وِلايَةَ النِّكَاحِ مُسَاوِيَةٌ لِوِلايَةِ الْمَالِ فِي جِنْسِ الْوِلايَةِ لا فِي عَيْنِ تِلْكَ الْوِلايَةِ؛ فَإِنَّهَا سَبَبٌ لِنَفَاذِ1 التَّصَرُّفِ، وَلَيْسَتْ عَيْنَهَا، لاخْتِلافِ التَّصَرُّفَيْنِ2.
وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ لَمْ يَصِحَّ، كَقَوْلِ الْحَنْبَلِيِّ: يُوجِبُ الظِّهَارُ الْحُرْمَةَ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ كَالْمُسْلِمِ.
قَالَ3 الْحَنَفِيَّةُ: الْحُرْمَةُ فِي الْمُسْلِمِ مُتَنَاهِيَةٌ بِالْكَفَّارَةِ، وَالْحُرْمَةُ فِي الذِّمِّيِّ مُؤَبَّدَةٌ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ، فَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِمَا4.
وَجَوَابُهُ: أَنْ يُبَيِّنَ الْمُسْتَدِلُّ5 الاتِّحَادَ، فَيَمْنَعُ كَوْنَ الذِّمِّيِّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ، بَلْ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بِأَنْ يُسْلِمَ وَيَأْتِيَ بِهِ، وَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ وَإِطْعَامُهُ مَعَ الْكُفْرِ اتِّفَاقًا، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ، فَالْحُكْمُ مُتَّحِدٌ، وَالْقِيَاسُ صَحِيحٌ.
__________
= التوضيح وحاشية الجرجاني عليه 2/542، الإبهاج 3/106، كشف الأسرار 3/318، المستصفى 2/330، 348، فواتح الرحموت 2/257، مفتاح الوصول ص 152".
1 في ش: لنفاذ ولاية.
2 في ش: النص فيه.
3 في ش ز: قالت.
4 في ش: فيتخلف.
5 في ع: للمستدل.(4/109)
"وَ" مِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ أَيْضًا "أَنْ لا يَكُونَ مَنْصُوصًا عَلَى حُكْمِهِ بِمُوَافِقٍ"1.
قَالَ الْكُورَانِيُّ: مِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ: أَنْ لا يَكُونَ حُكْمُهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِنَصٍّ مُوَافِقٍ؛ لأَنَّ وُجُودَ النَّصِّ يُغْنِي عَنْ الْقِيَاسِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ، خِلافًا لِمَنْ يُجَوِّزُ قِيَامَ دَلِيلَيْنِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ النَّصُّ وَالْقِيَاسُ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ.
فَالتَّحْقِيقُ: أَنَّهُ إنْ أَرَادَ طَائِفَةً جَوَّزَتْ قِيَامَ دَلِيلَيْنِ، بِمَعْنَى أَنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْمَدْلُولِ: فَهَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ؛ لأَنَّهُ تَحْصِيلُ
__________
1 ولا مخالف. قال صاحب "عمدة الحواشي": "لأن التعدية إن كانت على وفاق النص الذي في الفرع فلا فائدة فيه، لأن النص يغني عنه. وإن كانت على خالفه فهو باطل، لمناقضة حكم النص. وهذا مختار عامة المشايخ. وأما مختار مشايخ سمرقند: أنه يجوز التعليل على موافقة النص، وهو الأشبه؛ لأن فيه تأكيد النص على معنى أنه لولا النص لكان الحكم ثابتاً بالتعليل، ولا مانع في الشرع والعقل من تعاضد الأدلة، وتأكد بعضها ببعض. فإن الشرع قد ورد بآيات كثيرة وأحاديث متعددة في حكم واحد، وملأ السلفُ كتبهم بالتمسك بالنص والمعقول في حكم، ولم ينقل عن أحد نكير، فكاناً إجماعاً على جوازه".
انظر تحقيق المسألة في "أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 314، 315، كشف الأسرار 3/329، فواتح الرحموت 2/260، شرح العضد 2/233، مختصر البعلي ص 145، شفاء الغليل ص 675، المحصول 2/2/499، الإحكام للآمدي 3/363، تيسير التحرير 3/300، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/228، 230، الآيات البينات 4/29، 32، فتح الغفار 3/16، إرشاد الفحول ص 209، نشر البنود 2/128، التلويح على التوضيح وحاشية الجرجاني عليه 2/542، 544، نهاية السول 3/124، المستصفى 2/331، مفتاح الوصول ص 152".(4/110)
الْحَاصِلِ. وَإِنْ أَرَادَ إيضَاحًا وَاسْتِظْهَارًا: فَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ. أَلا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ: الدَّلِيلُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ1 الإِجْمَاعُ وَالنَّصُّ وَالْقِيَاسُ؟!
وَأَمَّا إذَا كَانَ النَّصُّ مُخَالِفًا: فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ.
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ2 وَالآمِدِيُّ3 وَابْنُ الْحَاجِبِ4 وَابْنُ حَمْدَانَ: "وَلا مُتَقَدِّمًا عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ"5
زَادَ الآمِدِيُّ: إلاَّ أَنْ يَذْكُرَهُ إلْزَامًا لِلْخَصْمِ6.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ7 وَالْمَجْدُ8 وَالطُّوفِيُّ9: يُشْتَرَطُ لِقِيَاسِ الْعِلَّةِ، لا لِقِيَاسِ الدَّلالَةِ.
__________
1 في ع: مسألة.
2 انظر تيسير التحرير 3/299.
3 الإحكام في أصول الأحكام 3/299.
4 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/233.
5 انظر "شفاء الغليل ص 673، المحصول 2/2/486، حاشية البناني 2/229، الآيات البينات 4/30، مختصر البعلي ص 145، إرشاد الفحول ص 206، 209، نشر البنود 2/129، مناهج العقول 3/118، نهاية السول 3/120، المستصفى 2/330، فواتح الرحموت 2/259، المعتمد 2/806، مفتاح الوصول ص 152".
6 أي بطريق الإلزام للخصم، لا بطريق مأخذ القياس. "الإحكام للآمدي 3/363".
7 روضة الناظر ص 319.
8 المسودة ص 387.
9 مختصر الطوفي ص 152.(4/111)
قَالَ الْكُورَانِيُّ: وَمِنْ شُرُوطِهِ: أَنْ لا يَتَقَدَّمَ عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ، كَقِيَاسِ الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ، فَإِنَّ التَّيَمُّمَ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ، فَلَوْ ثَبَتَ بِهِ ثَبَتَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِلا دَلِيلٍ، إذْ الْفَرْضُ1 أَنَّهُ لا دَلِيلَ عَلَيْهِ سِوَى الْقِيَاسِ. نَعَمْ لَوْ قِيلَ ذَلِكَ إلْزَامًا صَحَّ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ2 لِلْحَنَفِيَّةِ: طَهَارَتَانِ، أَنَّى يَفْتَرِقَانِ3؟
هَكَذَا قِيلَ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ قِيَاسٌ حَتَّى يُلْزَمُوا، وَلا الشَّافِعِيُّ قَائِلٌ بِالْقِيَاسِ، بَلْ وُجُوبُ النِّيَّةِ فِيهِمَا إنَّمَا4 ثَبَتَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" 5.
"وَلا" يُشْتَرَطُ فِي الْفَرْعِ "ثُبُوتُ حُكْمِهِ بِنَصٍّ جُمْلَةً" أَيْ فِي الْجُمْلَةِ، خِلافًا لأَبِي هَاشِمٍ وَأَبِي زَيْدٍ6.
__________
1 في د ض: الغرض، وفي ع ب: الفرق
2 في ض ب: الشافعية.
3 أي طهارتان من حدث، لأنهما إذا كانا من جنس واحدٍ ومعناهما واحد من حيث إن كل واحد منهما طهارة حكمية، ويجبان بسبب واحد وهو الحدث، دل على أن طريقهما واحد. "الوصول إلى مسائل الأصول للشيرازي 2/251".
4 ساقطة من ش.
5 سبق تخريجه في ج 1 ص: 491.
6 انظر "شرح العضد 2/233، المسودة ص 411، شفاء الغليل ص 675، اللمع ص 54، التبصرة ص 443، المعتمد 2/809، المحصول 2/2/ 498، الإحكام للآمدي 3/363، تيسير التحرير 3/301، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/230، الآيات البينات 4/31، الجدل لابن عقيل ص 16، مناهج العقول 3/123، نهاية السول 3/124، الإبهاج 3/106، المستصفى 2/330، فواتح الرحموت 2/260".(4/112)
مِثَالُ ذَلِكَ: إذَا قُلْنَا فِي اجْتِمَاعِ الْجَدِّ مَعَ الإِخْوَةِ: يَرِثُ مَعَهُمْ، قِيَاسًا عَلَى أَحَدِهِمْ؛ لأَنَّ كُلاًّ مِنْ الْجَدِّ وَالأَخِ يُدْلِي بِالأَبِ، فَلَوْلا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إرْثِ الْجَدِّ فِي الْجُمْلَةِ لَمَا سَاغَ الْقِيَاسُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
رُدَّ بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ قَاسُوا أَنْتِ عَلَيَّ1 حَرَامٌ: إمَّا عَلَى الطَّلاقِ، لا فِي تَحْرِيمِهَا، أَوْ2 عَلَى الظِّهَارِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، أَوْ عَلَى الْيَمِينِ فِي كَوْنِهِ إيلاءً. وَلَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ نَصٌّ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ لا جُمْلَةً وَلا تَفْصِيلاً.
__________
1 في ش: بعليّ.
2 في ش: وإما.(4/113)
"مَسَالِكُ الْعِلَّةِ1"
لَمَّا فَرَغَ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ شَرَعَ2 فِي بَيَانِ الطُّرُقِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِمَسَالِكِ الْعِلَّةِ.
الْمَسْلَكُ الأَوَّلُ "الإِجْمَاعُ"3.
وَقُدِّمَ لِقُوَّتِهِ. سَوَاءٌ كَانَ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا، وَأُخِّرَ النَّصُّ لِطُولِ الْكَلامِ عَلَى تَفَاصِيلِهِ4.
__________
1 في د ض: العلة ستة.
2 في ز: وشرع.
3 انظر كلام الأصوليين على هذا المسلك في "التلويح على التوضيح 2/565، مفتاح الأصول ص 148، شفاء الغليل ص 110، مختصر البعلي ص 145، مختصر الطوفي ص 159، روضة الناظر ص 301، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 333، الإحكام للآمدي 3/364، تيسير التحرير 4/39، الوصول إلى مسائل الأصول 2/283، اللمع ص 62، شرح العضد 2/233، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/262، المستصفى 2/293، فواتح الرحموت 2/295، نشر البنود 2/154، إرشاد الفحول ص 210، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/49، الإبهاج 3/38، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/213".
4 في ض: تفصيله.(4/115)
وَالْمُرَادُ بِثُبُوتِ1 الْعِلَّةِ بِالإِجْمَاعِ: أَنْ تُجْمِعَ الأُمَّةُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ عِلَّتُهُ كَذَا. كَإِجْمَاعِهِمْ2 فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ" عَلَى أَنَّ عِلَّتَهُ شَغْلُ الْقَلْبِ، وَكَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَعْلِيلِ تَقْدِيمِ الأَخِ مِنْ الأَبَوَيْنِ فِي الإِرْثِ عَلَى الأَخِ لِلأَبِ بِامْتِزَاجِ النَّسَبَيْنِ، أَيْ وُجُودِهِمَا فِيهِ، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهُ فِي وِلايَةِ النِّكَاحِ، وَصَلاةِ الْجِنَازَةِ، وَتَحَمُّلِ الْعَقْلِ، وَالْوَصِيَّةِ لأَقْرَبِ الأَقَارِبِ وَالْوَقْفِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ3.
فَإِنْ قُلْت: إذَا أَجْمَعُوا عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ فَكَيْفَ يَتَّجِهُ4 الْخِلافُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؟
قُلْت: لَعَلَّ مَنْشَأَ الْخِلافِ التَّنَازُعُ فِي وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ أَوْ فِي حُصُولِ شَرْطِهَا أَوْ مَانِعِهَا، لا فِي كَوْنِهَا عِلَّةً. قَالَهُ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ وَغَيْرُهُ.
وَكَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَعْلِيلِ الْوِلايَةِ عَلَى الصَّغِيرِ بِكَوْنِهِ5 صَغِيرًا، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ الْوِلايَةُ عَلَيْهِ6 فِي النِّكَاحِ.
__________
1 في ض: ثبوت.
2 في ع ز ب: فاجماعهم.
3 ساقطة من ش.
4 في ز: يتوجه.
5 في ع ز ض ب: كونه.
6 ساقطة من ش.(4/116)
الْمَسْلَكُ "الثَّانِي" مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ "النَّصُّ" مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.
"وَمِنْهُ" أَيْ مِنْ النَّصِّ مَا هُوَ "صَرِيحٌ" وَهُوَ مَا وُضِعَ لإِفَادَةِ التَّعْلِيلِ، بِحَيْثُ لا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْعِلَّةِ2.
"كَ" أَنْ يُقَالَ "لِعِلَّةِ"3 كَذَا "أَوْ سَبَبِ" كَذَا "أَوْ أَجْلِ" كَذَا "أَوْ مِنْ أَجْلِ كَذَا"4 نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ} 5 وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 6 "إنَّمَا جُعِلَ6
__________
1 انظر "الوصول إلى مسائل الأصول 2/280، المحصول 2/2/ 193، ارشاد الفحول ص 210، البرهان 2/806، اللمع ص 61، المسودة ص 438، المنخول ص 343، الفقيه والمتفقه 1/210، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 325 وما بعدها".
2 انظر: الإحكام للآمدي 3/364، شرح تنقيح الفصول ص 390، الفقيه والمتفقه 1/210، المعتمد 2/775، مختصر البعلي ص 145، روضة الناظر ص 295، التلويح على التوضيح 2/563، مختصر الطوفي ص 157، مفتاح الوصول ص 145، شفاء الغليل ص 23، تيسير التحرير 4/39، الوصول إلى مسائل الأصول 2/281، شرح العضد 2/234، إرشاد الفحول ص 211، نشر البنود 2/155، نهاية السول 3/41، مناهج العقول 3/39، الابهاج 3/30، المستصفى 2/288، فواتح الرحموت 2/295، حاشية البناني 2/263.
3 في ع: العلة، وفي ش: لعلية.
4 في ع ب: ونحوه نحو.
5 الآية 32 من المائدة.
6 ساقطة من ش.(4/117)
1الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْه2ِ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ - يَعْنِي3 عَنْ ادِّخَارِ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ - مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا4" رَوَاهُ مُسْلِمٌ5. أَيْ 6لأَجْلِ التَّوْسِعَةِ عَلَى الطَّائِفَةِ الَّتِي قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ.
وَالدَّافَّةُ: الْقَافِلَةُ السَّائِرَةُ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ الدَّفِيفِ، وَهُوَ السَّيْرُ اللَّيِّنُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: دَفَّتْ عَلَيْنَا مِنْ بَنِي فُلانٍ دَافَّةٌ7. قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ8.
"أَوْ" يُقَالَ "كَيْ" يَكُونَ كَذَا، سَوَاءٌ كَانَتْ مُجَرَّدَةً مِنْ "لا" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} 9 أَوْ مَقْرُونَةً بِهَا نَحْوَ {لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} 10 {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} 11 فَلا يَحْصُلُ لِلْفُقَرَاءِ شَيْءٌ.
__________
1 ساقطة من ش.
2 صحيح البخاري 7/130، صحيح مسلم 3/1698.
3 ساقطة من ع.
4 في ش: واخزنوا.
5 صحيح مسلم 3/1561.
6 ساقطة من ش.
7 ساقطة من ش.
8 الصحاح للجوهري ط/1360.
9 الآية 40 من طه و13 من القصص.
10 الآية 23 من الحديد.
11 الآية 7 من الحشر(4/118)
"أَوْ" يُقَالَ "إذًا"، نَحْوَ1 قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَقَدْ قَالَ لَهُ: أَجْعَلُ لَك صَلاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: "إذًا يَغْفِرُ اللَّهُ2 لَك ذَنْبَك كُلَّهُ" وَفِي رِوَايَةٍ "إذًا يَكْفِيَك اللَّهُ هَمَّ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ 3".
"وَكَذَا" يَكُونُ مِنْ الصَّرِيحِ "إنَّ" الْمَكْسُورَةُ الْهَمْزَةِ الْمُشَدَّدَةُ النُّونِ4 عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالآمِدِيِّ5 وَابْنِ
__________
1 في ش: يكون من الصريح نحو.
2 ساقطة في ش.
3 أخرجه الترمذي وأحمد في مسنده والطبراني والحاكم في المستدرك وصححه، ووافقه الذهبي على تصحيحه. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الهيثمي عن رواية أحمد: وإسناده جيد، وعن رواية الطبراني: واسناده حسن. "انظر عارضة الأحوذي 9/281، مسند أحمد 5/136، مجمع الزوائد 10/160، جلاء الأفهام لابن القيم ص 34، المستدرك 2/421".
قال ابن القيم: وسئل شيخنا أبو العباس ابن تيمية عن تفسير هذا الحديث فقال: كان لأبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "إن زدت فهو خير لك. فقال له: النصف؟ فقال: إن زدت فهو خير لك.. إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ أي أجعل دعائي كله صلاة عليك قال: إذاً تكفى همك، ويغفر لك ذنبك"، لأن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ومن صلى الله عليه كفاه همه، وغفر له ذنبه ". "جلاء الأفهام ص 35".
4 في ش: عن.
5 الإحكام في أصول الأحكام 3/365.(4/119)
الْحَاجِبِ1 وَغَيْرِهِمْ2، نَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَلْقَى الرَّوْثَةَ أَمَا3 "إنَّهَا رِجْسٌ4" وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِرَّةِ "إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ" مُعَلِّلاً طَهَارَتَهَا بِذَلِكَ5.
"وَهِيَ" يَعْنِي "إنَّ" الْمُشَدَّدَةَ النُّونِ حَالَ كَوْنِهَا "مُلْحَقَةً بِالْفَاءِ آكَدُ" نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ6 " فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا7" وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشُّهَدَاءِ "زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ يُبْعَثُونَ يَوْمَ
__________
1 مختصر ابن الحاجب مع شرحه العضد 2/234.
2 انظر روضة الناظر ص 297، تيسير التحرير 4/39.
3 ساقطة من ش.
4 أخرجه البخاري "1/47" والترمذي "عارضة الأحوذي 1/43" والنسائي "1/37" وابن ماجه "1/114" وأحمد في مسنده "1/388" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: هذا ركس، واللفظ للبخاري. ولفظ الترمذي وأحمد: إنها ركس، ولفظ ابن ماجة: هي ركس، ولفظ النسائي: هذه ركس.
5 انظر المعتمد 2/777.
6 في ش: ناقته.
7 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد في مسنده والبيهقي في السنن الكبرى والشافعي في مسنده والدارقطني من حديث ابن عباس مرفوعاً. "انظر صحيح البخاري 275، صحيح مسلم 2/865، عارضة الأحوذي 4/175، بذل المجهود 14/207، سنن النسائي 5/154، مسند أحمد 1/215، سنن البيهقي 3/390، سنن ابن ماجة 2/1030، مسند الشافعي 1/205، سنن الدارقطني 2/296".(4/120)
الْقِيَامَةِ وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخَبُ دَمًا1".
وَوَجْهُ كَوْنِهَا مُلْحَقَةً بِالْفَاءِ آكَدَ2 لِدَلالَتِهَا عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا سَبَبٌ لِلْحُكْمِ قَبْلَهَا.
وَعِنْدَ الْبَيْضَاوِيِّ3 وَابْنِ السُّبْكِيّ4 وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ التَّعْلِيلَ بِـ "إنَّ" مِنْ قِسْمِ5 الظَّاهِرِ.
وَعِنْدَ ابْنِ الْبَنَّاءِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِسْمِ6 الإِيمَاءِ.
"وَزِيدَ" أَيْ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي قِسْمِ الصَّرِيحِ "الْمَفْعُولَ لَهُ" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} 7 لأَنَّ {حَذَرَ الْمَوْتِ} عِلَّةٌ لِلْفِعْلِ.
"وَ" مِنْ النَّصِّ أَيْضًا8 مَا هُوَ "ظَاهِرٌ" وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْعِلِّيَّةِ9 احْتِمَالاً مَرْجُوحًا "كَاللاَّمِ".
__________
1 أخرجه النسائي "4/65" من حديث عبد الله بن ثعلبة مرفوعاً وأحمد في مسنده "5/431" من حديث جابر بن عبد الله مرفوعاً، وروى بعضه الشافعي في مسنده "1/205" عن عبد الله بن ثعلبة مرفوعاً، وانظر ارواء الغليل 3/168.
2 ساقطة من ش.
3 منهاج الوصول مع شرحه للأسنوي 3/40.
4 الابهاج 3/31، جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/265.
5 في ع ز ب: قسيم.
6 في ع ز: قسيم.
7 الآية 19 من البقرة.
8 ساقطة من ز.
9 في ز ب ش: العلية.(4/121)
ثُمَّ تَارَةً تَكُونُ "ظَاهِرَةً"، أَيْ مَلْفُوظًا بِهَا، نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْك لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ} 1 {أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} 2 {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} 3 وَهُوَ كَثِيرٌ.
"وَ" تَارَةً تَكُونُ "مُقَدَّرَةً" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ، أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} 4 أَيْ: لأَنْ كَانَ.
وَمِنْهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ5 فِي قِصَّةِ الزُّبَيْرِ مِنْ قَوْلِ الأَنْصَارِيِّ6 لَمَّا خَاصَمَهُ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ7 " أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك!
__________
1 الآية الأولى من سورة إبراهيم.
2 الآية 78 من الإسراء.
3 الآية 95 من المائدة.
4 الآيتان 13، 14 من القلم.
5 صحيح البخاري 3/76، صحيح مسلم 4/1830،. وفي ش: الصحيح.
6 اختلف العلماء في الأنصاري الذي نازع الزبير في شراج الحرة فقال الداودي: كان من الأنصار نسباً لا ديناً، لأنه كان منافقاً. وقال القرطبي: ويحتمل أن لا يكون منافقاً، لكنها بادرة وزلة من الشيطان. "إكمال إكمال المعلم 6/146" وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات "2/312": "قال ابن باطيش: هو حاطب بن أبي بلتعة. وقيل: ثعلبة بن حاطب. وقيل: حميد. وقوله في حاطب لا يصح، فإنه ليس أنصارياً، وقد ثبت في صحيح البخاري أن هذا الأنصاري القائل كان بدرياً".
7 جاء في شرح الأبي على صحيح مسلم نقلاً عن القرطبي: "الشِراج: جمع شرجة، وهو مسيل الماء إلى الشجر. والحرّة حرة المدينة، موضع معروف بها، وأضاف الشِرَاج إليها، لأن منها جاء السيل، والمخاصمة في الماء الذي كان يسيل منها". "إكمال إكمال المعلم 6/146".(4/122)
وَكَمَا يُقَالُ فِي الْكَلامِ: أَنْ كَانَ كَذَا. فَالتَّعْلِيلُ مُسْتَفَادٌ مِنْ اللاَّمِ الْمُقَدَّرَةِ لا مِنْ " أَنْ".
وَيَدْخُلُ فِي هَذَا " إذَا كَانَ " الْوَاقِعُ بَعْدَ1 " أَنْ ": " كَانَ " وَحُذِفَتْ وَاسْمُهَا وَبَقِيَ خَبَرُهَا، وَعُوِّضَ عَنْ ذَلِكَ " مَا " كَقَوْلِهِ2:
أَبَا خُرَاشَةَ، أَمَّا أَنْتَ ذَا نَفَرٍ ... فَإِنَّ قَوْمِي لَمْ تَأْكُلْهُمْ الضَّبُعُ3
أَيْ لأَنْ كُنْت ذَا نَفَرٍ؟
وَإِنَّمَا لَمْ تُجْعَلْ اللاَّمُ وَمَا سَيَأْتِي4 بَعْدَهَا مِنْ الصَّرِيحِ؛ لأَنَّ كُلاًّ مِنْهَا5 لَهُ6 مَعَانٍ غَيْرُ التَّعْلِيلِ.
__________
1 في ش: بعده.
2 في ض: كقول الشاعر.
3 البيت لعباس بن مرداس السلمي الصحابي، نسبه له ابن مالك في شرح الكافية الشافية والسيوطي في شرح شواهد المغني والبغدادي في الخزانة، وهو من شواهد سيبويه والجوهري في الصحاح. وقد قاله الشاعر مع أبيات يخاطب بها خفاف بن ندبة، أبا خراشة في ملاحاة وقعت بينهما، ومعناه: يا أبا خراشة إن كنت كثير القوم، وكنت معتزاً بجماعتك، فإن قومي موفورون كثير العدد، لم تأكلهم السنة الشديدة، ولم يضعفهم الجدب، ولم تنل منهم الأزمات. "انظر خزانة الأدب 2/81، شرح شواهد المغني للسيوطي 1/116، شرح الكافية الشافية 1/418، الكتاب لسيبويه 1/148، أوضح المسالك 1/188، الصحاح 3/1004".
4 في ع: يأتي.
5 في ش ب ع: منهما.
6 ساقطة من ض.(4/123)
"وَالْبَاءِ" عَطْفٌ عَلَى " كَاللاَّمِ1 " نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} 2 أَيْ بِسَبَبِ الرَّحْمَةِ وقَوْله تَعَالَى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 3.
فَهِيَ - وَإِنْ كَانَ أَصْلُ مَعْنَاهَا الإِلْصَاقَ وَلَهَا مَعَانٍ غَيْرُهُ - فَقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهَا فِي التَّعْلِيلِ.
وَ4عِنْدَ الأَصْحَابِ5 وَغَيْرِهِمْ6 "إنْ قَامَ دَلِيلٌ أَنَّهُ" أَيْ إنَّ7 الْمُتَكَلِّمَ "لَمْ يَقْصِدْ" بِكَلامِهِ "التَّعْلِيلَ" فَاسْتِعْمَالُ أَدَاةِ التَّعْلِيلِ فِيمَا لا يَصْلُحُ عِلَّةً "مَجَازٌ"8.
وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ صَلاحِيَّتِهِ عِلَّةً "كَ" أَنْ يُقَالَ لِفَاعِلِ شَيْءٍ9 "لِمَ فَعَلْت؟ فَيَقُولُ: لأَنِّي أَرَدْت" فَإِنَّ هَذَا لا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً؛ لأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الاصْطِلاحِ: هُوَ10 الْمُقْتَضِي
__________
1 في ز: اللام.
2 الآية 159 من آل عمران.
3 الآية 82 من التوبة و95 من التوبة.
4 ساقطة من ض.
5 انظر: روضة الناظر ص 296، مختصر البعلي ص 146، مختصر الطوفي ص 157.
6 انظر: الإحكام للآمدي 3/366، المستصفى 2/288.
7 ساقطة من ش.
8 أي تكون مجازاً فيما قصد بها. "الإحكام للآمدي".
9 في ش: شيء.
10 في ش: هي.(4/124)
الْخَارِجِيُّ لِلْفِعْلِ، أَيْ الْمُقْتَضِي لَهُ مِنْ خَارِجٍ. وَالإِرَادَةُ إمَّا1 مُوجِبَةٌ لِلْفِعْلِ أَوْ مُصَحِّحَةٌ لَهُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ "لأَنِّي أَرَدْت" اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ2 فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَيَكُونُ مَجَازًا.
"وَ" مِنْ النَّصِّ أَيْضًا "إيمَاءٌ وَتَنْبِيهٌ" يَعْنِي أَنَّ النَّصَّ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ:
الأَوَّلُ: الصَّرِيحُ، وَالثَّانِي: الظَّاهِرُ، وَالثَّالِثُ: الإِيمَاءُ وَالتَّنْبِيهُ.
وَالإِيمَاءُ: هُوَ اقْتِرَانُ الْوَصْفِ بِحُكْمٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْوَصْفُ - أَوْ نَظِيرُهُ - لِلتَّعْلِيلِ لَكَانَ ذَلِكَ الاقْتِرَانُ بَعِيدًا مِنْ فَصَاحَةِ كَلامِ الشَّارِعِ، وَكَانَ إتْيَانُهُ3 بِالأَلْفَاظِ4 فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، مَعَ كَوْنِ كَلامِ الشَّارِعِ مُنَزَّهًا5 عَنْ6 الْحَشْوِ الَّذِي لا فَائِدَةَ فِيهِ7.
وَيَتَنَوَّعُ الإِيمَاءُ إلَى أَنْوَاعٍ أُشِيرَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ:
"وَمِنْ أَنْوَاعِهِ: تَرَتُّبُ حُكْمٍ عَقِبَ وَصْفٍ بِالْفَاءِ، مِنْ كَلامِ الشَّارِعِ وَغَيْرِهِ"8.
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ض: للفظ.
3 في ش: اثباته.
4 في ش: الألفاظ.
5 في ش ض ب: منزه.
6 في ع: من.
7 في ز: منه.
8 انظر "مناهج العقول 3/42، نهاية السول 3/44، الابهاج 3/22، المستصفى =(4/125)
"فَإِنَّهَا" أَيْ الْفَاءَ "لِلتَّعْقِيبِ ظَاهِرًا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ السَّبَبِيَّةُ" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا} 1 وقَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} 2 وقَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} 3 وَنَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ4.
فَالْفَاءُ فِي الآيَاتِ دَاخِلَةٌ عَلَى الْحُكْمِ، وَفِي الْحَدِيثِ دَاخِلَةٌ عَلَى الْعِلَّةِ، وَالْحُكْمُ مُتَقَدِّمٌ، وَتَقَدُّمُ الْعِلَّةِ ثُمَّ مَجِيءُ الْحُكْمِ بِالْفَاءِ أَقْوَى5 مِنْ عَكْسِهِ.
وَتَارَةً تَأْتِي "الْفَاءُ" فِي غَيْرِ كَلامِ الشَّارِعِ، كَقَوْلِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ6 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
= 2/292، فواتح الرحموت 2/296، الإحكام للآمدي 3/367، المعتمد 2/776، التمهيد للآسنوي ص 456، اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية ص 56، مختصر البعلي ص 146، روضة الناظر ص 297، المنخول ص 343، التلويح على التوضيح 2/563، مختصر الطوفي ص 157، مفتاح الوصول ص 148، شفاء الغليل ص 27، تيسير التحرير 4/39، اللمع ص 62، الوصول إلى مسائل الأصول 2/283، المحصول 2/2/197، شرح العضد 2/234، ارشاد الفحول ص 212، نشر البنود 2/156".
1 الآية 222 من البقرة.
2 الآية 38 من المائدة.
3 الآية 2 من النور.
4 في ش: ناقته.
5 في ض: أولى.
6 هو الصحابي الجليل عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي الكعبي، أبو =(4/126)
فَسَجَدَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 وَغَيْرُهُ2. زَنَى مَاعِزٌ3 فَرُجِمَ4.
وَلا فَرْقَ فِي الْعَمَلِ بِذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الرَّاوِي صَحَابِيًّا أَوْ فَقِيهًا أَوْ غَيْرَهُمَا؛ لَكِنْ إذَا كَانَ صَحَابِيًّا5 فَقِيهًا كَانَ أَقْوَى.
فَإِنْ قِيلَ: إذَا قَالَ الرَّاوِي: هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ! أَوْ حَمَلَ
__________
= نُجيد، أسلم عام خيبر سنة سبع من الهجرة، وكان من فضلاء الصحابة، غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزواته، وبعثه عمر بن الخطاب إلى البصرة ليفقه أهلها، ثم استقضاء عليها عبد الله بن عامر، فقضى أياماً ثم استعفى، وكان مجاب الدعوة، توفي في البصرة سنة 52هـ.
"انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 2/36، طرح التثريب 1/90، مشاهير علماء الأمصار ص 37، المطلع للبعلي ص 448، العقد الثمين 6/420، الاستيعاب 3/1208، أسد الغابة 4/137، الكامل لابن الأثير 3/244، سير أعلام النبلاء 2/508، شذرات الذهب 1/58".
1 سنن أبي داود مع شرحه بذل المجهود 5/424.
2 أخرجه أيضاً ابن خزيمة "2/134" والبيهقي "2/355" والترمذي "عارضة الأحوذي 2/186" والنسائي "3/22".
3 هو ماعز بن مالك الأسلمي الذي اعترف بالزنا فرجم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تائباً. قال ابن عبد البر: هو معدود في المدنيين. كتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً بإسلام قومه. "تهذيب الأسماء واللغات 2/75".
4 أخرجه البخاري "8/22" ومسلم "3/1319" وابو داود "بذل المجهود 17/381" عن جابر بن سمرة، وأخرجه ابن ماجة "2/854" وأبو داود "بذل المجهود 17/385" والترمذي "عارضة الأحوذي 6/202" عن أبي هريرة، وقد روي أيضاً عن بريدة الأسلمي وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله ونعيم بن هزال. "انظر المراجع السابقة والمستدرك 4/362، 363، سنن البيهقي 6/83، مسند أحمد 5/217، 1/270".
5 في ش: صحابياً أو.(4/127)
حَدِيثًا رَوَاهُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ، لا يُعْمَلُ بِهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَنْ اجْتِهَادٍ. فَكَيْفَ إذَا قَالَ لِلرَّاوِي سَهَا فَسَجَدَ وَنَحْوُهُ يُعْمَلُ بِهِ، مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَنْ اجْتِهَادٍ1؟!
فَالْجَوَابُ2: أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ فَهْمِ الأَلْفَاظِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، لا أَنَّهُ3 يَرْجِعُ لِلاجْتِهَادِ، بِخِلافِ قَوْلِهِ: هَذَا مَنْسُوخٌ وَنَحْوُهُ. وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا، أَوْ نَهَى عَنْ كَذَا: يُعْمَلُ بِهِ، حَمْلاً عَلَى الرَّفْعِ، لا عَلَى الاجْتِهَادِ.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ: فَإِذَا رَتَّبَ الشَّارِعُ حُكْمًا عَقِبَ وَصْفٍ بِالْفَاءِ، إذْ الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، فَتُفِيدُ تَعْقِيبَ4 حُكْمِ5 الْوَصْفِ، وَأَنَّهُ سَبَبُهُ، إذْ السَّبَبُ مَا ثَبَتَ الْحُكْمُ عَقِبَهُ. وَلِهَذَا تُفْهَمُ السَّبَبِيَّةُ - مَعَ عَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ كَ "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ".
وَالصَّحِيحُ: أَنَّ هَذَا نَوْعٌ6 مِنْ الإِيمَاءِ.
وَقِيلَ: مِنْ أَقْسَامِ الصَّرِيحِ.
وَقِيلَ: مِنْ أَقْسَامِ الظَّاهِرِ.
__________
1 في ش: اجتهاده.
2 في ش: والجواب.
3 في ش: لأنه.
4 في ز: تعقب.
5 في ش: الحكم.
6 في ش: النوع نوع.(4/128)
"وَ" مِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ أَيْضًا "تَرَتُّبُ حُكْمٍ عَلَى وَصْفٍ بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ".
نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} 1 وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} 2 وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} 3 أَيْ لِتَقْوَاهُ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4 "مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا - إلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ - نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ5" وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ. فَإِنَّ الْجَزَاءَ يَتَعَقَّبُ شَرْطَهُ وَيُلازِمُهُ، وَلا مَعْنَى لِلسَّبَبِ إلاَّ مَا يَسْتَعْقِبُ الْحُكْمَ وَيُوجَدُ بِوُجُودِهِ6.
"وَ" مِنْ أَنْوَاعِهِ أَيْضًا "ذِكْرُ حُكْمٍ جَوَابًا لِسُؤَالٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ"
__________
1 الآية 30 من الأحزاب.
2 الآية 31 من الأحزاب.
3 الآية 2 من الطلاق.
4 أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وعبد الرزاق في مصنفه وغيرهم "انظر صحيح مسلم 3/1202، بذل المجهود 13/91، عارضة الأحوذي 6/284، سنن النسائي 7/165، سنن ابن ماجة 2/1069، مصنف عبد الرزاق 10/432"
5 في ض: قيراط.
6 انظر: المستصفى 2/290، المعتمد 2/778، مختصر البعلي ص 146، روضة الناظر ص 298، مختصر الطوفي ص 158، ارشاد الفحول ص 213.(4/129)
السُّؤَالُ "عِلَّتَهُ1" أَيْ عِلَّةَ الْحُكْمِ2 لَ "كَانَ اقْتِرَانُهُ" أَيْ السُّؤَالِ "بِهِ" أَيْ بِالْحُكْمِ "بَعِيدًا شَرْعًا وَلُغَةً" أَيْ فِي الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ "وَلَتَأَخَّرَ الْبَيَانُ" أَيْ وَلَكَانَ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ تَأْخِيرُ3 الْبَيَانِ "عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ"4.
"كَقَوْلِ الأَعْرَابِيِّ "وَاقَعْت أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً" أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ5. وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ6.
فَكَأَنَّهُ قِيلَ: كَفِّرْ؛ لِكَوْنِك وَاقَعْت فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَكَانَ الْحَذْفُ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ7 الْحُكْمُ لَفْظًا مَوْجُودًا هُنَا. فَيَكُونُ
__________
1 في ض: علة.
2 ساقطة من ش ز.
3 في ش: تأخر.
4 انظر: "الإحكام للآمدي 3/368، المعتمد 2/777، التمهيد للأسنوي ص 458، مختصر البعلي ص 146، روضة الناظر ص 299، التلويح على التوضيح 2/563، مختصر الطوفي ص 158، مفتاح الوصول ص 147، شفاء الغليل ص 32، تيسير التحرير 4/41، المحصول 2/2/204، شرح العضد 2/234، ارشاد الفحول ص 212، نشر البنود 2/160، نهاية السول 3/48، مناهج العقول 3/46، الابهاج 3/35، حاشية البناني 2/266، فواتح الرحموت 2/296".
5 انظر صحيح البخاري 2/236، صحيح مسلم 2/782، سنن أبي داود مع شرحه بذل المجهود 11/222، سنن الترمذي مع عارضة الأحوذي 3/250، سنن الدارمي 2/11، وانظر سنن البيهقي 4/221، مسند أحمد 2/241، 516، سنن الدارقطني 2/190، الموطأ 1/296.
6 سنن ابن ماجة 1/534.
7 في ش ز ع: به. وفي ب: عنه.(4/130)
مَوْجُودًا تَقْدِيرًا.
وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ يَلْزَمُ خُلُوُّ السُّؤَالِ عَنْ الْجَوَابِ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.
"وَيُسَمَّى" هَذَا النَّوْعُ "إنْ حُذِفَ" مِنْهُ "بَعْضُ الأَوْصَافِ" الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا الْجَوَابُ؛ لِكَوْنِهِ لا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعِلَّةِ، كَكَوْنِهِ أَعْرَابِيًّا أَوْ زَيْدًا، وَكَوْنِ الْمُجَامَعَةِ زَوْجَةً أَوْ أَمَةً، أَوْ فِي قُبُلِهَا، وَكَوْنِهِ1 شَهْرَ تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا "تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ".
فَالتَّنْقِيحُ2 لُغَةً: التَّخْلِيصُ3 وَالتَّهْذِيبُ. يُقَالُ: نَقَحْت الْعَظْمَ إذَا اسْتَخْرَجْت مُخَّهُ4.
وَالْمَنَاطُ: مَفْعَلٌ مِنْ نَاطَ نِيَاطًا5 أَيْ عَلَّقَ6.
7وَالْمُرَادُ أَنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِذَلِكَ الْوَصْفِ.
فَمَعْنَى تَنْقِيحِ الْمَنَاطِ: الاجْتِهَادُ7 فِي تَحْصِيلِ الْمَنَاطِ الَّذِي رَبَطَ بِهِ الشَّارِعُ الْحُكْمَ، فَيَبْقَى مِنْ الأَوْصَافِ مَا يَصْلُحُ وَيُلْغَى مَا لا
__________
1 في ش: وكونها.
2 في ع: والتنقيح.
3 في ب د ض: التلخيص.
4 أنظر المصباح المنير 2/760، لسان العرب 2/624، الصحاح 1/413.
5 أنظر الصحاح 3/1165، لسان العرب 7/418، المصباح المنير 2/774.
6 ساقطة من ش.
7 ساقطة من ش.(4/131)
يَصْلُحُ1.
وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ أَكْثَرُ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ. وَأَجْرَاهُ2 أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْكَفَّارَاتِ، مَعَ مَنْعِهِ الْقِيَاسَ فِيهَا.
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ - كَالتَّاجِ3 السُّبْكِيّ وَالْبِرْمَاوِيِّ وَغَيْرِهِمَا - أَنَّهُ أَجْوَدُ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ بِأَنْ يُبَيِّنَ إلْغَاءَ4 الْفَارِقِ.
"وَمِنْهَا" أَيْ وَ5مِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ "تَقْدِيرُ الشَّارِعِ وَصْفًا لَوْ لَمْ يَكُنْ" ذَلِكَ الْوَصْفُ "لِلتَّعْلِيلِ كَانَ" تَقْدِيرُهُ "بَعِيدًا" إذْ "لا فَائِدَةَ فِيهِ" أَيْ فِي التَّقْدِيرِ حِينَئِذٍ6.
__________
1 أنظر معنى تنقيح المناط عند الأصوليين في "المسودة ص 387، مفتاح الوصول ص 147، تيسير التحرير 4/42، ارشاد الفحول ص 221، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/292، الابهاج 3/56، فواتح الرحموت 2/298، المحصول 2/2/315، التلويح على التوضيح 2/580، شفاء الغليل ص 411، روضة الناظر ص 277، نشر البنود 2/204، نهاية السول 3/74، مناهج العقول 3/73".
2 في ش: وقد أجره.
3 أنظر الابهاج للتاج السبكي 3/56.
4 ساقطة من ش.
5 شاقطة من ع.
6 أنظر "الإحكام للآمدي 3/370، شرح تنقيح الفصول ص 390، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/211، المعتمد 2/776، 778، مختصر البعلي ص 147، روضة الناظر ص 299، التلويح على التوضيح 2/564، مختصر الطوفي ص 158، مفتاح الوصول ص 146، شفاء الغليل ص 39 وما بعدها، المحصول 2/2/206، شرح العضد 2/235، البرهان 2/807، نشر البنود 2/161، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/46، الابهاج 3/36، المستصفى 2/289، فواتح الرحموت 2/298".(4/132)
وَيَكُونُ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ:
"إمَّا فِي السُّؤَالِ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ – "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ " قَالُوا: نَعَمْ فَنَهَى عَنْهُ" بِأَنْ قَالَ: "فَلا إذًا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ2 وَالنَّسَائِيُّ3 وَابْنُ مَاجَهْ4 وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ5.
فَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَقْدِيرُ نُقْصَانِ الرُّطَبِ بِالْجَفَافِ لأَجْلِ التَّعْلِيلِ، لَكَانَ تَقْدِيرُهُ بَعِيدًا، إذْ لا فَائِدَةَ فِيهِ، لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْجَوَابِ عَلَيْهِ.
"أَوْ" إمَّا "فِي نَظِيرِ مَحَلِّهِ" أَيْ مَحَلِّ السُّؤَالِ6.
"كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّائِلَةِ" وَهُوَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
__________
1 سنن أبي داود مع شرحه بذل المجهود 15/17.
2 سنن الترمذي مع شرحه عارضة ألأحوذي 5/233.
3 سنن النسائي 7/236.
4 سنن ابن ماجة 2/761.
5 المستدرك 2/38.
* والحديث رواه أيضاً مالك في الموطأ "2/624" وأحمد في مسنده "1/175" والبيهقي في السنن الكبرى "5/294" والشافعي في مسنده "2/159" والرسالة ص 332، وابن حزم في الإحكام "7/1008"، والخطيب في الفقيه والمتفقه "1/211" والدارقطني "3/49" وعبد الرزاق في مصنفه "8/32" وغيرهم، أنظر تخريج أحاديث المنهاج للعراقي ص 305.
6 أنظر: المستصفى 2/290، شرح العضد 2/235، شفاء الغليل ص 45، روضة الناظر ص 300.(4/133)
إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ. فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: " حُجِّي1 عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: "اقْضُوا اللَّهَ، فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَيْضًا مَا رُوِيَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ3: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَأَلَتْهُ الْمَرْأَةُ الْخَثْعَمِيَّةُ:
__________
1 في د ز ب: فحجي.
2 أخرجه البخاري "2/218" وابن خزيمة "4/343" عن ابن عباس رضي الله عنه، وهو غير موجود في صحيح مسلم، وقد روى نحوه أحمد في مسنده "1/345" والنسائي "5/87" وابن خزيمة أيضاً "4/346" عن ابن عباس رضي الله عنه أن امرأة نذرت أن تحج، فماتت، فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال: "أرأيت لو كان على أختك دين، أكنت قاضيه؟ " قال: نعم، قال: "فاقضوا الله، فهو أحق بالوفاء".
3 حديث المرأة الخثعمية رواه أصحاب الكتب الستة بغير هذا السياق الذي ذكره المصنف، ورواياتهم له لا تصلح شاهداً لما ضربه المصنف من مثال "أنظر صحيح البخاري 2/218، صحيح مسلم 3/973، عارضة الأحوذي 4/157، بذل المجهود 9/20، سنن ابن ماجة 2/971" ويؤكد ذلك قول الحافظ ابن كثير في كتابه تحفة الطالب بمعرفة أحاديث ابن الحاجب ص 384 بعد أن ساق الحديث بنفس ألفاظ المصنف: "حديث الخثعمية رواه أهل الكتب الستة ولم أره في شيء منها بهذا السياق".
غير أن النسائي في المجتبى روى نحوه أحاديث تصلح أمثلة وشواهد لما ذكره المؤلف: منها حديث عبد الله بن عباس أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي أدركه الحج وهو شيخ كبير لا يثبت على راحلته، فإن شددته خشيت أن يموت! أفأحج عنه؟ قال: "أفرأيت لو كان عليه دين فقضيته أكان مجزئاً؟ " قال: نعم، قال: "فحج عن أبيك". "سنن النسائي 5/89، 8/202" وأخرج نحوه البيهقي في سننه الكبرى "4/329" والنسائي أيضاً "5/89" عن عبد الله بن الزبير. =(4/134)
إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ الْوَفَاةُ وَعَلَيْهِ فَرِيضَةُ الْحَجِّ، أَيَنْفَعُهُ1 إنْ حَجَجْت عَنْهُ؟ قَالَ: "أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ2، أَكَانَ يَنْفَعُهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ.
فَنَظِيرُهُ فِي الْمَسْئُولِ عَنْهُ كَذَلِكَ. وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الأَصْلِ الَّذِي هُوَ دَيْنُ الآدَمِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ، وَالْفَرْعِ وَهُوَ الْحَجُّ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَالْعِلَّةِ وَهُوَ قَضَاءُ دَيْنِ الْمَيِّتِ، فَقَدْ جَمَعَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْكَانَ الْقِيَاسِ كُلَّهَا.
"وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ أَيْضًا "تَفْرِيقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ حُكْمَيْنِ بِصِفَةٍ مَعَ ذِكْرِهِمَا" أَيْ ذِكْرِ الْحُكْمَيْنِ3.
__________
= ومنها حديث الفضل بن العباس أنّ رجلاً قال: يا رسول الله أمّي عجوز كبيرة، إن حملتها لم تستمسك، وإن ربطتها خشيت أن أقتلها. فقال صلى الله عليه وسلم: " أرأيت لو كان على أمك دين، أكنت قاضيه؟ " قال: نعم، قال: "فحج عن أمك". "سنن النسائي 5/91، 8/202".
ومنها حديث عبد الله بن عباس قال قال رجل: يا رسول الله، إنّ أبي مات ولم يحج، أفأحج عنه؟ قال: " أرأيت لو كان على أبيك دين، أكنت قاضيه؟ " قال: نعم، قال: "فدين الله أحق". "سنن النسائي 5/89".
1 في ش: أفينفعه.
2 في ش: فقضيته.
3 أنظر "الإحكام للآمدي 3/374، شرح تنقيح الفصول ص 390، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/212، المعتمد 2/778، التلويح على التوضيح 2/564، شفاء الغليل ص 46، تيسير التحرير 4/45، المحصول 2/2/210، شرح العضد 2/235، ارشاد الفحول ص 212، نشر البنود 2/161، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/47، الابهاج 3/36، حاشية البناني 2/267، المستصفى 2/290، فواتح الرحموت 2/297".(4/135)
"كَـ: "لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ1".
"أَوْ" مَعَ "ذِكْرِ أَحَدِهِمَا" أَيْ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ "كَ" حَدِيثِ "الْقَاتِلُ لا يَرِثُ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2.
"أَوْ" تَفْرِيقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ "بِشَرْطٍ وَجَزَاءٍ3، نَحْوَ" قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَوْصَافُ4، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إذَا كَانَ يَدًا
__________
1 أخرجه أبو داود "بذل المجهود 12/340" من حديث مجمع بن جارية الأنصاري وضعّفه، وهو يفيد أن للفارس سهمين، أحدهما لفرسه والثاني له، وهو مخالف لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن للفارس ثلاثة أسهم، إذ روى البخاري في صحيحه "5/79" عن نافع عن ابن عمر قال "قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهماً". قال نافع: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، وإن لم يكن له فرس فله سهم، وأخرج مسلم في صحيحه "3/1383" والدارقطني "4/102" وأحمد في مسنده "2/2" عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم في النفل للفرس سهمين وللرجل سهماً. وقد بينت روايات البيهقي "6/325" والدارقطني "4/102" وأحمد "2/41" وأبي داود "بذل المجهود 12/333" وابن ماجة "2/952" ذلك المراد إذ جاء فيها عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم، للفرس سهمان وللرجل سهم". وانظر "إرواء الغليل 5/60".
2 سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 8/259، وقد أخرجه أيضاً ابن ماجة "2/883" والبيهقي "6/220" والدارقطني "4/96" عن أبي هريرة مرفوعاً.
3 أنظر "المعتمد 2/778، الإحكام للآمدي 3/374، التلويح على التوضيح 2/564، تيسير التحرير 4/45، المحصول 2/2/211، شرح العضد 2/235، نشر البنود 2/162، نهاية السول 3/49، الابهاج 3/36، حاشية البناني 2/367، فواتح الرحموت 2/297".
4 كذا في جميع النسخ. وهو تصحيف، والصواب ما جاء في رواية مسلم والدارقطني والبيهقي: الأصناف.(4/136)
بِيَدٍ1". "أَوْ" تَفْرِيقُ الشَّارِعِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ "بِغَايَةٍ2 نَحْوَ" قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ3} ".
"أَوْ" تَفْرِيقُ الشَّارِعِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ "بِاسْتِثْنَاءٍ4 نَحْوَ" قَوْله تَعَالَى: {إلاَّ أَنْ يَعْفُونَ5} ".
"أَوْ" تَفْرِيقُ الشَّارِعِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ "بِاسْتِدْرَاكٍ6 نَحْوَ" قَوْله تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ 7} ".
__________
1 أخرجه بهذا اللفظ مسلم والدارقطني والبيهقي عن عبادة بن الصامت مرفوعاً. "صحيح مسلم 3/1211، سنن البيهقي 5/282، سنن الدارقطني 3/24".
2 انظر "نشر البنود 2/162، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/48، الابهاج 3/36، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/267، فواتح الرحموت 2/297، المعتمد 2/779، الإحكام للآمدي 3/374، التلويح على التوضيح 2/564، شفاء الغليل ص 48، المحصول 2/2/211، شرح العضد 2/235".
3 الآية 222 من البقرة.
4 انظر "الإحكام للآمدي 3/374، فواتح الرحموت 2/297، المعتمد 2/779، التلويح على التوضيح 2/564، شفاء الغليلص 48، تيسير التحرير 4/45، المحصول 2/2/211، شرح العضد 2/235، نشر البنود 2/163، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/48، الابهاج 3/36، حاشية البناني 2/267".
5 الآية 237 من البقرة.
6 انظر "المعتمد 2/779، المحصول 2/2/212، شرح العضد 2/236، الإحكام للآمدي 3/374، نشر البنود 2/163، مناهج العقول 3/48، الابهاج 3/36، نهاية السول 3/49، فواتح الرحموت 2/297، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/267".
7 الآية 89 من المائدة.(4/137)
وَوَجْهُ اسْتِفَادَةِ الْعِلَّةِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ التَّفْرِقَةَ لا بُدَّ لَهَا مِنْ فَائِدَةٍ، وَالأَصْلُ عَدَمُ غَيْرِ الْمُدَّعَى، وَهُوَ إفَادَةُ كَوْنِ ذَلِكَ عِلَّةً.
"وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ أَيْضًا "تَعْقِيبُ1 الْكَلامِ" أَيْ تَعْقِيبُ الشَّارِعِ2 الْكَلامَ3 الَّذِي أَنْشَأَهُ لِبَيَانِ حُكْمٍ "أَوْ تَضْمِينُهُ" لَهُ بِ "مَا لَوْ4 لَمْ يُعَلَّلْ بِهِ" الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ "لَمْ يَنْتَظِمْ" الْكَلامُ، وَلَمْ5 يَكُنْ لَهُ بِهِ تَعَلُّقٌ6.
فَالْمُتَعَقِّبُ لِلْكَلامِ "نَحْوَ" قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ "فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} 7".
وَاَلَّذِي تَضَمَّنَهُ الْكَلامُ نَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
1 في ض: تعقب.
2 في ش: الكلام لشارع.
3 في د ز: للكلام.
4 ساقطة من ش.
5 في ع ب: ولو لم.
6 انظر "الإحكام للآمدي 3/375، شرح تنقيح الفصول ص 390، الفقيه والمتفقه 1/213، المعتمد 2/779، مختصر البعلي ص 147، روضة الناظر ص 300، ارشاد الفحول ص 212، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/48، الابهاج 3/37، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/267 وما بعدها، فواح الرحموت 2/296، المستصفى 2/289".
7 الآية 9 من الجمعة.(4/138)
"لا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ" رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ1 بِلَفْظِ "لا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ، أَوْ لا يَقْضِي [الْقَاضِي2] بَيْنَ اثْنَيْنِ ... " وَرَوَاهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ3 بِلَفْظِ "لا يَقْضِيَنَّ حَاكِمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ".
فَالآيَةُ إنَّمَا سِيقَتْ لِبَيَانِ أَحْكَامِ الْجُمُعَةِ، لا لِبَيَانِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ، فَلَوْ لَمْ يُعَلَّلْ النَّهْيُ عَنْ الْبَيْعِ حِينَئِذٍ بِكَوْنِهِ شَاغِلاً عَنْ السَّعْيِ لَكَانَ ذِكْرُهُ لاغِيًا، لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُرْتَبِطٍ بِأَحْكَامِ الْجُمُعَةِ.
وَلَوْ لَمْ يُعَلَّلْ النَّهْيُ عَنْ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْغَضَبِ بِكَوْنِهِ يَتَضَمَّنُ اضْطِرَابَ الْمِزَاجِ4 الْمُقْتَضِي تَشْوِيشَ الْفِكْرِ، الْمُفْضِيَ إلَى الْخَطَإِ فِي الْحُكْمِ غَالِبًا: لَكَانَ5 ذِكْرُهُ لاغِيًا، إذْ الْبَيْعُ وَالْقَضَاءُ لا يُمْنَعَانِ مُطْلَقًا؛ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فِي غَيْرِ وَقْتِ النِّدَاءِ، وَالْقَضَاءِ مَعَ عَدَمِ الْغَضَبِ أَوْ مَعَ يَسِيرِهِ، فَلا بُدَّ إذًا مِنْ مَانِعٍ، وَلَيْسَ إلاَّ مَا فُهِمَ مِنْ
__________
1 ترتيب مسند الشافعي 2/177.
2 زيادة من مسند الشافعي.
3 لفظ البخاري والبيهقي: لا يقضينّ حكمُ. ولفظ مسلم والنسائي: لا يحكم أحد. ولفظ الترمذي: لا يحكم الحاكم، ولفظ الدارقطني: لا يقضين القاضي، ولفظ أبي داود: لا يقضي الحكم، ولفظ ابن ماجة ورواية للبيهقي: لا يقضي القاضي. "انظر صحيح البخاري 8/109، صحيح مسلم 3/1343، سنن ابن ماجة 2/776، سنن الدارقطني 4/206، سنن النسائي 8/209، بذل المجهود 15/266، عارضة الأحوذي 6/77، سنن البيهقي 10/105".
4 في ع: المجاز.
5 في ش: كان.(4/139)
سِيَاقِ النَّصِّ وَمَضْمُونِهِ، مِنْ شَغْلِ الْبَيْعِ عَنْ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ فَتَفُوتُ وَاضْطِرَابِ الْفِكْرِ1 لأَجْلِ الْغَضَبِ فَيَقَعُ الْخَطَأُ، فَوَجَبَ إضَافَةُ النَّهْيِ إلَيْهِ.
"وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ أَيْضًا "اقْتِرَانُ الْحُكْمِ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ2"
"كَـ "أَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ، وَأَهِنْ الْجُهَّالَ" فَإِنَّ الإِكْرَامَ مُنَاسِبٌ لِلْعِلْمِ، وَالإِهَانَةَ مُنَاسِبَةٌ لِلْجَهْلِ؛ لأَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلاءِ: تَرْتِيبُ الأَحْكَامِ عَلَى الأُمُورِ الْمُنَاسِبَةِ، وَالشَّرْعُ لا يَخْرُجُ عَنْ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلاءِ، وَلأَنَّهُ قَدْ أُلِفَ مِنْ الشَّارِعِ اعْتِبَارُ الْمُنَاسَبَاتِ دُونَ إلْغَائِهَا. فَإِذَا قَرَنَ بِالْحُكْمِ فِي لَفْظِهِ وَصْفًا مُنَاسِبًا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ اعْتِبَارُهُ.
"فَإِنْ صَرَّحَ بِالْوَصْفِ وَالْحُكْمُ مُسْتَنْبَطٌ مِنْهُ، كَـ {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ3} صِحَّتَهُ4" 5أَيْ الْبَيْعِ وَهِيَ6 "مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ
__________
1 في ع ز ض ب: الفكرة.
2 انظر "الإحكام للآمدي 3/375، التمهيد للأسنوي ص 455، مختصر البعلي ص 147، روضة الناظر ص 300، مختصر الطوفي ص 158، شرح العضد 2/236، نهاية السول 3/46، مناهج العقول 3/45".
3 الآية 275 من البقرة.
4 في ع ز ب: أي صحته.
5 ساقطة من ع ب.
6 ساقطة من ش ز.(4/140)
حِلِّهِ1"؛ لأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ حِلِّهِ صِحَّتُهُ "فَ" هُوَ "مُومًى إلَيْهِ"؛ لأَنَّ التَّلَفُّظَ بِالْوَصْفِ إيمَاءٌ إلَى تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْمُصَرَّحِ بِهِ.
"وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ" وَهُوَ كَوْنُ الْحُكْمِ مَذْكُورًا، وَالْوَصْفِ مُسْتَنْبَطًا، وَهَذَا جَارٍ فِي أَكْثَرِ الْعِلَلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ "كَحُرِّمَتْ2 الْخَمْرُ" فَ "الْوَصْفُ" هُنَا - وَهُوَ3 الإِسْكَارُ - "مُسْتَنْبَطٌ مِنْ التَّحْرِيمِ"، وَهُوَ الْحُكْمُ، وَكَعِلَّةِ الرِّبَا مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حُكْمِهِ.
"وَلا يُشْتَرَطُ مُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ الْمُومَى إلَيْهِ" عِنْدَ الأَكْثَرِ4، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُعَرِّفُ5.
وَقِيلَ: بَلَى، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْبَاعِثِ.
وَاسْتُدِلَّ لِعَدَمِ الاشْتِرَاطِ6: أَنَّهُ لَوْ اُشْتُرِطَ لَمْ يُفْهَمْ التَّعْلِيلُ مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى وَصْفٍ غَيْرِ مُنَاسِبٍ، ك " أَهِنْ الْعَالِمَ، وَأَكْرِمْ
__________
1 في ش: حكمه.
2 في ع: كحرمة.
3 ساقطة من د.
4 انظر "الإحكام للآمدي 3/377، شرح تنقيح الفصول ص 390، مختصر البعلي ص 147، مختصر الطوفي ص 157، شفاء الغليل ص 47، تيسير التحرير 4/41، المحصول 2/2/200، شرح العضد 2/236، ارشاد الفحول ص 213، البرهان 2/810، نشر البنود 2/163، نهاية السول 3/45، مناهج العقول 3/43، الإبهاج 3/34، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/270، فواتح الرحموت 2/298".
5 في ع: العرف، وفي ز: المعرفه.
6 في ش: بأنه.(4/141)
الْجَاهِلَ "، وَلَمْ يُلَمْ عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْلَكُ "الثَّالِثُ" مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ1 وَهِيَ2 الطُّرُقُ الدَّالَّةُ عَلَى الْعِلِّيَّةِ "السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ".
وَهُوَ: حَصْرُ الأَوْصَافِ" فِي الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ "وَإِبْطَالُ مَا لا يَصْلُحُ" بِدَلِيلٍ "فَيَتَعَيَّنُ" أَنْ يَكُونَ "الْبَاقِي عِلَّةً"3.
وَالسَّبْرُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الاخْتِبَارُ4، فَالتَّسْمِيَةُ بِمَجْمُوعِ الاسْمَيْنِ وَاضِحَةٌ. وَقَدْ يُقْتَصَرُ عَلَى " السَّبْرِ " فَقَطْ.
وَالتَّقْسِيمُ مُقَدَّمٌ فِي الْوُجُودِ عَلَيْهِ؛ لأَنَّهُ تَعْدَادُ الأَوْصَافِ الَّتِي يُتَوَهَّمُ صَلاحِيَّتُهَا لِلتَّعْلِيلِ ثُمَّ يَسْبُرُهَا5، أَيْ يَخْتَبِرُهَا6 لِيُمَيِّزَ7
__________
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ش.
3 انظر كلام الأصوليين على السبر والتقسيم في "التلويح على التوضيح 2/579، البرهان 2/815، الإحكام للآمدي 3/380، مختصر البعلي ص 148، مختصر الطوفي ص 161، المنخول ص 350، شرح العضد 2/236، الوصول إلى مسائل الأصول 2/286، المحصول 2/2/299، شرح تنقيح الفصول ص 397، تيسير التحرير 4/46، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/270، المستصفى 2/295، فواتح الرحموت 2/299، نشر البنود 2/164، إرشاد الفحول ص 213، نهاية السول 3/71، مناهج العقول 3/70، الابهاج 3/54".
4 انظر المصباح المنير 1/312، معجم مقاييس اللغة 3/127، الصحاح 2/675.
5 في ش: تسبرها.
6 في ش: تختبرها.
7 في ش: لتميز.(4/142)
الصَّالِحَ لِلتَّعْلِيلِ مِنْ غَيْرِهِ، فَكَانَ الأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: التَّقْسِيمُ وَالسَّبْرُ؛ لأَنَّ الْوَاوَ - وَإِنْ لَمْ تَدُلَّ عَلَى التَّرْتِيبِ - لَكِنَّ الْبُدَاءَةَ1 بِالْمُقَدَّمِ أَجْوَدُ.
وَأُجِيبُ عَنْهُ: بِأَنَّ السَّبْرَ - وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ التَّقْسِيمِ - فَهُوَ مُتَقَدِّمٌ2 عَلَيْهِ3 أَيْضًا؛ لأَنَّهُ أَوَّلاً يَسْبُرُ الْمَحَلَّ، هَلْ فِيهِ أَوْصَافٌ أَمْ لا؟ ثُمَّ يُقَسِّمُ، ثُمَّ يَسْبُرُ ثَانِيًا، فَقُدِّمَ " السَّبْرُ " فِي اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ السَّبْرِ الأَوَّلِ.
وَأُجِيبُ أَيْضًا: بِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي مَعْرِفَةِ الْعِلِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ السَّبْرُ، وَأَمَّا التَّقْسِيمُ: فَإِنَّمَا هُوَ لاحْتِيَاجِ السَّبْرِ إلَى شَيْءٍ يُسْبَرُ.
وَرُبَّمَا سُمِّيَ بِ "التَّقْسِيمِ الْحَاصِرِ4"
"وَيَكْفِي الْمُنَاظِرَ" فِي بَيَانِ الْحَصْرِ إذَا مُنِعَ أَنْ يَقُولَ "بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ" أَيْ غَيْرَ هَذَا الْوَصْفِ "أَوْ" أَنْ يَقُولَ "الأَصْلُ عَدَمُهُ" أَيْ عَدَمُ غَيْرِ هَذَا الْوَصْفِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لأَنَّهُ ثِقَةٌ5 أَهْلٌ لِلنَّظَرِ6؛ وَلأَنَّ الأَوْصَافَ الْعَقْلِيَّةَ وَالشَّرْعِيَّةَ لَوْ كَانَتْ لَمَا خَفِيَتْ
__________
1 في ش: البدء.
2 في ض: مقدم.
3 في ز: على.
4 في ش: الخاص.
5 في ش: ثقة من.
6 في ش: النظر.(4/143)
عَلَى الْبَاحِثِ عَنْهَا1.
مِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ فِي قِيَاسِ الذُّرَةِ عَلَى الْبُرِّ فِي الرِّبَوِيَّةِ: بَحَثْت عَنْ أَوْصَافِ الْبُرِّ، فَمَا وَجَدْت مَا يَصْلُحُ عِلَّةً2 لِلرِّبَوِيَّةِ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ، إلاَّ الطُّعْمَ أَوْ3 الْقُوتَ أَوْ الْكَيْلَ، لَكِنَّ الطُّعْمَ وَالْقُوتَ لا يَصْلُحُ لِذَلِكَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ، فَيَتَعَيَّنُ الْكَيْلُ4.
أَوْ يَقُولَ: الأَصْلُ عَدَمُ مَا سِوَاهَا. فَإِنَّ بِذَلِكَ يَحْصُلُ الظَّنُّ الْمَقْصُودُ5.
"فَإِنْ بَيَّنَ الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا آخَرَ" غَيْرَ مَا ادَّعَاهُ الْمُسْتَدِلُّ "لَزِمَ" الْمُسْتَدِلَّ "إبْطَالُهُ" إذْ لا يَثْبُتُ الْحَصْرُ الَّذِي قَدْ ادَّعَاهُ بِدُونِهِ6.
"وَلا يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ" بِإِبْدَاءِ وَصْفٍ زَائِدٍ عَلَى الأَوْصَافِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُسْتَدِلُّ "بَيَانُ صَلاحِيَّتِهِ" أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ "لِلتَّعْلِيلِ"
__________
1 انظر: المسودة ص 426، مختصر البعلي ص 148، روضة الناظر ص 307، شرح العضد 2/236، تيسير التحرير 4/46، المحلي على جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/271، المستصفى 2/296، نشر البنود 2/166، ارشاد الفحول ص 214، مناهج العقول 3/71.
2 ساقطة من ش ع ز ب.
3 في ض: و.
4 شرح العضد 2/236.
5 شرح العضد 2/236.
6 أنظر: تيسير التحرير 4/46، فواتح الرحموت 2/299، شرح العضد 2/236، نشر البنود 2/168.(4/144)
وَعَلَى الْمُسْتَدِلِّ إبْطَالُ صَلاحِيَّتِهِ لِلتَّعْلِيلِ؛ لأَنَّ دَلِيلَهُ لا يَتِمُّ إلاَّ بِذَلِكَ1.
"وَلا يَنْقَطِعُ الْمُسْتَدِلُّ إلاَّ بِعَجْزِهِ عَنْ إبْطَالِهِ" أَيْ إبْطَالِ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ مِنْ الْوَصْفِ، لا بِمُجَرَّدِ إبْدَاءِ الْمُعْتَرِضِ الْوَصْفَ، وَإِلاَّ كَانَ كُلُّ مَنْعٍ قَطْعًا، وَالاتِّفَاقُ عَلَى خِلافِهِ2.
فَإِذَا3 أَبْطَلَ الْمُسْتَدِلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ مِنْ الْوَصْفِ بَطَلَ.
قَالَهُ4 الْعَضُدُ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ إذَا أَبْطَلَهُ فَقَدْ سَلِمَ حَصْرُهُ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مِمَّا عَلِمْت أَنَّهُ لا يَصْلُحُ، فَلَمْ أُدْخِلْهُ فِي حَصْرِي.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْحَصْرَ قَطْعًا. بَلْ قَالَ: إنِّي مَا5 وَجَدْت، أَوْ6 أَظُنُّ الْعَدَمَ، وَهُوَ فِيهِ صَادِقٌ، فَيَكُونُ كَالْمُجْتَهِدِ7 إذَا ظَهَرَ لَهُ مَا كَانَ خَافِيًا [عَلَيْهِ] 8، وَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ9 اهـ.
__________
1 أنظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/271.
2 أنظر: شرح العضد 2/237، تيسير التحرير 4/46، نشر البنود 2/168، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/271، فواتح الرحموت 2/299.
3 في ض: فإذ.
4 في ش: قاله.
5 ساقطة من ع.
6 في ش: بل.
7 في ش: المجتهد.
8 زيادة من شرح العضد.
9 شرح العضد 2/237.(4/145)
"وَالْمُجْتَهِدُ يَعْمَلُ بِظَنِّهِ" يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِظَنِّهِ، فَيَرْجِعُ إلَيْهِ، وَيَكُونُ1 مُؤَاخَذًا بِمَا اقْتَضَاهُ ظَنُّهُ فَيَلْزَمُهُ الأَخْذُ بِهِ، وَلا يُكَابِرُ نَفْسَهُ.
"وَمَتَى كَانَ الْحَصْرُ"2 أَيْ حَصْرُ الأَوْصَافِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَدِلِّ "وَالإِبْطَالُ" مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَرِضِ "قَطْعِيًّا فَالتَّعْلِيلُ" بِذَلِكَ "قَطْعِيٌّ" بِلا خِلافٍ، وَلَكِنَّ هَذَا قَلِيلٌ فِي الشَّرْعِيَّاتِ.
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَصْرُ وَالإِبْطَالُ قَطْعِيًّا، بَلْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَنِّيًّا، أَوْ كِلاهُمَا وَهُوَ الأَغْلَبُ "فَ" التَّعْلِيلُ "ظَنِّيٌّ" أَيْ لا يُفِيدُ إلاَّ الظَّنَّ، وَيُعْمَلُ بِهِ فِيمَا لا يُتَعَبَّدُ فِيهِ بِالْقَطْعِ مِنْ الْعَقَائِدِ وَنَحْوِهَا3.
"وَمِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ" يَعْنِي أَنَّ مِنْ طُرُقِ4 إبْطَالِ الْمُسْتَدِلِّ لِمَا5 يَدَّعِيهِ الْمُعْتَرِضُ مِنْ دَعْوَى وَصْفٍ يَصْلُحُ لِلتَّعْلِيلِ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ: بِحَذْفِهِ عَنْهُ "الإِلْغَاءُ"6.
__________
1 في ض: فيكون.
2 في ض: للأوصاف.
3 أنظر: فواتح الرحموت 2/300، نشر البنود 2/166، إرشاد الفحول ص 213، نهاية السول 3/71، الإبهاج 3/54.
4 في ز ض: طرق الحذف.
5 في ش: بما.
6 في ش: وإلغاء.(4/146)
"وَهُوَ" أَيْ الإِلْغَاءُ "إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِ" الْوَصْفِ "الْبَاقِي فَقَطْ فِي صُورَةٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ دُونَهُ، فَيَظْهَرُ اسْتِقْلالُهُ" وَحْدَهُ. وَيُعْلَمُ أَنَّ الْمَحْذُوفَ لا أَثَرَ لَهُ1.
وَقَالَ الآمِدِيُّ: لا يَكْفِي ذَلِكَ فِي اسْتِقْلالِهِ بِدُونِ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ إثْبَاتِ الْعِلَّةِ، وَإِلاَّ لَكَفَى فِي أَصْلِ الْقِيَاسِ، فَإِنْ ثَبَتَ فِي صُورَةِ الإِلْغَاءِ بِالسَّبْرِ فَالأَصْلُ الأَوَّلُ تَطْوِيلٌ بِلا فَائِدَةٍ. وَإِنْ بَيَّنَهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ، لَزِمَ2 مَحْذُورٌ آخَرُ، وَهُوَ الانْتِقَالُ3.
__________
1 أنظر: شرح العضد 2/237، فواتح الرحموت 2/299، نشر البنود 2/169.
2 في ع: لزمه.
3 الإحكام في أصول الأحكام 3/385 باختصار وتصرف. وتمام عبارة الآمدي فيه: "لكن لقائل أن يقول: دعوى استقلال الوصف المستبقى في صورة الإلغاء بالتعليل من مجرد إثبات الحكم مع وجوده وانتفاء الوصف المحذوف غير صحيحه. فإنه لو كان مجرد ثبوت الحكم مع الوصف في صورة الإلغاء كافياً في التعليل بدون ضميمة ما يدل على استقلاله بطريق من طرق إثبات العلة لكان ذلك كافياً في أصل القياس، ولم يكن إلى البحث والسبر حاجة، وكذا غيره من الطرق. فإذاً لا بد من بيان الاستقلال ببعض طرق إثبات العلة. وعند ذلك إن شرع المستدل في بيان الاستقلال بالاستدلال ببعض طرق إثبات العلة.، فإن بيّن الاستقلال في صورة الإلغاء بالاعتبار، وأمكن أن تكون أصلاً لعلته، وتبينا أنّ الأصل الأول لا حاجة إليه، فإن المصير إلى أصل لا يمكن التمسك به في الاعتبار إلاّ بذكر صورة أخرى مستقلة بالاعتبار يكون تطويلاً بلا فائدة. وإن بين الاستقلال بطريق آخر فيلزمه مع هذا المحذور محذور آخر، وهو الانتقال في إثبات كون الوصف علة من طريقٍ إلى طريق آخر، وهو شنيع في مقام النظر". اهـ.(4/147)
"وَنَفْيُ الْعَكْسِ كَالإِلْغَاءِ لا عَيْنِهِ" يَعْنِي: أَنَّ نَفْيَ الْعَكْسِ يُشْبِهُ الإِلْغَاءَ. وَلَيْسَ بِإِلْغَاءٍ1؛ لأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ فِي الإِلْغَاءِ لَوْ2 كَانَ الْمَخْذُوفُ عِلَّةً لانْتَفَى عِنْدَ انْتِفَائِهِ، بَلْ قَصَدَ: لَوْ3 أَنَّ الْبَاقِيَ جُزْءُ عِلَّةٍ لَمَا اسْتَقَلَّ4.
"وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ "طَرْدُ الْمَحْذُوفِ مُطْلَقًا" أَيْ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ "كَطُولٍ وَقِصَرٍ" فَإِنَّهُمَا لَمْ يُعْتَبَرَا فِي الْقِصَاصِ، وَلا الْكَفَّارَةِ، وَلا الإِرْثِ، وَلا الْعِتْقِ، وَلا التَّقْدِيمِ فِي الصَّلاةِ وَلا غَيْرِهَا، فَلا يُعَلَّلُ بِهِمَا حُكْمٌ أَصْلاً.
"أَوْ" لَيْسَ مُطْلَقًا، وَلَكِنْ "بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ" وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِي غَيْرِهِ "كَالذُّكُورِيَّةِ فِي" أَحْكَامِ "الْعِتْقِ" إذْ هِيَ مُلْغَاةٌ فِيهِ، مَعَ كَوْنِهَا5 مُعْتَبَرَةً فِي الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَوِلايَةِ النِّكَاحِ وَالإِرْثِ، فَلا يُعَلَّلُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ6.
"وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ "عَدَمُ ظُهُورِ مُنَاسَبَةٍ" بِأَنْ لا
__________
1 في ش ز: بالإلغاء.
2 في ع ض ب: ولو.
3 في ع ز ض ب: ولو.
4 أنظر شرح العضد 2/237، فواتح الرحموت 2/299.
5 في ض: بكونها.
6 أنظر: شرح العضد 2/238، تيسير التحرير 4/47، فواتح الرحموت 2/300، نشر البنود 2/168، حاشية البناني 2/272.(4/148)
يَظْهَرَ لِلْوَصْفِ الْمَحْذُوفِ وَجْهُ مُنَاسَبَةٍ1
"وَيَكْفِي الْمُنَاظِرَ" أَنْ يَقُولَ "بَحَثْت" فَلَمْ أَجِدْ بَيْنَ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ مُنَاسَبَةً.
"فَلَوْ قَالَ الْمُعْتَرِضُ: الْبَاقِي كَذَلِكَ" يَعْنِي أَنَّ الْوَصْفَ الْبَاقِيَ أَيْضًا2 لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ مُنَاسَبَةٌ. "فَإِنْ كَانَ" قَوْلُهُ3 ذَلِكَ "بَعْدَ تَسْلِيمِ مُنَاسَبَتِهِ" أَيْ تَسْلِيمِ مُنَاسَبَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ4 "لَمْ يُقْبَلْ" مِنْهُ ذَلِكَ.
"وَقَبْلَهُ" أَيْ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ ذَلِكَ قَبْلَ تَسْلِيمِ مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ، فَ "سَبْرُ الْمُسْتَدِلِّ أَرْجَحُ" مِنْ سَبْرِ الْمُعْتَرِضِ؛ لأَنَّ سَبْرَ الْمُسْتَدِلِّ مُوَافِقٌ لِتَعْدِيَةِ الْحُكْمِ، وَسَبْرُ الْمُعْتَرِضِ، 5وَهُوَ قَوْلُهُ: إنِّي بَحَثْت فِي الْوَصْفِ الْمُسْتَبْقَى فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ مُنَاسَبَةً قَاصِرٌ6. وَالْعِلَّةُ الْمُتَعَدِّيَةُ أَرْجَحُ مِنْ الْقَاصِرَةِ.
"وَلَيْسَ لَهُ" أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ "بَيَانُ الْمُنَاسَبَةِ" بَيْنَ الْوَصْفِ الْبَاقِي وَالْحُكْمِ؛ لأَنَّهُ حِينَئِذٍ انْتِقَالٌ مِنْ السَّبْرِ إلَى الْمُنَاسَبَةِ7.
__________
1 أنظر: نشر البنود 2/169، فواتح الرحموت 2/300، حاشية البناني 2/272، شرح العضد 2/238.
2 ساقطة من ز.
3 في ش: قولك.
4 في ش: المستدل وهو قوله إني بحثت في الوصف المستبقى فلم أجد فيه مناسبة.
5 ساقطة من ش.
6 ساقطة من ع. وفي ض: قاصرة.
7 أنظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/272.(4/149)
"وَالسَّبْرُ الظَّنِّيُّ حُجَّةٌ مُطْلَقًا1 2أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَاظِرٍ أَوْ مُنَاظَرٍ2.
"وَلَوْ أَفْسَدَ حَنْبَلِيٌّ عِلَّةَ شَافِعِيٍّ" فِي الرِّبَا أَوْ غَيْرِهِ "لَمْ يَدُلَّ عَلَى صِحَّةِ عِلَّتِهِ" أَيْ عِلَّةِ الْحَنْبَلِيِّ، كَتَعْلِيلِ3 بَعْضِ الْفُقَهَاءِ بِغَيْرِ الْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّلَ بِهَا الشَّافِعِيُّ وَالْحَنْبَلِيُّ.
وَلَيْسَ إجْمَاعُهُمَا دَلِيلاً عَلَى مَنْ خَالَفَهُمَا4 "لَكِنَّهُ" أَيْ لَكِنَّ إفْسَادَ عِلَّةِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي هُوَ الْخَصْمُ "طَرِيقٌ لإِبْطَالِ مَذْهَبِ خَصْمِهِ، وَإِلْزَامٌ5 لَهُ" أَيْ لِلشَّافِعِيِّ "صِحَّةَ عِلَّتِهِ" أَيْ عِلَّةَ6 الْحَنْبَلِيِّ.
"وَلِكُلِّ حُكْمٍ عِلَّةٌ تَفَضُّلاً" عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَوُجُوبًا عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِالسَّبْرِ وَتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ
__________
1 أنظر كلام الأصوليين وخلافهم في حجية السبر والتقسيم الطني في "ارشاد الفحول ص 214، التلويح على التوضيح 2/579، مختصر البعلي ص 148، اللمع ص 62، الوصول إلى مسائل الأصول 2/286، شرح تنقيح الفصول ص 398، تيسير التحرير 4/48، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/271، المستصفى 2/295، فواتح الرحموت 2/300، نشر البنود 2/167 وما بعدها".
2 ساقطة من ش. وفي ع ض: أي سواء كان. وفي ز: أي سواء كان من المستدل أو المعترض.
3 كذا في جميع النسخ. ولعل الصواب: لتعليل.
4 أنظر روضة الناظر ص 307 وما بعدها.
5 في ع: والزمه.
6 ساقطة من ش.(4/150)
وَغَيْرِهِمَا كَوْنُ1 الْحُكْمِ لا بُدَّ لَهُ مِنْ عِلَّةٍ2 لِقَوْلِهِ3 تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاك إلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} 4 وَالظَّاهِرُ مِنْهُ: تَعْمِيمُ الرَّحْمَةِ فِي جَمِيعِ5 مَا جَاءَ بِهِ، وَحِينَئِذٍ لَمْ تَخْلُ الأَحْكَامُ عَنْ فَائِدَةٍ، وَهِيَ الْعِلَّةُ6.
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: كُلُّهَا مُعَلَّلَةٌ وَتَخْفَى7 نَادِرًا8.
__________
1 في ش: لكون.
2 قال ابن السبكي: "إنا استقرينا أحكام الشرع فوجدناها على وفق مصالح العباد، وذلك من فضل الله تعالى وإحسانه، لا بطريق الوجوب عليه، خلافاً للمعتزلة. فحيث ثبت حكم، وهناك وصف صالح لعليّة ذلك الحكم، ولم يوجد غيره، يحصل ظن أن ذلك الوصف علة لذلك الحكم، والعمل بالظن واجب.
وقد ادّعى بعضهم الإجماع على أن الأحكام مشروعة لمصالح العباد. قال: وذلك إما بطريق الوجوب عند المعتزلة أو الإحسان عند الفقهاء من أهل السنة. وهذه الدعوى باطلة، لأن المتكلمين لم يقولوا بتعليل الأحكام بالمصالح، لا بطريق الوجوب ولا الجواز، وهو اللائق بأصولهم. وكيف ينعقد الإجماع مع مخالفة جماهير المتكلمين، والمسألة من مسائل علمهم، وقد قالوا: لا يجوز أن تعلل أفعال الله تعالى، لأنّ من فعل فعلاً لغرضٍ، كان حصوله بالنسبة إليه أولى، سواء كان ذلك الغرض يعود إليه أم إلى الغير، وإذا كان كذلك يكون ناقصاً في نفسه، مستكملاً في غيره، ويتعالى الله سبحانه عن ذلك. "الإبهاج 3/43".
3 في ع ب: كقوله.
4 الآية 107 من الأنبياء.
5 في ش ض: كل.
6 قال العضد "2/238": "وظاهر الآية التعميم، أي يفهم منه مراعاة مصالحهم فيما شرع لهم من الأحكام كلها، إذ لو أرسل بحكم لا مصلحة لهم فيه لكان إرسالاً لغير الرحمة، لأنّه تكليف بلا فائدة، مخالف ظاهر العموم".
7 في ش: وتختفي.
8 أي تخفى علينا العلة في النادر منها "المسودة ص 398".(4/151)
قَالَ الْقَاضِي: التَّعْلِيلُ الأَصْلُ، وَ1تُرِكَ2 نَادِرًا؛ لأَنَّ تَعَقُّلَ الْعِلَّةِ أَقْرَبُ إلَى الْقَبُولِ مِنْ التَّعَبُّدِ؛ وَلأَنَّهُ3 الْمَأْلُوفُ عُرْفًا. وَالأَصْلُ مُوَافَقَةُ الشَّرْعِ لَهُ، فَيُحْمَلُ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى الْغَالِبِ4.
"وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ فِيهَا" أَيْ فِي عِلَلِ الأَحْكَامِ "إجْمَاعًا"5.
وَقِيلَ: الأَصْلُ عَدَمُ التَّعْلِيلِ؛ لأَنَّ الْمُوجِبَ الصِّيغَةُ، وَبِالتَّعْلِيلِ يَنْتَقِلُ حُكْمُهُ إلَى مَعْنَاهُ، فَهُوَ كَالْمَجَازِ مِنْ الْحَقِيقَةِ.
" الرَّابِعُ " مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ "الْمُنَاسَبَةُ، وَ" يُقَالُ "الإِخَالَةُ"6.
"وَاسْتِخْرَاجُهَا" أَيْ اسْتِخْرَاجُ الْعِلَّةِ بِذَلِكَ "يُسَمَّى تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ" لِمَا فِيهِ مِنْ ابْتِدَاءِ مَا نِيطَ بِهِ الْحُكْمُ، أَيْ عُلِّقَ عَلَيْهِ.
"وَهُوَ" أَيْ تَخْرِيجُ7 الْمَنَاطِ "تَعْيِينُ8 عِلَّةِ الأَصْلِ بِإِبْدَاءِ
__________
1 ساقطة من ب ع ز.
2 في د ض: تركه.
3 في ز: ولأن.
4 انظر المسودة ص 398.
5 انظر شرح العضد 2/238، تيسير التحرير 4/49، الإبهاج 3/43.
6 من خالَ بمعنى ظنّ، وقد سميت مناسبة الوصف بالإخالة، لأنه بالنظر إلى ذاتها يُخال، أي يُظَنُّ عليّة الوصف للحكم. "نشر البنود 2/170".
7 في ع: تعيين تخريج.
8 في ع ض: تعليل.(4/152)
الْمُنَاسَبَةِ مِنْ ذَاتِ الْوَصْفِ"1 يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الأَصْلُ مُشْتَمِلاً عَلَى وَصْفٍ مُنَاسِبٍ لِلْحُكْمِ، فَيَحْكُمُ الْعَقْلُ بِوُجُودِ تِلْكَ الْمُنَاسَبَةِ: أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ كَالإِسْكَارِ لِلتَّحْرِيمِ، وَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ لِلْقِصَاصِ.
"وَالْمُنَاسَبَةُ" هُنَا "لُغَوِيَّةٌ" بِخِلافِ الْمُعَرَّفِ2، وَهُوَ الْمُنَاسَبَةُ، فَإِنَّهَا بِالْمَعْنَى الاصْطِلاحِيِّ، حَتَّى لا يَكُونَ تَعْرِيفًا لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ.
"وَالْمُنَاسِبُ: مَا تَقَعُ الْمَصْلَحَةُ عَقِبَهُ"3.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَمَعْنَى الْمُنَاسِبِ أَنْ يَكُونَ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ عَقِبَهُ4 مَصْلَحَةٌ5.
__________
1 انظر تعريفات الأصوليين لتخريج المناط في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/273، روضة الناظر ص 278، نشر البنود 2/170، تيسير التحرير 4/43، الابهاج 3/58، مختصر الطوفي ص 146، مناهج العقول 3/50، شرح العضد 2/239".
2 في ع ز: العرف.
3 انظر تعريف المناسب في "المحصول 2/2/218، نهاية السول 3/52، مناهج العقول 2/50، مختصر البعلي ص 148، الإبهاج 3/38، مفتاح الوصول ص 149، الإحكام للآمدي 3/388، شرح العضد 2/239، إرشاد الفحول ص 214، شرح تنقيح الفصول ص 391، نشر البنود 2/173، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/274، التلويح على التوضيح 2/553، 565، فواتح الرحموت 2/301، كشف الأسرار 3/352".
4 في الروضة: عقبيه.
5 روضة النظر ص 302.(4/153)
"وَزِيدَ لِرَابِطٍ مَا عَقْلِيٍّ".
قَالَ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: الْمُنَاسِبُ: هُوَ مَا تُتَوَقَّعُ1 الْمَصْلَحَةُ عَقِبَهُ2 لِرَابِطٍ مَا3 عَقْلِيٍّ4.
وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: اُخْتُلِفَ فِي تَعْرِيفِ الْمُنَاسِبِ، وَاسْتِقْصَاءُ الْقَوْلِ فِيهِ مِنْ الْمُهِمَّاتِ؛ لأَنَّ عَلَيْهِ مَدَارَ5 الشَّرِيعَةِ، بَلْ مَدَارَ الْوُجُودِ، إذْ لا وُجُودَ إلاَّ وَهُوَ6 عَلَى وَفْقِ الْمُنَاسَبَةِ الْعَقْلِيَّةِ، لَكِنَّ أَنْوَاعَ الْمُنَاسَبَةِ تَتَفَاوَتُ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، وَالْخَفَاءِ7، وَالظُّهُورِ، فَمَا خَفِيَتْ عَنَّا مُنَاسَبَتُهُ سُمِّيَ تَعَبُّدًا، وَمَا ظَهَرَتْ مُنَاسَبَتُهُ سُمِّيَ مُعَلَّلاً.
فَقَوْلُنَا: الْمُنَاسِبُ8 مَا تُتَوَقَّعُ الْمَصْلَحَةُ عَقِبَهُ، أَيْ إذَا وُجِدَ أَوْ إذَا سُمِعَ: أَدْرَكَ الْعَقْلُ السَّلِيمُ كَوْنَ ذَلِكَ الْوَصْفِ سَبَبًا مُفْضِيًا إلَى مَصْلَحَةٍ مِنْ الْمَصَالِحِ لِرَابِطٍ9 مَا مِنْ الرَّوَابِطِ الْعَقْلِيَّةِ10 بَيْنَ تِلْكَ
__________
1 في ش ز ع ب: يتوقع.
2 في مختصر الطوفي: عقبيه.
3 ساقطة من ش.
4 مختصر الطوفي ص 159.
5 ساقطة من ض.
6 في ع: فهو. وفي ز: هو.
7 ساقطة من ض.
8 في ز: المناسبة.
9 ساقطة من ش ز.
10 ساقطة من ض.(4/154)
الْمَصْلَحَةِ وَذَلِكَ الْوَصْفِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِي " لِرَابِطٍ مَا عَقْلِيٍّ ".
مِثَالُهُ: إذَا قِيلَ: الْمُسْكِرُ حَرَامٌ، أَدْرَكَ الْعَقْلُ أَنَّ تَحْرِيمَ السُّكْرِ1 مُفْضٍ إلَى مَصْلَحَةٍ2، وَهِيَ حِفْظُ الْعَقْلِ مِنْ الاضْطِرَابِ. وَإِذَا قِيلَ: الْقِصَاصُ مَشْرُوعٌ، أَدْرَكَ الْعَقْلُ 3أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْقِصَاصِ سَبَبٌ4 مُفْضٍ5 إلَى مَصْلَحَةٍ، وَهِيَ حِفْظُ النُّفُوسِ.
ثُمَّ قَالَ قُلْت: لِرَابِطٍ6 عَقْلِيٍّ، أَخْذًا مِنْ النَّسَبِ الَّذِي هُوَ الْقَرَابَةُ، فَإِنَّ الْمُنَاسِبَ هُنَا7 مُسْتَعَارٌ وَمُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ، وَلا شَكَّ أَنَّ الْمُتَنَاسِبَيْنِ فِي بَابِ النَّسَبِ، كَالأَخَوَيْنِ وَابْنَيْ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ، إنَّمَا8 كَانَا مُتَنَاسِبَيْنِ9 لِمَعْنًى رَابِطٍ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْقَرَابَةُ. فَكَذَلِكَ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ هُنَا لا بُدَّ أَنْ10 يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ
__________
1 في ش: المسكر.
2 في ض ب: المصلحة.
3 ساقطة من ض.
4 في ض: سبباً.
5 في ض: مفضياً.
6 في ش: الرابط.
7 ساقطة من ش. وفي ض: هو.
8 في ش: وانما.
9 في ش: مناسبين.
10 في ش ز ب: وأن.(4/155)
الْمَصْلَحَةِ رَابِطٌ عَقْلِيٌّ وَهُوَ كَوْنُ الْوَصْفِ صَالِحًا لِلإِفْضَاءِ إلَى تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ اهـ.
"وَيَتَحَقَّقُ الاسْتِقْلالُ" عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي أَبْدَاهُ هُوَ الْعِلَّةُ "بِعَدَمِ مَا سِوَاهُ بِ" طَرِيقِ "السَّبْرِ" وَلا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ، وَإِلاَّ يَلْزَمْ الاكْتِفَاءُ بِهِ ابْتِدَاءً، وَلا قَائِلَ بِهِ، بِخِلافِ مَا سَبَقَ فِي طَرِيقِ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ، فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِذَلِكَ؛ لأَنَّ الْمَدَارَ1 هُنَاكَ عَلَى الْحَصْرِ، فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ. وَهُنَا عَلَى أَنَّهُ ظَفِرَ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ، فَافْتَرَقَا2.
"وَ" الْمَعْنَى "الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ"3:
"قَدْ يُعْلَمُ حُصُولُهُ" يَقِينًا "كَبَيْعٍ" فَإِنَّهُ إذَا كَانَ صَحِيحًا حَصَلَ مِنْهُ الْمِلْكُ4 الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ.
"أَوْ" قَدْ "يُظَنُّ، كَقِصَاصٍ" فَإِنَّ حُصُولَ الانْزِجَارِ5 عَنْ الْقَتْلِ لَيْسَ قَطْعِيًّا، بِدَلِيلِ وُجُودِ الإِقْدَامِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ
__________
1 في ض: الدار.
2 انظر نشر البنود 2/172، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/274.
3 انظر مراتب إفضاء الحكم إلى المقصود من شرع الحكم واختلافها في "الإحكام للآمدي 3/391، شرح العضد 2/240، ارشاد الفحول ص 215، نشر البنود 2/174، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/276".
4 في ش: البيع الملك.
5 في ش: الارجاء.(4/156)
الْقِصَاصَ مَشْرُوعٌ.
"أَوْ" قَدْ "يُشَكُّ فِيهِ" بِأَنْ يَتَسَاوَى حُصُولُ الْمَقْصُودِ وَعَدَمُ حُصُولِهِ، فَلا يُوجَدُ يَقِينٌ وَلا ظَنٌّ، بَلْ يَكُونَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ.
قَالَ صَاحِبُ1 الْبَدِيعِ: وَلا مِثَالَ لَهُ عَلَى التَّحْقِيقِ2.
وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا مَثَّلَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ3 مِنْ حَدِّ شَارِبِ الْمُسْكِرِ لِحِفْظِ الْعَقْلِ؛ فَإِنَّ الْمُقْدِمِينَ4 كَثِيرٌ، وَالْمُجْتَنَبِينَ كَثِيرٌ، فَتَسَاوَى الْمَقْصُودُ وَعَدَمُهُ فِيهِ. وَلِهَذَا مَثَّلَهُ فِي الأَصْلِ بِقَوْلِهِ "كَحَدِّ خَمْرٍ".
__________
1 هو أحمد بن علي بن تغلب بن أبي الضياء البعلبكي البغدادي، مظفر الدين، أبو العباس، المعروف بابن الساعاتي لكون أبيه عمل الساعات المشهورة على باب المستنصرية، من كبار فقهاء الحنفية، وأحد مدرسي المستنصرية ببغداد. قال ابن الفوطي: "كان عالماً بالفقه والأصول، عارفاً بالمنقول والمعقول". من مؤلفاته "بديع النظام الجامع بين كتابي البزدوي والإحكام" وهو كتاب مشترك بين أصول الحنفية وأصول المتكلمين، و"مجمع البحرين ولتقى النهرين" في الفروع و"شرحه" و "نهاية الوصول إلى علم الأصول" وغيرها. توفي سنة 694هـ "انظر ترجمته في الفوائد البهية للكنوي ص 26، الجواهر المضية 1/80، كشف الظنون 1/235، هدية العارفين 1/100، الفتح المبين 2/94، تاريخ علماء المستنصرية 1/91، الطبقات السنية 1/462".
2 وقال الآمدي عنه: "فقلما يتفق له في الشرع مثال على التحقيق، بل على طريق التقريب، وذلك كشرع الحدّ على شرب الخمر لحفظ العقل، فإنّ إفضاءه إلى ذلك متردد، حيث انّا نجد كثرة الممتنعين عنه مقاومة لكثرة المقدمين عليه، لا على وجه الترجيح والغلبة لأحد الفريقين على الآخر في العادة". "الإحكام 3/391".
3 مخصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/240.
4 في ض: المتقدمين.(4/157)
"أَوْ" قَدْ "يُتَوَهَّمُ" حُصُولُهُ، بِأَنْ يَكُونَ عَدَمُ حُصُولِ الْمَقْصُودِ أَرْجَحَ مِنْ حُصُولِهِ "كَنِكَاحِ آيِسَةٍ" مِنْ الْحَيْضِ "لِلتَّوَالُدِ"؛ لأَنَّهُ مَعَ إمْكَانِهِ عَقْلاً بَعِيدٌ عَادَةً.
وَقِيلَ: لا يُعَلَّلُ بِمَا قَدْ يُشَكُّ فِيهِ أَوْ يُتَوَهَّمُ.
وَالأَظْهَرُ: بَلَى، اتِّفَاقًا1 إنْ ظَهَرَ الْمَقْصُودُ2. فِي غَالِبِ صُوَرِ الْجِنْسِ، وَإِلاَّ فَلا. لاحْتِمَالِ3 التَّرَتُّبِ وَعَدَمِهِ سَوَاءً، أَوْ عَدَمُهُ أَرْجَحُ.
وَفِي الْفُنُونِ وَغَيْرِهِ: السَّفَرُ مَشَقَّةٌ عَامَّةٌ، وَيَخْتَلِفُ قَدْرُهَا. وَلِذَا4 تَحْسُنُ التَّهْنِئَةُ بِالْقُدُومِ لِلْجَمِيعِ5، كَالْمَرْضَى6 بِالسَّلامَةِ.
"وَلَوْ فَاتَ" الْمَقْصُودُ "يَقِينًا، كَلُحُوقِ نَسَبِ مَشْرِقِيٍّ بِمَغْرِبِيَّةٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُعَلَّلْ بِهِ" عِنْدَ الْجُمْهُورِ7.
__________
1 انظر الإحكام للآمدي 3/392.
2 ساقطة من ش.
3 في ع: لاحتماله.
4 في ش: وكذا.
5 في ش: بالجميع لقدوم الجميع.
6 في ش: كالرضى.
7 قال الآمدي: "لأنّ المقصود من شرع الأحكام الحِكَم، فشرع الأحكام مع انتفاء الحكمة يقيناً لا يكون مفيداً، فلا يرد به الشرع، خلافاً لأصحاب أبي حنيفة" "الإحكام في أصول الأحكام 3/393" وانظر: شرح العضد 2/240، ارشاد الفحول ص 215، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/278.(4/158)
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ، فَيَلْحَقُ عِنْدَهُمْ النَّسَبُ لَوْ تَزَوَّجَ بِطَرِيقِ التَّوْكِيلِ مَشْرِقِيٌّ بِمَغْرِبِيَّةٍ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، مَعَ الْقَطْعِ بِانْتِفَاءِ اجْتِمَاعِهِمَا؛ لاقْتِضَاءِ الزَّوَاجِ ذَلِكَ فِي الأَغْلَبِ حِفْظًا لِلنَّسَبِ1.
"وَالْمُنَاسِبُ" ثَلاثَةُ أَضْرُبٍ:
الضَّرْبُ الأَوَّلُ "دُنْيَوِيٌّ" وَيَنْقَسِمُ إلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ:
الأَوَّلُ2: "ضَرُورِيٌّ أَصْلاً، وَهُوَ أَعْلَى رُتَبِ الْمُنَاسَبَاتِ" وَهُوَ مَا كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ3.
وَيَتَنَوَّعُ إلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ، وَهِيَ4 الَّتِي رُوعِيَتْ5 فِي كُلِّ مِلَّةٍ، وَهِيَ "حِفْظُ الدِّينِ، فَ" حِفْظُ "النَّفْسِ، فَـ6" حِفْظُ
__________
1 أقول: إن مذهب الحنفية إلحاق سنب الولد بوالده في حالة تزوج مشرقي بمغربية اكتفاء بقيام الفراش دون تحقق الدخول مبني عندهم على اجتماع أصلين في المسألة "أحدهما" أن الولد لصاحب الفراش للنص. "والثاني" إمكان لقائهما واحتماله بناءً على جواز وقوع خوارق العادات على سبيل الكرامات ونحوها، لا مع القطع بانتفاء اجتماع الزوجين كما عزا المصنف للحنفية! "انظر رد المحتار 2/630، البناية على الهداية 4/818".
2 في ش ز: القسم الأول.
3 أي أنّه لا بد منه في قيام مصالح الدين والدني، بحيث اذا فقد لم تجز مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين. قاله الشاطبي "انظر الموافقات 2/8".
4 في ش ز: وهي الخمسة.
5 في ب: وعيت.
6 في ش: و.(4/159)
"الْعَقْلِ1، فَـ" حِفْظُ "النَّسْلِ2، فَـ" حِفْظُ "الْمَالِ، وَ3" حِفْظُ "الْعِرْضِ"4.
فَأَمَّا حِفْظُ الدِّينِ: فَبِقِتَالِ الْكُفَّارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ} 5 الآيَةَ " وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ" وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ".
__________
1 في ع: النسل.
2 في ع: العقل.
* وهذا المقصد الضروري الرابع اختلف الأصوليون في تسميته، فسماه الغزالي في المستصفى والآمدي في الإحكام والشاطبي في الموافقات وابن الحاجب في المنتهى ومختصره والشوكاني في إرشاد الفحول: حفظ النسل. وتبعهم المصنف في تلك التسمية.. بينما سماه ابن السبكي في جمع الجوامع وابن قدامة في الروضة والطوفي في مختصره والرازي في المحصول والقرافي في تنقيح الفصول وصاحب نشر البنود والبيضاوي في المنهاج وكذا شراحه الأسنوي والبدخشي وابن السبكي: حفظ النسب.
3 في ش ب: ف.
4 انظر كلام الأصوليين على الضروريات الخمس ومكملاتها في " المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/280، ارشاد الفحول ص 216، شرح العضد 2/240، الموافقات 2/8، روضة الناظر ص 170، مختصر الطوفي ص 144، المستصفى 1/287، مناهج العقول 3/51، الإبهاج 3/38، شفاء الغليل ص 160 وما بعدها، الإحكام للآمدي 3/394، المحصول 2/2/220، شرح تنقيح الفصول ص 391، نشر البنود 2/177 وما بعدها، نهاية السول 3/53، مختصر البعلي ص 163".
5 الآية 29 من التوبة(4/160)
وَأَمَّا حِفْظُ النَّفْسِ: فَبِمَشْرُوعِيَّةِ الْقِصَاصِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} 1 وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَا أَنَسُ، كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ" 2.
وَأَمَّا حِفْظُ الْعَقْلِ: فَبِتَحْرِيمِ الْمُسْكِرَاتِ وَنَحْوِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} 3 وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" 4.
وَأَمَّا حِفْظُ النَّسْلِ: فَبِوُجُوبِ حَدِّ الزَّانِي5. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
__________
1 الآية 179 من البقرة.
2 أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وأحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه. "انظر صحيح البخاري 3/169، صحيح مسلم 3/1302، سنن النسائي 8/24، سنن ابن ماجة 2/884، مسند أحمد 3/128، 167".
3 الآية 91 من المائدة.
4 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك في الموطأ في مسنده عن عائشة رضي الله عنها، وفي الباب عن ابن مسعود ومعاوية وأبي موسى الأشعري وابن عمر وجابر وأبي هريرة وابن عباس وعمر رضي الله عنهم. "انظر صحيح البخاري 6/242، صحيح مسلم 3/1585 وما بعدها، بذل المجهود 16/14 وما بعدها، عارضة الأحوذي 8/57 وما بعدها، سنن النسائي 8/263 وما بعدها، سنن ابن ماجة 2/1123 وما بعدها، الموطأ 2/845، مسند أحمد 1/274، 289، 2/16، 29، 31، 91، 3/66، 112، 4/410، 417، 5/356".
5 في ش ع: الزنا.(4/161)
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 1 وَقَدْ جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمَ.
وَأَمَّا حِفْظُ الْمَالِ: فَبِقَطْعِ السَّارِقِ وَتَضْمِينِهِ وَتَضْمِينِ الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} 2 وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "3إنَّ أَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" 4 وَقَالَ تَعَالَى: 5 {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} .
6وَأَمَّا حِفْظُ الْعِرْضِ7: فَبِحَدِّ الْقَذْفِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ
__________
1 الآية 2 من النور.
2 الآية 38 من المائدة.
3 ساقطة من ز.
4 أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجة وأحمد في مسنده بلفظ "إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام" وقد رواه من الصحابة أبو بكر وأبو سعيد الخدري وابن مسعود وجابر بن عبد الله والحارث بن عمرو وأبو الغادية وغيرهم. "انظر صحيح البخاري 1/35، 2/191، صحيح مسلم 2/889، سنن ابن ماجة 2/1297، 1016، 1025، مسند أحمد 2/313، 371، 485، 4/76، 306، 5/30، 49، 68، 411، 412".
5 الآية 188 من البقرة.
6 ساقطة من ز.
7 ذكر في نشر البنود "2/178" أن العِرْضَ –بكسر العين- النفس، وجانب الرجل الذي يصونه من نفسه وحَسَبه أن ينتقص ويثلب، وسواء كان في نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره مما هو موضع المدح والذّم أو ما يفتخر به من حسب وشرف، وقد يراد به الآباء والأجداد والخليقة المحمودة إلى غير ذلك.(4/162)
حَرَامٌ" 1
وَجَعَلَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ2 وَمَنْظُومَةِ الْبِرْمَاوِيِّ فِي رُتْبَةِ الْمَالِ، لِعَطْفِهِ3 بِالْوَاوِ. وَتَابَعْنَاهُ، فَيَكُونُ مِنْ أَدْنَى الْكُلِّيَّاتِ4.
"وَ" يَلْحَقُ بِالضَّرُورِيِّ مَا هُوَ "مُكَمِّلٌ لَهُ، كَحِفْظِ الْعَقْلِ بِالْحَدِّ بِقَلِيلٍ مُسْكِرٍ".
وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُكَمِّلاً5 لَهُ: أَنَّهُ6 لا يَسْتَقِلُّ ضَرُورِيًّا7 بِنَفْسِهِ، بَلْ بِطَرِيقِ الانْضِمَامِ، فَلَهُ8 تَأْثِيرٌ فِيهِ، لَكِنْ لا بِنَفْسِهِ؛ فَيَكُونُ فِي
__________
1 أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد في مسنده، وقد رواه من الصحابة أبو بكرة وعمرو بن الأحوص وابن عمر وابن عباس وغيرهم "انظر صحيح البخاري 1/24، 2/191، صحيح مسلم 3/1306، عارضة الأحوذي 9/4، 11/228، سنن ابن ماجة 2/1015، 1016، مسند أحمد 1/230، 4/337، 5/37، 39، 40، 72".
2 جمع الجوامع بحاشية البناني 2/280.
3 في ش: بعطفه.
4 قال في نشر البنود "2/178": وتسوية العرض والمال مذهب السبكي، لكن الظاهر أنّ يفصّل فيقال: من فوائد حفظ الأعراض صيانة الأنساب عن تطرّق الشك إليها بالقذف، فيلحق بحفظ النسب، فيكون بهذا الاعتبار أرفع من المال، فإنذ حفظهما بتحريم الزنا تارة وبتحريم القذف المفضي إلى الشك في الأنساب أخرى، وحفظ الأنساب مقدم على الأموال. ومن الأعراض ما هو دون جمع الضروريات، وهو دون الأموال لا في رتبتها".
5 في ض: مكمل.
6 في ش: ان.
7 في ش: ضروري.
8 في ع: وله.(4/163)
حُكْمِ الضَّرُورَةِ مُبَالَغَةً فِي1 مُرَاعَاتِهِ.
فَالْمُبَالَغَةُ فِي حِفْظِ الْعَقْلِ: بِالْحَدِّ بِشُرْبِ قَلِيلِ الْمُسْكِرِ، وَتَقَدَّمَ.
وَالْمُبَالَغَةُ فِي حِفْظِ الدِّينِ: بِتَحْرِيمِ الْبِدْعَةِ2 وَعُقُوبَةِ الْمُبْتَدِعِ الدَّاعِي إلَيْهَا.
وَالْمُبَالَغَةُ فِي حِفْظِ النَّفْسِ: بِإِجْرَاءِ الْقِصَاصِ فِي الْجِرَاحَاتِ.
وَالْمُبَالَغَةُ فِي حِفْظِ النَّسَبِ3: 4ِبتحْرِيمِ النَّظَرِ وَاللَّمْسِ5 وَالْخَلْوَةِ، وَالتَّعْزِيرِ عَلَيْهِ.
وَالْمُبَالَغَةِ فِي حِفْظِ الْمَالِ بِتَعْزِيرِ الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ.
وَالْمُبَالَغَةُ فِي حِفْظِ الْعِرْضِ6: بِتَعْزِيرِ السَّابِّ بِغَيْرِ الْقَذْفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الأَقْسَامِ الثَّلاثَةِ: الْحَاجِيُّ7 وَهُوَ الَّذِي
__________
1 في ض: و.
2 في ض: البدع.
3 في ش: النسل.
4 ساقطة من ش.
5 في ع ز ض: المس.
6 في ش: النسب.
7 وقد سمّاه البيضاوي في المنهاج بالمصلحي، وتبعه في ذلك شراحه؛ الإسنوي في نهاية السول والبدخشي في مناهج العقول والتاج السبكي في الابهاج.(4/164)
لا يَكُونُ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ، بَلْ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ1، وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَحَاجِيٌّ".
"كَبَيْعٍ وَنَحْوِهِ" كَإِجَارَةٍ وَمُضَارَبَةٍ وَمُسَاقَاةٍ؛ لأَنَّ مَالِكَ الشَّيْءِ قَدْ لا يَهَبُهُ، فَيَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهِ، وَلا يُعِيرُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْجَارِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ ذِي مَالٍ يُحْسِنُ التِّجَارَةَ، فَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَعْمَلُ لَهُ فِي مَالِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَالِكِ شَجَرٍ يُحْسِنُ الْقِيَامَ عَلَى شَجَرِهِ، فَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يُسَاقِيهِ عَلَيْهَا2.
فَهَذِهِ3 الأَشْيَاءُ وَمَا أَشْبَهَهَا لا يَلْزَمُ مِنْ فَوَاتِهَا فَوَاتُ شَيْءٍ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ.
"وَبَعْضُهَا" أَيْ وَبَعْضُ صُوَرِ الْحَاجِيِّ "أَبْلَغُ" مِنْ بَعْضٍ.
"وَقَدْ يَكُونُ" الْحَاجِيُّ "ضَرُورِيًّا" فِي بَعْضِ الصُّوَرِ "كَشِرَاءِ
__________
1 أي أنه يُفتقَر إليه من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم يراغ دَخَل على المكلفين على الجملة الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد الواقع أو المتوقع من فوت الضروريات "انظر الموافقات 2/10".
2 انظر كلام الأصوليين على الحاجيات ومكملاتها في "ارشاد الفحول ص 216، شرح العضد 2/241، الموافقات 2/10، مختصر الطوفي ص 144، روضة الناظر ص 169، المستصفى 1/289، مناهج العقول 3/52، نهاية السول 3/54، الابهاج 3/39، شفاء الغليل ص 161، الإحكام للآمدي 3/394، المحصول 2/2/222، شرح تنقيح الفصول ص 391، نشر البنود 2/181، حاشية البناني 2/281، مختصر البعلي ص 163".
3 في ش: هذه.(4/165)
وَلِيِّ" طِفْلٍ "مَا يَحْتَاجُهُ طِفْلٌ" مِنْ مَطْعُومٍ وَمَلْبُوسٍ، حَيْثُ كَانَ فِي مَعْرِضٍ مِنْ الْجُوعِ وَالْبَرْدِ "وَنَحْوِهِ" أَيْ وَنَحْوِ مَا ذُكِرَ، كَاسْتِئْجَارِ الْوَلِيِّ لِحِفْظِ الطِّفْلِ مَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، مَعَ اشْتِغَالِ الْوَلِيِّ عَنْ تَرْبِيَةِ الطِّفْلِ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهَا1.
"وَمُكَمِّلٍ لَهُ" أَيْ لِلْحَاجِيِّ "كَرِعَايَةِ كَفَاءَةٍ، وَ" كَرِعَايَةِ "مَهْرِ، مِثْلٍ فِي2 تَزْوِيجِ صَغِيرَةٍ" وَكَإِثْبَاتِ خِيَارٍ فِي بَيْعٍ بِأَنْوَاعِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرَوِّي، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْحَاجَةِ حَاصِلاً بِدُونِهِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الأَقْسَامِ الثَّلاثَةِ: التَّحْسِينِيُّ3، وَهُوَ مَا لَيْسَ ضَرُورِيًّا وَلا حَاجِيًّا، وَلَكِنَّهُ فِي مَحَلِّ التَّحْسِينِ4، وَهُوَ مَا أُشِيرَ
__________
1 انظر شرح العضد 2/241.
2 ساقطة من ش.
3 في ض ز: التحسين.
4 وهو كما قال الشاطبي في الموافقات: "الأخذ بما يليق من محاسن العبادات، وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات، ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق". وقال الغزالي في شفاء الغليل: هو "ما لا يرجع إلى ضرورة ولا إلى حاجة، ولكن يقع موقع التحسين والتزيين والتوسعة والتيسير للمزايا والمراتب ورعاية أحسن المناهج في العبادات والمعاملات والحمل على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات". وقد سماه القرافي في تنقيح الفصول ب" ما هو في محلّ التتمات" وسماه صاحب نشر البنود من المالكيّة ب"التتمة" لأنه تتمة للمصالح، وذكر أنهيقال له تحسيني لأنه مستحسن عادة. انظر كلام الأصوليين على التحسينيات في "الموافقات 2/11، ارشاد الفحول ص 216، شرح العضد 2/241، مختصر الطوفي ص 144، روضة الناظر ص 169، المستصفى 1/290، مناهج العقول 3/52، نهاية السول 3/54، شفاء الغليل ص 169، الإحكام للآمدي 3/396، المحصول 2/2/222، شرح تنقيح =(4/166)
إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَتَحْسِينِيٌّ"1.
وَهُوَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: "غَيْرُ مُعَارِضٍ لِلْقَوَاعِدِ" أَيْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ.
"كَتَحْرِيمِ النَّجَاسَةِ2" فَإِنَّ نَفْرَةَ3 الطِّبَاعِ مَعْنًى 4يُنَاسِبُ تَحْرِيمَهَا حَتَّى5 أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّضَمُّخُ6 بِالنَّجَاسَةِ بِلا عُذْرٍ7.
"وَ" كَـ "سَلْبِ الْمَرْأَةِ8 عِبَارَةَ عَقْدِ النِّكَاحِ" لاسْتِحْيَاءِ النِّسَاءِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْعُقُودِ عَلَى فُرُوجِهِنَّ، لإِشْعَارِهِ بِتَوَقَانِ نُفُوسِهِنَّ إلَى
__________
= الفصول ص 391، نشر البنود 2/177 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/281".
1 في ض: وتحسين.
2 أي تحريم تناولها.
3 في ض: تفرق.
4 في ع ب ض: مناسب لتحريمها.
* وفي هذا المقام يقول السيوطي في كتابه "إتمام الدراية" ص 203: "من وقاعد الشرع أنّ الوازع الطبيعي يغني عن الوازع الشرعي. مثاله: شرب البول حرام، وكذا الخمر، ورتب الحدّ على الثاني دون الأول لنفرة النفوس منه، فوكلت إلى طباعها. والوالد والولد مشتركان في الحقّ، وبالغ الله تعالى في كتابه العزيز في الوصية بالوالدين في مواضع دون الولد، وكولاً إلى الطبع، لأنّه يقضي بالشفقة عليه ضرورة".
5 ساقطة من ش.
6 في ش: الطبخ. وهو تصحيف. والتضمّخ بالشيء في اللغة معناه التلطخ به "الصحاح 1/426".
7 انظر الابهاج شرح المنهاج 3/39.
8 في ش: المادة.(4/167)
الرِّجَالِ، وَهُوَ غَيْرُ لائِقٍ بِالْمُرُوءَةِ.
وَكَذَا اعْتِبَارُ الشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ لِتَعْظِيمِ شَأْنِهِ وَتَمْيِيزِهِ1 عَنْ السِّفَاحِ بِالإِعْلامِ2 وَالإِظْهَارِ.
"لا" سَلْبِ "الْعَبْدِ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ3 عَلَى أَصْلِنَا" لِقَبُولِهَا عِنْدَنَا فِي كُلِّ شَيْءٍ عَلَى الْمَذْهَبِ4.
الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ التَّحْسِينِيِّ5: الْمُعَارِضُ لِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ. وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ مُعَارِضٍ".
__________
1 في ع: وتميزه.
2 في ش: بالإعلان.
3 خلافاً لما ذهب إليه كثيرٌ من الأصوليين حيث قالوا بسلب العبد أهلية الشهادة، وعدوّها من قبيل التحسيني غير المعارض للقواعد، معللين ذلك بأنّها منصب شريف والعبد نازل القدر، والجمع بينهما غير ملائم. قال الشوكاني في ارشاد الفحول ص 217: "وقد استشكل هذا ابن دقيق العيد، لأنّ الحكم بالحقّ بعد ظهور الشاهد وايصالهُ إلى مستحقه ودفع اليد الظالمة عنه من مراتب التحسين، وترك مرتبة الضروة لمرتبة التحسين بعيد جداً. نعم لو وجد لفظ يستند إليه في ردّ شهادته، ويعلل بهذا التعليل لكان له وجه، فأما مع الاستقلال بهذا التعليل ففيه هذا الإشكال، وقد ذكر بعض أصحاب الشافعي انه لا يعلم لمن ردّ شهادة العبد مستنداً أو وجهاً". "وانظر الإحكام للآمدي 3/396، المحصول 2/2/222، نشر البنود 2/182، المستصفى 1/291، شرح العضد 2/241، نهاية السول 3/54، الابهاج 3/40، شفاء الغليل ص 169، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/282".
4 انظر كشاف القناع 6/420، شرح منتهى الإرادات 3/550.
5 في ض: التحسين.(4/168)
"كَالْكِتَابَةِ" وَهِيَ بَيْعُ سَيِّدٍ رَقِيقَهُ نَفْسَهُ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ: مُبَاحٍ مَعْلُومٍ مُنَجَّمٍ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا1، أَوْ مَنْفَعَةٍ مُؤَجَّلَةٍ.
فَإِنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مَكْرُمَةً فِي الْقَاعِدَةِ2 مُسْتَحْسَنَةً3 احْتَمَلَ الشَّرْعُ فِيهَا جَزْمَ4 قَاعِدَةٍ مُمَهِّدَةٍ، وَهِيَ امْتِنَاعُ بَيْعِ الإِنْسَانِ مَالَ نَفْسِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ وَمُعَامَلَةِ عَبْدِهِ.
"وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ بِحُجَّةٍ" عِنْدَ الأَكْثَرِ5، خِلافًا لِمَالِكٍ6 وَبَعْضِ7 الشَّافِعِيَّةِ، وَتُسَمَّى8 الْمَصْلَحَةَ الْمُرْسَلَةَ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ9 اهـ.
__________
1 في ش: فأكثر.
2 كذا في جميع النسخ. والأولى أن تكون: في العادة "انظر الابهاج 3/40".
3 في ض: متحسنة.
4 في ش ض: جزم.
5 انظر "المسودة ص 450، الإحكام للآمدي 4/216، مختصر الطوفي ص 144، مختصر البعلي ص 163، المنخول ص 363، فواتح الرّحموت 2/301، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/284، إرشاد الفحول ص 218، التلويح على التوضيح 2/568، نهاية السول 3/136، مناهج العقول 3/135، الابهاج 3/117".
6 انظر شرح تنقيح الفصول ص 393، نشر البنود 2/189 وما بعدها.
7 ساقطة من ع.
8 في ش: ويسمى.
9 روضة الناظر ص 170.(4/169)
وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ: بِأَنَّا لا نَعْلَمُ مُحَافَظَةَ الشَّرْعِ عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يُشْرَعْ فِي زَوَاجِرِهَا أَبْلَغُ مِمَّا شُرِعَ، كَالْمُثْلَةِ فِي الْقِصَاصِ، فَإِنَّهَا أَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ عَنْ الْقَتْلِ، وَكَذَا الْقَتْلُ فِي السَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ عَنْهُمَا، وَلَمْ يُشْرَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ حُجَّةً لَحَافَظَ الشَّرْعُ عَلَى تَحْصِيلِهَا بِأَبْلَغِ الطُّرُقِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ بِفِعْلٍ، فَلا تَكُونُ حُجَّةً، فَإِذًا إثْبَاتُهَا حُجَّةٌ مِنْ بَابِ وَضْعِ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ1.
وَاحْتَجَّ مَنْ اعْتَبَرَهَا بِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهَا مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ، لا حَصْرَ2 لَهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَرَائِنِ الأَحْوَالِ وَالأَمَارَاتِ.
وَسَمَّوْهَا مَصْلَحَةً مُرْسَلَةً، وَلَمْ يُسَمُّوهَا قِيَاسًا؛ لأَنَّ الْقِيَاسَ يَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ مُعَيَّنٍ، بِخِلافِ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ، فَإِنَّهَا لا تَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ رَأَيْنَا الشَّارِعَ اعْتَبَرَهَا فِي مَوَاضِعَ مِنْ الشَّرِيعَةِ، فَاعْتَبَرْنَاهَا حَيْثُ وُجِدَتْ؛ لِعِلْمِنَا أَنَّ جِنْسَهَا مَقْصُودٌ لَهُ3، وَبِأَنَّ الرُّسُلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ - بُعِثُوا4 لِتَحْصِيلِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ،
__________
1 روضة الناظر ص 170
2 في ش: حصولها.
3 ساقطة من ز.
4. ساقطة من ض.(4/170)
فَيُعْلَمُ1 ذَلِكَ بِالاسْتِقْرَاءِ، فَمَهْمَا وَجَدْنَا مَصْلَحَةً غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ لِلشَّرْعِ فَنَعْتَبِرُهَا؛ لأَنَّ الظَّنَّ مَنَاطُ الْعَمَلِ.
"وَ" الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ أَضْرُبِ الْمُنَاسِبِ "أُخْرَوِيٌّ".
وَذَلِكَ "كَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ" عَنْ الرَّذَائِلِ "وَرِيَاضَتِهَا" وَتَهْذِيبِ الأَخْلاقِ، فَإِنَّ تَأْثِيرَ2 مَنْفَعَةِ ذَلِكَ فِي3 سَعَادَةِ الآخِرَةِ4.
"وَقَدْ يَتَعَلَّقُ" الْمُنَاسِبُ "بِهِمَا" أَيْ بِالدُّنْيَوِيِّ وَالأُخْرَوِيِّ5 "كَإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ" بِالْمَالِ فَتَعَلُّقُهُ الدُّنْيَوِيُّ6: مَا يَعُودُ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ بِانْتِفَاعِهِمْ بِالْمَالِ، وَتَعَلُّقُهُ بِالأُخْرَوِيِّ7: مَا يَحْصُلُ لِلْمُكَفِّرِ مِنْ الثَّوَابِ8.
"وَ" الضَّرْبُ الثَّالِثُ مِنْ أَضْرُبِ الْمُنَاسِبِ "إقْنَاعِيٌّ".
وَهُوَ مَا "يَنْتَفِي ظَنُّ مُنَاسَبَتِهِ9 بِتَأَمُّلِهِ" وَذَلِكَ بِأَنْ يُظَنَّ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّهُ مُنَاسِبٌ، ثُمَّ يَزُولُ ذَلِكَ الظَّنُّ بِالتَّأَمُّلِ وَإِمْعَانِ
__________
1 في ش: فعلم.
2 ساقطة من ض.
3 في ع: من.
4 انظر الابهاج 3/41.
5 انظر الابهاج 3/41.
6 في ش: بالدنيوي.
7 في ش: بالأخروي.
8 في ز: بالثواب.
9 في ز ب: مناسبة.(4/171)
النَّظَرِ فِيهِ، كَتَعْلِيلِ الشَّافِعِيَّةِ تَحْرِيمَ بَيْعِ الْمَيْتَةِ بِنَجَاسَتِهَا، وَقِيَاسِ الْكَلْبِ عَلَيْهِ1.
"وَإِذَا اشْتَمَلَ وَصْفٌ عَلَى مَصْلَحَةٍ وَمَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ أَوْ مُسَاوِيَةٍ لَمْ تَنْجَرَّ2 مُنَاسَبَتُهُ" عَلَى الأَرْجَحِ3 "وَلِلْمُعَلِّلِ تَرْجِيحُ وَصْفِهِ بِطَرِيقٍ تَفْصِيلِيٍّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الْمَسَائِلِ، وَإِجْمَالِيٍّ، وَهُوَ لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ رُجْحَانُ الْمَصْلَحَةِ ثَبَتَ الْحُكْمُ تَعَبُّدًا" وَهُوَ عَلَى4 خِلافِ الأَصْلِ؛ لأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الأَحْكَامِ التَّعَقُّلُ5 دُونَ التَّعَبُّدِ؛ وَلأَنَّهُ إذَا كَانَ
__________
1 قال الغزالي في شفاء الغليل ص 174: "ووجه المناسبة في النجاسة أنّ حكم الشرع بنجاسته –أي الكلب- أمرٌ باجتنابه وإشارة إلى استقذاره والتجنب في مخالطته، ففي الإقدام على بيعه ومقابلته بالمال وإيجاب الضمان على متلفه إقامة وزن له يناقض ما علم من خسّته بتنجيس الشرع إيّاه ... إلى أن قال: إنّ الحاذق يسلط البحث على هذا الكلام فيقول: هذه ألفاظ جميلة ركبت، وخيّل في مجموعها مناسبة، وإذ جرد النظر إلى المعنى في حقيقته وإلى الحكم انتفت المناسبة، إذ معنى نجاسته أنّ الصلاة لا تصحّ معه، لا المنع من استعماله لنجاسته والكف عن مخامرته، فالانتفاع بالنجاسات جائز بالاتفاق، ومعنى البيع نقل الاختصاص ببدل، ولا مناسبة بين بطلان الصلاة باستصحابه وبين المنع من بيعه، فبهذا ينكشف الغطاء وتنقطع المناسبة، ولا تزال تزداد المناسبة خفاءً واندراساً بالبحث". وانظر الابهاج 3/41، نهاية السول 3/54.
2 في ش: تنجز.
3 انظر خلاف الأصوليين في هذه القضية في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/286، مختصر البعلي ص 149، شرح العضد 2/241، ارشاد الفحول ص 218 وما بعدها، المحصول 2/2/232 وما بعدها، الابهاج 3/45، نهاية السول 3/61، مناهج العقول 3/59، الإحكام للآمدي 3/396، نشر البنود 2/191".
4 ساقطة من ض.
5 في ض: التعلل.(4/172)
الْحُكْمُ مَعْقُولَ الْمَعْنَى كَانَ أَقْرَبَ وَأَدْعَى إلَى الْقَبُولِ وَالانْقِيَادِ لَهُ.
"وَالْمُنَاسِبُ" هُوَ الْوَصْفُ الْمُعَلَّلُ بِهِ، وَلا بُدَّ أَنْ يُعْلَمَ مِنْ الشَّارِعِ الْتِفَاتٌ إلَيْهِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِتَقْسِيمِ الْمُنَاسِبِ. وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
مُؤَثِّرٌ.
وَمُلائِمٌ.
وَغَرِيبٌ.
وَمُرْسَلٌ. وَهُوَ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ: مُرْسَلٌ مُلائِمٌ، وَمُرْسَلٌ غَرِيبٌ، وَمُرْسَلٌ ثَبَتَ إلْغَاؤُهُ؛ لأَنَّ الْوَصْفَ الْمُنَاسِبَ إمَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَهُ، أَوْ يُعْلَمَ أَنَّهُ أَلْغَاهُ، أَوْ لا يُعْلَمَ أَنَّهُ اعْتَبَرَهُ وَلا أَلْغَاهُ.
وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا: مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْيَقِينِ وَالظَّنِّ.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا:
فَالْقِسْمُ الأَوَّلُ: "مُؤَثِّرٌ إنْ اُعْتُبِرَ" مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ "بِنَصٍّ" كَتَعْلِيلِ الْحَدَثِ بِمَسِّ الذَّكَرِ "أَوْ" اُعْتُبِرَ بِ "إجْمَاعٍ" كَتَعْلِيلِ وِلايَةِ الْمَالِ بِالصِّغَرِ.
فَالأَوَّلُ: اُعْتُبِرَ عَيْنُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْحَدَثُ، لِحَدِيثِ1 "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ".
__________
1 في ش: كحديث.(4/173)
وَأَمَّا الثَّانِي: فَإِنَّهُ اُعْتُبِرَ عَيْنُ الصِّغَرِ فِي عَيْنِ الْوِلايَةِ فِي الْمَالِ بِالإِجْمَاعِ.
وَسُمِّيَ1 هَذَا الْقِسْمُ مُؤَثِّرًا؛ لِحُصُولِ التَّأْثِيرِ فِيهِ عَيْنًا وَجِنْسًا، فَظَهَرَ تَأْثِيرُهُ فِي الْحُكْمِ.
"وَ" الْقِسْمُ الثَّانِي: "مُلائِمٌ إنْ اُعْتُبِرَ بِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ فَقَطْ، إنْ ثَبَتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ جِنْسِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ".
وَسُمِّيَ مُلائِمًا لِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لِمَا اعْتَبَرَهُ2 الشَّارِعُ، وَهُوَ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ.
مِثَالُ مَا اعْتَبَرَ3 الشَّارِعُ عَيْنَ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ مِنْ الْمُلائِمِ: امْتِزَاجُ النَّسَبَيْنِ فِي الأَخِ مِنْ الأَبَوَيْنِ، اعْتَبَرَ تَقْدِيمَهُ عَلَى الأَخِ مِنْ الأَبِ فِي الإِرْثِ، وَقِسْنَا عَلَيْهِ تَقْدِيمَهُ فِي وِلايَةِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهَا مِنْ الأَحْكَامِ الَّتِي4 قُدِّمَ عَلَيْهِ فِيهَا؛ فَإِنَّهُ - وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ الشَّارِعُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الأَحْكَامِ - لَكِنْ اعْتَبَرَهُ فِي جِنْسِهَا، وَهُوَ التَّقَدُّمُ فِي الْجُمْلَةِ.
__________
1 في ض: ويسمى.
2 في ع ب: الشرع.
3 في ع: ما اعتبره.
4 في ز: الذي.(4/174)
وَمِثَالُ مَا اعْتَبَرَ فِيهِ جِنْسَ الْوَصْفِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، عَكْسُ الَّذِي قَبْلَهُ: مِنْهُ1 الْمَشَقَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْمُسَافِرِ فِي سُقُوطِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَهَا فِي عَيْنِ سُقُوطِ الْقَضَاءِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ، فَسَقَطَ بِهَا الْقَضَاءُ فِي صَلاةِ الْحَائِضِ قِيَاسًا.
وَإِنَّمَا جُعِلَ الْوَصْفُ هُنَا جِنْسًا، وَالإِسْقَاطُ نَوْعًا؛ لأَنَّ مَشَقَّةَ السَّفَرِ نَوْعٌ مُخَالِفٌ لِمَشَقَّةِ الْحَيْضِ. وَأَمَّا السُّقُوطُ: فَأَمْرٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ2 مَحَالُّهُ3.
وَمِثَالُ مَا اُعْتُبِرَ جِنْسُ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ مِنْهُ: مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، فَيَكُونُ عَلَيْهِ حَدُّ الْمُفْتَرِي4 أَيْ الْقَاذِفَ.
__________
1 أي من الملائم. وفي ع ب: من. وفي ش: صفة.
2 في ز ع ب ض: اختلف.
3 في ز: محله.
4 أخرجه الدارقطني في سننه والشافعي في مسنده ومالك في الموطأ، وفيها أن عمر بن الخطاب استشاره في الخمر يشربها الرجل، فقال علي بن أبي طالب: نرى أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى.
"انزر سنن الدارقطني 3/157، الموطأ 2/842، مسند الشافعي 2/90، التلخيص الحبير 4/75".
وقد روى ابن حزم هذا الأثر م نطرق مختلفة وبألفاظ متقاربة ع نعلي رضي الله عنه لا عن عمر، وناقش تلك المرويات بتوسع وردّها وقال: "كل ما ورد في ذلك قد تقصيناه، وكله ساقط لا حجة فيه، مضطرب ينقض بعضه بعضاً" "انظر الإحكام لابن حزم 7/1011 وما بعدها".(4/175)
وَوَافَقَهُ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ، فَأَوْجَبُوا حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى الشَّارِبِ، لا لِكَوْنِهِ شَرِبَ1، بَلْ لِكَوْنِ الشُّرْبِ مَظِنَّةَ الْقَذْفِ، فَأَقَامُوهُ مَقَامَ الْقَذْفِ قِيَاسًا عَلَى إقَامَةِ الْخَلْوَةِ بِالأَجْنَبِيَّةِ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي التَّحْرِيمِ، لِكَوْنِ الْخَلْوَةِ مَظِنَّةً لَهُ، فَظَهَرَ أَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا اعْتَبَرَ الْمَظِنَّةَ الَّتِي هِيَ جِنْسٌ لِمَظِنَّةِ الْوَطْءِ، وَمَظِنَّةِ الْقَذْفِ فِي الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ جِنْسٌ لإِيجَابِ حَدِّ الْقَذْفِ وَحُرْمَةِ الْوَطْءِ.
وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ: الأَوَّلُ كَالتَّعْلِيلِ بِالصِّغَرِ فِي قِيَاسِ النِّكَاحِ عَلَى الْمَالِ فِي الْوِلايَةِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ عَيْنَ الصِّغَرِ فِي عَيْنِ وِلايَةِ الْمَالِ بِهِ، مُنَبِّهًا عَلَى الصِّغَرِ، وَثَبَتَ اعْتِبَارُ عَيْنِ الصِّغَرِ فِي جِنْسِ حُكْمِ الْوِلايَةِ إجْمَاعًا.
وَالثَّانِي: كَالتَّعْلِيلِ بِعُذْرِ الْحَرَجِ فِي قِيَاسِ الْحَضَرِ2 بِعُذْرِ3 الْمَطَرِ عَلَى السَّفَرِ فِي الْجَمْعِ. فَجِنْسُ الْحَرَجِ مُعْتَبَرٌ فِي عَيْنِ رُخْصَةِ الْجَمْعِ إجْمَاعًا.
وَالثَّالِثُ: كَالتَّعْلِيلِ بِجِنَايَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِي قِيَاسِ الْمُثْقَلِ4 عَلَى الْمُحَدَّدِ فِي الْقِصَاصِ، فَجِنْسُ الْجِنَايَةِ مُعْتَبَرٌ5 فِي
__________
1 في ش: شرباً.
2 في ع ب: الحظر.
3 في ب: بعد.
4 في ز: كالمحدد.
5 في ع ز ب ض: معتبرة.(4/176)
جِنْسِ قِصَاصِ النَّفْسِ؛ لاشْتِمَالِهِ عَلَى قِصَاصِ النَّفْسِ وَغَيْرِهَا كَالأَطْرَافِ اهـ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْغَرِيبُ، وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَإِلاَّ فَغَرِيبٌ" يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، فَيُسَمَّى غَرِيبًا.
مِثَالُ ذَلِكَ: التَّعْلِيلُ بِالإِسْكَارِ فِي قِيَاسِ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ نَصٍّ بِعِلِّيَّةِ الإِسْكَارِ، فَعَيْنُ الإِسْكَارِ مُعْتَبَرٌ فِي عَيْنِ التَّحْرِيمِ بِتَرْتِيبِ1 الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَقَطْ، كَاعْتِبَارِ جِنْسِ الْمَشَقَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْمُسَافِرِ فِي جِنْسِ التَّخْفِيفِ.
وَهَذَا الْمِثَالُ دُونَ مَا قَبْلَهُ؛ لِرُجْحَانِ النَّظَرِ بِاعْتِبَارِ الْخُصُوصِ، لِكَثْرَةِ مَا بِهِ الاخْتِصَاصُ. قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ وَالأَصْفَهَانِيّ.
وَسُمِّيَ غَرِيبًا؛ لأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ غَيْرُ أَصْلِهِ بِالاعْتِبَارِ، كَالطُّعْمِ فِي الرِّبَا، فَإِنَّ نَوْعَ الطُّعْمِ مُؤَثِّرٌ فِي حُرْمَةِ الرِّبَا، وَلَيْسَ جِنْسُهُ مُؤَثِّرًا فِي جِنْسِهِ. قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ.
وَهَذَا التَّشْبِيهُ إنَّمَا يَجْرِي عَلَى قَوَاعِدِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ عِلَّةَ الرِّبَا الطُّعْمُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 في ز ض: بترتب.(4/177)
"وَكُلُّ" قِسْمٍ "مِنْ1" هَؤُلاءِ الأَقْسَامِ "الثَّلاثَةِ2 حُجَّةٌ"3.
وَمَنَعَ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْحَنَفِيَّةُ4 كَوْنَ الْغَرِيبِ حُجَّةً.
"وَإِنْ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ جِنْسَهُ" أَيْ جِنْسَ الْوَصْفِ "الْبَعِيدَ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ فَ "مُرْسَلٌ مُلائِمٌ".
مِثَالُ ذَلِكَ: تَعْلِيلُ تَحْرِيمِ قَلِيلِ الْخَمْرِ بِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهَا. فَجِنْسُهُ الْبَعِيدُ مُعْتَبَرٌ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، كَتَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِتَحْرِيمِ الزِّنَا.
"وَلَيْسَ" الْمُرْسَلُ الْمُلائِمُ "بِحُجَّةٍ"5.
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْ الشَّارِعُ6 جِنْسَ الْوَصْفِ الْبَعِيدِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ فَنَوْعَانِ:
__________
1 في ش: قسم.
2 في ش: من الثلاثة.
3 انظر "الإحكام للآمدي 3/407، نشر البنود 2/184، مختصر الطوفي ص 160، مفتاح الوصول ص 149، روضة الناظر ص 302، شفاء الغليل ص 144-158، المستصفى 2/297 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/282، شرح العضد 2/242، ارشاد الفحول ص 217، التلويح على التوضيح 2/575، شرح تنقيح الفصول ص 393، المحصول 2/2/226، الابهاج 3/45، نهاية السول 3/57".
4 انظر: المغني للخبازي ص 306، كشف الأسرار 3/353، فتح الغفار 3/21، تيسير التحرير 4/55.
5 في ش: حجة.
6 في ع ز ب: الشارع جنسه البعيد.(4/178)
أَحَدُهُمَا: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "فَمُرْسَلٌ غَرِيبٌ".
مِثَالُ ذَلِكَ: التَّعْلِيلُ بِالْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ فِي قِيَاسِ بَاتِّ الطَّلاقِ فِي مَرَضِهِ عَلَى الْقَاتِلِ فِي الْحُكْمِ بِالْمُعَارَضَةِ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ، فَصَارَ1 تَوْرِيثُ الْمَبْتُوتَةِ كَحِرْمَانِ2 الْقَاتِلِ.
وَإِنَّمَا كَانَ "غَرِيبًا مُرْسَلاً"؛ لأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الشَّارِعُ عَيْنَ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ فِي عَيْنِ الْمُعَارَضَةِ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ3، 4بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْمُعَارَضَةِ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ وَلا جِنْسِهِ فِي عَيْنِهَا، وَلا جِنْسِهِ فِي جِنْسِهَا.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِهِ5.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ مُرْسَلٌ ثَبَتَ إلْغَاؤُهُ" وَهُوَ الَّذِي عُلِمَ مِنْ الشَّارِعِ إلْغَاؤُهُ، مَعَ أَنَّهُ مُسْتَحِيلُ الْمُنَاسَبَةِ.
وَلا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ6 بِهِ7.
__________
1 كذا في د. وفي ع ز ض ب: وصار. وهي ساقطة من ش.
2 في ش: لحرمان.
3 في ز: مقصوده.
4 ساقطة من ش.
5 انظر: مفتاح الوصول للتلمساني ص 150، شفاء الغليل ص 188، شرح العضد 2/242، ارشاد الفحول ص 218، التلويح على الوضيح 2/569.
6 في ع: التعديل.
7 انظر ردّ الأصوليين للعمل بالمرسل الملغي في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية =(4/179)
وَذَلِكَ كَإِيجَابِ صَوْمِ شَهْرَيْنِ ابْتِدَاءً فِي الظِّهَارِ، أَوْ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ عَلَى مَنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ، كَمَا أَفْتَى بِهِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ اللَّيْثِيُّ1 صَاحِبُ الإِمَامِ مَالِكٍ إمَامُ أَهْلِ الأَنْدَلُسِ2 الأَمِيرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ الأُمَوِيَّ، الْمَعْرُوفَ بِالْمُرْتَضَى صَاحِبَ الأَنْدَلُسِ3.
__________
= البناني عليه 2/284، شرح العضد 2/242، ارشاد الفحول ص 218، التلويح على التوضيح 2/569، المحصول 2/2/229، الابهاج 3/44، نهاية السول 3/56، مناهج العقول 3/56، الإحكام للآمدي 3/410، نشر البنود 2/188، مختصر الطوفي ص 144، مفتاح الوصول ص 150، روضة الناظر ص 169، مختصر البعلي ص 162".
1 في ع: الليث.
2 هو يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس الليثي مولاهم، البربري المصمودي الأندلسي القرطبي المالكي، أبو محمد، الإمام الحجة الثبت عالم الأندلس وفقيهها. قال ابن الفرضي: كان إمام وقته وواحد بلده، توفي سنة 234هـ، "انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 10/519، تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي 2/179، وفيات الأعيان 6/143، الفكر السامي 2/96، شرف الطالب لابن منقذ ص 42، شذرات الذهب 2/82، تهذيب التهذيب 11/300، طرح التثريب 1/127، شجرة النور الزكيّة ص 63، الديباج المذهب 2/352، ترتيب المدارك 2/534".
3 إذ روي أن عبد الرحمن بن الحكم صاحب الأندلس نظر إلى جارية له في رمضان نهاراً، فلم يملك نفسه أن واقعها، ثم ندم وطلب الفقهاء، وسألهم عن توبته، فقال يحيى بن يحيى: صم شهرين متتابعين. فسكت العلماء. فلمّا خرجوا قالوا ليحيى: مالك لم تفته بمذهبنا عن مالك أنّه مخيّر بين العتق والصوم والإطعام؟ قال: لو فتحنا له هذا الباب لسهل عليه أن كلّ يومٍ ويعتق رقبة. فحملته على أصعب الأمور لئلا يعود.
والأمير عبد الرحمن بن الحكم ولد بطليطلة سنة 176هـ وتوفي بقرطبة سنة 238هـ. "انظر ترجمته وقصته مع يحيى بن يحيى في سير أعلام النبلاء 8/260، =(4/180)
"وَهُمَا" أَيْ الْمُرْسَلُ الْغَرِيبُ1، وَالْمُرْسَلُ الَّذِي ثَبَتَ إلْغَاؤُهُ "مَرْدُودَانِ" أَمَّا الأَوَّلُ: فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَبِالاتِّفَاقِ.
__________
= 10/521، ترتيب المدارك 2/542، وفيات الأعيان 6/145، العقد الفريد 4/493، نهاية السول 3/57، جذوة المقتبس ص 10، نفح الطيب 1/344، حاشية البناني 2/284، نشر البنود 2/188".
1 في ع: والغريب.(4/181)
"فَائِدَةٌ"
"أَعَمُّ الْجِنْسِيَّةِ فِي الْوَصْفِ: كَوْنُهُ وَصْفًا، فَمَنَاطًا، فَمَصْلَحَةً خَاصَّةً".
وَ" أَعَمُّ الْجِنْسِيَّةِ "فِي الْحُكْمِ1: كَوْنُهُ حُكْمًا، فَوَاجِبًا، وَنَحْوَهُ" كَحَرَامٍ وَمَنْدُوبٍ وَمَكْرُوهٍ "فَعِبَادَةً فَصَلاةً، فَظُهْرًا" وَنَحْوَهُ كَعَصْرٍ وَمَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ وَفَجْرٍ2.
"وَتَأْثِيرُ الأَخَصِّ فِي الأَخَصِّ أَقْوَى".
"وَ" تَأْثِيرُ "الأَعَمِّ فِي الأَعَمِّ يُقَابِلُهُ" فِي كَوْنِهِ أَضْعَفَ مِنْ جِهَةِ التَّأْثِيرِ.
"وَ" تَأْثِيرُ "الأَخَصِّ فِي الأَعَمِّ وَعَكْسُهُ" وَهُوَ تَأْثِيرُ الأَعَمِّ فِي الأَخَصِّ "وَاسِطَتَانِ" بَيْنَ الأَقْوَى وَالأَضْعَفِ.
قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِهِ: لَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَصْفَ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ ثَابِتٌ بِالْوَصْفِ، وَمُسَمَّى3 الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ جِنْسٌ
__________
1 في ش: الحكم.
2 انظر: الابهاج 3/42، المستصفى 2/320، روضة الناظر ص 304، نهاية السول 3/58، المحصول 2/2/228، شرح تنقيح الفصول ص 393".
3 في ع ب: ويسمى. وفي ز: وسمي.(4/183)
تَخْتَلِفُ1 أَنْوَاعُ مَدْلُولِهِ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، كَاخْتِلافِ أَنْوَاعِ مَدْلُولِ الْجِسْمِ وَالْحَيَوَانِ؛ وَلِهَذَا2 اخْتَلَفَ تَأْثِيرُ الْوَصْفِ فِي الْحُكْمِ تَارَةً بِالْجِنْسِ، وَتَارَةً بِالنَّوْعِ: احْتَجْنَا إلَى بَيَانِ مَرَاتِبِ جِنْسِ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ، وَمَعْرِفَةِ الأَخَصِّ مِنْهُمَا3 مِنْ الأَعَمِّ؛ لِيَتَحَقَّقَ لَنَا مَعْرِفَةُ أَنْوَاعِ تَأْثِيرِ الأَوْصَافِ فِي الأَحْكَامِ.
فَأَعَمُّ مَرَاتِبِ الْوَصْفِ: كَوْنُهُ وَصْفًا؛ لأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَنَاطًا لِلْحُكْمِ أَوْ لا يَكُونَ، إذْ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ طَرْدِيًّا غَيْرَ مُنَاسِبٍ لا يَصْلُحُ أَنْ يُنَاطَ بِهِ حُكْمٌ، فَكُلُّ مَنَاطٍ وَصْفٌ، وَلَيْسَ كُلُّ وَصْفٍ مَنَاطًا4، ثُمَّ كَوْنُهُ مَنَاطًا: أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَصْلَحَةً أَوْ لا. فَكُلُّ مَصْلَحَةٍ مَنَاطُ الْحُكْمِ5، وَلَيْسَ كُلُّ مَنَاطٍ مَصْلَحَةً، لِجَوَازِ أَنْ يُنَاطَ الْحُكْمُ بِوَصْفٍ تَعَبُّدِيٍّ، لا يَظْهَرُ وَجْهُ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ، ثُمَّ كَوْنُ الْوَصْفِ مَصْلَحَةً: لأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عَامَّةً، بِمَعْنَى أَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِمُطْلَقِ النَّفْعِ. وَقَدْ تَكُونُ خَاصَّةً، بِمَعْنَى كَوْنِهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورَاتِ6 وَالْحَاجَاتِ وَالتَّكَمُّلاتِ7.
وَأَمَّا الْحُكْمُ: فَأَعَمُّ مَرَاتِبِهِ كَوْنُهُ حُكْمًا؛ لأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ
__________
1 في ع ب: يختلف. وفي ش: يختلف باختلاف.
2 في ع: فلهذا.
3 في ش ز: منها.
4 في ش: مناط.
5 في ض: للحكم
6 في ض: الضروريات.
7 في ش: التكميلات(4/184)
وُجُوبًا، أَوْ تَحْرِيمًا، أَوْ صِحَّةً، أَوْ فَسَادًا، ثُمَّ كَوْنُهُ وَاجِبًا وَنَحْوَهُ - أَيْ مِنْ الأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ - وَهِيَ الْوَاجِبُ، وَالْحَرَامُ، وَالْمَنْدُوبُ، وَالْمَكْرُوهُ، وَالْمُبَاحُ، وَمَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ مِنْ الأَحْكَامِ الْوَضْعِيَّةِ1، إذْ الْوَاجِبُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً اصْطِلاحِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا، ثُمَّ كَوْنُهُ عِبَادَةً؛ لأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ، ثُمَّ كَوْنُهَا صَلاةً، إذْ كُلُّ صَلاةٍ عِبَادَةٌ، وَلَيْسَ كُلُّ عِبَادَةٍ صَلاةً، ثُمَّ كَوْنُهَا ظُهْرًا؛ لأَنَّ الصَّلاةَ أَعَمُّ مِنْ الظُّهْرِ، إذْ كُلُّ ظُهْرٍ صَلاةٌ، وَلَيْسَ كُلُّ صَلاةٍ ظُهْرًا.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ - أَعْنِي الأَعَمَّ وَالأَخَصَّ مِنْ الأَوْصَافِ وَالأَحْكَامِ - فَلْيُعْلَمْ أَنَّ تَأْثِيرَ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ يَتَفَاوَتُ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، فَتَأْثِيرُ الأَخَصِّ فِي الأَخَصِّ أَقْوَى أَنْوَاعِ التَّأْثِيرِ، 2كَمَشَقَّةِ التَّكْرَارِ فِي سُقُوطِ الصَّلاةِ3، وَالصِّغَرِ فِي وِلايَةِ النِّكَاحِ4.
__________
1 في ش: الوصفية.
2 في ش: بكشفه ذلك فهو أضعف أنواع التأثير كالتكرار. وفي ع ز ب: بكشفه التكرار.
3 إذ ظهر أثر المشقة والحرج في اسقاط الصلاة عن الحائض واسقاط قضائها عنها، كتأثير مشقة السفر في إسقاط قضاء الركعتين الساقطتين بالقصر. "المستصفى 2/319، روضة الناظر ص 304". قال الإسنوي في نهاية السول 3/57: كالمشقة المشتركة بين الحائض والمسافر في سقوط القضاء، فإنّ الشارع اعتبر جنس المشقة في نوع سقوط قضاء الركعتين. وإنّما جعلنا الأول جنسا ً والثاني نوعاً، لأنّ مشقّة السفر نوع مخالف لمشقة الحيض. وأمّا سقوط قضاء الرّكعتين بالنسبة إلى المسافر والحائض فهو نوع واحد. أهـ وانظر الابهاج 3/42.
4 قال الغزالي: فإنّ قياس الثيب الصغيرة على البكر الصغيرة في ولاية التزويج ربما =(4/185)
وَتَأْثِيرُ الأَعَمِّ فِي الأَعَمِّ يُقَابِلُ ذَلِكَ فَهُوَ أَضْعَفُ أَنْوَاعِ التَّأْثِيرِ.
وَتَأْثِيرُ الأَخَصِّ فِي الأَعَمِّ، وَعَكْسُهُ -وَهُوَ تَأْثِيرُ الأَعَمِّ فِي الأَخَصِّ- بَيْنَ ذَيْنِك الطَّرَفَيْنِ، إذْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قُوَّةٌ مِنْ جِهَةِ الأَخَصِّيَّةِ، وَضَعْفٌ مِنْ جِهَةِ الأَعَمِّيَّةِ، بِخِلافِ الطَّرَفَيْنِ إذْ الأَوَّلُ تَمَحَّضَتْ فِيهِ الأَخَصِّيَّةُ فَتَمَحَّضَتْ لَهُ الْقُوَّةُ. وَالثَّانِي تَمَحَّضَتْ فِيهِ الأَعَمِّيَّةُ، فَتَمَحَّضَ لَهُ الضَّعْفُ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: فَمَا1 ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ2 فِي الصَّلاةِ الْوَاجِبَةِ أَخَصُّ مِمَّا ظَهَرَ فِي الْعِبَادَةِ. وَمَا ظَهَرَ فِي الْعِبَادَةِ أَخَصُّ مِمَّا ظَهَرَ فِي الْوَاجِبِ، وَمَا ظَهَرَ فِي الْوَاجِبِ أَخَصُّ مِمَّا ظَهَرَ فِي الأَحْكَامِ3.
ثُمَّ قَالَ: فَلأَجَلْ تَفَاوُتِ دَرَجَاتِ الْجِنْسِيَّةِ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ تَتَفَاوَتُ4 دَرَجَاتُ الظَّنِّ. وَالأَعْلَى مُقَدَّمٌ عَلَى مَا دُونَهُ5 اهـ.
__________
= كان أقرب من بعض الوجوه من قياسه على ولاية المال، فإنّ الصغر إن أثّر في ولاية المال، فولاية البضع جنس آخر. فإذا ظهر أثره في حقّ الابن الصغير في نفس ولاية النكاح ربما كان أقرب من بعض الوجوه من قياسه على ولاية المال. "المستصفى 2/321".
1 في ز: فيما.
2 في ش: تأثير.
3 روضة الناظر ص 304.
4 في د ع ض: تفاوتت. وفي ش: بتفاوت.
5 روضة الناظر ص 304.(4/186)
" الْخَامِسُ " مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ "إثْبَاتُهَا بِالشَّبَهِ" بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ.
يُقَالُ: هَذَا شَبَهُ هَذَا وَشَبِيهُهُ، كَمَا يُقَالُ: مَثَلُهُ وَمَثِيلُهُ. وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ قِيَاسٍ؛ لأَنَّ الْفَرْعَ لا بُدَّ أَنْ يُشْبِهَ الأَصْلَ، لَكِنْ غَلَبَ1 إطْلاقُهُ عَلَى هَذَا النَّوْعِ الْخَامِسِ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ.
"وَهُوَ" أَيْ قِيَاسُ الشَّبَهِ فِي الاصْطِلاحِ "تَرَدُّدُ فَرْعٍ2 بَيْنَ أَصْلَيْنِ شَبَهُهُ" أَيْ الْفَرْعِ "بِأَحَدِهِمَا" أَيْ بِأَحَدِ الأَصْلَيْنِ "فِي الأَوْصَافِ" الْمُعْتَبَرَةِ فِي الشَّرْعِ "أَكْثَرُ" مِنْ الآخَرِ.
فَإِلْحَاقُ الْفَرْعِ بِأَحَدِ الأَصْلَيْنِ الَّذِي شَبَهُهُ بِهِ أَكْثَرُ: هُوَ قِيَاسُ الشَّبَهِ3. وَلا يَكُونَانِ أَصْلَيْنِ لِهَذَا الْفَرْعِ، حَتَّى يَكُونَ فِيهِ مَنَاطُ كُلٍّ
__________
1 في ز: غلبه. وفي ض: الأغلب.
2 في ش: نوع.
3 انظر تعريف قياس الشبه في "الجدل لابن عقيل ص 12، مختصر البعلي ص 149، روضة الناظر ص 312، اللمع ص 56، الوصول إلى مسائل الأصول 2/250 وما بعدها، أدب القاضي للماوردي 1/600، المعتمد 2/842، المحصول 2/2/277 وما بعدها، مفتاح الوصول ص 151، الإحكام للآمدي 3/423 وما بعدها، تيسير التحرير 4/53، البرهان 2/860 وما بعدها، مختصر الطوفي ص 163، المستصفى 2/310 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص 394، نهاية السول 3/63، ارشاد الفحول ص 219، الابهاج 3/49، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/286، شرح العضد 2/244".(4/187)
مِنْهُمَا1.
مِثَالُ ذَلِكَ: الْعَبْدُ فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْبَهِيمَةِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي التَّمْلِيكِ لَهُ. فَمَنْ قَالَ: يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، قَالَ: هُوَ إنْسَانٌ يُثَابُ وَيُعَاقَبُ، وَيَنْكِحُ وَيُطَلِّقُ، وَيُكَلَّفُ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَيَفْهَمُ وَيَعْقِلُ، وَ2هُوَ ذُو نَفْسٍ نَاطِقَةٍ3، فَأَشْبَهَ الْحُرَّ. وَمَنْ قَالَ: لا يَمْلِكُ4، قَالَ: هُوَ حَيَوَانٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَرَهْنُهُ وَهِبَتُهُ وَإِجَارَتُهُ وَإِرْثُهُ وَنَحْوُهَا، أَشْبَهَ الدَّابَّةَ.
وَكَذَا الْمَذْيُ، فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ5 بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ، فَمَنْ قَالَ بِنَجَاسَتِهِ قَالَ: هُوَ خَارِجٌ مِنْ الْفَرْجِ لا يُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ، وَلا 6يَجِبُ بِهِ الْغُسْلُ، أَشْبَهَ الْبَوْلَ. وَمَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ قَالَ: هُوَ خَارِجٌ تُحَلِّلُهُ الشَّهْوَةُ وَيَخْرُجُ أَمَامَهَا، أَشْبَهَ الْمَنِيَّ.
"وَيُعْتَبَرُ الشَّبَهُ حُكْمًا لا حَقِيقَةً" أَيْ فِي الْحُكْمِ لا فِي الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا7 وَالشَّافِعِيَّةِ8، وَلِهَذَا أَلْحَقُوا الْعَبْدَ
__________
1 في ش: منها.
2 ساقطة من ش.
3 المراد بالنفس الناطقة: المحصلة للعلوم بقوة الفكر "انظر شرح تنقيح الفصول ص 13".
4 في ض: انه لا يملك
5 في ع: تردد.
6 في ع: يوجب.
7 انظر مختصر البعلي ص 149، مختصر الطوفي ص 164.
8 انظر اللمع ص 56، الوصول إلى مسائل الأصول 2/252.(4/188)
الْمَقْتُولَ بِسَائِرِ الأَمْوَالِ الْمَمْلُوكَةِ فِي لُزُومِ قِيمَتِهِ عَلَى الْقَاتِلِ، بِجَامِعِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا1 يُبَاعُ وَيُشْتَرَى.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يُقَالَ فِي التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ: عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ. فَكَانَ التَّرْتِيبُ فِيهَا مُسْتَحَبًّا، أَصْلُهُ الصَّلاةُ. فَالْمُشَابَهَةُ فِي الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْبُطْلانُ بِالْحَدَثِ، وَلا تَعَلُّقَ لَهُ بِالتَّرْتِيبِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ شَبَهٍ2.
وَاعْتَبَرَ أَبُو بِشْرٍ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ابْنِ عُلَيَّةَ الْمُشَابَهَةَ فِي الصُّورَةِ دُونَ الْحُكْمِ، كَقِيَاسِ الْخَيْلِ عَلَى الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فِي سُقُوطِ3 الزَّكَاةِ وَقِيَاسِ الْحَنَفِيَّةِ فِي حُرْمَةِ اللَّحْمِ - أَيْ لَحْمِ الْخَيْلِ - عَلَى لَحْمِ الْحَمِيرِ، وَكَرَدِّ وَطْءِ الشُّبْهَةِ إلَى النِّكَاحِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ، وَوُجُوبِ الْمَهْرِ لِشَبَهِهِ4 فِي الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ فِي الأَحْكَامِ.
وَمُقْتَضَى ذَلِكَ: قَتْلُ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ، كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَلِهَذَا5 نَقَلَ عَنْهُ6 أَبُو7 الْمَعَالِي فِي الْبُرْهَانِ، كَابْنِ عُلَيَّةَ وَقَالَ: إنَّهُ أَلْحَقَ التَّشَهُّدَ الثَّانِيَ بِالأَوَّلِ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ. فَقَالَ:
__________
1 في ع ز ب: منهما
2 الوصول إلى مسائل الأصول للشيرازي 2/251.
3 ساقطة من ش.
4 في ش ض: بشبهه.
5 في ش: وهذا.
6 في ش: عن.
7. في ش: أبي.(4/189)
تَشَهُّدٌ فَلا يَجِبُ، كَالتَّشَهُّدِ الأَوَّلِ1.
وَنَحْوُ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ، إذْ قَالَ بِوُجُوبِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ؛ لأَنَّهُ أَحَدُ الْجُلُوسَيْنِ فِي تَشَهُّدِ الصَّلاةِ، فَوَجَبَ كَالتَّشَهُّدِ الأَخِيرِ.
"وَلا يُصَارُ إلَيْهِ" أَيْ إلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ "مَعَ" إمْكَانِ "قِيَاسِ الْعِلَّةِ" حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيُّ فِي التَّقْرِيبِ إجْمَاعًا.
"فَإِنْ عُدِمَ" إمْكَانُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ "فَحُجَّةٌ" أَيْ فَقِيَاسُ الشَّبَهِ حُجَّةٌ2 عِنْدَنَا3 وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ4، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لا عِبْرَةَ بِالْمُخَالِفِ لِمَا سَبَقَ فِي السَّبْرِ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ.
وَقِيلَ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَالتَّعْلِيلُ بِهِ فَاسِدٌ5. اخْتَارَهُ الْقَاضِي
__________
1 البرهان 2/861.
2 ساقطة من ض.
3 انظر الجدل لابن عقيل ص 12، مختصر البعلي ص 149، روضة الناظر ص 314، المسودة ص 374 وما بعدها، مختصر الطوفي ص 164.
4 انظر "المحصول 2/2/279 وما بعدها، أدب القاضي للماوردي 1/605 وما بعدها، المنخول ص 378، الإحكام للآمدي 3/427، البرهان 2/876، شرح تنقيح الفصول ص 395 وما بعدها، نهاية السول 3/65، مناهج العقول 3/63، نشر البنود 2/196، الإبهاج 3/50، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/287، شرح العضد 2/245، المنهاج للباجي ص 205".
5 انظر: المسودة ص 374 وما بعدها، ارشاد الفحول ص 220.
وقد ساق العلامة ابن القيم الحجج والأدلة على ردّة وإبطاله في اعلام الموقعين 1/148 وما بعدها.(4/190)
مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ1 وَالصَّيْرَفِيِّ وَالْبَاقِلاَّنِيّ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ2 لَكِنَّهُ عِنْدَ الْبَاقِلاَّنِيِّ صَالِحٌ؛ لأَنْ3 يُرَجَّحَ بِهِ.
وَقِيلَ: إنَّمَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي التَّعْلِيلِ إذَا كَانَ فِي قِيَاسِ فَرْعٍ قَدْ اجْتَذَبَهُ أَصْلانِ، فَيَلْحَقُ4 بِأَحَدِهِمَا بِغَلَبَةِ5 الاشْتِبَاهِ، وَيُسَمُّونَهُ قِيَاسَ غَلَبَةِ 6الاشْتِبَاهِ7.
" السَّادِسُ " مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ "الدَّوَرَانُ".
وَسَمَّاهُ الآمِدِيُّ8 وَابْنُ الْحَاجِبِ9: الطَّرْدُ10 وَالْعَكْسُ لِكَوْنِهِ بِمَعْنَاهُ.
__________
1 انظر فواتح الرحموت 2/302، تيسير التحرير 4/54.
2 اللمع ص 56، الوصول إلى مسائل الأصول 2/252، التبصرة ص 458.
3 في ز ب: لأنّه.
4 في ع: فيلتحق.
5 في جميع النسخ: بعلة.
6 في جميع النسخ: علة.
7 انظر "المحصول 2/2/279، المسودة ص 376، أدب القاضي للماوردي 1/605، المعتمد 2/843، التمهيد للإسنوي ص 465، نشر البنود 2/197، الابهاج 3/50، فتح الغفار 3/56، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/287".
8 الإحكام في اصول الأحكام 3/430.
9 مختصر ابن الحاجب وع شرحه للعضد 2/245.
10 ساقطة من ض.(4/191)
"وَهُوَ تَرَتُّبُ حُكْمٍ عَلَى وَصْفٍ وُجُودًا وَعَدَمًا1".
ثُمَّ الدَّوَرَانُ:
إمَّا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، كَالإِسْكَارِ فِي الْعَصِيرِ. فَإِنَّ الْعَصِيرَ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ الإِسْكَارُ كَانَ حَلالاً، فَلَمَّا حَدَثَ الإِسْكَارُ حَرُمَ، فَلَمَّا زَالَ الإِسْكَارُ وَصَارَ خَلاًّ صَارَ حَلالاً، فَدَارَ التَّحْرِيمُ مَعَ الإِسْكَارِ وُجُودًا وَعَدَمًا.
وَإِمَّا فِي مَحَلَّيْنِ، كَالطُّعْمِ مَعَ تَحْرِيمِ الرِّبَا فَإِنَّهُ لَمَّا وُجِدَ الطُّعْمُ فِي التُّفَّاحِ كَانَ رِبَوِيًّا، وَلَمَّا لَمْ يُوجَدْ 2فِي الْحَرِيرِ مَثَلاً لَمْ يَكُنْ رِبَوِيًّا، فَدَارَ جَرَيَانُ الرِّبَا مَعَ الطُّعْمِ، وَهَذَا الْمِثَالُ: إنَّمَا يَجْرِي عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ عِلَّةَ الرِّبَا الطُّعْمُ.
قَالَ الطُّوفِيُّ: لَكِنَّ الدَّوَرَانَ فِي صُورَةٍ أَقْوَى مِنْهُ فِي صُورَتَيْنِ، عَلَى مَا هُوَ مُدْرَكٌ ضَرُورَةً، أَوْ نَظَرًا ظَاهِرًا.
__________
1 انظر تعريفات الأصوليين للدوران "الطرد والعكس" في "نهاية السول 3/68، الابهاج 3/50، شرح العضد 2/246، روضة الناظر ص 308، مختصر البعلي ص 149، شفاء الغليل ص 266، التعريفات للجرجاني ص 56، فواتح الرحموت 2/302، مختصر الطوفي ص 162، مفتاح الوصول ص150، التلويح على التوضيح 2/580، شرح تنقيح الفصول ص 396، المحصول 2/2/285، نشر البنود 2/200، ارشاد الفحول ص 221، تيسير التحرير 4/49، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/288".
2 ساقطة من ش.(4/192)
"وَيُفِيدُ" الدَّوَرَانُ "الْعِلَّةَ ظَنًّا" عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا1، وَالْمَالِكِيَّةِ2 وَالشَّافِعِيَّةِ3 وَغَيْرِهِمْ.
وَقِيلَ: إنَّهُ يُفِيدُ الْعِلَّةَ قَطْعًا وَعَلَيْهِ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ4.
وَقِيلَ: وَلَعَلَّ مَنْ يَدَّعِي الْقَطْعَ إنَّمَا هُوَ مَنْ يَشْتَرِطُ ظُهُورَ الْمُنَاسَبَةِ فِي قِيَاسِ الْعِلَلِ مُطْلَقًا. وَلا يَكْتَفِي بِالسَّبْرِ وَلا بِالدَّوَرَانِ بِمُجَرَّدِهِ5، فَإِذَا6 انْضَمَّ7 الدَّوَرَانُ إلَى الْمُنَاسَبَةِ ارْتَقَى بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ إلَى الْيَقِينِ. .
وَقِيلَ: إنَّهُ لا يُفِيدُ بِمُجَرَّدِهِ الْعِلَّةَ8 قَطْعًا وَلا ظَنًّا.
__________
1 انظر روضة الناظر ص 309، مختصر البعلي ص 149، المسودة ص 406، 427، مختصر الطوفي ص 162.
2 انظر مفتاح الوصول للتلمساني ص 150، شرح تنقيح الفصول ص 396، نشر البنود 2/201.
3 انظر تحقيق مذهب أكثر الشافعيّة في اعتباره وخلاف بعض محققيهم في ذلك في "شفاء الغليل ص 267، المنخول ص 348، اللمع ص 62، الوصول إلى مسائل الأصول 2/284، المحصول 2/2/285، الابهاج 3/51، نهاية السول 3/68، مناهج العقول 3/65، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/289، ارشاد الفحول ص 221، تيسير التحرير 4/49، فواتح الرحموت 2/302، التلويح على التوضيح 2/580، البرهان 2/835، شرح العضد 2/246، الإحكام للآمدي 3/430".
4 انظر المعتمد 2/784.
5 في ع: بمجرد ظهوره.
6 في ز: فإن.
7 في ع:: انظم.
8 في ض: العلة مطلقاً.(4/193)
وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ - الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ، بِأَنَّهُ لَوْ دُعِيَ رَجُلٌ بِاسْمٍ فَغَضِبَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ1 يَغْضَبْ، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلا مَانِعَ: دَلَّ2 أَنَّهُ سَبَبُ الْغَضَبِ.
"وَ" حَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّ الدَّوَرَانَ يُفِيدُ الْعِلَّةَ ظَنًّا "لا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ نَفْيُ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ" أَيْ مِمَّا أَبْدَأَهُ عِلَّةً؛ لأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ3 ذَلِكَ لَلَزِمَ4 نَفْيُ سَائِرِ الْقَوَادِحِ، وَيَنْتَشِرُ5 الْبَحْثُ، وَيَخْرُجُ الْكَلامُ عَنْ الضَّبْطِ6.
وَمَنْ ادَّعَى وَصْفًا آخَرَ لَزِمَهُ إبْدَاؤُهُ. أَطْبَقَ7 عَلَى ذَلِكَ الْجَدَلِيُّونَ.
وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إلَى أَنَّهُ لا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ فِي حَقِّ الْمُنَاظِرِ، مُتَّجَهٌ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ، فَإِنَّ عَلَيْهِ تَمَامَ النَّظَرِ؛ لِتَحِلَّ لَهُ8 الْفَتْوَى9.
__________
1 في ش: فلم.
2 في ش: دل على.
3 في ش: لزم.
4 ساقطة من ع ب.
5 في ض: ويستنثر.
6 انظر شفاء الغليل ص 294.
7 في ع ب: وأطبق.
8 في ش: به.
9 شفاء الغليل للغزالي ص 294.(4/194)
"فَإِنْ أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا آخَرَ" أَيْ غَيْرَ مَا أَبْدَاهُ الْمُسْتَدِلُّ، فَإِنْ كَانَ مَا أَبْدَاهُ الْمُعْتَرِضُ قَاصِرًا "تَرَجَّحَ جَانِبُ الْمُسْتَدِلِّ بِالتَّعْدِيَةِ" أَيْ بِكَوْنِ1 وَصْفِهِ مُتَعَدِّيًا. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى تَرْجِيحِ الْمُتَعَدِّيَةِ2 عَلَى3 الْقَاصِرَةِ.
"فَإِنْ تَعَدَّى إلَى الْفَرْعِ" الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بُنِيَ عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ، وَ "لَمْ يَضُرَّ" إلاَّ عِنْدَ مَانِعِ عِلَّتَيْنِ.
"وَإِنْ تَعَدَّى" مَا أَبْدَاهُ الْمُعْتَرِضُ "إلَى فَرْعٍ آخَرَ" أَيْ4 غَيْرِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ "طُلِبَ التَّرْجِيحُ" أَيْ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ عَلَى الآخَرِ، بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، فَلَوْ كَانَ وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ غَيْرَ مُنَاسِبٍ، وَوَصْفُ الْمُعْتَرِضِ مُنَاسِبًا5: قُدِّمَ قَطْعًا.
"وَالطَّرْدُ: مُقَارَنَةُ الْحُكْمِ لِلْوَصْفِ بِلا مُنَاسَبَةٍ" لا بِالذَّاتِ وَلا بِالتَّبَعِ6.
__________
1 في ض: بكونه. وفي ع ب ز: يكون.
2 في ش: التعدية.
3 ساقطة من ش.
4 في ش: أي فرع.
5 في ع: مناسب.
6 انظر تعريف الطرد في "نشر البنود 2/202، ارشاد الفحول ص 220، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/291، نهاية السول 3/73، مناهج العقول 3/72، الإبهاج 3/55، التعريفات للجرجاني ص 74، الحدود للباجي ص 74، الكافية للجويني ص 65".(4/195)
مِثَالُهُ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْخَلِّ وَنَحْوِهِ: الْخَلُّ مَائِعٌ لا يُبْنَى عَلَى جِنْسِهِ الْقَنَاطِرُ، وَلا يُصَادُ مِنْهُ السَّمَكُ، وَلا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، أَوْ1 لا يَنْبُتُ فِيهِ الْقَصَبُ، أَوْ2 لا تَعُومُ3 فِيهِ الْجَوَامِيسُ، أَوْ4 لا يُزْرَعُ عَلَيْهِ الزَّرْعُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلا تُزَالُ5 بِهِ النَّجَاسَةُ. كَالدُّهْنِ.
وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ فِي6 مَسِّ الذَّكَرِ طَوِيلٌ مَمْشُوقٌ. فَلا يَجِبُ بِمَسِّهِ الْوُضُوءُ كَالْبُوقِ.
وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ فِي طَهَارَةِ الْكَلْبِ: حَيَوَانٌ مَأْلُوفٌ لَهُ شَعْرٌ كَالصُّوفِ، فَكَانَ طَاهِرًا كَالْخَرُوفِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمُقَارَنَةِ ثَلاثَةَ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَعَلَيْهِ جَرَى جَمْعٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ7 فِيهِ، وَيُشْعِرُ بِهِ كَلامُ جَمَاعَةٍ أَيْضًا، حَيْثُ قَالُوا: إنَّهُ وُجُودُ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْوَصْفِ.
__________
1 في ع: و.
2 في ع: و.
3 في ع ز ض ب: لا تقوم.
4. في ع: و.
5 في ع ز ب: فلا يزال
6 في ش: في طهارة الكلب حيوان مألوف.
7 انظر حاشية البناني 2/291.(4/196)
الثَّانِيَةُ: الْمُقَارَنَةُ1 فِيمَا سِوَى صُورَةِ النِّزَاعِ، وَهُوَ الَّذِي عَزَاهُ فِي الْمَحْصُولِ2 لِلأَكْثَرِينَ. وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ3، فَيَثْبُتُ حِينَئِذٍ الْحُكْمُ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ إلْحَاقًا لِلْفَرْدِ4 بِالأَعَمِّ الأَغْلَبِ. فَإِنَّ الاسْتِقْرَاءَ5 يَدُلُّ عَلَى إلْحَاقِ النَّادِرِ بِالْغَالِبِ.
وَهَذَا6 ضَعِيفٌ؛ لأَنَّهُ7 لَيْسَ كُلُّ نَادِرٍ يُلْحَقُ بِالْغَالِبِ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ 8مِنْ النُّقُوضِ.
وَأَيْضًا فَلا يَلْزَمُ مِنْ عِلِّيَّةِ الاقْتِرَانِ كَوْنُهُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ.
الثَّالِثَةُ: الْمُقَارَنَةُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. لأَنَّ9 مُسْتَنَدَ الْقَائِلِ بِالطَّرْدِ: غَلَبَةُ الظَّنِّ عِنْدَ التَّكَرُّرِ10، وَالْفَرْضُ عَدَمُهُ.
__________
1 في ض: هو المقارنة.
2 المحصول 2/2/305.
3 المنهاج مع شرحه نهاية السول 3/72.
4 في ض: للمفرد.
5 في ش: الاستقرار.
6 في ع: وهو.
7 في ز: لأن.
8 ساقطة من ش.
9 ساقطة من ش.
10 في ع ض: التكرار.(4/197)
"وَلَيْسَ" الطَّرْدُ "دَلِيلاً وَحْدَهُ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ؛ لأَنَّهُ لا يُفِيدُ عِلْمًا وَلا ظَنًّا فَهُوَ تَحَكُّمٌ1.
قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُ: قِيَاسُ2 الْمَعْنَى تَحْقِيقٌ وَالشَّبَهُ: تَقْرِيبٌ، وَالطَّرْدُ: تَحَكُّمٌ.
وَبَالَغَ الْبَاقِلاَّنِيُّ فَقَالَ: مَنْ طَرَدَ عَنْ3 غَرَرٍ فَجَاهِلٌ. وَمَنْ مَارَسَ الشَّرِيعَةَ وَاسْتَجَازَهُ فَهَازِئٌ بِالشَّرِيعَةِ.
وَقِيلَ: إنَّهُ حُجَّةٌ مُطْلَقًا، وَتَكْفِي الْمُقَارَنَةُ وَلَوْ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ 4وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا.
"وَتَنْقَسِمُ الْعِلَّةُ" سَوَاءٌ كَانَتْ "عَقْلِيَّةً أَوْ شَرْعِيَّةً إلَى مَا تُؤَثِّرُ فِي مَعْلُولِهَا كَوُجُودِ عِلَّةِ الأَصْلِ فِي الْفَرْعِ" مُؤَثِّرٌ فِي نَقْلِ حُكْمِهِ "وَإِلَى مَا يُؤَثِّرُ فِيهَا مَعْلُولُهَا كَالدَّوَرَانِ" الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ.
__________
1 انظر "المسودة ص 427، المستصفى 2/309، مختصر الطوفي ص 162، الوصول إلى مسائل الأصول 2/288، اللمع ص 63، التبصرة ص 460، المعتمد 2/786، المحصول 2/2/305 وما بعدها، نشر البنود 2/203، ارشاد الفحول ص 221، تيسير التحرير 4/52، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/292، الابهاج 3/55، نهاية السول 3/73، مناهج العقول 3/73، المنخول ص 340".
2 ساقطة من ض.
3 في ش: من.
4 ساقطة من ش. وفي ض: لأنّه ضعيف جداً.(4/198)
"فَوَائِدُ" تَتَعَلَّقُ بِتَفْسِيرِ بَعْضِ أَلْفَاظٍ اصْطَلَحَ عَلَيْهَا أَهْلُ الأُصُولِ وَالْجَدَلِ
الأُولَى "الْمَنَاطُ": وَهُوَ مَفْعَلٌ مِنْ نَاطَ نِيَاطًا1، أَيْ عَلَّقَ، فَهُوَ2 مَا نِيطَ3 بِهِ الْحُكْمُ4، أَيْ عُلِّقَ بِهِ، وَهُوَ5 الْعِلَّةُ الَّتِي رُتِّبَ6 عَلَيْهَا الْحُكْمُ فِي الأَصْلِ. يُقَالُ: نُطْت الْحَبْلَ بِالْوَتَدِ أَنُوطُهُ نَوْطًا: إذَا عَلَّقْته7، وَمِنْهُ: " ذَاتُ أَنْوَاطٍ "، شَجَرَةٌ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعَلِّقُونَ8 فِيهَا سِلاحَهُمْ وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي الْحَدِيثِ9.
__________
1 في ش: نوطاً. وفي ب: يناط.
2 ساقطة من ع.
3 في ش: منوط، وفي ع: ما ينوط.
4 في ع: فهو الحكم.
5 في ش: وهي.
6 في ش ض: ترتب.
7 انظر الصحاح للجوهري 3/1165، لسان العرب 7/418.
8 في ش: يعقلون.
9 حيث روى الترمذي في سننه وأحمد في مسنده عن أبي واقد الليثي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى خيبر مرّ بشجرة للمشركين يقال لها "ذات أنواط" يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله، هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة. والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. "انظر عارضة الأحوذي 9/27، مسند أحمد 5/218".(4/199)
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَالْمَنَاطُ "مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ"1.
وَتَنْقِيحُهُ: تَخْلِيصُهُ وَتَهْذِيبُهُ، يُقَالُ: نَقَّحْت الْعَظْمَ: إذَا اسْتَخْرَجْت مُخَّهُ2.
وَتَخْرِيجُهُ: اسْتِنْبَاطُهُ، أَيْ اسْتِخْرَاجُ مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ. وَهُوَ إضَافَةُ حُكْمٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّرْعُ لِعِلَّتِهِ إلَى وَصْفٍ مُنَاسِبٍ3 فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ4 بِالسَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ.
"وَتَحْقِيقُهُ": أَيْ تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ "إثْبَاتُ الْعِلَّةِ فِي آحَادِ صُوَرِهَا" بِالنَّظَرِ وَالاجْتِهَادِ فِي مَعْرِفَةِ وُجُودِهَا فِي آحَادِ الصُّوَرِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا فِي نَفْسِهَا.
"فَإِنْ عُلِمَتْ الْعِلَّةُ بِنَصٍّ" كَجِهَةِ الْقِبْلَةِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ وُجُوبِ اسْتِقْبَالِهَا الْمُشَارِ إلَيْهِ. بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ
__________
1 قال الشوكاني في ارشاد الفحول ص 221: "المناط: هو العلة. قال ابن دقيق العيد: وتعبيرهم عن العلة بالمناط من باب المجاز اللغوي، لأنّ الحكم لمّا علِّق بها كان كالشيء المحسوس الذي تعلّق بغيره، فهو من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، وصار ذلك في اصطلاح الفقهاء بحيث لا يفهم عند الإطلاق غيره" أهـ. وانظر معنى المناط في نشر البنود 2/171، المستصفى 2/230، شرح تنقيح الفصول ص 388.
2 انظر الصحاح 1/413، لسان العرب 2/624.
3 في ش: يناسب.
4 في ض: مجتهد.(4/200)
شَطْرَهُ} 1 وَكَالإِشْهَادِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} 2 "أَوْ" عُلِمَتْ الْعِلَّةُ بِـ "إجْمَاعٍ" كَتَحْقِيقِ الْمِثْلِ3 فِي قَوْله تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ4 النَّعَمِ} 5 فَجِهَةُ الْقِبْلَةِ: مَنَاطُ وُجُوبِ اسْتِقْبَالِهَا وَمَعْرِفَتُهَا عِنْدَ الاشْتِبَاهِ: مَظْنُونٌ، وَالْعَدَالَةُ: مَنَاطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَمَعْرِفَتُهَا فِي الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ: مَظْنُونَةٌ، وَكَالْمِثْلِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ، أَوْ اسْتِنْبَاطٍ كَالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ تَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ "اُحْتُجَّ بِهِ".
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَغَيْرُهُ: وَلا نَعْرِفُ خِلافًا فِي صِحَّةِ الاحْتِجَاجِ بِهِ، إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مَعْلُومَةً بِالنَّصِّ أَوْ الإِجْمَاعِ، إنَّمَا الْخِلافُ فِيمَا إذَا كَانَ مَدْرَكُ6 مَعْرِفَتِهَا الاسْتِنْبَاطَ7.
وَذَكَرَ الْمُوَفَّقُ وَالْفَخْرُ وَالطُّوفِيُّ مِنْ جُمْلَةِ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ: اعْتِبَارَ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي أَمَاكِنِهَا، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ" فَيُعْتَبَرُ الأَمْرُ فِي كُلِّ طَائِفٍ8.
__________
1 الآية 144 من البقرة.
2 الآية 2 من الطلاق.
3 في ز: المثله.
4 في ش: عن.
5 الآية 95 من المائدة.
6 في ض: مركز.
7 انظر الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/435 وما بعدها.
8 انظر روضة الناظر ص 277، مختصر الطوفي ص 145.(4/201)
قَالَ الْمُوَفَّقُ1: وَهُوَ قِيَاسٌ جَلِيٌّ، أَقَرَّ بِهِ جَمَاعَةٌ [مِمَّنْ يُنْكِرُ الْقِيَاسَ2] .
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَلَيْسَ ذَلِكَ قِيَاسًا لِلاتِّفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ3.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: نَعَمْ، هَلْ يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ بِتَحْقِيقِ الْمَنَاطِ. أَمْ يُكْتَفَى بِالظَّنِّ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ. ثَالِثُهَا: الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ وَصْفًا شَرْعِيًّا، فَيُكْتَفَى فِيهِ بِالظَّنِّ. أَوْ حَقِيقِيًّا أَوْ4 عُرْفِيًّا فَيُشْتَرَطَ الْقَطْعُ بِوُجُودِهِ.
قَالَ: وَهَذَا أَعْدَلُ الأَقْوَالِ اهـ.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَتَخْرِيجُ5 الْمَنَاطِ: اسْتِخْرَاجُ وَصْفٍ مُنَاسِبٍ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عِلَّةُ ذَلِكَ الْحُكْمِ6.
__________
1 روضة الناظر ص 277.
2 زيادة من كلام الموفق في الروضة يقتضيها السياق.
3 ساقطة من ض.
4 ساقطة من ع.
5 في ش: فتحرير.
6 انظر تعريفات الأصوليين لتخريج المناط في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/273، روضة الناظر ص 278، نشر البنود 2/170، تيسير التحرير 4/43، الابهاج 3/58، مختصر الطوفي ص 146، مناهج العقول 3/50، شرح العضد 2/239، نهاية السول 3/74، الإحكام للآمدي =(4/202)
وَتَنْقِيحُهُ: أَنْ يَبْقَى مِنْ الأَوْصَافِ1 مَا يَصْلُحُ، وَيُلْغَى بِالدَّلِيلِ2 مَا لا يَصْلُحُ3.
وَتَحْقِيقُهُ: أَنْ يَجِيءَ إلَى وَصْفٍ دَلَّ عَلَى عِلِّيَّتِهِ4 نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ الطُّرُقِ، وَلَكِنْ يَقَعُ الاخْتِلافُ فِي وُجُودِهِ فِي صُورَةِ5 النِّزَاعِ فَيُحَقَّقُ6 وُجُودُهَا فِيهِ7.
وَمُنَاسَبَةُ التَّسْمِيَةِ فِي الثَّلاثَةِ ظَاهِرَةٌ؛ لأَنَّهُ أَوَّلاً اسْتَخْرَجَهَا مِنْ
__________
= 3/436، شرح تنقيح الفصول ص 389، الموافقات 4/96، المستصفى 2/233".
1 في ش: الأحكام.
2 في ض ب: من الدليل.
3 انظر تعريفات الأصوليين لتنقيح المناط في "روضة الناظر ص277، مختصر الطوفي ص 146، المحصوص 2/2/315، التلويح على التوضيح 2/580، مفتاح الوصول ص 147، المسودة ص 387، تيسير التحرير 4/42، مناهج العقول 3/73، نهاية السول 3/74، الابهاج 3/56، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/292، شفاء الغليل ص 412، الإحكام للآمدي 3/436، نشر البنود 2/204، ارشاد الفحول ص 221، شرح تنقيح الفصول ص 389، 398، الموافقات 4/95، المستصفى 2/231".
4 في ض: علية.
5 في ض: صور.
6 في ش ض: فيتحقق.
7 انظر تعريفات الأصوليين لتحقيق المناط في "نهاية السول 3/74، الابهاج 3/57، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/293، روضة الناظر ص 277، الموافقات 4/90، شرح تنقيح الفصول ص 389، مختصر الطوفي ص 145، الإحكام للآمدي 3/435، نشر البنود 2/207 وما بعدها، ارشاد الفحول ص 222".(4/203)
مَنْصُوصٍ فِي حُكْمٍ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ عَلَى عِلَّتِهِ، ثُمَّ1 جَاءَ فِي أَوْصَافٍ قَدْ ذُكِرَتْ فِي التَّعْلِيلِ فَنَقَّحَ النَّصَّ، وَنَحْوَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَخَذَ مِنْهُ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً، وَأَلْغَى غَيْرَهُ. ثُمَّ لَمَّا نُوزِعَ فِي كَوْنِ الْعِلَّةِ لَيْسَتْ فِي الْمَحَلِّ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بَيَّنَ أَنَّهَا فِيهِ، وَحَقَّقَ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"وَمَدَارُ الْحُكْمِ: مُوجِبُهُ، أَوْ مُتَعَلِّقُهُ2"
"وَلازِمُهُ": أَيْ لازِمُ الْحُكْمِ "مَا لا يَثْبُتُ الْحُكْمُ مَعَ عَدَمِهِ"3.
فَيَكُونُ لازِمُ الْحُكْمِ أَعَمَّ مِنْ الشَّرْطِ؛ لِدُخُولِ4 الشَّرْطِ
__________
1 ساقطة من ش.
2 من الدوران، وهو لغة: الطواف حول الشيء. واصطلاحاً: هو ترتب الشيء على الشيء الذي له صلوح العليّة. كترتب الاسهال على شرب السقمونيا.
ويسمى الشيء الأول المترتب: دائراً. والثاني المترتب عليه: مداراً، وهو على ثلاثة أقسام "الأول" أن يكون المدار مداراً للدائر وجوداً لا عدماً، كشرب السقمونيا للإسهال. فإنه إذا وجِد وجد الإسهال، وأما إذا عدم فلا يلزم عدم الإسهال، لجواز حصوله بأمر آخر، "والثاني" أن يكون المدار مداراً للدائر عدماً لا وجوداً، كالحياة للعلم في أنها إذا لم توجد لم يوجد العلم، وأما إذا وجدت فلا يلزم أن يوجد العلم. "والثالث" أن يكون المدار مداراً للدائر وجوداً وعدماً كالزنا الصادر عن المحصن لوجوب الرجم عليه، فإنه كلما وجد وجب الرجم، وكلما لم يوجد لم يجب. قاله الجرجاني في التعريفات ص 56 وأبو البقاء الكفوي في الكليات 2/336.
3 قال أبو البقاء الكفوي: "وفرق بين اللازم من الشيء ولازم الشيء بأنّ أحدهما علة الآخر في الأول بخلاف الثاني". "الكليات 4/168".
وانظر تفصيل الكلام على الملازمة وأقسامها في التعريفات للجرجاني ص 120، وعلى اللزوم وأنواعه واللازم وأقسامه في الكليات 4/169.
4 في ش: فدخول.(4/204)
وَالْعِلَّةِ وَالسَّبَبِ وَجُزْئِهِ وَمَحَلِّ الْحُكْمِ فِيهِ.
"وَمَلْزُومُهُ" أَيْ مَلْزُومُ1 الْحُكْمِ "مَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودُهُ" أَيْ وُجُودُ الْمَلْزُومِ "وُجُودَ الْحُكْمِ"2.
قَالَهُ3 أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي الإِيضَاحِ فِي الْجَدَلِ. وَيُقَالُ: "مَدَارُ الْحُكْمِ عَلَى كَذَا"، أَيْ يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ عَلَى وُجُودِ كَذَا.
__________
1 في ع ض ب: ما يلزم
2 من الاستلزام الذي هو عبارة عن امتناع الانفكاك، حيث يمتنع فيه وجود الملزوم بدون اللازم. " الكليات 1/258".
3. في ش ز ب: قاله(4/205)
فصل: تقسيم القياس ياعتبار قوته وضعفه
...
"فصل"
يَنْقَسِمُ الْقِيَاسُ بِاعْتِبَارِ قُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ إلَى جَلِيٍّ وَخَفِيٍّ1.
فَـ "مَا قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ" كَقِيَاسِ الأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي السِّرَايَةِ وَغَيْرِهَا فِي الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ2 يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ ... " الْحَدِيثَ3 "فَإِنَّا نَقْطَعُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ الذُّكُورَةَ وَالأُنُوثَةَ فِيهِ.
__________
1 انظر كلام الأصوليين على تقسيم القياس بهذا الاعتبار في "أدب القاضي للماوردي 1/586-600، الإحكام للآمدي 4/3، المنهاج للباجي ص 26، الجدل لابن عقيل ص 11، التلويح على التوضيح 2/589، اللمع ص 55، الوصول إلى مسائل الأصول 2/244 وما بعدها، المنخول ص 334، مختصر البعلي ص 150، المحصول 2/2/170، شرح العضد 2/247، نشر البنود 2/249، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/339، إرشاد الفحول ص 222، نهاية السول 3/29، تيسير التحرير 4/76".
2 في ز: ما.
3 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنه. وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه. "انظر صحيح البخاري 3/111، صحيح مسلم 3/1286، سنن النسائي 7/281، بذل الجهود 16/276، عارضة الأحوذي 6/92، سنن ابن ماجة 2/844، مسند أحمد 1/56".(4/207)
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ" نَقْطَعُ1 أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي مَعْنَاهُ.
وَمِثْلُهُ قِيَاسُ الصَّبِيَّةِ عَلَى الصَّبِيِّ فِي حَدِيثِ "مُرُوهُمْ بِالصَّلاةِ2 لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ" فَإِنَّا نَقْطَعُ أَيْضًا بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ الذُّكُورَةَ وَالأُنُوثَةَ.
"أَوْ نُصَّ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عَلَى عِلَّتِهِ "أَوْ أُجْمِعَ عَلَى عِلَّتِهِ" وَتَقَدَّمَتْ أَمْثِلَتُهُمَا.
"فَـ" هُوَ3 فِي4 الصُّوَرِ الثَّلاثِ "قِيَاسٌ جَلِيٌّ".
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ وَلَمْ تَكُنْ عِلَّتُهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا، 5أَوْ لَمْ تَكُنْ6 مُجْمَعًا عَلَيْهَا "فَخَفِيٌّ"؛ لأَنَّ احْتِمَالَ تَأْثِيرِ الْفَارِقِ فِيهِ قَوِيٌّ.
وَذَلِكَ كَقِيَاسِ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ عَلَى الْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ فِي وُجُوبِ
__________
1 في ض ب: يقطع. وفي ش: فإنا نقطع.
2 ساقطة من ع.
3 في ش: كل.
4 في ش: من.
5 ساقطة من ض.
6 في ش ز: يكن.(4/208)
الْقِصَاصِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ فِي الْمُثْقَلِ1.
"وَ" يَنْقَسِمُ الْقِيَاسُ أَيْضًا "بِاعْتِبَارِ عِلَّتِهِ" إلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ: قِيَاسُ عِلَّةٍ، وَقِيَاسُ دَلالَةٍ، وَقِيَاسٌ فِي مَعْنَى الأَصْلِ2.
ثُمَّ "إنْ صُرِّحَ فِيهِ3" أَيْ فِي الْقِيَاسِ "بِهَا" أَيْ بِالْعِلَّةِ، بِأَنْ كَانَ الْقِيَاسُ بِذِكْرِ الْجَامِعِ4 وَكَانَ الْجَامِعُ هُوَ الْعِلَّةَ "فَ" هُوَ "قِيَاسُ عِلَّةٍ" كَقَوْلِنَا فِي الْمُثَقَّلِ: قَتْلٌ عَمْدٌ عُدْوَانٌ، فَيَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ كَالْجَارِحِ.
وَإِنْ كَانَ الْجَامِعُ وَصْفًا لازِمًا مِنْ لَوَازِمِ الْعِلَّةِ وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَإِنْ جُمِعَ فِيهِ" أَيْ فِي الْقِيَاسِ "بِمَا يُلازِمُهَا" أَيْ الْعِلَّةِ كَقِيَاسِ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ بِجَامِعِ الرَّائِحَةِ الْفَائِحَةِ الْمُلازِمَةِ لِلشِّدَّةِ
__________
1 وخالفه في ذلك صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن وقالا بوجوب القصاص في القتل بالمثقّل. انظر دليل الإمام على قوله ووجهة نظر الصاحبين في "بدائع الصنائع 10/4618، رد المحتار 5/349، تبيين الحقائق 6/100، البناية على الهداية 10/5".
2 انظر كلام الأصوليين في تقسيم القياس بهذا الاعتبار في "إعلام الموقعين 1/133 وما بعدها، الإحكام للآمدي 4/4، المنهاج للباجي ص 26 وما بعدها، مفتاح الوصول ص 155، الجدل لابن عقيل ص 13، اللمع ص 55 وما بعدها، الوصول إلى مسائل الأصول 2/243 وما بعدها، مختصر البعلي ص 150، شرح العضد 2/247، إرشاد الفحول ص 222، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/341".
3 في ض: به.
4 في ش: الجامع وصفاً لازماً من لوازم.(4/209)
الْمُطْرِبَةِ؛ لأَنَّ الرَّائِحَةَ لَيْسَتْ نَفْسَ الْعِلَّةِ.
أَوْ جُمِعَ فِي الْقِيَاسِ بِأَثَرٍ مِنْ آثَارِ الْعِلَّةِ، كَقَوْلِنَا1 فِي الْمُثْقَلِ: قَتْلٌ أَثِمَ بِهِ فَاعِلُهُ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَتْلٌ فَوَجَبَ2 فِيهِ الْقِصَاصُ كَالْجَارِحِ، فَالإِثْمُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْعِلَّةِ3 لا نَفْسُهَا.
أَوْ جُمِعَ فِي الْقِيَاسِ بِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الْعِلَّةِ، كَقَوْلِنَا فِي قَطْعِ الأَيْدِي بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ: قَطْعٌ يَقْتَضِي وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ. فَيَكُونُ وُجُوبُهُ كَوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ، فَوُجُوبُ الدِّيَةِ لَيْسَ عَيْنَ عِلَّةِ الْقِصَاصِ، بَلْ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهَا.
وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ "أَوْ4 بِأَحَدِ مُوجِبِهَا5" يَعْنِي: أَوْ جُمِعَ فِي الْقِيَاسِ6 بِأَحَدِ مُوجِبَيْ الْعِلَّةِ "فِي الأَصْلِ" الْمَقِيسِ عَلَيْهِ "لِمُلازَمَةِ الآخَرِ، فَـ" هُوَ "قِيَاسُ دَلالَةٍ".
وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ، وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَمَا جُمِعَ بِنَفْيِ الْفَارِقِ" كَإِلْحَاقِ الْبَوْلِ فِي إنَاءٍ، ثُمَّ يَصُبُّهُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ بِالْبَوْلِ فِيهِ7 "فَ" هُوَ "قِيَاسٌ فِي مَعْنَى الأَصْلِ".
__________
1 في ض: بالمثفل.
2 في ض: وجب.
3 في ش: العلة كقولنا في قطع الأيدي باليد.
4 ساقطة من ع.
5 في ش: موجبيها.
6 في ش: القصاص.
7 ساقطة من ش.(4/210)
وَمَثَّلَ ابْنُ الْحَاجِبِ1 مَا يَكُونُ الْجَامِعُ فِيهِ بِلازِمِ الْعِلَّةِ: بِقِيَاسِ قَطْعِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ2 عَلَى قَتْلِهِمْ بِالْوَاحِدِ، بِوَاسِطَةِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْجَمِيعِ. فَإِنَّ الْجَامِعَ - الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى الْجَمَاعَةِ - لازِمُ3 الْعِلَّةِ فِي الأَصْلِ، وَهِيَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ، وَوُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ إنَّمَا هُوَ أَحَدُ مُوجِبَيْ الْعِلَّةِ، الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ، لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مُوجِبِهَا الآخَرِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ.
"ويجوز التعبد بالقياس" في الشرعيات "عقلا" عند الأئمة الأربعة4 وغيرهم، خلافا للشيعة، وجماعة من معتزلة بغداد.
قال البرماوي: ومنهم من منعه عقلا. فقيل: لأنه قبيح في نفسه فيحرم. وقيل: لأنه يجب على الشارع أن يستنصح لعباده
__________
1 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/247.
2 أي إذا اشتركوا في قطع يده. "شرح العضد 2/248".
3 في ش ز: بلازم. وفي ض: لازمة. وفي د: ملازمة.
4 انظر "فواتح الرحموت 2/310، المستصفى 2/239، إرشاد الفحول ص 199، نهاية السول 3/10، مناهج العقول 3/8، الإبهاج 3/5، التبصرة ص 419، الوصول لابن برهان 2/232، منتهى السول والأمل ص 186، الإحكام للآمدي 4/5، اللمع ص 54، شرح العضد 2/248، مختصر البعلي ص 150، الجدل لابن عقيل ص 13، مختصر الطوفي ص 146، المعتمد 2/706، المسودة ص 367، فتح الغفار 3/10، البرهان 2/753، روضة الناظر ص 279، تيسير التحرير 4/104".(4/211)
وينص لهم على الأحكام كلها، وهذا على رأي المعتزلة المعلوم فساده.
وأوجب التعبد به القاضي و1أبو الخطاب والقفال وأبو الحسين2 3البصري.
ومعنى التعبد به4 عقلا: أنه يجوز أن يقول الشارع: إذا ثبت حكم في صورة، 5ووجد في صورة5 أخرى مشاركة للصورة الأولى 6في وصف6، وغلب على ظنكم أن هذا الحكم في الصورة الأولى معلل بذلك الوصف، فقيسوا الصورة الثانية على الأولى.
استدل للمذهب الأول الصحيح بأنه7 لا يمتنع8 عقلا أن يقول الشارع: حرمت الخمر لإسكارها، فقيسوا عليها ما في معناها؛ لأن هذا يتضمن دفع9 ضرر مظنون، وهو واجب
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ع ض ب: الحسن. وفي ز: حسين. انظر المعتمد 2/725.
3 ساقطة من ش.
4 ساقطة من ض.
5 ساقطة من ش.
6 ساقطة من ض.
7 في ش: أنه.
8 في ش: يمنع.
9 في ش: رفع.(4/212)
عقلا، فالقياس واجب عقلا، والوجوب1، يستلزم الجواز.
وقال المخالف: العقل يمنع من وقوع ما فيه2 خطأ؛ لأنه3 محذور.
رد4: منع احتياطا لا إحالة5، ثم لا منع6 مع ظن الصواب، بدليل العموم وخبر7 الواحد والشهادة.
"و" على القول بالجواز "وقع شرعا" عند المعظم8 من أصحابنا8 وغيرهم9.
ومنعه داود وابنه والقاشاني10
__________
1 في ش: فالوجوب.
2 ساقطة من ض.
3 في ض: لأنه فيه.
4 في ع: ورد.
5 في ز: إخالة.
6 في ع: لا يمنع.
7 في ش: خير.
8 ساقطة من ش.
9 انظر روضة الناظر ص 279، مختصر البعلي ص 150، المعتمد 2/724، البرهان 2/764، تيسير التحرير 4/108، الوصول لابن برهان 2/243، منتهى السول والأمل ص 188، الإحكام للآمدي 4/31، شرح العضد 2/251، فواتح الرحموت 2/311، المستصفى 2/234".
10 كذا في ش ز ب ض، وفي ع: الفاشاني.
والصواب: القاساني. بالقاف والسين المهملة، نسبة إلى قاسان، بلدة =(4/213)
والنهرواني1 وبعض أصحابنا وجمع، وهو رواية عن أحمد رحمه الله. وحملها القاضي وابن عقيل على قياس خالف نصا. وابن رجب على2 من لم يبحث عن الدليل، أو لم يحصل شروطه.
__________
= قرب "قم" كما قال الحافظ ابن حجر في تبصير المنتبه 3/1146 وكذا ضبطه السعد التفتازاني في حاشيته على شرح العضد 2/58، والزركشي عند التعريف بالرجال المذكورين في مختصر ابن الحاجب ومنهاج البيضاوي من كتابه "المعتبر" ص 278، وابن النديم في الفهرست ص 267، والشيرازي في التبصرة ص 419، والجويني في البرهان 2/774، والماوردي في أدب القاضي 1/559، وصاحب تيسير التحرير 4/106، والشوكاني في إرشاد الفحول ص 200 وغيرهم.
والقاساني: هو محمد بن إسحاق، أبو بكر. قال الشيرازي: "حمل العلم عن داود، إلا أنه خالفه في مسائل كثيرة في الأصول والفروع". وقال الزركشي: "كان القاساني من أصحاب داود ينفي القول بالقياس، وكان يدعي نقض الرسالة على الشافعي". "انظر ترجمته في طبقات الفقهاء للشيرازي ص 176، المعتبر للزركشي ص 279، اللباب لابن الأثير 3/7، تبصير المنتبه 3/1147، الفهرست لابن النديم ص 267".
1 قال الزركشي في قسم التعريف برجال المنهاج والمختصر من كتابه "المعتبر" ص 278 وما بعدها: "القاساني والنهرواني ذكرهما في المختصر في القياس. قال بعضهم: لا يعرف لهما ترجمة. وسألت الحافظين أبا الحسن السبكي وأبا عبد الله الذهبي فقالا: لا نعلم لأحد منهما ترجمة ... ثم قال: وأما النهرواني فالظاهر أنه محرّف، وأصله الياء لا الواو، فإن الشيخ أبا إسحاق –يعني الشيرازي- ذكر الحسن بن عبيد النهرياني. وذكر السمعاني "نَهْرُيين" من قرى بغداد". اهـ "وانظر طبقات الفقهاء للشيرازي ص 176، الفهرست لابن النديم ص 273، الأنساب للسمعاني 13/218".
2 في ز: عن.(4/214)
"و" على الأول "وقوعه بدليل السمع قطعي" عند القاضي وأبي الخطاب وابن عقيل، وعليه الأكثر.
وفي كلامهم أيضا: أنه ظني.
"وهو" أي القياس "حجة"1 عند الأكثر من أصحابنا2 وغيرهم3.
وقد احتج القاضي وغيره على العمل بالقياس بقول أحمد رحمه الله: لا يستغني أحد عن القياس، وقوله في رواية الميموني4: سألت الشافعي عنه، فقال: ضرورة، وأعجبه ذلك.
وذكر ابن حامد عن بعض أصحابنا: أنه5 ليس بحجة،
__________
1 في ش: عن.
2 انظر الجدل لابن عقيل ص 14، المسودة ص 367، 372، مختصر الطوفي ص 146.
3 انظر "أصول الشاشي وعمدة الحواشي ص 308، الإشارات للباجي ص 95، أدب القاضي للماوردي 1/557، فتح الغفار 3/10، تيسير التحرير 4/106، أصول السرخسي 2/118، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/178، التبصرة ص 424، شرح تنقيح الفصول ص 385، اللمع ص 54، الوصول إلى مسائل الأصول 2/215، المحصول 2/2/36، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/208، فواتح الرحموت 2/249، كشف الأسرار 3/270، إرشاد الفحول ص 199، نهاية السول 3/11، الإبهاج 3/6".
4 هو عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران الميموني الرقي، أبو الحسن، من جلة أصحاب الإمام أحمد. قال ابن العماد: كان أحمد يكرمه ويجله ويفعل معه ما لا يفعل مع أحد غيره. توفي سنة 274 هـ "انظر ترجمته في طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 1/212، شذرات الذهب 2/165، المنهج الأحمد للعليمي 1/249، مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص 616".
5 ساقطة من ش ز.(4/215)
لقول أحمد في رواية الميموني: يجتنب المتكلم هذين1 الأصلين: المجمل، والقياس.
وحمله القاضي وابن عقيل على قياس عارضه2 سنة.
قال ابن رجب: فتنازع أصحابنا في معناه. فقال بعض المتقدمين والمتأخرين: هذا يدل على المنع من3 استعمال القياس في الأحكام الشرعية بالكلية. وأكثر أصحابنا لم يثبتوا عن أحمد في العمل بالقياس خلافا، كابن4 أبي موسى، والقاضي، وابن عقيل، وغيرهم، وهو الصواب. انتهى.
واستدل لكونه حجة - وهو الصحيح - بقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} 5. والاعتبار: اختبار شيء بغيره وانتقال من شيء إلى غيره والنظر في شيء ليعرف به آخر من جنسه.
فإن قيل: هو الاتعاظ6 لسياق الآية.
رد: بأنه مطلق.
__________
1 في ش: هذين الوجهين.
2 في ش: عارض.
3 في ع ز ب: في. وفي ض: و.
4 في ع: لابن.
5 الآية 2 من الحشر.
6 في ض: الاتعاض.(4/216)
فإن قيل: الدال على الكلي لا يدل على الجزئي.
رد: بلى.
ثم مراد الشارع: القياس الشرعي؛ لأن خطابه غالبا بالأمر الشرعي.
وفي كلام أصحابنا وغيرهم: عام لجواز الاستثناء، ثم متحقق فيه؛ لأن المتعظ بغيره منتقل من العلم بغيره إلى نفسه. فالمراد قدر مشترك، وسبق في الأمر ظهور صيغة " افعل " في الطلب.
واحتج القاضي وأبو الخطاب وغيرهما بقوله صلى الله عليه وسلم "إذا اجتهد الحاكم فأصاب1 فله أجران. وإن أخطأ فله أجر" رواه مسلم2.
واحتج أصحابنا أيضا وغيرهم3 بإجماع الصحابة.
قال بعض أصحابنا والآمدي4 وغيرهم: هو أقوى الحجج.
__________
1 ساقطة من ض.
2 صحيح مسلم 3/1342 والحديث رواه أيضاً البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد في مسنده عن أبي هريرة وعمرو بن العاص "انظر صحيح البخاري 8/157، بذل المجهود 15/254، عارضة الأحوذي 6/67، سنن النسائي 8/197، سنن ابن ماجة 2/776، مسند أحمد 4/198، 204".
3 ساقطة من ض.
4 الإحكام في أصول الأحكام 4/52.(4/217)
فمنه اختلافهم الكثير الشائع1 المتباين في ميراث الجد مع الإخوة2، وفي الأكدرية3 والخرقاء4، ولا نص عندهم.
إذا تقرر هذا فيكون القياس حجة "في الأمور الدنيوية" غير الشرعية اتفاقا، كمداواة الأمراض والأغذية والأسفار والمتاجر ونحو ذلك5.
"و" يكون القياس حجة في "غيرها" أي غير الأمور الدنيوية، من الأمور الشرعية عند الأكثر6 من القائلين بالقياس للأدلة
__________
1 في ش: المتتابع.
2 قال الفخر الرازي: "إنهم اختلفوا في الجد مع الإخوة، فبعضهم ورث الجد من الإخوة، وبعضهم أنكر ذلك. والأولون اختلفوا: فمنهم من قال: إنه يقاسم الإخوة ما كانت المقاسمة خيراً له من الثلث. فأجراه مجرى الأم، ولم ينقص حقه عن حقها، لأن له مع الولادة تعصيباً. ومنهم من قال: إنه يقاسم الإخوة ما كانت المقاسمة خيراً له من السدس. وأجراه مجرى الجدة في أن لا ينقص حقها من السدس". "المحصول 2/2/79".
3 الأكدرية: مسألة في الفريضة أركانها: زوج وأم وجد وأخت شقيقة أو لأب. "انظر بيانها في العذب الفائض 1/119، المغني 6/223، رد المحتار 5/501، التلخيص الحبير 3/88".
4 الخرقاء: مسألة في الفريضة وأركانها: أم وجد وأخت شقيقة أو لأب. وفيها للصحابة ستة أقوال. "انظر العذب الفائض 1/118، المغني 6/226، التخليص الحبير 3/88".
5 انظر "نشر البنود 2/113، شرح تنقيح الأصول ص 387، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/203، إرشاد الفحول ص 199، نهاية السول 3/10".
6 في ع ب: الأكثرين.(4/218)
المتقدمة1.
ومنع القاضي أبو بكر الباقلاني، ومن تبعه كونه حجة في قياس العكس.
قال ابن مفلح: فإن قيل: ما حكم قياس العكس2؟ قيل: حجة. ذكره القاضي وغيره من أصحابنا والمالكية، وهو المشهور عن الشافعية والحنفية، كالدلالة لطهارة دم السمك بأكله به3؛ لأنه لو كان نجسا لما أكل به. كالحيوانات النجسة الدم، ونحو لو سنت السورة في الأخريين لسن الجهر فيهما كالأوليين.
وفي مسلم4 من حديث أبي ذر " في بضع أحدكم صدقة". قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان5 عليه [فيها] 6 وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر".
__________
1 انظر شرح تنقيح الفصول ص 387، نشر البنود 2/113.
2 انظر تعريف قياس العكس وكلام الأصوليين عليه في "الإحكام للآمدي 3/262، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/343، الآيات البينات 4/175، فواتح الرحموت 2/247، تيسير التحرير 3/271، المعتمد 2/699، المسودة ص 425، مفتاح الوصول للتلمساني ص 159".
3 ساقطة من ش.
4 صحيح مسلم 2/698 وقد سبق تخريجه في ص 10 من هذا المجلد.
5 في ض: كان.
6 زيادة من صحيح مسلم.(4/219)
ومنع قوم القياس في إثبات أصول العبادات، فنفوا جواز الصلاة بالإيماء المقيسة على صلاة القاعد بجامع العجز1.
ومنعه أبو حنيفة وأصحابه في حد وكفارة وبدل2 ورخص ومقدر3.
لنا 4عموم دليل4 كون القياس حجة، و5قول الصحابي "إذا سكر هذى وإذا هذى افترى" وكبقية6 الأحكام.
ومنعه جمع في سبب وشرط ومانع، كجعل الزنا سببا لإيجاب الحد. فلا يقاس عليه اللواط7. وصححه
__________
1 انظر شرح تنقيح الأصول ص 415، الإبهاج 3/22، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/206.
2 في ش: وبذل.
3 انظر تحقيق المسألة في "الجدل لابن عقيل ص 15، المسودة ص 398، تيسير التحرير 4/103، فواتح الرحموت 2/317، منتهى السول والأمل ص 191، المستصفى 2/334، إرشاد الفحول ص 223، التمهيد للأسنوي ص 449، المنخول ص 385، الإشارات للباجي ص 110، أدب القاضي للماوردي 1/610، روضة الناظر ص 338، مختصر البعلي ص 151، الإحكام للآمدي 2/249، شرح تنقيح الفصول ص 415، اللمع ص 54، الوصول إلى مسائل الأصول 2/236، نشر البنود 2/110، المحصول 2/2/471، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/204".
4 ساقطة من ض.
5 ساقطة من ع ض.
6 في ش: وكيفية.
7 انظر "الوصول لابن برهان 2/256، المسودة ص 399، نشر البنود 2/11، =(4/220)
الآمدي1، وابن الحاجب2. وجزم به البيضاوي3.
لكن نقل الآمدي4 عن أكثر الشافعية جريانه فيها. ومشى5 عليه في جمع الجوامع6.
"والنص على علة حكم الأصل يكفي في التعبد" عند أصحابنا7 والأكثر8. واحتج الإمام أحمد رحمه الله لعدم جواز بيع رطب بيابس بنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر.
__________
= المحصول 2/2/465، روضة الناظر ص 335، المستصفى 2/332، نهاية السول 3/36، مناهج العقول 3/33، إرشاد الفحول ص 222، شرح تنقيح الفصول ص 414، منتهى السول والأمل ص 191، فواتح الرحموت 2/319".
1 الإحكام في أصول الأحكام 4/86.
2 منتهى السول والأمل ص 191، مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/255.
3 المنهاج للبيضاوي مع شرحه نهاية السول 3/31.
4 الإحكام في أصول الأحكام 4/86.
5 في ش: وبنى.
6 جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/205، ورجحه أيضاً التاج السبكي في الإبهاج شرح المنهاج 3/26.
7 انظر الجدل لابن عقيل ص 14.
8 انظر تيسير التحرير 4/111، التبصرة ص 436، الوصول لابن برهان 2/230، الوصول إلى مسائل الأصول 2/234، فواتح الرحموت 2/316.(4/221)
و1قال: أبو الخطاب والموفق2 وأكثر الشافعية3: إن ورد التعبد بالقياس كفى4، وإلا فلا5.
والبصري6: يكفي في علة التحريم لا غيرها7.
قال الشيخ تقي الدين: هو قياس مذهبنا8.
__________
1 ساقطة من ز.
2 روضة الناظر ص 293.
3 انظر الإحكام للآمدي 4/72، المحصول 2/2/164، شرح العضد 2/253، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/210، الإبهاج 3/15، المستصفى 2/272.
4 ساقطة من ش.
5 أي وإن لم يرد التعبد بالقياس فالعلة صحيحة وإن لم تتعد إلى سائر الفروع. انظر المسودة ص 390.
6 المراد بالبصري ههنا: أبو عبد الله البصري، الحسين بن علي الحنفي المعتزلي المتوفى سنة 369 هـ. وقد سبقت ترجمته في ج 2 ص 258. انظر عزو القول المذكور إليه في المعتمد 2/753، المسودة ص 390، المحصول 2/2/164، الإحكام للآمدي 4/72، التبصرة ص 437، شرح العضد 2/253، تيسير التحرير 4/111 وغيرها.
7 أي إن كانت العلة المنصوصة علة في التحريم كان النص عليها تعبداً بالقياس بها، وإن كانت علة في إيجاب الفعل أو كونه ندباً لم يكن النص عليها تعبداً بالقياس بها. "انظر المعتمد 2/753".
8 ونص كلامه في المسودة ص 391، بعد ذكر رأي أبي عبد الله البصري: "قلت الفرق بين التحريم والإيجاب في العلة المنصوصة قياس مذهبنا في الأيمان وغيرها، لأن المفاسد يجب تركها كلها، بخلاف المصالح فإنما يجب تحصيل ما يحتاج إليه. فإذا أوجب تحصيل مصلحة لم يجب تحصيل كل ما كان مثلها للاستغناء عنه بالأول. ولهذا نقول بالعموم في باب الإيمان إذا كان المحلوف عليه تركاً، بخلاف ما إذا كان المحلوف عليه فعلاً".(4/222)
وسمى1 ابن عقيل المنصوص استدلالا. وقال: مذهبنا ليس بقياس. وقاله أيضا بعض الفقهاء.
"والحكم المتعدي إلى فرع بعلة منصوصة مراد بالنص، كعلة مجتهد فيها فرعها مراد بالاجتهاد" قاله2 ابن مفلح وغيره؛ لأن الأصل مستتبع لفرعه، خلافا لبعضهم. ذكره أبو الخطاب.
قال المجد: كلام أبي الخطاب يقتضي أنها مستقلة. قال: وعندي أنها مبنية على المسألة قبلها3.
قال الشيخ تقي الدين: وذكر القاضي [ما هو] 4 أعم من ذلك، فقال: 5الحكم بالقياس5 على أصل منصوص عليه مراد بالنص الذي في الأصل، خلافا لبعض المتكلمين6.
"وَيَجُوزُ ثُبُوتُ كُلِّ الأَحْكَامِ بِنَصٍّ7 مِنْ الشَّارِعِ" عِنْدَ
__________
1 في ش: ويسمي.
2 في ض: قال.
3 المسودة ص 386 بتصرف. وعبارة المجد في المسودة: "وذكرها أبو الخطاب بعد مسألة كون التعليل إذناً في القياس وهي عندي مبنية على تلك المسألة، وكلامه يقتضي أنها مستقلة".
4 زيادة من كلام الشيخ تقي الدين في المسودة.
5 كذا في جميع النسخ. وفي المسودة: جميع ما يحكم به من جهة القياس.
6 المسودة ص 386.
7 في ع ض ب: من الأحكام.(4/223)
أَصْحَابِنَا1 وَالأَكْثَرِ2.
وَقِيلَ: لا يَجُوزُ؛ لأَنَّ الْحَوَادِثَ لا تَتَنَاهَى فَكَيْفَ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا نُصُوصٌ مُتَنَاهِيَةٌ؟!
وَ3رُدَّ: بِأَنَّهَا تَتَنَاهَى لِتَنَاهِي التَّكْلِيفِ بِالْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ تَحْدُثَ نُصُوصٌ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ.
وَ "لا" يَجُوزُ ثُبُوتُ كُلِّ الأَحْكَامِ "بِالْقِيَاسِ" عِنْدَ الْجُمْهُورِ4؛ لأَنَّ الْقِيَاسَ لا بُدَّ لَهُ مِنْ أَصْلٍ؛ وَلأَنَّ فِي الأَحْكَامِ - مَا لا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، كَضَرْبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ. فَإِجْرَاءُ الْقِيَاسِ فِي مِثْلِهِ مُتَعَذِّرٌ؛ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْقِيَاسَ فَرْعُ تَعَقُّلِ5 الْمَعْنَى الْمُعَلَّلِ بِهِ الْحُكْمُ فِي الأَصْلِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ فِيهَا مَا تَخْتَلِفُ6 أَحْكَامُهُ فَلا يَجْرِي فِيهِ.
وَقِيلَ: بَلَى7. كَمَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا كُلُّهَا بِالنَّصِّ يَجُوزُ إثْبَاتُهَا كُلُّهَا8 بِالْقِيَاسِ.
__________
1 انظر المسودة ص 374، مختصر البعلي ص 151.
2 انظر المعتمد 2/723، المحصول 2/2/478.
3 الواو ساقطة من ش.
4 انظر "المعتمد 2/723، المسودة ص 374، تيسير التحرير 4/113، الوصول لابن برهان 2/223، منتهى السول والأمل ص 191، الإحكام للآمدي 4/89، المحصول 2/2/479، شرح العضد 2/256، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/209، الإبهاج 3/22".
5 في ع ز ب: يعقل.
6 في ع: يختلف.
7 في ش ز ب: بلى. قالوا.
8 ساقطة من ز.(4/224)
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ -وَتَبِعَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ- أَنَّهُ1 لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ مَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ وَمَا لا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَبَيَّنَّا ذَلِكَ بِمَا لا مَزِيدَ عَلَيْهِ2.
"وَمَعْرِفَتُهُ" أَيْ مَعْرِفَةُ الْقِيَاسِ "فَرْضُ كِفَايَةٍ" عِنْدَ تَعَدُّدِ الْمُجْتَهِدِينَ "وَيَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ" فِي صُورَةٍ، وَهِيَ3 مَا إذَا لَمْ يَكُنْ إلاَّ مُجْتَهِدٌ وَاحِدٌ وَاحْتَاجَ إلَى الْقِيَاسِ لِنُزُولِ حَادِثَةٍ، وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ فِي حَقِّهِ فَرْضَ عَيْنٍ4.
وَغَايَرَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي مُقْنِعِهِ 5بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، فَقَالَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ: فَرْضُ عَيْنٍ. وَالصَّوَابُ الأَوَّلُ.
"وَهُوَ" أَيْ الْقِيَاسُ "مِنْ الدِّينِ" عِنْدَ الأَكْثَرِ6؛ لأَنَّهُ مِمَّا7
__________
1 في ش: بأنه.
2 ذكر ذلك العلامة ابن تيمية في رسالته "القياس" "التي نشرها محب الدين الخطيب بصورة مستقلة في المطبعة السلفية بالقاهرة، كما نشرت ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية ج 20 ص 504-584" وتبعه في ذلك الإمام ابن القيم، فشرح كلامه وزاد عليه في كتابه "إعلام الموقعين" ج 2 ص 1-175.
3 في ش: وهو.
4 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/339، الإحكام للآمدي 4/91، نشر البنود 2/245.
5 ساقطة من ض.
6 انظر المعتمد 2/776، نشر البنود 2/247.
7 في ع ض: ما.(4/225)
تَعَبَّدَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَكُلُّ مَا تَعَبَّدَنَا اللَّهُ بِهِ فَهُوَ دِينٌ1.
وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ2 بِصِيغَةِ " افْعَلْ "3 دَلِيلُهُ4: قَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} 5.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: الْقِيَاسُ دِينٌ، وَعِنْدَ6 أَبِي7 الْهُذَيْلِ: لا يُطْلَقُ عَلَيْهِ8 اسْمُ دِينٍ، وَهُوَ فِي بَعْضِ كَلامِ الْقَاضِي. وَعِنْدَ الْجُبَّائِيِّ: الْوَاجِبُ مِنْهُ دِينٌ اهـ.
وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ: الْقِيَاسُ عِنْدَنَا دِينُ اللَّهِ وَحُجَّتُهُ وَشَرْعُهُ9 اهـ.
"وَالنَّفْيُ" ضَرْبَانِ:
__________
1 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/337.
2 في ض: الشرع.
3 انظر الإحكام للآمدي 4/90.
4 في ش: ودليله.
5 الآية 2 من الحشر.
6 في ش: وعن.
7 في ش: ابن.
8 في ز: على.
9 قال الآمدي: "والمختار أن يقال: إن عُني بالدين ما كان من الأحكام المقصودة بحكم الأصالة، كوجوب الفعل وحرمته ونحوه، فالقياس واعتباره ليس بدين، فإنه غير مقصود لنفسه، بل لغيره. وإن عُني بالدين ما تُعُبدنا به، كان مقصوداً أصلياً أو تابعاً، فالقياس من الدين لأنا متعبدون به على ما سبق. وبالجملة فالمسألة لفظية". "الإحكام في أصول الأحكام 4/91".(4/226)
أَحَدُهُمَا نَفْيٌ1 "أَصْلِيٌّ" وَهُوَ الْبَقَاءُ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، 2كَانْتِفَاءِ صَلاةٍ سَادِسَةٍ، فَهُوَ مُبْقًى3 بِاسْتِصْحَابِ مُوجَبِ الْعَقْلِ، فَلا يَجْرِي فِيهِ قِيَاسُ الْعِلَّةِ، لأَنَّهُ لا مُوجِبَ لَهُ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ فَلَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، حَتَّى يُطْلَبَ لَهُ عِلَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، بَلْ هُوَ نَفْيُ حُكْمِ الشَّرْعِ. وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ لِمَا يَتَجَدَّدُ، لَكِنْ4 "يَجْرِي فِيهِ قِيَاسُ الدَّلالَةِ" وَهُوَ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِانْتِفَاءِ حُكْمِ شَيْءٍ عَلَى انْتِفَائِهِ عَنْ مِثْلِهِ. وَيَكُونُ ذَلِكَ ضَمَّ دَلِيلٍ إلَى دَلِيلٍ "فَيُؤَكَّدُ بِهِ الاسْتِصْحَابُ" أَيْ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ5.
وَهَذَا: و6َهُوَ كَوْنُهُ: لا يَجْرِي فِيهِ قِيَاسُ الْعِلَّةِ، وَيَجْرِي فِيهِ قِيَاسُ الدَّلالَةِ، هُوَ الصَّحِيحُ. اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ7 وَالرَّازِيُّ8، وَعَزَاهُ الْهِنْدِيُّ لِلْمُحَقِّقِينَ9.
__________
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ش.
3 في ش: يبقى. وفي روضة الناظر: منفي.
4 في ش: لكن حتى يطلب له علة شيء.
5 قاله ابن قدامة في الروضة ص 339، وانظر شرح تنقيح الفصول ص 414، مختصر البعلي ص 151، مختصر الطوفي ص 165.
6 الواو ساقطة من ش.
7 المستصفى 2/332.
8 المحصول 2/2/467.
9 في ع ض ب: إلى المحققين(4/227)
"وَ" الضَّرْبُ الثَّانِي: نَفْيٌ "طَارِئٌ، كَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ" مِنْ الدَّيْنِ، وَنَحْوُهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ "يَجْرِي فِيهِ هُوَ" أَيْ قِيَاسُ الدَّلالَةِ وَقِيَاسُ الْعِلَّةِ؛ لأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ حَادِثٌ. فَهُوَ كَسَائِرِ الأَحْكَامِ الْوُجُودِيَّةِ1.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ عَقِبَ الْمَسْأَلَةِ: وَيُسْتَعْمَلُ الْقِيَاسُ عَلَى وَجْهِ التَّلازُمِ، فَيُجْعَلُ حُكْمُ الأَصْلِ فِي الثُّبُوتِ مَلْزُومًا. وَفِي النَّفْيِ نَقِيضَهُ لازِمًا، نَحْوَ لَمَّا وَجَبَتْ زَكَاةُ مَالِ الْبَالِغِ الْمُشْتَرَكِ2 بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِ3 الصَّبِيِّ: وَجَبَتْ فِيهِ، وَلَوْ وَجَبَتْ فِي حُلِيٍّ وَجَبَتْ فِي جَوْهَرٍ قِيَاسًا، وَاللاَّزِمُ مُنْتَفٍ4، فَيَنْتَفِي مَلْزُومُهُ5 اهـ.
__________
1 انظر روضة الناظر ص 338، مختصر الطوفي في ص 165.
2 أي للعلة المشتركة "نهاية السول 3/125".
وفي ش ز: المشترك.
3 ساقطة من ش.
4 في ض: مشتق.
5 انظر الإبهاج 3/107، مناهج العقول 3/125، نهاية السول 3/12.(4/228)
فصل: قوادح العلة
...
"فصل"
لَمَّا فَرَغْنَا مِنْ الْكَلامِ عَلَى الطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعِلَّةِ1 شَرَعْنَا فِي ذِكْرِ مَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ مُبْطِلاتِهَا، أَوْ2 مُبْطِلاتِ غَيْرِهَا مِنْ الأَدِلَّةِ، وَيُعَبَّرُ3 عَنْ ذَلِكَ تَارَةً بِالاعْتِرَاضَاتِ وَتَارَةً بِالْقَوَادِحِ.
وَ "الْقَوَادِحُ تَرْجِعُ إلَى الْمَنْعِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، أَوْ الْمُعَارَضَاتِ فِي الْحُكْمِ".
قَالَ أَهْلُ الْجَدَلِ: الاعْتِرَاضَاتُ رَاجِعَةٌ إمَّا إلَى مَنْعٍ فِي مُقَدِّمَةٍ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ، أَوْ مُعَارَضَةٍ فِي الْحُكْمِ. فَمَتَى حَصَلَ الْجَوَابُ عَنْهَا فَقَدْ تَمَّ الدَّلِيلُ، وَلَمْ يَبْقَ لِلْمُعْتَرِضِ مَجَالٌ، فَيَكُونُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الأَسْئِلَةِ4 بَاطِلاً فَلا يُسْمَعُ. وَقَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ5 مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ6: إنَّهَا كُلَّهَا تَرْجِعُ إلَى الْمَنْعِ؛ لأَنَّ الْكَلامَ إذَا كَانَ مُجْمَلاً لا يَحْصُلُ
__________
1 في ش ز: العلة.
2 في ع: و.
3 في ع: ونعبر.
4 في ش: الأدلة.
5 ساقطة من ض.
6 جمع الجوامع بحاشية البناني 2/330.(4/229)
غَرَضُ الْمُسْتَدِلِّ بِتَفْسِيرِهِ. فَالْمُطَالَبَةُ بِتَفْسِيرِهِ تَسْتَلْزِمُ مَنْعَ تَحَقُّقِ الْوَصْفِ، وَمَنْعَ لُزُومِ الْحُكْمِ عَنْهُ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى شَيْئًا1 مِنْ الْقَوَادِحِ، وَقَالَ: إنَّ مَوْضِعَ2 ذِكْرِهَا عِلْمُ الْجَدَلِ3.
وَالذَّاكِرُونَ لَهَا يَقُولُونَ: إنَّهَا مِنْ مُكَمِّلاتِ الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَمُكَمِّلُ الشَّيْءِ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ.
وَعِدَّةُ الْقَوَادِحِ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ4 وَابْنِ مُفْلِحٍ وَالأَكْثَرِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ قَادِحًا، وَقِيلَ: اثْنَا5 عَشَرَ.
"وَمُقَدَّمُهَا" أَيْ الْقَوَادِحِ "الاسْتِفْسَارُ"6 أَيْ هُوَ طَلِيعَةٌ لَهَا كَطَلِيعَةِ الْجَيْشِ؛ لأَنَّهُ الْمُقَدَّمُ7 عَلَى كُلِّ اعْتِرَاضٍ، وَإِنَّمَا كَانَ
__________
1 في ض: شيء.
2 في ز: مواضع.
3 غير أن الغزالي تناول القوادح وعقد لها باباً مستقلاً في كتابه "المنخول" ص 401 وما بعدها.
4 منتهى السول والأمل ص192 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/257.
5 في ض: اثني.
6 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "إرشاد الفحول ص 229، الإحكام للآمدي 4/92، مختصر الطوفي ص 166، تيسير التحرير 4/114، روضة الناظر ص 339، مختصر البعلي ص 152، منتهى السول والأمل ص 192، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/331".
7 في ز: المتقدم(4/230)
مُقَدَّمًا؛ لأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مَدْلُولُ اللَّفْظِ اسْتَحَالَ تَوَجُّهُ الْمَنْعِ أَوْ1 الْمُعَارَضَةِ، وَهُمَا مُرَادُ الاعْتِرَاضَاتِ2 كُلِّهَا.
وَقِيلَ: فِي كَوْنِهِ3 مِنْهَا نَظَرٌ؛ لأَنَّ الاعْتِرَاضَاتِ خَدْشُ كَلامِ الْمُسْتَدِلِّ. وَالاسْتِفْسَارُ لَيْسَ فِيهِ خَدْشٌ، بَلْ غَايَتُهُ: أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ لِلْمُرَادِ4 مِنْ الْكَلامِ، لأَنَّهُ5 اسْتِفْعَالٌ مِنْ" الْفَسْرِ "6 وَهُوَ لُغَةً طَلَبُ الْكَشْفِ وَالإِظْهَارِ، وَمِنْهُ التَّفْسِيرُ7. وَلِهَذَا عَرَّفُوهُ بِقَوْلِهِمْ"وَهُوَ طَلَبُ مَعْنَى لَفْظِ الْمُسْتَدِلِّ لإِجْمَالِهِ أَوْ غَرَابَتِهِ" وَإِنَّمَا يُسْمَعُ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْتَرِضِ إذَا كَانَ فِي اللَّفْظِ إجْمَالٌ أَوْ غَرَابَةٌ، وَإِلاَّ فَهُوَ تَعَنُّتٌ مُفَوِّتٌ لِفَائِدَةِ الْمُنَاظَرَةِ، إذْ يَأْتِي فِي كُلِّ لَفْظٍ يُفَسَّرُ بِهِ لَفْظٌ ... وَيَتَسَلْسَلُ.
"وَعَلَى الْمُعْتَرِضِ بَيَانُ احْتِمَالِهِ" أَيْ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِمَعْنَيَيْنِ فَأَكْثَرَ، حَتَّى8 يَكُونَ9 مُجْمَلاً، كَمَا لَوْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ: الْمُطَلَّقَةُ تَعْتَدُّ
__________
1 في ض: و.
2 ساقطة من ش.
3 في ع ز ب: كونها.
4 في ز: المراد.
5 في ش: لا أنه.
6 في ز: السفر.
7 انظر معاني الفَسْر والتفسير في "مقدمة جامع التفاسير للراغب الأصبهاني ص 47، المفردات في غريب القرآن للراغب ص 380، المعتبر للزركشي ص 304، الإتقان للسيوطي 4/192، تفسير النصوص في الفقه الإسلامي لأستاذنا الدكتور محمد أديب صالح ص 59".
8 في ش: حتى لو.
9 في ش: كان.(4/231)
بِالأَقْرَاءِ، فَلَفْظُ "الأَقْرَاءِ" مُجْمَلٌ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: مَا مُرَادُك بِالأَقْرَاءِ؟ فَإِذَا قَالَ: الْحَيْضُ أَوْ الأَطْهَارُ1، أَجَابَ بِحَسَبِ ذَلِكَ مِنْ تَسْلِيمٍ أَوْ مَنْعٍ.
"أَوْ" بَيَانُ "جِهَةِ الْغَرَابَةِ بِطَرِيقَةٍ" إمَّا مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ2، كَقَوْلِهِ: لا يَحِلُّ السِّبْدُ3، أَيْ الذِّئْبُ. وَكَمَا لَوْ قَالَ فِي الْكَلْبِ الَّذِي لَمْ يُعَلَّمْ: خِرَاشٌ لَمْ يُبْلَ، فَلا يُطْلِقُ فَرِيسَتَهُ كَالسِّبْدِ4.
وَمَعْنَى "لَمْ يُبْلَ": لَمْ يُخْتَبَرْ وَالْفَرِيسَةُ: الصَّيْدُ، مِنْ فَرَسَ الأَسَدُ فَرِيسَةً5 إذَا دَقَّ عُنُقَهَا، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى أُطْلِقَ عَلَى كُلِّ قَتِيلٍ فَرِيساً6.
وَالسِّبْدُ الذِّئْبُ7 - وَهُوَ بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ8
__________
1 في ش: الطهر.
2 في ش: المنع.
3 كذا في ض. وفي ش ع ب ز: السبد.
4 كذا في جميع النسخ. وهو تصحيف، والصواب: كالسيد.
5 في ش ع: فريسته.
6 في ش: فريسة.
7 ساقطة من ع ض ب.
8 كذا في جميع النسخ وهو تصحيف. والصواب كما في اللسان والصحاح ومقاييس اللغة وغيرها: السيد. بكسر السين المهملة، وسكون الياء المثناة التحتية، وهو الذئب. وفي لغة هذيل: الأسد. "انظر اللسان 3/231، الصحاح 2/492، معجم مقاييس اللغة 3/120".(4/232)
وَالْخِرَاشُ: الْكَلْبُ. وَهُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَقَبْلَ الأَلِفِ رَاءٌ بَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ.
وَأَمَّا بَيَانُ جِهَةِ الْغَرَابَةِ مِنْ حَيْثُ الاصْطِلاحِ: كَمَا1 يُقَالُ فِي الْقِيَاسَاتِ الْفِقْهِيَّةِ: لَفْظُ الدَّوْرِ أَوْ التَّسَلْسُلِ أَوْ الْهَيُولَى، أَوْ الْمَادَّةُ أَوْ الْمَبْدَأُ2 أَوْ الْغَايَةُ، نَحْوَ أَنْ يُقَالَ فِي شُهُودِ الْقَتْلِ إذَا رَجَعُوا: لا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لأَنَّ وُجُوبَ3 الْقِصَاصِ تَجَرُّدٌ4 مَبْدَؤُهُ5 عَنْ غَايَةِ مَقْصُودِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لا يَثْبُتَ6.
وَكَذَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ اصْطِلاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ. إلاَّ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ حَالِ خَصْمِهِ أَنَّهُ يَعْرِفُ ذَلِكَ، فَلا غَرَابَةَ حِينَئِذٍ.
وَ "لا" يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ إذَا بَيَّنَ كَوْنَ اللَّفْظِ مُحْتَمِلاً "بَيَانُ تَسَاوِي الاحْتِمَالاتِ" لِعُسْرِهِ.
"وَلَوْ قَالَ" الْمُعْتَرِضُ "الأَصْلُ عَدَمُ مُرَجِّحٍ: صَحَّ" يَعْنِي أَنَّهُ7 قَالَ: الأَصْلُ عَدَمُ رُجْحَانِ بَعْضِ8 الاحْتِمَالاتِ عَنْ
__________
1 في ش: فكما في.
2 في ع: البدا. والمبدأ في اصطلاح الفلاسفة معناه: السبب. "شرح العضد 2/259".
3 في ش: وجود.
4 في ز: يجرد.
5 في ش: مبدؤه.
6 في ش: تثبت.
7 في ش: أنه إن.
8 في ع: بعد.(4/233)
بَعْضٍ، كَانَ قَوْلُهُ1 ذَلِكَ صَحِيحًا. وَيَكُونُ ذَلِكَ تَبَرُّعًا مِنْ الْمُعْتَرِضِ.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ الْمُسْتَدِلِّ عَنْ الاسْتِفْسَارِ، إمَّا "بِمَنْعِ احْتِمَالِهِ2" أَيْ بِمَنْعِ إجْمَالِهِ "أَوْ" بِ "بَيَانِ ظُهُورِهِ" أَيْ ظُهُورِ اللَّفْظِ "فِي مَقْصُودِهِ" أَيْ فِيمَا قَصَدَهُ الْمُسْتَدِلُّ، بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي مَقْصُودِي، وَيُبَيِّنَ ذَلِكَ:
"إمَّا بِنَقْلٍ مِنْ اللُّغَةِ" كَمَا لَوْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: الْوُضُوءُ قُرْبَةٌ، فَتَجِبُ لَهُ النِّيَّةُ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: الْوُضُوءُ يُطْلَقُ عَلَى النَّظَافَةِ، وَعَلَى الأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ. فَمَا الَّذِي تُرِيدُ بِاَلَّذِي تَجِبُ لَهُ النِّيَّةُ؟ فَيَقُولُ: حَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ، وَهِيَ الأَفْعَالُ الْمَخْصُوصَةُ.
"أَوْ عُرْفٍ" يَعْنِي3 أَوْ يُبَيِّنَ كَوْنَ لَفْظِهِ ظَاهِرًا4 فِي مَقْصُودِهِ بِالْعُرْفِ، كَإِطْلاقِ الدَّابَّةِ عَلَى ذَوَاتِ الأَرْبَعِ.
"أَوْ" يُبَيِّنَ كَوْنَ اللَّفْظِ ظَاهِرًا فِي مَقْصُودِهِ بِمَا مَعَهُ مِنْ "قَرِينَةٍ" نَحْوَ قَوْلِهِ: قُرْءٌ5 تَحْرُمُ فِيهِ الصَّلاةُ، فَيَحْرُمُ فِيهِ الصَّوْمُ، فَإِنَّ قَرِينَةَ تَحْرِيمِ الصَّلاةِ فِيهِ تَدُلُّ عَلَى6 أَنَّ7 الْمُرَادَ بِهِ الْحَيْضُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ش: إجماله.
3 ساقطة من ز.
4 في ش ز: ظاهر.
5 في ع: قروء.
6 ساقطة من ش.
7 في ش: بأن.(4/234)
اللَّفْظُ غَرِيبًا وَدَلَّتْ قَرِينَةٌ مَعَهُ عَلَى الْمُرَادِ، مِثْلَ قَوْلِهِ: طَلَّةٌ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَلا يَصِحُّ. فَالطَّلَّةُ: الْمَرْأَةُ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: زَوَّجَتْ نَفْسَهَا، لا صِفَةُ الْخَمْرِ.
"أَوْ" بِ1 "تَفْسِيرِهِ" يَعْنِي: أَوْ2 يَكُونُ جَوَابُ الْمُعْتَرِضِ بِكَوْنِ اللَّفْظِ غَرِيبًا: تَفْسِيرَ الْمُسْتَدِلِّ لِلَفْظِهِ "إنْ تَعَذَّرَ" عَلَيْهِ "إبْطَالُ غَرَابَتِهِ" بِأَنْ يَقُولَ: مُرَادِي الْمَعْنَى الْفُلانِيُّ لَكِنْ لا بُدَّ أَنْ يُفَسِّرَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ وَإِنْ بَعُدَ، كَمَا يَقُولُ3: يُخْرِجُ فِي الْفِطْرَةِ4 الْبُرَّ5، وَيُفَسِّرُهُ بِالْقِطْعَةِ مِنْ الأَقِطِ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ6 وَابْنُ مُفْلِحٍ وَتَابَعَهُمَا صَاحِبُ التَّحْرِيرِ "وَلَوْ قَالَ" أَيْ الْمُسْتَدِلُّ "يَلْزَمُ ظُهُورُهُ 7" أَيْ8 ظُهُورُ اللَّفْظِ فِي أَحَدِ9 الْمَعْنَيَيْنِ "دَفْعًا لِلإِجْمَالِ، وَفِيمَا قَصَدْتُهُ لِعَدَمِ10 ظُهُورِهِ فِي
__________
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ع ب.
3 في ش ع: تقول.
4 في ز: الفطر.
5 في ش: الثور. وفي ب: النذر.
6 منتهى السول والأمل ص 192، مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/258.
7 في ب: من ظهوره.
8 في ع: أي من.
9 في ع ب: أحدهما أي.
10 في ش: بعدم.(4/235)
الآخَرِ" أَيْ فِي الْمَعْنَى الآخَرِ الَّذِي لَمْ أَقْصِدْهُ "اتِّفَاقًا" أَيْ بِاتِّفَاقٍ مِنِّي وَمِنْك، فَيَكُونُ ظَاهِرًا1 فِي مُرَادِي "كَفَى" ذَلِكَ بِنَاءً2 عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ أَوْلَى.
وَلا يُعْتَدُّ بِتَفْسِيرِ الْمُسْتَدِلِّ بِشَيْءٍ لا تَحْتَمِلُهُ اللُّغَةُ؛ لأَنَّ ذَلِكَ لَعِبٌ. لَكِنْ3 هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ الَّذِي يَطْلُبُ الْمُعْتَرِضُ تَفْسِيرَهُ ظَاهِرًا فِي مَعْنَاهُ. فَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا: فَالْحَزْمُ تَبْكِيتُ الْمُعْتَرِضِ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ: امْضِ فَتَعَلَّمْ 4ثُمَّ ارْجِعْ فَتَكَلَّمْ.
الثَّانِي: مِنْ الْقَوَادِحِ "فَسَادُ الاعْتِبَارِ"5.
وَهُوَ "مُخَالَفَةُ" الْقِيَاسِ "نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا"6 بِأَنْ يَعْتَرِضَ بِكَوْنِ الْقِيَاسِ فَاسِدًا بِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِنَصٍّ، أَوْ مُخَالِفًا لِلإِجْمَاعِ:
__________
1 في ش: مني ومنك.
2 ساقطة من ش.
3 في ع ب: لأن.
4 ساقطة من ش.
5 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "إرشاد الفحول ص 230، المنهاج للباجي ص 179، نشر البنود 2/236، شرح العضد 2/259، الإحكام للآمدي 4/95، مختصر الطوفي ص 166، روضة الناظر ص 339، مختصر البعلي ص 152، فواتح الرحموت 2/330، الجدل لابن عقيل ص 64، اللمع ص 65، 66، الوصول إلى مسائل الأصول 2/338، منتهى السول والأمل ص 192، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/324".
6 في ع: أي بأن.(4/236)
- سَوَاءٌ كَانَ النَّصُّ الْقُرْآنَ، كَمَا يُقَالُ فِي تَبْيِيتِ1 الصَّوْمِ: صَوْمٌ مَفْرُوضٌ، فَلا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ كَالْقَضَاءِ، فَيُقَالُ: هَذَا فَاسِدُ الاعْتِبَار2ِ لِمُخَالَفَةِ3 قَوْله تَعَالَى: {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} 4 فَإِنَّهُ يَدُلُّ5 عَلَى6 أَنَّ كُلَّ صَائِمٍ يَحْصُلُ لَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الصِّحَّةَ.
- أَوْ كَانَ النَّصُّ نَصَّ سُنَّةٍ، كَمَا يُقَالُ: لا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ؛ لأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى غَرَرٍ، فَلا يَصِحُّ كَالسَّلَمِ فِي الْمُخْتَلِطِ. فَيُقَالُ: هَذَا فَاسِدُ الاعْتِبَارِ لِمُخَالَفَةِ 7مَا فِي السُّنَّةِ8 "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي السَّلَمِ"7.
9وَأَمَّا مِثَالُ مُخَالَفَةِ الإِجْمَاعِ، فَكَقَوْلِ حَنَفِيٍّ: "لا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغَسِّلَ امْرَأَتَهُ إذَا مَاتَتْ؛ لأَنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهَا كَالأَجْنَبِيَّةِ". فَيُقَالُ: هَذَا فَاسِدُ الاعْتِبَارِ لِمُخَالَفَةِ الإِجْمَاعِ
__________
1 في ش: تبييت نية.
2 في ش: لاعتبار.
3 في ع: لمخالفته. وفي ش: مخالفة.
4 الآية 35 من الأحزاب.
5 في ب: فدل.
6 ساقطة من ز.
7 ساقطة من ش.
8 قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: "هذا لم يرو في الحديث، وإنما هو من كلام بعض الفقهاء". "القياس لابن تيمية ص 21، مجموع فتاوى ابن تيمية 20/ 529".
9 ساقطة من ش.(4/237)
السُّكُوتِيِّ، وَهُوَ أَنَّ عَلِيًّا غَسَّلَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا1، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكَرْ.
وَفِي حُكْمِ مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ لِلنَّصِّ أَوْ2 الإِجْمَاعِ: أَنْ تَكُونَ إحْدَى مُقَدِّمَاتِهِ هِيَ الْمُخَالِفَةُ لِلنَّصِّ أَوْ الإِجْمَاعِ، وَيَدَّعِي دُخُولَهُ3 فِي إطْلاقِ مُخَالَفَةِ النَّصِّ أَوْ الإِجْمَاعِ.
وَفِي4 مَعْنَى ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مِمَّا لا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْقِيَاسِ، كَإِلْحَاقِ الْمُصَرَّاةِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْمَعِيبِ5 فِي حُكْمِ الرَّدِّ وَعَدَمِهِ، وَوُجُوبِ بَدَلِ لَبَنِهَا الْمَوْجُودِ فِي الضَّرْعِ؛ لأَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ النَّصِّ الْوَارِدِ فِيهَا، أَوْ كَانَ تَرْكِيبُهُ مُشْعِرًا بِنَقِيضِ الْمَطْلُوبِ.
وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ بِذَلِكَ؛ لأَنَّ اعْتِبَارَ الْقِيَاسِ مَعَ النَّصِّ
__________
1 حيث روي عن أسماء بنت عميس قالت "غسّلت أنا وعلي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم". أخرجه الشافعي في مسنده والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن وعبد الرزاق في مصنفه والدارقطني وغيرهم. قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" بعد ما عزاه للبيهقي: "وإسناده حسن". "انظر التلخيص الحبير 2/143، المستدرك 3/164، سنن البيهقي 3/396، 397، مصنف عبد الرزاق 3/410، ترتيب مسند الشافعي 1/206، إرواء الغليل 3/162، سير أعلام النبلاء 2/128، سنن الدارقطني 2/79".
2 في ع: و.
3 في ع: على دخوله.
4 ساقطة من ش.
5 في ع ب: العيب.(4/238)
و1َالإِجْمَاعِ اعْتِبَارٌ لَهُ مَعَ دَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ، وَهُوَ اعْتِبَارٌ فَاسِدٌ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ2 فَإِنَّهُ أَخَّرَ الاجْتِهَادَ عَنْ النَّصِّ.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ وَجَوَابُ الْقَدْحِ بِفَسَادِ الاعْتِبَارِ:
إمَّا "بِضَعْفِهِ" بِأَنْ يَمْنَعَ صِحَّةَ النَّصِّ بِالطَّعْنِ فِي سَنَدِهِ، بِأَنْ يَقُولَ: لا نُسَلِّمُ صِحَّةَ تَغْسِيلِ عَلِيٍّ لِفَاطِمَةَ. وَإِنْ سَلِمَ فَلا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ اُشْتُهِرَ، وَإِنْ سَلِمَ فَلا نُسَلِّمُ أَنَّ الإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ حُجَّةٌ، وَإِنْ سَلِمَ3. فَالْفَرْقُ بَيْنَ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ: أَنَّ فَاطِمَةَ زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ بِإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4، فَالْمَوْتُ لا5 يَقْطَعُ
__________
1 في ع: أو.
2 وذلك عندما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعثه إلى اليمن قاضياً، فسأله: "كيف تقضي إذا عرض عليك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله". أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد والطيالسي والدارمي والطبراني والخطيب في الفقيه والمتفقه وابن حزم في الإحكام وابن سعد في الطبقات وابن عدي والعقيلي وغيرهم. "انظر تخريجه في المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر للزركشي وتعليقات الأستاذ حمدي السلفي عليه ص 63-71، سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني 2/273-286".
3 في ش: سلم فلا نسلمه.
4 لم نعثر على هذا الخبر في مدونات السنة بعد البحث والتنقيب. وإن كان المعنى وارداً في حق السيدة عائشة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم، حيث روى الترمذي في المناقب عن عمّار بن ياسر أنه قال: "هي زوجته في الدنيا والآخرة" قال الترمذي: يعني عائشة رضي الله عنها. ثم قال: هذا حديث حسن. "عارضة الأحوذي 13/259".
5 في ش: لم.(4/239)
النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا، بِخِلافِ غَيْرِهِمَا.
أَوْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةِ السَّلَمِ: لا نُسَلِّمُ صِحَّةَ التَّرْخِيصِ فِي السَّلَمِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا فَلا نُسَلِّمُ أَنَّ اللاَّمَ فِيهِ لِلاسْتِغْرَاقِ. فَلا يَتَنَاوَلُ الْحَيَوَانَ، وَإِنْ صَحَّ السَّلَمُ فِي غَيْرِهِ.
"أَوْ" بِ "مَنْعِ ظُهُورِهِ" أَيْ ظُهُورِ النَّصِّ، بِأَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ: لا نُسَلِّمُ أَنَّ الآيَةَ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الصَّوْمِ بِدُونِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ؛ لأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ، وَقَيَّدْنَاهَا بِحَدِيثِ " لا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ".
"أَوْ" بِـ "تَأْوِيلِهِ" أَيْ تَأْوِيلِ النَّصِّ، بِأَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ: إنَّ الآيَةَ دَلَّتْ عَلَى ثَوَابِ الصَّائِمِ، وَإِنَّا لا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُمْسِكَ بِدُونِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ صَائِمٌ، أَوْ يَقُولَ1: إنَّ النَّصَّ الْمُعَارِضَ لِلْقِيَاسِ مُؤَوَّلٌ بِدَلِيلٍ يُرَجِّحُهُ عَلَى الظَّاهِرِ.
"أَوْ" بِـ "الْقَوْلِ بِمُوجَبِهِ" بِأَنْ يَقُولَ: أَنَا أَقُولُ بِمُوجَبِ النَّصِّ، إلاَّ أَنَّ مَدْلُولَهُ لا يُنَافِي قِيَاسِي، كَأَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ: إنَّ الآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الصَّائِمَ يُثَابُ وَأَنَا أَقُولُ بِمُوجَبِهِ. لَكِنَّهَا2 لا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَلْزَمُهُ3 الْقَضَاءُ وَالنِّزَاعُ فِيهِ!
__________
1 في ش: نقول.
2 في ش: و.
3 في ز: لا يلزم.(4/240)
- "أَوْ" بِـ "مُعَارَضَتِهِ" أَيْ مُعَارَضَةِ النَّصِّ "بِمِثْلِهِ" أَيْ بِنَصٍّ مِثْلِهِ. فَيَسْلَمُ الْقِيَاسُ حِينَئِذٍ لاعْتِضَادِهِ1 بِالنَّصِّ2 الْمُوَافِقِ لَهُ.
الثَّالِثُ: مِنْ الْقَوَادِحِ "فَسَادُ الْوَضْعِ"3.
"وَهُوَ أَخَصُّ مِمَّا تَلاهُ" أَيْ مِنْ فَسَادِ الاعْتِبَارِ.
قَالَ الْجَدَلِيُّونَ فِي تَرْتِيبِ الأَسْئِلَةِ: إنَّ4 فَسَادَ الاعْتِبَارِ مُقَدَّمٌ عَلَى فَسَادِ الْوَضْعِ؛ لأَنَّ فَسَادَ الاعْتِبَارِ نَظَرٌ فِي فَسَادِ الْقِيَاسِ5 مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَفَسَادُ الْوَضْعِ أَخَصُّ6 لأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ اعْتِبَارِ الْقِيَاسِ؛ لأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ.
__________
1 في ش: باعتضاده.
2 في ع: بأن النص.
3 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "المنهاج للباجي ص 178، إرشاد الفحول ص 230، شرح العضد 2/260، الإحكام للآمدي 4/96، كشف الأسرار 4/118، الكافية للجويني ص 148، المغني للخبازي ص 317، المنخول ص 415، فتح الغفار 3/42، مختصر الطوفي ص 166، أصول السرخسي 2/233، تيسير التحرير 4/145، روضة الناظر ص 340، التلويح على التوضيح 2/626، البرهان2/1028، مختصر البعلي ص 153، فواتح الرحموت 2/346، الوصول إلى مسائل الأصول 2/342، منتهى السول والأمل ص 192، نشر البنود 2/233، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/321".
4 في ع: فإن.
5 ساقطة من ش.
6 في ع ز: أخص باعتبار.(4/241)
وَمِمَّنْ قَالَ إنَّ فَسَادَ الاعْتِبَارِ أَعَمُّ: الْهِنْدِيُّ وَالتَّاجُ السُّبْكِيُّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ1 وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ الْعَسْقَلانِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ فَسَادَ الْوَضْعِ أَعَمُّ مِنْ فَسَادِ الاعْتِبَارِ؛ لأَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يَكُونُ صَحِيحَ الْوَضْعِ، وَإِنْ كَانَ اعْتِبَارُهُ فَاسِدًا بِالنَّظَرِ إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ، فَكُلُّ2 فَسَادِ الْوَضْعِ3 فَسَادُ الاعْتِبَارِ وَلا عَكْسَ.
وَهُوَ "كَوْنُ الْجَامِعِ" بَيْنَ الأَصْلِ وَالْفَرْعِ "ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فِي نَقِيضِ الْحُكْمِ. كَقَوْلِ شَافِعِيٍّ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ: مَسْحٌ فَسُنَّ تَكْرَارُهُ كَاسْتِجْمَارٍ.
فَيُعْتَرَضُ" عَلَى الشَّافِعِيِّ "بِكَرَاهَةِ تَكْرَارِ مَسْحِ الْخُفِّ".
قَالَ الطُّوفِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّمَا سُمِّيَ هَذَا فَسَادَ الْوَضْعِ؛ لأَنَّ وَضْعَ الشَّيْءِ جَعْلُهُ فِي مَحَلِّهِ عَلَى هَيْئَةٍ أَوْ كَيْفِيَّةٍ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ أَوْ تِلْكَ الْهَيْئَةُ لا تُنَاسِبُهُ كَانَ وَضْعُهُ عَلَى خِلافِ الْحِكْمَةِ فَاسِدًا.
فَإِذَا اقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ نَقِيضَ الْحُكْمِ الْمُدَّعَى أَوْ خِلافَهُ: كَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلْحِكْمَةِ، إذْ مِنْ شَأْنِ الْعِلَّةِ أَنْ تُنَاسِبَ مَعْلُولَهَا لا أَنَّهَا تُخَالِفُهُ، فَكَانَ ذَلِكَ فَاسِدَ الْوَضْعِ بِهَذَا الاعْتِبَارِ.
__________
1 جمع الجوامع بحاشية البناني 2/342.
2 في ش: فكان.
3 في ب: وضع.(4/242)
وَمِنْ أَمْثِلَةِ1 ذِي النَّصِّ: قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ: الْهِرَّةُ سَبُعٌ ذُو نَابٍ، فَيَكُونُ سُؤْرُهُ نَجِسًا كَالْكَلْبِ. فَيُقَالُ: السَّبُعِيَّةُ2 اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ عِلَّةً لِلطَّهَارَةِ، حَيْثُ دُعِيَ إلَى دَارٍ فِيهَا كَلْبٌ فَامْتَنَعَ. وَدُعِيَ إلَى أُخْرَى3 فِيهَا سِنَّوْرٌ، فَأَجَابَ. فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: "السِّنَّوْرُ سَبُعٌ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ4.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذِي الإِجْمَاعِ: قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ: مَا فِي الْمَتْنِ ...
5وَجَوَابُ الْمُسْتَدِلِّ عَنْهُ بِبَيَانِ6 الْمَانِعِ لِتَعَرُّضِ7 الْمَسْحِ لِتَلَفِ8 الْخُفِّ.
وَسُؤَالُ فَسَادِ الْوَضْعِ نَقْضٌ خَاصٌّ لإِثْبَاتِهِ نَقِيضَ الْحُكْمِ فَإِنْ9 ذَكَرَ الْمُعْتَرِضُ نَقِيضَ الْحُكْمِ مَعَ أَصْلِهِ، فَقَالَ: لا يُسَنُّ تَكْرَارُ مَسْحِ الرَّأْسِ كَالْخُفِّ فَهُوَ الْقَلْبُ. لَكِنْ اخْتَلَفَ أَصْلُهُمَا.
__________
1 في ش: ذلك.
2 في ش: إن السبعية.
3 في ض: دار.
4 مسند الإمام أحمد 2/327، سنن البيهقي 1/249.
5 ساقطة من ع.
6 في ض: بيان.
7 في ز: لتعرضه.
8 في ب: بتلف.
9 في ش: فإذا.(4/243)
"وَمِنْهُ" أَيْ وَمِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ "كَوْنُ الدَّلِيلِ عَلَى هَيْئَةٍ غَيْرِ صَالِحَةٍ لاعْتِبَارِهِ" أَيْ غَيْرَ صَالِحَةٍ؛ لأَنْ يُعْتَبَرَ بِهَا الدَّلِيلُ "فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ".
وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِضِدِّ ذَلِكَ الْحُكْمِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِنَقِيضِ ذَلِكَ الْحُكْمِ.
فَالأَوَّلُ "كَتَلَقِّي تَخْفِيفٍ مِنْ تَغْلِيظٍ كَقَوْلِ حَنَفِيٍّ: الْقَتْلُ جِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ، فَلا يَجِبُ فِيهَا كَفَّارَةٌ كَبَقِيَّةِ الْكَبَائِرِ، فَجِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ" فِي قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ1 "تُنَاسِبُ التَّغْلِيظَ".
"أَوْ2" كَتَلَقِّي "تَوْسِيعٍ مِنْ تَضْيِيقٍ3، كَ" قَوْلِ4 الْمُسْتَدِلِّ "الزَّكَاةُ مَالٌ وَاجِبٌ إرْفَاقًا لِدَفْعِ الْحَاجَةِ، فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي كَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَدَفْعُ الْحَاجَةِ" فِي قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "يَقْتَضِي الْفَوْرَ".
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ إثْبَاتٍ" أَيْ أَنْ يُتَلَقَّى إثْبَاتٌ "مِنْ نَفْيٍ، كَ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "الْمُعَاطَاةُ فِي الْيَسِيرِ بَيْعٌ5 لَمْ
__________
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ع.
3 في ض: تغليظ.
4 في ش: مقول.
5 في ش: في المعاطاة بيع يسير.(4/244)
يُوجَدْ فِيهِ سِوَى الرِّضَا، فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ كَغَيْرِهِ.
"فَالرِّضَا" فِي قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "يُنَاسِبُ الانْعِقَادَ".
وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا فَسَادَ الْوَضْعِ؛ لأَنَّ وَضْعَ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَيْئَةٍ صَالِحَةٍ؛ لأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ إثْبَاتُهُ. فَمَتَى خَلا عَنْ1 ذَلِكَ فَسَدَ وَضْعُهُ.
"وَجَوَابُهُمَا" أَيْ جَوَابُ النَّوْعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ "بِتَقْرِيرِ2 كَوْنِهِمَا كَذَلِكَ" أَيْ بِتَقْرِيرِ3 كَوْنِ الدَّلِيلِ صَالِحًا لاعْتِبَارِهِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، كَأَنْ يَكُونَ لِلدَّلِيلِ4 جِهَتَانِ، يَنْظُرُ الْمُسْتَدِلُّ فِيهِ مِنْ إحْدَاهُمَا5، وَالْمُعْتَرِضُ مِنْ الأُخْرَى، كَالارْتِفَاقِ وَدَفْعِ الْحَاجَةِ فِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ.
وَيُجَابُ عَنْ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ: بِأَنْ غُلِّظَ فِيهِ بِالْقِصَاصِ6 فَلا يُغَلَّظُ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ.
وَيُجَابُ عَنْ الْمُعَاطَاةِ بِأَنَّ عَدَمَ الانْعِقَادِ بِهَا مُرَتَّبٌ عَلَى عَدَمِ الصِّيغَةِ، لا عَلَى الرِّضَى.
__________
1 في ش: من.
2 في ش: بتقدير.
3 في ش: بتقدير.
4 في ع ب: للدليل عليه.
5 في ع ب: أحدهما.
6 في ز ض: القصاص.(4/245)
الرَّابِعُ: مِنْ الْقَوَادِحِ: "مَنْعُ حُكْمِ الأَصْلِ"1.
أَيْ مَنْعُ الْمُعْتَرِضِ حُكْمَ أَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ. كَأَنْ يَقُولَ حَنْبَلِيٌّ: الْخَلُّ مَائِعٌ لا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، فَلا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ كَالدُّهْنِ. فَيَقُولَ حَنَفِيٌّ: لا أُسَلِّمُ الْحُكْمَ فِي الأَصْلِ، فَإِنَّ الدُّهْنَ عِنْدِي يُزِيلُ النَّجَاسَةَ، فَهَلْ يُسْمَعُ مِنْهُ مَنْعُ حُكْمِ الأَصْلِ أَمْ لا؟
فَالْجُمْهُورُ قَالُوا "يُسْمَعُ".
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: لا يُسْمَعُ أَصْلاً2.
"وَ3" عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ "لا ي4َنْقَطِعُ" الْمُسْتَدِلُّ "بِمُجَرَّدِهِ"
__________
1 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "الجدل لابن عقيل ص 47، المنهاج للباجي ص 163، منتهى السول والأمل ص 193، إرشاد الفحول ص 230، كشف الأسرار 4/112، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 343، المغني للخبازي ص 316، مفتاح الوصول ص 156، المنخول ص 401، فتح الغفار 3/41، المسودة ص 401، مختصر الطوفي ص 166، تيسير التحرير 4/127، روضة الناظر ص 340، البرهان 2/968، مختصر البعلي ص 153، فواتح الرحموت 2/332، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/326، شرح العضد 2/261، الإحكام للآمدي 4/98".
2 حكاية المصنف القول عن أبي إسحاق الشيرازي بأنه لا يسمع هذا المنع من المعترض أصلاً فيها نظر، إذ المسطور في كتابي الشيرازي الذين أفاض فيهما الكلام عن القوادح "الملخص في الجدل" ومختصره "المعونة" في مثل هذه الحالة هو السماع. فتأمل! "انظر الملخص في الجدل ق 54/ب وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/327".
3 ساقطة من ش.
4 في ش: ولا.(4/246)
أَيْ بِمُجَرَّدِ مَنْعِ حُكْمِ الأَصْلِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ؛ لأَنَّهُ مَنْعُ1 مُقَدِّمَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْقِيَاسِ. "فَيَدُلُّ عَلَيْهِ" يَعْنِي أَنَّ لِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَدُلَّ عَلَى إثْبَاتِ أَصْلٍ يَقِيسُ2 عَلَيْهِ"كَمَنْعِ الْعِلَّةِ، أَوْ وُجُودِهَا" يَعْنِي كَمَا لَوْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِمَنْعِ الْعِلَّةِ أَوْ وُجُودِهَا، فَإِنَّهُ3 لا يَنْقَطِعُ بِذَلِكَ. وَلَهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ: يَنْقَطِعُ.
وَقِيلَ: لا يَنْقَطِعُ، إلاَّ إذَا كَانَ الْمَنْعُ ظَاهِرًا يَعْرِفُهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ.
"فَـ" عَلَى الأَوَّلِ "إنْ دَلَّ" الْمُسْتَدِلُّ عَلَى إثْبَاتِ حُكْمِ الأَصْلِ "لَمْ يَنْقَطِعْ الْمُعْتَرِضُ" عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ "فَلَهُ" أَيْ لِلْمُعْتَرِضِ "الاعْتِرَاضُ" عَلَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ الَّذِي دَلَّ بِهِ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى إثْبَاتِ حُكْمِ الأَصْلِ بِطَرِيقِهِ، إذْ لا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ صُورَةِ دَلِيلٍ4 صِحَّتُهُ.
"وَلَيْسَ" اعْتِرَاضُهُ5 عَلَى دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ "بِخَارِجٍ عَنْ الْمَقْصُودِ، فَيَتَوَجَّهُ لَهُ" أَيْ لِلْمُعْتَرِضِ6 "سَبْعُ مَنُوعٍ مُرَتَّبَةٍ7"
__________
1 في ز: يمنع.
2 في ع ز: مقيس.
3 في ع: فله أن.
4 في ش: دليله.
5 في ع: اعتراضهم.
6 ساقطة من ض ب.
7 أي كل منها مرتب على تسليم ما قبله. "حاشية البناني 2/327".(4/247)
ثَلاثَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالأَصْلِ، وَثَلاثَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْعِلَّةِ، وَوَاحِدٌ يَتَعَلَّقُ بِالْفَرْعِ.
فَيُقَالُ فِي الإِثْبَاتِ بِمَنُوعٍ مُرَتَّبَةٍ: لا نُسَلِّمُ حُكْمَ الأَصْلِ.
سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِمَّا يُقَاسُ فِيهِ. لِمَ لا يَكُونُ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْقِيَاسِ فِيهِ؟
سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ؛ لِمَ لا يُقَالُ: إنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ؟.
سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ عِلَّتُهُ1؛ لِمَ لا يُقَالُ: إنَّ الْعِلَّةَ غَيْرُهُ؟
سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلا نُسَلِّمُ وُجُودَ الْوَصْفِ فِي الأَصْلِ.
سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلا نُسَلِّمُ أَنَّ2 هَذَا الْوَصْفَ مُتَعَدٍّ؛ لِمَ لا يُقَالُ: إنَّهُ قَاصِرٌ؟.
سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلا نُسَلِّمُ وُجُودَهُ فِي3 الْفَرْعِ.
وَظَاهِرُ إيرَادِهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وُجُوبُهُ، لِمُنَاسَبَةِ ذَلِكَ التَّرْتِيبِ4 الطَّبِيعِيِّ. فَيُقَدَّمُ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالأَصْلِ مِنْ مَنْعِ حُكْمِهِ، أَوْ كَوْنِهِ مِمَّا لا يُقَاسُ عَلَيْهِ، أَوْ كَوْنِهِ غَيْرَ مُعَلَّلٍ، ثُمَّ مَا
__________
1 في ش ع: علة.
2 في ش: أن هذا.
3 في ع: وجود.
4 في ض: للترتيب.(4/248)
يَتَعَلَّقُ بِالْعِلَّةِ؛ لأَنَّهَا فَرْعُهُ، لاسْتِنْبَاطِهَا مِنْهُ مِنْ مَنْعِ كَوْنِ ذَلِكَ الْوَصْفِ عِلَّةً، أَوْ مَنْعِ وُجُودِهِ فِي الأَصْلِ، أَوْ مَنْعِ كَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا، ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَرْعِ لابْتِنَائِهِ عَلَيْهِمَا1. كَمَنْعِ وُجُودِ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلِّيَّتُهُ2 فِي الْفَرْعِ.
وَجَوَابُ هَذِهِ الاعْتِرَاضَاتِ بِدَفْعِ مَا يُرَادُ دَفْعُهُ مِنْهَا بِطَرِيقِهِ الْمَفْهُومَةِ3.
"وَإِنْ اعْتَرَضَ" الْمُعْتَرِضُ "عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ بِ" قَوْلِهِ "إنِّي لا أَعْرِفُ مَذْهَبِي فِيهِ" أَيْ فِي الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ "فَإِنْ أَمْكَنَ الْمُسْتَدِلَّ بَيَانُهُ" بَيَّنَهُ "وَإِلاَّ 4" أَيْ5 وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ بَيَانُهُ "دَلَّ" أَيْ أَقَامَ الدَّلِيلَ "عَلَى إثْبَاتِهِ" قَالَهُ6 ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ.
"وَلِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِدَلِيلٍ عِنْدَهُ فَقَطْ" أَيْ دُونَ الْمُعْتَرِضِ "كَمَفْهُومٍ وَقِيَاسٍ فَإِنْ اعْتَرَضَ" بِأَنْ7 مَنَعَهُ خَصْمُهُ "دَلَّ عَلَيْهِ" الْمُسْتَدِلُّ "وَلَمْ يَنْقَطِعْ" بِذَلِكَ.
__________
1 في ش: عليها.
2 في ش: عليه.
3 في ع: بطريق. وفي ض: بطريقته.
4 في ش: دالاً.
5 ساقطة من ش.
6 في ش: قال.
7 في ع: أي بأن.(4/249)
"وَلَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يُلْزِمَهُ" أَيْ يُلْزِمَ الْمُسْتَدِلَّ "مَا يَعْتَقِدُهُ هُوَ" أَيْ الْمُعْتَرِضُ "وَلا أَنْ يَقُولَ" الْمُعْتَرِضُ لِلْمُسْتَدِلِّ "إنْ سَلَّمْت" مَا أَعْتَقِدُهُ "وَإِلاَّ دَلَّلْت عَلَيْهِ".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ: لِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَحْتَجَّ بِدَلِيلٍ عِنْدَهُ فَقَطْ، كَمَفْهُومٍ وَقِيَاسٍ. فَإِنْ مَنَعَهُ خَصْمُهُ دَلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْقَطِعْ1 خِلافًا لأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ الشَّافِعِيِّ، إنْ كَانَ الأَصْلُ خَفِيًّا2.
وَأَطْلَقَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ الْمَنْعَ عَنْ قَوْمٍ.
وَلَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يُلْزِمَهُ مَا يَعْتَقِدُهُ هُوَ فَقَطْ، وَلا أَنْ يَقُولَ: إنْ سَلَّمْته وَإِلاَّ دَلَّلْت عَلَيْهِ، خِلافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ.
قَالَ: لأَنَّهُ بِالْمُعَارَضَةِ كَالْمُسْتَدِلِّ. وَعَنَى بِهِ إلْكِيَا.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - وَعَنَى بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - لا يَنْقَطِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. فَيَكُونُ الاسْتِدْلال فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ فِي الْمُعَارِضِ3 اهـ.
الْخَامِسُ: مِنْ الْقَوَادِحِ "التَّقْسِيمُ"4.
__________
1 ساقطة من ض.
2 في ع: خفي.
3 في ز: التعارض.
4 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "المسودة ص 426، مختصر الطوفي =(4/250)
وَهُوَ "احْتِمَالُ لَفْظِ الْمُسْتَدِلِّ لأَمْرَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى السَّوَاءِ بَعْضُهَا" أَيْ بَعْضُ الاحْتِمَالاتِ، أَوْ الاحْتِمَالَيْنِ "مَمْنُوعٌ" وَذَلِكَ الْمَمْنُوعُ هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ، وَإِلاَّ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْسِيمِ مَعْنًى.
"وَهُوَ" أَيْ الْقَدَحُ بِذَلِكَ "وَارِدٌ" عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ.
"وَبَيَانُهُ" أَيْ بَيَانُ1 كَوْنِ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ مَمْنُوعًا "عَلَى الْمُعْتَرِضِ" وَذَلِكَ "كَ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "الصَّحِيحُ فِي الْحَضَرِ وَجَدَ2 السَّبَبَ3 بِتَعَذُّرِ الْمَاءِ" عَلَيْهِ4 "فَجَازَ" لَهُ "أَنْ يَتَيَمَّمَ".
"فَيَقُولَ" الْمُعْتَرِضُ "السَّبَبُ" الْمُبِيحُ لِلتَّيَمُّمِ "تَعَذُّرُهُ5" أَيْ تَعَذُّرُ الْمَاءِ "مُطْلَقًا، أَوْ" تَعَذُّرُهُ "فِي سَفَرٍ، أَوْ" تَعَذُّرُهُ فِي "مَرَضٍ".
"فَالأَوَّلُ6" الَّذِي هُوَ تَعَذُّرُهُ مُطْلَقًا "مَمْنُوعٌ، فَهُوَ مَنْعٌ بَعْدَ تَقْسِيمٍ" وَجَوَابُهُ كَالاسْتِفْسَارِ7.
__________
= ص 167، الكافية للجويني ص 394، المنهاج للباجي ص 210، روضة الناظر ص 341، الإحكام للآمدي 4/102، مختصرالبعلي ص 153، إرشاد الفحول ص 231، نشر البنود 2/241، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/333، منتهى السول والأمل ص 193، شرح العضد 2/262".
1 في ز: وبيان.
2 في ش: وحدّ.
3 في ش: السفر.
4 في ش: علة.
5 في ع: بتعذره.
6 في ش: الأول.
7 ساقطة من ش. وفي ض: وجوابه كاستفسار.(4/251)
قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَقَوْلُنَا " عَلَى السَّوَاءِ "؛ لأَنَّهُ لَوْ كَانَ ظَاهِرًا فِي أَحَدِهِمَا لَوَجَبَ تَنْزِيلُهُ عَلَيْهِ.
وَمِثَالُهُ فِي أَكْثَرِ مِنْ اثْنَيْنِ لَوْ قِيلَ: امْرَأَةٌ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ يَصِحُّ1 مِنْهَا النِّكَاحُ كَالرَّجُلِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: إمَّا بِمَعْنَى أَنَّ لَهَا تَجْرِبَةً، أَوْ أَنَّ لَهَا حُسْنَ رَأْيٍ وَتَدْبِيرٍ، أَوْ أَنَّ لَهَا عَقْلاً غَرِيزِيًّا. فَالأَوَّلُ وَالثَّانِي: مَمْنُوعَانِ. وَالثَّالِثُ: مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لا يَكْفِي؛ لأَنَّ الصَّغِيرَةَ لَهَا عَقْلٌ غَرِيزِيٌّ2، وَلا يَصِحُّ مِنْهَا النِّكَاحُ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَبُولِ هَذَا السُّؤَالِ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُقْبَلُ3، لَكِنْ بَعْدَ مَا يُبَيِّنُ4 الْمُعْتَرِضُ مَحَلَّ التَّرَدُّدِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ سُؤَالَ الاسْتِفْسَارِ يُغْنِي عَنْهُ، فَلا حَاجَةَ إلَيْهِ.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ5 هَذَا الاعْتِرَاضِ "كَالاسْتِفْسَارِ" أَنْ6 يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ7: لَفْظِي الَّذِي ذَكَرْته مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي
__________
1 في ض: صح.
2 في ش: غريزة.
3 في ز: قبل.
4 في ز: بين.
5 في ز ب: وجواب.
6 في ش ض: بأن.
7 في ز ب: للمستدل.(4/252)
يُؤَدِّي لِلدَّلالَةِ1، وَالدَّالُّ2 عَلَى حَمْلِهِ عَلَى ذَلِكَ3: اللُّغَةُ أَوْ الْعُرْفُ الشَّرْعِيُّ، أَوْ الْعُرْفُ الْعَامُّ، أَوْ كَوْنُهُ مَجَازًا رَاجِحًا بِعُرْفِ الاسْتِعْمَالِ، أَوْ بِكَوْنِ4 أَحَدِ الاحْتِمَالاتِ ظَاهِرًا5 بِسَبَبِ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ الْقَرِينَةِ مِنْ لَفْظِ الْمُسْتَدِلِّ، إنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ، أَوْ حَالِيَّةٌ أَوْ عَقْلِيَّةٌ بِحَيْثُ لا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ لُغَةً وَلا عُرْفًا.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَوْ ذَكَرَ الْمُعْتَرِضُ احْتِمَالَيْنِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِمَا لَفْظُ الْمُسْتَدِلِّ، كَقَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ: وُجِدَ سَبَبُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَيَجِبُ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ6: مَتَى مَنَعَ7 مَانِعُ الالْتِجَاءِ إلَى الْحَرَمِ8، أَوْ عَدَمُهُ؟، الأَوَّلُ مَمْنُوعٌ.
فَإِنْ أَوْرَدَهُ عَلَى9 لَفْظِ الْمُسْتَدِلِّ لَمْ يُقْبَلْ لِعَدَمِ تَرَدُّدِ لَفْظِ السَّبَبِ بَيْنَ الاحْتِمَالَيْنِ10. وَإِنْ أَوْرَدَهُ عَلَى دَعْوَاهُ الْمُلازَمَةَ11 بَيْنَ
__________
1 في ش: الدلالة.
2 في ع: أو الدال. وفي ش: والدال علي.
3 في ع: تلك.
4 في ع: بكونه. وفي ش ب: يكون.
5 في ش ز: ظاهر.
6 ساقطة من ش ع ز ض ب.
7 في ش: مع.
8 في ض: الحرام.
9 في ش: على علتي.
10 في ز: احتمالين.
11 في ش: اللازمة.(4/253)
الْحُكْمِ وَدَلِيلِهِ فَهُوَ مُطَالَبَةٌ بِنَفْيِ الْمَانِعِ، وَلا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ. فَإِنْ اسْتَدَلَّ الْمُعْتَرِضُ مَعَ1 ذَلِكَ عَلَى وُجُودِ الْمُعَارِضِ فَيُعَارِضُهُ.
السَّادِسُ: مِنْ الْقَوَادِحِ "مَنْعُ وُجُودِ الْمُدَّعَى عِلَّةً فِي الأَصْلِ"2.
وَذَلِكَ "كَ" قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ "الْكَلْبُ حَيَوَانٌ يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِهِ سَبْعًا فَلا يَطْهُرُ" جِلْدُهُ "بِدَبْغٍ كَ" جِلْدِ "خِنْزِيرٍ فَيُمْنَعُ3" بِأَنْ يَقُولَ الْمُعْتَرِضُ: لا نُسَلِّمُ أَنَّ الْخِنْزِيرَ يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِهِ سَبْعًا.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ هَذَا الاعْتِرَاضِ "بِبَيَانِهِ4" أَيْ بِبَيَانِ5 وُجُودِ الْوَصْفِ فِي الأَصْلِ بِأَحَدِ مَسَالِكِهَا6 "بِدَلِيلٍ" أَيْ بِمَا هُوَ طَرِيقُ ثُبُوتِ7 مِثْلِهِ "مِنْ عَقْلٍ" إنْ كَانَ عَقْلِيًّا "أَوْ حِسٍّ" إنْ كَانَ حِسِّيًّا "أَوْ شَرْعٍ" إنْ كَانَ شَرْعِيًّا "بِحَسَبِ حَالِ الْوَصْفِ".
__________
1 في ع: منع.
2 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "المنخول ص 401، فتح الغفار 3/41، المعتمد 2/771، مفتاح الوصول للتلمساني ص 156، المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص 166، البرهان 2/968، روضة الناظر ص 340، الإحكام للآمدي 4/107، فواتح الرحموت 2/334، مختصر البعلي ص 153، الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 49، إرشاد الفحول ص 231، منتهى السول والأمل ص 194، شرح العضد 2/263".
3 في ع: فيمتنع.
4 في ع: بيانه.
5 في ش: ببيان.
6 ساقطة من ش ز.
7 في ش: ثبوت طريق.(4/254)
مِثَالٌ يَجْمَعُ1 الثَّلاثَةَ، إذَا قَالَ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ: قَتْلٌ عَمْدٌ عُدْوَانٌ، فَلَوْ قَالَ: لا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَتْلٌ. قَالَ: بِالْحِسِّ، وَلَوْ قِيلَ2: لا نُسَلِّمُ أَنَّهُ عَمْدٌ. قَالَ: مَعْلُومٌ عَقْلاً بِأَمَارَتِهِ، وَلَوْ قِيلَ3: لا نُسَلِّمُ أَنَّهُ عُدْوَانٌ. قَالَ: لأَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَهُ.
"وَلَهُ" أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ "تَفْسِيرُ لَفْظِهِ بِمُحْتَمَلٍ" أَيْ بِمَعْنًى مُحْتَمَلٍ.
السَّابِعُ: مِنْ الْقَوَادِحِ "مَنْعُ كَوْنِهِ" أَيْ كَوْنِ الْوَصْفِ "عِلَّةً" وَالْمُطَالَبَةُ بِتَصْحِيحِ ذَلِكَ4.
قَالَ الآمِدِيُّ5 وَمَنْ تَبِعَهُ6: هُوَ "أَعْظَمُ الأَسْئِلَةِ" لِعُمُومِ وُرُودِهِ وَتَشَعُّبِ مَسَالِكِهِ.
"وَيُقْبَلُ" لِئَلاَّ يَحْتَجَّ الْمُسْتَدِلُّ بِكُلِّ طَرْدٍ، وَهُوَ لَعِبٌ؛ وَلأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ دَلِيلِ الْقِيَاسِ.
__________
1 في ش: جمع.
2 في ع ب: قال. وفي ش: لم يقل.
3 في ش: لم يقل.
4 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "المنخول ص 401، فتح الغفار 3/41، مفتاح الوصول ص 157، المنهاج للباجي ص 168، البرهان 2/970، روضة الناظر ص 340، فواتح الرحموت 2/334، إرشاد الفحول ص 231، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/325، منتهى السول والأمل ص 194، شرح العضد 2/263".
5 الإحكام في أصول الأحكام 4/109.
6 انظر شرح العضد 2/263، منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص 194.(4/255)
خُولِفَ فِي مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ1، أَوْ أَفَادَ الظَّنَّ.
وَلَيْسَ الْقِيَاسُ رَدَّ فَرْعٍ إلَى أَصْلٍ بِأَيِّ2 جَامِعٍ كَانَ، بَلْ بِجَامِعٍ مَظْنُونٍ، وَلَيْسَ عَجْزُ الْمُعَارِضِ عَنْ إبْطَالِهَا دَلِيلَ صِحَّتِهَا لِلُزُومِ صِحَّةِ كُلِّ صُورَةِ دَلِيلٍ لِعَجْزِهِ. فَهَذَا السُّؤَالُ يَعُمُّ كُلَّ مَا يُدَّعَى أَنَّهُ عِلَّةٌ.
وَطُرُقُهُ كَثِيرَةٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَيُقَالُ لَهُ: سُؤَالُ الْمُطَالَبَةِ3، وَحَيْثُ أُطْلِقَتْ الْمُطَالَبَةُ4 فَلا يُقْصَدُ5 فِي الْعُرْفِ سِوَى ذَلِكَ، وَمَتَى أُرِيدَ غَيْرُهُ ذُكِرَ مُقَيَّدًا، فَيُقَالُ: الْمُطَالَبَةُ بِكَذَا.
وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ لأَدَّى الْحَالُ إلَى اللَّعِبِ فِي التَّمَسُّكِ بِكُلِّ طَرْدٍ مِنْ الأَوْصَافِ، كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ. فَإِنَّ الْمُسْتَدِلَّ يَأْمَنُ الْمَنْعَ، وَيَتَعَلَّقُ بِمَا شَاءَ مِنْ الأَوْصَافِ6.
وَقِيلَ: لا يُقْبَلُ؛ لأَنَّ الْقِيَاسَ رَدُّ فَرْعٍ إلَى أَصْلٍ بِجَامِعٍ. وَقَدْ وُجِدَ. فَفِيمَ7 الْمَنْعُ؟
__________
1 في ز: أصحابه.
2 في ش: بأي صحة كل صورة.
3 انظر المسودة ص 429، مختصر الطوفي ص 167، روضة الناظر ص 342، مختصر البعلي ص 154.
4 ساقطة من ض.
5 في ز: يصدق.
6 في ش: الأصاف.
7 في ض: تقسيم.(4/256)
وَرَدُّهُ: أَنَّ ذَلِكَ مَظْنُونُ الصِّحَّةِ، وَالْوَصْفُ الطَّرْدِيُّ مَظْنُونُ الْفَسَادِ.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ مَنْعِ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً "بِبَيَانِهِ1 بِأَحَدِ مَسَالِكِهَا" أَيْ بِأَنْ2 يُثْبِتَ الْمُسْتَدِلُّ عِلِّيَّةَ3 الْوَصْفِ بِأَحَدِ الطُّرُقِ الْمُفِيدَةِ لِلْعِلَّةِ، مِنْ إجْمَاعٍ أَوْ نَصٍّ أَوْ مُنَاسَبَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ.
قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَكُلُّ4 مَسْلَكٍ تَمَسَّكَ بِهَا5 فَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا هُوَ شَرْطُهُ، أَيْ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ الأَسْئِلَةِ الْمَخْصُوصَةِ بِهِ. وَقَدْ نَبَّهَ - أَيْ6 ابْنُ الْحَاجِبِ - هَاهُنَا7 عَلَى اعْتِرَاضَاتِ الأَدِلَّةِ الأُخْرَى بِتَبَعِيَّةِ8 اعْتِرَاضَاتِ الْقِيَاسِ عَلَى سَبِيلِ الإِيجَازِ، وَلا بَأْسَ أَنْ9 نَبْسُطَ فِيهِ الْكَلامَ بَعْضَ الْبَسْطِ10؛ لأَنَّ الْبَحْثَ كَمَا يَقَعُ فِي11
__________
1 في ش: باثباته.
2 في ض: بما.
3 في ض: علة.
4 في شرح العضد: فكل.
5 في ش: به.
6 ساقطة من ع ز ض ب.
7 في ض: هنا.
8 كذا في شرح العضد. وفي ع ز: تبعه. وفي ب: متبعه. وفي ش: نتبعه.
9 في ش: بأن.
10 ساقطة من ع ض.
11 في ض: فيه.(4/257)
الْقِيَاسِ يَقَعُ فِي سَائِرِ الأَدِلَّةِ. وَمَعْرِفَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَافِعَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. فَنَقُولُ:
الأَسْئِلَةُ بِحَسَبِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الإِجْمَاعِ وَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَتَخْرِيجُ الْمَنَاطِ: أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ:
الصِّنْفُ الأَوَّلُ: عَلَى الإِجْمَاعِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لِقِلَّتِهِ. وَمِثَالُهُ: مَا قَالَتْ1 الْحَنَفِيَّةُ فِي وَطْءِ الثَّيِّبِ: الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ الرَّدُّ مَجَّانًا. فَإِنَّ عُمَرَ وَزَيْدًا أَوْجَبَا نِصْفَ عُشْرِ الْقِيمَةِ، وَفِي الْبِكْرِ عُشْرَهَا، وَعَلِيُّ مَنَعَ الرَّدَّ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَهُوَ ظَنِّيٌّ فِي دَلالَتِهِ وَفِي نَقْلِهِ، وَلَوْلا أَحَدُهُمَا لَمَا تُصَوِّرَ فِي مَحَلِّ2 الْخِلافِ.
وَالاعْتِرَاضُ عَلَى3 وُجُوهٍ:
الأَوَّلُ: مَنْعُ وُجُودِ الإِجْمَاعِ لِصَرِيحِ الْمُخَالَفَةِ، أَوْ مَنْعُ دَلالَةِ السُّكُوتِ عَلَى الْمُوَافَقَةِ.
الثَّانِي: الطَّعْنُ فِي السَّنَدِ، بِأَنْ نَقَلَهُ فُلانٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ إنْ أَمْكَنَهُ.
الثَّالِثُ: الْمُعَارَضَةُ، وَلا تَجُوزُ4 بِالْقِيَاسِ، مِثْلَ: الْعَيْبُ
__________
1 في ز وشرح العضد: قال.
2 في ش: نقل.
3 في شرح العضد: عليه من.
4 كذا في شرح العضد. وفي جميع النسخ: يجوز.(4/258)
1يُثْبِتُ الرَّدَّ، وَتَثْبُتُ2 عِلِّيَّةُ الْعَيْبِ لِلرَّدِّ بِالْمُنَاسَبَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَلا بِخَبَرٍ3 وَاحِدٍ4، إلاَّ إذَا كَانَتْ دَلالَتُهُ5 قَاطِعَةً6، وَلَكِنْ7 بِإِجْمَاعٍ آخَرَ أَوْ بِمُتَوَاتِرٍ.
الصِّنْفُ الثَّانِي: عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ. كَمَا إذَا اُسْتُدِلَّ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْغَائِبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ8} وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ كُلِّ بَيْعٍ.
وَالاعْتِرَاضُ عَلَى وُجُوهٍ9:
الأَوَّلُ: الاسْتِفْسَارُ. وَقَدْ عَرَّفْتَهُ.
الثَّانِي: مَنْعُ ظُهُورِهِ فِي الدَّلالَةِ، فَإِنَّهُ خَرَجَ صُوَرٌ10 لا تُحْصَى11، أَوْ12 لا نُسَلِّمُ أَنَّ اللاَّمَ لِلْعُمُومِ، فَإِنَّهُ يَجِيءُ
__________
1 في شرح العضد: يثبته ويثبته.
2 في ب ش ع: ويثبت.
3 في ض: يجبر.
4 في ش: الواحد.
5 في ض: ولايته.
6 في شرح العضد: قطعية.
7 ساقطة من ز.
8 الآية 275 من البقرة.
9 في شرح العضد: عليه بوجوه.
10 في ش: صوراً.
11 في د ع: لا تحصر. وفي ض: لا يحصر.
12 في د ض: ولا.(4/259)
لِلْعُمُومِ1 وَالْخُصُوصِ2.
الثَّالِثُ: التَّأْوِيلُ، وَهُوَ أَنَّهُ - وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِيمَا ذَكَرْت - لَكِنْ يَجِبُ صَرْفُهُ عَنْهُ إلَى مَحْمَلٍ مَرْجُوحٍ، بِدَلِيلٍ يُصَيِّرُهُ3 رَاجِحًا. نَحْوَ قَوْلِهِ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَهَذَا أَقْوَى؛ لأَنَّهُ عَامٌّ4 لَمْ5 يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ تَخْصِيصٌ، أَوْ التَّخْصِيصُ فِيمَا قَلَّ6.
الرَّابِعُ: الإِجْمَالُ فَإِنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وَجْهِ التَّرْجِيحِ وَإِنْ لَمْ7 يُصَيِّرْهُ رَاجِحًا فَإِنَّهُ يُعَارِضُ الظُّهُورَ، فَيَبْقَى مُجْمَلاً.
الْخَامِسُ: الْمُعَارَضَةُ بِآيَةٍ أُخْرَى، نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ8} وَهَذَا [مَا9] لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ الرِّضَى، فَيَكُونُ بَاطِلاً، أَوْ بِحَدِيثٍ10 مُتَوَاتِرٍ كَمَا ذَكَرْنَا.
__________
1 في ع: إلى العموم.
2 في شرح العضد: وللخصوص.
3 في ش: تصييره. وفي ز: تصوره. وفي د: تصيره.
4 في ز: تمام.
5 في ب: لا.
6 في شرح العضد: فيه أقل.
7 ساقطة من ش.
8 الآية 188 من البقرة.
9 زيادة من شرح العضد.
10 كذا في شرح العضد وش. وفي ع ز ض ب: لحديث.(4/260)
السَّادِسُ: مَنْعُ1 الْقَوْلِ بِمُوجِبِهِ، وَهُوَ تَسْلِيمُ مُقْتَضَى النَّصِّ مَعَ بَقَاءِ الْخِلافِ. مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: سَلَّمْنَا حِلَّ الْبَيْعِ، وَالْخِلافُ فِي صِحَّتِهِ بَاقٍ. فَإِنَّهُ مَا أُثْبِتُهُ.
الصِّنْفُ2 الثَّالِثُ3: مَا يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ السُّنَّةِ، كَمَا إذَا اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ4 "أَمْسِكْ أَرْبَعًا، وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ" عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ لا يَنْفَسِخُ.
وَالاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِالْوُجُوهِ5 السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ.
الأَوَّلُ: الاسْتِفْسَارُ.
الثَّانِي: مَنْعُ الظُّهُورِ إذْ لَيْسَ فِيمَا ذَكَرْت مِنْ الْخَبَرِ صِيغَةُ6 عُمُومٍ، أَوْ؛ لأَنَّهُ7 خِطَابٌ لِخَاصٍّ8، أَوْ؛ لأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ.
الثَّالِثُ: التَّأْوِيلُ بِأَنَّ9 الْمُرَادَ: تَزَوَّجْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا بِعَقْدٍ
__________
1 ساقطة من د وشرح العضد.
2 في ش: المصنف.
3 في ش: الثاني.
4 في ض: بقولك. وفي ش: بقوله صلى الله عليه وسلم.
5 في شرح العضد: بوجوه.
6 في ش: صيفة.
7 في ع: ولأنه. وفي ز: أو أنه.
8 في ش: خاص. وفي شرح العضد: بخاص.
9 في شرح العضد: فإن.(4/261)
جَدِيدٍ. فَإِنَّ الطَّارِئَ كَالْمُبْتَدَإِ فِي إفْسَادِ النِّكَاحِ كَالرَّضَاعِ.
الرَّابِعُ: الإِجْمَالُ كَمَا ذَكَرْنَا.
الْخَامِسُ: الْمُعَارَضَةُ بِنَصٍّ آخَرَ.
السَّادِسُ: الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ.
وَهَاهُنَا1 أَسْئِلَةٌ تَخْتَصُّ بِأَخْبَارِ الآحَادِ، وَهُوَ الطَّعْنُ فِي السَّنَدِ، بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا الْخَبَرُ مُرْسَلٌ، أَوْ ضَعِيفٌ2، أَوْ فِي رَاوِيَتِهِ3 قَدْحٌ. فَإِنَّ رَاوِيَهُ ضَعِيفٌ لِخَلَلٍ4 فِي عَدَالَتِهِ أَوْ ضَبْطِهِ، أَوْ بِأَنَّهُ5 كَذَّبَهُ الشَّيْخُ، فَقَالَ: لَمْ يَرْوِ عَنِّي.
مِثَالُهُ: إذَا قَالَ الأَصْحَابُ "الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا6" قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: لا يَصِحُّ؛ لأَنَّ رَاوِيَهُ مَالِكٌ. وَقَدْ خَالَفَهُ.
وَإِذَا قُلْنَا "أَيُّمَا امْرَأَةٍ7 نَكَحَتْ8 نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا،
__________
1 في ض: وهنا.
2 في شرح العضد: موقوف.
3 كذا في د وشرح العضد. وفي: راويته. وفي ع ز ب: راويه. وفي ض: رواته.
4 في ش: يجرح.
5 في ض: أنه.
6 في ش: يفترقا.
7 في ش: مرأة.
8 في ض: أنكحت.(4/262)
فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ" قَالُوا1: لا يَصِحُّ؛ لأَنَّهُ يَرْوِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الدِّمَشْقِيُّ2 عَنْ الزُّهْرِيِّ. فَسُئِلَ الزُّهْرِيُّ؟ فَقَالَ: لا أَعْرِفُهُ.
الصِّنْفُ الرَّابِعُ: مَا يَرِدُ عَلَى تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ. وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ3 مِنْ عَدَمِ الإِفْضَاءِ، أَوْ الْمُعَارَضَةِ، أَوْ عَدَمِ الظُّهُورِ4 أَوْ عَدَمِ الانْضِبَاطِ5، وَمَا6 تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ مُرْسَلٌ أَوْ غَرِيبٌ أَوْ7 شَبَهٌ8،
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْعَضُدُ بِعَيْنِهِ فِي الإِيضَاحِ لأَبِي مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيِّ.
__________
1 في ض: قلنا.
2 هو سليمان بن موسى الأشدق الأموي، أبو أيوب. قال ابن حبان: من فقهاء أهل الشام ومتورعي الدمشقيين وجلة أتباع التابعين. وقال سعيد: كان أعلم أهل الشام بعد مكحول، وقد وثقه ابن معين ودحيم. وقال البخاري: عنده مناكير. وقال ابن عدي: هو عندي ثبت صدوق. اختلف في وفاته فقال دحيم وابن حبان سنة 115 هـ، وقال البخاري وابن سعد وآخرون سنة 119هـ.
"انظر ترجمته في طرح التثريب 1/59، مشاهير علماء الأمصار ص 179، تاريخ يحيى بن معين 2/236، تهذيب التهذيب 4/226، خلاصة تذهيب الكمال 1/420، ميزان الاعتدال 2/225".
3 في شرح العضد: ما سيأتي.
4 ساقطة من ش.
5 كذا في ع وشرح العضد. وفي ش ز ض ب: الانضباط له.
6 في شرح العضد: أو بما.
7 ساقطة من ع ض. وفي ش: شبه ذلك.
8 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/264، 265.(4/263)
الثَّامِنُ: مِنْ الْقَوَادِحِ "عَدَمُ التَّأْثِيرِ"1
وَهُوَ دَعْوَى الْمُعْتَرِضِ "بِأَنَّ الْوَصْفَ لا مُنَاسَبَةَ لَهُ"
وَ "لا يَرِدُ" هَذَا "عَلَى قِيَاسِ الدَّلالَةِ" قَالَهُ2 الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ3 وَابْنُ عَقِيلٍ4؛ لأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الدَّلِيلِ عَدَمُ الْمَدْلُولِ.
وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الانْتِصَارِ فِي مَسْأَلَةِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَالنِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ.
"وَ" قَالَ أَيْضًا "لا" يَرِدُ عَلَى "قِيَاسٍ نَافٍ لِلْحُكْمِ" لِتَعَدُّدِ سَبَبِ انْتِفَائِهِ؛ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ أَوْ جُزْئِهَا أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ، أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ
__________
1 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "شرح العضد 2/265، منتهى السول والأمل ص 194، المعتمد 2/789، المسودة ص 421، المنخول ص 411، شرح تنقيح الفصول ص 401، روضة الناظر ص 394، الجدل لابن عقيل ص 54، البرهان 2/1007، مختصر الطوفي ص 171، المنهاج للباجي ص 195، الوصول إلى مسائل الأصول 2/298، اللمع ص 64، نشر البنود 2/217، المحصول 2/2/355، إرشاد الفحول ص 227، نهاية السول 3/88، مناهج العقول 3/86، الإبهاج 3/73، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/307، الإحكام للآمدي 4/113، مختصر البعلي ص 158، فواتح الرحموت 2/338، القياس الشرعي لأبي الحسين البصري 2/1040".
2 في ش ض: قال.
3 المسودة ص 422.
4 الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 56.(4/264)
بِخِلافِ سَبَبِ ثُبُوتِهِ؛ لأَنَّ عَدَمَ التَّأْثِيرِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَمْ تَخْلُفْ الْعِلَّةَ عِلَّةٌ أُخْرَى، وَلأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى قِيَاسِ الدَّلالَةِ.
وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ: مِنْ الْقَوَادِحِ فِي الْعِلَّةِ: عَدَمُ التَّأْثِيرِ، كَأَنْ يَقُولَ الْمُعْتَرِضُ: هَذَا1 الَّذِي عَلَّلَ بِهِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِلتَّعْلِيلِ، لِكَوْنِهِ طَرْدِيًّا، أَوْ لاخْتِلالِ2 شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ فِيهِ. فَلا يُكْتَفَى بِهِ فِي التَّعْلِيلِ.
وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْثِيرِ هُنَا اقْتِضَاؤُهُ، إمَّا بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ3 أَوْ الْمُؤَثِّرِ، عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلافِ. فَإِذَا لَمْ يُفِدْ4 أَثَرًا فَلا تَأْثِيرَ لَهُ.
"وَأَقْسَامُهُ" أَيْ أَقْسَامُ عَدَمِ التَّأْثِيرِ "أَرْبَعَةٌ":
الأَوَّلُ "عَدَمُهُ" أَيْ عَدَمُ التَّأْثِيرِ "فِي الْوَصْفِ" أَيْ لا تَأْثِيرَ لَهُ أَصْلاً؛ لِكَوْنِ الْوَصْفِ طَرْدِيًّا.
"كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ: صَلاةُ الصُّبْحِ "صَلاةٌ لا تُقْصَرُ، فَلا يُقَدَّمُ أَذَانُهَا عَلَى وَقْتِهَا كَالْمَغْرِبِ، فَعَدَمُ الْقَصْرِ هُنَا" بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ تَقْدِيمِ5 الأَذَانِ "طَرْدِيٌّ" فَكَأَنَّهُ قَالَ: لا يُقَدَّمُ أَذَانُ الْفَجْرِ عَلَيْهَا؛
__________
1 في ز: حتى هذا.
2 في ض: لاختلاف.
3 في جميع النسخ: العرف. وهو تصحيف.
4 في ش: يفده.
5 في ض: تأثير.(4/265)
لأَنَّهَا لا تُقْصَرُ، وَاطَّرَدَ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَنْعَكِسْ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ إذْ مُقْتَضَى هَذَا الْقِيَاسِ: أَنَّ مَا يُقْصَرُ مِنْ الصَّلَوَاتِ يَجُوزُ تَقْدِيمُ أَذَانِهِ عَلَى وَقْتِهِ مِنْ حَيْثُ انْعِكَاسُ الْعِلَّةِ "فَيَرْجِعُ" حَاصِلُهُ "إلَى سُؤَالِ الْمُطَالَبَةِ1" بِصَلاحِيَّةِ2 كَوْنِهِ عِلَّةً كَمَا سَبَقَ.
"وَ" الْقَسَمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ عَدَمِ التَّأْثِيرِ "عَدَمُهُ فِي الأَصْلِ" بِأَنْ يُسْتَغْنَى3 عَنْهُ بِوَصْفٍ آخَرَ لِثُبُوتِ حُكْمِهِ بِدُونِهِ.
"كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ "مَبِيعٌ4 غَيْرُ مَرْئِيٍّ، فَبَطَلَ5 كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ".
فَيُعْتَرَضُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ، وَهُوَ كَافٍ فِي الْبُطْلانِ.
وَعَدَمُ التَّأْثِيرِ هُنَا: جِهَةُ الْعَكْسِ؛ لأَنَّ تَعْلِيلَ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ؛ بِكَوْنِهِ6 غَيْرَ مَرْئِيٍّ يَقْتَضِي7 أَنَّ كُلَّ مَرْئِيٍّ يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَقَدْ
__________
1 في ش: المطابقة.
2 في ش: لصلاحية. وفي ض: بصلحية.
3 في ع: يستعني.
4 في ع: بيع.
5 في ش: فيبطل.
6 في ش: لكونه.
7 في ع ب: تقتضي(4/266)
بَطَلَ بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ1 "فَالْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ" وَصْفٌ2 "مُسْتَقِلٌّ"، يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَحْدَهُ عِلَّةً؛ لِعَدَمِ الصِّحَّةِ.
"وَيُقْبَلُ" الْقَدْحُ بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ فِي الأَصْلِ "فِي وَجْهٍ".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ: وَقَبُولُهُ وَرَدُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ.
وَلَمْ يَقْبَلْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ، بِنَاءً عَلَى هَذَا3.
وَقَبِلَهُ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ4 وَغَيْرُهُ.
"وَهُوَ مُعَارَضٌ5 فِي الأَصْلِ".
"وَ"6 الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ عَدَمِ التَّأْثِيرِ "عَدَمُهُ7" أَيْ عَدَمُ التَّأْثِيرِ8 "فِي الْحُكْمِ" فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ مَا عُلِّلَ بِهِ قَيْدٌ لا تَأْثِيرَ لَهُ فِي حُكْمِ الأَصْلِ الَّذِي قَدْ عُلِّلَ لَهُ9.
__________
1 أي ولو كان مرئياً. فذكر عدم الرؤية ضائع، فإن الحكم يثبت في الأصل بدونه، فعلم أن العلة فيه غير ما يذكره المستدل. "روضة الناظر ص 349".
2 ساقطة من ش.
3 ساقطة من ض.
4 روضة الناظر ص 349.
5 في ش: معارضة.
6 ساقطة من ع ب.
7 في ع ب: وعدمه.
8 ساقطة من ع ب ض.
9 في ش ض: به.(4/267)
وَهُوَ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهُمَا: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَهُوَ مَا لا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ".
"كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "الْمُرْتَدُّ مُشْرِكٌ أَتْلَفَ مَالاً1 فِي دَارِ الْحَرْبِ2. فَلا ضَمَانَ" عَلَيْهِ "كَحَرْبِيٍّ".
"فَـ 3" قَوْلُهُ "دَارُ الْحَرْبِ: طَرْدِيٌّ" لا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ "إذْ مَنْ أَوْجَبَهُ" أَيْ أَوْجَبَ الضَّمَانَ "أَوْ نَفَاهُ: أَطْلَقَ" الْقَوْلَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِدَارِ الْحَرْبِ4. فَيَرْجِعُ إلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ الْقِسْمُ الأَوَّلُ، وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ بِتَأْثِيرِ كَوْنِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ.
وَمَثَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِقَوْلِنَا فِي تَخْلِيلِ5 الْخَمْرِ: مَائِعٌ لا يَطْهُرُ بِالْكَثْرَةِ، فَلا يَطْهُرُ بِالصَّنْعَةِ6 كَالدُّهْنِ وَاللَّبَنِ.
فَقِيلَ7 لِلْقَاضِي8 فَقَوْلُك9 "لا يَطْهُرُ بِالصَّنْعَةِ10" لا أَثَرَ
__________
1 في ز: مالاً محترماً.
2 في ز ب: حرب.
3 في ع ب: و.
4 في ش: الحرب.
5 في ع: تحليل.
6 في ض ب: بالصفة.
7 في ع: فقول.
8 في ع: القاضي.
9 ساقطة من ض ب ع. وفي ش: قولك.
10 في ض ب: بالصفة.(4/268)
لَهُ فِي الأَصْلِ. فَقَالَ1: هَذَا حُكْمُ الْعِلَّةِ، وَالتَّأْثِيرُ يُعْتَبَرُ فِي الْعِلَّةِ دُونَ الْحُكْمِ.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَذَا ضَعِيفٌ.
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ مَذْهَبَيْنِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ لَهُ فَائِدَةٌ ضَرُورِيَّةٌ".
"كَقَوْلِ مُعْتَبِرِ" أَيْ مُشْتَرِطِ2 "عَدَدَ الأَحْجَارِ" أَيْ عَدَدَ الْمَسَحَاتِ3 "فِي الاسْتِجْمَارِ" أَنَّهَا "عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالأَحْجَارِ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مَعْصِيَةٌ، فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْعَدَدُ كَالْجِمَارِ" أَيْ كَرَمْيِ الْجِمَارِ4 فِي الْحَجِّ.
"فَقَوْلُهُ" أَيْ قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ "لَمْ يَتَقَدَّمْهَا5 مَعْصِيَةٌ لا أَثَرَ لَهُ" فِي الاسْتِدْلالِ "لَكِنَّهُ" أَيْ الْمُسْتَدِلَّ "مُضْطَرٌّ إلَى ذِكْرِهِ لِئَلاَّ يَنْتَقِضَ" عَلَيْهِ الاسْتِدْلال "بِـ" حَدِّ "الرَّجْمِ"؛ لأَنَّهُ أَيْضًا عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالأَحْجَارِ، لَكِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا عَدَدٌ.
وَحُكْمُ هَذَا النَّوْعِ حُكْمُ الَّذِي قَبْلَهُ.
__________
1 في ع ب: فقيل.
2 في ش: مستدل.
3 في ز: المسحات عدد.
4 في ش: الحجار.
5 في ش: تتقدمها.(4/269)
النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ غَيْرُ ضَرُورَةٍ1".
يَعْنِي أَنْ يَكُونَ لِذِكْرِ مَا لا أَثَرَ لَهُ فِي الْقِيَاسِ فَائِدَةٌ، لَكِنَّ الْمُعَلِّلَ لَمْ يُضْطَرَّ إلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْقِيَاسِ "كَـ" قَوْلِهِ "الْجُمُعَةُ صَلاةٌ مَفْرُوضَةٌ، فَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى إذْنِ" 2الإِمَامِ فِي إقَامَتِهَا "كَغَيْرِهَا" مِنْ الصَّلَوَاتِ.
"فَـ" قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ "مَفْرُوضَةٌ: حَشْوٌ" وَلِهَذَا يُسَمَّى3 هَذَا النَّوْعُ بِالْحَشْوِ "إذْ لَوْ حُذِفَتْ" "مَفْرُوضَةٌ" "لَمْ يَنْتَقِضْ" قِيَاسُهُ؛ لأَنَّ النَّفَلَ4 كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِتَقْرِيبِ الْفَرْعِ مِنْ الأَصْلِ، وَتَقْوِيَةِ الشَّبَهِ5 بَيْنَهُمَا إذْ الْفَرْضُ بِالْفَرْضِ أَشْبَهُ مِنْ غَيْرِهِ.
قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: فَمَفْرُوضَةٌ، قِيلَ: يَضُرُّ6 دُخُولُهُ؛ لأَنَّهُ بَعْضُ الْعِلَّةِ، وَقِيلَ: لا. فَإِنَّ فِيهِ7 تَنْبِيهًا8 عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْفَرْضِ9 أَوْلَى أَنْ لا يَفْتَقِرَ؛ وَلأَنَّهُ يُزِيدُ تَقْرِيبَهُ10 مِنْ الأَصْلِ.
__________
1 في ش: ضرورة.
2 ساقطة من ش ز.
3 في ض: سمي.
4 في ع ز ب: النقل.
5 في ز: الشبهة.
6 في ش: بغير.
7 في ش: فيها.
8 في ش: تنبيهاً.
9 في ز: هذا الفرض.
10 في ش: تفويته.(4/270)
فَالأَوْلَى ذِكْرُهُ. اهـ.
"وَ" الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَقْسَامِ عَدَمِ التَّأْثِيرِ "عَدَمُهُ" أَيْ عَدَمُ التَّأْثِيرِ "فِي الْفَرْعِ" وَإِنْ كَانَ الْوَصْفُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنْ لا يَطَّرِدُ التَّأْثِيرُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ وَنَحْوِهِ مِنْ مَحَالِّ النِّزَاعِ1.
مِثَالُ ذَلِكَ فِي وِلايَةِ الْمَرْأَةِ "كَ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ: امْرَأَةٌ "زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَلا يَصِحُّ" تَزْوِيجُهَا "كَمَا لَوْ زُوِّجَتْ" أَيْ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا "بِغَيْرِ كُفْءٍ".
فَالتَّزْوِيجُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، وَإِنْ نَاسَبَ الْبُطْلانَ، إلاَّ أَنَّهُ لا اطِّرَادَ لَهُ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ الَّتِي هِيَ تَزْوِيجُهَا نَفْسَهَا مُطْلَقًا. فَبَانَ أَنَّ الْوَصْفَ لا أَثَرَ لَهُ فِي الْفَرْعِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ2.
"وَهُوَ" أَيْ3 وَهَذَا الْقِسْمُ "كَالثَّانِي" أَيْ كَالْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ حَيْثُ إنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ هُنَا4 مُضَافٌ إلَى غَيْرِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ5 وَابْنُ مُفْلِحٍ وَالتَّاجُ السُّبْكِيُّ6.
__________
1 ساقطة من ع.
2 في ض: المشار إليه.
3 ساقطة من ع.
4 ساقطة من ض.
5 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/265، منتهى السول والأمل ص 195.
6 جمع الجوامع للتاج السبكي مع حاشية البناني 2/310.(4/271)
وَقِيلَ: إنَّهُ كَالْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَصَوَّبَهُ بَعْضُهُمْ.
قَالَ الآمِدِيُّ: عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ رَدَّهُ قَوْمٌ لِمَنْعِهِمْ جَوَازَ الْفَرْضِ فِي الدَّلِيلِ. وَقَبِلَهُ مَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ1.
"وَيَجُوزُ الْفَرْضُ فِي بَعْضِ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ" عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ2، وَبِهِ قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ وَالْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ: لَهُ أَنْ يَخُصَّ الدَّلِيلَ فَيُفِيدُ3 لِغَرَضِ الْفَرْضِ بِبَعْضِ صُوَرِ الْخِلافِ، إلاَّ أَنْ يَعُمَّ4 الْفُتْيَا، فَلا5.
وَقَالَ الْمَجْدُ: يَجُوزُ الْفَرْضُ فِي بَعْضِ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا6 عِنْدَ عَامَّةِ الأُصُولِيِّينَ7.
وَقَالَ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ: وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ8،
__________
1 الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 4/114 بتصرف.
2 انظر إرشاد الفحول ص 235، البرهان 2/1008، الوصول لابن برهان 2/266.
3 في ش ز ض ب: فيقيد.
4 في ش: تعم.
5 روضة الناظر ص 349 بتصرف. ونص كلام الموفّق فيها: لو كان الوصف المذكور يشير إلى اختصاص الدليل ببعض صور الخلاف، فيكون مفيد الغرض في بعض الصور، فيكون مقبولاً إذا لم تكن الفتيا عامة، وإن عم الفتيا فليس له أن يخصّ الدليل ببعض الصور، لأنه لا يفي بالدليل على ما أفتى به".
6 في ض: فيها.
7 المسودة ص 425.
8 في ش: تناه.(4/272)
وَعَلَيْهِ الاصْطِلاحُ لإِرْفَاقِ1 الْمُسْتَدِلِّ، وَتَقْرِيبِ الْفَائِدَةِ.
وَاسْتُدِلَّ لِلْجَوَازِ بِأَنَّهُ قَدْ لا يُسَاعِدُهُ الدَّلِيلُ عَلَى الْكُلِّ، أَوْ يُسَاعِدُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يُعَلَّلُ2 عَلَى دَفْعِ كَلامِ الْخَصْمِ، بِأَنْ يَكُونَ كَلامُهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ أَشْكَلَ. فَيَسْتَفِيدُ بِالْفَرْضِ غَرَضًا صَحِيحًا، وَلا يَفْسُدُ بِذَلِكَ جَوَابُهُ؛ لأَنَّ مَنْ سَأَلَ3 عَنْ الْكُلِّ فَقَدْ سَأَلَ4 عَنْ الْبَعْضِ.
وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الأَوَّلُ فِي الْمَسْأَلَةِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ5 عَنْ نُفُوذِ عِتْقِ الرَّاهِنِ: أَفْرُضُ الْكَلامَ فِي الْمُعْسِرِ، أَوْ عَنْ مَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا، أَوْ6 أَفْرُضُهُ7 فِي مَنْ زُوِّجَتْ8 بِغَيْرِ كُفْءٍ. فَإِذَا خَصَّ الْمُسْتَدِلُّ تَزْوِيجَهَا9 نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ بِالدَّلِيلِ فَقَدْ فَرَضَ دَلِيلَهُ فِي بَعْضِ صُورَةِ النِّزَاعِ.
الْمَذْهَبُ الثَّانِي: الْجَوَازُ بِشَرْطِ بِنَاءِ مَا خَرَجَ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ
__________
1 في ش: لإرقاق.
2 في ش: لا يعين.
3 في ض: سئل.
4 في ض: سئل.
5 في ش ب: المسئول.
6 ساقطة من ش.
7 في ع: أفرضت.
8 في ض: تزوجت.
9 في ض: تزوجها.(4/273)
إلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ، أَيْ يَنْبَنِي1 غَيْرُ مَا فَرَضَهُ وَأَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ عَلَى مَا2 فَرَضَهُ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ.
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: الْمَنْعُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ فُورَكٍ، فَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ عَامًّا لِجَمِيعِ مَوَاقِعِ النِّزَاعِ؛ لِيَكُونَ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ، وَدَافِعًا3 لاعْتِرَاضِ الْخَصْمِ.
الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ4 الْمَنْعُ إنْ كَانَ الْوَصْفُ الْمَجْعُولُ فِي الْفَرْضِ طَرْدًا، وَإِلاَّ قُبِلَ.
وَعَلَى الْجَوَازِ وَهُوَ الصَّحِيحُ "يَكْفِي قَوْلُهُ" أَيْ قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ "ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَلَزِمَ ثُبُوتُهُ فِي الْبَاقِي" ضَرُورَةً إذْ5 لا قَائِلَ بِالْفَرْقِ.
وَقِيلَ: لا يَكْفِيهِ ذَلِكَ، بَلْ يَحْتَاجُ إلَى رَدِّ مَا خَرَجَ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ إلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ بِجَامِعٍ صَحِيحٍ، كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ الْقِيَاسِ.
__________
1 في ش ز: يبني. وفي ض د: أن ينبني.
2 في ع: على. وفي ض: عليه على غير ما.
3 في ع: ودفعاً.
4 منتهى السول والأمل ص 195، متخصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/265.
5 في ض ش ب: ان.(4/274)
وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْفَرْضُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ فَلا يَحْتَاجُ إلَى الْبِنَاءِ، وَإِنْ عَدَلَ1 عَنْ الْفَرْضِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّ السُّؤَالِ، فَلا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ بِنَاءِ السُّؤَالِ عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ.
"وَإِنْ أَتَى" الْمُسْتَدِلُّ "بِمَا لا أَثَرَ لَهُ فِي الأَصْلِ لِدَفْعِ2 النَّقْضِ، لَمْ3 يَجُزْ" عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ.
وَفِي4 مُقَدِّمَةِ "الْمُجَرِّدِ5"، وَيُحْتَمَلُ6 أَنْ لا يَجُوزَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ؛ لأَنَّهُ يُحْتَاجُ7 إلَيْهِ لِتَعْلِيقِ8 الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ الْمُؤَثِّرِ.
وَكَلامُ ابْنِ عَقِيلٍ: يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ ذِكْرَهُ تَأْكِيدًا، أَوْ لِتَأْكِيدِ الْعِلَّةِ، فَيَتَأَكَّدُ الْحُكْمُ، وَلِلْبَيَانِ9 وَلِتَقْرِيبِهِ مِنْ الأَصْلِ10. وَقَالَ: إنْ جَعَلَ الْوَصْفَ مُخَصِّصًا لِحُكْمِ الْعِلَّةِ، كَتَخْلِيلِ11 الْخَمْرِ "مَائِعٌ لا يَطْهُرُ بِكَثْرَةٍ. فَكَذَا بِصَنْعَةِ آدَمِيٍّ؛ كَخَلٍّ نَجِسٍ، فَلا يَطْهُرُ
__________
1 في ش: والعدول. وفي ض: وإن.
2 في ش: لوقع.
3 في ش: ولم.
4 في ش: من.
5 في ش: المجوز.
6 في ش: ويحتمل.
7 في ز ب ش: محتاج.
8 في ز: فتعلق.
9 في ض د ز: والبيان.
10 انظر المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص 200.
11 في ع: كتحليل(4/275)
الأَصْلُ مُطْلَقًا"1.
التَّاسِعُ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْقَدْحُ فِي مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ" لِلْحُكْمِ الْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِ "بِمَا يَلْزَمُ" فِيهِ "مِنْ مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ" عَلَى الْمَصْلَحَةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْمُنَاسَبَةِ2 "أَوْ مُسَاوِيَةٍ3" لَهَا4. وَذَلِكَ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ تَنْخَرِمُ بِالْمُعَارَضَةِ.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ هَذَا الْقَدْحِ "بِالتَّرْجِيحِ" أَيْ بِبَيَانِ تَرْجِيحِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي هِيَ فِي الْعِلَّةِ عَلَى تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي يُعْتَرَضُ بِهَا تَفْصِيلاً أَوْ5 إجْمَالاً.
__________
1 الجدل على طريقة الفقهاء ص 55 بتصرف. ونص كلام ابن عقيل فيه: "الوصف إذا جُعل تخصيصاً لحكم العلة، مثل أن يقول المستدل في تخليل الخمر بأنه مائع لا يطهر بالكثرة، فلا يطهر بصنعة آدمي، كالخل النجس، فيقال: لا تأثير لقولك "بصنعة آدمي" في الأصل، لأنه لا يطهر بصنعة آدمي ولا بصنعة غيره، فقد اختلف الفقهاء في ذلك، فقال بعضهم: لا يلزم. لأن التأثير لا يتوجه على الحكم، وإنما يطلب في علة الحكم. ومنهم من يقول: يجوز. لأنه أدرج في الحكم وصفاً، فالتأثير لزم على الوصف المدرج فيه، لأنه من تمام العلة، فيجب على المعلل بيان تأثيره. وهذا الثاني هو مذهبنا".
2 في ب: بمناسبة.
3 في ع مساواته.
4 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "الإحكام للآمدي 4/115، فواتح الرحموت 2/340، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/318، منتهى السول والأمل ص 195، شرح العضد 2/267، تيسير التحرير 4/136".
5 في ع ز ض ب: و.(4/276)
أَمَّا تَفْصِيلاً: فَبِخُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ هَذَا ضَرُورِيٌّ، وَذَاكَ حَاجِيٌّ، أَوْ بِأَنَّ هَذَا إفْضَاءٌ1 قَطْعِيٌّ أَوْ أَكْثَرِيٌّ، وَذَاكَ ظَنِّيٌّ أَوْ أَقَلِّيٌّ2، أَوْ أَنَّ هَذَا اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ. وَذَاكَ اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا إجْمَالاً: فَبِلُزُومِ3 التَّعَبُّدِ لَوْلا اعْتِبَارُ الْمَصْلَحَةِ، وَقَدْ أَبْطَلْنَاهُ.
مِثَالُهُ أَنْ يُقَالَ فِي الْفَسْخِ فِي الْمَجْلِسِ: وُجِدَ سَبَبُ الْفَسْخِ فَيُوجَدُ4 الْفَسْخُ. وَذَاكَ دَفْعُ ضَرَرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ.
فَيُقَالَ: مُعَارَضٌ بِضَرَرِ5 الآخَرِ. فَيُقَالُ6: الآخَرُ يَجْلِبُ نَفْعًا وَهَذَا يَدْفَعُ ضَرَرًا، وَدَفْعُ الضَّرَرِ أَهَمُّ عِنْدَ الْعُقَلاءِ، وَلِذَلِكَ يُدْفَعُ كُلُّ ضَرَرٍ. وَلا يُجْلَبُ7 كُلُّ نَفْعٍ.
مِثَالٌ آخَرُ: إذَا قُلْنَا: التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ أَفْضَلُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ. فَيُقَالُ: لَكِنَّهُ8 يُفَوِّتُ أَضْعَافَ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ. مِنْهَا:
__________
1 في ش ض: قضاء. وفي ز: فضا.
2 في ع: أقل.
3 في ع ب: فيلزم.
4 في ض: فيتوجه مع.
5 في ض: بضر.
6 في ش ز: فيقول.
7 في ش: يسعى لجلب.
8 في ش: لكونه.(4/277)
إيجَادُ الْوَلَدِ، وَكَفُّ النَّظَرِ، وَكَسْرُ الشَّهْوَةِ، وَهَذِهِ أَرْجَحُ مِنْ مَصَالِحِ1 الْعِبَادَةِ.
فَيُقَالُ: بَلْ مَصْلَحَةُ الْعِبَادَةِ أَرْجَحُ؛ لأَنَّهَا لِحِفْظِ الدِّينِ، وَمَا ذَكَرْتُمْ2 لِحِفْظِ النَّسْلِ.
الْعَاشِرُ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْقَدْحُ فِي إفْضَاءِ الْحُكْمِ" أَيْ فِي صَلاحِيَّةِ3 إفْضَائِهِ "إلَى الْمَقْصُودِ" وَهُوَ الْمَصْلَحَةُ الْمَقْصُودَة مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ4.
"كَتَعْلِيلِ" أَيْ كَأَنْ يُعَلِّلَ الْمُسْتَدِلُّ5 "حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَبَدًا" أَيْ عَلَى التَّأْبِيدِ6 فِي حَقِّ الْمَحَارِمِ "بِالْحَاجَةِ إلَى رَفْعِ الْحِجَابِ" بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْمُؤَدِّي إلَى الْفُجُورِ "فَإِذَا تَأَبَّدَ7" التَّحْرِيمُ انْسَدَّ بَابُ الطَّمَعِ الْمُفْضِي إلَى مُقَدِّمَاتِ الْهَمِّ وَالنَّظَرِ الْمُفْضِي إلَى الْفُجُورِ.
__________
1 في ض: مصلحة.
2 في ب: وما ذكرته.
3 في ع: صلاحة.
4 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "الإحكام للآمدي 4/116، فواتح الرحموت 2/341، إرشاد الفحول ص 231، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/318، منتهى السول والأمل ص 195. شرح العضد 2/267، تيسير التحرير 4/136".
5 في ش: الحكم في.
6 في ش: التأييد.
7 في ش: تأيد.(4/278)
"فَيَعْتَرِضُ" الْمُعْتَرِضُ "بِأَنَّ سَدَّهُ" أَيْ سَدَّ بَابِ النِّكَاحِ بِالتَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ "يُفْضِي إلَى الْفُجُورِ" بَلْ هُوَ أَشَدُّ إفْضَاءً؛ لأَنَّ النَّفْسَ تَمِيلُ إلَى الْمَمْنُوعِ، كَمَا1 قَالَ الشَّاعِرُ:
وَالْقَلْبُ يَطْلُبُ مَنْ2 يَجُورُ وَيَعْتَدِي
وَالنَّفْسُ مَائِلَةٌ إلَى الْمَمْنُوعِ3.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ هَذَا الْقَدْحِ "أَنَّ التَّأْبِيدَ يَمْنَعُ عَادَةً" مِنْ ذَلِكَ بِانْسِدَادِ بَابِ الطَّمَعِ "فَيَصِيرُ" ذَلِكَ بِتَمَادِي الأَيَّامِ وَتَطَاوُلِ الأَمْرِ "طَبْعًا" أَيْ كَالطَّبِيعِيِّ4 بِحَيْثُ لا يَبْقَى الْمَحَلُّ مُشْتَهًى، وَيَصِيرُ بِانْقِطَاعِ الطَّمَعِ فِيهِ "كَرَحِمِ مَحْرَمٍ".
الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "كَوْنُ الْوَصْفِ" الْمُعَلَّلِ بِهِ "خَفِيًّا5.
__________
1 ساقطة من ز.
2 في ض: أن.
3 لم أعثر على قائل هذا البيت، وقد ذكره الشربيني في حاشيته على شرح المحلي على جمع الجوامع 2/319 نقلاً عن شرح التاج السبكي على مختصر ابن الحاجب الموسوم برفع الحاجب، ولم ينسبه لأحد، ثم أردفه بالبيت التالي لقائله:
وبكل شيءٍ تشتهيه طلاوةً
مدفوعةً إلا عن المدفوع.
4 في ع: كالطبيعة.
5 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "الإحكام للآمدي 4/117، فواتح الرحموت 2/341، إرشاد الفحول ص 231، منتهى السول والأمل ص 195، شرح العضد 2/267، تيسير التحرير 4/137".(4/279)
كَتَعْلِيلِهِ" أَيْ تَعْلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ "صِحَّةَ النِّكَاحِ بِالرِّضَى" وَتَعْلِيلِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِالْقَصْدِ1 فِي2 الأَفْعَالِ الدَّالَّةِ عَلَى إزْهَاقِ النَّفْسِ.
"فَيُعْتَرَضُ" عَلَى الْمُسْتَدِلِّ "بِأَنَّهُ" أَيْ الرِّضَى "خَفِيٌّ" وَالْحُكْمُ3 الشَّرْعِيُّ خَفِيٌّ لاحْتِيَاجِهِ إلَى التَّعْرِيفِ بِالدَّلِيلِ "وَالْخَفِيُّ لا يُعَرِّفُ الْخَفِيَّ".
"وَجَوَابُهُ" بِأَنْ يُبَيِّنَ4 ظُهُورَهُ بِصِفَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَهُوَ "ضَبْطُهُ" أَيْ ضَبْطُ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الرِّضَى "بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ صِيغَةٍ، كَإِيجَابٍ وَقَبُولٍ، أَوْ" ضَبْطِ الْقَصْدِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عَادَةً مِنْ "فِعْلٍ" كَاسْتِعْمَالِ الْجَارِحِ أَوْ غَيْرِهِ فِي إزْهَاقِ النَّفْسِ.
الثَّانِي عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "كَوْنُهُ" أَيْ كَوْنُ الْوَصْفِ "غَيْرَ مُنْضَبِطٍ" بِأَنْ كَانَ مُضْطَرِبًا5.
__________
1 ساقطة من ع ض.
2 في ش: إلى.
3 في ز: فالحكم.
4 ساقطة من ش.
5 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "الإحكام للآمدي 4/117، فواتح الرحموت 2/341، إرشاد الفحول ص 232، منتهى السول والأمل ص 195، شرح العضد 2/268، تيسير التحرير 4/137".(4/280)
"كَتَعْلِيلِهِ" أَيْ تَعْلِيلِ1 الْمُسْتَدِلِّ "بِالْحِكَمِ" جَمْعُ حِكْمَةٍ "وَالْمَقَاصِدِ" جَمْعُ مَقْصِدٍ "كَ" تَعْلِيلِ "رُخَصِ السَّفَرِ" وَهِيَ إبَاحَةُ الْفِطْرِ فِيهِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا "بِالْمَشَقَّةِ".
"فَيُعْتَرَضُ" عَلَيْهِ "بِاخْتِلافِهَا" أَيْ اخْتِلافِ2 الْمَشَقَّةِ "بِالأَشْخَاصِ وَالأَزْمَانِ وَالأَحْوَالِ" فَلا يُمْكِنُ تَعْيِينُ الْقَدْرِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ هَذَا الاعْتِرَاضِ "بِأَنَّهُ" أَيْ الْوَصْفَ "مُنْضَبِطٌ بِنَفْسِهِ" كَمَا تَقُولُ فِي الْمَشَقَّةِ وَالْمَضَرَّةِ: إنَّ ذَلِكَ مُنْضَبِطٌ عُرْفًا، بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ إذَا انْضَبَطَتْ "أَوْ" مُنْضَبِطٌ3 "بِضَابِطٍ لِلْحِكْمَةِ" بِأَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ هِيَ4 الْوَصْفُ الْمُنْضَبِطُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْحِكْمَةِ، كَالْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ وَالزَّجْرِ بِالْحَدِّ.
الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "النَّقْضُ5.
__________
1 في ز: كتعليل.
2 في ض ز: باختلاف.
3 في ع: منضبطاً.
4 في ش: من.
5 انظر كلام الأصوليين على النقض في "الإحكام للآمدي 4/118، شرح العضد 2/268، الجدل لابن عقيل ص 56، تيسير التحرير 4/138، المنخول ص 404، القياس الشرعي لأبي الحسين البصري 2/1041، المغني للخبازي ص 318، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 352، البرهان 2/977، فتح الغفار 3/42، التلويح على التوضيح 2/599، أصول السرخسي =(4/281)
كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "الْحُلِيُّ مَالٌ غَيْرُ نَامٍ فَلا زَكَاةَ فِيهِ، كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ.
فَيُعْتَرَضُ" عَلَيْهِ "بِالْحُلِيِّ الْمُحَرَّمِ".
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ هَذَا الاعْتِرَاضِ:
إمَّا "بِمَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ" لأَنَّ النَّقْضَ إنَّمَا1 يَتَحَقَّقُ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَتَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهَا. فَإِذَا مُنِعَ وُجُودُ الْعِلَّةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ النَّقْضُ. وَإِنَّمَا تَخَلَّفَ الْحُكْمُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِعَدَمِ عِلَّتِهِ، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ عِلَّتِهِ عَكْسًا2، وَهُوَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لانْتِفَائِهَا، كَقَوْلِهِ: لا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُلِيَّ كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ. وَيُبَرْهِنُ عَلَى ذَلِكَ.
"أَوْ" يَكُونَ جَوَابُهُ "بِمَنْعِ وُجُودِ الْحُكْمِ فِيهَا" أَيْ فِي صُورَةِ النَّقْضِ. فَيَقُولُ: حُكْمُ ثِيَابِ الْبِذْلَةِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْحُلِيِّ، وَيُبَيِّنُ
__________
= 2/233، اللمع ص 64، الوصول إلى مسائل الأصول 2/302، فواتح الرحموت 2/341، منتهى السول والأمل ص 196، المنهاج للباجي ص 185، شرح تنقيح الفصول ص 399، المحصول 2/2/323، نهاية السول 3/78، مناهج العقول 3/76، الإبهاج 3/59، إرشاد الفحول ص 224، نشر البنود 2/210، المحلي علي جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/295، مختصر الطوفي ص 167، روضة الناظر ص 342، مختصر البعلي ص 154".
1 ساقطة من ش.
2 في ز ش ب ع: علتي.(4/282)
الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا.
"وَ" إذَا مَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ، فَ1 "لَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ الدَّلالَةُ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهَا" أَيْ فِي صُورَةِ النَّقْضِ.
وَهَذَا الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ2. وَذَلِكَ؛ لأَنَّهَا انْتِقَالٌ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَرِضُ مُسْتَدِلاًّ، فَهُوَ قَلْبٌ لِقَاعِدَةِ الْمُصْطَلَحِ؛ لِكَوْنِهِ يَبْقَى مُسْتَدِلاًّ وَالْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِضًا.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الشَّافِعِيُّ: إلاَّ أَنْ يُبَيِّنَ3 مَذْهَبَ الْمَانِعِ.
وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ؛ لأَنَّ فِيهِ تَحْقِيقًا لاعْتِرَاضِهِ بِالنَّقْضِ. وَاخْتَارَهُ الآمِدِيُّ4 إنْ تَعَذَّرَ الاعْتِرَاضُ بِغَيْرِهِ.
وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ5 طَرِيقٌ أَوْلَى بِالْقَدْحِ6 مِنْ النَّقْضِ، تَحْقِيقًا لِفَائِدَةِ الْمُنَاظَرَةِ.
__________
1 في ش: و.
2 انظر مختصر البعلي ص 154، مختصر الطوفي ص 167، روضة الناظر ص 342.
3 في ش ع ب: تبين.
4 الإحكام في أصول الأحكام 4/119.
5 في ض: يمكن. وفي ب: لم يمكن.
6 في ع: بالقدح به.(4/283)
"وَ" قَالَ أَهْلُ الْجَدَلِ1 وَجَمْعٌ مِنْهُمْ الآمِدِيُّ2 "لَوْ دَلَّ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى وُجُودِهَا" أَيْ وُجُودِ الْعِلَّةِ "بِدَلِيلٍ مَوْجُودٍ فِي صُورَةِ النَّقْضِ" فَنَقَضَ الْمُعْتَرِضُ الْعِلَّةَ، فَمَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَ3 الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ "فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ: يَنْتَقِضُ دَلِيلُك" حِينَئِذٍ؛ لأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، وَالْعِلَّةُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِيهِ عَلَى زَعْمِك "فَقَدْ انْتَقَلَ" الْمُعْتَرِضُ "مِنْ نَقْضِهَا" أَيْ نَقْضِ الْعِلَّةِ "إلَى نَقْضِ دَلِيلِهَا فَلا يُقْبَلُ".
"وَيَكْفِي الْمُسْتَدِلَّ دَلِيلٌ يَلِيقُ بِأَصْلِهِ" وَمَثَّلُوا لِذَلِكَ4 بِقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي مَسْأَلَةِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ: أَتَى بِمُسَمَّى5 الصَّوْمِ. فَيَصِحُّ كَمَا فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ. وَاسْتُدِلَّ عَلَى وُجُودِ الصَّوْمِ بِأَنَّهُ إمْسَاكٌ مَعَ النِّيَّةِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: تَنْتَقِضُ الْعِلَّةُ بِمَا إذَا نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ، فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: لا نُسَلِّمُ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِيمَا إذَا نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: يَنْتَقِضُ دَلِيلُك الَّذِي اسْتَدْلَلْت بِهِ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ التَّعْلِيلِ.
__________
1 في ع ب: المجادلة.
2 الإحكام في أصول الأحكام 4/119.
3 في ع: وجوه.
4 في ش: ذلك.
5 في ع: يمسي. وفي ض: يتسمى.(4/284)
قَالَ1 ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَفِيهِ نَظَرٌ2؛ لأَنَّ الْمُعْتَرِضَ فِي مَعْرِضِ الْقَدْحِ فِي الْعِلَّةِ، فَتَارَةً يَقْدَحُ فِيهَا، وَتَارَةً يَقْدَحُ فِي دَلِيلِهَا، وَالانْتِقَالُ مِنْ الْقَدْحِ فِي الْعِلَّةِ إلَى الْقَدْحِ فِي دَلِيلِهَا جَائِزٌ، وَالانْتِقَالُ الَّذِي لا يَكُونُ جَائِزًا: هُوَ الانْتِقَالُ مِنْ الاعْتِرَاضِ إلَى الاسْتِدْلالِ.
"وَلَوْ قَالَ" الْمُعْتَرِضُ "ابْتِدَاءً: يَلْزَمُك انْتِقَاضُ عِلَّتِك، أَوْ" انْتِقَاضُ "دَلِيلِهَا: قُبِلَ" مِنْهُ ذَلِكَ.
لأَنَّ هَذَا3 دَعْوَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ فَكَأَنَّهُ4 قَالَ5: يَلْزَمُك أَحَدُ أَمْرَيْنِ6: إمَّا انْتِقَاضُ عِلَّتِك، وَإِمَّا انْتِقَاضُ دَلِيلِهَا. وَكَيْفَ7 كَانَ فَلا تَثْبُتُ الْعِلَّةُ كَانَ8 مَسْمُوعًا بِاتِّفَاقٍ9.
قَالَ الأَصْفَهَانِيُّ: أَمَّا إذَا قَالَ ابْتِدَاءً: يَلْزَمُك إمَّا انْتِقَاضُ عِلَّتِك، أَوْ انْتِقَاضُ دَلِيلِ عِلَّتِك؛ لأَنَّك إنْ10 اعْتَقَدْت وُجُودَ
__________
1 في ع: قاله.
2 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/268، منتهى السول والأمل ص 196.
3 في ش: هذه.
4 في ش: مكانه. وهي ساقطة من ع ز.
5 ساقطة من ع ز.
6 في ش: يلزمك انتقاض.
7 في ش: وكيفما.
8 في ش: ولا يكون.
9 في ش: بالاتفاق.
10 في ش: إذا.(4/285)
الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ1 انْتَقَضَتْ عِلَّتُك2. وَإِنْ اعْتَقَدْت عَدَمَ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ: انْتَقَضَ دَلِيلُك. كَانَ مُتَّجَهًا مَسْمُوعًا.
"وَلَوْ مَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ" فَعَلَى الأَصَحِّ "لَمْ يُمْكِنْ الْمُعْتَرِضُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى تَخَلُّفِ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ.
وَقِيلَ: يُمْكِنُ مُطْلَقًا.
وَقِيلَ: يُمْكِنُ3 مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ أَوْلَى بِالْقَدْحِ مِنْ النَّقْضِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ: ثَيِّبٌ فَلا تُجْبَرُ، كَالثَّيِّبِ الْكَبِيرَةِ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: يَنْتَقِضُ بِالثَّيِّبِ الْمَجْنُونَةِ. فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: لا نُسَلِّمُ جَوَازَ4 إجْبَارِ الثَّيِّبِ الْمَجْنُونَةِ.
وَقَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ: إنْ مَنَعَ الْحُكْمَ انْقَطَعَ النَّاقِضُ، وَإِنْ مَنَعَ الْوَصْفَ فَلا يَنْقَطِعُ5 فَيَدُلُّ6 عَلَيْهِ. وَحَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا7
__________
1 ساقطة من ع.
2 في ع: عليتك.
3 ساقطة من ع.
4 ساقطة من ش.
5 ساقطة من ش ز ع ب.
6 في ع: يدل.
7 المسودة ص 431.(4/286)
عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ.
وَعَلَّلَهُ فِي التَّمْهِيدِ بِأَنَّهُ بَيَانٌ لِلنَّقْضِ لا مِنْ جِهَةِ الدَّلالَةِ عَلَيْهِ، فَجَازَ.
"وَيَكْفِي الْمُسْتَدِلَّ" فِي دَفْعِ النَّقْضِ أَنْ يَقُولَ "لا أَعْرِفُ الرِّوَايَةَ فِيهَا" ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا1، لِلشَّكِّ فِي كَوْنِهَا مِنْ مَذْهَبِهِ؛ إذْ دَلِيلُهُ صَحِيحٌ. فَلا يَبْطُلُ بِمَشْكُوكٍ فِيهِ.
"وَإِنْ قَالَ" الْمُسْتَدِلُّ: "أَنَا أَحْمِلُهَا عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ، وَأَقُولُ فِيهَا كَمَسْأَلَةِ الْخِلافِ. مُنِعَ2"؛ لأَنَّهُ إثْبَاتُ مَذْهَبٍ بِالْقِيَاسِ "إلاَّ إنْ نَقَلَ عَنْ إمَامِهِ" أَيْ إمَامِ الْمُسْتَدِلِّ "أَنَّهُ عَلَّلَ بِهَا3، فَيُجْرِيهَا" عَلَى حُكْمِ تَعْلِيلِ إمَامِهِ4.
"وَإِنْ فَسَّرَ الْمُسْتَدِلُّ لَفْظَهُ بِدَافِعٍ" أَيْ بِمَعْنًى دَافِعٍ "لِلنَّقْضِ غَيْرِ ظَاهِرِهِ" أَيْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ "كَـ" تَفْسِيرِ لَفْظٍ "عَامٍّ بِـ" مَعْنًى "خَاصٍّ لَمْ يُقْبَلْ" ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ5 وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ6؛ لأَنَّهُ يُزِيدُ وَصَفًّا لَمْ
__________
1 انظر الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 58، المسودة ص 435.
2 ساقطة من ع.
3 في ش: عللها به.
4 انظر المسودة ص 436.
5 الجدل على طريقة الفقهاء ص 58.
6 ساقطة من ش.
انظر المسودة ص 436.(4/287)
يَكُنْ، وَذِكْرُهُ لِلْعِلَّةِ وَقْتَ حَاجَتِهِ، فَلا يُؤَخَّرُ عَنْهُ، بِخِلافِ تَأْخِيرِ الشَّارِعِ الْبَيَانَ عَنْ وَقْتِ خِطَابِهِ1.
وَظَاهِرُ كَلامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: يُقْبَلُ.
"وَلَوْ أَجَابَ" الْمُسْتَدِلُّ "بِتَسْوِيَةٍ بَيْنَ أَصْلٍ وَفَرْعٍ لِدَفْعِهِ" أَيْ لأَجْلِ دَفْعِ2 النَّقْضِ3 "قُبِلَ" عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا4 وَالْحَنَفِيَّةِ.
وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَابْنُ عَقِيلٍ. وَذَكَرَهُ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ5.
وَأَجَازَهُ أَبُو الْخَطَّابِ إنْ جَازَ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ؛ لأَنَّ الطَّرْدَ لَيْسَ شَرْطًا لْعِلَّةِ إذًا.
فَإِنْ قِيلَ: مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ لا يَسْتَوِيَ الأَصْلُ وَالْفَرْعُ، رُدَّ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ.
مِثَالُهُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ: عُضْوٌ يَسْقُطُ فِي التَّيَمُّمِ، فَمَسَحَ حَائِلَهُ كَالْقَدَمِ، فَيَنْتَقِضُ6 بِالرَّأْسِ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى، فَيُجِيبُهُ7: يَسْتَوِي فِيهَا الأَصْلُ وَالْفَرْعُ.
__________
1 في ش: حاجته.
2 في ش: دفعه.
3 ساقطة من ش.
4 انظر المسودة ص 431.
5 في ش: المحققون.
6 في ض ب: فينقض.
7 في ع: فيجيب.(4/288)
وَمِثْلُ ذَلِكَ: بَائِنٌ مُعْتَدَّةٌ فَلَزِمَهَا الإِحْدَادُ، كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، فَيَنْتَقِضُ بِالذِّمِّيَّةِ وَالصَّغِيرَةِ، فَيُجِيبُهُ بِالتَّسْوِيَةِ.
"وَلا يُلْزِمُ" الْمُسْتَدِلَّ "بِمَا لا يَقُولُ بِهِ" أَيْ بِشَيْءٍ لا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ "الْمُعْتَرِضُ كَمَفْهُومٍ، وَقِيَاسٍ، وَقَوْلِ" أَيْ مَذْهَبِ "صَحَابِيٍّ"؛ لأَنَّهُ احْتَجَّ وَأَثْبَتَ الْحُكْمَ بِلا دَلِيلٍ، وَلاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَرْكِهِ؛ لأَنَّ أَحَدَهُمَا لا يَرَاهُ دَلِيلاً. وَالآخَرُ لَمَّا خَالَفَهُ دَلَّ عَلَى دَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ "إلاَّ النَّقْضَ وَالْكَسْرَ عَلَى قَوْلِ مَنْ الْتَزَمَهُمَا1"؛ لأَنَّ النَّاقِضَ لَمْ يَحْتَجَّ بِالنَّقْضِ، وَلا أَثْبَتَ الْحُكْمَ بِهِ، وَلاتِّفَاقِهِمَا عَلَى فَسَادِ الْعِلَّةِ2 عَلَى أَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ بِصُورَةِ الإِلْزَامِ، وَعَلَى أَصْلِ الْمُعْتَرِضِ بِمَحَلِّ النِّزَاعِ. ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا3 وَالشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ.
وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ مُعَارَضَتَهُ بِعِلَّةٍ مُنْتَقَضَةٍ عَلَى أَصْلِ الْمُعْتَرِضِ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ احْتَجَّ بِمَا لا يَرَاهُ، كَحَنَفِيٍّ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى. فَقَالَ: أَنْتَ لا تَقُولُ بِهِ، فَأَجَابَ: أَنْتَ تَقُولُ بِهِ، فَيَلْزَمُك. فَهَذَا4 قَدْ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَعِنْدِي لا يَحْسُنُ مِثْلُ هَذَا؛ لأَنَّهُ إذًا إنَّمَا هُوَ مُسْتَدِلٌّ صُورَةً.
__________
1 في ع: الزمهما.
2 ساقطة من ض.
3 انظر المسودة ص 432، 440.
4 في ش: هذا.(4/289)
قَالَ: وَمَنْ نَصَرَ الأَوَّلَ قَالَ: عَلَى هَذَا لا يَحْسُنُ بِنَا أَنْ نَحْتَجَّ عَلَى نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ الْمُبَدَّلَيْنِ، لَكِنْ نَحْتَجُّ بِهِ1 عَلَى2 أَهْلِ الْكِتَابِ لِتَصْدِيقِهِمْ بِهِ3 اهـ.
"وَإِنْ نَقَضَ أَحَدُهُمَا" أَيْ الْمُسْتَدِلُّ وَالْمُعْتَرِضُ "عِلَّةَ الآخَرِ بِأَصْلِ نَفْسِهِ" لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَصْحَابِنَا4 وَالشَّافِعِيَّةِ.
"أَوْ زَادَ الْمُسْتَدِلُّ وَصْفًا مَعْهُودًا مَعْرُوفًا فِي الْعِلَّةِ لَمْ يَجُزْ" ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ5.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ، وِفَاقًا لِبَعْضِ الْجَدَلِيِّينَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ.
__________
1 في ش: بهما.
2 في ش: عل.
3 في ش: بهما.
4 انظر المسودة ص 432.
5 وقال ابن عقيل في "الجدل" ص 59: "إذا انتقضت علة المستدل، فزاد فيها وصفاً فقد انقطعت حجته التي ابتدأ بها، وكان تفريطاً منه وانتقالاً عما احتج به. ومن الناس من قال: إن كان الوصف معهوداً في العلة وأخل به سهواً، جاز أن يستدركه، وإن كان غير معروف لم يجز. وهذا ذكره بعض أصحاب الشافعي، وليس بصحيح، لأنه لو كان كون الوصف معهوداً عذراً له في نسيانه والإتيان بعلة منتقضة، لكان كون الدليل معروفاً معهوداً علةً في إقامة عذره والإتيان بما ليس بدليل سهواً. فلما لم يك ترك الدليل المعهود عذراً، كذلك الوصف المعهود". وانظر المسودة ص 431.(4/290)
"وَإِنْ نَقَضَ" الْمُعْتَرِضُ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ "بِ" نَاقِضٍ "مَنْسُوخٍ، أَوْ بِ" حُكْمٍ "خَاصٍّ بِهِ" أَيْ بِالنَّبِيِّ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ" نَقَضَهُ "بِرُخْصَةٍ ثَابِتَةٍ عَلَى خِلافِ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، أَوْ" نَقَضَهُ "بِمَوْضِعِ اسْتِحْسَانٍ رُدَّ" نَقْضُهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا1 وَالشَّافِعِيَّةِ.
إلاَّ أَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ قَالَ فِي نَقْضِ الْعِلَّةِ بِمَوْضِعِ الاسْتِحْسَانِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَمَثَّلَهُ بِمَا إذَا سَوَّى بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ فِيمَا يُبْطِلُ الْعِبَادَةَ، فَيَنْتَقِضُ2 بِأَكْلِ الصَّائِمِ سَهْوًا.
وَفِي الْوَاضِحِ لابْنِ عَقِيلٍ عَنْ3 أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ لا نَقْضَ بِمَوْضِعِ اسْتِحْسَانٍ4. وَمَثَّلَ5 بِهَذَا ثُمَّ قَالَ: يَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: النَّصُّ دَلَّ عَلَى انْتِقَاضِهِ، فَيَكُونُ آكَدَ لِلنَّقْضِ.
وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ6: تَنْتَقِضُ الْمُسْتَنْبَطَةُ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَانِعًا، كَالنَّقْضِ بِالْعَرَايَا فِي الرِّبَا، وَإِيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لاقْتِضَاءِ الْمَصْلَحَةِ الْخَاصَّةِ ذَلِكَ7، أَوْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ آكَدَ، كَحِلِّ
__________
1 انظر الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 60، المسودة ص 436، 437.
2 في ع ز ب: فينقض.
3 في ض: من.
4 انظر الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 60.
5 في ض د: ومثله.
6 المسودة ص: 414، 437.
7 في ش ز: لذلك.(4/291)
الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ إذَا نَقَضَ بِهَا عِلَّةَ تَحْرِيمِ النَّجَاسَةِ.
"وَيَجِبُ أَنْ يَحْتَرِزَ الْمُسْتَدِلُّ فِي دَلِيلِهِ عَنْ النَّقْضِ"1 اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ، وَالْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ2، وَالطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ3 وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ، وَذَكَرَهُ عَنْ مُعْظَمِ الْجَدَلِيِّينَ، لِقُرْبِهِ مِنْ الضَّبْطِ، وَدَفْعِ انْتِشَارِ الْكَلامِ وَسَدِّ بَابِهِ فَكَانَ وَاجِبًا لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الْكَلامِ عَنْ التَّبْدِيلِ.
وَقِيلَ: لا يَجِبُ مُطْلَقًا.
وَقِيلَ: يَجِبُ إلاَّ فِي نَقْضٍ وَطَرْدٍ بِطَرِيقِ الاسْتِثْنَاءِ، وَهِيَ مَا يَرِدُ عَلَى كُلِّ عِلَّةً.
"وَإِنْ احْتَرَزَ عَنْهُ" أَيْ عَنْ النَّقْضِ "بِشَرْطٍ ذَكَرَهُ فِي الْحُكْمِ" نَحْوُ: حُرَّانِ مُكَلَّفَانِ مَحْقُونَا الدَّمِ، فَيَجِبُ الْقَوَدُ بَيْنَهُمَا كَالْمُسْلِمِينَ "صَحَّ" ذَلِكَ فِي الأَصَحِّ4؛ لأَنَّ الشَّرْطَ الْمُتَأَخِّرَ مُتَقَدِّمٌ فِي الْمَعْنَى كَتَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ عَلَى الْفَاعِلِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ.
وَقِيلَ: لا يَصِحُّ؛ لاعْتِرَافِهِ بِالنَّقْضِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ يَتَخَلَّفُ عَنْ الأَوْصَافِ فِي الْخَطَأ.
__________
1 انظر مختصر البعلي ص 154، المسودة ص 430.
2 روضة الناظر ص 342.
3 مختصر الطوفي ص 167.
4 انظر روضة الناظر ص 344.(4/292)
"وَإِنْ احْتَرَزَ" الْمُسْتَدِلُّ "بِحَذْفِ الْحُكْمِ لَمْ يَصِحَّ" قَالَهُ1 أَبُو الْخَطَّابِ. كَقَوْلِ حَنَفِيٍّ فِي الإِحْدَادِ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ: بَائِنٌ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا. فَيَنْتَقِضُ2 بِصَغِيرَةٍ وَذِمِّيَّةٍ. فَيَقُولُ: قَصَدْتُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا. فَيُقَالُ: التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا حُكْمٌ، فَيَحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ يُقَاسُ عَلَيْهِ.
الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْكَسْرُ"3.
وَهُوَ "كَالنَّقْضِ".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: الْكَسْرُ: نَقْضُ الْمَعْنَى.
وَالْكَلامُ فِيهِ كَالنَّقْضِ، وَقَدْ سَبَقَ.
قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: يُشْبِهُ الْكَسْرُ مِنْ الأَسْئِلَةِ الْفَاسِدَةِ قَوْلَهُمْ: لَوْ كَانَ هَذَا عِلَّةً فِي كَذَا لَكَانَ عِلَّةً فِي كَذَا، نَحْوَ: لَوْ مَنَعَ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ صِحَّةَ الْبَيْعِ مَنَعَ النِّكَاحَ.
__________
1 في ض: قال.
2 في ع ز ب: فيقض.
3 انظر كلام الأصوليين على الكسر في [المنهاج للباجي ص 191، المحصول 2/2 /353، شرح العضد 2/269، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/303، المنخول ص 410، المعتمد 2/921، المسودة ص 429، تيسير التحرير 4/146، مختصر الطوفي ص 168، الوصول إلى مسائل الأصول 2/312، اللمع ص 64، الجدل لابن عقيل ص 65، مختصر البعلي ص 155، منتهى السول والأمل ص 196، نشر البنود 2/215، إرشاد الفحول ص 226، الإحكام للآمدي 4/123، نهاية السول 3/91ن مناهج العقول 3/91، روضة الناظر ص 343، الإبهاج 3/81، القياس الشرعي لأبي الحسين البصري 2/1043] .(4/293)
وَيُشْبِهُ ذَلِكَ قَوْلَهُمْ1 أَخَذْت النَّفْيَ مِنْ الإِثْبَاتِ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْقَوْلِ فِي الْمَوْطُوءَةِ مَغْلُوبَةٌ مَا فَطَّرَهَا مَعَ الْعَمْدِ؟ لَمْ يُفْطِرْهَا مَغْلُوبَةً كَالْقَيْءِ2.
وَجَوَابُهُ: يَجُوزُ لِتَضَادِّ حُكْمِهِمَا3 لِلاخْتِيَارِ وَعَدَمِهِ. وَلِهَذَا4 لِلشَّارِعِ تَفْرِيقُ الْحُكْمِ بِهِمَا.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: هَذَا اسْتِدْلالٌ بِالتَّابِعِ عَلَى الْمَتْبُوعِ، فَلَمْ يَجُزْ بِخِلافِ الْعَكْسِ. كَقَوْلِنَا فِي نِكَاحٍ5 مَوْقُوفٍ: نِكَاحٌ لا تَتَعَلَّقُ6 بِهِ أَحْكَامُهُ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ كَالْمُتْعَةِ. فَيُقَالُ: الأَحْكَامُ تَابِعَةٌ وَالْعَقْدُ مَتْبُوعٌ، فَهَذَا فَاسِدٌ بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ الأَنْكِحَةِ.
وَتَنَاقَضُوا فَأَبْطَلُوا ظِهَارَ الذِّمِّيِّ وَيَمِينَهُ لا تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُهُ الْمُخْتَصَّةُ7؛ لِبُطْلانِ تَكْفِيرِهِ، وَهُوَ فَرْعُ يَمِينِهِ.
الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْمُعَارَضَةُ فِي الأَصْلِ" 8.
__________
1 في ض ب: قوله.
2 في ش: كالناسي.
3 في ض: لحكمها.
4 في ش: وهذا.
5 في ب: النكاح.
6 في ش: لا تتعلق.
7 ساقطة من ش ز.
8 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "شرح العضد 2/270، روضة الناظر ص 345، المسودة ص 441، مفتاح الوصول ص 157، منتهى السول والأمل ص 196، مختصر الطوفي 169، الجدل لابن عقيل ص 73، فواتح الرحموت 2/347، مختصر البعلي ص 157، إرشاد الفحول 232، الإحكام للآمدي 4/123".(4/294)
وَهُوَ1 أَنْ يُبْدِيَ الْمُعْتَرِضُ مَعْنًى آخَرَ يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ غَيْرَ مَا عَلَّلَ بِهِ الْمُسْتَدِلُّ.
وَهُوَ2 إمَّا أَنْ يَكُونَ3 "بِمَعْنًى آخَرَ مُسْتَقِلٍّ" بِالتَّعْلِيلِ. كَمَا لَوْ عَلَّلَ الشَّافِعِيُّ تَحْرِيمَ رِبَا الْفَضْلِ فِي الْبُرِّ بِالطُّعْمِ، فَعَارَضَهُ الْحَنَفِيُّ بِتَعْلِيلِ تَحْرِيمِهِ بِالْكَيْلِ أَوْ الْجِنْسِ أَوْ الْقُوتِ.
"أَوْ" تَكُونُ الْمُعَارَضَةُ بِمَعْنًى آخَرَ "غَيْرِ مُسْتَقِلٍّ" بِالتَّعْلِيلِ. وَلَكِنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ وَصَالِحٌ لَهُ كَمَا لَوْ عَلَّلَ الشَّافِعِيُّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ. فَعَارَضَهُ الْحَنَفِيُّ بِتَعْلِيلِ وُجُوبِهِ بِالْجَارِحِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْجَدَلِيُّونَ فِي قَبُولِ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ.
"وَالثَّانِي" وَهُوَ كَوْنُ الْمُعَارَضَةِ بِمَعْنًى غَيْرِ مُسْتَقِلٍّ بِالتَّعْلِيلِ "مَقْبُولٌ" عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لِئَلاَّ يَلْزَمَ التَّحَكُّمُ؛ لأَنَّ وَصْفَ4 الْمُسْتَدِلِّ5 لَيْسَ بِأَوْلَى بِكَوْنِهِ جُزْءًا أَوْ مُسْتَقِلاًّ.
__________
1 في ش: وهي. وفي ز: و.
2 في ش: وهي.
3 في ش: تكون.
4 في ش: الوصف.
5 ساقطة من ض. وفي ش: المستدل به.(4/295)
فَإِنْ رَجَحَ اسْتِقْلالُهُ بِتَوْسِعَةِ الْحُكْمِ فِي الأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَتَكْثُرُ الْفَائِدَةُ. فَلِلْمُعْتَرِضِ مَنْعُ دَلالَةِ الاسْتِقْلالِ عَلَيْهَا، ثُمَّ لَهُ مُعَارَضَتُهُ بِأَنَّ الأَصْلَ انْتِفَاءُ الأَحْكَامِ1، وَبِاعْتِبَارِهِمَا مَعًا فَهُوَ أَوْلَى.
قَالُوا: يَلْزَمُ مِنْهُ اسْتِقْلالُهُمَا بِالْعِلِّيَّةِ فَيَلْزَمُ تَعَدُّدُ الْعِلَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ2.
رُدَّ بِالْمَنْعِ لِجَوَازِ اعْتِبَارِهِمَا مَعًا3، كَمَا لَوْ أَعْطَى قَرِيبًا عَالِمًا.
"وَلا يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ بَيَانُ نَفْيِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ عَنْ4 الْفَرْعِ".
هَذَا بَحْثٌ يَتَفَرَّعُ5 عَلَى قَبُولِ الْمُعَارَضَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ بَيَانُ أَنَّ6 الْوَصْفَ الَّذِي أَبْدَيْته مُنْتَفٍ فِي الْفَرْعِ أَوْ لا؟
فَاَلَّذِي قَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ وَتَبِعَهُ فِي التَّحْرِيرِ: أَنَّهُ لا يَلْزَمُهُ؛ لأَنَّ غَرَضَهُ عَدَمُ اسْتِقْلالِ مَا ادَّعَى الْمُسْتَدِلُّ أَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ إبْدَائِهِ.
وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ؛ لأَنَّهُ قَصَدَ الْفَرْقَ، وَلا يَتِمُّ إلاَّ بِهِ.
__________
1 في ض: الحكم.
2 في ع: بالمستقلة.
3 ساقطة من ض.
4 في ش: على.
5 في ض: يتعرض.
6 ساقطة من ض.(4/296)
قَالَ الْعَضُدُ: وَقِيلَ: إنْ تَعَرَّضَ لِعَدَمِهِ فِي الْفَرْعِ صَرِيحًا لَزِمَهُ بَيَانُهُ وَإِلاَّ فَلا، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ.
أَمَّا إنَّهُ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ [بِهِ] 1 فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَيَانُهُ: فَلأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَا لا يَتِمُّ الدَّلِيلُ مَعَهُ، وَهَذَا غَرَضُهُ، لا بَيَانُ عَدَمِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ، حَتَّى لَوْ ثَبَتَ2 بِدَلِيلٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ إلْزَامًا لَهُ، وَرُبَّمَا سَلَّمَهُ.
وَأَمَّا أَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِهِ [لَزِمَهُ] 3: فَلأَنَّهُ الْتَزَمَ أَمْرًا وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، فَيَلْزَمُهُ بِالْتِزَامِهِ4، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَهُ5 6
"وَلا يَحْتَاجُ وَصْفُهَا" أَيْ الْمُعَارَضَةَ "إلَى أَصْلٍ".
هَذَا بَحْثٌ آخَرُ يَتَفَرَّعُ7 عَلَى قَبُولِ الْمُعَارَضَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ: هَلْ يَحْتَاجُ الْمُعَارِضُ إلَى أَصْلٍ يُبَيِّنُ تَأْثِيرَ وَصْفِهِ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي8 ذَلِكَ الأَصْلِ، حَتَّى يُقْبَلَ مِنْهُ، بِأَنْ يَقُولَ: الْعِلَّةُ الطُّعْمُ دُونَ الْقُوتِ - كَمَا فِي الْمِلْحِ - أَمْ9 لا؟.
__________
1 زيادة من شرح العضد.
2 في ش: ثبتت.
3 زيادة من شرح العضد.
4 في ش: التزامه.
5 في ز: بالتزامه.
6 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/272.
7 في ض: يتعرض.
8 في ض: من.
9 في ش: أو.(4/297)
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: أَنَّهُ لا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ؛ لأَنَّ حَاصِلَ1 هَذَا الاعْتِرَاضِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ:
إمَّا نَفْيُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِعِلَّةِ الْمُسْتَدِلِّ، وَيَكْفِيهِ أَنَّهُ2 لا يُثْبِتُ عِلِّيَّتَهَا بِالاسْتِقْلالِ3، وَلا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى4 أَنْ يُثْبِتَ عِلِّيَّةَ مَا أَبْدَاهُ بِالاسْتِقْلالِ. فَإِنَّ كَوْنَهُ جُزْءَ الْعِلَّةِ يُحَصِّلُ مَقْصُودَهُ فَقَدْ لا يَكُونُ عِلَّةً فَلا يُؤَثِّرُ فِي أَصْلٍ أَصْلاً.
وَإِمَّا صَدُّ5 الْمُسْتَدِلِّ عَنْ التَّعْلِيلِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ لِجَوَازِ أَنَّ تَأْثِيرَ هَذَا و6َالاحْتِمَالِ كَافٍ، فَهُوَ لا يَدَّعِي عِلِّيَّتَهُ7، حَتَّى يَحْتَاجَ شَهَادَةَ أَصْلٍ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ أَصْلَ الْمُسْتَدِلِّ أَصْلُهُ؛ لأَنَّهُ كَمَا يَشْهَدُ لِوَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ بِالاعْتِبَارِ؛ كَذَلِكَ يَشْهَدُ لِوَصْفِ الْمُعْتَرِضِ بِالاعْتِبَارِ8؛ لأَنَّ الْوَصْفَيْنِ مَوْجُودَانِ9 فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ مَوْجُودٌ، بِأَنْ
__________
1 في ش: ظاهر.
2 في ش: أنه.
3 في ز: باستقلال. وفي ض: بالاستدلال
4 ساقطة من ش.
5 في ش: رد
6 ساقطة من ش.
7 في ب ش ع: علية.
8 في ش: بالأمثال.
9 في ع: مرجوان.(4/298)
يَقُولَ: الْعِلَّةُ الطُّعْمُ أَوْ الْكَيْلُ أَوْ كِلاهُمَا. كَمَا فِي الْبُرِّ بِعَيْنِهِ، فَإِذًا مُطَالَبَتُهُ بِأَصْلٍ مُطَالَبَةٌ1 لَهُ2 بِمَا قَدْ تَحَقَّقَ حُصُولُهُ فَلا فَائِدَةَ فِيهِ.
"وَجَوَابُهَا3" أَيْ جَوَابُ الْمُعَارَضَةِ4 لَهُ وُجُوهٌ:
الأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ "بِمَنْعِ وُجُودِ الْوَصْفِ" مِثْلَ أَنْ يُعَارِضَ الْقُوتَ بِالْكَيْلِ. فَيَقُولَ5: لا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَكِيلٌ؛ لأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَادَةِ زَمَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ حِينَئِذٍ مَوْزُونًا.
" وَالثَّانِي " مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ الْمُطَالَبَةُ" أَيْ مُطَالَبَةُ الْمُسْتَدِلِّ الْمُعَارِضَ "بِتَأْثِيرِهِ" أَيْ يَكُونُ6 وَصْفُ الْمُعَارِضِ7 مُؤَثِّرًا.
وَمَحَلُّهُ8 "إنْ أَثْبَتَ" الْمُسْتَدِلُّ الْوَصْفَ "بِمُنَاسَبَةٍ أَوْ بِشَبَهٍ9" حَتَّى يَحْتَاجَ الْمُعَارِضُ فِي مُعَارَضَتِهِ إلَى بَيَانِ 10مُنَاسَبَةٍ أَوْ شَبَهٍ "لا" إنْ أَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ11 الْوَصْفَ "بِسَبْرٍ" فَإِنَّ الْوَصْفَ يَدْخُلُ فِي السَّبْرِ بِدُونِ ثُبُوتِ الْمُنَاسَبَةِ بِمُجَرَّدِ
__________
1 في ش ز: مطالبته.
2 ساقطة من ض.
3 في ش: الأول.
4 في ش: المعارض.
5 في ض: فتقول. وفي ب: فنقول.
6 في ش ع: يكون.
7 في ش: المستدل.
8 في ش: بمحله.
9 في ض: شبه.
10 ساقطة من ش.
11 ساقطة من ز.(4/299)
الاحْتِمَالِ.
وَالثَّالِثُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ بِخَفَائِهِ" أَيْ خَفَاءِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ.
وَالرَّابِعُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ لَيْسَ مُنْضَبِطًا" أَيْ كَوْنُ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ لَيْسَ مُنْضَبِطًا.
وَالْخَامِسُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ مَنْعِ ظُهُورِهِ" بِأَنْ1 يَمْنَعَ2 الْمُسْتَدِلُّ ظُهُورَ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ.
وَالسَّادِسُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ انْضِبَاطِهِ" بِأَنْ يَمْنَعَ3 الْمُسْتَدِلُّ انْضِبَاطَ4 وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ. فَإِنَّ وَصْفَ5 الْمُعَارِضِ إذَا كَانَ خَفِيًّا أَوْ ظَاهِرًا غَيْرَ مُنْضَبِطٍ، أَوْ مَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ ظُهُورَهُ6 أَوْ مَنَعَ انْضِبَاطَهُ لا7 يُثْبِتُ8 عِلِّيَّةَ وَصْفِ الْمُعَارِضِ لِوُجُوبِ ظُهُورِ الْوَصْفِ وَانْضِبَاطِهِ.
__________
1 في ز: أي بأن.
2 في ش: منع.
3 في ش: منع.
4 في ش: انضباطه.
5 في ع: المعارضة.
6 في ش: لظهوره. وفي ض د: ظهور معارض في الفرع.
7 في ع ب: ولا.
8 في ض: تثبت.(4/300)
وَالسَّابِعُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ بَيَانُ" أَيْ أَنْ1 يُبَيِّنَ الْمُسْتَدِلُّ "أَنَّهُ2" أَيْ أَنَّ وَصْفَ الْمُعَارِضِ "غَيْرُ مَانِعٍ" عَنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ.
كَمَا لَوْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ: يُقْتَلُ3 الْقَاتِلُ الْمُكْرَهُ: قِيَاسًا عَلَى الْمُخْتَارِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ.
فَيَعْتَرِضُ الْمُعْتَرِضُ بِالاخْتِيَارِ، أَيْ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الأَصْلِ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ بِالاخْتِيَارِ، وَهِيَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْفَرْعِ.
فَيُجِيبُ الْمُسْتَدِلُّ بِأَنَّ وَصْفَ الْمُعَارِضِ غَيْرُ مَانِعٍ عَنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ؛ لأَنَّ الاخْتِيَارَ عَدَمُ الإِكْرَاهِ الْمُنَاسِبِ لِنَقِيضِ الْحُكْمِ، وَ45عَدَمِ الإِكْرَاهِ طَرْدٌ لا يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ6، فَالإِكْرَاهُ مُنَاسِبٌ لِنَقِيضِ الْحُكْمِ وَهُوَ عَدَمُ الاقْتِصَاصِ، لَكِنَّ عَدَمَ الإِكْرَاهِ طَرْدِيٌّ لا يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَاعِثِ فِي شَيْءٍ.
وَالثَّامِنُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ مُلْغًى، أَوْ أَنَّ مَا عَدَاهُ مُسْتَقِلٌّ"
__________
1 ساقطة من ش ز.
2 في ش ز ع: أنه عدم معارض في الفرع.
3 في ش: بقتل.
4 ساقطة من ش. وفي ض ب: وهو.
5 ساقطة من ش.
6 في ض: للعلة.(4/301)
بِالْعِلِّيَّةِ1 "فِي صُورَةٍ مَا2 بِظَاهِرِ نَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ" يَعْنِي أَنْ يُبَيِّنَ3 الْمُسْتَدِلُّ كَوْنَ الْوَصْفِ الَّذِي عَارَضَ بِهِ الْمُعَارِضُ مُلْغًى. فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْمُسْتَدِلُّ: فَقَدْ تَبَيَّنَ اسْتِقْلالُ الْبَاقِي بِالْعِلِّيَّةِ فِي صُورَةٍ مَا بِظَاهِرِ نَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ.
مِثَالُهُ: إذَا عَارَضَ فِي الرِّبَا الطُّعْمَ بِالْكَيْلِ. فَيُجِيبُ بِأَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الطُّعْمِ فِي صُورَةٍ مَا، وَهُوَ قَوْلُهُ "لا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ".
وَمِثَالٌ آخَرُ: أَنْ يَقُولَ فِي يَهُودِيٍّ صَارَ نَصْرَانِيًّا أَوْ بِالْعَكْسِ: بَدَّلَ دِينَهُ. فَيُقْتَلُ4 كَالْمُرْتَدِّ، فَيُعَارِضُ5 بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِيمَانِ. فَيُجِيبُ بِأَنَّ التَّبْدِيلَ مُعْتَبَرٌ فِي صُورَةٍ مَا، كَقَوْلِهِ "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ".
وَهَذَا إذَا6 لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّعْمِيمِ، فَلَوْ عَمَّمَ وَقَالَ: فَثَبَتَ7 رِبَوِيَّةُ كُلِّ مَطْعُومٍ أَوْ اعْتِبَارُ كُلِّ تَبْدِيلٍ8؛ لِلْحَدِيثِ. لَمْ
__________
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ش.
3 في ش ز: بين.
4 في ب: فاقتلوه.
5 في ش ز: فيعارضه.
6 في ض ب: إن.
7 في ض ب: ثبت. وفي ش: تثبت.
8 ساقطة من ع.(4/302)
يُسْمَعْ؛ لأَنَّ ذَلِكَ إثْبَاتٌ لِلْحُكْمِ1 بِالنَّصِّ دُونَ الْقِيَاسِ، وَلا تَعْمِيمَ2 لِلْقِيَاسِ3 بِالإِلْغَاءِ، وَالْمَقْصُودُ ذَلِكَ، وَلأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْعُمُومُ لَكَانَ الْقِيَاسُ ضَائِعًا. وَلا يَضُرُّ كَوْنُهُ عَامًّا إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْعُمُومِ وَلَمْ يَسْتَدِلُّ بِهِ.
"وَيَكْفِي فِي اسْتِقْلالِهِ" أَيْ اسْتِقْلالِ الْوَصْفِ "إثْبَاتُ" الْمُسْتَدِلِّ "الْحُكْمَ فِي صُورَةٍ دُونَهُ" أَيْ: دُونَ الْوَصْفِ؛ لأَنَّ الأَصْلَ4 عَدَمُ غَيْرِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ عَجَزُ5 الْمُعَارِضِ عَنْهُ. ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ6.
وَقِيلَ: لا؛ لِجَوَازِ عِلَّةٍ أُخْرَى قَطَعَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ7.
8وَالْقَادِحُ السَّادِسَ عَشَرَ: هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ8 "وَلَوْ أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ" وَصْفًا "آخَرَ يَقُومُ مَقَامَ" الْوَصْفِ "الْمُلْغَى" أَيْ الَّذِي
__________
1 في ض: الحكم.
2 في جميع النسخ: ولا تتميم. وهو تصحيف.
3 في ع: بالقياس.
4 في ش: الوصف.
5 في ش: عدم.
6 روضة الناظر ص 347.
7 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/273، منتهى السول والأمل ص 197.
8 ساقطة من ش ز ب.(4/303)
أَلْغَاهُ1 الْمُسْتَدِلّ2ُ "بِثُبُوتِ3 الْحُكْمِ دُونَهُ" أَيْ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ الْوَصْفِ الْمُلْغَى "فَسَدَ الإِلْغَاءُ. وَيُسَمَّى" هَذَا "تَعَدُّدُ4 الْوَضْعِ، لِتَعَدُّدِ أَصْلَيْهِمَا" أَيْ أَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ وَأَصْلِ الْمُعْتَرِضِ5.
"وَجَوَابُ فَسَادِ الإِلْغَاءِ: الإِلْغَاءُ6، إلَى أَنْ يَقِفَ أَحَدُهُمَا".
قَالَ الْعَضُدُ: وَرُبَّمَا يُظَنُّ7 أَنَّ إثْبَاتَ الْحُكْمِ فِي صُورَةٍ دُونَ وَصْفِ الْمُعَارِضِ كَافٍ فِي إلْغَائِهِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَافٍ، لِجَوَازِ وُجُودِ عِلَّةٍ أُخْرَى 8لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ9 تَعَدُّدِ الْعِلَّةِ، وَعَدَمِ وُجُوبِ الْعَكْسِ.
وَلأَجْلِ ذَلِكَ لَوْ أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ10 فِي صُورَةٍ عَدَمَ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ11 وَصْفًا آخَرَ يَقُومُ مَقَامَ مَا أَلْغَاهُ الْمُسْتَدِلُّ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ دُونَهُ12،
__________
1 في ش: يجوز إلغاء. وفي ع: أنهاه.
2 في ش: المستدل له.
3 في ش: لثبوت.
4 في ش: العدد.
5 انظر شرح العضد 2/273، الإحكام للآمدي 4/128.
6 في ض ب: بالإلغاء.
7 في ش: ظن.
8 ساقطة من ع.
9 في ش: جواز و.
10 ساقطة من شرح العضد.
11 في ش: المعارض.
12 في شرح العضد: يخلفه لئلا يكون الباقي مستقلاً.(4/304)
فَسَدَ الإِلْغَاءُ؛ لابْتِنَائِهِ عَلَى اسْتِقْلالِ الْبَاقِي فِي تِلْكَ الصُّورَةِ. وَقَدْ بَطَلَ1.
وَتُسَمَّى هَذِهِ الْحَالَةُ تَعَدُّدَ الْوَضْعِ لِتَعَدُّدِ أَصْلَيْهِمَا2، وَالتَّعْلِيلُ فِي أَحَدِهِمَا بِالْبَاقِي عَلَى وَضْعٍ، أَيْ مَعَ قَيْدٍ، وَفِي الآخَرِ3 عَلَى وَضْعٍ آخَرَ، أَيْ4 مَعَ قَيْدٍ آخَرَ.
مِثَالُهُ: أَنْ يُقَالَ فِي مَسْأَلَةِ أَمَانِ الْعَبْدِ لِلْحَرْبِيِّ أَمَانٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ، فَيُقْبَلُ كَالْحُرِّ؛ لأَنَّ5 الإِسْلامَ وَالْعَقْلَ مَظِنَّتَانِ لإِظْهَارِ مَصْلَحَةِ الإِيمَانِ أَيْ بَذْلِ6 الأَمَانِ7 وَجَعْلِهِ آمِنًا.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: هُوَ مُعَارَضٌ بِكَوْنِهِ حُرًّا، أَيْ الْعِلَّةُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا عَاقِلاً حُرًّا. فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ مَظِنَّةُ فَرَاغِ قَلْبِهِ لِلنَّظَرِ لِعَدَمِ8 اشْتِغَالِهِ بِخِدْمَةِ السَّيِّدِ فَيَكُونُ إظْهَارُ مَصَالِحِ الإِيمَانِ مَعَهُ أَكْمَلَ.
فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: الْحُرِّيَّةُ مُلْغَاةٌ لاسْتِقْلالِ الإِسْلامِ وَالْعَقْلِ بِهِ9 فِي صُورَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ مِنْ قِبَلِ سَيِّدِهِ فِي أَنْ يُقَاتِلَ.
__________
1 ساقطة من ع.
2 في شرح العضد: أصلهما.
3 في ع ض: الأخرى.
4 ساقطة من ض.
5 في شرح العضد: لأنهما أعني.
6 في ش: بدل.
7 في ب: الايمان.
8 في ع: بعدم.
9 ساقطة من شرح العضد.(4/305)
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: إذْنُ السَّيِّدِ لَهُ خَلَفٌ1 عَنْ الْحُرِّيَّةِ2. فَإِنَّهُ مَظِنَّةٌ لِبَذْلِ الْوُسْعِ فِيمَا تَصَدَّى لَهُ مِنْ مَصَالِحِ3 الْقِتَالِ، أَوْ لِعِلْمِ4 السَّيِّدِ صَلاحَهُ5 لإِظْهَارِ مَصَالِحِ الإِيمَانِ.
وَجَوَابُ6 تَعَدُّدِ الْوَضْعِ: أَنْ يُلْغِيَ7 الْمُسْتَدِلُّ ذَلِكَ الْخَلَفَ8 بِإِبْدَاءِ صُورَةٍ لا يُوجَدُ فِيهَا الْخَلَفُ. فَإِنْ أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ خَلَفًا آخَرَ9 فَجَوَابُهُ إلْغَاؤُهُ. وَعَلَى هَذَا، إلَى أَنْ يَقِفَ أَحَدُهُمَا. فَتَكُونُ10 الدَّبْرَةُ11 عَلَيْهِ. فَإِنْ ظَهَرَ12 صُورَةٌ لا خَلَفَ فِيهَا13 تَمَّ الإِلْغَاءُ، وَبَطَلَ الاعْتِرَاضُ، وَإِلاَّ ظَهَرَ عَجْزُ14 الْمُسْتَدِلِّ15.
__________
1 في ش: خلف له.
2 في شرح العضد: من.
3 في ش: مسائل.
4 في ز: ليعلم.
5 في شرح العضد: بصلاحيته.
6 في ز: وجوابه.
7 في ش ض ب: يكفي.
8 في شرح العضد: الخلف أيضاً.
9 ساقطة من ز.
10 في شرح العضد: فيكون.
11 في ش: الدائرة. وهو غلط. ومعنى تكون الدَّبْرة عليه: أي الهزيمة. "انظر الصحاح 2/653، المعجم الوسيط 1/269".
12 في ش: ظهر له.
13 في ز ض ب: فيه.
14 كذا في شرح العضد. وفي جميع النسخ: المعترض.
15 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/273، 274.(4/306)
"وَلا يُفِيدُ الإِلْغَاءَ لِضَعْفِ الْمَظِنَّةِ" الْمُتَضَمِّنَةِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى "بَعْدَ تَسْلِيمِهَا".
مِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ1 الْمُسْتَدِلُّ: الرِّدَّةُ عِلَّةُ الْقَتْلِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: بَلْ مَعَ الرُّجُولِيَّةِ؛ لأَنَّهُ مَظِنَّةُ الإِقْدَامِ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، إذْ يُعْتَادُ ذَلِكَ مِنْ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ.
فَيُجِيبُ الْمُسْتَدِلُّ: بِأَنَّ الرُّجُولِيَّةَ وَكَوْنَهَا2 مَظِنَّةَ الإِقْدَامِ لا تُعْتَبَرُ3، وَإِلاَّ لَمْ يُقْتَلْ مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ؛ لأَنَّ احْتِمَالَ الإِقْدَامِ فِيهِ ضَعِيفٌ، بَلْ أَضْعَفُ مِنْ احْتِمَالِهِ فِي النِّسَاءِ.
4 وَهَذَا لا 5 يُقْبَلُ مِنْهُ، حَيْثُ سَلَّمَ أَنَّ الرُّجُولِيَّةَ مَظِنَّةٌ اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ6. وَذَلِكَ كَتَرَفُّهِ الْمَلِكِ فِي السَّفَرِ لا يَمْنَعُ رُخَصَ السَّفَرِ فِي حَقِّهِ لِعِلَّةِ الْمَشَقَّةِ، إذْ الْمُعْتَبَرُ الْمَظِنَّةُ7 وَقَدْ وُجِدَتْ، لا مِقْدَارُ
__________
1 في ض ب: كقول.
2 في ز: وإن كانت.
3 في ز ب: لا يعتبر.
4 ساقطة من ز.
5 في ب: لم.
6 في شرح العضد: لقلّة.
7 وهي السفر. قال العلامة ابن القيم: فإن السفر في نفسه قطعة من العذاب، وهو في نفسه مشقة وجهد، ولو كان المسافر من أرفهِ الناس، فإنه في مشقة وجهد بحسبه. "إعلام الموقعين 2/130" وقال الشاطبي: فالملك المترفه قد يقال إن المشقة تلحقه، لكنا لا نحكم عليه بذلك لخفائها. "الموافقات 2/54".(4/307)
الْحِكْمَةِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا1.
"وَلا يَكْفِي الْمُسْتَدِلَّ رُجْحَانُ وَصْفِهِ"
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: لا يَكْفِي الْمُسْتَدِلَّ رُجْحَانُ وَصْفِهِ خِلافًا لِلآمِدِيِّ2؛ لِقُوَّةِ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ3، كَالْقَتْلِ عَلَى الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ.
"أَمَّا إنْ اتَّفَقَا عَلَى كَوْنِ الْحُكْمِ مُعَلَّلاً بِأَحَدِهِمَا" أَيْ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ "قُدِّمَ الرَّاجِحُ وَلا يَكْفِي كَوْنُهُ مُتَعَدِّيًا" لاحْتِمَالِ تَرْجِيحِ4 الْقَاصِرِ.
قَالَ الْعَضُدُ: هَذَانِ وَجْهَانِ تُوُهِّمَا جَوَابًا لِلْمُعَارَضَةِ وَلا يَكْفِيَانِ.
الأَوَّلُ: رُجْحَانُ الْمُعَيَّنِ5 وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ فِي جَوَابِ الْمُعَارَضَةِ: مَا عَيَّنْته6 مِنْ الْوَصْفِ رَاجِحٌ7 عَلَى مَا عَارَضْت بِهِ، ثُمَّ يُظْهِرُ وَجْهًا مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ. وَهَذَا الْقَدْرُ غَيْرُ كَافٍ؛ لأَنَّهُ إنَّمَا
__________
1 قاله العضد في شرحه لمختصر ابن الحاجب 2/274.
2 انظر الإحكام في أصول الأحكام 4/128.
3 ساقطة من ز.
4 في ش ز: ترجح.
5 في ز: العين.
6 في ز ب: عنيته.
7 في ض: راجحاً.(4/308)
يَدُلُّ عَلَى1 أَنَّ اسْتِقْلالَ وَصْفِهِ2 أَوْلَى مِنْ اسْتِقْلالِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ؛ إذْ لا يُعَلَّلُ بِالْمَرْجُوحِ مَعَ وُجُودِ الرَّاجِحِ، لَكِنَّ احْتِمَالَ الْجُزْئِيَّةِ بَاقٍ، وَلا بُعْدَ3 فِي تَرْجِيحِ4 بَعْضِ الأَجْزَاءِ عَلَى بَعْضٍ فَيَجِيءُ التَّحَكُّمُ.
الثَّانِي: كَوْنُ مَا عَيَّنَهُ الْمُسْتَدِلُّ مُتَعَدِّيًا وَالآخَرُ قَاصِرًا غَيْرُ كَافٍ فِي جَوَابِ الْمُعَارَضَةِ، إذْ5 مَرْجِعُهُ التَّرْجِيحُ بِذَلِكَ، فَيَجِيءُ التَّحَكُّمُ.
هَذَا وَالشَّأْنُ فِي التَّرْجِيحِ6 فَإِنَّهُ إنْ رُجِّحَتْ الْمُتَعَدِّيَةُ7 بِأَنَّ اعْتِبَارَهُ يُوجِبُ الاتِّسَاعَ فِي الأَحْكَامِ، وَبِأَنَّهَا مُتَّفَقٌ عَلَى اعْتِبَارِهَا بِخِلافِ الْقَاصِرَةِ رُجِّحَتْ الْقَاصِرَةُ بِأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ8 لِلأَصْلِ. إذْ الأَصْلُ عَدَمُ الأَحْكَامِ، وَبِأَنَّ اعْتِبَارَهَا إعْمَالٌ9 لِلدَّلِيلَيْنِ مَعًا10-
__________
1 ساقطة من ز.
2 في ز: وصف.
3 في ش: ولا يعد.
4 في شرح العضد: ترجح.
5 ساقطة من ش.
6 ساقطة من ش.
7 في ض: التعدية.
8 في ب: موقفه. وفي ض: موقوفة
9 في ز ب: اعلام.
10 ساقطة من ز.(4/309)
دَلِيلِ الْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ وَدَلِيلِ الْقَاصِرَةِ، بِخِلافِ إلْغَائِهَا1.
"وَيَجُوزُ تَعَدُّدُ أُصُولِ الْمُسْتَدِلِّ2" عَلَى الصَّحِيحِ؛ لأَنَّ الظَّنَّ يَقْوَى بِالتَّعَدُّدِ، وَكَمَا أَنَّ أَصْلَ الظَّنِّ مَقْصُودٌ، فَقُوَّتُهُ أَيْضًا مَقْصُودَةٌ.
"وَ" عَلَى هَذَا يَجُوزُ "اقْتِصَارٌ عَلَى" أَصْلٍ "وَاحِدٍ فِي مُعَارَضَةٍ، وَ" فِي "جَوَابٍ" مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِبَقِيَّةِ الأُصُولِ فِيهِ؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ.
وَقِيلَ: لا يَجُوزُ فِيهِمَا.
__________
1 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/274.
2 في ش: مستدل.(4/310)
"فَوَائِدُ": تَدُلُّ عَلَى مَعَانِي أَلْفَاظٍ مُتَدَاوَلَةٍ1 بَيْنَ الْجَدَلِيِّينَ.
نَبَّهَ عَلَيْهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي كِتَابِهِ الإِيضَاحِ2.
الأُولَى "الْفَرْضُ" وَهُوَ "أَنْ يُسْأَلَ عَامًّا، فَيُجِيبَ خَاصًّا أَوْ يُفْتِيَ عَامًّا وَيَدُلَّ خَاصًّا3".
وَقَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ4: الْفَرْضُ: وَ5هُوَ تَخْصِيصُ بَعْضِ صُوَرِ النِّزَاعِ بِالْحِجَاجِ6، وَإِقَامَةُ7 الدَّلِيلِ عَلَيْهِ.
__________
1 في ض ب: الألفاظ المتداولة.
2 في ض: وقال وعلى هذا لو قال. وفي ب: في كتابه الإيضاح وقال: وعلى هذا لو قال.
3 انظر المسودة ص 425، إرشاد الفحول ص 235، الوصول لابن برهان 2/266.
4 جمع الجوامع بحاشية البناني 2/310.
5 ساقطة من ش.
6 قال البناني: أي بأن يكون النزاع في كلي تندرج فيه جزئيات، فيفرض النزاع في جزئي خاص من تلك الجزئيات، ويقع الحجاج فيه من الجانبين. "حاشية البناني 2/310".
7 في ش: أي وإقامة.(4/311)
"وَ" الثَّانِيَةُ "التَّقْدِيرُ" وَهُوَ "إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ، وَعَكْسُهُ" وَهُوَ إعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ1.
وَهُوَ مُقَارِنُ الْفَرْضِ2، فَإِنَّهُ يُقَالُ3: يُقَدَّرُ الْفَرْضُ فِي كَذَا4، وَالْفَرْضُ مُقَدَّرٌ فِي كَذَا ...
مِثَالُ إعْطَاءِ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ: الْمَاءُ لِلْمَرِيضِ الَّذِي يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ، فَيَتَيَمَّمُ5 وَيَتْرُكُهُ مَعَ وُجُودِهِ حِسًّا.
وَمِثَالُ6 إعْطَاءِ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ: الْمَقْتُولُ تُورَثُ7 عَنْهُ الدِّيَةُ وَإِنَّمَا8 تَجِبُ بِمَوْتِهِ وَلا تُورَثُ عَنْهُ، إلاَّ إذَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ. فَيُقَدَّرُ دُخُولُهَا قَبْلَ مَوْتِهِ.
"وَ" الثَّالِثَةُ "مَحَلُّ النِّزَاعِ" وَهُوَ "الْحُكْمُ الْمُفْتَى بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا".
__________
1 انظر البيان المفصل والبحث المطول عن حقيقة التقدير وأمثلته وتطبيقاته الفقهية في "الأمنية في إدراك النية للقرافي ص 55-63، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 2/95-100".
2 في ش: للفرض.
3 ساقطة من ز.
4 في ز: هذا.
5 في ش: فيتيم.
6 في ش: ومثاله مع.
7 في ز: يورث.
8 في ش: وإلا.(4/312)
وَهُوَ أَيْضًا كَالْمُقَارِنِ لِلْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ.
فَمَحَلُّ النِّزَاعِ: هُوَ الْمُتَكَلَّمُ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ.
"وَ" الرَّابِعَةُ "الإِلْغَاءُ" وَهُوَ "إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِدُونِ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ".
السَّابِعَ1 عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "التَّرْكِيبُ"2.
أَيْ سُؤَالُ التَّرْكِيبِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوُرُودِهِ عَلَى الْقِيَاسِ الْمُرَكَّبِ مِنْ اخْتِلافِ مَذْهَبِ الْخَصْمِ "كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "الْبَالِغَةُ أُنْثَى، فَلا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا كَبِنْتِ خَمْسَ عَشْرَةَ3، فَالْخَصْمُ يَعْتَقِدُ لِصِغَرِهَا".
وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ فَاسِدٌ.
قِيلَ: لِرَدِّ الْكَلامِ إلَى سِنِّ الْبُلُوغِ، وَلَيْسَ4 بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ.
__________
1 في ش ز ب: السادس.
2 انظر كلام الأصوليين على التركيب في "البرهان 2/1099، مختصر الطوفي ص 171، روضة الناظر ص 349، مختصر البعلي ص 159، الإحكام للآمدي 4/135، إرشاد الفحول ص 233، شرح العضد 2/274".
3 في ز: خمسة عشر.
4 في ض: وليست.(4/313)
وَقِيلَ: لأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَنْعِ الْحُكْمِ فِي الأَصْلِ أَوْ الْعِلَّةِ.
ثُمَّ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لاشْتِمَالِهِ عَلَى مَنْعِ حُكْمٍ عَلَى مَذْهَبِ إمَامٍ نَصُّهُ بِخِلافِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ "صَحِيحٌ" وَهُوَ الأَصَحُّ؛ لأَنَّ حَاصِلَهُ مُنَازَعَةٌ فِي الأَصْلِ1، فَيُبْطِلُ الْمُسْتَدِلُّ مَا يَدَّعِي الْمُعْتَرِضُ تَعْلِيلَ الْحُكْمِ بِهِ، لِيَسْلَمَ مَا يَدَّعِيهِ جَامِعًا فِي الأَصْلِ2.
الثَّامِنَ3 عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "التَّعْدِيَةُ"4.
وَهِيَ "مُعَارَضَةُ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ بِوَصْفٍ آخَرَ مُتَعَدٍّ".
"كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "فِي بِكْرٍ بَالِغٍ" هِيَ "بِكْرٌ فَأُجْبِرَتْ كَبِكْرٍ صَغِيرَةٍ".
"فَيَعْتَرِضُ" الْمُعْتَرِضُ "بِتَعَدِّي الصِّغَرِ إلَى ثَيِّبٍ صَغِيرَةٍ، وَيَرْجِعُ" ذَلِكَ "إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الأَصْلِ".
قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: عَنْ5 التَّرْكِيبِ وَالتَّعْدِيَةِ: هَذَانِ اعْتِرَاضَانِ يَعُدُّهُمَا الْجَدَلِيُّونَ فِي عِدَادِ6 الاعْتِرَاضَاتِ وَهُمَا
__________
1 في ض ب: الأصل أو العلة، ثم هو غير صحيح لاشتماله على منع حكم.
2 ساقطة من ش.
3 في ش ب ز: السابع.
4 انظر كلام الأصوليين على التعدية في "منتهى السول والأمل ص 198، إرشاد الفحول ص 233، البرهان 2/1106، الإحكام للآمدي 4/136".
5 في ش: عند.
6 في ض: عدد.(4/314)
رَاجِعَانِ إلَى بَعْضٍ مِنْ سَائِرِ الاعْتِرَاضَاتِ. وَنَوْعٌ1 مِنْهُ خُصَّ بِاسْمٍ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا2 سُؤَالاً بِرَأْسِهِ.
فَالأَوَّلُ: سُؤَالُ التَّرْكِيبِ، وَهُوَ مَا عَرَفْته حَيْثُ قُلْنَا3: شَرْطُ حُكْمِ الأَصْلِ أَنْ لا يَكُونَ ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ. وَأَنَّهُ4 قِسْمَانِ: مُرَكَّبُ الأَصْلِ، وَمُرَكَّبُ الْوَصْفِ وَأَنَّ5 مَرْجِعِ أَحَدِهِمَا: مَنْعُ حُكْمِ الأَصْلِ، أَوْ مَنْعُ الْعِلِّيَّةِ6. وَمَرْجِعُ الآخَرِ: مَنْعُ الْحُكْمِ، أَوْ مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ. فَلَيْسَ7 بِالْحَقِيقَةِ سُؤَالاً8 بِرَأْسِهِ، وَقَدْ عَرَفْتَ الأَمْثِلَةَ فَلا مَعْنَى لِلإِعَادَةِ.
وَالثَّانِي9: سُؤَالُ التَّعْدِيَةِ، وَذَكَرُوا فِي مِثَالِهِ أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ فِي الْبِكْرِ الْبَالِغِ: بِكْرٌ فَتُجْبَرُ كَالصَّغِيرَةِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: هَذَا مُعَارَضٌ بِالصِّغَرِ.
__________
1 قال السعد التفتازاني: قوله: "ونوع" "عطف على راجعان، أي كل منهما نوع من سائر الاعتراضات خُصَّ باسم خاص". "حاشية السعد على شرح العضد 2/275".
2 كذا في شرح العضد. وفي جميع النسخ: منها.
3 في ش: قلت.
4 في د ض: فانه.
5 في ز ض: فان.
6 كذا في شرح العضد. وفي جميع النسخ: العلة.
7 في ش: فليسا.
8 في ش: سواء.
9 ساقطة من ز ض ب.(4/315)
وَمَا ذَكَرْته، وَإِنْ تَعَدَّى بِهِ الْحُكْمُ إلَى الْبِكْرِ الْبَالِغِ، فَقَدْ تَعَدَّى بِهِ الْحُكْمُ إلَى الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ، وَهَذَا التَّمْثِيلُ يَجْعَلُ هَذَا1 السُّؤَالَ رَاجِعًا إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الأَصْلِ بِوَصْفٍ آخَرَ، وَهُوَ الْبَكَارَةُ بِالصِّغَرِ، مَعَ زِيَادَةِ تَعَرُّضٍ لِلتَّسَاوِي2 فِي التَّعْدِيَةِ. [دَفْعًا لِتَرْجِيحِ الْمُعَيَّنِ بِالتَّعْدِيَةِ] 3 فَلا يَكُونُ سُؤَالاً [آخَرَ] 4 5".
وَلا أَثَرَ لِزِيَادَةِ التَّسْوِيَةِ فِي التَّعْدِيَةِ"6 قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ خِلافًا لِلدَّارِكِيِّ7.
التَّاسِعَ8 عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "مَنْعُ وُجُودِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ
__________
1 ساقطة من شرح العضد.
2 كذا في شرح العضد، وفي ز: المساوي. وفي ش ض ب: التساو.
3 زيادة من شرح العضد يقتضيها السياق.
4 زيادة من شرح العضد يقتضيها السياق.
5 شرح العضد 2/275.
6 في ض: التعدية في التسوية.
7 هو عبد العزيز بن عبد الله بن محمد الدَّارَكي الشافعي، أبو القاسم، الإمام الفقيه: قال ابن قاضي شهبة: "درّس بنيسابور مدة، ثم سكن بغداد، وكانت له حلقة للفتوى، وانتهت إليه رياسة المذهب ببغداد، توفي سنة 375هـ.
والدَّاركي: نسبة إلى دارَك –بفتح الراء- من قرى أصبهان. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 2/263، تاريخ بغداد 10/463، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/118، شذرات الذهب 3/85، النجوم الزاهرة 4/148، طبقات الشافعية للأسنوي 1/508، طبقات الشافعية لابن السبكي 3/330، الكامل لابن الأثير 7/128، الفكر السامي 2/132".
8 في ش ب ز: الثامن.(4/316)
فِي الْفَرْعِ"1.
كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ فِي "أَمَانِ عَبْدٍ" هُوَ "أَمَانٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ كَالْمَأْذُونِ" أَيْ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ.
"فَيَمْنَعُ" الْمُعْتَرِضُ "الأَهْلِيَّةَ" بِأَنْ يَقُولَ: لا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَبْدَ أَهْلٌ لِلأَمَانِ.
"فَيُجِيبُهُ" الْمُسْتَدِلُّ "بِوُجُودِ مَا عَنَاهُ بِالأَهْلِيَّةِ فِي الْفَرْعِ" ثُمَّ بِبَيَانِ2 وُجُودِهِ بِحِسٍّ أَوْ عَقْلٍ أَوْ شَرْعٍ "كَجَوَابِ مَنْعِهِ فِي الأَصْلِ" فَيَقُولُ: أُرِيدُ بِالأَهْلِيَّةِ كَوْنَهُ مَظِنَّةً لِرِعَايَةِ مَصْلَحَةِ الأَمَانِ، وَهُوَ بِإِسْلامِهِ وَبُلُوغِهِ كَذَلِكَ عَقْلاً.
"وَيُمْنَعُ الْمُعْتَرِضُ مِنْ تَقْرِيرِ3 نَفْيِ الْوَصْفِ عَنْ الْفَرْعِ"؛ لأَنَّ تَفْسِيرَهَا وَظِيفَةُ4 مَنْ تَلَفَّظَ بِهَا؛ لأَنَّهُ الْعَالِمُ بِمُرَادِهِ وَإِثْبَاتِهَا وَظِيفَةُ5 مَنْ ادَّعَاهَا. فَيَتَوَلَّى تَعْيِينَ مَا ادَّعَاهُ كُلُّ6 ذَلِكَ؛ لِئَلاَّ
__________
1 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "روضة الناظر ص 340، مختصر البعلي ص 153، مختصر الطوفي ص 166، إرشاد الفحول ص 233، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/327، شرح العضد 2/275، منتهى السول والأمل ص 198، الإحكام للآمدي 4/136، المنهاج للباجي ص 166، مفتاح الوصول للتلمساني ص 158، فواتح الرحموت 2/350، نشر البنود 2/240".
2 في ض: بيان.
3 في ش: تقدير.
4 في ش: وخليفة.
5 في ش: وخليفة.
6 في ش: على.(4/317)
يَنْتَشِرَ الْجَدَلُ.
الْعِشْرُونَ1 مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ بِمَا يَقْتَضِي نَقِيضَ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ"2.
بِأَنْ يَقُولَ الْمُعْتَرِضُ: مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ الْوَصْفِ، وَإِنْ3 اقْتَضَى ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ فَعِنْدِي وَصْفٌ آخَرُ يَقْتَضِي نَقِيضَهُ، فَيَتَوَقَّفُ دَلِيلُك وَهُوَ الْمَعْنَى بِالْمُعَارَضَةِ إذَا أَطُلِقَتْ.
وَلا بُدَّ مِنْ بِنَائِهِ4 عَلَى5 أَصْلٍ [بِـ] 6 جَامِعِ بِأَنْ يُثْبِتَ الْمُعْتَرِضُ عِلِّيَّتِهِ7 "بِأَحَدِ طُرُقِ الْعِلَّةِ" فَيَصِيرُ الْمُعْتَرِضُ مُسْتَدِلاًّ، وَالْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِضًا فَتَنْقَلِبُ الْوَظِيفَتَانِ.
__________
1 في ب ز ش: التاسع عشر.
2 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "مفتاح الوصول ص 159، روضة الناظر ص 348، مختصر الطوفي ص 170، المنهاج للباجي ص 201، المسودة ص 441، المغني للخبازي ص 324، الكافية للجويني ص 418، تيسير التحرير 4/158، فواتح الرحموت 2/351، إرشاد الفحول ص 233، شرح العضد 2/275، منتهى السول والأمل ص 198، الإحكام للآمدي 4/137".
3 في ز: فإن.
4 في ز ب ض: بيانه.
5 في ش: على أنه.
6 زيادة يقتضيها السياق. انظر شرح العضد 2/275.
7 في ش: عليه.(4/318)
وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ هَذَا الْقَادِحِ وَالصَّحِيحُ "يُقْبَلُ" وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا1 وَالأَكْثَرِ2؛ لِئَلاَّ تَخْتَلَّ فَائِدَةُ الْمُنَاظَرَةِ وَهُوَ ثُبُوتُ3 الْحُكْمِ؛ لأَنَّهُ لا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ4 الدَّلِيلِ مَا لَمْ يُعْلَمْ عَدَمُ الْمُعَارِضِ.
وَقِيلَ: لا؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَلْبِ التَّنَاظُرِ.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ الْقَدْحِ بِالْمُعَارَضَةِ "بِمَا يَعْتَرِضُ بِهِ الْمُعْتَرِضُ ابْتِدَاءً" وَالْجَوَابُ هُوَ5 الْجَوَابُ.
"وَيُقْبَلُ تَرْجِيحُ" أَحَدِهِمَا "بِوَجْهٍ مَا" أَيْ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَجَمْعٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الآمِدِيُّ6 وَابْنُ الْحَاجِبِ7؛ لأَنَّهُ إذَا تَرَجَّحَ قِيَاسُ أَحَدِهِمَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ.
وَقِيلَ: لا يُقْبَلُ التَّرْجِيحُ؛ لأَنَّ تَسَاوِيَ الظَّنِّ الْحَاصِلِ بِهِمَا غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَلا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَإِلاَّ لَمْ تَحْصُلْ الْمُعَارَضَةُ لامْتِنَاعِ الْعِلْمِ
__________
1 انظر روضة الناظر ص 349، المسودة ص 440، شرح العضد 2/275.
2 انظر البرهان 2/1050، فواتح الرحموت 2/351.
3 في ش: لثبوت.
4 في ش: بوجود.
5 ساقطة من ش.
6 الإحكام في أصول الأحكام 4/138.
7 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/276، منتهى السول والأمل ص 199.(4/319)
بِذَلِكَ، فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ1.
"وَلا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ الإِيمَاءُ إلَيْهِ" أَيْ إلَى التَّرْجِيحِ "فِي" مَتْنِ "دَلِيلِهِ" بِأَنْ يَقُولَ فِي أَمَانِ الْعَبْدِ: أَمَانٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ مُوَافِقًا2 لِلْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ.
وَقِيلَ: بَلَى.
وَالصَّحِيحُ: لا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لأَنَّ التَّرْجِيحَ عَلَى مَا يُعَارِضُهُ خَارِجٌ عَنْ الدَّلِيلِ. وَتَوَقُّفُ الْعَمَلِ عَلَى التَّرْجِيحِ لَيْسَ جُزْءًا لِلدَّلِيلِ، بَلْ شَرْطٌ لَهُ لا مُطْلَقًا، بَلْ إذَا حَصَلَ الْمُعَارِضُ وَاحْتِيجَ إلَى دَفْعِهِ.
وَالْحَادِي3 وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْفَرْقُ"4.
وَهُوَ إبْدَاءُ الْمُعْتَرِضِ مَعْنًى يَحْصُلُ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الأَصْلِ وَالْفَرْعِ حَتَّى لا يَلْحَقُ بِهِ فِي حُكْمِهِ.
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ض: موافق.
3 ساقطة من ش ز ب.
4 انظر كلام الأصوليين على الفرق في "شرح تنقيح الأصول ص 403، المحصول 2/2/367، المنهاج للباجي ص 201، المسودة ص 441، البرهان 2/1060، الكافية للجويني ص 298، الوصول لابن برهان 2/327، المنخول ص 417، نشر البنود 2/229، إرشاد الفحول ص 229، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/319، نهاية السول 3/100، مناهج العقول 3/100، الإبهاج 3/86، شرح العضد 2/276، منتهى السول والأمل ص 199، الإحكام للآمدي 4/138".(4/320)
وَهُوَ "رَاجِعٌ إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي أَصْلٍ أَوْ1 فَرْعٍ" فَيُقْبَلُ.
وَقِيلَ: يَرْجِعُ إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الأَصْلِ وَالْفَرْعِ مَعًا فَلا يُقْبَلُ.
"وَيَحْتَاجُ الْقَادِحُ فِي الْجَمْعِ إلَى دَلالَةٍ وَأَصْلٍ كَالْجَمْعِ".
وَهُوَ نَوْعَانِ:
الأَوَّلُ: أَنْ يَجْعَلَ الْمُعْتَرِضُ تَعَيُّنَ2 صُورَةِ الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا هُوَ الْعِلَّةَ فِي الْحُكْمِ. كَقَوْلِ حَنْبَلِيٍّ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ طَهَارَةٌ3 عَنْ حَدَثٍ. فَوَجَبَ لَهَا النِّيَّةُ كَالتَّيَمُّمِ.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ بِالْفَرْقِ: الْعِلَّةُ فِي4 الأَصْلِ كَوْنُ الطَّهَارَةِ بِتُرَابٍ لا مُطْلَقُ الطَّهَارَةِ. فَذَكَرَ لَهُ خُصُوصِيَّةً لا تَعْدُوهُ5.
وَكَقَوْلِ حَنَفِيٍّ فِي التَّبْيِيتِ: صَوْمٌ عُيِّنَ، فَيَتَأَدَّى بِالنِّيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ كَالنَّفْلِ. فَيُقَالُ: صَوْمُ نَفْلٍ فَيَنْبَنِي6 عَلَى السُّهُولَةِ، فَجَازَ بِنِيَّةٍ7 مُتَأَخِّرَةٍ، بِخِلافِ الْفَرْضِ.
__________
1 في ض: و.
2 في ش ض: تعيين.
3 ساقطة من ش.
4 في ش: بـ.
5 ساقطة من ز. وفي ش: لا بقدره.
6 في ض: ينبني. وفي ب: فيبنى.
7 في ض: نيته.(4/321)
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا النَّوْعُ رَاجِعٌ إلَى مُعَارَضَةٍ1 فِي2 الأَصْلِ، أَيْ3 مُعَارَضَةِ عِلَّةِ الْمُسْتَدِلِّ فِيهِ لِعِلَّةٍ4 أُخْرَى، وَلِهَذَا5 بَنَاهُ الْبَيْضَاوِيُّ6 وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ7 عَلَى تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا8.
وَوَجْهُ الْبِنَاءِ: أَنَّ الْمُعْتَرِضَ عَارَضَ عِلَّةَ الْمُسْتَدِلِّ بِعِلَّةٍ أُخْرَى. فَمَنْ مَنَعَ9 التَّعْلِيلَ بِعِلَّتَيْنِ10 رَآهُ اعْتِرَاضًا يَلْزَمُ مِنْهُ تَعَدُّدُ الْمُعَلَّلِ11.
وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عِنْدَهُ، وَمَنْ لَمْ يَمْنَعْ لَمْ يَرَهُ سُؤَالاً قَادِحًا لِجَوَازِ كَوْنِ الْحُكْمِ لَهُ عِلَّتَانِ، وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى عَدَمِ الْبِنَاءِ.
__________
1 في ز: معارضته.
2 ساقطة من ب.
3 في ز ض: أو.
4 في ش: بعلة.
5 في ز: وبهذا.
6 المنهاج للبيضاوي مع شرحه نهاية السول 3/100.
7 انظر شرح تنقيح الفصول ص 403، المحصول 2/2/367، المسودة ص 442، نشر البنود 2/229.
8 ساقطة من ش.
9 في ض: فمنع من.
10 ساقطة من ض.
11 في ش: العلل. وفي ض: المعترض.(4/322)
النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَجْعَلَ تَعَيُّنَ الْفَرْعِ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الأَصْلِ فِيهِ. كَقَوْلِهِمْ: يُقَادُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ، قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ الْمُسْلِمِ، بِجَامِعِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ1.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: تَعَيُّنُ الْفَرْعِ - وَهُوَ الإِسْلامُ - مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ.
وَلَعَلَّهُ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ2.
لَكِنْ بَنَاهُ الْبَيْضَاوِيُّ 3 وَغَيْرُهُ عَلَى الْخِلافِ فِي النَّقْضِ إذَا كَانَ لِمَانِعٍ4: هَلْ يَقْدَحُ فِي الْعِلِّيَّةِ5 أَوْ لا؟
فَإِنْ قُلْنَا: لا يَقْدَحُ، فَهَذَا كَذَلِكَ؛ لأَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي ادَّعَى الْمُسْتَدِلُّ عِلِّيَّتَهُ لَمَّا وُجِدَ فِي الْفَرْعِ، وَتَخَلَّفَ فِيهِ الْحُكْمُ لِمَانِعٍ قَامَ بِهِ. فَهَذَا نَقْضٌ لِمَانِعٍ، فَيَقْدَحُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالْقَدْحِ بِالنَّقْضِ لِمَانِعٍ، وَإِلاَّ فَلا6.
فَيَكُونُ مُخْتَارُ الْبَيْضَاوِيِّ قَدْحَ النَّوْعِ الأَوَّلِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ دُونَ الْمَنْصُوصَةِ، وَعَدَمَ قَدْحِ النَّوْعِ الثَّانِي مُطْلَقًا؛ لاخْتِيَارِ جَوَازِ
__________
1 ساقطة من ض.
2 في ض: أيضاً على جواز التعليل.
3 المنهاج للبيضاوي مع شرحه نهاية السول 3/100.
4 في ش: المانع.
5 في ش ض: العلة.
6 ساقطة من ش.(4/323)
التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ دُونَ الْمَنْصُوصَةِ، وَأَنَّ1 النَّقْضَ لِمَانِعٍ غَيْرُ قَادِحٍ.
وَمَتَى قِيلَ: إنَّ الْقَادِحَ فِي الْجَمْعِ لا يَحْتَاجُ إلَى دَلالَةٍ و2َأَصْلٍ كَالْجَمْعِ، كَانَتْ دَعْوَاهُ بِلا دَلِيلٍ.
"وَإِنْ أَحَبَّ" الْمُعْتَرِضُ "إسْقَاطَهُ" أَيْ إسْقَاطَ ذَلِكَ "عَنْهُ3 طَالَبَ الْمُسْتَدِلَّ بِصِحَّةِ الْجَمْعِ".
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: صَبِيٌّ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلا يُزَكِّي، كَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَيَنْتَقِضُ4 بِعُشْرِ5 زَرْعِهِ وَالْفِطْرَةِ، فَسُؤَالٌ صَحِيحٌ. بِخِلافِ التَّفْرِقَةِ بِالْفِسْقِ بَيْنَ النَّبِيذِ وَالْخَمْرِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ الْعِلَّةِ.
وَالثَّانِي6 وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "اخْتِلافُ الضَّابِطِ فِي الأَصْلِ وَالْفَرْعِ7".
__________
1 في ش: وعدم قدح النوع وأن.
2 ساقطة من ش.
3 في ز: منه.
4 في ب: فينقض.
5 في ش: بتعشير.
6 في ب ش ز: الحادي.
7 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "إرشاد الفحول ص 231، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/329، شرح العضد 2/276، منتهى السول والأمل ص 199، الإحكام للآمدي 4/139".(4/324)
بِأَنْ يَقُولَ الْمُعْتَرِضُ لِلْمُسْتَدِلِّ: فِي قِيَاسِكَ اخْتِلافُ1 الضَّابِطِ بَيْنَ الأَصْلِ وَالْفَرْعِ.
"كَ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "تَسَبَّبُوا بِالشَّهَادَةِ" إلَى الْقَتْلِ عَمْدًا "فَقِيدُوا" أَيْ فَلَزِمَهُمْ الْقَوَدُ "كَمُكْرَهٍ" عَلَى الْقَتْلِ.
"فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ "ضَابِطُ الْفَرْعِ الشَّهَادَةُ، وَ" ضَابِطُ "الأَصْلِ الإِكْرَاهُ. فَلَمْ يَتَحَقَّقْ تَسَاوٍ" بَيْنَ الأَصْلِ وَالْفَرْعِ.
وَحَاصِلُ هَذَا السُّؤَالِ يَرْجِعُ إلَى مَنْعِ وُجُودِ الأَصْلِ فِي الْفَرْعِ.
وَفِي شَرْحِ2 الْمُقْتَرَحِ3 لأَبِي الْعِزِّ4: حِكَايَةُ قَوْلَيْنِ فِي قَبُولِهِ.
__________
1 في ز: اختلاف في.
2 في ش: الشرح.
3 في ض: المقترض.
4 في ش: المعز. وهو تصحيف.
وأبو العز: هو تقي الدين مظفر بن عبد الله بن علي المصري الشافعي. قال السيوطي: "كان إماماً كبيراً، له التصانيف في الفقه والأصول والخلاف، ديّناً ورعاً، كثير الإفادة". وقد شرح كتاب "المقترح في المصطلح" للبروي شرحاً نفيساً، عُرف واشتهر به حتى صار يلقب بالتقي المقترح. ومن كتبه "الأسرار العقلية في الكلمات النبوية" و"شرح الإرشاد في أصول الدين للجويني". توفي سنة 612 هـ. وقد جاء في كشف الظنون وهدية العارفين أن كنيته أبو الفتح، والصواب أنها "أبو العز" كما قال المصنف وكما ذكر العلامة أبو علي عمر السكوني المتوفي سنة 717 هـ في كتابه "عيون المناظرات" ص 287 وغيره "انظر حسن المحاضرة للسيوطي 1/409، طبقات الشافعية للأسنوي 2/444، طبقات الشافعية لابن السبكي 8/372، كشف الظنون 2/1793، هدية العارفين 2/463، الوافي بالوفيات للصفدي 1/279، معجم المؤلفين 12/299".(4/325)
قَالَ: وَمَدَارُ الْكَلامِ فِيهِ يَنْبَنِي عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِيَاسِ الْقَطْعُ1 بِالْجَامِعِ أَوْ ظَنُّ وُجُودِ الْجَامِعِ كَافٍ.
وَيَنْبَنِي 2عَلَى ذَلِكَ2 الْقِيَاسُ فِي الأَسْبَابِ. فَمَنْ اعْتَبَرَ الْقَطْعَ مَنَعَ الْقِيَاسَ فِيهَا، إذْ3 لا يُتَصَوَّرُ عَادَةً الْقَطْعُ4 بِتَسَاوِي الْمَصْلَحَتَيْنِ. فَلا يَتَحَقَّقُ جَامِعٌ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ بِاعْتِبَارٍ يُثْبِتُ حُكْمَ السَّبَبِيَّةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَمَنْ اكْتَفَى5 بِالظَّنِّ صَحَّحَ6 ذَلِكَ إذْ7 يَجُوزُ تَسَاوِي الْمَصْلَحَتَيْنِ فَيَتَحَقَّقُ الْجَامِعُ، وَلا يَمْنَعُ8 الْقِيَاسَ.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ الاعْتِرَاضِ بِاخْتِلافِ الضَّابِطِ "بَيَانُ أَنَّ الْجَامِعَ" بَيْنَ الأَصْلِ وَالْفَرْعِ "التَّسَبُّبُ9 الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا" أَيْ بَيْنَ الأَصْلِ، وَهُوَ الإِكْرَاهُ وَالْفَرْعِ، وَهُوَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَتْلِ "وَهُوَ" أَيْ التَّسَبُّبُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا "مَضْبُوطٌ عُرْفًا".
__________
1 في ش: من القطع.
2 في ض ب: ذلك على.
3 في ش ب ز: أو.
4 في ش: القدح.
5 في ش: النفى.
6 في ض: يصحح.
7 في ش: أن.
8 في ش: ولا يمتنع.
9 في ش: والتسبب.(4/326)
"أَوْ" يُجِيبُ "بِأَنَّ إفْضَاءَهُ" أَيْ إفْضَاءَ الْمَقْصُودِ "فِي الْفَرْعِ مِثْلُهُ" فِي الأَصْلِ "أَوْ أَرْجَحُ" كَمَا لَوْ كَانَ أَصْلُ الْفَرْعِ الْمُغْرِي1 لِلْحَيَوَانِ بِجَامِعِ التَّسَبُّبِ فَإِنَّ2 انْبِعَاثَ الْوَلِيِّ عَلَى الْقَتْلِ بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ التَّشَفِّي أَكْثَرُ مِنْ انْبِعَاثِ الْحَيَوَانِ بِالإِغْرَاءِ لِنُفْرَتِهِ مِنْ الإِنْسَانِ، وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِجَوَازِ الْقَتْلِ وَعَدَمِهِ. فَاخْتِلافُ أَصْلِ التَّسَبُّبِ لا يَضُرُّ، فَإِنَّهُ اخْتِلافُ أَصْلٍ وَفَرْعٍ.
وَلا يُفِيدُ قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ فِي جَوَابِهِ التَّفَاوُتَ فِي الضَّابِطِ مُلْغًى لِحِفْظِ النَّفْسِ، كَمَا أُلْغِيَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ قَطْعِ الأُنْمُلَةِ وَقَطْعِ3 الرَّقَبَةِ فِي قَوَدِ النَّفْسِ؛ لأَنَّ إلْغَاءَ4 التَّفَاوُتِ5 فِي صُورَةٍ لا يُوجِبُ6 عُمُومَهُ، كَإِلْغَاءِ الشَّرَفِ وَغَيْرِهِ دُونَ الإِسْلامِ وَالْحُرِّيَّةِ.
"وَمِنْهُ" أَيْ وَمِنْ صُوَرِ الْقَدْحِ بِاخْتِلافِ الضَّابِطِ: قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ لِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى اللاَّئِطِ "أَوْلَجَ فِي فَرْجٍ مُشْتَهًى طَبْعًا مُحَرَّمٍ شَرْعًا7 فَحُدَّ كَزَانٍ".
__________
1 في ض ش: المعزى.
2 في ش: بجامع.
3 ساقطة من ض.
4 في ب ز: الإلغاء.
5 في ض: المتفاوت. وفي ب: للتفاوت.
6 في ض ب ز: لا توجب.
7 في ش: مشرعا.(4/327)
"فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ "حِكْمَةُ الْفَرْعِ: الصِّيَانَةُ عَنْ رَذِيلَةِ اللِّوَاطِ، وَ" حِكْمَةُ "الأَصْلِ: دَفْعُ مَحْذُورِ اشْتِبَاهِ الأَنْسَابِ. وَقَدْ يَتَفَاوَتَانِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ".
"وَحَاصِلُهُ مُعَارَضَةٌ فِي الأَصْلِ، وَجَوَابُهُ بِحَذْفِهِ عَنْ الاعْتِبَارِ".
الثَّالِثُ1 وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "مُخَالَفَةُ حُكْمِ الْفَرْعِ لِحُكْمِ الأَصْلِ" بَعْدَ تَسْلِيمِ عِلَّةِ الأَصْلِ فِي الْفَرْعِ2.
مِثَالُهُ: أَنْ يَقِيسَ الْمُسْتَدِلُّ النِّكَاحَ عَلَى الْبَيْعِ، أَوْ الْبَيْعَ عَلَى النِّكَاحِ فِي عَدَمِ3 الصِّحَّةِ بِجَامِعٍ4 فِي صُورَةٍ5، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: الْحُكْمُ يَخْتَلِفُ، فَإِنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي الْبَيْعِ حُرْمَةُ الانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ، وَفِي النِّكَاحِ حُرْمَةُ الْمُبَاشَرَةِ.
"وَجَوَابُهُ بِبَيَانِ اتِّحَادِ الْحُكْمِ عَيْنًا، كَصِحَّةِ الْبَيْعِ عَلَى النِّكَاحِ، وَالاخْتِلافُ عَائِدٌ إلَى الْمَحَلِّ" يَعْنِي أَنَّ الْبُطْلانَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. وَهُوَ
__________
1 في ب ز ش: الثاني
2 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "إرشاد الفحول ص 231، شرح العضد 2/278، منتهى السول والأمل ص 199، الإحكام للآمدي 4/142".
3 ساقطة من ش.
4 في ز: لجامع.
5في ش: الصورة.(4/328)
عَدَمُ تَرَتُّبِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا1 اخْتَلَفَ الْمَحَلُّ بِكَوْنِهِ بَيْعًا وَنِكَاحًا. وَاخْتِلافُ الْمَحَلِّ لا يُوجِبُ اخْتِلافَ مَا حَلَّ فِيهِ.
"وَاخْتِلافُهُ" أَيْ اخْتِلافُ2 الْمَحَلِّ "شَرْطٌ فِيهِ" يَعْنِي أَنَّ اخْتِلافَ الْمَحَلِّ شَرْطٌ فِي الْقِيَاسِ ضَرُورَةً. فَكَيْفَ يُجْعَلُ شَرْطُهُ مَانِعًا مِنْهُ؟!.
"أَوْ" يُجِيبُهُ بِبَيَانِ3 اتِّحَادِ الْحُكْمِ "جِنْسًا، كَقَطْعِ الأَيْدِي بِالْيَدِ، كَ" قَتْلِ "الأَنْفُسِ بِالنَّفْسِ" يَعْنِي أَنَّ قَطْعَ الأَيْدِي بِالْيَدِ مُقَاسٌ4 عَلَى قَتْلِ الأَنْفُسِ بِالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ.
"وَتُعْتَبَرُ مُمَاثَلَةُ التَّعْدِيَةِ".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَتُعْتَبَرُ مُمَاثَلَةُ التَّعْدِيَةِ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ5 وَغَيْرِهَا. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ فِي ضَمِّ الذَّهَبِ إلَى الْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ: كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ.
فَالضَّمُّ فِي الأَصْلِ بِالأَجْزَاءِ، وَفِي الْفَرْعِ بِالْقِيمَةِ عِنْدَهُمْ6.
__________
1 في ش: وإن.
2 ساقطة من ض ب.
3 في ز: بيان.
4 في ز: يقاس.
5 انظر روضة الناظر ص 327.
6 انظر الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 48.(4/329)
ثُمَّ لَمَّا نَصَرَ1 الْقَاضِي جَوَازَ قَلْبِ التَّسْوِيَةِ؛ لأَنَّ الْحُكْمَ التَّسْوِيَةُ فَقَطْ، كَقِيَاسِ2 الْحَنَفِيَّةِ طَلاقَ الْمُكْرَهِ عَلَى الْمُخْتَارِ.
فَيُقَالُ: فَيَجِبُ اسْتِوَاءُ حُكْمِ إيقَاعِهِ وَإِقْرَارِهِ، كَالْمُخْتَارِ.
قَالَ3 فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ قِيَاسُ الْحَنَفِيَّةِ الْمَذْكُورُ، وَمَنْ مَنَعَ هَذَا الْقَلْبَ لِتَضَادِّ حُكْمِ الأَصْلِ وَالْفَرْعِ لَمْ يُجِزْهُ لاخْتِلافِهِمَا.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَصَارَ لَهُ قَوْلانِ:
"وَإِنْ اخْتَلَفَ" الْحُكْمُ "جِنْسًا وَنَوْعًا كَ" قِيَاسِ "وُجُوبٍ عَلَى تَحْرِيمٍ، وَ" كَقِيَاسِ4 "نَفْيٍ عَلَى إثْبَاتٍ" أَيْ5 بِالْعَكْسِ. "فَ" قِيَاسٌ "بَاطِلٌ" وَذَلِكَ؛ لأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا شُرِعَ لإِفْضَائِهِ إلَى مَقْصُودِ الْعَبْدِ، وَاخْتِلافُهُ مُوجِبٌ لِلْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا فِي الإِفْضَاءِ إلَى الْحِكْمَةِ.
فَإِنْ كَانَ بِزِيَادَةٍ فِي إفْضَاءِ حُكْمِ الأَصْلِ إلَيْهَا: لَمْ يَلْزَمْ مِنْ شَرْعِهِ شَرْعُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ؛ لأَنَّ زِيَادَةَ6 الإِفْضَاءِ7 مَقْصُودَةٌ، وَيَمْتَنِعُ كَوْنُ حُكْمِ الْفَرْعِ أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ، وَإِلاَّ كَانَ تَنْصِيصُ
__________
1 في ز: فسر.
2 في ش: لقياس.
3 ساقطة من ش.
4 في ش: قياس.
5 في ش: أي.
6 في ش: الزيادة.
7 في ش: للإفضاء.(4/330)
الشَّارِعِ عَلَيْهِ أَوْلَى.
الرَّابِعُ1 وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْقَلْبُ"2.
وَهُوَ "تَعْلِيقُ نَقِيضِ الْحُكْمِ أَوْ لازِمِهِ" أَيْ لازِمِ نَقِيضِ الْحُكْمِ "عَلَى الْعِلَّةِ" الَّتِي يُبْدِيهَا الْمُسْتَدِلُّ لِيُثْبِتَ عَلَيْهَا ذَلِكَ الْحُكْمَ "إلْحَاقًا بِالأَصْلِ" الْمَقِيسِ عَلَيْهِ.
وَيُسَمَّى هَذَا الضَّرْبُ: قَلْبَ الْعِلَّةِ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي: يُسَمَّى قَلْبَ الدَّلِيلِ. وَسَيَأْتِي.
فَقَلْبُ الْعِلَّةِ: بِأَنْ3 يُبَيِّنَ الْمُعْتَرِضُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ4 الْمُسْتَدِلُّ مِنْ الدَّلِيلِ يَدُلُّ عَلَيْهِ لا لَهُ.
__________
1 في ب زش: الثالث.
2 انظر كلام الأصوليين على القلب في "المغني للخبازي ص 322، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 346، الكافية للجويني ص 217 وما بعدها، المعتمد 2/819، تيسير التحرير 4/160، المنخول ص 414، أصول السرخسي 2/238، التبصرة ص 475، اللمع ص 65، الوصول إلى مسائل الأصول 2/329، المسودة ص 445، المنهاج للباجي ص 174، مختصر الطوفي ص 169، الجدل لابن عقيل ص 62، روضة الناظر ص 344، فتح الغفار 3/45، المحصول 2/2/357، شرح تنقيح الفصول ص 401، مختصر البعلي ص 156، نشر البنود 2/220، الإحكام للآمدي 4/143، إرشاد الفحول ص 227، فواتح الرحموت 2/351، الإبهاج 3/82، نهاية السول 3/95، مناهج العقول 3/92، منتهى السول والأمل ص 200، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/311، شرح العضد 2/278، القياس الشرعي لأبي الحسين البصري 2/1040".
3 في ز: أن.
4 في ش: العلة ما ذكره.(4/331)
"فَهُوَ نَوْعُ مُعَارَضَةٍ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا1، وَحُكِيَ عَنْ الأَكْثَرِ.
وَقِيلَ: إفْسَادٌ.
وَقِيلَ: تَسْلِيمٌ لِلصِّحَّةِ.
"ثُمَّ" هُوَ أَنْوَاعٌ:
نَوْعٌ "مِنْهُ قَلْبٌ لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ" أَيْ مَذْهَبِ الْمُعْتَرِضِ "مَعَ إبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ صَرِيحًا، كَ" قَوْلِهِ فِي "بَيْعِ فُضُولِيٍّ: عَقْدٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِلا وِلايَةٍ2، فَلا يَصِحُّ كَالشِّرَاءِ" لَهُ.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ، فَيَصِحُّ كَالشِّرَاءِ لِلْغَيْرِ. فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لِمَنْ اشْتَرَى لَهُ.
وَنَوْعٌ مِنْهُ يَكُونُ قَلْبًا لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ مَعَ إبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِإِبْطَالِهِ. وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ غَيْرِهِ، كَ" قَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي الصَّوْمِ فِي الاعْتِكَافِ "الاعْتِكَافُ لَبْثٌ مَحْضٌ" فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ. "فَلا يَكُونُ قُرْبَةً بِنَفْسِهِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ" وَغَرَضُهُ التَّعَرُّضُ لاشْتِرَاطِ الصَّوْمِ فِيهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِ؛ لأَنَّهُ لا أَصْلَ لَهُ3 يَقِيسُهُ عَلَيْهِ.
__________
1 انظر المسودة ص 441، مختصر الطوفي ص 169، الجدل لابن عقيل ص 62، روضة الناظر ص 345، مختصر البعلي ص 157.
2 ساقطة من ش.
3 ساقطة من ش.(4/332)
"فَيُقَالُ" أَيْ1 فَيَقُولُ الْحَنْبَلِيُّ2 أَوْ الشَّافِعِيُّ مُعْتَرِضًا: لَبْثٌ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ "فَلا يُعْتَبَرُ فِيهِ الصَّوْمُ، كَالْوُقُوفِ" بِعَرَفَةَ.
وَنَوْعٌ مِنْهُ أَيْضًا، وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَقَلْبٌ لإِبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ فَقَطْ" أَيْ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِ الْمُعْتَرِضِ، سَوَاءٌ كَانَ الإِبْطَالُ "صَرِيحًا كَ" قَوْلِهِ "الرَّأْسُ مَمْسُوحٌ3، فَلا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ كَالْخُفِّ".
"فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ "فَلا يَتَقَدَّرُ" مَسْحُ الرَّأْسِ "بِالرُّبْعِ كَالْخُفِّ" فَفِي هَذَا الاعْتِرَاضِ نَفَى مَذْهَبَ الْمُسْتَدِلِّ صَرِيحًا، وَلَمْ يَثْبُتْ مَذْهَبُهُ لاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ الاسْتِيعَابُ. كَمَا هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا4.
"أَوْ" كَانَ الإِبْطَالُ "لُزُومًا، كَ" قَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي "بَيْعِ غَائِبٍ" مَجْهُولٍ "عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَيَصِحُّ مَعَ جَهْلِ الْمُعَوَّضِ5 كَالنِّكَاحِ".
__________
1 في ز: أو.
2 في ش: الحنفي.
3 في ش: ممسوحاً.
4 انظر الإفصاح لابن هبيرة 1/72، القوانين الفقهية لابن جزئ ص 35، بداية المجتهد 1/11، المغني لابن قدامة 1/125، الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/8.
5 في ش: العوض.(4/333)
"فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: إنْ كَانَ الأَمْرُ كَمَا ذَكَرْت "فَلا يُعْتَبَرُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَالنِّكَاحِ" فَثُبُوتُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لازِمٌ لِصِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ عِنْدَهُمْ.
وَحَيْثُ كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ "فَإِذَا انْتَفَى اللاَّزِمُ انْتَفَى الْمَلْزُومُ.
وَ" مِنْ أَنْوَاعِ الْقَلْبِ "قَلْبُ الْمُسَاوَاةِ" خِلافًا لِلْبَاقِلاَّنِيِّ وَالسَّمْعَانِيِّ "كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "الْخَلُّ مَائِعٌ طَاهِرٌ مُزِيلٌ" أَيْ1 لِلْخَبَثِ "كَالْمَاءِ".
"فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ لَهُ الْمُعْتَرِضُ: حَيْثُ كَانَ كَالْمَاءِ فَـ "يَسْتَوِي فِيهِ الْحَدَثُ وَالْخَبَثُ كَالْمَاءِ".
وَمِنْ ذَلِكَ قِيَاسُ الْحَنَفِيَّةِ طَلاقَ2 الْمُكْرَهِ عَلَى طَلاقِ الْمُخْتَارِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: فَيَجِبُ اسْتِوَاءُ حُكْمِ إيقَاعِهِ وَإِقْرَارِهِ. كَالْمُخْتَارِ3.
__________
1 ساقطة من ز.
2 في ش: الطلاق.
3 مع أن الإقرار منه غير معتبر اتفاقاً، وقد أثبت القالب الملازمة بينهما. قال صاحب فواتح الرحموت بعد ذكر الأمثلة المفترضة من الحنفية في بيع الغائب وطلاق المكره والصوم في الاعتكاف 2/353: "واعلم أنه قال صاحب الكشف –أي عبد العزيز البخاري- هذه الأمثلة أوردها الشافعية فرْضاً لتمثيل الأقسام، لا أنها واقعية صدرت لإثبات المذهب. كيف لا، والأوصاف المذكورة فيها طردية غير مقبولة عندهم لقولهم بالتأثير، فافهم".(4/334)
- "وَمِنْهُ" أَيْ وَ1مِنْ الْقَلْبِ نَوْعٌ آخَرُ، وَهُوَ "جَعْلُ مَعْلُولٍ عِلَّةً وَعَكْسُهُ 2" وَهُوَ جَعْلُ عِلَّةٍ مَعْلُولاً.
قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: الْقَلْبُ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ:
الأَوَّلُ3: الْحُكْمُ بِحُكْمٍ مَقْصُودٍ غَيْرِ4 حُكْمِ الْمُعَلِّلِ.
وَالثَّانِي: قَلْبُ التَّسْوِيَةِ.
وَالثَّالِثُ: يَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ الْمَعْلُولَ عِلَّةً، وَالْعِلَّةَ مَعْلُولاً.
"وَلا يُفْسِدُهَا" يَعْنِي أَنَّ5 جَعْلَ الْمَعْلُولِ عِلَّةً وَالْعِلَّةِ مَعْلُولاً لا يُفْسِدُ الْعِلَّةَ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لا يَمْنَعُ الاحْتِجَاجَ بِهَا6، وَذَلِكَ "كَ" قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي ظِهَارِ الذِّمِّيِّ "مَنْ صَحَّ طَلاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ" كَالْمُسْلِمِ "وَعَكْسُهُ" أَيْ، وَمَنْ صَحَّ ظِهَارُهُ صَحَّ طَلاقُهُ "فَالسَّابِقُ" مِنْهُمَا "عِلَّةٌ لِلتَّالِي7".
فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ8: أَجَعَلَ الْمَعْلُولَ عِلَّةً، وَالْعِلَّةَ مَعْلُولاً. وَأَقُولُ: الْمُسْلِمُ إنَّمَا صَحَّ طَلاقُهُ؛ لأَنَّهُ صَحَّ ظِهَارُهُ. وَمَتَى كَانَ
__________
1 ساقطة من ز.
2 في ش: وعكسه.
3 ساقطة من ز ب.
4 في ز: وغير.
5 ساقطة من ش.
6 انظر البرهان 2/1095، المسودة ص 446، المنهاج للباجي ص 177، الجدل لابن عقيل ص 63.
7 في ز: للثاني.
8 في ز: الحنفي المعترض.(4/335)
الظِّهَارُ عِلَّةً لِلطَّلاقِ لَمْ يَثْبُتْ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ بِثُبُوتِ طَلاقِهِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ1 وَبَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: إنَّ جَعْلَ الْمَعْلُولِ عِلَّةً وَعَكْسَهُ: مُفْسِدٌ لِلْعِلَّةِ.
وَاسْتُدِلَّ لِعَدَمِ الإِفْسَادِ: بِأَنَّ2 عِلَلَ الشَّرْعِ أَمَارَاتٌ عَلَى الأَحْكَامِ بِجَعْلِ جَاعِلٍ وَنَصْبِ نَاصِبٍ، وَهُوَ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الشَّرْعِ: مَنْ صَحَّ طَلاقُهُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ يَصِحُّ ظِهَارُهُ وَمَنْ صَحَّ ظِهَارُهُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ يَصِحُّ طَلاقُهُ3، فَأَيُّهُمَا ثَبَتَ عَنْهُ صِحَّةُ4 أَحَدِهِمَا حَكَمْنَا بِصِحَّةِ الآخَرِ مِنْهُ.
وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِأَنَّ جَعْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا عِلَّةً لِلآخَرِ: يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَتَوَقَّفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ دُونَ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِجَوَازِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِعِلَلٍ مُتَعَدِّدَةٍ.
"وَزِيدَ" أَيْ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي صُورَةِ الْقَلْبِ "قَلْبُ الدَّعْوَى، مَعَ إضْمَارِ الدَّلِيلِ فِيهَا" أَيْ فِي الدَّعْوَى "كَكُلِّ مَوْجُودٍ مَرْئِيٌّ".
__________
1 انظر أصول الشاشي في عمدة الحواشي ص349، فتح الغفار 3/45، فواتح الرحموت 2/351.
2 في ز: أن. وفي ب: وأن.
3 ساقطة من ش.
4 في ز ب: منه.(4/336)
"فَيُقَالُ: كُلُّ مَا لَيْسَ فِي جِهَةٍ لَيْسَ مَرْئِيًّا، وَكَوْنُهُ لا فِي جِهَةٍ دَلِيلُ مَنْعِهَا".
"أَوْ مَعَ عَدَمِهِ" أَيْ عَدَمِ إضْمَارِ الدَّلِيلِ "كَشُكْرِ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ لِذَاتِهِ فَيَقْلِبُهُ".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: أَمَّا قَلْبُ الدَّعْوَى مَعَ إضْمَارِ الدَّلِيلِ فِيهَا، فَمِثْلُ " كُلُّ مَوْجُودٍ مَرْئِيٌّ ". فَيُقَالُ: كُلُّ مَا لَيْسَ فِي جِهَةٍ لَيْسَ مَرْئِيًّا فَدَلِيلُ الرُّؤْيَةِ الْوُجُودُ، وَكَوْنُهُ لا فِي جِهَةٍ دَلِيلُ مَنْعِهَا وَمَعَ عَدَمِ إضْمَارِهِ، مِثْلُ: شُكْرُ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ لِذَاتِهِ فَيَقْلِبُهُ. فَيُقَالُ: شُكْرُ الْمُنْعِمِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِذَاتِهِ اهـ.
"وَ" زِيدَ أَيْضًا "قَلْبُ الاسْتِبْعَادِ كَالإِلْحَاقِ" أَيْ إلْحَاقِ الْوَلَدِ فِي النَّسَبِ.
وَمِنْ صُوَرِ ذَلِكَ: لَوْ ادَّعَى اللَّقِيطَ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ بِلا بَيِّنَةٍ، وَلَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ1. وَقُلْنَا: إنَّهُ يُتْرَكُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ إلَى مَنْ شَاءَ مِمَّنْ ادَّعَاهُ.
فَيُعْتَرَضُ بِأَنْ يُقَالَ "تَحْكِيمُ الْوَلَدِ فِيهِ" أَيْ فِي النَّسَبِ "تَحَكُّمٌ2 بِلا دَلِيلٍ".
__________
1 في ز: يوجد.
2 في ش: تحكيم.(4/337)
"فَيُقَالُ" جَوَابًا لِذَلِكَ "تَحْكِيمُ الْقَائِفِ" أَيْضًا "تَحَكُّمٌ1 بِلا دَلِيلٍ".
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مِنْ الْقَلْبِ هُوَ "قَلْبُ الدَّلِيلِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ2 لا لَهُ" وَقَلَّ أَنْ يَتَّفِقَ لِهَذَا مِثَالٌ فِي الأَقْيِسَةِ.
وَأَمَّا مِثَالُهُ مِنْ الْمَنْصُوصِ3 فَـ "كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ لِتَوْرِيثِ ذَوِي الأَرْحَامِ فِي تَوْرِيثِ الْخَالِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ" 4 فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: هَذَا الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَيْك لا لَك. فَإِنَّهُ "يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَرِثُ بِطَرِيقٍ أَبْلَغَ؛ لأَنَّهُ نَفْيٌ عَامٌّ، كَ" مَا يُقَالُ "الْجُوعُ زَادُ مَنْ لا زَادَ لَهُ" وَالصَّبْرُ حِيلَةُ مَنْ لا حِيلَةَ لَهُ، وَلَيْسَ الْجُوعُ زَادًا، وَلا الصَّبْرُ حِيلَةً.
قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ: وَقَوْلُهُ "وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ5" -
__________
1 في ش: تحكيم.
2 في ز: على.
3 في: المنصوص.
4 الحديث أخرجه أبو داود عن المقدام بن معد يكرب والترمذي وابن ماجة عن عمر بن الخطاب. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقد صححه الحاكم وابن حبان. "انظر بذل المجهود 13/173، عارضة الأحوذي 8/255، سنن ابن ماجة 2/914، كشف الخفا 1/447".
5 ساقطة من ض.(4/338)
يَنْفِي إرْثَهُ1. فَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ كُلِّ وَارِثٍ سِوَى الْخَالِ: بَطَلَ بِإِرْثِ2 الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ كُلِّ وَارِثٍ عَصَبَةً: فَلا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِ الْخَالِ بِالذِّكْرِ، دُونَ بَقِيَّةِ ذَوِي الأَرْحَامِ وَيُشْبِهُ فَسَادَ الْوَضْعِ اهـ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَيْسَ بِمِثَالٍ جَيِّدٍ.
الْخَامِسُ3 وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ4" أَيْ بِمَا أَوْجَبَهُ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ وَاقْتَضَاهُ.
وَهُوَ - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَبِالْكَسْرِ: نَفْسُ الدَّلِيلِ؛ لأَنَّهُ الْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ
__________
1 ساقطة من ز.
2 في ض: بالارث.
3 في ب ش ز: الرابع.
4 انظر كلام الأصوليين على القول بالموجب في "شرح العضد 2/279، منتهى السول والأمل ص 200، البرهان 2/973، الكافية للجويني ص 161 وما بعدها، المنهاج للباجي 173، الجدل لابن عقيل ص 60 وما بعدها، روضة الناظر ص 350، مختصر الطوفي ص 172، مختصر البعلي ص 159، الإحكام للآمدي 4/151، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 346، الإبهاج 3/85، المغني للخبازي ص 351، المعتمد 2/821، شرح تنقيح الفصول ص 402، تيسير التحرير 4/124، فتح الغفار 3/41، المنخول ص 402، التلويح على التوضيح 2/622، كشف الأسرار 4/103، فواتح الرحموت 2/356، إرشاد الفحول ص 228، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/316، نهاية السول 3/98، مناهج العقول 3/97، نشر البنود 2/225، المحصول 2/2/365".(4/339)
وَالْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ هُوَ "تَسْلِيمُ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ" فِي الْحُكْمِ.
وَشَاهِدُ ذَلِكَ مِنْ1 الْقُرْآنِ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} 2 جَوَابًا لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ3 أَوْ غَيْرِهِ {لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} 4 فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ صِفَةً - وَهِيَ الْعِزَّةُ - وَأَثْبَتَ بِهَا حُكْمًا - وَهُوَ الإِخْرَاجُ مِنْ الْمَدِينَةِ - رُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ5 ثَابِتَةٌ، لَكِنْ لا6 لِمَنْ أَرَادَ ثُبُوتَهَا7 لَهُ، فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ لِغَيْرِهِ، بَاقِيَةٌ عَلَى اقْتِضَائِهَا لِلْحُكْمِ، وَهُوَ الإِخْرَاجُ. فَالْعِزَّةُ مَوْجُودَةٌ، لَكِنْ لا لَهُ، بَلْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ.
__________
1 في ش: في.
2 الآية 8 من المنافقون. انظر روايات أسباب نزولها في جامع البيان للطبري 28/72 وما بعدها.
3 هو عبد الله بن أُبيّ بن مالك بن الحارث الخزرجي، وسلول أمه، كان رأس المنافقين في الإسلام من أهل المدينة، أظهر إسلامه بعد وقعة بدر تقيّة، وكان كلما حلّت بالمسلمين نازلة شمت بهم، وكلما سمع بسيئة نشرها، نزل في ذمّه آيات كثيرة، توفي سنة تسع من الهجرة، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وكفّنه في قميصه قبل النهي عن الصلاة على المنافقين. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 1/360، طرح التثريب1/63، المحبر لابن حبيب ص 233، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 ق 2 ص 60".
4 الآية 8 من المنافقون.
5 ساقطة من ض.
6 ساقطة من ش ض ب.
7 في ش ض: غير ثبوتها.(4/340)
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَيْضًا1: شِعْرًا2:
وَإِخْوَانٍ حَسِبْتُهُمْ دُرُوعًا ... فَكَانُوهَا وَلَكِنْ لِلأَعَادِي
وَخِلْتُهُمْ سِهَامًا صَائِبَاتٍ ... فَكَانُوهَا وَلَكِنْ فِي فُؤَادِي
وَقَالُوا قَدْ صَفَتْ مِنَّا قُلُوبٌ ... لَقَدْ صَدَقُوا وَلَكِنْ مِنْ وِدَادِي
وَقَوْلُ الآخَرِ3:
قُلْت ثَقَّلْتُ إذْ4 أَتَيْتُ مِرَارًا ... قَالَ ثَقَّلْتَ كَاهِلِي بِالأَيَادِي
وَالْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ نَوْعٌ مِنْ بَدِيعِ الْكَلامِ5
"وَأَنْوَاعُ ثَلاثَةٌ":
الأَوَّلُ: "أَنْ يَسْتَنْتِجَ مُسْتَدِلٌّ" مِنْ الدَّلِيلِ "مَا يَتَوَهَّمُهُ مَحَلَّ
__________
1 الأبيات لعلي بن فضّال بن علي المُجاشعي القيرواني، إمام اللغة والنحو والتفسير والسير، المتوفى سنة 479 هـ، نسبها له ياقوت في معجم الأدباء 14/94 والحافظ ابن حجر في لسان الميزان 4/249، والسيوطي في بغية الوعاة 2/183، وطبقات المفسرين ص 25، وهي من شواهد القزويني في الإيضاح ص 534. وتتمة الأبيات:
وقالوا قدْ سعَينا كل سعيٍ
لقد صدَقوا، ولكن في فسَادِي.
انظر معاهد التنصيص 3/186.
2 ساقطة من ش. وفي ب: قول الشاع.
3 ذكر العباسي في معاهد التنصيص 3/180 أن هذا البيت منسوب لابن الحجاح، غير أنه لم يره في ديوانه ثم حكى أن ابن الجوزي صاحب مرآة الزمان نسبة لمحمد بن إبراهيم الأسدي. وهو من شواهد القزويني في الإيضاح ص 533.
4 في ز ض: إذا.
5 انظر معاهد التنصيص 3/181، الإيضاح للقزويني ص 532-535.(4/341)
النِّزَاعِ أَوْ لازِمَهُ" أَيْ لازِمَ مَحَلِّ النِّزَاعِ "كَ1" قَوْلِهِ "الْقَتْلُ بِمُثَقَّلٍ قَتْلٌ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَلا يُنَافِي الْقَوَدَ كَمُحَدَّدٍ" وَكَالْقَتْلِ بِالإِحْرَاقِ.
"فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ "عَدَمُ الْمُنَافَاةِ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ، وَلا لازِمَهُ" أَيْ لازِمَ مَحَلِّ النِّزَاعِ. وَأَنَا أَقُولُ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَلا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَيَّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ إبْطَالَ مَا يَتَوَهَّمُهُ" يَعْنِي: أَنْ يَسْتَنْتِجَ إبْطَالَ مَا يَتَوَهَّمُهُ "مَأْخَذَ الْخَصْمِ، كَ" قَوْلِهِ أَيْضًا فِي الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ "التَّفَاوُتُ فِي الْوَسِيلَةِ لا يَمْنَعُ الْقَوَدَ، كَ" التَّفَاوُتِ فِي "مُتَوَسَّلٍ2 إلَيْهِ3".
"فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْخَصْمُ: أَنَا أَقُولُ بِمُوجَبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ "لا يَلْزَمُ مِنْ إبْطَالِ مَانِعٍ4" وَهُوَ كَوْنُ التَّفَاوُتِ فِي الْوَسِيلَةِ غَيْرَ مَانِعٍ "عَدَمُ كُلِّ مَانِعٍ" فَيَجُوزُ أَنْ لا يَجِبَ الْقَوَدُ لِمَانِعٍ آخَرَ "وَ" لا يَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا "وُجُودُ5 الشَّرْطِ" لِلْقَوَدِ "وَ" لا وُجُودُ "الْمُقْتَضِي" لَهُ.
"وَيُصَدَّقُ مُعْتَرِضٌ إنْ قَالَ: لَيْسَ ذَا" أَيْ مَا تَذْهَبُ إلَيْهِ
__________
1 في ز: لـ.
2 في ز: توسل. وفي ش: المتوسل.
3 كأنواع الجراحات القاتلة، فإنه لا يمنعه وفاقاً. "مناهج العقول 3/98".
4 في ز: المانع.
5 في ش: جود.(4/342)
"مَأْخَذِي" أَيْ مَأْخَذَ إمَامِي عَلَى الصَّحِيحِ؛ لأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ إمَامِهِ.
ثُمَّ لَوْ لَزِمَهُ إبْدَاءُ الْمَأْخَذِ: فَإِنْ مُكِّنَ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ إبْطَالِهِ صَارَ1 مُعْتَرِضًا، وَإِلاَّ فَلا فَائِدَةَ.
وَقِيلَ: لا يُصَدَّقُ مُعْتَرِضٌ فِي قَوْلِهِ " لَيْسَ ذَا مَأْخَذِي " إلاَّ بِبَيَانِ مَأْخَذٍ آخَرَ.
وَقِيلَ: يُمَكَّنُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ إبْطَالِهِ، فَإِنْ أَبْطَلَهُ الْمُسْتَدِلُّ، وَإِلاَّ انْقَطَعَ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَأَكْثَرُ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ2 هَذَا الْقِسْمِ3، أَيْ4 الَّذِي يُسْتَنْتَجُ فِيهِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَأْخَذُ الْخَصْمِ، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ5، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا أَكْثَرَ لِخَفَاءِ الْمَآخِذِ، وَقِلَّةِ الْعَارِفِينَ بِهَذَا6، وَ7الْمُطَّلِعِينَ عَلَى أَسْرَارِهَا، بِخِلافِ مَحَالِّ الْخِلافِ، فَإِنَّ
__________
1 في ض: كان.
2 في ش: بموجب.
3 منتهى السول والأمل ص 201، مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/279.
4 ساقطة من ب.
5 في ز: ذلك.
6 كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب بها.
7 في ش ب: أو.(4/343)
ذَلِكَ مَشْهُورٌ فَكَمْ مَنْ يَعْرِفُ مَحَلَّ الْخِلافِ، وَلَكِنْ لا يَعْرِفُ الْمَأْخَذَ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ1 أَنْ يَسْكُتَ" الْمُسْتَدِلُّ "فِي دَلِيلِهِ عَنْ صُغْرَى قِيَاسِهِ. وَلَيْسَتْ" صُغْرَى قِيَاسِهِ "مَشْهُورَةً، كَ" قَوْلِ الْحَنْبَلِيِّ أَوْ الشَّافِعِيِّ فِي وُجُوبِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ "كُلُّ قُرْبَةٍ شَرْطُهَا النِّيَّةُ، وَيَسْكُتُ" عَنْ أَنْ يَقُولَ "وَالْوُضُوءُ قُرْبَةٌ".
"فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: هَذَا مُسَلَّمٌ "أَقُولُ بِمُوجَبِهِ2، وَلا يُنْتِجُ" ذَلِكَ مَا أَرَادَهُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ كَوْنِ الْوُضُوءِ3 قُرْبَةً.
"وَلَوْ4 ذَكَرَهَا" أَيْ ذَكَرَ الْمُسْتَدِلُّ صُغْرَى قِيَاسِهِ5 "لَمْ يُرِدْ" الْمُعْتَرِضُ "إلاَّ مَنْعَهَا" بِأَنْ يَقُولَ: لا أُسَلِّمُ أَنَّ الْوُضُوءَ6 قُرْبَةٌ7.
وَيُشْتَرَطُ فِي صُغْرَى الْقِيَاسِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا: أَنْ تَكُونَ غَيْرَ
__________
1 في ض ش: و.
2 أي أن القربة يشترط فيها النية، ولا يلزم اشتراطها في الوضوء، لأن المقدمة الواحدة لا تنتج. "نشر البنود 2/228".
3 في ض: الوصف.
4 ساقطة من ش.
5 في ش: قياسه "ولم أذكرها" بأن يقول: لا أسلم. أي ذكر المستدل صغرى قياسه.
6 في ض: الوصف.
7 بل هو للنظافة ولا قربة فيه. وهذا الإيراد خارج عن القول بالموجَب، لأن القول بالموجَب تسليم للدليل، وهذا منع له. "حاشية البناني 2/318".(4/344)
مَشْهُورَةٍ1، أَمَّا لَوْ كَانَتْ مَشْهُورَةً2: فَإِنَّهَا تَكُونُ كَالْمَذْكُورَةِ، فَيُمْنَعُ3 وَلا يَأْتِي4 بِالْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ5.
"وَجَوَابُ" النَّوْعِ "الأَوَّلِ: بِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ أَوْ لازِمُهُ" أَيْ لازِمُ مَحَلِّ النِّزَاعِ. كَمَا لَوْ قَالَ حَنْبَلِيٌّ أَوْ شَافِعِيٌّ: لا يَجُوزُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ6 قِيَاسًا عَلَى الْحَرْبِيِّ.
فَيُقَالُ: بِالْمُوجَبِ؛ لأَنَّهُ يَجِبُ قَتْلُهُ بِهِ، وَقَوْلُكُمْ " لا يَجُوزُ " نَفْيٌ لِلإِبَاحَةِ الَّتِي مَعْنَاهَا اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ، وَنَفْيُهَا لَيْسَ نَفْيًا لِلْوُجُوبِ وَلا مُسْتَلْزِمًا لَهُ.
فَيَقُولُ الْحَنْبَلِيُّ7: الْمَعْنِيُّ بِ8 " لا يَجُوزُ " تَحْرِيمُهُ، وَيَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ نَفْيُ الْوُجُوبِ لاسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ.
"وَجَوَابُ" النَّوْعِ "الثَّانِي: بِأَنْ يُبَيِّنَ"فِي الْمُسْتَنْتَجِ"أَنَّهُ
__________
1 في ز: مشهودة. وهو تصحيف.
2 قال في نشر البنود 2/228: "والمشهورة: ما كانت ضرورية أو متفقاً عليها بين الخصمين".
3 أي فيكون له حينئذ منع الصغرى فقط، ولا يتأتى فيها القول بالموجَب.
4 في ش ز: ولا يؤتى.
5 في ش: الموجب.
6 في ش: بالذمي كالحربي.
7 في ش: الحنفي.
8 ساقطة من ز.(4/345)
الْمَأْخَذُ لِشُهْرَتِهِ" بِالنَّقْلِ عَنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ.
"وَجَوَابُ" النَّوْعِ "الثَّالِثِ: بِجَوَازِ الْحَذْفِ" لإِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْمَحْذُوفِ، وَالْمَحْذُوفُ مُرَادٌ وَمَعْلُومٌ فَلا يَضُرُّ حَذْفُهُ، وَالدَّلِيلُ هُوَ الْمَجْمُوعُ لا الْمَذْكُورُ وَحْدَهُ. وَكُتُبُ الْفِقْهِ مَشْحُونَةٌ بِذَلِكَ.
"وَيُجَابُ فِي الْكُلِّ" أَيْ فِي الأَنْوَاعِ الثَّلاثَةِ "بِقَرِينَةٍ أَوْ عَهْدٍ وَنَحْوِهِ".(4/346)
"فَائِدَةٌ"
كَوْنُ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ قَادِحًا فِي الْعِلَّةِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الآمِدِيُّ1 وَالْهِنْدِيُّ، وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ تَسْلِيمُ مُوجَبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ الدَّلِيلِ، وَأَنَّهُ لا يَرْفَعُ الْخِلافَ عَلِمْنَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِدَلِيلِ الْحُكْمِ.
وَنَازَعَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا2 يُخْرِجُ لَفْظَ3 الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ عَنْ4 إجْرَائِهِ عَلَى قَضِيَّتِهِ، بَلْ الْحَقُّ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمُوجَبِ5 تَسْلِيمٌ لَهُ، وَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلامُ الْجَدَلِيِّينَ، وَإِلَيْهِمْ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ لا يَتَّجِهُ عَدُّهُ مِنْ مُبْطِلاتِ الْعِلَّةِ6. اهـ.
__________
1 الإحكام في أصول الأحكام 4/151.
2 في الإبهاج: هذا التقرير.
3 ساقطة من ش.
4 في ز: عند.
5 في الإبهاج: بموجب الدليل.
6 الإبهاج شرح المنهاج 3/85.(4/347)
وَنُقِلَ عَنْ الْجَدَلِيِّينَ أَنَّ1 فِي الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ انْقِطَاعًا لأَحَدِ الْمُتَنَاظِرَيْنِ؛ لأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ إنْ أَثْبَتَ مَا ادَّعَاهُ انْقَطَعَ الْمُعْتَرِضُ، وَمَا قَالُوهُ صَحِيحٌ فِي الْقِسْمَيْنِ الأَوَّلَيْنِ2، وَهُوَ بَعِيدٌ فِي الْقِسْمِ3 الثَّالِثِ؛ لاخْتِلافِ الْمُرَادَيْنِ؛ لأَنَّ مُرَادَ الْمُسْتَدِلِّ أَنَّ الصُّغْرَى - وَإِنْ كَانَتْ مَحْذُوفَةً لَفْظًا - فَإِنَّهَا مَذْكُورَةٌ تَقْدِيرًا وَالْمَجْمُوعُ يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ4.
وَمُرَادُ الْمُعْتَرِضِ: أَنَّ الْمَذْكُورَ لَمَّا كَانَتْ الْكُبْرَى وَحْدَهَا، وَهِيَ لا تُفِيدُ الْمَطْلُوبَ تَوَجَّهَ الاعْتِرَاضُ.
"وَ" مِثَالُ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ "فِي الإِثْبَاتِ كَ " الْخَيْلُ حَيَوَانٌ يُسَابَقُ عَلَيْهِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ كَإِبِلٍ ". فَيُقَالُ بِمُوجَبِهِ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ" أَيْ بِمُوجَبِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَيْلِ إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ. وَالنِّزَاعُ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ وَدَلِيلُكُمْ إنَّمَا أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْجُمْلَةِ5، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ زَكَاةَ الْعَيْنِ فَلَيْسَ هَذَا قَوْلاً6 بِالْمُوجَبِ.
__________
1 في ز: بأن.
2 في ض: الأوليين.
3 ساقطة من ض ب.
4 انظر "تيسير التحرير 4/126، شرح العضد 2/278، منتهى السول والأمل ص 201، فواتح الرحموت 2/357، مناهج العقول 3/99".
5 أي إن السائل يقول: أقول بموجب هذه العلة. فإن الزكاة واجبة عندي في الخيل إذا كانت للتحارة. فإيجاب الزكاة من حيث الجملة أقول به، إنما النزاع في إيجاب الزكاة في رقابها من حيث هي خيل، فيسلِّم ما اقتضته العلة دون أن يضره ذلك في صورة النزاع. "شرح تنقيح الفصول ص 402".
6 في ض: قول.(4/348)
"فَيُجَابُ فَاللاَّمُ الْعَهْدِ1"؛ لأَنَّ الْعَهْدَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجِنْسِ وَالْعُمُومِ "وَالسُّؤَالُ عَنْ زَكَاةِ السَّوْمِ" فَالْعِلَّةُ لَيْسَتْ مُنَاسِبَةً لِزَكَاةِ التِّجَارَةِ إنَّمَا الْمُنَاسِبُ الْمُقْتَضِي هُوَ النَّمَاءُ الْحَاصِلُ2.
"وَيَصِحُّ" هَذَا الْمِثَالُ "فِي قَوْلٍ" جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ3 وَغَيْرِهَا. "وَلا يَصِحُّ فِي آخَرَ"، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ لِوُجُودِ4 اسْتِقْلالِ الْعِلَّةِ بِلَفْظِهَا.
"خَاتِمَةٌ": فِي تَعَدُّدِ الاعْتِرَاضَاتِ وَتَرْتِيبِهَا وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ
"تَرِدُ الأَسْئِلَةُ5 عَلَى قِيَاسِ الدَّلالَةِ إلاَّ مَا تَعَلَّقَ بِمُنَاسَبَةِ الْجَامِعِ"؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ فِيهِ "وَكَذَا قِيَاسٌ فِي مَعْنَى الأَصْلِ".
"وَلا يَرِدُ عَلَيْهِ" أَيْضًا6 "مَا تَعَلَّقَ بِنَفْسِ الْجَامِعِ" لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِيهِ. قَالَ ذَلِكَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَتَبِعَهُ فِي التَّحْرِير.
__________
1 أي طريق المستدل في الدفع أن يقول: النزاع في زكاة العين، وقد عرفنا الزكاة بالألف واللام في سياق الكلام، فينصرف الكلام إلى موضع الخلاف ومحل الفتيا. "روضة الناظر ص 351".
2 انظر الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 61.
3 روضة الناظر ص 351.
4 في ش ز: لوجوب.
5 في ش: وكذا قياس.
6 ساقطة من ض ب.(4/349)
"وَمُنِعَ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عِنْدَ الأَكْثَرِ "تَعَدُّدُ اعْتِرَاضَاتٍ" عَلَى الْمُسْتَدِلِّ "مُرَتَّبَةٍ"؛ لأَنَّ فِي تَعَدُّدِهَا1 تَسْلِيمًا لِلْمُقَدَّمِ؛ لأَنَّ الْمُعْتَرِضَ إذَا طَالَبَهُ بِتَأْثِيرِ الْوَصْفِ بَعْدَ أَنْ مَنَعَ وُجُودَ الْوَصْفِ فَقَدْ نَزَلَ عَنْ الْمَنْعِ وَسَلَّمَ وُجُودَ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْمُقَدَّمُ؛ لأَنَّهُ لَوْ أَصَرَّ عَلَى مَنْعِ وُجُودِ2 الْوَصْفِ لَمَّا طَالَبَهُ بِتَأْثِيرِ الْوَصْفِ؛ لأَنَّ تَأْثِيرَ مَا لا وُجُودَ لَهُ مُحَالٌ، فَلا يَسْتَحِقُّ الْمُعْتَرِضُ غَيْرَ جَوَابِ3 الأَخِيرِ، فَيَتَعَيَّنُ الأَخِيرُ لِلْوُرُودِ4 فَقَطْ.
وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ5: لَوْ أَوْرَدَ النَّقْضَ6 ثُمَّ مَنَعَ وُجُودَ الْعِلَّةِ: لَمْ يُقْبَلْ، لِتَسْلِيمِهِ لِلْمُتَقَدِّمِ.
وَعِنْدَ الأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ وَالْفَخْرِ إسْمَاعِيلَ وَالآمِدِيِّ7 وَابْنِ الْحَاجِبِ8 وَمَنْ وَافَقَهُمْ9: لا يُمْنَعُ التَّعَدُّدُ فِي
__________
1 في ش: ترتبها.
2 ساقطة من ض.
3 في ض: وجوب.
4 في ز: المورود.
5 ساقطة من ض د.
6 في ض: النص. وفي ب: بالنقض.
7 الإحكام في أصول الأحكام 4/159.
8 منتهى السول والأمل ص 202، مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/280.
9 انظر فواتح الرحموت 2/358، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/329.(4/350)
الْمُرَتَّبَةِ؛ لأَنَّ تَسْلِيمَ الْمُتَقَدِّمِ تَسْلِيمٌ تَقْدِيرِيٌّ، إذْ مَعْنَاهُ: لَوْ سُلِّمَ وُجُودُ الْوَصْفِ فَلا نُسَلِّمُ تَأْثِيرَهُ. وَالتَّسْلِيمُ التَّقْدِيرِيُّ: لا يُنَافِي الْمَنْعَ، بِخِلافِ التَّسْلِيمِ تَحْقِيقًا.
قَالَ الْهِنْدِيُّ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ: وَهُوَ الْحَقُّ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الْمُصَنَّفَاتِ1.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَتَرَتَّبُ الأَسْئِلَةُ، فَيُقَدَّمُ الاسْتِفْسَارُ ثُمَّ فَسَادُ الاعْتِبَارِ، ثُمَّ الْوَضْعُ، ثُمَّ مَا تَعَلَّقَ بِالأَصْلِ، ثُمَّ الْعِلَّةُ، ثُمَّ الْفَرْعُ. وَيُقَدَّمُ النَّقْضُ عَلَى الْمُعَارَضَةِ2.
وَأَوْجَبَ ابْنُ الْمَنِيّ تَرْتِيبَ الأَسْئِلَةِ، فَاخْتَارَ فَسَادَ الْوَضْعِ، ثُمَّ الاعْتِبَارَ، ثُمَّ الاسْتِفْسَارَ، ثُمَّ الْمَنْعَ، ثُمَّ الْمُطَالَبَةَ، وَهُوَ مَنْعُ الْعِلَّةِ فِي الأَصْلِ، ثُمَّ الْفَرْقَ، ثُمَّ النَّقْضَ، ثُمَّ الْقَوْلَ بِالْمُوجَبِ، ثُمَّ الْقَلْبَ، ثُمَّ رَدَّ التَّقْسِيمَ إلَى الاسْتِفْسَارِ، أَوْ الْفَرْقِ3.
وَإِنَّمَا قَدَّمَ الاسْتِفْسَارَ، لأَنَّ مَنْ لا يَعْرِفُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ لا يَعْرِفُ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ. ثُمَّ فَسَادُ الاعْتِبَارِ؛ لأَنَّهُ نَظَرٌ فِي فَسَادِ الْقِيَاسِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَهُوَ قَبْلَ النَّظَرِ فِي تَفْصِيلِهِ. ثُمَّ فَسَادُ
__________
1 ساقطة من د ض.
2 انظر إرشاد الفحول ص 234، نشر البنود 2/243.
3 ساقطة من ض.(4/351)
الْوَضْعِ1؛ لأَنَّهُ أَخَصُّ مِنْ فَسَادِ الاعْتِبَارِ، وَالنَّظَرُ فِي الأَعَمِّ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّظَرِ فِي الأَخَصِّ. ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالأَصْلِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِلَّةِ؛ لأَنَّ الْعِلَّةَ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حُكْمِ الأَصْلِ، ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِلَّةِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَرْعِ؛ لأَنَّ الْفَرْعَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلَّةِ، وَيُقَدَّمُ2 النَّقْضُ عَلَى الْمُعَارَضَةِ؛ لأَنَّ النَّقْضَ يُورَدُ لإِبْطَالِ الْعِلَّةِ، وَالْمُعَارَضَةُ تُورَدُ لاسْتِقْلالِهَا، وَالْعِلَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى اسْتِقْلالِهَا3.
"وَ" لا يُمْنَعُ تَعَدُّدُ اعْتِرَاضَاتٍ "غَيْرِ مُرَتَّبَةٍ، وَلَوْ" كَانَتْ "مِنْ أَجْنَاسٍ"4.
قَالَ الطُّوفِيُّ: وَتَرْتِيبُ الأَسْئِلَةِ -وَهُوَ جَعْلُ كُلِّ سُؤَالٍ فِي رُتْبَتِهِ عَلَى وَجْهٍ لا يُفْضِي بِالتَّعَرُّضِ إلَى الْمَنْعِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ- أَوْلَى اتِّفَاقًا؛ لأَنَّ الْمَنْعَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ قَبِيحٌ، فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ: أَنْ يَكُونَ التَّحَرُّزُ5 مِنْهُ6 أَوْلَى. فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُ نَفْيًا لِلْقُبْحِ الْمَذْكُورِ، وَنَفْيُ الْقُبْحِ وَاجِبٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ، نَظَرًا إلَى أَنَّ كُلَّ سُؤَالٍ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، وَجَوَابُهُ مُرْتَبِطٌ بِهِ. فَلا فَرْقَ إذَا7 بَيَّنَ تَقَدُّمَهُ
__________
1 في ض: الوضع لأنه نظر في فساد الوضع.
2 في ش: ويقوم.
3 في ز: متقدمة.
4 انظر فواتح الرحموت 2/357، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/329.
5 في ش: التجوز.
6 في ش: عنه.
7 ساقطة من ض.(4/352)
وَتَأَخُّرَهُ. اهـ.
"وَ" حَيْثُ جَازَ التَّعَدُّدُ فَإِنَّهُ "يَكْفِي جَوَابُ آخِرِهَا".
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْمُنَى وَجُمْهُورُ الْجَدَلِيِّينَ: إنَّهُ لا يُطَالِبُهُ بِطَرْدِ دَلِيلٍ1 إلاَّ بَعْدَ تَسْلِيمِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ دَلالَتِهِ فَلا يَنْقُضُهُ مَنْ سَلَّمَهُ2 فَلا يُقْبَلُ الْمَنْعُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ. اهـ.
وَيُفَرَّقُ بَيْنَ أَسْئِلَةِ الْجَدَلِ وَأَسْئِلَةِ الاسْتِرْشَادِ، لا الْغَلَبَةِ وَالاسْتِزْلالِ3، وَالْوَاجِبُ رَدُّ الْجَمِيعِ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ4 كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ؛ وَإِلاَّ فَلَهُمْ مِنْ الْحِيَلِ وَالاصْطِلاحِ الْفَاسِدِ أَوْضَاعٌ، كَمَا لِلْفُقَهَاءِ وَالْحُكَّامِ فِي الْجَدَلِ الْحُكْمِيِّ أَوْضَاعٌ.
وَضَابِطُ الْمَنْعِ فِي الدَّلِيلِ عِنْدَ أَهْلِ الْجَدَلِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ لِمُقَدِّمَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ قَبْلَ التَّمَامِ أَوْ بَعْدَهُ.
و5َالأَوَّلُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدًا عَنْ الْمُسْتَنَدِ6، أَوْ مَعَ الْمُسْتَنَدِ7، وَهُوَ الْمُنَاقَضَةُ8، فَهِيَ مَنْعُ مُقَدِّمَةٍ مِنْ الدَّلِيلِ،
__________
1 في ض ب: لا يطالبه أي غصب منصب التعليل بطرد ذلك.
2 في ش ض ب: حتى يسلمه.
3 في ش: الاستذلال.
4 في ز: على.
5 ساقطة من ش.
6 في ش: السند.
7 في ش: السند.
8 انظر معنى المناقضة اصطلاحاً في "الكليات للكفوي 4/264، التعريفات للجرجاني ص 121، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/335، حاشية الصبان على شرح آداب البحث ص 13".(4/353)
سَوَاءٌ ذُكِرَ مَعَهَا مُسْتَنَدٌ1، أَوْ لا.
قَالَ الْجَدَلِيُّونَ: وَمُسْتَنَدُ الْمَنْعِ هُوَ مَا يَكُونُ الْمَنْعُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ2، نَحْوَ: لا نُسَلِّمُ كَذَا، أَوْ لِمَ3 لا يَكُونُ كَذَا، أَوْ لا نُسَلِّمُ لُزُومَ كَذَا؟ و4َإِنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا أَنْ لَوْ كَانَ كَذَا ...
ثُمَّ إنْ احْتَجَّ لانْتِفَاءِ الْمُقَدِّمَةِ، فَيُسَمَّى عِنْدَهُمْ الْغَصْبَ5، أَيْ غَصْبَ مَنْصِبِ التَّعْلِيلِ6، وَهُوَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ عِنْدَ النُّظَّارِ، لاسْتِلْزَامِهِ الْخَبْطَ فِي الْبَحْثِ.
نَعَمْ يَتَوَجَّهُ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْتَرِضِ بَعْدَ إقَامَةِ الْمُسْتَدِلِّ الدَّلِيلَ، عَلَى تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ الْمَنْعُ بَعْدَ تَمَامِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ مَنْعِ الدَّلِيلِ بِنَاءً عَلَى تَخَلُّفِ حُكْمِهِ7، فَيُسَمَّى النَّقْضَ الإِجْمَالِيَّ8؛
__________
1 في ش: سند.
2 ساقطة من ض.
3 ساقطة من ض.
4 في ز: أو.
5 انظر معنى الغصب في الجدل في "الكليات 4/264، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/335".
6 ساقطة من ض.
7 أي في صورة ما، بأن يقال: ما ذكر من الدليل غير صحيح لتخلف حكمه في كذا. "الكليات 4/264".
8 انظر معنى النقض الإجمالي في "الكليات 4/264، التعريفات ص 116، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/335".(4/354)
لأَنَّ النَّقْضَ التَّفْصِيلِيَّ1: هُوَ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ الدَّلِيلِ لِلْقَدْحِ فِي مُقَدِّمَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ، بِخِلافِ الإِجْمَالِيِّ، فَإِنَّهُ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ الدَّلِيلِ بِالْقَدْحِ2 فِي مُقَدِّمَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ لا عَلَى التَّعْيِينِ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ تَسْلِيمِ الدَّلِيلِ وَالاسْتِدْلالِ بِمَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْمَدْلُولِ فَهُوَ الْمُعَارَضَةُ3 فَهِيَ تَسْلِيمٌ لِلدَّلِيلِ فَلا يُسْمَعُ مِنْهُ بَعْدَهَا مَنْعٌ، فَضْلاً عَنْ سُؤَالِ الاسْتِفْسَارِ4.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ5: مَا ذَكَرْت مِنْ الدَّلِيلِ - وَإِنْ دَلَّ عَلَى مَا تَدَّعِيهِ - فَعِنْدِي مَا يَنْفِيهِ، أَوْ يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهِ. وَيُبَيِّنُهُ بِطَرِيقِهِ. فَهُوَ يَنْقَلِبُ مُسْتَدِلاًّ.
فَلِهَذَا لَمْ يَقْبَلْهُ بَعْضُهُمْ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ انْقِلابِ دَسْتِ الْمُنَاظَرَةِ6،
__________
1 انظر معنى النقض التفصيلي في "الكليات 4/264، التعريفات ص 115، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/336".
2 ساقطة من ش.
3 انظر معنى المعارضة اصطلاحاً في "الكليات للكفوي 4/265، التعريفات للجرجاني ص 115، الكافية للجويني ص 69، الحدود للباجي ص 79، الجدل لابن عقيل ص 70، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/336، حاشية الصبان على شرح آداب المحدث ص 13".
4 في ش: السؤال للاستفسار.
5 أي للمستدل في صورة المعارضة.
6 في ش: المعارضة.(4/355)
إذْ يَصِيرُ الْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِضًا؛ وَالْمُعْتَرِضُ مُسْتَدِلاًّ، لَكِنَّ1 الصَّحِيحَ الْقَبُولُ: لأَنَّ ذَلِكَ بِنَاءٌ بِالْعَرْضِ2، هَدْمٌ بِالذَّاتِ، فَالْمُسْتَدِلُّ مُدَّعٍ بِالذَّاتِ، مُعْتَرِضٌ بِالْعَرْضِ3، وَالْمُعْتَرِضُ بِالْعَكْسِ، فَصَارَا كَالْمُتَخَالَفِينَ.
مِثَالُهُ: الْمَسْحُ رُكْنٌ فِي4 الْوُضُوءِ، فَيُسَنُّ5 تَثْلِيثُهُ كَالْوَجْهِ.
فَيُعَارِضُهُ بِأَنَّهُ مَسْحٌ، فَلا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ، كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
نَعَمْ عَلَى الْمُعَلِّلِ دَفْعُ الاعْتِرَاضِ عَنْهُ بِدَلِيلٍ، وَلا يَكْفِيهِ الْمَنْعُ الْمُجَرَّدُ، فَإِنْ ذَكَرَ دَلِيلَهُ وَمَنَعَ ثَانِيًا، فَكَمَا سَبَقَ، وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ الأَمْرُ: إمَّا إلَى الإِفْحَامِ، أَوْ الإِلْزَامِ.
فَالإِفْحَامُ عِنْدَهُمْ: انْقِطَاعُ الْمُسْتَدِلِّ بِالْمَنْعِ أَوْ بِالْمُعَارَضَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي بِمَاذَا يَحْصُلُ الانْقِطَاعُ.
وَالإِلْزَامُ6: انْتِهَاءُ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ إلَى مُقَدِّمَاتٍ ضَرُورِيَّةٍ أَوْ يَقِينِيَّةٍ مَشْهُورَةٍ يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ الاعْتِرَافُ7 بِهَا، وَلا يُمْكِنُهُ الْجَحْدُ،
__________
1 في ش: لكن الدليل.
2 في ب ض ز: بالفرض.
3 في ض ب ز: بالفرض.
4 ساقطة من ش.
5 في ش: فليس.
6 انظر معنى الإلزام اصطلاحاً في الكافية للجويني ص 70.
7 في ش: الاعتراض.(4/356)
فَيَنْقَطِعُ بِذَلِكَ1.
فَإِذًا الإِلْزَامُ مِنْ الْمُسْتَدِلِّ لِلْمُعْتَرِضِ، وَالإِفْحَامُ مِنْ الْمُعْتَرِضِ لِلْمُسْتَدِلِّ.
__________
1 فمثال ما ينتهي إلى ضروري أن يقول المستدل: العالم حادث، وكل حادث له صانع. فيقول المعترض: لا أسلم الصغرى. فيدفع المستدل ذلك المنع بالدليل على حدوث العالم. فيقول: العالم متغير، وكل متغير حادث. فيقول المعترض: لا أسلم الصغرى. فيقول له المستدل: ثبت بالضرورة تغير العالم، وذلك لأن العالم قسمان: أعراض وأجرام. أما الأعراض فتغيرها مشاهد، كالتغير بالسكون والحركة وغيرهما، فلزم كونها حادثة. وأما الأجرام، فإنها ملازمة لها، وملازم الحادث حادث، فثبت حدوث العالم.
ومثال ما ينتهي إلى المشهورة، وهي قضية يحكم العقل بها بواسطة اعتراف جميع الناس لمصلحة عامة أو غير ذلك، كأن يقال: هذا ضعيف، والضعيف ينبغي الإعطاء إليه. فيقول له المعترض: لا أسلم الكبرى. فيقول له المستدل: مراعاة الضعيف تحصل بالإعطاء إليه، والإعطاء إليه محمود عند جميع الناس، فمراعاة الضعيف محمودة عند جميع الناس، فينبغي حينئذ الإعطاء إليه. "حاشية البناني 2/337".(4/357)
"فصل": فِيمَا يَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامِ الْجَدَلِ، وَآدَابِهِ، وَحَدِّهِ، وَصِفَتِهِ.
ثُمَّ "الْجَدَلُ" فِي اللُّغَةِ: اللَّدَدُ فِي الْخُصُومَةِ وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهَا - جَادَلَهُ، فَهُوَ جَدِلٌ - كَكَتِفٍ - وَمِجْدَلٌ - كَمِنْبَرٍ - وَمِجْدَالٌ - كَمِحْرَابٍ وَجَدَلْتُ الْحَبْلَ - أَجْدِلُهُ جَدْلاً: كَفَتَلْتُهُ1 أَفْتِلُهُ2 فَتْلاً، أَيْ فَتَلْتُهُ فَتْلاً3 مُحْكَمًا، وَالْجَدَالَةُ الأَرْضُ. يُقَالُ: طَعَنَهُ فَجَدَّلَهُ: أَيْ رَمَاهُ فِي الأَرْضِ4.
"وَهُوَ" أَيْ الْجَدَلُ فِي اصْطِلاحِ الْفُقَهَاءِ "فَتْلُ الْخَصْمِ" أَيْ رَدُّهُ بِالْكَلامِ "عَنْ قَصْدِهِ" أَيْ مَا يَقْصِدُهُ مِنْ نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ مِنْ
__________
1 في ش: فتلته.
2 في ش: أفلته.
3 ساقطة من ز.
4 قال الفيروز آبادي: "مِن جَدَلَه يَجْدُلُه ويَجْدِلُه: أحكم فتله، والمِجْدَل: القصر".
انظر القاموس المحيط 3/346، المصباح المنير 1/128، مختار الصحاح ص 96، مقاييس اللغة 1/433، أساس البلاغة ص 111.(4/359)
غَيْرِهِ"1.
"مَأْمُورٌ بِهِ" خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَإِ الَّذِي هُوَ الْجَدَلُ "عَلَى وَجْهِ الإِنْصَافِ، وَإِظْهَارِ الْحَقِّ"2.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي الإِيضَاحِ: اعْلَمْ - وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ - أَنَّ مَعْرِفَةَ هَذَا الْعِلْمِ لا يَسْتَغْنِي عَنْهَا نَاظِرٌ3، وَلا يَتَمَشَّى بِدُونِهَا كَلامُ مُنَاظِرٍ؛ لأَنَّ بِهِ تَتَبَيَّنُ صِحَّةُ الدَّلِيلِ مِنْ فَسَادِهِ، تَحْرِيرًا وَتَقْرِيرًا. وَتَتَّضِحُ4 الأَسْئِلَةُ الْوَارِدَةُ مِنْ الْمَرْدُودَةِ إجْمَالاً وَتَفْصِيلاً، وَلَوْلاهُ لاشْتَبَهَ التَّحْقِيقُ فِي5 الْمُنَاظَرَةِ6 بِالْمُكَابَرَةِ، وَلَوْ خُلِّيَ كُلُّ
__________
1 انظر تعريف الجدل في "العِدة 1/184، دستور العلماء 1/385، كشاف اصطلاحات الفنون 1/242، المصباح المنير 1/128، الكليات 2/172، التعريفات للجرجاني ص 41، الكافية في الجدل ص 20، الإحكام لابن حزم 1/41، الفقيه والمتفقه 1/229"، الجدل لابن عقيل ص 1، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 11".
2 وهذا مأمور به لأنه من الجدال المحمود، وهو كل ما أيد الحق، أو أفضى إليه بنية خالصة وطريق صحيح. انظر: مناهج الجدل ص 45، الكافية في الجدل ص 23، الفقيه والمتفقه 1/232، 2/25 وما بعدها، المنهاج في ترتيب الححاج للباجي ص 8.
3 ساقطة من ض.
4 في ش: وتصح.
5 في ض: من.
6 المناظرة والمجادلة والمحاورة والمناقشة والمباحثة ألفاظ مترادفة، وقد توجد بعض الفروق بينهما عند علماء البحث، فيرى بعضهم أن الجدل يراد منه إلزام الخصم ومغالبته، والمناظرة تردد الكلام بين شخصين، ويقصد كل منهما تصحيح =(4/360)
مُدَّعٍ وَمُدَّعَى مَا يَرُومُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَخْتَارُ، وَلَوْ مُكِّنَ كُلُّ مَانِعٍ مِنْ مُمَانَعَةِ مَا يَسْمَعُهُ مَتَى شَاءَ: لأَدَّى إلَى الْخَبْطِ وَعَدَمِ الضَّبْطِ. وَإِنَّمَا الْمَرَاسِمُ الْجَدَلِيَّةُ تَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَتُبَيِّنُ1 الْمُسْتَقِيمَ مِنْ السَّقِيمِ فَمَنْ لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمًا كَانَ فِي مُنَاظَرَاتِهِ كَحَاطِبِ لَيْلٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الاشْتِقَاقُ. فَإِنَّ الْجَدَلَ مِنْ قَوْلِك: جَدَلْتُ الْحَبْلَ أَجْدِلُهُ جَدْلاً إذَا فَتَلْته فَتْلاً مُحْكَمًا.
وَقَالَ أَيْضًا: أَوَّلُ مَا تَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِهِ2: حُسْنُ الْقَصْدِ فِي إظْهَارِ الْحَقِّ طَلَبًا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ آنَسَ مِنْ نَفْسِهِ الْحَيْدَ عَنْ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ فَلْيَكُفَّهَا بِجَهْدِهِ، فَإِنْ مَلَكَهَا، وَإِلاَّ فَلْيَتْرُكْ الْمُنَاظَرَةَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَلْيَتَّقِ السِّبَابَ وَالْمُنَافَرَةَ فَإِنَّهُمَا يَضَعَانِ الْقَدْرَ، وَيُكْسِبَانِ الْوِزْرَ، وَإِنْ زَلَّ خَصْمُهُ فَلْيُوقِفْهُ عَلَى زَلَلِهِ، غَيْرَ مُخْجِلٍ لَهُ بِالتَّشْنِيعِ عَلَيْهِ. فَإِنْ أَصَرَّ أَمْسَكَ، إلاَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الزَّلَلُ مِمَّا يُحَاذِرُ اسْتِقْرَارَهُ عِنْدَ السَّامِعِينَ، فَيُنَبِّهُهُمْ3 عَلَى الصَّوَابِ فِيهِ بِأَلْطَفِ الْوُجُوهِ جَمْعًا بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ. انتهى.
__________
= قوله. وإبطال قول صاحبه، مع رغبة كل منهما في ظهور الحق، والمحاورة هي المراجعة في الكلام، ومنه التحاور.
انظر: مناهج الجدل ص 25، الكافية في الجدل ص 19، مفتاح السعادة 1/304، 2/599، فواتح الرحموت 2/330.
1 في ب ز: وبين.
2 في ز: به البداءة
3 في ش: فينبه(4/361)
وَيَدُلُّ عَلَى الأَمْرِ بِهِ الْقُرْآنُ قَالَ1 اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 2 وَقَالَ تَعَالَى3 {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلاَّ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 4 وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 5 "وَفَعَلَهُ الصَّحَابَةُ" رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، كَابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا جَادَلَ الْخَوَارِجَ وَالْحَرُورِيَّةَ، وَرَجَعَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ6 "وَ" فَعَلَهُ "السَّلَفُ" أَيْضًا كَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ7 رَضِيَ اللَّهُ
__________
1 في ب ض: قول.
2 الآية 125 من النحل.
3 ساقطة من ش ب ز.
4 الآية 46 من العنكبوت.
5 الآية 111 من البقرة.
6 روى عبد الرزاق والحاكم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "لما اعتزلت الحرورية وكانوا في دارٍ على حدتهم، قلت لعلي: يا أمير المؤمنين، أبرِد عن الصلاة لعَلِّي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم ... ورجع منهم عشرون ألفاً، وبقي أربعة آلاف، فقاتلوا وقُتِلوا" وروى النسائي وغيره أن علياً بعث ابن عباس لمناظرة أهل النبي صلى الله عليه وسلم من الخوارج، وروى الإمام أحمد والخطيب البغدادي مناظرة عبد الله بن عباس للحرورية.
انظ: مسند أحمد 1/342، الفقيه والمتفقه 1/235، تيسير التحرير 4/219، فواتح الرحموت 2/388.
7 هو الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز بن مروان، أبو حفص، خامس الخلفاء الراشدين، القرشي التابعي، ولي الخلافة بعد سليمان بن عبد الملك سنة 99 هـ، وكان خليفة عدلاً صالحاً عالماً زاهداً، أحد فقهاء المدينة، ولد سنة ستين من الهجرة، وأمه أم عاصم حفصة بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولد بحلوان مصر أيام كان أبوه والياً عليها، وهو الذي بدأ بعمارة حلوان، سمع عمر من أنس بن مالك وغيره من الصحابة وجماعات من التابعين، وروى عنه =(4/362)
تَعَالَى عَنْهُ فَإِنَّهُ جَادَلَ الْخَوَارِجَ أَيْضًا. ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ1 فِي تَارِيخِهِ2.
__________
= خلائق كثيرة، وأجمعوا على جلالته وفضله، ووفور علمه وصلاحه، وزهده وورعه، وعدله، وشفقته، وروى عنه الجماعة من علماء الحديث، وكان منعماً قبل الخلافة، ثم زهد في المال، وأبطل البدع، ورد المظالم، ومناقبه كثيرة، توفي سنة 101هـ، ودفن بدير سمعان، وهي قرية قريبة من المعرة بين حماة وحلب.
1 انظر ترجمته في "فوات الوفيات 2/206، تاريخ الخلفاء، السيوطي ص 228، البداية والنهاية 9/192، طبقات الفقهاء ص 64، تهذيب الأسماء 2/17، تذكرة الحفاظ 1/118، المعارف ص 362، الخلاصة 2/274، غاية النهاية 1/593".
هو إسماعيل بن عمر بن كثير، القرشي، عماد الدين، الحافظ، أبو الفداء، أصله من بصرى الشام، ثم انتقل إلى دمشق، ونشأ بها، وأخذ عن علمائها كابن عساكر والمزي وابن تيمية، وبرع في الفقه والتفسير والنحو والتاريخ والحديث والرجال، وصنف في هذه العلوم جيداً ومفيداً، وانتفع الناس بها، وانتشرت وشاعت، منها: كتاب "التفسير" و"البداية والنهاية" و"الباعث الحثيث إلى معرفة علوم الحديث" و"طبقات الشافعية"، وخرّج أحاديث "مختصر ابن الحاجب" في الأصول، وغيرها، وأضرّ في آخر عمره، وتوفي سنة 774هـ.
انظر ترجمته في "الدرر الكامنة 1/399، البدر الطالع 1/153، ذيل تذكرة الحفاظ ص 57، 361، الأعلام 1/317، شذرات الذهب 6/231، الرسالة المستطرفة ص 175".
2 البداية والنهاية 9/187.
وهذا هو الجدل المحمود الذي عرفه الخطيب البغدادي بقوله: "هو طلب الحق ونصره، وإظهار الباطل، وبيان فساده" ثم قال: "وإن الخصام بالباطل هو اللدد ... " "الفقيه والمتفقه 1/235".
انظر مزيداً من أدلة جواز الجدال الممدوح، ومناقشة أدلة مانعي الجدل في "مناهج الجدل ص 45 وما بعدها، الفقيه والمتفقه 1/232 وما بعدها، الكافية في الجدل ص 23 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 1/19 وما بعدها".(4/363)
"فَأَمَّا" إذَا كَانَ1 الْجَدَلُ "عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ وَالْخُصُومَةِ وَالْغَضَبِ وَ" وَجْهِ "الْمِرَاءِ2 وَهُوَ" أَيْ الْمِرَاءُ "اسْتِخْرَاجُ غَضَبِ الْمُجَادَلِ: فَمُزِيلٌ عَنْ طَرِيقِ3 الْحَقِّ، وَإِلَيْهِ انْصَرَفَ النَّهْيُ عَنْ قِيلَ وَقَالَ4 وَفِيهِ" أَيْ فِي الْمِرَاءِ "غَلْقُ بَابِ الْفَائِدَةِ، وَفِي الْمُجَالَسَةِ5 لِلْمُنَاصَحَةِ فَتْحُهُ" أَيْ فَتْحُ بَابِ الْفَائِدَةِ.
قَالَ الْبَرْبَهَارِيُّ وَهُوَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ6 - فِي كِتَابِ شَرْحِ السُّنَّةِ لَهُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي
__________
1 في ض: فأما.
2 المراء واللدد وغيرهما من الجدل المذموم، وهو كل ما ناصر الباطل أو أفضى إلى باطل، وهذا هو الجدل المنهي عنه.
انظر: مناهج الجدل ص 54، 57، إحياء علوم الدين 9/1553 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 1/19، 26، الكافية في الجدل ص 22، الفقيه والمتفقه 1/233.
3 في ض: في.
4 روى البخاري ومسلم ومالك وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" ورواه أحمد والدارمي عن المغيرة مرفوعاً، وسوف يذكر المصنف نصه فيما بعد ص 373، 421.
انظر: صحيح البخاري مع حاشية السندي 2/40، 4/175، صحيح مسلم بشرح النووي 12/10، الموطأ ص 612، مسند أحمد 2/326، 4/264، 249، 250، 255، سنن الدارمي 2/310.
5 في ش: المجادلة.
6 سبقت ترجمته 1/81.(4/364)
السُّنَّةِ قِيَاسٌ وَلا يُضْرَبُ1 لَهَا2 الأَمْثَالُ، وَلا يُتَّبَعُ3 فِيهَا الأَهْوَاءُ4، بَلْ هُوَ التَّصْدِيقُ بِآثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلا كَيْفَ وَلا شَرْحٍ، وَلا يُقَالُ: لِمَ؟ وَلا5 كَيْفَ؟ فَالْكَلامُ6 وَالْخُصُومَةُ وَالْجِدَالُ وَالْمِرَاءُ مُحْدَثٌ، يَقْدَحُ الشَّكَّ فِي الْقَلْبِ، وَإِنْ أَصَابَ صَاحِبُهُ السُّنَّةَ وَالْحَقَّ - إلَى أَنْ قَالَ - وَإِذَا سَأَلَك رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ7 مُسْتَرْشِدٌ، فَكَلِّمْهُ وَأَرْشِدْهُ، وَإِنْ جَاءَك يُنَاظِرُك فَاحْذَرْهُ فَإِنَّ فِي8 الْمُنَاظَرَةِ الْمِرَاءَ وَالْجِدَالَ وَالْمُغَالَبَةَ9 وَالْخُصُومَةَ وَالْغَضَبَ، وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ جَمِيعِ هَذَا10، وَهُوَ يُزِيلُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ فُقَهَائِنَا وَعُلَمَائِنَا أَنَّهُ جَادَلَ أَوْ نَاظَرَ أَوْ خَاصَمَ.
وَقَالَ أَيْضًا: الْمُجَالَسَةُ11 لِلْمُنَاصَحَةِ فَتْحُ بَابِ الْفَائِدَةِ،
__________
1 في ش: تضرب.
2 في ب ض ز: له.
3 في ش: تتبع.
4 في ب ض: فيه.
5 ساقطة من ب ض ز.
6 في ب ز: الكلام.
7 في ض: وهو من.
8 ساقطة من ض.
9 ساقطة من ض.
10 في ز: ذلك.
11 في ش: المجادلة.(4/365)
وَالْمُجَالَسَةُ1 لِلْمُنَاظَرَةِ غَلْقُ بَابِ الْفَائِدَةِ. انْتَهَى2.
"وَمَا يَقَعُ بَيْنَ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ: أَوْفَقُ مَا يُحْمَلُ الأَمْرُ فِيهِ: بِأَنْ يَخْرُجَ مَخْرَجَ الإِعَادَةِ وَالدَّرْسِ"
"وَأَمَّا اجْتِمَاعُ مُتَجَادِلَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمْ لا يَطْمَعُ أَنْ يَرْجِعَ إنْ ظَهَرَتْ حُجَّةٌ وَلا فِيهِ مُؤَانَسَةٌ، وَ" لا فِيهِ "مَوَدَّةُ وَتَوْطِئَةُ الْقُلُوبِ لِوَعْيِ حَقٍّ3: فَمُحْدَثٌ4 مَذْمُومٌ5".
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: الْجَدَلُ الَّذِي يَقَعُ بَيْنَ أَرْبَابِ6 الْمَذَاهِبِ أَوْفَقُ مَا يُحْمَلُ الأَمْرُ فِيهِ: بِأَنْ يَخْرُجَ مَخْرَجَ الإِعَادَةِ وَالدَّرْسِ، فَأَمَّا اجْتِمَاعُ جَمْعٍ مُتَجَاذِبِينَ7 فِي مَسْأَلَةٍ، مَعَ أَنَّ كُلاًّ مِنْهُمْ لا يَطْمَعُ أَنْ يَرْجِعَ إنْ ظَهَرَتْ حُجَّةٌ، وَلا فِيهِ مُؤَانَسَةٌ وَمَوَدَّةٌ، وَتَوْطِئَةُ الْقُلُوبِ لِوَعْيِ حَقٍّ، بَلْ هُوَ8 عَلَى الضِّدِّ، فَتَكَلَّمَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ - كَابْنِ بَطَّةَ - وَهُوَ مُحْدَثٌ.
__________
1 في ش: المجادلة.
2 ساقطة من ض.
3 في ش: حق.
4 في ش: فحدث.
5 انظر تفصيبل الكلام عن الجدال الممدوح والجدال المذموم، والفرق بينهما في "مناهج الجدل ص 44، إحياء علوم الدين 9/1552، الكافي في الجدل ص 22، الإحكام لابن حزم 1/19، 23، الفقيه والمتفقه /230، 232 وما بعدها، 235".
6 ساقطة من ض ز.
7 في ش: متجادلين.
8 في ش ض: هي.(4/366)
قَالَ1 ابْنُ مُفْلِحٍ: وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ2 عَنْ أَبِي غَالِبٍ3 -وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا "مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إلاَّ أُوتُوا الْجَدَلَ" ثُمَّ تَلا: {مَا ضَرَبُوهُ لَك إلاَّ جَدَلاً} 4.
وَلأَحْمَدَ عَنْ مَكْحُولٍ5 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ مَرْفُوعًا- "لا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ الإِيمَانَ كُلَّهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْمِرَاءَ، وَإِنْ كَانَ
__________
1 في ش: وقال.
2 رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد والخطيب البغدادي عن أبي أمامة مرفوعاً، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
انظر: جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 9/130، سنن ابن ماجة 1/19، مسند أحمد 5/252، 256، الفقيه والمتفقه 2/230.
3 اسمه حَزَوَّر، أبو غالب، صاحب أبي أمامة، وقيل: اسمه سعيد بن حَزَوَّر، وقيل: نافع، روى عن أنس بن مالك، وروى عنه مالك بن دينار وحماد بن سلمة وابن عيينة، وأخرج له أبو داود والترمذي.
واختلف في روايته، فصححها الترمذي، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن حبان: لا يحتج به.
انظر: ميزان الاعتدال 1/477، 4/560، المغني في الضعفاء 1/155، الخلاصة 3/237.
4 الآية 58 من الزخرف.
5 هو مكحول بن زيد، ويقال ابن أبي مسلم بن شاذل، التابعي، أبو عبد الله، الدمشقي، كان من سبي كابل فأعتق بمصر، ثم تحول إلى دمشق فسكنها إلى أن مات بها، وهو من فقهاء أهل الشام وصالحيهم، وجماعيهم للعلم، سمع عدداً من الصحابة والتابعين، وروى عنه الزهري والأوزاعي وخلائق لا يحصون، قال أبو حاتم: ما أعلم بالشام أفقه من مكحول، وكان يكثر من الأحاديث المرسلة، =(4/367)
مُحِقًّا" 1.
وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا "لا تُمَارِ أَخَاك" 2.
وَلأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا "أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا" 3.
وَلابْنِ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيِّ - وَحَسَّنَهُ - عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ4
__________
= واتفقوا على توثيقه، وكان به عجمة في لسانه، توفي بالشام سنة 118 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 2/113، وفيات الأعيان 4/368، تذكرة الحفاظ 1/107، الخالصة 3/54، طبقات الحفاظ ص 43، شذرات الذهب 1/146، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/584، مشاهير علماء الأمصار ص 114، المعارف ص 452".
1 جاء لفظ هذا الحديث عند أحمد عن مكحول عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب من المزاحة، ويترك المراء، وإن كان صادقاً" وفي رواية أخرى عن مكحول عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاح والمراء وإن كان صادقاً".
انظر مسند أحمد 2/352، 364.
2 هذا طرف من حديث غريب، قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وروى الدارمي عن مسلم بن يسار قال: "إياكم والمراء".
انظر جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 6/131، سنن الدارمي 1/109.
3 رَبَض الجنة: ما حولها خارجاً عنها.
وانظر: سنن أبي داود 2/553، النهاية في غريب الحديث 2/185.
4 هو سلمة بن وردان، الليثي مولاهم، أبو يعلى، المدني، التابعي، روى عن أنس ومالك بن أوس، ورأى جابراً، وروى عن ابن المبارك وأبو نُعيم وابن وهب =(4/368)
-وَهُوَ ضَعِيفٌ- عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا "مَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ1 فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ"2.
"وَلَوْلا مَا يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِ الْبَاطِلِ وَاسْتِنْقَاذِ الْهَالِكِ بِالاجْتِهَادِ3 فِي رَدِّهِ عَنْ ضَلالَتِهِ لَمَا حَسُنَ" أَيْ الْجِدَالُ4 "لِلإِيحَاشِ غَالِبًا، لَكِنْ فِيهِ أَعْظَمُ الْمَنْفَعَةِ مَعَ قَصْدِ نُصْرَةِ الْحَقِّ، أَوْ" قَصْدِ "التَّقَوِّي عَلَى الاجْتِهَادِ لا الْمُغَالَبَةِ، وَبَيَانِ الْفَرَاهَةِ5" نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُمَا6.
__________
= والقعنبي وغيرهم، ضعفه أحمد وأبو داود وابن معين والدارقطني، وأخرج له الترمذي وابن ماجة، مات في خلافة المنصور.
انظر: ميزان الاعتدال 2/193، الخلاصة 1/405، المغني في الضعفاء 1/276، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/227.
1 ساقطة من ب ز.
2 قال الترمذي: هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من حديث مسلمة بن وردان عن أنس.
انظر: جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 6/126 وما بعدها، سنن ابن ماجة 1/19.
3 في ض: باجتهاد.
4 في ز: الجدل.
5 الفراهة: من فرِه من باب طرِب: أشِر وبطِِر، والفراهة والفراهية والفروهة: الحذق بالشيء والملاحة والحسن والصباحة، وجارية فرهاء أي حسناء، والفاره الحاذق بالشيء، وفارهين حاذقين، وفرهين أي أشرين بطرين.
انظر: المصباح المنير 2/664، المفردات في غريب القرآن ص 378، القاموس المحيط 4/289.
6 في ش ب: منها.(4/369)
"فَإِنَّ طَلَبَ الرِّيَاسَةِ1 وَ" طَلَبَ "التَّقَدُّمِ بِالْعِلْمِ يُهْلِكُ.
وَالْمُعَوَّلُ فِيهِ: عَلَى إظْهَارِ الْحُجَّةِ، وَإِبْطَالِ الشُّبْهَةِ، فَيُرْشِدُ الْمُسْتَرْشِدَ، وَيُحَذِّرُ الْمَنَاظِرَ"2.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ: وَكُلُّ جَدَلٍ لَمْ يَكُنْ الْغَرَضُ فِيهِ نُصْرَةَ الْحَقِّ فَإِنَّهُ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ، وَالْمَضَرَّةُ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ؛ لأَنَّ الْمُخَالَفَةَ تُوحِشُ، وَلَوْلا مَا يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِ الْبَاطِلِ، وَاسْتِنْقَاذِ الْهَالِكِ بِالاجْتِهَادِ فِي رَدِّهِ عَنْ ضَلالَتِهِ، لَمَا حَسُنَتْ الْمُجَادَلَةُ لِلإِيحَاشِ فِيهَا غَالِبًا، وَلَكِنْ فِيهَا أَعْظَمُ الْمَنْفَعَةِ إذَا قَصَدَ بِهَا نُصْرَةَ الْحَقِّ، وَالتَّقَوِّي عَلَى الاجْتِهَادِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ قَصْدِ الْمُغَالَبَةِ، وَبَيَانِ الْفَرَاهَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَنِبَهُمَا3.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: طَلَبُ الرِّيَاسَةِ وَالتَّقَدُّمِ بِالْعِلْمِ يُهْلِكُ، ثُمَّ ذَكَرَ اشْتِغَالَ أَكْثَرِهِمْ فِي الْجَدَلِ، وَرَفْعَ أَصْوَاتِهِمْ فِي الْمَسَاجِدِ، وَإِنَّمَا4 الْمَقْصُودُ الْغَلَبَةُ وَالرِّفْعَةُ، وَإِفْتَاءُ مَنْ لَيْسَ أَهْلاً وَقَالَ أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلا يُنَازِعُنَّك فِي الأَمْرِ5} :
__________
1 في ز: في.
2 انظر: الفقيه والمتفقه 2/25 وما بعدها.
3 في ش: يجتنبه.
4 في ض: فإنما.
5 الآية 67 من الحج.(4/370)
أَيْ فِي الذَّبَائِحِ. وَالْمَعْنَى: فَلا تُنَازِعُهُمْ1، وَلِهَذَا قَالَ: {وَإِنْ جَادَلُوك فَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} 2 قَالَ3: وَهَذَا أَدَبٌ حَسَنٌ، عَلَّمَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- عِبَادَهُ لِيَرُدُّوا بِهِ4 مَنْ جَادَلَهُمْ بِهِ5 تَعَنُّتًا وَلا يُجِيبُوهُ6.
"فَلَوْ" "بَانَ لَهُ سُوءُ قَصْدِ خَصْمِهِ" "تَوَجَّهَ تَحْرِيمُ مُجَادَلَتِهِ".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: تَوَجَّهَ فِي تَحْرِيمِ مُجَادَلَتِهِ خِلافٌ، كَدُخُولِ مَنْ لا جُمُعَةَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ مَعَ مَنْ تَلْزَمُهُ لَنَا فِيهِ وَجْهَانِ.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: قُلْت: وَ7الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ التَّحْرِيمُ.
"وَيَبْدَأُ كُلٌّ مِنْهُمَا" أَيْ مِنْ الْمُتَجَادِلَيْنِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْجِدَالِ "بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى8.
قَالَ فِي الْوَاضِحِ: وَمِنْ أَدَبِ الْجِدَالِ9: أَنْ يَجْعَلَ السَّائِلُ
__________
1 زاد المسير 5/448-449.
2 الآية 68 من الحج.
3 ساقطة م ض، وفي ب: قالوا.
4 ساقطة من ش.
5 في ب ض ز: جادل.
6 زاد المسير 5/450.
7 ساقطة من ض ز.
8 انظر: الكافية في الجدل ص 529، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 9.
9 في ب ز: الجدل.(4/371)
وَالْمَسْئُولُ مَبْدَأَ كَلامِهِمَا1 حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ "كُلَّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَمْ يُبْدَأْ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ، فَهُوَ أَبْتَرُ" 2، وَيَجْعَلا3 قَصْدَهُمَا أَحَدَ أَمْرَيْنِ، وَيَجْتَهِدَا4 فِي اجْتِنَابِ الثَّالِثِ فَأَعْلَى الثَّلاثَةِ مِنْ الْمَقَاصِدِ: نُصْرَةُ الْحَقِّ5 بِبَيَانِ الْحُجَّةِ، وَدَحْضُ الْبَاطِلِ بِإِبْطَالِ الشُّبْهَةِ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَالثَّانِي: الإِدْمَانُ لِلتَّقَوِّي عَلَى الاجْتِهَادِ مِنْ مَرَاتِبِ الدِّينِ الْمَحْمُودَةِ فَالأُولَى: كَالْجِهَادِ6، وَالثَّانِيَةُ: كَالْمُنَاضَلَةِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا التَّقَوِّي عَلَى الْجِهَادِ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ الْمُغَالَبَةُ وَبَيَانُ الْفَرَاهَةِ عَلَى الْخَصْمِ، وَالتَّرْجِيحُ7 عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقَةِ. انْتَهَى.
"وَلِلسَّائِلِ" وَهُوَ الْقَائِلُ: مَا حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ؟ "إلْجَاءُ مَسْئُولٍ" وَهُوَ الْمُتَصَدِّي لِلاسْتِدْلالِ "إلَى الْجَوَابِ، فَيُجِيبُ، أَوْ يُبَيِّنُ عَجْزَهُ وَلا يُجِيبُ" مَنْ سَأَلَهُ "مُنْصِحًا" بِالسُّؤَالِ "تَعْرِيضًا" بِالْجَوَابِ8.
__________
1 في ب ض ز: كلامه.
2 هذا الحديث سبق تخريجه 1/22 ورواه أحمد عن أبي هريرة، "انظر: مسند أحمد 2/359".
3 في ش: ويجعلان.
4 في ش: ويجتهد.
5 في ب ض ز: الله تعالى.
6 في ض: كالاجتهاد.
7 في ش ز: والترجح.
8 قال الجويني عن الجدل: "وهو ينقسم إلى سؤال وجواب، ومنهم من قال: إلى =(4/372)
"وَعَلَيْهِ" أَيْ وَ1عَلَى الْمُجِيبِ "أَنْ يُجِيبَهُ فِيمَا فِيهِ خِلافٌ بَيْنَهُمَا لِتَظْهَرَ حُجَّتُهُ".
وَالْكَلامُ فِي هَذَا الشَّأْنِ إنَّمَا يُعَوَّلُ فِيهِ عَلَى الْحُجَّةِ لِتَظْهَرَ، وَالشُّبْهَةِ لِتَبْطُلَ، وَإِلاَّ فَهَذْرٌ، وَهُوَ الَّذِي رُفِعَتْ لِشُؤْمِهِ2 لَيْلَةُ الْقَدْرِ3، وَإِلَيْهِ انْصَرَفَ النَّهْيُ عَنْ قِيلَ وَقَالَ.
وَمِنْ كَلامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ: يَنْبَغِي لِلسَّائِلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَعْنَى الْمَطْلُوبِ فِي السُّؤَالِ، فَإِنْ عَدَلَ الْمُجِيبُ لَمْ يَرْضَ مِنْهُ إلاَّ بِالرُّجُوعِ إلَى جَوَابِ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ. مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ السَّائِلُ: هَلْ يَحْرُمُ النَّبِيذُ؟ فَيَقُولَ الْمُجِيبُ: قَدْ حَرَّمَهُ قَوْمٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْجَدَلِ لَيْسَ بِجَوَابٍ، وَلِلسَّائِلِ أَنْ يُضَايِقَهُ فِي ذَلِكَ، بِأَنْ يَقُولَ4: لَمْ أَسْأَلْك عَنْ هَذَا، وَلا بَانَ مِنْ سُؤَالِي إيَّاكَ جَهْلِي
__________
= ثلاثة، فزاد الإلزام، وهو داخل في السؤال، لأنه طلب الانفصال" "الكافية في الجدل ص 72". وانظر العدة 1/184.
1 ساقطة من ض ز.
2 في ب ش: بشؤمه.
3 روى الإمام البخاري عن أنس عن عبادة بن الصامت "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: "إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وأنه تلاحى فلان وفلان فرُفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، التمسوها في السبع والتسع والخمس"، ورواه أحمد عن أنس عن عبادة، ورواه الدارمي عن أنس عن عبادة.
انظر صحيح البخاري بحاشية السندي 1/235، مسند أحمد 5/319، سنن الدارمي 1/27.
4 في ض: فيقول.(4/373)
بِأَنَّ قَوْمًا حَرَّمُوهُ، وَلا سَأَلْتُك عَنْ مَذْهَبِ النَّاسِ فِيهِ، بَلْ سَأَلْتُكَ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ فَجَوَابِي أَنْ تَقُولَ: حَرَامٌ1، أَوْ لَيْسَ بِحَرَامٍ، أَوْ لا2 أَعْلَمُ فَإِذَا ضَايَقَهُ أَلْجَأَهُ إلَى الْجَوَابِ، أَوْ بَانَ جَهْلُهُ بِتَحْقِيقِ الْجَوَابِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجِيبَ بِالتَّعْرِيضِ لِمَنْ سَأَلَهُ بِالإِفْصَاحِ، فَإِذَا سَأَلَهُ السَّائِلُ بِالإِفْصَاحِ لَمْ يَقْنَعْ3 بِالْجَوَابِ4 إلاَّ بِالإِفْصَاحِ5. انْتَهَى.
وَقَالَ أَيْضًا: وَلا يَصِحُّ الْجَدَلُ مَعَ الْمُوَافَقَةِ فِي الْمَذْهَبِ، إلاَّ أَنْ يَتَكَلَّمَا عَلَى طَرِيقِ الْمُبَاحَثَةِ، فَيَتَقَدَّرُونَ6 الْخِلافَ لِتَصِحَّ الْمُطَالَبَةُ، وَيَتَمَكَّنَ مِنْ الزِّيَادَةِ وَلَيْسَ عَلَى الْمَسْئُولِ أَنْ يُجِيبَ السَّائِلَ عَنْ كُلِّ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِيهِ خِلافٌ، لِتَظْهَرَ حُجَّتُهُ فِيهِ وَسَلامَتُهُ عَنْ الْمَطَاعِنِ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ خَرَجَ7 عَنْ حَدِّ السُّؤَالِ الْجَدَلِيِّ. انْتَهَى.
"وَلِلسَّائِلِ أَنْ يَقُولَ" لِلْمُجِيبِ إذَا أَجَابَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ حِكْمَتُهُ "لِمَ ذَاكَ؟ فَإِنْ قَالَ" الْمُجِيبُ "لأَنَّهُ لا فَرْقَ قَالَ" السَّائِلُ:
__________
1 في ش: حرام هو.
2 في ب ض ز: لم.
3 ساقطة من ش.
4 في ش: الجواب.
5 انظر ما يجب على المسؤول في الجدال في "الكافية في الجدل ص 99".
6 في ش: فيتقدرون.
7 في ب: والإخراج.(4/374)
"دَعْوَاك لِعَدَمِ الْفَرْقِ كَدَعْوَاك لِلْجَمْعِ1، وَنُخَالِفُك فِيهِمَا، فَإِنْ قَالَ" الْمُجِيبُ "لا أَجِدُ فَرْقًا، قَالَ" السَّائِلُ "لَيْسَ كُلُّ مَا لَمْ تَجِدْهُ يَكُونُ بَاطِلاً" وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُجِيبُ: لَوْ جَازَ كَذَا لَجَازَ كَذَا2، فَهُوَ كَقَوْلِ السَّائِلِ: إذَا كَانَ كَذَا، فَلِمَ لا يَجُوزُ كَذَا؟ إلاَّ أَنَّهُ لا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعِلَّةِ الْمُوَافِقَةِ بَيْنَهُمَا؛ لأَنَّهُ مِنْ فَرْضِ الْمُجِيبِ، وَيَلْزَمُ الْمُجِيبَ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ، فَلَوْ كَانَ لِلْمُجِيبِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: وَمَنْ أَثْبَتَهَا؟ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَصِيرَ سَائِلاً، وَكَانَ عَلَى السَّائِلِ أَنْ يَصِيرَ مُجِيبًا، وَكَانَ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ: وَلِمَ تُنْكِرُ3 تَشَابُهَهُمَا، وَالْمُجِيبُ مُدَّعِيهِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ سُؤَالَ الْجَدَلِ4 عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: سُؤَالٌ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَسُؤَالٌ عَنْ الدَّلِيلِ، وَسُؤَالٌ عَنْ وَجْهِ الدَّلِيلِ، وَسُؤَالٌ عَنْ تَصْحِيحِ الدَّعْوَى فِي الدَّلِيلِ، وَسُؤَالٌ عَنْ الإِلْزَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ5.
__________
1 في ش: للجميع.
2 ساقطة من ش.
3 في ش ب ض: ينكر.
4 في ش ز: الجدل.
5 قال الجويني: "والحروف التي يقع بها السؤال تسمى أدوات السؤال ... ، فالذي عليه جمهور أهل النحو أنها عشرة: هل، والألف، وأم، وما، ومن، وأي، ومتى، وكيف، وأين، وكم، وبعض الفقهاء زاد عليها ثلاثة: لم، وعمَّ، وبم، ومنهم من زاد اثنتين: أما، وألا، حتى صارت خمسة عشر" "الكافية في الجدل ص 73". =(4/375)
وَتَحْسِينُ الْجَوَابِ وَتَحْرِيرُهُ1 يَقْوَى بِهِ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ2، فَأَوَّلُ ضُرُوبِ الْجَوَابِ: الإِخْبَارُ عَنْ مَاهِيَّةِ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ الإِخْبَارُ عَنْ مَاهِيَّةِ بُرْهَانِهِ، ثُمَّ وَجْهُ دَلالَةِ الْبُرْهَانِ عَلَيْهِ، ثُمَّ إجْرَاءُ الْعِلَّةِ فِي الْمَعْلُولِ، وَحِيَاطَتُهُ مِنْ3 الزِّيَادَةِ فِيهِ وَالنُّقْصَانِ مِنْهُ، لِئَلاَّ يَلْحَقَ بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَيَخْرُجَ عَنْهُ مَا هُوَ مِنْهُ.
وَالْحُجَّةُ فِي تَرْتِيبِ الْجَوَابِ كَالْحُجَّةِ فِي تَرْتِيبِ السُّؤَالِ؛ لأَنَّ كُلَّ ضَرْبٍ مِنْ ضُرُوبِ الْجَوَابِ مُقَابَلٌ بِضَرْبٍ4 مِنْ ضُرُوبِ السُّؤَالِ5.
"وَيُشْتَرَطُ انْتِمَاءُ سَائِلٍ إلَى مَذْهَبِ ذِي مَذْهَبٍ لِلضَّبْطِ" قَالَهُ الْجَوْزِيُّ وَالْفَخْرُ، وَزَادَ: وَإِنْ كَانَ الأَلْيَقُ بِحَالِهِ التَّجَرُّدَ عَنْ الْمَذَاهِبِ "وَأَنْ لا6 يَسْأَلَ عَنْ أَمْرٍ جَلِيٍّ، فَيَكُونَ7 مُعَانِدًا".
__________
= وانظر: الفقيه والمتفقه 2/40 وما بعدها، الجدل لابن عقيل ص 42، المنهاد في ترتيب الحجاج ص 34.
1 في ش ز: وتحديده.
2 في ب ض: العمل بالعلم.
3 في ش: في.
4 في ز: لضرب.
5 انظر أقسام السؤال الجدلي والجواب عنه في "الكافية في الجدل ص 77، فواتح الرحموت 2/331، الفقيه والمتفقه 2/40 وما بعدها، المسودة ص 552، الجدل لابن عقيل ص 42، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 34".
6 ساقطة من ش.
7 في ش: وإلا فيكون.(4/376)
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي الإِيضَاحِ: وَيَلْزَمُهُ الانْتِمَاءُ إلَى مَذْهَبِ ذِي مَذْهَبٍ صِيَانَةً لِلْكَلامِ عَنْ النَّشْرِ الَّذِي لا يُجْدِي، فَإِنَّ الْمُسْتَدِلَّ إذَا ذَكَرَ مَثَلاً الإِجْمَاعَ دَلِيلاً فَلا فَائِدَةَ مِنْ1 تَمْكِينِ السَّائِلِ مِنْ مُمَانَعَةِ كَوْنِهِ حُجَّةً، بَعْدَمَا اتَّفَقَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهِ الأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ، وَيَتَعَيَّنُ قَصْدُ الاسْتِفْهَامِ وَتَرْكُ التَّعَنُّتِ2، وَلا يُمَكَّنُ الْمُدَاخِلُ مِنْ إيرَادِ3 أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ الدَّلِيلِ، بِمَا النَّظَرُ فِيهِ4 يُفْسِدُ الدَّلِيلَ، كَالْقَلْبِ وَالْمُعَارَضَةِ؛ لأَنَّ ذَلِكَ وَظِيفَةُ الْمُعْتَرِضِ.
"وَيُكْرَهُ اصْطِلاحًا تَأْخِيرُ الْجَوَابِ" وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُفْتَى بِهِ، تَأْخِيرًا "كَثِيرًا".
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي الدَّلِيلِ عَقِبَ السُّؤَالِ عَنْهُ، وَإِنْ أَخَّرَهُ لَمْ يَكُنْ مُنْقَطِعًا إلاَّ إنْ عَجَزَ عَنْهُ مُطْلَقًا.
"وَلا يَكْفِي عَزْوُ حَدِيثٍ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ" أَيْ أَهْلِ الْحَدِيثِ؛ لأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ مَا يُحْتَجُّ بِهِ مِنْ الأَحَادِيثِ، بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ صَحَّحَهُ أَوْ حَسَّنَهُ.
__________
1 في ز: في.
2 في ب ز: العنت.
3 ساقطة من ش.
4 في: ما النظر فيه، وفي ب ض ز: بالنظر إليه.(4/377)
"وَيَنْقَطِعُ السَّائِلُ بِعَجْزِهِ عَنْ بَيَانِ السُّؤَالِ، وَ" بَيَانِ "طَلَبِ الدَّلِيلِ، وَ" طَلَبِ "وَجْهِهِ" أَيْ وَجْهِ الدَّلِيلِ "وَطَعْنِهِ فِي دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ وَمُعَارَضَتِهِ" لِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ "وَانْتِقَالِ" السَّائِلِ "إلَى دَلِيلٍ آخَرَ، أَوْ" إلَى "مَسْأَلَةٍ أُخْرَى قَبْلَ تَمَامِ" الْمَسْأَلَةِ "الأُولَى"1.
قَالَ فِي الْوَاضِحِ: اعْلَمْ أَنَّ الانْقِطَاعَ هُوَ الْعَجْزُ عَنْ إقَامَةِ الْحُجَّةِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ2 الْمَقَالَةَ.
وَالانْقِطَاعُ فِي الأَصْلِ: هُوَ الانْتِفَاءُ لِلشَّيْءِ عَنْ الشَّيْءِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ3 لا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ. أَحَدُهُمَا: تَبَاعُدُ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ، كَانْقِطَاعِ طَرَفِ الْحَبْلِ عَنْ جُمْلَتِهِ، وَانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْ مَجْرَاهُ، وَالآخَرُ: عَدَمُ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ كَانْقِطَاعِ ثَانِي الْكَلامِ عَنْ مَاضِيهِ، وَتَقْدِيرُ الانْقِطَاعِ فِي الْجَدَلِ عَلَى أَنَّهُ انْقِطَاعُ الْقُوَّةِ4 عَنْ النُّصْرَةِ لِلْمَذْهَبِ الَّذِي شَرَعَ فِي نُصْرَتِهِ5.
__________
1 انظر أوجه العجز والانقطاع عند السائل والمسؤول في "الكافية في الجدل ص 90 وما بعدها، 551 وما بعدها556، الفقيه والمتفقه 2/57، الجدل لابن عقيل ص 71".
2 ساقطة من ب ض ز.
3 في ض: لأنه
4 ساقطة من ش.
5 انظر معنى الانقطاع في الجدل في "الكافية في الجدل ص 556، كشاف اصطلاحات الفنون 5/1202".(4/378)
قَالَ صَاحِبُ الْوَاضِحِ أَيْضًا: "وَمِنْ الانْتِقَالِ مَا لَيْسَ انْقِطَاعًا، كَمَنْ سُئِلَ عَنْ رَدِّ الْيَمِينِ فَبَنَاهُ عَلَى الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ1، أَوْ" سُئِلَ عَنْ "قَضَاءِ صَوْمِ نَفْلٍ فَبَنَاهُ عَلَى لُزُومِ إتْمَامِهِ"2.
"وَإِنْ طَالَبَهُ السَّائِلُ بِدَلِيلٍ عَلَى مَا سَأَلَهُ فَانْقِطَاعٌ مِنْهُ" أَيْ مِنْ السَّائِلِ "لِبِنَاءِ بَعْضِ الأُصُولِ عَلَى بَعْضٍ".
"وَلَيْسَ لِكُلِّهَا" أَيْ كُلِّ3 الأُصُولِ "دَلِيلٌ يَخُصُّهُ".
"وَ" يَنْقَطِعُ "الْمَسْئُولُ4 بِعَجْزِهِ عَنْ الْجَوَابِ، وَ" عَنْ "إقَامَةِ الدَّلِيلِ5، وَ" عَنْ "تَقْوِيَةِ وَجْهِهِ" أَيْ وَجْهِ الدَّلِيلِ "وَ" عَنْ "دَفْعِ6 الاعْتِرَاضِ" الْوَارِدِ عَلَيْهِ.
"وَكِلاهُمَا" أَيْ وَيَنْقَطِعُ كُلٌّ مِنْ السَّائِلِ وَالْمَسْئُولِ "بِجَحْدِ" أَيْ إنْكَارِ "مَا عُرِفَ مِنْ7 مَذْهَبِهِ أَوْ ثَبَتَ بِنَصٍّ وَ" الْحَالُ أَنْ "لَيْسَ مَذْهَبُهُ خِلافَهُ أَوْ" ثَبَتَ "بِإِجْمَاعٍ".
__________
1 في ض: المشكوك.
2 انظر صور الانتقال وأنواعه في "الجدل لابن عقيل ص 72، الكافية في الجدل ص 551، فواتح الرحموت 2/336، المسودة ص 443".
3 في ض: لكل.
4 في ض: السؤال.
5 ساقطة من ض.
6 في ش: وجه.
7 في ش: بـ.(4/379)
"وَ" يَنْقَطِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْضًا "بِعَجْزِهِ عَنْ إتْمَامِ مَا شَرَعَ فِيهِ، وَخَلْطِ كَلامِهِ عَلَى وَجْهٍ لا يُفْهَمُ، وَسُكُوتِهِ" حَالَ كَوْنِ سُكُوتِهِ "حِيرَةً بِلا عُذْرٍ، وَتَشَاغُلِهِ بِمَا لا يَتَعَلَّقُ بِالنَّظَرِ" أَيْ بِالتَّأَمُّلِ فِيمَا هُمْ فِيهِ "وَغَضَبِهِ أَوْ قِيَامِهِ عَنْ1 مَكَانِهِ" الأَوَّلِ "وَسَفَهِهِ عَلَى خَصْمِهِ" ذَكَرَ ذَلِكَ الأَصْحَابُ2.
قَالَ صَاحِبُ3 الْوَاضِحِ: وَذَلِكَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَكُونُ مَرَاتِبُهَا خَمْسَةً. فَيَكُونُ مَعَ الْمُجَادِلِ4 قُوَّةٌ عَلَى الْمَرْتَبَةِ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ، ثُمَّ يَنْقَطِعُ، فَلا تَكُونُ5 لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ الْمَرَاتِبِ، وَانْقِطَاعُ الْقُوَّةِ عَنْ الثَّالِثَةِ عَجْزٌ عَنْ الثَّانِيَةِ. فَلِذَلِكَ قُلْنَا: الانْقِطَاعُ فِي الْجَدَلِ عَجْزٌ عَنْهُ، وَكُلُّ انْقِطَاعٍ فِي الْجَدَلِ عَجْزٌ عَنْهُ. وَلَيْسَ كُلُّ عَجْزٍ6 عَنْهُ انْقِطَاعًا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ جِدًّا.
ثُمَّ ذَكَرَ الانْقِطَاعَ بِالْمُكَابَرَةِ، ثُمَّ بِالْمُنَاقَضَةِ، ثُمَّ بِالانْتِقَالِ، ثُمَّ بِالْمُشَاغَبَةِ، ثُمَّ بِالاسْتِفْسَارِ، ثُمَّ بِالرُّجُوعِ إلَى التَّسْلِيمِ، ثُمَّ بِجَحْدِ
__________
1 في ب ض ز: في غير.
2 انظر: كشاف اصطلاحات الفنون 5/1095 وما بعدها.
3 في ب ض ز: في.
4 في ض: الجدل.
5 في ض ز: يكون.
6 ساقطة من ش.(4/380)
الْمَذْهَبِ، ثُمَّ بِالْمُسَابَّةِ1.
"وَ" يَنْقَطِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْضًا "بِالشَّغَبِ2 بِالإِبْهَامِ3 بِلا شُبْهَةٍ".
قَالَ فِي الْوَاضِحِ: اعْلَمْ أَنَّ الانْقِطَاعَ بِالْمُشَاغَبَةِ عَجْزٌ عَنْ الاسْتِفْهَامِ4 لِمَا تَضَمَّنَ مِنْ نُصْرَةِ الْمَقَالِ5 إلَى الْمُمَانَعَةِ بِالإِبْهَامِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ وَلا شُبْهَةٍ. وَحَقُّ مِثْلِ هَذَا إذَا وَقَعَ: أَنْ يُفْصِحَ فِيهِ بِأَنَّهُ شَغَبٌ6، وَأَنَّ الْمِشْغَبَ7 لا يَسْتَحِقُّ زِيَادَة.
فَإِنْ كَانَ الْمِشْغَبُ مَسْئُولاً قِيلَ لَهُ: إنْ أَجَبْت عَنْ الْمَسْأَلَةِ وَإِلاَّ زِدْنَا عَلَيْك، وَإِنْ لَمْ تُجِبْ عَنْهَا8 أَمْسَكْنَا عَنْك.
__________
1 انظر: الكافية في الجدل ص 551 وما بعدها، 556 وما بعدها.
2 في ب: بالشغب ثم.
3 في المختصر: بالايهام.
4 في ش: الاستتمام.
5 في ز: المقالة.
6 في ض: مشغب.
والشعب هو المغالطة في الجدل بترك المشبهات بالمشهورات، وقال ابن حزم: "الشغب تمويه بحجة باطل بقضية أو قضايا فاسدة تقود إلى الباطل، وهي السفسطة" "الإحكام لابن حزم 1/37". وانظر: كشاف اصطلاحات الفنون 5/1097.
7 المِشغَب لغة من شَغَب وشَغِب شَغْباً وشَغَباً القوم: هيج الشر عليهم، فهو شَغِبُ، وشِغَب وشغَّاب، ومِشْغَب كمنبر، ومُشاغب، وذو مَشاغب.
"انظر: القاموس المحيط 1/89، المصباح المنير 1/430".
8 في ض: فيها، وفي ز: عنها وإلا.(4/381)
وَإِنْ كَانَ سَائِلاً قِيلَ لَهُ: إنْ حَصَّلْتَ1 سُؤَالاً سَمِعْتَ جَوَابًا وَإِلاَّ فَلا2 فَإِنَّ الْمِشْغَبَ لا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا.
فَإِنْ لَجَّ وَتَمَادَى فِي غَيِّهِ أَعْرَضَ عَنْهُ؛ لأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ إنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ عَلَى مَا فِيهِ حُجَّةٌ أَوْ شُبْهَةٌ فَإِذَا عَرِيَ الْجَدَلُ3 عَنْ الأَمْرَيْنِ إلَى الشَّغَبِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ، وَكَانَ الأَوْلَى بِذِي الرَّأْيِ الأَصِيلِ وَالْعَقْلِ الرَّصِينِ: أَنْ يَصُونَ نَفْسَهُ، وَيَرْغَبَ بِوَقْتِهِ عَنْ التَّضْيِيعِ مَعَهُ، وَلا سِيَّمَا إذَا كَانَ الاشْتِغَالُ بِهِ مِمَّا يُوهِمُ الْحَاضِرِينَ أَنَّ صَاحِبَهُ سَالِكٌ لِطَرِيقِ الْحُجَّةِ، فَإِنَّهُ4 رُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ5 بِمَا يُرَى6 مِنْهُ مِنْ حُسْنِ الْعِبَارَةِ. وَالاغْتِرَارِ7 بِإِقْبَالِ8 خَصْمِهِ عَلَيْهِ بِالْمُنَاظَرَةِ فَحَقُّ مِثْلِ هَذَا: أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ9: أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ الْمُشَاغَبَةِ دُونَ10 طَرِيقِ الْحُجَّةِ أَوْ الشُّبْهَةِ11.
__________
1 في ب: جعلت.
2 ساقطة من ب ض ز.
3 في ض: الجدال.
4 في ش: و.
5 في ب ض ز: في ذلك.
6 في ض: رأي.
7 في ض ز: واغترار.
8 في ش: باتكال.
9 ساقطة من ب ض ز.
10 في ش: على.
11 انظر: الكافية في الجدل ص 557 وما بعدها.(4/382)
"وَلا يَنْقَطِعُ مَسْئُولٌ بِتَرْكِ الدَّلِيلِ لِعَجْزِ فَهْمِ السَّامِعِ" الَّذِي هُوَ السَّائِلُ "أَوْ1 انْتِقَالِهِ" أَيْ الْمَسْئُولِ "إلَى" دَلِيلٍ "أَوْضَحَ مِنْهُ" أَيْ مِنْ الدَّلِيلِ الأَوَّلِ "لِقِصَّةِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ" مَعَ نُمْرُوذَ2.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ3: لَمَّا قَابَلَ نُمْرُوذُ4 قَوْلَ إبْرَاهِيمَ5 فِي الْحَيَاةِ الْحَقِيقِيَّةِ بِالْحَيَاةِ الْمَجَازِيَّةِ، انْتَقَلَ الْخَلِيلُ6 إلَى دَلِيلٍ لا يُمْكِنُهُ مُقَابَلَةُ7 الْحَقِيقَةِ فِيهِ بِالْمَجَازِ.
وَمَنْ انْتَقَلَ مِنْ دَلِيلٍ غَامِضٍ إلَى دَلِيلٍ وَاضِحٍ: فَذَلِكَ طَلَبٌ لِلْبَيَانِ، وَلَيْسَ انْقِطَاعًا.
قَالَ فِي الْوَاضِحِ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ8 انْتَقَلَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ مِنْ عِلَّةٍ إلَى غَيْرِهَا، وَكَانَ فِي مَقَامِ الْمُحَاجَّةِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَنْهُ9،
__________
1 في ش: و.
2 انظر: الكافية في الجدل ص 551، فواتح الرحموت 2/336.
3 ساقطة من ض.
4 ساقطة من ش.
5 في ب ض ز: الخليل.
6 ساقطة من ب ض ز.
7 في ض ز: تقابل.
8 في ز: قد.
9 وذلك في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ، أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ، إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، قَالَ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ، فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} البقرة/258.(4/383)
وَبِهَذَا تَعَلَّقَ مَنْ رَأَى أَنَّ1 الانْتِقَالَ مِنْ دَلِيلٍ إلَى غَيْرِهِ لَيْسَ بِانْقِطَاعٍ، وَلا خُرُوجٍ عَنْ مُقْتَضَى الْجِدَالِ وَالْحِجَاجِ2. قِيلَ: لَمْ يَكُنْ انْتِقَالُهُ لِلْعَجْزِ؛ لأَنَّهُ قَدْ كَانَ يَقْدِرُ3 أَنْ يُحَقِّقَ مَعَ نُمْرُوذَ حَقِيقَةَ الإِحْيَاءِ الَّذِي أَرَادَهُ، وَهُوَ إعَادَةُ الرُّوحِ إلَى جَسَدِ4 الْمَيِّتِ، أَوْ إنْشَاءُ حَيٍّ مِنْ الأَمْوَاتِ وَأَنَّ5 الإِمَاتَةَ الَّتِي أَرَادَهَا: هِيَ إزْهَاقُ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ مُمَارَسَةٍ6 بِآلَةٍ وَلا مُبَاشَرَةٍ. وَيُقَالُ7 لَهُ: إذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ كُنْتَ مُحْيِيًا مُمِيتًا8، أَوْ فَافْعَلْ ذَلِكَ إنْ كُنْتَ صَادِقًا. وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَظُنَّ ذَلِكَ بِذَلِكَ النَّبِيِّ9 الْكَرِيمِ. وَمَا عَدَلَ عَمَّا ابْتَدَأَ بِهِ إلَى غَيْرِهِ عَجْزًا عَنْ اسْتِتْمَامِ النُّصْرَةِ، لَكِنَّهُ لَمَّا رَأَى نُمْرُوذَ غَبِيًّا أَوْ10 مُتَغَابِيًا بِمَا كَشَفَهُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ دَعْوَى11
__________
1 ساقطة من ب ض ز.
2 ساقطة من ض.
3 في ش: كان ينتقل مقدراً.
4 في ز: الجسد.
5 في ب: أو أن.
6 في ش: مماسة.
7 في ش: وقال.
8 في ز: ومميتاً.
9 ساقطة من ب ض ز.
10 ساقطة من ض.
11 ساقطة من ب ض ز.(4/384)
الإِحْيَاءِ، وَهُوَ الْعَفْوُ عَنْ مُسْتَحِقِّ الْقَتْلِ، وَالإِمَاتَةِ، وَهِيَ الْقَتْلُ الَّذِي يُسَاوِي بِهِ1 كُلَّ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ وَأَصَاغِرِ رَعِيَّتِهِ انْتَقَلَ إلَى الدَّلِيلِ الأَوْضَحِ فِي بَابِ تَعْجِيزِهِ عَنْ دَعْوَاهُ فِيهِ الْمُشَارَكَةَ2 لِبَارِئِهِ سُبْحَانَهُ3، بِحُكْمِ مَا رَأَى مِنْ الْحَالِ فَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ الْعَجْزُ عَنْ إتْمَامِ مَا بَدَأَ بِهِ، بِخِلافِ مَا نَحْنُ فِيهِ4 اهـ.
"وَمِنْ أَدَبِهِ" أَيْ أَدَبِ الْجَدَلِ "وَتَرْكُهُ" أَيْ تَرْكُ أَدَبِ الْجَدَلِ "شَيْنٌ5 إجْمَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا" أَيْ مِنْ الْمُتَجَادِلَيْنِ6 "خِطَابَهُ مَعَ الآخَرِ وَإِقْبَالُهُ عَلَيْهِ، وَتَأَمُّلُهُ لِمَا يَأْتِي بِهِ7، وَتَرْكُ قَطْعِ كَلامِهِ، وَالصِّيَاحِ فِي وَجْهِهِ وَالْحِدَّةِ" عَلَيْهِ8 "وَالْفَخْرُ9 عَلَيْهِ وَالإِخْرَاجُ لَهُ عَمَّا عَلَيْهِ، وَاسْتِصْغَارُهُ. وَمَقَامُ التَّعْلِيمِ10 تَارَةً بِالْعُنْفِ وَتَارَةً بِاللُّطْفِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لا يَغْتَرَّ بِخَطَإِ الْخَصْمِ، وَأَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ
__________
1 في ش: فيه.
2 في ش: المشاركة فيه.
3 ساقطة من ب ض ز.
4 انظر: الكافية في الجدل ص 552.
5 في د ب ض: شيئين.
6 في ش: المتجادلين "وتأمله لما يأتي به".
7 في د: به خطابه.
8 ساقطة من د.
9 في ش: والضجر.
10 في ب ض: التعليم.(4/385)
حِيلَتِهِ1، وَأَنْ لا يَعْتَادَ الْخَوْضَ فِي الشَّغَبِ فَيُحْرَمَ الإِصَابَةَ، وَيَسْتَرْوِحُ إلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ لا يَسْلَمُ مِنْ الانْقِطَاعِ إلاَّ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَيْسَ حَدُّ الْعَالِمِ كَوْنَهُ حَاذِقًا فِي الْجَدَلِ، فَإِنَّهُ صِنَاعَةٌ، وَالْعِلْمُ مَادَّتُهُ2 فَالْمُجَادِلُ يَحْتَاجُ إلَى الْعَالِمِ، وَلا عَكْسَ" أَيْ3 لا4 يَحْتَاجُ الْعَالِمُ إلَى الْمُجَادِلِ5.
"وَ" يَنْبَغِي "أَنْ لا يَتَكَلَّمَ فِي الْمَجَالِسِ الَّتِي لا إنْصَافَ فِيهَا"6.
قَالَ فِي الْوَاضِحِ:
__________
1 انظر بيان الحيل بين المتجادلين، وكيفية ردها في "الكافية في الجدل ص 542".
2 في ش: مأدبة، وفي ض: ما دونه.
3 في ش: و، وساقطة من ز.
4 في ب ض ز: ولا.
5 انظر في آداب الجدل "الكافية في الجدل ص 529 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/330، الفقيه والمتفقه 2/25، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 9".
6 انظر: الفقيه والمتفقه 2/27 وما بعدها، الجدل لابن عقيل ص 2.(4/386)
فصل في عدم الكلام في مجالس الخوف ونحوه
...
"فَصْلٌ"
قَالَ الْعُلَمَاءُ: احْذَرْ الْكَلامَ فِي مَجَالِسِ الْخَوْفِ، فَإِنَّ الْخَوْفَ يُذْهِلُ1 الْعَقْلَ الَّذِي مِنْهُ يَسْتَمِدُّ2 الْمُنَاظِرُ حُجَّتَهُ، وَيَسْتَقِي مِنْهُ الرَّأْيَ فِي دَفْعِ شُبُهَاتِ الْخَصْمِ، وَإِنَّمَا يُذْهِلُهُ وَيَشْغَلُهُ بِطَلَبِهِ حِرَاسَةَ نَفْسِهِ، الَّتِي هِيَ3 أَهَمُّ مِنْ مَذْهَبِهِ وَدَلِيلِ مَذْهَبِهِ، فَاجْتَنِبْ مُكَالَمَةَ مَنْ تَخَافُ، فَإِنَّهَا مُمِيتَةٌ لِلْخَوَاطِرِ، مَانِعَةٌ مِنْ التَّثَبُّتِ4.
وَاحْذَرْ مُكَالَمَةَ5 مَنْ اشْتَدَّ بُغْضُك إيَّاهُ، فَإِنَّهَا6 دَاعِيَةٌ إلَى الضَّجَرِ وَالْغَضَبِ، مِنْ قِلَّةِ مَا يَكُونُ مِنْهُ و7َالضَّجَرُ، وَالْغَضَبُ مُضَيِّقٌ لِلصَّدْرِ، وَمُضْعِفٌ لِقُوَى الْعَقْلِ8.
__________
1 في ض: يذهب.
2 في ض: يستمد منه.
3 ساقطة من ز.
4 في ش: التثبيت.
5 في ب ض ز: كلام.
6 في ب ض ز: فإنه.
7 ساقطة من ش.
8 في ز: العقول.(4/387)
وَاحْذَرْ الْمَحَافِلَ الَّتِي لا إنْصَافَ فِيهَا فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَك وَبَيْنَ خَصْمِك فِي الإِقْبَالِ وَالاسْتِمَاعِ، وَلا أَدَبَ لَهُمْ يَمْنَعُهُمْ مِنْ الشَّرْعِ إلَى الْحُكْمِ عَلَيْك، وَمِنْ إظْهَارِ الْعَصَبِيَّةِ لِخَصْمِك.
وَالاعْتِرَاضُ يَخْلُقُ الْكَلامَ، وَيُذْهِبُ بَهْجَةَ الْمَعَانِي بِمَا يُلْجَأُ إلَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ التَّرْدَادِ. وَمَنْ تَرَكَ التَّرْدَادَ مَعَ الاعْتِرَاضِ: انْقَطَعَ كَلامُهُ وَبَطَلَتْ مَعَانِيهِ.
وَاحْذَرْ اسْتِصْغَارَ خَصْمِك، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ التَّحَفُّظِ، وَيُثَبِّطُ عَنْ الْمُغَالَبَةِ1، وَلَعَلَّ الْكَلامَ يُحْكَى فَيُعْتَدُّ عَلَيْك بِالتَّقْصِيرِ.
وَاحْذَرْ كَلامَ مَنْ لا يَفْهَمُ عَنْكَ، فَإِنَّهُ يُضْجِرُكَ وَيُغْضِبُكَ إلاَّ أَنْ يَكُونَ2 لَهُ3 غَرِيزَةٌ صَحِيحَةٌ، وَيَكُونَ الَّذِي بَطَّأَ بِهِ عَنْ الْفَهْمِ فَقْدُ الاعْتِيَادِ، فَهَذَا خَلِيلٌ4 مُسْتَرْشِدٌ فَعَلِّمْهُ، وَلَيْسَ بِخَصْمٍ فَتُجَادِلُهُ وَتُنَازِعُهُ.
وَقَدِّرْ فِي نَفْسِك الصَّبْرَ وَالْحِلْمَ5 لِئَلاَّ تَسْتَفِزّكَ6 بَغَتَاتُ7
__________
1 في ب ز: المبالغة.
2 في ض ز: تكون.
3 في ش: لك.
4 في ض: جليل.
5 في ش: والحكم.
6 في ض: يستفزك.
7 في ش: لفتات.(4/388)
الإِغْضَابِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحِلْمِ خَاصَّةٌ1 تُجْتَلَبُ، لَكَانَتْ مَعُونَةً عَلَى الْمُنَاظَرَةِ تُوجِبُ إضَافَتَهُ إلَيْهَا.
وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ يَسْلَمُ أَحَدٌ مِنْ الانْقِطَاعِ إلاَّ مَنْ قَرَنَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِالْعِصْمَةِ مِنْ الزَّلَلِ، وَلَيْسَ حَدُّ الْعَالِمِ: أَنْ يَكُونَ حَاذِقًا بِالْجَدَلِ، فَالْعِلْمُ2 بِضَاعَةٌ3، وَالْجَدَلُ صِنَاعَةٌ، إلاَّ أَنَّ مَادَّةَ الْجَدَلِ وَالْمُجَادِلِ تَحْتَاجُ4 إلَى5 الْعَالِمِ، وَالْعَالِمُ لا يَحْتَاجُ فِي عِلْمِهِ إلَى الْمُجَادِلِ، كَمَا يَحْتَاجُ الْمُجَادِلُ فِي جَدَلِهِ إلَى الْعَالِمِ.
وَلَيْسَ حَدُّ الْجَدَلِ بِالْمُجَادَلَةِ: أَنْ لا6 يَنْقَطِعَ الْمُجَادِلُ أَبَدًا، أَوْ7 لا يَكُونَ مِنْهُ انْقِطَاعٌ كَثِيرٌ إذَا كَثُرَتْ مُجَادَلَتُهُ. وَلَكِنَّ الْمُجَادِلَ: مَنْ كَانَ طَرِيقُهُ فِي الْجَدَلِ مَحْمُودًا، وَإِنْ نَالَهُ الانْقِطَاعُ لِبَعْضِ8 الآفَاتِ9 الَّتِي تُعْرَفُ10. ثُمَّ قَالَ:
__________
1 في ب ز: خاصة لها.
2 في ض: والعلم.
3 في ب ض ز: صناعة.
4 في ض: يحتاج.
5 في ض: إليه.
6 ساقطة من ض.
7 في ب ض ز: و.
8 في ش: في بعض.
9 في ش: الأوقات.
10 انظر: الكافية في الجدل ص 530 وما بعدها، الجدل لابن عقيل ص 2، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 10.(4/389)
فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْخَصْمَيْنِ فِي الْجَدَلِ1.
اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِثْلُ الَّذِي يَجِبُ لِلآخَرِ عَلَيْهِ مِنْ الإِجْمَالِ فِي خِطَابِهِ، وَتَرْكِ2 التَّقْطِيعِ3 لِكَلامِهِ، وَالإِقْبَالِ عَلَيْهِ، وَتَرْكِ الصِّيَاحِ فِي وَجْهِهِ، وَالتَّأَمُّلِ لِمَا يَأْتِي بِهِ، وَالتَّجَنُّبِ لِلْحِدَّةِ وَالضَّجَرِ عَلَيْهِ، وَتَرْكِ الْحَمْلِ لَهُ عَلَى جَحْدِ الضَّرُورَةِ، إلاَّ مِنْ حَيْثُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِمَذْهَبِهِ، وَتَرْكِ الإِخْرَاجِ لَهُ عَنْ الْحَدِّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فِي السُّؤَالِ أَوْ الْجَوَابِ4، وَتَرْكِ الاسْتِصْغَارِ لَهُ، وَالاحْتِقَارِ لِمَا يَأْتِي بِهِ، إلاَّ مِنْ حَيْثُ تَلْزَمُهُ الْحُجَّةُ إيَّاهُ، وَالتَّنَبُّهُ5 لَهُ عَلَى6 ذَلِكَ إنْ بَدَرَ مِنْهُ، أَوْ مُنَاقَضَتِهِ7 إنْ
__________
1 ساقطة من ض، وفي ب: في الجدال.
2 في د: وتركه.
3 في ش: التفظيع.
4 ساقطة من ض.
5 في ش: والتنبيه.
6 في ب ض ز: عن.
7 في ز: مناقضة.(4/391)
ظَهَرَتْ فِي1 كَلامِهِ، وَأَنْ لا يُمَانِعَهُ2 الْعِبَارَةَ إذَا أَدَّتْ3 الْمَعْنَى. وَكَانَ الْغَرَضُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَعْنَى دُونَ الْعِبَارَةِ، وَأَنْ لا يَخْرُجَ4 فِي عِبَارَتِهِ عَنْ الْعَادَةِ، وَأَنْ لا يُدْخِلَ فِي كَلامِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَلا يَسْتَعْمِلُ مَا يَقْتَضِي التَّعَدِّيَ عَلَى خَصْمِهِ، وَالتَّعَدِّي خُرُوجُهُ عَمَّا يَقْتَضِيهِ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ وَلا يَمْنَعُهُ5 الْبِنَاءَ عَلَى أَمْثِلَةٍ، وَلا يُشَنِّعُ مَا لَيْسَ بِشَنِيعٍ فِي مَذْهَبِهِ، أَوْ يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْ الشَّنَاعَةِ مِثْلُهُ، وَلا يَأْخُذ عَلَيْهِ شَرَفَ الْمَجْلِسِ لِلاسْتِظْهَارِ عَلَيْهِ وَلا يَسْتَعْمِلُ الإِبْهَامَ بِمَا يُخْرِجُ عَنْ حَدِّ الْكَلامِ6.
ثُمَّ قَالَ:
__________
1 في ض: من.
2 في ش: تمانعه.
3 في ض: أردت.
4 في ش: تخرج.
5 في ض: يمكنه.
6 انظر: الكافية في الجدل ص 531 وما بعدها، الفقيه والمتفقه 2/27 وما بعدها، 35 وما بعدها.(4/392)
فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الْخُصُومِ فِي الْجَدَلِ.
اعْلَمْ أَنَّهُ لا يَخْلُو الْخَصْمُ فِي الْجَدَلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي طَبَقَةِ خَصْمِهِ، أَوْ أَعْلَى أَوْ أَدْوَنَ1.
فَإِنْ كَانَ فِي طَبَقَتِهِ: كَانَ قَوْلُهُ لَهُ: الْحَقُّ فِي هَذَا كَذَا دُونَ كَذَا مِنْ قِبَلِ كَيْتَ وَكَيْتَ، وَلأَجْلِ كَذَا وَعَلَى الآخَرِ: أَنْ يَتَحَرَّى لَهُ الْمُوَازَنَةَ فِي الْخِطَابِ. فَذَلِكَ أَسْلَمُ لِلْقُلُوبِ، وَأَبْقَى لِشَغْلِهَا عَنْ تَرْتِيبِ النَّظَرِ فَإِنَّ التَّطْفِيفَ فِي الْخِطَابِ يُعْمِي الْقَلْبَ عَنْ فَهْمِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ.
وَإِنْ كَانَ أَعْلَى فَلْيَتَحَرَّ، وَيَجْتَنِبَ2 الْقَوْلَ لَهُ: هَذَا خَطَأٌ، أَوْ3 غَلَطٌ، أَوْ4 لَيْسَ كَمَا تَقُولُ، بَلْ يَكُونُ قَوْلُهُ لَهُ: أَرَأَيْت إنْ
__________
1 في ش: دون. وانظر طبقات أهل الجدل والنظر في "الكافية في الجدل ص 559".
2 في ض: تجنب.
3 في ض: و.
4 في ب ض ز: و.(4/393)
قَالَ قَائِلٌ يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْت1 كَذَا؟ و2َإِنْ اعْتَرَضَ عَلَى مَا ذَكَرْت مُعْتَرِضٌ بِكَذَا. فَإِنَّ نُفُوسَ الْكِرَامِ الرُّؤَسَاءِ الْمُقَدَّمِينَ3 تَأْبَى خُشُونَةَ الْكَلامِ؛ إذْ لا عَادَةَ لَهُمْ بِذَلِكَ، وَإِذَا4 نَفَرَتْ النُّفُوسُ5 عَمِيَتْ الْقُلُوبُ، وَجَمَدَتْ الْخَوَاطِرُ وَانْسَدَّتْ أَبْوَابُ الْفَوَائِدِ، فَحَرُمَتْ كُلُّ6 الْفَوَائِدِ، بِسَفَهِ السَّفِيهِ، وَتَقْصِيرِ الْجَاهِلِ فِي حُقُوقِ الصُّدُورِ، وَقَدْ أَدَّبَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْبِيَاءَهُ فِي خِطَابِهِمْ7 لِلرُّؤَسَاءِ مِنْ أَعْدَائِهِ، فَقَالَ لِمُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فِي حَقِّ فِرْعَوْنَ {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا} 8.
سَمِعْت بَعْضَ الْمَشَايِخِ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: صِفَةُ هَذَا الْقَوْلِ اللَّيِّنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {اذْهَبْ إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَلْ لَك إلَى أَنْ تَزَكَّى} 9 وَمَا ذَاكَ إلاَّ مُرَاعَاةً لِقَلْبِهِ، حَتَّى لا يَنْصَرِفَ10 بِالْقَوْلِ الْخَشِنِ عَنْ فَهْمِ11
__________
1 في ب ض: ذكرته.
2 ساقطة من ب ض ز.
3 في ب ض: المتقدمين.
4 في ب ض: فإذا.
5 ساقطة من ش.
6 في ز: الكل.
7 ساقطة من ض ز.
8 الآية 44 من طه.
9 الآيتان 17-18.
10 في ض: ينظر، وفي ز: ينضر.
11 في ش: عرفهم.(4/394)
الْخِطَابِ1، فَكَيْفَ بِرَئِيسٍ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ تَطْلُبُ2 فَوَائِدَهُ، وَتَرْجُو3 الْخَيْرَ فِي إيرَادِهِ، وَمَا تَسْنَحُ لَهُ خَوَاطِرُهُ؟ فَأَحْرَى بِنَا أَنْ نُذَلِّلَ لَهُ الْعِبَارَةَ، وَنُوَطِّئَ4 لَهُ جَانِبَ الْجَدَلِ، لِتَنْهَالَ فَوَائِدُهُ انْهِيَالاً.
وَفِي الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ: الأَدَبُ مِعْيَارُ الْعُقُولِ وَمُعَامَلَةُ5 الْكِرَامِ، وَسُوءُ الأَدَبِ مَقْطَعَةٌ لِلْخَيْرِ وَمَدْمَغَةٌ لِلْجَاهِلِ، فَلا تَتَأَخَّرُ إهَانَتُهُ6، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلاَّ هِجْرَانُهُ وَحِرْمَانُهُ.
وَأَمَّا الأَدْوَنُ7 فَيُكَلَّمُ بِكَلامٍ لَطِيفٍ، إلاَّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُ، إذَا أَتَى بِالْخَطَإِ: هَذَا خَطَأٌ. وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ قِبَلِ كَذَا لِيَذُوقَ مَرَارَةَ سُلُوكِ الْخَطَإِ فَيَجْتَنِبَهُ8، وَحَلاوَةَ الصَّوَابِ فَيَتْبَعَهُ. وَرِيَاضَةُ هَذَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْعُلَمَاءِ، وَتَرْكُهُ سُدًى9 مَضَرَّةٌ لَهُ، فَإِنْ عُوِّدَ الإِكْرَامَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الأَعْلَى طَبَقَةً: أَخْلَدَ إلَى خَطَئِهِ، وَلَمْ
__________
1 قال القاسمي: "فإن تليين القول مما يكسر سورة عناد العتاة، ويلين عريكة الطغاة" "محاسن التأويل 11/4181".
وانظر تفسير القرطبي 11/200، تفسير ابن كثير 3/153.
2 في ز: يطلب.
3 في ز: ويرجو.
4 في ض: ونطوي.
5 في ش: ومعالم.
6 في شك تتحر.
7 في ش: وإلا.
8 في ض: فيتجنبه.
9 في ض: نبذاً.(4/395)
يُزِغْهُ1 عَنْ الْغَلَطِ وَازِعٌ2، وَمَقَامُ التَّعْلِيمِ وَالتَّأْدِيبِ تَارَةً بِالْعُنْفِ، وَتَارَةً بِاللُّطْفِ، وَسُلُوكُ أَحَدِهِمَا يُفَوِّتُ فَائِدَةَ الآخَرِ، قَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} 3 وَقِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: إنَّهُ السَّائِلُ فِي الْعُلُومِ دُونَ سُؤَالِ الْمَالِ، وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ فِيهِمَا4، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ5.
__________
1 في ش: يزعه.
2 في ش: نزع، وفي ض ز: وازغ.
3 الآية 10 من الضحى.
4 قال القرطبي: "وقيل المراد بالسائل هنا: الذي يسأل عن الدين، أي فلا تنهره بالغلظة والجفوة، وأجبه برفق ولين، قاله سفيان، قال ابن العربي: وأما السائل عن الدين فجوابه فرض على العالم على الكفاية، كإعطاء سائل البرسواء" "تفسير القرطبي 20/101".
وانظر: محاسن التأويل 17/6185، أحكام القرآن للجصاص 3/582، أحكام القرآن لابن العربي 4/1935، تفسير ابن كثير 4/523.
5 ساقطة من ض، وفي ز: والله سبحانه أعلم.(4/396)
"بَابُ الاسْتِدْلالِ"
مِنْ جُمْلَةِ الطُّرُقِ الْمُفِيدَةِ لِلأَحْكَامِ، وَلِهَذَا ذُكِرَ عَقِبَ الأَدِلَّةِ الأَرْبَعَةِ، وَهِيَ: الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالإِجْمَاعُ، وَالْقِيَاسُ.
وَهُوَ "لُغَةً: طَلَبُ الدَّلِيلِ، وَاصْطِلاحًا" أَيْ فِي اصْطِلاحِ الْفُقَهَاءِ "هُنَا إقَامَةُ دَلِيلٍ لَيْسَ بِنَصٍّ وَلا إجْمَاعٍ وَلا قِيَاسٍ شَرْعِيٍّ1.
"فَدَخَلَ" الْقِيَاسُ "الاقْتِرَانِيُّ، وَهُوَ" قِيَاسٌ "مُؤَلَّفٌ مِنْ قَضِيَّتَيْنِ مَتَى سَلِمَتَا" أَيْ الْقَضِيَّتَيْنِ مِنْ مُعَارِضٍ "لَزِمَ عَنْهُمَا لِذَاتِهِمَا
__________
1 انظر تعريف الاستدلال في "الإحكام لابن حزم 1/37، 2/676، العدة 1/132، المسودة ص 451، الكافية في الجدل ص 47، شرح تنقيح الفصول ص 450، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/342، البرهان 2/1130، الإحكام للآمدي 4/118، العضد على ابن الحاجب 2/280، تيسير التحرير 4/172، الحدود للباجي ص 41، التعريفات للجرجاني ص 12، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 11.(4/397)
قَوْلٌ آخَرُ" أَيْ قَضِيَّةٌ أُخْرَى نَتِيجَةٌ1 لَهُمَا، كَقَوْلِنَا: الْعَالَمُ مُتَغَيِّرٌ، وَكُلُّ مُتَغَيِّرٍ حَادِثٌ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ، وَكَمَا2 يُقَالُ: هَذَا حُكْمٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ، وَكُلُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ فَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَهَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ. وَكَمَا يُقَالُ: مَا ذَكَرْته مُعَارَضٌ بِالإِجْمَاعِ وَكُلُّ مُعَارَضٌ بِالإِجْمَاعِ بَاطِلٌ، فَمَا ذَكَرْته بَاطِلٌ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ3.
"وَ" دَخَلَ فِيهِ أَيْضًا الْقِيَاسُ "الاسْتِثْنَائِيُّ" وَيَكُونُ فِي الشَّرْطِيَّاتِ "وَهُوَ مَا4 تُذْكَرُ5 فِيهِ النَّتِيجَةُ أَوْ نَقِيضُهَا" أَيْ نَقِيضُ النَّتِيجَةِ6.
__________
1 في ض: يتجه. وفي ش: تنتجه.
2 في ب: كأن.
3 سمي هذا القياس بالقياس الاقتراني لاقتران أجزائه، وهي حدوده، من الأصغر والأكبر والوسط.
انظر: المحلي والبناني على جمع الجوامع 2/343، الإحكام للآمدي 4/119، تيسير التحرير 4/172، إرشاد الفحول ص 236.
4 في ش: له مدخل في.
5 في ض ز: يذكر.
6 وسمي هذا الفياس بالقياس الاستثنائي لاشتماله على معنى الاستثناء بكلمة "لكن"، والقياس الاقتراني والاستثنائي نوعان للقياس المنطقي، وهو قول مؤلف من قضايا متى سلمت لزم عنه لذاته قول آخر، فإن كان اللازم، وهو النتيجة أو نقيضها، مذكوراً فيه بالفعل فهو الاستثنائي، وإن كان مذكوراً فيه بالقوة، بأن لم يتصل فيه طرفاه، فهو الاقتراني.
انظر: المحلي والبناني على جمع الجوامع 2/342، الإحكام للآمدي 4/125، نهاية السول 3/150، مناهج العقول 3/150، تيسير التحرير 4/172.(4/398)
فَفِي الْمُتَّصِلاتِ كَمَا يُقَالُ: إنْ كَانَ هَذَا إنْسَانًا1 فَهُوَ حَيَوَانٌ، لَكِنَّهُ2 لَيْسَ بِحَيَوَانٍ يَنْتِجُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِنْسَانٍ، أَوْ أَنَّهُ إنْسَانٌ، يَنْتِجُ أَنَّهُ حَيَوَانٌ، فَاسْتِثْنَاءُ عَيْنِ الأَوَّلِ يُنْتِجُ عَيْنَ الثَّانِي3، وَاسْتِثْنَاءُ نَقِيضِ الثَّانِي4 يُنْتِجُ نَقِيضَ الْمُقَدَّمِ، وَعَيْنُ الثَّانِي5 لا يُنْتِجُ عَيْنَ الأَوَّلِ، لاحْتِمَالِ كَوْنِهِ عَامًّا، وَلا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ الْعَامِّ إثْبَاتُ الْخَاصِّ، كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ. فَإِنَّ الْحَيَوَانَ6 لا يَسْتَلْزِمُ وُجُودُ الإِنْسَانِ، وَكَذَا نَقِيضُ الإِنْسَانِ لا يَسْتَلْزِمُ نَقِيضَ الْحَيَوَانِ؛ لِوُجُودِهِ فِي الْفَرَسِ.
وَفِي الْمُنْفَصِلاتِ، كَمَا يُقَالُ: الْعَدَدُ7 إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ، لَكِنَّهُ زَوْجٌ يَنْتِجُ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْدٍ، أَوْ فَرْدٌ، يَنْتِجُ أَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ. مِثَالُهُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ: الضَّبُّ إمَّا حَلالٌ أَوْ8 حَرَامٌ، لَكِنَّهُ حَلالٌ؛ لأَنَّهُ أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ9 فَلَيْسَ بِحَرَامٍ،
__________
1 في ش ض: إنسان.
2 في ش ض: لكن.
3 في ش: التالي.
4 في ش: التالي.
5 في ش: التالي.
6 ساقطة من ش.
7 في ش ض: المعدود.
8 في ش: وإما.
9 هذا حديث صحيح، رواه الجماعة إلا الترمذي، وسبق تخريجه 2/165.(4/399)
مِثَالٌ آخَرُ: صَيْدُ الْمُحْرِمِ إمَّا حَلالٌ أَوْ حَرَامٌ1، لَكِنَّهُ حَرَامٌ2؛ لأَنَّهُ3 نُهِيَ عَنْهُ، فَلَيْسَ بِحَلالٍ.
"وَ" دَخَلَ فِيهِ أَيْضًا "قِيَاسُ الْعَكْسِ وَهُوَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى نَقِيضِ الْمَطْلُوبِ، ثُمَّ يَبْطُلُ، فَيَصِحُّ الْمَطْلُوبُ" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} 4 فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى حَقِيقَةِ الْقُرْآنِ بِإِبْطَالِ نَقِيضِهِ. وَهُوَ وُجْدَانُ الاخْتِلافِ فِيهِ5.
قَالَ الْمَحَلِّيُّ: يَدْخُلُ فِيهِ قِيَاسُ الْعَكْسِ، وَهُوَ إثْبَاتُ6 عَكْسِ حُكْمِ شَيْءٍ لِمِثْلِهِ7 لِتَعَاكُسِهِمَا فِي الْعِلَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ8 "أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ، أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ ". انْتَهَى9.
__________
1 في ش: حرام أو حلال، وفي ن: حلال وإما حرام.
2 ساقطة من ن.
3 ساقطة من ض ز.
4 الآية 82 من النساء.
5 ساقطة من ض.
6 ساقطة من ض.
7 اللفظة من المحلي، وفي ش ض بز: بمثله.
8 صحيح مسلم بشرح النووي 7/92
9 المحلي على جمع الجوامع 2/342.
وانظر قياس العكس في "تيسير التحرير 4/173، 174، جمع الجوامع 2/343".(4/400)
"وَنَحْوَ: وُجِدَ1 السَّبَبُ فَثَبَتَ2 الْحُكْمُ وَ" نَحْوُهُ "وُجِدَ الْمَانِعُ" فَانْتَفَى الْحُكْمُ "أَوْ فَاتَ الشَّرْطُ فَانْتَفَى" الْحُكْمُ3 "دَعْوَى دَلِيلٍ لا نَفْسِهِ" أَيْ لا نَفْسِ الدَّلِيلِ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى إحْدَى الْمُقَدَّمَتَيْنِ، اعْتِمَادًا عَلَى شُهْرَةِ الأُخْرَى4، كَقَوْلِنَا " وُجِدَ السَّبَبُ فَثَبَتَ الْحُكْمُ "فَإِنَّهُ يَنْتُجُ مَعَ مُقَدِّمَةٍ أُخْرَى مُقَدَّرَةٍ وَهِيَ قَوْلُنَا: وَكُلُّ سَبَبٍ إذَا وُجِدَ وُجِدَ الْحُكْمُ، فَلَمْ تُذْكَرْ لِظُهُورِهَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 5 فَإِنَّ حُصُولَ النَّتِيجَةِ مِنْهُ يَتَوَقَّفُ6 عَلَى مُقَدِّمَةٍ أُخْرَى ظَاهِرَةٍ تَقْدِيرُهَا: وَمَا فَسَدَتَا.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا، فَالأَكْثَرُ: عَلَى أَنَّهُ دَعْوَى دَلِيلٍ، وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ فَإِنَّا إذَا قُلْنَا: وُجِدَ السَّبَبُ، أَوْ قُلْنَا: وُجِدَ الْمُقْتَضِي، مَعْنَاهُ الدَّلِيلُ. وَلَمْ يَقُمْ عَلَى وُجُودِهِ دَلِيلٌ.
وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ وَجَمْعٌ: أَنَّهُ دَلِيلٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِهِ ثُبُوتُ الْمَطْلُوبِ7.
__________
1 في ب: وجدان.
2 في المختصر: فوجد.
3 ساقطة من ش.
4 في ش ض ب: أخرى.
5 الآية 22 من الأنبياء.
6 في ب ز: تتوقف.
7 وهذا ما أيده الآمدي ونص عليه أنه دليل، لأن الدليل ما يلزم من ثبوته لزوم =(4/401)
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قِيلَ: إنَّهُ اسْتِدْلالٌ مُطْلَقٌ؛ لانْطِبَاقِ الْحَدِّ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ: إنْ ثَبَتَ وُجُودُ السَّبَبِ أَوْ الْمَانِعِ، أَوْ فُقِدَ الشَّرْطُ، يَعْنِي النَّصَّ وَالإِجْمَاعَ وَالْقِيَاسَ. وَإِلاَّ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا ثَبَتَ بِهِ.
قَالَ الْكُورَانِيُّ: هَذَا مُخْتَارُ الْمُحَقِّقِينَ؛ لأَنَّهُ يُقَالُ1: هَذَا حُكْمٌ وُجِدَ سَبَبُهُ. وَكُلُّ مَا وُجِدَ سَبَبُهُ فَهُوَ مَوْجُودٌ فَكُبْرَى الْقِيَاسِ -وَهِيَ قَوْلُنَا: كُلُّ مَا وُجِدَ سَبَبُهُ فَهُوَ مَوْجُودٌ- قَطْعِيَّةٌ، لا يُخَالِفُ فِيهَا أَحَدٌ.
__________
= المطلوب قطعاً أو ظاهراً، وهو ما اختاره ابن رجب ووافقه العضد عليه، وأيده الشوكاني.
1 انظر: الإحكام للآمدي 4/118، ابن الحاجب والعضد عليه 2/281، إرشاد الفحول ص 237.
في ش ب ز: يقول.(4/402)
"فَصْلٌ1"
"الاسْتِصْحَابُ2" مُبْتَدَأٌ "وَهُوَ" أَيْ الاسْتِصْحَابُ "التَّمَسُّكُ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ، أَوْ" بِدَلِيلٍ3 "شَرْعِيٍّ لَمْ يَظْهَرْ عَنْهُ نَاقِلٌ مُطْلَقًا4: دَلِيلٌ" خَبَرُ الاسْتِصْحَابِ.
وَكَوْنُ الاسْتِصْحَابِ دَلِيلاً: هُوَ الصَّحِيحُ5.
__________
1 ساقطة من ش ز.
2 في ش ز: والاستصحاب.
3 في ش: دليل.
4 انظر في تعريف الاستصحاب "التعريفات للجرجاني ص 14، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/350، ترجيح الفروع على الأصول ص 172، العضد على ابن الحاجب 2/284، المستصفى 1/218، البرهان 2/1135، نهاية السول 3/157، مختصر الطوفي ص 138، أصول مذهب أحمد ص 373، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133، إرشاد الفحول ص 237، الجدل لابن عقيل ص 9".
5 انظر حجية القول باستصحاب الحال وأنواعه وأدلته عند الحنابلة والشافعية والمالكية وطائفة من الحنفية في "الإحكام لابن حزم 2/590، مجموع الفتاوى 11/342، الإحكام للآمدي 4/111، شرح تنقيح الفصول ص 447، المستصفى 1/218، الروضة ص 155، المحلي على جمع الجوامع 2/347، المحصول 2/3/148، 163 وما بعدها، المنخول ص 373، مناهج العقول 3/155، العضد على ابن الحاجب 2/284، تيسير التحرير 4/177، أصول مذهب أحمد ص 373 وما بعدها، مختصر البعلي ص 160 مختصر الطوفي ص 138، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133، أثر الأدلة المختلف فيها ص 186، أثر الاختلاف ص 540، تأسيس النظر ص 18، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 31".(4/403)
وَحَقِيقَةُ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ: التَّمَسُّكُ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ تَارَةً يَكُونُ بِحُكْمِ دَلِيلِ الْعَقْلِ1، كَاسْتِصْحَابِ حَالِ الْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ، فَإِنَّ الْعَقْلَ دَلِيلٌ عَلَى بَرَاءَتِهَا وَعَدَمِ تَوَجُّهِ الْحُكْمِ إلَى الْمُكَلَّفِ.
وَتَارَةً يَكُونُ الاسْتِصْحَابُ بِحُكْمِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، كَاسْتِصْحَابِ حُكْمِ الْعُمُومِ وَالإِجْمَاعِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ دَلِيلٌ نَاقِلٌ عَنْ حُكْمِ الدَّلِيلِ الْمُسْتَصْحَبِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ كَالْبَيِّنَةِ الدَّالَّةِ عَلَى شَغْلِ الذِّمَّةِ، وَتَخْصِيصِ الْعُمُومِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالْمَعْنَى: إذَا كَانَ حُكْمًا مَوْجُودًا وَهُوَ يَحْتَمِلُ2 أَنْ3 يَتَغَيَّرَ، فَالأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَنَفْيُ مَا يُغَيِّرُهُ4.
وَمِنْهُ اسْتِصْحَابُ الْعَدَمِ الأَصْلِيِّ، وَهُوَ الَّذِي عُرِفَ بِالْعَقْلِ انْتِفَاؤُهُ، وَأَنَّ الْعَدَمَ الأَصْلِيَّ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ كَالأَصْلِ: عَدَمُ وُجُوبِ صَلاةٍ سَادِسَةٍ، وَصَوْمِ شَهْرٍ غَيْرِ رَمَضَانَ فَلَمَّا لَمْ يَرِدْ السَّمْعُ
__________
1 في ش: الفقهاء.
2 في ش: محتمل.
3 في ب: لأن.
4 في ش: يغايره.(4/404)
بِذَلِكَ حَكَمَ الْعَقْلُ بِانْتِفَائِهِ لِعَدَمِ الْمُثْبِتِ لَهُ1.
وَمِنْهُ اسْتِصْحَابُ2 حُكْمٍ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى ثُبُوتِهِ وَدَوَامِهِ، لِوُجُودِ سَبَبِهِ3، كَالْمِلْكِ عِنْدَ حُصُولِ السَّبَبِ وَشَغْلِ الذِّمَّةِ عَنْ قَرْضٍ أَوْ إتْلافٍ. فَهَذَا - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا أَصْلِيًّا - فَهُوَ حُكْمٌ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى ثُبُوتِهِ وَدَوَامِهِ، جَمِيعًا4، وَلَوْلا أَنَّ الشَّرْعَ دَلَّ عَلَى دَوَامِهِ إلَى أَنْ يُوجَدَ السَّبَبُ الْمُزِيلُ وَالْمُبَرِّئُ لَمَا زَالَ اسْتِصْحَابُهُ5.
__________
1 ويسمى هذا النوع استصحاب العدم الأصلي، وإليه ينصرف اسم الاستصحاب، ويعرف بالبراءة الأصلية، وهذا النوع حجة باتفاق خلافاً للمعتزلة وبعض المالكية.
انظر: المستصفى 1/222، الإحكام للآمدي 4/129، العدة 1/73، تخريج الفروع على الأصول ص 348، المسودة ص 448، القواعد والفوائد الأصولية ص 108، مجموع الفتاوى 11/34، 23/15، 29/166، شرح تنقيح الفصول ص 447، الروضة ص 155، الفقيه والمتفقه 1/216، العبادي على الورقات ص 218، المحصول 2/3/225 وما بعدها، 238، إعلام الموقعين 1/378، اللمع ص 69، أصول مذهب أحمد ص 373.
2 في ش: انتقاء استصحاب.
3 في ش: سببه المثبت له.
4 في ش: لوجود سببه جميعاً.
5 انظر مزيداً من أمثلة الاستصحاب لكل نوع منه في "الإحكام لابن حزم 1/386 وما بعدها، 2/950، إعلام الموقعين 1/378 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع 2/348، المحصول 2/3/148، المستصفى 1/219، التمهيد للأسنوي ص 149، تيسير التحرير 4م177، المعتمد 2/884، تخريج الفروع على الأصول ص 172، أثر الأدلة المختلف فيها ص 187، 200، أثر الاختلاف 543 وما بعدها".(4/405)
وَقِيلَ: لَيْسَ الاسْتِصْحَابُ بِدَلِيلٍ1.
وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِهِ دَلِيلاً أَنْ لا يُعَارِضَهُ ظَاهِرٌ، لَكِنْ مَتَى قُدِّمَ الظَّاهِرُ عَلَى الأَصْلِ كَانَ تَقْدِيمُهُ لِمُرَجِّحٍ مِنْ خَارِجٍ يَنْضَمُّ إلَيْهِ2.
"وَلَيْسَ اسْتِصْحَابُ حُكْمِ الإِجْمَاعِ فِي مَحَلِّ الْخِلافِ حُجَّةٌ" عِنْدَ الأَكْثَرِ.
وَخَالَفَ جَمْعٌ3 فِي ذَلِكَ4.
__________
1 في ض ن: دليلاً.
2 انظر القول بعدم حجية الاستصحاب، والتفصيل في حجيتها حالة الدفع دون الإثبات، وغيره في "حاشية البناني على جمع الجوامع 2/349، العضد على ابن الحاجب 2/285، تيسير التحرير 4/177، أصول السرخسي 2/147، 223، شرح تنقيح الفصول ص 447، كشف الأسرار 3/377 وما بعدها، الإحكام للآمدي 4/129، 131، الفقيه المتفقه 1/216، أصول مذهب أحمد ص 376، أثر الاختلاف ص 542، أثر الأدلة ص 195، المعتمد 2/885".
3 ساقطة من ش.
4 قال بحجية استصحاب حكم الإجماع الإمام الشافعي وأيده الآمدي، وتبعه ابن شاملا وابن حامد من الحنابلة، وقال بعدم حجيته الحنفية والحنابلة والمالكية وبعض الشافعية كالمزني والصيرفي وابن سريج والغزالي والمحلي، انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها في "العدة 1/73، إعلام الموقعين 1/381، التمهيد للأسنوي ص 139، المستصفى 1/223 وما بعدها، حاشية البناني والمحلي على جمع الجوامع 2/350، روضة الناظر مع نزهة الخاطر 1/392، التبصرة ص 526، الإحكام للآمدي 4/127 وما بعدها، 136، اللمع ص 69، تيسير التحرير 4/177، أثر الأدلة المختلف فيها ص 190، الفقيه والمتفقه 1/216، تخريج الفروع على الأصول ص 73، أصول مذهب أحمد ص 378، إرشاد الفحول ص 238، مختصر البعلي ص 160، مختصر الطوفي ص 138، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 31".(4/406)
وَوَجْهُ اخْتِيَارِ الأَكْثَرِ: أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّكَافُؤِ فِي الأَدِلَّةِ1؛ لأَنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ يَسْتَصْحِبُ حَالَةَ2 الإِجْمَاعِ فِي مَوْضِعِ الْخِلافِ إلاَّ وَلِخَصْمِهِ أَنْ يَسْتَصْحِبَ حَالَةَ الإِجْمَاعِ فِي مُقَابِلِهِ.
مِثَالُهُ: لَوْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ فِي مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ قِيلَ: أَجْمَعُوا عَلَى3 أَنَّ رُؤْيَةَ الْمَاءِ فِي غَيْرِ الصَّلاةِ تُبْطِلُ تَيَمُّمَهُ، فَكَذَا4 فِي الصَّلاةِ قِيلَ: أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ تَحْرِيمَتِهِ5 فَمَنْ أَبْطَلَهُ لَزِمَهُ الدَّلِيلُ6.
وَ7جَوَابُهُ: بِمَنْعِ التَّكَافُؤِ، وَإِنْ تَعَارَضَا.
وَاحْتَجَّ لَهُ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِ الشَّارِعِ.
وَأَجَابَ بِمَا مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لا يَجُوزُ اسْتِصْحَابُ حُكْمِ الدَّلِيلِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ، إلاَّ أَنْ يَتَنَاوَلَهَا الدَّلِيلُ.
__________
1 في ض: الدلالة.
2 في ض ب ز: حال.
3 ساقطة من ز.
4 في ض: وكذا.
5 في ش: تحريمه.
6 انظر: المنهاج في ترتيب الحجاج ص 31.
7 ساقطة من ش.(4/407)
"وَيَجُوزُ تَعَبُّدُ نَبِيٍّ بِشَرِيعَةِ نَبِيٍّ قَبْلَهُ عَقْلاً"؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَالٍ، وَلا يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَالٌ1، وَهَذَا عَلَى الصَّحِيحِ2.
وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ.
وَرُدَّ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ إحْيَاؤُهَا وَلَعَلَّ فِيهِ مَصْلَحَةً3 "وَلَمْ يَكُنْ نَبِيُّنَا" مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "قَبْلَ الْبَعْثَةِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَوْمُهُ" عِنْدَ أَئِمَّةِ الإِسْلامِ. كَمَا تَوَاتَرَ عَنْهُ4.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: مَنْ زَعَمَهُ فَقَوْلُ سُوءٍ5. انْتَهَى.
قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ6: وَلَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ قَبْلَ
__________
1 في ش: المحال.
2 انظر: العدة 3/751، المسودة ص 182، المستصفى 1/246، كشف الأسرار 3/212، المدخل إلى مذهب أحمد ص 134
3 انظر مناقشة القول بمنع تبعد نبي بشريعة بني قبلة في "العدة 3/751، 761 وما بعدها، المسودة ص 183، المستصفى 1/246، كشف الأسرار 3/213، المعتمد 2/899".
4 من ذلك حديث بدء الوحي الذي جاء فيه: "ثم حبِّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد، الليالي ذوات العدد ... حتى جاءه الحق" وهذا حديث صحيح، رواه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم عن عائشة، وسوف يذكره المصنف فيما بعد ص 384.
5 انظر: العدة 3/766، المدخل إلى مذهب أحمد ص 134.
6 في ض ب: المبتدئ.(4/408)
الْبَعْثَةِ1، بَلْ وُلِدَ مُسْلِمًا مُؤْمِنًا. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ2.
وَقِيلَ: بَلْ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، حَكَاهُ ابْنُ حَامِدٍ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ3. انْتَهَى.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: قُلْت الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ4: أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خَطَأٌ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْبَعْثَةِ عَلَى دِينٍ سِوَى الإِسْلامِ، وَلا كَانَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ قَطُّ. بَلْ وُلِدَ مُؤْمِنًا نَبِيًّا صَالِحًا عَلَى مَا كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلِمَهُ مِنْ حَالِهِ وَخَاتِمَتِهِ لا بِدَايَتِهِ.
"بَلْ كَانَ مُتَعَبِّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرْعِ مَنْ كَانَ5 قَبْلَهُ مُطْلَقًا" أَيْ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الأَكْثَرُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنْ الشَّافِعِيَّةِ6؛ لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النَّبِيِّينَ قَبْلَهُ دَعَا إلَى
__________
1 ساقطة من ض.
2 انظر المسودة ص 182، الإحكام للآمدي 4/148، المدخل إلى مذهب أحمد ص 134.
3 ساقطة من ش.
4 ساقطة من ض.
5 ساقطة من ش ز.
6 المختار عند الشافعية الوقف كما جاء في "جمع الجوامع 2/352"، وصرح به الغزالي والآمدي والقاضي عبد الجبار من المعتزلة، وأبو الخطاب من الحنابلة.
انظر: المحصول 1/3/397، المستصفى 1/246، الإحكام للآمدي 4/137، المسودة ص 183، البرهان 1/503، 509، المنخول ص 232، فواتح الرحموت 2/184، تخريج الفروع على الأصول ص 369، العدة 3/766.(4/409)
شَرْعِهِ كُلَّ الْمُكَلَّفِينَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَتَنَاوَلَهُ1 عُمُومُ الدَّعْوَةِ.
وَقِيلَ: بَلْ2 بِشَرْعٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ فَقِيلَ: آدَم أَوْ نُوحٌ أَوْ إبْرَاهِيمُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ3 وَالْبَغَوِيُّ وَابْنُ كَثِيرٍ وَجَمْعٌ، أَوْ مُوسَى أَوْ عِيسَى4.
وَمَنَعَهُ5 الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْبَاقِلاَّنِيّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ6، وَذَكَرَ7 بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الأَكْثَرِ: كَوْنَهُ مُتَعَبِّدًا قَبْلَ
__________
1 في ش: فيتناوله.
2 ساقطة من ز.
3 انظر: المسودة ص 182.
4 انظر: العدة 3/757، المسودة ص 193، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/352، البرهان 1/507 وما بعدها، المستصفى 1/246، الإحكام للآمدي 4/137، العضد على ابن الحاجب 2/286، المحصول 1/3/401، المعتمد 2/900، كشف الأسرار 2/212، تيسير التحرير 3/129، فواتح الرحموت 2/182، المدخل إلى مذهب أحمد ص 134، مختصر البعلي ص 161، إرشاد الفحول ص 239.
5 في ش: ومنعه.
6 في ض: أبو الحسن، ولعله أبو الحسن الأشعري، فهذا قول الأشعرية، ولعله أبو الحسين القاضي ابن أبي يعلى الحنبلي، صاحب طبقات الحنابلة، والراجح أنه أبو الحسين البصري المعتزلي، فهذا قوله، وصرح به في كتابه "المعتمد 2/899".
7 في ز: وذكره.(4/410)
الْبَعْثَةِ بِشَرْعٍ مُطْلَقًا؛ لاسْتِحَالَتِهِ عَقْلاً عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْفِيرِ عَنْهُ، وَشَرْعًا عِنْدَ الْبَاقِلاَّنِيِّ وَالرَّازِيِّ وَالآمِدِيِّ إذْ لَوْ كَانَ لَنُقِلَ، وَلَتَدَاوَلَتْهُ الأَلْسِنَةُ1.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: إنَّهُ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِشَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ: بِمَا فِي مُسْلِمٍ2 عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهُ كَانَ يَتَحَنَّثُ -أَيْ يَتَعَبَّدُ- فِي غَارِ حِرَاءٍ. وَفِي الْبُخَارِيِّ3 أَيْضًا كَانَ يَتَحَنَّثُ بِغَارِ حِرَاءٍ.
رُدَّ4 بِأَنَّ مَعْنَاهُ: التَّفَكُّرُ وَالاعْتِبَارُ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ عِبَادَةُ
__________
1 إن النقل عن الحنفية في هذه المسألة غير دقيق، لما ذكره ابن عبد الشكور في كتابه "مسلم الثبوت" والكمال ابن الهمام في كتابه "التحرير" وغيرهما من الحنفية أن: "المختار أنه صلى الله عليه وسلم متعبد بشرع قبل بعثته" فإنهم يقولون كالحنابلة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متعبداً بشرع قبل البعثة، وهذا ما اختاره أيضاً ابن الحاجب من المالكية، فقال: "المختار أنه كان متعبداً به".
انظر تحقيق المسألة مع بيان الأقوال والأدلة والمناقشة في "فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 2/183، تيسير التحرير 3/129 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب 2/286، المعتمد 2/899، 900، المسودة ص 182، 183، المحصول 2/3/397 وما بعدها، البرهان 1/508، المستصفى 1/246، الإحكام للآمدي 4/138، كشف الأسرار 3/212، المنخول ص 231 وما بعدها، العدة 3/756، 766، إرشاد الفحول ص 239".
2 صحيح مسلم بشرح النووي 2/198.
وهذا الحديث رواه الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها، "مسند أحمد 6/232".
3 صحيح البخاري بحاشية السندي 1/3.
4 ساقطة من ش.(4/411)
صَوْمٍ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ فَعَلَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ تَشَبُّهًا1 بِالأَنْبِيَاءِ.
رُدَّ بِالْمَنْعِ.
"وَتَعَبُّدُهُ2" أَيْ3 النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَيْضًا بِهِ" أَيْ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ "بَعْدَهَا" أَيْ بَعْدَ الْبَعْثَةِ عَلَى الصَّحِيحِ4.
"فَ" عَلَى هَذَا "هُوَ" أَيْ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا "شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يُنْسَخْ" عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ5.
__________
1 في ض ب: تشبيها.
2 في ب ز: وتعبد.
3 ساقطة من ب ز.
4 وهذا قول الحنفية والمالكية والحنابلة، خلافاً للشافعية، انظر بيان هذه المسألة مع الأدلة في "العدة 3/753، 757، نزهة الخاطر 1/400، المسودة ص 184، 193، مجموع الفتاوى 19/7، جمع الجوامع 2/352، الإحكام للآمدي 4/140، المحصول 1/3/401، 406 وما بعدها، تيسير التحرير 3/131، فواتح الرحموت 2/184، مختصر البعلي ص 161، المدخل إلى مذهب أحمد ص 134، إرشاد الفحول ص 240".
5 قال الحنفية والمالكية والحنابلة وبعض الشافعية إن شرع من قبلنا شرع لنا، وقال أكثر الشافعية والأشاعرة والمعتزلة وأحمد في رواية: إن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا، ولكل قول دليله، فانظر الأقوال والأدلة والمناقشة في "الروضة ص 160 وما بعدها، المستصفى 1/251، 255، العضد على ابن الحاجب 2/287، الإحكام للآمدي 4/140، كشف الأسرار 3/213، تيسير التحرير 3/131، أصول السرخسي 2/99، فتح الغفار 2/139، المنخول ص 333، مختصر البعلي ص 161، أصول مذهب أحمد ص 485، 491، أثر الأدلة المختلف فيها ص 534، التوضيح على التنقيح 2/276، مختصر الطوفي ص 140، إرشاد الفحول ص 240، تخريج الفروع على الأصول ص 369، العدة 3/756".(4/412)
"وَمَعْنَاهُ فِي قَوْلٍ: أَنَّهُ مُوَافِقٌ، لا مُتَابِعٌ"
قَالَ الْقَاضِي: مِنْ حَيْثُ صَارَ شَرْعًا لِنَبِيِّنَا1، لا مِنْ حَيْثُ صَارَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَهُ2.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مُوَافِقٌ لا مُتَابِعٌ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ: أَنَّهُ شَرْعٌ لَمْ يُنْسَخْ، فَيَعُمُّنَا لَفْظًا3.
4وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عَقْلاً، لِتَسَاوِي الأَحْكَامِ، وَهُوَ الاعْتِبَارُ الْمَذْكُورُ فِي قَصَصِهِمْ فَيَعُمُّنَا حُكْمًا4. "وَيُعْتَبَرُ فِي قَوْلٍ" لِلْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ5 وَغَيْرِهِمَا "ثُبُوتُهُ قَطْعًا".
قَالَ الْقَاضِي: وَإِنَّمَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ شَرْعًا لَهُمْ [بِدَلِيلٍ] 6 مَقْطُوعٍ7 بِهِ: إمَّا بِكِتَابٍ، أَوْ بِخَبَرِ الصَّادِقِ، أَوْ بِنَقْلٍ
__________
1 في ض ب: لنبيه.
2 عبارة القاضي: "فقد صار شريعة لنبينا، ويلزمنا أحكامه من حيث صار شريعة له، لا من حيث كان شريعة لمن قبله" "العدة 3/753" وانظر: المسودة ص 185.
3 انظر: العدة 3/753، المسودة ص 185.
4 ساقطة من ض. انظر المسودة ص 185.
5 في ش: وابن عقيلي.
6 زيادة من العدة وساقطة من جميع النسخ.
7 ساقطة من ض.(4/413)
مُتَوَاتِرٍ1.
فَأَمَّا الرُّجُوعُ إلَيْهِمْ، أَوْ إلَى كُتُبِهِمْ: فَلا، وَقَدْ أَوْمَأَ أَحْمَدُ إلَى هَذَا2، وَمَعْنَاهُ لابْنِ حَمْدَانَ. فَقَالَ: كَانَ هُوَ وَأُمَّتُهُ مُتَعَبَّدِينَ بِشَرْعِ مَنْ تَقَدَّمَ بِالْوَحْيِ إلَيْهِ فِي الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ، لا مِنْ كُتُبِهِمْ الْمُبَدَّلَةِ، وَنَقْلِ أَرْبَابِهَا، مَا لَمْ يُنْسَخْ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ: وَيَثْبُتُ3 أَيْضًا بِأَخْبَارِ الآحَادِ عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4.
وَقِيلَ: نُقِلَ5 عَنْ أَحْمَدَ نَفْيُ التَّعَبُّدِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَكَوْنُ6 شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعًا لَنَا7.
__________
1 عبارة القاضي: "وإنما نرجع إلى ما ثبت بدليل مقطوع عليه من قرآن أو خبر متواتر أو سنة متواترة أو وحي نزل به" "العدة 3/757"، وانظر: المسودة ص 183-184.
2 انظر المسودة ص 184، كشف الأسرار 3/213، أصول السرخسي 2/99، تيسير التحرير 3/131، المدخل إلى مذهب أحمد ص 135.
3 في ش: وثبت.
4 انظر: المسودة ص 186.
5 في ض: ونقل.
6 في ض: وكونه. ومعناه: نفي كون شرع من قبلنا شرعاً لنا.
7 انظر العدة 3/756، 761، الروضة ص 162، المسودة ص 193، مختصر البعلي ص 161، الإحكام للآمدي 4/140 وما بعدها، المستصفى 1/251 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/287، المحصول 1/3/401 وما بعدها، تخريج الفروع على الأصول ص 369، كشف الأسرار 3/214، أصول البزدوي ص 234، إرشاد الفحول ص 240.(4/414)
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الأَوَّلِ: قَوْله تَعَالَى {فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ} 1.
رُدَّ، أَرَادَ الْهُدَى الْمُشْتَرَكُ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ لاخْتِلافِ شَرَائِعِهِمْ، وَالْعَقْلُ هَادٍ إلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ بِأَمْرٍ مُجَدَّدٍ لا بِالاقْتِدَاءِ.
أُجِيبَ: الشَّرِيعَةُ مِنْ الْهُدَى، وَقَدْ أُمِرَ بِالاقْتِدَاءِ، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِالنَّاسِخِ، كَشَرِيعَةٍ وَاحِدَةٍ2.
قَالَ مُجَاهِدٌ لابْنِ عَبَّاسٍ " أَأَسْجَدُ فِي ص3؟ فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ4، وَقَالَ5: نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ أُمِرَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ6.
__________
1 الآية 90 من الأنعام.
2 انظر العدة 3/757، نزهة الخاطر 1/401، زاد المسير 3/81.
3 وهي قوله تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} سورة ص/25.
4 ذكر الإمام البخاري الآية، وهي: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ... أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} الأنعام/84، 90.
5 في ض ب: فقال.
6 روى البخاري عن مجاهد قال: سألت ابن عباس: من أين سجدت؟ فقال: أوما تقرأ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ... أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} فكان داود ممن أُمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدى به، فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم "صحيح البخاري 3/118".
والحديث رواه الترمذي والنسائي وأحمد =(4/415)
وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْك أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ} 1.
رُدَّ، أَرَادَ التَّوْحِيدَ؛ لأَنَّ الْفُرُوعَ لَيْسَتْ مِلَّةً وَلِهَذَا لَمْ يَبْحَثْ عَنْهَا.
أُجِيبَ: الْفُرُوعُ مِنْ الْمِلَّةِ تَبَعًا، كَمِلَّةِ نَبِيِّنَا؛ لأَنَّهَا دِينُهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ2.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هُوَ الظَّاهِرُ. وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الأُصُولِيِّينَ. وَقَدْ أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهَا مُطْلَقًا3.
وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} 4.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ5 مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا "مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ
__________
= انظر صحيح البخاري 1/130، 3/118، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 3/176، سنن النسائي 2/123، مسند أحمد 1/279.
1 الآية 123 من النحل.
2 في ش: الموحدين المعتبرين. وانظر العدة 3/759، زاد المسير 4/504.
3 انظر زاد المسير 4/504، 7/276.
4 الآية 13 من الشورى.
5 صحيح مسلم بشرح النووي 5/193.(4/416)
تَعَالَى قَالَ: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} 1"، وَهُوَ خِطَابٌ لِمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ. وَسِيَاقُهُ2 وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ احْتَجَّ بِهِ؛ لأَنَّ أُمَّتَهُ أُمِرَتْ مُوسَى.
وَاسْتَدَلَّ بِتَعَبُّدِهِ بِهِ قَبْلَ بَعْثَتِهِ3، وَالأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَبِالاتِّفَاقِ عَلَى الاسْتِدْلالِ4 بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 5 وَبِرُجُوعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى التَّوْرَاةِ فِي الرَّجْمِ6.
"وَالاسْتِقْرَاءُ7 بِالْجُزْئِيِّ عَلَى الْكُلِّيِّ" الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَصْنَافِ
__________
1 الآية 14 من طه.
2 ساقطة من ض.
3 في ض ب: البعثة.
4 في ض: استدلال.
5 الآية 45 من المائدة.
6 روى البخاري ومسلم وأبو داود ومالك وأحمد –وهذا نصه- عن ابن عمر أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة منهم قد زنيا فقال: "ما تجدون في كتابكم؟ " فقالوا: نُسَخِّم وجوههما ويخزيان، فقال "كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ... "، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما ... "، ورواه مسلم وأبو داود وابن ماجة عن البراء.
انظر: صحيح البخاري بشرح السندي 2/185، صحيح مسلم بشرح النووي 11/208، 209، سنن أبي داود 2/463، 464، الموطأ ص 512، مسند أحمد 2/5، نيل الأوطار 7/97، صحيح البخاري بشرح الكرماني 14/191.
7 عرف القرافي الاستقراء بأنه: "تتبع الحكم في جزئياته" "شرح تنقيح الفصول ص 448"، وهو عكس القياس عند المناطقة.(4/417)
الاسْتِدْلالِ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: اسْتِقْرَاءٌ1 تَامٌّ2. وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "إنْ3 كَانَ" أَيْ4 الاسْتِقْرَاءُ "تَامًّا" أَيْ بِالْكُلِّيِّ5 "إلاَّ صُورَةَ النِّزَاعِ، فَ" هُوَ "قَطْعِيٌّ" عِنْدَ الأَكْثَرِ6.
وَحُدَّ هَذَا: بِأَنَّهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ فِي جُزْئِيٍّ لِثُبُوتِهِ فِي الْكُلِّيِّ7 نَحْوُ: كُلُّ جِسْمٍ مُتَحَيِّزٌ. فَإِنَّا اسْتَقْرَأْنَا جَمِيعَ8 جُزْئِيَّاتِ الْجِسْمِ فَوَجَدْنَاهَا مُنْحَصِرَةً فِي الْجَمَادِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، وَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ مُتَحَيِّزٌ فَقَدْ أَفَادَ هَذَا الاسْتِقْرَاءُ الْحُكْمَ9 يَقِينًا فِي كُلِّيٍّ، وَهُوَ
__________
1 وانظر تعريف الاستقراء في "المحلي والبناني على جمع الجوامع 2/345، مناهج العقول 3/159، نهاية السول 1/188، 3/160، أثر الأدلة المختلف فيها ص 648".
2 ساقطة من ض.
3 الاستقراء التام هو ما يكون فيه حصر الكلي في جزئياته، ويكون بتصفح جميع الجزئيات.
انظر تعريف الاستقراء التام في "مناهج العقول 3/159، أثر الأدلة المختلف فيها ص 648".
4 في ش: وإن
5. ساقطة من ش ض في ش: بالكل..
6 انظر: المحلي والبناني على جمع الجوامع 2/245، 246.
7 في ش: بالكل، وفي ز: الكل.
8 في ض: استقرأ بجميع.
9 في ب: بالحكم.(4/418)
الْجِسْمُ الَّذِي هُوَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْجُزْئِيَّاتِ. فَكُلُّ جُزْئِيٍّ مِنْ ذَلِكَ الْكُلِّيِّ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمَا حُكِمَ بِهِ عَلَى الْكُلِّيِّ1، إلاَّ صُورَةَ النِّزَاعِ. فَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى صُورَةِ النِّزَاعِ، وَهُوَ مُفِيدٌ لِلْقَطْعِ، فَإِنَّ2 الْقِيَاسَ الْمَنْطِقِيَّ مُفِيدٌ لِلْقَطْعِ عِنْدَ الأَكْثَرِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: اسْتِقْرَاءٌ نَاقِصٌ، وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ"3 إنْ كَانَ "نَاقِصًا" أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الاسْتِقْرَاءُ "بِأَكْثَرِ الْجُزْئِيَّاتِ 4" لإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْكُلِّيِّ5 الْمُشْتَرِكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ، بِشَرْطِ أَنْ لا تَتَبَيَّنَ الْعِلَّةُ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْحُكْمِ "وَيُسَمَّى" هَذَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ "إلْحَاقُ الْفَرْدِ بِالأَعَمِّ الأَغْلَبِ، فَ" هُوَ "ظَنِّيٌّ" وَيَخْتَلِفُ فِيهِ الظَّنُّ بِاخْتِلافِ الْجُزْئِيَّاتِ. فَكُلَّمَا6 كَانَ الاسْتِقْرَاءُ فِي أَكْثَرَ كَانَ أَقْوَى ظَنًّا7.
__________
1 في ش: الأول الكلي، وفي ز: الكل.
2 في ش ز: فإنه القياس، فإن.
3 ساقطة من ض.
4 الاستقراء الناقص هو ما لا يكون فيه حصر الكلي في جزئياته، بأن لا يكون فيه تتبع لجميع جزئيات الكلي وهو المراد عند الأصوليين، والأول هو المراد عند المناطقة، وعرف الإمام الرازي الاستقراء الناقص فقال: "الاستقراء المظنون هو إثبات حكم في كلي، لثبوته في بعض جزئياته" "المحصول 2/3/217".
وانظر: تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 2/345، مناهج العقول 3/160، أثر الأدلة المختلف فيها ص 648.
5 في ش: الكلي، وفي ز: للكل.
6 في ض: فلما.
7 انظر المحلي والبناني على جمع الجوامع 2/346، المحصول 2/3/218، نهاية السول 3/160، مناهج العقول 3/160.(4/419)
"وَكُلٌّ" مِنْ النَّوْعَيْنِ "حُجَّةٌ" أَمَّا الأَوَّلُ: فَبِالاتِّفَاقِ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَعِنْدَ صَاحِبِ الْحَاصِلِ وَالْبَيْضَاوِيِّ وَالْهِنْدِيِّ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ1. كَقَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ: الْوِتْرُ يُفْعَلُ رَاكِبًا فَلَيْسَ وَاجِبًا2، لاسْتِقْرَاءِ الْوَاجِبَاتِ: الأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَلَمْ نَرَ شَيْئًا مِنْهَا3 يُفْعَلُ رَاكِبًا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ الظَّنَّ: أَنَّا إذَا وَجَدْنَا صُوَرًا كَثِيرَةً دَاخِلَةً تَحْتَ نَوْعٍ، وَاشْتَرَكَتْ فِي حُكْمٍ، وَلَمْ نَرَ شَيْئًا مِمَّا4 يُعْلَمُ أَنَّهُ مِنْهَا5: خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ، أَفَادَتْنَا تِلْكَ الْكَثْرَةُ قَطْعًا عَنْ ظَنِّ6 الْحُكْمِ7 بِعَدَمِ أَدَاءِ الْفَرْضِ رَاكِبًا فِي مِثَالِنَا هَذَا مِنْ صِفَاتِ ذَلِكَ النَّوْعِ، وَهُوَ الصَّلاةُ الْوَاجِبَةُ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُفِيدًا لِلظَّنِّ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِ وَاجِبًا.
وَمِنْ شَوَاهِدِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ: مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ
__________
1 احتج بهذا النوع المالكية والشافعية والحنابلة، ورجع إليه الحنفية أيضاً.
انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/345، نهاية السول 1/188، 3/160، المستصفى 1/51، المحصول 2/3/218، الموافقات 3/5، مختصر البعلي ص 161، شرح تنقيح الفصول ص 448.
2 في ض: بواجب.
3 في ز: منها شيئاً.
4 في ز: منها.
5 في ب ض: منها أنه.
6 في ش: عن ظن.
7 ساقطة من ش.(4/420)
حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا "إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ1 بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسَبُ أَنَّهُ صَدَقَ فَأَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَتْرُكْهَا" 2.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ3 الاسْتِدْلالَ إمَّا بِالْجُزْئِيِّ عَلَى الْكُلِّيِّ، وَهُوَ الاسْتِقْرَاءُ، أَوْ بِالْكُلِّيِّ عَلَى الْجُزْئِيِّ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، أَوْ بِالْجُزْئِيِّ عَلَى الْجُزْئِيِّ، وَهُوَ4 التَّمْثِيلُ، أَوْ بِالْكُلِّيِّ عَلَى الْكُلِّيِّ، وَهُوَ5 قِيَاسٌ6 أَوْ7 تَمْثِيلٌ8.
__________
1 في ب ض ز: وإنه يأتيني الخصم، فلعل.
2 هذا حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك والشافعي وأحمد والبيهقي وغيرهم عن أم سلمة رضي الله عنها مرفوعاً.
انظر صحيح البخاري بحاشية السندي 4/163، صحيح مسلم بشرح النووي 12/4، سنن أبي داود 2/370، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 4/568، سنن النسائي 8/205، سنن ابن ماجة 2/777، الموطأ ص 448، بدائع المنن 2/233، السنن الكبرى للبيهقي 10/144، مسند أحمد 6/203، 290، مجمع الزوائد 4/198، اللؤلؤ والمرجان 2/192، إحكام الأحكام 2/291، نيل الاوطار 2/288.
3 ساقطة من ش، وفي د ز: اعلم بأن.
4 في ض: فهو.
5 في ز ض: أو.
6 في ش: قياس التمثيل.
7 في ش ز: و.
8 التمثيل، أو الاستدلال بالجزئي على الجزئي، هو القياس الأصولي. "انظر: تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 2/345".(4/421)
"وَقَوْلُ صَحَابِيٍّ عَلَى" صَحَابِيٍّ "مِثْلِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ" عَلَيْهِ اتِّفَاقًا.
وَنَقَلَ ابْنُ عَقِيلٍ: الإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَزَادَ1: وَلَوْ كَانَ أَعْلَمَ أَوْ إمَامًا، أَوْ حَاكِمًا2.
"وَ" قَوْلُ صَحَابِيٍّ "عَلَى غَيْرِهِ" تَارَةً يَنْتَشِرُ وَتَارَةً لا يَنْتَشِرُ.
"فَإِنْ انْتَشَرَ وَلَمْ يُنْكَرْ: فَسَبَقَ" فِي الإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ3.
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْتَشِرْ "فَ" هُوَ "حُجَّةٌ مُقَدَّمًا4 عَلَى الْقِيَاسِ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا5.
__________
1 ساقطة من ض.
2 انظر: جمع الجوامع 2/354، الإحكام للآمدي 4/149، العضد على ابن الحاجب 2/287، نهاية السول 3/172، كشف الأسرار 3/217، أصول السرخسي 2/109، تيسير التحرير 3/132، فواتح الرحموت 2/186، فتح الغفار 2/139 وما بعدها، القواعد والفوائد الأصولية ص 295، إرشاد الفحول ص 243، أصول مذهب أحمد ص 391.
3 في المجلد الثاني ص 212.
وانظر: المسودة ص 335، إعلام الموقعين 1/31، الروضة ص 165، القواعد والفوائد الأصولية ص 295، مختصر البعلي ص 161، جمع الجوامع 2/354، المحصول 2/3/178، 182، المستصفى 1/271، التبصرة ص 391، المنخول ص 318، التمهيد للأسنوي ص 153، نهاية السول 3/173، مناهج العقول 3/171، التوضيح على التنقيح 2/277، تيسير التحرير 3/133، فواتح الرحموت 2/186.
4 في ش: مقدماً.
5 وهذا قول المالكية وأكثر الحنابلة وبعض الحنفية والشافعي في القديم، ولهم أدلة كثيرة، ويذكرون أمثلة وأحكاماً متعددة.
انظر: المسودة ص 276، 336، 470، الإحكام لابن حزم 2/817، الروضة ص 165، شرح تنقيح الفصول ص 445، التبصرة ص 395، =(4/422)
وَقِيلَ: لا يَكُونُ حُجَّةً مُقَدَّمًا1 عَلَى الْقِيَاسِ إلاَّ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ قِيَاسُ تَقْرِيبٍ2.
فَعَلَى الأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ "إنْ3 اخْتَلَفَ صَحَابِيَّانِ فَكَدَلِيلَيْنِ" تَعَارَضَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ التَّعَارُضِ4.
__________
= البرهان 2/1358، الإحكام للآمدي 4/149، المحصول 2/3/178، نهاية السول 3/173، تيسير التحرير 3/132، العضد على ابن الحاجب 2/287، التمهيد للأسنوي ص 153، أصول السرخسي 2/105، كشف الأسرار 3/217، 219، تأسيس النظر ص 105، مختصر البعلي ص 161، مختصر الطوفي ص 142، إعلام الموقعين 2/255، 256، القواعد والفوائد الأصولية ص 295، أخبار أبي حنيفة ص 10، أصول مذهب أحمد ص 394، 395، المدخل إلى مذهب أحمد ص 135، فواتح الرحموت 2/186، المعتمد 2/539، أثر الأدلة المختلف فيها ص 338، 340، تخريج الفروع على الأصول ص 179، الجدل لابن عقيل ص 8.
1 في ش: مقدم.
2 القول بإنكار حجية قول الصحابي ينسب إلى جمهور الأصوليين، وهو قول الشافعي في الجديد والرواية الثانية لأحمد، ورجحه الغزالي والآمدي وابن الحاجب المالكي والكرخي الحنفي والشوكاني وغيرهم، ولهم أدلة كثيرة، ويناقشون أدلة القول الأول.
انظر: المسودة ص 337، المستصفى 1/261، العضد على ابن الحاجب 2/287، التمهيد للأسنوي ص 153، الروضة ص 165، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/354، الإحكام للآمدي 4/149، البرهان 2/1359، كشف الأسرار 3/217، المحصول 2/3/174، التبصرة 2/395، التوضيح على التنقيح 2/277، أصول السرخسي 2/105، 106، تخريج الفروع على الأصول ص 179، أصول مذهب أحمد ص 394، 398، أثر الأدلة المختلف فيها ص 340، إرشاد الفحول ص 243.
3 في ض ز: إذا.
4 انظر جمع الجوامع 2/354، تيسير التحرير 3/133، فواتح الرحموت 2/186 وسيذكر المصنف باب التعارض فيما بعد ص 424، 425 وما بعدها.(4/423)
"هَذَا إنْ وَافَقَ" قَوْلُ الصَّحَابِيِّ1 "الْقِيَاسَ، وَإِلاَّ2" أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ3 الْقِيَاسَ "حُمِلَ عَلَى التَّوْقِيفِ" ظَاهِرًا4 عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَالشَّافِعِيِّ5 وَالْحَنَفِيَّةِ، وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالرَّازِيِّ6.
قَالَ7 الْبِرْمَاوِيُّ: وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ8 الصَّحَابِيَّ إذَا قَالَ مَا لا9 يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ، بَلْ عَنْ تَوْقِيفٍ: أَنَّهُ يَكُونُ مَرْفُوعًا، صَرَّحَ بِهِ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ وَالأُصُولِ. انْتَهَى.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَبَنَيْنَا عَلَيْهِ مَسَائِلَ كَتَغْلِيظِ10 الدِّيَةِ
__________
1 في ض: صحابي.
2 ساقطة من ض.
3 في ض: صحابي.
4 ساقطة من ض.
5 في ز: والشافعية.
6 انظر: المسودة ص 336، 338، المحصول 2/1/643، 2/3/178، 182، البرهان 2/1361، الإحكام للآمدي 4/149، التمهيد للأسنوي ص 153، الكفاية للرازي ص 593، التوضيح على التنقيح 2/277، كشف الأسرار 3/217، 218، فواتح الرحموت 2/187، فتح الغفار 2/140، أصول السرخسي 2/110، شرح تنقيح الفصول ص 445، القواعد والفوائد الأصولية ص 295، التبصرة ص 399، مختصر البعلي ص 161، إعلام الموقعين 4/202، أصول مذهب أحمد ص 392، 393، إرشاد الفحول ص 243، أثر الأدلة المختلف فيها ص 341، تأسيس النظر 103 ص.
7 في ب: و.
8 ساقطة من ب.
9 في ب: لم.
10 في ش: لتغليظ.(4/424)
بِالْحُرُمَاتِ1 الثَّلاثِ2.
وَخَالَفَ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ3.
"فَـ" ـعَلَى الْقَوْلِ الأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ "يَكُونُ" قَوْلُ الصَّحَابِيِّ الْمَحْمُولُ عَلَى التَّوْقِيفِ "حُجَّةً حَتَّى عَلَى صَحَابِيٍّ" عِنْدَنَا وَقَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ4 كَانَ حَدِيثًا لَرَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلاَّ يَكُونَ كَاتِمًا لِلْعِلْمِ!
قِيلَ: لا يَلْزَمُ إذَا رَوَى ذَلِكَ وَكَانَ تَوْقِيفًا: أَنْ يُصَرِّحَ بِرَفْعِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ نَقَلَهُ وَلَمْ يَبْلُغْنَا، أَوْ ظَنَّ نَقْلَ غَيْرِهِ لَهُ5 فَاكْتَفَى بِذَلِكَ.
"وَيُعْمَلُ بِهِ" أَيْ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ الْمَحْمُولِ عَلَى التَّوْقِيفِ "وَإِنْ" أَيْ وَلَوْ "عَارَضَ خَبَرًا مُتَّصِلاً" مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ؛ لأَنَّ6
__________
1 في ض: بالمحرمات.
2 قال أبو المعالي الجويني عن الشافعي رضي الله عنه: "والظن أنه رجع عن الاحتجاج بقولهم فيما يوافق القياس، دون ما يخالف القياس، إذ لم يختلف قوله جديداً وقديماً في تغليظ الدية بالحرمة والأشهر الحرم، ولا مستند له إلا أقوال الصحابة" "البرهان 2/1362".
3 انظر المسودة ص 328، القواعد والفوائد الأصولية ص 296، مختصر البعلي ص 161، الإحكام للآمدي 4/149، العضد على ابن الحاجب 2/288، نهاية السول 3/173، إعلام الموقعين 4/202.
4 في ض ب: فلو.
5 ساقطة من ض ب.
6 في ض: ولأن.(4/425)
الْمَحْمُولَ عَلَى التَّوْقِيفِ لا تَجْرِي1 عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْقِيَاسِ2.
"وَمَذْهَبُ التَّابِعِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ" لِلتَّسَلْسُلِ "مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ وَافَقَ الْقِيَاسَ3 أَوْ خَالَفَهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مَحَلَّ وِفَاقٍ وَقَالَ: لا يُخَصُّ بِهِ الْعُمُومُ وَلا يُفَسَّرُ بِهِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ4.
قَالَ: وَعَنْهُ جَوَازُ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ "لا يَكَادُ يَجِيءُ شَيْءٌ عَنْ التَّابِعِينَ إلاَّ يُوجَدُ عَنْ الصَّحَابَةِ"5.
__________
1 في ض ز: يجري.
2 انظر حجية قول الصحابي الذي يخالف القياس، وهو قول الحنفية والشافعية ورواية عن أحمد، وأنكر لمن ابن بدران ذلك، وقال: إنه ليس بحجة، وهو رواية ثانية عن أحمد.
انظر: المسودة ص 338، المدخل إلى مذهب أحمد ص 394، نزهة الخاطر 1/403، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/354، 355، التمهيد للأسنوي ص 153، نهاية السول 3/173، إعلام الموقعين 4/201، أثر الأدلة المختلف فيها ص 341.
3 في ب: محل القياس.
4 انظر: المسودة ص 339، القواعد والفوائد الأصولية ص 299، مختصر البعلي ص 162، إعلام الموقعين 4/201.
قال بعض العلماء: إن التابعي إذا ظهرت فتواه في زمن الصحابة فهو كالصحابي، لأنه بتسليمهم إياه دخل في جملتهم، وخالف الأكثرون ذلك.
5 انظر: المسودة ص 339، القواعد والفوائد الأصولية ص 229، التوضيح على التنقيح 2/277، فتح الغفار 2/140.(4/426)
"فَصْلٌ الاسْتِحْسَانُ"
"قِيلَ" بِالْعَمَلِ "بِهِ فِي مَوَاضِعَ".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: أَطْلَقَ أَحْمَدُ الْقَوْلَ بِهِ فِي مَوَاضِعَ. انْتَهَى.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: قُلْت قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: أَسْتَحْسِنُ أَنْ يَتَيَمَّمَ1 لِكُلِّ صَلاةٍ. وَالْقِيَاسُ: أَنَّهُ2 بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ حَتَّى يُحْدِثَ أَوْ يَجِدَ الْمَاءَ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ3، فِيمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا، الزَّرْعُ لِرَبِّ الأَرْضِ، وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ يُوَافِقُ الْقِيَاسَ4، وَلَكِنْ أَسْتَحْسِنُ أَنْ يَدْفَعَ
__________
1 في ش: يقيم.
2 ساقطة من ض.
3 هو بكر بن محمد، أبو أحمد، النسائي الأصل، البغدادي المنشأ، صحب الإمام أحمد، وأخذ عنه، وروى مسائل كثيرة سمعها من الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وكان الإمام أحمد يقدِّمه ويكرمه، ولم تؤرخ وفاته في طبقات الحنابلة.
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/119، المنهج الأحمد 1/278".
4 العبارة في "المسودة ص 452": "وهذا شيء لا يوافق القياس".(4/427)
إلَيْهِ النَّفَقَةَ. انْتَهَى1.
وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ2.
قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ: لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ، وَكُتُبُ أَصْحَابِنَا مَمْلُوءَةٌ مِنْهُ كَابْنِ الْقَاسِمِ3، وَأَشْهَبَ4
__________
1 انظر أمثلة من المسائل التي أطلق فيها الإمام أحمد الاستحسان في "المسودة ص 451 وما بعدها، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 136".
2 انظر: التوضيح على التنقيح 3/2، تيسير التحرير 4/78، فواتح الرحموت 2/320، كشف الأسرار 4/3، فتح الغفار 3/30، أصول السرخسي 2/204.
3 هو عبد الرحمن بن القاسم بن خالد المصري، أبو عبد الله، الحافظ، رواية الإمام مالك، وأثبت الناس به، وأعلمهم بأقواله، صحبه عشرين سنة، روى عنه الموطأ بأصح الأسانيد، وهو صاحب المدونة، وأخرج له البخاري والنسائي وروى عنه كثيرون، وكان ثقة صالحاً، زاهداً ورعاً فقيهاً، قال عنه ابن حبان: كان حبراً فاضلاً، مات بمصر سنة 191 هـ.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب ص 147، ترتيب المدارك 1/433، الخلاصة 2/148، طبقات الفقهاء ص 150، حسن المحاضرة 1/303، وفيات الأعيان 2/311، شجرة النور الزكية ص 58".
4 هو أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم، القيسي العامري المصري، أبو عمرو، الفقيه، صاحب الإمام مالك، وانتهت إليه الرئاسة بمصر بعد موت ابن القاسم، روى عن الليث والفضيل ومالك، وتفقه به، كان ثقة، وأخذ عنه جماعة، وروى له أبو داود والنسائي، قال ابن عبد البر: كان فقيهاً، حسن الرأي والنظر. ويقال اسمه: مسكين، وأشهب لقب له، قال ابن خلكان: والأول أصح، توفي بمصر سنة 204هـ.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب ص 98، شجرة النور الزكية ص 59، حسن المحاضرة 1/305، وفيات الأعيان 1/215، طبقات الفقهاء ص 150، ترتيب المدارك 1/447".(4/428)
وَغَيْرِهِمَا1.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَسْتَحْسِنُ الْمُتْعَةَ ثَلاثِينَ دِرْهَمًا2، وَثُبُوتَ الشُّفْعَةِ إلَى ثَلاثَةٍ3، وَتَرْكَ شَيْءٍ مِنْ الْكِتَابَةِ4، وَأَنْ لا تُقْطَعَ يُمْنَى5 سَارِقٍ أَخْرَجَ يَدَهُ الْيُسْرَى فَقُطِعَتْ6، وَالتَّحْلِيفَ عَلَى الْمُصْحَفِ7.
وَالأَشْهَرُ عَنْهُ: إنْكَارُ اسْتِحْسَانٍ وَقَالَهُ8 أَصْحَابُهُ.
وَقَالَ: مَنْ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ9 - بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ - أَيْ10
__________
1 انظر: المسودة ص 451، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/288، إرشاد الفحول ص 280.
2 المراد متعة الطلاق التي وردت في القرآن الكريم في عدة آيات، منها قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} البقرة/241.
3 انظر: أحكام القرآن للشافعي 1/201، الأم 5/62، 7/235، مغني المحتاج 3/242، الإحكام للآمدي 4/157.
انظر: الأم 3/231، مختصر المزني واختلاف الحديث على هامش الأم 3/47.
4 وهي مكاتبة العبد بأن يتفق معه السيد على دفع مقدار معين له على أقساط ليصبح بعدها حراً، لقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} النور/33، "انظر: الأم 7/362، 364، مختصر المزني على هامش الأم 5/275".
5 في ض: يمين.
6 انظر: الأم 6/133- 139، مختصر المزني 5/169.
7 انظر: وسائل الإثبات ص 364.
8 في ش: وقال.
9 الرسالة ص 507، الأم 7/270.
10 ساقطة من ش.(4/429)
نَصَبَ شَرْعًا عَلَى خِلافِ مَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَأَنْكَرَهُ1 عَلَى الْحَنَفِيَّةِ2.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا: إنْكَارُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: الْحَنَفِيَّةُ تَقُولُ3: نَسْتَحْسِنُ هَذَا وَنَدَعُ الْقِيَاسَ، فَنَدَعُ مَا نَزْعُمُهُ4 الْحَقَّ بِالاسْتِحْسَانِ، وَأَنَا أَذْهَبُ إلَى كُلِّ حَدِيثٍ جَاءَ، وَلا5 أَقِيسُ عَلَيْهِ6.
قَالَ الْقَاضِي: هَذَا يَدُلُّ عَلَى إبْطَالِهِ7، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنْكَرَ مَا لا دَلِيلَ لَهُ، قَالَ: وَمَعْنَى " أَذْهَبُ إلَى مَا جَاءَ وَلا أَقِيسُ " أَيْ أَتْرُكُ الْقِيَاسَ بِالْخَبَرِ، وَهُوَ الاسْتِحْسَانُ بِالدَّلِيلِ8.
وَأَوَّلَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ كَلامَ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ
__________
1 في ش: وأنكر.
2 انظر الرسالة ص 25، 505، 507، الأم 7/270 وما بعدها، المستصفى 1/274، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/353، المنخول ص 374، التبصرة ص 492، الإحكام للآمدي 4/156.
3 في ض: يقول.
4 في "المسودة ص 452": فيدعون ما يزعمون أنه.
5 ساقطة من ش.
6 انظر: المسودة ص 452، 454.
7 انظر: أصول مذهب أحمد ص 510، الروضة ص 168.
8 وهذا ما يراه المجد ابن تيمية عند تعريفه الاستحسان، فقال: هو "ترك القياس الجلي وغيره لدليل نص من خبر واحد أو غيره، أو ترك القياس لقول الصحابي فيما لا يجري فيه القياس" "المسودة ص 451، 452".(4/430)
بِدَلِيلٍ، لَكِنَّهُ سَمَّاهُ اسْتِحْسَانًا؛ لأَنَّهُ عَدَّهُ حَسَنًا1.
"وَهُوَ لُغَةً" أَيْ فِي عُرْفِ أَهْلِ اللُّغَةِ "اعْتِقَادُ الشَّيْءِ حَسَنًا"2.
"وَ" الاسْتِحْسَانُ "عُرْفًا" أَيْ فِي عُرْفِ الأُصُولِيِّينَ "الْعُدُولُ بِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ نَظَائِرِهَا لِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ" خَاصٍّ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ3.
__________
1 انظر: جمع الجوامع والمحلي والبناني عليه 2/354، المنخول ص 374، شرح تنقيح الفصول ص 451.
2 انظر: القاموس المحيط 4/214، المصباح المنير 1/187، مختار الصحاح ص 137، أساس البلاغة ص 174.
3 هذا تعريف الكرخي للاستحسان، وهناك تعريفات أخرى، فانظر تعريف الاستحسان في اصطلاح علماء الأصول، والمعاني التي يتفرع إليها، مع الأمثلة والأدلة، وتحقيق القول فيه في "المسودة ص 451، 452، 453، 454، المستصفى 1/275 وما بعدها، الإحكام للآمدي 4/156، العضد على ابن الحاجب 2/288، المعتمد 3/838، شرح تنقيح الفصول ص 451، المحصول 2/3/166، 171، المحلي والبناني على جمع الجوامع 2/353، كشف الأسرار 4/3، التوضيح على التنقيح 3/4، أصول السرخسي 2/204، التبصرة ص 494، اللمع ص 68، الاعتصام 2/112، نهاية السول 3/168، مناهج العقول 3/166، تيسير التحرير 4/78، فواتح الرحموت 2/320، الروضة ص 167، إرشاد الفحول ص 241، التعريفات للجرجاني ص 12، الحدود للباجي ص 65، المدخل إلى مذهب أحمد ص 135، أصول مذهب أحمد ص 501 وما بعدها، مختصر البعلي ص 162، مختصر الطوفي ص 143، أثر الأدلة المختلفة فيها ص 122".(4/431)
قَالَ الطُّوفِيُّ: مِثَالُهُ قَوْلُ أَبِي1 الْخَطَّابِ فِي مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ: وَإِذَا اشْتَرَى مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ الأَوَّلِ: لَمْ يَجُزْ اسْتِحْسَانًا وَجَازَ2 قِيَاسًا، فَالْحُكْمُ فِي نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ: الْجَوَازُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، لَكِنْ عَدَلَ بِهَا عَنْ نَظَائِرِهَا بِطَرِيقِ الاسْتِحْسَانِ، فَمُنِعَتْ. وَحَاصِلُ3 هَذَا يَرْجِعُ إلَى تَخْصِيصِ الدَّلِيلِ بِدَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ4.
وَحَّدَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ دَلِيلٌ يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ يَعْجِزُ عَنْ التَّعْبِيرِ عَنْهُ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: مَا لا يُعَبَّرُ عَنْهُ لا يُدْرَى: أَوَهْمٌ5 أَوْ تَحْقِيقٌ6؟.
"وَالْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ: إثْبَاتُ الْعِلَّةِ بِالْمُنَاسَبَةِ7 وَسَبَقَ" ذَلِكَ
__________
1 في ض: ابن.
2 ساقطة من ش.
3 ساقطة من ش.
4 ذهب بعض الحنابلة إلى حصر الاستحسان بالتخصيص، وأنكر عليهم آخرون ذلك.
انظر: المسودة ص 453، 454، أصول مذهب أحمد ص 509، مجموع الفتاوى 31/339، نزهة الخاطر 1/407.
5 في الروضة: أهو وهم.
6 الروضة ص 169، وانظر: نزهة الخاطر 1/408.
7 انظر تعريف المصالح المرسلة، واختلاف العلماء في أسمائها في "مجموع الفتاوى 11/342، مناهج العقول 3/163، شرح تتنقيح الفصول ص 445، الروضة ص 169، المحصول 2/3/219، المستصفى 1/284، الاعتصام 2/113، الإحكام للآمدي 4/160، نهاية السول 3/164، ضوابط المصلحة ص 329، أصول مذهب أحمد ص 413، أثر الأدلة المختلف فيها ص 28".(4/432)
فِي الْمَسْلَكِ الرَّابِعِ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ1
وَذَلِكَ إنْ شَهِدَ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهَا، كَاقْتِبَاسِ الْحُكْمِ مِنْ مَعْقُولِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، فَقِيَاسٌ، أَوْ بُطْلانِهَا2 كَتَعْيِينِ الصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ وَطْءِ رَمَضَانَ عَلَى الْمُوسِرِ كَالْمِلْكِ وَنَحْوِهِ فَلَغْوٌ3.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَنْكَرَهَا مُتَأَخِّرُو أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ الأُصُولِ وَالْجَدَلِ، وَابْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ4.
وَقَالَ بِهَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي
__________
1 صفحة 152 من هذا المجلد.
2 في ش: بطلان، وفي ب ز: ببطلانها.
3 إشارة إلى قصة الفقيه يحيى بن يحيى الليثي المالكي، تلميذ الإمام مالك الذي أفتى الملك عبد الرحمن بن الحكم بصوم ستين يوماً كفارة الوطء في رمضان، ظناً منه أن تكليف الملك بعتق رقبة، كما هو وراد في القرآن، لا يردعه.
نظر: المستصفى 1/285، الاعتصام 3/97، مختصر البعلي ص 162، علم أصول الفقه خلاف ص 97.
4 قال المجد: "المصالح المرسلة لا يجوز بناء الأحكام عليها، وهو قول متأخري أصحابنا، أهل الأصول والجدل" "المسودة ص 450".
وانظر مجموع الفتاوى 11/344، نزهة الخاطر 2/412، المستصفى 1/320، الإحكام للآمدي 4/160، العضد على ابن الحاجب 2/289، تخريج الفروع على الأصول ص 320، إرشاد الفحول ص 241، مختصر البعلي ص 162، مختصر الطوفي ص 144، المدخل إلى مذهب أحمد ص 138، أصول مذهب أحمد ص 424، البرهان 2/1113، 1120.(4/433)
حَنِيفَةَ1.
"وَتُسَدُّ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ "الذَّرَائِعُ" جَمْعُ ذَرِيعَةٍ "وَهِيَ" أَيْ الذَّرِيعَةُ "مَا" أَيُّ شَيْءٍ مِنْ الأَفْعَالِ، أَوْ2 الأَقْوَالِ "ظَاهِرُهُ مُبَاحٌ، وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مُحَرَّمٍ".
وَمَعْنَى سَدِّهَا: الْمَنْعُ مِنْ فِعْلِهَا لِتَحْرِيمِهِ3.
وَأَبَاحَهُ4 أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ5.
قَالَ6 فِي الْمُغْنِي وَالْحِيَلُ كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ لا تَجُوزُ فِي شَيْءٍ
__________
1 انظر القول بحجية المصالح المرسلة وآراء العلماء فيها في "المسودة ص 451، الروضة ص 170، المحصول 2/30/220، 224، المستصفى 1/184، شفاء الغليل ص 211، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/289، نهاية السول 3/164، الاعتصام 2/111، الإحكام للآمدي 4/160، تيسير التحرير 4/171، شرح تنقيح الفصول ص 446، ضوابط المصلحة ص 370، إرشاد الفحول ص 241، أثر الأدلة المختلف فيها ص 41".
2 في ب: و.
3 في ب: التحريمة.
4 في ش: الشافعي والمغني.
5 انظر معنى الذرائع والحيل، وأقوال العلماء فيها، وأدلتهم في "إعلام الموقعين 3/205 وما بعدها، 4/282 وما بعدها، صفة الفتوى ص 32، الحدود للباجي ص 68، الفروق 3/266، الموافقات 2/285، شرح تنقيح الفصول ص 448، الإحكام لابن حزم 2/745، الاعتصام 1/344، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 406، المدخل إلى مذهب أحمد ص 138، أصول مذهب أحمد ص 447، أثر الأدلة المختلف فيها ص 563، 573، إرشاد الفحول 246".
6 في ب: وقال.(4/434)
مِنْ الدِّينِ، وَهُوَ أَنْ يُظْهِرَا1 عَقْدًا مُبَاحًا يُرِيدَانِ2 بِهِ مُحَرَّمًا، مُخَادَعَةً3 وَتَوَسُّلاً إلَى فِعْلِ4 مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاسْتِبَاحَةَ مَحْظُورَاتِهِ، أَوْ إسْقَاطَ وَاجِبٍ، أَوْ دَفْعَ حَقٍّ5، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: "إنَّهُمْ لَيُخَادِعُونَ اللَّهَ تَعَالَى كَمَا يُخَادِعُونَ صَبِيًّا لَوْ كَانُوا يَأْتُونَ الأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ كَانَ أَسْهَلَ عَلَيَّ6".
"فَمِنْ ذَلِكَ مَا7 لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَشَرَةٌ8 صِحَاحًا، وَمَعَ آخَرَ خَمْسَ عَشْرَةَ مُكَسَّرَةً، فَاقْتَرَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا مَعَ صَاحِبِهِ، ثُمَّ تَبَارَيَا9 تَوَصُّلاً10 إلَى بَيْعِ الصِّحَاحِ بِالْمُكَسَّرَةِ11 مُتَفَاضِلاً، أَوْ بَاعَهُ الصِّحَاحَ بِمِثْلِهَا مِنْ الْمُكَسَّرَةِ، 12ثُمَّ وَهَبَهُ13 الْخَمْسَةَ12
__________
1 في ش ض: يظهر.
2 في ض: يراد، وفي ش ز يريد.
3 في ض: مخادعاً.
4 ساقطة من ز.
5 في ب: حقه.
6 انظر: إعلام الموقعين 3/208.
7 ساقطة من ب.
8 في ش: دنانير.
9 في ش ض: تبارآ.
10 في ش ض: توسلاً.
11 ساقطة من ش.
12 ساقطة من ش.
13 في ض ب: وهب.(4/435)
الزَّائِدَةَ، أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ بِهَا أُوقِيَّةَ صَابُونَ، وَنَحْوَهَا مِمَّا يَأْخُذُهُ بِأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ بِعَشَرَةٍ إلاَّ حَبَّةً مِنْ الصَّحِيحِ بِمِثْلِهَا مِنْ الْمُكَسَّرَةِ1 أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ2 بِالْحَبَّةِ الْبَاقِيَةِ ثَوْبًا قِيمَتُهُ خَمْسَةُ3 دَنَانِيرَ، وَهَكَذَا4 لَوْ أَقْرَضَهُ شَيْئًا وَ5بَاعَهُ سِلْعَةً بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا، أَوْ اشْتَرَى6 مِنْهُ سِلْعَةً بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا تَوَصُّلاً7 إلَى أَخْذِ عِوَضٍ عَنْ الْقَرْضِ8، فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا9 عَلَى وَجْهِ الْحِيلَةِ: فَهُوَ خَبِيثٌ مُحَرَّمٌ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: هَذَا كُلُّهُ وَأَشْبَاهُهُ10 جَائِزٌ، إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ11.
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ش: منها.
3 في ش: خمس.
4 في ش: وكذا.
5 في "المغني": أو.
6 في ش: اكترى.
7 اللفظة من المغني، وفي ش ض ب ز: توسلاً.
8 في ش: العرض.
9 ساقطة من ض.
10 ساقطة من ض.
11 انظر أقوال المجيزين للحيل وأدلتهم، وأقوال منع الحيل وأدلتهم، ومناقشتها في "إعلام الموقعين 3/206 وما بعدها، 220، 243، الموافقات 2/281، صفة الفتوى ص 32، أصول مذهب أحمد ص 460، القواعد النورانية ص 130".(4/436)
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ1: يُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلا فِي الْبَيْعِ عَلَى ذَلِكَ؛ لأَنَّ كُلَّ مَا لا2 يَجُوزُ شَرْطُهُ فِي الْعَقْدِ يُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلا عَلَيْهِ3.
ثُمَّ قَالَ الْمُوَفَّقُ، وَلَنَا: أَنَّ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَذَّبَ أُمَّةً بِحِيلَةٍ احْتَالُوهَا فَمَسَخَهُمْ قِرَدَةً وَسَمَّاهُمْ مُعْتَدِينَ4، وَجَعَلَ ذَلِكَ نَكَالاً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ لِيَتَّعِظُوا بِهِمْ، وَيَمْتَنِعُوا مِنْ مِثْلِ أَفْعَالِهِمْ5.
__________
1 ساقطة من ب.
2 ساقطة من ض.
3 المغني 4/43.
4 انظر الآيتين 65-66 من سورة البقرة.
5 المغني 4/43.(4/437)
فوائد في قواعد اللغة
...
"فَوَائِد"
1تَشْتَمِلُ عَلَى جُمْلَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ تُشْبِهُ الأَدِلَّةَ وَلَيْسَتْ بِأَدِلَّةٍ، لَكِنْ ثَبَتَ مَضْمُونُهَا بِالدَّلِيلِ، وَصَارَتْ يُقْضَى بِهَا فِي جُزْئِيَّاتِهَا، كَأَنَّهَا دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ الْجُزْئِيِّ، فَلَمَّا كَانَتْ كَذَلِكَ نَاسَبَ ذِكْرُهَا فِي بَابِ الاسْتِدْلالِ.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ1 "مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ: أَنْ لا يُرْفَعَ يَقِينٌ بِشَكٍّ2".
وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ الإِنْسَانَ مَتَى3 تَحَقَّقَ شَيْئًا، ثُمَّ شَكَّ: هَلْ زَالَ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْمُتَحَقِّقُ4 أَمْ لا؟ الأَصْلُ بَقَاءُ5 الْمُتَحَقِّقِ6،
__________
1 ساقطة من ض.
2 نصت المادة 4 من مجلة الأحكام العدلية: "اليقين لا يزول بالشك".
وانظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص 50، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 56، المدخل الفقهي العام 2/961، المدخل إلى مذهب أحمد ص 139، جمع الجوامع 2/356، أصول السرخسي 2/116، 117، تأسيس النظر ص 145.
3 في ش ز: إذا.
4 في ض ب ز: المحقق.
5 في ب: بقي.
6 في ز: المحقق.(4/439)
فَيَبْقَى الأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ مُتَحَقِّقًا؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِنِيِّ1 "شُكِيَ2 إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ: أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاةِ؟ قَالَ3: "لا يَنْصَرِفُ، حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ4.
وَلِمُسْلِمٍ "إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ: أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لا؟ فَلا يَخْرُجَنَّ5 مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا" 6.
__________
1 في ض ب ز: عبد الله بن زيد المازني.
وهو الصحابي عبد الله بن بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه، الأنصاري الخزرجي الحارثي، أبو محمد، وقيل ليس في آبائه ثعلبة، شهد العقبة وبدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أري الأذان في النوم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يؤذن على ما رآه عبد الله، وذلك سنة إحدى بعد الهجرة، له عدة أحاديث، روى عنه ابن المسيب وغيره، توفي سنة 32 هـ وصلى عليه عثمان رضي الله عنهما.
انظر ترجمته في "الإصابة 4/72، أسد الغابة 3/247، الخلاصة 2/58، مشاهير علماء الأمصار ص 19".
2 في ب: يشكى.
3 في ض: وكذلك.
4 هذا لفظ مسلم، والحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد عن عبد الله بن زيد مرفوعاً.
انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 1/27، صحيح مسلم بشرح النووي 4/49، اللؤلؤ والمرجان 1/74، سنن أبي داود 1/40، سنن النسائي 1/83، سنن ابن ماجة 1/171، مسند أحمد 4/39، 40.
5 في ش: يخرج.
6 هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي وأحمد عن أبي هريرة مرفوعاً. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 4/51، مختصر صحيح مسلم 1/48، سنن أبي داود 1/39، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/284، مسند أحمد 2/330، 414.(4/440)
فَلَوْ شَكَّ فِي امْرَأَةٍ هَلْ تَزَوَّجَهَا أَمْ لا؟ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطْؤُهَا، اسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ التَّحْرِيمِ إلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ تَزَوُّجَهُ1 بِهَا اتِّفَاقًا.
وَكَذَا لَوْ2 شَكَّ: هَلْ3 طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَمْ لا؟ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ4 وَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا5 حَتَّى يَتَحَقَّقَ الطَّلاقَ اسْتِصْحَابًا لِلنِّكَاحِ.
وَكَذَا لَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَمْ6 ثَلاثًا؟ الأَصْلُ الْحِلُّ.
وَكَذَا لَوْ تَحَقَّقَ الطَّهَارَةَ، ثُمَّ شَكَّ فِي زَوَالِهَا أَوْ عَكْسُهُ، لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الشَّكِّ فِيهِمَا، وَفَعَلَ فِيهِمَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا.
وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ أَوْ نَجَاسَتِهِ، أَوْ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ أَوْ مُحْدِثٌ، أَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ أَوْ الطَّوَافِ أَوْ7 غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لا يُحْصَرُ.
__________
1 في ض: تزويجه.
2 في ض: وكذلك.
3 ساقطة من ض.
4 ساقطة من ض.
5 في ض ب: يطأ.
6 في ش: أو.
7 في ض ب ز: و.(4/441)
وَلا تَخْتَصُّ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ بِالْفِقْهِ، بَلْ الأَصْلُ فِي كُلِّ حَادِثٍ عَدَمُهُ، حَتَّى يَتَحَقَّقَ كَمَا نَقُولُ1: الأَصْلُ انْتِفَاءُ الأَحْكَامِ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ، حَتَّى يَأْتِيَ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلافِ ذَلِكَ، وَالأَصْلُ فِي الأَلْفَاظِ: أَنَّهَا لِلْحَقِيقَةِ وَفِي الأَوَامِرِ: أَنَّهَا لِلْوُجُوبِ وَفِي النَّوَاهِي: أَنَّهَا لِلتَّحْرِيمِ، وَالأَصْلُ: بَقَاءُ الْعُمُومِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ وُرُودُ الْمُخَصِّصِ. وَالأَصْلُ: بَقَاءُ حُكْمِ النَّصِّ حَتَّى يَرِدَ النَّاسِخُ.
وَلأَجْلِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: كَانَ الاسْتِصْحَابُ حُجَّةً.
وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: أَنْ2 لا يُطَالَبَ بِالدَّلِيلِ؛ لأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ عَلَى الاسْتِصْحَابِ3، كَمَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي بَابِ الدَّعَاوَى لا4 يُطَالَبُ بِحُجَّةٍ عَلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، بَلْ الْقَوْلُ فِي الإِنْكَارِ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ5.
"وَ" مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ أَيْضًا "زَوَالُ الضَّرَرِ بِلا ضَرَرٍ6" يَعْنِي
__________
1 في ض: تقول.
2 ساقطة من ب ز.
3 في: الأصحاب، وفي ب ض: للاستصحاب، وفي ز: إلى الاستصحاب.
4 في ب: ولم.
5 يعبر بعض علماء الأصول عن ذلك بقولهم: "نافي الحكم عليه الدليل"، وفي قول: "النافي لا يطالب بالدليل"، ويعتبرونه من أوجه الاستدلال، وفصل فريق ثالث بين العقليات والشرعيات، كما سيبينه المصنف فيما بعد صفحة 408.
6 انظر المادة 4 من المجلة، ونصها: "الضرر يزال" ويتفرع عنها المادة 19 من المجلة، ونصها: "لا ضرر ولا ضرار" والمادة 25 من المجلة ونصها: "الضرر =(4/442)
أَنَّهُ1 يَجِبُ2 إزَالَةُ الضَّرَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْحَقَ بِإِزَالَتِهِ ضَرَرٌ.
وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ3 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ" 4 وَفِي رِوَايَةٍ "وَلا إضْرَارٍ" 5 بِزِيَادَةِ هَمْزَةٍ فِي أَوَّلِهِ، وَأَلِفٍ بَيْنَ الرَّاءَيْنِ6.
وَقَدْ عَلَّلَ أَصْحَابُنَا بِذَلِكَ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ.
وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِيهَا مِنْ الْفِقْهِ مَا لا حَصْرَ لَهُ وَلَعَلَّهَا تَتَضَمَّنُ
__________
= لا يزال بمثله" والمادة 31 من المجلة ونصها: "الضرر يدفع بقدر الإمكان".
وانظر الأشباه والنظائر للسيوطي ص 84، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 85، المدخل الفقهي العام 2/971، جمع الجوامع 2/356، المحصول 2/3/146، 242.
1 ساقطة من ض.
2 في ش ض ز: تجب.
3 في ز: قوله.
4 هذا الحديث رواه ابن ماجة عن ابن عباس وعبادة بن الصامت، ورواه أحمد عن عبادة، ورواه الحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري، وقال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط مسلم، ورواه الدارقطني عن عائشة وابن عباس، ورواه أبو داود في المراسيل عن واسع بن حبان بزيادة "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" ووصله الطبراني في "الأوسط" عن جابر، ورواه الإمام مالك في الموطأ مرسلاً، وقال النووي: حديث حسن، وله طرق يقوى بعضها ببعض.
انظر: سنن ابن ماجة 2/784، الموطأ ص 464، مسند أحمد 5/327، سنن الدارقطني 4/227-228، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 305، شرح الأربعين النووية ص 74، جامع العلوم والحكم ص 265.
5 هذه الرواية عند أحمد عن ابن عباس مرفوعاً. "انظر: مسند أحمد 1/313".
6 في ض: راءتين.(4/443)
نِصْفَهُ. فَإِنَّ الأَحْكَامَ إمَّا لِجَلْبِ الْمَنَافِعِ، أَوْ لِدَفْعِ الْمَضَارِّ، فَيَدْخُلُ فِيهَا دَفْعُ الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ حِفْظُ الدِّينِ، وَالنَّفْسِ وَالنَّسَبِ، وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ.
وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تَرْجِعُ إلَى تَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ وَتَقْرِيرِهَا1 بِدَفْعِ الْمَفَاسِدِ أَوْ تَخْفِيفِهَا2.
وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ " الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ3 " وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَإِبَاحَةُ الْمَحْظُورِ" يَعْنِي أَنَّ وُجُودَ الضَّرَرِ يُبِيحُ ارْتِكَابَ الْمَحْظُورِ، أَيْ الْمُحَرَّمِ، بِشَرْطِ كَوْنِ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ أَخَفَّ مِنْ وُجُودِ الضَّرَرِ، وَمِنْ ثَمَّ جَازَ - بَلْ وَجَبَ - أَكْلُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ وَكَذَلِكَ إسَاغَةُ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ وَبِالْبَوْلِ4. وَقَتْلُ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ إذَا صَالَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لا يَضْمَنُ. وَمِنْهَا5 الْعَفْوُ عَنْ أَثَرِ الاسْتِجْمَارِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لا حَصْرَ لَهُ.
__________
1 في ش: وتقديرها.
2 انظر بحثاً مستفيضاً عن تحقيق مقاصد الشريعة في جلب المنافع ودفع المضار في "المحصول 2/3/133، نهاية السول 3/152، الموافقات للشاطبي 2/3، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 1/5، ضوابط المصلحة ص 73 وما بعدها 77".
في ب: تحقيقها.
3 المادة 21 من المجلة، وانظر: نظرية الضرورة الشرعية ص 65.
4 في ض: والبول.
5 في ض: ومنه.(4/444)
"وَ" مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ أَيْضًا: قَوْلُ الْفُقَهَاءِ "الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ1" وَدَلِيلُ ذَلِكَ: قَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ 2} إشَارَةً إلَى مَا خَفَّفَ3 عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ التَّشْدِيدِ عَلَى غَيْرِهِمْ، مِنْ الإِصْرِ وَنَحْوِهِ، وَمَا لَهُمْ مِنْ تَخْفِيفَاتٍ أُخَرَ، دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} 4 وَكَذَا تَخْفِيفُ الْخَمْسِينَ صَلاةً فِي لَيْلَةِ5 الإِسْرَاءِ إلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ6 وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَ7قَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ} 8 {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ
__________
1 المادة 18 من المجلة.
وانظر: "جمع الجوامع 2/356، مرآة المجلة 1/15، المدخل الفقهي العام 2/988، أصول الفقه الإسلامي ص 363، 373.
2 الآية 78 من الحج.
3 في ش: رفع.
4 الآية 66 من الأنفال.
5 ساقطة من ب ض ز.
6 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد عن أنس بن مالك، ورواه الطبراني عن أبي أمامة الباهلي مرفوعاً.
انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 1/391، صحيح مسلم بشرح النووي 2/222، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/626، سنن النسائي 1/1880 وما بعدها، سنن ابن ماجة 1/448، مسند أحمد 3/149، 5/144، تخريج أحاديث البزدوي ص 221.
7 في ب: إلى.
8 الآية 185 من البقرة، وفي ز تكملة الآية: {وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} .(4/445)
يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} 1 وَقَالَ فِي صِفَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ2 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} 3 وَقَالَ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا} 4 وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ5 السَّمْحَةِ6".
وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: أَنْوَاعٌ مِنْ الْفِقْهِ مِنْهَا فِي الْعِبَادَاتِ: التَّيَمُّمُ عِنْدَ مَشَقَّةِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عَلَى حَسَبِ تَفَاصِيلِهِ
__________
1 الآية 28 من النساء.
2 غير موجودة في ب ز.
3 الآية 157 من الأعراف.
4 الآية 286 من البقرة.
5 في ض ب: الحنفية.
6 هذا جزء من حديث رواه أحمد عن أبي أمامة مرفوعاً، وأوله: "إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة ... " "مسند أحمد 5/266"، ورواه أحمد عن عائشة مرفوعاً بلفظ: "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة" "مسند أحمد 6/116، 233"، ورواه الخطيب في "التاريخ" بسند ضعيف عن جابر، وتتمته: "ومن خالف سنتي فليس مني"، ورواه البخاري في "صحيحه" معلقاً، وفي "الأدب المفرد" موصولاً، ورواه أحمد عن ابن عباس بلفظ: "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة".
والمراد بالحنيفية: دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالتوحيد، قال ابن القيم: وجمع بين كونها حنيفية، وكونها سمحاء، فهي حنيفية في التوحيد، سمحة في العمل، وضد الأمرين الشرك وتحريم الحلال".
انظر: صحيح البخاري مع فتح الباري 1/86، 87، مسند أحمد 1/236، فيض القدير 3/203، كشف الخفا 1/251، 340.(4/446)
فِي الْفِقْهِ، وَالْقُعُودُ فِي الصَّلاةِ عِنْدَ مَشَقَّةِ الْقِيَامِ، وَفِي النَّافِلَةِ مُطْلَقًا، وَقَصْرُ الصَّلاةِ فِي السَّفَرِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَمِنْ ذَلِكَ: رُخَصُ السَّفَرِ وَغَيْرُهَا.
وَمِنْ التَّخْفِيفَاتِ أَيْضًا: أَعْذَارُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَتَعْجِيلُ الزَّكَاةِ، وَالتَّخْفِيفَاتُ1 فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاتِ وَالْمُنَاكَحَاتِ وَالْجِنَايَاتِ.
وَمِنْ التَّخْفِيفَاتِ الْمُطْلَقَةِ: فُرُوضُ الْكِفَايَةِ2 وَسُنَنُهَا، وَالْعَمَلُ بِالظُّنُونِ لِمَشَقَّةِ الاطِّلاعِ عَلَى الْيَقِينِ.
"وَ" مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ أَيْضًا: قَوْلُ الْفُقَهَاءِ "دَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ3، وَدَفْعُ أَعْلاهَا" أَيْ أَعْلَى الْمَفَاسِدِ "بِأَدْنَاهَا4" يَعْنِي أَنَّ الأَمْرَ إذَا دَارَ بَيْنَ دَرْءِ مَفْسَدَةٍ وَجَلْبِ مَصْلَحَةٍ، كَانَ دَرْءُ الْمَفْسَدَةِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ، وَإِذَا دَارَ الأَمْرُ أَيْضًا5 بَيْنَ دَرْءِ إحْدَى مَفْسَدَتَيْنِ، وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ
__________
1 في ز: والتخفيف.
2 في ب ز: الكفايات.
3 المادة 30 من المجلة.
4 انظر: المادة 28 من المجلة، ونصها: "إذا تعارض مفسدتان، روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما".
5 ساقطة من ض، وفي ز: سقطت: أيضاً.(4/447)
فَسَادًا مِنْ الأُخْرَى، فَدَرْءُ الْعُلْيَا مِنْهُمَا أَوْلَى مِنْ دَرْءِ1 غَيْرِهَا، وَهَذَا وَاضِحٌ2 يَقْبَلُهُ كُلُّ عَاقِلٍ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أُولُو الْعِلْمِ.
"وَ" مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ أَيْضًا "تَحْكِيمُ الْعَادَةِ" وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ "إنَّ الْعَادَةَ مُحَكَّمَةٌ"3 أَيْ مَعْمُولٌ بِهَا شَرْعًا؛ لِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، مَوْقُوفًا عَلَيْهِ4 وَهُوَ "مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ"5 وَلِقَوْلِ6 ابْنِ عَطِيَّةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} 7: إنَّ مَعْنَى الْعُرْفِ: كُلُّ مَا عَرَفَتْهُ النُّفُوسُ مِمَّا لا تَرُدُّهُ الشَّرِيعَةُ8.
__________
1 ساقطة من ض.
2 في ب: أوضح.
3 المادة 36 من المجلة.
وانظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 93، جمع الجوامع 2/356، رسائل ابن عابدين 1/44، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 89.
4 ساقطة من ش ض.
5 حديث ابن مسعود سبق تخريجه "2/223".
6 في ش: وقول.
7 الآية 199 من الأعراف.
8 انظر تعريف العرف وأقوال العلماء فيه مع الأدلة والأمثلة في "رسائل ابن عابدين 2/114، الموافقات 2/220، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 93، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 89، البناني على جمع الجوامع 2/353، إعلام الموقعين 2/448، المسودة ص 123 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص 448، المدخل الفقهي العام 2/838، أصول مذهب أحمد ص 523، العرف والعادة ص 10 وما بعدها، أثر الأدلة المختلف فيها ص 242".(4/448)
قَالَ ابْنُ ظَفَرٍ1 فِي الْيَنْبُوعِ " الْعُرْفُ " مَا عَرِفَهُ الْعُقَلاءُ2 بِأَنَّهُ حَسَنٌ، وَأَقَرَّهُمْ الشَّارِعُ عَلَيْهِ.
وَكُلُّ مَا تَكَرَّرَ مِنْ لَفْظِ "الْمَعْرُوفِ" فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 3 فَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ4 مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الأَمْرِ وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 5} 6،
__________
1 هو محمد بن أبي محمد بن محمد بن ظفر، الصقلي، أبو عبد الله، الملقب بالحجة أو حجة الدين، مكي الأصل، مغربي المنشأ، دخل صقلية وألف فيها كتابه "سُلوان المطاع في عدوان الأتباع" ثم سكن بالشام في آخر عمره، وأقام بحماة، وأمَّه الطلاب، وصنف التصانيف الجميلة في الآداب، وفسر القرآن الكريم تفسيراً جميلاً، وكان شاعراً أديباً عالماً بالنحو واللغة، وكان فقيراً، مات بحماة سنة 565 هـ، وقيل سنة 567 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 4/29، إنباء الرواة 3/74، معجم الأدباء 19/48".
2 في ش: العلماء.
3 الآية 19 من النساء.
4 ساقطة من ش ب ز.
5 في ض ب ز: الآية.
6 الآية 58 من النور.(4/449)
فَأَمَرَ1 بِالاسْتِئْذَانِ فِي الأَوْقَاتِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهَا بِالابْتِذَالِ2 وَوَضْعِ الثِّيَابِ3، فَابْتَنَى الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ عَلَى4 مَا كَانُوا يَعْتَادُونَهُ. وَمِنْهَا5 قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ6 "خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدِك بِالْمَعْرُوفِ" 7 وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْنَةَ بِنْتِ
__________
1 في ش: فالأمر.
2 في ض: بالاستئذان.
3 ساقطة من ب.
4 ساقطة من ض.
5 في ض: ومنه.
6 هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، القرشية العبشمية، الصحابية، أم معاوية بن أبي سفيان، أسلمت في الفتح بعد إسلام زوجها أبي سفيان، وكانت ذات عقل ورأي وأنفة، شهدت أحداً مع الكفار، وفعلت الأعاجيب، وحرضت المشركين على محاربة الإسلام والمسلمين والرسول، ثم حسن إسلامها، وناقشت رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيعة، وشهدت اليرموك مع زوجها، وتوفيت في اليوم الذي مات فيه والد أبي بكر الصديق في أول خلافة عمر رضي الله عنهم.
انظر ترجمتها في "الإصابة 8/206، أسد الغابة 7/292، وتهذيب الأسماء 2/357".
7 هذا جزء من حديث صحيح، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن عائشة مرفوعاً، والأعلى لفظ النسائي.
انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 4/160، صحيح مسلم بشرح النووي 12/7، سنن أبي داود 2/260، سنن النسائي 8/216، سنن ابن ماجة 2/769، السنن الكبرى للبيهقي 10/142.(4/450)
جَحْشٍ1 "تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى سِتًّا أَوْ سَبْعًا، كَمَا تَحِيضُ2 النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ3 وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ4، وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهْرَاقُ الدَّمَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا ذَلِكَ فَلْتَتْرُكْ الصَّلاةَ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا5.
__________
1 هي حمنة بنت جحش الأسدية، أخت أم المؤمنين زينب، وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت حمنة زوجة مصعب بن عمير رضي الله عنه، فقتل عنها يوم أحد، فتزوجها طلحة بن عبيد الله، فولدت له محمداً وعمران ابني طلحة، وكانت حمنة من المهاجرات والمبايعات، وشهدت أحداً، وكانت تسقي العطشى، وتحمل الجرحى وتداويهم، روت عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنها عمران، وأخرج عنها البخاري في "الأدب" وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
انظر ترجمتها في "الإصابة 8/53، أسد الغابة 7/69، تهذيب الأسماء 2/339، الخلاصة 3/379".
2 في ش: يحيض.
3 قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، "جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 395، 399".
4 المستدرك 1/172.
5 وهذا جزء من حديث طويل، رواه أيضاً أبو داود والدارقطني، وسبق تخريجه "1/166".
انظر سنن أبي داود 1/62، سنن النسائي 1/99.(4/451)
وَمِنْ ذَلِكَ: حَدِيثُ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ الأَنْصَارِيِّ1، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ نَاقَةَ الْبَرَاءِ دَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْ فِيهِ، فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الْحِيطَانِ2 حِفْظُهَا بِالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي حِفْظُهَا بِاللَّيْلِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ3. وَهُوَ أَدَلُّ شَيْءٍ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَادَةِ فِي الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ؛ إذْ بَنَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّضْمِينَ4 عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ.
وَضَابِطُهُ5 كُلُّ فِعْلٍ6 رُتِّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَلا ضَابِطَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلا فِي اللُّغَةِ، كَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَالْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ، وَالأَكْلِ
__________
1 هو حرام بن سعد بن مُحيِّصة بن مسعود، الأنصاري الحارثي المدني التابعي، أبو سعد، وقيل أبو سعيد، ويقال حرام بن ساعدة، وحرام بن مُحيِّصة ينسب إلى جده، كان ثقة من المتقنين، وكان قليل الحديث، روى عنه الزهري، وأخرج له أصحاب السنن الأربعة، مات سنة 113هـ.
انظر ترجمته في "الخلاصة 1/202، تهذيب الأسماء 1/155، مشاهير علماء الأمصار ص 77".
2 في ش ض ب ز: الحائط.
3 رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد وآخرين عن حرام عن البراء متصلاً، ورواه الإمام مالك مرسلاً.
انظر: سنن أبي داود 2/267، سنن ابن ماجة 2/781، مسند أحمد 5/435، الموطأ ص 466، تهذيب الأسماء 1/155.
4 ساقطة من ب.
5 في ش ب ز: وضابط.
6 في ش: حكم.(4/452)
مِنْ بَيْتِ الصَّدِيقِ. وَمَا يُعَدُّ قَبْضًا وَإِيدَاعًا وَإِعْطَاءً وَهَدِيَّةً وَغَصْبًا، وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمُعَاشَرَةِ وَانْتِفَاعُ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. وَ1أَمْثَالُ هَذِهِ كَثِيرَةٌ لا تَنْحَصِرُ2.
وَمَأْخَذُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَمَوْضِعُهَا مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ فِي3 قَوْلِهِمْ "الْوَصْفُ الْمُعَلَّلُ بِهِ4 قَدْ يَكُونُ عُرْفِيًّا" أَيْ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعُرْفِ5 وَفِي بَابِ التَّخْصِيصِ فِي6 تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْعَادَةِ7.
"وَ" مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ أَيْضًا8 "جَعْلُ الْمَعْدُومِ كَالْمَوْجُودِ احْتِيَاطًا" كَالْمَقْتُولِ تُورَثُ عَنْهُ الدِّيَةُ. وَإِنَّمَا تَجِبُ بِمَوْتِهِ وَلا تُورَثُ عَنْهُ9 إلاَّ إذَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ، فَيُقَدَّرُ دُخُولُهَا قَبْلَ مَوْتِهِ.
__________
1 في ب: في.
2 في ض: تحصر.
3 في ش: من.
4 ساقطة من ض.
5 مر سابقاً "القسم الأول ج 4".
6 في ش: وفي.
7 قال الحنابلة والشافعية العادة تخصص العموم خلافاً للحنفية والمالكية، وسبق تفصيل ذلك في المجلد الثالث ص 387 وما بعدها.
وانظر: أصول مذهب أحمد ص 537.
8 ساقطة من ش.
9 ساقطة من ش.(4/453)
وَيَلْتَحِقُ بِمَا تَقَدَّمَ: قَاعِدَةٌ نَقَلَهَا1 الْعَلائِيُّ2 عَنْ بَعْضِ الْفُضَلاءِ. وَهِيَ أَنَّ "إدَارَةَ3 الأُمُورِ فِي الأَحْكَامِ عَلَى قَصْدِهَا4" وَدَلِيلُهَا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" وَرُبَّمَا أُخِذَتْ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ5} ؛ لأَنَّ أَفْعَالَ الْعُقَلاءِ إذَا كَانَتْ مُعْتَبَرَةً، فَإِنَّمَا تَكُونُ عَنْ قَصْدٍ.
وَأَيْضًا: فَقَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ أَوَّلَ الْوَاجِبَاتِ عَلَى
__________
1 في ب: نقله.
2 هو خليل بن كيكلدي بن عبد الله، الحافظ العلائي، أبو سعيد، صلاح الدين الدمشقي، قال ابن السبكي: "كان حافظاً ثبتاً ثقةً، عارفاً بأسماء الرجال والعلل والمتون، فقيهاً متكلماً، أديباً شاعراً، ناظماً ناثراً ... ، درس بدمشق، ثم ولي تدريس المدرسة الصلاحية بالقدس، فأقام بها إلى أن توفي، يصنف ويفيد وينشر العلم ويحيي السنة"، له مصنفات كثيرة، منها كتاب في الأشباه والنظائر في الفقه، وكتاب في المراسيل، وكتاب في المدلسين، وله كتاب: "تحقيق المراد بأن النهي يقتضي الفساد" في الأصول، توفي بالقدس سنة 761 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 10/35، الدرر الكامنة 2/179، ذيل تذكرة الحفاظ ص 43، البدر الطالع 1/245، البداية والنهاية 14/267، شذرات الذهب 6/190، الفتح المبين 2/175، طبقات الشافعية للأسنوي 2/239".
3 في ش ع: إرادة.
4 انظر: المادة 2 من المجلة ونصها: "الأمور بمقاصدها"، وانظر: الأشباه والنظائر، لابن نجيم ص 37، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 8، المدخل الفقهي العام 2/959.
5 الآية 5 من البينة.(4/454)
الْمُكَلَّفِ: الْقَصْدُ إلَى النَّظَرِ الْمُوصِلِ إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. فَالْقَصْدُ سَابِقٌ دَائِمًا1.
وَسَوَاءٌ فِي اعْتِبَارِ التَّصْدِيقِ2 فِي الأَفْعَالِ: الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، إلاَّ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَخْتَصُّ3 بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ4 إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلا تَصِحُّ هَذِهِ النِّيَّةُ مِنْ كَافِرٍ، بِخِلافِ نِيَّةِ الاسْتِثْنَاءِ، وَالنِّيَّةِ فِي الْكِنَايَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ الْحَافِظُ الْعَلاَّمَةُ ابْنُ رَجَبٍ وَغَيْرُهُ عَلَى حَدِيثِ عُمَرَ كَلامًا شَافِيًا5 مِنْهُ: أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ6 اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ7 مَعْنَاهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مِنْ دَلالَةِ الْمُقْتَضَى، وَأَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرٍ لِصِحَّةِ هَذَا الْكَلامِ، وَأَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ اخْتَلَفُوا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُقَدَّرُ "صِحَّةُ" الأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ أَوْ "اعْتِبَارُهَا" أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَقِيلَ: يُقَدَّرُ "كَمَالُ" الأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ8: إنَّهُ لَيْسَ مِنْ دَلالَةِ الْمُقْتَضَى، وَإِنَّهُ لا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ شَيْءٍ أَصْلاً؛ لأَنَّ
__________
1 سبق هذا مع مراجعه في المجلد الأول ص 308.
2 في ش ض ز: القصد.
3 في ب: لا يختص.
4 ساقطة من ب.
5 انظر: جامع العلوم والحكم ص 5 وما بعدها، شرح النووي على صحيح مسلم 13/53.
6 ساقطة من ش ز، وفي ب: إن.
7 في ض: تقرير.
8 في ش ز: كثير من.(4/455)
الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ رُكْنِهَا أَوْ شَرْطِهَا. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ بِنِيَّةٍ فَهُوَ صُورَةُ عَمَلٍ لا عَمَلٌ شَرْعِيٌّ. فَصَحَّ النَّفْيُ، فَلا حَاجَةَ لِتَقْدِيرٍ.
وَبِالْجُمْلَةِ: فَمِمَّا1 تَدْخُلُ فِيهِ النِّيَّةُ الْعِبَادَاتُ جَمِيعُهَا. وَمِنْهَا: الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ وَالْغُسْلُ عِنْدَنَا وَالصَّلاةُ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا، عَيْنُهَا وَكِفَايَتُهَا، وَالزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ2 وَالاعْتِكَافُ، وَالْحَجُّ فَرْضُ الْكُلِّ وَنَفْلُهُ وَالأُضْحِيَّةُ وَالْهَدْيُ، وَالنُّذُورُ وَالْكَفَّارَاتُ، وَالْجِهَادُ وَالْعِتْقُ، وَالتَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ، بِمَعْنَى أَنَّ حُصُولَ الثَّوَابِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ3 الأَرْبَعَةِ: يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَيُقَالُ4 بَلْ يَسْرِي هَذَا إلَى سَائِرِ الْمُبَاحَاتِ إذَا قُصِدَ بِهَا التَّقَوِّي5 عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَوْ التَّوَصُّلِ إلَيْهَا كَالأَكْلِ وَالنَّوْمِ، وَاكْتِسَابِ الْمَالِ، وَالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ فِيهِ، وَفِي الأَمَةِ إذَا قَصَدَ بِهَا الإِعْفَافَ، أَوْ تَحْصِيلَ الْوَلَدِ الصَّالِحِ، أَوْ تَكْثِيرَ الأُمَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 في ب: فما.
2 في ض: والصوم.
3 ساقطة من ض ب ز.
4 ساقطة من ش ب ز.
5 في ش: التقوى.(4/456)
"بَابٌ"
فِي1 بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُسْتَدِلِّ 2، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ بَيَانِ الاجْتِهَادِ وَالْمُجْتَهِدِ وَالتَّقْلِيدِ، وَالْمُقَلِّدِ، وَمَسَائِلِ ذَلِكَ فَنَقُولُ "الاجْتِهَادُ" افْتِعَالٌ3 مِنْ الْجُهْدِ -بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ- وَهُوَ الطَّاقَةُ وَالاجْتِهَادُ "لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ "اسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ" أَيْ غَايَةُ مَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِفْرَاغِهِ "لِتَحْصِيلِ أَمْرٍ شَاقٍّ"4.
__________
1 في ب: الاجتهاد في.
2 عرف القاضي أبو يعلى المستدل بأنه: "هو الطالب للدليل" ثم قال: "فإذا طالب السائل المسؤول بالدليل فهو مستدل لأن السائل يطلبه من المسؤول، والمسؤول يطلبه من الأصول" "العدة 1/132".
وقال الباجي: "وقد سمى الفقهاء المحتج بالدليل مستدلاً، ولعلهم أرادوا بذلك أنه محتج به الآن، وقد تقد استدلاله به على الحكم الذي توصل إليه، ويحتج الآن به على ثبوته" "الحدود ص 40".
3 في ب: انفعال.
4 انظر: المصباح المنير 1/155، القاموس المحيط 1/286، أساس البلاغة ص 144، معجم مقاييس اللغة 1/487.(4/457)
"وَ" مَعْنَاهُ "اصْطِلاحًا: اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ" أَيْ ذُو الْفِقْهِ وَتَقَدَّمَ حَدُّ1 الْفَقِيهِ2، وَهُوَ قَيْدٌ مُخْرِجٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأَنَّهُ لا يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ فَقِيهًا، وَلِلْمُقَلِّدِ "وُسْعَهُ" بِحَيْثُ تَحُسُّ النَّفْسُ بِالْعَجْزِ عَنْ زِيَادَةِ اسْتِفْرَاغِهِ "لِدَرْكِ حُكْمٍ" يَسُوغُ فِيهِ الاجْتِهَادُ وَهُوَ الظَّنِّيُّ "شَرْعِيٍّ" لِيَخْرُجَ الْعَقْلِيُّ وَالْحِسِّيُّ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ جَمَاعَةٌ بِذَلِكَ لِلاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِذِكْرِ الْفَقِيهِ؛ لأَنَّ الْفَقِيهَ لا يَتَكَلَّمُ إلاَّ فِي الشَّرْعِيِّ3.
__________
1 ساقطة من ض.
2 المجلد الأول ص 42.
والمراد بالفقيه عند الأصوليين: المجتهد، وإما إطلاقه على من يحفظ الفروع الفقهية فهو اصطلاح عند غيرهم.
انظر: مناهج العقول 3/233، جمع الجوامع 2/382، تيسير التحرير 4/179، فواتح الرحموت 2/362، صفة الفتوى ص 14، إرشاد الفحول ص 250، أصول مذهب أحمد ص 626.
3 انظر تعريف الاجتهاد عند الأصوليين مع اختلاف العبارات فيه، وما يدخل فيه وما يخرج منه في "المستصفى 2/350، الإحكام للآمدي 4/62، 1/164، جمع الجوامع 2/289، المحصول 2/3/7، 39، الحدود للباجي ص 64، التعريفات ص 8، شرح تنقيح الفصول ص 429، مجموع الفتاوى 20/202، الروضة ص 352، فتح الغفار 3/34، مختصر البعلي ص 163، مختصر الطوفي ص 173، كشف الأسرار 4/14، نهاية السول 3/233، التلويح على التوضيح 3/62، فواتح الرحموت 2/362، مختصر ابن الحاجب 2/289، إرشاد الفحول ص 250، تيسير التحرير 4/179، الإحكام لابن حزم 1/41، 2/1155، أصول مذهب أحمد ص 625، المدخل إلى مذهب أحمد ص 179.(4/458)
وَقَالَ الآمِدِيُّ: هُوَ اسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ فِي طَلَبِ الظَّنِّ بِشَيْءٍ مِنْ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ يُحَسُّ مِنْ النَّفْسِ بِالْعَجْزِ1 عَنْ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ2 3.
"وَشَرْطُ مُجْتَهِدٍ: كَوْنُهُ فَقِيهًا4، وَهُوَ" أَيْ الْفَقِيهُ فِي الاصْطِلاحِ "الْعَالِمُ بِأُصُولِ الْفِقْهِ" أَيْ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى اسْتِخْرَاجِ أَحْكَامِ الْفِقْهِ مِنْ أَدِلَّتِهَا "وَمَا يُسْتَمَدُّ مِنْهُ" أَيْ5 مِنْ6 أُصُولِ الْفِقْهِ7.
__________
1 في ض والآمدي: العجز.
2 في الآمدي: فيه
3 الإحكام للآمدي 4/162.
4 انظر في شروط المجتهد "الروضة ص 352، الرسالة ص 509 وما بعدها، حاشية السعد على ابن الحاجب 2/290، جمع الجوامع 2/382، الإحكام للآمدي 4/162، المستصفى 2/250 وما بعدها، المحصول 2/3/30، شرح تنقيح الفصول ص 437، نهاية السول 3/244، فتح الغفار 3/34، كشف الأسرار 4/15، تيسير التحرير 4/180، فواتح الرحموت 2/363، الموافقات 4/67، الرد إلى من أخلد إلى الأرض ص 113، المقنع 4/247، مختصر مذهب أحمد ص 180، إرشاد الفحول ص 250، الوسيط ص 486".
5 ساقطة من ض ب ز.
6 ساقطة من ز.
7 يقول الإمام الغزالي عن العلوم التي يستفاد منها منصب الاجتهاد بأنه: "يشتمل عليه ثلاثة فنون: علم الحديث وعلم اللغة وعلم أصول الفقه" المستصفى 2/353".
وانظر: الفروع لابن مفلح 6/425، صفة الفتوى ص 14، البرهان 2/1332.(4/459)
وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ سَجِيَّةٌ وَقُوَّةٌ يَقْتَدِرُ1 بِهَا عَلَى التَّصَرُّفِ بِالْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ وَالتَّرْتِيبِ، وَالتَّصْحِيحِ وَالإِفْسَادِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِلاكُ صِنَاعَةِ الْفِقْهِ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ الْفَقِيهُ فِي مَسْأَلَةٍ لَمْ يَسْمَعْهَا، كَكَلامِهِ فِي مَسْأَلَةٍ سَمِعَهَا، فَلَيْسَ بِفَقِيهٍ.
وَاَلَّذِي يُسْتَمَدُّ مِنْهُ أُصُولُ الْفِقْهِ: هُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَمَا تَفَرَّعَ عَنْهُمَا2.
"وَ" أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِ "الأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ مُفَصَّلَةً، وَاخْتِلافِ مَرَاتِبِهَا" وَلَيْسَ الْمُرَادُ: أَنْ يَعْرِفَ سَائِرَ آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَجَمِيعَ أَحَادِيثِ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ: مَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهِ.
"فَمِنْ الْكِتَابِ3 وَ4السُّنَّةِ: مَا يَتَعَلَّقُ بِالأَحْكَامِ" وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الآيَاتِ خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ، وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا مَا هُوَ مَقْصُودٌ بِهِ5 الأَحْكَامُ بِدَلالَةِ الْمُطَابَقَةِ أَمَّا بِدَلالَةِ الالْتِزَامِ: فَغَالِبُ الْقُرْآنِ، بَلْ كُلُّهُ؛ لأَنَّهُ لا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ حُكْمٍ يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ.
__________
1 في ض: يقدر.
2 في ض: منهما.
3 ساقطة من ض.
4 ساقطة من ض.
5 ساقطة من ب.(4/460)
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعِلْمِهِ بِذَلِكَ حِفْظَهُ، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ "بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ اسْتِحْضَارُهُ لِلاحْتِجَاجِ بِهِ، لا حِفْظُهُ" يَعْنِي أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهِدِ حِفْظُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ، حَيْثُ أَمْكَنَهُ اسْتِحْضَارُ ذَلِكَ عِنْدَ إرَادَةِ الاحْتِجَاجِ بِهِ1.
"وَ" يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهِدِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِ "النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْهُمَا" أَيْ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مِمَّا2 يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تِلْكَ الْوَاقِعَةِ الَّتِي يُفْتِي فِيهَا مِنْ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ، حَتَّى لا يَسْتَدِلَّ بِهِ إنْ كَانَ مَنْسُوخًا، وَلا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ جَمِيعَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ3.
"وَ" يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهِدِ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِ "صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَضَعْفِهِ" سَنَدًا وَمَتْنًا، لِيَطْرَحَ الضَّعِيفَ حَيْثُ لا يَكُونُ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ، وَيَطْرَحَ الْمَوْضُوعَ مُطْلَقًا، وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا
__________
1 انظر: الروضة ص 352، مختصر البعلي ص 163، مختصر الطوفي ص 174، نزهة الخاطر 2/402، الإحكام للآمدي 2/163، المستصفى 2/351، المحصول 2/3/33، شرح تنقيح الفصول ص 437، مناهج العقول 3/243، التلويح على التوضيح 3/62، كشف الأسرار 4/15، تيسير التحرير 4/181، إرشاد الفحول ص 250، المدخل إلى مذهب أحمد ص 180.
2 في ز: مما كان.
3 انظر: جمع الجوامع 2/384، الإحكام للآمدي 4/163، المستصفى 2/352، المحصول 2/3/35، نهاية السول 3/245، نزهة الخاطر 2/403، تيسير التحرير 4/182، إرشاد الفحول ص 252، المدخل إلى مذهب أحمد ص 181.(4/461)
بِحَالِ الرُّوَاةِ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ1، لِيَعْلَمَ مَا يَنْجَبِرُ مِنْ الضَّعْفِ2 بِطَرِيقٍ آخَرَ "وَلَوْ" كَانَ عِلْمُهُ بِذَلِكَ "تَقْلِيدًا كَنَقْلِهِ" ذَلِكَ3 "مِنْ كِتَابٍ صَحِيحٍ" مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَنْسُوبَةِ لأَئِمَّتِهِ كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمْ4؛ لأَنَّهُمْ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ، فَجَازَ الأَخْذُ بِقَوْلِهِمْ، كَمَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْمُقَوِّمِينَ فِي الْقِيَمِ5.
"وَ" يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ فِي عِلْمِهِ "مِنْ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ مَا يَكْفِيهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا" أَيْ بِالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم6َ "مِنْ نَصٍّ، وَ" مِنْ
__________
1 في ب: والضعيف.
2 في ز: الضعيف.
3 في ض: لذلك.
4 في ش ب: ونحوهم.
5 انظر: مختصر البعلي ص 163، مختصر الطوفي ص 174، نزهة الخاطر 2/404، جمع الجوامع 2/384، الإحكام للآمدي 4/163، المستصفى 2/351، 35 وما بعدها، المحصول 2/3/33، 35، شرح تنقيح الفصول ص 437، 438، نهاية السول 3/244، 245، التلويح على التوضيح 3/63، كشف الأسرار 4/15، تيسير التحرير 4/182، إرشاد الفحول ص 251، المدخل إلى مذهب أحمد ص 180، 181.
6 انظر: نزهة الخاطر 2/405، مختصر البعلي ص 164، مختصر الطوفي ص 174، الإحكام للآمدي 4/163، المستصفى 2/352، المحصول 2/3/35، شرح تنقيح الفصول ص 437، نهاية السول 3/245، إرشاد الفحول ص 251.(4/462)
"ظَاهِرٍ، وَ" مِنْ "مُجْمَلٍ، وَمُبَيِّنٍ، وَ" مِنْ "حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ، وَ" مِنْ "أَمْرٍ، وَنَهْيٍ، وَ" مِنْ "عَامٍّ، وَخَاصٍّ، وَ" مِنْ "مُسْتَثْنًى وَمُسْتَثْنًى مِنْهُ، وَ" مِنْ "مُطْلَقٍ، وَمُقَيَّدٍ1، وَ" مِنْ "دَلِيلِ الْخِطَابِ وَنَحْوِهِ" كَفَحْوَى الْخِطَابِ وَلَحْنِهِ وَمَفْهُومِهِ؛ لأَنَّ بَعْضَ الأَحْكَامِ تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، وَوَقَفَ عَلَيْهِ تَوَقُّفًا ضَرُورِيًّا، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} 2؛ لأَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ بِرَفْعِ " الْجُرُوحِ " وَنَصْبِهَا3، وَلأَنَّ مَنْ لا4 يَعْرِفُ ذَلِكَ لا5 يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لأَنَّهُمَا فِي الذُّرْوَةِ الْعُلْيَا مِنْ مَرَاتِبِ الإِعْجَازِ. فَلا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِه6ِ أَوْضَاعَ الْعَرَبِ، بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ
__________
1 ساقطة من ب.
2 الآية 45 من المائدة.
3 قرأ نافع وعاصم والأعمش وحمزة بالنصب "والجروحَ قصاص"، وقرأها ابن كثير وعامر وأبو عمرو وأبو جعفر بالرفع، استئنافاً عما قبلها، كما قرأها الكسائي وأبو عبيد بالرفع وعطف الجمل في الآية: "وكتبنا عليهم فيها: أن النفسُ بالنفس، وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ، والْأَنْفُ بِالْأَنْفِ، والأُذنُ بِالأُذنِ، والسنُ بالسن، والجَرُوْحُ قصاص"، ويختلف المعنى بحسب كل قراءة، قال ابن المنذر: "ومن قرأ بالرفع جعل ذلك ابتداء كلام يتضمن بيان الحكم للمسلمين" أي وليس مكتوباً في التوراة، ويلتزم به المسلمون جميعاً، ويكون أول الآية من شرع من قبلنا، وفيه اختلاف بين الأئمة والعلماء.
انظر: فتح القدير للشوكاني 2/46، تفسير القرطبي 6/193، أحكام القرآن لابن العربي 2/624، زاد المسير 2/367.
4 في ش: لم
5 في ب ز: لم.
6 في ض: معرفة(4/463)
حَمْلِ كِتَابِ1 اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَلامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ أَسَالِيبِ الْعَرَبِ وَمَوَاقِعِ كَلامِهَا، وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ الْمَرْجُوحِ جَائِزًا فِي كَلامِهِمْ.
"وَ" يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِ "الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ" حَتَّى لا يُفْتِيَ بِخِلافِ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ قَدْ خَرَقَ الإِجْمَاعَ2.
"وَ" بِ "أَسْبَابِ النُّزُولِ" قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي الآيَاتِ، وَأَسْبَابِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأَحَادِيثِ؛ لِيَعْرِفَ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ تَخْصِيصٍ أَوْ تَعْمِيمٍ3.
"وَ" أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِ "مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِصِفَاتِهِ الْوَاجِبَةِ وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ" سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "وَ" مَا "يَمْتَنِعُ" عَلَيْهِ4 بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ
__________
1 في ز: كلام.
2 انظر: المحصول 2/3/34، جمع الجوامع 2/384، نهاية السول 3/244، ص 182، مختصر الطوفي ص 174، نزهة الخاطر 2/405، إرشاد الفحول ص 251.
3 انظر: جمع الجوامع 2/384، الإحكام للآمدي 4/164، نهاية السول 3/245.
4 في ش: عنه(4/464)
اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - حَكِيمٌ، عَلِيمٌ1، غَنِيٌّ2 قَادِرٌ، وَأَنَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ عَنْ الْخَطَإِ فِيمَا شَرَعَهُ، وَأَنَّ إجْمَاعَ الأُمَّةِ مَعْصُومٌ.
وَلا تَصِحُّ مَعْرِفَتُهُ بِذَلِكَ مِنْ حَالِ الْبَارِي - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - إلاَّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ.
وَلا تَصِحُّ مَعْرِفَتُهُ بِعِصْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِكَوْنِهِ نَبِيًّا.
وَلا تَصِحُّ مَعْرِفَتُهُ بِعِصْمَةِ الأُمَّةِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ3 اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى خَطَإٍ4.
قَالَ فِي الْوَاضِحِ فِي صِفَةِ الْمُفْتِي: وَهُوَ الَّذِي يَعْرِفُ بِالأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ النَّظَرِيَّةِ حُدُوثَ5 الْعَالَمِ، وَأَنَّ لَهُ صَانِعًا6، وَأَنَّهُ وَاحِدٌ، وَأَنَّهُ عَلَى صِفَاتٍ وَاجِبَةٍ لَهُ، وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ الْمُحْدَثِينَ7، وَأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ إرْسَالُ الرُّسُلِ، وَأَنَّهُ قَدْ أَرْسَلَ رُسُلاً بِأَحْكَامٍ
__________
1 في ش ب ز: عالم.
2 في ش: حي.
3 في ض ز: مستحيل.
4 انظر: الإحكام للآمدي 4/162، المستصفى 2/352، مناهج العقول 3/244، إرشاد الفحول ص 252.
5 في ض ب ز: حدث.
6 في ش: إلهاً.
7 في ز: المخلوقين.(4/465)
شَرَعَهَا، وَأَنَّ1 صِدْقَهُمْ بِمَا2 جَاءُوا بِهِ ثَبَتَ بِمَا أَظْهَرَهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ. انْتَهَى.
"وَ" لا يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِ "تَفَارِيعِ3 الْفِقْهِ"؛ لأَنَّ الْمُجْتَهِدَ هُوَ الَّذِي يُوَلِّدُهَا وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِيهَا4 لَلَزِمَ الدَّوْرُ؛ لأَنَّهَا نَتِيجَةُ الاجْتِهَادِ فَلا يَكُونُ الاجْتِهَادُ نَتِيجَتَهَا.
"وَ" لا "عِلْمُ الْكَلامِ" أَيْ عِلْمُ أُصُولِ الدِّينِ، قَالَهُ الأُصُولِيُّونَ5، لَكِنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ: إنَّ الأَصْحَابَ عَدُّوا مِنْ شُرُوطِ الاجْتِهَادِ مَعْرِفَةَ أُصُولِ الْعَقَائِدِ.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْكَلامَيْنِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ
__________
1 في ض: وأنه.
2 في ز: فيما.
3 التفاريع جمع تفريع، من فرّع يفرّع تفريعاً، أما فرَع يَفْرَع فالمصدر فرعاً، والجمع فروع، والفرع ما بني على غيره، وقيس عليه، ويقابل الأصل، يقال فرّع المسائل من هذا الأصل جعلها فروعَه واستخرجها منه، وفرّعت من هذا الأصل مسائل فتفرعت أي استخرجتها فخرجت، قال الزمخشري: "وهو حسن التفريع للمسائل".
انظر: أساس البلاغة ص 711، المصباح المنير 2/642، القاموس المحيط 3/61".
4 في ش ض: فيها.
5 اتفق العلماء على أنه لا يشترط في المجتهد أن يكون عالماً بفروع الفقه، ولا بعلم الكلام، لكن قال الغزالي: "إنما يحصل منصب الاجتهاد في زمانه بممارسته فهو طريق تحصيل الدربة في هذا الزمان" "المستصفى 2/353".
وانظر: الإحكام للآمدي 2/163، المستصفى 2/352، المحصول =(4/466)
حَيْثُ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يَكْفِي اعْتِقَادٌ جَازِمٌ، وَلا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهَا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِأَدِلَّتِهِمْ1 الَّتِي يُحَرِّرُونَهَا2. انْتَهَى.
"وَلا" يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا3 "مَعْرِفَةُ أَكْثَرِ الْفِقْهِ".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَاعْتَبَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: مَعْرِفَةَ أَكْثَرِ الْفِقْهِ وَالأَشْهَرُ: لا؛ لأَنَّهُ نَتِيجَتُهُ. انْتَهَى.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَمَا4 سَبَقَ مِنْ الشُّرُوطِ: فَفِي الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ5 الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الشَّرْعِ6 بِمَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ.
"وَ" أَمَّا "الْمُجْتَهِدُ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ" فَهُوَ "الْعَارِفُ بِمَدَارِكِهِ" أَيْ مَدَارِكِ مَذْهَبِ إمَامِهِ 7"الْقَادِرُ عَلَى تَقْرِيرِ قَوَاعِدِهِ، وَ" عَلَى "الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ" بَيْنَ مَسَائِلِهِ8.
قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ7:
__________
= 2/3/36، نهاية السول 3/245، صفة الفتوى ص 16، الروضة ص 353، جمع الجوامع 2/384، 385، التلويح على التوضيح 3/63، كشف الأسرار ص 174، إرشاد الفحول ص 252، المدخل إلى مذهب أحمد ص 182.
1 في ض: بأداتهم.
2 انظر المستصفى 2/352 مع التصرف بالعبارة.
3 في ش ض: أيضاً فيه.
4 في ض: فيما.
5 في ش: المفتي.
6 ساقطة من ب.
7 ساقطة من ب.
8 في ض: المسائل.(4/467)
فَنَظَرُهُ1 فِي بَعْضِ نُصُوصِ إمَامِهِ وَتَقْرِيرِهَا، وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا، كَاجْتِهَادِ إمَامِهِ فِي نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ2. انْتَهَى.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لَهُ أَرْبَعَ حَالاتٍ3:
الأُولَى: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُقَلِّدٍ لإِمَامِهِ فِي الْحُكْمِ وَالدَّلِيلِ، لَكِنْ4 سَلَكَ طَرِيقَهُ5 فِي الاجْتِهَادِ وَالْفَتْوَى. وَدَعَا إلَى مَذْهَبِهِ6، وَقَرَأَ كَثِيرًا7 مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ، فَوَجَدَهُ صَوَابًا، وَأَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَأَشَدَّ مُوَافَقَةً فِيهِ وَفِي طَرِيقِهِ8.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، مُسْتَقِلاًّ بِتَقْرِيرِهِ
__________
1 في ب: فتنظره.
2 وهذا ما قاله أبو عمرو ابن الصلاح وغيره، "انظر: صفة الفتوى ص 20، المسودة 544".
3 انظر أصناف المجتهدين في المذهب وحالاتهم في "المجموع للنووي 1/71 وما بعدها، الأنوار 2/395، روضة الطالبين 11/101، المسودة ص 547 وما بعدها، رسائل ابن عابدين 1/11، صفة الفتوى ص 17 وما بعدها، جمع الجوامع 2/385، مناهج العقول 3/245، إعلام الموقعين 4/270 وما بعدها، الرد على من أخلد إلى الأرض ص 113 وما بعدها، الوسيط ص 522، المدخل إلى مذهب أحمد ص 184.
4 في ز: ولكن.
5 في ض: طريقته.
6 في ض ب ز: مذهب.
7 في ض: أكثر.
8 صفة الفتوى ص 17، وانظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 184.(4/468)
بِالدَّلِيلِ، لَكِنْ لا يَتَعَدَّى أُصُولَهُ وَقَوَاعِدَهُ مَعَ إتْقَانِهِ لِلْفِقْهِ وَأُصُولِهِ، وَأَدِلَّةِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ، عَارِفًا بِالْقِيَاسِ وَنَحْوِهِ، تَامَّ الرِّيَاضَةِ، قَادِرًا عَلَى التَّخْرِيجِ وَالاسْتِنْبَاطِ، وَإِلْحَاقِ الْفُرُوعِ وَالأُصُولِ1 وَالْقَوَاعِدِ2 الَّتِي لإِمَامِهِ3.
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ لا يَبْلُغَ رُتْبَةَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ4 أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَالطُّرُقِ، غَيْرَ أَنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ، حَافِظٌ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ، عَارِفٌ بِأَدِلَّتِهِ5، قَائِمٌ بِتَقْرِيرِهِ وَنُصْرَتِهِ، يُصَوِّرُ وَيُحَرِّرُ6 وَيُمَهِّدُ وَيُقَرِّرُ، وَيُزَيِّفُ وَيُرَجِّحُ لَكِنَّهُ قَصُرَ عَنْ دَرَجَةِ أُولَئِكَ، إمَّا لِكَوْنِهِ لا7 يَبْلُغُ فِي حِفْظِ8 الْمَذْهَبِ مَبْلَغَهُمْ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَبَحِّرٍ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَحْوِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَخْلُو9 مِثْلُهُ10 فِي ضِمْنِ مَا يَحْفَظُهُ11 مِنْ الْفِقْهِ وَيَعْرِفُهُ12 مِنْ أَدِلَّتِهِ13 عَنْ أَطْرَافٍ مِنْ
__________
1 في ش: والأصول.
2 ساقطة من ش.
3 صفة الفتوى ص 18، وانظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 185.
4 اللفظة من صفة الفتوى، وفي جميع النسخ: المذهب.
5 في ز: لأدلته.
6 في صفة الفتوى: يجوز، وكذا في ز.
7 في ش ب ض: لا.
8 ساقطة من ز.
9 في ش: تخلو.
10 في ش: مسألة، وفي ض أمثلة.
11 في ز ض ش: يحفظ.
12 في ض: يعرف.
13 في ب: أدلة.(4/469)
قَوَاعِدِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَحْوِهِ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مُقَصِّرًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ أَدَوَاتُ الاجْتِهَادِ، الْحَاصِلِ1 لأَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَالطُّرُقِ2.
الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَقُومَ بِحِفْظِ الْمَذْهَبِ وَنَقْلِهِ وَفَهْمِهِ، فَهَذَا يُعْتَمَدُ نَقْلُهُ وَفَتْوَاهُ بِهِ فِيمَا يَحْكِيهِ مِنْ مَسْطُورَاتِ مَذْهَبِهِ وَ3مِنْ مَنْصُوصَاتِ إمَامِهِ4، أَوْ تَفْرِيعَاتِ أَصْحَابِهِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي مَذْهَبِهِ وَتَخْرِيجَاتِهِمْ5.
وَمَا6 لَمْ7 يَجِدْهُ مَنْقُولاً فِي مَذْهَبِهِ: فَإِنْ وَجَدَ فِي الْمَنْقُولِ مَا هُوَ8 فِي مَعْنَاهُ، بِحَيْثُ يُدْرَكُ مِنْ غَيْرِ9 فَضْلِ فِكْرٍ وَتَأَمُّلٍ: أَنَّهُ لا فَارِقَ بَيْنَهُمَا، كَمَا فِي الأَمَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَبْدِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي إعْتَاقِ الشَّرِيكِ: جَازَ لَهُ إلْحَاقُهُ بِهِ وَالْفَتْوَى بِهِ، وَكَذَا مَا يُعْلَمُ انْدِرَاجُهُ تَحْتَ ضَابِطٍ مَنْقُولٍ10 مُمَهَّدٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ
__________
1 في ب ش: والحاصل.
2 انظر: صفة الفتوى ص 22، المدخل إلى مذهب أحمد ص 185.
3 ساقطة من ب ز.
4 ساقطة من ب.
5 صفة الفتوى ص 23، وانظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 185.
6 في ش ض ز: وأما، وساقطة من ب.
7 في ش ض ز: ما.
8 في ب ز وصفة الفتوى: هذا.
9 في ش: حيث.
10 في ش ض ب ز وصفة الفتوى: ومنقول.(4/470)
كَذَلِكَ، فَعَلَيْهِ الإِمْسَاكُ عَنْ الْفُتْيَا بِهِ، وَيَكْفِي أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَكْثَرَ الْمَذْهَبِ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مُطَالَعَةِ1 بَقِيَّتِهِ.
انْتَهَتْ الْحَالاتُ مُلَخَّصَةً، مِنْ كِتَابِ " آدَابِ2 الْمُفْتِي " لابْنِ حَمْدَانَ3.
__________
1 في ش: مطالبة.
2 في ز: أدب.
3 طبع هذا الكتاب باسم: صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 16-23.(4/471)
فصل: تجزؤ الإجتهاد وخلاف العلماء فيه
...
"فَصْلٌ"
"الاجْتِهَادُ يَتَجَزَّأُ1" عِنْدَ أَصْحَابِنَا2 وَالأَكْثَرِ، إذْ3 لَوْ لَمْ يَتَجَزَّأْ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُجْتَهِدُ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ، وَهُوَ مُحَالٌ إذْ جَمِيعُهَا لا يُحِيطُ بِهِ بَشَرٌ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ الْعِلْمِ بِجَمِيعِ الْمَآخِذِ: الْعِلْمُ4 بِجَمِيعِ الأَحْكَامِ5؛ لأَنَّ بَعْضَ الأَحْكَامِ قَدْ يُجْهَلُ بِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ فِيهِ، أَوْ بِالْعَجْزِ عَنْ الْمُبَالَغَةِ فِي النَّظَرِ، إمَّا6 لِمَانِعٍ
__________
1 إن معنى تجزئة الاجتهاد هو جريانه في بعض المسائل دون بعض، بأن يحصل للمجتهد ما هو مناط الاجتهاد من الأدلة في بعض المسائل دون غيرها، وفيه عدة مذاهب كما سيذكرها المصنف.
انظر: إرشاد الفحول ص 254، الوسيط ص 518، أصول مذهب أحمد ص 629.
2 في ز: أكثر أصحابنا.
3 في ض: إذا.
4 ساقطة من ب.
5 يعني أنه يكفي أن يعرف المجتهد جميع مآخذ المسألة الواحدة من الكتاب والسنة ليجتهد بها، وهذا الاشتراط بالعلم بجميع المآخذ لا يلزم منه أن يعلم جميع الأحكام، لأن العلم بالأحكام يتوقف على الاجتهاد، ويكون بعده، وقد يصل إليها المجتهد، وقد لا يصل لتعارض الأدلة، أو عجز المجتهد، أو لمانع آخر، أو عذر معين، وفي هذه الحالة يتجزأ الاجتهاد عليه حكماً وبالقوة.
انظر: فواتح الرحموت 2/364، العضد على ابن الحاجب 2/290، تيسير التحرير 4/183.
6 في ش: أو.(4/473)
مِنْ تَشْوِيشِ فِكْرٍ، أَوْ غَيْرِهِ1.
وَقِيلَ2: لا يَتَجَزَّأُ وَقِيلَ3: يَتَجَزَّأُ فِي بَابٍ لا فِي مَسْأَلَةٍ4 وَقِيلَ: فِي الْفَرَائِضِ لا فِي غَيْرِهَا5.
"وَيَجُوزُ اجْتِهَادُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَوَقَعَ" قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ إجْمَاعًا6.
__________
1 القول بتجزأ الاجتهاد هو لأكثر المتكلمين المعتزلة وأكثر الفقهاء، وقال به الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وأيده الآمدي وابن الحاجب وابن دقيق العيد وابن السبكي والغزالي والكمال بن الهمام وغيرهم.
انظر: شرح تنقيح الفصول ص 438، فتح الغفار 3/37، كشف الأسرار 4/17، تيسير التحرير 4/182، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/290، الموافقات 4/68، إعلام الموقعين 4/275، مجموع الفتاوى 20/204، 212، مختصر البعلي ص 164، مختصر الطوفي ص 174، المحصول 2/3/37، المعتمد 2/932، الإحكام للآمدي 4/164، المستصفى 2/353، جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/386، الروضة ص 353، نزهة الخاطر 2/406، المدخل إلى مذهب أحمد ص 183، إرشاد الفحول ص 254.
2 ساقطة من ض ب.
3 وهو قول طائفة من العلماء، وهو منقول عن الإمام أبي حنيفة، واختاره الشوكاني.
انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/290، المحلي على جمع الجوامع 2/386، المحصول 2/3/37، تيسير التحرير 4/182، فواتح الرحموت 2/364، إرشاد الفحول ص 255، شرح تنقيح الفصول ص 438.
4 انظر مختصر البعلي ص 164، والمراجع السابقة.
5 انظر: صفة الفتوى ص 24، إعلام الموقعين 4/275، الوسيط ص 518، والمراجع السابقة.
6 حكى هذا الإجماع سُليم الرازي وابن حزم وغيرهما.
انظر: الإحكام لابن حزم 2/703، إرشاد الفحول ص 255.(4/474)
"وَ" يَجُوزُ اجْتِهَادُهُ أَيْضًا "فِي أَمْرِ الشَّرْعِ عَقْلاً وَشَرْعًا" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ1، وَعَزَاهُ الْوَاحِدِيُّ إلَى سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ.
قَالَ: وَلا حُجَّةَ لِلْمَانِعِ فِي قَوْله تَعَالَى: {إنْ أَتَّبِعُ إلاَّ مَا يُوحَى إلَيَّ} 2 فَإِنَّ الْقِيَاسَ عَلَى الْمَنْصُوصِ بِالْوَحْيِ: اتِّبَاعٌ لِلْوَحْيِ3.
وَمَنَعَهُ الأَكْثَرُ مِنْ الأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ4، وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّهُ
__________
1 وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف والقاضي عبد الجبار وأبي الحسين البصري، واختاره الغزالي والآمدي والرازي والبيضاوي وابن الحاجب، وابن السبكي، وهو مذهب الحنفية بشرط أن يكون الاجتهاد بعد انتظار الوحي واليأس من نزوله.
انظر: نهاية السول 3/237، البرهان 2/1356، المعتمد 2/762، التبصرة ص 521، المنخول ص 468، مناهج العقول 3/23، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/291، جمع الجوامع 2/386، الإحكام للآمدي 4/165، المستصفى 2/355، 366، المحصول 2/3/9، 18، الروضة ص 356، 357، المسودة ص 506، 507، 508، 510، مختصر البعلي ص 164، مختصر الطوفي ص 175، المدخل إلى مذهب أحمد ص 186، شرح تنقيح الفصول ص 63، أصول السرخسي 2/91، تيسير التحري 4/183، 18، فواتح الرحموت 2/366، إرشاد الفحول ص 256، التمهيد للأسنوي ص 159، الوسيط ص 500.
2 الآية 50 من الأنعام.
3 ساقطة من ض.
4 وهو قول أبي علي الجبائي وأبي هاشم الجبائي، وابن حزم، وكل من منع القياس أصلاً منع الاجتهاد على الرسول صلى الله عليه وسلم عقلاً وشرعاً.
انظر أدلتهم مع مناقشتها في "نزهة الخاطر 2/409، العضد على ابن الحاجب 2/291، التمهيد ص 159، الإحكام للآمدي 4/165، تيسير =(4/475)
ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ1 عَبْدِ اللَّهِ.
"وَوَقَعَ" عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا. قَالَ الْقَاضِي: أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ قَالَ ابْنُ بَطَّةَ: وَذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ.
وَاخْتَارَهُ الآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلامِ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ فِي الاسْتِدْلالِ2 بِالْوَقَائِعِ وَغَيْرِهِمْ3. وَقِيلَ: لَمْ يَقَعْ4.
وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ، لِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ5.
__________
= التحرير 4/185، 188، الإحكام لابن حزم 2/699، البرهان 2/1356، المعتمد 2/761، المنخول ص 468، التبصرة ص 521، شرح تنقيح الفصول ص 436، المحصول 2/3/9، 19، المستصفى 2/356، مختصر الطوفي ص 175، نهاية السول 3/237، إرشاد الفحول ص 255".
1 ساقطة من ض ب ز.
2 في ش: المستدل.
3 انظر: الإحكام للآمدي 4/165، مختصر ابن الحاجب 2/291، المحصول 2/3/9، اللمع ص 76، التبصرة ص 521، نهاية السول 3/237، نزهة الخاطر 2/411، مختصر الطوفي ص 175، جمع الجوامع 2/386، إرشاد الفحول ص 256، المسودة ص 506 وما بعدها، الروضة ص 357، تيسير التحرير 4/186، الوسيط ص 500.
4 قال بعدم وقوع الاجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم شرعاً أكثر المتكلمين وبعض الشافعية، انظر هذا القول مع أدلته ومناقشتها في الروضة ص 357، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/292، المحلي على جمع الجوامع 2/387، الإحكام للآمدي 4/165، 168، المحصول 2/3/9/14، اللمع ص 76، شرح تنقيح الفصول ص 436، نهاية السول 3/237".
5 وهناك قول رابع بالجواز والوقوع في الآراء والحروب، والمنع في غيرها جمعاً بين =(4/476)
وَاسْتُدِلَّ لِلصَّحِيحِ -الَّذِي هُوَ الْجَوَازُ وَالْوُقُوعُ- بِأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَالٌ، وَبِأَنَّ الأَصْلَ مُشَارَكَتُهُ لأُمَّتِهِ، وَبِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} 1 وقَوْله سبحانه وتَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} 2 وَطَرِيقُ الْمُشَاوَرَةِ3: الاجْتِهَادُ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ نَّهُ اسْتَشَارَ فِي أَسْرَى4 بَدْرٍ فَأَشَارَ أَبُو بَكْرٍ بِالْفِدَاءِ وَعُمَرُ بِالْقَتْلِ، فَجَاءَ عُمَرُ مِنْ الْغَدِ، وَهُمَا يَبْكِيَانِ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُك مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ5 " وَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ6 وَتَعَالَى: {مَا كَانَ
__________
= الأدلة، وقال الرازي:"وتوقف أكثر المحققين في ذلك" "المحصول 2/3/9، 14"، وهو ما صححه الغزالي في "المستصفى 2/355".
وانظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/387، شرح تنقيح الفصول ص 436، نهاية السول 3/237، تيسير التحرير 4/185، إرشاد الفحول ص 256.
1 الآية 2 من الحشر.
2 الآية 159 من آل عمران.
3 في ض: المشاركة.
4 في ب: أمر.
5 هذا جزء من حديث –مع الاختصار- رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه، ورواه أحمد عن أنس، ورواه أبو داود مختصراً، كما رواه الترمذي، وذكرته كتب التفسير والسيرة.
انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 12/86، تخريج أحاديث البزدوي ص 231، مسند أحمد 3/219، سنن أبي داود 2/56، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 5/372.
6 في ض: وأنزل الله، وفي ش: وقوله.(4/477)
لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} 1 وَأَيْضًا {عَفَا اللَّهُ عَنْك لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} 2.
قَالَ فِي الْفُنُونِ: هُوَ مِنْ أَعْظَمِ دَلِيلِ الرِّسَالَةِ3، إذْ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِهِ لَسَتَرَ4 عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ صَوَّبَهُ5 لِمَصْلَحَةٍ يَدَّعِيهَا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ "لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ" 6 وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ7 فِيمَا لَمْ يُوحَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ8 فِيهِ، وَبِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْزِلَ بِبَدْرٍ دُونَ الْمَاءِ، قَالَ لَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ9 " إنْ كَانَ هَذَا بِوَحْيٍ فَنَعَمْ، وَإِنْ كَانَ
__________
1 الآية 67 من الأنفال.
وانظر: تفسير الطبري 10/43، تفسير القرطبي 8/46، تفسير ابن كثير 2/325، فتح القدير 2/326.
2 الآية 43 من التوبة.
وانظر تفسير الطبري 10/142، تفسير القرطبي 8/154، تفسير ابن كثير 2/360، فتح القدير 2/365.
3 في ش ب: لرسالته.
4 في ش: لستره، وفي ز: ستر.
5 في د ض: صوبها.
6 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم والشافعي عن جابر مرفوعاً، ورواه أبو داود عن عائشة مرفوعاًن ورواه أحمد عن ابن عباس مرفوعاً.
انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 1/188، صحيح مسلم بشرح النووي 8/155، سنن أبي داود 1/414، بدائع المنن 1/310، مسند أحمد 1/259، التلخيص الحبير 2/231.
7 ساقطة من ض.
8 في ز: شيء.
9 هو الحباب بن المنذر بن الجموح، أبو عمر، الأنصاري الخزرجي الصحابي، شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً والمشاهد كلها، وكان يقال له: =(4/478)
الرَّأْيُ وَالْمَكِيدَةُ، فَانْزِلْ بِالنَّاسِ عَلَى الْمَاءِ لِتَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ فَقَالَ: لَيْسَ بِوَحْيٍ، إنَّمَا هُوَ رَأْيٌ1 وَاجْتِهَادٌ رَأَيْتُهُ، وَرَجَعَ إلَى قَوْلِهِ"2 وَكَذَا إلَى قَوْلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ3، وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لَمَّا أَرَادَ صُلْحَ الأَحْزَابِ عَلَى4 شَطْرِ نَخْلِ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ كَتَبَ بَعْضَ الْكِتَابِ بِذَلِكَ، وَقَالا لَهُ" إنْ كَانَ بِوَحْيٍ: فَسَمْعًا وَطَاعَةً، وَإِنْ كَانَ بِاجْتِهَادٍ: فَلَيْسَ هَذَا هُوَ الرَّأْيُ"5 وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِغَيْرِ مَا
__________
= ذا الرأي، وحضر يوم سقيفة بني ساعدة عند بيعة أبي بكر، وكان خطيب الأنصار، توفي بالمدينة في خلافة عمر رضي الله عنه، وقد زاد عمره عن الخمسين.
انظر ترجمته في "الإصابة 1/316، أسد الغابة 1/436، مشاهير علماء الأمصار ص 25".
1 ساقطة من ز.
2 هذا الحديث رواه الحاكم في "المستدرك"، وقال الذهبي عنه: حديث منكر، وذكره ابن كثير في "البداية"، كما ذكره كتاب السيرة.
انظر: المستدرك 3/427، البداية والنهاية 3/167، زاد المعاد 3/175، السيرة النبوية لابن هشام 1/620.
3 هو سعد بن معاذ بن النعمان الأنصاري الأشهلي، الصحابي، سيد الأوس، أسلم على يد مصعب بن عمير قبل الهجرة، وأسلم معه جميع بني الأشهل، وشهد بدراً وأحداً والخندق وقريظة، ونزلوا على حكمه فيهم، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى، وتوفي شهيداً من جرح أصابه من قتال الخندق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ"، ومناقبه كثيرة ومشهورة، ومنها كلامه وتأييده قبل معركة بدر.
انظر ترجمته في "الإصابة 3/87، أسد الغابة 2/373، تهذيب الأسماء 1/215، الخلاصة 1/371".
4 في ض: بـ.
5 هذا جزء من حديث طويل رواه البزار والطبراني في "الكبير" وذكرته كتب السيرة.
انظر: زاد المعاد 3/273، السيرة النبوية لابن هشام 2/223، تخريج أحاديث البزدوي ص 232، مجمع الزوائد 6/132.(4/479)
ذُكِرَ، فَدَلَّ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى1 أَنَّهُ مُتَعَبَّدٌ بِالاجْتِهَادِ.
"وَ" عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ2 اجْتِهَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُقُوعِهِ مِنْهُ "لا يُقَرُّ عَلَى خَطَإٍ" إجْمَاعًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْخَطَإِ3، إلاَّ أَنَّهُ لا يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ هَذَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَالآمِدِيُّ، وَنَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَابِلَةِ. وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ4.
وَمَنَعَ قَوْمٌ جَوَازَ الْخَطَإِ عَلَيْهِ5، لِعِصْمَةِ مَنْصِبِ النُّبُوَّةِ عَنْ الْخَطَإِ فِي الاجْتِهَادِ6.
__________
1 ساقطة من ض.
2 في ز: يجوز.
3 في ش ب ز: الخطأ عليه.
4 انظر هذا القول مع أدلته في "الإحكام للآمدي 4/216، 217، المسودة ص 509، مختصر ابن الحاجب 2/303، المستصفى 2/355، المحصول 2/3/22، اللمع ص 76، التبصرة ص 524، نهاية السول 3/239، مناهج العقول 3/237، أصول السرخسي 2/91، 95، تيسير التحرير 4/190، الإحكام لابن حزم 2/705، فواتح الرحموت 2/373".
5 ساقطة من ز.
6 انظر القول بعدم وقوع الخطأ من الرسول صلى الله عليه وسلم في الاجتهاد لعِصمته، وهو اختيار السبكي والحليمي والرازي والبيضاوي والشيعة، وانظر أدلة هذا القول ومناقشتها في "المسودة ص 510، اللمع ص 76، مختصر =(4/480)
"وَ" يَجُوزُ "اجْتِهَادُ مَنْ عَاصَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْلاً" عِنْدَ الأَكْثَرِ "وَشَرْعًا وَوَقَعَ1".
ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْعُدَّةِ2 وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ وَغَيْرُهُمَا. وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالرَّازِيُّ وَأَتْبَاعُهُ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ3.
وَقِيلَ: لا يَجُوزُ مُطْلَقًا4.
__________
= ابن الحاجب والعضد عليه 2/303، جمع الجوامع 2/387، الإحكام للآمدي 4/216، تيسير التحرير 4/190، فواتح الرحموت 2/372، المستصفى 2/355، المحصول 2/3/22، التبصرة ص 524، نهاية السول مع منهاج الوصول 3/239، مناهج العقول 3/236، مختصر البعلي ص 164، الوسيط ص 505".
1 ساقطة من ض.
2 ساقطة من ب.
3 انظر القول بجواز اجتهاد من عاصره صلى الله عليه وسلم عقلاً وشرعاً ووقوعه مع أدلته في "المسودة ص 511، الروضة ص 354، مختصر ابن الحاجب 2/292، الإحكام لابن حزم 2/698، جمع الجوامع 2/387، المستصفى 2/354، المحصول 2/3/25، 27، اللمع ص 75، شرح تنقيح الفصول ص 436، التبصرة ص 519، مناهج العقول 3/239، البرهان 2/1355، المعتمد 2/765، الإحكام للآمدي 4/175، التمهيد للأسنوي ص 158، مختصر البعلي ص 164، مختصر الطوفي ص 175، فواتح الرحموت 2/374، تيسير التحرير 4/193، إرشاد الفحول ص 256، المدخل إلى مذهب أحمد ص 186، نهاية السول 3/240".
4 قال بمنع اجتهاد من عاصر النبي صلى الله عليه وسلم أبو الخطاب وأبو علي الجبائي وأبو هاشم وبعض الشافعية.
انظر: المسودة ص 511، الروضة ص 354، العضد على ابن الحاجب =(4/481)
وَقِيلَ: إنْ وَرَدَ الإِذْنُ بِذَلِكَ مِنْ الشَّارِعِ جَازَ وَإِلاَّ فَلا.
وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلْغَائِبِينَ عَنْهُ دُونَ الْحَاضِرِينَ، لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى الْوُقُوفِ عَلَى النَّصِّ1.
وَقَدْ حَكَى الأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: الإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ الاجْتِهَادِ فِي عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْغَائِبِ عَنْهُ.
وَاسْتَدَلَّ لِلْجَوَازِ وَالْوُقُوعِ بِنُزُولِ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
__________
= 2/293، التمهيد ص 158، المحلي على جمع الجوامع 2/387، الإحكام للآمدي 4/175، 177، المستصفى 2/354، المحصول2/ 3/26، 27، اللمع ص 75، التبصرة ص 519، نهاية السول 3/240، البرهان 2/1356، المعتمد 2/765، تيسير التحرير 4/193، فواتح الرحموت 2/374، مختصر البعلي ص 164، مختصر الطوفي ص 175، إرشاد الفحول ص 256.
1 أيد هذا القول الغزالي في "المنخول ص 468" والجويني، وهناك قول رابع ذكره الرازي بقوله: "وتوقف فيه الأكثرون"، وهناك قول خامس بعد اشتراط الإذن، ويكفي السكوت من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد علمه بوقوعه، ولك قول دليله.
انظر: المسودة ص 511، الروضة ص 354، ابن الحاجب والعضد عليه 2/293، التمهيد ص 158، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/387، الإحكام للآمدي 4/175، مختصر الطوفي ص 175، المستصفى 2/354، المحصول 2/3/26، التبصرة ص 519، نهاية السول 3/240، البرهان 2/1356، المعتمد 2/765، تيسير التحرير 4/193، فواتح الرحموت 2/374، إرشاد الفحول ص 256.(4/482)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ1، فَجَاءَ2 فَقَالَ: "نَزَلَ هَؤُلاءِ عَلَى حُكْمِك قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ بِقَتْلِ مُقَاتِلَتِهِمْ3 وَسَبْيِ4 ذَرَارِيِّهِمْ، فَقَالَ: قَضَيْتَ فِيهِمْ5 بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ6.
وَجَاءَهُ7 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلانِ فَقَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ8: "اقْضِ بَيْنَهُمَا" فَقَالَ: وَأَنْتَ هُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
__________
1 في ش: للغائب عنه فجاء إليه.
2 ساقطة من ش
3 في ب ز: مقاتلهم.
4 في ب: وبسبي.
5 ساقطة من ض ب ز.
6 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد والطبراني عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً، وذكرته كتب التفسير عند قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ ... } الآية الأحزاب/26.
انظر: صحيح البخاري مع حاشية السندي 3/23، صحيح مسلم بشرح النووي 12/93، مجمع الزوائد 6/137، تفسير الطبري 21/152، تفسير ابن كثير 3/478، تفسير القرطبي 14/139، فتح القدير 4/274.
7 في ب: وجاء.
8 هو عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم، القرشي السهمي، الصحابي أبو عبد الله، وقيل أبو محمد، أسلم عام خيبر سنة سبع للهجرة مع خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات السلاسل، واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على عُمان، ثم أرسله أبو بكر أميراً على الشام، فشهد فتوحها، وولي فلسطين لعمر بن الخطاب، ثم أرسله عمر في جيش إلى مصر ففتحها، ولم يزل والياً عليها، وأقره عثمان ثم عزله واستعمله معاوية على مصر، فبقي عليها حتى توفي، ودفن بها سنة 43هـ، وقيل غير ذلك، وكان من أبطال العرب ودهاتهم، وروى له عدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله مناقب كثيرة انظر ترجمته في "الإصابة 5/2، أسد الغابة 4/244، تهذيب الأسماء 2/30، مشاهير علماء الأمصار ص 55، الخلاصة 2/288، حسن المحاضرة 1/244، 578".(4/483)
"نَعَمْ" 1 وَعَنْ عُقْبَةَ2 بْنِ عَامِرٍ3 مَرْفُوعًا بِمِثْلِهِ4 رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ5 وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ [فَرَجِ 6] بْنِ فَضَالَةَ، وَضَعَّفَهُ الأَكْثَرُ7.
__________
1 هذا الحديث رواه الحاكم عن عبد الله بن عمرو أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لعمرو: "اقضِ بينهما، فقال: أقضي بينهما وأنت حاضر يا رسول الله؟ قال نعم على أنك إن أصبت فلك عشرة أجور، وإن اجتهدت فأخطأت فلك أجر" ورواه أحمد والدارقطني كذلك.
انظر: المستدرك 4/88، مسند أحمد 4/205، سنن الدارقطني 4/203، مجمع الزوائد 4/195.
2 في ب: عفينة.
3 ساقطة من ض ب.
4 رواه الإمام أحمد والدارقطني وغيرهما.
انظر: مسند أحمد 4/205، تخريج أحاديث البزدوي ص 279، ميزان الاعتدال 3/354، مجمع الزوائد 4/195، التلخيص الحبير 4/180.
5 سنن الدارقطني 4/203.
6 اللفظة من سنن الدارقطني، وفي جميع النسخ: نوح، وهو تصحيف.
7 هو فَرَج بن فضالة بن النعمان القضاعي، التنوخي، أبو فضالة الشامي الحمصي، كان على بيت مال بغداد، وتوفي بها سنة 176هـ في خلافة هارون الرشيد.
وثقة أحمد في الشاميين، وضعفه النسائي والدارقطني، وقال أبو حاتم: صدوق لا يحتج به، وقال ابن معين: صالح الحديث، وقال ابن سعد: كان ضعيفاً، وأخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجه.
انظر ترجمته في "الخلاصة 2/333، ميزان الاعتدال 3/343، المغني في الضعفاء ص 509، طبقات ابن سعد 4/469، الوزراء والكتاب ص 112".(4/484)
وَلأَحْمَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ1 أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ قَوْمٍ2.
وَلأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ أَنَّهُ بَعَثَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَاضِيًا3.
"وَمَنْ جَهِلَ وُجُودَهُ تَعَالَى" جَلَّ وَعَزَّ "أَوْ عَلِمَهُ، وَفَعَلَ" مَا لا يَصْدُرُ إلاَّ مِنْ كَافِرٍ "أَوْ قَالَ مَا لا يَصْدُرُ إلاَّ مِنْ كَافِرٍ إجْمَاعًا فَـ" ـهُوَ
__________
1 هو معقل بن يسار بن مُعَبَّر بن حُراق، أبو عبد الله، ويقال: أبو يسار وأبو علي، المزني البصري، الصحابي المشهور، شهد بيعة العقبة الرضوان، وقال –كما روى مسلم-: "لقد رأيتني يوم الشجرة، والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصناً من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشر مائة، ولم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على أن لا نفر"، ثم نزل بالبصرة، وله الخطة المعروفة به، وإليه ينسب نهر معقل بها، روى عدة أحاديث في الكتب الستة، توفي بالبصرة في آخر خلافة معاوية.
انظر ترجمته في "الإصابة 6/126، أسد الغابة 5/232، تهذيب الأسماء 2/106، الخلاصة 3/45، مشاهير علماء الأمصار ص 38".
2 قال معقل بن يسار رضي الله عنه: "أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقضي بين قوم، فقلتُ: ما أحسنُ ما أقضيَ يا رسول الله؟ قال: " اللهُ مع القاضي ما لم يَحِف عمْداً".
انظر مسند أحمد 5/26.
3 رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم عن علي رضي الله عنه وأوله: "في سنن أبي داود": "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً".
انظر: سنن أبي داود 2/270، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 4/561، سنن ابن ماجه 2/774، مسند أحمد 1/149، تخريج أحاديث البزدوي ص 155، المستدرك 4/88.(4/485)
"كَافِرٌ" وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا بِالإِسْلامِ1.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: تَبَعًا لِ " مُسْوَدَّةِ " بَنِي تَيْمِيَّةَ: مَنْ جَهِلَ وُجُودَ الرَّبِّ، أَوْ عَلِمَهُ وَفَعَلَ أَوْ قَالَ مَا أَجْمَعَتْ الأُمَّةُ أَنَّهُ لا يَصْدُرُ إلاَّ مِنْ كَافِرٍ2 فَكَافِرٌ. انْتَهَى.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي آخِرِ " الشِّفَاءِ ": وَكَذَا يَكْفُرُ3 بِكُلِّ فِعْلٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لا يَصْدُرُ إلاَّ مِنْ كَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُصَرِّحًا بِالإِسْلامِ، مَعَ فِعْلِهِ ذَلِكَ الْفِعْلَ، كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ أَوْ4 لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالصَّلِيبِ وَالنَّارِ وَالسَّعْيِ إلَى الْكَنَائِسِ، وَالْبِيَعِ مَعَ أَهْلِهَا، [وَالتَّزَيِّي] 5 بِزِيِّهِمْ مِنْ شَدِّ6 الزُّنَّارِ وَنَحْوِهِ7 - فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ هَذَا لا يُوجَدُ إلاَّ مِنْ كَافِرٍ وَأَنَّ هَذِهِ الأَفْعَالَ عَلامَةٌ عَلَى8 الْكُفْرِ، وَإِنْ صَرَّحَ فَاعِلُهَا بِالإِسْلامِ9. انْتَهَى.
__________
1 انظر تيسير التحرير 4/195 وما بعدها، 212، فواتح الرحموت 2/377، 387، إرشاد الفحول ص 260، رسائل ابن عابدين 1/316.
2 ساقطة من ض.
3 في الشفاء: نكفر.
4 في الشفاء: و.
5 اللفظة من الشفاء.
6 في ب: مثل.
7 في الشفاء: الزنانير وفحص الرؤوس، أي حلق أوساطها وتركها كمفاحص القطا.
8 في ض: لـ.
9 الشفاء 2/611.(4/486)
"وَلا يُكَفِّرُ مُبْتَدِعٌ غَيْرَهُ" أَيْ غَيْرَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَالْمُوَفَّقُ، وِفَاقًا لِلأَشْعَرِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَكَمُقَلِّدٍ فِي الأَصَحِّ فِيهِ عِنْدَ أَحْمَدَ 1وَأَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ2، وَهَلْ يَفْسُقُ أَمْ3 لا؟.
وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الدَّاعِيَةِ وَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ: أَنَّهُ يَكْفُرُ وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "إلاَّ الدَّاعِيَةَ فِي رِوَايَةٍ" وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمَذْهَبِ.
وَعَنْهُ لا يَكْفُرُ الدَّاعِيَةُ وَلا غَيْرُهُ وَعَنْهُ يَكْفُرَانِ.
"وَيَفْسُقُ مُقَلِّدٌ" فِي الْبِدَعِ "لا مُجْتَهِدٌ" فِيهَا، وَيَكُونُ فِسْقُ الْمُقَلِّدِ "بِمَا كَفَرَ بِهِ الدَّاعِيَةُ".
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ كَفَّرْنَا4 فِيهَا5 الدَّاعِيَةَ، فَإِنَّا6 نُفَسِّقُ الْمُقَلِّدَ فِيهَا.
قَالَ الْمَجْدُ: الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ لا تُوجِبُ الْكُفْرَ: لا يَفْسُقُ الْمُقَلِّدُ فِيهَا لِخِفَّتِهَا.
__________
1 ساقطة من ش.
2 انظر: تيسير التحرير 4/218، فواتح الرحموت 2/387.
3 في ض ب ز: أو.
4 في ب: كفرناها.
5 ساقطة من ب.
6 في ض: فإنها.(4/487)
"وَلا يَفْسُقُ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ كَفَّرْنَاهُ" قَالَهُ الْمَجْدُ.
"وَ" الْمُجْتَهِدُ "الْمُصِيبُ فِي" الأُمُورِ "الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ" إجْمَاعًا؛ لأَنَّهُ لا سَبِيلَ إلَى أَنَّ كُلاًّ1 مِنْ النَّقِيضَيْنِ أَوْ الضِّدَّيْنِ حَقٌّ، بَلْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، وَالآخَرُ بَاطِلٌ، وَمَنْ لا يُصَادِفُ ذَلِكَ الْوَاحِدَ فِي الْوَاقِعِ: فَهُوَ ضَالٌّ آثِمٌ، وَإِنْ بَالَغَ فِي النَّظَرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَدْرَكٌ ذَلِكَ عَقْلِيًّا2 مَحْضًا. كَحُدُوثِ3 الْعَالَمِ أَوْ4 وُجُودِ الصَّانِعِ أَوْ شَرْعِيًّا مُسْتَنِدًا إلَى ثُبُوتِ أَمْرٍ عَقْلِيٍّ، كَعَذَابِ الْقَبْرِ وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ5.
"وَنَافِي الإِسْلام مُخْطِئٌ آثِمٌ كَافِرٌ مُطْلَقًا" يَعْنِي سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ اجْتِهَادًا أَوْ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ عِنْدَ أَئِمَّةِ الإِسْلامِ، وَقَدْ ذُكِرَتْ هُنَا
__________
1 في ش: كل.
2 في ض: عقلاً.
3 في ز: كحدث.
4 في ض ز: و.
5 انظر: المسودة ص 495، الروضة ص 395، مختصر ابن الحاجب 2/293، التمهيد ص 163، جمع الجوامع 2/388، الإحكام للآمدي 4/178، المستصفى 2/354، المحصول 2/3/41، اللمع ص 73، شرح تنقيح الفصول ص 438، 439، التبصرة ص 496، المنخول ص 451، نهاية السول 3/249، البرهان 2/1316، المعتمد 2/988، تيسير التحرير 4/195، فواتح الرحموت 2/376، إرشاد الفحول ص 259، مختصر البعلي ص 164، مختصر الطوفي ص 176، المدخل إلى مذهب أحمد ص 186، الوسيط ص 533، الملك والنحل 1/201، الشفاء 2/601.(4/488)
أَقْوَالٌ تَنْفِرُ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَتَقْشَعِرُّ مِنْهَا الْجُلُودُ أَضْرَبْنَا عَنْهَا1.
"وَالْمَسْأَلَةُ الظَّنِّيَّةُ، الْحَقُّ فِيهَا: وَاحِدٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَعَلَيْهِ دَلِيلٌ وَعَلَى الْمُجْتَهِدِ طَلَبُهُ، حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ وَصَلَهُ، فَمَنْ أَصَابَهُ فَمُصِيبٌ، وَإِلاَّ فَمُخْطِئٌ مُثَابٌ" عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ. وَقَالَهُ الأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَالْمُحَاسِبِيُّ وَابْنُ كُلاَّبٍ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي عَنْ مُعْظَمِ الْفُقَهَاءِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ عَنْ الأَشْعَرِيِّ نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ مُفْلِحٍ2.
__________
1 انظر تفصيل ذلك في "الشفاء 2/473 وما بعدها، 601، الملل والنحل 1/203، مختصر البعلي ص 164، كشف الأسرار 4/17، الروضة ص 362، المنخول ص 451، المسودة ص 446، 457، 495، 503، جمع الجوامع 2/388، إرشاد الفحول ص 259، مختصر ابن الحاجب 2/293، الإحكام للآمدي 4/178، المستصفى 2/354، 357، المحصول 2/3/42، اللمع ص 73، شرح تنقيح الفصول ص 439، فتح الغفار 3/31، فواتح الرحموت 2/376".
2 قال جمهور العلماء: المصيب في الفروع والظنيات واحد، وهو قول مالك وأبي حنيفة في قول والشافعية والحنابلة، وهو قول الأشعري والباقلاني والغزالي والمعتزلة، وقال الحنفية في القول الآخر: كل مجتهد مصيب، وهناك أقوال أخرى، ولكل قول دليله، وتسمى هذه المسألة: مسألة تصويب المجتهد، وذكرها العلماء بتوسع وأدلة ومناقشة.
انظر: مجموع الفتاوى 19/204، 20/19، المسودة ص 497، 501 وما بعدها، مختصر البعلي ص 165، مختصر الطوفي ص 176، الرسالة ص 489، 496 وما بعدها، نزهة الخاطر 2/414، 415، الروضة ص 360، 363، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/293، 194 وما بعدها، التمهيد ص 163، جمع الجوامع 2/389، الإحكام للآمدي 4/183 وما بعدها، =(4/489)
قَالَ "وَثَوَابُهُ عَلَى قَصْدِهِ وَاجْتِهَادِهِ لا عَلَى الْخَطَإِ1" وَقَالَهُ2 ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: وَبَعْضُهُمْ عَلَى قَصْدِهِ3.
وَفِي الْعُدَّةِ وَغَيْرِهَا: مُخْطِئٌ عِنْدَ اللَّهِ وَحُكْمًا4.
"وَ" الْقَضِيَّةُ "الْجُزْئِيَّةُ الَّتِي فِيهَا نَصٌّ قَاطِعٌ: الْمُصِيبُ فِيهَا وَاحِدٌ بِالاتِّفَاقِ5" وَإِنْ دَقَّ مَسْلَكُ ذَلِكَ الْقَاطِعِ6.
__________
= المستصفى 2/357، 363 وما بعدها، المحصول 2/3/47 وما بعدها، 88 وما بعدها، اللمع ص 73. شرح تنقيح الفصول ص 438، 439، التبصرة ص 496 وما بعدها، المنخول ص 453، نهاية السول 3/246، مناهج العقول 3/250 وما بعدها، البرهان 2/1319، المعتمد 2/949، 956، 964، التوضيح على التنقيح 3/64، 66، 68، فتح الغفار 3/35، كشف الأسرار 4/16، 18 25، تيسير التحرير 4/202، فواتح الرحموت 2/380، المدخل إلى مذهب أحمد ص 186.
1 ساقطة من ش.
2 في ش: وقال.
3 انظر: مختصر الطوفي ص 177، الإحكام لابن حزم 2/648، تيسير التحرير 4/202، شرح الورقات ص 281، 282، فواتح الرحموت 2/381.
4 انظر المسودة ص 498، 501.
5 في ض: باتفاق.
6 انظر: مجموع الفتاوى 19/205، الروضة ص 359، مختصر ابن الحاجب 2/294، جمع الجوامع 2/390، المستصفى 2/354، 375، مختصر الطوفي ص 176، 177، المدخل إلى مذهب أحمد ص 186، إرشاد الفحول ص 260، الوسيط ص 536.(4/490)
"وَلا يَأْثَمُ مُجْتَهِدٌ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ اجْتِهَادِيٍّ، وَيُثَابُ" عِنْدَ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَخَالَفَ الظَّاهِرِيَّةُ وَجَمْعٌ1.
وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ وَتَكَرَّرَ وَشَاعَ، مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلا تَأْثِيمٍ، مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَوْ خَالَفَ أَحَدٌ فِي أَحَدِ أَرْكَانِ
__________
1 قال بعض المتكلمين وبشر المريسي وأبو بكر الأصم وابن عُليّة: إن المصيب واحد، والحق في جهة واحدة، والمخطئ آثم مطلقاً، سواء بذل جهده في الاجتهاد أم لا، وقالت الظاهرية: إن المصيب واحد، ولا إثم على المخطئ المعذور الذي بذل جهده، وقال عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة والجاحظ: لا يأثم المجتهد المخطئ سواء كان في أصول الدين والعقيدة أم في الفروع متى جد في طلبه، حتى ولو وصل إلى ما يخالف الإسلام، وقيل إن العنبري رجع عن هذا الرأي.
انظر هذه الآراء مع أدلتها ومناقشتها في "مجموع الفتاوى 19/124، 203 وما بعدها، 206، القواعد النورانية ص 128، المسودة ص 495، 497، 503، الروضة ص 362، 368 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب 2/294 وما بعدها، التمهيد للأسنوي ص 164، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/388، 389، الإحكام للآمدي 4/178، 182، 183، المستصفى 2/354، 360 وما بعدها، المحصول 2/3/41، 46، 50 وما بعدها، الاعتصام 1/167، اللمع ص 73، شرح تنقيح الفصول ص 438 وما بعدها، التبصرة ص 496، المنخول ص 454، الإحكام لابن حزم 2/647، 658، 1159، البرهان 2/1316، 1320، المعتمد 2/949، 988، كشف الأسرار 4/17، تيسير التحرير 4/197 وما بعدها، فواتح 2/377، إرشاد الفحول ص 259، 261، الفقيه والمتفقه 2/60 وما بعدها، مختصر الطوفي ص 177، 178، 184".(4/491)
الإِسْلامِ الْخَمْسِ لأَنْكَرُوا1 كَمَانِعِي2 الزَّكَاةِ وَالْخَوَارِجِ.
"وَلا" يَأْثَمُ أَيْضًا "مَنْ بَذَلَ وُسْعَهُ، وَ3لَوْ خَالَفَ" دَلِيلاً "قَاطِعًا وَإِلاَّ أَثِمَ لِتَقْصِيرِهِ".
أَمَّا عَدَمُ إثْمِهِ إذَا بَذَلَ وُسْعَهُ: فَلأَنَّهُ مَعْذُورٌ، وَلا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا، وَقَدْ أَتَى بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْذُلْ وُسْعَهُ: فَإِنَّهُ يَأْثَمُ؛ لِكَوْنِهِ قَصَّرَ فِي بَذْلِ الْوُسْعِ4.
وَلِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ "فِي وَقْتَيْنِ لا" فِي وَقْتٍ "وَاحِدٍ قَوْلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ".
أَمَّا كَوْنُ الْمُجْتَهِدِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قَوْلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ: فَلأَنَّ اعْتِقَادَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ مُحَالٌ، وَلأَنَّهُ لا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَا5 فَاسِدَيْنِ وَعُلِمَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ بِهِمَا
__________
1 في ض ب: أنكروا.
2 في ض: كمانع.
3 ساقطة من ب.
4 انظر: المسودة 498، 501، 360، الروضة ص 375 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/394، 395 وما بعدها، جمع الجوامع 2/390، 391، الإحكام للآمدي 4/184، المستصفى 2/364، المحصول 2/3/51، التلويح على التوضيح 3/69، تيسير التحرير 4/232، المدخل إلى مذهب أحمد ص 187.
5 في ب: يكون.(4/492)
حَرَامٌ فَلا قَوْلَ أَصْلاً، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فَاسِدًا، فَكَذَلِكَ فَلا وُجُودَ لِلْقَوْلَيْنِ، أَوْ يَكُونَا صَحِيحَيْنِ فَإِذًا الْقَوْلُ بِهِمَا مُحَالٌ، لاسْتِلْزَامِهِمَا التَّضَادَّ1 الْكُلِّيَّ و2َالْجُزْئِيَّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْفَاسِدَ مِنْهُمَا: فَلَيْسَ عَالِمًا بِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ فَلا قَوْلَ لَهُ3 فِيهَا فَيَلْزَمُهُ التَّوَقُّفُ أَوْ التَّخْيِيرُ، وَهُوَ قَوْلٌ وَاحِدٌ لا قَوْلانِ4.
وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو حَامِدٍ: لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ إلاَّ فِي بِضْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا: سِتَّةَ عَشَرَ، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عُلُوِّ شَأْنِهِ.
وَفَائِدَةُ ذِكْرِ5 الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ: التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مَا سِوَاهُمَا لا يُؤْخَذُ بِهِ، وَأَنَّ الْجَوَابَ مُنْحَصِرٌ فِيمَا ذُكِرَ فَيُطْلَبُ التَّرْجِيحُ فِيهِ6.
__________
1 في ش: الجزئي والكلي، وفي ز: كالكلي والجزئي
2 في ب ز: أو.
3 في ض: فليس له قول.
4 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد 2/299، الإحكام للآمدي 4/201، فتح الغفار 3/37، نهاية السول 3/184، المعتمد 2/860، شرح تنقيح الفصول ص 419، رسائل ابن عابدين 1/23، تيسير التحرير 4/232، المعتمد 2/860، مختصر البعلي ص 165، مختصر الطوفي 179، المدخل إلى مذهب أحمد ص 187، فتح الغفار 3/37، القواعد النورانية ص 127، 129.
5 في ض: ذلك.
6انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/359، المحصول 2/3/523 وما بعدها، الإحكام للآمدي 4/201 وما بعدها، اللمع ص 74، 75، التبصرة ص 511 =(4/493)
قَالَ الطُّوفِيُّ: وَأَحْسَنُ مَا يُعْتَذَرُ بِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الدَّلِيلانِ فَقَالَ بِمُقْتَضَاهُمَا عَلَى شَرِيطَةِ التَّرْجِيحِ1 انْتَهَى.
وَأَمَّا كَوْنُ الْمُجْتَهِدِ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ فِي وَقْتَيْنِ: فَلأَنَّ اعْتِقَادَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتَيْنِ لَيْسَ بِمُحَالٍ.
ثُمَّ لا يَخْلُو: إمَّا2 أَنْ يُعْلَمَ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا، أَوْ لا "فَإِنْ عُلِمَ أَسْبَقُهُمَا" أَيْ أَسْبَقُ الْقَوْلَيْنِ "فَالثَّانِي مَذْهَبُهُ" أَيْ مَذْهَبُ3 الْمُجْتَهِدِ الْقَائِلِ بِالْقَوْلَيْنِ "وَهُوَ نَاسِخٌ" لِقَوْلِهِ الأَوَّلِ عِنْدَ الأَكْثَرِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الرُّجُوعِ عَنْهُ4.
__________
= وما بعدها، نهاية السول 3/185، البرهان 2/1363، تيسير التحرير 4/233، فواتح الرحموت 2/395، الوسيط ص 553، المعتمد 2/861، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/299، 300، الروضة ص 376، مختصر البعلي ص 165، مختصر الطوفي ص 179، المدخل إلى مذهب أحمد ص 187.
1 مختصر الطوفي ص 180.
2 ساقطة من ض ب ز.
3 ساقطة من ش.
4 انظر المسودة ص 526، 527، الروضة ص 376، 380، مختصر البعلي ص 165، مختصر الطوفي ص 182، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/299، الإحكام للآمدي 4/201، اللمع ص 75، التبصرة ص 514، فتح الغفار 3/37، تيسير التحرير 4/232، نهاية السول 3/185 وما بعدها، المحصول 2/3/522، الفروع 1/64، صفة الفتوى ص 33، 39، المدخل إلى مذهب أحمد ص 187، 190، إرشاد الفحول ص 263.(4/494)
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إذَا رَأَيْتُ مَا هُوَ أَقْوَى أَخَذْتُ بِهِ، وَتَرَكْتُ الْقَوْلَ الأَوَّلَ1.
وَقِيلَ: يَكُونُ الأَوَّلُ مَذْهَبَهُ أَيْضًا مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالرُّجُوعِ عَنْ الأَوَّلِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ، كَمَنْ صَلَّى صَلاتَيْنِ بِاجْتِهَادَيْنِ إلَى جِهَتَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ أَخْطَأَ؛ وَلأَنَّ الاجْتِهَادَ لا يُنْقَضُ بِالاجْتِهَادِ2.
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الأَسْبَقُ مِنْهُمَا "فَمَذْهَبُهُ" أَيْ فَمَذْهَبُ3 ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ "أَقْرَبُهُمَا" أَيْ أَقْرَبُ الْقَوْلَيْنِ "مِنْ الأَدِلَّةِ، أَوْ" مِنْ "قَوَاعِدِهِ" أَيْ قَوَاعِدِ مَذْهَبِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ4. قَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي فُرُوعِهِ وَغَيْرِهِ5.
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ وَغَيْرُهُ: يُجْتَهَدُ فِي الأَشْبَهِ بِأُصُولِهِ، الأَقْوَى فِي الْحُجَّةِ: فَيَجْعَلَهُ مَذْهَبَهُ.
__________
1 في ش: الآخر.
2 انظر: المسودة ص 527ن الروضة ص 380 وما بعدها، مختصر البعلي ص 165، مختصر الطوفي ص 182، الفروع وتصحيحه 1/64، المدخل إلى مذهب أحمد ص 190.
3 في ض ب ز: مذهب.
4 انظر: المسودة ص 526، 528، الروضة ص 380، التبصرة ص 514، تيسير التحرير 4/232، روضة الطالبين 11/111، مختصر البعلي ص 165، مختصر الطوفي ص 182، المدخل إلى مذهب أحمد ص 187، 190.
5 الفروع لابن مفلح 1/65، صفة الفتوى ص 40، 87، 89، الروضة ص 380.(4/495)
"وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ وَنَحْوِهِ" مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى الإِطْلاقِ الَّذِينَ لَمْ يُؤَلِّفُوا كُتُبًا مُسْتَقِلَّةً فِي الْفِقْهِ - كَاللَّيْثِ وَالسُّفْيَانَيْنِ وَنَحْوِهِمْ - فَإِنَّمَا1 أَخَذَ أَصْحَابُهُ مَذْهَبَهُ مِنْ بَعْضِ تَآلِيفِهِ غَيْرِ الْمُسْتَقِلَّةِ بِالْفِقْهِ، وَمِنْ أَقْوَالِهِ فِي فَتَاوِيهِ، وَغَيْرِهَا. وَ2مِنْ أَفْعَالِهِ "مَا قَالَهُ" صَرِيحًا فِي الْحُكْمِ بِلَفْظٍ لا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، أَوْ بِلَفْظٍ ظَاهِرٍ فِي الْحُكْمِ مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ "أَوْ جَرَى مَجْرَاهُ" أَيْ جَرَى3 مَجْرَى مَا قَالَهُ "مِنْ تَنْبِيهٍ وَغَيْرِهِ" كَقَوْلِهِمْ: أَوْمَأَ إلَيْهِ، أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ، أَوْ دَلَّ كَلامُهُ عَلَيْهِ4، أَوْ تَوَقَّفَ فِيهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ قَسَّمَ أَصْحَابُهُ دَلالَةَ أَلْفَاظِهِ إلَى أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ5 "وَكَذَا فِعْلُهُ" يَعْنِي أَنَّهُ6 إذَا فَعَلَ فِعْلاً قُلْنَا: مَذْهَبُهُ جَوَازُ مِثْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَهُ، وَإِلاَّ لَمَا كَانَ الإِمَامُ7 فَعَلَهُ8.
__________
1 في ض ب: وإنما.
2 ساقطة من ب.
3 ساقطة من ض.
4 في ض: لكلامه.
5 انظر: مجموع الفتاوى 19/152، 20/217، مختصر البعلي ص 166، مختصر الطوفي ص 181، المسودة ص 524، 529 وما بعدها، 532، 533، نزهة الخاطر 2/364، التبصرة ص 515 وما بعدها، صفة الفتوى ص 85، 113.
6 ساقطة من ض.
7 ساقطة من ش ز.
8 اختلف العلماء في أخذ مذهب الإمام من فعله على قولين، فمنهم من أجازه وهو الراجح، ومنهم من منعه.
انظر: مجموع الفتاوى 19/152 وما بعدها، صفة الفتوى ص 103.(4/496)
"وَ" كَذَا "مَفْهُومُ كَلامِهِ" يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِكَلامِهِ مَفْهُومٌ، فَإِنَّا نَحْكُمُ عَلَى ذَلِكَ الْمَفْهُومِ بِمَا يُخَالِفُ الْمَنْطُوقَ، إنْ كَانَ مَفْهُومَ مُخَالَفَةٍ، أَوْ بِمَا يُوَافِقُهُ، إنْ كَانَ مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ.
وَفِي1 فِعْلِهِ. وَ2مَفْهُومُ كَلامِهِ وَجْهَانِ لِلأَصْحَابِ3 أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلاًّ مِنْ فِعْلِهِ وَمَفْهُومِ كَلامِهِ: مَذْهَبٌ لَهُ.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.
قَالَ ابْنُ حَامِدٍ فِي تَهْذِيبِ الأَجْوِبَةِ: عَامَّةُ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ: إنَّ فِعْلَهُ مَذْهَبٌ لَهُ وَقَدَّمَهُ، وَرَدَّ4 غَيْرُهُ.
وَقَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: اخْتَارَ الْخِرَقِيُّ5 وَابْنُ حَامِدٍ
__________
1 في ش: وقد.
2 في ش: وفي.
3 ساقطة من ب.
4 في ش: وردَّه.
5 هو عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد، أبو القاسم الخرقي، أخذ العلم عن أصحاب الإمام أحمد، كان عالماً بارعاً في مذهب الإمام أحمد، وأحد أئمة المذهب، وكان ذا ورع ودين، كثيرة العبادة والفضائل، وله مصنفات كثيرة، وتخريجات على المذهب لم ينتشر منها إلا "المختصر في الفقه" الذي شرحه الموفق ابن قدامة في "المغني"، كان الخرقي في بغداد فخرج منها، وتوفي بدمشق سنة 334هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/75، المنهج الأحمد 2/51، المنتظم 6/346، شذرات الذهب 2/336، البداية والنهاية 11/214، وفيات الأعيان 3/115، طبقات الفقهاء ص 172، المدخل إلى مذهب أحمد ص 209".(4/497)
وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: أَنَّ مَفْهُومَ كَلامِهِ مَذْهَبُهُ وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ1: أَنَّهُ لا يَكُونُ مَذْهَبًا لَهُ2. انْتَهَى3.
وَإِذَا صَحَّ كَوْنُ مَفْهُومِ كَلامِهِ مَذْهَبًا لَهُ "فَلَوْ قَالَ فِي مَسْأَلَةٍ بِخِلافِهِ" أَيْ بِخِلافِ مَفْهُومِ كَلامِهِ "بَطَلَ" كَوْنُ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ الَّذِي صَرَّحَ بِخِلافِهِ مَذْهَبًا لَهُ4.
"فَإِنْ5 عَلَّلَهُ6" أَيْ عَلَّلَ مَا ذُكِرَ مِنْ حُكْمٍ "بِعِلَّةٍ؛ فَقَوْلُهُ" هُوَ7 "مَا وُجِدَتْ فِيهِ" تِلْكَ الْعِلَّةُ "وَلَوْ قُلْنَا: بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ" عَلَى الأَصَحِّ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: سَوَاءٌ قُلْنَا: بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ أَوْ لا. وَقَطَعَ بِذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ8 وَمُخْتَصَرِ الطُّوفِيِّ9 وَغَيْرِهِمَا؛ إذْ الْحُكْمُ
__________
1 هو عبد العزيز بن جعفر بن أحمد، أبو بكر غلام الخلال، كما نص عليه ابن حمدان يف "صفة الفتوى ص 103، وهو المقصود في المذهب إذا أطلق، وسبقت ترجمته "1/192".
2 ساقطة من ض.
3 صفة الفتوى ص 102 مع التصرف، وانظر: المسودة ص 532.
4 انظر: المسودة ص 532، صفة الفتوى ص 103.
5 في ش: فلو.
6 في ش: علل.
7 ساقطة من ض ب ز.
8 الروضة ص 379، وانظر: الفروع 1/70، المسودة ص 525.
9 مختصر الطوفي ص 181.(4/498)
يَتْبَعُ الْعِلَّةَ1.
وَقِيلَ: لا يَكُونُ ذَلِكَ مَذْهَبَهُ2.
"وَكَذَا الْمَقِيسُ عَلَى كَلامِهِ" يَعْنِي أَنَّهُ مَذْهَبُهُ عَلَى الأَصَحِّ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مَذْهَبُهُ فِي الأَشْهَرِ3 وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمَا4، وَهُوَ مَذْهَبُ الأَثْرَمِ وَالْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ5 فِي تَهْذِيبِ الأَجْوِبَةِ.
وَقِيلَ: لا يَكُونُ مَذْهَبَهُ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ6.
قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَالأَجْوَدُ أَنْ يُفَصَّلَ فَمَا كَانَ مِنْ جَوَابٍ لَهُ مِنْ7 أَصْلٍ 8يَحْتَوِي عَلَى9 مَسَائِلَ خَرَجَ جَوَابُهُ عَلَى بَعْضِهَا، فَإِنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ بَقِيَّةُ مَسَائِلِ ذَلِكَ الأَصْلِ مِنْ حَيْثُ الْقِيَاسُ10.
__________
1 انظر: المسودة ص 525، المدخل إلى مذهب أحمد ص 189.
2 انظر: المسودة ص 525.
3 الفروع 1/65، وانظر: صفة الفتوى ص 88.
4 في ب ز: وغيرهم.
5 في ش: أبو حامد، وفي ض: ابن حمدان.
6 وقال بهذا الشيرازي الشافعي في "اللمع ص 75"، وانظر: تصحيح الفروع 1/66.
7 في ض ب ز: في.
8 ساقطة من ض.
9 ساقطة من ب ز.
10 انظر: المسودة ص 532، اللمع ص 75.(4/499)
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا1 "فَلَوْ أَفْتَى فِي مَسْأَلَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفِينَ فِي وَقْتٍ لَمْ يَجُزْ نَقْلُهُ" أَيْ نَقْلُ الْحُكْمِ "مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا" أَيْ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ "إلَى الأُخْرَى عَلَى الأَصَحِّ" كَقَوْلِ الشَّارِعِ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ وَغَيْرِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمَجْدُ2 وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ3، كَمَا لَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، أَوْ مَنَعَ النَّقْلَ وَالتَّخْرِيجَ4.
قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَآدَابِ5 الْمُفْتِي: أَوْ قَرُبَ6 الزَّمَنُ بِحَيْثُ يَظُنُّ أَنَّهُ ذَاكِرٌ حُكْمَ7 الأَدِلَّةِ حِينَ أَفْتَى بِالثَّانِيَةِ8.
__________
1 ساقطة من ش.
2 انظر: المسودة ص 525، 532، 533، 534.
3 انظر: الروضة ص 380.
4 قال ابن بدران: "النقل يكون من نص الإمام بأن ينقل عن محلٍ إلى غيره بالجامع المشترك، والتخريج يكون من قواعده الكلية، فهو أعم من النقل ... ، وأما النقل والتخريج معاً فهو مختص بنصوص الإمام" "المدخل إلى مذهب أحمد ص 190".
وانظر: صفة الفتوى ص 20 وما بعدها، القواعد النورانية ص 258 نزهة الخاطر 2/445، اللمع ص 75، التبصرة ص 517، المعتمد 2/866.
5 في ض: أدب.
6 في ش: أقرب.
7 في ش: حكماً.
8 قال ابن بدران: "والأولى جواز ذلك بعد الجد والبحث فيه من أهله، إذ خفاء الفرق مع ذلك، وإن دق، ممتنع، وقد وقع النقل والتخريج في مذهبنا" وذكر أمثلة عن "المحرر" "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 189".(4/500)
"وَلَوْ نَصَّ" الإِمَامُ "عَلَى حُكْمِ مَسْأَلَةٍ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ قَالَ قَائِلٌ بِكَذَا، أَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَيْهِ". لَكَانَ1 مَذْهَبًا لَهُ2: "لَمْ يَكُنْ" ذَلِكَ "مَذْهَبًا لَهُ" أَيْ لِلإِمَامِ كَمَا لَوْ قَالَ: وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى كَذَا قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ بَعْدَهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَآدَابِ الْمُفْتِي وَغَيْرِهِمْ3.
"وَالْوَقْفُ مَذْهَبٌ" يَعْنِي أَنَّ الإِمَامَ إذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَتَوَقَّفَ فِيهَا، فَيَكُونُ مَذْهَبُهُ فِيهَا الْوَقْفَ4، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ5.
__________
= ونقل ابن مفلح وجهين في ذلك، ونقل النووي عن الشيرازي عدم جواز النقل أيضاً.
انظر المسودة ص 525 وما بعدها، 527، 548، صفة الفتوى ص 21، 88، الروضة ص 380، الفروع 1/65، الإحكام للآمدي 4/202، روضة الطالبين 11/102، التبصرة ص 516 وما بعدها، نزهة الخاطر 2/443، مختصر الطوفي ص 181، اللمع ص 75، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/360.
1 في ش: كان.
2 ساقطة من ش ز.
3 انظر: صفة الفتوى ص 102، الفروع 1/70، المسودة ص 524، اللمع ص 75، التبصرة ص 518.
4 خالف في ذلك ابن حمدان وابن مفلح، فقال ابن حمدان: "فإن توقف في مسألة، جاز إلحاقها بما يشبهها، إن كان حكمه أرجح من غيره، وإن أشبهت مسألتين أو أكثر، أحكامها مختلفة بالخفة والثقل، فهل يلحق بالأخف، أو الأثقل، أو يخير المقلد بينهماِ؟ يحتمل أوجهاً، الأظهر عنه التخيير" "صفة الفتوى ص 102" وقال ابن مفلح مثل ذلك في الفروع 1/7".
5 ساقطة من ض ب ز.(4/501)
فصل: لا ينقض حكم الحاكم في مسألة إجتهادية
...
"فَصْلٌ"
"لا يُنْقَضُ حُكْمُ" حَاكِمٍ "فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ؛ لِلتَّسَاوِي فِي الْحُكْمِ بِالظَّنِّ1. وَإِلاَّ2 نُقِضَ3 بِمُخَالَفَةِ قَاطِعٍ فِي مَذْهَبِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ، إلاَّ مَا سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ: أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ4 وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ اتِّفَاقًا5؛ لأَنَّهُ عَمَلُ الصَّحَابَةِ، وَلِلتَّسَلْسُلِ فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ نَصْبِ الْحَاكِمِ؛ إذْ6 لَوْ جَازَ النَّقْضُ لَجَازَ نَقْضُ7 النَّقْضِ وَهَكَذَا، فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَهُوَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ8 حِينَئِذٍ بِالْحُكْمِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ فِي الْفُرُوعِ9:
__________
1 في ض: بالنطق.
2 في د ض: ولا.
3 في ض: نطق.
4 ساقطة من ز.
5 الإحكام للآمدي 4/203.
6 في ش: إذا.
7 في ش: نقض بعض.
8 في ش: الوقوف.
9 ساقطة من ب.(4/503)
لا يُنْقَضُ الاجْتِهَادُ بِالاجْتِهَادِ1.
"إلاَّ" الْحُكْمَ "بِقَتْلِ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ، وَ" إلاَّ الْحُكْمَ "بِجَعْلِ مَنْ2 وَجَدَ3 عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ" لِمُخَالَفَةِ ذَلِكَ لِنَصِّ آحَادِ السُّنَّةِ4، وَسَيَأْتِي أَنَّ مَا خَالَفَ نَصَّ سُنَّةٍ وَلَوْ آحَادًا يُنْقَضُ.
__________
1 قال أبو بكر الأصم: ينقض، وقال الغزالي: "وهذه مسائل فقهية، أعني نقض الحكم في هذه الصور، وليست من الأصول في شيء" "المستصفى 2/384".
وانظر: جمع الجوامع 2/391، المحصول 2/3/50، 91، شرح تنقيح الفصول ص 439 وما بعدها، الإحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام ص 20 وما بعدها، مختصر البعلي ص 166، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/300، المدخل إلى مذهب أحمد ص 190، فواتح الرحموت 2/395، فتح الغفار 3/37، تيسير التحرير 2/234، تأسيس النظر وأصول الكرخي ص 154، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 85، الفروق للقرافي 2/103، روضة الطالبين 11/150، المغني 10/50، المحرر 2/210، أدب القضاء لابن أبي الدم ص 164، الوسيط ص 555، إرشاد الفحول ص 263.
2 ساقطة من ش.
3 في ش: واحد.
4 قال الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد: لا يقتل المسلم بالكافر، وقال الحنفية يقتل به، لقوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} المائدة/45، واستدل الجمهور بالحديث الصحيح الذي رواه البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي والدارمي بألفاظ مختلفة عن عائشة وعلي وابن عباس مرفوعاً: "لا يقتل مسلم بكافر".
ومر تخريجه في المجلد الأول ص 332، والمجلد الثالث ص 263، وانظر: المغني 8/273، الفروع 6/456 وأما من وجد عين ماله عند من حُجر عليه فقال الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد: إنه أحق بماله لما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد ومالك عن أبي هريرة رضي الله عنه =(4/504)
"وَيُنْقَضُ" الْحُكْمُ وُجُوبًا "بِمُخَالَفَةِ نَصِّ الْكِتَابِ" أَيْ كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "أَوْ" نَصِّ "سُنَّةٍ1، وَلَوْ" كَانَتْ السُّنَّةُ "آحَادًا" خِلافًا لِقَوْلِ الْقَاضِي2 "أَوْ" مُخَالَفَةٍ لِ "إجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ لا ظَنِّيٍّ" فِي الأَصَحِّ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ3 وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمَا4.
"وَلا" يُنْقَضُ بِمُخَالَفَةِ "قِيَاسٍ وَلَوْ جَلِيًّا" عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ
__________
= أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره" وهذا لفظ مسلم، وفي رواية: "أيما امرئ أفلس" وقال أبو حنيفة: هو أسوة غرماء لأنه أسقط حقه من الإمساك، وأنه ساوى الغرماء في سبب الاستحقاق، فقال الإمام أحمد لو حكم حاكم بأنه أسوة غرماء جاز نقض حكمه.
انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 2/39، صحيح مسلم بحاشية النووي 10/221، سنن أبي داود 2/256، سنن النسائي 7/274، الموطأ ص 420، سنن ابن ماجه 2/790، مسند أحمد 2/347، 410، المغني 4/307، الفروع 6/497.
1 في ض ز: السنة.
2 وهذا ما بينه الإمام الغزالي، فانظر "المستصفى 2/383".
3 الفروع 1/497.
4 في ض: وغيرها.
وانظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/300، جمع الجوامع 2/391، الإحكام للآمدي 4/203، المستصفى 2/382، المحصول 2/3/91، شرح تنقيح الفصول ص 441، البرهان 2/1328، تيسير التحرير 2/234، فواتح الرحموت 2/395، أدب القضاء لابن أبي الدم ص 164، المغني 10/50، 51، روضة الطالبين 11/150، المدخل إلى مذهب أحمد ص 190.(4/505)
الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الأَكْثَرُ1.
وَقِيلَ: يُنْقَضُ إذَا خَالَفَ قِيَاسًا جَلِيًّا، وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَزَادَ مَالِكٌ2: يُنْقَضُ بِمُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ3.
"وَلا يُعْتَبَرُ لِنَقْضِهِ طَلَبُ رَبِّ الْحَقِّ" عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ4.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي5، وَالشَّارِحُ6 وَابْنُ رَزِينٍ: لا يُنْقَضُ7 إلاَّ بِمُطَالَبَةِ صَاحِبِهِ8.
"وَحُكْمُهُ" أَيْ حُكْمُ الْحَاكِمِ "بِخِلافِ اجْتِهَادِهِ9 بَاطِلٌ، وَلَوْ
__________
1 انظر: الإحكام للآمدي 4/203، المدخل إلى مذهب أحمد ص 190.
2 ساقطة من ض.
3 صرح الغزالي وابن السبكي والآمدي والقرافي وغيرهم بنقض الحكم بمخالفته القياس الجلي.
انظر: المستصفى 2/382، جمع الجوامع 2/391، شرح تنقيح الفصول ص 432، 442، أدب القضاء لابن أبي الدم ص 164، الإحكام للآمدي 4/203، غاية الوصول ص 149، الفروع 6/456، المغني 10/50، روضة الطالبين 11/150، المدخل إلى مذهب أحمد ص 190.
4 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 190.
5 المغني 10/53.
6 انظر: الشرح الكبير 11/412.
7 في ض: ينقضه.
8 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 190، الشرح الكبير 11/412.
9 في ش: اجتهاد.(4/506)
قَلَّدَ غَيْرَهُ" فِي الْحُكْمِ عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ اتِّفَاقًا1.
وَفِي إرْشَادِ ابْنِ أَبِي مُوسَى: لا؛ لِلْخِلافِ فِي الْمَدْلُولِ وَيَأْثَمُ2.
"وَمَنْ قَضَى بِرَأْيٍ يُخَالِفُ3 رَأْيَهُ نَاسِيًا لَهُ: نَفَذَ وَلا إثْمَ" وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ4.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ عَنْهُ وَيَنْقُضُهُ، كَقَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ5.
__________
1 الإحكام للآمدي 4/203.
وانظر: مختصر البعلي ص 166، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/300، جمع الجوامع 2/391، المستصفى 2/383، تيسير التحرير 4/234، غاية الوصول ص 149، فواتح الرحموت 2/395، شرح تنقيح الفصول ص 432، إرشاد الفحول ص 263، المدخل إلى مذهب أحمد ص 190.
2 وقال الإمام أبو حنيفة: يجوز قضاء المجتهد على خلاف اجتهاده، وإن القول بعدم حل التقليد في إحدى روايتي أبي حنيفة لا يستلزم عدم النفاذ، وهو قول عند الحنابلة.
انظر: تيسير التحرير 4/234، فواتح الرحموت 2/393، 395، مختصر البعلي ص 166، المدخل إلى مذهب أحمد ص 190، الفروع 6/475.
3 في ب: بخلاف.
4 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 190.
5 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 190.(4/507)
وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ1 عَنْ أَحْمَدَ: إذَا أَخْطَأَ بِلا تَأْوِيلٍ فَلْيَرُدَّهُ، وَلْيَطْلُبْ2 صَاحِبَهُ فَيَقْضِي بِحَقٍّ3.
"وَيَصِحُّ فِي قَوْلٍ: حُكْمُ مُقَلِّدٍ، وَيُنْقَضُ فِي قَوْلٍ: مَا خَالَفَ فِيهِ مَذْهَبَ إمَامِهِ"4.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَإِنْ حَكَمَ مُقَلِّدٌ بِخِلافِ مَذْهَبِ5 إمَامِهِ، فَإِنْ صَحَّ حُكْمُ الْمُقَلِّدِ انْبَنَى نَقْضُهُ6 عَلَى مَنْعِ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ.
ذَكَرَهُ7 الآمِدِيُّ، وَهُوَ وَاضِحٌ، وَمَعْنَاهُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا،
__________
1 هو أحمد بن حميد، أبو طالب، المشكاتي، المتخصص بصحبة الإمام أحمد، وروى عنه مسائل كثيرة، وكان أحمد يكرمه ويعظمه، ذكره أبو بكر الخلال فقال: "صحب أحمد قديماً إلى أن مات ... ، وكان رجلاً صالحاً فقيراً صبوراً قنوعاً، توفي سنة 244هـ، والغالب أنه المقصود عند إطلاق: أبي طالب.
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/39، المنهج الأحمد 1/110".
وهناك عصمة بن أبي عصمة، أبو طالب العكبري، روى عن الإمام أحمد أشياء، وذكره أبو بكر الخلال وقال: كان صالحا، صحب أبا عبد الله قديما إلى أن مات، وروى عنه مسائل كثيرة جيادا، وأول مسائل سمعت بعد موت أبي عبد الله: مسائله، مات سنة 344هـ.
انظر: ترجمته في "الطبقات الحنابلة 1/246، المنهج الأحمد 1/112".
2 في ش ض: ويطلب.
3 انظر: الفروع 6/457، المدخل إلى مذهب أحمد ص190.
4 وهذا ما نقله النووي عن ابن الصلاح.
انظر: روضة الطالبين 11/107، المجموع 1/16.
5 في ض ب: رأي.
6 ساقطة من ض.
7 في ز: وذكره.(4/508)
وَمُرَادُهُ ابْنُ حَمْدَانَ1.
"وَفِي قَوْلٍ" لابْنِ حَمْدَانَ "مُخَالَفَةُ الْمُفْتِي نَصَّ إمَامِهِ: كَمُخَالَفَةِ نَصِّ2 الشَّارِعِ"3.
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: عَمَلُهُ بِقَوْلِ الأَكْثَرِ أَوْلَى4.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّا إذَا مَنَعْنَا مَنْ قَلَّدَ إمَامًا أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ وَفَعَلَ، وَحَكَمَ بِقَوْلِهِ: فَيَنْبَغِي أَنْ لا يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ؛ لأَنَّهُ فِي ظَنِّهِ أَنَّ إمَامَهُ أَرْجَحُ5.
"وَمَنْ اجْتَهَدَ فَتَزَوَّجَ بِلا وَلِيٍّ6، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ: حَرُمَتْ إنْ لَمْ يَكُنْ حَكَمَ7 بِهِ".
اعْلَمْ أَنَّا إذَا قُلْنَا: يُنْقَضُ8 الاجْتِهَادُ، فَالنَّظَرُ فِيهِ حِينَئِذٍ فِي أَمْرَيْنِ:
__________
1 انظر: جمع الجوامع 2/391، المدخل إلى مذهب أحمد ص 191.
2 ساقطة من ش.
3 صفة الفتوى ص 31.
وانظر: روضة الطالبين 11/107، مجموع الفتاوى 20/220، إعلام الموقعين 4/299، المنخول ص 481.
4 انظر: إعلام الموقعين 4/284، المدخل إلى مذهب أحمد ص 191، المسودة ص 538.
5 ساقطة من ش.
6 في ب: بالأولى.
7 ساقطة من ش.
8 في ض: بنقض.(4/509)
أَحَدُهُمَا: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ، وَمِثَالُهُ مَا تَقَدَّمَ.
وَالثَّانِي: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَلا يَحْرُمُ عَلَى مُقَلِّدٍ بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِ إمَامِهِ".
أَمَّا الأَوَّلُ: وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ. فَإِذَا أَدَّاهُ1 اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، ثُمَّ تَغَيَّرَ وَجْهُ2 اجْتِهَادِهِ، كَمَا إذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ بِلا وَلِيٍّ3، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، فَرَأَى أَنَّهُ بَاطِلٌ، فَالأَصَحُّ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ4، وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ5 عَنْ الْغَزَالِيِّ، وَلَمْ يَنْقُلْ غَيْرَهُ6.
وَقِيلَ: لا تَحْرِيمَ مُطْلَقًا7 حَكَاهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي فُرُوعِهِ8.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إنْ حَكَمَ بِهِ لَمْ تَحْرُمْ. وَإِلاَّ حَرُمَتْ وَهُوَ
__________
1 في ش: أراد، وفي د: أدى.
2 ساقطة من ش ز.
3 في ب: بالأولى.
4 مختصر ابن الحاجب 2/300.
5 في ض: الرازي.
6 انظر: المستصفى 2/382، نهاية السول 3/255، تيسير التحرير 2/234.
7 ساقطة من ش.
8 انظر الفروع 6/491.(4/510)
الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى1 وَالْمُوَفَّقُ2 وَابْنُ حَمْدَانَ3 وَالطُّوفِيُّ4 وَالآمِدِيُّ5 وَجَزَمَ بِهِ الْبَيْضَاوِيُّ6 وَالْهِنْدِيُّ. وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ؛ لأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِمَا يَعْتَقِدُهُ الْحَاكِمُ: رَافِعٌ لِلْخِلافِ، وَلِئَلاَّ7 يَلْزَمُ نَقْضُ الْحُكْمِ بِتَغَيُّرِ الاجْتِهَادِ8.
وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ: فَكَمَا9 إذَا10 أَفْتَى مُجْتَهِدٌ عَامِّيًّا بِاجْتِهَادٍ11، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ: لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ عَلَى الأَصَحِّ،
__________
1 ساقطة من ض.
2 انظر: الروضة ص 381، المغني 10/52.
3 صفة الفتوى ص 30.
4 مختصر الطوفي ص 182.
5 الإحكام للآمدي 4/203.
6 منهاج الوصول بشرح نهاية السول 3/253.
7 في ش: فلا، وفي ز: لئلا.
8 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/300، جمع الجوامع 2/391، غاية الوصول ص 150، المستصفى 2/382، المحصول 2/3/91، شرح تنقيح الفصول ص 441، تسيسر التحرير 4/235، فواتح الرحموت 2/396، أدب القضاء لابن أبي الدّم ص 173، الفروق 3/103، روضة الطالبين 11/106، المدخل إلى مذهب أحمد ص 191.
9 ساقطة من ض ب ز.
10 في ض ب ز: فإذا.
11 في ب: باجتهاده(4/511)
قَالَهُ1 أَبُو الْخَطَّابِ وَالْمُوَفَّقُ2 وَالطُّوفِيُّ3، وَظَاهِرُ4 كَلامِ ابْنِ مُفْلِحٍ؛ لأَنَّ5 عَمَلَهُ بِفَتْوَاهُ كَالْحُكْمِ. وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ إذَا اجْتَهَدَ وَحَكَمَ فِي وَاقِعَةٍ، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَالْحُكْمُ بِالأَوَّلِ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَكَذَا إذَا أَفْتَاهُ أَوْ قَلَّدَهُ6.
"وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ" الْعَامِّيُّ "بِفَتْوَاهُ" حَتَّى تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ مُفْتِيهِ "لَزِمَ الْمُفْتِيَ إعْلامُهُ" أَيْ إعْلامُ الْمُفْتِي الْعَامِّيَّ بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ فِيمَا أَفْتَاهُ بِهِ7.
__________
1 في ض ز ب: وقاله.
2 ساقطة من ب. وانظر: الروضة ص 381، المغني 10/50.
3 مختصر الطوفي ص182
4 في ض: وهو ظاهر.
5 في د ز: إن.
6 وفي قول تحرم عليه كحكمه لنفسه، واختاره الآمدي والغلزالي والرازي والقرافي وابن حمدان والكمال بن الهمام وغيرهم، وعرض ابن القيم بحثاً موسعاً عن تغير الفتوى بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال في "إعلام الموقعين 3/5 وما بعدها، 100وما بعدها".
وانظر: الإحكام للآمدي 4/203، المستصفى 2/382، المحصول 2/3/91، شرح تنقيح الفصول ص 441، صفة الفتوى ص 30، تيسير التحرير 4/236، فواتح الرحموت 3/396، روضة الطالبين 11/106 وما بعدها، المجموع 1/75، غاية الوصول ص 150، مختصر البعلي ص 166، المسودة ص 472، 543، المدخل إلى مذهب أحمد ص 191، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/391.
7 انظر: جمع الجوامع 2/391، روضة الطالبين 11/107، المجموع 1/75، 76، إعلام الموقعين 4/285، صفة الفتوى ص30، شرح تنقيح الفصول ص 442، المحصول 2/3/95، غاية الوصول ص 150، المعتمد 2/933.(4/512)
1"فَلَوْ مَاتَ" الْمُفْتِي "قَبْلَهُ" أَيْ قَبْلَ إعْلامِهِ الْعَامِيَّ بِتَغَيُّرِ2 اجْتِهَادِهِ فَقَالَ3 ابْنُ مُفْلِحٍ فِي " فُرُوعِهِ ": "اسْتَمَرَّ" فِي الأَصَحِّ، قَالَ فِي " شَرْحِ التَّحْرِيرِ ": وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ4.
وَقِيلَ: يَمْتَنِعُ.
"وَلَهُ" أَيْ وَلِلْعَامِّيِّ "تَقْلِيدُ" مُجْتَهِدٍ "مَيِّتٍ" كَتَقْلِيدِ حَيٍّ؛ لأَنَّ قَوْلَهُ بَاقٍ فِي الإِجْمَاعِ وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَفِيهِ يَقُولُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: الْمَذَاهِبُ لا تَمُوتُ بِمَوْتِ أَرْبَابِهَا. انْتَهَى. "كَحَاكِمٍ" فَإِنَّ الْحُكْمَ لا يَمُوتُ بِمَوْتِ حَاكِمِهِ "وَشَاهِدٍ" فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لا تَبْطُلُ بِمَوْتِ مَنْ شَهِدَ بِهَا5.
وَقِيلَ: لَيْسَ لِلْعَامِّيِّ تَقْلِيدُ الْمَيِّتِ إنْ وَجَدَ مُجْتَهِدًا حَيًّا، وَإِلاَّ جَازَ.
__________
1 ساقطة من ش.
2 في د: بتغيير.
3 في ض د: قال.
4 انظر: المسودة ص 521،522، 543، جمع الجوامع 2/391، إعلام الموقعين 4/283، صفة الفتوى ص 30.
5 وخالف في ذلك الرازي وأبو الحسن البصري، وكما نقله ابن السبكي، وأيّدهما الشوكاني.
انظر: المسودة ص 521، 522، صفة الفتوى ص 70، جمع الجوامع 2/396، المجموع 1/90، الإحكام لابن حزم 2/838، إعلام الموقعين 4/274، نهاية السول 3/257، تيسير التحرير 4/250، البرهان 2/1352، فواتح الرحموت 2/407، الأنوار 2/395، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91، الوسيط ص 600،المحصول 2/3/97، إرشاد الفحول ص 269.(4/513)
وَقِيلَ: لا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ مُطْلَقًا. وَهُوَ وَجْهٌ لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ1.
فَعَلَى2 الأَوَّلِ - وَهُوَ جَوَازُ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ لَوْ وَجَدَ مُجْتَهِدًا حَيًّا وَلَكِنْ دُونَ الْمَيِّتِ - احْتَمَلَ أَنْ يُقَلِّدَ 3الْمَيِّتَ لأَرْجَحِيَّتِهِ4، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُقَلِّدَ الْحَيَّ لِحَيَاتِهِ وَاحْتَمَلَ التَّسَاوِيَ.
وَحَكَى الْهِنْدِيُّ قَوْلاً رَابِعًا فِي الْمَسْأَلَةِ: وَهُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِي عَنْ الْمَيِّتِ أَهْلاً لِلْمُنَاظَرَةِ، وَهُوَ مُجْتَهِدٌ فِي مَذْهَبِ الْمَيِّتِ، فَيَجُوزُ، وَإِلاَّ5 فَلا6.
"وَإِنْ عَمِلَ" الْمُسْتَفْتِي "بِفُتْيَاهُ" أَيْ بِفُتْيَا7 الْمُفْتِي "فِي إتْلافِ" نَفْسٍ أَوْ مَالٍ "فَبَانَ خَطَؤُهُ" أَيْ خَطَأُ الْمُفْتِي فِي فُتْيَاهُ "قَطْعًا" أَيْ بِمُقْتَضَى مُخَالَفَتِهِ8 دَلِيلاً9 قَاطِعًا10 "ضَمِنَهُ" أَيْ ضَمِنَ الْمُفْتِي مَا
__________
1 انظر: صفة الفتوى ص 70، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/396، المسودة ص 466، إعلام الموقعين 4/274، 329، المنخول ص 480، نهاية السول 3/257، البرهان 2/1352، المحصول 2/3/97، إرشاد الفحول ص 269، المدخل إلى مذهب أحمد ص 191.
2 في ض: وعلى.
3 ساقطة من ش.
4 في د: لرجحانه.
5 في ض ب: أو لا.
6 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/396.
7 في ض ب ز: فتيا.
8 في ش: مخالفة.
9 في ش: دليل.
10 في ش: قاطع.(4/514)
أَتْلَفَهُ الْمُسْتَفْتِي بِمُقْتَضَى فُتْيَاهُ1.
"وَكَذَا" يَضْمَنُ "إنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلاً" لِلْفُتْيَا عَلَى الصَّحِيحِ، خِلافًا لأَبِي إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ2 وَجَمْعٍ3، بَلْ أَوْلَى بِالضَّمَانِ مِمَّنْ4 هُوَ أَهْلٌ لِلْفُتْيَا5.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَوْ6 عَمِلَ بِفَتْوَاهُ فِي إتْلافٍ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ أَخْطَأَ. فَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ الْقَاطِعَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لأَنَّهُ مَعْذُورٌ، وَإِنْ خَالَفَ الْقَاطِعَ ضَمِنَ.
"وَيَحْرُمُ تَقْلِيدٌ عَلَى مُجْتَهِدٍ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ" اتِّفَاقًا7.
__________
1 انظر: الأنوار 2/396، صفة الفتوى ص 31، جمع الجوامع 2/391، روضة الطالبين 11/107، المجموع 1/76، إعلام الموقعين 4/287، غاية الوصول ص 150.
2 ساقطة من ش، وفي د: الشيرازي.
3 انظر صفة الفتوى ص 31، المجموع 1/76، إعلام الموقعين 4/286.
4 في ض: من.
5 انظر: جمع الجوامع 2/391، روضة الطالبين 11/107، إعلام الموقعين 4/286، الأنوار 2/397، المجموع للنووي 1/76.
6 في ب: ولو.
7 قال الأردبيلي: ولا يجوز لمجتهدتقليد مجتهد آخر، لا ليعمل ولا ليقضي، ولا ليفتي به، سواء خاف الفوت لضيق الوقت أو لا " "الأنوار 2/395".
وانظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/300، الإحكام للأمدي 4/204، 222،نهاية السول 3/261، الرد على من أخلد إلى الأرض ص 117 وما بعدها، المستصفى 2/384، المعتمد 2/945، جمع الجوامع =(4/515)
وَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يَجْتَهِدَ، وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ1 لَمْ يَجْتَهِدْ" فَكَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَهُ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَلأَبِي حَنِيفَةَ2 رِوَايَتَانِ3.
وَقِيلَ: يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ إنْ لَمْ يَجْتَهِدْ مُطْلَقًا، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ4.
__________
= 2/393، المحصول 2/3/115، التمهيد ص 160، فتح الغفار 3/37، تيسير التحرير 4/227، فواتح الرحموت 2/392، شرح تنقيح الفصول ص 443، مختصر البعلي ص 167، مختصر الطوفي ص180، إرشاد الفحول ص 264، الملل والنّحل 1/205، المدخل إلى مذهب أحمد ص 189، 191.
1 في ب: و.
2 في ش: أبي أحمد.
3 في هذه المسألة عدّة أقوال بين مجيز ومانع ومفصّل، قال الإسنوي: "" وفيما قبله ثمانية مذاهب"" "نهاية السول 3/261" ولكل قول دليله.
انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها في "الروضة ص 377، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/300، التمهيد ص 300، المحرر 2/205، الإحكام للآمدي 4/204، وما بعدها، المستصفى 2/384، المحصول 2/3/115، 116، الرسالة ص 115 هامش، البرهان 2/1339 وما بعدها، المعتمد 2/942، 948، فتح الغفار 3/37، كشف الأسرار 4/14، تيسير التحرير 4/227، 228، 246، شرح الورقات ص 246، المنخول ص 477، شرح تنقيح الفصول ص 443، جمع الجوامع 2/394، غاية الوصول ص 150، المعتمد 2/942، القواعد للعز بن عبد السلام 2/160، مختصر البعلي ص 167، مختصر الطوفي ص 180، المدخل إلى مذهب أحمد ص 189، 191، المسودّة ص 468، 470، اللمع ص 71، الفقيه والمتفقه 2/69، إرشاد الفحول ص 264".
4 انظر: المحصول 2/3/115.(4/516)
وَقِيلَ: فِيمَا يَخُصُّهُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ التَّقْلِيدُ لِحَاكِمٍ فَقَطْ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لِعُذْرٍ، وَابْنُ سُرَيْجٍ لِضِيقِ الْوَقْتِ، وَمُحَمَّدٌ لأَعْلَمَ مِنْهُ، وَجَمْعٌ لِصَحَابِيٍّ أَرْجَحُ، وَلا إنْكَارَ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: و1َتَابِعِيٍّ2.
"وَلَهُ" أَيْ لِلْمُجْتَهِدِ "أَنْ يَجْتَهِدَ وَيَدَعَ غَيْرَهُ" إجْمَاعًا.
"وَالْمُتَوَقِّفُ" مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ "فِي مَسْأَلَةٍ نَحْوِيَّةٍ أَوْ" فِي "حَدِيثٍ عَلَى أَهْلِهِ: عَامِّيٌّ فِيهِ" أَيْ فِيمَا تَوَقَّفَ3 فِيهِ مِنْ النَّحْوِ أَوْ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْمُوَفَّقِ وَالآمِدِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَالْعَامِّيُّ يَلْزَمُهُ التَّقْلِيدُ مُطْلَقًا4.
__________
1 ساقطة من ض.
2 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "" والصحيح أنه يجوز حيث عجز عن الاجتهاد، إما لتكافؤ الأدلة، وإمّا لضيق الوقت عن الاجتهاد، وإما لعدم ظهور دليل له، فإنّه حيث عجز سقط عنه وجوب ما عجز عنه، وانتقل إلى بدله، وهو التقليد، كما لو عجز عن الطهارة بالماء "" "مجموعة الفتاوى20/204".
وقال إمام الحرمين الجويني مثل ذلك، كما قاله غيره. "انظر: البرهان 2/1339، والمراجع السابقة".
3 في ض: يتوقف.
4 انظر: الروضة ص 337، المستصفى 2/384، مختصر الطوفي ص 180، المدخل إلى مذهب أحمد ص 189، 191.(4/517)
فصل: التفويض لنبي أو مجتهد بالحكم
...
"فَصْلٌ"
يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِنَبِيٍّ أَوْ مُجْتَهِدٍ: اُحْكُمْ بِمَا شِئْت فَهُوَ صَوَابٌ وَيَكُونُ" ذَلِكَ "مَدْرَكًا شَرْعِيًّا وَيُسَمَّى: التَّفْوِيضَ" عِنْدَ الأَكْثَرِ؛ لأَنَّ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ: إمَّا التَّبْلِيغُ عَنْ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِإِخْبَارِ رُسُلِهِ عَنْهُ بِهَا، وَهُوَ مَا سَبَقَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَثَبَتَ1 بِسُنَّةِ2 رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا تَفَرَّعَ عَنْ ذَلِكَ، مِنْ إجْمَاعٍ وَقِيَاسٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الاسْتِدْلالاتِ، وَطُرُقِهَا بِالاجْتِهَادِ، وَلَوْ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ: التَّفْوِيضُ إلَى رَأْيِ نَبِيٍّ أَوْ عَالِمٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِنَبِيٍّ أَوْ لِمُجْتَهِدٍ غَيْرِ نَبِيٍّ: اُحْكُمْ بِمَا شِئْت فَهُوَ صَوَابٌ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَيُؤْخَذُ3 ذَلِكَ مِنْ كَلامِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ، وَصَرَّحَا بِجَوَازِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ
__________
1 ساقطة من ش ز.
2 في ش ز: وسنة.
3 في ش: ويؤيد.(4/519)
مِنْ جُمْلَةِ الْمَدَارِكِ الشَّرْعِيَّةِ1.
فَإِذَا قَالَ " هَذَا حَلالٌ " عَرَفْنَا أَنَّ اللَّهَ2 سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الأَزَلِ 3حَكَمَ بِحِلِّهِ، وَكَذَا " هَذَا حَرَامٌ " وَ4نَحْوُ ذَلِكَ، لا أَنَّهُ يُنْشِئُ الْحُكْمَ؛ لأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ، قَالَهُ5 ابْنُ الْحَاجِبِ6 وَتَبِعَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ، وَتَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ، أَيْ7 فِي جَوَازِهِ8، كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ9.
__________
1 هذه المسألة من مسائل علم الكلام التي تتعلق بالبحث عن حكم صفة من صفات الله تعالى الفعلية المتصلة بالتشريع، وبالقدر توقيفاً وتسديداً، وأجاز فريق من العلماء جواز التفويض للنبي أو المجتهد، ومنعه أكثر القدرية والمعتزلة، وتوقف فيه الشافعي واختار التوقف الرازي، وصحح أبو بكر الرازي الحنفي رأي المعتزلة بالمنع، وفصّل الأكثرون بين الجواز للنبي صلى الله عليه وسلم، والمنع لغيره.
انظر: المسودة ص 510 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/301، 302، جمع الجوامع 2/391، الإحكام للآمدي 4/170، 209، مناهج العقول 3/175، اللمع ص 76، المعتمد 2/889، المحصول 2/3/185، نهاية السول 3/176، تيسير التحرير 4/236، فواتح الرحموت 2/297، غاية الوصول ص 150، إرشاد الفحول ص 264.
2 في ش: لله.
3 ساقطة في ش، وفي د: حكم بحله، وهكذا.
4 في ب ز: قال.
5 في ض ب ز: قال.
6 مختصر ابن الحاجب 2/301.
7 ساقطة من ب.
8 قال الرازي: وتوقف الشافعي رضي الله عنه في امتناعه وجوازه، وهوالمختار" "المحصول 2/3/185".
9 انظر: جمع الجوامع 2/392، الإحكام للآمدي 4/209، نهاية السول 3/177.(4/520)
وَقَالَ: الْجُمْهُورُ1 فِي وُقُوعِهِ، وَلَكِنَّهُ قَاطِعٌ بِجَوَازِهِ، وَالْمَنْعُ: إنَّمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ جُمْهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ، قَالَهُ2 ابْنُ مُفْلِحٍ.
وَمَنَعَهُ3 السَّرَخْسِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ؛ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَذَكَرَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَأَنَّهُ أَشْبَهُ4 بِمَذْهَبِنَا؛ لأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ أَمَارَةٌ، فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِغَيْرِ طَلَبِهَا؟.
وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِي النَّبِيِّ دُونَ غَيْرِهِ5 "وَ" عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ "لَمْ يَقَعْ" فِي الأَصَحِّ6.
__________
1 في ش: على.
2 في ب ز: قال.
3 في ش ز: وتبعه.
4 في ش: اشتبه.
5 وهذا قول أبي علي الجبائي في أحد قوليه، وارتضاه الشوكاني.
انظر: الإحكام للآمدي 4/209، نهاية السول 3/177، 180، المعتمد 2/890، تيسير التحرير 4/236، فواتح الرحموت 2/397، إرشاد الفحول ص 264.
6 جزم بوقوعه موسى بن عمران من المعتزلة، ونقل معظم القائلين بجوازه أمثلةً على وقوعه، وعرضها الرازي في "المحصول 2/3/189وما بعدها" منها قصة الإذخر وقتل النضر بن الحارث وحديث الأقرع بن حابس عن الحج، وغيرها، وهناكقول آخر بالتوقف في الوقوع واختاره الإسنوي.
انظر جمع الجوامع والمحلي عليه2/392، فواتح الرحموت 2/397، غاية الوصول ص 150، المحصول 2/3/184، 188، مناهج العقول 3/176، الإحكام للآمدي 4/209، تيسير التحرير 2/237، نهاية السول 3/177(4/521)
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ1.
وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا لِلْقَوْلِ الأَوَّلِ: بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إلاَّ مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} 2 لأَنَّهُ لا يُمْكِنُ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ إلاَّ بِتَفْوِيضِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الأَمْرَ إلَيْهِ، لا أَنَّهُ بِإِبْلاغِهِ ذَلِكَ الْحُكْمَ لِتَخْصِيصِ هَذَا التَّحْرِيمِ بِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ، وَإِلاَّ فَكُلُّ مُحَرَّمٍ فَهُوَ بِتَحْرِيمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، إمَّا بِالتَّبْلِيغِ أَوْ بِالتَّفْوِيضِ3.
وَاسْتَدَلَّ لَهُ4 أَيْضًا بِمَا فِي مُسْلِمٍ5 فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ، فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ؟ فَقَالَ: "لَوْ قُلْت: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ" 6.
__________
1 مختصر ابن الحاجب 2/301.
قال ابن السمعاني: "" هذه المسألة، وإن أوردها متكلمو الأصوليين فليست بمعروفة بين الفقهاء، وليس فيها كثير فائدة، لأنها في غير الأنبياء لم توجد، ولا يتوهم وجوده في المستقبل "" "انظر: تيسير التحرير 4/24"، ويخالف في ذلك ما يدّعيه الشيعة والفرق الضالة من تفويض الأمر لإمام أو غيره، ويدعون عصمته، وأنكر ذلك الشوكاني بشدة، وقال: "" إنه مجرد جهل بحت ومجازفة ظاهرة "" "انظر: إرشاد الفحول ص 64، الوسيط ص 472".
2 الآية 93 من آل عمران.
3 في ش: التفويض.
4 ساقطة من ش.
5 هذا طرف من حديث عند مسلم، "انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 9/100".
6 هذا الحديث رواه مسلم والنسائي وأحمد عن أبي هريرة، ولم يسم فيه =(4/522)
"وَ" يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ "لِعَامِّيٍّ عَقْلاً" أَيْ جَوَازًا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ1؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَالٍ، لا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ إجْمَاعًا2.
"وَ" يَجُوزُ "فِي قَوْلٍ" لِلْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ: أَنْ يُقَالَ لَهُ "وَأَخْبِرْ فَإِنَّك لا تُخْبِرُ إلاَّ بِصَوَابٍ".
وَمَنَعَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: لَوْ جَازَ، خَرَجَ3 كَوْنُ الإِخْبَارِ عَنْ الْغُيُوبِ دَالَّةً عَلَى ثُبُوتِ الأَنْبِيَاءِ وَكُلِّفَ بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ4 بِذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا5 قَالَ.
__________
= الأقرع، ورواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم والدارمي عن ابن عباس مرفوعاً مع بيان السائل أنه الأقرع بن حابس، وروى معناه الترمذي وابن ماجة عن علي مرفوعاً، وروى مثله ابن ماجة عن أنس مرفوعاً.
انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 9/100، سنن أبي داود 1/400، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 8/420، سنن النسائي 5/83، سنن ابن ماجه 2/963، مسند أحمد 1/255، 291، 2/508، سنن الدارمي 2/29، المستدرك 1/441، تخريج أحاديث البزدوي ص 23، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 307.
1 في ب: العقلاء.
2 انظر: الإحكام للآمدي 4/214، تيسير التحرير 4/236.
3 في ز: خرج عن.
4 في ش ز: علم.
5 في ش: وكذا.(4/523)
"فَصْلٌ"
"نَافِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ" عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ "كَمُثْبِتِهِ" أَيْ: كَمَا أَنَّ مُثْبِتَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَقِيلَ: لَيْسَ عَلَى نَافِي الْحُكْمِ دَلِيلٌ مُطْلَقًا1.
وَقَالَ قَوْمٌ: عَلَيْهِ الدَّلِيلُ2 فِي حُكْمٍ عَقْلِيٍّ لا شَرْعِيٍّ3، وَعَكْسُهُ عَنْهُمْ فِي الرَّوْضَةِ4.
وَلَنَا: أَنَّهُ أَثْبَتَ بِنَفْيِهِ يَقِينًا أَوْ ظَنَّا. فَلَزِمَهُ الدَّلِيلُ كَمُثْبِتٍ، وَاحْتَجَّ فِي التَّمْهِيدِ5: بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ6 قِدَمِ
__________
1 وهذا قول الظاهرية، "انظر: المنهاج في ترتيب الحجاج ص 32".
2 في ز: التمهيد.
3 يعتبر بعض الأصوليين هذا الموضوع من بحث الأدلّة ويذكرونه في أوجه الاستدلال أو في استصحاب الحال، أو في تخصيص العلة وعدمها ن ولهم ثلاثة أقوال في وجوب الدليل على نافي الحكم وعدمه، ولكل قول دليله.
انظر: جمع الجوامع 2/351، المحصول 2/3/165، المستصفى 1/132، أصول السرخسي 2/117، الروضة ص 158، المسودّة ص 494، مختصر ابن الحاجب 2/304، الإحكام للآمدي 4/219، اللمع ص 70، التبصرة ص 530، إرشاد الفحول ص 245، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 32.
4 انظر: الروضة ص 158.
5 في ش: الدليل.
6 في ش: النفي.(4/525)
الأَجْسَامِ1 بِلا خِلافٍ فَكَذَا غَيْرُهُ.
"وَإِذَا حَدَثَتْ مَسْأَلَةٌ لا قَوْلَ فِيهَا، سَاغَ الاجْتِهَادُ فِيهَا" وَهُوَ أَفْضَلُ2.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ إذَا3 حَدَثَتْ مَسْأَلَةٌ لا قَوْلَ فِيهَا: فَلِلْمُجْتَهِدِ الاجْتِهَادُ فِيهَا وَالْفَتْوَى وَالْحُكْمُ4، وَهَلْ هَذَا أَفْضَلُ، أَمْ التَّوَقُّفُ، أَمْ تَوَقُّفُهُ فِي الأُصُولِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ لَنَا، ذَكَرَهَا ابْنُ حَامِدٍ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الأَوْجُهَ فِي الْجَوَازِ، وَذَكَرَ قَوْلَ أَحْمَدَ5: مَنْ قَالَ: الإِيمَانُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ: مُبْتَدِعٌ6 وَيُهْجَرُ.
وَقَدَّمَ ابْنُ مُفْلِحٍ: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلافِ فِي الأَفْضَلِيَّةِ، لا فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ7 فِي إعْلامِ الْمُوَقِّعِينَ - بَعْدَ أَنْ حَكَى
__________
1 في ش: الإحسان.
2 انظر المدخل إلى مذهب أحمد ص 187، المسودة ص 543، مختصر البعلي ص 166.
3 في ش: بلا خلاف، فكذا غيره، إذا.
4 انظر: الفروع 6/433.
5 ساقطة من ش.
6 في ض ب ز: ابتدع.
7 ساقطة من ض ب ز.(4/526)
الأَقْوَالَ-: وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ بَلْ يُسْتَحَبُّ، أَوْ1 يَجِبُ2 عِنْدَ الْحَاجَةِ، 3وَأَهْلِيَّةُ4 الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ، فَإِنْ عُدِمَ الأَمْرَانِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ وُجِدَ أَحَدَهُمَا [دُونَ الآخَرِ] 5: احْتَمَلَ الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ، [وَالتَّفْصِيلُ] 6، فَيَجُوزُ7 عِنْدَ الْحَاجَةِ دُونَ عَدَمِهَا8. انْتَهَى.
__________
1 في ش ب ض ز: و.
2 في ز: تجب.
3 ساقطة من ب.
4 في ش ب: وأهله.
5 من إعلام الموقعين.
6 من إعلام الموقعين.
7 في ش ز ض: والجواز.
8 إعلام الموقعين 4/336.(4/527)
باب التقليد
...
"بَابٌ"
لَمَّا كَانَ التَّقْلِيدُ مُقَابِلاً لِلاجْتِهَادِ، وَانْتَهَى الْكَلامُ عَلَى أَحْكَامِ الاجْتِهَادِ شَرَعْنَا1 فِي الْكَلامِ عَلَى أَحْكَامِ التَّقْلِيدِ.
ثُمَّ "التَّقْلِيدُ لُغَةً: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي2 الْعُنُقِ" حَالَةَ3 كَوْنِهِ "مُحِيطًا بِهِ" أَيْ4: بِالْعُنُقِ، وَذَلِكَ الشَّيْءُ يُسَمَّى قِلادَةً. وَجَمْعُهَا قَلائِدُ5.
"وَ" التَّقْلِيدُ "عُرْفًا" أَيْ: فِي عُرْفِ الأُصُولِيِّينَ "أَخْذُ مَذْهَبِ الْغَيْرِ" أَيْ: اعْتِقَادُ صِحَّتِهِ وَاتِّبَاعُهُ عَلَيْهِ "بِلا" أَيْ: مِنْ غَيْرِ "مَعْرِفَةِ
__________
1 في ض: شرع.
2 في ش: على.
3 في ش حالة.
4 ساقطة من ض.
5 وقال ابن فارس: ""قلّد: يدل على تعليق شيءعلى شيء وليّله به، والآخر على خطٍ ونصيب"" "معجم مقاييس اللغة 5/19".
وانظر المصباح المنير 2/704، القاموس المحيط 1/329، مختار الصحاح ص 548، أساس البلاغة ص 785.(4/529)
دَلِيلِهِ" أَيْ: دَلِيلِ مَذْهَبِ الْغَيْرِ الَّذِي اقْتَضَاهُ، وَأَوْجَبَ الْقَوْلَ بِهِ.
فَقَوْلُهُ: " أَخْذُ " جِنْسٌ. وَالْمُرَادُ بِهِ: اعْتِقَادُ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ لِفِسْقٍ أَوْ غَيْرِ فِسْقٍ.
وَقَوْلُهُ " مَذْهَبِ " يَشْمَلُ1 مَا كَانَ قَوْلاً لَهُ أَوْ فِعْلاً. وَنِسْبَةُ الْمَذْهَبِ إلَى الْغَيْرِ يَخْرُجُ بِهِ مَا كَانَ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ، وَلا يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ الْغَيْرُ إذَا كَانَ2 مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ الَّتِي لَيْسَ3 لَهُ4 فِيهَا اجْتِهَادٌ، فَإِنَّهَا لا تُسَمَّى مَذْهَبَهُ.
وَقَوْلُهُ " بِلا مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ " يَشْمَلُ5 الْمُجْتَهِدَ إذَا لَمْ يَجْتَهِدْ وَلا6 عَرَفَ الدَّلِيلَ، وَجَوَّزْنَا لَهُ التَّقْلِيدَ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْعَامِّيِّ فِي أَخْذِهِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ7.
فَيَخْرُجُ عَنْهُ الْمُجْتَهِدُ إذَا عَرَفَ الدَّلِيلَ، وَوَافَقَ اجْتِهَادُهُ اجْتِهَادَ مُجْتَهِدٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ لا يُسَمَّى تَقْلِيدًا. كَمَا يُقَالُ: أَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ فِي كَذَا. وَأَخَذَ أَحْمَدُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي كَذَا.
__________
1 في ض: ليشمل.
2 في ب: إذ كانت.
3 في ب: ليست.
4 ساقطة من ض.
5 في ش ز: ليشمل.
6 في ش: ولو.
7 مر الكلام على هذه المسألة قبل قليل ص 406.(4/530)
وَإِنَّمَا خَرَجَ1 ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ - وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَخَذَ بِقَوْلِ الْغَيْرِ - لَكِنَّهُ مَعَ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ فَمَا أُخِذَ حَقِيقَةً إلاَّ مِنْ الدَّلِيلِ2 لا مِنْ الْمُجْتَهِدِ، فَيَكُونُ إطْلاقُ الأَخْذِ بِمَذْهَبِهِ فِيهِ تَجَوُّزٌ.
وَعَبَّرَ الآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِمَا " بِغَيْرِ حُجَّةٍ "3 وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ أَخْذَ الْقَوْلِ مِمَّنْ قَوْلُهُ حُجَّةٌ لا يُسَمَّى تَقْلِيدًا وَمَثَّلا ذَلِكَ بِأَخْذِ الْعَامِّيِّ بِقَوْلِ مِثْلِهِ، وَأَخْذِ الْمُجْتَهِدِ بِقَوْلِ مِثْلِهِ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ4 وَحَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّ التَّقْلِيدَ أَخْذُ مَذْهَبِ الْغَيْرِ بِلا مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ "فَالرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهِ5 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى الْمُفْتِي، وَ" إلَى "الإِجْمَاعِ، وَ" رُجُوعُ "الْقَاضِي إلَى الْعُدُولِ: لَيْسَ بِتَقْلِيدٍ،
__________
1 في ش: أخرج.
2 في ض: دليل.
3 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 305، الإحكام للآمدي 4/221.
4 انظر تعريف التقليد في "التعريفات للجرجاني ص 34، الحدود للباجي ص 64، الإحكام لابن حزم 1/37، المجموع للنووي 1/89، مختصر البعلي ص 166، المستصفى 2/387، الروضة ص 382، مختصر الطوفي ص 183، المسودة ص 553، صفة الفتوى ص 51، المنخول ص 472، جمع الجوامع 2/392، اللمع ص 70، تيسير التحرير 4/241، البرهان 2/1357، فواتح الرّحموت 2/400، الرد على من أخلد إلى الأرض ص 120 وما بعدها، الفقيه والمتفقه 2/66، المدخل إلى مذهب أحمد ص 193، إرشاد الفحول ص 265، أصول مذهب أحمد ص 673"
5 في ز: قول النبي.(4/531)
وَلَوْ سُمِّيَ تَقْلِيدًا لَسَاغَ1" ذَلِكَ2.
وَفِي الْمُقْنِعِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ أَخْذَهُ بِقَوْلِ الْمُفْتِي تَقْلِيدٌ، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي3 فِي4 الإِجْمَاعِ أَيْضًا، وَقِيلَ: وَالْقَاضِي.
5وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ: وَالتَّقْلِيدُ قَبُولُ الْقَوْلِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، فَلَيْسَ الْمَصِيرُ إلَى الإِجْمَاعِ تَقْلِيدًا؛ لأَنَّ الإِجْمَاعَ دَلِيلٌ وَكَذَلِكَ6 يُقْبَلُ7 قَوْلُ الرَّسُولِ8 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
__________
1 في ش: ساغ.
2 وسماه الجويني في ""الورقات"" تقليداً، بينما قال في ""البرهان"":لا يسمى تقليداً، وجاء القولان عن غيره أيضاً، ولذلك قال الآمدي: "" وإن سمي ذلك تقليداً بعرف الاستعمال فلا مشاحة في اللفظ ""، وقال ابن الحاجب "" ولا مشاحة في التسمية "".
انظر: الورقات ص 250، البرهان 2/1357، 1358، الإحكام للآمدي 4/221، مختصر ابن الحاجب 2/305، المسودّة ص 553، الإحكام لابن حزم 1/37، 2/835، صفة الفتوى ص 51، 54، المنخول ص 472، تيسير التحرير 4/242، فواتح الرحموت 2/ 400، مجموع الفتاوى 20/17، إرشاد الفحول ص 265، مختصر الطوفي ص 183، المدخل إلى مذهب أحمد ص 194.
3 صفة الفتوى ص 54.
4 في ش: وفي.
5 ساقطة من ش ب ز.
6 من المسودة، وفي ش ب ض ز: ولذلك.
7 في ش: تقبل.
8 من المسودة، وفي ش ب ض ز: النبي.(4/532)
وَلا يُقَالُ: تَقْلِيدًا1، بِخِلافِ فَتْوَى2 الْفَقِيهِ، وَذَكَرَ فِي ضِمْنِ مَسْأَلَةِ التَّقْلِيدِ: أَنَّ الرُّجُوعَ إلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِتَقْلِيدٍ؛ لأَنَّهُ حُجَّةٌ، وَقَالَ فِيهَا: لَمَّا جَازَ تَقْلِيدُ الصَّحَابَةِ3 لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجُزْ4 لَهُ مُخَالَفَتُهُ، بِخِلافِ الأَعْلَمِ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ5 " مَنْ قَلَّدَ فِي6 الْخَبَرِ: رَجَوْت أَنْ يَسْلَمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى " فَقَدْ أَطْلَقَ اسْمَ التَّقْلِيدِ عَلَى مَنْ صَارَ إلَى الْخَبَرِ، وَإِنْ كَانَ حُجَّةً فِي نَفْسِهِ7. انْتَهَى.
"وَيَحْرُمُ" التَّقْلِيدُ "فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَ" فِي "التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ" عِنْدَ أَحْمَدَ وَالأَكْثَرِ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ8 أَنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ9.
__________
1 في ش ض والمسودة: تقليد.
2 من المسودة، وفي ش ب ض ز: فتيا.
3 في د ض: الصحابي.
4 من المسودة، وفي ش ض: نجز، وفي ب ز: تجز.
5 وهو أحمد بن محمد، أبو الحارث الصائغ، وذكره أبو بكر الخلال فقال: كان أبو عبد الله يأنس به، وكان يقدمه ويكرمه، وكان عنده بموضع جليل، وروى عن الإمام أحمد مسائل كثيرة، وذكره العليمي فيمن لم تؤرخ وفاته.
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/74، المنهج الأحمد 1/263، الإنصاف للمرداوي 12/280".
6 ساقطة من ب ز والمسودة.
7 المسودة ص 462.
8 في ش: أصحابه.
9 انظر: الروضة ص 382، المسودة ص 457، 460 وما بعدها، صفة الفتوى =(4/533)
وَأَجَازَهُ جَمْعٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ بِطَرِيقٍ فَاسِدٍ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَأَجَازَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَتَيْنِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلِهِمَا: هَلْ نَظَرْت؟ وَسَمِعَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ1 التَّبَّانِ2 الْمُعْتَزِلِيِّ، وَأَنَّهُ يَكْفِي بِطَرِيقٍ فَاسِدٍ.
قَالَ هَذَا الْمُعْتَزِلِيُّ: إذَا عَرَفَ اللَّهَ وَصَدَّقَ رُسُلَهُ3، وَسَكَنَ قَلْبُهُ إلَى ذَلِكَ وَاطْمَأَنَّ بِهِ: فَلا عَلَيْنَا مِنْ الطَّرِيقِ: تَقْلِيدًا كَانَ، أَوْ نَظَرًا، أَوْ اسْتِدْلالاً4.
__________
= ص 51، شرح تنقيح الفصول 430، 444، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/305، المحلي على جمع الجوامع 2/402، الإحكام للآمدي 4/223، نهاية السول 3/264، غاية الوصول ص 152، المحصول 2/3/125، الفقيه والمتفقه 2/66، اللمع ص 70، الإحكام لابن حزم 2/861، مختصر البعلي ص 166، مختصر الطوفي ص 183، إرشاد الفحول ص 266، المدخل إلى مذهب أحمد ص 193، الوسيط ص 563، المعتمد 2/941، تيسير التحرير 4/243، فواتح الرحموت 2/401.
1 ساقطة من ض.
2 في ب: التيان، وفي المسودة: البقال.
3 في ب: رسولَه.
4 جاء في "فواتح الرحموت2/401" فيما يستفتى فيه، وهو: "" المسائل الشرعية والعقلية على المذهب الصحيح لصّحة إيمان المقلد عند الأئمة الأربعة ... وكثير من المتكلمين، خلافاً للأشعري، وإن كان آثماً في ترك النظر والاستدلال"" وهذا ما أيده الشوكاني مبيناً صحة إيمان العوام مطلقاً، وقال عبيد الله بن الحسن العنبري وبعض الشافعيّة: يجوز التقليد في العقيدة وأصول الدّين، وهذا ما أيّده الطوفي الحنبلي فقال: "" وفي هذه المسألة إشكال، إذ العامي لا يستقل بدرك =(4/534)
وَأَطْلَقَ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ - يَعْنِي مِنْ أَصْحَابِنَا - مَنْعَ التَّقْلِيدِ فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَقَالَهُ الْبَصْرِيُّ وَالْقَرَافِيُّ: فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَيْضًا1. انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ فِي أُصُولِهِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْقِيَاسُ النَّقْلِيُّ حُجَّةٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَيَجِبُ النَّظَرُ وَالاسْتِدْلالُ بِهِ بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ. وَلا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْ2 أَحْمَدَ الاحْتِجَاجُ بِدَلائِلِ الْعُقُولِ، وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ3 الْفُقَهَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الإِثْبَاتِ، وَذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى وُجُوبِ النَّظَرِ، وَالاسْتِدْلالِ قَبْلَ الشَّرْعِ وَلَمَّا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ كَانَ تَوْكِيدًا4.
وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَأَهْلِ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّ حُجَجَ
__________
= الدليل العقلي ... " ثم قال: "بل نحارير المتكلمين لا يستقلون بذلك، فإذا منع التقليد لزم أن لا يعتقد شيئاً" "مختصر الطوفي ص 184".
وانظر: المسودة ص 457، شرح تنقيح الفصول ص 420، مختصر ابن الحاجب 2/305ن المحلي على جمع الجوامع 2/402،نهاية السول 3/264، الفقيه والمتفقه 2/66، شرح الورقات ص 243، المحصول 2/3/125، الإحكام للآمدي 4/223، اللمع ص 70، تيسير التحرير 4/243، فواتح الرحموت 2/401، المعتمد 2/402، إرشاد الفحول ص 266، الوسيط ص 564.
1 انظر: مختصر البعلي ص 167.
2 ساقطة من ض.
3 ساقطة من ش ب ز.
4 انظر المعتمد 2/935.(4/535)
الْعُقُولِ بَاطِلَةٌ، وَالنَّظَرُ حَرَامٌ، وَالتَّقْلِيدُ وَاجِبٌ1.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الْقِيَاسُ الْعَقْلِيُّ وَالاسْتِدْلالُ: طَرِيقٌ لإِثْبَاتِ الأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ. نَصَّ عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ.
قُلْت: كَلامُ أَحْمَدَ فِي الاحْتِجَاجِ بِأَدِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ كَثِيرٌ، وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرًا فِي كِتَابِهِ " الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ "2 فَمَذْهَبُ أَحْمَدَ: الْقَوْلُ3 بِالْقِيَاسِ4 الْعَقْلِيِّ وَالشَّرْعِيِّ. انْتَهَى كَلامُ ابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ.
وَاسْتَدَلَّ لِتَحْرِيمِ التَّقْلِيدِ - الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ بِأَمْرِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ وَالنَّظَرِ وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ لَمَّا نَزَلَ فِي آلِ عِمْرَانَ: {إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ 5
__________
1 قال فريق من العلماء: إن النظرقد يؤدي إلى باطل في أمور العقيدة فيحرم، ويجب فيها التقليد، وهذا قول ضعيف ذكره علماء الأصول.
انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/400، الإحكام للآمدي 4/223، نهاية السول 3/284، مختصر ابن الحاجب 2/305، تيسير التحرير 4/243، 245، فواتح الرحموت 2/401، إرشاد الفحول ص 266.
2 انظر: الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد بن حنبل ص 102، 105، 138، 148 وغيرها.
3 ساقطة من ش.
4 في ش: القياس.
5 في ز: والأرض. الآيات(4/536)
وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} - الآيَاتُ1 قَالَ2: "وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهُنَّ وَلَمْ يَتَدَبَّرْهُنَّ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ"3 وَبِالإِجْمَاعِ4 عَلَى وُجُوبِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلا تَحْصُلُ بِتَقْلِيدٍ، لِجَوَازِ كَذِبِ الْمُخْبِرِ، وَاسْتِحَالَةِ حُصُولِهِ. كَمَنْ قَلَّدَ فِي حُدُوثِ5 الْعَالَمِ، وَكَمَنْ قَلَّدَ فِي قِدَمِهِ؛ وَلأَنَّ التَّقْلِيدَ لَوْ أَفَادَ عِلْمًا6: فَإِمَّا بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَإِمَّا بِالنَّظَرِ فَيَسْتَلْزِمُ الدَّلِيلُ وَالأَصْلُ عَدَمَهُ7، وَالْعِلْمُ يَحْصُلُ بِالنَّظَرِ، وَاحْتِمَالُ الْخَطَإِ لِعَدَمِ تَمَامِ مُرَاعَاةِ الْقَانُونِ الصَّحِيحِ، وَ8لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَمَّ التَّقْلِيدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} 9 وَهِيَ فِيمَا يُطْلَبُ الْعِلْمُ بِهِ فَلا يَلْزَمُ الْفُرُوعَ، وَلأَنَّهُ10 يَلْزَمُ الشَّارِعَ؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ} 11 فَيَلْزَمُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
__________
1 الآيات 190-196 من آل عمران.
2 ساقطة من ض.
3 هذا الحديث رواه عبد بن حميد في "تفسيره"أحمد ورواه الطبراني وابن مردويه، وتذكره كتب التفسير.
انظر: تفسير ابن كثير 4/440، الكشاف 1/487.
4 في ب ز: والإجماع.
5 في ب: حديث
6 في ب: عالما.
7 ساقطة من ش.
8 ساقطة من ب.
9 الآية 22، والآية23 من الزخرف.
10 في ش: ولا.
11 الآية 19 من سورة محمد.(4/537)
{وَاتَّبِعُوهُ} 1.
"وَ" يَحْرُمُ التَّقْلِيدُ أَيْضًا2 فِي "أَرْكَانِ الإِسْلامِ الْخَمْسِ، وَنَحْوِهَا مِمَّا تَوَاتَرَ وَاشْتَهَرَ"3.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: لا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ التَّقْلِيدُ فِي أَرْكَانِ الإِسْلامِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَوَاتَرَ وَاشْتَهَرَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ إجْمَاعًا؛ لِتَسَاوِي النَّاسِ فِي طَرِيقِهَا، وَإِلاَّ لَزِمَهُ مَا4 سَاغَ فِيهِ اجْتِهَادٌ أَوْ لا، عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالأَكْثَرِ.
وَمَنَعَهُ قَوْمٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْبَغْدَادِيِّينَ5، مَا لَمْ تَتَبَيَّنْ لَهُ صِحَّةُ اجْتِهَادِهِ بِدَلِيلِهِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ عَنْ الْجُبَّائِيِّ وَعَنْهُ كَقَوْلِنَا.
وَمَنَعَهُ أَبُو عَلِيٍّ الشَّافِعِيُّ6 فِيمَا لا يَسُوغُ فِيهِ اجْتِهَادٌ وَبَعْضُهُمْ فِي الْمَسَائِلِ الظَّاهِرَةِ.
__________
1 الآية 158من الأعراف.
2 في ز: أيضاً التقليد.
3 انظر: المسودة ص 458، 459، 460، وما بعدها، صفة الفتوى ص 53، الإحكام لابن حزم 2/861، شرح تنقيح الفصول ص 442، 443، اللمع ص 71، مختصر البعلي ص 166، مختصر الطوفي ص 183، المدخل إلى مذهب أحمد ص 193.
4 ساقطة من ش ز.
5 ساقطة من ض.
6 هذا القول نقله الشيرازي عن أبي علي الجبائي المعتزلي. "انظر: اللمع ص 71" ومرت ترجمته "1/219"، وإذا أطلق أبو علي الشافعي، فهو أبو علي السنجي، =(4/538)
وَاخْتَارَ الآمِدِيُّ لُزُومَهُ فِي الْجَمِيعِ، وَذَكَرَهُ عَنْ مُحَقِّقِي الأُصُولِيِّينَ1. انْتَهَى2.
"وَيَلْزَمُ" التَّقْلِيدُ "غَيْرَ3 مُجْتَهِدٍ4 فِي غَيْرِ ذَلِكَ" أَيْ: غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ: وَأَمَّا التَّقْلِيدُ فِي الْفُرُوعِ: فَهُوَ جَائِزٌ إجْمَاعًا، وَذَهَبَ بَعْضُ الْقَدَرِيَّةِ إلَى أَنَّ الْعَامَّةَ يَلْزَمُهُمْ النَّظَرُ فِي الدَّلِيلِ5.
وَاسْتَدَلَّ لِجَوَازِ التَّقْلِيدِ فِي غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ: بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
__________
= وهو الحسين بن شعيب بن محمد، الشيخ أبو علي السنجي، الإمام الجليل، الفقيه الكبير، أول من جمع بين طريقتي العراق وخراسان، بعد أن تفقه على شيخي الطريقتين الإمام أبي حامد الإسفراييني شيخ العراقيين، وأبي بكر القفال المرزوي شيخ خراسان، فجمع الشيخ أبو علي بين الطريقتين بالنظر الدّقيق، والتحقيق الأنيق، وصنف عدة كتب، منها: "شرح المختصر" الذي يسميه إمام الحرمين بالمذهب الكبير، وشرح "تلخيص ابن القاص"، وشرح "فروع ابن الحداد" توفي سنة 430هـ بمرو.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 4/344، تهيب الأسماء 2/261، وفيات الأعيان 1/401، طبقات الفقهاء ص 132، البداية والنهاية 12/57".
1 في ب ز: الأصول.
2 الإحكام للآمدي 4/223، 228، وانظر: المسودة ص 459-460.
3 في ب ز: في غير ذلك.
4 في ز: المجتهد.
5 الروضة ص 383.(4/539)
{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 1 وَهُوَ عَامٌّ؛ لِتَكَرُّرِهِ بِتَكَرُّرِ2 الشَّرْطِ، وَعِلَّةُ الأَمْرِ بِالسُّؤَالِ: الْجَهْلُ وَأَيْضًا الإِجْمَاعُ، فَإِنَّ الْعَوَامَّ يُقَلِّدُونَ الْعُلَمَاءَ مِنْ غَيْرِ إبْدَاءِ مُسْتَنَدٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَأَيْضًا يُؤَدِّي إلَى خَرَابِ الدُّنْيَا بِتَرْكِ الْمَعَائِشِ وَالصَّنَائِعِ. وَلا يَلْزَمُ فِي3 التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ لِيُسْرِهِ4 وَقِلَّتِهِ، وَدَلِيلُهُ الْعَقْلُ.
قَالَ الْمُخَالِفُ: وَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ" 5.
رُدَّ لَمْ يَصِحَّ6، ثُمَّ الْمُرَادُ طَلَبُهُ الشَّرْعِيُّ، فَتَقْلِيدُ الْعَامِّيِّ الْمُفْتِيَ
__________
1 الآية 7 من الأنبياء.
2 في ب: بتكرار.
3 ساقطة من ب ز.
4 في ض: لتيسره.
5 رواه ابن عدي في "الكامل"، والبيهقي ف "شعب الإيمان" عن أنس بن مالك، ورواه الطبراني في "الصغير"، والخطيب في "التاريخ" عن الحسين بن علي، ورواه الطبراني في "الأوسط" أيضاً عن ابن عباس، ورواه تمام في "فوائده" عن ابن عمر، والطبراني في " الكبير" عن ابن مسعود، والخطيب في "التاريخ" عن علي، والطرباني في "الأوسط" والبيهقي في "شعب الإيمان" عن أبي سعيد، وهو طرف من حديث رواه ابن ماجه عن أنس مرفوعاً.
انظر: فيض القدير 4/267، سنن ابن ماجة 1/81، راموز الأحاديث ص 312، مجمع الزوائد 1/119، كشف الخفا 2/56.
6 اختلف العلماء في درجة هذا الحديث، فقال النووي: ضعيف وإن كان معناه صحيحاً، وقال ابن القطان: لا يصح فيه شيء، وأحسن ما فيه ضعيف، وسكت عنه مغلطاي، وقال السيوطي: جمعت له خمسين طريقاً، وحكمت بصحته لغيره، ولم أصحح حديثاً لم أسبق لتصحيحه سواه، وقال السخاوي: له شاهد عند ابن شاهين بسند رجاله ثقات عن أنس، ورواه عنه نحو عشرين تابعياً، وجاء في زوائد ابن ماجه؛ إسناده ضعيف.
انظر: فيض القدير 4/267، سنن ابن ماجه 1/81.(4/540)
مِنْهُ فَإِنَّ الْعِلْمَ لَمْ1 يَجِبْ عِنْدَ أَحَدٍ، بَلْ النَّظَرُ2.
"وَلَهُ" أَيْ: لِلْعَامِّيِّ "اسْتِفْتَاءُ مَنْ عَرَفَهُ عَالِمًا عَدْلاً، وَلَوْ" كَانَ الَّذِي عَرَفَهُ بِالْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ "عَبْدًا، وَأُنْثَى، وَأَخْرَسَ" وَتُعْلَمُ فُتْيَاهُ "بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ وَكِتَابَةٍ"؛ لأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الاسْتِفْتَاءِ: سُؤَالُ الْعَالِمِ الْعَدْلِ. وَهَذَا كَذَلِكَ3.
__________
1 في ز: لا.
2 ذكر جماهير علماء الأصول لزوم التقليد على العامي في الفروع، ونقل الشوكاني عن جمهور علماء الأصول عدم جواز التقليد مطلقاً، ونقل كلام ابن حزم في ذلك.
فانظر حكم التقليد وآراء العلماء فيه مع أدلتهم ومناقشتها في "مجموع الفتاوى 20/15، 203، المحصول 2/3/101، الإحكام للآمدي 4/229، جامع بيان العلم وفضله 2/133، أعلام الموقعين 2/268، 178، جمع الجوامع 2/393، التمهيد ص 161، نهاية السول 3/264، مختصر ابن الحاجب 2/306، المستصفى 2/389، تيسير التحرير 4/246، مختصر البعلي ص 166، المعتمد 2/934، الفقيه والمتفقه 2/68، الإحكام لابن حزم 2/393، 838، المسودة ص 431، اللمع ص 71، شرح الورقات ص 241، القواعد للعز بن عبد السلام 2/158، مختصر الطوفي ص 180، 183، إرشاد الفحول ص 267، المدخل إلى مذهب أحمد ص 193، أصول مذهب أحمد ص 675".
3 انظر: روضة الطالبين 11/109، المجموع للنووي 1/69، الفروع 6/428، المستصفى 2/390، مختصر ابن الحاجب 2/307، صفة الفتوى ص 13، 69، الإحكام للآمدي 4/232، مجموع الفتاوى 20/208، مختصر البعلي =(4/541)
"أَوْ رَآهُ" يَعْنِي أَنَّ1 لِلْعَامِّيِّ أَيْضًا: اسْتِفْتَاءَ مَنْ رَآهُ "مُنْتَصِبًا" لِلإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ "مُعَظَّمًا" عِنْدَ النَّاسِ، فَإِنَّ كَوْنَهُ كَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِ، وَأَنَّهُ أَهْلٌ2 لِلإِفْتَاءِ3، وَلا يَجُوزُ الاسْتِفْتَاءُ فِي ضِدِّ ذَلِكَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، 4وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ اتِّفَاقًا5، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ.
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الإِخْبَارِ: فَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَيَكْفِيهِ قَوْلُ عَدْلٍ خَبِيرٍ" عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَالْمُوَفَّقِ وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ
__________
= ص 167، الروضة ص 384، مختصر الطوفي ص 185، عرف البشام فيمن ولي فتوى دمشق الشام ص 13 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 2/689 وما بعدها، المسودة ص 464، 472، 555، أعلام الموقعين 4/280، شرح تنقيح الفصول ص 442، التمهيد ص 163، جمع الجوامع 2/397، اللمع ص 72، المحصول 2/3/112، نهاية السول 3/265/الفقيه والمتفقه 2/177، تيسير التحرير 4/248، البرهان 2/1333، المعتمد 2/929، فواتح الرحموت 2/403، أصول مذهب أحمد ص 690، إرشاد الفحول ص 271.
1 في ش: و، في ز: أي.
2 ساقطة من ب.
3 في ض ب ز: للاستفتاء.
4 ساقطة من ز.
5 الإحكام للآمدي 4/232.
وانظر: المجموع 1/89، البرهان 1/1341، المعتمد 2/939، فتح الغفار 3/37، تيسير التحرير 4/248، فواتح الرحموت 2/403، مختصر ابن الحاجب 2/307، جمع الجوامع 2/297، المحصول 2/3/112، إرشاد الفحول ص 271، المدخل إلى مذهب أحمد ص 194.(4/542)
وَجَمْعٍ1.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ2 مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ يُمَيِّزُ بِهَا التَّلْبِيسَ3 مِنْ غَيْرِهِ4.
وَعِنْدَ الْبَاقِلاَّنِيِّ: لا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ5.
وَاعْتَبَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ الصَّلاحِ: الاسْتِفَاضَةَ بِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْفُتْيَا6. وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ7، وَنَقَلَهُ عَنْ أَصْحَابِهِمْ8.
فَعَلَيْهِ لا يُكْتَفَى بِوَاحِدٍ، وَلا بِاثْنَيْنِ، وَلا مُجَرَّدِ اعْتِزَائِهِ إلَى الْعِلْمِ، وَلَوْ بِمَنْصِبِ9 تَدْرِيسٍ أَوْ غَيْرِهِ.
__________
1 انظر: اللمع ص 72، الروضة 384، المسودة ص 464، 472، المنخول ص 478، جمع الجوامع 2/397، إرشاد الفحول ص 271، المدخل إلى مذهب أحمد ص 194.
2 في روضة الطالبين: وهذا.
3 في روضة الطالبين: الملتبس.
4 روضة الطالبين للنووي 11/104، وانظر: المجموع للنووي 1/90.
5 وهو قول إمام الحرمين الجويني فقال " ولا بد أن يخبره عدلان بأنه مجتهد" "البرهان 2/1341".
6 قال الشيخ تقي الدين: "ولا يجوز له استفتاء من اعتزى إلى العلم، وإن انتصب في مصب التدريس أو غيره، ويجوز استفتاء من تواتر بين الناس، أو استفاض فيهم، كونه أهلاً للفتوى" "المسودة ص 464".
7 روضة الطالبين 11/103.
8 انظر: التمهيد ص 163، البرهان 2/1341.
9 في ض: بنصب.(4/543)
"وَيَلْزَمُ وَلِيَّ الأَمْرِ" عِنْدَ الأَكْثَرِ "مَنْعُ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِعِلْمٍ، أَوْ جُهِلَ حَالُهُ" مِنْ الْفُتْيَا1.
قَالَ رَبِيعَةُ: بَعْضُ مَنْ يُفْتِي أَحَقُّ بِالسِّجْنِ مِنْ السُّرَّاقِ2. انْتَهَى.
وَلأَنَّ الأَصْلَ، وَالظَّاهِرَ الْجَهْلُ، فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مِنْهُ وَلا يَلْزَمُ الْجَهْلُ بِالْعَدَالَةِ؛ لأَنَّا نَمْنَعُهُ، وَنَقُولُ: لا يُقْبَلُ مَنْ جُهِلَتْ عَدَالَتُهُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إنَّ مَنْ شَهِدَ مَعَ ظُهُورِ فِسْقِهِ لَمْ يُعَزَّرْ؛ لأَنَّهُ لا يُمْنَعُ صِدْقُهُ3، وَكَلامُهُ هُوَ، وَغَيْرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَحْرُمُ أَدَاءُ فَاسِقٍ مُطْلَقًا.
"وَلا تَصِحُّ" الْفُتْيَا "مِنْ مَسْتُورِ الْحَالِ".
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ: صِفَةُ مَنْ تَسُوغُ فَتْوَاهُ الْعَدَالَةُ.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَكَذَا أَطْلَقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَغَيْرُهُمْ4.
__________
1 انظر: الأنوار 2/398، الفروع 6/425، روضة الطالبين 11/108، المجموع للنووي 1/69، 70، إعلام الموقعين 4/203، 276، صفة الفتوى ص 6، 24.
2 انظر: صفة الفتوى ص 11، المدخل إلى مذهب أحمد ص 195.
3 المغني 10/233.
4 اختلف العلماء في استفتاء مستور الحال على قولين: بالجواز والمنع.
انظر: المجموع للنووي 1/70، إعلام الموقعين 4/220، المسودة ص 555، الفروع 6/428، صفة الفتوى ص 29، الروضة ص 384، المدخل إلى مذهب أحمد ص 194، مختصر الطوفي ص 185، مختصر البعلي ص 167، أصول مذهب أحمد ص 704.(4/544)
"وَيُفْتِي فَاسِقٌ نَفْسَهُ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَالشَّافِعِيَّةِ وَجَمْعٍ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمِينٍ عَلَى مَا يَقُولُ1.
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إعْلامِ الْمُوَقِّعِينَ: قُلْت الصَّوَابُ جَوَازُ اسْتِفْتَاءِ الْفَاسِقِ، إلاَّ أَنْ يَكُونَ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ، دَاعِيًا إلَى بِدْعَتِهِ. فَحُكْمُ اسْتِفْتَائِهِ حُكْمُ إمَامَتِهِ وَشَهَادَتِهِ2. انْتَهَى.
وَقَالَ3 الطُّوفِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلا يُشْتَرَطُ4 عَدَالَتُهُ فِي اجْتِهَادِهِ، بَلْ فِي قَبُولِ فُتْيَاهُ وَخَبَرِهِ، وَهُوَ5 مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الأَصْحَابِ.
"وَتَصِحُّ" الْفُتْيَا "مِنْ حَاكِمٍ 6" عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَكُونُ كَغَيْرِهِ فِيهَا7.
وَقِيلَ: لا يُفْتَى الْحَاكِمُ قَالَ الْقَاضِي شُرَيْحٌ: أَنَا8 أَقْضِي
__________
1 انظر: المجموع للنووي 1/70، إعلام الموقعين 4/280، المسودة ص 555، الفروع 6/428، صفة الفتوى ص 29، أصول مذهب أحمد ص 703.
2 إعلام الموقعين 4/280.
3 في ش: "وتصح من حاكم"، وقال.
4 في ض: تشترط.
5 في ب ز: وهذا.
6 ساقطة من ش.
7 انظر: المجموع 1/70، روضة الطالبين 11/109، المسودة ص 555، إعلام الموقعين 4/281، صفة الفتوى ص 29، جمع الجوامع 2/397.
8 ساقطة من ب.(4/545)
لَكُمْ وَلا أُفْتِي.
وَقِيلَ: يُفْتِي فِيمَا لا1 يَتَعَلَّقُ بِالأَحْكَامِ، كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلاةِ وَنَحْوِهِمَا.
وَلَيْسَتْ فُتْيَا الْحَاكِمِ بِحُكْمٍ عَلَى الصَّحِيحِ2.
قَالَ فِي إعْلامِ الْمُوَقِّعِينَ: فُتْيَا الْحَاكِمِ لَيْسَتْ حُكْمًا مِنْهُ، وَلَوْ3 حَكَمَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ مَا أَفْتَى بِهِ4: لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِحُكْمِهِ. وَلا هِيَ كَالْحُكْمِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ لِلْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، وَمَنْ يَجُوزُ حُكْمُهُ لَهُ، وَمَنْ لا يَجُوزُ5. انتهى.
"وَ" عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: " وَمَنْ يَجُوزُ حُكْمُهُ لَهُ، وَمَنْ لا يَجُوزُ أَنَّ6 لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ "عَلَى عَدُوٍّ" لَهُ7.
__________
1 ساقطة من ش.
2 انظر: المجموع 1/70، المسودة ص 555، صفة الفتوى ص 29، جمع الجوامع 2/397.
3 من إعلام الموقعين، وفي سائر النسخ: فلو.
4 ساقطة من ش.
5 إعلام الموقعين 4/281.
6 في ش: ويجوز.
7 ذكر الأردبيلي الشافعي أن الفتوى تصح على العدو إذا لم تتحكم العداوة بينهما، ثم قال: "وفي قول لا تصح الفتوى مع العداوة كالحاكم والشاهد " "الأنوار 2/398".
وانظر: روضة الطالبين 11/109، المجموع 1/70، المسودة ص 555، صفة الفتوى ص 29.(4/546)
قَالَ1 الْمَاوَرْدِيُّ: لا يُفْتِي عَلَى عَدُوِّهِ، كَالْحُكْمِ عَلَيْهِ2. انْتَهَى.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ3، وَمَنْ تَبِعَهُمْ: فِعْلُ الْحَاكِمِ حُكْمٌ إنْ حَكَمَ بِهِ أَوْ غَيْرُهُ وِفَاقًا، كَفُتْيَاهُ، فَجَعَلَ الْفُتْيَا حُكْمًا إنْ حَكَمَ بِهِ هُوَ4 أَوْ غَيْرُهُ.
"وَهِيَ" أَيْ: الْفُتْيَا "فِي حَالَةِ غَضَبٍ وَنَحْوِهِ" كَشِدَّةِ جُوعٍ، وَشِدَّةِ عَطَشٍ، وَهَمٍّ5، وَوَجَعٍ، وَبَرْدٍ مُؤْلِمٍ، وَحَرٍّ مُزْعِجٍ، وَمَعَ كَوْنِهِ حَاقِنًا، أَوْ حَاقِبًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ "كَقَضَاءٍ" فَتَحْرُمُ عَلَى الصَّحِيحِ، كَالصَّحِيحِ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي فِي تِلْكَ الْحَالَةِ6.
7وَيُعْمَلُ بِفُتْيَاهُ إنْ أَصَابَ الْحَقَّ، كَمَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إنْ أَصَابَ الْحَقَّ7.
"وَلَهُ أَخْذُ رِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ"؛ لأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا عَلَى الْفُتْيَا8،
__________
1 في ش ب: وقال.
2 انظر: المجموع للنووي 1/69.
3 المحرر 2/211.
4 ساقطة من ز.
5 في ب: وكتم.
6 انظر: روضة الطالبين 11/110، المجموع 1/77، المسودة ص 545، أعلام الموقعين 4/289، صفة الفتوى ص 34، الفقثيه والمتفقه 2/180.
7 ساقطة من ش.
8 ساقطة من ش.(4/547)
فَجَازَ لَهُ أَخْذُ حَقِّهِ1 "فَإِنْ تَعَذَّرَ" أَخْذُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَرَادَ الأَخْذَ عَنْ أُجْرَةِ خَطِّهِ2 "أَخَذَ أُجْرَةَ خَطِّهِ" قَدَّمَهُ فِي التَّحْرِيرِ، تَبَعًا لابْنِ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ3.
وَقِيلَ: لا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ4.
"وَلِمُتَعَيِّنٍ لَهَا" أَيْ: لِلْفُتْيَا مَعَ كَوْنِهِ "لا كِفَايَةَ لَهُ: أَخْذُ رِزْقٍ مِنْ مُسْتَفْتٍ" عَلَى الصَّحِيحِ5؛ لأَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْخُذْ أَفْضَى إلَى ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فِي عَائِلَتِهِ6 - إنْ كَانُوا - وَحَرَجٍ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا، وَإِنْ لَمْ يُفْتِ حَصَلَ أَيْضًا7 لِلْمُسْتَفْتِي ضَرَرٌ. فَتَعَيَّنَ الْجَوَازُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي فُرُوعِهِ8.
"وَإِنْ جَعَلَ لَهُ" أَيْ: لِلْمُفْتِي "أَهْلُ بَلَدٍ رِزْقًا لِيَتَفَرَّغَ لَهُمْ جَازَ"
__________
1 انظر: روضة الطالبين 11/110، المجموع 1/77، المسودة ص 545، أعلام الموقعين 4/261، 294، الفقيه والمتفقه 2/164، صفة الفتوى ص 35.
2 ساقطة من ش.
3 انظر: روضة الطالبين 11/110، إعلام الموقعين 4/294، الفروع 6/440، صفة الفتوى ص 35.
4 قال بعض العلماء لا يجوز للمفتي أخذ الأجرة مطلقاً، لا على لفظه، ولا على خطه.
انظر: إعلام الموقعين 4/294، المسودة ص 545، الفروع 6/440.
5 انظر: المجموع 1/77، المسودة ص 454، الفروع 6/440.
6 في ض: عياله.
7 ساقطة من ز.
8 الفروع 6/439.(4/548)
ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ1.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ2: لَكِنَّ ظَاهِرَ هَذَا: وَلَوْ كَانَ لَهُ كِفَايَةٌ، وَمَا يَقُومُ بِهِ، فَيُشْكِلُ، أَوْ يُقَالُ: يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ " لِيَتَفَرَّغَ لَهُمْ " أَنَّهُ إنْ3 كَانَ مَشْغُولاً بِمَا يَقُومُ بِالْعِيَالِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ.
وَقِيلَ: لا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَمَالَ إلَيْهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَاخْتَارَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي4.
"وَلَهُ" أَيْ: لِلْمُفْتِي "قَبُولُ هَدِيَّةٍ".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَالْمُرَادُ لا لِيُفْتِيَهُ5 بِمَا يُرِيدُهُ، وَإِلاَّ حَرُمَتْ زَادَ بَعْضُهُمْ: أَوْ لِيَنْفَعَهُ6 بِجَاهِهِ أَوْ مَالِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. انْتَهَى.
فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الأَكْثَرُ مِنْ الأَصْحَابِ: جَوَازُ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ لِلْمُفْتِي7.
__________
1 انظر روضة الطالبين 11/111، المجموع 1/77، المسودة ص 546، صفة الفتوى ص 35، الفقيه والمتفقه 2/164.
2 ساقطة من ض.
3 ساقطة من ض ز.
4 انظر: صفة الفتوى ص 35.
5 في ض: يفتيه.
6 في ض ب ز: لنفعه.
7 انظر روضة الطالبين 11/111، المجموع 1/77، المسودة ص 546، إعلام الموقعين 4/294، صفة الفتوى ص 35.(4/549)
وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ1: لا يَقْبَلُ هَدِيَّةً إلاَّ أَنْ يُكَافِئَ.
قَالَ أَحْمَدُ " الدُّنْيَا دَاءٌ، وَالسُّلْطَانُ دَاءٌ2، وَالْعَالِمُ طَبِيبٌ. فَإِذَا رَأَيْت الطَّبِيبَ يَجُرُّ الدَّاءَ إلَى نَفْسِهِ فَاحْذَرْهُ.
"قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: فِيهِ التَّحْذِيرُ مِنْ اسْتِفْتَاءِ مَنْ يَرْغَبُ فِي مَالٍ وَشَرَفٍ بِلا حَاجَةٍ3.
"وَلا يَنْبَغِي أَنْ يُفْتِيَ حَتَّى تَكُونَ4 لَهُ نِيَّةٌ، وَكِفَايَةٌ، وَوَقَارٌ، وَسَكِينَةٌ، وَقُوَّةٌ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ، وَمَعْرِفَةٌ بِهِ وَبِالنَّاسِ"5.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " لا يَنْبَغِي لَهُ6 أَنْ يُفْتِيَ إلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ7 لَمْ يَكُنْ لَهُ8 نُورٌ، وَلا عَلَى كَلامِهِ نُورٌ وَحِلْمٌ9، وَوَقَارٌ وَسَكِينَةٌ، قَوِيًّا عَلَى مَا هُوَ فِيهِ،
__________
1 في ش ب: المرزوي.
2 في ز: دواء.
3 انظر: المسودة ص 550، صفة الفتوى ص 12.
4 في ب ز: يكون.
5 انظر: المجموع للنووي 1/69، 77، عرف البشام ص 23، المسودة ص 545، إعلام الموقعين 4/261، صفة الفتوى ص 34.
6 ساقطة من ش ب.
7 ساقطة من ض.
8 في ض ز: عليه.
9 في ش: وحكم.(4/550)
وَعَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَالْكِفَايَةُ، وَإِلاَّ مَضَغَهُ النَّاسُ، وَمَعْرِفَةُ النَّاسِ "1. انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذِهِ الْخِصَالُ مُسْتَحَبَّةٌ فَيَقْصِدُ الإِرْشَادَ، وَإِظْهَارَ أَحْكَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لا رِيَاءً وَسُمْعَةً، وَالتَّنْوِيهُ بِاسْمِهِ، وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ: تُرَغِّبُ الْمُسْتَفْتِيَ، وَهُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، فَيَجِبُ أَنْ يَتَخَلَّقُوا بِأَخْلاقِهِمْ، وَالْكِفَايَةُ لِئَلاَّ يَنْسُبَهُ النَّاسُ إلَى التَّكَسُّبِ بِالْعِلْمِ، وَأَخْذِ الْعِوَضِ عَلَيْهِ. فَيَسْقُطُ قَوْلُهُ، وَمَعْرِفَةُ2 النَّاسِ: تَحْتَمِلُ3 حَالَ الرِّوَايَةِ4، وَتَحْتَمِلُ5 حَالَ الْمُسْتَفْتِينَ، فَالْفَاسِقُ6 لا يَسْتَحِقُّ الرُّخَصَ فَلا يُفْتِيهِ بِالْخَلْوَةِ بِالْمَحَارِمِ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَسْكَرُ، وَلا يُرَخِّصُ فِي7 السَّفَرِ لِجُنْدِ8 وَقْتِنَا؛ لِمَعْرِفَتِنَا بِسَفَرِهِمْ، وَالتَّسْهِيلِ عَلَى مُعْتَدَّاتٍ عَلَى صِفَاتِ وَقْتِنَا؛ لِئَلاَّ يَضَعَ9 الْفُتْيَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا.
__________
1 انظر شرح هذه الكلمات والأوصاف للإمام أحمد بإسهاب وتفصيل في "إعلام الموقعين 4/254 وما بعدها" وانظر: أصول مذهب أحمد ص 656.
2 ساقطة من ض.
3 في ش: يحتمل، وفي ب: بحمل.
4 في ش: الراواة.
5 في ش ض ز: ويحتمل.
6 في ش: فالفاجرُ.
7 ساقطة من ب ز.
8 في ش: لجيل.
9 في ش: يضيع.(4/551)
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: كَذَا قَالَ. وَالْخَصْلَةُ الأُولَى وَاجِبَةٌ، وَعَنْ عُمَرَ1 مَرْفُوعًا: "إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي: كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمُ اللِّسَانِ" حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ2، وَقَالَ: مَوْقُوفًا أَشْبَهُ، وَعَنْ عُمَرَ قَالَ "كُنَّا نَتَحَدَّثُ: إنَّمَا يُهْلِكُ هَذِهِ الأُمَّةَ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ" رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى3، وَفِيهِ مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ4 وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَقَالَ مُعَاذٌ: "احْذَرْ زَلَّةَ الْعَالِمِ5، وَجِدَالَ الْمُنَافِقِ"6.
__________
1 في ش ز: عمران.
2 انظر: مسند أحمد 1/22، 44.
3 رواه البزار وأحمد وأبو يعلى، وقال ابن حجر الهيثمي: "ورجاله موثقون".
انظر: مجمع الزوائد 1/187.
4 هو مؤمل بن إسماعيل، أبو عبد الرحمن البصري، مولى آل عمر بن الخطاب العدوي، روى عن شعبة والثوري وجماعة، وروى عنه أحمد وإسحاق وابن المديني وطائفة، توفي بمكة سنة 206هـ.
واختلف العلماء في روايته، فقال الذهبي في الميزان: "حافظ عالم يخطئ"، وقال الذهبي في المغني: " صدوق مشهور"، وثقه أحمد وابن معين، وذكره أبو داود فعظمه ورفع من شأنه، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: صدوق كثير الخطأ، وقال أبو زرعة: في حديثه خطأ كثير، روى له الترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو داود وغيرهم.
انظر: ميزان الاعتدال 4/228، الخلاصة 2/72، المغني في الضعفاء 2/689، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/591.
5 في ش: عالم.
6 روى أبو داود معناه بتفصيل عن معاذ رضي الله عنه، وروى ابن حزم والطبراني في "الأوسط" مثله عن معاذ، وروى الدارمي أن عمر بن الخطاب قال: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ ثم قال: يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، =(4/552)
"وَمَنْ عَدِمَ مُفْتِيًا" "فَلَهُ حُكْمُ مَا قَبْلَ الشَّرْعِ" مِنْ إبَاحَةٍ أَوْ حَظْرٍ أَوْ وَقْفٍ.
قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي1: فَإِنْ2 لَمْ يَجِدْ الْعَامِّيُّ مَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهَا فِي بَلَدِهِ وَلا غَيْرِهِ. فَقِيلَ: لَهُ حُكْمُ مَا قَبْلَ الشَّرْعِ عَلَى الْخِلافِ فِي الْحَظْرِ وَالإِبَاحَةِ وَالْوَقْفِ، وَهُوَ أَقْيَسُ3 انْتَهَى.
وَقَطَعَ بِهِ4 ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ.
"وَيَلْزَمُ الْمُفْتِيَ تَكْرِيرُ النَّظَرِ" عِنْدَ تَكْرَارِ الْوَاقِعَةِ عِنْدَ الأَكْثَرِ.
__________
= وحكم الأئمة المضلين، ورواه الخطيب البغدادي أيضاً، وروى الطبراني والخطيب البغدادي بسنده عن ابن عمر مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أشد ما أتخوف على أمتي ثلاثة: زلة عالم وجدال منافق بالقرآن، ودنيا تقطع رقابكم، فاتهموها على أنفسكم".
انظر: سنن أبي داود 2/507، سنن الدارمي 1/71، الإحكام لابن حزم 2/802، الفقيه والمتفقه 1/13، مجمع الزوائد 1/186، 187.
1 صفة الفتوى ص 27.
2 في ض: وإن.
3 ذكر ابن القيم القول الثاني بأنه يخرج على الخلاف في مسألة تعارض الأدلة عند المجتهد، "كما سيأتي ص 427"، فيعمل بالأخف أو الأشد أو يتخير، ثم قال: "والصواب أنه يجب عليه أن يتقي الله ما استطاع". "إعلام الموقعين 4/279".
وانظر: المسودة ص 550، الفروع 6/428، المجموع 1/94، المدخل إلى مذهب أحمد ص 196.
4 ساقطة من ض.(4/553)
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرْ1 النَّظَرَ كَانَ مُقَلِّدًا لِنَفْسِهِ2 لاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ إذَا تَكَرَّرَ3 النَّظَرُ، قَالَ: وَكَالْقِبْلَةِ يُجْتَهَدُ لَهَا ثَانِيًا وَاعْتُرِضَ فَيَجِبُ تَكْرِيرُهُ4 أَبَدًا رُدَّ: نَعَمْ وَغَلِطَ بَعْضُهُمْ فِيهِ5.
وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لا يَلْزَمُ؛ لأَنَّ الأَصْلَ6 بَقَاءُ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَعَدَمُ غَيْرِهِ وَلُزُومُ السُّؤَالِ ثَانِيًا فِيهِ الْخِلافُ فَلا يَكْتَفِي السَّائِلُ بِالْجَوَابِ الأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا قُلْنَا فِي تَكَرُّرِ النَّظَرِ.
وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَالآمِدِيِّ7: إنْ ذَكَرَ الْمُفْتِي طَرِيقَ الاجْتِهَادِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِلاَّ لَزِمَهُ8، وَهُوَ ظَاهِرٌ9.
__________
1 في ض: يتكرر.
2 في ش: لينظر لنفسه.
3 في ض ز: كرر.
4 في ش: تكرره.
5 ساقطة من ش.
6 ساقطة من ب.
7 الإحكام للآمدي 4/233.
8 في باب: لزم.
9 جزم الباقلاني وابن عقيل وأكثر علماء الأصول بلزوم تكرير النظر، وصحح ابن الحاجب وغيره عدم تجديد النظر، وذهب الرازي والنووي وابن السبكي وأبو الحسين البصري إلى التفصيل كالآمدي، ولكن أدلتهم تؤول إلى عدم التجديد.
انظر هذه الأقوال الثلاثة مع أدلتها ومناقشتها في "المسودة ص 467، 522، 542، المجموع 1/78، إعلام الموقعين 4/295، صفة الفتوى ص 37، شرح تنقيح الفصول ص 442، التمهيد ص 162، مختصر ابن الحاجب 2/307، جمع الجوامع 2/394، المحصول 2/3/95، الإحكام للآمدي=(4/554)
"وَ" يَلْزَمُ "الْمُسْتَفْتِيَ" أَيْضًا "تَكْرِيرُ السُّؤَالِ عِنْدَ تَكْرَارِ1 الْوَاقِعَةِ"؛ لأَنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ نَظَرُ الْمُفْتِي2 وَهَذَا الصَّحِيحُ3؛ لَكِنَّ مَحَلَّ الْخِلافِ إذَا عَرَفَ الْمُسْتَفْتِي أَنَّ جَوَابَ الْمُفْتِي مُسْتَنِدٌ4 إلَى الرَّأْيِ5. كَالْقِيَاسِ، أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَالْغَرَضُ: أَنَّ الْمُقَلَّدَ حَيٌّ، فَإِنْ عُرِفَ اسْتِنَادُ الْجَوَابِ إلَى نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، فَلا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ السُّؤَالِ ثَانِيًا قَطْعًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُقَلَّدُ مَيِّتًا6.
__________
=4/233، نهاية السول 3/265، غاية الوصول ص 150، تيسير التحرير 4/231، المعتمد 2/932، فواتح الرحموت 2/394، مختصر البعلي ص 167، اللمع ص 72.
1 في ب: تكرر.
2 في ش: المفتي مستندا إلى الرأي.
3 أيد الشيخ زكريا الأنصاري الشافعي هذا الرأي، وخالفه النووي، وقال: "ولا يلزمه، وهو الأصح"، وهذا رأي أبي عمرو ابن الصلاح أيضاً.
انظر: روضة الطالبين 11/105، المجموع 1/93، المسودة ص 467، 468، 522، البرهان 2/1343، المنخول ص 482، أعلام الموقعين 4/330، صفة الفتوى ص 82، غاية الوصول ص 151، فواتح الرحموت 2/394، تيسير التحرير 2/232، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/395، شرح تنقيح الفصول ص 432.
4 في ب: مستنداً.
5 في ض: رأي.
6 انظر: روضة الطالبين 11/104.(4/555)
"فَصْلٌ"
"لا يُفْتِي إلاَّ مُجْتَهِدٌ". عِنْدَ أَكْثَرِ الأَصْحَابِ، وَمَعْنَاهُ عَنْ1 أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَ2يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِقَوْلِ مَنْ تَقَدَّمَ، وَقَالَ أَيْضًا3: يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِوُجُوهِ الْقُرْآنِ، وَالأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ وَالسُّنَنِ. وَقَالَ أَيْضًا: لا يَجُوزُ الاخْتِيَارُ إلاَّ لِعَالِمٍ بِكِتَابٍ وَسُنَّةٍ4.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الاخْتِيَارُ5 تَرْجِيحُ قَوْلٍ، وَقَدْ يُفْتِي
__________
1 في ض: عند.
2 ساقطة من ب ز.
3 ساقطة من ش ب.
4 انظر تعريف المفتي، وشروطه، وخاصة اشتراط الاجتهاد وعدمه في "المسودة ص544، 545، إعلام الموقعين 1/46، 47، وما بعدها، 4/254، 262، الأنوار 2/395، روضة الطالبين 11/109، المجموع 1/69، البرهان 2/1330، الفقيه والمتفقه 2/152، 156، شرح الورقات ص 230، تيسير التحرير 4/242، فواتح الرحموت 2/401، صفة الفتوى ص 4، 13، 25، عرف البشام ص 12 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 2/690 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/305، اللمع ص71، الإحكام للآمدي 4/222، نهاية السول 3/256، المعتمد 2/929، الفروق 2/107، مختصر البعلي ص 167، المدخل إلى مذهب أحمد ص 195، أصول مذهب أحمد ص 654".
5 في ز: والاختيار.(4/557)
بِالتَّقْلِيدِ. انتهى.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ: يَجُوزُ لِلْمُجْتَهِدِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، لأَجْلِ الضَّرُورَةِ1.
وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ أَنْ يُفْتِيَ، إنْ2 كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى الْمَأْخَذِ، أَهْلاً لِلنَّظَرِ.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ بِمَذْهَبِ الْمُجْتَهِدِ3 مَنْ عَرَفَ مَذْهَبَهُ، وَقَامَ بِتَفْرِيعِ الْفِقْهِ عَلَى أُصُولِهِ، وَقَدَرَ عَلَى التَّرْجِيحِ فِي مَذْهَبِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ كَإِفْتَاءِ الْمُجْتَهِدِ بِنَفْسِهِ. فَالْمُجْتَهِدُ الْمُقَدَّمُ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، وَهُوَ مَنْ يَسْتَقِلُّ بِتَقْرِيرِ مَذْهَبِهِ، وَيَعْرِفُ مَأْخَذَهُ مِنْ أَدِلَّتِهِ التَّفْصِيلِيَّةِ، بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَ لَقَرَّرَهُ كَذَلِكَ، فَهَذَا يُفْتِي بِذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِالْمَأْخَذِ، وَهَؤُلاءِ أَصْحَابُ4 الْوُجُوهِ. وَدُونَهُمْ فِي الرُّتْبَةِ: أَنْ يَكُونَ فَقِيهَ النَّفْسِ، حَافِظًا لِلْمَذْهَبِ، قَادِرًا عَلَى التَّفْرِيعِ وَالتَّرْجِيحِ، فَهَلْ لَهُ الإِفْتَاءُ5 بِذَلِكَ؟ أَقْوَالٌ: أَصَحُّهَا يَجُوزُ6. انتهى.
__________
1 انظر: الفروع 6/422.
2 في ض ز: إذا.
3 في ب: المجتهدين.
4 في ب: وهو لأصحاب.
5 في ب: المفتي.
6 ذكر ابن حاجب أربعة أقوال، وهي: الأول: يجوز، وهو قول الجماهير، والثاني: لا يجوز مطلقاً، وهو مذهب أبي الحسين البصري، والثالث: يجوز عند=(4/558)
وَقَالَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ1 مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: مَنْ حَفِظَ مَذْهَبَ إمَامٍ أَفْتَى بِهِ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ: يُفْتِي الْمُتَبَحِّرُ فِيهِ.
وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي عَامِّيٍّ عَرَفَ حُكْمَ حَادِثَةٍ بِدَلِيلِهَا2: يُفْتِي، أَوْ إنْ كَانَ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ الْمَنْعُ3 مُطْلَقًا، وَهُوَ أَصَحُّ،
__________
=عدم المجتهد، وهو قول جماعة، والرابع: يجوز إن كان مطلعاً على المأخذ، أهلاً للنظر، واختاره ابن الحاجب، ولكل قول دليله.
انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/308، جمع الجوامع 2/397، وما بعدها، المعتمد 2/932، فواتح الرحموت 2/404، تيسير التحرير 4/249، فتح الغفار 3/37، الفروق 2/107 وما بعدها، الإحكام للآمدي 4/236، نهاية السول 3/256، صفة الفتوى ص 18 وما بعدها، 24، إرشاد الفحول ص 269، الوسيط ص 598.
1 هو أبو بكر بن أحمد بن عبد الله، أبو بكر، المعروف بالقفال المرزوي، والقفال الصغير، الفقيه الشافعي، شيخ طريقة الخرسانيين أو المراوزة، وكان معتمد المذهب في بلاده، وله مؤلفات كثيرة، وتخاريجه جيدة، وإذا أطلق القفال في كتب الفقه فهو المقصود، والقفال الشاشي أو الكبير أكثر ذكراً في الأصول والتفسير، قال ابن السبكي عن القفال المرزوي: "كان إماماً كبيراً، وبحراً عميقاً، غواصاً على المعاني الدّقيقة"، تفقه به جماعة كثيرة، ومات سنة 417هـ، ودفن بسجستان.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 5/53، وفيات الأعيان 2/250، شذرات الذهب 3/207، البداية والنهاية 12/21، تهذيب الأسماء 2/282، مفتاح السعادة 2/324، طبقات الشافعية للإسنوي 2/298".
2 في ش: بدليل.
3 في ب: لمنع.(4/559)
وَ1فِيهِ أَوْجُهٌ2. انتهى3.
وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: فَمَنْ أَفْتَى وَلَيْسَ عَلَى4 صِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ: فَهُوَ عَاصٍ آثِمٌ5.
وَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ تَقْلِيدُ أَهْلِ الْحَدِيثِ. قَالَ: سَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ الإِمَامَ أَحْمَدَ فِيمَنْ أَهْلُ مِصْرِهِ6 أَصْحَابُ رَأْيٍ، وَأَصْحَابُ حَدِيثٍ لا يَعْرِفُونَ الصَّحِيحَ: لِمَنْ يَسْأَلُ؟ قَالَ: أَصْحَابَ الْحَدِيثِ7.
قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُهُ تَقْلِيدُهُمْ8.
وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: ظَاهِرُ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ صَاحِبَ
__________
1 ساقطة من ب.
2 في ب: أو جهل.
3 انظر: المسودة ص 545، إعلام الموقعين 4/228، 249، صفة الفتوى ص 25، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/308، الإحكام للآمدي 4/236، شرح الورقات ص 243، تيسير التحرير 4/249، فتح الغفار 3/37، إرشاد الفحول ص 269.
4 من صفة الفتوى، وفي ش ز: له، وفي ب: معه.
5 صفة الفتوى ص 24.
6 في ض: مصر، وفي ب: نصره، وفي ز: مصره.
7 انظر: إعلام الموقعين 1/49.
8 في ب: تقليده.(4/560)
الْحَدِيثِ أَحَقُّ بِالْفُتْيَا، وَحَمَلَهَا عَلَى أَنَّهُمْ1 فُقَهَاءُ، أَوْ2 أَنَّ السُّؤَالَ يَرْجِعُ إلَى الرِّوَايَةِ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْقَاضِي قَوْلَ أَحْمَدَ: "لا يَكُونُ فَقِيهًا حَتَّى يَحْفَظَ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ3 حَدِيثٍ" وَحَمَلَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَالاحْتِيَاطِ4، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ "الأُصُولُ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا الْعِلْمُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَلْفًا، أَوْ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ"5.
وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ ابْنَ شَاقِلا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِهِ6، فَقَالَ: إنْ كُنْت لا أَحْفَظُ فَإِنِّي أُفْتِي بِقَوْلِ مَنْ يَحْفَظُ7 أَكْثَرَ مِنْهُ. قَالَ الْقَاضِي: لا يَقْتَضِي هَذَا: أَنَّهُ8 كَانَ يُقَلِّدُ أَحْمَدَ، لِمَنْعِهِ الْفُتْيَا بِلا عِلْمٍ9.
__________
1 في ب: أنه.
2 في ض ز: و.
3 في ض: أربعة آلاف.
4 انظر: المسودة ص 513 وما بعدها، صفة الفتوى ص 20، إعلام الموقعين 1/47، 4/262، الرد على من اخلد إلى الأرض ص 151، المدخل إلى مذهب أحمد ص 181.
5 انظر: المسودة ص 516.
6 ساقطة من ش.
7 في ض: يحفظه.
8 في ض: أن.
9 انظر: المسودة ص 516، إعلام الموقعين 1/47.(4/561)
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: ظَاهِرُهُ تَقْلِيدُهُ، إلاَّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَخْذِ1 طُرُقِ الْعِلْمِ مِنْهُ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ بَطَّةَ: لا يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا يَسْمَعُ2 مِنْ3 مُفْتٍ.
وَرُوِيَ4 عَنْ ابْنِ بَشَّارٍ5: مَا أَعِيبُ عَلَى رَجُلٍ حَفِظَ لأَحْمَدَ خَمْسَ مَسَائِلَ اسْتَنَدَ6 إلَى سَارِيَةِ الْمَسْجِدِ يُفْتِي بِهَا7. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي فَضْلِهِ8.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَذَا9 صَرِيحٌ فِي10 الإِفْتَاءِ بِتَقْلِيدِ أَحْمَدَ.
__________
1 في ض ز: أخذه.
2 في ش ب: سمع.
3 في ش: عن.
4 في ز: ورُوي.
5 هو علي بن محمد بن بشار، أو الحسن، الزاهد العارف، حدث عن أبي بكر المروذي، وصالح وعبد الله ابني الإمام أحمد، وغيرهم وسمع جميع مسائل صالح لأبيه أحمد من صالح، وحدث بها، وسمعها منه جماعة، وكان شيوخ الحنابلة في زمانه يقصدونه ويعظمونه، توفي سنة 313هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 2/57، المنهج لأحمد 2/7، شذرات الذهب 2/267".
وهناك الحسين بن بشار ممن أخذ عن أحمد، "انظر: طبقات الحنابلة 1/142".
6 في ش: أن يستند.
7 انظر: طبقات الحنابلة 2/63، 142، المنهج لأحمد 2/11، إعلام الموقعين 4/253، الفروع 6/422.
8 انظر: إعلام الموقعين 4/253، أصول مذهب أحمد ص 656.
9 في ش: هو.
10 في ض ز: ب.(4/562)
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ إلاَّ تَوْلِيَةَ1 قَاضٍ مُجْتَهِدٍ: إنَّمَا عَنَى قَبْلَ اسْتِقْرَارِ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ وَانْحِصَارِ2 الْحَقِّ فِيهَا3.
وَقَالَ الآمِدِيُّ: بِجَوَازِ4 بَعْضِ الإِفْتَاءِ بِالتَّقْلِيدِ5. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ ابْنِ بَشَّارٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي الإِيضَاحِ6، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي مِنْ أَصْحَابِنَا. كَالْحَنَفِيَّةِ؛ لأَنَّهُ نَاقِلٌ كَالرَّاوِي.
رُدَّ، لَيْسَ إذًا مُفْتِيًا7، بَلْ مُخْبِرٌ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُوَفَّقُ، وَزَادَ8: فَيَحْتَاجُ9 مُخْبِرٌ10 عَنْ مُعَيَّنٍ مُجْتَهِدٍ11، فَيُعْمَلُ بِخَبَرِهِ لا بِفُتْيَاهُ12.
__________
1 في ب: التولية. في
2 ض ب ز: وانحصر. وانظر المسودة ص 539.
3 في ب: فيه، وانظر المسودة ص 538.
4 في ض ب ز: جوز.
5 انظر: الإحكام للآمدي 4/236 بالمعنى.
6 في ش: الافصاح. والايضاح لأبي الفرج المقدسي الشيرازي.
7 في ش: بفتيا.
8 ساقطة من ب.
9 في ب: فيحتاجه.
10 في ض ب: يخبر.
11 ساقطة من ب.
12 انظر: الفروع 6/422، 428، والمراجع السابقة التي ذكرناها عند بيان الأقوال الأربعة في فتوى غير المجتهد.(4/563)
"وَلا يَجُوزُ خُلُوٌّ عَنْهُ" أَيْ: عَنْ1 مُجْتَهِدٍ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: لا يَجُوزُ خُلُوُّ الْعَصْرِ عَنْ مُجْتَهِدٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَطَوَائِفَ.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا2: ذَكَرَهُ أَكْثَرُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الأُصُولِ فِي مَسَائِلِ الإِجْمَاعِ. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَقِيلٍ خِلافَهُ، إلاَّ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ وَجَمْعٌ مِنْهُمْ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ3.
__________
1 ساقطة من ض.
2 ساقطة من ب.
3 اختلفت أراء العلماء في مألة جواز خلو العصر من مجتهدن فقال الجمهور بجواز ذلك، واختاره الآمدي وابن الحاجب والغزالي والقفال وغيرهم، وقال طائفة بعدم جوازه، وأن الاجتهاد فرض في كل عصر، وهو قول الحنابلة وبعض الشافعية كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني وغيره، وأيده الشوكاني والشهرستاني، وتحمس له السيوطي رحمه الله، وألف فيه كتاباً، وذكر اتفاق العلماء من جميع المذاهب عليه، ونقل نصوصهم في مختلف العصور، وأجاز ابن دقيق العيد ذلك عند أشراط الساعة فقط، وكان الأجدر أن تذكر هذه المسألة في فصل الاجتهاد.
انظر: مجموع الفتاوى 20/204، إعلام الموقعين 2/270، 275، الإحكام للآمدي 4/233، المسودة ص472، مختصر البعلي ص167، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/398، فتح الغفار 3/37، فواتح الرحموت 2/399، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/307، تيسير التحرير 4/240، إرشاد الفحول ص 253، أصول مذهب أحمد ص 638، المدخل إلى مذهب أحمد ص 191، الرد عل من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض، للسيوطي ص 67، 97 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص 435، الملل والنحل 1/205، الوسيط ص 513.(4/564)
قَالَ الْكَرْمَانِيُّ1 فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ" إلَى آخِرِهِ2 قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ3؛ لأَنَّ أُمَّتَهُ آخِرُ الأُمَمِ. وَعَلَيْهَا تَقُومُ السَّاعَةُ، وَإِنْ ظَهَرَتْ أَشْرَاطُهَا، وَضَعُفَ الدِّينُ، فَلا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ أُمَّتِهِ مَنْ
__________
1 هو محمد بن يوسف بن علي، شمس الدين الكرماني، أصله من كرمان، ثم اشتهر في بغداد، لأنه تصدى لنشر العلم فيها ثلاثين سنة، وأقام مدة بمكة، ودخل مصر والشام، وكان عالما في الفقه والحديث والتفسير والتوحيد وأصول الفقه والمعاني والعربية، وكان فيه بشاشة وتواضع للفقراء والعلماء، ألف كتباً كثيرة منها "شرح البخاري" وسماه "الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري" وشرح "مختصر ابن الحاجب" في الأصول مع مختصرات أخرى، وسمى شرحه: "السبعة السيارة"، وتوفي أثناء رجوعه من الحج عام 786هـ، وحمل إلى بغداد، ودفن فيها.
انظر ترجمته في "الدرر الكامنة 5/77، الأعلام 8/27، الفتح المبين 2/202، مفتاح السعادة 1/212".
2 رواه البخاري وغيره، وسبق تخريجه "1/324هـ،2/221"
وانظر: صحيح البخاري مع حاشية السندي 2/126، 185، 4/178، 196، صحيح البخاري بشرح الكرماني 2/38، 4/194، 13/92.
3 هو علي بن خلف بن عبد الملك، الإمام أبو الحسن، الحافظ، الفقيه، الشهير بابن بطال المالكي، من أهل قرطبة، كان من أهل الفهم والعلم والمعرفة، عني بالحديث العناية التامة، وأتقنه، وحدث عنه جماعة من العلماء، وشرح "صحيح البخاري" قال القاضي عياض عنه: "يتنافس فيه، كثير الفائدة"،وله كتاب في الزهد والرقائق، وخرج إلى بلنسية، وتوفي سنة 449هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب ص 203، شجرة النور الزكية ص 115، ترتيب المدرك 2/827، شذرات الذهب 3/283، تذكرة الحفاظ 3/1127".(4/565)
يَقُومُ بِهِ1.
قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لا يَقُولَ أَحَدٌ: اللَّهُ اللَّهُ"2 وَقَالَ أَيْضًا "لا تَقُومُ السَّاعَةُ إلاَّ عَلَى شِرَارِ النَّاسِ" 3.
قُلْنَا: هَذِهِ الأَحَادِيثُ لَفْظُهَا عَلَى الْعُمُومِ، وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْخُصُوصُ. فَمَعْنَاهُ: لا تَقُومُ عَلَى أَحَدٍ يُوَحِّدُ اللَّهَ تَعَالَى إلاَّ بِمَوْضِعِ كَذَا، 4إذْ لا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الطَّائِفَةُ الْقَائِمَةُ بِالْحَقِّ الَّتِي تُوَحِّدُ اللَّهَ
__________
1 هذا من كلام الكرماني، ولم ينسبه إلى ابن بطال، "انظر: صحيح البخاري بشرح الكرماني 2/38-39".
2 هذا الحديث رواه مسلم والترمذي وأحمد عن أنس مرفوعاً.
انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 2/170، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 6/451، مسند أحمد 3/107، 201، 259.
3 هذا الحديث رواه أحمد عن ابن مسعود، ورواه ابن ماجه عن أنس، والحاكم عن أبي أمامة، ورواه مسلم موقوفاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ورد عليه عقبة بن عامر بالحديث المرفوع: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين ... "، قال عبد الله: أجل ثم يبعث الله ريحا كريح المسك، مسها مس الحرير، فلا تترك نفساً في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس، عليهم تقوم الساعة".
انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 13/67،68، سنن ابن ماجه 2/1341، مسند أحمد 1/394، المستدرك 4/440، الفقيه والمتفقه 1/5، الرد على من أخلد إلى الأرض ص 111، الفتح الكبير 3/334.
4 في ش ب تكرار وزيادة مشوشة: "إذ لا يجوز أن تكون الطائفة القائمة بالحق التي توحد الله تعالى إلا بموضع كذا، فإن به طائفة قائمة على الحق، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس بموضع كذا، إذ لا يجوز أن تكون الطائفة القائمة بالحق التي توحد الله تعالى هي شرار الخلق".(4/566)
تَعَالَى هِيَ1 شِرَارُ الْخَلْقِ. وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ2. قِيلَ: وَأَيْنَ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَوْ أَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ" 3 انتهى4.
وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَاخْتَارَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعُنْوَانِ مَذْهَبَ الْحَنَابِلَةِ، وَكَذَا فِي أَوَّلِ شَرْحِ5 الإِلْمَامِ6، بَلْ7 أَشَارَ8 إلَى ذَلِكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ9، وَكَذَا ابْنُ بُرْهَانٍ فِي الأَوْسَطِ، لَكِنَّ كَلامَهُمْ مُحْتَمِلٌ الْحَمْلَ عَلَى عِمَارَةِ الْوُجُودِ
__________
1 في ش ب: هم.
2 ساقطة من ض ب ز.
3 حديث أبي أمامة رواه الإمام أحمد مرفوعاً، وروى البخاري قريباً منه عن معاوية ومعاذ، "انظر: مسند أحمد 5/269، صحيح البخاري بشرح الكرماني 4/194".
وسبق تخريج الحديث كاملاً "2/221".
4 انتهى كلام الكرماني عن نفسه، ولم ينقل النص السابق عن ابن بطال، وإنما ذكر بعد ذلك كلاماً للنووي، وبعده نقل كلام ابن بطال، وهو: "وفي الحديث فضل العلماء على سائر الناس ... " "انظر: صحيح البخار بشرح الكرماني 2/38-39".
5 ساقطة من ز.
6 في ض: الإمام.
7 ساقطة من ز.
8 في ب: إشارة.
9 البرهان 2/1346.(4/567)
بِالْعُلَمَاءِ، لا عَلَى خُصُوصِ الْمُجْتَهِدِينَ. انتهى.
وَاخْتَارَ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ: جَوَازَ ذَلِكَ، إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ1.
وَقِيلَ: إنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُطْلَقَ عُدِمَ مِنْ زَمَنٍ طَوِيلٍ.
قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: وَمِنْ زَمَنٍ طَوِيلٍ عُدِمَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ2، مَعَ أَنَّهُ3 الآنَ أَيْسَرُ مِنْهُ فِي الزَّمَنِ الأَوَّلِ؛ لأَنَّ الْحَدِيثَ، وَالْفِقْهَ قَدْ دُوِّنَا، وَكَذَا4 مَا يَتَعَلَّقُ بِالاجْتِهَادِ مِنْ الآيَاتِ وَالآثَارِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لَكِنَّ الْهِمَمَ قَاصِرَةٌ، وَالرَّغَبَاتِ فَاتِرَةٌ، وَنَارَ الْجِدِّ وَالْحَذَرِ5 خَامِدَةٌ، 6وَعَيْنَ الْخَوْفِ وَالْخَشْيَةِ7 جَامِدَةٌ، اكْتِفَاءً8 بِالتَّقْلِيدِ، وَاسْتِغْنَاءً9 عَنْ10
__________
1 جمع الجوامع 2/398.
2 ساقطة من ض.
3 ساقطة من ض.
4 في ض: كذا وكذا.
5 في ش: والحزر.
6 ساقطة من صفة الفتوى.
7 في ش ب: الخشية والخوف.
8 في ض: اكتفى
9 في ض: واستغنى.
10 في ب: من.(4/568)
التَّعَبِ الْوَكِيدِ1، وَهَرَبًا مِنْ2 الأَثْقَالِ، وَأَرَبًا فِي تَمْشِيَةِ الْحَالِ، وَبُلُوغِ الآمَالِ، وَلَوْ بِأَقَلِّ الأَعْمَالِ3.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: فُقِدَ الآنَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ، وَمِنْ دَهْرٍ طَوِيلٍ4، نَقَلَهُ السُّيُوطِيّ5 فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ لِجَمْعِ6 الْجَوَامِعِ7.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: لأَنَّ النَّاسَ الْيَوْمَ كَالْمُجْمِعِينَ أَنْ لا مُجْتَهِدَ الْيَوْمَ. نَقَلَهُ الأَرْدَبِيلِيُّ8
__________
1 في ش: الوليد
وفي "مختار الصحاح ص 734": "التوكيد لغة في التأكيد، وقد وكّد الشيء وأوكدهبمعنى، والواو أفصح".
2 في ضض: عن.
3 صفة الفتوى ص 17.
4 المجموع بشرح المهذب 1/71، وانظر: المسودة ص 547.
5 في ب: الأسيوطي.
6 في ز: منظومة جمع.
7 نقل السيوطي عبارة الفقهاء بأن المجتهد المطلق فقد من قديم في كتابه "الرد على من أخلد إلى الأرض، وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض ص 112 وما بعدها" وانتقدها وعقب عليها بكلام طويل، وبين الفرق بين المجتهد المستقل الذي استقل بقواعد لنفسه، فإنه فقد من دهر، وبين المجتهد المطلق غير المستقل الذي توفرت فيه شروط الاجتهاد التي اتصف بها المجتهد المستقل ثم لم يبتكر قواعد، وهذا متوفر، وهو فرض كفاية على الأمة في كل عصر وزمان.
8 هو يوسف بن إبراهيم، الأردبيلي، جمال الدين، الشافعي، الفقيه من أهل أردبيل في بلاد أذربيجان، كان كبير القدر، غزير العلم، وله كتاب: "الأنوار لعمل الأبرار" في الفقه الشافعي، جمع فيه ما تعم به البلوى من المسائل المهمة التي لا تذكر في الكتب المعتمدة، وعليه تعليقات، وله شرح مختصر، بقي جمال الدين في أردبيل، ومات فيها سنة 799هـ، وقيل غير ذلك.
1 انظر ترجمته في "الدرر الكامنة 5/259، كشف الظنون 1/167، الأعلام للزركلي 9/282".(4/569)
فِي الأَنْوَارِ1.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: لَمَّا نَقَلَ كَلامَهُمَا: وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّهُ وُجِدَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ بَعْدَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
قَالَ2 ابْنُ الْعِرَاقِيِّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ3 وَالْبُلْقِينِيُّ4.
"وَمَا يُجِيبُ بِهِ الْمُقَلِّدُ عَنْ حُكْمٍ فَإِخْبَارٌ5 عَنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ، لا فُتْيَا" قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُوَفَّقُ. وَتَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ6.
"وَيُعْمَلُ بِخَبَرِهِ" أَيْ: بِخَبَرِ الْمُخْبِرِ "إنْ كَانَ عَدْلاً" لأَنَّهُ نَاقِلٌ. كَالرَّاوِي.
__________
= الدين في أردبيل، ومات فيها سنة 799هـ، وقيل غير ذلك.
1 انظر ترجمته في "الدرر الكامنة 5/259، كشف الظنون 1/167، الأعلام للزركلي 9/282".
الأنوار 2/395.
2 في ش: قاله.
3 في ض ع ب: وابن السبكي.
4 انظر: الرد على من أخلد إلى الأرض ص 117 وما بعدها، إرشاد الفحول ص 253-254.
5 في ض فأخبر.
6 صفحة 415-416، وانظر: المراجع المشار إليها هناك، إعلام الموقعين 4/253، 273.(4/570)
"وَلِعَامِّيٍّ تَقْلِيدُ مَفْضُولٍ" مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا، مِنْهُمْ: الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ1، وَقَالَهُ2 الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ3.
وَقِيلَ: يَصِحُّ إنْ اعْتَقَدَهُ فَاضِلاً أَوْ مُسَاوِيًا، لا4 إنْ اعْتَقَدَهُ مَفْضُولاً5؛ لأَنَّهُ6 لَيْسَ مِنْ الْقَوَاعِدِ: أَنْ يُعْدَلَ7 عَنْ الرَّاجِحِ إلَى الْمَرْجُوحِ8.
__________
1 الروضة ص 385.
2 في ض: وقال.
3 قال بجواز تقليد المفضول أكثر العلماء، ورجحه ابن الحاجب وغيره، لكن ابن بدران قال: "الأظهر وجوب متابعة الأفضل".
انظر: نزهة الخاطر 2/454، المدخل إلى مذهب أحمد ص 194، مختصر البعلي ص 167، مختصر الطوفي ص 185، المسودة ص 462، 464، إعلام الموقعين 4/330، صفة الفتوى ص 56، المستصفى 2/390، المنخول ص 479، شرح تنقيح الفصول ص 432، التمهيد ص 163، مختصر ابن الحاجب 2/309، جمع الجوامع 2/395، غاية الوصول ص 151، تيسير التحرير 4/251، فتح الغفار 3/37، البرهان 2/1342، فواتح الرحموت 2/404، القواعد للعز بن عبد السلام 2/159، الرد على من أخلد إلى الأرض ص154، 156، إرشاد الفحول ص 271.
4 في ب: لأن.
5 في ض: مفضول.
6 في ض: ولأنه.
7 في ب: تعدل.
8 نقل ابن الحاجب عن أحمد وابن سريج وجوب تقديم الأرجح، واختار ابن السبكي جواز تقليد المفضول إن اعتقده فاضلاً.
انظر: مختصر ابن الحاجب 2/309، جمع الجوامع 2/395، الروضة ص 385، إرشاد الفحول ص 272.(4/571)
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالُ وَالسَّمْعَانِيُّ: يَلْزَمُهُ الاجْتِهَادُ. فَيُقَدَّمُ الأَرْجَحُ.
وَمَعْنَاهُ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ وَالْمُوَفَّقِ فِي الْمُقْنِعِ1. وَلأَحْمَدَ رِوَايَتَانِ2.
وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ بِأَنَّ الْمَفْضُولَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ كَانَ يُفْتِي مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ، مَعَ الاشْتِهَارِ وَالتَّكْرَارِ3، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا عَلَى جَوَازِ اسْتِفْتَائِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِفْتَاءِ4 الْفَاضِلِ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 5 وَأَيْضًا: فَالْعَامِّيُّ6 لا يُمْكِنُهُ التَّرْجِيحُ لِقُصُورِهِ. وَلَوْ كُلِّفَ بِذَلِكَ لَكَانَ تَكْلِيفًا بِضَرْبٍ مِنْ الاجْتِهَادِ.
لَكِنْ زَيَّفَ ابْنُ الْحَاجِبِ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّرْجِيحَ يَظْهَرُ بِالتَّسَامُعِ، وَرُجُوعِ الْعُلَمَاءِ إلَيْهِ، وَإِلَى7 غَيْرِهِ لِكَثْرَةِ الْمُسْتَفْتِينَ، وَتَقْدِيمِ
__________
1 انظر: المقنع 4/245.
2 أيد ابن القيم قول ابن عقيل في الاجتهاد وتقديم الأرجح.
انظر: إعلام الموقعين 4/330، صفة الفتوى ص69، 82، المسودة ص 462، 463، 464، 471، المعتمد 2/939، فواتح الرحموت 2/404، تيسير التحرير 4/251 وما بعدها.
3 ساقطة من ب.
4 ساقطة من ب.
5 الآية 7 من الأنبياء
6 في ض: العامي.
7 في ع ب ز: و.(4/572)
الْعُلَمَاءِ لَهُ1.
"وَيَلْزَمُهُ" أَيْ2: وَيَلْزَمُ الْعَامِّيَّ "إنْ بَانَ لَهُ الأَرْجَحُ" مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ "تَقْلِيدُهُ" فِي الأَصَحِّ. زَادَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: فِي الأَظْهَرِ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: لا يَجُوزُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَفِيهِ نَظَرٌ3، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ سُؤَالِ آحَادِ الصَّحَابَةِ مَعَ وُجُودِ أَفَاضِلِهِمْ4.
"وَيُقَدَّمُ الأَعْلَمُ" مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ "عَلَى الأَوْرَعِ" فِي الأَصَحِّ؛ لأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ بِالأَعْلَمِ؛ وَلأَنَّهُ لا تَعَلُّقَ لِمَسَائِلِ الاجْتِهَادِ بِالْوَرَعِ5.
"وَيُخَيَّرُ" الْعَامِّيُّ "فِي" تَقْلِيدِ أَحَدِ "مُسْتَوَيَيْنِ" عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ
__________
1 مختصر ابن الحاجب 2/309.
2 ساقطة من ش ب.
3 في ش: نظراً.
4 انظر: المجموع 1/90، روضة الطالبين 11/104، المستصفى 2/390، الإحكام للآمدي 4/237، مختصر ابن الحاجب 2/309، صفة الفتوى ص 56، المسودة ص 464، 537 وما بعدها، نزهة الخاطر 2/454، إعلام الموقعين 4/331، اللمع ص 22، المحصول 2/3/113.
5 انظر: روضة الطالبين 11/104، 112، المسودة ص 463، 538، صفة الفتوى ص 82، المنخول ص 483، التمهيد ص 163، جمع الجوامع 2/396، المحصول 2/3/113، البرهان 2/1344، المعتمد 2/947.(4/573)
أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ1.
قَالَ2 فِي الرِّعَايَةِ: وَلا يَكْفِيهِ مَنْ لَمْ تَسْكُنْ نَفْسُهُ إلَيْهِ فَلا بُدَّ مِنْ سُكُونِ النَّفْسِ وَالطُّمَأْنِينَةِ بِهِ.
وَقِيلَ لأَحْمَدَ: مَنْ نَسْأَلُ بَعْدَك؟ قَالَ: عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ3، فَإِنَّهُ صَالِحٌ، مِثْلُهُ يُوَفَّقُ لِلْحَقِّ4.
"وَلا يَلْزَمُهُ" أَيْ: لا يَلْزَمُ5 الْعَامِّيَّ "التَّمَذْهُبُ بِمَذْهَبٍ يَأْخُذُ بِرُخَصِهِ وَعَزَائِمِهِ" فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ6.
__________
1 وهذا ما نص عليه الغزالي والآمدي وابن الحاجب والمجد وغيرهم.
انظر: المسودة ص 466، صفة الفتوى ص 69، المحصول 2/3/113، الإحكام للآمدي 4/237، مختصر ابن الحاجب 2/309، مختصر البعلي ص 169، البرهان 2/1344، المعتمد 2/940، المستصفى 2/390، أصول مذهب أحمد ص 663.
2 في ش ب ز: وقال.
3 هو عبد الوهاب بن عبد الحكم، ويقال: ابن الحكم بن نافع، أبو الحسن البغدادي، الوراق، النسائي الأصل، صحب الإمام أحمد، وأثنى عليه، وسمع منه، ومن أناس كثيرين، وكان صالحاً ورعاً زاهداً عاقلاً، عاش في بغداد، وقال عنه الإمام أحمد: قلّ من يرى مثله، وكان ثقة في الحديث، روى عنه أبو داود والترمذي والنسائي، تفي سنة 251هـ وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/209، المنهج لأحمد 1/123، الخلاصة 2/186".
4 انظر: المنهج لأحمد 1/125، طبقات الحنابلة 1/211.
5 ساقطة من ب ش.
6 وهذا ما رجحه ابن القيم وقال: "وهو الصواب المقطوع به " ورجحه النووي وابن برهان وغيرهما، وقال ابن السبكي وزكريا الأنصاري والكيا الهراسي: =(4/574)
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الأَخْذِ بِرُخَصِهِ وَعَزَائِمِهِ1 " طَاعَةُ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ: وَ2هُوَ خِلافُ الإِجْمَاعِ، وَتَوَقَّفَ أَيْضًا فِي جَوَازِهِ3، وَقَالَ أَيْضًا: إنْ خَالَفَهُ لِقُوَّةِ دَلِيلٍ4، أَوْ زِيَادَةِ عِلْمٍ، أَوْ تَقْوَى، فَقَدْ5 أَحْسَنَ، وَلَمْ يَقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ بِلا نِزَاعٍ. وَقَالَ أَيْضًا: بَلْ يَجِبُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَأَنَّهُ نَصُّ أَحْمَدَ.
وَكَذَا قَالَ الْقُدُورِيُّ الْحَنَفِيُّ6: مَا ظَنَّهُ أَقْوَى،
__________
= والأصح أنه يجب التزام مذهب معين.
انظر: المجموع 1/90-91، روضة الطالبين 11/117، مختصر البعلي ص 168، المسودة ص 465، إعلام الموقعين 4/331، صفة الفتوى ص 71، شرح تنقيح الفصول ص 432، جمع الجوامع 2/400، الوسيط ص 578، غاية الوصول ص 152، تيسير التحرير 4/253، إرشاد الفحول ص 252.
1 في ش: وعن أئمة.
2 ساقطة من ش.
3 انظر: المسودة ص 512.
4 في ش: دين.
5 في ش: فهو.
6 هو أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أبو الحسين القدوري الحنفي صاحب المختصر المشهور في الفقه، انتهت إليه رياسة الحنفية بالعراق، وكان حسن العبارة، وروى الحديث، وكان صدوقا، صنف "المختصر" المعروف باسمه، وهو من أشهر المختصرات عند الحنفية، وعليه شروح كثيرة، كما صنف "التجريد" في الخلاف بين الشافعي وأبي حنيفة، و"التقريب" في الخلاف بين أبي حنيفة وأصحابه، وكان يناظر أبا حامد الإسفراييني الشافعي، وروى عنه الخطيب البغدادي الحديث، وكان مديماً لقراءة القرآن، مات ببغداد سنة 428هـ. انظر ترجمته "الفوائد البهية ص 30، تج التراجم ص7، وفيات الأعيان 1/60، البداية والنهاية 12/24، الأعلام 1/206، مفتاح السعادة 2/280"(4/575)
فَعَلَيْهِ1 تَقْلِيدُهُ فِيهِ، وَلَهُ الإِفْتَاءُ بِهِ حَاكِيًا مَذْهَبَ مَنْ قَلَّدَهُ.
وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّ مِنْ مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ: أَنْ يُقِيمَ أَوْثَانًا فِي الْمَعْنَى تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، مِثْلَ: أَنْ يَتَبَيَّنَ الْحَقُّ، فَيَقُولَ2: هَذَا لَيْسَ3 مَذْهَبُنَا، تَقْلِيدًا لِمُعَظَّمٍ عِنْدَهُ، قَدْ قَدَّمَهُ عَلَى الْحَقِّ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لا يَحِلُّ لِحَاكِمٍ وَلا لِمُفْتٍ تَقْلِيدُ رَجُلٍ، فَلا يَحْكُمُ، وَلا يُفْتِي إلاَّ بِقَوْلِهِ4.
وَقِيلَ: بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبٍ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَذَا الأَشْهَرُ، فَلا يُقَلِّدُ غَيْرَ أَهْلِهِ5، وَقَالَ فِي مُصَنَّفِهِ آدَابِ الْمُفْتِي: يَجْتَهِدُ فِي أَصَحِّ الْمَذَاهِبِ فَيَتَّبِعُهُ6 وَقَطَعَ إلْكِيَا مِنْ
__________
1 في ش: عليه.
2 في ش: فيقول مثلاً.
3 في ش: هذ، وفي ب: ليس هذا.
4 الإحكام لابن حزم 2/793، 844، 861.
5 يرى كثير من العلماء أن المقلد لا يجوز له أن يحكم بخلاف رأي إمامه، ولو كان معتقداً ترجيح ذلك.
انظر: شرح منتهى الإرادات 4/262، الإحكام للآمدي 203.
6 صفة الفتوى ص 72، 82، وانظر: إعلام الموقعين 4/331، جمع الجوامع 2/400، البرهان 2/1353، شرح منتهى الإرادات 4/262، إرشاد الفحول ص 272.(4/576)
الشَّافِعِيَّةِ بِلُزُومِهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا كَلامُ الأَصْحَابِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ: أَنَّهُ لا يَلْزَمُهُ.
"وَلا" يَلْزَمُهُ1 أَيْضًا "أَنْ لا يَنْتَقِلَ مِنْ2 مَذْهَبٍ عُمِلَ بِهِ" عِنْدَ الأَكْثَرِ "فَيَتَخَيَّرُ فِي الصُّورَتَيْنِ" وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي كَلامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَغَيْرِهِ3.
"وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ" أَيْ: عَلَى الْعَامِّيِّ "تَتَبُّعُ الرُّخَصِ" وَهُوَ أَنَّهُ كُلَّمَا وَجَدَ رُخْصَةً فِي مَذْهَبٍ عَمِلَ بِهَا، وَلا يَعْمَلُ بِغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبِ.
"وَيَفْسُقُ بِهِ" أَيْ: بِتَتَبُّعِ الرُّخَصِ. لأَنَّهُ لا يَقُولُ بِإِبَاحَةِ جَمِيعِ الرُّخَصِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ: فَإِنَّ4 الْقَائِلَ5 بِالرُّخْصَةِ فِي
__________
1 روضة الطالبين 1/111، 117، وانظر: المجموع 1/91، المسودة ص 465، 472، القواعد للعز بن عبد السلام 2/159.
2 في ض ع ز: عن.
3 ذكر ابن الحاجب وغيره ثلاثة أقوال في حكم الانتقال من مذهب إلى مذهب آخر، بالمنع والجواز والتفضيل.
انظر: روضة الطالبين 11/108، شرح تنقيح الفصول ص 432، التمهيد ص 162، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/209، جمع الجوامع 2/400، الإحكام للآمدي 4/238، تيسير التحرير 4/253، فتح الغفار 3/37، فواتح الرحموت 2/406، القواعد للعز بن عبد السلام 2/158، إرشاد الفحول ص 272.
4 ساقطة من ش.
5 في ش: فالقائل.(4/577)
هَذَا الْمَذْهَبِ لا يَقُولُ بِالرُّخْصَةِ1 الأُخْرَى الَّتِي2 فِي غَيْرِهِ3.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ تَتَبُّعُ الرُّخَصِ إجْمَاعًا4.
وَمِمَّا يُحْكَى: أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ تَتَبَّعَ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ. وَجَمَعَهَا فِي كِتَابٍ، وَذَهَبَ بِهِ5 إلَى بَعْضِ الْخُلَفَاءِ، فَعَرَضَهُ عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الأَعْيَانِ، فَلَمَّا رَآهَا قَالَ " يَا6 أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذِهِ زَنْدَقَةٌ فِي الدِّينِ، وَلا يَقُولُ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ"7.
وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ، فِي فِسْقِ مَنْ8 أَخَذَ بِالرُّخَصِ رِوَايَتَيْنِ، وَحَمَلَ الْقَاضِي ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ مُتَأَوِّلٍ أَوْ مُقَلِّدٍ.
__________
1 في ض: الرخص.
2 ساقطة من ش.
3 انظر: روضة الطالبين 11/108، مختصر البعلي ص 168، المسودة ص 218وما بعدها، إعلام الموقعين 4/283، المستصفى 2/391، جمع الجوامع 2/400، تيسير التحرير 4/254، فواتح الرحموت 2/406، الموافقات 4/93، 96، إرشاد الفحول ص 272، الوسيط ص 583.
4 انظر: فواتح الرحموت 2/406.
5 ساقطة من ب.
6 ساقطة من ض.
7 هذه الحكاية ذكرها البيهقي عن القاضي إسماعيل، قال دخلت على المعتضد فرفع إليّ كتاباً ... " وتتمته: "وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه، فأمر المعتضد بإحراق الكتاب" "انظر: إرشاد الفحول ص 272".
8 ساقطة من ض.(4/578)
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَرُوِيَ عَدَمُ فِسْقِهِ عَنْ ابْنِ1 أَبِي هُرَيْرَةَ2.
"وَيَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ مُجْتَهِدٌ بِمُوجَبِ اعْتِقَادِهِ فِيمَا لَهُ، وَ" فِيمَا "عَلَيْهِ" حَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إجْمَاعًا، وَهُوَ وَاضِحٌ3.
"وَإِنْ عَمِلَ عَامِّيٌّ" فِي حَادِثَةٍ "بِمَا4 أَفْتَاهُ مُجْتَهِدٌ لَزِمَهُ" الْبَقَاءُ عَلَيْهِ قَطْعًا، وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ إلَى فَتْوَى غَيْرِهِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِعَيْنِهَا إجْمَاعًا. نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ5 وَالْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا6.
"وَإِلاَّ" أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِمَا أَفْتَاهُ الْمُجْتَهِدُ "فَلا" يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ
__________
1 ساقطة من ش.
2 انظر: روضة الطالبين 11/108، جمع الجوامع 2/400، إرشاد الفحول ص 272.
3 انظر الفروع 6/423، إعلام الموقعين 4/228، 334، مختصر البعلي ص 168.
4 في ض: فيما.
5 مختصر ابن الحاجب 2/309.
6 نقل الآمدي وابن الحاجب الإجماع على عدم جواز رجوع المقلد فيما عمل به من الفتوى، وقال الزركشي بوجود الخلاف في المسألة، وقال الشيخ زكريا الأنصاري: "يجوز له الرجوع فيها".
انظر: الإحكام للآمدي 4/238، مختصر ابن الحاجب 2/309، جمع الجوامع 2/399، غاية الوصول شرح لب الأصول ص 152، تيسير التحرير 4/253، فتح الغفار 3/37، التمهيد ص 161، 162، إرشاد الفحول ص 272، فواتح الرحموت 2/405.(4/579)
"إلاَّ بِالْتِزَامِهِ" ذَلِكَ1.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: هَذَا الأَشْهَرُ.
وَقِيلَ: مَعَ ظَنِّهِ أَنَّهُ حَقٌّ، فَعَلَى هَذَا لا بُدَّ مِنْ شَيْئَيْنِ: الْتِزَامُهُ، وَظَنُّهُ أَنَّهُ حَقٌّ، اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ بِظَنِّهِ2 أَنَّهُ حَقٌّ فَقَطْ3.
"وَإِنْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ" أَيْ: عَلَى الْعَامِّيِّ "مُجْتَهِدَانِ" بِأَنْ أَفْتَاهُ أَحَدُهُمَا بِحُكْمٍ، وَالآخَرُ بِغَيْرِهِ "تَخَيَّرَ4" فِي الأَخْذِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمَجْدُ5، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ6 ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ7، فَإِنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الطَّلاقِ؟ فَقَالَ: إنْ فَعَلَ حَنِثَ، فَقَالَ السَّائِلُ: إنْ أَفْتَانِي
__________
1 انظر روضة الطالبين 11/117، المجموع 1/93، مختصر البعلي ص 168، المسودة ص 524، إعلام الموقعين 4/283، 334، صفة الفتوى ص 81، مختصر ابن الحاجب 2/309، جمع الجوامع 2/399 وما بعدها.
2 في ز: لظنه.
3 انظر: روضة الطالبين 11/118، المسودة ص 524، صفة الفتوى ص 81.
4 في ب: يخير.
5 المسودة ص 519.
6 في ض ب ع: وذكره.
7 انظر: صفة الفتوى ص 81، المجموع 1/92، المسودة ص 463، 467، 519، 538 وما بعدها، المستصفى 2/391، شرح تنقيح الفصول ص 442، المحصول 2/3/112، اللمع ص 72، الروضة ص 385، مختصر البعلي ص 167، أصول مذهب أحمد ص 700، إرشاد الفحول ص 271.(4/580)
إنْسَانٌ أَنْ1 لا أَحْنَثَ. قَالَ: تَعْرِفُ2 حَلْقَةَ الْمَدَنِيِّينَ3؟ قُلْت: فَإِنْ أَفْتَوْنِي حَلَّ. قَالَ: نَعَمْ4.
وَقِيلَ. يَأْخُذُ بِقَوْلِ الأَفْضَلِ5 عِلْمًا وَدِينًا. فَإِنْ اسْتَوَيَا تَخَيَّرَ6، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُوَفَّقِ فِي الرَّوْضَةِ7.
وَقِيلَ: يَأْخُذُ بِالأَغْلَظِ وَالأَثْقَلِ مِنْ قَوْلَيْهِمَا.
وَقِيلَ: بِالأَخَفِّ.
وَقِيلَ: بِالأَرْجَحِ دَلِيلاً.
وَقِيلَ: يَسْأَلُ ثَالِثًا8.
__________
1 ساقطة من ش، وفي ض: في أن.
2 في ع: أتعرف.
3 في "المسودة ص 463" حلقة المدنيين –حلقة بالرصافة-.
4 انظر: المسودة ص 463،صفة الفتوى ص 82، الروضة 386.
5 في ش: الأفضل منهم.
6 في ب: يخير.
7 الروضة ص 385.
وهذا اختيار الغزالي "المستصفى 2/391، المنخول ص 483" وصححه النووي في "روضة الطالبين 11/105" وانظر: صفة الفتوى ص 80.
8 في المسألة سبعة أقوال، فانظر هذه الأقوال مع تعليلها في "صفة الفتوى ص 80-81، روضة الطالبين 11/105، المجموع 1/92، تيسير التحرير 4/255، اللمع ص 72، الروضة ص 386، المسودة ص 463، إعلام الموقعين 4/333، المستصفى 2/391، المنخول ص 483، شرح تنقيح الفصول ص 442، المحصول 2/2/541، 2/3/112، البرهان 2/1344، المعتمد 2/939، إرشاد الفحول ص 271، المدخل إلى مذهب أحمد ص 194، أصول مذهب أحمد ص 700، مختصر الطوفي ص 186.(4/581)
فصل: للمفتي رد الفتوى
...
"فَصْلٌ"
"لِمُفْتٍ رَدُّهَا" أَيْ: رَدُّ1 الْفُتْيَا "وَ" مَحَلُّهُ إذَا كَانَ "فِي الْبَلَدِ غَيْرُهُ" أَيْ: الرَّادِّ. وَهُوَ "أَهْلٌ لَهَا" أَيْ: لِلْفُتْيَا2 "شَرْعًا" وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ؛ لأَنَّ الْفُتْيَا - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - فِي حَقِّهِ سُنَّةٌ.
وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ الشَّافِعِيُّ3: لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا، وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ غَيْرُهُ. لأَنَّهُ بِالسُّؤَالِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ4.
"وَإِلاَّ" أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ غَيْرُهُ "لَزِمَهُ الْجَوَابُ" قَطْعًا،
__________
1 ساقطة من ب.
2 في ض: الفتيا.
3 هو الحسين بن محمد بن حليم، أبو عبد الله الحليمي، الشيخ الإمام القاضي، أحد أئمة الدهر، وشيخ الشافعية فيما وراء النهر، وله وجوهٌ حسنة في المذهب، وهو شيخ المحدثين في عصره، ولي القضاء ببخارى، وصنف كتاب "المنهج في شعب الإيمان" وحدث بنيسابور، وأخذ عند الحافظ أبو عبد الله الحاكم وغيره، توفي سنة 403هـ.
انظرترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 4/333، البداية والنهاية 11/349، التاج المكلل ص 41، وفيات الأعيان 1/403، طبقات الشافعيّة للإسنوي 1/404".
4 انظر: المسودة ص 512، تيسير التحرير 4/242.(4/583)
ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا1.
"إلاَّ عَمَّا2 لَمْ يَقَعْ" فَإِنَّهُ لا يَلْزَمُهُ3 الْجَوَابُ عَنْهُ4 "وَ" إلاَّ "مَا لا5 يَحْتَمِلُهُ سَائِلٌ6" فَإِنَّهُ لا يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُ7 "وَ" إلاَّ "مَا لا يَنْفَعُهُ" أَيْ: يَنْفَعُ السَّائِلَ مِنْ الْجَوَابِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُجِيبَهُ8، وَقَدْ سُئِلَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ. أَمُسْلِمُونَ هُمْ؟ فَقَالَ لِلسَّائِلِ: أَحْكَمْتَ الْعِلْمَ حَتَّى تَسْأَلَ عَنْ ذَا؟ وَسُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي اللِّعَانِ؟ فَقَالَ: سَلْ -رَحِمَك اللَّهُ- عَمَّا اُبْتُلِيتَ بِهِ، وَسَأَلَهُ مُهَنَّا عَنْ مَسْأَلَةٍ؟ فَغَضِبَ وَقَالَ: خُذْ -وَيْحَكَ- فِيمَا تَنْتَفِعُ بِهِ، وَإِيَّاكَ وَ9هَذِهِ الْمَسَائِلَ الْمُحْدَثَةَ10، وَخُذْ
__________
1 انظر: المجموع 1/75، المسودة ص 512، صفة الفتوى ص 6، الفقيه والمتفقه 2/182، تيسير التحرير 4/242، اللمع ص 72، مختصر البعلي ص 168، الفروع 6/433.
2 في ش: ما.
3 في ض: يلزم.
4 انظر: روضة الطالبين 11/110، المجموع 1/75، مختصر البعلي ص 168، إعلام الموقعين 1/75، 4/203، 282، صفة الفتوى ص 30، سنن الدارمي 1/50، 56، الفقيه والمتفقه 2/7 وما بعدها.
5 في ض ش: لم.
6 في ش ع ب: السؤال.
7 في ب: إجابته له.
8 في ش: يجيب.
9 ساقطة من ب.
10 في ض: الأسئلة.(4/584)
مَا1 فِيهِ حَدِيثٌ. وَسُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ؟ فَقَالَ: لَيْتَ إنَّا2 نُحْسِنُ مَا جَاءَ فِيهِ الأَثَرُ.
وَلأَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ "لا تَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّ عُمَرَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ3 "4 وَلَهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ عَنْ الصَّحَابَةِ: مَا كَانُوا يَسْأَلُونَ إلاَّ عَمَّا يَنْفَعُهُمْ5.
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى كَرَاهَةِ السُّؤَالِ عَنْ الشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ6 بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ7 إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاَللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} 8 وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ وَفِي لَفْظٍ "إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ذَلِكَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا9. وَفِي حَدِيثِ اللِّعَانِ فَكَرِهَ صَلَّى اللَّهُ
__________
1 في ش ب: فيما.
2 في ش: لنا.
3 ساقطة من ع ب ز.
4 رواه الدارمي في باب "كراهة الفتيا"، ورواه الخطيب البغدادي.
انظر سنن الدارمي 1/50، الفقيه والمتفقه 2/7 وما بعدها.
5 هذا جزء من حديث رواه الدارمي عن ابن عباس موقوفاً.
انظر: سنن الدارمي 1/51 إعلام الموقعين 1/75.
6 انظر: الأم 5/113، الرسالة ص 151 هامش.
7 في ع ب ض ز: أشياء، الآية.
8 الآية 101 من المائدة.
9 صحيح البخاري بحاشية السندي 2/40، صحيح مسلم بشرح النووي 12/10، وسبق تخريجه كاملاً ص 371.(4/585)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا1 قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: كُرِهَ السُّؤَالُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ كَوْنِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ؛ لأَنَّ الاجْتِهَادَ إنَّمَا يُبَاحُ ضَرُورَةً، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ: "أَيُّهَا النَّاسُ: لا تُعَجِّلُوا بِالْبَلاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ"2 وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُرْسَلاً: مَعْنَاهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعِكْرِمَةَ "مَنْ سَأَلَك عَمَّا لا يَعْنِيهِ3 فَلا تُفْتِهِ" وَسَأَلَ الْمَرْوَزِيُّ4 أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْعَدْلِ5. فَقَالَ: لا تَسْأَلْ عَنْ هَذَا، فَإِنَّك لا تُدْرِكُهُ6، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ:
__________
1 حديث اللعان صحيح، وسبق تخريجه "3/179، 182"، وهذا الجزء من الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة ومالك وأحمد عن سهل بن سعد الساعدي في قصة عويمر العجلاني.
انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 3/183، صحيح مسلم بشرح النووي 10/130، سنن أبي داود 1/520، سنن النسائي 6/140، سنن ابن ماجه 1/667، مسند أحمد 334، الموطأ ص 350، الفقيه والمتفقه 2/7.
2 هذا جزء من حديث رواه الدارمي والخطيب البغدادي عن معاذ رضي الله عنه موقوفاً.
انظر: سنن الدارمي 1/56، الفقيه والمتفقه 2/12.
3 في ب: يعني.
4 هو هيدام بن قتيبة، المعروف بالمروزي، روى عن أحمد وجماعة، وكان ثقة عابداً، وروى عنه جماعة، مات سنة 174هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/395، المنهج لأحمد 1/169، تاريخ بغداد 14/96".
وفي ع ز: المروذي.
5 في ش: العدد.
6 في ش: تتركه.(4/586)
أَنَّهُ يَحْرُمُ إلْقَاءُ عِلْمٍ لا يَحْتَمِلُهُ السَّامِعُ1، لاحْتِمَالِ أَنْ يَفْتِنَهُ وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَنَّهُ لا يَنْبَغِي إلْقَاءُ عِلْمٍ لا يَحْتَمِلُهُ السَّامِعُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ2 عَلِيٌّ3 " حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُرِيدُونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ "4.
وَفِي مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إلاَّ كَانَ فِتْنَةً لِبَعْضِهِمْ"5.
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْغُلُوطَاتِ 6 رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد7.
قِيلَ8 -بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَاحِدُهَا غَلُوطَةٌ- وَهِيَ الْمَسَائِلُ الَّتِي
__________
1 ساقطة من ض ع ب ز.
2 في ع ز: وقال.
3 ساقطة من ز.
4 صحيح البخاري مع حاشية السندي 1/26.
5 صحيح مسلم بشرح النووي 1/76.
6 في ع: الأغلوطات.
7 هذا الحديث رواه أحمد وأبو داود والخطيب البغدادي عن معاوية مرفوعاً.
انظر: مسند أحمد 5/435، سنن أبي داود 2/288، الفقيه والمتفقه 2/11.
8 في ض ز: وقيل.(4/587)
يُغَالَطُ بِهَا، وَقِيلَ: بِضَمِّهَا، وَأَصْلُهَا الأُغْلُوطَاتُ1.
"وَكَانَ السَّلَفُ يَهَابُونَهَا وَيُشَدِّدُونَ فِيهَا2، وَيَتَدَافَعُونَهَا" وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ تَهَجَّمَ3 فِي الْجَوَابِ، وَقَالَ: لا يَنْبَغِي أَنْ يُجِيبَ فِي كُلِّ مَا يُسْتَفْتَى فِيهِ4.
"وَيَحْرُمُ التَّسَاهُلُ فِيهَا وَتَقْلِيدُ مَعْرُوفٍ بِهِ" أَيْ: بِالتَّسَاهُلِ؛ لأَنَّ أَمْرَ الْفُتْيَا خَطَرٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتْبَعَ السَّلَفَ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ كَانُوا يَهَابُونَ الْفُتْيَا كَثِيرًا5، وَقَدْ قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إذَا هَابَ الرَّجُلُ شَيْئًا لا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنْ يَقُولَهُ6.
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: مَنْ اكْتَفَى فِي فُتْيَاهُ بِقَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ7
__________
1 قال الأوزاعي: الغلوطات شداد المسائل وصعابها، وقال آخرون: أراد بذلك المسائل التي يغالط بها العلماء ليزِلّوا فيها، فيهيج بذلك شر وفتنة، وذكر الخطيب البغدادي معاني أخرى كثيرة.
انظر سنن أبي داود 2/288 هامش، مسند أحمد 5/435، الفقيه والمتفقه 2/11، إعلام الموقعين 1/73، النهاية في غريب الحديث 3/378.
2 ساقطة من ب.
3 في ب: يتهجم.
4 انظر: صفة الفتوى ص 7، الفقيه والمتفقه 2/12، 15، 155، صحيح البخاري بحاشية السندي 4/175، سنن الدارمي 1/52 وما بعدها، 75، تيسير التحرير 4/242.
5 انظر: صفة الفتوى 31، روضة الطالبين 11/110، المجموع 1/76، عرف البشام ص 26، إعلام الموقعين 4/282، الفروع 6/428، سنن الدارمي 1/57، 60.
6 في ب ز: يقول.
7 في ش: وجهه.(4/588)
فِي الْمَسْأَلَةِ، مِنْ1 غَيْرِ نَظَرٍ فِي تَرْجِيحٍ وَلا تَقَيُّدٍ2 بِهِ: فَقَدْ جَهِلَ وَخَرَقَ الإِجْمَاعَ3.
وَذُكِرَ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ: أَنَّهُ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الَّذِي لِصَدِيقِي عَلَيَّ: أَنْ أُفْتِيَهُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي تُوَافِقُهُ. قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: وَهَذَا لا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الإِجْمَاعِ.
"وَلا بَأْسَ" لِمَنْ سُئِلَ "أَنْ يَدُلَّ" مَنْ سَأَلَهُ "عَلَى" رَجُلٍ "مُتَّبَعٍ" أَيْ: يَجُوزُ اتِّبَاعُهُ4.
قِيلَ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الرَّجُلُ يَسْأَلُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ5، فَأَدُلُّهُ عَلَى إنْسَانٍ. هَلْ عَلَيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ: إنْ6 كَانَ رَجُلاً مُتَّبَعًا فَلا بَأْسَ، وَلا يُعْجِبُنِي رَأْيُ أَحَدٍ7.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي وَاضِحِهِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إعْلامُ الْمُسْتَفْتِي بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ إنْ كَانَ أَهْلاً لِلرُّخْصَةِ. كَطَالِبِ التَّخَلُّصِ مِنْ الرِّبَا، فَيَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَرَى التَّحَيُّلَ لِلْخَلاصِ مِنْهُ، وَالْخُلْعِ بِعَدَمِ وُقُوعِ
__________
1 في ب: ب.
2 في ض ع: تقليد.
3 انظر: إعلام الموقعين 4/269.
4 انظر: المسودة ص 513، إعلام الموقعين 4/264، الفقيه والمتفقه 2/194 وما بعدها.
5 في ز: مسألة.
6 في ع: لا إن.
7 انظر: المسودة ص 513.(4/589)
الطَّلاقِ1. انْتَهَى.
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُمْ جَاءُوهُ بِفَتْوَى، فَلَمْ تَكُنْ عَلَى مَذْهَبِهِ. فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِحَلْقَةِ الْمَدَنِيِّينَ. فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا جَاءَهُ الْمُسْتَفْتِي، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ رُخْصَةٌ لَهُ2: أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَهُ فِيهِ رُخْصَةٌ. انْتَهَى.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَلا يَسَعُ النَّاسَ فِي هَذِهِ الأَزْمِنَةِ غَيْرُ هَذَا.
وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ3: عَجَبًا لِقَوْمٍ عَرَفُوا الإِسْنَادَ وَصِحَّتَهُ، يَدَعُونَهُ وَيَذْهَبُونَ إلَى رَأْيِ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ. قَالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ4 أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ5 أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 6 الْفِتْنَةُ: الْكُفْرُ.
وَقَالَ رَجُلٌ لأَحْمَدَ: إنَّ7 ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ كَذَا وَكَذَا8.
__________
1 انظر: إعلام الموقعين 4/264، الفقيه والمتفقه 2/194.
2 ساقطة من ض ع ب ز.
3 ساقطة من ض ع ب ز.
4 في ب ض ز: أمره، الآية.
5 في ع: فتنة، الآية.
6 الآية 63 من النور.
7 ساقطة من ض.
8 ساقطة من ش ض ب ز.(4/590)
قَالَ: ابْنُ الْمُبَارَكِ لَمْ يَنْزِلْ مِنْ السَّمَاءِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: مِنْ ضِيقِ عِلْمِ الرَّجُلِ أَنْ يُقَلِّدَ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: التَّقْلِيدُ لِلأَكَابِرِ أَفْسَدُ الْعَقَائِدِ، وَلا يَنْبَغِي أَنْ يُنَاظِرَ بِأَسْمَاءِ الرِّجَالِ، إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْبَعَ الدَّلِيلَ، فَإِنَّ أَحْمَدَ أَخَذَ فِي الْجَدِّ بِقَوْلِ زَيْدٍ، وَخَالَفَ أَبَا بَكْرٍ1 الصِّدِّيقَ2.
وَفِي وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ: مِنْ أَكْبَرِ الآفَاتِ: الإِلْفُ لِمَقَالَةِ مَنْ سَلَفَ، أَوْ السُّكُونُ3 إلَى قَوْلِ مُعَظَّمٍ فِي النَّفْسِ لا بِدَلِيلٍ، فَهُوَ أَعْظَمُ حَائِلٍ عَنْ الْحَقِّ، وَبَلْوَى تَجِبُ مُعَالَجَتُهَا.
وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: مَنْ قَالَ فِي مُفْرَدَاتِ أَحْمَدَ: الانْفِرَادُ لَيْسَ بِمَحْمُودٍ، قَالَ: الرَّجُلُ مِمَّنْ يُؤْثِرُ الْوَحْدَةَ. ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ عَلِيٍّ " اعْرَفْ الْحَقَّ تَعْرِفْ أَهْلَهُ "4 وَانْفِرَادُ الشَّافِعِيِّ، وَصَوَابُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، فَمَنْ يُعَيَّرُ5 بَعْدَ هَذَا بِالْوَحْدَةِ.
__________
1 ساقطة من ض ب ع ز.
2 انظر: الفروع 6/432.
3 في ع: و.
4 انظر: الفروع 6/432.
5 في ش: يعبر.(4/591)
"فَصْلٌ"
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِآدَابِ1 الْمُسْتَفْتِي وَالْمُفْتِي2. مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي كِتَابِهِ3 آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي4.
فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ "يَنْبَغِي حِفْظُ الأَدَبِ5 مَعَ مُفْتٍ وَإِجْلالُهُ" إيَّاهُ "فَلا يَفْعَلُ مَعَهُ مَا جَرَتْ عَادَةُ الْعَوَامّ بِهِ، كَإِيمَاءٍ بِيَدِهِ فِي وَجْهِهِ، وَلا" يَقُولُ6 لَهُ مَا لا يَنْبَغِي7، وَلا "يُطَالِبُهُ بِالْحُجَّةِ" عَلَى مَا يُفْتِي بِهِ8 "وَلا يُقَالُ لَهُ: إنْ كَانَ جَوَابُك9 مُوَافِقًا10 فَاكْتُبْ، وَإِلاَّ فَلا" تَكْتُبْ "وَنَحْوَهُ" كَقَوْلِهِ11: مَا مَذْهَبُ إمَامِك
__________
1 في ش: بأدب.
2 انظر آدادب المفتي والمستفتي في "الأنوار 2/398، المجموع 1/93 وما بعدها، عرف البشام ص 5، 9، الفقيه والمتفقه 2/98، 110، 177، الفروع 6/428".
3 في ض: كتاب.
4 صفة الفتوى ص 29 وما بعدها، 57 وما بعدها، 68 وما بعدها.
5 في ب: الآداب.
6 في ب: بقوله.
7 انظر: صفة الفتوى ص 83 بتصرف.
8 انظر: صفة الفتوى ص 84، روضة الطالبين 11/106، المسودة ص 554، الفقيه والمتفقه 2/180.
9 في ع: جوابا.
10 في "صفة الفتوى ص 83": موافقاً لمن أجاب فيها.
11 في ز: وهو كقوله.(4/593)
فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ أَوْ مَا تَحْفَظُ فِي كَذَا؟ أَوْ أَفْتَانِي غَيْرُك بِكَذَا، أَوْ أَفْتَانِي فُلانٌ بِكَذَا1، أَوْ قُلْت أَنَا كَذَا، أَوْ وَقَعَ لِي كَذَا2.
"لَكِنْ إنْ عَلِمَ" الْمُفْتِي "غَرَضَ السَّائِلِ" فِي شَيْءٍ "لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكْتُبَ غَيْرَهُ".
وَلا يَسْأَلُهُ3 فِي حَالَةِ ضَجَرٍ، أَوْ هَمٍّ، أَوْ غَضَبٍ، أَوْ4 نَحْوِ ذَلِكَ5.
وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ: لِلْعَامِّيِّ سُؤَالُ الْمُفْتِي عَنْ مَأْخَذِهِ اسْتِرْشَادًا، وَيَلْزَمُ الْعَالِمَ حِينَئِذٍ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ الدَّلِيلَ، إنْ كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ، لا الظَّنِّيَّ؛ لافْتِقَارِهِ إلَى مَا يَقْصُرْ فَهْمُ الْعَامِّيِّ عَنْهُ6.
"وَلا يَجُوزُ" لِلْمُفْتِي "إطْلاقُ الْفُتْيَا فِي اسْمٍ مُشْتَرَكٍ"7.
__________
1 ساقطة من ب.
2 انظر: صفة الفتوى ص 83.
3 ساقطة من ض ب ع ز.
4 في ع: و.
5 انظر: روضة الطالبين 11/106، عرف البشام ص 23.
6 انظر صفة الفتوى ص 66، 84، المسودة ص 554، إعلام الموقعين 4/208، 240، 328، جمع الجوامع 2/397، المجموع 1/86، تيسير التحرير 4/247.
7 انظر: المجموع 1/79، الفقيه والمتفقه 2/190، الفروع 6/435، مختصر البعلي ص 168.(4/594)
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فَنُونِهِ: إجْمَاعًا. قَالَ: وَمِنْ هُنَا إرْسَالُ أَبِي1 حَنِيفَةَ: مَنْ سَأَلَ أَبَا يُوسُفَ عَمَّنْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ، فَقَصَرَهُ وَجَحَدَهُ: هَلْ لَهُ أُجْرَةٌ2 إنْ عَادَ فَسَلَّمَهُ3 لِرَبِّهِ؟ وَقَالَ4: إنْ قَالَ نَعَمْ أَوْ لا، فَقَدْ أَخْطَأَ. فَجَاءَ إلَيْهِ5، فَقَالَ: إنْ كَانَ قَصَرَهُ قَبْلَ جُحُودِهِ: فَلَهُ الأُجْرَةُ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ جُحُودِهِ فَلا أُجْرَةَ لَهُ6؛ لأَنَّهُ قَصَرَهُ لِنَفْسِهِ7.
وَاخْتَبَرَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ أَصْحَابًا لَهُ فِي بَيْعِ رِطْلِ تَمْرٍ، بِرِطْلِ تَمْرٍ8، فَأَجَازُوا فَخَطَّأَهُمْ، فَمَنَعُوا فَخَطَّأَهُمْ، فَخَجِلُوا، فَقَالَ: إنْ تَسَاوَيَا كَيْلاً تَجُوزُ9، فَهَذَا يُوَضِّحُ10 خَطَأَ الْمُطْلَقِ فِي كُلِّ مَا احْتَمَلَ التَّفْصِيلَ.
__________
1 في ش: وقد أرسل أبو.
2 في ض ع ز: فهل.
3 في ض ع ب ز: سلمه.
4 في ع: قال.
5 في "الفروع 6/ 435": إليه، ففطن أبو يوسف.
6 ساقطة من ع.
7 انظر تفصيل الفقصة في "الفقيه والمتفقه 2/41، الفروع 6/435".
8 ساقطة من ش.
9 في ش: تجوز. وانظر: الفروع 6/435".
10 في ش: لو صح.(4/595)
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا قَالَ1، وَيُتَوَجَّهُ عَمَلُ2 بَعْضِ3 أَصْحَابِنَا بِظَاهِرِهِ4.
"وَلا" يَجُوزُ لِلْمُفْتِي "أَنْ يُكَبِّرَ خَطَّهُ، أَوْ يُوَسِّعَ الأَسْطُرَ" لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ5 غَيْرِهِ بِلا إذْنِهِ وَلا حَاجَةَ، كَمَا لَوْ أَبَاحَهُ قَمِيصَهُ، فَاسْتَعْمَلَهُ فِيمَا يَخْرُجُ عَنْ الْعَادَةِ6 بِلا حَاجَةٍ7.
"أَوْ يُكْثِرَ" مِنْ الأَلْفَاظِ8 "إنْ أَمْكَنَهُ اخْتِصَارٌ فِيهَا"9 أَيْ: فِي10 فُتْيَا "وَلا فِي شَهَادَةٍ بِلا إذْنِ مَالِكٍ" قَالَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ.
قَالَ11 فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ. لا سِيَّمَا فِي الْفَتَاوَى، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يَزَالُوا إذَا كَتَبُوا عَلَيْهَا أَطْنَبُوا، وَزَادُوا عَلَى
__________
1 في ش: قال، لتصرفه في ملك غيره بلا إذنه، ولا حاجة، كما لو أباحه قميصه.
2 في ش: عن.
3 ساقطة من ع.
4 في ش ب ز: بظاهر.
5 في ش ز: ملك.
6 في ش: ليس بالعادة.
7 انظر الفروع 6/425، المجموع 1/80، صفة الفتوى ص 59، مختصر البعلي ص 168.
8 في ع: الألفاظ أو يكثر.
9 انظر: صفة الفتوى ص 60.
10 ساقطة من ع.
11 في ش: قاله.(4/596)
الْمُرَادِ، بَلْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُسْأَلُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ، فَيُجِيبُ فِيهَا بِمُجَلَّدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَقَدْ وَقَعَ هَذَا كَثِيرًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيُتَوَجَّهُ مَعَ قَرِينَةٍ: خِلافٌ لَنَا1، يَعْنِي عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ2.
__________
1 في ز: خلافاً.
2 ساقطة من ع ز.(4/597)
"بَابُ تَرْتِيبِ الأَدِلَّةِ، وَالتَّعَادُلِ، وَالتَّعَارُضِ، وَالتَّرْجِيحِ"
اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى الْكَلامُ فِي مَبَاحِثِ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَكَانَتْ الأَدِلَّةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا رُبَّمَا تَعَارَضَ مِنْهَا1 دَلِيلانِ بِاقْتِضَاءِ حُكْمَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ، وَكَانَ مِنْ مَوْضُوعِ2 نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَضَرُورَاتِهِ: تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا، اُحْتِيجَ إلَى ذِكْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ مَعْرِفَةُ التَّرْتِيبِ وَالتَّعَادُلِ وَالتَّعَارُضِ، 3وَالتَّرْجِيحِ، وَحُكْمُ كُلٍّ مِنْهَا4. وَذَلِكَ إنَّمَا يَقُومُ بِهِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ، وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ، فَلِذَلِكَ قَدَّمَ الْمُوَفَّقُ وَالآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ5 وَابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُمْ بَابَ
__________
1 في ش: فيها.
2 في ب: موضع.
3 في ش: فقد، وسقط الباقي.
4 في ش ع ض: منهما.
5 انظر: الروضة ص 352، 372، 386، الإحكام للآمدي 4/162، 239، مختصر ابن الحاجب 2/289، 309.(4/599)
الاجْتِهَادِ عَلَى هَذَا الْبَابِ1.
وَإِنَّمَا جَازَ دُخُولُ التَّعَارُضِ فِي أَدِلَّةِ الْفِقْهِ لِكَوْنِهَا ظَنِّيَّةً.
إذَا2 تَقَرَّرَ هَذَا فَ "التَّرْتِيبُ" هُوَ "جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شَيْئَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي رُتْبَتِهِ3 الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا" أَيْ يَسْتَحِقُّ جَعْلَهُ4 فِيهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ5.
وَأَدِلَّةُ الشَّرْعِ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ وَنَحْوُهُ.
"فَيُقَدَّمُ" مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ "إجْمَاعٌ" عَلَى بَاقِي الأَدِلَّةِ لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: كَوْنُهُ قَاطِعًا مَعْصُومًا6 مِنْ الْخَطَإِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: كَوْنُهُ
__________
1 قال ابن بدران: "اعلم أن هذا الباب من موضوع نظر المجتهد وضروراته" ثم قال: "فهذا الباب مما يتوقف عليه الاجتهاد توقف الشيء على جزئه وشرطه" نزهة الخاطر 2/456.
وإن عرض مباحث الترتيب والتعارض والترجيح بعد مبحث الاجتهاد هو مسلك جمهور الأصوليين من الشافعية والمالكية والحنابلة، لأنها من عمل المجتهد، بينما ذهب المؤلف وبعض الحنابلة والبيضاوي من الشافعية وجمهور الحنفية إلى عرضها بعد الأدلة لصلتها الوثقى بها.
"انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 196، مجموع الفتاوى 20/9، اللمع ص 70، تيسير التحرير 3/161، الوسيط ص 610".
2 في ض ع ز: فإذا.
3 في ض: مرتبته.
4 في ض: جعلها.
5 انظر تعريف الترتيب ومشروعيته في "التعريفات ص 30، مختصر الطوفي ص 186، المدخل إلى مذهب أحمد ص 196، الإحكام للآمدي 4/240".
6 في ب: مقطوعاً.(4/600)
آمِنًا مِنْ النَّسْخِ وَالتَّأْوِيلِ، بِخِلافِ بَاقِي الأَدِلَّةِ1.
وَهُوَ أَنْوَاعٌ. أَحَدُهَا: الإِجْمَاعُ النُّطْقِيُّ2 الْمُتَوَاتِرُ، وَهُوَ أَعْلاهَا، ثُمَّ يَلِيهِ الإِجْمَاعُ النُّطْقِيُّ الثَّابِتُ بِالآحَادِ، ثُمَّ يَلِيهِ الإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ الْمُتَوَاتِرُ، ثُمَّ يَلِيهِ الإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ الثَّابِتُ بِالآحَادِ، فَهَذِهِ الأَنْوَاعُ الأَرْبَعَةُ كُلُّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَاقِي الأَدِلَّةِ3.
ثُمَّ "سَابِقٌ" يَعْنِي أَنَّهُ4 إذَا نُقِلَ إجْمَاعَانِ مُتَضَادَّانِ، فَالْمَعْمُولُ بِهِ مِنْهُمَا: هُوَ السَّابِقُ مِنْ الإِجْمَاعَيْنِ. فَيُقَدَّمُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى إجْمَاعِ التَّابِعِينَ، وَإِجْمَاعُ التَّابِعِينَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ5، وَهَلُمَّ جَرَّا6؛ لأَنَّ السَّابِقَ دَائِمًا أَقْرَبُ إلَى
__________
1 انظر: الروضة ص 386، مجموع الفتاوى 19/201، 267، 22/368، مختصر ابن الحاجب والتفتازاني عليه 2/312، 314، جمع الجوامع 2/372، الإحكام للآمدي 4/257، المستصفى 2/392، البرهان 2/1169، فواتح الرحموت 2/191، تيسير التحرير 3/161، اللمع ص 70، مختصر البعلي ص 186، المدخل إلى مذهب أحمد ص 196، الفقيه والمتفقه 1/219.
2 في ض: القطعي النطعي، وفي ز: القطعي.
3 سبق بيان أنواع الإجماع في المجلد الثاني ص 210 وما بعدها، وانظر: مجموع الفتاوى 19/267، المحصول 2/2/602، المدخل إلى مذهب أحمد ص 196.
4 ساقطة من ض.
5 انظر: جمع الجوامع 2/372، العضد والتفتازاتي على ابن الحاجب 2/314، الإحكام للآمدي 4/258.
6 قال ابن الأنباري: "معنى هلم جراً سيروا وتمهلوا في سيركم، مأخوذ من الجر، وهو ترك النعم في سيرها، ثم استعمل فيها حصل الدوام عليه من الأعمال" ثم قال: "فانتصب جراً على المصدر، أي جروا جراً، أو على الحال، أو على التمييز"=(4/601)
زَمَنِ1 النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَشْهُودِ لَهُ2 بِالْخَيْرِيَّةِ فِي قَوْلِهِ "خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ3، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" 4 فَإِنْ فُرِضَ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ إجْمَاعَانِ، فَالثَّانِي بَاطِلٌ؛ لأَنَّ كُلَّ مَنْ اجْتَهَدَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ5 فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ الإِجْمَاعَ السَّابِقَ.
فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الإِجْمَاعَيْنِ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَالآخَرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مُقَدَّمٌ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ الْخِلافُ فِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا أَضْعَفَ. فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى مَا كَانَ الْخِلافُ فِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا أَقْوَى، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ6 بِقَوْلِهِ "وَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَوْ7 أَقْوَى".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَوْ ضَعُفَ الْخِلافُ فِيهِ أَوْلَى8. انْتَهَى.
__________
= والمقصود أن يطلب الإنسان بقية الصور فننجر إليه جراً، مجازاً عن ورود أمثال المذكور، وكلمة "هلمّ" بمعنى الدّعاء إلى الشيء. "انظر: نهاية السول 2/274، المصباح المنير 2/880".
1 ساقطة من ع ز.
2 في ش ز: لهم.
3 ساقطة من ض ع ب ز.
4 هذا طرف من حديث صحيح، وسبق تخريجه 2/475.
5 في ش: عن المتأخر.
6 في ض ع: أشير إليه.
7 ساقطة من ب.
8 ساقطة من ش.
وانظر: جمع الجوامع 2/372، المحصول 2/2/603.(4/602)
وَكَذَلِكَ إجْمَاعٌ لَمْ يَسْبِقْهُ اخْتِلافٌ مُقَدَّمٌ عَلَى إجْمَاعٍ سَبَقَ فِيهِ اخْتِلافٌ ثُمَّ وَقَعَ الإِجْمَاعُ. وَقِيلَ: عَكْسُهُ1.
"وَأَعْلاهُ" أَيْ2 الإِجْمَاعِ: إجْمَاعٌ "مُتَوَاتِرٌ نُطْقِيٌّ3، فَآحَادٌ" أَيْ فَالنُّطْقِيُّ4 الثَّابِتُ بِالآحَادِ "فَسُكُوتِيٌّ كَذَلِكَ" أَيْ: فَإِجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ مُتَوَاتِرٌ، فَسُكُوتِيٌّ ثَابِتٌ بِالآحَادِ. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى ذَلِكَ قَرِيبًا فِي الشَّرْحِ.
"فَالْكِتَابُ وَمُتَوَاتِرُ السُّنَّةِ" يَعْنِي أَنَّهُ يَلِي الإِجْمَاعَ مِنْ حَيْثُ التَّقْدِيمُ5: الْقُرْآنُ وَمُتَوَاتِرُ السُّنَّةِ لِقَطْعِيَّتِهِمَا6، فَيُقَدَّمَانِ عَلَى بَاقِي الأَدِلَّةِ؛ لأَنَّهُمَا قَاطِعَانِ مِنْ جِهَةِ الْمَتْنِ، وَلِهَذَا جَازَ نَسْخُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالآخَرِ7 عَلَى الأَصَحِّ؛ لأَنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا وَحْيٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ افْتَرَقَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ لِلإِعْجَازِ، فَفِي الْحَقِيقَةِ هُمَا سَوَاءٌ 8.
__________
1 انظر: الإحكام للآمدي 4/258، جمع الجوامع 2/372، المجلد الثاني من هذا الكتاب ص 272.
2 في ب: أي أعلى.
3 في ع ب ز: قطعي.
4 في ع: والقطعي.
5 في ش: التقدم.
6 في ض: كقطعيتهما.
7 في ض: الآخر.
8 وهذا ما صححه إمام الحرمين الجويني في "البرهان 2/1185".
وانظر: جمع الجوامع 2/372، المستصفى 2/392، المنخول ص 466، فواتح الرحموت 2/191، الروضة ص 387، مختصر الطوفي ص 186، الرد على من أخلد إلى الأرض ص 162، المدخل إلى مذهب أحمد ص 196.(4/603)
وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْكِتَابُ؛ لأَنَّهُ أَشْرَفُ1.
وَقِيلَ: السُّنَّةُ2 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} 3.
أَمَّا الْمُتَوَاتِرَانِ مِنْ السُّنَّةِ: فَمُتَسَاوِيَانِ قَطْعًا4.
ثُمَّ يَلِي ذَلِكَ فِي التَّقْدِيمِ5 مِنْ بَاقِي الأَدِلَّةِ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ6 بِقَوْلِهِ "فَآحَادُهَا" أَيْ: آحَادِ السُّنَّةِ "عَلَى مَرَاتِبِهَا"7 أَيْ: مَرَاتِبِ الآحَادِ8، وَأَعْلاهَا: الصَّحِيحُ، فَيُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ الْحَسَنُ، فَيُقَدَّمُ9 عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ الضَّعِيفُ. وَهُوَ أَصْنَافٌ كَثِيرَةٌ. وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُ كُلٍّ مِنْ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ، وَالضَّعِيفِ، فَيُقَدَّمُ مِنْ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ أَقْوَى.
__________
1 انظر: جمع الجوامع 2/373، تيسير التحرير 3/162، البرهان 2/1185.
2 انظر: جمع الجوامع 2/373، البرهان 2/1185.
3 الآية 44 من النّحل.
4 انظر: المحلى على جمع الجوامع 2/373.
5 في ش: التقدم.
6 ساقطة من ش.
7 ساقطة من ش.
8 انظر: تيسير التحرير 3/162، مختصر الطوفي ص 186، المدخل إلى مذهب أحمد ص 196.
9 في ب: ويقدم.(4/604)
"فَقَوْلُ صَحَابِيٍّ" يَعْنِي أَنَّهُ يَلِي ضَعِيفَ1 آحَادِ السُّنَّةِ فِي التَّقْدِيمِ: قَوْلُ الصَّحَابِيِّ2.
"فَقِيَاسٌ" بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ3.
"وَ" أَمَّا "التَّعَارُضُ" فَهُوَ "تَقَابُلُ دَلِيلَيْنِ وَلَوْ عَامَّيْنِ" فِي4 الأَصَحِّ "عَلَى سَبِيلِ الْمُمَانَعَةِ" وَذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ: يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، وَالدَّلِيلُ الآخَرُ: يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ. فَدَلِيلُ الْجَوَازِ: يَمْنَعُ التَّحْرِيمَ، وَدَلِيلُ التَّحْرِيمِ: يَمْنَعُ الْجَوَازَ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُقَابِلٌ لِلآخَرِ، وَمُعَارِضٌ لَهُ5، وَمَانِعٌ لَهُ6.
وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ قَوْمٍ: مَنْعَ تَعَارُضِ عُمُومَيْنِ بِلا مُرَجِّحٍ.
وَقَدْ خَصَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ نَهْيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
__________
1 ساقطة من ش.
2 قال ابن بدران في تقديم قول الصحابي على القياس: "وهو الحقّ" "المدخل إلى مذهب أحمد ص 196".
وانظر: الروضة ص 248، تيسير التحرير 3/137.
3 انظر: المستصفى 2/392، مختصر الطوفي ص 186، المدخل إلى مذهب أحمد ص 196، تيسير التحرير 3/137.
4 في ش: على.
5 ساقطة من ش.
6 انظر: المستصفى 2/395، الروضة ص 387، فواتح الرحموت 2/189، التلويح على التوضيح 2/38، الوسيط ص 612، أصول الفقه للخضري ص 394.(4/605)
وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ1 وَالْعَصْرِ2 بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا".
وَذَكَرَ3 الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْمُوَفَّقُ وَالشَّافِعِيَّةُ تَعَارُضَهُمَا؛ لأَنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا عَامٌّ مِنْ وَجْهٍ وَخَاصٌّ مِنْ وَجْهٍ4.
"وَ" أَمَّا "التَّعَادُلُ" فَهُوَ "التَّسَاوِي5".
__________
1 في ش: الفجر.
2 روى البخاري ومسلم وأحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس" وروى البخاريومسلم عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب" وروى مثل ذلك أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
"انظر: صحيح البخاري مع حاشية السندي 1/76، صحيح مسلم بشرح النووي 6/110 وما بعدها، مسند أحمد 1/18، 3/7، سنن أبي داود 2/294، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/540، سنن النسائي 1/222، سنن ابن ماجه 1/395، نيل الأوطار 3/99".
3 في ب: ذكر.
4 انظر: العدة 2/536، الروضة ص 251، المحصول 2/2/549، المستصفى 2/148.
5 فرق المؤلف هنا بين التعادل والتعارض جرياً على التفريق بينما في اللغة، فالتعادل لغة التساوي، وعِدْلُ الشيء – بالكسر- مثله من جنسه أو مقداره، ومنه قسمة التعديل في الفقه، وهي قسمة الشيء باعتبار القيمة والمنفعة لا المقدار، أمّا التعارض لغة فهو التمانع، ومنه تعارض البينات، لأن كل واحدة تعترض الأخرى وتمنع نفوذها. "انظر: المصباح المنير 2/542، 551، القاموس المحيط 2/334، 4/14، معجم مقاييس اللغة 4/247، 272". =(4/606)
"لَكِنْ تَعَادُلُ" دَلِيلَيْنِ "قَطْعِيَّيْنِ مُحَالٌ" اتِّفَاقًا. سَوَاءٌ كَانَا1 عَقْلِيَّيْنِ أَوْ نَقْلِيَّيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا عَقْلِيًّا2، وَالآخَرُ نَقْلِيًّا. إذْ لَوْ فُرِضَ ذَلِكَ لَزِمَ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ أَوْ ارْتِفَاعُهُمَا. وَتَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ مُحَالٌ، فَلا مَدْخَلَ لِلتَّرْجِيحِ فِي الأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ؛ لأَنَّ التَّرْجِيحَ فَرْعُ التَّعَارُضِ، وَلا تَعَارُضَ فِيهَا3، فَلا تَرْجِيحَ4.
"وَالْمُتَأَخِّرُ" مِنْهُمَا "نَاسِخٌ" لِلْمُتَقَدِّمِ إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ5 بِالْقَطْعِ "وَلَوْ" كَانَ الدَّلِيلانِ "آحَادًا" عَلَى الأَصَحِّ؛ لأَنَّهُ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ:
__________
= بينما ذهب جماهير علماء الأصول إلى استعمال التعادل في معنى التعارض، لأنه لا تعارض إلى بعد التعادل، وإذا تعارضت الأدلة، ولم يظهر –مبدئيا- لأحدها مزية على الآخر فقد حصل التعادل بينهما، أي التكافؤ والتساوي.
"انظر: المحصول 2/2/505، جمع الجوامع 2/357، نهاية السول 3/183، فواتح الرحموت 2/189، التلويح على التوضيح 3/38".
1 في ب: كان.
2 في ض: عقلا.
3 في ش: فيهما.
4 انظر: المسودة ص 448، الروضة ص 387، المدخل إلى مذهب أحمد ص 197، المستصفى 2/137، 393، جمع الجوامع 2/357، 361، المنخول ص 427، الإحكام للآمدي 4/241، المحصول 2/2/532، 602، البرهان 2/1143، ابن الحاجب والعضد عليه 2/310، شرح تنقيح الفصول ص 420، فواتح الرحموت 2/189، تيسير التحرير 3/136، فتح الغفار 3/52، كشف الأسرار 4/77، التلويح على التوضيح 3/39، إرشاد الفحول ص 274، اللمع ص 66، الفقيه والمتفقه 1/215، الكفاية ص 608.
5 في ض: التاخير.(4/607)
أَنَّ الأَصْلَ فِيهِ الدَّوَامُ وَالاسْتِمْرَارُ1.
"وَمِثْلُهُ" أَيْ وَمِثْلُ الْقَطْعِيَّيْنِ فِي عَدَمِ التَّعَارُضِ "قَطْعِيٌّ، وَظَنِّيٌّ" لأَنَّهُ لا تَعَادُلَ بَيْنَهُمَا وَلا تَعَارُضَ، لانْتِفَاءِ الظَّنِّ؛ لأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ وُجُودُ ظَنٍّ فِي مُقَابَلَةِ يَقِينٍ، فَالْقَطْعِيُّ2 هُوَ3 الْمَعْمُولُ بِهِ، وَالظَّنُّ لَغْوٌ، وَلِذَلِكَ4 لا يَتَعَارَضُ حُكْمٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مَعَ حُكْمٍ آخَرَ لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ. "وَيُعْمَلُ بِالْقَطْعِيِّ" دُونَ الظَّنِّيِّ5.
"وَكَذَا" دَلِيلانِ "ظَنِّيَّانِ" فِي عَدَمِ التَّعَارُضِ6 عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْكَرْخِيِّ وَالسَّرْخَسِيِّ وَحَكَاهُ الإسْفَرايِينِيّ عَنْ أَصْحَابِهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْفُقَهَاءِ7.
__________
1 انظر: العدة 3/1040، جمع الجوامع 2/361، 362، المستصفى 2/393، المنخول ص 429، البرهان 2/1158، التوضيح على التنقيح 3/46، كشف الأسرار 4/77، فتح الغفار 3/52، فواتح الرحموت 2/189، تيسير التحرير 3/137، شرح تنقيح الفصول ص 421، المدخل إلى مذهب أحمد ص 197.
2 في ش: فالقاطع.
3 ساقطة من ض.
4 في ش: وكذلك.
5 انظر: الروضة ص 387، ابن الحاجب والعضد عليه 2/310، المحلي على جمع الجوامع 2/359، اللمع ص 66، المحصول 2/2/602، كشف الأسرار 4/77، إرشاد الفحول ص 275، الفقيه والمتفقه 1/215.
6 في ع ب ز: التعادل.
7 اتفق علماء الأصول على وقوع التعادل بين الظنين في نفس المجتهد، لكنهم اختلفوا في وقوعه بين الأمارتين أي الظنين في الواقع ونفس الأمر، فذهب فريق =(4/608)
"فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا" إنْ أَمْكَنَ بِأَنْ عُلِمَ التَّارِيخُ، وَ1كَانَ أَحَدُهُمَا عَامًّا، وَالآخَرُ خَاصًّا. أَوْ أَحَدُهُمَا مُطْلَقًا، وَالآخَرُ مُقَيَّدًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، حَتَّى لَوْ2 كَانَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ مِنْ السُّنَّةِ وَالآخَرُ مِنْ الْكِتَابِ عَلَى أَصَحِّ الأَقْوَالِ3.
__________
= إلى امتناع ذلك، كما ذكره المؤلف، وصححه ابن السبكي، وذهب الجمهور إلى جواز التعادل بينهما كما حكاه الإمام الرازي والآمدي وابن الحاجب والبزدوي واختاروه، وفصل فريق ثالث.
انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها في "المسودة ص 448، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/359، مناهج العقول 3/181، مختصر ابن الحاجب 2/310، المستصفى 2/393، المحصول 2/2/506 وما بعدها، نهاية السول 3/183، تيسير التحرير 3/136، كشف الأسرار 4/77، فواتح الرحموت 2/189، التمهيد ص 154، إرشاد الفحول ص 275".
1 في ش: أو.
2 في ع ب ز: ولو.
3 اختلف علماء الفقه والأصول في حكم التعارض إذا تعادلت النصوص، فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى الجمع بينهما، فغن لم يمكن فالترجيح لأحدهما، وإلاّ سقط الدليلان، وبحث العالم عن دليل آخر، وقال الحنفية نبدأ بالترجيح، فإن لم يمكن فالجمع بينهما، وإلا تساقط الدليلان المتعارضان، وقال فريق ثالث بالتوقف أو التخيير.
انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها في "العدة 3/1047، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/310، 361 وما بعدها، نهاية السول 3/191، المحصول 2/2/506، 542، المستصفى 2/395، مناهج العقول 3/190، شرح تنقيح الفصول ص 421، التلويحعلى التوضيح 2/40، 44، فواتح الرحموت 2/189، كشف الأسرار 4/76، الكفاية ص 608، تيسير التحرير 3/136، 137، التمهيد ص 155، المدخل إلى مذهب أحمد ص 197، إرشاد الفحول ص 273، الوسيط ص 615".(4/609)
وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْكِتَابُ عَلَى السُّنَّةِ؛ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ الْمُشْتَمِلِ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَأَقَرَّهُ1 عَلَيْهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ2.
وَقِيلَ: تُقَدَّمُ السُّنَّةُ عَلَى الْكِتَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} 3.
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْرِ "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ4، مَعَ قَوْله تَعَالَى وَتَقَدَّسَ {قُلْ لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا 5عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ6 إلاَّ أَنْ
__________
1 في ع: فأقره.
2 روى حديث معاذ رضي الله عنه في القضاء أبو داود والترمذي وأحمد والدارمي، ويشهد له ما أخرجه النسائي والدارمي بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "فإن سئل أحدكم عن شيء فلينظر في كتاب الله، فإن لم يجده في كتاب الله فلينظر في سنة رسول الله ... " وروى الدارمي مثله من رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى شريح.
انظر: سنن أبي داود 2/272، جامع الترمذي مع حفة الأحوذي 4/556، مسند أحمد 5/236، 242، سنن النسائي 8/203، سنن الدارمي 1/60، نصب الراية 4/63، تلخيص الحبير 4/182، تخريج أحاديث البزدوي ص 155،251، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 301.
3 الآية 44 من النحل.
4 انظر سنن أبي داود 1/19، والحديث رواه مالك والشافعي وأحمد وأصحاب السنن وغيرهم، وسبق تخريجه "3/175".
5 في ض ب ز: إلى قوله.
6 في ع: يطعمه، الآية.(4/610)
يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} 1 فَكُلٌّ مِنْ الآيَةِ وَالْحَدِيثِ: يَتَنَاوَلُ خِنْزِيرَ الْبَحْرِ، فَيَتَعَارَضُ2 عُمُومُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةُ فِي خِنْزِيرِ الْبَحْرِ فَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ الْكِتَابَ فَحَرَّمَهُ، وَقَالَ بِهِ3 مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادِ4.
وَبَعْضُهُمْ قَدَّمَ السُّنَّةَ فَأَحَلَّهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ5.
"فَإِنْ تَعَذَّرَ" الْجَمْعُ6 بَيْنَهُمَا "وَعُلِمَ التَّارِيخُ" بِأَنْ عُلِمَ السَّابِقُ
__________
1 الآية 145 من الأنعام.
2 في ض: فيعارض.
3 في ع ب ز: وقاله.
4 في ض: النجار.
انظر دليل هذا الرأي بتقديم الكتاب على السنة، مع مناقشته والرد عليه في "العدة 3/1041، المسودة ص311، مجموع الفتاوى 19/201، 202، المحلي على جمع الجوامع 2/362، البرهان 2/1185، إرشاد الفحول ص 273".
وسوف يعود المصنف إلى هذه المسألة وبيان الأقوال فيها ص 446.
5 ذكر إمام الحرمين الجويني قولاً ثالثاً ورجحه، وهو التعارض بين الكتاب والسنة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقول شيئاً من تلقاء نفسه، وكل ما كان يقوله فمستنده أمر الله تعالى، وأن حديث معاذ بتقديم الكتاب إنما هو فيما لا يخالفه خبر، وأن كون السنة مبينة فتكون مفسرة لما في الكتاب، ولا خلاف في قبوله.
انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها والرد عليها في "البرهان 2/1185،العدة 3/1041، 1048، المسودة ص 311، المحلي على جمع الجوامع 2/362، إرشاد الفحول ص 273".
6 في ش: الجميع.(4/611)
مِنْهُمَا "فَالثَّانِي نَاسِخٌ" لِلأَوَّلِ "إنْ قَبِلَهُ" أَيْ قَبِلَ النَّسْخَ1.
"وَإِنْ اقْتَرَنَا خُيِّرَ" الْمُجْتَهِدُ فِي الْعَمَلِ، وَالإِفْتَاءِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ2.
"وَإِنْ جَهِلَ" التَّارِيخَ "وَقَبِلَهُ" أَيْ: قَبِلَ الدَّلِيلُ النَّسْخَ "رَجَعَ إلَى غَيْرِهِمَا" أَيْ: إلَى الْعَمَلِ بِغَيْرِهِمَا إنْ أَمْكَنَ3.
"وَإِلاَّ" أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ "اجْتَهَدَ فِي التَّرْجِيحِ".
"وَ" مَتَى لَمْ يُمْكِنْهُ، بِأَنْ اجْتَهَدَ فِي التَّرْجِيحِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ4 فِيهَا5 شَيْءٌ، فَإِنَّهُ "يَقِفُ" عَنْ الْعَمَلِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا "إلَى أَنْ يَعْلَمَهُ"6.
__________
1 انظر: المحصول 2/2/545، شرح تنقيح الفصول ص 421، نهاية السول 3/194، جمع الجوامع 2/362.
2 خالف الحنفية في ذلك، وقال بوجوب التحري والاجتهاد.
انظر: فواتح الرحموت 2/193، تيسير التحرير 3/137، المعتمد 2/853، التمهيد ص 154، شرح تنقيح الفصول ص 453، المحصول 2/2/507، 517، 546، جمع الجوامع 2/359، 362، الروضة ص 372.
انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/362، المحصول 2/2/547.
3 ساقطة من ش.
4 ساقطة من ش ض.
5 قال ابن قدامة عن الوقف: "وبه قال أكثر الحنفية وأكثر الشافعية" "الروضة ص 372"، وأضاف الحنفية لذلك أنه يتحرى ويجتهد، وقال بعض الحنفية وبعض الشافعية يخير المجتهد في الأخذ بأيهما شاء، وقال بعض الفقهاء: يتساقطان، ويرجع المجتهد إلى البراءة الأصلية.
6 انظر هذه الآراء مع أدلتها ومناقشتها في "البرهان 2/1183، المسودة =(4/612)
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ عَجَزَ عَنْ التَّرْجِيحِ، أَوْ تَعَذَّرَ: قَلَّدَ عَالِمًا1.
وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى عَدَمِ التَّعَادُلِ فِي الظَّنِّيَّيْنِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ جَوَازُ تَعَادُلِهَا. وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالأَكْثَرُ مِنْ غَيْرِ أَصْحَابِنَا: أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخَيَّرُ فِي الْعَمَلِ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا2، كَتَخَيُّرِ3 أَحَدَ أَصْنَافِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الإِخْرَاجِ4، وَمِنْ هُنَا جَازَ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُفْتِينَ5، وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِ.
وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّخْيِيرِ -عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَادُلِ أَوْ بِعَدَمِهِ- فَلا يُعْمَلُ وَلا يُفْتَى إلاَّ بِوَاحِدٍ فِي الأَصَحِّ 6.
__________
= ص449، جمع الجوامع 2/359، نهاية السول 3/183، 194، المستصفى 2/393، فواتح الرحموت 2/189، 193، 195، تيسير التحرير 3/137، كشف الأسرار 4/76، شرح تنقيح الفصول ص 417، قواعد الأحكام 2/52، إرشاد الفحول ص 275".
1 انظر: المسودة ص 449.
2 انظر: الروضة ص 372 وما بعدها، المحصول 2/2/517، شرح تنقيح الفصول ص 417، 453، التمهيد ص 154، وسبقت الإشارة إلى التخيير ومراجعه قبل قليل.
3 في ش: كتخيره.
4 التخيير في كفارة اليمين ثابت بقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} المائدة/89.
5 في ض ب: المفيتين.
6 انظر: نهاية السول 3/184، المحصول 2/2/520، التمهيد ص 154.(4/613)
قَالَ الْبَاقِلاَّنِيُّ: وَلَيْسَ لَهُ تَخْيِيرُ الْمُسْتَفْتِي وَالْخُصُومِ، وَلا الْحُكْمُ فِي وَقْتٍ بِحُكْمٍ، وَفِي وَقْتٍ بِحُكْمٍ آخَرَ، بَلْ يَلْزَمُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ1. قَالَ: وَهَلْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُ الأَقْوَالِ بِالشُّرُوعِ فِيهِ كَالْكَفَّارَةِ، أَوْ بِالْتِزَامِهِ كَالنَّذْرِ؟ لَهُمْ فِيهِ قَوْلانِ. انْتَهَى.
وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ التَّعَادُلَ فِي الأَمَارَتَيْنِ فِي نَفْسِ الأَمْرِ مُطْلَقًا بِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ، فَإِمَّا أَنْ يَعْمَلَ بِهِمَا، وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْمُتَنَافِيَيْنِ، أَوْ لا يُعْمَلُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَيَكُونُ وَضْعُهُمَا عَبَثًا، وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ2 يُعْمَلُ بِأَحَدِهِمَا عَلَى التَّعْيِينِ3، وَهُوَ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، أَوْ لا عَلَى التَّعْيِينِ، بَلْ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْمُبَاحِ وَغَيْرِهِ: يَقْتَضِي تَرْجِيحَ أَمَارَةِ الإِبَاحَةِ بِعَيْنِهَا، لأَنَّهُ4 لَمَّا جَازَ لَهُ5 الْفِعْلُ، وَالتَّرْكُ
__________
1 قال الرازي لا يجوز للمجتهد أن يعمل إلا بأحد القولين في حق نفسه ويتخير منهما، كما قال الباقلاني، ثم خالف الرازي الباقلاني في المفتي، فقال: "وإن وقع للمفتي كان حكمه أن يخير المستفتي في العمل بأيهما شاء، كما يلزمه ذلك في أمر نفسه" "المحصول 2/2/520".
أما الحاكم فقد اختلف علماء الفقه والأصول فيما إذا حكم الحاكم بإحدى الأمارتين، فهل يجوز له الحكم بلأمارة الأخرى؟ فقال الرازي والبيضاوي والإسنوي كالباقلاني: لا يجوز له ذلك، وقال الأكثرون يجوز ذلك لقضاء عمر رضي الله عنه في المسألة المشتركة.
انظر: المحصول 2/2/520، نهاية السول 3/184، التمهيد ص 154.
2 في ع: و.
3 في ب: التعين.
4 في ش: لا.
5 في ش: به.(4/614)
كَانَ1 هَذَا مَعْنَى الإِبَاحَةِ، فَيَكُونُ تَرْجِيحًا لإِحْدَى2 الأَمَارَتَيْنِ بِعَيْنِهَا3.
وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ تَعَادُلَ الأَمَارَتَيْنِ فِي نَفْسِ الأَمْرِ بِالْقِيَاسِ عَلَى جَوَازِ تَعَادُلِهِمَا فِي الذِّهْنِ، وَبِأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِهِ مُحَالٌ4.
وَقَالَ الْعِزُّ5 بْنُ عَبْدِ السَّلامِ فِي قَوَاعِدِهِ: لا يُتَصَوَّرُ فِي الظُّنُونِ تَعَارُضٌ، كَمَا لا يُتَصَوَّرُ فِي الْعُلُومِ. إنَّمَا يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَ أَسْبَابِ الظُّنُونِ، فَإِذَا تَعَارَضَتْ: فَإِنْ حَصَلَ الشَّكُّ لَمْ يُحْكَمْ بِشَيْءٍ، وَإِنْ وُجِدَ ظَنٌّ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ حَكَمْنَا بِهِ؛ لأَنَّ ذَهَابَ مُقَابِلِهِ6 يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ. وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُكَذِّبًا لِلآخَرِ تَسَاقَطَا7، وَإِنْ لَمْ يُكَذِّبْ كُلُّ وَاحِدٍ8 مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عُمِلَ بِهِ حَسَبَ الإِمْكَانِ، كَدَابَّةٍ9 عَلَيْهَا رَاكِبَانِ: يُحْكَمُ لَهُمَا بِهَا10؛ لأَنَّ
__________
1 في ش: فإن.
2 في ض: لأحد.
3 انظر: التمهيد ص 154، إرشاد الفحول ص 275، وسبقت الإشارة إلى المراجع الأخرى عند ذكر الأقوال في المسألة.
4 انظر: التمهيد ص 154، ابن الحاجب والعضد عليه 2/310، والمراجع السابقة عند عرض الأقوال.
5 ساقطة من ض ع ب ز.
6 في ض: ما قابله.
7 في ش: لتساقطا.
8 ساقطة من ش.
9 في ب: كالدابة.
10 ساقطة من ش.(4/615)
كُلاًّ مِنْ الْيَدَيْنِ لا تُكَذِّبُ الأُخْرَى1. انْتَهَى.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَهُوَ نَفِيسٌ2؛ لأَنَّ الظَّنَّ هُوَ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ، وَلَوْ عُورِضَ بِطَرَفٍ3 آخَرَ رَاجِحٍ4: لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَاجِحًا مَرْجُوحًا وَهُوَ مُحَالٌ.
"وَ" أَمَّا "التَّرْجِيحُ" فَهُوَ "تَقْوِيَةُ إحْدَى الأَمَارَتَيْنِ عَلَى الأُخْرَى لِدَلِيلٍ" وَلا يَكُونُ إلاَّ مَعَ وُجُودِ التَّعَارُضِ. فَحَيْثُ انْتَفَى التَّعَارُضُ انْتَفَى التَّرْجِيحُ؛ لأَنَّهُ فَرْعُهُ5، لا يَقَعُ إلاَّ مُرَتَّبًا عَلَى وُجُودِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: التَّرْجِيحُ هُوَ اقْتِرَانُ الأَمَارَةِ بِمَا تَقْوَى بِهِ عَلَى مُعَارِضِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِوَصْفٍ، فَلا يُرَجَّحُ نَصٌّ، وَلا قِيَاسٌ بِمِثْلِهِ6. انْتَهَى.
__________
1 قواعد الأحكام 2/52، بتصرف واختصار.
2 في ش: مقيس.
3 في ض ع: بطريق.
4 ساقطة من ش ض.
5 في ع: فرع.
6 الترجيح في اللغة جعل الشيء راجحاً، ويقال مجازاً لاعتقاد الرجحان، وفي الاصطلاح تعددت عبارات الفقهاء والأصوليين لتعريف الترجيح، وبعضها يعتمد على فعل المرجح الناظر في الأدلة، وبعضها يظهر معنى الرجحان الذي هو وصف قائم بالدليل أو مضاف إليه، فيكون الظن المستفاد منه أقوى من غيره، فانظر تعريفات الترجيح المختلفة في:
"التعريفات للجرجاني ص 31، نهاية السول 3/189، جمع الجوامع =(4/616)
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لا تَعَارُضَ بِالْحَقِيقَةِ1 فِي حُجَجِ الشَّرْعِ، وَلِهَذَا2 أَخَّرَ مَا أَمْكَنَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلاَّلُ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ: لا يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ فِي الشَّرْعِ خَبَرَانِ مُتَعَارِضَانِ لَيْسَ مَعَ أَحَدِهِمَا تَرْجِيحٌ يُقَدَّمُ بِهِ، فَأَحَدُ الْمُتَعَارِضَيْنِ بَاطِلٌ: إمَّا لِكَذِبِ النَّاقِلِ أَوْ خَطَئِهِ3 بِوَجْهٍ مَا4 مِنْ النَّقْلِيَّاتِ، أَوْ خَطَإِ النَّاظِرِ5 فِي النَّظَرِيَّاتِ، أَوْ لِبُطْلانِ حُكْمِهِ بِالنَّسْخِ6. انْتَهَى.
__________
= والمحلي عليه 2/361، ابن الحاجب والعضد عليه 2/309، مختصر الطوفي ص 186، مختصر البعلي ص 168، المعتمد 2/844، البرهان 2/1142، الإحكام للآمدي 4/239، المحصول 2/2/529، فتح الغفار 3/52، تيسير التحرير 3/153، أصول السرخسي 2/249، كشف الأسرار 4/77 وما بعدها، التلويح على التوضيح 3/38، فواتح الرحموت 2/204، المنخول ص 426، المدخل إلى مذهب أحمد ص 196، إرشاد الفحول ص 273، الوسيط ص 624".
1 في ش بالحقيقة ... ، ثم تكررت ثلاثة أسطر من نص العز بن عبد السلام في "قواعده".
2 في ش: وهذا.
3 في ع: لخطئه.
4 في ع: إما.
5 في ش: النظر.
6 انظر: مختصر البعلي ص 169، مختصر الطوفي ص 187، المسودة ص 306، الروضة ص 387، الموافقات 4/201، نهاية السول 3/189، فواتح الرحموت 2/189، المعتمد 2/845، الإحكام لابن حزم 1/151، المدخل إلى مذهب أحمد ص 197، الفقيه والمتفقه 1/221ومابعدها، الكفاية للخطيب ص 607.(4/617)
وَقَالَ إمَامُ الأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لا أَعْرِفُ1 حَدِيثَيْنِ صَحِيحَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ. فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْهُ2 فَلْيَأْتِنِي بِهِ لأُؤَلِّفَ بَيْنَهُمَا3، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ كَلامًا فِي ذَلِكَ. نَقَلَهُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ الأَلْفِيَّةِ فِي الْحَدِيثِ4.
فَالتَّرْجِيحُ: فِعْلُ الْمُرَجِّحِ النَّاظِرِ فِي الدَّلِيلِ، وَهُوَ تَقْدِيمُ إحْدَى5 الأَمَارَتَيْنِ الصَّالِحَتَيْنِ لِلإِفْضَاءِ إلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ، لاخْتِصَاصِ تِلْكَ الأَمَارَةِ بِقُوَّةٍ فِي الدَّلالَةِ، كَمَا لَوْ تَعَارَضَ الْكِتَابُ6 وَالإِجْمَاعُ فِي حُكْمٍ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا طَرِيقٌ يَصْلُحُ؛ لأَنْ يُعْرَفَ بِهِ الْحُكْمُ، لَكِنْ الإِجْمَاعُ اخْتَصَّ بِقُوَّةٍ عَلَى الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ الدَّلالَةُ.
وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ عَنْ قَوْمٍ: مَنْعَ التَّرْجِيحِ مُطْلَقًا. قَالَ الطُّوفِيُّ: الْتِزَامُهُ7 فِي الشَّهَادَةِ مُتَّجَهٌ ثُمَّ هِيَ آكَدُ8.
__________
1 في ع: أعلم.
2 في ش: شيء من ذلك، وفي ض ع ز: منه شيء.
3 انظر: الكفاية للخطيب ص 606.
4 في ش: شرح ألفية الحديث.
5 في ب: أحد.
6 في ع: نص الكتاب.
7 في ع: إلزامه، وفي ب: في التزامه.
8 مختصر الطوفي ص 187 مع التصرف.(4/618)
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَمَلَ1 بِالرَّاجِحِ فِيمَا لَهُ مُرَجِّحٌ: هُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ2 سَوَاءٌ كَانَ الْمُرَجِّحُ مَعْلُومًا أَوْ مَظْنُونًا، حَتَّى إنَّ الْمُنْكِرِينَ لِلْقِيَاسِ عَمِلُوا بِالتَّرْجِيحِ فِي ظَوَاهِرِ الأَخْبَارِ3.
وَخَالَفَ أَبُو بَكْرِ بْنُ4 الْبَاقِلاَّنِيِّ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْمُرَجَّحِ5 الْمَظْنُونِ6. وَقَالَ: إنَّمَا أَقْبَلُ التَّرْجِيحَ بِالْمَقْطُوعِ بِهِ. كَتَقْدِيمِ النَّصِّ عَلَى الْقِيَاسِ، لا بِالأَوْصَافِ، وَلا الأَحْوَالِ، وَلا كَثْرَةِ الأَدِلَّةِ وَنَحْوِهَا، فَلا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، فَإِنَّ الأَصْلَ امْتِنَاعُ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ7.
__________
1 في ع: العلم.
2 صرح البيضاوي في تعريف الترجيح بهذا الهدف، وهو وجوب العمل بالراجح، فقال: "الترجيح تقوية إحدى الأمارتين على ألأخرى ليعمل بها" "منهاج الوصول مع شرحه نهاية السول 3/187".
3 انظر: الكافية في الجدل ص 443، العدة 3/1019، المسودة ص 309، العضد على ابن الحاجب 2/309، جمع الجوامع 2/361، نهاية السول 3/189، الإحكام للآمدي 4/239، المحصول 2/2/529، المستصفى 2/394، المنخول ص 426، فواتح الرحموت 2/204، تيسير التحرير 2/153، فتح الغفار 3/51، البرهان 2/1142، شرح تنقيح الفصول ص 420، كشف الأسرار 4/76، مختصر الطوفي ص 186، إرشاد الفحول ص 273، 276، الوسيط ص 625.
4 ساقطة من ض ب ع.
5 في ض: بمرجح، وفي د: بمجرد.
6 في ب د: بالمظنون.
7 وقال أبو عبد الله البصري قولاً ثالثاً، وهو ثبوت التخيير في العمل عند الترجيح بالمظنون =(4/619)
خَالَفْنَاهُ فِي1 الظُّنُونِ الْمُسْتَقِلَّةِ بِنَفْسِهَا2؛ لإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. فَيَبْقَى التَّرْجِيحُ عَلَى أَصْلِ الامْتِنَاعِ، لأَنَّهُ عَمَلٌ بِظَنٍّ لا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ، وَرُدَّ قَوْلُهُ بِالإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ3 الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسْتَقِلِّ وَغَيْرِهِ.
وَقَدْ رَجَّحَتْ4 الصَّحَابَةُ قَوْلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ5 عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ" 6 لِكَوْنِهَا أَعْرَفَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ7.
__________
=انظر قوله، وقول الباقلاني بإنكار الترجيح بالمرجح بالمظنون ووجب التوقف فيه، مع الأدلة والمناقشة والرد في " المحصول 2/2/531، نهاية السول 3/189، جمع الجوامع 2/361، المنخول ص 426، شرح تنقيح الفصول ص 420، مختصر البعلي ص 169، مختصر الطوفي ص 186، المدخل إلى مذهب أحمد ص 197".
1 في ض د: بـ.
2 في ش ض: بأنفسها.
3 في ب: قدم.
4 في ش: رجح.
5 هذا الحديث رواه مالك والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها وسبق تخريجه في المجلد الثالث ص 221.
6 سبق تخريج هذا الحديث في المجلد الثالث ص 579 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً.
7 نقل المؤلف سابقاً "المجلد الثالث ص 578" قول الصحابة بأن الحديث الثاني منسوخ بالحديث الأول، وانظر أقوال العلماء في "نيل الأوطار 1/259، صحيح البخاري 1/43، الإحكام لابن حزم 1/177".(4/620)
قَالَ الطُّوفِيُّ: وَلَيْسَ قَوْلُهُ بِشَيْءٍ؛ لأَنَّ الْعَمَلَ بِالأَرْجَحِ مُتَعَيِّنٌ عَقْلاً وَشَرْعًا، وَقَدْ عَمِلَتْ1 الصَّحَابَةُ بِالتَّرْجِيحِ مُجْمِعِينَ عَلَيْهِ، وَالتَّرْجِيحُ دَأْبُ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ. حَيْثُ احْتَاجَا2 إلَيْهِ3.
"وَلا تَرْجِيحَ فِي الشَّهَادَةِ" لأَنَّ بَانَ الشَّهَادَةِ مَشُوبٌ بِالتَّعَبُّدِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّاهِدَ لَوْ أَبْدَلَ لَفْظَةَ " أَشْهَدُ " بِأَعْلَمُ، أَوْ أَتَيَقَّنُ، أَوْ أُخْبِرُ، أَوْ أُحَقِّقُ4: لَمْ يُقْبَلْ، وَلا تُقْبَلُ شَهَادَةُ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ النِّسَاءِ عَلَى يَسِيرٍ مِنْ الْمَالِ، حَتَّى يَكُونَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ، مَعَ أَنَّ شَهَادَةَ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ النِّسَاءِ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ5 بِهِ الْعِلْمُ التَّوَاتُرِيُّ6، وَمَا ذَاكَ إلاَّ لِثُبُوتِ التَّعَبُّدِ7.
__________
1 في ش: عمل.
2 في ع ب ز: احتاج.
3 مختصر الطوفي ص 186 مع الاختصار والتصرف.
وانظر: الإحكام للآمدي 4/239، المستصفى 2/394، كشف الأسرار 4/76، فواتح الرحموت 2/204، الوسيط ص 626.
4 في ع ز: أحقّ.
5 في ش: إن حصل.
6 في ش: المتواتر.
7 يشترط في الإثبات بالشهادة أن يكون بلفظة "أشهد" عند الأئمة الثلاثة خلافاً للمالكيّة، فلا يشترطون ذلك، وتصح الشهادة عندهم بكل صيغة تؤدي معناها.
انظر: العضد على ابن الحاجب 2/310، المستصفى 2/394، تيسير التحرير 3/153، وسائل الإثبات ص 107، 132 والمراجع المشار إليها.(4/621)
"وَلا" تَرْجِيحَ1 أَيْضًا "فِي الْمَذَاهِبِ الْخَالِيَةِ عَنْ دَلِيلٍ"؛ لأَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا هُوَ فِي الأَلْفَاظِ الْمَسْمُوعَةِ وَالْمَعَانِي الْمَعْقُولَةِ2.
وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْقَاضِيَ عَبْدَ الْجَبَّارِ قَالَ: إنَّ التَّرْجِيحَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْمَذَاهِبِ بِحَيْثُ يُقَالُ مَثَلاً: مَذْهَبُ3 الشَّافِعِيِّ أَرْجَحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَقَدْ خَالَفَ عَبْدُ الْجَبَّارِ غَيْرَهُ.
وَحُجَّةُ عَبْدِ الْجَبَّارِ: أَنَّ الْمَذَاهِبَ آرَاءٌ، وَاعْتِقَادَاتٌ مُسْتَنِدَةٌ إلَى الأَدِلَّةِ، وَهِيَ تَتَفَاوَتُ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، فَجَازَ دُخُولُ التَّرْجِيحِ فِيهَا كَالأَدِلَّةِ4.
وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ لِمَا قَالَهُ5 بِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَذَاهِبَ لِتَوَفُّرِ انْهِرَاعِ النَّاسِ إلَيْهَا6، وَتَعْوِيلِهِمْ عَلَيْهَا. صَارَتْ7 كَالشَّرَائِعِ وَالْمِلَلِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَلا
__________
1 في ش: بنحو ترجيح.
2 انظر: المسودة ص 309، المنخول ص 427، البرهان 2/1145، مختصر الطوفي ص 187، المدخل إلى مذهب أحمد ص 197.
3 في ض ع: في مذهب.
4 انظر آداب الترجيح بين المذاهب، والمحاذير التي يجب تجنبها، مع بيان قول القاضي عبد الجبار في "الموافقات 4/176 وما بعدها، البرهان 2/1156، والمراجع السابقة في الهامش 2".
5 في ش ز: قالوه.
6 ساقطة من ض ع ب ز.
7 ساقطة من ض.(4/622)
تَرْجِيحَ فِي الشَّرَائِعِ.
وَقَدْ ضَعُفَ هَذَا الْوَجْهُ بِأَنَّ انْهِرَاعَ1 النَّاسِ إلَيْهَا لا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا ظَنِّيَّةً تَقْبَلُ التَّرْجِيحَ، وَلا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تُشْبِهُ الشَّرَائِعَ، وَإِنْ سَلَّمْنَا2، فَلا3 نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّرَائِعَ لا تَقْبَلُ التَّرْجِيحَ، بِاعْتِبَارِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَصَالِحِ وَالْمَحَاسِنِ، وَإِنْ كَانَ طَرِيقُ جَمِيعِهَا قَاطِعًا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلتَّرْجِيحِ مَدْخَلٌ فِي الْمَذَاهِبِ لاضْطَرَبَ4 النَّاسُ، وَلَمْ5 يَسْتَقِرَّ أَحَدٌ عَلَى مَذْهَبٍ. فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّرْجِيحِ فِيهِ6 مَدْخَلٌ كَالْبَيِّنَاتِ.
وَهَذَا الْوَجْهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَاللاَّزِمُ مِنْهُ مُسْتَلْزَمٌ7، وَكُلُّ مَنْ ظَهَرَ8 لَهُ رُجْحَانُ مَذْهَبٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِيهِ. كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ الأَخْذُ بِأَرْجَحِ9 الدَّلِيلَيْنِ10.
__________
1 في ض: بانهراع.
2 في ض: سلم.
3 فيب ع ش: لكن لا.
4 في ض: لا ضطراب.
5 في ع: فلم.
6 ساقطة من ش.
7 في ب ع ش ز: ملتزم.
8 ساقطة من ش.
9 ساقطة من ش، وفي ز: بالأرجح من.
10 في ش: بالدليلين.(4/623)
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ1 كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ لَيْسَ مُتَمَحِّضًا فِي الْخَطَإِ وَلا فِي الصَّوَابِ، بَلْ هُوَ مُصِيبٌ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، مُخْطِئٌ فِي بَعْضِهَا، وَعَلَى هَذَا: فَالْمَذْهَبَانِ لا يَقْبَلانِ التَّرْجِيحَ، لإِفْضَاءِ ذَلِكَ إلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْخَطَإِ وَالصَّوَابِ2 فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، أَوْ بَيْنَ خَطَأَيْنِ أَوْ3 صَوَابَيْنِ، وَالْخَطَأُ لا مَدْخَلَ لِلتَّرْجِيحِ فِيهِ4 اتِّفَاقًا.
وَهَذَا الْوَجْهُ يُشِيرُ قَائِلُهُ فِيهِ إلَى أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ، وَهُوَ أَنَّ5 مَنْ نَفَى التَّرْجِيحَ فَإِنَّمَا أَرَادَ: لا يَصِحُّ تَرْجِيحُ مَجْمُوعِ6 مَذْهَبٍ عَلَى مَجْمُوعِ مَذْهَبٍ آخَرَ. لِمَا ذُكِرَ، وَمَنْ أَثْبَتَ7 التَّرْجِيحَ بَيْنَهُمَا8: أَثْبَتَهُ بِاعْتِبَارِ مَسَائِلِهِمَا9 الْجُزْئِيَّةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، إذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ طَهُورٌ أَرْجَحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ، وَكَذَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ10.
__________
1 في ش: من المذاهب أن.
2 في ض ش: خطأ وصواب.
3 في ش ب ز: و.
4 في ش: له في الترجيح.
5 في ض: فهو.
6 ساقطة من ض.
7 في ض: أثبته.
8 في ع ز: بينها.
9 في ض ع: مسائله، وفي ب ز: مسائلها.
10 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 197.(4/624)
"وَلا" تَرْجِيحَ أَيْضًا "بَيْنَ عِلَّتَيْنِ"، "إلاَّ أَنْ تَكُونَ كُلُّ" وَاحِدَةٍ "مِنْهُمَا طَرِيقًا لِلْحُكْمِ1 مُنْفَرِدَةٍ" قَالَهُ2 فِي التَّمْهِيدِ وَغَيْرِهِ: وَذَلِكَ لأَنَّهُ لا يَصِحُّ تَرْجِيحُ طَرِيقٍ عَلَى مَا لَيْسَ بِطَرِيقٍ3.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَقَعُ4 التَّرْجِيحُ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ طَرِيقًا قَبْلَ ثُبُوتِهِ5.
"وَرُجْحَانُ الدَّلِيلِ: كَوْنُ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْهُ أَقْوَى" مِنْ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ غَيْرِهِ6. وَقَدْ7 تَقَدَّمَ أَنَّ التَّرْجِيحَ: فِعْلُ الْمُرَجَّحِ، وَأَمَّا رُجْحَانُ الدَّلِيلِ: فَهُوَ صِفَةٌ8 قَائِمَةٌ بِهِ9، أَوْ مُضَافَةٌ إلَيْهِ، وَيَظْهَرُ هَذَا فِي التَّصْرِيفِ، تَقُولُ: رَجَّحْت الدَّلِيلَ تَرْجِيحًا،
__________
1 في ش ض: لحكم.
2 في ش: قال.
3 وهو قول أبي الخطاب وغيره "انظر: المسودة 383".
4 في ض: يتبع.
5 المسودة ص 383.
6 قال الطوفي: "والرجحان حقيقته في الأعيان الجوهرية، وهو في المعاني مستعار" "مختصر الطوفي ص 186".
وانظر: نزهة الخاطر 2/458ظن تيسير التحرير 3/137، أصول السرخسي 2/249، المدخل إلى مذهب أحمد ص 196.
7 في ب ش: قد، وفي د: و.
8 في ز: فصفة.
9 ساقطة من ع ب.(4/625)
فَأَنَا مُرَجِّحٌ، وَالدَّلِيلُ مُرَجَّحٌ، وَتَقُولُ: رَجَحَ الدَّلِيلُ رُجْحَانًا، فَهُوَ رَاجِحٌ. فَأَسْنَدْت التَّرْجِيحَ إلَى نَفْسِك إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى الْفَاعِلِ، وَأَسْنَدْت الرُّجْحَانَ1 إلَى الدَّلِيلِ، فَلِذَلِكَ كَانَ التَّرْجِيحُ وَصْفَ الْمُسْتَدِلِّ. وَالرُّجْحَانُ وَصْفَ الدَّلِيلِ2.
وَلَمَّا أَهْمَلَ -أَوْ سَهَا- عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهِمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ دَلالَةِ اللَّفْظِ وَالدَّلالَةِ بِاللَّفْظِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ دَلالَةَ اللَّفْظِ صِفَةٌ لَهُ. وَهِيَ3 كَوْنُهُ بِحَيْثُ يُفِيدُ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ، أَوْ4 إفَادَتُهُ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ5. كَأَنْ تَقُولَ6: عَجِبْت مِنْ دَلالَةِ اللَّفْظِ، أَوْ7 مِنْ أَنْ دَلَّ اللَّفْظُ. فَإِذَا فَسَّرْتهَا بِأَنْ8 وَالْفِعْلِ الَّذِي يَنْحَلُّ إلَيْهِمَا: الْمَصْدَرُ. كَانَ الْفِعْلُ مُسْنَدًا إلَى اللَّفْظِ إسْنَادَ9 الْفَاعِلِيَّةِ. وَالدَّلالَةُ10 بِاللَّفْظِ صِفَةُ الْمُتَكَلِّمِ وَفِعْلُهُ، وَهِيَ إفَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ اللَّفْظِ مَا أَرَادَ مِنْهُ؛ لأَنَّك تَقُولُ: عَجِبْت مِنْ دَلالَةِ فُلانٍ بِلَفْظِهِ،
__________
1 في ش: الترجيح.
2 انظر الفرق بين الترجيح والرجحان في "نزهة الخاطر 2/457 وما بعدها، كشف الأسرار 4/77، معجم مقاييس اللغة 2/489".
3 في ض: وهو.
4 في ع: و.
5 في ش: المتكلم به.
6 في ض ب: يقول.
7 في ع: و.
8 في ض: فإن فسرتها بإذا.
9 في ش: إسناداً.
10 في ع: فالدلالة.(4/626)
وَمِنْ أَنْ دَلَّ فُلانٌ بِلَفْظَةِ كَذَا، فَتَسْنُدُ ذَلِكَ إلَى فُلانٍ، وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ1، لا إلَى اللَّفْظِ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ2: الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قِيَاسِ الْعِلَّةِ، فَإِنَّهُ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ3 مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ.
"وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الرَّاجِحِ" مِنْ الأَدِلَّةِ عَلَى الْمَرْجُوحِ مِنْهَا.
"وَيَكُونُ" التَّرْجِيحُ "بَيْنَ" دَلِيلَيْنِ "مَنْقُولَيْنِ" كَنَصَّيْنِ "وَ" بَيْنَ "مَعْقُولَيْنِ" كَقِيَاسَيْنِ "وَ" بَيْنَ "مَنْقُولٍ وَمَعْقُولٍ" كَنَصٍّ، وَقِيَاسٍ، فَهَذِهِ ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ.
وَمَحَلُّ ذَلِكَ: عِنْدَ مَشْرُوعِيَّةِ الاجْتِهَادِ فِي التَّرْجِيحِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الدَّلِيلانِ ظَنِّيَّيْنِ، وَجُهِلَ أَسْبَقُهُمَا، وَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ إلَى غَيْرِهِمَا. لأَنَّ تَرْجِيحَاتِ الأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ مُوصِلَةٌ إلَى التَّصْدِيقَاتِ الشَّرْعِيَّةِ.
أَمَّا4 الْقِسْمُ "الأَوَّلُ" وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ مَنْقُولَيْنِ، فَيَكُونُ "فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ، وَمَدْلُولِ اللَّفْظِ وَأَمْرٍ خَارِجٍ" عَمَّا ذُكِرَ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ.
__________
1 في ش: فلان المتكلم.
2 ساقطة من ع، وفي ض: غير.
3 ساقطة من ش.
4 في ش: فأما.(4/627)
أَمَّا وُقُوعُهُ فِي السَّنَدِ: فَلِكَوْنِهِ طَرِيقَ ثُبُوتِهِ، وَأَمَّا وُقُوعُهُ فِي الْمَتْنِ: فَبِاعْتِبَارِ مَرْتَبَةِ دَلالَتِهِ، وَأَمَّا وُقُوعُهُ فِي1 مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَأَمْرٍ خَارِجٍ فَلِمَا2 يَتَرَتَّبُ عَلَى اللَّفْظِ، وَمَا يَنْضَمُّ إلَيْهِ مِنْ أَمْرٍ خَارِجٍ مِنْ أَحَدِ الأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِهِ.
"فَالسَّنَدُ" وَهُوَ النَّوْعُ الأَوَّلُ، وَيَقَعُ التَّرْجِيحُ بِحَسَبِهِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ:
الشَّيْءُ الأَوَّلُ: الرَّاوِي، وَيَكُونُ فِي نَفْسِهِ وَفِي3 تَزْكِيَتِهِ.
فَبَدَأْنَا4 بِمَا فِي نَفْسِهِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الأَرْبَعَةُ وَالأَكْثَرُ: أَنَّ السَّنَدَ "يُرَجَّحُ بِالأَكْثَرِ رُوَاةً" وَهُوَ بِأَنْ تَكُونَ5 رُوَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ رُوَاةِ غَيْرِهِ؛ لأَنَّ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ أَبْعَدُ عَنْ6 الْخَطَإِ مِنْ الْعَدَدِ الْقَلِيلِ؛ لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَثِيرِ يُفِيدُ ظَنًّا. فَإِذَا انْضَمَّ إلَى غَيْرِهِ قَوِيَ، فَيَكُونُ مُقَدَّمًا لِقُوَّةِ
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ع: فيما.
3 في: ساقطة من ز.
4 في ش: فيبدأ.
5 في ض: يكون.
6 في ب ض: من.(4/628)
الظَّنِّ1، وَقَدْ رَجَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ ذِي الْيَدَيْنِ بِمُوَافَقَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لِمَا قَالَهُ2، وَعَمِلَ بِذَلِكَ الصَّحَابَةُ بَعْدَهُ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: مَسْأَلَةُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي غَيْرِ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ عِنْدَ3 رُكُوعٍ وَرَفْعٍ مِنْهُ، فَرَوَى إبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ4 عَنْ ابْنِ
__________
1 خالف في الترجيح بالأكثر رواة الإمام أبو حنيفة أبو يوسف وبعض المعتزلة، وقال الإمام محمد صاحب أبي حنيفة بقول الجمهور.
انظر: المسودة 305، الروضة ص 387، مختصر البعلي ص 169، العدة 3/1019، المستصفى 2/397، جمع الجوامع 2/361، ابن الحاجب والعضد عليه 2/310، الإحكام للآمدي 4/242، المنخول ص 430، نهاية السول 3/202، المحصول 2/2/535، 553، البرهان 2/1162، 1184، مختصر الطوفي ص 187، إرشاد الفحول ص 276، المدخل إلى مذهب أحمد ص 197، فواتح الرحموت 2/210، الكفاية ص 610، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 223.
2 حديث ذي اليدين صحيح، وسبق تخريجه "2/193".
3 في ع ب ز: من.
4 هو علقمة بن قيس بن عبد الله بن علقمة، أبو شبل النخعي، الكوفي، التابعي، أحد الأعلام، فقيه العراق، قال النووي: "أجمعوا على جلالته، وعظم محله، ووفور علمه، وجميل طريقته" وكان من أكبر أصحاب ابن مسعود، وأشبههم هدياً ودلالة، سمع عمر بن الخطاب وعثمان وعلياً وابن مسعود وسلمان وخباباً وحذيفة وأبا موسى الأشعري وعائشة وغيرهم، وأخذ عنه غبراهيم النخعي والشعبي وابن سيرين وغيرهم، وأخرج أحاديثه أصحاب الكتب الستة، توفي سنة 62هـ.
انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 2/342، الخلاصة 2/241، طبقات الفقهاء ص 79، تذكرة الحفاظ 1/48، شذرات الذهب 1/70، غاية النهاية 1/516، مشاهير علماء الأمصار ص 100".(4/629)
مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ 1عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ ثُمَّ لا يَعُودُ2، وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ3 وَرَوَاهُ4 ابْنُ5 عُمَرَ وَوَائِلُ6
__________
1 ساقطة من ش ض.
2 هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد وأبو يعلى عن ابن مسعود مرفوعاً، وقال الترمذي: "حديث حسن"، ورواه أبو داود والدارقطني عن البراء بن عازب مرفوعاً، وقال أبو داود عن حديث البراء: "هذا حديث ليس بصحيح".
وقال سفيان بن عيينة كان زياد بن أبي زياد يروي هذا الحديث، ولا يذكر: "ثم لا يعود"، ثم دخلت البصرة فرأيت يزيد بن أبي زياد يرويه، وقد زاد فيه: "ثم لا يعود" وكان قد لقن فتلقن، وقد ضعفه أكثر علماء الرجال.
انظر: سنن أبي داود 1/173، تحفة الأحوذي 2/102، 104، سنن النسائي 2/142، مسند أحمد 1/388، 442، مجمع الزوائد 2/101، سنن الدارقطني 1/293، نصب الراية 1/394، المغني في الضعفاء 2/749، ميزان الاعتدال 4/423.
3 هذا حديث صحيح، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي والدارقطني ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم عن ابن عمر وغيره.
انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 1/93، صحيح مسلم بشرح النووي 4/93 وما بعدها، سنن أبي داود 1/166، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 2/99، سنن النسائي 1/142، سنن ابن ماجه 1/279، سنن الدارمي 1/285، سنن الدارقطني 1/287، بدائع المنن 1/70، الموطأ ص 69، مسند أحمد 2/8.
4 في ع ب ز: وروى.
5 في ش: ابن.
6 في ش: ووائل.(4/630)
ابْنُ حُجْرٍ1 وَأَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ2 فِي عَشَرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ: أَبُو قَتَادَةَ وَأَبُو أُسَيْدٍ3، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَرَوَاهُ أَيْضًا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَأَنَسٌ، وَجَابِرٌ، وَابْنُ
__________
1 هو وائل بن حجر بن ربيعة بن يعمر الحضرمي، أبو هنيد، كان من ملوك حمير، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بشر أصحابه بقدومه قبل أن يصل بأيام، وعند وصوله رحب به وقربه ودعا له، وأقطعه أرضاً، ثم نزل الكوفة، وشهد صفين مع علي رضي الله عنه، وكان على راية حضرموت، ثم قدم على معاوية في خلافته، فتلقاه وأكرمه، وروى عدة أحاديث في مسلم والسنن الأربعة، مات في آخر خلافة معاوية.
انظر ترجمته ي "الإصابة 6/312، أسد الغابة 5/435، تهذيب الأسماء 2/143، مشاهير علماء الأمصار ص 44، الخلاصة 3/127".
2 هو عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن مالك، أبو حميد الساعدي، الأنصاري الصحابي، وقيل في اسمه واسم أبيه غير ذلك، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث، أخرجها عنه البخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة، وروى عنه بعض الصحابة، قيل: إنه شهد أحداً وما بعدها، توفي في آخر خلافة معاوية، أو أول خلافة يزيد.
انظر ترجمته في "الإصابة 7/46، أسد الغابة 6/78، تهذيب الأسماء 2/216، الخلاصة 3/213".
3 هو مالك بن ربيعة بن البَدَن، الخزرجي، أبو أسيد الساعدي، الأنصاري، الصحابي، مشهور بكنيته، شهد بدراً وأحداً وما بعدها، وكان معه راية بني ساعدة يوم الفتح، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وروى عنه أولاده وبعض الصحابة، وأخرج أحاديثه البخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة، وأضر في آخر عمره، مات بالمدينة سنة 60 هـ، وهو آخر البدريين موتاً، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الإصابة 6/23، أسد الغابة 5/23، الخلاصة 3/4، المعارف ص 272، نكت الهميان ص 233".(4/631)
الزُّبَيْرِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ1 وَجَمْعٌ غَيْرُهُمْ، بَلَغُوا ثَلاثَةً وَثَلاثِينَ صَحَابِيًّا2.
وَقَدَّمَ ابْنُ بُرْهَانٍ الأَوْثَقَ عَلَى الأَكْثَرِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ قِيَاسُ مَذْهَبِنَا3.
وَخَالَفَ الْكَرْخِيُّ وَغَيْرُهُ، فَقَالَ: لا يُرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ4.
__________
1 ساقطة من ض، وذكر السيوطي أن الحديث مروي عن أبي هريرة.
2 حديث رفع اليدين قبل الركوع وبعده، رواه الترمذي عن عشرة من الصحابة، وقال: "هذا حديث حسن صحيح"، ونقل ابن حجر عن شيخه العراقي أنه تتبع رواة هذا الحديث من الصحابة فبلغوا خمسين رجلا، وقال السيوطي: "ربما تبلغ حدّ التواتر" وكتبت فيه رسائل، إحداها للإمام البخاري.
انظر: فتح الباري 1/182، 183، نصب الراية 1/392، التلخيص الحبير 1/218 وما بعدها، نيل الأوطار 2/197وما بعدها، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 2/100 وما بعدها، تخريج أحاديث البزدوي ص 194، الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة ص 16، تحفة الفقهاء 1/312 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/207، مجمع الزوائد 2/101.
3 المسودة ص 305، وهذا ما اختاره الغزالي في "المنخول ص 430"، وانظر: العدة 3/1023، 1029، إرشاد الفحول ص 276.
4 وهو مذهب أبو حنيفة وأبي يوسف وبعض المعتزلة في عدم الترجيح بالكثرة في الرواية والشهادة والفتوى، لكن عبيد الله بن مسعود وابن عبد الشكور والكمال والنسفي وابن جيم وغيرهم ذكروا ان الحنفية ترجح بالكثرة في بعض المواضع، كالترجيح بكثرة الأصول، ولا ترجح بالكثرة في مواضع أخرى كالأدلة، وبينوا المعيار في ذلك بأن الكثرة إن أدت إلى حصول هيئة اجتماعية هي وصف واحد قوي الأثر حصلت بالكثرة، كما في حمل الأثقال، بخلاف كثرة جزئيات، كما في المصارعة، إذ المقاوم واحد. =(4/632)
وَذَكَرَهُ1 ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ2 مِنْ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ3 كَالشَّهَادَةِ وَالْفَتْوَى.
وَرُدَّ قِيَاسُهُمْ عَلَى الشَّهَادَةِ بِأَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ: الْكَثْرَةُ فِي الشُّهُودِ تُقَدَّمُ، وَهُوَ قَوْلٌ لَنَا، ثُمَّ الشَّهَادَةُ تَعَبُّدٌ، وَحُجَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَمُقَدَّرَةٌ شَرْعًا بِعَدَدٍ، وَلَمْ تُرَجَّحْ4 الصَّحَابَةُ فِيهَا بِمِثْلِهِ5.
__________
= انظر: فواتح الرحموت 2/210، فتح الغفار بشرح المنار 3/53، تيسير التحرير 3/169، التلويح على التوضيح 3/61، كشف الأسرار 4/79، مختصر البعلي ص 169، مختصر الطوفي ص 187، المحلي عل جمع الجوامع 2/361، نزهة الخاطر 2/458، الإحكام للآمدي 4/242، وسائل الإثبات ص 811.
1 في ض ش: وذكر.
2 الغالب أن محمد بن أحمد بن أبي أحمد، أبو بكر، وقيل أبو منصور، علاء الدين السمرقندي الحنفي، صاحب كتاب "تحفة الفقهاء"، وله كتاب "الميزان"، قال اللكنوي عنه: "شيخ كبير فاضل، جليل القدر، وكانت ابنته فقيهة علامة، وتزوجت علاء الدين أبي بكر الكاساني صاحب "البدائع" شرح "تحفة الفقهاء" في الفقه الحنفي، توفي السمرقندي حوالي 575هـ وقيل 540هـ.
انظر ترجمته في " الفوائد البهية ص 158، تاج التراجم ص 60، كشف الظنون 2/578، الأعلام 6/212، الجواهر المضيئة 2/6".
ولفظة "الميزان" ساقطة من ض.
3 ساقطة من ض ب ع ز.
4 في ش: يرجح.
5 يرد على قياس الرواية على الشهادة في عدم الترجيح بكثرة العدد أنه قياس مع الفارق، لأن جمهور الفقهاء لم يرجحوا الشهادة بكثرة عدد الشهود، لأنها مبنية على التعبد "كما سبق ص 429"، وبتحديد نصاب الشهادة بالنص، مع تحديد =(4/633)
و1َقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: وَلَمْ يُرَجَّحْ فِيهَا بِالأَتْقَنِ الأَعْلَمِ.
وَرُدَّ قِيَاسُهُمْ عَلَى الْفَتْوَى: بِأَنَّهُ لا يَقَعُ الْعِلْمُ بِهَا فَلَيْسَ طَرِيقُهَا الْخَبَرَ. إنَّمَا نَقِفُ عَلَى عِلْمِ الْمُفْتِي2، وَقَدْ يَكُونُ الْوَاحِدُ أَعْلَمَ3.
4وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ "أَوْ أَكْثَرَ أَدِلَّةً" فَإِنَّ كَثْرَةَ الأَدِلَّةِ تُفِيدُ تَقْوِيَةِ الظَّنِّ؛ لأَنَّ الظَّنَّيْنِ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْوَاحِدِ، لِكَوْنِ5 الأَكْثَرِ أَدِلَّةً أَقْرَبَ إلَى الْقَطْعِ، فَيُرَجَّحُ بِذَلِكَ6،
__________
= مراتبها، وإن ذهب المالكية بترجيح الشهادة بكثرة عدد الشهود، خلافاً لما جاء في "المدونة 5/188" عن الإمام مالك بعدم الترجيح بكثرة العدد في الشهادة، وقال بالترجيح بكثرة عدد الشهود الحنابلة في قول والحنفية في قول والشافعية في قول.
"انظر: العضد على ابن الحاجب 2/310، كشف الأسرار 4/79، شرح تنقيح الفصول ص 420، تيسير التحرير 3/153 وما بعدها، نهاية السول 3/199، المستصفى 2/394، مناهج العقول 3/200، المحصول 2/2/540، الإحكام للآمدي 4/241، البرهان 2/1143، 1162، الروضة ص 813، تخريج الفروع على الأصول ص 376، وسائل الإثبات ص 813 والمراجع الفقهية فيها".
1 ساقطة من ض ب ع ز.
2 ساقطة من ع.
3 انظر: العدة 3/1023.
4 ساقطة من ع.
5 في ع: ولكون.
6 ساقطة من ع، وفي ض ب: فترجح بذلك.(4/634)
خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ1.
"وَ" الثَّانِي مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ رَاجِحًا عَلَى الآخَرِ فِي وَصْفٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ فَيُرَجَّحُ "بِالأَزْيَدِ ثِقَةً. وَبِفَطِنَةٍ، وَوَرَعٍ، وَعِلْمٍ، وَضَبْطٍ، وَلُغَةٍ، وَنَحْوٍ" فَكُلُّ وَصْفٍ مِنْ هَذِهِ الأَوْصَافِ يُرَجَّحُ بِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ2.
"وَ" يُرَجَّحُ أَيْضًا "بِالأَشْهَرِ بِأَحَدِ" الأَوْصَافِ "السَّبْعَةِ" الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ3 رُجْحَانُهُ4 فِيهَا، فَإِنَّ كَوْنَهُ أَشْهَرَ إنَّمَا
__________
1 يقول القرافي: "فالترجيح بكثرة الأدلة كالترجيح بالعدالة، لا كالترجيح بالعدد" "شرح تنقيح الفصولص 421".
وانظر: كشف الأسرار 4/78، 79، تخريج الفروع على الأصول ص 376، تيسير التحرير 3/154، 169، فتح الغفار 3/53، فواتح الرحموت 2/204، 210، 328، التوضيح على التنقيح 3/59، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/361، نهاية السول 3/198، المحصول 2/2/534، 591، شرح تنقيح الفصول ص 420، مختصر الطوفي ص 187، الوسيط ص 625.
2 انظر: المسودة ص 307، 308، الروضة ص 389، ابن الحاجب والعضد عليه 2/310، المنخول ص 430، جمع الجوامع 2/363، المحصول 2/2/554 وما بعدها، 558 وما بعدها، الإحكام للآمدي 4/243، نهاية السول 3/202، 205، المستصفى 2/395، 396، البرهان 2/1166، 1184، شرح تنقيح الفصول ص 422، 423، أصول السرخسي 2/251، 253، التلويح على التوضيح 3/50، فواتح الرحموت 2/206، 207، تيسير التحرير 3/163، مختصر البعلي ص 169، مختصر الطوفي ص 188، المدخل إلى مذهب أحمد ص 198، إرشاد الفحول ص 277، الكفاية ص 609، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 222.
3 في ش: ويكون.
4 ساقطة من ض.(4/635)
يَكُونُ فِي الْغَالِبِ لِرُجْحَانِهِ1.
"وَ" يَكُونُ التَّرْجِيحُ أَيْضًا "بِالأَحْسَنِ سِيَاقًا" لأَنَّ حُسْنَ السِّيَاقِ دَلِيلٌ عَلَى رُجْحَانِهِ2.
"وَ" يَكُونُ التَّرْجِيحُ أَيْضًا "بِاعْتِمَادِ" الرَّاوِي "عَلَى حِفْظِهِ" لِلْحَدِيثِ "أَوْ ذِكْرِهِ" لَهُ؛ لأَنَّ الْحِفْظَ، وَالذِّكْرَ لا يَحْتَمِلُ الاشْتِبَاهَ. بِخِلافِ اعْتِمَادِهِ عَلَى الْخَطِّ وَالنُّسْخَةِ، فَإِنَّهُمَا يَحْتَمِلانِ3 الاشْتِبَاهَ4.
"وَ" يُرَجَّحُ أَيْضًا "بِعَمَلِهِ بِرِوَايَتِهِ" أَيْ بِكَوْنِ5 الرَّاوِي عَلِمَ أَنَّهُ عَمِلَ بِرِوَايَةِ نَفْسِهِ؛ لأَنَّ مَنْ عَمِلَ بِمَا رَوَاهُ يَكُونُ6 أَبْعَدَ مِنْ الْكَذِبِ مِنْ خَبَرِ مَنْ لَمْ يُوَافِقْ عَمَلُهُ7 خَبَرَهُ8.
__________
1 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/310، نهاية السول 3/205، الإحكام للآمدي 4/243، مختصر البعلي ص 169.
2 انظر: مختصر البعلي ص 169، المدخل إلى مذهب أحمد ص 198.
3 في ض: لا يحتملان.
4 انظر: الإحكام للآمدي 4/243، 244، المحصول 2/2/560، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/362، نهاية السول 3/204 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/310، مختصر البعلي ص 169، فواتح الرحموت 2/207، تيسير التحرير 3/163.
5 في ب: أن يكون.
6 ساقطة من ض ع ب ز.
7 ساقطة من ش، وفي ض: علمه.
8 انظر: ألإحكام للآمدي 4/243، مختصر انب الحاجب والعضد عليه =(4/636)
وَمَتَى وُجِدَ حَدِيثَانِ مُرْسَلانِ - وَكَانَ الرَّاوِي لأَحَدِهِمَا يُرْسِلُ عَنْ الْعَدْلِ وَعَنْ غَيْرِهِ، وَالرَّاوِي الآخَرُ لا يُرْسِلُ إلاَّ عَنْ عَدْلٍ - رُجِّحَ الَّذِي رَاوِيهِ لا يُرْسِلُ إلاَّ عَنْ عَدْلٍ، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "أَوْ لا يُرْسِلُ إلاَّ عَنْ عَدْلٍ 1".
وَكَذَا يُرَجَّحُ الْمُبَاشِرُ لِمَا رَوَاهُ مِنْ فِعْلٍ2، وَصَاحِبُ الْقِصَّةِ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "أَوْ مُبَاشِرٍ أَوْ صَاحِبِ الْقِصَّةِ3".
__________
= 2/310، المحصول 2/2/559، المستصفى 2/398، مختصرالبعلي ص 169، تيسير التحرير 3/163.
انظر: الإحكام للآمدي 4/243، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/310، مختصر البعلي ص 169، تيسير التحرير 3/163.
1 في ش: نقل.
2 ومنع الجرجاني الحنفي من الترجيح بكون أحد الراويين صاحب القصة، خلافاً لجمهور العلماء.
3 انظر: الروضة ص 389، العدة 3/1024، المسودة ص 306، نهاية السول 3/203، الإحكام للآمدي 4/243، المحصول 2/2/556، المستصفى 2/396، 397، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/365، الإحكام لابن حزم 1/170، شرح تنقيح الفصول ص 423، فواتح الرحموت 3/208، 209، مختصر البعلي ص 169، مختصر الطوفي ص 188، المدخل إلى مذهب أحمد ص 198، إرشاد الفحول ص 277، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/310، الكفاية ص 610، الجدل لابن عقيل ص 24، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 227.(4/637)
فَمِثَالُ الْمُبَاشِرِ: رِوَايَةُ أَبِي رَافِعٍ1 تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ، وَهُوَ حَلالٌ، وَكُنْت السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا2 فَإِنَّهَا رُجِّحَتْ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ3.
وَمِثَالُ رِوَايَةِ صَاحِبِ الْقِصَّةِ: رِوَايَةُ مَيْمُونَةَ نَفْسِهَا أَنَّهَا قَالَتْ تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ4 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ
__________
1 ايمه أسلم، وقيل إبراهيم، وقيل غير ذلك، كان مولى للعباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم، فأعتقه عليه الصلاة والسلام لما بشره بإسلام العباس، وأسلم أبو رافع قبل بدر، ولم يشهدها، ثم شهد أحد والخندق، والمشاهد بعدها، وشهد فتح مصر، وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاته سلمى، فولدت له عبيد الله، وروى عنه أولاده وغيرهم، توفي أبو رافع بالمدينة قبل قتل عثمان، وقيل بعده في أول خلافة علي رضي الله عنهم.
انظر ترجمته في "الإصابة 7/65، أسد الغابة 1/52، 93، 6/106، تهذيب الأسماء 2/230، مشاهير علماء الأمصار ص 29، تحفة الأحوذي 3/580".
2 هذا الحديث أخرجه الترمذي ومالك وأحمد وابن حبان والدارمي عن أبي رافعٍ مرفوعاً، ورواه أحمد عن ميمونة.
انظر: جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 3/580، المنتقى شرح الموطأ 2/238، مسند أحمد 6/323، 393، موارد الظمئان ص 310، سنن الدارمي 2/38، نصب الراية 3/172.
3 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي والشافعي والطحاوي عن ابن عباس مرفوعاً.
انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 1/216، صحيح مسلم بشرح النووي 9/196، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 3/581، سنن النسائي 5/150، سنن ابن ماجه 1/632، سنن الدارمي 2/37، بدائع المنن 2/19، شرح معاني الآثار 2/292.
4 في ض: رسول الله.(4/638)
حَلالانِ1، فَإِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَيْضًا2.
وَتُرَجَّحُ الرِّوَايَةُ أَيْضًا: بِكَوْنِ الرَّاوِي مُشَافِهًا3 بِالرِّوَايَةِ، وَبِكَوْنِهِ أَقْرَبَ عِنْدَ سَمَاعِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ "أَوْ مُشَافِهًا، أَوْ أَقْرَبَ عِنْدَ سَمَاعِهَا4".
فَمِثَالُ الْمُشَافَهَةِ: رِوَايَةُ الْقَاسِمِ5 عَنْ عَائِشَةَ
__________
1 هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن ميمونة.
انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 9/197، سنن أبي داود 1/427، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 3/581، سنن ابن ماجه 1/632، مسند أحمد 6/332، سنن الدارمي 2/38.
2 ساقطة من ش.
وقارن في ذلك رأي الحنفية في تقديم رواية ابن عباس في "فواتح الرحموت 2/201، تيسير التحرير 3/145، 167، التوضيح على التنقيح 3/50".
3 في ع: ساقها.
4 في ع ز: سماعه.
5 هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، أبو محمد، التابعي الجليل، أحد فقهاء المدينة السبعة، روى عن الصحابة، قال ابن سعد: كان ثقة عالما فقيها إماماً كثير الحديث، وقال عنه الإمام مالك: القاسم من فقهاء الأمة، وكان كثير الورع والنسك والمواظبة على الفقه والأدب، صموتاً لا يتكلم إلا قليلاً، روى له أصحاب الكتب الستة، ومات بقديد بين مكة والمدينة سنة 102هـ وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 2/55، وفيات الأعيان 2/224، تذكرة الحفاظ 1/96، الخلاصة 2/346، مشاهير علماء الأمصار ص 63، طبقات =(4/639)
1رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -وَهِيَ1 عَمَّتُهُ- أَنَّ بَرِيرَةَ2 عَتَقَتْ وَزَوْجُهَا3 عَبْدٌ4.
__________
= الفقهاء ص 59، المعارف ص 175، 588،نكت الهميان ص 230، حلية الأولياء 2/183".
1 ساقطة من ض ع، وفي ب ز: وهي.
2 هي بريرة بنت صفوان، مولاة عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، صحابية، ولها أحاديث، روى لها النسائي، وكانت تخدم عائشة قبل أن تشتريها، ثم اشترتها وأعتقتها، وكان زوجها مولى، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت فراقه، وكان يحبها، ويمشي في المدينة يبكي عليها، قال ابن الأثير: الصحيح أنه كان عبداً.
انظر ترجمتها في "الإصابة 8/29، أسد الغابة 7/39، تهذيب الأسماء 2/332، الخلاصة 3/376".
3 زوج بريرة وهو مغيث، مولى أبي أحمد بن جحش، قال النووي: "والصحيح المشهور أن مغيث كان عبداً حال عتق بريرة، وثبت ذلك في الصحيح عن عائشة، وقيل: كان حراً، وجاء ذلك في رواية لمسلم، وروى البخاري في "صحيحه" عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبداً، يقال له: مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي، ودموعه تسيل على لحيته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تعجبون من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثاً"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو راجعتيه؟ " قالت: يا رسول الله، أتأمرني؟ قال: "إنما أنا أشفع"، قالت: "لا حاجة لي فيه".
انظر: الإصابة 6/130، أسد الغابة 5/243، تهذيب الأسماء 2/109.
4 هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والدارمي والدارقطني وأحمد عن القاسم عن عائشة، كما رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارقطني عن عروة بن الزبير عن خالته عائشة.
انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 10/144، 146، سنن أبي داود 1/517، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 4/317، سنن النسائي 5/132، 134، سنن ابن ماجه 1/671، سنن الدارمي 1/169، سنن الدارقطني 3/289، 291، مسند أحمد 6/46، 269، تخريج أحاديث البزدوي ص 206.(4/640)
فَإِنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ الأَسْوَدِ1 عَنْهَا أَنَّهُ كَانَ حُرًّا2 لأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ3.
وَمِثَالُ رِوَايَةِ الأَقْرَبِ عِنْدَ سَمَاعِهَا4: رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ
__________
1 هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، أبو عمرو، وقيل: أبو عبد الرحمن، فقيه مخضرم، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً ولم يره، روى عن عمر وابن مسعود وعائشة وأبي موسى وغيرهم من كبار الصحابة، كان عابداً تقياً زاهداً، وهو من فقهاء الكوفة وأعيانهم، وروى له أصحاب الكتب الستة، توفي سنة 75هـ.
انظر ترجمته في "الإصابة 1/108، أسد الغابة 1/107، مشاهير علماء الأمصار ص 100، تذكرة الحفاظ 1/50، شذرات الذهب 1/62، غاية النهاية 1/171".
2 هذا الحديث رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي والدارقطني وأحمد عن الأسود عن عائشة.
انظر: صحيح البخاري بشرح السندي 4/114، سنن أبي داود 1/518، تحفة الأحوذي 4/317 وما بعدها، سنن النسائي 5/133، سنن ابن ماجه 1/670، سنن الدارمي 2/169، سنن الدارقطني 3/290، مسند أحمد 6/42، تخريج أحاديث البزدوي ص 206.
3 قال ابن عيينة: كان أعلم الناس بحديث عائشة القاسم وعروة وعمرة، وقل القاسم عن عائشة: كنت ملازماً لها، لأنه نشأ في حجر عمته عائشة، وقال ابن معين: عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة مسبك الذّهب، ورجح البخاري وغيره رواية ابن عباس رضي الله عنه.
انظر: صحيح البخاري 4/114، تهذيب الأسماء 2/55، نكت الهميان ص 230، الإحكام لابن حزم 1/171، 182، تيسير التحرير 2/145، فواتح الرحموت 2/201، التوضيح على التنقيح 3/51.
4 في ض ع: سماعه.(4/641)
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ التَّلْبِيَةَ1 فَإِنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّهُ ثَنَّى2 لأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ تَحْتَ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ لَبَّى3.
وَتُرَجَّحُ رِوَايَةُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ - وَهُمْ رُؤَسَاؤُهُمْ - عَلَى غَيْرِهَا
__________
1 هذا الحديث رواه مسلم وأحمد والترمذي والدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنه، ولفظه في مسلم: "أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج مفرداً" وفي رواية "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج مفرداً" وروى مسلم وأبو داود وابن ماجه عن جابر رضي الله عنه مثله، وروى الترمذي وابن ماجه والدارقطني مثله عن عائشة رضي الله عنها، وأن أبا بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وعثمان وغيرهم أفردوا بالحج.
انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 8/174، 216، مسند أحمد 2/97، سنن أبي داود 1/414، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 3/552، سنن ابن ماجه 2/988، 989، سنن الدارقطني 2/238، التلخيص الحبير 2/231.
2 حديث التثنية، وهو القران بالجمع بين الحج والعمرة، رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد عن أنس رضي الله عنه قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعاً" وفي رواية: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لبيك عمرة وحجاً" وفي رواية: "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينهما بين الحج والعمرة".
انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 8/216، سنن أبي داود 1/417، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 3/554، سنن ابن ماجه 2/989، مسند أحمد 3/99.
3 روى ذلك ابن عوانه، وذكر العلماء اختلاف الروايات في الإفراد والقرآن، وبينوا الجمع بينهما أو الترجيح لإحداها.
"انظر: نيل الأوطار 4/346، التلخيص الحبير 2/231، نصب الراية 3/599، زاد المعاد 2/107، المنتقى 2/211، بدائع المنن 1/302، تيسير التحرير 3/164".(4/642)
عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ1، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "أَوْ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، فَيُقَدَّمُ الْخُلَفَاءُ الأَرْبَعَةُ" أَيْ رِوَايَتُهُمْ عَلَى غَيْرِهَا2، وَذَلِكَ3 لِقُرْبِهِمْ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ مِنْهُ4؛ لأَنَّ مَنْ قَرُبَ مِنْ إنْسَانٍ كَانَ أَعْلَمَ5 بِحَالِهِ مِنْ الْبَعِيدِ6؛ وَلأَنَّ الرَّئِيسَ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ أَشَدُّ تَصَوُّنًا وَصَوْنًا لِمَنْصِبِهِ مِنْ غَيْرِهِ.
__________
1 ساقطة من ض د.
2 قال بتقديم رواية الخلفاء الأربعة وأكابر الصحابة وجمهور العلماء منهم الحنفية خلافاً للشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند الحنابلة روايتان، والرجحة التقديم.
انظر: العدة 3/1026، المسودة ص 307، مختصر الطوفي ص 188، مختصر البعلي ص 169، ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، جمع الجوامع 2/364، الإحكام للآمدي 4/244، المحصول 2/2/561، فواتح الرحموت 2/207، تيسير التحرير 3/163، شرح تنقيح الفصول ص 198.
3 ساقطة من ض.
4 وذلك أن كبار الصحابة كانوا أقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لما رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي وأحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليليني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".
انظر صحيح مسلم بشرح النووي 4/154، سنن أبي داود 1/156، سنن النسائي 2/68، سنن ابن ماجة 1/312، سنن الدارمي 1/233، مسند أحمد 1/457.
5 في ض ب ع ز: أعرف.
6 في ع: من البعيد بحاله.(4/643)
وَعِنْدَ1 ابْنِ الْحَاجِبِ2 وَابْنِ مُفْلِحٍ وَالْهِنْدِيِّ وَجَمْعٍ: تُقَدَّمُ رِوَايَةُ مُتَقَدِّمِ الإِسْلامِ عَلَى مُتَأَخِّرِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "أَوْ مُتَقَدِّمِ الإِسْلامِ"3.
وَعِنْدَ الْقَاضِي وَالْمَجْدِ وَالطُّوفِيِّ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اخْتَصَّ بِصِفَةٍ. فَمُتَقَدِّمُ الإِسْلامِ: اخْتَصَّ4 بِأَصَالَتِهِ فِي الإِسْلامِ، وَمُتَأَخِّرُهُ: اخْتَصَّ بِأَنَّهُ5 لا يَرْوِي إلاَّ آخِرَ الأَمْرَيْنِ، فَكَانَا6 سَوَاءً7.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالأَكْثَرُ: تُرَجَّحُ8 رِوَايَةُ مُتَأَخِّرِ الإِسْلامِ عَلَى مُتَقَدِّمِهِ؛ لأَنَّهُ يَحْفَظُ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
__________
1 في ع: وعن.
2 في ض: حمدان.
3 انظر: الإحكام للآمدي 4/244، المحلي على جمع الجوامع 2/364، مختصر ابن الحاجب 2/310، المسودة ص 311، تيسير التحرير 3/164، المدخل إلى مذهب أحمد ص 198، إرشاد الفحول ص 277.
4 في ض: اختص متقدم الإسلام.
5 في ض ع: أنه.
6 في ع: فكانوا.
7 قال البعلي: "سيان عند الأكثر" "مختصر البعلي ص 169".
وانظر: مختصر الطوفي ص 188، المسودة ص 311، المدخل إلى مذهب أحمد ص 198، الفقيه والمتفقه 2/47.
8 في ض: ترجيح.(4/644)
وَسَلَّمَ1 وَلِهَذَا لَمَّا رَوَى جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ2: رَأَيْت3 رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ؛ لأَنَّ
__________
1 فال بتقديم رواية المتأخر بعض الشافعية كأبي إسحاق الشيرازي، وابن برهان، والبيضاوي، وصوبه ابن بدران وابن الحاجب والقرافي، لحديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "كنا نأخذ من أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم بالأحدث فالأحدث" ونص الإمام أحمد على هذا في رواية عبد الله، وأخذ به القاضي أبو يعلى.
انظر: العدة 3/1040، المسودة ص 311، نهاية السول 3/206، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، جمع الجوامع 2/364، الإحكام للآمدي 4/267، 4/267، شرح تنقيح الفصول ص 423، تيسير التحرير 3/164، فواتح الرحموت 2/208، المحصول 2/2/568، المدخل إلى مذهب أحمد ص 198، إرشاد الفحول ص 277.
2 هو الصحابي جرير بن عبد الله بن جابر البجلي، أبو عمرو، وقيل: أبو عبد الله، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر من الهجرة في رمضان، فأسلم وبايعه، وكان طويلاً يصل غلأى سنام البعير، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: جرير يوسف هذه الأمة، لحسنه، وفي صحيح البخاري ومسلم قال جرير: "ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي" وقدمه عمر رضي الله عنه في حروب العراق على جميع بجيله، وكان لهم أمر عظيم في فتح القادسية، ثم سكن الكوفة، وروى مائة حديث، وله مناقب كثيرة، وعتزل علياً ومعاوية، وأقام بالجزيرة ونواحيها حتى توفي سنة 54هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الإصابة 1/242، أسد الغابة 1/333، تهذيب الأسماء 1/147، الخلاصة 1/163، مشاهير علماء الأمصار ص 44".
3 في ب: رواية.(4/645)
إسْلامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ"1 مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2.
وَإِنَّمَا قَدَّمْنَا مَا عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَنْ وَافَقَهُ، مَعَ كَوْنِهِ خِلافَ رَأْيِ الْجُمْهُورِ: تَبَعًا لِتَقْدِيمِهِ لَهُ فِي التَّحْرِيرِ.
وَيُقَدَّمُ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي3 الْخَطَّابِ: رِوَايَةُ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ
__________
1 المقصود من سورة المائدة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} المائدة:6.
والحكمة من هذا التعليل أنه لو كان إسلام جرير متقدما على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه في مسح الخف منسوخاً بآية المائدة في الوضوء، وبما أن إسلامه متأخر فهذا يدلّ على العمل بحديث المسح على الخفين، وأن المراد بالآية غير صاحب الخف، فتكون السنة مخصصة للآية، كما قال النووي رحمه الله.
انظر: تحفة الأحوذي 1/314، سنن النسائي مع زهر الربى 1/69، المجموع للنووي 1/514، نيل الأوطار 1/210.
2 حديث جرير رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، ورواه البخاري ومسلم ومالك وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن المغيرة بن شعبة مرفوعاً بروايات كثيرة، وأنه بعد غزوة تبوك، كما روي ذلك عن أنس وبلال وسعد بن أبي وقاص وغيرهم مرفوعاً حتى وصل حديث المسح على الخفين إلى سبعين صحابياً.
انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 1/34، 55، صحيح مسلم بشرح النووي 3/164، 168، سنن أبي داود 1/33، 34، سنن النسائي 1/69، 70، سنن ابن ماجه 1/181، الأزهار المتناثرة ص 9، المجموع للنووي 1/513، نيل الأوطار 1/209، مسند أحمد 4/358، نصب الراية 1/162.
3 في ع: وابن.(4/646)
صُحْبَةً عَلَى غَيْرِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "أَوْ أَكْثَرَ صُحْبَةً" زَادَ أَبُو الْخَطَّابِ "أَوْ قَدُمَتْ هِجْرَتُهُ"1.
وَ2قَالَ الآمِدِيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ "أَوْ مَشْهُورِ النَّسَبِ"3.
زَادَ الآمِدِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ: أَوْ غَيْرِ مُلْتَبِسٍ4 بِضَعِيفٍ5.
وَرُدَّ ذَلِكَ.
وَوَجْهُ التَّرْجِيحِ بِشُهْرَةِ النَّسَبِ: لِكَثْرَةِ تَحَرُّزِهِ عَمَّا يُنْقِصُ رُتْبَتَهُ.
وَيُقَدَّمُ مَنْ سَمِعَ بَالِغًا عَلَى مَنْ سَمِعَ صَغِيرًا، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "أَوْ سَمِعَ بَالِغًا" وَذَلِكَ لِقُوَّةِ ضَبْطِهِ، وَكَثْرَةِ احْتِيَاطِهِ. وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلافِ، فَيَكُونُ الظَّنُّ بِهِ أَقْوَى6.
__________
1 انظر: المسودة ص 308، 311، مختصر البعلي ص 170.
2 ساقطة من ض ع.
3 انظر: جمع الجوامع 2/363، الإحكام للآمدي 4/244، المحصول 2/2/561، تيسير التحرير 2/165، مختصر البعلي ص 170.
4 في ش: متلبس.
5 اللفظة في "مختصر ابن الحاجب": بمضعف، وفي "الإحكام " للآمدي: بضعيف.
انظر: الإحكام للآمدي 4/244، مختصر ابن الحاجب 2/310، المحصول 2/2/562، مختصر البعلي ص 170.
6 انظر: جمع الجوامع 2/364، نهاية السول 3/206، الإحكام للآمدي 4/245، المحصول 2/2/562، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، فواتح الرحموت 2/208، تيسير التحرير 3/164، مختصر البعلي ص 170.(4/647)
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَرْجِيحَ الرَّاوِي يَكُونُ1 بِمَا فِي نَفْسِهِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلامُ عَلَيْهِ2.
"وَ" يَكُونُ بِتَزْكِيَتِهِ، فَيُرَجَّحُ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَلَى بَعْضٍ "بِكَثْرَةِ مُزَكِّينَ3 وَ" إنْ اسْتَوَوْا فِي الْكَثْرَةِ رُجِّحَ "بأَعْدَلِيَّتِهمْ4" "وَ" إنْ اسْتَوَوْا فِي الأَعْدَلِيَّةِ رُجِّحَ "بأوْثَقِيَّتِهمْ5.
وَ" الشَّيْءُ الثَّانِي فِي الرِّوَايَةِ6:
فَيُقَدَّمُ7 حَدِيثٌ "مُسْنَدٌ عَلَى" حَدِيثٍ "مُرْسَلٍ" عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ؛ لأَنَّ فِيهِ مَزِيَّةَ الإِسْنَادِ، فَيُقَدَّمُ بِهَا، وَ8لأَنَّ الْمُرْسَلَ قَدْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْهُولٌ، وَلأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ
__________
1 في ض: بكون.
2 صفحة 431 وما بعدها.
3 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، جمع الجوامع 2/363، الإحكام للآمدي 4/245، المحصول 2/2/558، نهاية السول 3/203 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص 423، تيسير التحرير 3/166، إرشاد الفحول ص 277.
4 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، الإحكام للآمدي 4/245، المحصول 2/2/558.
5 انظر: مختصر ابن الحاجب، الصفحة السابقة، الإحكام للآمدي، الصفحة السابقة، نهاية السول 3/219، تيسير التحرير 3/166، إرشاد الفحول ص 277.
6 ساقطة من ش ع.
7 في ش ع ب ز: يقدم.
8 في ب: أو.(4/648)
فِي كَوْنِهِ حُجَّةً1، وَالْمُسْنَدُ مُتَّفَقٌ عَلَى حُجِّيَّتِهِ2، وَكَذَا كُلُّ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ مَعَ كُلِّ3 مُخْتَلَفٍ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ.
"وَ" يُقَدَّمُ4 "مُرْسَلُ تَابِعِيٍّ عَلَى" مُرْسَلِ "غَيْرِهِ" لأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ صَحَابِيٍّ5.
"وَ" يُرَجَّحُ أَحَدُ الْمُسْنَدَيْنِ6 "بِالأَعْلَى إسْنَادًا" مِنْهُمَا، وَالْمُرَادُ بِهِ: قِلَّةُ عَدَدِ الطَّبَقَاتِ إلَى مُنْتَهَاهُ. فَيُرَجَّحُ عَلَى مَا كَانَ أَكْثَرَ؛ لِقِلَّةِ احْتِمَالِ7 الْخَطَإِ بِقِلَّةِ8 الْوَسَائِطِ، وَلِهَذَا رَغَّبَ الْحُفَّاظُ فِي
__________
1 تقدم الكلام على الاختلاف في حجية الحديث المرسل "2/574 وما بعدها".
2 قال الجرجاني الحنفي وعيسى بن أبان وبقية الحنفية وأبو الخطاب من الحنابلة: المرسل أولى، وقال القاضي عبد الجبار يستويان، وفي ض ب: حجته.
انظر: العدة 3/1032، المسودة ص 310، الروضة 390، مجموع الفتاوى 13/116، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، نهاية السول 3/218، الإحكام للآمدي 4/245 وما بعدها، المحصول 2/2/564 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/208، إرشاد الفحول ص 278، المدخل إلى مذهب أحمد ص 197، الوسيط ص 629، مختصر الطوفي ص 187، مختصر البعلي ص 170.
3 ساقطة من ش.
4 في ش ب ع ز: والشيء الثاني في الرواية فيقدم.
5 انظر: الإحكام للآمدي 4/246، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، مختصر البعلي ص 170.
6 في ش: المرسلين.
7 ساقطة من ش.
8 في ب: لقلة.(4/649)
عُلُوِّ السَّنَدِ. فَلَمْ يَزَالُوا يَتَفَاخَرُونَ بِهِ1.
"وَ" يُرَجَّحُ حَدِيثٌ "مُعَنْعَنٌ" أَيْ: مُتَّصِلٌ بِقَوْلِ الرَّاوِي " حَدَّثَنِي فُلانٌ عَنْ فُلانٍ عَنْ فُلانٍ2 " إلَى أَنْ يَبْلُغَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "عَلَى مَا" أَيْ: عَلَى حَدِيثٍ "أُسْنِدَ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ "إلَى كِتَابِ مُحَدِّثٍ" مِنْ كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ3 "وَكِتَابِهِ4" أَيْ وَيُرَجَّحُ مَا بِكِتَابِ مُحَدِّثٍ مُسْنَدٍ "عَلَى" كِتَابٍ "مَشْهُورٍ بِلا نَكِيرٍ5" لَكِنَّهُ غَيْرُ مُسْنَدٍ6.
"وَ" يُرَجِّحُ "الشَّيْخَانِ" أَيْ: مَا اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى رِوَايَتِهِ فِي كِتَابَيْهِمَا7 "عَلَى" مَا فِي كُتُبِ8 "غَيْرِهِمَا" مِنْ
__________
1 قال ابن عبد الشكور في "مسلم الثبوت" والكمال بن الهمام في "التحرير": خلافاً للحنفية، لكن شارح "مسلم الثبوت" قال عن الترجيح بعلو الإسناد: "وهو المذهب المنصور عندنا" "فواتح الرحموت 2/207".
وانظر: تيسير التحرير 3/163، نهاية السول 3/202، الإحكام للآمدي 4/248، جمع الجوامع 2/363، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، المحصول 2/2/553، إرشاد الفحول ص 276.
2 ساقطة من ب، وفي ع ز: عن فلان.
3 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، نهاية السول 3/219، الإحكام للآمدي 4/247.
4 في ش ع: وكتاب.
5 في ع: بالنكير.
6 انظر: الإحكام للآمدي 4/247.
7 في ب: كتابهما.
8 ساقطة من ض.(4/650)
الْمُحَدِّثِينَ؛ لأَنَّهُمَا أَصَحُّ الْكُتُبِ بَعْدَ الْقُرْآنِ، لاتِّفَاقِ الأُمَّةِ عَلَى تَلَقِّيهِمَا بِالْقَبُولِ حَتَّى قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ الصَّلاحِ، وَالأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: إنَّ مَا فِيهِمَا مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ1.
وَخَالَفَ النَّوَوِيُّ؛ لِقَوْلِ الأَكْثَرِ: إنَّ خَبَرَ الآحَادِ لا يُفِيدُ إلاَّ الظَّنَّ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ اتِّفَاقِ الأُمَّةِ عَلَى الْعَمَلِ بِهِمَا: إجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ مَا فِيهِمَا مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2.
"فَالْبُخَارِيُّ، فَمُسْلِمٌ" يَعْنِي ثُمَّ3 يُرَجَّحُ مَا انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى مَا انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ.
"فَمَا صُحِّحَ" ثُمَّ يُرَجَّحُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا صُحِّحَ مِنْ الأَحَادِيثِ عَلَى مَا لَمْ يُصَحَّحْ، وَتَخْتَلِفُ مَرَاتِبُ ذَلِكَ. فَيُرَجَّحُ مَا كَانَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ثُمَّ مَا عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، ثُمَّ مَا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. كَمَا
__________
1 انظر: المسودة ص 310، مجموع الفتاوى 18/74، 20/320، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/365، نهاية السول 3/219، الإحكام للآمدي 4/247، فواتح الرحموت 2/209، تيسير التحرير 3/166، إرشاد الفحول ص 278، المدخل إلى مذهب أحمد ص 199، مقدمة ابن الصلاح ص 14.
2 أيد الكمال ابن الهمام وابن عبد الشكور وصاحب "فواتح الرحموت" ما جاء عن النووي، وردوا كلام ابن الصلاح ومن معه.
انظر: فواتح الرحموت 2/209، تيسير التحرير 3/166، شرح النووي على صحيح مسلم 1/20 مع الاختصار والتصرف.
3 في ض: و.(4/651)
فَصَّلَ ذَلِكَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ1، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَا صُحِّحَ وَلَيْسَ عَلَى شَرْطٍ وَاحِدٍ مِنْ الشَّيْخَيْنِ.
"فَمَرْفُوعٌ، وَمُتَّصِلٌ عَلَى مَوْقُوفٍ، وَمُنْقَطِعٍ" يَعْنِي ثُمَّ يُقَدَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ؛ لِمَزِيَّتِهِ بِرَفْعِهِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَوْقُوفِ، وَيُقَدَّمُ الْحَدِيثُ الْمُتَّصِلُ لِمَزِيَّتِهِ2 بِالاتِّصَالِ3 عَلَى الْحَدِيثِ الْمُنْقَطِعِ4.
"وَ" حَدِيثٌ "مُتَّفَقٌ عَلَى رَفْعِهِ، أَوْ" عَلَى "وَصْلِهِ: عَلَى" حَدِيثٍ "مُخْتَلَفٍ فِيهِ" أَيْ فِي رَفْعِهِ أَوْ فِي وَصْلِهِ5؛ لأَنَّ لِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مَزِيَّةً عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ6.
"وَ" تُقَدَّمُ7 "رِوَايَةٌ مُتَّفِقَةٌ" أَيْ8 لَمْ يَخْتَلِفْ لَفْظُهَا
__________
1 المستدرك 1/3.
2 ساقطة من ش.
3 ساقطة من ش ض.
4 انظر: مختصر الطوفي ص 188، المدخل إلى مذهب أحمد ص 197، الكفاية ص 610.
5 انظر: المسودة ص 310، مختصر البعلي ص 170، مختصر الطوفي ص 188، الروضة ص 390، نهاية السول 3/208، الإحكام للآمدي 4/248، المحصول 2/2/563، المستصفى 2/396، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، شرح تنقيح الفصول ص 422، المدخل إلى مذهب أحمد ص 198، فواتح الرحموت 2/208.
6 ساقطة من ض.
7 في ب: ويقدم.
8 في ع ب: إذا.(4/652)
وَلا مَعْنَاهَا وَلا مُضْطَرِبَةٌ "عَلَى" رِوَايَةٍ1 "مُخْتَلِفَةٍ أَوْ2 مُضْطَرِبَةٍ" مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ3.
"وَ" الشَّيْءُ الثَّالِثُ: فِي الْمَرْوِيِّ.
فَيُقَدَّمُ "مَا" أَيْ حَدِيثٌ "سُمِعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُحْتَمَلٍ" أَيْ عَلَى مَا اُحْتُمِلَ سَمَاعُهُ وَعَدَمُ سَمَاعِهِ "وَ" كَذَا "عَلَى كِتَابِهِ" عِنْدَ الْجُرْجَانِيِّ وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْمَجْدِ وَالآمِدِيِّ4.
وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: كِتَابُهُ وَمَا سُمِعَ مِنْهُ سَوَاءٌ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ فِي الْحُجَّةِ5 بِهَذَا وَبِهَذَا، وَيُحْتَمَلُ
__________
1 في ب تكرار للسطرين السابقين "مختلف فيه ... رواية".
2 ساقطة من ش ض.
3 انظر: المسودة ص 206، 308، جمع الجوامع 2/365، نهاية السول 3/208، 218، الإحكام للآمدي 4/248، المحصول 2/2/564، المستصفى 2/395، فواتح الرحموت 2/205، تيسير التحرير 3/166، الإحكام لابن حزم 1/173، مختصر الطوفي ص 188، الكفاية ص 609، الجدل لابن عقيل ص 25، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 224.
4 انظر: العدة 3/1029، المسودة ص 309، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، الإحكام للآمدي 4/248، المستصفى 2/395، شرح تنقيح الفصول ص 422، تيسير التحرير 3/165، التلويح على التوضيح 3/52، إرشاد الفحول ص 277، الوسيط ص 630، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 224.
5 في ب: الحجية.(4/653)
أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنَّهُ لا تَرْجِيحَ بَيْنَهُمَا1.
وَقَالَ الْقَاضِي، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ: إنَّهُمَا سَوَاءٌ2، وَتَعَلَّقَ الْقَاضِي بِخَبَرِ ابْنِ عُكَيْمٍ3 فِي الدَّبَّاغِ4، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: عَمِلَ بِهِ أَحْمَدُ5
__________
1 انظر: العدة 3/1029، إرشاد الفحول ص 277.
ونقل الشوكاني قولاً بترجيح رواية من اعتمد على الكتابة على رواية من اعتمد الحفظ. "انظر: إرشاد الفحول ص 277".
2 العدة 3/1028، وانظر: المسودة ص 309.
3 في ض ب: حكيم.
وهو عبد الله بن عكيم، أبو معبد الكوفي الجهني، مخضرم، قال البخاري: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف له سماع صحيح، روى عن أبي بكر وعمر، وكان ثقة، وروى عنه ابن أبي ليلى وغيره، مات في إمارة الحج.
انظر: الإصابة 4/106، أسد الغابة 3/339، الخلاصة 2/80.
4 حديث عبد الله بن عكيم هو أنه قال: قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن بأرض جهينة "أن لا تستمتعوا من الميتة بشيء من إهاب ولا عصب"، وفي رواية: "جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر: "أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب"، وسبق ذكره في الهامش "2/510" فيما يبلغه الرسول صلى الله عليه وسلم بالكتابة إلى الغائب، وذه االحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والقاضي عياض والرامهرمزي.
انظر: مسند أحمد 4/310، سنن أبي داود 2/387، تحفة الأحوذي 5/402، سنن النسائي 7/155، سنن ابن ماجه 2/1194، المحدث الفاصل ص 453، الإلماع ص 88، نصب الراية 1/120، التلخيص الحبير 1/46، تخريج أحاديث البزدوي ص 183.
5 في ع ز: أحمد بن حنبل.(4/654)
لِتَأَخُّرِهِ، فَلا مُعَارَضَةَ1.
"وَ" يُقَدَّمُ مَا سُمِعَ2 مِنْهُ أَيْضًا "عَلَى مَا سَكَتَ عَنْهُ مَعَ3 حُضُورِهِ" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ حَدِيثٌ سُمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَدِيثٍ ذُكِرَ أَنَّهُ سَكَتَ عَنْهُ مَعَ حُضُورِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ؛ لأَنَّ الْمَسْمُوعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَى مِمَّا اُسْتُفِيدَ حُكْمُهُ مِنْ تَقْرِيرِهِ لِغَيْرِهِ عَلَى قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ4.
"ثُمَّ ذَا" أَيْ: ثُمَّ يُقَدَّمُ ذَا وَهُوَ مَا سَكَتَ عَنْهُ "مَعَ حُضُورِهِ عَلَى" مَا سَكَتَ عَنْهُ "مَعَ غَيْبَتِهِ" وَعَلِمَ بِهِ5 "إلاَّ مَا" أَيْ إلاَّ شَيْئًا وَقَعَ فِي غَيْبَتِهِ وَعَلِمَ بِهِ، وَكَانَ "خَطَرُ السُّكُوتِ عَنْهُ أَعْظَمَ".
قَالَ الْقُطْبُ الشِّيرَازِيُّ6:
__________
1 انظر: المسودة ص 309.
2 في ض: سمعه.
3 في ش: على "10/2" في ز: من.
4 انظر: الإحكام للآمدي 4/248، المحصول 2/2/563، المستصفى 2/396، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311.
5 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، فواتح الرحموت 2/205، تيسير التحرير 3/160.
6 هو محمود بن مسعود بن مصلح الفارسي، قطب الدين الشيرازي، الشافعي، كان أبوه طبيباً بشيراز، وقرأ الطب والعقليات، ودرس الفقه والتفسير والنحو وغيرها، وزار الشام، ثم سكن تبريز، وتولى قضاء سيواس وملطية، وكان بحراً في العلوم، طريفاً في التدريس، ذا مروءة وأخلاق، كثير التأليف في العقليات والتفسير والطب، منها "فتح المنان في تفسير القرآن" و "حكمة الإشراق" و "شرح كليات القانون في الطب لابن سينا" و "مفتاح المفتاح" في =(4/655)
يُرَجَّحُ بِسُكُوتِهِ1 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا جَرَى فِي مَجْلِسِهِ عَلَى سُكُوتِهِ عَمَّا جَرَى فِي غَيْبَتِهِ، وَسَمِعَ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ. اللَّهُمَّ إلاَّ إذَا كَانَ خَطَرُ مَا جَرَى فِي غَيْبَتِهِ2 آكَدَ وَآثَمَ مِنْ خَطَرِ مَا جَرَى فِي مَجْلِسِهِ، بِحَيْثُ تَكُونُ الْغَفْلَةُ عَنْهُ لِشِدَّةِ خَطَرِهِ أَبْعَدَ. فَإِنَّهُ يَكُونُ أَوْلَى. انْتَهَى.
"وَ" يُقَدَّمُ "قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فِعْلِهِ" صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ لِصَرَاحَةِ الْقَوْلِ: وَلِهَذَا3 اتَّفَقَ عَلَى دَلالَةِ الْقَوْلِ، بِخِلافِ دَلالَةِ الْفِعْلِ؛ لاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُخْتَصًّا بِهِ، وَلأَنَّ لِلْقَوْلِ صِيغَةَ دَلالَةٍ، بِخِلافِ الْفِعْلِ4.
وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ5، وَقِيلَ: الْفِعْلُ أَوْلَى.
"وَهُوَ" أَيْ و6َفِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَدَّمٌ "عَلَى تَقْرِيرِهِ"
__________
= البلاغة، وغيرها، توفي بتبريز سنة 710 هـ.
انظر ترجمته في "الدرر الكامنة 5/108، الأعلام 6/46، مفتاح السعادة 1/164، الفتح المبين 2/109".
1 في ز: سكوته.
2 في ض ع ب ز: زمانه.
3 في ش: ولهذا القول.
4 انظر: جمع الجوامع 2/365، نهاية السول 3/218، الإحكام للآمدي 4/256، إرشاد الفحول ص 279، المدخل إلى مذهب أحمد ص 199، فواتح الرحموت 2/202، تيسير التحرير 3/148، المعتمد 1/390.
5 وهو رأي ابن حزم الظاهري، "انظر: الإحكام، له 1/171، 432".
6 ساقطة من ض.(4/656)
يَعْنِي أَنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَدَّمٌ عَلَى تَقْرِيرِهِ1، وَهُوَ مَا رَآهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَكَتَ عَنْهُ؛ لأَنَّ التَّقْرِيرَ يَطْرُقُهُ2 مِنْ الاحْتِمَالِ مَا لَيْسَ فِي الْفِعْلِ الْوُجُودِيِّ. وَلِذَلِكَ كَانَ فِي دَلالَةِ التَّقْرِيرِ عَلَى التَّشْرِيعِ اخْتِلافٌ.
"وَ" يُقَدَّمُ "مَا لا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فِي الآحَادِ" يَعْنِي أَنَّ الْوَاحِدَ إذَا انْفَرَدَ بِحَدِيثٍ لا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَانْفَرَدَ آخَرُ بِحَدِيثٍ تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى؛ لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَإِنَّ مَا لا3 تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى يُقَدَّمُ "عَلَى مَا تَعُمُّ بِهِ" الْبَلْوَى4؛ لأَنَّ مَا لَمْ5 تَعُمَّ بِهِ الْبَلْوَى أَبْعَدُ مِنْ الْكَذِبِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى؛ لأَنَّ تَفَرُّدَ الْوَاحِدِ بِنَقْلِ مَا تَتَوَفَّرُ6 الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ يُوهِمُ الْكَذِبَ7.
"وَ" الشَّيْءُ الرَّابِعُ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْهُ. فَيُقَدَّمُ "مَا" أَيْ حَدِيثٌ "لَمْ يُنْكِرْهُ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ" عَلَى مَا أَنْكَرَهُ
__________
1 انظر: جمع الجوامع 2/365.
2 في ش: يتطرق إليه.
3 ساقطة من ض.
4 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/312، الإحكام للآمدي 4/249، 264، المحصول 2/2/592، شرح تنقيح الفصول ص 425، إرشاد الفحول ص 279، فواتح الرحموت 2/206.
5 في ض: لا.
6 في ب: يتوفر.
7 ساقطة من ض.(4/657)
مُطْلَقًا1.
"وَ" يُقَدَّمُ "مَا أَنْكَرَهُ" الْمَرْوِيُّ عَنْهُ2 حَالَ كَوْنِ إنْكَارِهِ "نِسْيَانًا" عَلَى مَا قَالَ عَنْهُ: إنَّهُ مُتَحَقِّقٌ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ3، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "عَلَى ضِدِّهِمَا".
قَالَ الْعَضُدُ: التَّرْجِيحُ بِحَسَبِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ: هُوَ أَنْ لا يَثْبُتَ إنْكَارُهُ4 لِرِوَايَتِهِ5، 6عَلَى مَا ثَبَتَ إنْكَارُهُ7 لِرِوَايَتِهِ وَهَذَا8 يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ مَا لَمْ يَقَعْ لِرَاوِيهِ9 إنْكَارٌ لَهُ، وَمَا لَمْ يَقَعْ لِلنَّاسِي10 إنْكَارٌ لِرِوَايَتِهِ11، وَاللَّفْظُ مُحْتَمَلٌ. وَالْوَجْهَانِ مَذْكُورَانِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ، لَكِنْ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى هُوَ
__________
1 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/312، جمع الجوامع 2/365، الإحكام للآمدي 4/249، المحصول 2/2/564، فواتح الرحموت 2/206، تيسير التحرير 3/161، 165، التلويح على التوضيح 3/53، إرشاد الفحول ص 278، الوسيط ص 631.
2 ساقطة من ض.
3 انظر: الإحكام للآمدي 4/249.
4 في ش ض ب: انكاراً.
5 في مختصر ابن الحاجب: لرواته.
6 ساقطة من ش.
7 في ز: إنكار.
8 في ش: وهو.
9 في ز والعضد على ابن الحاجب: لرواته، وفي ض: لرواية.
10 في ش: للناسي، وفي ع: إنكار للناس.
11 في ع والعضد عل ابن الحاجب: لرواته.(4/658)
الأَوَّلُ1. انْتَهَى.
النَّوْعُ الثَّانِي مِمَّا يَقَعُ فِيهِ التَّرْجِيحُ بَيْنَ مَنْقُولَيْنِ "الْمَتْنُ".
وَ "يُرَجَّحُ" مِنْهُ "نَهْيٌ" عَلَى "أَمْرٍ" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ النَّهْيُ2 عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ الأَمْرُ لِشِدَّةِ الطَّلَبِ فِيهِ؛ لاقْتِضَائِهِ لِلدَّوَامِ3، حَتَّى قَالَ كَثِيرٌ مِمَّنْ4 قَالَ: الأَمْرُ لا يُفِيدُ التَّكْرَارَ، قَالَ5: النَّهْيُ يُفِيدُ التَّكْرَارَ؛ وَلأَنَّ دَفْعَ الْمَفْسَدَةِ أَهَمُّ مِنْ جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ.
"وَأَمْرٌ عَلَى مُبِيحٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ خَبَرٌ فِيهِ أَمْرٌ عَلَى خَبَرٍ فِيهِ مُبِيحٌ، لاحْتِمَالِ الضَّرَرِ بِتَقْدِيمِ الْمُبِيحِ بِلا عَكْسٍ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الأَكْثَرِ6.
وَقَالَ الآمِدِيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ وَالْهِنْدِيُّ: يُرَجَّحُ الْمُبِيحُ عَلَى الأَمْرِ؛
__________
1 العضد على ابن الحاجب 2/312.
2 في ب: المنهي.
3 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/312، جمع الجوامع 2/368، الإحكام للآمدي 4/250.
4 ساقطة من ش.
5 في ش: وقال.
6 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/312، جمع الجوامع 2/368، الإحكام للآمدي 4/250، مختصر البعلي ص 170.(4/659)
لاتِّحَادِ مَدْلُولِهِ وَلِعَدَمِ1 تَعْطِيلِهِ، وَإِمْكَانِ تَأْوِيلِ الأَمْرِ2.
فَعَلَى الأَوَّلِ -وَهُوَ تَقْدِيمُ3 الأَمْرِ عَلَى الْمُبِيحِ- يُقَدَّمُ النَّهْيُ عَلَى الْمُبِيحِ، وَعَلَى قَوْلِ الآمِدِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ: عَكْسُهُ، وَهُوَ تَرْجِيحُ4 الْمُبِيحِ عَلَى النَّهْيِ5.
"وَ" يُرَجَّحُ "خَبَرٌ" مَحْضٌ "عَلَى الثَّلاثَةِ" أَيْ عَلَى النَّهْيِ، وَالأَمْرِ، وَالإِبَاحَةِ؛ لأَنَّ دَلالَةَ الْخَبَرِ عَلَى الثُّبُوتِ أَقْوَى مِنْ دَلالَةِ غَيْرِهِ مِنْ الثَّلاثَةِ عَلَيْهِ؛ وَلأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ بِهِ لَزِمَ الْخُلْفُ فِي خَبَرِ الصَّادِقِ6.
"وَ" يُرَجَّحُ لَفْظٌ "مُتَوَاطِئٌ عَلَى" لَفْظٍ "مُشْتَرَكٍ" قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرِهِمَا7.
"وَ" يُرَجَّحُ "مُشْتَرَكٌ قَلَّ مَدْلُولُهُ عَلَى مَا" أَيْ عَلَى مُشْتَرَكٍ "كَثُرَ" مَدْلُولُهُ، فَيَرْجِعُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ عَلَى مُشْتَرَكٍ بَيْنَ ثَلاثِ مَعَانٍ8.
__________
1 في ش: وانعدام.
2 الإحكام للآمدي 4/250، وانظر: حاشية التفتازاني والعضد على ابن الحاجب 2/312.
3 في ض ب: تقدم.
4 في ب: يرجح.
5 انظر: الإحكام للآمدي 4/251.
6 انظر: جمع الجوامع 2/368، الإحكام للآمدي 4/250، 251.
7 انظر: الإحكام للآمدي 4/251.
8 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/313، الإحكام للآمدي 4/251، تيسير التحرير 3/157.(4/660)
"وَ" يُرَجَّحُ مَا1 فِيهِ "مَعْنًى ظَهَرَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى عَكْسِهِ" أَيْ عَلَى2 مَا فِيهِ مَعْنًى لَمْ يَظْهَرْ اسْتِعْمَالُهُ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ وَابْنُ الْبَنَّاءِ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ أَظْهَرَ فِي الاسْتِعْمَالِ، كَمَا ذَكَرْنَا3 فِي " الْحُمْرَةِ " وَأَنَّهَا أَظْهَرُ فِي الشَّفَقِ. انْتَهَى.
"وَ" يُرَجَّحُ مَا4 فِيهِ "اشْتِرَاكٌ بَيْنَ عَلَمَيْنِ عَلَى" مَا فِيهِ اشْتِرَاكٌ بَيْنَ "عَلَمٍ وَمَعْنًى، وَ" مَا فِيهِ اشْتِرَاكٌ "بَيْنَ عَلَمٍ وَمَعْنًى عَلَى5" مَا فِيهِ اشْتِرَاكٌ بَيْنَ "مَعْنَيَيْنِ".
قَالَ الإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْبَيْضَاوِيِّ: الاشْتِرَاكُ بَيْنَ عَلَمَيْنِ خَيْرٌ مِنْ الاشْتِرَاكِ بَيْنَ عَلَمٍ وَمَعْنَى، لأَنَّ الْعَلَمَ يُطْلَقُ عَلَى شَخْصٍ مَخْصُوصٍ. فَإِنَّ الْمُرَادَ عَلَمُ الشَّخْصِ لا عَلَمُ الْجِنْسِ6، وَالْمَعْنَى يَصْدُقُ عَلَى أَشْخَاصٍ كَثِيرَةٍ، فَكَانَ اخْتِلالُ الْفَهْمِ بِجَعْلِهِ
__________
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ب.
3 في ض: ذكر.
4 ساقطة من ب.
5 ساقطة من ب.
6 عبارة الإسنوي: فإن المراد إنما هو العلم الشخصي لا الجنس.(4/661)
مُشْتَرَكًا بَيْنَ عَلَمَيْنِ أَقَلَّ1، فَكَانَ أَوْلَى. مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ [شَخْصٌ] 2: رَأَيْت أَسْوَدَيْنِ3، فَحَمَلَهُ عَلَى شَخْصَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا [اسْمُهُ] 4 أَسْوَدُ5: أَوْلَى مِنْ [حَمْلِهِ عَلَى] 6 شَخْصٍ اسْمُهُ أَسْوَدُ7، وَالآخَرُ8 لَوْنُهُ أَسْوَدُ، وَالاشْتِرَاكُ بَيْنَ9 عَلَمٍ، وَمَعْنَى خَيْرٌ مِنْ الاشْتِرَاكِ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ لِقِلَّةِ الإِخْلالِ10 فِيهِ. مِثَالُهُ11: رَأَيْت12 الأَسْوَدَيْنِ أَيْضًا، فَحَمْلُهُ عَلَى الْعَلَمِ وَالْمَعْنَى: أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى شَخْصَيْنِ لَوْنُهُمَا أَسْوَدُ 13.
"وَ" يُرَجَّحُ "مَجَازٌ عَلَى مَجَازٍ" آخَرَ بِأَسْبَابٍ:
__________
1 في ض د: خير من الاشتراك بين علم ومعنى، لأن العلم يطلق على شخص مخصوص.
2 زيادة من الإسنوي.
3 في الإسنوي: الأسودين.
4 زيادة من الإسنوي.
5 في الإسنوي: الأسود.
6 زيادة من الإسنوي.
7 في الإسنوي: الأسود.
8 في الإسنوي: وآخر.
9 في ب: من.
10 في ض: الاختلال، وفي الإسنوي: الاشتراك.
11 في الإسنوي: ومثاله.
12 ساقطة من ض.
13 نهاية السول للإسنوي، شرح منهاج الوصول للبيضاوي 1/369.(4/662)
مِنْهَا: التَّرْجِيحُ "بِشُهْرَةِ عَلاقَتِهِ" وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ الْعَلاقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِيقَةِ أَشْهَر مِنْ الْعَلاقَةِ بَيْنَ الْمَجَازِ الآخَرِ وَالْحَقِيقَةِ1. مِثْلُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِنْ بَابِ الْمُشَابَهَةِ، وَالآخَرُ مِنْ بَابِ2 اسْمِ الْمُتَعَلِّقِ.
"وَ" مِنْهَا التَّرْجِيحُ "بِقُوَّتِهَا" أَيْ قُوَّةِ الْعَلاقَةِ، بِأَنْ يَكُونَ مُصَحِّحُ أَحَدِ الْمَجَازَيْنِ أَقْوَى مِنْ مُصَحِّحِ الآخَرِ3. كَإِطْلاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ، وَبِالْعَكْسِ، فَإِنَّ الْعَلاقَةَ الْمُصَحَّحَةَ فِي الأَوَّلِ: أَقْوَى مِنْ الْعَلاقَةِ الْمُصَحَّحَةِ فِي الثَّانِي.
4"وَ" مِنْهَا التَّرْجِيحُ "بِقُرْبِ جِهَتِهِ" أَيْ جِهَةِ أَحَدِ الْمَجَازَيْنِ إلَى الْحَقِيقَةِ. كَحَمْلِ نَفْيِ الذَّاتِ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ. فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ نَفْيِ الْكَمَالِ5.
"وَ" مِنْهَا التَّرْجِيحُ "بِرُجْحَانٍ عَلَى دَلِيلِهِ6" أَيْ بِأَنْ يَكُونَ دَلِيلُ أَحَدِ الْمَجَازَيْنِ رَاجِحًا عَلَى دَلِيلِ الْمَجَازِ الآخَرِ. وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ
__________
1 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/313، المحصول 2/2/575، فواتح الرحموت 2/205، تيسير التحرير 3/157.
2 ساقطة من ض.
3 انظر: الإحكام للآمدي 4/251، فواتح الرحموت 2/205.
4 ساقطة من ب.
5 انظر: فواتح الرحموت 2/205، تيسير التحرير 3/157.
6 في ش: على دليله.(4/663)
الْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ1 فِي أَحَدِهِمَا قَطْعِيَّةً، وَفِي الآخَرِ غَيْرَ قَطْعِيَّةٍ2.
"وَ" مِنْهَا التَّرْجِيحُ "بِشُهْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ" وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمَجَازَيْنِ مَشْهُورَ الاسْتِعْمَالِ3، فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَشْهُورِ الاسْتِعْمَالِ4.
"وَ" يُرَجَّحُ "مَجَازٌ عَلَى مُشْتَرَكٌ" يَعْنِي أَنَّهُ إذَا وَرَدَ اسْمٌ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ وَ5عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ: كَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ أَرْجَحَ6، صَحَّحَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ؛ لأَنَّ الاشْتِرَاكَ يُخِلُّ بِالتَّفَاهُمِ، وَلِحَاجَةِ الْمُشْتَرَكِ إلَى قَرِينَتَيْنِ بِحَسَبِ مَعْنَيَيْهِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْهِ يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ مُخَصِّصَةٍ لَهُ7، إذْ لا تَرْجِيحَ لِوَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْهِ عَلَى الآخَرِ حِينَئِذٍ8، كَالْعَيْنِ، فَإِنَّهَا9 تَحْتَاجُ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْبَاصِرَةِ إلَى قَرِينَةٍ
__________
1 في ب ز: الصادقة.
2 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/313.
3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/313، الإحكام للآمدي 4/251، فواتح الرحموت 2/205، تيسير التحرير 3/157.
4 ساقطة من ض.
5 ساقطة من ش.
6 انظر: جمع الجوامع 2/379، العضد على ابن الحاجب 2/313، الإحكام للآمدي 4/251.
7 ساقطة من ض.
8 ساقطة من ش.
9 في ض ع: فإنها حينئذ.(4/664)
تُخَصِّصُهَا، وَكَذَلِكَ1 اسْتِعْمَالُهَا فِي الْجَارِيَةِ، بِخِلافِ الْمَجَازِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ فِي مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ، وَلا يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ كَالأَسَدِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقَرِينَةِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ، وَلا يَحْتَاجُ إلَيْهَا عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ2، وَالْمَجَازُ أَغْلَبُ وُقُوعًا. قَالَ3 ابْنُ جِنِّي: أَكْثَرُ اللُّغَةِ مَجَازٌ، وَأَيْضًا: فَهُوَ مِنْ حَيْثِيَّةِ الْبَلاغَةِ4 وَمَا يَتْبَعُهَا أَبْلَغُ5، نَحْوَ زَيْدٌ أَسَدٌ6، زَيْدٌ بَحْرٌ، وَأَوْفَقُ7 حِينَئِذٍ8 لِلطِّبَاعِ9 وَأَوْجَزُ إذْ ذَاكَ10.
"وَ" يُرَجَّحُ "تَخْصِيصٌ عَلَى مَجَازٍ" يَعْنِي أَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ الْكَلامُ أَنْ11 يَكُونَ فِيهِ12 تَخْصِيصٌ وَمَجَازٌ، فَحَمْلُهُ عَلَى التَّخْصِيصِ أَرْجَحُ. قَطَعَ بِهِ ابْنُ مُفْلِحٍ؛ لِتَعَيُّنِ الْبَاقِي مِنْ الْعَامِّ بَعْدَ
__________
1 في ش: وكذا، وفي ز: ولذلك.
2 في ع: الفريس.
3 في ز: وقال.
4 في ع ب ز: فن البلاغة.
5 في ض ش: أغلب.
6 ساقطة من ب.
7 في ع: ووافق.
8 ساقطة من ب ش ز.
9 في ع: الطباع.
10 ساقطة من ب ش ز.
11 في ع: بأن.
12 ساقطة من ب.(4/665)
التَّخْصِيصِ، بِخِلافِ الْمَجَازِ. فَإِنَّهُ قَدْ لا يَتَعَيَّنُ، بِأَنْ يَتَعَدَّدَ وَلا قَرِينَةَ تُعَيِّنُهُ1.
مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} 2 فَقَالَ الْحَنَفِيُّ: أَيْ مِمَّا لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ ذَبْحِهِ، وَخُصَّ مِنْهُ النَّاسِي لَهَا، فَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ3: أَيْ مِمَّا لَمْ يُذْبَحْ، تَعْبِيرًا عَنْ الذَّبْحِ بِمَا يُقَارِنُهُ غَالِبًا مِنْ التَّسْمِيَةِ، فَلا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمُتَعَمِّدِ تَرْكُهَا عَلَى الأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. قَالَهُ الْمَحَلِّيُّ انْتَهَى4.
"وَهُمَا" أَيْ وَيُرَجَّحُ5 التَّخْصِيصُ وَالْمَجَازُ "عَلَى إضْمَارٍ" لِقِلَّةِ الإِضْمَارِ6.
وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الإِضْمَارُ عَلَيْهِمَا7، وَقِيلَ: الْمَجَازُ وَالإِضْمَارُ8 سَوَاءٌ.
__________
1 في ض ب: تعين، وفي ع: تعين ذاك.
2 الآية 121 من الأنعام.
3 ساقطة من ب.
4 ساقطة من ش ب.
5 في ض: وترجيح.
6 انظر: المحصول 2/2/574، إرشاد الفحول ص 278.
7 في ض: عليه.
8 في ض ع ز: الاضمار والمجاز.(4/666)
"وَالثَّلاثَةُ" أَيْ: وَتُرَجَّحُ1 الثَّلاثَةُ، وَهِيَ2 التَّخْصِيصُ وَالْمَجَازُ وَالإِضْمَارُ "عَلَى نَقْلٍ" لأَنَّهُ إبْطَالٌ كَالنَّسْخِ.
وَالْمُرَادُ بِالنَّقْلِ: الْمَنْقُولُ مِنْ اللُّغَةِ إلَى الشَّرْعِ، وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى الْمَنْقُولِ إلَيْهِ، مَعَ مُنَاسَبَتِهِ3 بَيْنَ الْمَعْنَى الْمَنْقُولِ عَنْهُ، وَالْمَعْنَى الْمَنْقُولِ إلَيْهِ.
"وَهُوَ عَلَى مُشْتَرَكٍ" يَعْنِي أَنَّ النَّقْلَ الْمَذْكُورَ يُقَدَّمُ عَلَى الاسْمِ الْمُشْتَرَكِ؛ لإِفْرَادِهِ فِي الْحَالَيْنِ كَزَكَاةٍ.
"وَ" تُرَجَّحُ4 "حَقِيقَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَالأَشْهَرُ مِنْهَا وَمِنْ مَجَازٍ، عَلَى عَكْسِهِنَّ" يَعْنِي أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا تُقَدَّمُ عَلَى عَكْسِهَا، وَهِيَ الْحَقِيقَةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا، وَالأَشْهَرُ مِنْ الْحَقِيقَةِ يُقَدَّمُ عَلَى عَكْسِهِ5، وَهُوَ غَيْرُ الأَشْهَرِ مِنْهَا6، وَالأَشْهَرُ مِنْ الْمَجَازِ يُقَدَّمُ عَلَى عَكْسِهِ7، وَهُوَ غَيْرُ الأَشْهَرِ مِنْهُ8 سَوَاءٌ كَانَتْ الشُّهْرَةُ فِي اللُّغَةِ أَوْ الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ.
__________
1 في ب: وترجيح.
2 في ش: وهو.
3 في ش ض ع: مناسبة.
4 في ب: ويرجح.
5 انظر: الإحكام للآمدي 4/251، المحصول 2/2/373.
6 في ب: منه.
7 ساقطة من ش.
8 ساقطة من ش ب ض.(4/667)
"وَ" يُرَجَّحُ اسْمٌ "لُغَوِيٌّ مُسْتَعْمَلٌ شَرْعًا فِي" مَعْنًى "لُغَوِيٍّ عَلَى مَنْقُولٍ شَرْعِيٍّ" يَعْنِي أَنَّ اللَّفْظَ اللُّغَوِيَّ الْمُسْتَعْمَلَ شَرْعًا فِي مَعْنَاه اللُّغَوِيِّ يُرَجَّحُ1 عَلَى الْمَنْقُولِ الشَّرْعِيِّ؛ لأَنَّ الأَصْلَ مُوَافَقَةُ الشَّرْعِ لِلُّغَةِ 2.
"وَيُرَجَّحُ مُنْفَرِدًا3" يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَ الشَّارِعُ لَفْظًا لُغَوِيًّا فِي مَعْنًى شَرْعِيٍّ4 فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي اللُّغَةِ لِمَعْنًى5.
قَالَ6 فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا: وَيُرَجَّحُ مُنْفَرِدًا7، فَإِنَّ الْمَعْهُودَ مِنْ الشَّارِعِ: إطْلاقُ اللَّفْظِ فِي مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ، وَلِذَلِكَ قُدِّمَ.
__________
1 في ش ز: مرجح.
2 في ع ب ز: اللغة.
وانظر: العدة 1/189، العضد على ابن الحاجب 2/313، الإحكام للآمدي 4/252، المحصول 2/2/574، تيسير التحرير 3/157، إرشاد الفحول ص 178.
3 في ش ض ز: منفرد.
4 في ش ض ع: معناه الشرعي.
5 انظر: نهاية السول 3/213، الإحكام للآمدي 4/252، المحصول 2/2/574.
6 في ض: وقال.
7 في ش ض ز: منفرد.(4/668)
"وَ" يُرَجَّحُ "مَا قَلَّ مَجَازُهُ" عَلَى مَا كَثُرَ مَجَازُهُ، لأَنَّهُ بِكَثْرَةِ1 الْمَجَازِ يَضْعُفُ، فَلِذَلِكَ قُدِّمَ مَا قَلَّ مَجَازُهُ2، وَهَذِهِ الصُّورَةُ ذَكَرَهَا ابْنُ مُفْلِحٍ.
"أَوْ" عُطِفَ عَلَى " مَا " 3يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ مَا "تَعَدَّدَتْ جِهَةُ دَلالَتِهِ، أَوْ تَأَكَّدَتْ" بِأَنْ كَانَتْ4 أَقْوَى عَلَى مَا اتَّحَدَتْ جِهَةُ5 دَلالَتِهِ، أَوْ كَانَتْ أَضْعَفَ6.
"أَوْ كَانَتْ" دَلالَتُهُ "مُطَابِقَةً" عَلَى مَا كَانَتْ دَلالَتُهُ دَلالَةَ الْتِزَامٍ7. قَالَهُ الْعَضُدُ8.
قَالَ الأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ: وَيُرَجَّحُ أَحَدُ الْمُتَعَارِضَيْنِ خَاصًّا عُطِفَ عَلَى عَامٍّ تَنَاوَلَهُ، وَالْمُعَارِضُ9 الآخَرُ
__________
1 في ع: الكثرة.
2 انظر: الإحكام للآمدي 4/252.
3 في ب: معنى.
4 في ش: كان.
5 في ب: جهته.
6 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/313، الإحكام للآمدي 4/252، إرشاد الفحول ص 278.
7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/314، الإحكام للآمدي 4/252، تيسير التحرير 3/158.
8 في ش: قال.
9 في ع: فالمعارض من.(4/669)
خَاصًّا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ1 الْخَاصَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى الْعَامِّ آكَدُ لِدَلالَتِهِ2 بِدَلالَةِ الْعَامِّ عَلَيْهِ، مِثْلَ قَوْله تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} 3. انْتَهَى.
"وَ" يُرَجَّحُ "فِي اقْتِضَاءٍ بِضَرُورَةِ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ضَرُورَةُ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ. مِثْلَ "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ "4 "عَلَى" مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ 5وُقُوعُهُ الشَّرْعِيُّ وَالْعَقْلِيُّ، نَظَرًا إلَى بُعْدِ6 الْكَذِبِ فِي كَلامِ الشَّارِعِ7.
وَيُرَجَّحُ فِي اقْتِضَاءِ "ضَرُورَةُ وُقُوعِهِ" شَرْعًا أَوْ عَقْلاً. مِثْلَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي، أَوْ مِثْلَ: صَعِدْت السَّطْحَ؛ لأَنَّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِدْقُ الْمُتَكَلِّمِ أَوْلَى مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُقُوعُهُ الشَّرْعِيُّ وَالْعَقْلِيُّ، نَظَرًا
__________
1 في ب: قال.
2 في ش ب: دلالة، وفي ض ع ز: دلالته.
3 الآية 238 من البقرةن وفي ش تتمة الآية: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} .
4 سبق تخريج هذا الحديث "1/436هـ، 512، 2/31هـ، 60، 3/198، 202، 424".
5 ساقطة من ش ب ز، وفي د ض: وقوع الشرع والعقل....
6 في ع ب: أبعد.
7 عبر العضد عن ذلك فقال: "إذا تعارض نصاص يدلان بالاقتضاء، فأحدهما لضرورة الصدق، والآخر لضرورة وقوعه شرعياً، قدم الأول، لأن الصدق أتم من وقوعه شرعاً" "العضد على ابن الحاجب 2/314".
وانظر: الإحكام للآمدي 4/252، فواتح الرحموت 2/205.(4/670)
إلَى بُعْدِ1 الْكَذِبِ فِي كَلامِ الشَّرْعِ2.
"وَ" يُرَجَّحُ فِي اقْتِضَاءٍ "بِضَرُورَةِ وُقُوعِهِ عَقْلاً عَلَيْهَا" أَيْ عَلَى ضَرُورَةِ وُقُوعِهِ "شَرْعًا" قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ.
"وَ" يُرَجَّحُ "فِي إيمَاءٍ بِمَا" أَيْ بِلَفْظٍ "لَوْلاهُ لَكَانَ فِي الْكَلامِ عَبَثٌ أَوْ حَشْوٌ عَلَى غَيْرِهِ" مِنْ أَقْسَامِ الإِيمَاءِ3. مِثْلُ: أَنْ يَذْكُرَ الشَّارِعُ مَعَ الْحُكْمِ4 وَصْفًا، لَوْ5 لَمْ يُعَلِّلْ الْحُكْمَ6 بِهِ لَكَانَ ذِكْرُهُ عَبَثًا أَوْ حَشْوًا، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الإِيمَاءِ بِمَا رُتِّبَ فِيهِ الْحُكْمُ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ؛ لأَنَّ نَفْيَ الْعَبَثِ و7َالْحَشْوِ مِنْ كَلامِ الشَّارِعِ أَوْلَى8.
"وَ" يُرَجَّحُ "مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ عَلَى" مَفْهُومِ "مُخَالَفَةٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُقَدَّمُ مَا دَلَّ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى مَا دَلَّ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ9؛ لأَنَّ
__________
1 في ع ب ز: أبعد.
2 في ض ز: الشارع، وانظر: الإحكام للآمدي 4/253.
3 انظر: الإحكام للآمدي 4/253.
4 في ش: وصف الحكم.
5 في ع ب: ولو.
6 ساقطة من ش.
7 في ز: أو.
8 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/314.
9 انظر: جمع الجوامع 2/368، نهاية السول 3/219، الإحكام للآمدي 4/253، تيسير التحرير 3/156، العضد على ابن الحاجب 2/314، إرشاد الفحول ص 279.(4/671)
الْمُوَافَقَةَ بِاتِّفَاقٍ فِي دَلالَتِهَا عَلَى الْمَسْكُوتِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي جِهَتِهِ1: هَلْ هُوَ بِالْمَفْهُومِ، أَوْ بِالْقِيَاسِ، أَوْ مَجَازٌ بِالْقَرِينَةِ، أَوْ مَنْقُولٌ عُرْفِيٌّ؟.
وَقَالَ الآمِدِيُّ: وَقَدْ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ الْمُخَالَفَةِ لِفَائِدَةِ التَّأْسِيسِ2.
وَاخْتَارَهُ الْهِنْدِيُّ3.
"وَ" يُرَجَّحُ "اقْتِضَاءٌ عَلَى إشَارَةٍ وَإِيمَاءٍ وَمَفْهُومٍ"4.
"وَ" يُرَجَّحُ "إيمَاءٌ عَلَى مَفْهُومٍ".
قَالَ الأَصْفَهَانِيُّ: أَمَّا تَقْدِيمُهُ - أَيْ: الاقْتِضَاءِ - عَلَى الإِشَارَةِ؛ فَلأَنَّ الاقْتِضَاءَ مَقْصُودٌ بِإِيرَادِ اللَّفْظِ صِدْقًا أَوْ حُصُولاً5. وَيَتَوَقَّفُ الأَصْلُ عَلَيْهِ، بِخِلافِ الإِشَارَةِ، فَإِنَّهَا لَمْ6 تُقْصَدْ بِإِيرَادِ اللَّفْظِ، وَإِنْ تَوَقَّفَ الأَصْلُ عَلَيْهَا. وَأَمَّا تَرْجِيحُهُ عَلَى الإِيمَاءِ: فَلأَنَّ الإِيمَاءَ،
__________
1 في ض: جهة.
2 الإحكام للآمدي 4/253 مع الاختصار.
3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/314، جمع الجوامع 2/368، نهاية السول 3/219، إرشاد الفحول ص 279.
4 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/314، جمع الجوامع 2/367، الإحكام للآمدي 4/254.
5 في ش: عموماً أو حصولاً.
6 ساقطة من ش.(4/672)
وَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا بِإِفْرَادِ اللَّفْظِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَتَوَقَّفْ الأَصْلُ عَلَيْهِ، 1وَأَمَّا تَرْجِيحُهُ عَلَى الْمَفْهُومِ: فَلأَنَّ الاقْتِضَاءَ مَقْطُوعٌ بِثُبُوتِهِ، وَالْمَفْهُومُ مَظْنُونٌ ثُبُوتُهُ2، وَلِذَلِكَ3 لَمْ يَقُلْ بِالْمَفْهُومِ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِالاقْتِضَاءِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا كَوْنُ الإِيمَاءِ مُقَدَّمًا عَلَى الْمَفْهُومِ فَلِقِلَّةِ مُبْطِلاتِهِ. قَالَهُ الآمِدِيُّ4.
"وَتَنْبِيهٌ كَنَصٍّ" أَوْ أَقْوَى "فِي قَوْلِ" الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّهُ قَالَ عَنْ تَقْدِيمِ أَبِي الْخَطَّابِ النَّصَّ عَلَى التَّنْبِيهِ: لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لأَنَّهُ مِثْلُهُ أَوْ أَقْوَى5. وَقَالَ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ مَسْأَلَةٍ فِي الْوَقْفِ: فَإِنْ نَقَلَ نَصِيبَ الْمَيِّتِ إلَى ذَوِي طَبَقَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ6 دُونَ سَائِرِ أَهْلِ الْوَقْفِ: تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ يُنْقَلُ7 إلَى وَلَدِهِ إنْ كَانَ حِينَئِذٍ8 لَهُ وَلَدٌ، فَالتَّنْبِيهُ9 حِينَئِذٍ10: دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْ
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ز: بثبوته.
3 في ب: وكذلك.
4 أنظر: الإحكام للآمدي 4/254، جمع الجوامع 2/268.
5 المسودة ص 383.
6 في ش: والد.
7 في ز: بنقله.
8 ساقطة من ش ب ز، ومشطوب عليها في ع.
9 في ب ز: والتنبيه، وفي ش: التنبيه.
10 ساقطة من ش.(4/673)
النَّصِّ، حَتَّى فِي شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ انْتَهَى1.
"وَ" يُرَجَّحُ "تَخْصِيصُ عَامٍّ عَلَى تَأْوِيلِ خَاصٍّ، وَخَاصٍّ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ عَلَى عَامٍّ، وَعَامٍّ لَمْ يُخَصَّصْ أَوْ قَلَّ تَخْصِيصُهُ عَلَى عَكْسِهِ".
أَمَّا2 تَرْجِيحُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ عَلَى تَأْوِيلِ الْخَاصِّ3: فَلأَنَّ4 تَخْصِيصَ الْعَامِّ كَثِيرٌ5، وَتَأْوِيل الْخَاصِّ لَيْسَ بِكَثِيرٍ. وَلأَنَّ الدَّلِيلَ لَمَّا دَلَّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْبَعْضِ تَعَيَّنَ كَوْنُ الْبَاقِي مُرَادًا، وَإِذَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ الْخَاصَّ أَقْوَى غَيْرُ مُرَادٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِهَذَا6 التَّأْوِيلِ7.
وَأَمَّا كَوْنُ الْخَاصِّ - وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ - يُقَدَّمُ8 عَلَى الْعَامِّ مُطْلَقًا؛ فَلأَنَّ9 الْخَاصَّ أَقْوَى دَلالَةً مِنْ الْعَامِّ10. وَكَذَا11 كُلُّ
__________
1 ساقطة من ش ض.
2 في ض: فأما.
3 في ب: التأويل.
4 في ض ع ب ز: لأن.
5 في ش: كثيراً.
6 في ع ب ز: هذا.
7 أنظر: العضد على ابن الحاجب 2/314، نهاية السول 3/219، فواتح الرحموت 2/206، تيسير التحرير 3/159، إرشاد الفحول ص 279.
8 في ض: يقوم.
9 في ض ع ب ز: لأن.
10 في ش: العام مطلقاً.
11 في ش ز: فكذا، وفي ع: وكذلك(4/674)
مَا هُوَ أَقْرَبُ1.
وَأَمَّا كَوْنُ الْعَامِّ الَّذِي لَمْ يُخَصَّصْ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ الَّذِي خُصِّصَ: فَلأَنَّ الْعَامَّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً، بِخِلافِ الْعَامِّ الْبَاقِي عَلَى عُمُومِهِ2.
"وَمُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ: كَعَامٍّ وَخَاصٍّ" يَعْنِي: أَنَّ حُكْمَ الْمُطْلَقِ مَعَ الْمُقَيَّدِ فِي التَّرْجِيحِ: كَحُكْمِ الْعَامِّ مَعَ الْخَاصِّ، فَيُقَدَّمُ الْمُقَيَّدُ -وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ- عَلَى الْمُطْلَقِ. وَيُقَدَّمُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ
__________
1 إن تقديم الخاص على العام هو من باب الجمع بينهما، المعروف بالتخصيص، وهو بأن يعمل بالخاص فيما تناوله، ويعمل بالعام فيما بقي، ومع ذلك تناول كثير من علماء الأصول هذا الموضوع في باب الترجيح، وقالوا بترجيح الخاص على العام.
أنظر: العضد على ابن الحاجب 2/314، نهاية السول 3/212، الإحكام للآمدي 4/254. المحصول 2/2/551، 572، المستصفى 2/296، البرهان 2/1190، شرح تنقيح الفصول ص 421، تيسير التحرير 3/158، 159، إرشاد الفحول ص 278.
2 نقل إمام الحرمين الجويني ترجيح العام الذي لم يخصص على العام الذي خصص عن المحققين، وجزم به سليم الرازي، وهو قول جمهور العلماء، لكن ابن السبكي قال: "وعندي عكسه" أي بترجيح العام اذلي خصص، وهو قول الهندي أيضاً.
أنظر: العدة 3/1035، العضد على ابن الحاجب 2/314، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/367، نهاية السول 3/212، الإحكام للآمدي 4/255، المحصول 2/2/575، فواتح الرحموت 2/204، تيسير التحرير 3/159، البرهان 2/1198، إرشاد الفحول ص 278.(4/675)
مُقَيَّدٌ عَلَى مَا خَرَجَ1 مِنْهُ. قَالَهُ الْعَضُدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى2.
"وَ" يُرَجَّحُ أَيْضًا3 "عَامٌّ شَرْطِيٌّ كَمَنْ وَمَا" الشَّرْطِيَّتَيْنِ "وَأَيُّ4 عَلَى غَيْرِهِ" مِنْ الْعَامِّ غَيْرِ الشَّرْطِيِّ5. يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ صِيَغُ الْعُمُومِ فَصِيغَةُ الشَّرْطِ الصَّرِيحِ -كَمَنْ، وَمَا، وَأَيُّ- تَقَدَّمَ6 عَلَى صِيغَةِ النَّكِرَةِ الْوَاقِعَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَغَيْرِهَا. كَالْجَمْعِ الْمُحَلَّى بِالأَلِفِ وَاللاَّمِ7 وَالْمُضَافِ وَنَحْوِهِمَا، لِدَلالَةِ الأَوْلَى8 عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ عِلَّةً لِلْحُكْمِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ9 أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ مِمَّا10 لا عِلَّةَ فِيهِ. إذْ لَوْ أَلْغَيْنَا11 الْعَامَّ الشَّرْطِيَّ كَانَ إلْغَاءً لِلْعِلَّةِ، بِخِلافِ الْعَامِّ غَيْرِ12 الشَّرْطِيِّ، فَإِنَّهُ لا
__________
1 في ض ش: أخرج.
2 العضد على ابن الحاجب 2/314.
3 ساقطة من ش ب ز.
4 ساقطة من ض ب ع ز.
5 أنظر: العضد على ابن الحاجب 2/314، جمع الجوامع 2/367، نهاية السول 3/219، الإحكام للآمدي 4/255، فواتح الرحموت 2/205، تيسير التحرير 3/158، إرشاد الفحول ص 279.
وفي ع: بالشرط.
6 في ب: يقدم.
7 في ز: المعرف.
8 في ع ز: الأول.
9 ساقطة من ش ب ز.
10 في ز: فيما.
11 في ض ع: قلنا بإلغاء.
12 في ض: على غير.(4/676)
يَلْزَمُ مِنْهُ إلْغَاءُ الْعِلَّةِ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمَحْصُولِ مِنْ أَنَّ عُمُومَ الأَوَّلِ بِالْوَضْعِ، وَالثَّانِي بِالْقَرِينَةِ1.
"وَ" يُرَجَّحُ أَيْضًا2 "جَمْعٌ وَاسْمُهُ" أَيْ: اسْمُ3 الْجَمْعِ حَالَ كَوْنِهِمَا "مُعَرَّفَيْنِ بِاللاَّمِ، وَمَنْ وَمَا عَلَى الْجِنْسِ بِاللاَّمِ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ الْجَمْعُ وَاسْمُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفَانِ بِاللاَّمِ وَمَنْ وَمَا عَلَى اسْمِ الْجِنْسِ الْمُعَرَّفِ بِاللاَّمِ4؛ لأَنَّ الْجِنْسَ الْمُحَلَّى بِاللاَّمِ اخْتَلَفَ الْمُحَقِّقُونَ فِي عُمُومِهِ، بِخِلافِ الْجَمْعِ، وَاسْمِهِ الْمُعَرَّفِ5 بِاللاَّمِ وَمَنْ وَمَا؛ وَلأَنَّ الْجَمْعَ، وَاسْمَهُ لا يَحْتَمِلُ الْعَهْدَ، أَوْ يَحْتَمِلُهُ عَلَى بُعْدٍ، بِخِلافِ اسْمِ الْجِنْسِ الْمُحَلَّى بِاللاَّمِ، فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ6 لِلْعَهْدِ احْتِمَالاً قَرِيبًا.
"وَ" يُرَجَّحُ مَتْنُ7 "فَصِيحٌ عَلَى غَيْرِهِ" أَيْ: عَلَى مَتْنٍ لَمْ
__________
1 أنظر: المحصول 1/2/525 وما بعدها.
وهنا قول ثان بترجيح العام بصيغة النكرة النفية على العام الشرطي، لبعد التخصيص في الأول بقوة عمومها دون الثاني.
أنظر: المحلي على جمع الجوامع 2/366، الإحكام للآمدي 4/255.
2 ساقطة من ب ش ز.
3 في ع ب ز: واسم.
4 أنظر: العضد على ابن الحاجب 2/314، الإحكام للآمدي 4/256، فواتح الرحموت 2/205، تيسير التحرير 3/158، إرشاد الفحول ص 279.
5 في ز: المعرفان.
6 في ض ز: يحتمل.
7 ساقطة من ش.(4/677)
يَسْتَكْمِلْ شُرُوطَ الْفَصَاحَةِ1، وَهِيَ - كَمَا ذَكَرَ الْبَيَانِيُّونَ -: سَلامَةُ الْمُفْرَدِ مِنْ تَنَافُرِ الْحُرُوفِ، وَالْغَرَابَةِ، وَمُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ. وَفِي الْمُرَكَّبِ: سَلامَتُهُ مِنْ ضَعْفِ التَّأْلِيفِ، وَتَنَافُرِ الْكَلِمَاتِ، وَالتَّعْقِيدِ، مَعَ فَصَاحَتِهَا. وَمَحَلُّ ذَلِكَ عِلْمُ الْبَيَانِ انْتَهَى2.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا كَانَ فِي اللَّفْظِ الْمَرْوِيِّ رَكَاكَةٌ لا يُقْبَلُ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُقْبَلُ إذَا صَحَّ السَّنَدُ. وَيُحْمَلُ3 عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ رَوَاهُ بِلَفْظِ نَفْسِهِ4.
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ لا يُرَجَّحُ الأَفْصَحُ عَلَى الْفَصِيحِ، وَذَلِكَ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْطِقُ بِالأَفْصَحِ وَبِالْفَصِيحِ، فَلا فَرْقَ بَيْنَ ثُبُوتِهِمَا5 عَنْهُ. وَالْكَلامُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، لا سِيَّمَا إذَا خَاطَبَ مَنْ لا يَعْرِفُ تِلْكَ اللُّغَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِأَفْصَحَ لِقَصْدِ إفْهَامِهِ6.
__________
1 أنظر: جمع الجوامع 2/366، نهاية السول 3/212، المحصول 2/2/572، شرح تنقيح الفصول ص 424.
2 ساقطة من ش ب ز.
3 في ز: يحتمل.
4 أنظر: نهاية السول 3/212.
5 في ض: ثبوتها.
6 قال الإسنوي: "خلافاً لبعضهم" وأيد الشوكاني الترجيح بالأفصح على الفصيح.
أنظر: نهاية السول 3/212، إرشاد الفحول ص 278، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/366، المحصول 2/2/572.(4/678)
النَّوْعُ الثَّالِثُ: مِمَّا يَقَعُ فِيهِ التَّرْجِيحُ بَيْنَ مَنْقُولَيْنِ "الْمَدْلُولُ" أَيْ: مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ مِنْ الأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ الَّتِي هِيَ: الإِبَاحَةُ وَالْكَرَاهَةُ، وَالْحَظْرُ وَالنَّدْبُ وَالْوُجُوبُ.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ. فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ1 "يُرَجَّحُ عَلَى إبَاحَةٍ وَكَرَاهَةٍ وَنَدْبٍ: حَظْرٌ" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ مَا مَدْلُولُهُ الْحَظْرُ عَلَى مَا مَدْلُولُهُ 2 الإِبَاحَةُ؛ لأَنَّ فِعْلَ الْحَظْرِ يَسْتَلْزِمُ مَفْسَدَةً، بِخِلافِ الإِبَاحَةِ، لأَنَّهُ لا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهَا، وَلا تَرْكِهَا مَصْلَحَةٌ، وَلا مَفْسَدَةٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُ وَالْكَرْخِيُّ وَالرَّازِيُّ3، وَذَكَرَهُ4 الآمِدِيُّ عَنْ5 الأَكْثَرِ: لأَنَّهُ6 أَحْوَطُ7، وَاسْتَدَلَّ بِتَحْرِيمِ مُتَوَلِّدٍ
__________
1 ساقطة من ش ب.
2 ساقطة من ش.
3 أنظر: الكافية في الجدل ص 442، العدة 3/1041، المسودة ص 312، الروضة ص 391، مجموع الفتاوى 20/262، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/315، المعتمد 2/848، نهاية السول 3/216، الإحكام للآمدي 4/259، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 234، المحصول 2/2/587، جمع الجوامع 2/367، 369، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 106، التلويح على التوضيح 3/46، 52، فواتح الرحموت 2/206، تيسير التحرير 3/144، 159، مختصر البعلي ص 170، مختصر الطوفي ص 188، إرشاد الفحول ص 279، 283، المدخل إلى مذهب أحمد ص 199، شرح تنقيح الفصول ص 418.
4 في ش: وذكر.
5 في ض: عند.
6 في ش ض: أنه.
7 في ع: الأحوط.(4/679)
بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ1.
وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ وَجَمْعٌ2: تُرَجَّحُ الإِبَاحَةُ عَلَى الْحَظْرِ3.
وَقِيلَ: يَسْتَوِيَانِ. وَيَسْقُطَانِ4.
وَيُرَجَّحُ5 أَيْضًا6 مَا مَدْلُولُهُ الْحَظْرُ عَلَى مَا مَدْلُولُهُ الْكَرَاهَةُ7؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا اجْتَمَعَ الْحَلالُ وَالْحَرَامُ إلاَّ غَلَبَ الْحَرَامُ" 8 لأَنَّهُ أَحْوَطُ.
__________
1 أنظر: الإحكام للآمدي 4/259.
2 في ع: وغيره.
3 حكى هذا القول ابن الحاجب، ونسبه في "فواتح الرحموت" للشيخ محيي الدين بن عربي.
أنظر: العضد على ابن الحاجب 2/315، المحلي على جمع الجوامع 2/369، نهاية السول 3/216، الإحكام للآمدي 4/259، فواتح الرحموت 2/206، شرح تنقيح الفصول ص 417، 418.
4 ساقطة من ش.
وهذا قول عيسى بن أبان الحنفي وأبي هاشم المعتزلي وبعض الشافعية كالغزالي والشيرازي وبعض المالكية.
أنظر: العدة 3/1042، المسودة ص 312، نزهة الخاطر 2/463، مختصر البعلي ص 170، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/369، نهاية السول 3/216، الإحكام للآمدي 4/259، المحصول 2/2/587، فواتح الرحموت 2/206، المستصفى 2/398، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 234.
5 في ش: ويقدمان.
6 ساقطة من ش.
7 أنظر: العضد عل ابن الحاجب 2/315، الإحكام للآمدي 4/260، تيسير التحرير 3/159.
8 قال الحافظ الزين العراقي عن هذا الحديث: "لم أجد له أصلاً" ونقل ابن =(4/680)
وَيُرَجَّحُ أَيْضًا مَا مَدْلُولُهُ الْحَظْرُ عَلَى مَا مَدْلُولُهُ النَّدْبُ؛ لأَنَّ النَّدْبَ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ1 وَالْحَظْرَ2 لِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ، وَدَفْعُ الْمَفْسَدَةِ أَهَمُّ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ فِي نَظَرِ الْعُقَلاءِ3.
وَيُرَجَّحُ أَيْضًا: الْحَظْرُ عَلَى الْوُجُوبِ4.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ لأَنَّ إفْضَاءَ، الْحُرْمَةِ إلَى مَقْصُودِهَا أَتَمُّ، لِحُصُولِهِ بِالتَّرْكِ. فَصَدُّهُ5 أَوْلَى6، بِخِلافِ الْوَاجِبِ.
"وَعَلَى إبَاحَةِ7 نَدْبٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ مَا مَدْلُولُهُ النَّدْبُ عَلَى
__________
= السبكي عن البيهقي أنه قال: رواه جابر الجعفي عن ابن مسعود، وفيه ضعف وانقطاع " وذكره الأكثرون مما لا أصل له.
أنظر: تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 307، كشف الخفا 2/254، أسنى المطالب ص 189.
1 في ش: المصلحة في نظر العقلاء، ويرجح أيضاً.
2 في ش: الخطر.
3 أنظر: مختصر البعلي ص 171، العضد على ابن الحاجب 2/315، الإحكام للآمدي 4/260، تيسير التحرير 3/159.
4 قال الرازي والإسنوي يتعارض الحظر والوجوب، ولا يعمل بأحدهما إلا بمرجح، وجزم الآمدي وابن الحاجب بترجيح الحظر للاعتناء بدفع المفاسد.
أنظر: التمهيد للإسنوي ص 156، الإحكام للآمدي 4/260، العضد على ابن الحاجب 2/315، فواتح الرحموت 2/205، تيسير التحرير 3/159، إرشاد الفحول ص 279.
5 في ش ب ع ض: قصده.
6 في ش ع ب: أولا.
7 في ش: الإباحة.(4/681)
مَا مَدْلُولُهُ الإِبَاحَةُ عِنْدَ الأَكْثَرِ1.
"وَعَلَيْهِ وُجُوبٌ، وَكَرَاهَةٌ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ مَا مَدْلُولُهُ وُجُوبٌ أَوْ كَرَاهَةٌ عَلَى مَا مَدْلُولُهُ النَّدْبُ؛ لأَنَّ تَرْجِيحَهُمَا عَلَيْهِ أَحْوَطُ فِي الْعَمَلِ2.
"وَعَلَى نَفْيٍ: إثْبَاتٌ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُقَدَّمُ مَا مَدْلُولُهُ الإِثْبَاتُ عَلَى مَا مَدْلُولُهُ النَّفْيُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا3.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: يُرَجَّحُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. كَدُخُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
__________
1 وهناك قول آخر بتقديم الإباحة على الندب، لموافقة المباح للأصل.
أنظر: المسودة ص 384، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/369، تيسير التحرير 3/159.
2 أنظر: مختصر البعلي ص 171، المسودة ص 384، العضد على ابن الحاجب 2/315، جمع الجوامع 2/369، تيسير التحرير 3/159.
3 إذا تعارض النفي مع الإثبات ففيه أربعة أقوال، الأول: ترجيح الإثبات على النفي، والثاني: عكسه، وهو تقديم النفي على الإثبات لاعتضاد النفي بالأصل، وأيده الآمدي، والثالث: أنهما سواء، التساوي مرجحيهما، وهو قول القاضي عبد الجبار وعيسى بن أبان والغزالي في "المستصفى" والرابع: التفصيل، وهو ترجيح المثبت إلا في الطلاق والعتاق، فيرجح النفي، كما سيذكره المصنف.
أنظر: العدة 3/1036، المسودة ص 310، الروضة ص 390، نزهة الخاطر 2/362، العضد على ابن الحاجب 2/315، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/368، المستصفى 2/398، المنخول ص 434، المعتمد 2/848، الإحكام للآمدي 4/261، المحصول 2/2/583، وما بعدها، البرهان 2/1200، فواتح الرحموت 2/200، 206، تيسير التحرير 3/144، 161، التوضيح على التنقيح 3/50، إرشاد الفحول ص 279، مختصر البعلي ص 171، مختصر الطوفي ص 188، المدخل إلى مذهب أحمد ص 198.(4/682)
وَسَلَّمَ الْبَيْتَ1. قَالَ بِلالٌ2 " صَلَّى فِيهِ "3 وَقَالَ أُسَامَةُ " لَمْ يُصَلِّ "4 وَكَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ5، فَأُخِذَ بِقَوْلِ بِلالٍ،
__________
1 في ش: البيت الحرام.
2 هو بلال بن رباح الحبشي، مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، ومؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو عبد الله وقيل غير ذلك، أسلم في أول الدّعوة، وأظهر إسلامه، وكان سيده أمية بن خلف يعذبه كثيراً على إسلامه، فيصبر على العذاب، فاشتراه منه أبو بكر، وأعتقه في سبيل الله، وهاجر إلى المدينة وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة، شهد بدراً والمشاهد كلّها، وهو أول من أذّن في الإسلام، وكان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم سفراً وحضراً، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الشام للجهاد، فأقام بها إلى أن توفي بها سنة 20هـ، وقيل غير ذلك، روى عنه جماعات من الصحابة والتابعين، وفضائله كثيرة مشهورة، وأخرج أحاديثه أصحاب الكتب الستة.
أنظر ترجمته في "الإصابة 1/170، أسد الغابة 1/243، تهذيب الأسماء 1/136، الخلاصة 1/140، مشاهير علماء الأمصار ص 50، حلية الأولياء 1/147".
3 حديث بلال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة رواه مفصلاً البخاري ومسلم ومالك والنسائي وابن ماجه والبغوي والدارمي وابن حبان والبيهقي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه سأل بلالاً.. وسبق تخريجه "3/213".
وانظر: سنن أبي داود 1/467، موارد الظمئان ص 252، سنن الدارمي 2/53، السنن الكبرى للبيهقي 2/326، نصب الراية 2/319.
4 حديث أسامة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها، ولم يصل فيه حتى خرج، فلما خرج ركع في قبل البيت ركعتين"، رواه مسلم بهذا اللفظ، وروى الإمام أحمد عن أسامة "أنه صلى فيه".
أنظر: صحيح مسلم بشرح النووي 9/87، مسند أحمد 5/204، 207، نصب الراية 2/320.
5 حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل =(4/683)
وَتُسَنُّ1 الصَّلاةُ فِي الْبَيْتِ الْمُشَرَّفِ.
"وَإِنْ اسْتَنَدَ النَّفْيُ إلَى عَلَمٍ بِالْعَدَمِ" لِعِلْمِهِ بِجِهَاتِ إثْبَاتِهِ "فَسَوَاءٌ" أَيْ: فَيَكُونُ الإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ2 فِي هَذِهِ الصُّورَةِ سَوَاءً. قَالَهُ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ، وَتَبِعَهُ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: إنَّهُ الْمُرَادُ3.
وَمَعْنَى اسْتِنَادِ4 النَّفْيِ إلَى عَلَمٍ بِالْعَدَمِ5 أَنْ يَقُولَ6 الرَّاوِي " أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْبَيْتِ، لأَنِّي كُنْت مَعَهُ فِيهِ. وَلَمْ يَغِبْ عَنْ نَظَرِي طَرْفَةَ عَيْنٍ فِيهِ. وَلَمْ أَرَهُ صَلَّى فِيهِ " انْتَهَى7 أَوْ قَالَ " أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ " أَوْ قَالَ إنْسَانٌ: أَعْلَمُ أَنَّ فُلانًا لَمْ
__________
= البيت ولم يصل" رواه البخاي ومسلم وأبو داود والبيهقي.
أنظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 1/54، صحيح مسلم بشرح النووي 9/87، سنن أبي داود 1/466، سنن البيهقي 2/320، نصب الراية 2/320، فتح الباري 1/420.
1 في ب ض ز غ: سن.
2 في ض ع: النفي والإثبات.
3 أنظر: مختصر الطوفي ص 188، المسودة ص 311، مختصر البعلي ص 171، المدخل إلى مذهب أحمد ص 199.
4 في ش ض ز: اسناد.
5 في ض: بالعدل.
6 في ش: بقول.
7 ساقطة من ش ض ب ز.(4/684)
يَقْتُلْ زَيْدًا؛ لأَنِّي رَأَيْت زَيْدًا1 حَيًّا بَعْدَ مَوْتِ فُلانٍ، فَمِثْلُ هَذَا يُقْبَلُ فِيهِ النَّفْيُ، لاسْتِنَادِهِ2 إلَى مَدْرَكٍ عَلَمِي، فَيَسْتَوِي هُوَ، وَإِثْبَاتُ الْمُثْبِتِ، فَيَتَعَارَضَانِ وَيُطْلَبُ الْمُرَجِّحُ مِنْ خَارِجٍ.
وَكَذَا حُكْمُ3: كُلِّ شَهَادَةٍ نَافِيَةٍ اسْتَنَدَتْ4 إلَى عَلَمٍ بِالنَّفْيِ، فَإِنَّهَا تُعَارِضُ الْمُثْبَتَةَ. لأَنَّهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ مُثْبِتَتَانِ5؛ لأَنَّ إحْدَاهُمَا تُثْبِتُ الْمَشْهُودَ بِهِ وَالأُخْرَى: تُثْبِتُ الْعِلْمَ بِعَدَمِهِ.
وَكَذَا كُلُّ6 حُكْمٍ لِلشَّهَادَةِ7 مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ: تُقْبَلُ فِي النَّفْيِ إذَا كَانَ النَّفْيُ مَحْصُورًا.
فَقَوْلُهُمْ: لا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالنَّفْيِ مُرَادُهُمْ: إذَا لَمْ تَكُنْ مَحْصُورَةً، فَإِنْ كَانَتْ مَحْصُورَةً قُبِلَتْ، قَالَهُ الأَصْحَابُ8 وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الأَصْحَابُ فِي الشَّهَادَةِ فِي الإِعْسَارِ، وَفِي حَصْرِ9 الإِرْثِ فِي فُلانٍ.
__________
1 في ض: فلأنا.
2 في ش: لإسناده.
3 في ش: قول حكم.
4 في ض: أسندت.
5 في ض: مثبتان.
6 ساقطة من ش ب.
7 في ش ب: الشهادة.
8 ساقطة من ش، وفي ع: قاله الآمدي.
9 في ع: حصول.(4/685)
وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلافِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الانْتِصَارِ، فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْلَةَ الْجِنِّ1: النَّفْيُ أَوْلَى، وَاخْتَارَهُ الآمِدِيُّ2.
"وَكَذَا" أَيْ: وَ3كَالنَّفْيِ مَعَ الإِثْبَاتِ فِي الْمَدْلُولَيْنِ "الْعِلَّتَانِ"4 يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَتْ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ مُثْبِتَةً. وَالأُخْرَى نَافِيَةً: قُدِّمَتْ الْمُثْبِتَةُ5.
__________
1 المقصود هو حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي شهد فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، والاجتماع بهم، وتبليغهم الإسلام، وتلاوة القرآن عليهم، والحديث رواه مسلم بطوله، ورواه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد مختصراً.
أنظر: صحيح مسلم بشرح النووي 4/169، صحيح البخاري بحاشية السندي 2/209، سنن أبي داود 1/20، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/91، سنن ابن ماجه 1/135، مسند أحمد 1/398، 402.
2 أنظر: الإحكام للآمدي 4/262.
وانظر حكم الشهادة بالنفي، والضوابط في قبولها أو رفضها وأقوال العلماء فيها وأدلتهم في "وسائل الإثبات ص 78".
3 في ش: أو.
4 في ض ع: لعلتين.
5 وهناك قول ثان بعدم تقديم العلة المثبتة على النافية، وسوف يذكرها المصنف مرة ثانية "ص454".
أنظر: الروضة ص 393، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/318، البرهان 2/1289، اللمع ص 67، إرشاد الفحول ص 283، الجدل لابن عقيل ص 22.(4/686)
وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلافِ عَنْ1 نَفْيِ صَلاتِهِ عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ2: الزِّيَادَةُ مَعَهُ3 هُنَا؛ لأَنَّ الأَصْلَ غُسْلُ الْمَيِّتِ وَالصَّلاةُ عَلَيْهِ، ثَمَّ سَوَاءٌ.
"وَ" يُرَجَّحُ "عَلَى مُقَرِّرٍ" لِلْحُكْمِ الأَصْلِيِّ4 "نَاقِلٌ"5 عَنْهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لأَنَّهُ يُفِيدُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَيْسَ مَوْجُودًا فِي الآخَرِ6؛
__________
1 في ش: في.
2 روى البخاري عن جابر بن عبد الله قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد..، وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا، ولم يصل عليهم " ورواه الترمذي عن جابر، وقال: "حديث حسن صحيح"، ورواه النسائي وابن ماجه، وروى الترمذي وأحمد وأبو داود عن أنس أن شهداء أحد لم يغسلوا، ودفنوا بدمائهم، ولم يصل عليهم" وروى مالك بلاغاً "أن الشهداء في سبيل الله لا يغسلون ولا يصلى على أحد منهم".
أنظر: صحيح البخاري 1/160،جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 4/126-127، سنن أبي داود 2/174، سنن النسائي 4/50، سنن ابن ماجه 1/485، مسند أحمد 3/128، الموطأ ص 287.
3 في ض ع: وضعفه.
4 في ش: لحكم الأصل.
5 في د: نافل.
6 أنظر: العدة 3/1033، المسودة ص 314، 384، الروضة ص 390، نزهة الخاطر 2/461، جمع الجوامع 2/368، التبصرة ص 483، المنخول ص 448، اللمع ص 67، نهاية السول 3/216،المحصول 2/2/579، البرهان 2/1289، شرح تنقيح الفصول ص 425، مختصر البعلي ص 171، مختصر الطوفي ص 189، إرشاد الفحول ص 279، المدخل إلى مذهب أحمد ص 199.(4/687)
كَحَدِيثِ1 " مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ" 2 مَعَ حَدِيثِ "هَلْ هُوَ3 إلاَّ بُضْعَةٌ مِنْك؟ " 4.
وَقَالَ الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَالطُّوفِيُّ5: يُرَجَّحُ الْمُقَرِّرُ؛ لأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى مَا لا يُسْتَفَادُ إلاَّ مِنْ الشَّرْعِ، أَوْلَى مِمَّا يُسْتَفَادُ6 مِنْ الْعَقْلِ، وَلأَنَّ الْمُقَرِّرَ مُعْتَضِدٌ بِدَلِيلِ الأَصْلِ7.
__________
1 في ب ز ش ع: لحديث.
2 هذا الحديث رواه أصحاب السنن ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم عن أبي هريرة وجابر وأبي أيوب وأم حبيبة وبسرة، وسبق تخريجه "2/367".
3 ساقطة من ض.
4 هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والبيهقي والطحاوي والدارقطني وابن حبان عن طلق بن علي مرفوعاً، واختلف العلماء في سنده.
أنظر: سنن أبي داود 1/41، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/274، سنن النسائي 1/84، سنن ابن ماجه 1/163، مسند أحمد 4/22، 23، السنن الكبرى للبيهقي 1/134، شرح معاني الآثار 1/75، سنن الدارقطني 1/149، موارد الظمئان ص 77، نصب الراية 1/60 وما بعدها، التلخيص الحبير 1/125 وما بعدها، الاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 41، الفقيه والمتفقه 2/47.
5 ذكر الطوفي في "مختصره" الترجيح بالناقل عن حكم الأصلى على غيره، ثماقتصر على قوله: "وفيهما خلاف" ولعل ذكر ذلك في "شرح المختصر".
أنظر: مختصر الطوفي ص 189، المحصول للرازي 2/2/279، منهاج الوصول مع شرحه نهاية السول 3/216.
6 ساقطة من ش.
7 وهذا قول أبي الحسن بن القصار المالكي وأبي إسحاق الشيرازي، وقال الباقلاني والقاضي أبو جعفر السمناني: هما سواء.
أنظر: التبصرة ص 483، المنخول 448، نهاية السول 3/216، =(4/688)
قِيلَ1: وَالتَّحْقِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنْ يُرَجَّحَ الْمُقَرِّرُ فِيمَا إذَا تَقَرَّرَ حُكْمُ النَّاقِلِ مُدَّةً فِي الشَّرْعِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ، وَعُمِلَ بِمُوجِبِهِ. ثُمَّ نُقِلَ لَهُ2 الْمُقَرِّرُ وَجُهِلَ التَّارِيخُ؛ لأَنَّهُ حِينَئِذٍ عَمِلَ بِالْخَبَرَيْنِ3، النَّاقِلُ فِي زَمَانٍ وَالْمُقَرِّرُ بَعْدَهُ، فَأَمَّا إنْ كَانَ الثَّابِتُ بِمُقْتَضَى الْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ وَنُقِلَ الْخَبَرَانِ. فَإِنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ هُنَا، وَيَرْجِعُ إلَى الْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ4.
"وَ" يُرَجَّحُ "عَلَى مُثْبِتِ حَدٍّ: دَارِئُهُ" عِنْدَ الأَكْثَرِ؛ لأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَفِيهِ أَخْبَارٌ ضَعِيفَةٌ5،
__________
= المحصول 2/2/279، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/367، إرشاد الفحول ص 279، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 232.
1 في ش: قبل، وفي د ض: قبيل.
2 في ش: نقله.
3 في ب: بالخبر من.
4 ساقطة من ش.
5 روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادروُوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو، خير من أن يخطئ في العقوبة" أخرجه الترمذي موصولاً ورواه موقوفاً، وقال: "الموقوف أصح". "جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 4/688 وما بعدها ".
وهذا الحديث رواه الحاكم، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي فقال: قال النسائي: يزيد بن زياد شامي متروك، وقال الترمذي: يزيد بن زياد الدمشقي ضعيف الحديث.
ورواه البيهقي والدارقطني عن عائشة، وعن علي، ورواه الإمام أبو حنيفة عن ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه ابن ماجه وأبو يعلى من حديث أبي هريرة، =(4/689)
وَلِقِلَّةِ مُبْطِلاتِ نَفْيِهِ؛ وَلأَنَّ إثْبَاتَهُ خِلافُ دَلِيلِ نَفْيِهِ1.
قَالَ الآمِدِيُّ: وَلأَنَّ الْخَطَأَ فِي نَفْيِ الْعُقُوبَةِ أَوْلَى مِنْ الْخَطَإِ فِي تَحْقِيقِهَا2، عَلَى مَا قَالَهُ3 عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "لأَنْ تُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ" 4.
وَقِيلَ5 وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، وَالْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ، وَالْمُوَفَّقُ وَالْغَزَالِيُّ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لأَنَّ الشُّبْهَةَ لا تُؤَثِّرُ فِي ثُبُوتِ
__________
وروى الدارقطني معناه عن عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وعقبة بن عامر الجهني.
انظر: المستدرك 4/384، السنن الكبرى 8/238، سنن الدارقطني 3/84، 4/56، نصب الراية 3/309، ميزان الاعتدال 4/325، سنن ابن ماجه 2/850، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 308.
1 إذا تعارض دليلان أحدهما يوجب الحد، والثاني يسقطه فقد اختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال، الأول: ترجيح إسقاط الحد، وجزم به البيضاوي وابن الحاجب والآمدي وغيرهم، والثاني: ترجيح إثبات الحد، والثالث: أنهما سواء، كما سيذكره المصنف.
انظر: المسودة ص 378، اللمع ص 67، الروضة ص 391، جمع الجوامع 2/369، الإحكام للآمدي 4/263، التبصرة ص 485، نهاية السول 3/217، المحصول 2/2/590، 621، المستصفى 2/398، فواتح الرحموت 2/206، تيسير التحرير 3/161، مخصر البعلي ص 171، إرشاد الفحول ص 279، 283.
2 الإحكام للآمدي: قال.
3 في ألإحكام للآمدي: قال.
4 هذا جزء من الحديث السابق الذي رواه الترمذي موصولاً وموقوفاً.
5 ساقطة من ش.(4/690)
مَشْرُوعِيَّتِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ1 بِخَبَرِ الْوَاحِدِ2.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَمَوْضُوعُ3 هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ شَرْعِيَّيْنِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ النَّفْيُ بِاعْتِبَارِ الأَصْلِ، فَهُوَ مَسْأَلَةُ النَّاقِلِ وَالْمُقَرِّرُ السَّابِقَةُ.
"وَ" يُرَجَّحُ "عَلَى 4نَافِي عِتْقٍ وَ" عَلَى5 نَافِي "طَلاقٍ: مُوجِبُهُمَا" أَيْ: مَا يُوجِبُهُمَا6.
وَقِيلَ: يُقَدَّمُ نَافِيهُمَا7، وَظَاهِرُ الرَّوْضَةِ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ كَعَبْدِ
__________
1 في ع: ثبت.
2 انظر: العدة 3/1044، المسودة ص 312، الروضة ص 391، ابن الحاجب والعضد عليه 2/315، التبصرة ص 485، المستصفى 2/398، فواتح الرحموت 2/206.
3 في ش ع: وموضع.
4 ساقطة من ض.
5 ساقطة من ع.
6 وهذا ما أكده ابن الحاجب والبيضاوي وغيرهما، خلافاً لابن السبكي.
انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/315، اللمع ص 68، منهاج الوصول مع شرحه نهاية السول 3/217، جمع الجوامع 2/368، الإحكام للآمدي 4/263، المحصول 2/2/589، تيسير التحرير 3/161، المعتمد 2/848.
7 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/368، نهاة السول 3/217، الإحكام للآمدي 4/263، تيسير التحرير 3/161.
وسوف يكرر المصنف هذه المسألة: في العلة الموجبة للحرية ص 455.(4/691)
الْجَبَّارِ، لأَنَّهُمَا حُكْمَانِ1.
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّ تَقْدِيمَ2 مُوجَبِ الْعِتْقِ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ غَيْرِ عَبْدِ الْجَبَّارِ3، وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْكَرْخِيُّ مِنْهُمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، 4لِقِلَّةِ سَبَبِ مُبْطِلِ5 الْحُرِّيَّةِ، وَلا تَبْطُلُ بَعْدَ ثُبُوتِهَا، وَلِمُوَافَقَةِ النَّفْيِ الأَصْلِيِّ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَمِثْلُهُ الطَّلاقُ.
"وَ" يُرَجَّحُ "عَلَى أَثْقَلَ: أَخَفُّ" يَعْنِي أَنَّ التَّكْلِيفَ الأَخَفَّ يُرَجَّحُ عَلَى الأَثْقَلِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ6 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} 7 وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ فِي الإِسْلامِ".
وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الأَثْقَلُ، لأَنَّهُ أَكْثَرُ ثَوَابًا8.
__________
1 انظر: المسودة ص 314، الروضة ص 391، المحصول 2/2/589، المستصفى 2/398.
2 في ش: دليل.
3 انظر: المسودة ص 314.
4 ساقطة من ض.
5 في ع: يبطل.
6 انظر: الروضة ص 386، 392، العضد على ابن الحاجب 2/316، نهاية السول 3/210، 219، الإحكام للآمدي 4/263، المحصول 2/2/571، المستصفى 2/406، إرشاد الفحول ص 279.
7 الآية 185 من البقرة.
8 جزم بهذا الرأي الآمدي وتبعه ابن الحاجب، وسوف يذكر المصنف الترجيح =(4/692)
"وَ" حُكْمٌ "تَكْلِيفِيٌّ وَ" حُكْمٌ "وَضْعِيٌّ: سَوَاءٌ فِي ظَاهِرِ كَلامِهِمْ" أَيْ: كَلامِ أَصْحَابِنَا1.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَمْ يَذْكُرْ2 أَصْحَابُنَا تَرْجِيحَ حُكْمٍ تَكْلِيفِيٍّ عَلَى وَضْعِيٍّ، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ3، فَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ. انتهى.
وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ4 غَيْرُ الأَصْحَابِ5، وَذَكَرُوا فِيهَا6 خِلافًا وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ7: تَقْدِيمُ الْحُكْمِ التَّكْلِيفِيِّ، كَالاقْتِضَاءِ وَنَحْوِهِ عَلَى الْوَضْعِيِّ8، كَالصِّحَّةِ وَنَحْوِهَا؛ لأَنَّهُ مُحَصِّلٌ لِلثَّوَابِ؛ لأَنَّهُ مَقْصُودٌ9 بِالذَّاتِ وَأَكْثَرُ فِي الأَحْكَامِ،
__________
= بالتشديد ص 449.
وأنظر: الروضة ص 389، 392، العضد على ابن الحاجب 2/316، نهاية السول 3/210، الإحكام للآمدي 4/263، 268، المحصول 2/2/571، المستصفى 2/406.
1 في ض ع: الأصحاب.
2 في ش: وقدّم.
3 مختصر ابن الحاجب 2/315.
4 في ز: في المسألة.
5 في ش: الأصحاب، ونحوه كالوضعي.
6 في ش: فيه.
7 في ض: عنهم.
8 في ب: الوضع.
9 في ض: معقود.(4/693)
فَكَانَ أَوْلَى1.
وَقِيلَ: بَلْ2 يُقَدَّمُ الْوَضْعِيُّ3. لأَنَّهُ لا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِ الْمُكَلَّفِ لِلْخِطَابِ، وَلا عَلَى4 تَمَكُّنِهِ مِنْ الْفِعْلِ، بِخِلافِ التَّكْلِيفِيِّ. فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا الَّذِي قَدَّمَهُ الْبِرْمَاوِيُّ5، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَحَيْثُ انْتَهَى الْكَلامُ عَلَى التَّرْجِيحِ فِي الأَنْوَاعِ الأَرْبَعَةِ شَرَعَ فِي الْكَلامِ عَلَى التَّرْجِيحِ بِمَا يَنْضَمُّ إلَى اللَّفْظِ مِنْ أَمْرٍ خَارِجٍ عَمَّا تَقَدَّمَ. فَقَالَ:
"الْخَارِجُ" يَعْنِي: الَّذِي6 يُرَجَّحُ بِهِ غَيْرُهُ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ "يُرَجَّحُ" الدَّلِيلُ "بِمُوَافَقَةِ دَلِيلٍ آخَرَ" لَهُ عَلَى دَلِيلٍ لَمْ يُوَافِقْهُ دَلِيلٌ آخَرُ؛ لأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْحَاصِلِ
__________
1 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/315، المحلي على جمع الجوامع 2/370، الإحكام للآمدي 4/263، نهاية السول 3/219، فواتح الرحموت 2/205، تيسير التحرير 3/161، إرشاد الفحول ص 279، الوسيط ص 637.
2 ساقطة من ض.
3 في ض ب: الوضع.
4 ساقطة من ض ع ب ز.
5 قال ابن السبكي بتقديم الحكم الوضعي على الحكم التكليفي في الأصح، وهو ما رجحه الآمدي والشوكاني وغيرهما.
أنظر: العضد على ابن الحاجب 2/315، جمع الجوامع2/369، الإحكام للآمدي 4/263، تيسير التحرير 3/161، إرشاد الفحول ص 279.
6 في ض: أي الذي.(4/694)
مِنْ دَلِيلٍ وَاحِدٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّلِيلُ الْمُوَافِقُ لِسُنَّةٍ1 مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ2، لأَنَّ تَقْدِيمَ3 مَا لَمْ يُوَافِقْ تَرْكٌ لِشَيْئَيْنِ4، وَهُمَا الدَّلِيلُ مَا عَضَّدَهُ، وَتَقْدِيمُ الْمُوَافِقِ5 تَرْكٌ لِشَيْءٍ6 وَاحِدٍ7، وَلِهَذَا قَدَّمْنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي صَلاةِ الْفَجْرِ بِغَلَسٍ8 عَلَى حَدِيثِ
__________
1 ساقطة من ش ع ب ز.
2 في ض نقص وتقديم وتأخير: أو قياس أو إجماع.
3 في ض ع: تقدم.
4 في ع: السببين.
5 في ض: الموافقة.
6 في ع: لشيئين أو لشيء.
7 أنظر: العدة 3/1046، المسودة ص 311، الروضة ص 390، البرهان 2/1178 وما بعدها، جمع الجوامع 2/370، المنخول ص 431 وما بعدها، 448، المستصفى 2/396، الإحكام للآمدي 4/264، ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، نهاية السول 3/212، تيسير التحرير 3/166، فتح الغفار 3/52، أصول السرخسي 2/250، مختصر البعلي ص 171، المدخل إلى مذهب أحمد ص 199، إرشاد الفحول ص 279 الوسيط ص 633.
8 حديث عائشة في "صلاة الفجر بغلس" رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والشافعي والدارمي والطحاوي عن عائشة ولفظه في البخاري: "كان نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس " والغلس ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح، وهذا يعني التبكير بصلاة الصبح.
انظر: صحيح البخاري 1/75، سنن أبي داود 1/100، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/473، سنن النسائي 1/217، سنن ابن ماجه 1/220، بدائع المنن 1/50، سنن الدارمي 1/277، شرح معاني الآثار 1/176، النهاية 3/377.(4/695)
رَافِعٍ1 فِي " الإِسْفَارِ "2 لِمُوَافَقَتِهِ قَوْله تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} 3 لأَنَّ مِنْ الْمُحَافَظَةِ الإِتْيَانَ بِالْمُحَافَظِ عَلَيْهِ الْمُؤَقَّتِ أَوَّلَ وَقْتِهِ4.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ، وَوَافَقَهُ قِيَاسٌ آخَرُ، وَعَارَضَهُمَا خَبَرٌ. فَإِنَّ مَا ثَبَتَ بِالْخَبَرِ مُقَدَّمٌ. وَإِلَى5 ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "إلاَّ فِي أَقْيِسَةٍ تَعَدَّدَ أَصْلُهَا مَعَ خَبَرٍ، فَيُقَدَّمُ" الْخَبَرُ "عَلَيْهَا" أَيْ: عَلَى الأَقْيِسَةِ الْمُتَعَدِّدِ أَصْلُهَا.
__________
1 في ش ز: نافع، وهو تصحيف عن رافع، وهو رافع بن خديج، وسبقت ترجمته "2/374".
2 حديث "الإسفار بصلاة الفجر" رواه أبو داود والترمذي والنسائي والشافعي والدارمي والطحاوي، ومعناه عند ابن ماجه وأحمد، عن رافع بن خديج مرفوعاً، ولفظه عند الترمذي: "أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للآجر" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وذكره السيوطي في الأحاديث المتواترة، والإسفار أن ينكشف النهار ويضيء.
أنظر: سنن أبي داود 1/100، جامع الترمذي 1/478، سنن النسائي 1/218، سنن ابن ماجه 1/221، شرح معاني الآثار 1/178، بدائع المنن 1/51، سنن الدارمي 1/277، مسند أحمد 3/465، نيل الأوطار 2/22، الأزهار المتناثرة ص 14، النهاية 2/372.
3 الآية 238 من البقرة، وفي ض ع تتمة: {وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} .
4 انظر: الروضة ص 390، العدة 3/1046.
5 في ز: فإلى.(4/696)
1وَقِيلَ: الأَقْيِسَةُ الْمُتَعَدِّدُ أَصْلُهَا1.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: قِيلَ: يُقَدَّمُ الْخَبَرُ عَلَى الأَقْيِسَةِ2، وَقِيلَ: بِالْمَنْعِ إنْ تَعَدَّدَ أَصْلُهَا3.
"فَإِنْ تَعَارَضَ ظَاهِرُ قُرْآنٍ وَسُنَّةٍ وَأَمْكَنَ بِنَاءُ كُلٍّ وَاحِدٍ4 مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ، أَوْ خَبَرَانِ، مَعَ5 أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ قُرْآنٍ، وَ" مَعَ "الآخَرَ ظَاهِرُ سُنَّةٍ: قُدِّمَ ظَاهِرُهَا" أَيْ: ظَاهِرُ السُّنَّةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ6.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: فَإِنْ تَعَارَضَ قُرْآنٌ وَسُنَّةٌ، وَأَمْكَنَ بِنَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ، كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ. فَقَالَ7 الْقَاضِي: ظَاهِرُ8 كَلامِ أَحْمَدَ: يُقَدَّمُ ظَاهِرُ السُّنَّةِ؛ لِقَوْلِهِ: "السُّنَّةُ تُفَسِّرُ9 الْقُرْآنَ، وَتُبَيِّنُهُ10" قَالَ: وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ لِلْقَطْعِ بِهِ11.
__________
1 ساقطة من ب.
2 ساقطة من ز.
3 انظر: مناهج العقول 3/198، المحصول 2/2/541، أصول السرخسي 2/264، نهاية السول 3/199.
4 ساقطة من ش ع ب والمختصر.
5 في ش: مع أن.
6 انظر: العدة 3/1048، المسودة ص 311.
7 في ض ع ب: قال.
8 في ع: وظاهر.
9 في ض: تفسير.
10 في ض: وتبيينه.
11 انظر: العدة 3/1041، 1048.(4/697)
وَذَكَرَ أَبُو الطَّيِّبِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَيْنِ، وَبَنَى1 الْقَاضِي عَلَيْهِمَا2 خَبَرَيْنِ3 مَعَ أَحَدِهِمَا ظَاهِرُ قُرْآنٍ، وَمَعَ4 الآخَرِ ظَاهِرُ سُنَّةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ نَصَّ أَحْمَدَ تَقْدِيمَ الْخَبَرَيْنِ5.
وَذَكَرَ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ: أَيُّهُمَا يُقَدَّمُ6 عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَكَذَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَبَنَى الأُولَى عَلَيْهَا.
وَقَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ: إذَا كَانَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ سُنَّةً، وَالآخَرُ كِتَابًا، فَإِنْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا عُمِلَ، وَإِلاَّ قِيلَ: يُقَدَّمُ الْكِتَابُ، لأَنَّهُ7 أَرْجَحُ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ السُّنَّةُ؛ لأَنَّهَا بَيَانٌ لَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ كَمَا تَقَدَّمَ.
مِثَالُهُ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْرِ " الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" 8 فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي مَيْتَةِ الْبَحْرِ حَتَّى خِنْزِيرِهِ، مَعَ قَوْله سبحانه
__________
1 في ض ز: وبين.
2 في ع: عليها.
3 في ش: خبران.
4 في ض ع ب: و.
5 انظر: العدة 3/1041، 1048، المسودة ص 311.
6 في ش ز: فإنه.
7 هذا جزء من حديث صحيح، رواه الإمام مالك والشافعي وأحمد وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن الجارود والبيهقي وابن أبي شيبة والدارقطني وابن حبان والحاكم والدارمي، قال البغوي: وهذا الحديث صحيح متفق على صحته " وسبق تخريجه "3/175".
8 وفي ع: "هو الطهور مأوه، الحلل ميتته".(4/698)
وتَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} 1 فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ خِنْزِيرَ الْبَحْرِ فَيَتَعَارَضُ عُمُومُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي خِنْزِيرِ الْبَحْرِ، فَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ الْكِتَابَ فَحَرَّمَهُ، وَقَالَ بِهِ2 مِنْ أَصْحَابِنَا: أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادُ3، وَبَعْضُهُمْ: السُّنَّةَ فَأَحَلَّهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِهِ4.
"وَ" يُرَجِّحُ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ "بِعَمَلٍ5" أَيْ: بِمُوَافَقَةِ عَمَلِ "أَهْلِ الْمَدِينَةِ" وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً، لَكِنَّهُ يَقْوَى بِهِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالشَّافِعِيَّةِ6.
__________
1 الآية 145 من الأنعام.
2 في ب ع ز: وقاله.
3 في ش ض: ابن النجاد.
وأبو علي النجاد هو الحسين بن عبد الله، أخذ العلم عن شيوخ المذهب الحنبلي كأبي الحسن بن بشار، وأبي محمد البربهاري، وصحب جماعة من الحنابلة، وجاء في "طبقات الحنابلة": "كان فقيها معظماً، إماماً في أصول الدين وفروعه" توفي سنة 360 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 2/140، المنهج لأحمد 2/55، شذرات الذهب 3/36".
4 تقدمت هذه المسألة ص 426، 427.
5 في ش: عمل.
6 انظر: مختصر البعلي ص 171، المسودة ص 313، مجموع الفتاوى 19/269، ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، جمع الجوامع 2/370، المنخول ص 341، نهاية السول 3/219، الإحكام للآمدي 4/264، المستصفى 2/396، فواتح الرحموت 2/206، إرشاد الفحول ص 280، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 266.(4/699)
قَالَ أَحْمَدُ: مَا رَوَوْهُ1 وَعَمِلُوا بِهِ أَصَحُّ مَا يَكُونُ2؛ وَلأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهُمْ عَلَى مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ وَأَنَّهُ نَاسِخٌ، لِمَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ3.
وَخَالَفَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ وَالطُّوفِيُّ4.
وَرَجَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ إلَى زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ5.
"أَوْ" بِعَمَلِ "الْخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ" عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ وَجَمْعٍ، لِوُرُودِ النَّصِّ بِاتِّبَاعِهِمْ6 حَيْثُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
__________
1 في ش: رأوه.
2 في ع: يكون وظاهر.
3 في ض ع: بينهم صلى الله عليه وسلم.
4 وأيد ذلك المجد ابن تيمية وابن حزم الظاهري.
أنظر: المسودة ص 313، الإحكام لابن حزم 1/175، 214، العدة 3/1052، مختصر البعلي ص 171، مختصر الطوفي ص 189
5 انظر: العدة 3/1053، مختصر البعلي ص 171، المسودة ص 313، مختصر الطوفي ص 189.
6 وفي رواية ثانية عن أحمد بعدم الترجيح بعمل الخلفاء الراشدين.
أنظر: القولين مع الأدلة والمناقشة في "العدة 3/1050، المسودة ص 314، الروضة ص 390، ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، نهاية السول 3/219، الإحكام للآمدي 4/264، فواتح الرحموت 2/206، تيسير التحرير 3/162، البرهان 2/1176، مختصر البعلي ص 171، مختصر الطوفي ص 189، المدخل إلى مذهب أحمد ص 199، إرشاد الفحول ص 280".(4/700)
وَسَلَّمَ: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ1" وَلأَنَّ الظَّاهِرَ: أَنَّهُمْ لَمْ يَتْرُكُوا النَّصَّ الآخَرَ إلاَّ لِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ، فَلِذَلِكَ قُدِّمَ.
قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ2.
وَقِيلَ: يُرَجَّحُ أَيْضًا بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ3؛ 4لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ5 "اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ".
__________
1 هذا جزء من حديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه وابن حبان والدارمي والحاكم عن العرباض بن سارية مرفوعاً.
انظر: مسند أحمد 4/126، سنن أبي داود 2/506، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 7/439، سنن ابن ماجه 1/15، سنن الدارمي 1/44، المستدرك 1/95، موارد الظمآن ص 56، جامع الأصول 1/188، تخريج أحاديث البزدوي ص 238، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 299.
2 العدة 3/1050.
3 انظر: العدة 3/1052، المسودة ص 384، جمع الجوامع 2/270، البرهان 2/1176.
4 ساقطة من ع.
5 هذا الحديث رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد وابن حبان والحاكم عن حذيفة مرفوعاً، وقال الترمذي حسن صحيح، ورواه الترمذي أيضاً عن ابن مسعود مرفوعاً.
انظر: جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 10/147، 149، سنن ابن ماجه 1/37، مسند أحمد 5/382، موارد الظمآن ص 539 تخريج أحاديث البزدوي ص 237، المستدرك 3/75، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 299، جامع الأصول 9/420.(4/701)
قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: "إذَا بَلَغَك اخْتِلافٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1 فَوَجَدْت فِي ذَلِكَ2 أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَشُدَّ يَدَك3، فَإِنَّهُ الْحَقُّ وَهُوَ السُّنَّةُ "4. انْتَهَى5.
"أَوْ" بِعَمَلِ "أَعْلَمَ" قَطَعَ بِهِ الأَكْثَرُ6؛ لأَنَّ7 لَهُ مَزِيَّةً لِكَوْنِهِ أَحْفَظَ لِمَوَاقِعِ الْخَلَلِ، وَأَعْرَفَ بِدَقَائِقِ الأَدِلَّةِ8.
"أَوْ" بِعَمَلِ9 "أَكْثَرِ" الأُمَّةِ10، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لا يَكُونَ الْمُعَارِضُ لَهُ يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَيْهِمْ.
وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْمُوَافِقُ لِلأَكْثَرِ: لأَنَّ الأَكْثَرَ مُوَافِقٌ لِلصَّوَابِ الَّذِي لَمْ يُوَفَّقْ11 لَهُ الأَقَلُّ12، هَذَا13 قَوْلُ الأَكْثَرِينَ14.
__________
1 ساقطة من ض.
2 في المسودة: ذلك الاختلاف.
3 في المسودة: يدك به.
4 انظر: المسودة ص 314.
5 ساقطة من ع.
6 في ب: الأكثرون، وفي ز: عند الأكثر.
7 في ب: لأنه.
8 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/316.
9 في ز: لعمل.
10 في ش: الأدلة.
11 في ش: يوافق.
12 في ش: الأول.
13 في ش: هو، وفي ب: من، وفي ز: هذا هو.
14 ذكر الغزالي أن الترجيح يكون بعمل جميع الأمة، لا بعضها، قال ابن حزم: =(4/702)
وَمَنَعَ جَمْعٌ التَّرْجِيحَ بِذَلِكَ. قَالَ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ1 فِي قَوْلِ الأَكْثَرِ، وَلَوْ سَاغَ التَّرْجِيحُ بِقَوْلِ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ لانْسَدَّ بَابُ الاجْتِهَادِ عَلَى الْبَعْضِ الآخَرِ2.
"وَيُقَدَّمُ" مِنْ حُكْمَيْنِ فَأَكْثَرَ "مَا عِلَلَ" أَيْ: مَا تَعَرَّضَ الشَّارِعُ لِعِلَّتِهِ عَلَى مَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِعِلَّتِهِ؛ لأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي تَعَرَّضَ الشَّارِعُ3 لِعِلَّتِهِ4: أَفْضَى إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الشَّارِعِ؛ لأَنَّ النَّفْسَ لَهُ أَقْبَلُ بِسَبَبِ تَعَقُّلِ الْمَعْنَى5.
"أَوْ رُجِّحَتْ عِلَّتُهُ" يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ عُلِّلَ حُكْمَانِ، وَكَانَتْ عِلَّةُ أَحَدِهِمَا أَرْجَحَ، رُجِّحَ بِأَرْجَحِيَّةِ6 عِلَّتِهِ7.
__________
= هذا لا معنى له، وذكر الآمدي الترجيح بعمل بعض الأمة، وقال الشوكاني عن الترجيح بعمل أكثر الأمة: وفيه نظر.
انظر: المستصفى 2/396، 398، الإحكام لابن حزم 1/179، الإحكام للآمدي 4/264، جمع الجوامع 2/370، المحصول 2/2/592، إرشاد الفحول ص 279، نهاية السول 3/218، الكفاية ص 610.
1 في ش ع ب ز: الحجية.
2 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/370، نهاية السول 3/218، المحصول 2/2/592، الإحكام لابن حزم 1/179.
3 ساقطة من ض ع: وسقط من ز: الشارع.
4 ساقطة من ض، وفي ز: لعليته.
5 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، جمع الجوامع 2/366، الإحكام للآمدي 4/265، فواتح الرحموت 2/206، تيسير التحرير 3/162، البرهان 2/1195.
6 في ض: أرجحية.
7 انظر: الإحكام للآمدي 4/265.(4/703)
"وَ" يُرَجَّحُ مِنْ دَلِيلَيْنِ "مُؤَوَّلَيْنِ1 مَا دَلِيلُ تَأْوِيلِهِ أَرْجَحُ" مِنْ دَلِيلِ تَأْوِيلِ الآخَرِ؛ لأَنَّ لَهُ مَزِيَّةً بِذَلِكَ2.
"وَ" يُقَدَّمُ "عَامٌّ وَرَدَ مُشَافَهَةً، أَوْ" وَرَدَ "عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ فِي مُشَافَهَةٍ بِهِ، وَسَبَبٍ" عَلَى عَامٍّ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الْمُشَافَهَةِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ3.
قَالَ الْعَضُدُ: إذَا4 وَرَدَ عَامٌّ هُوَ خِطَابُ شِفَاهٍ لِبَعْضِ مَنْ تَنَاوَلَهُ، وَعَامٌّ آخَرُ لَيْسَ هُوَ5 كَذَلِكَ، فَهُوَ كَالْعَامَّيْنِ وَرَدَ أَحَدُهُمَا عَلَى سَبَبٍ دُونَ الآخَر، فَيُقَدَّمُ عَامُّ الْمُشَافَهَةِ فِيمَنْ شُوفِهُوا بِهِ، وَفِي غَيْرِهِمْ الآخَرُ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ6. انْتَهَى.
"وَ" يُرَجَّحُ الْعَامُّ "الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ" أَيْ: عَلَى الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ 7.
__________
1 ساقطة من ش.
2 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، الإحكام للآمدي 4/265.
3 انظر: المنهاج في ترتيب الحجاج ص 230.
4 في ش: أو.
5 زيادة على نص العضد.
6 العضد على ابن الحاجب 2/316.
وانظر: نهاية السول 3/219، الإحكام للآمدي 4/266.
7 يرى ابن الحاجب وابن السبكي وغيرهما أنّ العام الوارد على سبب يقدم على العام المطلق في موضوع السبب، ولكل قوله دليله.
انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، جمع الجوامع 2/367، =(4/704)
"وَ1فِي غَيْرِهِ" أَيْ: فِي حُكْمِ2 غَيْرِ السَّبَبِ؛ لأَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي عُمُومِ الْعَامِّ3 الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي عُمُومِ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ4.
"وَ" يُرَجَّحُ "عَامٌّ عُمِلَ بِهِ" وَلَوْ فِي صُورَةٍ5 عَلَى عَامٍّ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَمْعٌ6.
وَعَكَسَ الآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَجَمْعٌ، فَقَالُوا7: يُقَدَّمُ مَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ لِيُعْمَلَ بِهِ، فَيَكُونُ قَدْ عُمِلَ بِهِمَا8.
وَوَجْهُ الأَوَّلِ: أَنَّ الْعَامَّ9 لِمَا10 عُمِلَ بِهِ مُشَاهِدٌ لَهُ11 بِالاعْتِبَارِ لِقُوَّتِهِ12 بِالْعَمَلِ.
__________
= العدة 3/1035، المسودة ص 313، المنخول ص 435، الإحكام للآمدي 4/265، المحصول 2/2/571، البرهان 2/1194، شرح تنقيح الفصول ص 424، المدخل إلى مذهب أحمد ص 199، إرشاد الفحول ص 278.
1 ساقطة من ع ب، وفي ش: ولم يختلف في عموم المطلق.
2 ساقطة من ش.
3 في ش: السبب العام.
4 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/316، جمع الجوامع 2/367، الإحكام للآمدي 4/265.
5 في ز: صورته.
6 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/316، جمع الجوامع 2/367، الإحكام للآمدي 4/266.
7 في ش ع ض: فقال.
8 مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/316.
9 في ش ع ب ز: العمل.
10 في ش: بما.
11 ساقطة من ش.
12 في ب: لقوله.(4/705)
"أَوْ أَمَسَّ بِمَقْصُودٍ1" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ عَامٌّ أَمَسَّ بِمَقْصُودٍ2 أَوْ3 أَقْرَبُ إلَيْهِ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ أَمَسَّ بِالْمَقْصُودِ4. مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} 5 فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي وَطْءِ النِّكَاحِ عَلَى قَوْلِهِ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 6 فَإِنَّهُ أَمَسُّ بِمَسْأَلَةِ الْجَمْعِ، لأَنَّ الآيَةَ الأُولَى قُصِدَ بِهَا بَيَانُ7 تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ فِي الْوَطْءِ بِنِكَاحٍ، وَمِلْكِ يَمِينٍ. وَالثَّانِيَةُ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا بَيَانُ حُرْمَةِ الْجَمْعِ8.
"وَ" يُرَجَّحُ "مَا لا يَقْبَلُ نَسْخًا" لأَنَّهُ أَقْوَى عَلَى مَا يَقْبَلُهُ.
"أَوْ أَقْرَبُ إلَى احْتِيَاطٍ9" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ
__________
1 في ز: بمقصوده.
2 في ز: بمقصوده.
3 في ش ض ز: و.
4 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/316. نهاية السول 3/219، الإحكام للآمدي 4/266، المحصول 2/2/576، الإحكام لابن حزم 1/176.
5 الآية 23 من النساء.
6 الآية 3 من النساء.
7 ساقطة من ش.
8 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/316.
9 في ز: الاحتياط.(4/706)
1مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى2 الاحْتِيَاطِ عَلَى3 غَيْرِهِ4.
ذَكَرَهُ وَاَلَّذِي قَبِلَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ.
"أَوْ لا يَسْتَلْزِمُ نَقْضَ5 صَحَابِيٍّ خَبَرًا" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ مِنْ حَدِيثَيْنِ: الَّذِي لا6 يَسْتَلْزِمُ نَقْضَ صَحَابِيٍّ خَبَرًا - كَقَهْقَهَةٍ فِي صَلاةٍ7 - عَلَى مَا يَسْتَلْزِمُهُ8.
"أَوْ تَضَمَّنَ إصَابَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا" يَعْنِي: أَنَّهُ يُقَدَّمُ مِنْ حَدِيثَيْنِ مَا تَضَمَّنَ إصَابَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عَلَى مَا تَضَمَّنَ9 إصَابَتَهُ ظَاهِرًا فَقَطْ10.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْبَنَّاءِ وَغَيْرُهُمَا: يُقَدَّمُ مَا لا يُوجِبُ تَخْطِئَةَ
__________
1 ساقطة من ض.
2 في ش: على.
3 في ش: إلى.
4 انظر: العدة 3/1040، المسودة ص 383، المنخول ص 434، 448، اللمع ص 67، الإحكام للآمدي 4/267، البرهان 2/1199، إرشاد الفحول ص 279.
5 في الإحكام للآمدي: نقص، وفي العدة: نقض الصحاح.
6 ساقطة من ش ب.
7 حديث القهقهة في الصلاة ونقض الوضوء منها رواه الطبراني عن أبي موسى الأشعري، ورواه ابن أبي شيبة عن حميد بن هلال، وأخرجه الدارقطني عن عددٍ من الصحابة، وفي جميع طرقه مقال يقدح في صحته.
انظر: سنن الدارقطني 1/160 وما بعدها، نصب الراية 1/47 وما بعدها، مجمع الزوائد 1/246، تخريج أحاديث البزدوي ص 197، تحفة الفقهاء 1/36.
8 انظر: العدة 3/1045، الإحكام للآمدي 4/267، المستصفى 2/397، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 232.
9 في ض: يتضمن.
10 انظر: العدة 1/142، 3/1036.(4/707)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ عَلَى مَا يَتَضَمَّنُ1 إصَابَتَهُ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ، فَالأَوَّلُ مُقَدَّمٌ وَمُرَجَّحٌ؛ لأَنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ الْخَطَإِ حِينَئِذٍ2، وَهُوَ الأَلْيَقُ بِهِ وَبِحَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا وَرَدَ فِي ضَمَانِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: دَيْنَ الْمَيِّتِ وَقَالَ عَلِيٌّ3 " هُمَا عَلَيَّ "4 وَأَنَّهُ ابْتِدَاءُ ضَمَانٍ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْتَنَعَ مِنْ الصَّلاةِ5 عَلَى الْمَيِّتِ6، وَكَانَ وَقْتَ الصَّلاةِ7 مُصِيبًا فِي امْتِنَاعِهِ، وَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى حَمْلِهِ8 عَلَى9 الإِخْبَارِ عَنْ ضَمَانٍ سَابِقٍ، يَكْشِفُ عَنْ أَنَّهُ كَانَ10 امْتَنَعَ عَنْ11 الصَّلاةِ فِي غَيْرِ
__________
1 في ز: تضمن.
2 ساقطة من ش ب ز.
3 في ض: وقال، وفي ش: وقوله، وفي ب: وقول علي.
4 ساقطة من ب.
5 هذا الحديث رواه البيهقي والدارقطني عن أبي سعيد الخدري، وله أسانيد كثيرة، قال ابن حجر عنها: كلها ضعيفة.
انظر: التلخيص الحبير 3/47.
وروى البخاري عن سلمة بن الأكوع حديث امتناع الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على الميت إذا كان عليه دين، ولم يترك شيئاً، وأن أبا قتادة ضمن الدين على ميت، فصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 2/26.
6 ساقطة من ض ع ب ز.
7 في ش: الامتناع.
8 في ش: حملها.
9 ساقطة من ز.
10 في ش: إن.
11 في ض ب ز: من.(4/708)
مَوْضِعِهِ بَاطِنًا، هَذَا لَفْظُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ.
"أَوْ فَسَّرَهُ رَاوٍ بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ1" يَعْنِي2: أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ خَبَرَانِ وَفَسَّرَ أَحَدَهُمَا رَاوِيه3ِ بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ: قُدِّمَ عَلَى مَا لَمْ يُفَسِّرْهُ رَاوِيهِ4؛ لأَنَّ مَا فَسَّرَهُ رَاوِيهِ يَكُونُ الظَّنُّ بِهِ أَوْثَقَ5؛ لأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَا رَوَاهُ، كَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ6، وَأَنَّ الْمُرَادَ7 بِالتَّفَرُّقِ8 " تَفَرُّقُ9 الأَبْدَانِ10؛ لأَنَّهُ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ، لأَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ.
__________
1 في ز: بقولٍ أو فعلٍ.
2 في ض: أي.
3 في ض: رواته.
4 انظر: العدة 3/1053، المسودة ص 307، ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، نهاية السول 3/219، الإحكام للآمدي 4/267، إرشاد الفحول ص 280.
5 في ش: وثق.
6 هذا معنى حديث صحيحي، ولفظه: "المتبايعان بالخيار مالم يتفرقا" وسبق تخريجه "2/558".
7 ساقطة من ش ع ب.
8 في ش ع ب: التفرق.
9 ساقطة من ب.
10 قال الترمذي: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق ... ، وقد قال بعض أهل العلم....: الفرقة بالكلام، والقول الأول أصح، لأنّ ابن عمر وهو الراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أعلم بمعنى ما روى، وروي عنه أنه كان إذا أراد أن يوجب البيع مشى ليجب له، وهكذا روي عن أبي برزة"، "جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 4/450".(4/709)
"أَوْ1 ذَكَرَ سَبَبَهُ" يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ خَبَرَانِ، وَذَكَرَ رَاوِي أَحَدِهِمَا سَبَبَ الْخَبَرِ2، دُونَ رَاوِي الآخَرِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ مَا ذَكَرَ رَاوِيهِ سَبَبَهُ عَلَى مَا لَمْ يَذْكُرْ رَاوِيهِ سَبَبَهُ؛ لأَنَّ مَا ذَكَرَ رَاوِيهِ سَبَبُهُ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ اهْتِمَامِ الرَّاوِي بِرِوَايَتِهِ3.
"أَوْ سِيَاقُهُ أَحْسَنُ4" يَعْنِي أَنَّهُ يُقَدَّمُ مِنْ خَبَرَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ: مَا كَانَ سِيَاقُهُ أَحْسَنَ؛ لأَنَّ مَزِيَّتَهُ بِحُسْنِ السِّيَاقِ: تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ5.
"أَوْ مُؤَرَّخٌ بِ" تَارِيخٍ "مُضَيَّقٍ" كَأَوَّلِ شَهْرِ كَذَا مِنْ6 سَنَةِ كَذَا. يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ خَبَرَانِ أَحَدُهُمَا مُؤَرَّخٌ بِتَارِيخٍ مُضَيَّقٍ - كَمَا ذَكَرَ -، وَالآخَرُ مُؤَرَّخٌ بِتَارِيخٍ مُوَسَّعٍ. كَقَوْلِهِ: فِي سَنَةِ كَذَا؛ لأَنَّهُ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ قَبْلَ الشَّهْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُضَيَّقِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ
__________
1 في ش: و.
2 في ش: الآخر، وفي ب: خبر.
3 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، جمع الجوامع 2/363، نهاية السول 3/208، الإحكام للآمدي 4/267، المحصول 2/2/563، فواتح الرحموت 2/206، تيسير التحرير 3/160، إرشاد الفحول ص 278.
4 ساقطة من ش.
5 انظر: المسودة ص 308، مختصر البعلي ص 169.
6 في ش: في.(4/710)
ذُو التَّارِيخِ الْمُضَيَّقِ؛ لأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ اهْتِمَامِ رَاوِيهِ1 بِهِ2.
"أَوْ دَلَّ عَلَى تَأَخُّرِهِ قَرِينَةٌ" يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ خَبَرَانِ وَدَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى تَأَخُّرِ أَحَدِهِمَا: تَرَجَّحَ3 بِذَلِكَ4.
وَكَذَا إذَا5 كَانَ فِي أَحَدِهِمَا تَشْدِيدٌ دُونَ الآخَرِ. فَإِنَّهُ يُرَجَّحُ بِذَلِكَ، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ لِقَوْلِهِ "أَوْ6 بِتَشْدِيدِهِ" لأَنَّ التَّشْدِيدَاتِ إنَّمَا جَاءَتْ حِينَ ظَهَرَ الإِسْلامُ وَكَثُرَ وَعَلَتْ شَوْكَتُهُ. وَالتَّخْفِيفُ كَانَ فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ، وَكَذَا حُكْمُ7 كُلُّ مَا يُشْعِرُ بِشَوْكَةِ الإِسْلامِ. قَالَهُ الْعَضُدُ وَغَيْرُهُ8.
وَحَيْثُ انْتَهَى الْكَلامُ عَلَى تَرْجِيحِ الدَّلِيلَيْنِ الْمَنْقُولَيْنِ شَرَعَ فِي
__________
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ش د.
وقال الآمدي والرازي وغيرهما تقدم على المؤرخة بتاريخ مضيق عليها.
انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، نهاية السول 3/211، الإحكام للآمدي 4/268، المحصول 2/2/569 وما بعدها.
3 في ز: يرجح.
4 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، الإحكام للآمدي 4/267، المحصول 2/2/568.
5 في ب ز: إن.
6 في ش ز: و.
7 ساقطة من ش، وفي ز: في حكم.
8 انظر: العضد عل ابن الحاجب 2/316، نهاية السول 3/210، الإحكام للآمدي 4/263، 268، المحصول 2/2/568، سبق تقديم الأخف ص 445.(4/711)
تَرْجِيحِ الدَّلِيلَيْنِ الْمَعْقُولَيْنِ بِأَنْوَاعِهِ1، وَهُوَ الْغَرَضُ الأَعْظَمُ مِنْ بَابِ التَّرَاجِيحِ2، وَفِيهِ اتِّسَاعُ مَجَالِ الاجْتِهَادِ، وَبَدَأَ بِتَعْرِيفِهِمَا3، فَقَالَ:
"الْمَعْقُولانِ" أَيْ: الدَّلِيلانِ الْمَعْقُولانِ "قِيَاسَانِ، أَوْ اسْتِدْلالانِ.
فَالأَوَّلُ4" الَّذِي هُوَ الْقِيَاسَانِ5 "يَعُودُ" التَّرْجِيحُ فِيهِ "إلَى أَصْلِهِ" أَيْ: الأَصْلِ6 الْمَقِيسِ عَلَيْهِ "وَفَرْعِهِ" أَيْ: الْفَرْعِ الْمَقِيسِ "وَ7" يَكُونُ فِي8 "مَدْلُولِهِ9 وَأَمْرٍ خَارِجٍ" كَمَا تَقَدَّمَ10 فِي الْمَنْقُولَيْنِ.
"فَيُرَجَّحُ الأَصْلُ" فِي صُوَرٍ:
__________
1 في ش: بأنواعهما.
2 في ض ز: الترجيح، والتراجيح جمع الترجيح، لأنه يشتمل على أنواع. "انظر: البناني على جمع الجوامع 2/386".
3 في ش: ترجيحهما بتعريفهما، وانظر: البرهان 2/1202.
4 في ض: فمن الأول، وفي ز: الأول.
5 في ش: القياس.
6 في ش: أصل.
7 ساقطة من ش.
8 في ش: فيه.
9 في ش: ومدلوله.
10 ساقطة من ش.(4/712)
الأُولَى: أَنْ يُرَجَّحَ "بِقَطْعِ حُكْمِهِ" أَيْ1: بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُ الأَصْلِ قَطْعِيًّا، فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا كَانَ دَلِيلُ أَصْلِهِ ظَنِّيًّا2، كَقَوْلِنَا فِي لِعَانِ الأَخْرَسِ: أَنَّ3 مَا صَحَّ مِنْ النَّاطِقِ صَحَّ مِنْ الأَخْرَسِ كَالْيَمِينِ، فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مِنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى شَهَادَتِهِ، تَعْلِيلاً4 بِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ5؛ لأَنَّ الْيَمِينَ تَصِحُّ مِنْ الأَخْرَسِ بِالإِجْمَاعِ، وَالإِجْمَاعُ قَطْعِيٌّ، وَأَمَّا جَوَازُ شَهَادَتِهِ: فَفِيهِ خِلافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ6.
"وَ" الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُرَجَّحَ "بِقُوَّةِ دَلِيلِهِ" أَيْ7: بِأَنْ يَكُونَ دَلِيلُ أَحَدِ الأَصْلَيْنِ أَقْوَى، فَتَكُونُ صِحَّتُهُ أَغْلَبَ فِي الظَّنِّ8.
__________
1 ساقطة من ض.
2 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع 2/373، الإحكام للآمدي 4/268، المحصول 2/2/617، المستصفى 2/399، المعتمد 2/847، تيسير التحرير 4/90، مختصر البعلي ص 172، مختصر الطوفي ص 189، المدخل إلى مذهب أحمد ص 200، إرشاد الفحول ص 282، الوسيط ص 640، المنخول ص 442.
3 ساقطة من ش.
4 ساقطة من ض.
5 في ش: الشهادة، ففيه خلاف بين.
6 انظر حكم شهادة الأخرس، وأنها جائزة عند المالكية، وممنوعة عند الجمهور، في "المغني 10/171، وسائل الإثبات ص 130".
7 ساقطة من ع.
8 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، الإحكام للآمدي 4/268، تيسير التحرير 4/90، إرشاد الفحول ص 282.(4/713)
"وَ" الثَّالِثَةُ: التَّرْجِيحُ1 "بِأَنَّهُ" أَيْ: بِأَنْ2 يَكُونَ دَلِيلُ3 أَصْلِهِ "لَمْ يُنْسَخْ" بِالاتِّفَاقِ4 فَإِنَّ مَا قِيلَ بِأَنَّهُ5 مَنْسُوخٌ - وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ بِهِ ضَعِيفًا - لَيْسَ كَالْمُتَّفَقِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ6.
"وَ" الرَّابِعَةُ: التَّرْجِيحُ بِكَوْنِ حُكْمِ أَصْلِهِ جَارِيًا7 "عَلَى سُنَنِ الْقِيَاسِ" بِالاتِّفَاقِ، فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مِمَّا كَانَ عَلَى سُنَنِ الْقِيَاسِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ؛ لأَنَّ مَا كَانَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ كَانَ أَبْعَدَ مِنْ الْخَلَلِ8.
وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ هُنَا أَنْ يَكُونَ فَرْعُهُ9 مِنْ جِنْسِ أَصْلِهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمْ، وَذَلِكَ كَقِيَاسِ مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ فِي تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ إيَّاهُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِمْ ذَلِكَ عَلَى غَرَامَاتِ الأَمْوَالِ فِي أُصُولِ10 إسْقَاطِ التَّحَمُّلِ11؛ لأَنَّ
__________
1 في ش: أن يكون أحد الأصلين الترجيح.
2 ساقطة من ش ب ز.
3 في ب ز: بكون.
4 في ض ب ع ز: باتفاق.
5 في سن: على أن ما قيل دليل إنه.
6 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، الإحكام للآمدي 4/268، المستصفى 2/399، إرشاد الفحول ص 282.
7 في ش: خارجاً.
8 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع 2/372، الإحكام للآمدي 4/268، إرشاد الفحول ص 282، الوسيط ص 640.
9 في ش: أصله.
10 ساقطة من ش ع ب ز.
11 في ش: الحمل.(4/714)
الْمُوضِحَةَ مِنْ جِنْسِ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَكَانَ عَلَى سُنَنِهِ، إذْ1 الْجِنْسُ بِالْجِنْسِ أَشْبَهُ2. كَمَا يُقَالُ: قِيَاسُ الطَّهَارَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ.
"وَ" الْخَامِسَةُ: التَّرْجِيحُ "بِدَلِيلٍ خَاصٍّ بِتَعْلِيلِهِ" أَيْ: بِقِيَامِ3 دَلِيلٍ خَاصٍّ عَلَى تَعْلِيلِهِ، وَجَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ التَّعَبُّدِ4 وَالْقُصُورِ وَالْخِلافِ5.
وَيُرَجَّحُ مَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ6 بِالنَّصِّ عَلَى مَا ثَبَتَتْ عِلَّتُهُ7 بِالإِجْمَاعِ8. قَدَّمَهُ الأُرْمَوِيُّ وَالْبَيْضَاوِيُّ9، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "وَفِي قَوْلٍ: نَصٌّ، فَإِجْمَاعٌ10".
__________
1 في ب: الذي.
2 انظر جمع الجوامع 2/372.
3 في ش: بالقياس.
4 في ض ع: البعيد، وفي ب: التبعد.
5 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، الإحكام للآمدي 4/269، المحصول 2/2/575.
6 في ض: علته.
7 ساقطة من ش ب ز.
8 في ع ب ز: فالإجماع.
9 انظر: نهاية السول 3/230، الإحكام للآمدي 4/271، جمع الجوامع 2/375، البرهان 2/1285.
10 في ب: في إجماع.(4/715)
وَقَالَ فِي الْمَحْصُولِ: وَيُرَجَّحُ مَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ بِالإِجْمَاعِ عَلَى مَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ بِالنَّصِّ؛ لِقَبُولِ النَّصِّ لِلتَّأْوِيلِ، بِخِلافِ الإِجْمَاعِ، ثُمَّ قَالَ: وَيُمْكِنُ تَقْدِيمُ النَّصِّ؛ لأَنَّ الإِجْمَاعَ فَرْعُهُ1.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: نَعَمْ إذَا اسْتَوَى2 النَّصُّ وَالإِجْمَاعُ فِي الْقَطْعِ مَتْنًا وَدَلالَةً: كَانَ مَا دَلِيلُهُ الإِجْمَاعُ رَاجِحًا و3َدُونَهُمَا، إذَا كَانَا ظَنِّيَّيْنِ. بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا نَصًّا4 ظَنِّيًّا، وَالآخَرُ إجْمَاعًا ظَنِّيًّا5 رُجِّحَ أَيْضًا مَا كَانَ دَلِيلُهُ الإِجْمَاعَ، لِمَا سَبَقَ مِنْ قَبُولِ النَّصِّ النَّسْخَ وَالتَّخْصِيصَ.
قَالَ الْهِنْدِيُّ: هَذَا صَحِيحٌ بِشَرْطِ التَّسَاوِي فِي الدَّلالَةِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْحَقُّ أَنَّهُ6 يُتْبَعُ فِيهِ الاجْتِهَادُ فَمَا تَكُونُ فَائِدَتُهُ لِلظَّنِّ أَكْثَرَ: فَهُوَ أَوْلَى فَإِنَّ الإِجْمَاعَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ النَّسْخَ وَالتَّخْصِيصَ، لَكِنْ قَدْ تَضْعُفُ7 دَلالَتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدَّلالَةِ الْقَطْعِيَّةِ، فَقَدْ يَنْجَبِرُ
__________
1 المحصول 2/2/617-618 بتصرف.
وانظر: المحصول 2/2/193، مختصر البعلي ص 171، مختصر الطوفي ص 189، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع 2/375، تيسير التحرير 4/87، إرشاد الفحول ص 282، البرهان 2/1285.
2 في ش: إذ استوى، وفي ض: إذا اجتمع.
3 ساقطة من ش.
4 ساقطة من ب.
5 ساقطة من ز.
6 ساقطة من ش.
7 في ش: ذلك يضعف.(4/716)
النَّقْصُ1 بِالزِّيَادَةِ، وَقَدْ لا يَنْجَبِرُ، فَيَقَعُ فِيهِ الاجْتِهَادُ. انْتَهَى.
"وَ" يُرَجَّحُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى الآخَرِ "بِقَطْعٍ عِلَّتِهِ" لأَنَّ الْمَقْطُوعَ بِعِلَّتِهِ رَاجِحٌ2 عَلَى مَا عِلَّتُهُ مَظْنُونَةٌ.
"أَوْ" الْقَطْعُ "بِدَلِيلِهَا أَوْ ظَنٍّ3 غَالِبٍ فِيهِمَا" أَيْ: فِي الْعِلَّةِ، أَوْ فِي الدَّلِيلِ، فَشَمِلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ صُوَرٍ:
الأُولَى: الْقَطْعُ بِالْعِلَّةِ يُرَجَّحُ عَلَى الظَّنِّ بِهَا4.
الثَّانِيَةُ: الظَّنُّ الْغَالِبُ فِي الْعِلَّةِ يُرَجَّحُ عَلَى الظَّنِّ غَيْرِ الْغَالِبِ5.
الثَّالِثَةُ: الْقَطْعُ بِدَلِيلِ الْعِلَّةِ6.
__________
1 في ش ب: النص
2 في ز: أرجح.
3 في ب ز: بظن.
4 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع 2/373، نهاية السول 3/226، الإحكام للآمدي 4/280، المستصفى 2/400، شرح تنقيح الفصول ص 425، اللمع ص 67 فواتح الرحموت 2/324، تيسير التحرير 4/87، فتح الغفار 3/54، مختصر البعلي ص 172، مختصر الطوفي 190، إرشاد الفحول ص 282، المدخل إلى مذهب أحمد ص 200، الفقيه والمتفقه 1/215.
5 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع 2/373،نهاية السول 3/227، المعتمد 2/845، تيسير التحرير 4/87.
6انظر: الإحكام للآمدي 4/271، ابن الحاجب والعضد عليه 2/317.(4/717)
الرَّابِعَةُ: الظَّنُّ الْغَالِبُ فِي دَلِيلِ الْعِلَّةِ1.
فَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي يَكُونُ2 مَسْلَكُ عِلَّتِهِ قَطْعِيًّا عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي لا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي يَكُونُ مَسْلَكُ عِلَّتِهِ مَظْنُونًا بِالظَّنِّ الأَغْلَبِ عَلَى مَا لا3 يَكُونُ كَذَلِكَ4.
"وَ" يُرَجَّحُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ بِ "سَبْرٍ5، فَمُنَاسَبَةٌ6" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي اُسْتُنْبِطَتْ عِلَّةُ7 وَصْفِهِ8 بِالسَّبْرِ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي اُسْتُنْبِطَتْ عِلَّةُ وَصْفِهِ9 بِالْمُنَاسَبَةِ لِتَضَمُّنِ السَّبْرِ انْتِفَاءَ الْمُعَارِضِ فِي الأَصْلِ، بِخِلافِ الْمُنَاسَبَةِ 10"فَشَبَهٌ" يَعْنِي أَنَّهُ
__________
1 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317.
2 في ش: قد يكون.
3 ساقطة من ز.
4 انظر: جمع الجوامع 2/373.
5 في ب ز: بسبره.
6 في ب: فبمناسبته.
7 في ع: علته.
8 ساقطة من ع.
9 ساقطة من ش.
10 ذكر الشوكاني قولاً آخر بترجيح العلة الثابتة بالمناسبة على العلة الثابتة بالسبر، ورجح هذا القول ثم ذكر قولاًُ بالتفصيل بأن يقدم السبر المقطوع به، ثم المناسبة، ثم السبر المظنون.
انظر: إشاد الفحول ص 282، ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع 2/375، الإحكام للآمدي 4/272، المحصول 2/2/610، تيسير التحرير 4/88.(4/718)
يُرَجَّحُ قِيَاسٌ ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ1 بِالْمُنَاسَبَةِ عَلَى قِيَاسٍ ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ2 بِالشَّبَهِ، لِزِيَادَةِ غَلَبَةِ الظَّنِّ3 بِغَلَبَةِ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ4.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَأَدْنَى5 الْمَعَانِي فِي الْمُنَاسَبَةِ يُرَجَّحُ عَلَى أَعْلَى الأَشْبَاهِ6.
"فَدَوَرَانٌ" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ قِيَاسٌ ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ7 بِالشَّبَهِ، عَلَى قِيَاسٍ ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ8 بِالدَّوَرَانِ. قَطَعَ بِهِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ9 وَغَيْرِهِ.
__________
1 في ض: علته.
2 في ض: علته.
3 ساقطة من ب.
4 انظر: المسودة ص 378، ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع 2/375، المحصول 2/2/607، 611، فواتح الرحموت 2/325، تيسير التحرير 4/88، شرح تنقيح الفصول ص 427، مختصر البعلي ص 172، مختصر الطوفي ص 190، إرشاد الفحول ص 282، المدخل إلى مذهب أحمد ص 200-201.
5 في ش: وبأدنى، وفي البرهان: وأدنى مأخذ.
6 في ض ش: الاشتباه، والأعلى موافق لنص إمام الحرمين. "انظر: البرهان 2/1259، 1264".
7 في ض: علته.
8 في ض علته.
9 انظر جمع الجوامع 2/275، 288، نهاية السول 3/227.
وقال الشوكاني: "تقدم العلة الثابتة عليتها بالدوران على الثابتة عليها بالسبره وما بعده، وقيل بالعكس". "إرشاد الفحول ص 282".(4/719)
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: مَا ثَبَتَ1 بِالطَّرْدِ، وَالْعَكْسِ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الأَشْبَاهِ، لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى الأَلْفَاظِ2. انتهى.
وَقِيلَ: غَيْرُ مَا فِي الْمَتْنِ3.
"وَ4" يُرَجَّحُ قِيَاسٌ5 "بِقَطْعٍ" فِيهِ "بِنَفْيِ الْفَارِقِ" بَيْنَ الأَصْلِ وَالْفَرْعِ عَلَى قِيَاسٍ يَكُونُ نَفْيُ الْفَارِقِ فِيهِ مَظْنُونًا "أَوْ ظَنٍّ غَالِبٍ" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ قِيَاسُ نَفْيِ الْفَارِقِ فِيهِ بَيْنَ الأَصْلِ، وَالْفَرْعِ مَظْنُونٌ بِالظَّنِّ الأَغْلَبِ عَلَى قِيَاسٍ يَكُونُ نَفْيُ الْفَارِقِ فِيهِ6 بِالظَّنِّ غَيْرِ الأَغْلَبِ7.
"وَوَصْفٍ حَقِيقِيٍّ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ قِيَاسٌ ذُو وَصْفٍ حَقِيقِيٍّ عَلَى ذِي وَصْفٍ غَيْرِ حَقِيقِيٍّ8.
قَالَ الْعَضُدُ: يُقَدَّمُ مَا الْعِلَّةُ فِيهِ وَصْفٌ حَقِيقِيٌّ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا
__________
1 في ض ع: ثبتت.
2 انظر: البرهان 2/1261، 840.
3 انظر: جمع الجوامع 2/375، شرح تنقيح الفصول ص 427.
4 في ض: فدوران و.
5 في ش: قياس نفي الفارق فيه بين الأصل قياس.
6 في ش: فيه الفارق.
7 ساقطة من ش، وانظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317.
8 انظر: الروضة ص 392، ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع 2/374، 376، نهاية السول 3/221 المحصول 2/2/495، شرح تنقيح الفصول ص 426، إرشاد الفحول ص 281.(4/720)
الْعِلَّةُ فِيهِ وَصْفٌ اعْتِبَارِيٌّ، أَوْ حِكْمَةٌ مُجَرَّدَةٌ1. انْتَهَى.
"وَ" وَصْفٍ "ثُبُوتِيٍّ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ قِيَاسٌ الْعِلَّةُ فِيهِ وَصْفٌ ثُبُوتِيٌّ عَلَى قِيَاسٍ الْعِلَّةُ فِيهِ وَصْفٌ عَدَمِيٌّ2.
"وَبَاعِثٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ قِيَاسٌ الْعِلَّةُ فِيهِ وَصْفٌ بَاعِثٌ عَلَى قِيَاسٍ الْعِلَّةُ فِيهِ مُجَرَّدُ أَمَارَةٍ3، لِظُهُورِ مُنَاسَبَةِ الْبَاعِثِ4.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيُرَجَّحُ بِالْقَطْعِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ، أَوْ ظَنٍّ غَالِبٍ، وَالْوَصْفُ الْحَقِيقِيُّ أَوْ الثُّبُوتِيُّ أَوْ الْبَاعِثُ عَلَى غَيْرِهَا5، لِلاتِّفَاقِ6 عَلَيْهَا؛ وَلأَنَّ الْحِسِّيَّةَ كَالْعَقْلِيَّةِ وَهِيَ مُوجَبَةٌ، وَلا تَفْتَقِرُ فِي ثُبُوتِهَا إلَى غَيْرِهَا. انْتَهَى.
"وَ" تُقَدَّمُ عِلَّةٌ "ظَاهِرَةٌ" عَلَى الْعِلَّةِ الْخَفِيَّةِ7.
__________
1 العضد على ابن الحاجب 2/317.
وانظر: الإحكام للآمدي 4/273.
2 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع، نهاية السول 3/221، الإحكام للآمدي 4/273، المحصول 2/2/595، فواتح الرحموت 2/325، شرح تنقيح الفصول ص 426، تيسير التحرير 4/88، إرشاد الفحول ص 281.
3 في ع: أما.
4 أنظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع 2/376، الإحكام للآمدي 4/273.
5 في ز: غيرهما. في ض ب: الباعثة.
6 في ع: لاتفاق.
7 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، الإحكام للآمدي 4/273.(4/721)
"وَ" عِلَّةٌ "مُنْضَبِطَةٌ" عَلَى الْعِلَّةِ الْمُضْطَرِبَةِ؛ لأَجْلِ الْخِلافِ فِي مُقَابَلَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْمُنْضَبِطَةِ1.
"وَ" تُقَدَّمُ عِلَّةٌ "مُطَّرِدَةٌ" عَلَى الْعِلَّةِ الْمَنْقُوضَةِ؛ 2لأَنَّ شَرْطَ الْعِلَّةِ اطِّرَادُهَا3؛ وَلأَنَّ الْمُطَّرِدَةَ أَغْلَبُ4 عَلَى الظَّنِّ؛ وَلِضَعْفِ الْمَنْقُوضَةِ بِالْخِلافِ فِيهَا5.
"وَ" تُقَدَّمُ عِلَّةٌ "مُنْعَكِسَةٌ" عَلَى الْعِلَّةِ6 غَيْرِ الْمُنْعَكِسَةِ؛ لأَنَّ الانْعِكَاسَ وَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْغَلَبَةَ7، لَكِنَّهُ8 يُقَوِّيهَا9.
__________
1 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، الإحكام للآمدي 4/273.
2 ساقطة من ش.
3 في ع: اضطرادها.
4 في ض: ما غلب.
5 وهذا على القول بصحة غير المطردة، وهي المنتقضة بصورة فأكثر، فإن قيل بعدم صحتها فلا تعارض أصلاً.
أنظر: المسودة ص 378، جمع الجوامع 2/376، نهاية السول 3/231، الإحكام للآمدي 4/274، فتح الغفار 3/55، ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، مختصر البعلي ص 172، مختصر الطوفي ص 190، المدخل إلى مذهب أحمد ص 201، نزهة الخاطر 2/468.
6 ساقطة من ض.
7 في ض ع ز: العلة.
8 في ض: لكن.
9 انظر: المسودة ص 378، 384، الروضة ص 392، المنخول ص 445، الإحكام للآمدي 4/274، المستصفى 2/402، البرهان 2/1260، مختصر البعلي ص 172، مختصر الطوفي ص 190، أصول السرخسي 2/261، المدخل إلى مذهب أحمد ص 201.(4/722)
"وَ" تُقَدَّمُ عِلَّةٌ "مُتَعَدِّيَةٌ" عَلَى الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ عَلَى الأَصَحِّ. لِكَثْرَةِ فَوَائِدِ الْمُتَعَدِّيَةِ1. كَالتَّعْلِيلِ فِي2 الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْوَزْنِ، فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى3 كُلِّ مَوْزُونٍ، كَالْحَدِيدِ، وَالنُّحَاسِ، وَالصُّفْرِ وَنَحْوِهَا، بِخِلافِ التَّعْلِيلِ بِالثَّمَنِيَّةِ أَوْ النَّقْدِيَّةِ، فَإِنَّهُ لا يَتَعَدَّاهُمَا، فَكَانَ التَّعْلِيلُ بِالْوَزْنِ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ مُتَعَدٍّ لِمَحَلِّ النَّقْدَيْنِ إلَى غَيْرِهِمَا أَكْثَرَ فَائِدَةً مِنْ " الثَّمَنِيَّةِ " الْقَاصِرَةِ عَلَيْهِمَا.
"وَ" عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ هَذَا: فَتَكُونُ الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ4 "أَكْثَرُ
__________
1 في ز: التعدية.
اختلف علماء الأصول في تقديم العلة المتعدية على القاصرة على ثلاثة أقوال، الأول: تقديم المتعدية، وهو قول القاضي أبي يعلى وأبي الخطاب وغيرهما، لأنها أفيد بالإلحاق بها، والثاني: تقديم القاصرة، عند القائلين بأنها علة صحيحة، كما هو مقرر في القياس، فتقدم القاصرة على المتعدية، لأنها أوفق للنص، والخطأ فيها قليل، وهو قول الأستاذ أبي إسحاق الاسفراييني وغيره من الشافعية ورجحه الغزالي في "المستصفى"، والثالث: التسوية بينهما، وهو اختيار الفخر إسماعيل والغزالي في "المنخول" وغيرهما، لتساويهما فيما ينفردان به.
انظر: المسودة ص 378، الروضة ص 392، نزهة الخاطر 2/468، ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/377، المنخول ص 445، شفاء الغليل ص 537، المستصفى 2/403، 404، البرهان 2/1265 وما بعدها، اللمع ص 67، نهاية السول 3/231، المحصول 2/2/625، أصول السرخسي 2/265، شرح تنقيح الفصول ص 426، كشف الأسرار 4/102، إرشاد الفحول ص 281.
2 في ض: بـ.
3 في ز: على.
4 في ع: هي من ذلك.(4/723)
تَعْدِيَةً وَأَعَمُّ" مُقَدَّمَةً "عَلَى غَيْرِهَا" مِمَّا هُوَ أَقَلُّ تَعْدِيَةً وَأَخَصُّ1.
مِثَالُهُ: لَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ أَكْثَرَ عِلَلَنَا فِي الرِّبَا "الْكَيْلُ" لأَنَّ2 عِلَّةَ الْكَيْلِ حِينَئِذٍ تَكُونُ أَكْثَرَ فُرُوعًا، وَلَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ الْمَطْعُومَاتِ أَكْثَرُ عِلَلِنَا فِيهِ بِالطُّعْمِ؛ لأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَكْثَرَ فُرُوعًا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ3 الأَقَلُّ فُرُوعًا بِإِضَافَتِهِ إلَى الأَكْثَرِ فُرُوعًا كَالْقَاصِرَةِ بِالنِّسْبَةِ4 إلَى الْمُتَعَدِّيَةِ.
"وَإِنْ تَقَابَلَتْ عِلَّتَانِ فِي أَصْلٍ فَقَلِيلَةُ أَوْصَافٍ أَوْلَى".
قَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ: إذَا كَانَتْ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ أَكْثَرَ أَوْصَافًا مِنْ الأُخْرَى، فَالْقَلِيلَةُ الأَوْصَافِ أَوْلَى5. انْتَهَى.
وَإِنَّمَا كَانَتْ أَوْلَى: لأَنَّ الْوَصْفَ الزَّائِدَ، لا أَثَرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ، وَصَحَّ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ مَعَ عَدَمِهِ؛ وَلأَنَّ الْكَثِيرَةَ الأَوْصَافِ يَقِلُّ فِيهَا إلْحَاقُ الْفَرْعِ6. فَكَانَ كَاجْتِمَاعِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَالْقَاصِرَةِ 7.
__________
1 انظر: جمع الجوامع 2/375، الإحكام للآمدي 4/273، فواتح الرحموت 2/329، فتح الغفار 3/57، كشف الأسرار 4/102، شرح تنقيح الفصول ص 426.
2 في ش: لأنه.
3 ساقطة من ب.
4 في ع ب ض ش: بالاضافة.
5 المسودة ص 378، 379.
6 في ش ع ب ز: الفروع.
7 وقال الحنفية هما سواء.
انظر: الروضة ص 392، جمع الجوامع 2/374، التبصرة ص 489، اللمع ص 67، المستصفى 2/402، كشف الأسرار 4/102، 103، أصول السرخسي 2/265، شرح تنقيح الفصول ص 426، إرشاد الفحول ص 281، الجدل لابن عقيل ص 24.(4/724)
قَالَ الْمَجْدُ: وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْفَخْرُ1 إسْمَاعِيلُ: هُمَا سَوَاءٌ. هَذَا نَقْلُ2 الْحَلْوَانِيِّ وَأَبِي الْخَطَّابِ3. انْتَهَى.
وَإِنَّمَا قُلْت " فِي أَصْلٍ " لِمَا سَيَأْتِي مِنْ نَصِّهِ عَلَى مَا إذَا كَانَتَا4 مِنْ أَصْلَيْنِ فَأَكْثَرَ.
"وَ" إنْ كَانَتْ الْعِلَّتَانِ "مِنْ أَصْلَيْنِ" فَأَكْثَرَ "فَكَثِيرَتُهَا5" أَيْ: كَثِيرَةُ6 الأَوْصَافِ "أَوْلَى إذَا كَانَتْ أَوْصَافُ كُلٍّ مِنْهُمَا" أَيْ: مِنْ7 الْعِلَّتَيْنِ "مَوْجُودَةً فِي الْفَرْعِ"8.
__________
1 ساقطة من ب ش ز والمسودة.
2 في ش: نقل هذا.
3 المسودة ص 378، 379.
وهناك قول ثالث، وهو ترجيح العلة الأكثر أوصافاً، لأنها أكثر مشابهة للأصل، وأشار إليه المجد فيما بعد.
انظر: التبصرة ص 489، اللمع ص 67، نهاية السول 3/222، المستصفى 2/200، البرهان 2/1286، المسودة 381.
4 في ش ض: كانت.
5 في ض: فكثرتها.
6 في ض: فكثرة.
7 ساقطة من ش.
8 انظر مختصر البعلي ص 172، المسودة ص 379، 381، مختصر الطوفي ص 190.(4/725)
قَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ: وَإِنْ كَانَتَا1 مِنْ أَصْلَيْنِ فَأَكْثَرُهُمَا أَوْصَافًا أَوْلَى، إذَا كَانَتْ أَوْصَافُ كُلِّ وَاحِدَةٍ2 مِنْهُمَا مَوْجُودَةً فِي الْفَرْعِ لِقُوَّةِ شَبَهِهِ بِالأَكْثَرِ. قَالَ: وَفَارِقُ قِيَاسِ عِلَّةِ3 الشَّبَهِ4 فِي رِوَايَةٍ؛ لأَنَّ أَوْصَافَ الأَصْلِ هُنَاكَ5 لَمْ تُوجَدْ بِكَمَالِهَا فِي الْفَرْعِ.
قَالَ6 ابْنُ بُرْهَانٍ: تُقَدَّمُ7 الْعِلَّةُ ذَاتُ الْوَصْفِ الْوَاحِدِ عَلَى ذَاتِ الأَوْصَافِ. وَلَمْ يُفَصِّلْ، وَضَرَبَ لَهُ مِثَالاً بِالْعِلَّتَيْنِ مِنْ أَصْلَيْنِ8. انْتَهَى9.
"وَ" تُقَدَّمُ عِلَّةٌ "مُطَّرِدَةٌ فَقَطْ عَلَى" عِلَّةٍ "مُنْعَكِسَةٍ فَقَطْ"؛ لأَنَّ اعْتِبَارَ الاطِّرَادِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَضَعْفُ الثَّانِيَةِ بِعَدَمِ الاطِّرَادِ أَشَدُّ مِنْ ضَعْفِ10 الأُولَى بِعَدَمِ11 الانْعِكَاسِ12.
__________
1 في ش: كانت.
2 في ب ز: واحد.
3 في ع: علته، وفي ب ز: علية.
4 في ش: الشبهة.
5 في ض ع: الأوصاف للأصل.
6 في المسودة: وقال.
7 في ع: فقدم.
8 ساقطة من ض.
9 المسودة ص 381.
10 ساقطة من ض ع.
11 في ب: بعد.
12 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، فتح الغفار 3/55.(4/726)
"وَ" تُقَدَّمُ "الْمَقَاصِدُ الضَّرُورِيَّةُ" الْخَمْسَةُ "عَلَى غَيْرِهَا" مِنْ الْمَقَاصِدِ1.
"وَمُكَمِّلُهَا" أَيْ مُكَمِّلُ الْخَمْسَةِ الضَّرُورِيَّةِ "عَلَى الْحَاجِيَّةِ2".
"وَهِيَ" أَيْ: وَتُقَدَّمُ الْمَصْلَحَةُ3 الْحَاجِيَّةُ "عَلَى التَّحْسِينِيَّةِ4.
وَ" يُقَدَّمُ "حِفْظُ الدِّينِ عَلَى بَاقِي الضَّرُورِيَّةِ5".
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَإِذَا تَعَارَضَتْ بَعْضُ الْخَمْسِ الضَّرُورِيَّةِ: قُدِّمَتْ الدِّينِيَّةُ عَلَى الأَرْبَعِ الأُخَرِ، لأَنَّهَا الْمَقْصُودُ الأَعْظَمُ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى6: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ
__________
1 ساقطة من ب.
وانظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، نهاية السول 3/227، الإحكام للآمدي 4/274، فواتح الرحموت 2/326، تيسير التحرير 4/89، المحصول 2/2/626.
2 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، نهاية السول 3/227، الإحكام للآمدي 4/275، فواتح الرحموت 2/326.
3 في ش: تقدم والمصلحة.
4 انظر: الإحكام للآمدي 4/274، المحصول 2/2/612، فواتح الرحموت 2/326.
5 في ش: الضرورات، وفي د: الضروريات.
وانظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، التمهيد ص 158، نهاية السول 3/227، الإحكام للآمدي 4/275، فواتح الرحموت 2/326، تيسير التحرير 4/88، إرشاد الفحول ص 282.
6 في ز ض: تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} يوسف/53.(4/727)
إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} 1 وَلأَنَّ ثَمَرَتَهُ نَيْلُ السَّعَادَةِ الأُخْرَوِيَّةِ؛ لأَنَّهَا أَكْمَلُ2 الثَّمَرَاتِ.
وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الأَرْبَعُ الأُخَرُ عَلَى الدِّينِيَّةِ؛ لأَنَّهَا حَقٌّ آدَمِيٌّ، وَهُوَ يَتَضَرَّرُ. وَالدِّينِيَّةُ حَقٌّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهُوَ لا يَتَضَرَّرُ بِهِ3، وَلِذَلِكَ قُدِّمَ قَتْلُ الْقِصَاصِ عَلَى قَتْلِ الرِّدَّةِ عِنْدَ الاجْتِمَاعِ، وَمَصْلَحَةُ النَّفْسِ فِي تَخْفِيفِ الصَّلاةِ عَنْ مَرِيضٍ، وَمُسَافِرٍ، وَأَدَاءِ صَوْمٍ4، وَإِنْجَاءِ غَرِيقٍ، وَحِفْظِ الْمَالِ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ، وَبَقَاءِ الذِّمِّيِّ مَعَ كُفْرِهِ5.
وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَتْلَ إنَّمَا قُدِّمَ: لأَنَّ فِيهِ حَقَّيْنِ. وَلا يَفُوتُ حَقُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْعُقُوبَةِ الْبَدَنِيَّةِ فِي الآخِرَةِ، وَفِي6 التَّخْفِيفِ عَنْهُمَا، تَقْدِيمٌ7 عَلَى فُرُوعِ الدِّينِ8 لا أُصُولِهِ، ثُمَّ هُوَ قَائِمٌ
__________
1 الآية 56 من الذاريات.
2 في ز: آكد.
3 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، التمهيد ص 158، نهاية السول 3/227، الإحكام للآمدي 4/275، فواتح الرحموت 2/326.
4 في ض: الصوم.
5 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، التمهيد 158، الإحكام للآمدي 4/275، فواتح الرحموت 2/326، تيسير التحرير 4/89.
6 في ب: في، وفي ش: وهو.
7 في ش: فقدم.
8 في ش: فروعه.(4/728)
مَقَامَهُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَقْصُودُ، وَكَذَا غَيْرُهُمَا. وَبَقَاءُ الذِّمِّيِّ مِنْ مَصْلَحَةِ الدِّينِ لاطِّلاعِهِ عَلَى مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ. فَيَسْهُلُ انْقِيَادُهُ. كَمَا فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَتَسْمِيَتِهِ فَتْحًا مُبِينًا1.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ قُلْت: وَنَظِيرُ الْقَتْلِ بِالْقَوَدِ أَوْ2 الرِّدَّةِ إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَدَيْنٌ لآدَمِيٍّ، فَقِيلَ: تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ؛ لأَنَّهَا3 حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى اخْتَارَهُ4 الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ وَعَنْهُ يُقَدَّمُ5 دَيْنُ الآدَمِيِّ. وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَ بِالْحِصَصِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ حَجٌّ، وَدَيْنٌ، وَضَاقَ مَالُهُ عَنْهُمَا. أُخِذَ لِلدَّيْنِ بِحِصَّتِهِ وَحَجُّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ6، وَعَلَيْهِ الأَصْحَابُ، وَعَنْهُ7 يُقَدَّمُ الدَّيْنُ لِتَأَكُّدِهِ، وَلَمْ يَحْكُوا هُنَا فِي الأُصُولِ: الْقَوْلَ8 بِالتَّسَاوِي، وَلَعَلَّهُمْ حَكَوْهُ وَلَمْ نَرَهُ. انْتَهَى.
__________
1 وذلك في قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} الفتح:1.
وانظر: الإحكام للآمدي 4/275 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/326، تيسير التحرير 4/90.
2 ساقطة من ش.
3 في ش ع ب: لأنه.
4 في ش: واختاره.
5 في ع: وتقدم.
6 ساقطة من ض.
7 في ش: وقد.
8 ساقطة من ب.(4/729)
"وَ" يُقَدَّمُ مِنْ قِيَاسٍ "مَا مُوجِبُ1 نَقْضِ عِلَّتِهِ مَانِعٌ، أَوْ فَوَاتُ شَرْطٍ، أَوْ مُحَقَّقٌ2 عَلَى مَا3" أَيْ عَلَى قِيَاسِ "مُوجِبِهِ ضَعِيفٌ، أَوْ مُحْتَمَلٌ"4.
أَمَّا كَوْنُ الْقِيَاسِ الَّذِي مُوجِبُ نَقْضِ عِلَّتِهِ قَوِيٌّ5، كَالْمَانِعِ وَفَوَاتِ الشَّرْطِ، مُقَدَّمًا عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي مُوجِبُ نَقْضِ عِلَّتِهِ ضَعِيفٌ: فَلأَنَّ قُوَّةَ مُوجِبِ النَّقْضِ دَلِيلٌ عَلَى قُوَّةِ الْعِلَّةِ الْمَنْقُوضَةِ6.
قَالَ الْعَضُدُ: إذَا انْتَقَضَ الْعِلَّتَانِ، وَ7كَانَ مُوجِبُ التَّخَلُّفِ فِي إحْدَاهُمَا8 فِي صُورَةِ النَّقْضِ قَوِيًّا9، وَفِي الآخَرِ10 ضَعِيفًا11: قُدِّمَ الأَوَّلُ12. انْتَهَى.
__________
1 في ب: يوجب.
2 في ز: متحقق.
3 ساقطة من ع.
4 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/318.
5 في ض د: قوياً.
6 في ش: الناقصة.
7 في ش: أو.
8 في ع ب ز: أحدهما.
9 في ش ع ب ز: قوي.
10 في ز: الأخرى.
11 في ش ع ب ز: ضعيف، وفي العضد: ضعيفاً أو محتملاً.
12 العضد على ابن الحاجب 2/318.(4/730)
وَأَمَّا كَوْنُ الْقِيَاسِ الَّذِي مُوجِبُ نَقْضِ عِلَّتِهِ مُحَقَّقًا1 مُقَدَّمًا2 عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي مُوجِبُ نَقْضِ عِلَّتِهِ مُحْتَمِلاً: فَلأَنَّ الْمُحَقَّقَ أَقْوَى مِنْ الْمُحْتَمَلِ3.
"وَبِانْتِفَاءِ مُزَاحِمِهَا فِي4 أَصْلِهَا" يَعْنِي: أَنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي قَدْ انْتَفَى مُزَاحِمُ عِلَّتِهِ فِي الأَصْلِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا لَمْ يَنْتِفْ مُزَاحِمُ عِلَّتِهِ فِي الأَصْلِ5؛ لأَنَّ انْتِفَاءَ6 مُزَاحِمِ الْعِلَّةِ7 يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِالْعِلَّةِ8.
قَالَ الْعَضُدُ: تُرَجَّحُ الْعِلَّةُ بِانْتِفَاءِ الْمُزَاحِمِ لَهَا فِي الأَصْلِ، بِأَنْ لا تَكُونَ مُعَارَضَةً، وَالأُخْرَى مُعَارَضَةً9. انْتَهَى.
"وَبِرُجْحَانِهَا10 عَلَيْهِ" أَيْ: بِرُجْحَانِ11 الْعِلَّةِ عَلَى مُزَاحِمِهَا،
__________
1 في ز: محقق.
2 في ز: متقدماً.
3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/318.
4 ساقطة من ب.
5 في ش ز: أصلها.
6 ساقطة من ض.
7 في ع: علة الأصل.
8 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/318، نهاية السول 3/232، الإحكام للآمدي 4/277.
9 العضد على ابن الحاجب 2/318.
10 في ش: ويرجحانها.
11 في ش: يرجحان، وفي ع ز: رجحان.(4/731)
يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي تَكُونُ عِلَّتُهُ رَاجِحَةً عَلَى مُزَاحِمِهَا فِي الأَصْلِ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي لا تَكُونُ عِلَّتُهُ رَاجِحَةً عَلَى مُزَاحِمِهَا؛ لِقُوَّتِهِ بِرُجْحَانِ عِلَّتِهِ1.
"وَبِقُوَّةِ مُنَاسَبَةٍ" يَعْنِي: أَنَّ أَحَدَ الْقِيَاسَيْنِ يُرَجَّحُ عَلَى الآخَرِ بِقُوَّةِ مُنَاسَبَةِ عِلَّتِهِ؛ لأَنَّ قُوَّةَ الْمُنَاسَبَةِ تُفِيدُ قُوَّةَ ظَنِّ الْعِلِّيَّةِ2.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَبِقُوَّةِ3 الْمُنَاسَبَةِ، بِأَنْ تَكُونَ4 أَفْضَى إلَى مَقْصُودِهَا، أَوْ لا تُنَاسِبُ5 نَقِيضَهُ6.
"وَمُقْتَضِيَةٍ لِثُبُوتٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى الآخَرِ لِكَوْنِ عِلَّتِهِ مُقْتَضِيَةً لِلثُّبُوتِ7 عِنْدَ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ وَالْمُوَفَّقِ وَجَمْعٍ8، لأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِلثُّبُوتِ تُفِيدُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَمْ9 يُعْلَمْ بِالْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ بِخِلافِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلنَّفْيِ، فَإِنَّهَا تُفِيدُ مَا عُلِمَ
__________
1 انظر: نهاية السول 3/232.
2 انظر: المسودة ص 378، المدخل إلى مذهب أحمد ص 200.
3 في د ع ض: وتقوية.
4 في ب: يكون.
5 في ض: يناسب، وفي ب: مناسبة.
6 في ش: نقيضاً.
7 في ب: المثبوت.
8 قال الغزالي: وهو غير صحيح، وتقدمت هذه المسألة ص 444.
وانظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/318، الروضة ص 393، المستصفى 2/415، المنخول ص 449، الإحكام للآمدي 4/278.
9 في ش: لما لم.(4/732)
بِالْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ، وَمَا فَائِدَتُهُ شَرْعِيَّةٌ رَاجِحٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَاسَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَلَى الْخَبَرَيْنِ.
وَعِنْدَ الآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَجَمْعٍ: تُرَجَّحُ1 النَّافِيَةُ؛ لأَنَّ الْمُقْتَضِيَةَ لِلنَّفْيِ مُتَأَيِّدَةٌ بِالنَّفْيِ2.
"وعَامَّةٌ لِلْمُكَلَّفِينَ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي تَكُونُ3 عِلَّتُهُ عَامَّةً فِي الْمُكَلَّفِينَ -أَيْ: مُتَضَمِّنَةً لِمَصْلَحَةِ عُمُومِ الْمُكَلَّفِينَ- عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي تَكُونُ عِلَّتُهُ خَاصَّةً4 لِبَعْضِ5 الْمُكَلَّفِينَ، لأَنَّ مَا تَكُونُ6 فَائِدَتُهُ أَكْثَرَ: أَوْلَى7.
وَقَدَّمَ الْكَرْخِيُّ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ الْخَاصَّةَ لِتَصْرِيحِهَا بِالْحُكْمِ.
وَكَذَا مَا أَصْلُهَا8 مِنْ جِنْسِ فَرْعِهَا، كَإِلْحَاقِ بَيْعِ الْغَائِبِ9 بِالسَّلَمِ بِلا صِفَةٍ، وَبِقَوْلِهِ: بِعْتُك عَبْدًا.
__________
1 في ز: يرجح.
2 انظر: الإحكام للآمدي 4/278، ابن الحاجب والعضد عليه 2/318، المنخول ص 449، المتصفى 2/405، نهاية السول 3/232، البرهان 2/1289.
3 في ض: يكون.
4 في ض ع ب: جامعة.
5 في ش: بعض.
6 في ض: يكون.
7 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/318.
8 في ش: أصله.
9 في ش: المكاتب.(4/733)
"وَ" تُقَدَّمُ عِلَّةٌ "مُوجِبَةٌ لِحُرِّيَّةٍ" عَلَى عِلَّةٍ مُقْتَضِيَةٍ لِرِقٍّ1. قَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ، وَقَالَ:2 قَالَهُ الْقَاضِي وَبَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ.
وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلرِّقِّ. وَاخْتَارَهُ3 أَبُو الْخَطَّابِ4 5وَاخْتَارَ أَيْضًا أَنَّهُمَا6 سَوَاءٌ.
"وَ" تُقَدَّمُ عِلَّةٌ "حَاظِرَةٌ7" - أَيْ8: مُوجِبَةٌ لِلْحَظْرِ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْكَرْخِيِّ9 عَلَى عِلَّةٍ مُوجِبَةٍ لِلإِبَاحَةِ؛ لأَنَّ تَقْدِيمَ الْحَاظِرَةِ أَوْلَى، وَأَحْوَطُ10.
__________
1 انظر: المسودة ص 377، التبصرة 487، اللمع ص 68، المحصول 2/2/620، مختصر البعلي ص 172. وتقدمت هذه المسألة ص 444.
2 ساقطة من ز.
3 في ب: واختار.
4 في ش: أبو الخطاب وابن عقيل والكرخي.
5 ساقطة من ش، وفي ب: أنهما سواء. واختار ابن عقيل أنهما سواء.
وانظر: المسودة ص 377، الروضة ص 391، التبصرة ص 487، اللمع ص 68، الجدل لابن عقيل ص 26.
6 في ع: أنها.
7 في ش: موجبة للحظر، وفي د: حاضرة.
8 في ش: يعني وتقدم علة.
9 ساقطة من ش.
10 انظر: المسودة ص 378، الروضة ص 391، التبصرة ص 484، اللمع ص 68، البرهان 2/1290، مختصر البعلي ص 172، الجدل لابن عقيل ص 26.(4/734)
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ احْتِمَالاً بِأَنَّهُمَا1 سَوَاءٌ2.
"وَ" تُقَدَّمُ "عِلَّةٌ لَمْ يُخَصَّ3 أَصْلُهَا" وَهِيَ عَامَّةُ الأَصْلِ، بِأَنْ تُوجَدَ فِي جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ، كَالطُّعْمِ عَلَى الْكَيْلِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ التَّفَاضُلَ فِي الْقَلِيلِ4؛ لأَنَّهَا أَكْثَرُ فَائِدَةً مِمَّا لا يَعُمُّ؛ كَالطُّعْمِ فِيمَنْ يُعَلِّلُ بِهِ فِي بَابِ الرِّبَا، فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْبُرِّ مَثَلاً: قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، بِخِلافِ " الْقُوتِ " الْعِلَّةُ5 عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَلا يُوجَدُ6 فِي قَلِيلِهِ، فَجَوَّزُوا بَيْعَ الْحَفْنَةِ مِنْهُ7 بِالْحَفْنَتَيْنِ.
"أَوْ لَمْ يَسْبِقْهَا حُكْمُهَا" يَعْنِي: أَنَّهُ تُقَدَّمُ8 عِلَّةٌ وُجِدَ حُكْمُهَا مَعَهَا عَلَى عِلَّةٍ9 حُكْمُهَا مَوْجُودٌ قَبْلَهَا؛ لأَنَّ الْمَوْجُودَ حُكْمُهَا مَعَهَا
__________
1 في ع ب: أنهما.
2 وهو قول بعض الشافعية بأن العلة الحاظرة والعلة المبيحة سواء، وتقدم ترجيح الحظر على الإباحة والأقوال فيها ص 442.
وانظر: المسودة ص 378، الروضة ص 392، التبصرة ص 484، اللمع ص 67.
3 في ض: يخصص.
4 ساقطة من ض د.
5 في ز: للعلة.
6 في ش: توجد.
7 ساقطة من ض ز.
8 في ب: يقدم.
9 في ض ب ز: من، وفي ع: ما.(4/735)
يَدُلُّ عَلَى تَأْثِيرِهَا فِي الْحُكْمِ. كَتَعْلِيلِ1 أَصْحَابِنَا فِي الْبَائِنِ: أَنَّهَا لا نَفَقَةَ لَهَا وَلا سُكْنَى: بِأَنَّهَا2 أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ، فَأَشْبَهَتْ الْمُنْقَضِيَةَ3 الْعِدَّةِ. وَتَعْلِيلُ الْخَصْمِ: بِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ طَلاقٍ4، أَشْبَهَتْ الرَّجْعِيَّةَ، فَعِلَّتُنَا أَوْلَى؛ لأَنَّ الْحُكْمَ - وَهُوَ سُقُوطُ النَّفَقَةِ - وُجِدَ بِوُجُودِهَا، وَقَبْلَ أَنْ تَصِيرَ أَجْنَبِيَّةً كَانَتْ النَّفَقَةُ وَاجِبَةً، وَعِلَّتُهُمْ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ؛ لأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى تَجِبُ5 لِلزَّوْجَةِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ مُعْتَدَّةً مِنْ6 طَلاقٍ فَوَجَبَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى.
"أَوْ وُصِفَتْ بِمَوْجُودٍ فِي الْحَالِ" يَعْنِي: أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَوْصُوفَةَ فِي الْحَالِ، أَيْ7 بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ تُقَدَّمُ عَلَى الْعِلَّةِ الْمَوْصُوفَةِ بِمَا يَجُوزُ8 وُجُودُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ9؛ كَتَعْلِيلِ10 أَصْحَابِنَا فِي رَهْنِ الْمُشَاعِ11: أَنَّهُ عَيْنٌ يَصِحُّ بَيْعُهَا، فَصَحَّ رَهْنُهَا كَالْمُفْرَدِ، وَتَعْلِيلُ
__________
1 في ب: لتعليل.
2 في ض ب ع ز: لأنها.
3 في ض: المقتضية.
4 في ز: طلاقٍ بائن.
5 في ش: يجب.
6 في ض ع ب ز: عن.
7 ساقطة من ش ز.
8 ساقطة من ش.
9 انظر: المسودة ص 382.
10 في ش: لتعليل.
11 في ش: المتاع.(4/736)
الْخَصْمِ بِأَنَّهُ قَارَنَ الْعَقْدَ: مَعْنًى يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ رَفْعِ يَدِهِ فِي الثَّانِي. فَعِلَّتُنَا مُحَقَّقَةُ الْوُجُودِ، وَمَا ذَكَرُوهُ1 يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ، وَيَجُوزُ أَنْ لا يُوجَدَ فَكَانَتْ عِلَّتُنَا أَوْلَى2.
"أَوْ عَمَّتْ مَعْلُولَهَا" يَعْنِي: أَنَّهُ تُقَدَّمُ الْعِلَّةُ الَّتِي تَسْتَوْعِبُ مَعْلُولَهَا عَلَى مَا لَمْ تَسْتَوْعِبْهُ3، كَقِيَاسِنَا فِي جَرَيَانِ الْقِيَاسِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الأَطْرَافِ بِأَنَّ مَنْ أَجْرَى الْقِيَاسَ بَيْنَهُمَا4 فِي النَّفْسِ5 أَجْرَاهُ بَيْنَهُمَا فِي الأَطْرَافِ كَالْحُرَّيْنِ. فَإِنَّهُ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِمْ بِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي بَدَلِ النَّفْسِ، فَلا يَجْرِي الْقِيَاسُ بَيْنَهُمَا فِي الأَطْرَافِ. كَالْمُسْلِمِ مَعَ الْمُسْتَأْمَنِ؛ لأَنَّهُ لا تَأْثِيرَ لِقَوْلِهِمْ. فَإِنَّ الْعَبْدَيْنِ وَلَوْ تَسَاوَيَا فِي الْقِيمَةِ لا يَجْرِي الْقِيَاسُ بَيْنَهُمَا فِي الأَطْرَافِ عِنْدَهُمْ.
"وَمُفَسَّرَةٌ" يَعْنِي: أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُفَسَّرَةَ -بِفَتْحِ السِّينِ- وَمَا قَبْلَهَا مِمَّا ذُكِرَ يُقَدَّمْنَ "عَلَى ضِدِّهِنَّ".
فَإِذَا وُجِدَتْ عِلَّةٌ مُفَسَّرَةٌ، وَعِلَّةٌ مُجْمَلَةٌ قُدِّمَتْ الْمُفَسَّرَةُ6.
قَالَ7 فِي التَّمْهِيدِ: وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ8 إحْدَاهُمَا مُفَسَّرَةً،
__________
1 في ش: ذكره.
2 انظر: المسودة ص 382.
3 انظر: المسودة ص 379، 380.
4 في ض: عنهما، وفي ع: فيهما.
5 في ب: النفس أو.
6 انظر: المسودة ص 382.
7 في ب: وقال.
8 في ع: يكون، وفي ز: لا تكون.(4/737)
وَالأُخْرَى مُجْمَلَةً، كَقِيَاسِنَا فِي الأَكْلِ فِي رَمَضَانَ، أَنَّهُ لا كَفَّارَةَ فِيهِ؛ لأَنَّهُ إفْطَارٌ1 بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ 2، فَأَشْبَهَ مَا3 لَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً: أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِمْ أَفْطَرَ بِمُسَوَّغِ جِنْسِهِ؛ لأَنَّ الْمُفَسَّرَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُقَدَّمٌ4 عَلَى الْمُجْمَلِ. وَكَذَا فِي الْمُسْتَنْبَطِ. انْتَهَى.
وَحَيْثُ انْتَهَى الْكَلامُ عَلَى تَرْجِيحِ الأَصْلِ5 فِي الدَّلِيلَيْنِ الْمَعْقُولَيْنِ شَرَعَ فِي الْكَلامِ عَلَى تَرْجِيحِ الْفَرْعِ6. فَقَالَ:
"الْفَرْعُ" يَعْنِي: أَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ التَّرْجِيحُ وَيُرَجَّحُ7 بِمَا يَقْوَى بِهِ الظَّنُّ.
"وَيَقْوَى ظَنٌّ بِمُشَارَكَةِ" الْفَرْعِ الأَصْلَ "فِي أَخَصَّ" وَيُرَجَّحُ عَلَى مَا هُوَ مُشَارِكٌ فِي أَعَمَّ8 مِنْ ذَلِكَ الأَخَصِّ.
"وَ" يُرَجَّحُ أَيْضًا الْفَرْعُ بِ9 "بُعْدِهِ عَنْ الْخِلافِ".
إذَا عَلِمْت10 ذَلِكَ "فَيُقَدَّمُ" فَرْعٌ "مُشَارِكٌ" لِلأَصْلِ "فِي عَيْنِ
__________
1 في ض: أفطر.
2 في ع: المباشرة.
3 ساقطة من ض ب ع ز.
4 في ش: يقدم.
5 ساقطة من ع د ض.
6 في ش: بالفرع.
7 في ش: فيرجح.
8 ساقطة من ش.
9 في ب ز: به.
10 في ض ع: علمنا.(4/738)
الْحُكْمِ وَ" عَيْنِ "الْعِلَّةِ" عَلَى فَرْعٍ مُشَارِكٍ لأَصْلِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، وَجِنْسِ الْعِلَّةِ، وَعَلَى مُشَارِكٍ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، وَعَيْنِ الْعِلَّةِ، وَعَلَى مُشَارِكٍ فِي عَيْنِ1 الْحُكْمِ، وَجِنْسِ الْعِلَّةِ2.
وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لأَنَّ التَّعَدِّيَةَ بِاعْتِبَارِ الاشْتِرَاكِ فِي الْمَعْنَى الأَخَصِّ تَكُونُ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ مِنْ الاشْتِرَاكِ فِي الْمَعْنَى الأَعَمِّ.
"فَفِي عَيْنِهَا وَجِنْسِهِ" يَعْنِي ثُمَّ يَلِي مَا تَقَدَّمَ، الْفَرْعُ الْمُشَارِكُ لِلأَصْلِ فِي عَيْنِ الْعِلَّةِ وَجِنْسِ الْحُكْمِ3؛ لأَنَّ الْعِلَّةَ أَصْلُ الْحُكْمِ الْمُتَعَدِّي، بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي خُصُوصِ الْعِلَّةِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي خُصُوصِ الْحُكْمِ.
"فَفِي عَيْنِهِ وَجِنْسِهَا" يَعْنِي: ثُمَّ يَلِي مَا تَقَدَّمَ: الْفَرْعُ الْمُشَارِكُ لِلأَصْلِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، وَجِنْسِ الْعِلَّةِ؛ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ4 عَلَى الْفَرْعِ الْمُشَارِكِ فِي جِنْسِ الْعِلَّةِ، وَجِنْسِ الْحُكْمِ5؛ لأَنَّ الْمُشَارِكَ فِي عَيْنِ
__________
1 في ش: جنس.
2 انظر العضد على ابن الحاجب 2/318، الإحكام للآمدي 4/279، المحصول 2/2/613، فواتح الرحموت 2/325، تيسير التحرير 4/87، فتح الغفار 3/54، التلويح على التوضيح 3/17، إرشاد الفحول ص 283، الوسيط ص 641.
3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/318، الإحكام للآمدي 4/279، تيسير التحرير 4/87، إرشاد الفحول ص 283.
4 في ب: مقدم.
5 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/318، الإحكام للآمدي 4/279، فواتح الرحموت 2/325، تيسير التحرير 4/87، إرشاد الفحول ص 283.(4/739)
أَحَدِهِمَا أَوْلَى؛ لأَنَّهُ أَخَصُّ1.
"فَفِي جِنْسِهِمَا". يَعْنِي2 ثُمَّ يَلِي مَا تَقَدَّمَ: الْفَرْعُ الْمُشَارِكُ لِلأَصْلِ فِي جِنْسِ الْعِلَّةِ وَجِنْسِ الْحُكْمِ.
"وَبِقَطْعِ عِلَّةٍ فِي3 فَرْعٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ4 الْقِيَاسُ الَّذِي الْعِلَّةُ فِي فَرْعِهِ مَقْطُوعٌ بِهَا، عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي الْعِلَّةُ فِي فَرْعِهِ5 مَظْنُونَةٌ6.
"وَبِتَأَخُّرِهِ"7 أَيْ: تَأَخُّرِ الْفَرْعِ، يَعْنِي أَنَّ الْفَرْعَ يُرَجَّحُ بِتَأَخُّرِهِ عَنْ الأَصْلِ فِي الرُّتْبَةِ، عَلَى فَرْعٍ يُسَاوِي8 الأَصْلَ فِي الرُّتْبَةِ9؛ لأَنَّ الْفَرْعَ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ زَمَنِ الأَصْلِ لا تَمْتَنِعُ مُسَاوَاتُهُ لَهُ فِي الرُّتْبَةِ، وَالْوَاجِبُ بِفَرْعِيَّةِ الْفَرْعِ إنَّمَا هُوَ التَّأَخُّرُ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ الرُّتْبَةِ،
__________
1 في ش: أخص في جنس العلة.
2 ساقطة من ش.
3 في ش: في علة.
4 ساقطة من ب.
5 ساقطة من ش ض.
6 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/381، الإحكام للآمدي 4/280، إرشاد الفحول ص 283.
7 ساقطة من ش، وفي هامشها: "بياض بالأصل هكذا قدر خمس كلمات"، وفي ب: أي تأخر الفرع، وسقط الباقي.
8 في ض: ليساوي.
9 انظر: الإحكام للآمدي 4/279.(4/740)
لا مُطْلَقًا، بَلْ بِالنِّسْبَةِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي أُرِيدَ تَعْدِيَتُهُ إلَيْهِ.
"وَبِثُبُوتِهِ بِنَصٍّ" يَعْنِي أَنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي ثَبَتَ1 حُكْمُ الْفَرْعِ2 فِيهِ بِالنَّصِّ يُرَجَّحُ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْفَرْعِ فِيهِ بِالنَّصِّ3.
وَقَوْلُنَا "جُمْلَةً" لأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حُكْمُ الْفَرْعِ بِالنَّصِّ4 عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ: لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ، وَحِينَئِذٍ5 لَمْ يَكُنْ فَرْعًا، لأَنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ6 عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ لا يُقَاسُ حِينَئِذٍ7 عَلَى شَيْءٍ8.
وَحَيْثُ انْتَهَى الْكَلامُ عَلَى مَا يَتَرَجَّحُ بِهِ الْفَرْعُ شَرَعَ فِي الْكَلامِ عَلَى التَّرْجِيحِ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَالأَمْرُ الْخَارِجُ فَقَالَ:
"الْمَدْلُولُ وَأَمْرٌ خَارِجٌ9" يَعْنِي أَنَّهُ10 يَكُونُ التَّرْجِيحُ فِيهِمَا
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ع: السماع.
3 انظر: الإحكام للآمدي 4/280.
4 في ش: بالأصل.
5 ساقطة من ش ب.
6 في ع: بالنص حينئذ.
7 ساقطة من ش.
8 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/318.
9 في ش: خارجي.
10 في ش: أن.(4/741)
"كَمَا مَرَّ فِي" الدَّلِيلَيْنِ "الْمَنْقُولَيْنِ" عَلَى حُكْمِ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِيهِمَا1.
"وَتُرَجَّحُ عِلَّةٌ وَافَقَهَا خَبَرٌ ضَعِيفٌ، أَوْ" وَافَقَهَا "قَوْلُ صَحَابِيٍّ2، أَوْ" وَافَقَهَا "مُرْسَلُ3 غَيْرِهِ" أَيْ: غَيْرِ صَحَابِيٍّ4.
نَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ حَدِيثَ الرَّجُلِ الضَّعِيفِ، كَابْنِ لَهِيعَةَ، وَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ5 أَبِي مَرْيَمَ، فَيُقَالُ6 لَهُ فِي ذَلِكَ، فَيَقُولُ7: أَعْرِفُهُ أَعْتَبِرُ بِهِ، كَأَنِّي أَسْتَدِلُّ بِهِ مَعَ غَيْرِهِ، وَيَقُولُ8: يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا9.
__________
1 ذكر العضد أن ترجيح القياس بحسب الخارج لم يتعرض له ابن الحاجب، لأنه يعلم مما ذكر، كما لم يتعرض ابن الحاجب للصنف الثاني من الدليلين المعقولين، وهو "الاستدلالان" للسبب السابق.
انظر: العضد على ابن الحاجب 2/318-319، الإحكام للآمدي 4/280.
2 انظر: نهاية السول 3/231، المنخول ص 450، اللمع ص 68، المستصفى 2/400، الوسيط ص 646، الفقيه والمتفقه 2/216.
3 ساقطة من ب.
4 انظر: المستصفى 2/400، الفقيه والمتفقه 2/216.
5 في ض: وابن.
6 في ش: فقيل.
7 في ش: فقال.
8 في ز: فيقول.
9 سبق للمؤلف نقل هذا القول عن الإمام أحمد مع توجيهه، والاستدلال به على العمل بالحديث الضعيف في الفضل "2/571 وما بعدها".(4/742)
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: قَوْلُ1 أَحْمَدَ " أَسْتَدِلُّ بِهِ مَعَ غَيْرِهِ " يَعْنِي يَصِيرُ حُجَّةً بِالانْضِمَامِ لا مُفْرَدًا، وَكَذَا حُكْمُ الْمُرْسَلِ، وَكَذَا حُكْمُ قَوْلِ2 الصَّحَابِيِّ، كَالْخَبَرِ الضَّعِيفِ يَقْوَى بِهِ، وَيُرَجَّحُ بِهِ.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَالَ أَيْضًا: الصَّحِيحُ أَنَّ الْعِلَّةَ تُرَجَّحُ إذَا وَافَقَهَا قَوْلُ صَحَابِيٍّ، وَإِنْ لَمْ تَجْعَلْهُ3 حُجَّةً.
وَالصَّحِيحُ أَيْضًا: أَنَّ الْمُرْسَلَ يُرَجَّحُ بِهِ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ فَكَذَلِكَ فِي الْعِلَّةِ.
وَعِنْدَ الْقَاضِي فِي الْعُدَّةِ: لا يُرَجَّحُ بِمَا لا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ، فَلا يُرَجَّحُ بِمُرْسَلٍ4، وَلا بِقَوْلِ صَحَابِيٍّ، إذَا لَمْ يَثْبُتْ بِذَلِكَ حُكْمٌ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي فُرُوعِهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَقَالَ أَيْضًا: وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ التَّرْجِيحَ بِهِ.
__________
1 في ع ز: وقول.
2 في ض ب ع ز: وقول.
3 في ش ض ز: يجعله.
4 ذكر القاضي أبو يعلى في كتابه "العدة 3/1050" الترجيح بالمرسل فقال: "الرابع: أن يكون مع أحدهما حديث مرسل، لأنّ مجيئه من طريق مسند ومرسل أقوى له".(4/743)
وَحَيْثُ انْتَهَى الْكَلامُ عَلَى الدَّلِيلَيْنِ الْمَنْقُولَيْنِ وَالْمَعْقُولَيْنِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ التَّرْجِيحِ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ مَنْقُولاً وَالآخَرُ مَعْقُولاً، فَقَالَ "الْمَنْقُولُ وَالْقِيَاسُ".
فَإِذَا وُجِدَ تَعَارُضٌ بَيْنَ الْمَنْقُولِ وَالْقِيَاسِ1 - وَالْمُرَادُ بِالْمَنْقُولِ: الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ. فَإِنَّهُ "يُرَجَّحُ" مَنْقُولٌ "خَاصٌّ دَلَّ" عَلَى الْمَطْلُوبِ "بِنُطْقِهِ" لأَنَّ الْمَنْقُولَ أَصْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقِيَاسِ؛ وَلأَنَّ مُقَدَّمَاتِهِ أَقَلُّ مِنْ مُقَدَّمَاتِ الْقِيَاسِ. فَيَكُونُ أَقَلَّ خَلَلاً2.
"وَإِلاَّ" أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِنُطْقِهِ، مَعَ كَوْنِ الْمَنْقُولِ خَاصًّا، فَلَهُ دَرَجَاتٌ، لأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ مِنْ الْمَنْقُولِ الَّذِي دَلَّ عَلَى3 الْمَطْلُوبِ لا بِمَنْطُوقِهِ: قَدْ يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْحَاصِلِ مِنْ الْقِيَاسِ، وَقَدْ يَكُونُ مُسَاوِيًا لَهُ، وَقَدْ يَكُونُ أَضْعَفَ مِنْهُ، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "فَمِنْهُ ضَعِيفٌ، وَقَوِيٌّ، وَمُتَوَسِّطٌ، فَ4" يَكُونُ "التَّرْجِيحُ فِيهِ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ لِلنَّاظِرِ" فَيُعْتَبَرُ الظَّنُّ الْحَاصِلُ مِنْ الْمَنْقُولِ، وَالظَّنُّ الْحَاصِلُ مِنْ الْقِيَاسِ، وَيُؤْخَذُ بِأَقْوَى الظَّنَّيْنِ5.
__________
1 في ض: بالقياس.
2 انظر: الإحكام للآمدي 4/280.
3 في ش: عليه.
4 في ش: و.
5 انظر: الإحكام للآمدي 4/280.(4/744)
"خَاتِمَةٌ"
يَقَعُ التَّرْجِيحُ بَيْنَ حُدُودٍ سَمْعِيَّةٍ ظَنِّيَّةٍ1 مُفِيدَةٍ لِمَعَانٍ مُفْرَدَةٍ 2تَصَوُّرِيَّةٍ3. وَهِيَ حُدُودُ الأَحْكَامِ الظَّنِّيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِمَعَانٍ مُفْرَدَةٍ تَصَوُّرِيَّةٍ4، وَذَلِكَ: لأَنَّ الأَمَارَاتِ الْمُفْضِيَةَ إلَى التَّصْدِيقَاتِ كَمَا يَقَعُ التَّعَارُضُ فِيهَا، وَيُرَجَّحُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، كَذَلِكَ5 الْحُدُودُ6 السَّمْعِيَّةُ7 يَقَعُ8 التَّعَارُضُ9 فِيهَا. وَيُرَجَّحُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ.
__________
1 في ش: ظنية سمعية.
2 ساقطة من ب.
3 في ض: تصويرية.
4 في ض: تصويرية.
5 ساقطة من ش.
6 في ش: فالحدود.
7 في ب: والسمعية.
8 في ش: تقع.
9 في ش: الحدود.(4/745)
وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " السَّمْعِيَّةَ " الْعَقْلِيَّةُ، الَّتِي هِيَ1 تَعْرِيفُ الْمَاهِيَّاتِ، فَإِنَّهَا2 لَيْسَتْ مَقْصُودَةً هُنَا.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا. فَإِنَّهُ "يُرَجَّحُ مِنْ حُدُودٍ سَمْعِيَّةٍ: ظَنِّيَّةٍ مُفِيدٍ لِمَعَانٍ مُفْرَدَةٍ تَصَوُّرِيَّةٍ3 صَرِيحٌ4" لأَنَّ التَّرْجِيحَ فِي الْحُدُودِ السَّمْعِيَّةِ تَارَةً يَكُونُ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ، وَتَارَةً يَكُونُ5 بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى. وَتَارَةً يَكُونُ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ6 خَارِجٍ.
فَمِنْ التَّرْجِيحِ بِاعْتِبَارِ الأَلْفَاظِ: الصَّرَاحَةُ7، فَيُرَجَّحُ الْحَدُّ الَّذِي بِلَفْظٍ صَرِيحٍ عَلَى حَدٍّ فِيهِ تَجَوُّزٌ، أَوْ اسْتِعَارَةٌ، أَوْ اشْتِرَاكٌ، أَوْ غَرَابَةٌ، أَوْ اضْطِرَابٌ8.
وَمَحَلُّ هَذَا: إنْ قُلْنَا: إنَّ التَّجَوُّزَ وَالاسْتِعَارَةَ وَالاشْتِرَاكَ تَكُونُ فِي الْحُدُودِ، وَالصَّحِيحُ: الْمَنْعُ.
__________
1 في ش: وهي.
2 في ش: وهي.
3 في ض: تصويرية.
4 في ع: صريحة.
5 في ب: تكون.
6 في ع: لأمر.
7 في د ز: الصراحة لغة.
8 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، جمع الجوامع 2/379، الإحكام للآمدي 4/282، إرشاد الفحول ص 284.(4/746)
قَالَ الْكُورَانِيُّ: إلاَّ إذَا اشْتَهَرَ الْمَجَازُ، حَيْثُ1 لا يَتَبَادَرُ غَيْرُهُ.
"وَ" مِنْ التَّرْجِيحِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى "أَعْرَفُ" يَعْنِي بِأَنْ يَكُونَ الْمُعَرَّفُ2 مِنْ أَحَدِهِمَا أَعْرَفَ مِنْ الآخَرِ3.
"وَ" مِنْ التَّرْجِيحِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى أَيْضًا "أَعَمُّ" يَعْنِي بِأَنْ4 يَكُونَ مَدْلُولُ أَحَدِهِمَا أَعَمَّ مِنْ مَدْلُولِ الآخَرِ، فَيُرَجَّحُ الأَعَمُّ لِيَتَنَاوَلَ الأَخَصَّ 5وَغَيْرَهُ فَتَكْثُرُ الْفَائِدَةُ6.
وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الأَخَصُّ لِلاتِّفَاقِ عَلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الأَخَصُّ؛ لِتَنَاوُلِ الْحَدَّيْنِ لَهُ وَالاخْتِلافُ فِيمَا زَادَ عَلَى مَدْلُولِ الأَخَصِّ. وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَوْلَى7.
__________
1 في ش: وحيث.
2 في ش: العرف.
3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، جمع الجوامع 2/377، الإحكام للآمدي 4/282، إرشاد الفحول ص 284.
في ز ع ب: المعرف الآخر.
4 ساقطة من ض.
5 ساقطة من ب.
6 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، جمع الجوامع 2/379، الإحكام للآمدي 4/284، إرشاد الفحول ص 284.
7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، الإحكام للآمدي 4/282، إرشاد الفحول ص 284.(4/747)
"وَ" مِنْ التَّرْجِيحِ1 بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى أَيْضًا2 "ذَاتِيٌّ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ التَّعْرِيفُ بِكَوْنِهِ ذَاتِيًّا عَلَى كَوْنِهِ عَرَضِيًّا؛ لأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالذَّاتِيِّ يُفِيدُ كُنْهَ الْحَقِيقَةِ، بِخِلافِ الْعَرَضِيِّ3.
"مِنْ ذَا" أَيْ: يُقَدَّمُ4 مِنْ هَذَا5 التَّعْرِيفِ الذَّاتِيِّ مَا هُوَ "حَقِيقِيٌّ تَامٌّ، فَ" مَا هُوَ حَقِيقِيٌّ "نَاقِصٌ" فَمَا هُوَ6 "رَسْمِيٌّ كَذَلِكَ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُقَدَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّعْرِيفُ الرَّسْمِيُّ التَّامُّ. فَالتَّعْرِيفُ7 الرَّسْمِيُّ النَّاقِصُ "فَلَفْظِيٌّ" يَعْنِي: أَنَّهُ يَلِي الرَّسْمِيَّ النَّاقِصَ: التَّعْرِيفُ اللَّفْظِيُّ.
"وَ" يَكُونُ التَّرْجِيحُ فِي الْحُدُودِ السَّمْعِيَّةِ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ خَارِجٍ أَيْضًا فَيُرَجَّحُ أَحَدُ الْحَدَّيْنِ8 "بِمُوَافَقَةِ" نَقْلٍ شَرْعِيٍّ9، أَوْ لُغَوِيٍّ10 "أَوْ" بِ "مُقَارَنَةِ نَقْلٍ سَمْعِيٍّ، أَوْ لُغَوِيٍّ" عَلَى مَا لا
__________
1 في ز: الترجيح أيضاً.
2 ساقطة من ز.
3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، جمع الجوامع 2/379، الإحكام للآمدي 4/284، إرشاد الفحول ص 284.
4 في ض ب: ويقدم.
5 ساقطة من ب.
6 ساقطة من ش.
7 في ض: في التعريف.
8 في ش: الأمرين، وفي د: الخبرين.
9 في ش: الشارع.
10 في ش: نقل لغوي.(4/748)
يَكُونُ كَذَلِكَ1 "أَوْ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَوْ" عَمَلِ "الْخُلَفَاءِ" الرَّاشِدِينَ - "أَوْ" عَمَلِ "عَالِمٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ بِمُوَافَقَةِ عَمَلِ2 أَهْلِ الْمَدِينَةِ. أَوْ بِمُوَافَقَةِ عَمَلِ3 الْخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ، 4أَوْ بِمُوَافَقَةِ5 الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ، أَوْ بِمُوَافَقَةِ عَمَلِ عَالِمٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا لا يَكُونُ كَذَلِكَ؛ لِحُصُولِ الْقُوَّةِ بِذَلِكَ6.
"وَ" يُرَجَّحُ أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ أَيْضًا "بِكَوْنِ طَرِيقِ تَحْصِيلِهِ أَسْهَلَ" مِنْ طَرِيقِ الآخَرِ "أَوْ أَظْهَرَ" مِنْ طَرِيقِ الآخَرِ7. يَعْنِي: أَنَّ أَحَدَ التَّعْرِيفَيْنِ يُرَجَّحُ عَلَى الآخَرِ بِرُجْحَانِ طَرِيقِ اكْتِسَابِهِ، بِأَنْ يَكُونَ طَرِيقُ اكْتِسَابِهِ أَيْ8 اكْتِسَابِ أَحَدِهِمَا قَطْعِيًّا، وَطَرِيقُ اكْتِسَابِ الآخَرِ ظَنِّيًّا، أَوْ اكْتِسَابِ أَحَدِهِمَا أَرْجَحَ مِنْ طَرِيقِ اكْتِسَابِ الآخَرِ، بِكَوْنِ طَرِيقِهِ أَسْهَلَ أَوْ9 أَظْهَرَ، فَيُقَدَّمُ الأَسْهَلُ
__________
1 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، جمع الجوامع 2/379، الإحكام للآمدي 4/283، إرشاد الفحول ص 284.
2 ساقطة من ز.
3 ساقطة من ض ع ب.
4 ساقطة من ع ب ض ز.
5 ساقطة من د.
6 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، المنخول ص 431، الإحكام للآمدي 4/283، إرشاد الفحول ص 283.
7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، جمع الجوامع 2/379، الإحكام للآمدي 4/283.
8 ساقطة من ش ز.
9 في ش: و.(4/749)
أَوْ الأَظْهَرُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لأَنَّهُ أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ، وَأَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ.
"وَ" يُرَجَّحُ أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ أَيْضًا "بِتَقْرِيرِ حُكْمِ حَظْرٍ" عَلَى تَعْرِيفٍ مُقَرِّرٍ لِحُكْمِ إبَاحَةٍ1.
"أَوْ نَفْيٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ تَعْرِيفٌ مُقَرِّرٌ لِنَفْيِ حُكْمٍ2 عَلَى تَعْرِيفٍ مُقَرِّرٍ لِلإِثْبَاتِ3.
"أَوْ دَرْءِ حَدٍّ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ تَعْرِيفٌ مُقَرِّرٌ لِدَرْءِ حَدٍّ، بِأَنْ يَلْزَمَ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ دَرْءُ الْحَدِّ، عَلَى مَا لا يَكُونُ كَذَلِكَ4.
"أَوْ ثُبُوتِ5 عِتْقٍ، أَوْ" ثُبُوتِ6 "طَلاقٍ وَنَحْوِهِ" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ بِكَوْنِهِ يَلْزَمُ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ ثُبُوتُ عِتْقٍ أَوْ طَلاقٍ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ عَلَى مَا لا يَلْزَمُ مِنْ الْعَمَلِ بِذَلِكَ7 قَالَهُ
__________
1 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، الإحكام للآمدي 4/283، إرشاد الفحول ص 284.
2 في ض: مفرد لحكم نفي، وفي ب ع ز: لحكم نفي.
3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، الإحكام للآمدي 4/283، إرشاد الفحول ص 284.
4 انظر: الإحكام للآمدي 4/284، العضد على ابن الحاجب 2/319، إرشاد الفحول ص 284.
5 في ض: بثبوت.
6 في ض: بثبوت.
7 ساقطة من ش.(4/750)
ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ1. ثُمَّ قَالَ: فَالتَّرْجِيحُ2 بِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْحُجَجِ.
"وَضَابِطُ التَّرْجِيحِ" يَعْنِي الْقَاعِدَةَ الْكُلِّيَّةَ فِي التَّرْجِيحِ "أَنَّهُ مَتَى اقْتَرَنَ بِأَحَدِ" دَلِيلَيْنِ "مُتَعَارِضَيْنِ أَمْرٌ نَقْلِيٌّ" كَآيَةٍ أَوْ خَبَرٍ "أَوْ" أَمْرٍ "اصْطِلاحِيٍّ" كَعُرْفٍ أَوْ عَادَةٍ "عَامٌّ" ذَلِكَ الأَمْرُ3 "أَوْ خَاصٌّ، أَوْ" اقْتَرَنَ بِأَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ "قَرِينَةٌ عَقْلِيَّةٌ، أَوْ" قَرِينَةٌ4 "لَفْظِيَّةٌ، أَوْ" قَرِينَةٌ "حَالِيَّةٌ، وَأَفَادَ" ذَلِكَ الاقْتِرَانُ "زِيَادَةَ ظَنٍّ: رُجِّحَ بِهِ" لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ رُجْحَانَ الدَّلِيلِ هُوَ بِالزِّيَادَةِ5 فِي قُوَّتِهِ أَوْ6 ظَنِّ إفَادَتِهِ7 الْمَدْلُولَ، وَذَلِكَ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ لا يَخْتَلِفُ فِي نَفْسِهِ. وَإِنْ اخْتَلَفَتْ8 مَدَارِكُهُ9.
__________
1 انظر: الإحكام للآمدي 4/284، إرشاد الفحول ص 284.
2 في ض: في الترجيح.
3 ساقطة من ض.
4 ساقطة من ض ب د ز.
5 في ض ب ع ز: الزيادة.
6 في ش ز: و.
7 في ع: إفادة
8 في ض: اختلف.
9 انظر: مختصر البعلي ص 172، العضد على ابن الحاجب 2/319، جمع الجوامع 2/379، الإحكام للآمدي 4/284، مختصر الطوفي ص 191، إرشاد الفحول ص 284، المدخل إلى مذهب أحمد ص 201.(4/751)
"وَتَفَاصِيلُهُ" أَيْ: تَفَاصِيلُ التَّرْجِيحِ "لا تَنْحَصِرُ" وَذَلِكَ: لأَنَّ مُثَارَاتِ الظُّنُونِ الَّتِي بِهَا الرُّجْحَانُ وَالتَّرْجِيحُ كَثِيرَةٌ جِدًّا. فَحَصْرُهَا بَعِيدٌ1؛ لأَنَّك2 إذَا اعْتَبَرْت التَّرْجِيحَاتِ فِي الدَّلائِلِ مِنْ جِهَةِ مَا يَقَعُ فِي الْمُرَكَّبَاتِ مِنْ نَفْسِ الدَّلائِلِ وَمُقَدَّمَاتِهَا، وَفِي الْحُدُودِ مِنْ جِهَةِ مَا يَقَعُ فِي نَفْسِ الْحُدُودِ مِنْ مُفْرَدَاتِهَا، ثُمَّ رَكَّبْت بَعْضَهَا مَعَ بَعْضٍ حَصَلَ أُمُورٌ لا تَكَادُ تَنْحَصِرُ3.
وهذا آخر ما يسرّ4 الله سبحانه وتعالى باختصاره5 من "التحرير" مع ما ضم إليه، وهو شيء يسير، ولم يعر بحمد الله من أثواب الفائدة بتعريته6 عن الإطالة والإعادة، ومع اعترافي
__________
1 في ش ع ب ز: يبعد.
2 في ز: ولأنك.
3 قال البعلي: "وتفاصيل الترجيح كثيرة، فالضابط فيه: أنه متى اقترن بأحد الطرفين أمر نقلي أو اصطلاحي، عام أو خاص، أو قرينة عقلية أو لفظية أو حالية، وأفاد ذلك زيادة ظن، رجح به " "مختصر البعلي ص 172".
انتهت هنا المقابلة في نسخة ب، ولم تصور الورقة الأخيرة التي تتضمن الخاتمة، وقد تم نسخها في يوم الأحد في 6 شوال سنة 1137 هى على يد إبراهيم بن يحيى النابلسي الحنبلي.
4 "وجاء في النسخة المصورة الموجودة عندنا ثلاث ورقات تحمل الأرقام 263، 264، 265، وهي من كتاب آخر، وتتضمن تعريفات وحدود واصطلاحات كمثل: الغضب، السبب، الحيوان، الفاسد، الباطل، الصحيح، الحسن، القبح، الهزل، الدليل، المنطوق ... ".
5 في ش: اختصاره.
6 في ع: لتعريته.(4/752)
بالعجز، جعلني الله ومن نظر إليه بعين التغاضي1 – إذ ما من أحد غير من عصمه الله يسلم - من صالحي2 أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه وتعالى المسوؤل أن3 يوفقنا لكل عمل4 جميل، وهو حسبنا، ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم5.
__________
1 في د: التقاضي.
2 في د: صالح.
3 ساقطة من ع.
4 في ض ع: فعل.
5 ساقطة من ش.
وجاء في آخر ش: "تم الكتاب بحمد الله وعونه، وحسن توفيقه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.
كما جاء في آخر د: "وفي النسخة المصحح عليها ما نصه: تم شرح الكوكب المنير، المسمى بمختصر التحرير، بخط عبد الحي بن عبد الرحيم الحنبلي الكرمي، فرغ منها يوم الأحد 15 ربيع الثاني 1137 هجرية. وفيها أيضاً:
قال المرحوم الشيخ عبد الله الخلف الدحيان: وجدت على ظهر الكتاب ما صورته: ابتدئ في مقابلته مرة ثانية على نسخة مصححة على خط المصنف سنة 1286هـ. "ثم خاتمة من كلام عبد الرحمن بن الدوسري".
وفي نسخة ض:
"تم شرح الكوكب المنير، المسمى بمختصر التحرير، وكان الفراغ من هذه النسخة المباركة عشية الأربعاء، ليلة السادس عشر من شهر ربيع الآخر الذي هو من شهور ألف ومائتين وتسع وسبعين سنة 1279، على يد أفقر العباد إلى رحمة ربه الكريم المنان عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد بن فوزان، عفا الله عنه وجميع المسلمين، إنه غفور رحيم. =(4/753)
..................................................................................................
__________
= وعليها توشيح: خط عبد الحي بن عبد الرحيم الحنبلي ... كتبها 1137 "مع عدم الوضوح".
وفي نسخة ع:
"تم شرح الكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير، والله أعلم، غفر لكاتبه ووالديه، ومشايخه وإخوانه المسلمين، اللهم صل على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم وتسليماً، بقلم الفقير إلى سبحانه عبد الله الرشيد الفرج، بلغ مقابلةوتصحيحاً على حسب الطاقة، وصلى الله وسلم على محمد، حرر سنة 1346. 3ش.
وفي نسخة ز:
هذا آخر الكتاب ولله الحمد.
وهو من كتابة القاضي برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن مفلح تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته.
"ثم كتاب شرح الكوكب المنير"
"لابن النجار الفتوحي"
"والحمد لله أولاً وآخراً".(4/754)