال هذا الاستدلال: وهذا إنما يمنع من اعتبار زمان معين، ولا يمنع من اعتبار مثل الزمان كما يخص صلاة الجمعة، ولا يمنع من اعتبار ذلك المكان في زمان آخر، ولا يمنع من اعتباره إذا كان المكان مستعد كعرفة".
واحتج عبدالجبار بأن الواجب الاقتصار في صفات الفعل ومتعلقاته على أقل
قدر، لأننا لو اعتبرنا الأكبر من الصفات لكان قي ذلك التضييقا النفي لا يقف عند حد، حتى يؤدي إلى امتناع التأسي، كما تقدم.
يقول عبدالجبار: "يلزم على ذلك أن يعتبر محل الفعل كما اعتبر الميلان والوقت. وأن تعتبر الابلة. وأن تعتبر أعيان الأشخاص، حتى بما أخذ-له الزكاة من العربي يعتبر النسب في ذلك وسائر الصفات. وهذا باطل. فلا بد إذن من اعتبار الأقل في ما يمكن معه التاسئي، وإنما يقال بما زاد عليه لأجل الدليل الذي يقتضيه !.
المذهب الثاني: أن الأصل أعتيلر الزمان والمكان كليهما في التأكصي. وإلى هذا
ذهبت أبو عبداللي البصري (8) كما نقله عنه أبو الحسين في المكان خاصة وسكت (1) المغني 17/ 269 (2) التح!رير، وعليه المّقردر والمَحبير 3/2 هـ 3 (3) أبو شامة: المحقق وَ 39) (4) الإحكام 1/ 245
(5) 1 لمعتمد 1/ 372
(!) أبو عبداللي البصري هر السن بت علي. أخذ عن ابن خلود وعت أبي هاشم الجيائا وأبو السن الكرخي. له تربية في والمنية والأمل) لابن المرتضى اليماني ص 62 447
(1/439)
عن الزمان (1) ونقله الباقلاني عن قوم لم يسمهم (2).
المذهب الثالث: يعتبر المكان، ولا يعتبر الزمان. نقله أبو نصر القشيري (3)(1/343)
عن (قوم من الأصوليين)/ يسمهم، ولم يبين الوجه في تفريقهم بينهما.
ويمكن الاستدلال لاعتبار المكان بفعل ابن عمر ولا/ ابنه، إذ كانا يتحريان الصلاة في المواضع التي صلى فيها النبىِ! في أسفاره إلى مكة.
ولكن ذلك معارض بما ثبت عن عمر أنه رأى الناس يتبادلون إلى مكان
فسأل عن ذلك، فقالوا: قد صلى الشعب فيه ي. فقال: دامت عرضت له الصلاة فليصل، وإلا فليمض، فإنما هلك أهل الكتاب لأنهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعاً (4).
المذهب الرابع: اعتبار الزمان دون المكان. وإليه يميل ابن تيميه. فقد ذكر
عن جابر أن النبي ! دعا في مسجد الفتح ثلاثاً يوم الاثنين، ويوم الثلاظ!، ويوم الأربعاء، فاستجيب له يوم الأربعل! بين الصلاتن فعرف البشر في وجهه. قال جابر: فلم ينزل به أمر مهم غليظ إلا توخيت تلك الساعة، فيدعو فيها، فاغرف الإجابة، يقول ابن تيميه: "هذا الحديث يعمل به طائفة من أصحابنا وغيرهم، فيتحرون الدعاء في هذا الوقت، كما نقل عن جابر. ولم ينقل عن جابر أنه تحرى الدعاء في المكان، ولكن تحرى الزمان " (ْ).
رأينا في ذلك: الذي نراه ترجيح القول الأول، وهو أن الأصل عدم اعتبار الزمان والمكان في التأسي، ما لم نعلم أنه مقصود ومتحرىً شرعاً،
11ه المعتمد 373/1 (2) أبو شامة: المحقق ق 39 1.
(3) أبر شامة: التحقتا 139
(4) ابن حجر: فتحي الجاري 569/1 وانظري يضأ: ابن تيميه اقتضاء الصراط المستقيم ص 386
(5) ابن تيميه ة اقتضاء الصراط المستمَيم ص 433
448
(1/440)
وترجيحه من وجوه:
فالأول: ما تقدم عن القاضي عبدالجبار من أن اعتبارهما تضييق وتحجير في أقاسي. فينبغي إلغاؤهما ليتسع الحكم،
الثاني: أن الزمان والمكان طوفان للأفعال، ولا بد لكل فعل مهما كانه، من
أن يقع في زمان ومكان. ولا شك أن الذي يقصد أعتبلره من ذلك هو الأقل، فيجب بيانه. ويبقى الأرز وهو غير المعتبر.
الثالث ت أن يقال: إن تخصيصنا للمكانة و الزمالك بنا- على أن النبي !(1/344)
فعل فيه، إما أن يكلون لخاصية نشأت من إيقاعه جمد العمل فيه صاما لخاصية موجودة فيه قبل أنْ يفعل فيه ! فعله.
فيما الاحتمال الأول فقد تقدم إبطاله في المطلب الخاصية بسبب الفعل-
وأما الثاف! وهو أن يكون في الظرف خاصية تقتضي تخصيصه بالعبادة، فلا
يصح بناء الأحكلام الشرعية عليه، لوجهين:
أولهما: أن احتمال وج!لى الخاصية المذكورة معارض باحتمال عدم وهي خاصية أصلاً وأن وقوع الفعل في ذلك الظرف طردني محْض كتغئم السماء ونحوها، وخاصة إذا خلا من المناسبة، كما في عقد النجاح في حوالى والدخول فيه.
وثانيهماة أدت البناء على مجرد احتمال الخاصيّة لا يصلح ولا بد من بيانه ذلك بالقول أو غيره. أما مجرد إيقاع الفعل في الظرف فلا يكفي بياناً، لما تقدم من أن الظرف ضروري للفعل من حيث هو فعل.
ولا تبنى الأحكام الشرعية إلا على علم أوين، نا!ثيء عن دليل.
فالقاعدة إذن عدم اعتبار المكان والزمان في التأسي، إلا بدليل خاص يدل
على ذلك. والله أعلم.
449
(1/441)
أمثلة تطبيقية:
المثال الأول: مكان نحر الهدي للمحرر. قال تعالى: أولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله... فإن أحصرتم فما استفسر من الهدي ! ونحر النبي ! وأصحابه هديهم حيث احصروا.
ذهب أبو حنيفة إلى أن هدي المحور ينحر بالحرم، كهدي كير المحور. وذهب مالك والشافعي علما أنه ينحر في مكان الإحصار(1).
وعن أحمد روايتان كالمذهبين (2).
استدل لأبي حنيفة (3) بقوله تعالى: إثم مَحلها إلى البيت العتيق ! وبتسميته
هدياً والهدي ما يهدى إلى البيت.
واستدل لمالك والشافعي بفعل النبي عن وأصحابه (4). قال القرطبي:
9 ينحر حيث حل، اقتداء بفعله عليه الصلاة والسلام بالحديبية"-(1/345)
ومقتكما القاعدة التي ذكرناها، وهو الراجح عندنا قي هذه المسألة، أن هذا المحور يجب نحره بالحرم، وأما الفعل النبوي من ذبحه خارج الحرم فهو خارج على سبب، وهو أنه قد حيل بينه وبن إرساله الهدي إنما الحرم. ودليل ذلك قوله تعالى: وهم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهديمَا معكوفا لن يبلغ مَحلّه ! يعنيه وصلوا الهَدْيمما).
يقول القصاص (ْ)لأهذا من أدل الدليل علا أن محلّه الحرم:.. فلما أخبر عن منعهم الهديَ عن بلوغ عِلِّه، خلط ذلك على أن الحِل ليس بَمَحِل له ".
(1) تفسير القرطبي 379/2 (2) ابن قدامه ة المغني 358/3 (3) ابن الهمام: فتح البحر 297/2
(4) المجموع 8/ 267 وا نظر أيضاً ا لشافعي: ا لام 2/ 59 1
(15 أحكام المّرآلط\ / أهلا 2
450
(1/442)
وعلى إنما يكون المستفاد من الفعل النبوي جواز ذبحه في مكان الإحصار في
حالة عدم القدرة على إرساله إلى الحرم. واللّه أعلم.
المثال الثاني: إقامة صلاة الجمعة بالقرى-
قال الحنفية: لا تقام إلا بمصر جامع.
وقال الشافعية والحنابلية والمالكية: تقام بالقرى.
احتج الحنفية بحجج منها: أما في بدائع الصنائع، أن النبي !ن! كان يقيم الجمعة بللدينة، كما روي إقامتها حولها، وكذا الصحابة رضي الله عنهم، فتحوا البلاد، وما نصبوا المنابر إلا في الأمصار(1).
واحتج الآخرون بحجج منها ما روي عن ابن عباس، أنه قال: فإن أوله
جمعة جمعت بعد جمعةٍ في مسجد النبي يا.- في مسجد عبدالقيس بجواثى من قرى البحرين "،3،.
وقال الحنفية في رد هذا الاستدلال: القرية قي عرف المتقدمين المصر.(1/346)
المثال الثالث ش جاءت إلى النبي ! امرأة، وهو جالس بين أصحابه. فوهبت نفسها له ليتزوجها، فكانه/ يرد ذلك، فقال بعض أصحابه: إنا/ يكن لك بها حاجة فزوجنْيها، فزؤجَه بها، وفي رواية: كان ذلك لا المسجد!3). واضح أن الفعل يدل على الجوهر، فلا حرج في بجرامح! عقد النكلاح في المساجد. ولكن لاتصح القول بأنه مستحب فيها، لعدم الدليل على ذلك.
(1) بدائع الصنائع 1/ 361
(2) رواه البخاري وهذا لفظه. ورواها بو داود بمعناه وجمع الأصول 43/6،) (3) فتح البارز 9/ 256
451
(1/443)
المبحث الخامس هَيئَة الفعل
قد قال البلاقاني في هيئة الفعل كلمة تناقلها من بعده كالغزالي وأبو شامة والزركشي (1). وهي أن ما يقتدى به من الأفعال النبوية تتبع هيئته. يقولي الغزالي: أ إن قيل: من فعَلَ والنبي !) فعلا، وكان بياناً، يرقع في زمان وميلان وعلى هيئة، فهل يتبع الزمان والمكان والهيئة؟ قيل: أما الهيئة والكيفية فنعم، وأما الزمان والمكان فلا مدخل له إلا أن يكون لائقا به بدليل ".
و/ يبينوا لنا ما الهيئة التي يشيرون إليها. ولا أنها تتبع وجوبا أو استحباباً.
ويظهر أن المقصود بالهيئة أن يتركب الفعل من أجزاء ذات أوضاع خاصة،
مع الأخذ في الاعتباركيفية ترتب تلك الأجزاء بموقع بعضها من بعض.
فإن كان هذا هو المراد، فأوضح ما يمثل به لذلك هيئة الصلاة من كونها
ذات قيام بعده ركوع بعلى رفع ثم سجودانِ بينهما جلسة إلها آخر ما يذ كر في صفة الصلاة.
ولكن هذا الأمر، وهو اتباع الهيئة، هوذا الصلاة واضح لا إشكال فيه،
وذلك لأن لها هيئة اجتماعية علمت من قرائن كثيرة، وإشارات في الكتاب والسنة، هي دليل الترتيب.
أما ما لم يكن كذلك من الأفعال فهل تتبع هيئته أيضاً؟.
(1) انظر: المستشفى 2/ 2 5 0 المحقق 39 1 0 البحر المحيط 2/ 2 5 2 1. 452
(1/444)
والذي نقوله إن إتباع الهيئة، إذا/ يجئ ل عليها إلا بالفعل النبوئي المجرد، لا
يزيد عن أن يكثرن مستحبا.(1/347)
فيما إن كان الفعل بيانا لهيئة مامور بها فيدل على وجوب تلك الهيئة، وذلك
كما أن الله أمر بالسجود، فعلمنا النبي ! السجود بهيئته المطلوبة التي يتحققا بها كونه سجوداً. لكن ما خرج عن تبيين حقيقة المجرد من الهيئات، كالتخْوٍ يطة، وضئَم الأصابع، وتوجيهها إلى القبلة، فيكون مستحبّا لا غير، أخذ من قاعدة الفعل المجرد الذي ظهر فيه قصد القربة، فهي وإد كانت من أجزاء الصلاة، إلا ! ها هي ذاتها أفعال يراد بها القربة، إذ إنها تعين عله الخشوع واستحضار التوجه إلي الله.
وكذلك هيئة الطواف. فقد تبين بفعله له وجوب البدء من عند الحجر الأسود، وجعل البيت عن يساره وهذا ما يتحقق به دون الفعلي طوافاً. وأما ما زاد عن ذلك كالرمل بين الركنين والاضطباخ، والأذكارغ فهي أمور خارجة عن حقيقة الطواف، فتكون من قبيل الأفعال المجردة، ويقتدى بها استحبابا إن وضحت ن المراد بها القربة.
س 45
(1/445)
المبحث ال!ادسْ الدلالةَ الاقتار بنيّة
مراهنا بالاقتران أن يقع الفعل النبوي مقلرنأ أو سابقا أو لاحقا لفعل آخر
مع كون الفعليهة ليسا جزأين لفعل واحد. فإن الأفعال التي تكؤَق فعلا واحدة قد تقدمت في المبحث الخاص بالهيئة.
والذي يظهر لنا أن الفعل إذا اقترن بفعل آخر علم ارتباطه به حتى يكون كالوصف له (1"؟ بدليل قولي، فإنه يؤخذ بذلك.
وإن لم يكن دليل قولي؟ فالأولي النظر إلى ذلك حاسب قاعدة التاسئي بالأفعال المجردة دونِ قاعدة الفعل البياني، واللّه أعلم.
مثل لم أر لي:
ومن أوضح الأمثلة لذلك ما روى ابن مسعود: بأن المشرك!س شغلوا رسول الله ! عن أربع صلوات يوم الخندق، حتى ذهب من الليل ما شاء اللّه، عامر بلالًا فأفَن. ثم أقام فصلى الظهر، ثم ألا آ فصلى الحصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصله العشاحه (2).
فقال المالكية والحنفية والحنابلة: يجب الترتيب بين الفوائد، حتى لو قدم العصر علا الظهر مثلا فإنه يعيد العصر.(1/348)
وقال الشادنعية: لا يجب ذلك بل هو مستحب.
(1) انظر الموافقات الشاطبى 3/ 35- 38
(2) حديث ابن مسعود رواها الترمذي والنسائي وجامع الأصول 6/ 141)
(1/446)
استدل الأولون بالفعل الئبوئمما، مع قوله نجيهكله: لأصلوا كما رأيتموني أصلي أأ فادخلوا في دلالة الفعل الدلالة الاقتراضية، وحملوها كلى الوجوب. رقد تقدم أن الصواب من حديث: "صلوا كما رد يتموف! أصلي " لا يصلح دليلا للتمييز بي واجبات الصلاة ومستحباتها، بل تبقى أفعال الصلاة من هذه الناحية في حكم الأعلى المجرد- وبئنّا أن الفعل المجرد بذا/ يتقدم دلالة عله أنه ! فعله على سبيلي الوجوب فلا يكون واجباً. ولم تقم قرينة على أنه ! رتب بين الفوائد على سبيل الوجوب، فلا يبقى إلا أنه فعل ذلك استحبابه.
فهذه طريق من طرق الاستدلال على كون مذهب الشافعية قي مسالة الترتيب بي الصلوات المقضية أرجح، والله أعلم.
مثال آخر:
حديث ابن عمر: صليت مع النبي له سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعدها، وسجدتين بعد الجمعة، وسجدتن بعد المغرب، وسجدتين بعد العشاء. فأما المغرب والعشاء ففىِ بيته- وحدثتني حفصة أنه !بهحييه كان يصلا ركعتين بعدما يطلع الفجر" (1).
وروي نحوه عن عائشة (2).
فقد تضمن هذا الحديث من متعلقات الفعل ثلاثة أشياء:
ا- العدد، وسيأق! يخص مطلب خاص إن شاء اللّه.
2- والمكان، وقد تقدم أدت الفعل لا يدل عل اعتباره في التأسي إلا بقرينة.
وقد قال ابن حجر: اسئدِل بهذا الحديتَ على أن فعل النوافل الليلية في البيوت أفضل منه في المسجد، بخلاف رواتب النهار. قالت: وفي الاستدلالي بهذا الحديث لذلك نظر، والظاهر أدي ذلك/ يقع عن عمد.
(1) رواه البخاري (3/ 50)
(2) رواية عائشة عند مسلم لنيل الأولاد 3/ 16) 455
(1/447)
أقول: ولعل هذا من تتبعات ابن عمر لأمكنة العبادة النبويّة، مما/ يكلن
غيره من الصحابة يعيرها باله، ولا يلتفت إليه.(1/349)
3- الاقتران بالفريضة، قبلها أو بعدها، وهو المراد هنا. والاتفاق واقع على
أن هذا الارتباط بين الرواتب والفرائض معتبر، وإنما اختلف الفقهاء في العدد والمكان. ولعل الذي دل على أن هذه المقارنة معتبرة في هذا المثال اتفاق ابن عمر وعائشة على ملاحظتهما، مع الاستمرار من النبي !ك! على رعايتها، وخاصة في الركعت!سن للطن قبل صلاة الفجر. قالت عائشة: !/ يكن رسولي الدمغ على شيء من النوافل أشذ تعاهدا منه على ركعتي الفجر".
* !!
مثال رابع: النظائر القرآنية عند ابن مسعود:
ورد من حديث ابن مسعود أنه قال: 9 كان النبي له!! يقرأ النظائر سورتين في الركعة: الرحمن والنجم، في ركعة. واقتربت والحاقة، في ركعة والطور والذاريات، في ركعة. وقيل للمطففين وعبس، في ركعة" قال أبو داود: هذا تكليف ابن مسعود.
ولا يحل هذا الاقتران على وجرب ولا استحباب، والغالب أنه وقع عرضاً
فليس هو مما ظهر فيه قصد القربة. والله أعلم.
456
(1/448)
المبحث السابع
الأدواتُ والعناصِر الماديّة
إن النبي ! إذا استعان في إيجاد الفعل بأدوات معينة فذلك غالبا للمصلحة
التي تحصل بتلك الأدوات، فالتأستي بفعله لا يقتلا الاستعانة أصلا بأذى وات مماثلة، وذلك كالعصا أو القول في الخطبة، وكالخمْرة التي كان يضعها فيسجد عليها، واستلامه الركن بالمحجر، واستناده إلى الجذع عندما كان يخطب، قبل أن يصنع له المنبر. فلا يجب ذلك ولا يستحب، وإنما يدل ذلك على الجواز.
ص!نما قلنا في ما سبق، يستحب اتخاذ المنبر، لما ورد من القرن السمو باتخاذه،
ولأنه جعل من شعائر المسجد. وأجمعت الأمة عليه.(1/350)
وكما قلنا في الأدوات، كذلك يقوله في جنس المواد المستعملة، إنما تختار بحسب المصلحة، فلذا بني ! مسجده من يد وسعف النخيلة، وفرشه بالرمل أو الحصباء، وكان منبره ثلاث درجات، ومصنوعة من أهل الغابة، فلا يدلي ذلوا على أكل من الإباحة؟ ما لا يعلم أنا تخصيصه ذلك الجنس لغرض شرعي، فيكون بخصوصه مستحباً. وأما ما سوى ذلك فينظر يخص ما يحقق المصلحة عله وجه أتهم، فيكون أولى من غيره، كبناء المسجد الآن بالإسمنت المسلح والرخام ونحوها. وتستخدم فيه مكبّرات الصوت، والإنارة الكهربائية؟ والسجاجيد، وغير ذلك. والله أعلم.
457
(1/449)
المجد الثامن
العد د والمقدار
يتضمن البحث في عدد الفعل ومقداره أموراً، نعقد لكل منها مطلباً
المطلب الأول
الفعل الواحد، إن كان يمكن عمله بقدر طويل أر قصير، فهل يعتبر طول
الفعل وقصره في التأيمئي؟.
نقل أبو الحسين المصرفي (1) عن القاضي عبدالجبار أنه لا اعتبار بطول الأعلى وقصره جمع التاسئي. ومقصوده أنه لما ثبت وجوب التاسئي في أصلى الفعل فإن ذلك لا يستلزم وجوب التاسئي في طول الفعل وقصره، و/ يمنع أن يقتدي بطول الفعل وقصره على وجه الاستحباب.
ثم قال أبو الحسن البصري: لقائل أن يقرلى: يجب اعتبار ذلك- يعني طول
الفعل وقصره- بحسب الإمكان، إذا علم دخولهما في الأغراض ! يعني إذا علم أن طول الفعل أو قصره مقصود.
فلا شك إذا علم أن القدر مقصود، أنه يقتدى به، ولكن هل يجب لمجرد علمنا أنه مقصود، أولا يجب ألأ إذا علمنا أنه عن قصد فعله على وجه الوجوب 3.
والفرق بين الأمرين أن المقصود الأول مجرد التعبّد، والمقصود الثاني: التعهد
على وجه الوجوب.
(1) 1 لمعتمد (1/ 374)
458
(1/450)
ولنضرب المثال بسجوده ! في الصلاة. فإنه يتحقق بوضع الرأس على الأرض لحظة لا يطمئن فيها (1)، وكان عن أحيانا يخففه مع الطمأنينة رأحيانأ كان يطيله جداً.(1/351)
فأما القدر الأول فهو واجب لا شكل في ذلك، وهو مجمع عليه، إذ لا يتحقته المأمور به إلا بفلك.
وأما القمر الثاني، وهو قدر الطمأنينة فقد اختلف فيه، فقال أبو حنيفة بأن الطمأنينة في الركوع والسجود غزير واجبة،، خطأ بالأمر!ا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا!. !
وقال الحنابلة والشافعية: الطمأنينة واجبة، بدليلين.
الأول: الفعل النبوئي، فإنه وقع تفسيرا للسجود الواجب، فيدلى على أنها
مرادة بالأمر. وقد حافظ !ئ! على الطمأنينة فلم يتركها مرة واحدة.
والثاني: حديث المسيء صلاته، وفيها ن النبي يا قال له: لا اسجد حتى تطمئن ساجداً" (2).
والقول الثاني، وهو قوله الحنابلة والشافعية، أراجع، لأن هذه قرائن تله ز
على أنه ي فعل ذلك على سبيل الوجوب ع وقاعدة الخالصي تنتج أنه واجب علينا أيضاً، هذا إن اعتبرناه فحلاً مجرفة. فيما إن اعتبرناه بيانا للأمر والرجوب أظهرت وأما القدر الثالث: وهو إطالة السجن بما يزيد على القدر الذي تتحقق به الطمأنينة، فهذا لا يدل على وجوبه دليل. بل هو مستحدث أخذا من قاعدة الاستحباب في الفعل المجرد الذي قصدت به القربة.
والذي نستنتجه من ذلك أنه ينبغي أن ينظر لطولا الفعل وقصره نظرة
(1) انظر ابن قديمة: المغني 1/ 500
(2) حديث الصين صلاته، رواه البخاري 1 549/1 والترهذىِ 308/2 رقال! هفا حديث حسين صحيح.
459
(1/451)(1/352)
مستقلة عن أصل الفعل، علها ساس قاعدة الفعل المجرد، فإن علم أنه يغره قصد في الفعل قدرا معينا على سبيل الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة فالحكم في حقنا ى لك، وإن/ يعلم ذلك فالاستحباب إن ظهر قصد القربة، والا فالإباحة. ومن هنا ينشا القول باستحب!اب التخفيف في ركعتي الفجر، وفي صلاة الفرائض جماعة، وخاصة عند ظهور حاجة بعض المصلين إلى ذلك، كان يبكي طفل وأمه مع المصلين. واستحباب تقصير الخطبة لإطالة الصلاة يرم الجمعة، واستحباب الإطالة في صلاة الليل، مع تخفيف الركعت!سن لأرليين منها. إلى غير ذلك مما ورد ذكره في السنة من مقاديرها.
وكذلك استحباب القدر الذي وقفه النبي ! بعرفة. قاله أعلمه
465
(1/452)
الطلب الثاني
الكثرة والقلة في مرات وجود الفعل
ويدخل في هو 8 المسالة أن يفعل النبي ! الفعل دائماً، أو مرات كثيرة، أو قليلة.
فقد قال ابن أمير الحاج: ألا يخل بالتايمئي أن يكون فعل الغير متكررا أرض
لا" (1).
والصواب أن في المسالة تفصيلاً
فإن علم للفعل سبب ارتبط به، فكثر الأعلى أو قل تبعا لكثرة مجرد السبب
أو قلته، فالأمر راضح) ن الاقتداء به يكون بفعله عند ورود السبب. كلرساله ! السًعاة على الزكاة كل عام، و(قامته الجمعات والأعياد منحهما، وصيام رمضان، ورجم الزاني، وقطع السارق.
وأما ما سوى ذلك فهر عل قسمي:
القسام الأول:
) ن يعمل به ! دائماً أو كثيرا (2). فيقتضي ذلك في حقنا الإكثار من ذلك الفعل، وخاصة إن كانت صل الفعل امتثالا للاوأمر الإلهية، كاجمثار من نوافل الصلاة، والصوم، والصدقات، وأجمثار من الجهود. فهذا النوع عمل للاقتداء، يستحب الإكثار. من الفعل كما أكد النبي ! منه.
(1) التقرير والتحبير على التحرير 353/2
(2) أشار الشاطبي الىن شراء من ذلك في سياىّ بحث. انظر: الموافقات 56/3 وما بعدها. 461
(1/453)
القسم الثاني ة
أن يقع العمل به قليلاً شهر نوعان:
النوع الأول: ما علم سبب قلته. فيعلم حكمه بذلك، وله أمثلة:(1/353)
المثال الأول: صلاته قيام رمضان بالمسجد، فإنه فعلها، ثم تركها خشية أن تفرض فدل ذلك على مشروعية فعلها بالمسجد لزوال السبب، ولا باس بالإكثار منها فيه، بل السنة المحافظة عليها في المساجد بدليل فعل الصحابة والتامين. المثال الثاني: صلاة الضحى، قالت عائشة: كما رأيت رسول الله !
يصلي سبحة الضحك، داني لأسئحها، وإن كان ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم "- فقد تبيّن سبب القلة. فلا مانع بالنسبة إلينا من المثار منها بل والدوام عليها (1). وقد كانت عائشة تداوم عليها وتقول: الو نشِر لي أبواي ما تركتها" (2).
النوع الثاني: أن لا يعلم للقلة سبب. فالذي يقتضيه التأسيس والاقتداء
عدم الإكثار منه، بل تقليله بحاسب ذلك. ولهذا النرع) مثلا-
المثال الأول: قيامه ي لزيد بن حارثة+)، فلم يكن ي!! يقوم لكل قادم،
بل/ ينقل عنه إلا هذه المرة، وأمرهم بالقيام لسعد بن معاذ (4)، فلا يصح اتخذ القيام- بناء على ذلك- سنة.
المثال الثاني: تقبيل بعض الناس يده !ك!ه، قد وقع ذلك مرات معدودة إن صحت الروايات بذلك (ْ)، ولم يكن ذلك دأب الصحابة معه ئمة. فلا ينبغي أدت
(1) انظر تيسير التحرير 1/ 0255 الموافقات 3/ 65
(2) رواه مالك (جمامع الأصول 7/ 77)
(3) رواه الترمذي 523/7 (4) سيرة ابن هشام 2/ 5 24
(5) منها أولاً لّمّبيل بعض اليهود يديه ورجليه (الترمذىِ 8/ 580 وقال: حمسن صحيح وأحمد 4/ 23.9 وابن ماجه 2/ 1 22 1)
ثانياً تقبيل ابن عمر يده ! (1 حمد 2/ 70 وأبوداود 307/7 وابن ماجه 2/ 1221) 463
(1/454)
يتخذ ذلك سنة. بل الأكثر من فعلهم معه له هو السنة وهو ا!افحة. فإن حصل التقبيل على سبيل الندرة والقلة تكريما للدين وأهله جاز إن صحت الرواية، ما/ يدل على خصوصيته بذلك !.
المثال الثالث: سجل الشكر، ورد عن النبي !ئن! فعله علا قلة. مع كثرة ما(1/354)
فتح الله عليه من الفتوح. كرهه مالك وأبو حنيفة، واستحقه الشافعي وأحمد (1). المثال الرابع: العمرة. فإن النعي ! اعتمر بعد الهجرة) ربع عمر، عمرة الحديبية سنة ست، والقضية سنة سبع، بالجعرانة سنة ثمان، وعمرة مع حجة الودل! سنة عشر- فدم يزد عن عمرة واحدة في السفرة،) و عمرة في سناء
وقد اختلف الفقهاء في ذلك.
فقال مالك: يكرهه ن يعتمر في السنة مرتين (3،. ومثله قول النوعي.
وقال أحمد والشافعي: لا باس بذلك. احتجاجاً بقصة عائشة فقد اعتمرت
في شهرمرجمة.
وأما الموالاة بين العمر والإكثار منها فقد قال ابن قدامة:أ أقوال السلف
ود حوارهم تدل على أنه لا يستحب ذلك. ولأن النبي لم وأصحابه/ ينقل عنهم الموالاة فيها-.. ولو كان في هذا فضلى ما اتفقوا عله ترك!+).
المثال الخمس ت صلاة التطؤخ جماعة. فعله النبي ! في قيم رمضان كما
تقدم، فكان سنة، وأما ما سوى ذلك فقد صلى نملأ جماعة بأنس وأمه، وصلى بابن أم مكتوم ! وصلى بابن عباس ه غيرانه يعلم أن الأكثرون فعله أق يصليها منفرداً فكانت تلك هي السنة. وقال الشاطري: وهو الذي أخذ به مالك أنه يجيز الجماعة في النافلة في الرجلين والثلاثة، ولا يكودط ذلك مّظنة اشتهار، وما عدا هذا فإنه يكرهه ! (4).
(1) انظر المغني لابن قدامه 628/1 !ك! المغني لاين تهامة 226/3
(2) الممونة 374/1 (4) ا لمرا فقات 3/ 62 463
(1/455)
وبين ابن تسمية ما يبنيه على ذلك، فقال:إ من الناس من يجعل هذا في ما يحدث من صلاة الألفية ليلة النصف من شعبان، والرغائب، ونحوها، يداومون فيه عله الجمرات. رمن الناس من يكر 8 التطوع جمعة. ومعلوم أق الصراع فيما جاءت به السنة. فلا يكلفه أن يتطوع في جماعة، كما فعل النبي !ن!. ولا يجعل ذلك سنة راتبة، ومن يقيم للمسجد إماماً راتباً يصلي بالناس بين العشاءين، أو في جوف الليل، كما يصلي جهم الصلوات الخمس ! (؟).
المطلب الثالث
دلالة الفعل النبوي على الحد الأعلى(1/355)
أو الحد الأدق في التقديرات الشرعية
من ذلك أنه !/ يكن يزيد في الوخز على ثلاث غسلات، وفي صلاة
الليل عن إحدى عشرة ركعة، وجَلَد في الخمر تحو أربعين (2)، وأقام بمكة تسعة عشر يرمي يقهر، فهل ذلك حد أعلى لا يجوز الزيادة عليه؟.
وكذلك قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم، فعلى يمتنع القطع في ما دونه؟.
فأما الوضوء: فقد قال البخاري: كره أهل العلم الإسراف فيه وأن يجاوزوا
فعل النبي يكن (3). وقال الشافعي لا أحب الزيادة على الثلاث، فإن زاد/ أكرهه، أي لم أحرمه. قال ابن حجر: وهذا هو الأصح عند الشافعية. وعند بعض الحنفية: إن اعتقد أن الزيادة سنةط خطا، والا فلا لوم،4). وقال أخمد: لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى (ْ).
(1) الفتاوى الكبرى س 2/ س!11، 4م ا
(2) رواه مسلم (فتع الجاري 12/ 70) ود بر داود والترمذي.
(3) فعَح الجاري 234/1
(4) المصدر نفسه 234/1 (5) المصدر نفسه 234/1 464
(1/456)
ويرى ال لأية أن الوضوء يجب فيه الإسباغ، ولا تحديد فيه من حيث عدد الغسلات في حدود الثلاث، ويكره أن يزيد عليها (1).
وأما قيام الليل: فقد كره بعض المحذث!ش الزيادة عل إحدى عشرة ركعة،
و/ يكرهه أحد منذ قمة المذاهب الأربعة.
وأما الجلد قي الخمر: فقد زاد عمر الحد إلى لْمانن، بإشارة علي رضي الله عنهما.
قال الشافعي: الحد أربعون، استدلالا بالفعل النبوئي ويجرزعندي الزيارة
على سبيل التعزير إلى ثمانين. وقال مالك وأبو حنيفة: الحدث ثمانون ع لإجماع الصحابة. وعن أحمد روايتان !المذهب!ن (2).
وأما القصر: فقد قال ابن عباس: أقام النبي-! تسعة عشر يوما يقصر،
فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا، وإن زدنا أتممنا (3). وقال ابن حجر: صبري في هذا الحديث: بخمسة عشر"-
فرأى الحنفية أن المسافر إذا أق بلدا فعزم على الإقامة فيه خمسة عشر يوما
فإنه يتم الصلاة، فإن نوى أقل من ذلك قصر-
وقال الحنابلة: من نوى أكهثر من أربعة يقهر. واحتجز وبإقامته ! بمكة(1/356)
عام حجة الود 3 أربعاً يقصر فيهن،4)، ونقل نحوه عن الشافعي (5).
وأما القطع في السرقة: فإن النبي ينهي قطع في مجن ثمنه ثلاثة!راهم.
(1) ابن قديمة: المغني 1/ 184 (2) المصدر نفسه 1/ 140 (3) ابن دقيق؟ الإحكام. وابن رشد: مقدمات للدولة 1/ 2
(4) ابن قديمة: المغنى 307/8 ابن حجر: فحيح الجاري.
(5) حديث ابن عباسي رواه البخاري 2/ 561
465
(1/457)
قالي ابن لقيته العيد:إ جمهور الفقهاء على اعتبار النصاب، وشذ الظاهرية
فلم يعتبروه، ولم يفرقوا بين القليل والكثير (1). ونقل في ذلك وجه في مذهب الشافعي " 21) !
ثم النصاب ربع دينار أو ثلاثة دراهم. وعند الحنفية عشرة دراهم لأحاديث رويت في ذلك. ونقل ابن حجر في مقدار النصاب ما يقرب من عشرين قولا (3). القاعدة في استفادة الحق في التقديرات من الفعل النبوي:
إنه متى كان الأصل المنع، فجاء الفعل دالًأ على الجواز، فإنه يدل على الجواز في نفس المقدار الوارد ذكره بيريتا المطابقة، وفي ما ساواه بالقياس بنفي الفارق، ويدل على ما سوى ذلك بطريق الأحرى، أعني في ما هو أولى، ويبقى ما سوى ذلك على المنع.
وأما إن كان الأصل الجواز، فإن الفعلة لا يدل على تحديد أصلاً.
وإيضاح هذه القاعدة في الأمثلة المتقدمة كما يلي:
ففي مسألة الوخز رأوا أن الإسراف ممنوع، وبنوا على ذلك الكراهة، في ما
زاد عن ثلاث غسلات. بناء على أنه إسراف، كهذا ذكره البخاري، والإسراف ممنوع. ومن لم ينظر إلى الإسراف أجاز الزيادة على ثلاث !
وفي مسالة قيام الليل: ليس الأصل المنع بل- كما في الحديث-:إ الصلاة
خهير موضوعا دندن استطاع أن يرتكز فليستكز" (4) ! فلا كراهة في الزيادة على إحدى عشرة. ومن كرهه فقوله مردود
(1) 1 لإح! أم 3/ 264
(2) فرقه ابن حزم بين الذهب وغيره، فجعل للفمب نصابا هو ربع دينار، ولا نصاب عنده فيما عداه يفتح الجاري 107/12)
(3) فتح الباريما 12/ 106
(4) رواه الطبراف! في الأوسط (الفمّع الكبح 466
(1/458)(1/357)
وفي مسالة زيادة الصحابة في حد الخمر على أربعين: الأولى المنع، فالأصح
اعتبار ما زاد تعزيراً كما قال الشافعي، ووجهه أن بعض الناس تحاوروا العقوبة. وأما في مسالة القصر: فإنه كان كان مشروعية القصر هي الأصل في صلاة
المسافر لنا الآية، ألأ أن ذلوا منوط في الأمة بالسفر، وذلك يقتضي جواز القصر ما دام حكم السفر قائماً. لكن من أجمع إقامة ببلد غيي بلده، أياماً كثيرة أو فليلة، اشتبه أن يكون في حكم المسافر، أو حكم المقيم. والمغلب في ما زاد على الفعل جانب الإقامة لأن القصر على خلاف الأصل.
أما الشوكاني فإنه يقول في تحقيق أمر هذه المسالة: أأ الحق أن الأصلي في المقيم الإتمام، لأن القصر لم يشرعه الشارع ألأ للمسافر، والمقيم غير مسافر، فلولا ما ثبت عنه فما من قصره بمكة وتبوك مع الإقامة، لكان- يعني الإتمام- هر المتعينة، فلا ينتقل عن ذلك الأولى إلها بدليل.. ولا شك أن قصره في تلك المدة، لا ينفي- يعني من حيث هو دليل فعلي- القصر في ما زاد عليها، ولكن ملاحظة الأصل المذكور هي القاضية بفلئطأ (1) 0 الـ.
هنري ما قاله الشوكاني، وهو استدلال بالقاعدة التي ذكرنا، ولكن فيه نظر، لإخراجه من أقام في أثناء سفره، اليوم واليوم!لن، عن مسمى المسافر. وذلك معاندة للغة. وأيضا يلزم من قوله إجازة القصر لمن هو غزير مسافر، وذلك خلافه ما دل عليه القرآن. بل الصواب ما قلنا منذ ن من أقام بغ!يربل!ه فهو من جهة مسافر، ومن جهة مقيم، ويغلب جانب السفر في القليل، وجانب الإقامة في الكلثير. ولمّا كان الكثير لا حد له لمبدئه، حدوا القليل وحده بالفعل لأنه متيقن، فأخذ ابن عباس بروايحَه وتسعة عشر يوماً) وأخذ الحنفية برواية وخمسة عشر يومأ! وأخذ الشافعية والحنابلة بصلاته !ئن! بمكة قبل الخروج إلى الحج أربعة أيام.
وأما القطع في السرقة، فإن الأصل القطع في القليل والكثيرة، للآية، ولو/
(1/459)(1/358)
يردالا الدليل الفعلي لكان قول أهل الظاهر هو الظاهر. قاله ابن دقيق:إ الاستل!لال! (1) نيل الأوطار 30/ 224
467
(1/460)
بهذا الحديث- يعني أنه يكفيه قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم- على اعتبار النصاب، ضعيف، فإنه حكاية فعل. ولا يلزم من القطع في هذا المقدار فحلاً عدم القطع في ما دونه " (1). بل الذي دل على اعتبار النصاب أحاديث قولية، من مثل مارفعت عائشة: "تقطع اليد في ربع دينارفصاعداً" (2).
وبهذا يظهر الحكام في ما شابه هذه الأمثلة. والله أعلم.
(1) أحكام الإحكام 263/3
ْ (2) حديث (تمّطع اليد. 100 البخاري 96/12 468
(1/461)
ا لفًصْل ا لها ست
آبَ حدث ! زّئي تملّق إلُايخَال
ا- الطريق العملي لاستفادة الحكام من الفعل.
2- الاعتراضات التي تورد على الاستدلال بالأفعال. 3- نقل الأفعال النبوية.
4- نية التامري.
469
(1/462)
مباحث متنوّعة تتعلّق بالأفعال الصريحة
المبحث الأول
الطريق العملي لاستفادة الحكام من الفعل
تعرض الغزالي لهذه المسالة في المستصفى،1)، فرأى أن المجتهد إذا نقل إليه
فعل النبي عن فلا يجب عليه البحث ألأ عن أمر واحد، هو أنه: وهل ورد الفعل بياناً لخطاب عام، أو تنفيذا لحكم لازم ثم، فيجب علينا اتبعه، أو ليس كذلك فيكون قاصراً عليه يكن. أما إن لم يقم دليل على!ونه كذلك، فالبحث عن كونه ندبا لا حقه غش أو واجبة، أو مباحاً أو محظوراً لا يجب، بل هو زيادة درجة وفضل في العلم يستحب للعب/) ن يعرفه ".
وهذا القول من الغزالي رحمه الله مبين على مذهبه و، الفعل المجرد، أنه لا
يدل على شيء قي حقنا، إذ إن مذهبه التوقف في الفعل المجرد كهذا تقدم. وهو لازم لمن قال بذلك القول كالباقلاني والرازي، وغرتهم. وهو لصاً لازم لكل من منع التاسئي به مجدو في أفعاله المجردة من أصحاب قبل التحريم، وقوله الإباحة على الوجه الذي ذكرناه في موضعه.
وأما أبو شامهّ فلما كان مذهبه أن الفعل المجرد يدل على الندب، بقطع(1/359)
النظر عن صفة صدوره عن النبي !، فإنه نقَل قول الغزالي المتقدم، ثم قال: إ على ما اخترناه يبحث (المجتهد) بعدما تحمّل لن الفعل ليس ببيان، عن أنه فيه . قربة أو لا، فإن كان فيه قربة قضى بأنه مندوب ألامة، والأ فهو مباح !. يعني على التفصيل الذي ذكره في المباح، من أنه يستحب لنا من وجه.
(1) المستشفى 51/2
471
(1/463)
وهذا القول من أبي شامة مبني أيضا على مذهبه في أن الفعل المجرد يمل على الاستحباب في حقنا متهما لو بلان قد فعله النبي له على سبيل الوجوب.
أما على القول الذي صار إليه الجمهور في الفعل المجرد، وهو الذي اخترناه
فإن الأمر يختلف.
ونحن نفصل القول في ذلك، فنقول وبابه التوفيق، إن المجتهد يسير في استفادة الحكم عن الفعل النبوي، الخطوات التالية بالترتيب:
الخطوة الأولى: أن ينظر: هل الفعل من جملة الأفعال الجبلية ونحوها. فإن
كان كذلك، فلا يستفاد في حقنا منه أكثر من الإباحة. وإلا:
فالخطوة الثانية: أن يبحث هل هناك ما يمنع تعدية حكم الفعل إلى الأمة،
كان يوجد ما يدل على كون الفعل خاصا به له فإن وجد ذلك وقف عنده. والي: فالخطوة الثالثة: هل يرد ما يدل على كون الفعل بيانا لخطاب عام، أو
تنفيذا وامتثالا لحكم عام، فيعلم بذلك. وهو ما ذكره الغزالي. والي:
فالخطوة الرابعة: أن يعتقد أن الفعل المجرد، فليبحث هل يرد ما يدلى على
حكم الفعل في حقه !، من وجوب أو ندب أو إباحة، فيكون المبهم في حقنا مساويا للحكام في حقه !ي! بناء على قتل المساواة، وهو قول الجمهور- وسواء أكان الفعل في العبادات أو غيرها من الأداء والمعاملات والعقوبات وغزير ذلك. وقد تقدم بيان طرق معرفة الحكم في حمقه !-
فإن لم يكن الفعل معلوم الحكم:
فالخطوة أن مسة: أن يعتقد أن الفعل من المجهول الصفة، فلينظر هل هو
مما يظهر فيه قصد القربة. فإن كان كذلك حمله على الاستحباب في حقه له، وبالتالي يدل على الاستحباب في حقنا بناء على قاعدة المساواة+(1/360)
والخطوة السادسة: إن لم لظهر للمجتهد أن النبي ! قصيد القربة، فليحمل الفعل على الإباحة في حقه !س!، فيدل على السبعة ني حقنا أيضاً.
472
(1/464)
بالخطوة السابعة: إن تبين الحكم في حق الأمة، فلينظر المجتهد، هل رقع الفعل لسبب معين، فإن وجد ما يدل على ذلك، وكان السبب باقياً، علم ارتباطه السبب في حقنا أيضاً دان كان السبب زائلاً فلا. وإن جهل السبب فلتأ!ئي مستحب.
الخطوة الثامنة: لينظر المجتهد بعد ذلك بأي وصف أرقع النحى!! ذلك الفعل، أمن جهة الإمامة العامة، أم من جملة إمامة الصلاة، أم من جهة القضاء. أم غير ذلك من الجهات التي تقدم ذكرها. فبهذا يعلم المجتهد من يلزمه حكم الفعل، من سائر المسلمين. فإن/ تتعين جهة ما، فالأصل العمم.
فهذا مسلك بيئة يتبعه المجتهد في استفادة الحكم من الفعل النبوئي. وهناك
زوايا ومنعطفات أخرى في هذا الطريق، تعلم مما تقدم بيانه. والله الموفق-
473
(1/465)
المبحث الثاني
الاعتراضات التي تورد على الاحتجاج بالأفعال
عقد ابن عقيل الحنبلي (1) في ذلك فصلا ممتعاً فذكر فيه ثمانية اعتراضات
تتوجه على الاستدلال بالفعل. ونحن نذكرها بالجاز ملخصة من كلامه مع مزيد توضيح:
الاعتراض الأول: أن يبين أن المستدلّ لا يقول به. ومثاله أن يستدل الحنفي في قتل المسلم بالكافر بان النبي ييل قتل مسلما بكافر وقاله: وأنا أحق من وفى بذمته " (2). فيقوِل الشافعي أو الحنبلي: هذا لا تقول به، فإن الذي قتله به كان رسولاً ولا يقتل مسلم بالرسول عند أبو حنيفة!
قال ابن عقيل ت وقد تكفف بعض أصحاب أبي حنيفة الجواب عن ذلك،
فقال: لما قتل المسلم بالرسول كان ذلك دالًا على قتل المسلم بالذميّ من طريق الأولى، فنسخ قتل المسلم بالرسول، وبقي العمى على مقتضاه الأول.(1/361)
الاعتراض الثاني: المنازعة في مقتضى الفعل. ومثاله أن يستدعى الشافعي سر الحنبلي على وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود بفعله أمه. فيقول المخالف: فعله لا يقتضي الوجوب. والجواب عنه من ثلاثة أوجه:
الأول: أن يقول ة فعله عنى يقتسما الوجوب، وإن لم تسلم دللت عليه.
الثاني: أن يقول: هذا بيان لمجمل واجب في القرآن، فيدلر على كونه واجباً.
(1) انظر كتابه (الواضح) ق 157 ب وما بعدها.
(12 الحديث نقله في بدائع الصنائع 337/6 معزواًا إى محمد بن الحسن بيممناده. 474
(1/466)
الثاء: أن يقول: قد اقترن به ما يدلى على وجوبه، وهو قوله !: !صلرا
كما رأيتموف! أصلي ".
أقول: في الوجه الأولي والوجه الثالث نظر عندنا بالنسبة إلى هذا المثال خاصة يعلم مما تقدم.
ويمكن أن يجاب عن هذا الاعتراض أيضا بان يقال: هذا الفعل صدر من
النبي لمجه واجباً، وحكمنا فيه كحكمه.
الاعتراض الثاء: دعوى الإجمال في الفعل. ومثاله أن يستدل الشافعي
على طهارة المني بان عائشة رضي الله عنها قالت: 8 كنت أفركه من ثوب رسول الله ! وهو يصلي ". فلو كان نجسا لقطع الصلاة. فيقول المعترض: هذا مجمل، لأنه في قضية عين فيحتمل أنه كان كثيرا أو قليلًا، فربما كان ما فرضته عائشة قليلاً وقليل النجاسات معفو عنه.
والجواب عنه يكون بان يبين المستدل! أن الفحل متعمق في الوجه الذي وقع به الاستدلال. ففي المثال المتقدم يليق بالدليل أن المني كان كثيراً لأن عائشة احتجت بهذا الخبر على طهارته، فلا"يجوز أن تحتج بما يعفى عنه مع نجاسته. ولأنها أخبرت عن دوام الفعل وتكرره، ويبعد أن يستوي حاله في القلة مع تكرره،
الاعتراض الرابع: المشاركة في الدليل. ومثاله أن يستدل الحنفي في جواز(1/362)
ترك قسمة الأراضي الغنيمة بان النبي ! ترك قسمة بعير، الي خيبر- فيقوله الشافعي والحنبلي: هذا حجة على قسمته، لأنه قسم بعضه، وفعله هذا امتثال للامية، وذلك يقتضي الوجوب. وأما تركه لما تركه فربما كان لنرائبه ومهمات ا لا سلام.
الاعتراض الخامس: اختلاف الرواية. وذلك مثل أن يستمل الحنفي على
جواز نكاح المُحْرِم بما وردت ن النبي لهطل تزوِّج ميمونة وهو عام. فيقولط الشافعي أو الحنبلي: روي أنه ليزوجها وهما حليلان.
475
(1/467)
والجراب عنه من وجهي: أحدهما أن يجمع بين الروايتين إن أمكنه. والثاني: أن يرشح روايته على رواية المخالف.
الاعتراض السادس ة دعوى النسخ. مثل أن يستدل الحنفي على أن سجود السهو بعد السلام، بما روي (1، أن النبي !ك!، سجد بعد السلام. فيتولى الشافعي: هذا منسوخ بما روى الزهري، قالت: آخر الأمرين من رسول الله !، السجود قبل السلام (2).
وجوابه بالجمع بين الأمرين إذا أمكن، فإن الجمع مقدم على النسخ.
الاعتراض السابع: التمويل. مثل أن يستدل المنفى بأن النبي !، تزوج ميمونة وهو محرم، فيتاوله الشافعي والحنبلي بان المراد بالإحرام هنا أنه في الحرم أر في الشهر الحرام لا إحرام الحج والعمرة، فإن الصيغة قابلة لذلك، ومنه قولهم: أخذهم، وأنجد، وأصبح، لمن دخل في شهامة، أو نجد، أو الصبح. وقد قالي الشاعر في قتل عثمان رضي الله عنه بالمدينة:
قتلوا ابن عفانَ الخليفةَ مُحرِمأ ودعا، فلم أرَ مثله مخذولًا والجواب أن يتكللم المنفى على دليل التأويل بما يسقطه، فيسلم له الظاهر. الاعتراض الثامن: المعارضة: ومثاله أن يستدل الشافعي في رفع اليدين برواية) بن حميد الساعدي "3) أن النبي عن رفع يديه حذو منكبيه. فيعترف المنفى بما روى وائل بن حجر أن النبي !ك!، رفع يديه حياد أذنيه (4،.(1/363)
وجوابه بان يرجح دليله على دليل المعترض، بما يعلم قي باب الترجيح من أصوله الفقه.) و يتكلم على رواية المعترض بوجه من الوجوه السابق ذكرها في هذا المبحث.
11) (2) انظر: جامع الأصول 6/ 350
(3) رواها) بو داود والترمذي، والنسائي وجامع الأصول 6/ 209) (4) رواها مسلم وأبر داود والنسائي وجامع الأصول 6/ 209) 476
(1/468)
المبحث الجاك نقل الأفعالى النبوية المطلب الأول طرق النقل
1- الأغلب أن أفعال النبي ينهي تثبت لدى الأمة بنقلي صحابته رضي الله عنهم. فينقلون أفعاله كما ينقلون أقواله. وسنعود إلى هذه الطرق بشيء من التفصيل. وقد تثبت بطرق أخرى.
2- منها: النقل القرآني. كقول الله تبارك اسمه: ومحمد رسول الله والذين
معه أشداء على الكفار رطل بينهم.-. ! الأمة (1)، وقوله: فعفا الله عنك لم أذنت لهم ! (2)، وقوله: (يا أهمها النبي لم تحزم ما أحل الله لك ! (3"، وقوله: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائمان (4).
3- ومنها: إخباره ي عن فعل نفسه، كقوله: (إتي لا أليس بالعهد ولا أحبس البارد". وكإخباره بما رقع منه ليلة الإسراء.
4- ومخها ما ذكوره الزركشي (ْ)، أن ينعقد الإجماع على أن إحدى صورتي الفعل أفضل من الأخرى. فنقول: هذه الصورة أفضل بالإجماع، والنبي-له لا
(1) سورة الفتح: آية 29 (3) سورة التحريم: آية\ (5) البحر المحيط 252/2 ب.
(2) سورة التوبة: آية 43 (4) سورة الجمعة: آية ان
477
(1/469)
يواظب على ترك الأفضل، فيلزمه له واظب على الأفضل. ومثاله: الوضوء المرتب المنوفي، هو بالإجماع أفضل من الوضوء المنكلوس، أو غير المنوفي. ورسول أله !، لا يواظب على ترك الأفضل، فيلزم أنه فعل الوضوء مرتباً منوية.
أقول: للمخالف أن يقول إن التقسيم غير حاصر، فهناك حال سوى المواظبة كلى الفعل والمواظبة على الترك، هيا ن يفعل دون مواظبة ويترك دون مواظبة.
وهي الأكثر في الأفعال المندوبة، كتثبيت الوضح.(1/364)
فهذا الدليل لا ينتج أكد من أن النبي يكره، كان يغلب في عمله الأخذ بالأفضل.
وقد استخدم ابن إدامة هذا الدليل لإثبات أن وقت العيد بعد ارتفاع الشمس
قيد رمح، لا عند طلوع الشمس. قال: ولأن النبي ! ومن بعده/ يصلوا حتى ارتفعت الشمس. بدليل الإجماع على أن الأفضل فعلها في ذلك الوقت. ولم يكن للنبي !ك! يفعل ألأ الأفضل والأولى" (1).
ونحن نرى أن قوله: لألمَ يكن يفعل إلا الأفضل ! ممنوع. إذ قد كان يفعل ما
هو أقل فضلاً، حياني، توسعة وتيسيرا على أمته. والله أعلم.
5- ومنها ما ذكره الزر!نَي أيضاً وهو أن يقال في المثال السابق: لو
ترك ! النية والترتيب في الوضوء، لوجب علينا تركه، بدليل الاقتداء به، لأن المتابعة كما تكون في الأفعال، كذلك تكون في الترولي. ولما/ يجب علينا تركه يثبت أنه ماتر!ه بل فعله-
وهذا الدليل مبني على مقدمة هي وجوب المساواة في الترك. ويأتي بحثها في
فصل التروي من الباب الثاف! إن شاء الله. وليممست مطردة في كل التكرلى، بل في
(1) 1 لمغني 2/ 377
478
(1/470)
بعضها كما أن الأفعال كذلك. وليس هذا المثال مما بجب فيه الترك. لأنه قد ينوي ويرتب أحيانا ويترك ذلك أحياناً أخرى. ولأنه لم يأتنا دليل على أنه ! تركه على سبيل الوجوب.
المطلب الثاني
إدراك الصحابة للفعل المنقول
لمحا الأقوال فإن الصحاب يدركها بحاسة السمع، ويسمع ألفاظاً محددة، فيتمكن من نقلها كما سمعها،ْ وقد يرويها بالمعنى.
وأما الأفعال فإن إدراكها يتم في الأغلب بحاسة البصر. وقد يتهم بغيرها كعلمهم باستعماله يكن، للطيب والعطور.
وما يدركه الصحابي فن ذلك بحاسة البصر قد يكونا !راكأ مباشراً وهو الأغلب وقد يكون إدراكا كير مباشر، ولعل من ذلك ما روى عبداله بن عمر في رأى النبي ي يصبغ بالصفرة (1)، وقالت أنس: لم يخضب (3). قال أبن حجر: "فيحتمل أن يكون الذين أثبتوا الخضاب شاهدوا الشعر الأبيض، ثم لما واراه الدهن ظنوا أنه خضبه !.(1/365)
وهكذا، فإن النقل للفعل يكون أتهم وأصر إن كان الصحابة ورآه وهو يفعله لا أن يكون ورأى ما يستدل به على أنه فعلا وقال ابن عمر: ورأيته ! يصبغ بالصفرةأ لا يعني أنه رآه أثناء مباشرة عملية الصبغ، بل يحتمله أنه رأى الصفرة فظنها صبغاً، كما قال أين حجر.
وبعض الأفعال ليس مما يدرك بحاسَة) صلاح، وإنما تدرك آثاره. فلا بدّ أن يلاحظ الناقل لها تلك الآثار، ويلاحظ تكررها، وعدم صدور مخالف لها جمع الدلالة، ليتمكن من إثبات الفعل، وذلك كقول عائشة رضي الله عنها: "كان يحب 11) حديث ابن عمر في الخضاب بالصفرة: البخاري ه. ا/304
(2) حديث أنس في نفي الخضاب: البخياري 10/ 351 479
(1/471)
التضامن ما استطاع في طيوره رتنعّله وفي شانه كله ". فإن المحبة والكراهية ونحوهما ليست مما يرى"
كما أن بعض الأفعال لا تقع دفعة واحدة، وإنما يقع من الفعل أجزاء محتلفة
في أزمان متفاوتة، فيجمع الصحابة بعض تلك الأجزاء إلى بعض، ليكلرِّن منها صورة متكاملة للواقعة أو العادة. وقد يكون ذلك التجميع على قدر كبهير من المطابقة للواقع، ولكن قد يفوت الراوي بعض التفصيلات التي تكمل الصورة، ويكون لذلك أثر في الأحكام المستفادة.
فمن ذلك الجمع قول أنس: وكان إذا كان يوم عيد خالف الطريق "،؟) فإن
هذا، إن لم يكن أصله من قوله !، يقتضي أن أنساً لاحظ طريق ذهابه بمنه، ثم طريق رجوعه، والمخالفة بينهما، ولاحظ ذلك في عيد ثانٍ وثالث، حتى استطاع أن يخبر عن هذه العادة من فعله !.
ومثله قول أنس أيضاً: وكان إذا كان مقيما اعتكف العشر الأواخر من رمضان. لاذا سافر اعتكاف من العام المقبل عشرين ".
وقول ابن مسعودة!كان رسول الله له يتخؤلنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا".
ومما تب!!ق فيه خفل! بعض التفصيلات على الراوي قولي أبيب: والصلاة في(1/366)
الثوب الواحد سنة، كنا نفعله مع النبي !ئه! ولا يعاب علينا!! فقال ابن مسعود: وكان ذاك إذ كان في الثياب قلة، فانا إذ وشع الله عليكم فالصلاة في الحربين أزكى".
فتحول أنه لا بدّ في مثل هذا الإدراك من أمور:
الأول: ملاحظة الفعل.
الثاني: ملاحظة تكرره.
ان البخاري من حديث جابر والفتح الكب!!.
480
(1/472)
الثالث: محاولة ربطه بسببه.
الرابع: معرفة أن ذلك الارتباط مقصودة
ومن هذا يتيحها أنا. تحصيل هذا الإدراك بحاجة إلى نوع من الأسلوب العلمي للصرفة.
المطلب الثالث ! سر النقل
إذا أدرك الصحابة فعل النبي !، وحصلت لديه صورته، فإنه ينقله إلى
غيره ممن/ يشهد ذلك الفعل- ونقْله حينئل! إما بفعل داما بقول.
هذا ومن المعلوم أن الأقوال تنقل بطريقتين:
الأولى: نقل اللفظ باللفظ المساوي له، أي النقل الحرفي. وهر جائز
بأني جماع بل هو الأصل.
والثانية: نقل اللفظ بمعناه، بأن يبدل لفظاً مكان لفظ ي!ساريه في الدلالة، أو يسقط من الألفاظ ما يراه غير ذي علاقة بالحكم.
وبعض الأصوليين يمنع هذا النوع بالكلية، وبعضهم يجيزه من العارف بما
يحيل المعنى على أن لا يبذل الخاص بعام، ولا المطلق بمقيد، ولا عكس ذلك. وبعضهم أجاز الرواية بالمعنى في أنول من الأحاديث ومنع جما أنها أخرى (1). فمنزلة رواية الألفاظ حرفياً أعله من روايتها بالعنف، اتفاقا، وذلك لأن الرواية الحرفية تصل أمها الألفاظ النيلية بأعيانها إلى المجتهد، فلا تتحرّك معانيها تبعاً لفروق الألفاظ. وقد دعا النبي ضرر، إلى الرواية الحرفية بقوله: "نضر الله امرأً
(1) انظر المّفصيله في كتب الأصول في أبواب الأخبار، إرشاد الفحولة للشوكاق ص 57 481
(1/473)
سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هوأفقه منه " (؟ ".(1/367)
هذا وأما نقل الأفعال، فقد يظن لأول وهلة أنه لا يتصور فيه النقل (الحرفي)، ولكن يبدو لنا أن نقل الفعل بالفعل المشابه له في الصورة هو نظير لنقل اللفظ باللفظ. ود ما نقل الفعل بالقول، فإنه نظير لنقل اللفظ بمعناه. بل هو من النقل بالمعنى بلا شك، إذ ليس هناك لفظ حتى ينقل بحروفه. ومن أجل ذلك يرد في نقله باللفظ !ث!ير من نحاور الرواية بالمعنى. وهو ما سنحاول أن ثبير إلى بعضه في ما ياقة من هذا المبحث.
وليس يلزم مما ذكرنا من التنظير، أن يكون نقل الفعل بالفعل أعلى من نقله بالقول، فإن من طبيعة النقل بالفعل أن يحصل فيه اشتباه يسقطه عن درجة رواية اللفظ باللفظ، بل عن رواية الفعل باللفظ. ولنعتبر ذلك بالواقع قي التمثيليات المسرحية التاريخية، كيف يتولّد عند مشاهديها أوهام كثيرة في تصور الوقائع؟ ولولا مراجعتنا للتصوير اللفظي للواقعة في الوثائق التاريخية، لحصلت لدينا بالتمثيلية صورة تبعد قليلا أوكثيرا عن حقيقة الواقعة.
أولاً نقل الفعل بالفعل:
وذلك ما نقل إلينا عبداله بن زيد وعثمان وعلي وأبو هريرة "وابن عباسي وضوء النبي غبهعع، بأفعالهم (2) ثم يحتاج التابعة إلى الألفاظ لكي يعبر عما يراه- وقد يكون بعض أجزاء فعل الصحابة مما لم يقصد به الحكاية، بل يكون قد صدر ابتداء. فيتوهم التابعي أن المقصود به الحكاية.
ومثاله حديث أبي هريرة في حكايته لوضوء النبي !ن!، وفيه أنه غسل يديه
حتى أشرع في العضدين، وغسل رجليه حتى أشرع في الساكن. وقال في آخر
(1) رواه أبو لأود 15/ 94 والترمذي 417/7 وأحمد بالقاء ممّغايرة. (2) انظر: ذلك في كتب السنة في نيل الأوطار مثلا 163/1- 180
482
(1/474)
حديثه: هكذا رأيت رسول الله شبهه يتوضأ. يحتمله أن إشراكه في العضدين والساخن مما فعله هو ابتداء، وتكون إشارته (بهكذا) إنما ما عدا ذلوا. فلا يكون حجة على استحباب الإشرل! في الأعضاء المذكورة.
ويحتمل أنه مما رأى النبي ! يفعله فيكون حجة.(1/368)
ومثاله أيضاً حديث المعتمر بن سليمان أنه كان يتهرب وبسم الله الرحمن الرحيم ! قال بعد صلاته: "ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي. وقال أبو: ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس. وقال أنس: ما آلو أنه قتلي بصلاة رسول الله !، (1). فهذا في النقل بالفعل. وقد صح عن أنس قول: 9 صليت خلف رسول الله عيد وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد دمه رب العالمي، لا يذكرون لأبسط الله الراكن الرحيم ! في دول قراءة ولا في آخرها" (3).
وحيث تعارضت الرواية الفعلية عن الصحابي، مع الرواية القولية، يقدم
القرض لأنه نص، والفعل محتمل كما بينا.
ومن قبيل نقِل الفعل بالفعل أن يرى الصحابي رجلًا يفعله فعلًا، فيقول:
رأيت النبي ! يفعل مثله. ومنه أن عمران بن حصين صلى خلف علي بنك به طالب، فكلام إذا سجد كبَر، وإذارفع رأسه كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فقال عمران:إ ذكرف! هذا صلاة محمد!! (3).
ومن نقل الرواة أفعاله يكن بالفعل واحدة بعد الأخر، ما يبني عليه مالئا
بعض مذهبه من العمل المستمر بالمدينة بعد نبيها؟ !. ومنه كما قاله ابن القيم: لنقلهم الوقوف، والزارعة، والأذان على المكان المرتفع، والأذان للصبح قبل الفجر، وتثنية الأذان وإفراد الإقامة، والخطبة بالقرآن والسنت، دون الخطبة
(1) ذكر الحكم أن رواته عن آخرهم ثقات وابن دقيقا: شرح العمدهّ 1/ 249).
(2) 6/اية2 م!محلم. وبمعنل! ا رواية البخاري والموطن والنسائي وأبي داودي جامع الأصول (3) حديث علي: متفق عليها
483
(1/475)
الصناعية بالتسجيل والترجيع، ونقلهم بعض الأعيان التي له فيها فعل كالصاع والمخ، وموضع المنبر، وموضع موقفه للصلاة، بالبقيع رالمصلّىأ (1).
وهذا شبيه بنقل الأمة تعيينه !ئه! لموضع الضفة والمرأة ومنى ومراضع الجمرات بمزدلفة وعرفة. وهذه النقود من نرع التواتر المنقول فعلياً.
ثانياً: نقل الفعل بالقول:
وهو في الجملة، أعلى درجة من نقله بالفعل كما سبقت الإشارة إليه.(1/369)
وقد تعرض الغزالي في المستشفى، كغيره منذ الأصرلييئ (2)، لألفاظ الرواية- قريبها الغزالي درجات، بحسب قوتها، وبين وجو؟ تميز بعضها عن بعض. وكان أعز كلامه منصبا على رواية الأقوال. ونحن نبي على وزان ذلك ألفاظ رواية الصحابة للفعل. فنقول إنها على درجات:
الدرجة الأول: أن يقول الصحابي: رأيت رسول الله !ت! يفعل كذا
وكذا. فهذا صريح في الإدراك الحسئئ المباشر وهو ينفي احتمال الواسطة.
وقد تتقصى هذه الدرجة بأمور:
الأول: أن يكون الراوي كثير الصحبة لرسول الله !ك!. وذلك حرفي أن
يجعله يفرق بين الأفعال المقصي ة في التشريع وبين غير المقصودة. ومن هنا/ يا كثير من الفقهاء برواية مالك بن الحويرب لجلسة الاستراحة. وكان ة ض-4!! لها من هذا الوجه.
الثاني ": أن يكون رأى النبي له، يفعل مثل ذلك الفعل مرات كثيرة على
صورة واحدة. ومن هنا كنز الخلاف في أحكام أفعاله ! في الحج، لما أنه سر لم يحخع إلا مرة واحدة.
(1) إعلام الموقعين 372/2
(2) انظر: المستشفى 83/1 إرشاد الفحول ص " 6، جامع الأصول لابن. الأثير\ / ها ابن قديمة: روضة الناظرة: الس!لفية 8 كل ا هـ ص 61 484
(1/476)
الثالث: أن يكون الراوي فقيهاً- وللفقه في هذا العام مكانته، نظراً إلى أن نقل
الفعل هو من باب الرواية بالمعنى لا سبقت الإشارة إليه- رأيضأ فإن كثيرا من الأفعال منوطة بأسبابها، ويحتاج إلى معرفة حصولي شروطها لانتفاء مصانعها، فإنه إن لم يكن فقيهاً فربما فاته الانتباه إلى ذلك. ولكن الفعلي لا يخرج بذلك عن أن يكون حجة. ويقول الأمني في قضية فهم السببية:أ إن كان (الراوي) فقيها كان الظن بقوله أظهر، وإذا/ يكن فقيهاً وإن كان في أدق الرتب، غيره له مغفل على الظنّ "،1).
الدرجة الثانية: أن يقول: فعل النبي-طه كذا وكذا. يحتمل أن الصحابة
أرسله عن صحايى آخر.
وهو مع ذلك حجة لأق مراسيل الصحابة مقبولة عند جمهور العجلى.(1/370)
وفي هذه الدرجة احتمال آخر، وهو أن يكون استنبط الفعل من آثاره ولوازمه.
الدرجة الثالثة ة أن يقول: فُعِل كذا وكذا، من الأمور الشرعية المضافة إنما
عصر النبي صل، يقول بعضهم: كنا نطرد عن الصف بي السواري.
ففي هذه الدرجة مع الاحتمالات السابقة، احتمال آخر، وهور ن يكون الاعل لذلك كير النبي !. ثم إن كان مع علمه ! بذلك،/ يخرج عن أن يكون حجة، كما يظهر ذلك في المثال المتقدم، لأنه يكون من الإقرار. وأما إن/ يظهر أنه !ل! علم بذلك، فإنه يخرج عن الحجية، والله أعلم،
الدرجة الرابعة: أن يقول الصحايِ: من السنة كذا. وهذا يمكن أن
يكون أصله فعلًا، أو يكون قولاً وفيه احتمالا أن يكون المقصي به ساحة أحد الخلفاء الراشدين المهدي!سن وهو مع ذلك حجة، لأن الظاهر أنه سنة النبي ! بخلاف ما لو قال ذلك التابعي.
(1) أحكام الأحكام 367/3، 368
485
(1/477)
تكييف الصحابة للفعل النبوي ة
تقدم أن الفعل النبوي جزئي واقع في الخارج، لا عموم له، وليس له صيغة لفظية، وإن كان لا بد للراوي من صيغة يعبر بها عن ذلك الفعل.
وإن الصحابة إذ يعبرون عن تلك الأفعال بذلك، إنما (يصنّفون) تلك الأفعال، بتفهم الفعل إلى مجموعة الجزئيات التي ينتمي إليها هذا (العنصر) الجديد، وهو الفعل الحادث الذي يخبرون عنه، واللفظ الذي يختار 8 الصحابي للتعبيرعن تلك المجموعة له فيه عند الفقهاء قي تبني الحكم الشرفي الذي يستنبط من الفعل.
وكمثال على ذلك نشير إلى الخلاف الذي نشا من قول لعب هريرة: فإن رجلا
أفطر يخص رمضان؟ فأمره النبي مججحم بالكفارة!. فإن استعماله هذه الصيغة () فطرة دعت بعض الفقهاء، كالمالكية، إلى أن يقولوا: كل فطر في رمضان يوجب كفارة. وغيرهم، والشافعية، أبوا ذلك، وقالوا: من المعلوم أن ذلك الرجل لم يفطر بكل أنها المفطرات، وإنما بمفطر واحد، هو الجماع، كما بيّن في بعض الروايات الأخرى. فيكون هو السبب الموجب للكفارة، لا غيره (1).(1/371)
فهذا مثال يدل على المقصود، وإن لم يكن المعبر عنه ب (1 فتح من فعل
النبي مج!ير.
وواضح أن الطريقة التي سلكها الشافعية يخص هذا المثال هي الطريقة الصحيحة لأن الفعل لا عموم له.
ومثال آخر: قاله ابن عباس: إن رفع الصوت (بالذكهه حيهم ينصرف النادى
من المكتوبة كان على عهد رسول الله كم وقال: "كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته " (2). وهذا يحتكما رفع الصوت بعد الصلاة بكل ذكر ولكن الرواية الأخرى للحديث تخصّ رفع الصّوت بالتكبير. يقول فيها: وكنت أعرف انقضت صلاة النبي !كل!ه بالتكبير! (3).
(1) انظر: الزركشي: البحر المحيط 2/ 14. (2) البخاري 2/ 325 وي بو داود.
(3) رواه البخاري 2/ 325
486
(1/478)
هذا وقد استعرض الأصوليون ألفاظاًا ستعملها الصحابة في التعبير عن الأفعال العبرية، وحاولوا تحديد دلالتها، ونحن نذكرها تتميما لبحثنا، في مسائل: المسألة الأولى:
لفظ (فَعَل) والمراد (الفعل الصرفية المثبت، المعبر به عن فعل نبوشي (1)،
كقول ابن عباس: فصلى رسول أله ! الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً من غْيى خوف ولا سفر" (2).
فهذا اللفظ مطلق عن ذكر الزمان.
يحتمل أنه جمع بحق العصرين في وقت الظهر، أرضا وقت العصر، أو إلَى الظهر في آخر وقتها والعصر في أول وقتها، وهر ما يسمى الجمع الصوري-
ولا يصح حمله على العموم، لأن اللفظ يدل علىا له فعله مرة واحدة، رقد وقعت بلا شك في أحد المواعيد الثلاثة.(1/372)
فحمله أبو الشعثاء راويه عن ابن عباس على الجمع الصربي. د أليه ذهب القرطبي المالكي، والجويني الشافعي، رالطحارىِ من الحنفية. ويؤدجمهم أن الجمع الصوري لا يخرج عن دلالة الآية فإن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتأ! قال ابن حجر: 9 يقضي حمله على الجمع الصربي أن طرق الحديث كلها ليسكه فيها تعرض لوقت الجمع، فإما أن تحملي عله مطلقها، فيلزم إخراج الصلاة عن رقتها المحدود بغير عذر، وإما أن تحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم الإخرل!. والجمع الصوري أصلى. والله أعلم " (3؟.
11) انظر الزر!ثي: البحر المحيط 2/ 160، والشوكاف!: (رثاد الفحول فيه 135، أبو الحسين البصري: المعتمد 1/ 205، تيسير التحرير 247/1، 248، الأيدي: الإحدى م 369/2
(2) رواه مسلم 5/ 215 وأبو داود والترمذي والنسائي.
(3) 1 لفعّح 2/ 24
487
(1/479)
وبعض العلماء، من غير هؤلاء، قالوا: إن ابن عباس شاهد الفعل، وعرف
أنه وقع في واحد من المواعيد الثلاثة، فعثر بما يدل بظاهره على عدم التفريق بينها، وذلك يقتضي أنه جمعه جمع إما في وقت الظهر، أو في وقت العصر. ولا يريد الجمع الصوري، إذ لو كان كذلئه لما أغفل ذكره. ولأنه علّل بما يقتضي ظاهره عدم التقييد بالجمع الصوري؟ وهو أنه مثل: ما أراد!ك!هه إلى ذلك؟ فقاله. "أراد أن لا يحرج أمته أأ. فعمل برفع الحرج؟ ولا يزول الحرج بالجمع الصربي، بل بكل صور الجمع. والله أعلم. فلهذه القرينة عفمْنا الحكم في الصور الثلاث ليشمل كل زمن الصلاتيها. فإن لم يكن ثم قرينة، فلا يصح تعميم حكم الفعل المثبت المطلق في أقسامه أول وجهه. بل يحمل على أولى الصور بالحكم، ونترقفلأ في الصرر الأخرى. وإن تساوت توقفنا فيه. وقد قال الشوكاني:أ الفعل المثبت إذا كان له جهات فليس بعام في أقسامه، لأنه يقع على صفة واحدة، فإن عرفت تعيّن وكاالأ كان مجملا يتوقف فيه ".(1/373)
ففما نحمله على أولى الصور، ما ورد أنه !: لأصلٌى قي الكلعبة! فإن عبارة الصحابة يحتمل أنه عليه الصلاة والسلام صلى الفرض أو صلّى امل، واللفظ مطلق، فيحمل على الأولى بذلك، وهو النفل، لما كان قد عهد التخفيف فيه. فلا يدل على جواز صلاة الفرض داخل الكعبة، بل يتوقف نفى ذلك،1).
ومثله أنه يكن:إ جمع في السفر" فالسفر إما طويل وإما قصير. فلا تكون
عبارة الصحال! عامة للجمع فيهما، فالطويل داخل في مفهوم اللفظ. والقصير مشكوك فيه، فيتوقف فيه.
هذا ويستثنى من جملةْ الأفعال المثبتة التي ذكرناها في هذه المسألة أن يرد
الفعل مقترنا مكان، فنعقد لها المسمألة الثانيهَ.
تنبيه: الأفعال (أمهه و أنهى) و (قضى) ونحوها، ألفاظ قد يعبتر بها الصحابة عما صدر عن النبي يكن، كقولهم (ضهَى) عن بيع الغرر، و (قَفتى)
11) انظر ابن الجمعاني: القواطع ق 49
488
(1/480)
بالشفعة للجار. وقد اختلف فيها على قولين، وسوف نبين مبنى الخلاف فيها في الباب التالي في الفصل الثالث منه إن شاء الله.
الأول: أنها عبارة عن فعل صدر عن النبي لمجه. فعلى هذا لا يصح فيها دعوى العموم، كما قدم مناه في سائر الفعل المثبت.
الثاني: وهو الأصوب، أنها عبارة عن قول صدر منه !!. فإنه الراوي سمع
لفظة هو: آمركم بكذا، أو: افعلوا كذا، أو: أنهاكم عن كذا، أوت لا تفعلوا كذا، أو نحو ذلك. فعبر عنه بما ذكر. وقد اختلف فيها القائلود! بذلها: هل يجوز أن تدل على عموم أم لا. وعلى هذا المذهب يكون هذا النوع خارجا عن باب الأفعال النبوية، فلا نستطرد إليه. فليرجع إليه في مظانه من كتب الأصول "ا)، في مباحث الأقوال،
المسألة الثانية:
وكان يفعله والمراد به الفعل للضارب الذي دخلت عليه كان إذا عبر به الصحابي عن شيء من أفعال النبي !، فهل هي دالة على مجرد وقوع الفعل، أم على التكرار والمواظبة، وهل تدلل على العموم؟.
1- ا لتكر أر:(1/374)
أما دلالتها على التكرار، فنه لك واضح لا خفاء به، وقال ابن دقيقه العيد:
9 يقال: كان يفعل كذا، بمعنى أنه تكلرر منه فعله وكان عدة له، كما يقوله: كان فلان يجري الضيف " (2).
وقد اختلف الأصوليون من أين جاءت الدلالة علا التكرار: فقيله من (كان)، وهو ظاهر كلام الشاطري (3) 0 إذ أورد حديث عائشة: وكان نجمع يصلي العصر والشمس في حجرتها! (4). ثم قال: لفظ، كانت فعل يقتضي الكثرة". وبه قال ابن الحاجب (ْ).
(1) انظر مثلًاة أرشاد الفحول للشوكاف! ص 125، الزركشي: البحر المحيط: 2/ 60
(2) أحكلام الإحكام 1/ 90 (3، أول فقات 3/ 59
(4) البخاري 2/ 6 ومسلم 158/5
(5) وقد ذكرت فيه الأقوال الثلاثة جميعاً
489
(1/481)
وقيل من مجموع كان والفعل المضارع. وهو ظاهر كلام المحلي (1). ونقله صاحب تيسير التحرير.
وقيل من الفعل المضارع حده. وهذا عندي هو الصحيح من هذه الأقوال، وما عداه وهم من هؤلاء الأعلام رحمة الله عليهم، وجلى من لا يستدرلى عليه قوله. فإن المضارع وحده يدل على التكرار والعادة المستمرة، كقولهم فلان يجري الضيف، وينفق ماله كل أبواب الخير. وقد يدلَ على المرة الواحدة لكن بشرط استمراره برهة قبل زمن التكلم حتى وقت التكلم. فإذا جات (كان) قبل المضِارع نقلت معنى التكرار من الحاضر إلى الماضي، و/ تزد على ذلك، فمن أين جاعت بالذكر ا ر؟ (2).
وأيضاً لو أنها دعت على التكرار مع المضارب صدئت عليه مع الفعل الماضي، لكنها/ تدل، عليه، كما يخص قوله تعالى: لإودقد كانوا عد!دوا اللا من قبله لا يودون الأدبار! لا يعني أنهم عاهدوه أكثر من مرة.
هذا وإن فائدة معرفة دلالتها على التكرار في أحكام الأفعال النبوية أمر
مهم، نظرا إلى أن الفعل المجرد إذا تكرر عله صفة واحدة، وكان ذا صلة بالعبادة، فإنه يقرب أن الفعل المجرّد على وجه الشرع، فيصلح دليلا على الاستحباب أو على تأكد الاستحباب. وقد تقدمت الإشارهً إليه في مواضع من هذا الباب.(1/375)
وقد ذكر ابن دقيق العيد أنه يجوز أن تستعمل وكان يفعله لإفادة مجرد وقوع الفعل، وذلك صادق بالمرة الواحدة، فلا يدل على التكرار. ولكنه يقرلط: الأول- وهو إفادة التكرار- أكد في الاستعمالي (3).
(1) شرح جمع الجوامع 425/1
(2) (كانا، الناقصهّ، خالية من الدلالة على البحث، ومتمحضة للدلالة على الزمان، وهذا معنى نقصها. وها تقلب معنى الجملة الاسمية إلى الماضي. فإن قلنا: (زيد!ريم) ثم دخلت عليها (كانّ) حولىّ معنى الجملهّ من الحاضر إلى الماضي.
!م) أحكام الإحرام 1/ 95
490
(1/482)
وأشار إلى ذلك أيضاً صاحب تيسير التحرير، فإنه قال: إدا إفافى ة وكان يفعله التكرار أكثرية لا كلية.
وعندي أن إفادة وكان يفعل كل للمرة الواحدة، حق، ولكن في بعض المواقع
دون بعض. فإنا قد ذكرنا أن المضارع المجرد من (كان! قد يدلل على المرهف إنا كان الفعل مستمرا إنما زمن التكلم، فإذا دخلت عليه (كان) أفادت ذلك الاستمرار يخص الزمن الماضي إلى لحظة معينة من الماضي- ومثاله أن تقول والخطيب يتكلم الآن علا المنايا فإذا أردت نقل ذلك إلى الماضي مع استمرار الفعل إنما وقت معين، تقوله مثلاً ودخلت المسجد وكان الخطيب يتكلم ".
فهذا استعمال آخر غير الاستعمال الأول، ولكل منهما موضعه، ولا يتوارد الاشتعمالان على موضع واحد.
وعلامة هذا النوعي ن يذكره مر كالدخول ما المثال السابق، ويكلفه الفعل سابقا له مستمرا إليه. فما عدا هذا النوع تكون دلالته على التكرار كلية لا أكثرية فقل-
فهذا توضيح لما في كلام ابن دقيق العيد من الإجمالي.
ومن هذا يتبين أيضا أن بعض المؤلفة (؟) في الحدي!ث النبوئي مجطئودا حيث ينقلون الحديث الفعلي بعبارة (كافا رسول أدبه يخ!يم يفعل كدا أو يقول كدار من أصل ليس فيه إلا (فَعَل رسول الله ي كذا)، لما بين العبارتيها من الفرق في المعنى، وقد علم أن من شرط الرواية بمعنى التساوي بيها اللفظين في معنييهما.(1/376)
(1) انظر مثلا كتاب بصفة صلاة النبي وأ ط 7 ص 126 الحديث ة كانه أحيانا يرجع صوته كما فعلا يوم فتح مكة، ص 76: "وكان يمَود: بنها الأعمال بالنيات، ص 77" كانه إذا مرض رفع أبو بكر صوته بالتكنرحتى يسمع من خلفه، رليسى شيء من ذلك في الأصول،
إنما فيها (رجع)، (قالت (رفعت بدون كان.
491
(1/483)
2- المواظبة والمواد:
ومعنا 8 عدم تمثل الترك. فهو أخض من التكرار. فإن تكرار الشيء هو فعله
مرتين أو ثلاثا أو أكثر، وهو واضح في مكان يفعلى). أما الدوام الذي لا يتخيله ترك، فقد ادّعاه في هذا التركيب، كان يفعله بعض الحنابلة، ونسبه ابن تيميه (1) إلى أبو يعلى وأبو الخطاب الحنبليبن. واستدل به أبو يعلى على الوجوب، قال في حديث عبدأدنّه بن زيد في استيعاب مسح ألر) سي: (هذا إخبار عن دوام فعله، وإنما يداوم على الواجب " ويعني بالدوام ما/ يتركه ولو مرة.
رقد تقدم أنه لا يعلى يقول بالوجوب في الفعل المجرد، وتقدم الرد عليه.
وتقدم أيضا ذكر أن الدوام على الفعل المجرّد لا يدلا على وجوبه.
ولكن الذي نريد هنا بيانه أن سكان يفعله لا تدل علا الدوام، وإنما تدل
عل التكرار والعادة الماضية. ومن أجل ذلك ولا تصلح هذه العبارة من الصحابة في رواية فعل نبوشي دليلًا على وجوب الفعل، حته! عند من يقوله إده المواظبة دليل الوجوب.
ودليلنا على) ن (كان يفعله لا تدل على الدوام، أنها تدلى يخص الماضي على ما
يدل عليه (يفعل) في الحاضر، وقولنا يزيد يجري الضيفة لا يدل على أن قراه للضيف لا يتخلف البتة، بل يدلا علا أن عادته وأغلب أحواله أن يجري الضيف. فكذلك وكان يجري الضيف)، تدل على مثل ذلك في الماضي. والله أعلم.
3- العموم:
وقد ادعى الكثيرون أنه كانا يفعلها تدل أيضاً على العموم في أقسام الفعل وأوجهه وهي مسالة مهمة في فهم كثير من الأحاديث الفعليةّ الرويهب بهذه الصيغة. وهي غير مسالة دلالة هذا التركيبة على المواظبة. فإن المواظبة تعني تكرار(1/377)
(1) الجودة في أصول الفقه ص 115
492
(1/484)
الفعل دائما عند تكرر المناسبات، وأما العموم فان يفعله بجميع أقسامه، وعلى جميع الأوجه من الهيئات أو الأماكن أر غير ذلك-
وروي القول بالعموم في صيغة وكان يفعله أبو يعلى؟ وهو ظاهر كلام
ا أأ مدي (1).
وقد روى البخاري الحديث: وكان !لمجغ مجمع الصلاحي في السفر" فقال البعثى بان ذلك يدعم الجمع في السفر القصير، وفي السفر الطويل.
وقول من العط العموم مردود بما قال ابن قاسم في شرح الورقات: ويمكن
أن يجاب بان وكان يفعل، وإن أفادت التكرار، فإنه كل مرة من مرات التكرار لا عموم فيها، لأنها إنما تقع في أحد السفرين. فالمجموع لا عموم فيه، إذ المركب مما لا عموم فيه لا عموم فيه. واحتمال أن بعض المرات في أحد السفرين، وبعضهما قي الأخر، غيي معلوم ولا ظاهر. فصار اللفظ مجملَاَ بالنسبة للسفر القصيركما أشار إليه الشيخ أبو إسحاق في اللِّمع 2،1).
وشبيه بهذه المسالة، وإن/ يكن منها، ما قال الشوكاف! فىف حديث عامر بن ربيعة: قال: "رأيت رسول اللّه !، ما لا أحدا يتسوَك وهو صائم "، قال الشوكلاني: 5 الحديث يدل على استحباب السواك للصائم من غير تقمِيد بوقت درن وقت. وهو يرد عله الشافعي قوله بكراهة التسوك بعد الزوال للصائم، مستدلًا بحديث: لخلوف فم الصائم أطيب عند اللّهم من ريح المسك ! (3).
فما قاله الشوكاف! مردود، فإن حديث عمر يحل على لكرر وقوع السواك من
النبي صن أثناء الصوم مرات كثيرة. ولكن لا ينبغي أن يفهم من ذلك العموم بالنسبة للوقت، إذ يحتمل أن تكون المرات كلها وقعت قبل الزوال، فكيف يصلح أن يكون هذا الحديث ردا لكلام الشافعي رضي اللّه عنه؟.
(1) 1 أأ حكام 3/ 370
(2) شرض! الورقاء ص 105
(13 نيل الأوطار 1/ 121 493
(1/485)
المسألة الثالثة: اختلاف النقل بين الإطلاق والتقييد:(1/378)
قد ينقل صحابي فعلا غيرال، له به رأسه وأمني في الوضوء*/ يتعرض الراوي لكونه مسح الأذنين بماء جديد، أو بفضل ما مسح به رأسه. ثم قد ترِد رواية أخرى للصحابة نفسه أو لغيره مفصلة، كما روى أنه يكو توضأ فمسح أذنيه بماء خلاف ما مسح به رأسه (1).
قال الغزالي: "هذا يزيل الإجمال عن الأول. ولكن يحتمل أن الواجب ماء واحد، والمستحب ماء جديد، فيكون أحد الفعلي على الأقل، والثاني على الأكملى وجعل الغزالي هذا نوعا من أنها البيان بالفعل، يعني بيان إجمال الأعلى بالفعل " (3).
وقد اعترض أبو شامة على ذلك قائلاً "أورد الغزالي هذا ضلع أنه نوع من
أنو 3 البيان بفعل النبي !كي!، وإنما هو عبارة الراوي. والراوي الأول أطلق ولم يقيمان أنه مسح أذنيه بفضل ما مسح به رأسه، أو بماء جديد. وكلاهما محتمل. فلما نقَل الراوي الثاني أنه مسحهما بماء جديد، تعلايّن حمل ذاك المطلق، على هذا المقيد، فقلنا لا بل منا ماء جديد للأذنيها. أما لو صح أنه مسح الجميع:طن واحد، فيمكن حمله على الأقل، ويكون الأكمل رواية من أفرد الرأس عن الأذنين بماء جلزيد" (3) 0 الـ.
قولنا في ذلك: إن الروايت! خ إذا أوردت إحداهما مطلقة والأخرى مقيدة فإما
أن يكونا في واقعة واحدة، أولا واقعتين، أو يكون الأمر مبهماً.
أولاً فإن كانا يخص واقعة واحدة، يجب حمل المطلق حينئذ على المقيد، وهو إطلاق وتقييد في كلام الرواة. ومثاله وإن لم يكن مت باب الأفعالى، قصة من (أفطر) في رمضان، واوجب النبي ! عليه الكفارة، ورد في رواية أخرى، أدت
(1) لم تثبت هنا الرواية، كما في نيل الأوطار 178/1 (2)1 لمسصفا 52/2
(3) المحقتاق 38 أ.
494
(1/486)
إفطاره كان (بالجماخ!. فتختص الكفارة به، ولا تجب في الإفطار بالأكل والشرب، إلا قياساً.(1/379)
ومن أمثلته أيضا عندي حديث المغيرة بن شعبة في المسح، ففي بعض رواياته: أن النبي ست مسح رأسه، وفي أخرى أنه مسح لحا العمامة؟ وفي ثالثة أنه مسح على ناصيته وعمامته (1). فإن حديث المغيرة هذا هو ما وصف به وضوء النبي ! في غزوة تبوك ذات ليلة لصلاة الصبح.
وقد قاله ابن حزم ة وبهذا تعلِّق المانعون من المسح على العمامة. قالوا:
ذكره المسح علا العمامة، هو حديث واحد مع الذي فيه ذكر الناصية والعمامة. قال ابن حزم: وهذا خطأ، لأن الوضوء/ يكن مرة واحدة منه لمجه فمن ادعى أن ذلك كله في وضوء واحدة في وقت واحد، فقد دخل تحت الكذب، والتوله بما لا يعلم. وهذا لا يحله لمسلم أأ (2).
أقول: قوله هذا مردود، وهو من تفرعاته العبودة، عفا الله عنا وعنه، فبن
سياق القصهَ يطلق عله أن الحادثة واحدة- وذلك يمنع صحة الاستدلالي بهذا الحديث على الاجتراء في الوضوء بمسح بعض الرأس، كما فعل ابن قدامة (3، أو بمسح العمامة وحدها. ولا بدّ لإثبات ذلك من أدلة أخرى غير حديث المغيرة. ثانياً: وإن كان في واقعتين لم يجب حمل المطلق عله المقيد، فإن الواقعة التي
أطلق فيها ذلئط مِحتمل أنه له فعل فيها كما فعل في الأخرى. لكن الراوي أطلق ولم يبين. ومجتمع أنه لة ترك فيها ما فعله في الثانية، فيكون ذلك من باب التعارض بين الفعل والترك، ويكون ملئه نسخاً، أو يكون الأقل واجبة والزائد مستحباً. وسيأتي في باب التعارض إن شاء الله.
(1) ذكرت الروايات الثلاث في جامع الأصولي 8/ 130 أما ذكر الرأس وحلى فعند البخارفِ ومسلم. وأما شكر العمامهّ وحدها فعند الترمذي وحده. وأما الجمع بين العمامة والخاصية فعند مسلم وأبو داود والنسائي.
(2) الإحكام 1/ 4 س لم (3) المغني 1/ 125 495
(1/487)
ولا يترجح أحد المسحين إلّا بقرينة تدل عليها
وقد يصح أن يقال: الأولى الاحتمال الثاني ليجوز كلا الأمرين، دوق الأول، لأنه يمنع الترك ويدلا على الوجوب، والأصل عدمه. والله أعلم،(1/380)
ثالثآَ: و(ن أبهم الأمر فلم يعرفه به في واقعة واحدة أو راقعتين. فالاحتمالان واردان أيضاً
وعلى هذا فإن ما عيّنه أبو شامة، مما نقلناه عنه آنفاً غير متعين. ويكلون
كلام الغزالي من أن في مسألة مسح الأذنين احتمالين، هو أصوب. وبالته التوفيق. والحاصل: أن الأخذ بالمقيْد لا إشكال فيه، وأما الأخذ بالمطلق على إطلاقه فيمتنع إن كانا في واقعة واحدة، وإلا فيحتملأ أن يصح، ومجتمع أن لا يصحح والله أعلم.
496
(1/488)
المبحث الرابع فئة التَامئي
في الحديث عن النبي له:، إنما ولأعماله بالنيات، وأنما لكل أمرع! ما
نوى"،
وقد اعتبر الفقهاء هذا الحديث إحدى القواعد الأ!حاسية للشريعة-
وتدخل النية في العبادات، وكل المباحات إذا قصد بها التقني على
طاعة الليه- والمقصود الأهتم منها في العبادات تمييز العبادة من غير العبادة، وتمييز رتب العبادات بعضها من بعض (1).
وتتميز العبادة عن غيرها باستحضار نيات مختلفة كنية التعبّد بها لفه تعالما،
ونية الإخلاص له فيها، وأية امتثال أحكامه من الوجوب والندب والإباحة- وكذلك نية التأسئي فيها بعباد الله الصالحين ممن فعلها، وخاصة نبينا محمدأ!- ثم إن كان دليل مشروعية العبادة فعله جمعه لها، فقد ذكر كثيرون من الأصوليين أن التالي لا يتحقق إلا بنية التأسي، حتي لقد جعلوا ذلك من حقيقة التأسئي. يقول أبو الحسن البصري: (التأ!يّ في الفعل أن نفعل صورة ما فعل، على الوجه الذي فعل، لأجل أنه فعلا "3)، وبعضهم عبر عن ذلك بأنه شرط. يقول القاجمما عبدالجبار: بشرط التاسيس اعتبار الفعل، واعتبار الوجه الذي عليه وقع، ولا بد مع ذلك أن يفعله من أجل أنه ! فعله ! (3).
(1) السيوطي: الأشباه والنظائر 9- 25 (2) المعتمد 373/1
(3) 1 لمغني 268/17 497
(1/489)
ومقصودهم بالفعل صورته، كصلاة مع صوم. فلا يتحقق الاقتداء بصومه يكن بفعل صلاة.(1/381)
ومقصه!م بالوجه: الأغراض في الفعل من نية حكمه، وزمانه ومكانه وسببه وغير ذلك، كما تقدم.
ومقصودهم بقولهم ة "من أجل أنه فعله ! أن المقتدي لا يحصل منه التاسيس
ما لم ينوِأنه يفعل فعله ذاك من أجل أن النبي كل فعله "،
وذكر مثل هذا الأمدفي (1) وابن تيمية (3) وغيرهما. و/ ينه كره البيضاوي في منهاجه.
وقد قال عبدالجبار في الاستدلال على ذلك: فإنه لو لم يفعل على هذا الوجه، لكنه فعله امتثالا أو لغيره من الوجوه،/ يوصف بأنه متأ!ز به 9. وقالوا: "إن الاتفاق صدفة ليس تاشيأ!.
والذي يظهر أن التاسئي يتحقق بفعل مثل ما فعله-كمم إن كان على الوجه
الذي فعله مع نية الامتثال، أفا أن ينوي أنه يفعل ذاك الشيء لأجل أنه عن فعله فلا يتعلق، فلو لم ينو ذلك، لكن نوى إخلاص العبادة دمه، أو التقرب إليه، أو امتثال أحكامه، فإن عبادته صحيحة. وكذلك لو نوى التاسئي بالنبي لمجه. فكل هذه نيات صالحة يتخفى بها المقصود ويصح بها العمل، ويثبت بها الأجر. ويحصل بها التأسيس. والله ولي التوفيق.
وأما قول عبدالجبار: أن من قصد الامتثال فقط لا يكون متأشيأ، فإنه قول
فيه نظر، لأنه إن نوى الامتثال، وكان الحكيم/ يعلم إلا من جهة فعله مجد، فإن نية التامري متضمنة، والمتضمن في الحاصل حاصل.
(1) 1 لا حكاما ا/ 245
(2) مجرمو-م الفتاوىْ 1/ 9ْ4 498
(1/490)
وقولي من قال: الاتفاق صدفة لا يكون تاسيا، هو صواب لا يرد على ما
نحن فيه، لأننا إذنمتثل حكام أفه الذي دل عليه فعل رسول الله !ك!، فليس اتفاق فعلنا وفعله صدفة. واللْه أعلم.
انتهى الجزء الأول- بحملة تعالى- وسيلي الجزء الثاف!
499
(1/491)
وقولي من قال: الاتفاق صدفة لا يكون تاسيا، هو صواب لا يرد على ما
نحن فيه، لأننا إذنمتثل حكام أفه الذي دل عليه فعل رسول الله !ك!، فليس اتفاق فعلنا وفعله صدفة. واللْه أعلم.
انتهى الجزء الأول- بحملة تعالى- وسيلي الجزء الثاف!
499
(1/492)(1/382)