وأنزل الله عليك
الكتاب والحكمة
وعلمك ما لم تكن تعلم
وكان فضل الله عليك عظيما
صدق الله العظيم
النساء : 113
الاهداء
أهدي ثمرة جهدي المتواضع هذا الى والديَّ وفاءاً لهما وبراً وتكفيراً عن تقصيري تجاههما ، اللهم تقبله مني،واجعل - بفضلك - ثوابه في ميزان حسناتهما.
رب ارحمهما كما ربياني صغيرا
جامعة صدام للعلوم الاسلامية
أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء
رسالة تقدم بها الطالب :
ماهر ياسين فحل المولى
الى مجلس قسم الفقه واصوله في جامعة صدام للعلوم الاسلامية
وهي جزء من متطلبات درجة الماجستير في العلوم الاسلامية
تخصص (فقه مقارن)
باشراف
الاستاذ الدكتور هاشم جميل عبد الله
1420هـ……………………1999م(1/1)
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا
أما بعد :
فإن الحديث و الفقه توآمان لا ينفكان ؛فان جزءاً كبيراً من الفقه انما هو ثمرة للحديث ؛ ذلك لأن الحديث النبوي الشريف أحد المراجع الرئيسة للفقه الإسلامي ؛ و من هنا كان علم الحديث رواية و دراية من أشرف العلوم و أجلها ، بل هو أجلها على الإطلاق بعد العلم بالقرآن الكريم الذي هو أصل الدين و منبع الطريق المستقيم ، فالحديث هو المصدر الثاني للتشريع الإسلامي ، بعضه يستقل بالتشريع ، و كثير منه شارح لكتاب الله تعالى مبين لما جاء فيه قال تعالى : ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم(1)) .
و مما لا خلاف فيه : ان الحديث النبوي الشريف لم يدون تدوينا رسميا في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم و لا في عهد الخلفاء الراشدين ؛لذا فقد لقي من السلف و الخلف عناية كبيرة ، و جهدا مميزا كي لا ينضاف الى قول رسول الله صلى الله عليه و سلم ما ليس منه ؛ لذلك نشأ بجانب علم الحديث رواية علم آخر يخدمه و هو ما أطلق عليه اسم : علم الحديث دراية ، و هذا الأخير تندرج تحته علوم كثيرة ، و من تلك العلوم : علم العلل ، و هذا الفرع من فروع علم الحديث جليل المقدار ؛لأنه كالميزان في رد أو قبول الأخبار و الآثار ، و معرفة هذا النوع من أدق فنون علم الحديث ، و أكثرها تشعبا .
و لم أقف على مصنف مستقل جمعت فيه جميع دقائق هذا الموضوع ؛و انما هي أبحاث في بعض جوانب الموضوع أو كتب لم تستوعب جميع موضوعات هذا العلم ، ثم هي - في الغالب- قد اقتصرت على دراسة الموضوع من ناحية فن الحديث دون ربطه بعلم الفقه بواسطة نماذج لذلك .
و قد دفعني ذلك الى التفكير في اختيار هذا الموضوع الممتع النافع المليء بالعوائد و الفوائد لطالب الحديث و الفقه . و بعد أن شجعني من استشرتهم من الأساتذة و حصلت موافقة الجامعة الموقرة عليه كان عملي فيه على النحو الآتي:
حاولت حصر ما يعد علة عند المحدثين ، و ما يشبه ذلك عند الفقهاء مما يعد وجوده
__________
(1) سورة النحل الآية 44(2/6)
مانعا من العمل به ؛ لذلك حاولت ما وسعني الجهد استقراء كلام علماء الحديث المتعلق بهذا الشأن في كتب التخريج و الشروح و العلل و الرجال ، فيسر لي ذلك الوقوف على العلل التي تعل بها الأحاديث عند المحدثين ، و درست كل علة بحد ذاتها من حيث اقوال العلماء فيها ، مع بيان ما يبدو لي أنه الراجح منها .
ثم حاولت حصر ما يشبه ذلك عند الفقهاء ، و هو ما يعده هذا الامام أو ذاك مانعاً من العمل بالحديث ؛ و ذلك لأن أثر اعلال الحديث عند المحدثين هو الامتناع عن استنباط الأحكام منه و بنائها عليه ، فاذا وجد عند الفقهاء ما يمنع من العمل بالحديث و بناء الحكم عليه فان هذا يعد علة عندهم - لأن هذا أهم أثر لإعلال الحديث- و ان كان ذلك لا يعد علة في اصطلاح المحدثين أو جمهورهم، و ذلك كـ ((اعلال الحديث لمخالفته القواعد العامة ، و اعلال الحديث لمخالفة عمل اهل المدينة ، و اعلال الحديث لمخالفته القياس ، و اعلال رواية الراوي اذا خالفت فتياه ، و نحو ذلك)) .
فهذه أعل بها بعض اهل العلم بعض الأحاديث ، و لم يعتبرها آخرون عللا ؛ لذلك ذكرتها على شكل علل و ذكرت أقوال أهل العلم و اتجاهاتهم فيها و مناقشاتهم لها .
و من هنا جاء الربط بين علم الحديث و علم الفقه و أكدت هذا الربط بأن ذكرت بتفصيل مناسب نموذجا أو أكثر أبين فيه أثر هذه العلة أو تلك في اختلاف الفقهاء .
هذا و قد اقتضت طبيعة البحث تقسيمه بعد هذه المقدمة الى أربعة فصول :
خصصت الفصل الأول منها لبيان ماهية العلة و قضايا أخرى تتعلق بها ، و قد تضمن هذا الفصل ستة مباحث :
المبحث الأول : عرفت فيه العلة في اللغة و اصطلاح المحدثين .
و المبحث الثاني : ذكرت فيه نموذجا تطبيقيا للعلة .
و المبحث الثالث : تكلمت فيه عن أهم الأسباب التي تكون الأحاديث معلة بسببها .
و تكلمت في المبحث الرابع عن أقسام العلة باعتبار محلها و قدحها .(2/7)
و في المبحث الخامس : تكلمت عن اهم الأمور التي ترفع العلة و تزيلها .
و تكلمت في المبحث السادس عن أهمية معرفة علم العلل .
أما الفصل الثاني : فقد خصصته لعلل السند .
و قد اشتمل على تمهيد و أربعة مباحث :-
تكلمت في التمهيد عن تعريف الإسناد و أهميته .
و في المبحث الأول : تكلمت عن الإنقطاع بأنواعه .
وفي المبحث الثاني : ذكرت اعلال السند بتضعيف الراوي .
و المبحث الثالث :تكلمت فيه : عن تفرد الراوي .
و في المبحث الرابع :تكلمت عن انكار الأصل رواية الفرع .
اما الفصل الثالث : فهو في علل المتن و قد تضمن سبعة مباحث :-
المبحث الأول : الاعلال بالتعارض و قد تكلمت فيه عما يبدو من تعارض ظاهر بين النصوص الشرعية .
و المبحث الثاني : الاعلال بالشك .
و المبحث الثالث :اعلال خبر الآحاد بكونه مما تعم به البلوى ، و ذكرت فيه : أقوال اهل العلم و مناقشتها .
و المبحث الرابع : في اعلال خبر الآحاد بمخالفته فتيا الصحابي الذي يرويه .
و المبحث الخامس : في اعلال خبر الآحاد بمخالفته القياس .
و المبحث السادس :في اعلال خبر الآحاد بمخالفته اجماع أهل المدينة .
و المبحث السابع : اعلال خبر الآحاد بمخالفته القواعد العامة .
و قد ذكرت آراء الفقهاء في كون هذا الأمر أو ذاك علة أو ليس بعلة ، و بينت ما يبدو لي أنه الراجح منها .
و أما الفصل الرابع : فقد خصصته للعلل المشتركة ، التي تقع في الاسناد و المتن .
و ضمنته خمسة مباحث :
المبحث الاول : الاعلال بالاضطراب و الاختلاف . و تضمن هذا المبحث مطلبين :
المطلب الأول : الاضطراب في الاسناد .
و المطلب الثاني : الاضطراب في المتن .
المبحث الثاني :الاعلال بالزيادة ، و تكلمت فيه عن زيادة الثقة و ذكرت اهم أقوال أهل العلم في قبولها و ردها ثم ذكرت الرأي المختار .
و المبحث الثالث : الاعلال بالشذوذ .
و المبحث الرابع : الاعلال بالادراج .
و المبحث الخامس : الاعلال بالخطأ و ما أشبهه .(2/8)
و قد مثلت لما ذكرته من علل و بينت أثر كل علة في اختلاف الفقهاء ، و خرجت الأحاديث الواردة في الرسالة و ذلك بالرجوع الى كتب الحديث المعتمدة عند المحدثين ، و أطلت التخريج في كثير من المواضع ؛ لأن موضوع العلل يستدعي ذلك ؛ فان العلة لا تعرف الا بجمع طرق الحديث من مظانها .
و قد عزوت أحاديث صحيح البخاري في الجزء و الصفحة لطبعة دار الفكر التي تقع في ثلاثة مجلدات بتسعة أجزاء ، و هي الطبعة المصورة عن الطبعة الأميرية ، ثم اعقبت الجزء و الصفحة برقم الحديث من فتح الباري بترقيم الاستاذ محمد فؤاد عبد الباقي ، و ذلك لتداول هاتين الطبعتين في أيدي أهل العلم .
و كذلك صنعت عند العزو لصحيح مسلم فقد عزوت الى الجزء و الصفحة من الطبعة الاستانبولية ، ثم اعقبت ذلك بالرقم من طبعة الاستاذ محمد فؤاد عبد الباقي ؛ و ذلك لأن هاتين الطبعتين أكثر تداولا .
اما أحاديث سنن ابي داود و ابن ماجه و الترمذي فقد ذكرت الجزء و الصفحة و رقم الحديث ، و قد رتبت الكتب عند التخريج على وفيات المؤلفين .
و قد حاولت بيان درجة الأحاديث الواردة في الرسالة مهتديا بأقوال الأئمة السابقين و مستعينا بقواعد الحديث التي وضعها الائمة الاعلام .
وقد ترجمت للاعلام التي دار عليها الاسناد في هامش الرسالة و من ذكر في الحديث زيادة أو اخطأ في الحديث أما بقية الاعلام فقد عملت لها تراجم و ضمنتها ملحقا في آخر الرسالة .
أما الخاتمة فقد ضمنتها أهم النتائج .(2/9)
بعد هذا العرض أرى من الواجب علي ان اعبر بالثناء الجميل عما يكنه صدري من عرفان بالفضل لكل من مد اليَّ يد العون أثناء اعداد هذه الرسالة سواء بارشاد او هداية لمصدر أو تشجيع أو دعاء . و أخص بالذكر استاذي الذي أشرف على اعداد هذه الرسالة شيخي العلامة المحقق الامام الدكتور هاشم جميل. فقد خصني بالكثير من الجهد و الوقت ، و أمدني بتوجيه متواصل ، و لا أملك شيئا يوازي فضله هذا الا الدعاء له بالعافية و العمر المديد و العطاء الدائم في الخير وأن يكمل الله تعالى له طريق الوصول الى مرضاته ، و يجزل له المثوبة .
كما أتوجه بالشكر الجزيل الى اساتذتي الأفاضل الذين تفضلوا بقبول مناقشة هذه الرسالة و تقويمها ، و شرفوني بالنظر فيها ، فجزاهم الله تعالى عني خير الجزاء .
و ختاما فإن هذا هو جهدي المتواضع الذي ارجو من الله تعالى له القبول ، فقد بذلت فيه ما وسعني من جهد ، فان وفقت فيه فلله تعالى الفضل و المنه ، و ان كان غير ذلك فحسبي أني حاولت الوصول الى خدمة هذا الدين عن طريق الربط بين الفقه الاسلامي و بين علم من أهم علوم الحديث النبوي الشريف ، و الرب سبحانه و تعالى يثيب على القصد و يعفو عن الخطأ . فأسأله سبحانه و تعالى ان يجنبنا الزلل و يرشدنا الى الصواب و يوفقنا الى ما يحبه و يرضاه .
و الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ، و على آله و صحبه ، و التابعين لهم باحسان الى يوم الدين .
Conclusion
A suitable lexical definition adopted by the narrators to identify the word "cause" or "reason" is ailment because any hadith being explicitly sound might be refuted.(2/10)
Unimously the cause is considered as an implicit factor . The narrators refer to the cause and admit that no cause otherwise is observed can be considered as a clear-cut restriction to define the sound hadith (Al-sahih). Thus they include the "cause" to refer to the idiomatic meaning . It is the actual , critical cause . In criticizing the hadith , they use the "cause" to refer to the reason of AL-hadith ailment,explicit or implicit, critical or not which has its counterpart by the narrators .
The cause is defined idiomatically by following all the methods and by comparing AL-hadith contents and its series of narrators .
To spot out any defect in weak hadith needs precise approach parallel to the efforts exerted in evaluating the geniune hadith .
Singularity is not a cause by itself but might be a cause of certain effect . it helps in outlining the cause and underline the mistakes .
The fake like the coordinators, the deserted and the charged don't need any follow-up procedures because their singularity is enough to convict them.
If a weak hadith is accepted by the scientists (Scholars) , it is a ccepted and followed without changing its identify , i . e . , into sound hadith .
This field of knowledge is like a scale to indicate the right from the wrong and the true from the fals .
Some hadiths can be crossed by acquentence .
Suspicion is not a cause in hadith but the scholars may check a word or term .
Enhancement of confidence is acceptable unless proved otherwise.(2/11)
The causes in the content is the outcome of the scientists' conditions.Most of them are due to justification. It means that some of them depend on the cross reference basis rather than the singularity basis especially if the singularity depends on the problem or contradicts with a hadith narrated by a companion. Or,some scientists believe in depending on general rules or the behaviour of AL- Madina citizen on rather than singularity .
Thus,it is very important to encourage all studies which link different fields of AL- hadith sciences to jurisdication and its sources .Then, may Allah prays on his prophet Mohammed and on his relatives and companions.(2/12)
الفصل الأول : ماهية العلة و قضايا أخرى تتعلق بها
و فيه ستة مباحث
المبحث الأول : تعريف العلة .
المبحث الثاني : نموذج تطبيقي للعلة .
المبحث الثالث : أسباب العلة.
المبحث الرابع : أقسام العلة باعتبار محلها و قدحها .
المبحث الخامس : ما تزول به العلة .
المبحث السادس : أهمية معرفة العلة .
المبحث الأول : تعريف العلة
وفيه مطلبان :
1- المطلب الأول : تعريف العلة لغة .
2- المطلب الثاني : تعريف العلة اصطلاحا .
المطلب الأول : تعريف العلة لغة
عل - بلام مشددة مفتوحة -: متعد و لازم ، نقول فيهما : عل يعل - بضم العين و كسرها - و مصدرهما: علا .
و أعله الله : أي : أصابه بعلة .
و العلة : المرض ، و حدث يشغل صاحبه عن وجهه ، كأن تلك العلة صارت شغلا ثانيا منعه من شغله الأول .
و علله بالشي تعليلا ، أي: لهاه به كما يعلل الصبي بشيء من الطعام عن اللبن (1)
قال ابن فارس : ((عل : أصول ثلاثة صحيحة :
أحدها : تكرار أو تكرير ، و الثاني عائق يعوق ، و الثالث : ضعف في الشيء :
فالأول العلل و هو الشربة الثانية ، و يقال علل بعد نهل و يقال أعل القوم اذا شربت ابلهم عللا.
قال ابن الأعرابي في المثل : ما زيارتك ايانا الا سوم عالة أي : مثل الابل التي تعل .و انما قيل هذا لأنها اذا كرر عليها الشرب كان أقل كشربها الثاني.
و الثاني :العائق يعوق ؛ قال الخليل : العلة حدث يشغل صاحبه عن وجهه ، و يقال : اعتله كذا أي اعتاقه ، قال : فأعتله الدهر و للدهر علل.
و الثالث : العلة المرض، وصاحبها معتل، قال ابن الاعرابي : عل المريض يعل فهو عليل ))(2)
و المعل : اسم مفعول من أعله : أنزل به علة فهو معل ، يقولون : لا أعلك الله أي لا أصابك بعلة ، و الحديث الذي اكتشفت فيه علة قادحة هو معل لأنه ظهر أنه مصاب بتلك العلة (3).
__________
(1) مختار الصحاح : 451
(2) معجم مقاييس اللغة : 4/13-15 .
(3) لسان العرب مادة ((علل)) .(3/1)
و بهذا يتضح أن أقرب المعاني اللغوية لمعنى العلة في اصطلاح المحدثين هو : المرض ؛ و ذلك لأن الحديث الذي ظاهره الصحة اذا أكتشف الناقد فيه علة قادحة فان ذلك يمنع من الحكم بصحته.
و قد أطلق بعض العلماء على الحديث ((المعل)) اسم : الحديث ((المعلول)) و أطلق بعضهم عليه اسم الحديث: ((المعلل)).
و قد أعترض النووي على تسميته بـ((المعلول)) و قال : ((هو لحن)).(1)
و ذلك لأنه مأخوذ من : أعله : يعله ، فاسم المفعول منه : معل . مثل : أضره يضره ، فاسم المفعول منه : مضر(2) .
و قد اعترض السيوطي على التسميتين ؛ فأيد النووي في قوله : ان التسمية بـ (المعلول)) لحن ، و قال: لأن اسم المفعول من أعل الرباعي لا يأتي على مفعول .
ثم اعترض على التسمية بـ ((معلل)) فقال : الأجود فيه ((معل)) بلام واحدة ؛ لأنه مفعول أعله قياسا ، و اما((معلل)) فمفعول علل ؛ و هو لغة بمعنى : ألهاه بالشيء و شغله ، و ليس هذا الفعل بمستعمل في كلامهم (3).
المطلب الثاني : تعريف العلة اصطلاحا
عرفها الحافظ ابن الصلاح بقوله ((هي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه)) (4) .
و عرفها النووي بقوله: ((عبارة عن سبب غامض قادح مع أن الظاهر السلامة منه ))(5) .
و بهذا يتضح لنا أن العلة شيء خارج عن الجروح الموجهة الى رجال الاسناد ؛ و ذلك لأن ميدان التعليل انما هو الأحاديث التي ظاهرها الصحة ، و لذلك يقول الحاكم : ((و انما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل ))(6).
__________
(1) التقريب مع التدريب 1/251 .
(2) شرح البيقونية في مصطلح الحديث لابن عثيمين 115 .
(3) تدريب الراوي 1/251 , قال العراقي في شرح التبصرة 1/225 : ((والأجود في تسمية المعل))
(4) علوم الحديث ص81 .
(5) التقريب مع التدريب 1/252 .
(6) معرفة علوم الحديث ص112 .(3/2)
و يقول ابن الصلاح : ((المعلل ، هو الذي أطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منها ، و يتطرق ذلك الى الاسناد الذي رجاله ثقات الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر )). (1)
و كل من جاء بعد ابن الصلاح و عرف المعل اشترط فيه خفاء العلة و كونها قادحة : كالطيبي (2) و العراقي(3) والسيوطي (4) و أبي الفيض محمد بن محمد بن علي بن فارس (5) و غيرهم.
لكننا مع ذلك نجد بعض العلماء يطلق العلة و يريد بها ما هو أعم من ذلك ؛ حيث يدخل فيها العلة الظاهرة ، و العلة غير الظاهرة ؛ فهذا الحافظ ابن الصلاح يقول : ((ثم اعلم انه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة الى حال الضعف المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة ؛ و كذلك تجد في كتب العلل الكثير من الجرح بالكذب و الغفلة و سوء الحفظ و نحو ذلك من أنواع الجرح ، و سمى الترمذي النسخ علة(6) من علل الحديث ثم ان بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف نحو ارسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط ))(7) .
و قال الحافظ ابن حجر: ((و العلة أعم من أن تكون قادحة أو غير قادحة خفية أو واضحة))(8) .
__________
(1) علوم الحديث ص81 .
(2) الخلاصة ص70 .
(3) شرح التبصرة 1/226
(4) التدريب 1/252 .
(5) جواهر الأصول ص48
(6) و كذلك ابن أبي حاتم كما يعلم ذلك من صنيعه في علله . أنظر حديث رقم (114) و (246) و لم يرتض العراقي هذا الاطلاق ؛ و ذلك أن الترمذي ان أراد النسخ علة في العمل فهو كلام صحيح مقبول أما ان أراد انه علة تقدح في صحة الحديث أو في صحة نقله ذلك غير مقبول لأن في كتب الصحيح احاديث كثيرة صحيحة منسوخة. انظر شرح التبصرة و التذكرة 1/239 .
(7) علوم الحديث ص84 .
(8) النكت 2/771 .(3/3)
و قد ذكر الصنعاني ما يدل على أن تقييد العلة بكونها خفية قادحة هو عنده قيد أغلبي ، حيث قال : ((و كأن هذا التعريف أغلبي للعلة ، و الا فانه سيأتي أنهم يعللون بأشياء ظاهرة غير خفية و لا غامضة)) (1) .
أقول :
ومن ينظر في كتب الشروح و التخريج و العلل يجد اطلاق لفظ العلة و المعلول و المعل على كثير من الأحاديث التي فيها جرح ظاهر و قد قمت باستقراء كتاب علل ابن ابي حاتم و أشرت على الأحاديث التي أعلت بالجرح الظاهر فوجدتها كثيرة العدد يزيد مجموعها عن مائتين و سبع و أربعين حديثا فقد أعل بالانقطاع سبعة وعشرين حديثا ، هي الأحاديث التالية : (( 23 ، 24 ، 26 ، 57 ، 74 ، 87 ، 108 ، 119 ، 127 ، 132 ، 140،143 ، 164 ، 214 ، 550 ، 594 ، 622 ، 724 ، 753 ، 765 ، 903 ، 905 ، 1220 ، 1259 ، 1352 ، 1357 ، 1371 ).
__________
(1) توضيح الأفكار 2/27 .(3/4)
و قد أعل بضعف الراوي مائة و ثلاثة و أربعين حديثا هي : (36 ، 53 ، 73 ، 97 ، 98، 99 ، 100 ، 102 ، 105 ، 106 ، 109 ، 112 ، 113 ، 125 ، 137 ، 146 ، 151، 176 ، 200 ، 208 ، 217 ، 250 ، 281 ، 285 ، 309 ، 321 ، 324، 336 ،361 ، 382 ، 421 ، 449 ، 500 ، 507 ، 515 ، 548 ، 561 ، 565 ،609 ، 641 ،645 ، 727، 735 ، 743 ، 757 ، 766 ، 783 ، 854 ، 855 ، 899، 906 ، 911، 954 ، 959 ، 988 ، 1053 ، 1061 ، 1095 ، 1156 ، 1189 ،1208 ، 1228، 1235 ، 1241 ، 1270 ، 1285 ، 1300 ، 1446 ، 1473 ، 1496 ،1505 ، 1515،1516، 1529 ، 1575 ، 1629 ، 1637 ، 1657 ، 1733 ، 1738 ،1764 ، 1814 ، 1848 ، 1852 ، 1859 ، 1860 ، 1892 ، 1922 ، 1924 ، 1936 ، 1978 ، 1998 ، 2016 ، 2017 ، 2031 ، 2035 ، 2047 ، 2087 ، 2101 ، 2108 ، 2130 ، 2142 ، 2178 ، 2213 ، 2235 ، 2247 ، 2250 ، 2259 ، 2270 ، 2279 ، 2292 ، 2293 ، 2308 ، 2346 ، 2352 ، 2364 ، 2367 ، 2385 ، 2400 ، 2405 ، 2435 ، 2441 ، 2458 ، 2460 ، 2463 ، 2473 ، 2475 ، 2479 ، 2480 ، 2490 ، 2533 ، 2541 ، 2551 ، 2581 ، 2616 ، 2643 ، 2663 ، 2724 ، 2759 ، 2763 ، 2800 ، 2811 ، 2818 )) .
و قد أعل بالجهالة ثمانية و ستين حديثا هي : ( 89 ، 129 ، 149 ، 180 ، 314 ، 342 ، 345 ، 356 ، 417 ، 441 ، 459 ، 476 ، 701 ، 839 ، 1059 ، 1070 ، 1071 ، 1088 ، 1108 ، 1124 ، 1152 ، 1257 ، 1262 ، 1311 ، 1346 ، 1484 ، 1485 ، 1487 ، 1556 ، 1579 ، 1581 ، 1638 ، 1689 ، 1711 ، 1714 ، 1760 ، 1798 ، 1812 ، 1829 ، 1831 ، 1832 ، 1838 ، 1866 ، 1878 ، 1882 ، 1889 ، 1966 ، 2009 ، 2014 ، 2151 ، 2179 ، 2207 ، 2286 ، 2321 ، 2333 ، 2349 ، 2354 ، 2382 ، 2383 ، 2443 ، 2451 ، 2477 ، 2591 ، 2597 ، 2618 ، 2670 ، 2678 ، 2735) .
و قد أعل بالاختلاط خمسة أحاديث هي : (279 ، 465 ، 569 ، 1233 ، 2220) .(3/5)
و قد أعل بالتدليس أربعة أحاديث هي : (2119 ، 2255 ، 2275 ، 2579) .
و كذلك نجد في كلام كثير من جهابذة العلم اطلاق العلة على الجرح الظاهر كما في نصب الراية للزيلعي ، الجزء الثالث ص 85 و 239 و 358 و 370 و 287 و 431 . و الجزء الرابع ص 47 .
و في كلام ابن القيم كما في زاد المعاد 1 /177 و 244 .
و كذلك وقع في كلام الحافظ ابن حجر : اعلال بعض الأحاديث بالعلة الظاهرة كما في التلخيص الحبير ج1/25 و 62 و 67 و 88 و ج2/47 ، و فتح الباري ج1 /83 و ج2/446 و أنظر سبل السلام 1/69 و 72 و 75 .
و قد أشرت فيما سبق الى أن الصنعاني قد عد تقييد العلة في التعريف بكونها خفية قادحة قيدا أغلبيا .. و قد قال الحافظ ابن حجر (1) ((ان الضعف في الراوي علة في الخبر و الانقطاع في الاستاد علة في الخبر ، و عنعنة المدلس علة في الخبر و جهالة حال الراوي علة في الخبر)) . وفي حوار مع استاذي العلامة الدكتور هاشم جميل قد تنبهت الى امر آخر ، وهو : ان المحدثين اذا تكلموا عن العلة باعتبار ان خلو الحديث منها يعد قيدا لا بد منه لتعريف الحديث الصحيح .فانهم في هذه الحالة يطلقون العلة و يريدون بها المعنى الاصطلاحي الخاص ، و هو : السبب الخفي القادح . و اذا تكلموا في نقد الحديث بشكل عام فانهم في هذه الحالة يطلقون العلة و يريدون بها : السبب الذي يعل الحديث به : سواء كان خفيا أو ظاهرا قادحا أو غير قادح .
و هذا توجد له نظائر عند المحدثين ، منها : المنقطع(2) : فهو بالمعنى الخاص : ما حصل في اسناده انقطاع في موضع أو في أكثر من موضع لا على التوالي .
هذا المصطلح نفسه يستعمله المحدثون أيضا استعمالا عاما فيريدون : كل ما حصل فيه انقطاع في أي موضع في السند كان ، فيشمل :
المعلق(3) ، و هو : الذي حصل فيه انقطاع في اول السند.
__________
(1) النكت 1/407
(2) أنظر تعريفه علوم الحديث ص51 و ما بعدها .
(3) أنظر تعريفه علوم الحديث ص20 .(3/6)
و المرسل(1) ، و هو : الذي حصل فيه انقطاع في آخر السند.
و المعضل(2) ، و هو : الذي حصل فيه انقطاع في أثناء السند باثنين فأكثر على التوالي . و يشمل أيضا المنقطع بالمعنى الخاص الذي ذكرناه (3) .
و هكذا نرى أن مصطلح المنقطع يستعمله المحدثون استعمالا خاصا في المنقطع الاصطلاحي ، و يستعملونه استعمالا عاما في كل ما حصل فيه انقطاع فيشمل المنقطع الاصطلاحي ، و المعلق ، و المرسل ، و المعضل . و على هذا المنوال جرى استعمالهم لمصطلح العلة ؛ فهم يستعملونه بالمعنى الاصطلاحي الخاص ، وهو : السبب الخفي القادح ، و يستعملونه استعمالا عاما ، و يريدون به : كل ما يعل الحديث به فيشمل العلة بالمعنى الاصطلاحي ، و العلة الظاهرة ، و العلة غير القادحة .
__________
(1) أنظر تعريفه علوم الحديث ص47 .
(2) أنظر تعريفه علوم الحديث ص54 .
(3) أنظر التدريب 1/207 و ما بعدها , شرح البيقونية في مصطلح الحديث 98. و كذلك المرسل يستعملونه استعمالا عاما في كل انقطاع في السند و يستعملونه استعمالا خاصا و يريدون به ما أضافه التابعي الى النبي صلى الله عليه و سلم .(3/7)
المبحث الثاني : نموذج تطبيقي للعلة
قد أشرت فيما سبق : الى أن المعنى الاصطلاحي الخاص للعلة انما يشمل العلة القادحة الخفية التي يكون الظاهر السلامة منها . و هذه تختص برواية الثقات . أما العلة بالمعنى الأعم فانها تتعلق بالرواية عموما ، سواء أكان الراوي ثقة أم ضعيفا و سواء كذلك أكان الوهم بالاسناد أو بالمتن و من الملاحظ : أن الخطأ في رواية الثقة أشد غموضا من الخطأ في رواية الضعيف لأن الأصل في رواية الثقة الصواب و الخطأ طاريء - فالقلب من حيث الأساس - مطمئن الى رواية الثقة . و ليس كذلك رواية الضعيف ، فالقلب غير مطمئن اساسا اليها فالأصل الحكم عليها بالخطأ و الصواب طاريء : و مع ذلك فان معرفة الخطأ في رواية الضعيف ليس بالأمر السهل و ذلك لأن الحكم عليه بالضعف أساسا يحتاج الى متابعة روايته و مقارنتها برواية الثقات ، فان كثرت مخالفته لهم حكم بضعفه . و أيضا فان الضعف درجات ؛ و الضعف في الراوي اذا لم يكن شديدا فان بالامكان الاستفادة من بعض أحاديثه ، و ذلك لأن خطأ الضعيف غير مقطوع به ، و انما قد يصيب و قد يخطيء ؛ كذلك من الضروري أن نعرف : بأن معنى قولهم فلان ضعيف أنه اذا تفرد بشيء عن شيخه لا يحتج به لغلبة احتمال الخطأ عليه و عدم اطمئنان القلب اليه و ليس معنى هذا أن كل ما يرويه ضعيف و أنه مخطيء في كل ما يرويه ؛ لذلك فان من أحاديثه ما يصح و ما يضعف و يعرف الخطأ و الصواب بالبحث و الموازنة .(3/8)
و هذا يفهم من صنيع الشيخين حيث رويا عن جماعة ممن خف ضبطهم لأنهما علما أن هذه الأحاديث قد صحت(1)، و ذلك بالموازنة و المقارنة مع أحاديث غيرهم من الثقات ، فلما توبعوا على أحاديثهم ، و تبين لصاحب الصحيح صحتها أخرجها في المتابعات مقرونة باحاديث الثقات .
و قد يخرج له صاحب الصحيح اذا قامت قرينة أو أحاط روايته ظرف يرجح صحتها : كعناية الراوي الخفيف الضبط برواية شيخ معين أو ملازمته له ، فيخرج صاحب الصحيح روايته عن ذلك الشيخ في الأصول و ليس في المتابعات فقط. و هذا يحتاج الى جهد كبير ، و تمييز دقيق بين الأحاديث ليستفاد مما يصح منها .
و من أبرز النماذج الدالة على ذلك كله : حماد بن سلمة :
فهو حماد بن سلمة بن دينار البصري ؛ ثقة له أوهام .
قال أحمد : هو أعلم الناس بحديث خاله حميد الطويل . و قال ابن معين : هو أعلم الناس بثابت - يعني ثابت البناني(2).
و قال الحافظ في التقريب : ثقة عابد ، أثبت الناس في ثابت - تغير حفظه بأخرة(3) .
اذن فحماد بن سلمة في أول أمره ثقة له أوهام ؛ و هذا التعبير يشير الى خفة في الضبط لكن خفة الضبط تنجبر بطول الملازمة للشيخ و شدة العناية بحديثه . و حماد كما ذكرنا - كثير الملازمة لثابت البناني ، شديد العناية بحديثه ، اذن فما حدث به حماد قبل - اختلاطه- عن ثابت يعد من الحديث الصحيح . و حديثه عن غيره من قبيل الحسن . ثم تغير حماد لما كبر فساء حفظه . فكان حديثه في هذه المرحلة ضعيفا .
اذا عرفنا هذا لننظر ماذا فعل الشيخان بحديث حماد بن سلمة :
__________
(1) أنظر كلام الحافظ ابن حجر في هدي الساري حول انتقاء الشيخين الصفحات التالية ((338 و 406 و 414 و 424 و 442 و 444 و 449)) . و أنظر نصب الراية 1/341 , و صيانة صحيح مسلم ص94 , و العواصم و القواصم ج3/96 و ما بعدها و شرح صحيح مسلم للنووي 1/18 , و التنكيل ج1/77 .
(2) تهذيب التهذيب 3/11 و ما بعدها , الميزان 1/590 و ما بعدها .
(3) التقريب 1/197 .(3/9)
أما البخاري فقد أخرج له في التأريخ ، لكن ترك الحديث عنه في الصحيح .
و أما مسلم فقد غربل حديثه ، و ميز منه أحاديث حدث بها قبل الاختلاط ،
ثم قسم هذه الأحاديث الى قسمين :
القسم الأول : الأحاديث التي حدث بها حماد عن ثابت ، و هذه أخرجها مسلم في الصحيح أصولا محتجاً بها .
القسم الثاني : الأحاديث التي حدث بها عن غير ثابت - و هذه لم يخرجها مسلم في الأصول. و انما أخرجها في الشواهد.
يقول الذهبي : احتج مسلم بحماد بن سلمة في أحاديث عدة في الأصول . و تحايده البخاري .
و يوضح ما أجمله الذهبي هنا كلام نقله الحافظ ابن حجر عن البيهقي يتحدث فيه عن حماد بن سلمة ، قال البيهقي : ((أحد أئمة المسلمين الا أنه لما كبر ساء حفظه فلذا تركه البخاري ، و أما مسلم فاجتهد و اخرج من حديثه عن ثابت ما سمع قبل تغيره ، و ما سوى حديثه عن ثابت - لا يبلغ اثني عشر حديثا- أخرجها في الشواهد))(1)
__________
(1) ميزان الاعتدال 1/590 وما بعدها ، تقريب التهذيب 1/197، تهذيب التهذيب 3/11، الكواكب النيرات 460.(3/10)
وكذلك اسماعيل بن أبي أويس فهو صدوق أخطأ في أحاديث من حفظه(1) ، فقد روى عنه الشيخان مما علما أنه لم يخطيء فيه و احتجا به الا أنهما لم يكثرا من تخريج حديثه و لم يخرج له البخاري مما تفرد به سوى حديثين مما علم أنه قد حفظه ، و أما مسلم فقد أخرج عنه أقل مما أخرج البخاري ، و غالب رواية البخاري عنه في أحاديث موطأ مالك فهو عالم بأمره اذ أنه ابن أخت الامام مالك و هو متابع فيما رواه عن مالك حيث أن رواة الموطأ كثيرون (2) و موطأ مالك عند البخاري عن جماعة من الرواة. و قال الحافظ ابن حجر: ((و روينا في مناقب البخاري بسند صحيح أن اسماعيل أخرج له أصوله و أذن له أن ينتقي منهاو أن يعلم له ما يحدث به ليحدث به و يعرض عما سواه و هو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه لأنه كتب من أصوله ))(3)
بعد هذا نذكر نموذجا لما أعل بوهم الثقة فيه ؛ و هو النموذج الآتي :
__________
(1) تقريب التهذيب 1/71
(2) وقد عد الاستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف في مقدمته لموطأ مالك رواية محمد بن الحسن الشيباني ص 16-19 النسخ المشهورة للموطأ فبلغت ستة عشر نسخة
(3) هدي الساري 390 وانظر تهذيب التهذيب 1/310 وما بعدها ونصب الراية 1/341 وما بعدها.(3/11)
روى شعبة بن الحجاج ، عن سلمة بن كهيل ، عن حجر أبي العنبس ، عن علقمة بن وائل أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ: ((غير المغضوب عليهم و لا الضالين، فقال : آمين ، و خفض بها صوته ))(1)
قال أبو عيسى الترمذي : ((و سمعت محمداً يقول : حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا ؛ و أخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث : فقال: عن حجر أبي العنبس و انما هو حجر بن عنبس و يكنى أبا السكن . و زاد فيه: عن علقمة بن وائل و ليس فيه عن علقمة ، و انما هو عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر . و قال : و خفض بها صوته ، و انما هو : و مد بها صوته )) .
__________
(1) هذه الراوية ذكرها الترمذي 2/28 تعليقا , و رواه موصولا من حديث سفيان عن سلمة برقم ((248)) , و قد أخرجه الدار قطني 1/334 و قال : ((كذا قال شعبة و أخفى بها صوته و يقال أنه وهم فيه لأن سفيان الثوري و محمد بن سلمة بن كهيل و غيرهما رووه عن سلمة فقالوا : رفع صوته بآمين و هو الصواب)) . و قال الحافظ في التلخيص 1/252 (( و قد رجحت رواية سفيان بمتابعة اثنين له بخلاف شعبة فلذلك جزم النقاد بأن روايته أصح)) و قد أخرجه أحمد 4/316 , و الدار مي 1/284 , و أبو داود (932) , و النسائي 2/245 , و البيهقي 2/57 , و الدار قطني 1/334 من طريق سفيان . و أخرجه ابن أبي شيبة 1/299 , و أبو داود (933) , و الترمذي (249) من طريق العلاء بن صالح , و الطبراني 22/113 من طريق محمد بن سلمة ؛ ثلاثتهم عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل و لفظ رواية سفيان (( يمد بها صوته)) و عند أبي داود و الطبراني ((يرفع بها صوته)) و لفظ العلاء بن صالح((فجهر بآمين)) . و قد صححه ابن حجر في التلخيص 1/252 .(3/12)
قال أبو عيسى : (( و سألت أبا زرعة عن هذا الحديث فقال حديث سفيان في هذا أصح من حديث شعبة قال و روى العلاء بن صالح الأسدي عن سلمة بن كهيل نحو رواية سفيان )) . ثم ساق الترمذي متابعة العلاء لسفيان(1) فهذا مثال الحديث المعل بالمعنى الاصطلاحي الخاص، و ذلك لأن الذي ينظر الى رواية شعبة بن الحجاج رحمه الله لا يظن أن فيها علة لأنها رواية جاءت بسند متصل برواية الثقات المعروفين لا سيما و هو من رواية شعبة المعروف بالتشدد في رواية الأحاديث النبوية لكن عرفت علته بجمع الطرق و الموازنة و النظر الدقيق في أسانيده و متونه .
بعد هذا أذكر نموذجا آخر للحديث المعل بخطأ الراوي الضعيف ، و هذا بناء على المعنى العام للعلة و هو النموذج الآتي:
روى ابن أبي ليلى(2) ، عن سلمة بن كهيل ، عن حجية بن عدي ، عن علي أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول : ((آمين حين يفرغ من قراءة فاتحة الكتاب)) .
قال أبو حاتم الرازي : ((هذا خطأ عندي انما هو سلمة عن حجر أبي العنبس عن وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه و سلم))(3) .
فقد روى ابن أبي ليلى هذا الحديث و محمد بن أبي ليلى ضعيف لسوء حفظه ، و قد أخطأ في الاسناد و بين ابن أبي حاتم هذا الخطأ .
المبحث الثالث : أسباب العلة
أذكر هنا أسباب العلة بالمعنى العام الذي أشرت اليه فيما سبق ، و قد حصر بعض الباحثين أسباب العلة في سبعة رئيسة (4) ، و يبدو لي أنها يمكن أن تصل الى تسعة أسباب . أذكرها بايجاز فيما يأتي :
أولا : السبب العام : (5)
__________
(1) برقم (249) .
(2) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي القاضي أبو عبد الرحمن , صدوق سيء الحفظ جدا . تقريب التهذيب 2/184 , تهذيب التهذيب 9/301 .
(3) علل الحديث ج1/93 رقم 251 .
(4) الدكتور همام عبد الرحيم في دراسته على شرح علل الترمذي ج1/93-119.
(5) شرح علل الترمذي قسم الدراسة ج1/93 .(3/13)
و هو الضعف البشري الذي لا يكاد يخلو منه انسان و أن دخول الخطأ و النسيان و الوهم على الجنس البشري مما علم بالضرورة فالوهم لا يخلو منه حتى كبار الأئمة الضابطين، و هذا واضح لنا من تعريف الحديث الصحيح (1) : (فهو الذي رواه عدل تام الضبط عن مثله الى منتهاه متصل السند ، و لا يكون شاذا و لا معللا ) . فاشتراطنا لصحة الحديث عدم الشذوذ و العلة يدل على أن الرواة التامي الضبط يدخل في حديثهم الشذوذ و العلة ، و لذا يقول الامام أحمد : (2) (( و من يعرى من الخطأ و التصحيف ؟)) .
و يقول الامام مسلم : (3) (فليس من ناقل خبر و حامل أثر من السلف الماضين الى زماننا وان كانوا من أحفظ الناس و أشدهم توقيا و اتقانا لما يحفظ و ينقل – الا الغلط و السهو ممكن في حفظه و نقله) .
و قال ابن معين : (4) (( و لست اعجب ممن يحدث فيخطيء انما أعجب ممن يحدث فيصيب))
ثانيا : خفة الضبط و كثرة الوهم : (5)
__________
(1) أنظر تعريف الحديث الصحيح: علوم الحديث ص6 , التقريب مع التدريب 1/63 , اختصار علوم الحديث ص 21
(2) علوم الحديث 252 .
(3) التمييز ص124 .
(4) شرح العلل 1/436 .
(5) شرح العلل قسم الدراسة 1/98 .(3/14)
حيث أن كثيرا من الرواة مع صدقهم و ثبوت عدالتهم كانوا كثيري الخطأ و الوهم ، لكن ذلك ليس الغالب على حديثم و هؤلاء الذين كثر غلطهم في حديثهم مقبول عند أئمة الحديث كما صنع الامام مسلم (1) ، و لكن ليس معنى ذلك ان حديثهم كله مقبول دون تمييز بل كان للأحاديث الصحيحة نصيب (2) من حديثهم مما ترجح فيه للناقد - على ما ذكرناه آنفا- أن الراوي هنا قد ضبط و حفظ حديثه ، و لكتب العلل نصيب آخر مما تترجح للناقد أن فيه خطأً و وهما ، و من هؤلاء الرواة . محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، و عبد الرحمن بن حرملة ، و شريك بن عبد الله النخعي قاضي الكوفة ، و أبو بكر بن عياش ، و الربيع بن صبيح ، و مبارك بن فضالة ، و سهيل بن أبي صالح ، و غيرهم كما ذكره ابن رجب (3) .
ثالثا : الاختلاط : (4)
و هو آفة عقلية تورث فسادا في الادراك ، و تصيب الانسان في آخر عمره ، أو تعرض له بسبب حادث : لفقد عزيز أو ضياع مال ؛ و من تصبه هذه الآفة لكبر سنه يقال فيه اختلط بأخرة (5)
__________
(1) حيث أخرج لأصحاب الطبقة الثانية كما أشار في مقدمة كتابه 1/38-39 شرح النووي، تدريب الراوي 1/92 .
(2) كما أشرت اليه في انتقاء الشيخين لأحاديث من كان في حفظهم شيء , و انظر التنكيل ج1/77 .
(3) شرح العلل ج1/403-425 .
(4) شرح العلل قسم الدراسة ج1/102 .
(5) لسان العرب مادة ((خلط))(3/15)
فالاختلاط قد يطرأ على كثير من رواة الحديث النبوي مما يؤثر على روايته فتصبح فيهاعلة ، و معرفة المختلطين من غيرهم أمر شاق على علماء العلل ، فكان المحدثون يسمعون الحديث من الراوي مرارا حتى يعرفوا أنه خلط فيه أم لا ، قال حماد بن زيد : (ما أبالي من خالفني اذا وافقني شعبة لأن شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث مرة واحدة يعاود صاحبه مرارا (1) ) . و مما يذكر في معاودة الراوي و السماع منه ما حصل لمروان بن الحكم : انه استدعى ابا هريرة رضي الله عنه واجلس كاتبه ابا الزعيزعة خلف السرير دون أن يعلم أبو هريرة ، و جعل يسأله و أبو الزعيزعة يكتب ، فلما حال الحول دعى مروان أبا هريرة و أجلس أبا الزعيزعة من وراء حجاب و جعل يسأله عما سأله عنه سابقا من ذلك الكتاب ، فأجاب دون تقديم و لا تأخير )(2) .
و أحيانا كان الناقد يدخل على الراوي ليختبره فيقلب عليه الأسانيد و المتون ، و يلقنه ما ليس من روايته ، فان لم ينتبه الشيخ لما يراد به فانه يعد مختلطا و يعزف الناس من الرواية عنه (3) . قال الدكتور همام عبد الرحيم(4) : (و لكن بصيرة الناقد و يقظة المجتمع ليس لهما تلك القدرة التي تحدد ساعات بدء الاختلاط ، اذ الاختلاط حالة عقلية تبدأ خفية ثم يتعاظم أمرها بالتدريج ، و بين الخفاء و الظهور يكون المختلط قد روى أحاديث تناقلها الثقات عن الثقات و ما دروا أنهم أخذوها عن الثقة و لكن في اختلاطه) .
و هكذا تدخل العلة في الحديث النبوي بسبب اختلاط بعض الرواة لكن العلماء عالجوا هذه القضية بواسطة الرواة عن المختلطين ، و قسموهم الى أربعة أقسام :
1- الذين رووا عن المختلط قبل اختلاطه .
__________
(1) الجرح و التعديل 1/168 .
(2) مقدمة التمييز ص41، سير أعلام النبلاء 2/598 و المستدرك 3/510 قال الشيخ شعيب– في تعليقه على السير- : ((أبو الزعيزعة لا يعرف)).
(3) أنظر المثال على ذلك في المحدث الفاصل 398-399 .
(4) شرح علل الترمذي قسم الدراسة 1/105 .(3/16)
2- الذين رووا عنه بعد اختلاطه .
3- الذين رووا عنه قبل الاختلاط و بعده و لم يميزوا هذا من هذا .
4- الذين رووا عنه قبل اختلاطه و بعده و ميزوا هذا من هذا .
فمن روى عن المختلط قبل الاختلاط قبلت روايته عنه و من روى عنه قبل الاختلاط و بعده و ميز ما سمع قبل الاختلاط و لم يقبل ما سمع بعد الاختلاط ، و من لم يميز حديثه أو سمع بعد الاختلاط لم تقبل روايته (1) .
رابعا : خفة الضبط بالأسباب العارضة : (2)
قد يكون المحدث ضابطا لروايته ثم تعرض عليه أمور طارئة تجعل الوهن في ضبطه فتدخل العلة في حديثه ، و من هذه الأمور الطارئة .
أ- ضياع الكتب ، فقد يعتمد الراوي في ضبطه على كتبه ، فاذا ضاعت كتبه و حدث مما علق بذهنه دخلت العلة في حديثه كما حصل لهشيم بن بشير فقد كتب صحيفة بمكة عن الزهري ، فجاءت الريح فحملت الصحيفة فطرحتها فلم يجدها (3) ، و كذلك علي بن مسهر الكوفي (4)
ب- احتراق الكتب- و قد يعتمد الراوي على كتبه ثم تحترق فيحدث من حفظه فتدخل العلة في ذلك ، و ممن احترقت كتبه فحدث من حفظه بعدها عبد الله بن لهيعة (5) .
__________
(1) أنظر العواصم و القواصم لابن الوزير 3/101-102 .
(2) شرح العلل قسم الدراسة 1/107 .
(3) تهذيب التهذيب 11/60 .
(4) وفي تهذيب التهذيب 7/384 ((قال العجلي صاحب سنة ثقة في الحديث صالح الكتاب كثير الرواية عن الكوفيين , و قال أبو عبد الله يعني أحمد بن حنبل لما سأل عنه لا أدري كيف أقول كان قد ذهب بصره فكان يحدثهم من حفظه)) .
(5) تهذيب التهذيب 5/373-379 .(3/17)
ج - من لم يصحب كتابه معه و حدث من حفظه - كذلك بعض الرواة اصطحبوا كتبهم في أماكن و حدثوا منها فلم يخطئوا و حدثوا في أماكن عند غياب كتبهم فأخطأوا كمعمر بن راشد قال يعقوب بن شيبة : (سماع اهل البصرة من معمر حين قدم عليهم فيه اضطراب لأن كتبه لم تكن معه) (1) .
د- الانشغال عن العلم من أسباب خفة الضبط فقد ضعفت روايات بعض المحدثين لانشغالهم عن العلم حفظا و كتابة بالقضاء كشريك بن عبد الله النخعي حيث ولي قضاء واسط سنة 155 هـ – قال عنه الحافظ في التقريب (2) : ((تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة)) .
و – فقدان البصر فقد كان بعض الثقات يعتمد على كتبه فلما ذهب بصره حدث من حفظه فدخل الوهم في حديثه بعد ذلك ، كعبد الرزاق بن همام الصنعاني مع أنه من رجال هذا الميدان قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب (3) : ((عمي آخر عمره فتغير)) .
خامسا : قصر الصحبة : (4)
قصر الصحبة للشيخ و قلة ممارسته لحديثه ، و هذه في الأصل ليست علة تعل بها الأحاديث لكن العلماء أعطوها أهمية كبيرة لأنه يستفاد من ذلك في ترجيح رواية على أخرى عند الاختلاف ؛ لأن من طالت صحبته لشيخه و كثرت ممارسته لحديثه يكون أتقن لحديث شيخه و تترجح روايته عمن قصرت صحبته لهذا الشيخ (5) .
سادسا : اختصار الحديث أو روايته بالمعنى : (6)
__________
(1) شرح علل الترمذي 2/767 . و انظر ميزان الاعتدال 4/154 و التقريب 2/266 و تهذيب التهذيب 5/373-379 .
(2) 1/351 . و أنظر الميزان 2/270 و تهذيب التهذيب 4/333 .
(3) 1/505 . و أنظر الميزان 2/609 و تهذيب التهذيب 6/310 .
(4) شرح العلل قسم الدراسة 1/113 .
(5) انظر على سبيل المثال علل ابن أبي حاتم رقم (2024) و (1647) .
(6) شرح العلل قسم الدراسة 1/116 .(3/18)
اختلف العلماء سلفا و خلفا في حكمه : فذهبت طائفة الى منع رواية الحديث بالمعنى ، و ذهبت أخرى الى جواز ذلك في غير حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و ذهب الجمهور الى تجويزها بالمعنى في الجميع ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم و ما روي عن غيره اذا قطع بالمعنى و كان عارفا بالمعاني و دقائق الألفاظ (1) .
و قد يروي أحد الرواة الحديث بالمعنى بصورة تخل بالمعنى و تذهب المقصود فتكون علة في الحديث . كما في الحديث الذي روي من طريق ابن أبي ذئب قال : حدثني صالح مولى التوآمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه)) (2) .
و قد جاء في بعض النسخ و الكتب ((فلا شيء له))(3) . و هذا من تصرف الرواة بالمعنى (4) .
سابعا : تدليس الثقات : (5)
__________
(1) المحدث الفاصل ص533 , الكفاية 168 , المستصفى 1/107 , التمهيد 1/234 و 6/63 , شرح السنة 1/238 , توجيه النظر 298 , أعلام المحدثين ص42 .
(2) أخرجه أبو داود (3191) , و ابن ماجه(1517) , و أحمد 2/444 و 455 و 502 , و البيهقي 4/51 و سنده قوي لأن ابن أبي ذئب سمع من صالح قبل الاختلاط . و ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن ابن المغيرة ثقة فاضل كما في التقريب 2/184 و صالح بن نبهان مولى التوآمة صدوق اختلط بأخرة , قال ابن عدي : لا بأس برواية القدماء كابن ابي ذئب و ابن جريج . و أنظر الميزان 2/303 و تهذيب التهذيب 4/405 , و تهذيب الكمال 13/102 و ما بعدها .
(3) كما في زاد المعاد 1/500 و عون المعبود 3/182 و مصنف عبد الرزاق 3/527 حديث (6579) و سنن أبي داود قال المزي في تحفة الاشراف 10 / حديث (13503) قال في رواية يحيى: (...... فلا شيء له)) .
(4) كما ذكره الشيخ محمد عوامة عن الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي . أنظر أثر الحديث في اختلاف الفقهاء ص30 .
(5) شرح العلل قسم الدراسة 1/118 .(3/19)
أن التدليس يكون أحيانا سببا من أسباب العلة ، و التدليس أنواع كثيرة . أشهرها تدليس الأسناد ، وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه (1) .
و تدليس الشيوخ و هو : أن يسمي شيخه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف (2) .
و كلا النوعين يكون أحيانا سببا في اعلال الحديث ، فقد يكشف الأئمة النقاد عن سقوط رجل في الاسناد أسقطه المدلس و يكون هذا الساقط ضعيفا كما في تدليس الاسناد أو يكنيه بكنية غير الكنية التي اشتهر بها . أو يسمى من اشتهر بكنيته . أو يكني من اشتهر باسمه ، أو يصفه بصفة غير الصفة التي اشتهر بها مما يوهم أنه رجل آخر و هذا هو تدليس الشيوخ.(3)
ثامنا : الانقطاع في السند أو الطعن في أحد رجال الأسناد عدالة أو ضبطا :
و هذا حسب ما ذكرت سابقا : من أن المراد هنا المعنى العام للعلة فهي لذلك تشمل القادح : الظاهر منه و الخفي .
تاسعا : التفرد :
و التفرد بحد ذاته ليس علة في الخبر ، و انما يكون أحيانا سببا من أسباب العلة ، اذا لم يكن الراوي مبرزا في الحفظ ، فالتفرد قد يلقي الضوء على وجود العلة و سوف يأتي لذلك مزيد بيان ان شاء الله تعالى .
المبحث الرابع : أقسام العلة باعتبار محلها وقدحها
العلة تكون أحيانا في الأسناد ، و تكون أحيانا في المتن ، فاذا وقعت العلة في الأسناد : فاما تقدح في السند فقط أو فيه و في المتن أو لا تقدح مطلقا . و هكذا اذا وقعت العلة في المتن ، فعلى هذا يكون للعلة خمسة أقسام (4) نشير اليها فيما يأتي :
1- تقع العلة في الأسناد و لا تقدح مطلقا
__________
(1) علوم الحديث ص66 .
(2) علوم الحديث ص66 .
(3) و في تهذيب التهذيب 7/225 (ان عطية العوفي كان يأتي الكلبي و يسأله عن التفسير و كان يكنيه بأبي سعيد) . و أنظر علوم الحديث ص291 , و اختصار علوم الحديث ص209 .
(4) النكت 2/747 , توضيح الأفكار 2/31-32 , مقدمة علل الدار قطني 1/39 , مقدمة البحر الزخار 1/19 .(3/20)
مثاله :- ما رواه المدلس بالعنعنة ، فهذا يوجب التوقف عن قبوله ، فاذا وجد من طريق آخر قد صرح فيها بالسماع تبين أن العلة غير قادحة . (1)
2- تقع العلة في الأسناد و تقدح فيه دون المتن
مثاله :- ما رواه يعلى بن عبيد الطنافسي ، عن الثوري ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه و سلم : ((البيعان بالخيار))(2) فغلط يعلى في قوله : عمرو بن دينار ، انما هو عبد الله بن دينار كما رواه الأئمة المتقنون من أصحاب سفيان الثوري مثل: الفضل بن دكين ، و محمد بن يوسف الفريابي، ومخلد بن يزيد ، و غيرهم(3) .
3- تقع العلة في الأسناد و تقدح فيه و في المتن معا
و ذلك كأن يوجد في الحديث ارسال أو وقف ، أو ابدال راو ضعيف براو ثقة .
مثال ذلك : - ما وقع لأبي أسامة - حماد بن أسامة الكوفي ، و هو ثقة (4) - في روايته عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر - و هو من ثقات الشاميين (5) -قدم عبد الرحمن الكوفة فكتب عنه أهلها ، و لم يسمع منه أبو أسامة ، ثم قدم بعد ذلك الكوفة عبد الرحمن بن يزيد بن تميم - و هو من ضعفاء الشاميين (6) - فسمع منه أبو أسامة ، و سأله عن اسمه فقال : عبد الرحمن بن يزيد ، فظن أبو أسامة أنه ابن جابر فصار يحدث عنه و ينسبه من قبل نفسه فيقول :
__________
(1) النكت 2/747 , مقدمة علل الدار قطني 1/40 , مقدمة البحر الزخار 1/19 .
(2) أنظر تفصيل الروايات و الطرق في جامع الأصول 1/574 حديث (407) , و تلخيص الحبير 3/20 , و مسند أبي يعلى 10/192-193 ، واتحاف المهرة 8/528 حديث (9890) , و المسند الجامع 10/439 حديث (7730) .
(3) علوم الحديث للحاكم 82-83 , و تدريب الراوي 1/254 , مقدمة علل الدار قطني 1/40 , مقدمة البحر الزخار 1/19 .
(4) تقريب التهذيب 1/195 .
(5) تقريب التهذيب 1/502 .
(6) تقريب التهذيب 1/502 .(3/21)
حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، فوقعت المناكير في رواية أبي أسامة عن ابن جابر ، و لم يفطن الا أهل النقد فميزوا ذلك و نصوا عليه كالبخاري ، و أبي حاتم ، و غير واحد(1) .
4- تقع العلة في المتن و لا تقدح فيه و لا في الأسناد
مثاله : - كل ما وقع من اختلاف ألفاظ كثيرة من أحاديث الصحيحين اذا أمكن الجمع رد الجميع الى معنى واحد فان القدح ينتفي عنهما (2) .
5- تقع العلة في المتن و تقدح فيه دون الأسناد
مثاله :- ما انفرد مسلم (3) باخراجه في حديث أنس رضي الله عنه من اللفظ المصرح بنفي قراءة ((بسم الله الرحمن الرحيم)) ، فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأوا الأكثرين انما قالوا فيه : ((فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين)) من غير تعرض لذكر البسملة و هو الذي اتفق البخاري (4) و مسلم(5) على اخراجه ، و رأوا أن من رواه باللفظ المذكور رواه بالمعنى الذي وقع له ففهم من قوله : ((كانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين)) أنهم كانوا لا يبسملون فرواه على فهم و أخطأ فيه ؛ لأن معناه أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور هي الفاتحة ، و ليس فيها تعرض لذكر البسملة(6)
__________
(1) النكت 2/748 , توضيح الأفكار 2/32 , مقدمة العلل 1/41 , مقدمة البحر الزخار 1/19 .
(2) النكت 2/748 , توضيح الأفكار 2/32 , مقدمة العلل 1/41 / مقدمة البحر الزخار 1/19 .
(3) الجامع الصحيح 2/12 رقم (399) كتاب الصلاة , باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة.
(4) صحيح البخاري 1/189 رقم (743) كتاب الصلاة , باب ما يقول بعد التكبير .
(5) صحيح مسلم 2/12 رقم (399) كتاب الصلاة , باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة .
(6) علوم الحديث للحاكم ص83 , النكت 2/748 , الباعث الحثيث ص67 , مقدمة علل الدار قطني 1/42 , مقدمة البحر الزخار 1/20.(3/22)
المبحث الخامس : ما تزول به العلة
أشرت فيما سبق الى أن العلة ظاهرة و خفية :
فالعلة الظاهرة قد تزول بالمتابعات (1) و الشواهد(2) ، و يكون ذلك بالاعتبار(3) و سبر الطرق ، و قد تزول العلة بتلقي أهل العلم للحديث فيقبل الحديث و يزول أثر العلة . أما العلل الخفية فلا تزول ، و هي على نوعين :
أحدهما :- ما سببه المخالفة ، فالراجحة محفوظة أو معروفة و المرجوحة شاذة أو منكرة .
و ثانيهما : أحاديث أعلت باسباب أخرى غير المخالفة : كمعارضة القرآن ، أو نص صحيح متواتر أو تأريخ مجمع عليه فهذه لا تزول(4) ، و يبقى الحديث معلا .
__________
(1) المتابع : هو الحديث المشارك لحديث آخر في اللفظ و المعنى مع الاتحاد في الصحابي فان كانت المشاركة من أول السند تسمى متابعة تامة و ان كانت المشاركة لا من أول السند تسمى متابعة قاصرة , أنظر ضوء القمر ص39 , و قارن باختصار علوم الحديث ص59 و الخلاصة 57-58 و النكت 2/682 .
(2) الشاهد : هو الحديث المشارك لحديث آخر في اللفظ و المعنى مع عدم الاتحاد في الصحابي أنظر ضوء القمر ص39 , و قارن باختصار علوم الحديث ص59 و الخلاصة 57-58 و النكت 2/682 .
(3) الاعتبار : هو أن يعمد الناقد الى حديث بعض الرواة فيعتبره بروايات غيره من الرواة بسبر طرق الحديث و ذلك بالتتبع و الاختبار و النظر في المسانيد و الجوامع و المعاجم و غيرها ليعلم هل هنالك للحديث متابع أو شاهد أم لا . تدريب الراوي 1/202 , ضوء القمر ص39 .
(4) كما في حديث الوضوء بالنبيذ عند الترمذي ج1/147 حديث ((88)) .(3/23)
فالعلل الظاهرة و هي التي سببها انقطاع في السند ، أو ضعف في الراوي ، أو تدليس ، أو اختلاط تتفاوت ما بين الضعف الشديد و الضعف اليسير ، فما كان يسيرا زال بمجيئه من طريق آخر مثله أو أحسن منه ، و ما كان ضعفه شديدا فلا تنفعه كثرة الطرق ، و بيان ذلك : أن ما كان ضعفه بسوء الحفظ أو اختلاط أو تدليس أو انقطاع يسير ، فالضعف هنا يزول بالمتابعات و الطرق، و ما كان انقطاعه شديدا أو قدح في عدالة الراوي فلا يزول ، قال الحافظ ابن الصلاح رحمه الله تعالى(1) : ((لعل الباحث الفهم يقول انا نجد أحاديث محكوما بضعفها مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة مثل : ((الأذنان من الرأس))(2) و نحوه ، فهلا جعلتم ذلك و أمثاله من نوع الحسن ، لأن بعض ذلك عضد بعضه بعضا كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفا ؟ و جواب ذلك : أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه ، بل ذلك يتفاوت فمنه ما يزيله ذلك ؛ بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه و لم يختل فيه ضبطه له ، و كذلك اذا كان ضعفه من حيث الارسال زال بنحو ذلك ، كما في المرسل الذي يرسله امام حافظ؛ اذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر ، و من ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف و تقاعد الجابر عن جبره و مقاومته ذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذا ، و هذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة و البحث فاعلم ذلك فانه من النفائس العزيزة)) .
__________
(1) علوم الحديث ص30 .
(2) بل هو قوي , أخرجه أحمد 5/268 , و ابن ماجه (444) , و الدار قطني 1/103 و ذكر طرقه الزيلعي في نصب الراية 1/18 , و قد جمع الحافظ ابن حجر طرقه و أشار الى تقويته معقبا على تضعيف ابن الصلاح للحديث . النكت 1/410-415 .(3/24)
و قال الحافظ ابن كثير(1) : ((لا يلزم من ورود الحديث من وجوه متعددة أن يكون حسنا؛ لأن الضعف يتفاوت : فمنه ما لا يزول بالمتابعات ، و منه ضعف يزول بالمتابعة ، كما اذا كان راويه سيئ الحفظ أو روى الحديث مرسلا فان المتابعة تنفع حينئذ فيرفع الحديث عن حضيض الضعف الى أوج الحسن أو الصحة )) .
من هذا يتبين لنا أن الأحاديث الشديدة الضعف اذا كثرت و تعددت تبقى ضعيفة و لا ترتقي الى درجة القبول .
و قد ذكر السيوطي عن الحافظ ابن حجر أن شديد الضعف بكثرة الطرق ربما يرتقي بمجموع طرقه عن كونه منكرا أو لا أصل له الى درجة المستور السيء الحفظ(2) .
و قد مشى الحافظ ابن حجر رحمه الله على هذه القاعدة في بعض تحقيقاته لبعض الأحاديث كما صنع في قصة الغرانيق(3) حيث قال(4) : ( و كلها سوى طريق سعيد بن جبير اما ضعيف و اما منقطع و لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا)) .
و قد أصل السيوطي لها فقال في ألفيته(5) :
ضعفا لسوء الحفظ أو ارسال أو……تدليس أو جهالة اذا رأوا
مجيئه من جهة أخرى و ما……كان لفسق أو يرى متهما
يرقى عن الانكار بالتعدد……بل ربما يصير كالذي بدي
__________
(1) اختصار علوم الحديث ص40 .
(2) تدريب الراوي 1/177 .
(3) قال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على جامع الترمذي 2/465 : ((و هي قصة باطلة مردودة كما قال القاضي عياض و النووي رحمه الله و قد جاءت باسانيد باطلة ضعيفة أو مرسلة ليس لها اسناد متصل صحيح و قد أشار الحافظ في الفتح الى أسانيدها و لكنه حاول أن يدعي ان للقصة أصلا لتعدد طرقها و ان كانت مرسلة أو واهية و قد أخطأ في ذلك خطأ لا نرضاه له و لكل عالم زلة و عفا الله عنه)) .
(4) فتح الباري 8/354-355 .
(5) ألفية الحديث للسيوطي بشرح أحمد شاكر ص15 .(3/25)
و قد تعقب العلامة أحمد شاكر هذا بقوله(1) : (و أما اذا كان ضعف الحديث لفسق الراوي أو اتهامه بالكذب ثم جاء من طرق اخرى من هذا النوع فانه لا يرقى الى الحسن بل يزداد ضعفا الى ضعف ، اذ أن تفرد المتهمين بالكذب أو المجروحين في عدالتهم بحديث لا يرويه غيرهم يرجح عند الباحث المحقق التهمة و يؤيد ضعف رواياتهم ، و بذلك يتبين خطأ المؤلف و خطؤه في كثير من كتبه(2) في الحكم على أحاديث ضعاف بالترقي الى الحسن مع هذه العلة القوية ) .
و هذا هو الحق الذي لا مرية فيه ، فان الضعفاء قد يسرق بعضهم من بعض و يشتهرعندهم فقط ، و لا نجده في روايات الثقات الأثبات مما لا يزيد الضعيف الا ضعفا على ضعف .
و قال ابن جماعة(3) : (و الضعف لكذب راويه و فسقه فلا ينجبر بتعدد طرقه).
و قال الجرجاني(4) : (و أما الضعيف لكذب راويه و فسقه لا ينجبر بتعدد طرقه كما في حديث : ((طلب العلم فريضة))(5) قال البيهقي : هذا حديث مشهور بين الناس و اسناده ضعيف و قد روي من أوجه كثيرة كلها ضعيفة) .
__________
(1) شرح الألفية ص15 . و له نحوه في الباعث الحثيث ص40 فأنظره فإنه من النفائس .
(2) كدفاعه عن كثير من الأحاديث الواهية في اللآليء المصنوعة لكثرة طرقها الواهية , أنظر على سبيل المثال ج1/4 و 11 و 12 و 15 و 18 و 24 و 31 و 34 و 43 و غيرها . و كما يعلم ذلك من تسويده كتابه الجامع الصغير بالأحاديث الضعيفة و الواهية و تقويتها . أنظر انتقاد المناوي عليه في فيض القدير ج1 الأرقام الآتية 53 و 62 و 202 و 231 و 486 و 507 و 581 و 668 و 696 و 728 و 840 و 847 و 871 و 919 و 924 و 926 و 934 و 950 و 960 و 1006 و 1017 و 1018 و 1032 و 1060 و 1071 و غيرها أضعافا كثيرة .
(3) المنهل الروي ص37 .
(4) رسالة في علوم الحديث للجرجاني ص76 .
(5) بل هو حسن كما نص عليه المزي فيما نقله السخاوي في المقاصد ص424 . و قد جمع السيوطي طرقه في جزء لطيف بلغت خمسين طريقا .(3/26)
أما تلقي العلماء لحديث بالقبول فهو من الأمور التي تزول به العلة و تخرج الحديث من حيز الرد الى العمل بمقتضاه ، بل ذهب بعض العلماء الى أن له حكم الصحة ؛ قال الحافظ ابن حجر(1) : (( و جزم القاضي أبو نصر عبد الوهاب المالكي في كتاب الملخص بالصحة فيما اذا تلقوه بالقبول)) .
و قال ابن عبد البر(2) في الاستذكار -لما حكى عن الترمذي أن البخاري صحح حديث البحر: ((هو الطهور ماؤه)) (3) - : و أهل الحديث لا يصححون مثل اسناده لكن الحديث عندي صحيح لأن العلماء تلقوه بالقبول ).
و في التمهيد(4) (روى جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم : الدينار أربع و عشرون قيراطا).
قال ((و في قبول جماعة من العلماء و اجماع الناس على معناه غنى عن اسناده))
و قال الزركشي(5) : ((ان الحديث الضعيف اذا تلقته الأمة بالقبول عمل به على الصحيح حتى أنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع))
__________
(1) النكت 1/373 .
(2) تدريب الراوي 1/67 أوجز المسالك 1/72 و هي في التمهيد 5/218 و 219 ولم اجد هذا النص في الاستذكار.
(3) سيأتي تخريجه .
(4) ج 20 /145-146 و نقله عنه السيوطي في التدريب 1/67 و الكاندهلوي في أوجز المسالك 1/72 .
(5) في نكته على ابن الصلاح 2/497 نقلا عن مناهج المحدثين 22 .(3/27)
و عند الحنفية يعدون الضعيف اذا تلقاه العلماء بالقبول في حيز المتواتر كما نص عليه الجصاص(1) فقد قال عند الكلام على حديث : ((طلاق الأمة تطليقتان و عدتها حيضتان))(2) : (( و قد تقدم سنده و قد استعملت الأمة هذين الحديثين في نقصان العدة و ان كان وروده من طريق الآحاد فصار في حيز المتواتر لأن ما تلقاه الناس بالقبول من أخبار الآحاد فهو عندنا في معنى المتواتر لما بيناه في مواقع )) .
و الذي يبدو لي أن الشافعي رحمه الله تعالى هو أول من أشار الى تقوية الضعيف بتلقي العلماء فقد قال(3) : ((فاستدللنا بما و صفت من نقل عامة أهل المغازي عن النبي صلى الله عليه و سلم أن ((لا وصية لوارث )) (4) على أن المواريث ناسخة للوصية للوالدين و الزوجة مع الخبر المنقطع و اجماع العامة على القول به)) .
ثم ان الامام الشافعي قد أشار الى ذلك عند كلامه عن شروط قبول المرسل فقال : ((و كذلك ان وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روي عنهم عن النبي صلى الله عليه و سلم)).
__________
(1) احكام القرآن 1/386
(2) أخرجه أبو داود (2189) , و الترمذي (1182) , و ابن ماجه (2080) و الحاكم 2/502 , و البيهقي 7/370 و فيه مظاهر بن أسلم المخزومي المدني ضعيف من السادسة كما في التقريب ج2/255 .
(3) الرسالة ص142 .
(4) يبدو أن الحديث لم يصل الى الشافعي الا بسند ضعيف و الا فهو حديث صحيح ثابت متصل أخرجه الترمذي ((2121)) و قال: "حسن صحيح" , و أخرجه النسائي 6/247 , و قد بوب له البخاري في صحيحه 4/4(3/28)
و ربما التمس الترمذي ذلك من كلام الشافعي فأخذ يقول في كثير من الأحاديث الضعيفة(1) الاسناد من حيث الصناعة الحديثية ((و عليه العمل عند أهل العلم)) مشيرا في ذلك -و الله أعلم- الى تقوية الحديث عند أهل العلم لأن عملهم بمقتضاه يدل على اشتهار أصله عندهم . و قد يلتمس هذا من صنيع البخاري رحمه الله فقد قال في كتاب الوصايا من صحيحه(2) : ((و يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية)) . و قد علق على ذلك الحافظ ابن حجر قائلا(3) : ((و كأن البخاري اعتمد عليه لاعتضاده بالاتفاق على مقتضاه ، و الا فلم تجر عادته أن يورد الضعيف في مقام الاحتجاج)) .
و قال ابن الوزير(4) : (( و قد احتج العلماء على صحة أحاديث بتلقي الأمة لها بالقبول)) و قال الحافظ ابن حجر(5) : (من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا أن يتفق العلماء على العمل بمدلول حديث ، فانه يقبل حتى يجب العمل به ، و قد صرح بذلك جماعة من أئمة الأصول ، و من أمثلته قول الشافعي رضي الله عنه : و ما قلت من أنه اذا غير طعم الماء و ريحه و لونه يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله ، و لكنه قول العامة لا أعلم بينهم خلافا . و قال في حديث: (( لا وصية لوارث)) لا يثبته أهل العلم بالحديث و لكن العامة تلقته بالقبول و عملوا به حتى جعلوه ناسخا لآية الوصية)) .
أقول :
__________
(1) و كما في الاحاديث التالية :37 و54 و 113و 188و198 و 199و282 و288 و 345 و 359و 364 و 408 و 411 و 509 و 513 و 591 و 625 و 638 و 720 و 846 و 1117 و 1142 و 1182 و 1450 و 1460 و 1462 و 1467 و 2109 و 2112 و 2113 و 2122 )) .
(2) 4/6 و الحديث و صله أحمد رقم (595) , و الترمذي (2122) , و ابن ماجه (2715) و فيه الحارث الأعور كذبه الشعبي و رمي بالرفض و في حديثه ضعف كما في التقريب 1/141 .
(3) الفتح 5/377 .
(4) العواصم و القواصم 2/397 .
(5) النكت 1/494-495 .(3/29)
فالشافعي رحمه الله تعالى يشير بذلك الى حديث أبي سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه و سلم قال : ((الماء طهور لا ينجسه شيء)). أخرجه أحمد(1)، و أبو داود(2) ،و الترمذي(3) ، و النسائي(4) . و قد صححه أحمد بن حنبل و يحيى بن معين و ابن حزم(5) .
و قد جاء هذا الحديث من طريق ضعيف عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه و سلم ((الماء لا ينجسه شيء الا ما غلب على ريحه و طعمه و لونه))(6) . فزيادة قوله : ((الا ما غلب على ريحه ... الخ)) ضعيفة لأنها من طريق رشدين بن سعد(7) و هو رجل صالح لكن أدركته غفلة فخلط في حديثه
فالشافعي رحمه الله تعالى يشير الى هذه الزيادة ، فهو قد احتج بها مع ضعفها ؛ لأن الأمة تلقتها بالقبول : حيث لاخلاف بين العلماء أن الماء اذا غيرته النجاسة تنجس .
أما حديث الوصية فقد أشرت آنفا الى أنه ثابت و لم يصل للشافعي الا بطريق ضعيف.
و قال الكمال بن الهمام(8) : ((و مما يصحح الحديث أيضا : عمل العلماء على و فقه)) .
و قال السيوطي في التعقبات على الموضوعات(9) - بعد أن ذكر حديث حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر)) - أخرجه الترمذي و قال : العمل على هذا عند أهل العلم ؛ فأشار بذلك الى أن الحديث أعتضد بقول أهل العلم ، و قد صرح غير واحد بأن من دليل صحة الحديث قول أهل العلم به و ان لم يكن له اسناد يعتمد على مثله)) .
__________
(1) في مسنده 3/31 و 86 .
(2) في سنة (66) و (67).
(3) في جامعة (66) .
(4) في المجتبى 1/174.
(5) التلخيص الحبير 1/24 .
(6) أخرجه ابن ماجه (521) .
(7) قال الحافظ في التلخيص 1/26 : (فيه رشدين بن سعد و هو متروك) .
(8) فتح القدير 3/143 .
(9) ص12 .(3/30)
و اكتفي بما نقلته من نصوص عن الأئمة في هذه المسألة و لكن يبدو لي من كلام الامام الشافعي رحمه الله تعالى : أنه ينبغي التفريق بين الحكم بصحة الحديث و بين قبوله و العمل به ؛ و ذلك أن التصحيح على مقتضى الصناعة الحديثية شيء و قبول الحديث شيء آخر ، فاذا وجد حديث مثل هذا فهو مقبول يعمل به لكنه لا يسمى صحيحا و رحم الله الحافظ ابن حجر حيث قال(1) : ((لأن اتفاقهم على تلقي خبر غير ما في الصحيحين بالقبول و لو كان سنده ضعيفا يوجب العمل بمدلوله)) فقد أشار رحمه الله الى العمل و لم يتكلم عن الصحة الاصطلاحية ، و من دقق النظر في كلام الشافعي السابق ذكره يجده ينحو نحو هذا الاتجاه .
المبحث السادس : أهمية علل الحديث
اذا كان كل علم يشرف بمدى نفعه فان علم علل الحديث لذلك يعد من أشرف العلوم ؛ لأنه من أكثرها نفعا فهو نوع من أجل أنواع علم الحديث و فن من أهم فنونه ، و رحم الله الامام النووي حيث قال : ( ومن أهم أنواع العلوم تحقيق الأحاديث النبويات ، أعني : معرفة متونها صحيحها و حسنها و ضعيفها ، متصلها و مرسلها و منقطعها و معضلها و مقلوبها ، و مشهورها و غريبها و عزيزها ومتواترها و آحادها و أفرادها ، معروفها و شاذها و منكرها و معللها و موضوعها و مدرجها و ناسخها و منسوخها))(2) .
__________
(1) النكت 1/372 .
(2) مقدمة شرحه لصحيح مسلم 1/2 .(3/31)
فعلماء الحديث قد اهتموا بالحديث النبوي الشريف عموما لأنه المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم ، و قد اهتموا ببيان علل الأحاديث النبوية من حيث الخصوص لأن بمعرفة العلل يعرف كلام النبي صلى الله عليه و سلم من غيره و صحيح الحديث من ضعيفه و صوابه من خطئه ؛ قيل لعبد الله بن المبارك(1) : هذه الأحاديث الموضوعة ؟ قال: ((تعيش لها الجهابذة))(2).
__________
(1) هو عبد الله بن المبارك المروزي ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد جمعت فيه صفات الخير . تقريب التهذيب 1/445 .
(2) رواه عنه بسنده ابن الجوزي في مقدمة الموضوعات 1/46، و نقله المعلمي اليماني في التنكيل 1/49 .(3/32)
و قد ذكر الحاكم : أن معرفة علل الحديث علم برأسه غير معرفة السقيم و الجرح و التعديل(1) . و علم العلل ممتد من مرحلة النقد الحديثي الذي ابتدأت بواكيره على يدي كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، حيث كان أبو بكر الصديق و عمر الفاروق رضي الله عنهما يحتاطان(2) في قبول الأخبار و يطلبان الشهادة على الحديث أحيانا من أجل تمييز الخطأ و الوهم في الحديث النبوي ، ثٍم اهتم العلماء به من بعد لئلا ينسب خطأ الى السنة المطهرة شيء ليس منها . فعلم العلل له مزية خاصة فهو كالميزان لبيان الخطأ و الصواب و الصحيح من المعوج ، و قد اعتنى به أهل العلم قديما و حديثا ؛ و لا يزال الباحثون يحققون و ينشرون لنا الثروة العظيمة التي دونها لنا أولئك الأئمة العظام كعلي بن المديني ، و أحمد و البخاري ، و الترمذي ، و ابن أبي حاتم و الدار قطني و غيرهم(3) . و ما ذلك الا لأهمية هذا الفن . و لأهمية هذا العلم نجد أن بعض جهابذة العلماء يصرح بأن معرفة العلل عنده مقدم على مجرد الرواية يقول عبد الرحمن بن مهدي : ((لان أعرف علة حديث واحد أحب الي من أن أستفيد عشرة أحاديث))(4) .
__________
(1) معرفة علوم الحديث ص112 .
(2) في احتياط الصحابة , أنظر السنة و مكانتها في التشريع الاسلامي لمصطفى السباعي ص75 , و كان علي بن أبي طالب يستحلف الراوي أحيانا , فقد روى الامام أحمد في مسنده حديث ,رقم (2) عن علي قال : (كنت اذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثا نفعني الله بما شاء منه و اذا حدثني عنه غيري استحلفته)) قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب 1/267- 268 : ((هذا حديث جيد الاسناد)).
(3) أنظر ماكتبه شيخنا الأستاذ صبحي السامرائي في مقدمته لشرح علل الترمذي لابن رجب ص18-20 في الكتب المؤلفة في العلل و ما طبع منها .
(4) علل الحديث لابن أبي حاتم 1/9 , و قد نقله الحاكم في معرفة علوم الحديث ص112 , و ابن رجب في شرح العلل 1/470 .(3/33)
و يزيد هذا العلم أهمية أنه من أشد العلوم غموضا ، فلا يدركه الا من رزق سعة الرواية ، و كان مع ذلك حاد الذهن ثاقب الفهم دقيق النظر ، واسع المران .
قال أحمد بن صالح المصري(1) : ((معرفة الحديث بمنزلة الذهب و الشبه فان الجوهر انما يعرفه أهله ، و ليس للبصير فيه حجة اذا قيل له: كيف قلت: ان هذا الجيد و الرديء))(2) لذلك فان وجود العارفين في فن العلل بين العلماء عزيز ؛ قال ابن رجب : ((و قد ذكرنا فيما تقدم في كتاب العلم شرف علم العلل و عزته ، و أن أهله المحققين به أفراد يسيرة من بين الحفاظ و أهل الحديث ، و قد قال أبو عبد الله بن مندة (3) الحافظ : انما خص الله بمعرفة هذه الأخبار نفرا يسيرا من كثير ممن يدعي علم الحديث))(4)
و قال الحافظ ابن حجر: ((المعلل من أغمض أنواع الحديث و أدقها مسلكا ، و لا يقوم بها الا من رزقه الله تعالى فهما ثاقبا و حفظا واسعا و معرفة تامة بمراتب الرواة و ملكة قوية بالأسانيد و المتون ، و لهذا لم يتكلم فيه الا القليل من أهل هذا الشأن : كعلي بن المديني ، و أحمد بن حنبل ، و البخاري ، و يعقوب بن أبي شيبة ، وأبي حاتم ، و أبي زرعة ، و الدار قطني ))(5)
__________
(1) أحمد بن صالح المصري أبو جعفر المعروف بابن الطبري ثقة حافظ ، تهذيب التهذيب 1/49، تقريب التهذيب : 1/16.
(2) الجرح و التعديل 2/96 .
(3) أبو عبدالله بن مندة الحافظ هو محمد بن يحيى بن ابراهيم بن الوليد ابن مندة المتوفي 301 , تذكرة الحفاظ ص741 , و طبقات الحفاظ ص313 .
(4) شرح علل الترمذي 1/339-340 .
(5) نزهة النظر ص47-48 .(3/34)
ثم ان معرفة علل الحديث من الأمور التي لا تنال الا بممارسة كبيرة في الاعلال و التضعيف و معرفة السند الصحيح من الضعيف ، فمن أكثر الاشتغال بعلم الحديث و حفظ جملة مستكثرة من المتون حتى اختلطت بلحمه و دمه و عرف خفايا المتون و الأسانيد و مشكلاتها استطاع أن يميز الحديث الصحيح من الحديث المعل ، و لذا يقول الربيع بن خيثم : ((ان للحديث ضوءا كضوء النهار تعرفه و ظلمة كظلمة الليل تنكره))(1) .
ثم على الباحث قبل أن يحكم على حديث بعلة أن يجمع طرق الحديث و يستقصيها من الجوامع و المسانيد و الأجزاء ، و يسبر أحوال الرواة فينظر في اختلافهم و في مقدار حفظهم و مكانتهم من الضبط و الاتقان ، و عند ذلك و بعد النظر في القرائن يقع في نفس الباحث الناقد أن الحديث معل بارسال في الموصول أو وصل في المرسل أو المنقطع ، أو سقوط رجل بسبب التدليس ، أو وقف في المرفوع ، أو معارضة بما هو أقوى لا تحتمل التوفيق ، أو دخول حديث في حديث أو وهم أو ما أشبه ذلك من العلل القادحة ، ثم يغلب على ظنه ذلك فيحكم بعدم صحة الحديث أو يتردد فيه فيتوقف عن الحكم ، و قد يغلب ظن الناقد علة في الحديث ثم تقصر عبارته عن اقامة الحجة في دعواه فيعله بغير قادح ، أو يعله من غير أن يفصح عن القادح ، لكنه يحس في نفسه احساسا لا دافع له بان في هذا الحديث علة كاحساس الجوهري الحاذق بزيف الزائف ، مما يجعله يرى في نفسه أن ذلك كاف للاعلال كالاعلال بالتفرد ؛ لذا قال عبد الرحمن بن مهدي : (2) ((معرفة علل الحديث الهام فلو قلت للعالم بعلل الحديث من أين قلت هذا ؟ لم يكن له حجة)) .
__________
(1) الموضوعات 1/103 .
(2) معرفة علوم الحديث للحاكم ص112 .(3/35)
الفصل الثاني : علل السند
و فيه تمهيد ، و أربعة مباحث
المبحث الاول : اعلال السند بالانقطاع
المبحث الثاني : اعلال السند بتضعيف الراوي
المبحث الثالث : اعلال السند بتفرد الراوي
المبحث الرابع : اعلال السند بسبب انكار الاصل رواية الفرع
تمهيد : تعريف الإسناد و أهميته
أولا : تعريف الإسناد
أ- الاسناد لغة :
الاسناد مصدر للفعل الثلاثي المزيد ((أسند)) من قولهم : أسندت هذا الحديث الى فلان أسنده اسنادا اذا رفعته ، و سند الى الشيء و استند اليه بمعنى ، و اسند غيره .
و السند يطلق على عدة معان ، أشهرها : ما ارتفع من الارض في قبل الجبل و الوادي ، و يأتي بمعنى المعتمد (1) .
قال ابن جماعة :((و أخذه اما من السند و هو : ما ارتفع و علا من سفح الجبل؛ لأن المسند يرفعه الى قائله، او من قولهم: فلان سند ، أي : معتمد فسمي الاخبار عن طريق المتن سندا لاعتماد الحفاظ في صحة الحديث و ضعفه عليه)) (2) .
ب - الاسناد اصطلاحا :
عرفه الطيبي في الخلاصة (3) بقوله :((الاسناد رفع الحديث الى قائله)) .
و عرفه الحافظ ابن حجر بقوله :((الاسناد حكاية طريق المتن)) (4) .
و السند و الاسناد بمعنى واحد ، قال الطيبي :((السند و الاسناد يتقاربان في معنى الاعتماد)) (5)
و قال ابن جماعة :((المحدثون يستعملون السند و الاسناد لشيء واحد)) (6) .
لكن الاسناد اعم من السند ؛فالاسناد يطلق على سلسلة الرواة الموصلة الى المتن فيكون بذلك مرادفا للسند ، و يكون
بمعنى عزو الحديث الى قائله فهو أعم . (7)
__________
(1) جمهرة اللغة 2/266 ، لسان العرب مادة ((سند)) ، القاموس المحيط مادة (سند) .
(2) قواعد التحديث للقاسمي ص202 ، و لم أجده في المنهل لابن جماعة .
(3) ص30
(4) نزهة النظر 19 .
(5) الخلاصة ص30 .
(6) تدريب الراوي 1/42، ولم أجده في المنهل .
(7) أنظر تيسير مصطلح الحديث ص15 .(4/1)
ثانيا : أهمية الاسناد
للاسناد أهمية كبيرة عند المسلمين و أثر بارز ؛ و ذلك لما للاحاديث النبوية من أهمية ، اذ أن الحديث النبوي الشريف ثاني أدلة أحكام الشرع ، ولولا الاسناد و اهتمام المحدثين به لضاعت علينا سنة نبينا صلى الله عليه و سلم و لاختلط بها ما ليس منها و لما استطعنا التمييز بين صحيحها من سقيمها ؛ فغاية دراسة الاسناد و الاهتمام به هي معرفة صحة الحديث أو ضعفه ، فمدار قبول الحديث غالبا على اسناده ، قال القاضي عياض :((فاعلم أولا أن مدار الحديث على الاسناد فبه تتبين صحته و يظهر اتصاله)) (1). و قال ابن الاثير - في جامع الاصول (2) - : (اعلم أن الاسناد في الحديث هو الاصل و عليه الاعتماد و به تعرف صحته و سقمه)) .
و هذا المعنى مقتبس من عبارات المتقدمين :
قال سفيان الثوري :((الاسناد سلاح المؤمن ، اذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل ؟ )) (3).
و قال الامام شعبة : ((انما يعلم صحة الحديث بصحة الاسناد)) (4) .
و قال عبد الله بن المبارك :((الاسناد من الدين ، و لو لا الاسناد لقال من شاء ما شاء)) (5) .
اذن فالاسناد لا بد منه من أجل أن لا ينضاف الى النبي صلى الله عليه و سلم ما ليس من قوله : هنا جعل المحدثون الاسناد أصلا لقبول الحديث ؛ فلا يقبل الحديث اذا لم يكن له اسناد نظيف ، أوله أسانيد يتحصل من مجموعها الاطمئنان الى أن هذا الحديث قد صدر عمن ينسب اليه ؛ فهو أعظم وسيلة استعملها المحدثون من لدن الصحابة رضوان الله عليهم الى عهد التدوين كي ينفوا الخبث عن حديث النبي صلى الله عليه و سلم و يبعدوا عنه ما ليس منه.
__________
(1) الالماع ص194 .
(2) ج1 /9-10
(3) بحوث في تأريخ السنة ص54 .
(4) التمهيد 1/57 .
(5) مقدمة صحيح مسلم 1/15 .(4/2)
و قد اهتم المحدثون كذلك بجمع أسانيد الحديث الواحد ، لما لذلك من أهمية كبيرة في ميزان النقد الحديثي لأن بجمع الطرق يتبين الخطأ . اذا صدر من بعض الرواة ، و بذلك يتميز الاسناد الجيد من الرديء ، قال علي بن المديني : ((الباب اذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه)) (1) .
و يستفاد كذلك من جمع الطرق تفسير بعض النصوص ؛ اذ ان بعض الرواة قد يحدث على المعنى ، أو يروي جزءا من الحديث و تأتي البقية في سند آخر ،
قال الامام احمد :((و الحديث اذا لم تجمع طرقه لم تفهمه و الحديث يفسر بعضه بعضا)) (2) .
و قال الحافظ أبو زرعة العراقي :((و الحديث اذا جمعت طرقه تبين المراد منه ، و ليس لنا أن نتمسك برواية و نترك بقية الروايات)) (3).
و يعرف كذلك بجمع الطرق الحديث الغريب متنا و اسنادا ، و هو الذي تفرد به الصحابي أو تفرد به راو دون الصحابي ، و من ثم يعرف هل المتفرد عدل أو مجروح ؛ فتكرار الاسانيد لم يكن عبثا و انما له مقاصد و غايات يعلمها المشتغلون بهذه الصنعة ، قال الامام مسلم في مقدمته للجامع الصحيح (4) : ((و انا نعمد الى جملة ما أسند من الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فنقسمها على ثلاثة اقسام و ثلاث طبقات من الناس على غير تكرار ، الا أن يأتي موضع لا استغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى أو اسناد يقع الى جنب اسناد لعلة تكون هناك؛ لأن المعنى الزائد في الحديث المحتاج اليه يقوم مقام حديث تام ، فلا بد من اعادة الحديث الذي فيه ما وصفنا من الزيادة ، أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث على اختصاره اذا أمكن و لكن تفصيله ربما عسر من جملة فاعادته بهيئة اذا ضاق ذلك أسلم)) .
إذا تمهد ذلك فاني سأتحدث عن علل الاسناد في أربعة مباحث و على النحو الآتي :
__________
(1) الجامع لأخلاق الراوي و آداب السامع 2/270 و علوم الحديث ص82 ، و شرح التبصرة 1/227 و تدريب الراوي 1/253 و توجيه النظر ص265 .
(2) الجامع لأخلاق الراوي 2/270 .
(3) طرح التثريب 7/181 .
(4) مسلم هامش النووي 1/38-39 .(4/3)
المبحث الاول : اعلال السند بالانقطاع
ذكرت فيما سبق : أن أول شرط اشترطه المحدثون لصحة الحديث هو الاتصال، فكل حديث فقد هذا الشرط فالأصل : هو الحكم عليه بالضعف ، الا أن يتقوى بأمور أخرى .
و الانقطاع في سند الحديث النبوي يشمل عدة انواع حسب موضع الانقطاع :
فاذا كان الانقطاع من أول السند سمي معلقا (1) .
و اذا كان من آخر السند سمي مرسلا (2) .
و اذا كان في وسطه ، و كان الساقط واحدا سمي منقطعا . (3)
و اذا توالى سقوط رجلين من وسط الاسناد سمي معضلا . (4)
و اذا سقط رجلان لا على التوالي ؛ يكون السند منقطعا في موضعين .
و قد يكون في الاسناد مدلس لم يصرح بالسماع ؛ فيخشى سقوط رجل فله حكم الانقطاع .
و عد بعضهم وجود رجل مبهم في الاسناد انقطاعا (5) .
و المنقطعات ليست على درجة واحدة من الضعف : فمنها الضعيف ، و منها : ما هو أشد ضعفا ؛ فالانقطاع آخر السند أيسر من الانقطاع في أوله أو وسطه ،
و اذا كان الساقط واحدا أيسر من سقوط اثنين ، و تدليس (6)
__________
(1) انظر علوم الحديث لابن الصلاح ص20 .
(2) انظر علوم الحديث لابن الصلاح ص47 .
(3) انظر علوم الحديث لابن الصلاح ص51 .
(4) انظر علوم الحديث لابن الصلاح ص54 .
(5) كما صنع البيهقي في السنن الكبرى ج3/333 و ج4/54 و 7/134 ، و الحاكم في معرفة علوم الحديث ص28 ، و ابن الصلاح ص49 ، و قارن بالنكت 2/561 ، و المنهل الروي ص49 و قال العلائي في جامع التحصيل ص108 :((و التحقيق أن قول الراوي : عن رجل و نحوه متصل و لكن حكمه حكم المنقطع لعدم الاحتجاج به)) .
(6) التدليس قسمان :
احدهما : تدليس الاسناد و هو أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما انه سمعه منه.
ثانيهما : تدليس الشيوخ و هو أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه ، فيسميه أو يكنيه ، أو ينسبه ، أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف . أنظر علوم الحديث ص66 . وهذان النوعان اكثر تداولا، وسيأتي لذلك مزيد بيان ان شاء الله تعالى.(4/4)
من يدلس عن الثقات أيسر من الذي يدلس عن الضعفاء.
و سوف أتكلم عن الانقطاع في سبعة أنواع ، و على النحو الآتي :
النوع الأول من أنواع الانقطاع : التعليق
الحديث المعلق :- هو ما حذف من مبدأ اسناده واحد أو أكثر(1) .
فالحديث المعلق هو : ما حذف من مبدأ اسناده راو أو راويان أو ثلاثة أو جميع الاسناد (2) ، كل ذلك يسمى معلقا .
و قد علق البخاري - رحمه الله تعالى - جملة من الأحاديث في كتابه الصحيح (3) ، و قد وصلها الحافظ ابن حجر في كتابه تغليق التعليق ، و لخصه في مقدمة الفتح (4) ، و قد تكلم الحافظ نفسه عن تعاليق البخاري في نكته على ابن الصلاح (5) بما لا مزيد عليه فقال :((أقسام التعليق عند البخاري
منها ما يوجد في موضع آخر من كتابه .
و منها ما لا يوجد الا معلقا
فأما الاول : فالسبب في تعليقه : أن البخاري من عادته في صحيحه أن لا يكرر شيئا الا لفائدة ، فاذا كان المتن يشتمل على أحكام كرره في الأبواب بحسبها أو قطعه في الأبواب اذا كانت الجملة يمكن انفصالها من الجملة الأخرى . و مع ذلك فلا يكرر الاسناد ، بل يغاير بين رجاله اما شيوخه أو شيوخ شيوخه و نحو ذلك ، فاذا ضاق مخرج الحديث و لم يكن له الا اسناد واحد و اشتمل على أحكام و احتاج الى تكريرها فانه و الحالة هذه اما أن يختصر المتن او يختصر الاسناد ، هذا أحد الأسباب في تعليقه الحديث الذي وصله في موضع آخر .
__________
(1) علوم الحديث لابن الصلاح ص24 ، التقريب مع التدريب 1/117 ، الخلاصة ص 47.
(2) شرح الفية السيوطي ص79 محمد محي الدين عبد الحميد .
(3) و المعلقات ليست من نمط الصحيح ؛فلا يعاب عليه اخراجه لها ؛ لأنه وسم كتابه بـ ((الجامع الصحيح المسند)) فكل حديث ليس مسندا لم يحكم عليه البخاري بالصحة ، هدي الساري ص 8 و 19 ، توجيه النظر ص88 .
(4) من صفحة 20 الى صفحة 70 .
(5) ج1 ص325-326 .(4/5)
و أما الثاني : و هو ما لا يوجد فيه الا معلقا فهو على صورتين : اما بصيغة الجزم و اما بصيغة التمريض ، أما الأول : فهو صحيح الى من علقه عنه ، و بقي النظر فيما أبرز من رجاله ، فبعضه يلتحق بشرطه . و السبب في تعليقه : اما لكونه لم يحصل له مسموعا و انما أخذه على طريق المذاكرة او الاجازة أو كان خرج ما يقوم مقامه فاستغنى بذلك عن ايراد هذا المعلق مستوفى السياق او المعنى أو غير ذلك . و بعضه يتقاعد عن شرطه و ان صححه غيره أو حسنه و بعضه يكون ضعيفا من جهة الانقطاع خاصة .
أما الثاني : و هو المعلق بصيغة التمريض مما لم يورده في موضع آخر فلا يوجد فيه ما يلتحق بشرطه الا مواضع يسيرة ، و قد أوردها بهذه الصيغة لكونه ذكرها بالمعنى ، و فيه ما هو صحيح ، و ان تقاعد عن شرطه اما :
لكونه لم يخرج لرجاله أو لوجود علة فيه عنده ، و منه ما هو حسن ، و منها ما هو ضعيف و هو على قسمين : أحدهما : ما ينجبر بأمر آخر ، و ثانيهما : ما لا يرتقي عن مرتبة الضعيف)) (1)
أما ذكره عن شيوخه : فقد قال العراقي -رحمه الله- :((أما ما عزاه البخاري الى بعض شيوخه بصيغة الجزم كقوله : قال فلان و زاد فلان و نحو ذلك فليس حكمه حكم التعليق عن شيوخ شيوخه و من فوقهم بل حكمه حكم الاسناد المعنعن ، و حكمه الاتصال ، بشرط ثبوت اللقاء و السلامة من التدليس ، و اللقاء في شيوخه معروف ، و البخاري سالم من التدليس فان حكمه الاتصال)) (2) .
أما التعليق عند الامام مسلم :فقليل جدا جعله الحافظ ابن حجر اثني عشر حديثا . (3)
و قد تبين مما ذكرناه :
أن معلقات البخاري بصيغة الجزم تعد صحيحة الى من علق اليه ، هذا ما استقر عليه الأمر عند جمهور العلماء .
__________
(1) انتهى كلام الحافظ .
(2) شرح التبصرة 1/75 و أنظر علوم الحديث ص65 و 69 و 70 .
(3) النكت 1/352(4/6)
و قد خالف ذلك بعض العلماء - منهم: ابن حزم - فلم يجعلوا لمعلقات الصحيح مزية على غيرها ، سواء كان بصيغة الجزم أو بصيغة التمريض ، و انما جعلوا لها حكم غيرها من المنقطعات .
و لعل أبرز مثال يوضح ذلك : حديث هشام بن عمار في المعازف ، فقد اخرجه البخاري في الصحيح على صورة المعلق ، مع أنه ليس معلقا في الواقع ؛لأن هشام بن عمار شيخ البخاري ،فظنه ابن حزم معلقا ، و حكم عليه بالانقطاع و لم يحتج به ،و فيما يأتي نسوق الحديث و نبين آثره في اختلاف الفقهاء .
حديث هشام بن عمار في المعازف و أثره في اختلاف الفقهاء
قال الامام البخاري في صحيحه (1) :و قال هشام بن عمار : حدثنا صدقة بن خالد ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال حدثنا عطية بن قيس الكلابي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن غنم الأشعري ، قال :حدثني أبو عامر - أو أبو مالك الأشعري - و الله ما كذبني- سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول : ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر و الحرير و الخمر و المعازف ، و لينزلن أقوام الى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم ، يأتيهم- يعني الفقير- لحاجة فيقولوا ارجع الينا غدا ، فيبيتهم الله و يضع العلم و يمسخ آخرين قردة و خنازير الى يوم القيامة)) .
و هشام بن عمار من شيوخ البخاري (2) ، لكن البخاري لم يصرح بالسماع بل ذكره بصيغة التعليق مجزوما به .
و قد أعل ابن حزم هذه الرواية بالتعليق فقال :((و هذا منقطع لم يتصل ما بين البخاري و صدقة بن خالد و لا يصح في هذا الباب شيء أبدا و كل ما فيه موضوع والله لو أسند جميعه او واحد منه فأكثر من طريق الثقات الى رسول الله صلى الله عليه و سلم لما ترددنا في الأخذ)) (3) .
__________
(1) ج7/138 رقم (5590 من الفتح)
(2) تهذيب التهذيب 11/52 و تهذيب الكمال 24/433 و 30/244 ، التاريخ الصغير 2/382 الكاشف للذهبي 2/337 بتحقيق الشيخ محمد عوامة.
(3) المحلى 9/59(4/7)
و قد رد عليه ابن الصلاح بقوله : ((و لا التفات الى ابي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رده ما أخرجه البخاري من حديث ابي عامر أو ابي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم :((ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير و الخز و المعازف ... الحديث )) من حجة أن البخاري أورده قائلا فيه : قال هشام بن عمار)) (1) .
و كذلك أجاب العراقي عن قول ابن حزم هذا بقوله :
أما الذي لشيخه عزا بقال فكذي
عنعنة كخبر المعازف لا تصغ لابن حزم المخالف (2)
فمعناه أن له حكم المعنعن بشرط اللقاء و عدم التدليس و البخاري لم يكن مدلسا و ثبت لقاؤه بهشام بن عمار (3) .
قال الحافظ ابن حجر :((و اما ما عزاه البخاري لبعض شيوخه بصيغة قال فلان و زاد فلان و نحو ذلك ، فليس حكمه حكم التعليق عن شيوخ شيوخه و من فوقهم بل حكمه حكم العنعنة من الاتصال بشرط اللقاء و السلامة من التدليس )) (4) .
و قد استشكل العراقي (5) : بأن البخاري قد يوجد في صحيحه أحاديث يرويها عن بعض شيوخه قائلا : قال فلان و يوردها في موضع آخر بواسطة بينه و بين ذلك الشيخ .
و قد أجاب الحافظ ابن حجر عن هذا بقوله :((و قد تقرر عند الحفاظ ان الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم يكون صحيحا الى من علقه عنه و لو لم يكن من شيوخه لكن اذا وجد الحديث المعلق من رواية بعض الحفاظ موصولا الى من علقه بشرط الصحة أزال الاشكال )) (6) .
ثم ذكر الحافظ : ان الطبراني أخرجه في مسند الشاميين ، فقال : حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد ، قال حدثنا هشام بن عمار (7) .
__________
(1) علوم الحديث 61-62 .
(2) شرح التبصرة 1/274، فتح المغيث 1/50 .
(3) فتح المغيث 1/55 .
(4) النكت 1/220 .
(5) التقييد و الايضاح ص91 و ما بعدها .
(6) فتح الباري 10/51 .
(7) المصدر السابق ، قلت : وهو في مسند الشاميين 1/334 رقم (588) كما ذكر الحافظ .(4/8)
أثر حديث هشام بن عمار في اختلاف الفقهاء : حكم الغناء و حكم بيع آلات الغناء
ذهب الجمهور الى حرمة الغناء و حرمة بيع آلات الغناء ، على خلاف بين المذاهب في تفصيل ذلك (1) و مما
استدلوا به حديث هشام بن عمار السابق .
و ذهب ابن حزم الى جواز الغناء و جواز بيع آلاته فقد قال :((و بيع الشطرنج و المزامير و العيدان و المعازف و الطنابير حلال كله و من كسر شيئا من ذلك ضمنه ..)) ثم قال :((ان بيعها حلال و كذلك بيع المغنيات و ابتياعهن حلال لأنه لم يأت نص بتحريم بيع شيء من ذلك)). ثم ساق ما احتج به المانعون و ضعف ذلك كله و قال :((ان ما احتجوا به من آثار لا تصح أو يصح بعضها و لا حجة لهم فيها)). (2)
النوع الثاني من أنواع الانقطاع : الارسال بمعناه الواسع
تدل كلمة الارسال من حيث عمومها على عدة معان :
أولا : الانقطاع الظاهر .
ثانيا : التدليس .
ثالثا : الارسال الخفي .
رابعا : سقوط ما فوق التابعي .
و المرسل في اطلاق المتقدمين يراد به كل انقطاع في السند سواء كان الانقطاع في أول السند أو في آخره أو في وسطه ،و ذلك هو مذهب أكثر الاصوليين و أهل الفقه و الخطيب و جماعة من المحدثين (3) .
ثم استقر الاصطلاح في : ان المرسل لا يطلق الا على ما رفعه التابعي الى النبي صلى الله عليه و سلم(4) .
__________
(1) المغني 9/175 ، نهاية المحتاج 8/280-281 ، احياء علوم الدين 2/248- 249 ، فتح الباري 2/442 ، الفتاوي الهندية 5/351 .
(2) المحلى 9/55-61 .
(3) علوم الحديث ص52 ، شرح النووي على مسلم 1/30 ، الخلاصة ص66 ، شرح التبصرة 1/146 جواهر الاصول ص43-44 ، النكت 2/543 ، فتح المغيث 1/130-131 ، شرح الفية السيوطي ص27 .
(4) و ذلك كما هو متداول في كتب المصطلح . و أنظر الكفاية ص21 .(4/9)
و قد مزج ابن الصلاح بين التدليس و الارسال الخفي ، فقد عرف التدليس - أي : تدليس الاسناد -بقوله :((هو أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه ؛ موهما أنه سمعه منه ، أو عمن عاصره ، و لم يلقه موهما أنه لقيه و سمعه منه))(1).
و قد اعترض الحافظ ابن حجر على قوله :((عمن عاصره و لم يلقه )) بأنه ليس من التدليس ، بل هو من المرسل الخفي اذ قال :((و التحقيق فيه التفصيل :و هو أن من ذكر بالتدليس أو الارسال اذا ذكر بالصيغة الموهمة عمن لقيه فهو تدليس ، أو عمن أدركه و لم يلقه فهو المرسل الخفي ، أو عمن لم يدركه فهو مطلق الارسال )) (2) .
فتبين لنا من هذا أن كلمة الارسال تدل على أربعة معان :
الأول : الانقطاع الظاهر ، و هو :أن يروي الراوي عمن لم يعاصره .
الثاني : تدليس الاسناد ، و هو : أن يروي الراوي عمن لقيه و سمع منه ما لم يسمعه .
الثالث : المرسل الخفي ، و هو : ان يروي الراوي عمن عاصره و لم يلقه ، او لقيه ولم يسمع منه.
الرابع : سقوط ما فوق التابعي .
و سوف أتكلم عن كل صورة من هذه الصور و أمثل لها بما يصح التمثيل به و أذكر أثر ذلك في اختلاف الفقهاء ان شاء الله تعالى .
الصورة الأولى : الانقطاع الظاهر
و هو ما يسمى بالمنقطع عند الاطلاق ،و وجد التعبير عنه بالمرسل كثيرا عند المتقدمين (3) .
و هو لغة :اسم فاعل من انقطع ، و الانقطاع ضد الاتصال (4) .
و اصطلاحا : ما سقط من اسناده راو واحد قبل الصحابي أو أكثر من راو بشرط عدم التوالي في أي موضع كان من مواضع السند (5) .
__________
(1) علوم الحديث ص66 .
(2) النكت 2/614 .
(3) أنظر استخدام الترمذي في جامعه 1/22 عقيب (14)
(4) تيسير مصطلح الحديث ص76 .
(5) شرح التبصرة 1/158 ، نزهة النظر ص44 ، فتح المغيث 1/149 ، توضيح الأفكار 1/324 .(4/10)
و الأصل في الحديث المنقطع : أنه ضعيف عند المحدثين ؛ لأنه فقد شرط الاتصال ؛ و للجهالة بحال الساقط الذي لم تعرف عدالته ، و لا ضبطه . قال الشوكاني :((و لا تقوم الحجة بالحديث المنقطع ، و هو الذي سقط من رواته واحد ممن دون الصحابي،و ذلك للجهل بحال المحذوف من حيث عدالته و ضبطه ؛ لأن ثبوت هذا شرط لقبول الحديث))(1).
مثال للمنقطع و أثره في اختلاف الفقهاء : العدد الذي تنعقد به صلاة الجمعة
اختلف العلماء في العدد الذي تنعقد به صلاة الجمعة على أقوال ، نذكر أهمها فيما يأتي :
القول الأول : ان الجمعة لا تنعقد بأقل من أربعة أحدهم الامام .
و بذلك قال أبو حنيفة و بعض الفقهاء منهم : الثوري ، و الليث ، و ابن المنذر من الشافعية ، و هو رواية عن الأوزاعي و أبي ثور . (2)
و استدلوا لذلك بما روي عن الزهري ، عن أم عبد الله الدوسية ، قالت :سمعت رسول اله صلى الله عليه و سلم يقول :((الجمعة واجبة على أهل كل قرية ، و ان لم يكونوا الا ثلاثة رابعهم امامهم ))
أخرجه الدار قطني ، (3) و أعله بالانقطاع فان الزهري لم يسمع من أم عبد الله .
و ذهب بعضهم الى أنها لا تنعقد بأقل من ثلاثة .
و هو مذهب أبي يوسف و الزيدية (4) .
و جاء بمعنى هذا المذهب حديث الزهري السابق ، عن أم عبد الله الدوسية ، فقد جاء في بعض رواياته عند البيهقي (5) بلفظ : ((الجمعة واجبة في كل قرية فيها امام ، و ان لم يكونوا الا أربعة ، حتى ذكر النبي صلى الله عليه و سلم ثلاثة)) .
و ذهب بعضهم الى أنها لا تنعقد بأقل من أربعين .
__________
(1) ارشاد الفحول ص66 .
(2) المغني 2/172 ، شرح فتح القدير 1/415 ، المجموع 4/373 ، المحلى 5/46 ، فقه الامام سعيد 2/9 و ما بعدها و مسائل من الفقه المقارن 1/129-132 .
(3) سنن الدار قطني 2/7 .
(4) المغني 2/172 ، شرح فتح القدير 1/415 ، المجموع 4/373 ، المحلى 5/46 ، فقه الامام سعيد 2/9 و ما بعدها .
(5) السنن الكبرى 3/179 .(4/11)
و ممن قال بذلك الشافعي ، و أحمد في رواية (1) .
و ذهب بعضهم الى أنها لا تنعقد بأقل من خمسين .
و هو رواية عن أحمد (2) .
و ذهب بعضهم الى أنها لا تنعقد الا بجماعة يمكن أن تتكون بهم قرية مستقلة ، و يكون بينهم بيع و شراء من غير حصر بعدد ، و ممن قال ذلك مالك (3)
و ذهب بعضهم الى أن الجمعة تنعقد بما تنعقد به الجماعة .
و بذلك قال ابن حزم (4) .
فمن أخذ بالمنقطع أعمل مقتضاه هنا ، و من لم يأخذ به اتجه للاستدلال اتجاها آخر و قد صرح غير واحد من الحفاظ : بأنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في العدد الذي تنعقد به الجمعة (5)
و مثال ذلك ايضا :
حديث يعقوب بن ابراهيم الاسكندراني ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن المطلب ، عن جابر بن عبد الله ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :((صيد البر حلال ما لم تصيدوه او يصاد لكم)).(6)
و هذا سند منقطع ؛ فالمطلب بن حنطب بن الحارث المخزومي لم يسمع من جابر .
قال الترمذي : (لا نعرف له سماعا من جابر). (7)
__________
(1) المغني 2/172 ، المجموع 4/373 ، فقه الامام سعيد 2/9 و ما بعدها .
(2) المغني 2/172 .
(3) الاشراف للبغدادي 1/127 .
(4) المحلى 5/46 .
(5) نصب الراية 2/197 ، نيل الاوطار 3/265 .
(6) أخرجه عبد الرزاق (8349) ، و أحمد 3/362 و 387 و 389 ، و أبو داود 2/171 رقم (1851) ، و الترمذي 3/203 رقم (846) ، و النسائي 5/187 ، و ابن خزيمة (2641) ، و ابن حبان (3971) ، و الحاكم 1/452 ، و البيهقي 5/190 ، و البغوي (1989) كلهم من طريق عمرو بن أبي عمرو ، بهذا الاسناد. و أخرجه الشافعي 1/323 ، و الطحاوي في شرح المعاني 2/171 ، و الدار قطني 2/291 من طريق عمرو بن أبي عمرو ، عن رجل من بني سلمة ، عن جابر ، به .
(7) الجامع 3/204 عقيب (846)(4/12)
و قال أبو حاتم :((عامة أحاديثه مراسيل ، لم يدرك أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم و لم يسمع من جابر)) (1)
أثره في اختلاف الفقهاء : حكم أكل الصيد للمحرم
لا خلاف في تحريم الصيد على المحرم اذا صاده بنفسه أو ذبحه (2) .
و كذلك يحرم على المحرم أكله اذا صاده حلال و كان من المحرم دلالة أو اشارة (3)
و اختلفوا فيما اذا صاده حلال ، مع أنه لم يكن من المحرم اعانة و لا دلالة و لا اشارة :
فقال بعض السلف : يحرم على المحرم الأكل من لحم الصيد مطلقا .
روي ذلك عن علي ، و ابن عمر ، و ابن عباس ، و غيرهم (4)
و حجتهم حديث الصعب بن جثامة الليثي : أنه أهدى للنبي صلى الله عليه و سلم حمارا وحشيا و هو بالأبواء أو بودان فرده عليه ، و قال :((انا لم نرده عليك الا انا حرم)) (5) .
لكن هذا يحمل على أن النبي صلى الله عليه و سلم قد رده لأنه علم انه صيد من أجله .
و ذهب بعض الفقهاء الى أنه لا يحرم على المحرم أكله الا اذا علم أنه صيد من أجله ، و بذلك قال مالك ، و الشافعي ، و أحمد (6) .
و ذلك لحديث جابر الذي سبق الكلام عليه .
و قال أبو حنيفة : ما دام الذي صاده حلال و لم يعنه المحرم بشيء حتى و لو باشارة جاز للمحرم الأكل منه و ان صاده الحلال من أجله (7) .
و دليله حديث أبي قتادة مرفوعاً و فيه :((هل منكم أحد أمره أو أشار اليه بشيء ؟ قال : قالوا : لا، قال :فكلوا ما
__________
(1) المراسيل ص210 . و أنظر تحفة الاشراف 2/379 حديث (3098)
(2) المغني 3/289 .
(3) المصدر السابق .
(4) المغني 3/290 ، المجموع 7/304 .
(5) أخرجه البخاري 3/16 رقم (1825) ،و مسلم 4/13 رقم (850) ، و ابن ماجه 2/1032 رقم (3090) ، و الترمذي 3/206 رقم (849) ، و ابن خزيمة (2637) .
(6) المغني 3/289 ، القوانين الفقهية ص120 .
(7) المغني 3/289 ، القوانين الفقهية ص120 ، الاختيار 1/233 بدائع الصنائع 2/198 .(4/13)
بقي من لحمها)) (1) .
لكن هذا ينبغي حمله على أنه لم يصد من أجلهم حتى يجمع بين الأحاديث ، و لا يكون بينهما تناقض .
الصورة الثانية : التدليس
تعريفه :
التدليس لغة : من الدلس ، و هو اختلاط الظلام بالنور . (2)
و عند المحدثين أنواع :
الأول : تدليس الاسناد ، و هو أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه بصيغة محتملة . (3) و الصيغة المحتملة أن لا يصرح بالسماع نحو ((حدثنا ، أخبرنا ، أنبأنا ، سمعت، قال لنا)) . لكن يأتي بصيغة محتملة نحو ((ان ، عن ، قال ، حدث ، روى ، ذكر)) ؛ لذا لم يقبل المحدثون حديث المدلس ما لم يصرح بالسماع (4) .
الثاني : تدليس الشيوخ ، و هو :أن يأتي باسم شيخه أو كنيته على خلاف المشهور به تعمية لأمره و توعيراً للوقوف على حاله (5) .
الثالث : تدليس التسوية (6) ، و هو : ان يروي عن شيخه ، ثم يسقط ضعيفا بين ثقتين قد سمع أحدهما من الآخر أو
لقيه ، و يرويه بصيغة محتملة بين الثقتين (7) .
و ممن اشتهر بهذا الوليد بن مسلم (8) و بقية بن الوليد (9) .
__________
(1) أخرجه أحمد 5/301 ، و الدارمي (1833) ، و البخاري 3/14 رقم (1821) ، و مسلم 4/15 رقم (1196) ، و ابن ماجه 2/1033 رقم (3093) ، و النسائي 5/185 ، و ابن خزيمة (2642) .
(2) لسان العرب مادة ((دلس)) ، القاموس المحيط 2/224 .
(3) علوم الحديث ص73 ، التقريب مع التدريب 1/223 ، الخلاصة ص74 .
(4) المصادر السابقة ،و أنظر العواصم و القواصم 3/60 .
(5) علوم الحديث ص66 ، اختصار علوم الحديث ص55 .
(6) و قد سماه القدماء تجويدا ، فتح المغيث 1/182 ، توجيه النظر ص250 ، تدريب الراوي 1/226
(7) المصادر السابقة .
(8) الوليد بن مسلم القرشي ، ثقة كثير التدليس و التسوية ، التقريب 2/336 .
(9) بقية بن الوليد بن صائد الكلاعي صدوق كثير التدليس عن الضعفاء ، التقريب 1/105 . و أنظر الكلام حول تدليسهما الموقضة ص46.(4/14)
الرابع : تدليس العطف : مثل ان يقول الراوي : حدثنا فلان و فلان و هو لم يسمع من الثاني (1) .
الخامس : تدليس السكوت :كأن يقول الراوي : حدثنا أو سمعت ، ثم يسكت برهة ، ثم يقول : هشام بن عروة أو الأعمش موهما انه سمع منهما و ليس كذلك (2).
السادس : تدليس القطع : هو أن يحذف الصيغة و يقتصر على قوله -مثلا- الزهري ، عن انس (3) .
السابع : تدليس صيغ الأداء ، و هو ما يقع من المحدثين من التعبير بالتحديث أو الاخبار عن الاجازة موهما للسماع و لا يكون سمع من ذلك الشيخ شيئا (4) .
و أكثر أنواع التدليس وجودا تدليس الاسناد و الشيوخ ، و الذي يعنينا في دراستنا هذه تدليس الاسناد حيث قد سقناه تحت الارسال .
و التدليس مكروه عند المحدثين ، و قد يصير حراما حسب الأسباب الدافعة اليه كأن يدلس عن ضعيف شديد الضعف . و كان الامام شعبة بن الحجاج يذم التدليس ذما شديدا . (5) و أسباب التدليس كثيرة ، منها : العلو في الاسناد أو لصغر شيخه أو لضعفه (6) .
و حديث المدلس مردود الا أن يصرح بالسماع .
أما تدليس التسوية فيشترط فيه : التحديث و الاخبار من أول السند الى آخره.(7)
و سبب رد المحدثين حديث المدلس اذا لم يصرح بالسماع خشية سقوط رجل بين المدلس و من عنعن عنه . كما في حديث عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعا : ((لا تبل قائما )) أخرجه ابن حبان (8) و قال : أخاف أن ابن جريج لم يسمع من نافع هذا الخبر )) (9) .
__________
(1) الباعث الحثيث 55-56 .
(2) المصدر السابق
(3) المصدر السابق
(4) المصدر السابق
(5) اختصار علوم الحديث ص56 .
(6) الموقظة ص48 .
(7) النكت 1/293 .
(8) الاحسان 4/271 رقم (1423) .
(9) و لقد صدق ظن ابن حبان فقد صرح ابن جريج ، و ذكر الساقط . راجع ما كتبناه ص(4/15)
أثر التدليس في اختلاف الفقهاء : حكم تغميض العينين في الصلاة
ذهب بعض الفقهاء الى أن تغميض العينين في الصلاة مكروه .
و به قال مالك و الشافعي و أحمد (1) .
و الحجة لهم : ما روي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((اذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه)) .
قال الهيثمي :((رواه الطبراني في الثلاثة ، و فيه : ليث بن أبي سليم ، و قد عنعنه )) (2) .
و ذهب بعضهم الى عدم كراهيته (3) .
أما اذا صرح المدلس بالسماع فيقبل حديثه .
مثال ذلك : حديث محمد بن اسحاق ، عن يعقوب بن عتبة ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن عائشة ، قالت : رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من البقيع ، فوجدني و أنا أجد صداعا في رأسي . و أنا أقول : وا رأساه . فقال : ((بل أنا ، يا عائشة ، وا رأساه)) ثم قال :((ما ضرك لو مت قبلي ؛ فقمت عليك فغسلتك و كفنتك و صليت عليك و دفنتك (4) )).
و مدار هذا الحديث على محمد بن اسحاق و هو مدلس (5) و قد عنعن في بعض الطرق و بهذا أعله البيهقي (6) ، لكنه قد صرح بالسماع عند البيهقي نفسه (7) ، فانتفت شبهة تدليسه فصح حديثه .
__________
(1) المغني 1/662 ، مغني المحتاج 1/180 .
(2) مجمع الزوائد 2/83 وهو في الكبير (10956) والاوسط (2239) والصغير (24).
(3) كالامام النووي فقد قال :((و الأظهر عندي جوازه)) المنهاج هامش مغني المحتاج 1/180 .
(4) أخرجه عبد الرزاق (9754) ، و أحمد 6/228 ، و ابن ماجه 1/470 رقم (1465) ، و النسائي في الكبرى (7079) ، و ابن حبان (6586) ، و البيهقي في السنن 3/396 ، و في دلائل النبوة 7/168-169 .
(5) هو محمد بن اسحاق بن يسار صدوق يدلس تقريب التهذيب 2/144 وانظر الكاشف 2/156 بتحقيق الشيخ محمد عوامة.
(6) السنن الكبرى 3/396 .
(7) دلائل النبوة 7/168- و 169 و كذلك صرح عند ابن هشام في السيرة النبوية 4/292 .(4/16)
أثر حديث محمد بن اسحاق في اختلاف الفقهاء
اختلف الفقهاء في غسل أحد الزوجين الآخر ، اذ أن الفقهاء اتفقوا على أن غسل الميت واجب على الكفاية الا ما حكي عن مالك في رواية عنه أنه سنة (1) ، و أجمعوا على جواز غسل المرأة زوجها ، و اختلفوا في جواز غسل الرجل زوجته على قولين :
القول الأول : يجوز للرجل غسل زوجته .
و بذلك قال جمهور العلماء و اليه ذهب الشافعي ، و أحمد في المشهور عنه (2)
و استدلوا بحديث محمد بن اسحاق السابق .
القول الثاني : لا يجوز للرجل غسل زوجته .
و هو مروي عن بعض السلف .
و به قال أبو حنيفة و هو رواية عن أحمد (3) .
و كأنهم لم يأخذوا بحديث محمد بن اسحاق لعنعنته له في بعض الطرق .
و احتجوا بأن الموت فرقة تبيح اختها و أربعا سواها ؛ فحرمت النظر و اللمس كالطلاق (4).
الصورة الثالثة : الارسال الخفي
تعريفه : عرفه الحافظ ابن حجر بأنه :((ما رواه الراوي بصيغة محتملة عمن عاصره و لم يعرف أنه لقيه ، بل بينهما واسطة)) . (5) و قد سبق أن بينت أن ابن الصلاح -رحمه الله-قد مزج بين المرسل الخفي و التدليس ، فأدخله في تدليس الاسناد .
و سمي هذا بالخفي لخفائه على كثير من الناس ، فهو أشبه بالتدليس ؛ لذا اختلف العلماء فيه اختلافا كثيرا(6) . و رجح السخاوي تعريف الحافظ ابن حجر فقال :((بل هو على المعتمد في تعريفه حسبما أشار اليه شيخنا الانقطاع في أي موضع كان من السند بين راويين متعاصرين لم يلتقيا ، و كذا لو التقيا ، و لم يقع بينهما سماع فهو انقطاع مخصوص يندرج في تعريف من لم يتقيد في المرسل بسقط خاص (7) )) .
__________
(1) الشرح الكبير 2/309 ، حاشية الدسوقي 1/407 ، نيل الاوطار 4/23 ، شرح السنة 5/310 .
(2) المغني 2/298 ، المجموع 5/119 ، شرح السنة 5/310 .
(3) بدائع الصنائع 1/305 ، المغني 2/398 ، المجموع 5/119 ، شرح السنة 5/310 .
(4) المغني 2/298 .
(5) نزهة النظر ص45 و أنظر فتح المغيث 3/79 .
(6) منهج النقد ص286 .
(7) فتح المغيث 3/85-86 .(4/17)
و عرفه الزبيدي بقوله :((و الخفي من المرسل ما يرويه عمن عاصره و لم يعرف أنه لقيه )) (1)
مثال ذلك :
حديث فاطمة بنت المنذر ،عن أم سلمة ،قالت :قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :((لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الأمعاء في الثدي و كان قبل الفطام)) (2) .
و قد أعل هذا الحديث بالانقطاع (أي :أنه مرسل خفي) بين فاطمة بنت المنذر و أم سلمة لأن فاطمة كانت أسن من زوجها هشام باثني عشر عاما ، فكان مولده في سنة 60 و مولد فاطمة في سنة 48 ، و ماتت أم سلمة سنة 59 ، و فاطمة صغيرة لم تبلغها فكيف تحفظ عنها (3) .
و أجيب عن هذا :بأنه لا يلزم انقطاع الحديث من أجل أن فاطمة بنت المنذر لقيت أم سلمة صغيرة ، فقد يعقل الصغير أشياء و يحفظها ، و قد عقل محمود ابن الربيع المجة ،و هو ابن خمس سنين (4) .
__________
(1) بلغة الأريب ص192 .
(2) اخرجه الترمذي 3/458 رقم (1152) ، و ابن حبان (4224) ، و الطبراني في الاوسط (7513) و الخطيب في التأريخ 7/55 ، و قال الترمذي :((حسن صحيح)) و له شاهد من حديث عبد الله بن الزبير ، مرفوعا مختصرا بلفظ :((لا رضاع الا ما فتق الأمعاء)) أخرجه ابن ماجه 1/626 رقم (1946) من طريق عبد الله بن وهب ، عن ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عبد الله بن الزبير ، به و هذا سند جيد رجاله ثقات غير ابن لهيعة و هو سيء الحفظ الا في رواية العبادلة ، و هذا منها .
(3) زاد المعاد 5/585 والكاشف 2/515 بتحقيق الشيخ محمد عوامة.
(4) صحيح البخاري 1/29 رقم (77) و قد بوب له البخاري :((باب متى يصح سماع الصغير))(4/18)
و سماع من له أحد عشر عاما ممكن صحيح ، غير اننا لا نسلم أنها كان عمرها أحد عشر عاما بل كان عمرها أربعة عشر عاما حين توفيت أم سلمة ؛ فقد ثبت في صحيح مسلم (1) :((أن الحارث بن أبي ربيعة و عبد الله بن صفوان دخلا عليها في خلافة يزيد بن معاوية ، فسألاها عن الجيش الذي يخسف به ... الحديث )) .
و كان ذلك في حين جهز يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة بعسكر الشام الى المدينة ، و كانت وقعت الحرة سنة ثلاث و ستين (2) . و هذا يرد قول من قال : أنها ماتت سنة تسع و خمسين اعتمادا على رواية الواقدي(3) .
أثر حديث فاطمة في اختلاف الفقهاء : وقت الرضاع المحرم
اختلف الفقهاء في وقت الرضاع المحرم الذي يكون منه التحريم على أقوال :
القول الأول : شرط تحريم الرضاع أن يكون في الحولين .
و هو قول أكثر أهل العلم منهم : عمر ، و علي ، و ابن عمر ، و ابن مسعود ، و ابن عباس ، و أبي هريرة ، و أزواج النبي صلى الله عليه و سلم - سوى عائشة- و اليه ذهب : الشعبي ، و ابن شبرمة ، و الأوزاعي ، و الشافعي ، و اسحاق ، و أبو يوسف ، و محمد ، و أبو ثور ، و هو رواية عن مالك (4) .
و حجتهم الحديث السابق .
القول الثاني : يحرم الرضاع في ثلاثين شهرا .
و به قال أبو حنيفة (5) .
القول الثالث : مدة الرضاع ثلاث سنين .
و به قال زفر (6) .
القول الرابع :رضاعة الكبير تحرم .
و يروى هذا عن عائشة و عطاء و الليث و داود (7) .
__________
(1) الجامع الصحيح 8/166 رقم (2882) .
(2) تأريخ الخلفاء ص209 .
(3) زاد المعاد 5/585 .
(4) المغني 9/201 و ما بعدها ، بداية المجتهد 2/27 ، المحلى 10/17 ، بدائع الصنائع 4/6 نيل الأوطار 6/315 .
(5) المصادر السابقة .
(6) المصادر السابقة .
(7) المصادر السابقة .(4/19)
الصورة الرابعة : الارسال بالمعنى الخاص
المرسل لغة :- هو :اما مشتق من الارسال بمعنى :الاطلاق و عدم المنع ؛ و منه قوله تعالى :((انا ارسلنا الشياطين على الكافرين)) (1)
فكأن المرسل أطلق الحديث ، و لم يقيده براو معروف .
و قيل :انه مأخوذ من قولهم جاء القوم أرسالا ، أي : متفرقين ؛لأن بعض الاسناد منقطع عن بعض .
و قيل : مأخوذ من قولهم :ناقة رسل ، أي : سريعة السير ، كأن المرسل للحديث أسرع فيه فحذف بعض اسناده (2) .
و في الاصطلاح : ما أضافه التابعي عن النبي صلى الله عليه و سلم من غير تقييد بالكبير (3) .
و قيده بعضهم بحديث التابعي الكبير (4) .
و حده بعضهم (5) : ((أنه قول غير الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم)).
و المشهور الأول و هو الذي استقر عليه الاصطلاح عند المحدثين .
آراء العلماء في الاحتجاج بالمرسل :
اختلف أهل العلم في الاحتجاج بالمرسل على أقوال كثيرة (6) . أشهرها ثلاثة أقوال رئيسة :
القول الأول : ان الحديث المرسل ضعيف لا تقوم به حجة . و هذا ما ذهب اليه جمهور المحدثين ، و كثير من أهل الفقه و الأصول (7) .
__________
(1) سورة مريم الآية 83 .
(2) لسان العرب مادة ((رسل)) ، الاسناد عند المحدثين ص309 .
(3) علوم الحديث للحاكم ص25 ، التمهيد 1/19-20 ، ما لا يسع المحدث جهله ص29 ، جامع الأصول ج1/115 ، علوم الحديث لابن الصلاح ص51 ، التقريب مع التدريب 1/195 ، الخلاصة ص66 ، اختصار علوم الحديث ص48 ، النكت 2/540 ، نزهة النظر ص43 ، فتح المغيث 1/129 ، توضيح الافكار 1/283 ، ظفر الأماني ص343 .
(4) التمهيد 1/19 ، فتح المغيث 1/29 .
(5) نقله ابن كثير (اختصار علوم الحديث : ص48) عن ابن الحاجب .
(6) أو صلها الحافظ ابن حجر (النكت : 2/546-552) الى ثلاثة عشر قولا .
(7) الكفاية ص384 ، علوم الحديث ص49 ، الخلاصة ص49 ، جامع التحصيل ص48 ، البحر المحيط 4/404 ، شرح التبصرة 1/148 ، نزهة النظر 44 ، اختصار علوم الحديث ص 48 ، تدريب الراوي 1/162 ، شرح السنة 1/245 .(4/20)
قال الامام مسلم - رحمه الله تعالى - :((و المرسل في أصل قولنا و قول أهل العلم بالاخبار ليس حجة))(1) .
و قال ابن الصلاح :(و ما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل و الحكم بضعفه هو الذي استقر عليه آراء جماعة حفاظ الحديث و نقاد الأثر و تداولوه في تصانيفهم) (2)
و حجتهم :هو جهالة الواسطة التي روى المرسل الحديث عنه ، اذ قد يكون الساقط صحابيا و قد يكون تابعيا . و على الاحتمال الثاني قد يكون ثقة و قد يكون غير ثقة ؛ قال الخطيب البغدادي : ((و الذي نختاره سقوط فرض العمل بالمرسل، و ان المرسل غير مقبول ، و الذي يدل على ذلك : أن ارسال الحديث يؤدي الى الجهل بعين راويه ، و يستحيل العلم بعدالته مع الجهل بعينه ، و قد بينا من قبل أنه لا يجوز قبول الخبر الا ممن عرفت عدالته ، فوجب كذلك كونه غير مقبول، و أيضا فان العدل لو سئل عمن أرسل ؟ فلم يعدله لم يجب العمل بخبره اذا لم يكن معروف العدالة من جهة غيره، و كذلك حاله اذا ابتدأ الامساك عن ذكره و تعديله ؛ لانه مع الامساك عن ذكره غير معدل له فوجب أن لا يقبل الخبر عنه)) (3) .
و قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر المرسل في أنواع المردود : ((و انما ذكر في قسم المردود للجهل بحال المحذوف لأنه يحتمل أن يكون صحابيا و يحتمل أن يكون تابعيا و على الثاني يحتمل أن يكون ضعيفا و يحتمل أن يكون ثقة ، و على الثاني يحتمل أن يكون حمل عن صحابي ، و يحتمل أن يكون حمل عن تابعي ، و على الثاني فيعود الاحتمال السابق ، و يتعدد اما بالتجويز العقلي فالى ما لا نهاية ، و اما بالاستقراء فالى ستة أو سبعة ، و هو أكثر ما وجد في رواية بعض التابعين عن بعض)) (4) .
__________
(1) مقدمة صحيح مسلم هامش النووي 1/112 ، و نقله عنه ابن الصلاح في علوم الحديث ص49-50 .
(2) علوم الحديث ص49 ، و نقله عنه ابن كثير في اختصار علوم الحديث ص48 .
(3) الكفاية ص387 .
(4) نزهة النظر ص43-44 .(4/21)
القول الثاني : يقبل المرسل من كبار التابعين دون غيرهم بشرط الاعتبار في الحديث المرسل و الراوي المرسل ، أما الاعتبار في الحديث :فهو أن يعتضد بواحد من أربعة أمور : أن يروى مسندا من وجه آخر ، أو يروى مرسلا بمعناه عن راو آخر لم يأخذ عن شيوخ الأول ؛ فيدل ذلك على تعدد مخرج الحديث ، أو يوافقه قول بعض الصحابة أو يكون قال به أكثر أهل العلم ، و أما الاعتبار في راوي المرسل :فأن يكون الراوي اذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولا و لا مرغوبا عنه في الرواية ،فاذا وجدت هذه الأمور كانت دلالة على صحة مخرج حديثه فيحتج به.
و هو قول الامام الشافعي (1) .
القول الثالث :يقبل المرسل و يحتج به اذا كان راويه ثقة .
و هو قول أبي حنيفة ، و مالك ، و رواية عن أحمد ، و هو مذهب كثير من المتقدمين (2) .
أثر المرسل في اختلاف الفقهاء : الأرض الصلبة إذا أصابتها نجاسة مائعة
ذهب الحنفية الى أن الأرض الصلبة اذا أصابتها نجاسة مائعة فلا سبيل الى تطهيرها الا بقلب اعلاها حتى يصير أسفلها(3).
و استدلوا بالمرسل الذي رواه عبد الله بن معقل بن مقرن قال :صلى اعرابي مع النبي صلى الله عليه و سلم -بهذه القصة- (4) ، قال فيه : و قال النبي صلى الله عليه و سلم :((خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه واهريقوا على مكانه)) .
__________
(1) الرسالة ص461-465 ، الكفاية ص384 ، الاحكام في أصول الاحكام 2/112 ، علوم الحديث لابن الصلاح ص49 ، جامع التحصيل ص39 ، البحر المحيط 4/413 .
(2) أصول السرخسي 1/361 ، علوم الحديث ص51 ، اختصار علوم الحديث ص ، الخلاصة 67 فتح المغيث 1/146 ، تدريب الراوي 1/171 .
(3) اللباب 1/107 ، عمدة القاري 1/123 ، فتح القدير 1/138 .
(4) اختصره ابو داود و أشار الى الذي قبله .(4/22)
رواه أبو داود و قال : هو مرسل ، ابن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه و سلم (1)
و ذهب الجمهور الى أن الصب مطهر للأرض و لا يجب الحفر (2) .
و استدلوا بما رواه أبو هريرة قال : قام اعرابي فبال في المسجد ، فتناوله الناس ، فقال لهم النبي صلى الله عليه و سلم : ((دعوه و أهريقوا على بوله سجلا (3) من ماء أو ذنوبا من ماء ، فانما بعثتم ميسرين و لم تبعثوا معسرين)) (4)
مثال آخر :
حكم زكاة مال الصبي و المجنون
اختلف الفقهاء في زكاة مال الصبي و المجنون .
فذهب الجمهور الى وجوب الزكاة في مالهما . (5)
و احتجوا بحديث يوسف بن ماهك (6) ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :((ابتغوا في مال اليتيم أو في أموال اليتامى ،لا تذهبها أو تستهلكها الصدقة)) .
رواه البيهقي و هو مرسل (7) . و هذا المرسل نموذج للمرسل الذي شرط الشافعي لقبوله أن يعتضد بواحد من أمور أربعة ، فقد اعتضد هذا المرسل بثلاثة أمور من الأربعة :
__________
(1) سنن أبي داود 1/103 رقم (381) و ابن معقل هو عبد الله بن معقل الكوفي ثقة ، التقريب 1/453 .
(2) نيل الأوطار 1/42 ، شرح السنة 2/81 و 82 .
(3) السجل : الدلو الكبير .
(4) أخرجه البخاري 8/11 رقم (6010) ، و الترمذي 1/275 رقم (147) ، و ابن ماجه 1/176 رقم (529) .
(5) المجموع 5/331 ، المغني 2/492 ، المدونة 2/10 ، المحلى 5/205 ، شرح السنة 6/64 .
(6) يوسف بن ماهك بن بهزاد ثقة من الثالثة مات سنة ست و مائة ، تقريب التهذيب 2/382 .
(7) السنن الكبرى 4/107 .(4/23)
فالحديث روي موصولا من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده (1) ، و رواه الدار قطني من طريقين آخرين (2) . و قد اعتضد بفتيا ثلاثة من الصحابة بموجبه : عمر و علي ، و أم المؤمنين (3)
و أيضا : فان القول بموجبه هو قول جمهور الفقهاء .
و ذهب بعض العلماء الى انها لا تجب في مالهما .
و بذلك قال أبو حنيفة و بعض الزيدية ، و هو الراجح عند الامامية ، لكن استثنى أبو حنيفة و من وافقه من الزيدية الزروع و الثمار ، فأوجبوا فيها الزكاة لا فرق بين أن يكون المالك قاصرا أو غير قاصر (4)
و ذهب بعضهم الى أنها تجب في أموالهم الظاهرة كالزروع و المواشي و نحو ذلك و لا تجب في نقوده (5)
النوع الثالث من انواع المنقطع : المعضل
المعضل لغة : اسم مفعول ، من أعضله بمعنى أعياه (6) .
و في اصطلاح المحدثين : هو عبارة عما سقط من اسناده اثنان فصاعدا على التوالي (7) .
و سمى ابن الصلاح حديث تابع التابعي اذا كان مرفوعا معضلا (8) .
و الحديث المعضل ضعيف عند المحدثين لجهالة الساقطين من الاسناد ، قال الجوزجاني :((المعضل أسوأ حالا من المنقطع و المنقطع أسوأ حالا من المرسل ، و المرسل لا تقوم به حجة)) (9) .
__________
(1) أخرجه الترمذي 3/32 رقم (641) ، و الدار قطني 2/110 ، و البيهقي 4/107 ، و البغوي (1589) ، و روي موقوفا من قول عمر أخرجه أحمد كما في سؤالات عبد الله (744) ، و الدار قطني 2/110 .
(2) سنن الدار قطني 2/110-111 .
(3) أنظر الآثار عنهم في المحلى 5/208 ، و سؤالات أحمد برواية ابنه عبد الله (744) .
(4) مختصر الطحاوي ص45 ، المجموع 5/99 ، تبيين الحقائق 1/252 ، شرح فتح القدير 2/115 ، شرح السنة 6/64 ، مسائل من الفقه المقارن 1/190 و ما بعدها .
(5) المصادر السابقة .
(6) تيسير مصطلح الحديث ص74 .
(7) علوم الحديث ص59، التقريب مع التدريب 1/211 ، الخلاصة ص69 ، اختصار علوم الحديث ص51.
(8) علوم الحديث ص59 .
(9) النكت 2/581 .(4/24)
نموذج لأثر المعضل في اختلاف الفقهاء : حكم من جامع زوجته و هي حائض
اتفق الفقهاء على حرمة جماع الرجل زوجته و هي حائض (1) .
و اختلفوا في وجوب الكفارة :
فمنهم : من لم يوجب كفارة في ذلك .
و هو مذهب أكثر الفقهاء . و اليه ذهب أبو حنيفة ، و مالك ، و الشافعي في الجديد ، و أحمد في رواية(2) .
و منهم : من أوجب عليه الكفارة .
و هو مذهب بعض الصحابة و التابعين ، و من جاء بعدهم ، منهم ابن عباس ، و قتادة ، و الأوزاعي . و هو قول الشافعي القديم ، و أحمد في رواية (3) .
و قد قال الأوزاعي : عليه أن يتصدق بخمس دينار .
و احتج بما رواه هو عن يزيد بن أبي مالك ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ، عن النبي صلى الله عليه و سلم في الذي يأتي امرأته و هي حائض ، قال :آمره أن يتصدق بخمس دينار قال أبو داود : ((هذا الحديث معضل)) (4) .
و وجه الاعضال هنا : هو سقوط راويين بين عبد الحميد بن عبد الرحمن و بين النبي صلى الله عليه و سلم فان عبد الحميد هذا هو ابن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ثقة من الرابعة (5) و هو يروي ، عن النبي صلى الله عليه و سلم بواسطة اثنين (6) ، فهو مرسل من وجه و معضل من وجه.
و ذهب بقية من ذكرتهم الى أنه يتصدق بدينار أو نصف دينار .
__________
(1) عمدة القاري 3/266 ، المجموع 2/359 ، المحلى 2/162 ، نيل الأوطار 1/241 .
(2) المجموع 2/360 ، المحلى 2/162 ، التمهيد 3/175 .
(3) معالم السنن 3/175 ، المجموع 2/360 ، الشرح الكبير 1/317 ، المحلى 2/187 .
(4) سنن أبي داود 1/69 رقم (266) .
(5) تقريب التهذيب 1/468 .
(6) و أنظر بذل المجهود 2/284 .(4/25)
و ذلك لحديث الحكم ، عن عبد الحميد ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه و سلم في الذي يأتي امرأته ، و هي حائض ؛ قال :((يتصدق بدينار أو بنصف دينار)) (1)
و قد اختلفت اتجاهات العلماء في الحكم على هذا الحديث .
فقد صححه الحاكم ، و ابن القطان ، و مال الى ذلك أحمد و ابن دقيق العيد و ابن حجر بينما أعله جماعة من الحفاظ و بالغوا في تضعيفه ، منهم : البيهقي ، و ابن عبد البر ، و المنذري ، و قال النووي : اتفق الحفاظ على تضعيفه (2) .
و يبدوا أن الجمهور ، مالوا الى تضعيف الأحاديث التي فيها الكفارة ؛
لذلك قالوا بعدم وجوبها ؛ لأن الأصل براءة الذمة من الكفارة ، و لا تجب الا بدليل صحيح ، و حيث لم يصح عن النبي صلى الله عليه و سلم عندهم فيها شيء ؛ لذلك فهي عندهم غير واجبة .
__________
(1) و هو حديث صحيح ، رجاله ثقات ، أخرجه أحمد 1/229 و 237 و 286 و 312 و 339 و 367 ، و الدارمي (1110) و (1114) و (1116) ، و أبو داود 1/69 رقم (264) و (266) و (2168) ، و ابن ماجه ج1/210 رقم (640) ، و الترمذي 1/245 رقم (137) ، و النسائي 1/153 و 188 ، و أبو يعلى (2432) ، و الدار قطني 3/287 ، و الحاكم 1/171 ، و البيهقي 1/317 ، و البغوي (315) ، و المزي في تهذيب الكمال 16/452 و حاصل ما أعل به هذا الحديث أنه روي مرفوعا و موقوفا ، و قد تفرد شعبة في رواية بروايته موقوفا ، و قد رفعه هو في رواية و عمرو بن قيس الملائي ، و قتادة ، و مطر الوراق ، و أنظر العلل لابن أبي حاتم 1/50-51 ، و تعليق العلامة أحمد شاكر على جامع الترمذي 1/245-254 .
(2) فقه الامام سعيد 1/128 ، عون المعبود 1/109 .(4/26)
النوع الرابع من أنواع الانقطاع : الاختلاف في سماع الراوي
بينت فيما سبق :أن الاتصال شرط لصحة الحديث النبوي الشريف ، و الاتصال : هو تلقي الراوي من الشيخ الذي يليه ، و قد يختلف العلماء في اثبات سماع راو من شيخه أو نص سماعه منه ، و هذا الاختلاف يؤدي الى اختلافهم في اعلال الحديث أو عدم اعلاله ، فمن يثبت السماع يعده متصلا ، و من لا يثبت السماع يعده منقطعا مما يؤدي الى رد الحديث أو قبوله ؛ مما يحصل خلاف للفقهاء بسبب ذلك .
مثال ذلك :
حديث مجاهد ، عن عائشة ، قالت :((كان الركبان يمرون بنا و نحن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم محرمات ، فاذا حاذونا سدلت احدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فاذا جاوزونا كشفناه)) (1).
فقد اختلف العلماء في سماع مجاهد -و هو ابن جبر المكي- من عائشة : فأنكره يحيى بن معين و يحيى بن سعيد القطان و شعبة بن الحجاج ، و قال أبو حاتم :((مجاهد عن عائشة مرسل)) و أثبته جماعة (2) .
__________
(1) أخرجه أبو داود 2/167 رقم (1833) .
(2) تهذيب التهذيب 10/42 ، نصب الراية 3/94 ، و قال أبو حاتم :((لم يسمع منها)) (الجرح و التعديل ج8/ الترجمة 1469) ، و قال ابن معين :((لم يسمع مجاهد من عائشة)) (تأريخه 2/549) و أنظر تهذيب الكمال 7/232 وتحفة الاشراف 12/293 وجامع التحصيل ص 273.(4/27)
و كذلك : اختلفوا في سماع راشد بن سعد من ثوبان كما في حديث :((المسح على التساخين)) (1) .
فمن لم يثبت سماع راشد من ثوبان أعله بالانقطاع ،و من أثبته جعله متصلا (2) .
و اعلاله بالانقطاع مردود ، فانه قد عاصر ثوبان قرابة ثمانية عشر عاما ، و لم يصفه أحد بالتدليس ، و قد جزم البخاري في تأريخه أنه سمع منه (3)
أثر الحديث في اختلاف الفقهاء : حكم المسح على العمامة
اختلف الفقهاء في المسح على العمامة على قولين :
القول الأول : يجوز المسح على العمامة .
و به قال سفيان الثوري و الأوزاعي ، و أحمد ، و أبو ثور ، و اسحاق بن راهويه ، و محمد بن جرير و داود (4) .
و استدلوا بالحديث السابق .
القول الثاني : لا يجوز الاقتصار في المسح على العمامة .
__________
(1) أخرجه أحمد 5/277 (و من طريقه أبو داود 1/36 رقم (146) ، و الحاكم 1/169 ) عن يحيى بن سعيد ، عن ثور بن يزيد الكلاعي ، عن راشد بن سعد ، عن ثوبان قال :بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم سرية فاصابهم البرد ، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه و سلم شكوا اليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب و التساخين ، و له شاهد من حديث المغيرة بن شعبة عند الترمذي ج1/30 رقم (19) ، و ابن ماجه 1/185 رقم (559) قال عنه الترمذي :((حسن صحيح)) . و العصائب : هي العمائم ، و التساخين : الخفاف . أنظر مسائل عبد الله لأبيه ص35 .
(2) المراسيل لابن أبي حاتم ص59 ، جامع التحصيل ص210 ، و علل أحمد 1/104 رقم (627) و تهذيب الكمال 9/9-11 .
(3) ج3 ص292 ، و أنظر نصب الراية 1/165 ، و تهذيب التهذيب 3/226 ، و تهذيب الكمال 9/9-11.
(4) المغني 1/300 ، المجموع 1/406 ، المحلى 1/81-89 .(4/28)
و به قال مالك ، و أبو حنيفة و الشافعي ، و هو قول أكثر أهل العلم . و ذلك لعدم اثباتهم لهذا الحديث (1)
النوع الخامس من انواع الانقطاع : الاختلاف في سماع مخصوص
قد يختلف أهل العلم في سماع مخصوص ، كاختلافهم في رواية عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده . و هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص .
و جده المراد به جد شعيب ، و هو عبد الله بن عمرو بن العاص .
و هذه السلسلة اضطربت فيها أقوال النقاد ، اضطرابا كثيرا ، و اختلفت فيها أقوالهم ، ما بين قبول و رد و تفصيل ، و قلما اختلفوا مثل هذا الاختلاف .
و حاصل ما اعلت به هذه السلسلة أمران :
الأول : انه وجد صحيفة لجده عبد الله بن عمرو بن العاص ؛ فحدث بها و هو لم يسمعها ، و بهذا أعلها ابن معين (2) ، و ابن حزم (3) .
و هذا مردود فقد ثبت سماع شعيب من جده عبد الله كما سيأتي ، على أنه اذا كان روى بعض الأحاديث بالوجادة ، فلا بأس لأن الوجادة احدى صيغ التحمل (4) .
الثاني : ان عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو ، ان أراد بجده محمد -والد شعيب- فهو مرسل ؛ لأن محمدا لم يدرك النبي صلى الله عليه و سلم و ان أراد بجده عبد الله بن عمرو فهو منقطع ؛ لأن شعيبا لم يلق عبد الله(5).
و أجيب على هذا :أن المراد بجده جد شعيب -والد عمرو- و هو عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي الجليل . و قد سمع شعيب منه كما سيأتي مفصلا ، و قد ثبت سماع عمرو من أبيه شعيب (6) . فتكون الراوية موصولة .
__________
(1) شرح فتح القدير 1/40 ، المغني 1/300 ، المجموع 1/406 ، تبيين الحقائق 1/52 ، مغني المحتاج 1/60 ، بداية المجتهد 1/10 .
(2) تهذيب الكمال 22/72 .
(3) المحلى 10/131 و 11/324 .
(4) تهذيب التهذيب 8/54 و أنظر علوم الحديث لابن الصلاح ص157 .
(5) تهذيب التهذيب 8/51-53 ، شرح ألفية السيوطي ص246 ، هامش جامع الترمذي 2/141 .
(6) تهذيب التهذيب 8/51 .(4/29)
و حاصل أقوال أهل العلم في قبولها و ردها ما يأتي :
أولا : مردودة لأنها وجادة ، و به قال ابن حزم (1) .
ثانيا : ذهب الدار قطني الى التفصيل ، ففرق بين أن يفصح بجده أنه عبد الله فيحتج به أو لا يفصح فلا يحتج به ، و كذلك ان قال : عن أبيه ، عن جده سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أو نحو هذا مما يدل على أن المراد
الصحابي فيحتج به و الا فلا (2)
ثالثا : ذهب ابن حبان الى تفصيل آخر ، فان استوعب ذكر آبائه في الرواية احتج به ، و ان اقتصر على قوله ، عن أبيه عن جده لم يحتج به (3) .
رابعا : عمرو ضعفه بعضهم مطلقا و الجمهور على توثيقه (4)
خامسا : قبولها و انها متصلة غير منقطعة ، فقد قال الامام البخاري: ((رأيت أحمد بن حنبل ، و علي بن المديني و اسحاق بن راهويه ، و أبا عبيدة وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، ما تركه أحد من المسلمين )) (5) .
و قال اسحاق بن راهويه : ((اذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر )) (6) .
و قال ابن عبد البر :((و حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده مقبول عند أكثر أهل العلم بالنقل)) (7) .
و قال النووي : ((و هو الصحيح المختار الذي عليه المحققون من أهل الحديث و الأكثرون ، و هم أهل الفن ، و عنهم يؤخذ)) (8) .
__________
(1) المحلى 10/131 و 11/324 .
(2) تهذيب التهذيب 8/51 ، شرح ألفية السيوطي ص246 ، هامش الترمذي 2/140 .
(3) تهذيب التهذيب 8/53 .
(4) تهذيب التهذيب 8/51 ، و حجة من ضعفه ما ورد من أحاديث مناكير في رواياته ، و قد أجاب عن ذلك أبو زرعة الرازي : بأن المناكير التي وقعت في حديثه انما هي من الرواة الضعفاء عنه . أنظر الجرح و التعديل ج6 /239 .
(5) تأريخه الكبير 6/ الترجمة (2578) ، تهذيب الكمال 22/69 الكاشف 2/79 بتحقيق الشيخ محمد عوامة.
(6) تهذيب التهذيب 8/49 .
(7) تجريب التمهيد ص255 .
(8) المجموع 1/110 .(4/30)
و الذي يهمنا هنا هو سماع عمرو من أبيه شعيب، و سماع شعيب من جده عبد الله ، فقد صح سماع عمرو من أبيه شعيب ، لا خلاف في ذلك ، و كذلك قد صح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو ، و ذلك لأن عبد الله هو
الذي ربى شعيبا ، لما مات أبوه محمد كما قرر ذلك الذهبي (1) و العلائي (2) ، و غيرهم (3) .
قال البيهقي :((و سماع شعيب بن محمد بن عبد الله صحيح من جده عبد الله ، لكن يجب ان يكون الاسناد صحيحا الى عمرو )) (4) .
و قال الزيلعي :((و قد ثبت في الدار قطني و غيره بسند صحيح سماع عمرو من أبيه شعيب ، و سماع شعيب من
جده عبد الله)) (5) .
و قال أبو بكر بن زياد النيسابوري :((صح سماع عمرو بن شعيب من أبيه شعيب ، و صح سماع شعيب من جده عبد الله)) (6)
و الدليل على ما سبق ثبوت قصة رواها الدار قطني في سننه (7) ، و الحاكم (8) ، و البيهقي (9) .
- و ملخصها - أن شعيبا والد عمرو قال :((كنت عند عبد الله بن عمرو فجاء رجل فاستفتاه في محرم وقع بامرأته ، فقال لي : يا شعيب ، اذهب معه الى ابن عباس ... و ذكر الحديث - قال البيهقي :((و هذا اسناد صحيح ، و فيه دليل على صحة سماع شعيب بن محمد بن عبد الله ابن عمرو بن العاص من جده عبد الله بن عمرو)) .
و قال الحاكم - قبل أن يذكر هذه الرواية - : ((كنت أطلب الحجة الظاهرة في سماع شعيب بن محمد ، عن جده عبد الله بن عمرو ، فلم أصل اليها الى هذا الوقت - ثم ذكر الحديث المتقدم- و قال : ((هذا حديث رواته ثقات حفاظ ، و هو كالأخذ باليد على صحة سماع شعيب من جده .
__________
(1) الميزان 3/366 .
(2) جامع التحصيل ص238 .
(3) تهذيب التهذيب 8/49 و ما بعدها .
(4) السنن الكبرى 7/397 .
(5) نصب الراية 1/59 .
(6) تهذيب الكمال 22/73 .
(7) ج3 /50-51 .
(8) المستدرك 2/65 .
(9) السنن الكبرى 5/95 .(4/31)
و مما يؤكد ذلك أيضا : ما رواه البيهقي (1) عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، قال : كنت أطوف مع أبي عبد الله بن عمرو بن العاص ... فذكر الحديث .
فكل هذا يدل على صحة ما نقلناه عن الأئمة بأن محمدا - والد شعيب- مات في حياة أبيه عبد الله و ترك ابنه شعيبا صغيرا فكفله جده و رباه (2) .
أثره في اختلاف الفقهاء : متى يعتق المكاتب (3)
ذهب أكثر أهل العلم من الصحابة و التابعين ، و اليه ذهب الأئمة الأربعة : أن المكاتب عبد ما بقي عليه شيء من كتابته ، و لو كان شيئا يسيرا ، فلا يحكم بعتقه حتى يوافي جميع ما عليه (4) .
و احتجوا : بما رواه عمرو بن شعيب عن ابيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، قال :((المكاتب عبد
ما بقي عليه من كتابته شيء)) (5) .
و قد أعله ابن حزم فقال :((و أما حديث عمرو بن شعيب فإنه صحيفة)) (6) .
و أجيب عن ذلك : بأن أكثر أهل العلم على قبول رواية عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، و قد صح سماع عمرو بن شعيب من أبيه شعيب ، و سماع شعيب من جده عبد الله ، على انه اذا كان روى بعض الاحاديث بالوجادة ، فلا بأس لأن الوجادة احدى صيغ التحمل.
__________
(1) السنن الكبرى 5/92 .
(2) و أنظر المجموع 1/65 و ما بعدها ، و الميزان 3/266 ، و نصب الراية 1/58-59 و 2/332-334 ، و جامع التحصيل ص238 ، و تهذيب الكمال 22/73 ، و تهذيب التهذيب 8/48-55 ، تنقيح التحقيق 1/452 ، مسند أبي يعلى 10/140، والكاشف مع حاشيته 2/78-80 .
(3) المكاتب : هو العبد الذي يتعاقد مع سيده على عتقه ، في مقابلة عوض يؤديه اليه كان يكاتبه على ألف دينار مثلا فاذا أداها الى سيده صار حرا، أنظر فقه الامام سعيد 4/246 .
(4) المحلى 9/229 ، المدونة 7/86 ، المغني 12/349 ، فقه الامام سعيد 4/246 .
(5) أخرجه أبو داود 4/20 رقم (3926) ،و البيهقي 10/324 .
(6) المحلى 9/321 .(4/32)
و ذهب بعض أهل العلم الى أنه يعتق بنفس عقد الكتابة وكتابته في ذمته (1) .
و ذهب بعضهم الى أنه ان أدى الربع عتق و ما بقي في ذمته و هو رواية عن النخعي (2) و ذهب بعضهم الى أنه ان أدى الثلث عتق و ما بقي في ذمته ، و هو رواية عن ابن مسعود (3).
و ذهب بعضهم : الى أنه ان أدى النصف عتق و ما بقي في ذمته و هو رواية عن علي و شريح (4) .
و ذهب بعضهم : الى أنه ان ادى ثلاثة أرباع قيمته عتق و ما بقي في ذمته و بذلك قال عطاء (5) .
و ذهب بعضهم : الى أنه ان أدى قيمته عتق و ما بقي في ذمته (6) .
و ذهب بعضهم : الى أنه يعتق منه بقدر ما أدى ، و هو رواية عن علي، و به قال ابن حزم (7) .
المبحث الثاني : اعلال السند بسبب تضعيف الراوي
و فيه تمهيد، و ثلاثة مطالب
تمهيد :
لتحمل (8) الحديث و أدائه (9) شروط يجب أن تتوفر ، و الذي يعنينا في دراستنا هذه أهلية (10) الأداء ، فيشترط فيمن يؤدي الحديث النبوي الشريف - ذكرا كان أو أنثى- الشروط الآتية:
أولا : الاسلام (11) ؛ فلا تقبل رواية الكافر أبدا ، و لا يعقل أن تقبل روايته ؛ لأن في قبولها تنفيذا لقوله: ((على المسلمين)) و كيف تقبل رواية من يكيد للاسلام ؟ و قد أمرنا الاسلام أن نتوقف في خبر الفاسق ، فكيف نأخذ برواية الكافر ؟
__________
(1) المحلى 9/229 -230 ، فقه الامام سعيد 4/247-248 .
(2) المصدرين السابقين
(3) المصدرين السابقين .
(4) المصدرين السابقين .
(5) المصدرين السابقين .
(6) المصدرين السابقين .
(7) المصدرين السابقين .
(8) التحمل : هو أخذ الحديث عن الشيخ بطريق من طرق التحمل . الاقتراح ص238 .
(9) الأداء : هو تبليغ الحديث و أدائه . أصول الحديث ص227 .
(10) الأهلية : صلاح المرء لروايته الحديث . أصول الحديث ص227 .
(11) علوم الحديث ص94 ، البحر المحيط 4/268 ، التقييد و الايضاح ص136 ، ارشاد الفحول ص48 ، توضيح الافكار 2/115 .(4/33)
ثانيا : البلوغ (1) : فلا تقبل رواية من دون سن التكليف ؛ حيث أن البلوغ مدار التكليف ، و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم : ((رفع القلم عن ثلاثة : عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ ، و عن النائم حتى يستيقظ ، و عن
الصبي حتى يحتلم)) (2)
و البلوغ مظنة الادراك و فهم أحكام الشريعة ؛ لذلك نيط التكليف به ، و المراد بالبلوغ العقل مع ادراك سن الاحتلام ، و لذا فلقد قرنه بها بعضهم . أي - البلوغ و العقل- (3) و قد اكتفى الشافعي بذكر العقل (4) ؛ لأنه لا يتصور الادراك و العقل دون البلوغ عند الغالب . فاشتراط العلماء البلوغ ، فيه احتراز عن حديث الصغير ، اذ أنه لا يعرف أثر الكذب و لا عقوبته ، فالبلوغ و العقل يزجران المكلف عن الكذب ، أما اذا تحمل صغيرا ، و أدى الرواية كبيرا قبلت روايته ، و لم يتردد أحد في قبول رواية : عبد الله بن عباس ، و يوسف بن عبد الله بن سلام ، و ابن الزبير ، و النعمان بن بشير ، و الحسن بن علي ، و السائب بن يزيد ، و المعروف من سير السلف: أنهم كانوا يحضرون الأطفال و الصبيان مجالس العلم و الرواية ، فاذا كان في كبره جامعا للشروط الأخرى لا تردد في قبول روايته(5) .
__________
(1) المصادر السابقة ، سوى البحر المحيط فانه 4/267 .
(2) حديث صحيح ، أخرجه أحمد 6/100 و 144 ، و الدارمي (2301) ، و أبو داود 4/139 رقم (4398) ، و ابن ماجه 1/658 رقم (2041) ، و النسائي 6/156 ، و ابن الجارود (148) ، و أبو يعلى (4400) ، و ابن حبان (142) ، و الحاكم 2/59 من حديث عائشة . و أخرجه أبو داود 4/140 رقم (4401) ، و ابن ماجه 1/658 رقم (2042) و الدار قطني 3/138 و الحاكم 1/258 و 2/59 ، و البيهقي 8/264 من حديث علي ، و صححه الحاكم ، و لم يتعقبه الذهبي .
(3) الكفاية ص76 ، بدائع الصنائع 2/266 .
(4) الرسالة ص370 .
(5) المنهج الاسلامي ص153 ، و ظفر الأماني 473-474 .(4/34)
ثالثا : العدالة (1) : و هي كما قال ابن الأثير الجزري (2) :((عبارة عن استقامة السيرة و الدين ، و يرجع حاصلها : الى هيئة راسخة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى و المروءة (3) جميعا ، حتى تحصل الثقة للنفوس بصدقه ، و لا تشترط العصمة من جميع المعاصي ، و لا يكتفى اجتناب الكبائر بل من الصغائر ما ترد به الشهادة و الرواية ، و بالجملة فكل ما يدل على ميل دينه الى حد يستجيز على الله الكذب بالأعراض الدنيوية ، كيف و قد شرط في العدالة التوقي عن بعض المباحات القادحة في المروءة نحو : الأكل و الشرب في السوق ، و البول في الشوارع و نحو ذلك ؟ فعلى هذا يشترط في الراوي حتى يسمى عدلا : أن لا يفعل الكبائر و لا يصر على الصغائر و لا يفعل ما يخرم مروءته)).
رابعا الضبط (4) :- هو اتقان ما يرويه الراوي و ذلك : بأن يكون متيقظا لما يروي غير مغفل حافظا لروايته ان روى من حفظه ، ضابطا لكتابه ان روى من الكتاب ، عالما بمعنى ما يرويه و بما يحيل المعنى عن المراد ان روى بالمعنى ، حتى يثق المطلع على روايته و المتتبع لأحواله بأنه أدى الأمانة كما تحملها لم يغير منها شيئا (5) ،
__________
(1) علوم الحديث ص94 ، البحر المحيط 4/273 ، التقييد و الايضاح ص94 ، ارشاد الفحول ص48 .
(2) جامع الأصول 1/74 .
(3) المروءة : آداب نفسية تحمل مراعاتها الانسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق ، و جميل العادات . و قال بعضهم : هي كمال المرء كما أن الرجولة كمال الرجل . و قال بعضهم : المروءة هي قوة تصدر عنها الأفعال الجميلة المستتبعة للمدح شرعا و عقلا و عرفا . أنظر المنهج الحديث ص58-59 .
(4) علوم الحديث ص94 ، البحر المحيط 4/307 ، التقييد و الايضاح ص136 ، ارشاد الفحول ص48 ، نزهة النظر ص29 .
(5) هامش جامع الأصول 1/72 ، و أسباب اختلاف المحدثين 1/135 .(4/35)
و هذا مناط التفاضل بين الرواة الثقات : فاذا كان الراوي عدلا ضابطاً سمي ثقة (1) .
و يعرف ضبطه بموافقة الثقات الضابطين المتقنين ، اذا اعتبر حديثه بحديثهم ، و لا تضر مخالفته النادرة لهم ، فان كثرت مخالفته لهم و ندرت الموافقة اختل ضبطه و لم يحتج بحديثه (2) .
فهذه شروط أربعة يجب أن تتوفر جميعها في الراوي ،فاذا اختل شرط من هذه الأربعة سقط الاحتجاج بحديثه و يكون حديثه ضعيفا حتى ينظر هل له متابع أو شاهد ؟ يتقوى بها .
و اعلال السند بسبب تضعيف الراوي يعود في الغالب الى : فقدان العدالة ، او لخلل في العدالة ، أو الضبط ؛ فهذان أمران ، و سأضم الى ذلك حكم الراوي اذا اختلف في توثيقه و تجريحه ، و أتكلم عن كل واحد منها في مطلب مستقل ؛ لذلك فان هذا المبحث سيتضمن ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : اعلال السند بسبب الطعن في عدالة الراوي
و فيه ثلاثة فروع
الفرع الأول : كذب الراوي أو اتهامه بالكذب
قد يرد حديث ما و يكون في رجال اسناده راو طعن في عدالته فيختلف العلماء في الاحتجاج به فمنهم : من يرده لهذا الضعف ، و منهم : من يأخذ به لحسن ظنه به أو لعدم وجود حديث في الباب عنده أو لقرينة عند هذا الامام يتقوى بها الحديث (3)
مثال لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء : حكم التطهر بالماء المستعمل في رفع الحدث (4)
اختلف الفقهاء في ذلك :
__________
(1) توجيه النظر ص69 ، فتح المغيث 1/18 ، العواصم 8/27 ، تدريب الراوي 1/63 .
(2) جامع الأصول 1/72 .
(3) أنظر كشف الأسرار 3/21 ، و قواعد التحديث ص330 و ما بعدها .
(4) الماء المستعمل : عرفه الشافعية ، بأنه: ما انفصل من أعضاء المحدث في وضوئه أو من بدن الجنب في غسله . و عرفه الحنفية : بأنه ما أزيل به حدث أو أستعمل في البدن على وجه القربة . الحاوي للماوردي 1/296 ، الهداية 1/20 .(4/36)
فذهب الأوزاعي و مالك في رواية عنه ، و هو قول قديم للشافعي و رواية عن أحمد الى أنه مطهر (1) .
و احتجوا بما روي عن ابن مسعود مرفوعا :((من نسي مسح الرأس ، فذكر و هو يصلي فوجد في لحيته بللا فيأخذ منه و ليمسح به رأسه ، فان ذلك يجزئه ، و ان لم يجد بللا فليعد الوضوء و الصلاة )) .
قال الهيثمي :((رواه الطبراني في الأوسط ، و فيه نهشل بن سعيد و هو كذاب)) (2) .
و ذهب كثير من الفقهاء الى أنه طاهر غير مطهر فلا يرفع حدثا و لا يزيل نجسا .
و به قال أبو حنيفة في المشهور عنه و الشافعي و رواية عن أحمد (3) .
و قد لاحظ الجمهور: أن الحديث المذكور لا يجوز الاحتجاج به لطعن في عدالة الراوي ؛ لذلك فالحجة لهم:
ما صح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه)) (4) .
و في لفظ لمسلم (5) :((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)) .
و في لفظ لأبي داود (6) :((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه)) .
و هكذا نرى أن النبي صلى الله عليه و سلم منع من الغسل في الماء الدائم كمنعه من البول فيه ، فلولا أن ازالة الحدث بالماء يؤدي الى منع التطهر به لما نهى عنه .
__________
(1) المجموع 1/207 ، المغني 1/18-20 ، كشاف القناع 1/32 ، مغني المحتاج 1/61-62 .
(2) مجمع الزوائد 1/240 وهو في المعجم الاوسط 8/282 رقم (7569). و أنظر ترجمة نهشل في التقريب 2/307 و التهذيب 10/479 و الميزان 4/275 .
(3) الحاوي 1/297 ، المغني 1/118 ، الاستذكار 1/253 ، الهداية 1/19 ، مغني المحتاج 1/20 ، بداية المجتهد 1/21 ، القوانين الفقهية ص45 ، الخرشي 1/74-75 .
(4) أخرجه الحميدي (970) ، و أحمد 2/265 ، و الدارمي (736) ، و مسلم 1/162 رقم (282) ، و أبو داود 1/18 رقم (69) ، و النسائي 1/49 ، و ابن خزيمة (66) من طريق محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة .
(5) الجامع الصحيح 1/162 رقم (283) .
(6) السنن 1/18 رقم (69) .(4/37)
فان قيل : حمل الأحاديث على هذا يؤدي الى القول بنجاسة الماء المستعمل في الطهارة من الحدث كنجاسة الماء الذي يبال فيه .
أجيب : بأن النهي عن الاغتسال في الماء الدائم يدل على أنه يؤثر في الماء و هذا الأثر هو المنع من التطهر به ، أما اقترانه بالنهي عن البول فهذا يقتضي المشاركة في أصل الحكم لا في تفضيله (1) ، و الحاصل على عدم التسوية بينهما في كل شيء هو ما صح :((أن النبي صلى الله عليه و سلم كان اذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه)) (2)
اذن فتبركهم بالماء الذي توضأ به رسول الله صلى الله عليه و سلم قد دل على أن الماء المستعمل لا ينجس ، فلن تبق دلالة لاقتران الماء المستعمل في الحدث بالماء الذي يبال فيه الا الدلالة على أن المستعمل طاهر غير مطهر .
مثال آخر : حكم الماء المشمس
اختلف الفقهاء في التوضؤ بالماء المشمس :
فذهب الجمهور الى أنه لا يكره التوضؤ بالماء المشمس (3) .
و ذهب بعض الشافعية الى أنه يكره (4) .
__________
(1) أنظر المغني 1/20 .
(2) جزء من حديث طويل أخرجه أحمد 4/323 و 328 و 331 من طريق عروة بن الزبير ، عن المسور بن مخرمة و مروان . و أنظر المسند الجامع 15/148 حديث (11425) .
(3) المغني 1/17 ، الكافي 1/3 ، الانصاف 1/24 ، شرح منتهى الارادات 1/13 ، المجموع 1/135-140 و قال الامام النووي :((و الصواب الجزم بأنه لا كراهية فيه ، و هذا هو الموافق لنص الشافعي ؛ فانه قال في الام (1/3) : و لا اكره الماء المشمس الا من جهة الطب ...)) ثم قال النووي :((و مذهب مالك و أبي حنيفة و أحمد و داود و الجمهور : أنه لا كراهة كما هو المختار)) .
(4) فتح العزيز 1/128 ، الروضة 1/10-11 ، نهاية المحتاج 1/59-61 .(4/38)
و احتج أصحاب المذهب الثاني : بما رواه خالد بن اسماعيل ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، أنها قالت : أسخنت ماءاً في الشمس ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم :((لا تفعلي يا حميراء (1) ، فانه يورث البرص))(2).
و خالد بن اسماعيل قال عنه ابن عدي :((كان يضع الحديث على الثقات)) . و قال ابن حبان :((لا يجوز الاحتجاج به بحال )) . و قال الدار قطني :((متروك)) (3)
لذلك فان جمهور العلماء قالوا : بعدم كراهته ، و ممن قال بعدم كراهته بعض الشافعية ، و اختار ذلك النووي -رحمه الله تعالى- و قال :((هو مذهب مالك و أبي حنيفة و أحمد و داود و الجمهور .
و علل النووي اختياره لعدم الكراهة : بأن الشمس ، لا أصل لكراهته ، و لم يثبت عن الأطباء فيه شيء ، قال : ((فالصواب الجزم بأنه لا كراهة فيه)) (4)
و ذكر ابن قدامة : أنه حكي عن أهل الطب : أنهم لا يعرفون لذلك تأثيرا في الضرر (5)
قال لي العلامة الدكتور هاشم جميل :
(( ما ذكر نلاحظ عليه عدة أمور :
الأمر الأول : نص كلام الشافعي في المسألة - كما ذكره النووي- رحمه الله تعالى- هو قوله :((لا أكره المشمس الا أن يكره من جهة الطب)) . و قد ذكر النووي : أن هذا يمكن أن يكون معناه :((لا أكره الا من جهة الطب ان قال أهل الطب أنه يورث البرص)) (6)
__________
(1) الحميراء : تصغير حمراء بمعنى بيضاء اللون مشرب بياضها بحمرة (فتح الباري 7/106) و قال ابن القيم في المنار المنيف ص60 :((كل حديث فيه يا حميراء أو ذكر الحميراء فهو كذب مختلق)) . و أنظر ما علقه الشيخ عبد الفتاح-رحمه الله- عليه و كذا تعليقه على المصنوع ص212 و ما بعدها .
(2) أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات 2/79 ، و البيهقي 1/6 و قال :((و هذا لا يصح)) و أخرجه الدار قطني 1/38 .
(3) الميزان 1/627 ، لسان الميزان 2/372 ، المجروحين 1/281 ، سنن الدار قطني 1/38 ، سنن البيهقي 1/6 .
(4) المجموع 1/133 .
(5) المغني 1/17 .
(6) المجموع 1/133 .(4/39)
الأمر الثاني : المشهور عن الخراسانيين - من الشافعية - :أن المشمس يكره في البلاد الحارة ، اذا شمس في الأواني المنطبعة، و هي المطرقة .
و ذكر النووي : ان في المنطبعة ثلاثة اوجه :
كل ما يطرق ، و هو قول الشيخ أبي محمد الجويني
النحاس خاصة و هو قول الصيدلاني
كل ما يطرق الا الذهب و الفضة لصفائهما و اختار هذا امام الحرمين (1) .
الأمر الثالث : ذكر ابن قدامة في المغني قول الشافعي : ((و لا أكرهه الا من جهة الطب )) و في هامش كتاب المغني طبعة المنار (2) : جاءت التعليقة الآتية :((قيدوا الأواني بالمعادن المنطبعة كالنحاس ؛ لما يتحلل من صدئها في الماء ، و صدأ النحاس و الرصاص سام باتفاق الأطباء ، فينبغي تقييد الاحتراز منه بذلك)) ، هذه التعليقة التي جاءت في هامش كتاب المغني ينبغي التحقق من ذوي الاختصاص عن صحة ما جاء فيها ، فاذا ثبت ذلك ؛فان هذا يدل على رجحان قول الشافعي في هذه المسألة ، فإن احتمال وقوع الضرر من استعماله كافٍ لاثبات الكراهة و ان لم يثبت في ذلك أثر ، و ذلك يدل على مدى دقة الشافعي -رحمه الله تعالى- في استنباطه الأحكام ، و على مدى توفيق الخراسانيين لفهم كلام امامهم في هذه المسألة (3) )).
الفرع الثاني : جهالة الراوي أو كونه مبهما
و فيه فقرتان
الفقرة الأولى : جهالة الراوي
من شروط صحة الحديث العدالة و الضبط ، و من كان عدلا ضابطا سمي ثقة (4).
و المجهول لم تعرف عدالته و لا ضبطه ؛فهو يفقد شرط الصحة ، و وجوده في اسناد حديث يمنع صحته . و سأتناول تعريف الجهالة في اللغة ، ثم أعقبه بتعريف الجهالة في اصطلاح المحدثين و أنواعها عندهم:
فالمجهول في لغة العرب يطلق على معان ، منها :
__________
(1) المجموع 1/133 و 134 .
(2) ج1 ص17 .
(3) الى هنا انتهى كلام الدكتور هاشم -حفظه الله و متعنا بعلمه-
(4) تدريب الراوي 1/63 ، توجيه النظر ص69 ، و قارن بفتح المغيث 1/18 و العواصم 8/27 .(4/40)
كل شيء غير معلوم الحقيقة ، أو غير معلوم الوصف على وجه الدقة ، أو في معرفته تردد أو تشكك (1).
أما في اصطلاح المحدثين ، فهو على ثلاثة أقسام :
القسم الأول : مجهول العدالة من حيث الظاهر و الباطن مع كونه معروفا برواية عدلين عنه .
و هذا القسم غير مقبول عند جمهور المحدثين .
و قيل : ان كان من روى عنه فيهم من لا يروي عن غير عدل قبل و الا فلا يقبل (2) و ذهب الامام أبو حنيفة الى قبول روايته مطلقا (3) .
القسم الثاني :- من عرفت عدالته ظاهرا و جهلت باطنا (4) . و يسمى بـ (( المستور)) . و قد قبل روايته بعضهم و ردها آخرون (5) .
القسم الثالث : مجهول العين ، و هو كل من لم يعرفه العلماء ، و لم يعرف حديثه الا من جهة راو واحد (6) .
و قد ذهب أكثر أهل العلم الى عدم قبول روايته ، و قبلها بعضهم . (7)
__________
(1) مقاييس اللغة 1/489 ، الأساس للزمخشري 67-68 ، المعجم الوسيط 1/144 .
(2) علوم الحديث ص100 ، التقريب مع التدريب 1/268 ، الخلاصة ص93 ، اختصار علوم الحديث ص97 ، شرح التبصرة 1/328 ، جواهر الأصول ص57 ، فتح المغيث 1/298 ، المنهل الروي ص66 .
(3) احكام الأحكام للآمدي 2/70 ، تنقيح الفصول ص364 ، فتح المغيث 1/298 ، المنهل الروي ص66 .
(4) المراد بالعدالة الباطنة ما في نفس الأمر ، و هي ترجع الى أقوال المزكين و أما العدالة الظاهرة فيراد بها ما يعلم من ظاهر حال الشخص . شرح شرح نخبة الفكر لعلي القاري ص154 .
(5) علوم الحديث ص101 ، التقريب مع التدريب 1/268 ، الخلاصة ص93 ،اختصار علوم الحديث ص97 ، شرح التبصرة 1/328 ، جواهر الأصول ص57 ، فتح المغيث 1/298 ، المنهل الروي ص66 ، الاقتراح ص324 ، الموقظة ص79 ، التقييد و الايضاح ص145 ، نزهة النظر ص52 .
(6) الكفاية ص88 ، علوم الحديث ص101 ، الخلاصة ص94 ، شرح التبصرة 1/323 ، المنهل الروي ص66 .
(7) شرح التبصرة 1/324 ، تدريب الراوي 1/269 ، المنهل الروي ص66 .(4/41)
نموذج لحديث المجهول و أثره في اختلاف الفقهاء : حكم الوضوء بالنبيذ
لكي لا يحصل لبس في هذه المسألة أنبه الى :أن المراد من النبيذ هنا هو: ما كان شربه حلالا ، و هو العصير غير المسكر ، و قد كانت صفة النبيذ الذي يتخذ لرسول الله صلى الله عليه و سلم هو : أن تلقى تمرات أو نحوها في الماء ليلا فيشربه صباحا ، أو تلقى صباحا فيشربه ليلا (1) .
اذا عرفنا هذا أذكر المسألة فيما يأتي :
اختلف الفقهاء في حكم الوضوء بالنبيذ :
فذهب الجمهور الى عدم صحة الوضوء بالنبيذ (2) .
و استدلوا بقوله تعالى :((فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا)) (3) ، و بحديث أبي ذر مرفوعا :((ان الصعيد الطيب طهور المسلم و ان لم يجد الماء عشر سنين ، فاذا وجد الماء فليمسه بشرته فان ذلك خير)) (4) .
و ذهب بعض أهل العلم الى صحة الوضوء بالنبيذ : منهم اسحاق و سفيان و هو رواية عن أبي حنيفة (5).
و احتجوا بما رواه أبو فزارة (6) ، عن أبي زيد ، عن عبد الله بن مسعود ، قال :((سألني النبي صلى الله عليه و سلم
__________
(1) أنظر فتح الباري 11/455 ، عمدة القاري 23/201 .
(2) المغني 1/10 ، الكافي 1/6 ، كشاف القناع 1/30 ، المجموع 1/141 ، فتح الباري 1/354 .
(3) سورة النساء الآية 43 .
(4) أخرجه عبد الرزاق (913) ، و أحمد 5/155 ، و أبو داود 1/90 رقم (332) ، و الترمذي 1/211 رقم (124) ، و النسائي 1/171 ، و ابن خزيمة (2292) ، و ابن حبان (1311) ، و الدار قطني 1/176 . و قال الترمذي :حسن صحيح .
(5) البحر الرائق 1/144 ، تبيين الحقائق 1/19 ، اعلاء السنن 1/341-356 ، المغني 1/10 ، المحلى 1/202 ، رد المحتار 1/181 ، فتح الباري 1/354 ، شرح معاني الآثار 1/95 .
(6) هو راشد بن كيسان ، قال أبو حاتم :صالح الحديث ، و قال ابن حبان ربما أخطأ . الميزان 2/35 ، الخلاصة ص96 .(4/42)
(( ما في أدواتك )) ؟ فقلت : نبيذ ، فقال : ((تمرة طيبة و ماء طهور)) قال : ((فتوضأ منه)) (1) .
قال الامام الترمذي :((أبو زيد رجل مجهول عند أهل العلم ، لا يعرف له رواية غير هذا الحديث )) (2) .
و قال ابن حبان :((أبو زيد شيخ مجهول ، يروي عن ابن مسعود ، و ليس يدرى من هو، و لا يعرف من أبوه و لا بلده ، و من كان بهذا النعت ثم روى خبرا واحدا خالف فيه الكتاب و السنة و الاجماع و القياس استحق مجانبة ما رواه))(3) .
و قال أبو زرعة الرازي :((حديث أبي فزارة ليس بصحيح ، و أبو زيد مجهول)) (4)
و قال ابن عبد البر :((أبو زيد مولى عمرو بن حريث مجهول عندهم ، لا يعرف بغير رواية أبي فزارة ، و حديثه عن ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ منكر لا أصل له))(5) .
الفقرة الثانية : ابهام الصحابي
الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كلهم عدول بتعديل الله تعالى و تعديل نبيه صلى الله عليه و سلم .
و الصحابي : هو من لقي النبي صلى الله عليه و سلم مؤمنا به ، و مات على الاسلام (6) .
قال الامام النووي - رحمه الله تعالى- :((الصحابة كلهم عدول من لابس الفتن و غيرها باجماع من يعتد به)) (7) .
و قال الآمدي :((اتفق الجمهور من الأئمة على عدالة الصحابة مطلقا)) (8).
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق (693) ، و ابن أبي شيبة 1/25 ، و أحمد 1/402 و 449 و 450 ، و أبو داود 1/21 رقم (84) ، و الترمذي 1/147 رقم (88) ، و ابن ماجه 1/135 رقم (384) ، و ابن أبي حاتم في العلل 1/17 ، و أبو يعلى (5046) .
(2) جامع الترمذي 1/148 ، عقيب (88) .
(3) المجروحين 3/158، و نقله عنه الزيلعي في نصب الراية 1/72 . و أنظر الكامل لابن عدي 4/1330.
(4) علل الحديث لابن أبي حاتم 1/17 عقيب (14) .
(5) نقله عنه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على جامع الترمذي 1/148 .
(6) الاصابة 1/7 .
(7) التقريب مع التدريب 2/214 .
(8) احكام الأحكام 2/128 .(4/43)
فعلى هذا اذا انتهى الاسناد الى الصحابي فلا نسأل عنه ، و لا نبحث في حاله ؛ لأنهم عدول بلا استثناء ؛ لذلك فان جهالة اسم الصحابي لا تضر : كأن يقول التابعي قال : رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم .و روى الخطيب باسناده عن الأثرم قال : قلت لأبي عبد الله - يعني: أحمد بن حنبل - : اذا قال رجل من التابعين حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فالحديث صحيح ؟ قال : نعم)) (1) .
و قال ابن الصلاح :((و الجهالة بالصحابي غير قادحة لأن الصحابة كلهم عدول)) (2) .
و روى البخاري ، عن الحميدي ، قال :((اذا صح الاسناد عن الثقات الى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فهو حجة و ان لم يسم ذلك الرجل)) (3) .
و هذا مذهب جماهير المحدثين يرون ان جهالة الصحابي لا تضر، و هي غير قادحة عندهم بصحة الحديث.
و خالف في ذلك ابن حزم - رحمه الله - و اعتبره قادحا في صحة الحديث (4).
نموذج للحديث الذي أبهم فيه اسم الصحابي و أثره في اختلاف الفقهاء : الشهادة على هلال الفطر من رمضان
حديث أبي عوانة، عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قال : ((اختلف الناس في آخر يوم من رمضان ، فقدم اعرابيان ، فشهدا عند النبي صلى الله عليه و سلم)) فشهدا بالله لأهلا الهلال أمس عشية ، فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس ان يفطروا))
رواه أحمد (5) ، و أبو داود (6) ، و الدار قطني (7) و صححه ، و البيهقي (8)
__________
(1) الكفاية ص415 . و أنظر شرح ألفية السيوطي لأحمد شاكر ص28 .
(2) علوم الحديث ص51 .و أنظر قواعد في علوم الحديث للتهانوي ص202-203 .
(3) التقييد و الايضاح ص74 .
(4) المحلى 7/338 .
(5) المسند 4/314 و 5/362
(6) السنن 2/301 رقم (2339) .
(7) السنن 2/169 .
(8) السنن الكبرى 4/249 .(4/44)
و رواه البيهقي أيضا (1) من طريق أبي عوانة ، عن أبي بشر : جعفر بن أبي وحشية ، عن أبي عمير بن أنس ، عن عمومة له من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم، بنحو حديث ربعي ثم قال البيهقي : (و أبو عمير رواه عن عمومة له من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ، و أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ثقات فسواء سموا أو لم يسموا). و هذا الحديث تضمن الشهادة على هلال الفطر من رمضان ؛ و هي موضع خلاف : فمذهب جماهير العلماء : أن هلال الفطر من رمضان لا يثبت بأقل من شاهدين ؛ و ممن قال بذلك الأئمة الأربعة ، الا أن أبا حنيفة ، قال ذلك فيما اذا كان في السماء علة ، أما اذا لم يكن في السماء علة ، فانه لا بد عنده من شهادة الجمع الغفير من الناس (2) .
و قد احتجوا بأحاديث ، منها : الحديث السابق .
و مثله حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب : أنه خطب في اليوم الذي شك فيه فقال :((اني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و ساءلتهم وانهم حدثوني : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : صوموا لرؤيته ،و أفطروا لرؤيته و أنسكوا لها ، فان غم عليكم فأتموا ثلاثين يوما ، فان شهد شاهدان مسلمان فصوموا و أفطروا))(3).
و خالف في ذلك جماعة من الفقهاء :
فذهبوا الى أن هلال الفطر رمضان من يثبت بشهادة شاهد واحد .
و قد ذكر الامام النووي -رحمه الله تعالى- أن هذا لم يقل به أحد من العلماء غير أبي ثور (4) .
و في ذلك نظر ؛ فقد قال به ابن حزم أيضا (5) .
و حجة هذا المذهب أحاديث منها :
__________
(1) المصدر السابق .
(2) فتح القدير 2/59-60 ، شرح الدردير 1/511 ، القوانين الفقهية ص102 ، المجموع 6/305 ، المحلى 6/335 ، البحر الزخار 3/245 ، بداية المجتهد 1/308 ، شرح السنة 6/244 .
(3) أخرجه أحمد 4/321 ، و النسائي 4/132 ، و قال الشوكاني :((اسناده لا بأس به)) نيل الأوطار 4/112 .
(4) المجموع 6/306 .
(5) المحلى 6/335 .(4/45)
حديث ابن عباس ، قال :((جاء رجل اعرابي الى النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال اني رأيت هلال رمضان ، فقال؛ أتشهد ان لا اله الا الله ؟ قال : نعم ، قال : أتشهد ان محمدا رسول الله ؟ قال : نعم ، فقال : يا بلال ، أذن في الناس فليصوموا غدا)) (1) .
فقد دل هذا الحديث على أن الرسول -عليه الصلاة و السلام- قد قبل شهادة الواحد على هلال الصوم ، و هلال الفطر مثله لا فرق .
و أجيب عن ذلك : بأن حديث عبد الرحمن بن زيد يدل بمنطوقه على اشتراط شاهدين للصوم و الفطر ، و يدل بمفهومه على عدم قبول أقل من اثنين فيهما ، الا أن هذا المفهوم عارضه بالنسبة لهلال الصوم منطوق حديث ابن عباس و اشباهه و بقي بالنسبة لهلال الفطر سالما من المعارض.
نموذج آخر : هل يقضى بالسلب للقاتل
اختلف الفقهاء في ذلك :
فذهب جماعة من أهل العلم ،منهم :أبو حنيفة ومالك إلى أنه لا يقضى بالسلب للقاتل (2)
__________
(1) أخرجه الدارمي (1699) ، و أبو داود 2/301 رقم (2340) ، و ابن ماجه 1/529 رقم (1652) ، و الترمذي 3/74 رقم (691) ، و النسائي 4/131 ، و ابن خزيمة (1923) و (1924) ، و ابن الجارود (379) ، و ابن حبان (3446) كلهم من طريق سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس . و قد أخرجه أبو داود 1/301 رقم (2341) ، و النسائي 4/132 ، و الدار قطني 2/159 مرسلا بدون ذكر ابن عباس . و قد نقل المزي في التحفة 5/137 عقيب (6104) ، و الزيلعي في نصب الراية 2/443 و المنذري في مختصر السنن 3/228 ترجيح النسائي للرواية المرسلة قال :((هذا أولى بالصواب)) و قول النسائي لم أجده في المجتبى 4/132 و لا في الكبرى 2/68-69 . وكأن الترمذي رجح المرسلة أيضا .
(2) الاختيار 4/132 ، القوانين الفقهية ص129 ، شرح معاني الآثار 3/228 ، شرح السنة 11/108 .(4/46)
و احتجوا :بحديث حماد بن سلمة ،عن بديل بن ميسرة العقيلي ،عن عبد الله بن شقيق ، عن رجل من بلقين ،قال :أتيت النبي صلى الله عليه و سلم ، و هو بوادي القرى ، فقلت يا رسول الله : لمن المغنم ؟ قال :لله سهم و لهؤلاء أربعة أسهم ، فقلت فهل أحد أحق بشيء من المغنم من أحد ؟ قال : لا حتى السهم يأخذه أحدكم من جنبه فليس هو أحق به من أخيه)) (1).
و اعترض ابن حزم -رحمه الله- على جهالة الصحابي ، فقال :((هذا رجل مجهول لا يدرى أصدق في ادعائه الصحبة أم لا)) (2) .
و ذهب جماعة من أهل العلم - منهم :الشافعي و أحمد - الى أن من قتل قتيلا فله سلبه (3) .
و احتجوا : بحديث أبي قتادة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :((من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه))(4) .
الفرع الثالث :كون الراوي مبتدعا
أعلت كثير من الأحاديث النبوية و توقف عن العمل بها لأن أحد رواتها كان مبتدعا . فالابتداع أحد الأسباب التي جعلت قسما من العلماء لا يقبلون بعض الأحاديث ، وسأتناول تعريف البدعة في اللغة و الاصطلاح،
و أقسام البدعة ثم أذكر خلاف العلماء في قبولهم حديث المبتدع و تركه .
__________
(1) أخرجه الطحاوي 3/229 ، و ابن حزم في المحلى 7/338 و أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 1/49 و قال :((رواه أبو يعلى و اسناده صحيح)) ، و لم أقف عليه في المطبوع من مسند أبي يعلى ، فلعله في النسخة الكبيرة .
(2) المحلى 7/338 .
(3) القوانين الفقهية ص123 ، شرح معاني الآثار 3/227 ، المحلى 7/335 ، شرح السنة 11/108 .
(4) أخرجه مالك 1/585 رقم (1311) ، و عبد الرزاق (9476) ، و الحميدي (423) ، و سعيد بن منصور (2696) ، و أحمد 5/295 ، و الدارمي (2488) ، و البخاري 5/196 رقم (4321) ، و مسلم 5/147 رقم (1751) ، و أبو داود 3/70 رقم (2717) ، و ابن ماجه 2/946 رقم (2837) ، و ابن الجارود (1076) ، و ابن حبان (4805) ، و البيهقي 6/306 ، و البغوي (2724) .(4/47)
البدعة في اللغة : قال ابن فارس :((بدعت الشيء قولا و فعلا اذا ابتدأته لا عن مثال سابق)) (1)
و قال الفيروزآبادي :((البدعة -بكسر الباء- الحدث في الدين بعد الاكمال ، أو ما استحدث بعد النبي صلى الله عليه و سلم من الأهواء و الأعمال)) (2)
أما في الاصطلاح : فقد عرفها الشاطبي بقوله :((هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه)) (3)
و قال الحافظ ابن حجر :((تطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة)) (4) .
و عرفها بقوله :((هي اعتقاد ما أحدث على خلاف المعروف من النبي صلى الله عليه و سلم لا بمعاندة بل بنوع شبهة)) (5) .
و عرفها السخاوي بقوله :((هي ما أحدث على غير مثال متقدم فيشمل المحمود و المذموم، و لكنها خصت شرعا
بالمذموم مما هو خلاف المعروف)) (6) .
__________
(1) معجم مقايس اللغة 1/309 .
(2) القاموس المحيط 3/403 .
(3) الاعتصام 1/37 .
(4) فتح الباري 5/156 .
(5) نزهة النظر ص46 .
(6) فتح المغيث 1/326 .(4/48)
أقسام البدعة :
قال الحافظ ابن حجر :((و أما البدعة فالموصوف بها اما أن يكون ممن يكفر بها أو يفسق بها : فالمكفر بها لا بد أن يكون التكفير متفقا عليه في قواعد جميع الأئمة ، كما في غلاة الروافض من دعوى بعضهم حلول الآلهية في علي - رضي الله عنه - أو غيره ، أو الايمان برجوعه الى الدنيا قبل يوم القيامة ، أو وقوع التحريف في القرآن ، أو نسبة التهمة الى السيدة عائشة الصديقة - رضي الله عنها و لعن قاذفها- ؛فرواية مثل هؤلاء مردودة قطعا و المفسق بها كبدع الخوارج و الروافض الذين يغلون ذلك الغلو و غير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأصول السنة خلافا ظاهرا لكنه مستند الى تأويل ظاهره سائغ ، فقد اختلف أهل السنة في قبول حديث من هذا سبيله اذا كان معروفا بالتحرز من الكذب مشهورا بالسلامة من خوارم المروءة و موصوفا بالديانة و العبادة فقيل : يقبل مطلقا ، و قيل : يرد مطلقا ، و الثالث التفصيل : بين أن يكون داعية لبدعته أو غير داعية ، فيقبل حديث غير الداعية ، و يرد حديث الداعية ، و هذا المذهب هو الأعدل و صارت اليه طوائف من الأئمة و ادعى ابن حبان اجماع أهل النقل عليه ، لكن في دعوى ذلك نظرا ، ثم اختلف القائلون بهذا التفصيل ، فبعضهم أطلق ذلك و بعضهم زاده تفصيلا فقال : ان اشتملت رواية غير الداعية الى ما يشيد بدعته و يزينه و يحسنه ظاهرا فلا تقبل و ان لم تشتمل فتقبل )) (1).
و قال الامام علي بن المديني :((من تنقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أو بغضه لحدث كان منه و ذكر مساوئه فهو مبتدع حتى يترحم عليهم جميعا فيكون قلبه لهم سليما)) (2) .
__________
(1) هدي الساري ص385
(2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/169 .(4/49)
فالكافر ببدعته لا تقبل روايته عند الجمهور ، و نقل الامام النووي الاتفاق على ذلك (1) ، لكنه لم يوافق على نقل الاجماع فقد اعترض عليه في ذلك الحافظ ابن حجر و السيوطي و نقلا : بأنها تقبل عند قوم ان اعتقد حرمة الكذب (2) .
أما اذا لم يكن كافرا ببدعته فقد اختلف العلماء في ذلك اختلافا كثيرا على أقوال منها :
القول الأول : رد روايته مطلقا و عدم الاحتجاج بها (3) .
القول الثاني :تقبل رواية المبتدع اذا لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه ، و لا يستحل الشهادة بالزور لمن وافقه سواء كان داعية الى بدعته أو لم يكن داعية (4) .
القول الثالث :- فصلوا ذلك : فان كان المبتدع داعية الى بدعته لم تقبل روايته و ان لم يكن داعية قبلت ، و منهم : زادوا تفصيلا آخر فقالوا :ان اشتملت رواية الداعية على ما يشيد بدعته و يزينه و يحسنه ظاهرا فلا تقبل و ان اشتملت قبلت.(5)
نموذج لأثر رواية المبتدع في خلاف الفقهاء : امامة الجالس
اختلف العلماء في صحة امامة الجالس على قولين :
القول الأول : لا تصح امامة الجالس، و من صلى خلف الامام الجالس فصلاته غير صحيحة .
__________
(1) التقريب مع التدريب 1/275 .
(2) نزهة النظر ص52 ، تدريب الراوي 1/275 .
(3) معرفة علوم الحديث للحاكم ص135 ، الكفاية ص148-152 ، علوم الحديث لابن الصلاح ص103 ، الخلاصة ص95 ، المنهل الروي ص67 ، التنكيل 1/44 و ما بعدها ، شرح السنة 1/248 ، شرح علل الترمذي 1/356 ، تدريب الراوي 1/275 ، الموقضة 95 اختصار علوم الحديث ص99 ، ميزان الاعتدال 1/27 ، شرح التبصرة 1/329 ، المنهج الحديث للسماحي ص143 .
(4) المصادر السابقة .
(5) المصادر السابقة .(4/50)
و به قال بعض الفقهاء منهم : الامام مالك و محمد بن الحسن من الحنفية (1).
و احتجوا بما رواه جابر الجعفي ، عن الشعبي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :((لا يؤمن أحد بعدي جالسا)) (2) .
و أجيب بأن هذا الحديث رواه جابر الجعفي ، و هو متروك لأن له آراء مذمومة و انه كان يؤمن بالرجعة (3) .
القول الثاني : تصح امامة الجالس اذا لم يستطع القيام و هو مذهب جمهور الفقهاء (4) و احتجوا : بحديث أنس بن مالك : ((أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ركب فرسا فصرع عنه فجحش شقه الأيمن ، فصلى صلاة من الصلوات ، و هو قاعد ، فصلينا وراءه قعودا فلما انصرف قال :انما جعل الامام ليؤتم به ، فاذا صلى قائما فصلوا قياما ، و اذا ركع فاركعوا ، و اذا رفع فارفعوا ، و اذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا و لك الحمد . و اذا صلى قائما فصلوا قياما ، و اذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين)) .
__________
(1) بداية المجتهد 1/111 ، عمدة القاري 5/191 ، المدونة 1/81 ، القوانين الفقهية ص82 ، الخرشي 2/24 ، الشرح الصغير 1/436 ، رد المحتار 1/321-323 ، شرح السنة 3/422 ، فتح القدير 1/320 ، التمهيد 6/142 .
(2) اخرجه عبد الرزاق (4087) و (4088) ، و الدار قطني 1/398 ، و البيهقي 3/80 ، و هو مرسل أيضا فإن الشعبي وهو عامر بن شراحيل تابعي.
(3) نصب الراية 2/50 و تقريب التهذيب 1/123 ، و التهذيب 2/46-51 و ميزان الاعتدال 1/379 .
(4) المغني 2/47 ، احكام الأحكام لابن دقيق 1/225 ، فتح الباري 2/175 ، المجموع 4/190 ، التمهيد 6/142 ، الانصاف 2/260 ، كشاف القناع 1/561 ، مغني المحتاج 1/240 ، الأم 1/171 ، شرح السنة 3/422 .(4/51)
أخرجه البخاري (1) و قال عقيبه :((قال أبو عبد الله : قال الحميدي : قوله ((اذا صلى جالسا فصلوا جلوسا )) هو في مرضه القديم ، ثم صلى بعد ذلك النبي صلى الله عليه و سلم جالسا و الناس خلفه قياما ، و لم يأمرهم بالقعود ، و انما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النبي صلى الله عليه و سلم ))
المطلب الثاني : اعلال السند بسبب الطعن في ضبط الراوي
و فيه ثلاثة فروع
الفرع الأول : سوء حفظ الراوي
اذا كان في سند حديث ما راو قد ضعف بسبب سوء الحفظ ، و لم توجد قرينة دالة على أن الراوي السيء الحفظ قد حفظ هذا - كأن تكون له متابعات أو شواهد- فان هذا الحديث يحكم عليه بالضعف ، و لا يعمل به الا حيث يعمل بالحديث الضعيف ، و حسب الضوابط التي قررها العلماء للعمل به (2) . و ذلك لأن الحديث الذي يرويه راو مختل الضبط قد فقد شرطا من شروط الصحة الا و هو الضبط ، و قد يرى امام من الأئمة أن الراوي قد حفظ هذا الحديث و سلم فيه من الخطأ كأن يجد له ما يقويه ، أو يحسن الظن بالراوي أولا يجد في الباب حديثا غيره - و هو ممن يرى العمل بالحديث الضعيف الذي لا يجد في الباب أحسن منه ما لم يجمع على ترك راويه - فاذا عمل البعض بهذا الحديث و ترك العمل به آخرون كان ذلك سببا من أسباب الاختلاف بين الفقهاء (3) .
أثره في اختلاف الفقهاء : حكم ميتة السمك
اختلف الفقهاء في ميتة السمك، هل يحل أكلها ام لا؟
فذهب جماعة الفقهاء الى :حل أكل ميتة السمك الا الطافي منه .
و هذا مروي عن علي ، و جابر ، و ابن المسيب ، و الحسن ، و ابن سيرين ، و طاووس و هو رواية عن ابن عباس و النخعي .
و الطافي من السمك هو : الذي يعلو على وجه الماء و لا يرسب .
__________
(1) صحيح البخاري 1/177 رقم (689)
(2) أنظر أقوال أهل العلم و شروطهم في العمل بالضعيف أصول الحديث ص348 .
(3) أنظر قواعد التحديث ص113-114 .(4/52)
و به قال الحنفية ، لكنهم يذكرون الطافي و يقصدون به : أن ما لا يعلم سبب موته لا يحل أكله عندهم و ما علم سبب موته يحل أكله (1) .
و الحجة لهم :ما روي عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :((ما ألقى البحر و جزر عنه فكلوه ، و ما مات فيه و طفا فلا تأكلوه)) (2) .
و اعترض بأن اسناده ضعيف فيه : يحيى بن سليم الطائفي و هو سيء الحفظ (3).
و ذهب كثير من أهل العلم الى جواز أكل ميتة السمك مطلقا الطافي و غيره .
روي ذلك عن أبي بكر و عمر و أبي أيوب و أبي هريرة ، و عطاء و مكحول و هو رواية عن ابن عباس و النخعي .
و اليه ذهب مالك و الشافعي و أحمد (4) .
و قد دفع أصحاب هذا المذهب الاحتجاج بحديث جابر لسوء حفظ أحد رواته كما سبق .
و احتجوا بعموم قوله صلى الله عليه و سلم -في البحر- :((هو الطهور ماؤه الحل ميته)) (5).
حيث لم يفرق الحديث بين الطافي و غيره .
__________
(1) فتح الباري 8/485 ، المغني 11/40 ، البحر الرائق 8/196 ، شرح السنة 11/245
(2) أخرجه أبو داود 3/358 رقم (3815) ، و ابن ماجه 2/1082 رقم (3247) ، و الدار قطني 4/268 ، و البيهقي 9/255 .
(3) التقريب 2/349 ، التهذيب 11/226 ، ميزان الاعتدال 4/383 .
(4) معالم السنن 4/251 ، المجموع 9/33 ، المغني 11/40 ، الأشراف 2/256 ، شرح السنة 11/245 .
(5) أخرجه مالك 1/55 رقم (45) ، و الشافعي في الأم 1/22 ، و ابن أبي شيبة 1/131 ، و أحمد 2/237 ، و الدارمي (735) و (2017) ، و أبو داود 1/21 رقم (83) ، و ابن ماجه 1/136 رقم (386) ، و الترمذي 1/100 رقم (69) ، و النسائي 1/50 ، و في الكبرى (58) ، و ابن خزيمة (111) ، و ابن الجارود (43) ، و ابن حبان (1243) ، و الحاكم 1/140 ، و البيهقي 1/3 ، و البغوي (281) . و قال الترمذي : ((حسن صحيح )) و نقل عن البخاري تصحيحه كما في العلل المفرد ، له (23)(4/53)
الفرع الثاني : اختلاط الراوي
يشترط في الراوي أن يكون ضابطا لما يرويه ان حدث من حفظه و محافظا على كتابه من دخول الزيادة و النقصان عليه ان حدث من كتابه (1) . و الاختلاط ينافي الضبط فكل مختلط ليس ضابطا ، و معرفة المختلطين فن مهم من فنون علم الحديث .
تعريف الاختلاط :
و الاختلاط في اللغة كما قال ابن منظور : ((اختلط فلان أي فسد عقله و رجل خلط بين الخلاطة أحمق مخالط العقل ، و يقال : خولط الرجل فهو مخلط و اختلط عقله فهو مختلط :اذا تغير عقله)) (2) .
أما في اصطلاح المحدثين ، فقد حده السخاوي بقوله :((فساد العقل و عدم انتظام الأقوال و الأفعال : اما بخرف أو ضرر أو عرض أو مرض : من موت ابن و سرقة مال كالمسعودي أو ذهاب كتب كابن لهيعة أو احتراقها كابن الملقن))(3).
حكم رواية المختلط :
قال الحافظ ابن الصلاح -رحمه الله تعالى - :((هذا فن عزيز مهم لم أعلم أحدا أفرده بالتصنيف و اعتنى به مع كونه حقيقا بذلك جدا و هم منقسمون : فمنهم من خلط لاختلاطه و خرفه و منهم من خلط لذهاب بصره أو لغير ذلك ، و الحكم فيهم : أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط ، و لا يقبل حديث من أخذ عنهم بعد الاختلاط أو أشكل أمره فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده)) (4)
و قال الامام النووي :((يقبل ما روي عنهم قبل الاختلاط و لا يقبل ما بعده أو شك فيه)) (5)
__________
(1) أنظر النكت 1/267 ، الكفاية ص227 .
(2) لسان العرب مادة ((خلط))
(3) فتح المغيث 3/331 .
(4) علوم الحديث ص352 .
(5) التقريب مع التدريب 2/332 .(4/54)
و قال ابن حبان :((و المختلطون في أواخر أعمارهم - مثل : الجريري و سعيد بن أبي عروبة و أشباههما - فانا نروي عنهم في كتابنا هذا و نحتج بما رووا ، الا انا لا نعتمد من حديثهم الا ما روى عنهم الثقات من القدماء الذين نعلم أنهم سمعوا منهم قبل اختلاطهم ، أو ما وافقوا الثقات في الروايات التي لا نشك في صحتها و ثبوتها من جهة أخرى ، لأن حكمهم و ان اختلطوا في أواخر أعمارهم و حصل عنهم في اختلاطهم بعد تقدم عدالتهم حكم الثقة اذا أخطأ اذ الواجب ترك أخطائه اذا علم و الاحتجاج بما يعلم أنه لم يخطيء فيه ، و كذلك حكم هؤلاء الاحتجاج بهم فيما وافقوا الثقات و ما انفردوا مما روى عنهم القدماء من الثقات الذي ساعدهم سماعهم من قبل الاختلاط سواء)) (1) .
و للسلف نظرات ثاقبة في معرفة الحديث الذي لم يخطىء فيه الراوي من الذي أخطأ فيه فهم ينتقون من أحاديث المختلطين : فما تبين لهم أنه لم يخطيء فيه أخذوه و ما تبين لهم أنه أخطأ فيه تركوه ، قال وكيع بن الجراح :((كنا ندخل على سعيد (2) ، فنسمع فما كان من صحيح حديثه أخذناه و ما لم يكن صحيحا طرحناه)) (3) .
و قال أبو نعيم :((كتبت عنه بعد ما اختلط حديثين)) (4) .
و يبدو أن هذا هو صنيع صاحبي الصحيحين فقد اخرجا عن بعض المختلطين بطريق من سمع منهم بعد الاختلاط ، فقد أخرج الامام البخاري لحصين بن عبد الرحمن السلمي (5) المختلط بطريق حصين بن نمير الواسطي (6) ، قال السخاوي: ((ان حصين بن نمير سمع من حصين بن عبد الرحمن بعد الاختلاط)) (7).
__________
(1) الاحسان 1/161 .
(2) يعني : سعيد بن أبي عروبة ، ترجمته في التقريب 1/302 و التهذيب 4/63 ، و الجرح و التعديل 2/65 .
(3) تهذيب التهذيب 4/64 .
(4) تهذيب التهذيب 4/64 .
(5) أنظر ترجمته ، الكواكب النيرات ص147 ، الجرح و التعديل 2/193 ، تهذيب التهذيب 2/37 ، هدي الساري ص398 .
(6) هدي الساري ص398 .
(7) فتح المغيث 3/338 .(4/55)
و كذلك روى الامام مسلم لأبي اسحاق السبيعي (1) بطريق عمار بن زريق .
قال أبو حاتم :((ان عمار بن زريق سمع منه بعد الاختلاط)) (2)
يقول الشيخ عبد القيوم رب النبي :((و الحقيقة أن صاحبي الصحيحين أخرجا كثيرا عن المختلطين بوساطة من سمعوا منهم بعد الاختلاط و الذي يحكم به في هذا البحث هو أن صاحبي الصحيحين لما يخرجان عن المختلطين بطريق من سمع منهم بعد الاختلاط ينتقيان من حديثهم و لا يخرجان جميع أحاديثهم)) (3) .
لكن هذا الانتقاء لا يكون الا من قبل امام كبير الشأن فلا يستطيعه كل مشتغل بالحديث بل هو خصيصة لأولئك الأئمة العظام المجتهدين العارفين بعلل الحديث و مشكلاته ،
فحكم المختلطين عند الجمهور من أهل العلم كما سبق بيانه عن ابن الصلاح : أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط و لا يقبل حديث من أخذ عنهم بعد الاختلاط أو أشكل أمره فلا يدرى هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده . و هذا ما نراه جليا في حكم أئمة الجرح و التعديل على المختلطين (4) .
__________
(1) هو عمرو بن عبد الله بن عبيد الهمداني ، تهذيب التهذيب 8/63 ، التاريخ الكبير 3/347 ، الكواكب النيرات ص341 .
(2) علل الحديث ج2/166
(3) مقدمة الكواكب النيرات ص14 .
(4) أنظر على سبيل المثال الجرح و التعديل 4/1 و 2 و 66 و 6/332 .(4/56)
نموذج يبين أثر ذلك في اختلاف الفقهاء : حكم سؤر البهائم
اختلف الفقهاء في حكم سؤر سباع البهائم :
فذهب الامام أبو حنيفة و هو رواية عن الامام أحمد و هو مشهور مذهبه الى أنها نجسة (1) و حجتهم في ذلك أدلة منها: حديث ابن عمر ، قال :((سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الماء و ما ينوبه من الدواب و السباع ، فقال : ((اذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)). (2)
قال المباركفوري :((صححه الشافعي ، و أحمد ، و أبو عبيد ، و اسحق ، و ابن معين ، و ابن خزيمة ، و الطحاوي، و ابن حبان ، و الدار قطني ، و ابن مندة ، و الحاكم ، و الخطابي)) (3)
وجه الدلالة منه:
أن سؤر السباع لو كان طاهرا لما حده بقلتين .
و ذهب الامام مالك و الشافعي و هو رواية عن أحمد الى أنها طاهرة (4)
و احتجوا : بما رواه داود بن الحصين ، عن أبيه ، عن جابر ، قال : قيل : يا رسول الله أنتوضأ بما أفضلت الحمر ؟ قال: ((نعم و بما أفضلت السباع كلها)) (5) .
لكن اعترض على الاستدلال بهذا الحديث بما يأتي :
حصين والد داود قال عنه الامام البخاري :((ليس بالقائم)) (6) ،
__________
(1) شرح فتح القدير 1/95، تبيين الحقائق 1/32 ، رد المحتار 1/223 ، المغني 1/48 ، الكافي 1/92.
(2) أخرجه ابن أبي شيبة 1/144 ، و أحمد 2/12 ، و عبد بن حميد (818) ، و الدارمي (737) ، و أبو داود 1/17 رقم (64) ، و ابن ماجه 1/172 رقم (517) ، و الترمذي 1/97 رقم (67) ، و ابن الجارود (45) ، و أبو يعلى (5590) ، و ابن خزيمة (92) ، و الطحاوي في شرح المعاني 1/15 ، و الحاكم 1/133 ، و البيهقي 1/261 ، و البغوي (282)
(3) تحفة الأحوذي 1/216 و أنظر السنن الكبرى 1/260 ، و المجموع 1/114 .
(4) بداية المجتهد 1/21 ، الاستذكار 1/211 ، القوانين الفقهية ص46 ، الشرح الصغير 1/47 ، الأم 1/6-7 ، فتح العزيز 1/174 ، المجموع 1/114
(5) رواه الشافعي في الأم 1/6 ، و من طريقه أخرجه البيهقي 1/250 .
(6) الضعفاء الصغير ص24 .(4/57)
و قال عنه أيضا :((حديثه ليس في وجه يصح)) (1) ، و ضعفه أبو حاتم. (2)
و قال عنه ابن حبان :((اختلط في آخر عمره حتى كان لا يدري ما يحدث به ، و اختلط حديثه القديم بحديثه الأخير فاستحق الترك)).(3)
الفرع الثالث : قبول الراوي التلقين
بينت فيما سبق أن من شروط صحة الحديث ضبط الراوي لما يرويه . و عدم الضبط أمارة من امارات رد الحديث و تضعيفه ، و التلقين من وسائل الكشف عن الراوي هل هو ضابط أو غير ضابط ، فمن يقبل التلقين فهو سيء الحفظ و مختلط عليه غير ضابط ، و من يرد التلقين و يصلح الخطأ فهو ضابط حافظ لما يروى .
قال ابن سيد الناس : ((و انه - يعني : التلقين- لعيب تسقط الثقة بمن يتصف به ، و قد كانوا يفعلون ذلك بالمحدث تجربة لحفظه و ضبطه و صدقه ، فربما لقنوه الخطأ كما فعلوا بالبخاري حين قدم بغداد)) (4)
و قال ابن الوزير :((هو أن يلقن الشيء فيحدث به من غير أن يعلم أنه من حديثه)) (5) .
و قال المعلمي اليماني :((و التلقين هو أن يوقع الشيخ في الكذب و لا يبين ، فان كان انما فعل ذلك امتحانا للشيخ و بين ذلك في المجلس لم يضره ، و أما الشيخ فان قبل التلقين و كثر ذلك منه فانه يسقط)) (6) .
و قال ابن حزم :((من صح أنه قبل التلقين و لو مرة سقط حديثه كله ؛ لأنه لم يتفقه في دين الله عز وجل ولا حفظ ما
__________
(1) التاريخ الكبير 3/7 .
(2) الجرح و التعديل 3/119 .
(3) المجروحين 2/83 .
(4) النفح الشذي 1/323 . و أنظر امتحان البغداديين للبخاري في تأريخ بغداد 2/20-21 .
(5) تنقيح الأنظار مع توضيح الأفكار 2/257 ، و للسيوطي مثله في التدريب 1/339 .
(6) التنكيل 1/236 .(4/58)
سمع وقد قال عليه الصلاة والسلام : ((نظر الله امرءا سمع منا حديثا حفظه حتى بلغه )) (1) فانما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقبول تبليغ الحافظ ، و التلقين هو : أن يقول له القائل حدثك فلان بكذا و يسمي له من شاء من غير أن يسمعه منه فيقول : نعم ، فهذا لا يخلو من أحد وجهين و لا بد من أحدهما ضرورة : اما ان يكون فاسقا يحدث بما لم يسمع ، أو يكون من الغفلة بحيث يكون الذاهل العقل المدخول الذهن ، و مثل هذا لا يلتفت له ، لأنه ليس من ذوي الألباب، و من هذا النوع كان سماك بن حرب أخبر بأنه شاهد ذلك منه شعبة الامام الرئيس ابن الحجاج)) (2) .
و التلقين ينشأ من الاختلال الكبير في الحفظ ، و من اختل ضبطه فهو مردود الرواية قال الحميدي :((و من قبل التلقين ترك حديثه الذي لقن فيه و أخذ عنه ما أتقن حفظه اذا علم ذلك التلقين حادثا في حفظه و لا يعرف به قديما ، و أما من عرف به قديما في جميع حديثه فلا يؤمن أن يكون ما حفظه مما لقن)). (3)
فالراوي اذا لقن ففطن الى الصواب و لم يقبل التلقين فهو في رتبة الثقة بل في رتبة الحفظ و الاتقان و من لا يفطن ففي رتبة الترك لا سيما ان كثر منه ذلك . (4)
__________
(1) أخرجه الشافعي في الرسالة (1102) ، و الحميدي (88) ، و أحمد 1/436 ، و ابن ماجه 1/85 رقم (232) و الترمذي 5/33 رقم (2657) وأبو يعلى (5126) ، و ابن حبان (66) ، و الشاشي (275) ، و الرامهرمزي في المحدث الفاصل (6) ، و الحاكم في معرفة علوم الحديث ص322 ، و أبو نعيم في الحلية 7/331 ، و البيهقي في دلائل النبوة 1/23 ، و الخطيب في الكفاية 29 ، و ابن عبد البر في بيان جامع العلم ص45 ، و البغوي (112) كلهم من حديث عبد الله بن مسعود . و قال الترمذي :((حسن صحيح)) .
(2) الاحكام في أصول الأحكام 1/159 .
(3) الكفاية ص149
(4) النفح الشذي 1/326 .(4/59)
أما من كان يتلقن فلا يقبل اذا حدث من حفظه ، أما اذا حدث من كتابه المصحح فيقبل لأن الاعتماد على كتابه لا على حفظه (1) .
مثاله :
ما رواه الحميدي (2) عن سفيان، قال : حدثنا يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن البراء بن عازب قال: ((رأيت رسول الله حين افتتح الصلاة رفع يديه حتى حاذتا ابهاميه)) .
قال سفيان : ((و قدم الكوفة فسمعته يحدث به فزاد فيه :((ثم لا يعود)) فظننت أنهم لقنوه ، و كان بمكة يومئذ أحفظ منه يوم رأيته بالكوفة و قالوا لي : انه تغير حفظه أو ساء حفظه )) .
و قد رواه الدار قطني (3) من طريق اسحاق بن شاهين ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن البراء :((أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم قام الى الصلاة فكبر و رفع يديه ، قال : و حدثني عدي بن ثابت ، عن البراء ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، مثله ، و هذا هو الصواب ، و انما لقن يزيد في آخر عمره ((ثم لم يعد)) فتلقنه و كان قد اختلط )).
و أخرجه عبد الرزاق (4) -و من طريقه أحمد (5) ، و الدار قطني - (6) من طريق سفيان . و ليس فيه الزيادة .
و أخرجه أحمد (7) ، و الدار قطني (8) من طريقين ، عن شعبة ، عن يزيد ، به . و ليس فيه الزيادة
و أخرجه أحمد (9) و البيهقي (10) من طريقين عن أسباط ، عن يزيد، به و ليس فيه الزيادة
و أخرجه أبو داود (11) ، و أبو يعلى (12) من طريقين عن شريك .
__________
(1) قواعد في علوم الحديث ص287 .
(2) مسند الحميدي (724) . و أنظر تحفة الأشراف 2/29 ، و الجرح و التعديل 1/44 .
(3) السنن 1/294
(4) المصنف (2530) .
(5) المسند 4/303 .
(6) السنن 1/293 .
(7) المسند 4/303 .
(8) السنن 1/293 .
(9) المسند 4/301 .
(10) السنن الكبرى 2/26 .
(11) السنن 1/200 رقم (749) .
(12) مسند ابي يعلى (1690)(4/60)
و أخرجه الدار قطني (1) من طريق اسماعيل بن زكريا ؛ كلاهما (اسماعيل بن زكريا ، و شريك) عن يزيد ، به و فيه الزيادة .
قال الامام البخاري :((و كذا روى الحفاظ الذي سمعوا من يزيد قديما منهم : الثوري ، و شعبة و زهير ليس فيه -ثم لم يعد- )) (2) .
و قال أبو داود :((رواه هشيم و خالد و ابن ادريس عن يزيد و لم يذكروا فيه ثم لا يعود)) (3)
و قال الشوكاني :((و قد اتفق الحفاظ على أن قوله ((ثم لم يعد)) مدرج في الخبر من قول يزيد بن أبي زياد ، و قد رواها بدونها شعبة و الثوري و خالد الطحان و زهير و غيرهم . قال الحميدي :انما روى هذه الزيادة يزيد و يَزيد يُزيد . و قال أحمد بن حنبل : لا يصح . و كذا ضعفه البخاري و يحيى و الدار قطني و الحميدي ، و غير واحد ، و قال البزار : قوله في الحديث : ثم لم يعد لا يصح)) (4)
أثر الحديث في اختلاف الفقهاء : حكم رفع اليدين عند الركوع و عند الرفع منه
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين :
القول الأول : يشرع رفع اليدين عند الركوع و عند الرفع منه .
و بذلك قال جمهور الفقهاء من الصحابة و التابعين و من بعدهم و اليه ذهب الشافعي ، و أحمد و هو رواية عن مالك.
وشذ ألأوزاعي في رواية فقال بالوجوب (5) .
__________
(1) السنن 1/293 .
(2) جزء رفع اليدين ص95 .
(3) السنن 1/478 عقيب (749)
(4) نيل الأوطار 2/193 ، و أنظر ميزان الاعتدال 4/423 ، و الجرح و التعديل 1/44 ، و تحفة الأشراف 2/29
(5) الاستذكار 2/126 ، فتح الباري 2/149 ، المجموع 3/373 ، بداية المجتهد 1/104 ، المغني 1/548 ، شرح السنة 3/23 ، كشاف القناع 1/403 ، المحلى 4/87 ، مغني المحتاج 1/164 ، الشرح الصغير 1/304 .(4/61)
و احتجوا بأدلة كثيرة منها : حديث ابن عمر :((أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه حذو منكبيه اذا افتتح الصلاة ، و اذا كبر للركوع ، و اذا رفع رأسه من الركوع)) (1) .
و ذكر الامام البخاري رفع اليدين في الركوع و الرفع منه عن سبعة عشر صحابيا (2) ، و ذكر العراقي أنه رواه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسون صحابيا منهم العشرة المبشرة بالجنة (3) .
القول الثاني : لا يشرع رفع اليدين الا في تكبيرة الاحرام .
و هذا قول أهل الكوفة ، منهم :أبو حنيفة و سفيان الثوري (4) .
و استدلوا بالحديث السابق مع الزيادة فيه ، و قد تبين أنها زيادة تلقنها يزيد .
و احتجوا أيضا بحديث عبد الله بن مسعود : ((ألا أصلي بكم صلاة رسول الله ؟ فصلى ، فلم يرفع يديه الا في أول مرة))(5)، صححه ابن القطان (6) ، و حسنه الترمذي (7) .
__________
(1) أخرجه مالك 1/123 رقم (196) ، و الحميدي (614) ، و أحمد 2/8 ، و الدارمي (1253) ، و البخاري 1/187 رقم (735) و في رفع اليدين ص40 ، و مسلم 2/6 رقم (390) ، و أبو داود 1/191 ، رقم (721) ، و ابن ماجه 1/279 رقم (858) .
(2) جزء رفع اليدين ص 40
(3) طرح التثريب 2/264 .
(4) جامع الترمذي 2/43 ، الحجة 1/94 ، تبيين الحقائق 1/119 ، فتح القدير 1/268 ، شرح السنة 3/23
(5) أخرجه ابن أبي شيبة 1/236 ، و أحمد 1/388 و 441 ، و أبو داود 1/199 رقم (748) ، و الترمذي 1/40 رقم (257) ، و النسائي 2/182 و 195 ، و في الكبرى (645) و (1099) ، و أبو يعلى (2302) و (5040) ، و الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/229 ، و البيهقي 2/78 .
(6) نصب الراية 1/395 .
(7) جامع الترمذي 1/41 عقيب (257) و كذلك نقل عنه تحسينه المزي في التحفة 7/113 حديث (9468) .(4/62)
و اعترض : بأن هذا الحديث قد ضعفه ابن المبارك ، فقد نقل عنه الترمذي قوله :((و لم يثبت حديث ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه و سلم لم يرفع الا في أول مرة)) (1) .
و قد سأل ابن أبي حاتم أباه عنه فقال :((هذا خطأ ، يقال : و هم فيه الثوري . روى هذا الحديث عن عاصم جماعة فقالوا كلهم :((ان النبي صلى الله عليه و سلم افتتح فرفع يديه ثم ركع فطبق و جعلهما بين ركبتيه ، و لم يقل أحد ما رواه الثوري)) (2)
و قال أبو داود :((و ليس هو بصحيح على هذا اللفظ)) (3) .
المطلب الثالث : حكم المختلف في توثيقه و تجريحه من الرواة
قد يختلف أئمة الجرح و التعديل في تجريح راو أو تعديله ، كأن يطلع بعضهم على جارح في الراوي فيجرحه بسبب ذلك ، و لا يطلع عليه الآخر ، و قد يكون بعض من أئمة الجرح و التعديل متشددا (4) في الجرح فيجرح الراوي و يصفه بالضعف لأدنى سبب مما لا يعده غيره سببا موجبا لسقوط روايته ، أو قد يطلع بعضهم على جارح فيضعف العالم من أئمة الجرح و التعديل هذا الراوي بسبب الأمر الجارح ، ثم يتوب الراوي من ذلك أو تزول العلة التي بسببها ضعف الراوي ، و لا يعلم ذلك المجرح و يطلع عليه غيره ؛ فيكون ذلك سببا في اختلاف التجريح و التعديل في الرواة.(5)
__________
(1) جامع الترمذي 1/38 عقيب (256)
(2) علل الحديث لابن أبي حاتم (258)
(3) سنن أبي داود 1/199 عقيب (748)
(4) أنظر الموقظة ص83 ، و الرفع و التكميل ص282 ، و النكت لابن حجر 1/482 .
(5) المصادر السابقة و ظفر الأماني ص459 وأسباب اختلاف المحدثين 2/542(4/63)
نموذج لحديث فيه راو من هذا النوع و أثره في اختلاف الفقهاء : كيفية قضاء رمضان
اختلف الفقهاء في هذه المسألة :
فذهب بعض الفقهاء - منهم : عائشة و ابن عمر ، و الشعبي و ابن سيرين ، و رواية عن علي و سعيد بن المسيب و الحسن البصري - الى وجوب التتابع في قضاء رمضان (1)
و الحجة لهم : حديث أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :((من كان عليه الصوم فليسرده و لا يقطعه)) (2) .
و في اسناد هذا الحديث عبد الرحمن بن ابراهيم .
ضعفه ابن معين ، و النسائي و الدار قطني ،و وثقه البخاري ، و قال أحمد : لا بأس به ، و قال أبو زرعة : لا بأس به أحاديثه مستقيمة (3) .
و قال ابن القطان : فهو مختلف فيه ، و الحديث من روايته حسن (4) ،
و ذهب جمهور العلماء الى أنه يجوز تفريق قضاء رمضان .
و ممن ذهب الى ذلك الأئمة الأربعة (5) .
و احتجوا باطلاق قوله تعالى :((فعدة من أيام أخر)) (6) .
فلم يقيد وجوب القضاء بالتتابع .
و لحديث محمد بن المنكدر ، قال :((بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن تقطيع قضاء رمضان ، فقال : ذلك اليك ؛ أرأيت لو كان على أحدكم دين ، فقضى الدرهم و الدرهمين ألم يكن قضاء ؟ فالله أحق أن يعفو ، أو يغفر)) .
رواه البيهقي ، و قال :((اسناده حسن الا أنه مرسل)) (7) . و مع ذلك فالحديث له طرق أخرى عند البيهقي: موصولة و مرسلة ، و هناك حديث بمعناه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص - عند الدار قطني (8) - مرفوعا في اسناده ضعف ، فالحديث لهذا لا ينزل عن مرتبة الحسن .
__________
(1) المدونة 1/213 ، الروض النضير 6/486 ، المجموع 6/367 ، المغني 3/88 ، شرح السنة 6/322.
(2) أخرجه الدار قطني 2/192 ، و البيهقي 4/259 .
(3) ميزان الاعتدال 2/545 ، و عد الذهبي هذا الحديث من مناكيره .
(4) الجوهر النقي 4/259 .
(5) المجموع 6/367 ، المغني 3/88 ، عمدة القاري 11/52 ، شرح السنة 6/322 .
(6) سورة البقرة الآية 184 .
(7) السنن الكبرى 4/259 .
(8) السنن 1/243 .(4/64)
و على ذلك فيحمل الأمر في حديث أبي هريرة - الذي احتج به أصحاب المذهب الأول- على الندب . جمعا بين الأدلة .
مثال آخر :
قد يختلفون في وصف راو بالجهالة ، و منهم من يعرفه و يوثقه ، كما في حديث سلمة بن كهيل ، قال : سمعت حجرا أبا عنبس يحدث عن وائل الحضرمي :((أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلما قرأ :((غير المغصوب عليهم و لا الضالين)) قال :آمين ، و رفع بها صوته)) (1)
فقد أعله ابن القطان بحجر بن عنبس ، و قال :(لا يعرف). (2)
و أجيب : بأنه ثقة معروف ، و قيل له صحبة و قد وثقه ابن معين (3) ، و قال الخطيب : كان ثقة احتج به غير واحد (4) ، و ذكره ابن حبان في الثقات (5) .
و قال الحافظ ابن حجر :((صدوق مخضرم)) (6) .
أثر الحديث في اختلاف الفقهاء : حكم الجهر بآمين
ذهب جماعة من الفقهاء الى أن الأفضل الجهر بآمين للامام و المأموم ، و به قال أحمد و هو قول للشافعي (7) .
و احتجوا بالحديث السابق .
و ذهب بعض الفقهاء الى المخافتة للامام و المأموم .
و به قال أبو حنيفة و مالك في احدى الروايتين عنه (8) .
و احتجوا بما رواه شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن حجر أبي العنبس ، عن علقمة بن وائل ، عن أبيه :((أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ (غير المغضوب عليهم و لا الضالين) فقال : آمين ، و خفض بها صوته )) .
__________
(1) سبق تخريجه مفصلا ، و هذه رواية البيهقي 2/57 .
(2) التعليق المغني 1/335-336 .
(3) التعليق المغني 1/335-336 .
(4) تاريخ بغداد 8/274 .
(5) تهذيب التهذيب 2/214-215 وهو في ثقات ابن حبان 4/177.
(6) التقريب 1/155 ، و أنظر الجرح و التعديل 3/266
(7) المغني 1/529 ، الانصاف 2/50 ، كشاف القناع 1/395 ، الأم 1/109 ، المجموع 3/299 ، مغني المحتاج 1/490 .
(8) المغني 1/529، تبيين الحقائق 1/113 ، فتح القدير 1/256 ، اللباب 1/254 ، رد المحتار 1/492.(4/65)
و هذا الحديث لا يصلح للاحتجاج فقد أخطأ فيه شعبة في ثلاثة مواضع منها قوله ((و خفض بها صوته)) و انما هو (( و مد بها صوته)) (1) .
و ذهب الامام مالك الى أنه يندب للمأموم و لا يندب للامام (2) .
المبحث الثالث : اعلال السند بسبب التفرد
لا يشترط في الخبر التعدد ، بل خبر الواحد يكفي اذا استوفى شروطه ، و هو الذي عليه جماهير المسلمين من صدر الاسلام و حتى العصور المتأخرة . و قد تظافرت الأدلة من الكتاب و السنة على قبول خبر الواحد و العمل به ، و عقد الامام الشافعي في الرسالة (3) بابا لوجوب العمل بخبر الواحد ، و كذا الخطيب البغدادي في الكفاية(4) .
و قد شذ بعضهم فقالوا : باشتراط العدد ، و ممن قال به ابراهيم بن اسماعيل بن علية (5) ، و أبو علي الجبائي (6) ، و بعض المعتزلة ، فهؤلاء يذهبون الى :((أن الخبر لا يقبل اذا رواه العدل الواحد الا اذا انضم اليه عدل آخر أو عضده موافقة ظاهر الكتاب ، أو ظاهر خبر آحاد أو يكون منتشرا بين الصحابة أو عمل به بعضهم)) (7) .
و احتجوا بأدلة واهية أجاب عنها الحافظ ابن حجر (8) .
فالجماهير من أهل العلم لا يشترطون العدد في الرواية بل يعمل بالحديث اذا كان راويه عدلا ضابطا ، و كان السند متصلا ، و لم يكن في متن الحديث أو في سنده شذوذ أو علة .
و قد جرى العمل على ذلك في كتب الاسلام و لا يضر تفرد الراوي بالحديث اذا كان المتفرد عدلا ضابطا و لم يخالف من هو أكثر حفظا أو عددا .
__________
(1) و قد خرجناه مفصلا ص ( ) . و بينا المواضع التي أخطأ فيها شعبة . و أنظر كلام المباركفوري في تحفة الأحوذي 2/69-78 فانه قد أطال النفس في ذلك
(2) الخرشي 1/282 ، الشرح الصغير 1/326 ، القوانين الفقهية ص63 ، حلية العلماء 2/107-108
(3) الرسالة 369-458 .
(4) الكفاية 26-31 .
(5) الميزان 1/20 .
(6) هو محمد بن عبد الوهاب صاحب مقالات المعتزلة (ت 303 هـ) لسان الميزان 5/271 .
(7) النكت 1/242 .
(8) النكت 1/243-247(4/66)
قال الامام مسلم :((هذا الحرف لا يرويه غير الزهري ، قال - و للزهري نحو من تسعين حديثا يرويها عن النبي صلى الله عليه و سلم لا يشاركه فيها أحد بأسانيد جياد)) (1) .
و قال الحافظ ابن حجر :((و كم من ثقة تفرد بما لم يشاركه فيه ثقة آخر ، و اذا كان الثقة حافظا لم يضره الانفراد))(2).
و قال أيضا :((و تفرد عثمان والد عبدان لا يضر فانه ثقة)) (3) .
و قال أيضا في ترجمة ثابت بن عجلان :((قال العقيلي لا يتابع على حديثه ، و تعقب ذلك أبو الحسن ابن القطان : بأن ذلك لا يضره الا اذا كثر منه رواية المناكير و مخالفة الثقات ، و هو كما قال))(4) .
و قال الزيلعي :((و انفراد الثقة بالحديث لا يضره)) (5) .
و هذا اذا كان الراوي مبرزا في الحفظ . قال البرديجي في الحسن بن علي بن شبيب المعمري :((ليس بعجب أن ينفرد المعمري بعشرين أو ثلاثين حديثا في كثرة ما كتب)) (6).
أما اذا لم يكن الراوي مبرزا في الحفظ أو قليل الطلب فأن تفرده عندئذ يوجب النظر و التأني قال الحافظ ابن حجر : ((و سماك بن حرب اذا تفرد بأصل لم يكن حجة)) (7).
و قال المعلمي اليماني :((و كثرة الغرائب انما تضر الراوي في أحد حالين :
الأولى : ان تكون مع غرابتها منكرة عن شيوخ ثقات بأسانيد جيدة .
الثانية : أن يكون مع كثرة غرابته غير معروف بكثرة الطلب)). (8)
و انا لنجد تطبيق ذلك عند الأئمة فقد قال الحافظ ابن حجر -في حديث صلاة التسابيح - :((و ان كان سند ابن عباس يقرب من شرط الحسن الا أنه شاذ لشدة الفردية و عدم المتابع و الشاهد من وجه معتبر)). (9)
__________
(1) صحيح مسلم 5/82 عقيب (1647) . و أنظر تدريب الراوي 1/234 .
(2) فتح الباري 5/11 .
(3) فتح الباري 5/407 .
(4) هدي الساري ص394 .
(5) نصب الراية 3/74
(6) ميزان الاعتدال 1/504 الترجمة (1894)
(7) تلخيص الحبير 2/198 .
(8) التنكيل 1/104 .
(9) تلخيص الحبير 2/7(4/67)
و نحن حين ننظر في كتب العلل و التخريج نجد الأئمة النقاد كثيرا ما يعلون أحاديث الثقات بالتفرد ،و التفرد بحد ذاته ليس علة لكنه يكشف عن العلة و يكون أحيانا من أسباب العلة ، فالتفرد من أهم المسائل الحديثية و أغمضها اذ تتميز بدورها الفعال في القاء الضوء على ما يكمن في أعماق الرواية من علة أو وهم ، و لأهمية التفرد في النقد و التعليل الحديثي نجد أن المحدثين قد أفردوا هذا النوع بالتصنيف ، و من الذين ألفوا فيه الامام أبو داود فقد ألف فيه كتاب التفرد ، و الامام المزي في تحفة الأشراف (1) ينقل منه كثيرا ، و ألف الدار قطني :الأفراد و غرائب مالك ، و اهتم الامام الطبراني في المعجم الأوسط بذكر الافراد .
فالتفرد لا يؤخذ ضابطا لرد روايات الثقات بل له أحوال مختلفة ، حتى رواية الضعيف لا يرد ما ينفرد به مطلقا ، بل الجهابذة الفهماء من الأولين يستخرجون منه ما صح من حديثه ؛ قال سفيان الثوري :((اتقوا الكلبي ، فقيل له :انك تروي عنه ، قال : اني أعلم صدقه من كذبه)) (2)
و قد روى الامام البخاري و مسلم عن بعض من في حفظهم شيء لما ثبت لديهما أنهم حفظوه و لم يخطؤا فيه (3) ، و مثل هذا لا يستطيعه كل أحد .
__________
(1) أنظر تحفة الأشراف 6/249 ،واعلام المحدثين ص 220 و هذا الكتاب مفقود ، و للامام مسلم كتاب الأفراد و هو مفقود أيضا انظراعلام المحدثين ص 175.
(2) ميزان الاعتدال 3/557 ، و الكلبي : هو محمد بن السائب أبو النضر
(3) سبق بيانه .(4/68)
و التفرد اذا كان بالطبقات المتقدمة كطبقة الصحابة فانه لا يضر و كذلك الحال في طبقة كبار التابعين ، و ذلك اذا كان المتفرد عدلا ضابطا ، أما اذا كان التفرد في الطبقات المتأخرة التي من شأنها التعدد و الشهرة(1) ، لا سيما اذا كان عن الرواة المكثرين الذي يكثر تلامذتهم و ينقل أحاديثهم جماعة ، فذلك أمر يأخذه النقاد بعين الاعتبار فينظرون علاقة المتفرد بالراوي الذي تفرد عنه و كيف كانت ملازمته له ، و كيف كان يتلقى منه الأحاديث عموما و هذا الحديث الذي تفرد به خصوصا ، و حالة ضبطه لما يرويه عامة و هذا الحديث خاصة ثم الحكم عليه بعد ذلك بحسب مقتضى نظرهم ، و لم يكونوا يطلقون فيه حكما مطردا بالقبول اذا كان ثقة أو بالرد اذا كان ضعيفا ، و انما يخضع حكمهم عليه لمنهج علمي دقيق يطبقه حذاق النقاد أصحاب البصيرة و الخبرة التامة بصناعة الحديث ، و ذلك لأن الثقة يختلف حاله في الضبط باختلاف الأحوال و الأماكن و الشيوخ لخلل يطرأ في كيفية التلقي للأحاديث (2) ، أو لعدم توفر الوسائل التي تمكنه من ضبط ما سمعه من بعض شيوخه ، أو لحدوث ضياع في بعض ما كتبه عن بعض شيوخه ، حتى و لو كان من أثبت أصحابهم و الزمهم له ؛ و لهذا يستنكر النقاد بعض أحاديثهم ، فاعلال النقاد لحديث بالتفرد يجب أخذه بنظر الاعتبار و عدم التسرع بالجواب الذي يقول فيه :((بل هو ثقة لا يضر تفرده)) ذلك لأن التأمل في الرواية و كيفية السماع يمكن الناقد من الحكم الصحيح عليها بالقبول أو الرد (3)
__________
(1) و من ينظر في تحفة الأشراف ، و اتحاف المهرة ، و المسند الجامع يجد ذلك ظاهرا، واحسن مثال على ذلك حديث : ((انما الاعمال بالنيات)) ، فقد رواه يحيى بن سعيد الانصاري ، عن محمد بن ابراهيم التيمي ، عن علقمة بن وقاص الليثي ، عن عمر بن الخطاب . وتفرد كل واحد منهم عن شيخه . ثم رواه عن يحيى بن سعيد سبعمائة . انظر طرح التثريب 2/3.
(2) أنظر الباعث الحثيث ص26 .
(3) أنظر ظفر الاماني ص242 و ما بعدها و 323 و ما بعدها ، و الحديث المعلول للمليباري ص64 .(4/69)
نموذج للتفرد وأثره في اختلاف الفقهاء : حكم الجمع بين الصلاتين في السفر (1)
اختلف الفقهاء في حكم الجمع بين الصلاتين في السفر على أقوال :
القول الأول : قال الامام مالك ، و الشافعي ، و أحمد في أصح الروايتين عنه ، و الهادوية من الزيدية يجوز الجمع بين الصلاتين تقديما و تأخيرا ، الا أن المشهور عن الامام مالك أن الجمع انما يكون لمن جد به السير ، أما النازل فلا يجوز له ذلك . و انما يصلي كل صلاة في وقتها .
القول الثاني : قال بعض الفقهاء لا يجوز الجمع بين الصلاتين بسبب السفر ، و انما يجوز في موضعين فقط : يجمع الحاج بين الظهر و العصر تقديما يوم عرفة مع الامام ، و بين المغرب و العشاء تأخيرا في مزدلفة و هذا بسبب النسك لا بسبب السفر ، و بهذا قال أبو حنيفة .
القول الثالث : قال الامام أحمد في أصح الروايتين عنه يجوز الجمع بين الصلاتين تأخيرا لا تقديما و يبدو أن هذا هو مذهب ابن حزم . (2)
و من أدلة أصحاب المذهب الأول :
حديث أنس ، قال: (( كان النبي صلى الله عليه و سلم اذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس آخر الظهر الى وقت العصر ثم يجمع بينهما ، و اذا زاغت صلى الظهر ثم ركب )) متفق عليه (3) .
__________
(1) الجمع بين الصلاتين هو أن يجمع المسافر بين الظهر و العصر في وقت أيهما شاء تقديما و تأخيرا ، أي : بأن يقدم العصر فيصليها مع الظهر أو يؤخر الظهر فيصليها مع العصر ، و كذا المغرب و العشاء (مسائل من الفقه المقارن : 1/174 )
(2) ينظر لتفصيل الأقوال و الأدلة : مسائل من الفقه المقارن 1/174-180 و كذلك المحرر 1/234 ، والمغني 2/271 ، والانصاف 2/334 ، وكشاف القناع 2/3 ، والمدونة 1/11 ، وبداية المجتهد 1/134 ، والقوانين الفقهية 97 ، والخرشي 2/67 ، والأم 1/77 ، وحلية العلماء 2/204 ، والمجموع 4/226 ، ومغني المحتاج 1/271 ، ورد المحتار 1/381.
(3) صحيح البخاري 2/58 رقم (1112) ، صحيح مسلم 2/151 رقم (704)(4/70)
قال الحافظ ابن حجر :((و قد احتج بهذا الحديث من أبى جمع التقديم )) ثم قال :((لكن روى هذا الحديث اسحاق بن راهويه، عن شبابة ، فقال :((كان اذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر و العصر جميعا ثم ارتحل)) أخرجه الاسماعيلي (1) ))
قال الحافظ :((و أعل بتفرد اسحاق بذلك ، عن شبابة ، ثم تفرد جعفر الفريابي به ، عن اسحاق ؛ و ليس ذلك بقادح ؛ فانهما امامان حافظان )) (2).
اذن فرواية الصحيحين تدل على جمع التأخير ، و رواية اسحاق التي أخرجها الاسماعيلي تدل على جمع التقديم أيضا ؛ فهي اذا حجة على ابن حزم و من وافقه ممن نفى جمع التقديم ، و الروايتان حجة على أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- و من وافقه ممن نفى الجمع بسبب السفر أصلا .
نموذج آخر : الولي المجبر
(بمعنى هل يجوز للأب اجبار ابنته على الزواج ؟)
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين :
القول الأول : ان البكر اذا كانت بالغة (3) فليس لأحد تزويجها بغير اذنها سواء في ذلك الأب و غيره .
__________
(1) فتح الباري 2/583 .
(2) المصدر السابق .
(3) أما البكر الصغيرة : فقد نقل بعض العلماء الاجماع على أن للاب تزويجها ، و زاد أبو حنيفة غير الأب من سائر العصبات الا أنه جعل لها الخيار عند البلوغ اذا كانت قد زوجها غير الأب أو الجد أما الثيب اذا كانت كبيرة فقد اتفق العلماء - عدا الحسن و النخعي- على عدم جواز تزويجها بغير اذنها سواء في ذلك الأب او غيره و ألحق الشافعي و أحمد - في رواية- بالكبيرة الصغيرة أيضا ، و الرواية الثانية عن أحمد و هي قول أبي حنيفة و مالك أن للاب تزويج الثيب الصغيرة بغير اذنها و زاد أبو حنيفة الجد و غيره من العصبات و جعل لها الخيار عند البلوغ اذا كان قد زوجها غير الاب و الجد . أنظر فقه الامام سعيد 3/204 .(4/71)
نقله الترمذي عن أكثر أهل العلم ، و نقله الشوكاني عن العترة ، و به قال الثوري و الأوزاعي و الحسن بن حي و أبو ثور و أبو عبيد . و هو رواية عن الشعبي ، و اليه ذهب أبو حنيفة و أحمد في رواية .(1)
و الحجة لهم :
ما رواه حسين بن محمد ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، عن أيوب ، عن عكرمة عن ابن عباس :((ان جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه و سلم ، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة ، فخيرها النبي صلى الله عليه و سلم)) (2)
و هذا اسناد صحيح . و قال الحافظ ابن حجر : ((رجاله ثقات)) (3) .
و أخرجه الدار قطني (4) ، و ابن ماجه (5) من طريق معمر بن سليمان الرقي ، عن زيد بن حبان،عن أيوب السختياني به.
و أخرجه البيهقي (6) ، و الدار قطني (7) من طريق عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري : قال حدثنا سفيان الثوري ، عن هشام ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه و سلم .
و أخرجه أبو داود (8) ، و البيهقي (9) من طريق محمد بن عبيد : عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم- مرسلا- قال أبو داود :((لم يذكر ابن عباس ، و كذلك رواه الناس )) .
و قال البيهقي : ((و هذا حديث أخطأ فيه جرير بن حازم ، عن أيوب السختياني و المحفوظ : عن أيوب عن عكرمة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا )) .
__________
(1) جامع الترمذي 3/417 ، المغني 7/380-385 ، الهداية 1/44 ، نيل الأوطار 6/123 ، الجوهر النقي 7/115 ، المحلى 9/462 ، شرح السنة 9/31 .
(2) أخرجه أحمد 1/283 ، و أبو داود 2/232 رقم (2096) ، و ابن ماجه 1/603 رقم (1875) ، و البيهقي 7/117 ، و الدار قطني 3/235 ، من طرق عن حسين بن محمد ، بهذا الاسناد .
(3) فتح الباري 9/196 .
(4) السنن 3/235 .
(5) السنن 1/603 رقم (1875 م)
(6) السنن الكبرى 7/117 .
(7) السنن 3/234 .
(8) السنن 2/232 رقم (2097)
(9) السنن الكبرى 7/117 .(4/72)
و قال أبو حاتم الرازي -عن حديث حسين بن محمد- : ((هذا خطأ انما هو كما رواه الثقات عن أيوب ، عن عكرمة، أن النبي صلى الله عليه و سلم -مرسلا- منهم : ابن علية ، و حماد بن زيد :أن رجلا تزوج و هو الصحيح، قلت: ((يعني :ابن أبي حاتم )) . الوهم ممن هو ؟ قال : من حسين ينبغي ان يكون ، فانه لم يرو عن جرير غيره )) (1) .
و الحاصل :أن الحديث أعل بالارسال ، و بتفرد جرير بن حازم ، عن أيوب ، و بتفرد حسين ، عن جرير :
فأما تفرد جرير ، عن أيوب فمردود ؛ فقد أخرجه الدار قطني (2) من طريق أيوب بن سويد : عن سفيان الثوري ، عن أيوب السختياني ، به . مرفوعا ، فهذه متابعة و المتابعة الثانية : عند الدار قطني (3) أيضا من طريق زيد بن حبان ، عن أيوب .
أما تفرد حسين بن محمد ، عن جرير فمردود أيضا ، فقد قال الزيلعي (4) : ((و قال في التنقيح : قال الخطيب البغدادي: قد رواه سليمان بن حرب ، عن جرير بن حازم أيضا ، كما رواه حسين ، فبرأت عهدته و زالت تبعته )) .
أما اعلاله بالارسال فقد أجاب عنه ابن التركماني بقوله :((جرير بن حازم ثقة جليل ، و قد زاد الرفع فلا يضر ارسال من أرسله كيف و قد تابعه الثوري و زيد بن حبان فروياه عن أيوب كذلك مرفوعا(5)) .
القول الثاني : ان للأب تزويج ابنته البكر بدون اذنها ، و لا يجوز له تزويج الثيب الا باذنها .
و هو قول كثير من أهل العلم روي ذلك عن ابن عمر ، و سعيد بن المسيب ، و الليث ، و ابن أبي ليلى ، و اسحاق، و هو رواية عن الشعبي .
و اليه ذهب مالك و الشافعي ، و أحمد في رواية (6)
__________
(1) علل الحديث لابن أبي حاتم 1/417 .
(2) السنن 3/235 رقم (58)
(3) السنن 3/235 رقم (57)
(4) نصب الراية 3/190 .
(5) الجوهر النقي 7/117-118 ، و بنحو هذا المعني في تهذيب السنن 3/40-41 لابن القيم
(6) المدونة 4/8 ،الأشراف 2/90-91 ، مغني المحتاج 3/149 ، المغني 7/380- 385 ، شرح السنة 9/31 .(4/73)
و الحجة لهم :ما رواه ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه و سلم :((الأيم (1) أحق بنفسها من وليها ، و البكر تستأذن في نفسها و اذنها صماتها)) (2) .
وجه الدلالة :
ان الشارع قسم النساء الى قسمين : ثيبات و أبكارا ، و خص الثيب بانها أحق بنفسها من وليها ؛ فدل ذلك على :أن البكر بعكسها ، و الا لم يكن لافراد الثيب معنى .
و أجيب :بأنه لا دلالة في هذا الحديث على أن البكر ليست أحق بنفسها الا من جهة المفهوم ، و المفهوم لا عموم له ؛ فيحمل على البكر غير البالغة .
و أيضا : فان المفهوم عارضه منطوق الحديث نفسه ، و هو قوله :((و البكر تستأذن)) و الاستئذان مناف للاجبار .
أما التفريق في الحديث بين البكر ، و الثيب ؛ فذلك لأن الثيب تخطب الى نفسها فتأمر وليها بتزويجها ، و البكر تخطب الى وليها فيستأذنها (3)
المبحث الرابع : اعلال السند بسبب انكار الأصل رواية الفرع
اذا أنكر الأصل رواية الفرع انكار متوقف فقد اختلف العلماء في ذلك :
فذهب الجمهور الى : أن هذا لا يضر الراوية و لا يوهنها . و لكن بعض أهل العلم رأوا ان ذلك علة تبطل الراوية (4) .
__________
(1) الأيم في الأصل :هي التي لا زوج لها سواء في ذلك البكر و الثيب و المطلقة و المتوفى عنها زوجها ، و المراد بها هنا الثيب خاصة (النهاية في غريب الحديث : 1/54)
(2) أخرجه عبد الرزاق (10283) ، و الحميدي (517) ، و سعيد بن منصور (556) ،و ابن أبي شيبة 4/136 ، و أحمد 1/219 ، و الدارمي (2194) ، و مسلم 4/141 رقم (1421) ، و أبو داود 2/232 رقم (2098) ، و ابن ماجه 1/601 رقم (1870) ، و الترمذي 3/416 رقم (1108) ، و النسائي 6/84 ، و ابن الجارود (709) .
(3) فقه الامام سعيد 3/203 .
(4) فتح المغيث 1/316 ، المغني في أصول الفقه ص214 ، شرح النووي على صحيح مسلم 2/231 .(4/74)
قال الخطيب :((و قد اختلف الناس في العمل بمثل هذا و شبهه : فقال أهل الحديث و عامة الفقهاء- من أصحاب مالك و الشافعي و غيرهما- و جمهور المتكلمين : أن العمل به واجب اذا كان سامعه حافظا و الناس له بعد روايته عدلا ، و هو القول الصحيح . و زعم المتأخرون من أصحاب أبي حنيفة : أنه لا يجب قبول الخبر على هذا السبيل و لا العمل ، قالوا : و لهذا لزم اطراح حديث الزهري في المرأة تنكح بغير اذن وليها )) (1) .
و قال ابن الصلاح :((و من روى حديثا ثم نسيه لم يكن ذلك مسقطا للعمل به عند جمهور أهل الحديث و جمهور الفقهاء و المتكلمين ؛ خلافا لقوم من أصحاب أبي حنيفة صاروا الى اسقاطه لذلك )) (2) .
و قال ابن عبد البر :((العدل اذا روى خبرا عن عدل مثله حتى يتصل ، لم يضر الحديث أن ينساه أحدهم لأن الحجة حفظ من حفظ و ليس النسيان بحجة))(3)
__________
(1) الكفاية ص380 .
(2) علوم الحديث ص105 . و أنظر التقييد و الايضاح ص154 ، و قواعد في علوم الحديث ص201 ، و أسباب اختلاف الفقهاء للدكتور عبد الله التركي ص98 ، شرح السنة 9/39
(3) التمهيد 2/142 .(4/75)
فقد تبين لنا أن الجمهور على قبول رواية الراوي اذا نساها بعد أن حدث بها ، و الحنفية على خلاف ذلك ، و الحديث الذي رده الحنفية هو حديث عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، قال :أخبرني سليمان بن موسى ، أن ابن شهاب أخبره: أن عروة بن الزبير أخبره ، أن عائشة أخبرته ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال :((أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، و لها مهرها بما أصاب منها ، فان اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)) . (1)
__________
(1) أخرجه الشافعي في الأم 5/13 ، و الطيالسي (1463) ، و عبد الرزاق (10472) ، و الحميدي (228) ، و ابن أبي شيبة 4/128 ، و أحمد 6/47 و 66 و 165 و 260 ، و الدارمي (2190) ، و أبو داود 2/229 رقم (2083) و (2084) ، و ابن ماجه 1/605 رقم (1879) ، و الترمذي 3/407 رقم (1102) ، و ابن الجارود (700) ، و الطحاوي في شرح المعاني 3/7 ، و ابن حبان (7074) ، و الدار قطني 3/221 ، و الحاكم 2/168 ، و البيهقي 7/105 ، و 106 و 124 و 125 و 138 ، و ابن حزم في المحلى 9/451 ، و البغوي (2262) كلهم من طريق عبد الملك بن عبد العزيز ، بهذا الاسناد .(4/76)
و قد أعل هذا الحديث بما رواه الحاكم (1) باسناده عن أبي حاتم : محمد بن ادريس الرازي ، قال :سمعت أحمد بن حنبل يقول - و ذكر عنده أن ابن علية يذكر حديث ابن جريج في :((لا نكاح الا بولي )) قال ابن جريج :فلقيت الزهري فسألته عنه ؟ فلم يعرفه ، و أثنى على سليمان بن موسى ، قال أحمد بن حنبل - : ان ابن جريج له كتب مدونة ، و ليس في كتبه((يعني : حكاية ابن علية عن ابن جريج) . و قال الحاكم :((سمعت أبا العباس :محمد بن يعقوب يقول : سمعت العباس ابن محمد الدوري يقول : سمعت يحيى بن معين يقول – في حديث لا نكاح الا بولي الذي يرويه ابن جريج ، فقلت له : ان ابن علية يقول : قال ابن جريج فسألت عنه الزهري ؟ فقال : لست احفظه ، فقال يحيى ليس يقول هذا الا ابن علية ، و انما عرض ابن علية كتب ابن جريج على عبد المجيد بن عبد العزيز بن رواد فأصلحها له و لكن لم يبذل نفسه للحديث)) .
و قال الامام الترمذي :((و قد تكلم بعض أصحاب الحديث في حديث الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، قال ابن جريج : ثم لقيت الزهري ، فسألته فأنكره ، فضعفوا هذا الحديث من أجل هذا )) (2)
__________
(1) المستدرك 2/169 .
(2) جامع الترمذي 3/410 عقيب (1102) . و أنظر نصب الراية 3/185 ، و المحلى 9/452 ، و شرح معاني الآثار 3/7 ، و تلخيص الحبير 3/180 ، و سبل السلام 3/16 ، و شرح السنة 9/39 .(4/77)
و ما نقله الحاكم عن الامامين الكبيرين : أحمد بن حنبل ، و يحيى بن معين يدل على أن هذه ليست علة تعل بها الأحاديث ؛ لأن الثقة مهما بلغ حفظه قد ينسى بعض ما يرويه ، و لا يكون ذلك قادحا في صحة ما رواه ، و للخطيب البغدادي في ذلك كتاب: ((من حدث فنسي )) . و رحم الله الحاكم حيث قال: ((فقد صح و ثبت بروايات الأئمة الأثبات سماع الرواة بعضهم من بعض فلا تعل هذه الروايات بحديث ابن علية و سؤاله ابن جريج عنه و قوله :اني سألت الزهري عنه فلم يعرفه ؛ فقد ينسى الثقة الحافظ بعد أن حدث به ، و قد فعله غير واحد من حفاظ الحديث )) (1)
__________
(1) المستدرك 2/168 .(4/78)
و قد أجاب ابن حبان على ذلك بما لا مزيد عليه فقد قال: (هذا خبروهم من لم يحكم صناعة الحديث أنه منقطع أو لا أصل له بحكاية حكاها ابن علية ، عن ابن جريج في عقب هذا الخبر قال: ( ثم لقيت الزهري فذكرت له ذلك فلم يعرفه و ليس هذا مما يهي الخبر بمثله ، و ذلك أن الخَيِّر الناقل المتقن الضابط من أهل العلم قد يحدث بالحديث ثم ينساه ، و اذا سئل عنه لم يعرفه ، فليس نسيانه الشيء الذي حدث به بدال على بطلان أصل الخبر ؛ و المصطفى خير البشر صلى فسها فقيل له :يارسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ فقال : كل ذلك لم يكن ؛ فلما جاز على من اصطفاه الله لرسالته و عصمه من بين خلقه النسيان في أعم أمور المسلمين الذي هو الصلاة حتى نسي فلما استثبتوه أنكر ذلك ، و لم يكن نسيانه بدال على بطلان الحكم الذي نسيه ؛ كان من بعد المصطفى من أمته الذين لم يكونوا معصومين جواز النسيان عليهم أجوز و لا يجوز مع وجوده ان يكون فيه الدليل على بطلان الشيء الذي صح عنهم قبل نسيانهم ذلك))(1) .و خلاصة القول : أن العلة زائلة و الحديث على أقل أحواله يكون حسنا لذاته . و قال الحافظ :((أخرجه أبو داود و الترمذي و حسنه و صححه أبو عوانة و ابن خزيمة ، و ابن حبان و الحاكم )) (2) . و قد اجاد ابن حزم في دفاعه عن الحديث (3) .
__________
(1) الاحسان 9/385-386 ، و نقله عنه الزيلعي 3/185 بتصرف .
(2) فتح الباري 9/194 .
(3) المحلى 9/451-459 . و أنظر الأم 5/12-13 ، و التعلق المغني 3/219- 223 ، نيل الأوطار 6/249-251 ، و السنن الكبرى 7/105-113 ، و نصب الراية 3/185 ، و تلخيص الحبير 3/179-180 ، و سبل السلام 3/116-117 .(4/79)
أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء : الولاية في الزواج
اختلف الفقهاء في اشتراط الولي في النكاح على مذهبين :
المذهب الأول : لا يجوز أن تزوج المرأة نفسها الا باذن وليها . و هو مذهب الجمهور (1) وحجتهم : حديث أم المؤمنين عائشة الذي سبق ذكره .
المذهب الثاني : للمرأة أن تزوج نفسها ممن شاءت ، و ليس لوليها أن يعترض عليها في ذلك اذا وضعت نفسها حيث ينبغي لها أن تضعها . و به قال الحنفية (2) .
و قد ردوا الحديث لانكار الزهري له ، و قد نقلت اجابت العلماء على ذلك ._
__________
(1) شرح معاني الآثار 3/7 ، المحلى 9/451 ، ونيل الأوطار 6/248 ، شرح السنة 9/39 ، معالم السنن 3/200 ، المغني 7/337 ، المنتقى 3/270 ، الهداية 1/142 ، القوانين الفقهية ص202 .
(2) شرح معاني الآثار 3/7 ، الهداية 1/142 ، الاختيار 3/128 ، المغني 7/337 ، القوانين الفقهية ص202 ، بدائع الصنائع 2/242 ، رد المحتار 3/53 ، شرح السنة 9/39(4/80)
الفصل الثالث : علل المتن
و فيه سبعة مباحث
المبحث الأول : الاعلال بالتعارض
المبحث الثاني : الاعلال بالشك
المبحث الثالث : اعلال خبر الآحاد بكونه مما تعم به البلوى
المبحث الرابع : اعلال خبر الآحاد بمخالفته فتيا الصحابي الذي يرويه
المبحث الخامس : اعلال خبر الآحاد بمخالفته القياس
المبحث السادس : اعلال خبر الآحاد بمخالفته اجماع اهل المدينة
المبحث السابع : اعلال خبر الآحاد بمخالفته القواعد العامة.
المبحث الاول : الاعلال بالتعارض
و فيه :مطلبان
المطلب الأول : معارضة الحديث لظاهر القرآن الكريم
ان القرآن الكريم نقل الينا نقلا متواترا فهو قطعي الثبوت بلا شك (1) ، أما خبر الآحاد فهو ظني الثبوت على الصحيح المختار (2) ، فخبر الآحاد مهما قوي سنده و اشتهر رجاله فهو لا يقاوم النص القرآني من حيث الثبوت ، و عليه فخبر الآحاد ظني لاحتمال الخطأ في أحاديث الثقات المتقنين ؛ و من هنا اشترط بعض الفقهاء من المالكية و الحنفية للعمل بخبر الآحاد أن لا يخالف ظاهر القرآن الكريم حيث أن ورود خبر الآحاد مخالفا لظاهر القرآن الكريم دليل على عدم صحته لأنه لو كان صحيحا لما خالف كتاب الله عز و جل الذي نقل الينا نقلا متواترا و ورد ورودا قطعيا و خبر الآحاد ظني ، و لا تعارض بين القطعي و الظني بوجه بل الظني يسقط بمقابلة القطعي (3) .
و لم يشترط الجمهور هذا الشرط ؛ و ذلك لجواز تخصيص عموم نصوص الكتاب أو السنة المتواترة أو المشهورة بخبر الواحد عند التعارض ، و كذلك يجوز تقييد مطلق الكتاب بخبر الآحاد (4) .
__________
(1) البحر المحيط 3/364 .
(2) التقريب مع التدريب 1/75-76 ، و قارن بالبحر المحيط 4/362-366 .
(3) أصول السرخسي 1/365 ، ميزان الأصول 2/642، كشف الاسرار 2/48-49 ، قواعد في علوم الحديث ص125 .
(4) اسباب اختلاف الفقهاء للدكتور مصطفى الزلمي ص301 .(5/1)
نموذج لذلك : القضاء بالشاهد الواحد و اليمين
اذا قامت البينة على دعوى المدعي بشهادة كاملة النصاب ، و قبل القاضي شهادة الشهود ، فان القاضي يحكم بما ادعاه المدعي لا خلاف بين العلماء في ذلك (1) .
و اذا لم يكتمل نصاب الشهادة و طلب المدعي يمين المدعى عليه و حلف فان يمين المدعي في هذه الحالة ترد (2) .
أما اذا لم يطلب المدعي يمين المدعى عليه ، ففهي هذه الحالة هل يكمل النقص في نصاب الشهود بيمين المدعي و يقضى له بذلك أولا ؟
فقد اتفق الفقهاء على عدم القضاء بالشاهد و اليمين في الحدود ثم اختلفوا فيما سوى ذلك على أربعة مذاهب :
المذهب الأول :- لا يقضى بذلك في شيء من الحقوق . و به قال أبو حنيفة و من وافقه (3).
المذهب الثاني : يقضى به فيما سوى الحدود ، لا فرق في ذلك بين القصاص و غيره . و به قال ابن حزم(4).
المذهب الثالث : يقضى بذلك فيما سوى الحدود و القصاص . و هو قول الهادوية (5) .
المذهب الرابع : يقضى به في الأموال أو ما يؤول اليها . و به قال جمهور اهل العلم ، روي ذلك عن أبي بكر و عمر و عثمان و علي ، و هو قول الفقهاء السبعة و عمر بن عبد العزيز و الحسن و شريح و اياس و عبد الله بن عتبة و أبي سلمة بن عبد الرحمن و يحيى بن يعمر و ربيعة و مالك و ابن أبي ليلى و أبي الزناد و الشافعي (6) .
و قد احتج الجمهور القائلون بالقضاء بالشاهد و اليمين بما صح عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم
__________
(1) المغني 12/8 .
(2) مسائل من الفقه المقارن 2/199 .
(3) الاختيار 2/111 ، مختصر الطحاوي ص333 ، المغني 12/10 .
(4) المحلى 9/404 .
(5) سبل السلام 4/131 ، نيل الأوطار 8/295 ، البحر الزخار 5/403 .
(6) الجوهر النقي 1/174 ، المغني 12/10 ، القوانين الفقهية ص259 ، التمهيد 2/153 ، بداية المجتهد 2/507 ، جامع الترمذي 3/629 ، عقيب (1345)(5/2)
قضى بيمين و شاهد (1)
و في رواية للامام أحمد :((انما كان ذلك في الاموال))
و بما صح عن أبي هريرة قال : ((قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم باليمين مع الشاهد الواحد)) (2)
و بما روي عن ابن جابر بن عبد الله :((ان النبي صلى الله عليه و سلم قضى باليمين مع الشاهد)) (3) .
و بما روي عن سرق : ((أن النبي صلى الله عليه و سلم أجاز شهادة الرجل و يمين الطالب)) (4) .
__________
(1) أخرجه الشافعي في مسنده الملحق بالأم 8/389 ، و أحمد 1/248 و 315 ، 323 ، و مسلم 5/128 رقم (1711) ، وأبو داود 3/308 رقم (3608) و (3609) ، و ابن ماجه 2/793 رقم (2370) ، و أبو يعلى (2511) ، و الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/144 ، و البيهقي 10/167 ، و البغوي (2502) ، و ابن الجارود (1006) ، و الطبراني في الكبير (11185) كلهم من حديث ابن عباس
(2) أخرجه الشافعي 2/179 ، و أبو داود 3/308 رقم (3610) و (3611) ، و ابن ماجه 2/793 رقم (2368) ، و الترمذي 3/628 رقم (1343) ، و ابن الجارود (1007) ، و أبو يعلى (6683) ، و الطحاوي في شرح المعاني 4/44 ، و ابن حبان (5073) ، و البيهقي 10/168 ، و البغوي (2053) و قال الترمذي:((حسن غريب)) .
(3) أخرجه أحمد 3/305 ، و ابن ماجه 2/793 رقم (2369) ، و الترمذي 3/628 رقم (1344) ، و ابن الجارود (1008) ، و الدارقطني 4/212 ، و البيهقي 10/170 .
(4) أخرجه ابن ماجه 2/793 رقم (2371) ، و البيهقي 10/172 ، و المزي في تهذيب الكمال 10/216 و فيه رجل مجهول .(5/3)
و قد روي هذا الحديث أيضا عن عمر و علي ، و عبد الله بن عمر ، و أبي سعيد الخدري ، و زيد بن ثابت ، و عبد الله بن عمرو بن العاص ، و سعد بن عبادة و المغيرة بن شعبة ، و بلال بن الحارث ، و عمارة بن حزم و مسلمة بن قيس ، و عامر بن ربيعة ، و سهل بن سعد ، و تميم الداري ، و أنس ، و أم المؤمنين أم سلمة ، و زينب بنت ثعلبة ،فهؤلاء عشرون من الصحابة رووا الحديث ، و الطرق الى بعضهم صحيحة (1).
و اعتذر أبو حنيفة و من وافقه عن العمل بهذا الحديث لأنه خبر واحد يعارضه الكتاب بقوله :((و استشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان ممن ترضون من الشهداء)) (2) .
فقد ذكر الجصاص الحنفي : أن المانع من قبول هذه الأخبار رد نص القرآن لها (3) .
و يجاب عن ذلك : بأن ما اشترطه الحنفية و من وافقهم من شروط العمل بخبر الآحاد لا تلزم عند الجمهور ، و لا معارضة بين هذا الحديث و بين ظاهر القرآن الكريم . و انما هو نوع تخصيص ، ثم ان حديث القضاء بالشاهد و اليمين ليس خبر آحاد فيما ذكره الحنفية من وصف الآحاد فهو مشهور أو أعلى من المشهور في اصطلاحهم فقد رواه أكثر من عشرين صحابيا ، و المشهور عند الحنفية يخص به الكتاب و السنة المتواترة (4) .
__________
(1) و قد اعتنى بتخريج طرق الحديث : ابن عبد البر في التمهيد 2/134 و ما بعدها ، و البيهقي في السنن الكبرى 10/167 و ما بعدها ، و الدارقطني في سننه 4/212 و ما بعدها . و أنظر نصب الراية 4/96 ، و مجمع الزوائد 4/202 .
(2) سورة البقرة الآية 282 .
(3) أحكام القرآن 1/514-516 .
(4) أنظر فواتح الرحموت 2/128 . و قد أفاض أستاذي الدكتور هاشم في مناقشة الأدلة بما لا مزيد عليه في مسائل من الفقه المقارن 2/199-208 .(5/4)
المطلب الثاني : التعارض بين حديثين
قد ينقدح لعالم من علماء الحديث علة في حديث ، ثم لا يجد علة ظاهرة قادحة في صحة الحديث فيحاول أن يعل الحديث بعلة غير قوية ، و قد يكون هذا الاعلال عنده كاف للقدح في صحة الحديث، و هذا النوع من الاعلال يسمى :بـ ((المعارضة)) أي : أن هذا الحديث يخالف و يعارض الأحاديث الصحيحة، و مخالفة الأحاديث الصحيحة شذوذ ، و قد تعل كثير من الأحاديث بهذا النوع من الاعلال ، و قد يقع التعارض في كثير من الأحاديث الصحيحة ، لكن العلماء الجهابذة من أئمة الحديث و الفقه كثيرا ما يتمكنون من الجمع بين الأحاديث المتعارضة جمعا سائغا .
و هذا مبحث مهم خصه الأصوليون بالكتابة فيه و سموه: بـ ((التعارض و الترجيح)) و قد اهتم المحدثون به من قبل و ألفوا فيه كتبا سميت بـ ((مختلف الحديث)) .
أما تعارض الصحيح مع الضعيف فان ذلك لا يوهن الصحيح بل يزيد الضعيف ضعفا ، و له اسم خاص عند علماء المصطلح و هو :((المنكر)) (1) .
لكن التعارض القادح هو الذي لا يمكن الجمع فيه و يكون الدليلان متماثلين في القوة ، أو على أقل الأحوال أن يكون الحديثان المتعارضان صحيحين .
مثال ذلك :
__________
(1) نزهة النظر ص47 ، علوم الحديث ص180 ، الموقظة ص43 ، فتح المغيث 1/90.(5/5)
حديث ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن عبد الله بن بسر السلمي ، عن أخته الصماء :أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :((لا تصوموا يوم السبت الا فيما افترض عليكم و ان لم يجد أحدكم الا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه)) (1) .
قال الترمذي :((حسن)) .
لكن هذا الحديث قد أعله جماعة من الحفاظ بالمعارضة .
__________
(1) أخرجه أحمد 6/368 ، و الدارمي (1756) ، و أبو داود (2421) ، و ابن ماجه (1726 م) ، و الترمذي 3/120 رقم (744) ، و ابن خزيمة (2163) ، و النسائي في الكبرى (2762) ، و الطبراني في الكبير 24/حديث (818) ، والمزي في تهذيب الكمال 35/219 . و أخرجه عبد بن حميد (508) ، و النسائي في الكبرى (2761) ، و الطحاوي في شرح المعاني 2/80 ، و الحاكم 1/435 ، و البيهقي 4/302 ، و البغوي (1806) من طريق خالد بن معدان ، عن عبد الله بن بسر . و أخرجه أحمد 4/189 من طريق يحيى بن حسان عن عبد الله بن بسر . و أخرجه أحمد 4/189 ، و النسائي في الكبرى (2759) ، و الدولابي في الكنى 2/118 من طريق حسان بن نوح ، عن عبد الله بن بسر . قال الحافظ ابن حجر في التلخيص 2/229 :((لكن هذا التلون في الحديث الواحد مع اتحاد المخرج بالاسناد الواحد يوهن راويه و ينبيء بقلة ضبطه الا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث فلا يكون ذلك دالا على قلة ضبطه و ليس الأمر هنا هكذا)) . و قد ضعفه في تهذيب التهذيب مرارا ج1/437 و ج2/252 و ج8/195(5/6)
قال الحاكم (1) : ((و له معارض باسناد صحيح ، و قد أخرجاه من حديث همام ، عن قتادة عن أبي أيوب ، عن جويرية بنت الحارث : أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل عليها يوم الجمعة و هي صائمة فقال :صمت أمس ؟ قالت : لا ، قال : فتريدين أن تصومي غدا ؟ … الحديث )) (2) .
و قال الامام مالك: ((هذا كذب)) (3) يعني : حديث صوم يوم السبت.
و قال صاحب عون المعبود (4) :((و قد طعن في هذا الحديث جماعة من الأئمة : مالك ابن أنس ، و ابن شهاب الزهري ، و الأوزاعي ، و النسائي ، فلا تغتر بتحسين الترمذي و تصحيح الحاكم و ان ثبت تحسينه فلا يعارض حديث جويرية بنت الحارث الذي اتفق عليه الشيخان)).
و من العلماء من قال : انه منسوخ كالامام أبي داود (5) .
__________
(1) المستدرك 1/435-436 ، و نقله عنه الحافظ ابن حجر في التلخيص 2/229 .
(2) أخرجه أحمد 6/324 و 430 ، و عبد بن حميد (1557) ، و البخاري 3/54 رقم (1986) ، و أبو داود 2/321 رقم (2422) ، و النسائي في الكبرى (2753) . و هذا لفظ البخاري كما أشار الحاكم .
(3) تلخيص الحبير 2/230 .
(4) 2/294 .
(5) سنن أبي داود 2/321 عقيب (2421)(5/7)
و قد يضعف أحد دعوى النسخ : بأن من شرط الحكم بالنسخ : العلم بالتأريخ ، و هنا لا نعلم التأريخ ، فيجاب عن ذلك : بأن هذا يوضحه حديث كريب - مولى ابن عباس - قال :((أن ابن عباس و ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثوني الى أم سلمة أسألها :أي الايام كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أكثر لصيامها ؟ قالت : يوم السبت و الأحد ، فرجعت اليهم فأخبرتهم ، فكأنهم أنكروا ذلك ، فقاموا بأجمعهم اليها فقالوا :انا بعثنا اليك هذا في كذا ، و ذكر أنك قلت كذا ، فقالت :صدق ، ان رسول الله صلى الله عليه و سلم أكثر ما كان يصوم من الايام السبت و الأحد ، و كان يقول : انهما عيدان للمشركين و أنا أريد أن أخالفهم (1)).
و هذا ما فهمه الحافظ ابن حجر حين وضح مدرك أبي داود في دعوى النسخ اذ قال قي التلخيص (2) :((يمكن أن يكون أخذه من كونه صلى الله عليه و سلم كان يحب موافقة أهل الكتاب في أول الأمر ثم في آخر الأمر قال خالفوهم فالنهي عن صيام يوم السبت يوافق الحالة الأولى و صيامه اياه يوافق الحالة الثانية و هذه صورة النسخ و الله أعلم)) .
و قال الطحاوي في شرح معاني الآثار (3) :((و لقد أنكر الزهري حديث الصماء في كراهية صوم السبت و لم يعده من حديث اهل العلم بعد معرفته به)) .
__________
(1) أخرجه أحمد 6/324 ، و ابن خزيمة (2167) ، و ابن حبان (941 موارد) ، و الطبراني في الكبير 23/383 ، و الحاكم 1/436 ، و البيهقي 4/313 ، و اسناده قوي رجاله ثقات غير عبد الله بن محمد بن عمر ، ، و حديثه لا ينزل عن رتبة الحسن ، فقد وثقه ابن حبان و قال ابن المديني وسط و قال غيره صالح (الميزان للذهبي : 2/484 و تهذيب التهذيب 6/18)، و الحديث صححه الحاكم و لم يتعقبه الذهبي ، و قال ابن القيم في زاد المعاد 2/79 :((أراه حسنا))
(2) ج2 / 226
(3) ج2/81 .(5/8)
و قال الأثرم :((قال أبو عبد الله - يعني احمد بن حنبل - : قد جاء فيه حديث الصماء ، و كان يحيى بن سعيد يتقيه و أبى أن يحدثني به ، قال الأثرم : و حجة أبي عبد الله في الرخصة في صوم السبت أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر منها حديث أم سلمة )) (1) .
أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء
بعد ان ذكر الطحاوي حديث الصماء قال : ((فذهب قوم الى هذا الحديث فكرهوا صوم يوم السبت تطوعاً))
وخالفهم في ذلك آخرون، فلم يروا بصومه بأساً. و كان من الحجة عليهم في ذلك :
أنه قد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه نهى عن صوم يوم الجمعة الا أن يصام قبله يوم ، أو بعده يوم (2).
ففي هذه الآثار المروية في هذا ، اباحة صوم يوم السبت تطوعا ، و هي أشهر و أظهر في أيدي العلماء ، من هذا الحديث الشاذ ، الذي قد خالفها .
__________
(1) الفروع 3/121-122 .
(2) حديث النهي عن صوم يوم الجمعة ثابت من حديث أبي هريرة عند البخاري 3/54 رقم (1985) و مسلم 3/154 رقم (1144) ، و أبي داود 2/320 رقم (2420) ، و ابن ماجه 1/549 رقم (1723) و من حديث جابر بن عبد الله عند البخاري 3/54 رقم (1984) ، و مسلم 3/154 رقم (1143) .(5/9)
و قد أذن رسول الله صلى الله عليه و سلم في صوم يوم عاشوراء (1) و حض عليه ، و لم يقل : ان كان يوم السبت فلا تصوموه ففي ذلك دليل على دخول كل الايام فيه و قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((أحب الصيام الى الله عز و جل ، صيام داود عليه السلام ، كان يصوم يوما و يفطر يوما)) (2) .
ففي ذلك أيضا ، التسوية بين يوم السبت و بين سائر الأيام .
و قد أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أيضا بصيام أيام البيض (3) ...
و قد يدخل السبت في هذه كما يدخل فيها غيره من سائر الأيام ، ففيها أيضا اباحة صوم يوم السبت تطوعا . و قد أنكر الزهري حديث الصماء في كراهية صوم يوم السبت ، و لم يعده من حديث أهل العلم بعد معرفته به)) .
__________
(1) حديث الندب لصوم عاشوراء ثابت من حديث أبي قتادة عند مسلم 3/167 رقم (1162) ، وأبي داود 2/321 رقم (2425) ، و ابن ماجه 1/553 رقم (1738) ، و الترمذي 3/126 رقم (752)
(2) أخرجه البخاري 4/195 رقم (3418) ، و مسلم 3/165 رقم (1159) ، و أبو داود 2/327 رقم (2448) ، و ابن ماجه 1/546 رقم (1712) ، و النسائي 3/214 ، و ابن خزيمة (1145) ، و ابن حبان (2590) ، و البيهقي 4/295 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص .
(3) أي : أيام الليالي البيض ، و هي الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر ؛ لأنها المقمرات من أوائلها الى آخرها ، و لا بد من حذف مضاف ، تقديره : أيام الليالي البيض . جامع الأصول 6/326 . و في ندب صوم الأيام البيض وردت عدة أحاديث ، منها : حديث أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((يا أبا ذر، اذا صمت من الشهر ثلاثة أيام ، فصم ثلاث عشرة و أربع عشرة و خمس عشرة )) . أخرجه الطيالسي (475) ، و عبد الرزاق (7873) ، و أحمد 5/152 ، و الترمذي 3/134 رقم (761) ، و النسائي 4/222 ، و ابن خزيمة (2128) ، و ابن حبان (3655) ، و البيهقي 4/294 ، و قال الترمذي : ((حسن)).(5/10)
و قد أفاض الطحاوي في الاستدلال على عدم اطلاق الكراهة ثم قال :((و قد يجوز عندنا، و الله أعلم ، ان كان ثابتا- يعني : حديث الصماء- أن يكون انما نهي عن صومه ،لئلا يعظم بذلك فيمسك عن الطعام و الشراب و الجماع فيه كما يفعل اليهود ، فأما من صامه لا لإرادته تعظيمه ،و لا لما تريد اليهود بتركها السعي فيه ، فان ذلك غير مكروه))(1).
و نحو هذا نقل ابن قدامة عن الامام أحمد ، فقد قال :((قال الأثرم : قال أبو عبد الله : أما صيام يوم السبت يتفرد به فقد جاء فيه حديث الصماء ، و كان يحيى بن سعيد يتقيه - أي : أن يحدثني به - و سمعته من أبي عاصم ، و المكروه افراده ، فان صام معه غيره لم يكره لحديث أبي هريرة (2) و جويرة (3) ، و ان وافق صوما لانسان لم يكره لما قدمنا)) (4) .
و يعني بقوله :((لما قدمنا)) ، كلام الامام أحمد في صوم يوم الجمعة الذي نقله الأثرم أيضا حيث قال :((قيل لأبي عبد الله : صيام يوم الجمعة ؟ فذكر حديث النهي ان يفرد ، ثم قال :الا أن يكون في صيام كان يصومه و أن يفرد فلا ، قال: قلت : رجل كان يصوم يوما و يفطر يوما فوقع فطره يوم الخميس و صومه يوم الجمعة و فطره يوم السبت فصام الجمعة مفردا ؟ فقال : هذه الآن لم يتعمد صومه خاصة ، انما كره أن يتعمد الجمعة)) (5) .
اذن فجمهور العلماء لم يأخذوا بحديث الصماء لمعارضته بما هو أقوى منه . و حملوا النهي فيه على تحري افراده بالصوم .
قال لي العلامة الدكتور هاشم جميل :
__________
(1) شرح معاني الآثار 2/80 و 81 .
(2) حديث أبي هريرة تقدم تخريجه .
(3) حديث جويرة تقدم تخريجه
(4) المغني 3/98 .
(5) المغني 3/98 .(5/11)
((أجمع و أخصر ما قرأته في حديث الصماء كلام الترمذي ، حيث قال بعد روايته لهذا الحديث :((هذا حديث حسن ، و معنى كراهته في هذا : أن يخص الرجل يوم السبت بصيام ؛ لأن اليهود تعظم يوم السبت)) (1) . اذن فالنهي عن تحري يوم السبت بصوم التطوع ؛اذن فمن صام يوما قبله أو يوما بعده فهو لم يتحر صومه ، و من صامه لأنه وافق عادته في الصوم فهو لم يتحر صومه، و من صامه لأنه وافق صوما مشروعا كصوم عرفة أو عاشوراء فهو غير متحر له)).
نموذج آخر : حكم الصوم بعد النصف من شعبان الى رمضان
قال الطحاوي :((ذهب قوم الى كراهة الصوم بعد النصف من شعبان الى رمضان))(2)
و ذكر : ان حجتهم في ذلك :
حديث العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :((اذا انتصف شعبان فلا تصوموا)) (3) .
قال الطحاوي :((و خالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا : لا بأس بصوم شعبان كله ، و هو حسن غير منهي عنه)) (4) .
قلت : لأنهم أعلوا حديث العلاء بالمعارضة .
قال أبو داود :((و كان عبد الرحمن لا يحدث به ، قلت لأحمد : لم ؟ قال : لأنه كان عنده عن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصل شعبان برمضان و قال : عن النبي صلى الله عليه و سلم خلافة)) (5) .
__________
(1) جامع الترمذي 3/120 عقيب (744)
(2) شرح معاني الآثار 2/82 .
(3) أخرجه عبد الرزاق (7325) ، و ابن أبي شيبة 3/21 ، و أحمد 2/442 ، و الدارمي (1747) و (1748) ، و أبو داود 2/301 رقم (2337) ، و ابن ماجه 1/528 رقم (1651) ، و الترمذي 3/115 رقم (738) ،و ابن حبان (3589) ، و البيهقي 4/209 ، و قال الترمذي : ((حسن صحيح ، لا نعرفه الا من هذا الوجه)). و أنظر تحفة الأشراف 10/232 .
(4) شرح معاني الآثار 2/82 .
(5) سنن أبي داود 2/301 عقيب (2337)(5/12)
فهذا الحديث قد أعله بعض العلماء بالتعارض ، و قد بوب البيهقي في سننه بعد أن ذكر الحديث :((باب الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء )) (1) .
هكذافهم الحافظ ابن حجر أن البيهقي مراده في ذلك تضعيف حديث العلاء بالمعارضة اذ قال (2) : ((و كذا صنع قبله
الطحاوي و استظهر بحديث ثابت عن أنس مرفوعا : أفضل الصيام بعد رمضان شعبان )) (3).
و من الأحاديث المعارضة لحديث العلاء التي أشار اليها البيهقي حديث أم المؤمنين عائشة ، قالت :((ما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان)) (4) .
و حديث أم المؤمنين أم سلمة ، قالت :((لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم يصوم من السنة شهرا تاما الا شعبان يصله برمضان)) (5) .
__________
(1) السنن الكبرى 4/209 ، و الحديث أعله النسائي في السنن الكبرى 2/172 رقم (2911) لتفرد العلاء بن عبد الرحمن ، و العلاء هذا قال فيه الحافظ ابن حجر (التقريب : 2/63): ((صدوق ربما وهم)). و استنكره الامام أحمد كما نقله البيهقي ، و كذلك استنكره ابن معين كما نقل الصنعاني في سبل السلام 2/642 .
(2) فتح الباري 4/129 .
(3) أخرجه الطحاوي 2/93 .
(4) السنن الكبرى للبيهقي 4/210 .
(5) المصدر السابق(5/13)
و قال ابن رجب الحنبلي (1) :((و اختلف العلماء في صحة هذا الحديث ثم العمل به ، اما تصحيحه فصححه غير واحد منهم :الترمذي ، و ابن حبان ، و الحاكم ، و ابن عبد البر و تكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء و اعلم ، و قالوا : هو حديث منكر ، منهم : عبد الرحمن بن مهدي ، و أحمد ، و أبو زرعة الرازي ، و الأثرم . و رده الامام أحمد بحديث :((لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين)) (2) ، فان مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين)) .
المبحث الثاني : الاعلال بالشك
الضبط في الرواية شرط من شروط الصحة و الشك ، يخالف الضبط و يباينه لكن الجنس البشري مجبول على الخطأ و النسيان ، و قد يتردد الراوي في لفظة أو يشك في رفع الحديث و وقفه ، و هذا أمر لا يسلم منه أحد الا من شاء الله ، فالراوي اذا اخطأ أو شك و كان ذلك قليلا و نادرا منه فانه لا يضره ، و لا يوهن حديثه الا اذا كثر منه ذلك فانه يضعف بسوء الحفظ ، و اذا غلب عليه ذلك يترك حديثه.
و قد وجد الشك في كثير من الأحاديث الصحيحة و لم يقدح أحد بصحتها لهذا الشك ، ينظر على سبيل المثال :
فتح الباري الجزء الأول ، الصفحات الآتية : ((264 ، 265 ، 487 ، 504 ، 514 ، 553))
و الجزء الثاني الصفحات:((42 ، 102 ، 132 ، 143 ، 183 ، 195 ، 215 ، 231 ، 271 ، 301 ، 309 ، 375 ، 464 )) .
__________
(1) في لطائف المعارف ص142 ، كما نقله محقق الارشاد للخليلي 1/218 .
(2) أخرجه الطيالسي (2671) ، و ابن أبي شيبة 3/20 ، و أحمد 1/226 ، و الدارمي (1690) ، و أبو داود 2/298 رقم (2327) ، و الترمذي 3/72 رقم (688) ، و النسائي 4/136 و 153 ، و أبو يعلى (2355) ، و ابن خزيمة (1912) ، و ابن حبان (3590) و (3594) ، و الطبراني في الكبير (11706) ، و في الأوسط (5736) ، و الحاكم 1/424 ، و البيهقي 4/208 من حديث عبد الله بن عباس . و قال الترمذي :((حسن صحيح)) . و أنظر تحفة الأشراف 5/138 حديث (6105) .(5/14)
و الجزء الثالث الصفحات :((136 ، 238 ، 346 ، 443 ، 453 ، 562 ، 578)) .
و الجزء الرابع الصفحات :((16 ، 27 ، 29 ، 33 ، 203 ، 225 ، 230 ، 258 ، 264 ، 279 ، 388 ، 428)).
و الجزء الخامس الصفحات :((63 ، 79 ، 181 ، 202 ، 299 ، 325)) .
الجزء السادس الصفحات :((15 ، 64 ، 133 ، 411 ، 461 )) .
لكن قد يتوقف العلماء في كلمة أو لفظة يقع فيها الشك .
مثال ذلك : حديث داود بن الحصين ، عن أبي سفيان ، عن أبي هريرة ، ان النبي صلى الله عليه و سلم : ((رخص في العرايا (1)
__________
(1) اختلف العلماء في صورة العرايا . و هي عند أبي حنيفة : أن يهب الرجل لآخر ثمرة نخلة ،فلا يقطعها الموهوب له ، و يبدوا للواهب أن يعود بهبته ، فيعوض الموهب له خرصها تمرا ؛ و بذلك يطيب للواهب ما يرجع به ، و للموهب له ما أخذه من العوض ، فيخرج الواهب من حكم من وعد وعدا فأخلفه ، و يخرج الموهوب له من حكم من أخذ عوضا عن شيء لم يملكه.
و صورتها عند مالك : أن يهب رجل لآخر تمر نخلات معينة ، أو مقدارا معينا من ثمرة بستانه ، و يتأذى من دخول الموهوب له ، فيشتري منه ما وهبه له بخرصه تمرا ، و ذلك : بأن يقدر الخارص ما يتحصل من الرطب اذا جف و صار تمرا ، فيعطي الواهب للموهوب له مقدار ذلك تمرا ؛ و لا يجوز هذا فيما زاد على خمسة أوسق .
و صورتها عند الشافعي و أحمد :أن يشتري الرجل الرطب على رؤوس الأشجار بخرصه تمرا ، فيستلم البائع التمر ، ويستلم المشتري الرطب بالتخلية ؛ و لا يجوز ذلك فيما زاد على خمسة أوسق ، و قد جاز هذا على خلاف الأصل للضرورة ؛ فان الأصل عدم جواز بيع الرطب بالتمر . أنظر مختصر الطحاوي ص78 ، و شرح النووي على مسلم 4/35 ، و المنتقى 4/225 ، و فقه الامام سعيد 3/55-56 .(5/15)
في خمسة أو سق (1) أو دون خمسة أوسق)) (2) .
قال ابن الأثير :((شك داود بن الحصين في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق)) (3) .
و قال الحافظ ابن حجر :((و قد اعتبر من قال بجواز بيع العرايا بمفهوم العدد و منعوا ما زاد عليه ، و اختلفوا في جواز الخمسة لأجل الشك المذكور ، و الخلاف عند المالكية و الشافعية ، و الراجح عند المالكية الجواز في الخمسة فما دونها ، و عند الشافعية الجواز فيما دون الخمسة و لا يجوز في الخمسة و هو قول الحنابلة و أهل الظاهر ؛ فمأخذ المنع :ان الأصل التحريم ، و بيع العرايا رخصة فيؤخذ منه بما يحقق منه الجواز و يلغي ما وقع فيه الشك )). (4)
و قال صاحب طرح التثريب :((شك داود فجعل الفقهاء هذا الحديث مخصصا لعموم تلك الأحاديث و قالوا :تتقيد الرخصة بأقل من خمسة أوسق ، و اختلفوا في جوازها في خمسة أوسق ؛ لأن الأصل تحريم بيع التمر بالرطب ، و جاءت العرايا رخصة و شك الراوي في خمسة أوسق أو دونها ، فوجب الأخذ باليقين و هو دون خمسة أوسق و بقيت الخمسة أوسق على التحريم )) (5).
و قد يشك الراوي في رفع لفظة أو وقفها فيتوقف العلماء عندئذ بالعمل بهذا ، و يحصل خلاف في العمل به أو عدمه.
نموذج لهذا و أثره في اختلاف الفقهاء
حديث أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :(( من اعتق نصيبا له في مملوك أو شركا له في عبد فكان له من المال ما يبلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق )).
__________
(1) هي : جمع وسق بفتح الواو و كسرها ، قال الهروي : كل شيء حملته فقد وسقته . تهذيب الأسماء و اللغات 3/191 .
(2) أخرجه البخاري 3/99 رقم (2190) ، و مسلم 5/15 رقم (1541) ، و أبو داود 3/252 رقم (3364) ، و الترمذي 3/595 رقم (1301) ، و النسائي 7/268 ، و ابن الجارود (659) ، و الطحاوي في شرح المعاني 4/30 .
(3) جامع الأصول 1/475 .
(4) فتح الباري 4/388 .
(5) ج6/140 ، و لتفصيل الأقوال ، انظر شرح السنة للبغوي 8/91 .(5/16)
قال نافع :((و الا فقد عتق منه ما عتق)) . قال أيوب : لا أدري أشيء قاله نافع أو شيء في الحديث (1).
فقد اختلف الفقهاء في حكم العبد المشترك اذا عتق أحد الشركاء حصته :
فذهب الامام سعيد بن المسيب أن العبد اذا كان بين شركاء فاعتق أحدهم حصته و أبى الآخرون سرى العتق الى باقيه ، ثم ان كان المعتق موسرا كان عليه ضمان حصص شركائه و لا يرجع على العتيق بشيء ، و ان كان موسرا فلا شيء عليه و استسعى (2) العبد فيما بقي من قيمته .
و بذلك قال أبو يوسف ، و محمد ، و الطحاوي ، و هو رواية عن أحمد .
و وافق أبو حنيفة الامام سعيد فيما يختص بالمعتق معسرا و خالفه في الموسر فقال : الشريك بالخيار ان شاء أعتق ، و ان شاء استسعى العتيق في قيمة حصته ، و ان شاء ضمن المعتق ،فان ضمنه رجع المعتق على العتيق فاستسعاه بما ضمنه .
و وافق مالك و الشافعي الامام سعيد فيما يختص بالموسر و خالفاه في المعسر فقالا : لا تعتق حصته و تبقى حصة الشريك رقيقا . و بذلك قال أحمد في رواية (3) .
المبحث الثالث : اعلال خبر الآحاد بكونه مما تعم به البلوى
ان ورود الحديث بطريق الاحاد ليس علة تقدح في صحة الحديث لكن اشترط بعض الفقهاء شروطا للعمل بخبر الآحاد ، و كل حديث ورد و لم يستوف الشروط فالأصل أنه لا يعمل به عندهم .و سأتناول هذه الشروط على شكل علل لأن كثيرا من الأحاديث أعلت على هذه الطريقة .
و من الشروط التي اشترطها الحنفية للعمل بخبر الآحاد ما يأتي :
أن لا يكون خبر الآحاد واردا فيما تعم به البلوى .
__________
(1) أخرجه البخاري 3/189 رقم (2524) ، و أيوب هو ابن أبي تميمة السختياني ثقة . التقريب 1/189.
(2) استسعى : أي كلف الاكتساب حتى يحصل قيمة نصيب الشركاء الآخرين . و أنظر فتح الباري 5/157 .
(3) فقه الامام سعيد 4/253-254 ، شرح السنة 9/357 .(5/17)
و المقصود بعموم البلوى هو :ما يكثر وقوعه و يحتاجه جميع الناس ، فما كان من هذا القبيل يحتاج اثباته الى خبر متواتر أو مشهور ، و مانقل بخبر الآحاد يعد في هذا الموضع غير صحيح فلا يعمل به (1).
و احتج الحنفية على هذا الشرط :بأن الخليفة الأول أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- رد خبر المغيرة بن شعبة في ميراث الجدة ، و رد عمر خبر أبي موسى في الاستئذان فلولا أن مذهب الصحابة رد أخبار الآحاد الواردة فيما تعم به البلوى ما ساغ لأبي بكر و عمر رد هذه الأخبار مما يدل على أن ذلك اجماع منهم .(2)
و المقصود بخبر المغيرة هو :
حديث قبيصة بن ذؤيب ، قال :((جاءت الجدة الى أبي بكر تسأله ميراثها ، قال : فقال لها : مالك في كتاب الله شيء ، و مالك في سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم شيء ، فارجعي حتى أسأل الناس ، فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة :حضرت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعطاها السدس ، فقال أبو بكر : هل معك غيرك ؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة فأنفذه لها أبو بكر))(3).
__________
(1) أصول السرخسي 1/368 ، كشف الاسرار للبزدوي 3/16 ، الفصول في الأصول 3/114 .
(2) أصول السرخسي 1/368 ، الفصول في الأصول 3/117
(3) أخرجه عبد الرزاق (19083) ، و سعيد بن منصور (80) ، و ابن أبي شيبة 11/320 ، و أحمد 4/225 ، و الدارمي (2924) ، و أبو داود 3/121 رقم (2894) ، و ابن ماجه 2/909 رقم (2724) ، و الترمذي 4/366 رقم (2101) ، و قال الترمذي :((حسن صحيح)) . و أنظر تحفة الأشراف 8/361.(5/18)
و أما خبر أبي موسى فهو : حديث أبي سعيد الخدري قال :((استأذن أبو موسى على عمر ،فقال :السلام عليكم أ أدخل ؟ قال عمر :واحدة ، ثم سكت ساعة ، ثم قال : السلام عليكم أ أدخل ؟ قال عمر : اثنتان ، ثم سكت ساعة فقال : السلام عليكم أ أدخل ؟ فقال عمر : ثلاث ، ثم رجع ، فقال عمر للبواب :ما صنع ؟ قال : رجع ، قال : عليَّ به ، فلما جاءه ، قال : ما هذا الذي صنعت ؟ قال : السنة ، قال : السنة ؟ و الله لتأتيني على هذا ببرهان أو بينة أولا فعلن بك ، قال : فأتانا و نحن رفقة من الأنصار فقال : يا معشر الأنصار، ألستم أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((الاستئذان ثلاث ، فان أذن لك ، و الا فارجع)) فجعل القوم يمازحونه ، قال أبو سعيد : ثم رفعت رأسي اليه فقلت : فما أصابك في هذا من العقوبة فانا شريكك . قال :فاتى عمر فاخبره بذلك ، فقال عمر : ما كنت علمت بهذا )) (1) .
و أجيب عن هذا : بان دعوى الاجماع غير مسلم بها بل الصحيح خلاف ذلك ؛ فقد رجع الصحابة في مسائل كثيرة من هذا القبيل الى خبر الآحاد و قبلوها : فقد قبل أبو بكر حديث عائشة وحدها في القدر الذي كفن فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد قالت عائشة :((دخلت على أبي بكر -رضي الله عنه- فقال :في كم كفنتم النبي صلى الله عليه و سلم ؟ قالت : في ثلاثة أثواب سحولية ليس فيها قميص و لا عمامة . و قال لها : في أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قالت : يوم الاثنين)) (2) .
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق (19423) ، و أحمد 3/19 ، والدارمي (2632) ، و البخاري 3/72 رقم (2062) ، و مسلم 6/179 رقم (2153)
(2) أخرجه البخاري 2/127 رقم (1387) .(5/19)
و كذلك قبول عمر بن الخطاب خبر أم المؤمنين عائشة في وجوب الغسل من التقاء الختانين ، و هو ما رواه عبيد الله بن عدي بن الخيار قال : تذاكر أصحاب النبي رسول الله صلى الله عليه و سلم عند عمر بن الخطاب الغسل من الجنابة . فقال بعضهم : اذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل ، و قال بعضهم : انما الماء من الماء . فقال عمر -رضي الله عنه - : قد اختلفتم علي و انتم أهل بدر الأخيار ، فكيف بالناس بعدكم ؟ فقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- : يا أمير المؤمنين ان اردت ان تعلم ذلك ، فأرسل الى أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فسلهن عن ذلك . فأرسل الى عائشة -رضي الله عنها- فقالت :((اذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل)) . فقال عمر عند ذلك: لا أسمع أحدا يقول : الماء من الماء الا جعلته نكالا )) (1) .
و كذلك رجوع عبد الله بن عمر عن المخابرة الى رواية رافع بن خديج و هو ما رواه نافع ، ان ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و في امارة أبي بكر و عمر و عثمان و صدرا من خلافة معاوية ، حتى بلغه في آخر خلافة معاوية ان رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن النبي صلى الله عليه و سلم ، فدخل عليه و انا معه فسأله ؟فقال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهى عن كراء المزارع ، فتركها ابن عمر بعده و كان اذا سئل عنها بعد قال : زعم رافع بن خديج ان رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عنها)) (2) .
__________
(1) أخرجه الطحاوي في شرح المعاني 1/59
(2) أخرجه البخاري 3/123 رقم (2285) و 3/141 رقم (2344) ، و مسلم 5/21 رقم (1547) ، و ابن ماجه 2/820 رقم (2453) ، و النسائي 7/47 .(5/20)
و أما قصة المغيرة : فان أبا بكر انما توقف فيه لأنه أمر مشهور فاراد ان يتثبت فيه (1) . و أما عمر -رضي الله عنه- فان أبا موسى أخبره بذلك الحديث عقب انكاره عليه رجوعه فاراد عمر الاستثبات في خبره لهذه القرينة (2) .
قال لي العلامة الدكتور هاشم جميل :
((و يدل على ان فعل الصديق و عمر -رضي الله عنهما- انما قصدا منه مجرد التثبت و لا علاقة للأمر بخبر الآحاد : ان الصديق لم يرد خبر المغيرة ، و انما سأل هل معه غيره ؟ فلما شهد محمد بن مسلمة بذلك قضى الصديق بموجب الخبر و عمل به ؛ و الخبر لا يزال خبر اثنين ، و خبر الاثنين -كخبر الواحد- كلاهما خبر آحاد .
و كذلك الحال بالنسبة لخبر أبي موسى ، لم يرده عمر -رضي الله عنه- بل قبله لما شهد معه أبو سعيد ، و هذا أيضا خبر اثنين لم يخرج عن كونه خبر آحاد كما ذكرنا)) (3) .
و قد قبل عمر حديث عبد الرحمن بن عوف وحده في: (( ان النبي صلى الله عليه و سلم أخذ الجزية من مجوس هجر)) (4) .
و حديث الضحاك بن سفيان في توريث امرأة أشيم من دية زوجها (5) .
__________
(1) النكت للحافظ ابن حجر 1/245 .
(2) النكت للحافظ ابن حجر 1/246 .
(3) الى هنا انتهى كلام الدكتور هاشم جميل .
(4) أخرجه الطيالسي (225) ، و الشافعي في الرسالة (1183) ، و عبد الرزاق (9972) ، و ابن أبي شيبة 12/243 ، و أحمد 1/190 ، و الدارمي (2504) ، و البخاري 4/117 رقم (3157) .
(5) أخرجه عبد الرزاق (17764) ، و ابن أبي شيبة 9/363 ، و أحمد 3/452 ، و أبو داود 3/129 رقم (2927) ، و ابن ماجه 2/ 883 رقم (2642) ، و الترمذي 4/19 رقم (1415) و قال : (حسن صحيح) . و أنظر تحفة الأشراف 4/202 حديث (4973) .(5/21)
فالراجح ما ذهب اليه الجمهور من أهل العلم فان خبر الآحاد يعمل به و ان كان مما تعم به البلوى اذا استوفى شروط القبول للاحتجاج به من حيث ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ؛ ذلك ان الادلة الشرعية الدالة على وجوب العمل بخبر الآحاد لم تفرق بين عموم البلوى و غيرها
أثر ذلك في اختلاف الفقهاء : نقض الوضوء بمس الذكر
حصل خلاف بين الحنفية و الجمهور بسبب هذا الشرط في مسائل عدة منها :
((نقض الوضوء بمس الذكر))
اختلف الفقهاء في هذه القضية على مذهبين:
المذهب الأول : ذهب جمهور الفقهاء الى أن مس الذكر ناقض للوضوء لكنهم اختلفوا اذا مسه بباطن الكف أو غيره بشهوة أو غيرها ، مس ذكره أو ذكر غيره عامدا أو ناسيا. (1)
و هو مذهب جماعة من السلف من الصحابة و التابعين ، و اليه ذهب مالك و الشافعي و أحمد في احدى الروايتين عنه (2) .
القول الثاني : ذهب الحنفية الى أن مس الذكر لا ينقض الوضوء . و به قال بعض السلف (3).
__________
(1) فقه الامام سعيد 1/80
(2) المغني 1/170 ، المحلى 1/195 ، بداية المجتهد 1/41 ، نهاية المحتاج 1/104-106 ، المدونة 1/8 القوانين الفقهية 39 .
(3) مجمع الأنهر 1/21 ، المغني 1/170 ، بدائع الصنائع 1/148 ، المبسوط 1/66 ، شرح معاني الآثار 1/71-79 ، شرح فتح القدير 1/49 ، تبيين الحقائق 1/12 ، البحر الرائق 1/45-47 ، فتح باب العناية 1/80 ، رد المحتار 1/147(5/22)
حجة المذهب الأول :
استدل الجمهور على نقض الوضوء بمس الذكر بحديث بسرة بنت صفوان : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :((من مس ذكره فليتوضأ)) (1)
و قد اعترض الحنفية على الاستدلال بهذا الحديث ، فقال السرخسي :((و ما بال رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يقل هذا بين يدي كبار الصحابة حتى لم ينقله أحد منهم و انما قاله بين يدي بسرة ، و قد كان عليه الصلاة و السلام أشد حياء من العذراء في خدرها)) (2) .
و يجاب عن ذلك :
بأن رد خبر الآحاد بكونه واردا فيما تعم به البلوى أمر التزمه الحنفية و لم يوافقهم غيرهم فهو يلزم من التزم به و لا يلزم غيره. و أدلة الجمهور الذين لم يلتزموا هذا الشرط للعمل بخبر الآحاد قد تبين رجحانها؛ لذلك فهذا الاعتراض لا يؤثر على صلاحية حديث بسرة للاحتجاج به . أما بالنسبة لقول الامام السرخسي :((ما بال رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يقل هذا بين يدي كبار الصحابة ... الخ)) .
فقد قال لي العلامة الدكتور هاشم جميل :
__________
(1) أخرجه مالك في الموطأ 1/84 رقم (100) ، و الشافعي 1/34 ، و الطيالسي (1657) ، و عبد الرزاق (411) و (412) ، و الحميدي (352) ، و ابن أبي شيبة 1/136 ، و أحمد 6/406 ، و الدارمي (730) ، و أبو داود 1/46 رقم (181) ، و ابن ماجه 1/161 رقم (479) ، و الترمذي 1/126 رقم (82) ، و النسائي 1/101 ، و ابن الجارود (16) ، و ابن خزيمة (33) ، و ابن حبان (1112) ، و الطبراني في الكبير 24/حديث (487) . و قال الترمذي : (حسن صحيح).
(2) المبسوط 1/66(5/23)
((هذا كلام في غاية العجب ؛ اذ ما المانع أن يقول الرسول عليه الصلاة و السلام ذلك لأحد صغار الصحابة و لم يقله لكبارهم ، و هل عرفت الأمة غالبية السنة من طريق كبار الصحابة ؟ الواقع يشهد أن الأمر ليس كذلك ، و انما غالبية السنة عرفت من طريق غير الكبار ، ثم ما المانع من أن يخص النبي صلى الله عليه و سلم امرأة من أصحابه بتبليغ حكم شرعي ما دام تلك الصحابية قد قامت بواجب التبليغ ؟ و كم من سنة انفردت صحابية بحفظها على هذه الأمة و لا سيما في قضايا يهم أمرها النساء أكبر مما يهم الرجال ؟ و هذه القضية منها فان أمر رعاية الأطفال انما يعود الى الأمهات ، فالأم تقوم بغسل عورة ولدها في اليوم عدة مرات بينما قد لا يفعل ذلك الأب مرة واحدة في حياته كلها ؛ اذن فما المانع أن تكون بسرة - رضي الله عنها- قد سألت عن هذا الأمر المهم و علمت حكمه من رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و عنها انتشرت هذه السنة ، ثم ان توفر الدواعي لنقل حكم من طريق فرد واحد لا يعني بالضرورة أن هذا الحكم لم يسمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم غيره .
هذا كله لو سلمنا أن هذه السنة لم ترو الا من طريق بسرة -رضي الله عنها- ، و الا فالواقع أن الحديث قد نقل عن غيرها))(1) .
أقول : هذا صحيح فان الحديث قد جاء من طرق عن عدة من الصحابة :
فقد جاء من طريق عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ،مرفوعا :((أيما رجل مس فرجه فليتوضأ ، و ايما امرأة مست فرجها فلتتوضأ )). (2)
__________
(1) الى هنا انتهى كلام الدكتور هاشم جميل حفظه الله ومتعنا بعلمه.
(2) أخرجه أحمد 1/223 ، و ابن الجارود (17) ، و الطحاوي في شرح المعاني 1/75 ، و البيهقي في السنن الكبرى 1/132 ، و في المعرفة 1/349 ، و الدارقطني 1/147 . و نقل البيهقي في المعرفة عن البخاري قوله :((حديث عبد الله بن عمرو في هذا الباب في مس الذكر هو عندي صحيح)) .(5/24)
و من حديث زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :((من مس فرجه فليتوضأ)).(1)
و جاء الحديث من رواية عبد الله بن عمر مرفوعا :((من مس ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة)) (2) .
__________
(1) أخرجه أحمد 5/194 ، و البيهقي في المعرفة 1/334 ، 335 من طريق محمد بن اسحاق ، قال : حدثني محمد بن مسلم الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن زيد بن خالد الجهني ، به و اسناده صحيح ، محمد بن اسحاق مدلس و قد صرح بالسماع من الزهري لكن الامام علي بن المديني عد هذا الحديث مما انكر على محمد بن اسحاق. انظر المعرفة ليعقوب الفسوي 2/27 ، وتاريخ الخطيب 1/229، وتهذيب الكمال 24/420-421.
(2) أخرجه الدارقطني 1/147 و في اسناده : عبد الله بن عمر العمري و هو ضعيف ، التقريب 1/435 ، و أخرجه الطحاوي في شرح المعاني 1/74 ، و البزار (1/148 كشف الاستار) من طريق صدقة بن عبد الله ، عن هاشم بن زيد الدمشقي ، و صدقة و هاشم ضعيفان . انظر التقريب 1/366 ترجمة صدقة ،و أنظر الميزان 4/289 ترجمة هاشم بن زيد الدمشقي . و أخرجه الطحاوي أيضا 1/74 من طريق العلاء بن زيد عن الزهري ، عن سالم عن أبيه ، به . والعلاء ضعيف، التقريب 2/92 . و قال الحافظ في التلخيص 1/124 :((و له طريق أخرى أخرجها الحاكم و فيها عبد العزيز بن أبان و هو ضعيف)) . فهذا الحديث يتقوى بكثرة الطرق .(5/25)
و قد جاء الحديث أيضا من رواية أبي هريرة مرفوعا :((اذا افضى أحدكم بيده الى فرجه حتى لا يكون بينه حجاب ولا ستر فليتوضأ وضوءه للصلاة)) (1) .
و جاء الحديث أيضا من رواية أم المؤمنين عائشة ،مرفوعا :((ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون و لا يتوضئون)) (2)
و جاء الحديث من رواية أم المؤمنين أم حبيبة مرفوعا :((من مس ذكره فليتوضأ)) (3) .
و جاء الحديث أيضا من رواية جابر بن عبد الله مرفوعا :((اذا مس أحدكم ذكره فعليه الوضوء)) (4)
__________
(1) أخرجه الشافعي في الأم 1/19 ، و أحمد 2/333 ، و الدارقطني 1/147 ، و الطحاوي في شرح المعاني 1/74 ، و الحاكم 1/138 ، و ابن عبد البر في الاستذكار 1/311 ، و البزار (1/149 كشف) ، و البيهقي 1/130-131 . و فيه يزيد بن عبد الملك ضعيف كما في التقريب 20/368 ، لكن ابن عبد البر أخرجه من طريق يزيد بن عبد الملك هذا ، و نافع بن أبي نعيم المقبري ؛ فهو متابع .
(2) أخرجه الدارقطني 1/147-148 و قال :((عبد الرحمن العمري ضعيف)) . و أخرجه الطحاوي في شرح المعاني 1/74 ، و البزار ((1/148 كشف)) من طريق عمر بن شريح عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، و عمر هذا ضعيف ؛ قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/245 :((رواه البزار و فيه عمر بن شريح ، قال الأزدي لا يصح حديثه)) . و قد روي هذا عن أم المؤمنين عائشة من قولها : أخرجه الشافعي في الأم 1/20 ، و الحاكم 1/138 ، و البيهقي 1/33 .
(3) أخرجه ابن أبي شيبة 1/163 ، و ابن ماجه 1/162 رقم (481) و الطحاوي في شرح المعاني 1/75 ، و أبو يعلى (7440) ، و البيهقي 1/130 ، و ابن عبد البر في الاستذكار 1/310 ، و الطبراني في الكبير 23/حديث (450) ، و ذكره الترمذي في الجامع 1/130 عقيب (84) ، و قال :((و قال أبو زرعة : حديث أم حبيبة في هذا الباب صحيح)) .
(4) أخرجه الشافعي في الأم 1/19، و ابن ماجه 1/162 رقم (480)، و الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/74 ، و المزي في تهذيب الكمال 20/209 . و فيه عقبة بن عبد الرحمن مجهول التقريب 2/27 .(5/26)
و روي الحديث من طريق أبي أيوب مرفوعا :((من مس فرجه فليتوضأ)) (1) .
فهذه ثمان طرق عن ثمانية من الصحابة غير حديث بسرة ، منها : الصحيح ، و منها ما هو ضعيف ضعفا معتضدا فأقل درجاته عند الحنفية أن يكون مشهورا ، و ما كان كذلك يعمل به عندهم فيما تعم به البلوى .
و قد استدل الحنفية لمذهبهم في عدم نقض الوضوء بمس الذكر بحديث قيس بن طلق بن علي الحنفي ، عن أبيه ، عن
النبي صلى الله عليه و سلم قال :((و هل هو الا مضغة منه ؟ أو بضعة منه ؟)) (2)
قال الترمذي :((هذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب)) (3) .
__________
(1) أخرجه ابن ماجه 1/162 رقم (482) ، و الطبراني في الكبير (3928) ، و في اسناده اسحاق ابن أبي فروة ، قال في التقريب 1/59 :((متروك)) .
(2) أخرجه الطيالسي (1096) ، و عبد الرزاق (426) ، و ابن أبي شيبة 1/165 ، و أحمد 4/22 ، و أبو داود 1/46 رقم (182) ، و ابن ماجه 1/162 رقم (483) ، و الترمذي 1/131 رقم (85) ، و النسائي 1/101 ، و في الكبرى (158) ، و الطحاوي في شرح المعاني 1/75 و 76 ، و الطبراني في الكبير (8233) ، و الدارقطني 1/148 ، و البيهقي 1/134 .
(3) جامع الترمذي 1/131 عقيب (85) ، و قد ضعف أبو حاتم و أبو زرعة الرازيان و يحيى بن معين حديث طلق ، و أعلوه بقيس بن طلق . أنظر علل ابن أبي حاتم (111) ، و سنن الدارقطني مع التعليق المغني 1/149-150 .(5/27)
لكن اعترض ابن حزم على الاستدلال به ، فقال :((هذا خبر صحيح الا أنهم لا حجة لهم فيه لوجوه : أحدها : أن هذا الخبر موافق لما كان الناس عليه قبل ورود الأمر بالوضوء من مس الفرج هذا لا شك فيه ، فاذا هو كذلك فحكمه منسوخ يقينا حين أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالوضوء من مس الفرج ، و لا يحل ترك ما تيقن أنه ناسخ و الأخذ بما تيقن أنه منسوخ ، و ثانيها : أن كلامه عليه السلام ((هل هو الا بضعة منك)) دليل بين على أنه كان قبل الأمر بالوضوء منه ، لأنه لو كان بعده لم يقل عليه السلام هذا الكلام ، بل بين أن الأمر بذلك قد نسخ ، و قوله هذا يدل على أنه لم يكن سلف فيه حكم أصلا و أنه كسائر الأعضاء)) (1) .
المبحث الرابع : اعلال خبر الآحاد بمخالفة فتيا الصحابي الذي يرويه
ان من الشروط التي اشترطها الحنفية للعمل بخبر الآحاد : أن لا يخالف الصحابي الراوي للحديث ما رواه .
و حجتهم في ذلك : أن الراوي لا يخالف ما روى الا لعلة أنه منسوخ أو أنه لا يصح للعمل ، و الا لما أعرض عنه ، لما علم من تمسك الصحابة بالسنة النبوية (2) .
و الجمهور على خلاف ذلك .
و أجيب عن استدلال الحنفية :
بأنه لا يلزم من مخالفة الصحابي للحديث الذي يرويه نسخ ذلك الحديث ما لم نطلع على الناسخ ؛ لاحتمال نسيان الصحابي للحديث ، أو تأويله له بوجه من الوجوه .
__________
(1) المحلى 1/239 .
(2) كشف الأسرار للبزدوي 3/61 ، أصول السرخسي 1/3-7 ، تيسر التحرير 3/107 ، الفصول 3/183 ، ميزان الأصول 2/655 .(5/28)
و أيضا فما دام الحديث قد صح عنه عليه الصلاة والسلام فإنه لا يؤثر على العمل به بعد ذلك أن يكون الراوي قد خالف ما روى أم لم يخالف ، و ذلك لاحتمال أن يكون الراوي قد افتى قبل أن يعلم بالحديث النبوي ، ثم ان قول الصحابي في مقابلة النص انما يعد من اجتهاده ، و نحن غير ملزمين باجتهاده اذا صح لدينا الحديث بخلافه ؛ و رحم الله الشافعي اذ قال: ((كيف أترك الحديث بعمل من لو عاصرته لحاججته؟)) (1) ؛ فالحجة تكون بما روى الصحابي لا بما رأى فالحديث إذا ثبت وصح سنده الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فخلاف الصحابي له و تركه العمل به لا يوجب رده ؛ لأن الحديث حجة على الأمة كافة و الصحابة من ضمنها ؛ قال ابن القيم :((و الذي ندين الله به و لا يسعنا غيره- أن الحديث اذا صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يصح عنه حديث آخر ينسخه - : أن الفرض علينا و على الأمة الأخذ بحديثه و ترك ما خالفه كائنا ما كان ، لأنه من الممكن أن ينسى الراوي الحديث و لا يحضر وقت الفتيا ، أو لا يفطن لدلالته على تلك المسألة ، أو يتأول فيه تأويلا مرجوحا ، أو يقوم في ظنه ما يعارضه و لا يكون معارضا في نفس الأمر ، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه و أنه خالفه الأقوى منه)) (2) .
نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء : تطهير الإناء من ولوغ الكلب
اختلف الفقهاء في عدد الغسلات التي يطهر بها الاناء من ولوغ الكلب على قولين :
القول الأول : ذهب جمهور الفقهاء الى أنه يغسل سبع مرات ، و اختلفوا في اشتراط التتريب و عدمه .(3)
__________
(1) فواتح الرحموت 2/163 ، تيسير التحرير 3/71 .
(2) اعلام الموقعين 3/53 .
(3) المغني 1/45 ، بداية المجتهد 1/22 ، المحلى 1/93-94 ، المجموع 2/586 ، مغني المحتاج 1/83.(5/29)
و استدلوا بحديث أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :((اذا شرب الكلب في اناء أحدكم فليغسله سبع مرات )) و في رواية :((اذا ولغ الكلب في اناء أحدكم فليرقه ثم يغسله سبع مرات)) و في رواية :((طهور اناء أحدكم اذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب)) (1) .
القول الثاني : ذهب الحنفية الى عدم اشتراط العدد في الغسل ، و انما يغسل حتى يغلب على الظن نقاؤه من النجاسة، فيكون الفرض ثلاثة ، و السبعة ندب (2) .
و قد اعترض الحنفية على استدلال الجمهور بأن أبا هريرة راوي الحديث أفتى بثلاث غسلات ، فثبت النسخ (3) .
و استدل الحنفية على أن أبا هريرة كان يفتي بخلاف ما يروي بما رواه الطحاوي (4) والدارقطني (5) من طريق عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، عن عطاء ، عن أبي هريرة - في الاناء يلغ فيه الكلب أو الهر- قال :((يغسل ثلاث مرات)).
و هكذا رد الحنفية الرواية المرفوعة، عن أبي هريرة ؛ لهذه الرواية الموقوفة عليه ؛ لأن فتياه خالفت روايته.
و الجواب على ذلك :
أن هذه رواية تفرد بها عبد الملك بن أبي سليمان و نص النقاد على أنه أخطأ بها ، و قد خالفه الثقات بذلك .
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق (330) ، و الحميدي (968) ، و أحمد 2/265 ، و البخاري 1/54 رقم (172) ، ومسلم 1/161 رقم (279) ، وابو داود 1/19 رقم (71) و (73)، وابن ماجة 1/30 رقم (363) والترمذي 1/151 رقم (91) و النسائي 1/177 ، و ابن خزيمة (96) . و هو في صحيفة همام (39) .
(2) الهداية 1/23 .
(3) شرح معاني الآثار 1/23 ، شرح فتح القدير 1/75-76
(4) شرح معاني الآثار 1/23 .
(5) سنن الدارقطني 1/64 .(5/30)
فقد روى الدارقطني (1) من طريق حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة -في الكلب يلغ في الاناء- قال :((يراق و يغسل سبع مرات)) . قال الدارقطني : صحيح موقوف (2) .
و هذه الرواية الصحيحة تؤيد المرفوع ؛ مما يدل على خطأ عبد الملك بن أبي سليمان و عبد الملك ، قال عنه الحافظ ابن حجر: ((صدوق له أوهام)) (3) ، و قال الامام أحمد: ((ثقة يخطيء)) (4) .
و قد رجح الحافظ ابن حجر الرواية الموافقة للحديث المرفوع ، فقال :((و رواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الاسناد و من حيث النظر : أما النظر فظاهر و أما الاسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن ابن سيرين عنه . و هذا من أصح الاسانيد ، و أما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، و هو دون الأولى في القوة بكثير))(5).
__________
(1) سنن الدارقطني 1/66 .
(2) و هو كما قال . بل ان هذا السند من أصح الأسانيد . الباعث الحثيث ص24 .
(3) التقريب 1/519 .
(4) الخلاصة للخزرجي ص244 .
(5) فتح الباري 1/277 .(5/31)
و قال البيهقي :((تفرد به عبد الملك من أصحاب عطاء ثم من أصحاب أبي هريرة ، و الحفاظ الثقات من أصحاب عطاء و أصحاب أبي هريرة يروون سبع مرات ، و في ذلك دلالة على خطأ رواية عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، عن أبي هريرة في الثلاث ، و عبد الملك لا يقبل منه ما يخالف الثقات ، لمخالفته أهل الحفظ و الثقة في بعض روايته : تركه شعبة بن الحجاج ، و لم يحتج به البخاري في صحيحه)) (1) .و مع كل هذا فان الحديث لم يتفرد به أبو هريرة ، فقد جاء من حديث عبد الله بن مغفل (2) و من حديث عبد الله بن عمر (3) ، و روي من حديث علي (4) .
المبحث الخامس : اعلال خبر الآحاد بمخالفته القياس
ان من الشرائط التي اشترطها بعض الحنفية للعمل بخبر الآحاد : هو أن لا يخالف خبر الواحد القياس ، و هذه المسألة ليست محل اتفاق بين الحنفية : بل قال بها بعض المتقدمين منهم و تبعهم كثير من المتأخرين ، أما أكثر المتقدمين فهم على خلاف ذلك .
و يلاحظ : ان الذين قدموا القياس على خبر الواحد لم يقولوا بهذا على اطلاقه ، بل هم يقسمون الرواة الى قسمين :
__________
(1) نقله شارح الدارقطني 1/66 ، و المبار كفوري في التحفة 1/302 .
(2) أخرجه مسلم 1/162 رقم (280) ، و أبو داود 1/19 رقم (74) ، و النسائي 1/177 .
(3) أخرجه ابن ماجه 1/130 رقم (366) عن محمد بن يحيى ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أنبأنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، مرفوعا :((اذا ولغ الكلب في اناء أحدكم فليغسله سبع مرات)) و هذا اسناد صحيح ، لكن قال الامام المزي في تحفة الأشراف 6/108 عقيب (7735) :((وقع في بعض النسخ :(عبيد الله) و هو وهم)) . و الذي ثبته المزي :عبد الله بن عمر و هو ضعيف ؛ فيكون الاسناد على ما ثبته المزي ضعيفا .
(4) عند الدارقطني 1/65 و سنده ضعيف لضعف الجارود بن أبي يزيد . الميزان 1/384 .(5/32)
القسم الأول : من عرف بالرأي و الاجتهاد و الضبط و الفقه كالخلفاء الأربعة الراشدين و ابن مسعود ، و العبادلة، و زيد بن ثابت ، و هؤلاء لا خلاف بين الحنفية في قبول حديثهم و اعتباره حجة مقدمة على القياس.
القسم الثاني : من عرف من الصحابة بالرواية و لم يعرف بالفقه و الاجتهاد و الفتيا ، فهؤلاء اذا جاءوا بخبر الآحاد موافقا للقياس قبل و إن جاء حديثهم مخالفا للقياس فهذا الذي حصل خلاف بين الحنفية في قبوله و عدمه على قولين :
القول الأول :- ذهب بعض الحنفية الى قبول أخبارهم حتى اذا خالفت القياس و هذا القول موافق لقول الجمهور . و هو مذهب جمهور المتقدمين من أئمة الحنفية .
القول الثاني : ذهب عيسى بن أبان ، و القاضي ، و أبو زيد و كثير من المتأخرين من الحنفية الى رد حديث هؤلاء ، و تقديم القياس عليه (1) .
و احتجوا لهذا بما روي عن ابن عباس ، أنه سمع أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو :((توضؤوا مما مست النار)) ، فقال له ابن عباس : أنتوضأ من الدهن ؟ أنتوضأ من الحميم ؟ فقال أبو هريرة : يا ابن أخي اذا سمعت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا تضرب له الامثال (2) .
قالوا : فقد رده ابن عباس بالقياس .
و أجيب : بأن الادعاء أن هؤلاء الصحابة -كأبي هريرة و نحوه- ليسوا من أهل الفقه و الاجتهاد غير مسلم به و ذلك لأن اجابته السابقة التي أجاب بها ابن عباس تدل على عقلية فقهية رفيعة المستوى ، و ابن عباس نفسه لم يراجعه على اجابته ، ثم ان أبا هريرة -رضي الله عنه- كان يحدث و يفتي و يجتهد فلم يمنعه أحد من كبار الصحابة .
__________
(1) كشف الأسرار للبزدوي 2/377-378 .
(2) أخرجه الطيالسي (2376) ، و عبد الرزاق (267) و (268) ، و ابن أبي شيبة 1/50 ، و أحمد 2/265 ، و مسلم 1/187 رقم (352) ، و الترمذي 1/114 رقم (79) ، و النسائي 1/105 ، و الطحاوي 1/63 .(5/33)
أما حديث الوضوء مما مست النار فان عند ابن عباس الحديث الناسخ لحديث أبي هريرة ، و هو : أن النبي صلى الله عليه و سلم أكل كتف شاة و صلى و لم يتوضأ (1) ، فكأن أبا هريرة لم يعلم بالناسخ .
على أنه لم ينفرد بحديث الوضوء مما مست النار ، فقد رواه أبو أيوب (2) ، و أبو طلحة (3) و زيد بن ثابت(4) ، و أم المؤمنين أم حبيبة (5) ، و أم المؤمنين عائشة (6) ، و أبو موسى الأشعري (7) ، و سهل بن الحنظلية (8) ، و أم المؤمنين أم سلمة (9) ، و أنس بن مالك (10) ، و عبد الله بن عمر (11) ، و معاذ بن جبل (12) ، و عبد الله بن زيد (13) ، و غيرهم .
__________
(1) أخرجه أحمد 1/226 ، و البخاري 1/63 رقم (207) ، و أبو داود 1/48 رقم (187) ، و ابن خزيمة (41) من طريق عطاء عن ابن عباس :((أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أكل كتف شاة ، ثم صلى ، و لم يتوضأ )) .
(2) عند النسائي 1/106 .
(3) عند النسائي 1/106 .
(4) عند النسائي 1/107 .
(5) عند أبي داود 1/50 رقم (195) .
(6) عند مسلم 1/188 رقم (353) .
(7) عند أحمد 4/397 و 413 .
(8) عند أحمد 4/180 و 5/289 .
(9) عند الطبراني في الكبير . مجمع الزوائد 1/248 .
(10) عند البزار مجمع الزوائد 1/248-249 .
(11) عند البزار مجمع الزوائد 1/249 .
(12) عند البزار مجمع الزوائد 1/249 .
(13) عند الطبراني في الكبير مجمع الزوائد 1/249 .(5/34)
فالراجح ما ذهب اليه جمهور الفقهاء : من أنه لا يضر خبر الآحاد مخالفته للقياس ، لأن النص اذا صح لا يجوز تقديم غيره عليه الا اذا عارضه دليل قطعي أو نص أقوى و لم يمكن الجمع ، ثم أن الادلة المثبتة لخبر الآحاد لم تستثن من أخبار الآحاد شيئا بل جاءت مطلقة ، و جمهور المتقدمين من أئمة الحنفية موافقون لجمهور العلماء على ذلك . و قد أصبح من البديهي عند الفقهاء : أن مرتبة القياس بين الادلة انما تأتي تالية لمرتبة الأدلة المتفق عليها - الكتاب ، و السنة ، و الاجماع- فالقياس لا يتقدم السنة الصحيحة سواء أكانت سنة آحاد أو غير آحاد ، و رحم الله ابن جماعة حيث قال :((و الصحيح الذي عليه ائمة الحديث أو جمهورهم أن خبر الواحد العدل المتصل في جميع ذلك مقبول و راجح على القياس المعارض له ، و به قال الشافعي و أحمد بن حنبل و غيرهما من ائمة الحديث و الفقه و الأصول))(1).
نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء : حكم رد الشاة المصراة (2)
اختلف الفقهاء في جواز رد الشاة المصراة اذا اطلع المشتري على هذا العيب بعد الشراء على قولين:
القول الأول : لا يجوز ردها . و به قال أبو حنيفة و محمد و أبو يوسف في رواية (3)
القول الثاني : ذهب جمهور الفقهاء الى أنه يجوز له ردها بعيب التصرية (4) .
و اختلفوا في الشيء الذي يرد معها : فمنهم من قال : يرد معها صاع من تمر ، و منهم من قال : صاع من غالب قوت البلد .
و ذهب أبو يوسف في رواية عنه الى أنه يرد معها قيمة اللبن ؛ لأنه ضٍمان متلف ، فكان مقدرا بقيمته كسائر المتلفات(5).
__________
(1) المنهل الروي ص23 .
(2) المصراة : هي التي صري لبنها و حقن في الثدي و جمع فلم يحلب . فتح الباري 4/362 ، شرح السنة 8/125 .
(3) المبسوط 13/38 .
(4) المغني 4/233 ، بداية المجتهد 2/132 ، فتح الباري 4/362 ، شرح السنة 8/125 .
(5) المصادر السابقة(5/35)
و استدل الجمهور على جواز الرد بالتصرية بحديث أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : ((لا تصروا الابل و الغنم ، فمن ابتاعها بعد فانه بخير النظرين بعد أن يحتلبها : ان شاء أمسك و ان شاء ردها و صاع تمر)) (1) .
و جه الدلالة :ان هذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم جعل الخيار للمشتري بالرد اذا تبين ان الشاة مصراة .
و أجاب المانعون على ذلك :بأن هذا الحديث مخالف للقياس فلا يقبل من وجوه :
الوجه الأول : ان القياس في ضمان العدوان فيما له مثل مقدر بالمثل في قوله تعالى :((فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)) (2) ، و فيما لا مثل له مقدر بالقيمة .
الوجه الثاني : انعقد الاجماع على وجوب القيمة أو المثل عند فوات العين و تعذر الرد ، فاللبن ان كان من ذوات الأمثال يضمن بالمثل ، و ان لم يكن فيما يضمن بالقيمة ، فايجاب التمر مكانه يكون مخالفا للثابت بالكتاب و السنة و الاجماع فيكون ناسخا .
الوجه الثالث : ان هذا الحديث يدل على توقيت خيار العيب و هو غير موقت بوقت بالاجماع فتوقيته مخالف للقياس فيرد (3) .
و أجيب على هذا :
بأن حصر الضمان بالقيمة و المثل غير مسلم ، فان الحر تضمن ديته بالابل و ليست مثلا و لا قيمة ، و قد يضمن المثل بالقيمة اذا تعذرت المماثلة كمن أتلف شاة لبونا فان عليه قيمتها و لا يجعل بأزاء لبنها آخر لتعذر المماثلة . ثم ان حكم المصراة انفرد بأصله عن المماثلة فلا يستغرب أن ينفرد بوصف زائد على غيره ، و الحكمة فيه أن هذه المدة التي يتبين بها لبن الخلقة من اللبن المجتمع بالتدليس غالبا فشرعت لاستعلام العيب ، فظهر الفرق بين الخيار في المصراة و غيرها(4).
__________
(1) أخرجه البخاري 3/92 رقم (2149) و (2150) ، و مسلم 5/4 رقم (1515)
(2) سورة البقرة الآية 137 .
(3) فتح الباري 4/366 .
(4) أنظر فتح الباري 4/366 .(5/36)
و استدل المانعون للرد : بأن التصرية ليست من العيوب التي يحق للمشتري الرد بسببها ما لم يشترط ؛ و ذلك لأن البيع يقتضي سلامة المبيع ، و قلة اللبن لا تعد من العيوب التي تعدم السلامة ؛ لأن اللبن ثمرة و بعدمه لا تنعدم صفة السلامة فبقلته من باب أولى (1) .
و أجيب : بأن الخيار انما يثبت للمشتري بالتدليس ، و ذلك لأن المشتري لما رأى ضرعا مملوءا باللبن ظن : أن ذلك عادتها ، فكأن البائع قد شرط له ذلك ، فاذا تبين له الأمر خلافه ثبت له الرد ، لفقد الشرط المعنوي المذكور ، و هذا هو التدليس لأنه يظهر ما يخفى ، و هذا مقتضى العدل (2).
المبحث السادس : اعلال خبر الآحاد بمخالفة اجماع أهل المدينة
ان جمهور الفقهاء لم يشترطوا لقبول خبر الآحاد شيئا ، لكن اشترط الحنفية أو بعضهم شروطا تكلمت عنها في المباحث السابقة ، و قد اشترط المالكية شروطا أيضا سأتكلم عنها على شكل علل ؛ لأن الحديث الذي لم يستوف شروطه فهو معلول لعدم استيفائه شروط القبول عندهم ، و من شروط المالكية للعمل بخبر الآحاد : أن لا يخالف عمل أهل المدينة ، فالحديث اذا ورد بخبر الآحاد ، و هو مخالف لما يعمل به أهل المدينة فلا يعمل به لهذه العلة ؛ و هذا ليس مجمعا عليه عند المالكية بل فيه خلاف ، لكن المشهور من مذهبهم أن عمل أهل المدينة حجة ترد بها أخبار الآحاد المخالفة له ، فهو كالمتواتر عندهم (3) ، هذا هو المتداول في كتب الأصول .
__________
(1) المبسوط 13/139 .
(2) فتح الباري 4/379 .
(3) احكام الفصول 414 ، تيسير التحرير 3/344 ، اعلام الموقعين 2/305 .(5/37)
و حجتهم في ذلك : أن المدينة هي التي نزل فيها القرآن و طبق فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم الأحكام الشرعية ، و بين فيها الحلال و الحرام ، و تعلم الصحابة هذه الأحكام من الرسول صلى الله عليه و سلم ، فلما توفي الرسول صلى الله عليه و سلم ، أقام فيها الصحابة المجتهدون و من بينهم ثلاثة من الخلفاء الراشدين ، فكان عملهم من عمل الرسول صلى الله عليه و سلم ثم أخذ عنهم التابعون و فيهم الفقهاء السبعة (1) الذين كانوا يحرصون على معرفة السنة ، و الاقتداء الكامل بالرسول صلى الله عليه و سلم مع الورع الكامل في الفتيا ، فكان عمل هؤلاء منقولا عن النبي صلى الله عليه و سلم بمثابة النقل المتواتر الذي يوجب القطع (2) .
و أجيب على هذا :- بأن السنة اذا ثبتت عن الرسول صلى الله عليه و سلم فان الواجب عندئذ هو العمل بها ، و لا عبرة برأي من خالفها سواء كانوا علماء المدينة أو غيرهم ، لأن هؤلاء العلماء لم يخالفوها الا لأنها لم تبلغهم و لو بلغتهم لم يخالفوها قطعا ، ثم ان اهل المدينة جزء من الأمة لا كلها فلا يلزم من مخالفتهم ترك الأحاديث الواردة بأسانيد صحيحة (3) .
و أجاب ابن حزم بما حاصله :
__________
(1) الفقهاء السبعة هم : سعيد بن المسيب ، و عروة بن الزبير ، و القاسم بن محمد ، و خارجة بن زيد ، و أبو بكر بن عبد الرحمن بن حارث ، و سليمان بن يسار ، و عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود . اعلام الموقعين 1/23 .
(2) ترتيب المدارك 1/64-65 .
(3) مسائل من الفقه المقارن 1/25 .(5/38)
((أولا : أرأيتم الخبر المسند الصحيح قبل أن يعمل به أحق هو أم باطل ؟ و لا بد من أحد هذين ، فان قالوا : حق فسواء عمل به أهل المدينة أو لم يعملوا به لا يزيد الحق درجة في أنه حق أن يعمل به و لا يبطله أن يترك العمل به ، و لو أن أهل الأرض كلهم أصفقوا على معصية محمد صلى الله عليه و سلم ما كان ذلك مسقطا لوجوب طاعته ، و قد فعلوا ذلك في أول مبعثه فما كان مبطلا لصحته ، و كذلك لو أصفق أهل الأرض كلهم على نبوة مسيلمة -لعنه الله- ما حققها ذلك .
ثانيا : و ان قالوا: الخبر باطل قبل العمل به لا يحققه العمل به ، و لا يزيد الله بالعمل الباطل الا ضلالا و خزيا .
ثالثا : ثم نقول لهم : متى أثبت الله العمل بالخبر الصحيح أقبل أن يعمل به أم بعد أن يعمل به ؟
فان قالوا : قبل أن يعمل به فهو كقولنا ، و ان قالوا : بعد أن يعمل به لزمهم أن العاملين به هم الذين شرعوا تلك الشريعة.
رابعا : و لم يبق لهم الا أن يقولوا لما ترك العمل بالخبر علمنا بأنه منسوخ ، و هذا هو باب الإلهام الذي ادعته الروافض.(5/39)
خامسا : ثم نسألهم فنقول لهم عمن تريدون أعمل أمة محمد صلى الله عليه و سلم كلهم أم عمل عصر دون عصر أم عمل محمد صلى الله عليه و سلم أم عمل أبي بكر أم عمل عمر أم عمل صاحب من سكان المدينة بعينه ؟ فان قالوا: عمل أمة محمد صلى الله عليه و سلم فالخلاف بين الأمة اشتهر ، و ان قالوا عصرا ما دون سائر الأعصار ، فالاختلاف بين كل عصر موجود ، و لا سبيل الى وجود مسألة اتفق عليها أهل عصرها (1) .
سادسا : و اذا أردنا أن نعتمد على عمل أهل المدينة فنسأل و نقول : هل اختلف اهل المدينة ام لم يختلفوا ؟ فان قالوا : لم يختلفوا ردهم الموطأ، حيث أن فيه مسائل اختلف أهل المدينة فيها ، و ان قالوا : اختلفوا ، قيل لهم : فما الذي جعل اتباع عمل أهل المدينة بعضهم أولى من بعض ، و قد أبطل الله كل عمل عند الاختلاف الا الرد الى كتاب الله و سنة نبيه)) (2) .
نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء : حكم خيار المجلس
اذا تم العقد بين المتبايعين و لم يتفرقا و لم يختارا لزوم العقد ، فهل يعتبر العقد لازما بمجرد تمامه أو أن كلا من المتعاقدين له خيار فسخ العقد ما داما في المجلس ؟
حصل خلاف في ذلك بين الفقهاء على مذهبين :
المذهب الأول : ذهب فريق من الفقهاء الى القول بعدم ثبوت خيار المجلس ، و قالوا : يلزم العقد بالايجاب و القبول ، الا اذا اشترطا أو احدهما الخيار .
و الى ذلك ذهب أبو حنيفة ، و مالك ، و أكثر الزيدية .
__________
(1) هذا من ابن حزم مبني على مذهبه القائل :بأن الاجماع بعد عصر الصحابة -رضي الله عنهم- غير ممكن ، و هذه قضية مخالفة لما عليه جمهور العلماء . الأحكام لابن حزم 4/506 ، و التبصرة ص359 . و قول ابن حزم هذا هو احدى الروايتين عن أحمد بن حنبل . أنظر الأحكام للآمدي 1/328 . و قال الشوكاني في ارشاد الفحول ص82 : ((انه ظاهر كلام ابن حبان )) . و انظر ميزان الأصول 2/772
(2) الاحكام في أصول الأحكام 2/98-110 .(5/40)
المذهب الثاني : و ذهب فريق من الفقهاء الى القول بثبوت خيار المجلس للمتعاقدين في عقود البيع ، و عليه فاذا تبايع شخصان وقع العقد جائزا ، و لكل واحد منهما فسخه ما لم يفارق مجلس العقد أو يختار اللزوم .
و بذلك قال جمهور أهل العلم ، و اليه ذهب الشافعي ، و أحمد ، و الظاهرية ، و الامامية ، و بعض الزيدية (1) .
حجة الجمهور :
استدلوا بما صح عن حكيم بن حزام ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فان صدقا و بينا بورك لهما في بيعهما ، و ان كتما و كذبا محقت بركة بيعهما)) (2).
وجه الدلالة : ان هذا الحديث مصرح بأن العقد بين المتبايعين لا يلزم ما لم يتفرقا عن مكان العقد أو يختارا لزومه ، و كل ما يطلق عليه في العرف تفرق يحصل به المقصود .
و اعترض المالكية :
بأن هذا الحديث مخالف لعمل أهل المدينة ؛ و هو خبر آحاد فلا يؤخذ به (3) .
و أجيب على هذا :
بأن شرط قبول الآحاد موافقة عمل أهل المدينة شرط تفرد به المالكية لم يوافقهم الجمهور عليه . و الصحيح أنه لا يشترط .
__________
(1) مسائل من الفقه المقارن 2/10-11 ، المجموع 9/186 ، المغني 4/6 ، شرح فتح القدير 5/81 ، المحلى 8/351 .
(2) أخرجه الشافعي 2/154 و 155 ، و الطيالسي (1316) ، و ابن أبي شيبة 7/124 ، و أحمد 3/402 و 434 ، و الدارمي (2550) و (2551) ؛ و البخاري 3/76 رقم (2079) و 3/83 رقم (2108) و 3/84 رقم (2110) ، و مسلم 5/10 رقم (1532) ، و أبو داود 3/273 رقم (3459) ، و الترمذي 3/548 رقم (1246) ، و النسائي 7/244 ، و الطبراني في الكبير (3115) الى (3119) ، و البيهقي 5/269 ، و البغوي (2051) .
(3) المنتقى 5/55 ، عارضة الأحوذي 6/5(5/41)
ثم أن المنقول عن جملة علماء المدينة العمل به كما قال به عمر بن الخطاب ، و عبد الله بن عمر و أبو هريرة ، و سعيد بن المسيب ، و الزهري ، و ابن أبي ذئب ، و هؤلاء كلهم من أهل المدينة (1) .
و اعترض أيضا :
بأن الحديث محمول على ارادة التفرق بالأقوال و ليس بالأبدان ، و ذلك فيما اذا قال البائع بعت و قال المشتري اشتريت فهنا قد تفرقا و انقطع الخيار ، ثم ان الخيار هو الذي كان للبائع قبل أن يقول المشتري اشتريت (2) .
و أجيب : بأن هذا خلاف الظاهر ، فان السابق الى الفهم التفرق من المكان ، و المتبادر الى الذهن علامة الحقيقة على أن الحديث قد جاء بروايات تنفي أن يكون المراد منه غير ما ذهب اليه الجمهور .
و بيان ذلك فيما يأتي :
ما صح عن نافع ، عن ابن عمر ، قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يختارا)) . قال :فكان ابن عمر اذا ابتاع بيعا و هو قاعد ، قام ليجب له البيع (3) .
و حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، الا أن تكون صفقة خيار ، و لا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)) (4).
فهذه الأحاديث يتعذر حملها على غير ما ذهب اليه الجمهور .
__________
(1) المغني 4/61 ، فتح الباري 4/330 .
(2) مسائل من الفقه المقارن 2/18
(3) أخرجه مالك 2/201 رقم (1958) ، و الطيالسي (1338) ، و الحميدي (654) ، و أحمد 1/56 و 2/4 ، و البخاري 3/83 رقم (2107) و 3/84 رقم (2109) ، و مسلم 5/9 رقم (1531) ، و أبو داود 3/272 رقم (3454) و (3455) ، و ابن ماجه 2/735 رقم (2181) ، و الترمذي 3/547 رقم (1245) ، و النسائي 7/248.
(4) أخرجه أحمد 2/183 ، و أبو داود 3/273 رقم (3456) ، و الترمذي 3/550 رقم (1247) ، و النسائي 7/251 . و قال الترمذي : (هذا حديث حسن) . و انظر تحفة الأشراف 6/336 حديث (8797) .(5/42)
و اعترض الحنفية على هذا الحديث :بأن الحديث دار فيما تعم به البلوى ، و لا يقبل خبر الآحاد فيما تعم به البلوى(1).
و أجيب على هذا :بأن هذه شرائط للعمل بخبر الآحاد التزم بها الحنفية و قد خالفهم فيها الجمهور فهي لا تلزم على أن خيار المجلس ليس مما تعم به البلوى ، لأن الذين يفسخون العقد بناء على خيار المجلس يعدون قلة بالنسبة لمن لا يفسخون (2) .
ثم أن الحنفية قد جعلوا للمشهور حكم المتواتر في هذه الأمور ، و الحديث مشهور باصطلاحهم ، و بيان ذلك : أن المشهور عندهم هو ما لا يقل رواته عن ثلاثة في كل طبقة من طبقات اسناده . و هذا الحديث قد رواه من الصحابة : حكيم بن حزام ، و ابن عمر ، و عبد الله بن عمرو بن العاص ، و سمرة ، و أبو برزة الأسلمي ، و ابن عباس ، و جابر (3) .
فهذه طرق كثيرة ربما بلغت حد التواتر عند بعض أهل العلم فهو على أقل تقدير مشهور في اصطلاح الحنفية ، و للمشهور عندهم حكم المتواتر من حيث أنه يجوز أن يزاد به على الكتاب و يقبل فيما تعم به البلوى (4) .
و استدل الحنفية و المالكية على عدم ثبوت خيار المجلس بما يأتي :
أولا : قوله تعالى :((يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم)) (5) .
وجه الدلالة : ان هذه الآية أباحت على وجه الاطلاق التصرف بما يحصل عليه كل من المتعاقدين لمجرد حصول التراضي ، و اذا تم الايجاب و القبول بالقول فقد تراضيا ، و هي مطلقة حيث أنها لم تشترط التفرق بالأبدان (6).
ثانيا : قوله تعالى :((يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)) (7) .
__________
(1) بدائع الصنائع 5/228 ، شرح فتح القدير 5/81 ، المغني 4/6
(2) مسائل من الفقه المقارن 2/16 .
(3) نصب الراية 4/1 و ما بعدها ، التلخيص الحبير 3/20 .
(4) مسائل من الفقه المقارن 2/17 .
(5) سورة النساء الآية 39 .
(6) أحكام القرآن لابن العربي 1/409 .
(7) سورة المائدة الآية 1 .(5/43)
وجه الدلالة :ان الشارع قد أمر بالوفاء بالعقود ، و العقد بعد تمام الايجاب و القبول و قبل التفرق من المجلس أو التخيير يسمى عقدا ، فيدخل في عموم هذه الآية من حيث وجوب الوفاء به ، و القول بغير ذلك ابطال للنص
و أجيب عن ذلك :
بأن هذا الاستدلال مبني على اعتبار أن العقد قد تم و انه لازم للوفاء به ، و هذا لا يتأتى إلا بنص الشارع ، و قد اعتبر الشارع أن العقد غير لازم و أن التجارة غير تامة عن تراض الا بعد حصول التفرق المذكور في حديث خيار المجلس (1) .
ثالثا : ما صح عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :((من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه و يقبضه)) (2) .
وجه الدلالة : ان هذا الحديث عام قد أباح التصرف بالمبيع بمجرد القبض ، و لم يشترط التفرق ، فدل على عدم ثبوت خيار المجلس .
و أجيب عن هذا : بأن هذا الحديث عام تخصصه أحاديث خيار المجلس ، و ان القبض و التصرف انما يتم بعد التفرق (3) .
المبحث السابع : اعلال خبر الآحاد بمخالفة القواعد العامة
من الشروط التي اشترطها المالكية للعمل بخبر الآحاد أن لا يخالف القواعد العامة و ذلك لأن القاعدة العامة تعني : أن مضمونها ليس موضع خلاف بين الفقهاء ، و عليه فاذا خالف خبر الآحاد القاعدة العامة تكون المخالفة علة مسقطة للعمل بخبر الآحاد (4) .
و أجيب عن ذلك :
__________
(1) المحلى 8/412 .
(2) أخرجه الطيالسي (2602) ، و عبد الرزاق (14) و (210) ، و الحميدي (508) ، و ابن أبي شيبة 6/368 ، و أحمد (1/215)، و البخاري 3/89 رقم (2133) ، و مسلم 5/7 رقم 1525) ، و أبو داود 3/281 رقم (3496) و (3497) ، و ابن ماجه 2/749 رقم (2227) ، و الترمذي 3/586 رقم (1291) ، و النسائي 7/285
(3) مسائل من الفقه المقارن 2/16
(4) مسائل من الفقه المقارن 1/24 .(5/44)
بأن القاعدة مهما بلغت فهي لا تكون أقوى من نص عام ، و خبر الآحاد الخاص اذا صح يمكن أن يخصص العام ، و عليه فاذا عارض خبر الآحاد القاعدة العامة فان القاعدة لا تبطل العمل به و انما تخص القاعدة به (1) .
نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء : حكم صوم من أكل أو شرب ناسيا
اختلف الفقهاء فيمن أكل أو شرب ناسيا و هو صائم هل يفسد صومه أم لا على قولين :
القول الأول : لا يفسد صومه .
و هو مذهب جمهور الفقهاء ، و به قال أبو حنيفة ، و الشافعي ، و أحمد ، و الظاهرية ، و الامامية ، و أكثر الزيدية(2).
القول الثاني : يفسد صومه و بذلك قال المالكية (3) .
استدل المالكية على ذلك بأن الصوم ركنه الامساك عن المفطرات ، و من تناول المفطر فقد فوت ركن الصوم ، و الصوم من باب المأمورات ، و القاعدة : أن المأمورات يؤثر فيها النسيان كما يؤثر العمد ، فمن فوت ركنا من أركان الصلاة ناسيا فان صلاته لا تصح حتى يأتي به و كذلك الحج فالصوم مثلها ، و بما أن الركن الوحيد في الصوم انما هو الامساك فاذا فوته فوت الصوم كله و عليه أن يأتي بغيره قضاء.
__________
(1) مسائل من الفقه المقارن 1/275 .
(2) الهداية 2/62 ، القوانين الفقهية ص108 ، المجموع 6/366 ، المغني 3/51-56 ، المحلى 6/203 ، البحر الزخار 3/255 ، سبل السلام 3/255 ، نيل الأوطار 4/231 ، شرائع الاسلام 1/190 ، شرح الزرقاني على الموطأ 2/447 ، المنتقى 2/65 ، شرح السنة 6/292 ، مسائل من الفقه المقارن 1/275.
(3) المصادر السابقة .(5/45)
هكذا رد بعض المالكية الحديث الوارد في ذلك عن أبي هريرة و الذي سنذكره في أدلة الجمهور بحجة مخالفته هذه القاعدة (1) بينما حمله بعضهم على صوم التطوع و أجيب : بأن كلا الأمرين غير مسلم به : أما الأول فلأن القاعدة غاية أمرها أنها دليل عام ، فهي لا تعارض الأحاديث الصحيحة ، و انما تخص بها ، فتكون هذه القاعدة سارية على غير الصوم ، و أما الصوم فقد خص بالأحاديث الواردة بأدلة الجمهور .
أما الثاني فقد ثبتت أحاديث صحيحة مصرحة بالفرضية .
أدلة الجمهور :
استدلوا بما صح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم :((من نسي و هو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فانما أطعمه الله و سقاه)) (2) .
فهذا نص صريح في أن تناول المفطر نسيانا لا يؤثر على صحة الصوم ، و هو عام في كل صوم ، لأنه لم يفرق بين صوم الفرض و صوم التطوع ، و مع ذلك فقد حمله بعضهم على صوم التطوع بحجة أن الحديث لم يتعرض لصوم رمضان (3) .
و أجيب :
بأنه قد صح التصريح بأن ذلك في صوم الفرض بما رواه أبو هريرة مرفوعا :((من أفطر في رمضان ناسيا فلا قضاء عليه و لا كفارة)) (4) .
و هذا صريح في أنه في صوم رمضان ، و صريح في نفي القضاء ، و الكفارة ، و عام في كل مفطر من غير تفريق بين الأكل و الشرب و بين غيرها .
__________
(1) الزرقاني هامش الموطأ 2/447 ، و المنتقى 2/65 ، فتح الباري 4/157 .
(2) أخرجه عبد الرزاق (7372) ، و أحمد 2/425 ، و الدارمي (1733) ، و البخاري 3/40 رقم (1933) ، و مسلم 3/160 رقم (1155) ، و أبو داود 2/315 رقم (2398) ، و الترمذي 3/100 رقم (721) ، و أبو يعلى (6038) ، و ابن خزيمة (1989) ، و ابن حبان (3519) ، و البيهقي 2/178 .
(3) مسائل من الفقه المقارن 1/275 ، فتح الباري 4/157 .
(4) أخرجه ابن حبان (906 موارد) ، و الحاكم 1/430 ، و البيهقي 4/229 ، قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم . و انظر نصب الراية 2/445-446 ، و فتح الباري 4/157 . _(5/46)
و قد ثبت عن ابن عباس مرفوعا :((ان الله وضع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه)) (1) و الصوم داخل في هذا العموم .
__________
(1) أخرجه الطحاوي في شرح المعاني 3/95 ، و ابن حبان (7219) ، و الدارقطني 4/170 ، و الحاكم 2/198 ، و البيهقي 7/356 من طريق عطاء عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس ، به و اسناده صحيح متصل . و أخرجه ابن ماجه 1/659 رقم (2045) من طريق عطاء عن ابن عباس ، به و أشار المزي في تحفةالأشراف 5/85 حديث (5905) الى السند المتصل .(5/47)
الفصل الرابع : العلل المشتركة
و فيه خمسة مباحث
المبحث الأول : الاعلال بالاضطراب و الاختلاف
المبحث الثاني :الاعلال بالزيادة .
المبحث الثالث : الاعلال بالشذوذ
المبحث الرابع :الاعلال بالادراج
المبحث الخامس :الاعلال بالخطأ و ما أشبهه
المبحث الأول : اعلال السند بالاضطراب والاختلاف
تمهيد لهذا المبحث :
المضطرب في اللغة : اسم فاعل من اضطرب ؛ مأخوذ لغة من الاضطراب بمعنى الحركة و الاختلاف ، يقال :اضطرب الموج أي ضرب بعضه بعضا؛ فهو مضطرب . و في لسان العرب : اضطرب أمره اختل ، و حديث مضطرب السند و أمره مضطرب (1).
و المضطرب في الاصطلاح :- هو الحديث الذي تختلف الرواية فيه ، فيرويه بعضهم على وجه و بعضهم على وجه آخر مخالف له ، مع عدم امكان ترجيح أحداهما على الأخرى (2) .
فشرط الاضطراب اذا تساوي الروايات، أما اذا ترجحت احداهما على الأخرى فالحكم للراجحة ، و المرجوحة شاذة أو منكرة.
__________
(1) لسان العرب مادة ((ضرب)) و ينبغي التنبيه الى أن الشائع تسميته بـ ((المضطرِب)) على وزن اسم الفاعل ، و هو من باب الاسناد المجازي لأن الاضطراب واقع فيه لا منه اذ انه اسم مكان ؛ فيظهر فيه اضطراب الراوي أو الرواة فهو على الحقيقة ((مضطرَب )) بفتح الراء و لو سمي كذلك لكان أظهر في المعنى الاصطلاحي. ينظر حاشية الأجهوري على الزرقاني للبيقونية ص72 و هامش توضيح الأفكار 2/35 و شرح الديباج المذهب ص48 و لمحات في أصول الحديث ص247 .
(2) علوم الحديث ص84.(6/1)
و عليه فان كان أحد الوجوه مرويا من طريق ضعيف و الآخر من طريق قوي فلا اضطراب و العمل بالطريق القوي ، و ان لم يكن كذلك ، فان أمكن الجمع بين تلك الوجوه بحيث يمكن ان يكون المتكلم باللفظين الواردين عنى معنى واحدا فلا اشكال أيضا ؛ مثل ان يكون في أحد الوجهين قد قال الراوي : عن رجل و في الوجه الآخر يسمي هذا الرجل فقد يكون هذا المسمى هو ذلك المبهم فلا اضطراب اذا و لا تعارض و ان لم يكن كذلك بأن يسمى مثلا الراوي باسم معين في رواية و يسمى باسم آخر في رواية أخرى فهذا محل نظر .
اذ يتعارض فيه أمران :
أحدهما : انه يجوز أن يكون الحديث عن الرجلين معا .
و الثاني : أن يغلب على الظن ان الراوي واحد و اختلف فيه . فههنا لا يخلو أن يكون الرجلان معا ثقتين أو لا ، فان كانا ثقتين فههنا لا يضر الاختلاف عند الكثير ؛ لأن الاختلاف كيف دار فهو على ثقة ، و بعضهم يقول : هذا اضطراب يضر ؛ لأنه يدل على قلة الضبط (1).
أين يقع الاضطراب ؟
يقع الاضطراب في متن الحديث و يقع في الاسناد و قد يقع ذلك من راو واحد ، و قد يقع بين رواة له جماعة (2)
حكم الحديث المضطرب (3) :
الحديث المضطرب ضعيف ؛ لأن الاختلاف (4) فيه مشعر بعدم ضبط راويه ، و الضبط شرط في صحة الحديث ؛ و قد فقد المضطرب هذا الشرط .
__________
(1) أنظر محاسن الاصطلاح ص204 .
(2) علوم الحديث ص85 .
(3) علوم الحديث ص85 .
(4) يعبر كثيرا عن الاضطراب بـ ((الاختلاف)) و هل هما شيء واحد أو لا ؟ . فالاختلاف أعم من الاضطراب اذ الاختلاف يطلق على القادح و على غيره اما الاضطراب فلا يطلق الا على القادح .(6/2)
و ما ذكرته هو الأصل في حكم المضطرب ؛ لكن هذا لا يعني ان الاضطراب و الصحة لا يجتمعان ابدا ؛ بل قد يجتمعان ؛ نقل ذلك السيوطي عن الحافظ ابن حجر و غيره فقال :((وقع في كلام شيخ الاسلام .. ان الاضطراب قد يجامع الصحة ؛و ذلك بأن يقع الاختلاف في اسم رجل واحد و اسم أبيه و نسبته و نحوذلك و يكون ثقة . فيحكم للحديث بالصحة و لا يضر الاختلاف فيما ذكر مع تسميته مضطربا ، و في الصحيحين احاديث كثيرة بهذه المثابة ؛ و كذلك جزم الزركشي في مختصره فقال : قد يدخل القلب و الشذوذ و الاضطراب في قسم الصحيح و الحسن )) (1) .
أنواع الاضطراب في الاسناد :
الاضطراب يكون في متن الحديث و يكون في اسناده ، و الاضطراب الأهم و الأكثر تشعبا هو الاضطراب في الاسناد ؛ لذلك فاني سأبدأ به مقسما هذا المبحث الى مطلبين .
المطلب الأول : الاضطراب في الاسناد
الاضطراب في الاسناد يتنوع على خمسة أنواع هي :
أ- تعارض الوصل و الارسال .
ب- تعارض الوقف و الرفع .
ج- تعارض الاتصال و الانقطاع .
ء- زيادة رجل في أحد الاسنادين .
هـ- الاختلاف في اسم الراوي و نسبه اذا كان مترددا بين ثقة و ضعيف (2) .
و سأتكلم عن كل واحد من الأنواع في فرع مستقل؛ لذلك فان هذا المطلب سيتضمن خمسة فروع :
الفرع الأول : تعارض الوصل و الارسال
الاتصال أول شرط من شرائط صحة الحديث ؛ و اتصال الاسناد هو : سماع الحديث لكل راو من الراوي الذي يليه(3).
__________
(1) تدريب الراوي 1/267
(2) و قد اعتمدت في هذا التقسيم على تقسيم العلائي كما نقله الحافظ ابن حجر في النكت على ابن الصلاح 2/778 ، و قد اعتمد على هذا التقسيم ايضا الصنعاني في توضيح الأفكار 2/38 .
(3) علوم الحديث ص44 الخلاصة ص46 .(6/3)
و يعرف ذلك بتصريح الراوي بصيغة من احدى صيغ السماع الصريحة ، مثل :[حدثنا ، و أخبرنا ، و أنبأنا، و سمعت، وقال لنا] و غيرها ، أما اذا كانت الرواية بصيغة من الصيغ المحتملة مثل : [عن أو أن او حدث ، او أخبر ، او قال] فحينئذ لا بد من توفر شرطين في الراوي لحمل هذه الصيغة على الاتصال :
اولهما :السلامة من التدليس أي :أن لا يكون من روى هكذا مدلسا .
ثانيهما : المعاصرة و امكان اللقاء ، و هذان الشرطان عند الكثير من المحدثين ، و قد اشترط علي بن المديني والبخاري و غيرهما ثبوت اللقاء و لو مرة (1) .
و يشترط في الاتصال أن يكون من أول السند الى آخره ؛ فاذا اختل الاتصال في موضع من المواضع سمي السند منقطعا ، و يسميه المتقدمون أيضا مرسلا (2) ، ثم استقر الاصطلاح من بعد على ان المرسل هو : ما أضافه التابعي الى النبي صلى الله عليه و سلم (3) .
لذلك فان الحديث اذا روي مرسلا مرة و روي مرة أخرى موصولا فهذا يعد من الأمور التي تعل بها الأحاديث و منهم : من لا يعد ذلك علة و تفصيل الأقوال فيها على النحو الآتي :
أولا : ترجيح الرواية الموصولة على المرسلة ؛ لأنه من قبيل زيادة الثقة .
ثانيا : ترجيح الرواية المرسلة .
ثالثا : الاعتبار لأكثر الرواة عددا .
رابعا : الترجيح للأحفظ .
__________
(1) مقدمة مسلم هامش النووي 1/108 ، علوم الحديث ص61 و 66 ، شرح التبصرة 1/163 ، السنن الأبين ص49 ، فتح المغيث 1/165 ، التنكيل 1/81 ، شرح ألفية السيوطي ص32 .
(2) أنظر فتح المغيث للسخاوي 3/79 .
(3) و هو الذي عليه كتب المصطلح . و أنظر الكفاية ص21 .(6/4)
خامسا : التساوي بين الروايتين و التوقف (1) .
و قد ظهر لي من دراسة مجموعة من الأحاديث التي اختلف في وصلها و ارسالها ان الترجيح لا يندرج تحت قاعدة كلية ، لكن يختلف الحال حسب المرجحات و القرائن ، فتارة ترجح الرواية المرسلة و تارة ترجح الرواية الموصولة .
و من المرجحات : مزيد الحفظ ، و كثرة العدد ، و طول الملازمة للشيخ . و قد يختلفون في ذلك أحيانا فمنهم : من يرجح الرواية المرسلة و منهم : من يرجح الرواية الموصولة و منهم : من يتوقف .
و من الأمثلة على الترجيح بكثرة الطرق و الشواهد حديث :((لا نكاح الا بولي)) فقد أشار الترمذي (2) الى الروايات المرسلة و الاختلاف فيه الا أنه حديث صحيح بطرقه و شواهده :
فقد أخرجه الامام أحمد (المسند : 4/398 و 413 و 418) ، و أبو داود (السنن : 2/229 رقم 2085) ، و الترمذي (الجامع :3/407 رقم (1101 و 1102) ، و البيهقي (السنن الكبرى : 7/107) من حديث أبي موسى الأشعري .
و صححه ابن حبان (موارد الضمآن : (1243) و (1244) و (1245)) ، و الحاكم (المستدرك: 2/169) و اطال في تخريج طرقه مع انه اختلف في وصله و ارساله . ثم قال :((و قد صحت الرواية فيه عن ازواج النبي صلى الله عليه و سلم عائشة و أم سلمة و زينب بنت جحش ) . ثم قال :((و في الباب عن علي و ابن عباس و معاذ و عبد الله بن عمرو و أبي و المقداد و ابن مسعود و جابر و أبي هريرة و عمران بن حصين و عبد الله بن عمر و المسور بن مخرمة و أنس بن مالك)) .
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 1/32 ، المنهل الروي ص43-44 ، فتح المغيث 1/173 ، تنقيح التحقيق 1/366 ، قواعد في علوم الحديث ص118 ، التنكيل 2/22 ، شرح ألفية السيوطي ص29 ، لمحات في أصول الحديث ص279 . و لم أجد من نسب هذه الأقوال لأصحابها ؛ سوى القول الأول فهو الذي رجحه الامام النووي و يستخدمه كثيرا في مؤلفاته .
(2) الجامع 3/407 .(6/5)
و قد أفاض الزيلعي (نصب الراية:3/183-190) في تخريج الطرق و الشواهد بما لا مزيد عليه .
و من الأمثة على ترجيح الرواية الموصولة اذا كان صاحبها مبرزا بالحفظ و الاتقان : حديث يونس بن يزيد الأيلي ، عن ابن شهاب ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قفل من غزوة حنين سار ليلة حتى اذا أدركه الكرى عرس و قال لبلال :((اكلا لنا الليل)) فصلى بلال ما قدر له و نام ... الحديث و في آخره:((من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها اذا ذكرها ؛ فان الله تبارك وتعالى قال: ((أقم الصلاة لذكري))
أخرجه مسلم (الصحيح : 2/138 رقم 680 ) ، و أبو داود (السنن : 1/118 رقم 435) ، و عند أبي عوانة (الصحيح : 2/253) ، و النسائي (المجتبى : 2/296) ، و البيهقي (السنن الكبرى :2/217) من طريق ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، به .
و قد توبع يونس ، فقد تابعه معمر بن راشد ، عند أبي داود (السنن : 1/119 رقم 436) ، و أبي عوانة (الصحيح : 2/253) ، و النسائي (المجتبى :2/ 296) و تابعه أيضا الأوزاعي و محمد بن اسحاق كما نقله ابن عبد البر (1) .
و خالف الامام مالك (الموطأ رواية يحيى :25) - و من طريقه الشافعي (المسند : 1/53 و 54) - فرواه عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم .... فذكر الحديث -مرسلا- .
فالرواية الراجحة هي الرواية الموصولة ؛لأن يونس ثقة من رجال الستة (2) ، و قد توبع .
و من الأمثلة على ترجيح الرواية المرسلة اذا كان الواصل ضعيفا :
__________
(1) التمهيد 6/386-387 .
(2) و ذكر الحافظ ابن حجر في التقريب 2/386 :((ان في روايته عن الزهري وهما قليلا)) .قلت : و هذا الوهم هنا مغتفر لمتابعة معمر و الأوزاعي و ابن اسحاق . هذا غير اننا لا نوافق الحافظ ابن حجر على ذكر الوهم في روايته عن الزهري، فهو من رجال الستة المعتمدين المكثرين؛ وقال الذهبي : (احد الاثبات عن الزهري) (الكاشف ، الترجمة، 6480 طبعة محمود عوامة)(6/6)
ما رواه الحاكم (المستدرك : 1/442) من طريق علي بن العباس ، قال :حدثنا علي بن سعيد بن مسروق الكندي ، قال :حدثنا ابن أبي زائدة ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم -في قوله تبارك و تعالى- :((و لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا)) (1) - قال :((قيل: يا رسول الله ما السبيل ؟ قال :الزاد و الراحلة)) .
و قال :حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه ، و قد تابع حماد بن سلمة سعيدا على روايته عن قتادة . ثم ساق الحاكم متابعة حماد و صحح الحديث من طريق حماد على شرط مسلم .
و قد خالفه في ذلك البيهقي (السنن : 4/330) فقد ذكر الحديث معلقا و قال عقيبه :((و لا أراه إلا وهما)) أي : الرواية الموصولة . ثم ساق باسناده من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ، عن الحسن ، و ذكر الحديث مرسلا . ثم ساق المتابعات على ذلك ، و قال :((هذا هو المحفوظ عن قتادة ، عن الحسن عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا)) .
و قال الحافظ ابن حجر (2) :((و سنده صحيح الى الحسن ، و قد رواه الحاكم من حديث حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن أنس أيضا ، الا ان الراوي عن حماد ، و هو أبو قتادة :عبد الله بن واقد الحراني متروك، وقد قال أبو حاتم : منكر الحديث ...)) ثم قال :((و الصحيح من الروايات رواية الحسن المرسلة )) .
فرواية الحاكم وهم و متابعة حماد لا قيمة لها ، لأن الراوي عن حماد أبو قتادة : عبد الله بن واقد الحراني ضعفه أبو حاتم و قال عنه الحافظ (3) :((متروك ، و كان احمد يثني عليه ، و قال لعله كبر و اختلط، و كان يدلس)) (4) .
__________
(1) سورة آل عمران الآية 97 .
(2) التلخيص 2/35 .
(3) تقريب التهذيب 1/459 .
(4) و أنظر ميزان الاعتدال 2/517 ، و تهذيب التهذيب 6/66 .(6/7)
نماذج لأثر تعارض الوصل و الارسال : في اختلاف الفقهاء
النموذج الأول
روى حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :((من ملك ذا رحم محرم فهو حر)) (1) .
قال أبو داود :((لم يحدث هذا الحديث الا حماد بن سلمة ، وقد شك)) .
و قال الترمذي :((هذا حديث لا نعرفه مسندا الا من حديث حماد)) .
و كذا صوب البيهقي الارسال .
و قال الحافظ في الفتح (2) بعد ان ذكر البخاري الحديث معلقا بصيغة التضعيف :((قيل أنه أشار بهذه الترجمة الى تضعيف الحديث الوارد فيمن ملك ذا رحم محرم فهو حر ، و هو حديث أخرجه أصحاب السنن من حديث الحسن ، عن سمرة ، و استنكره ابن المديني ، و رجح الترمذي ارساله ، و قال البخاري : لا يصح ، و قال أبو داود : تفرد به حماد و كان يشك في وصله ، و غيره يرويه عن قتادة ، عن الحسن قوله ... و جرى الحاكم و ابن حزم و ابن القطان على ظاهر الاسناد فصححوه (3) )) .
(أثر ذلك في اختلاف الفقهاء)
اختلف الفقهاء في حكم من ملك ذا رحم محرم تبعا لاختلافهم في الحكم بصحة هذا الحديث او عدم صحته .
فمن صحح الحديث أخذ بعمومه و قال : من ملك ذا رحم محرم عتق . و المراد بذي الرحم المحرم : كل من بينهما نسب يوجب تحريم النكاح ، فيدخل في ذلك الأصول و الفروع و الأخوة و الأعمام و من في معناهم (4) .
و بذلك قال جمهور الفقهاء . و اليه ذهب أبو حنيفة و أحمد .
__________
(1) أخرجه الطيالسي (911) ، و أحمد 5/15 و 20 ، و أبو داود 4/26 رقم (3949) ، و ابن ماجه 2/843 رقم (2524) ، و الترمذي 3/646 رقم (1365) ، و الحاكم 2/214 ، و البيهقي 10/289 ، و ابن الجارود (973) ، و الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/109 و 110 ، و الطبراني في الكبير 7/205 رقم (6852) من طريق حماد بن سلمة عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، به .
(2) 5/168.
(3) و تصحيح الحاكم في المستدرك 2/214 ، و تصحيح ابن حزم في المحلى 9/202-203 .
(4) نيل الأوطار 6/82 .(6/8)
و بذلك قال شريك أيضا ، و قاس عليه أيضا المحرم من الرضاع و به قال الأوزاعي ، و قاس عليه ذا الرحم غير المحرم ، كابن العم و نحوه لكن الحديث قيد الحكم بالمحارم (1) .
و ذهب فريق من الفقهاء الى القول بعدم صحة الحديث ، و بناء على ذلك تفاوتت آراؤهم في المسألة :
فقال داود : لا يعتق أحد على أحد (2) .
و ذهب الشافعي الى : انه يعتق على المالك الأصول و الفروع فقط (3) .
و قد احتج على ذلك بدليل آخر و هو قوله تعالى :((تكاد السموات يتفطرن منه و تنشق الأرض و تخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا ، و ما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ، إن كل من في السموات و الأرض الا أتى الرحمن عبدا (4)).
و جه الدلالة : ان الله نفى عن نفسه الولادة ، و علل ذلك : بأن الكل عبيد له . فدل ذلك على : استحالة اجتماع الولادة مع العبودية .
و عليه : فكل شخصين بينهما ولادة ، اذا ملك أحدهما الآخر عتق عليه (5) .
و ذهب مالك الى : انه يعتق على المالك الأصول و الفروع و الأخوة فقط دون فروعهم (6).
و حجته الآية السابقة على نحو ما استدل به الشافعي و قاس الأخوة على الاولاد ؛ لأن الشارع أقامهم مقام الولد في حجب الأم من الثلث الى السدس ، فدل ذلك على : ان للأخوة تأثيرا كالولادة (7) .
__________
(1) المغني 12/268 ، المحلى 9/200 ، الهداية 2/40 ، بداية المجتهد 2/278 ، و أنظر فقه الامام سعيد بن المسيب 4/234 .
(2) فتح الباري 5/168 ، و نيل الأوطار 6/83 .
(3) المهذب 2/4 .
(4) سورة مريم الآيات من 90 الى 93 .
(5) المهذب 2/4 ، و فقه الامام سعيد 4/232 .
(6) الأشراف للبغدادي 2/305 ، و المحلى 9/201
(7) الأشراف 2/305 ، فقه الامام سعيد 4/232 .(6/9)
و قد دفع هذا الفريق حديث سمرة بانه مرسل ؛ و من ذلك اعلال أبي داود له : بأن موسى بن اسماعيل رواه عن حماد بن سلمة ، و قال في روايته : عن سمرة فيما يحسب حماد ، و عليه فقد شك حماد في وصل هذا الحديث ، و قد رواه شعبة ، عن الحسن مرسلا ، و شعبة أحفظ من حماد (1) .
و على تسليم هذا : فالحديث على أسوأ أحواله يكون مرسلا و هو معتضد بحديث ابن عمر (2) على أن غير موسى قد رواه عن حماد من غير شك .
رواه عبد الله بن المبارك ، و مسلم بن ابراهيم ، و يزيد بن هارون و غيرهم ، و موسى نفسه قد رواه من غير شك(3).
النموذج الثاني
النص
حديث مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار : ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :((اذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثا ام أربعا ؟ فليصل ركعة و ليسجد سجدتين و هو جالس قبل التسليم فان كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين و ان كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان)) .
و قد رواه عن مالك : أبو مصعب الزهري ((الموطأ :475) ، و سويد بن سعيد (الموطأ: 151) ، و عبد الله بن مسلمة القعنبي عند أبي داود (السنن : 1/269 رقم 1026) ، و عبد الله بن وهب عند الطحاوي (شرح المعاني :1/433) و عند البيهقي (السنن الكبرى : 2/331) ، و عثمان بن عمر عند الطحاوي (شرح المعاني : 1/433) ، و محمد بن الحسن الشيباني (الموطأ :ص66 رقم 138) ، و يحيى بن يحيى الليثي (الموطأ : 1/149 رقم 252) .
__________
(1) سنن أبي داود 4/26 ، و جامع الترمذي 3/646 و ما بعدها .
(2) أخرجه ابن ماجه 2/844 رقم (2525) ، و النسائي في الكبرى 3/173 رقم (4897) ، و الطحاوي في شرح مشكل الآثار (5399) ، و في شرح المعاني ، له 3/109 ، و البيهقي 10/289 و هو بنفس اللفظ ، و قد صححه ابن حزم 9/202 و أشار الى تضعيفه الترمذي 3/646 ، و البيهقي 10/289 .
(3) الجوهر النقي 10/289 .(6/10)
قال الحافظ ابن عبد البر:((هكذا روى الحديث عن مالك جميع رواة الموطأ ، عنه و لا اعلم أحدا أسنده عن مالك الا الوليد بن مسلم (1) ، و تابعه على ذلك يحيى بن راشد -ان صح- عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم ، و قد تابع مالكا على ارساله الثوري و حفص بن ميسرة الصنعاني و محمد بن أبي جعفر بن كثير و داود بن قيس الفراء فيما روى عنه القطان ، و وصل هذا الحديث و أسنده من الثقات- على حسب رواية الوليد بن مسلم له عن مالك- عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، و محمد بن عجلان ، و سليمان بن بلال و محمد بن مطرف : أبو غسان ، و هشام بن سعد ،و داود بن قيس في غير رواية القطان ؛ و الحديث متصل مسند صحيح لا يضره تقصير من قصر به في اتصاله لأن الذين وصلوه حفاظ مقبولة زيادتهم)) (2) . انتهى كلام ابن عبد البر .
و قبل ابن عبد البر سأل الأثرم شيخه - الامام أحمد - عن حديث أبي سعيد المرفوع في السهو . قال له :((أتذهب اليه ؟ فقال الامام احمد : نعم أذهب اليه ، فقال الأثرم : انهم يختلفون في اسناده ؟ فقال :الامام أحمد انما قصر به مالك و قد أسنده عدة : ابن عجلان و عبد العزيز بن أبي سلمة )) (3) .
و هذا الحديث تناوله الدار قطني في علله (4) و انتهى الى ترجيح الرواية المسندة (5)
__________
(1) روايته عند ابن حبان (الاحسان : 2663)
(2) التمهيد 5/18-19 .
(3) نقله ابن عبد البر في التمهيد 5/25 .
(4) 11/260-263 س (2274)
(5) و الرواية المسندة: أخرجها ابن أبي شيبة 2/25 ، و أحمد 3/72 و 83 و 84 و 87 ، و الدارمي (1503) ، و مسلم 2/84 رقم (571) ، و أبو داود 1/269 رقم (1024) ، و ابن ماجه 1/382 رقم (1210) ، و النسائي 3/27 ، و ابن خزيمة (1023) و (1024) ، و أبو عوانة 2/193 ، و الطحاوي في شرح المعاني 1/433 ، و الدار قطني 1/375 ، و البيهقي 2/331 من طرق : عن زيد بن أسلم ، عن عطاء عن أبي سعيد ، به .(6/11)
أثر ذلك في اختلاف الفقهاء
اختلف الفقهاء في موضع سجود السهو ؛ فذهب أكثر أهل العلم الى تصحيح الرواية الموصولة و أخذوا بالحديث السابق و قالوا : ان السجود كله قبل السلام ، و هو قول أكثر الفقهاء و اليه ذهب الشافعي و أحمد في رواية(1)
و حديث أبي سعيد نص صريح على أن السجود في الزيادة قبل السلام .
و استدلوا أيضا بما رواه عبد الله بن بحينة ؛ قال : ((صلى لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ركعتين من بعض الصلوات . ثم قام فلم يجلس . فقام الناس معه فلما قضى صلاته و نظرنا تسليمه كبر فسجد سجدتين و هو جالس
قبل التسليم . ثم سلم (2) )) .
و هذا صريح في أن السجود من النقص يكون قبل السلام .
و خالف في ذلك جماعة من الفقهاء :
فذهب بعضهم الى أن السجود كله بعد السلام .
و روي هذا عن بعض السلف و اليه ذهب أبو حنيفة (3) .
و الحجة لهم :
1- ما صح عن زياد بن علاقة قال :((صلى بنا المغيرة بن شعبة ؛فنهض في الركعتين ؛فسبح به من خلفه ؛فأشار اليهم :قوموا ؛ فلما فرغ من صلاته و سلم ، ثم سجد سجدتين للسهو ؛ فلما انصرف ، قال :رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصنع كما صنعت)) (4)
قال الترمذي :((هذا حديث حسن صحيح ، و هو دليل على أن السجود من النقص يكون بعد السلام))
__________
(1) المجموع 4/155 ، المغني 1/674 ، تنقيح التحقيق 1/983 ، حلية العلماء 2/178 .
(2) صحيح البخاري 2/85 رقم (1224) ، صحيح مسلم 2/83 رقم (570) ، و اللفظ لمسلم .
(3) الهداية 1/51 ، بدائع الصنائع 1/172 .
(4) أخرجه الطيالسي (695) ، و أحمد 4/247 و 253 و 254 ، و الدارمي (1509) ، و الترمذي 2/201 رقم (365) ، و أبو داود 1/272 رقم (1036) و (1037) ،و ابن ماجه 1/381 رقم (1208) ، و الدار قطني 1/378 و 379 ، و البيهقي 2/343 من طريق قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة .(6/12)
2- ما صح عن أبي هريرة :((أن النبي صلى الله عليه و سلم انصرف من اثنتين فقال ذو اليدين : أقصرت الصلاة ، أم نسيت يارسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أصدق ذو اليدين ؟ فقال الناس : نعم ، فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى اثنتين أخريين ، ثم سلم ، ثم كبر فسجد ... الحديث (1) .
و هذا دليل على أن السجود من الزيادة يكون بعد السلام أيضا ؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم تكلم . و في رواية مسلم : أنه عليه الصلاة و السلام ((قام فدخل المنزل)) و الكلام و المشي زيادة (2) .
3- عن ثوبان ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :((لكل سهو سجدتان بعد السلام)) (3)
ضعفه البيهقي باسماعيل بن عياش (4) .
و أجيب : بأن اسماعيل اذا حدث عن أهل بلده فروايته عنهم صحيحة و هذا منها (5) . الا أن علة الحديث عندي زهير بن سالم العنسي فهو وان قال فيه الحافظ ابن حجر :((صدوق فيه لين و كان يرسل)) (6) الا أنه ضعيف .
قال الامام الدار قطني :((حمصي منكر لم يسمع من ثوبان)) (7)
و ذهب بعض الفقهاء الى : أن السجود اذا كان عن نقص في الصلاة فمحله قبل السلام ، و اذا كان عن زيادة فمحله بعد السلام .
و هو مذهب مالك و قول للشافعي ، و رواية عن أحمد (8)
__________
(1) أخرجه البخاري 1/183 رقم (714) و 2/86 رقم (1228) و 9/108 رقم (7250) ، و مسلم 2/86 رقم (573) ، و أبو داود 1/264 رقم (1008) و (1009) ، و الترمذي 2/247 رقم (399) ، و النسائي 3/22 .
(2) فقه الامام سعيد 1/262 .
(3) أخرجه أبو داود 1/272 رقم (1038)، وابن ماجه 1/385 رقم (1219) ، و البيهقي 2/337 ، و المزي في تهذيب الكمال 9/407.
(4) السنن الكبرى 2/337 .
(5) فقه الامام سعيد 1/262 .
(6) التقريب 1/264 .
(7) ميزان الاعتدال 2/83 .
(8) المجموع 4/155 ، المغني 1/674 ، حلية العلماء 2/178 .(6/13)
و الحجة لهم : حديث عبد الله بن بحينة السابق ؛فان النبي صلى الله عليه و سلم سجد لتركه التشهد الأول سجدتين قبل السلام ؛ و هذا من نقص في الصلاة ؛ فحملوا عليه كل نقص و جعلوا السجود لأجله قبل السلام .
و حديث ذي اليدين ؛فان النبي صلى الله عليه و سلم سجد بعد السلام ؛ لما حصل في الصلاة من زيادة الكلام و المشي ؛ فحملوا عليه كل زيادة و جعلوا السجود لأجلها بعد السلام (1)
و ذهب بعضهم الى : أن السجود كله قبل السلام الا في موضعين فيكون بعد السلام ، و هما :اذا سلم من نقص في صلاته ، أو تحرى الامام فبنى على غالب ظنه .
و بذلك قال أبو حنيفة ، و سليمان بن داود . و هو رواية عن أحمد و اختاره بعض الشافعية (2) .
و الحجة لهم :أن السجود انما شرع لجبر خلل وقع في الصلاة ؛ فالمعقول أن يكون محله قبل السلام ، و يستثنى من ذلك ما ورد النص بأنه يكون بعد السلام ؛ و قد ورد ذلك في النقص ، و هو :حديث عبد الله ابن بحينة .
و فيما اذا تحرى الشاك فبنى على غالب ظنه ؛ و ذلك لما روي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و
سلم قال :((اذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ، فليتم عليه ، ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين)) (3)
الفرع الثاني : تعارض الوقف و الرفع
كثيرا ما نجد في كتب الحديث أحاديث رويت مرفوعة (4) الى النبي صلى الله عليه و سلم ثم نجد الحديث قد روي عن الصحابي موقوفا (5) من قوله ، فاذا حصل هذا في حديث ما فانه يكون محل نظر و خلاف عند المحدثين ، و خلاصة ذلك ما يأتي :
__________
(1) فقه الامام سعيد 1/262 .
(2) المغني 1/674 ، فقه الامام سعيد 1/263 .
(3) أخرجه أبو داود 1/268 رقم (1020) ، و أنظر فقه الامام سعيد 1/263 .
(4) المرفوع :- هو ما أضيف الى النبي صلى الله عليه و سلم من قول أو فعل أو تقرير . علوم الحديث ص41.
(5) الموقوف :- هو ما أضيف الى الصحابي من قوله أو فعله أو نحوه . علوم الحديث ص41 .(6/14)
فاذا كان السند نظيفا خاليا من بقية العلل ؛فان للعلماء فيه الاتجاهات الآتية :
أولا : يحكم للحديث بالرفع ؛ لأن راويه مثبت و غيره ساكت ، و لو كان نافيا فالمثبت مقدم على النافي ؛لأنه علم ما خفي (1) .
ثانيا : الحكم للوقف (2) .
ثالثا : التفصيل . فالرفع زيادة ، و الزيادة من الثقة مقبولة ، الا أن يقفه الأكثر و يرفعه واحد ؛ لظاهر غلطه (3) .
رابعا : يحمل الموقوف على مذهب الراوي و المسند على أنه روايته فلا تعارض (4) .
و قد رجح الامام النووي الأول (5) .
و الذي يبدو لي - من صنيع النقاد- : أنهم في مثل هذه الأحوال لا يجزمون بشيء لأول وهلة ، و انما يوازنون ثم يحكمون ، مما يدل على أن الحكم عندهم لا يناط بقاعدة كلية مطلقة ؛ لذلك فان ما أطلق الامام النووي ترجيحه يمكن أن يكون مقيدا على النحو الآتي :
الحكم للرفع- لأن راويه مثبت و غيره ساكت، و لو كان نافيا فالمثبت مقدم على النافي ؛ لأنه علم ما خفي- الا اذا قام لدى الناقد دليل أو ظهرت قرائن يترجح له معها الوقف .
و قد يروى الحديث مرفوعا و موقوفا و كلاهما ضعيف لكن الحفاظ يرجحون أحدهما على الأخرى ؛ اذا كان أقل ضعفا
مثال ذلك : حديث الترمذي (6)
قال : حدثنا علي بن حجر ، قال :حدثنا الوليد بن مسلم ، عن معاوية بن يحيى ، عن الزهري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم :((لا يؤذن الا متوضيء)) .
__________
(1) فتح المغيث 1/177 ، التنكيل 2/22 ، شرح ألفية السيوطي ص29 ، قواعد التحديث ص118 ، لمحات في أصول الحديث 279 .
(2) المصادر السابقة .
(3) المصادر السابقة .
(4) المصادر السابقة .
(5) مقدمة شرح النووي على صحيح مسلم ج1/25 .
(6) جامع الترمذي 1/389 رقم (200) . و أنظر تحفة الأشراف 10/367 حديث (14603) .(6/15)
ثم ساق سندا آخر (1) : من طريق يونس بن يزيد الأيلي(2) ، عن أبن شهاب (3) ، قال : قال أبو هريرة :((لا ينادي بالصلاة الا متوضيء)) .
ثم قال الترمذي :((و هذا اصح (4) من الحديث الأول)) .
و أخرجه البيهقي (5) : من طريق معاوية بن يحيى الصدفي ثم قال : ((هكذا رواه معاوية بن يحيى الصدفي ، و الصحيح رواية يونس بن يزيد الأيلي و غيره ، عن الزهري قال : قال أبو هريرة :((لا ينادي بالصلاة الا متوضيء)) .
فرواية الرفع خطأ ، أخطأ فيها معاوية بن يحيى الصدفي و هو ضعيف (6) ، و الموقوفة ضعيفة أيضا للانقطاع (7) بين الزهري و أبي هريرة لكنها أرجح و أقل ضعفا من الرواية المرفوعة .
و قد يروى الحديث مرفوعا و موقوفا و كلا الروايتين صحيحتان ، ولا تضر الرواية الموقوفة الرواية المرفوعة .
مثال ذلك :- حديث علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه- :((ينضح من بول الغلام و يغسل بول الجارية)).
قال الترمذي في جامعه (8) : ((رفع هشام الدستوائي هذا الحديث عن قتادة و أوقفه سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة و لم يرفعه)) .
و قال الحافظ ابن حجر (9) :((اسناده صحيح الا أنه اختلف في رفعه ووفقه ، وفي وصله و ارساله وقد رجح البخاري صحته وكذا الدارقطني )) .
__________
(1) جامع الترمذي 1/390 رقم (201) ، و كذا أخرجه ابن أبي شيبة 1/211 ، و البيهقي 1/397 .
(2) و هو ثقة انظر تقريب التهذيب 2/386 .
(3) و هو الزهري الذي دار عليه الحديث كما في تحفة الأشراف 10/367 حديث (14603) ، و المسند الجامع 16/671 ، حديث (12966)
(4) ليس المراد هنا بالأصحية الاصطلاحية ، لكن الأرجح أو الأقل ضعفا . اعلال السنن 1/56 قواعد التحديث 82 .
(5) السنن الكبرى 1/397 .
(6) تقريب التهذيب 2/361 .
(7) انظر تهذيب التهذيب 9/477 ، و الامام الزهري للدكتور حارث ص98.
(8) 2/510 عقيب حديث (610)
(9) تلخيص الحبير 1/50 .(6/16)
والرواية المرفوعة : رواها معاذ بن هشام ، قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب ، فذكره مرفوعا (1) .
و الرواية الموقوفة : رواها يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي حرب بن أبي ألأسود ، عن أبيه ، عن علي ، فذكره موقوفآ (2).
وهكذا صحح الحديث ابن حبان (3) ، والحاكم (4) ، ولم يتعقبه الذهبي، ونقل صاحب عون المعبود (5) عن المنذري :((و قال البخاري : سعيد بن أبي عروبة لا يرفعه و هشام يرفعه و هو حافظ)) .
و هكذا صحح البخاري و غيره رفع الحديث ، مع أنه قد صح موقوفا أيضا ؛ و هذا يدل على أن الحديث اذا صح رفعه و وقفه ،فان الحكم عندهم للرفع و لا تضره الرواية الموقوفة الا اذا قامت قرائن تدل على أن الرفع خطأ .
نموذج لهذه الصورة
و ما دمنا قد تكلمنا في حديث علي -كرم الله وجهه- فلنذكر اختلاف الفقهاء في كيفية التطهر من بول الأطفال . و قبل أن أذكر آراء الفقهاء ، أذكر جملة من الأحاديث المتعلقة بالمسألة لأحيل عليها عند الاشارة الى الأدلة طلبا للاختصار ؛فأقول :
__________
(1) أخرجها أحمد 1/76 و 97 و 137 ، و أبو داود 1/103 رقم (378) ، و ابن ماجه 1/174 رقم (525) ، و الترمذي 2/509 رقم (610) ، و البزار (717) ، و أبو يعلى (307 ) ، وابن خزيمة (284) ، و الطحاوي في شرح المعاني 1/92 ، و ابن حبان (1375) ، و الدار قطني 1/129 ، و الحاكم 1/165 ، و البيهقي 2/415 ، و البغوي (296) .
(2) أخرجها عبد الرزاق (1488) ، و ابن أبي شيبة 1/121 ، و أبو داود 1/103 رقم (377) ، و البيهقي 2/415 .
(3) الاحسان رقم (1375)
(4) المستدرك 1/165 .
(5) 1/145 .(6/17)
1- صح عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها قالت : ((أتي النبي صلى الله عليه و سلم بصبي، فبال على ثوبه ، فدعا النبي صلى الله عليه و سلم بماء فأتبعه اياه)) رواه مالك (1) ، و زاد مسلم (2) في روايته :((و لم يغسله)) .
2- صح عن أم قيس بنت محصن ؛ أنها أتت بابن لها صغير – لم يأكل الطعام - الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ؛فأجلسه في حجره ، فبال على ثوبه ؛ فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بماء ، فنضحه و لم يغسله ، رواه مالك و الشيخان (3) .
3- حديث علي -كرم الله وجهه- و قد سبق- ((ينضح من بول الغلام ، و يغسل بول الجارية)) .
و رواه النسائي (4) عن أبي السمح بلفظ :((يغسل من بول الجارية ، و يرش من بول الغلام)) .
و قد اختلف الفقهاء في الاحكام المستفادة من هذه الآحاديث على مذاهب أشهرها - ما يأتي :
المذهب الأول : يرى أن التطهير من بول الرضيع- كالتطهير من بول الكبير - انما يكون بغسله ، لا فرق في ذلك بين بول رضيع أكل الطعام أو لم يأكل، كما أنه لا فرق في ذلك بين الذكر و الأنثى .
و الى ذلك ذهب أبو حنيفة ، و هو المشهور عن مالك على خلاف بينهما في كيفية الغسل الذي يجزئ في التطهير من النجاسة : فان أبا حنيفة يشترط لتطهير النجاسة غير المرئية تعدد مرات غسلها - ثلاثا أو سبعا- و العصر بعد كل غسلة ، و لم يشترط مالك أكثر من صب الماء على النجاسة بحيث يغمرها ، و يذهب لونها و طعمها و رائحتها و لا يشترط لازالة النجاسة امرار اليد و العصر و نحو ذلك (5)
__________
(1) الموطأ ج1/109 رقم (164) ، و من طريق مالك أخرجه البخاري 1/65 رقم (222) .
(2) الجامع الصحيح 1/164 رقم (286)
(3) الموطأ 1/109 رقم (165) ، صحيح البخاري 1/66 رقم (223) ، صحيح مسلم 1/164 رقم (287).
(4) المجتبى : 1/158 .
(5) الاختيار 1/40-44 ، المنتقى شرح الموطأ 1/128 .(6/18)
و قد حملوا ((اتباع الماء)) و ((نضحه)) و ((رشه)) ، هذه الالفاظ كلها حملوها على معنى الغسل ، و قد أفاض الطحاوي في ايراد الآثار الدالة على أن هذه الالفاظ قد تطلق و يراد بها الغسل (1) .
لكن هذا يؤخذ عليه : أن هذه الالفاظ و ان كانت تطلق أحيانا على الغسل فان الحال في مسألتنا هذه لا يحتمل ذلك ؛ لأنه يؤدي الى تناقض تتنزه عنه نصوص الشريعة ، فحديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قد جاء بلفظ :((فدعا النبي صلى الله عليه و سلم بماء فاتبعه اياه و لم يغسله))
. فاذا جعل أتبعه بمعنى غسله فان المعنى حينئذ يكون :فغسله و لم يغسله .
و كذلك حديث ام قيس بنت محصن قد جاء بلفظ :((فنضحه و لم يغسله)) . فلو حمل النضح على معنى الغسل لكان التقدير :فغسله ولم يغسله ، و هذا تناقض غير معقول .
و أيضا فان النبي صلى الله عليه و سلم عطف الغسل على النضح في حديث علي -كرم الله وجهه- و عطف الرش على الغسل في حديث أبي السمح - رضي الله عنه- و العطف يقتضي المغايرة . فلو أريد بهما معنى واحدا لكان عبثا يتنزه عنه الشارع (2)
المذهب الثاني : نسب الى الشافعي قول : بأن بول الصبي الذي لم يأكل الطعام طاهر . و نسبت رواية الى مالك : أنه لا يغسل بول الجارية و لا الغلام قبل أن يأكلا الطعام .
لكن ذكر الباجي : أن هذه الرواية عن مالك شاذة . و ذكر النووي : أن نقل هذا القول عن الشافعي خطأ(3) .
لذلك فلا حاجة للتعليق على هذا المذهب .
المذهب الثالث : ينضح بول الطفل الرضيع الذي لم يأكل الطعام ، فاذا أكل الطعام كان حكم بوله كحكم بول الكبير يغسل .
__________
(1) شرح معاني الآثار 1/93 .
(2) فقه الامام سعيد بن المسيب 1/37 .
(3) المنتقى شرح الموطأ 1/128 ، شرح مسلم للنووي 3/135 .(6/19)
و قد فسر هذا المذهب النضح : بأنه غمر موضع البول و مكاثرته بالماء مكاثرة لا يبلغ جريانه و تردده و تقطره . فهو بمعنى الغسل الذي سبق ذكره عن مالك (1)
و قد اعتمد هذا المذهب حديث أم قيس بنت محصن ، فقد جاء بلفظ :((أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام ... الخ
و قد اعترض ابن حزم - القائل :بأن النضح يكفي في التطهير من بول الذكر كبيرا أو صغيرا - :بأن تخصيص ذلك بالصبي الذي لم يأكل ليس من كلام النبي صلى الله عليه و سلم ؛ لذلك فالحديث لا دلالة فيه على هذا التحديد (2) .
و يجاب عن ذلك : بأن نجاسة الأبوال المستتبعة لوجوب غسلها كل ذلك متيقن بالاحاديث العامة الدالة على ذلك : كحديث أبي هريرة مرفوعا :((استنزهوا من البول ؛فان عامة عذاب القبر منه)) (3).
و حديث ابن عباس في القبرين اللذين أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن صاحبيهما يعذبان ، و قال: ((أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة و أما الآخر فكان لا يستنزه من البول)) (4).
فنجاسة بول الآدمي و وجوب غسله كل ذلك متيقن بهذه الاحاديث ، و تخصيص بول الصبي الذي لم يأكل الطعام بالنضح متيقن بحديث أم قيس بنت محصن ، و ما عدا ذلك مشكوك فيه ، فلا يترك اليقين للشك (5) .
و الاكتفاء بالنضح في التطهير من بول الرضيع خصه أحمد و جمهور الشافعية بالصبي الذي لم يأكل الطعام ، أما بول الصبية فلا يجزى فيه الا الغسل (6) .
__________
(1) المجموع 2/596 ، المغني 1/735 .
(2) المحلى 1/101 .
(3) رواه ابن خزيمة و صححه على ما ذكر الحافظ في الفتح 1/233 ، و لم أقف عليه في المطبوع من صحيح ابن خزيمة .
(4) أخرجه البخاري 1/65 رقم (218) ، و مسلم 1/166 رقم (292)
(5) فقه الامام سعيد بن المسيب 1/36 .
(6) المغني 1/734 ، المجموع 2/595 .(6/20)
أما الشافعي نفسه فقد نص على جواز الرش على بول الصبي ما لم يأكل الطعام ، و استدل على ذلك بالحديث ، ثم قال :((و لا يبين لي في بول الصبي و الجارية فرق من السنة الثابتة ، و لو غسل بول الجارية كان أحب الي احتياطا ، و ان رش عليه ما لم تأكل الطعام اجزأ ، ان شاء الله تعالى )) (1) .
و قد ذكر النووي -رحمه الله تعالى- : انه لم يذكر عن الشافعي غير هذا ، و قال : قال البيهقي : كأن أحاديث الفرق بين بول الصبي و الصبية لم تثبت عند الشافعي . و قول الشافعي هذا مروي عن النخعي ، و هو رواية عن الأوزاعي
و وجه لبعض الشافعية ، و وصفه النووي : بأنه ضعيف (2)
و هنا يأتي دور حديث علي -كرم الله وجهه- و مثله حديث أبي السمح –رضي الله عنه- خادم النبي صلى الله عليه و سلم - فهي أحاديث ثابتة ، و قد فرقت بين بول الصبي و بين بول الصبية . و قد ثبت هذا عند أحمد ؛ لذلك أخذ به و فرق بينهما في الحكم ، أما الشافعي فقد صرح بأنه لم يثبت عنده من السنة ما يفرق بينهما ؛ لذلك رأى ان النضح يكفي فيهما و ان كان الأحب اليه غسل بول الصبي احتياطا ؛ و لو ثبتت عند الشافعي هذه الأحاديث لأخذ بها - فهذا هو شأنه و شأن الفقهاء كافة لا يتخطون السنة الثابتة عندهم الى غيرها ما لم يكن لها عندهم معارض- و لذلك أطبق أصحاب الشافعي على الفرق في الحكم بين بول الصبي و الصبية لما ثبتت عندهم هذه الأحاديث .
و قد تترجح الرواية الموقوفة اذا كان رواتها أوثق :
مثال ذلك حديث ابن عمر الآتي :
روى الدار قطني (3) بسنده من طريق الحسن بن عمارة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، عن ابن عمر :((انه جمع بين حج و عمرة ، فطاف لهما طوافين و سعى سعيين ، و قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم كما صنعت)) .
__________
(1) المجموع 2/595-597 .
(2) المصدر السابق .
(3) سنن الدار قطني 2/258 .(6/21)
و روى الدار قطني (1) من طريق الحسن بن عمارة ، عن علي -كرم الله وجهه- مرفوعا نحو هذا ، و قال :((لم يروهما غير الحسن بن عمارة ، و هو متروك)) .
و قد ضعف الحسن بن عمارة . أبو داود الطيالسي ، و العقيلي و غيرهما (2).
على ان الحديث قد روي من طرق أخرى مرفوعا و موقوفا بخلاف هذا :
فقد رواه أحمد بن أبي بكر الزهري ، قال : أخبرنا الدراوردي ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع عن ابن عمر مرفوعا : ((من جمع بين الحج و العمرة طاف لهما طوافا واحدا ثم لم يحل حتى يحل من حجه)).
و هذا اسناد ضعيف ؛ فان الدراوردي و هو عبد العزيز بن محمد ، عن عبيد الله ابن عمر منكر كما نص عليه الامام النسائي (3) .
و الحديث أخرجه البيهقي (السنن الكبرى : 5/107) من طرق عن أحمد بن أبي بكر الزهري ، بهذا الاسناد .
و أخرجه أحمد (المسند :2/67) ، و الدارمي (السنن:1851) ، و الترمذي (الجامع : 3/284 رقم 948) ، و ابن ماجه (السنن: 2/991 رقم 2975) ، و الدار قطني (السنن:2/257) ، و الطحاوي (شرح المعاني: 2/197) من طرق عن الدراوردي ، به .
و قال الترمذي :((حسن صحيح غريب (4) ، تفرد به الدراوردي ، و قد رواه غير واحد عن عبيد الله و لم يرفعوه و هو أصح))
و قد أورده ابن التركماني في الجوهر النقي (5) و ذكر قول الترمذي ثم قال : ((و في الاستذكار : لم يرفعه أحد عن عبيد الله غير الدراوردي و كل من رواه غيره (6) أوقفه على ابن عمر )) .
__________
(1) سنن الدار قطني 2/258 .
(2) نصب الراية 3/110 ، ميزان الاعتدال 1/513 و ما بعدها .
(3) تقريب التهذيب 1/512 .
(4) في تحفة الاشراف 6/156 عقيب (8029) :((حسن غريب)) و هو أصوب ؛ لما بعده و كذا نقله الزيلعي في نصب الراية 3/108 عن الترمذي .
(5) 5/107 .
(6) الرواية الموقوفة في صحيح مسلم 4/50-51 رقم (1230) ، و قد رواه عن عبيد الله : يحيى القطان ، و عبد الله بن نمير .(6/22)
و قال الطحاوي :((هذا الحديث خطأ ، أخطأ فيه الدراوردي فرفعه الى النبي صلى الله عليه و سلم ، و انما اصله عن ابن عمر ، عن نفسه ، هكذا رواه جماعة الحفاظ ، و هم مع هذا لا يحتجون بالدراوردي عن عبيد الله اصلا))(1).
نموذج لأثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء : صفة حج القارن
من المعلوم ان صفة الإحرام بالنسك له ثلاثة اوجه : التمتع ، و الافراد ، و القران :
فالتمتع هو : ان يحرم بعمرة مفردة من الميقات في أشهر الحج ، فاذا فرغ منها أحرم بالحج من عامه ذلك.
و المتمتع يحرم بالحج من مكة ، أو أي مكان بالحرم .
أما الافراد فهو : ان يهل مريد النسك بالحج مفردا ثم اذا فرغ من الحج ، و أراد العمرة أهل بها من الحل .
أما القران فهو : ان يجمع بين الحج و العمرة في الاحرام بهما . أو يحرم بالعمرة و يدخل عليها الحج (2).
و الذي يعنينا هنا صفة حج القارن ؛ فقد اختلف الفقهاء فيه على مذهبين :
المذهب الأول :ان القارن اذا دخل مكة طاف للعمرة و سعى ، ثم يبدأ أعمال الحج : فيطوف للقدوم و يواصل اعمال الحج من وقوف و رمي و طواف ركن و سعي ، و هكذا . و لا يحلق بين العمرة و الحج ؛ لأن في ذلك جناية على احرام الحج ، و انما يحلق في يوم النحر كما يحلق المفرد . فعلى هذا المذهب :
لا يكفي طواف الافاضة للحج و السعي بعده عن الطواف و السعي . انما لا بد أن يطوف و يسعى للعمرة ، ثم لا بد بعد ذلك من طواف و سعي للحج أيضا .
و قد قال بهذا بعض السلف ، و يروى عن الشعبي و جابر بن زيد و عبد الرحمن بن الأسود ، و به قال الثوري و الحسن بن صالح ، و هو مذهب أبي حنيفة ، و رواية عن احمد (3) .
و من الحجة لأصحاب هذا المذهب :
__________
(1) شرح معاني الآثار 2/197 .
(2) المغني 3/210 و 232 .
(3) المغني 3/494 ، الهداية مع فتح القدير 2/204 ، المحلى 7/175 ، شرح السنة 7/84 .(6/23)
حديث ابن عمر من رواية الحسن بن عمارة ، و قد سبق ، فقد نص على طوافين و سعيين . و قد احتجوا أيضا : بأحاديث أخرى مرفوعة و آثار عن الصحابة و عضدوا ذلك بقوله تعالى :((و أتموا الحج و العمرة لله)) (1) .
قالوا : و اتمامهما ان يأتي بأفعالهما على وجه الكمال ، و لم يفرق بين القارن و غيره . قالوا : و لأنهما نسكان فكان لهما طوافان كما لو كانا منفردين (2)
المذهب الثاني : ان القارن اذا كان دخل مكة طاف طواف القدوم ثم يفعل ما يفعل المفرد ، و يكفيه طواف الافاضة للحج و السعي له عن الطواف و السعي للعمرة ؛ بمعنى : أنه يكفيه للنسكين طواف واحد و سعي واحد .
و هذا قول أكثر أهل العلم ، و روي هذا عن جماعة من الصحابة ، و هو قول ابن عمر و جابر بن عبد الله ، و به قال عطاء و طاوس و مجاهد ، و هو مذهب مالك و الشافعي ، و أحمد في أشهر الروايتين عنه (3) .
و من الحجة لأصحاب هذا المذهب :
حديث ابن عمر من رواية عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، و قد سبق ، فقد نص على طواف واحد للنسكين . و هم و ان رجحوا وقفه على ابن عمر الا أن معناه ، ورد في أحاديث و آثار صحاح ، منها :
1- حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها و فيه :((و اما الذين كانوا أهلوا بالحج ، أو جمعوا الحج و العمرة فانما طافوا طوافا واحدا)) (4) .
و في لفظ لمسلم (5) قال النبي صلى الله عليه و سلم لعائشة :((يسعك طوافك لحجك و عمرتك)) .
2- حديث جابر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرن الحج و العمرة . فطاف لهما طوفا واحدا (6) .
__________
(1) سورة البقرة الآية 196 .
(2) المغني 3/494 .
(3) المغني 3/494 ، المحلى 7/175 ، شرح السنة 7/84 .
(4) أخرجه مالك 1/450 رقم (942) ، و مسلم 4/29 رقم (1211)
(5) الجامع الصحيح 4/34 رقم (1211) (132)
(6) أخرجه الترمذي 3/283 رقم (947) و قال :((حسن)) وانظر تحفة الاشراف 2/291 حديث (2677)(6/24)
3- حديث ليث بن أبي سليم ، عن عطاء و طاوس و مجاهد ، عن جابر بن عبد الله و ابن عمر و ابن عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يطف هو و أصحابه لعمرتهم و حجتهم ، حين قدموا ، الا طوافا واحدا (1) .
و مثال ذلك أيضا :
حديث ابن عمر -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :((الشفق الحمرة ، فاذا غاب الشفق وجبت الصلاة)) . رواه الدار قطني (2) ، و رواه البيهقي مرفوعا و موقوفا و قال :((الصحيح أنه موقوف)) (3) .
و قال شمس الحق آبادي :((و قال البيهقي في المعرفة : روي هذا الحديث عن عمر و علي و ابن عباس و عبادة بن
الصامت و شداد بن أوس و أبي هريرة و لا يصح فيه عن النبي صلى الله عليه و سلم شيء))(4) .
أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء : أول وقت العشاء
أجمع الفقهاء على أن أول وقت العشاء غياب الشفق (5) .
و ذلك لحديث طويل رواه أبو موسى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و فيه : ((أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بلالا فأقام العشاء حين غاب الشفق)) (6)
لكنهم اختلفوا في المراد بالشفق هل هو الشفق الأحمر أو الأبيض ؟ :
فذهب جماعة من الفقهاء الى أن أول وقت العشاء مغيب الشفق الأحمر .
و هو مذهب كثير من السلف من الصحابة و التابعين و اليه ذهب الشافعي و أحمد ، و مالك في أشهر الروايتين عنه .
و هو رواية عن أبي حنيفة ، اختارها أبو يوسف و محمد (7) .
__________
(1) أخرجه ابن ماجه 2/990 رقم (2972) ؛ و أبو يعلى (2498) ، و اسناده ضعيف لضعف ليث . و أنظر تقريب التهذيب 2/138 ، و مصباح الزجاجة (الورقة 188) .
(2) سنن الدار قطني 1/269 .
(3) السنن الكبرى 1/373 .
(4) التعليق المغني 1/269-270
(5) المجموع 3/42 .
(6) رواه مسلم 2/106 رقم (614)
(7) البحر الرائق 1/258 ، تبيين الحقائق 1/80 ، عمدة القاري 5/56 ، المغني 1/390 ، حاشية الدسوقي 1/178 ، مغني المحتاج 1/122 ، المجموع 3/35 ، فقه الامام سعيد 1/171 .(6/25)
و ذهب بعضهم الى أن أول وقت العشاء مغيب الشفق الأبيض .
و به قال جماعة من الصحابة و التابعين و اليه ذهب أبو حنيفة في اظهر الروايتين عنه ، و قد اختارها الطحاوي ، و هو رواية عن مالك ، و قد اختاره المزني و ابن المنذر من أصحاب الشافعي (1) .
و قد احتج أصحاب المذهب الأول بما يأتي :
1- حديث ابن عمر الذي سبق ذكره .
2- أن تفسير الشفق بالحمرة ، قد ورد عن كثير من أئمة اللغة ، منهم : الأزهري ، و الخليل ، و الفراء ، و الجوهري ، و غيرهم (2) .
و احتج أصحاب المذهب الثاني بما يأتي :
1- ان تفسير الشفق بالبياض ورد عن أئمة اللغة ، منهم المبرد ، و ثعلب (3) .
2- يدل على أن المراد بالشفق هنا البياض عدة أحاديث ، منها : حديث أبي مسعود الأنصاري ، قال :((رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الظهر حين تزول الشمس )) .. الى أن قال :((و يصلي العشاء حين يسود الأفق))(4)
و حديث طويل لجابر قال :((سأل رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن مواقيت الصلاة)) الى ان قال :((ثم أذن -يعني : بلال- للمغرب حين غربت الشمس ، فأخرها رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى كاد يغيب بياض النهار ، و هو الشفق فيما نرى ، ثم أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقام الصلاة و صلى ، ثم أذن للعشاء حين غاب الشفق (5)) .
و حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت :((سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن وقت العشاء ، فقال :((اذا ملأ الليل بطن كل واد)) (6).
__________
(1) المصادر السابقة .
(2) المجموع 3/44 ، تبيين الحقائق 1/80
(3) تبيين الحقائق 1/80 .
(4) رواه أبو داود 1/107-108 رقم (394) .
(5) رواه الطبراني في الأوسط 7/403 رقم (6783) و اسناده حسن مجمع الزوائد 1/304 .
(6) قال الهيثمي في المجمع 1/313:((رواه الطبراني في الأوسط و رجاله رجال الصحيح)) . قلت: وهو في الاوسط 4/570 رقم (3975)(6/26)
و قد تترجح الرواية المرفوعة لقرائن خاصة كحديث :((من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له)).
فقد روي (1) من طرق عن عبد الله بن وهب ، قال : حدثني ابن لهيعة و يحيى بن أيوب ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله عن أبيه ، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه و سلم : ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :((من لم يجمع الصيام-الحديث-
وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات غير ابن لهيعة لكنه مقرون بيحيى بن أيوب ، ثم ان ابن لهيعة صحيح الحديث اذا روى عنه أحد العبادلة الأربعة : عبد الله بن المبارك ، و عبد الله بن يزيد المقريء و عبد الله بن مسلمة القعنبي ،
و عبد الله بن وهب (2) ، و هذا الحديث من رواية عبد الله بن وهب فهي متابعة قوية ليحيى بن أيوب .
و قد أخرجه الترمذي (3) ، و النسائي (4) و البيهقي (5) من طرق أخرى ، عن يحيى وحده ، قال الترمذي :((لا نعرفه مرفوعا الا من هذا الوجه ، و قد روي عن نافع ، عن ابن عمر قوله (6) ، و هو أصح ، وهكذا روي أيضا هذا الحديث عن الزهري موقوفا (7) ، و لا نعلم أحدا رفعه الا يحيى بن أيوب)).
__________
(1) أخرجه أبو داود 2/329 رقم (2454) ، و ابن خزيمة (1933) ، و الدار قطني 2/172 ،و الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/325 ، و البيهقي 4/202 ، و الخطيب في تأريخه 3/92
(2) أنظر التقريب 1/444 ، و العواصم و القواصم 7/180 .
(3) جامع الترمذي 3/108 رقم (730)
(4) المجتبى 1/320 .
(5) السنن الكبرى 4/202
(6) أخرجها مالك 1/388 رقم (788) ، و عبد الرزاق (7787) عن ابن جريج و عبيد الله بن عمر ، و أخرجها الطحاوي في شرح المعاني 2/55 عن موسى بن عقبة ، ثلاثتهم عن نافع عن ابن عمر موقوفا .
(7) الرواية الموقوفة أخرجها عبد الرزاق (7786) ، و الطحاوي في شرح المعاني 2/55 من طريق الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن حفصة موقوفا(6/27)
و في قوله :((لا نعلم أحدا رفعه الا يحيى )) نظر فقد رواه ابن لهيعة أيضا كما سبق (1) .
و قال أبو داود :((رواه الليث و اسحاق بن حازم أيضا جميعا عن عبد الله بن أبي بكر مثله ، و وقفه على حفصة معمر و الزبيدي و ابن عينية و يونس الأيلي كلهم عن الزهري)) (2) .
و قال البيهقي :((و هذا حديث قد أختلف على الزهري في اسناده ، و في رفعه الى النبي صلى الله عليه و سلم ، و عبد الله بن أبي بكر أقام اسناده و رفعه ،و هو من الثقات الأثبات)) (3)
أقول : لم يتفرد به بل تابعه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، عن ابن شهاب (4) .
قال عنه ابن حزم (5) :((و هذا اسناد صحيح و لا يضر اسناد ابن جريج (6) له أن أوقفه معمر و مالك و عبيد الله و يونس و ابن عينية ؛ فابن جريج لا يتأخر عن أحد من هؤلاء في الثقة و الحفظ ، و الزهري واسع الرواية فمرة يرويه عن سالم ، عن أبيه ، و مرة عن حمزة ، عن أبيه ، وكلاهما ثقة ، و ابن عمر كذلك : مرة رواه مسندا ، و مرة رواه أن حفصة أفتت به ومرة أفتى هو به ؛ و كل هذا قوة للخبر)) .
__________
(1) و كذلك أخرجه أحمد 6/287 عن حسن بن موسى ، عن أبن لهيعة ، به
(2) السنن 2/329 عقيب (2454)
(3) السنن الكبرى 4/202 .
(4) عند النسائي 1/320 ، وعند ابن حزم في المحلى 6/162 ، و البيهقي 4/202 من طرق عن عبد الرزاق عنه.
(5) المحلى 6/162 .
(6) لقد فات ابن حزم ان ابن جريج مدلس و قد عنعن انظر التقريب 1/520 ، و مذهب ابن حزم رد رواية المدلس مطلقا حتى و لو صرح بالسماع. انظر مذهب ابن حزم في رد رواية المدلس ، احكام الأحكام ، له 1/141 و قارن بالعواصم و القواصم 8/236.(6/28)
و الخلاصة : أن هذا الحديث قد اختلف في رفعه و وقفه : و قد صحح رفعه الدار قطني (1) ، و الخطابي(2) ، و ابن حزم (3) و صحح وقفه البخاري فقال: ((هو خطأ ، و هو حديث فيه اضطراب ؛ و الصحيح عن ابن عمر موقوف(4)).
و قال أبو داود :((لا يصح رفعه)) (5)
و قال النسائي :(( الصواب عندي موقوف ؛ و لم يصح رفعه (6)) .
أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء : تبييت النية في الصوم المتعلق بزمن بعينه
نقل ابن قدامة الاجماع على عدم صحة الصوم بغير نية ، سواء في ذلك الفرض و التطوع (7).
ثم اختلفوا في حكم تبييت النية في الصوم المتعلق بزمن بعينه : كصوم رمضان و النذر المعين :
فذهب جمهور الفقهاء : الى أن هذا الصوم لا يصح الا اذا بيتت (8) فيه النية من الليل .
و به قال مالك و الشافعي و أحمد ، و احتجوا بالحديث السابق (9) .
و قال أبو حنيفة : لا يجب تبييت النية في ذلك ، و انما تجزى النية فيه قبل الزوال (10).
__________
(1) السنن 1/234
(2) معالم السنن 2/134 .
(3) المحلى 6/162 .
(4) التعليق المغني 1/234 ، علل الترمذي الكبير (202) .
(5) السنن 2/329 عقيب (2454)
(6) المجتبى 4/196 ، و السنن الكبرى ، له 2/117 عقيب (2649) وزاد في الكبرى :((و حديث ابن جريج عن الزهري غير محفوظ)) .
(7) المغني 3/22.
(8) التبييت : ايقاع نية الصوم ليلا . انظر : (مغني المحتاج: 1/423 ، فقه الامام سعيد 2/203)
(9) عمدة القاري 10/353 ، بداية المجتهد 1/316 ، مغني المحتاج 1/423 ، شرح السنة 7/269 .
(10) المغني 3/22 ، القوانين الفقهية ص117 ، تبيين الحقائق 1/315 ، المجموع 6/300 ، الهداية 1/84 .(6/29)
و لعل الحديث المذكور لم يصح مرفوعا عنده ؛ أوحمل النفي فيه على نفي الفضيلة و الكمال ، و قاس صوم رمضان و نحوه على صوم التطوع ، الذي صح فيه حديث أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- قالت: ((دخل علي النبي صلى الله عليه و سلم ذات يوم فقال : هل عندكم شيء ؟ فقلنا : لا ، قال فاني اذن صائم ... الحديث)) (1).
و قد تكون الرواية المرفوعة خطأ و الصواب الوقف ، و خطأ الرفع سببه الضعفاء .
مثال ذلك :- حديث عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر قال :((ما بلت قائما منذ أسلمت))
فهذا صحيح موقوف أخرجه ابن أبي شيبة و البزار (2) ، و قال الهيثمي :((رجاله ثقات)) (3)
و قد رفع الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق -و هو ضعيف- (4) ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر قال :رآني رسول الله صلى الله عليه و سلم أبول قائما فقال :((يا عمر لا تبل قائما)) (5) .
__________
(1) أخرجه مسلم 3/159 رقم (1154) ، و الترمذي 3/111 رقم (733) ، و النسائي 4/194 ، و ابن خزيمة (2141)
(2) المصنف 1/124 ، و البزار في مسنده (149) و في كشف الأستار (244)
(3) مجمع الزوائد 1/106
(4) انظر تقريب التهذيب 1/516 .
(5) و رواية عبد الكريم أخرجها ابن ماجه 1/112 رقم (308) ، و البيهقي 1/202 ، و الحاكم 1/285.(6/30)
قال البوصيري (1) بعد أن ضعف سند ابن ماجه :((و عارضه خبر عبيد الله ابن عمر العمري الثقة المأمون المجمع على تثبيته ،و لا يغتر بتصحيح ابن حبان (2) هذا الخبر من طريق ابن جريج ، عن نافع ، عن ابن عمر ، فانه قال بعده : أخاف أن يكون ابن جريج لم يسمعه من نافع ، و قد صح ظنه ، فان ابن جريج سمعه من ابن أبي المخارق)) و كذلك ضعف الامام الترمذي الرواية المرفوعة (3) و أعلها بعبد الكريم بن أبي المخارق ، ثم ساق رواية عبيد الله الموقوفة و قال :((و هذا أصح من حديث عبد الكريم)).
أثره في اختلاف الفقهاء : حكم البول قائما
اختلف الفقهاء في حكم البول قائما على قولين :
القول الأول : ذهب أكثر أهل العلم الى أنه جائز غير مكروه .
روي ذلك عن علي و زيد بن ثابت و سعد بن عبادة و غيرهم و اليه ذهب مالك (4).
و احتجوا بما روي عن حذيفة ، قال : أتى النبي صلى الله عليه و سلم سباطة قوم فبال عليها قائما )) رواه الشيخان و غيرهما(5) .
القول الثاني : ذهب جماعة من أهل العلم الى كراهيته .
و اليه ذهب الشافعي و أحمد (6) .
__________
(1) مصباح الزجاجة (الورقة 24) .
(2) الاحسان 4/271 رقم (1423) ، و قد دلس ابن جريج شيخه الضعيف ، الذي اخطأ في رفعه .
(3) الجامع 1/17 عقيب (12)
(4) شرح الزرقاني 1/131 ، مصنف ابن أبي شيبة 1/123 ، معالم السنن 1/20 ، المجموع 2/85 ، المغني 1/156 ، المدونة 1/24 .
(5) صحيح البخاري 1/66 رقم (225) و 3/177 رقم (2471) ، صحيح مسلم 1/157 رقم (273) ، و أخرجه أبو داود 1/6 رقم (123) ، و الترمذي 1/19 رقم (13) _
(6) المدونة 1/24 ، مصنف ابن أبي شيبة 1/123 ، معالم السنن 1/20 ، المجموع 2/85 ، المغني 1/156 ، شرح الزرقاني 1/131 .(6/31)
و مما استدلوا به الحديث السابق ، و حديث أم المؤمنين عائشة :((من حدثكم ان رسول الله كان يبول قائما فلا تصدقوه ، ما كان يبول الا قاعدا)) (1)._
و مثاله أيضا : ما أخرجه الدار قطني (2) :قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد المقريء ، و أبو حاتم الرازي ، قالا :حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا عبد العزيز بن المختار ، عن عاصم الأحول ، عن عبد الله بن سرجس :((ان رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى أن يغتسل الرجل بفضل المرأة و المرأة بفضل الرجل ، و لكن يشرعان)) .
قال الدار قطني :((خالفه (3) شعبة)) ... ثم ساقه بسنده الى شعبة ، عن عاصم ، عن عبد الله بن سرجس، قال :((تتوضأ المرأة و تغتسل من فضل غسل الرجل و طهوره ، و لا يتوضأ الرجل بفضل المرأة و لا طهورها)) ... قال :((و هذا موقوف صحيح ، و هو أولى بالصواب)).
و قال البيهقي بعد أن أعله بالوقف :((و بلغني عن أبي عيسى الترمذي ، عن محمد بن اسماعيل البخاري ، أنه قال :حديث عبد الله بن سرجس في هذا الباب هو موقوف و من رفعه فهو خطأ (4)) ، و كذا أعله ابن عبد الهادي (5) و أجاب بعض العلماء :ان الرفع زيادة ثقة ، فهي مقبولة (6) .
__________
(1) أخرجه الطيالسي (1515) ، و ابن أبي شيبة 1/123 ، و أحمد 6/136 ، و ابن ماجه 1/112 رقم (307) ، و الترمذي 1/17 رقم (12) و النسائي 1/26 ، و ابن حبان (الاحسان : 1430) ، و الحاكم 1/181 ، و البيهقي 1/101 . و قال الترمذي :((حديث عائشة أحسن شيء في الباب و أصح)) .
(2) سنن الدار قطني 1/116-117، و أخرجه ابن حزم في المحلى 1/212 من طريق معلى ، بهذا الاسناد.
(3) يعني : عبد العزيز بن المختار .
(4) السنن الكبرى 1/192-193 .
(5) تنقيح التحقيق 1/218 .
(6) عمدة القارئ 3/86 .(6/32)
أثر الحديث في اختلاف الفقهاء : حكم التطهر بفضل الطهور
اذا تطهر شخص فأفضل من طهوره ، فهل يجوز التطهر به ؟
اختلف الفقهاء في ذلك :
فذهب بعض الفقهاء الى جواز تطهر المرأة بفضل طهور الرجل ، و عدم جواز تطهر الرجل بفضل طهور المرأة مطلقا سواء خلت به أم لا ، و هو مذهب الامام سعيد بن المسيب و ابن حزم (1) .
و مما استدلوا به حديث عبد الله بن سرجس السابق ، كما يرويه ابن حزم ، و بحديث الحكم بن عمرو الغفاري :((ان رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى ان يتوضأ الرجل بفضل طهور المراة )) (2) .
و ذهب بعض العلماء الى عدم جواز تطهر كل منهما بفضل طهور الآخر روي ذلك عن أبي هريرة (3) ، و حجته حديث عبد الله بن سرجس ، من رواية عبد العزيز ، عن عاصم .
و ذهب جمهور العلماء الى جواز تطهر كل منهما بفضل طهور الآخر .
و هو مذهب أبي حنيفة ، و مالك ، و الشافعي ، و أحمد في رواية (4)
و احتجوا بما صح عن عائشة -رضي الله عنها- قالت :((كنت أغتسل انا و النبي صلى الله عليه و سلم من اناء واحد تختلف ايدينا فيه )) (5)
و صح :((انه عليه الصلاة و السلام اغتسل أو توضأ من فضل ما اغتسلت فيه أم المؤمنين ميمونة من الجنابة )) (6).
الفرع الثالث : تعارض الاتصال والانقطاع
قد يرد حديث ما بسند منقطع ، ثم يرد نفس الاسناد من طريق آخر متصلا خاليا من الانقطاع ؛ فتختلف لذلك أنظار المحدثين فيه : فمنهم من يرجح الرواية الموصولة ، و منهم من يرجح الرواية المنقطعة ، و قد يتوقف بعضهم في ذلك.
و الأكثر يعتبرون الوصل زيادة فاذا كان من ثقة قبل (7) .
__________
(1) المجموع 2/191 ، المحلى 1/213 ، طرح التثريب 2/39 ، فتح الباري 1/210 .
(2) أخرجه أحمد 4/213 و 5/66 ، و البيهقي 1/191 ، و ابن حزم في المحلى 1/212
(3) فتح الباري 1/209 .
(4) شرح معاني الآثار 1/26 ، المجموع 2/191 .
(5) أخرجه البخاري 1/74 رقم (261) ، و مسلم 1/176 رقم (321)
(6) أخرجه مسلم 1/177 رقم (322) ، و ابن أبي شيبة 1/33
(7) انظر مقدمة الامام النووي في شرحه لصحيح مسلم 1/25(6/33)
لكن صنيع المحدثين يشعر بأنه : ليس لذلك ضابط بل قد تترجح الرواية المنقطعة اذا كان رواتها أكثر أو احفظ ، و قد تترجح الرواية الموصولة اذا كان رواتها أكثر عددا أو اشد ضبطا و ما الى غير ذلك من المرجحات (1).
مثال ذلك :
حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عمر بن الخطاب ، قال :((صلاة السفر و صلاة الفطر ، و صلاة الأضحى ، و صلاة الجمعة ، ركعتان ، تمام غير قصر على لسان نبيكم )) .
و قد اختلف العلماء في سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من عمر ؛ و سبب اختلافهم في ذلك : اختلافهم في تحديد مولده : فقد نقل بعضهم انه ولد لست سنين بقيت من خلافة عمر (2) .
بينما نقل آخرون : أنه ولد قبل ذلك ، قال أبو نعيم :((و لد في خلافة الصديق او قبل ذلك، و حدث عن عمر)) (3) .
هكذا اختلف في سماعه : فالأثر منقطع على رأي من لا يثبت السماع ، و متصل على رأي من يثبت له السماع .
و قد أخرج الحديث أحمد (4) من طريق وكيع ، قال :حدثنا سفيان ، عن زبيد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عمر ، به .
و أخرجه ابن ماجه (5) ، و البيهقي (6) من طريق محمود بن بشر ، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد ، عن زبيد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، عن عمر ، به .
__________
(1) انظر نصب الراية 1/336 وجامع الترمذي 5/208 عقيب (2995) ، وكلام ابن المبارك عند النسائي في السنن الكبرى 1/632 عقيب (2072) وعلل ابن ابي حاتم 1/138
(2) تاريخ بغداد 10/200 ، تهذيب التهذيب 6/261 .
(3) حلية الأولياء 4/353 ، و كذا جزم الذهبي في سير اعلام النبلاء 4/263 بنحو قول أبي نعيم
(4) المسند 1/37 ، و أخرجه النسائي 3/183 ، و البيهقي 3/200 من طريق سفيان ، به . و أخرجه ابن ماجه 1/338 رقم (1063) ، و الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/421 ، و أبو نعيم في الحلية 4/353 من طرق ، عن زبيد ، به.
(5) السنن 1/388 رقم (1064)
(6) السنن الكبرى 3/199 .(6/34)
و هذا اسناده صحيح ، و فيه زيادة كعب بن عجرة ، زادها يزيد بن زياد بن أبي الجعد (1) و قد رجح أبو حاتم : رواية سفيان الثوري - بدون الزيادة- على رواية يزيد بن زياد بن أبي الجعد (2) لكن أخرجه الطحاوي (3) من طريق سفيان الثوري ، عن زبيد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن الثقة ، عن عمر.
أثره في اختلاف الفقهاء : حكم قصر الصلاة الرباعية في السفر
اختلف الفقهاء في حكم قصر الرباعية في السفر على قولين :
القول الأول : القصر عزيمة ، فلا يجوز للمسافر الاتمام عند توفر شرائط القصر . و هو قول جماعة من السلف ، و به قال أبو حنيفة و الظاهرية ، و هو قول لمالك و بعض الزيدية (4) .
و مما استدلوا به حديث عمر السابق .
القول الثاني : القصر رخصة فيجوز القصر و الاتمام ، و به قال الشافعي ، و أحمد و هو المشهور من مذهب مالك و بعض الزيدية (5) .
و قد احتج الجمهور بأدلة منها :
1- قوله تعالى :((و اذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة)) (6) .
فالآية قد نفت الجناح ، و هذا انما يكون في الرخص لا في العزائم .
__________
(1) و هو يزيد بن زياد بن أبي الجعد الأشجعي الكوفي صدوق من السابعة . تقريب التهذيب 2/364 .
(2) علل الحديث 1/138 .
(3) شرح معاني الآثار 1/422 .
(4) شرح معاني الآثار 1/415-428 ، تبيين الحقائق 1/209 ، المحلى 4/269 ، بداية المجتهد 1/120.
(5) البحر الزخار 3/41 ، المغني 2/267 ، المجموع 4/198 ، مغني المحتاج 1/271 ، القوانين الفقهية ص199 .
(6) سورة النساء الآية 18(6/35)
2- و عن أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت :((انها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم من المدينة الى مكة ، حتى اذا قدمت مكة قالت : يارسول الله ، -بأبي أنت و أمي - قصرت و أتممت ، و أفطرت و صمت ؟ فقال : أحسنت ياعائشة ، و ما عاب علي )) (1) .
فقوله عليه الصلاة و السلام لأم المؤمنين ((أحسنت)) و كانت قد أتمت الصلاة ، دليل صريح على أن القصر رخصة لا عزيمة .
و مثال ذلك أيضا : ما رواه مالك (2) ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرو بن شعيب : ان رجلا من بني مدلج - يقال له : قتادة- حذف ابنه بالسيف ، فأصاب ساقه ، فترى في جرحه فمات . فقدم سراقة بن جعثم على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له . فقال عمر : أعدد على ماء قديد ، عشرين و مائة بعير ، حتى أقدم عليك ، فلما قدم عليه عمر بن الخطاب ، أخذ من تلك الابل ثلاثين حقة ، و ثلاثين جذعة ، و أربعين خلفة ، ثم قال : أين أخو المقتول ؟ قال : هأنذا . قال : خذها . فان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :((ليس لقاتل شيء)) .
__________
(1) رواه النسائي 3/122 ، و الدار قطني و حسنه 1/222 ، و البيهقي 3/142 ، و صححه عبد الحق . أنظر التعليق المغني 1/242 .
(2) الموطأ برواية الليثي (2536) ، ورواه عبد الرزاق (17782) ، و الشافعي في مسنده (28) و يحيى بن بكير عند البيهقي 8/72 عن مالك ، به .(6/36)
و أخرجه ابن ماجه (1) عن أبي الأحمر ، عن يحيى بن سعيد به -مختصرا . و أخرجه البيهقي (2) من طريق يزيد بن هارون ، عن يحيى بن سعيد ، به أتم منه. وهذا اسناد صحيح لولا الانقطاع ، و ليس في الرواية ما يدل على أن قتادة من الصحابة - حتى يحكم له بالعدالة- فهو مجهول لا يعرف ، و على افتراض أنه صحابي فهو منقطع ؛ لأن عمرو بن شعيب لم يدرك الا قليلا من الصحابة مثل زينب بنت أبي سلمة ، و الربيع بنت معوذ ، و غالب روايته عن التابعين.(3)
و قد ورد الحديث موصولا كما رواه الدار قطني (4) ، و البيهقي (5) من طريق اسماعيل بن عياش عن ابن جريج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال :قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :((ليس للقاتل من الميراث شيء)).
و اسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن غير الشاميين (6) ، و هذا منها ، لكنه لم ينفرد به فقد توبع متابعة قاصرة ، فقد أخرجه أبو داود (7) ، و البيهقي (8) من طريق محمد بن راشد ، قال حدثنا سليمان بن موسى ، عن عمرو بن شعيب ، به .
و سليمان بن موسى صدوق فيه بعض لين و خلط قبل موته بقليل (9) .
و محمد بن راشد هو المكحولي الدمشقي صدوق يهم (10) .
__________
(1) السنن 2/884 رقم (2646)
(2) السنن الكبرى 6/219
(3) تهذيب التهذيب 8/48 ، التقييد و الايضاح 331 وانظر غير مأمور الكاشف للذهبي 2/78-79 بتحقيق الشيخ محمد عوامة فإن فيه فائدة.
(4) السنن 4/95 .
(5) السنن الكبرى 8/186 .
(6) تقريب التهذيب 1/73 .
(7) السنن 1/189 رقم (4564)
(8) السنن الكبرى 8/187 .
(9) تقريب التهذيب 1/331
(10) تقريب التهذيب 2/160 .(6/37)
فيكون هذا السند ضعيفا ، لكنه يتقوى برواية اسماعيل بن عياش ، و تعضد أحداهما الأخرى ؛ فتتقوى بذلك الرواية الموصولة ، و يصبح الحديث حسنا لغيره على أقل أحواله ، فيترجح الوصل و يقوى الحديث و قد تصبح الرواية المنقطعة شاهدا للرواية الموصولة ، ثم ان له شاهدا من حديث أبي هريرة (1)
أثر الحديث في اختلاف الفقهاء : أثر القتل في الارث
اذا قتل شخص مورثه فهل يعد هذا القتل مانعا من الارث ؟
هذا موضع اختلف فيه الفقهاء :
فذهب جماعة من الفقهاء الى أن القاتل لا يرث عمدا كان القتل أو خطأ .
و هو مذهب جماعة من السلف من الصحابة و من بعدهم ، منهم : الصديق ، و عمر ، و علي ، و ابن مسعود ، و شريح ، و طاوس ، و الشعبي ، و النخعي . و اليه ذهب أبو حنيفة و الشافعي و أحمد (2) .
و استدلوا بالحديث السابق فهو لم يفرق بين عمد و خطأ .
و ذهب بعض الفقهاء الى أنه يمنع من الارث القتل العمد ، أما الخطأ فلا يمنع من الارث الا الدية ، فان القاتل لا يرث منها شيئا .
روي ذلك عن جماعة من التابعين ، و من جاء بعدهم ؛ منهم : عطاء ، و مكحول ، و الزهري ، و هو رواية عن سعيد بن المسيب و اليه ذهب مالك (3)، و حجتهم ما يأتي :
1- عموم آيات المواريث ، فانها أثبتت ميراث من ورثه الله تعالى فيها ، فلا يستثنى منهم أحد الا بدليل ، و لم يثبت في استثناء القاتل خطأ اجماع و لا دليل صحيح .
و حملوا حديث عمر على القتل العمد .
__________
(1) عند الترمذي 4/370 رقم (2109) ، و النسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (12286) ، و ابن ماجه (2645) و (2735) ، و الدار قطني 4/96 . و سنده ضعيف عندهم . و قال الترمذي :((هذا حديث لا يصح)) .
(2) الاختيار 4/241 ، المغني 7/162 ، مغني المحتاج 3/25-26 ، عمدة القاري 23/259 ، فتح الباري 12/39 ، فقه سعيد 3/156 و ما بعدها .
(3) المغني 7/161 ، المنتقى 7/108 ، الاشراف 2/329 فقه الامام سعيد 3/156 .(6/38)
2- ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قام يوم فتح مكة فقال :((لا يتوارث أهل ملتين، و المرأة ترث من دية زوجها و ماله ،و هو يرث من ديتها و مالها، ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمدا، فان قتل أحدهما صاحبه عمدا لم يرث من ديته و ماله شيئا ، و ان قتل صاحبه خطأ ورث من ماله و لم يرث من ديته )) (1). و ذهب بعض الفقهاء الى أن القتل غير مانع و ان كان عمدا.
روي ذلك عن سعيد بن جبير ، و هو رواية عن سعيد بن المسيب (2)
و قد استدلوا بعموم آية المواريث ؛ فانها تتناول القاتل و غيره . و لم تثبت عندهم أدلة تخص هذا العموم .
و قد عد بعض العلماء هذا القول شاذا مخالفا لاجماع الصحابة (3)
الفرع الرابع : زيادة رجل في أحد الأسانيد
اذا روي حديث بأسانيد متعددة ، و كان مداره على رجل واحد ، و زيد في أحد الأسانيد رجل و نقص من بقية الأسانيد ، و لم نستطع الترجيح بين الروايات مما يدل على ان الخطأ من الذي دار عليه الاسناد فرواه مرة هكذا ، و مرة هكذا ، فتبين لنا ان هذا الراوي لم يضبط هذا الحديث فيحكم على الحديث بالاضطراب و يتوقف الاحتجاج به حتى نجد له ما يعضده من متابعات أو شواهد ترفعه من الضعف الى حيز القبول (4) .
مثال ذلك :
حديث :((الفخذ عورة))
__________
(1) رواه البيهقي في السنن الكبرى 6/221 .
(2) المغني 7/161 ، فقه الامام سعيد 3/158 .
(3) أنظر المصدرين السابقين .
(4) أنظر محاسن الاصطلاح ص204 ، توضيح الأفكار 2/35 .(6/39)
فالحديث يرويه : زرعة ، عن جرهد ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، و قد ساق الزيلعي (1) الاختلاف في الحديث ، و نقل عن ابن القطان قوله :((و حديث جرهد له علتان ، أحدهما : الاضطراب المؤدي لسقوط الثقة به ، و ذلك أنهم مختلفون فيه : فمنهم من يقول : زرعة بن عبد الرحمن ، و منهم من يقول : زرعة بن عبد الله ، و منهم من يقول : زرعة بن مسلم . ثم من هؤلاء من يقول : عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، و منهم من يقول : عن أبيه ، عن جرهد ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، و منهم من يقول : زرعة ، عن آل جرهد، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، و ان كنت لا أرى الاضطراب في الاسناد علة ، فانما ذلك اذا كان من يدور عليه الحديث ثقة فحينئذ لا يضره اختلاف النقلة عليه : الى مرسل و مسند ، أو رافع و واقف ، أو واصل و قاطع ، و أما اذا كان الذي اضطرب عليه الحديث غير ثقة أو غير معروف فالاضطراب يوهنه أو يزيده وهنا ، و هذه حال هذا الخبر و هي العلة الثانية : ان زرعة و أباه غير معروفي الحال و لا مشهوري العدالة )) .
و الحديث أخرجه احمد (المسند : 3/479) ، و الطبراني (المعجم الكبير : 2138) من طريق سفيان ، عن أبي الزناد، عن زرعة بن عبد الرحمن ، عن جده جرهد :((ان النبي صلى الله عليه و سلم مر به ، و قد كشف فخذه فقال : غطها فانها عورة)) .
و أخرجه الطحاوي (شرح المعاني : 1/475) من طريق مسعر ، عن أبي الزناد ، عن زرعة ، به.
و أخرجه عبد الرزاق (المصنف : 19808) -و من طريقه أحمد (المسند : 3/478) ، و الترمذي (الجامع : 5/103 رقم 2798) - عن معمر ، عن أبي الزناد ، قال : أخبرني ابن جرهد ،عن أبيه ، به . و حسنه الترمذي ، و قال :((اسناده عندي ليس بالمتصل)) ، و لعله انما حسنه لما له من شواهد .
__________
(1) نصب الراية 4/241-242(6/40)
و أخرجه أحمد (المسند : 3/478) ، و الحميدي (المسند : 858) ، و الدار قطني (السنن : 1/224) من طريق سفيان قال : حدثنا أبو الزناد، قال : أخبرني آل جرهد ، عن جرهد .
و أخرجه أحمد (المسند : 3/479) من طريق أبي الزناد ، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد ، عن جرهد جده و نفر من أسلم سواه ذوي رضى :ان رسول الله صلى الله عليه و سلم مر على جرهد ...
و أخرجه الطيالسي (المسند : 1176) عن مالك بن أنس ، عن سالم بن النظر عن ابن جرهد : ان النبي صلى الله عليه و سلم مر به ...
و أخرجه أحمد (المسند : 3/478) ، و أبو داود (السنن: 4014) و الطحاوي (شرح المعاني :1/475) ، و البيهقي (السنن الكبرى:2/428) من طريق مالك ، عن أبي النظر : سالم بن أبي أمية ، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد ، عن أبيه ، عن جده جرهد ...
و أخرجه الدار قطني(السنن : 1/224) من طريق سفيان ، عن أبي النظر ، به .
و أخرجه ابن أبي شيبة (المصنف: 9/118) ، و الحاكم (المستدرك: 4/180) من طريق سفيان ، عن سالم أبي النظر ، عن زرعة بن مسلم بن جرهد ، عن جده جرهد .
و أخرجه أحمد (المسند:3/478) ، و الترمذي (الجامع 5/103 رقم (2797)) ، و الطحاوي (شرح المعاني :1/475) من طريق محمد بن عقيل ، عن عبد الله بن جرهد ، عن أبيه .
وقد علقه البخاري (الجامع : 1/103 عقيب (370)) بصيغة التضعيف (1) .
فهذا الاضطراب الذي سبق بيانه قادح في صحته ، و لكن هناك شواهد للحديث تجبره. منها حديث علي مرفوعا :
__________
(1) و قال البخاري بعد أن ذكره و ذكر حديث أنس :((ان النبي صلى الله عليه و سلم حسر عن ساقه)) -قال :((حديث أنس أسند و حديث جرهد أحوط ، حتى يخرج من اختلافهم))(6/41)
((لا تبرز فخذك و لا تنظر الى فخذ حي و لا ميت))(1) .
و له شاهد آخر عن محمد بن عبد الله بن جحش مرفوعا :((غط فخذك ؛فان الفخذ عورة)) (2).
و له شاهد آخر عن ابن عباس مرفوعا :((غط فخذك ؛فان الفخذ عورة)) (3) .
و له شاهد آخر من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا :((اذا انكح أحدكم عبده أو أجيره ، فلا ينظر الى شيء من عورته ، فان أسفل من سرته الى ركبته من عورته)) (4) .
و له شاهد آخر من حديث محمد بن جحش ، قال : مر رسول الله صلى الله عليه و سلم على معمر و فخذاه مكشوفتان ، قال :((يا معمر ، غط فخذيك ؛ فان الفخذ عورة)) (5) .
فهذه شواهد يشد بعضها بعضا تقوي حديث جرهد فيصح الاحتجاج به
__________
(1) أخرجه أبو داود 3/196 رقم (3140) و 4/40 رقم (4015) و استنكره ، و ابن ماجه 1/469 رقم (1460) ، و الحاكم 4/180 ، و الطحاوي في شرح المعاني 1/474 ، و في شرح مشكل الآثار 2/284 ، و الدار قطني 1/225 ، و عبد الله بن أحمد في زوائد المسند 1/146 ، و البيهقي 3/388 و سنده ضعيف ؛ فان فيه انقطاعا بين ابن جريج و حبيب ، كما أعله أبو حاتم في العلل ج2/271 رقم (2380) ، و قد وجدت الرواية بتصريحه بالسماع منه كما في رواية عبد الله و البيهقي ، لكنها معلولة بجهالة يزيد أبي خالد . و أنظر تعجيل المنفعة ص455
(2) أخرجه أحمد 5/290 ، و الحاكم 4/180 . و قال عنه الزيلعي في نصب الراية 4/245 بعد أن ذكره بسند أحمد :((هذا مسند صالح)) .
(3) أخرجه أحمد 1/275 ، و الترمذي 5/103 رقم (2796) ، و الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/474 ، و البيهقي2/228 و سنده ضعيف لضعف أبي يحيى القتات ، لينه الحافظ ابن حجر في التقريب 2/489.
(4) أخرجه أحمد 2/187 ، و أبو داود 1/133 رقم (496) ، و البيهقي 2/228- 229 و سنده قوي .
(5) أخرجه أحمد 5/290 ، و البغوي في شرح السنة 9/21 رقم (2251)(6/42)
أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء : حد العورة
نظرا لاختلافهم في حديث ((الفخذ عورة)) حصل خلاف بين أهل العلم في حد عورة الرجل .
فذهب فريق من أهل العلم الى أن عورة الرجل ما بين السرة ، و الركبة و هما ليسا من العورة.
و بذلك قال مالك ، و الشافعي ، و أحمد في رواية و هو المعتمد في مذهبه ، و به قال أبو حنيفة و زاد الركبة فهي
عنده من العورة (1) .
و حجتهم الحديث المذكور .
و ذهب فريق من العلماء الى أن العورة : هي السوأتان فقط ، و الفخذ ليس من العورة ، و به قال ابن أبي ذئب ، و ابن علية ، و الطبري ، و داود ، و ابن حزم ، و هو رواية عن أحمد (2).
و قد ضعف ابن حزم حديث ((الفخذ عورة)) .
و احتج لهذا المذهب بأدلة منها :
حديث أنس :((أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غزا خيبر ، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس ، فركب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ركب أبو طلحة ، و أنا رديف أبي طلحة ، فأخر رسول الله صلى الله عليه و سلم في زقاق خيبر، وان ركبتي لتمس فخذ النبي صلى الله عليه و سلم ، ثم حسر الأزار ، عن فخذه ، حتى أني أنظر بياض فخذ النبي صلى الله عليه و سلم ... الحديث ، متفق عليه (3) .
__________
(1) المحرر 1/41-42 ، المغني 1/579 ، الانصاف 1/449 ، تبيين الحقائق 1/95 كشاف القناع 1/308 ، بداية المجتهد 1/90 ، القوانين الفقهية ص69 ، مغني المحتاج 1/185 .
(2) المحلى 3/210 ، المجموع 3/169 ، عمدة القاري 4/80 ، المغني 1/615 .
(3) صحيح البخاري 1/103 رقم (371) ، و مسلم 4/145 رقم (1365)(6/43)
الفرع الخامس : الاختلاف في اسم الراوي و نسبه
قد يروى حديث باسناد ، و يختلف الاسناد حول مدار الراوي فيختلف في نسبه و اسمه حتى لا يمكن ترجيح احدى الروايات على الآخرى مثال ذلك : حديث :
عبد الله بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :((صاع من بر أو قمح على كل اثنين)) (1) .
قال الدار قطني :((هذا حديث اختلف في اسناده و متنه أما سنده فرواه الزهري و اختلف عليه فيه فرواه النعمان بن راشد ، عنه عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه ، و رواه بكر بن وائل عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير ، و قيل : عن ابن عيينة ، عن الزهري ، عن ابن أبي صعير عن أبي هريرة و قيل : عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة و قيل عن عقيل ، و يونس ، عن الزهري، عن سعيد - مرسلا - و رواه معمر، عن الزهري، عن الأعرج عن أبي هريرة (2)).
أثره في اختلاف الفقهاء : مقدار الواجب من البر في زكاة الفطر
اختلف الفقهاء في المقدار الواجب من البر لزكاة الفطر .
فذهب بعض الفقهاء الى أن الواجب نصف صاع مستدلين بهذا الحديث و كأنهم لم يروا الاضطراب قادحا في صحته ، و هو مذهب كثير من السلف و به قال أبو حنيفة (3) .
__________
(1) رواه أحمد 5/431 و 432 و أبو داود ج2/114 رقم (1619) و (1620) و (1621) و الطحاوي في شرح المعاني 2/45 و الدار قطني 2/147 و عبد الرزاق (5785) و الحاكم 3/279 . و أنظر ترجمة الراوي في تهذيب الكمال 14/653 .
(2) العلل 2/39-40 و نقله الزيلعي في نصب الراية 2/408 ، و قال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق 2/1448 :((هذا حديث مضطرب الاسناد و المتن و قد تكلم فيه الامام أحمد بن حنبل و غيره)) .
(3) عمدة القاري 9/113 عون المعبود 2/28 ، طرح التثريب 4/52 ، المحلى 6/129 ، الهداية 1/83 ، شرح السنة 6/74 ، شرح معاني الآثار 2/41-42 ، تبيين الحقائق 1/308 ، البحر الرائق 2/273 ، اللباب 1/406 ، حاشية ابن عابدين 2/364 .(6/44)
و ذهب جماعة من الفقهاء الى أن الواجب صاع (1) .
و احتجوا : بحديث عبد الله بن عمر : ((ان رسول الله صلى الله عليه و سلم فرض زكاة الفطر على الناس صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، على كل حر او عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين)) (2) .
المطلب الثاني : الاضطراب في المتن
كما أن الاضطراب يكون في سند الحديث فكذلك يكون في متنه . و ذلك اذا ورد لنا حديث اختلف الرواة في متنه اختلافا لا يمكن الجمع بين رواياته المختلفة و لا يمكن ترجيح أحد الروايات على البقية فهذا يعد اضطرابا قادحا في صحة الحديث اما اذا أمكن الجمع فلا اضطراب ، و كذا اذا أمكن ترجيح احدى الروايات على بقية الروايات ، فلا اضطراب اذا فالراجحة محفوظة أو معروفة و المرجوحة شاذة أو منكرة (3) .
و قد يختلف أئمة الحديث في ذلك كل حسب اجتهاده .
مثال ذلك :
حديث حماد بن سلمة ، عن عاصم بن المنذر ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :((اذا كان الماء قلتين أوثلاثا لم ينجسه شيء)) .
فقد أخرجه الامام أحمد (4) قال : حدثنا وكيع ، قال: حدثنا حماد بن سلمة ، به .
و أخرجه الدار قطني (5) من طريق يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، به .
__________
(1) طرح التثريب 4/52 الروض النضير 2/441 ، معالم السنن 2/50 ، السنن الكبرى 4/167 ، الاشراف 1/188 ، المجموع 6/142 ، المغني 2/648 ، الكافي 1/322 ، المحرر 1/226 ، الانصاف 3/179 ، التمهيد 4/135 ، القوانين الفقهية 129 مواهب الجليل 1/365 ، الشرح الصغير 1/675 ، الخرشي 2/228 ، حاشية الدسوقي 1/504 ، الأم 2/67 ، مغني المحتاج 1/405 ، شرح السنة 6/74.
(2) أخرجه البخاري 2/161 رقم (1504) ، و مسلم 3/68 رقم (984)
(3) أنظر هدي الساري ص348-349 ، و تحفة الأحوذي 2/91 .
(4) المسند 2/23 .
(5) السنن 1/22 .(6/45)
و أخرجه البيهقي (1) من طريق ابراهيم بن الحجاج و هدبة بن خالد قالا : حدثنا حماد بن سلمة ، به .
و أخرجه أحمد (2) قال : حدثنا عفان بن مسلم ، عن حماد بن سلمة ، به
و أخرجه أبو داود (3) قال : حدثنا موسى بن اسماعيل ، عن حماد بن سلمة ، به .
و أخرجه أحمد (4) ، و الدارمي (5)، وابو داود (6) ، و ابن ماجه (7) ، و الترمذي (8) ، و ابن خزيمة (9) كلهم من طريق محمد بن جعفر بن الزبير ،عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، فذكره .
و أخرجه عبد بن حميد (10) ، و أبو داود (11) ، و النسائي (12) من طريق حماد بن أسامة ، عن الوليد بن كثير المدني ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عبد الله (13) بن عبد الله بن عمر ، فذكره .
قال ابن عبد الهادي :((قد اختلف عن حماد :فروى عنه ابراهيم بن الحجاج ، و هدبة بن خالد ، و كامل بن طلحة فقالوا : ((قلتين أو ثلاثا)) . و روى عنه عفان و يعقوب بن اسحاق الحضرمي ، و بشر بن السري و العلاء بن عبد الجبار ، و موسى بن اسماعيل ، و عبيد الله بن محمد : ((اذا كان الماء قلتين )) و لم يقولوا ((أو ثلاثا)) و اختلف عن يزيد بن هارون : فروى عنه ابن الصباح بالشك ، و روى عنه أبو مسعود بغير شك فوجب العمل على قول من لم يشك)) . (14)
__________
(1) السنن الكبرى 1/262 .
(2) المسند 2/107 .
(3) السنن 1/17 رقم (65)
(4) المسند 2/12 و 26 .
(5) السنن (737) و (838)
(6) السنن 1/17 رقم (64)
(7) السنن 1/172 رقم (517)
(8) الجامع 1/97 رقم (67)
(9) صحيح ابن خزيمة (92) .
(10) المنتخب من مسنده (817)
(11) السنن 1/17 رقم (63)
(12) المجتبى 1/46 ، و السنن الكبرى 1/74 رقم (50)
(13) تحرف في المطبوع من المجتبى 1/175 الى :((عبيد الله )) و رواية عبيد الله بن عبد الله بن عمر غير موجودة أصلا في ((سنن النسائي)) ، أنظر تحفة الأشراف 6/240 رقم (7305) ، و المسند الجامع 10/28 رقم (7190)
(14) تنقيح التحقيق 1/195 ، و بنحو هذا قال الدار قطني في سننه 1/22 .(6/46)
و قد رواه القاسم بن عبد الله بن عمر العمري ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :((اذا بلغ الماء أربعين قلة فانه لا يحمل الخبث)) .
أخرجه الدار قطني (1) ، و القاسم هذا ضعيف .
قال عنه أحمد بن حنبل :((القاسم عندي ليس بمتصل ؛ كان يكذب و يضع الحديث ، ترك الناس حديثه)) (2) .
و قال يحيى بن معين :((هو كذاب خبيث)) (3) .
فهذه الرواية لسقوطها و شدة ضعفها لم تؤثر ؛ لأن من شرط الاضطراب تساوي الوجوه (4) . و هذه لم تساوي بقية الروايات .
و قد رجح كثير من الحفاظ طريق محمد بن جعفر ، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه مرفوعا :((اذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء)) .
و كأنهم لم يروا الاختلاف فيه قادحا لارجحية هذا الطريق على باقي الطرق.
قال المباركفوري :((صححه الشافعي ، و أحمد ، و أبو عبيد ، واسحاق ، و ابن معين ، و ابن خزيمة ، و الطحاوي ، و ابن حبان ، و الدار قطني ، و ابن مندة ، و الحاكم ، و الخطابي )) (5) .
فتصحيحهم لهذا الحديث لارجحية هذا السند على الاسانيد التي وقع فيها الاختلاف و الشك ، و مع هذا فقد أعله بعض النقاد بالاضطراب .
قال ابن عبد البر:((اسناده مضطرب اضطرابا يوجب التوقف عن القول به)) (6).
أثر الحديث في اختلاف الفقهاء : حكم الماء اذا خالطته نجاسة
نقل غير واحد من العلماء الأجماع : على ان الماء اذا خالطته نجاسة فغير طعمه أو لونه أو ريحه فهو نجس قل الماء أو كثر (7) .
ثم اختلفوا اذا لم يتغير الماء .
__________
(1) السنن 1/26 .
(2) الجرح و التعديل 7/111 .
(3) ميزان الاعتدال 3/372 .
(4) أنظر هدي الساري ص348-349 ، و تحفة الأحوذي 2/91
(5) تحفة الأحوذي 1/216-217 .
(6) التمهيد 1/329 .
(7) طرح التثريب 2/32 ، المغني 1/24 ، القوانين الفقهية ص30 ، فقه الامام سعيد 1/23 .(6/47)
فذهب جماعة من الفقهاء . الى أن الماء الذي خالطته نجاسة لم تغير أحد أوصافه طهور قل الماء أو كثر .
و هو قول كثير من السلف من الصحابة و التابعين وبه قال مالك و أحمد في رواية ، و به قال ابن المنذر و الغزالي ، و الروياني من أصحاب الشافعي (1) .
و كأنهم لم يأخذوا بحديث القلتين للاختلاف الواقع فيه ، و احتجوا بحديث أبي سعيد الخدري ، انه قيل: يارسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة و هي بئر يطرح فيه الحيض و لحم الكلاب و النتن ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :((ان الماء طهور لا ينجسه شيء)) (2) .
و ذهب بعض الفقهاء الى أن الماء اذا كان قلتين فأكثر لا ينجس الا بتغيره ، فاذا كان أقل من قلتين تنجس بوقوع النجاسة فيه سواء تغير أم لا .
و هو قول جماعة من السلف . و به قال الشافعي و أحمد في أشهر الروايات عنه (3) و احتجوا بحديث القلتين السابق .
و ذهب بعض الفقهاء الى أنه ينجس كلما غلب على الظن سريان النجاسة فيه و يغلب على ظن المستعمل للماء انه يستعمل النجاسة معه .
__________
(1) المحلى 1/168 ، التمهيد 1/328 ، المجموع 1/113 ، المغني 1/25، عمدة القارئ 3/151، قوانين الاحكام الفقهية ص44 ، حاشية الدسوقي 1/78 .
(2) أخرجه ابن ابي شيبة 1/141 ، و أحمد 3/31 و 86 و أبو داود 1/17 رقم (66) و (67) ، و الترمذي 1/95 رقم 66 ، و النسائي 1/174 ، و الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/11 ، و الدار قطني 1/30 و 31 ، و البيهقي 1/257 ، ، وقال الترمذي :((حسن)) و قال الامام أحمد كما في تهذيب الكمال 19/84 :((حديث بئر بضاعة صحيح)) و قال الحافظ ابن حجر في التلخيص 1/4 :((صححه أحمد بن حنبل ، و يحيى بن معين ، و أبو محمد بن حزم)) .
(3) التمهيد 1/328 ، المجموع 1/113 ، المغني 1/25 ، مجموع فتاوى شيخ الاسلام 21/30 ، كشاف القناع 1/41 ، شرح منتهى الارادات 1/81 ، مغني المحتاج 1/21 .(6/48)
و به قال أبو حنيفة . (1)
و قدر المتأخرون من أصحابه بما كان مساحته دون عشرة أذرع في عشرة أذرع
فالخلاصة : ان من صحح حديث القلتين أخذ به . و من حكم عليه بالضعف لاضطرابه ترك الاحتجاج به و احتج لما ذهب اليه بأدلة أخرى
المبحث الثاني : الاعلال بالزيادة
زيادة الثقة من القضايا الخفية في علل الحديث ، و قد أولى المتقدمون لزيادة الثقة أهمية كبيرة فالزيادة نوع من أنواع الاختلاف سواء كان في المتن أو في السند .
و الزيادة في اللغة : هي النمو ، و هو خلاف النقصان (2).
أما في اصطلاح المحدثين فقد عرفت : بأنها ما انفرد به الراوي من زيادة - في المتن أو في السند عن بقية الرواة ، عن شيخ لهم)) (3)
و صورها ابن رجب :((بأن يروي جماعة حديثا باسناد واحد و متن واحد، فيزيد بعض الرواة فيه زيادة ، و لم يذكرها بقية الرواة)) (4) .
__________
(1) أحكام القرآن للجصاص 3/419 ، الهداية 1/8-9 ، شرح معاني الآثار 1/161 ، شرح فتح القدير 1/64 تبيين الحقائق 1/22 ، البحر الرائق 1/78-87 .
(2) لسان العرب 3/198 ، تاج العروس 2/368 .
(3) اختصار علوم الحديث ص61 .
(4) شرح علل الترمذي 2/635 .(6/49)
فالزيادة فن عظيم من فنون الحديث ،و مرجعه الى الاختلاف بالروايات ، و من الطبيعي أن يختلف الرواة في بعض الأحيان سندا أو متنا و لا غرابة في ذلك ؛اذ يبعد عادة أن يكون الجميع في مستوى واحد من الاهتمام و التيقظ و التثبت و الدقة و الضبط منذ تلقي الأحاديث من أصحابها الى حين أدائها ، لأن المواهب متفاوتة فمنهم من بلغ أوج مراتب الثقات ، و منهم من هو في أدنى هذه المراتب ، و منهم من هو بين الحدين ، و هذا الفريق على درجات متفاوتة ، وهؤلاء الثقات كثيرا ما يشتركون في سماع الحديث من شيخ لهم، فاذا حدثوا به بعد فترة من الزمن في جملة من الأحاديث المسموعة من مصادر شتى فان مدى الاتفاق بينهم و الاختلاف يتوقف على مقدار تيقظهم و اهتمامهم و مذاكرتهم و دقتهم و حفظهم ، و بما أنهم مختلفون في ذلك فانهم قد يختلفون في أداء الرواية ، و الزيادة لون من ألوان الاختلاف ، و عليه فاذا زاد أحد الثقات في حديث شيئا ليس في حديث الآخرين ، فما حكم هذه الزيادة ؟ هذا ما سنتكلم عنه بايجاز فيما يأتي :
حكم زيادة الثقة :
اختلف العلماء في حكم زيادة الثقة على أقوال كثيرة (1) ، أهمها ستة أقوال :
القول الأول : تقبل مطلقا : سواء تعلق بها حكم شرعي أم لا و سواء غير الحكم الثابت أم لا ، و سواء أوجبت نقض أحكام ثبتت بخبر ليس هي فيه أم لا ، و سواء أكانت من شخص واحد- بأن يروي مرة ناقصا و مرة بتلك الزيادة - أو كانت الزيادة قد رواها غيره و لم يروها هو .
و هذا مذهب جمهور الفقهاء و الأصوليين ، و جماعة من أهل الحديث (2) .
__________
(1) أوصلها الزركشي الى ثلاثة عشر قولا . البحر المحيط 4/332-337
(2) الكفاية ص424 ، احكام الأحكام للآمدي 2/99 ، علوم الحديث ص77 ، البحر المحيط 4/331 ، شرح التبصرة 1/211 ، المنهل ص58 ، فتح المغيث 1/200 ، تدريب الراوي 1/205 ، احكام الأحكام لابن حزم 2/90-96 ، شرح ألفية السيوطي ص54 ، لمحات في أصول الحديث ص297 .(6/50)
القول الثاني : لا تقبل مطلقا : فلا تقبل ممن رواه ناقصا و لا من غيره .
و هو قول جماعة من أهل الحديث (1) .
القول الثالث : تقبل اذا كانت من غير الراوي و لا تقبل اذا كانت منه ، و ذلك بأن يرويها تارة و يسقطها أخرى . و هو قول جماعة من أهل الحديث ، و حكاه الخطيب عن فريق من الشافعية (2) .
القول الرابع : تقبل اذا تعدد مجلس السماع و ترد اذا اتحد (3) .
القول الخامس : لا تقبل اذا كانت مخالفة في الحكم لما رواه الباقون و تقبل اذا لم تكن مخالفة (4) .
القول السادس : تقبل الزيادة في الالفاظ اذا كان راويها يغلب عليه الفقه و لا تقبل اذا لم يكن راويها يغلب عليه الفقه(5).
و قد نقل عن ابن حبان ما حاصله :
ان أصحاب الحديث الغالب عليهم حفظ الأسامي و الأسانيد دون المتون ، و الفقهاء الغالب عليهم حفظ المتون و أحكامها و أداؤها بالمعنى ، دون حفظ الأسانيد و أسماء المحدثين ؛ لذلك يرى : أن من كان الغالب عليه الفقه لا تقبل منه الزيادة في الاسناد ؛ لأن الغالب عليه أحكام المتن الا اذا كانت الزيادة من كتابه ، و من كان الغالب عليه الحديث لا تقبل منه الزيادة في المتن الا اذا كانت الزيادة من كتابه ؛ لأن الغالب عليه أحكام السند .
__________
(1) الكفاية ص425 ، البحر المحيط 4/332 ، شرح التبصرة 1/212-213 ، النكت 2/688 ، تدريب الراوي 1/205.
(2) الكفاية ص425 ، البحر المحيط 4/332 ، علوم الحديث ص77 ، اختصار علوم الحديث ص66 ، المنهل ص58، فتح المغيث 1/201 ، لمحات في أصول الحديث ص297 .
(3) علوم الحديث ص77-78 ، التقريب مع التدريب 1/206 ، المنهل ص58 ، توضيح الأفكار 2/17 ، لمحات في احوال الحديث ص 297.
(4) الكفاية ص425 ، البحر المحيط 4/332 ، المنهل ص58 ، فتح المغيث 1/200 ، توضيح الأفكار 2/7 ، لمحات في أصول الحديث ص297.
(5) الاحسان 1/159 .(6/51)
و لم يرتض الباحثون هذا الاتجاه ، و عدوه من تشدد ابن حبان الذي خالف فيه جمهور المحدثين (1) .
هذه أهم الأقوال في زيادة الثقة و الذي ينظر فيها يرى أقوالا متباينة جدا و وجهات نظر العلماء فيها مختلفة اختلافا واسعا ؛ و قد رجح الخطيب البغدادي قبول زيادة الثقة مطلقا ، فقال :((و الذي نختاره من هذه الأقوال : أن الزيادة الواردة مقبولة على كل الوجوه ، معمول بها اذا كان راويها عدلا و متقنا ضابطا)) (2) .
قال ابن رجب :((و ذكر في الكفاية حكاية عن البخاري : أنه سئل عن حديث أبي اسحاق في النكاح بلا ولي - قال: و الزيادة من الثقة مقبولة و اسرائيل ثقة . و هذه الحكاية - ان صحت- فان مراده الزيادة في هذا الحديث و الا فمن تأمل كتاب تأريخ البخاري (3) تبين له قطعا أنه لم ير أن زيادة كل ثقة في الاسناد مقبولة ، و هكذا الدار قطني يذكر في بعض المواضع : أن الزيادة من الثقة مقبولة ثم يرد (4) في أكثر المواضع زيادات كثيرة من الثقات ، و يرجح الارسال على الاسناد ، فدل على أن مرادهم زيادة الثقة مثل تلك المواضع الخاصة و هي اذا كان الثقة مبرزا في الحفظ (5) )) .
__________
(1) تحقيقات الشيخ عبد الفتاح أبي غدة على كتاب قواعد في علوم الحديث للتهانوي ص121 وانظر ما علقه الشيخ شعيب على الاحسان 1/159.
(2) الكفاية ص425 .
(3) أنظر على سبيل المثال التاريخ الكبير : ج2/125 و 140 و 178 و 179 و 212 .
(4) أنظر على سبيل المثال كتاب السنن للدار قطني ج1/97 و 117 و 127 و 148 و 153 و 163 و 169 و 180 و 181 .
(5) شرح علل الترمذي 2/638 .(6/52)
و ظاهر كلام الحافظ ابن حجر في النخبة قبول زيادة الثقة مطلقا مع عدم المنافاة اذ قال :((و زيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق منه)) (1) . و لم يرتض ما اشتهر عند جمع من العلماء من القول : بقبول الزيادة من غير تفصيل فقد قال في النكت (2) :((و اشتهر عن جمع من العلماء القول : بقبول الزيادة مطلقا من غير تفصيل ، و لا يتأتى ذلك على طريق المحدثين الذين يشترطون في الصحيح و الحسن ان لا يكون شاذا)) .
و الذي ينظر في صنيع الأئمة السابقين و المختصين في هذا الشأن يراهم لا يقبلونها مطلقا و لا يردونها مطلقا بل مرجع ذلك الى القرائن و الترجيح : فتقبل تارة ، و ترد أخرى ، و يتوقف فيها أحيانا ؛ قال الحافظ ابن حجر :((و المنقول عن أئمة الحديث المتقدمين - كعبد الرحمن بن مهدي ، و يحيى القطان ، و أحمد بن حنبل ، و يحيى بن معين ، و علي بن المديني ، و البخاري و أبي زرعة ، و أبي حاتم ، و النسائي ، و الدار قطني و غيرهم- اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة و غيرها ،و لا يعرف عن أحد منهم قبول اطلاق الزيادة)) (3)
__________
(1) النخبة مع النزهة ص37 .
(2) 2/692 .
(3) نزهة النظر ص96 .(6/53)
و هذا هو الرأي المختار المتوسط الذي هو بين القبول و الرد ، فيكون حكم الزيادة حسب القرائن المحيطة بها حسب ما يبدو للناقد العارف بعلل الحديث و أسانيدها و أحوال الرواة بعد النظر في ذلك ، أما الجزم بوجه من الوجوه من غير نظر الى عمل النقاد فذلك فيه مجازفة ، و ما أحسن كلام الحافظ الزيلعي - رحمه الله- حيث قال :((فمن الناس من يقبل الزيادة مطلقا ، و منهم من لا يقبلها ، و الصحيح التفصيل ، و هو : أنها تقبل في موضع دون موضع ، فتقبل اذا كان الراوي الذي رواها ثقة حافظا ثبتا و الذي لم يذكرها مثله أو دونه في الثقة ، كما قبل الناس زيادة مالك بن أنس قوله : من المسلمين في صدقة الفطر و احتج بها أكثر العلماء ،و تقبل في موضع آخر لقرائن تخصها ، و من حكم في ذلك حكما عاما فقد غلط بل كل زيادة لها حكم خاص يخصها)) (1) .
و قد قال لي العلامة الدكتور هاشم جميل :
من مجمل الأقوال و نصوص العلماء و تصرفات النقاد - يبدو لي- أنه يمكنا استخلاص اتجاه وسط ربما لا يكون بعيدا عن الصواب ، و ذلك اذا حررنا القضية على النحو الآتي :
__________
(1) نصب الراية 1/336 .(6/54)
الأصل في زيادة الثقة القبول ، الا اذا قام الدليل على الرد ، أو رجحت القرائن الرد أو التوقف ؛ و ذلك لأننا انما نتكلم عن زيادة الثقة ، اذن فالزيادة شيء عرفه و رواه راو عدل ضابط ، فلا نرده لمجرد أن غيره من الثقات لم يروه و لم يعرفه ؛ و ذلك لأن القاعدة : أن من عرف حجة على من لم يعرف ، و من حفظ حجة على من لم يحفظ ؛ لذلك قلت: بأن الأصل في زيادة الثقة القبول ؛ و لو أطلقنا رد الزيادة لكان في ذلك مجازفة كبيرة ؛ لأننا قد نرد جزءا من السنة من غير دليل ؛ و مع ذلك فاننا لا ندعي للراوي الثقة العصمة من الخطأ ، فاحتمال الخطأ بالنسبة له وارد و ان كان احتمالا بعيدا ؛ لذلك قلنا : بأن الزيادة ترد اذا قام الدليل على الرد ؛ و كذلك الحال ان رجحت القرائن الرد أو كانت على الأقل ثورت شكا كبيرا يحمل على التوقف . فاذا كانت الزيادة آتية من راو ثقة شاركه غيره من الثقات في مجلس التلقي لهذه الرواية عن الشيخ ، فاذا كان الرواة الذين لم يأتوا بالزيادة من الكثرة بحيث يبعد على مثلهم احتمال نسيانهم أو عدم تنبههم جميعا لهذه الزيادة ، فان ذلك يشكل قرينة يترجح معها رد الزيادة أو التوقف عن قبولها . و لو روى عدد من الثقات حديثا عن شيخ ثقة معروف بالفقه و الفتيا - كمالك و الثوري ، و الأوزاعي مثلا- و انفرد أحد الرواة بزيادة ، و هذه الزيادة تنبني عليها قضية فقهية ، و ثبت أن فتيا ذلك الشيخ الفقيه تتطابق مع الحديث خاليا من تلك الزيادة ؛ فان هذه قرينة ترجح رد الزيادة أو التوقف عن قبولها ؛ لأنه يتجه القول حينئذ بأن تلك الزيادة لو كانت عنده لأفتى بموجبها . و هكذا . و الله أعلم (1)
مثال للزيادة في الاسناد :
أخرج الامام أحمد في مسنده (2) قال : حدثنا وكيع - يعني ابن الجراح - و قال (3) : حدثنا يحيى ، و عبد الرحمن
__________
(1) الى هنا انتهى كلام الدكتور هاشم جميل نفع الله المسلمين بعلمه.
(2) المسند 1/400 .
(3) المسند 1/429 .(6/55)
و قال الترمذي (1) : حدثنا محمود ، قال : حدثنا أبو نعيم .
أربعتهم (وكيع بن الجراح ، و يحيى القطان ، و عبد الرحمن بن مهدي ، و أبو نعيم الفضل بن دكين)
رووا عن سفيان الثوري ، عن أبيه ، عن أبي الضحى ، عن عبد الله بن مسعود ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :((ان لكل نبي ولاة من النبيين ، و ان وليي أبي و خليلي ربي ثم قرأ : ((ان أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا و الله ولي المؤمنين)) (2)
هكذا روى الحديث الثقات الأثبات عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي الضحى ، عن عبد الله
و قد رواه أبو أحمد الزبيري (3) فزاد فيه :((مسروق)) بين أبي الضحى و عبد الله بن مسعود كما أخرجه الترمذي (4) قال :حدثنا محمود بن غيلان ، قال :حدثنا أبو أحمد ، قال حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن أبي الضحى ،عن مسروق ، عن عبد الله ، فذكر الحديث)) . (5)
و قد رجح العلماء رواية من رووه منقطعا (6) و لم يقبلوا الزيادة التي زادها أبو أحمد الزبيري لأن من رواه منقطعا أكثر عددا و أشد حفظا . قال الترمذي بعد أن ساق الرواية المنقطعة :((هذا أصح من حديث أبي الضحى ، عن مسروق))
و ذكر أبو حاتم الرازي و أبو زرعة أن زيادة (مسروق)) خطأ (7)
__________
(1) جامع الترمذي 5/208 رقم (2995)
(2) سورة آل عمران الآية 68 .
(3) هو محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم ثقة ثبت ، الا انه قد يخطيء في حديث الثوري التقريب 2/76 وانظر الكاشف مع حاشيته 2/186-187 كلاهما بتحقيق الشيخ محمد عوامة.
(4) جامع الترمذي 5/208 رقم (2995)
(5) جامع الترمذي 5/208 . وأنظر تحفة الأشراف 7/149 حديث (9581)
(6) لأن أبا الضحى و اسمه مسلم بن صبيح لم يسمع من عبد الله بن مسعود وانظر تهذيب الكمال 16/123-127و 27/521..
(7) علل ابن أبي حاتم (1677)(6/56)
و خالف ذلك العلامة أحمد شاكر في ترجيح هذه الزيادة و قبولها فوهم في ذلك (1)
مثال للزيادة في المتن :…
روى عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ثابت و قتادة عن أنس ، قال :((نظر بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وضوءا فلم يجده ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم :ههنا ماء ؟ فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم وضع يده في الاناء الذي فيه الماء ، ثم قال :توضأ بسم الله ، فرأيت الماء يفور من بين أصابعه ، و القوم يتوضئون ، حتى توضؤوا من عند آخرهم ، قال ثابت :فقلت لأنس : كم تراهم كانوا ؟ قال : نحوا من سبعين رجلا)) (2).
و قد تفرد معمر بن راشد (3) شيخ عبد الرزاق في روايته لهذا الحديث من وجهين:
الوجه الأول : تفرده في اقتران ثابت و قتادة في هذا الاسناد ، و لم يتابعه عليه أحد - فيما أعلم - و الحديث محفوظ عن ثابت وحده و عن قتادة وحده أيضا ، برواية الجمع من الثقات عن كل واحد منهما على انفراده ، هكذا رواه البخاري و مسلم و غيرهما و أعرضا عن رواية معمر . على أن هذا ليس علة .
الثاني :- و هو الأهم - أن معمر ذكر في متن الحديث زيادة التسمية على الوضوء ، و هذه الزيادة لم يروها - فيما أعلم- أحد غيره .
فقد روي هذا الحديث عن ثابت وحده :
__________
(1) كما في تعليقه على تفسير الطبري الفقرة (7217) بكونها زيادة من ثقة .
(2) مصنف عبد الرزاق 11/276 رقم (20535) ، و من طريقه أخرجه احمد 3/165 ، و النسائي 1/61 ، و في الكبرى (84) ، و ابن خزيمة (144) ، و أبو يعلى (3036) ، و الدارقطني 1/711 ، و ابن حبان (6544) .
(3) معمر بن راشد الأزدي مولاهم ، أبو عروة البصري ، نزيل اليمن ثقة ثبت فاضل الا أن في روايته عن ثابت و الأعمش و هشام بن عروة شيئا ، التقريب 2/266 .(6/57)
رواه حماد بن زيد (1) ، و حماد بن سلمة (2) - و هو أثبت الناس في ثابت (3) - ، و سليمان بن المغيرة (4) ، و غيرهم رووه عن ثابت عن أنس و لم يذكروا التسمية .
و قد روي الحديث عن قتادة وحده :
رواه سعيد بن أبي عروبة (5) - و هو أثبت الناس في قتادة (6) - و همام بن يحيى (7) و شعبة بن الحجاج (8) ، و هشام الدستوائي (9) . و غيرهم . رووه عن قتادة ، عن أنس ، و لم يذكروا التسمية مما يقوي الجزم بخطأ معمر في زيادة التسمية ؛ اذ ليس من المعقول أن يغفل جميع الرواه عن ثابت و قتادة عن هذه اللفظة و يحفظها معمر .
__________
(1) عند ابن سعد 1/178 ، و عبد بن حميد (1365) ، و أحمد 3/147 . و البخاري 1/61 رقم (200) ، و مسلم 7/59 رقم (2279) ، و ابي يعلى (3329) ، و ابن خزيمة (124) ، و ابن حبان (6546) ، و البيهقي في دلائل النبوة 4/122 ، و في الاعتقاد ص273 .
(2) عند ابن سعد 1/178 ، و أحمد 3/175 و 248 ، و أبا عوانة في المناقب كما في اتحاف المهرة ج2/496 .
(3) تهذيب التهذيب 3/12 .
(4) عند ابن سعد 1/171 ، و عبد بن حميد (1284) ، و أحمد 3/139 و 147 و 169 ، و أبي يعلى (3327) ، و ابن حبان (6543)
(5) عند أحمد 3/170 و 215 ، و البخاري 4/233 رقم (3572) ، و مسلم 7/59 رقم (2279) ، و البغوي في شرح السنة (3714) ، و أبي يعلى (3193)
(6) تهذيب التهذيب 4/63
(7) عند أحمد 3/289 ، و أبي يعلى (2895) ، و أبي نعيم في دلائل النبوة (317)
(8) عند أبي يعلى (3172)
(9) عند مسلم 7/59 رقم (2279)(6/58)
نموذج لذلك و أثره في اختلاف الفقهاء
مثال ذلك :
ما رواه أبو مالك الأشجعي - سعد بن طارق- عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :((فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، و جعلت لنا الأرض كلها مسجدا ، و جعلت تربتها لنا طهورا اذا لم نجد الماء ، و ذكر خصلة أخرى)) (1)
قال ابن الصلاح :((فهذه الزيادة -يعني : و جعلت تربتها لنا - تفرد بها أبو مالك : سعد بن طارق الأشجعي ، و سائر الروايات لفظها و جعلت لنا الأرض مسجدا و طهورا ))(2) .
و الذي يبدو لي أن ابن الصلاح -رحمه الله- قد عد هذه اللفظة زيادة لأنها لم ترد في حديث جابر و أبي هريرة و أبي
أمامة (3) ؛ لأن أبا مالك قد تفرد بجملة الحديث و ليس له مشارك في روايته عن ربعي (4) و لكن يشكل عليه ان زيادة ذكر التراب وردت من حديث علي (5) .
__________
(1) أخرجه أحمد 5/383 ، و مسلم 2/63 رقم (522) ، و النسائي في فضائل القرآن (47) ، و ابن خزيمة (263) و (264) . جميعهم من طريق : أبي مالك الأشجعي ، عن ربعي بن حراش ، فذكره .
(2) علوم الحديث ص79
(3) حديث جابر عند أحمد 3/304 ، و عبد بن حميد (1154) ، و الدارمي (1396) ، و البخاري 1/91 رقم (335) و 1/119 رقم (438) و 4/104 رقم (3122) ، و مسلم 2/63 رقم (521) ، و النسائي 1/209 و 2/56 و حديث أبي هريرة عند أحمد 2/411 ، و مسلم 2/64 رقم (523) ، و ابن ماجه 1/187 رقم (567) ، و الترمذي 4/104 رقم (1553) ، و حديث أبي امامة عند أحمد 5/248 و 256 ، و الترمذي 4/104 رقم (1553)
(4) النكت 2/700
(5) عند أحمد في المسند 1/98 و 158 من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي ، عن علي مرفوعا بلفظ :((و جعل التراب لي طهورا)) . و عبد الله بن محمد قال عنه الحافظ في التقريب 1/448 :((صدوق فيه لين)) فلعل ابن الصلاح لم يعتد بهذا الطريق لما في عبد الله من كلام والله اعلم.(6/59)
أثر ذلك في اختلاف الفقهاء : ما يجوز به التيمم
اختلف الفقهاء فيما يجوز به التيمم على قولين :
القول الأول : ذهب الشافعي ، و أحمد و اسحاق ، و أبو يوسف ، و داود الى أن التيمم يكون بالتراب .
و زاد أبو يوسف الرمل ، و هو قول الشافعي اذا خالطه تراب . (1)
و استدلوا بالحديث السابق
القول الثاني : ذهب أبو حنيفة ، و الأوزاعي ، و مالك : الى أن التيمم جائز بالأرض و بكل ما عليها سواء كان متصلا بها أم سابخا كان التراب أو غيره حتى الثلج عند مالك .
الا ان الامام أبا حنيفة قيده بأن يكون من جنس الأرض . و قد وضع الحنفية كذلك ضابطاً فقالوا : كل ما لا يلين و لا ينطبع بالنار فهو من جنس الأرض . و كل ما يلين و ينطبع أو يحترق و يصبح رمادا فهو ليس من جنس الأرض (2).
و احتجوا بقوله تعالى :((فتيمموا صعيدا طيبا)) (3) .
و الصعيد : هو كل ما صعد أي : ظهر على الأرض و سمي به لصعوده .
و بما صح عن جابر بن عبد الله مرفوعا :((و جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا)) (4).
فقد عمم الشارع لفظ الأرض و جعل جميعها مطهرة ، و عليه فيجوز التيمم بجميع أجزائها (5).
__________
(1) الأم 1/50 ، المجموع 2/215 ، المغني 1/247-248 ، رد المحتار 1/230- 240 _
(2) شرح فتح القدير 1/112 ، تبيين الحقائق 1/38-39 ، البحر الرائق 1/155 ، الخرشي 1/191 حاشية الدسوقي 1/155 ، فقه الامام الأوزاعي 1/75 ، الاختيار 1/23 .
(3) سورة النساء الآية 43
(4) أخرجه البخاري 1/91 رقم (335)
(5) فقه الامام الأوزاعي 1/76(6/60)
نموذج آخر :
حديث سليمان التيمي (1) ،عن قتادة عن أبي غلاب يونس بن جبير ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، قال : قال ابو موسى :((ان رسول الله صلى الله عليه و سلم خطبنا ، فعلمنا سنتنا .و بين لنا صلاتنا . فقال : اذا قمتم الى الصلاة فأقيموا صفوفكم ، ثم ليؤمكم أحدكم فاذا كبر فكبروا ، و اذا قرأ فانصتوا ، و اذا قال : و لا الضالين . فقولوا : آمين يحببكم الله . ثم اذا كبر و ركع فكبروا و اركعوا ... الخ)).
هكذا رواه سليمان التيمي فذكر فيه زيادة ((و اذا قرأ فانصتوا )) (2) .
و قد رواه جماعة عن قتادة و لم يذكر أحد منهم هذه الزيادة و هم : معمر بن راشد (3) ، و سعيد بن أبي عروبة (4) ، و هشام الدستوائي (5) ، و أبو عوانة (6) . فهؤلاء أربعتهم رووه عن قتادة ، عن أبي غلاب ، عن حطان ، عن أبي موسى، به . و لم يذكر أحد منهم هذه الزيادة ؛ مما يعلم بذلك تفرد سليمان التيمي بها قال المزي :((و في حديث التيمي من الزيادة :((و اذا قرأ فانصتوا)) و لم يذكر هذا اللفظ غيره)) (7) .
__________
(1) هو سليمان بن طرخان التيمي ، أبو المعتمر البصري ثقة عابد ، التقريب 1/326 .
(2) و حديث سليمان التيمي عند احمد 4/415 ، و مسلم 2/14 رقم (404) ، و أبي داود 1/256 رقم (973) ، و ابن ماجه 1/276 رقم (847) ، و النسائي 2/242
(3) عند أحمد 4/393 ، و مسلم 2/14 رقم (404)
(4) عند احمد 4/401 و 405 ، و الدارمي (1318) و (1365) ، و مسلم 2/14 رقم (404) ، و ابن ماجه 1/291 رقم (901) ، و النسائي 2/96 و 196 ، و ابن خزيمة (1584) و (1593)
(5) عند أحمد 4/409 ، و مسلم 2/4 رقم (404) ، و ابن ماجه 1/291 رقم (901) ، و النسائي 2/241 و 3/41 ، و ابن خزيمة (1584) و (1593) .
(6) عند مسلم 2/14 رقم (404) ، و أبي داود 1/256 رقم (972)
(7) تحفة الأشراف 6/410(6/61)
و قال مسلم :((و في حديث جرير عن سليمان التيمي ، عن قتادة من الزيادة :(( و اذا قرأ فأنصتوا )) و ليس في حديث أحد منهم )) (1) .
و قد طعن في هذه الزيادة بعض الحفاظ (2) . و قال أبو داود :((و قوله : فأنصتوا ليس بمحفوظ ، لم يجيء به الا سليمان التيمي في هذا الحديث))(3).
مثال آخر
حديث أبي خالد الأحمر -سليمان بن حيان - ، عن محمد بن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :((انما جعل الامام ليؤتم به ، فاذا كبر فكبروا ، و لا تكبروا حتى يكبر ، و اذا قرا فأنصتوا ، و اذا ركع فاركعوا ، و لا تركعوا حتى يركع ، و اذا قال : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا و لك الحمد ، و اذا سجد فاسجدوا ، و لا تسجدوا حتى يسجد ، و ان صلى جالسا فصلوا جلوسا اجمعون)) (4) .
فقد زاد محمد بن عجلان (5) في هذا الحديث زيادة: ((و اذا قرأ فأنصتوا)) و تفرد بها ؛ فقد رواه مصعب بن سعد(6)، و سهيل بن أبي صالح (7) ، و الأعمش (8) ؛ ثلاثتهم عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، و الزيادة هذه عندي من محمد بن عجلان هو الذي تفرد بها . قال النسائي :((لا نعلم أحدا تابع ابن عجلان على قوله :((و اذا قرأ فأنصتوا)) (9) .
__________
(1) صحيح مسلم 2/15 عقيب (404)
(2) المصدر السابق
(3) سنن أبي داود 1/256 عقيب (973)
(4) أخرجه أحمد 2/240 ، و أبو داود 1/165 رقم (604) ، و ابن ماجه 1/276 رقم (846) ، و النسائي 2/141 كلهم من طريق أبي خالد الأحمر ، به .
(5) قال عنه الحافظ في التقريب 2/190 :((صدوق الا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة)) وانظر حاشية الكاشف 2/200 ففيها من النفائس.
(6) عند أحمد 2/341 ، و أبي داود 1/165 رقم (603)
(7) عند مسلم 2/20 رقم (415) ، و ابن خزيمة (1575)
(8) عند احمد 2/440 ، و مسلم 2/20 رقم (415) ، و ابن ماجه 1/308 رقم (960) ، و ابن خزيمة (1576) و (1582)
(9) سنن النسائي 2/141 .(6/62)
و قد اعتبر أبو داود هذه الزيادة من أبي خالد الأحمر ، حيث قال :((هذه الزيادة و اذا قرأ فأنصتوا ليست بمحفوظة الوهم عندنا من أبي خالد )) (1) .
هكذا قال وليس الأمر كذلك ، فان أبا خالد الأحمر متابع على هذه الزيادة ؛ فقد أخرجه النسائي (2) قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك ، قال : حدثنا محمد بن سعيد الأنصاري ، عن ابن عجلان ، به بالزيادة المذكورة .
فهذه متابعة من محمد بن سعيد الأنصاري -و هو ثقة (3) - لأبي خالد الأحمر مما يرفع احتمال الزيادة من ابي خالد و
يكون الحمل في هذه الزيادة على محمد بن عجلان . و قد صحح هذه الزيادة مسلم في صحيحه(4)
أثر ذلك في اختلاف الفقهاء : حكم قراءة المأموم خلف الامام
اختلف الفقهاء في قراءة المأموم خلف الامام على ثلاثة أقوال :القول الأول : لا يقرأ المأموم مع الامام فيما يجهر به ، و يقرأ فيما يسر به .
و هو مذهب الامام سعيد و الزهري ، و الحكم ، و الهادي ، و زيد بن علي ، و هو رواية عن ابن عباس ، و قول للشافعي ، و هو قول ابن العربي من المالكية (5) .
و مما استدلوا به زيادة :((و اذا قرأ فأنصتوا)) الواردة في حديث أبي موسى الأشعري و حديث أبي هريرة ، التي سبق الكلام عليها مفصلا .
القول الثاني : لا يقرأ المأموم خلف الامام لا في سرية و لا في جهرية .
و هو مذهب جماعة من السلف من الصحابة و التابعين . و اليه ذهب أبو حنيفة و مالك و أحمد . الا أن أبا حنيفة منع القراءة مطلقا و وافقه ابن وهب و أشهب من المالكية . بينما استحب مالك القراءة في الصلاة السرية ، وإليه
__________
(1) سنن أبي داود 1/165 عقيب (604) ، و أبو خالد الأحمر هو سليمان بن حيان صدوق يخطيء ، التقريب 1/323
(2) المجتبى 2/142 .
(3) أنظر المجتبى 2/142 ، و التقريب 2/164 .
(4) 2/15 عقيب (404)
(5) حاشية الدسوقي 1/237 ، المجموع 3/364 ، المدونة 1/70 ، القوانين الفقهية ص67 ، الخرشي 1/280 ، الشرح الصغير 1/322(6/63)
ذهب أحمد و زاد استحبابها في سكتات الامام و عند عدم سماع المأموم القراءة لبعده (1)
المذهب الثالث : يقرأ المأموم خلف الامام لا فرق بين سرية أو جهرية .
و هو مذهب جماعة من السلف و هو الصحيح من مذهب الشافعي . قال النووي :((و الصحيح وجوب القراءة على المأموم في الصلاة السرية أو الجهرية))(2) .
نموذج آخر
روى ابن حبان(3) ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد الأزدي ، قال : حدثنا اسحاق بن ابراهيم ، قال : أخبرنا سفيان، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن ميمونة :ان رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن الفأرة تموت في السمن ؟ فقال : ((ان كان جامدا فألقوها و ما حولها و ان كان ذائبا فلا تقربوه)) .
فهذا الحديث فيه زيادة غريبة -و هي :و ان كان ذائبا فلا تقربوه - فقد انفرد بها اسحاق بن ابراهيم - و هو ابن راهويه (4) - عن سفيان بن عيينة مخالفا في ذلك الحفاظ من أصحابه : كالامام أحمد ، و الحميدي ، و مسدد ، و قتيبة و غيرهم .
فقد رواه الحميدي (5)- و عنه البخاري (6) -و أحمد (7) ، و محمد بن يوسف (8) ، و مسدد (9) ، و سعيد بن عبد الرحمن
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة 1/375 ، معالم السنن 1/207 ، شرح معاني الآثار 1/251 ، المغني 1/604 ، الهداية 1/37 ، الأشراف 1/79 ، المنتقى 1/59 ، الشرح الكبير للدردير 1/71 ، كشاف القناع 1/451 ، تبيين الحقائق 1/131 ، شرح فتح القدير 1/294 .
(2) المجموع 3/194 ، نهاية المحتاج 1/476 ، معالم السنن 1/206 .
(3) الاحسان 4/234 رقم (1392) .
(4) ثقة حافظ مجتهد التقريب 1/54 .
(5) المسند (312)
(6) الجامع الصحيح 7/126 رقم (5528)
(7) المسند 6/329
(8) عند الدارمي (744) و (2089) و (2090)
(9) عند أبي داود 3/364 رقم (3841)(6/64)
المخزومي و أبو عمار (1) ، و قتيبة بن سعيد (2) ، و الحسن بن محمد الزعفراني (3) ، و علي بن المديني (4) . هؤلاء جميعهم رووه عن سفيان بن عيينة ، قال : حدثنا الزهري ، قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله ، انه سمع ابن عباس يحدث عن ميمونة :ان فأرة وقعت في سمن فماتت ، فسئل عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال :((أنزعوها و ما حولها و كلوا سمنكم)) . فهنا يترجح رد هذه الزيادة التي زادها اسحاق ، فهو -على جلالته- قد خالف هذه المجموعة الكبيرة من الحفاظ من أصحاب سفيان ، و الحديث لم ينفرد به سفيان عن الزهري ، و انما رواه عن الزهري : مالك (5) ، و الأوزاعي (6) ، و معمر (7) ، و روايتهم موافقة لرواية الجمع عن سفيان بن عيينة -بدون الزيادة- مما يترجح للناقد خطأ اسحاق بن راهويه في روايته السابقة بذكر الزيادة . و أيضا فان الزهري - الذي دار عليه الحديث- لا يفرق في فتياه بين الجامد و غير الجامد (8) .
و ليس الزهري ممن يقال في حقه لعله نسي الطريق المفصلة المرفوعة ، لأنه كان أحفظ الناس في عصره ؛ فخفاء ذلك عنه في غاية البعد (9).
__________
(1) كلاهما عند الترمذي 4/225 رقم (1798)
(2) عند النسائي 7/178
(3) عند البيهقي 9/353 .
(4) عند الطبراني في الكبير 23/رقم (1043) و (1044)
(5) الموطأ 2/565 رقم (2785) ، و من طريقه اخرجه احمد 6/335 ، و الدارمي (2092) ، و البخاري 1/68 رقم (236) ، و النسائي 7/178
(6) عند أحمد 6/330
(7) عند أبي داود 3/365 رقم (3843) ، والنسائي 7/178 .
(8) قال شيخ الاسلام ابن تيمية :((و قد افتى الزهري في المائع و الجامدبأن تلقى الفأرة و ما قرب منها و يأكل)) ، مجموع الفتاوى 21/517 . و أنظر فتح الباري 1/344 و 9/668
(9) مجموع الفتاوى 21/517 ، و الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري الفقيه الحافظ متفق على جلالته و اتقانه التقريب 2/207 .(6/65)
أثر ذلك في اختلاف الفقهاء
اختلف الفقهاء في المائعات غير الماء اذا سقطت فيها نجاسة :
فذهب جمهور الفقهاء الى انه ينجس كله بملاقاة النجاسة (1) . أخذا بالزيادة المذكورة عن اسحاق .
و خالف فريق من الفقهاء -منهم : الأوزاعي و الزهري -فقالوا : لا ينجس الا بالتغير (2)
((نموذج آخر للزيادة و أثره في اختلاف الفقهاء))
حديث : مؤمل بن اسماعيل ، عن سفيان الثوري ، عن عاصم بن كليب ، عن كليب بن شهاب عن وائل بن حجر قال :((صليت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره)).
أخرجه ابن خزيمة (479) ، و أبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصفهان (الورقة :125 (3) من طريق مؤمل بن اسماعيل ، به .
و قد تفرد مؤمل بن اسماعيل - فيما اعلم- بزيادة ((على صدره)) (4) . فقد روى الحديث عن سفيان الثوري جماعة من الرواة ؛ لم يذكر أحد منهم -غير مؤمل- لفظة (على صدره) فقد رواه بدون الزيادة من يأتي :
عبد الله بن الوليد ، عند احمد ((المسند:4/318)) .
عبد الرزاق الصنعاني ((المصنف: 2522)) ، و عنه احمد ((المسند:4/317))
أبو نعيم الفضل بن دكين ، عند أحمد ((المسند:4/318))
محمد بن يزيد المخزومي ، عند ابن خزيمة (691) .
محمد بن يوسف ، عند النسائي ((المجتبى :3/35)) .
وكيع بن الجراح ، عند أحمد ((المسند:4/316)) .
يحيى بن آدم ، عند أحمد ((المسند: 4/318)) .
محمد بن عبد الله بن يزيد المقريء عند النسائي ((المجتبى:2/236)) .
__________
(1) فتح الباري 1/344 و 9/668-670 ، مجموع فتاوى ابن تيمية 21/490-502 و 515-517 ، و شرح السنة للبغوي 11/258 .
(2) المصادر السابقة .
(3) نقلا عن تعليق الشيخ شعيب الارناؤوط على العواصم 3/7
(4) نص عليه ابن القيم في اعلام الموقعين ، و الشيخ شعيب في تعليقه على العواصم 3/7 ، و أنظر نصب الراية 1/314-317 .(6/66)
ثمانيتهم رووه عن سفيان فلم يذكر أحد منهم هذه الزيادة التي تفرد بها مؤمل ، و قد تابع سفيان الثوري على رواية هذا الحديث جماعة فلم يذكر أحد منهم هذه الزيادة التي تفرد بها مؤمل -و هم :
سفيان بن عيينة ، عند الحميدي ((المسند:885)) ، و النسائي ((المجتبى 3/34)) ، و ابن خزيمة ((713)).
محمد بن الفضل ، عند ابن خزيمة (478) و (713) .
عبد الواحد بن زياد ، عند احمد ((المسند:4/316)) .
زهير بن معاوية ، عند أحمد ((المسند: 4/318)) .
شعبة بن الحجاج ، عند أحمد ((المسند: 4/316 و 319)) ، و البخاري ((جزء رفع اليدين ص26)) ، و ابن خزيمة (689) و (697) .
عبد العزيز بن مسلم ، عند أحمد((المسند:4/317)) .
زائدة بن قدامة ، عند الدارمي ((السنن: 1364)) ، و أحمد ((المسند: 4/318)) ، و البخاري ((جزء رفع اليدين 30) ، و أبو داود ((السنن:1/193 رقم 727)) ، و النسائي ((المجتبى 2/26)) ، و ابن خزيمة (480) و (714) ، و البيهقي ((السنن الكبرى 2/228)) ، و ابن الجارود ((المنتقى 208)) .
عبد الله بن ادريس، عند البخاري((جزء رفع اليدين ص71)) ، و ابن ماجه ((السنن : 810 و 912)) ، و الترمذي((الجامع :2/85 رقم 292)) ، و النسائي ((المجتبى 2/211)) ، و ابن خزيمة ((477)) و (641) و (690) و (713) .
بشر بن المفضل ، عند أبي داود ((السنن: 726 و 957)) ، و ابن ماجه ((السنن 810 و 867)) ، و النسائي ((المجتبى 3/35))
سلام بن سليم عند الطيالسي ((المسند:137)) .
خالد بن عبد الله ، عند البيهقي ((السنن : 2/131)) .
فهؤلاء جميعهم رووه عن عاصم بن كليب ، عن كليب ، عن وائل . و لم يذكر أحد منهم هذه الزيادة .و قد روى هذا الحديث عن وائل بن حجر غير كليب ؛ 1 و 2 – علقمة بن وائل و مولى لهم عند أحمد ((المسند: 4/317)) ، و مسلم ((الصحيح:2/13 رقم 401)) ، و أبي عوانة ((الصحيح 2/97)) ، و ابن خزيمة (906) ، و البيهقي ((السنن الكبرى 2/28))(6/67)
3- عبد الجبار بن وائل ، عند أحمد ((المسند : 4/318)) ، و الدارمي ((السنن 1244)) ، و النسائي ((المجتبى 2/122)) ، و ابن حزم ((المحلى 4/112)) . فعدم ورود هذه الزيادة عند أحد من تلاميذ سفيان الثوري و عدم ورودها عن أحد من تلاميذ عاصم بن كليب وعدم ورودها عن أحد من تلاميذ وائل بن حجر يدل على شذوذها و انها زيادة غير صحيحة ، و هم فيها مؤمل بن اسماعيل حين حدث من حفظه ، و هذه المخالفة مع شدة الفردية لا تقبل ، و مؤمل مع ثقته و جلالته فانه يخطيء من حفظه أحيانا بعد ما دفن كتبه .
قال فيه ابن معين : ثقة .
و قال أبو حاتم : صدوق شديد في السنة كثير الخطأ .
و قال الآجري : سألت أبا داود عنه فعظمه و رفع من شأنه الا أنه يهم في الشيء (1) .
و نقل الحافظ ابن حجر : أنه دفن كتبه فكان يحدث من حفظه فكثر خطأه (2).
و مما يؤكد شذوذ هذه الزيادة ان سفيان الثوري - و هو من أهل الكوفة- مذهبه كمذهب الحنفية في وضع اليدين تحت السرة كما نقله النووي (3) ، و ابن قدامة (4) .
فلو كانت هذه الزيادة ثابتة عنه لما خالفها ، و قد ضعفها ابن القيم (5) و عد وضع اليدين على الصدر مكروها (6)
__________
(1) تهذيب التهذيب 10/380-381 وانظر بلابد الكاشف للذهبي 2/309-310 بتحقيق الشيخ محمد عوامة، ومسند الامام احمد 4/29 بتحقيق الشيخ احمد شاكر.
(2) تهذيب التهذيب 10/380-381
(3) المجموع 3/247
(4) المغني 1/519 .
(5) اعلام الموقعين 2/381
(6) بدائع الفوائد 3/91(6/68)
أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء : موضع اليدين عند القيام في الصلاة
اختلف الفقهاء في موضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة عند القيام ؛ على أقوال:
القول الأول : توضع اليمنى على اليسرى فوق السرة تحت الصدر ؛ و هو قول كثيرمن أهل العلم و هو قول الشافعية ورواية عند الحنابلة (1).
القول الثاني :توضع اليمنى على اليسرى تحت السرة ؛ و هو مروي عن أبي هريرة ، و أنس ، و به قال الثوري و اسحاق بن راهويه ، و هو مذهب الحنفية ، و المعتمد عند الحنابلة . (2)
القول الثالث : توضع على الصدر نسبه القرطبي للامام علي (3) و لا يصح عنه (4) ، ونسبه صاحب الهداية للشافعي (5) و لا يصح عنه(6) و نسبه لاسحاق بن راهويه (7) و لا يصح عنه (8) و اختار هذا المذهب الصنعاني (9) و المباركفوري (10) و صاحب عون المعبود (11) ، و الشوكاني (12) .
القول الرابع :- انه مخير في وضعها لعدم ثبوت شيء في ذلك ؛ و هو قول الأوزاعي وابن المنذر(13) .
القول الخامس :الاسبال هو المختار ؛و روي هذا عن الحسن و ابراهيم و ابن المسيب و ابن سيرين و سعيد بن جبير.
و روي هذا عن مالك و به قال أكثر الزيدية(14) .
__________
(1) المجموع 3/247 ، الروضة 1/232 ، تفسير القرطبي 8/7311 ، تحفة الاحوذي 2/83 ، بدائع الفوائد 3/91 ، حلية العلماء 2/96 و ما بعدها ، نيل الأوطار 1/188
(2) المجموع 3/247 ، المغني 1/519 ، شرح فتح القدير 1/249-250 ، البحر الرائق 1/325 ، حاشية ابن عابدين 1/476 ، عون المعبود 1/325 ، الحلية 2/96 ، المحلى 4/113 ، نيل الأوطار 1/188 ، بدائع الفوائد 3/91
(3) تفسير القرطبي 8/7311
(4) التعليق المغني 1/285 .
(5) الهداية 1/47
(6) اذ لم أجد هذا القول في كتب الشافعية
(7) الارواء 2/71
(8) فقد ذكر النووي و الشوكاني عنه خلاف ذلك
(9) سبل السلام 1/168
(10) تحفة الأحوذي 2/
(11) 1/325
(12) نيل الاوطار 1/189 .
(13) حلية العلماء 2/96 ، الهداية 1/47 ، أحكام القرآن لابن العربي 4/1999 ، القوانين الفقهية ص62 ، نيل الأوطار 2/189 ، عون المعبود 1/325
(14) بداية المجتهد 1/99 ، سبل السلام 1/168 ، نيل الأوطار 1/189 ، الروضة الندية 1/97 .(6/69)
و قد استدل أصحاب القول الثالث ؛ بحديث وائل بن حجر مع زيادة مؤمل التي تفرد بها و قد بينا شذوذها و عدم صلاحيتها للاحتجاج ، و استدلوا أيضا بما رواه أبو داود (1) : من طريق الهيثم بن حميد عن ثور عن سليمان بن موسى ، عن طاوس، قال : ((كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشد بينهما على صدره ، و هو في الصلاة)) .
و هذا لا يصلح ان يكون دليلا لما يأتي
أولا:- الهيثم بن حميد ، فيه كلام ؛ فقد وثقه أبو داود و قال علي بن مسهر : ضعيف قدري (2) .
ثانيا :- سليمان بن موسى قال البخاري : عنده مناكير ، و قال أبو حاتم : محله الصدق و في حديثه بعض الاضطراب ، و قال النسائي : ليس بالقوي (3).
ثالثا :- الارسال فان طاوس تابعي صغير و لم يذكر ممن سمعه (4).
و استدلوا أخيرا (5) ، بما رواه الامام أحمد (المسند: 5/226) قال :حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، قال : حدثنا سماك عن قبيصة بن هلب ، عن أبيه ، قال :((رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ينصرف عن يمينه و عن يساره و رأيته يضع هذه على صدره ، و وصف يحيى اليمنى على اليسرى فوق المفصل)) .
و هذا ضعيف لا تقوم به حجة لأن قبيصة مجهول لم يرو عنه سوى سماك و قال عنه الحافظ في التقريب(6): ((مقبول)) يعني : حيث يتابع و الا فليس كما نص عليه في مقدمة كتابه (7) . وقال المديني : ((مجهول لم يرو عنه غير سماك))(8).
ثم ان هذا الحديث معل بعدم ثبوت زيادة ((على صدره)) كما في حديث وائل ، فمدار الحديث على سماك و اختلف فيه على سماك ، فقد رواه عن سماك .
__________
(1) السنن 1/201 رقم (759)
(2) الميزان 4/321
(3) الميزان 2/225 .
(4) التقريب 1/377 .
(5) تحفة الأحوذي 2/90 ، عون المعبود 1/325
(6) 2/123 .
(7) التقريب 1/5
(8) حاشية سبط ابن العجمي على الكاشف 2/133.(6/70)
1- شعبة بن الحجاج عند الطيالسي (المسند: 1087) ، و ابن أبي شيبة (المصنف:1/305) ، و أحمد (المسند 5/226 و 227) ، و أبو داود (السنن:1/273 رقم 1041) .
2- زائدة بن قدامة ، عند أحمد (المسند: 5/227)
3- شريك بن عبد الله النخعي عند أحمد (5/226)
4- أبو الأحوص سلام بن سليم ، عند ابن ماجه (السنن 809 و 929) ، و الترمذي (الجامع 252 و 301) ، و عبد الله بن أحمد (في زياداته على مسند أبيه 5/226 و 227) .
فهؤلاء أربعتهم رووه عن سماك لم يذكر أحد منهم زيادة (على صدره) ، و منهم من رواه مختصرا .و قد رواه سفيان الثوري عن سماك و اختلف عليه أيضا فقد رواه عنه1- يحيى بن سعيد القطان - كما ذكرنا- و هو الوحيد الذي ذكر الزيادة2- عبد الرزاق (المصنف (3207)) و لم يذكر الزيادة .
3- عبد الرحمن بن مهدي عند الدار قطني (السنن 1/285) و لم يذكر الزيادة .
4- وكيع بن الجراح عند أحمد (المسند5/227)، و ابن أبي شيبة (المصنف 1/305) و لم يذكر الزيادة.
فهذا الحديث لا يصلح للاحتجاج به لجهالة قبيصة و هو علة الحديث ثم لعدم ثبوت لفظة ((على صدره)) عند بقية أصحاب سفيان و عدم ثبوتها عند بقية أصحاب سماك -و الله أعلم-
المبحث الثالث : الاعلال بالشذوذ
تعريف الشاذ :الشاذ لغة ، هو :المنفرد عن غيره أو الجمهور (1) .أما في الاصطلاح فله ثلاثة تعاريف :الأول : عرفه الشافعي ، فقال :((ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة حديثا لم يروه غيره ، انما الشاذ من الحديث ان يروي الثقات حديثا فيشذ عنهم واحد فيخالفهم)) (2) . و هذا هو الذي استقر عليه الاصطلاح و عليه اهل العلم (3) .
و على هذا التعريف يقيد الشاذ بقيدين :
أولهما : ان يكون راوي الشاذ ثقة .
__________
(1) المصباح المنير ص363
(2) الكفاية ص223 ، معرفة علوم الحديث للحاكم ص119 ، علوم الحديث ص76
(3) علوم الحديث ص76-77 ، شرح التبصرة 1/193 ، تدريب الراوي 1/232(6/71)
و ثانيهما : ان يخالف غيره من الثقات (1) .
الثاني : عرفه الحليلي ، فقال :((ان الشاذ ما ليس له الا اسناد واحد ، يشذ بذلك شيخ ثقة أو غير ثقة ، فما كان عن ثقة يتوقف فيه و لا يحتج به ويرد ما شذ به غير ثقة )) (2) .
و قد رد هذا بافراد الصحيحين (3) .
الثالث : عرفه الحاكم فقال : ((فاما الشاذ فانه حديث ينفرد به ثقة من الثقات ، و ليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة)) (4) .
هكذا عرفه الحاكم و لم يشترط فيه المخالفة ، و لم يذكر رده ، و على هذا يلزم ان يكون في الصحيح الشاذ و غير الشاذ (5) .
و قد أشرت فيما سبق الى أن التعريف الأول : هو الذي استقر عليه الاصطلاح ، و جرى عليه العمل عند جماهير المحدثين .
شروط الشاذ :
يتضح من التعريف الذي استقر عليه جمهور المحدثين : ان الحديث الشاذ لا يكون شاذا حتى يجتمع فيه امران : التفرد ، و المخالفة ؛ و ذلك لأن تفرد الثقة بحديث لم يخالف فيه غيره لا يعد ضعيفا ، بل هو صحيح اذا استوفى بقية الشروط .
مثال ذلك : حديث : ((انما الاعمال بالنيات )) فقد تفرد به يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن محمدبن ابراهيم التيمي ، عن علقمة بن وقاص الليثي ، عن عمر بن الخطاب (6) . فهذا الحديث قد حصل فيه تفرد في أكثر من طبقة ، و مع ذلك فلا يعد شاذا ؛ لأن من تفرد به لم يخالف غيره .
__________
(1) توضيح الأفكار 1/379 ، فتح المغيث 1/186
(2) الارشاد 1/176 ، و نقله عنه ابن الصلاح في علوم الحديث ص77 ، و الطيبي في الخلاصة ص70 ، و ابن كثير في اختصار علوم الحديث ص57
(3) اختصار علوم الحديث ص58 والذي يبدو لي : ان الخليلي يفرق بين ثقة مبرز في الحفظ فيحتمل تفرده وبين ثقة لا يحتمل تفرده فيتوقف فيه كما صحح حديث مالك في المغفر 1/168 مع انه صرح بتفرد مالك بن انس به والله اعلم.
(4) معرفة علوم الحديث ص119 ، و نقله عنه ابن الصلاح ص77
(5) فتح المغيث 1/186 .
(6) صحيح البخاري 1/5 رقم (1)(6/72)
ثم ان خولف الثقة بأرجح منه : لمزيد ضبط او كثرة عدد أو غير ذلك من المرجحات فالمرجوح هو : الشاذ ، و الراجح محفوظ (1)
أنواع الشذوذ :
الشذوذ تارة يكون في المتن ، وتارة يكون في الاسناد ، و قد يكون فيهما كليهما و نذكر فيما يأتي امثلة و نماذج لذلك :
حديث جرير بن عبد الحميد ، عن سهيل ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، مرفوعا :((لا يحل لامرأة تؤمن بالله و اليوم الآخر ان تسافر بريدا)) (2) .
فلفظ بريد في هذه الرواية شاذ كما أشار اليه الحافظ ابن حجر (3) ؛ فقد رواه مالك بن أنس (4) ، و محمد بن عجلان (5) ، و ابن أبي ذئب (6) ؛ ثلاثتهم عن سعيد ابن أبي سعيد المقبري ، عن ابي هريرة ، مرفوعا :((لا يحل لامرأة تؤمن بالله و اليوم الآخر أن تسافر يوما و ليلة)) .
و بهذا اللفظ أخرجه الشيخان (7) . مما يؤكد شذوذ الرواية الأولى و لعل الوهم في ذلك من جرير و هو ابن عبد الحميد ؛ فقد قال عنه الحافظ: ((ثقة صحيح الكتاب ، قيل : كان في آخر عمره يهم من حفظه)) (8) . فلعله روى الحديث في الآخر من حفظه فأخطأ فيه .
__________
(1) انظر منهج النقد ص428-429
(2) أخرجه أبو داود 2/140 رقم (1725)
(3) الفتح 2/567 و 569 .
(4) في موطئه برواية الليثي 2/574 رقم (2803) ، و من طريقه أخرجه أبو داود 2/140 برقم (1724)
(5) عند الحميدي (1006)
(6) عند ابن ماجه 2/968 رقم (2899)
(7) صحيح البخاري 2/54 رقم (1087) ، و مسلم 4/103 رقم (1339) و غيرهم . من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، به .
(8) تقريب التهذيب 1/127 .(6/73)
مثال للشذوذ في السند :ما رواه سفيان بن عيينة (1) -و تابعه ابن جريج (2) ، و حماد بن سلمة (3)- عن عمرو بن دينار ، عن عوسجة ، عن ابن عباس :((ان رجلا مات على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و لم يدع وارثا الا عبدا ، هو أعتقه ، فأعطاه النبي صلى الله عليه و سلم ، ميراثه)) (4) .
و قد خالفهم حماد بن زيد - و هو ثقة (5)- فرواه عن عمرو بن دينار ، عن عوسجة ، و لم يذكر ابن عباس (6) .
و لذا قال أبو حاتم :((المحفوظ حديث ابن عيينة)) (7) ، فحماد بن زيد من أهل العدالة و الضبط و مع ذلك فقد رجح أبو حاتم رواية من هم أكثر عددا منه (8) .
نموذج للشذوذ في المتن و أثر ذلك في اختلاف الفقهاء
مثال ذلك :حديث أشعث بن عبد الملك الحمراني ، عن محمد بن سيرين ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين :((أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم )) (9) .
__________
(1) عند الحميدي (523) ، و أحمد 1/221 ، و ابن ماجه 2/915 رقم (2741) ، و الترمذي 4/368 رقم (2106)
(2) عند أحمد 1/358
(3) عند أبي داود 3/124 رقم (2905)
(4) و هذا الحديث حسنه الترمذي ، و ذكر ان العمل على خلافه عند اهل العلم . و قال البخاري في تاريخه 7/الترجمة (347) :((لم يصح حديثه))
(5) التقريب 1/197
(6) علل الحديث لابن ابي حاتم 2/52 رقم (1643)
(7) علل الحديث لابن أبي حاتم 2/52 رقم (1643)
(8) أنظر لمحات في اصول الحديث ص459
(9) أخرجه أبو داود 1/273 رقم (1039) ، و الترمذي 2/240 رقم (395) ، و النسائي 3/26 ،و ابن حبان (2670) ، و الطبراني في الاوسط (2250) ، و الحاكم 1/323 ، و البغوي (771) . و قال الترمذي :((حسن غريب صحيح)) و لفظة ((صحيح)) لم ترد في تحفة الأشراف 8/203 حديث (10885)(6/74)
فذكر التشهد في هذا الحديث شاذ تفرد به أشعث (1) و خولف فيه ؛ قال الامام البيهقي: ((تفرد به أشعث الحمراني ، و قد رواه شعبة، و وهيب ، وابن علية ، والثقفي ، و هشيم بن زيد ، و يزيد بن زريع ، و غيرهم ، عن خالد الحذاء لم يذكر أحد منهم ما ذكر أشعث عن محمد عنه)) (2) .
و أيده الحافظ ابن حجر في الفتح (3) وقال :((و قال ابن حبان: ما روى ابن سيرين عن خالد الحذاء غير هذا الحديث. انتهى . و هو من رواية الأكابر عن الأصاغر (4) ، و ضعفه البيهقي و ابن عبد البر و غيرهما و وهموا رواية أشعث لمخالفته غيره من الثقات عن ابن سيرين ، فان المحفوظ عن ابن سيرين في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد)) .
أقول : و الحديث المحفوظ الذي رواه جمع من الثقات عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين ، :((ان رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى العصر ، فسلم في ثلاث ركعات ، ثم دخل منزله ، فقام اليه رجل ، يقال له الخرباق ، و كان في يديه طول . فقال : يا رسول الله ، فذكر صنيعه ، و خرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى الى الناس . فقال : أصدق هذا ؟ قالوا نعم . فصلى ركعة . ثم سلم ، ثم سجد سجدتين ، ثم سلم))(5).
__________
(1) هو : أشعث بن عبد الملك الحمراني ثقة فقيه التقريب 1/80
(2) السنن الكبرى 2/355 .
(3) 2/79
(4) انظر الكلام حول هذا النوع في علوم الحديث لابن الصلاح ص276 .
(5) أخرجه أحمد 4/427 و 431 و 440 ، و مسلم 2/87 رقم (574) ، و أبو داود 1/267 رقم (1018) ، و ابن ماجه 1/384 رقم (1215) ، و النسائي 3/26 و 66 ، و ابن خزيمة (1054) و (1060) ، و ابن حبان (2654) ، و البيهقي 2/359 .(6/75)
أثر ذلك في اختلاف الفقهاء : التشهد في سجود السهو
اختلف الفقهاء في التشهد بعد سجود السهو ، لكن هذا يقتضي منا أن نوجز أولاً خلافهم في محل سجود السهو لكي نحيل عليه خلافهم في حكم التشهد ، فنقول :
اختلفوا في محل سجود السهو : فذهب أكثر الفقهاء الى أن محله قبل السلام .
و به قال الشافعي في الصحيح من أقواله و أحمد في رواية .
و ذهب بعضهم الى : أن السجود بعد السلام ، و به قال جملة من الفقهاء ، و اليه ذهب أبو حنيفة.
و ذهب بعضهم الى ان السجود ان كان من نقص فمحله قبل السلام ، و ان كان من زيادة فمحله بعد السلام و هو مذهب مالك ، و هو قول قديم للشافعي، و رواية عن أحمد .فان اجتمعت الزيادة و النقص فمحله قبل السلام عند مالك ، و بعد السلام عند الشافعي على هذا القول .
و ذهب بعضهم الى : أن السجود كله قبل السلام الا في موضعين فيكون بعد السلام ، و هي : اذا سلم من نقص في صلاته أو تحرى الامام فبنى على غالب ظنه (1) .
اذا حررنا هذا فقد اختلفوا في التشهد بعد سجدتي السهو ؛ و خلاصة هذا الاختلاف فيما يأتي :
من قال : ان سجود السهو كله بعد السلام - كأبي حنيفة - قال :يتشهد بعد سجدتي السهو (2) .
و من قال سجود السهو كله قبل السلام - كالشافعي في الجديد- قال : يتشهد بعد سجدتي السهو .(3)
أما الذين فصلوا فجعلوا بعضه قبل السلام و بعضه بعده : فقد قال مالك : يتشهد للذي بعد السلام ، و أما التشهد للذي قبل السلام فعنه فيه روايتان (4) .
و قال أحمد : لا يتشهد لسجود السهو الذي قبل السلام ، و يتشهد لسجود السهو الذي بعد السلام (5) .
و نحو ذلك مذهب الشافعي بالنسبة لقوله القديم (6) .
و على أية حال : فمن قال بالتشهد بعد سجدتي السهو فقد أخذ بالزيادة التي سبق ذكرها في حديث عمران ، و من عدها شاذة وردها قال بعدم التشهد بعد سجدتي السهو .
__________
(1) المجموع 4/72 ، المغني 1/687 ، الاختيار 1/93 ، حلية العلماء 2/178 ، تنقيح التحقيق 1/983 ، القوانين الفقهية ص67 ، فقه الامام سعيد 1/258 و ما بعدها .
(2) الاختيار 1/93
(3) مغني المحتاج 1/213 .
(4) القوانين الفقهية ص67 .
(5) المغني 1/687 .
(6) المجموع 4/72(6/76)
نموذج آخرحديث سفيان الثوري ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : نحرنا يوم الحديبة سبعين بدنة البدنة عن عشرة ، و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :((يشترك البقر في الهدي )) .
رواه الحاكم و صححه (1) ، لكن لفظة ((العشرة)) شاذة ، و الصواب سبعة و هو المحفوظ . و قد أشار الحافظ الذهبي الى شذوذ لفظة ((العشرة)) ، فقال :((و خالفه ابن جريج ، و مالك ، و زهير ، عن أبي الزبير ، فقالوا : البدنة عن سبعة ، و جاء عن سفيان أيضا كذلك )) (2) .
و هو كما قال -رحمه الله- فقد أخرجه الدارمي (3) قال : أخبرنا يعلى ، قال : حدثنا سفيان ، فذكره محفوظا كرواية الجميع ، و لكن لم يتبين لنا هذا الشذوذ ممن حصل .
و رواية مالك أخرجها أحمد (4) ، و الدارمي (5) ، و مسلم (6) ، و أبو داود (7) ، و ابن ماجه (8)، و الترمذي(9).
و رواية ابن جريج ، أخرجها أحمد (10) ، و مسلم (11) ، و ابن خزيمة (12) .
و رواية زهير أبي خثيمة أخرجها مسلم (13) .
__________
(1) المستدرك 4/230
(2) التلخيص هامش المستدرك 4/230
(3) السنن (1961) ولعل الحمل يبقى على سفيان فإن الراوي عنه هنا يعلى بن عبيد الطنافسي وهو ثقة إلا في حديثه عن سفيان كما نص عليه ابن معين وغيره. انظر الكاشف 2/397 ، والميزان 4/الترجمة (9838)
(4) المسند 3/293 والحديث في موطأ مالك برواية الليثي 1/624 رقم (1395).
(5) السنن (1962)
(6) الجامع الصحيح 4/87 رقم (1318)
(7) السنن 3/98 رقم (2809)
(8) السنن 2/1047 رقم (3132)
(9) الجامع 3/248 رقم (904) و 4/75 رقم (1502) وكذلك اخرجها ابو عوانة 5/236 وابن حبان (4006) والبيهقي 9/294 زالبغوي 9/294 وانظر التمهيد 12/147.
(10) المسند 3/378
(11) الجامع الصحيح 4/87 رقم (1318)
(12) صحيح ابن خزيمة (2900)
(13) الجامع الصحيح 4/87 رقم (1318)(6/77)
و رواه غيرهم عزرة بن ثابت (1) ، و عمرو بن الحارث (2) جميعهم عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، قال :((نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الحديبة البدنة عن سبعة و البقرة عن سبعة)) . كل هذا يؤكد شذوذ رواية الحاكم
أثر ذلك في اختلاف الفقهاء : الاشتراك في الهدي
الهدي الذي تجزيء فيه الشاة - كهدي التمتع - هل يجزيء فيه اشتراك اكثر من واحد في بدنة ؟هذا موضع اختلف فيه الفقهاء :فذهب بعضهم الى أن البدنة -البعير و البقرة- تجزئ عن العشرة .
و ممن قال ذلك اسحاق و ابن حزم (3) .
واحتجوا بالحديث السابق مع الزيادة الشاذة و يدل لهم أيضا : بأن النبي صلى الله عليه و سلم في قسمة الغنائم ، عدل البعير بعشر شياه ؛ و ما دامت الشاة تجزيء عن واحد فالبعير يجزيء عن عشرة .
فقد روي عن رافع بن خديج قال: ((كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم بذي الحليفة ، فأصاب الناس جوع ، فأصبنا ابلا و غنما )) . الى أن قال: ((ثم قسم ، فعدل عشرة من الغنم ببعير … الحديث )) رواه البخاري(4) و البقرة مثل البعير ؛ فان كلا منهما يطلق عليه بدنة في اللغة (5)
و ذهب بعضهم الى أن البعير عن عشرة و البقرة عن سبعة . و هذا رواية عن سعيد بن المسيب (6) و حجته حديث ابن عباس ، قال : كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم في سفر ، فحضر الأضحى ، فاشتركنا في البقر سبعة و في الجزور عشرة (7) .
و ذهب الجمهور الى أن كلا منهما يجزيء عن سبعة .
و به قال أبو حنيفة ، و مالك ، و أحمد (8) .
__________
(1) عند أحمد 3/301 ، و مسلم 4/88 رقم (1318)
(2) عند ابن خزيمة (2901)
(3) المحلى 7/154
(4) الفتح 9/494
(5) فقه الامام سعيد 2/306
(6) الشرح الكبير 3/539 .
(7) اخرجه أحمد 1/275 ، و ابن ماجه 2/1047 رقم (3131) ، و الترمذي 3/248 رقم (905) و قال :((حسن غريب))
(8) المحلى 7/151 ، 152 ، المجموع 7/184 ، الشرح الكبير 3/538 ، الهداية 1/110(6/78)
و حجتهم حديث جابر السابق باللفظ المحفوظ ، و يرجح هذا أنه آخر فعل النبي صلى الله عليه و سلم .
و قال مالك : لا يشترك في الدم الواحد ، فالبعير كالشاة لا تجزيء الا عن واحد (1) . و ما سبق حجة عليه.
نموذج للشذوذ في السند و المتن : و أثر ذلك في اختلاف الفقهاء
حديث :حيان بن عبيد الله ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :((بين كل أذانين صلاة الا المغرب)) أخرجه البزار (2) ، و الدارقطني (3)
قال البزار :((لا نعلم أحدا يرويه الا بريدة و لا رواه الا حيان و هو بصري مشهور)) .
أقول : هذا الحديث شاذ متنا و سندا و الشذوذ جاء من قبل حيان بن عبيد الله (4) لتفرده بهذا الاسناد و المتن مع الزيادة كما نص عليه البزار .
قال الحافظ ابن حجر :((و أما رواية حيان - و هو بفتح المهملة و التحتانية - فشاذة ؛ لأنه و ان كان صدوقا عند البزار و غيره لكنه خالف الحفاظ من أصحاب عبد الله بن بريدة في اسناد الحديث و متنه)) (5) .
__________
(1) المحلى 7/151 و 152 ، الأشراف للبغدادي 1/246 .
(2) كشف الاستار 1/334 رقم (693)
(3) السنن 1/264
(4) ترجمته في الميزان 1/623 الترجمة (2388)
(5) فتح الباري 2/108 .(6/79)
و قد بين لنا الشذوذ الامام البيهقي -رحمه الله تعالى- اذ قال :((أخطأ فيه حيان بن عبيد الله في الاسناد و المتن جميعا، أما السند : فأخرجاه في الصحيح عن سعيد الجريري و كهمس عن عبد الله بن بريدة ، عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :((بين كل أذانين صلاة ، قال في الثالثة : لمن شاء ، و أما المتن فكيف يكون صحيحا و في رواية ابن المبارك عن كهمس في هذا الحديث قال : و كان ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتين ، و في رواية حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة ، عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((صلوا قبل المغرب ركعتين ، و قال في الثالثة : لمن شاء)) (1) .
فالشذوذ في السند: أن حيان جعل الحديث من مسند بريدة و قد رواه الجمع الغفير من الثقات عن عبد الله بن بريدة، عن عبد الله بن مغفل ؛ فالحديث من مسند عبد الله بن مغفل (2) .
و أما الشذوذ في المتن فهو الاستثناء الوارد بقوله :((الا المغرب)) فهو خطأ بلا شك لمخالفته الثقات بذلك .
__________
(1) نقله عنه شارح الدار قطني 1/264
(2) و هكذا أخرجه ابن أبي شيبة 2/356 ، و أحمد 4/86 و 5/54 و 56 و 57 ، و الدارمي (1447) ، و البخاري 1/161 رقم (627) ، و مسلم 2/212 رقم (838) ، و ابو داود 2/26 رقم (1283) ، و ابن ماجه 1/368 رقم (1162) ، و الترمذي 1/351 رقم (185) ، و النسائي 2/28 ، و ابن خزيمة (1287) ، و ابو عوانة 2/32 و 64 ، و ابن حبان (1559) و (1560) و (1561) ، و الدارقطني 1/266 ، و البيهقي 2/472 ، و البغوي (430) جميعا من طرق عن عبد الله بن بريدة ، عن عبد الله بن مغفل .(6/80)
أثر ذلك في اختلاف الفقهاء : راتبة المغرب القبلية
اختلف الفقهاء في استحباب صلاة ركعتين قبل المغرب :
فذهب جمهور الفقهاء الى عدم استحبابها .
و بذلك قال أبو حنبفة ، و نقل عن مالك ، و هو وجه في مذهب الشافعي (1).
و من الحجة لهم :الزيادة في حديث بريدة السابق :((الا المغرب)) .
و ذهب فريق من الفقهاء الى القول باستحباب ركعتين قبل صلاة المغرب .
روي ذلك عن جماعة من الصحابة ، منهم :عبد الرحمن بن عوف ، و سعد بن أبي وقاص ، و أبي ،و أبو ثور، أبو موسى الأشعري ، و غيرهم .
و من التابعين : سعيد بن المسيب ، و الحسن ، و مكحول ، و غيرهم .
و به قال الظاهرية ، و هو وجه للشافعية صححه النووي ، و نقل ابن حجر قولا لمالك ، و نقل استحباب ذلك عن أحمد ، لكن قال ابن قدامة : ظاهر كلام أحمد أنهما جائزان و ليستا سنة (2) .
و الحجة لهذا المذهب :
و حيث قد ثبت شذوذ الزيادة السابقة في حديث بريدة فان عموم حديث بريدة يدل لهذا المذهب .
و يدل لذلك أيضا :
أولا : حديث عبد الله المزني عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :((صلوا قبل المغرب ، قال في الثالثة : لمن شاء ؛ كراهية أن يتخذها الناس سنة))(3) .
ثانيا : حديث مرثد بن عبد الله المزني قال : اتيت عقبة بن عامر الجهني ، فقلت : الا أعجبك من أبي تميم : يركع ركعتين قبل المغرب ، فقال عقبة : انا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قلت : فما يمنعك الآن؟ قال :الشغل)) (4)
المبحث الرابع : الاعلال بالادراج
تعريف المدرج :
المدرج لغة : مأخوذ من درجت الثوب اذا طويته ،و الادراج هو : لف الشيء في الشيء (5)
__________
(1) عمدة القاري 7/246 ، شرح مسلم للنووي 2/381 ، نصب الراية 2/140 .
(2) فتح الباري 3/74 ، تحفة الأحوذي 2/506 ، مصنف ابن أبي شيبة 2/356- 357 ، المحلى 2/256 ، عمدة القاري 7/246 ، شرح النووي على صحيح مسلم 2/381 ، المغني 1/766.
(3) أخرجه البخاري 2/74 رقم (1183)
(4) أخرجه البخاري 2/74 رقم (1184)
(5) لسان العرب مادة ((درج))(6/81)
أما في اصطلاح المحدثين :- فهو : أن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام الراوي فيحسبها من يسمعها مرفوعة فيرويها كذلك (1) .
و الأحسن أن يقال في تعريفه :((ما كانت فيه زيادة ليست منه)) (2).
أنواع الادراج :
ينقسم المدرج الى مدرج الاسناد ، و مدرج المتن .
أما مدرج الاسناد فهو على وجهين :
الوجه الأول : أن يكون الحديث عند الراوي و عنده حديث آخر باسناد آخر ، فيأتي أحد الرواة ويروي عنه أحد الحديثين باسناده الخاص و يدخل فيه الحديث الآخر كله أو بعضه من غير أن يبين ذلك (3) .
مثال ذلك :
حديث سعيد بن أبي مريم ، عن الزهري ، عن أنس :((أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تباغضوا و لا تحاسدوا و لا تدابرو و لا تنافسوا ... الحديث )) (4).
__________
(1) اختصار علوم الحديث ص73 ، تدريب الراوي 1/268 ، شرح ألفية السيوطي ص 73
(2) لمحات في أصول الحديث ص299 .
(3) لمحات في أصول الحديث ص301
(4) لم اقف على رواية سعيد بن أبي مريم ، و الحديث في موطأ مالك 2/493 رقم (2639) عن الزهري و من طريق مالك أخرجه البخاري 8/25 رقم (6076) ، و مسلم 8/8 رقم (2559) ، و قد رواه عن الزهري أيضا سفيان بن عيينة عند مسلم 8/9 رقم (2559) ، و معمر بن راشد عن مسلم 8/9 رقم (2559) ، و زكريا بن اسحاق عند أحمد 3/209 ، و شعيب بن أبي حمزة عند البخاري 8/23 رقم (6065) ، محمد بن الوليد عند مسلم 8/9 رقم (2559) ، و يونس بن يزيد عند مسلم 8/9 رقم (2559)(6/82)
فعبارة :((و لا تنافسوا)) أدرجها ابن أبي مريم (1) و ليست من هذا الحديث ، بل هي من حديث آخر لمالك عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ،مرفوعا :((اياكم و الظن فان الظن أكذب الحديث و لا تجسسوا و لا تحسسوا ولا تنافسوا)) (2)
فأدرج ابن أبي مريم :((و لا تنافسوا)) في الحديث وهما منه ، و رواها عن مالك باسناد واحد ، و كلا الحديثين مخرج في الصحيحين متفق عليه من رواية مالك ، و ليس في الأول :((و لا تنافسوا)) و هي في الثاني (3).
الوجه الثاني ، و مثاله : الحديث الذي أخرجه الترمذي (4) ، من طريق عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان الثوري ، عن واصل الأحدب ، و منصور والأعمش ، عن أبي وائل ، عن عمرو بن شرحبيل ، عن ابن مسعود ،قال :قلت :((يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ قال : أن تجعل لله ندا و هو خلقك)) .
__________
(1) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم ، ثقة ثبت فقيه تقريب التهذيب 1/293 .
(2) في موطأ مالك 2/494 رقم (2640) ، و من طريق مالك أخرجه البخاري 8/23 رقم (6066) ، و مسلم 8/10 رقم (2563) ، و غيرهم .
(3) شرح التبصرة و التذكرة 1/256 ، لمحات في أصول الحديث ص301 .
(4) جامع الترمذي 5/314 رقم (3182)(6/83)
فان رواية واصل الأحدب هذه مدرجة على رواية منصور و الأعمش ،فان واصلا يرويه عن أبي وائل عن ابن مسعود مباشرة لا يذكر فيه ((عمرو بن شرحبيل)) هكذا رواه شعبة و غيره عن واصل (1) . و قد رواه يحيى القطان ، عن الثوري بالاسنادين مفصلا (2) ، و من ذلك يتبين اذن ذكر ، عمرو بن شرحبيل أدرج على رواية منصور و الأعمش .
أما ادراج المتن فهو : أن تضاف اليه زيادة من كلام بعض الرواة ، يتوهم السامع أنها منه (3) .
و قد تكون الزيادة المدرجة في أول المتن أو في وسطه أو في آخره :
مثال ما أدرج في أول المتن :((اسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار)) .
هكذا رواه الخطيب من رواية ابن قطن ، و شبابة ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة (4)، في جملة: ((أسبغوا الوضوء)) من كلام أبي هريرة .
قال الخطيب :((و هم أبو قطن و شبابة في روايتهما عن شعبة على ما سقناه ، و قد رواه الجم الغفير كرواية آدم)) (5).
__________
(1) رواية شعبة عن واصل عند أحمد 1/434 و 464 ، و الترمذي 5/315 رقم (3183) ، و النسائي 7/90 و رواه غير شعبة : سفيان الثوري عند البخاري 6/137 رقم (4761) ، و 8/204 رقم (6811) و عند النسائي 7/90 ، و رواه أيضا عبد الرحمن بن مهدي عند أحمد 1/462 ثلاثتهم (شعبة ، و سفيان ، و ابن مهدي) عن واصل ، عن أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود ، و أنظر علل الدار قطني ج5/220 ، و شرح التبصرة 1/258-260 ، و شرح ألفية السيوطي 76- 77
(2) أما التي بدون الزيادة فهي عند البخاري 6/137 رقم (4761) ، و اما التي بالزيادة فهي عند البخاري أيضا 8/204 رقم (6811) .
(3) لمحات في أصول الحديث ص299 .
(4) اورده الخطيب في : الفصل للوصل ، ورقة 6 ، نقلا عن هامش ظفر الأماني ص248 وانظر تدريب الراوي 1/70 .
(5) ما سبق(6/84)
و رواية آدم التي أشار اليها الخطيب البغدادي : أخرجها البخاري (1) قال :حدثنا آدم بن أبي اياس ، قال : حدثنا شعبة ، عن محمد بن زياد ، قال: سمعت أبا هريرة ، و كان يمر بنا و الناس يتوضؤون من المطهرة ، قال : أسبغوا الوضوء فان أبا القاسم صلى الله عليه و سلم قال :((ويل للأعقاب من النار)) .
أما ما أدرج في وسط المتن . فمثاله ما رواه : عبد الحميد بن جعفر ، عن هشام بن عروة عن أبيه ، عن بسرة ، قالت : سمعت رسول الله صلى اله عليه و سلم يقول :((من مس ذكره أو أنثييه أو رفغييه فليتوضأ)) (2) .
قال الدار قطني :((كذا رواه عبد الحميد ، عن هشام ، و وهم في ذكر الانثيين و الرفغ و ادراجه لذلك في حديث بسرة ، و المحفوظ : ان ذلك قول عروة و كذا رواه الثقات عن هشام ، منهم : أيوب و حماد بن زيد و غيرهما))(3) .
__________
(1) الجامع الصحيح 1/53 رقم (165) ، و قد رواه عن شعبة غير آدم : محمد بن جعفر (غندر)، عند أحمد 2/409 ، و يحيى بن سعيد عند أحمد 2/430 ، و حجاج بن محمد عند أحمد 2/430 ، و وكيع بن الجراح عند أحمد 2/271 ، و مسلم 1/148 رقم (242) ، و هاشم بن القاسم عند الدارمي (713) و يزيد بن زريع عند النسائي 1/77 .
(2) أخرجه الطبراني في الكبير 24/200 ، و الدار قطني 1/148 ، و البيهقي 1/137
(3) سنن الدار قطني 1/148 ، و حديث بسرة سبق تخريجه مفصلا عن جماعة من الصحابة بدون ذكر الادراج .(6/85)
نموذج لما أدرج في آخر المتن و أثره في اختلاف الفقهاء
حديث زهير بن معاوية ، عن الحسن بن الحر ، عن القاسم بن مخيمرة ، قال : أخذ علقمة بيدي و حدثني : ان عبد الله بن مسعود أخذ بيده ، و حدثه : ان رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذ بيد عبد الله بن مسعود فعلمه التشهد في الصلاة :((التحيات لله ، و الصلوات و الطيبات ، السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته ، السلام علينا و على عباد الله الصالحين- قال زهير- : حفظت عنه- ان شاء الله - : أشهد ان لا اله الا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ، قال : فاذا قضيت هذا أو قال :فاذا فعلت هذا فقد قضيت صلاتك ، ان شئت أن تقوم فقم، و ان شئت أن تقعد فاقعد)) .
أخرجه أحمد (1) عن يحيى بن آدم ، و أبو داود (2) عن عبد الله بن محمد النفيلي ، و الدارمي (3) عن ابي نعيم - الفضل بن دكين- ، و الطحاوي (4) من طريق ابي غسان و أحمد بن يونس و أبي نعيم ، و الدار قطني (5) من طريق شبابة بن سوار و موسى بن وردان ، و الطبراني (6) من طريق عبد الملك بن واقد الحمراني و أحمد بن يونس و أبي بلال الأشعري ، و الطيالسي (7) ؛ كلهم عن زهير بن معاوية بهذا الاسناد . و جعلوا قوله: ((اذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك ان شئت ان تقوم فقم و ان شئت ان تقعد فاقعد )) . متصلا بالحديث من كلام النبي صلى الله عليه و سلم.
و قد أخرجه ابن حبان (8) من طريق غسان بن الربيع ، قال : حدثنا ثوبان ، عن الحسن بن الحر، عن القاسم بن مخيمرة ، عن علقمة ، عن ابن مسعود - و جعل قوله- :((فاذا فرغت من هذا )) من قول ابن مسعود .
__________
(1) المسند 1/422 .
(2) السنن 1/254 رقم (970)
(3) السنن 1/309 .
(4) شرح معاني الآثار 1/275
(5) السنن 1/353 .
(6) المعجم الكبير (9925)
(7) المسند (275)
(8) الاحسان 5/293 رقم (1962)(6/86)
و قال الدار قطني :((قوله : فاذا قضيت هذا فقد قضيت الصلاة ، من كلام ابن مسعود ، فصله شبابة عن زهير و جعله من كلام ابن مسعود، و قوله أشبه بالصواب ممن أدرجه ، و قد اتفق من روى تشهد ابن مسعود على حذفه))(1).
و قال النووي في الخلاصة :((اتفق الحفاظ على انها مدرجة)) (2) .
و قال الكمال بن الهمام الحنفي :((و قد بين الادراج شبابة بن سوار في روايته عن زهير بن معاوية و فصل كلام ابن مسعود من كلام النبي صلى الله عليه و سلم)) (3) .
أثره في اختلاف الفقهاء : حكم التشهد والسلام
ذهب فريق من الفقهاء الى أن التشهد و السلام ليسا فرضين ، و به قال جماعة من السلف و هو مذهب أبي حنيفة (4) لكن يلاحظ : ان أبا حنيفة و ان قال بعدم فريضتهما ، فقد قال بوجوبهما ، و ترك الواجب عنده لا يترتب عليه بطلان الصلاة و لكن ان تركه متعمدا أثم و ان تركه ناسيا سجد للسهو عنه .
و احتجوا بالحديث السابق على ان الزيادة مرفوعة و ليست مدرجة ؛ قال المرغيناني :((و القعدة في آخر الصلاة مقدار التشهد لقوله - عليه الصلاة و السلام- لابن مسعود- رضي الله عنه- حين علمه التشهد :((اذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك علق التمام بالفعل قرأ أو لم يقرأ)) (5) .
و ذهب جمهور الفقهاء الى فريضتهما (6) .
__________
(1) سنن الدار قطني 1/353 .
(2) نقله عنه الكافيجي في المختصر في علم الأثر ص148 و الكمال بن الهمام في شرح فتح القدير 1/193، لكن يشكل في نقل الاجماع قول الخطابي :((ان لم يثبت ادراجها يعني :قوله اذا قلت هذا فقد تمت صلاتك ...)) دلت على ان الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم ليست واجبة )) . أنظر الدراية 1/157.
(3) شرح فتح القدير 1/193 .
(4) البناية شرح الهداية 2/260 ، جامع الترمذي 1/262 ، عمدة القاري 6/121 ، شرح صحيح مسلم 2/40.
(5) الهداية 1/46 .
(6) المجموع 3/462 و 475 ، و شرح صحيح مسلم 2/40 و 47 ، و المغني 1/578 و 589 .(6/87)
و احتجوا بما روي عن ابن مسعود ، قال :((كنا نقول قبل أن يفرض التشهد : السلام على الله السلام على جبريل و ميكائيل . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تقولوا هكذا ؛ فان الله هو السلام ، و لكن قولوا : التحيات لله ... الحديث )) (1) .
الدلالة فيه من وجهين :
أحدهما : قوله :((قبل أن يفرض التشهد )) فدل ذلك على أن التشهد فرض.
ثانيهما : قوله عليه الصلاة و السلام :((قولوا التحيات)) و الأمر للوجوب .
و احتجوا أيضا : بما روي عن علي ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :((مفتاح الصلاة الطهور و تحريمها التكبير ، و تحليلها التسليم)) (2).
قال الترمذي :((هذا الحديث أصح شيء في الباب و أحسن)) .
__________
(1) اخرجه الدار قطني 1/133 و صححه ، و البيهقي 2/378 .
(2) أخرجه الشافعي 1/70 ، و عبد الرزاق (2539) ، و أحمد 1/123 و 129 ، و الدارمي (693) ، و أبو داود 1/16 رقم (61) و 1/167 رقم (618) ، و ابن ماجه 1/101 رقم (275) ، و الترمذي 1/8 رقم (3)، و البزار (633) ، و أبو يعلى (616) ، و الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/273 ، و الدارقطني 1/60 ، و البيهقي 2/15 و 253 ، و انظر تلخيص الحبير 1/229 ، و نصب الراية 1/307-308 .(6/88)
نموذج آخرحديث مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن ابن أكيمة الليثي ، عن أبي هريرة: ان رسول الله صلى الله عليه و سلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة ، فقال :((هل قرأ معي منكم أحد آنفا ؟)) فقال رجل : نعم . أنا يا رسول الله. قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((اني أقول مالي أنازع القرآن)) فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم بالقراءة ، حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه و سلم (1).
فجملة: ((فانتهى الناس عن القراءة... الخ)) مدرجة من كلام ابن شهاب الزهري شيخ مالك .
قال أبو داود : سمعت محمد بن يحيى بن فارس ، قال :((فانتهى الناس عن القراءة من كلام الزهري ))(2).
قال الترمذي :((روى بعض أصحاب الزهري هذا الحديث ، و ذكروا هذا الحرف قال : قال الزهري)) (3).
و قال الخطيب البغدادي :((فانتهى الناس الخ مدرج من كلام الزهري بينه ابن عيينة )) (4) .
و قال الحافظ ابن حجر :((و قوله فانتهى الناس مدرج في الخبر من كلام الزهري ، بينه الخطيب و اتفق البخاري في التاريخ و أبو داود و يعقوب بن سفيان و الذهلي و الخطابي و غيره)) (5) .
__________
(1) الموطأ 1/139 رقم (230) ، و اخرجه من طريق مالك : الشافعي 1/139 ، و احمد 2/311 ، و البخاري في جزء القراءة خلف الامام (95) و (262) ، و أبو داود 1/218 رقم (826) ، و الترمذي 2/118 رقم (312) ، و النسائي 2/140 ، و الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/217 ، و ابن حبان (1849) ، و البيهقي 2/57 ، و ابن عبد البر في التمهيد 11/23 ، و البغوي (607)
(2) السنن 1/219 عقيب (827)
(3) جامع الترمذي 2/120 عقيب (312)
(4) الفصل للوصل المدرج في النقل ص64 .
(5) التلخيص 1/246 .(6/89)
أثره في اختلاف الفقهاء : حكم القراءة خلف الامام
اختلف الفقهاء في قراءة المأموم خلف الامام على ثلاثة أقوال :القول الأول : لا يقرأ المأموم مع الامام فيما يجهر به ، و يقرأ فيما يسر به . و هو مذهب جماعة من السلف و الخلف(1).و احتجوا بحديث أبي هريرة السابق مع اللفظ المدرج .
القول الثاني : يقرأ المأموم خلف الامام لا فرق بين السرية و لا جهرية (2) .
و لم يأخذوا بحديث أبي هريرة و ذلك لوجود الادراج فيه .
القول الثالث : لا يقرأ المأموم خلف الامام لا في سرية و لا في جهرية (3)
المبحث الخامسالاعلال بالخطأ و ما أشبهه
قد يطلع الجهبذ من أئمة الحديث على حديث ما فيحكم عليه بالخطأ أو الوهم مع أن الظاهر السلامة من هذه العلة ، لكن العالم الفهم لا يحكم بذلك عن هوى بل يترجح لديه ان أحد الرواة قد اخطأ في هذا الحديث و ذلك للقرائن التي تحيط بالحديث ، و مثل هذا لا يتضح لأي أحد الا لمن منحه الله فهما دقيقا و اطلاعا واسعا و ادراكا كبيرا و معرفة بعلل الأسانيد و متونها و مشكلاتها و غوامضها و معرفة بطرق الحديث و مخارجها و احوال الرواة و صفاتهم . و قد يختلف النقاد في اعلال الحديث بالخطأ فمنهم: من يترجح له ذلك و منهم من لا يرى خطأ في الرواية .
و الاعلال بالخطأ يشمل ما أخطأ فيه الراوي ، أو أوهم ، أو قلب في السند أو في المتن أو صحف أو حرف . و فيما يأتي : نذكر ، أمثلة لذلك ، ثم نسوق بعض النماذج مبينين أثر ذلك في اختلاف الفقهاء :
__________
(1) لقد سبق تفصيلهم
(2) لقد سبق تفصيلهم .
(3) سبق بيان ذلك .(6/90)
نموذج للاعلال بالخطأ وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء
مثال ذلك : حديث أبي اسحاق السبيعي ، عن الأسود ، عن عائشة ،قالت : ((كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينام و هو جنب و لا يمس ماء)) (1).
و هذا الحديث اسناده صحيح و ليس له علة ، لكن حكم جماعة من أئمة الحديث على هذا الحديث بالخطأ ؛ فقد قال الامام أحمد :((انه ليس بصحيح)) ، و قال أبو داود:((هو وهم)) .
و قال يزيد بن هارون :((هو خطأ)) ، و قال ابن مفوز :اجمع المحدثون :((على أنه خطأ من أبي اسحاق)) ، و قال الترمذي :((يرونه أنه غلط من أبي اسحاق)) (2) .
و اعلال المحدثين حديث أبي اسحاق السبيعي ذلك لما صح :عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم كان يتوضأ قبل أن ينام )) (3) . فكأنهم رأوا حديث أبي اسحاق يخالف ما رواه الجم الغفير عن عائشة في :((انه صلى الله عليه و سلم كان يتوضأ قبل أن ينام)).
__________
(1) أخرجه الطيالسي (1397) ، و احمد 6/43 و 106 و 109 و 146 و 171 ، و أبو داود 1/58 رقم (228) ، و ابن ماجه 1/192 رقم (581) و (582) و (583) ، و الترمذي 1/202 رقم (118) ، و أبو يعلى (4729) ، و الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/124 و 125 ، و البيهقي 1/201 ، و البغوي (268) .
(2) التلخيص 1/148-149 .
(3) أخرجه الطيالسي (1384) و (1485) ، و عبد الرزاق (1073) ، و ابن أبي شيبة 1/60 و 61 ، و الدارمي (763) و (2084) ، و أحمد 6/126 و 143 و 191 ، و البخاري 1/80 رقم (288) ، و مسلم 1/170 رقم (305) ، و أبو داود 1/57 رقم (222) و (223) و (224) ، و ابن ماجه 1/194 رقم (591) ، و علقه الترمذي 1/203 عقيب (119) ، و النسائي 1/139 ، و ابن خزيمة (215) ، و أبو عوانة 1/278 ، و الطحاوي في شرح المعاني 1/125 ، و ابن حبان (1217) و (1218) ، و البيهقي 1/200 و 300 ، و البغوي (265).(6/91)
و الذي يبدو لي ان لا معارضة بين الحديثين ، فالنبي صلى الله عليه و سلم كان يتوضأ احيانا و لا يمس الماء أحيانا ؛ لذا قال ابن قتيبة بعد أن ذكر الحديثين: ((ان هذا كله جائز ، فمن شاء أن يتوضأ وضوءه للصلاة بعد الجماع ثم ينام ، و من شاء غسل يده و ذكره و نام، و من شاء نام من غير أن يمس ماء ، غير أن الوضوء أفضل . و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل هذا مرة ليدل على الفضيلة ، و هذا مرة ليدل على الرخصة و يستعمل الناس ذلك ، فمن أحب أن يأخذ بالأفضل أخذ ، و من أحب أن يأخذ بالرخصة أخذ)) (1) .
و حديث أبي اسحاق صححه البيهقي ، فقد قال :((و حديث أبي اسحاق السبيعي صحيح من جهة الرواية ، و ذلك أن أبا اسحاق بين سماعه من الأسود في رواية زهير بن معاوية ، عنه ، و المدلس اذا بين سماعه ممن روى عنه و كان ثقة فلا وجه لرده)) (2) .
و حديث أبي اسحاق السبيعي (3) له شواهد تعضده قال البيهقي :((و يؤيده ما رواه هشيم عن عبد الملك ،عن عطاء ، عن عائشة مثل رواية أبي اسحاق عند الأسود)) (4).
و ما صح عن ابن عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه و سلم أينام أحدنا و هو جنب ؟ قال: ((نعم و يتوضأ ان شاء)) (5) .
__________
(1) نقله محقق مسند أبي يعلى 8/175-176 .
(2) السنن الكبرى 1/202 .
(3) و أبو اسحاق هو : عمرو بن عبد الله الهمداني ، أبو اسحاق السبيعي ثقة مكثر عابد من الثالثة ، اختلط بآخره تقريب التهذيب 2/73 ، قلت : واختلاطه هنا لا يضر فإن من الذين رووا الحديث عنه سفيان الثوري وروايته عنه قديمة جيدة كما نص عليه الحافظ ابن حجر نفسه في التهذيب، هذا غير إنا لا نسلم انه اختلط فقد دفعه الذهبي في الميزان 3/الترجمة 6393 بقوله : (( شاخ ونسي ، ولم يختلط وقد تغير قليلاً)). وانظر لزاماً الكاشف 2/82 بتحقيق الشيخ محمد عوامة.
(4) السنن الكبرى 1/202 .
(5) أخرجه ابن خزيمة (211) ، و ابن حبان (232 موارد)(6/92)
و حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت:((كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يبيت جنبا فيأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة فيقوم فيغتسل)) (1) .
((أثر ذلك في اختلاف الفقهاء))(حكم الجنب اذا أراد أن ينام)
اختلف الفقهاء فيمن أجنب اذا أراد أن ينام :فذهب جماعة من الفقهاء الى أنه يستحب للجنب اذا أراد أن ينام أن يتوضأ روي ذلك عن علي و عبد الله بن عمر ، و رواية عن سعيد بن المسيب . و اليه ذهب الشافعي و أحمد ، و به قال مالك (2) .
و الحجة لهم : ما صح عن أم المؤمنين عائشة :((أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان اذا أراد أن ينام و هو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام)) (3)
و ذهب بعض الفقهاء الى أنه يرخص للجنب في النوم من غير وضوء و لا كراهة عليه و به قال بعض الفقهاء (4) .
و احتجوا بحديث أبي اسحاق السابق (5) .
((نموذج للاعلال بالوهم و أثر ذلك في اختلاف الفقهاء))
حديث عيسى بن يونس ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة مرفوعا :((من ذرعه القيء فليس عليه قضاء و من استقاء فليقض)) (6)
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة 2/173 ، و أحمد 6/101 و 254 . و اسناده صحيح
(2) المجموع 2/156 ، المغني 1/228 ، المدونة 1/308 .
(3) سبق تخريجه .
(4) شرح معاني الآثار 1/125 ، المجموع 2/156 ، المغني 1/228 .
(5) سبق تخريجه .
(6) أخرجه أحمد 2/498 ، و الدارمي (1736) ، و أبو داود 2/310 رقم (2380) ، و ابن ماجه 1/536 رقم (1676) ، و الترمذي 3/98 رقم (720) ، و النسائي في الكبرى (3130) ، و ابن خزيمة (1960) و (1961) ، و الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/97 ، و ابن حبان (3519) ، و الدار قطني 2/184 ، و الحاكم ، و البيهقي 4/219 ، و البغوي (1755) ، و المزي في تهذيب الكمال 7/142.(6/93)
قال الترمذي :((حسن غريب)) (1) ، و قال الدارقطني :((رواته ثقات)) (2) ، و صححه الحاكم و لم يتعقبه الذهبي (3) .
بينما أعله جماعة من الحفاظ بالوهم قال البخاري :((لم يصح)) (4) وقال :((لا أراه محفوظا)) (5) .
و قال أبو داود :((قلت له :(يعني:الامام أحمد) حديث هشام ، عن محمد ، عن أبي هريرة ؟ قال : ليس من هذا شيء)) (6) .
و قال البيهقي :((و بعض الحفاظ لا يراه محفوظا)) (7)
و نقل الزيلعي عن مسند اسحاق بن راهويه :((قال عيسى بن يونس زعم أهل البصرة أن هشاما وهم في هذا الحديث)) (8) .
و قال الدارمي :((قال عيسى : زعم أهل البصرة أن هشاما أوهم فيه ، فموضع الخلاف ههنا)) (9)
و وجه توهيم هشام بن حسان: ان الحديث محفوظ موقوفا و رفعه وهم توهم فيه هشام
قال البخاري :((و لم يصح و انما يروى هذا عن عبد الله بن سعيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رفعه (10) ، و خالفه يحيى بن صالح ، قال : حدثنا يحيى ، عن عمر بن حكيم بن ثوبان سمع أبا هريرة ، قال :اذا قاء أحدكم فلا يفطر فانما يخرج و لا يولج)) (11) .
__________
(1) جامع الترمذي 3/99 عقيب (720)
(2) سنن الدار قطني 2/184
(3) المستدرك و التلخيص 1/426 .
(4) تاريخه الكبير 1/الترجمة (251)
(5) نقله عنه تلميذه الترمذي 3/99 عقيب (720)
(6) سؤالات أبي داود للامام أحمد ص292 ، و نقله الزيلعي في نصب الراية 2/448 .
(7) السنن الكبرى 4/219
(8) نصب الراية 2/449 .
(9) سنن الدارمي 1/25 .
(10) عبد الله بن سعيد هو ابن أبي سعيد المقبري ، و هو متروك كما في التقريب 1/419 ، و حديثه أخرجه ابن أبي شيبة 3/38 ، و أبو يعلى (6604) ، و الدار قطني 2/182 و 185 ، و قد علقه الترمذي 3/99 عقيب (720) بصيغة التمريض .
(11) تاريخه الكبير 1/الترجمة (251)(6/94)
هكذا أعل الامام البخاري بأن الصواب موقوف و ان الخطأ الذي نشأ لهشام بسبب رواية عبد الله بن سعيد ، و كذلك أعل النسائي حديث هشام بالوقف فقد قال :((وقفه عطاء)) ثم ذكر الروايات الموقوفة (1) .
و قد خالف الشيخ ناصر الدين الألباني ذلك فصحح الحديث في تعليقه على صحيح ابن خزيمة (2) ، معتمدا على متابعة حفص بن غياث (3) لعيسى بن يونس قال :((و انما قال البخاري و غيره : بانه غير محفوظ لظنهم أنه تفرد به عيسى بن يونس عن هشام)) (4) .
قلت : و هذا بعيد جدا لأنه يستبعد عن الأئمة الحفاظ السابقين الذين حفظوا مئات الآلاف من الأسانيد أنهم لم يطلعوا على هذه المتابعة ، فأصدروا هذا الحكم . بل ان العلة عندهم وهم هشام لا تفرد عيسى بن يونس كما صرح به البخاري في تأريخه فانه قال :((ان حديث هشام عنده وهم لا يلتفت اليه)) (5) . و قد تقدم قول عيسى بن يونس في توهيم هشام و نقله عن أهل البصرة ذلك و اقرار الدارمي ذلك ،و مما يدل على أن المتابعة التي ذكرها الشيخ الألباني معروفة لديهم أن أبا داود الذي سأل أحمد بن حنبل عن حديث هشام قد أشار الى متابعة حفص لعيسى ، اذ قال :((و رواه أيضا حفص بن غياث عن هشام مثله)) (6)
أثره في اختلاف الفقهاء : حكم من تقيأ عامداً وهو صائم
اختلف الفقهاء فيمن تقيأ عامدا مستدعيا لخروج القيء على مذهبين :
ذهب عامة أهل العلم الى أن من استقاء عامدا يفسد صومه (7) .و لعلهم احتجوا بالحديث السابق - مع اعلال كثير من المحدثين له بالوهم- لأن منهم من صححه ، و لأن الأخذ بمضمونه مستفيض عند العلماء حتى نقل ابن المنذر الاجماع على ذلك (8) .
__________
(1) السنن الكبرى 2/215 عقيب (3130)
(2) ج3/229 .
(3) و هي التي عند ابن ماجه 1/536 رقم (1676) ، و الحاكم 1/426 ، و البيهقي 4/429
(4) الارواء 3/53 .
(5) التاريخ الكبير 1/91 .
(6) السنن 2/310 عقيب (2380)
(7) المغني 3/52 ، المحلى 6/175 .
(8) المغني 3/52(6/95)
لكن حكي عن ابن مسعود و ابن عباس : أن القيء لا يفطر (1) .
و قد احتج لهم ابن قدامة بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم :((ثلاث لا يفطرن الصائم : الحجامة و القيء والاحتلام)) (2) .
و أعله ابن قدامة : بأنه حديث غير محفوظ يرويه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم و هو ضعيف في الحديث (3).
__________
(1) المغني 3/52 .
(2) أخرجه عبد بن حميد (959) ، و ابن عدي 4/1579 و 1583 ، و الدار قطني 2/183 ، و ابو نعيم في الحلية 8/357 ، و البيهقي 4/220 و 364 . و أنظر تلخيص الحبير 2/206
(3) تقريب التهذيب 1/480 ، ميزان الاعتدال 2/564 الترجمة (4868)(6/96)
نموذج للاعلال بالقلب و ثر ذلك في اختلاف الفقهاء
من الأوهام التي تنشأ لبعض رواة الحديث القلب في مروياتهم ، و قد حصل هذا لكثير من الرواة ، و قد تمكن المحدثون من تمييز هذه الأوهام التي وقعت لبعض المرويات و ميزوا الخطأ من الصواب حتى بقيت السنة مصانة و محفوظة من الخطأ و العمد و من الزائد و الدخيل ، و تمييز هذه الأوهام لم يكن بالأمر السهل على المحدثين ؛ لكنهم كانوا يتابعون الرواة في حلهم و ترحالهم و كيفية تلقيهم و أدائهم للحديث ؛ حتى لا يدخل على السنة ما ليس منها . و القلب سواء كان بالمتن أو في السند قد يكون عمدا من الراوي أو سهواً ، و العمد قد يكون لاختبار الراوي كما صنع مهرة محدثي بغداد للامام البخاري ليختبروا حفظه و ذكائه حتى رد كل حديث على اسناده و ميز الخطأ من صوابه (1) . أو للاغراب كما يفعله بعض الضعفاء من أجل أن يوقعوا الناس في الغرابة حتى يظنوا أنه يروي ما ليس عند غيره حتى يقبلوا على أخذ حديثه و التحمل عنه كأن يكون الحديث مشهورا عن راو من الرواة أو باسناد من الأسانيد فيقلبه أحد الضعفاء الكذابين براو أو باسناد آخر و هذا صنيع محرم يقدح في عدالة راويه (2).
فعلماء الحديث خدموا السنة و تتبعوا الرواة و بينوا ما وقع في الحديث من قلب أو غيره حتى جعلوا المقلوب نوعا من أنواع علوم الحديث .
و يمكننا أن نعرفه بأنه : هو الحديث الذي أبدل فيه راويه شيئا بآخر في السند أو في المتن عمدا أو سهوا(3) .
و الحديث المقلوب من انواع الضعيف؛ لانه ناشيء عن اختلال ضبط الراوي للحديث حتى احاله عن وجهه ، و اذا كثر وقوع ذلك منه أدى الى اختلال ضبطه و ضعف حديثه (4) .
__________
(1) راجع القصة في تاريخ بغداد 2/20 ، و البداية و النهاية 1/25 ، و هدي الساري 2/200 .
(2) شرح التبصرة و التذكرة 1/284 .
(3) شرح التبصرة 1/283 ، منهج النقد ص435 ، ظفر الأماني ص405 ، التقييد و الايضاح 2/101 .
(4) منهج النقد ص435 .(6/97)
و القلب قد يكون في السند مثل :((كعب بن مرة)) فيقلب على أحد الرواة الى :((مرة بن كعب)) . و قد يكون في المتن و هو كثير ، منه :حديث أبي هريرة عند مسلم (1) حديث :((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله)) فقد جاء في هذه الرواية عند مسلم :((و رجل تصدق بصدقته فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) . و هذه اللفظة انقلبت على بعض الرواة و الحديث محفوظ :((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))(2) .
((أثر القلب في اختلاف الفقهاء))(الهيئة عند السجود هل توضع اليدان قبل أم الركبتان ؟)
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين :القول الأول : توضع الركبتان قبل اليدين عند الهوي الى السجود .نقله الترمذي عن أكثر أهل العلم ، و هو مروي عن عمر بن الخطاب .و به قال النخعي ، و مسلم بن يسار ، و سفيان الثوري ، والشافعي ، و أحمد في رواية و اسحاق و هو مذهب أهل الكوفة منهم : أبو حنيفة (3) .
__________
(1) الصحيح 3/93 رقم (1031)
(2) عند أحمد 2/439 ، و البخاري 1/168 رقم (660) و 2/138 رقم (1423) ، و الترمذي 4/516 رقم (2391) ، و النسائي 8/222 ، و ابن خزيمة(59) ، و ابن حبان (7338) ، و البيهقي 10/87 ، و البغوي (470) ، و ابن عبد البر 2/280 .
(3) جامع الترمذي 2/57 ، الأم 1/113 ، المغني 1/554 ، بداية المجتهد 1/167 ،شرح معاني الآثار 1/254 ، المجموع 3/394 ، نيل الأوطار 2/281 .(6/98)
و احتجوا بما رواه شريك القاضي ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن وائل بن حجر ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه و اذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه)) (1)
قال الترمذي :((هذا حديث حسن غريب ، لا نعرف أحدا رواه غير شريك)) (2) .
القول الثاني : توضع اليدان قبل الركبتين في السجود .
و به قال الأوزاعي و مالك و رواية عن أحمد و هو مذهب أصحاب الحديث .
و قال الأوزاعي :((أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم))
و به قال ابن حزم و جعل وضع اليدين قبل الركبتين فرضا .
و نقله الشوكاني عن العترة (3) .
__________
(1) أخرجه الدارمي (1326) ، و أبو داود 1/222 رقم (838) ، و ابن ماجه 1/286 رقم (882) ، و الترمذي رقم (268) ، و النسائي 2/206 و 234 ، و ابن خزيمة (626) و (629) ، و الطحاوي في شرح المعاني 1/255 ، و ابن حبان (1912) ، و الطبراني في الكبير 22/حديث (97) ، و الدار قطني 1/345 ، و الحاكم 1/ 226 ، و البيهقي 2/98 .
(2) جامع الترمذي 2/57 عقيب (268) . و انظر تحفة الأشراف 9/89 حديث (11780) ، و شريك سيء الحفظ ، فحديثه ضعبف عند التفرد و قد تفرد بهذا الحديث ، و هذا الحديث ضعفه الامام الدارقطني في سننه 1/345 لتفرد شريك فقد قال :((لم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك ، و شريك ليس بالقوي فيما يتفرد به)) ، و أنظر ترجمة شريك في التقريب 1/351 . ولعل الامام الترمذي حسنه لتلقي أهل العلم له بالقبول ؛لأنه قال ((و العمل عليه عند أكثر أهل العلم)).
(3) المحلى 4/129 ، المجموع 3/394 ، شرح معاني الآثار 1/254 ، المغني 1/554 ، الشرح الكبير للدردير 1/250 ، نيل الاوطار 2/282 ، فتح الباري 2/291 ، تحفة الأحوذي 2/128(6/99)
و احتجوا : بما رواه عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، قال :حدثنا محمد بن عبد الله بن الحسن ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :((اذا سجد أحدكم ، فلا يبرك كما يبرك
البعير ، و ليضع يديه قبل ركبتيه)) (1) .
و كان الامام البخاري أعله بتفرد محمد بن عبد الله بن الحسن و بالانقطاع . اذ قال :((و لا يتابع عليه و لا أدري سمع من أبي الزناد أم لا ؟)) (2).
و أجيب عن ذلك : أما التفرد فلا يضر لأنه ثقة (3) .
قال ابن التركماني :((وثقه النسائي ، و قول البخاري : لا يتابع على حديثه ليس بصريح في الجرح فلا يعارض توثيق النسائي)) (4) .
و أما قول البخاري :((و لا أدري سمع من أبي الزناد أم لا ؟ )) فهي غير مفيدة للانقطاع غاية ما فيها عدم معرفة البخاري لهذا الأمر ، و قد عرفه غيره فأثبته الامام الذهبي بقوله :((حدث عن نافع و أبي الزناد))(5).
__________
(1) أخرجه أحمد 2/381 ، و البخاري في التاريخ الكبير 1/139 ، و أبو داود 1/222 رقم (840) ، و الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/254 ، و الدار قطني 1/344-345 ، و البيهقي 2/99 و 100 ، و الحازمي في الاعتبار ص158 و 159 ، و اسناده صحيح ، و كذا قال محققا زاد المعاد 1/223 و صححه ابن حزم في المحلى 4/129 ، و قال المباركفوري في تحفة الأحوذي 2/137 :((صحيح أو حسن لذاته)) ثم أطال النفس في تعليل ذلك . و قال ابن حجر في بلوغ المرام :((هو أقوى من حديث وائل بن حجر)) سبل السلام 1/186 ، و نقل المباركفوري 2/137 عن ابن سيد الناس قوله :((أحاديث وضع اليدين قبل الركبتين أرجح)) .
(2) التاريخ الكبير 1/139 .
(3) التقريب 2/176 ، التهذيب 9/252 .
(4) الجوهر النقي 2/100 .
(5) سير اعلام النبلاء 6/210 . و أنظر تهذيب التهذيب 9/353 والكاشف 2/185-186 طبعة الشيخ محمد عوامة.(6/100)
و قد دفع ابن خزيمة الاستدلال بهذا الحديث بأنه منسوخ بما رواه ابراهيم بن اسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن سلمة ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد قال : كنا نضع اليدين قبل الركبتين ، فأمرنا بالركبتين قبل اليدين (1)
و أجيب : بأن هذا لا يصلح للنسخ لشدة ضعفه و سقوطه ؛ فهو مسلسل بالعلل ابراهيم بن اسماعيل ، لينه أبو زرعة و تركه أبو حاتم (2) .و اسماعيل بن يحيى ، قال الدار قطني :((متروك)) (3) .
و يحيى بن سلمة ، قال أبو حاتم : منكر الحديث ، وقال النسائي : متروك (4).
و قال ابن حجر :((و هذا لوصح لكان قاطعا للنزاع لكنه من افراد ابراهيم بن اسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه و هو ضعيف)) (5).
و قد دفع ابن القيم الاستدلال بحديث أبي هريرة و أعله بالقلب .
قال ابن القيم :((و كان يقع لي أن حديث أبي هريرة كما ذكرنا مما انقلب على بعض الرواة متنه و أصله ، و لعله :((و ليضع ركبتيه قبل يديه))(6) .
و كذلك قال اللكنوي (7)
و يجاب عن هذا :
بأن هذا مما لا دليل عليه و لعل ابن القيم و اللكنوي - رحمهما الله- ما لا الى ذلك بما روي من طريق عبد الله بن سعيد المقبري ، عن جده ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :((اذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ، و لا يبرك بروك الفحل)) (8).
__________
(1) صحيح ابن خزيمة (628) . و ضعف ابن حجر النسخ بقوله :((و ادعى ابن خزيمة أن حديث أبي هريرة منسوخ)) . فتح الباري 2/291 .
(2) الميزان 1/20 الترجمة (39)
(3) الميزان 1/254 الترجمة (968)
(4) الميزان 4/381 الترجمة (9527) . و أنظر الاعتبار للحازمي ص160 .
(5) الفتح 2/291 .
(6) زاد المعاد 1/224 .
(7) ظفر الأماني ص405 و 407 .
(8) أخرجه ابن أبي شيبة 1/263 ، و الطحاوي 1/255 ، و البيهقي 2/100 .(6/101)
لكن هذا لا حجة لهم فيه و لا ينبغي أن تعل به الأحاديث الصحيحة ، فهو ضعيف جدا لتفرد عبد الله بن سعيد المقبري به فهو متروك .
قال ابن معين : ليس بشيء ، و قال الفلاس : منكر الحديث متروك ، و قال يحيى بن سعيد : استبان لي كذبه ، و قال الدار قطني : متروك ذاهب الحديث ، و قال البخاري : تركوه .(1)
ثم أن حديث وضع اليدين قبل الركبتين ، له شاهد موقوف من طريق نافع ، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان اذا سجد بدأ بوضع يديه قبل ركبتيه ، و كان يقول :((كان النبي صلى الله عليه و سلم يصنع ذلك)) (2) .
نموذج للاعلال بالتصحيف و التحريف
يحصل لبعض الرواة أوهام تقع في السند أو في المتن بتغيير النقط أو الشكل أو الحروف .
و هذا النوع من الخطأ يسمى عند المحدثين بـ ((التصحيف و التحريف)) . و معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث له أهمية كبيرة ؛ و ذلك لما فيه من تنقية الأحاديث النبوية مما شابها في بعض الألفاظ سواء كان في متونها أو في رجال أسانيدها .
__________
(1) الميزان 2/429 الترجمة (4353) ،و مما ينبغي التنبيه اليه : ان الامام الطحاوي 1/255 أعل حديث الأعرج عن أبي هريرة بحديث عبد الله بن سعيد المقبري وقد بان لك ما فيه ، ومنهم : من جعل هذا اضطرابا و ليس الأمر كذلك فان من شرط الاضطراب استواء وجوه الاختلاف و لا تعل الرواية الصحيحة بالضعيفة .
(2) أخرجه أبو داود كما في تحفة الأشراف (8030) ، وابن خزيمة (627) ، و الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/254 ، و الدار قطني 1/344 ، و الحاكم 1/226 ، و صححه ، و لم يتعقبه الذهبي ، و علقه البخاري (2/390 الفتح) مجزوما به ، لكن الجزء المرفوع منه لم يرد عند البخاري و لا الدار قطني ، و قال البيهقي عن هذه الزيادة المرفوعة :((و لا أراه الا وهما )) السنن الكبرى 2/100 و لم يعقب عليه الحافظ ابن حجر 2/291 .(6/102)
و هذا الفن فن جليل لما يحتاج اليه من الدقة و الفهم و اليقظة ، و لم ينهض به الا الحفاظ الحاذقون ؛ فقد عني به المحدثون و بضبطه . و فائدة معرفة هذا الفن معرفة المراد من الكلمات المصحفة قبل تصحيفها(1).
و التصحيف في اللغة : تغير اللفظ حتى يتغير المراد ، و يقال :صحفه فتصحف . أي : غيره فتغير حتى التبس (2) . و هو مشتق من الصحيفة ؛ لأن من ينقل كذلك و يغير يقال : أنه قد صحف : أي قد روى من الصحف فهو مصحف ، و مصدره التصحيف (3) .
و التصحيف في اصطلاح المحدثين : تحويل الكلمة في الحديث من الهيئة المتعارفة الى غيرها (4).
و التصحيف و التحريف مترادفان ، و يطلقان على معنى واحد ،الا أن الحافظ ابن حجر فرق بينهما تفريقا حسنا ، فقال :((و ان كانت المخالفة بتغير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق ،فان كان ذلك بالنسبة الى النقط فالمصحف ، و ان كان بالنسبة الى الشكل فالمحرف)) (5) .
و السبب في وقوع التصحيف و الاكثار منه انما يحصل غالبا للآخذ من الصحف و بطون الكتب ، دون تلق للحديث عن أستاذ من ذوي الاختصاص ؛ لذلك حذر أئمة الحديث من الأخذ عمن هذا شأنه ، و قالوا :((لا يؤخذ الحديث من صحفي)) (6) .
ثم أن التصحيف اذا صدر من الراوي نادرا لا يعاب عليه به و لا يطعن فيه ، لكن اذا كثر منه دل على ضعفه لأنه ليس من أهل الشأن ؛ لذا قال الامام أحمد بن حنبل :((و من يعرى عن الخطأ و التصحيف )) (7).
و التصحيف يكون في السند و يكون في المتن :
و ما كان في السند :هو ما حصل فيه تغيير في ضبط رجل أو أكثر من رجال السند مثل : جواب التيمي ،قرأه بعضهم :جراب ، و أبي حرة ، قرأه بعضهم أبو جرة (8) .
__________
(1) علوم الحديث ص250 ، منهج النقد ص444 .
(2) المصباح المنير 1/358 .
(3) فتح المغيث 3/68
(4) فتح المغيث 3/68 .
(5) نزهة النظر ص49 .
(6) فتح المغيث 3/68 .
(7) علوم الحديث 252 ، فتح المغيث 3/68 .
(8) فتح المغيث 3/70 .(6/103)
و التصحيف في المتن : هو ما كان فيه تغيير لبعض الفاظ المتن . مثاله : ما روي عن الدار قطني : أن أبا موسى العنزي حدث بحديث النبي صلى الله عليه و سلم :((لا يأتي أحدكم يوم القيامة ببقرة لها خوار )) ، فقال فيه :((أو شاة تنعر)) بالنون ، و انما هو :((تيعر)) ، بالياء (1).
__________
(1) الجامع لأخلاق الراوي 1/295 ، علوم الحديث ص254 .(6/104)
الخاتمة في خلاصة نتائج البحث
اقرب المعاني اللغوية لمعنى العلة في اصطلاح المحدثين هو : المرض ؛ وذلك لأن الحديث الذي ظاهره الصحة اذا اكتشف الناقد فيه علة قادحة ، فإن ذلك يمنع من الحكم بصحته.
ان تقييد العلة بكونها خفية قيد اغلبي ، فإن المحدثين اذا تكلموا عن العلة باعتبار إن خلو الحديث منها يعد قيداً لابد منه لتعريف الحديث الصحيح ، فإنهم في هذه الحالة يطلقون العلة ويريدون بها المعنى الاصطلاحي الخاص، وهو السبب الخفي القادح واذا تكلموا في نقد الحديث بشكل عام فإنهم في هذه الحالة يطلقون العلة ويريدون بها السبب الذي يعل به الحديث سواء كان خفيا او ظاهراً ، قادحاً او غير قادح، وهذا له نظائرعند المحدثين.
العلة بالمعنى الاصطلاحي الخاص لا تعرف إلا بجمع الطرق والموازنة والنظر الدقيق في اسانيد الحديث ومتونه.
ان معرفة الخطأ في حديث الضعيف يحتاج الى دقة وجهد كبير كما هو الحال في معرفة الخطأ في حديث الثقة.
التفرد بحد ذاته ليس علة ، وانما يكون احياناً سبباً من اسباب العلة. ويلقي الضوء على العلة ويبين ما يكمن في اعماق الرواية من خطأ او وهم.
المجروحون جرحاً شديداً - كالفساق والمتهمين والمتروكين - لا تنفعهم المتابعات إذ ان تفردهم يؤيد التهمة عند الباحث الناقد الفهم.
الحديث الضعيف اذا تلقاه العلماء بالقبول فهو مقبول يعمل به ولا يسمى صحيحاً.
علم العلل كالميزان لبيان الخطأ والصواب والصحيح والمعوج.
قد تعل بعض الاحاديث بالمعارضة اذا لم يمكن الجمع ولا التوفيق.
الشك ليس علة في الحديث ، لكن قد يتوقف العلماء في كلمة او لفظة يقع فيها الشك.
زيادة الثقة مقبولة ما لم يقم دليل او ترجح القرينة ردها.(7/1)
علل المتن في الغالب آتية مما اشترط الفقهاء للعمل بخبر الآحاد، وكثير منها يعود للترجيح، بمعنى ان بعض الفقهاء يرجح العمل بالدليل المعارض عنده على العمل بخبر الآحاد، وذلك كرد بعض الفقهاء خبر الآحاد كإن يكون وارداً فيما تعم فيه البلوى، او خالفت فتيا الصحابي الحديث الذي رواه، وكتقديم بعض العمل بالقواعد العامة او عمل اهل المدينة على العمل بخبر الآحاد عند المعارضة، وقد انتهيت في غالب ذلك في ترجيح ما ذهب اليه جمهور العلماء في هذه القضايا.
لما تقدم يبدو لي من المهم جداً تشجيع الدراسات التي تربط بين الفقه ومصادره، وخصوصاً تلك التي تربط بينه وبين علوم الحديث المختلفة.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
والتابعين لهم بإحسان الى يوم الدين
تم بحمد الله
الفراغ من طباعة هذا البحث يوم الاثنين الموافق
16 محرم 1420هـ
الموافق ليوم 3/5/1999م(7/2)
فهرس المصادر
القرآن الكريم
1- كتب التفسير و علومه .
2- كتب الحديث و علومه .
3- كتب الفقه
4- كتب اصول الفقه و تاريخ التشريع
5- كتب علم الكلام
6- كتب التاريخ و الانساب , و الطبقات , و الرجال .
7- كتب اللغة و الأدب و المصطلحات .
8- الرسائل الجامعية .
9- كتب متنوعة .
كتب التفسير و علومه
1-أحكام القرآن
الجصاص - ابو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي (ت 370 هـ )
نشر دار الكتاب العربي بيروت .
2-احكام القرآن
ابن العربي - أبو بكر محمد بن عبد الله المالكي (ت 543 هـ)
تحقيق محمد علي البجاوي
دار الجيل -بيروت -لبنان
3-الاعتبار في الناسح و المنسوخ من الاخبار
للحازمي : ابي بكر محمد بن موسى بن عثمان
تحقيق محمد أحمد عبد العزيز
مكتبة عاطف القاهرة مصر
4-تفسير القرآن العظيم
ابن كثير - عماد الدين أبو الفداء اسماعيل بن جعفر القرشي الدمشقي (ت 774 هـ)
دار الفكر عمان .
5-جامع البيان عن تأويل آي القرآن .
لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري(224-310).
تحقيق احمد محمد شاكر و محمود محمد شاكر
دار المعارف بمصر
6-الجامع لأحكام القرآن
لأبي عبد الله محمد بن احمد الأنصاري القرطبي (ت 671 هـ)
مطبوعات دار الشعب مصر .
كتب الحديث و علومه
7-اتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من اطراف الكتب العشرة .
العسقلاني : أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ)
قام بتحقيقه ةاخراجه لجنة من المختصين ، نشر الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة،
الطبعة الاولى،1992-1998 الاجزاء 1-14
8-أثر الحديث الشريف في اختلاف الفقهاء .
محمد عوامة
دار السلام للطباعة و النشر .
الطبعة الاولى 1398 هـ - 1978 م .
9-الاحسان في تقريب صحيح ابن حبان
لأبن بلبان : الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي
تحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط
الطبعة الاولى 1408 هـ - 1988 م .
مؤسسة الرسالة بيروت
10-احكام الأحكام شرح عمدة الأحكام
تقي الدين بن دقيق العيد (ت 702 هـ)
تحقيق محمد احمد شاكر(8/1)
عالم الكتب الطبعة الثانية 1987 م
11-اختصار علوم الحديث
لابن كثير مع شرحه الباعث الحثيث لأحمد محمد شاكر
الطبعة الثانية , مطبعة محمد علي صبيح و أولاده 1958م
12-الارشاد في معرفة علماء الحديث
لأبي يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي القزويني (367- 446 هـ)
تحقيق الدكتور عمر سعيد بن عمر ادريس
مكتبة الرشيد بالرياض .
13-ارواء الغليل في تخريج احاديث منار السبيل
تاليف : محمد ناصر الديل الالباني
المكتب الاسلامي
الطبعة الثانية 1405 هـ – 1985 م
14-أسباب اختلاف المحدثين
خلدون الأحدب
الدار السعودية للنشر و التوزيع
15-الاستذكار لمعرفة فقهاء الامصار فيما تضمنه الموطأ في معاني الرأي والآثار
لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (ت 463 هـ)
تحقيق : علي النجدي ناصف
القاهرة - المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية 1391 هـ – 1971 م .
16-أصول الحديث علومه و مصطلحه
الدكتور : محمد عجاج الخطيب
دار الفكر الحديث - لبنان
الطبعة الاولى 1386 هـ – 1967 م
17-اعلاء السنن
للتهانوي
تحقيق محمد تقي عثمان
مكتبة دار العلوم كراتشي باكستان
18-أعلام المحدثين
محمد محمد أبو شهبة
مركز كتب الشرق الأوسط - مصر
19-الاغتباط لمعرفة من رمي بالاختلاط .
سبط ابن العجمي الحافظ ابراهيم بن محمد بن خليل (ت 841 هـ)
مطبوع ضمن ثلاث رسائل في الحديث .
20-ألفية السيوطي في علم الحديث
تصحيح و شرح أحمد محمد شاكر
الناشر دار المعرفة للطباعة و النشر
بيروت لبنان (و اليها العزو عند الاطلاق)
21-ألفية السيوطي في علم الحديث
تصحيح و شرح محمد محي الدين عبد الحميد , القاهرة
22-الاقتراح في بيان الاصطلاح .
تقي الدين بن دقيق العيد (ت 702 هـ)
دراسة و تحقيق الدكتور قحطان عبد الرحمن الدوري
مطبعة الارشاد بغداد 1402 هـ – 1982 م
23-الالماع الى معرفة أصول الرواية و تقييد السماع
للقاضي عياض بن موسى اليحصبي (ت 544 هـ)
تحقيق سيد احمد صقر(8/2)
دار التراث
الطبعة الاولى 1389 هـ - 1970 م .
24-الامام الزهري و أثره في السنة
الدكتور حارث سليمان الضاري
مطبعة جامعة الموصل 1985 م
25-الامام الترمذي و الموازنة بين جامعه و الصحيحين
الدكتور نور الدين عتر
مطبعة لجنة التاليف و النشر
26-أوجز المسالك الى موطأ مالك
محمد زكريا الكاندهلوي
دون اشارة لمكان الطبع أو تاريخه
27-البحر الزخار المعروف بمسند البزار
للامام ابي بكر احمد بن عمرو بن عبد الخالق العتكي البزار (ت 292هـ)
تحقيق محفوظ الرحمن زين الله
مؤسسة علوم القرآن
الطبعة الاولى،1998م الاجزاء 1-3
28-بحوث في تاريخ السنة
الدكتور اكرم ضياء العمري
الطبعة الرابعة 1984 م
(دون الاشارة لمكان الطبع او تاريخه)
29-بذل المجهود في حل أبي داود
خليل احمد السهار نفوري (ت 1346 هـ)
دار الكتب العلمية , بيروت , لبنان
30-بلغة الأريب
محمد مرتضى الحسيني الزبيدي (ت 1205 هـ)
تحقيق عبد الفتاح أبو غدة
مكتب المطبوعات الاسلامية بحلب
31-تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي
المباركفوري : محمد بن عبد الرحمن (ت 1353 هـ)
تصحيح و مراجعة عبد الوهاب عبد اللطيف
دار الفكر , بيروت 1399 هـ – 1979 م
32-تحفة الاشراف بمعرفة الأطراف
للامام الحافظ جمال الدين أبي الحجاج يوسف بن زكي الدين عبد الرحمن بن يوسف المزي (ت 742 هـ)
صححه و علق عليه عبد الصمد شرف الدين ,
دار القيمة الهند 1965 م
33-تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي
جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ)
حققه و راجع أصوله - عبد الوهاب عبد اللطيف
دار الكتب العلمية - بيروت لبنان
الطبعة الثالثة 1409 هـ – 1989 .
34-تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة
العسقلاني :أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ)
دار الكتاب العربي بيروت
35-تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس
لأبن حجر العسقلاني , و معه منظومة الذهبي , و منظومة أبي محمود المقدسي(8/3)
كلاهما في ذكر المدلسين , و الثلاثة بتحقيق الدكتور عاصم القريوتي
الطبعة الأولى , مكتبة المنار بالاردن .
36-التعليق المغني على الدار قطني
للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي
مطبوع بذيل سنن الدار قطني
مكتبة المتنبي بالقاهرة
37-التقريب
لمحي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ)
مطبوع مع التدريب .
38-التقييد و الايضاح شرح مقدمة ابن الصلاح
العراقي : زين الدين عبد الرحيم الحسين العراقي (ت 806 هـ)
تحقيق : عبد الرحمن محمد عثمان
المكتبة السلفية بالمدينة المنورة
الطبعة الاولى 1989 هـ – 1969 م
39-تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير
للحافظ أبي الفضل شهاب أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)
تحقيق الدكتور . شعبان محمد اسماعيل
مكتبة ابن تيمية القاهرة
40-تلخيص المستدرك
لأبي عبد الله محمد بن احمد الذهبي (ت 748 هـ)
مطبوع بذيل المستدرك .
41-التمييز
للامام أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261 هـ)
مطبوع مع كتاب (منهج النقد عند المحدثين , نشأته و تاريخه ) للدكتور محمد مصطفى الأعظمي
الطبعة الثانية 1402 هـ شركة الطباعة العربية السعودية المحدودة , الرياض
42-تنقيح الأنظار في علوم الآثار
للحافظ محمد بن ابراهيم بن علي الصنعاني المشهور بابن الوزير (ت 840 هـ)
مطبوع مع توضيح الأفكار
43-تنقيح التحقيق في احاديث التعليق
للحافظ شمس الدين محمد بن احمد بن عبد الهادي (ت 744 هـ)
دراسة و تحقيق الدكتور عامر حسن صبري
المكتبة الحديثة - الامارات العربيةالمتحدة
الطبعة الاولى 1409 هـ –1989 م
44-التنكيل لما ورد في تأنيب الكوثري من الأباطيل
للشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (1386 هـ)
تحقيق محمد ناصر الدين الالباني و محمد عبد الرزاق حمزة
دار الكتب السلفية ,مؤسسة علمية لطباعة الكتاب الاسلامي - القاهرة
توزيع دار الباز , عباس احمد الباز مكة المكرمة .
45-تهذيب سنن ابي داود(8/4)
لأبن القيم الجوزية
تحقيق احمد شاكر , و محمد حامد الفقي
مطبعة أنصار السنة المحمدية , القاهرة 1367 هـ
46-توثيق السنة في القرن الثاني الهجري أسسه و اتجاهاته
الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب
مكتبة الخانجي - مصر
الطبعة الأولى 1400 هـ – 1981 م
47-توجيه النظر الى أصول الأثر
طاهر بن صالح بن احمد الجزائري (ت 1338 هـ)
دار المعرفة , بيروت
48-توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار
محمد بن اسماعيل الأمير الصنعاني (ت 1182 هـ)
تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد
الطبعة الأولى عام 1366 هـ
مطبعة السعادة , بجوار محافظة مصر .
49-تيسير مصطلح الحديث
الدكتور محمود الطحان
الطبعة الثانية 1398 هـ – 1978 م
50-ثلاث رسائل في علوم الحديث
تحقيق و تعليق علي حسن علي عبد الحميد
الزرقاء الاردن
51-جامع الأصول في احاديث الرسول صلى الله عليه و سلم
لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري (ت 606 هـ)
تحقيق عبد اقادر الارناؤوط
مطبعة الملاح
الطبعة الاولى 1969م
52-جامع الترمذي
لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة (ت 279 هـ)
تحقيق احمد محمد شاكر
دار الكتب العلمية بيروت 1987 م
53-جامع التحصيل في احكام المراسيل
العلائي - صلاح الدين أبو سعيد بن خليل كيكلدي العلائي (694-761هـ)
تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي
عالم الكتب النهضة الطبعة الثانية 1407 هـ – 1986 م
54-الجامع الصحيح
محمد بن اسماعيل البخاري (ت 256 هـ)
دار الفكر , بيروت (و هي التي احلنا لها بالجزء و الصفحة أما الرقم فهو من الفتح)
55-الجامع الصحيح
مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري (ت 261 هـ) .
طبعة استانبول المحققة المطبوعة عام 1329 هـ (و هي التي احلنا اليها بالجزء و الصفحة)
56-الجامع الصحيح
مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري
تحقيق و ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي
دار الحديث القاهرة (و هي التي احلنا اليها بالرقم)
57-الجامع في الجرح و التعديل(8/5)
جمع و ترتيب مجموعة من المحققين
عالم الكتب
الطبعة الأولى 1992 م
58-الجامع لأخلاق الراوي و آداب السامع
الخطيب البغدادي : أحمد بن علي بن ثابت (ت 463 هـ)
دراسة و تحقيق محمد رأفة
الطبعة الأولى 1401 هـ - 1981 م
الكويت مطبعة الفلاح .
59-جامع بيان العلم و فضله , و ما ينبغي في روايته و حمله
لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي (ت 463 هـ)
تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان
الناشر : المكتبة السلفية بالمدينة المنورة
مطبعة العاصمة بالقاهرة
الطبعة الثانية سنة 1968 م
60-جزء رفع اليدين
محمد بن اسماعيل البخاري (ت 256 هـ)
نشر دار الآرقم الكويت
61-جزء فيه طرق حديث :((طلب العلم فريضة على كل مسلم))
تخريج جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ)
تحقيق علي حسن علي عبد الحميد
دار عمار
الطبعة الاولى 1408 هـ – 1988 م
62-جزء القراءة خلف الامام
محمد بن اسماعيل البخاري (ت 256 هـ)
نشر دار الحديث القاهرة
63-جواهر الأصول في علم حديث الرسول صلى الله عليه و سلم
للامام أبي الفيض محمد بن محمد علي فارسي (ت 837 هـ)
تحقيق أبي المعالي القاضي أطهر المباركفوري
المطبعة الهندية العربية - بومباي الهند (1393 هـ – 1972 م)
64-الجوهر النقي في الرد على البيهقي
ابن التركماني - علاء الدين بن علي بن عثمان (ت 745 هـ)
مطبوع هامش السنن الكبرى للبيهقي .
65-حاشية برهان الدين ابي الوفا ابراهيم بن محمد سبط ابن العجمي(ت841هـ) على الكاشف للذهبي مطبوع بذيل الكاشف
بتحقيق الشيخ محمد عوامة واحمد محمد نمر
شركة دار القبلة، مؤسسة علوم القرآن 1992م-1413هـ.
66-حاشية لقط الدرر بشرح متن نخبة الفكر
عبد الله بن حسين خاطر السمين العدوي المالكي الأزهري , انتهى منها سنة1309 هـ
مطبعة مصطفى البابي الحلبي و أولاده , بمصر
الطبعة الأولى 1938م(8/6)
67-حاشية الشيخ عطية الاجهوري الشافعي الأزهري (ت 1190 هـ) على شرح سيدي محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني (ت 1122 هـ) على المنظومة المسماة بالبيقونية في مصطلح الحديث لعمر بن محمد بن فتوح البيقوني الدمشقي الشافعي (ت 1080 هـ)
مطبعة دار احياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي
68-الخلاصة في أصول الحديث
للحسين بن عبد الله الطيبي (ت 743 هـ)
تحقيق الشيخ صبحي السامرائي
مطبعة الارشاد بغداد
69-الدراية في تخريج أحاديث الهداية
العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ)
مطبعة الفجالة الجديدة مصر
(1384هـ-1964م)
70-دلائل النبوة و معرفة أصول صاحب الشريعة
لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (384-458هـ)
تحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي
دار الكتب العربية بيروت
الطبعة الأولى 1985 م
71-دلائل النبوة
لأبي نعيم الاصبهلتي (430هـ)
حففه محمد رواس قلعجي وعبد البر عباس
دار النفائس
الطبعة الثانية 1986م
72-الديباج المذهب
للجرجاني - علي بن محمد بن علي الجرجاني (ت 816 هـ)
تحقيق الدكتور عبد الغفار سليمان
دار الحديث خلف الجامع الأزهر
73-رسالة في اصول الحديث
الجرجاني : علي بن محمد بن علي
تحقيق الدكتور علي زوين
دار الرشيد الرياض
74-الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة
لأبي جعفر محمد بن جعفر الكتاني (ت 1345 هـ)
الطبعة الأولى دار الكتب العلمية , بيروت لبنان , عن الطبعة الأولى 1332هـ
75-الروض الداني الى المعجم الصغير للطبراني (260 - 360 هـ)
تحقيق محمد شكور الحاج
المكتب الاسلامي , بيروت ,
دار عمار الاردن
الطبعة الأولى 1985 م
76-الرفع و التكميل في الجرح و التعديل
اللكنوي : أبو الحسنات محمد عبد الحي (1264 – 1304هـ) .
تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة
الطبعة الثالثة دار البشائر حلب 1407 هـ – 1987 م
77-سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام
محمد بن اسماعيل الكحلاني الصنعاني (ت 1182 هـ)
دار الفكر بيروت(8/7)
78-السنة و مكانتها في التشريع الاسلامي
الدكتور مصطفى السباعي
الطبعة الأولى 1380 هـ - 1961 م
مكتبة دار العروبة القاهرة
79-السنن الأبين و المورد الأمعن في المحاكمة بين الامامين في السند المعنعن
تحقيق الدكتور محمد بن الحبيب بن الخوجة
الدار التونسية للنشر و التوزيع 1397 هـ – 1977 م
80-السنن
أبو داود : سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 هـ)
تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد
دار احياء التراث العربي بيروت
81-السنن
ابن ماجه : أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت 275 هـ)
تحقيق و ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي
دار الحديث , القاهرة 1982 م
82-السنن
لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي(ت 255 هـ)
طبعة شركة الطباعة الفنية المتحدة - القاهرة
83-السنن
سعيد بن منصور (ت227هـ)
تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي
طبع الهند 1387 هـ
84-السنن
للحافظ علي بن عمر الدارقطني (ت 385 هـ)
مكتبة المتنبي بالقاهرة
85-السنن (المجتبى)
النسائي :أحمد بن شعيب (ت 303)
بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي و حاشية الامام السندي
الدار المصرية اللبنانية 1407 هـ – 1987 م
86-السنن الكبرى
النسائي : أحمد بن شعيب (ت 303 هـ)
تحقيق الدكتور عبد الغفار سليمان البنداري , و سيد كسروي حسن
دار الكتب العلمية , بيروت , لبنان
الطبعة الأولى 1411 هـ – 1991 م
87-السنن الكبرى
البيهقي , أحمد بن الحسين (ت 458 هـ)
الطبعة الأولى - مطبعة دائرة المعارف النظامية في الهند 1344 هـ
88-سير أعلام النبلاء
الذهبي : شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 هـ)
تحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط بالاشتراط مع جماعة
الطبعة الأولى 1406 هـ – 1986 م
89-شرح البيقونية
محمد بن صالح بن عثيمين
اعتنى به وحققه ابو عبد الله سيد بن عباس الجليمي
مكتبة السنة ، القاهرة
الطبعة الاولى 1415هـ-1995م
90-شرح التبصرة و التذكرة
و هي شرح ألفية العراقي , للحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت 806 هـ)(8/8)
تحقيق محمد بن الحسين العراقي الحسيني
دار الكتب العلمية , بيروت
91-شرح الزرقاني على الموطأ (رواية يحيى الليثي)
لأبي عبد الله محمد بن الشيخ عبد الباقي (ت 1122 هـ)
مطبعة مصطفى محمد بمصر .
1355 هـ – 1936 م
92-شرح السنة
لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي (ت 516 هـ)
تحقيق شعيب الارناؤوط , و زهير الشاويش
المكتب الاسلامي , بيروت لبنان 1400 هـ – 1980 م
93-شرح علل الترمذي
ابن رجب - زين الدين عبد الرحمن بن احمد بن رجب البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي (ت 795 هـ)
تحقيق و دراسة الدكتور الدكتور همام عبد الرحيم سعيد
الاردن , الطبعة الأولى 1407 هـ – 1987 م (و اليها العزو عند الاطلاق)
94-شرح علل الترمذي
لابن رجب تحقيق الشيخ صبحي جاسم البدري السامرائي
وزارة الاوقاف العراقية
مطبعة العاني بغداد 1396 هـ
95-شرح علي القاري الهروي بن سلطان محمد (ت 1014) على نزهة النظر شرح نخبة الفكر و نخبة الفكر و شرحه نزهة النظر كلاهما لاحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)
دار الكتب العلمية بيروت 1978 م , و هي طبعة مصورة على الطبعة المطبوعة في استانبول سنة : 1327 هـ
96-شرح صحيح مسلم
لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي ( ت 676 هـ)
تحقيق عبد الله أحمد أبي زينة
دار الشعب - مصر
97-شرح معاني الآثار
الطحاوي - أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي
المصري الحنفي (229-321 هـ)
تحقيق محمد سيد جاد الحق
مطبعة الأنوار المحمدية، مصر
98-شرف أصحاب الحديث
الخطيب :أبو بكر أحمد بن علي البغدادي (ت 463 هـ)
تحقيق الدكتور محمد سعيد خطيب أوغلي
مطبعة جامعة أنقرة 1971 م
99-صحيح ابن خزيمة
للامام ابي بكر محمد بن اسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (ت 311 هـ)
تحقيق الدكتور مصطفى الأعظمي , تخريج محمد ناصر الدين الألباني
المكتب الاسلامي , بيروت
الطبعة الأولى 1391 هـ – 1971 م
100-صحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة(8/9)
تحقيق رفعت فوزي عبد المطلب
الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة
الطبعة الاولى 1406 هـ – 1985 م
101-صيانة صحيح مسلم من الاخلال و الغلط و حمايته من الاسقاط و السقط للامام الحافظ المحدث أبي عمرو بن الصلاح (ت 643 هـ)
دراسة و تحقيق موفق عبد الله بن عبد القادر
دار الغرب الاسلامي 1404 هـ – 1984 م
102-ضوء القمر على نخبة الفكر
محمد علي احمدين
دار المعارف- مصر الطبعة الثانية 1378 هـ – 1958
103-ظفر الأماني في مختصر الجرجاني
للامام أبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي (1264- 1304 هـ).
تحقيق الدكتور تقي الدين الندوي
دار القلم للنشر و التوزيع الامارات المتحدة
الطبعة الأولى 1995 م
104-طرح التثريب
العراقي - زين الدين عبد الرحيم بن الحسين (ت 806 هـ)
دار احياء التراث العربي
بيروت , لبنان .
105-طليعة التنكيل
المعلمي اليماني (ت 1386 هـ)
مطبوع مع التنكيل
106-عارضة الأحوذي بشرح جامع الترمذي
لأبن العربي المالكي (ت 543 هـ)
دار العلم للجميع
107-علل الحديث
للامام ابي محمد عبد الرحمن الرازي الحافظ ابن الامام أبي حاتم محمد بن ادريس بن المنذر (ت 327 هـ)
مكتبة المثنى بغداد
108-العلل الكبير
للترمذي محمد بن عيسى بن سورة (ت 279 هـ)
ترتيب أبي طالب القاضي
تحقيق الدكتور حمزة ذيب
مكتبة الاقصى
الطبعة الاولى ، 1406هـ ، عمان
109-العلل ومعرفة الرجال
احمد بن حنبل (ت241هـ) برواية ابنه عبدالله
تحقيق طلعت قوج بيكت والدكتور اسماعيل جراخ اوغلي
المكتبة الاسلامية، استانبول
110-العلل الواردة في الأحاديث النبوية
الدار قطني : علي بن عمر (ت 385 هـ)
تحقيق الدكتور محفوظ الرحمن زين الله الأجزاء 1-11
دار طيبة , الرياض
الطبعة الاولى 1985 م
111-علوم الاسناد من السنن الكبرى دراسة و نقد
تاليف الدكتور نجم عبد الرحمن خلف
دار الراية للنشر و التوزيع
الطبعة الأولى 1409 هـ – 1989 م
112-علوم الحديث
لأبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري (ت 643 هـ)(8/10)
حققه و خرج أحاديثه نور الدين عتر
الناشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة 1386 - 1966 م
113-عمدة القاري شرح صحيح البخاري
العيني - بدر الدين محمود بن أحمد (ت 855 هـ)
مصورة بيروت عن الطبعة المنيرية بمصر
114-عون المعبود شرح سنن أبي داود
لأبي عبد الرحمن شرف الحق الشهير بمحمد أشرف ابن أمير بن علي بن حيدر الصديقي العظيم آبادي
عني بنشره الحاج حسن ايران
صاحب دار الكتاب العربي بيروت , لبنان , و هي طبعة مصورة عن الطبعة الهندية الحجرية
115-عيون الأثر في فنون المغازي و السير
لمحمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري (ت 734 هـ)
طبعة دار المعرفة , بيروت
116-فتح الباري شرح صحيح البخاري
العسقلاني :أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ)
ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي صححه و حققه عبد العزيز بن باز
دار الفكر ببروت لبنان 1379 هـ
117-فتح الباقي على ألفية العراقي
للحافظ أبي زكريا بن محمد الأنصاري (ت 925 هـ)
تحقيق محمد بن الحسين العراقي
طبع بذيل شرح التبصرة و التذكرة
دار الكتب العلمية بيروت , لبنان .
118-فتح المغيث شرح ألفية الحديث
السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902 هـ)
تحقيق عبد الرحمن بن محمد عثمان
الطبعة الثانية 1388 هـ – 1968 م
119-فضائل القرآن
النسائي - أحمد بن شعيب (ت 303 هـ)
تحقيق الدكتور فاروق حمادة
مطبعة النجاح الجديدة , الدار البيضاء , المغرب سنة 1400 هـ
120-فيض القدير شرح الجامع الصغير
المناوي- محمد عبد الرؤوف (ت 1031 هـ)
و الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت 911 هـ)
دار المعرفة , بيروت , لبنان
الطبعة الثانية 1391 هـ – 1972 م
121-قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث
القاسمي - محمد جمال الدين
دار الكتب العلمية
الطبعة الأولى 1399 هـ – 1979 م
122-قواعد في علوم الحديث
ظفر أحمد التهانوي (ت 1394 هـ)
تحقيق عبد الفتاح ابو غدة(8/11)
مكتب المطبوعات الاسلامية , حلب الشهباء
الطبعة الخامسة 1404 هـ – 1984 م
123-كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب السنة
الهيثمي - نور الدين علي بن أبي بكر (735 – 807هـ)
تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي
الطبعة الثانية 1404 هـ – 1984 .
124-الكفاية في علم الرواية
الخطيب البغدادي - أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت (ت 463 هـ)
دار الكتب العلمية , بيروت لبنان
125-اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة
جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ)
نشر المكتبة التجارية بمصر
126-لمحات في أصول الحديث
الدكتور محمد أديب صالح
المكتب الاسلامي , بيروت الطبعة الثانية 1393 هـ
127-ما لا يسع المحدث جهله
الميانشي - أبو حفص عمر بن عبد المجيد (ت 581 هـ)
تحقيق الشيخ صبحي السامرائي
شركة الطبع و النشر الاهلية بغداد 1967 م
128-مجمع الزوائد و منبع الفوائد
الهيثمي - نور الدين علي بن ابي بكر
الطبعة الثانية 1402 هـ - 1982 م
دار الكتاب العربي , بيروت , لبنان .
129-محاسن الاصطلاح
البلقيني - سراج الدين عمر البلقيني . مطبوع مع مقدمة ابن صلاح
تحقيق الدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطيء
مطبعة دار الكتب 1974 م
130-المحدث الفاصل بين الراوي و الواعي
القاضي الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (ت 360 هـ)
تحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب
دار الفكر , الطبعة الأولى بيروت 1971 م
131-المختصر في علم الأثر
محي الدين الكافيجي (ت 879 هـ)
تحقيق الدكتور علي زوين
دار الرشيد الرياض 1407 هـ – 1987 م
132-المراسيل
عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن ادريس الحنظلي الرازي (240- 327هـ)
بعناية شكر الله نعمة الله قوجاني
مؤسسة الرسالة
الطبعة الثانية 1402 هـ – 1982 م
133-مسائل الامام أحمد رواية ابنه عبد الله (213-290هـ)
تحقيق و دراسة الدكتور علي سليمان المهنا
مكتبة الدار القيمة بالمدينة المنورة
الطبعة الأولى 1406 هـ – 1986 م
134-المستدرك على الصحيحين(8/12)
للامام الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري محمد بن عبد الله (ت 405 هـ)
و بذيله تلخيص المستدرك لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن احمد الذهبي (ت 748 هـ)
الناشر مكتب المطبوعات الاسلامية حلب , طبع بيروت شركة علاء الدين
135-المسند
محمد بن ادريس الشافعي (ت 204هـ)
دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان
136-المسند
للحافظ الكبير سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي الفارسي البصري أبي داود الطيالسي (ت 204 هـ)
دار المعرفة , بيروت , لبنان
137-المسند
أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي (ت 219 هـ)
تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي
توزيع دار الباز مكة المكرمة
138-المسند
احمد بن حنبل الشيباني (ت 241 هـ)
تحقيق الشيخ احمد محمد شاكر
دار المعارف القاهرة 1949 م
139-المسند , و بهامشه منتخب كنز العمال
احمد بن حنبل (ت 241 هـ)
دار الفكر العربي
140-المسند
أحمد بن حنبل (ت 241 هـ)
تحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط , بالاشتراك مع جماعة مؤسسة الرسالة
الطبعة الأولى 1993 - 1998 م الأجزاء 1-25
141-المسند الجامع
الدكتور بشار عواد معروف بالاشتراك مع جماعة دار الجيل
بيروت , لبنان , الطبعة الأولى 1993 م
142-المسند
للحافظ الكبير أبي عوانة يعقوب بن اسحاق (ت 310 هـ)
حيدر آباد الهند 1966 م
143-المسند
لابي سعيد الهيثم بن كليب الشاشي (ت235هـ)
تحقيق محفوظ الرحمن زين الله
مكتبة العلوم والحكمة
المدينة المنورة
الطبعة الاولى، 1410هـ
144-المسند
للامام الحافظ احمد بن علي بن المثنى التيمي أبي يعلى 210-307
تحقيق و تخريج حسين سليم أسد
دار المأمون للتراث
الطبعة الأولى 1407 هـ – 1987 م
145-مشكل الآثار
لابي جعفر احمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (ت321هـ)
تحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط
مؤسسة الرسالة
الطبعة الاولى 1994م (وهي الطبعة التي اشرنا اليها بالرقم)
146-مشكل الآثار
لأبي جعفر الطحاوي(8/13)
الطبعة الأولى سنة 1333 هـ بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية في الهند (وهي التي احلنا اليها بالجزء والصفحة)
147-مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه
احمد بن ابي بكر بن اسماعيل البوصيري
مخطوطة مصورة عن نسخة الشيخ شعيب الارناؤوط المحفوظة في حلب، سوريا.
148-المصنف
لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 هـ)
تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي
مطابع دار القلم
بيروت 1390 هـ – 1970 م
149-المصنف
لأبي بكر عبد الله بن ابراهيم بن عثمان المشهور بابن ابي شيبة (ت 235 هـ)
المطبعة العزيزية حيدر آباد الدكن
الهند 1386 هـ
150-المصنوع في معرفة الحديث الموضوع (و هو الموضوعات الصغرى)
لعلي القاري الهروي المكي (ت 1014 هـ)
تحقيق و تعليق عبد الفتاح أبو غدة
مؤسسة الرسالة
الطبعة الثانية 1978 م
151-المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية
العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ)
تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي
نشر وزارة الاوقاف الكويتية
152-معالم السنن
الخطابي - أبو سليمان حمد بن محمد البستي (ت 388 هـ)
الطبعة العلمية بحلب
الطبعة الأولى 1351 هـ – 1932 م
153-المعجم الأوسط
الطبراني - أبو القاسم سليمان بن أحمد (260-360هـ)
تحقيق محمود الطحان
مكتبة المعارف - الرياض
الطبعة الأولى
154-المعجم الكبير
الطبراني - أبو القاسم سليمان بن أحمد (260-360هـ)
تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي
الطبعة الثانية
وزارة الاوقاف و الشؤون الدينية , الجمهورية العراقية 1408 هـ - 1988 م
مطابع الزهراء بالموصل
155-معرفة السنن و الآثار
للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت 458 هـ)
تحقيق سيد أحمد صقر
طبع بالقاهرة المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية
156-معرفة علوم الحديث
للحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري (ت 405 هـ)
تعليق معظم حسين
منشورات دار الآفاق الجديدة
بيروت الطبعة الثالثة 1979 م(8/14)
157-المقاصد الحسنة في بيان كثير من الاحاديث المشتهرة على الألسنة
تأليف محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902 هـ)
صححه و علق عليه عبد الله محمد الصديق
الناشر مكتبة الخانجي بمصر , و مكتبة المثنى
بغداد 1375 هـ – 1956 م
158-المقترح في أجوبة بعض اسئلة المصطلح
مقبل بن هادي الوادعي
مكتبة دار القدس , صنعاء اليمن
الطبعة الأولى 1991 م - 1411 هـ
159-المنار المنيف في الصحيح و الضعيف
لابن قيم الجوزية (ت 752 هـ)
تحقيق عبد الفتاح أبو غدة
الناشر مكتب المطبوعات الاسلامية بحلب
الطبعة الثانية 1983
160-مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة و الضعيفة
تاليف الدكتور المرتضى الزين أحمد
مكتبة الرشيد الرياض
الطبعة الأولى 1415 هـ – 1994 م
161-المنتخب من مسند عبد بن حميد
للامام الحافظ أبي محمد عبد بن حميد (ت 249هـ)
تحقيق الشيخ صبحي السامرائي و محمود محمد خليل
عالم الكتب , مكتبة النهضة الحديثة
الطبعة الأولى 1988 م
162-المنتقى شرح الموطأ
الباجي - أبو الوليد سليمان بن خلف (ت 494 هـ)
مطبعة السعادة بمصر
الطبعة الأولى 1332 هـ
163-المنتقى من السنن
ابن الجارود - أبو محمد عبد الله بن علي النيسابوري (ت 307 هـ)
مطبعة الفجالة الجديدة
مصر 1382 هـ – 1963 م
164-المنهج الاسلامي في الجرح و التعديل
الدكتور فاروق حمادة
مكتبة المعارف الرباط
الطبعة الأولى 1982 م
165-المنهج الحديث في علوم الحديث - قسم الرواة-
محمد محمد السماحي
منشورات المكتبة العصرية
بيروت صيدا
الطبعة الأولى
166-منهج النقد في علوم الحديث
الدكتور نور الدين عتر
دار الفكر , بيروت
الطبعة الثالثة 1401 هـ – 1981 م
167-المنهل الراوي من تقريب النواوي
محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ)
تحقيق و تعليق الدكتور مصطفى الخن
منشورات دار الملاح
168-المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي
ابن جماعة - بدر الدين محمد بن ابراهيم بن جماعة (ت 733 هـ)(8/15)
تحقيق الدكتور محي الدين عبد الرحمن رمضان
دار الفكر -دمشق سورية
الطبعة الثانية 1406 هـ – 1986 م
169-موارد الضمآن الى زوائد ابن حبان
نور الدين علي بن بكر الهيثمي (ت 807 هـ)
بتصحيح و نشر الشيخ محمد عبد الرحمن حمزة
طبع في المكتبة السلفية بالقاهرة
170-الموطأ
مالك بن أنس (ت 179 هـ)
رواية يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي (ت 244 هـ)
تحقيق الدكتور بشار عواد معروف
دار الغرب الاسلامي ,
الطبعة الاولى 1996 م (وهي الطبعة التي احلنا اليها غند الاطلاق)
171-الموطأ
مالك بن أنس
رواية أبي مصعب الزهري
تحقيق الدكتور بشار عواد معروف و محمود محمد خليل , بيروت 1992 م
172-الموطأ
مالك بن أنس
رواية سويد بن سعيد الحدثاني
تحقيق عبد المجيد التركي
دار الغرب الاسلامي 1995 م
173-الموطأ
مالك بن أنس
رواية محمد بن الحسن الشيباني
تحقيق و تعليق عبد الوهاب عبد اللطيف
المكتبة العلمية , (بدون تاريخ و لا مكان طبع)
174-الموضوعات
ابن الجوزي -أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (ت 597 هـ)
دار الفكر
الطبعة الثانية 1403 هـ – 1983 م
175-الموقظة في علم الحديث
الذهبي - شمس الدين محمد بن احمد (ت 748 هـ)
تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة
مكتب المطبوعات الاسلامية بحلب
176-نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر
العسقلاني - احمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ)
تعليق نور الدين عتر , المكتبة العلمية في المدينة المنورة
177-نصب الراية في تخريج احاديث الهداية
الزيلعي - أبو محمد عبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي (ت 762 هـ)
مع حاشية بغية الألمعي في تخريج الزيلعي
دار احياء التراث العربي , بيروت لبنان
الطبعة الثانية 1393 هـ – 1973م
178-النفح الشذي في شرح جامع الترمذي
تاليف محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري (ت 734 هـ)
دراسة و تحقيق , الدكتور أحمد معيد عبد الكريم
دار العاصمة بالرياض 1409 هـ
179-النكت على كتاب ابن الصلاح(8/16)
العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ)
تحقيق دراسة الدكتور ربيع بن هادي عمير
دار الراية للنشر و التوزيع
الطبعة الثانية 1408 هـ – 1988 م
180-نيل الأوطار من احاديث سيد الأخيار شرح منتقى الاخبار
الشوكاني - محمد بن علي بن محمد (ت 1255 هـ)
دار الجيل , بيروت لبنان
181-هدي الساري مقدمة فتح الباري
العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ)
تحقيق عبد العزيز بن باز و محمد فؤاد عبد الباقي , و قام باخراجه محب الدين الخطيب
دار الفكر 1379 هـ
كتب الفقه
الفقه الحنفي
182-الاختيار لتعليل المختار
لأبي الفضل مجد الدين عبد الله بن محمد الموصلي (ت 683 هـ)
تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد
الطبعة الرابعة مكتبة محمد علي صبيح و أولاده القاهرة 1964 م
183-البحر الرائق شرح كنز الدقائق
لابن نجيم زين الدين ابراهيم بن محمد (ت 970 هـ)
الناشر دار المعرفة , بيروت الطبعة الثانية
184-بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع
الكاساني - علاء الدين أبو بكر بن مسعود الحنفي الملقب بملك العلماء (ت 587 هـ)
دار الكتاب العربي
بيروت لبنان الطبعة الثانية
1402 هـ –1982 م
185-تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
الزيلعي : فخر الدين عثمان بن علي (ت 743 هـ)
مصورة عن الطبعة الاميرية ببولاق . مصر 1313 هـ
دار المعرفة - بيروت - لبنان
186-حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار
للامام أحمد أمين الشهير بابن عابدين
دار الفكر , بيروت
الطبعة الثانية 1386 هـ – 1966 م
187-الحجة على أهل المدينة
الامام محمد بن الحسن الشيباني
و عليه تعليقات الاستاذ مهدي حسن الكيلاني
مطبعة المعارف الشرقية , حيدر آباد الدكن
الهند 1385 هـ – 1965 م
188-شرح فتح القدير على الهداية شرح بداية المبتدي
للامام كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام
مصور عن الطبعة الأولى - دار احياء التراث العربي , بيروت لبنان
189-الفتاوي الهندية المسماة بالفتاوي العالمكيربة(8/17)
طبع بالمطبعة الميمنية
مصطفى البابي الحلبي مصر
190-فتح باب العناية بشرح كتاب النقاية
الامام علي القاري
تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة
الناشر مكتب المطبوعات الاسلامية بحلب 1387 هـ – 1967 م
191-اللباب في الجمع بين السنة و الكتاب
المنبجي - محمد بن علي بن زكريا المنبجي (ت 686 هـ)
تحقيق الدكتور محمد فضل عبد العزيز المراء
دار الشرق للنشر و التوزيع
الطبعة الأولى 1403 هـ – 1983 م
192-مختصر الطحاوي
مطبعة دار الكتاب العربي بمصر 1370 هـ
193-النكت الطريفة في التحديث عن ردود ابن أبي شيبة على ابي حنيفة
للشيخ محمد زاهد الكوثري
ادارة القرآن و العلوم الاسلامية
كراتشي، باكستان
1407 هـ – 1987 م
194-الهداية شرح بداية المبتديء
المرغيناني - أبو الحسن علي بن أبي بكر (ت 593 هـ)
مطبعة - مصطفى البابي الحلبي و أولاده
بمصر 1355 هـ – 1936 م
الفقه المالكي
195-بداية المجتهد و نهاية المقتصد
ابن رشد - محمد بن احمد بن محمد (ت 595 هـ)
دار الفكر
196-ترتيب المدارك و تقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك
القاضي – أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي (ت 544 هـ)
تحقيق الدكتور أحمد بكير محمود
منشورات : دار مكتبة الحياة , بيروت , و دار مكتبة الفكر , ليبيا سنة 1967 م
197-حاشية الدسوقي على الشرح الكبير
للامام شمس الدين محمد عرفة الدسوقي (ت 1203 هـ)
طبع دار احياء الكتاب العربي
عيسى البابي الحلبي في مصر
198-الخرشي على مختصر سيدي خليل
الخرشي - محمد بن عبد الله بن علي (ت 1101 هـ)
دار صادر , بيروت , لبنان
199-الشرح الصغير على أقرب المسالك الى مذهب الامام مالك
للامام أبي البركات أحمد بن محمد الدردير
دار المعارف بمصر 1392 هـ
200-الشرح الكبير على مختصر خليل
أحمد الدردير (ت 1201 هـ)
المطبعة الأميرية 1292 هـ
201-الكافي في فقه أهل المدينة
لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري
الناشر مكتبة الرياض الحديثة في الرياض 1398 هـ – 1978 م(8/18)
202-المدونة
مالك بن أنس (ت 179 هـ)
رواية سحنون بن سعيد التنوخي (ت 240 هـ) عن عبد الرحمن بن القاسم (ت 191هـ)
مطبعة السعادة بمصر ط 1323 هـ
الفقه الشافعي
203-الأم
للامام الشافعي (ت 204 هـ)
أشرف على طبعه و تصحيحه محمد زهري النجار
الناشر مكتبة الكليات الأزهرية
القاهرة مصر 1381 هـ - 1961 م
الطبعة الاولى
204-الحاوي
للماوردي : ابي الحسين علي بن محمد بن حبيب البصري (ت450هـ)
دار الكتب العلمية
الطبعة الاولى 1994م-1414هـ
205-حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء
سيف الدين أبو بكر محمد بن أحمد الشاشي القفال
تحقيق الدكتور ياسين أحمد ابراهيم
مكتبة الرسالة الحديثة
الأردن الطبعة الاولى 1988 م
206-روضة الطالبين
النووي : محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ)
المكتب الاسلامي , بيروت لبنان
207-فتح العزيز شرح الوجيز
لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي (ت 623 هـ)
المطبعة المنيرية 1352 هـ
208-المجموع شرح المهذب
للامام النووي - محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ)
و التكملة للسبكي : تقي الدين أبي الحسن علي بن عبد الكافي (ت 756 هـ)
المطبعة المنيرية 1352 هـ
209-مغني المحتاج شرح المنهاج
محمد الشربيني الخطيب (ت 977 هـ)
مطبعة مصطفى محمد بمصر 1377 هـ – 1958 م
210-المهذب
أبو اسحاق الشيرازي , ابراهيم بن علي (ت 476 هـ)
مطبعة مصطفى البابي الحلبي 1343 هـ
211-نهاية المحتاج الى شرح المنهاج
للشيخ شمس الدين محمد بن أبي العباس الرملي
الناشر - المكتبة الاسلامية
طبع دار احياء التراث العربي , بيروت لبنان .
الفقه الحنبلي
212-الانصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الامام المبجل احمد بن حنبل
للامام علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرادي (ت 885 هـ)
تصحيح و تعليق محمد حامد الفقي
مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة 1374 هـ – 1955 م
الطبعة الأولى
213-زاد المعاد في هدي خير العباد(8/19)
لابن قيم الجوزية محمد بن أبي بكر الزرعي
تحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط و عبد القادر الارناؤوط
مؤسسة الرسالة
الطبعة الثالثة عشر 1406 هـ – 1986 م
214-شرح منتهى الارادات
منصور بن يونس البهوتي (ت 1051 هـ)
دار الفكر - بيروت لبنان
215-الفروع
للامام شمس الدين المقدسي أبي عبد الله محمد بن مفلح (ت 763 هـ)
راجعه عبد الستار أحمد قراج
عالم الكتب , بيروت
الطبعة الرابعة 1405 هـ – 1989 م
216-الكافي في فقه الامام المبجل احمد بن حنبل
للامام أبي محمد موفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي
المكتب الاسلامي 1399 هـ – 1979 م
217-كشاف القناع عن متن الاقتناع
للامام منصور بن يونس البهوتي (ت 1051 هـ)
مطبعة الحكومة بمكة المكرمة 1394 هـ
218-مجموع فتاوي ابن تيمية
جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد قاسم
مصور عن الطبعة الاولى
مطابع الدار العربية – بيروت
219-المحرر في الفقه على مذهب الامام احمد بن حنبل
للامام مجد الدين أبي البركات ابن تيمية (ت 652 هـ)
مطبعة السنة المحمدية 1369 هـ – 1950 م
220-المحرر لابن عبد الهادي
تحقيق الدكتور يوسف بن عبد الرحمن المرعشلي , و محمد سليم سمارة , وجمال الذهبي
توزيع دار الباز بمكة
221-المغني
ابن قدامة - موفق الدين عبد الله بن احمد (ت 630 هـ)
و بهامشه – الشرح الكبير على المقنع لشمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن قدامة (ت 682 هـ)
دار الكتب العلمية بيروت
222-المقنع في فقه الامام المبجل احمد بن حنبل
للامام أبي محمد موفق لدين عبد الله بن قدامة المقدسي
المكتب الاسلامي 1399 هـ – 1979 م
الفقه الزيدي
223-البحر الزخار الجامع لمذاهب الامصار
احمد بن يحيى بن المرتضى (ت 840 هـ)
الطبعة الأولى 1366 هـ مطبعة السعادة بمصر
224-الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير
شرف الدين الحسين بن أحمد الصنعاني (ت 1221 هـ)
مطبعة السعادة بمصر
الطبعة الاولى 1347هـ
225-الروضة الندية شرح الدرة البهية(8/20)
صديق حسن بن علي القنوجي
دار الندوة الجديدة
الطبعة الاولى 1404 هـ – 1984 م
الفقه الظاهري
226-المحلى
لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت 456 هـ)
دار الفكر بيروت , لبنان
فقه الخلاف
227-الأشراف على مسائل الخلاف
القاضي عبد الوهاب بن علي البغدادي (ت 433 هـ)
مطبعة الارادة المغرب
228-فقه الامام سعيد بن المسيب
لأستاذي العلامة الدكتور هاشم جميل عبد الله
نشر وزارة الأوقاف
الطبعة الاولى مطبعة الارشاد
بغداد 1394 هـ – 1974 م
229-مسائل من الفقه المقارن
لأستاذي العلامة الدكتور هاشم جميل عبد الله
طبع على نفقة جامعة بغداد
الطبعة الاولى 1409 هـ – 1989 م
كتب أصول الفقه و تاريخ التشريع
230-إحكام العقول في احكام الأصول
للامام أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي (ت 474 هـ)
تحقيق الدكتور عبد الله الجبوري
مؤسسة الرسالة - الرباط
الطبعة الاولى 1989 م
231-الاحكام في أصول الحكام
ابن حزم - علي بن احمد بن سعيد بن حزم (ت 456 هـ)
منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت
الطبعة الأولى 1400 هـ – 1980 م
232-الاحكام في أصول الأحكام
للآمدي - سيف الدين أبي الحسن علي بن أبي علي بن محمد (ت 631 هـ)
مؤسسة الحلبي و شركاؤه للنشر و التوزيع
القاهرة 1387 هـ – 1967 م
233-ارشاد الفحول الى تحقيق الحق من علم الأصول
تاليف محمد بن علي الشوكاني (ت 1255 هـ)
مطبعة مصطفى البابي الحلبي
الطبعة الاولى القاهرة 1356 هـ
234-اسباب اختلاف الفقهاء
تاليف الدكتور مصطفى الزلمي , طبع بغداد
235-أسباب اختلاف الفقهاء
تاليف الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي
مكتبة الرياض الحديثة بالرياض
الطبعة الثانية 1977 م
236-أصول الفقه
للامام أبي بكر محمد بن احمد بن أبي سهل السرخسي (ت 490 هـ)
تحقيق أبي الوفاء الأفغاني
دار المعرفة للطباعة و النشر
بيروت - لبنان
237-اعلام الموقعين عن رب العالمين
ابن قيم الجوزية : شمس الدين محمد بن أبي بكر (ت 751 هـ)(8/21)
تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد
دار الفكر , بيروت
الطبعة الاولى 1374 هـ – 1955 م
238-البحر المحيط في أصول الفقه
الزركشي - بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله (ت 794 هـ)
قام بتحريره الدكتور عمر سلمان الأشقر
منشورات وزارة الاوقاف الكويتية
الطبعة الاولى 1409 هـ – 1988 م
239-التبصرة في أصول الفقه
للشيخ أبي اسحاق ابراهيم بن علي بن يوسف الفيروز آبادي الشيرازي (ت 476 هـ)
تحقيق الدكتور محمد حسن هيتو
مطبوع بالاوفسيت ,دار الفكر دمشق 1400 هـ – 1980 م
240-تيسير التحرير
شرح العلامة محمد أمين المعروف بأمير شاه م كتاب التحرير في أصول الفقه
الجامع بين اصطلاحي الحنفية و الشافعية . لكمال الدين بن الهمام
طبع مطبعة عيسى البابي الحلبي 1351 هـ
241-جمع الجوامع بشرح الجلال المحلى
ابن السبكي - تاج الدين عبد الوهاب (ت 771 هـ)
و الشرح لجلال الدين محمد بن احمد المحلى (ت 864 هـ)
مطبعة المصطفى الحلبي 1349هـ
242-حاشية البناني على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع
مطبوع بهامش جمع الجوامع
243-الرسالة
للامام الشافعي محمد بن ادريس (ت 204 هـ)
تحقيق احمد محمد شاكر
مطبعة مصطفى البابي الحلبي و أولاده .
الطبعة الاولى 1358 هـ
244-شرح نور الأنوار على المنار
للشيخ أحمد المعروف بملا جيون ابن أبي سعيد بن عبيد الله الحنفي (ت 1130هـ)
طبع بذيل كشف الاسرار للنسفي
دار الكتب العلمية , بيروت لبنان
1406 هـ – 1986 م
245-الفصول في الأصول
أحمد بن علي الجصاص الحنفي (ت 370 هـ)
تحقيق عجيل جاسم الشمني
الدار الاسلامية - الكويت
الطبعة الاولى 1988 م
246-فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت
لعبد العلي محمد بن نظام الدين الانصاري (ت 1225 هـ)
مطبوع مع كتاب المستصفى للغزالي في المطبعة الأميرية في القاهرة 1322 هـ
247-كشف الأسرار شرح المصنف على المنار
للامام أبي البركات عبد الله بن أحمد المعروف بالنسفي (ت 710 هـ)
دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان(8/22)
1406 هـ – 1986 م
248-كشف الأسرار عن أصول فخر الاسلام
البزدوي - للامام علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري (ت 730 هـ)
دار الكتاب العربي بيروت لبنان , 1394 هـ – 1974 م
249-المستصفى من علم الأصول
للامام أبي حامد الغزالي محمد بن محمد (ت 505 هـ)
المطبعة الأميرية القاهرة 1322 هـ
250-المغني في أصول الفقه
للامام جلال الدين أبي محمد بن محمد بن عمر الخبازي (629-691 هـ)
تحقيق الدكتور محمد مظهر بقا
الطبعة الاولى 1403 هـ
جامعة أم القرى - مكة المكرمة
251-الموافقات في أصول الفقه و قواعده
لأبي اسحاق ابراهيم بن موسى الشاطبي المالكي (ت 790 هـ)
تحقيق الشيخ عبد الله دراز
طبع المطبعة الرحمانية
252-ميزان الأصول في نتائج العقول في أصول الفقه
للسمرقندي - علاء الدين شمس النظر أبي بكر محمد بن احمد (ت 539 هـ)
دراسة و تحقيق شيخنا الدكتور عبد الملك عبد الرحمن السعدي
وزارة الأوقاف و الشؤون الدينية العراق
الطبعة الاولى 1407 هـ – 1987 م
كتب علم الكلام
253-الاعتقاد و الهداية الى سبيل الرشاد
البيهقي - أبو بكر أحمد بن الحسين (384-458هـ)
تحقيق أحمد عصام الكاتب
دار الآفاق الجديدة
الطبعة الأولى 1981 م
254-شرح اعتقاد أصول أهل السنة و الجماعة
للامام أبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي (ت 418هـ)
تحقيق الدكتور أحمد سعد حمدان
نشر دار طيبة بالرياض
كتب التأريخ والتراجم والطبقات والرجال
255-الاستيعاب في اسماء الاصحاب
لأبي عمر يوسف بن عبد البر
مطبوع بهامش الاصابة
256-الاصابة في تمييز الصحابة
العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ)
دار صادر بيروت .
257-البداية و النهاية
للحافظ عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي (ت 774 هـ)
الناشر : مكتبة المعارف بيروت , و مكتبة النصر بالرياض 1966 م
طبعة مصورة على الطبعة الأولى بمصر
258-بغية الملتمس في تاريخ اهل الأندلس(8/23)
أحمد بن يحيى بن عميرة الضبي (ت 599 هـ)
دار الكتاب العربي , القاهرة سنة 1967 م
259-تاريخ بغداد
الخطيب البغدادي - أبو بكر أحمد بن علي الخطيب (ت 463 هـ)
دار الكتاب العربي بيروت - لبنان
260-التاريخ الصغير
للامام محمد بن اسماعيل البخاري (ت 256 هـ)
تحقيق محمود ابراهيم زايد 1397 هـ – 1977 م
دار الوعي، حلب
261-التاريخ الكبير
للامام البخاري , محمد بن اسماعيل
الطبعة الأولى دائرة المعارف بالهند
262-تذكرة الحفاظ
الذهبي : أبو عبد الله شمس الدين (ت 748 هـ)
دار احياء التراث العربي
263-تقريب التهذيب
العسقلاني : أحمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ)
تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف
دار المعرفة للطباعة و النشر
بيروت , لبنان , ط ثانية 1395 هـ – 1975 م
264-تهذيب الاسماء واللغات
لابي زكريا محي الدين بن شرف النووي (ت676هـ)
دار الكتب العلمية ، بيروت، لبنان
265-تهذيب التهذيب
العسقلاني :احمد بن علي بن حجر (ت 852 هـ)
طبع مجلس دائرة المعارف النظامية في الهند 1325 هـ
266-تهذيب الكمال في اسماء الرجال
للحافظ جمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي (ت 742 هـ)
تحقيق و تعليق : الدكتور بشار عواد معروف
مؤسسة الرسالة , بيروت
ط أولى 1980 - 1993
267-الثقات
للامام الحافظ محمد بن حبان بن ابي حاتم (ت354هـ)
دار الفكر
الطبعة الاولى، 1978م
268-الجرح و التعديل
لأبي محمدعبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن ادريس بن المنذر الرازي (ت 327 هـ)
طبع دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن - الهند 1372 هـ – 1952 م
269-حلية الاولياء و طبقات الاصفياء
للحافظ أبي نعيم الأصفهاني (ت 430 هـ)
المكتبة السلفية
270-خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في اسماء الرجال
لاحمد بن عبدالله الخزرجي الانصاري (ت923هـ)
الناشر مكتب المطبوعات الاسلامية بحلب
الطبعة الثالثة ، 1979م-1399هـ
271-سير اعلام النبلاء
الذهبي : أبو عبد الله شمس الدين (748 هـ)
تحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط و زملائه(8/24)
مؤسسة الرسالة
الطبعة الرابعة 1406 هـ – 1986 م
272-سيرة النبي صلى الله عليه و سلم المعروفة بسيرة ابن هشام
لأبي عبد الله محمد بن اسحاق (ت 151 هـ)
تهذيب أبي محمد عبد الملك بن هشام (ت 218 هـ)
273-طبقات الحفاظ
لجلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي (ت 911 هـ)
تحقيق لجنة من العلماء
دار الكتب العلمية
الطبعة الأولى 1403 هـ – 1983 م
274-الطبقات الكبرى
محمد بن سعد كاتب الواقدي (ت 230 هـ)
دار التحرير بالقاهرة 1388 هـ
275-الضعفاء الصغير
لأبي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري (ت 256 هـ)
تحقيق محمود زايد
نشر دار الوعي بحلب 1396 هـ
276-الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة
شمس الدين محمد بن احمد الذهبي (ت 748 هـ)
تحقيق : عزت علي عيد عطية , و موسى محمد علي
القاهرة - دار الكتب الحديثة
الطبعة الأولى 1392 هـ
(وهي التي اعتمدناها عند الاطلاق)
277-الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة
للامام الذهبي
تحقيق الشيخ محمد عوامة واحمد محمد نمر
مؤسسة علوم القرآن
الطبعة الاولى ، 1992م
278-الكامل في ضعفاء الرجال
للامام أبي أحمد عبد الله بن علي الجرجاني (277-365هـ)
تحقيق لجنة من المختصين
دار الفكر الطبعة الأولى 1404 هـ – 1984 م
279-الكنى و الأسماء
لأبي بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي (ت 310 هـ)
الطبعة الثانية - دار الكتب العلمية 1403 هـ - 1983 م
بيروت - لبنان
280-الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقاة
لأبي البركات محمد بن أحمد المعروف بابن الكيال (ت 939 هـ)
تحقيق و دراسة : عبد القيوم عبد رب النبي
دار لمأمون للتراث
الطبعة الأولى 1981 م - 1401 هـ
281-لسان الميزان
العسقلاني : أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)
منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان
282-المجروحين من المحدثين و الضعفاء و المتروكين
للامام الحافظ محمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم التميمي البستي (ت 354 هـ)(8/25)
تحقيق محمد ابراهيم زايد دار الوعي حلب . 1396 هـ
283-المعرفة والتاريخ
للفسوى
بتنحقيق الدكتور اكرم ضياء العمري
بغداد، 1394هـ
284-ميزان الاعتدال في نقد الرجال
الذهبي : محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 هـ)
تحقيق علي محمد البجاوي
دار المعرفة - بيروت , لبنان
الطبعة الأولى 1382 هـ – 1963 م
285-يحيى بن معين و كتابه التاريخ
دراسة و ترتيب و تحقيق
د . أحمد محمد نور سيف
الطبعة الأولى 1979 م
مطابع الهيئة العامة للكتاب مكة المكرمة
كتب اللغة و الأدب و المصطلحات
286-أساس البلاغة
الزمخشري : جار الله أبو القاسم محمود بن عمر
ط دار صادر
287-تاج العروس بشرح القاموس
لمحمد بن محمد الحسيني المعروف بمرتضى الزبيدي
تحقيق علي الهلالي , طبع الكويت
288-جمهرة اللغة
لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الازدي (ت 321 هـ)
الطبعة الاولى مطبعة مجلس دائرة المعارف , العثمانية بحيدر آباد الدكن 1345 هـ
289-الصحاج في اللغة
اسماعيل بن حماد الجوهري
تحقيق أحمد عبد الغفور عطاء
دار العلم للملايين - بيروت 1399 هـ
290-القاموس المحيط
للفيروزآبادي - مجد الدين بن يعقوب الشيرازي (ت 817 هـ)
مطبعة دار المأمون
1357 هـ – 1938 م
291-لسان العرب
ابن منظور - جمال الدين محمد بن مكرم (ت 711 هـ) نشر دار صادر , بيروت ,
لبنان 1376 هـ
292-مختار الصحاح
محمد بن أبي بكر الرازي
دار الكتب العلمية , بيروت
293-المصباح المنير في غريب الشرح الكبير
الفيومي - احمد بن محمد بن علي المقري (ت 770 هـ)
مصطفى البابي الحلبي بمصر
294-معجم مقايس اللغة
لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395 هـ)
تحقيق عبد السلام هارون
دار الفكر للطباعة و النشر 1399 هـ – 1979 م
295-المعجم الوسيط
الدكتور ابراهيم أنيس , و الدكتور حليم منتصر و عطية الصوالحي و محمد خلف الله أحمد
أمواج للطباعة و النشر و التوزيع , بيروت , لبنان
الطبعة الثانية 1987 م
296-النهاية في غريب الحديث و الأثر(8/26)
لابن الأثير الجزري
تحقيق : الطناجي و الزاوي
مطبعة عيسى الحلبي القاهرة
الطبعة الاولى 1383 هـ
الرسائل الجامعية
297-أثر الحديث النبوي في اختلاف الفقهاء
رسالة ماجستير مقدمة من الشيخ عبد الله حسن الحديثي الى مجلس كلية العلوم
الاسلامية جامعة بغداد 1993 م
298-الاسناد عند المحدثين
رسالة ماجستير مقدمة من قبل الشيخ داود سليمان صالح الدليمي الى مجلس كلية الشريعة جامعة بغداد 1987 م
299-الامام أبو حاتم الرازي و مكانته بين علماء الجرح و التعديل .
رسالة ماجستير تقدم بها زياد محمد رشيد العاني الى مجلس كلية الشريعة
جامعة بغداد 1990 م
300-الفصل للوصل المدرج في النقل لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت 463 هـ)
اطروحة دكتوراه تقدم بها الشيخ عبد السميع محمد الأنيس الى مجلس كلية العلوم الاسلامية جامعة بغداد 1995 م
301-مكانة الامام أبي حنيفة في الحديث
رسالة ماجستير تقدم بها عبد العزيز شاكر حمدان الكبيسي الى مجلس كلية العلوم الاسلامية 1992 م
كتب متنوعة
302-الاتجاهات الفقهية عند اصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري
د . عبد المجيد محمود
نشر مكتبة الخانجي 1399 هـ – 1979 م
303-احياء علوم الدين
تصنيف أبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت 505 هـ)
دار المعرفة , بيروت
304-بدائع الفوائد
لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي المشتهر بابن القيم الجوزية (ت 751 هـ)
دار الكتاب العربي , بيروت .
305-العواصم و القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه و سلم
محمد بن ابراهيم الوزير اليماني (ت 840 هـ)
تحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط
مؤسسة الرسالة
الطبعة الاولى 1992 م(8/27)
ملحق في تراجم الأعلام
الواردة في الرسالة
1- (ابراهيم بن يزيد النخعي)
أبو عمران الكوفي , فقيه العراق , و رأس مدرسة الرأي .
قال الشعبي - حين بلغه موته- :((ما ترك بعده مثله)) .
ولد سنة ست و اربعين .
و توفي سنة ست و تسعين .
((طبقات ابن سعد 6/270 , حلية الاولياء 4/217 , تذكرة الحفاظ 1/73 , تهذيب التهذيب 1/187 ))
2- (ابي بن كعب النجاري المدني)
من اعيان الصحابة , و سيد قراء هذه الامة . شهد بيعة العقبة , و بدرا , و المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه و سلم ,
توفي بالمدينة , و الأكثرون على انه توفي في خلافة عمر . و قيل : غير ذلك .
((حلية الاولياء 1/250 , الاستيعاب 1/47 , تذكرة الحفاظ 1/16 , الاصابة 1/9 , تهذيب التهذيب 1/187 ))
3- (احمد بن ابي خثيمة : زهير بن حرب النيسابوري البغدادي )
ابو بكر , محدث , اديب
ولد ببغداد , سنة : خمس و ثمانين و مائة .
و توفي فيها سنة : تسع و سبعين و مائتين .
((تاريخ بغداد 4/162 , تذكرة الحفاظ 2/156 ))
4- (احمد بن علي الرازي)
ابو بكر الجصاص : من اكابر الحنفية , اليه انتهت رئاسة العلم في زمانه في مذهب ابي حنيفة .
ولد سنة : خمس و ثلثمائة
و توفي سنة : سبعين و ثلثمائة
((تاريخ بغداد 4/314))
5- (احمد بن محمد بن سلامة الازدي الطحاوي)
ابو جعفر : من كبار ائمة الحنفية في الحديث و الفقه و الخلاف .
و لد في ((طحا)) من صعيد مصر سنة : تسع و عشرين و مائتين , و قيل : غير ذلك .
و توفي في : مستهل ذي القعدة سنة : احدى و عشرين و ثلثمائة .
((البداية و النهاية 11/174 , تذكرة الحفاظ 3/808 ))
6- (احمد بن محمد بن هانئ)
ابو بكر الاسكاف الطائي الأثرم : محدث , فقيه , صاحب احمد بن حنبل .
له من الكتب السنن و التاريخ و العلل .
توفي سنة احدى و ستين و مائتين .
((تذكرة الحفاظ 2/570))
7- (اسحاق بن ابراهيم بن مخلد الحنظلي)(9/1)
ابو يعقوب المروزي , ابن راهويه : احد ائمة المسلمين , جمع بين الحديث و الفقه و الورع و التقوى .
ولد سنة : احدى - و قيل : ست - و ستين و مائة .
توفي بنيسابور : ليلة السبت , الموافق ليلة النصف من شعبان سنة : سبع - او ثمان - و ثلاثين و مائتين .
((تاريخ بغداد 6/345 , حلية الاولياء 9/234 , تذكرة الحفاظ 2/433 , تهذيب التهذيب 1/216 ))
8- (اسماء بنت ابي بكر الصديق )
ذات النطاقين , صحابية من الفضليات , اخت عائشة لأبيها , و ام عبد الله بن الزبير توفيت بمكة , سنة :ثلاث - او اربع- و سبعين .
((حلية الاولياء 2/55 , الاستيعاب 4/232 , الاصابة 4/229 , تهذيب التهذيب 12/397))
9-(اسماعيل بن ابراهيم بن مقسم الاسدي البصري )
ابو بشر , المعروف : بابن علية .
امام حجة جمع بين الحديث و الفقه .
ولد سنة : عشر و مائة .
و توفي ببغداد : يوم الثلاثاء , لثلاث عشر خلت من ذي القعدة سنة : ثلاث - او اربع - و تسعين و مائة.
((تاريخ بغداد 6/229 , تذكرة الحفاظ 1/322 , تهذيب التهذيب 1/275 ))
10- (اسماعيل بن عياش بن سليم العنسي )
ابو عتبة الحمصي : صدوق في روايته عن اهل بلدة مخلط في غيرهم .
((تقريب التهذيب 1/73 , تهذيب التهذيب 1/321))
11- (الاسود بن يزيد بن قيس)
ابو عمرو - و يقال : عبد الرحمن - النخعي التابعي : من اصحاب ابن مسعود , فقيه , حافظ , ثقة , و كان عالم الكوفة في عصره .
توفي بالكوفة , سنة : اربع - او خمس او ست - و سبعين .
((حلية الاولياء 2/102 , تذكرة الحفاظ 1/48 , الاصابة 1/106 , تهذيب التهذيب 1/342))
12- (اشهب بن عبد العزيز بن وارد القيسي)
ابو عمرو : و قيل : اسمه مسكين , و اشهب لقبه , من اجل اصحاب مالك المدافعين عن مذهبه , و اليه انتهت رئاسة المالكية في مصر بعد ابن القاسم .
ولد سنة : خمس و اربعين و مائة .
و توفي بمصر : يوم السبت لثمان بقين من شعبان سنة اربع و مائتين .
((تهذيب التهذيب 1/359))(9/2)
(الاعرج = عبد الرحمن بن هرمز، سيأتي)
(الاعمش = سليمان بن مهران ,سياتي)
( ابو امامة = صدي بن عجلان , سيأتي)
(الاوزاعي = عبد الرحمن بن عمرو , سيأتي)
13- (اياس بن معاوية بن قرة المزني)
أبو واثلة , البصري : تابعي , فقيه , ثقة , ولي قضاء البصرة .
ولد سنة : ست و اربعين .
و توفي بواسط , سنة :اثنتين و عشرين و مائة .
((حلية الاولياء 3/123 , تهذيب التهذيب 1/390)) .
14- (ايوب بن ابي تميمة السختياني )
ابو بكر - و يقال : ابو عثمان - البصري : تابعي , ثبت , حجة , من كبار الفقهاء و المحدثين .
ولد سنة : ست - او ثمان - و ستين .
و توفي سنة : احدى و ثلاثين , و قيل : غير ذلك .
((حلية الاولياء 3/3 , تذكرة الحفاظ 1/130 , تهذيب التهذيب 1/398))
(أبو ايوب الانصاري = خالد بن زيد , سيأتي )
(ابو بردة بن ابي موسى = عامر بن عبد الله بن قيس , سيأتي )
15- (بسرة بنت صفوان بن نوفل القرشية الاسدية )
بنت اخي ورقة بن نوفل - و قيل : بنت صفوان بن امية - من بني مالك بن كنانة صحابية جليلة , لها سابقة و هجرة, عاشت الى خلافة معاوية
((الاستيعاب 4/249 , الاصابة 4/252 , تهذيب التهذيب 12/404))
16- (ثابت بن اسلم)
ابو محمد البصري , البناني : ثقة عابد
توفي سنة : سبع و عشرين و مائة
((تذكرة الحفاظ 1/125 , تقريب التهذيب 1/125 , تهذيب التهذيب 2/2 , طبقات الحفاظ ص56))
(الثوري = سفيان بن سعيد , سيأتي)
(الجصاص = احمد بن علي الرازي , تقدم)
17- (حجر بن العنبس الحضرمي الكوفي)
صدوق مخضرم .
((تقريب التهذيب 1/155 , تهذيب التهذيب 2/214 ))
18- (حفص بن ميسرة)
ابو عمر العقيلي الصغاني , نزيل عسقلان , ثقة ربما وهم توفي سنة : احدى و ثمانين و مائة .
((تقريب التهذيب 1/189 , تهذيب التهذيب 2/419))
19- (الحكم بن عتيبة)
ابو محمد-و يقال: ابو عبد الله, و يقال: ابو عمر– الكوفي تابعي, ثقة, حجة, افقه اهل الكوفة بعد النخعي و الشعبي.(9/3)
ولد سنة : خمسين , و قيل : سبع و اربعين .
توفي سنة : ثلاث - و قيل : اربع , و قيل : خمس - عشرة و مائة .
((تذكرة الحفاظ 1/117 , تهذيب التهذيب 2/434 ))
20- (داود بن علي الاصفهاني)
ابو سليمان الظاهري : احد المجتهدين , و رأس المذهب الظاهري , ولد في الكوفة سنة : اثنتين - و قيل : احدى - و مائتين
توفي ببغداد : في رمضان سنة : سبعين و مائتين .
((تاريخ بغداد 8/369 , تذكرة الحفاظ 2/572 , شذرات الذهب 2/158 ))
21- (الربيع بن خثيم بن عائذ بن عبد الله)
ابو يزيد , الثوري , الكوفي : ثقة عابد مخضرم
توفي سنة : احدى - و قيل : ثلاث - و ستين
((تقريب التهذيب 1/244 ، تهذيب التهذيب 3/242))
22- (ربيعة بن ابي عبد الرحمن)
ابو عثمان , المدني , المعروف بربيعة الرأي = ثقة فقيه مشهور
((تقريب التهذيب 1/247 , تهذيب التهذيب 3/258))
23- ( رفيع بن مهران)
ابو العالية , الرياحي البصري
تابعي , فقيه , ثقة , حجة , الا انه كثير الارسال
توفي سنة : تسعين , و قيل : غير ذلك .
((حلية الاولياء 2/217 , تذكرة الحفاظ 1/61 , تهذيب التهذيب 3/284))
(ابو الزناد = عبد الله بن ذكوان , سيأتي)
24- (سعيد بن المسيب بن حزن)
ابو محمد : القرشي , المخزومي , المدني : امام التابعين , و احد الفقهاء السبعة .
ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب , و قيل : لاربع سنين
توفي سنة : اربع و تسعين على الصحيح
((فقه الامام سعيد 1/10-150))
25- (سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري )
ابو عبد الله , الكوفي : امام من ائمة المسلمين , و علم من اعلام الدين , و امير المؤمنين في الحديث .
ولد في الكوفة , سنة : سبع و تسعين .
و توفي بالبصرة , سنة : احدى و ستين و مائة .
((تاريخ بغداد 9/151 , حلية الاولياء 6/356 , تذكرة الحفاظ 1/302 , تهذيب التهذيب 4/111))
26- (سفيان بن عيينة بن ابي عمران)
ابو محمد , الكوفي الهلالي , الامام الحجة الفقيه , محدث الحرم المكي(9/4)
ولد بالكوفة سنة : سبع و مائة
توفي بمكة سنة :ثمان و تسعين و مائة
((تاريخ بغداد 9/174 , حلية الاولياء 7/270 , تذكرة الحفاظ 1/262 , تهذيب التهذيب 4/111))
27- (سليمان بن بلال)
ابو محمد و ابو ايوب , المدني التيمي : ثقة
((تقريب التهذيب 1/322 , تهذيب التهذيب 4/175)
28- (سليمان بن مهران الاسدي الكاهلي)
ابو محمد الاعمش , الكوفي : تابعي من الائمة الثقات , عارف بالكتاب و السنة و الفرائض .
ولد سنة : احدى و ستين , و قيل : تسع و خمسين
و توفي في :ربيع الاول , سنة :ثمان - و قيل : خمس , و قيل سبع – و اربعين و مائة .
((تاريخ بغداد 9/3 , حلية الاولياء 5/46 , تذكرة الحفاظ 1/154 , تهذيب التهذيب 4/222))
29- (سلمة بن كهيل)
ابو يحيى الكوفي الحضرمي : ثقة ثبت
توفي سنة : احدى و عشرين و مائة
((تقريب التهذيب 1/318 , تهذيب التهذيب 4/155))
30- (سهل بن سعد بن مالك بن خالد)
ابو العباس الانصاري الخزرجي الساعدي : له و لأبيه صحبة
توفي سنة : ثمان و ثمانين , و قيل : غير ذلك
((تقريب التهذيب 1/336 , تهذيب التهذيب 4/252 ))
31- (سهيل بن ابي صالح)
ابو يزيد المدني : صدوق تغير حفظه بآخرة .
((تقريب التهذيب 1/338 , تهذيب التهذيب 4/263))
32- (شريح بن الحارث بن قيس الكندي)
أبو أمية : الكوفي , القاضي , ثقة امام و من اشهر القضاة في صدر الاسلام.
توفي بالكوفة , سنة : ثمان - و قيل - اثنتين , و قيل : تسع - و سبعين و قيل غير ذلك .
((حلية الاولياء 4/132 , تذكرة الحفاظ 1/59 , الاستيعاب 2/148 , الاصابة 2/146 , تهذيب التهذيب 4/326))
33- (شريك بن عبد الله النخعي الكوفي)
أبو عبد الله، القاضي : أحد الائمة , و من مشاهير القضاة , الا أنه سيء الحفظ في الحديث .
ولد ببخارى , سنة :تسعين
و توفي بالكوفة , سنة : سبع - او ثمان , و سبعين , و مائة .
((تاريخ بغداد 9/279 , تهذيب التهذيب 4/335))
34- (شعبة بن الحجاج بن الورد)(9/5)
أبو بسطام الواسطي العتكي : امير المؤمنين في الحديث . قال فيه الشافعي :لو لا شعبة ما عرف الحديث بالعراق .
ولد سنة :اثنتين و ثمانين .
و توفي سنة ستين و مائة.
((تاريخ بغداد 9/255 , تذكرة الحفاظ 1/193)) .
(الشعبي = عامر بن شراحيل، سيأتي)
35- (طاوس بن كيسان اليماني)
أبو عبد الرحمن : و يقال : اسمه ذكوان , و طاوس لقبه : من اكابر التابعين في الحديث , و الفقه , و الزهد .
ولد سنة : ثلاث و ثلايين .
و توفي بمكة , سنة : ست - و قيل : خمس - و مائة , و قيل : بعد ذلك .
((حلية الاولياء 4/4 , تذكرة الحفاظ 1/90 , تهذيب التهذيب 5/118 )) .
(الطبري = محمد بن جرير ,سيأتي)
(الطحاوي = أحمد بن محمد بن سلامة , تقدم)
(أبو العالية = رفيع بن مهران , تقدم)
36- (عامر بن شراحيل بن عبد)
و قيل : عامر بن عبد الله بن شراحيل
أبو عمرو , الشعبي الحميري , الكوفي :من ائمة التابعين , و كان امام أهل زمانه ولد سنة :عشرين .
و قيل : تسع عشرة , و قيل :احدى و ثلاثين.
و توفي سنة : تسع و مائة , و قيل : غير ذلك .
((تاريخ بغداد 12/227 , حلية الاولياء 4/410 , تذكرة الحفاظ 1/279 , تهذيب التهذيب 5/765))
37- (عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك العنزي)
حليف آل خطاب : صحابي مشهور , أسلم قديما و هاجر , و شهد بدرا , مات ليالي قتل عثمان .
((تقريب التهذيب 1/387 , تهذيب التهذيب 5/62))
38- (عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي)
أبو محمد , موفق الدين الحنبلي : من كبار الحنابلة , و صاحب المؤلفات النافعة , منها : المغني .
ولد سنة : احدى واربعين و خمسمائة .
و توفي بدمشق سنة : عشرين و ستمائة .
((شذرات الذهب 5/88 , البداية و النهاية 13/99))
39- (عبد الله بن ذكوان القرشي)
أبو عبد الرحمن المدني , المعروف :بأبي الزناد : تابعي , محدث , حجة , فقيه .
ولد سنة :خمس وستين .(9/6)
و توفي بالمدينة , في رمضان سنة : ثلاثين - و قيل : احدى , و قيل : اثنتين و ثلاثين - و مائة .
((تذكرة الحفاظ 1/134 , تهذيب التهذيب 5/203)) .
40- (عبد الله بن أبي سلمة الماجشون)
من ثقات التابعين .
توفي سنة : ست و مائة .
((تهذيب التهذيب 5/343 , تقريب التهذيب 5/420))
41- (عبد الله بن المبارك بن واضح , الحنظلي التميمي)
أبو عبد الرحمن , المروزي : أحد الائمة الأعلام , محدث , فقيه , عالم بالعربية .ولد سنة :ثماني عشرة و مائة.
توفي بهيت سنة :احدى وثمانين و مائة .
((حلية الاولياء 8/162 , تذكرة الحفاظ 1/374 , تهذيب التهذيب 5/382))
42- (عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي)
أبو عمرو :فقيه الشام , امام من أئمة المسلمين , و علم من أعلامهم , محدث حجة , و فقيه مجتهد .
ولد سنة : ثمان و ثمانين .
و توفي ببيروت , سنة : ثمان - و قيل :احدى , و قيل : خمس , و قيل ست , و قيل : سبع - و خمسين و مائة .
((حلية الاولياء 6/136 , تذكرة الحفاظ 1/178 , تهذيب التهذيب 6/242))
43- (عبد الرحمن بن القاسم)
أبو عبد الله , العتقي المصري , صاحب مالك , كان ثقة اماما فقيها , من كبار أصحاب مالك الناصرين لمذهبه .
ولد سنة : ثمان و عشرين - و قيل :احدى , و قيل : اثنتين - و ثلاثين و مائة .
توفي بمصر , في شهر صفر , سنة : احدى و تسعين و مائة .
((تذكرة الحفاظ 1/356 , تهذيب التهذيب 6/252))
44- (عبد الرحمن بن أبي ليلى)
أبو عيسى الأنصاري , المدني الكوفي : و اسم أبي ليلى :يسار , و يقال : بلال , و يقال :داود من كبار التابعين , ثقة جليل المقدار .
ولد لست بقين من خلافة عمر .
و توفي سنة : ثلاث وثمانين .
((تاريخ بغداد 9/169 , حلية الاولياء 4/350 , تذكرة الحفاظ 1/58 , تهذيب التهذيب 6/260)) .
45- (عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري)(9/7)
أبو سعيد , البصري , اللؤلؤي :امام من أئمة المسلمين , و علم من أعلامهم , فقيه , و محدث من كبار الحفاظ الثقات الأثبات .
ولد سنة : خمس و ثلاثين و مائة .
و توفي بالبصرة سنة : ثمان و تسعين و مائة .
((تاريخ بغداد 10/240 , تذكرة الحفاظ 1/329 , حلية الاولياء 9/3 , تهذيب التهذيب 6/279))
46- (عبد الرحمن بن هرمز - و قيل :كيسان - الأعرج)
أبو داود , المدني :تابعي ,ثقة حافظ , قاريء , عالم بالأنساب , و علوم العربية .
توفي بالاسكندرية سنة : سبع عشرة - و قيل :عشر - و مائة .
((تذكرة الحفاظ 1/97 , تهذيب التهذيب 6/290))
47- (عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج)
أبو الوليد : فقيه الحرم المكي , و امام أهل الحجاز في عصره , من اتباع التابعين : ثقة فاضل , عابد , من أول من كتب الحديث .
ولد بمكة سنة :ثمانين .
و توفي فيها في : أول ذي الحجة , سنة :خمسين - و قيل : تسع و اربعين – و مائة .
((تاريخ بغداد 9/400 , تذكرة الحفاظ 1/169 , تهذيب التهذيب 6/405))
48-(عبد الواحد بن اسماعيل الروياني)
قاضي القضاة , الملقب : بفخر الاسلام : من كبار فقهاء الشافعية .
ولد سنة :خمس عشرة و اربعمائة .
توفي :يوم الجمعة سنة :احدى - أو اثنتين - و خمسمائة .
((البداية و النهاية 12/170 , شذرات الذهب 4/4))
49- (عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد)
أبو زرعة الرازي المخزومي :أحد الأئمة الأعلام , و من كبار علماء الحديث
((تذكرة الحفاظ 2/557 , طبقات الحفاظ ص253 , خلاصة تهذيب الكمال ص213))
50- (علي بن عبد الله بن جعفر السعدي)
ابن المديني , ابو الحسن البصري : أحد الأئمة الأعلام , و حفاظ الاسلام .
توفي سنة :أربع و ثلاثين و مائتين.
((تاريخ بغداد 11/458 , تذكرة الحفاظ 2/418 , طبقات الحفاظ ص187))
51- (عيسى بن أبان بن صدقة)
أبو عيسى , من كبار الحنفية ,له مؤلفات منها : اثبات القياس , و اجتهاد الرأي
((تاريخ بغداد 11/157))(9/8)
(ابن علية = اسماعيل بن ابراهيم بن مقسم , تقدم)
(ابن عيينة = سفيان بن عيينة , تقدم)
52- (قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز)
أبو الخطاب، الدوسي , البصري :تابعي ,امام حجة , ثقة
ولد سنة :احدى و ستين .
و توفي بواسط ,سنة : ست - او سبع او ثمان - عشرة و مائة .
((حلية الاولياء 2/333 , تذكرة الحفاظ 1/122 , تهذيب التهذيب 8/351))
53- (قيس بن طلق بن علي الحنفي اليماني)
صدوق ,و هم من عدة في الصحابة .
((تقريب التهذيب 2/129 , تهذيب التهذيب 8/398))
54- (كهمس بن الحسن التيمي)
أبو الحسن البصري , ثقة .
توفي سنة :تسع و اربعين و مائة .
((تهذيب التهذيب 8/405 , طبقات الحفاظ ص83))
55- (الليث بن سعد بن عبد الرحمن)
أبو الحارث , الفهمي :أحد الأئمة الأعلام , المجتهد , امام في الفقه والحديث .
ولد سنة :أربع و تسعين .
و توفي بالقاهرة سنة خمس - و قيل : أربع- و سبعين و مائة .
((تاريخ بغداد 13/3 , حلية الاولياء 7/318 , تذكرة الحفاظ 1/224 , تهذيب التهذيب 8/459))
(ابن الماجشون = عبد الملك بن عبد العزيز ,تقدم)
(ابن المبارك = عبد الله بن المبارك, تقدم)
56- (مبارك بن فضالة)
أبو فضالة البصري : صدوق ,يدلس , و يسوي.
توفي سنة :خمس و ستين و مائة , و قيل غير ذلك
((تقريب التهذيب 2/227 , تهذيب التهذيب 10/28))
57- (مجاهد بن جبر المكي)
أبو الحجاج : من أعلام التابعين ,امام في الحديث و التفسير و القراءات و الفقه و سائر العلوم .
ولد سنة :احدى و عشرين .
و توفي سنة :مائة ,و قيل غير ذلك .
((حلية الاولياء 3/279 , تذكرة الحفاظ 1/92 , تهذيب التهذيب 10/42))
58- (محمد بن اسحاق بن خزيمة , السلمي)
أبو بكر النيسابوري ,امام في الحديث و الفقه , تفقه على اصحاب الشافعي
ولد سنة :ثلاث و عشرين و مائتين .
وتوفي بها في :الثاني من ذي القعدة , سنة : احدى عشرة و ثلاثمائة .
((تذكرة الحفاظ 2/720))
59- (محمد بن اسحاق بن يسار)(9/9)
أبو بكر المدني : نزيل العراق :امام اهل المغازي و السير .
توفي ببغداد سنة :احدى و خمسين و مائة .
((تاريخ بغداد 1/214 , تذكرة الحفاظ 1/172 , تهذيب التهذيب 9/39))
60- (محمد بن ادريس بن المنذر)
أبو حاتم الرازي الحنظلي :أحد الأئمة الحفاظ الكبار , عالم بالعلل والجرح و التعديل .
توفي سنة سبع وسبعين ومائتين
((تاريخ بغداد 3/73 , تذكرة الحفاظ 2/567 , شذرات الذهب 2/171)
61- (محمد بن سيرين)
أبو بكر بن أبي عمرة البصري :من أجل علماء التابعين امام في الحديث والفقه
ولد بالبصرة سنة : ثلاث و ثلاثين .
و توفي بها :لتسع مضين من شوال ,سنة :عشر و مائة .
((تاريخ بغداد 5/331 , حلية الاولياء 2/263 , تذكرة الحفاظ 1/77 , تهذيب التهذيب 9/214 )) .
62- (محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن ابي ذئب)
ابو الحارث , المدني , القرشي , العامري :امام في الفقه و الحديث .
ولد سنة :ثمانين .
و توفي سنة :ثمان - و قيل :تسع - و خمسين و مائة .
((تاريخ بغداد 2/296 , تذكرة الحفاظ 1/191 , تهذيب التهذيب 9/306))
63- (محمد بن عجلان المدني)
صدوق , الا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة .
توفي سنة :ثلاث عشرة و مائتين .
((تقريب التهذيب 2/190 , تهذيب التهذيب 9/341))
64- (محمد بن مسلمة الأنصاري)
صحابي مشهور , و هو من أكبر من اسمه محمد من الصحابة : كان من الفضلاء .
توفي بعد الاربعين .
((تقريب التهذيب 2/208 , تهذيب التهذيب 9/454))
65- (محمد بن مطرف بن داود)
أبو غسان ,الليثي المدني , نزيل عسقلان :ثقة
توفي سنة : ثلاث و عشر و مائتين .
((تقريب التهذيب 2/208 , تهذيب التهذيب 9/461))
66- (محمد بن يوسف بن واقد)
أبو عبد الله الفريابي :من أئمة الحديث الحفاظ.
((تذكرة الحفاظ 1/376 , طبقات الحفاظ ص163))
67- (مخلد بن يزيد القرشي الحراني)
صدوق له اوهام .
توفي سنة - -ثلاث و تسعين و مائة .
((تقريب التهذيب 2/235 , تهذيب التهذيب 10/77))(9/10)
68- (معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي , البصري)
صدوق , ربما وهم .
((تقريب التهذيب 2/257 , تهذيب التهذيب 10/196))
69- (مكحول بن أبي مسلم)
أبو عبد الله الشامي الدمشقي :امام اهل الشام :ثقة فقيه محدث .
توفي سنة :اثني عشرة و مائة , و قيل غير ذلك .
((حلية الاولياء 5/177 , تذكرة الحفاظ 1/107 , تهذيب التهذيب 10/289))
70- (هشام بن حسان)
أبو عبد الله البصري , القردوسي :ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين و في روايته عن الحسن و عطا , مقال ;لأنه كان يرسل عنهما .
توفي سنة : ثمان و أربعين و مائة , و قيل غير ذلك .
((تقريب التهذيب 2/318 , تهذيب التهذيب 11/34))
71- (هشام بن أبي عبد الله سنبر)
أبو بكر الدستوائي :ثقة ثبت .
((تقريب التهذيب 2/319 , تهذيب التهذيب 11/43))
72- (هشيم بن بشير بن القاسم)
أبو معاوية السلمي الواسطي :قال فيه حماد بن زيد : ما رأيت في المحدثين أنبل منه .
((تاريخ بغداد 14/85 , تذكرة الحفاظ 1/248 , طبقات الحفاظ ص111))
73- (يحيى بن سعيد بن فروخ القطان)
ابو سعيد التميمي البصري: امام كبير في الحديث ، من اعلم الناس في الرجال والعلل.
ولد سنة : عشرين ومائة
وتوفي سنة : ثمان وتسعين ومائة
((تاريخ بغداد 14/135، حلية الاولياء 8/382، تذكرة الحفاظ 1/298))
74- (يحيى بن سعيد بن قيس)
أبو سعيد الأنصاري :امام كبير في الحديث , عالم بالعلل و الرجال .
توفي سنة :أربع و أربعين و مائة , و قيل غير ذلك .
((تاريخ بغداد 14/101 , تذكرة الحفاظ 1/137 , تهذيب التهذيب 11/221))
75- (يحيى بن يعمر البصري)
ثقة فصيح , و كان يرسل
توفي :قبل المائة , و قيل :بعدها .
((تقريب التهذيب 2/361 , تهذيب التهذيب 11/305))
76- (يعقوب بن ابراهيم بن حبيب)
أبو يوسف الأنصاري ,الكوفي ,البغدادي :صاحب أبي حنيفة , و من كبار تلاميذه و ناشر فقهه .
ولد سنة :ثماني عشرة و مائة .(9/11)
و توفي ببغداد ,سنة :اثنتين و ثمانين و مائة , و قيل :غير ذلك .
((تاريخ بغداد 14/242 , تذكرة الحفاظ 1/292 ))
77- (يعقوب بن شيبة بن الصلت)
أبو يوسف السدوسي البصري : كان من كبار علماء الحديث والعلل.
توفي سنة :اثنتين و ستين و مائتين .
((تذكرة الحفاظ 2/577 , طبقات الحفاظ ص258))
78- (يعلى بن عبيد بن أبي امية)
أبو يوسف الطنافسي الكوفي :ثقة الا في حديثه عن الثوري .
توفي سنة :بضع و ما ئتين .
((تقريب التهذيب 2/378 , تهذيب التهذيب 11/402 ))
79- (أبو حرب بن أبي الأسود الديلي البصري)
ثقة , قيل :اسمه محجن ,و قيل عطاء .
توفي سنة :ثمان و مائة .
((تقريب التهذيب 2/410 , تهذيب التهذيب 12/69)
80- (أبو نعيم :الفضل بن دكين)
و هو لقب , و اسمه :عمرو بن حماد الملائي الكوفي :كان ثقة حافظا متقنا
((تذكرة الحفاظ 1/372 , طبقات الحفاظ ص162))(9/12)
الفهرس
المحتويات
الموضوع ... الصفحة
مقدمة
الفصل الاول : ماهية العلة وقضايا اخرى تتعلق بها ... 1
المبحث الاول : تعريف العلة ... 2
المطلب الاول : تعريف العلة لغة ... 2
المطلب الثاني : تعريف العلة اصطلاحا ... 4
المبحث الثاني : نموذج تطبيقي للعلة ... 8
المبحث الثالث : اسباب العلة ... 12
المبحث الرابع : اقسام العلة باعتبار محلها وقدحها ... 19
المبحث الخامس : ما تزول به العلة ... 22
المبحث السادس : اهمية علل الحديث ... 29
الفصل الثاني : علل السند ... 32
تمهيد ... 33
تعريف الاسناد لغة ... 33
تعريف الاسناد اصطلاحاً ... 33
اهمية الاسناد ... 34
المبحث الاول : اعلال السند بالانقطاع ... 36
النوع الاول من انواع الانقطاع : التعليق ... 37
حديث هشام بن عمار في المعازف واثره في اختلاف الفقهاء ... 39
اثر حديث هشام بن عمار واختلاف الفقهاء : حكم الغناء وحكم بيع آلات الغناء ... 40
النوع الثاني من انواع الانقطاع : الارسال بمعناه الواسع ... 41
الموضوع ... الصفحة
الصورة الاولى : الانقطاع الظاهر ... 42
مثال للمنقطع واثره في اختلاف الفقهاء : العدد الذي تنعقد به صلاة الجمعة ... 43
اثره في اختلاف الفقهاء : حكم اكل الصيد للمحرم ... 45
الصورة الثانية : التدليس ... 46
اثرالتدليس في اختلاف الفقهاء : حكم تغميض العينين في الصلاة ... 48
اثر حديث محمد بن اسحاق في اختلاف الفقهاء ... 49
الصورة الثالثة : الارسال الخفي ... 50
اثر حديث فاطمة في اختلاف الفقهاء : وقت الرضاع المحرم ... 51
الصورة الرابعة : الارسال بالمعنى الخاص ... 52
اثر المرسل في اختلاف الفقهاء : الارض الصلبة اذا اصابتها نجاسة مائعة ... 54
حكم زكاة مال الصبي والمجنون ... 55
النوع الثالث من انواع الانقطاع : المعضل ... 56
نموذج لأثرالمعضل في اختلاف الفقهاء : حكم من جامع زوجته وهي حائض ... 56
النوع الرابع من انواع الانقطاع : الاختلاف في سماع الراوي ... 58(10/1)
اثر الحديث في اختلاف الفقهاء : حكم المسح على العمامة ... 59
النوع الخامس من انواع الانقطاع : الاختلاف في سماع المخصوص ... 59
اثره في اختلاف الفقهاء : متى يعتق المكاتب ... 63
المبحث الثاني : اعلال السند بسبب تضعيف الراوي ... 65
تمهيد ... 65
المطلب الاول : اعلال السند بسبب الطعن في عدالة الراوي ... 68
الفرع الاول : كذب الراوي او اتهامه بالكذب ... 68
مثال لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء : حكم التطهر بالماء المستعمل في رفع الحدث ... 68
مثال آخر : حكم الماء المشمس ... 70
الموضوع ... الصفحة
الفرع الثاني : جهالة الراوي او كونه مبهماً ... 72
الفقرة الاولى : جهالة الراوي ... 72
نموذج لحديث المجهول واثره في اختلاف الفقهاء : حكم الوضوء بالنبيذ ... 73
الفقرة الثانية : ابهام الصحابي ... 74
نموذج للحديث الذي ابهم في اسم الصحابي واثره في اختلاف الفقهاء :
الشهادة على هلال الفطر ... 75
نموذج آخر : هل يقضى بالسلب للقاتل ... 77
الفرع الثالث : كون الراوي مبتدعاً ... 78
اقسام البدعة ... 79
نموذج لأثر رواية المبتدع في خلاف الفقهاء : امامة الجالس ... 80
المطلب الثاني : اعلال السند بسبب الطعن في ضبط الراوي ... 82
الفرع الاول : سوء حفظ الراوي ... 82
اثره في اختلاف الفقهاء : حكم ميتة السمك ... 82
الفرع الثاني : اختلاط الراوي ... 83
حكم رواية المختلط ... 84
نموذج يبين اثر ذلك في اختلاف الفقهاء : حكم سؤر البهائم ... 86
الفرع الثالث : قبول الراوي التلقين ... 87
اثر الحديث في اختلاف الفقهاء : حكم رفع اليدين عند الركوع وعند
الرفع منه ... 90
المطلب الثالث : حكم المختلف في توثيقه وتجريحه من الرواة ... 92
نموذج لذلك واثره في اختلاف الفقهاء : كيفية قضاء رمضان ... 92
اثر الحديث في اختلاف الفقهاء : حكم الجهر بآمين ... 94
المبحث الثالث : اعلال السند بسبب التفرد ... 95
الموضوع ... الصفحة
(10/2)
نموذج للتفرد واثره في اختلاف الفقهاء : حكم الجمع بين الصلاتين ... 98
نموذج آخر : الولي المجبر ... 99
المبحث الرابع : اعلال السند بسبب انكار الاصل رواية الفرع ... 103
اثرالحديث في اختلاف الفقهاء : الولاية في الزواج ... 106
الفصل الثالث : علل المتن ... 107
المبحث الاول : الاعلال بالتعارض ... 108
المطلب الاول : معارضة الحديث لظاهرالقرآن الكريم ... 108
نموذج لذلك : القضاء بالشاهد الواحد واليمين ... 109
المطلب الثاني : التعارض بين حديثين ... 112
اثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء ... 114
نموذج آخر : حكم الصوم بعد النصف من شعبان ... 117
المبحث الثاني : الاعلال بالشك ... 119
نموذج لهذا واثره في اختلاف الفقهاء ... 121
المبحث الثالث : اعلال خبر الآحاد بكونه مما تعم به البلوى ... 122
اثر ذلك في اختلاف الفقهاء : نقض الوضوء بمس الذكر ... 125
المبحث الرابع : اعلال خبر الآحاد بمخالفته فتيا الصحابي الذي يرويه ... 130
نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء : تطهير الاناء من ولوغ الكلب ... 133
المبحث الخامس : اعلال خبر الاحاد بمخالفته القياس ... 133
نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء : حكم رد الشاة المصراة ... 135
المبحث السادس : اعلال خبر الآحاد بمخالفته اجماع اهل المدينة ... 138
نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء : حكم خيار المجلس ... 140
المبحث السابع : اعلال خبر الآحاد بمخالفته القواعد العامة ... 144
نموذج لأثر ذلك في اختلاف الفقهاء : حكم صوم من اكل او شرب ناسياً ... 144
الموضوع ... الصفحة
الفصل الرابع : العلل المشتركة ... 147
المبحث الاول : اعلال السند بالاضطراب والاختلاف ... 148
تمهيد ... 148
اين يقع الاضطراب ؟ ... 149
حكم الحديث المضطرب ... 149
انواع الاضطراب في الاسناد ... 149
المطلب الاول : الاضطراب في الاسناد ... 150
الفرع الاول : تعارض الوصل والارسال ... 150
MUKADEMA - (ج 1 / ص 4)
(10/3)
نموذج لأثر تعارض الوصل والارسال في اختلاف الفقهاء ... 154
نموذج ثان ... 156
اثر ذلك في اختلاف الفقهاء ... 157
الفرع الثاني : تعارض الوقف والرفع ... 161
نموذج لهذه الصورة ... 164
نموذج لأثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء : صفة حج القارن ... 168
اثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء : اول وقت العشاء ... 171
اثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء : تبييت النية في الصوم المتعلق بزمن بعينه ... 174
اثره في اختلاف الفقهاء : حكم البول قائماً ... 176
اثر الحديث في اختلاف الفقهاء : حكم التطهر بفضل الطهور ... 177
الفرع الثالث : تعارض الاتصال والانقطاع ... 179
اثره في اختلاف الفقهاء : حكم قصرالصلاة الرباعية في السفر ... 180
اثر الحديث في اختلاف الفقهاء : اثر القتل في الارث ... 183
الفرع الرابع : زيادة رجل في احد الاسانيد ... 185
اثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء : حد العورة ... 188
الموضوع ... الصفحة
الفرع الخامس : الاختلاف في اسم الراوي ونسبه ... 189
اثره في اختلاف الفقهاء : مقدارالواجب من البر في زكاة الفطر ... 189
المطلب الثاني : الاضطراب في المتن ... 191
اثر الحديث في اختلاف الفقهاء : حكم الماء اذا خالطته نجاسة ... 193
المبحث الثاني : الاعلال بالزيادة ... 195
حكم زيادة الثقة ... 196
نموذج لذلك واثره في اختلاف الفقهاء ... 202
اثر ذلك في اختلاف الفقهاء : ما يجوز به التيمم ... 203
اثر ذلك في اختلاف الفقهاء : حكم قراءة المأموم خلف الامام ... 206
نموذج آخر للزيادة واثره في اختلاف الفقهاء ... 209
اثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء : موضع اليدين عند القيام في الصلاة ... 211
المبحث الثالث : الاعلال بالشذوذ ... 215
شروط الشاذ ... 216
انواع الشذوذ ... 216
نموذج للشذوذ في المتن واثر ذلك في اختلاف الفقهاء ... 218
اثر ذلك في اختلاف الفقهاء : التشهد في سجود السهو ... 219
(10/4)
اثر ذلك في اختلاف الفقهاء : الاشتراك في الهدي ... 221
نموذج للشذوذ في السند والمتن واثر ذلك في اختلاف الفقهاء ... 222
اثر ذلك في اختلاف الفقهاء : راتبة المغرب القبلية ... 224
المبحث الرابع : الاعلال بالادراج ... 226
تعريف المدرج ... 226
انواع الادراج ... 226
نموذج لما ادرج في آخر المتن واثره في اختلاف الفقهاء ... 228
الموضوع ... الصفحة
اثره في اختلاف الفقهاء : حكم التشهد والسلام ... 230
اثره في اختلاف الفقهاء : حكم القراءة خلف الامام ... 232
المبحث الخامس : الاعلال بالخطأ وما اشبهه ... 233
نموذج للاعلال بالخطأ واثر ذلك في اختلاف الفقهاء ... 233
اثره في اختلاف الفقهاء : حكم الجنب اذا اراد ان ينام ... 235
نموذج للاعلال بالوهم واثر ذلك في اختلاف الفقهاء ... 235
اثره في اختلاف الفقهاء : حكم من تقيأ عامداً وهو صائم ... 237
نموذج للاعلال بالقلب واثره في اختلاف الفقهاء ... 238
اثر القلب في اختلاف الفقهاء : الهيئة عند السجود، هل توضع اليدان قبل ام الركبتان ... 249
نوذج للاعلال بالتصحيف والتحريف ... 243
الخاتمة في خلاصة نتائج البحث ... 245
ملحق في تراجم الاعلام الواردة في الرسالة ... 247
فهرس المصادر ... 268(10/5)