أثر التخصيص في الفقه الإسلامي
الدكتور / إسماعيل محمد علي عبد الرحمن
أستاذ أصول الفقه المساعد بجامعة الأزهر
والأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود بالرياض
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وشرح صدورنا لتعلم الأحكام على منهج خير الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلام أتم علينا نعمه فحبب إلينا الإيمان والتفقه في شريعة الإسلام .
وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله أرسى الله تعالى به دعائم التوحيد والإسلام وأرشد أمته إلى طرق الخير والفلاح ومنها التفقه في الدين فقال صلى الله عليه وسلم :{ من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين } (1) صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين وبعد...،
فلقد كلفتني اللجنة العلمية الدائمة لترقية أساتذة أصول الفقه بجامعة الأزهر ببحث مرجعي عنوانه (أثر التخصيص في الفقه الإسلامي) وهو اختيار أرادت به اللجنة الموقرة أن تؤكد من خلاله المعاني والأهداف التالية :
1- حرص جامعة الأزهر خاصة علماء الأصول بكلية الشريعة على إظهار أثر القواعد الأصولية في الفروع الفقهية أثرا ينفي اتهام قواعد الأصول بالجمود وعدم صلاحيتها لكل زمان ومكان وتحقيقا لهذه الغاية ألزموا طلاب الدراسات العليا بدراسة مادة أثر القواعد الأصولية على يد جهابذة الأصول وفحولهم , كما أفردوا أبوابا تطبيقية لذلك في الرسائل العلمية .
__________
(1) - أَخْرَجَه البخاري في كتاب العِلْم : باب مَن يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين برقم ( 69 ) ومُسلِم في كتاب الزكاة : باب النهي عن المسألة برقم ( 1721 ) عن معاوية - رضي الله عنه - ، والترمذي في كتاب العِلْم عَنْ رسول الله ? : باب إذا أراد الله بعبد خيراً فَقَّهه في الدين برقم ( 2569 ) عن ابن عباس رضي الله عَنْهُمَا .(1/1)
2- بيان عملي لأثر القواعد الأصولية وكيف استنبط الفقهاء الأحكام الشرعية على ضوئها ليبرهنوا على عظم العلاقة بين الفقه والأصول وأن الأول لا غنى عنه عن الثاني وهم في ذلك يتمثلون قول الشاطبي (1) - رحمه الله - : كل مسألة مرسومة في أصول الفقه لا ينبني عليها فروع فقهية أو أبواب شرعية أو لا تكون عونا في ذلك فوضعها في أصول الفقه عارية ا هـ (2) .
3- تدريب طلاب العلم - ولي الشرف أن أكون منهم - على كيفية استعمال القواعد الأصولية في استنباط الأحكام الشرعية من خلال معايشة هذه الكوكبة من المراجع الشرعية المرتبطة بأثر القواعد الأصولية ومن أهمها : ( أحكام القران – أحاديث الأحكام – أصول الفقه – الفقه وقواعده – أثر القواعد الأصولية في الفروع الفقهية ).
والحديث عن (أثر التخصيص في الفقه الإسلامي ) يستدعي أن أمهد بمبحث موجز في تعريف التخصيص وحكمه وأنواع المخصصات , ثم أفرد مبحثا مستقلا لأثر التخصيص في الفقه الإسلامي , لنقف على بعض الأحكام التي بنيت على التخصيص وأقول بعض الأحكام لأن حصر الأحكام التي بناها الفقهاء على التخصيص لا يسعها مجلد واحد ولذا فإني في بحثي هذا سأكتفي – بإذن الله تعالى – بإيراد بعض الفروع الفقهية في أبواب الفقه الإسلامي . وقد رأيت تقسيم بحثي إلى مقدمة ومبحثين وخاتمة على النحو التالي :
المبحث الأول: تعريف التخصيص وحكمه وأنواع المخصصات وفيه مطالب :
المطلب الأول : تعريف التخصيص
المطلب الثاني: الفرق بين التخصيص والخاص والخصوص والمخصص.
المطلب الثالث : الفرق بين التخصيص والنسخ والاستثناء .
المطلب الرابع : حكم التخصيص والقابل له .
المطلب الخامس : أنواع المخصصات .
__________
(1) - الشاطبي :هو أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الغرناطي المالكي فقيه أصولي مفسر محدث من مصنفاته : الموافقات , الاعتصام , أصول النحو . توفي سنة 790 هـ .... الفتح المبين 2/213،212 .
(2) - الموافقات 1/ 17 .(1/2)
المبحث الثاني : أثر التخصيص في الفقه الإسلامي . وفيه مطالب :
المطلب الأول : أثر التخصيص في العبادات .
المطلب الثاني : أثر التخصيص في المعاملات .
المطلب الثالث : أثر التخصيص في النكاح .
المطلب الرابع : أثر التخصيص في الحدود .
المطلب الخامس : أثر التخصيص في الميراث .
المطلب السادس : أثر التخصيص في الذبائح والأطعمة.
المطلب السابع : أثر التخصيص في الأيمان والنذور .
وسيكون منهجي – بإذن الله تعالى – في الفروع الفقهية مرتبا على درجات أربع وهي :
1- النصوص الواردة فيه . 2 - وجه التخصيص .
3- نوع التخصيص . 4- أثر هذا التخصيص في الأحكام .
الخاتمة .
ونسأل الله تعالى حسنها في بحثنا هذا وفي جميع أعمالنا وحياتنا.
والله تعالى أسأل العون والسداد والتوفيق والقبول إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
المبحث الأول
تعريف التخصيص وحكمه وأنواع المخصصات
المطلب الأول
تعريف التخصيص والفرق بينه وبين غيره
أوّلاً : تعريف التخصيص لغةً :
التخصيص في اللغة : مَصْدَر " خصَّص " .. يقال " خصَّص " : خصَّه بالشيء يَخُصّه خصّاً وخصوصاً وخصوصيّةً والفتح أَفْصَح .وخصَّص وخصَّصه واخْتَصّه به : أَفْرَده به دون غيْره , يقال " اختصّ فلان بالأمر وتخصّص له " : إذا انفرَد وخصّص غيْره واخْتَصّه ببِرّه . والخاصّ والخاصّة : ضدّ العامّة , والتخصيص : ضدّ التعميم , واخْتَصّه بالشيء : خصّه به . فـ" اختصّ " و" تخصَّص " لازم ومُتَعَدّ (1) .
ومِمَّا تَقَدَّم نرى : أنّ التخصيص لغةً مَصْدَر " خصَّص " ، وهو الانفراد بالشيء ، وأنّ الخاصّ والخصوص يفيد نَفْس المعنى لكنّه يَختلف باعتبار مقابِله ؛ فالخصوص يقابِل العموم ، والتخصيص يقابِل التعميم ، والخاصّ يقابِل العامّ .
__________
(1) - يُرَاجَع : لسان العرب 4/109 ومختار الصحاح /115 والمصباح المنير /65 والقاموس المحيط /796 وشرْح المَحَلِّي مع حاشية البناني 2/2.(1/3)
وسنَرَى ـ بإذْن الله تعالى ـ فيما سيأتي أنّ الأصوليّين فَرَّقوا بَيْن هذه المصطلحات مع اتِّفاقها في المعنى اللّغويّ .
ثانياً : تعريف التخصيص عند الأصوليّين .
لقد وقفتُ على تعريفات عدّة لِلتخصيص عند الأصوليّين ، أكتفي في هذا بإيراد بعض منها فيما يلي :
التعريف الأول : لأبي الحسين البصري (1) رحمه الله تعالى ..
وهو:( إخراج بعض ما تَناوَله الخطاب مع كوْنه مقارِناً له ) (2) .
__________
(1) - أبو الحسين البصري : هو محمد بن عَلِيّ بن الطَّيِّب البصري رحمه الله تعالى ، أحد أئمة المعتزلة ، وُلِد بالبصرة ورَحَل لِبغداد .. مِن تصانيفه : المعتمد ، تَصَفُّح الأدلّة ، غرر الأدلّة .تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 436 هـ .يراجع شذرات الذهب 3/259 والنجوم الزاهرة 5/38.
(2) - المعتمد 1/234(1/4)
وتَبِع البصريَّ رحمه الله تعالى بعض الأصوليّين في تعريفه ، مع تعديل فيه .. منهم الفخر الرازي (1) رحمه الله تعالى ، الذي عَرَّفه بأنّه : ( إخراج بعض ما تَناوَله الخطاب عنه ) (2) . ونحْوه تعريف البيضاوي (3) رحمه الله تعالى, وهو:( إخراج بعض ما تَناوَله اللفظ ).
مناقَشة هذا التعريف :
وقدْ نوقش هذا التعريف مِن وجْهيْن :
الوجه الأول : أنّه غيْر جامِع ؛ لأنّه لا يدخل فيه إخراج بعض ما يَتناوله
العامّ إذا كان العامّ غيْر لفْظ :كالمفهوم ( موافِقاً أو مخالِفا ).
وبعض المُعَرِّفين جعلوا الإخراج مِن العامّ معنىً تخصيصا .
الجواب عن هذا الوجه :
وقدْ رُدّت هذه المناقَشة : بأنّ المقصود بالتناول هُنَا هو دلالة اللَّفْظ عليه ، سواء كان بطريق المنطوق أو بطريق المفهوم : فإنْ دلّ بطريق المنطوق كان عمومه لفظيّاً ، وإنْ دلّ بطريق المفهوم كان عمومه مِن جهة المعنى .. وبذا كان التعريف جامِعا .
الوجه الثاني : أنّه غيْر مانع مِن دخول النَّسْخ ؛ لأنّه يَندرج فيه إخراج بعض العامّ بَعْد العمل به ، وهو نسْخ لا تخصيص .
الجواب عن هذا الوجه :
__________
(1) - فخر الدين الرازي : هو أبو عبد الله محمد بن عُمَر بن الحسين بن الحَسَن بن علِيّ التيمي البكري الطبرستاني الرازي الشافعي رحمه الله تعالى ، وُلِد بالرّيّ سَنَة 544 هـ . مِن مصنَّفاته : المحصول ، مفاتيح الغيب ( التفسير الكبير ) . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بهراة سَنَة 606 هـ . يراجع البداية والنهاية 13/55 والفتح المبين 2/50 .
(2) - المحصول 1/ 396 .
(3) - القاضي البيضاوي : هو أبو الخير عبد الله بن عُمَر بن محمد بن علِيّ البيضاوي الشافعي رحمه الله تعالى ، وُلِد بالمدينة البيضاء بفارس قُرْب شيراز ، وإليها نُسِب . مِن مؤلَّفاته : منهاج الوصول إلى عِلْم الأصول ، الإيضاح في أصول الدين .تُوُفِّي رحمه الله تعالى بتبريز سَنَة 685 هـ . يراجع البداية والنهاية 13/309 والفتح المبين 2/91 .(1/5)
وقدْ رُدّ هذا الوجه مِن المناقَشة : بأنّ هذا تعريف لِلتخصيص بالمعنى العامّ ، أيْ تمييزه عن بعض ما عَدَاه ، وقدْ تَحَقَّق ذلك بهذا التعريف (1) .
وأرى أنّ تعريف البصري رحمه الله تعالى ما زال غيْر مانِع مِن دخول النّسْخ فيه ؛ لأنّه قدْ يَكون رفعاً لِكُلّ الحُكْم ، وهو ـ حينئذٍ ـ إخراج ما يَتناوله الخطاب . ولِذا فإنّ الرازي ومَن تَبِعه رحمهم الله قدْ أَحْسَنوا صنعاً حينما عبَّروا بأنّه(إخراج بعض ما تَناوَله الخطاب ) ؛ لِيخرج النَّسْخ ، وإنْ كان يرد عليه النَّسْخ بَعْد العمل ؛ فإنّه إخراج بعض ما تَناوَله الخطاب .
والجواب:أنّه في حقّنا تخصيص قَبْل الفعل ، ونُسِخ عنّا بَعْده (2) .
التعريف الثاني : لِلشيرازي (3) رحمه الله تعالى في " شَرْح اللُّمَع " وهو :
( إخراج بعض ما دخل في اللَّفْظ العامّ بدليل ) (4) .
ونحْوه تعريف السالمي (5) رحمه الله تعالى ، وهو : ( إخراج بعض ما تَناوَله لفْظ العموم بدليل مُخْرِج له عن دخوله تحْت تَناوُله ) (6) .
__________
(1) - يراجع : الإبهاج 2/119 ، 120 ونهاية السول 2/79 وإرشاد الفحول /142 وأصول الفقه لِلشَّيخ زهير 2/240.
(2) - يُرَاجَع : نهاية السّول 2/79 .
(3) - أبو إسحاق الشيرازي : هو إبراهيم بن علِيّ بن يوسف بن عبد الله الشيرازي الشافعي رحمه الله تعالى ، وُلِد سَنَة 393 هـ .. مِن مصنَّفاته : التنبيه ، اللُّمَع ، التبصرة في الأصول .تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 476 هـ . يراجع: طبقات الشّافعيّة الكبرى 3/88 ووفيات الأعيان 1/5 .
(4) - شَرْح اللُّمَع 2/5 .
(5) - السالمي : هو أبو محمد عبد الله بن حميد بن سالوم السالمي رحمه الله تعالى ، فقيه أصوليّ ,مِن مصنَّفاته : طلعة الشمس ، وشرْحها ، وأنوار العقول . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بعُمَان سَنَة 1332 هـ . يراجع الفتح المبين 3/166.
(6) - شَرْح طلعة الشَّمْس 1/144.(1/6)
التعريف الثالث:لِلشيرازي رحمه الله في " التبصرة " و" اللُّمَع " (1) وهو : ( تمييز بعض الجملة مِن الجملة بحُكْم أو معنى ) .
ونحْوه تعريف إمام الحرميْن (2) رحمه الله تعالى في" الورقات " وهو : ( تمييز بعض الجملة ) (3) ,وكذا تعريف ابن السمعاني (4) رحمه الله تعالى ، وهو : ( تمييز بعض الجملة بالحُكْم ) (5) .
ونحْوه تعريف القاضي أبي يعلى (6) رحمه الله تعالى ، وهو:( تمييز بعض الجملة بحُكْم ) (7) .
وهذا التعريف الذي اختاره الشّيرازيّ ـ رحمه الله تعالى ـ في" التبصرة " اتَّضَح لي بَعْد البحث والتدقيق ما يلي :
__________
(1) - التبصرة /105 واللُّمَع /17.
(2) - إمام الحرميْن : هو ضياء الدين أبو المعالي عبد المَلِك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني الشافعي رحمه الله تعالى مِن مصنَّفاته : البرهان في أصول الفقه ، الأساليب في الخلافيّات ، التحفة ، التلخيص , تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 478 هـ . يراجع: طبقات الفقهاء الشّافعيّة 2/799 والبداية والنهاية 12/128 والفتح المبين 1/273 - 275
(3) - الورقات مع حاشية النفحات /80 .
(4) - ابن السمعاني : هو أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن محمد رحمه الله تعالى ، مِن أهْل مرو ..مِن مصنَّفاته : البرهان ، الاصطلام ، القواطع في أصول الفقه . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 489 هـ , يراجع : النجوم الزاهرة 5/160 والبداية والنهاية 12/153
(5) - قواطع الأدلّة 1/174.
(6) - القاضي أبو يعلى: هو محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء الحنبلي رحمه الله تعالى .مِن مصنَّفاته : أحكام القرآن ، إيضاح البيان ، العدة ، مسائل الإيمان, تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 458 هـ .يراجع: طبقات الحنابلة /377 - 388 والنجوم الزاهرة 5/78.
(7) - العدّة لأبي يعلى 1/93 .(1/7)
1- أنّ الشّيرازيّ رحمه الله قَصَد به تعريف التخصيص مُطْلَقاً ، أمّا تعريف تخصيص العامّ فقدْ تَقَدَّم ذِكْره ، ولِذا فإنّه فَرَّق بَيْن تعريف التخصيص وتخصيص العموم .
2- أنّ ابن السّمعانيّ تَبِع الشّيرازيّ رحمهما الله حينما فَرَّق بَيْن تعريف التخصيص وتخصيص العموم ، وعَرَّفه باعتبار الإطلاق نحْو تعريف الشّيرازيّ رحمه الله المتقدِّم ، وعَرَّفه باعتبار التقييد وهو تخصيص العموم بأنّه ( بيان ما لم يَرِدْ باللفظ ) ، وكذا نهج القاضي أبو يعلى رحمه الله تعالى (1) .
3- أنّ إمام الحرميْن رحمه الله عَرَّف التخصيص بالتعريف المتقدِّم وخالَف صاحبيْه رحمهما الله حينما انفرَد بجعله لِتخصيص العموم وليس لِتعريف التخصيص مُطْلَقاً .
4- أنّ هذا التعريف الذي ذَكَره الشيرازي رحمه الله تعالى لِتعريف التخصيص مُطْلَقاً وما شاكَله مِن التعريفات وكذا تعريف ابن السمعاني رحمه الله تعالى لِتخصيص العموم لا يَسْلَم واحد منها مِن الاعتراض والمناقشة ؛ لأنّه غيْر مانِع مِن دخول النسخ فيه ؛ لأنّه فيه تمييز بعض الجملة مِن الجملة ، وبيان ـ أيضاً ـ لِمَا لم يَرِدْ باللفظ .
التعريف الرابع : لابن الحاجب (2) رحمه الله تعالى .. وهو : ( قَصْر العامّ على بعض مسمّياته ) (3) .
واختاره ابن عبد الشكور (4)
__________
(1) - يراجع : المرجع السابق .
(2) - ابن الحاجب : هو جمال الدين أبو عمرو عثمان بن عُمَر بن أبي بَكْر بن يونس المالكي رحمه الله تعالى ، وُلِد في إسنا سَنَة 570 هـ ..مِن تصانيفه : المقصد الجليل في عِلْم الخليل ، الإيضاح ، مختصر منتهى السول والأمل ,تُوُفِّي رحمه الله تعالى بالإسكندرية سَنَة 646 هـ .. سِيَر أعلام النبلاء 13/287 والفتح المبين 2/67 ، 68.
(3) - مختصر المنتهى 2/129.
(4) - ابن عبد الشكور : هو محِبّ الله بن عبد الشكور البهاري الهندي الحنفي رحمه الله تعالى, فقيه أصوليّ .
مِن مصنَّفاته : مُسَلَّم الثبوت ، سُلَّم العلوم في المنطق . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 1119 هـ . الفتح المبين 3/122.(1/8)
رحمهما الله تعالى (1) . ونحْوه تعريف ابن السبكي (2) رحمهما الله تعالى ، وهو:(قَصْر العامّ على بعض أفراده) (3) .
وزاد الحنفيّة قيداً على هذا التعريف حتى يَكون مقبولاً ، وهو : ( قَصْر العامّ على بعض أفراده بدليل مستقِلّ ) (4) .
مناقَشة هذا التعريف :
وقدْ نوقش هذا التعريف مِن وجوه :
الوجه الأول : أنّ ما كان خارج القَصْر فإنّ الخطاب لم يتناوله ، ولِذا كان التعريف غيْر جامِع .
الجواب عن هذا الوجه :
وقدْ رُدَّت هذه المناقَشة : بأنّ المراد ما يَتناوله الخطاب بتقدير عدم المخصِّص : كقولهم " خصّص العامّ " و" هذا عامّ مخصَّص " ، ولا شكّ أنّ المخصّص ليس بعامّ ، لكن المراد به كوْنه عامّاً لولا تخصيصه .
الوجه الثاني :
أنّ التعريف فيه دَوْر ؛ لأنّه تعريف لِلتخصيص بالخصوص ،
والأَوْلى أنّه ليس أَعْرَف منه ، بلْ هو مِثْله في الجلاء والخفاء ؛ فإنّ مَن
عرف حصول الخصوص عرف تحصيل الخصوص ، وبالعكس.
الجواب عن هذا الوجه :
__________
(1) - يُرَاجَع مُسَلَّم الثبوت 1/300 .
(2) - تاج الدين السبكي : هو أبو نصْر عبد الوهاب بن علِيّ بن عبد الكافي بن علِيّ بن تمّام بن يوسف ابن موسى السبكي الشافعي رحمه الله ، الملقَّب بـ" قاضي القضاة " ، وُلِد بالقاهرة سَنَة 727 هـ .. مِن مصنَّفاته : شرْح مختصر ابن الحاجب ، الإبهاج ، جَمْع الجوامع في أصول الفقه ، طبقات الشّافعيّة الكبرى .تُوُفِّي رحمه الله تعالى بدمشق سَنَة 771 هـ .. الفتح المبين 2/192.
(3) - جَمْع الجوامع مع حاشية البناني 2/2.
(4) - يُرَاجَع : كشْف الأسرار مع أصول البزدوي 1/301 والمنار مع حاشية نسمات الأسحار /71 والتنقيح مع التوضيح 1/64 ، 68 وفواتح الرحموت مع مُسَلَّم الثبوت 1/300 .(1/9)
وقدْ رُدَّت هذه المناقَشة : بأنّ المراد بالتخصيص المحدود : التخصيص في الاصطلاح ، وبالخصوص المذكور في الحدّ هذا الخصوص في اللغة ، فتَغَايَرَا ، فلا دوْر ولا تَساوِي في الجلاء ؛ لأنّ اللّغويّ قدْ عُرف والاصطلاحيّ بَعْد لم يُعرف (1) .
الوجه الثالث : أنّ التعريف غيْر مانِع ؛ لِشموله قَصْره بَعْد دخول وقْت العمل ، مع أنّه ـ حينئذٍ ـ نسْخ لا تخصيص .
الجواب عن هذا الوجه :
وقدْ رُدَّت هذه المناقَشة : بأنّ هذا التعريف مِن باب التعريف بالأعمّ ، وقدْ أجازه المتقدِّمون (2) .
تعقيب وترجيح :
بَعْد الوقوف على بعض تعريفات التخصيص عند الأصوليّين يمكِن التوصل إلى ما يلي :
1- أنّه أَمْكَن حصْر أجناسها فيما يلي :
أ- ( إخراج ) ، وهو مَصْدَر " خرج " ، وهو نقيض الدخول (3) .
ب- ( تمييز ) ، وهو مَصْدَر " " ماز الشيء " عَزَله وفَرَزه (4) .
جـ- ( قَصْر ) ، وهو مَصْدَر " قصر " ، وهو الحبس (5) .
2- أنّ التعريفات التي جِنْسها ( إخراج ) لا تَمنع دخول النسخ فيها ، حتى وإنْ منعَت ذلك بَعْد إضافة ( بعض ) فإنّها غيْر مانعة مِن دخول النسخ بَعْد العمل .
3- أنّ التعريف الأول عندما أَطْلَق الخطاب كان أهلاً لِدخول غيْر المُعَرَّف فيه ، أمّا التعريف الثاني فإنّه قَيَّده وحصَره في اللفظ العامّ بدليل ، ولِذا كان أَكْثَر قيوداً مِن التعريف الأول وأَشَدّ منعةً منه لِدخول الغيْر فيه .
4- أنّ التعريف الثالث الذي جِنْسه ( تمييز ) معناه مُناسِب ومُلائِم لِتعريف التخصيص ؛ لأنّ التخصيص فيه عزْل وفَرْز لِلخاصّ مِن العامّ ، لكنّ باقي قيوده أتت هي الأخرى بصيغة الإطلاق والعموم
( بعض الجملة مِن الجملة بحُكْم أو معنى ) فتَشمل التخصيص وغيْره.
__________
(1) - يُرَاجَع : التلويح 2/129 ، 130.
(2) - يُرَاجَع : حاشية البناني 2/2 .
(3) - يُرَاجَع : لسان العرب 4/52 .
(4) - يُرَاجَع : مختار الصحاح /370 .
(5) - يُرَاجَع : مختار الصحاح /315 .(1/10)
5- أنّ التعريف الرابع الذي جِنْسه ( قَصْر ) معناه مُلائِم ـ أيضاً ـ لِمعنى التخصيص ؛ لأنّ فيه معنى الجنس والعزل ، وقيوده ( العامّ على بعض مسمّياته ) ـ أيضاً ـ أتت صريحةً في بيان محلّ القَصْر وهو العموم ، وليس الخطاب أو الجملة كما تَقَدَّم .
6- أنّ التعريف الأَوْلى بالقبول والترجيح هو التعريف الرابع ، لكنّي قَدَّمْتُ تعريف ابن السبكي على تعريف ابن الحاجب رحمهم الله تعالى لأنّه أَشَدّ توثيقاً حينما جَعَل محلّ التخصيص أفراد العامّ وليس مسمّياته ؛ لأنّ مسمَّى العامّ واحد ، وهو كُلّ الأفراد .
ومِمّا تَقَدَّم يَكون الراجح عندي تعريف التخصيص بأنه هو :
( قَصْر العامّ على بعض أفراده ) .
المطلب الثاني
الفَرْق بَيْن التخصيص والخاصّ والخصوص والمُخَصّص
بَعْد الوقوف على تعريف التخصيص وجب علينا أنْ نحدِّد العلاقة بَيْنه وبَيْن بعض المصطلحات المُتَّفِقة معه في الأصل اللّغويّ ، والتي استخدمها بعض الأصوليّين في هذا المقام ؛ لأنّ منهم مَن عَبَّر بـ" الخاصّ " (1) ، ومنهم مَن عَبَّر بـ" الخصوص" (2) .
، ومنهم مَن عَبَّر بـ" التخصيص " (3) ، إضافةً إلى " المُخَصّص " بالفتح وبالكسر , وأبدأ مستعيناً بالله تعالى في بيان ذلك ..
أوّلاً : الخاصّ
إنّ الناظر في كُتُب الأصول يرى أنّ الحنفيّة الأكثر استعمالاً لِهذا المصطلَح " الخاصّ " ، إضافةً إلى بعض الأصوليّين مِن غيْرهم . وأَستعرِض فيما يلي بعض هذه التعريفات :
__________
(1) - يُرَاجَع : الورقات /73 ، 80 والمستصفى /224 والإحكام لِلآمدي 2/195 وأصول الشاشي /17 والمنار مع حاشية نسمات الأسحار /16 ، 68 ومُسَلَّم الثبوت 1/255 .
(2) - يُرَاجَع : البرهان 1/220 وقواطع الأدلّة 1/282 والتبصرة /149 والإبهاج 2/119 ونهاية السول 2/56 والتمهيد لِلكلوذانيّ 2/5 ، 71.
(3) - يُرَاجَع: مختصر المنتهى 2/129 وشَرْح طلعة الشمس 1/143 ، 144.(1/11)
التعريف الأول : لِلشاشي (1) رحمه الله تعالى ..
وهو :( لفْظ وُضِع لِمعنى معلوم أو لِمُسَمَّى معلوم على الانفراد ) (2) .
ونحْوه تعريف السرخسي (3) رحمه الله تعالى ، وهو : ( كُلّ لفْظ موضوع لِمعنى معلوم على الانفراد ، وكل اسم لِمسمَّى معلوم على الانفراد ) (4) .
ونحْوه تعريف البزدوي (5) رحمه الله تعالى ، وهو : ( كُلّ لفْظ وُضِع لِمعنى واحد على الانفراد وانقطاع المشارَكة ) (6) .
__________
(1) - الشاشي : هو أبو بَكْر محمد بن علِيّ بن إسماعيل القفّال الكبير الشاشي الشافعي رحمه الله تعالى وُلِد بشاش سَنَة 291 هـ, كان يَمِيل إلى الاعتزال في أوَّل حياته العِلْمِيَّة . مِن مصنَّفاته : كتاب في الأصول ، شرْح الرسالة ، دلائل النُّبُوّة .
تُوُفِّي رحمه الله تعالى بشاش سَنَة 365 هـ , شذرات الذهب 3/51 والفتح المبين 1/212 ، 213
(2) - أصول الشاشي /13
(3) - السرخسي : هو شمْس الأئمّة أبو بَكْر محمد بن أحمد بن أبي سهْل الحنفي رحمه الله تعالى, مِن مصنَّفاته : المبسوط في الفقه ، أصول السرخسي . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 483 هـ . الفوائد البهيّة /158 والجواهر المضيئة 2/28
(4) - أصول السرخسي 1/124.
(5) - فخْر الإسلام البزدوي : هو علِيّ بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى ابن مجاهد الحنفي رحمه الله تعالى ، وُلِد سَنَة 400 هـ .. مِن مصنَّفاته : كنْز الوصول إلى معرفة الأصول ، غناء الفقهاء ، شرْح الجامع الصغير والكبير . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 482 هـ . معجم البلدان لِياقوت 2/54 ومفتاح السعادة /12.
(6) - أصول البزدوي مع كشْف الأسرار 1/30 .(1/12)
وقريب منه تعريف النسفي (1) رحمه الله تعالى ، وهو: ( كُلّ لفْظ وُضِع لِمعنى معلوم على الانفراد ) (2) .
التعريف الثاني : لِلتفتازاني (3) رحمه الله تعالى ..
وهو : ( لفْظ وُضِع لِواحد أو لِكثير محصور وضعاً واحدا ) (4) .
التعريف الثالث : لِلزركشي (5) رحمه الله تعالى ..
وهو:(اللَّفظ الدّالّ على مُسَمّى واحد،أو ما دلّ على كثرة مخصوصه ) (6) .
ثانياً : الخصوص
عَرَّف الأصوليّون الخصوص بتعريفات عدة ، أَذكر منها ما يلي:
التعريف الأول : لِلسرخسي رحمه الله تعالى ..
وهو : ( الانفراد وقَطْع الاشتراك ) ..
ولِذا قال :" فإذا أريدَ به خصوص الجنس قيل " إنسان " ، وإذا أريدَ به خصوص النوع قيل " رَجُل " ، وإذا أريد به خصوص العيْن قيل " زيْد " " ا.هـ (7) .
__________
(1) - النسفي : هو أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي رحمه الله تعالى ، الملقَّب بـ" حافظ الدين " ، الفقيه الحنفي الأصولي .. مِن مصنَّفاته : تفسير النسفي ، منار الأنوار تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 710 هـ ببلدته أيذج ، وبها دُفِن الفتح المبين 2/112 .
(2) - المنار مع حاشية الأسحار /16 ، 17.
(3) - التفتازاني : هو سعْد الدين مسعود بن عُمَر بن عبد الله التفتازاني رحمه الله تعالى ، العلاّمة الشافعي ، وُلِد بتفتازان سَنَة 712 هـ .. مِن تصانيفه : التلويح في كشْف حقائق التنقيح ، شرْح الأربعين النووية في الحديث .تُوُفِّي رحمه الله تعالى بسمرقند سَنَة 791 هـ . الدرر الكامنة 1/545 والفتح المبين 2/216
(4) - التلويح 1/59 .
(5) - الزركشي : هو بدْر الدين أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله التركي المصري الزركشي الشافعي رحمه الله تعالى ، وُلِد بمصر سَنَة 745 هـ , مِن مصنَّفاته : البحر المحيط ، تشنيف المسامع . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بمصر سَنَة 794 هـ ..الفتح المبين 2/218 .
(6) - البحر المحيط 3/240 .
(7) - أصول السرخسي 1/125 .(1/13)
التعريف الثاني : لِلزركشي رحمه الله تعالى ..
وهو : ( كوْن اللفظ متناولاً لِبعض ما يَصْلُح لا لِجميعه ) (1) .
التعريف الثالث : لِلكلوذاني (2) رحمه الله تعالى ..
وهو : ( ما وُضِع لِشيء واحد ) (3) .
ثالثاً – المُخَصّص
المُخَصَّص ( بفتح الصّاد ) : اسم مفعول ، وهو العامّ الذي أُخْرِج عنه البعض .
المُخَصِّص ( بكسرها ) : اسم فاعِل ، وهو المُخْرِج ، والمُخْرِج
حقيقةً هو إرادة المُتَكَلِّم ، ويقال لِللّفظ الدّالّ عليها مَجازاً ؛ إطلاقاً لاسم
المتعلق على المتعلق ، فيقال : السُّنَّة تُخَصِّص الكتاب (4) .
وذكَر الفخر الرازي أنّ المُخَصِّص يقال بالمَجاز على شيْئيْن :
أحدهما : مَن أقام الدلالة على كوْن العامّ مخصوصاً في ذاته .
الثاني : مَن اعتقَد ذلك أو وصَفه به ، كان ذلك الاعتقاد حقّاً أو باطلا (5) .
__________
(1) - البحر المحيط 3/240.
(2) - أبو الخطاب الكلوذاني : هو محفوظ بن أحمد بن الحَسَن بن أحمد الكلوذاني البغدادي الحنبلي رحمه الله تعالى ، وُلِد سَنَة 432 هـ ، بَرَع في مذهب الحنابلة وعِلْم الخلاف والفرائض . مِن مصنَّفاته : الهداية في الفقه ، التهذيب في الفرائض , تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 510 هـ .الفتح المبين 2/11.
(3) - التمهيد 2/71 .
(4) - يُرَاجَع : منهاج الوصول مع نهاية السول 2/76 – 79 ومناهج العقول 2/76 ، 77 والبحر المحيط 3/240 ، 241 والإبهاج 2/119 وشَرْح المنهاج 1/362 .
(5) - المحصول 1/396 ، 397 .(1/14)
وقال الآمدي (1) رحمه الله تعالى:" والمُعَرِّف لِذلك ( التخصيص ) بأيّ طريق كان يُسَمَّى " مُخَصِّصاً "، واللفظ المصروف عن جهة العموم إلى الخصوص " مُخَصَّصا " " ا.هـ (2) .
مثال ذلك : قوله تعالى { وَالْمُطَلَّقَتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَثَةَ قُرُوء } (3) فإنّه عامّ في كُلّ مُطَلَّقة،وقدْ وَرَد تخصيص هذا العموم في قوله تعالى{وَأُولَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ} (4) ،ولِذا يَكون النّصّ الأول مُخَصَّصاً والثاني مُخَصِّصا.
تعقيب وترجيح :
بَعْد الوقوف على بعض تعريفات الخاصّ والخصوص والتخصيص عند الأصوليّين فإنّه يمكِن التوصل إلى ما يلي :
1- أنّ الواضح مِن خلال شَرْح تعريف الخاصّ عند الحنفيّة أنّهم لم يَقصدوا به التخصيص ؛ لأنّهم لو قصدوه سيقعون ـ حينئذٍ ـ في حرج ، وهو مخالَفة أصولهم حينما اشترَطوا في التخصيص أنْ يَكون بدليل مستقِلّ وتعريفهم لِلخاصّ ـ كما رأَيْنا ـ لم يُفَرِّق بَيْن خاصّ بدليل مستقِلّ وبَيْن خاصّ لم يُخَصَّص بدليل غيْر مستقِلّ .
2- أنّ غيْر الحنفيّة عندما عَرَّفوا الخاصّ قصدوا ـ فيما أرى ـ ما ذهب إليه الحنفيّة ، وهو مُقابِل العامّ ، ولِذا فَرَّق بعضهم بَيْن الخاصّ والتخصيص ..
__________
(1) - سيف الدين الآمدي : هو أبو الحَسَن علِيّ بن أبي علِيّ محمد بن سالم التغلبي الأصولي رحمه الله تعالى ، وُلِد بآمد سَنَة 551 هـ ، نشأ حنبليّاً ، وتَمَذهَب بمذهب الشّافعيّة .. مِن مصنَّفاته : الإحكام في أصول الأحكام ، منتهى السول في الأصول ، لباب الألباب . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بدمشق سَنَة 631 هـ . البداية والنهاية 13/140 وطبقات الشّافعيّة الكبرى 5/129 والفتح المبين 2/58
(2) - الإحكام لِلآمدي 2/282 .
(3) - سورة البقرة مِن الآية 228 .
(4) سورة الطلاق مِن الآية 4 .(1/15)
وفي ذلك يقول إمام الحرميْن رحمه الله تعالى :" والخاصّ يقابِل العامّ والتخصيص تمييز بعض الجملة " ا.هـ (1) .
ويقول الزركشي رحمه الله تعالى :" مَباحث الخاصّ والخصوص والتخصيص " ا.هـ (2) .
3- أنّ التخصيص هو المقصود عند الأصوليّين ، ولِذا فإنّا نرى الكثرة منهم تُدْرِجه ضِمْن مَسائل العموم أو العامّ الذي دَخَله التخصيص ..
وفي ذلك يقول الزركشي رحمه الله تعالى :" وأمّا التخصيص ـ وهو المقصود بالذِّكْر ـ فهو لغةً : الإفراد ، ومنه الخاصّة ، واصطلاحاً قال ابن السمعاني ( تمييز بعض الجملة بالحُكْم ) ، وتخصيص العامّ : بيان ما لم يَرِدْ بلفظ العامّ " ا.هـ (3) .
4- أنّ الخاصّ قدْ يأتي بمُفْرَده وله أحكامه الخاصّة ، وقدْ أَحْسَن الحنفيّة صنعاً حينما قَدَّموه على العامّ ؛ لأنّه بمنزلة المُفْرَد ، والعامّ بمنزلة المُرَكَّب والمُفْرَد مُقَدَّم على المُرَكَّب ، كما قسّموه (4) إلى : أمْر ونهْي ومُطْلَق ومقيّد وعَدَد (5) ..
أمّا التخصيص : فإنّه لا محلّ له إلا إذا وُجِد العامّ ، ولِذا كان محلّه عند غيْر الحنفيّة عقب مَسائل العامّ .
5- أنّ تعريفات الخاصّ التي تَقَدَّم ذِكْر بعض منها مُتَّفِقَة في المعنى اللّغويّ مع الخصوص والتخصيص ، وهو الانفراد بالشيء ، وإنْ كانت مختلفةً في المعنى والموقع عند الأصوليّين كما رأَيْنا .
6- أنّ الخصوص جَعَله البعض مُرادِفاً لِلتخصيص ..
__________
(1) - الورقات /80 .
(2) - البحر المحيط 3/240 .
(3) - البحر المحيط 3/241 ويُرَاجَع قواطع الأدلّة 1/174 .
(4) - يراجَع : عمدة الحواشي /15 .
(5) - يراجَع : التحرير مع التيسير 1/185 ، 186 وحاشية نسمات الأسحار /16 وشَرْح طلعة الشمس 1/33 .(1/16)
وفي ذلك يقول البدخشي (1) رحمه الله تعالى :" الفصل الثاني في الخصوص ، أي التخصيص وأحكامه " ا.هـ (2) .
والبعض جعله مُرادِفاً لِلخاصّ ، كما فَعَل السرخسي حينما عَرَّفه بأنّه
( الانفراد وقَطْع الاشتراك ) (3) .
وقال الكلوذاني رحمه الله تعالى في ذلك :" قولنا " خاصّ وخصوص " عبارة عمّا وُضِع لِشيء واحد ، وقولنا " هذا الكلام مخصوص " معناه أنّه قصر على بعض فائدته وكان غرض المتكلِّم به بعض ما وُضِع له"ا.هـ (4) . وفَرَّق بعضهم بَيْن الخاصّ والخصوص فقال : الخاصّ يَكون فيما يراد به
بعض ما ينطوي عليه لفْظه بالوضع ، والخصوص ما اختصّ بالوضع لا بإرادة .
وقيل : الخاصّ ما يتناول أمراً واحداً بنَفْس الوضع ،
والخصوص أنْ يَتناول شيئاً دون غيْره وكان يصحّ أنْ يَتناوله ذلك الغيْر ، وبهذا يَكون الخصوص مُرادِفاً لِلتخصيص .
7- أنّ الراجح عندي هو : تعريف الخاصّ بأنّه ( لفْظ وُضِع لِواحد أو لِكثير محصور وضعاً واحداً ) ، وهو تعريف التفتازاني رحمه الله تعالى ، وأنّ الخصوص هو ( كوْن اللفظ متناولاً لِبعض ما يَصْلُح له لا لِجميعه ) ، وهو تعريف الزركشي رحمه الله تعالى .
8- أنّ تعبير " التخصيص " هو الأَوْلَى عندي مِن هذين المصطلَحيْن" الخصوص " و" الخاصّ " ؛ وذلك لأنّ التخصيص هو الفعل نَفْسه الذي يَجمع بَيْن الدليليْن العامّ والخاصّ لِيَقصر الحُكْم على بعض أفراد العامّ ، ولِذا فنحن نقول ـ مَثَلاً ـ " تخصيص الكتاب بالكتاب " و" تخصيص الكتاب بالسُّنَّة المتواترة " ولا نقول " خصوص " ولا " خاصّ " .
المطلب الثالث
الفَرْق بَيْن التخصيص والنسخ والاستثناء
__________
(1) - البدخشي : هو محمد بن الحَسَن البدخشي الحنفي رحمه الله تعالى .. مِن مصنَّفاته : مناهج العقول . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 922 هـ , معجَم المؤلِّفين 9/99 .
(2) - مناهج العقول 1/75.
(3) - أصول السرخسي 1/125.
(4) - التمهيد لِلكلوذاني 2/71 .(1/17)
أوّلاً :الفرق بين التخصيص والنسخ
تعريف النسخ لغة واصطلاحا :
النسخ في اللغة : يُطْلَق على مَعانٍ .. منها : النقل والتحويل ، ومنه " نسَخَت النحلُ العسلَ " أيْ حَوَّلَتْه ونَقَلَتْه مِن خليّة إلى خليّة أخرى , ومنها : الإزالة ، ومنه " نَسَخَت الشمسُ الظِّلَّ وانتسخَتْه " أزالته ، أيْ أَذهبَت ظِلّه وحَلَّت محلّه , ومنها : الرفع ، ومنه " نَسَخَت الظِّلّ " إذا ذهبَت به (1) .
والنسخ اصطلاحاً : عَرَّفه ابن الحاجب رحمه الله تعالى بأنّه :
( رفْع الحُكْم الشّرعيّ بدليل شرعيّ متأخِّر ) (2) . وتَبِعه في ذلك كثير مِن الأصوليّين (3) .
الفَرْق بَيْن التخصيص والنسخ :
بَعْد الوقوف على تعريفَي التخصيص والنسخ يتضح أنّ كُلّ واحد منهما فيه رفْع أو قَصْر لِلحُكْم أو بعضه ، وهو الجامع بَيْنهما .
غيْرَ أنّهما يَفترقان في وجوه ، أَذكر منها ما يلي :
الأول : أنّ التخصيص قدْ يَكون بأدلة العقل ، ويقع بالإجماع ..
أمّا النسخ فإنّه لا يَكون إلا بدليل نقْليّ ، ولا يقع بالإجماع .
الثاني : أنّ التخصيص لا يجوز تأخيره عن وقْت العمل بالمخصوص
اتِّفَاقاً ..
أمّا النسخ فيجوز تأخيره عن وقْت العمل بالمنسوخ .
الثالث : أنّه لا يجوز تخصيص شريعة بأخرى ..
أمّا النسخ فإنّه يجوز بَيْن شريعة وشريعة .
الرابع : أنّ التخصيص لا يَكون إلا لِبعض الأفراد ..
أمّا النسخ فإنّه يَكون لِكُلّ الأفراد .
الخامس :أنّ التخصيص يجوز أنْ يَكون مقترِناً بالعامّ ومُقَدَّماً عليه .
أمّا النسخ فيُشترَط تأخير الناسخ عن المنسوخ .
__________
(1) -يُرَاجَع : لسان العرب 3/61 ومختار الصحاح /681 والكُلِّيّات /892 والمصباح المنير 2/602 603 .
(2) - مختصر المنتهى 2/185 .
(3) - يُرَاجَع : التمهيد لِلكلوذاني 2/336 وجَمْع الجوامع مع حاشية البناني 2/74 ، 75 وشَرْح مختصر الروضة 2/261 والبحر المحيط 4/64 وشَرْح الكوكب المنير 3/526 وشَرْح طلعة الشمس 1/269 .(1/18)
السادس : أنّ التخصيص يَتناول الأزمان والأعيان والأحوال ..
أمّا النسخ فإنّه لا يتناول الأزمان .
السابع : أنّ التخصيص لا يَكون إلا قَبْل العمل ؛ لأنّه بيان ، وتأخيره عن وقْت العمل لا يجوز ..
أمّا النسخ فإنّه يجوز قَبْل العمل وبَعْده .
الثامن : أنّ التخصيص لا يَرِد على الأمر بمأمور واحد ، نحْو : أَكْرِمْ زيداً ..
أمّا النسخ فإنّه يَرِد عليه .
التاسع : أنّ التخصيص لا بُدّ وأنْ يُبْقِي واحداً أو جَمْعاً مِن العامّ المُخَصَّص ..
أمّا النسخ فإنّه يجوز أنْ يَرفع جميع مدلول النّصّ .
العاشر : أنّ تخصيص الأمر فيه خلاف ..
أمّا نسْخه فلا يجوز .
الحادي عشر : أنّ تخصيص المقطوع بالمظنون واقِع ..
أمّا النسخ فإنّه لا يَنسخ المظنون بالمقطوع .
الثاني عشر : أنّ التخصيص أَعَمّ ؛ لأنّه بيان ، والبيان لا يَستلزم رفْع الحُكْم ..
أمّا النسخ فإنّه أَخَصّ ؛ لأنّه رفْع لِلحُكْم ، ورفْعه يَستلزم البيان.
الثالث عشر : أنّ التخصيص يجوز بالقياس ..
أمّا النسخ فإنّه لا يجوز بالقياس .
الرابع عشر : أنّ التخصيص لا يدخل في غيْر العامّ ..
أمّا النسخ فإنّه يَرفَع حُكْم العامّ والخاصّ .
الخامس عشر : أنّ التخصيص يجوز في الأحكام والأخبار ..
أمّا النسخ فإنّه يختصّ بأحكام الشرع (1) .
ثانيا : الفَرْق بَيْن التخصيص والاستثناء
تعريف الاستثناء لغة واصطلاحا :
__________
(1) - يُرَاجَع : المعتمد 1/234 والتلخيص 2/465 ، 466 والمستصفى /88 ، 89 والإحكام لِلآمدي 3/104 ، 105 والإبهاج 2/120 ، 121 والمحصول 1/397 والتنقيح مع التلويح 1/84 والتمهيد لِلكلوذانيّ 2/71 والبحر المحيط 3/243 – 245 وشَرْح مختصر الروضة 2/587 ، 588 ونهاية السول 2/77 ، 78 وإرشاد الفحول /142 ، 143 والنسخ وأثره في الفقه الإسلامي /28 ، 219.(1/19)
الاستثناء لغةً : استفعال مِن " الثَّنْي " ، وهو ردّ الشيء بعض على بعض ، مِن قوله " ثنيتُ الخيل أثنيه " إذا عطفْت بعضه على بعض " و" ثَنَيْتُه " ـ أيضاً ـ صَرَفْتُه عن حاجته (1) .
والاستثناء اصطلاحاً : عَرَّفه الفخر الرازي رحمه الله بأنّه : ( إخراج
بعض الجملة مِن الجملة بلفظ " إلا " أو ما أقيمَ مقامه ) (2) .
ولَمّا كان التخصيص إخراج بعض الجملة مِن الجملة ـ وهو مُتَحَقِّق في الاستثناء المتصل بقيْده المذكور ـ فالتخصيص أَعَمّ ، ولِذا وجب بيان الفَرْق بَيْنهما ، وهو ما سنوضِّحه فيما يلي ..
الفَرْق بَيْن التخصيص والاستثناء
ذَكَر الأصوليّون فروقاً بَيْن التخصيص والاستثناء ، أَذْكُر منها ما يلي :
الأول : لِلغزالي (3) رحمه الله تعالى في قوله :" ويفارِق الاستثناءُ
التخصيصَ في أنّه يُشترَط اتصاله ، وأنّه يَتطرق إلى الظاهر والنّصّ جميعاً ؛ إذ يجوز أنْ يقول " عشرة إلا ثلاثةً " كما يقول " اقتلوا المشرِكين إلا زيداً " ، والتخصيص لا يتطرق إلى النّصّ أصْلا " (4) .
__________
(1) - يُرَاجَع : لسان العرب 2/135 ، 136 ومختار الصحاح /102 .
(2) - المحصول 1/406 .
(3) - الغزالي : هو زيْن الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الشافعي رحمه الله تعالى ، حُجّة الإسلام ، فقيه أصوليّ صوفيّ حكيم متكلِّم ، وُلِد بالطابران بخراسان سَنَة 450 هـ . مِن مصنَّفاته : إحياء = علوم الدين ، المستصفى ، الوجيز . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 505 هـ . الأعلام 7/247 وطبقات الشّافعيّة 1/249 – 264 .
(4) - المستصفى /257 ويراجَع المنخول /163 .(1/20)
الثاني : لابن قدامة (1) رحمه الله تعالى في قوله :" ويفارِق الاستثناءُ التخصيصَ بشيْئيْن :
أحدهما : في اتصاله والثاني : أنّه يتطرق إلى النّصّ : كقوله " عشرة إلا ثلاثةً " ، والتخصيص بخلافه " (2) .
الثالث : لابن العربي (3) رحمه الله تعالى في قوله :" أنْ يَكون ( الاستثناء )
__________
(1) - ابن قدامة : هو أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصْر بن عبد الله المقدسي الدمشقي الحنبلي رحمه الله تعالى ، وُلِد بجماعيل سَنَة 541 هـ ..مِن مصنَّفاته : المغني في الفقه ، الروضة في أصول الفقه . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بدمشق سَنَة 620 هـ . البداية والنهاية 13/134 والفتح المبين 2/54 .
(2) - روضة الناظر 2/744 .
(3) - ابن العربي : هو القاضي أبو بَكْر محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الأشبيلي المالكي رحمه الله تعالى ، وُلِد بأشبيليّة سَنَة 468 هـ ، فقيه أصوليّ ، أحد أئمّة المالكيّة ..من مصنَّفاته : المحصول في عِلْم الأصول،العواصم مِن القواصم ، أحكام= =القرآن . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بمراكش ودُفِن بفاس سَنَة 543 هـ . وفيات الأعيان 1/489 والفتح المبين 2/28 - 30 وشجرة النّور الزَّكيّة /136.(1/21)
متصلاً بالكلام ، بخلاف التخصيص فإنّه يجوز أنْ يَرِد بَعْد سَنَة , وعُزِي إلى حَبْر الأُمَّة ابن عباس (1) رضي الله عنهما أنّ الاستثناء كالتخصيص , واحتجّوا له : بقوله تعالى { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانا } (2) ؛ نزلَت هذه الآية فلَمّا كان بَعْد سَنَة نزل قوله تعالى{ إِلا مَن تَاب } (3) وذلك بعيد والرواية غيْر صحيحة " (4) .
وبَعْد الوقوف على الفروق بَيْن التخصيص والاستثناء ـ والذي أَوردْتُ بعضاً منها فيما تَقَدَّم ـ يمكِن حصْرها فيما يلي :
الأول : أنّ التخصيص بغيْر الاستثناء يجوز أنْ يتراخى ولا يجب اتصاله ، أمّا الاستثناء فإنّه يجب اتصاله بالمستثنى منه ؛ لأنّ صيغة الاستثناء غيْر مستقلّة بنَفْسها ؛ لأنّها تابعة لِلمستثنى منه ، بخلاف التخصيص بغيْرها .
__________
(1) - ابن عباس : هو حَبْر الأُمَّة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عمّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ، دعا له النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال { اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيل } .. تُوُفِّي - رضي الله عنه - بالطّائف سَنَة 68 هـ .الإصابة 2/330 وشذرات الذهب 1/75 .
(2) - سورة الفرقان الآيتان 68 ، 69 .
(3) - سورة الفرقان مِن الآية 70 .
(4) - المحصول لابن العربيّ 1/82 ، 83 ويُرَاجَع : اللُّمَع /22 والتمهيد لِلكلوذاني 2/73 - 75 والعدّة لأبي يعلى1 /552 وقواطع الأدلّة 1/437 والمسودة /152 والبرهان 1/270 ، 271 .(1/22)
الثاني : أنّ التخصيص بغيْر الاستثناء لا يتطرق إلى النّصّ ، وإنّما يصحّ في العامّ ، ودلالته ظنِّيَّة ، أمّا الاستثناء فإنّه يتطرق إلى الظاهر والنّصّ جميعاً : كقوله " له علَيّ عشرة إلا ثلاثةً " وكقوله " اقتلوا المشرِكين إلا زيْدا " .
الثالث : أنّ التخصيص بيان لِمعنى اللفظ المُطْلَق حتى يبين أنّه المراد به ، أمّا الاستثناء فإنّه ليس بياناً , فإذا قال " له علَيّ عشرة إلا خمسةً " لا يبين أنّ العشرة أريدَ بها الخمسة ، ولكن العشرة لِلعشرة ، ولزوم الخمسة يتبين بتتمة الكلام , ولفْظ " الناس " إذا خُصِّص بالعشرة تَبَيَّن أنّه المراد به عند الإطلاق ، ولكنّا تَبَيَّنّاه عند التخصيص (1) .
المطلب الرابع
حُكْم التخصيص والقابل له
أولا : حُكْم التخصيص
مذاهب الأصوليّين في حُكْم التخصيص
اختلَف الأصوليّون في حُكْم التخصيص على ثلاثة مذاهب :
المذهب الأول : جواز التخصيص ووقوعه في الخبر والأمر والنهي. (2)
وهو ما عليه الجمهور ، وهم الكثرة هُنَا إلا مَن شذّ وخالَف .
المذهب الثاني : عدم جواز تخصيص الخبر .
وهذا المذهب نسبه الشيرازي رحمه الله تعالى إلى بعض الشّافعيّة في قوله:" ومِن أصحابنا مَن قال : تخصيص الخبر لا يجوز " (3) . وتَبِعه آل تيمية (4)
__________
(1) - يُرَاجَع : المستصفى /257 والمنخول /163 والعدّة لأبي يعلى 2/660 وروضة الناظر 2/744 والمحصول لابن العربي 1/82 ، 83 والمدخل 1/253 ، 254 .
(2) - يُرَاجَع : شَرْح اللُّمَع 2/7 والعدّة لأبي يعلى 2/595 والمستصفى /245 والإحكام لِلآمدي 2/282 والمسودة /130 وقواطع الأدلّة 2/339 .
(3) - التبصرة /143 .
(4) - آل تيمية : همْ مَجْد الدين ، وابنه شهاب الدين ، وابن ابنه تقيّ الدين رحمهم الله تعالى .
أمّا مَجْد الدين فهو : أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الحرّاني الحنبلي رحمه الله تعالى ، فقيه أصوليّ ، وُلِد سَنَة 590 هـ .. مِن مصنَّفاته : الأحكام الكبرى ، منتهى الغاية شرْح الهداية ، أرجوزة في عِلْم القراءات ، المسوَّدة ( وقد زاد فيها ولده عبد الحليم ، وحفيده أحمد ) . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بحران سَنَة 652 هـ .
وأمّا شهاب الدين فهو : أبو المَحاسن عبد الحليم بن عبد السلام رحمه الله تعالى ، وُلِد سَنَة 627 هـ.له تعاليق في الأصول ضمَّت فوائد جليلة ومصنَّفات في غيْر ذلك مِن العلوم . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بدمشق سَنَة 672 هـ . وأمّا تقيّ الدين فهو : أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام رحمه الله تعالى ، وُلِد سَنَة 661 هـ . مِن مصنَّفاته : الصارم المسلول على شاتم الرسول ، فصْل المقال فيما بيْن الحكمة والشريعة مِن الاتصال ، الجواب الصحيح لِمَن بَدَّل دين المسيح . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بدمشق سَنَة 728 هـ . شذرات الذهب 2/257 والفتح المبين 2/70 ، 71 ، 86 ، 134 .(1/23)
ـ رحمهم الله تعالى ـ في" المسوّدة " فقال :" يدخل التخصيص الأخبار كالأوامر، نصّ عليه، وهو قول الجمهور ، ومَنَع منه بعضهم
وهو مذهب الشّافعيّة وبعض الأصوليّين " (1) .
وأرى أنّ هذه النسبة إلى الشّافعيّة أو بعض الشّافعيّة ـ كما تَقَدَّم ـ محلّ نظر ؛ وذلك لِمَا يلي :
1- أنّ الشيرازي رحمه الله تعالى بَدَّل هذه النسبة في " اللُّمَع " وشرْحه في قوله :" ومِن الناس مَن قال : لا يجوز تخصيص الخبر " ا.هـ (2) .
2- أنّ آل تيمية رحمهم الله تعالى أَثْبَتوا هذه النسبة إلى الشّافعيّة بعبارة التضعيف في قولهم :" وقال قوم : لا يجوز تخصيص الخبر ، بخلاف الأمر " ا.هـ (3) .
3- أنّ هذا المذهب نَسَبَتْه الكثرة إلى شذوذ أو قوْم ، نَذكر منهم:
ابن الحاجب رحمه الله تعالى في قوله :" التخصيص جائز إلا عند شذوذ " ا.هـ (4) .
والآمدي رحمه الله تعالى في قوله :" خلافاً لِشذوذ لا يُؤْبَه لهم في تخصيصه الخبر " ا.هـ (5) .
وابن عبد الشكور رحمهما الله تعالى في قوله :" التخصيص جائز عقلاً وواقِع استقراءً ، خلافاً لِشذوذ " ا.هـ (6) .
والأرموي (7) رحمه الله تعالى في قوله :" إطلاق العامّ لإرادة الخاصّ جائز
في الخبر والأمر ، خلافاً لِقوْم " (8) .
__________
(1) - المسوّدة /130.
(2) - اللُّمَع /17 وشَرْح اللُّمَع 2/6 .
(3) - المسودة /130 .
(4) - مختصر المنتهى مع شَرْح العضد 2/130 .
(5) - الإحكام لِلآمدي 2/282 .
(6) - مُسَلَّم الثبوت 1/301 .
(7) - سراج الدين الأرموي : هو أبو الثناء محمود بن أبي بَكْر بن أحمد الأرموي الشافعي رحمه الله تعالى ، فقيه أصوليّ متكلِّم ، مِن القضاة ، أصْله مِن أرمية ، وُلِد سَنَة 594 هـ .. مِن مُصَنَّفاته : التحصيل ، شرْح الوجيز لِلغزالي . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بقونية سَنَة 682 هـ الأعلام 8/41 ، 42 وطبقات الشّافعيّة الكبرى 5/155 ومعجم المؤلِّفين 12/155 .
(8) التحصيل 2/367 .(1/24)
ومِمّا تَقَدَّم يتضح : أنّ هذا المذهب قائله مجهول ، وتلك أمَارة ضَعْفه وليس ذلك فحسب ؛ بلْ وصَفَته الكثرة بـ: الشذوذ الذين لا يُعبَأ بخلافهم .
المذهب الثالث : عدم جواز التخصيص مُطْلَقاً ، أمراً كان أم خبرا .
ونَسَبه الفخر الرازي لِقوْم فقال :" يجوز إطلاق اللفظ العامّ لإرادة الخاصّ ، أمراً كان أو خبراً ، خلافاً لِقوْم " ا.هـ (1) . وتَبِعه الأرموي (2) . ونَسَبه ابن السبكي رحمهما الله تعالى إلى شرذمة قليلة فقال :" ذهبَت شرذمة قليلون إلى امتناع التخصيص " ا.هـ (3) .
أدلّة المذاهب مع المناقَشة والترجيح
أدلّة المذهب الأول :
استدَلّ الجمهور أصحاب المذهب الأول على جواز التخصيص ووقوعه في الخبر وغيْره مِن الأمر والنهي بأدلة،أَذكر منها ما يلي :
الدليل الأول ( لِلجواز ) : أنّ العقل لا يمنع وقوع تخصيص العموم بمخصِّصات مِن الكلام وغيْره ، ولا يترتب على فَرْض وقوعه مُحال ، وإذا كان كذلك فالتخصيص جائز عَقْلا (4) .
الدليل الثاني ( لِلجواز ) : أنّه لا معنى لِتخصيص العموم سِوَى صَرْف اللفظ العامّ عن عمومه الذي هو حقيقة فيه إلى جهة الخصوص بطريق المَجاز ، والمَجاز غيْر ممتنِع لِذاته ولا لِغيْره ، فدَلّ ذلك على أنّ تخصيص العموم جائز (5) .
الدليل الثالث ( لِلوقوع في الخبر ) : قوله تَبارَك وتعالى { اللَّهُ خَلِقُ كُلّ شَىْء } (6) وقوله تعالى { وَهُوَ عَلَى كُلّ شَىْءٍ قَدِير } (7) ..
__________
(1) - المحصول 1/399 .
(2) - يُرَاجَع التحصيل 2/367 ، 368 .
(3) - الإبهاج 2/123 .
(4) - يُرَاجَع فواتح الرحموت مع مُسَلَّم الثبوت 1/301 .
(5) - يُرَاجَع : الإحكام لِلآمدي 2/283 ومختصر المنتهى مع شَرْح العضد 2/130 .
(6) - سورة الرعد مِن الآية 16 ، سورة الزمر مِن الآية 62 .
(7) - سورة المائدة مِن الآية 120 ، سورة الحديد مِن الآية 2 ، سورة التغابن مِن الآية 1 .(1/25)
وجْه الدلالة : أنّ الله جلّ وعلا ذَكَر في هاتيْن الآيتيْن أنّه سبحانه خالِق كُلّ شيء وأنّه عَزّ وجَلّ على كُلّ شيء قدير،وكِلاهما وَرَد بلفْظ{ كُلّ } لِيؤكِّد عموم الحُكْم فيهما ، إلا أنّ هذا العموم دخله التخصيص ؛ لأنّ الله عَزّ وجَلّ ليس خالقاً لِذاته ولا قادراً عليها ، فدَلّ ذلك على أنّ التخصيص واقِع في الخبر .
الدليل الرابع(لِلوقوع في الخبر) : قوله تعالى{ تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءِ بِأَمْرِ رَبِّهَا } (1) وقوله تعالى{ وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَىْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيم} (2) .
وجْه الدلالة : أنّ لفْظ العموم الوارد في الآيتيْن { كُلّ } أفاد العموم فيهما ففي الأولى أنّ الرياح تُدَمِّر كُلّ شيء أتت عليه ، وفي الثانية أنّ بلقيس الملِكة أُوتِيَت في مُلْكها كُلّ شيء ، ولكنّ هذا العموم دخله التخصيص ؛ فقدْ أتت الرياح على الأرض والجبال ولم تَجعلها رميماً ، وكذلك هناك أشياء لم تدخل ما أُوتِيَته الملِكة في مُلْكها : كالنجوم والجبال وغيْرها ، فدَلّ ذلك على أنّ تخصيص العموم واقِع في الخبر .
الدليل الخامس ( لِلوقوع في الأمر ) : قوله تعالى{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (3) وقوله تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة} (4) .
__________
(1) - سورة الأحقاف مِن الآية 25 .
(2) - سورة النمل مِن الآية 23 .
(3) - سورة المائدة مِن الآية 38 .
(4) - سورة النور مِن الآية 2 .(1/26)
وجْه الدلالة : أنّ الله تعالى أَمَرنا في الآية الأولى بقَطْع يد السارق والسارقة ، كما أَمَرنا في الآية الثانية بجَلْد الزانية والزاني ، و" ال " في الجميع تفيد العموم ، فدَلَّت على وجوب قَطْع يد كُلّ سارِق وجَلْد كُلّ زانٍ ، إلا أنّا رأَيْنا أنّه ليس كُلّ سارِق يُقْطَع ؛ بلْ لا بُدّ مِن شروط ، وكذلك ليس كُلّ زانٍ يُجْلَد ؛ وإنّما غيْر المُحْصَن ، وإذا دَخَل هذا العمومَ التخصيصُ ـ كما رأَيْنا ـ فدَلّ ذلك على وقوع التخصيص في الأمر (1) .
الدليل السادس ( للوقوع في النهي ) - للباحث – : قوله تعالى {حرمت عليكم الميتة } (2) .
وجه الدلالة :أن الله تعالى حرم أكل الميتة وهو حكم عام في كل ميتة لكنه خصص بحالة الاضطرار وميتة السمك والجراد .
أدلّة المذهب الثاني :
استدَلّ أصحاب المذهب الثاني المانع لِتخصيص الخبر بأدلّة ، أَذكر منها ما يلي :
الدليل الأول : أنّ القول بجواز تخصيص الخبر يوهِم الكذب في خبر الله تعالى ؛ لِمَا فيه مِن مخالَفة المُخْبِر لِلخبر ، وإيهام الكذب مُحال على الله
تعالى ، فما أَدَّى إليه ـ وهو تخصيص الخبر ـ يَكون مُحالا .
مناقَشة هذا الدليل :
وقدْ نُوقِش هذا الدَّليل : بأنّا لا نُسَلِّم لكم تَوَهُّم الكذب في تخصيص الخبر لأنّه ما مِن عامّ إلا وخُصِّص، فكل عام إلا وخصص فكل عام – خبرا كان أو غيره - مُحْتَمِل لِلتخصيص ، وهذا الاحتمال يَجعل السامع لِلخبر مُجَوِّزاً إرادة بعض العامّ مِن العامّ ..
__________
(1) - يُرَاجَع : الإحكام لِلآمدي 2/282 ، 283 وشَرْح العضد 2/130 وروضة الناظر 2/721 والمستصفى /245 وأصول الفقه لِلشيخ زهير رحمه الله تعالى 2/245 .
(2) - سورة المائدة من الآية 3 .(1/27)
فإذا وَرَد ما يُثْبِت إرادة البعض ـ وهو المُخَصِّص ـ تَيَقَّنّا أنْ المُخْرَج لم يَكُنْ مراداً مِن العامّ ، وحيث لم يَكُنْ مراداً فلا كَذِب ولا إيهام لِلكذب (1) .
الدليل الثاني : أنّ النسخ غيْر جائز ؛ لأنّ الخبر يصير به كذباً ، وحيث إنّ التخصيص إخراج لِبعض اللفظ العامّ فهو رفْع لِبعض الحُكْم ، فيُشْبِه النسخ في ذلك ، وإذا لم يَجُزْ نسْخ الخبر فكذلك التخصيص لا يجوز في الخبر ؛ لأنّه يصير به كذبا .
مناقَشة هذا الدليل :
وقدْ نُوقِش هذا الدَّليل : بأنّ قياس التخصيص على النسخ قياس مع الفارق ؛ لأنّ النسخ يَرفع جميع الحُكْم ويزيله ، فيؤدي إلى الكذب فيما أخبر به ، والتخصيص لا يَرفع جميع الحُكْم ؛ بلْ يبقى بعضه ؛ لأنّه بيان لِمَا لم يَرِد
باللفظ ، ولِذا كان تخصيص الخبر جائزاً ولا يصير به كذبا (2) .
أدلّة المذهب الثالث :
استدَلّ أصحاب المذهب الثالث القائلون بامتناع التخصيص مُطْلَقاً ـ أمراً كان أم خبراً ـ بدليل واحد ، مفاده : أنّ القول بجواز تخصيص الأمر يوهِم البداء ( أيْ ظهور المصلحة بَعْد خفائها ) ، وأنّ القول بجواز تخصيص الخبر يوهِم الكذب ، وكلاهما ممتنِع في حقّ الله ـ جَلّ وعَلاَ ـ ومُحَال ، فما أدَّى إليه كان مُحالاً كذلك ، وهو القول بتخصيص الأمر والخبر ، فدَلّ ذلك على امتناع التخصيص ، خبراً كان أم أمْرا .
مناقَشة هذا الدليل :
__________
(1) - يُرَاجَع : المحصول 1/399 والإحكام لِلآمدي 2/283 وأصول الفقه لِلشيخ زهير رحمه الله تعالى 2/245 ، 246 .
(2) - يُرَاجَع : التبصرة /143 وشَرْح اللُّمَع 2/7 والعدّة لأبي يعلى 2/595 ، 596 وإرشاد الفحول /144 .(1/28)
وقدْ نوقش هذا الدليل بما نوقش به الدليل الأول لِلمذهب الثاني ، والذي يَدُلّ على أنّ اللفظ في الأصل محتمِل لِلتخصيص ، فقيام الدلالة على وقوعه لا يوجِب الكذب ولا البداء ، وإنّما يَلْزَم البداء أو الكذب أنْ لو كان المُخْرَج مرادا (1) .
وبَعْد الوقوف على مذاهب الأصوليّين وأدلّتهم في حُكْم التخصيص يتضح لنا : أنّ كفة النزاع وصورته غيْر متكافئة ..
فالأَوْلى ما عليه الكثرة أصحاب المذهب الأول ، وهم الجمهور الذين قالوا بجواز التخصيص مُطْلَقاً في الخبر والأمر والنهي ، وما أَكثَر حُجَجهم على ذلك وما أَقْوَاها .
والثانية وهي ما عليه أصحاب المذهب الثاني القائل بعدم جواز تخصيص الخبر والمذهب الثالث القائل بعدم تخصيص الأمر والخبر تَحدوهما
أمَارات الضَّعْف والإبعاد ؛ لأنّهما :
أوّلاً : لا يُعْرَف لهما صاحِب أو قائل .
ثانياً : أنّهما نُسِبَا عند الكثرة إلى شذوذ .
ثالثاً : ضَعْف أدلّتهما وعدم سلامتهما مِن المناقَشة .
لِكُلّ ما تَقَدَّم كان المذهب الأول القائل بجواز التخصيص في الخبر والأمر والنهي هو الأَوْلى بالقبول والترجيح .
ثانيا :القابل لِلتخصيص
المراد بالقابل لِلتخصيص هو : ما يجوز تخصيصه .
ونستطيع أنْ نحدِّد الحالات التي تَقْبَل التخصيص مِن خلال أقوال الأصوليّين ، والتي نَستعرض بعضاً منها فيما يلي :
الأول : لِلشيرازي رحمه الله تعالى ..
وفي ذلك يقول :" وجمْلته : أنّه يجوز تخصيص ألفاظ العموم ، وأمّا تخصيص ما عُرِف مِن فَحْوَى الخطاب ـ كتخصيص ما عُرِف مِن قوله عَزّ وجَلّ { فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفّ } (2) ـ فلا يجوز ، وأمّا تخصيص دليل الخطاب فيجوز " ا.هـ (3) .
الثاني : لأبي الحسين البصري رحمه الله تعالى ..
__________
(1) - يُرَاجَع : المحصول 1/399 ومناهج الوصول مع نهاية السول 2/80 والإبهاج 2/123 ، 124 .
(2) - سورة الإسراء مِن الآية 23.
(3) - اللُّمَع /17 .(1/29)
وفي ذلك يقول :" ثانيهما : ما فيه معنى الشمول فضربان : لفْظ عموم وليس بلفْظ عموم .. نحْو : قضية في عيْن دَلّ الدليل على أنّها لا تَتعدى عنها ، أو فَحْوَى القول ، أو دليل الخطاب ، أو عِلّة شاملة " ا.هـ (1) .
الثالث : لِلفخر الرازي رحمه الله تعالى ..
وفي ذلك يقول :" الذي يَتناول الواحد لا يجوز تخصيصه ، وأمّا الذي تناول أَكثَر مِن واحد.
فعمومه إما مِن جهة اللفظ ، ويصحّ تَطَرُّق التخصيص إليه ، وإما مِن جهة المعنى ، وهو أمور ثلاثة : العِلّة ، ومفهوم الموافَقة ، ومفهوم المخالَفة " ا.هـ (2) .
الرابع : لِسراج الدين الأرموي رحمه الله تعالى ..
وفي ذلك يقول :" وعموم الخطاب إنْ كان مِن حيث اللفظ جاز تخصيصه ، وإنْ كان مِن حيث المعنى كعمومه لِعموم علّته وكمفهوم المخالَفة والموافَقة " ا.هـ (3) .
الخامس : لِلزركشي رحمه الله تعالى ..
وفي ذلك يقول :" مِن حقّ التخصيص أنْ لا يَكون إلا فيما يتناوله اللفظ فاللفظ الذي لا يتناول إلا الواحد لا يجوز تخصيصه بمعنى إخراج بعض الجزئيّات منه ، وأمّا الذي يتناول أَكثَر مِن واحد فإمّا أنْ يَكون عمومه مِن جهة اللفظ أو المعنى أيْ الاستنباط ، والثاني على ثلاثة أقسام : أحدها العِلّة الثاني مفهوم الموافَقة ، والثالث مفهوم المخالَفة " (4) .
بَعْد الوقوف على أقوال الأصوليّين في هذه المسألة ـ والمتقدِّم ذِكْر بعضها ـ يتضح لنا ما يلي :
__________
(1) - المعتمد 1/235 .
(2) - المحصول 1/98 .
(3) - التحصيل 2/ 367 .
(4) - البحر المحيط 3/252 ، 253 بتصرف .(1/30)
1- أنّي لم أقف عند الحنفيّة على مسألة بهذا العنوان المتقدِّم أو نحْوه ، وإنّما تَعَرَّض بعض منهم لِبحث بعض هذه الحالات عند بحْثهم لِلمخصّصات : كما فَعَل ابن الهمام وابن عبد الشكور رحمهما الله تعالى (1) ، أو عند بحثهم لِلاستدلال بدلالة النّصّ (2) : كما فَعَل النسفي رحمه الله تعالى ، وهوالغالب عند الحنفيّة ؛ لاعتبارهم العمل بمفهوم المخالَفة تخصيصا (3) .
2- أنّ بعضاً مِن غيْر الحنفيّة ـ إنْ لم تَكُنْ كثرة منهم ـ تَعَرَّضوا لِبحْث مُعْظَم هذه الحالات لا في مسألة مستقِلّة ـ كما هو الحال فيما تَقَدَّم ـ وإنّما في ثنايا بحْثهم لِمَسائل التخصيص : كما فَعَل ابن الحاجب (4) رحمه الله تعالى ، أو في الأدلّة التي يُخَصّص بها العموم : كما فَعَل الغزالي (5) وابن قدامة (6) وابن السمعاني (7) والقاضي أبو يعلى (8) رحمهم الله وغيْرهم ,كما أنّ تخصيص العِلّة كان محلّ بحْثه عند أَكثَرهم هو باب القياس (9) .
3- أنّي مع الذين ذهبوا إلى جَمْع هذه الحالات في مسألة مستقِلّة ؛ نظراً
لِوجود الجامع بَيْنهما ، وهو قبولها لِلتخصيص وعدمه ، أو جواز تخصيصها مِن عدمه ، ولِذا كنتُ تابعاً لهم في هذا المنهج في بحثي هذا .
__________
(1) - تيسير التحرير 1/273 و مُسَلَّم الثبوت 1/353 .
(2) - يُرَاجَع : المنار مع حاشية نسمات الأسحار /146 .
(3) - يُرَاجَع : التنقيح مع التوضيح 1/268 والوجيز /72 – 74 .
(4) - يراجَع : مختصر المنتهى مع شَرْح العضد 2/147 .
(5) - يُرَاجَع : المستصفى /246 .
(6) - يُرَاجَع : روضة الناظر 2/731 ، 732 .
(7) - يُرَاجَع : قواطع الأدلّة 2/363 ، 390 .
(8) - يُرَاجَع : العدّة لأبي يعلى 5/573 ، 578 .
(9) - يُرَاجَع : المعتمد 2/283 والبرهان 2/634 والمنخول /404 والتبصرة /466 وأصول السرخسي 2/208 وأصول البزدوي 1/281 وجَمْع الجوامع مع البناني 2/296 وشَرْح المنهاج 1/363 .(1/31)
4- أنّه مِن العَرْض السابق لأقوال الأصوليّين في هذا المقام نرى اتفاقهم على حالة لا تَقْبَل تخصيصاً واختلافهم في حالات..
وقدْ حصرتُ الحالات بقِسْميْها في خَمْس ، وهي :
الحالة الأولى : اللفظ المتناول لِلواحد .
مثاله : قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بردة - رضي الله عنه - (1) حينما ضَحَّى بالعناق { تُجْزِئُكَ ، وَلاَ تُجْزِئُ غَيْرَك } (2) , (3) .
والتخصيص لا يتصور هنا لأن اللفظ لا يتناول غير الواحد .
الحالة الثانية : اللفظ العامّ .
مثاله : قوله تعالى { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِين } (4) ؛ فإنّه يدلّ بلفظه على وجوب قتْل كُلّ مُشْرِك ، ولفْظ { الْمُشْرِكِين } عامّ ، لكنّ الحُكْم رأيناه قدْ خُصِّص بعدم قتْل أهْل الذِّمَّة وغيْرهم بِلا خلاف (5) .
الحالة الثالثة : العِلّة .
__________
(1) -أبو بردة : هو الصّحابيّ الجليل هانئ بن نيار بن عمرو الأنصاري - رضي الله عنه - ، أحد الذين شَهِدوا العَقَبَة وشَهِد المغازي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تُوُفِّي - رضي الله عنه - بالمدينة سَنَة 42 هـ . سِيَر أعلام النبلاء 2/36 .
(2) - أَخْرَجه البخاري في كتاب الجمعة : باب التبكير إلى العيد برقم ( 915 ) ومسلِم في كتاب الأضاحي : باب وقْتها برقم ( 6327 ) ، كلاهما عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - .
(3) - يُرَاجَع : المعتمد 1/236 والإحكام لِلآمدي 2/282 ومختصر المنتهى مع شَرْح العضد 2/130 واللُّمَع /17 والإبهاج 2/122 ونهاية السول 2/79 والبحر المحيط 3/252 وأصول الفقه لِلشيخ زهير رحمه الله تعالى 2/242 .
(4) - سورة التوبة مِن الآية 5 .
(5) - يراجع : اللمع 17 والتحصيل 2/367 وشرح المنهاج 1/364 .(1/32)
مثاله : جواز بيْع العرايا (1) ، وهو بيْع الرطب على رءوس النخل بالتمر على وجْه الأرض .
وقدْ ثبت أنّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن بيْع الرطب بالتمر (2) ، وعَلَّله بالنقصان عند الجفاف ، والزيادة في أحد العوضيْن ربا ،
وهذه العِلّة موجودة في العرايا ، وقدْ رخّص النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - في العرايا : الوسق
والوسقيْن والثلاثة والأربعة (3) ، وجواز البيع بهذا الوجه لِلحاجة ، فتُقَدَّر بقَدْرها.
وبهذا الترخص في بيْع العرايا تَكون العِلّة ـ وهي النقصان بالجفاف ـ قدْ وُجِدَت وتَخَلَّف الحُكْم عنها ، وهو معنى نقْض العِلّة كما تَقَدَّم .
ومحلّ الشاهد : أنّ العرايا مُخَصِّصة لِلعلّة بما عَدَاها (4) .
الحالة الرابعة : مفهوم الموافَقة (5) .
__________
(1) - وهي لغةً : اسم لِمَا يعار .. يُرَاجَع مختار الصحاح /453 وشَرْعاً : إباحة الانتفاع بما يَحِلّ الانتفاع به مع بقاء عيْنه .. مغني المحتاج 2/362 .
(2) أَخْرَجه النسائي في كتاب البيوع : باب اشتراء التمر بالرطب برقم ( 4470 ) وابن ماجة في كتاب التجارات باب بَيْع الرطب بالتمر برقم ( 255) وأحمد في مُسْنَد العشرة المُبَشَّرين بالجَنّة برقم (1433)كُلّهم عن سَعْد بن أبي وقّاص - رضي الله عنه - .
(3) - أَخْرَجه أحمد في باقي مُسْنَد المُكْثِرين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما برقم ( 14339 ) .
(4) - يُرَاجَع : منهاج الوصول مع شَرْح المنهاج 1/363 - 365 ونهاية السول 2/79 ومناهج العقول 2/77 وجَمْع الجوامع مع حاشية البناني 2/296 وأصول الفقه لِلشيخ زهير 2/243.
(5) - مفهوم الموافَقة هو : ما كان المسكوت عنه موافِقاً لِلمنطوق في الحُكْم ، ويُسَمَّى " فَحْوَى الخطاب " و" لَحْن الخطاب " .. يُرَاجَع مختصر المنتهى مع شَرْح العضد 2/172 .(1/33)
مثاله : قوله تعالى {فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفّ} (1) ؛ فإنّه يدلّ بمفهومه المُوافِق على تحريم الضرب وغيْره مِن أنواع الإيذاء ، ولكنْ خرَج عن حُكْم هذا المفهوم جواز حَبْس الوالد في دَيْن ولده إذا ماطَل فيه ، وهذا إخراج لِبعض ما تَنَاوَله المفهوم ، فكان تخصيصاً له (2) .
وأَرَى أنّ حَبْس الوالد في حقّ دَيْن الولد فيه نظر ؛ لأنّه كيْف يَحبس الابن أباه بسبب دَيْنه الذي له عليه وهو وماله لأبيه كما قال النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - { أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيك } (3) ؟! وحَبْس الوالد بسبب دَيْن ابنه يعارِض مدلول هذا الحديث .
ولِذا .. فالأَوْلَى أنْ يُمَثَّل بـ: ضرْب الوالد إذا ارتَدّ ، أو تقييد الأمّ إذا
فَجَرَت (4) .
الحالة الخامسة : مفهوم المخالَفة (5) .
__________
(1) - سورة الإسراء مِن الآية 23 .
(2) - يُرَاجَع : نهاية السول 2/79 ، 80 وأصول الفقه لِلشيخ زهير رحمه الله تعالى 2/243 .
(3) - أَخْرَجه ابن ماجة في كتاب التجارات : باب ما لِلرَّجُل مِن مال ولده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما برقم ( 2282 ) ، وأحمد في مُسْنَد المُكْثِرين مِن الصحابة برقم ( 6608 ) عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما .
(4) - يُرَاجَع : المحصول 1/398 .
(5) - ومفهوم المخالَفة هو : أنْ يَكون المسكوت عنه مخالِفاً لِلمذكور في الحُكْم إثباتاً ونفياً ، ويُسَمَّى " دليل الخطاب " .. شَرْح العضد مع المختصر 2/173 .(1/34)
مثاله : قوله - صلى الله عليه وسلم - { إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَث } (1) مع قوله - صلى الله عليه وسلم - { إِنَّ الْمَاءَ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلاَّ مَا غَيَّرَ رِيحَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَه }.. (2)
فالحديث الأول أفاد بمنطوقه عدم حَمْل الخبث لِلماء الذي بَلَغ قُلّتيْن ، وأفاد بمفهومه أنّه يَحمل الخَبَثَ إذا لم يَبْلغهما ، والحديث الثاني أفاد بمنطوقه أنّ الماء مُطْلَقاً ـ بَلَغ قُلّتيْن أو لم يَبْلغ ، جارٍ أم راكد ـ لا يُنَجِّسه شيء إلا ما غَيَّر طَعْمه أو ريحه أو لوْنه ، وهذا المنطوق ـ وهو عدم حَمْل الماء وإنْ قَلّ عن قُلّتيْن الخبث إلا بشَرْطه المتقدِّم ـ عارَض المفهوم المخالِف لِلحديث الأول ، وهو أنّ الماء إذا لم يَبْلُغ قُلّتيْن حَمَل الخبث ..
ولِذا جَمَع الشّافعيّة بيْنهما بقَصْر المنطوق ( الماء ) على الجاري ؛ لأنّه وَرَد في بئر بضاعة وكانت تجري في البساتين ، وقَصْر المفهوم ( عدم بلوغ القُلّتيْن ) على الماء الراكد ، وقالوا : إذا لم يَبْلُغ الماء قُلّتيْن وكان جارياً لم ينجس إلا بالتغيير ، وهو القول القديم ، واختاره الغزالي وجماعة منهم البيضاوي رحمهم الله تعالى .
ومِن هُنَا كان المنطوق مخصِّصاً لِمفهوم المخالَفة (3) .
المطلب الخامس
أنواع المُخَصّصات
__________
(1) - أَخْرَجه النسائي في كتاب الطهارة : باب التوقيت في الماء برقم ( 52 ) وأبو داود في كتاب الطهارة : باب ما يُنَجِّس الماء برقم ( 58 ) وأحمد في مُسْنَد المُكْثِرين مِن الصحابة برقم ( 4376 ) ، كُلّهم عن عبد الله بن عُمَر رضي الله عنهما .
(2) - أَخْرَجه ابن ماجة في كتاب الطهارة وسُنَنها : باب الحياض عن أبي أمامة - رضي الله عنه - برقم ( 514 ) .
(3) - يُرَاجَع : الإبهاج 2/123 وشَرْح المنهاج 1/365 ، 366 ونهاية السول 2/80 ومناهج العقول 2/79 وأصول الفقه لِلشيخ زهير رحمه الله تعالى 2/244 .(1/35)
إن الباحث عن أنواع المخصّصات عند الأصوليّين يمكن أن يتوصل إلى ما يلي :
1- أنّ الكثرة مِن الأصوليّين قسموا المخصّصات إلى قِسْميْن :
الأول : مُخَصِّص مُتَّصِل .
وهو الذي لا يَسْتَقِلّ عن الكلام السابق ، وإنّما يَتَوَقَّف على الكلام الذي اشْتَمَل على المُخَصِّص.
وحصروه في أربعة : الاستثناء ، والشرط ، والصفة ، والغاية (1) .وزاد البعض : بدل البعض (2) .
الثاني : مُخَصِّص مُنْفَصِل .
وهو الذي لا يجتمع مع العام في نفس الكلام .
2- أنّ الكثرة قسموا المُخَصِّص المُنْفَصِل قِسْميْن :
الأول : عقْليّ . الثاني : سَمْعيّ أو شرْعيّ .
كالشيرازي (3) والبصري (4) وابن السمعاني (5) رحمهم الله تعالى .
ومنهم مَن قسمها ثلاثة أقسام :
الأول : العقل . الثاني : الحسّ . الثالث : السَّمْع .
كالفخر الرازي ـ رحمه الله تعالى ـ ومَن تَبِعه (6) .
وقد قسم الإسنوي (7) رحمه الله المخصص غير اللفظ إلى ثلاثة أقسام :
الأول : النية الثاني: العرف الشرعي
__________
(1) - يُرَاجَع : الإحكام لِلآمدي 2/286 والتمهيد لِلكلوذانيّ 2/71 والمعتمد 1/239 وقواطع الأدلّة 1/436والورقات /81 ، 82 .
(2) - يُرَاجَع : مختصر المنتهى مع شَرْح العضد 2/131 والإبهاج 2/144 وشَرْح طلعة الشمس 1/145 .
(3) - يُرَاجَع : اللُّمَع /18 .
(4) - يُرَاجَع المعتمد 1/239 .
(5) - يُرَاجَع : قواطع الأدلّة 1/359 .
(6) - يُرَاجَع : المحصول 1/427 والبحر المحيط 3/355 والإبهاج مع شَرْح المنهاج 1/404 والإبهاج 2/144 .
(7) - الإسنوي : هو أبو مُحَمَّد عبد الرحيم بن الحَسَن بن علِيّ بن عُمَر بن علِيّ بن إبراهيم القرشي الشافعي رحمه الله تعالى ، وُلِد بإسنا سَنَة 704 هـ . مِن تصانيفه : المبهمات على الروضة ، الأشباه والنظائر ، التمهيد ، نهاية السول .تُوُفِّي رحمه الله تعالى بمصر سَنَة 772 هـ . الدرر الكامنة 2/354 والفتح المبين 2/193 ، 194.(1/36)
الثالث :العرف الاستعمالي ويعبر عنه بالقرينة (1) .
3- أنّ القائلين بالتقسيم السابق تَفاوَتوا في حَصْر المُخَصِّصات السَّمْعِيّة ..
فمنهم مَن حصَرها في أربعة : كابن السمعاني (2) رحمه الله تعالى .
ومنهم مَن حصَرها في خمسة : كالبصري (3) رحمه الله تعالى . ومنهم مَن حصَرها في ستة : كالشيرازي والفخر الرازي (4) رحمهما الله تعالى .
ومنهم مَن حصَرها في ثمانية : كالسالمي (5) رحمه الله تعالى .
ومنهم مَن زاد فوْق العشر : كالآمدي وابن الحاجب (6) رحمهما الله تعالى .
4- أنّ الأَوْلى عندي اتِّباع ما عليه الكثرة في تقسيم المُخَصّصات ، وهو أنّها تَنقسم إلى قِسْميْن :
القِسْم الأول : المُخَصِّصات المُتَّصِلة .
وأنواعها خمسة :
1- الاستثناء . 2- الشرط . 3- الغاية .
4- الصفة . 5- بدل البعض مِن الكُلّ .
القِسْم الثاني : المُخَصِّصات المُنْفَصِلة .
وهي نوعان :
النوع الأول : التخصيص بالدليل العقليّ والحسِّيّ .
النوع الثاني : التخصيص بالدليل السّمعيّ أو الشّرعيّ .
5- أنّه يمكِن حصْر المُخَصِّصات المُنْفَصِلَة السَّمْعِيَّة ( الشَّرْعِيَّة والعقليّة ) في خمسة عَشَر مُخَصِّصاً :
1- الكتاب .
2- السُّنَّة .
3- الإجماع .
4- القياس .
5- المفهوم .
6- فِعْل الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
7- تقريره - صلى الله عليه وسلم - .
8- مذهب الرّاوي .
9- العادة والعرف .
10- خصوصية السبب .
11- العقل .
12- النية . 13- عَوْد الضمير إلى بعض أفراد العامّ .
14- ذِكْر بعض أفراد العامّ . 15- عَطْف العامّ على الخاصّ .
المبحث الثاني
أثر التخصيص في الفقه الإسلامي
المطلب الأول
__________
(1) - التمهيد للإسنوي /380
(2) - يُرَاجَع : قواطع الأدلّة 1/361 ، 362 .
(3) - يُرَاجَع : المعتمد 1/239 .
(4) - يُرَاجَع : اللُّمَع /18 والمحصول 1/427 .
(5) - يُرَاجَع شَرْح طلعة الشمس 1/158 .
(6) - يُرَاجَع : الإحكام لِلآمدي 2/286 ومختصر المنتهى 2/131 .(1/37)
أثر التخصيص في العبادات
لقد كان تخصيص العام ذا أثر واضح في العبادات وبناء كثير من الأحكام عليه ونكتفي منها بهذه الفروع كنماذج لتخصيص العام في العبادات .
وفيه فروع :
الفرع الأول : غسل الإناء من ولوغ الكلب .
الفرع الثاني : طهارة جلود الميتة .
الفرع الثالث : مباشرة الحائض .
الفرع الرابع : مرور الجنب في المسجد .
الفرع الخامس : استقبال القبلة واستدبارها في غير الخلاء .
الفرع السادس : نصاب زكاة الزروع والثمار .
الفرع السابع : زكاة الأنعام المعلوفة .
الفرع الثامن : زكاة الخيل .
الفرع التاسع : صيام يوم الجمعة .
الفرع العاشر : صيام يوم الشك .
الفرع الحادي عشر : كفارة الوقاع في نهار رمضان .
الفرع الثاني عشر: حج الصبي والمجنون .
ونفصل القول في كل واحد منها فيما يلي :
الفرع الأول
غسل الإناء من ولوغ الكلب
النَّصّوص الواردة فيه :
ما رواه أبو هريرة (1) - رضي الله عنه - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال { طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَاب } (2) ..
__________
(1) - أبو هريرة : هو الصّحابيّ الجليل عبد الرحمن بن صخْر الدّوسيّ - رضي الله عنه - ، أسلَم أول سَنَة سبْع عام خيبر وشَهِدها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولازَمَه يَدُور معه حيث دار ، ولِذا حَفِظ عنه - صلى الله عليه وسلم - ما لم يُلْحَق به في كثْرته ، ورَوَى هنه أَكْثَر مِن ثمانمائة رَجُل تُوُفِّي - رضي الله عنه - بالمدينة سَنَة 58 هـ . طبقات ابن سعْد 2/362 والاستيعاب لابن عبد البر 4/1768 - 1772 والإصابة 4/202
(2) - أَخْرَجه مُسْلِم في كتاب الطهارة : باب حُكْم ولوغ الكلب برقم ( 420 ) والنسائي في كتاب المياه : باب تعفير الإناء بالتراب مِن ولوغ الكلب فيه برقم ( 336 ) وأبو داود في كتاب الطهارة : باب الوضوء بسؤر الكلب برقم ( 65 ) .(1/38)
وفي رواية { إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّات } (1) .
مع ما رُوِي أنّ أبا هريرة - رضي الله عنه - كان يَغسل الإناء ثلاثاً مِن ولوغ الكلب (2) .
وهُنَا تَعَارُض بَيْن العَدَد الوارد في نَصّ الحديث والعَدَد الذي رُوِي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - راوي الحديث ، ولِذا اعتبَرَه بعض الأصوليّين تخصيصاً لِلعموم بمذهب الراوي (3) .
وجه التخصيص في هذا الفرع :
العموم في الخبر واضِح في وجوب غَسْل الإناء مِن ولوغ الكلب سَبْع مرّات ، وهذا عامّ في كُلّ كَلْب ، وليس العموم في العَدَد ، ولِذا اعتَبَر البعض هذا المثال غيْر مُطابِق ؛ لأنّ التخصيص فَرْع العموم والسَّبْع وغيْرها مِن أسماء الأعداد نصوص في مسمّياتها لا عامّة (4) .
لكنْ أَوْرَد ابن السبكي رحمهما الله تعالى ما يَجْعَل هذا المثال صحيحاً حينما بَيّن أنّ أبا هريرة - رضي الله عنه - يَرَى أنّ كَلْب الزرع لا يُغْسَل منه إلا ثلاثاً ، وغيْره يُغْسَل منه سبعةً ، وأَكَّد ذلك بما رواه الدارقطني (5)
__________
(1) - أَخْرَجه مُسْلِم في كتاب الطهارة : باب حُكْم ولوغ الكلب برقم ( 418 ) والنسائي في كتاب الطهارة : باب الأمر بإراقة ما في الإناء إذا وَلَغ فيه الكلب برقم ( 65 ) .
(2) - أَخْرَجه الدارقطني في سُنَنه . يُرَاجَع : الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/60 ونَصْب الراية 1/130
(3) - يُرَاجَع : منهاج الوصول مع نهاية السول 2/179 - 184 والإبهاج 2/208 ، 209 وبيان المختصر 2/331 وقواطع الأدلّة 1/189 ونَيْل الأوطار 1/34 .
(4) - يُرَاجَع : الإبهاج 2/208 ونهاية السول 2/184 .
(5) - الدارقطني : هو أبو الحَسَن عَلِيّ بن عُمَر بن أحمد الدارقطني الشافعي رحمه الله تعالى ، حافِظ مُحَدِّث .
مِن مصنَّفاته : السُّنَن ، العِلَل ، الإفراد , تُوُفِّي رحمه الله تعالى ببغداد سَنَة 385 هـ . طبقات الشّافعيّة 2/161 وشذرات الذهب 2/116 .(1/39)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :" إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فَأَهْرِقْهُ ثُمَّ اغْسِلْهُ ثَلاَثَ مَرَّات " (1) .
نَوْع التخصيص في هذا الفرع :
والتخصيص في هذا الفرع تخصيص لِعموم الخبر بمذهب راويه , وهو تخصيص منفصل .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اخْتَلَف العلماء في عَدَد مرّات غَسْل الإناء مِن ولوغ الكلب على قوْليْن :
القول الأول : وجوب غَسْل الإناء سَبْع مرّات .
وهو ما عليه الجمهور,ورُوِي عن ابن عباس وعروة بن الزبير (2) - رضي الله عنهم - .
القول الثاني : وجوب غَسْل الإناء ثلاث مرّات .
وهو ما عليه الحنفيّة والعترة (3) ,وهؤلاء حَمَلوا حديث السبع على الندب
وأنّ حُكْمه قدْ نُسِخ بالثلاث (4) .
__________
(1) - يُرَاجَع : الإبهاج 2/209 ونَصْب الراية 1/131 .
(2) - عروة بن الزبير : هو أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوّام القرشي الأسدي المدني رحمه الله تعالى ، مِن التابعين ، أحد فقهاء المدينة السبعة ، وُلِد في خلافة عثمان - رضي الله عنه - . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 90 هـ . تذكرة الحُفّاظ 1/62 وسِيَر أعلام النبلاء 4/423 – 433 وشذرات الذهب 1/103 .
(3) - عترة الرَّجُل : أقرباؤه مِن ولد وغيْره .وقيل : هُمْ قوْمه دِنْياً . وقيل : همْ رهْطه وعشيرته الأدنون ، مَن مضى منهم =
= ومَن غبر .وقال ابن الأثير : عترة الرَّجُل أَخَصّ أقاربه .وقال ابن الأعرابي : العترة ولد الرَّجُل وذرِّيَّته وعَقِبه مِن صُلْبه قال : فعترة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ولد فاطمة البتول عليها السلام . لسان العرب 4/2796
(4) - يُرَاجَع : فتْح الباري 1/277 ونَيْل الأوطار 1/34 وبدائع الصنائع 1/87 ، 88 والمهذَّب 1/173 وإحكام الأحكام /30 ، 31 والخرشي 1/118 والكافي 1/160 ، 16 .(1/40)
والأَوْلى عندي : ما عليه الجمهور مِن وجوب غَسْل الإناء سَبْع مرّات إحداهنّ بالتراب ؛ وذلك تفريعاً على أنّ مذهب الراوي لا يُخَصِّص عموم الخبر الذي رواه .
الفرع الثاني
طهارة جلود الميتة
النصوص الواردة في ذلك :
قوله تعالى { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} (1) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - { لا تنتفع من الميت بإهاب ولا عصب } (2) وفي رواية { لا تنتفعوا من الميتة بشئ } (3) .
مع قوله - صلى الله عليه وسلم - { أيما إهاب دبغ فقد طهر } (4) وحديث ميمونة (5) رضي الله عنها {ألا دبغوا إهابها فانتفعوا به فقالوا يا رسول الله إنها ميتة فقال - صلى الله عليه وسلم -
:
__________
(1) - سورة المائدة من الآية 3 . ...
(2) - أخرحه الترمذي .
(3) - أَخْرَجه ابن وهب في مُسْنَده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما .. يُرَاجَع : الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/59 ونَصْب الراية 1/122
(4) - أَخْرَجه الترمذي في كتاب اللباس عن رسول الله : باب ما جاء في جلود المَيْتَة إذا دُبِغَت برقم ( 1650 ) والنسائي في كتاب الفرع والعتيرة : باب جلود المَيْتَة برقم ( 4168 ) وابن ماجة في كتاب اللباس : باب لِبْس جلود المَيْتَة إذا دُبِغَتْ برقم ( 3599 ) ، كُلّهم عن ابن عباس رضي الله عنهما .
(5) - السيدة ميمونة : هي أمّ المؤمِنين السيدة ميمونة بنت الحارث الهلاليّة رضي الله عنها ، وقيل : كان اسمها " برّة " فغَيَّره=
= النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ، تَزَوَّجها النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - سَنَة 7 هـ ، روت ستّةً وأربعين حديثاً .. تُوُفِّيَتْ رضي الله عنها بسرخس سَنَة 51 هـ .أسد الغابة 7/271 والإصابة 4/411(1/41)
إنما حرم من الميتة أكلها } (1)
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن الآية الكريمة حرمت الميتة كلها لنجاستها بما فيها الجلد والحديثان نهيا عن الانتفاع من الميتة بشئ ومنه الجلد ولذا كان جلد الميتة نجسا والروايتان الأخيرتان نصتا على طهارة جلد الميتة إذا دبغ ولذا كان هذا تخصيصا للعموم الوارد في جلد الميتة .
نوع التخصيص في هذا الفرع :
التخصيص في هذا الفرع واقع بين الكتاب والسنة وبين السنة والسنة وهو تخصيص منفصل .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اختلف العلماء في طهارة جلود الميتة على قولين :
القول الأول : أنها تطهر بالدباغ .
وهو ما عليه الجمهور وحجتهم الروايات المتقدمة الدالة على ذلك .
وذهب الشافعية إلى عدم طهارة جلد الكلب والخنزير بالدباغ واتفق الحنفية معهم في جلد الخنزير فقط .
القول الثاني : أنها لا تطهر بالدباغ .
وهو ما عليه الحنابلة ورواية عن الإمام مالك (2) - رضي الله عنه - .
واحتجوا بالروايات التي تنهى عن الانتفاع بالميتة بإهاب ولا عصب (3) .
__________
(1) - أَخْرَجه مُسْلِم في كتاب الحيض : باب طهارة جلود الميتة بالدباغ برقم ( 542 ) والنسائي في كتاب الفرع والعتيرة : باب جلود الميتة برقم ( 4165 ) وابن ماجة في كتاب اللباس : باب لِبْس جلود الميتة إذا دُبِغَت برقم ( 3600 ) ، كُلّهم عن ابن عباس رضي الله عنهما .
(2) - الإمام مالك : هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحي المدني - رضي الله عنه - ، إمام دار الهجرة ، أحد الأئمّة الأربعة, وُلِد بالمدينة سَنَة 93 هـ مِن مصنَّفاته : الموطَّأ ,تُوُفِّي - رضي الله عنه - بالمدينة سَنَة 179 هـ . الأعلام 3/824 والفتح المبين 1/117 .
(3) - يراجع أحكام القران للجصاص 1/ 142:140 , والجامع لأحكام القران 2 / 246 , وبداية المجتهد 1 / 78 ,79 , والكافي 1 / 48 , 49 .(1/42)
والراجح ما عليه أصحاب القول الأول من طهارة جلود الميتة بالدباغ وهو حكم مبني على تخصيص عموم آية الميتة بالحديث النبوي .
الفرع الثالث
مباشرة الحائض
النصوص الواردة في ذلك :
قوله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} (1)
مع ما روته السيدة عائشة (2) رضي الله عنها قالت{كانت إحدانا إذا كانت حائضا أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تأتزر في فور حيضتها ثم يباشرها وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يملك إربه} (3) .
وفي رواية ثانية { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يضاجعها زوجها } (4)
__________
(1) - سورة البقرة من الآية 222 .
(2) - السيدة عائشة : هي أمّ عبد الله الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق السيدة عائشة بنت أبي بَكْر عبد الله ابن عثمان ، أُمّ المؤمِنين ، أَفقَه نساء المسلِمين ، وُلِدَت قَبْل الهجرة بتِسْع سنوات ، تَزَوَّجَها النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْد الهجرة .. تُوُفِّيَت رضي الله عنها بالمدينة سَنَة 58 هـ . الإصابة 9/359
(3) - أَخْرَجه البخاري في كتاب الحيض : باب مباشرة الحائض برقم ( 291 ) ومسلم في كتاب الحيض : باب مباضرة الحائض فوق الإزار برقم ( 440 ) وابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها : باب ما للرجل من امرأته غذا كانت حائضاً برقم ( 627 ) .
(4) - أخرجه النسائي في كتاب الطهارة : باب مباشرة الحائض برقم ( 283 ) وأبو داود في كتاب الطهارة : باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع برقم ( 234 ) والإمام أحمد في باقي مسند الأنصار برقم ( 23872 ) .(1/43)
وفي رواية ثالثة { كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد كلانا جنب وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض} (1)
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن الآية الكريمة نهت عن إتيان الحائض حال حيضها فأمرت باعتزالها وهذا النهي يشمل الجماع والمباشرة لكن روايات السيدة عائشة رضي الله عنها خصصت هذا العموم وجعلته قاصرا على الجماع فقط وأباحت ما دونه من المباشرة .
نوع التخصيص في هذا الفرع :
في هذا الفرع خصصت السنة المطهرة عموم القران الكريم وهو تخصيص منفصل .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اتفق العلماء على أن إتيان الحائض في فرجها حرام واختلفوا فيما دون ذلك على أقوال :
القول الأول : يحرم جميع بدنها فلا يباشره بشئ من بدنه .
وهو قول عبيدة السلماني (2)
__________
(1) - أخرجه البخاري في كتاب الغسل : باب غسل الرجل مع امرأته ( 242 ) ومسلم في كتاب الحيض : باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة برقم ( 480 ) والترمذي في كتاب اللباس عن رسول الله : باب ما جاء في الجمة واتخاذ الشعر برقم ( 1677 ) عن السيدة عائشة رضي الله عنها .
(2) - عبيدة السلماني : هو أبو مسلم وقيل أبو عمرو عبيدة بن قيس بن عمرو المرادي الهمذاني من كبار التابعين وأحد علماء الكوفة أسلم قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يره وسمع من بعض الصحابة وصاحب عليا - رضي الله عنه - وكان أحد أصحاب ابن مسعود
توفي سنة 72هـ وقيل غيره . الإصابة 3/103 وتذكرة الحفاظ 1/50 وشذرات الذهب 1 /78 .(1/44)
وروي عن ابن عباس (1) وعائشة - رضي الله عنهم - .
ويمكن الاحتجاج لهم بعموم الأمر باعتزال الحائض الوارد في الآية الكريمة .
القول الثاني : يحرم مباشرة ما بين السرة والركبة .
وهو قول أبي حنيفة (2) ومالك وأحد القولين في مذهب الشافعي (3) - رضي الله عنهم - وروي عن السيدة عائشة رضي الله عنها .
وحجتهم رواية السيدة عائشة رضي الله عنها المتقدمة .
القول الثالث : يحرم مباشرة الفرج فقط .
__________
(1) - ابن عباس : هو حَبْر الأُمَّة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عمّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ، دعا له النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال { اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيل } . تُوُفِّي - رضي الله عنه - بالطّائف سَنَة 68 هـ .الإصابة 2/330 وشذرات الذهب 1/75
(2) - الإمام أبو حنيفة : هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن كاوس بن هرمز - رضي الله عنه - ، أول الأئمّة الأربعة وُلِد بالكوفة سَنَة 80 هـ .. مِن مصنَّفاته : المخارج في الفقه واللغة . تُوُفِّي - رضي الله عنه - سَنَة 150 هـ . الأعلام 9/4 والفتح المبين 1/106 - 110
(3) - الإمام الشافعي : هو أبو عبد الله مُحَمَّد بن إدريس بن العباس بن شافع المطَّلبي - رضي الله عنه - ، أحد أئمة المذاهب الأربعة ، وُلِد بغزّة ، وقيل : بعسقلان ـ سَنَة 150 هـ ..مِن مصنَّفاته : الأُمّ ، الرسالة = =أحكام القرآن .تُوُفِّي - رضي الله عنه - بمصر سَنَة 204 هـ . طبقات الشافعية الكبرى 1/100 والفتح المبين 1/133 – 142 .(1/45)
وهو ما عليه الحنابلة والظاهرية وقول عند الشافعية وهو قول ابن عباس ومجاهد (1) وعكرمة (2) والحسن (3) وسفيان الثوري (4) - رضي الله عنهم - .
واحتجوا بحديث : { اصنعوا كل شئ إلا النكاح} (5)
__________
(1) - مجاهد : هو أبو الحجاج مجاهد بن بكر المالكي المخزومي من أئمة التابعين فقيه محدث مفسر اتفق العلماء على إمامته وجلالته , توفي سنة 103 هـ وقيل غير ذلك . شذرات الذهب 1/125 .
(2) - عكرمة : هو أبو عبد الله عكرمة البربري المدني الهاشمي رحمه الله تعالى ، مولى ابن عباس رضي الله عنهما ، تعلَّم عليه وحمل عِلْمَه .. تُوُفِّي رحمه الله تعالى بالمدينة سَنَة 107 هـ . تذكرة الحفّاظ 1/95 ، 96.
(3) - الحَسَن : هو أبو سعيد الحَسَن بن يسار البصري رحمه الله تعالى ، إمام أهْل البصرة ، مِن سادات التابعين والزاهدين .. مِن مصنَّفاته : تفسير القرآن . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بالبصرة سَنَة 110 هـ . طبقات المُفَسِّرين 1/147 وشذرات الذهب 1/136.
(4) - سفيان الثوري : هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي رحمه الله تعالى ، وُلِد سَنَة 96 هـ ، لُقِّب بـ" أمير المؤمِنين في الحديث " ، أَدْرَك خمسمائةً مِن الصحابة .. مِن مصنَّفاته : مُسْنَد الثوري . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بالبصرة سَنَة 161 هـ .الطّبقات الكبرى لابن سعد 6/371 وطبقات الحُفّاظ 1/95 وشذرات الذهب 1/250
(5) - أَخْرَجَه مُسْلِم في كتاب الحيض : باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله برقم ( 455 ) وأبو داود في كتاب
الطهارة : باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها برقم ( 225 ) وابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها : باب ما جاء في مؤاكلة
= الحائض وسؤرها برقم ( 636 ) عَنْ أَنَس - رضي الله عنه - .(1/46)
, (1) .
والقول الأول عندي مردود ومعارض لثبوت المباشرة في السنة المطهرة والقول الثاني والثالث كلاهما ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويمكن الجمع بينهما بحمل الثاني على من لا يملك إربه سدا للذريعة خشية الوقوع في الحرام وهو الوطء في الفرج وحمل الثالث عل من يملك إربه .
والقولان مفرعان على تخصيص عموم آية اعتزال الحائض بالسنة الفعلية.
الفرع الرابع
مرور الجنب في المسجد
النص الوارد فيه :
قوله تعالى { يأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا.. الآية} (2) .
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن الله تعالى حرم على الجنب المكث في المسجد لكنه جل وعلا
استثنى المرور فيه كعابر سبيل ولذا كان استثناء المرور في المسجد للجنب تخصيصا لعموم النهي عن المكث في المسجد للجنب .
نوع التخصيص في هذا الفرع :
خصص الكتاب في هذا الفرع عموم الكتاب وهو تخصيص متصل واقع
بالاستثناء .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اختلف العلماء في مرور الجنب في المسجد على أقوال :
القول الأول : جواز المرور في المسجد .
__________
(1) - يراجع أحكام القران للشافعي 1 / 52 , وأحكام القران للجصاص 1 / 408, 409 , وأحكام القران لابن العربي 1 / 225, 226 والنكت والعيون 1 / 235 , 236 وتفسير القران العظيم 1 / 258, 259 والوجيز للغزالي / 23 ومنهاج الطالبين / 19 وبداية المجتهد 2/56 , 57 والكافي 1 / 135 , 136 وتفسير آيات الأحكام 1 / 129 .
(2) - سورة النساء من الآية 43 .(1/47)
وهو قول الجمهور وروي عن جابر (1) وعطاء (2) وابن المسيب (3) والحسن - رضي الله عنهم - .
واحتجوا بما روي عن جابر - رضي الله عنه - : { إن أحدنا يمر في المسجد مجتازا وهو جنب} (4)
القول الثاني : حرمة المرور في المسجد .
__________
(1) - جابر بن عبد الله : هو الصّحابيّ الجليل أبو عبد الله جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام ابن كعْب الأنصاري السلمي رضي الله عنهما ، شَهِد بيعة العَقَبَة الثانية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير ، وشَهِد مع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ثماني عشرة غزوة .. تُوُفِّي سَنَة 74 هـ ، وقيل : سَنَة 78 هـ . أسد الغابة 1/351 والإصابة 1/434 ، 435 وشذرات الذهب 1/44
(2) - عطاء : هو أبو مُحَمَّد عطاء بن أبي رباح القرشي المكي رحمه الله تعالى ، وُلِد في خلافة عثمان - رضي الله عنه - ، حَدَّث عَنْ جماعة مِن الصحابة منهم أبو هريرة والسيدة عائشة والسيدة أمّ سلمة - رضي الله عنهم - ، كان مِن أكابر علماء التابعين ، وكان مِن أحسن الناس صلاةً ..تُوُفِّي رَحمه الله تعالى سَنَة 114 هـ . طبقات ابن سعد 5/467 والبداية والنهاية 9/306 وشذرات الذهب 1/147 ، 148.
(3) - سعيد بن المسيّب : هو أبو مُحَمَّد سَعِيد بن المُسَيَّب بن حزن بن أَبِي وَهْب بن عَمْرو المخزومي القُرَشِي رحمه الله تعالى ، مِنْ كِبَار التابعين ، وُلِد لِسَنَتَيْن مَضَتَا مِنْ خِلاَفَة عُمَر - رضي الله عنه - على الأرجح .. تُوُفِّي رحمه الله تعالى بالمدينة سَنَة 93 هـ . طبقات ابن سَعْد 5/119 - 143 ووفيات الأعيان 2/375 - 378
(4) - أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2/443 وابن أبي شيبة في مصنفه 1/135(1/48)
وهو قول الحنفية ومالك وروي عن أنس (1) والثوري - رضي الله عنهم - .
واحتجوا بحديث : { لا أحل المسجد لحائض ولا جنب } (2) .
القول الثالث : حرمة المرور في المسجد إلا لمن كان بابه إليه.
وهو قول الليث (3) - رضي الله عنه - .
واحتج بإذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي (4) - رضي الله عنه - بالمرور في المسجد وهو جنب لأن بابه إليه (5) .
__________
(1) - أَنَس بن مالِك : هو الصحابي الجليل أبو حمزة أَنَس بن مالِك بن النَّضْر بن ضمضم الأنصاري - رضي الله عنه - ، خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .تُوُفِّي - رضي الله عنه - بالبصرة سَنَة 92 هـ . الطبقات الكبرى 7/17 - 25 والنجوم الزاهرة 1/224.
(2) - أَخْرَجَه أبو دَاوُد في كِتَاب الطَّهَارَة : باب في الْجُنُب يدخل المسجد برقم ( 201 ) وابْن خُزَيْمَة في صحيحه 2/284
والْبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى 2/442 عَنِ السَّيِّدَة عَائشَة رضي الله عنها .
(3) - اللَّيْث : هو اللَّيْث بن سَعْد بن عَبْد الرَّحْمَن رحمه الله تعالى ، وُلِد في مِصْر سَنَة 94 هـ .. قال عنه الإمام الشافعي : كان اللَّيْث أَفْقَه مِن مالك ، إلا أنّه ضَيَّعه أصحابه . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 175 هـ . طبقات ابن سعد 7/517 وشذرات الذهب 1/285
(4) - الإمام عَلِيّ : هو الصّحابيّ الجليل أبو الحَسَن عَلِيّ بن أبي طالب بن عبد المُطَّلِب كَرَّم الله وجْهه ابن عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أوَّل مَن أَسلَم مِن الصِّبيان ، وُلِد سَنَة 23 قَبْل الهجرة ، وتَرَبَّى في حِجْر المصطفَى - صلى الله عليه وسلم - ، وهو رابِع الخلفاء الراشدين ..تُوُفِّي - رضي الله عنه - سَنَة 40 هـ .الفتح المبِين 1/60 – 65 .
(5) - أخرجه النسائي في السنن الكبرى 5/112 والإمام أحمد في باقي مسند الشاميين برقم ( 2903 ) وابن عساكر في تاريخ دمشق 42/97 عن ابن عباس رضي الله عنهما .(1/49)
والراجح عندي جواز المرور في المسجد للجنب وهو ما عليه الجمهور وقيده النووي رحمه الله (1) بأن يكون له غرض من المرور بأن كان المسجد أقرب طريقيه أو لم يكن هناك باب يوصل إلى دورة المياه وأماكن الوضوء إلا بالمرور بالمسجد أما إذا لم يكن هناك غرض من المرور كان
المرور حينئذ خلاف الأولى وكرهه النووي في الروضة في هذه الحالة (2) .
وهذا الحكم يفرع على تخصيص عموم نهي الجنب عن المرور في المسجد .
الفرع الخامس
استقبال القِبْلة واستدبارها في غيْر الخلاء
النصوص الواردة فيه :
__________
(1) - النووي : هو محيي الدِّين أبو زكريّا يحيى بن شرف بن مري الحِزامي النووي الدمشقي الشافعي رحمه الله تعالى ، وُلِد في نوى مِن أعمال دمشق سَنَة 631 هـ .. مِنْ مصنَّفاته : بستان العارفين ، رياض الصّالحين ، شرح صحيح مسلِم ، منهاج الطّالبين .تُوُفِّي رحمه الله تعالى بـ" نوى " سَنَة 676 هـ . طبقات الشافعية الكبرى 8/395 - 400 وطبقات الفقهاء /268 ، 269.
(2) - يراجع أحكام القران للجصاص 2 / 255 , 256 . والجامع لأحكام القران 5 / 135, 136 وتفسير القران العظيم 1 / 501 , ومغني المحتاج 1 / 71 , والاختيار 1 / 13 .(1/50)
قوله - صلى الله عليه وسلم - { إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلاَ يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَة } (1) و{إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلاَ بَوْلٍ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهُمَا ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا } (2) .
مع ما رواه ابن عُمَر (3) رضي الله عنهما قال :" رَقِيتُ يَوْماً عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَة " (4) .
فالنَّصّ الأول نَهَى عن استقبال القِبْلَة أو استدبارها عند إتيان الغائط ، وهو عامّ في الصحراء وفي غيْرها .
والنَّصّ الثاني دالّ على جواز استدبار القِبْلة في المَباني .
__________
(1) - أَخْرَجَه البخاري في كتاب الوضوء : باب لا تستقيل القبلة بغائط أو بول برقم ( 141 ) والنسائي في كتاب الطهارة : باب الأمر باستقبال المشرق أو المغرب عند الحاجة برقم ( 22 ) والإمام أحمد في باقي مسند الأنصار برقم ( 22424 ) عَنْ أَبِي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - .
(2) - أخرجه البخاري في كتاب الصلاة : باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق برقم ( 380 ) ومسلم في كتاب الطهارة : باب الاستطابة برقم ( 388 ) والترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله : باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول برقم ( 8 ) .
(3) - ابن عُمَر : هو الصّحابيّ الجليل أبو عبد الرحمن عبد الله بن عُمَر بن الخطّاب القرشي العدوي رضي الله عنهما ، أحد الأعلام في العِلْم والعمل . تُوُفِّي - رضي الله عنه - بمكة سَنَة 74 هـ . التاريخ الكبير 5/125 وتذكرة الحُفّاظ 1/37 والطبقات الكبرى لابن سعد 4/142 - 187
(4) - أَخْرَجه البخاري في كتاب الوضوء : باب التَّبَرُّز في البيوت برقم ( 145 ) والنسائي في كتاب الطهارة : باب الرخصة في ذلك في البيوت برقم ( 23 ) وأبو داود في كتاب الطهارة : باب الرخصة في ذلك برقم ( 11 ) .(1/51)
ولِذا كان هناك تَعارُض ظاهريّ بَيْن العامّ المُتَقَدِّم والخصوص المُتَأَخِّر ولِذا اخْتَلَف العلماء في إزالة هذا التعارض على أقوال:
القول الأول : أنّ حديث ابن عُمَر رضي الله عنهما ناسِخ لِلمُتَقَدِّم ، ولِذا يثبت به الإباحة مُطْلَقاً في الخلاء والمَباني .
القول الثاني : أنّ حديث ابن عُمَر رضي الله عنهما خاصّ بالنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ،ولِذا يبقى الأول عندهم على عمومه .
وهو ما رَجَّحه ابن دقيق العيد (1) رحمه الله تعالى .
القول الثالث : أنّ حديث ابن عُمَر رضي الله عنهما مُخَصِّص لِعموم الأول فيَكون قاصراً على غيْر البنيان ـ أي الصحاري ـ حيث لا سترة , وهو مذهب الإمام مالك - رضي الله عنه - .
والأَوْلى عندي : القول الثالث ؛ جَمْعاً بَيْن الدليليْن ، كما أنّ القول بخصوصيّته لِلنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ليس هناك ما يؤكِّده أو يدلّ عليه (2) .
نَوْع التخصيص في هذا الفرع :
والتخصيص هُنَا تخصيص العموم بفعله - صلى الله عليه وسلم - وهو تخصيص منفصل .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اخْتَلَف العلماء في حُكْم استقبال القِبْلة واستدبارها في غيْر الصحراء على أقوال :
القول الأول : جواز استدبار القِبْلة دون الاستقبال .
__________
(1) - تقيّ الدين بن دقيق العيد : هو أبو الفتح محمد بن علِيّ بن وهْب بن مطيع القشيري المنفلوطي المصري ، القوصي المنشأ ، المالكي ثُمّ الشافعي ، وُلِد سَنَة 625 هـ ، فقيه أصوليّ نحويّ ، وُلِّي قضاء الديار المصرية .. مِن مصنَّفاته : الإلمام في أحاديث الأحكام ، شَرْح كتاب العمدة في الأحكام ، شَرْح الأربعين النووية . تُوُفِّي سَنَة 702 هـ .البداية والنهاية 14/27 والدُّرَر الكامنة 4/91 والفتح المُبِين 2/102
(2) - يُرَاجَع : إحكام الأحكام /53 وفتْح الباري 1/345 وبداية المُجْتَهِد 1/87 ، 88 ونَيْل الأوطار 1/80 .(1/52)
وهو مَحْكِيّ عن الإماميْن أبي حنيفة وأحمد (1) رضي الله عنهما .
وحُجّتهم : ظاهِر نصّ حديث ابن عُمَر رضي الله عنهما :" مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَة " .
القول الثاني : جواز استدبار القِبْلة واستقبالها في البنيان .
وهو قول الجمهور ، ومذهب مالك والشافعي وإسحاق (2) . وحُجّتهم : أنّه لا فارِق بَيْن استقبال القِبْلَة واستدبارها ، فإنْ أَثْبَت
النَّصُّ الاستدبارَ فكذلك الاستقبال ؛ لأنّ العلّة واحدة .
القول الثالث : حرمة استقبال القِبْلَة واستدبارها مُطْلَقاً في الصحراء والبنيان .
__________
(1) - الإمام أحمد : هو أبو عبد الله أحمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس الشيباني - رضي الله عنه - ، الإمام الفقيه المحدِّث ، أحد
الأئمّة الأربعة ، وُلِد ببغداد سَنَة 164 هـ . مِن مصنَّفاته : المسنَد ، التفسير ، السُّنَّة . تُوُفِّي - رضي الله عنه - ببغداد سَنَة 241 هـ , البداية والنهاية 10/320 والفتح المبين 1/156 – 163.
(2) - إسحاق : هو أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي رحمه الله تعالى ، المعروف بـ" ابن راهويه " ، جالَس الإمامَ أحمدَ - رضي الله عنه - ، وناظَر الإمامَ الشّافعيَّ - رضي الله عنه - ثُمّ صار مِن أتباعه وجَمَع كُتُبه ، حَفِظ سبعين ألْف حديث مِن مصنَّفاته : المُسْنَد ، التفسير .تُوُفِّي رحمه الله تعالى بنيسابور سَنَة 238 هـ .الطبقات الكبرى 2/83 وطبقات الحنابلة 1/109(1/53)
وهو قوْل أبي ثوْر (1) وابن العربي المالكي (2) وابن حزْم (3) رحمهم الله تعالى ، والمشهور عن أبي حنيفة وأحمد رضي الله عنهما .
وحُجّتهم : أنّ النهي مُقَدَّم على الإباحة .
القول الرابع : الجواز مُطْلَقاً في الصحراء وفي البنيان .
__________
(1) - أبو ثور : هو إبراهيم بن خالد بن اليمان البغدادي رحمه الله تعالى ، حَدَّث عن الإمام الشافعي وسفيان بن عيينة وغيْرهما .. مِن مصنَّفاته : مبسوط في الفقه على ترتيب كُتُب الإمام الشافعي .تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 240 هـ . تذكرة الحُفّاظ 2/512 ، 513 وسِيَر أعلام النبلاء 12/72 ، 73
(2) - ابن العربي : هو القاضي أبو بَكْر محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الأشبيلي المالكي رحمه الله تعالى ، وُلِد بأشبيليّة سَنَة 468 هـ ، فقيه أصوليّ ، أحد أئمّة المالكيّة .. من مصنَّفاته : المحصول في عِلْم الأصول ، العواصم مِن القواصم ، أحكام القرآن . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بمراكش ودُفِن بفاس سَنَة 543 هـ . وفيات الأعيان 1/489 والفتح المبين 2/28 - 30 وشجرة النّور الزَّكيّة /136
(3) - ابن حزْم الظاهري : هو علِيّ بن أحمد بن سعيد بن حزْم الفارسي الأصل ثُمّ الأندلسي القرطبي ، الفقيه الحافظ المُتَكَلِّم الأديب ، أستاذ الفقه الظاهري ..مِن مصنَّفاته : المُحَلَّى ، الإحكام في أصول الأحكام ، الإملاء في شَرْح الموطأ , تُوُفِّي سَنَة 456 هـ . وفيات الأعيان 3/325 - 330 وطبقات الحُفّاظ /436 ، 437.(1/54)
وهو قول السيدة عائشة رضي الله عنها وعروة (1) وربيعة (2) وداود (3) رحمهم الله تعالى .
وحُجّتهم : أنّ الأحاديث تَعارضَت ، وعند التعارض رَجَعْنَا إلى الأصل وهو الإباحة ، ولِذا جاز استقبال القِبْلة واستدبارها مُطْلَقاً ، سواء في الصحراء أم في البناء (4) .
__________
(1) - عروة بن الزبير : هو أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوّام القرشي الأسدي المدني رحمه الله تعالى ، مِن التابعين ، أحد فقهاء المدينة السبعة ، وُلِد في خلافة عثمان - رضي الله عنه - ، تفقَّه على أبيه وخالته السيدة عائشة وكثير مِن علماء الصحابة - رضي الله عنهم - ، وكان يقرأ ربع القرآن كُلّ يوم في المصحف ويقوم به في الليل .. تُوُفِّي رحمه الله تعالى صائماً سَنَة 94 هـ .تذكرة الحُفّاظ 1/62 ،63 وسِيَر أعلام النبلاء 4/423 – 433 وشذرات الذهب 1/103 ، 104.
(2) - ربيعة : هو أبو عثمان ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ القرشي التميمي المدني رحمه الله تعالى تابعيّ جليل ، فقيه مُحَدِّث ، عُرِف بالرأي والقياس ، شيْخ الإمام مالك - رضي الله عنه - تُوُفِّي رحمه الله تعالى بالمدينة سَنَة 136 هـ . وفيات الأعيان 2/50 وشذرات الذهب 1/194 .
(3) - داود الظاهري : هو أبو سليمان داود بن علِيّ بن داود بن خلف الأصفهاني الظاهري رحمه الله تعالى ، وُلِد بالكوفة ، كان شافعيّاً متعصِّباً في أول أمْره .. مِن مصنَّفاته : الكافي , تُوُفِّي رحمه الله تعالى ببغداد سَنَة 270 هـ . الفتح المبين 1/167 - 169.
(4) - يُرَاجَع : فتْح الباري 1/246 ونَيْل الأوطار 1/81 وبداية المجتهد 1/88 والكافي 1/97 والمُهَذَّب 1/106 ، 107 والمجموع 2/86 - 90 والمحلى 1/ 193 والخرشي وحاشية العدوي 1/146 .(1/55)
والقول الثاني القائل بجواز استدبار القِبْلة واستقبالها في البناء دون الصحراء هو الأَوْلى عندي بالقبول والترجيح ؛ جَمْعاً بَيْن الدليليْن ، وإعمالاً لِقاعدة تخصيص العموم بفعل النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - .
الفرع السادس
نِصَاب زكاة الزروع والثمار
النَّصّوص الوارد فيه :
قوله - صلى الله عليه وسلم - { فِيمَا سَقَتِ الأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ ، وَفِيمَا سُقِي بِنَضْحٍ (1) أَوْ دَالِيَةٍ (2) نِصْفُ الْعُشْر } (3) .
قوله - صلى الله عليه وسلم - { لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ (4) صَدَقَة } (5) .
وجه التخصيص في هذا الفرع :
__________
(1) - النَّضْح : هو البلّ بالماء والرَّشّ .. مختار الصَّحّاح /689 والمصباح المنير 2/609 .
(2) - الدّالية : الدلو ونحْوها وخشب يُصْنَع كهيئة الصليب ويُشَدّ برأْس الدّلو ثُمّ يؤخَذ حبْل يُرْبَط طرفُه بذلك وطرفُه بجِذْع قائم على رأْس البئر ويُسْقَى بها .. المصباح المنير 1/199 .
(3) - أَخْرَجه بلفظ قريب منه مُسْلِم في كتاب الزكاة : باب ما فيه العُشْر أو نِصْف العُشْر برقم ( 1630 ) وأحمد في باقي مُسْنَد المُكْثِرين برقم ( 14140 ) ، كلاهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما .
(4) - الوسق : ما قَدْره ستّون صاعاً مِن تمْر أو نحْوه ، أو ما يساوي 130 كيلو جراماً ، والخمسة أوسق تُساوِي 653 كيلو جراما ..يُراجَع : معجَم المصطلحات والألفاظ الفقهيّة 3/477 والفقه الإسلاميّ وأدلّته لِلزحيلي 3/1890
(5) - أَخْرَجه البخاري في كتاب الزكاة : باب ما أُدِّي زكاته فليس بكنز برقم ( 1317) ومُسْلِم في كتاب الزكاة برقم (1625 ) والترمذي في كتاب الزكاة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : باب ما جاء في صدقة الزرع والتمر والحبوب برقم ( 568 ) ، كُلّهم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - .(1/56)
أن النَّصّ الأول أَوْجَب إخراج العُشْر أو نِصْف العُشْر في كُلّ ما خرج مِن الأرض قَلّ أو كَثُر ، فهو يفيد عموم الحُكْم .
والنَّصّ الثاني قَصَر إخراج زكاة الزروع والثمار على ما فوْق خمسة أوسق ، وما دُونها لا زكاة فيه .
ولِذا كان هناك تَعارُض ظاهريّ بَيْن العامّ المُتَقَدِّم والخصوص المُتَأَخِّر الأمرَ الذي دَفَع العلماء إلى إزالة هذا التعارض على مذْهبيْن :
المذهب الأول : الجَمْع بَيْنهما .
وهو ما عليه الجمهور .
ووجْهتهم : أنّ الحديث الثاني مُبَيِّن لِلأول ومُخَصِّص له .
المذهب الثاني : عدم الجَمْع بَيْنهما .
وهو ما عليه الحنفيّة .
ووجْهتهم : تَرْك الحديث المُخَصّص ؛ لأنّه ظَنِّيّ ، والعموم
قَطْعِيّ ، ولا يَقْوَى الظَّنِّيّ على القَطْعِيّ (1) .
والأَوْلى عندي : ما عليه الجمهور ؛ جَمْعاً بَيْن الدليليْن ، ولأنّ العامّ والخاصّ كلاهما ظنِّيّ ، والخاصّ أَرْجَح دلالةً وإسناداً ، فيُقَدَّم على العامّ..
وفي ذلك يقول ابن رشْد (2) رحمه الله تعالى :" ولكنّ حَمْل الجمهور عندي الخصوص على العموم هو مِن باب ترجيح الخصوص على العموم في الجزء الذي تَعارَضَا فيه ؛ فإنّ العموم فيه ظاهِر ، والخصوص فيه نصّ ، فتَأَمَّلْ هذا " ا.هـ (3) .
نَوْع التخصيص في هذا الفرع :
والتخصيص هُنَا تخصيص لِلسُّنَّة بالسُّنَّة , وهو تخصيص منفصل .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
__________
(1) - يُرَاجَع : إحكام الأحكام/318 ونَيْل الأوطار 4/141 وسُبُل السلام 2/240 وبداية المجتهد 1/265.
(2) - ابن رشد : هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن أبي الوليد الغرناطي المالكي ، فقيه أديب أصوليّ حكيم ، وُلِد بقرطبة سَنَة 52 هـ .. مِن مصنَّفاته : مختصر المستصفى ، بداية المجتهِد ونهاية المقتصِد .تُوُفِّي بمراكش سَنَة 595 هـ ونُقِلَت جثّته إلى قرطبة .النجوم الزاهرة 6/54 والفتح المبين 2/38 ، 39
(3) - بداية المجتهد 1/265.(1/57)
اخْتَلَف العلماء في نِصَاب الزروع والثمار على أقوال :
القول الأول : أنّ الزكاة لا تجب فيما دُون خمسة أوسق .
وهو ما عليه الجمهور ، وحكي إجماعَ عليه (1) .
القول الثاني : وجوب الزكاة في كُلّ ما يخرج مِن الأرض عَدَا الحطب والقصب والحشيش والشجر الذي لا ثمر له .
وهو ما عليه الحنفيّة (2) .
القول الثالث : مراعاة النِّصَاب فيما دخله الكيل ، وما لا يدْخله ففي قليله وكثيره زكاة .
وهو محكيّ عن داود الظاهري رحمه الله تعالى .
القول الرابع : أنّ النِّصَاب مُعْتَبَر في الثمار والزبيب والبرّ والشَّعِير.
وهو مَحْكِيّ عن محمد الباقر (3) وجعفر الصادق (4) رضي الله عنهما (5) .
وما عليه الجمهور أصحاب القول الأول هو الأَوْلى عندي بالقبول والترجيح ؛ تفريعاً على جواز تخصيص السُّنَّة بالسُّنَّة ، واتِّباعاً لإجماع الأُمَّة .
الفرع السابع
زكاة الأنعام المعلوفة
__________
(1) - يُرَاجَع : فتْح الباري 3/349 ، 350 ونَيْل الأوطار 4/141 والهداية 1/117 ، 118 وبداية المجتهد 1/265 ومغني المحتاج 1/382 والعدّة /127 ، 128 والمُحَلَّى 5/251 .
(2) - يُرَاجَع : الهداية 1/117 ، 118 وبدائع الصنائع 2/57 ، 58
(3) - محمّد الباقر : هو أبو جعفر محمد الباقر بن زيْن العابدين عَلِيّ بن الحسين - رضي الله عنهم - ، قيل له " الباقر " لأنّه تَبَقَّر في العِلْم أيْ تَوَسَّع فيه ، وُلِد سَنَة 57 هـ .. تُوُفِّي - رضي الله عنه - سَنَة 113 هـ ودُفِن البقيع .وفيات الأعيان 4/174 .
(4) - جعفر الصادق : هو أبو عبد الله جعفر بن محمد الباقر بن زين العابدين عَلِيّ بن الحسين - رضي الله عنهم - ، أَخَذ عنه جماعة منهم الإمامان أبو حنيفة ومالك رضي الله عنهما .. له رسائل مجموعة في كُتُب, تُوُفِّي - رضي الله عنه - بالمدينة سَنَة 148 هـ ودُفِن بالبقيع . الأعلام 2/121 ومُعْجَم المؤلِّفين 3/145 .
(5) - يُرَاجَع : فتْح الباري 3/349 ، 350 ونَيْل الأوطار 4/141.(1/58)
النَّصّوص الواردة فيها :
حديث { فِي كُلِّ سَائِمَةِ إِبِلٍ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُون } (1) .
وحديث { فِي كُلِّ خَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاة } (2) .
وحديث { وَصَدَقَةُ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاة } (3) ..
وجْه التخصيص في هذا الفرع :
أنّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْجَب الزكاة في الإبل والغَنَم ـ وكذا البقر ـ بشَرْط أنْ تَكون سائمةً ، وهذا حُكْم أفاد العموم في كُلّ ماشية بشَرْطها المُتَقَدِّم وهو السّوم ودَلّ مفهومه على عدم الزكاة في غيْر السائمة .
نَوْع التخصيص في هذا الفرع :
والتخصيص هُنَا تخصيص لِلعموم بالمفهوم (4) , وهو تخصيص منفصل .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اخْتَلَف العلماء في حُكْم زكاة الأنعام المعلوفة على قوْليْن :
القول الأول : عدم وجوب الزكاة فيها .
وهو ما عليه الجمهور (5) .
القول الثاني : وجوب الزكاة فيها .
وهو ما عليه المالكيّة .
والأَوْلى عندي : ما عليه المالكيّة ؛ لأنّه لا يُعْقَل أنْ نَترك أصحاب مَزارع
__________
(1) - أَخْرَجه أبو داود في كتاب الزكاة : باب في زكاة السائمة برقم ( 1344 ) والدارمي في كتاب الزكاة : باب ليس في
= عوامل الإبل صدقة برقم ( 1615 ) ، كلاهما عن معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - .
(2) - أَخْرَجه الحاكم في المُسْتَدْرَك والنسائي في الديات وأبو داود في المراسيل عن عمرو بن حزم عن أبيه عن جدّه .. يُرَاجَع الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/251.
(3) أَخْرَجه البخاري في كتاب الزكاة : باب زكاة الغَنَم عن أبي بَكْر الصِّدِّيق - رضي الله عنه - برقم ( 1362 ) .
(4) يُرَاجَع : مختصر المنتهى مع بيان المختصر 2/325 ، 326 والإحكام لِلآمدي 2/305 وكَشْف الأسرار لِلبخاري 2/471 ، 472.
(5) يُرَاجَع : المهذَّب 2/465 ، 466 والمُغْنِي لابن قدامة 2/577 وشَرْح فتْح القدير 1/509 .(1/59)
الماشية التي تُقَدَّر بالآلاف أو الملايين دُون دَفْع زكاتها ونُطالِب صاحِب الخَمْس إبل أو الثلاثين بقرةً بزكاتها إلا إذا قُوِّمَتْ وزُكِّيَتْ زكاة عَرُوض التجارة ..
وحُجّة المالكيّة (1) أَرَاها وجيهةً ومقبولةً ؛ فقدْ قالوا : إنّ التقييد في الحديث بالسائمة لأنّ السّوم هو الغالب على مواشي العرب ، فهو مِن نظير قوله تعالى { وَرَبَئبُكُمُ الَّتِى فِى حُجُورِكُم } (2) .
وعلى هذا يَكون الفرع غيْر مُخَرَّج على القاعدة ( تخصيص العموم بالمفهوم ) ، أمّا على قول الجمهور فيَكون مُخَرَّجاً عليها
الفرع الثامن
زكاة الخيل
النصوص الواردة فيها :
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - {ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة } (3) .
وحديث علي { قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق } (4) .
مع ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما بتخصيص الخيل بما يغزى عليها في سبيل الله (5) فأما غيرها ففيها زكاة .
__________
(1) يُرَاجَع: الدسوقي على الشرح الكبير 1/432 .
(2) سورة النساء مِن الآية 23 .
(3) - أَخْرَجه مُسْلِم في كتاب الزكاة : باب لا زكاة على المُسْلِم في عَبْده وفَرَسه برقم ( 1631 ) والنسائي في كتاب الزكاة : باب زكاة الخَيْل برقم ( 2422 ) وأحمد في باقي مُسْنَد المُكْثِرين برقم ( 7090 ) ، كُلّهم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(4) - أَخْرَجه الترمذي في كتاب الزكاة : باب ما جاء في زكاة الذهب والوَرِق برقم ( 563 ) وابن ماجة في كتاب الزكاة :
= باب زكاة الوَرِق والذهب برقم ( 1780 ) وأحمد في مُسْنَد العشرة المُبَشَّرين بالجَنَّة برقم ( 937 ) ، كُلّهم عن عَلِيّ كَرَّم الله وجْهه .
(5) - أَخْرَجه أبو أحمد بن زنجويه في كتاب الأصول بإسناد صحيح .. يُرَاجع الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/255 .(1/60)
وما روي عن عثمان (1) - رضي الله عنه - بتخصيص الخيل بالسائمة وأخذ من المعلوفة الزكاة (2) وقد روي نحوه عن عمر (3) - رضي الله عنه - (4) .
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوجب الزكاة في الخيل والرقيق وهو عام في كل الخيل سائمة كانت أم معلوفة يغزى عليها في سبيل الله أم لا ؟ لكن بعض الصحابة - رضي الله عنهم - خصصوا هذا العموم وجعلوه في الخيل التي يغزى عليها في سبيل الله وبعضهم بالخيل السائمة وما عداهما ففيه زكاة .
نوع التخصيص في هذا الرفع :
في هذا الفرع خصص عموم السنة بقول الصحابي وهو تخصيص
منفصل (5) .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اختلف العلماء في زكاة الخيل على قولين :
القول الأول : أنه لا زكاة فيها .
وهو ما عليه جمهور الفقهاء وصاحبا أبي حنيفة .
__________
(1) - عثمان : هو الصّحابيّ الجليل ذو النّوريْن عثمان بن عفّان بن أبي العاص بن أُمَيَّة القرشي الأموي - رضي الله عنه - ، ثالث الخلفاء الراشدين ، وُلِد بَعْد عام الفيل بِسِتّ سنين ، مِن السابقين في الإسلام ، تَزَوَّج بِنْتَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .....تُوُفِّي - رضي الله عنه - سَنَة 23 هـ . الإصابة 4/456 – 459 .
(2) - أَخْرَجه عبد الرزاق .. يُرَاجع الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/255 .
(3) - عُمَر بن الخطّاب : هو أبو حفْص الفاروق عُمَر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوي القرشي - رضي الله عنه - ، وُلِد سَنَة أربعين قَبْل الهجرة ، مِن السابقين في الإسلام الذين أَعَزَّ الله بهم دينه ، تَوَلَّى الخلافة سَنَة 13 هـ ، وهو الخليفة الراشد الثاني .. قُتِل - رضي الله عنه - شهيداً سَنَة 23 هـ . الفتح المبين 1/54 – 57 .
(4) - يُرَاجَع: البحر المحيط 3/398 .
(5) - المستصفى / 248 , التمهيد للكلوذاني 2 / 119 , إحكام الفصول /268 , العدة لأبي يعلى 2 / 580 , قواطع الأدلة 1 / 379 , البحر المحيط 3 / 398 .(1/61)
وحجتهم الروايات المتقدمة على عمومها ولذا قالوا إن الخيل التي ليست
للتجارة لا زكاة فيها ولو كانت سائمة واتخذت للنماء وسواء كانت عاملة أم غير عاملة .
القول الثاني : وجوب الزكاة فيها .
وهو قول أبي حنيفة وزفر (1) وشرطا لذلك اجتماع الذكور والإناث فلا زكاة عندهم في الذكور أو الإناث إذا انفرد كل واحد منها وروي عنه أيضا وجوبها في الذكور المنفردات.
وحجتهم ما روي أن عمر - رضي الله عنه - أخذ عن كل فرس دينارا وما روي عن عثمان - رضي الله عنه - أنه كان يصدق الخيل أي يأخذ زكاة منها كما روي أنه أخذ من المعلوفة الزكاة .
والأولى عندي أنه لا زكاة في الخيل إلا فيما أعدت للتجارة وهو ما عليه الجمهور وأصحاب القول الأول .
أما القول الثاني الموجب للزكاة في الخيل فإنه مبني على جواز تخصيص العموم بقول الصحابي .
الفرع التاسع
صيام يوم الجمعة
النصوص الواردة فيه :
ما رواه ابن عباس - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال{ لا تصوموا يوم الجمعة وحده} (2) .
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهم - عندما سئل أنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم الجمعة ؟ قال نعم وزاد مسلم { ورب الكعبة } (3)
__________
(1) - زفر : هو أبو الهذيل زفر بن الهذيل بن قيس العنبري رحمه الله تعالى ، وُلِد سَنَة 110 هـ ، صَحِب الإمامَ أبا حنيفة - رضي الله عنه - ..تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 158 هـ . طبقات الفقهاء /141 ، 142 وشذرات الذهب 1/243 .
(2) - أخرجه الإمام أحمد في مسند بني هاشم برقم ( 2484 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما .
(3) - أخرجه البخاري في كتاب الصوم : باب صوم يوم الجمعة برقم ( 1848 ) ومسلم في كتاب الصيام : باب كراهة صيام يوم الجمعة منفرداً برقم ( 1928 ) وابن ماجة في كتاب الصيام م : باب في صيام يوم الجمعة برقم ( 1714 ) .(1/62)
مع ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : {لا تصوموا يوم الجمعة إلا وقبله يوم أو بعده يوم } (1) .
وفي رواية : {إن يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده} (2) .
وفي حديث جويرية (3) رضي الله عنها أن النبي دخل عليها وهي صائمة فقال ( أصمت أمس ) قالت لا (تريدين أن تصومي غدا) قالت لا قال
(فأفطري ) (4) ، (5) .
وجه التخصيص في هذا النوع :
إن الحديثين الأوليين ورد النهي فيهما عن صيام يوم الجمعة منفردا وهو نهي عام عن صيامه سبقه يوم أم تبعه يوم أم لا لكن الروايات التالية خصت هذا العموم بجواز صيام الجمعة إن سبقه يوم أو تبعه يوم .
نوع التخصيص في هذا النوع :
__________
(1) - أخرجه ابن ماجة في كتاب الصيام : باب في صيام يوم الجمعة برقم ( 1713 ) والإمام أحمد في باقي مسند المكثرين برقم ( 10021 ) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(2) - أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين برقم ( 7682 ) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، وابن الضحاك في الآحاد والمثاني 4/457 والبزار ( مجمع الزوائد 3/199 ) عن عامر بن لُدَيْن الأشعري - رضي الله عنه - .
(3) - السيدة جويرية : هي أم المؤمنين جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية و تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد غزوة بني المصطلق وكان زواجها بركة على أهلها حينما أعتق الصحابة - رضي الله عنهم - الأسرى من أهلها وهم يقولون أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفيت بالمدينة سنة 56 هـ وقيل سنة 50 هـ . الطبقات الكبرى 8 / 116 الإصابة 8 / 43 الاستيعاب 4 / 1804 .
(4) - أخرجه البخاري في كتاب الصوم : باب صوم يوم الجمعة برقم ( 1850 ) وأبو داود في كتاب الصوم : باب الرخصة في ذلك برقم ( 2069 ) والإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة برقم ( 6482 ) .
(5) - يراجع إحكام الأحكام/357 , 358 . وفتح الباري 4 / 231 .(1/63)
التخصيص في هذا الفرع دائر بين السنة والسنة أو خبر الآحاد وخبر الآحاد والاستثناء هو الذي خصص هذا العموم فهو تخصيص متصل وحينئذ يكون التخصيص قاصرا على روايات الاستثناء فقط.
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
لقد اختلف العلماء في حكم صيام يوم الجمعة على أقوال :
القول الأول : كراهة صيامه منفردا .
وهو ما عليه الشافعية والحنابلة و بعض الحنفية ونسبه ابن حجر (1) رحمه الله تعالى إلى الجمهور .
وحجتهم رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - وحملوا رواية جابر وابن عباس - رضي الله عنهم - على أن النهي فيها للتنزيه .
ولذا إن صام قبله أو بعده فلا كراهة وهو جائز بالإجماع .
القول الثاني : استحباب صيامه .
وهو ما عليه عامة الحنفية والمالكية ونقل عن الإمام أبي حنيفة ومحمد (2) - رضي الله عنهم - جواز صيامه منفردا .
__________
(1) - ابن حَجَر العسقلاني : هو شهاب الدين أبو الفضل أَحْمَد بن علِيّ بن مُحَمَّد الكناني العسقلاني المصري الشافعي رحمه الله تعالى ، وُلِد بمِصْر سَنَة 773 هـ .. مِن مصنَّفاته : الإصابة في تمييز الصحابة ، الدرر الكامنة ، بلوغ المرام . تُوُفِّي رحمه الله تعالى بمصر سَنَة 852 هـ .الأعلام 1/178 وشذرات الذهب 7/273.
(2) - محمد بن الحَسَن : هو أبو عبد الله محمد بن الحَسَن الشيباني رحمه الله تعالى ، وُلِد بواسط بالعراق ، اشتهر بالتَّبَحُّر في الفقه والأصول ، تَوَلَّى قضاء الرقة مِن قِبَل الخليفة هارون الرشيد .. مِن مصنَّفاته : المبسوط في فروع الفقه ، الزيادات ، الآثار . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 186 هـ .الأعلام 3/882 والفتح المبين 1/115.(1/64)
واحتجوا بحديث ابن مسعود (1) كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم من كل شهر ثلاثة
أيام وقلما كان يفطر يوم الجمعة (2) .
القول الثالث : حرمة صيامه منفردا .
وهو ما يفهم من قول ابن المنذر وابن حزم رحمهما الله وقد نقل عن علي وأبي هريرة وأبي ذر (3) - رضي الله عنهم - .
وحجتهم قياس النهي عن صوم يوم الجمعة على النهي عن صوم العيد والأصل حرام فكذلك الفرع .
__________
(1) - عبد الله بن مسعود : هو الصّحابيّ الجليل أبو عبد الرَّحْمن عبد الله بن مسعود بن غافل ابن حبيب الهذلي المدني - رضي الله عنه - ، أوّل مَن جَهَر بالقرآن في مكة ، شَهِد المَشاهد كُلّها مع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ، كان صاحِب سِرّ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ووسادِه وسواكِه
= ونَعْلَيْه وطهوره في السَّفَر .. تُوُفِّي - رضي الله عنه - بالمدينة سَنَة 32 هـ ودُفِن بالبقيع . المُنْتَظِم 5/29 والبداية والنهاية 5/336.
(2) - أخرجه الترمذي في كتاب الصوم عن رسول الله : باب ما جاء في صوم يوم الجمعة برقم ( 673 ) وأبو داود في كتاب الصوم : باب في صوم الثلاث من كل شهر برقم ( 2094 )
(3) - أبو ذرّ : هو الصحابي الجليل جُنْدَب بن جُنَادة بن سُفْيَان بن عُبَيْد الغفاري - رضي الله عنه - ، أَحَد الذين بادَروا إلى الإسلام ، وهو أول مَن حيَّا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بتحيّة الإسلام ، كان يفتي في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - ، روى عنه أبو زرعة وربعي بن حراش وسعيد بن المسيب رحمهم الله تعالى تُوُفِّي - رضي الله عنه - بالربذة بالشّام سَنَة 32 هـ . الطبقات الكبرى 4/219 – 236 وسير أعلام النبلاء 2/46 – 59 وشذرات الذهب 1/39 .(1/65)
وما استدل به أصحاب القول الثاني ليس فيه حجة لأنه يحتمل أن يريد كان لا يتعمد فطره إذا وقع في الأيام التي كان يصومها وما استدل به أصحاب القول الثالث فهو قياس مع الفارق لأن النهي عن صيام يوم العيد لم يدخله استثناء أو تخصيص كما ورد في النهي عن صيام يوم الجمعة .
ومما تقدم يكون ما عليه أصحاب القول الثاني من جواز صيام يوم الجمعة مسبوقا بيوم أو متبعا بيوم فإن لم يصم كان إفراده بالصيام مكروها إلا أن يوافق عادة له هو الأولى بالقبول والترجيح .
وهذا الترجيح مفرع على أن النهي عن صيام يوم الجمعة مخصص بالاستثناء الذي يجوز صيامه إن سبقه صيام يوم أو تبعه يوم (1) .
وفي ذلك يقول ابن حجر رحمه الله : ويؤخذ من الاستثناء جوازه لمن صام قبله أو بعده أو اتفق وقوعه في أيام له عادة يصومها كمن يصوم أيام البيض أو من له عاذة يصوم يوم معين كيوم عرفة فوافق يوم الجمعة أ.هـ . (2)
الفرع العاشر
صيام يوم الشك
النصوص الواردة فيه :
__________
(1) - يراجع : صيام يوم الجمعة في بدائع الصنائع 2 / 79 ونيل المآرب /83 ومراقي الفلاح / 351 وروضة الطالبين 2/ 387 ومغني المحتاج / 449 وحاشية الدسوقي 1 / 516 , 534 وفتح الباري 4 / 233 ، 235 ونيل الأوطار 4 / 249 , 251 الاعتناء في الفروق والاستثناء 1/ 345 وإحكام الأحكام / 357 , 358 والموسوعة الفقهية 28 / 14 , 15 .
(2) - فتح الباري 4 / 234 .(1/66)
ما روي عن عمار بن ياسر (1) رضي الله عنهما أنه قال : من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - (2) .
وما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : { لا تتقدموا رمضان بيوم ولا بيومين إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم فليصمه} (3) .
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن الرواية الأولى نهت عن صيام يوم الشك فلا يجوز صيامه أبدا لكن الرواية الثانية خصصت هذا العموم واستثنت منه صوم يوم الشك الذي
وافق عادة له .
نوع التخصيص في هذا الفرع :
التخصيص في هذا الفرع واقع بين السنة والسنة أو هو تخصيص خبر الآحاد بمثله .
__________
(1) - عمّار بن ياسر : هو الصحابي الجليل أبو اليقظان عمّار بن ياسر بن مالك بن كنانة بن قيس ابن الحصين المذحجي العبسي رضي الله عنهما ، مِن السابقين إلى الإسلام ، وُلِد سَنَة 57 قَبْل الهجرة لقّبه النبي - صلى الله عليه وسلم - بـ" الطَّيِّب المطيّب " ..أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه تَقتله الفئة الباغية ، فقُتِل في موقعة صفين سَنَة 37 هـ . أسد الغابة 4/143 والأعلام 2/807 والفتح المبين 1/79 – 81.
(2) - أَخْرَجَه الترمذي في كتاب الصوم عن رسول الله : باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك برقم ( 622 ) والنسائي في كتاب الصيام : باب صيام يوم الشك برقم ( 2159 ) وأبو داود في كتاب الصوم : باب كراهية صوم يوم الشك برقم ( 1987 ) موقوفاً على عمّار بن ياسر رضي الله عنهما .
(3) - أخرجه الترمذي في كتاب الصوم عن رسول الله : باب ما جاء في إحصاء هلال شعبان لرمضان برقم ( 623 ) وأبو داود في كتاب الصوم : باب فيمن يصل شعبان برمضان برقم ( 1988 ) وابن ماجة في كتاب الصيام : باب ما جاء في النهي عن أن يتقدم رمضان بصوم برقم ( 1640 ) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .(1/67)
وذهب الإسنوي رحمه الله في تمهيده إلى أن رواية العموم هي ذاتها المخصصة تفريعا على جواز أن يستنبط من النص معنى يخصصه (1) .
وكأني به رحمه الله لم يتعرض للرواية الثانية المخصصة والتي تجعلنا نكتفي بها دليلا للتخصيص وليس كما ذهب الإسنوي رحمه الله .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اختلف العلماء في حكم صيام يوم الشك على أقوال :
القول الأول : كراهة صيام يوم الشك .
وهو ما روي عن عمر وعلي وعمار وغيرهم - رضي الله عنهم - .
واحتجوا برواية عمار - رضي الله عنه - .
القول الثاني : جواز صيامه تطوعا .
وهو ما عليه الحنفية وهو مذهب الإمام أحمد وأهل البيت ومحكي عن الإمام مالك والإمام أبي حنيفة رضي الله عنهما بعدم جواز صومه عن فرض رمضان ويجوز عما سوى ذلك.
وروي عن علي وعائشة وعمر وابنه - رضي الله عنهم - وغيرهم .
واحتج الحنفية بحديث {لا يصام اليوم الذي يشك فيه من رمضان إلا تطوعا} (2) .
واحتج غير الحنفية بحديث أم سلمة رضي الله عنها { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصومه} (3) .
وأرى أن صيام القضاء والنذر أولى من صيام التطوع المعتاد عليه فيكون تخصيصه للعموم من قبيل المفهوم من باب أولى أو رجوعا إلى الأدلة التطبيقية الموصية للوفاء بهما كما ذكر ابن حجر رحمه الله .
مناقشة هذا القول :
__________
(1) - التمهيد / 375 .
(2) - قال ابن حجر العسقلاني : لم أجده بهذا اللفظ ، ومعناه يخرج من الحديثين الماضي والآتي [ يقصد حديث { صوموا لرؤيته } وحديث { لا تقدموا رمضان بيوم } ] .. انظر الدارية في تخريج أحاديث الهداية 1/276 .
(3) - أخرجه النسائي في كتاب الصيام : باب صوم النبي برقم ( 2313 ) وأبو داود في كتاب الصوم : باب فيمن يصل شعبان برمضان برقم ( 1989 ) والدارمي في كتاب الصوم : باب في وصال شعبان برمضان برقم ( 1676 ) .(1/68)
ويمكن مناقشة هذا القول ونقضه بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال {إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصيام حتى يكون رمضان} (1) , (2) .
الجواب عن هذه المناقشة :
وقد رد الاستدلال بهذا الحديث بأن جمهور العلماء ضعفوه وقال الإمام أحمد وابن معين (3) أنه منكر ولذا قالوا بجواز الصيام تطوعا بعد النصف من شعبان (4) .
وقال البعض بصحته وحملوه على نفي الفضيلة جمعا بين الروايتين (5) .
القول الثالث: كراهة صيامه إلا أن يوافق عادة له أو يصله بما قبله.
وهو ما عليه الجمهور وقول الإمام مالك والشافعي والنووي - رضي الله عنهم - .
واحتجوا بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المتقدم .
والراجح عندي ما عليه أصحاب القول الثالث من كراهة إفراد صوم يوم الشك تطوعا إلا أن يوافق عادة له كأن كان يصوم يوم الإثنين والخميس أو صام يوما قبله أو يومين .
وهذا الحكم مفرع على تخصيص العموم بالاستثناء .
__________
(1) - أخرجه النسائي في كتاب الصيام : باب صوم النبي برقم ( 2313 ) وأبو داود في كتاب الصوم : باب فيمن يصل شعبان برمضان برقم ( 1989 ) والدارمي في كتاب الصوم : باب في وصال شعبان برمضان برقم ( 1676 ) .
(2) - المهذب 1/ 630 .
(3) - ابن معين :هو يحيى بن معين بن عون بن زياد المري بالولاء , البغدادي, أبو زكريا من أئمة الحديث ومؤرخي رجاله نعته الذهبي بسيد الحفاظ كان أبوه على خراج الري , فخلف له ثروة كبيرة أنفقها في طلب الحديث من تصانيفه : التاريخ والعلل و معرفة الرجال , توفي بالمدينة حاجا سنة 233 هـ .الأعلام للزركلي 10/218 ؛ وتذكرة الحفاظ 2/16 ؛ وتهذيب التهذيب 11/280 ـ 288 وسير أعلام النبلاء 11/71 .
(4) - يراجع فتح الباري 4 / 128 .
(5) - يراجع الكافي 1 / 451 .(1/69)
وفي ذلك يقول ابن حجر رحمه الله ومعنى الاستثناء أن من كان له ورد فقد أذن له فيه لأنه اعتاده وألفه وترك المألوف شديد وليس ذلك من استقبال رمضان في شئ ويلتحق بذلك القضاء والنذر لوجوبهما قال بعض العلماء يستثنى القضاء والنذر بالأدلة القطعية على وجوب الوفاء بهما فلا يبطل القطعي بالظني أ.هـ (1) .
وقال الشيرازي رحمه الله : وإن صام فيه عن فرض عليه كره وأجزأه أ.هـ. (2)
الفرع الحادي عشر
كفّارة الوقاع في نهار رمضان
النَّصّ الوارد فيها :
__________
(1) - فتح الباري 4/128 .
(2) - المهذب 2 / 630.(1/70)
ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال :" بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ :" يَا رَسُولَ اللَّهِ .. هَلَكْتُ " قَال { مَا أَهْلَكَك } قَالَ :" وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِم " ( وفي رواية : أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَان ) ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - { هَلْ تَجِدُ رَقَبَة } قَالَ :" لاَ " ، قَال { فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْن } قَالَ :" لاَ " ، قَال { فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينا } قَالَ :" لاَ " ، فَمَكَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ (1) فِيهِ ثَمَرٌ ، قَال { أَيْنَ السَّائِل } قَال :" أَنَا " ، قَال { خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِه } فَقَالَ الرَّجُلُ :" عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟! فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا (2) أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي " ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَى بَدَتْ
أَنْيَابُهُ ، ثُمَّ قَال { أَطْعِمْهُ أَهْلَك } " (3) .
وجْه التخصيص في هذا الفرع :
__________
(1) -العَرَق : ضفيرة تُنْسَج مِن خوص ، وهو المكتل والزّبيل ، ويقال إنّه يسع خمسة عَشَر صاعاً .. المصباح المنير 2/405 والكُلِّيّات /656
(2) - لاَبَتَيْهَا : يريد الحرّتيْن .
(3) - أَخْرَجه البخاري في كتاب الصوم : باب إذا جامَع في رمضان ولم يَكُنْ له شيء برقم ( 1800 ) ومُسْلِم في كتاب الصيام : باب تحريم الصيام في نهار رمضان على الصائم برقم ( 1870 ) والترمذي في كتاب الصوم عن رسول الله : باب ما جاء في كفّارة الفطر في رمضان برقم ( 656 ) .(1/71)
هذا الحديث تَضَمَّن حُكْم المُجامِع لِزوْجته في نهار رمضان ، ولكنّه حُكْم مَبْنِيّ على سؤال أو سبب خاصّ ، ولِذا كان هذا تفريعاً على خصوص السبب والذي رَجَّحْنَا فيه أنّ العموم لا يُخَصَّص بسببه ، أيْ لا يَقْتَصِر على سبب الرواية أو الحُكْم طِبْقاً لِقاعدة ( العِبْرَة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ) .
نَوْع التخصيص في هذا الفرع :
والتخصيص هُنَا بالسبب ( خصوص السبب ) .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اخْتَلَف العلماء في حُكْم المُجامِع في نهار رمضان على قوْليْن :
القول الأول : وجوب الكفّارة عليه .
وهو ما عليه جمهور الأُمَّة .
القول الثاني : أنّها لا تجب عليه .
وهو قول شاذّ جدّاً كما ذَكَر ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى (1) .
والراجح عندي : ما عليه الجمهور ، وهو وجوب الكفّارة على المُجامِع عَمْداً في نهار رمضان ؛ تفريعاً على أنّ سبب الحُكْم لا يُخَصّص العموم عليه .
الفرع الثاني عشر
حج الصبي والمجنون
النصوص الواردة فيه :
قوله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا .}. (2)
مع قوله - صلى الله عليه وسلم - : {رفع القلم عن ثلاث} (3) .
وجه التخصيص في هذا الفرع :
__________
(1) - يُرَاجَع : إحكام الأحكام /337 وبداية المجتهد 1/302 والكافي 1/446 والمهذّب 2/611 ، 612 والمجموع 6/379 ، 380 والهداية 1/132 .
(2) - سورة آل عمران من الآية 97 .
(3) - أَخْرَجه الترمذي في كتاب الحدود عن رسول الله : باب ما جاء فيمَن لا يجب عليه الحدّ عن عَلِيّ كَرَّم الله وجْهه برقم
( 1343 ) ، والنسائي في كتاب الطلاق : باب مَن لا يقع طلاقه من الأزواج برقم ( 3378 ) وأبو داود في كتاب الحدود
: باب في المجنون يَسْرِق أو يصيب حَدّاً برقم ( 3822 ) كلاهما عن السيدة عائشة رضي الله عنها .(1/72)
أن الله تعالى أوجب في الآية الكريمة الحج على الناس جميعا عقلائهم ومجانينهم لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - استثنى من المكلفين الصبي والمجنون .
نوع التخصيص في هذا الفرع :
ذهب بعض الأصوليين إلا أن عموم الآية الكريمة خصصه العقل (1) لكن الأولى عندي تخصيصه بالسنة المطهرة واستثنى بعضهم الصغيرة بالإجماع (2)
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
أجمع العلماء على أن الحج غير واجب على الصبي والمجنون وهو مبني على تخصيص عموم الآية الكريمة بالسنة المطهرة أو بالعقل كما ذهب البعض (3) .
المطلب الثاني
أثر التخصيص في المعاملات
وفيه فروع :
الفرع الأول : بيع العرايا .
الفرع الثاني : التفرق في خيار المجلس .
الفرع الثالث : بيع درهم بدرهمين .
ونفصل القول في كل واحد منها فيما يلي :
الفرع الأول
بيع العرايا (4)
النصوص الواردة فيه :
__________
(1) - يراجع :التلخيص 2 /102 , البحر المحيط 3 / 355 .
(2) - يراجع: أحكام القران لابن العربي 1 /376 .
(3) - يراجع: منهاج الطالبين /82 , أحكام القرآن للجصاص 2 / 93 ,94 ,العدة / 158 , الهداية 1 / 145 , الخرشي 1 / 282 , الكافي 1/ 664 , كفاية الأخيار/ 212.
(4) - العرايا: عند الشافعية بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر على وجه الأرض أو العنب في الشجر بزبيب فيما دون خمسة أوسق ..يراجع التمهيد للإسنوي 3 / 369 , شرح المحلي على المنهاج 2/ 238 , وعند المالكية أن يهب الرجل ثمرة نخله أو نخلات من حائطه لرجل بعينه فيجوز للمعري شراؤها من المعري له بخرصها تمرا بشروط ..يراجع بداية المجتهد 2/211 , وعند الحنابلة بيه الرطب في رؤوس النخل خرصا بما له يابسا بمثله من التمر كيلا معلوما لا جزافا .. يراجع كشاف القناع 3/ 358 , 359 , العدة /221.(1/73)
حديث {الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفتم هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد } (1) .
وحديث{النهي عن المزابنة } (2)
وحديث{نهى عن بيع التمر بالتمر ورخص في العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا } (3) .
وحديث{رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق } (4)
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الرطب بالتمر وكذا العنب بالزبيب وهو عام في تحريم بيع كل ما على رؤوس النخل بالتمر لكنه - صلى الله عليه وسلم - رخص في بيع العرايا ولذا كان تخصيصا لعموم النهي السابق .
__________
(1) - أَخْرَجه مُسْلِم في كتاب المساقاة : باب الصرف وبَيْع الذهب بالورِق نقداً برقم ( 2970 ) والنسائي في كتاب البيوع : باب بَيْع الشعير بالشعير برقم ( 4484 ) وأحمد في باقي مُسْنَد الأنصار برقم ( 21626 ) عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - .
(2) - أخرجه البخاري في كتاب البيوع : باب النهي عن بيع الزبيب بالزبيب والطعام بالطعام برقم ( 2026 ) ومسلم في كتاب البيوع : باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا برقم ( 2846 ) والنسائي في كتاب البيوع : باب بيع الثمر بالتمر برقم ( 4457 ) .
(3) - أخرجه البخاري في كتاب البيوع : باب بيع الثمر على رؤوس النخل بالذهب أو الفضة برقم ( 2042 ) وأبو داود في كتاب البيوع : باب في بيع العرايا والإمام أحمد في أول مسند المدنيين أجمعين برقم ( 15510 ) عن سهل بن أبي حَثْمَة - رضي الله عنه - .
(4) - أخرجه البخاري في كتاب البيوع : باب بيع الثمر على رؤوس النخل بالذهب أو الفضة برقم ( 2041 ) ومسلم في كتاب البيوع : باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا برقم ( 2845 ) وأبو داود في كتاب البيوع : باب في مقدار العرية برقم ( 2920 ) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .(1/74)
نوع التخصيص في هذا الفرع :
هذا التخصيص دائر بين السنة والسنة أو هو تخصيص عموم خبر الآحاد بمثله ومثله الإسنوي رحمه الله في تخصيص العلة في قوله جواز العرايا وهو بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر على وجه الأرض فإن الشارع نهى عن بيع الرطب بالتمر وعلله بالنقصان عند الجفاف وذلك بعينه موجود في العرايا مع الاتفاق على جوازه إلا أن ذلك كالمستثنى من
القاعدة فلذلك اتفقوا على جوازها مع بقاء التعليل أ.هـ . (1)
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اختلف الفقهاء في بيع العرايا على أقوال :
القول الأول : جواز بيع العرايا في التمر والعنب فقط .
وهو ما عليه الجمهور .
وحجتهم الروايات المبيحة لذلك واشترط بعض الحنابلة أنه لا بد من حاجة المشتري (2) .
القول الثاني : عدم جواز بيع العرايا .
وهو ما عليه الحنفية .
وحجتهم الروايات المحرمة لذلك .
القول الثالث : أنه جائز في كل ما ييبس ويدخر وهو مذهب الإمام مالك - رضي الله عنه - وقصر العارية في حق المعري فقط كما إذا وهب الرجل ثمرة نخله أو نخلات من حائطه لرجل بعينه فيجوز للمعري شراؤها من المعري له بخرصها تمرا على شروط أربع :أحدها أن تزهى , الثاني أن تكون خمسة أوسق فما دون , الثالث أن يعطيه الثمر الذي يشتريها به عند الجذاذ , الرابع أن يكون التمر من صنف تمر العارية ونوعها (3) .
والراجح عندي ما عليه الجمهور أصحاب القول الأول القائلون بجواز بيع العرايا في التمر والعنب وهو حكم مفرع على أن روايات رخص العرايا
__________
(1) - يراجع : التمهيد / 369.
(2) - يراجع : القواعد والفوائد الأصولية/ 200.
(3) - بداية المجتهد 2/216ـ219 .(1/75)
مخصصة لعموم النهي عن بيع الرطب بالتمر . (1)
الفرع الثاني
التفرق في خيار المجلس
النص الوارد فيه :
حديث ابن عمر رضي الله عنهما { المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا} (2) .
وقال {التفرق بالأبدان خاصة }.
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن حديث ابن عمر رضي الله عنهما جعل حصر مدة خيار المجلس بعدم التفرق وهو عام في أي تفرق سواء كان بالأبدان أو بالأقوال لكن قول ابن عمر رضي الله عنهما قصره على التفرق بالأبدان خاصة . (3)
نوع التخصيص في هذا الفرع :
العموم في هذا الفرع تخصص بمذهب الصحابي وهو تخصيص منفصل .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اختلف العلماء في خيار المجلس على قولين :
القول الأول :أنه ثابت ومشروع .
وهو ما عليه جمهور الفقهاء من السلف والخلف ومنهم الشافعية والحنابلة
وهو قول الشافعي وأحمد واسحاق وداود وابن عمر - رضي الله عنهم - .
وحجتهم حديث ابن عمر رضي الله عنهما ونحوه واحتج الإمام مالك
رضي الله عنهما بحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - { أيما بيعين تبايعا فالقول قول
البائع أو يتزادان }. (4)
__________
(1) - يراجع المغني 4/152 ,بداية المجتهد 2/ 216ـ219 , حاشية ابن عابدين 4 / 109 , الموسوعة الفقهية الكويتية 9 /91ـ93 , مغني المحتاج 2 / 93 , 94, القليوبي وعميرة 2/ 238 , القواعد والفوائد الأصولية /200 ,201 , التمهيد للإسنوي/ 369 , أثر الاختلاف في القواعد الأصولية / 220 ـ222.
(2) - أَخْرَجه البخاري في كتاب البيوع : باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا برقم ( 1969 ) ومسلم في كتاب البيوع : باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين برقم ( 2823 ) و النسائي في كتاب البيوع : باب ذِكْر الاختلاف على نافِع في لَفْظ حديثه برقم ( 4391 ) عن ابن عمر رضي الله عنهما .
(3) - يراجع : إحكام الفصول 268 , 269 .
(4) - أخرجه الإمام مالك في الموطأ في كتاب البيوع برقم ( 1350 ) عن ابن مسعود - رضي الله عنه - .(1/76)
فحمل الحديث على عمومه وذلك نقيض أن يكون الخيار في المجلس وبعد المجلس . (1)
القول الثاني : أنه غير ثابت ولا يشرع .
وهو ما عليه الحنفية والمالكية وبعض فقهاء السلف .
واحتجوا بأدلة منها :
قوله تعالى{ ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} (2) . وقوله تعالى {أوفوا بالعقود }. (3)
وحديث {من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه }. (4) , (5)
وأرى أن هذه الأدلة لا تنفي ولا تعارض خيار المجلس بل إنها تعضدها وتحقق غايتها .
ولذا كان الراجح عندي هو ما عليه الجمهور من إثبات خيار المجلس ولا يلزم العقد عندهم إلا بالتفرق عن المجلس أو التخابر(اختيار أمضاء العقد ) أو فسخه .
وحيث إن التفرق عن المجلس لا يتم إلا بالأبدان كان هذا الحكم مفرعا على جواز تخصيص العموم بقول الصحابي .
الفرع الثالث
بيع درهم بدرهمين
النصوص الواردة فيه :
قوله تعالى { وأحل الله البيع وحرم الربا }. (6)
__________
(1) - بداية المجتهد 2/ 170 , 171 .
(2) - سورة النساء من الآية 29 .
(3) - سورة المائدة من الآية 1.
(4) - أَخْرَجه البخاري في كتاب البيوع : باب الكيل على البائع والمعطي برقم ( 1982 ) ومُسْلِم في كتاب البيوع : باب بطلان المَبِيع قَبْل القبض برقم ( 2810 ) عن ابن عُمَر رضي الله عنهما ، والترمذي في كتاب البيوع عن رسول الله : باب ما جاء في كراهية بَيْع الطعام حتى يَسْتَوْفِيَه برقم ( 1212 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما .
(5) - يراجع التفرق في خيار المجلس في : بدائع الصنائع 5/ 228 وبداية المجتهد 2/ 140 والمهذب 1/ 257 والمجموع 9 / 169 ومغني المحتاج 2 / 45 والمغني لابن قدامة 3/ 482 والمحلى 8 / 409 ونيل الأوطار 5 / 193 الموسوعة الفقهية 20 / 170 ـ 173 .
(6) - سورة البقرة من الآية 275 .(1/77)
وحديث{ نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع درهم بدرهمين} . (1)
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن الله تعالى أحل البيع وهو حكم يقيد العموم في حل جميع أنواع البيوع لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - استثنى من هذا العموم بعض البيوع فنهى عنها ومنها بيع درهم بدرهمين . (2)
نوع التخصيص في هذا الفرع :
التخصيص في هذا النوع واقع بين الكتاب والسنة وفيه خصصت السنة عموم الكتاب وهو من المخصصات المنفصلة .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اتفق الفقهاء على أن بيع الدرهم بدرهمين حرام وذلك خشية الوقوع في
الربا لأنهم إن فعلوا ذلك تدرجوا بالربح المعجل فيها إلى الربح المؤخر وهو عين ربا النسيئة ولذا حرمه الشرع سدا للذرائع . (3)
وهذا الحكم مفرع على تخصيص عموم الكتاب بالسنة وهو تخصيص منفصل .
المطلب الثالث
أثر التخصيص في النكاح
وفيه فروع :
الفرع الأول : الجمع بين المرأة وعمتها .
الفرع الثاني : عدة المطلقة .
الفرع الثالث : نكاح الكتابية .
الفرع الرابع : نكاح المحلل .
ونفصل القول في كل واحد منها فيما يلي :
الفرع الأول
الجمع بين المرأة وعمتها
النصوص الواردة فيه :
__________
(1) - أَخْرَجه مُسْلِم في كتاب المساقاة : باب الربا برقم ( 2967 ) عن سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، والنسائي في كتاب البيوع : باب بيع التمر بالتمر متفاضلاً برقم ( 4479 ) وابن ماجة في كتاب التجارات : باب الصَّرْف وما لا يجوز متفاضلاً يداً بِيَد برقم ( 2247 ) عن أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - .
(2) - يراجع : المستصفى 249 والمحصول 1/ 433 وقواطع الأدلة 1/ 371 والعدة لأبي يعلى 2 / 552 والتمهيد للكلوذاني 2/ 107 والإحكام للآمدي 2/ 323 .
(3) - يراجع : المجموع 10 / 26 وأعلام الموقعين 2 / 155 والموسوعة الفقهية 22 / 58 , 59 .(1/78)
قوله تعالى{وأحل لكم ما وراء ذلكم} (1) فقد أفاد نكاح غير المحرمات المذكورات في آية التحريم { حرمت عليكم أمهاتكم ... الآية } . (2)
وحيث إن عمة المرأة وخالتها ليستا من المذكورات فيباح الزواج بهن وجمعهن مع بنت أخيها أو أختها .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - { لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها } . (3)
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن النصوص القرآنية حرمت الزواج من أصناف محددة من النساء وأحلت ما عداهن ومن هؤلاء عمة المرأة وخالتها .
لكن السنة المطهرة خصصت عموم هذا الحل وقصرته على ما عدا عمة المرأة وخالتها .
نوع التخصيص في هذا الفرع :
خصصت السنة عموم الكتاب وهو تخصيص منفصل . (4)
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اختلف العلماء في حكم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها على قولين:
القول الأول : حرمة الجمع بينهما .
وهو ما عليه جمهور الفقهاء .
وذكر القرطبي (5) رحمه الله أن هذا الحديث مجمع على العمل به في تحريم الجمع بين من ذكر فيه بالنكاح .
__________
(1) - سورة النساء من الآية 24 .
(2) - سورة النساء من الآية 23 .
(3) - أَخْرَجه مُسْلِم في كتاب النكاح : باب تحريم الجَمْع بَيْن المرأة وعمّتها أو خالتها برقم ( 21518 ) والنسائي في كتاب النكاح : باب الجَمْع بَيْن المرأة وعمّتها برقم ( 3240 ) وابن ماجة في كتاب النكاح : باب لا تُنْكَح المرأة على عمّتها ولا على خالتها برقم ( 1919 ) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(4) - يراجع : المستصفى 249 والمحصول 1/ 433 وقواطع الأدلة 1/ 371 والواضح 3 / 379 والإحكام للآمدي 2 / 323 والتمهيد للكلوذاني 2 / 107 وشرح العضد 2/ 149 والعدة لأبي يعلى 2/ 552 .
(5) - القرطبي : هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بَكْر القرطبي المالكي ، فقيه مُفَسِّر ..مِن مصنَّفاته : الجامع لأحكام القرآن ، التذكرة . تُوُفِّي بمصر سَنَة 671 هـ , شذرات الذهب 5/335 ومعجم المؤلِّفين 8/239.(1/79)
القول الثاني : جواز الجمع بينهما .
وهو قول طائفة من الخوارج (1) والشيعة (2) .
والراجح ما عليه الجمهور أو الإجماع كما ذكر ابن المنذر (3) , (4) وهو حكم مفرع على تخصيص عموم الكتاب بالسنة المطهرة وهو تخصيص منفصل.
الفرع الثاني
عدة المطلقة
النصوص الواردة فيها :
قوله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء }. (5)
وقوله تعالى {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن }. (6)
وقوله تعالى {فما لكم عليهن من عدة تعتدونها}. (7)
وقوله تعالى {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا }. (8)
قوله تعالى {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن}. (9)
__________
(1) - الخوارج هم كل من خرج على الإمام علي - رضي الله عنه - وهم يكفرون مرتكب الذنوب ويقلا لهم الحرورية والنواصب والشراة والحكمية والمارقة وينقسمون إلى عشرين فرقة منهم الأزارقة والإباضية . الملل والنحل 1 /114 والفرق بين الفرق / 172 .
(2) - الشيعة : هم الذين شايعوا عليا - رضي الله عنه - وقالوا بإمامته وخلافته ووصايته واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده وانقسمت إلى عدة فرق منهم الإمامية والثنا عشرية والزيدية . الملل والنحل 1 / 195 .والتبصير في الدين 15 .
(3) - الإجماع / 90 .
(4) - يراجع الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في : الأم 6/ 11ـ 14 والعدة /364 وفتح الباري 9/ 160 ـ 162 والميزان 2/ 128 والجامع لأحكام القرآن 5/ 82 , 83 وبداية المجتهد 2/ 41 , 42 والاختيار 3/ 87 ونيل الأوطار 6/ 148 .
(5) - سورة البقرة من الآية 228 .
(6) - سورة الطلاق من الآية 4 .
(7) - سورة الأحزاب من الآية 49 .
(8) - سورة البقرة من الآية 228 .
(9) - سورة الطلاق من الآية 4 .(1/80)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - { طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان}. (1)
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن النص الأول أوجب عدة المطلقة ثلاثة قروء ( أطهار أو حيضات )وهو عام في كل مطلقة حاملا كانت أم حائلا مدخول بها أم غير مدخول بها مطلقة ثلاث أم دونها صغيرة أو آيسة أم غيرهما حرة كانت أم أمة .
لكن النصوص التالية خصصت عموم هذه الآية الكريمة فاستثنت الحامل وغير المدخول بها والمطلقة دون الثلاث والصغيرة والآيسة والأمة .
نوع التخصيص في هذا الفرع :
المخصصات الأربعة الأولى واقعة بين الكتاب والكتاب والمخصص الخامس تخصيص للكتاب بالسنة المطهرة . والتخصيص في الجميع تخصيص منفصل .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
لقد بنى الفقهاء أحكاما على تخصيص العموم في آية المطلقات
ويمكن حصرها فيما يلي :
1- اتفق الفقهاء على أن المطلقة الحامل تنقض عدتها بوضع حملها إذا كان الحمل واحدا واختلفوا فيما إذا خرج أكثر الولد أو كان الحمل اثنين فأكثر . وهو حكم مبني على تخصيص عموم آية المطلقات بآية {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن }. (2)
__________
(1) - أخرجه الترمذي في كتاب الطلاق واللعان عن رسول الله : باب ما جاء أن طلاق الأمة تطليقتان برقم ( 1102 ) وأبو داود في كتاب الطلاق : باب في سنة طلاق العبد برقم ( 1872 ) وابن ماجة في كتاب الطلاق : باب في طلاق الأمة وعدتها برقم ( 2070 ) عن السيدة عائشة رضي الله عنها .
(2) - يراجع : بدائع الصنائع 3/ 195 والخرشي 4/143 وبداية المجتهد 2/ 94 ومغني المحتاج 3/ 395 والمغني لابن قدامة 9/107 والموسوعة الفقهية 29/ 317 والبحر المحيط 3/ 361 .(1/81)
2- كما اتفقوا على أن المطلقة قبل الدخول لا عدة لها , قال الإمام الشافعي - رضي الله عنه - : فكان بينا في حكم الله عزوجل أن لا عدة على المطلقة قبل أن تمس وأن المسيس هو الإصابة لم أعلم في هذا خلافا أ.هـ . (1) وقال ابن كثير (2) رحمه الله – في قوله تعالى{فما لكم عليهن من عدة تعتدونها }هذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن المرأة إذا طلقت قبل الدخول بها لا عدة عليهاأ.هـ (3) .
3- أجمع العلماء على أن الحرة المدخول بها إن طلقها زوجها تطليقة أو تطليقتين فهو أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها .
قال القرطبي رحمه الله : لأن قوله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسه ثلاثة قروء}عام في المطلقات ثلاثا وفيما دونها لا خلاف فيه ثم قوله تعالى {وبعولتهن أحق بردهن} حكم خاص فيمن كان طلاقها دون الثلاث وأجمع العلماء على أن الحر إذا طلق زوجته الحرة وكانت مدخولا بها تطليقة أو تطليقتين أنه أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها وإن كرهت المرأة أ.هـ . (4)
وهو حكم مبني على تخصيص عموم آية عدة المطلقة بالمطلقة الرجعية .
4- أجمع العلماء على أن عدة المطلقة الآيسة والصغيرة التي لم تحض – ثلاثة أشهر – وهو حكم مبني على تخصيص عموم عدة المطلقة .
5- اختلف العلماء في عدة الأمة على قولين :
القول الأول : عدتها حيضتان . ...
وهو ما عليه الجمهور .
__________
(1) - الأم 7/ 39 .
(2) - ابن كثير : هو أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن كثير بن ضوء البصري ثُمّ الدمشقي الشافعي رحمه الله تعالى ، وُلِد سَنَة 700 هـ ، كان إماماً فاضلاً عالِماً بالحديث والتاريخ والعربية والتفسير مِن مصنَّفاته : البداية والنهاية ، مختصَر تهذيب الكمال ، تفسير القرآن العظيم . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 774 هـ ,شذرات الذهب 6/230 – 232.
(3) - تفسير القرآن العظيم 3/ 514 .
(4) - الجامع لأحكام القرآن 3/ 80 .(1/82)
وذكر ابن رشد (1) رحمه الله أن الجمهور اعتمد تخصيص عموم آية عدة المطلقات بقياس الشبه وذلك أنهم شبهوا الحيض بالطلاق والحد وإنما جعلوها حيضتين لأن الحيضة الواحدة لا تتبعض أ.هـ . (2)
وأرى أن عموم آية عدة المطلقات ليس مخصصا بقياس الشبه كما ذكر ابن رشد رحمه الله وإنما هو مخصص بما ورد في السنة المطهرة
{ وعدتها حيضتين}.
القول الثاني :عدتها ثلاث حيضات .
وهو ما عليه الظاهرية . (3)
والراجح أن عدة الأمة حيضتان وهو ما عليه الجمهور وهو حكم مبني على تخصيص عموم آية عدة المطلقات بعدة الأمة في السنة واعتبره ابن المنذر رحمه الله إجماعا فقال : وأجمعوا أن عدة الأمة تحيض من الطلاق حيضتان وانفرد ابن سيرين (4)
فقال عدتها عدة الحرة إلا أن يكون مضت في ذلك سنة أ .هـ. (5)
__________
(1) - ابن رشد : هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن أبي الوليد الغرناطي المالكي ، فقيه أديب أصوليّ حكيم ، وُلِد بقرطبة سَنَة 520 هـ .. مِن مصنَّفاته : مختصر المستصفى ، بداية المجتهِد ونهاية المقتصِد . تُوُفِّي بمراكش سَنَة 595 هـ ونُقِلَت جثّته إلى قرطبة . النجوم الزاهرة 6/54 والفتح المبين 2/38 ، 39.
(2) - بداية المجتهد 2/ 93 .
(3) - يراجع عدة المطلقة في : بدائع الصنائع 3/ 192 وبداية المجتهد 2/ 93 , 94 والجامع لأحكام القرآن 18/ 108 والأم 7/ 37 وروضة الطالبين 8/ 370 ومغني المحتاج 3/ 386 , 387 والكافي 3/ 197 والمحلى 7 / 261 وتفسير القرآن العظيم 4/ 381 والميزان 2/ 153 وتفسير آيات الأحكام للسايس 1/ 138 .
(4) - ابن سيرين : هو أبو بكر محمد بن سيرين الأنصاري البصري رحمه الله تعالى ، مولى أَنَس ابن مالِك - رضي الله عنه - ، وُلِد بالبصرة ، ونشأ بزّازاً يبيع الثياب ، سَمِع الحديث مِن كثير مِن الصحابة - رضي الله عنهم - ..يُنسَب له كتاب في تعبير الرؤيا .تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 110 هـ .تاريخ بغداد 5/331 والبداية والنهاية 9/267.
(5) - الإجماع / 109 .(1/83)
الفرع الثالث
نكاح الكتابية
النصوص الواردة فيه :
قوله تعالى { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين ءآيته للناس لعلهم يتذكرون } (1) .
مع قوله تعالى {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا ءآتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين} (2) .
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن الله تعالى نهى في الآية الأولى عن نكاح المشركات كتابية كانت أم غير كتابية وأباح في الآية الثانية نكاح المحصنات من أهل الكتاب وهو تخصيص لعموم الآية السابقة .
نوع التخصيص في هذا الفرع :
في هذا الفرع خصص القرآن الكريم عمومه فهو تخصيص للقرآن بالقرآن
وهو تخصيص منفصل .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اتفق الفقهاء على أنه يحرم على المسلم نكاح المشركات غير الكتابيات واختلفوا في نكاح الكتابية على أقوال :
القول الأول : إباحة نكاح الكتابية .
__________
(1) - سورة البقرة الآية 221.
(2) - سورة المائدة الآية 5 .(1/84)
وهو قول ابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - ومحكي عن مالك والحسن وطاووس (1) والأوزاعي (2) وعكرمة - رضي الله عنهم - . (3)
واحتجوا بالآية الثانية التي خصصت عموم الأولى .
القول الثاني : حرمة نكاح الكتابية .
وهو قول جماعة من أهل العلم وذكر ابن العربي رحمه الله أنه قول لعمر - رضي الله عنه - في إحدى روايتيه وهو اختيار مالك والشافعي إذا كانت أمة. (4)
وحجتهم أن الآية المذكورة تعد ناسخة لآية المائدة وهي عامة في المشركات وغيرهن .
القول الثالث : كراهة نكاح الكتابية .
وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما وروي عن أبيه رضي الله عنهما .
واحتج ابن عمر رضي الله عنهما بأن الله تعالى حرم المشركات على
المسلمين ولا شئ أكبر شركا وأعظم من أن تقول ربها عيسى أو عبد من
__________
(1) - طاووس : هو أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان اليماني الحميري وقيل إن اسمه ذكوان ولقب الطاووس لأنه كان طاووس القراد من كبار التابعين والعلماء الصالحين مرض بمنى ومات بمكة سنة 106 هـ . تذكرة الحفاظ 1/ 90 وفيات الأعيان 2 / 194 .
(2) - الأوزاعي : هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي رحمه الله تعالى ، مِن تابِعي التابعين وأئمّة الفقه والعِلْم والحديث ، كان أهْل الشام والمغرب على مذْهبه .. تُوُفِّي رحمه الله تعالى ببيروت سَنَة 157 هـ .وفيات الأعيان 2/310 وشذرات الذهب 1/241.
(3) - يراجع : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2/ 67 وأحكام القرآن للجصاص 1/ 333 .
(4) - يراجع : أحكام القرآن للجصاص 2/410 وأحكام القرآن لابن العربي 1/ 156 .(1/85)
عبيد الله , وكره عمر - رضي الله عنه - لطلحة (1) وحذيفة (2) نكاح الكتابيات حذرا من أن يقتدي بهما الناس في ذلك فيزهدوا في المسلمات . (3)
__________
(1) - طلحة : هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان أحدالعشرة المبشرين بالجنة وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام ولم يشهد بدرا وشهد أحدا وما بعدها قتل يوم الجمل سنة 36 هـ . سير أعلام النبلاء 1/23.
(2) - حذيفة بن اليمان : هو الصحابي الجليل حذيفة بن حسيل بن جابر بن عمرو بن ربيعة العبسي رضي الله عنهما ، صاحِب سِرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وصاحِب السِّرّ المكنون في تمييز المنافقين ، وأَعْلَم الصّحابة بالفِتَن وحوادث آخِر الزمان , تُوُفِّي - رضي الله عنه - بالمدائن سَنَة 36 هـ , أسد الغابة 1/390 والفتح المبين 1/82 ، 83.
(3) - يراجع : جامع البيان 4/ 366 وتفسير القرآن العظيم 2/ 21 .(1/86)
والراجح عندي ما عليه أصحاب القول الأول من جواز نكاح الكتابية إلا إن كان يخشى على الزوج من الفتنة في دينه فلا يجوز نكاحها منها حينئذ وكذا إن كانت هذه الكتابية حربية لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما بعدم حله وأعجب به النخعي (1) وروي عن علي وابن عمر - رضي الله عنهم - كراهته وجوزه الجصاص (2) رحمه الله . (3)
والحكم على الراجح مبني على تخصيص نكاح الكتابيات لعموم النهي عن نكاح المشركات وإن كانت الكتابية حربية كان هذا تخصيصا لعموم نكاح الكتابيات الذي هو تخصيص لعموم نكاح المشركات .
الفرع الرابع
نكاح المحلل
النص الوارد فيه :
قوله تعالى {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره }. (4)
__________
(1) - النخعي : هو أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي اليماني ثُمّ الكوفي رحمه الله تعالى ، أحد الأعلام الحُفّاظ وفقيه العراق ، روى عن علقمة ومسروق والأسود وطائفة ، كان لا يتكلم في العلم إلا أنْ يُسأل .تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 96 هـ .تذكرة الحفّاظ 1/73 ، 74 وطبقات الفقهاء لِلشيرازي /82 وطبقات الحفّاظ لِلسيوطي /29.
(2) - الجصّاص : هو أحمد بن عَلِيّ الرازي الحنفي رحمه الله ، المعروف بـ" الجصّاص " .. مِن مصنَّفاته : أحكام القرآن ، شرْح مختصَر الطحاوي ، شرْح الجامع لِمحمد بن الحَسَن . تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 370 هـ . سِيَر أعلام النبلاء 16/340 وطبقات الحنفية /27 ، 28 والفتح المبين 1/214 – 218.
(3) - أحكام القرآن 2/ 411.
(4) - سورة البقرة من الآية 230 .(1/87)
مع قوله - صلى الله عليه وسلم - {حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك} . (1)
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن الآية الكريمة أفادت عدم حل الزوجة المطلقة طلاقا بائنا حتى تنكح زوجا غير زوجها الذي طلقها جامعها أم لا ولكن السنة المطهرة خصصت هذا العموم بالجماع . (2)
نوع التخصيص في هذا الفرع :
الكتاب في هذا الفرع خصصته السنة المطهرة وهو تخصيص منفصل .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
أجمع العلماء على أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا لا تحل له إلا بعد أن تتزوج غيره .
ولكنهم اختلفوا في اشتراط وطئها من المحلل على قولين :
القول الأول : أنه لا بد من وطئها .
وهو ما عليه الجمهور .
واحتجوا بحديث تذوق العسيلة المتقدمة .
وكلهم قال التقاء الختانين يحلها إلا الحسن البصري رحمه الله فقال : لا تحل إلا بوطئ بإنزال .
القول الثاني : يكفي العقد عليها .
__________
(1) - أَخْرَجه البخاري في كتاب الشهادات : باب شهادة المختبي برقم ( 2445 ) ومُسْلِم في كتاب النكاح : باب لا تَحِلّ المُطَلَّقة ثلاثاً لِمُطَلَّقها حتى تَنْكِح زوجاً غيْره برقم ( 2587 ) والترمذي في كتاب النكاح عن رسول الله : باب ما جاء فيمَن يُطَلِّق امرأته ثلاثاً فيَتَزَوَّجها آخَر برقم ( 1037 ) عن السيدة عائشة رضي الله عنها .
(2) - يراجع : المستصفى / 249 والمحصول 1/ 433 والعدة لأبي يعلى 2/552 وقواطع الأدلة 1/ 371 والإحكام للآمدي 2/323 وشرح العضد 2/ 149 .(1/88)
وهو منسوب إلى ابن المسيب وسعيد بن جبير (1) رحمهما الله لكن ابن كثير يرى أن هذه النسبة فيها نظر لأن ابن المسيب روى عن ابن عمر - رضي الله عنهم - رواية حتى تذوق العسيلة (2) .
والراجح ما عليه الجمهور في أن نكاح المحلل لا يتم إلا بالوطء ولا يكفي العقد وهو مبني على تخصيص عموم نكاح المحلل الوارد في الآية الكريمة .
وفي ذلك يقول الإمام الشافعي - رضي الله عنه - فلا تحل له حتى يجامعها زوج غيره لقوله عز وجل في المطلقة الثالثة {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره }.
فاحتملت الآية حتى يجامعها زوج غيره ودلت على ذلك السنة المطهرة فكان أولى المعاني بكتاب الله عز وجل ما دلت عليه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أ.هـ . (3)
المطلب الرابع
الحدود
وفيه فروع :
الفرع الأول : رجم الزاني المحصن .
الفرع الثاني : نصاب السرقة .
الفرع الثالث : حد العبد القاذف .
ونفصل القول في كل واحد منها فيما يلي :
الفرع الأول
رجم الزاني المحصن
النص الوارد فيه :
قوله تعالى {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} . (4)
__________
(1) - ابن جبير : هو أبو عبد الله سعيد بن جبير بن هشام الكوفي الأسدي من كبار أئمة التابعين فقيه ومحدث ومفسر زاهد ورع قتله الحجاج سنة 95 هـ . شذرات الذهب 1/ 108 .
(2) - يراجع نكاح المحلل في : أحكام القرآن للشافعي 1/ 128 , 129 والإجماع / 98 . 99 وأحكام القرآن للجصاص 1/ 472 , 473 وأحكام القرآن لابن العربي 1/ 267 , 268 والجامع لأحكام القرآن 3/ 98 وتفسير القرآن العظيم 1/ 277 والاختيار 3/ 150 , 151 وبداية المجتهد 2/ 87 وكفاية الأخيار / 409 , 410 والكافي 3/ 152 , 153 .
(3) - أحكام القرآن 1/228 .
(4) - سورة النور من الآية 2 .(1/89)
مع قوله تعالى فيما نسخت تلاوته وبقي حكمه {الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم} (1) .
وقوله تعالى في حق الإماء { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } . (2)
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن الآية الأولى عامة في وجوب جلد الزانية والزاني مائة جلدة ولم تفرق بين محصن وغير محصن وبين عبد وحر.
لكن الآية الثانية خصصت هذا العموم باستثناء الزاني المحصن فيجب رجمه.
والآية الثالثة خصصت هذا العموم باستثناء الأمة الزانية فحدها خمسون جلدة .
نوع التخصيص في هذا الفرع :
__________
(1) - أخرجه ابن ماجة في كتاب الحدود : باب الرجم برقم ( 2543 ) والإمام مالك في الموطأ في كتاب الحدود : باب ما جاء في الرجم برقم ( 1297 ) عن سيدنا عمر - رضي الله عنه - ، والدارمي في كتاب الحدود : باب في حد المحصنين بالزنا برقم ( 2220 ) والإمام أحمد في مسند الأنصار برقم ( 20613 ) عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما .
(2) - سورة النساء من الآية 25 .(1/90)
1- التخصيص الأول واقع بين الكتاب والسنة الفعلية وذكر الكلوذاني رحمه الله في ذلك إجماعا بقوله : لنا أن المسلمين أجمعوا على تخصيص قوله تعالى:{الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } برجم النبي - صلى الله عليه وسلم - لماعز (1) , (2) ولأن فعله كقوله في الدلالة أ.هـ . (3)
وأرى أن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - برجم ماعز إنما كان تطبيقا للأمر القرآني في آية الرجم المنسوخة وحينئذ يكون تخصيصا للكتاب بالكتاب والسنة الفعلية , (4) وهو تخصيص منفصل .
2- التخصيص الثاني واقع بين الكتاب والكتاب , وهو تخصيص
منفصل .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
1- اختلف العلماء في حد الزاني الحر المحصن على أقوال :
القول الأول : وجوب الجلد .
وهو ما عليه الجمهور .
القول الثاني : وجوب الجلد والرجم .
وهو ما عليه الظاهرية واسحاق وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد - رضي الله عنه - .
القول الثالث : الجلد .
وهو رأي الخوارج .
والراجح عندي وجوب رجم الزاني الحر المحصن وهو ما عليه الجمهور وذكر فيه ابن المنذر رحمه الله إجماعا . (5)
__________
(1) - ماعز : هو الصحابي الجليل ماعز بن مالك الأسلمي - رضي الله عنه - ، روى عنه ابنه عبد الله – رضي الله عنهما – حديثاً واحداً .. الطبقات الكبرى 4/320 والاستيعاب 1/418 والإصابة 5/705.
(2) - أَخْرَجَه البخاري في كتاب الحدود : باب هل يقول الإمام لِلمقرّ : لعلّك لمستَ ؟ لعلّك غمزتَ ؟ برقم ( 6324 ) وأبو داود في كتاب الحدود : باب رجم ماعز بن مالك برقم ( 3838 ) والإمام أحمد في مسند بني هاشم برقم ( 2092 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما .
(3) - التمهيد 2 / 116 ,117 ويراجع إتحاف الأنام 347 , 348 .
(4) - المحصول 1 / 430 , الإبهاج 2 / 170 , نهاية السول 2 / 119 , المنهاج مع شرحه 1/ 407 , 410 .
(5) - الإجماع 151 .(1/91)
وهذا الحكم مفرع على تخصيص آية الرجم المنسوخة لعموم آية الجلد . (1)
اختلف العلماء في حد الأمة إذا تزوجت وزنت على أقوال :
القول الأول : الجلد خمسون جلدة .
وهو ما عليه الجمهور وعده البعض إجماعا .
القول الثاني : التعزير فقط .
وهو ما روي عمر - رضي الله عنه - .
القول الثالث : لا حد عليها ولا تعزير .
وهو قول قوم كذا ذكر ابن رشد رحمه الله . (2)
والأولى ما عليه الجمهور من جلد الأمة خمسين جلدة وهو حكم مبني على تخصيص عموم آية الجلد وقاس العلماء العبد على الأمة في ذلك .
الفرع الثاني
نصاب السرقة
النص الوارد فيه :
قوله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} (3) .
مع قوله - صلى الله عليه وسلم - { لا قطع إلا في ربع دينار} (4) .
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن الله تعالى أوجب قطع يد السارق سواء كان المسروق قليلا أو كثيرا لكن السنة المطهرة خصصت هذا النوع بما فوق ربع دينار .
نوع التخصيص في هذا الفرع :
التخصيص هنا واقع بين الكتاب والسنة , وهو تخصيص منفصل .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اختلف العلماء فيما تقطع به يد السارق (نصاب السرقة) في أقوال:
__________
(1) - يراجع : بداية المجتهد 2/ 435 والمغني لابن قدامة 8/ 157 والقليوبي وعميرة 4/ 180 وحاشية ابن عابدين 3/ 145 , 146 وتفسير آيات الأحكام للسايس 3/ 106 .
(2) - يراجع: بداية المجتهد 2 / 437 , الجامع لأحكام القرآن 12 / 107 , البحر المحيط 3 / 375 , أحكام القرآن =
= للجصاص 1 /146 , اتحاف الأنام /319 .
(3) - سورة المائدة من الآية 38 .
(4) - أَخْرَجه البخاري في كتاب الحدود : باب قول الله تعالى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } برقم ( 6291 ) ومُسْلِم في كتاب الحدود : باب حَدّ السرقة ونِصَابها برقم ( 3189 ) والنسائي في كتاب قَطْع السارق : باب ذِكْر الاختلاف على الزهري برقم ( 4833 ) عن السيدة عائشة رضي الله عنها(1/92)
القول الأول : ربع دينار أو ثلاثة دراهم .
وهو ما عليه مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وداود والجمهور.
القول الثاني : عشرة دنانير .
وهو ما عليه الحنفية والثوري .
القول الثالث : خمس دنانير .
وهو ما عليه ابن أبي ليلى (1) وابن سيرين .
القول الرابع : في كل ما له قيمة .
وهو ما عليه الخوارج وروي عن الحسن البصري . (2)
والراجح عندي ما عليه الجمهور وهو قطع يد السارق في ربع دينار وهو حكم مبني على تخصيص عموم الآية الكريمة .
الفرع الثالث
حدّ العبد القاذف
النَّصّ الوارد فيه :
قوله تَبارَك وتعالى { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَنِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَدَةً أَبَدًا وَأُولَئكَ هُمُ الْفَسِقُون } (3) ..
وجْه التخصيص في هذا الفرع :
أنّ الله تعالى بَيَّن حُكْم قاذِف المحصَنات الذي لم يأتِ بأربعة شهداء ، وهو
الجَلْد ثمانين جَلْدَةً ، وهذا حُكْم عامّ في كُلّ قاذِف ، ذَكَراً كان أم أنثى ،
حُرّاً كان أم عبداً ..
__________
(1) - ابن أبي ليلى : هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى بن بلال الأنصاري الكوفي رحمه الله تعالى ، وُلِد سَنَة 74 هـ ، أخذ عن الشعبي رحمه الله تعالى ، وأخذ عنه سفيان الثوري – رحمه الله تعالى – وغيره ، كان فقيهاً مجتهداً ومِن أصحاب الرأي ، تولى الفتيا والقضاء بالكوفة .. تُوُفِّي رحمه الله تعالى بالكوفة سَنَة 148 هـ . وفيات الأعيان 1/571 والأعلام 1/914 والفتح المبين 1/105 .
(2) - يراجع نصاب السرقة في : المستصفى / 249 والمحصول 1/ 433 وقواطع الأدلة 1/ 371 والواضح 3/ 379 والجامع لأحكام القرآن 6/ 105 وأحكام القرآن للجصاص 2/ 519 ـ521 والإحكام للآمدي 2/ 323 والميزان 2/ 183 والعدة لأبي يعلى 2/ 552 وبداية المجتهد 2/ 447 .
(3) - سورة النور الآية 4.(1/93)
لكنّ الإجماع انْعَقَد على أنّ حدّ العبد القاذف أربعون جَلْدَةً ، وهو نِصْف حدّ الحُرّ (1) .
نَوْع التخصيص في هذا الفرع :
والتخصيص هُنَا تخصيص لِلعموم بالإجماع ، والمراد بالتخصيص بالإجماع أنّ العلماء لم يخصّوا العامّ بالإجماع ، وإنّما أَجْمَعوا على تخصيصه بدليل آخَر ، ثُمّ إنّ الآتي بَعْدهم يَلْزَمه متابَعتهم وإنْ لم يَعْرِف المُخَصِّص (2) .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اخْتَلَف العلماء في حدّ العبد القاذف على قوْليْن :
القول الأول : حدّه نِصْف حدّ الحُرّ ( أربعون جَلَدْة ) .
وهو ما عليه الجمهور ورُوِي عن الخلفاء الأربعة وعن ابن عباس - رضي الله عنهم - .
القول الثاني : حدّه حدّ الحُرّ ( ثمانون جَلْدَة ) .
وهو قول أبي ثَوْر والأوزاعي وداود رحمهم الله تعالى ، ورُوِي عن ابن
مسعود وعُمَر بن عبد العزيز (3) - رضي الله عنهم - (4) .
والأَوْلى عندي : ما عليه الجمهور أنّه يُحَدّ نِصْف حَدّ الحُرّ ( أربعين جَلْدَةً ) ؛ قياساً على حدّه في الزنا ، وتفريعاً على تخصيص العموم بالإجماع .
المطلب الخامس
الميراث
وفيه فروع :
الفرع الأول : ميراث القاتل .
الفرع الثاني : ميراث غير المسلم .
__________
(1) - يُرَاجَع : مختصر المنتهى مع بيان المختصر 2/324 ، 325 والإحكام لِلآمدي 2/304 والمحصول 1/430 والكاشف 4/512 ، 513 والإبهاج 2/183 ونهاية السول 2/165 ، 166.
(2) - نهاية السول 2/166 ويُرَاجَع : الكاشف 4/513 والإبهاج 2/183.
(3) - عُمَر بن عبد العزيز : هو أبو حفص عُمَر بن عبد العزيز بن مروان بن الحَكَم الأموي القرشي - رضي الله عنه - ، وُلِد بحلوان مصر سَنَة 60 هـ ، تَوَلَّى الخلافة سَنَة 99 هـ بعهْد من سليمان بن عبد الملك ، لُقِّب بـ" خامس الخلفاء الراشدين " .. تُوُفِّي - رضي الله عنه - مسموماً سَنَة 101 هـ ودُفِن بدمشق . الأعلام 5/23 ، 24 والفتح المبين 1/99 - 101 .
(4) - يُرَاجَع :بداية المجتهد 2/441 ، 442 .(1/94)
الفرع الثالث : الوصية .
ونفصل القول في كل منها فيما يلي :
الفرع الأول
ميراث القاتل
النص الوارد فيه :
قوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين}. (1)
مع قوله - صلى الله عليه وسلم - {القاتل لا يرث } (2) .
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن الله تعالى أوجب لكل وارث ذكر مثل حظ الأنثيين وهو حكم عام في كل وارث قاتلا كان الوارث أم غير قاتل .
لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصر هذا الحكم على غير القاتل الوارث . (3)
نوع التخصيص في هذا الفرع :
التخصيص في الآية هنا تخصيص للكتاب بالسنة وهو تخصيص منفصل .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
أجمع الفقهاء على أن القتل مانع من موانع الميراث مع اختلافهم في تحديد نوع القتل الذي يكون مانعا . (4) وهو مبني على تخصيص عموم آية الميراث.
الفرع الثاني
ميراث غير المسلم
النصوص الواردة فيه :
قوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } (5) .
__________
(1) - سورة النساء من الآية 11 .
(2) - أَخْرَجه الترمذي في كتاب الفرائض عن رسول الله : باب ما جاء في إبطال ميراث القاتل برقم ( 2035 ) وابن ماجة في كتاب الديات : باب القاتل لا يرث برقم ( 2635 ) كلاهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، والدارمي في كتاب الفرائض : باب ميراث القاتل عن عَلِيّ كَرَّم الله وجْهه برقم ( 2954 ) .
(3) - يراجع : المعتمد 1/254 والمحصول 1/ 430 والتلخيص 2/116 والفصول في الأصول 1/ 144ومناهج العقول 2/ 118 وإتحاف الأنام / 344.
(4) - يراجع : أحكام القرآن للشافعي 1/ 26 والجامع لأحكام القرآن 5/40 والاختيار 5/115 ومغني المحتاج 3/25 وأحكام المواريث في الشريعة الإسلامية / 43,42.
(5) - سورة النساء من الآية 11 .(1/95)
مع قوله - صلى الله عليه وسلم - { لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم } . (1)
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن الله تعالى أوجب لأولاد الميت في ميراث أبيهم للذكر مثل حظ الأنثيين سواءا كانوا هؤلاء الأولاد مسلمين أم غير مسلمين.
فهو حكم عام لكن السنة المطهرة خصصت هذا العام وجعلته قاصرا على
المسلمين فلا ميراث للكافر من المسلم (2) .
نوع التخصيص في هذا الفرع :
هذا الفرع خصصت السنة المطهرة فيه عموم القرآن الكريم وهذا تخصيص منفصل .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
أجمع المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم واختلفوا في ميراث المسلم من الكافر وميراث المرتد .
أما ميراث المسلم من الكافر فقد اختلفوا فيه على قولين :
القول الأول : أن المسلم لا يرث الكافر .
وهو ما عليه الجمهور وروي عن أئمة الصحابة وعامة التابعين وفقهاء الأمصار .
وحجتهم الحديث المتقدم في أول الفرع .
القول الثاني : أن المسلم يرث الكافر بالولاء .
وهو قول الإمام أحمد - رضي الله عنه - .
واحتجوا بحديث جابر - رضي الله عنه - { لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته}. (3)
القول الثالث : أن المسلم يرث الكافر .
__________
(1) - أخرجه البخاري في كتاب الفرائض : باب لا يرث المسلم الكافر برقم ( 6267 ) ومسلم في كتاب الفرائض برقم ( 3027 ) والترمذي في كتاب الفرائض عن رسول الله : باب ما جاء في لإبطال الميراث بين المسلم والكافر برقم ( 2033 ) عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما .
(2) - يراجع البحر المحيط 3/364 .
(3) - أخرجه النسائي في السنن الكبرى 4/83 الحاكم في المستدرك وصححه 4/383 والدارقطني في سننه 4/74 والبيهقي في السنن الكبرى 6/218 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما .(1/96)
وهو مروي عن معاذ (1) ومعاوية (2) وسعيد ومسروق (3) - رضي الله عنهم - وفي نسبته
لمسروق نظر لأنه تعجب من حكم معاوية رضي الله عنهما .
واحتجوا بحديث { الإسلام يزيد ولا ينقص } (4) .
وقضى معاذ متأولا هذا الحديث فورث مسلما أخاه اليهودي .
ولولا صريح حديث { لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم } لقلت بقبول معاذ ومعاوية رضي الله عنهما من ميراث المسلم الكافر .
لكن الأولى ما عليه الجمهور من عدم ميراث المسلم الكافر وهو مبني على تخصيص عموم الآية الكريمة بالسنة المطهرة .
وأما ميراث المرتد فلا يرثه أحد من المسلمين ولا من الكفار واختلفوا في توزيع ميراثه على أقوال :
__________
(1) - معاذ بن جبل : هو أبو عَبْد الرحمن معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري - رضي الله عنه - ، إمام العلماء ، شَهِد العقبة شابّاً أمرد .. تُوُفِّي - رضي الله عنه - بالأردن سَنَة 18 هـ . حلية الأولياء 1/228 وسير أعلام النبلاء 1/443 وطبقات الفقهاء /27.
(2) - معاوية : هو الصّحابيّ الجليل معاوية بن أَبِي سفيان بن صَخْر بن حَرْب بن أُمَيَّة القُرَشِي - رضي الله عنه - ، أَسْلَم زَمَنَ الفتح ، أحد كُتّاب الوحي ، ولاّه عُمَر - رضي الله عنه - الشّام ثُمّ مِنْ بَعْده عثمان - رضي الله عنه - ، تَوَلَّى إمارة المُسْلِمين تِسْع عشرة سَنَةً ونِصْفاً . تُوُفِّي - رضي الله عنه - بدمشق سَنَة 60 هـ . تاريخ الطبري 5/323 والاستيعاب 3/470 – 473.
(3) - مسروق: هو أبو عائشة مسروق بن الأجدع بن مالك الكوفي من أئمة التابعين والفقهاء الزاهدين صاحب ابن مسعود وروى عن أبي بكر وعمر وعلي ومعاذ كان يصلي فتورمت قدماه توفي سنة 63 هـ . تذكرة الحفاظ 1/49 وشذرات الذهب 1 /71 .
(4) - أخرجه أبو داود في كتاب الفرائض : باب هل يرث المسلم الكافر ؟ برقم ( 2524 ) والإمام أحمد في مسند الأنصار برقم ( 20998 ) عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - .(1/97)
القول الأول : أنه لجماعة المسلمين ولا يرثه قرابته .
وهو ما عليه الجمهور وروي عن بعض الصحابة - رضي الله عنهم - .
ويمكن الاحتجاج لهم بحديث الفرع { لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم } .
القول الثاني : أن ماله لورثته من المسلمين .
وهو ما عليه الحنفية وهو قول الثوري رحمه الله وروي عن ابن مسعود وعلي رضي الله عنهما .
وحجتهم تخصيص العموم بالقياس وذلك أن قرابته أولى من المسلمين لأنهم يدلون بسببين بالإسلام والقرابة والمسلمون بسبب واحد وهو الإسلام
وفرق الحنفية بين المال الذي اكتسبه قبل الردة فاختاروا أنه لورثته وما اكتسبه بعد الردة فذهب أبو حنيفة والثوري رضي الله عنهما إلى أنه فئ وذهب أبو يوسف (1) ومحمد والأوزاعي وابن شبرمة (2) أنه لورثته.
__________
(1) - أبو يوسف : هو القاضي يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي الحنفي رحمه الله تعالى تلميذ الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - ، وُلِد بالكوفة سَنَة 113 هـ ، أوَّل مَن سُمِّي بـ" قاضي القضاة " ..مِن تصانيفه : الخراج ، أدب القاضي ، الجوامع .تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 181 هـ . البداية والنهاية 10/180 والفتح المبين 4/13 ، 14 والأعلام 3/116.
(2) - ابن شبرمة : هو القاضي أبو شبرمة عبد الله بن شبرمة بن الطفيل الضبي الكوفي رحمه الله تعالى ، روى عن أنس وأبي وائل والشعبي - رضي الله عنهم - ، وروى عنه إبراهيم بن أدهم وسفيان بن عيينة وشريك بن عبد الله - رضي الله عنهم - .. تُوُفِّي رحمه الله تعالى بالكوفة سَنَة 144 هـ . سير أعلام النبلاء 6/140 وشذرات الذهب 1/159 ، 160.(1/98)
القول الثالث : إن كان الورثة على الدين الذي ارتد إليه وروثوه وهو قول قتادة (1) وسعيد بن أبي عروبة (2) .
والأولى عندي أن يكون مال المرتد لورثته من المسلمين وهو ما عليه أصحاب القول الثاني لوجاهة حجتهم وقبول قياسهم وحينئذ لا بد من حمل الكافر في الحديث على غير المرتد فيصبح حكما مبنيا على تخصيص
عموم لا يرث المسلم الكافر بالقياس . (3)
الفرع الثالث
الوصية
النصوص الواردة فيها :
قوله تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} . (4)
__________
(1) - قتادة : هو أبو الخطاب قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي البصري رحمه الله تعالى ، وُلِد سَنَة 60 هـ ، فقيه مُفَسِّر ، كان ممَّن يُضرَب به المَثَل في العِلْم وقوّة الحِفْظ .. تُوُفِّي رحمه الله تعالى بواسط سَنَة 118 هـ . طبقات ابن سعد 7/229 وسِيَر أعلام النبلاء 5/269 – 283.
(2) - سعيد بن أبي عروبة : هو أبو النضر سعيد بن أبي عروبة مهران اليشكري العدوي رحمه الله تعالى ، أحد الأعلام ، حدَّث عن الحسن – رحمه الله تعالى – وغَيْره ، وهو أول مَن صنَّف الأبواب بالبصرة ، كان ثقةً كثيرَ الحفظ ثُمّ اختلط في آخِر عمره .. تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 156 هـ . تذكرة الحفّاظ 1/177 ، 178 وتهذيب التهذيب 4/63 – 66 وشذرات الذهب 1/239 ، 240 .
(3) - يراجع ميراث الكافر والمرتد في : الميزان /116 , 117 ومغني المحتاج 3 / 24 , 25 ومنهاج الطالبين / 185 وبداية المجتهد 2 / 353 وفتح الباري 12 / 50 , 51 ونيل الأوطار 6 /73, 74 وأحكام القآن للجصاص 2 / 128 , 129 وحاشية الروض المربع 6 / 180 ـ183 وبلغة السالك 3/ 654 والشرح الصغير 3/ 654 ونيل المآرب 2 / 30 ,31 والاختيار 5 / 116 وأحكام المواريث في الشريعة الإسلامية / 50 ــ52 .
(4) - سورة البقرة من الآية 180 .(1/99)
مع قوله - صلى الله عليه وسلم - { لا وصية لوارث} . (1)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - {الثلث والثلث كثير } . (2)
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن الله تعالى أوجب الوصية في حق المحتضر والجمهور على أنها منسوخة بآية المواريث والوصية هنا عامة تشمل الوارث وغيره وتشمل الثلث وفوقه لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصرها على غير الوارث وعلى الثلث .
نوع التخصيص في هذا الفرع :
التخصيص هنا واقع بين تخصيص عموم الكتاب بالآحاد , وهو
تخصيص منفصل .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
1- اختلف العلماء في الوصية لوارث على أقوال :
القول الأول : جوازها إن أجازها الورثة .
وهو ما عليه جمهور الفقهاء .
واحتجوا بحديث { لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة } (3) .
القول الثاني :عدم جوازها مطلقا .
وهو رأي الظاهرية وبعض الشافعية وبعض الحنابلة وبعض الأحناف .
القول الثالث : جوازها مطلقا .
وهو لبعض الشيعة .
__________
(1) - أَخْرَجه الترمذي في كتاب الوصايا عن رسول الله : باب ما جاء لا وصيّة لِوارث برقم ( 2046 ) وأبو داود في كتاب الوصايا : باب ما جاء في الوصيّة لِلوارث برقم ( 2486 ) عن أبي أمامة الباهليّ - رضي الله عنه - ، والنسائي في كتاب الوصايا : باب إبطال الوصيّة لِلوارث برقم ( 3581 ) عن عمرو بن خارجة - رضي الله عنه - .
(2) - أَخرَجه البخاري في كتاب الوصايا : باب أن يترك ورثته أغنياء خير مِن أن يتكففوا الناس برقم ( 2537 ) ، ومسلم في كتاب الوصية : باب الوصية بالثلث برقم ( 3076 ) والترمذي في كتاب الجنائز عن رسول الله : باب ما جاء في الوصية بالثلث والربع برقم ( 897 ) عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - .
(3) - أخرجه الدارقطني في سننه 4/97 والبيهقي في السنن الكبرى 6/263 والطبراني في مسند الشاميين 3/325(1/100)
والراجح ما عليه الجمهور وهو إجازة الوصية لوارث إن أجازها الورثة وإلا فلا تجوز وهو مفرع على تخصيص عموم آية الوصية وإن قلنا بإجازتها إن أجازها الورثة كان تخصيصا لعموم {لا وصية لوارث }.
2- اختلف العلماء في الوصية بأكثر من الثلث على أقوال :
القول الأول : لا تجوز بأكثر من الثلث له .
وهو ما عليه المالكية وبعض الشافعية وبعض الحنابلة .
القول الثاني : يجوز بأكثر من الثلث إن أجازها الورثة .
وهو ما عليه الجمهور .
القول الثالث : تجوز بأكثر من الثلث مطلقا دون إجازة الورثة .
وهو ما عليه الإمامية (1) وبعض الإباضية (2) . (3)
والأولى عندي ما عليه الجمهور من عدم جواز الوصية بأكثر من الثلث إلا إن أجازها الورثة وهو مبني على تخصيص عموم آية الوصية بالسنة المطهرة .
المطلب السادس
الذبائح والأطعمة
وفيه فروع :
الفرع الأول : الأكل من الهدي .
الفرع الثاني : أكل ميتة السمك .
الفرع الثالث : ترك التسمية عند الذبح.
ونفصل القول في كل منها فيما يلي :
الفرع الأول
الأكل من الهدي
النص الوارد فيه :
__________
(1) - إحدى فرق الشيعة يقولون بإمامة سيدنا علي - رضي الله عنه - بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - نصا وأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ظالمان ويجب التبرؤ منهما وأن الأئمة هم علي وأبناؤه من فاطمة - رضي الله عنهم - على اليقين .
(2) - الإباضية : إحدى فرق الخوارج أتباع عبد الله بن أباض يقولون أن مخالفيهم من فرق هذه الأمة كفار لا مشركون ولا مؤمنون. التبصير في الدين / 34 .
(3) - تراجع الوصية لوارث في : الأم 5/40ـ47 , المحلى 9/316ـ321 , الإجماع / 83 وأحكام القرآن للجصاص 1/ 202 والتلخيص 2/ 116 والوجيز/ 221 , 222 والهداية 4/ 582 ـ 584 وبداية المجتهد 2/ 334 ـ 336 والعدة/ 297 وكفاية الأخيار / 342 والوصية والوقف في الفقه الإسلامي / 370 ـ 372 ، 380 ـ 382 .(1/101)
قوله تعالى : {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر} (1) .
وجه التخصيص في هذا الفرع:
أن الله تعالى أباح الأكل من الهدي إما جميعه أو بعضه وإن كان ترجيح أكل البعض أقوى لقوله تعالى:{ وأطعموا القانع والمعتر}والنص عام في هدي التمتع وهدي جزاء الصيد لكن العلماء حرموا هدي جزاء الصيد بالإجماع واختلفوا في هدي التمتع . (2)
نوع التخصيص في هذا الفرع :
التخصيص في هذا الفرع تخصيص منفصل حيث خصص الإجماع عموم الكتاب .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اتفق العلماء على أنه يستحب للإنسان أن يأكل من هديه وفيه أجر وامتثال
وقال ابن سريج (3) رحمه الله الأكل والإطعام مستحبان وله الاقتصار على أيهما شاء وقال الإمام الشافعي - رضي الله عنه - الأكل مستحب والإطعام واجب فإن أطعم جميعها أجزأه وإن أكل جميعها لم يجزه وهذا فيما كان تطوعا (4) .
وإن كان نذرا نظرت فإن كان قد عينه عما في ذمته لم يجز أن يأكل منه لأنه بدل عن واجب فلم يجز أن يأكل منه كالدم الذي يجب بترك الإحرام من الميقات . (5)
وذكر ابن العربي رحمه الله أن الناس اختلفوا في حكم قوله تعالى{ فكلوا},{وأطعموا }على ثلاثة أقوال:
القول الأول :أنهما واجبان واختاره ابن العربي رحمه الله .
__________
(1) - سورة الحج من الآية 36 .
(2) - البحر المحيط 3/376.
(3) - ابن سريج : هو أبو العباس أَحْمَد بن عُمَر بن سريج البغدادي رحمه الله تعالى ، وُلِد ببغداد سَنَة 249 هـ ، فقيه الشّافعيّة في عصْره .. مِن تصانيفه : الانتصار ، الأقسام ، الخصال في فروع الفقه الشافعي . تُوُفِّي رحمه الله تعالى ببغداد سَنَة 306 هـ . مُعجَم المؤلِّفين 2/31 وطبقات الفقهاء الشّافعيّة 2/712 وطبقات الشّافعيّة الكبرى2/87.
(4) - الجامع لأحكام القران 12/44,43.
(5) - المهذب 2/838 ,المجموع 8/333.(1/102)
القول الثاني : أنهما مستحبان قاله ابن سريج رحمه الله .
القول الثالث : أن الأكل مستحب والإطعام واجب قال الشافعي وهو صريح قول مالك - رضي الله عنهم - . (1)
واتفق الفقهاء على أنه لا يجوز للقاتل صيد البر وهو محرم الأكل من هدي جزاء الصيد وكذا من وجب عليه إطعام في كفارة يمين أو ظهار أو إفطار في نهار رمضان أو فدية الأذى في الحج لأن الكفارة للذنب (2) .
وعدم جواز الأكل من هدي جزاء الصيد في حق فاعله مبني على تخصيص عموم الأكل بالإجماع .
الفرع الثاني
أكْل ميتة السمك والجراد
النصوص الواردة فيه :
قوله تعالى{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه } (3)
وقوله تعالى { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِه } (4) .
مع قوله تعالى { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَة } (5) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - { أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ : فَالْمَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ ، وَالدَّمَانِ الْكَبِدُ وَالطُّحَال} (6) .
__________
(1) - أحكام القرآن لابن العربي 3/294 ,295 .
(2) - الموسوعة الفقهية 6/116 , بدائع الصنائع 2/226 ,5/80 ,103 , حاشية الدسوقي 2/89 ,132, نهاية المحتاج 3 / 139 , المغني 7 / 376 .
(3) - سورة البقرة مِن الآية 173
(4) - سورة المائدة مِن الآية 3
(5) - سورة المائدة مِن الآية 96
(6) -أَخْرَجه ابن ماجة في كتاب الأطعمة : باب الكبد والطّحال برقم ( 3305 ) وأحمد في مُسْنَد المُكْثِرين مِن الصحابة برقم ( 5465 ) ، كلاهما عن عبد الله بن عُمَر رضي الله عنهما .(1/103)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - في البحر { هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُه } (1) .
__________
(1) - أَخْرَجه الترمذي في كتاب الطهارة عن رسول الله : باب ما جاء في ماء البحر أنّه طهور برقم ( 3 ) والنسائي في كتاب الطهارة : باب ماء البحر برقم ( 59 ) وأبو داود في كتاب الطهارة : باب الوضوء بماء البحر برقم ( 76 ) ، كُلّهم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .(1/104)
وحديث جابر بن عبد الله (1) رضي الله عنهما أنّه مع أبي عبيدة ابن الجرّاح - رضي الله عنه - (2) يَتَلَقَّى عِيراً لِقُرَيْش على ساحِل البحر ووجدوا دابّةً تُدْعَى " العنبر " ، قال أبو عبيدة - رضي الله عنه - :" مَيْتَة " ثُمّ قال :" بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا " قال : فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْراً حَتَّى سَمِنَّا ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ ، فَقَال { هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا } ..
__________
(1) - جابر بن عبد الله : هو الصّحابيّ الجليل أبو عبد الله جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام ابن كعْب الأنصاري السلمي رضي الله عنهما ، شَهِد بيعة العَقَبَة الثانية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير ، وشَهِد مع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ثماني عشرة غزوة .. تُوُفِّي سَنَة 74 هـ ، وقيل : سَنَة 78 هـ . أسد الغابة 1/351 والإصابة 1/434 ، 435 وشذرات الذهب 1/44.
(2) - أبو عبيدة بن الجرّاح : هو الصّحابيّ الجليل أبو عبيدة عامر بن الجرّاح بن هلال الفهري القرشي - رضي الله عنه - ، أمين هذه الأُمّة ، وأحد العشرة المُبَشَّرين بالجَنّة ، وأحد الخمسة الذين أَسْلَموا على يد أبي بَكْر الصِّدِّيق - رضي الله عنه - في يوْم واحد ، وهو أول مَن سُمِّي " أمير الأمراء " بالشام . تُوُفِّي - رضي الله عنه - بالطاعون عام عمواس سَنَة 108 هـ بقرية فحل ، وقيل بالجابية .البداية والنهاية 7/94.(1/105)
قال : فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُ فَأَكَلَه (1) .
وحديث عبد الله بن أبي أَوْفَى - رضي الله عنه - (2) :" غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَكَلْنَا الْجَرَادَ مَعَه " (3) ..
وجْه التخصيص في هذا الفرع:
أنّ الحُكْم الوارد في الآيتيْن الأُولَيَيْن عامّ في تحريم أكْل الميتة بما فيها
ميتة السمك والجراد .
وأنّ الآية الثالثة أباحت أكْل صيْد البحر وطعامه ، ما طفا عليه وجرز عنه ، أيْ ميتته .وأنّ الحديث الشريف الأول أباح أكْل ميتة السمك والجراد .
وأنّ الحديثيْن الشريفيْن الثاني والثالث أباحَا أكْل ميتة السمك .
وأنّ الحديث الشريف الرابع أباح أكْل ميتة الجراد .
ومِمَّا تَقَدَّم يَتَّضِح أنّ هناك تَعارضاً بَيْن النصوص المُحَرِّمة لأكْل ميتة السمك والجراد والنصوص المبيحة لأكْلهما ، والجَمْع بَيْنهما أَوْلى مِن إبطال أحدهما ، ولا يتأتّى إلا بالقول بالتخصيص ..
فالآية الكريمة الثالثة خَصَّصَتْ عموم الآيتيْن الكريمتيْن الأُولَيَيْن بإباحة أكْل ميتة السمك .
__________
(1) - أَخْرَجه مُسْلِم في كتاب الصيد والذبائح وما يُؤْكَل مِن الحيوان : باب إباحة ميتات البحر برقم ( 3576 ) وأحمد في باقي مُسْنَد المُكْثِرين مِن الصحابة برقم ( 13818 ).
(2) - عبد الله بن أبي أَوْفَى : هو الصّحابيّ الجليل عبد الله بن أبي أَوْفَى عتبة بن خالد بن الحارث ابن أبي أسيد - رضي الله عنه - ، شَهِد الحديبية .. تُوُفِّي - رضي الله عنه - بالكوفة سَنَة 86 هـ ، وقيل سَنَة 87 هـ . أسد الغابة 3/183 والإصابة 4/38
(3) - أَخْرَجه البخاري في كتاب الذبائح والصيد : باب أكْل الجراد برقم ( 5071 ) ومُسْلِم في كتاب الصيد والذبائح وما يُؤْكَل مِن الحيوان : باب إباحة الجراد برقم ( 13818 ) والترمذي في كتاب الأطعمة عن رسول الله : باب ما جاء في أكْل الجراد برقم ( 1744 ) .(1/106)
والحديث الشريف الأول خَصَّص عمومهما بإباحة أكْل ميتة السمك والجراد .
والحديثان الشريفان الثاني والثالث خَصَّصَا عمومهما بإباحة أكْل ميتة السمك .
والحديث الشريف الرابع خَصَّص عمومهما بإباحة أكْل ميتة الجراد .
نَوْع التخصيص في هذا الفرع :
نوْعان مِن التخصيص في هذه النصوص المُتَقَدِّمة :
الأول : تخصيص الكتاب بالكتاب .
وهو مُتَحَقِّق بَيْن الآيتيْن الأُولَيَيْن { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَة } و{ حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَة } وبَيْن الآية الثالثة { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُه } .
الثاني : تخصيص الكتاب بالسُّنَّة أو خبر الآحاد .
وهو مُتَحَقِّق بَيْن الآيتيْن الكريمتيْن الأُولَيَيْن وبَيْن جميع الأحاديث الشريفة المذكورة .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اخْتَلَف العلماء في حُكْم أكْل ميتة السمك والجراد على أقوال :
القول الأول : جواز أكْلهما مِن غيْر معالَجة ولا ذكاة .
وهو قول الشافعي - رضي الله عنه - وغيْره .
وهذا القول تفريعاً على تخصيص خبر الواحد لِعموم الكتاب .
القول الثاني : تحريم أكْل السمك الطافي وحِلّ ما جزر عنه .
وهو قول الحنفيّة .
واحْتَجَوا : بحديث { مَا أَلْقَى الْبَحْرُ أَوْ جُزِرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ ، وَمَا مَاتَ فِيهِ وَطَفَا فَلاَ تَأْكُلُوه } (1) ،واعْتَبَروا هذا الحُكْم مُخَصِّصاً لِعموم حِلّ ميتة السمك
وهُنَا يَكون هذا القول مُفَرَّعاً على تخصيص السُّنَّة بالسُّنَّة .
القول الثالث: أنّه مُخَصَّص بميتة السمك دون الجراد ؛ فلا يُؤْكَل إلا بذكاة.
وهو قول الإمام مالك - رضي الله عنه - وغيْره .
__________
(1) - أَخْرَجه أبو داود في كتاب الأطعمة : باب في أكْل الطافي مِن السمك برقم ( 3319 ) وابن ماجة في كتاب الصيد : باب الطافي مِن صيْد البحر برقم ( 3238 ) ، كلاهما عن جابر - رضي الله عنه - .(1/107)
واحْتَجّوا : بصحّة حديث أكْل الجراد ، وضَعْف حديث { أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَان ... } .وهذا القول تفريعاً على تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد (1) .
والراجح عندي : أنّ عموم تحريم أكْل الميتة الوارد في الكتاب العزيز مُخَصَّص بخبر الآحاد { أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَان ... } ، فيَحِلّ أكْل ميتة السمك والجراد . كما أنّ إباحة أكْل ميتة السمك مُخَصَّص بحديث { مَا أَلْقَى الْبَحْرُ أَوْ جُزِرَ عَنْه ... } ، فيحرم أكْل الطافي مِن ميتة السمك . وهُنَا يُعَدّ ذلك تخصيصاً لِلسُّنَّة بالسُّنَّة .
وفي ذلك يقول الجصّاص رحمه الله تعالى :" نَستعملهما جميعاً ونَجعلهما كأنّهما وَرَدَا معاً : نَستعمل خبر الطافي في النهي ، ونَستعمل خبر الإباحة فيما عَدَا الطافي " ا.هـ (2) .
الفرع الثالث
ترك التسمية عند الذبح
النص الوارد في ذلك :
قوله تعالى :{ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} . (3)
مع قوله تعالى: { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم}. (4)
مع ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها : إن قوما قالوا يا رسول الله :إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا ؟ فقال : { سموا عليه أنتم وكلوا }. (5)
__________
(1) - يُرَاجَع : أحكام القرآن لِلجصّاص 1/130 - 133 وأحكام القرآن لابن العربي 1/77 - 79 والجامع لأحكام القرآن 2/146 وتفسير آيات الأحكام 1/44 ، 45.
(2) - أحكام القرآن لِلجصّاص 1/132.
(3) - سورة الأنعام من الآية 121 .
(4) - سورة المائدة من الآية 5 .
(5) - أخرجه البخاري في كتاب الذبائح والصيد باب ذبيحة الأعراب ونحوها برقم ( 5507) ومالك في الموطأ في كتاب الذبائح باب ما جاء في التسمية على الذبيحة برقم (1) من حديث هشام بن عروة عن أبيه رضي الله عنهما , وأبو داود في كتاب الضحايا باب ما جاء في أكل اللحم لا يدري أذكر اسم الله عليه أم لا برقم (2829 ) والنسائي في كتاب الضحايا باب ذبيحة من لم يعرف برقم (4441) .(1/108)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - { ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر} . (1)
وما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل من يذبح وينسى أن يسمي الله قال: { اسم الله على فم كل مسلم }. (2)
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن الله تعالى حرم في الآية الأولى أكل كل ذبيحة لم يذكر اسم الله تعالى عليه مسلما كان الذابح أم ذميا متعمدا كان أم ناسيا .
لكن الآية الثانية قصرت هذا الحكم على غير أهل الكتاب لأن ذبائحهم حلال ولم يذكر اسم الله تعالى عليها .
والأحاديث التالية خصصت هذا العموم أيضا وهو ما ذهب إليه الشافعية والإمام أحمد - رضي الله عنه - في قول . (3)
واختلفوا في حكم التسمية على الذبيحة على أقوال :
القول الأول : أنها واجبة .
وهو قول الظاهرية وروي عن ابن عمر والشعبي (4) وابن سيرين - رضي الله عنهم - .
القول الثاني : سنة مؤكدة .
وهو قول الشافعي - رضي الله عنه - وأصحابه وروي عن ابن عباس وأبي هريرة - رضي الله عنهم - .
القول الثالث : أنها واجبة مع الذكر ساقطة مع النسيان .
__________
(1) - أخرجه الحارث بن أبي أسامة 1/478 وعبد بن حميد ( الدر المنثور 3/349 ) عن راشد بن سعد رحمه الله تعالى ،
= وأبو داود في المراسيل /278 عن الصلت السدوسي رحمه الله تعالى
(2) - أخرجه الدارقطني في سننه 4/295 والطبراني في المعجم الأوسط 5/94 عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(3) - يراجع : أثر الاختلاف في القواعد الأصولية / 211 .
(4) - الشعبي : هو أبو عمرو عامر بن شراحيل بن معبد الشعبي رحمه الله تعالى ، وُلِد في إمرة عُمَر ابن الخطّاب - رضي الله عنه - وتَتلمَذ على كبار الصحابة ، كان مِنْ أَفقَه التابعين وأفاضلهم وأحد الحُفّاظ .. تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 104 هـ . تاريخ بغداد 12/227 وطبقات الحُفّاظ /32.(1/109)
وهو قول مالك وأبو حنيفة والثوري - رضي الله عنهم - . (1)
والراجح عندي أن التسمية سنة مؤكدة عند الذبح لأنها لو كانت واجبة لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصائد أو السائل عن لحوم الجاهلية بالتسمية والأكل .
وهو حكم مبني على تخصيص عموم النهي عن أكل الذبيحة التي لم يسم الله تعالى عليها ويحمل النهي حينئذ على ما ذبح لغير الله فيحرم أكل ما ذبح لغير الله تعالى حتى ولو كان الذابح مسلما .
والأقوى – عندي – في هذا المقام أن عموم النهي عن أكل ما لم يذكر اسم الله مخصص بآية حل طعام أهل الكتاب وقياسا عليه يحل طعام المسلم الذي لم يسم الله تعالى على ذبيحته .
واختلف الفقهاء في أكل الذبيحة التي لم يسم عليها على أقوال:
القول الأول: يحرم الأكل منها,عمدا كان ترك التسمية أم سهوا.
وهو قول الإمام مالك والإمام أحمد وأبو ثور وداود وروي عن ابن عمر ونافع (2) والشعبي وابن سيرين - رضي الله عنهم - .
القول الثاني : حل أكل ذبيحة من ترك التسمية ناسيا أما التارك لها عمدا فلا يحل الأكل منها .
وهو قول الحنفية والصحيح من مذهب الإمام مالك ورواية عن الإمام أحمد - رضي الله عنهم - .
القول الثالث : حل أكل ذبيحة من ترك التسمية عمدا كان أو نسيانا .
وهو مذهب الإمام الشافعي ورواية عن الإمام مالك ورواية عن الإمام أحمد وروي عن ابن عباس وأبي هريرة وعطاء - رضي الله عنهم - .
__________
(1) - يراجع : بداية المجتهد1/448 والمحلى 7 /412 والمغني لابن قدامة 8/ 541 وأثر الاختلاف في القواعد الأصولية / 210 , 211 .
(2) - نافع : هو أبو عبد الله نافع العدوي المدني رحمه الله تعالى ، مولى ابن عمر رضي الله عنهما ، حدّث عنه وعن كثير مِن الصحابة - رضي الله عنهم - ، أرسله عمر بن عبد العزيز – رحمه الله تعالى – لأهْل مصر يعلِّمهم السُّنَن .. تُوُفِّي رحمه الله تعالى سَنَة 117 هـ . تذكرة الحفّاظ 1/99 ، 100.(1/110)
القول الرابع : كراهة الأكل من الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها.
وهو قول بعض المالكية .
القول الخامس : جواز الأكل من ذبيحة التارك للتسمية عمدا إلا أن يكون مستخفا .
وهو قول الطبري (1) وأشهب - رضي الله عنهم - (2) . (3)
والراجح عندي حل أكل ذبيحة المسلم التارك للتسمية عمدا كان أم نسيانا لأن الله تعالى أباح لنا طعام أهل الكتاب فذبيحة المسلم تحل من باب أولى.
قال الإمام الشافعي - رضي الله عنه - وإذا أرسل الرجل المسلم كلبه أو طائره المعلمين أحببت له أن يسمي فإن لم يسم ناسيا فقتل أكل لأنهما إذا كان قتلهما كالذكاة فهو لو نسي التسمية في الذبيحة أكل لأن المسلم يذبح على اسم الله عز وجل وإن نسي أ.هـ . (4)
المطلب السابع
أثر التخصيص في الأيمان والنذور .
وفيه فروع :
الفرع الأول : الحلف على الأكل .
الفرع الثاني: الحلف على عدم أكل اللحم .
الفرع الثالث : الحلف على اللبس .
الفرع الرابع : الحلف على عدم السلام .
__________
(1) - ابن جرير الطبري : هو أبو جَعْفَر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالِب الطَّبَرِي رحمه الله تعالى ، وُلِد سَنَة 224 هـ ، استوطَن بغداد وأقام بها ، ورَحَل إلى الآفاق في طلب العِلْم . مِنْ مصنَّفاته : جامِع البيان في تفسير القرآن ، تاريخ الأُمَم والملوك ، تهذيب الآثار . البداية والنهاية 11/156 – 158.
(2) - أشهب :هو أبو عمرو أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي العامري المصري ويقال اسمه مسكين وأشهب لقب له صاحب الإمام مالك وروى عنه وعن الليث والفضيل توفي بمصر سنة 204 هـ , الديباج المذهب / 98 وشجرة النور الزكية / 59 .
(3) - يراجع : الجامع لأحكام القرآن 7 / 50 , 51 وأحكام القرآن للجصاص 3 / 7 , 8 وتفسير القرآن العظيم 3 / 172 , 173 وتفسير آيات الأحكام للسايس 2/ 229 والمهذب 2 / 885 والهداية 4/ 394 , 395 وبداية المجتهد 1/ 448 والعدة / 447 , 448 ومنهاج الطالبين / 319 , 320 .
(4) - الأم 3 / 268.(1/111)
الفرع الخامس: نذر المشي .
الفرع السادس : نذر العبادة على وجه منهي عنه .
ونفصل القول في كل منها فيما يلي :
الفرع الأول
الحلف على الأكل
مثاله : لو قال والله لا أكلت فإنه يحنث بكل مأكول إلا أنه إن صرح بالمفعول كما لو قال والله لا أكلت شيئاً ونوى شيئاً مخصوصاً بعينه نفعته نيته ولا يحنث بغير ما نوى لأن العموم فيه لغوي .
ولو لم يصرح بالمفعول لكان عموماً عقلياً ضرورة أن الأكل يستدعي مأكولاً فإن نوى شيئاً مخصوصاً بعينه نفعته نيته عندنا كما في العموم اللغوي ولم تنفعه عند الحنفية لأن العموم عندهم عقلي لا يقبل التخصيص (1) .
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن الحالف حلف أن ألا يأكل شيئاً وهو عام في كل شيء مأكول لكنه خصصه بشيء مخصوص بعينه في نيته .
نوع التخصص في هذا الفرع :
التخصص في هذا الفرع تخصص منفصل وواقع بالنية .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
أن الحالف لا يحنث إذا أكل خلاف ما نوى عدم أكله في يمينه وهو مبني على تخصيص العموم بالنية .
الفرع الثاني
الحلف على عدم أكل اللحم
مثاله : إذا حلف لا يأكل لحما .
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن الحالف حلف ألا يأكل لحما وهو عام في كل لحم سواء أكان لحم حيوان بري أو حيوان بحري ( السمك ) أو كان ميتة أو غيرها لكنه مخصص بعرف الاستعمال وعرف الشرع .
فعرف الاستعمال يخرج لحم السمك فإنه لا يسمى لحما وإن سماه الشرع كذلك .
وعرف الشرع لا يحل من اللحوم الميتة والخنزير ولذا فهو مخصص لهذا العموم .
نوع التخصيص في هذا الفرع :
التخصيص في هذا الفرع تخصيص للعموم بعرف الاستعمال عرف الشرع .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
إذا حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا أو ميتة لم يحنث وهو مبني على تخصيص العموم بعرف الاستعمال وعرف الشرع (2) .
الفرع الثالث
الحلف على اللبس
__________
(1) - مفتاح الأصول / 109 .
(2) - يراجع : التمهيد للإسنوي / 384 والأشباه والنظائر للسيوطي / 93 .(1/112)
مثاله :إذا حلف لا يلبس إلا الكتان فهل الكتان محلوف على لبسه ؟
فإذا جلس عريانا حنث بناء على قاعدة الاستثناء من النفي إثبات أو لا يحنث لأن المقصود أنه يمتنع من لبس كل شيء إلا الكتان فإنه لا يمتنع من لبسه فلا يكون محلوفا عليه ؟
في المسألة قولان للعلماء واختار ابن عقيل (1) الثاني . (2)
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن الحالف حلف ألا يلبس إلا الكتان فلذا فقد منع عن نفسه عموم الملابس إلا الكتان فقد خصص به هذا العموم .
نوع التخصيص في هذا الفرع :
التخصيص في هذا الفرع تخصيص متصل واقع بالاستثناء .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اختلف العلماء في حنث هذا الحال إذا جلس عريانا على قولين:
القول الأول : أنه يحنث .
بناء على قاعدة الاستثناء من النفي إثبات .
القول الثاني : أنه لا يحنث .
لأن المقصود أنه يمتنع من لبس كل شيء إلا الكتان وهو اختيار ابن عقيل رحمه الله . (3)
والأولى أنه لا يحنث وهو ما عليه أصحاب القول الثاني وهو مبني على تخصيص العموم بالاستثناء .
الفرع الرابع
الحلف على عدم السلام
مثاله : لو حلف لا يسلم على زيد فسلم على قوم هو فيهم واستثناه بقلبه لم يحنث على الصحيح كما لو استثناه لفظا (4) .
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن الحالف عندما سلم على القوم الذين فيهم زيد المحلوف على عدم السلام عليه كان سلاما عاما للجميع لكنه خصصه باستثناء زيد في نيته .
نوع التخصيص في هذا الفرع :
التخصيص في هذا الفرع تخصيص منفصل واقع بالنية .
__________
(1) - ابن عقيل : هو أبو الوفا علِيّ بن عقيل بن مُحَمَّد بن عقيل بن أَحْمَد البغدادي الظفري الحنبلي رحمه الله تعالى .. مِن مصنَّفاته : الفنون ، كفاية المفتي ، الواضح في أصول الفقه ، عمدة الأدلّة .تُوُفِّي رحمه الله تعالى ببغداد سَنَة 513 هـ .الفتح المبين 2/12 والبداية والنهاية 12/184
(2) - القواعد والفوائد الأصولية /216 .
(3) - يراجع : المرجع السابق .
(4) - التمهيد / 381.(1/113)
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
اختلف العلماء في حنث هذا الحالف على قولين :
القول الأول : أنه لم يحنث .
لأنه استثناه بقلبه كما لو استثناه لفظا وهو الصحيح .
القول الثاني : أنه يحنث .
وهو مبني على عدم اعتبار استثناء القلب . (1)
والراجح أنه لا يحنث وهو ما عليه القول الأول وهو مبني على تخصيص العموم بالنية .
الفرع الخامس
نذر المشي
مثاله : إذا قال لله علي أن أمشي أو أذهب ونوى بقلبه حاجا أو معتمرا انعقد النذر على ما نوى وإن نوى إلى بيت الله الحرام التحق بالملفوظ (2) .
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أنه نذر لله تعالى المشي وهو عام يشمل الحج والعمرة وغيرهما لكنه نوى بقلبه الحج أو العمرة فخصص العموم وقصره على الحج أو العمرة .
نوع التخصيص في هذا الفرع :
التخصيص في هذا الفرع تخصيص منفصل واقع بالنية .
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
أن النذر ينعقد بالمشي إلى بيت الله الحرام حاجا أو معتمرا وواجب عليه الوفاء به وهو مبني على تخصيص العموم بالنية.
الفرع السادس
نذر العبادة على وجه منهي عنه
مثاله : لو نذر الصلاة عريانا أو في مكان منهي عنه والحج حافيا حاسرا والمرأة تحج حاسرة فقياس المذهب الوفاء بالطاعة على الوجه المشروع الغاء لتلك الصفة (3) .
وجه التخصيص في هذا الفرع :
أن نذر الصلاة عام في الصلاة عريانا أو سفورا لكنه خصص عموم الصلاة بالعري .
نوع التخصيص في هذا الفرع :
التخصيص في هذا الفرع تخصيص للعموم بالصفة وهو تخصيص متصل
أثر هذا التخصيص في الأحكام :
لما كان التخصيص هنا على وجه منهي فقد بطل ويجب الوفاء بالطاعة على الوجه المشروع وفقا لقاعدة إذا بطل الخصوص هل يبقى العموم أم لا . (4)
الخاتمة
__________
(1) - يراجع : المرجع السابق .
(2) - التمهيد/ 383 .
(3) - القواعد والفوائد الأصولية/ 228 .
(4) - يراجع القواعد والفوائد الأصولية / 225 .(1/114)
الحمد لله ربّ العالَمين ، حمداً يُوافِي نِعَمه ويكافئ مَزِيده ، وأَشْهَد أنْ لا إله إلا الله العليم الحكيم ، مَن يُرِدْ به خيراً يُفَقِّهْه في الدّين ، وأَشْهَد أنّ سَيِّدنا محمّداً عَبْد الله ورسوله ، إمام المُرْسَلين ، وخيْر مَن دَعَا إلى العِلْم والتَّفَقُّه في الدِّين ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصَحْبه ومَن تَبِعهم بإحسان إلى يوْم الدين .. وبَعْد ..،
فلقد أكرمني الله عز وجل بدراسة وبحث أثر التخصيص في الفقه الإسلامي وكم كانت سعادتي حينما عايشت هذا الموضوع طالبا ودارسا وباحثا أحاول الوقوف على هذا الموضوع الذي كان عظيم الأثر في حياتي العلمية والأصولية وقد توصلت في ختام هذا البحث إلى النتائج التالية :
1- أن التخصيص لغةً : مصدر خصص وهو :الانفراد بالشيء .
واصطلاحاً : قَصْر العامّ على بعض أفراده .
2- أن الخاصّ: لَفْظ وُضِع لِواحد أو لِكثير محصور وضعاً واحداً.
والخصوص: كَوْن اللفظ مُتَنَاوِلاً لِبعض ما يَصْلُح له لا لِجميعه .
وهي تَتَّفِق في المعنى ، وهو: الانفراد بالشيء مع التخصيص .
3- أن الخاصّ له أحكامه ، وهو يَنْقَسِم إلى : أمْر ونَهْي ومُطْلَق ومُقَيَّد ، وهو خلاف التخصيص .
4- أن تعبير التخصيص هو الأولى لأن التخصيص هو الفعل نفسه الذي يجمع بين الدليلين العام والخاص ليقصر الحكم على بعض أفراد العام .
5- أن النسخ يَتَّفِق مع التخصيص في أنّ كُلاًّ منهما فيه رَفْع أو قَصْر لِلحُكْم أو بعضه ، إلا أنّهما يَفْتَرِقان في وجوه عِدّة .
وأن الاستثناء المُتَّصِل تخصيص ، ولِذا فالعلاقة بَيْنهما عموم وخصوص : فكُلّ استثناء مُتَّصِل تخصيص ، وليس كُلّ تخصيص استثناءً ، إلا أنّهما يَفْتِرقان ـ أيضاً ـ مِن وجوه .
6- التخصيص جائز وواقِع مُطْلَقاً ، في الخبر نحو قوله تعالى{تدمر كل شيء بأمر ربها} فإن الرياح لم تدمر الجبال ونحوها .(1/115)
وفي الأمر نحو قوله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } وليس كل سارق تقطع يده بل لا بد من شروط ومنها النصاب .
وفي النهي نحو قوله تعالى {حرمت عليكم الميتة } وليس كل ميتة حراما.
7- اللفظ المتناوِل لِلواحد لا يَقْبَل التخصيص ، واللفظ المُتَنَاوِل لأكثر مِن واحد يجوز تخصيصه ، وقدْ اخْتَلَف الأصوليّون في جواز تخصيص العِلّة .كما اخْتَلَفوا في تخصيص مفهوم المُوافَقةً ومفهوم المُخالَفة .
7- تَنْقَسِم المُخَصِّصات إلى قِسْمَيْن :
القِسْم الأول : مُخَصِّصات مُتَّصِلة ..
وهي التي لا تَسْتَقِلّ عن الكلام السابق ، وإنّما تَتَوَقَّف على الكلام الذي اشْتَمَل على المُخَصِّص ..وهي : الاستثناء ، والشرْط ، والغاية ، والصفة ، وبدل البعض مِن الكُلّ .
القِسْم الثاني : مُخَصِّصات مُنْفَصِلَة ..
وهي التي لا تجتمع مع العام في نفس الكلام .
والمُخَصِّصات المُنْفَصِلة السَّمْعِيَّة ( الشَّرْعِيّة ) والعقليّة خمسة عَشَر مُخَصِّصاً : الكتاب ، والسُّنَّة ، والإجماع ، والقياس ، والمفهوم ، وفِعْل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وتقريره ، ومذهب الراوي ، والعادة والعرف ، وخصوص السبب ، وعَوْد الضمير إلى بعض أفراد العامّ ، وإفراد فَرْد مِن أفراد العامّ بحُكْمه ، وعَطْف العامّ على الخاصّ ، ودليل العقل , والنية .
8- أنّ أثر هذه القواعد الأصوليّة في الفقه الإسلامي واستخراج الأحكام على ضوئها كان عظيماً وواضحاً ، فما من باب من أبواب الفقه إلا وكان للتخصيص فيه أثر واضح في بناء الأحكام الشرعية ويكفي أن ندلل على ذلك بهذه الفروع الفقهية التي أوردناها والتي يمكن أن نوجز بعض الأحكام التي بنيت على التخصيص فيما يلي :
? طهارة جلود الميتة بالدباغ وهو تخصيص للكتاب بالسنة .
? جواز مباشرة الحائض فيما دون الفرج وهو تخصيص للكتاب بالسنة الفعلية .
? جواز مرور الجنب في المسجد وهو تخصيص للكتاب بالكتاب .(1/116)
? نصاب الزكاة في الزروع والثمار خمسة أوسق وهو تخصيص للسنة بالسنة .
? كراهة إفراد صوم يوم الشك إلا أن يوافق عادة له وهو تخصيص للسنة بالسنة .
? عدم وجوب الحج على الصبي والمجنون وهو تخصيص للكتاب بالسنة أو بالعقل .
? جواز بيع العرايا في التمر والعنب وهو تخصيص للسنة بالسنة.
? حرمة بيع درهم بدرهمين وهو تخصيص للكتاب بالسنة .
? حرمة الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها وهو تخصيص للكتاب بالسنة.
? انقضاء عدة المطلقة الحامل بوضع الحمل وهو تخصيص للكتاب بالكتاب .
? حل متروك التسمية عند الذبح وهو تخصيص للكتاب بالقياس .
? جواز نكاح الكتابية وهو تخصيص للكتاب بالكتاب .
? عدم حل نكاح المحلل إلا بالوطء وهو تخصيص للكتاب بالسنة .
? وجوب رجم الزاني المحصن وهو تخصيص للكتاب بالكتاب
( منسوخ تلاوته ) .
? قطع يد السارق في ربع دينار وهو تخصيص للكتاب بالسنة .
? جلد العبد القاذف أربعين جلدة وهو تخصيص للكتاب بالإجماع .
? منع القاتل من الميراث وهو تخصيص للكتاب بالسنة .
? عدم جواز الوصية لوارث وهو تخصيص للكتاب بالسنة .
? عدم حنث الحالف إذا أكل خلاف ما نوى عدم أكله وهو تخصيص للعموم بالنية .
? عدم حنث الحالف بأكل السمك أو الميتة إذا حلف لا يأكل لحما وهو تخصيص للعموم بعرف الاستعمال أو عرف الشرع .
? ينعقد النذر بالمشي إلى البيت الحرام لمن نذر المشي ونوى بقلبه البيت الحرام حاجا أو معتمرا وهو تخصيص للعموم بالنية .
وختاما .....
وبعد أن من الله تعالى علي بتحقيق هذا الموضوع وفهمه واستيعابه وجمع كنوزه ودرره لا يسعني إلا أن أتوجه بخالص الدعاء والشكر والثناء لمن كان سببا في ذلك وهم شيوخي وأساتذتي فحول الأصوليين بجامعة الأزهر الشريف ( أعضاء اللجنة العلمية الدائمة ) أطال الله تعالى في أعمارهم وجزاهم الله عنا خير الجزاء .(1/117)
كما ألتمس عذرا من فضيلتهم أن يغضوا الطرف عن هفواتي وزلاتي التي لن يسلم منها بحثي هذا مع يقيني بجود كرمهم في ألا يحرموني من توجيهاتهم السديدة ونصائحهم الرشيدة التي لا غنى لنا عنها حتى نكون أهلا للتلمذة على أيديهم .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
مراجع البحث
أولاً : القرآن الكريم وعلومه ورجاله
* القرآن الكريم .
* أحكام القرآن لابن العربي .. دار الكتب العلمية .
* أحكام القرآن لِلجصاص .. دار الكتب العلمية .
* أحكام القرآن للشافعي .. دار الكتب العلمية .
* تفسير آيات الأحكام للسايس .. صبيح .
* تفسير القرآن العظيم لابن كثير .. دار البيان العربي - القاهرة .
* جامِع البيان في تفسير القرآن لِلطبري .. دار المعرفة – بيروت .
* الجامع لأحكام القرآن لِلقرطبي .. دار الكتب العلمية .
* طبقات المُفَسِّرين لِشمْس الدين الدّاودي .. دار الكتب العلمية .
* النكت والعيون للماوردي .. أوقاف الكويت .
ثانياً : الحديث الشريف وعلومه ورجاله
* إحكام الأحكام لابن دقيق العبد .. دار الفكر - بيروت .
* تذكرة الحُفّاظ لِلذهبي .. دار الكتب العلمية - بيروت .
* تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني .. دار صادر – بيروت .
* الدراية في تخريج أحاديث الهداية لِلحافظ ابن حَجَر العسقلاني .. دار
المعرفة - بيروت .
* سُبُل السلام لِلصنعاني .. دار الريان – القاهرة .
* سُنَن ابن ماجة .. دار إحياء التراث العربي – بيروت .
* سُنَن أبي داود .. دار الحديث – حمص 1969 م .
* سُنَن الترمذي .. دار الفكر – بيروت .
* سُنَن الدارقطني .. دار المحاسن – القاهرة .
* سُنَن الدارمي .. دار الكتب العلمية – بيروت .
* السُّنَن الكبرى لِلبيهقي .. حيدر آباد – الهند 1355 هـ .
* سُنَن النسائي .. دار الفكر – بيروت .
* صحيح البخاري .. دار الشعب – القاهرة .
* طبقات الحُفّاظ لِلسيوطي .. دار الكتب العلميّة - بيروت .(1/118)
* فتح الباري بشرح صحيح البخاري لِلحافظ ابن حجر العسقلاني ..
المكتبة السلفية – القاهرة .
* المُسْتَدْرَك لِلحاكم .. دار الكتاب العربي – بيروت .
* مُسْنَد الإمام أحمد .. دار صادر – بيروت .
* نَصْب الراية لِلزيلعي .. دار الحديث - مصر 1357 هـ .
* نَيْل الأوطار لِلشوكاني .. دار الكتب العِلْميّة - بيروت .
ثالثاً : أصول الفقه ورجاله
* الإبهاج في شرح المنهاج لِلسبكي وولده .. مكتبة الكليات الأزهرية–
القاهرة 1401 هـ .
* إتحاف الأنام بتخصيص العامّ لِشيخنا الفاضل الأستاذ الدكتور محمد
إبراهيم الحفناوي .. دار الحديث - القاهرة .
* أثر الاختلاف في القواعد الأصولية د/ مصطفى الخن .. مؤسسة
الرسالة .
* إحكام الفصول لِلباجي .. دار الغرب الإسلامي - بيروت 1982 م .
* الإحكام في أصول الأحكام لِلآمدي .. مكتبة الحلبي – القاهرة.
* إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق مِن عِلْم الأصول لِلشوكاني .. مكتبة
الحلبي - القاهرة 1356 هـ .
* أصول البزدوي ( كنز الوصول إلى معرفة الأصول ) .. دار الكتاب
العربي – بيروت 1411 هـ .
* أصول السرخسي .. دار المعرفة – بيروت .
* أصول الشاشي .. دار الكتاب العربي - بيروت .
* أصول الفقه لِلشيخ محمد أبي النور زهير .. المكتبة الأزهرية-القاهرة
1412 هـ .
* البحر المحيط للزركشي .. أوقاف الكويت 1413 هـ .
* البرهان لإمام الحرمين الجويني .. دار الأنصار – القاهرة 1400 هـ.
* بيان المختصر لِلأصفهاني .. جامعة أم القرى- مكة المكرمة 1406
هـ.
* التبصرة لِلشيرازي .. دار الفكر – دمشق 1403 هـ .
* التحرير لابن الهمام .. مكتبة الحلبي - القاهرة ( مع تيسير التحرير) 1350 هـ .
*التحصيل مِن المحصول لِلأرموي .. مؤسسة الرسالة – بيروت 1408
هـ .
*التلخيص في أصول الفقه للجويني .. دار البشائر الإسلامية – بيروت .
* التمهيد في أصول الفقه لِلكلوذاني .. جامعة أم القرى – مكة المكرمة
1406 هـ .(1/119)
* التمهيد في تخريج الفروع على الأصول لِلإسنوي .. مؤسسة الرسالة –
بيروت 1404 هـ .
* التوضيح مع التلويح لِصدر الشريعة .. دار الكتب العلمية – بيروت .
* اِلتنقيح لِصدر الشريعة .. دار الكتب العلمية – بيروت .
* تيسير التحرير لأمير بادشاه .. مكتبة الحلبي - القاهرة 1350 هـ .
* جَمْع الجوامع مع حاشية البناني لابن السبكي .. مكتبة الحلبي - القاهرة
* حاشية البناني مع شرح المحلِّي .. مكتبة الحلبي - القاهرة 1356 هـ.
* حاشية نسمات الأسحار على شرْح إفاضة الأنوار لابن عابدين .. مكتبة
الحلبي - القاهرة 1399 هـ .
* حاشية النفحات على الورقات لِلجاوي ( رسالة دكتوراه بكُلِّيَّة الشريعة
بجامعة الأزهر برقم 672 ) .
* روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة .. دار الكتاب العربي–
بيروت 1401 هـ .
* شرْح التلويح على التوضيح لِلتفتازاني .. دار الكتب العلمية – بيروت .
* شَرْح طلعة الشمس لِلسالمي .. وزارة التراث القومي – سلطنة عمان
1405 هـ .
* شَرْح العضد على مختصر ابن الحاجب .. مكتبة الكليات الأزهرية-
القاهرة 1403 هـ .
* شَرْح الكوكب المنير لِلفتوحي .. جامعة أم القرى – مكة المكرمة
1400 هـ .
* شَرْح اللُّمَع لِلشيرازي .. البخاري – بريدة ( المملكة السعودية ) .
* شَرْح المحلِّي على جمع الجوامع .. مكتبة الحلبي - القاهرة ( مع
حاشية البناني وحاشية العطار ) .
* شَرْح مختصر الروضة لِلطّوفي .. مؤسسة الرسالة – بيروت
* شَرْح المنهاج لِلبيضاوي .. مكتبة الرشد – الرياض 1401 هـ .
* شَرْح الورقات لِلجلال المحلِّيّ .. مكتبة محمد علي صبيح – القاهرة .
* العدة في أصول الفقه لِلقاضي أبي يعلى .. مؤسسة الرسالة - بيروت .
* عمدة الحواشي مع أصول الشاشي لِلكنكوهي .. دار الكتاب العربي-
بيروت .
* الفتح المُبِين في طبقات الأصوليّين لِلشيخ عبد الله المراغي .. عبد
الحميد حنفي - القاهرة .
* الفصول في الأصول للجصاص .. أوقاف الكويت .(1/120)
* قواطع الأدلة لابن السمعاني .. دار الكتب العلمية – بيروت .
* القواعد والفوائد الأصوليّة لابن اللحام .. دار الكتب العلمية – بيروت .
* الكاشف عن المحصول لِلعجلي .. دار الكتب العلمية - بيروت .
* كشْف الأسرار على أصول فخر الإسلام البزدوي لِعلاء الدين البخاري
دار الكتاب العربي – بيروت 1411 هـ .
* اللُّمَع لِلشيرازي .. مكتبة الحلبي - القاهرة .
* المحصول لابن العربي .. دار البيارق - الأردن .
* المحصول في عِلم الأصول لِلرازي .. دار الكتب العلمية – بيروت
1408 هـ .
* مختصر المنتهى لابن الحاجب .. المكتبة الأزهرية لِلتراث – القاهرة (
مع شرح العضد ) .
* المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل لابن بدران الدمشقي .. المكتبة
المنيريّة .
* المستصفى مِن عِلم الأصول لِلإمام الغزالي .. دار الكتب العلمية –
بيروت 1403 هـ .
* مُسَلَّم الثبوت لابن عبد الشكور .. دار الكتب العلمية – بيروت .
* المُسَوَّدة في أصول الفقه لآل تيمية .. دار الكتاب العربي – بيروت .
* المعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين البصري .. دار الكتب العلمية –
بيروت 1403 هـ .
* مفتاح الأصول في بناء الفروع على الأصول لِلشريف التلمساني ..
مكتبة السعادة – القاهرة 1401 هـ .
* المنار مع حاشية نسمات الأسحار .. دار الكتب العلمية – بيروت
1406 هـ .
* مناهج العقول لِلبدخشي ( مطبوع مع نهاية السول ) دار الكتب العِلْميّة
بيروت 1409 هـ .
* المنخول لِلغزالي دار الفكر - بيروت .
* منهاج الوصول إلى عِلم الأصول لِلبيضاوي .. مكتبة صبيح - القاهرة
* الموافقات في أصول الأحكام لِلشاطبي .. دار الفكر – بيروت
* النسخ وأثره في الفقه الإسلامي لِلدكتور إسماعيل عبد الرحمن( الباحث)
مكتبة الرحمة المهداة - المنصورة .
* نهاية السول في شرح منهاج الوصول لِلإسنوي .. دار الكتب العلمية –
بيروت 1405 هـ .
* الواضح في أصول الفقه لابن عقيل .. مؤسسة الرسالة – بيروت.(1/121)
* الورقات لإمام الحرمين الجويني .. مكتبة محمد علي صبيح – القاهرة
رابعاً : الفقه وقواعده ورجاله
* الإجماع لابن المنذر .. دار الخلفاء الراشدين – الإسكندرية .
* أحكام المواريث في الشريعة الإسلامية لمحمد محي الدين عبد الحميد ..
المكتبة العصرية – بيروت .
* الاختيار للموصلي ..الحلبي .
* الأشباه والنظائر لِلسيوطي .. دار الكتب العِلْمِيّة - بيروت 1983م.
* أعلام الموقعين لابن القيم .. دار الفكر .
* الأُمّ لِلإمام الشافعي .. دار الحديث – القاهرة .
* الاعتناء في الفروق والاستثناء للبكري ..دار الكتب العلمية .
* بدائع الصنائع لِعلاء الدين الكاساني .. دار الكتاب العربي 1982 م .
* بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد .. دار المعرفة – بيروت
1401 هـ .
* بلغة السالك لأقرب المسالك للصاوي ..دار إحياء الكتب العربية .
*الجواهر المضيئة في طبقات الحنفيّة لِعبد القادر بن محمد القرشي
الحنفي .. دار هجر - القاهرة .
* حاشية ابن عابدين .. دار الفكر – بيروت .
* حاشية الدسوقي على الشرح الكبير .. دار الفكر العربي .
* حاشية الروض المربع للنجدي ..توزيع دار الافتاء والبحوث العلمية
بالرياض .
*حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح .. مكتبة الحلبي – القاهرة .
* حاشيتا القليوبي وعميرة على شرح المحلي ..دار إحياء الكتب العربية
* الخرشي وحاشية العدوي .. دار الفكر - بيروت .
* روضة الطالبين وعمدة المتقين لِلنووي .. المكتب الإسلامي - بيروت
1405 هـ .
* شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لِلشيخ محمد حسنين مخلوف..
دار الفكر – بيروت .
* الشرح الصغير لأبي البركات الدردير.. دار إحياء الكتب العربية.
* طبقات الحنابلة أبي يعلى .. دار إحياء الكتب العربية - القاهرة .
*طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة .. عالم الكتب - بيروت .
* طبقات الشّافعيّة الكبرى لابن السبكي .. دار إحياء الكتب العربية -
القاهرة .(1/122)
* طبقات الفقهاء لِلشيرازي .. دار القلم – بيروت .
* طبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح .. دار البشائر الإسلامية .
* العدة شرح العمدة للمقدسي .. دار المعرفة – بيروت .
* الفقه الإسلامي وأدلّته لِلزحيلي .. دار الفكر - دمشق .
* الكافي في فقه الإمام أحمد لابن قدامة المقدسي .. المكتب الإسلامي-
بيروت 1408 هـ .
* كفاية الأخيار للحصني الشافعي .. المكتبة التجارية – مكة المكرمة .
* المجموع لِلنووي .. دار الفكر - بيروت .
* المُحَلَّى لابن حَزْم .. دار الفكر .
* معجم الاصطلاحات والألفاظ الفقهيّة لِمحمود عبد الرحمن .. دار
الفضيلة - القاهرة .
* المغني لابن قدامة المقدسي .. دار الكتب العلمية – بيروت .
* مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج لِلخطيب الشربيني ..
مكتبة الحلبي - القاهرة 1377 هـ .
* المهذب في فقه الإمام الشافعي لِلشيرازي .. دار القلم – دمشق 1412
هـ .
*منهاج الطالبين للنووي .. مكتية الثقافة – عدن .
* الموسوعة الفقهيّة الكويتيّة .. وزارة الأوقاف بدولة الكويت .
* الميزان للشعراني .. مكتبة زهران .
* نيل المآرب شرح دليل الطالب لعبد القادر الشيباني .. بولاق
* الهداية شرح البداية لِلمرغيناني .. المكتبة الإسلامية – بيروت.
* الوجيز في فقه مذهب الإمام الشافعي للغزالي .. دار الفكر .
* الوصية والوقف في الفقه الإسلامي د/ عبد الفتاح أبو العينين .. الكتاب
الجامعي .
خامساً : العقيدة والعلوم العربية والمنطقية وغيرها
? التبصرة في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين لأبي المظفر الاسفراييني .. الأنوار.
? الفرق بين الفرق للبغدادي ..دار المعرفة .
* القاموس المحيط .. مؤسسة الرسالة - بيروت .
* الكُلِّيّات لأبي البقاء الكفوي .. مؤسسة الرسالة – بيروت 1412 هـ .
* لسان العرب لابن منظور .. دار إحياء التراث – بيروت .
* مختار الصحاح لِزين الدين الرازي .. مكتبة الحلبي – القاهرة .(1/123)
* المصباح المنير لِلفيومي .. المكتبة العلمية – بيروت .
? الملل والنحل للشهرستاني .. دار المعرفة .
سادساً : التراجم والتاريخ وغيرها
* الاستيعاب في معرفة الأصحاب لأبي عُمَر بن عبد البرّ .. دار الجيل-
بيروت .
* أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الجزري .. مكتبة الحياة – بيروت
* الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني .. مكتبة المثنى –
بغداد .
* الأعلام لِلزركلي .. دار العلم لِلملايين – بيروت 1384 هـ
* البداية والنهاية لابن كثير .. مكتبة المعارف – بيروت 1985 م .
* التاريخ الكبير لِلإمام البخاري .. دار الكتب العلمية - بيروت
* تاريخ الطبري .. دار المعارف - القاهرة .
* الدُّرَر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حَجَر العسقلاني .. حيدرآباد
الهند .
* سِيَر أعلام النبلاء لِلذهبي .. مؤسسة الرسالة – بيروت .
* شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب لابن العماد الحنبلي .. دار المسيرة
بيروت .
* الطبقات الكبرى لابن سعْد .. دار الفكر - بيروت .
* معجم البلدان لِلحموي .. دار صادر – بيروت .
* معجم المؤلِّفين لِعُمَر رضا كحالة .. دار إحياء التراث العربي -
بيروت .
* النجوم الزاهرة في ملوك مِصْر والقاهرة لابن تغري بردي الأتابكي ..
دار المعرفة بيروت .
* وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان .. دار صادر – بيروت .(1/124)