صِفَةٍ لِفِعْلٍ، وَدَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا1، سَاغَ2 التَّمَسُّكُ بِهِ عَلَى وُجُوبِ أَصْلِ الْفِعْلِ لِتَضَمُّنِهِ الأَمْرَ بِهِ لأَنَّ مُقْتَضَاهُ وُجُوبُهُمَا3. فَإِذَا خُولِفَ فِي الصَّرِيحِ بَقِيَ الْمُتَضَمَّنُ عَلَى أَصْلِ الاقْتِضَاءِ. ذَكَرَهُ4 أَصْحَابُنَا. وَنَصَّ عَلَيْهِ إمَامُنَا5 حَيْثُ تَمَسَّكَ عَلَى وُجُوبِ الاسْتِنْشَاقِ6 بِالأَمْرِ بِالْمُبَالَغَةِ7، خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، بِأَنَّهُ8 لا يَبْقَى دَلِيلاً عَلَى وُجُوبِ الأَصْلِ9. حَكَاهُ الْجُرْجَانِيُّ10.
__________
1 في ب: استحبابها، وفي المسودة: أنها مستحبة.
2 في المسودة: جاز.
3 في المسودة: وجوبها.
4 في ع: وذكره.
5 في المسودة: أحمدُ.
6 نقل الترمذي عن الأمام أحمد رضي الله عنه أنه قال: "الاستنشاق أوكد من المضمضة" "تحفة الأحوذي 2/120" ونقل ابن قدامة عن أحمد أنه قال: "الاستنشاق عندي آكد" "المغني 1/90"، وانظر: كشف القناع 1/105.
7 في ز: للمبالغة.
والأمر بالمبالغة جاء في حديث لقيط بن صبرة قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء، قال: "أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً".
رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وأخرجه الشافعي وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي، وقال النووي: "حديث لقيط بن صبرة أسانيده صحيحة".
"انظر: مسند أحمد 4/33، 211، سنن أبي داود 1/31، مختصر سنن أبي داود 1/105، تحفة الأحوذي 1/119، سنن النسائي 1/57، سنن ابن ماجه 1/142، بدائع المنن 1/31، موارد الظمآن ص68، المستدرك 1/148، السنن الكبرى 1/52، نيل الأوطار 1/172".
8 في ب: فإنه.
9 في ب: الأمر.
10 المسودة ص59.
والجرجاني هو محمد بن يحيى بن مهدي، أبو عبد الله، الفقيه الجرجاني، من أعلام الحنفية، ومن أصحاب التخريج، أصله من جرجان، وسكن بغداد، وتفقه عليه القدوري، وصنف كتباً، منها "ترجيح مذهب أبي حنيفة" و "القول المنصور في زيارة القبور"، توفي سنة 397 ? وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الجواهر المضيئة 2/143، تاريخ بغداد 3/433، الفوائد البيهة ص202، الأعلام للزركلي 8/5".(3/69)
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَحَقِيقَةُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ مُخَالَفَةَ الظَّاهِرِ فِي لَفْظِ الْخِطَابِ لا تَقْتَضِي1 مُخَالَفَةَ الظَّاهِرِ فِي فَحْوَاهُ، وَهُوَ يُشْبِهُ نَسْخَ اللَّفْظِ، هَلْ يَكُونُ نَسْخًا لِلْفَحْوَى؟ وَهَكَذَا يَجِيءُ فِي جَمِيعِ دَلالاتِ الالْتِزَامِ. وَقَوْلُ الْمُخَالِفِ مُتَوَجِّهٌ. وَسِرُّهَا أَنَّه2ُ: هَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ أَمْرَيْنِ، أَوْ أَمْرٍ بِفِعْلَيْنِ، أَوْ أَمْرٍ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ، وَلَوَازِمُهُ جَاءَتْ ضَرُورَةً؟ وَهُوَ يُسْتَمَدُّ مِنْ الأَمْرِ بِالشَّيْءِ, هَلْ هُوَ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ؟ 3 انْتَهَى.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: الأَمْرُ بِالصِّفَةِ أَمْرٌ بِالْمَوْصُوفِ وَيَقْتَضِيهِ، كَالأَمْرِ بِالطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَكُونُ أَمْرًا بِهِمَا4
"وَأَمْرٌ مُطْلَقٌ بِبَيْعٍ" أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَالَ: بِعْهُ بِمِائَةٍ مَثَلاً، أَوْ بِعْهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ "يَتَنَاوَلُهُ" أَيْ يَتَنَاوَلُ الْبَيْعَ الصَّادِرَ مِنْ الْمَأْمُورِ "وَلَوْ" وَقَعَ "بِغَبْنٍ فَاحِشٍ"5
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: إذَا أُطْلِقَ الأَمْرُ، كَقَوْلِهِ لِوَكِيلِهِ:6 بِعْ كَذَا. فَعِنْدَ أَصْحَابِنَا: يَتَنَاوَلَ7 الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ, وَاعْتُبِرَ ثَمَنُ الْمِثْلِ لِلْعُرْفِ
__________
1 في المسودة: يقتضي.
2 ساقطة من ش ز.
3 المسودة ص59.
4 انظر: اللمع ص10.
5 انظر: المسودة ص98، الإحكام للآمدي 2/183، فواتح الرحموت 1/392، نهاية السول 2/58، إرشاد الفحول ص108.
6 في ض: بعه بكذا.
7 في ز ش ع: تناول.(3/70)
وَالاحْتِيَاطِ لِلْمُوَكِّلِ. وَفَرَّقُوا أَيْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَمْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فِي اعْتِبَارِ إطْلاقِهِ بِالتَّعَدِّيَةِ بِتَعْلِيلِهِ، بِخِلافِ الْمُوَكِّلِ.
"وَيَصِحُّ" الْبَيْعُ مَعَ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ "وَيَضْمَنُ" الْوَكِيلُ الْمَأْمُورُ بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ "النَّقْصَ"1.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: ثُمَّ هَلْ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ النَّقْصَ أَمْ لا، كَقَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: لا يُعْتَبَرُ ثَمَنُ الْمِثْلِ. وَاعْتَبَرُوهُ فِي الْوَكِيلِ فِي الشِّرَاءِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: الأَمْرُ بِالْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ إذَا أَتَى بِمُسَمَّاهَا اُمْتُثِلَ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ اللَّفْظُ الْجُزْئِيَّاتِ2 وَلَمْ يَنْفِهَا3، فَهِيَ مِمَّا لا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلاَّ بِهِ 4. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ عِنْدَ ذِكْرِهِ5 هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَنْبِيهٌ هَذَا فَرْدٌ مِنْ قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ. وَهِيَ الدَّالُ عَلَى الأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الأَخَصِّ. فَإِذَا قُلْنَا "جِسْمٌ" لا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ نَامٍ. وَإِذَا قُلْنَا "نَامٍ" لا يُفْهَمُ أَنَّهُ حَيَوَانٌ. وَإِذَا قُلْنَا "حَيَوَانٌ"
__________
1 انظر: الإحكام للآمدي 2/183، 184، إرشاد الفحول ص108.
2 في ز ع ض: للجزيئات.
3 في ض: بنفعها.
4 انظر الإحكام للآمدي 2/182، مختصر ابن الحاجب 2/93، نهاية السول 2/58، إرشاد الفحول ص108.
وقد اختلف العلماء في أحكام الوكالة المطلقة في البيع، فقال الجمهور: يتقيد الوكيل بنقد البلد وثمن المثل، وإلا ضمن، وهو قول المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة، خلافاً لما نقله المؤلف عن الحنفية، وقال الإمام أبو حنيفة يفرق بين البيع والشراء، فاعتبر ثمن المثل في الشراء فقط، وهو ما نسبه المؤلف إلى الحنفية عامة.
"انظر: كشاف القناع 3/463، مغني المحتاج 2/223، البدائع للكاساني 7/3469، التاج والإكليل لمختصر خليل 5/196 على هامش مواهب الجليل، الفقه الإسلامي في أسلوبه الجديد 2/96".
5 في ع: ذكر.(3/71)
لا يُفْهَمُ أَنَّهُ إنْسَانٌ، وَإِذَا قُلْنَا "إنْسَانٌ1" لا يُفْهَمُ أَنَّهُ زَيْدٌ. فَإِنَّ2 قُلْنَا: إنَّ الْكُلِّيَّ قَدْ يُحْصَرُ نَوْعُهُ فِي شَخْصِهِ كَانْحِصَارِ الشَّمْسِ فِي فَرْدٍ مِنْهَا. وَكَذَلِكَ الْقَمَرُ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مُلُوكِ الأَقَالِيمِ وَقُضَاةِ الأُصُولِ تَنْحَصِرُ أَنْوَاعُهُمْ فِي أَشْخَاصِهِمْ.
فَإِذَا قُلْت: صَاحِبُ مِصْرَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ الذِّهْنُ إلَى3 الْمَلِكِ الْحَاضِرِ فِي وَقْتِ الصِّيغَةِ. فَيَكُونُ الأَمْرُ بِتِلْكَ الْمَاهِيَّةِ يَتَنَاوَلُ الْجُزْئِيَّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ.
قُلْت: لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اللَّفْظِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَاقِعَ كَذَلِكَ. وَمَقْصُودُ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ دَلالَةُ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَفْظٌ. انْتَهَى.
"وَالأَمْرَانِ الْمُتَعَاقِبَانِ بِلا عَطْفٍ إنْ اخْتَلَفَا" كَقَوْلِ الْقَائِلِ "صَلِّ صُمْ" وَنَحْوِهِمَا "عَمَلٌ بِهِمَا" أَيْ بِالأَمْرَيْنِ إجْمَاعًا4.
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفَا "وَلَمْ يَقْبَلْ" الأَمْرُ "التَّكْرَارَ" كَقَوْلِهِ: صُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَكَقَوْلِهِ: أَعْتِقْ سَالِمًا أَعْتِقْ سَالِمًا. وَكَقَوْلِهِ: اُقْتُلْ زَيْدًا. اُقْتُلْ زَيْدًا "أَوْ قَبِلَ التَّكْرَارَ وَمَنَعَتْهُ5" أَيْ التَّكْرَارَ "الْعَادَةُ"6
__________
1 في ب: إنه إنسان.
2 في ب: وإذا.
3 في ز ع: الحاضر الملك، وفي ض ب: حاضر الملك.
4 انظر: شرح تنقيح الفصول ص1311، المعتمد 1/173، التبصرة ص50، المحصول ? 1 ق2/253 وما بعدها، جمع الجوامع 1/389، إرشاد الفحول ص109، العدة 1/278 هامش.
5 في ب: ومنعه.
6 نقل القرافي عن القاضي عبد الوهاب أن "موانع التكرار أمور، أحدها: أن يمتنع التكرار إما عقلاً كقتل المقتول، أو كسر المكسور، وكذلك: صم هذا اليوم، أو شرعاً كتكرار العتق في عبدٍ، وثانيهما: أن يكون الأمر مستغرقاً للجنس ... ، وكذلك الخبر، كقوله: اجلد الزناة، أو خلقت الخلق، وثالثهما: أن يكون هناك عهد أو قرينة حالٍ يقتضي الصرف للاول" "شرح تنقيح الفصول ص132".(3/72)
كَقَوْلِهِ: اسْقِنِي مَاءً، اسْقِنِي مَاءً "أَوْ" قَبِلَ التَّكْرَارَ وَ "عُرِّفَ ثَانٍ" مِنْ الأَمْرَيْنِ. كَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، صَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ1 "أَوْ" قَبِلَ التَّكْرَارَ فِي حَالَةِ كَوْنِ أَنَّهُ "بَيْنَ آمِرٍ وَمَأْمُورٍ عَهْدٌ ذِهْنِيٌّ" يَمْنَعُ التَّكْرَارَ. كَمَنْ لَهُ عَلَى شَخْصٍ دِرْهَمٌ. فَقَالَ لَهُ: أَحْضِرْ لِي دِرْهَمًا، أَحْضِرْ لِي دِرْهَمًا "فَ" الثَّانِي "تَأْكِيدٌ" لِلأَوَّلِ إجْمَاعًا2.
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ تَمْنَعْ الْعَادَةُ التَّكْرَارَ، وَلَمْ يُعْرَفُ ثَانِي الأَمْرَيْنِ دُونَ الأَوَّلِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ آمِرٍ وَمَأْمُورٍ عَهْدٌ ذِهْنِيٌّ "فَ" الثَّانِي "تَأْسِيسٌ" لا تَأْكِيدٌ عِنْدَ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمَا. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ. وَقَالَه3 أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ "كَبَعْدِ امْتِثَالِ"4 الأَمْرِ الأَوَّلِ.
قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ الأَشْبَهُ5 بِمَذْهَبِنَا. كَقَوْلِنَا فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ يَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ عَنْ الْفُقَهَاءِ قَاطِبَةً.
__________
1 في ب: ركعتين.
2 انظر: المسودة ص23، شرح تنقيح الفصول ص132، الإحكام للآمدي 2/184، التبصرة ص50، المحصول ?1 ق2/255، فواتح الرحموت 1/391، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/94، جمع الجوامع 1/389، التمهيد ص76، العدة 1/278، إرشاد الفحول ص109.
3 في ش ز: وقال.
4 وهو الذي اختاره القاضي في "كتاب الروايتين" وكتاب "مقدمة المجرد" بينما اختار في "العدة 1/280" أنه للتأكيد، واختار القول بالتأسيس أبو البركات بن تيمية وأبو عبد الله البصري، وأكثر الشافعية والقاضي عبد الجبار المعتزلي والفخر الرازي والآمدي والحنفية وغيرهم.
"انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص173، التمهيد ص76، الروضة 2/200، المسودة ص23، العدة 1/278، شرح تنقيح الفصول ص132، تيسير التحرير 1/362، مختصر البعلي ص103، والمعتمد 1/174، الإحكام للآمدي 2/195، اللمع ص9، التبصرة ص50، المحصول ج1 ق2/255، فواتح الرحموت 1/391، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/94، نهاية السول 2/58، إرشاد الفحول ص108، جمع الجوامع 1/389".
5 في ع ض: أشبه.(3/73)
وَذَلِكَ. لأَنَّ الأَصْلَ التَّأْسِيسُ1.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ: الثَّانِي تَأْكِيدٌ لا تَأْسِيسٌ، لِئَلاَّ يَجِبَ فِعْلٌ بِالشَّكِّ وَلا تَرْجِيحَ.
وَمَنَعَ بِأَنَّ تَغَايُرَ اللَّفْظِ يُفِيدُ تَغَايُرَ الْمَعْنَى، ثُمَّ سَلَّمَهُ3.
"وَبِهِ" أَيْ وَ4الأَمْرَانِ الْمُتَعَاقِبَانِ بِعَطْفٍ "إنْ اخْتَلَفَا" كَصَلِّ وَصُمْ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ, وَآتُوا الزَّكَاةَ5 "عُمِلَ بِهِمَا"6.
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفَا "وَلَمْ يَقْبَلْ" الأَمْرُ "التَّكْرَارَ" حِسًّا. كَاقْتُلْ زَيْدًا، وَاقْتُلْ زَيْدًا، أَوْ7 لَمْ يَقْبَلْ الأَمْرُ التَّكْرَارَ حُكْمًا. كَأَعْتِقْ سَالِمًا وَأَعْتِقْ
__________
1 المسودة ص23.
وانظر: التمهيد ص77، القواعد والفوائد الأصولية ص173، تيسير التحرير1/362.
2 وعملا ببراءة الذمة، ولكثرة التأكيد في مثل هذه الحالات، وهو ما رجحه أبو محمد المقدسي والقاضي أبو يعلى في "العدة" والصيرفي والكمال بن الهمام وغيرهم.
"انظر: التمهيد للإسنوي ص76، تيسير التحرير 1/362، مختصر البعلي ص103، والمعتمد 1/174،اللمع ص9، التبصرة ص51، فواتح الرحموت 1/391، 392، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/94، نهاية السول 2/58، إرشاد الفحول ص108، العدة 1/280".
3 وهناك قول ثالث بالوقف للتعارض، وهو قول أبي الحسين البصري وغيره، ولكل قول دليله.
"انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص173، جمع الجوامع 1/389، المعتمد 1/175، المحصول ? 1 ق2/255، مختصر البعلي ص103، نهاية السول 2/58، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/94، الإحكام للآمدي 2/185".
4 ساقطة من ض.
5 الآية 43، 110 من البقرة
6 انظر: تيسير التحرير 1/362، المعتمد 1/176، الإحكام للآمدي 2/185.
7 في ع ض ب: و.(3/74)
سَالِمًا "فَ" الثَّانِي "تَأْكِيدٌ" بِلا خِلافٍ1.
"وَإِنْ قَبِلَ" الأَمْرُ التَّكْرَارَ مَعَ الْعَطْفِ "وَلَمْ تَمْنَعْ" مِنْ التَّكْرَارِ "عَادَةٌ وَلا عُرِّفَ" بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ "ثَانٍ" مِنْ الأَمْرَيْنِ كَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ "فَ" الثَّانِي "تَأْسِيسٌ 2.
وَإِنْ مَنَعَتْ عَادَةٌ" مِنْ التَّكْرَارِ كَقَوْلِهِ: اسْقِنِي مَاءً، وَ3اسْقِنِي مَاءً "تَعَارَضَا" أَيْ تَعَارَضَ الْعَطْفُ وَمَنْعُ الْعَادَةِ4.
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ تَمْنَعْ عَادَةٌ مِنْ5 التَّكْرَارِ "وَعُرِّفَ ثَانٍ" كَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ6 "فَ" الثَّانِي "تَأْكِيدٌ" فِي اخْتِيَارِ الْقَاضِي وَأَبِي الْفَرَجِ الْمَقْدِسِيِّ7.
__________
1 انظر: المحصول? 1 ق2/260، الإحكام للآمدي 2/185، المسودة ص24، المعتمد 1/17، العدة 1/280.
2 ذكر الآمدي الاختلاف في هذه الصورة، وأنها كالصورة السابقة التي قال عنها: "قال القاضي عبد الجبار: إن الثاني يفيد ما أفاده الأول ... وخالفه أبو الحسين البصري بالذهاب إلى الوقف" "الإحكام للآمدي 2/158".
وانظر: هذه المسألة في "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/94، جمع الجوامع/389، شرح تنقيح الفصول ص132، المسودة ص24، المعتمد 1/175، فواتح الرحموت 1/392، تيسير التحرير 1/362، القواعد والفوائد الأصولية ص173، العدة 1/280".
3 ساقطة من ب.
4 قال: الآمدي: "فقد تعارض الظاهر من حروف العطف مع منع العادة من التكرار، ويبقى الأمر على ما ذكرناه فيما إذا لم بكن حرف عطفٍ، ولاثم تعريف ولا عادة مانعة من التكرار" "الإحكام للآمدي 2/186".
"وانظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 1/94".
5 ساقطة من ب.
6 في ش ز ض: ركعتين.
7 قال الآمدي: "فلا خلاف في كون الثاني مؤكداً للأول" "الأحكام 2/185".
"وانظر: المسودة ص23، 24، التمهيد ص77، القواعد والفوائد الأصولية ص173، شرح تنقيح الفصول ص133، والمعتمد 1/176، جمع الجوامع 1/389".(3/75)
وَاخْتَارَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْوَقْفَ لِمُعَارَضَةِ1 لامِ الْعَهْدِ لِلْعَطْفِ2.
__________
1 في ض: لمعارضته.
2 انظر: المعتمد 1/176.
وهو ما رجحه الآمدي "انظر: الإحكام له 2/186".
"وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص173، التمهيد ص77، المسودة ص23، 24، شرح تنقيح الفصول ص132، المحصول? 1 ق2/258، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/54".(3/76)
باب النهي:
"النَّهْيُ مُقَابِلٌ لِلأَمْرِ فِي كُلِّ حَالِهِ"1 أَيْ فِي كُلِّ الَّذِي لِلأَمْرِ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ الْمَتْنِ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ.. وَمِنْ2 كَوْنُهُ نَوْعًا مِنْ الْكَلامِ وَغَيْرُ ذَلِكَ3.
"وَصِيغَتُهُ" "لا تَفْعَلْ4.
وَتَرِدُ" لَمَعَانٍ كَثِيرَةٍ5:
__________
1 عرف الإسنوي النهي بأنه: "هو القول الدال بالوضع على الترك" "التمهيد ص80"، وله تعريفات كثيرة.
"انظر: كشف الأسرار 1/256، تيسير التحرير 1/374، أصول السرخسي 1/278، التوضيح على التنقيح 2/44، فواتح الرحموت 1/495، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/94 وما بعدها، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/390، العبادي على الورقات ص93، الكافية في الجدول ص33، فتح الغفار 1/77، المستصفى 1/411".
2 في ش: ومنه.
3 انظر مباحث النهي، وانه مقابل للأمر في جميع أحواله في "الروضة 2/216، فتح الغفار 1/77، شرح تنقيح الفصول ص168، البرهان للجويني 1/283، كشف الأسرار 1/256، تيسير التحرير 1/374، مختصر البعلي ص103، المعتمد 1/181، الإحكام للآمدي 2/187، المنخول ص126، المستصفى 2/24، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/95، نهاية السول 2/62 وما بعدها، التمهيد ص72، اللمع ص14، مختصر الطوفي هي 95، مباحث الكتاب والسنة ص128، العدة 2/426".
4 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص190، المسودة ص80، تيسير التحرير 1/375، مختصر البعلي ص103، المعتمد 1/181، اللمع ص14، العدة 2/425.
5 انظر: تيسير التحرير 1/375، فواتح الرحموت 1/395، المستصفى 1/418، المحصول? 1 ق2/469، الإحكام للآمدي 2/187، منهاج العقول 2/16، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/392، إرشاد الفحول ص109، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص330، تفسير النصوص 2/378، العدة 2/427.(3/77)
أحَدُهَا: كَوْنُهَا "لِتَحْرِيمٍ" وَهِيَ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَقَطْ1. نَحْوَ قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} 2 وقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} 3 وقوله تعالى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} 4.
"وَ" الثَّانِي: لِـ"كَرَاهَةٍ"5 نَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يَمَسُّ6 أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ" 7 وَمِثْلُهُ الْمُحَلَّى8 وَغَيْرُهُ بِقوله تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا
__________
1 انظر: التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/256، تيسير التحرير 1/375، تحقيق المراد ص61، الإحكام للآمدي 2/187، المنخول ص134، المحصول ? 1 ق2/469، المستصفى 1/148، فواتح الرحموت 1/395، منهاج العقول 2/16، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/392، إرشاد الفحول ص109، العدة 2/426، تفسير النصوص 2/378.
2 الآية 29 من النساء.
3 الآية 32 من الإسراء.
4 الآية 29 من النساء.
5 انظر: التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/56، تيسير التحرير 1/377، تحقيق المراد ص61، الإحكام للآمدي 2/187، المنخول ص134، المستصفى 1/418، فواتح الرحموت 1/395، منهاج العقول 2/16، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/392.
6 في ع ض ب: يمسكن، وهي رواية أخرى للحديث.
7 هذا الحديث متفق على صحته، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وابن حبان والبغوي عن أبي قتادة مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 1/41، صحيح مسلم 1/225، سنن أبي داود 1/7، تحفة الأحوذي 1/77، سنن النسائي 1/26، سنن ابن ماجه 1/113، سنن الدارمي 1/172، موارد الظمآن ص63، شرح السنة 1/367".
8 في ش: المحلى.
والمحليٌ هو محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم، الشيخ جلال الدين المحلي، أبو عبد الله الشافعي المصري، برع في فنون الفقه والكلام والأصول والنحو والمنطق وغيرها، وكان آية في الذكاء والفهم،(3/78)
الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} 1.
"وَ" الثَّالِثُ: كَوْنُهَا لِ "تَحْقِيرٍ"2 نَحْوَ قوله تعالى: {لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} 3.
"وَ" الرَّابِعُ: كَوْنُهَا لِ "بَيَانِ الْعَاقِبَةِ"4 نَحْوَ قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} 5
__________
=وعلى قدم من الصلاح والورع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يواجه بذلك أكابر الظلمة والحكام، ويأتون إليه فلا يلتفت إليهم، ويرجع إليه القضاة، ولي تدريس الفقه، وعرض عليه القضاء فامتنع، له مصنفات كثيرة نافعة مفيدة، وهي في غاية الاختصار والتحرير وسلامة العبارة، فأقبل عليها الناس والعلماء وتداولوها حتى وقتنا الحاضر، منها "شرح جمع الجوامع" في الأصول، و"المناسك" و "كتاب الجهاد" و "شرح بردة المديح" و "شرح منهاج الطالبين" في الفقه، وشرع في أشياء لم يكملها، منها "شرح القواعد لابن هشام" و "شرح التسهيل" و "تفسير القرآن" وغيرها، توفي سنة 864?
انظر ترجمته في "حسن المحاضرة 1/443، شذرات الذهب 7/303، الضوء اللامع 7/39، طبقات المفسرين 2/80، البدر الطالع 2/115، الفتح المبين 3/40".
1 الآية 267 من البقرة.
2 وسماه السبكي التقليل والاحتقار.
" انظر: التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/256، مختصر البعلي ص103، تحقيق المراد ص65، الإحكام للآمدي 1/187، المنخول ص135، المستصفى 1/418، فواتح الرحموت 1/395، منهاج العقول 2/16، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/395".
3 الآية 88 من الحجر.
4 انظر: الإحكام للآمدي 2/53، المستصفى 1/418، المنخول ص134، منهاج العقول 2/16، جمع الجوامع 1/392، نهاية السول 2/62، مختصر البعلي ص103، فواتح الرحموت 1/395، كشف الأسرار 1/256، التلويح على التوضيح 2/53، تحقيق المراد ص62، إرشاد الفحول ص109.
5 الآية 42 من إبراهيم، واستشهد لذلك المحلي بقوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء} آل عمران 169، ثم قال: "أي عاقبة الجهاد الحياة، لا الموت" "المحلي على جمع الجوامع 1/294".(3/79)
"وَ" الْخَامِسُ: كَوْنُهَا لِ "دُعَاءٍ"1 نَحْوَ قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} 2 وقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتنَا} 3.
"وَ" السَّادِسُ: كَوْنُهَا لِ "يَأْسٍ"4 نَحْوَ قوله تعالى: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ} 5.
وَبَعْضُهُمْ مَثَّلَ بِهِ لِلاحْتِقَارِ.
"وَ" السَّابِعُ: كَوْنُهَا لِ "إرْشَادٍ"6 نَحْوَ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} 7 وَالْمُرَادُ: أَنَّ الدَّلالَةَ عَلَى الأَحْوَطِ تَرْكُ ذَلِكَ.
__________
1 انظر: كشف الأسرار 1/256، فواتح الرحموت 1/395، المنخول ص135، المستصفى 1/418، منهاج العقول 2/16، جمع الجوامع 1/392،الإحكام للآمدي 2/187، نهاية السول 2/62، تحقيق المراد ص62، مختصر البعلي ص103، إرشاد الفحول ص109، العدة 2/427.
2 الآية 286 من البقرة.
3 الآية 8 من آل عمران.
4 انظر: التلويح على التوضيح 2/53، كشف الأسرار 1/256، مختصر البعلي ص103، تحقيق المراد ص62، فواتح الرحموت 1/395، منهاج العقول 2/19، الإحكام للآمدي 2/187، المستصفى 1/418، المنخول ص135، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/392، إرشاد الفحول ص110.
5 الآية 66 من التوبة، أي إن العذر لا ينفع، وهذا لتحقيق اليأس، واستشهد الغزالي في "المستصفى" و "المنخول" بقوله تعالى: {لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} التحريم/7، وانظر: العدة 2/427.
6 انظر: الإحكام للآمدي 2/187، المنخول ص135، المستصفى 1/418، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/392، منهاج العقول 2/19، فواتح الرحموت 1/395، التوضيح على التنقيح 2/53، كشف الأسرار 1/256، مختصر البعلي ص103، تحقيق المراد ص62،إرشاد الفحول ص109.
7 الآية 101 من المائدة.(3/80)
قِيلَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ هِيَ لِلتَّحْرِيمِ.
وَالأَظْهَرُ الأَوَّلُ. لأَنَّ الأَشْيَاءَ الَّتِي يَسْأَلُ عَنْهَا السَّائِلُ1 لا يَعْرِفُ2 حِينَ السُّؤَالِ هَلْ تُؤَدِّي إلَى مَحْذُورٍ أَمْ3 لا؟ وَلا تَحْرِيمَ إلاَّ بِالتَّحَقُّقِ.
"وَ" الثَّامِنُ: كَوْنُهَا "لأَدَبٍ" نَحْوَ قوله تعالى: {وَلا تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} 4 وَلَكِنْ هَذَا رَاجِعٌ إلَى الْكَرَاهَةِ؛ إذْ الْمُرَادُ لا تَتَعَاطَوْا أَسْبَابَ النِّسْيَانِ. فَإِنَّ نَفْسَ النِّسْيَانِ لا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ حَتَّى يُنْهَى عَنْهُ.
وَبَعْضُهُمْ يُعِدُّ مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرَ، وَلَيْسَ لِلْخَبَرِ مِثَالٌ صَحِيحٌ. وَمَثَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِقوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} 5 وَهَذَا الْمِثَالُ إنَّمَا هُوَ لِلْخَبَرِ بِمَعْنَى النَّهْيِ، لا لِلنَّهْيِ بِمَعْنَى الْخَبَرِ.
"وَ" التَّاسِعُ: كَوْنُهَا لِ "تَهْدِيدٍ"6 كَقَوْلِك لِمَنْ تُهَدِّدُهُ: أَنْتَ لا تَمْتَثِلُ أَمْرِي. هَكَذَا مَثَّلَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ "لا" هُنَا نَافِيَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مَعْنَى التَّهْدِيدِ. وَالأَوْلَى تَمْثِيلُهُ بِقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ - وَقَدْ أَمَرَهُ بِفِعْلِ شَيْءٍ فَلَمْ7 يَفْعَلْهُ - لا تَفْعَلْهُ، فَإِنَّ عَادَتَك أَنْ8 لا تَفْعَلَهُ بِدُونِ الْمُعَاقَبَةِ.
"وَ" الْعَاشِرُ: كَوْنُهَا لِ "إبَاحَةِ التَّرْكِ" كَالنَّهْيِ بَعْدَ الإِيجَابِ عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ فِي أَنَّ النَّهْيَ بَعْدَ الأَمْرِ لِلإِبَاحَةِ. وَالصَّحِيحُ خِلافُهُ.
__________
1 ساقطة من ض.
2 في ش ز: تعرف.
3 في ض ب: أو.
4 الآية 237 من البقرة.
5 الآية 79 من الواقعة.
6 انظر: تحقيق المراد ص62، فواتح الرحموت 1/395، العدة 1/427، إرشاد الفحول ص10.
7 في ض: ولم.
8 ساقطة من ض ب.(3/81)
"وَ" الْحَادِيَ عَشَرَ: كَوْنُهَا لِ "لالْتِمَاسِ"1 كَقَوْلِك لِنَظِيرِك: لا تَفْعَلْ، عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّ صِيغَةَ الأَمْرِ لَهَا ثَلاثُ صِفَاتٍ: أَعْلَى، وَنَظِيرٌ, وَأَدْوَنُ2. وَكَذَلِكَ النَّهْيُ.
"وَ" الثَّانِيَ عَشَرَ: كَوْنُهَا لِ "لتَّصَبُّرِ"3 نَحْوَ قوله تعالى: {لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا} 4.
"وَ" الثَّالِثَ عَشَرَ: كَوْنُهَا لِ "إيقَاعِ أَمْنٍ" نَحْوَ قوله تعالى: {وَلا تَخَفْ إنَّك مِنْ الآمِنِينَ} 5 {لا تَخَفْ نَجَوْت مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} 6 وَلَكِنْ قِيلَ: إنَّهُ رَاجِعٌ إلَى نَظِيرٍ7، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتَ لا تَخَافُ.
"وَ" الرَّابِعَ عَشَرَ: كَوْنُهَا. لِ "تَسْوِيَةٍ"8 نَحْوَ قوله تعالى: {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} 9.
"وَ" الْخَامِسَ عَشَرَ: كَوْنُهَا لِ "تَحْذِيرٍ"10 نَحْوَ قوله تعالى: {وَلا
__________
1 في ض ب: التماسٍ.
وانظر: فواتح الرحموت 1/395، إرشاد الفحول ص110.
2 في ش ز ض: ودون.
3 في ش ز: لتصبير.
4 الآية 40 من التوبة.
5 الآية 31 من القصص.
6 الآية 25 من القصص.
7 في ش: نظير.
8 انظر: فواتح الرحموت 1/395، تحقيق المراد ص63.
9 الآية 16 من الطور.
10 انظر: تحقيق المراد ص62.
ولصيغة النهي معان أخرى كالشفقة وتسكين النفس والعظة، وبعضها متداخل في بعض.
"انظر: التوضيح على التنقيح 2/53، كشف الأسرار 1/256، تحقيق المراد ص62، منهاج العقول 2/19، العدة 2/427".(3/82)
تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1.
"فَإِنْ" "تَجَرَّدَتْ" صِيغَةُ النَّهْيِ عَنْ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ وَالْقَرَائِنِ "فَ" هِيَ "لِتَحْرِيمٍ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ2. وَبَالَغَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي إنْكَارِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهَا لِلْكَرَاهَةِ3.
وَقِيلَ: صِيغَةُ النَّهْيِ تَكُونُ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَ4الْكَرَاهَةِ. فَتَكُونُ مِنْ الْمُجْمَلِ 5.
وَقِيلَ: تَكُونُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ. فَتَكُونُ حَقِيقَةً فِي كُلٍّ مِنْهُمَا6.
وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ لِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ7
__________
1 الآية 102 من آل عمران.
2 وهو الصحيح عند الفخر الرازي والآمدي وغيرهما.
"انظر: المسودة ص81، الرسالة ص217، 343، البرهان للجويني 1/283، نهاية السول 2/63، الإحكام للآمدي 2/187، التبصرة ص99، المحصول ? 1 ق2/469، تحقيق المراد ص63، اللمع ص14، فواتح الرحموت 1/396، كشف الأسرار 1/256، التمهيد ص81، مختصر الطوفي ص95، القواعد والفوائد الأصولية ص190، شرح تنقيح الفصول ص168، التمهيد ص81".
3 الرسالة ص353.
"وانظر: التمهيد ص81، المسودة ص81، القواعد والفوائد الأصولية ص190".
4 في ش: أو.
5 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص190.
6 وهو مطلق الترك. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص190، تيسير التحرير 1/375".
7 وهو قول الأشعرية، وهناك أقوال أخرى في المسألة.
"انظر: المسودة ص81، شرح تنقيح الفصول ص168، المحصول ? 1 ق2/469، التبصرة ص99، تحقيق المراد ص63، كشف الأسرار 1/256، تيسير التحرير 1/375، فواتح الرحموت 1/396، القواعد والفوائد الأصولية ص190، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص332".(3/83)
"وَ"وُرُودُ1 صِيغَةِ النَّهْيِ "مُطْلَقَةً عَنْ شَيْءٍ لِعَيْنِهِ" أَيْ لَعَيْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَالْكُفْرِ وَالظُّلْمِ وَالْكَذِبِ2 وَنَحْوِهَا3 مِنْ الْمُسْتَقْبَحِ لِذَاتِهِ: يَقْتَضِي فَسَادَهُ شَرْعًا4 عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ5.
__________
1 في ب: وورد.
2 ساقطة من ض.
3 في ض ب: ونحوهما.
4 أي أن اقتضاء النهي للفساد هو الشرع، لافي اللغة، لأن صيغة النهي لغة تدل على مجرد طلب الكف عن الفعل على وجه الجزم والقطع، واقتضاؤه للفساد أو البطلان قدر زائد يحتاج إلى دليل آخر غير اللغة، وهو اختيار الآمدي وأكثر الأصوليون، وفي قول: إنه يقتضي الفساد من جهة اللغة واللسان، وقيل: معنى.
"انظر: جمع الجوامع 1/393، نهاية السول 2/62، الإحكام للآمدي2/188، مختصر ابن الحاجب 2/95، تيسير التحرير 1/376، فواتح الرحموت 1/396، مختصر البعلي ص104، مباحث الكتاب والسنة ص129،130".
5 قال: القرافي: ومعنى الفساد في العبادات وقوعها على نوع من الخلل يوجب بقاء الذمة مشغولة بها، وفي المعاملات عدم ترتب آثارها عليها" "شرح تنقيح الفصول ص173".
والفاسد والباطل بمعنى واحد عند الجمهور، بينما فرق الحنفية بينهما، فقالوا: الباطل ما ليس مشروعاً بأصله ولا بوصفه، والفاسد ما كان مشروعاً بأصله دون وصفه، وسبق بيان ذلك في المجلد الأول ص473وما بعدها.
والأشياء التي نهى الشارع عنها لعينها باطلة عند الحنفية، وليست مشروعة أصلاً وهناك أقوال أخرى في المسألة.
"انظر: مختصر ابن الحاجب 2/95، نهاية السول 2/63، العبادي على الورقات ص93، المحصول ? 1 ق2/486، المنخول ص126، 205، تيسير التحرير 1/376، المعتمد 1/184، الإحكام للآمدي 2/188، التبصرة ص100، المستصفى 2/24، جمع الجوامع 1/393، البرهان للجويني 1/283، المسودة ص80، 83، أصول السرخسي 1/80، 82، فواتح الرحموت 1/396، فتح الغفار 1/78، 79، 81، التوضيح على التنقيح 2/223، كشف الأسرار 1/257، 258، 266، اللمع ص14، مختصر الطوفي ص104، مختصر البعلي ص10، التمهيد ص81، الروضة 2/217، العدة 2/432، إرشاد الفحول ص110، القواعد والفوائد الأصولية ص192، 193، تحقيق المراد ص67، 72، 74، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص343، مباحث الكتاب والسنة ص129، 130، تفسير النصوص 2/389".(3/84)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ1: هَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ وَحَدِيثِهِ2، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" 3.
وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يَزَالُوا يَسْتَدِلُّونَ4 عَلَى الْفَسَادِ بِالنَّهْيِ، كَاحْتِجَاجِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} 5 وَاسْتِدْلالُ الصَّحَابَةِ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. عَلَى فَسَادِ6 عُقُودِ الرِّبَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ" - الْحَدِيثَ 7" وَعَلَى فَسَادِ
__________
1 في ع: أبو الخطاب، والأعلى من بقية النسخ وهو الصواب، لأنه ورد بالنص في "المسودة" و "القواعد والفوائد الأصولية".
2 انظر: المسودة ص83، القواعد والفوائد الأصولية ص192.
3 هذا الحديث رواه البخاري معلقاً، ورواه مسلم وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً، ورواه البخاري في "خلق أفعال العباد".
قال المناوي: "أي مردود فلا يقبل منه، وفيه دليل للقاعدة الأصولية أن مطلق النهي يقتضي الفساد، لأن المنهي عنه مخترع محدث، وقد حكم عليه بالرد المستلزم للفساد".
"انظر: فتح الباري 13/317، صحيح البخاري 4/268، صحيح مسلم 3/1344، خلق أفعال العباد ص29، سنن أبي داود 2/506، سنن ابن ماجه 1/7، مسند أحمد 6/146، 180، فيض القدير 6/183".
4 في ض: يستدون، وفي ب: يستدل.
5 الآية 221 من البقرة.
6 في ض ب: العقود بالربا.
7 هذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن والبيهقي ومالك والشافعي عن عبادة بن الصامت وأبي سعيد مرفوعاً بألفاظ مختلفة، وتقدم تخريجه في المجلد الثاني ص554.(3/85)
نِكَاحِ الْمَحْرَمِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ1. وَقَدْ شَاعَ وَذَاعَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ2.
فَإِنْ قِيلَ: احْتِجَاجُهُمْ إنَّمَا هُوَ عَلَى التَّحْرِيمِ لا عَلَى الْفَسَادِ3.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ احْتِجَاجَهُمْ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالْفَسَادِ مَعًا. أَلا تَرَى إلَى حَدِيثِ بَيْعِ الصَّاعَيْنِ4 مِنْ التَّمْرِ بِالصَّاعِ. وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا" 5 وَذَلِكَ
__________
1 ورد النهي عن نكاح المحرم في حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينكح المُحْرِمُ، ولا يخطب" رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك وأحمد والدارمي وغيره. " انظر صحيح مسلم 2/1030، سنن أبي داود 1/427، تحفة الأحوذي 3/579، سنن النسائي 5/151، 6/73، سنن ابن ماجه 1/632، مسند أحمد 1/57، 64، المنتقى شرح الموطأ 2/228، سنن الدارمي 2/141، نيل الأوطار 5/16، نصب الراية 3/170".
2 انظر أدلة الجمهور في "الرسالة للشافعي ص347، تيسير التحرير 1/381، المعتمد 1/187 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص174، الإحكام للآمدي 2/190، التبصرة ص101، المحصول? 1 ق2/496، المستصفى 2/26 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/95 وما بعدها، الروضة 2/218، العدة 2/434 وما بعدها، مختصر الطوفي ص96، إرشاد الفحول ص110، تحقيق المراد ص10 وما بعدها، تفسير النصوص 2/390".
3 انظر: شرح تنقيح الفصول ص174 وما بعدها، تيسير التحرير 1/381، تحقيق المراد ص113، 129.
4 ساقطة من ز ع ض ب.
5 روى البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجل على خيبر فجاءهم بتمر جنيب، فقال: "أكل تمر خيبر هكذا"؟ قال: إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: "لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنبياُ" وهذا لفظ البخاري، وفي رواية مسلم "هذا هو الربا"، وفي رواية لمسلم والنسائي: "أوّه عين الربا"، وروى الطبراني وأحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين، والصاع بالصاعين، أني أخاف عليكم الرما، والرما هو الربا" وروى أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: اشترينا الصاع بصاعين من تمرنا صاعاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربيتم". "انظر: صحيح البخاري 2/24، صحيح مسلم 3/1215 وما بعدها، سنن النسائي 7/240، سنن ابن ماجه 2/758، مسند أحمد 2/109، 3/2، تخريج احاديث البزدوي ص76، النووي على مسلم 11/22".(3/86)
بَعْدَ الْقَبْضِ. فَأَمَرَ1 بِرَدِّهِ. و2َبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" وَالرَّدُّ إذَا أُضِيفَ إلَى الْعِبَادَاتِ اقْتَضَى عَدَمَ الاعْتِدَادِ بِهَا، وَإِنْ أُضِيفَ إلَى الْعُقُودِ اقْتَضَى3 فَسَادَهَا4.
فَإِنْ قِيلَ: مَعْنَاهُ لَيْسَ بِمَقْبُولٍ وَلا طَاعَةٍ5.
قُلْنَا: الْحَدِيثُ يَقْتَضِي رَدَّ ذَاتِهِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ اقْتَضَى رَدَّ مُتَعَلِّقِهِ6.
فَإِنْ قِيلَ: هُوَ مِنْ أَخْبَارِ الآحَادِ، وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ الأُصُولِ7.
قِيلَ: تَقَوَّى بِالْقَبُولِ. وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ الْفُرُوعِ8.
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صَلاةَ إلاَّ بِطُهُورٍ 9، وَلا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ، وَلا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ" 10 وَنَحْوَ
__________
1 في ض: فأمره.
2 ساقطة من ب.
3 ساقطة من ض.
4 انظر: تيسير التحرير 1/382، تحقيق المراد ص114وما بعدها، 130وما بعدها.
5 انظر: التبصرة ص101، المحصول ? 1 ق2/488، المستصفى 2/30، العدة 2/435.
6 انظر: المعتمد 1/187، الإحكام للآمدي 2/191، التبصرة ص101، إحكام الأحكام 1/53، العدة 2/432.
7 قال ابن حجر الهيثمي: "والزعم أن القواعد الكلية لا تثبت بخبر الواحد باطل" "انظر: فيض القدير 6/183".
وانظر: تحقيق المراد ص112، التبصرة ص101.
8 انظر: تحقيق المراد ص114، التبصرة ص101.
9 سبق تخريجه بلفظ "لا يقبل الله صلاة بغير طهور" المجلد الأول ص299.
10 سبق تخريجه بلفظ "ومن لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" وله روايات وألفاظ متعددة، المجلد الثاني ص210.(3/87)
ذَلِكَ. قَالَ: وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ نَفْيَ نَفْسِ الْفِعْلِ؛ لأَنَّ الْفِعْلَ مَوْجُودٌ مِنْ حَيْثُ الْمُشَاهَدَةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفْيَ حُكْمِهِ. فَإِذَا وُجِدَ الْفِعْلُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ. فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ إيجَادُهُ. وَكَانَ. الْفَرْضُ1 الأَوَّلُ عَلَى عَادَتِهِ2.
وَيَدُلُّ لِلْفَسَادِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَيْضًا: الاعْتِبَارُ وَالْمُنَاقَضَةُ.
أَمَّا الاعْتِبَارُ3: فَلأَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى تَعَلُّقِ مَفْسَدَةٍ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ، أَوْ بِمَا. يُلازِمُهُ؛ لأَنَّ الشَّارِعَ حَكِيمٌ لا يَنْهَى عَنْ الْمَصَالِحِ. وَفِي الْقَضَاءِ بِإِفْسَادِهَا إعْدَامٌ لَهَا بِأَبْلَغِ الطُّرُقِ وَلأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا مَعَ رَبْطِ الْحُكْمِ بِهَا يُفْضِي4 إلَى التَّنَاقُضِ فِي الْحِكْمَةِ؛ لأَنَّ نَصْبَهَا سَبَبًا يُمَكِّنُ مِنْ التَّوَسُّلِ5، وَالنَّهْيُ يَمْنَعُ مِنْ التَّوَسُّلِ6، وَلأَنَّ حُكْمَهَا مَقْصُودُ الآدَمِيِّ وَمُتَعَلِّقُ غَرَضِهِ، فَتَمْكِينُهُ مِنْهُ حَثٌّ عَلَى تَعَاطِيهِ. وَالنَّهْيُ مَنْعٌ مِنْ التَّعَاطِي، وَلأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْسُدْ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ لَزِمَ مِنْ نَفْيِهِ لِكَوْنِهِ مَطْلُوبَ التَّرْكِ بِالنَّهْيِ حُكْمُه7ُ لِلنَّهْيِ، وَمِنْ ثُبُوتِهِ لِكَوْنِ الْفَرْضِ جَوَازَ التَّصَرُّفِ، وَصِحَّتُهُ
__________
1 في ش: الغرض.
2 انظر: تيسير التحرير 1/380، الروضة 2/217 وما بعدها، مباحث الكتاب والسنة ص130.
3 ساقطة من ض.
الاعتبار هو التقدير، وهو قريب من القياس في اللغة، والاعتبار في الاصطلاح: إيراد الحكم على وفق أمر آخر، ويأتي القياس والمصالح المرسلة باسم المناسب المعتبر، وهو كل وصف شهد الشرع باعتباره بأخذ فروع الأحكام.
"انظر: الكافية في الجدل ص62، إرشاد الفحول ص217، الوسيط في أصول الفقه ص24".
4 في ز ع ض ب: مفضٍ.
5 في ض ب: التوصل.
6 في ض ب: التوصل.
7 في ش ز: عن حكمه.(3/88)
حُكْمُ الصِّحَّةِ. وَذَلِكَ بَاطِلٌ1.
أَمَّا الْمُلازَمَةُ: فَلاسْتِحَالَةِ خُلُوِّ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ الْحِكْمَةِ. وَأَمَّا بُطْلانُ الثَّانِي: فَلأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا يُؤَدِّي إلَى خُلُوِّ الْحُكْمِ عَنْ الْحِكْمَةِ، وَهُوَ خَرْقٌ لِلإِجْمَاعِ. لأَنَّ حِكْمَةَ النَّهْيِ إمَّا أَنْ تَكُونَ رَاجِحَةً عَلَى حُكْمِ الصِّحَّةِ2 أَوْ مَرْجُوحَةً أَوْ مُسَاوِيَةً؛ وَلَوْ3 كَانَ كَذَلِكَ لامْتَنَعَ النَّهْيُ. فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ أَنْ تَكُونَ رَاجِحَةً عَلَى حُكْمِ الصِّحَّةِ. وَفِي رُجْحَانِ النَّهْيِ تَمْتَنِعُ الصِّحَّةُ.
فَإِنْ قُلْت5: التَّرْجِيحُ غَايَتُهُ أَنْ يُنَاسِبَ نَفْيَ الصِّحَّةِ وَلا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَفِي الصِّحَّةِ إلاَّ بِإِيرَادِ شَاهِدٍ بِالاعْتِبَارِ. وَلَوْ ظَهَرَ كَانَ الْفَسَادُ لازِمًا مِنْ الْقِيَاسِ6.
قُلْنَا: الْقَضَاءُ بِالْفَسَادِ لِعَدَمِ الصِّحَّةِ، فَلا يُفْتَقَرُ إلَى شَاهِدِ الاعْتِبَارِ، وَلأَنَّ فِي الشَّرْعِيَّاتِ مَنْهِيَّاتٍ بَاطِلَةً، وَلا مُسْتَنِدَ لَهَا إلاَّ أَنَّ النَّهْيَ لِلأَصْلِ7.
وَأَمَّا دَلِيلُ الْفَسَادِ بِالْمُنَاقَضَةِ8: فَلأَنَّ الْمُخَالِفِينَ أَبْطَلُوا النِّكَاحَ فِي
__________
1 انظر: كشف الأسرار 1/261، تحقيق المراد ص131.
2 ساقطة من ش ز ض ب.
3 في ش ز ع: إذ لو.
4 انظر: الإحكام للآمدي 2/189 وما بعدهما، المحصول? 1 ق2/494، 496، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/96، تحقيق المراد ص131.
5 في ش ز: قلنا.
6 انظر: تحقيق المراد ص135.
7 انظر: تحقيق المراد ص135، الإحكام للآمدي 1/53.
8 المناقضة عند الأصوليون هي النقض، وعند أهل النظر عبارة عن منع مقدمة الدليل، أو هي ابطال دليل المعلل "كشاف اصطلاح الفنون 6/1411"، وقال الباجي: "النقض: هو وجود العلة وعدم الحكم" "الحدود ص76"، وقال الجويني: "النقض: انتفاء الحكم عما ادعي له من العلة، وقيل: وجود العلة مع فقد ما ادعي من حكمها، وقيل: ابراء العلة حيث لا حكم" "الكافية في الجدل ص69".(3/89)
الْعِدَّةِ1 وَنِكَاحَ الْمَحْرَمِ، وَالْمُحَاقَلَةَ2 وَالْمُزَابَنَةَ وَالْمُنَابَذَةَ وَالْمُلامَسَةَ3، وَالْعَقْدَ عَلَى مَنْكُوحَةِ الأَبِ لِقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} 4. {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} 5 وَالصَّلاةَ فِي الْمَكَانِ النَّجِسِ وَالثَّوْبِ النَّجِسِ6،
__________
1 أبطل العلماء النكاح في العدة لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} البقرة/228، ولقوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} القرة/232، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} القرة /234، ولحديث أي السنابل وسبيعة الأسلمية الذي مر سابقاً "المجلد الثاني ص313" وغيره.
2 في ض ب: المحالقة.
3 روى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي والدارقطني عن جابر وغيره بألفاظ متقاربة، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة، وأن، يشتري النخل حتى يشقه، والمزابنة أن يباع النخل بأوساق من التمر، والمخابرة الثلث والربع وأشباه ذلك.
واختف العلماء في تفسير المحاقلة ففسرها بعضهم بما جاء في الحديث، وقال أبو عبيد: هي بيع الطعام في سنبله، والحقل: الحرث وموضع الزرع، وأخرج الشافعي عن جابر أن المحاقلة أن يبيع الرجل الرجل الزرع بمائة فرق من الحنطة، وقال ابن الكثير: "المحاقلة مختلف فيها، قيل: هي اكتراء الأرض بالحنطة، هكذا جار مفسراً في الحديث" "النهاية في غريب الحديث 1/416".
"انظر: صحيح البخاري 2/15 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 1/194، سنن أبي داود 2/225، تحفة الأحوذي 4/416، سنن النسائي 7/234، سنن ابن ماجه2/761، مسند أحمد 1/224، 2/392، سنن الدارمي 2/252، الموطأ 386 ط الشعب، سنن الدارقطني 3/48، نيل الأوطار 5/189، المغني 4/156".
4 الآية 22 من النساء. وفي ع ض ب: " ... من النساء الآية.
5 الآية 221 من البقرة. وفي ع ض ب: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ} .
6 لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} المدثر/4، ولما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ومالك عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي".
"انظر: صحيح البخاري 1/46 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 4/17، سنن أبي داود 1/65، تحفة الأحوذي 1/390، سنن النسائي 1/98، سنن ابن ماجه 1/203، مسند أحمد 6/83، 129، الموطأ ص62 ط الشعب".(3/90)
وَحَالَةِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ1، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلا مُسْتَنِدَ إلاَّ النَّهْيِ2.
قَالُوا: لَوْ دَلَّ الْفَسَادُ3 لَنَاقَضَ التَّصْرِيحَ بِالصِّحَّةِ فِي قَوْلِهِ: نَهَيْتُك عَنْ فِعْلِ كَذَا فَإِنْ فَعَلْت صَحَّ4.
قُلْنَا: الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْفَسَادِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالصِّحَّةِ5 لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حِكْمَةِ الْفَسَادِ، وَلأَنَّهُ لَوْ سَلِمَ فَالتَّصْرِيحُ بِخِلافِ الظَّاهِرِ، وَ6لا تَنَاقُضَ7، نَحْوَ: رَأَيْتُ أَسَدًا يَرْمِي. وَأَيْضًا فَإِنَّ8 قَوْلَهُ: يُشْبِهُ الْمُسْتَدْرَكَ وَالْمُسْتَثْنَى. فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَكِنَّك إنْ فَعَلْت صَحَّ، أَوْ قَوْلُهُ: إلاَّ أَنَّك إذَا فَعَلْت صَحَّ. وَلَيْسَ فِي كَلامِ الشَّارِعِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ9.
وَكَذَا لَوْ كَانَ النَّهْيُ لِوَصْفٍ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لازِمٌ لَهُ. وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ
__________
1 لما رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" وسبق تخريجه في المجلد الأول ص471.
2 انظر: تحقيق المراد ص103، الإحكام للآمدي 2/193.
3 في ش ز ع: الفساد.
4 انظر: التبصرة ص103، المحصول ? ق2/489 وما بعدها، العدة 2/439.
5 ساقطة من ض.
6 ساقطة من ش ز.
7 في ع: يناقض.
8 في ش ز: فإنه.
9 انظر: تفصيل هذه الأدلة مع الزيادة عليها في "تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد للعلائي ص111 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/188، 192 وما بعدها، التبصرة ص103، المحصول 2/487، 489، العدة 2/439".(3/91)
"أَوْ وَصْفِهِ" كَالنَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمَةِ1 وَعَنْ بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ كَافِرٍ2.فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ "يَقْتَضِي فَسَادَهُ شَرْعًا" عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ3.
فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْهُ إثْبَاتُ الْقِيَامِ وَالاسْتِيلاءِ وَالسَّبِيلِ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَيَبْطُلُ هَذَا الْوَصْفُ. اللاَّزِمُ4 لَهُ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ: أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي صِحَّةَ الشَّيْءِ وَفَسَادَ وَصْفِهِ. فَالْمُحَرَّمُ عِنْدَهُمْ وُقُوعُ الصَّوْمِ فِي الْعِيدِ لا الْوَاقِعُ. فَالْفِعْلُ حَسَنٌ5؛.لا أَنَّهُ6 صَوْمٌ قَبِيحٌ لِوُقُوعِهِ فِي الْعِيدِ. فَهُوَ عِنْدَهُمْ طَاعَةٌ يَصِحُّ النَّذْرُ بِهِ7، وَوَصْفُ قُبْحِهِ لازِمٌ لِلْفِعْلِ لا لِلاسْمِ، وَلا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ8.
__________
1 ورد النهي عن نكاح الكافر للمسلة في قوله تعالى: {وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ} البقرة/221
2 انظر: المغني 4/199.
3 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/98، جمع الجوامع 1/394، الفروق 2/82، المنخول ص205، العدة 2/441، الروضة 2/217، المسودة ص82، 83، مختصر الطوفي ص96، التمهيد ص81، مباحث الكتاب والسنة 131، 133.
4 في ش ز: الملازم.
5 في ع: عندهم حسن.
6 في ز ع ض ب: لأنه.
7 قال النووي رحمه الله: "وقد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك، ولو نذر صومهما متعمداً لعينها، قال الشافعي والجمهور: لا ينعقد نذره، ولا يلزمه قضاؤهما، وقال أبو حنيفة: ينعقد ويلزم قضاؤهما، قال: فإن صامهما أجزأه، وخالف الناس كلهم في ذلك" شرح النووي على مسلم 8/15".
وقال التمرتاشي والحصكفي: "ولو نذر صوم الأيام المنهية، أو صوم هذه السنة صح مطلقاً على المختار، وفرقوا بين النذر والشروع فيها بأن نفس الشروع معصية، ونفس النذر طاعة فصح، ولكنه أفطر الأيام المنهية، وجوباً تحامياً عن المعصية وقضاها إسقاطاً للواجب، وإن صامهما خرج عن العهدة مع الحرمة" "حاشية ابن عابدين 4/433".
8 قال الآمدي: "وهو اختيار المحققين من أصحابنا كالقفال وإمام الحرمين والغزالي وكثير من الحنفية، وبه قال جماعة من المعتزلة ... وكثير من مشايخهم" "الإحكام للآمدي 2/188".
انظر: هذا الرأي وأدلته في "فواتح الرحموت 1/398، أصول السرخسي 1/81، 85، كشف الأسرار 1/258 وما بعدها، التوضيح على التنقيح 2/223، 227، فتح الغفار 1/78، تيسير التحرير 1/377 وما بعدها، 382 وما بعدها، المعتمد 1/184، 188وما بعدها، تحقيق المراد ص91، 149 وما بعدها، المستصفى 2/25، مختصر ابن الحاجب 2/97، 98، نهاية السول 2/64، جمع الجوامع 1/396، الفروق 2/83، الروضة 2/217، المسودة ص83، مختصر الطوفي ص96، البرهان للجويني 1/292، تفسير النصوص2/390، مباحث الكتاب والسنة ص135، 136، العدة 2/442، المحصول? 1 ق2/500"(3/92)
وَقِيلَ لأَبِي الْخَطَّابِ فِي نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ1 الْعِيدِ2 نَهْيُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ؟ فَقَالَ: هُوَ حُجَّتُنَا؛ لأَنَّ النَّهْيَ عَمَّا3 لا يَكُونُ مُحَالٌ، كَنَهْيِ الأَعْمَى عَنْ النَّظَرِ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ لَمَا نَهَى عَنْهُ4.
"وَكَذَا" لَوْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ "لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ كَ" النَّهْيِ عَنْ عَقْدِ بَيْعٍ "بَعْدَ نِدَاءِ جُمُعَةٍ"5 وَكَالْوُضُوءِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ، يَعْنِي فَإِنَّهُ يَقْتَضِي فَسَادَهُ عِنْدَ
__________
1 ساقطة من ع ض.
2 جاء النعي عن صوم يوم العيد في الحديث الصحيح المرفوع الذي رواه البخاري ومسلم وأحمد ومالك والشافعي وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي عن أبي سعيد وعمر وأبي هريرة وابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن صوم يومين: يوم الفطر ويوم الضحى" وفي رواية البخاري وأحمد "لا صوم في يومين" وفي رواية مسلم "لا يصح الصيام في يومين".
"انظر: صحيح البخاري 1/233 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 8/15، مسند أحمد 5/52، 66، الموطأ ص200 ط الشعب، نيل الأوطار 4/293، سنن أبي داود 1/563، تحفة الأحوذي 3/579، سنن ابن ماجه 1/546، بدائع المنن 1/275، سنن الدارمي 2/20".
3 في ب: عنه.
4 انظر مناقشة الموضوع في "الإحكام للآمدي 2/192، المحصول? 1 ق2/500 وما بعدها، المستصفى 2/28، الروضة 2/217، مختصر البعلي ص104".
5 هو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} الجمعة/9.(3/93)
الإِمَامِ أَحْمَدَ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ1 وَالْمَالِكِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَالْجُبَّائِيَّةِ2.
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الأَكْثَرُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ الآمِدِيُّ: لا خِلافَ أَنَّهُ لا يَقْتَضِي الْفَسَادَ إلاَّ مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ3.
وَلا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاتِ4.
وَأَلْزَمَ الْقَاضِي5 الشَّافِعِيَّةَ بِبُطْلانِ الْبَيْعِ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ وَالِدَةٍ
__________
1 في ع: والظاهرية والمالكية.
2انظر هذه المسألة في "المعتمد 1/195، نهاية السول 2/65، شرح تنقيح الفصول 174، 176، مختصر الطوفي ص86، مختصر البعلي ص104، المسودة ص83، العدة 2/441، الفروق 2/85، الإحكام لابن حزم 3/307، مباحث الكتاب والسنة ص132".
ولفظة الجبائية: ساقطة من ب.
3 في ع ض ب: وإمامنا أحمد.
وانظر: الإحكام للآمدي 2/188، التبصرة ص100 هامش.
4 هذا رد على القول الذي يذهب للتفصيل بين العبادات والمعاملات، وهو رأي أبي الحسين البصري والفخر الرازي وابن السبكي وغيرهم، وهناك مذاهب أخرى.
انظر أصحاب هذه المذاهب مع أدلتها ومناقشتها مع بيان مذهب الحنابلة وأدلتهم في "المعتمد 1/184، التمهيد ص82، المسودة ص83، العدة 2/444، المحصول ?1 ق2/486، المنخول ص126، المستصفى 2/25، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/95 وما بعدها، نهاية السول 2/52، 65، أصول السرخسي 1/81، فتح الغفار 1/78، التوضيح على التنقيح 2/229، 232، تيسير التحرير 1/377، جمع الجوامع 1/393، 395، تحقيق المراد ص77، 9، اللمع ص15، القواعد والفوائد الأصولية ص192، فواتح الرحموت 1/396، مباحث الكتاب والسنة ص131".
5 انظر: العدة 2/446.
واستدل القاضي بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا توله والدة عن ولدها"، روى هذا الحديث أبو بكر رضي الله عنه، وأخرجه عنه البيهقي قال السيوطي إنه حسن، وقال الحافظ ابن حجر: سنده ضعيف، ورواه أبو عبيد في "غريب الحديث" مرسلاً عن الزهري، "انظر: فيض القدير 6/423، التلخيص الخبير 3/15",(3/94)
وَوَلَدِهَا1
"لا" إنْ كَانَ النَّهْيُ "عَنْ غَيْرِهِ" أَيْ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ غَيْرِ عَقْدٍ. وَكَانَ ذَلِكَ "لِحَقِّ2 آدَمِيٍّ، كَتَلَقٍّ3" لِلرُّكْبَانِ4 "وَ"كَ "نَجْشٍ"5 وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ مَنْ لا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِغَيْر6ِ الْمُشْتَرِي "وَ" كَـ"سَوْمٍ" عَلَى سَوْمِ مُسْلِمٍ "وَ" كَـ"خِطْبَةٍ" وَلَوْ لِذِمِّيَّةٍ عَلَى خِطْبَةِ مُسْلِمٍ7 "وَ"كَ "تَدْلِيسِ"
__________
1 ورد عن علي رضي الله عنه أنه فرق بين جارية وولدها، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ورد البيع.
رواه أبو داود والدارقطني، وفي الباب أحاديث أخر.
"انظر: سنن أبي داود 2/58، نيل الأوطار 5/182".
2 في ع ض: كحق.
3 في ب: كتلقي.
4 روى البخاري ومسلم عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان" ورواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما، وروى البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تلقوا الركبان، ولا بيع حاضر لبادٍ".
"انظر: صحيح البخاري 2/13المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 10/160، سنن أبي داود 2/241، مسند أحمد 2/105، 156، 394، نيل الأوطار5/188، المغني 4/164".
وفي ع ض ب: الركبان.
5 روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش"، ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة، ورواه ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهم.
"انظر: صحيح البخاري 2/12 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم على شرح النووي 10/16، سنن أبي داود 2/241، سنن النسائي 7/227، سنن ابن ماجه 2/734، نيل الأوطار 5/187، المغني 4/159".
6 في ش: لغير، وفي ب: ليغر بها.
7 روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، ولا يسوم على سومه" وفي لفظ: "لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه"، وروى الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبع الرجل أحدكم على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن".
"انظر: صحيح البخاري 2/12 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم على شرح النووي 10/15، نيل الأوطار 5/187، مسند أحمد 2/398، 411، 457، سنن ابن ماجه 2/734، سنن النسائي 7/227، نيل الأوطار 5/189، المغني 4/159"(3/95)
مَبِيعٍ1، كَالتَّصْرِيَةِ2 وَنَحْوِهَا. فَإِنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ مَعَ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ3.
قَالَ4 ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَحَيْثُ قَالَ أَصْحَابُنَا: اقْتَضَى النَّهْيُ الْفَسَادَ فَمُرَادُهُمْ: مَا لَمْ يَكُنْ النَّهْيُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ. فَإِنْ كَانَ وَلا مَانِعَ. كَتَلَقِّي الرُّكْبَانَ وَالنَّجْشِ. فَإِنَّهُمَا يَصِحَّانِ عَلَى الأَصَحِّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ. لإِثْبَاتِ الشَّرْعِ الْخِيَارَ فِي التَّلَقِّي5.
"وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَالدَّوَامَ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ6، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِهِ
__________
1 في ش: بيع، وفي ع: لمبيع، وفي ز: ببيع.
2 لحديث: "لا تصروا الإبل والغنم، عمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها امسكها، وإن سخطها ردها، وصاعاً من تمر" وسبق تخريجه كاملاً في المجلد الثاني ص368 هـ، 566، 568، وانظر شرح النووي على صحيح مسلم 10/160
3 قال الشوكاني: "وقد اختلف في هذا النهي، هل يقتضي الفساد أم لا؟ فقيل: يقتضي الفساد، وقيل: لا، وهو الظاهر، لآن النهي ههنا لأمر خارج، وهي لا يقتضيه، كما تقرر في الأصول" "نيل الأوطار5/188".
وقال: "وق قال بالفساد المرادف للبطلان بعض المالكية، وبعض الحنابلة، وقال غيرهم بعدم الفساد. "نيل الأوطار 5/188".
"وانظر: مختصر البعلي ص104، 105، التمهيد ص82، مختصر الطوفي".
4 في ض ب: وقال.
5 وذلك في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار"
وفي روايات أخرى "أن يتلقى السلع حتى تبلغ الأسواق" "نهى عن التلقي" "نهى عن تلقي البيوع" "أن يتلقى الجلب" وسيده أي مالكه، "انظر: النووي على مسلم 10/163، سن أبي داود 2/240".
6 انظر: المسودة ص81، التمهيد ص81، تيسير التحرير 1/376، مختصر البعلي ص 105، فواتح الرحموت 1/406، نهاية السول 2/63، القواعد والفوائد الأصولية ص191، العدة 2/428".(3/96)
لِلدَّوَامِ: كَوْنُهُ لِلْفَوْرِ؛ لأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِهِ، وَلأَنَّ مَنْ نُهِيَ عَنْ فِعْلٍ بِلا قَرِينَةٍ فَفَعَلَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ عُدَّ مُخَالِفًا لُغَةً وَعُرْفًا. وَلِهَذَا لَمْ يَزَلْ1 الْعُلَمَاءُ يُسْتَدَلُّونَ2 بِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. وَحَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ بُرْهَانٍ وَأَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ إجْمَاعًا3.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَمْرِ: أَنَّ الأَمْرَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ فَيَقَعُ الامْتِثَالُ فِيهِ بِالْمَرَّةِ. وَأَمَّا الانْتِهَاءُ عَنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلا يَتَحَقَّقُ إلاَّ بِاسْتِيعَابِهِ فِي الْعُمُرِ فَلا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَكْرَارٌ، بَلْ بِالاسْتِمْرَارِ4 بِهِ يَتَحَقَّقُ الْكَفُّ5.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ النَّهْيَ مُنْقَسِمٌ6 إلَى الدَّوَامِ كَالزِّنَا، وَإِلَى غَيْرِهِ كَالْحَائِضِ
__________
1 في ع ض ب: تزل.
2 في ع ض ب: تستدل.
3 نقل العلماء عن أبي بكر الباقلاني أن النهي لا يقتضي الفور والتكرار كالأمر، وتابعه على ذلك الفخر الرازي فقال: "إن قلنا إن النهي يفيد التكرار فهو يفيد الفور لا محالة، وإلا فلا" أي إن ذلك لم يفيد التكرار فلا يفيد الفور، وقد اختار الفخر الرازي أن الأمر لا يفيد التكرار، وبالتالي فإن الأمر لا يفيد الفور عنده، ثم صرح باختياره فقال: "المشهور أن النهي يفيد التكرار، ومنهم من أباه، وهو المختار". "انظر: المحصول 2/470، 475".
وقال العضد: "يقتضي دوام ترك المنهي عند المحققين ظاهراً ... وقد خالف في ذلك شذوذ" "العضد على ابن الحاجب 2/98".
"وانظر: فواتح الرحموت 1/406، تيسير التحرير 1/376، الإحكام للآمدي 2/194، المسودة ص81، شرح تنقيح الفصول ص168، البرهان للجويني 1/230، مختصر ابن الحاجب 2/98، التمهيد ص81، مختصر البعلي ص105، العدة 2/428، جمع الجوامع 1/390، القواعد والفوائد الأصولية ص191، تفسير النصوص 2/382".
4 في ع ض ب: الاستمرار.
5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص171، البرهان للجويني 1/230، اللمع ص14.
6 في ع: ينقسم.(3/97)
عَنْ الصَّلاةِ. فَكَانَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، دَفْعًا لِلاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ.
وَرُدَّ بِأَنَّ عَدَمَ الدَّوَامِ لِقَرِينَةٍ، هِيَ تَقْيِيدُهُ بِالْحَيْضِ، وَكَوْنُهُ حَقِيقَةً لِلدَّوَامِ أَوْلَى مِنْ الْمَرَّةِ لِدَلِيلِنَا، وَلإِمْكَانِ التَّجَوُّزِ فِيهِ عَنْ بَعْضِهِ لاسْتِلْزَامِهِ لَهُ بِخِلافِ الْعَكْسِ1.
"وَ"قَوْلُ النَّاهِي عَنْ شَيْءٍ "لا تَفْعَلْهُ مَرَّةً يَقْتَضِي تَكْرَارَ التَّرْكِ" قَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ. فَلا يَسْقُطُ النَّهْيُ بِتَرْكِهِ مَرَّةً2.
وَعِنْدَ الْقَاضِي وَالأَكْثَرِ يَسْقُطُ بِمَرَّةٍ3، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَدَّمَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ، حَتَّى قَالَ شَارِحُهُ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ عَنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ: غَرِيبٌ لَمْ نَرَهُ لِغَيْرِ ابْنِ4 السُّبْكِيّ. وَقَطَعَ بِهِ الْبِرْمَاوِيُّ فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَمْ يَطَّلِعَا عَلَى كَلامِ الْحَنَابِلَةِ فِي ذَلِكَ5.
"وَيَكُونُ" النَّهْيُ "عَنْ" شَيْءٍ "وَاحِدٍ" فَقَطْ، وَهُوَ كَثِيرٌ6 "وَ"عَنْ "مُتَعَدِّدٍ" أَيْ شَيْئَيْنِ7 فَأَكْثَرَ "جَمْعًا" أَيْ عَنْ الْهَيْئَةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ. فَيَكُونُ لَهُ فِعْلُ
__________
1 انظر: الإحكام للآمدي 2/194.
2 قال القرافي: "وهو المشهور من مذاهب العلماء" وقال الكمال: "خلافاً لشذوذ"، وهذا فرع لاقتضاء النهي التكرار وعدمه.
"انظر: الروضة 2/201، المسودة ص81، شرح تنقيح الفصول ص168، تيسير التحرير 1/376، مختصر البعلي ص105، فواتح الرحموت 1/406، المحصول? 1 ق2/470، القواعد والفوائد الأصولية ص192".
3 ساقطة من ض.
4 ساقطة من ض.
5 ومذهب الفخر الرازي، ورأيه مخالف لاختيار أكثر الأشاعرة والشافعية.
"انظر: المحصول? 1 ق2/470، المسودة ص81، القواعد والفوائد الأصولية ص192، مختصر البعلي ص105، شرح تنقيح الفصول ص168، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/390".
6 انظر جمع الجوامع 1/392، نهاية السول 2/66.
7 في ض ب: عن شيئين.(3/98)
أَيُّهَا شَاءَ عَلَى انْفِرَادِهِ1 كَالْجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ2، وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَ3بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا4.
"وَفَرْقًا" وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ الافْتِرَاقِ دُونَ الْجَمْعِ. كَالنَّهْيِ عَنْ. الاقْتِصَارِ5 عَلَى أَحَدِ شَيْئَيْنِ6.نَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا تَمْشِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ" 7 فَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُنَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ حَالَتَيْ الرِّجْلَيْنِ8، لا عَنْ لُبْسِهِمَا مَعًا، وَلا عَنْ تَحْفِيفِهِمَا مَعًا. وَلِذَلِكَ
__________
1 نقل الشيرازي أن المعتزلة قالت: "يكون نهياً عنهما، فلا يجوز فعل واحد منهما"، وأيد أبو الحسين البصري الجمهور، وخالف المعتزلة في ذلك.
"انظر: التبصرة ص104، المعتمد 1/183، المسودة ص81، شرح تنقيح الفصول ص172، المنخول ص131، المحصول ? 1 ق2/508، نهاية السول 2/66، جمع الجوامع 1/393، القواعد والفوائد الأصولية ص69".
2 ثبت النهي عن تحريم الجمع بين الأختين في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} إلى قوله تعالى: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} النساء/23.
3 في ب: أو.
4 روى البخاري ومسلم أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها" وفي رواية: "نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها".
"انظر: صحيح البخاري 3/160 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 9/191، سنن أبي داود 1/476، تحفة الأحوذي 4/272، سنن النسائي 6/79 وما بعدها، سنن ابن ماجه 1/621، مسند أحمد 2/179، 423، سنن الدارمي 2/136، نيل الأوطار 6/166".
5 في ش: إحفائهما.
6 في ش: جمع الجوامع وشرح المحلي والبناني عليه 1/393.
7 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمش أحدكم في نعل واحدةٍ، ليُنْعِلْهما جميعاً، أو ليُحْفهما جميعاً" وفي رواية: "أو ليخلعهما جميعاً" وفيه روايات أخرى.
"انظر: صحيح البخاري 4/34، صحيح مسلم 3/1660، سنن أبي داود 2/389، مختصر سنن أبي داود 6/83، تحفة الأحوذي 5/470، سنن ابن ماجه 2/1195".
8 انظر: التبصرة ص104، منهاج العقول 2/62.(3/99)
قَالَ: "لِيُنْعِلْهُمَا 1 جَمِيعًا أَوْ لِيُحْفِهِمَا 2 جَمِيعًا".
"وَ" يَكُونُ النَّهْيُ أَيْضًا عَنْ مُتَعَدِّدٍ "جَمِيعًا" وَمِنْ أَمْثِلَةِ النَّهْيِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَغَيْرِهَا: لا تَأْكُلْ السَّمَكَ وَتَشْرَبْ اللَّبَنَ. فَإِنَّك إنْ3 جَزَمْت الْفِعْلَيْنِ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ. فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِنْ نَصَبْت الثَّانِيَ مَعَ جَزْمِ الأَوَّلِ كَانَ مُتَعَلِّقُ النَّهْيِ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ4 بِانْفِرَادٍ5، وَإِنْ جَزَمْت الأَوَّلَ وَرَفَعْت الثَّانِيَ كَانَ الأَوَّلُ مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ فَقَطْ فِي حَالَةِ مُلابَسَةِ6 الثَّانِي7.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلامِ عَلَى الأَمْرِ وَالنَّهْيِ اللَّذَيْنِ حَقُّهُمَا التَّقْدِيمُ لِتَعَلُّقِهِمَا بِنَفْسِ الْخِطَابِ الشَّرْعِيِّ. شَرَعَ فِي الْكَلامِ عَلَى الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ الْمُتَعَلِّقَيْنِ بِمَدْلُولِ الْخِطَابِ بِاعْتِبَارِ الْمُخَاطَبِ بِهِ فَقَالَ:
__________
1 في ز: وليلبسهما، وفي ع ض ب: ليلبسهما.
2 في ب: ليخلعهما.
3 في ع: إذا.
4 ساقطة من ز ع ض ب.
5 في ش: بانفراد.
6 في ب: ملابسته.
7 انظر: شرح تنقيح الفصول ص173، المعتمد 1/182-183.(3/100)
باب العام:
"الْعَامُّ" فِي اصْطِلاحِ الْعُلَمَاءِ."لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَاهِيَّةِ مَدْلُولِهِ" أَيْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ.
قَالَ الطُّوفِيُّ -بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لِلْعَامِّ حُدُودًا كُلَّهَا مُعْتَرِضَةً1- اللَّفْظُ إنْ دَلَّ. عَلَى الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ. فَهُوَ الْمُطْلَقُ كَالإِنْسَانِ2، أَوْ عَلَى وَحْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ. كَزَيْدٍ فَهُوَ الْعَلَمُ، أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ كَرَجُلٍ فَهُوَ النَّكِرَةُ، أَوْ عَلَى وَحَدَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ. فَهِيَ إمَّا بَعْضُ وَحَدَاتِ الْمَاهِيَّةِ فَهُوَ3 اسْمُ الْعَدَدِ. كَعِشْرِينَ رَجُلاً، أَوْ جَمِيعُهَا فَهُوَ الْعَامُّ4.
فَإِذًا هُو5َ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَاهِيَّةِ مَدْلُولِهِ وَهُوَ أَجْوَدُهَا6.
فَهَذَا الْحَدُّ مُسْتَفَادٌ مِنْ التَّقْسِيمِ الْمَذْكُورِ؛ لأَنَّ التَّقْسِيمَ الصَّحِيحَ يَرِدُ عَلَى جِنْسِ الأَقْسَامِ، ثُمَّ يُمَيِّزُ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ بِذِكْرِ خَوَاصِّهَا الَّتِي تَتَمَيَّزُ بِهَا. فَيَتَرَكَّبُ كُلُّ
__________
1 مختصر الطوفي ص97.
2 ساقطة من مختصر البعلي.
3 في ع: فهي.
4 في ع: كالعام.
5 في مختصر الطوفي: فهو إذن.
6 مختصر الطوفي ص97.
وانظر: مختصر البعلي ص105، نهاية السول 2/70.(3/101)
وَاحِدٍ مِنْ أَقْسَامِهِ مِنْ جِنْسِهِ الْمُشْتَرَكِ وَمُمَيِّزهُ1 الْخَاصُّ، وَهُوَ الْفَصْلُ. وَلا مَعْنَى لِلْحَدِّ إلاَّ اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ.
وَعَلَى هَذَا فَقَدْ اسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا التَّقْسِيمِ مَعْرِفَةَ حُدُودِ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْحَقَائِقِ، وَهُوَ الْمُطْلَقُ وَالْعَلَمُ وَالنَّكِرَةُ وَاسْمُ الْعَدَدِ وَالْعَامُّ2.
فَالْمُطْلَقُ: هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ وَصْفٍ زَائِدٍ3.
وَالْعَلَمُ: هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى وَحْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ4.
وَاسْمُ الْعَدَدِ: هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى بَعْضِ وَحَدَاتِ مَاهِيَّةِ مَدْلُولِهِ5.
وَالْعَامُّ: مَا ذَكَرْنَا6.انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ "فَإِنْ دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ" أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ جَمِيعِ مَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ وَحْدَةٍ وَكَثْرَةٍ وَحُدُوثٍ وَقِدَمٍ، وَطُولٍ وَقِصَرٍ وَلَوْنٍ مِنْ الأَلْوَانِ. فَهَذَا الْمُطْلَقُ كَالإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ هُوَ إنْسَانٌ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى حَيَوَانٍ نَاطِقٍ لا عَلَى وَاحِدٍ وَلا عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرَ، وَإِنْ كَانَ لا يَنْفَكُّ عَنْ7 بَعْضِ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ وَافَقَهُ: إنَّهُ اللَّفْظُ الْمُسْتَغْرِقُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ8.
__________
1 في ش ز ع: ويميز.
2 ساقطة من ز ش.
3 انظر: نهاية السول 2/71، المحصول ? 1 ق2/520، شرح تنقيح الفصول ص39، إرشاد الفحول ص144.
4 انظر: نهاية السول 2/72.
5 انظر: نهاية السول 2/72، المحصول ? 1 ق2/522.
6 يرى الإسنوي أن هذا التقسيم ضعيف لوجوهٍ كثيرة. "فانظر: نهاية السول 2/72".
7 في ز: على.
8 هذا تعريف القاضي أبي الحسين البصري، وتابعه أبو الخطاب الحنبلي في ذلك، واختاره الرازي وزاد عليه "بحسب وضع واحد" ورجحه الشوكاني.
"انظر: المعتمد 1/203، مختصر ابن الحاجب 2/98، العدة 1/140، المحصول? 1 ق2/513، إرشاد الفحول ص112".(3/102)
وَقِيلَ: مَا عَمَّ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا1.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: مَا دَلَّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ مُطْلَقًا ضَرْبَةً2، أَيْ دَفْعَةً3.
وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ4.
"وَيَكُونُ" الْعَامُّ "مَجَازًا" عَلَى الأَصَحِّ، كَقَوْلِك: رَأَيْت الأُسُودَ عَلَى الْخُيُولِ، فَالْمَجَازُ هُنَا كَالْحَقِيقَةِ فِي أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَامًّا5.
وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: لا يَعُمُّ بِصِيغَتِهِ؛ لأَنَّهُ عَلَى خِلافِ الأَصْلِ، فَيَقْتَصِرُ بِهِ عَلَى الضَّرُورَةِ6.وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَجَازَ لَيْسَ خَاصًّا بِحَالِ الضَّرُورَةِ، بَلْ هُوَ عِنْدَ قَوْمٍ غَالِبٌ عَلَى اللُّغَاتِ7.
__________
1 وهذا تعريف القاضي أبي يعلى الفراء الحنبلي. "انظر: العدة 1/140".
2 مختصر ابن الحاجب 2/99.
3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/100، 101.
4 انظر في تعريف العام "العضد على ابن الحاجب 2/99، الحدود ص44، المعتمد 1/203، جمع الجوامع 1/398، نهاية السول 2/68، الكافية في الجدل ص50، الإحكام للآمدي 2/195، التوضيح على التنقيح 1/193، فواتح الرحموت 1/255، الإحكام لابن حزم 1/363، شرح تنقيح الفصول ص38، أصول السرخسي 1/125، فتح الغفار 1/84، منهاج العقول 2/66، الروضة 2/220، تيسير التحرير 1/190، المنخول ص138، المستصفى 2/32، اللمع ص15، المسودة ص574، العدة 1/140، مباحث الكتاب والسنة ص147، تفسير النصوص 2/9، إرشاد الفحول ص112، المحصول? 1 ق2/513".
5 انظر: جمع الجوامع 1/401.
6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/401.
7 تقدم بحث المجاز بإسهاب في "المجلد الأول ص135 – 199".(3/103)
وَاسْتَدَلَّ عَلَى مَجَازِهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاةٌ. إلاَّ أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلامَ" 1 فَإِنَّ الاسْتِثْنَاءَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ. فَدَلَّ عَلَى تَعْمِيمِ كَوْنِ الطَّوَافِ صَلاةَ2 مَجَازٍ.
"وَالْخَاصُّ" بِخِلافِ الْعَامِّ؛ لأَنَّهُ قَسِيمُهُ، وَهُوَ3 "مَا دَلَّ" عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ دَلالَةً "أَخَصُّ" مِنْ دَلالَةِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ4 "وَلَيْسَ" هُوَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ "بِعَامٍّ" إلاَّ 5بِالْمَحْدُودِ أَوَّلاً6.
"وَلا" شَيْءَ "أَعَمَّ مِنْ مُتَصَوِّرِ" اسْمِ مَفْعُولٍ، أَيْ لا أَعَمَّ مِنْ شَيْءٍ مُمْكِنٍ تُخَيَّلُ صُورَتُهُ فِي الذِّهْنِ. فَيَتَنَاوَلُ ذَلِكَ الْمَعْلُومَ وَالْمَجْهُولَ7 وَالْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ8
__________
1 الحديث بهذا اللفظ أخرجه مرفوعاً البيهقي والحاكم وابن حبان والدارمي عن ابن عباس والطبراني عن ابن عمر وأحمد عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه موقوفاً النسائي عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
"انظر: المستدرك 1/459، 2/267، سنن النسائي 5/176، سنن البيهقي 5/85، مسند أحمد 3/414، 4/64، 5/377، تخريج أحاديث أصول البردوي ص13، سنن الدارمي 2/44، فيض القدير 4/293، التلخيص الحبير 1/129".
وأخرجه أيضاً الترمذي والحاكم عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ "الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه، فلا يتكلمن إلا بخير" "تحفة الأحوذي 4/33، المستدرك 1/459، عرضة الأحوذي 4/182".
2 ساقطة من ز ش ع.
3 في ش ز: وهو.
4 انظر: في تعريف الخاص "الحدود للباجي ص44، المسودة ص571، مختصر البعلي ص105، المعتمد 1/251، الكافية في الجدل ص50، الإحكام للآمدي 2/196، أصول السرخسي 1/124، التوضيح على التنقيح 1/168، شرح الورقات ص106، المنخول ص162، كشف الأسرار 1/30، مختصر الطوفي ص108، إرشاد الفحول ص141".
5 في ش ز: إلا
6 انظر: الإحكام للآمدي 2/197.
7 ساقطة من ض.
8 هذا تقسيم العام والخاص بحسب المراتب علواً ونزولاً وتوسطاً، ويسمى القسم الأول العام المطلق، ويقال إنه ليس بموجود.
"انظر: نزهة الخاطر 2/121، المستصفى 2/32، الروضة 2/220، الإحكام للآمدي 2/197، مختصر الطوفي ص98".(3/104)
"وَ" لا شَيْءَ "أَخَصُّ مِنْ عَلَمِ الشَّخْصِ" كَزَيْدٍ وَهِنْدٍ، وَمِثْلُهُ الْحَاضِرُ وَالْمُشَارُ1 إلَيْهِ بِهَذَا وَنَحْوِهِ2.
"وَكَحَيَوَانٍ" أَيْ وَمِثْلِ لَفْظِ حَيَوَانٍ "عَامٌّ" نِسْبِيٌّ لأَنَّ الْحَيَوَانَ أَعَمُّ مِنْ الإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ وَالأَسَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ "خَاصٌّ نِسْبِيٌّ" لأَنَّ الْحَيَوَانَ أَخَصُّ مِنْ الْجِسْمِ لِشُمُولِهِ كُلَّ مُرَكَّبٍ، وَمِنْ النَّامِي لِشُمُولِهِ النَّبَاتَ، فَكُلُّ لَفْظٍ بِالنِّسْبَةِ3 إلَى مَا دُونَهُ عَامٌّ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فَوْقَهُ خَاصٌّ4.
"وَيُقَالُ لِلَّفْظِ عَامٌّ وَخَاصٌّ، وَلِلْمَعْنَى أَعَمُّ وَأَخَصُّ"5.
قَالَ الْكُورَانِيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ: هَذَا مُجَرَّدُ اصْطِلاحٍ لا يُدْرَكُ لَهُ وَجْهٌ سِوَى التَّمْيِيزُ بَيْنَ صِفَةِ6 اللَّفْظِ وَصِفَةِ7 الْمَعْنَى.
__________
1 في ش: والمشار.
2 ويسمى هذا القسم: خاصاً مطلقاً.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/197، البرهان 1/400، مختصر الطوفي ص98، مختصر البعلي ص105، الروضة 2/221، الإحكام لابن حزم 1/362".
3 في ش ز: لما.
4 ويسمى هذا القسم عاماً وخاصاً إضافياً.
"انظر: المعتمد 1/207، المستصفى 2/32، الإحكام للآمدي 2/197، البرهان 1/400، المنخول ص162، نزهة الخاطر 2/122، الروضة 2/221، مختصر الطوفي ص98، مختصر البعلي ص106".
5 انظر: جمع الجوامع 1/404.
6 في ص: صيغة.
7 في ض ب: صيغة.(3/105)
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ صِيغَةَ أَفْعَلَ1، تَدُلُّ2 عَلَى الزِّيَادَةِ وَالرُّجْحَانِ. وَالْمَعَانِي3 أَعَمُّ مِنْ الأَلْفَاظِ، فَخُصَّتْ بِصِيغَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فِيهَا عَامٌّ وَخَاصٌّ أَيْضًا4.اهـ5.
"وَالْعُمُومُ" بِمَعْنَى "الشَّرِكَةِ فِي الْمَفْهُومِ" لا بِمَعْنَى الشَّرِكَةِ فِي اللَّفْظِ "مِنْ عَوَارِضِ الأَلْفَاظِ حَقِيقَةً" إجْمَاعًا6، بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ عَامٍّ يَصِحُّ شَرِكَةُ الْكَثِيرِينَ فِي مَعْنَاهُ، لا أَنَّهُ7 يُسَمَّى عَامًّا حَقِيقَةً، إذْ لَوْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ فِي مُجَرَّدِ الاسْمِ لا فِي مَفْهُومِهِ لَكَانَ مُشْتَرَكًا لا عَامًّا، وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الأَلْفَاظِ لِذَاتِهَا.
"وَكَذَا" -عَلَى خِلافٍ- يَكُونُ الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِ "الْمَعَانِي" حَقِيقَةً "فِي قَوْلِ" الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَابْنِ الْحَاجِبِ وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ. فَيَكُونُ الْعُمُومُ مَوْضُوعًا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا بِالتَّوَاطُؤِ8.
__________
1 ساقطة من ب.
2 في ض: يدل.
3 في ش ع: فالمعاني.
4 انظر: البناني والمحلي على جمع الجوامع 1/404.
5 ساقطة من ش ز.
6 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/101، جمع الجوامع 2/403، المستصفى 2/32، المسودة ص97، الإحكام للآمدي 2/198، نزهة الخاطر 2/118، نهاية السول 2/68، المعتمد 1/203، مختصر البعلي ص106، نزهة الخاطر 2/118، فتح الغفار 1/84، فواتح الرحموت 1/258، تيسير التحرير 1/194، مختصر الطوفي ص97، إرشاد الفحول ص113.
7 في ض: لأنه.
8 قال البعلي: "إنه الصحيح" "مختصر البعلي ص106"، ورجح هذا القول ابن نجيم الحنفي واختاره ابن عبد الشكور والكمال بن الهمام.
"انظر: فتح الغفار 1/84، فواتح الرحموت 1/258، المسودة ص97، الموافقات 3/166، الإحكام للآمدي 2/198، نهاية السول 2/68، جمع الجوامع 2/403ن مختصر ابن الحاجب 2/101، تيسير التحرير 1/194، إرشاد الفحول ص113".(3/106)
وَالْقَوْلُ الثَّانِي -وَهُوَ قَوْلُ الْمُوَفَّقِ وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ1 وَالأَكْثَرِ- إنَّهُ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي مَجَازًا لا حَقِيقَةً2.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْعُمُومَ لا يَكُونُ فِي الْمَعَانِي لا حَقِيقَةً وَلا مَجَازًا3.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الأَوَّلِ: أَنَّ حَقِيقَةَ الْعَامِّ لُغَةُ شُمُولِ أَمْرٍ لِمُتَعَدِّدٍ4، وَهُوَ فِي الْمَعَانِي: كَعَمَّ الْمَطَرُ وَالْخَصِبُ، وَفِي الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ لِشُمُولِهِ لِمَعَانِي الْجُزْئِيَّاتِ5.
وَاعْتُرِضَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَمْرٌ وَاحِدٌ شَامِلٌ. وَعُمُومُ الْمَطَرِ شُمُولُ مُتَعَدِّدٍ لِمُتَعَدِّدٍ؛ لأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الأَرْضِ يَخْتَصُّ بِجُزْءٍ مِنْ الْمَطَرِ6.
__________
1 في ش: الجويني.
2 نقل الآمدي هذا القول عن الأكثرين، ولم يرجح خلافه، وهو قول أكثر الحنفية وأبي الحسن البصري.
"انظر: المسودة ص90، 97، نزهة الخاطر 2/118، العضد على ابن الحاجب 2/101، الإحكام للآمدي 2/198، أصول السرخسي 1/125، فتح الغفار 1/84، فواتح الرحموت 1/258، تيسير التحرير 1/194، إرشاد الفحول ص113، المعتمد 1/203، نهاية السول 2/68".
3 قال عبد العلي محمد بن نظام الأنصاري: "وهذا مما لم يعلم قائله ممن يعتد بهم" "فواتح الرحموت 1/258".
"وانظر: مختصر الطوفي ص97، العضد على ابن الحاجب 2/101، نهاية السول 2/68، المستصفى 2/33، فتح الغفار 1/84، تيسير التحرير 1/194، إرشاد الفحول ص113".
4 في ض: متعدد.
5 انظر أدلة القول الأول: بان العموم من عوارض المعاني حقيقة في "الروضة2/220، نزهة الخاطر 2/118، المحلي على جمع الجوامع 1/403، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/101، نهاية السول 2/68، فتح الغفار 1/84، فواتح الرحموت 1/258، تيسير التحرير 1/19، إرشاد الفحول ص113".
6 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/101، نهاية السول 2/68، المعتمد 1/203، الإحكام للآمدي 2/198، أصول السرخسي 1/125، فواتح الرحموت 1/258، تيسير التحرير 1/195، إرشاد الفحول ص113.(3/107)
وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْعُمُومِ لُغَةً، وَلَوْ سَلِمَ فَعُمُومُ الصَّوْتِ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ شَامِلٍ لِلأَصْوَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ الْحَاصِلَةِ لِسَامِعَيْهِ. وَعُمُومُ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الطَّلَبُ الشَّامِلُ لِكُلِّ طَلَبٍ تَعَلَّقَ بِكُلِّ مُكَلَّفٍ. وَكَذَا الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الذِّهْنِيُّ1. وَقَدْ فَرَّقَ طَائِفَةٌ بَيْنَ الذِّهْنِيِّ وَالْخَارِجِيِّ، فَقَالُوا: بِعُرُوضِ الْعُمُومِ لِلْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ2.
دُونَ الْخَارِجِيِّ. لأَنَّ الْعُمُومَ عِبَارَةٌ عَنْ شُمُولِ أَمْرٍ وَاحِدٍ لِمُتَعَدِّدٍ، وَالْخَارِجِيَّ لا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ. لأَنَّ الْمَطَرَ الْوَاقِعَ فِي هَذَا الْمَكَانِ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، بَلْ كُلُّ قَطْرَةٍ مِنْهُ مَخْصُوصَةٌ بِمَكَانٍ خَاصٍّ.
وَالْمُرَادُ بِالْمَعَانِي الْمُسْتَقِلَّةِ كَالْمُقْتَضَى وَالْمَفْهُومِ. أَمَّا الْمَعَانِي التَّابِعَةُ لِلأَلْفَاظِ: فَلا خِلافَ فِي عُمُومِهَا3؛ لأَنَّ لَفْظَهَا عَامٌّ4.
"وَلِلْعُمُومِ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ" أَيْ5 يَخْتَصُّ بِهَا عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَعَامَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَهِيَ "حَقِيقَةٌ فِيهِ" أَيْ فِي الْعُمُومِ "مَجَازٌ فِي الْخُصُوصِ" عَلَى
__________
1 انظر: أدلة النافين ومناقشتها في "الإحكام للآمدي 2/198، نهاية السول 2/68، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/101، فواتح الرحموت 1/258، تيسير التحرير 1/195، إرشاد الفحول ص113".
2 ساقطة من ب.
3 في ش: عمومه.
4 انظر توجيه هذا القول وتعليله ومناقشته في "فواتح الرحموت 1/259، تيسير التحرير 1/195 وما بعدها، فتح الغفار 1/84، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/404، الروضة 2/220".
5 في ش: تختص به.
6 هذا مذهب الجمهور، مذهب الجمهور، ويسمى مذهب أرباب العموم.
" انظر: المسودة ص89، 100، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/102، التبصرة ص105، المعتمد 1/209ن المحصول ج1 ق2/523، فواتح الرحموت 1/260، تيسير التحرير 1/229، الإحكام لابن حزم 1/338 وما بعدها، مختصر البعلي ص106، القواعد والفوائد الأصولية ص194، تخريج الفروع على الأصول ص173، العدة 2/485، إرشاد الفحول ص115، مباحث الكتاب والسنة ص148، تفسير النصوص 2/19".(3/108)
الأَصَحِّ؛ لأَنَّ كَوْنَهَا لِلْعُمُومِ أَحْوَطُ مِنْ كَوْنِهَا لِلْخُصُوصِ1.
وَقِيلَ: عَكْسُهُ2.
وَقِيلَ: مُشْتَرِكَةٌ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ3. وَقَالَتْ الأَشْعَرِيَّةُ: لا صِيغَةَ لِلْعُمُومِ4.
__________
1 انظر: المسودة ص89، مختصر ابن الحاجب 2/102، المستصفى 2/34، 36، مختصر البعلي ص106، جمع الجوامع 1/410، نهاية السول 2/82، الإحكام للآمدي 2/200، القواعد والفوائد الأصولية ص194، المعتمد 1/210، التمهيد ص83، الرسالة للشافعي ص51، 53، البرهان للجويني 1/321، الإحكام لابن حزم 1/339.
2 قال أصحاب القول الثاني إن هذه الصيغ حقيقة في الخصوص مجاز في العموم، ويسمى مذهب أرباب الخصوص، وحكي عن الجبائي والبلخي أو الثلجي.
انظر تفصيل هذا القول مع أدلته ومناقشتها في "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/102، جمع الجوامع 1/410، نهاية السول 2/82، المستصفى 2/34، 36، 45، الإحكام للآمدي 2/200، 218 وما بعدها، البرهان للجويني 1/321، فواتح الرحموت 1/260، تيسير التحرير 1/197، 229، الإحكام لابن حزم 1/338، القواعد والفوائد الأصولية ص194، العدة 2/489، مختصر البعلي ص106، المعتمد 1/209، التمهيد ص83، تفسير النصوص 2/19".
3 وهذا قول أبي بكر الباقلاني، وذهب إليه الأشعري تارة.
"انظر: المسودة ص89، جمع الجوامع 1/410، نهاية السول 2/82، التمهيد ص83، الإحكام للآمدي 2/200، أصول السرخسي 1/132، البرهان للجويني 1/322، المحصول ? 1 ق2/523، شرح تنقيح الفصول ص192، فواتح الرحموت 1/260، التبصرة ص105، مختصر البعلي ص106، القواعد والفوائد الأصولية ص194، تيسير التحرير 1/197، 229، مختصر ابن الحاجب 2/102".
4 أي يجب التوقف في صيغ العموم، قال البعلي: "والوقف إما على معنى لا ندري، وإما نعلم أنه وضع، ولا ندري أحقيقة أم مجاز" "مختصر البعلي ص160"، وهذا رأي الأشعري واختاره الآمدي، ويسمى مذهب الواقفية، وهناك قول خامس بالتوقف في الأخبار، أما الأوامر والنواهي فتحمل على العموم. انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها في "مختصر البعلي ص106، العدة 2/490، المسودة ص89، الروضة 2/223، مختصر الطوفي ص99، الإحكام لابن حزم 1/339، مختصر ابن الحاجب 2/102، جمع الجوامع 1/410، التبصرة ص105، نهاية السول 2/82، المنخول ص183، المعتمد 1/209، المستصفى 2/34، 36، 46، اللمع ص16، التمهيد ص83، الإحكام للآمدي 2/200، أصول السرخسي 1/132، البرهان 1/320، تيسير التحرير 1/197، 229، المحصول? 1 ق2/523، 565، شرح تنقيح الفصول ص192، التلويح على التوضيح 1/196، فواتح الرحموت 1/260، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص200، تفسير النصوص 2/19، 21".(3/109)
وَاسْتُدِلَّ لِلْقَوْلِ الأَوَّلِ الَّذِي فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِ الإِنْسَانِ: لا تَضْرِبْ أَحَدًا1. وَكُلُّ مَنْ قَالَ كَذَا فَقُلْ لَهُ كَذَا عَامٌّ قَطْعًا2. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالُوا: فَالْحُمُرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "مَا أُنْزِلَ3 عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إلاَّ هَذِهِ الآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ" {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} 4 وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ الأَحْزَابِ قَالَ: "لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ". فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمْ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيقِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ5، وَلأَنَّ نُوحًا تَمَسَّك بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَهْلَكَ} 6 بِأَنَّ ابْنَهُ مِنْ
__________
1 في ض: أحد
2 انظر العضد على ابن الحاجب والتفتازاني عليه 2/102.
3 في ز ب: أنزل الله.
4 الآيتان 7، 8 من الزلزلة.
والحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 3/143 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم 2/682".
5 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 3/34، صحيح مسلم 3/1391، زاد المعاد 3/275".
6 لآية 40 من هود، وأول الآية: {حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} .(3/110)
أَهْلِهِ1، وَأَقَرَّهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبَيَّنَ الْمَانِعَ2، وَاسْتِدْلالُ الصَّحَابَةِ وَالأَئِمَّةِ عَلَى حَدِّ كُلِّ سَارِقٍ وَزَانٍ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 3 وَ 4 {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 5.
وَاعْتُرِضَ عَلَى ذَلِكَ6 بِأَنَّ الْعُمُومَ فُهِمَ مِنْ الْقَرَائِنِ، ثُمَّ الأَخْبَارُ آحَادٌ7.
رُدَّ بِأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ الْقَرِينَةِ، ثُمَّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَرِيحٌ8، وَهِيَ مُتَوَاتِرَةٌ9 مَعْنًى.
وَأَيْضًا صِحَّةُ الاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِك: أَكْرِمْ النَّاسَ إلاَّ الْفُسَّاقَ، هُوَ10إخْرَاجٌ مَا لَوْلاهُ لَدَخَلَ بِإِجْمَاعِ أَهْل الْعَرَبِيَّةِ، لا يَصْلُحُ دُخُولُهُ.
وَأَيْضًا مَنْ دَخَلَ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، و11َمِنْ نِسَائِي طَالِقٌ, يَعُمُّ اتِّفَاقًا،
__________
1 وذلك في قوله تعالى على لسان نوح: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} الآية 45 من هود.
2 أي المانع من دخول ابنه في أهله، وذلك في قوله تعالى: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} الآية 46 من هود.
وانظر: التبصرة ص106، العدة 2/491.
3 الآية 38 من المائدة.
4 ساقطة من ش ز ع.
5 الآية 2 من النور.
6 ساقطة من ض ب.
7 انظر: المسودة ص89، الروضة 2/223، 227، مختصر الطوفي ص100، نزهة الخاطر 2/127، العدة 2/496، العضد على ابن الحاجب 2/103، التبصرة ص108، المعتمد 1/223، المستصفى 2/44، الإحكام للآمدي 2/208، المحصول ? 1 ق2/532، 565.
8 ساقطة من ض.
9 في ض: متواتر.
10 في ش: وهي.
11 ساقطة من ب.(3/111)
وَكَذَا قَوْلُك مُسْتَفْهِمًا مَنْ جَاءَك؟ عَامٌّ؛ لأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْعُمُومِ اتِّفَاقًا. وَلَيْسَ بِحَقِيقَةٍ فِي الْخُصُوصِ. لِحُسْنِ جَوَابِهِ بِجُمْلَةِ الْعُقَلاءِ وَلِتَفْرِيقِ أَهْلِ اللُّغَةِ بَيْنَ لَفْظِ الْعُمُومِ وَلَفْظِ الْخُصُوصِ.
وَأَيْضًا كُلُّ النَّاسِ عُلَمَاءُ، يُكَذِّبُهُ كُلُّهُمْ لَيْسُوا عُلَمَاءَ1.
"وَمَدْلُولُهُ" أَيْ الْعُمُومِ كُلِّيَّةً "أَيْ مَحْكُومٌ فِيهِ" عَلَى "كُلِّ فَرْدٍ" فَرْدٍ2 بِحَيْثُ لا يَبْقَى فَرْدٌ "مُطَابِقَةً"3 أَيْ دَلالَةً مُطَابِقَةً "إثْبَاتًا وَسَلْبًا4".
فَقَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} "5 بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: اُقْتُلْ زَيْدًا الْمُشْرِكَ وَعَمْرًا6 الْمُشْرِكَ وَبَكْرًا الْمُشْرِكَ إلَى آخِرِهِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِنَا: كُلُّ رَجُلٍ يُشْبِعُهُ رَغِيفَانِ. أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ7.
__________
1 انظر مزيداً من أدلة القول الأول، والرد على الاعتراضات والشبه عليه في "الروضة 2/224 وما بعدها، مختصر الطوفي ص99 وما بعدها، العدة 2/490 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/102 وما بعدها، التبصرة ص106، نهاية السول 2/82، المعتمد 1/209 وما بعدها، المستصفى 2/38 وما بعدها، 48 وما بعدها، اللمع ص16، الإحكام للآمدي 2/201 وما بعدها، المحصول? 1 ق2/525 وما بعدها، 571 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص19، كشف الأسرار 1/301، فواتح الرحموت 1/261 وما بعدها، تيسير التحرير 1/197، إرشاد الفحول ص115، تفسير النصوص 2/24 وما بعدها، مباحث الكتاب والسنة ص149".
2 ساقطة من ض ب.
3 قال البناني: "مطابقة صفة لمصدر محذوف والتقدير دال عليه دلالة مطابقة، ويحتمل حالتيه من كل فرد، أي حال كون كل فردٍ مطابقة أي ذا مطابقة ... إلا أن مجيء المصدر حالاً وإن كثر غير مقيس" "البناني على جمع الجوامع 1/405".
4 انظر: جمع الجوامع 1/405، مختصر البعلي ص106، شرح تنقيح الفصول ص195، فتح الغفار 1/86، تيسير التحرير 1/193، التمهيد 83.
5 الآية 5 من التوبة.
6 في ش ز: وعمرا.
7 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/405، التمهيد ص83، شرح تنقيح الفصول ص196.(3/112)
"لا" أَنَّ مَدْلُولَ الْعُمُومِ "كُلِّيٌّ" وَهُوَ مَا اشْتَرَكَ فِي مَفْهُومِهِ كَثِيرُونَ كَالْحَيَوَانِ وَالإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ صَادِقٌ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِهِ1.
"وَلا كُلَّ" أَيْ وَلا أَنَّ مَدْلُولَ الْعُمُومِ عَلَى أَفْرَادِهِ مِنْ بَابِ دَلالَةِ الْكُلِّ2 عَلَى جُزْئِيَّاتِهِ3 وَهُوَ الْحُكْمُ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَأَسْمَاءِ الْعَدَدِ. وَمِنْهُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ يَحْمِلُ الصَّخْرَةَ، أَيْ الْمَجْمُوعُ لا كُلُّ وَاحِدٍ.
وَيُقَالُ: الْكُلِّيَّةُ وَالْجُزْئِيَّةُ4 وَالْكُلِّيُّ وَالْجُزْئِيُّ وَالْكُلُّ وَالْجُزْءُ، فَصِيغَةُ الْعُمُومِ لِلْكُلِّيَّةِ، وَالنَّكِرَاتِ لِلْكُلِّيِّ، وَأَسْمَاءِ. الأَعْدَادِ5 لِلْكُلِّ، وَبَعْضِ الْعَدَدِ زَوْجٌ لِلْجُزْئِيَّةِ، وَالأَعْلامِ لِلْجُزْئِيِّ، وَمَا تَرَكَّبَ مِنْ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ كَالْخَمْسَةِ لِلْجُزْءِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكُلِّ وَالْكُلِّيِّ مِنْ أَوْجُهٍ:
أَحَدِهَا: أَنَّ الْكُلَّ مُتَقَوِّمٌ بِأَجْزَائِهِ، وَالْكُلِّيَّ مُتَقَوِّمٌ بِجُزْئِيَّاتِهِ.
__________
1 وضح المحلي ذلك فقال: "أي من غير نظر إلى الأفراد نحو الرجل خير من المرأة، أي حقيقته أفضل من حقيقتها، وكثيراً ما يفضل بعض أفرادها بعض أفراده" "المحلي على جمع الجوامع 1/406"، واللفظ يدل على الكلي يسمى مطلقاً، وسبق بيانه في "المجلد الأول ص93 هامش، 132".
"وانظر: التمهيد ص83، مختصر البعلي ص106، فتح الغفار 1/86، شرح تنقيح الفصول ص195"
2 في ض: الكلي.
3 أي إن العام ليس محكوماً فيه على مجموع الأفراد من حيث هو مجموع.
"انظر: مختصر البعلي ص106، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/406، التمهيد ص83، شرح تنقيح الفصول ص195".
في ش ز ع: أجزائه.
4 الكلية هي ثبوت الحكم لكل واحد بحيث لا يبقى فرد، ويكون الحكم ثابتاً للكل بطريق الالتزام، وتقابلها الجزئية وهي ثبوت لبعض الأفراد.
" انظر: التمهيد ص83، فتح الغفار 1/86"
5في ش ز: الأعلام.(3/113)
الثَّانِي: أَنَّ الْكُلَّ فِي الْخَارِجِ وَالْكُلِّيَّ فِي الذِّهْنِ.
الثَّالِثِ: أَنَّ الأَجْزَاءَ مُتَنَاهِيَةٌ، وَالْجُزْئِيَّاتِ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ.
الرَّابِعِ: أَنَّ الْكُلَّ مَحْمُولٌ عَلَى أَجْزَائِهِ، وَالْكُلِّيَّ عَلَى جُزْئِيَّاتِهِ1.
"وَدَلالَتُهُ" أَيْ دَلالَةُ الْعُمُومِ "عَلَى أَصْلِ الْمَعْنَى" دَلالَةً "قَطْعِيَّةً" وَهَذَا بِلا نِزَاعٍ2.
"وَ"دَلالَتُهُ "عَلَى كُلِّ فَرْدٍ بِخُصُوصِهِ بِلا قَرِينَةٍ" تَقْتَضِي كُلَّ فَرْدٍ فَرْدٍ. كَالْعُمُومَاتِ3 الَّتِي لا يَدْخُلُهَا تَخْصِيصٌ4. نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 5 {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} 6 {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} 7 دَلالَةً "ظَنِّيَّةً" عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ 8.
__________
1 انظر: شرح الكوكب المنير 1/132، 135، 136، التمهيد ص83، شرح تنقيح الفصول ص27..
2 انظر: مختصر البعلي ص106، جمع الجوامع 1/407، فتح الغفار 1/86، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص202، مباحث الكتاب والسنة ص153.
3 في ب: كعمومات.
4 انظر: المحلي على جمع الجوامع والبناني عليه 1/407، 408.الآية 3 من الحديد.
5 الآية 3 من الحديد..
6 الآية 284 من البقرة
7 الآية 6 من هود.
8 ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن دلالة العام على كل فرد بخصوصه ظنية، وقال الحنفية والمعتزلة وابن عقيل والفخر إسماعيل من الحنابلة وحكي رواية عن أحمد، ونقل عن الشافعي، عن دلالته قطعية، وقال آخرون بالوقف.
"انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه1/407، نهاية السول 2/82، المسودة ص109، الروضة 2/242، مختصر الطوفي ص105، التبصرة ص119، اللمع ص16، تخريج الفروع على الأصول ص173، كشف الأسرار 1/91 وما بعدها، أصول السرخسي 1/132، فتح الغفار 1/86، التلويح على التوضيح 1/196، 204، فواتح الرحموت 1/265، مختصر البعلي ص106، مباحث الكتاب والسنة ص153"(3/114)
وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْمُتَرَاخِي1 لا يَكُونُ نَسْخًا، وَلَوْ كَانَ الْعَامُّ نَصًّا عَلَى أَفْرَادِهِ لَكَانَ نَسْخًا، وَذَلِكَ أَنَّ صِيَغَ الْعُمُومِ تَرِدُ تَارَةً بَاقِيَةً عَلَى عُمُومِهَا، وَتَارَةً يُرَادُ بِهَا بَعْضُ الأَفْرَادِ، وَتَارَةً يَقَعُ فِيهَا التَّخْصِيصُ وَ2مَعَ الاحْتِمَالِ لا قَطْعَ، بَلْ لَمَّا كَانَ الأَصْلُ بَقَاءَ الْعُمُومِ فِيهَا كَانَ هُوَ الظَّاهِرُ الْمُعْتَمَدُ لِلظَّنِّ. وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ الإِجْمَالِ، وَإِنْ اقْتَرَنَ بِالْعُمُومِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحَلَّ غَيْرُ قَابِلٍ لِلتَّعْمِيمِ. فَهُوَ كَالْمُجْمَلِ يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ إلَى ظُهُورِ الْمُرَادِ مِنْهُ "نَحْوَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} 3" ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ 4.
"وَعُمُومُ الأَشْخَاصِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الأَحْوَالِ وَالأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ وَالْمُتَعَلِّقَات" عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ5.
قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الأُصُولِيَّةِ: الْعَامُّ فِي الأَشْخَاصِ عَامٌّ فِي الأَحْوَالِ. هَذَا 6الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فِي قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 7 ظَاهِرُهَا عَلَى الْعُمُومِ: أَنَّ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ وَلَدِهِ فَلَهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ
__________
1 في د: المتراخي.
2 ساقطة من ض.
3 الآية 20 من الحشر.
4 انظر مزيداً من أدلة الجمهور في كون دلالة العام على أفراده ظنية، مع أدلة الحنفية ومناقشتها في "المحلي على جمع الجوامع البناني عليه 1/407، فتح الغفار 1/86 وما بعدها، أصول السرخسي 1/132، التلويح على التوضيح 1/199، فواتح الرحموت 1/266، مباحث الكتاب والسنة ص153، والمراجع السابقة في هامش6".
5 انظر: جمع الجوامع 1/408، مختصر البعلي ص106، القواعد والفوائد الأصولية ص236، مباحث الكتاب والسنة ص152.
6 ساقطة من ش ز ض ع ب. وأثبتناها من "القواعد والفوائد الأصولية".
7 الآية 11 من النساء.(3/115)
تَعَالَى. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُعَبِّرُ عَنْ الْكِتَابِ: أَنَّ الآيَةَ إنَّمَا قَصَدَتْ لِلْمُسْلِمِ لا لِلْكَافِرِ1.انْتَهَى2.
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ جَمْعٌ، مِنْهُمْ الْقَرَافِيُّ، قَالَ -وَتَابَعَهُ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ- بِأَنَّ3 صِيَغَ الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَتْ عَامَّةً فِي الأَشْخَاصِ فَهِيَ مُطْلَقَةٌ فِي الأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ وَالأَحْوَالِ والْمَتَعَلِّقاتِ فَهَذِهِ الأَرْبَعُ لا عُمُومَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ ثُبُوتِ الْعُمُومِ فِي غَيْرِهَا، حَتَّى يُوجَدَ لَفْظٌ يَقْتَضِي الْعُمُومَ، نَحْوَ: لأَصُومَنَّ الأَيَّامَ، وَلأصَلِّيَنَّ فِي جَمِيعِ الْبِقَاعِ، وَلا عَصَيْت اللَّهَ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ، وَلأَشْتَغِلَنَّ بِتَحْصِيلِ جَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ4.
__________
1 بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد والدارمي والدارقطني عن أسامة بن زيد مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم".
"انظر: صحيح البخاري 4/115 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 11/52، سنن أبي داود 2/113، تحفة الأحوذي 6/386، سنن ابن ماجه 2/912، مسند أحمد 5/201، الموطأ ص321 ط الشعب، سنن الدارقطني 3/69، التلخيص الحبير 3/84، نصب الراية 4/428، نيل الأوطار 6/82".
وروى الإمام أحمد والنسائي وأبو داود وابن ماجه والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاًَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتوارث أهل ملتين شتى"، ورواه ابن حبان عن ابن عمر مرفوعاً.
"انظر: التلخيص الحبير 3/84، مسند أحمد 2/187، سنن أبي داود 2/113، سنن ابن ماجه 2/912، سنن الدارمي 2/370، نصب الراية 4/428، سنن الدارقطني 3/70".
وروى الإمام مالك عن علي رضي الله عنه قال: "وإنما ورث أبا طالب عقيل وطالب، ولم يرثه علي، فذلك تركنا نصيبنا من الشعب" "الموطأ ص322 ط الشعب".
2 القواعد والفوائد الأصولية ص236.
وانظر: العدة 2/551.
3 ساقطة من ش ز ض ب.
4 ومثل قوله تعالى: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} التوبة/5، تقتضي قتل كل مشرك لكن في كل حال بحيث يعم الهدنة والحرابة وعقد الذمة. وهذا قول أبي العباس ابن تيمية أيضا. ً
"انظر: مختصر البعلي ص106، نهاية السول 2/81، القواعد والفوائد الأصولية ص236، المسودة ص49، المحلي على جمع الجوامع 1/408، شرح تنقيح الفصول ص200".(3/116)
وَرَدَّ ذَلِكَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. فَقَالَ: أُولِعَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ -وَمَا قَرُبَ مِنْهُ- بِأَنْ قَالُوا: صِيغَةُ الْعُمُومِ إذَا وَرَدَتْ عَلَى الذَّوَاتِ مَثَلاً، أَوْ عَلَى الأَفْعَالِ: كَانَتْ عَامَّةً فِي ذَلِكَ مُطْلَقَةً فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالأَحْوَالِ وَالْمُتَعَلِّقَات، ثُمَّ يَقُولُونَ1: الْمُطْلَقُ2 يَكْفِي فِي الْعَمَلِ بِهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ. فَلا يَكُونُ حُجَّةً فِيمَا عَدَاهُ. وَأَكْثَرُوا مِنْ3 هَذَا السُّؤَالِ فِيمَا لا يُحْصَى كَثْرَةً4 مِنْ أَلْفَاظِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَصَارَ ذَلِكَ دَيْدَنًا لَهُمْ فِي الْجِدَالِ.
قَالَ: وَهَذَا عِنْدَنَا بَاطِلٌ، بَلْ الْوَاجِبُ أَنَّ 5 مَا دَلَّ عَلَى الْعُمُومِ فِي الذَّوَاتِ -مَثَلاً- يَكُونُ6 دَالاًّ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي كُلِّ ذَاتٍ تَنَاوَلَهَا اللَّفْظُ، وَلا يَخْرُجُ7 عَنْهَا ذَاتٌ إلاَّ بِدَلِيلٍ يَخُصُّهَا. فَمَنْ أَخْرَجَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الذَّوَاتِ، فَقَدْ خَالَفَ مُقْتَضَى الْعُمُومِ.
إلَى أَنْ قَالَ8 - مِثَالُ ذَلِكَ: إذَا قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا. فَتَقْتَضِي9 الصِّيغَةُ الْعُمُومَ فِي كُلِّ ذَاتٍ صَدَقَ عَلَيْهَا أَنَّهَا الدَّاخِلَةُ. فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: هُوَ مُطْلَقٌ فِي الأَزْمَانِ10 فَأَعْمَلُ بِهِ فِي الذَّوَاتِ الدَّاخِلَةِ الدَّارِ فِي أَوَّلِ
__________
1 في ز ع ض ب: قال.
2 في ب: والمطلق.
3 في ض: في.
4 في ز: كثيرة.
5 ساقطة من ض ع ب.
6 في ب: فيكون.
7 في إحكام الأحكام: تخرج.
8 ساقطة من ز ض ع ب.
9 في إحكام الأحكام: فمقتضى.
10 في ز ض ع ب: الزمان.(3/117)
النَّهَارِ مَثَلاً، وَلا أَعْمَلُ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لأَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الزَّمَانِ، وَقَدْ عَمِلْت بِهِ مَرَّةً، فَلا يَلْزَمُ أَنْ أَعْمَلَ بِهِ أُخْرَى لِعَدَمِ عُمُومِ الْمُطْلَقِ.
قُلْنَا لَهُ1: لَمَّا دَلَّتْ الصِّيغَةُ2 عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ ذَاتٍ دَخَلَتْ الدَّارَ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا الذَّوَاتُ3 الدَّاخِلَةُ فِي آخِرِ النَّهَارِ. فَإِذَا أَخْرَجْت4 بَعْضَ5 تِلْكَ الذَّوَاتِ، فَقَدْ أَخْرَجْت مَا دَلَّتْ الصِّيغَةُ عَلَى دُخُولِهِ وَهِيَ كُلُّ ذَاتٍ6.وَقَوْلُ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ7."فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ8" يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَامَّ فِي
__________
1 ساقطة من ب ز ع.
2 في ز ع ب: الصيغة لما دلت.
3 ساقطة من ز ع ب.
4 في ب: خرجت.
5 ساقطة من ز.
6 ساقطة من ز ع ب.
7 هو الصحابي خالد بن زيد بن كليب، أبو أيوب الأنصاري الخزرجي المدني، من السابقين إلى الإسلام، شهد بيعة العقبة وبدراً وأحداً والخندق وبيعة الرضوان وجميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل عليه الصلاة والسلام حين قدم المدينة مهاجراً، وأقام عنده شهراً، وله منزلة رفيعة في الإسلام، ومناقبه كثيرة، روى عنه البخاري ومسلم، كما روى عنه عدد من الصحابة، واستحلفه علي كرم الله وجهه على المدينة لما خرج مهاجراً إلى العراق، ثم لحق به، وشهد معه قتال الخوارج، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بينه وبين مصعب بن عمير، ولزم الجهاد في سبيل الله بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي بأرض الروم غازياً سنة52 ?، قيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الإصابة 2/89 مطبعة السعادة، أسد الغابة 2/94، الخلاصة 1/277 مطبعة الفجالة الجديدة، تهذيب الأسماء 2/177، مشاهير علماء الإمصار ص26".
8 هذا الأثر رواه مسلم وأبو داود والترمذي والدارمي وأحمد عن أبي أيوب الأنصاري في آخر حديث النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة. "انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 3/153، سنن أبي داود 1/3، تحفة الأحوذي 1/53، سنن الدارمي 1/170، مسند أحمد 5/421".
وسوف يأتي تخريج الحديث الكامل فيما بعد الصفحة 372.(3/118)
الأَشْخَاصِ عَامٌّ فِي الْمَكَانِ1. انْتَهَى.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ يَعُمُّ بِطَرِيقِ الالْتِزَامِ لا بِطَرِيقِ الْوَضْعِ، وَجَمَعُوا بَيْنَ الْمَقَالَتَيْنِ.
"وَصِيغَتُهُ" 3 أَيْ الْعُمُومِ "اسْمُ شَرْطٍ، وَ" اسْمُ "اسْتِفْهَامٍ 4 كَمَنْ فِي عَاقِلٍ5 "نَحْوَ". قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} 6، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} 7 {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} 8 وَتَقُولُ9 فِي الاسْتِفْهَامِ: مَنْ الَّذِي عِنْدَك؟
" وَمَا فِي غَيْرِهِ" أَيْ غَيْرِ الْعَاقِلِ10. نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {مَا يَفْتَحْ اللَّهُ
__________
1 إحكام الأحكام 1/94-95، ونقل البعلي هذا النص بأكمله في "القواعد والفوائد الأصولية ص236-237".
2 وهناك أقوال أخرى في المسألة. "انظر: نهاية السول 2/81".
3 في ع ب: وصيغة.
4 ساقطة من ز.
5 وعبر البيضاوي وغيره بقولهم: "ومن للعالمين" وبين الإسنوي الحكمة من ذلك.
"انظر: نهاية السول 2/78، المعتمد 1/206، مختصر ابن الحاجب 2/102، شرح الورقات ص101، الإحكام للآمدي 2/197، العدة 2/485، البرهان 1/322، 360، المحصول ? 1 ق2/517، شرح تنقيح الفصول ص199، 200، التمهيد ص85، اللمع ص15، أصول السرخسي 1/155، فتح الغفار 1/95، 56، كشف الأسرار 2/5، التلويح على التوضيح 1/263، المسودة ص100، الروضة 2/222، مختصر الطوفي ص98، المنخول ص140، إرشاد الفحول ص117".
6 ساقطة من ز ع ب.
7 الآيتان 2، 3 من الطلاق.
8 الآية 46 من فصلت.
9 في ش ز: يقول.
10 انظر: جمع الجوامع 1/409، نهاية السول 2/79، المعتمد 1/206، البرهان 1/322، المحصول ج1 ق2/517، شرح تنقيح الفصول ص199، الإحكام للآمدي 2/198، اللمع ص1، التمهيد ص85، أصول السرخسي 1/156، فتح الغفار 1/95، 96، المسودة ص101، الروضة 2/222، مختصر البعلي ص107، مختصر الطوفي ص98، كشف الأسرار 2/11، التلويح على التوضيح 1/267، إرشاد الفحول ص117، العدة 2/485.(3/119)
لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} 1 {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ} 2 وَتَقُولُ فِي الاسْتِفْهَامِ: مَا الَّذِي عِنْدَك؟
وَاسْتِعْمَالُ "مَنْ" فِيمَنْ يَعْقِلُ وَ "مَا" فِيمَا لا يَعْقِلُ شَائِعٌ. قَدْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلامِ الْعَرَبِ.
وَقِيلَ3: تَكُونُ "مَا" لِمَنْ يَعْقِلُ وَلِمَنْ لا يَعْقِلُ فِي الْخَبَرِ وَالاسْتِفْهَامِ4، وَالصَّحِيحُ الأَوَّلُ.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَغَيْرُهُ "مَنْ، وَمَا" فِي الاسْتِفْهَامِ لِلْعُمُومِ5.
فَإِذَا6 قُلْنَا: مَنْ فِي الدَّارِ؟ حَسُنَ الْجَوَابُ بِوَاحِدٍ. فَيُقَالُ مَثَلاً: زَيْدٌ، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِلسُّؤَالِ. فَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ قَوْمٌ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْعُمُومَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ حُكْمِ الاسْتِفْهَامِ، لا بِاعْتِبَارِ الْكَائِنِ فِي الدَّارِ. فَالاسْتِفْهَامُ عَمَّ جَمِيعَ الرُّتَبِ. فَالْمُسْتَفْهِمُ عَمَّ بِسُؤَالِهِ كُلَّ وَاحِدٍ يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ فِي الدَّارِ. فَالْعُمُومُ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ الْوُقُوعِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ الاسْتِفْهَامِ وَاشْتِمَالِهِ عَلَى كُلِّ الرُّتَبِ الْمُتَوَهَّمَةِ
__________
1 الآية 2 من فاطر.
2 الآية 198 من آل عمران.
3 في ع: وقد.
4 انظر: المحصول ? 1 ف2/517، مختصر البعلي ص107.
5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص200.
6 في ب: فإن.(3/120)
"وَمِنْ" صِيَغِ الْعُمُومِ أَيْضًا "أَيْنَ، وَأَنَّى، وَحَيْثُ لِلْمَكَانِ"1 نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ} 2 وقَوْله تَعَالَى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمْ الْمَوْتُ} 3 فِي الْجَزَاءِ4. وَ5تَقُولُ مُسْتَفْهِمًا: أَيْنَ زَيْدٌ؟
"وَمَتَى" لِزَمَانٍ مُبْهَمٍ6 نَحْوَ: مَتَى تَقُمْ أَقُمْ. وَلا يُقَالُ: مَتَى طَلَعَتْ الشَّمْسُ؟، لأَنَّ زَمَنَ طُلُوعِهَا غَيْرُ مُبْهَمٍ. وَاسْتُدِلَّ لِمَتَى بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلَى ضَوْءِ نَارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ7
__________
1 انظر: الإحكام للآمدي 2/198، أصول السرخسي 1/157، البرهان 1/323، المحصول ج1 ق2/518، شرح تنقيح الفصول ص179، نهاية السول 2/79، المنخول ص138، المعتمد 1/206، اللمع ص15، جمع الجوامع 1/409، مختصر البعلي ص107، المسودة ص101، الروضة 2/222، مختصر الطوفي ص98، العدة 2/485.
2 الآية 4 من الحديد.
3 الآية 78 من النساء.
4 في ع: الخبر.
5 في ع: أو.
6 انظر: أصول السرخسي 1/157، البرهان 1/323، المحصول ج1 ق2/518، شرح تنقيح الفصول ص197، الإحكام للآمدي 2/198، المعتمد 1/206، نهاية السول 2/79، المنخول ص138، اللمع ص15، جمع الجوامع 1/409، مختصر البعلي ص107، الروضة 2/222، مختصر الطوفي ص98، العدة 2/485.
7 البيت من الطويل للحطيئة من قصيدة يمدح فيها بغيض بن عامر، ومطلعها:
آثرت ادلاجي على ليلِ حَرةٍ ... هضيم الحشا حُسَّانةِ المتجرد
ومعنى تعشو: أي تجيئه على غير هداية، أو تجيئه على غير بصر ثابت.
والبيت ذكره ابن هشام في "مغني اللبيب" وابن منظور في "لسان العرب" وسيبويه في "الكتاب" والعباسي في "معاهد التنصيص" والمبرد في "المقتضب"، والزجاجي في "الجمل" وابن الشجري في "أماليه" وابن يعيش الحلبي في "شرح المفصل" وابن عقيل في "شرحه على ألفية ابن مالك".
"انظر: شرح أبيات سيبويه للسيرافي 2/65، شرح ابن عقيل 2/365، معجم شواهد العربية ص111، لسان العرب 5/57 ط دار صادر ودار بيروت 1388هـ/1968م، ديوان الحطيئة ص25".(3/121)
وَتَقُولُ فِي الاسْتِفْهَامِ: مَتَى جَاءَ زَيْدٌ؟
"وَأَيُّ لِلْكُلِّ" يَعْنِي أَنَّ " أَيَّ " الْمُضَافَةَ تَكُونُ لِلْعَاقِلِ وَغَيْرِ الْعَاقِلِ1.فَمِنْ الأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} 2 وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ" وَمِنْ الثَّانِي: قَوْله تَعَالَى: {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ} 3 وَتَقُولُ فِي الاسْتِفْهَامِ: أَيُّ وَقْتٍ تَخْرُجُ؟
"وَتَعُمُّ4 مَنْ وَأَيَّ الْمُضَافَةَ إلَى الشَّخْصِ ضَمِيرُهُمَا5، فَاعِلاً" كَانَ، نَحْوَ قَوْلِهِ: مَنْ قَامَ مِنْكُمْ؟ أَوْ أَيُّكُمْ قَامَ فَهُوَ حُرٌّ "أَوْ" كَانَ "مَفْعُولاً6" نَحْوَ قَوْلِهِ: مَنْ أَقَمْته مِنْكُمْ، أَوْ أَيُّكُمْ أَقَمْته فَهُوَ حُرٌّ. فَقَامُوا فِي الصُّورَةِ الأُولَى، أَوْ أَقَامَهُمْ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ7.
قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَ "أَيُّ" عَامَّةٌ فِيمَا تُضَافُ إلَيْهِ مِنْ الأَشْخَاصِ وَالأَزْمَانِ وَالأَمْكِنَةِ وَالأَحْوَالِ. وَمِنْهُ: أَيُّ امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا8.وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهَا
__________
1 انظر: المعتمد 2/206، شرح تنقيح الفصول ص179، التلويح على التوضيح 1/257، تيسير التحرير 1/226، المحصول ج1 ق2/516، العدة 2/485، الإحكام للآمدي 2/197، اللمع ص15، التمهيد ص76، جمع الجوامع 1/409، نهاية السول 2/78، مختصر الطوفي ص98، مختصر البعلي ص107، إرشاد الفحول ص118.
2 الآية 12 من الكهف.
3 الآية 28 من القصص.
4 في ش ع: يعم.
5 في ب: ضميرها.
6 انظر: مختصر البعلي ص107.
7 يرى السرخسي أن "أي" لا تعم. "انظر: أصول السرخسي 1/161".
8 هذا طرف من حديث حسن رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والطيالسي وأبو عوانة والدارمي وابن حبان عن عائشة مرفوعاً بلفظ "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها" وسبق تخريجه كاملاً في "المجلد الثاني ص541".(3/122)
بِالاسْتِفْهَامِيَّةِ أَوْ الشَّرْطِيَّةِ أَوْ الْمَوْصُولَةِ، لِتَخْرُجَ الصِّفَةُ1. نَحْوَ: مَرَرْت بِرَجُلٍ أَيِّ رَجُلٍ، وَالْحَالُ نَحْوَ2: مَرَرْت بِزَيْدٍ أَيِّ رَجُلٍ. اَهَـ.
وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: لا عُمُومَ فِي الْمَوْصُولَةِ، نَحْوَ: يُعْجِبُنِي أَيُّهُمْ هُوَ قَائِمٌ. فَلا عُمُومَ فِيهَا، بِخِلافِ الشَّرْطِيَّةِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 3 وَالاسْتِفْهَامِيَّةِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} 4.
"وَ"مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ أَيْضًا: الاسْمُ "الْمَوْصُولُ 5 " سَوَاءٌ كَانَ مُفْرَدًا كَاَلَّذِي وَاَلَّتِي أَوْ مَثْنًى نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} 6 أَوْ مَجْمُوعًا نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} 7 {وَاَللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} 8 {وَاَللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ} 9.
"وَ" مِنْ صِيَغِهِ أَيْضًا "كُلُّ" وَهِيَ أَقْوَى صِيَغِهِ10.وَلَهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى إضَافَتِهَا
__________
1 في ب: كمررت.
2 ساقطة من ز.
3 الآية 110 من الإسراء.
4 الآية 38 من النمل.
5 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/102، جمع الجوامع 1/409، نهاية السول 2/78، أصول السرخسي 1/157، فواتح الرحموت 1/260، شرح الورقات ص101، إرشاد الفحول ص12.
6 الآية 16 من النساء.
7 الآية 101 من الأنبياء.
8 الآية 34 من النساء.
9 الآية 4 من الطلاق.
10 انظر: الإحكام للآمدي 2/197، أصول السرخسي 1/157، فتح الغفار 1/97، المحصول ج1 ق2/517، 555 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص179، كشف الأسرار 2/8، تيسير التحرير 1/224، المعتمد 1/206، التمهيد ص84، جمع الجوامع 1/409، نهاية السول 2/7، المسودة ص101، الروضة 2/222، القواعد والفوائد الأصولية ص178، مختصر البعلي ص107، مختصر الطوفي ص98.(3/123)
مَعَانٍ.
مِنْهَا: أَنَّهَا إذَا أُضِيفَتْ إلَى نَكِرَةٍ. فَهِيَ لِشُمُولِ أَفْرَادِهِ1 نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} 2.
وَمِنْهَا: أَنَّهَا إذَا أُضِيفَتْ لِمَعْرِفَةٍ3، وَهِيَ جَمْعٌ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ. فَهِيَ لاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِهِ أَيْضًا4، نَحْوَ كُلُّ الرِّجَالِ وَكُلُّ النِّسَاءِ عَلَى وَجَلٍ إلاَّ مَنْ أَمَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْحَدِيثِ: "كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ، فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا" 5.
وَمِنْهَا: أَنَّهَا إذَا أُضِيفَتْ لِمَعْرِفَةٍ مُفْرَدٍ، فَهِيَ لاسْتِغْرَاقِ أَجْزَائِهِ أَيْضًا، نَحْوَ كُلُّ الْجَارِيَةِ حَسَنٌ، أَوْ كُلُّ زَيْدٍ جَمِيلٌ.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَمَادَّتُهَا تَقْتَضِي الاسْتِغْرَاقَ وَالشُّمُولَ كَالإِكْلِيلِ لإِحَاطَتِهِ بِالرَّأْسِ، وَالْكَلالَةِ لإِحَاطَتِهَا بِالْوَالِدِ وَالْوَلَدِ. فَلِهَذَا كَانَتْ أَصَرْحَ صِيَغِ الْعُمُومِ لِشُمُولِهَا الْعَاقِلَ وَغَيْرَهُ، الْمُذَكَّرَ وَالْمُؤَنَّثَ، الْمُفْرَد6َ وَالْمَثْنَى وَالْجَمْعَ، وَسَوَاءٌ بَقِيَتْ عَلَى
__________
1 انظر: تيسير التحرير 1/224، فتح الغفار 1/98.
2 الآية 185 من آل عمران، وفي آيات أخرى.
3 في ب: إلى المعرفة.
4 انظر: فتح الغفار 1/98، تيسير التحرير 1/224.
5 هذا تتمة حديث شريف، وأوله: "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله ملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن "أو تملأ" ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقران حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو ... " رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي والبغوي وابن ماجه والدارمي عن أبي مالك الأشعري مرفوعاً، وقال السيوطي: صحيح، وقال ابن القطان: اكتفوا أنه في "مسلم"، وقد بين الدارقطني أنه منقطع.
" ناظر: مسند أحمد 3/321، 399، 5/342، 344، صحيح مسلم 1/203، تحفة الأحوذي 9/498، سنن ابن ماجه 1/102، شرح السنة 1/319، سنن الدارمي 1/167، فيض القدير 4/292".
6 ساقطة من ب.(3/124)
إضَافَتِهَا كَمَا مَثَّلْنَا، أَوْ حُذِفَ الْمُضَافُ إلَيْهِ. نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {كُلٌّ آمَنَ بِاَللَّهِ} 1.
قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَيْسَ فِي كَلامِ الْعَرَبِ كَلِمَةٌ أَعَمُّ مِنْهَا تُفِيدُ الْعُمُومَ مُبْتَدَأَةً وَتَابِعَةً لِتَأْكِيدِ الْعَامِّ. نَحْوَ جَاءَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ.
وَهُنَا: فَوَائِدُ:
مِنْهَا: أَنْ مَا سَبَقَ مِنْ كَوْنِهَا تَسْتَغْرِقُ الأَفْرَادَ فِيمَا إذَا أُضِيفَتْ لِجَمْعٍ مُعَرَّفٍ، كَمَا لَوْ أُضِيفَتْ إلَى نَكِرَةٍ. فَتَكُونُ مِنْ الْكُلِّيَّةِ.
كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِكَايَةً عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "يَا عِبَادِي: كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلاَّ مَنْ أَطْعَمْته.." الْحَدِيثَ2 وَهُوَ قَوْلُ الأَكْثَرِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ مِنْ الْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ، لا مِنْ الْكُلِّيَّةِ.
وَمِنْهَا: إذَا دَخَلَتْ "كُلُّ" عَلَى جَمْعٍ مُعَرَّفٍ بِأَلْ3، وَقُلْنَا بِعُمُومِهَا. فَهَلْ الْمُفِيدُ لِلْعُمُومِ الأَلْفُ وَاللاَّمُ وَ "كُلٌّ" تَأْكِيدٌ، أَوْ اللاَّمُ لِبَيَانِ الْحَقِيقَةِ وَ "كُلٌّ" لِتَأْسِيسِ إفَادَةِ الْعُمُومِ؟ وَالثَّانِي: أَظْهَرُ؛ لأَنَّ "كُلاًّ" إنَّمَا تَكُونُ مُؤَكِّدَةً إذَا كَانَتْ تَابِعَةً. وَقَدْ يُقَالُ: اللاَّمُ أَفَادَتْ عُمُومَ مَرَاتِبِ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، وَ "كُلٌّ" أَفَادَتْ اسْتِغْرَاقَ الأَفْرَادِ. فَنَحْوَ: كُلُّ الرِّجَالِ، تُفِيدُ فِيهَا الأَلِفُ وَاللاَّمُ عُمُومَ مَرَاتِبِ جَمْعِ
__________
1 الآية 2/285 من البقرة.
2 هذا حديث قدسي رواه الإمام أحمد ومسلم وابن ماجه بألفاظ مختلفة عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ... " الحديث.
ورواه أبو عوانة وابن حبان والحاكم.
" انظر: مسند أحمد 5/160، صحيح مسلم 4/1994، سنن ابن ماجه 2/1422، جامع العلوم والحكم ص209، الاتحافات السنية بشرح الأحاديث القدسيةص41".
3 في ض د: باللام.(3/125)
الرَّجُلِ، وَكُلُّ اسْتِغْرَاقِ الآحَادِ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ1: إنَّ "كُلَّ" لا تَدْخُلُ فِي الْمُفْرَدِ وَالْمُعَرَّفِ بِاللاَّمِ إذَا أُرِيدَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الْعُمُومُ. اهـ, وَلِهَذَا مَنَعَ دُخُولَ أَلْ عَلَى "كُلٍّ" وَعَيَّبَ قَوْلَ بَعْضِ النُّحَاةِ: بَدَلُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلّ2ِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ دُخُولِهَا عَلَى الْمُفْرَدِ وَالْمُعَرَّفِ. نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إسْرَائِيلَ} 3 وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ الطَّلاقِ وَاقِعٌ إلاَّ طَلاقَ الْمَعْتُوهِ" 4 لأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا5 مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ 6الْمُعَرَّفِ، حَتَّى تَكُونَ لاسْتِغْرَاقِ الأَفْرَادِ لا الأَجْزَاءِ 7.
__________
1 هو محمد بن السري بن سهل، أبو بكر النحوي، المعروف بابن السراج، أحد أئمة النحو المشهورين، وأحد العلماء المذكورين بالأدب وعلم العربية، أخذ الأدب عن المبرد، وأخذ عنه جماعة من الأعيان, ونقل عنه الجوهري في كتابه "الصحاح" في مواضع عديدة، وله تصانيف مشهورة في النحو، منها كتاب "الأصول" قال ابن خلكان: "وهو من أجود الكتب المصنفة في هذا الشأن، وإليه المرجع عند اضطراب النقل واختلافه" وله كتاب "جمل الأصول" و "الموجز" و "شرح كتاب سيبويه" و "احتجاج القراء" و "الشعر والشعراء" وغيرها، توفي سنة 316 ?.
2 ساقطة من ش.
3 الآية 93 من آل عمران.
4 هذا الحديث رواه الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله" قال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عطاء بن عجلان، وهو ضعيف ذاهب الحديث، والعمل على هذا عند أهل العلم.. أن طلاق المعتوه المغلوب على عقله لا يجوز".
ورواه البخاري عن علي رضي الله عنه موقوفاً بلفظ: "كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه".
"انظر: صحيح البخاري 3/179 المطبعة العثمانية، تحفة الأحوذي 4/370، نيل الأوطار 6/265".
5 في ش ز: أنها.
6 في ب: جمع.
7 في ب: لإجزاء.(3/126)
وَمِنْهَا: أَنَّ مَحَلَّ عُمُومِهَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا نَفْيٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا نَحْوَ لَمْ يَقُمْ كُلُّ الرِّجَالِ. فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لِلْمَجْمُوعِ، وَالنَّفْيُ وَارِدٌ عَلَيْهِ. وَسُمِّيَتْ سَلْبَ الْعُمُومِ، بِخِلافِ مَا لَوْ تَأَخَّرَ عَنْهَا. نَحْوَ: كُلُّ إنْسَانٍ لَمْ يَقُمْ. فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لاسْتِغْرَاقِ النَّفْيِ فِي كُلِّ فَرْدٍ، وَيُسَمَّى عُمُومُ السَّلْبِ.
وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَ أَرْبَابِ الْبَيَانِ. وَأَصْلُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ: "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ" جَوَابًا لِقَوْلِهِ: أَنَسِيت1 أَمْ قَصُرَتْ الصَّلاةُ؟ أَيْ لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْ الأَمْرَيْنِ، لَكِنْ بِحَسَبِ ظَنِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلاسْتِفْهَامِ عَنْ أَيِّ الأَمْرَيْنِ وَقَعَ، وَلَوْ كَانَ لِنَفْيِ الْمَجْمُوعِ لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ، وَلا لِقَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: "قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ" فَإِنَّ السَّلْبَ الْكُلِّيَّ يَقْتَضِيهِ الإِيجَابُ الْجُزْئِيُّ.
وَأَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِمْ: تُقَدَّمُ النَّفْيُ لِسَلْبِ الْعُمُومِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} 2 فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَيَّدَ3 الْقَاعِدَةُ بِأَنْ لا يَنْتَقِضَ النَّفْيُ, فَإِنْ انْتَقَضَ كَانَتْ لِعُمُومِ السَّلْبِ، وَقَدْ يُقَالُ: انْتِقَاضُ النَّفْيِ قَرِينَةُ إرَادَةِ عُمُومِ السَّلْبِ. قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ.
"وَ" مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ أَيْضًا "جَمِيعُ 4 " وَهِيَ مِثْلُ كُلِّ، إلاَّ أَنَّهَا لا تُضَافُ إلاَّ5 إلَى مَعْرِفَةٍ، فَلا يُقَالُ: جَمِيعُ رَجُلٍ، وَتَقُولُ جَمِيعُ النَّاسِ،
__________
1 في ب: نسيت.
2 الآية 93 من مريم
3 في ض: تقييده.
4 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/409، نهاية السول 2/78، المعتمد 1/206، الإحكام للآمدي 2/197، المحصول ج1 ق2/517، 555، شرح تنقيح الفصول ص179، كشف الأسرار 2/10، تيسير التحرير 1/225، فتح الغفار 1/99، مختصر الطوفي ص98، الروضة 2/222، إرشاد الفحول 117، أصول السرخسي 1/158.
5 ساقطة من ض.(3/127)
وَجَمِيعُ الْعَبِيدِ، وَدَلالَتُهَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ، بِخِلافِ كُلٍّ فَإِنَّهَا بِطَرِيقِ النُّصُوصِيَّةِ.
سوَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كُلاًّ 1تَعُمُّ عَلَى جِهَةِ الانْفِرَادِ، وَجَمِيعَ عَلَى جِهَةِ الاجْتِمَاعِ2.
"وَنَحْوَهُمَا" أَيْ وَمِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ أَيْضًا: كُلُّ مَا كَانَ نَحْوَ كُلٍّ وَجَمِيعٍ، مِثْلَ أَجْمَعَ وَأَجْمَعِينَ3.
"وَ" كَذَلِكَ "مَعْشَرَ وَمَعَاشِرَ وَعَامَّةً وَكَافَّةً وَقَاطِبَةً" قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 4 وَقَالَ تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} 5 وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} 6 وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّا مَعَاشِرَ 7 الأَنْبِيَاءِ لا نُورَثُ، مَا 8 تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ" 9 وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْتَدَّتْ
__________
1 في ض: كل.
2 انظر: تيسير التحرير 1/225.
3 انظر: مختصر البعلي ص107، إرشاد الفحول ص119.
4 الآية 39 من الحجر.
5 الآية 33 من الرحمن.
6 الآية 36 من التوبة.
7 في ش: معشر.
8 في ز: وما، وفي ض ع ب سقط: "ما تركناه صدقة".
9 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك وأحمد والبيهقي عن أبي بكر وعثمان وعائشة وأبي هريرة وغيرهم مرفوعاًُ بألفاظ متقاربة، واللفظ السابق معزو للترمذي في غير "جامعه".
" انظر: صحيح البخاري 3/17، 4/55، صحيح مسلم 3/1389، 1383، سنن أبي داود 2/128، تحفة الأحوذي 5/232، سنن النسائي 7/120، مسند أحمد 1/9، 13، السنن الكبرى 10/143، تخريج أحاديث البردوي ص64، النووي على مسلم 12/76، المنتقى 7/317، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص490".(3/128)
الْعَرَبُ قَاطِبَةً"1 قَالَ ابْنُ الأَثِير2ِ: أَيْ جَمِيعُهُمْ3، لَكِنَّ مَعْشَرَ وَمَعَاشِرَ: لا يَكُونَانِ إلاَّ مُضَافَيْنِ، بِخِلافِ قَاطِبَةً وَعَامَّةً وَكَافَّةً فَإِنَّهَا4 لا تُضَافُ5 "وَ"مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ أَيْضًا "جَمْعٌ مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِمُذَكَّرٍ أَوْ لِمُؤَنَّثٍ6، وَسَوَاءٌ كَانَ سَالِمًا أَوْ مُكَسَّرًا، وَسَوَاءٌ كَانَ جَمْعَ قِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةٍ
__________
1 هذا جزء من حديث رواه النسائي عن أنس بلفظ: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب" ورواه الدارمي.
"انظر: سنن النسائي 6/6، 7/71، سنن الدارمي 1/42".
2 هو المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري الشافعي، أبو السعادات، مجد الدين، ابن الأثير، صاحب كتاب النهاية في غريب الحديث"، ولد بالجزيرة، ونشأ بها وتعلم، ثم انتقل إلى الموصل، فظهرت شخصيته، ونضجت ثقافته، وتولى عدة مناصب، وعرضت عليه الوزارة فرفضها، وعزف عن الدنيا، وأقبل على العلم، فجذب الناس من كل صوب، إلى أن مرض فلزم بيته صابراً متحسباً متفرغاً للعلم والتصنيف، وكان عالماً فاضلاً، وفقيهاً ومحدثاً وأدبياً ونحوياً، وكان ورعاً تقياً متديناً، وله مؤلفات كثيرة نافعة ومفيدة، منها "النهاية في غريب الحديث" و "جامع الأصول من أحاديث الرسول" و "الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف" للثعلبي النيسابوري والزمخشري، و "البديع" في النحو، و"الشافي شرح مسند الشافعي" توفي سنة 606 هـ، وهو شقيق عز الدين على بن محمد ... ابن الأثير الجزري، صاحب "أسد الغابة" المتوفى سنة 630هـ، وشقيق ضياء نصر الله، الكاتب والأديب صاحب "المثل السائر" المتوفى سنة 637?.
انظر ترجمة مجد الدين في "طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 8/366، وفيات الأعيان 3/289، إنباه الرواة 3/257، النجوم الزاهرة 5/22، البداية والنهاية 13/54، مرآة الجنان 4/11".
3 النهاية في غريب الحديث4/79.
4 في ب: فإنهما.
5 انظر: مختصر البعلي ص107، إرشاد الفحول ص119.
6 في ض ب: مؤنث.(3/129)
"مُعَرَّفٌ"1 ذَلِكَ الْجَمْعُ "بِلامٍ أَوْ إضَافَةٍ"2.
مِثَالُ السَّالِمِ مِنْ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ الْمُعَرَّفِ بِاللاَّمِ: قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} 3 وَمِثَالُ جَمْعِ الْكَثْرَةِ مِنْ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ الرِّجَالُ وَالصَّوَاحِبُ. وَ4جَمْعُ الْقِلَّةِ: الأَفْلَسُ وَالأَكْبَادُ، وَمِثَالُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِالإِضَافَةِ قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} 5 وقَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} 6 وَقِيلَ: إنَّ الْجَمْعَ الْمُذَكَّرَ لا يَعُمُّ، فَلا يُفِيدُ الاسْتِغْرَاقَ7.
__________
1 في ع ي: معرفاً.
2 انظر: فواتح الرحموت 1/260، كشف الأسرار 2/2، التلويح على التوضيح 1/233، تيسير التحرير 1/210، أصول السرخسي 1/151، المستصفى 2/37، جمع الجوامع والبناني عليه 1/410، نهاية السول 2/79، المنخول ص138، المعتمد 1/207، مختصر ابن الحاجب 2/102، الإحكام للآمدي 2/197، اللمع ص15، التمهيد ص87، البرهان 1/323، المحصول ج1 ق2/518، شرح تنقيح الفصول ص180، شرح الورقات ص101، مختصر البعلي ص107، مختصر الطوفي ص98، الروضة 2/221، إرشاد الفحول ص119، العدة 2/484.
3 الآية 35 من الأحزاب.
4 في ض: أو.
5 الآية 11 من النساء، وفي ب ض ع تنتهي الآية عند {أَوْلادِكُمْ} وانظر: المسودة ص111.
6 الآية 23 من النساء.
7 هو قول الشيخ أبي هاشم الجبائي المعتزلي، خلافاً للشيخ أبي علي الجبائي، وهناك أقوال أخرى تفصل بين حالات وحالات.
"انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/410 وما بعدها، المعتمد 1/240، 242، المستصفى 2/37".(3/130)
وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَالصَّحِيحُ عَنْهُمْ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فِي التَّشَهُّدِ. "فَإِنَّكُمْ إذَا قُلْتُمْ ذَلِكَ: فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 1.
وَعَلَى هَذَا الأَصَحُّ: أَنَّ أَفْرَادَهُ آحَادٌ فِي الإِثْبَاتِ وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ فِي اسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} 2 أَيْ كُلَّ مُحْسِنٍ وقَوْله تَعَالَى: {فَلا تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ} 3 أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَيُؤَيِّدُهُ صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ الْوَاحِدِ مِنْهُ، نَحْوَ جَاءَ الرِّجَالُ إلاَّ زَيْدًا4.
وَقِيلَ: إنَّ أَفْرَادَهُ جُمُوعٌ، وَكَوْنُهُ فِي الآيَاتِ آحَادٌ بِدَلالَةِ الْقَرِينَةِ5.
"وَ" مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ أَيْضًا "اسْمُ جِنْسٍ مُعَرَّفٍ تَعْرِيفَ جِنْسٍ" وَهُوَ مَا لا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ6كَالنَّاسِ وَالْحَيَوَانِ وَالْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَنَحْوِهَا7، حَمْلاً لِلتَّعْرِيفِ عَلَى فَائِدَةٍ لَمْ تَكُنْ، وَهُوَ تَعْرِيفُ جَمِيعِ الْجِنْسِ؛ لأَنَّ الظَّاهِرَ كَالْجَمْعِ، وَالاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} 8
__________
1 انظر: صحيح البخاري 1/150، صحيح مسلم 1/302، مسند أحمد 1/382.
وسبق تخريج هذا الحديث بنصه الكامل تفصيلاً في "المجلد الثاني ص442".
2 الآية 134 من آل عمران.
3 الآية 8 من القلم.
4 انظر تفصيل الأدلة في "جمع الجوامع والمحلي عليه 1/411، المعتمد 1/240".
5 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/411 وما بعدها.
6 انظر: نهاية السول 2/79، المعتمد 1/207، الإحكام للآمدي 2/197، المحصول ج1 ق2/518، شرح تنقيح الفصول ص180، كشف الأسرار 2/14، التلويح على التوضيح 1/242، فواتح الرحموت 1/260، أصول السرخسي 1/154، 160، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/102، الروضة 2/221، مختصر البعلي ص107، مختصر الطوفي ص98، اللمع ص15، العدة 2/484، 519 وما بعدها.
7 في ض: ونحوهما.
8 الآيتان 2، 3 من العصر.(3/131)
وَ "لا" يَعُمُّ "مَعَ قَرِينَةِ عَهْدٍ" اتِّفَاقًا1.وَذَلِكَ كَسَبْقِ تَنْكِيرٍ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} 2 لأَنَّهُ يَصْرِفُهُ إلَى ذَلِكَ فَلا يَعُمُّ إذَا عُرِفَ وَنَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} 3 وَنَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} 4.
"وَيَعُمُّ مَعَ جَهْلِهَا" أَيْ جَهْلِ قَرِينَةِ الْعَهْدِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لأَنَّ تَقْيِيدَ الْعُمُومِ بِانْتِفَاءِ الْعَهْدِ يَقْتَضِي أَنَّ الأَصْلَ فِيهِ الاسْتِغْرَاقُ. وَلِهَذَا احْتَاجَ الْعَهْدُ إلَى قَرِينَةٍ فِيمَا5 احْتَمَلَ الْعَهْدَ وَالاسْتِغْرَاقَ، لانْتِفَاءِ الْقَرِينَةِ فَمَحْمُولٌ6 عَلَى الأَصْلِ، وَهُوَ الاسْتِغْرَاقُ لِعُمُومِ فَائِدَتِهِ7.
وَقِيلَ: إنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْعَهْدِ8.
وَقِيلَ: إنَّهُ مُجْمَلٌ لِكَوْنِهِ مُحْتَمَلاً احْتِمَالاً عَلَى السَّوَاءِ9.
"وَإِنْ عَارَضَ الاسْتِغْرَاقَ عُرْفٌ أَوْ احْتِمَالُ تَعْرِيفِ جِنْسٍ لَمْ يَعُمَّ" وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ الطَّلاقُ10 يَلْزَمُنِي لا أَفْعَلُ كَذَا، وَ11حَنِثَ، فَإِنَّهُ لا يَقَعُ
__________
1 انظر هذه المسألة في "المسودة ص105، الروضة 2/230، نزهة الخاطر 2/134، التبصرة ص115، نهاية السول 2/79".
2 الآيتان 15، 16 من المزمل.
3 الآية 27 من الفرقان.
4 الآية 36 من آل عمران.
5 في ش ز: فيما.
6 في ض ع: محمول.
7 انظر: المسودة ص105، الروضة 2/230.
8 انظر: التمهيد ص89.
9 انظر: المسودة ص105، الروضة 2/230.
10 في ض: إن الطلاق.
11 في ش: لو، وفي ز: أو.(3/132)
عَلَيْهِ إلاَّ وَاحِدَةٌ: لأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لا يَعْتَقِدُونَهُ1 ثَلاثًا2، وَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ الأَلِفَ وَاللاَّمَ3 فِي الأَجْنَاسِ. لِلاسْتِغْرَاقِ. وَلِهَذَا يُنْكِرُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَكُونَ طَلَّقَ ثَلاثًا، وَلا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ طَلَّقَ إلاَّ وَاحِدَةً. فَمُقْتَضَى اللَّفْظِ فِي ظَنِّهِمْ وَاحِدَةٌ، فَلا يُرِيدُونَ إلاَّ مَا يَعْتَقِدُونَهُ مُقْتَضَى لَفْظِهِمْ. فَيَصِيرُ كَأَنَّهُمْ نَوَوْا وَاحِدَةً، وَلأَنَّ الأَلِفَ وَاللاَّمَ فِي أَسْمَاءِ الأَجْنَاسِ4 تُسْتَعْمَلُ لِغَيْرِ الاسْتِغْرَاقِ كَثِيرًا. كَقَوْلِهِمْ: وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلاقِ، وَإِذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ الطَّلاقَ، وَأَشْبَاهُ هَذَا مِمَّا يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ وَلا يُفْهَمُ مِنْهُ الاسْتِغْرَاقُ.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَلا يُحْمَلُ عَلَى التَّعْمِيمِ إلاَّ بِنِيَّةٍ صَارِفَةٍ إلَيْهِ. قَالَهُ5 فِي الْمُغْنِي6.
وَهَذَا7 الأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَعُمُّ فَتَطْلُقُ ثَلاثًا.
وَنَحْوَ: وَاَللَّهِ لا أَشْتَرِي8 الْعَبِيدَ يَحْنَثُ بِوَاحِدٍ. قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ9.
"وَ"مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ10 أَيْضًا "مُفْرَدٌ مُحَلًّى بِلامٍ غَيْرِ عَهْدِيَّةٍ لَفْظًا" كَالسَّارِقِ وَالزَّانِي وَالْمُؤْمِنِ وَالْفَاسِقِ وَالْعَبْدِ وَالْحُرِّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاء11ِ
__________
1 في ض: يعتمدونه.
2 في ش ز: ثلاثة
3 ساقطة من ش ز ع.
4. في د: أشياء، وفي ض: الأسماء.
5. في د ض ب: قال.
6 انظر: المغني 7/484، وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص169.
7 في ب: أصح الروايتين عند.
8. في ب: اشتريت.
9 انظر: المغني 7/484، القواعد والفوائد الأصولية ص196.
10 في ب: العمومات.
11 وهو قول الشافعي والإمام أحمد وابن برهان وأبي الطيب والبويطي، ونقله الآمدي عن الأكثرين، ونقله الفخر الرازي عن الفقهاء والمبرد، وهو قول أبي علي الجبائي، وصحح البيضاوي وابن الحاجب، وخالف فيه الفخر الرازي مطلقاً، واختلف النقل عن أبي هاشم، وفصل إمام الحرمين والغزالي كما سيذكره المصنف.
"انظر: جمع الجوامع 1/214، تيسير التحرير 1/209، المستصفى 2/37، 89، المحصول ج1 ق2/602، المعتمد 1/244، كشف الأسرار 2/14، التلويح على التوضيح 1/240، التمهيد ص94، فتح الغفار 1/104، المنخول ص144، التبصرة ص115، شرح الورقات ص100، مختصر البعلي ص107، المسودة ص105، الروضة 2/221، مختصر الطوفي ص98، القواعد والفوائد الأصولية ص194، نهاية السول 2/80، العدة 2/485، 591".(3/133)
قَالَ الشَّافِعِيُّ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فِي الرِّسَالَةِ: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي1 وَنَحْوَهُ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي خُصَّ.
وَأَيْضًا لَمْ يَزَلْ3 الْعُلَمَاءُ يَسْتَدِلُّونَ4 بِآيَةِ السَّرِقَةِ وَآيَةِ الزِّنَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلِوُقُوعِ الاسْتِثْنَاءِ مِنْهُ، وَهُوَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} 5 - الآيَةَ6.
وَأَيْضًا فَيُوصَفُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} 7 وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.
وَقِيلَ: إنَّهُ يُفِيدُ الْجِنْسَ لا الاسْتِغْرَاقَ فَلا يَعُمُّ8.
__________
1 الآية 2 من النور.
2 الرسالة ص67، وانظر: نهاية السول 2/80.
3 في ض ع ب: تزل.
4 في ز ض ع ب: تستدل.
5 الآية 19 من المعارج.
6 ساقطة من ش، وفي د: الآيات.
7 الآية 31 من النور.
8 وهذا قول الإمام فخر الدين الرازي والمنقول عن أبي هاشم الجبائي المعتزلي.
"انظر: المحصول ج1 ق2/599، المعتمد1/244، جمع الجوامع 1/412، المستصفى 2/37، التمهيد ص94".(3/134)
وَقِيلَ: هُوَ مُجْمَلٌ، فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلأَمْرَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ1.
وَقِيلَ: إنَّهُ يُفِيدُ الْعُمُومَ إنْ كَانَ مِمَّا يَتَمَيَّزُ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ، وَلَكِنْ لا يَتَشَخَّصُ لَهُ وَاحِدٌ، وَلا يَتَعَدَّدُ. كَالذَّهَبِ وَالْعَسَلِ، بِخِلافِ مَا يَتَشَخَّصُ مَدْلُولُهُ. كَالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالرَّجُلِ2.
وَقِيلَ بِالْفَرْقِ فِيمَا إذَا3 دَخَلَتْ عَلَيْهِ "أَلْ" بَيْنَ مَا فِيهِ تَاءُ التَّأْنِيثِ الدَّالَّةُ عَلَى الْوَحْدَةِ4 كَضَرْبَةٍ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْعُمُومِ وَالْجِنْسِ، بِخِلافِ مَا لا هَاءَ فِيهِ كَرَجُلٍ؛ أَوْ فِيهِ وَ5بُنِيَتْ عَلَيْهِ الْكَلِمَةُ: كَصَلاةٍ وَزَكَاةٍ. فَالْمُقْتَرِنُ بِـ"أَلْ" مِنْ ذَلِكَ عَامٌّ6.
وَعَلَى الأَوَّلِ -الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ- أَنَّ عُمُومَهُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ.
وَقِيلَ: مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى.
وَقَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: عُمُومُ الْمُفْرَدِ الَّذِي دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَلْ غَيْرُ عُمُومِ الْجَمْعِ الَّذِي دَخَلَتْ عَلَيْهِ "أَلْ" فَالأَوَّلُ: يَعُمُّ الْمُفْرَدَاتِ. وَالثَّانِي: يَعُمُّ الْجُمُوعَ؛ لأَنَّ أَلْ تَعُمُّ أَفْرَادَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ. وَقَدْ دَخَلَتْ عَلَى جَمْعٍ7.
__________
1 انظر: المستصفى 2/37.
2 وهذا قول إمام الحرمين والغزالي رحمهما الله تعالى.
" انظر: البرهان 1/339 وما بعدها، المستصفى 2/53، المنخول ص144، جمع الجوامع 1/412 وما بعدها".
3 ساقطة من ب.
4 في ز ع ض ب: توحيده.
5 ساقطة من ض، ومكانها: هاء، وساقطة من ب.
6 وهذا رأي الغزالي.
"انظر: المستصفى 2/53، جمع الجوامع 1/412 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص181".
7 انظر: نهاية السول 2/79.(3/135)
وَفَائِدَةُ هَذَا: تَعَذُّرُ الاسْتِدْلالِ بِالْجَمْعِ عَلَى مُفْرَدٍ فِي حَالَةِ النَّفْيِ وَالنَّهْيِ؛ لأَنَّ الْعُمُومَ وَارِدٌ عَلَى أَفْرَادِ الْجُمُوعِ، وَالْوَاحِدُ لَيْسَ بِجَمْعٍ.
"وَ" مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ أَيْضًا "مُفْرَدٌ مُضَافٌ لِمَعْرِفَةٍ" كَعَبْدِك وَامْرَأَتِك عِنْدَ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ، تَبَعًا لِعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَ1حَكَاهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ الأَكْثَرِ2.وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} 3.
"وَ"مِنْ صِيَغِهِ أَيْضًا "نَكِرَةٌ فِي نَفْيٍ 4، وَ" كَذَا فِي "نَهْيٍ" لأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّفْيِ5.صَرَّحَ بِهِ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ، وَلا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُبَاشِرَ الْعَامِلُ النَّكِرَةَ، نَحْوَ: مَا أَحَدٌ قَائِمًا، أَوْ يُبَاشِرَ الْعَامِلُ فِيهَا. نَحْوَ: مَا قَامَ أَحَدٌ. أَوْ كَانَتْ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَلَمْ يُبَاشِرْهَا، نَحْوَ لَيْسَ فِي الدَّارِ رَجُلٌ6.
__________
1 ساقطة من ب.
2 وخالف في ذلك الحنفية والشافعية.
"انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/413، نهاية السول 2/80، الروضة 2/221، مختصر البعلي ص108، مختصر الطوفي ص98، القواعد والفوائد الأصولية ص200".
3 الآية 34 من إبراهيم.
4 انظر هذه المسألة في "المستصفى 2/90، الإحكام للآمدي 2/197، البرهان 1/323، 337، المحصول ج1 ق2/518، 563، جمع الجوامع 1/413، نهاية السول 2/80، المعتمد 1/207، المنخول ص146، مختصر ابن الحاجب 2/102، تيسير التحرير 1/219، أصول السرخسي 1/160، فتح الغفار 1/100، شرح تنقيح الفصول ص181، كشف الأسرار 2/12، فواتح الرحموت 1/260، شرح الورقات ص104، مختصر البعلي ص108، المسودة ص101، الروضة 2/222، مختصر الطوفي ص98، إرشاد الفحول ص119، القواعد والفوائد الأصولية ص201، اللمع ص15، التمهيد ص90".
5 انظر: المسودة ص101.
6 انظر: نهاية السول 2/80، شرح تنقيح الفصول ص184، 195، التمهيد ص90، القواعد والفوائد الأصولية ص201.(3/136)
وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فِي أَنَّهَا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ1.وَهُوَ. مَخْصُومٌ2 بِقَوْله تَعَالَى: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} 3 رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ4 {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} 5 لأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا لَمَا حَصَلَ بِهِ الرَّدُّ6.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ نَحْوُ7: قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} 8 وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَطْغَوْا فِيهِ} 9 {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} 10 {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} 11 {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} 12.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَإِنَّ عُمُومَ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَالنَّهْيِ يَكُونُ "وَضْعًا" بِمَعْنَى أَنَّ اللَّفْظَ وُضِعَ لِسَلْبِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ الأَفْرَادِ بِالْمُطَابِقَةِ13.
__________
1 انظر: الروضة 2/29، شرح تنقيح الفصول ص182.
2 في ض: مخصوص.
3 الآية 91 من الأنعام.
4 ساقطة من ض.
5 الآية 91 من الأنعام.
6 انظر: المحصول ج1 ق2/583 وما بعدها
7 ساقطة من ش ز.
8 الآيتان 23، 24 من الكهف.
9 الآية 81 من طه.
10 الآية 32 من الإسراء.
11 الآية 151 من الأنعام.
12 الآية 188 من البقرة.
13 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه والبناني 1/413، نزهة الخاطر 2/125، مختصر الطوفي ص99.(3/137)
وَقِيلَ: إنَّ عُمُومَهَا1 لُزُومًا، بِمَعْنَى أَنَّ نَفْيَ فَرْدٍ مِنْهُمْ يَقْتَضِي نَفْيَ جَمِيعِ الأَفْرَادِ ضَرُورَةً2.
وَالأَوَّلُ: اخْتِيَارُ الْقَرَافِيُّ 3َ مَنْ وَافَقَهُ.
وَالثَّانِي: اخْتِيَارُ السُّبْكِيّ وَمَنْ وَافَقَهُ4.
وَيُؤَيِّدُ الأَوَّلَ: صِحَّةُ الاسْتِثْنَاءِ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ بِالاتِّفَاقِ. فَدَلَّ عَلَى تَنَاوُلِهَا5 لِكُلِّ فَرْدٍ6.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ دَلالَةَ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ عَلَى الْعُمُومِ قِسْمَانِ:
قِسْمٌ يَكُونُ "نَصًّا" وَصُورَتُهُ: مَا إذَا بُنِيَتْ فِيهِ النَّكِرَةُ عَلَى الْفَتْحِ لِتَرَكُّبِهَا مَعَ لا7. نَحْوَ: لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ8.
"وَ" قِسْمٌ يَكُونُ "ظَاهِرًا" وَصُورَتُهُ: مَا إذَا لَمْ تُبْنَ النَّكِرَةُ مَعَ لا. نَحْوَ: لا فِي الدَّارِ رَجُلٌ بِالرَّفْعِ؛ لأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: بَعْدَهُ، بَلْ9 رَجُلانِ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ نَصًّا. فَإِنْ زِيدَ فِيهَا "مَنْ" كَانَتْ نَصًّا أَيْضًا10
__________
1 في ب: عمومها.
2 انظر: فواتح الرحموت 1/261، جمع الجوامع والبناني عليه 1/413.
3 ساقطة من ض.
4 وهو قول الحنفية والسبكي الكبير.
5 في ب: تناولهما.
6 انظر: فواتح الرحموت 1/261.
7 ساقطة من ض.
8 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/414، شرح تنقيح الفصول ص182، فتح الغفار 1/100، فواتح الرحموت 1/260.
9 ساقطة من ض ب.
10 وقيل: إنها لا تعم في هذه الحالة.
"انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/414، نهاية السول 2/80، فتح الغفار 1/100، شرح تنقيح الفصول ص182، 194، فواتح الرحموت 1/260، التمهيد ص90".(3/138)
"وَ" مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ أَيْضًا النَّكِرَةُ "فِي" سِيَاقِ "إثْبَاتٍ لامْتِنَانٍ" مَأْخُوذُ ذَلِكَ1 مِنْ اسْتِدْلالِ أَصْحَابِنَا إذَا حَلَفَ لا يَأْكُلُ فَاكِهَةً يَحْنَثُ بِأَكْلِ2 التَّمْرِ وَالرُّمَّانِ لِقَوْله تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} 3 قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الأُصُولِيَّةِ4، وَذَكَرَ5 جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ فِي أَوَائِلِ تَعْلِيقِهِ6 فِي الْكَلامِ عَلَى قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} 7 وَجَرَى عَلَيْهِ8 الزَّمْلَكَانِيُّ9 فِي كِتَابِ الْبُرْهَانِ. وَقَطَعَ
__________
1 ساقطة من ض.
2 في: يأكل، وفي ب: بأكله.
3 الآية 68 من الرحمن.
4 القواعد والفوائد الأصولية ص204، وانظر: التمهيد ص93.
5 في ش ز ع: وذكره.
6 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص204.
7 الآية 48 من الفرقان.
8 ساقطة من ش.
9 وهو محمد بن علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم، كمال الدين الزملكاني، ابن خطيب زملكا، ويعرف بابن الزملكاني، الفقيه الأصولي المناظر القاضي، منسوب إلى زملكا قرية في غوطة دمشق الشرقية، طلب الحديث وقرأ الأصول والنحو بدمشق، ثم ولي قضاء حلب، قال ابن كثير: "انتهت إليه رئاسة المذهب تدريساً وإفتاء ومناظرة، وبرع وساد أقرانه" وقال الذهبي: "شيخنا عالم العصر، وكان من بقايا المجتهدين، ومن أذكياء أهل زمانه، درس وأفتى وصنف، وتخرج به الأصحاب"، ومن مصنفاته: "الرد على ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيادة" و "تفضيل البشر على الملائكة" و "شرح منهاج الطالبين" غير كامل، و"البرهان في إعجاز القران"، طلبه السلطان ليوليه قضاء القضاء في دمشق فمرض في الطريق، ومات بمدينة بلبيس من أعمال مصر سنة 727هـ، وحمل إلى القاهرة، ودفن بجوار تربة الإمام الشافعي.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 9/190، الدرر الكامنة 4/192، شذرات الذهب 6/78، البدر الطالع 2/494، حسن المحاضرة 1/320، البداية والنهاية 14/131، كشف الظنون 1/241، البرهان في علوم القرآن 2/95".(3/139)
بِهِ الْبِرْمَاوِيُّ فِي مَنْظُومَتِهِ وَشَرْحِهَا1.
قِيلَ: وَالْقَوْلُ بِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلامِ2 الْبَيَانِيِّينَ فِي تَنْكِيرِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ. أَنَّهُ يَكُونُ لِلتَّكْثِير3ِ. نَحْوَ إنَّ لَهُ لإٍبِلاً، وَإِنَّ لَهُ لَغَنَمًا. وَعَلَيْهِ حَمَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْله تَعَالَى: {إنَّ لَنَا لأَجْرًا} 4 وَكَذَا قَرَّرَهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} 5.
"وَ" كَذَا النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ "اسْتِفْهَامٍ إنْكَارِيٍّ" قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ. لأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّفْيِ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ فِي بَابِ مُسَوِّغَاتِ الابْتِدَاءِ وَصَاحِبِ الْحَالِ. وَ6فِي بَابِ الاسْتِثْنَاءِ، وَفِي الْوَصْفِ الْمُبْتَدَإِ الْمُسْتَغْنَى بِمَرْفُوعِهِ عَنْ خَبَرِهِ7 عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ النَّفْيَ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَهُوَ الاسْتِفْهَامُ. نَحْوَ هَلْ قَامَ زَيْدٌ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} 8 {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} 9 فَإِنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ ذَلِكَ كُلِّهِ، لأَنَّ الإِنْكَارَ هُوَ حَقِيقَةُ النَّفْيِ
__________
1 خالف الجماعة في ذلك، منهم الغزالي، فقال في "المنخول ص146": "وفي الإثبات تشعر بالتخصيص، وهو قول الحنفية وأبي هاشم المعتزلي، وفرق الرازي بين النكرة في الإثبات إذا كانت خبراً فلا تعم، وإذا كانت أمراً فالأكثرون على أنها للعموم.
"انظر: المعتمد 1/246، كشف الأسرار 2/12، 24، فتح الغفار 1/101، المحصول ج1 ق2/564، المستصفى 2/37، 90، التمهيد ص93".
2 في ض ع ب: قول.
3 في ب: للتنكير.
4 الآية 41 من الشعراء، وانظر: الكشاف 3/112.
5 الآية 12 من الغاشية، وانظر: الكشاف 3/247.
6 ساقطة من ع.
7 في ش ز ع ض ب: خبر.
8 الآية 98 من مريم.
9 الآية 65 من مريم.(3/140)
"وَ" كَذَا النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ "شَرْطٍ" فَإِنَّهَا تَعُمُّ1 نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} 2 {وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ} 3 وَمَنْ يَأْتِينِي بِأَسِيرٍ فَلَهُ دِينَارٌ4. يَعُمُّ كُلَّ أَسِيرٍ؛ لأَنَّ الشَّرْطَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ لِكَوْنِهِ تَعْلِيقُ أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ عَلَى أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ5. وَقَدْ صَرَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ بِإِفَادَتِهِ الْعُمُومَ6، وَوَافَقَهُ. الإِبْيَارِيُّ7 فِي شَرْحِهِ8، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلامِ الآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ: لا أَكَلْت وَإِنْ أَكَلْت9.
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ10 الْمُرَادَ الْعُمُومُ الْبَدَلِيُّ لا الْعُمُومُ11 الشُّمُولِيُّ12
__________
1 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/414، نهاية السول 2/81، التلويح على التوضيح 1/246، البرهان 1/337، مختصر ابن الحاجب 2/117، التمهيد ص92، تيسير التحرير 1/219، مختصر البعلي ص108، المسودة ص103، القواعد والفوائد الأصولية ص204.
2 الآية 46 من فصلت.
3 الآية 6 من التوبة.
4 في ض ب: درهم.
5 ساقطة من ض ع.
6 ساقطة من ض، وانظر: البرهان 1/323.
7 في ش ض ز ع ب: الأنباري، وكذا في القواعد والفوائد الأصولية، وهو تصحيف يقع كثيراً في كتب الأصول، ولذلك نبه عليه المحققون كما مر في ترجمته "المجلد الثاني ص544" وهو علي بن إسماعيل بن عطية أبو الحسن الأبياري، شارح كتاب "البرهان"، ونقل الإسنوي رأيه في هذه المسألة "نهاية السول 2/81" وصحح نسبه في هامش نسخة ع.
8 وصرح بهذا الرأي أبو البركات ابن تيمية.
"انظر: المسودة ص102، مختصر البعلي ص108".
9 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/117، نهاية السول 2/81، القواعد والفوائد الأصولية ص204، التمهيد ص93، الإحكام للآمدي 2/251.
10 ساقطة من ض.
11 ساقطة من ش ز ع ض.
12 قال بهذا الرأي ابن السبكي، ثم قال شارحه المحلي: "أقول: وقد تكون للشمول نحو {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} التوبة/6، أي كل واحد منم" "جمع الجوامع والمحلي عليه 1/414".(3/141)
"وَلا يَعُمُّ جَمْعٌ مُنْكَرٌ غَيْرُ مُضَافٍ" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالأَكْثَرِ1؛ لأَنَّهُ لَوْ قَالَ: اضْرِبْ رِجَالاً، امْتَثَلَ بِضَرْبِ أَقَلِّ الْجَمْعِ، أَوْ2 لَهُ عِنْدِي عَبِيدٌ، قَبْلَ تَفْسِيرِهِ بِأَقَلِّ الْجَمْعِ، لأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يُسَمُّونَهُ نَكِرَةً، وَلَوْ كَانَ عَامًّا لَمْ يَكُنْ نَكِرَةً لِمُغَايَرَةِ مَعْنَى النَّكِرَةِ لِمَعْنَى الْعُمُومِ، كَمَا سَبَقَ فِي تَعْرِيفِ الْعَامِّ، وَلأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى أَقَلِّ3 الْجَمْعِ، وَعَلَى مَا زَادَ مَرْتَبَةٌ بَعْدَ أُخْرَى إلَى مَا لا يَتَنَاهَى، وَإِذَا كَانَ مَدْلُولُ النَّكِرَةِ أَعَمَّ مِنْ هَذَا وَمِنْ الصُّوَرِ السَّابِقَةِ، فَالأَعَمُّ لا يَدُلُّ عَلَى الأَخَصِّ. وَعُمُومُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ عُمُومِ بَدَلٍ لا شُمُولٍ4.
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ وَجْهًا بِالْعُمُومِ5. وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ6 وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ وَحَكَاهُ الْغَزَالِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ7
__________
1 انظر هذه المسألة في "التوضيح على التنقيح 1/168، فواتح الرحموت 1/268، تيسير التحرير 1/205، المحصول ج1 ق2/614، البرهان 1/336، التبصرة ص118، جمع الجوامع والحلي عليه 1/419، نهاية السول 2/84، شرح تنقيح الفصول ص191، مختصر ابن الحاجب 2/104، المسودة ص106، مختصر البعلي ص108، التمهيد ص89، القواعد والفوائد الأصولية ص238، إرشاد الفحول 123، العدة 2/523".
2 في ش ز ب: و.
3 في ش: الأقل.
4 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/104، جمع الجوامع 1/419، نهاية السول 2/84، المحصول ج1 ق2/615، تيسير التحرير 1/205.
5 في ب: في العموم.
6 ساقطة من ب.
7 قال الإسنوي: "والجمهور على أنه لا يعم" "التمهيد ص85"، وكذا قاله الآمدي "الإحكام 2/197"، وهو قول فخر الإسلام البردوي من الحنفية.
"انظر: المحصول ج1 ق2/614، فواتح الرحموت 1/268، تيسير التحرير 1/205، المحلي على جمع الجوامع 1/419، التبصرة ص118، نهاية السول 2/84، القواعد والفوائد الأصولية ص228، مختصر البعلي ص108، العدة 2/523، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/104، إرشاد الفحول ص123، شرح تنقيح الفصول ص191".(3/142)
"وَ"عَلَى الأَوَّلِ "يُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ جَمْعٍ1".
وَقِيلَ: يُحْمَلُ عَلَى مَجْمُوعِ الأَفْرَادِ مِنْ دَلالَةِ الْكُلِّ عَلَى الأَجْزَاءِ2.
وَالصَّحِيحُ الأَوَّلُ3.
قَالَ ابْنُ4 الْعِرَاقِيِّ: قُلْت: وَكَلامُ الْجُمْهُورِ فِي الْحَمْلِ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ مَحْمُولٌ عَلَى جُمُوعِ الْقِلَّةِ، لِنَصِّهِمْ عَلَى أَنَّ جُمُوعَ الْكَثْرَةِ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ أَحَدَ عَشَرَ فَمَا فَوْقَهَا5.وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: إنَّهُ يَقْبَلُ تَفْسِيرَ الإِقْرَارِ بِدَرَاهِمَ بِثَلاثَةٍ، مَعَ أَنَّ دَرَاهِمَ6 جَمْعُ كَثْرَةٍ. وَكَأَنَّهُمْ جَرَوْا فِي ذَلِكَ عَلَى الْعُرْفِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ7.انْتَهَى
__________
1 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/419، نهاية السول 2/84، التمهيد ص89، تيسير التحرير 1/206، العدة 2/523، المحصول ج1 ق2/614، مختصر ابن الحاجب 2/104، القواعد والفوائد الأصولية ص228.
2 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/419.
3 انظر: العدة 2/524.
4 ساقطة من ض ب.
5 في ض ع ب: ويخالف.
6 في ع: الدراهم.
7 قال الإسنوي: "واعلم أنه لا فرق عند الأصوليين والفقهاء بجمع القلة كأفلس أو بجمع الكثرة كفلوس، على خلاف طريقة النحويين" "التمهيد ص90"، جاء في "فواتح الرحموت 1/271": "فائدة: لا فرق عند قوم من الفقهاء وأهل الأصول بين جمع القلة وبين جمع الكثرة، وإن صرح به النحاة".
"وانظر: المحلي على جمع الجوامع 1/419، البناني على جمع الجوامع 1/420 وما بعدها، نهاية السول 2/84، شرح تنقيح الفصول ص191، أصول السرخسي 1/151، البرهان 1/355، فواتح الرحموت 1/268".(3/143)
"وَهُوَ" أَيْ أَقَلُّ الْجَمْعِ "ثَلاثَةٌ حَقِيقَةً" قَالَهُ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَذَكَرَهُ1 ابْنُ بُرْهَانٍ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ قَاطِبَةً. وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ مَالِكٍ. وَحَكَاهُ الآمِدِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَشَايِخِ الْمُعْتَزِلَةِ2.
وَقَالَ الأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ وَالْبَاقِلاَّنِيّ وَالْغَزَالِيُّ3 وَابْنُ الْمَاجِشُونِ4، وَالْبَلْخِيُّ5
__________
1 في ش: وذكر.
2 انظر هذه المسألة في "كشف الأسرار 2/28، التلويح على التوضيح 1/227، 229، فواتح الرحموت 1/269، تيسير التحرير 1/207، أصول السرخسي 1/151، فتح الغفار 1/108، البرهان 1/348، المحصول ج1 ق2/606، نهاية السول 2/101، شرح تنقيح الفصول ص233، الإحكام لابن حزم 1/391، منهاج العقول 2/97، الإحكام للآمدي 2/222، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/419، التبصرة ص127، المنخول ص148، المعتمد 1/248، اللمع ص15، الروضة 2/231، العدة 2/649، مختصر البعلي ص109، مختصر الطوفي ص101، نزهة الخاطر 2/137، القواعد والفوائد الأصولية ص238، إرشاد الفحول ص124".
3 ينتهي السقط في نسخة ش، والذي طبع ملحقاً.
4 هو عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، القرشي التيمي مولاهم، المدني، أبو مروان، الفقيه المالكي، تفقه على الإمام مالك وأبيه عبد العزيز، وتعلم الأدب من خؤولته من كلب البادية، ودارت عليه الفتيا وعلى أبيه من قبل، وأضر في أخر عمره، وكان يناظر الإمام الشافعي على مستوى عالٍ فلا بعرف الناس ما يقولان، وكان يسمع الغناء، قال يحيى بن أكثم: "كان مجراً لا تدركه الدلاء". توفي سنة 212هـ وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب ص153 الطبعة الأولى، الانتقاء ص57، طبقات الفقهاء للشيرازي ص148، ترتيب المدارك 1/360 وما بعدها، الخلاصة 2/178 مطبعة الفجالة الجديدة، وفيات الأعيان 2/240، الأعلام 4/305، ميزان الاعتدال 2/658".
5 في ش ض ع ب: الباجي، والأعلى من ز، ونص عليه الشيرازي في "التبصرة ص106"، وجاء في "المسودة ص89": "وقال محمد بن شجاع البلخي وأبو هاشم وجماعة المعتزلة: يحمل لفظ الجمع على الثلاثة، ويوقف فيما زاد"، ونقل ابن قدامة مثل ذلك عن محمد بن شجاع الثلجي. "انظر: الروضة 2/223" وتقدمت ترجمة الاثنين.(3/144)
وَابْنُ دَاوُد1، وَعَلِيُّ بْنُ عِيسَى النَّحْوِيُّ2، وَنِفْطَوَيْهِ، وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا: اثْنَانِ حَقِيقَةً, وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا3،
__________
1 هو محمد بن داود بن علي بن خلف الظاهري، أبو بكر، كان فقيهاً أديباً مناظراً ظريفاً شاعراً، وكان يناظر أبا العباس ابن سريج، وهو إمام ابن إمام، وجلس مكان والده بعد وفاته في الحلقة والتدريس وهو صغير السن حتى استصغره الناس، وله تصانيف كثيرة منها: "الوصول إلى معرفة الأصول" و "الانذار" و "الاعذار" والانتصار" على محمد بن جرير وغيره، و"الزهرة" في الأدب، و "اختلاف مسائل الصحابة"، وهو ابن داود الظاهري، توفي أبو بكر سنة297 هـ.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 3/390، تذكرة الحفاظ 2/660، تاريخ بغداد 5/256، طبقات الفقهاء للشيرازي ص175، النجوم الزاهرة 3/171".
وترجم لابن داود في هامش "الإحكام للآمدي 2/81" بأنه موسى بن داود الضبي، أبو عبد الله الخالقاني 218هـ، بينما نص على اسمه الشوكاني وغيره.
"انظر: إرشاد الفحول ص124، مختصر البعلي ص45، 109، الروضة 2/231، التبصرة ص127".
2 هو علي بن عيسى بن الفرج بن صالح، أبو الحسن الربعي، النحوي، بغدادي المنزل، شيرازي الأصل، درس ببغداد الأدب على أبي سعيد السيرافي، وخرج إلى شيراز فدرس النحو على أبي علي الفارسي عشرين سنة حتى أتقنه، ثم عاد إلى بغداد ويقي فيها إلى أخر عمره، وله تصانيف كثيرة في النحو، منها: "شرح مختصر الجرمي" و "البديع" و "شرح الإيضاح" لأبي علي الفارسي، وغيرها، توفي سنة 420 هـ ببغداد.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 3/425، إنباه الرواة 2/297، تاريخ بغداد 12/17، شذرات الذهب 3/216، النجوم الزاهرة 4/271، بغية الوعاة 2/112، البداية والنهاية 12/27".
3 وفي المسألة أقوال أخرى، ولكل قولٍ دليله.
"انظر: العدة 2/650، التبصرة ص127، الروضة 2/231، منهاج العقول 2/97، الإحكام لابن حزم 1/391، البرهان 1/349، المحصول ج1 ق2/223، كشف الأسرار 2/82، التلويح على التوضيح 1/227، 229، فواتح الرحموت 1/269، الإحكام للآمدي 2/222، نهاية السول 2/101، تيسير التحرير 1/207، أصول السرخسي 1/51، نزهة الخاطر 2/138، المحلي على جمع الجوامع 1/419، شرح تنقيح الفصول ص233، مختصر الطوفي ص101، مختصر البعلي ص109، القواعد والفوائد الأصولية ص238، إرشاد الفحول ص123، المنخول ص148، المعتمد 1/248، المستصفى 2/91، اللمع ص215".(3/145)
وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ بِسَبْقِ الثَّلاثَةِ عِنْدَ الإِطْلاقِ. وَلا يَصِحُّ نَفْيُ الصِّيغَةِ عَنْهَا, وَهُمَا دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ. وَالْمُثَنَّى بِالْعَكْسِ1.
رَوَى2 الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ حَزْمٍ3 -مُحْتَجًّا بِهِ- وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ إلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ4 عَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عنْهُ؛ أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ "إنَّ الأَخَوَيْنِ لا يَرُدَّانِ الأُمَّ إلَى السُّدُسِ. إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ} 5 وَالأَخَوَانِ فِي لِسَانِ قَوْمِك لَيْسَا بِإِخْوَةٍ, فَقَالَ عُثْمَانُ: لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْقُضَ أَمْرًا كَانَ قَبْلِي، وَتَوَارَثَهُ النَّاسُ، وَمَضَى فِي الأَمْصَارِ6".
__________
1 انظر: مزيداً من أدلة القول الأول: "أن أقل الجمع ثلاثة حقيقة" في "الروضة 2/231 وما بعدها، التبصرة ص128، المستصفى 2/91 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/270، نهاية السول 2/101، المحصول ج1 ق2/606 وما بعدها، البرهان 1/351، أصول السرخسي 1/152، الإحكام للآمدي 2/225، العدة 2/651، مختصر الطوفي 101".
2 في ع ب: وروى.
3 انظر: السنن الكبرى للبيهقي 6/227ن المحلي لابن حزم 9/258.
وأخرج أثر ابن عباس الحاكم في "المستدرك 4/335" وصححه، ووافقه الذهبي، ولكن تعقبه ابن حجر في "التلخيص الحبير 3/85".
4 في ع ب: ذؤيب.
وهو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، أبو الحارث القرشي العامري المدني، أحد الأئمة الأعلام، صاح الإمام مالك، قال أحمد عنه: "يشبه بابن المسيب، وهو أصلح وأورع وأقوم بالحق من مالك" وهو من عباد المدينة وقرائهم وفقهائهم، توفي بالكوفة سنة 159 هـ.
انظر ترجمته في "الخلاصة 2/431 مطبعة الفجالة الجديدة، وفيات الأعيان 3/323، طبقات الفقهاء للشيرازي ص67، مشاهير علماء الأمصار ص140، البداية والنهاية 10/131".
5 الآية 11 من النساء.
6 في ز: الأعصار.(3/146)
قَالَ أَحْمَدُ فِي شُعْبَةَ1: مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ضَعِيفٌ, وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ2.
وَلَمَّا حَجَبَ الْقَوْمُ الأُمَّ بِالأَخَوَيْنِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الآيَةَ قَصَدَتْ الأَخَوَيْنِ فَمَا فَوْقَ3، وَهَذَا دَلِيلُ صِحَّةِ الإِطْلاقِ مَجَازًا, وَدَلِيلُ الْقَائِلِ حَقِيقَةً هَذِهِ الآيَةُ. وَالأَصْلُ الْحَقِيقَةُ4.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ "يُسَمَّى الأَخَوَانِ إخْوَةٌ5".
رُدَّ6 بِمَا سَبَقَ, وَإِنْ صَحَّ قَوْلُ زَيْدٍ -فَإِنَّ فِيهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي الزِّنَادِ7،
__________
1 في ش: شعبة مولى ابن عباس عنه.
2 ساقطة من ز ض ع ب: ثم كتبت بعد سطر.
قال ابن كثير: "وفي صحة هذا الأثر نظر، لآن في سنن الحديث شعبة مولى ابن عباس، وقد تكلم فيه مالك بن أنس، ولو كان صحيحاً عنه لذهب إليه أصحاب ابن عباس رضي الله عنه الأخصاء به، والمنقول عنهم خلافه" "تفسير ابن كثير 1/459 ط الحلبي".
"وانظر: ميزان الاعتدال 2/274، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/256".
3 في ز ع ض: الزيادة التي سقطت قبل السطر.
4 احتج الجمهور بقول ابن عباس رضي الله عنه بأن أقل الجمع ثلاثة حقيقة، ولذلك اعترض على عثمان رضي الله عنه، وأقره عثمان على ذلك، واستدلوا على صحة إطلاق الجمع على الاثنين مجازاً بالإجماع الذي ذكره عثمان رضي الله عنه، وذلك بحمل اللفظ على خلاف الظاهر بالإجماع، فدل على صحته، وأنه ليس حقيقة، وإنما مجازاً، وهو ما بينه المصنف في الصفحة التالية.
"انظر: نزهة الخاطر 2/139، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/105، نهاية السول 2/103، منهاج العقول 2/99، تيسير التحرير 1/207، الإحكام للآمدي 2/23، 225، التلويح على التوضيح 1/229، فواتح الرحموت 1/270، اللمع ص15، إرشاد الفحول ص124، العدة 2/651".
5 انظر: التبصرة ص123، تيسير التحرير 1/207، العدة 2/652.
6 في ش: ور.
7 هو عبد الرحمن بن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان، المدني القرشي مولاهم، أبو محمد، قال الذهبي: "أحد العلماء الكبار، وأخير المحدثين لهشام بن عروة"، وكان فقيهاً مفتياً، وكان من الحفاظ المكثرين، ولي خراج المدينة، وقدم بغداد، ولقي رجال أبيه، ولم يحدث عنهم حتى مات أبوه، وروى له أصحاب السنن، توفي ببغداد سنة174 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص106، الخلاصة ص227، ميزان الاعتدال 2/575، شذرات الذهب 1/284، المعارف ص465، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/347".(3/147)
مُخْتَلَفٌ فِيهِ1 -فَمُرَادُهُ: مَجَازًا وَفِي حَجْبِ الأُمِّ2.
قَالُوا {إنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} 3 لِمُوسَى وَهَارُونَ4.
رُدَّ5، وَمَنْ آمَنَ مِنْ قَوْمِهِمَا، أَوْ6 وَفِرْعَوْنُ أَيْضًا7.
قَالُوا {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} 8.
رَدَّ الطَّائِفَةُ الْجَمَاعَةَ لُغَةً, وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الطَّائِفَةُ: الْوَاحِدُ فَمَا
__________
1 قال يحيى بن معين: "وابن أبي الزناد" لا يحتج بحديثه وقال أيضاً: "ماحدث بالمدينة فهو صحيح"، وقال يعقوب بن شيبة عنه: "ثقة صدوق فيه ضعف"، وقال ابن عدي: "بعض ما يرويه لا يتابع عليه"، وقال أحمد: مضطرب الحديث، ووثقه مالك، وضعفه النسائي، وقال الذهبي: "وقد مشاه جماعة وعدلوه، وكان من الحفاظ المكثرين".
"انظر: يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/347، ميزان الاعتدال 2/576، الخلاصة ص227".
2 انظر: التبصرة ص129، كشف الأسرار 2/28، فواتح الرحموت 1/270، العدة 2/652.
3 الآية 15 من الشعراء.
4 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/105، المحصول ج1 ق2/611، فواتح الرحموت 1/270، إرشاد الفحول ص124، العدة 2/655.
5 ساقطة من ب.
6 ساقطة من ب.
7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/105، المحصول ج1 ق2/611، فواتح الرحموت 1/270، العدة 2/655، إرشاد الفحول ص124.
8 الآية 9 من الحجرات.(3/148)
فَوْقَهُ, 1نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} 2 فَإِنْ صَحَّ فَمَجَازٌ. وَلا يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الْجَمْعِ، وَلِهَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الشَّيْءِ3. وَذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، كَالْخَصْمِ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ؛ لأَنَّهُ فِي الأَصْلِ مَصْدَرٌ4.
قَالُوا {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} 5.
رُدَّ6 الضَّمِيرُ لِلْقَوْمِ، أَوْ لَهُمْ وَلِلْحَاكِمِ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِمَعْنَى الأَمْرِ؛ لأَنَّهُ لا يُضَافُ الْمَصْدَرُ إلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ معا7.
قَالُوا: قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "الاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ" 8
__________
1 ساقطة من ش ز.
2 الآية 2 من النور.
3 الصحاح 4/1397، وانظر: المستصفى 2/94.
4 انظر: كشف الأسرار 2/5، التوضيح على التنقيح 1/233، الإحكام لابن حزم 1/395، العدة 2/653.
5 الآية 78 من الأنبياء.
6 في ش ع ز ض ب: و.
7 ساقطة من.
وانظر: التبصرة ص129 وما بعدها، المعتمد 1/248، المستصفى 2/92، الإحكام للآمدي 2/222، شرح تنقيح الفصول ص235، نهاية السول 2/102، أصول السرخسي 1/152، المحصول ج1 ق2/607، 610، فواتح الرحموت 1/270، منهاج العقول 2/98.
8 هذا الحديث رواه الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم والدارقطني عن أبي أمامة وأبي موسى رضي الله عنهما مرفوعاً، وبوب له البخاري.
انظر: مسند أحمد 5/254، سنن ابن ماجه 1/312، فيض القدير 1/148، صحيح البخاري بحاشية السندي 1/83 المطبعة العثمانية، المستدرك4/334، سنن الدارقطني 1/280".
وانظر احتجاج علماء الأصول بهذا الحديث، وتوجههم له في "العضد على ابن الحاجب 2/105، التبصرة ص130، المعتمد 1/448، المحصول ج1 ق2/608، كشف الأسرار 2/28، الإحكام لابن حزم 1/391، منهاج العقول 2/99، شرح تنقيح الفصول ص236، فتح الغفار 1/109، نهاية السول 2/103، إرشاد الفحول ص124، العدة 2/657".(3/149)
رُدَّ خَبَرٌ ضَعِيفٌ1.ثُمَّ الْمُرَادُ فِي2 الْفَضِيلَةِ، لِتَعْرِيفِهِ الشَّرْعَ لا اللُّغَةَ3.
وَعَلَى الأَوَّلِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَبُو الْمَعَالِي: يَصِحُّ إطْلاقُ الْجَمْعِ عَلَى الاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدِ مَجَازًا4وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَد
__________
1 جاء في زوائد ابن ماجه: ربيع وولده ضعيفان، وقال القسطلاني في "شرح البخاري": "طرقة كلها ضعيفة"، ونقل العجلوني عن صاحب "التمييز" قال عنه: "ضعيف" ثم قال: "ولعله أراد باعتبار ذاته"، وقال السيوطي: حسن لغيره، وقال الحافظ ابن حجر: "الربيع بن بدر ضعيف، وأبوه مجهول"، ولكن قد وردت أحاديث كثيرة تؤكد صحة هذا المعنى، وهو عنوان عند البخاري قال: "باب: أثنان فما فوقهما جماعة" وذكر حديث مالك بن الحويرث مرفوعاً: "إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما، ثم ليؤمكما أكبركما " ووردت أحاديث كثيرة تفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى جماعة مع شخص آخر، أو مع إحدى نسائه.
"انظر: كشف الخفا 1/47، صحيح البخاري 1/121، تخريج أحاديث البردوي ص72، التلخيص الحبير 3/81، فيض القدير 1/149، سنن النسائي 2/81، سنن ابن ماجه 1/312، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص291".
2 في ب: بـ.
3 وضح ذلك الطوفي فقال: "والاثنان جماعة في حصول الفضيلة حكماً لا لفظاً، إذ الشارع يبين الأحكام لا اللغات" "مختصر الطوفي ص101"، وقال العضد بعد بيان رده على دليل المخالفين: "واعلم أن هذا الدليل، وإن سلم، فليس في محل النزاع لما مر انه ليس النزاع في ج م ع، وإنما النزاع في صيغ الجمع" "العضد على ابن الحاجب 2/106".
"وانظر: الإحكام للآمدي 2/223، أصول السرخسي 1/151 وما بعدها، فتح الغفار 1/109، مختصر الطوفي ص102، العضد على ابن الحاجب 2/105،شرح تنقيح الفصول ص236، منهاج العقول 2/99، كشف الأسرار 2/29، 30، المحصول ج1 ق2/613، فواتح الرحموت 1/271، التلويح على التوضيح 1/227، الإحكام لابن حزم 1/391، الروضة 2/232، القواعد والفوائد الأصولية ص239، العدة 2/658، نهاية السول 2/103، إرشاد الفحول ص124، التبصرة ص130، المعتمد 1/248".
4 ذكر ابن الحاجب في المسألة أربعة أقوال: الأول: لا يصح، ثانيها: يصح حقيقة، ثالثها: يصح مجازاً، رابعها: يصح حق على الواحد، ثم بين العضد أدلة كل قول، وقال ابن السبكي: "والأصح أنه يصدق على الواحد مجازاً".
"انظر: العضد على ابن الحاجب 2/105 وما بعدها، جمع الجوامع 1/420، نهاية السول 2/101، البرهان 1/354، فواتح الرحموت 1/269، تيسير التحرير 1/208، المعتمد 248، العدة 2/654، منهاج العقول 2/98، إرشاد الفحول ص124".(3/150)
جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} 1 وَمَثَّلَهُ ابْنُ فَارِسٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} 2 فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمُرْسَلِينَ: سُلَيْمَانُ3 أَوْ الْهُدْهُدُ4 وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لاحْتِمَالِ إرَادَتِهَا الْجَيْشَ.
وَمَثَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ الزَّوْجِ لامْرَأَتِهِ - وَقَدْ رَآهَا تَتَصَدَّى لِنَاظِرِيهَا5-: تَتَبَرَّجِينَ لِلرِّجَالِ؟ وَلَمْ يَرَ إلاَّ وَاحِدًا. فَإِنَّ الأَنَفَةَ مِنْ ذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهَا الْجَمْعُ وَالْوَاحِدُ6.
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْجَمْعَ، لِظَنِّهِ أَنَّهَا لَمْ 7تَتَبَرَّجْ لِهَذَا الْوَاحِدِ إلاَّ وَقَدْ تَبَرَّجَتْ لِغَيْرِهِ8.
"وَالْمُرَادُ" بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلافِ "غَيْرُ لَفْظِ جَمْعٍ" الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْجِيمِ وَالْمِيمِ وَالْعَيْنِ؛ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الاثْنَيْنِ9، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ؛ لأَنَّ مَدْلُولَهُ: ضَمُّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ10
__________
1 الآية 173 من آل عمران. وكلمة "فاخشوهم" ساقطة من ش ض ع ب.
2 الآية 35 من النمل.
3 في ض: سليمان بن داود.
4 ساقطة من ش، وفي ب: والهدهد.
5 في ش ز ع: لناظريها، وفي ب: لناظرٍ.
6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/421، البرهان 1/353، تيسير التحرير 1/207.
7 في ب: لا.
8 انظر أدلة إطلاق الجمع على الاثنين مجازاً في "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/105، المحلي والبناني على جمع الجوامع 1/421، البرهان 1/353، التلويح على التوضيح 1/229وما بعدها".
9 في ب: اثنين.
10 انظر: الإحكام للآمدي 2/222، منهاج العقول 2/99، شرح تنقيح الفصول ص233 نهاية السول 2/103 فتح الغفار 1/109، العضد على ابن الحاجب 2/105، نزهة الخاطر 2/138، القواعد والفوائد الأصولية ص238، العدة 2/658، التمهيد ص90، فواتح الرحموت 1/270، إرشاد الفحول ص123.(3/151)
"وَ" غَيْرُ "نَحْنُ، وَ1قُلْنَا، وَقُلُوبُكُمَا" وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا فِي الإِنْسَانِ مِنْهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، بَلْ هُوَ وِفَاقٌ2.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ الْخِلافُ فِي {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} 3 لأَنَّ قَاعِدَةَ.4: أَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ أُضِيفَا إلَى مُتَضَمِّنِهِمَا يَجُوزُ فِيهِ ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ: الْجَمْعُ5 عَلَى الأَصَحِّ6، نَحْوَ قَطَعْت رُؤوسَ7 الْكَبْشَيْنِ، ثُمَّ الإِفْرَادُ كَرَأْسِ الْكَبْشَيْنِ، ثُمَّ التَّثْنِيَةُ كَرَأْسَيْ الْكَبْشَيْنِ. وَإِنَّمَا رَجَحَ الْجَمْعُ اسْتِثْقَالاً، لِتَوَالِي دَالَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ التَّثْنِيَةُ وَتَضَمُّنُ الْجَمْعِ الْعَدَدَ، بِخِلافِ مَا لَوْ أُفْرِدَ8.انْتَهَى.
وَإِنَّمَا كَانَ الْخِلافُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لاسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ لُغَةً. وَإِنَّمَا الْخِلافُ فِي نَحْوِ "رِجَالٌ وَمُسْلِمِينَ "وَضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ وَالْخِطَابِ9.
__________
1 ساقطة من ض.
2 انظر: التلويح على التوضيح 1/227، الإحكام لابن حزم 1/392، نهاية السول 2/102، المستصفى 2/92، البرهان 1/350، المحصول ج1 ق2/611، كشف الأسرار 2/32، العضد على ابن الحاجب 2/105، نزهة الخاطر 2/137، مختصر الطوفي ص101، القواعد والفوائد الأصولية ص239، العدة 2/654، منهاج العقول 2/98، إرشاد الفحول 123.
3 الآية 4 من التحريم
4 في ش: اللغات.
5 في ش: للجمع.
6 في ض ع: الأفصح.
7 في ش: رأس.
8 انظر: نزهة الخاطر 2/137-138، العدة 2/654، المحلي على جمع الجوامع 1/419، المحصول ج1 ق2/611، فواتح الرحموت 1/270، مناهج العقول 2/98، 99، نهاية السول 2/103.
9 انظر: المنخول ص149، فواتح الرحموت 1/270، الإحكام لابن حزم 1/392، نهاية السول 2/103، فتح الغفار 1/109، العدة 2/654.(3/152)
"وَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ صَلاةٍ ثَلاثَةٌ" قَالَهُ الأَصْحَابُ، مَا عَدَا ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ، وَصَاحِبِ الْبُلْغَةِ1 فِيهَا. وَاخْتَارَهُ مِنْ النُّحَاةِ الزَّجَّاجُ2.
وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنَّ لَفْظَ "جَمْعٍ" كَلَفْظِ "جَمَاعَةٍ"3.
"وَمِعْيَارُ الْعُمُومِ: صِحَّةُ الاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ" يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَدَلُّ عَلَى عُمُومِ اللَّفْظِ بِقَبُولِهِ4 الاسْتِثْنَاءَ مِنْهُ5، فَإِنَّ الاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجٌ مَا لَوْلاهُ لَوَجَبَ دُخُولُهُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَوَجَبَ6 أَنْ تَكُونَ كُلُّ الأَفْرَادِ وَاجِبَةَ الانْدِرَاجِ. وَهَذَا مَعْنَى الْعُمُومِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ7 الْعَدَدَ، فَوَرَدَ عَلَيْهِ8، فَأَجَابَ: بِأَنَّا لَمْ نَقُلْ كُلُّ مُسْتَثْنًى مِنْهُ عَامٌّ. بَلْ قُلْنَا: كُلُّ عَامٍّ يَقْبَلُ الاسْتِثْنَاءَ. فَمِنْ أَيْنَ الْعَكْسُ9؟
__________
1 البلغة في الفقه للحسين بن المبارك بن محمد بن يحيى بن مسلم الربعي البغدادي المتوفي سنة 631 هـ "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص206".
ويوجد كتاب "البلغة في الفروع" للشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي المتوقي سنة 597 هـ، و"البلغة" لأبي البقاء عبد الحسين العكبري المتوفى سنة 538هـ "أنظر: كشف الظنون 1/202".
2 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص239.
3 في ع: الجماعة.
أي أقل الجماعة في غير الصلاة ثلاثة، وقال ابن الجوزي وغيره: إن أقلها اثنان، وهذا ما ذكره البعلي ثم قال: "واستشكل القرافي محل النزاع في هذه المسألة" "القواعد والفوائد الأصولية ص229".
4 في ز: بقوله، وفي ض: هو بقبوله، وفي ب: بقبول.
5 انظر: جمع الجوامع والمحلي والبناني عليه 1/417، نهاية السول 2/82، مختصر البعلي ص109.
6 في ض: فلزم.
7 جمع الجوامع 1/417.
8 انظر: البناني على جمع الجوامع 1/417.
9 انظر: البناني على جمع الجوامع 1/417.(3/153)
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ مِعْيَارَ الشَّيْءِ مَا يَسَعُهُ وَحْدَهُ. فَإِذَا وَسِعَ غَيْرَهُ مَعَهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مِعْيَارَهُ1فَاللَّفْظُ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الاسْتِثْنَاءِ بِالْعُمُومِ انْتَهَى.
وَبَقِيَتْ2 مَسَائِلُ تَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ.
مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ عَامًّا بِالْعُرْفِ أَوْ بِالْعَقْلِ3.
فَالأَوَّلُ فِي ثَلاثِ4 أُمُورٍ:
أَحَدُهَا: فَحْوَى الْخِطَابِ5.
وَالثَّانِي 6: لَحْنُ الْخِطَابِ.
فَهَذَانِ الْقِسْمَانِ الْحُكْمُ فِيهِمَا عَلَى شَيْءٍ، وَالْمَسْكُوتُ عَنْهُ مُسَاوٍ لَهُ7. فِيهِ أَوْ8 أَوْلَى نَحْوُ. قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} 9 {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 10"وَيَأْتِي11 بَيَانُ الْقِسْمَيْنِ فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ12.
__________
1 في ض ب: معياراً.
2 في ع: وبقية.
3 انظر: الموافقات 3/189 وما بعدها، المحصول ج1 ق2/516، 519، جمع الجوامع 1/414، المسودة ص49، العدة 2/547، مباحث الكتاب والسنة ص150.
4 في ش ز ض ب: ثلاث.
5 ساقطة من ض.
6 في ب: والثانية.
7 ساقطة من ش.
8 في ض ب: و.
9 الآية 10 من النساء.
10 الآية 23 من الإسراء.
11 في ش: وبه يأتي.
12 صفحة 481 وما بعدها من هذا المجلد.(3/154)
وَحِكَايَةُ الْخِلافِ فِي الْفَحْوَى أَنَّهُ. دَلَّ عَلَى الْمَسْكُوتِ عَنْهُ قِيَاسًا، أَوْ 1نَقَلَ عُرْفًا أَوْ2 مَجَازًا بِالْقَرِينَةِ، أَوْ دَلَّ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومُ3.
وَالثَّالِثِ: مَا نِسْبَةُ4 الْحُكْمِ فِيهِ لِذَاتٍ. وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ فِي الْمَعْنَى بِفِعْلٍ اقْتَضَاهُ الْكَلامُ، نَحْوُ. قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ} 5 {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} 6 فَإِنَّ الْعُرْفَ الأَوَّلَ7 نَقَلَهُ إلَى تَحْرِيمِ الأَكْلِ عَلَى الْعُمُومِ، وَفِي الثَّانِيَةِ إلَى جَمِيعِ الاسْتِمْتَاعَاتِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ النِّسَاءِ، فَيَشْمَلُ الْوَطْءَ وَمُقَدِّمَاتِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّرُ الْوَطْءَ فَقَطْ8، عَلَى مَا يَأْتِي.
وَالثَّانِي: وَهُوَ الْعَامُّ بِالْعَقْلِ. وَذَلِكَ فِي ثَلاثَةِ أُمُورٍ:
أَحَدُهَا: تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ، نَحْوُ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِلإِسْكَارِ9 فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لَهُ، وَالْعَقْلُ يَحْكُمُ بِأَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ يُوجَدُ الْمَعْلُولُ، وَكُلَّمَا انْتَفَتْ يَنْتَفِي10.
__________
1 في ب: و.
2 في ب: و.
3 انظر: المعتمد 1/208، 209.
4 في ش: نسبة.
5 الآية 3 من المائدة.
6 الآية 23 من النساء.
7 في ش ز: الأولى.
8 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/415، نهاية السول 2/81، المعتمد 1/207، المحصول ج1 ق2/519، التبصرة ص201، إرشاد الفحول ص131، مباحث الكتاب والسنة ص150، 151.
9 في ش: على الإسكار.
10 انظر: نهاية السول 2/81، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/415، 425، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/119، المعتمد 1/108، المحصول ج1 ق2/519، فواتح الرحموت 1/285، تيسير التحرير 1/259، إرشاد الفحول ص135، مباحث الكتاب والسنة ص150.(3/155)
فَهَذَا الْقِسْمُ لَمْ يَدُلَّ بِاللُّغَةِ، لأَنَّهُ لا مَنْطُوقَ فِيهِ بِصِيغَةِ عُمُومٍ1، وَلا بِالْمَفْهُومِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَلا بِالْعُرْفِ لِعَدَمِ الاشْتِهَارِ2. فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الْعَقْلُ3.
وَإِذَا قُلْنَا: بِأَنَّ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 4 مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ يَكُونُ مِنْ الْعَامِّ عَقْلاً5.
نَعَمْ6 تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْعِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ7 عُمُومِ الْعِلَّةِ عَقْلاً، لَكِنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ الشَّرْعِ فَالْحُكْمُ فِي عُمُومِهِ8 لِكُلِّ مَا فِيهِ تِلْكَ الْعِلَّةُ الَّتِي وَقَعَ الْقِيَاسُ بِهَا شَرْعِيٌّ9.
وَقِيلَ: الْحُكْمُ فِي عُمُومِهِ10 لُغَوِيٌّ 11.
وَقِيلَ: لا يَعُمُّ شَرْعًا وَلا لُغَةً12.
__________
1 في ض: عمومه.
2 في ض: الاستشهاد.
3 انظر: نهاية السول 2/81.
4 الآية 23 من الإسراء.
5 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/425، تيسير التحرير 1/259، مباحث الكتاب والسنة ص151.
6 في ش: يعم.
7 ساقطة من ض، وفي ش ز ع: من حيث.
8 في ض: عموم.
9 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/119، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/425، تيسير التحرير 1/259.
10 في ض: عموم.
11 وهو قول النظام. "انظر: فواتح الرحموت 1/285، تيسير التحرير 1/259، العضد على ابن الحاجب 2/119، المحلي على جمع الجوامع 1/425، إرشاد الفحول ص135".
12 وهو قول القاضي أبي بكر الباقلاني: "انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/119، فواتح الرحموت 1/285، تيسير التحرير 1/259، إرشاد الفحول ص135".(3/156)
وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ "زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ 1 وَدِمَائِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخَبُ دَمًا" 2 فَإِنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ شَهِيدٍ شَرْعًا3.
وَالثَّانِي: مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ عِنْدَ4 الْقَائِلِ5 بِهِ6، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ" 7 فَإِنَّهُ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ8 عَلَى أَنَّ مَطْلَ غَيْرِ الْغَنِيِّ عُمُومًا لا يَكُونُ ظُلْمًا9.
__________
1 في ع: بكلوهم.
2 هذا الحديث رواه البخاري والنسائي والترمذي وأحمد والشافعي والطبراني والحاكم والديلمي عن عبد الله بن ثعلبة وجابر وأنس رضي الله عنهم مرفوعاً بألفاظ مختلفة.
"انظر: صحيح البخاري 3/19 المطبعة العثمانية، سنن النسائي 4/64، تحفة الأحوذي 4/126، مسند أحمد 5/431، المستدرك 1/366، بدائع المنن 1/210، فيض القدير 4/65، نيل الأوطار 4/32".
3 ساقطة من ش.
وانظر: المستصفى 2/68، العضد على ابن الحاجب 2/119.
4 في ش: ولا.
5 في ز ش: قائل.
6 ويسمى عند الشافعية: دليل الخطاب. "انظر: المحصول ج1 ق2/520، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/416".
7 هذا طرف من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 2/58، صحيح مسلم 3/1197، سنن أبي داود 2/222، مختصر سنن أبي داود 5/17، تحفة الأحوذي 4/535، سنن النسائي 7/278، سنن ابن ماجه 2/803، مسند أحمد 2/71، 245، 254، الموطأ ص418 ط الشعب، فيض القدير 5/523، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص289".
8 في ش ع ض ب: بمفهومه يدل.
9 خلافا للغزالي. "انظر: المستصفى 2/70، المحصول ج1 ق2/520، المحلي على جمع الجوامع 1/416".(3/157)
وَالثَّالِثُ: إذَا وَقَعَ جَوَابًا لِسُؤَالِ1، كَمَا لَوْ2 سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنْ أَفْطَرَ؟ فَقَالَ "عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ" 3 فَيُعْلَمُ أَنَّهُ يَعُمُّ4 كُلَّ مُفْطِرٍ5.
"فَائِدَةٌ:"
"سَائِرُ الشَّيْءِ بِمَعْنَى بَاقِيهِ"
وَهَذَا الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَذَلِكَ لأَنَّهَا مِنْ "أَسْأَرَ" بِمَعْنَى أَبْقَى، فَهُوَ6 مِنْ السُّؤْرِ، وَهُوَ الْبَقِيَّةُ، فَلا يَعُمُّ7
__________
1 في ش: بالسؤال.
2 ساقطة من ض ب.
3 هذا الحديث صحيح، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً بألفاظ وصيغ مختلفة.
"انظر: صحيح البخاري 1/331، صحيح مسلم 2/781، مختصر سنن أبي داود 3/268، تحفة الأحوذي 3/418، سنن ابن ماجه 1/534، مسند أحمد 2/241".
4 ساقطة من ز.
5 اختلف العلماء في هذه المسألة، وقد لخص أقوالهم الترمذي فقال: "وأما من أفطر متعمداً من أكل وشرب، فإن أهل العلم قد اختلفوا في ذلك، فقال بعضهم: عليه القضاء والكفارة، وشبهوا الأكل والشرب بالجماع، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق، وقال بعضهم: عليه القضاء ولا كفارة عليه، لأنه إنما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم الكفارة في الجماع، ولم يذكر عنه في الأكل والشرب، وقالوا: لا يشبه الأكل والشرب الجماع، وهو قول الشافعي وأحمد"، "تحفة الأحوذي 3/418".
"وانظر: المعتمد 1/208، المنخول ص150، المحصول ج1 ق2/520، المغني 3/130".
6 في ب: فهي.
7 وهو قول القاضي عبد الوهاب المالكي، وقال الإسنوي: " وهو الصحيح، للحديث: "وفارق سائرهن" أي باقيهن".
"انظر نهاية السول 2/78، شرح تنقيح الفصول ص190، مختصر البعلي ص190".(3/158)
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ: هِيَ بِمَعْنَى الْجَمِيعِ1، لأَنَّهَا مِنْ سُوَرِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِهَا. وَغَلَّطُوهُ2.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ ذَكَرَهُ السِّيرَافِيُّ فِي شَرْحِ سِيبَوَيْهِ، وَالْجَوَالِيقِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْكَاتِبِ، وَابْنُ بَرِّيٍّ3 وَغَيْرُهُمْ، وَأَوْرَدُوا لَهُ شَوَاهِدَ كَثِيرَةً.
وَمِمَّنْ عَدَّهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ: الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيُّ فِي التَّقْرِيبِ، وَغَيْرِهِ. وَلَكِنْ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: لا تَنَافِيَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، فَهُوَ لِلْعُمُومِ الْمُطْلَقِ. وَالْعُمُومُ4 الْبَاقِي بِحَسَبِ الاسْتِعْمَالِ.
__________
1 قال الجوهري: "وسائر الناس جميعهم" "الصحاح 2/692".
"وانظر: كشف الأسرار 1/110".
2 انظر: نهاية السول 2/78، شرح تنقيح الفصول ص190.
3 وهو عبد الله بن بري بن عبد الجبار بن بري، المقدسي الأصل، المصري، أبو محمد المعروف بابن البري، الإمام المشهور في علم النحو واللغة والرواية والدراية، قال ابن خلكان: "كان علامة عصره، وحافظ وقته، ونادرة دهره"، نشأ بمصر، وقرأ العربية على مشايخها، وأتقنها، وبدأ بالتدريس والتأليف، وقصده الطلبة من الآفاق، قال القفطي: "وكان جم الفوائد، كثير الاطلاع، عالماً بكتاب سيبويه، وعللهن وكانت كتبه في غاية الصحة والجودة"، ولي رئاسة الديوان المصري، ومن مؤلفاته: "الرد على ابن الخشاب"، انتصر فيه للحريري، و"غلط الضعفاء في الفقهاء" و "شرح شواهد الإيضاح" و "حواش على صحاح الجوهري" استدرك عليه مواضع كثيرة، و"حواش على درة الغواص" للحريري، توفي سنة882 هـ.
انظر ترجمته في "إنباه الرواة 2/110، وفيات الأعيان 2/292، حسن المحاضرة 1/533، شذرات الذهب 4/273، مرآة الجنان 3/424، بغية الوعاة 2/34، الأعلام للزركلي 4/200، النجوم الزاهرة 6/103، طبقات الشافعية الكبرى 7/121".
4 في ش ز: العموم.(3/159)
فصل العام بعد تخصيصه:
"الْعَامِّ بَعْدَ تَخْصِيصِهِ حَقِيقَةً" فِيمَا لَمْ, يَخُصَّ1 عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا, وَنَقَلَهُ أَبُو الْمَعَالِي عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ, قَالَ أَبُو حَامِدٍ: هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ2, وَذَلِكَ لأَنَّ3 الْعَامَّ فِي تَقْدِيرِ أَلْفَاظٍ مُطَابِقَةٍ لأَفْرَادِ مَدْلُولِهِ مِنْهَا4 فَسَقَطَ بِالتَّخْصِيصِ طِبْقَ مَا خُصِّصَ بِهِ مِنْ الْمَعْنَى, فَالْبَاقِي مِنْهَا وَمِنْ الْمَدْلُولِ مُتَطَابِقَانِ5 تَقْدِيرًا، فَلا اسْتِعْمَالَ فِي غَيْرِ الْمَوْضُوعِ لَهُ، فَلا مَجَازَ، فَالتَّنَاوُلُ6 بَاقٍ7، فَكَانَ8 حَقِيقَةً قَبْلَهُ، فَكَذَا بَعْدَهُ9.
__________
1 في ش ز ع: يخصص.
2 وهو رأي كثير من الحنفية كشمس الأئمة السرخسي.
"انظر: كشف الأسرار 1/307، المستصفى 2/54، الإحكام للآمدي 2/227، أصول السرخسي 1/144، المحصول ج1 ق3/18، البرهان 1/410، نهاية السول 2/105، شرح تنقيح الفصول ص226، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/5، مختصر ابن الحاجب 2/106، التبصرة ص122، منهاج العقول 2/104، مختصر البعلي ص109، المسودة ص116، الروضة 2/239، العدة 2/533، اللمع ص18، فواتح الرحموت 1/311، إرشاد الفحول ص135".
3 في ش ز: أن.
4 في ش: مها فقط.
5 في ش: مدلولها متطابقان، وفي د: المدلول متطابقات.
6 في ش: فالتأويل.
7 في ع: باقياً.
8 في ض ع ب: وكان.
9 انظر أدلة هذا القول ومناقشتها في "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/107، التبصرة ص123، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/5، المنخول ص153، الإحكام للآمدي 2/230، نهاية السول 2/105 وما بعدها، المعتمد 1/282 وما بعدها، منهاج العقول 2/104، الإحكام لابن حزم 1/373، كشف الأسرار 1/307، تيسير التحرير 1/308، فواتح الرحموت 1/312، اللمع ص18، إرشاد الفحول ص153، العدة 2/523 وما بعدها".(3/160)
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَأَكْثَرُ الأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةُ: يَكُونُ مَجَازًا بَعْدَ التَّخْصِيصِ, وَاخْتَارَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ، لأَنَّهُ قَبْلَ التَّخْصِيصِ حَقِيقَةٌ فِي الاسْتِغْرَاقِ, فَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِيهِ بَعْدُ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى قَرِينَةٍ، وَيَحْصُلُ الاشْتِرَاكُ1.
وَجُمْلَةُ الأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَمَانِيَةٌ، تَرَكْنَا بَاقِيَهَا خَشْيَةَ الإِطَالَةِ2.
"وَهُوَ" -أَيْ الْعَامُّ بَعْدَ تَخْصِيصِهِ- "حُجَّةٌ إنْ خُصَّ بِمُبَيِّنٍ" 3 أَيْ بِمَعْلُومٍ, أَوْ اسْتِثْنَاءٍ4 بِمَعْلُومٍ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ
__________
1 واختار هذا القول الجويني والقرافي ورجحه الآمدي وكثير من الحنفية كعيسى بن إبان وغيره، ومال إليه الغزالي، قال المجد: "ومعنى كونه مجازاً معنى في الاقتصار به على البعض الباقي لا في تناوله له" "المسودة ص116".
وانظر تفصيل هذا القول مع أدلته ومناقشتها في "فواتح الرحموت 1/311، العدة 2/535، المحصول ج1 ق3/18، البرهان 1/411، المنخول ص153، المستصفى 2/58، الإحكام للآمدي 2/227، اللمع ص18، التبصرة ص122، 124، مختصر ابن الحاجب 2/106، المعتمد 1/282، الروضة 2/239، مختصر البعلي ص109، شرح تنقيح الفصول ص226، إرشاد الفحول ص135، المسودة ص115".
2 انظر هذا الأقوال في "الإحكام للآمدي 2/227، نهاية السول 2/105، العضد على ابن الحاجب 2/106، التبصرة ص122، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/6، المستصفى 2/54 وما بعدها، البرهان 1/410 وما بعدها، المعتمد 1/182 وما بعدها، المحصول ج1 ق3/19، منهاج العقول 2/104، فواتح الرحموت 1/311، كشف الأسرار 1/307، أصول السرخسي 1/144، تيسير التحرير 1/308، العدة 2/538، المسودة ص116، الروضة 2/239، مختصر البعلي ص109، اللمع ص1/18، الإحكام للآمدي 2/277، إرشاد الفحول ص136".
3 كذا في ش ز ض، وكذا في مختصر البعلي وابن الحاجب، وفي د: بمعين، وكذا في جمع الجوامع ونهاية السول، وفي المستصفى: بمعلوم.
4 في ش: واستثناء.(3/161)
وَالأَكْثَرِ1, وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ عَنْ الْفُقَهَاءِ2.
وَقَالَ الدَّبُوسِيُّ3.هُوَ الَّذِي صَحَّ عِنْدَنَا مِنْ مَذْهَبِ السَّلَفِ, لَكِنَّهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ4 قَطْعًا، بِخِلافِ مَا قَبْلَ التَّخْصِيصِ5. اهـ.
وَقِيلَ: حُجَّةٌ فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ، لا فِيمَا زَادَ, حَكَاهُ الْبَاقِلاَّنِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ تَحَكُّمٌ6.
وَقِيلَ: حُجَّةٌ فِي وَاحِدٍ، وَلا يَتَمَسَّكُ بِهِ فِي جَمْعٍ7.
__________
1 وهذا قول الشافعية، واختاره الجويني والفخر الرازي وغيرهما.
"انظر: المحصول ج1 ق3/22، 23، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/108، 109، المستصفى 2/57، التبصرة ص187، جمع الجوامع 2/7، التمهيد ص125، نهاية السول 2/109، شرح تنقيح الفصول ص227، المعتمد 1/286، أصول السرخسي 1/144، فتح الغفار 1/90، كشف الأسرار 1/307، تيسير التحرير 1/313، المسودة ص116، مختصر البعلي ص109، مختصر الطوفي ص104، نزهة الخاطر 2/150، الروضة 2/238، إرشاد الفحول ص137".
2 ذكره الآمدي عن الفقهاء ثم اختاره ورجحه وذكر أدلته "انظر: الإحكام للآمدي 2/232، 233 وما بعدها".
3 في ش: الدبوسوي.
4 في ض ب: للعام.
5 هذا ما صححه السرخسي وغيره، وانظر أدلة هذا القول في "أصول السرخسي 1/144، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/108، 109، التبصرة ص188 وما بعدها، المحصول ج1 ق3/23 وما بعدها".
6 أي أنه حجة في أقل الجمع، وهو ثلاثة أو اثنان، لأنه المتيقن، وما عداه مشكوك فيه، لاحتمال أن يكون قد خصص، فيكون الاحتجاج به تحكما بغير دليل.
"انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/7، المستصفى 2/57، العضد على ابن الحاجب 2/109، تيسير التحرير 1/313، الإحكام للآمدي 2/233، فواتح الرحموت 1/308، مختصر البعلي ص109، إرشاد الفحول ص137، 138، مختصر الطوفي ص104".
7 انظر: إرشاد الفحول ص137.(3/162)
وَقِيلَ: حُجَّةٌ إنْ خُصَّ بِمُتَّصِلٍ، وَإِنْ خُصَّ بِمُنْفَصِلٍ فَمُجْمَلٌ فِي الْبَاقِي1.
وَ 2 قِيلَ: إنْ كَانَ الْعُمُومُ مُنْبِئًا عَنْهُ قَبْلَ التَّخْصِيصِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 3 فَهُوَ حُجَّةٌ، فَإِنَّهُ يُنْبِئُ4 عَنْ الْحَرْبِيِّ كَمَا يُنْبِئُ5 عَنْ الْمُسْتَأْمَنِ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْبِئًا6 فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} 7 فَإِنَّهُ لا يُنْبِئُ عَنْ النِّصَابِ وَالْحِرْزِ, فَإِذَا انْتَهَى الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ النِّصَابِ وَالْحِرْزِ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ عِنْدَ وُجُودِهِمَا8.
وَفِيهِ أَقْوَالٌ يَطُولُ الْكَلامُ بِذِكْرِهَا9.
__________
1 وهذا قول أبي الحسن الكرخي والبلخي وغيرهما.
"انظر: مختصر ابن الحاجب 2/108، الإحكام للآمدي 2/232، التبصرة ص187، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/7، نهاية السول 2/109، شرح تنقيح الفصول ص227، المحصول ج1 ق3/23، فواتح الرحموت 1/308، مختصر الطوفي ص105، إرشاد الفحول ص138".
2 ساقطة من ش.
3 الآية 5 من التوبة.
4 5 في ش: ينهى.
5 في ش: ينهى.
6 في ب: منبئاً له.
7 الآية 37 من المائدة.
8 وهذا قول أبي عبد الله البصري.
"انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/108، 109، الإحكام للآمدي 2/232، تيسير التحرير 1/313، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/7، المعتمد 1/286، التبصرة ص188".
9 انظر هذه الأقوال في "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/108، العدة 2/539، المستصفى 2/56، الإحكام للآمدي 2/232، مختصر البعلي ص110، المسودة ص116، الروضة 2/238، مختصر الطوفي ص104، كشف الأسرار 1/307، التبصرة ص187، أصول السرخسي 1/144 وما بعدها، فتح الغفار 1/90 وما بعدها، تيسير التحرير 1/313، فواتح الرحموت 1/308، نهاية السول 2/109، شرح تنقيح الفصول 2/227، المعتمد 1/286، جمع الجوامع 2/7، إرشاد الفحول ص138".(3/163)
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: إنْ1 خُصَّ بِمُبَيِّنٍ2 أَنَّهُ لَوْ خُصَّ بِمَجْهُولٍ3 كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 4.إلاَّ5 بَعْضَهُمْ، لَمْ يَكُنْ حُجَّةً اتِّفَاقًا. قَالَهُ جَمْعٌ وَهُوَ ظَاهِرُ6 تَقْيِيدِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَيْضَاوِيِّ وَغَيْرِهِمَا7.
وَ8مَحَلُّ الْخِلافِ بِالْمُخَصَّصِ بِمُعَيَّنٍ9، فَلا يُسْتَدَلُّ بِـ {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 10 إلاَّ بَعْضَهُمْ بِقَتْلِ فَرْدٍ مِنْ الأَفْرَادِ، إذْ مَا مِنْ فَرْدٍ مِنْ الأَفْرَادِ11 إلاَّ و12َيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُخْرَجُ13.وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} 14
__________
1 في ز: وإن.
2 قال السبكي والإسنوي: "بمعين" "انظر: جمع الجوامع 2/7، نهاية السول 2/107".
3 قال العضد والتفتازاني: "أما المخصص بمجمل أي مبهم غير معين.. فليس بحجةٍ بالاتفاق" "العضد والتفتازاني على ابن الحاجب 2/108" وانظر: منهاج العقول 2/106.
4 الآية 5 من التوبة.
5 في ش: لا.
6 ساقطة من ض ب.
7 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/108، نهاية السول 2/107 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع 2/7، المحصول ج1 ق3/23، المنخول ص153، المستصفى 2/57، الإحكام للآمدي 2/233، أصول السرخسي 1/144، التمهيد ص125، المعتمد 1/287، فواتح الرحموت 1/308، إرشاد الفحول ص137.
8 ساقطة من ز ض ب.
9 في ش ز ع: بمعنى.
10 الآية 5 من التوبة.
11 ساقطة من ز ض ع ب.
12 ساقطة من ش ب.
13 انظر: التمهيد ص125، نهاية السول 2/108، وسيأتي الكلام عن ذلك صفحة 418.
14 الآية 1 من المائدة.(3/164)
وَ 1 قِيلَ: يَكُونُ حُجَّةً أَيْضًا. وَقَدَّمَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَعَزَاهُ إلَى الأَكْثَرِ2.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ ابْنَ بُرْهَانٍ. وَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ. انْتَهَى.
"وَعُمُومُهُ" أَيْ عُمُومُ3 مَا خُصَّ بِمُبَيِّنٍ "مُرَادٌ تَنَاوُلاً، لا حُكْمًا" أَيْ مِنْ جِهَةِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لأَفْرَادِهِ، لا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ, "وَقَرِينَتُهُ لَفْظِيَّةٌ وَ4قَدْ تَنْفَكُّ" عَنْهُ5.
"وَالْعَامُّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ, كُلِّيٌّ اُسْتُعْمِلَ فِي جُزْئِيٍّ6 وَمِنْ ثَمَّ كَانَ7" هَذَا "مَجَازًا" لِنَقْلِ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ الأَصْلِيِّ، بِخِلافِ مَا قَبْلَهُ
__________
1 ساقطة من ز.
2 واختلف آراء الحنفية إلى عدة أقوال أهمها اثنان، فقال الكرخي: لا يبقى العام حجة أصلاً، سواء كان المخصص معلوماً أو مجهولاً، وفصل غيره بينهما، قال السرخسي: "والصحيح عندي أن المذهب عند علمائنا رحمهم الله في العام إذا لحقه خصوص يبقى حجة فيما وراء المخصوص، سواء كان المخصوص مجهولاً أو معلوماً" "أصول السرخسي 1/144"، وقال البردوي مثل ذلك تماماً "انظر: كشف الأسرار 1/308"، لكن قال ابن نجيم: "وهو باق في المعلوم لا المجمل، وبهذا ضعف ما ذهب إليه المصنف "النسفي صاحب المنار" تبعاً لفخر الإسلام، وهو إن كان هو المختار عندنا كما في التلويح، لكنه ضعيف من جهة الدليل، فالظاهر هو مذهب الجمهور، وهو أنه كان مخصوصاً بمجمل فليس بحجة ... وبمعلوم حجة" "فتح الغفار 1/90".
"وانظر: كشف الأسرار 1/307، تيسير التحرير 1/313، فواتح الرحموت 1/308، إرشاد الفحول ص137، جمع الجوامع 2/6".
3 في ز: وعموم.
4 ساقطة من ش ز.
5 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/5.
6 في ش: كأن يعمل في جزء شيء.
7 القوسان ساقطان من ش.(3/165)
"وَقَرِينَتُهُ عَقْلِيَّةٌ لا تَنْفَكُّ" عَنْهُ1
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا: أَنَّ دَلالَةَ الأَوَّلِ2 أَعَمُّ مِنْ دَلالَةِ الثَّانِي.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: لَمْ يَتَعَرَّضْ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَالْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ. وَهُوَ مِنْ مُهِمَّاتِ هَذَا الْبَابِ3.
وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّ4 الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ: مَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ أَقَلَّ. وَمَا لَيْسَ بِمُرَادٍ هُوَ الأَكْثَرُ.
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ5: وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ: لأَنَّ6 الْمُرَادَ بِهِ هُوَ الأَكْثَرُ، وَمَا لَيْسَ بِمُرَادٍ: هُوَ الأَقَلُّ7.
وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: هَذَا. وَالثَّانِي: أَنَّ8 إرَادَةَ مَا أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ، ثُمَّ خُصَّ بِتَأَخُّرٍ أَوْ تَقَارُنٍ9.
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَجِبُ أَنْ يَتَنَبَّهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. فَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ أَعَمُّ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ. أَلا تَرَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إذَا أَرَادَ بِاللَّفْظِ أَوَّلاً مَا دَلَّ
__________
1 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/5.
2 في ب: أهم من الثاني.
3 انظر الفرق بينهما في "جمع الجوامع 2/5، إرشاد الفحول ص40، مباحث الكتاب والسنة ص208، تفسير النصوص 2/105".
4 في ز ع ب: أن.
5 في ز ض ع ب: ابن أبي هريرة.
6 في ش: أن.
7 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص195، جمع الجوامع 2/5.
8 ساقطة من ض.
9 وضح البعلي هذا الوجه الثاني فقال: "إن البيان فيما أريد به الخصوص متقدم على اللفظ، وفيما أريد به العموم متأخر عن اللفظ أو مقترن به" "القواعد والفوائد الأصولية ص195".(3/166)
عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ مِنْ الْعُمُومِ، ثُمَّ أَخْرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْضَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ: كَانَ عَامًّا مَخْصُوصًا، وَلَمْ يَكُنْ عَامًّا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ؟ وَيُقَالُ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَعْضِ الَّذِي أَخْرَجَ. وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ إذَا قَصَدَ الْعُمُومَ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ1 أَنْ لا يَقْصِدَ الْخُصُوصَ، بِخِلافِ مَا إذَا نَطَقَ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ مُرِيدًا بِهِ بَعْضَ مَا تَنَاوَلَهُ2 فِي هَذَا. اهـ.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَحَاصِلُ مَا قَرَّرَهُ: أَنَّ الْعَامَّ إذَا قُصِرَ عَلَى بَعْضِهِ، لَهُ ثَلاثُ حَالاتٍ:
الأُولَى 3: أَنْ يُرَادَ بِهِ فِي الابْتِدَاءِ خَاصٌّ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِهِ خَاصٌّ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يُرَادَ بِهِ عَامٌّ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهُ بَعْضُهُ، فَهَذَا نَسْخٌ.
وَالثَّالِثَةُ: أَنْ لا يَقْصِدَ بِهِ خَاصٌّ وَلا عَامٌّ فِي الابْتِدَاءِ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهُ أَمْرٌ يَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ أَنَّهُ4 لَمْ يُرِدْ بِهِ فِي الابْتِدَاءِ عُمُومَهُ، فَهَذَا هُوَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ. وَلِهَذَا كَانَ التَّخْصِيصُ عِنْدَنَا بَيَانًا، لا نَسْخًا. إلاَّ إنْ أَخْرَجَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ، فَيَكُونُ نَسْخًا، لأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعُمُومَ أُرِيدَ بِهِ فِي5 الابْتِدَاءِ. اهـ.
وَفَرَّقَ السُّبْكِيُّ، فَقَالَ: الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ أُرِيدَ عُمُومُهُ وَشُمُولُهُ لِجَمِيعِ الأَفْرَادِ مِنْ جِهَةِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهَا، لا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ، وَاَلَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ لَمْ يُرَدْ شُمُولُهُ لِجَمِيعِ الأَفْرَادِ لا مِنْ جِهَةِ التَّنَاوُلِ وَلا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ6 بَلْ هُوَ كُلِّيٌّ اُسْتُعْمِلَ فِي
__________
1 في ش: بين.
2 في ع: يتناوله.
3 في ب: الأول.
4 ساقطة من ب.
5 في ش: به.
6 ساقطة من ش.(3/167)
جُزْئِيٍّ، وَلِهَذَا كَانَ مَجَازًا قَطْعًا، لِنَقْلِ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ الأَصْلِيِّ، بِخِلافِ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ1
وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ الْبُلْقِينِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ قَرِينَةَ الْمَخْصُوصِ لَفْظِيَّةٌ، وَقَرِينَةَ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ عَقْلِيَّةٌ.
الثَّانِي: أَنَّ قَرِينَةَ الْمَخْصُوصِ قَدْ تَنْفَكُّ عَنْهُ؛ وَقَرِينَةَ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ لا تَنْفَكُّ عَنْه.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: يَجُوزُ وُرُودُ الْعَامِّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ، خَبَرًا كَانَ أَوْ أَمْرًا.
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَقَدْ ذَكَرَ2 الإِمَامُ3 أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} 4 قَالَ: وَأَتَتْ عَلَى أَشْيَاءَ لَمْ تُدَمِّرْهَا، كَمَسَاكِنِهِمْ وَالْجِبَالِ.
"وَالْجَوَابُ" مِنْ الشَّارِعِ إنْ لَمْ5 يَكُنْ مُسْتَقِلاًّ بِالسُّؤَالِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "لا الْمُسْتَقِلَّ" فَهُوَ "تَابِعٌ لِسُؤَالٍ" فِي "عُمُومِهِ6" اتِّفَاقًا7 نَحْوُ {جَوَابِ
__________
1 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/5.
2 في ش: ذكر.
3 ساقطة من ش.
4 الآية 25 من الأحقاف.
5 ساقطة من ب.
6 في ب: عموم.
7 الجواب غير المستقل هو الذي لا يكون كلاماً مفيداً بدون اعتبار السؤال أو الحادثة، مثل نعم، فإن كان السؤال عاماً كان جوابه عاماً باتفاق.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/237، نهاية السول 2/158، المحصول ج1 ق3/187، جمع الجوامع 37/2، مختصر ابن الحاجب 109/2، المعتمد 303/1، التلويح على التوضيح 272/1، فتح الغفار 59/2، فواتح الرحموت 289/1، تيسير التحرير 263/1، مختصرا البعلي ص 110، 147، إرشاد الفحول ص 113، شرح تنقيح الفصول 216،العدة 596/2.(3/168)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ1 بِالتَّمْرِ "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ، إذَا يَبُسَ"؟ قِيلَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَلا إذْنَ" 2.
وَفِي قَوْلِ3: "وَ" كَذَا فِي "خُصُوصِهِ" يَعْنِي أَنَّ الْجَوَابَ غَيْرَ الْمُسْتَقِلِّ يَتْبَعُ السُّؤَالَ4 فِي خُصُوصِهِ أَيْضًا فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ5، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} 6 وَكَحَدِيثِ أَنَسٍ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ، أَيَنْحَنِي7 لَهُ؟ قَالَ: "لا".قَالَ: أَفَيَلْزَمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: "لا". قَالَ: فَيَأْخُذُهُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ8.
__________
1 في ش: أو ييبس.
2 هذا الحديث صحيح، رواه الإمام مالك وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وابن ماجه وأحمد وابن خزيمة والدارقطني والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص مرفوعاً.
"انظر: المنتقى 4/242، سنن أبي داود 2/225، تحفة الأحوذي 4/418، سنن النسائي 7/236، سنن ابن ماجه 2/761، المستدرك 2/38، نيل الأوطار 5/224، مسند أحمد 1/175، سنن الدارقطني 3/49، التلخيص الحبير 3/9".
3 في ز ش: قوله.
4 في ش: تبع السؤال.
5 قال ابن عبد الشكور: "وهو الأوجه".
"انظر: فواتح الرحموت 1/289، تيسير التحرير 1/263، الإحكام للآمدي 2/237، البرهان 1/374، نهاية السول 2/158، المحصول ج1 ق3/187، المحلي على جمع الجوامع 2/37، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/109، 110، مختصر البعلي ص110، أصول السرخسي 2/271، إرشاد الفحول ص133".
6 الآية 44 من الأعراف.
7 في ب: وينحني.
8 هذا الحديث رواه الترمذي وابن ماجه هن أنس مرفوعاً، وروى معناه أبو داود عن أبي ذرٍ مرفوعاً.
"انظر: تحفة الأحوذي 7/514، سنن ابن ماجه 1/1220، سنن أبي داود 2/644، مختصر سنن أبي داود 8/82".(3/169)
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ: كَقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ: تَغَدَّ عِنْدِي، فَيَقُولُ لا1.
وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بُرْدَةَ "تَجْزِيك 2، وَلاتَجْزِي 3 أَحَدًا بَعْدَك" أَيْ فِي الأُضْحِيَّةِ4.
قَالَ الآمِدِيُّ: فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ وَإِنْ تُرِكَ فِيهِ الاسْتِفْصَالُ مَعَ تَعَارُضِ الأَحْوَالِ5: لا يَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، إذْ اللَّفْظُ لا عُمُومَ لَهُ. وَلَعَلَّ الْحُكْمَ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِ، كَتَخْصِيصِ أَبِي بُرْدَةَ بِقَوْلِهِ: "وَ 6 لا تُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَك" ثُمَّ بِتَقْدِيرِ تَعْمِيمِ الْمَعْنَى فَبِالْعِلَّةِ لا بِالنَّصِّ7.
__________
1 انظر: الإحكام للآمدي 2/240، نهاية السول 2/158.
2 في ش ز ض: يجزيك.
3 في ش ز ض: يجزي.
4 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد عن البراء بن عازب قال: ضحى خالٌ لي يقال له: أبو بردة، قبل الصلاة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شاتك شاة لحم"، فقال: يا رسول الله، إن عندي داجناً جذعة من المعز قال: "اذبحها، ولا تصلح لغيرك" وهناك ألفاظ أخرى للحديث، واسم أبي بردة هانئ بن نيار، وتقدمت ترجمته في المجلد الأول ص337.
قال ابن حجر: "والجذعة وصف لسن معين، فمن الضأن ما أكمل السنة، والجذع من المعز ما دخل في السنة الثانية" "فتح الباري 10/9"، وقال النووي: "وفيه أن جزعة المعز لا تجزي في الأضحية، وهذا متفق عليه" "النووي على مسلم 13/112".
"وانظر: صحيح البخاري 3/317، صحيح مسلم 3/1552، سنن أبي داود 2/87، تحفة الأحوذي 5/96، سنن النسائي 7/196، سنن ابن ماجه 2/1054، مسند أحمد 3/466، نيل الأوطار 5/128".
5 في ش: الأقوال.
6 ساقطة من ش.
7 الإحكام للآمدي 2/237، وانظر: نهاية السول 2/158، العدة 2/596.(3/170)
وَقَالَهُ قَبْلَهُ أَبُو الْمَعَالِي، لاحْتِمَالِ مَعْرِفَةِ حَالِهِ. فَأَجَابَ عَلَى مَا عُرِفَ. وَعَلَى هَذَا تَجْرِي1 أَكْثَرُ الْفَتَاوَى مِنْ الْمُفْتِينَ2. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا قَالَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلْعُلَمَاءِ: إنَّ الْجَوَابَ غَيْرَ الْمُسْتَقِلِّ لا يَتْبَعُ السُّؤَالَ فِي خُصُوصِهِ، إذْ لَوْ اُخْتُصَّ3 بِهِ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى تَخْصِيصِهِ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلامِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: تُرِكَ الاسْتِفْصَالُ فِي حِكَايَةِ الْحَالِ مَعَ قِيَامِ الاحْتِمَالِ: يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ، وَيَحْسُنُ بِهِ4 الاسْتِدْلال 5.
قَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ: وَهَذَا ظَاهِرُ كَلامِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لأَنَّهُ احْتَجَّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ أَصْحَابُنَا6.
وَ7قَالَ الْمَجْدُ أَيْضًا8: وَمَا سَبَقَ إنَّمَا يَمْنَعُ قُوَّةَ الْعُمُومِ لا ظُهُورَهُ، لأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ الْمَعْرِفَةِ لِمَا لَمْ يَذْكُرْ9.
__________
1 في ع: يجري.
2 انظر: البرهان 1/346.
3 في ش: خص.
4 في ض ب ع: بها
5 قال المحلي: "وقيل: لا ينزل منزلة العموم، بل يكون الكلام مجملاً" "جمع الجوامع 1/426".
"وانظر: إحكام الأحكام 1/161، المستصفى 2/68، المحصول ج1 ق2/631، شرح تنقيح الفصول ص186، نهاية السول 2/89، البرهان 1/345، التمهيد ص97، المسودة ص108، فواتح الرحموت 1/289ن تيسير التحرير 1/264، مختصر البعلي ص116، القواعد والفوائد الأصولية ص234، المنخول ص150، إرشاد الفحول ص132، مباحث الكتاب والسنة ص162".
6 المسودة ص109.
7 ساقطة من ش ز ض.
8 ساقطة من ش ز.
9 المسودة ص109.(3/171)
وَمَثَّلَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ1 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَيْلانَ2 وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ: "أَمْسِكْ أَرْبَعًا" 3 وَلَمْ يَسْأَلْهُ: هَلْ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهِنَّ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا؟ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ4.
وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ عِبَارَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ "حِكَايَةُ الْحَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبُ الإِجْمَالِ5، وَسَقَطَ بِهَا6 الاسْتِدْلال"7 فَاخْتَلَفَتْ أَجْوِبَةُ الْعُلَمَاءِ عَنْ ذَلِكَ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا مُشْكِلٌ، وَمِنْهُمْ8 مَنْ9 قَالَ:
__________
1 في ب: بقوله.
2 هو الصحابي غيلان بن سلمة بن معتب الثقفي، أبو عمر، كان أحد أشراف ثقيف ومقدميهم، وكان حكيماً، وفد على كسرى فقال له كسرى: أنت حكيم في قومٍ لا حكمة فيهم، وكان شاعراً محسناً، أسلم بعد فتح الطائف، وكان تحته عشرة نسوة فأسلمن معه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار أربعاً منهن ويفارق باقيهن، توفي في آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
انظر ترجمته في "الإصابة 3/189، الاستيعاب 3/189، أسد الغابة 4/343، تهذيب الأسماء 2/49".
3 روى الإمام مالك والشافعي وأحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "أسلم غيلان الثقفي وتحته عشر نسوة في الجاهلية، فأسلمن معه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعاً".
"انظر: المنتقى 4/122، بدائع المنن 2/351، تحفة الأحوذي 4/278، سنن ابن ماجه 1/628، موارد الظمآن ص310، المستدرك 2/193، نيل الأوطار 6/180".
4 انظر توجيه إمام الحرمين الجويني لوجه العموم في ذلك في "البرهان 1/346".
"انظر: المحصول ج1 ق2/632، المحلي على جمع الجوامع 1/426، نهاية السول 2/89، التمهيد ص97، إرشاد الفحول ص132، مباحث الكتاب والسنة ص163".
5 في ض ب: إجمال.
6 في ز ع ض ب: منها.
7 في ض: استدلال. وانظر: شرح تنقيح الفصول ص186، نهاية السول 2/89، القواعد والفوائد الأصولية ص224، التمهيد ص97.
8 في ض: ومنه.
9 ساقطة من ب.(3/172)
لَهُ1 قَوْلانِ.
وَقَالَ الأَصْفَهَانِيُّ: يُحْمَلُ الأَوَّلُ عَلَى قَوْلٍ يُحَالُ عَلَيْهِ الْعُمُومُ، وَيُحْمَلُ الثَّانِي عَلَى فِعْلٍ، لأَنَّهُ لا عُمُومَ لَهُ. وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الإِسْلامِ الْبُلْقِينِيُّ، وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الإِلْمَامِ2، وَالسُّبْكِيُّ فِي بَابِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: الأَوَّلُ مَعَ بُعْدِ الاحْتِمَالِ، وَالثَّانِي مَعَ قُرْبِ الاحْتِمَالِ. ثُمَّ الاحْتِمَالُ إنْ كَانَ فِي دَلِيلِ الْحُكْمِ سَقَطَ الْحُكْمُ3 وَ4الاسْتِدْلالُ، كَقَوْلِهِ فِي الْمُحْرِمِ: "لا تُمِسُّوهُ 5 طِيبًا، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا" 6
__________
1 ساقطة من ب.
2 في ب: الإمام، ولابن العيد كتاب "الإلمام بأحاديث الأحكام" ثم شرحه بنفسه في "شرح الإلمام" وسماه الصلاح الصفدي إنه "الإمام" وقال ابن حجر: إن "الإمام" ليس "شرح الإلمام" فالإلمام في أحاديث الأحكام، والإلمام مستمد منه. والإلمام مطبوع بالرياض ص1383هـ/1963م.
3 ساقطة من ب.
4 ساقطة من ز ض ع ب.
5 في ز ض ع ب: تقربوه.
6 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبغوي والدارمي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصته ناقته وهو محرم فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اغسلوه بماءٍ وسدرٍ وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً".
"انظر: صحيح البخاري 1/220، صحيح مسلم 2/865، سنن أبي داود 2/196، تحفة الأحوذي 4/23، سنن النسائي 4/32، 5/154، سنن ابن ماجه 2/1030، شرح السنة للبغوي 5/321، سنن الدرامي 2/50، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص304".
وبين القرافي رأيه في ذلك فقال: "وهذه واقعة عين في هذا المحرم وليس في اللفظ ما يقتضي أن هذا الحكم ثابت لكل محرم أو ليس بثابت، وإذا تساوت الاحتمالات بالنسبة إلى بقية المحرمين سقط استدلال الشافعية به على أن المحرم إذا مات لا يغسل ... بل علل حكم الشخص المعين فقط، فكان اللفظ مجملاً بالنسبة إلى غيره " "الفروق 2/90".(3/173)
وَقَالَ أَيْضًا: الأَوَّلُ إذَا كَانَ الاحْتِمَالُ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ كَقِصَّةِ غَيْلانَ، وَالثَّانِي إذَا كَانَ الاحْتِمَالُ فِي دَلِيلِ الْحُكْمِ1.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا قَالَ.
وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا: الْحُكْمُ عَامٌّ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ, ثُمَّ2 قَالَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ: حُكْمُهُ فِي وَاحِدٍ حُكْمُهُ فِي مِثْلِهِ، إلاَّ أَنْ يُرَدَّ تَخْصِيصَهُ, وَلِهَذَا حُكْمُهُ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ حُكْمُهُ3 فِي سَائِرِ الشُّهَدَاءِ4.
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: اللَّفْظُ خَاصٌّ، وَالتَّعْلِيلُ عَامٌّ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْمُحْرِمِ5.
"وَ" الْجَوَابُ "الْمُسْتَقِلُّ" وَهُوَ الَّذِي لَوْ وَرَدَ ابْتِدَاءً لأَفَادَ الْعُمُومَ "إنْ سَاوَى6 السُّؤَالَ" فِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ عِنْدَ كَوْنِ السُّؤَالِ عَامًّا أَوْ خَاصًّا "تَابَعَهُ"
__________
1 جمع القرافي بين العبارتين فقال: "الاحتمالات تارة تكون في كلام صاحب الشرع على السواء فتقدح، وتارة تكون في محل مدلول اللفظ فلا تقدح، فحيث قال الشافعي رضي الله عنه: "إن حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال"، مراده إذا استوت الاحتمالات في كلام صاحب الشرع، ومراده "أن حكاية الحال إذا ترك فيها الاستفصال تنزل منزلة العموم في المقال" إذا كانت الاحتمالات في محل المدلول دون الدليل" "الفروق 2/88، 90"، وقال القرافي أيضاً: "لا شك أن الإجمال المرجوح لا يؤثر في المساوي الراجح، وحينئذ فنقول: الاحتمال المؤثر إن كان في محل الحكم وليس في دليله فلا يقدح كحديث غيلان، وهو مراد الشافعي بالكلام الأول، وإن كان في دليله قدح، وهو المراد بالكلام الثاني" "شرح تنقيح الفصول ص187".
"انظر: نهاية السول 2/89ن التمهيد ص97، الإحكام للآمدي 2/256، القواعد والفوائد الأصولية ص234، إرشاد الفحول ص132".
2 ساقطة من ز ض ع ب.
3 في ش ز ع ب: حكمه.
4 انظر: المستصفى 2/69، الإحكام للآمدي 2/256.
5 وهو رأي الغزالي. "انظر: المستصفى 2/68، البرهان 1/348".
6 في ش: أن يساوي.(3/174)
أَيْ تَابَعَ الْجَوَابَ السُّؤَالُ1 "فِيمَا فِيهِ" أَيْ فِي السُّؤَالِ "مِنْهُمَا" أَيْ مِنْ2 الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ3.
فَالْعُمُومُ4 نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" 5.
وَالْخُصُوصُ نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلَهُ الأَعْرَابِيُّ عَنْ وَطْئِهِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ6: "أَعْتِقْ رَقَبَةً" 7
__________
1 في ش ع: السؤال الجواب.
2 ساقطة من ب.
3 انظر هذه المسألة في "أصول السرخسي 1/272، فواتح الرحموت 1/290، الإحكام للآمدي 2/237، 238، نهاية السول 2/159، شرح تنقيح الفصول ص216، المعتمد 1/303، المحصول ج1 ق2/188، جمع الجوامع 2/37، المنخول ص151، المستصفى 2/58، البرهان 1/374، الروضة 2/233، إرشاد الفحول ص133".
4 ساقطة من ش.
5 روى الإمام مالك والشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن الجارود والبيهقي وابن شيبة والدارقطني وابن حبان والحاكم والدارمي عن أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو الطهور ماؤه، الحلُ ميتته"، قال البغوي: "هذا الحديث صحيح متفق علي صحته" وحكى الترمذي أن البخاري صححه.
"انظر: المنتقى 1/54، بدائع المنن 1/19، مسند أحمد 2/361، سنن أبي داود1/19، تحفة الأحوذي 1/225، 230، سنن النسائي 1/44، 7/183، سنن ابن ماجه 1/136، سنن الدارمي 1/186ن المستدرك 1/141، موارد الظمآن ص60ن التلخيص الحبير 1/9، نيل الأوطار 1/24، البيات والتعريف 3/242".
6 ساقطة من ش.
7 روى البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله، قال: "وما أهلكك"؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: "اعتق رقبة ... " الحديث.(3/175)
قَالَ الْغَزَالِيُّ: هَذَا مُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالْعِبَارَةِ الأُولَى1.
"فَإِنْ2 كَانَ الْجَوَابُ3 أَخَصَّ مِنْ السُّؤَالِ4 اخْتَصَّ بِهِ" أَيْ الْجَوَابِ "السُّؤَالُ" كَمَنْ يَسْأَلُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ الْكَوَافِرِ؟ فَيُقَالُ لَهُ: اُقْتُلْ الْمُرْتَدَّاتِ، فَيَخْتَصُّ السُّؤَالُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ بِالْمُرْتَدَّاتِ مِنْهُنَّ5.
"وَإِنْ كَانَ" الْجَوَابُ "أَعَمَّ" مِنْ السُّؤَالِ. مِثَالُهُ: لَمَّا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَاءِ بِئْرِ بِضَاعَةَ؟ فَقَالَ: "الْمَاءُ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ" 6
__________
1 وهي "ترك الاستفصال في حكاية الحال، مع قيام الاحتمال، ينزل منزلة العموم في المقال".
"انظر: المستصفى 2/60، البرهان 1/348، 373، 375، اللمع ص22، العدة 2/602".
2 في ز ض ع ب: وإن.
3 في ش ز: الجواب.
4 انظر هذه المسألة في "الإحكام للآمدي 2/238، فواتح الرحموت 1/290، التمهيد ص125، نهاية السول 2/158، المعتمد 1/303، المحصول ج1 ق3/188، جمع الجوامع 2/37
5 في ش: المرتدات.
6 هذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي عن ابن عباس وأبي سعيد وسهل بن سعد رضي الله عنهم مرفوعاً بألفاظ مختلفة، قال العراقي بعدما حكى اختلاف الناس فيه: "والحديث صحيح"، وحكى المنذر عن الإمام أحمد أنه قال: حديث بئر بضاعة صحيح، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وكذلك رمز له السيوطي، وقال المناوي: هذا متروك الظاهر فيما إذا تغير بالنجاسة اتفاقاً، وخصه الشافعية والحنابلة بمفهوم خبر أبي داود وغيره، "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" كما سيأتي صفحة 368.
"انظر: سنن أبي داود 1/16، 15، تحفة الأحوذي 1/204، سنن النسائي 1/141، مختصر سنن أبي داود للمنذري 1/73، فيض القدير 6/248، سنن الدارقطني 1/28، مسند أحمد 1/235، 284، 3/16، 31، 6/172، سنن ابن ماجه 1/173، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص292، التلخيص الحبير 1/12".(3/176)
"أَوْ وَرَدَ" حُكْمٌ "عَامٌّ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ بِلا سُؤَالٍ"، كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى شَاةٍ1 مَيْتَةٍ لِمَيْمُونَةَ2، فَقَالَ: "أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ" 3. "اُعْتُبِرَ عُمُومُهُ" أَيْ عُمُومُ الْجَوَابِ فِي الصُّورَةِ الأُولَى، وَعُمُومُ اللَّفْظِ الْوَارِدِ عَلَى السَّبَبِ الْخَاصِّ فِي الثَّانِيَةِ4، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى سَبَبِهِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِمَا
__________
1 في ز ض ع ب: بشاة.
2 هي الصحابية ميمونة بنت الحارث بن خزن الهلالية، أم المؤمنين، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة سبع في ذي القعدة، لما اعتمر عمرة القضية، وقيل: اسمها برة، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة، وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل غيرها، وهي أخر امرأة تزوجها صلى الله عليه وسلم ممن دخل بهن، وروي عنها 46 حديثاً، وماتت بسرف "ماء قريب من مكة، عشرة أميال إلى جهة المدينة"، ودفنت هناك سنة 51هـ، وقيل غير ذلك، وصلى عليها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم، وقيل تزوجها وهو حلال، ولهذا اختلف الفقهاء في نكاح المحرم.
انظر ترجمتها في "الإصابة 4/411، الاستيعاب 4/404، الخلاصة ص496، تهذيب الأسماء 2/355، أسد الغابة 7/272".
3 هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد عن ابن عباس رضي اله عنهما مرفوعاُ بأسانيد صحيحة، وروى البخاري معناه عن ابن عباس أيضاً مرفوعاً.
"انظر: صحيح مسلم 1/276، تحفة الأحوذي 5/398، سنن النسائي 7/151 وما بعدها، سنن ابن ماجه 2/1193، صحيح البخاري 2/27، مسند أحمد 1/219، 227، سنن أبي داود 2/386، فيض القدير 3/139، تخريج أحاديث البردوي ص161، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص293".
4 يعبر علماء الأصول عن هذه المسألة بقولهم: "العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب"، وهو قول الآمدي وإمام الحرمين والبيضاوي وابن الحاجب والفخر الرازي.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/238 وما بعدها، نهاية السول 2/158، المستصفى 2/114، البرهان 1/372، فواتح الرحموت 1/290، التمهيد ص124، المعتمد 1/303، المنخول ص151، الموافقات 3/178، اللمع ص22، المحصول ج1 ق3/188، شرح تنقيح الفصول ص216، جمع الجوامع 2/38، أصول السرخسي 1/272، فتح الغفار 2/59، تخريج الفروع على الأصول ص1993، إرشاد الفحول ص133، نزهة الخاطر 2/141، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/110، التبصرة ص144".(3/177)
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالأَشْعَرِيَّةِ1، لأَنَّ عُدُولَ الْمُجِيبِ عَمَّا2 سُئِلَ عَنْهُ، أَوْ عُدُولَ الشَّارِعِ3 عَمَّا اقْتَضَاهُ حَالُ السَّبَبِ الَّذِي وَرَدَ الْعَامُّ عَلَيْهِ عَنْ4 ذِكْرِهِ بِخُصُوصِهِ إلَى الْعُمُومِ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَتِهِ، لأَنَّ الْحُجَّةَ فِي اللَّفْظِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْعُمُومِ، وَالسَّبَبُ لا يُصْلَحُ مُعَارِضًا، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ عِنْدَ وُرُودِ الْجَوَابِ أَوْ5 السَّبَبِ: بَيَانُ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ لِهَذِهِ الصُّورَةِ وَغَيْرِهَا6.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَلَنَا قَوْلٌ فِي مَذْهَبِنَا، وَقَالَهُ7 جَمْعٌ كَثِيرٌ: أَنَّهُ يُقْتَصَرُ عَلَى سَبَبِهِ8.
__________
1 انظر: المستصفى 2/60، 114، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/110، الإحكام للآمدي 2/239، البرهان 1/374، تيسير التحرير 1/264، نهاية السول 2/159، المسودة ص130، الروضة 2/233، مختصر البعلي ص110، مختصر الطوفي ص102، القواعد والفوائد الأصولية ص240، التمهيدص124.
2 في ض: لما.
3 في ش: المشار.
4 في ش: عن.
5في ش: و.
6 انظر: الروضة 2/233، مختصر الطوفي ص102، العضد على ابن الحاجب 2/110، التبصرة ص145، المحصول ج1 ق3/189، أصول السرخسي 1/272.
7 في ب: قال.
8 وهو قول مالك وأبي ثور والمزني والقفال والدقاق من الشافعية، وقال الجويني: وهو الذي صح عندنا من مذهب الشافعي، ثم نصره، لكن الفخر الرازي ناقشه ورد عليه في "مناقب الشافعي"، ونقل هذا القول عن الشافعي أيضاً، وفي المسألة عدة آراء وتفصيلات.
"انظر: نهاية السول 2/159، اللمع ص23، شرح تنقيح الفصول ص216، المحصول ج1 ق3/189، المحلي على جمع الجوامع 2/159، التمهيد ص124، المسودة ص130، نزهة الخاطر 2/141، العضد على ابن الحاجب 2/110، المستصفى 1/60، الإحكام للآمدي 2/239، التبصرة ص145، الرسالة ص206، 231، فواتح الرحموت 1/290، تيسير التحرير 1/264، مختصر البعلي ص110، الروضة 2/233، مختصر الطوفي ص102، تخريج الفروع على الأصول ص193، القواعد والفوائد الأصولية ص240، إرشاد الفحول ص134".(3/178)
وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ اسْتَدَلُّوا عَلَى التَّعْمِيمِ مَعَ السَّبَبِ الْخَاصِّ، وَلَمْ يُنْكَرْ، كَآيَةِ اللِّعَانِ1, وَنَزَلَتْ فِي هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ2, وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ3وَآيَةِ الظِّهَارِ4، وَنَزَلَتْ فِي أَوْسِ بْنِ
__________
1 آية اللعان هي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ, وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} النور/6-7.
2 هو الصحابي هلال بن أمية بن عامر الأنصاري المدني، شهد بدراً وأحداً، وكان قديم الإسلام، وكان يكسر أصنام بني واقف من قومه، وكانت معه رايتهم يوم الفتح، وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، فتاب الله عليهم، وذكرهم في سورة التوبة، وهم هلال وكعب بن مالك ومرارة بن الربيع.
انظر ترجمة هلال في "الإصابة 3/606، الاستيعاب 3/604، أسد الغابة 5/406، تهذيب الأسماء 2/139".
3 هذه الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي والحاكم عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 3/279، صحيح سلم 2/1134، سنن أبي داود 1/52، سنن النسائي 6/140، سنن ابن ماجه 1/668، السنن الكبرى للبيهقي 10/265، تحفة الأحوذي 9/26، المستدرك2/202".
قال النووي: "السبب في نزول آية اللعان عويمر العجلاني، وقال الجمهور: السبب قصة هلال بن أمية ... لأنه أول رجل لاعن"، وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي والحاكم عن أنس بن مالك قال: إن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سمحاء، وكان أخ البراء بن مالك لأمه، وكان أول رجل لاعن في الإسلام ... " وقال الصنعاني: "قد اختلفت الروايات في سبب نزول آية اللعان ... ثم جمع بينها".
"انظر: المراجع السابقة، نيل الأوطار 6/300، 302، سبل السلام 4/16، النووي على مسلم /128، فتح الباري 9/374 ط الحلبي، الرسالة للشافعي ص148".
4 آية الظهار هي قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ, وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} المجادلة/2-3.(3/179)
الصَّامِتِ1. رَوَاهُ 2أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا3. وَقِصَّةِ عَائِشَةَ فِي الإِفْكِ4 فِي الصَّحِيحَيْنِ5، وَغَيْرِ ذَلِكَ, فَكَذَا هُنَا, وَلأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ بِوَضْعِهِ وَالاعْتِبَارُ بِهِ بِدَلِيلٍ لَوْ كَانَ أَخَصَّ, وَالأَصْلُ عَدَمُ مَانِعٍ, وَقَاسَ ذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، مَعَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ قَدْ تَخْتَلِفُ بِهِمَا6
قَالَ الْمُخَالِفُ: لَوْ عَمَّ جَازَ تَخْصِيصُ السَّبَبِ بِالاجْتِهَادِ كَغَيْرِهِ7.
__________
1 هو الصحابي أوس بن الصامت بن قيس الأنصاري، اخو عبادة بن الصامت، شهد بدراً والمشاهد كلها، وعن عائشة رضي الله عنها أن جميلة "بنت عم له" كانت تحت أوس بن الصامت، وكان به لمم ... فذكرت الحديث" وكان أول ظهار في الإسلام منه، وكان شاعراً، مات في أيام عثمان، وله 85 سنة، وقالوا مات ص34 هـ بالرملة، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الإصابة 1/85، الاستيعاب 1/78، تهذيب الأسماء 1/129، الخلاصة ص41، أسد الغابة 1/172".
2 ساقطة من ش ز ض ب.
3 هذا الحديث رواه احمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم مرفوعاُ عن خولة بنت مالك، وعائشة وسلمة بن صخر وغيرهم.
"انظر: مسند أحمد 6/411، سنن أبي داود 1/513، تحفة الأحوذي 4/381، 9/188، سنن ابن ماجه 1/666، المستدرك 2/481، نيل الأوطار 6/294، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص70".
4 ساقطة من ش.
5 انظر: صحيح البخاري 3/163، صحيح مسلم بشرح النووي 17/102، مسند أحمد 6/194، سنن أبي داود 2/471، تحفة الأحوذي 9/29، سبل السلام 4/15، نيل الأوطار 6/319.
6 في ش ز: بها.
انظر مزيداً من أدلة القول الأول في "الروضة 2/233، مختصر الطوفي ص102، نزهة الخاطر 2/142، العضد على ابن الحاجب 2/210، التبصرة ص146، المستصفى 2/60، الإحكام للآمدي 2/239، فواتح الرحموت 1/290، تيسير التحرير 1/264، شرح تنقيح الفصول ص216، المعتمد 1/304، المحصول ج1 ق3/189، العدة 2/601 وما بعدها".
7 انظر: الروضة 2/233، مختصر الطوفي ص102، نزهة الخاطر 2/142، المسودة ص131، العضد على ابن الحاجب 2/110، المستصفى 2/60، الإحكام للآمدي 2/240، البرهان 1/377 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/290، تيسير التحرير 1/265.(3/180)
وَرُدَّ1 بِأَنَّ السَّبَبَ مُرَادٌ قَطْعًا بِقَرِينَةٍ خَارِجِيَّةٍ، لِوُرُودِ الْخِطَابِ بَيَانًا لَهُ، وَغَيْرُهُ ظَاهِرٌ. وَلِهَذَا لَوْ سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ طَلاقَهَا، فَقَالَ: نِسَائِي طَوَالِقُ: طَلُقَتْ, ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ إجْمَاعًا وَأَنَّهُ لا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ. وَالأَشْهَرُ عِنْدَنَا: وَلَوْ اسْتَثْنَاهَا بِقَلْبِهِ، لَكِنْ يَدِينُ2.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ خِلافٌ, وَلَوْ اسْتَثْنَى غَيْرَهَا لَمْ تَطْلُقْ، عَلَى أَنَّهُ مَنَعَ فِي الإِرْشَادِ3 وَالْمُبْهِجِ4 وَالْفُصُولِ الْمُعْتَمِرَ الْمُحْصَرَ5 مِنْ التَّحَلُّلِ مَعَ أَنَّ سَبَبَ الآيَةِ6 فِي حُصْرِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَكَانُوا مُعْتَمِرِينَ7.
وَعَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ حَمَلَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
__________
1 في ش ز: ورد.
2 قال البعلي: "وأما محل السبب فلا يجوز إخراجه بالاجتهاد إجماعاً، قاله غير واحدٍ، لأن دخوله مقطوع به، لكون الحكم أورد بياناً له، بخلاف غيره، فإنه يجوز إخراجه، لأن دخوله مظنون به، لكن نقل ناقلون عن أبي حنيفة أنه يجوز إخراج السبب" "القواعد والفوائد الأصولية ص242.
"وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/110، المستصفى 2/60، 61، الإحكام للآمدي 2/240 وما بعدها". وسوف يذكر المصنف هذا الدليل مرة ثانية بعد أربع صفحات "ص187".
3 الإرشاد لابن موسى، كما نص عليه البعلي في "القواعد والفوائد الأصولية ص242".
4 في ش: المنهج، وفي "القواعد والفوائد الأصولية ص242": والشيرازي في الممتع، والصواب "المبهج" لأبي الفرج الشيرازي.
"انظر: طبقات الحنابلة 2/248، ذيل طبقات الحنابلة 1/71، المنهج الأحمد 2/162".
5 ساقطة من ش.
6 الآية هي قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} الآية 196 من البقرة.
7 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص242، الروضة 2/234، تفسير ابن كثير 1/231 ط الحلبي، تفسير الطبري 2/215.(3/181)
هُرَيْرَةَ "لا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ" 1 عَلَى أَمْرِ الآخِرَةِ، مَعَ أَنَّ سَبَبَهُ أَمْرُ الدُّنْيَا2.لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ سَبَبُهُ3.
وَالأَصَحُّ عَنْ4 أَحْمَدَ: أَنَّهُ لا يَصِحُّ اللِّعَانُ عَلَى حَمْلٍ, وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَهُوَ سَبَبُ آيَةِ اللِّعَانِ، وَاللِّعَانُ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ, لَكِنْ5 ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. وَلِهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ لاعَنَ بَعْدَ الْوَضْعِ 6 ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلِمَ وُجُودَهُ بِوَحْيٍ، فَلا
__________
1 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 4/70، صحيح مسلم 4/2295، سنن أبي داود 2/565، سنن ابن ماجه 2/1318، مسند أحمد 2/115، الأدب المفرد ص328، نيل الأوطار 6/454، سنن الدارمي 2/319".
2 سبب ورود الحديث أنه لما اسر أبو عزة الجمحي الشاعر ببدر وشكا عائلة وفقراً فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطلقه بغير فداء، ثم ظفر به بأحد، فقال: مُنٌ علي، وذكر فقراً وعائلة، فقال: "لا تمسح بعارضيك ملة، تقول سخرت بمحمد مرتين، وأمر به فقتل" قال سعيد بن المسيب: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال حينئذ: "لا يلدغ المؤمن" فصار الحديث مثلاً.
"انظر البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث 3/331".
3 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص242، الإحكام للآمدي 2/240 وما بعدها.
4 في د ب: عند.
5 في ض: لكنه.
6 روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه ذكر التلاعن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عاصم بن عدي في ذلك قولاً، ثم أنصرف، فأتاه رجل من قومه يشكو إليه أنه وجد مع أهله رجلاً، فقال عاصم: ما ابتليت بهذا إلا لقولي فيه، فذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره بالذي وجد عليه امرأته، وكان ذلك الرجل مصفراً، قليل اللحم، سبط الشعر، وكان الذي ادعى عليه أنه وجد عند أهله خدلاً، آدم، كثير اللحم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم بين"، فوضعت شبيهاً بالذي ذكر زوجها انه وجده عندها، فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما".
وروى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر أن رجلاً لاعن امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرق رسول الله بينهما، وألحق الولد بأمه".
"انظر: صحيح البخاري 3/281، صحيح مسلم 2/1132، 1134، سنن أبي داود 1/524، تحفة الأحوذي 4/390، سنن النسائي 6/146، سنن ابن ماجه 1/669، نيل الأوطار 6/310".(3/182)
يَكُونُ اللِّعَانُ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ. وَلَيْسَ سَبَبُ الآيَةِ قَذْفَ حَامِلٍ وَلِعَانِهَا1.
وَ2فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ3 عَهِدَ إلَى أَخِيهِ سَعْدٍ: أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ4 ابْنِي5، فَاقْبِضْهُ6 إلَيْك, فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ وَفِيهِ فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا7 يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ،
__________
1 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص243، البرهان 1/378، المنخول ص151، فواتح الرحموت 1/290، تيسير التحرير 1/265.
2 ساقطة من ع.
3 هو عتبة بن أبي وقاص بن أهيب القرشي الزهري، أخو سعد، ولم يذكره الجمهور في الصحابة، وذكره ابن منده فيهم، واحتج بحديث وصيته إلى أخيه سعد في ابن وليدة زمعة، وأنكر أبو نعيم على ابن منده ذلك، وقال أبو نعيم: وعتبة هذا هو الذي شج وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسر رباعيته بوم أحد، وما علمت له إسلاماً، ولم بذكره أحد من المتقدمين في الصحابة" ودعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحول عليه الحول حتى يموت كافراً، فما حال عليه الحول حتى مات كافراً إلى النار، قال ابن حجر: فلا معنى لا يراده في الصحابة، وذكر الباجي أن وصيته كانت بحسب أنواع النكاح التي كانت في الجاهلية، وقد حرمها الإسلام.
"انظر: الإصابة 3/161، أسد الغابة 3/571، تهذيب الأسماء 1/320، المنتقى للباجي 6/5".
4 هو زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشي العامري المكي، مات قبل فتح مكة، وكانت له جارية يمانية يطؤها مع غيره كما كان معهوداً في أنكحة الجاهلية.
"انظر: تهذيب الأسماء 1/311، الإصابة 2/433، الاستيعاب 2/410، المنتقى 6/5".
5 هو عبد الرحمن بن زمعة بن قيس القرشي العامري الذي تخاصم فيه سعد وعبد بن زمعة، وله عقب، توفي بالمدينة.
"انظر: تهذيب الأسماء 1/311، الاستيعاب 2/410، أسد الغابة 3/448".
6 في ض: قابضة.
7 ساقطة من ش ز.(3/183)
عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ، اُنْظُرْ إلَى شَبَهِهِ "وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ1 هَذَا أَخِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ فَنَظَرَ"2, فَرَأَى فِيهِ3 شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: "هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ, وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ" 4, وَكَانَتْ تَحْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ5 وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ6 "هُوَ أَخُوك
__________
1 هو الصحابي عبد بن زمعة بن قيس القرشي العامري المكي، أمه عاتكة بنت الأحنف، وهو أخو سودة أم المؤمنين لأبيها، وكان عبد بن زمعة شريفاً ومن سادات الصحابة.
"انظر: الإصابة 2/433، الاستيعاب 2/442، أسد الغابة 2/515، تهذيب الأسماء 1/310".
2 هذه زيادة من الحديث، وتوضح المعنى.
3 ساقطة من ض ع ب.
4 هي أم المؤمنين سودة بن زمعة بن قيس القرشية العامرية الصحابية، أم الأسود، كانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ابن عمها السكران بن عمرو، أخي سهل بن عمرو، وكان زوجها مسلماً هاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة، ومات، ولم يعقب، أسلمت سودة قديماً وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسلم زوجها، وجرحا في مكة، فهاجرا إلى الحبشة في الهجرة الثانية، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان سنة عشر من البعثة النبوية بعد وفاة خديجة، ودخل بها بمكة وهاجر إلى المدينة، وقيل: تزوجها بعد عائشة، ولها مناقب كثيرة، ماتت في خلافة عمر رضي الله عنهم، وقيل: غير ذلك.
انظر ترجمتها في "الإصابة 4/338، الاستيعاب 4/323، أسد الغابة 7/157، تهذيب الأسماء 2/348، الخلاصة ص492".
5 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه ومالك والشافعي والحاكم والبيهقي، ورواه الترمذي مختصراً، عن عائشة وأبي هريرة وعثمان وابن مسعود وابن الزبير وابن عمر وأبي أمامة رضي الله عنهم مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 4/170، صحيح مسلم 2/1080، سنن أبي داود 1/528، سنن النسائي 6/148، تحفة الأحوذي 4/321، 6/310، سنن ابن ماجه 1/646، المنتقى شرح الموطأ 6/4، المستدرك 4/96، السنن الكبرى 6/86، النووي على مسلم 10/38، بدائع المنن 2/219، إحكام الأحكام 2/319، نيل الأوطار 6/313، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص98، مسند أحمد 4/5، 6/27، 129، البيان والتعريف 3/289".
6 في ع: البخاري.(3/184)
يَا عَبْدُ" وَلأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ1 أَنَّ زَمْعَةَ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا، وَكَانَتْ تَظُنُّ بِآخَرَ2 وَفِيهِ "احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ، فَلَيْسَ لَك بِأَخٍ " 3.زَادَ أَحْمَدُ "أَمَّا الْمِيرَاثُ فَلَهُ" 4.
قَالُوا: لَوْ عَمَّ لَمْ يُنْقَلُ5 السَّبَبُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ6.
رُدَّ فَائِدَتُهُ7 مَنْعِ تَخْصِيصِهِ، وَمَعْرِفَةِ8 الأَسْبَابِ9.
__________
1 هو الصحابي عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي، أبو خبيب، أو أبو حبيب، أو أبو عبد الرحمن، وهو أول مولود في الإسلام في السنة الأولى بعد الهجرة، أمه أسماء بنت أبي بكر، وهو فارس قريش، شهد اليرموك وفتح أفريقيا، وصار أمير المؤمنين، بويع بالخلافة بعد موت يزيد سنة64 هـ، وغلب على اليمن والحجاز والعراق وخراسان، وكان فصيحاً شريفاً، لسناً أطلس، كثير العبادة، وكان يسمى حمامة المسجد، ودافع عن عثمان في الدار، قاتله بنو أمية حتى انتصروا عليه في الكعبة، وقتل وصلب سنة 73هـ، ثم سلم إلى أمه فدفنته بالمدينة في دار صفية بنت حيي ثم زيدت دارها في المسجد، فهو مدفون مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهم، كما يقول الكتبي.
انظر ترجمته في "الإصابة 4/69 المطبعة الشرفية، الخلاصة 2/56 مطبعة الفجالة الجديدة، أسد الغابة 3/242، المعارف ص256، 600، فوات الوفيات 1/445، العقد الثمين 5/141، البداية والنهاية 8/332، تاريخ الخلفاء ص211، حلية الأولياء 1/329".
2 في رواية النسائي: "كانت لزمعة جارية يطؤها هو، وكان يظن بآخر يقع عليها، فجاءت بولد شبه الذي كان يظن به، فمات زمعة وهي حبلى" "سنن النسائي 6/148"
3 وتمام الحديث: "لما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقاص، قالت: فما رآها حتى لقي الله" "انظر: المنتقى شرح الموطأ 6/5".
4 انظر: مسند أحمد 4/5، سنن النسائي 6/149.
5 في ض: ينتقل.
6 انظر: الروضة 2/233، العضد على ابن الحاجب 2/111، المستصفى 2/61، الإحكام للآمدي 2/240، فواتح الرحموت 1/292، تيسير التحرير 1/266، نهاية السول 2/159، التمهيد ص124، مختصر الطوفي ص102، العدة 2/613.
7 في ش: فائدة.
8 في ض ب: ومعرفته.
9 بين المجد ابن تيمية أنواع الأسباب، وذكر فائدتها، ثم قال: "ومن لم يحط علماً بأسباب الكتاب الكتاب والسنة والإ عظم خطؤه كما وقع لكثير من المتفقهين والأصوليين والمفسرين" "المسودة ص131".
وانظر مناقشة أدلة القول الثاني القائل باقتصار الحكم على السبب في "المستصفى 2/61، الإحكام للآمدي 2/241، نهاية السول 2/159، العضد على ابن الحاجب 2/111، فواتح الرحموت 1/292، تيسير التحرير 1/266، التمهيد ص124، المسودة ص131، العدة 2/613، الروضة 2/224، مختصر الطوفي ص102، نزهة الخاطر 2/142".(3/185)
قَالُوا: لَوْ قَالَ: تَغَدَّ عِنْدِي، فَحَلَفَ لا تَغَدَّيْت، لَمْ يَعُمَّ1، وَمِثْلُهُ نَظَائِرُهَا.
رُدَّ بِالْمَنْعِ2 فِي الأَصَحِّ عَنْ أَحْمَدَ, وَإِنْ سَلِمَ كَقَوْلِ مَالِكٍ3 فَلِلْعُرْفِ، وَلِدَلالَةِ السَّبَبِ عَلَى النِّيَّةِ، فَصَارَ كَمَنْوِيٍّ4.
قَالُوا: لَوْ عَمَّ لَمْ يُطَابِقْ الْجَوَابُ السُّؤَالَ5.
رُدَّ طَابَقٌ وَزَادَ6
__________
1 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/111، الإحكام للآمدي 2/240، فواتح الرحموت 1/292، تيسير التحرير 1/266، المعتمد 1/303، 304، المحصول ج1 ق3/188، العدة 2/613.
2 في ش ز: مثله نظائر، رد لمنع.
3 في ض: لملك.
4 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/111، الإحكام للآمدي 2/421، فواتح الرحموت 1/292، تيسير التحرير 1/266.
5 ساقطة من ب، وسقط من ب أيضاً: رد، طابق وزاد.
وانظر: الروضة 2/234، مختصر الطوفي ص102، نزهة الخاطر 2/142، العدة 2/613، شرح تنقيح الفصول ص216، المحصول ج1 ق3/190، العضد على ابن الحاجب 2/111، الإحكام للآمدي 2/240، فواتح الرحموت 1/292، تيسير التحرير 1/266.
6 انظر: فواتح الرحموت 1/292، تيسير التحرير 1/266، المحصول ج1 ق3/190، الإحكام للآمدي 2/241، العضد على ابن الحاجب 2/111، نزهة الخاطر 2/144، مختصر الطوفي ص103، الروضة 2/224.(3/186)
"وَصُورَةُ السَّبَبِ قَطْعِيَّةُ الدُّخُولِ 1 فِي الْعُمُومِ" عِنْدَ الأَكْثَرِ [فَلا يَخُصُّ2 بِاجْتِهَادٍ] فَيَتَطَرَّقُ التَّخْصِيصُ إلَى3 ذَلِكَ الْعَامِّ، إلاَّ تِلْكَ الصُّورَةَ، فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا4، لَكِنَّ السُّبْكِيَّ قَالَ: إنَّمَا تَكُونُ صُورَةُ السَّبَبِ قَطْعِيَّةً إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى دُخُولِهَا وَضْعًا تَحْتَ اللَّفْظِ الْعَامِّ, وَإِلاَّ فَقَدْ يُنَازَعُ5 فِيهِ الْخَصْمُ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْعَامِّ إخْرَاجَ السَّبَبِ, فَالْمَقْطُوعُ بِهِ إنَّمَا هُوَ6 بَيَانُ حِكْمَةِ السَّبَبِ، وَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ كَوْنِهِ خَارِجًا، كَمَا يَحْصُلُ بِدُخُولِهِ, وَلا دَلِيلَ عَلَى تَعْيِينِ وَاحِدٍ مِنْ الأَمْرَيْنِ7.
فَائِدَةٌ:
"قِيلَ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ عَامٌّ لَمْ يُخَصَّ8 إلاَّ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي
__________
1 في ش: لدخول.
2 في ش ز: يختص.
3 ساقطة من ض ع ب.
4 هذا ما ذكره المصنف سابقاً صفحة 181، ونقلنا بعده نص البعلي: أن محل السبب لا يجوز إخراجه بالاجتهاد إجماعاً.
"وانظر: تيسير التحرير 1/267، نهاية السول 2/159، اللمع ص22، البرهان 1/378، المنخول ص151، المحصول ج1 ق3/191، جمع الجوامع 2/39، التمهيد ص124، القواعد والفوائد الأصولية ص242، الإحكام للآمدي 2/240، العضد على ابن الحاجب 2/110، المستصفى 2/60".
5 في ش ز: تنازع.
6 ساقطة من ض.
7 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/39-40.
8 نقل الشوكاني عن علم الدين العراقي أنه قال: "ليس في القرآن عام غير مخصوص إلا أربعة مواضع: أحدها: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} النساء/23، فكا ما سميت أما عن نسب أو رضاع، وإن علت، فهي حرام، ثانيها: قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} الرحمن/26، {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ} آل عمران/185، ثالثاً: قوله تعالى: {وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} البقرة/284، ثم اعترض الشوكاني على الموضع الرابع بأن القدرة لا تتعلق بالمستحيلات، وهي أشياء، ثم ألحق الشوكاني بما سبق قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} هود/6.
"انظر: إرشاد الفحول ص143 وما بعدها، الروضة 2/238، شرح تنقيح الفصول ص227، الرسالة للشافعي ص53-54".(3/187)
الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} 1 وقَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 2.
__________
1 الآية 6 من هود.
2 الآية 101 من الأنعام.(3/188)
فصل إطلاق جمع المشترك على معانيه
...
فصل إطلاق جمع المشترك:
"يَصِحُّ إطْلاقُ جَمْعِ الْمُشْتَرَكِ" عَلَى مَعَانِيهِ "وَمُثَنَّاهُ" عَلَى مَعْنَيَيْهِ مَعًا "كَ1" إطْلاقِ "مُفْرَدٍ2 عَلَى كُلِّ مَعَانِيهِ3".
أَمَّا إرَادَةُ4 الْمُتَكَلِّمِ بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ أَحَدَ5 مَعَانِيهِ أَوْ أَحَدَ مَعْنَيَيْهِ6, فَهُوَ جَائِزٌ قَطْعًا، وَهُوَ حَقِيقَةٌ، لأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ7.
وَأَمَّا إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ اسْتِعْمَالَهُ فِي كُلِّ مَعَانِيهِ -وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ- فَفِيهِ مَذَاهِبُ:
أَحَدُهَا -وَهُوَ الصَّحِيحُ-: يَصِحُّ، كَقَوْلِنَا: الْعَيْنُ مَخْلُوقَةٌ، وَنُرِيدُ8 جَمِيعَ مَعَانِيهَا. وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الأَصْحَابِ9.
__________
1 في ب: وكـ.
2 في ش: مفرد.
3 في ض ع: ماله معا.
4 في ش: أي ما أراد.
5 في د: كأحد.
6 ساقطة من ش.
7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/111 وما بعدها، التبصرة ص184، المسودة ص168، المنخول ص147.
وسيرد بحث المشترك تفصيلاً فيما بعد
8 في ش ز ض: يريد
9 انظر هذا القول في المسألة في المستصفى 2/71، الإحكام للآمدي 2/242، البرهان 1/343، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/111، 112، التبصرة ص184، تيسير التحرير 1/235، مختصر البعلي ص110، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص228، المنخول ص147، جمع الجوامع 1/297".(3/189)
قَالَ فِي الانْتِصَارِ -لَمَّا قِيلَ لَهُ فِيمَنْ لا يَجِدُ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ -: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، أَيْ لا يَحْبِسُهَا. فَقَالَ: الظَّاهِرُ مِنْهَا الإِطْلاقُ، عَلَى أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْعَقْدِ وَالْمَكَانِ مَعًا.
وَنُسِبَ إلَى الشَّافِعِيِّ1. وَقَطَعَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ: ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَثَّلَهُ بِقَوْله تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} 2 فَإِنَّ الصَّلاةَ مِنْ اللَّهِ الرَّحْمَةُ، وَمِنْ الْمَلائِكَةِ الدُّعَاءُ3وَكَذَا لَفْظُ {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} 4 وَشَهَادَتُهُ تَعَالَى5 عِلْمُهُ، وَشَهَادَةُ غَيْرِهِ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ. وَبِقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} 6 النِّكَاحُ الْعَقْدُ، وَالْوَطْءُ مُرَادَانِ7 لَنَا مِنْهُ إذَا قُلْنَا: النِّكَاحُ مُشْتَرَكٌ8. وَقَطَعَ بِهِ الْبَاقِلاَّنِيُّ, وَنَقَلَهُ أَبُو الْمَعَالِي عَنْ9 مَذْهَبِ الْمُحَقِّقِينَ وَجَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ10.
وَيَكُونُ إطْلاقِهِ11 عَلَى مَعَانِيهِ أَوْ مَعْنَيَيْهِ مَجَازًا لا حَقِيقَةً. نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاخْتَارَهُ12
__________
1 في ع ض ب: للشافعي.
2 الآية 56 من الأحزاب.
3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/114.
4 الآية 18 من آل عمران.
5 في ض ب: وشهادة الله.
6 الآية 22 من النساء.
7 في ش: مراد لنا.
8 في ب: المشترك.
9 في ش: من.
10 انظر: المنخول ص147، المستصفى 2/72، 74، الإحكام للآمدي 2/242 وما بعدها، العدة 2/703، المسودة ص166.
11 في ش: من إطلاقه، وفي ز: بإطلاقه.
12 ساقطة من ش ز.(3/190)
ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَبِعَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ1.
وَقِيلَ: حَقِيقَةً2.
الْمَذْهَبُ الثَّانِي: يَصِحُّ إطْلاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ بِقَرِينَةٍ مُتَّصِلَةٍ.
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: صِحَّةُ اسْتِعْمَالِهِ فِي مَعْنَيَيْهِ فِي النَّفْيِ دُونَ الإِثْبَاتِ، لأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ3 تَعُمُّ4.
الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: صِحَّةُ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مُفْرَدٍ, فَإِنْ كَانَ جَمْعًا كَاعْتَدِّي بِالأَقْرَاءِ5، أَوْ مُثَنًّى، كَقُرْأَيْنِ صَحَّ6.
الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ: صِحَّةُ اسْتِعْمَالِهِ إنْ تَعَلَّقَ أَحَدُ7 الْمَعْنَيَيْنِ بِالآخَرِ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ} 8 فَإِنَّ كُلاًّ مِنْ9 اللَّمْسِ بِالْيَدِ10 وَلازِمٌ لِلآخَرِ.
__________
1 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/294، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/111، 112، التبصرة ص184، البرهان 1/344، تيسير التحرير 1/235.
2 نقل عن القاضي أبي بكر الباقلاني والمعتزلة: أنه يصح حقيقة إن صح الجمع.
"انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/112، تيسير التحرير 1/235، جمع الجوامع 1/295".
3 في ز: النفي في النكرة، وفي ض ع ب: النكرة في النفي.
4 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/112، مختصر البعلي ص111، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص230، المسودة ص168.
5 في ش ز: الأقراء.
6 ساقطة من ش.
وانظر: مختصر البعلي ص111، المسودة ص168.
7 في ع: إحدى.
8 الآية 43 من النساء.
9 في ش: فكلمة.
10 في ش: تأكيد.(3/191)
الْمَذْهَبُ السَّادِسُ: يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ بِوَضْعٍ جَدِيدٍ، لَكِنْ لَيْسَ مِنْ اللُّغَةِ، فَإِنَّ اللُّغَةَ مَنَعَتْ مِنْهُ1.
الْمَذْهَبُ السَّابِعُ: لا يَصِحُّ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الْقَيِّمِ. وَحَكَاهُ عَنْ الأَكْثَرِينَ2.
قَالَ3 فِي كِتَابِهِ4 جَلاءُ الأَفْهَامِ5 فِي الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِي مَنْعِ كَوْنِ الصَّلاةِ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الرَّحْمَةُ-: الأَكْثَرُونَ لا يُجَوِّزُونَ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ لا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَلا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ. وَرَدَ مَا وَرَدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ. قَالَ: وَقَدْ ذَكَرْنَا عَلَى إبْطَالِ اسْتِعْمَالِ6 اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ مَعًا بِضْعَةَ عَشَرَ دَلِيلاً فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْءِ فِي كِتَابِ التَّعْلِيقِ عَلَى الأَحْكَامِ7.
فَعَلَى الْجَوَازِ: هُوَ ظَاهِرٌ فِي مَعْنَيَيْهِ أَوْ8 مَعَانِيهِ، فَيُحْمَلُ عَلَى جَمِيعِهَا؛ لأَنَّهُ
__________
1 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/112، المعتمد 1/326.
2 في ش ز: الأكثر.
ذهب إلى ذلك أصحاب أبي حنيفة كالكرخي، وأبو هاشم الجبائي وأبو عبد الله البصري من المعتزلة، والإمام الفخر الرازي والغزالي وإمام الحرمين، ونقله القرافي عن مالك وأبي حنيفة، وفي قول عند الحنفية: أن حكم المشترك الوقف.
"انظر: التبصرة ص184، المعتمد 1/324، الإحكام للآمدي 2/242، تيسير التحرير 1/235، المستصفى 2/72، أصول السرخسي 1/126، 162، كشف الأسرار 1/39 وما بعدها، 2/33، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص230، التمهيد ص42، المسودة ص168".
3 في ض ع ب: فقال.
4 في ض: كتاب.
5 ساقطة من ز ض ع ب.
6 ساقطة من ض.
7 ساقطة من ز.
8 في ش: و.(3/192)
لا تَدَافُعَ بَيْنَهَا1.
وَقِيلَ: هُوَ مُجْمَلٌ، فَيُرْجَعُ إلَى مُخَصَّصٍ2.
قَالَ الإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَمَحَلُّ الْخِلافِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي كُلِّ مَعَانِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْكُلِّيِّ الْعَدَدِيِّ، كَمَا قَالَهُ فِي التَّحْصِيلِ، أَيْ فِي كُلِّ فَرْدٍ، فَرَدُّوا ذَلِكَ3 بِأَنْ يَجْعَلَهُ يَدُلُّ عَلَى4 كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ بِالْمُطَابِقَةِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي تَدُلُّ5 عَلَى الْمَعْنَى الآخَرِ بِهَا, وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْكُلِّيِّ6 الْمَجْمُوعِيَّ7، وَهُوَ8 أَنْ يَجْعَلَ مَجْمُوعَ الْمَعْنَيَيْنِ مَدْلُولاً مُطَابِقًا كَدَلالَةِ الْعَشَرَةِ عَلَى آحَادِهَا، وَلا الْكُلِّيِّ الْبَدَلِيِّ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَدْلُولاً مُطَابِقًا عَلَى الْبَدَلِ. انْتَهَى.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ جَمْعَ9 الْمُشْتَرَكِ بِاعْتِبَارِ10 مَعَانِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ
__________
1 في ش ع ض ب: بينهما.
وهو قول الشافعي، وهو كثير في كلام القاضي الباقلاني وأصحابه، وقال العضد: "فيحمل عند التجرد عن القرائن عليهما، ولا يحتمل على أحدهما خاصة إلا بقرينة" "العضد على ابن الحاجب 2/112، 113 وما بعدها".
وانظر: مختصر البعلي ص110، المنخول ص147.
2 في ش: التخصيص.
قال البعلي: "وهو ما صرح به القاضي وابن عقيل" "مختصر البعلي ص111"، ولكن القاضي صرح في مكان أنه مجمل وصرح في مكان آخر أنه عام. "انظر: العدة 1/145، 2/513".
3 في ز ض: فردوا ذلك، وفي ش: وردوا ذلك.
4 في ش: يجعل بدلاً عن.
5 في ض: يدل.
6 في ش: بالكلي.
7 في ش ض ب: المجموع.
8 في ش: وهي.
9 في ع ض ب: جميع.
10 في ض: اعتبار.(3/193)
الْمُفْرَدِ1 فِي مَعَانِيهِ2.
وَوَجْهُ الْبِنَاءِ: أَنَّ التَّثْنِيَةَ وَالْجَمْعَ تَابِعَانِ لِمَا3 يُسَوَّغُ عَلَى4 الْمُفْرَدِ فِيهِ، فَحَيْثُ جَازَ اسْتِعْمَالُ الْمُفْرَدِ فِي مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ جَازَ تَثْنِيَةُ الْمُشْتَرَكِ وَجَمْعُهُ، وَحَيْثُ لا فَلا، فَتَقُولُ5: عُيُونُ زَيْدٍ، وَتُرِيدُ: بِذَلِكَ الْعَيْنَ الْبَاصِرَةَ، وَالْعَيْنَ الْجَارِيَةَ، وَعَيْنَ الْمِيزَانِ، وَالذَّهَبِ6 الَّذِي لِزَيْدٍ7.
وَاسْتَعْمَلَ الْحَرِيرِيّ8ُ ذَلِكَ فِي الْمَقَامَاتِ، فِي قَوْلِهِ "فَانْثَنَى بِلا عَيْنَيْنِ" يُرِيدُ الْبَاصِرَةَ وَالذَّهَبَ. وَهَذَا قَوْلُ الأكثر9.
__________
1 في ش: الفرد.
2 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/297.
3 في ب: على.
4 ساقطة من ز ش.
5 في ض: فيقول.
6 في ض ع ب: والذهب والفضة.
7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/112، الإحكام للآمدي 2/242، المنخول ص147، جمع الجوامع 1/297.
8 هو القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد، الحريري البصري، صاحب "المقامات" المشهورة، قال ابن السمعاني: "أحد الأئمة في الأدب واللغة، ولم يكن له في فنه نظير في عصره، فاق أهل زمانه بالذكاء والفصاحة"، وكان غنياً كثير المال، وقال ابن خلكان: "ورزق الحظوة التامة في عمل "المقامات"، واشملت على شيء كثير من كلام العرب، من لغاتها وأمثالها ورموز أسرار كلامها، ومن عرفها حق معرفتها استدل بها على فضل هذا الرجل، وكثرة اطلاعه، وغزارة مادته"، ويحكي أنه كان دميماً، قبيح المنظر، وكان مولعاً بنتف لحيته عند الفكرة، وله تواليف حسان، منها "در الغواص في أوهام الخواص" و "ملحمة الإعراب" منظومة في النحو، وله "شرحها" وله "ديوان شعر ورسائل" توفي سنة516هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/266، وفيات الأعيان 3/227، شذرات الذهب 4/50، إنباه الرواة 3/23، بغية الوعاة 2/257، مرآة الجنان 3/213، النجوم الزاهرة 5/225".
9 في ش ز: كثير.
وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/112، الإحكام للآمدي 2/242.(3/194)
وَقِيلَ: يَجُوزُ تَثْنِيَتُهُ وَجَمْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ1 إطْلاقُ الْمُفْرَدِ عَلَى مَعَانِيهِ2.
وَقِيلَ: بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا.
"وَيَصِحُّ إطْلاقُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ الرَّاجِحِ مَعًا" وَيَكُونُ إطْلاقُهُ عَلَيْهِمَا مَعًا مَجَازًا. فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الأَقْوَالِ وَالأَحْكَامِ3.
إلاَّ أَنَّ الْقَاضِي4 أَبَا5 بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيَّ قَالَ: اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مُحَالٌ لأَنَّ الْحَقِيقَةَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ وَالْمَجَازُ6 فِيمَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ7، وَهُمَا مُتَنَاقِضَانِ8انْتَهَى.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 9 فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي وَلَدِ الصُّلْبِ، مَجَازٌ فِي وَلَدِ الابْنِ.
وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} 10 فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِلْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، خِلافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِالْوُجُوبِ11
__________
1 في ع: نصحح.
2 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/112.
3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/113، المسودة ص166، العدة 22/703، جمع الجوامع 1/298.
4 ساقطة من ش.
5 في ب: أبو.
6 ساقطة من ش.
7 ساقطة من ض.
8 انظر: المسودة ص166، المنخول ص147، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/298.
9 الآية 11 من النساء.
10 الآية 77 من الحج.
11 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/299.(3/195)
وَبَعْضُهُمْ قَالَ: إنَّ مَدْلُولَ ذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ1 مُطْلَقُ الطَّلَبِ، فِرَارًا مِنْ الاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ2. وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْمَجْدُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ" 3 يَشْمَلُ الْمُحْتَضَرَ وَالْمَيِّتَ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ، فَبَعْدَ الْمَوْتِ حَقِيقَةٌ، وَقَبْلَهُ مَجَازٌ4.
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا: اللَّمْسُ حَقِيقَةٌ فِي اللَّمْسِ5 بِالْيَدِ، مَجَازٌ فِي الْجِمَاعِ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا. وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْهُمَا جَمِيعًا، لأَنَّهُ لا تَدَافُعَ بَيْنَهُمَا6.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُ يَجِبُ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ7 "وَهُوَ" أَيْ اللَّفْظُ حَالَةَ إطْلاقِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَمَجَازهِ8 "ظَاهِرٌ فِيهِمَا" أَيْ
__________
1 في د: على.
2 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/299.
3 هذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن معقل بن يسار، ورواه النسائي في "عمل اليوم والليلة".
قال النووي: "إسناده ضعيف، فيه مجهولان، لكن لم يضعفه أبو داود" وقال ابن حجر: "أعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال راويه" ونقل عنه قوله: "وأما الحاكم فتساهل في تصحيحه لكنه من فضائل الأعمال، وعلى هذا يحمل سكوت أبي داود، والعلم عند الله" وقال الدارقطني: "إنه حديث ضعيف الإسناد، مجهول المتن، ولا يصح في الباب حديث".
"انظر: سنن أبي داود 4/287، مختصر سنن أبي داود 4/287، سنن ابن ماجه 1/466، مسند أحمد 5/26، المستدرك 1/565، الأذكار للنووي ص131، فيض القدير 2/67، موارد الظمآن ص184".
4 انظر: المحرر في الفقه 1/182.
5 في ش ز ض: بالمس، والأعلى من ع ب، و "العدة".
6 العدة 2/704.
7 انظر: المسودة ص167، 565، المنخول ص148.
8 في ش: الحقيقة والمجاز.(3/196)
غَيْرُ مُجْمَلٍ، وَلا ظَاهِرٍ1 فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ، إذْ لا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَحَدُهُمَا "فَيُحْمَلُ2 عَلَيْهِمَا كَعَامٍّ3".
وَمَحَلُّ صِحَّةِ الإِطْلاقِ وَالْحَمْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَنَافٍ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ.
"فَإِنْ تَنَافَيَا4 كَافْعَلْ، أَمْرًا و5َ تَهْدِيدًا: امْتَنَعَ" الإِطْلاقُ وَالْحَمْلُ.
"وَأُلْحِقَ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ "بِذَلِكَ" أَيْ بِمَا تَقَدَّمَ اللَّفْظَانِ "الْمَجَازَانِ الْمُسْتَوَيَانِ6" مِثَالُ ذَلِكَ7 لَوْ حَلَفَ لا يَشْتَرِي دَارَ زَيْدٍ، وَقَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ: أَنَّهُ8 لا يَعْقِدُ بِنَفْسِهِ، وَتَرَدَّدَ الْحَالُ بَيْنَ السَّوْمِ وَشِرَاءِ الْوَكِيلِ: هَلْ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا أَمْ لا؟ فَمَنْ جَوَّزَ الْحَمْلَ يَقُولُ: يَحْنَثُ كُلٌّ مِنْهُمَا9.
"وَدَلالَةُ الاقْتِضَاءِ وَالإِضْمَارِ عَامَّةٌ" عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْمَالِكِيَّةِ10.
وَعِنْدَ الْقَاضِي وَجَمْعٌ مُجْمَلَةٌ11.
__________
1 في ع: نص أو ظاهر.
2 في ش: فتحمل.
3 انظر: جمع الجوامع 1/296، مختصر البعلي ص110.
4 في ش: وإن تنافى.
5 في ع ب: أو.
6 في ش: المستوفيان.
7 في ش: مثل، وفي ز ض ع: مثل ذلك.
8 ساقطة من ز.
9 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/300.
10 نسب البردوي هذا القول للشافعي، وليس هناك دليل يؤيد ذلك، لكن قال بهذا القول بعض الشافعية.
"انظر: كشف الأسرار 2/237، المستصفى 2/62، تيسير التحرير 1/242، المسودة ص90، مختصر البعلي ص111، تخريج الفروع على الأصول ص145، إرشاد الفحول ص131، العدة 2/513".
11 قال المجد ابن تيمية: "وقال أكثر الحنفية وبعض الشافعية، لا يثبت العموم في ذلك بل هو مجمل، واختاره القاضي في أوائل "العدة" وآخر "العمدة" وزعم أن أحمد قد أومأ إليه، وذكر كلاماً لا يدل عندي على ما قال بل على خلافه" "المسودة ص91، 94"
"وانظر: المحلي على جمع الجوامع 1/424، المستصفى 2/62".(3/197)
وَعِنْدَ ابْنِ حَمْدَانَ وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ هِيَ لِنَفْيِ الإِثْمِ1.
وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - بِمَا رَوَاهُ2 الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ" وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ "إنَّ اللَّهَ وَضَعَ" وَرَوَاهُ3 ابْنُ عَدِيٍّ4 "إنَّ اللَّهَ رَفَعَ5 عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ ثَلاثًا: الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَالأَمْرَ يُكْرَهُونَ عَلَيْهِ" 6 فَمِثْلُ هَذَا يُقَالُ فِيهِ: مُقْتَضَى الإِضْمَارِ، وَمُقْتَضَاهُ الإِضْمَارُ.
__________
1 يعبر الحنفية والشافعية عن هذا الرأي بقولهم: "المقتضى لا عموم له".
"انظر: البناني على جمع الجوامع 1/402، نهاية السول 2/89، المستصفى 2/61، المحصول ج1 ق2/624، تخريج الفروع على الأصول ص149، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/115، اللمع ص17، مختصر البعلي ص111، الإحكام للآمدي 2/249، فواتح الرحموت 1/294، أصول السرخسي 1/248، تيسير التحرير 1/22، إرشاد الفحول ص131، مباحث الكتاب والسنة 159، العدة 2/517".
2 في ز ض ع ب: روى.
3 في ز ض ب: وروى.
4 هو عبد الله بن عدي بن عبد الله بن مبارك، الجرجاني، أبو أحمد، ويعرف أيضاً بابن القطان، قال ابن قاضي شبهة: "أحد الأئمة الأعلام وأركان الإسلام" كان حافظاً متقناً جليلاً عارفاً بعلل الرجال، رحل إلى بلاد كثيرة كالشام ومصر، قال ابن السبكي: "وكتابه الكامل" طابق اسمه معناه، ووافق لفظه فحواه وكان فيه لحن، وألف كتاب "الانتصار" على مختصر المزني في الفقه، وكتاب "الكامل في معرفة الضعفاء والمتروكين"، توفي سنة 365 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 3/315، طبقات الحفاظ ص380، شذرات الذهب 3/51، تذكرة الحفاظ 3/940، البداية والنهاية 11/283".
5 في ز ض ب: رفع الله.
6 انظر: سنن ابن ماجه 1/659، كشف الخفا 1/433، فيض القدير 4/34، 6/362، تخريج أحاديث البردوي ص89، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص294، المستدرك 2/198، مجمع الزوائد 6/250، التلخيص الحبير 2/281.
وسبق تخريج هذا الحديث برواياته وألفاظ في المجلد الأول ص436، 512، والمجلد الثاني ص31، 60.(3/198)
وَدَلالَتُهُ1 عَلَى الْمُضْمَرِ دَلالَةُ إضْمَارٍ وَاقْتِضَاءٍ. فَالْمُضْمَرُ عَامٌّ2.
قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَيُسَمَّى مُقْتَضًى3، لأَنَّهُ أَمْرٌ اقْتَضَاهُ النَّصُّ لِتَوَقُّفِ صِحَّتِهِ عَلَيْهِ. وَهُوَ بِكَسْرِ الضَّادِ: اللَّفْظُ الطَّالِبُ لِلإِضْمَارِ، وَبِفَتْحِهَا, ذَلِكَ الْمُضْمَرُ نَفْسُهُ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْكَلامُ, تَصْحِيحًا4وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا, انْتَهَى.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: الْمُقْتَضِي -بِالْكَسْرِ-: الْكَلامُ الْمُحْتَاجُ لِلإِضْمَارِ، وَبِالْفَتْحِ: هُوَ ذَلِكَ الْمَحْذُوفُ. وَيُعَبَّرُ عَنْهُ أَيْضًا بِالْمُضْمَرِ5, فَالْمُخْتَلَفُ فِي عُمُومِهِ: عَلَى6 الصَّحِيحِ الْمُقْتَضَى -بِالْفَتْحِ- بِدَلِيلِ7 اسْتِدْلالِ مَنْ نَفَى عُمُومَهُ بِكَوْنِ8 الْعُمُومِ مِنْ عَوَارِضِ الأَلْفَاظِ، فَلا يَجُوزُ دَعْوَاهُ فِي الْمَعَانِي. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُقْتَضِي9 -بِالْكَسْرِ–
__________
1 في ب: ودلالة.
2 أي إن الخطأ أو النسيان لا يمكن رفعه، لأنه قد وقع فعلا، ولكن المراد به حكمه الذي تعلق به الفعل، وهذا الحكم عام في الإثم والأثر المترتب على الفعل.
انظر استدلال علماء الأصول بهذا الحديث قي "المسودة ص91، 94، 95، 103، العضد على ابن الحاجب 2/116، المستصفى 2/62، الإحكام للآمدي 2/249، العدة 2/514، 517، الروضة 2/183".
3 في ز ض ع ب: مقتضياً.
4 ساقطة من ش.
5 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/424، المحصول ج1 ق2/624، تيسير التحرير 1/241، العضد على ابن الحاجب 2/115، فواتح الرحموت 1/294، إرشاد الفحول ص131، مباحث الكتاب والسنة ص160.
6 في ش: هو.
7 ساقطة من ع.
8 في ع: لكون.
9 في ب: المحتمل.(3/199)
وَهُوَ الْمَنْطُوقُ بِهِ، الْمُحْتَاجُ فِي دَلالَتِهِ لِلإِضْمَارِ، كَمَا صَوَّرَ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ1.
وَبِالْجُمْلَةِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْمُحْتَاجَ إلَى تَقْدِيرٍ فِي نَحْوِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ} 2 وَغَيْرِهَا مِنْ الأَمْثِلَةِ، إنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَقْدِيرِ شَيْءٍ مِنْ الْمُحْتَمَلاتِ كُلِّهَا، وَ3 هُوَ الْمُرَادُ بِالْعُمُومِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوَّلاً؟ فِيهِ4 مَذَاهِبُ5.
وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ رَفْعَ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ، بَلْ مَا تَعَلَّقَ بِهِ, فَاللَّفْظُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ مَعَ قَرِينَةٍ عَقْلِيَّةٍ. احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ6.
7قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّ8 مَا عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِنَفْسِهِ مَعَ قَرِينَةٍ عَقْلِيَّةٍ. فَهُوَ حَقِيقَةٌ، أَوْ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ، لَكِنْ مُقْتَضَاهُ الأَوَّلُ9.
وَكَذَا فِي التَّمْهِيدِ وَالرَّوْضَةِ: أَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي ذَلِكَ10.
__________
1 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/402، مباحث الكتاب والسنة ص158، 162، العدة 2/517.
2 الآية 3 من المائدة.
وليس المقصود من الآية تحريم نفس العين، بل المقصود الفعل، ويحمل على كل فعل من بيع وأكل وغيرهما. "انظر: المسودة ص90، العدة2/145، 513، 518".
3 في ش: أو.
4 في ش: أو.
5 قال القاضي أبو يعلى: "وذهب الأكثر من أصحاب أبي حنيفة والشافعي إلى أنه لا يعتبر العموم في ذلك" "العدة 2/517".
"وانظر: المسودة ص90 وما بعدها".
6 ساقطة من ش ز.
وانظر: العدة 2/517، الروضة 2/183.
7 ساقطة من ش.
8 في ض ع ب. مضمونه أن.
9 انظر: المسودة ص93.
10 انظر: الروضة ص183.(3/200)
وَاعْتُرِضَ: لا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ، فَهُوَ مَجَازٌ1.
وَ2 رُدَّ بِالْمَنْعِ لذَلِكَ3.
ثُمَّ قَوْلُنَا أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ.
وَعُورِضَ بِأَنَّ بَابَ الإِضْمَارِ فِي الْمَجَازِ أَقَلُّ، فَكُلَّمَا قَلَّ قَلَّتْ مُخَالَفَةُ الأَصْلِ فِيهِ، فَيَسْلَمُ قَوْلُنَا: لَوْ عَمَّ أُضْمِرَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. وَلا يَجُوزُ4.
رَدٌّ بِالْمَنْعِ، فَإِنَّ حُكْمَ الْخَطَإِ عَامٌّ وَلا زِيَادَةَ، وَيَمْنَعُ أَنَّ زِيَادَةَ حُكْمٍ مَانِعٌ5.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ بَعْضِهِمْ6: التَّخْصِيصُ كَالإِضْمَارِ وَكَذَا قَالَ إلْكِيَا فِي الإِضْمَارِ: هَلْ هُوَ مِنْ الْمَجَازِ أَمْ لا؟ فِيهِ قَوْلانِ، كَالْقَوْلَيْنِ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، فَإِنَّهُ7 نَقْصُ الْمَعْنَى عَنْ اللَّفْظِ وَالإِضْمَارُ عَكْسُهُ، وَ8 لَيْسَ فِيهِمَا اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي مَوْضِعٍ9 آخَرَ.
وَفِي التَّمْهِيدِ: لأَنَّ الإِثْمَ لا مِزْيَةَ10
__________
1 وهذا محكي عن أبي عبد البصري المعروف بالجعل. "انظر: العدة 2/518، 519".
وانظر: المسودة ص93.
2 ساقطة من ز ض ب.
3 في ش: كذلك.
وانظر: العدة 2/519.
4 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/116، العدة 2/518.
5 انظر: مناقشة هذه الأدلة في "الإحكام للآمدي 2/249-250".
6 هذا ما نقله الشيخ تقي الدين ابن تيمية عن القاضي أبي يعلى. "انظر: المسودة ص565".
7 في المسودة: فإن العموم المخصوص.
8 ساقطة من جميع النسخ، وأثبتناها من "المسودة".
9 في ز ض ع ب: موضوع.
10 في ع: لا مزية فيه.(3/201)
لأُمَّتِهِ1 فِيهِ عَلَى الأُمَمِ2 لأَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ3، وَلأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ4 فِي5 نَحْوِ: لَيْسَ لِلْبَلَدِ6 سُلْطَانٌ، لِنَفْيِ الصِّفَاتِ الَّتِي تَنْبَغِي لَهُ7.
وَلا وَجْهَ لِمَنْعِ الآمِدِيِّ الْعُرْفَ فِي نَحْوِ: لَيْسَ لِلْبَلَدِ سُلْطَانٌ8 وَكَلامُ الآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ فِي التَّحْرِيمِ الْمُضَافِ إلَى الْعَيْنِ، وَنَحْوُ "لا صَلاةَ إلاَّ بِطَهُورٍ" يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ9 هُنَا. وَقَالُوا فِيهِ بِزِيَادَةِ الإِضْمَارِ، وَأَنَّهُ أَوْلَى, وَقَالُوا10 فِي "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي" لا إجْمَالَ فِيهِ وَلا إضْمَارَ، لِظُهُورِهِ11 لُغَةً قَبْلَ الشَّرْعِ فِي نَفْيِ الْمُؤَاخَذَةِ وَالْعِقَابِ، وَتَبَادُرِهِ إلَى الْفَهْمِ. وَالأَصْلُ فِيمَا تَبَادَرَ: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ لُغَةً أَوْ12 عُرْفًا13.
"وَ" مَا مِنْ اللَّفْظِ "مِثْلُ: لا آكُلُ، أَوْ14 إنْ أَكَلْت فَعَبْدِي حُرٌّ: يَعُمُّ مَفْعُولاتِهِ، فَيُقْبَلُ تَخْصِيصُهُ" وَكَذَا سَائِرُ الأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ15
__________
1 في ش: إلا منه
2 في ش الإثم، وفي هامش ش: كذا في الأصل، وليحرر.
3 انظر: الروضة 2/184.
4 في ز ض ع ب: العرف.
5 ساقطة من ض ع ب.
6 في ز ش: في البلد.
7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/116، الروضة 2/182، الإحكام للآمدي 2/249.
8 انظر: الإحكام للآمدي 2/249.
9 في ش: ذكره.
10 في ز: وقال.
11 في ش ز ض: لظهور.
12 في ب: و.
13 انظر: فواتح الرحموت 1/265، الروضة 2/183، الإحكام للآمدي 2/249.
14 في ض ع: و.
15 انظر: هذه المسألة في "جمع الجوامع 1/423، نهاية السول 2/87، المستصفى 2/62، الإحكام للآمدي 2/251، المحصول ج1 ق2/627، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/117، فواتح الرحموت 2/286، مختصر البعلي ص111".(3/202)
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: الْفِعْلُ الْمَنْفِيُّ هَلْ يَعُمُّ، حَتَّى إذَا وَقَعَ فِي يَمِينٍ1، نَحْوُ وَاَللَّهِ لا آكُلُ أَوْ2 لا أَضْرِبُ أَوْ3 لا أَقُومُ، أَوْ مَا أَكَلْت أَوْ مَا قَعَدْت وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَنَوَى تَخْصِيصَهُ بِشَيْءٍ يُقْبَلُ، أَوْ لا يَعُمُّ فَلا يُقْبَلُ؟
يَنْظُرُ. إمَّا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُتَعَدِّيًا أَوْ لازِمًا:
فَالأَوَّلُ: هُوَ الَّذِي يَنْصَبُّ فِيهِ الْخِلافُ عِنْدَ الأَكْثَرِ. فَإِذَا نُفِيَ وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُ مَفْعُولٌ بِهِ، فَفِيهِ مَذْهَبَانِ:
أَحَدُهُمَا: -وَهُوَ4 قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ5 وَأَبِي يُوسُفَ- أَنَّهُ يَعُمُّ6وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّهُ لا يَعُمُّ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْقُرْطُبِيِّ وَالرَّازِيِّ7.
وَمَنْشَأُ الْخِلافِ: النَّفْيُ8 لِلأَفْرَادِ9، فَيُقْبَلُ10 إرَادَةُ التَّخْصِيصِ بِبَعْضِ
__________
1 في ز: عين.
2 في ش: و.
3 في ش:
و4 ساقطة من ز ض ع ب.
5 في ز ع ب: والمالكية والشافعية.
6 انظر نهاية السول 2/82، المستصفى 2/62، الإحكام للآمدي 2/251، المحصول ج1 ق2/627، شرح تنقيح الفصول ص184، جمع الجوامع 1/423، مختصر ابن الحاجب 2/116، مباحث الكتاب والسنة ص136.
7 قال الرازي: "ونظر أبي حنيفة رحمه الله –فيه دقيق" "المحصول ج1 ق2/627".
وانظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/116، المحلي على جمع الجوامع 1/423، نهاية السول 2/87، المستصفى 2/62، الإحكام للآمدي 2/251، المحصول ج1 ق2/627، شرح تنقيح الفصول ص184.
8 في ش ز ض ب: المنفي.
9 في ش ز: بالإفراد.
10 في ش ز: فتقبل.(3/203)
الْمَفَاعِيلِ بِهِ لِعُمُومِهِ, أَوْ لِنَفْيِ1 الْمَاهِيَّةِ وَلا تَعَدُّدَ فِيهَا، فَلا عُمُومَ, وَالأَصَحُّ هُوَ الأَوَّلُ.
"فَلَوْ2 نَوَى" مَأْكُولاً "مُعَيَّنًا: قُبِلَ بَاطِنًا" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَابْنِ الْبَنَّا وَالْقُرْطُبِيِّ وَالرَّازِيِّ3.
فَإِنْ ذَكَرَ الْمَفْعُولَ بِهِ،.كَ لا أُكُلُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا، أَوْ لا أَضْرِبُ عَبْدًا، فَلا خِلافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي عُمُومِهِ وَقَبُولِهِ التَّخْصِيصَ4.
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِقَوْلِهِ "بَاطِنًا" بِصِحَّةِ الاسْتِثْنَاءِ فِيهِ، فَكَذَا تَخْصِيصُهُ.
قَالَ الْمُخَالِفُ: الْمَأْكُولُ لَمْ يُلْفَظْ بِهِ، فَلا عُمُومَ، كَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ5.
رُدَّ6 بِأَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ7.
__________
1 في ش ز ض ب: المنفي.
2 في ش: أو.
3 لا يقبل قوله قضاء بالاتفاق، لأن النية خلاف الظاهر من الكلام، وفيها منفعة له، فتكون كدعوى، فلا تقبل إلا بدليل، ولا يقبل ديانة عند أبي حنيفة ومن معه، لأن التخصيص من توابع العموم، ولا عموم هنا.
"انظر: المستصفى 2/62، الإحكام للآمدي 2/251، المحصول ج1 ق2/627، نهاية السول 2/78، 88، المحلي على جمع الجوامع 1/423، شرح تنقيح الفصول ص185، فواتح الرحموت 1/286، مختصر البعلي ص111".
4 في ض ع ب: للتخصيص.
انظر: نهاية السول 2/87.
5 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/117، نهاية السول 2/88، المستصفى 2/62، الإحكام للآمدي 2/251، المحصول ج1 ق2/628، فواتح الرحموت 1/186، شرح تنقيح الفصول ص185.
6 في ش ض: ورد.
7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/117.(3/204)
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ بِالْفَرْقِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ1.
"فَلَوْ زَادَ" فَقَالَ: إنْ أَكَلْت "لَحْمًا" مَثَلاً "وَنَوَى" لَحْمًا "مُعَيَّنًا، قُبِلَ" مِنْهُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ2 "مُطْلَقًا" أَيْ بَاطِنًا وَظَاهِرًا.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ عِنْدَنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ3، مَا ذُكِرَ عَنْ غَيْرِنَا، وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا اتِّفَاقًا، وَخَرَّجَهُ الْحَلْوَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ4.
"وَالْعَامُّ فِي شَيْءٍ عَامٌّ فِي مُتَعَلِّقَاتِهِ" وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: خِلافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
قَالَ الإِمَامُ5, أَحْمَدُ فِي قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 6 ظَاهِرُهَا عَلَى الْعُمُومِ: أَنَّ مَنْ7 وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ وَلَدٍ فَلَهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ, وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَ8 هُوَ الْمُعَبِّرُ عَنْ الْكِتَابِ- أَنَّ الآيَةَ إنَّمَا قَصَدَتْ لِلْمُسْلِمِ9، لا لِلْكَافِرِ10.
__________
1 انظر بيان الفرق في "الإحكام للآمدي 2/251، شرح تنقيح الفصول ص185، فواتح الرحموت 2/286".
2 في ب: المتعين.
3 ساقطة من ش.
4 في ش: الروايتين.
وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/118، المحلي على جمع الجوامع 1/423، نهاية السول 2/78، 88، المحصول ج1 ق2/630، فواتح الرحموت 1/288، التمهيد ص113.
5 ساقطة من ض ب.
6 الآية 11 من النساء.
7 ساقطة من ض.
8 ساقطة من ع ب.
9 سبق بيان هذه المسألة عن الإمام أحمد مع الأدلة ص115.
10 في ع: الكافر.(3/205)
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: سَمَّاهُ عَامًّا, وَهُوَ مُطْلَقٌ فِي الأَحْوَالِ يَعُمُّهَا عَلَى الْبَدَلِ, وَمَنْ أَخَذَ بِهَذَا1 لَمْ يَأْخُذْ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ لَفْظِ الْقُرْآنِ، بَلْ بِمَا ظَهَرَ لَهُ مِمَّا سَكَتَ عَنْهُ الْقُرْآنُ.
وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 2 عَامَّةٌ فِيهِمْ، مُطْلَقَةٌ فِي أَحْوَالِهِمْ. فَإِذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِحُكْمٍ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِظَاهِرِ لَفْظِ الْقُرْآنِ، بَلْ لِمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ3.
وَقَالَ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا، كَالْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" 4 فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ، وَفِي وَصِيَّةِ الْمُمَيِّزِ. وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ عَلَى الشُّفْعَةِ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ" 5
__________
1 في ز: بها.
2 الآية 5 من التوبة.
3 تقدمت مسألة "عموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأزمنة"، خلافاً للقرافي وبعض الحنابلة، كأبي العباس ابن تيمية الذي قال: "إن عموم الأشخاص لا يقتضي عموم الأحوال"، "راجع ذلك مع الأدلة ص115".
4 هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي والدارقطني وابن عدي عن أمامة وعمرو بن خارجة وأنس وابن عباس وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وجابر وزيد بن أرقم والبراء وعلي بن أبي طالب ومعتقل بن يسار رضي الله عنهم مرفوعاً بلفظ: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث".
"انظر: سنن أبي داود 2/103، سنن النسائي 6/207، تحفة الأحوذي 6/309، سنن ابن ماجه 2/906، نصب الراية 4/403، سنن البيهقي 6/463، سنن الدارقطني 4/98، كشف الخفا 2/514، تخريج أحاديث البردوي ص222، التلخيص الحبير 3/92، مسند أحمد 4/186، 238، 5/267".
5 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم ومالك والشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن جابر وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 2/22 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 11/46، سنن ابي داود 2/256، تحفة الأحوذي 4/613، سنن النسائي 7/282، سنن ابن ماجه 2/834، الموطأ ص444 ط الشعب، بدائع المنن 2/211، مسند أحمد 3/296، 399، التلخيص الحبير 3/55، 56، نصب الراية 4/175".(3/206)
وَأَجَابَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ عَامٌّ فِي الأَمْلاكِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
تَنْبِيهٌ:
لا يَخْتَصُّ جَوَازُ التَّخْصِيصِ بِالنِّيَّةِ بِالْعَامِّ، بَلْ يَجْرِي فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ بِالنِّيَّةِ. وَلِذَلِكَ لَمَّا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِي "لا أَكَلْت" إنَّهُ لا عُمُومَ فِيهِ، بَلْ مُطْلَقٌ، وَالتَّخْصِيصُ فَرْعُ الْعُمُومِ1. اُعْتُرِضَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالنِّيَّةِ تَقْيِيدًا، فَلَمْ يَمْنَعُوهُ, وَهَذِهِ هِيَ2 مَسْأَلَةُ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالنِّيَّةِ, وَلا أَكَلْت مِثْلَ قَوْلِهِ: إِنْ3 أَكَلْت، لأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ تَعُمُّ كَالنَّفْيِ4.
"وَنَفْيُ الْمُسَاوَاةِ لِلْعُمُومِ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ5.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْغَزَالِيِّ وَالرَّازِيِّ وَالْبَيْضَاوِيِّ: لَيْسَ لِلْعُمُومِ, وَيَكْفِي النَّفْيُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ6.
__________
1 انظر: شرح تنقيح الفصول ص185، فواتح الرحموت 1/286.
2 انظر: شرح تنقيح الفصول ص185، فواتح الرحموت 1/286.
3 في ش: وإن.
4 انظر: المحصول 2/619 هامش.
5 انظر هذه المسألة في "جمع الجوامع والمحلي عليه 1/422، نهاية السول 2/87، الإحكام للآمدي 2/247، المحصول ج1 ق2/617، شرح تنقيح الفصول ص186، التمهيد ص98، تخريج الفروع على الأصول ص160، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/114، فواتح الرحموت 1/289، تيسير التحرير 1/250، مختصر البعلي ص111، المسودة ص106".
6 انظر: نهاية السول 2/85، المعتمد 1/249، الإحكام للآمدي 2/247، المحصول ج1 ق2/617، المحلي على جمع الجوامع 1/422، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/114، شرح تنقيح الفصول ص186، فواتح الرحموت 1/289، تيسير التحرير 1/250، التمهيد ص98، المسودة ص107، مختصر البعلي ص111.(3/207)
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: إنَّ1 الْخِلافَ فِي الاسْتِدْلالِ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ بِقَوْله تَعَالَى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} 2 فَلَوْ قُتِلَ بِهِ لَثَبَتَ اسْتِوَاؤُهُمَا، وَالاسْتِدْلالُ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ لا يَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ بِقَوْله تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} 3 وَ4 لَوْ قُلْنَا: يَلِي5، لاسْتَوَى مَعَ الْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ، وَهُوَ الْعَدْلُ6.
وَمَنْ نَفَى الْعُمُومَ فِي الآيَتَيْنِ لا يَمْنَعُ قِصَاصَ الْمُؤْمِنِ بِالذِّمِّيِّ، وَلا وِلايَةَ الْفَاسِقِ7.
ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَأْخَذَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الاسْتِوَاءَ فِي الإِثْبَاتِ هَلْ هُوَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي اللُّغَةِ أَوْ مَدْلُولُهُ لُغَةً الاسْتِوَاءُ مِنْ وَجْهٍ مَا؟
فَإِنْ قُلْنَا: مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَنَفْيُهُ مِنْ سَلْبِ الْعُمُومِ، 8فَلا يَكُونُ عَامًّا9.
وَإِنْ قُلْنَا: مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، فَهُوَ مِنْ عُمُومِ
__________
1 في ز ض ع ب: وإن.
2 الآية 20 من الحشر.
3 الآية 18 من السجدة.
4 ساقطة من ش ز ض ب.
5 في ش: بلى.
6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/422، نهاية السول 2/87، المعتمد 1/249، التمهيد ص98.
7 وهو قول الحنفية في المسألتين.
"انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/422، العضد على ابن الحاجب 2/114، فواتح الرحموت 1/289".
8 ساقطة من ب هنا، ثم ذكرت بعد ست كلمات.
9 انظر: نهاية السول 2/87، فواتح الرحموت 1/289، تيسير التحرير 1/250.(3/208)
السَّلْبِ1 فِي الْحُكْمِ، لأَنَّ نَقِيضَ الإِيجَابِ الْكُلِّيِّ سَلْبٌ جُزْئِيٌّ، وَنَقِيضَ الإِيجَابِ الْجُزْئِيِّ سَلْبٌ كُلِّيٌّ, وَ2 لَكِنْ كَوْنُ الاسْتِوَاءِ فِي الإِثْبَاتِ عَامًّا مِنْ غَيْرِ صِيغَةِ عُمُومٍ مَمْنُوعٌ, غَايَتُهُ: أَنَّ حَقِيقَةَ الاسْتِوَاءِ ثَبَتَتْ3.
وَقَوْلُ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ: نَفْيُ الاسْتِوَاءِ أَعَمُّ مِنْ نَفْيِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَمِنْ نَفْيِهِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ وَالأَعَمُّ4 لا يَلْزَمُ مِنْهُ الأَخَصُّ5: مَرْدُودٌ بِمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَغَيْرُهُ6. بِأَنَّ7 ذَلِكَ فِي الإِثْبَاتِ أَمَّا8 نَفْيُ الأَعَمِّ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ انْتِفَاءُ9 الأَخَصِّ، كَنَفْيِ الْحَيَوَانِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الإِنْسَانِ. هَذَا إذَا سَلَّمْنَا أَنَّ الاسْتِوَاءَ عَامٌّ لَهُ جُزْئِيَّاتٌ10.
أَمَّا إذَا قُلْنَا: حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهَا نَفْيُ كُلِّ مُتَّصِفٍ بِهَا11.
"وَالْمَفْهُومُ مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ أَوْ مُخَالَفَةٍ12 "عَامٌّ فِيمَا
__________
1 في ش: السبب.
2 ساقطة من ب.
3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/114، نهاية السول 2/87، فواتح الرحموت 1/289، الإحكام للآمدي 247، شرح تنقيح الفصول ص186، تيسير التحرير 1/251، التمهيد ص98.
4 في ش: أعم.
5 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/114، نهاية السول 2/87.
6 ساقطة من ش.
7 في ش: إن.
8 في ش: ما.
9 في ب: نفي.
10 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/114، نهاية السول 2/87، تيسير التحرير 1/250.
11 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/115.
12 في ز ض ع ب: مخالفة أو موافقة.(3/209)
سِوَى الْمَنْطُوقِ يُخَصَّصُ1 بِمَا. يُخَصَّصْ2 بِهِ الْعَامُّ هَذَا3 عِنْدَ الأَكْثَرِينَ4 مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ5.
قِيلَ6 لأَصْحَابِنَا: لَوْ كَانَ حُجَّةً لَمَا خُصَّ، لأَنَّهُ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ اللَّفْظِ كَالْعِلَّةِ، فَأَجَابُوا بِالْمَنْعِ، وَأَنَّ اللَّفْظَ بِنَفْسِهِ دَلَّ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ، فَخُصَّ كَالنُّطْقِ وَقَدْ قِيلَ لأَحْمَدَ7 فِي الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ السَّبْعَ وَالذِّئْبَ وَالْغُرَابَ وَنَحْوُهُ؟ فَاحْتَجَّ8 بِقَوْله تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ ... } الآيَةَ9 10 لَكِنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ11 هَلْ يَعُمُّهُ النُّطْقُ12؟ فِيهِ خِلافٌ يَأْتِي.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: قَالَ الآمِدِيُّ وَالرَّازِيُّ13: الْخِلافُ فِي الْمَفْهُومِ حُجَّةٌ،
__________
1 في ز ش: مخصص.
2 في ش: لم يخصص.
3 في ب: وهذا.
4 في ش ز ع ب: الأكثر.
5 واختار أبو العباس ابن تيمية وابن عقيل والمقدسي من الحنابلة أنه لا عموم له، وهو رأي الغزالي وابن دقيق العيد من الشافعية.
"انظر: مختصر البعلي ص111، 113، القواعد والفوائد الأصولية ص234، 237، مختصر ابن الحاجب 2/120، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/416 وما بعدها، المحصول ج1 ق2/654، الإحكام للآمدي 2/257، منهاج العقول 2/93، شرح تنقيح الفصول ص191، نهاية السول 2/96، تيسير التحرير 1/260، فواتح الرحموت 1/297، إرشاد الفحول ص131، المسودة ص 144".
6 في د ض ب: وقيل.
7 في ز ض ع ب: قال أحمد.
8 في ز ع ض ب: واحتج.
9 ساقطة من ب.
10 الآية 95 من المائدة.
11 في ع: موافقته.
12 في ز: المنطق.
13 انظر: الإحكام للآمدي 2/257، المحصول ج1 ق2/654.(3/210)
لَهُ عُمُومٌ لا يَتَحَقَّقُ، لأَنَّ مَفْهُومَيْ1 الْمُوَافَقَةِ وَالْمُخَالِفَةِ عَامٌّ فِي سِوَى الْمَنْطُوقِ، وَلا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ2، لِقَوْلِهِ3 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ" 4 يَقْتَضِي مَفْهُومُهُ سَلْبَ الْحُكْمِ عَنْ مَعْلُوفَةِ الْغَنَمِ، دُونَ غَيْرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ5.
فَمَتَى جَعَلْنَاهُ حُجَّةً لَزِمَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ جُمْلَةِ صُوَرِ الْمُخَالَفَةِ، وَإِلاَّ لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ, وَتَأَوَّلُوا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُخَالِفِينَ أَرَادُوا: أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِالْمَنْطُوقِ، وَلا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ.
قِيلَ: قَوْلُهُمْ "الْمَفْهُومُ لا عُمُومَ لَهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظٍ حَتَّى يَعُمَّ" لا6. يُرِيدُونَ بِهِ7 سَلْبَ الْحُكْمِ عَنْ جَمِيعِ الْمَعْلُوفَةِ، لأَنَّهُ خِلافُ مَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ، وَلَكِنَّهُمْ قَدْ يَذْكُرُونَهُ فِي مَعْرِضِ الْبَحْثِ، فَقَدْ قَالُوا: دَلالَةُ الاقْتِضَاءِ. تُجَوِّزُ8 رَفْعِ الْخَطَإِ9، أَيْ حُكْمُهُ10: لا يَعُمُّ حُكْمَ الإِثْمِ وَالْغُرْمِ مَثَلاً، تَقْلِيلاً لِلإِضْمَارِ، فَكَذَلِكَ11 يُقَالُ فِي الْمَفْهُومِ: هُوَ حُجَّةٌ، لِضَرُورَةِ
__________
1 في ش مفهوم.
2 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص238، الإحكام للآمدي 2/257.
3 في ز ض ع ب: فقوله.
4 رواه البخاري وأبو داود والنسائي والدارمي والطبراني ومالك وأحمد عن أنس وعمر وابن عمر مرفوعاً بألفاظ متقاربة.
"انظر: صحيح البخاري 1/253، سنن أبي داود 1/358، سنن النسائي 5/14، 20، سنن الدارمي 1/381، تخريج أحاديث البردوي ص127، تخريج احاديث مختصر المنهاج ص289، المنتقى 2/126، مسند أحمد 1/12".
5 انظر: التبصرة ص226، اللمع ص18، إرشاد الفحول ص132.
6 ساقطة من ش.
7 ساقطة من ض.
8 في ش: بجواز.
9 في ب: الخطاب.
10 في ض: حكم.
11 في ش ز ض ب: فلذلك.(3/211)
ظُهُورِ1 فَائِدَةِ التَّقْيِيدِ بِالصِّفَةِ, وَيَكْفِي فِي الْفَائِدَةِ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، لِتَوَقُّفِ بَيَانِهَا عَلَى دَلِيلٍ آخَرَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَهْلُ الْمَفْهُومِ، لَكِنَّهُ بَحْثٌ مُتَّجَهٌ2
"وَرَفْعُ3 كُلِّهِ4 تَخْصِيصٌ أَيْضًا" لإِفْرَادِهِ5 اللَّفْظَ فِي مَنْطُوقِهِ وَمَفْهُومِهِ، فَهُوَ كَبَعْضِ الْعَامِّ6.
__________
1 ساقطة من ش.
2 يرى الفخر الرازي والعضد وغيرهما أنه إذا حرر محل النزاع لم يتحقق خلاف، وأنه نزاع لفظي يعود إلى تفسير العام بأنه ما يستغرق في محل النطق، أو ما يستغرق في الجملة.
انظر مناقشة هذه المسألة في "العضد على ابن الحاجب، والتفتازاني عليه 2/120، جمع الجوامع والمحلي عليه والبناني عليه 1/416 وما بعدها، المحصول ج1 ق2/654، شرح تنقيح الفصول ص191، فواتح الرحموت 1/297، تيسير التحرير 1/260، اللمع ص18، إرشاد الفحول ص131".
3 في ش: ووقع.
4 في ش: كل.
5 في ش: لإفراد، وفي "مختصر البعلي ص113": لإفادة.
6 انظر: مختصر البعلي ص113.(3/212)
فَصْلٌ فِعْلُ 1 النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَعُمُّ أَقْسَامَهُ وَجِهَاتِهِ:
"فِعْلُهُ" أَيْ فِعْلُ1 النَّبِيِّ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُثْبَتِ وَإِنْ انْقَسَمَ إلَى جِهَاتٍ وَأَقْسَامٍ لا يَعُمُّ أَقْسَامَهُ وَجِهَاتِهِ2" لأَنَّ الْوَاقِعَ مِنْهَا3 لا يَكُونُ إلاَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَقْسَامِ4.
مِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى دَاخِلَ الْكَعْبَةِ5 فَإِنَّهَا احْتَمَلَتْ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لا يُتَصَوَّرُ أَنَّهَا فَرْضٌ وَنَفْلٌ مَعًا، فَلا يُمْكِنُ الاسْتِدْلال بِهِ عَلَى جَوَازِ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ، فَلا يَعُمُّ أَقْسَامَهُ6
__________
1 ساقطة من ش ع ض.
2 انظر هذه المسألة في "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/118، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/424، المعتمد 1/205، المستصفى 2/63، الإحكام للآمدي 2/252، 253، المحصول ج1 ق2/648، فواتح الرحموت 1/293، تيسير التحرير 1/247، مختصر البعلي ص111، إرشاد الفحول ص125، اللمع ص16".
3 في ش: فيها.
4 انظر: المستصفى 2/63، الإحكام للآمدي 2/252.
5 روى مالك والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والبغوي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة وبلال بن رباح فأغلقها ومكث فيها، قال عبد الله بن عمر: فسألت بلالاً حين خرج ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: جعل عموداً عن يساره، وعموداً عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة، ثم صلى".
"انظر: صحيح البخاري 1/98، 3/83، صحيح مسلم 2/966، سنن النسائي 5/171، سنن ابن ماجه 2/1018، بدائع المنن 1/65، المنتقى 3/34، شرح السنة 2/331".
6 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/118، المحلي على جمع الجوامع 1/425، المستصفى 2/64، الإحكام للآمدي 2/252، المحصول ج1 ق2653، التلويح على التوضيح 1/271، فواتح الرحموت 1/293، تيسير التحرير1/247، شرح الورقات ص104، إرشاد الفحول ص125، مباحث الكتاب والسنة 156، مختصر البعلي ص111.(3/213)
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فِي السَّفَرِ1،لا يَعُمُّ وَقْتَيْهِمَا2 أَيْ وَقْتَ الصَّلاةِ الأُولَى وَوَقْتَ الصَّلاةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ وُقُوعَهُمَا فِي وَقْتِ الصَّلاةِ الأُولَى وَيَحْتَمِلُ وُقُوعَهُمَا فِي وَقْتِ الصَّلاةِ الثَّانِيَةِ، وَالتَّعْيِينُ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلِيلِ3، فَلا يعُمُّ4 وَقْتَيْ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ، إذْ لَيْسَ فِي نَفْسِ وُقُوعِ الْفِعْلِ الْمَرْوِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ فِي وَقْتَيْهِمَا5.
وَمِثْلُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ6 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بَعْدَ غَيْبُوبَةِ7
__________
1 روى البخاري ومسلم ومالك وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل السير جمع بين المغرب والعشاء، وفي رواية مسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك.. الحديث".
وروى أبو داود عن معاذ في غزوة تبوك: "فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء". ورواه النسائي عن أنس، ورواه أحمد عن ابن عباس.
"انظر: صحيح البخاري 1/193، صحيح مسلم 1/489 وما بعدها، سنن أبي داود 1/257، تحفة الأحوذي 3/121، سنن النسائي 1/121، الموطأ ص108 ط الشعب، مسند أحمد 2/4، 148، سنن ابن ماجه 1/340، سنن الدارمي 1/356، شرح السنة 4/192، نيل الأوطار 3/242".
2 في ض: وقتها.
3 ثبت ذلك بالدليل فيما رواه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى العصر ثم نزل يجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب" ورواه الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي عن معاذ.
"انظر: صحيح البخاري 1/193، صحيح مسلم 1/489، سنن أبي داود 1/275، تحفة الأحوذي 3/121، بدائع المنن 1/117، مسند أحمد 2/150، نيل الأوطار 3/242".
4 في ش: تعم.
5 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/118، المحلي على جمع الجوامع 1/425، الإحكام للآمدي 2/253، المحصول ج1 ق2/648، اللمع ص17، شرح الورقات 105، مختصر البعلي ص112.
6 في ض ع ب: أنه.
7 في ش: غيوبة.(3/214)
الشَّفَقِ1 فَإِنَّ صَلاتَهُ احْتَمَلَتْ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الْحُمْرَةِ، وَاحْتَمَلَتْ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الْبَيَاضِ، وَلا يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ2 بَعْدَهُمَا3.إلاَّ عَلَى رَأْيِ4 مَنْ يُجَوِّزُ حَمْلَ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ5.
"وَلا" يَعُمُّ "كُلُّ سَفَرٍ" كَسَفَرِ النُّسُكِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ6 أَيْضًا7.
"وَ" لَفْظُ " كَانَ " لِدَوَامِ الْفِعْلِ وَتَكْرَارِهِ8، فَتُفِيدُ كَانَ "تَكَرُّرَهُ9" أَيْ تُكَرِّرَ10 الْفِعْلِ مِنْهُ، أَيْ فِي
__________
1 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد بألفاظ مختلفة "بأنه صلى الله عليه وسلم صلى العشاء بعد غيبوبة الشفق".
"انظر: صحيح البخاري 1/74 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 2/136، سنن أبي داود 1/99، تحفة الأحوذي 1/471، سنن النسائي 1/214، سنن ابن ماجه 1/219، الموطأ ص31 ط الشعب، مسند أحمد 1/333، 30، 4/416، 5/349".
وقد يفهم من المسألة "أنه صلى الله عليه وسلم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق" وهذا الحديث في الصحيحين، ولكن العلامة البناني والعلامة التفتازاني نصا على الأول في الاستدلال.
"انظر: البناني على جمع الجوامع 1/425، التفتازاني على مختصر ابن الحاجب 2/118، مباحث الكتاب والسنة ص157".
2 في ض ب: يكون.
3 في ض: بعديهما.
4 في ش: أي.
5 في ض ب: معنيين.
6 ساقطة من ش.
7 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/118، المستصفى 2/64، الإحكام للآمدي 2/253، المحصول ج1 ق2/652، فواتح الرحموت 2/652، تيسير التحرير 1/247، إرشاد الفحول ص125، مباحث الكتاب والسنة ص156.
8 في ش ع: وتكراره.
9 في ع ب: تكراره.
10 في ض ع ب: تكرار.(3/215)
الدَّوَامِ1، كَمَا عُلِمَ تكر2ر إكْرَامُ الضَّيْفِ مِنْ قَوْلِهِمْ: كَانَ حَاتِمُ يُكْرِمُ الضَّيْفَ, فَلا يَعُمُّ ذَلِكَ جَمِيعَ جِهَاتِ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتِ كَمَا لا يَعُمُّ مِنْ3 حَيْثِيَّةِ غَيْرِ4 الْوَقْتِ5.
"وَلَمْ تَدْخُلْ الأُمَّةُ" أَيْ أُمَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بِفِعْلِهِ 6" لأَنَّ فِعْلَهُ لَمَّا كَانَ لا عُمُومَ لَهُ فِي أَقْسَامِهِ، كَانَ7 كَذَلِكَ لا عُمُومَ لَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أُمَّتِهِ "بَلْ" هُوَ خَاصٌّ بِهِ، وَاجِبًا كَانَ أَوْ جَائِزًا8.
__________
1 العلاقة بين هذه المسألة مع ما قبلها أنها استدراك للأولى، وذلك أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يفيد العموم والدوام والتكرار، إلا إذا نقل الصحابي فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ "كان" فإن نقله كذلك فإنه يدل على الدوام والتكرار، عند الجمهور، ولذلك قال الشوكاني: "وأما نحو قول الصحابي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل كذا فلا يجري فيه الخلاف المتقدم، لأن لفظ كان هو الذي دل على التكرار، لا لفظ الفعل الذي بعدها" "إرشاد الفحول ص125".
"وانظر: المسودة ص115، القواعد والفوائد الأصولية ص237، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/118، المحلي على جمع الجوامع 1/425، الإحكام للآمدي 2/253، شرح الورقات ص05، مختصر البعلي ص112".
2 ساقطة من ش، وفي ض ع ب: تكرار.
3 ساقطة من ش.
4 ساقطة من ش.
5 اختلف العلماء في مسألة "كان" هل تفيد التكرار أم لا على قولين، الأول: أنها تفيد التكرار، وهو ما ذكره المصنف، والثاني: لا تفيد التكرار ورجحه الإسنوي والفخر الرازي، قال الإسنوي: "لفظ كان" لا يقتضي التكرار، وقيل يقتضيه"، "نهاية السول 2/88". وقال الفخر الرازي: "فأما التكرار فلا.." "المحصول ج1 ق2/650" ونقل القاضي أبو يعلى القول الثاني في "الكفاية" ومن العلماء من قال: إنه يفيد التكرار في العرف.
"انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/118، المحلي على جمع الجوامع 1/425، تيسير التحرير 1/248، شرح تنقيح الفصول ص189 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/293، نهاية السول 2/88، المحصول ج1 ق2/650"
6 في ش: في فعله.
7 ساقطة من ز ض ب.
8 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/118، المستصفى 2/64، الإحكام للآمدي 2/253، فواتح الرحموت 293/1 التلويح على التوضيح 271/1،تيسير التحرير247/1، إرشاد الفحول ص125.(3/216)
وَمَتَى وُجِدَ دُخُولُهَا فَهُوَ "بِدَلِيلٍ" خَارِجِيٍّ مِنْ "قَوْلٍ1" كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" وَ2 "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ" 3 "أَوْ قَرِينَةِ تَأَسٍّ" كَوُقُوعِ فِعْلِهِ بَعْدَ خِطَابٍ مُجْمَلٍ، كَالْقَطْعِ4 بَعْدَ آيَةِ السَّرِقَةِ5، وَكَوُقُوعِهِ بَعْدَ خِطَابٍ مُطْلَقٍ، أَوْ بَعْدَ خِطَابٍ عَامٍّ "أَوْ قِيَاسٍ عَلَى فِعْلِهِ6".
وَاعْتُرِضَ بِعُمُومِ نَحْوِ "سَهَا7فَسَجَدَ "8 وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا أَنَا فَأَفِيضُ
__________
1 في ش: من قوله.
2 ساقطة من ز.
3 هذا جزء من حديث صحيح رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي بألفاظ متقاربة عن جابر مرفوعاً.
"انظر: صحيح مسلم 2/1006، مسند أحمد 3/378، سنن أبي داود 1/456، سنن النسائي 5/219، مختصر سنن أبي داود 2/416".
4 روى الإمام مالك وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً" وروى الجماعة ومالك والدارمي عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم"قطع سارقاً في مجن قيمته ثلاثة دراهم".
"انظر: صحيح البخاري 4/173، صحيح مسلم 3/1312 وما بعدها، سنن أبي داود 2/448، تحفة الأحوذي 5/3، سنن النسائي 8/69، 70، سنن ابن ماجه 2/862، مسند أحمد 2/6، 54، المنتقى 7/156، 159، سنن الدارمي 2/172، 173، نيل الأوطار 7/140".
5 آية السرقة هي قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} المائدة/38.
6 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/118، المستصفى 2/64، الإحكام للآمدي 2/253، فواتح الرحموت 1/293، تيسير التحرير 1/248، العدة 1/318.
7 ساقطة من ش.
8 هذا الحديث بهذا اللفظ رواه الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها أنه النبي صلى الله عليه وسلم: "سها قبل التمام فسجد سجدتي السهو قبل أن يسلم" وفيه عيسى بن ميمون مختلف في الاحتجاج به، وضعفه الأكثر، وروى الطبراني في الصغير عن ابن عباس قال: "صليت خلف أنس بن مالك صلاة سها فيها فسجد بعد السلام ثم التفت إلينا وقال: أما إني لم أصنع إلا كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع" وفيه مجاهيل.
"انظر: مجمع الزوائد 4/153-154".
وأحاديث السهو في الصلاة والسجود له كثيرة وصحيحة، منها حديث ذي اليدين في الصحيحين، وسبق تخريجه في "المجلد الثاني ص193".(3/217)
الْمَاءَ"1.
وَرَدَ ذَلِكَ بِالْفَاءِ، فَإِنَّهَا لِلسَّبَبِيَّةِ2.
"وَالْخِطَابُ الْخَاصُّ بِهِ" أَيْ بِالنَّبِيِّ3 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} 4 وَنَحْوُهُ عَامٌّ لِلْأُمَّةِ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، فَلا يَخْتَصُّ5 إلاَّ بِدَلِيلٍ يَخُصُّهُ6, وَمِنْهُ قَوْله
__________
1 هذا طرف من حديث صحيح رواه البخاري بهذا اللفظ عن جبير بن مطعم، ورواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن جبير بن مطعم مرفوعاً بألفاظ متقاربة، وروى الترمذي قريباً منه عن ميمونة.
"انظر: صحيح البخاري 1/57، صحيح البخاري 1/258، سنن أبي داود 1/55، سنن النسائي 1/170، تحفة الأحوذي 1/350، سنن ابن ماجه 1/350، مختصر سنن أبي داود 1/162، مسند أحمد 4/81، نيل الأوطار 1/290".
وانظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/118، الإحكام للآمدي 2/253.
2 أيد هذا الرد كثير من العلماء، وأن التعميم كان بأحد العوامل السابقة، قال العضد: "الجواب أن التعميم إنما كان بأحد ما ذكرنا "من قول أو قرينة أو قياس أو بالنص عليه بقوله" لا بصيغة الفعل" "العضد على ابن الحاجب 2/119"، وقال الآمدي: "أما تعميم سجود السهو فإنه إنما كان لعموم العلة، وهي السهو من حيث رتب السجود على السهو بفاء التعقيب، وهو دليل العلية" "الإحكام للآمدي 2/254".
"انظر: فواتح الرحموت 1/293، تيسير التحرير 1/249".
3 في ش: النبي.
4 الآية 1 من المزمل.
5 ساقطة من ش.
6 في ز: يخصصه.
وقال الإسنوي: "وظاهر كلام الشافعي في البويطي أنه يتناولهم" "نهاية السول 2/88"، وقال الغزالي: "وهذا قول فاسد" "المستصفى 2/65".
"وانظر: الإحكام للآمدي 2/260، البرهان 1/367، المحصول ج1 ق2/620، مختصر ابن الحاجب 2/121، المحلي على جمع الجوامع 1/427، فواتح الرحموت 1/281، تيسير التحرير 1/251، مختصر الطوفي ص91، إرشاد الفحول ص129، مختصر البعلي ص114، العدة 1/318".(3/218)
تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك} 1.
وَالْقَائِلُونَ بِالشُّمُولِ لا يَقُولُونَ: إنَّهُ بِاللُّغَةِ، بَلْ لِلْعُرْفِ2 فِي مِثْلِهِ حَتَّى لَوْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مِنْ بَابِ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ, وَلا يَقُولُونَ: إنَّهُمْ دَاخِلُونَ بِدَلِيلٍ آخَرَ، لأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، فَيَتَّحِدُ الْقَوْلانِ3.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالأَشْعَرِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ: لا يَعُمُّهُمْ الْخِطَابُ إلاَّ بِدَلِيلٍ يُوجِبُ التَّشْرِيكَ، إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ بِخُصُوصِهِ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ, وَحِينَئِذٍ فَشُمُولُ الْحُكْمِ لَهُ بِذَلِكَ لا بِاللَّفْظِ، لأَنَّ اللُّغَةَ تَقْتَضِي أَنَّ خِطَابَ الْمُفْرَدِ لا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ4.
وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ بِقَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} 5 فَعَلَّلَ
__________
1 الآية 1 من التحريم.
2 في ش: المعروف.
3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/122، فواتح الرحموت 1/281.
4 وهذا قول التميمي وأبي الخطاب من الحنابلة، ونسبه ابن عبد الشكور للمالكية.
"انظر: فواتح الرحموت 1/281، تيسير التحرير 1/251، المستصفى 2/64، المحصول ج1 ق2/620، نهاية السول 2/88، مختصر ابن الحاجب 2/121، جمع الجوامع 1/427، الإحكام للآمدي 2/260، البرهان 1/367، مختصر البعلي ص114، إرشاد الفحول ص129، العدة 1/324".
5 الآية 37 من الأحزاب.(3/219)
الإِبَاحَةَ بِنَفْيِ الْحَرَجِ عَنْ أُمَّتِهِ. وَلَوْ اخْتَصَّ بِهِ الْحُكْمُ لَمَا كَانَ عِلَّةً لِذَلِكَ وَأَيْضًا {خَالِصَةً لَك مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} 1 وَلَوْ كَانَ اللَّفْظُ مُخْتَصًّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّخْصِيصِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْفَائِدَةُ فِي التَّخْصِيصِ2 عَدَمُ الإِلْحَاقِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَلِذَلِكَ رُفِعَ الْحَرَجُ3.
قُلْنَا4 ظَاهِرُ اللَّفْظِ مُقْتَضٍ لِلْمُشَارَكَةِ، لأَنَّهُ عَلَّلَ إبَاحَةَ التَّزْوِيجِ بِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ, وَكَذَلِكَ قَضَاؤُهُ بِالْخُصُوصِيَّةِ. فَالْقِيَاسُ بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ5.
وَأَيْضًا مَا6 فِي مُسْلِمٍ "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: تُدْرِكُنِي الصَّلاةُ وَأَنَا جُنُبٌ، أَفَأَصُومُ7؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ" فَقَالَ: لَسْت مِثْلَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ "وَاَللَّهِ إنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي" 8
__________
1 الآية 50 من الأحزاب.
2 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/122، الإحكام للآمدي 2/261، فواتح الرحموت 1/281، تيسير التحرير 1/251، مختصر الطوفي ص92، العدة 1/324-325.
3 أي رفع الحرج عن الأمة بالنص والتخصيص عليها في الآية: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} ولو كانت الإباحة خاصة لما انتفى الحرج عن الأمة.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/261، 262، العضد على ابن الحاجب 2/123، تيسير التحرير 1/252، فواتح الرحموت 1/281.
4 في ش: فذلك.
5 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/427، البرهان 1/369، فواتح الرحموت 1/282، تيسير التحرير 1/252.
6 ساقطة من ز ض ب.
7 في ض: فأصوم.
8 هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود وأحمد عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً.
"انظر: صحيح مسلم 2/781، سنن أبي داود 1/557، مسند أحمد 6/312، نيل الأوطار 4/238".(3/220)
فَدَلَّ الْحَدِيثُ مِنْ1 وَجْهَيْنِ.
أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ أَجَابَهُمْ بِفِعْلِهِ2، وَلَوْ اخْتَصَّ الْحُكْمُ بِهِ لَمْ يَكُنْ جَوَابًا لَهُمْ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ مُرَاجَعَتَهُمْ لَهُ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْحُكْمِ، فَدَلَّ عَلَى3 أَنَّهُ لا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ.
وَلأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَرْجِعُونَ إلَى أَفْعَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ الأَحْكَامِ، كَرُجُوعِهِمْ فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ4، وَفِي صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا، وَغَيْرِ ذَلِكَ5.
قَالَ الْمُخَالِفُونَ: الْمُفْرَدُ لا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ لُغَةً.
قُلْنَا: مَحَلُّ النِّزَاعِ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ، بَلْ فِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ6.
__________
1 ساقطة من ز.
2 في ش: بقوله.
3 ساقطة من ش.
4 روى الإمام مالك والشافعي وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قعد بين شعبها الأربع، ثم مس الختان الختان فقد وجب الغسل" وفي رواية الترمذي: "إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل" وفي رواية الشافعي وابن حبان: "إذا التقى الختان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم"، وجعله البخاري عنوان باب: "إذا التقى الختانان".
"انظر: المنتقى 1/96، بدائع المنن 1/35-36، مسند أحمد 6/47، 97، صحيح مسلم 1/271، صحيح البخاري 1/62، سنن النسائي 1/92، تحفة الأحوذي 1/362، سنن ابن ماجه 1/199، سند الدارمي 1/194، موارد الظمآن ص81، شرح السنة 2/3، تخريج أحاديث البردوي ص170، نيل الأوطار 1/260".
5 انظر: البرهان 1/368، مختصر الطوفي ص92، العدة 1/327.
6 في ش: والشرع.
قال الطوفي: "وكأن الخلاف لفظي، إذ هؤلاء يتمسكون بالمقتضى اللغوي، والأولون بالواقع الشرعي" "مختصر الطوفي ص92".
"وانظر تيسير التحرير 1/252، العدة 1/330".(3/221)
قَالُوا: يُوجِبُ كَوْنَ خُرُوجِ غَيْرِهِ تَخْصِيصًا1.
قُلْنَا: مِنْ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ مُسَلَّمٌ2، إذَا ظَهَرَتْ لَهُ مُشَارَكَتُهُمْ لَهُ3. فِي الأَحْكَامِ ثَبَتَتْ4 مُشَارَكَتُهُ لَهُمْ أَيْضًا، لِوُجُودِ التَّلازُمِ ظَاهِرًا, فَإِنَّ مَا ثَبَتَ لأَحَدِ الْمُتَلازِمَيْنِ5 ثَبَتَ لِلآخَرِ؛ إذْ لَوْ ثَبَتَ لَهُمْ حُكْمٌ انْفَرَدُوا بِهِ دُونَهُ لَثَبَتَ نَقِيضُهُ فِي حَقِّهِ دُونَهُمْ, وَقَدْ ظَهَرَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلافِهِ6
وَمَحَلُّ الْخِلافِ فِيمَا يُمْكِنُ إرَادَةُ الأُمَّةِ مَعَهُ أَمَّا مَا لا يُمْكِنُ إرَادَةُ الأُمَّةِ مَعَهُ فِيهِ7، مِثْلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} 8 {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْك مِنْ رَبِّك} 9 وَنَحْوِهِ10، فَلا تَدْخُلُ الأُمَّةُ فِيهِ قَطْعًا، وَمِنْهُ مَا قَامَتْ قَرِينَةٌ فِيهِ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ مِنْ خَارِجٍ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} 11.
وَأَمَّا إنْ12 كَانَ الْخِطَابُ خَاصًّا بِالأُمَّةِ نَحْوُ خِطَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلصَّحَابَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ بِالأُمَّةِ، لا يَخْتَصُّ بِالْمُخَاطَبِ إلاَّ بِدَلِيلٍ فَيَعُمُّ
__________
1 في ش: تخصيصان.
2 في ز: المسلم.
3 في ش ز ض: له مشاركتهم.
4 في ض: فثبتت، وفي ب: فثبت.
5 في ب: قبل المتلازمين.
6 انظر: البرهان 1/369، تيسير التحرير 1/252، مختصر الطوفي ص92.
7 ساقطة من ش.
8 الآيتان 1-2 من المدثر.
9 الآية 67 من المائدة.
10 في ش: وغيره.
11 الآية 6 من المدثر.
12 في ض ب: إذا.(3/222)
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلافِ1.
لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ: نَفَى دُخُولَهُ هُنَا عَنْ الأَكْثَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ, وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لا يَأْمُرُ نَفْسَهُ، كَالسَّيِّدِ مَعَ عَبِيدِهِ2.
وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَخْبَرٌ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَكَذَا أَيْ وَكَمَا3. قُلْنَا فِي الصُّوَرِ4 الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ كَوْنِ الْخِطَابِ لا يَخْتَصُّ بِالْمُخَاطَبِ خِطَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَاحِدٍ مِنْ الأُمَّةِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمُخَاطَبَ وَغَيْرَهُ؛ لأَنَّهُ لَوْ اخْتَصَّ بِهِ الْمُخَاطَبُ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْعُوثًا إلَى الْجَمِيعِ5.
رُدَّ بِالْمَنْعِ؛ فَإِنَّ مَعْنَاهُ تَعْرِيفُ6 كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَخْتَصُّ بِهِ. وَلا يَلْزَمُ شَرِكَةُ الْجَمِيعِ فِي الْجَمِيعِ7.
__________
1 وهو الخلاف في مسألة الخطاب الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه عام الأمة عند الحنابلة والحنفية والمالكية، خلافاً لبعض الحنابلة وأكثر الشافعية والأشعرية والمعتزلة "صفحة 218 من هذا المجلد".
وقال الشوكاني: "الخطاب الخاص بالأمة. نحو "يا أيها الأمة" لا يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم قال الصفي الهندي: بلا خوف، وكذا قال القاضي عبد الوهاب" "إرشاد الفحول ص129".
وانظر: هذه المسألة في "المستصفى 2/65، 81، مختصر البعلي ص114، القواعد والفوائد الأصولية ص207، شرح تنقيح الفصول ص197، العدة 1/320".
2 انظر: مختصر البعلي ص114.
3 في ش: وكل ما.
4 في ش: الصورة.
5 وهذا قول الحنابلة فقط، وأبي المعالي الجويني، خلافاً للجمهور كما سيذكره المصنف.
انظر هذه المسألة في "جمع الجوامع 1/429، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/123، الإحكام للآمدي 2/263، البرهان 1/370، فواتح الرحموت 1/280، تيسير التحرير 1/252، مختصر الطوفي ص92، مختصر البعلي ص114، إرشاد الفحول ص130، العدة 1/318، 331".
6 في ع: تعريفه.
7 ساقطة من ش.
وانظر: إرشاد الفحول ص130.(3/223)
وَقَالُوا: هُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ؛ لِرُجُوعِهِمْ إلَى قِصَّةِ مَاعِزٍ1، وَبِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ2، وَأَخْذِهِ3 الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ4 وَغَيْرِ ذَلِكَ5.
وَ6 رُدَّ بِدَلِيلٍ هُوَ التَّسَاوِي فِي السَّبَبِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ وَقَعَ جَوَابًا لِسُؤَالٍ7 كَقَوْلِ الأَعْرَابِيِّ وَاقَعْتُ
__________
1 هو الصحابي ماعز بن مالك الأسلمي، يقال: أسمه غريب، وماعز لقب له، معدود في المدنيين، كتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بإسلام قومه، روى عنه عبد الله حديثاً واحداً، وهو الذي اعترف بالزنا وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمه، وقال عليه الصلاة والسلام: "لقد تاب توبة لو تابها طائفة من أمتي لأجزأت عنهم"، وحديثه في الرجم رواه أبو هريرة وزيد بن خالد الجهني.
"انظر: الإصابة 3/337، الاستيعاب 3/438، تهذيب الأسماء 2/75، أسد الغابة 5/8".
وقصة ماعز أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فرجمه رواها مسلم والبخاري وأبو داود وأحمد.
"انظر: صحيح البخاري 4/121، المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 11/195، سنن أبي داود 2/446، مسند احمد 1/238، 2/286، 3/2، 5/89، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص304".
2 هي الصحابية بروع بنت واشق الرواسية الكلابية أو الأشجعية، قال الجوهري في "الصحاح": أهل العربية يقولون بكسر الباء، والصواب الفتح، وهي زوجة هلال بن مرة وقصتها في حديث معقل بن سنان الأشجعي وغيره: أنها نكحت رجلاً، وفوضت إليه "أي فوضت إليه مقدار المهر" فتوفي قبل أن يجامعها فقضى لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بصداق نسائها".
"انظر: الإصابة 4/251، الاستيعاب 4/255، أسد الغابة 7/37، تهذيب الأسماء 2/332" وسيرد حديثها صفحة 227.
3 في ض ب: وأخذ.
4 هذا الحديث رواه البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي والشافعي ومالك عن عبد الرحمن بن عوف وغيره، وسبق تخريجه في "المجلد ص371".
5 انظر: العدة 1/319.
6 ساقطة من ع ب.
7 في ش ز: لسائل، وفي ب: بالسؤال.(3/224)
أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ لَهُ1: "أَعْتِقْ رَقَبَةً 2 " كَانَ عَامًّا وَإِلاَّ فَلا3, كَقَوْلِ النَّبِيِّ4 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ" 5 فَلا يَدْخُلُ فِيهِ غَيْرُهُ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ -مِنْهُمْ الْحَنَفِيَّةُ- أَنَّهُ لا يَعُمُّ, قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: لأَنَّهُ عَمَّ6 فِي الَّتِي7 قَبْلَهَا لِفَهْمِ8 الاتِّبَاعِ، لأَنَّهُ مُتَّبَعٌ9.
وَمَحَلُّ الْخِلافِ فِي ذَلِكَ إذَا لَمْ يَخُصَّ ذَلِكَ10
__________
1 ساقطة من ز ض ع ب.
2 ساقطة من ز ض ع ب.
3 ساقطة من ش.
4 في ض ع ب: كقوله.
5 هذا طرف من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه ومالك وأحمد عن عائشة، ورواه البخاري ومسلم عن أبي موسى، ورواه البخاري عن ابن عمر، ورواه ابن ماجه عن ابن عباس، ولفظ البخاري: "قال الأسود: كنا عند عائشة رضي الله عنها فذكرنا المواظبة على الصلاة والتعظيم لها، قالت: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه، فحضرت الصلاة، فأذن، فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس ... " الحديث.
"انظر: صحيح البخاري 1/122، صحيح مسلم 1/313 وما بعدها، تحفة الأحوذي 10/156، سنن ابن ماجه 1/389، تخريج احاديث البردوي ص245، الموطأ ص123 ط الشعب، مسند أحمد 6/24، 159، المنتقى 1/305، الفتح الكبير 3/135".
6 في د ض ب: لو عم.
7 في ض ب: الشيء.
8 في ب: لعلم.
9 انظر قول الجمهور في هذه المسألة في "جمع الجوامع 1/429، الإحكام للآمدي 2/263، البرهان 1/370، تخريج الفروع على الأصول ص181، مختصر ابن الحاجب 2/123، فواتح الرحموت 1/280، تيسير التحرير 1/252، مختصر الطوفي ص92، مختصر البعلي ص114، إرشاد الفحول ص130، مباحث الكتاب والسنة ص158".
10 في ز: بذلك.(3/225)
الْوَاحِدَ1، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بُرْدَةَ "اذْبَحْهَا وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك 2 " وَمِثْلُهُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، فَإِنَّهُ وَقَعَ لَهُمَا مِثْلُ ذَلِكَ، فَرَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، كَمَا فِي أَبِي دَاوُد3، كَمَا رَخَّصَ لأَبِي بُرْدَةَ، وَرَخَّصَ أَيْضًا لَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ4.وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَخْصِيصِ الْعُمُومِ5 بَعْدَ تَخْصِيصٍ6
__________
1 انظر ما نقله الشوكاني من أقوال العلماء في هذه المسألة، وحصر الخلاف فيها باللغة أو بالشرع، ومحل الخلاف في كتابه "إرشاد الفحول ص130".
2 في ز: من بعدك.
3 روى عن أبو داود عن زيد بن خالد الجهني قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ضحايا، فأعطاني عتوداً جذعاً، قال: فرجعت به إليه، فقلت له: إنه جذع، "أي لا يجزي في الأضحية"، قال: "ضح به"، فضحيت به"، والعتود: هو الصغير من أولاد المعز إذا قوي ورعى وأتى عليه حول، والجمع أعتدة، ورواه الإمام أحمد.
"انظر: مسند أحمد 5/194، سنن أبي داود 2/86، النهاية في غريب الحديث 3/177".
4 روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد عن عقبة بن عامر الجهني قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا ضحايا فأصابني جذع، فقلت: يا رسول الله، إنه أصابني جذع، فقال: "ضح به".
والجذع من أسنان الدواب، وهو كل ما كان منها شاباً قوياً، ويختلف من الإبل إلى البقر إلى الغنم، فهو من المعز ما دخل في السنة الثانية.
"انظر: صحيح البخاري 3/316، صحيح مسلم 3/1556، تحفة الأحوذي 5/86، سنن النسائي 7/192، سنن ابن ماجه 2/1048، مسند أحمد 4/144، النهاية في غريب الحديث 1/250".
5 في ع: لعموم.
6 قال العضد: "فائدته "التخصيص" نفي احتمال الشركة قطعاً للإلحاق بالقياس" "العضد على ابن الحاجب 2/124".
وانظر: الإحكام للآمدي 2/264، إرشاد الفحول ص130.(3/226)
اُسْتُدِلَّ1 لِلأَوَّلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، بِرُجُوعِ الصَّحَابَةِ2 إلَى التَّمَسُّكِ بِقَضَايَا الأَعْيَانِ3، كَقَضِيَّةِ4 مَاعِزٍ، وَدِيَةِ الْجَنِينِ5، وَالْمُفَوَّضَةِ6، وَالسُّكْنَى لِلْمَبْتُوتَةِ7، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
__________
1 في ش: استدلال.
2 ساقطة من ش.
3 انظر: تيسير التحرير 1/252، فواتح الرحموت 1/280، الإحكام للآمدي 2/263، العضد على ابن الحاجب 2/123، العدة 1/332، 335.
4 في ز ع: كقصة.
5 سبق تخريج حديث دية الجنين في المجلد الثاني ص370.
6 المفوضة هي المرأة التي فوضت نكاحها إلى الزوج حتى تزوجها من غير مهر، وقال الفيومي: وقيل: فوضت أي أهملت حكم المهر، فهي مفوضة اسم فاعل، وقال بعضهم: مفوضة، اسم مفعول، لأن الشرع فوض أمر المهر إليها في إثباته وإسقاطه" "المصباح المنير 2/742".
وحديث المفوضة هو حديث بروع بنت واشق الذي رواه علقمة عن معقل بن سنان الأشجعي قال علقمة: أتي عبد الله في امرأة تزوجها رجل ثم مات عنها، ولم يفرض لها صداقاً، ولم يكن دخل بها، قال: فاختلفوا إليه، فقال: أرى لها مثل مهر نسائها، ولها الميراث وعليها العدة، فشهد معقل بن سنان الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى لبروع ابنة واشق بمثل ما قضى".
وقال علي: لا صداق لها، وكذلك قال زيد، وبهذا أخذ الإمام مالك، وأخذ سفيان والحسن وقتادة بقول ابن مسعود.
"انظر: سنن أبي داود 1/487، سنن النسائي 6/99، 164، سنن ابن ماجه 1/609، مسند أحمد 1/431ن سنن الدارمي 2/155، المستدرك 2/180، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص45، تخريج أحاديث البردوي ص161، 237".
7 ساقطة من ز ض ع.
والمبتوتة هي المطلقة طلاقاً باتا بائناً، كالمطلقة ثلاثاً، فلا يجوز لزوجها أن يراجعها أو يعود إليها، وقال بعض الفقهاء بأنه لا نفقة ولا سكن لها، لما رواه الإمام مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن فاطمة بنت قيس قالت: "طلقني زوجي ثلاثاً، فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة" وقال الجمهور: لها السكنى ولا نفقة لها، لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ} الطلاق/6، ولقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} الطلاق/1.
"انظر: صحيح مسلم 2/1114، سنن أبي داود 1/532، سنن النسائي 6/175، تحفة الأحوذي 4/351، سنن ابن ماجه 1/656، تخريج أحاديث البردوي ص161، 163، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص55، مسند أحمد 6/373، 411، النهاية في غريب الحديث 1/92، نيل الأوطار 6/338".(3/227)
وَأَما1 قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2 لأَبِي بُرْدَةَ: "وَلا تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ3 بَعْدَك" فَلَوْلا4 أَنَّ الإِطْلاقَ يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ لَمْ يَخُصَّ, وَكَذَلِكَ تَخْصِيصُ خُزَيْمَةَ بِجَعْلِ شَهَادَتِهِ كَشَهَادَتَيْنِ5.
وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} 6 وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ "بُعِثْتُ إلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ" 7.
قَالُوا: لِتَعْرِيفِ8 كُلِّ مَا يَخْتَصُّ9.
__________
1 في ش ز ع: وأيضاً.
2 ساقطة من ب.
3 في ب: لأحدٍ.
4 في ش: لو.
5 أخرج أبو داود والنسائي وأحمد والبيهقي والحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من شهد له خزيمة فهو حسبه" وفي رواية: "فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة شهادة رجلين" وفي رواية أحمد: "فكان خزيمة يدعى ذا الشهادتين"، وذكره البخاري ضمن حديث بلفظ: "خزيمة الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين"، وتقدمت ترجمة خزيمة بت ثابت الأنصاري "المجلد الأول ص337".
"انظر: سنن أبي داود 2/276، سنن النسائي 7/266، مسند أحمد 5/188، 189، السنن الكبرى للبيهقي 10/146، المستدرك 2/18، صحيح البخاري 2/92 المطبعة العثمانية، نيل الأوطار 5/180، تخريج أحاديث البردوي ص256".
6 الآية 28 من سبأ.
7 هذا جزء من حديث رواه الإمام أحمد ومسلم والدارمي عن جابر وأبي ذر مرفوعاً، وأوله: "أعطيت خمساً لم يعطيهن أحد قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود ... " الحديث.
"انظر: صحيح مسلم 1/37، مسند أحمد 1/250، 4/416، 5/145، سنن الدارمي 2/224".
8 في ش: التعريف.
9 أي لتعريف كل أحد من الناس ما يختص به من الحكام كالمقيم والمسافر، والحر والعبد، والحائض والآيسة.. وهكذا، وليس لبيان أن كل الأحكام لكل الناس.
"انظر: العضد على ابن الحاجب 2/123، الإحكام للآمدي 2/263، فواتح الرحموت 8/280".(3/228)
قُلْنَا: إذَا لَمْ يَكُنْ اخْتِصَاصٌ ظَهَرَ اقْتِصَارُ الْحُكْمِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَأَيْضًا فَقَوْلُ1 الرَّاوِي "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ قَضَى" يَعُمُّ، وَلَوْ اخْتَصَّ بِمَنْ سَوْقُهُ لَهُ2 لَمْ يَعُمَّ لاحْتِمَالِ سَمَاعِ الرَّاوِي أَمْرًا أَوْ3 نَهْيًا لِوَاحِدٍ، فَلا يَكُونُ عَامًّا4.
قَالُوا: لَنَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَطْعِ وَالتَّخْصِيصِ.
قُلْنَا: سِيقَ جَوَابُهُمَا.
قَالُوا: يَلْزَمُ مِنْهُ5 عَدَمُ فَائِدَةٍ حُكْمِيٍّ6 عَلَى الْوَاحِدِ7.
__________
1 في ض ب: قول.
2 ساقطة من ز ض ع.
3 في و: ع.
4 ستأتي هذه المسألة في الصفحة التالية.
5 ساقطة من ز ض ع ب.
6 في ز: الحكم، وفي ع: حكم.
7 هذا طرف من حديث، وتتمته "حكمي على الواحد، حكمي على الجماعة" وفي لفظ "كحكمي على الجماعة"، وهو حديث لا أصل له، كما قال العراقي، وقال: سئل عنه المزي والذهبي فأنكره، ولكن وردت احاديث كثيرة تشهد لصحة معناه، منها ما رواه الإمام مالك وأحمد والترمذي والنسائي وابن حبان والدارقطني من حديث أميمة بنت رقيقة أنها قالت: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة من الأنصار نبايعه، فقلنا: يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نأتي ببهتان نفتريه بين لأيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف، قال: "فيما استطعتن وأطقتن"، قال: قلنا الله ورسول أرحم بنا، هلم نبايعك يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة" أو "مثل قولي لا مرأة واحدة"، قال ابن كثير في تفسيره: إسناده صحيح، وقال الترمذي: حسن صحيح، ورواه ابن ماجه مختصراً بدون الجملة الأخيرة.
"انظر: تحفة الأحوذي 5/220، سنن النسائي 7/134، سنن ابن ماجه 2/959، سنن الدارقطني 4/146، مسند أحمد 6/357، الموطأ ص608 ط الشعب، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص293، كشف الخفا 1/436، تفسير ابن كثير 4/352 طبعة عيسى الحلبي، فيض القدير 3/16".(3/229)
قُلْنَا: الْحَدِيثُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ أَصْلاً.
"وَفِعْلُهُ" أَيْ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فِي تَعَدِّيهِ إلَيْهَا" أَيْ إلَى الأُمَّةِ "كَخِطَابٍ خَاصٍّ بِهِ" أَيْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي1 أَنَّ فِعْلَهُ مُخْرَجٌ عَلَى الْخِلافِ فِي الْخِطَابِ الْمُتَوَجَّهِ إلَيْهِ 2عِنْدَ الأَكْثَرِ3.وَالْخِطَابُ الْمُتَوَجَّهُ إلَيْهِ لا4 يَخْتَصُّ بِهِ إلاَّ بِدَلِيلٍ، فَكَذَا5 فِعْلُهُ6.
وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: يَتَعَدَّى فِعْلُهُ إذَا عُرِفَ وَجْهُهُ. يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ خِطَابُهُ7.
"فَائِدَةٌ":
"نَحْوُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ8" وَقَوْلُهُ: قَضَى رَسُولُ
__________
1 في ز: أنه.
2 ساقطة من ز.
3 انظر: مختصر البعلي ص114.
4 في ز: ولا.
5 في ش: وكذا.
6 انظر: العدة 1/318.
7 وهو قول أبي المعالي وغيره، "انظر: مختصر البعلي ص114".
8 هذا الحديث رواه الإمام مالك وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً.
"انظر: الموطأ ص412 ط الشعب، المنتقى 5/41، مسند أحمد 1/116، 302، 2/154، صحيح مسلم 3/1153، سنن أبي داود 2/228، تحفة الأحوذي 4/426، سنن النسائي 7/230، سنن ابن ماجه 2/739، سنن الدارمي 2/251، مختصر سنن أبي داود 5/45، نيل الأوطار 5/166".(3/230)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ 1 "يَعُمُّ كُلَّ غَرَرٍ" وَكُلَّ جَارٍ2.
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ الأُصُولِيِّينَ3.
لَنَا: أَنَّ الصَّحَابِيَّ الرَّاوِيَ4 عَدْلٌ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ، فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ صِيغَةَ الْعُمُومِ، وَهِيَ الْجَارُ وَالْغَرَرُ، لِكَوْنِهِمَا مُعَرَّفَيْنِ فَاللاَّمُ الْجِنْسِ، إلاَّ إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ صِيغَةَ الْعُمُومِ, وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الظَّاهِرُ5 أَنَّهُ سَمِعَ6 صِيغَةَ الْعُمُومِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ الصِّدْقُ فِيمَا فَعَلَهُ، فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ7.
__________
1 روى هذا الحديث بهذا اللفظ النسائي عن أبي رافع، ورواه أحمد وأبو داود وابن ماجه بلفظ "الجار أحق بشفعة جاره" ورواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه عن سمرة مرفوعاً بلفظ: "جار الدار أحق بالدار من غيره".
"انظر: مسند أحمد 3/353، 5/17، 22، سنن أبي داود 2/256، سنن النسائي 7/281، تحفة الأحوذي 4/609، سنن ابن ماجه 2/833، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص88، مختصر سنن أبي داود 5/169 وما بعدها، نيل الأوطار 5/375".
2 اختار هذا القول الآمدي والشوكاني وغيرهما، وقال الرازي: "فالاحتمال فيهما، ولكن جانب العموم أرجح" "المحصول ج1 ق2/647".
"وانظر: الإحكام للآمدي 2/255، إرشاد الفحول ص125، التلويح على التوضيح 1/271، فواتح الرحموت 1/294، تيسير التحرير 1/249، الإحكام لابن حزم 1/384، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/119، مختصر الطوفي ص103، مختصر البعلي ص112، الروضة 2/235".
3 انظر: نهاية السول 2/89، المستصفى 2/66، الإحكام للآمدي 2/255، البرهان 1/348، المحصول ج1 ق2/642، شرح تنقيح الفصول ص188، التلويح على التوضيح 1/271، فواتح الرحموت 1/294، شرح الورقات ص105، اللمع ص17، التمهيد ص98، نزهة الخاطر 2/145، العضد على ابن الحاجب 2/119، جمع الجوامع 2/36، الروضة 2/235، مختصر الطوفي ص103، مختصر البعلي ص113، مباحث الكتاب والسنة ص156.
4 ساقطة من ض.
5 ساقطة من ز ع ض ب.
6 في ش: لم ينقل.
7 انظر: الإحكام للآمدي 2/255، العضد على ابن الحاجب 2/119، التوضيح على التنقيح 1/271، فواتح الرحموت 1/294، تيسير التحرير 1/249، إرشاد الفحول ص125، الروضة 2/235، مختصر الطوفي ص103.(3/231)
وَاحْتَجَّ1 الْخَصْمُ عَلَى أَنَّهُ لا عُمُومَ لَهُ2؛ لأَنَّهُ حِكَايَةُ الرَّاوِي، وَحِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِأَنْ رَأَى3 عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ غَرَرٍ خَاصٍّ، أَوْ قَضَى لِجَارٍ4 خَاصٍّ, فَنَقَلَ صِيغَةَ الْعُمُومِ لِظَنِّهِ عُمُومَ الْحُكْمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ صِيغَةً خَاصَّةً، فَتَوَهَّمَ أَنَّهَا عَامَّةٌ، فَنَقَلَهَا عَامَّةً، وَحِينَئِذٍ فَلا يُمْكِنُ الاحْتِجَاجُ بِهِ؛ لأَنَّ الاحْتِجَاجَ بِالْمَحْكِيِّ، لا5 بِالْحِكَايَةِ، إلاَّ إذَا طَابَقَتْهُ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِلاحْتِمَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ6.
قُلْنَا: مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الاحْتِمَالَيْنِ، وَإِنْ كَانَ قَادِحًا فَهُوَ خِلافُ الظَّاهِرِ, لأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الرَّاوِي مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلأَنَّ اللاَّمَ غَالِبًا لِلاسْتِغْرَاقِ، فَحَمْلُهُ عَلَى
__________
1 في ز: فاحتج.
2 ساقطة من ش.
3 في ش: روى عن.
4 في ش: لعارض.
5 ساقطة من ب.
6 انظر أدلة الجمهور في عدم العموم في "المحلي على جمع الجوامع 2/36، الإحكام للآمدي 2/255، المحصول ج1 ق2/642، شرح تنقيح الفصول ص188، التلويح على التوضيح 1/271، فواتح الرحموت 1/294، تيسير التحرير 1/249، شرح الورقات ص106، العضد على ابن الحاجب 2/119، نهاية السول 2/89، المستصفى 2/66، 67، التمهيد ص97، اللمع ص17، الروضة 2/235، مختصر ص103، إرشاد الفحول ص125، مباحث الكتاب والسنة ص157".(3/232)
الْعَهْدِ خِلافُ الْغَالِبِ1.
__________
1 ذكر القاضي أبو بكر الباقلاني في "التقريب" والأستاذ أبو منصور والشيخ أبو إسحاق والقاضي عبد الوهاب وصححه، وحكاه عن أبي القفال: التفصيل بين أن يقترن الفعل بحرف "أن"، فيكون للعموم، كقوله: "قضى أن الخراج بالضمان" وبين لا يقترن فيكون خاصاً، نحو "قضى بالشفعة للجار".
وذهب بعض المتأخرين إلى أن النزاع لفظي من جهة أن المانع للعموم ينفي عموم الصيغة المذكورة، والمثبت للعموم فيها هو باعتبار خارجي. "انظر: إرشاد الفحول ص125".
"وانظر: الإحكام للآمدي 2/255، فواتح الرحموت 1/293، تيسير التحرير 1/249، العضد على ابن الحاجب 2/119، نزهة الخاطر 2/146، مختصر الطوفي ص103، إرشاد الفحول ص125".(3/233)
فَصْلٌ لَفْظُ الرِّجَالِ وَالرَّهْطِ لا يَعُمُّ النِّسَاءَ وَلا الْعَكْسَ:
وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ النِّسَاءِ لا يَعُمُّ الرِّجَالَ. وَلا الرَّهْطَ1 قَطْعًا2
"وَيَعُمُّ نَحْوُ" لَفْظِ "النَّاسِ، وَ" لَفْظِ "الْقَوْمِ" كَالإِنْسِ وَالآدَمِيِّينَ "الْكُلِّ" أَيْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ3 ثُمَّ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ خَاصَّةً4.
وَفِي مَدْلُولِ " الْقَوْمِ " ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْقَوْمُ: الْجَمَاعَةُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَعًا5، أَوْ مِنْ الرِّجَالِ خَاصَّةً، أَوْ يَدْخُلُ النِّسَاءُ عَلَى التَّبَعِيَّةِ، وَيُؤَنَّثُ6.اهـ.
__________
1 ساقطة من ض.
2 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/124، المحصول ج1 ق2/621، تيسير التحرير 1/231، المعتمد 1/250، الإحكام للآمدي 2/265، الروضة 2/236، مختصر البعلي ص114، إرشاد الفحول 126.
3 ساقطة من ض ع.
وانظر: الإحكام للآمدي 2/265، البرهان 1/360، 127، مختصر البعلي ص144، المسودة ص99، العضد على ابن الحاجب 2/124، المنخول ص143، المنتقى 2/79، الروضة 2/236.
4 انظر: كشف الأسرار 2/5، التلويح على التوضيح 1/226.
5 ساقطة من ز ض ع ب.
6 القاموس المحيط 4/169-170.(3/234)
وَيُسْتَأْنَسُ لِلأَوَّلِ بِقَوْله تَعَالَى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} 1 فَيَدْخُلُ النِّسَاءُ فِي ذَلِكَ2 اهـ.
وَنَحْوُ: الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُصَلِّينَ وَالْمُزْكِينَ3 "كَالْمُسْلِمِينَ، وَ" نَحْوُ4 "فَعَلُوا" كَكُلُوا وَشَرِبُوا، وَكَذَا5 افْعَلُوا كَكُلُوا وَاشْرَبُوا6، وَيَفْعَلُونَ كَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَفَعَلْتُمْ كَأَكَلْتُمْ وَشَرِبْتُمْ، وَكَذَا اللَّوَاحِقُ، كَذَلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَغْلِبُ فِيهِ الْمُذَكَّرُ7 "يَعُمُّ النِّسَاءَ تَبَعًا" عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَالْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ رضي الله تعالى عنه8.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لا يَعُمُّ، اخْتَارَهُ9 أَبُو الْخَطَّابِ وَالطُّوفِيُّ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالأَشْعَرِيَّةِ وَنَقَلَهُ10 ابْنُ بُرْهَانٍ عَنْ مُعْظَمِ الْفُقَهَاءِ11.
__________
1 الآية 31 من الأحقاف.
2 انظر: كشف الأسرار 2/5، التلويح على التوضيح 1/226.
3 في ش: والمشركين.
4 في ب: ونحوه.
5 في ش: وكذلك.
6 في د: وشربوا.
7 في ش: الذكور.
8 انظر هذه المسألة في "الإحكام للآمدي 2/265، البرهان 1/358، شرح تنقيح الفصول ص198، المستصفى 2/79، مختصر ابن الحاجب 2/124، المنخول ص143، المعتمد 1/250، المحصول ج1 ق2/623، المحلي على جمع الجوامع 1/429، التمهيد ص104، العدة 2/351، فواتح الرحموت 1/273، تيسير التحرير 1/231، الإحكام لابن حزم 1/324، مختصر البعلي ص114، إرشاد الفحول ص127، الروضة 2/226، مختصر الطوفي ص103.
9 في ش ب: اختارها.
10 في ع: ونقل.
11 وهذا القول رجحه الغزالي والباقلاني وغيرهما.
"انظر: المستصفى 2/79، البرهان 1/358، المحصول ج1 ق2/623، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/124، نهاية السول 2/88، جمع الجوامع 1/429، المعتمد 1/250، شرح تنقيح الفصول ص198، فواتح 1/273، تيسير التحرير 1/231، الروضة 2/236، مختصر البعلي ص114، مختصر الطوفي ص103، التمهيد ص104، الإحكام للآمدي 2/265، فتح الغفار 1/93، إرشاد الفحول ص127".(3/235)
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ عَنْ الْقَوْلِ الأَوَّلِ: إنَّ عُمُومَهُ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، بَلْ بِالْعُرْفِ1، أَوْ بِعُمُومِ الأَحْكَامِ أَوْ2 نَحْوُ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: انْدِرَاجُ النِّسَاءِ تَحْتَ لَفْظِ "الْمُسْلِمِينَ" بِالتَّغْلِيبِ لا بِأَصْلِ الْوَضْعِ3.
وَ4 قَالَ الإِبْيَارِيُّ5: لا خِلافَ بَيْنَ الأُصُولِيِّينَ وَالنُّحَاةِ فِي عَدَمِ تَنَاوُلِهِنَّ لِجَمْعٍ كَجَمْعِ الذُّكُورِ. وَإِنَّمَا ذَهَبَ بَعْضُ الأُصُولِيِّينَ إلَى ثُبُوتِ التَّنَاوُلِ، لِكَثْرَةِ اشْتِرَاكِ النَّوْعَيْنِ فِي الأَحْكَامِ لا غَيْرُ، فَيَكُونُ الدُّخُولُ عُرْفًا لا لُغَةً.
ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا قُلْنَا بِالتَّنَاوُلِ: هَلْ يَكُونُ دَالاًّ عَلَيْهِمَا 6بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ7 عَلَيْهِمَا مَجَازًا صِرْفًا8؟ خِلافَ9, ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْقَاضِي الْبَاقِلاَّنِيِّ10: الثَّانِي11، وَالْقِيَاسُ12 قَوْلُ أَبِي الْمَعَالِي
__________
1 في ش: العرف.
2 في ز ض ب: و.
3 البرهان 1/359.
"وانظر: تيسير التحرير 1/231، إرشاد الفحول ص127".
4 ساقطة من ش.
5 في ش ض ب: الأنباري، وقال في "إرشاد الفحول ص127" ابن الأنباري.
6 ساقطة من ش.
7 في ز: و.
8 في ش ب: عرفاً.
9 في ش: خلاف الظاهر.
10 في ش: والباقلاني.
11 في ب: والثاني.
12 في ض ع: وقياس، وساقطة من ب.(3/236)
الأَوَّلِ1. اهـ.
وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ بِمُشَارَكَةِ الذُّكُورِ فِي الأَحْكَامِ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ2.
رُدَّ بِالْمَنْعِ بِلا لِدَلِيلٍ3 وَلِهَذَا لَمْ يَعُمَّهُنَّ الْجِهَادُ وَالْجُمُعَةُ وَغَيْرُهُمَا4.
أُجِيبَ بِالْمَنْعِ, ثُمَّ لَوْ كَانَ لَعُرِفَ5. وَالأَصْلُ عَدَمُهُ، وَخُرُوجُهُنَّ6 مِنْ بَعْضِ الأَحْكَامِ لا يُمْنَعُ كَبَعْضِ الذُّكُورِ، وَلأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ غَلَّبُوا الْمُذَكَّرَ7 بِاتِّفَاقٍ بِدَلِيلِ {اهْبِطُوا} 8 لآدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ9.
رُدَّ بِقَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ، وَيَكُونُ مَجَازًا10.
أُجِيبَ: لَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْعِلْمَ بِقَصْدِهِ، ثُمَّ لَوْ لَمْ يَعُمَّهُنَّ لَمَا عَمَّ11 بِالْقَصْدِ، بِدَلِيلِ جَمْعِ الرِّجَالِ، وَالأَصْلُ الْحَقِيقَةُ، وَلَوْ كَانَ مَجَازًا لَمْ يُعَدَّ الْعُدُولُ عَنْهُ عِيًّا12.
__________
1 ساقطة من ش، وفي د: للأول.
وانظر: إرشاد الفحول ص127، العدة 2/354.
2 انظر: فواتح الرحموت 1/273، 275، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/125، الإحكام للآمدي 2/261، مختصر الطوفي ص104، إرشاد الفحول ص128.
3 في ش: بلا دليل، وفي د: بل له دليل، وفي ب: لدليل.
4 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/124، فواتح الرحموت 1/275.
5 في ع ب: العرف.
6 في ض: وأخرجوهن، وفي ب: وإخراجهن.
7 في ش: الذكور.
8 الآية 36 من البقرة، وأول الآية: {أَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ..} الآية.
9 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/124، 125، فواتح الرحموت 1/275، تيسير التحرير 1/232، مختصر الطوفي ص104، إرشاد الفحول ص128.
10 انظر: تيسير التحرير 1/232، العضد على ابن الحاجب 2/124.
11 في ش: علم.
12 في ز: عبثاً، وفي ض ع ب: عيباً.(3/237)
قَالَ الْمَانِعُونَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا لَنَا لا نُذْكَرُ فِي الْقُرْآنِ كَمَا يُذْكَرُ1 الرِّجَالُ؟ فَنَزَلَتْ {إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ..} الآيَةَ2 رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ3. وَلَوْ دَخَلْنَ لَمْ يَصْدُقْ نَفْيَهَا، وَلَمْ يَصِحَّ تَقْرِيرُهُ لَهُ4.
رُدَّ: يَصْدُقُ، وَيَصِحُّ، لأَنَّهَا إنَّمَا5 أَرَادَتْ التَّنْصِيصَ تَشْرِيفًا لَهُنَّ لا تَبَعًا6.
قَالُوا: الْجَمْعُ تَضْعِيفُ الْوَاحِدِ، وَمُسْلِمٌ لِرَجُلٍ، فَمُسْلِمُونَ لِجَمْعِهِ7.
رُدَّ: يُحْتَمَلُ مَنْعُهُ8, قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ.
__________
1 في ع: تذكر.
2 الآية 35 من الأحزاب.
وانظر احتجاج الجمهور بالآية ورد الحنابلة عليهم، وجوابهم على الرد في "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/124".
3 روى هذا الحديث النسائي وأحمد مرفوعاً، ورواه الترمذي مرسلاً.
"انظر: سنن النسائي 5/353، مسند أحمد 6/301، 305، تحفة الأحوذي 8/375".
4 "انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/125، الإحكام للآمدي 2/266، فواتح الرحموت 1/273، تيسير التحرير 1/231، مختصر الطوفي ص104، إرشاد الفحول ص127".
5 ساقطة من ز ع ض ب.
6 يقول الإسنوي: "فإن ادعى الخصم أن ذكرهن للتنصيص عليهن، ففائدة التأسيس أولى" "التمهيد ص104".
وانظر: تيسير التحرير 1/231، العضد على ابن الحاجب 2/124، 125، الإحكام للآمدي 2/267، فواتح الرحموت 1/273".
7 في ش ز: لجماعة.
وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/125، الإحكام للآمدي 2/266، فواتح الرحموت 1/274، تيسير التحرير 1/233.
8 في ب: جمعه.(3/238)
وَقَدْ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا1 بِأَنَّ2 قَوْله تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} 3 عَامٌّ لِلذَّكَرِ وَالأُنْثَى4.
وَأَمَّا الْخَنَاثَى5: فَعَلَى الْقَوْلِ بِدُخُولِ النِّسَاءِ: الْخَنَاثَى6 أَوْلَى وَعَلَى الْمَنْعِ: فَالظَّاهِرُ مِنْ تَصَرُّفِ الْفُقَهَاءِ: دُخُولُهُمْ فِي خِطَابِ النِّسَاءِ فِي التَّغْلِيظِ، وَالرِّجَالِ فِي التَّخْفِيفِ7.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَمِمَّا يُخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسْأَلَةُ الْوَاعِظِ الْمَشْهُورَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ لِلْحَاضِرِينَ عِنْدَهُ: طَلَّقْتُكُمْ ثَلاثًا، وَامْرَأَتُهُ فِيهِمْ، وَهُوَ لا يَدْرِي, فَأَفْتَى أَبُو الْمَعَالِي بِالْوُقُوعِ, قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَفِي الْقَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ, قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْوُقُوعِ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ لا يَقَعَ, وَلَهُمْ فِيهَا8 كَلامٌ كَثِيرٌ9.
" وَإِخْوَةٌ وَعُمُومَةٌ لِذَكَرٍ وَأُنْثَى10"
__________
1 في ض: بعض أصحابنا.
2 في ش: أن.
3 الآية 178 من البقرة، وأول الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ ... } الآية.
4 انظر: مختصر البعلي ص115.
5 في ش: الخنثى.
6 في ش ز: الخنثات.
7 في ش ز ض: التحقيق.
وانظر التمهيد 105.
8 في ش: فيه.
9 حكى الغزالي هذه المسألة في كتابه "البسيط" الذي اختصر به كتاب "نهاية المطلب" لأبي المعالي الجويني.
"انظر: روضة الطالبين 8/55، التمهيد ص105-106".
10 انظر: مختصر البعلي ص115.(3/239)
قَالَ1 فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الإِخْوَةَ وَالْعُمُومَةَ يَعُمُّ الذُّكُورَ وَالإِنَاثَ, قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ4 وَصَاحِبِ الْفُرُوعِ فِيهِ5 وَغَيْرُهُمْ, وَظَاهِرُ كَلامِهِ فِي الْوَاضِحِ: أَنَّ الإِخْوَةَ لا تَعُمُّ الإِنَاثَ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَعُمُّهُنَّ6.
"وَتَعُمُّ7 "مَنْ" الشَّرْطِيَّةُ الْمُؤَنَّثَ"8 لِقَوْلِهِ9 تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} 10 فَالتَّفْسِيرُ11 بِالذَّكَرِ وَالأُنْثَى دَلَّ عَلَى تَنَاوُلِ12 الْقِسْمَيْنِ, وَلِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ
__________
1 في ب: قاله.
2 المغني 6/276.
3 الشرح الكبير 6/234 في الوقف، 7/24 الفرائض.
4 هو عبد الرحمن بن رزين بن عبد الله بن نصر، الغساني الحواراني ثم الدمشقي، سيف الدين، أبو الفرج، كان فقيهاً فاضلاً، وكان وكيلاً لابن الجوزي في بناء مدرسته بدمشق، وذهب إلى بغداد لرفع حسابها إليه سنة 656هـ فقتل شهيداً بسيف التتار، صنف عدة تصانيف منها: "التهذيب" في اختصار "المغني" في مجلدين، ومنها "اختصار الهداية"، وله تعليق في الخلاف مختصرة، قال ابن رجب: "وتصانيف غير محررة".
انظر ترجمته في "ذيل طبقات الحنابلة 2/264، المدخل إلى مذهب أحمد ص207".
5 انظر: الفروع.
6 انظر: مختصر البعلي ص115.
7 في ش ز: فتعم.
8 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/125، جمع الجوامع 1/428، نهاية السول 2/78، الإحكام للآمدي 2/269، البرهان 1/360، المحصول ج1 ق2/622، العدة 2/351، إرشاد الفحول ص127.
9 في ب: كقوله.
10 الآية 124 من النساء.
11 في ع: فالتعبير.
12 ساقطة من ز.(3/240)
وَرَسُولِهِ} 1 وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ2 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ". فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ3 بِذُيُولِهِنَّ؟ 4 فَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَهْمِ دُخُولِ النِّسَاءِ فِي مَنْ الشَّرْطِيَّةِ" 5.وَلأَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ حُرٌّ، فَدَخَلَهُ الإِمَاءُ عَتَقْنَ بِالإِجْمَاعِ, قَالَهُ فِي الْمَحْصُولِ6.
وَحَكَى غَيْرُهُ قَوْلاً: أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ. وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ7، وَأَنَّهُمْ تَمَسَّكُوا بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرْتَدَّةِ، فَجَعَلُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ" 8
__________
1 الآية 31 من الأحزاب.
2 في ز: ولقوله.
3 في ش ز ع: يصنع.
4 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد عن ابن عمر وغيره مرفوعاً، والشطر الأخير من الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك عن أم سلمة رضي الله عنها مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 4/17 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 14/60 وما بعدها، سنن أبي داود 2/381، 385، سنن النسائي 8/184، تحفة الأحوذي 5/406، الموطأ ص570 ط الشعب، مسند أحمد 2/24، 6/293، سبل السلام 4/158، سنن ابن ماجه 2/1181، 1185".
5 قال الصنعاني: "أي لا يرحم الله من جر ثوبه خيلاء، سواء كان من النساء أو الرجال، وقد فهمت ذلك أم سلمة فقالت عند سماعها الحديث: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ " "سبل السلام 4/158".
6 قال المجد بن تيمية: "وهذا قول المحققين من أهل اللسان والأصول والفقه".
"انظر: المحصول ج1 ق2/622، المسودة ص104، مختصر ابن الحاجب 2/125، مختصر البعلي ص115".
7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/125، البرهان 1/360، المحلي على جمع الجوامع 1/428، نهاية السول 2/78، المحصول ج1 ق2/622، مختصر البعلي ص115، المسودة ص105، التمهيد ص125، نهاية السول 2/161، الإحكام للآمدي 2/269، إرشاد الفحول ص127.
8 حديث صحيح رواه البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وابن أبي شيبة وعبد الرزاق عن ابن عباس مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 2/113، 4/132، المطبعة العثمانية، مسند أحمد 1/2،282، 5/231، سنن أبي داود 2/440، تحفة الأحوذي 5/24، سنن النسائي 7/69، سنن ابن ماجه 2/848، فيض القدير 6/95، نصب الراية 3/407، 456، المستدرك 4/366".(3/241)
لا يَتَنَاوَلُهَا1, وَالصَّحِيحُ خِلافُهُ2.
"وَيَعُمُّ النَّاسُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَنَحْوُهُمَا" كَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَيَا عِبَادِي "عَبْدًا" كُلُّهُ رَقِيقٌ "وَمُبَعَّضًا" قَلَّ الرِّقُّ فِيهِ أَوْ كَثُرَ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْثَرِ أَتْبَاعِهِ وَالأَئِمَّةِ3 الأَرْبَعَةِ، لأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي الْخَبَرِ، فَكَذَا فِي الأَمْرِ، وَبِاسْتِثْنَاءِ الشَّارِعِ لَهُمْ فِي الْجُمُعَةِ4.
وَقِيلَ: لا يَدْخُلُونَ إلاَّ بِدَلِيلٍ5.
وَقِيلَ: إنْ تَضَمَّنَ تعبداً6 دَخَلُوا،
__________
1 احتج الحنفية بدليل آخر أن راوي الحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه خالفه، وقال: لا تقتل المرأة بل تحبس، واعتبروا رأيه مخصصا للحديث. "انظر: التمهيد ص125".
2 انظر: العدة 2/351، البرهان 1/360.
3 في ش ز ع: أتباع الأمة.
4 وكذا الجهاد والحج، وذلك لأمر عارضٍ، وهو فقره واشتغاله بخدمة سيده.
"انظر: المعتمد 1/300، جمع الجوامع 1/427، شرح تنقيح الفصول ص196، فواتح الرحموت 1/276، تيسير التحرير 1/253، الإحكام لابن حزم 1/329، المستصفى 2/77، الإحكام للآمدي 2/270، البرهان 1/356، المنخول ص143، المسودة ص34، الروضة 2/236، المحصول ج1 ق3/201، القواعد والفوائد الأصولية ص209، 211، مختصر البعلي ص115، العدة 2/348، إرشاد الفحول ص128، مختصر الطوفي ص103، نزهة الخاطر 2/148، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/125، التمهيد ص104".
5 وقال بعض المالكية والشافعية لا يدخلون، وهو ما نقله الماوردي والروياني عنهم.
"انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/427، المستصفى 2/78، المسودة 34، التمهيد ص104، الإحكام للآمدي 2/270، شرح تنقيح الفصول ص196، فواتح الرحموت 1/270، تيسير التحرير 1/253، القواعد والفوائد الأصولية ص210، إرشاد الفحول ص128".
6 في ش: أضمر العبيد.(3/242)
وَإِلاَّ فَلا1.
قَالَ الْهِنْدِيُّ: الْقَائِلُونَ بِعُمُومِ دُخُولِ الْعَبِيدِ وَالْكُفَّارِ2 فِي لَفْظِ "النَّاسِ" وَنَحْوِهِ، إنْ3 زَعَمُوا أَنَّهُ لا يَتَنَاوَلُهُمْ لُغَةً فَمُكَابَرَةٌ، وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ الرِّقَّ وَالْكُفْرَ أَخْرَجَهُمْ شَرْعًا فَبَاطِلٌ؛ لأَنَّ الإِجْمَاعَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ فِي الْجُمْلَةِ4.
"وَ" يَدْخُلُ الَّذِينَ هُمْ "كُفَّارٌ وَجِنٌّ5 فِي" مُطْلَقِ لَفْظِ "النَّاسِ وَنَحْوِهِ" مِثْلَ {أُولِي الأَلْبَابِ} 6 فِي الأَصَحِّ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ لُغَةً, وَبِهِ قَالَ الأُسْتَاذُ7 أَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ, إذْ لا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ8.
أَمَّا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ بِعَدَمِ دُخُولِهِمْ، أَوْ أَنَّهُمْ هُمْ الْمُرَادُ، لا الْمُؤْمِنُونَ: عُمِلَ بِهَا، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا
__________
1 قال أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي: إن كان لحق الله "دخلوا" وإن كان من حقوق الآدميين لم يدخلوا.
انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها في "الإحكام للآمدي 2/370، فواتح الرحموت 1/276، تيسير التحرير 1/253، المسودة ص34، مختصر البعلي ص115، القواعد والفوائد الأصولية ص210، العضد على ابن الحاجب 2/125، التمهيد ص104، إرشاد الفحول ص128".
2 في ب: الكفار والعبيد.
3 في ز: وإن.
4 انظر ما يتفرع على هذه القاعدة من أحكام العبيد في "القواعد والفوائد الأصولية ص210، 233، العضد على ابن الحاجب 2/126، البرهان 1/357، تيسير التحرير 1/253، إرشاد الفحول ص128، التمهيد ص104".
5 ساقطة من ش.
6 الآية 179 من البقرة، وتتمة الآية {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ} وجاءت في آيات أخرى.
7 ساقطة من ش.
8 وقيل: لا يعم الكافر، بناء على عدم تكليفه بالفروع، وقيل: تعمه النواهي دون الأوامر، وتقدم بحث هذا الموضوع في "فصل الحكم التكليفي- مسألة: عل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟ " وللعلماء أقوال فيها.
"وانظر: المعتمد 1/294 وما بعدها، العدة 2/358، المسودة ص46، جمع الجوامع 1/427، المحلي على جمع الجوامع 1/427، المستصفى 2/78، شرح تنقيح الفصول ص166، المحصول ج1 ق3/201، 203، إرشاد الفحول ص128".(3/243)
لَكُمْ} 1 لأَنَّ الأَوَّلَ لِلْمُؤْمِنِينَ فَقَطْ: أَمَّا نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِيُّ2، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ3، أَوْ أَرْبَعَةٌ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ4. وَالثَّانِي: لِكُفَّارِ مَكَّةَ.
لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: بِأَنَّ اللاَّمَ فِي ذَلِكَ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، وَالْكَلامُ فِي الاسْتِغْرَاقِيَّةِ.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} 5 الْمُرَادُ الْكُفَّارُ بِدَلِيلِ بَاقِي الآيَةِ, نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ، وَجَعَلَهُ مِنْ الْعَامِّ
__________
1 الآية 173 من آل عمران.
2 هو الصحابي نعيم بن مسعود بن عامر، الغطفاني الأشجعي، أبو سلمة، أسلم في وقعة الخندق، وهو الذي أوقع الخلاف بين قريظة وغطفان وقريش يوم الخندق، وخذل بعضهم بعضٍ، وأرسل الله تعالى عليهم الريح والجنود، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن ذي اللحية، وكان نعيم يسكن المدينة، وكذلك ولده من بعده، توفي في آخر خلافة عثمان، وقيل: بل قتل يوم الجمل قبل قدوم علي البصرة، رضي الله عنهم.
انظر ترجمته في: الإصابة 3/568، الاستيعاب 3/557، أسد الغابة 5/348، الخلاصة ص403، تهذيب الأسماء 2/131".
3 قال القرطبي: "اختلف في قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} ، فقال مجاهد ومقاتل وعكرمة والكلبي: هو نعيم بن مسعود الأشجعي واللفظ عام، ومعناه خاص، كقوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} النساء/54، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، وقال السدي: هو أعرابي جعل له جعل على ذلك، وقال ابن إسحاق وجماعة: يريد بالناس ركب عبد القيس، مروا بأبي سفيان فدسهم إلى المسلمين ليثبطوهم، وقيل: الناس هنا المنافقون" "تفسير القرطبي 4/279".
وانظر: تفسير ابن كثير 1/429، تفسير الطبري 4/178 وما بعدها، تفسير القاسمي 4/1029".
4 الرسالة ص60.
وهو ما رجحه الطبري وغيره "انظر: تفسير الطبري 4/182، فواتح الرحموت 1/307".
5 الآية 73 من الحج.(3/244)
الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ1, فَقَدْ يَدَّعِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي الآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، فَلا تَكُونُ أَلْ2 فِيهَا عَهْدِيَّةً.
"وَ" قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} 3 لا يَشْمَلُ الأُمَّةَ" أَيْ أُمَّةَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ4 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الأَكْثَرِ, وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ5.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} 6 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا} 7 {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} 8 إلاَّ أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى مُشَارَكَةِ الأُمَّةِ لَهُمْ, وَذَلِكَ لأَنَّ اللَّفْظَ قَاصِرٌ عَلَيْهِمْ فَلا يَتَعَدَّاهُمْ9.
وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى10.
__________
1 الرسالة ص60.
2 ساقطة من ش.
3 الآية 64 من آل عمران، وفي آيات أخرى كثيرة.
4 في د: أي المجيبة لنبينا محمد، وفي ض ع: المجيبة لنبينا، وفي ز: أي لنبينا، وفي ب: المجيبة لنبينا محمد.
5 انظر: جمع الجوامع 1/429.
6 الآية 171 من النساء.
7 الآية 47من النساء. وفي ش ز ض ع ب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا} ، وفي ب: يوجد آية بهذا اللفظ. وفي ض ب: "أنزلنا".
8 الآية 64 من آل عمران، وفي ب: تتمة: {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ} .
9 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/429.
10 جاء في هامش ش: "إنما نودوا بهذا إلفاتا لهم إلى إقامة العمل بالكتاب الذي أنزله الله فرقاناً لهم، فأعرضوا عنه، وقلدوا الشيوخ والآباء، واتبعوا الأهواء فتفرقوا وضلوا، وكتاب الله أولى أن يدخل المخاطبون به في هذا النداء".(3/245)
قَالَ1 الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ2: يَشْمَلُ الأُمَّةَ إنْ شَرَكُوهُمْ3 فِي الْمَعْنَى, قَالَ: لأَنَّ شَرْعَهُ عَامٌّ لِبَنِي إسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ، كَالْمُؤْمِنِينَ4، فَثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهِمْ، كَأُمِّيِّ5 أَهْلِ الْكِتَابِ, وَذَلِكَ كَافٍ لِوَاحِدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ، فَإِنَّهُ يَعُمُّ غَيْرَهُ وَإِنْ لَمْ يُشْرِكْهُمْ فَلا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى لأَهْلِ بَدْرٍ: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ} 6 وَلأَهْلِ أُحُدٍ {إذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا} 7 فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَعُمُّ غَيْرَهُمْ.
قَالَ: ثُمَّ الشُّمُولُ هُنَا بِطَرِيقِ الْعَادَةِ الْعُرْفِيَّةِ أَوْ8 الاعْتِبَارِ الْعَقْلِيِّ، وَفِيهِ الْخِلافُ الْمَشْهُورُ.
قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي اسْتِدْلالُ الآيَةِ عَلَى حُكْمِنَا، مِثْلَ9 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} 10الآيَةَ فَإِنَّ هَذِهِ الضَّمَائِرَ رَاجِعَةٌ لِبَنِي إسْرَائِيلَ11.
قَالَ12: وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْخِطَابِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَمَّا خِطَابُهُ لَهُمْ
__________
1 في ض ع ب: وقال.
2 المسودة ص47، بتصرف.
3 في ب: شاركوهم.
4 في ز: من المؤمنين.
5 في ع: كما في.
6 الآية 69 من الأنفال.
7 الآية 122 من آل عمران.
8 في ش ز: و.
9 ز ض ع ب: بمثل.
10الآية 44 من البقرة.
11 انظر: المسودة ص48.
12 ساقطة من ع.(3/246)
عَلَى لِسَانِ مُوسَى1 وَغَيْرِهِ2 مِنْ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلامُ: فَهِيَ مَسْأَلَةُ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا: هَلْ هُوَ شَرْعٌ لَنَا؟ وَالْحُكْمُ هُنَا لا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ الْخَطَّابِيِّ قَطْعًا، بَلْ بِالاعْتِبَارِ الْعَقْلِيِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ3.
"وَيَعُمُّهُ" أَيْ يَعُمُّ4 النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} 5، وَ {يَا عِبَادِي} 6 وَنَحْوُ ذَلِكَ7، كَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ [حَيْثُ لا قَرِينَةَ تَخُصُّهُمْ] 8 نَحْوُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} 9 لأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالاسْتِجَابَةِ.
وَقِيلَ: يَعُمُّهُ10 خِطَابُ الْقُرْآنِ دُونَ خِطَابِ السُّنَّةِ11.
__________
1 في ز ض ع ب: موسى صلى الله عليه وسلم.
2 في ض ب: أو.
3 المسودة ص48، وانظر: البناني على جمع الجوامع 1/429.
4 في ض ب: ويعم.
5 الآية 21 من البقرة، وفي آيات أخرى.
6 الآية 56 من العنكبوت، والآية 53 من الزمر.
7 في ب: سطر كامل مكرر "يا أمة محمد ... مأمورون".
8 وقال الصيرفي والحليمي من الشافعية: إلا أن يكون معه: قل، فلا تعمه.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/272، المحصول ج1 ق3/200، البرهان 1/365، 367، جمع الجوامع 1/429، نهاية السول 2/89، المستصفى 2/81،شرح تنقيح الفصول ص197، فواتح الرحموت 1/277، تيسير التحرير 2/254، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/126، مختصر البعلي ص115، إرشاد الفحول ص129، المسودة ص33، القواعد والفوائد الأصولية ص207".
9 الآية 24 من الأنفال.
10 في ض: يعم.
11 انظر: إرشاد الفحول ص129.(3/247)
وَقِيلَ: لا يَعُمُّهُ1 خِطَابُ الْقُرْآنِ وَلا خِطَابُ السُّنَّةِ لِقَرِينَةِ الْمُشَافَهَةِ، وَلأَنَّ الْمُبَلِّغَ -بِكَسْرِ اللاَّمِ- غَيْرُ الْمُبَلَّغِ - بِفَتْحِهَا, وَالآمِرَ وَالنَّاهِيَ غَيْرُ الْمَأْمُورِ وَالْمَنْهِيِّ، فَلا يَكُونُ دَاخِلاً2.
رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْخِطَابَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْعِبَادِ، وَهُوَ مِنْهُمْ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُبَلِّغٌ لِلْأُمَّةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ3 سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الآمِرُ وَالنَّاهِي، وَجِبْرِيلَ هُوَ الْمُبَلِّغُ لَهُ، وَلا يُنَافِي كَوْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَاطِبًا مُخَاطَبًا وَ4مُبَلِّغًا وَ5مُبَلَّغًا بِاعْتِبَارَيْنِ6.
وَرُبَّمَا اعْتَلَّ الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ، بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ خَصَائِصُ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ لِخُصُوصِيَّتِهِ7، بِخِلافِ الأَمْرِ8 الَّذِي خَاطَبَ بِهِ النَّاسَ9.
وَرُدَّ10 بِأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُهُ، حَتَّى يَأْتِيَ
__________
1 في ض ب: يعم لا.
2 انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها في "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/126، المحلي على جمع الجوامع 1/427، المستصفى 2/81، الإحكام للآمدي 2/272، البرهان 1/365، تيسير التحرير 1/255، المحصول ج1 ق2/200، القواعد والفوائد الأصولية ص207، إرشاد الفحول ص129".
3 في ز ض ع ب: فالله.
4 ساقطة من ض ع ب.
5 ساقطة من ض ع ب.
6 انظر أدلة هذا القول بان الخطاب يعم النبي صلى الله عليه وسلم في "العضد على ابن الحاجب 2/126، البناني على جمع الجوامع 1/427، الإحكام للآمدي 2/272 وما بعدها، البرهان 1/365، فواتح الرحموت 1/277، تيسير التحرير 1/255".
7 في ب: لخصوصية.
8 في ع: الآمر.
9 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/126، الإحكام للآمدي 2/272، البرهان 1/365، فواتح الرحموت 1/278، المسودة ص33".
10 في ع: رد.(3/248)
دَلِيلٌ1.
وَتَظْهَرَ فَائِدَةُ الْخِلافِ فِي ذَلِكَ فِيمَا إذَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ: هَلْ يَكُونُ نَسْخًا فِي حَقِّهِ؟
إنْ قُلْنَا: يَعُمُّهُ2 الْخِطَابُ فَنَسْخٌ، أَيْ إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَمَلِ، لأَنَّ ذَلِكَ شَرْطُ الْمَسْأَلَةِ، وَإِلاَّ فَلا3.
"وَيَعُمُّ" الْخِطَابُ "غَائِبًا وَمَعْدُومًا" حَالَتُهُ4 "إذَا وُجِدَ وَكُلِّفَ لُغَةً" أَيْ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ, قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ5.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: لَيْسَ النِّزَاعُ فِي قَوْلِنَا "وَيَعُمُّ الْغَائِبَ وَالْمَعْدُومَ إذَا وُجِدَ وَكُلِّفَ" فِي الْكَلامِ النَّفْسِيِّ، بَلْ هَذِهِ خَاصَّةٌ بِاللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ, وَلأَنَّنَا
__________
1 قال العضد: "الجواب أن انفراده ف ذلك بدليل لا يوجب عدم المشاركة مطلقاً، فإن عدم الحكم قد يكون لمانع، كما قد يكون لعدم المقتضي، وذلك كما لو خرج المريض والمسافر وغيرهما من عمومات مخصوصة، ولا يوجب ذلك خروجهم من العمومات مطلقاً" "العضد على ابن الحاجب 2/127".
وقال الآمدي: "إن اختصاصه ببعض الأحكام غير موجب لخروجه عن عمومات الخطاب، ولهذا فإن الحائض والمسافر والمريض، كل واحد قد اختص بأحكام لا يشاركه غيره فيها، ولم يخرج بذلك عن الدخول في عمومات الخطاب" "الإحكام 2/274".
"وانظر: المستصفى 2/81، البرهان 1/365، فواتح الرحموت 1/278".
2 في ب: يعم.
3 انظر: إرشاد الفحول ص129.
4 في ش: حالما.
5 انظر هذه المسألة في "المحلي على جمع الجوامع 1/428، نهاية السول 2/88، الإحكام للآمدي 2/274، المحصول ج1 ق2/429، فواتح الرحموت 1/279، تيسير التحرير 1/255، المنخول ص124، البرهان 1/270، شرح تنقيح الفصول ص145، مختصر الطوفي ص92، الروضة 2/213، إرشاد الفحول ص128".
وتقدمت هذه المسألة في فصل التكليف، "المجلد الأول ص 513 وما بعدها".(3/249)
مَأْمُورُونَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَصَلَ1 ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ وُجُودِنَا فَاقْتَضَى2 بِطَرِيقِ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَأَنْ لا يَكُونَ قَسِيمًا3 لِلْخَبَرِ4. اهـ.
وَقِيلَ: لا يَعُمُّهُ5 الْخِطَابُ إلاَّ بِدَلِيلٍ آخَرَ6.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَمِمَّا اُخْتُلِفَ فِي عُمُومِهِ: الْخِطَابُ الْوَارِدُ شِفَاهًا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مِثْلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} - {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} - {يَا عِبَادِي} لا7 خِلافَ في8 انه عَامٌّ فِي الْحُكْمِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ مَنْ9 لَمْ يُشَافَهْ بِهِ،
__________
1 في ز: فحصل.
2 في ش ز ع ض: مقتضٍ.
3 في ض: قسماً.
4 انظر: إرشاد الفحول ص128.
5 في ض ب: يعم.
6 قال الغزالي: "فهو خطاب مع الموجودين في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإثباته في حق من يحدث بعده بدليل زائدٍ" "المستصفى 2/83".
وقال الآمدي: "فذهب أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة والمعتزلة إلى اختصاصه بالموجودين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يثبت حكمه إلى من بعدهم إلا بدليل أخر" "الإحكام 2/274".
واستدل لذلك الإسنوي فقال: "لنا أنه لم يتناول الصبي والمجنون، فالمعدوم أولى" "التمهيد ص107".
"وانظر: مختصر ابن الحاجب 2/127، المستصفى 1/81، نهاية السول 2/88، تيسير التحرير 1/255، مختصر الطوفي ص62، 92، الروضة 2/213، جمع الجوامع 1/427، المحصول ج1 ق2/430، شرح تنقيح الفصول ص188، فواتح الرحموت 1/278، إرشاد الفحول ص128".
وتقدمت هذه المسألة في "المجلد الأول ص513" بعنوان: تكليف المعدوم.
7 في ز: بلا.
8 ساقطة من ش.
9 في ض ب: لمن.(3/250)
سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا غَائِبًا وَقْتَ تَبْلِيغِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مَعْدُومًا بِالْكُلِّيَّةِ, فَإِذَا بَلَغَ الْغَائِبُ وَ1 الْمَعْدُومُ بَعْدَ وُجُودِهِ تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ, وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي جِهَةِ عُمُومِهِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْعَامَّ الْمُشَافَهَ فِيهِ بِحُكْمٍ، لا خِلافَ فِي شُمُولِهِ لُغَةً لِلْمُشَافَهِينَ، وَفِي غَيْرِهِمْ حُكْمًا، وَكَذَا الْخِلافُ فِي غَيْرِهِمْ هَلْ2 الْحُكْمُ شَامِلٌ لَهُمْ بِاللُّغَةِ أَوْ بِدَلِيلٍ آخَرَ؟
ذَهَبَ جَمْعٌ مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ مِنْ اللَّفْظِ، أَيْ اللُّغَوِيِّ.
وَذَهَبَ الأَكْثَرُ إلَى أَنَّهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ3.
وَذَلِكَ مِمَّا عُلِمَ مِنْ عُمُومِ4 دِينِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالضَّرُورَةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ, وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} 5 وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً" 6.
قَالَ: وَهَذَا مَعْنًى قول7 كَثِيرٌ، كَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ مِثْلَ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ش: وهل.
3 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/428، المستصفى 2/83 وما بعدها، المحصول ج1 ق2/635، مختصر ابن الحاجب 2/127، تيسير التحرير 1/255، إرشاد الفحول ص129.
4 ساقطة من ش.
5 الآية 19 من الأنعام.
وانظر: تفسير ابن كثير 2/126 ط عيسى الحلبي، تفسير القرطبي 2/399، تفسير الخازن 2/102، تفسير القاسمي 6/2268.
6 هذا جزء من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم والنسائي والدارمي وابن سعد عن جابر وأبي هريرة وخالد بن معدان رضي الله عنهم مرفوعا، ولفظه في "مسلم": "فضلت على الأنبياء بست.. وأرسلت إلى الخلق كافة"، وعبارة البخاري: "وبعثت إلى الناس عامة".
"انظر: فتح الباري 1/348 ط عبد الرحمن، صحيح مسلم 1/371، سنن النسائي 1/172، سنن الدارمي 1/323، فيض القدير 3/202".
7 ساقطة من ش.(3/251)
لَيْسَ خِطَابًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ، أَيْ لِمَنْ بَعْدَ1 الْمُوَاجِهِينَ. وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْحُكْمُ بِدَلِيلٍ آخَرَ مِنْ إجْمَاعٍ أَوْ نَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ2.
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ لا يُقَالُ لِلْمَعْدُومِينَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ3.
وَأَجَابُوا عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْخَصْمُ، بِأَنَّهُ4 لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَعْدُومُونَ مُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلاً إلَيْهِمْ، بِأَنَّهُ5 لا يَتَعَيَّنُ الْخِطَابُ الشِّفَاهِيُّ6 فِي الإِرْسَالِ، بَلْ مُطْلَقُ الْخِطَابِ كَافٍ7.وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
" وَالْمُتَكَلِّمُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ كَلامِهِ8" أَيْ كَلامِ نَفْسِهِ "مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْكَلامُ خَبَرًا أَوْ إنْشَاءً، أَوْ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا "إنْ صَلَحَ" عِنْدَ دُخُولِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ9، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَاَللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
__________
1 في د: لمن بعدهم، وفي ش ز: من بعدهم.
2 مختصر ابن الحاجب 2/127.
وأضاف ابن الحاجب فقال: "وأيضاً إذا أمتنع في الصبي والمجنون فالمعدوم أجدر".
"وانظر: فواتح الرحموت 1/279، التهميد ص107".
3 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/127.
4 في ش: فإنه.
5 في ش: فإنه.
6 في ض ب: الشافهي.
7 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/127، الإحكام للآمدي 2/274 وما بعدها، مختصر الطوفي ص93.
8 ذكر ابن الحاجب وابن السبكي وابن قدامة وغيرهم هذه المسألة بعبارة "المخاطب داخل في عموم متعلق خطابه".
9 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/127، الروضة 2/241، جمع الجوامع 1/384، البرهان 1/362، شرح تنقيح الفصول ص198، 221، المستصفى 2/88، الإحكام للآمدي 2/278، فواتح الرحموت 1/280، المحصول ج1 ق3/199، المنخول ص143، مختصر الطوفي ص105، القواعد والفوائد الأصولية ص205، نهاية السول 2/89، التمهيد ص100، إرشاد الفحول ص130".(3/252)
عَلِيمٌ} 1 إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ إطْلاقِ لَفْظِ {شَيْءٍ} عَلَيْهِ تَعَالَى2. وَقَوْلُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: مَنْ أَحْسَنَ إلَيْك فَأَكْرِمْهُ، أَوْ فَلا تُهِنْهُ, ذَكَرَهُ الآمِدِيُّ عَنْ الأَكْثَرِ, وَلأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ، وَلا مَانِعَ مِنْ الدُّخُولِ, وَالأَصْلُ عَدَمُهُ3.
وَعَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, رِوَايَةٌ أُخْرَى: لا يَدْخُلُ إلاَّ بِدَلِيلٍ.
وَقِيلَ: لا يَدْخُلُ مُطْلَقًا4.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَالأَكْثَرُ: لا فِي الأَمْرِ وَلا فِي5 النَّهْيِ6.
وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا "إنْ صَلَحَ" مَا إذَا كَانَ الْكَلامُ7 بِلَفْظِ الْمُخَاطَبَةِ، نَحْوُ
__________
1 الآية 282 من البقرة، والآية 176 من آل عمران، والآية 35، 64 من النور، والآية 16 من الحجرات، والآية 11 من التغابن.
2 ساقطة من ض ع ب.
3 قال ابن قدامة: "والأصل اتباع العموم" "الروضة 2/241".
"وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/128، المحلي على جمع الجوامع 1/429، المنخول ص143، شرح تنقيح الفصول ص221، الإحكام للآمدي 2/278، فواتح الرحموت 1/277، تيسير التحرير 1/256، مختصر الطوفي ص105، إرشاد الفحول ص130".
4 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/429، المستصفى 2/88، البرهان 1/363، تيسير التحرير 1/257، الروضة 2/241، القواعد والفوائد الأصولية ص205، مختصر الطوفي ص 105.
5 في ز ض ع ب: و.
6 عبارة المصنف غير واضحة في نقل رأي أبي الخطاب، وقد جاء واضحاً في عبارات الكتب الأخرى، قال الطوفي: "وقال أبي الخطاب إلا في الأمر" "مختصر الطوفي ص105"، وقال البعلي: "واختار أبو الخطاب يدخل إلا في الأمر، وهو أكثر كلام القاضي، وحكاه التميمي عن أحمد" "القواعد والفوائد الأصولية ص206"، وقال البعلي أيضاً في "مختصره ص115": "فيه ثلاثة أقوال: ثالثها: يتناول إلا في الأمر، واختاره أبو الخطاب" وقال ابن قدامة: "واختار أبو الخطاب أن الآمر لا يدخل في الأمر" "الروضة 2/241".
"وانظر: جمع الجوامع 1/429، شرح تنقيح الفصول ص221، المحصول ج1 ق3/200، إرشاد الفحول ص130".
7 ساقطة من ض.(3/253)
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ" 1.
"وَتَضَمَّنَ" كَلامٌ "عَامٌّ مَدْحًا أَوْ ذَمًّا كَالأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ" نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} 2 وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} 3 وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} 4: "لا يُمْنَعُ عُمُومُهُ" أَيْ لا يُغَيَّرُ عُمُومُهُ عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ5، إذْ لا تَنَافِيَ بَيْنَ قَصْدِ الْعُمُومِ، وَبَيْنَ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ، فَيَحْمِلُ6 الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَغَيْرَهُمَا عَلَى الْعُمُومِ، إذْ لا صَارِفَ لَهُ عَنْهُ7.
__________
1 هذا طرف من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 4/151، صحيح مسلم 3/1267، سنن أبي داود 2/199، تحفة الأحوذي 5/132، سنن النسائي 7/4، سنن ابن ماجه 1/677، الموطأ ص297 ط الشعب، مسند أحمد 2/7، النووي على مسلم 11/105، نصب الراية 3/295، مختصر سنن أبي داود 4/357، التلخيص الحبير 4/168".
2 الآيتان 13-14 من الانفطار.
3 الآية 34 من التوبة، وتتمة الآية {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} .
4 الآية 5 من المؤمنون.
5 صحح هذا القول الآمدي والفخر الرازي وابن الحاجب، ونسب الكمال بن الهمام وابن عبد الشكور مخالفة لشافعية لذلك بإطلاق.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/280، مختصر ابن الحجاب 2/128، جمع الجوامع 1/422، نهاية السول 2/89، فتح الغفار 2/60، فواتح الرحموت 1/283، تيسير التحرير 1/257، شرح تنقيح الفصول ص221، المحصول ج1 ق3/203، المعتمد 1/302، مختصر البعلي ص116، المسودة ص133، التبصرة ص193، اللمع ص16، التمهيد ص98، إرشاد الفحول ص133".
6 في ش ز: فيحتمل.
7 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/128، المحلي والبناني على جمع الجوامع1/ 422، التبصرة ص193، تيسير التحرير 1/257، شرح تنقيح الفصول ص221، إرشاد الفحول ص133".(3/254)
وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْعُمُومَ، لِوُرُودِ ذَلِكَ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْحَثِّ وَالزَّجْرِ، فَلَمْ يَعُمَّ1.
رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْعُمُومَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ، وَلا مُنَافَاةَ2.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ فِيهِ تَفْصِيلٍ, قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: الثَّالِثُ أَنَّهُ لِلْعُمُومِ، إلاَّ إنْ عَارَضَهُ عَامٌّ آخَرُ لا يَقْصِدُ بِهِ الْمَدْحَ أَوْ الذَّمَّ، فَيَتَرَجَّحُ الَّذِي لَمْ يُسَقْ3 لِذَلِكَ عَلَيْهِ4، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} 5 مَعَ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 6 فَالأُولَى سِيقَتْ لِبَيَانِ الْحُكْمِ، فَقُدِّمَتْ عَلَى سِيَاقِهَا
__________
1 وهذا قول بعض الشافعية، وبين ابن السبكي أنه وجه ضعيف في المذهب، وأن الصحيح أنه بعم، وهو قول الثابت عن الشافعي، وقال الشيرازي عن القول: بعدم العموم: وهذا خطأ "اللمع ص16"، وقال بعدم العموم أبو الحسن الكرخي وبعض الحنفية ولعض المالكية، ونقل ذلك عن الشافعية بإطلاق.
"انظر: نهاية السول 2/89، المسودة ص133، المحصول ج1 ق3/203، مختصر ابن الحاجب 2/128، المحلي على جمع الجوامع 1/422، التبصرة ص193، الإحكام للآمدي 2/280، فواتح الرحموت 2/283، 284، تيسير التحرير 1/257، شرح تنقيح الفصول ص221، مختصر البعلي ص116، إرشاد الفحول ص133".
2 أي أن التعميم أبلغ في المدح والذم من عدمه، وأنه لامنافاة بين المسوق للمبالغة وبين التعميم.
"انظر: المحصول ج1 ق3/204، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/128، 129، التبصرة ص194، الإحكام للآمدي 2/280، فواتح الرحموت 1/284، تيسير التحرير 1/257، إرشاد الفحول ص133".
3 في ز ض ع ب: يسبق.
4 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/422.
5 الآية 23 من النساء، وأول الآية: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ... } ، وفي ب: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} .
6 الآية 3 من النساء، وأول الآية: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء ... فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} .(3/255)
الْمِنَّةُ بِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ, وَقَدْ رَدَّ أَصْحَابُنَا بِهَذَا عَلَى داود1 الظَّاهِرِيِّ احْتِجَاجَهُ, بِالثَّانِيَةِ عَلَى2 إبَاحَةُ الأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ3. اهـ.
"وَمِثْلَ" أَيْ وَنَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} 4 يَعُمُّ "فَيَقْتَضِي" الْعُمُومُ "أَخْذَهَا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْمَالِ الَّذِي بِأَيْدِيهِمْ" فِي ظَاهِرِ كَلامِ أَبِي الْفَرَجِ الشِّيرَازِيِّ مِنَّا5، وَقَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الْمُقْنِعِ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ6، إلاَّ أَنْ يَخُصَّ بِدَلِيلٍ مِنْ السُّنَّةِ. وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ7.
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ: يَكْفِي الأَخْذُ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ8.
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ش: الثانية علة.
3 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/422.
4 الآية 103 من التوبة.
5 ساقطة من ش ز.
6 انظر هذه المسألة في "نهاية السول 2/90، جمع الجوامع 1/429، مختصر ابن الحاجب 2/128، التمهيد ص99، الإحكام للآمدي 2/279، فواتح الرحموت 1/282، تيسير التحرير 1/257، مختصر البعلي ص116، إرشاد الفحول ص126".
7 قال الشافعي: "ولولا دلالة السنة كان ظاهر القرآن أن الأموال كلها سواء، وأن الزكاة في جميعها لا في بعضها دون بعض" "الرسالة ص196".
8 يبحث أكثر العلماء هذه المسألة تحت عنوان: "الجمع المضاف إلى جمع"، واختار الآمدي قول ابن الحاجب والكرخي وقال: "ومأخذ الكرخي دقيق" كما أيده ابن عبد الشكور.
"انظر: مختصر ابن الحاجب 2/182، فواتح الرحموت 1/282، تيسير التحرير 1/257، 258، أصول السرخسي 1/276، المحلي على جمع الجوامع 1/429، الإحكام للآمدي 2/379، التمهيد ص100، إرشاد الفحول ص126".(3/256)
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: خِلافًا لِلأَكْثَرِينَ, ثُمَّ قَالَ: لَنَا أَنَّهُ بِصَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ، يَصْدُقُ1 أَنَّهُ2 أُخِذَ مِنْهَا صَدَقَةٌ، فَيَلْزَمُ الامْتِثَالُ, وَأَيْضًا: فَإِنَّ كُلَّ دِينَارٍ مَالٌ, وَلا يَجِبُ ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ3. اهـ.
وَأُجِيبَ عَنْ الأَوَّلِ: بِمَنْعِ صِدْقِ ذَلِكَ، لأَنَّ {أَمْوَالَهُمْ} جَمْعٌ مُضَافٌ. فَكَانَ4 عَامًّا فِي كُلِّ نَوْعٍ نَوْعٌ وَفَرْدٍ فَرْدٌ5, إلاَّ مَا خَرَجَ بِالسَّنَةِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ6.
وَعَنْ الثَّانِي: بِأَنَّ الْمُرَادَ: عَنْ كُلِّ نِصَابٍ نِصَابٌ، كَمَا بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ7.
وَمِمَّا ذَكَرَ احْتِجَاجًا8 لِلْكَرْخِيِّ9: أَنَّ "مِنْ" فِي الآيَةِ لِلتَّبْعِيضِ، وَلَوْ كَانَتْ الآيَةُ عَامَّةً. وَالتَّبْعِيضُ: يَصْدُقُ بِبَعْضِ الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ10.
__________
1 في ش ب: بصدق بواحدة، وما أثبتاه من نسخة ز ض ع ومختصر ابن الحاجب.
2 في ش ز ض ع: أنها، والأعلى من "مختصر ابن الحاجب".
3 مختصر ابن الحاجب 2/128.
4 في ش: وكان.
5 في ب: وكل فرد فرد.
6 قال الشافعي رحمه الله: "فكان مخرج الآية عاماً في الأموال، وكان يحتمل أن تكون على بعض الأموال دون بعض، فدلت السنة على أن الزكاة في بعض الأموال دون بعض" "الرسالة ص187".
"وانظر: العضد والتفتازاني على ابن الحاجب 2/128، الإحكام للآمدي 2/279، إرشاد الفحول ص126".
7 انظر: العضد والتفتازاني على ابن الحاجب 2/128.
8 في ب: احتجاج.
9 في ش: على الكرخي، وفي ض: الكرخي.
10 انظر: الإحكام للآمدي 2/279.(3/257)
وَجَوَابُهُ: أَنَّ التَّبْعِيضَ فِي الْعَامِّ إنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ تَبْعِيضِ كُلِّ جُزْءٍ جُزْءٍ1 مِنْهُ، فَلا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ كُلِّ نِصَابٍ إذْ لَوْ سَقَطَتْ2 "مِنْ" لَكَانَ الْمَالُ يُؤْخَذُ كُلُّهُ صَدَقَةً 3.
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ب: أسقطت.
3 وقال الآمدي بالتوقف لعدم ترجيح أحد القولين عنده "انظر: الإحكام للآمدي 2/279".
وانظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/429، فواتح الرحموت 2/282، إرشاد الفحول ص126.(3/258)
فصل القران بين شيئين لفظا لا يقتضي التسوية بينهما حكما
...
"فَصْلُ"
الْقِرَانِ: أَنْ1 يَقْرُنَ الشَّارِعُ2 بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَفْظًا" أَيْ فِي اللَّفْظِ "لا يَقْتَضِي" ذَلِكَ الْقُرْآنِ3 "تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا" أَيْ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ "حُكْمًا فِي غَيْرِ" الْحُكْمِ "الْمَذْكُورِ إلاَّ بِدَلِيلٍ" مِنْ خَارِجٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَالْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ4, وَذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَلا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ جَنَابَةٍ" 5 لأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ الشَّرِكَةِ6.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: لا يَلْزَمُ مِنْ تَنَجُّسِهِ7 بِالْبَوْلِ تَنَجُّسُهُ8 بِالاغْتِسَالِ.
__________
1 في ض ع: بأن.
2 في ب: الشرع.
3 ساقطة من ش.
4 انظر: المسودة ص140، التبصرة ص229، التمهيد ص75، اللمع ص25، جمع الجوامع 2/19، أصول السرخسي 1/273، مختصر البعلي ص113.
5 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبغوي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه"، ورواه الترمذي والنسائي بلفظ: "ثم يتوضأ منه" وروى مسلم والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب" ف قال: كيف يفعل با أبا هريرة؟ قال "يتناوله تناولاً".
"انظر: صحيح البخاري 1/54، صحيح مسلم 1/235، 236، سنن أبي داود 1/17، تحفة الأحوذي 1/222، سنن النسائي 1/44، 103، سنن ابن ماجه 1/124، 198، مختصر سنن أبي داود 1/75، شرح السنة 2/66، الفتح الكبير 3/352، إحكام الأحكام 1/62".
6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/19، المسودة ص140.
8 7 في ش ز: تنجسه.(3/259)
وَمِنْ الدَّلِيلِ أَيْضًا: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} 1 فَعَطَفَ وَاجِبًا عَلَى مُبَاحٍ, لأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ الشَّرِكَةِ وَعَدَمُ دَلِيلِهَا2.
وَخَالَفَ أَبُو يُوسُفَ وَجَمْعٌ. لأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ3، نَحْوُ. قَوْله تَعَالَى: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} 4 فَلِذَلِكَ لا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ, لأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ دُخُولُهُ فِي الزَّكَاةِ لَكَانَ فِيهِ عَطْفٌ وَاجِبٌ عَلَى مَنْدُوبٍ؛ لأَنَّ الصَّلاةَ عَلَيْهِ مَنْدُوبَةٌ5 اتِّفَاقًا6.
وَضَعُفَ بِأَنَّ الأَصْلَ فِي اشْتِرَاكِ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ: إنَّمَا هُوَ فِيمَا ذَكَرَ، لا فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ, وَ7 قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ اللَّفْظَيْنِ الْعَامَّيْنِ8 إذَا عُطِفَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ، وَخُصَّ أَحَدُهُمَا: لا يَقْتَضِي9 تَخْصِيصَ10 الآخَرِ11،
__________
1 الآية 141 من الأنعام.
2 انظر: اللمع ص25.
3 وهو قول المزني من الشافعية. "انظر: جمع الجوامع 2/19، التبصرة ص229، اللمع ص25، فتح الغفار 2/58، مختصر البعلي ص113، المسودة ص140".
4 الآية 43 من البقرة.
5 في ب: مندوبة عليه.
6 انظر: أصول السرخسي 1/273، فتح الغفار 1/59.
7 ساقطة من ب.
8 في د ض: العاملين.
9 في ع: يقضي.
10 في ع: بتخصيص.
11 سيذكر المصنف هذه المسألة في الصفحة 262، وسيكررها في آخر بحث الخاص، وبين الشوكاني سبب تكرار هذه المسألة في العام والخاص فقال: "فهذه المباحث لها تعلق بالعام وتعلق بالخاص" "إرشاد الفحول ص159".(3/260)
وَاسْتُدِلَّ لِهَذَا الْمَذْهَبِ أَيْضًا بِقَوْلِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ "وَاَللَّهِ لأقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ "1.
وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ لِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ بِأَنَّهَا قَرِينَةُ الْحَجِّ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى2، وَرَدَ الدَّلِيلُ3 وَقَرِينُهُ4 فِي الأَمْرِ بِهَا5.
وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ} 6 قَالَ: فَعَطْفُ اللَّمْسِ عَلَى الْغَائِطِ مُوجِبٌ7 لِلْوُضُوءِ8, قَالَ: وَخَصَّصَهُ9 أَحْمَدُ بِالْقَرِينَةِ, وذَكَرَ10 قَوْله تَعَالَى فِي آيَةِ النَّجْوَى11 وقَوْله
__________
1 هذا جزء من حديث طويل رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 1/167 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 1/207، سنن أبي داود 1/356، تحفة الأحوذي 7/326، سنن النسائي 5/11، 7/71، مسند أحمد 2/528، 1/19، 48".
وانظر: التبصرة ص226، أصول السرخسي 1/373.
2 انظر: التبصرة ص230.
3 في ش ز: ورد الدليل.
4 في ع: وقرينته. وفي ش: وقرينه.
5 وضح الشيرازي الرد على الاستدلال بقول أبي بكر رضي الله عنهما فقال: "والجواب أن أبا بكر رضي الله عنه أراد: لا أفرق بين ما جمع الله في الإيجاب بالأمر، وكذلك ابن عباس أراد أنها لقرينة الحج في الأمر، والأمر يقتضي الوجوب، فكان الاحتجاج في الحقيقة يظاهر الأمر، لا بالاقتران" "التبصرة ص230".
6 الآية 6 من المائدة.
7 في ش: يوجب.
8 في ز ش ض: الوضوء.
9 في ض ع ب: وخصص.
10 في ش ز ع ب: فذكر.
11 وهي آيات النجوى في سورة المجادلة 8-10: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ... وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} والآيتان 12/13 من المجادلة.(3/261)
تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} 1 {فَإِنْ أَمِنَ} 2 فَلا بَأْسَ, اُنْظُرْ إلَى آخِرِ الآيَةِ3.
"وَلا يَلْزَمُ مِنْ إضْمَارِ شَيْءٍ فِي مَعْطُوفٍ " عَلَى شَيْءٍ "أَنْ يُضْمَرَ" ذَلِكَ الشَّيْءُ "فِي مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ" ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ حَمْدَانَ وَابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْقَاضِي وَابْنِ السَّمْعَانِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ4.
وَتَرْجَمَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا فِي الْمَتْنِ هِيَ تَرْجَمَةُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ، وَتَرْجَمَهَا الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَالْهِنْدِيُّ وَابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ بِقَوْلِهِمْ "عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ5 لا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ "6
__________
1 الآية 282 من البقرة.
2 الآية 283 من البقرة، وجاء في جميع النسخ: وإذا.
3 وتتمة الآيتين: {وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} البقرة 282-283.
4 انظر هذه المسألة في "المستصفى 2/70، الإحكام للآمدي 2/258، المحصول ج1 ق2/623، ج1 ق3/302، نهاية السول 2/163، المحلي على جمع الجوامع 2/32، 1/424، شرح تنقيح الفصول ص222، المعتمد 1/308، مختصر البعلي ص113، المسودة ص140، مختصر ابن الحاجب 2/120، فواتح الرحموت 1/298، تيسير التحرير 1/261، إرشاد الفحول ص139، اللمع ص25، مباحث الكتاب والسنة ص155".
5 في ش ز: العام على الخاص.
6 وترجم هذه المسالة البعلي وغيره بلفظ: "رجوع الضمير إلى بعض العام المتقدم لا يخصصه عند أكثر أصحابنا والشافعية "مختصر البعلي ص124"، ويلاحظ في هذه الترجمة مراعاتها لفصل الخاص والتخصيص، وهي ما سيذكرها المصنف في آخر فصل الخاص صفحة 389.
"وانظر: نهاية السول 2/162، شرح تنقيح الفصول ص222، جمع الجوامع 2/32، المحصول ج1 ق3/205".(3/262)
وَمَثَّلَ الْفَرِيقَانِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ "لا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ" 1.
وَالْخِلافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَشْهُورٌ، مَعَ الاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ، فَالْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ تَابَعَهُمْ يُقَدِّرُونَ تَتْمِيمًا2 لِلْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ لَفْظًا عَامًّا، تَسْوِيَةً بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي مُتَعَلِّقِهِ, فَيَكُونُ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} 3 فَيُقَدَّرُ: وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ4, إذْ لَوْ قَدَّرَ خَاصًّا - وَهُوَ وَلا ذُو5 عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِحَرْبِيٍّ- لَزِمَ التَّخَالُفُ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ, وَيَكُونُ6 تَقْدِيرًا بِلا دَلِيلٍ، بِخِلافِ مَا لَوْ قَدَّرَ عَامًّا, فَإِنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ7 عَلَيْهِ مِنْ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا, وَحِينَئِذٍ فَيُخَصَّصُ
__________
1 هذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه بهذا اللفظ عن علي رضي الله عنه، ورواه الترمذي وابن ماجه عن علي وعمرو بن شعيب بدون الزيادة الأخيرة.
"انظر: مسند أحمد 1/119، 122، 2/180، 192، سنن أبي داود 2/488، سنن النسائي 8/21، تحفة الأحوذي 4/669، سنن ابن ماجه 2/887، 888".
قال المناوي: "تنبيه: هذا الحديث روي بزيادة، ولفظه: "لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده"، يعني بكافر حربي للإجماع على قتله بغير حربي، فقال الحنفي يقدر الحبي في المعطوف عليه لوجوب الاشتراك بين المعطوفين في صفة الحكم، فلا ينافي ما قال به من قتل المسلم بذمي، وقد مثل "بهذه الزيادة" أهل الصول للأصح عندهم أن عطف الخاص على العام كعكسه لا يخصص، فقوله: "ولا ذو عهد في عهده" يعني بكافر حربي للإجماع على قتله بغير الحربي، "فيض القدير 6/453".
وانظر: المسودة ص140.
2 في ش: تتمتها.
3 الآية 285 من البقرة.
4 انظر: المسودة ص140.
5 في ز ض: ذوا، وفي ب: وذو.
6 في ز ض ع ب: وأن يكون.
7 ساقطة من ز.(3/263)
الْعُمُومُ فِي الثَّانِيَةِ بِالْحَرْبِيِّ. بِدَلِيلٍ آخَرَ. وَهُوَ الاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْمُعَاهَدَ لا يُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّ, وَيُقْتَلُ بِالْمُعَاهَدِ وَالذِّمِّيِّ1.
قَالُوا: وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَجَبَ أَنْ يُخَصَّصَ الْعَامُّ الْمَذْكُورُ، أَوْ لا لِيَتَسَاوَيَا2. فَيَصِيرُ: لا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلا ذُو3 عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ4.
وَأَمَّا أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: فَإِذَا قَدَّرُوا فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ. فَإِنَّمَا يُقَدِّرُونَ خَاصًّا. فَيَقُولُونَ: وَلا ذُو5 عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِحَرْبِيٍّ6، لأَنَّ التَّقْدِيرَ: إنَّمَا هُوَ بِمَا تَنْدَفِعُ بِهِ الْحَاجَةُ بِلا زِيَادَةٍ, وَفِي التَّقْدِيرِ "بِحَرْبِيٍّ" كِفَايَةٌ وَلا يَضُرُّ تَخَالُفُهُ مَعَ الْمَعْطُوفِ
__________
1 وخلاصة الخلاف أن الجمهور يرون أن التعاطف بين الكلمتين ل يقتضي لأكثر من اشتراكها في أصل الحكم، وقال الحنفية: إن عموم المعطوف عليه يسري إلى معطوفه عن طريق التبعية، وبناء عليه قال الجمهور في الحديث: إن كلمة "كافر" في الجملة عامة تعم الذمي والحربي، وإذا قتل المسلم ذمياً أو حربياً فلا يقتل به، وأن الجملة الثانية معطوفة عليه، ولا علاقة لها بعمومها ومعناها: أنه لا يجوز قتل المعاهد مادام غير خارج على عهده، فالأولى عامة، والثانية خاصة.
وقال الحنفية: العطف يسوي بين المعطوف والمعطوف عليه في العموم، ولا يصح العموم في الحديث في المعطوف لأنها تصبح "ولا يقتل ذو عهد بعهده بقتل كافرٍ ذمياً كان أو حربياً" وهذا غير صحيح، لأن المعاهد لا يقتل بقتله الكافر الحربي، ولكن يقتل باتفاق بقتله الكافر الذمي، ولذلك قال الحنفية: "إن الفقرة الثانية خصصت بدليل آخر، ويجب تخصيص الجملة الأولى مثلها للتساوي بينهما، ويخصص العام الأول، فيصير "لا يقتل مسلم بكافر حربي".
"انظر: الإحكام للآمدي 2/258، المحلي على جمع الجوامع 1/32، 424، نهاية السول 2/163، شرح تنقيح الفصول ص222، المعتمد 1/308، المحصول ج1 ق3/206، العضد على ابن الحاجب والتفتازاني عليه 2/120، 121، المسودة ص140، فواتح الرحموت 1/298، تيسير التحرير 1/261، إرشاد الفحول ص139، مباحث الكتاب والسنة ص155".
2 في ز: يتساويا، وفي ض" فيتساويا، وفي ش: يتساويان.
3 في ز: ذوا.
4 ساقطة من ش.
5 في ض: ذوا.
6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/424، تيسير التحرير 1/262، فواتح الرحموت 1/298، شرح تنقيح الفصول ص222.(3/264)
عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ, إذْ لا يُشْتَرَطُ إلا1 اشْتِرَاكُهُمَا فِي أَصْلِ الْحُكْمِ، وَهُوَ هُنَا: مَنْعُ الْقَتْلِ بِمَا ذَكَرَ. أَوْ2 بِمَا يَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ، لا فِي كُلِّ الأَحْوَالِ3: وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} 4 فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ5 بِالرَّجْعِيَّاتِ, وَإِنْ تَقَدَّمَ الْمُطَلَّقَاتُ بِالْعُمُومِ6.
وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ لِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ, اهـ7.
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ض: ذكروا و، في ع: يذكر أو، في ب: ذكر و.
3 أجاب القرافي على استدلال الحنفية بالحديث فقال: "والجواب عنه من أربعة أوجه، أحدها أنا نمنع أن الواو عاطفة، بل هي للاستئناف، فلا يلزم التشريك، وثانيها: سلمناه لكن العطف يقتضي التشريك في أصل الحكم دون توابعه..، وثالثها: ... بل معناه التنبيه على السببية ... فإنها "في عهده" للسببية..، ورابعها: أن معناه نفي الوهم عما يعتقد أن المعاهدة كعقد الذمة يدوم، وتكون "في" على هذا للظرفية" "شرح تنقيح الفصول ص223 باختصار".
"وانظر: المعتمد 1/209، المحصول ج1 ق3/306".
4 الآية 228 من البقرة.
5 في ش ع: يختص.
6 العموم في أول الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} الآية، فلفظ "المطلقات" عام للبائن والرجعية، وتجب العدة عليهما، ويلزم من ذلك أن يكون الضمير في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ} يشملن بعل البائن وبعل الرجعية، وهذا غير صحيح، لأن البائن لا يحق لبعلها أن يردها ويراجعها، فدل على أن الضمير مع المعطوف خاص بالرجعية، مع أنه في المعطوف عليه عام في البائن والرجعية، لأن العطف لا يقتضي المشاركة في الحكم عند الجمهور، وقال الحنفية وابن الحاجب: "إن الضمير في المعطوف "وبعولتهن" عام لكنه خص بدليل منفصل".
"انظر: العضد على ابن الحاجب 2/121، المستصفى 2/71، الإحكام للآمدي 2/258، المحصول ج1 ق2/634، شرح تنقيح الفصول ص191، فواتح الرحموت 1/199، تيسير التحرير 1/320، مختصر البعلي ص124، اللمع ص25".
وسوف يذكر المصنف هذه الآية والمسالة في نهاية بحث التخصيص.
7 ساقطة من ض ع.(3/265)
وَلَمَّا انْتَهَى الْكَلامُ عَلَى الْعَامِّ وَصِيَغِ الْعُمُومِ, وَكَانَ يَلْحَقُهُ التَّخْصِيصُ ذَكَرَهُ1 عَقِبَهُ2 فَقَالَ:
__________
1 في ض ب: ذكر.
2 في ش: عقبة.(3/266)
باب التخصيص:
بِالتَّنْوِينِ1 "التَّخْصِيصُ" وَتَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى بَيَانِ الْمُخَصِّصِ -بِكَسْرِ الصَّادِ- وَالْمُخَصَّصِ - بِفَتْحِهَا.
فَأَمَّا التَّخْصِيصُ2: فَرَسَمُوهُ بِأَنَّهُ "قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَجْزَائِهِ3".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ قَالَ "عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ" فَإِنَّ مُسَمَّى الْعَامِّ جَمِيعُ مَا يَصْلُحُ لَهُ اللَّفْظُ، لا بَعْضُهُ.
وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ تَبَعًا لِجَمْعِ الْجَوَامِعِ: هُوَ قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ4، فَخَرَجَ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ، لأَنَّهُ قَصْرٌ مُطْلَقٌ، لا عَامٌّ، كَرَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ. وَكَذَا الإِخْرَاجُ مِنْ الْعَدَدِ، كَعَشْرَةٍ إلاَّ ثَلاثَةً, وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَدَخَلَ مَا عُمُومُهُ بِاللَّفْظِ كَـ {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 5 قَصْرٌ بِالدَّلِيلِ عَلَى غَيْرِ6 الذِّمِّيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ عُصِمَ بِأَمَانٍ، وَمَا عُمُومُهُ بِالْمَعْنَى، كَقَصْرِ عِلَّةِ الرِّبَا فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مَثَلاً. بِأَنَّهُ يَنْقُصُ إذَا جَفَّ عَلَى غَيْرِ الْعَرَايَا7.
__________
1 ساقطة من ش ز.
2 في ض: فأما التنوين، وفي ش ز: وأما التخصيص.
3 انظر: مختصر البعلي ص116.
4 جمع الجوامع 2/2.
5 الآية 5 من التوبة.
6 ساقطة من ش ز.
7 ورد استثناء العرايا من الربا في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد والدارمي عن سهل بن أبي حثمة وغيره بألفاظ كثيرة، مرفوعا.
انظر: صحيح البخاري 2/15 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 10/195، سنن أبي داود 2/226، تحفة الأحوذي 4/418، سنن النسائي 7/233، سنن ابن ماجه 2/761، الموطأ ص383، 386 ط الشعب، سنن الدارمي 2/252، مسند أحمد3/360، 5/190، 364.(3/267)
وَالْمُرَادُ مِنْ قَصْرِ الْعَامِّ: قَصْرُ حُكْمِهِ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ1 "الْعَامِّ" بَاقِيًا2 عَلَى عُمُومِهِ، لَكِنْ لَفْظًا لا حُكْمًا, فَبِذَلِكَ يَخْرُجُ إطْلاقُ3 الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ, فَإِنَّ ذَلِكَ قَصْرُ إرَادَةِ لَفْظِ الْعَامِّ، لا قَصْرُ حُكْمِهِ.
وَقَدْ وَرَدَ4 عَلَى تَعْرِيفِ التَّخْصِيصِ: أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ تَخْصِيصًا بِدَلِيلٍ عَامٍّ، لا5 قَصْرُ الْعَامِّ بِدَلِيلِهِ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْكَلامَ فِي التَّخْصِيصِ الشَّرْعِيِّ فَالتَّقْدِيرُ6 قَصْرُ الشَّارِعِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، فَأُضِيفَ الْمَصْدَرُ إلَى مَفْعُولِهِ, وَحُذِفَ الْفَاعِلُ لِلْعِلْمِ بِهِ7.
"وَيُطْلَقُ" التَّخْصِيصُ "عَلَى قَصْرِ لَفْظٍ غَيْرِ عَامٍّ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّاهُ" أَيْ مُسَمَّى ذَلِكَ اللَّفْظِ "كَ" إطْلاقِ "عَامٍّ عَلَى غَيْرِ لَفْظٍ عَامٍّ" كَعَشَرَةٍ وَمُسْلِمِينَ
__________
1 في ب: لفظه.
2 في ب: باق.
3 في ش: الخلاف.
4 في ز ض ع ب: أورد.
5 في ز: فلم لا قيل. وفي ب ض د ع: فلم لا قال.
6 في ش: بالتقدير.
7 انظر في تعريف التخصيص "المحصول ج1 ق3/7، الإحكام للآمدي 2/281، كشف الأسرار 1/306، نهاية السول 2/90، 94، المعتد 1/250، 251، شرح تنقيح الفصول ص51، البرهان 1/400، مختصر ابن الحاجب 1/129، البناني على جمع الجوامع 2/2، مختصر البعلي ص116، العدة 1/155، مختصر الطوفي ص107، فواتح الرحموت 1/100، 300، تيسير التحرير 1/282، الحدود للباجي ص44، اللمع ص18، شرح الورقات ص101، إرشاد الفحول ص142، مباحث الكتاب والسنة ص206، تفسير النصوص 2/78".(3/268)
لِلْعَهْدِ1.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَيُطْلَقُ التَّخْصِيصُ عَلَى قَصْرِ اللَّفْظِ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا بِالاصْطِلاحِ كَإِطْلاقِ الْعَشَرَةِ عَلَى بَعْضِ آحَادِهَا, وَكَذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى اللَّفْظِ عَامٌّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا لِتَعَدُّدِهِ، كَعَشَرَةٍ وَالْمُسْلِمِينَ الْمَعْهُودِينَ، لا الْمُسْلِمِينَ مُطْلَقًا, وَإِلاَّ كَانَ عَامًّا اصْطِلاحًا.
"وَيَجُوزُ" التَّخْصِيصُ "مُطْلَقًا" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَالأَكْثَرُ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْعَامُّ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا أَوْ خَبَرًا2، خِلافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَبَعْضِ الأُصُولِيِّينَ فِي الْخَبَرِ3, وَعَنْ بَعْضِهِمْ وَ4 فِي الأَمْرِ5.
وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ اُسْتُعْمِلَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ6.
__________
1 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/130، التمهيد ص109.
2 اشترط الحنفية في تخصيص العام أن يكون مقارناً له، ولا يصح أن يكون متراخياً، وإلا كان نسخاً.
انظر هذه المسألة في "المستصفى 2/98، المحصول ج1 ق3/14، الإحكام للآمدي 2/282، التبصرة ص143، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/130، المعتمد 1/255، مختصر البعلي ص116، العدة 2/595، المسودة ص130، الروضة 2/243، مختصر الطوفي ص107، اللمع ص18، فواتح الرحموت 1/301، كشف الأسرار 1/307، إرشاد الفحول ص143".
3 انظر: فواتح الرحموت 1/301، كشف الأسرار 1/307، تيسير التحرير 1/275، العدة 2/595، المسودة ص130، مختصر البعلي ص116، اللمع ص18، التبصرة ص143، المعتمد 1/255، المحصول ج1 ق3/15، الإحكام للآمدي 2/282.
4 ساقطة من ش ز.
5 نقل أكثر الأصوليين الإجماع على جواز التخصيص في الأمر، ونقل الرازي والبيضاوي وابن الحاجب الخلاف في ذلك.
"انظر: التبصرة ص143 هامش، فواتح الرحموت 1/301".
6 انظر: المعتمد 1/255، العضد على ابن الحاجب 2/130، المحصول ج1 ق3/14، الإحكام للآمدي 2/282، المستصفى 2/98، فواتح الرحموت 1/301.(3/269)
قَالَ الْمُخَالِفُ1: يُوهِمُ فِي الْخَبَرِ الْكَذِبَ، وَفِي الأَمْرِ الْبَدَاءَ2.
رَدًّا3 بِالْمَنْعِ4.
وَيَرُدُّ ذَلِكَ كُلَّهُ وُرُودُ مَا هُوَ مَخْصُوصٌ قَطْعًا5، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 6 {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} 7 {يُجْبَى إلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} 8 {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} 9 {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} 10 وَفِي الأَمْرِ {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 11 وَفِي النَّهْيِ {لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} 12 مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْقُرْبَانِ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ قَطْعًا, بَلْ قَالُوا:
__________
1 في ض: المخالفون.
2 البداء هو ظهور المصلحة بعد خفائها.
"وانظر: نهاية السول 2/96، المحصول ج1 ق3/15، كشف الأسرار 1/307، فواتح الرحموت 1/301، تيسير التحرير 1/275، منهاج العقول 2/94، إرشاد الفحول ص144".
3 في ز ع ض: رد.
4 قال الإسنوي معيناً المنع: "لأنا نعلم أن اللفظ في الأصل يحتمل التخصيص، فقيام الدليل على وقوعه مبين المراد، وإنما يلزم البداء، أو الكذب أن لو كان المخرج مراداً" "نهاية السول 2/96".
"وانظر: المحصول ج1 ق3/15، كشف الأسرار 1/307، تيسير التحرير 1/275، منهاج العقول 2/94، إرشاد الفحول ص144".
5 انظر: منهاج العقول 2/94، المستصفى 2/99، الإحكام للآمدي 2/283، نهاية السول 2/96.
6 الآية 62 من الزمر.
7 الآية25 من الأحقاف.
8 الآية 57 من القصص.
9 الآية 23 من النمل.
10 الآية 84 من الكهف.
11 الآية 5 من التوبة.
12 الآية 222 من البقرة.(3/270)
لا عَامَّ إلاَّ وَطَرَقَهُ التَّخْصِيصُ إلاَّ مَوَاضِعَ يَسِيرَةً1.
وَ2يَجُوزُ التَّخْصِيصُ "وَلَوْ لِعَامٍّ مُؤَكَّدٍ3" إذْ تَأْكِيدُهُ لا يَمْنَعُ تَخْصِيصَهُ عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ4، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ} 5 إذَا قَدَّرَ مُتَّصِلاً, وَفِي الْحَدِيثِ "فَأَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إلاَّ أَبَا قَتَادَةَ" 6.
وَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ مُطْلَقًا "إلَى أَنْ يَبْقَى وَاحِدٌ" فَقَطْ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ, قَالَهُ
__________
1 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/130، الإحكام للآمدي 2/282، نهاية السول 2/96، المستصفى 2/99، منهاج العقول 2/94، الروضة 2/242، نزهة الخاطر 2/159، مختصر الطوفي ص107، مختصر البعلي ص116، إرشاد الفحول ص143.
2 ساقطة من ش ض.
3 في ب: بكلام مؤكد.
4 انظر: التمهيد ص110، المحصول ج1 ق3/12.
5 الآية 30-31 من الحجر، والآية 73-74 من سورة ص.
6 هو الصحابي الحارث بن ربعي، وقيل: اسمه النعمان، أبو قتادة، الأنصاري الخزرجي السلمي، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، اختلف علماء السير في شهوده بدراً، وشهد أحداً وما بعدها من المشاهد، وأرسله عليه الصلاة والسلام في عدة سرايا، وأبلى في الجهاد والقتال بلاء حسناً، وروى مسلم عن سلمة بن الأكوع مرفوعاً "خير فرساننا أبو قتادة" وكان من سادات الأنصار، وروى مائة وسبعين حديثاً، توفي بالمدينة سنة 54هـ، وله سبعون سنة، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الإصابة 7/155 المطبعة الشرفية، أسد الغابة 6/250، الخلاصة 3/238 مطبعة الفجالة الجديدة، مشاهير علماء الأمصار ص14".
والحديث ورد في عمرة القضية بعد صلح الحديبية، قال أبو قتادة: "فاحرم أصحابي غيري" "انظر: المغازي لابن إسحاق 2/733". ورواه البخاري بلفظ "فاحرموا كلهم إلا أبا قتادة لم يحرم" "صحيح البخاري 1/225، المطبعة العثمانية، كتاب الحج، باب لا يشير المحرم إلى الصيد".
وروى مسلم بلفظ "أحرموا كلهم إلا أبا قتادة فإنه لم يحرم" "صحيح مسلم بشرح النووي 8/109".
"وانظر: زاد المعاد 2/164، تحقيق أرناؤوط، سنن أبي داود 1/428".(3/271)
أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ1.
وَمَنَعَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: مِنْ أَقَلِّ الْجَمْعِ2.
وَالْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ: إنْ3 كَانَ لَفْظُهُ جَمْعًا4.
وَالْقَاضِي وَوَلَدُ الْمَجْدِ وَجَمْعٌ: لا بُدَّ أَنْ يَبْقَى كَثْرَةٌ وَإِنْ لَمْ تُقَدَّرْ5.
__________
1 وهو المختار عند الحنفية.
"انظر: فتح الغفار 1/108، تيسير التحرير 1/326، المسودة ص116، الروضة 2/240، العدة 2/544، مختصر البعلي ص116، التمهيد ص112، منهاج العقول 2/99، الإحكام للآمدي 2/283، جمع الجوامع 2/3، فواتح الرحموت 1/306، نهاية السول 2/100، التبصرة ص125، اللمع ص18، شرح تنقيح الفصول ص224، المعتمد 1/254، إرشاد الفحول ص144، المحصول ج1 ق3/16، الإحكام للآمدي 2/283".
2 أي يمنع أن ينقص العام بعد التخصيص عن أقل الجمع، وهو قول الغزالي وذكره الجويني عن الأكثرين، وقال به فخر الإسلام البردوي والنسفي وصدر الشريعة وأبو بكر الرازي من الحنفية.
"انظر: فتح الغفار 1/108، فواتح الرحموت 1/306، العضد على ابن الحاجب 2/131، المحصول ج1 ق3/16، الإحكام للآمدي 2/283، جمع الجوامع 3/2، المعتمد 1/253، شرح تنقيح الفصول ص224، التبصرة ص125، اللمع ص18، المسودة ص117، الروضة 2/240، التمهيد ص112، نهاية السول 2/100، العدة 2/544، مختصر البعلي ص117، إرشاد الفحول ص144".
3 في ض: إذ.
4 يرى القفال أنه يجوز التخصيص إلى أن ينتهي إلى أقل المراتب التي ينطلق عليها ذلك اللفظ المخصوص مراعاة لمدلول الصيغة، فإن كان جمعاً فيجوز تخصيصه إلى ثلاثةٍ، وإن كان غير الجمع كمن وما فيجوز تخصيصها إلى الواحد وأخذ بهذا القول ابن السبكي.
"انظر: التمهيد ص112، منهاج العقول 2/97، الإحكام للآمدي 2/283، المحصول ج1 ق3/16، المعتمد 1/254، جمع الجوامع 2/3، إرشاد الفحول ص144".
5 وهذا اختيار الغزالي والرازي وأكثر المعتزلة، وذكره الآمدي وابن الحاجب عن الأكثرين، وذلك بان يبقى عدد غير محصور.
انظر: هذا القول مع أدلته ومناقشتها في "نهاية السول 2/100، التبصرة ص125 هامش، شرح تنقيح الفصول ص224، المعتمد 1/254، منهاج العقول 2/97، المحصول ج1 ق3/16، المسودة ص117".(3/272)
وَابْنُ حَمْدَانَ وَطَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ1: تُقَرِّبُ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ2.
وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِاسْتِثْنَاءٍ وَبَدَلٍ إلَى وَاحِدٍ، وَبِمُتَّصِلٍ وَصِفَةٍ، وَمُنْفَصِلٍ فِي مَحْصُورِ قَلِيلٍ إلَى اثْنَيْنِ، وَغَيْرِ الْمَحْصُورِ وَالْعَدَدِ الْكَثِيرِ، كَالْمَجْدِ3.
وَمَا فِي الْمَتْنِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابِهِ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ إلَى أَنْ يَبْقَى وَاحِدٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا.
قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ4. وَكَذَا قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ.
قَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ: هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ5.
قَالَ6 الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ.
وَحَكَى الْجُوَيْنِيُّ إجْمَاعَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى ذَلِكَ فِي "مَنْ" وَ "مَا " وَنَحْوِهِمَا7.
__________
1 في ض: كثرة.
2 أي يقرب من مدلول اللفظ العام، وقال الشوكاني: "وإليه ميل الأكثر" "إرشاد الفحول ص144".
"وانظر: مختصر البعلي ص117، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/130، جمع الجوامع 2/3".
3 قال ابن الحاجب في غير المحصور والعدد: لا بد في التخصيص من بقاء جمع يقرب من مدلول العام، كما قال ابن حمدان وطائفة، وليس كما يقول المجد. "انظر: مختصر ابن الحاجب 2/130".
وتوقف الآمدي في المسألة، وقال بعض الحنفية إن منتهى التخصيص جمع يزيد على النصف.
"انظر: تيسير التحرير 1/326، الإحكام للآمدي 2/284، جمع الجوامع 2/3، فواتح الرحموت 1/306، نهاية السول 2/101، التبصرة ص125".
4 في ش ز: جماعة, والأعلى من ض والمسودة، انظر النص في "المسودة ص117".
5 في ز ض ع ب: المنصور.
6 ساقطة من ض.
7 انظر: شرح تنقيح الفصول ص224.(3/273)
وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ1, وَحَكَاهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ عَنْ مُعْظَمِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
وَاسْتَدَلَّ لِلْقَوْلِ الصَّحِيحِ بِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ التَّخْصِيصُ الْمَذْكُورُ لَكَانَ الامْتِنَاعُ: إمَّا لأَنَّهُ مَجَازٌ، أَوْ لاسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ2.
وَاعْتُرِضَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَنْعَ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ لُغَةٌ3.
وَجَوَابُهُ بِالْمَنْعِ, ثُمَّ لا فَرْقُ4.وَأَيْضًا: أَكْرِمْ النَّاسَ إلاَّ الْجُهَّالَ5.
وَاعْتُرِضَ6 عَلَيْهِ بِأَنَّهُ خَصَّ بِالاسْتِثْنَاءِ7.
وَجَوَابُهُ الْمَعْرُوفُ التَّسْوِيَةُ، ثُمَّ8 لا فَرْقَ9.
وَاسْتَدَلَّ بِقَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ} 10 وَأُرِيدَ بِهِ11 نُعَيْمُ بْنُ
__________
1 انظر: التبصرة ص125، اللمع ص18.
2 في ز ض ع ب: موضوعه.
3 انظر: المعتمد 1/255، المحصول ج1 ق3/17، الإحكام للآمدي 2/285، العدة 2/546.
4 انظر: العدة 2/546
5 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/131.
6 في ش: فاعترض.
7 أي إن جواز التخصيص بالاستثناء، ولايعم بقية المخصصات.
"انظر: العضد على ابن الحاجب 2/131".
8 ساقطة من ض.
9 قال العضد: "والفرق قائم" "انظر العضد على ابن الحاجب 2/131".
10 الآية 173 من آل عمران.
11 ساقطة من ض ز ع ب.(3/274)
مَسْعُودٍ1.
رُدَّ لَيْسَ2 بِعَامٍّ، لأَنَّهُ الْمَعْهُودُ3.
وَاسْتَدَلَّ بِقَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 4.
أُجِيبَ: أَطْلَقَ الْجَمْعَ عَلَيْهِ لِلتَّعْظِيمِ. وَمَحِلُّ النِّزَاعِ فِي الإِخْرَاجِ مِنْهُ5.
وَاسْتَدَلَّ بِجَوَازِ قَوْلِهِ6: أَكَلْت الْخُبْزَ وَشَرِبْت الْمَاءَ، لأَقَلِّ شَيْءٍ مِنْهُمَا7.
رَدَّ، الْمُرَادُ بَعْضُ مُطَابِقٍ لِمَعْهُودٍ ذِهْنِيٍّ8.
الْقَائِلَ بِأَقَلِّ الْجَمْعِ مَا سِيقَ فِيهِ.
__________
1 انظر: نهاية السول 2/101، التبصرة ص125، شرح تنقيح الفصول 225، منهاج العقول 2/101، مختصر ابن الحاجب2/131، فواتح الرحموت 1/306، فتح الغفار 1/109، تيسير التحرير 1/328، إرشاد الفحول ص145.
2 في ش: وليس.
3 في ش: المعهود.
وانظر: منهاج العقول 2/101، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/131، فواتح الرحموت 1/306، تيسير التحرير 1/328، إرشاد الفحول ص145.
4 الآية 9 من الحجر.
"وانظر: المعتمد 1/255، مختصر ابن الحاجب 2/130، المحصول ج1 ق3/18، الإحكام للآمدي 2/284".
5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص224، 225، المعتمد 1/225، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/130، 131، الإحكام للآمدي 2/284.
6 ساقطة من ض ب.
7 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/131، الإحكام للآمدي 2/85، إرشاد الفحول ص145.
8 أي إن "الخبز" و "الماء" في المثال ليس بعام بل هو للبعض الخارجي المطابق للمعهود الذهني، وهو الخبز والماء المقرر في الذهن أنه يؤكل ويشرب.
"انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/131، الإحكام للآمدي 2/285، إرشاد الفحول ص145".(3/275)
رَدَّ لَيْسَ1 الْجَمْعُ بِعَامٍّ لِيُطْلَقَ الْعَامُّ عَلَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ2.
"وَلا تَخْصِيصَ إلاَّ فِيمَا لَهُ شُمُولٌ حِسًّا" نَحْوُ: جَاءَنِي الْقَوْمُ "أَوْ حُكْمًا" نَحْوُ اشْتَرَيْتُ الْعَبْدَ3.
قَالَ الْعَسْقَلانِيُّ4: لا يَسْتَقِيمُ التَّخْصِيصُ إلاَّ بِمَا فِيهِ مَعْنَى الشُّمُولِ، وَيَصِحُّ تَوْكِيدُهُ بِكُلٍّ، لِيَكُونَ ذَا أَجْزَاءٍ5 يَصِحُّ اقْتِرَانُهُمَا6 إمَّا حِسًّا كَ {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 7 أَوْ حُكْمًا, كَاشْتَرَيْت الْجَارِيَةَ كُلَّهَا، لإِمْكَانِ افْتِرَاقِ8 أَجْزَائِهَا9.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: التَّخْصِيصُ وَالنَّسْخُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ أَفْعَالَنَا الْوَاقِعَةَ فِي الأَزْمَانِ وَالأَعْيَانِ فَقَطْ. وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ تُكَلِّمُونَ أَكْثَرُوا الْقَوْلَ بِأَنَّ النَّسْخَ10 يَتَنَاوَلُ الأَزْمَانَ فَقَطْ، وَالتَّخْصِيصُ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ, وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلُهُ11 الْمُحَصِّلُونَ تَجَوُّزًا12.
__________
1 في ش: رداً إذ ليس.
2 انظر مزيداً من ادلة جواز التخصيص إلى أن يبقى واحد في "الروضة2/240".
3 انظر: منهاج العقول 2/92، نهاية السول 2/95، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/130، المحصول ج1 ق3/12، الإحكام للآمدي 2/282، جمع الجوامع 2/2.
4 هو علاء الدين بن علي بن محمد الكناني العسقلاني الحنبلي الذي شرح "مختصر الطوفي" في الأصول، وتقدمت ترجمته في "المجلد الأول ص89".
5 في ش: إذا أجزى.
6 في ش: اقترانهما.
7 الآية 5 من التوبة.
8 في ع ب: اقتران.
9 انظر: المعتمد 1/253، العضد على ابن الحاجب 2/130، اللمع ص23.
10 في ض: بالنسخ.
11 في ض: يتناوله.
12 يفرق الحنفية بينهما بأمر مهم، وهو أن التخصيص يكون متصلاً بالعام، وأن النسخ يكون متراخياً عنه، وذكر الشوكاني عشرين وجهاً للتفريق بينهما.
انظر الفرق بين النسخ والتخصيص في "كشف الأسرار 3/209، التلويح على التوضيح 2/281، العضد على ابن الحاجب 2/130، المحصول ج1 ق3/9، فواتح الرحموت 1/310، شرح تنقيح الفصول ص230، المعتمد 1/251، منهاج العقول 2/91، اللمع ص18، نهاية السول 2/94، 149، إرشاد الفحول ص142 وما بعدها، مباحث الكتاب والسنة ص207".(3/276)
"وَالْمُخَصَّصُ" هُوَ "الْمَخْرَجُ، وَهُوَ إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ" الإِخْرَاجَ1.
وَ2 لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلامِ عَلَى التَّخْصِيصِ أَخَذَ فِي الْكَلامِ عَلَى الْمُخَصِّصِ -بِكَسْرِ الصَّادِ- وَهُوَ حَقِيقَةً: فَاعِلُ التَّخْصِيصِ الَّذِي هُوَ الإِخْرَاجُ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى إرَادَتهِ3 الإِخْرَاجِ, لأَنَّهُ إنَّمَا يُخَصَّصُ4 بِالإِرَادَةِ فَأُطْلِقَ عَلَى نَفْسِ الإِرَادَةِ مُخَصِّصًا، حَتَّى قَالَ الرَّازِيّ5 وَأَتْبَاعُهُ: إنَّ حَقِيقَةَ التَّخْصِيصِ هُوَ الإِرَادَةُ6.
"وَيُطْلَقُ" الْمُخَصِّصُ "مَجَازًا عَلَى الدَّلِيلِ" الدَّالِّ عَلَى الإِرَادَةِ "وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا" فَإِنَّهُ الشَّائِعُ7 فِي الأُصُولِ حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً8.
"وَهُوَ" أَيْ الْمُخَصِّصُ قِسْمَانِ:
قِسْمٌ "مُنْفَصِلٌ" وَهُوَ مَا يَسْتَقِلُّ9 بِنَفْسِهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَبِطًا بِكَلامٍ آخَرَ10 "وَ11 مِنْه" أَيْ وَ12 مِنْ الْقِسْمِ الْمُنْفَصِلِ
__________
1 وهذا اختيار الفخر الرازي وابن برهان، وقال أبو الحسين البصري: "إن المخصص هو إما الدليل وأما إرادة المتكلم" "المعتمد 1/256".
"انظر: المحصول ج1 ق3/8، منهاج العقول 2/92، نهاية السول 2/95، 113، مختصر البعلي ص117، مختصر الطوفي ص107، إرشاد الفحول ص145".
2 ساقطة من ز ض ع ب.
3 في ش: إرادة.
4 في ب: يخص.
5 في ش: البرماوي.
6 انظر: المعتمد 1/256، المحصول ج1 ق3/8، إرشاد الفحول ص145.
7 في ش: المتتابع.
8 فيقال المخصصات، ويراد منها أدلة التخصيص.
"انظر: المحصول ج1 ق3/8، منهاج العقول 2/92، نهاية السول 2/95، 113، المعتمد 1/256، مختصر البعلي ص117، مختصر الطوفي ص107، إرشاد الفحول ص142، 145".
9 في ش: استعمل.
10 انظر: جمع الجوامع 2/24، منهاج العقول 2/112، المعتمد 2/112، المعتمد 1/283، فواتح الرحموت 1/316، نهاية السول 2/113، 141، مختصر البعلي ص117.
11 ساقطة من ش.
12 ساقطة من ش.(3/277)
"الْحِسِّ 1 " نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:2 {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} 3 وقَوْله تَعَالَى: {يُجْبَى إلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} 4 وقَوْله تَعَالَى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} 5. وقَوْله تَعَالَى: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} 6.
وَالْمُرَادُ بِالْحِسِّ الْمُشَاهَدَةُ, وَنَحْنُ نُشَاهِدُ أَشْيَاءَ كَانَتْ حِينَ7 الرِّيحِ لَمْ تُدَمِّرْهَا وَلَمْ تَجْعَلْهَا كَالرَّمِيمِ، كَالْجِبَالِ وَنَحْوِهَا، وَنَعْلَمُ أَنَّ مَا فِي أَقْصَى الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَمْ تُجْبَ إلَيْهِ ثَمَرَاتُهُ، وَأَنَّ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً لَمْ تُؤْتَ مِنْهَا بِلْقِيسُ8 فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} 9.
ثُمَّ هَاهُنَا بَحْثَانِ:
الأَوَّلُ: أَنَّ10 هَذِهِ الأَمْثِلَةَ لا تَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِالْحِسِّ11،
__________
1 الحس هو الدليل المأخوذ من الرؤية البصرية أو السمع أو الذوق أو الشتم، من إطلاق أحد الحواس وإرادة الكل.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص215، المحصول ج1 ق3/115، الإحكام لابن حزم 1/342، الإحكام للآمدي 2/317، المستصفى 2/99، جمع الجوامع 2/24، نهاية السول 2/141، منهاج العقول 2/139، الروضة 2/343، مختصر البعلي ص113، مختصر الطوفي ص107، إرشاد الفحول ص157، مباحث الكتاب والسنة ص213".
2 ساقطة من ش.
3 الآية 25 من الأحقاف، وفي ز:"تدمر كل شيء".
4 الآية 57 من القصص.
5 الآية 23 من النمل.
6 الآية 42 من الذاريات.
7 ساقطة من ش ز.
8 انظر المراجع السابقة في هامش 8.
9 الآية 23 من النمل.
10 في ش: في.
11 في ش: بالجنس.(3/278)
فَقَدْ يُدَّعَى1 أَنَّهَا مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ2.
الثَّانِي: أَنَّ مَا كَانَ خَارِجًا بِالْحِسِّ3 فَقَدْ يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى يَخْرُجَ، كَمَا يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي التَّخْصِيصِ4 بِالْعَقْلِ5.
"وَ" مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْمُنْفَصِلِ أَيْضًا "الْعَقْلُ" ضَرُورِيًّا كَانَ أَوْ نَظَرِيًّا6.
فَمِثَالُ الضَّرُورِيِّ: نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 7 فَإِنَّ الْعَقْلَ قَاضٍ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ نَفْسَهُ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ8.
__________
1 في ش: يراعى.
2 وهو رأي الزركشي كما نقله الشوكاني.
"انظر: إرشاد الفحول ص157، نزهة الخاطر 2/160".
3 في ش: بالجنس.
4 ساقطة من ش.
5 انظر: الروضة 2/244، نزهة الخاطر 2/160، مختصر الطوفي ص107.
6 منعت طائفة من العلماء التخصيص بالعقل، لأن المخصص يتأخر، ولأنه يلزم منه جواز النسخ بالعقل، ولأنه يؤدي للتعارض مع الشرع، وقد رد الغزالي والآمدي والعضد وغيرهم على هذه الحجج، وقال الفخر الرازي: "ومنهم من نازع في تخصيص العام بدليل العقل، والأشبه عندي أنه لا خلاف في المعنى، بل في اللفظ" "المحصول ج1 ق3/111" وقال الغزالي: "وهو نزاع في العبارة" "المستصفى 2/100".
"وانظر: تيسير التحرير 1/273، العدة 2/547، الإحكام للآمدي 2/314، المستصفى 2/99، جمع الجوامع 2/24، البرهان 1/408، المعتمد 1/272، شرح تنقيح الفصول ص202، فواتح الرحموت 1/301، الروضة 2/244، المسودة ص118، نهاية السول 2/141، اللمع ص19، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/147، مختصر البعلي 122، مختصر الطوفي ص107، مباحث الكتاب والسنة ص212، إرشاد الفحول ص156".
7 الآية 16 من الرعد، والآية 62 من الزمر، وفي ش: "كل شيء".
8 انظر: نهاية السول 2/141، الإحكام للآمدي 2/314، المستصفى 2/99، جمع الجوامع 2/24، منهاج العقول 2/139، العدة 2/548، مختصر ابن الحاجب 2/147، المحصول ج1 ق3/111، شرح تنقيح الفصول ص202، اللمع ص19، إرشاد الفحول ص156، فواتح الرحموت 1/301.(3/279)
وَمِثَالُ النَّظَرِيِّ: نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً} 1 فَإِنَّ الْعَقْلَ بِنَظَرِهِ اقْتَضَى عَدَمَ دُخُولِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ بِالتَّكْلِيفِ بِالْحَجِّ، لِعَدَمِ فَهْمِهِمَا2، بَلْ هُمَا مِنْ جُمْلَةِ الْغَافِلِينَ الَّذِينَ هُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِخِطَابِ التَّكْلِيفِ3.
وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: مَنَعَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ الأَفْرَادِ بِالْعَقْلِ مِنْ بَابِ التَّخْصِيصِ، وَإِنَّمَا الْعَقْلُ اقْتَضَى عَدَمَ دُخُولِهِ فِي لَفْظِ الْعَامِّ, وَفَرَّقَ بَيْنَ عَدَمِ دُخُولِهِ فِي لَفْظِ الْعَامِّ، وَبَيْنَ خُرُوجِهِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ4، وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ مَا نَزَلَ مِنْ الْكِتَابِ عَامًّا5 يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ: إنَّ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي لَمْ6 يَدْخُلْ خُصُوصُهُ قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ 7 خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 8
__________
1 الآية 97 من آل عمران.
2 في ش: فقههما.
3 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/147، المحصول ج1 ق3/111، الإحكام للآمدي 2/314، المستصفى 2/100، فواتح الرحموت 1/301، نهاية السول 2/141، المعتمد 1/272، العدة 2/548، الروضة 2/244، مختصر الطوفي ص107، إرشاد الفحول ص156.
وفي ب: المكلفين.
4 يرى الشافعي أن ذلك من باب العام الذي أريد به الخصوص، قال الجويني: "أبى بعض الناس تسمية ذلك تخصيصاً، وهي مسألة قليلة الفائدة، ولست أراها خلافية" "البرهان 1/409"، ثم الجويني إلى أنه نزاع في العبارة كما نقلناه عن الرازي والغزالي، وأنهم جعلوا ذلك بياناً، وقد يقال لهم: إن التخصيص بيان.
"انظر: المسودة ص118، الروضة 2/244، جمع الجوامع 2/25، المعتمد 1/272 وما بعدها، المحصول ج1 ق3/111، المستصفى 2/100، إرشاد الفحول ص156، مباحث الكتاب والسنة ص213".
5 في د ض ب: ما.
6 ساقطة من ب.
7 في ش: هو، وفي ض: إنه.
8 الآية 16 من الرعد، والآية 62 من الزمر.(3/280)
{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} 1.قَالَ: فَهَذَا عَامٌّ لا خَاصٌّ2 فِيهِ، فَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ سَمَاءٍ وَ3 أَرْضٍ وَذِي رُوحٍ وَشَجَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ4 تَعَالَى خَالِقُهُ، وَكُلُّ دَابَّةٍ فَعَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا، وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا5. اهـ.
"وَ" الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ التَّخْصِيصِ "مُتَّصِلٌ" وَهُوَ مَا لا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ، بَلْ مُرْتَبِطٌ بِكَلامٍ آخَرَ6.
"وَهُوَ" أَيْ الْمُتَّصِلُ "أَقْسَامٌ":
أَحَدُهَا: "اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ".
أَمَّا الاسْتِثْنَاءُ7 فَمَأْخُوذٌ مِنْ الثَّنْيِ8، وَهُوَ الْعَطْفُ، مِنْ قَوْلِهِ9: ثَنَيْتُ الْحَبْلَ أُثْنِيه10: إذَا عَطَفْت11 بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ, وَقِيلَ: مِنْ ثَنَّيْته عَنْ الشَّيْءِ: إذَا صَرَفْته عَنْهُ
__________
1 الآية 6 من هود.
2 في ش: الإخلاص.
3 في ض ع ب: أو.
4 في ش: فإن الله، والأعلى من ز ض ع ب، ومن "الرسالة".
5 الرسالة ص53-54.
وانظر: مناقشة هذه المسألة في "الروضة 2/244، نزهة الخاطر 2/160، والمراجع السابقة في الهامش 1".
6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/9، نهاية السول 2/113، المعتمد 1/283، فواتح الرحموت 1/316، مختصر البعلي ص117، منهاج العقول 2/112.
7 في ض: الإنشاء.
8 في ض: الشيء.
9 في د: فقوله، وفي ز ض ب: نقول، وفي ع: تقول.
10 في ش: تثنيه.
11 في ش: عطف.(3/281)
"وَهُوَ" أَيْ الاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ "إخْرَاجُ مَا" أَيْ إخْرَاجُ شَيْءٍ "لَوْلاهُ" أَيْ لَوْلا الاسْتِثْنَاءُ1 "لَوَجَبَ دُخُولُهُ" أَيْ دُخُولُ ذَلِكَ الشَّيْءِ "لُغَةً" أَيْ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ2.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ3: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِينَ4.
فَعَلَى هَذَا لا يَصِحُّ الاسْتِثْنَاءٌ 5 مِنْ النَّكِرَةِ, فَلا يُقَالُ: جَاءَنِي رِجَالٌ إلاَّ زَيْدًا، لاحْتِمَالِ أَنْ لا يُرِيدَ الْمُتَكَلِّمُ دُخُولَهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ6.
وَقِيلَ: إنَّ الاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ مَا لَوْلاهُ لَجَازَ دُخُولُهُ7.
فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ8 الاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّكِرَةِ وَسَلَّمَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ9.
__________
1 في ض: استثناء.
2 انظر: المسودة ص159، 160، تخريج الفروع على الأصول ص67، شرح تنقيح الفصول ص256، القواعد والفوائد الأصولية ص246، مختصر الطوفي ص111، مختصر البعلي ص117.
3 في ش: التقي.
4 المسودة ص160، وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص246.
5 في ش: استثناء.
6 المسودة ص159، نهاية السول 2/113، منهاج العقول 2/112، العدة 2/673.
7 انظر هذا القول والاستثناء في "المساعد على التسهيل 1/548، نهاية السول 2/113، المعتمد 1/260، منهاج العقول 2/112، المستصفى 2/163، التمهيد ص114، نهاية السول 2/113، العدة 2/659، 673، التلويح على التوضيح 2/284، كشف الأسرار 1/121، جمع الجوامع 2/9، المحصول ج1 ق3/38، الإحكام للآمدي 2/287، المسودة ص159، 160، الروضة 2/252، القواعد والفوائد الأصولية ص245، 246، الإحكام لابن حزم 1/397، مختصر البعلي ص117، شرح الورقات ص109، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/132، شرح تنقيح الفصول ص237، 256".
8 في ش: لا يصح.
9 انظر: العدة 2/525، المسودة ص159، مختصر البعلي ص118.(3/282)
وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: إنْ وُصِفَتْ النَّكِرَةُ صَحَّ الاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا، وَإِلاَّ فَلا1.
وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: أَمَّا إذَا أَفَادَ الاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّكِرَةِ، كَاسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ من2 مُرَكَّبٍ فَيَجُوزُ، نَحْوُ اشْتَرَيْتُ عَبْدًا إلاَّ رُبُعَهُ، أَوْ دَارًا إلاَّ سَقْفَهَا. فَالاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّكِرَةِ إذَا لَمْ يُفِدْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلاً. وَلا يَكُونُ مُنْقَطِعًا لأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لا يَدْخُلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَطْعًا.
وَقَوْلُهُ3 "بِإِلاَّ" مُتَعَلِّقٌ بِإِخْرَاجٍ، يَعْنِي أَنَّ الإِخْرَاجَ يَكُونُ بِإِلاَّ.
"أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا" أَيْ أَخَوَاتِ "إلاَّ".
وَأَدَوَاتُ الاسْتِثْنَاءِ الْمَشْهُورَةُ ثَمَانِيَةٌ4، مِنْهَا: حُرُفٌ5 بِاتِّفَاقٍ6، وَهِيَ "إلاَّ" أَوْ وَحُرُفٌ7 عَلَى الأَصَحِّ، وَهِيَ "حَاشَا" فَإِنَّهَا حَرْفٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ دَائِمًا, وَيُقَالُ فِيهَا8: حَاشَ وَحَشَا9.
__________
1 المساعد على التسهيل 1/589.
2 ساقطة من ش.
3 ساقطة من ز.
4 قال القرافي: "فائدة: آداواته أحد عشر: إلا وهي أم الباب، وغير وليس ولا يكون وحاشا وخلا وعدا وسوى وسوى وسواء، وما عدا وما خلا ولا سيما على خلاف فيها" "شرح تنقيح الفصول ص238".
"وانظر: المستصفى 2/163، منهاج العقول 2/112، البرهان 1/380، المنخول ص154، الروضة 2/252، نهاية السول 2/113، تيسير التحرير 1/283، المحلي على جمع الجوامع 2/10، الإحكام للآمدي 2/288، الإحكام لابن حزم 1/297ن مختصر البعلي ص117، مختصر الطوفي ص111، القواعد والفوائد الأصولية ص245، العضد على ابن الحاجب 2/132".
5 في ش: حروف.
6 في ع ب: بالاتفاق.
7 في ش: أو حروف، وفي د ز: أو حرف.
8 ساقطة من ش.
وقال ابن مالك: "وكثر فيها: حاش، وقل حشا وحاش" "المساعد على التسهيل1/585".
9 في ش ز ض ب: وحاشا، وانظر: المساعد على التسهيل 1/584.(3/283)
وَمِنْهَا مَا هُوَ فِعْلٌ بِالاتِّفَاقِ، كَلا يَكُونُ، أَوْ فِعْلٌ عَلَى الأَصَحِّ، وَهِيَ "لَيْسَ".
وَمِنْهَا: مَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحَرْفِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ1 بِحَسَبِ الاسْتِعْمَالِ، فَإِنْ نُصِبَ2 مَا بَعْدَهُ كَانَ فِعْلاً، وَإِنْ جُرَّ3 مَا بَعْدَهُ كَانَ حَرْفًا، وَهُوَ "خَلا" بِالاتِّفَاقِ، وَ "عَدَا" عِنْدَ غَيْر4ِ سِيبَوَيْهِ5.
وَمِنْهَا: مَا هُوَ اسْمٌ، وَهُوَ "غَيْرُ" وَ "سِوَى" وَيُقَالُ فِيهِ "سُوَى" بِضَمِّ السِّينِ، وَ "سَوَاءً" بِفَتْحِهَا وَالْمَدِّ، وَبِكَسْرِهَا وَالْمَدِّ، سَوَاءٌ قُلْنَا هُوَ ظَرْفٌ، أَوْ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الأَسْمَاءِ6.
ثُمَّ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الاسْتِثْنَاءِ: أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ صَادِرَيْنِ7 مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ8؛ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 9 فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إلاَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ" 10 فَإِنَّ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءٌ
__________
1 في ب: الفعلية والحرفية.
2 في ز: نصبت.
3 في ز: جرت.
4 ساقطة من ش.
5 قال ابن مالك: "والتزم سيبويه فعلية "عدا" "المساعد على التسهيل 1/584".
6 انظر: المساعد 1/584.
7 في ش: منه صادراً.
8 وفي قول لا يشترط أن يكون المستثنى والمستثنى منه من متكلم واحد.
"انظر: جمع الجوامع 2/10".
9 الآية 5 من التوبة، وأولها: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} الآية.
10 روى البخاري وأحمد عن المغيرة بن شعبة أنه قال لعامل كسرى: "أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدوا الجزية".
قال الشوكاني: "قال العلماء: الحكمة في وضع الجزية أن الذي يلحقهم يحملهم على الدخول في الإسلام مع ما في مخالطة المسلمين من الاطلاع على محاسن الإسلام" "نيل الأوطار 8/60".
"وانظر: صحيح البخاري 2/133 المطبعة العثمانية".(3/284)
مُنْفَصِلٌ لا مُتَّصِلٌ1.
وَقَدَّمَ هَذَا الْقَوْلَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ2. وَضَعَّفَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ مُقَابِلَهُ, وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَوْ قَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو لِي عَلَيْك مِائَةٌ، فَقَالَ عَمْرٌو: إلاَّ دِرْهَمًا، لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِمَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى عَلَى الأَصَحِّ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَعْدَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يُخْتَلَى خَلاهُ": يَا رَسُولَ اللَّهِ إلاَّ الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِنَا وَبُيُوتِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إلاَّ الإِذْخِرَ" 3 فَمُؤَوَّلٌ بِأَنَّ الْعَبَّاسَ أَرَادَ أَنْ يُذَكِّرَ4 رَسُولَ اللَّهِ5 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالاسْتِثْنَاءِ خَشْيَةَ أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ، اتِّكَالاً عَلَى فَهْمِ السَّامِعِ ذَلِكَ6 بِقَرِينَةٍ، وَفَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُرِيدُ اسْتِثْنَاءَهُ، وَلأَجْلِ ذَلِكَ أَعَادَ7 النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاسْتِثْنَاءِ8، فَقَالَ "إلاَّ
__________
1 يرى بعض العلماء أن الاستثناء من متكلم واحد، وهو الله تعالى، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبلغ عند ربه في المعنى.
"انظر: البناني والمحلي على جمع الجوامع 2/10".
2 جمع الجوامع 2/20.
3 رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وأحمد عن ابن عباس مرفوعاً، ورواه أبو داود وأحمد عن أبي هريرة مرفوعاً، وأوله: "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق الله السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ... " الحديث والإذخر نبات طيب الرائحة، والخلا: الحشيش، والقين: الحداد والصائغ، أي يحتاج إليه الحداد والصائغ في وقود النار، ويختلى أي يؤخذ.
"انظر: صحيح البخاري 1/160 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 9/126، سنن أبي داود 1/465، سنن النسائي 5/161، سنن ابن ماجه 2/1038، مسند أحمد 1/259، 2/228".
4 في ش ز: يذكره.
5 في ض ع ب: النبي.
6 في ب: لذلك.
7 في ش: عاد.
8 في ش: إلى الاستثناء.(3/285)
الإِذْخِرَ" وَلَمْ يَكْتَفِ بِاسْتِثْنَاءِ الْعَبَّاسِ وَهَذَا يُرْشِدُ إلَى اعْتِبَارِ كَوْنِهِ1 مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا "فَلا يَصِحُّ" الاسْتِثْنَاءُ "مِنْ نَكِرَةٍ" كَمَا تَقَدَّمَ الْكَلامُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ2.
"وَلا" يَصِحُّ3 الاسْتِثْنَاءُ أَيْضًا "مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ" نَحْوُ: جَاءَ الْقَوْمُ إلاَّ حِمَارًا، لأَنَّ الْحِمَارَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْقَوْمِ4، وَكَذَا: لَهُ عِنْدِي مِائَةُ دِرْهَمٍ إلاَّ دِينَارًا، وَنَحْوُهُ، وَهَذَا هُوَ5 الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ6 عَنْد7 الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَاخْتِيَارُ الأَكْثَرَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ8.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ بِصِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مِنْ9 الآخَرِ، وَاخْتُلِفَ فِي
__________
1 في ز: اعتباره.
2 صفحة 282.
وانظر: نهاية السول 2/113، منهاج العقول 2/112، المسودة ص159، مختصر البعلي ص118.
3 ساقطة من ش.
4 في ز: العموم.
5 ساقطة من ز ض ع ب.
6 ساقطة من ض.
7 في ش: عن.
8 اختاره الغزالي في "المنخول ص159" وقال الآمدي: "ومنعه الأكثرون" "الإحكام 2/291".
"وانظر: البرهان 1/396، الشرح الكبير 5/309، العدة 2/673، الروضة 2/253، التبصرة ص165، القواعد والفوائد الأصولية ص256، مختصر الطوفي ص111، مختصر البعلي ص117، كشف الأسرار 3/131، المستصفى 2/167، تيسير التحرير 1/283، إرشاد الفحول ص146، الإفصاح 2/264".
9 في ع: عن.(3/286)
مَأْخَذِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَقِيلَ: لأَنَّ النَّقْدَيْنِ كَالْجِنْسِ فِي الأَشْيَاءِ1، فَكَذَا فِي الاسْتِثْنَاءِ، وَقِيلَ: إنَّ2 كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الآخَرِ، وَقِيلَ: إنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا3.
وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَصِحُّ الاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ مُطْلَقًا، لأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَلُغَةِ الْعَرَبِ4.
وَوَجْهُ عَدَمِ صِحَّةِ الاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ
__________
1 في ش ز ع: أشياء.
2 في ز ض ع ب: لأن.
3 وهو قول الإمام أبي حنيفة.
"انظر: كشف الأسرار 3/136، العدة 2/677، الشرح الكبير 5/311، الإحكام للآمدي 2/297، المغني 5/114، مختصر البعلي ص117، مختصر الطوفي ص111، القواعد والفوائد الأصولية ص256، الإفصاح 2/264".
4 وهذا قول أبي الخطاب من الحنابلة، وقال الحنفية: يصح الاستثناء من غير الجنس إذا كان مكيلاً أو موززناً.
ثم أنقسم أصحاب هذا القول –المجوزون للاستثناء من غير الجنس- إلى فرق، فقال أكثرهم: إن الاستثناء من غير الجنس مجاز، وهو رأي الشيرازي والغزالي وابن الحاجب والرازي والبيضاوي وابن السبكي والجويني والكمال بن الهمام والسرخسي والبردوي والبخاري صاحب "كشف الأسرار" وصدر الشريعة.
وقال بعضهم: كالقاضي الباقلاني: إنه حقيقة.
وقال آخرون: أنه لا يسمى حقيقة ولا مجازاً، وفي قول: إنه مشترك، وفي قول: الوقف.
"انظر: جمع الجوامع 2/12، تيسير التحرير 1/283، 284، فواتح الرحموت 1/316، نهاية السول 2/114، البرهان 1/384، 397، 398، شرح الورقات ص111، المنخول ص159، المعتمد 1/262، مختصر ابن الحاجب 2/132، المحصول ج1 ق3/43، الإحكام لابن حزم 1/397، الإحكام للآمدي 2/291، كشف الأسرار 3/121، التوضيح على التنقيح 2/284، 300، العدة 2/673، اللمع ص24، المستصفى 2/167، 169، التبصرة ص165، إرشاد الفحول ص146، الإفصاح 2/264".(3/287)
الاسْتِثْنَاءَ صَرْفُ اللَّفْظِ بِحَرْفِهِ عَمَّا يَقْتَضِيهِ لَوْلاهُ1, لأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الثَّنْيِ، تَقُولُ: ثَنَيْت فُلانًا عَنْ رَأْيِهِ، وَثَنَيْت عِنَانَ دَابَّتِي، و2 َلأَنَّ الاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يَصِحُّ لِتَعَلُّقِهِ بِالأَوَّلِ، لِعَدَمِ اسْتِقْلالِهِ، وَإِلاَّ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ كُلِّ شَيْءِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، لاشْتِرَاكِهِمَا فِي مَعْنًى عَامٍّ، وَلأَنَّهُ لَوْ قَالَ: جَاءَ النَّاسُ إلاَّ الْكِلابَ وَإِلاَّ الْحَمِيرَ، عُدَّ قَبِيحًا لُغَةً وَعُرْفًا، وَلأَنَّهُ تَخْصِيصٌ، فَلا يَصِحُّ فِي غَيْرِ دَاخِلٍ3.
وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {إلاَّ رَمْزًا} 4، {أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} 5 {مِنْ عِلْمٍ إلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ} 6 {مِنْ سُلْطَانٍ إلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ} 7 وَقَوْلُ الْعَرَبِ مَا بِالدَّارِ أَحَدٌ إلاَّ زَيْدٌ، وَمَا جَاءَنِي زَيْدٌ إلاَّ عَمْرٌو8.
__________
1 ساقطة من ض.
2 ساقطة من ش.
3 انظر أدلة الحنابلة في منع الاستثناء من الجنس في "العدة 2/673 وما بعدها، الروضة 2/254، المحصول ج1 ق3/43، الإحكام للآمدي 2/292، المستصفى 2/170، مختصر الطوفي ص111".
4 الآية 41 من آل عمران، وأول الآية: {قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً} الآية.
5 الآية 92 من النساء، وأول الآية: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً} الآية فاستثنى الخطأ من القتل وهو ليس من جنسه. "انظر: الإحكام للآمدي 2/294".
6 الآية 157 من النساء. استثنى الظن من العلم، والظن ليس من جنس العلم. "انظر: المحصول ج1 ق3/46، الإحكام للآمدي 2/293، 296".
7 الآية 22 من إبراهيم، وأول الآية: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ} الآية.
8 هذه بعض أدلة الجمهور في جواز الاستثناء من غير الجنس، وهناك أدلة كثيرة ذكروها في كتبهم.
"انظر: المعتمد 1/262، المحصول ج1 ق3/45، الإحكام للآمدي 2/293، كشف الأسرار 3/133، البرهان 1/398، المنخول ص159، شرح الورقات ص111، التبصرة ص165، اللمع ص24، نهاية السول 2/114، الروضة 2/254، المستصفى 2/167 وما بعدها، 209، العدة 2/672".(3/288)
وَأُجِيبَ بِأَنَّ "إلاَّ" فِي ذَلِكَ1: بِمَعْنَى "لَكِنْ" عِنْدَ النُّحَاةِ، مِنْهُمْ: الزَّجَّاجُ وَابْنُ قُتَيْبَةَ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ2 قَوْلِ سِيبَوَيْهِ وَهُوَ اسْتِدْرَاكٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَأْتِ إلاَّ بَعْدَ نَفْيٍ، أَوْ بَعْدَ إثْبَاتٍ بَعْدَ جُمْلَةٍ3.
"وَالْمُرَادُ" مِنْ قَوْلِ4 الْمُقِرِّ5 "بِعَشَرَةٍ إلاَّ ثَلاثَةً سَبْعَةٌ وَ" أَدَاةُ6 الاسْتِثْنَاءِ وَهِيَ "إلاَّ" فِي هَذَا الْمِثَالِ "قَرِينَةٌ مُخَصِّصَةٌ".
اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَقْدِيرِ دَلالَةِ الاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَذَاهِبَ:
فَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ 7 أَنَّ8 إلاَّ قَرِينَةٌ9 مُخَصِّصَةٌ10.
وَمَنْشَأُ11 الْخِلافِ: الإِشْكَالُ فِي مَعْقُولِيَّةِ الاسْتِثْنَاءِ، فَإِنَّك إذَا قُلْتَ: قَامَ
__________
1 في ع: بذلك.
2 ساقطة من ز ض ع ب.
3 انظر: المغني 5/113، مختصر الطوفي ص111، الروضة 2/254، البرهان 1/398، المحصول ج1 ق3/50، فواتح الرحموت 1/316، العدة 2/676.
4 في ش: قوله.
5 في ش ز: من أقر.
6 في ش: وأدوات، وفي ض: أو أداة.
7 في ش: الأكثرين.
8 ساقطة من ش.
9 في ش ز ض ع: لا. وانظر: مختصر ابن الحاجب 2/134.
10 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/134، جمع الجوامع 2/14، فواتح الرحموت 1/316، تيسير التحرير 1/289، التلويح على التوضيح 2/285، تخريج الفروع على الأصول ص67، التمهيد ص116، القواعد والفوائد الأصولية ص246، مختصر البعلي ص117، نهاية السول 2/120، البرهان 1/401، إرشاد الفحول ص146.
11 في ش: الإشكال: الخلاف.(3/289)
الْقَوْمُ إلاَّ زَيْدًا, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ دَخَلَ فِيهِمْ، فَكَيْفَ أُخْرِجَ؟ هَذَا1 وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ إخْرَاجٌ وَإِنْ كَانَ دَخَلَ، فَقَدْ تَنَاقَضَ أَوَّلُ الْكَلامِ وَآخِرُهُ2.
وَكَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلاَّ دِرْهَمًا، بَلْ أَبْلَغُ، لأَنَّ الْعَدَدَ نَصٌّ فِي مَدْلُولِهِ الْعَامِّ فِيهِ3 وَالْعَامُّ: فِيهِ4 الْخِلافُ السَّابِقُ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى نَفْيِ الاسْتِثْنَاءِ مِنْ كَلامِ الْعَرَبِ، لأَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى هَذَا5 التَّقْدِيرِ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، وَلَكِنْ قَدْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ الَّذِي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ، فَتَكُونَ "إلاَّ" قَرِينَةً بَيَّنَتْ أَنَّ الْكُلَّ اُسْتُعْمِلَ، وَأُرِيدَ بِهِ الْجُزْءَ مَجَازًا6، وَعَلَى هَذَا: فَالاسْتِثْنَاءُ مُبَيِّنٌ لِغَرَضِ الْمُتَكَلَّمِ بِهِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ7عَشَرَةٌ، كَانَ ظَاهِرًا، وَيَحْتَمِلُ إرَادَةَ بَعْضِهَا مَجَازًا، فَإِذَا قَالَ: إلاَّ ثَلاثَةً، فَقَدْ تَبَيَّنَ8 أَنَّ مُرَادَهُ بِالْعَشَرَةِ سَبْعَةٌ فَقَطْ، كَمَا فِي سَائِرِ الْمُخَصِّصَاتِ9.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: الاسْتِثْنَاءُ إخْرَاجُ مَا تَنَاوَلَهُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهِ، كَالتَّخْصِيصِ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ, وَفِي التَّمْهِيدِ: مَا لَوْلاهُ لَدَخَلَ فِي اللَّفْظِ
__________
1 ساقطة من د.
2 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/135.
3 ساقطة من ش ز ع ض ب.
4 في ش: عند.
5 ساقطة من ش ز.
6 في ب: مجاز.
7 ساقطة من ش.
8 في ز ع ض ب: بين.
9 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/135، تخريج الفروع على الأصول ص68، التمهيد ص116.(3/290)
كَالتَّخْصِيصِ، وَمُرَادُهُ1 الأَوَّلُ2.
وَاسْتَنْكَرَ أَبُو الْمَعَالِي هَذَا الْمَذْهَبَ، وَقَالَ: لا يَعْتَقِدُهُ لَبِيبٌ3.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي -وَبِهِ قَالَ الْبَاقِلاَّنِيُّ-: إنَّ نَحْوَ عَشَرَةٍ إلاَّ ثَلاثَةً مَدْلُولُهُ4 سَبْعَةٌ، لَكِنْ لَهُ لَفْظَانِ، أَحَدُهُمَا مُرَكَّبٌ، وَهُوَ عَشَرَةٌ إلاَّ ثَلاثَةً، وَاللَّفْظُ الآخَرُ سَبْعَةٌ5، وَقَصَدَ بِذَلِكَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ التَّخْصِيصِ بِدَلِيلٍ مُتَّصِلٍ، فَيَكُونَ الْبَاقِي فِيهِ حَقِيقَةً، أَوْ بِمُنْفَصِلٍ6، فَيَكُونَ تَنَاوَلَ اللَّفْظَ لِلْبَاقِي7 مَجَازًا8.
وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجٌ لِشَيْءٍ9 دَلَّ عَلَيْهِ صَدْرُ الْجُمْلَةِ بِالْمُعَارَضَةِ، فَمَعْنَى عَشَرَةٍ إلاَّ ثَلاثَةً فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيَّ10.
__________
1 في ش: ورده.
2 في ش ز: كالأول.
3 البرهان 1/401، وانظر: إرشاد الفحول ص147.
4 في ش: مدلول.
5 اختار هذا القول إمام الحرمين الجويني.
"انظر: البرهان 1/400، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/134، 135، فواتح الرحموت 1/320، تيسير التحرير 1/291، التلويح على التوضيح 2/286، شرح تنقيح الفصول ص231، التمهيد ص116، مختصر البعلي ص117، إرشاد الفحول ص147".
6 في ز ع ب: بالمنفصل.
7 في ش ز ع ض: الباقي.
8 أي أن الاستثناء ليس بتخصيص على رأي القاضي الباقلاني، كما سيذكره المصنف، وسبق بيان آراء العلماء في الاستثناء المنقطع، هل هو حقيقة أم مجاز "ص287".
"وانظر: نهاية السول 2/120، جمع الجوامع 2/14، فواتح الرحموت 1/320، التمهيد ص116، القواعد والفوائد الأصولية ص246".
9 في ض ب: شيء.
10 أي أن لفظ الاستثناء يوجب انعدام المستثنى منه في القدر المستثنى مع باء العموم بطريق المعارضة كالتخصيص، إلا أن الاستثناء متصل بالكلام، والتخصيص منفصل. "انظر: تخريج الفروع على الأصول ص67".
وفي هامش ش: كذا بالأصل وليحرر.(3/291)
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ -وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ-: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَشَرَةِ عَشَرَةٌ بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِهِ، وَلَكِنْ لا يُحْكَمُ بِمَا أُسْنِدَ إلَيْهَا إلاَّ بَعْدَ إخْرَاجِ الثَّلاثَةِ مِنْهَا، فَفِي اللَّفْظِ أُسْنِدَ الْحُكْمُ إلَى عَشَرَةٍ وَفِي الْمَعْنَى إلَى سَبْعَةٍ1.
وَعَلَى هَذَا: فَلَيْسَ الاسْتِثْنَاءُ مُبَيِّنًا لِلْمُرَادِ الأَوَّلِ2، بَلْ بِهِ3 وَبِمَا يَحْصُلُ الإِخْرَاجُ، وَلَيْسَ هُنَاكَ إلاَّ الإِثْبَاتُ، وَلا نَفْيَ أَصْلاً، فَلا تَنَاقُضَ4.
فَالاسْتِثْنَاءُ عَلَى قَوْلِ الْبَاقِلاَّنِيِّ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ، لأَنَّ التَّخْصِيصَ قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ5، وَهُنَا لَمْ يُرِدْ بِالْعَامِّ بَعْضَ أَفْرَادِهِ، بَلْ الْمَجْمُوعَ6 الْمُرَكَّبَ، وَأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الأَكْثَرِينَ تَخْصِيصٌ لِمَا فِيهِ مِنْ قَصْرِ اللَّفْظِ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ7.
وَأَمَّا عَلَى8 الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ: فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصًا، نَظَرًا إلَى كَوْنِ الْحُكْمِ فِي الظَّاهِرِ لِلْعَامِّ، وَالْمُرَادُ الْمَخْصُوصُ9، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لا10 يَكُونَ تَخْصِيصًا؛
__________
1 وافق على هذا الرأي ابن السبكي والصفي الهندي.
انظر هذا الرأي مع أدلته ومناقشته في "نهاية السول 2/120، مختصر ابن الحاجب 2/134، جمع الجوامع 2/13، فواتح الرحموت 1/318، تيسير التحرير 1/290، التلويح على التنقيح 2/286، 288".
2 في ز ع ب: بالأول.
3 في ش: به وبما.
4 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/134، 136، التهميد ص116، إرشاد الفحول ص147.
5 ساقطة من ض.
6 في ض ب: بالمجموع.
7 انظر: نهاية السول 2/120، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/135، 136، القواعد والفوائد الأصولية ص246، التمهيد ص116، مختصر البعلي ص117، مختصر الطوفي ص111، اللمع ص23، إرشاد الفحول ص147.
8 ساقطة من ش.
9 في ش ب: المخصوص.
10 ساقطة من ش ب.(3/292)
نَظَرًا إلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْمُسْتَثْنَى1 مِنْهُ تَمَامُ مُسَمَّاهُ2.
فَوَائِدُ:
ذَكَرَهَا الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ3
إحْدَاهَا4: أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهَا: مَا لَوْلاهُ لَعُلِمَ دُخُولُهُ، كَالاسْتِثْنَاءِ مِنْ النُّصُوصِ، مِثْلُ: عِنْدِي عَشَرَةٌ إلاَّ ثَلاثَةً.
وَالثَّانِي: مَا لَوْلاهُ5 لَظُنَّ دُخُولُهُ، كَالاسْتِثْنَاءِ مِنْ الظَّوَاهِرِ، نَحْوُ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إلاَّ زَيْدًا.
وَالثَّالِثُ: مَا لَوْلاهُ لَجَازَ دُخُولُهُ، كَالاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْمُحَالِ وَالأَزْمَانِ وَالأَحْوَالِ، كَأَكْرِمْ رَجُلاً إلاَّ زَيْدًا أَوْ6 عَمْرًا، وَصَلِّ7 إلاَّ عِنْدَ الزَّوَالِ وقَوْله تَعَالَى: {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ، إلاَّ أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} 8
__________
1 في ش: من المستثنى.
2 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/135، 136، التلويح على التوضيح 2/286، التمهيد ص116، إرشاد الفحول ص147.
3 شرح تنقيح الفصول ص256 "بتصرف".
4 في ب: أحدها.
5 ساقطة من ز ض ع ب.
6 في ض ع ب: و. وكذا في "شرح تنقيح الفصول".
7 في ش ز ض: ومثل.
8 الآية 66 من يوسف.(3/293)
وَالرَّابِعُ: مَا لَوْلاهُ لَقُطِعَ بِعَدَمِ دُخُولِهِ كَالاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ كَقَامَ الْقَوْمُ إلاَّ حِمَارًا.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: يَقَعُ الاسْتِثْنَاءُ فِي عَشَرَةِ أُمُورٍ اثْنَانِ يَنْطِقُ بِهِمَا وَثَمَانِيَةٌ لا يَنْطِقُ بِهَا وَقَعَ الاسْتِثْنَاءُ1 مِنْهَا، مِمَّا2 يُنْطَقُ بِهَا مِنْ3 الأَحْكَامِ وَالصِّفَاتِ, فَالأَحْكَامُ: قَامَ الْقَوْمُ إلاَّ زَيْدًا، وَالصِّفَاتُ4: قَوْلُ الشَّاعِرِ:
قَاتَلَ ابْنَ الْبَتُولِ إلاَّ عَلِيًّا5
يُرِيدُ الْحُسَيْنَ ابْنَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا6.وَمَعْنَى "الْبَتُولِ" الْمُنْقَطِعَةُ، قِيلَ: عَنْ النَّظِيرِ وَالشَّبِيهِ، وَقِيلَ عَنْ الأَزْوَاجِ إلاَّ عَنْ عَلِيٍّ، فَاسْتَثْنَى مِنْ صِفَاتِهَا لا مِنْهَا.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى} 7 اسْتَثْنَوْا مِنْ صِفَتِهِمْ الْمَوْتَةَ الأُولَى لا مِنْ ذَوَاتِهِمْ8.
وَالاسْتِثْنَاءُ مِنْ الصِّفَةِ ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مِنْ9 مُتَعَلِّقِهَا، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ الْمُتَقَدِّمِ، مُتَعَلِّقَهُ10 التَّبَتُّلِ،
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ز: فيما، وفي ع ب: فما، وفي "شرح تنقيح الفصول": أما اللذان.
3 ساقطة من ز ض ع ب، وفي "شرح تنقيح الفصول": فهما.
4 في ش: والصفة.
5 في ب: عبيداً.
6 ساقطة من ش ز ع ض، وأثبتناها من "شرح تنقيح الفصول.
7 الآيتان 58-59 من الصافات.
8 شرح تنقيح الفصول ص257.
9 في ض ع ب: عن.
10 في ض ع: متعلق.(3/294)
وَثَانِيهَا: مِنْ بَعْضِ أَنْوَاعِهَا كَالآيَةِ، لأَنَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى أَحَدُ أَنْوَاعِ الْمَوْتِ.
وَثَالِثُهَا: أَنْ يُسْتَثْنَى بِجُمْلَتِهَا لا بِتَرْكِ1 شَيْءٍ مِنْهَا2، كَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلاَّ وَاحِدَةً ...
وَالثَّمَانِيَةُ الْبَاقِيَةُ التي3 لا يُنْطَقُ بِهَا، وَيَقَعُ الاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا:
أَحَدُهَا: الأَسْبَابُ، نَحْوُ لا عُقُوبَةَ إلاَّ بِجِنَايَةٍ.
وَالثَّانِي: الشُّرُوطُ4، نَحْوُ5 لا صَلاةَ إلاَّ بِطُهُورٍ.
وَالثَّالِثُ: الْمَوَانِعُ، نَحْوُ6 لا تَسْقُطُ الصَّلاةُ عَنْ الْمَرْأَةِ إلاَّ بِالْحَيْضِ.
وَالرَّابِعُ: الْمُحَالُ، نَحْوُ7 أَكْرِمْ رَجُلاً إلاَّ زَيْدًا وَعَمْرَوًا وَبَكْرًا، فَإِنَّ كُلَّ شَخْصٍ هُوَ مَحِلُّ الأَعَمِّيَّةِ8
وَالْخَامِسُ: الأَحْوَالُ، نَحْوُ9 قَوْله تَعَالَى: {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إلاَّ أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} 10أَيْ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ إلاَّ فِي حَالَةِ الإِحَاطَةِ بِكُمْ11، فَإِنِّي أَعْذِرُكُمْ.
__________
1 في ع ب: يترك، وكذا في "شرح تنقيح الفصول".
2 في ز ض ع ب: منها شيء، وكذا في "شرح تنقيح الفصول".
3 ساقطة من جميع النسخ، وأثبتناها من "شرح تنقيح الفصول".
4 ساقطة من ب.
5 ساقطة من ز ض ع ب.
6 ساقطة من ز ض ع ب.
7 ساقطة من ض ع ب.
8 في "شرح تنقيح الفصول": لأعمه.
9 ساقطة من ز ض ع ب.
10 الآية 66 من يوسف.
11 ساقطة من جميع النسخ، وأثبتناها من "شرح تنقيح الفصول".(3/295)
وَالسَّادِسُ: الأَزْمَانُ، نَحْوُ1 صَلِّ إلاَّ عِنْدَ الزَّوَالِ.
وَالسَّابِعُ: الأَمْكِنَةُ، نَحْوُ2 صَلِّ إلاَّ عِنْدَ الْمَزْبَلَةِ وَنَحْوِهَا.
وَالثَّامِنُ: مُطْلَقُ الْوُجُودِ، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْخُصُوصِيَّاتِ، نَحْوُ3.قَوْله تَعَالَى: {إنْ هِيَ إلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} 4 أَيْ لا حَقِيقَةَ لِلأَصْنَامِ أَلْبَتَّةَ، إلاَّ أَنَّهَا لَفْظٌ مُجَرَّدٌ، فَاسْتَثْنَى اللَّفْظَ مِنْ مُطْلَقِ الْوُجُودِ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فِي النَّفْيِ، أَيْ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا وُجُودٌ, أَلْبَتَّةَ إلاَّ عِنْدَ5 وُجُودِ اللَّفْظِ، وَلا شَيْءَ وَرَاءَهُ.
فَهَذِهِ الثَّمَانِيَةُ لَمْ, يُذْكَرْ فِيهَا6 الاسْتِثْنَاءُ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ7 بِمَا يُذْكَرُ بَعْدَ الاسْتِثْنَاءِ فَرْدٌ8 مِنْهَا، فَيُسْتَدَلُّ9 بِذَلِكَ الْفَرْدِ عَلَى جِنْسِهِ وَهُوَ10 الْكَائِنُ بَعْدَ11 الاسْتِثْنَاءِ, وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ12 أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ فِي هَذِهِ الأُمُورِ الَّتِي لَمْ تُذْكَرْ كُلُّهَا اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ، لأَنَّهُ مِنْ الْجِنْسِ، وَحُكِمَ بِالنَّقِيضِ بَعْدَ إلاَّ, فَهَذَانِ13 الْقَيْدَانِ وَافِيَانِ بِحَقِيقَةِ الْمُتَّصِلِ14. اهـ.
__________
1 ساقطة من ز ض ع ب.
2 ساقطة من ز ض ع.
3 ساقطة من ض ب.
4 الآية 23 من النجم.
5 في ز: في، وساقطة من ض ع ب.
6 في ش: ينكروا فيها، وفي"شرح تنقيح الفصول": تذكر قبل.
7 في "شرح تنقيح الفصول": تعلم.
8 في "شرح تنقيح الفصول": وهو فرد.
9 في ض: ليستدل.
10 ساقطة من ش، وفي ب: هو، وفي "شرح تنقيح الفصول": وأن جنسه هو.
11 في هامش "شرح تنقيح الفصول": لعلها.
12 ساقطة من ب.
13 في ز ض ع ب: وهذان، وكذا في "شرح تنقيح الفصول".
14 شرح تنقيح الفصول ص256-258.(3/296)
"وَشُرُوطُهُ" 1 أَيْ شُرُوطُ2 الاسْتِثْنَاءِ3 "اتِّصَالٌ مُعْتَادٌ 4 ".
ثُمَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الاتِّصَالُ الْمُعْتَادُ "لَفْظًا" كَذِكْرِ الْمُسْتَثْنَى عَقِبَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، "أَوْ" يَكُونَ الاتِّصَالُ الْمُعْتَادُ "حُكْمًا" كَانْقِطَاعِهِ عَنْهُ بِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ عُطَاسٍ, وَيَأْتِي بِهِ عَقِبَ ذَلِكَ، فَيُشْتَرَطَ ذَلِكَ "كَبَقِيَّةِ التَّوَابِعِ5".
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: "يَصِحُّ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ"6
__________
1 في ز ض ع ب: وشرطه.
2 في ز: وشرطه، وفي ض ع ب: وشرط.
3 في ب: للاستثناء.
4 في ش: معناه. وهناك شروط كثيرة مفصلة، ذكر المنصف بعضها فيما يلي، واغفل بعضها الآخر، قد ذكرها علماء الأصول."انظر: المسودة ص153، العدة 2/660، مختصر البعلي ص118، مختصر الطوفي ص111، القواعد والفوائد الأصولية ص251، الروضة 2/253، المغنى 9/522، التمهيد ص116، نهاية السول 2/117، منهاج العقول 2/114، اللمع ص23، شرح تنقيح الفصول ص242، البرهان1/385، شرح الورقات ص110، التبصرة ص162، المنخول ص157، تيسير التحرير 1/297، المعتمد 1/260، مختصر ابن الحاجب 2/137، المستصفى 2/165، الإحكام للآمدي 2/289، فواتح الرحموت 1/321، إرشاد الفحول ص147، الشرح الكبير 5/305، جمع الجوامع 2/10، المحصول ج1 ق3/39".
5 قال الإمام مالك: "أحسن ما سمعت في الثنيا أنها لصاحبها ما لم يقطع كلامه، وما كان في ذلك نسقاً، يتبع بعضه بعضاً، قبل أن يسكت، فإن سكت وقطع كلامه فلا ثنيا له". "الموطأ ص295 ط الشعب".
"وانظر: المحصول ج1 ق3/40، الإحكام للآمدي 1/289، جمع الجوامع 2/10، فواتح الرحموت 1/321، مختصر البعلي ص118، نزهة الخاطر 2/177، القواعد والفوائد الأصولية ص251، نهاية السول 2/117، شرح تنقيح الفصول ص242، مختصر ابن الحاجب 2/137، شرح الورقات ص110، المعتمد 1/261، تيسير التحرير 1/297، إرشاد الفحول ص147".
6 نقله عن ابن عباس المازني.
"انظر: التبصرة ص162، نهاية السول 2/117، القواعد والفوائد الأصولية ص251، البرهان 1/385، جمع الجوامع 2/11، فواتح الرحموت 1/321، تيسير التحرير 1/297، المسودة ص152، مختصر البعلي ص117، مختصر الطوفي ص111، شرح تنقيح الفصول ص243، إرشاد الفحول ص148، الكشاف 2/480".(3/297)
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَرَوَى سَعِيدٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ "أَنَّهُ كَانَ يَرَى الاسْتِثْنَاءَ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ".
الأَعْمَشُ مُدَلِّسٌ وَمَعْنَاهُ قَوْلُ. طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا "إلَى سَنَتَيْنِ"2.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا "أَنَّهُ يَصِحُّ الاسْتِثْنَاءُ إلَى شَهْر3ٍ".
وَرُوِيَ عَنْهُ "يَصِحُّ أَبَدًا" كَمَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ، وَبَيَانُ الْمُجْمَلِ4.
لَكِنْ حَمَلَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَلامَ ابْنِ عَبَّاسٍ, رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, عَلَى نِسْيَانِ قَوْلِ "إنْ شَاءَ اللَّهُ" مِنْهُمْ الْقَرَافِيُّ5.
__________
1 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص251، ميزان الاعتدال 2/224، الكشاف 2/480.
2 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص251، جمع الجوامع 2/11، إرشاد الفحول ص148.
3 نقله عنه الآمدي وابن الحاجب وابن السبكي وغيرهم.
"انظر: نهاية السول 2/117، مختصر ابن الحاجب 2/137، الإحكام للآمدي 2/289، جمع الجوامع 2/10، تيسير التحرير 1/297، فواتح الرحموت 1/321، منهاج العقول 2/115، القواعد والفوائد الأصولية ص251، المعتمد 1/261، إرشاد الفحول ص148".
4 رواه الحاكم في "المستدرك 4/303".
"وانظر: تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص308، نهاية السول 2/117، جمع الجوامع 2/11، المسودة ص152، فواتح الرحموت 1/321، تيسير التحرير 1/297، مختصر البعلي ص118، الروضة 2/253، القواعد والفوائد الأصولية ص251، إرشاد الفحول ص148".
5 استدل العلماء لقول ابن عباس بقوله صلى الله عليه وسلم: "لأغزون قريشاً" ثم سكت، ثم قال: "إن شاء الله"، ولما روي أنه عليه الصلاة والسلام سأله اليهود عن لبث أصحاب الكهف، فقال: "غداً أجيبكم"، فتأخر الوحي إلى بضعة عشر يوماً ثم نزل: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً، إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} الكهف23-24، فقال: "إنشاء الله"، أي أن التعليق على مشيئة الله.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص243، منهاج العقول 2/115، التبصرة ص162، القواعد والفوائد الأصولية ص252، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/137، 138، إرشاد الفحول ص148"(3/298)
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: إنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَقُولَ الْحَالِفُ "إنْ شَاءَ اللَّهُ" وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ1: إنَّهُ لا يَثْبُتُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ2، ثُمَّ قَالَ: إنْ
__________
1 هو محمد بن عمر بن أحمد، الحافظ الكبير، شيخ الإسلام، أبو موسى، المدني الأصفهاني، انتهى إليه التقدم في الحديث مع الإسناد، وكان أوحد زمانه، وشيخ وقته في الإسناد والحفظ والثقة والإتقان والدين والصلاح والضبط والتواضع، وقرأ القراءات العشر، ومهر النحو واللغة، وله المصنفات الكثيرة، منها: "معرفة الصحابة" و "الأخبار الطوالات" و "المغيث" تتمة كتاب "الغريبين للهروي" و "اللطائف في المعارف" و "عوالي التابعين" وغيرها، توفي سنة 581 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/160، تذكرة الحفاظ 4/1334، طبقات القراء للجزري 2/215، طبقات الحفاظ ص475، شذرات الذهب 4/273، وفيات الأعيان 3/414، مرآة الجنان 3/453، البداية النهاية 12/318".
2 هذا رأي أكثر العلماء، وقالوا: إن صح فمؤول، واختلفوا في تأويله على أقوال كما ذكر المصنف، قال الشيرازي: "فالظاهر أنه لا يصح عنه، وهو بعيد" "اللمع ص23". وقال الجويني: "والجه اتهام المناقل وحمل النقل على انه خطأ، أو مختلق مخترع" "البرهان 1/386"، وقال الغزالي: "والجه تكذيب الناقل، فلا يظن به ذلك" "المنخول ص157"، ولكن الشوكاني قال: "إنها ثابتة في "مستدرك" الحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين بلفظ: "إذا حلف الرجل على يمين فله أن يستثنى إلى سنة" وقد روى عنه هذا غير الحاكم من طرق، كما ذكر أبو موسى المدني وغيره ثم يقول: "فالرواية عن ابن عباس قد صحت، ولكن الصحيح خلاف ما قاله" "إرشاد الفحول ص148".
"وانظر: المحصول ج1 ق3/40، الإحكام للآمدي 2/291، المستصفى 2/165، فواتح الرحموت 1/321، تيسير التحرير 1/297، المعتمد 1/261، مختصر ابن الحاجب 2/137".(3/299)
صَحَّ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَعْنَى: إذَا نَسِيتَ الاسْتِثْنَاءَ فَاسْتَثْنِ إذَا ذَكَرْت.
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ أَجَازَهُ بعد1 أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ2.
وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: يَصِحُّ اتِّصَالُهُ بِالنِّيَّةِ، وَانْقِطَاعُهُ لَفْظًا، فَيُدَيَّنُ3.
قَالَ4 الآمِدِيُّ: فَلَعَلَّهُ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ5.
وَعَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: يَصِحُّ فِي الْيَمِينِ مُتَّصِلاً فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ إذَا لَمْ يَخْلِطْ كَلامَهُ بِغَيْرِهِ6.
وَعَنْهُ أَيْضًا: وَفِي الْمَجْلِسِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ, وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ7.
__________
1 ساقطة من ع ب.
2 انظر: جمع الجوامع 2/11، مختصر البعلي ص118، إرشاد الفحول ص 148، مناهج العقول 2/115، الكشاف 2/480.
3 أي يجوز الانفصال بالاستثناء إذا نواه متصلاً ثم أظهر النية بعد ذلك فإنه يصدق ديانة، وهذا تأويل الفخر الرازي لقول ابن عباس رضي الله عنهما إن صح عنه.
"انظر: المحصول ج 1 ق 3/40، مناهج العقول 2/115، شرح تنقيح الفصول ص 242، المنخول ص 157، البرهان 1/387، الإحكام للآمدي 2/289، المستصفى 2/165، القواعد والفوائد الأصولية ص 251".
4 في ع: وقال.
5 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/137، المحصول ج1 ق3/4، جمع الجوامع 2/11، القواعد والفوائد الأصولية ص 251.
6 انظر: العدة 2/661، المسودة ص152،القواعد والفوائد الأصولية ص252، مختصر البعلي ص 118.
7 أي يجوز الفصل بين المستثنى والمستثنى منه بالزمن اليسير مادام في المجلس.
"انظر: المسودة ص 152، 153، الروضة 2/253، مختصر البعلي ص 118، التبصرة ص 162، جمع الجوامع 2/11، المغني 9/523، فتح الرحموت 1/321، تيسر التحرير 1/298، إرشاد الفحول ص 148، الكشاف 2/480".(3/300)
وَقِيلَ: يَصِحُّ مَا لَمْ يَأْخُذْ فِي كَلامٍ آخَرَ1.
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْمَقْدِسِيُّ: يَصِحُّ وَلَوْ تَكَلَّمَ.
وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ خَاصَّةً, وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ كَلامَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ2.
وَاسْتَدَلَّ لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ؛ وَلِيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ" وَلَمْ يَقُلْ: أَوْ3 لِيَسْتَثْنِ4.
وَكَذَلِكَ لَمَّا أَرْشَدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَيُّوبَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ بِقَوْلِهِ: {وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} 5 جَعَلَ طَرِيقَ بِرِّهِ ذَلِكَ6.
__________
1 انظر: جمع الجوامع 2/11، مختصر البعلي ص118.
2 ذكر الشيرازي قولاً آخر فقال: "وحكي عن قوم جواز إذا أورد معه كلام يدل على أن ذلك استثناء مما تقدم، وهو أن يقول: "جاء الناس"، ثم يقول بعد زمان "إلا زيداً، وهو استثناء مما كنت قلت "اللمع ص23".
"وانظر: مناهج العقول 2/115، البرهان 1/386، 387، المنخول ص157، مختصر ابن الحاجب 2/137، الإحكام للآمدي 2/289،290، ومابعدها، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/11، 12، فواتح الرحموت 2/321، 323، تيسير التحرير 1/299، العدة 2/663".
3 في ع: و.
4 انظر: المعني 9/523، فواتح الرحموت 1/322، تيسر التحرير 1/298، العدة 2/661، مناهج العقول 2/115، مختصر ابن الحاجب 2/137، الإحكام للآمدي 2/289، إرشاد الفحول ص 148.
وفي ب: يستثنى.
5 الآية 44 من سورة ص. وفي ب: فخذ ...
6 انظر مزيداً من أدلة العلماء الاتصال بين للمستثنى والمستثنى منه في "الروضة 2/253، التبصرة ص 163 وما بعدها، المحصول ج1 ق3/41، مختصر ابن الحاجب 2/137، فواتح الرحموت 1/321، تيسير التحرير 1/298".(3/301)
وَفِي تَارِيخِ بَغْدَادَ لابْنِ النَّجَّارِ1: أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ أَرَادَ الْخُرُوجَ مَرَّةً مِنْ بَغْدَادَ، فَاجْتَازَ بَعْضَ2 الطَّرِيقِ، وَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَى رَأْسِهِ سَلَّةٌ فِيهَا بَقْلٌ، وَهُوَ يَقُولُ لآخَرَ: مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَرَاخِي3 الاسْتِثْنَاءِ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَلَوْ صَحَّ لَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لأَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} 4 بَلْ كَانَ يَقُولُ لَهُ: اسْتَثْنِ، وَلا حَاجَةَ إلَى التَّوَسُّلِ إلَى الْبِرِّ بِذَلِكَ، فَقَالَ5 الشَّيْخُ6 أَبُو إِسْحَاقَ: بَلْدَةٌ فِيهَا رَجُلٌ يَحْمِلُ الْبَقْلَ يَرُدُّ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: لا تَسْتَحِقُّ7 أَنْ يُخْرَجُ مِنْهَا.
وَمِنْ لَطِيفِ مَا يُحْكَى: أَنَّ الرَّشِيدَ8 اسْتَدْعَى أَبَا يُوسُفَ الْقَاضِيَ
__________
1 هو محمد بن محمود بن الحسن، محب الدين، أبو عبد الله، ابن النجار البغدادي، كان حافظاً ثقة مؤرخاً، وكان من أعيان الحفاظ الثقات، مع الدين والصيانة والفهم وسعة الرواية، سمع الحديث بأصبهان ونيسابور وهراة ودمشق ومصر، وله المصنفات الكثيرة النافعة التي تدل على سعة علمه وفهمه وفضله، منها "تاريخ بغداد" وه ذيل على "تاريخ بغداد" للخطيب، في ثلاثين مجلداً، وهو "المؤتلف" ذيل على ابن ماكولا، و "المتفق" و "الأنساب" و "الكمال" في الرجال، و "تاريخ المدينة" و "مناقب الشافعي" توفي سنة 643هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/98، طبقات الحافظ ص449، تذكرة الحفاظ 4/1428، مرآة الجنان 4/111، البداية والنهاية 13/169، فوائد الوفيات 2/522، مفتاح السعادة 1/259".
وفي ع: ابن البخاري.
2 في ز ض ع ب: في بعض.
3 ساقطة من ض.
4 الآية 44 من سورة ص.
5 في ض: قال.
6 ساقطة من ب.
7 في ش ض ع ب: يستحق.
8 هو الخليفة هارون المهدي محمد بن المنصور، خامس خلفاء بني العباس وأشهرهم، تولى الخلافة سنة 170هـ، وكان من أمير الخلفاء، وأجل ملوك الدنيا، كثير الغزو والجهاد والحج، وكان كثير العبادة والورع، يحب العلم وأهله، ويعظم حرمات الإسلام، وازدهرت الدولة في أيامه، وكان عالماً والفقه والحديث وأخبار العرب، فصيحاً، شجاعاً كريماً حازماً متواضعاً، يحج سنة ويغزو سنة، توفي بطوس أثناء ذهابه للحج سنة 193هـ.
انظر ترجمته في "تاريخ الخلفاء ص 283، فوات الوفيات 2/616، البداية والنهاية 10/213، تاريخ بغداد 14/5، البدء والتاريخ 6/101، الأعلام للزركلي 9/43".(3/302)
وَقَالَ لَهُ1: كَيْفَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الاسْتِثْنَاءِ؟ فَقَالَ: يُلْحَقُ عِنْدَهُ بِالْخِطَابِ، وَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِهِ2 وَلَوْ بَعْدَ زَمَانٍ، فَقَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْك أَنْ تُفْتِيَ بِهِ وَلا تُخَالِفْهُ, وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ لَطِيفًا فِيمَا يُورِدُهُ، مُتَأَنِّيًا فِيمَا يَقُولُهُ، فَقَالَ: رَأْيُ ابْنِ عَبَّاسِ يُفْسِدُ عَلَيْك بَيْعَتَك، لأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَك وَبَايَعَك يَرْجِعُ3 إلَى مَنْزِلِهِ فَيَسْتَثْنِي, فَانْتَبَهَ الرَّشِيدُ، وَقَالَ: إيَّاكَ أَنْ تُعَرِّفَ النَّاسَ4 مَذْهَبَهُ فِي ذَلِكَ، وَاكْتُمْهُ.
وَوَقَعَ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ لأَبِي حَنِيفَةَ5 مَعَ الْمَنْصُورِ6.
"وَ" شَرْطٌ أَيْضًا لِلاسْتِثْنَاءِ "نِيَّتُهُ7" أَيْ أَنْ8 يَنْوِيَ الْمُسْتَثْنِي "قَبْلَ تَمَامِ
__________
1 في ض ب: فقال، وفي ع: وقال
2 في ض ب: ويغير حكمه.
3 في ض ب: ويرجع.
4 ساقطة من ض.
5 انظر: فواتح الرحموت 1/322، تيسير التحرير 1/298، الكشاف 2/480.
6 هو الخليفة عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، أبو جعفر المنصور، ثاني خلفاء بني العباس، بويع بالخلافة سنة 137هـ، وكان عمره اثنتين وأربعين سنة، وكان مهيباً شجاعاً حازماً، كثير الجد والتفكير، كامل العقل، يشارك في العلم، وكان عارفاً بالفقه والأدب، مقدماً في الفلسفة والفلك، محباً للعلماء، وانتشر العلم في زمانه، وبني بغداد وغيرها، وتفي في أثناء ذهابه للحج سنة 158هـ، ودفن في الحجون بمكة المكرمة.
انظر ترجمته في "تاريخ الخلفاء ص259، البداية والنهاية 10/121، فوات الوفيات 1/488، المعارف ص377، البدء والتاريخ 6/90، تاريخ بغداد10/53، العقد الثمين 5/248، الأعلام للزركلي 5/259".
7 في ن: نية.
8 ساقطة من ب(3/303)
مُسْتَثْنًى مِنْهُ" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ وَالشَّافِعِيَّةِ1.
قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: اتَّفَقَ2 الذَّاهِبُونَ إلَى اشْتِرَاطِ اتِّصَالِهِ: أَنْ يَنْوِيَ فِي الْكَلامِ، فَلَوْ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ نِيَّةُ الاسْتِثْنَاءِ إلاَّ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُسْتَثْنَى3 مِنْهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ.
ثُمَّ قِيلَ: يُعْتَبَرُ وُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ الْكَلامِ.
وَقِيلَ يُكْتَفَى بِوُجُودِهَا قَبْلَ فَرَاغِهِ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ4. اهـ.
"وَ" شَرْطٌ أَيْضًا لِلاسْتِثْنَاءِ "نُطْقٌ بِهِ" أَيْ بِالْمُسْتَثْنَى5 "إلاَّ فِي يَمِينِ مَظْلُومٍ6 خَائِفٍ بِنُطْقِهِ7".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْفُرُوعِ: وَيُعْتَبَرُ نُطْقُهُ إلاَّ مِنْ مَظْلُومٍ خَائِفٍ8, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُسْتَوْعَبِ9 " خَائِفٍ" وَالأَصْحَابُ عَلَى
__________
1 انظر: المسودة ص153، مختصر البعلي ص119، القواعد والفوائد الأصولية ص 252، فواتح الرحموت 1/326، الفروع لابن مفلح 6/343، الإنصاف 11/27
2 في ع: واتفق.
3 ساقطة من ز.
4 وهناك أقوال كثيرة في تعيين محل النية أول الكلام، أو بعده بفاصل يسير، أو قبل تكميل المستثنى منه، أو عدم النية أصلاً.
"انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص2525، مختصر البعلي ص119، الإنصاف 11/27".
5 في ض ب: المستثنى.
6 ساقطة من ش ز، وفي د: مطلق، وفي "مختصر البعلي": "إلا في اليمين لخائف من نطقه".
7 انظر: المغني 9/523، مختصر البعلي ص119، إرشاد الفحول ص147.
8 في ز: وخائف.
9 المستوعب للعلامة محمد بن عبد الله السامري، وهو متن مختصر في المذهب الحنلبي.
"انظر: المدخل إلى المذهب أحمد ص 210".(3/304)
الأَوَّلِ1.
قَالَ2 فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ إنْ كَانَ مَظْلُومًا فَاسْتَثْنَى فِي نَفْسِهِ رَجَوْتُ أَنْ يَجُوزَ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ, فَهَذَا فِي حَقِّ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ، لأَنَّ يَمِينَهُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ، أَوْ3 لأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَأَوِّلِ4. انْتَهَى5.
"لا تَأْخِيرُهُ" يَعْنِي أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِي الاسْتِثْنَاءِ تَأْخِيرُ الْمُسْتَثْنَى عَنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي اللَّفْظِ. فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عِنْدَ الْكُلِّ6, وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنِّي وَاَللَّهِ -إنْ شَاءَ اللَّهُ- لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ" 7 الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ8، وَكَقَوْلِ الْكُمَيْتِ9:
__________
1 انظر: الفروع 6/3253.
2 في ع: وقال، وفي ب: قاله.
3 في ض: و.
4 الشرح الكبير مع المغني11/228، المغني 9/529
5 في ز: انتهيا.
6 اختلف العلماء في هذه المسألة، فقال بعضهم لا يجوز تقديم المستثنى في أول الكلام ولو تقدمه حرف نفي.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/28، القواعد والفوائد الأصولية ص253، العدة2/664، شرح الورقات ص111، التمهيد ص116، مختصر البعلي ص119، المسودة ص 154، اللمع ص 23".
7 ساقطة من ز.
8 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 4/100 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 11/110، سنن أبي داود 2/205، سنن النسائي 7/9، سنن ابن ماجه 1/681، مسند أحمد 4/398، 401، التخليص الحبير 4/170".
9 هو الكميت بن زيد بن خنيس الأسدي، أبو المستهل، شاعر الهاشميين، من أهل الكوفة، عاش في عهدة الدولة الأموية، وكان معروفاً بالتشيع، وكان عالماً بآداب اللغة ولغاتها، وأخبار العرب وأنسابهم، وكان من شعراء مضر، وكان متعصباً للمضرية على القحطانية، وكان معلماً ومنحازاً لبني هاشم، وأشهر شعره وأجوده "الهاشميات" وهو من أصحاب الملحمات الشعرية، توفي سنة 126هـ
انظر ترجمته وحياته في "الأغاني 18/6265ط الشعب، الشعر والشعراء لابن قتيبة 562، الأعلام للزركلي 6/92، المعارف ص547، النجوم المزهرة 1/300".(3/305)
وَمَا لِي إلاَّ آلَ أَحْمَدَ. شِيعَةٌ1 ... وَمَالِي إلاَّ مَذْهَبَ الْحَقِّ مَذْهَبٌ2
"وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ" فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لأَصْحَابِنَا3.
قَالَ فِي الإِنْصَافِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ4.قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةُ: الصِّحَّةُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ5، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحُ الْمُحَرِّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ6،
وَ
__________
1 في ش: شرعة.
2 هذا البيت للكميت من قصيدة يمدح بها آل البيت ومطلعها:
طربت، وما شوقاً إلى البيض أطرب ... ولا لعباً مني، وذو الشيب يلعب
واستشهد بالبيت السابق بهذا اللفظ في "الأغاني"و "مجالس ثعلب"و "شذور الذهب" و "شواهد الألفية" للعيني و "شرح الأشموني" لألفية ابن مالك، واستشهد به بلفظ"ومالي إلا مشعب الحق مشعب" في"المقتضب" للمبرد و"الإنصاف" و "الجمل" للزجاجي، و"شرح المفصل" لابن يعيش الحلبي و"خزانة الأدب" للبغدادي.
"انظر: معجم شواهد العربية 1/35، شرح شذور الذهب 263، شرح ابن عقيل 1/601".
وانظر: اللمع ص 23، البرهان 1/383.
3 وهو رأي الجمهور من الشافعية والمالكية والحنفية والراجح عند الحنابلة.
"أنظر: جمع الجوامع 2/14، البرهان 1/396، العدة 2/667، العضد على ابن الحاجب 2/183، المحصول ج1 ق3/53، التمهيد ص 119، الروضة 2/255، المسودة ص 155، مختصر البعلي ص 119، مختصر الطوفي ص 112، نزهة الخاطر 2/181، المساعد 1/571، القواعد والفوائد الأصولية ص 247، المستصفى 2/172، مناهج العقول 2/116، التبصرة ص168ن نهاية السول 2/118، الشرح الكبير 5/301، الإنصاف 12/172".
4 الإنصاف 12/172.
5 الإفصاح 2/265، وانظر. القواعد والفوائد الأصولية ص 247، الإنصاف 12/172.
6 وهما "الرعاية الكبرى" و"الراعية الصغرى" وكلتاهما لابن حمدان. "انظر: المدخل إلى مذهب احمد ص 239".(3/306)
الْحَاوِي الصَّغِيرِ1، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ2 فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الإِرْشَادِ وَالْوَجِيزِ3 وَالْمُنَوَّرِ، وَمُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ4, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ فِي الإِطْلاقِ5 وَالإِقْرَارِ؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِمَا6: لا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الأَكْثَرِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ7.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لا يَصِحُّ8.
"لا الأَكْثَرُ" يَعْنِي أَنَّهُ لا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ مِنْ عَدَدٍ مُسَمًّى،
__________
1 لعله لأبي طالب عبد الرحمن بن عمر بن أبي القاسم البصري الحنبلي، وله "الحاوي الكبير". "أنظر المدخل إلى مذهب أحمد ص 208".
2 هو علي بن عمر بن أحمد ... ابن عبدوس الحراني الفقيه الزاهد الواعظ، أبو الحسن، تفقه وبرع في الفقه والتفسير والوعظ، والغالب على كلامه التذكير وعلوم المعاملات، وله تفسير كبير، توفي سنة 559هـ بحران، قال المرداوي: "التذكرة لابن عبدوس فإنه بناها على الصحيح من المذهب".
"انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/241، المدخل إلى مذهب أحمد ص 209، الإنصاف 1/14، 16".
3 لعله لعبد الله بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل الزريراني البغدادي، فقيه العراق ومفتي الآفاق، المتوفي سنة 732هـ."انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 206".
4 قال الرداوي: "المنتخب للشيخ تقي الدين أحمد بن محمد الآدمي البغدادي" "الإنصاف 1/14".
وهناك "المنتخب في الفقه" مجلدان تصنيف عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد بن علي الشيرازي، ثم الدمشقي، الفقه الواعظ. "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 208".
5 في ش: الإطلاق.
6 في ز: فيها.
7انظر: المحرر في الفقه، ومعه النكت والفوائد 2/456، المغني 5/130، مختصر البعلي ص 119، مختصر الطوفي ص 112، المسودة ص155، الإنصاف 12/172
8 انظر: المغني 5/130، مختصر الطوفي ص 112، مختصر البعلي ص 119، المسودة ص 155، الإنصاف 12/173.(3/307)
كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلاَّ سِتَّةً، عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ1 وَأَبِي يُوسُفَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَأَكْثَرِ النُّحَاةِ2, وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّهُ قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ3, وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ الإسْفَرايِينِيّ وَأَبُو4 حَيَّانَ فِي الارْتِشَافِ عَنْ نُحَاةِ الْبَصْرَةِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُ عَنْ الأَشْعَرِيِّ5.
وَقِيلَ: بَلَى6.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ: يَصِحُّ7
__________
1 انظر: المغني 5/129، مختصر البعلي ص119، مختصر الطوفي ص 112، الإنصاف 12/171.
2 انظر: المساعد 1/571.
3 انظر: الإفصاح 2/264.
4 في ض: وابن.
5 وهو قول ابن درستويه وغيره من البصريين.
"انظر: العدة 2/666، المسودة ص 154، الروضة 2/255، المساعد 1/571، القواعد والفوائد الأصولية ص 247، مختصر ابن الحاجب 2/138، المستصفى 2/171، الشرح الكبير 5/301، المعتمد 1/363، التبصرة ص 168، إرشاد الفحول ص 149".
وفي ش: الأشعرية.
6 انظر: الإنصاف 12/172.
7 وهو قول أكثر الكوفيين، وبه قال أبو عبيد والسيرافي واختاره ابن خروف والشلوبين وأبو بكر الخلال وغيره من الحنابلة، وفي المسألة عدة أقوال.
أما استثناء الكل أو الاستثناء المستغرق فباطل باتفاق، إلا في قول شاذ.
انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها في "التلويح على التوضيح 2/302، كشف الأسرار 3/122، فواتح الرحموت 1/323، 324، تيسير التحرير 1/300، شرح تنقيح الفصول ص 244، البرهان 1/396، شرح الورقات ص 110، نهاية السول 2/118، المسودة ص 155، الروضة 2/255، المساعد 1/571، التمهيد ص 118، 119، الفروق للقرافي 3/168، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/138، المحصول جـ 1ق3/53، الإحكام للآمدي 2/297، المستصفي 2/170، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/14، 15، إرشاد الفحول ص 149، الافصاح 2/264".(3/308)
وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الأَكْثَرِ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "إلاَّ إذَا كَانَتْ الْكَثْرَةُ مِنْ1 دَلِيلٍ خَارِجٍ عَنْ اللَّفْظِ2" 3 نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إلاَّ مَنْ اتَّبَعَك مِنْ الْغَاوِينَ} 4 وقَوْله تَعَالَى: {إلاَّ عِبَادَك مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ} 5 وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} 6 لأَنَّ7 هَذَا تَخْصِيصٌ بِصِفَةٍ، فَإِنَّهُ يُسْتَثْنَى8 بِالصِّفَةِ مَجْهُولٌ مِنْ مَعْلُومٍ وَمِنْ مَجْهُولٍ، وَيُسْتَثْنَى الْجَمِيعُ أَيْضًا9.
__________
1 في ش: عن.
2 ساقطة من ض.
3: المسودة ص 155، القواعد والفوائد الأصولية ص 247، 248، الإحكام لابن حزم 1/402.
4 الآية 42 من الحجر، وأول الآية: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} .
5 الآية 40 من الحجر، والآية التي قبلها: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} ، والآية 83من سورة ص، والآية التي قبلها: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} .
6 الآية 130 من يوسف
استثنى الغاوين، وهم أكثر من غيرهم بدليل قوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} ، وهذا يدل على أن الأكثر ليس بمؤمن.
"انظر: العضد على ابن الحاجب 2/139، الإحكام للآمدي 2/297، فواتح الرحموت 1/324".
7 في ش: إن.
8 في ب: استثناء.
9 هذه بعض أدلة الجمهور في جواز استثناء الأكثر، وأنه لا فرق بين العدد والصفة عندهم، وهناك أدلة أخرى كثيرة.
"فانظر: العدة 2/669، 676، المسودة ص 155، الروضة 2/255، القواعد والفوائد الأصولية ص 248، نهاية السول 2/118، وما بعدها، التبصرة ص 169، اللمع ص 24، مناهج العقول 2/116، شرح تنقيح الفصول ص 245، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 1/138، المحصول جـ 1ق 3/122، تيسير التحرير 1/300 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/297، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/14، فواتح الرحموت 1/324، كشف الأسرار 3/112، إرشاد الفحول ص149".(3/309)
فَلَوْ قَالَ: اُقْتُلْ مَنْ فِي الدَّارِ إلاَّ بَنِي تَمِيمٍ، أَوْ1 إلاَّ الْبِيضَ، فَكَانُوا كُلُّهُمْ بَنِي تَمِيمٍ أَوْ بِيضًا لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُمْ، بِخِلافِ الْعَدَدِ. ثُمَّ الْجِنْسُ ظَاهِرٌ وَالْعَدَدُ صَرِيحٌ، فَلِهَذَا فَرَّقَتْ اللُّغَةُ بَيْنَهُمَا2.
وَبِهَذَا يُجَابُ أَيْضًا عَمَّا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي3 ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلاَّ مَنْ أَطْعَمْته" 4.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ عَنْ ذَلِكَ: لا خِلافَ فِيهِ، لَكِنْ اتَّفَقُوا5 عَلَى6 أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهَذِهِ الدَّارِ إلاَّ هَذَا الْبَيْتَ صَحَّ، وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَهَا، بِخِلافِ إلاَّ ثُلُثَيْهَا، فَإِنَّهُ عَلَى الْخِلافِ.
وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُسَوَّدَةِ: لا خِلافَ فِي جَوَازِهِ، إذَا كَانَتْ الْكَثْرَةُ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجٍ لا مِنْ اللَّفْظِ قَالُوا7: كَالتَّخْصِيصِ، وَكَاسْتِثْنَاءِ الأَقَلِّ،
__________
1 في ز: و.
2 قال الآمدي:" إنما يمتنع استثناء الأكثر إذا كان عدد المستثنى والمستثنى منه مصرحاً به، فإن لم يكن، نحو: جاء بنو تميم إلا الأراذل منهم، فإنه يصح من غير استقباح، وإن كانت الأراذل أكثر" "الإحكام للآمدي 2/297".
"وانظر: نهاية السول 2/119، العضد على ابن الحاجب 2/138، القواعد والفوائد الأصولية ص 248".
3 في ض: أبا
4 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/138،139، فواتح الرحموت 1/325، تيسير التحرير 1/301، إرشاد الفحول ص149، والحديث سبق تخريجه ص 125.
5 في ش: اختلفوا.
6 ساقطة من ز ش ض ب.
7 في ز ش ع: قالوا.(3/310)
وَجَوَابُهُ وَاضِحٌ، وَعَجِبَ مِنْ ذِكْرِ الْخِلافِ, ثُمَّ يَحْتَجُّ بِالإِجْمَاعِ أَنَّ1 مَنْ أَقَرَّ بِعَشَرَةٍ2 إلاَّ دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ3.
"وَحَيْثُ بَطَلَ" الاسْتِثْنَاءُ "وَاسْتَثْنَى مِنْهُ" أَيْ مِنْ الْمُسْتَثْنَى4 "رَجَعَ" الاسْتِثْنَاءُ "إلَى مَا قَبْلَهُ" أَيْ مَا5 قَبْلَ الْمُسْتَثْنَى، وَهُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوَّلاً6.
قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ: جَزَمَ7 بِهِ فِي الْمُغْنِي8.
وَقِيلَ: يَبْطُلُ الْكُلُّ9.
وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ مَا يَئُولُ10 إلَيْهِ الاسْتِثْنَاءاتُ11.
قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي.
فَيَتَفَرَّعُ12 عَلَى ذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلاَّ عَشْرَةً إلاَّ ثَلاثَةً, فَعَلَى الْقَوْلِ
__________
1 في ع: أنه.
2 في ش: بعشر.
3 انظر: المسودة ص155.
وقال الإسنوي: "لو قال قائل: علي عشرة إلا تسعة، لكان يلزمه واحد بإجماع الفقهاء" "نهاية السول 2/118".
وانظر: مناهج العقول 2/116، فواتح الرحموت 1/325.
4 ساقطة من ض ب.
5 ساقطة من ض.
6 انظر: مختصر البعلي ص 119، القواعد والفوائد الأصولية ص 245.
7 في ب: وجزم.
8 انظر: المحرر في الفقه ومعه النكت الفوائد 2/458، المغني 5/116.
9 انظر: مختصر البعلي ص 119، القواعد والفوائد الأصولية ص 254.
10 في ع: تؤول
11 انظر: المحرر في الفقه والنكت والفوائد 2/458، مختصر البعلي ص 119، القواعد والفوائد الأصولية ص 254.
12 في ع: فيفرع.(3/311)
الأَوَّلِ: يَلْزَمُهُ1 سَبْعَةٌ، لأَنَّ الاسْتِثْنَاءَ الأَوَّلَ لَمْ يَصِحَّ فَيَسْقُطُ، فَيَبْقَى كَأَنَّهُ اسْتَثْنَى ثَلاثَةً مِنْ عَشَرَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي: يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ، لِبُطْلانِ الاسْتِثْنَاءَيْنِ، وَعَلَى الثَّالِثِ: يَلْزَمُهُ ثَلاثَةٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَهُ2 عَلَيَّ عَشَرَةٌ تَلْزَمُنِي، إلاَّ عَشَرَةً لا تَلْزَمُنِي، إلاَّ ثَلاثَةً تَلْزَمُنِي3.
"وَيُسْتَثْنَى بِصِفَةِ مَجْهُولٍ مِنْ مَعْلُومٍ، وَمِنْ مَجْهُولٍ، وَالْجَمِيعِ، كَاقْتُلْ مَنْ فِي الدَّارِ إلاَّ الْبِيضَ، فَكَانُوا كُلُّهُمْ بِيضًا لَمْ يُقْتَلُوا". قَالَهُ4 ابْنُ مُفْلِحٍ: وَغَيْرُهُ5, وَتَقَدَّمَتْ الإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ6.
"وَإِذَا تَعَقَّبَ الاسْتِثْنَاءُ جُمَلاً بِوَاوِ عَطْفٍ" وَصَلَحَ عَوْدُهُ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَلا مَانِعَ "أَوْ" تَعَقَّبَ7 الاسْتِثْنَاءُ جُمَلاً مُتَعَاطِفَةً "بِمَا فِي مَعْنَاهَا" أَيْ مَعْنَى8 الْوَاوِ "كَالْفَاءِ، وَثُمَّ9، وَصَلَحَ عَوْدُهُ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ10" مِنْ الْجُمَلِ
__________
1 في ع: تلزمه.
2 ساقطة من ش ز ع ض.
3 انظر: المحرر في الفقه ومعه النكت والفوائد 2/458، مختصر البعلي ص119، القواعد والفوائد الأصولية ص254.
4 في ش ز ع: قال.
5 ساقطة من ش.
6 صفحة 309، وانظر: مختصر البعلي ص 120.
7 في ض: تعقبت.
8 في ب: المنع.
9 فصل في ذلك إمام الحرمين الجويني في "النهاية" والآمدي وابن الحاجب والإسنوي وغيرهم، واشترطوا أن يكون العطف بالواو فقط، فإن كان بثم وغيرها فيختص الاستثناء بالجملة الأخيرة.
"انظر: التمهيد ص 120، التبصرة ص 172، جمع الجوامع 2/17، الإحكام للآمدي 2/300، مختصر ابن الحاجب 2/139، شرح تنقيح الفصول ص 253، تيسير التحرير 1/302، إرشاد الفحول ص 152، نهاية السول 2/128".
10 في ب: واحد.(3/312)
"وَلا مَانِعَ" مِنْ ذَلِكَ "فَلِلْجَمِيعِ" أَيْ فَيَعُودُ الاسْتِثْنَاءُ لِلْجَمِيعِ "كَبَعْدِ مُفْرَدَاتٍ" يَعْنِي كَمَا لَوْ تَعَقَّبَ الاسْتِثْنَاءُ مُفْرَدَاتٍ، فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى جَمِيعِهَا1.
أَمَّا كَوْنُ الاسْتِثْنَاءِ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلاً يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِهَا بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ: فَعِنْدَ الأَئِمَّةِ الثَّلاثَةِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِمْ2.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالرَّازِيِّ وَالْمَجْدِ: يَرْجِعُ إلَى الْجُمْلَةِ3 الأَخِيرَةِ4.
__________
1 انظر هذه المسألة في "المحصول ج 1 ق 3/63، مناهج العقول 2/126، التبصرة ص 172، مختصر ابن الحاجب 2/139، الإحكام للآمدي 2/174، المستصفى 21/174، نهاية السول 2/128، جمع الجوامع 2/17، فواتح الرحموت 1/322، المنخول ص 160، المعقد 1/264، العدة 2/678، الإحكام لابن حزم 1/47، مختصر البعلي ص 119، مختصر الطوفي ص112، المسودة ص 156، 158، الروضة 2/257، نزهة الخاطر 2/185، القواعد والفوائد الأصولية ص 257، 258، التمهيد ص119، تخريج الفروع على الأصول ص 204، فتح الغفار 2/128، تيسير التحرير 1/302، التلويح على التوضيح 2/303، اللمع ص24، شرح تنقيح الفصول ص249، البرهان 1/288، إرشاد الفحول ص150، مباحث الكتاب والسنة ص 211".
2 انظر: المسودة ص 156، القواعد والفوائد الأصولية ص 257، التمهيد ص 120، والمراجع السابقة.
3 في ش ض ع ب: للجملة.
4 اختار الرازي هذا القول في "المعالم" وتوقف في "المحصول" ونقله أبو الحسين البصري في "المعتمد" عن الظاهرية.
انظر هذا القول مع أدلته ومناقشتها في "التلويح على التوضيح 2/303، فواتح الرحموت 1/322، أصول السرخسي 1/275، تيسير التحرير 1/302، 305، فتح الغفار 2/128، كشف الأسرار 3/123، المحصول ج 1 ق 3/63، 67، الإحكام للآمدي 2/300، 302، ومابعدها، المستصفى 2/174، 176، جمع الجوامع 2/18، البرهان 1/388، المنخول ص 160، المعتمد 1/264، شرح تنقيح الفصول ص 249، نهاية السول 2/128، التبصرة ص 173، مناهج العقول 2/126، تخريج الفروع على الأصول ص205، التمهيد ص 120، الروضة 2/257، المسودة ص 156، العدة 2/679، مختصر الطوفي ص 112، مختصر البعلي ص 120، القواعد والفوائد الأصولية ص 257، مباحث الكتاب والسنة ص 211، اللمع ص 24".(3/313)
وَقِيلَ: إنْ تَبَيَّنَ إضْرَابٌ عَنْ الأُولَى فَلِلأَخِيرَةِ، وَإِلاَّ فَلِلْجَمِيعِ1.
وَالإِضْرَابُ: أَنْ يَخْتَلِفَا نَوْعًا أَوْ2 اسْمًا مُطْلَقًا أَوْ حُكْمًا، اشْتَرَكَتْ الْجُمْلَتَانِ فِي غَرَضٍ وَاحِدٍ أَوْ لا3، وَالْغَرَضُ الْحَمْلُ4.
وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ5.
وَقَالَ الْمُرْتَضَى6: بِالاشْتِرَاكِ7.
__________
1 وهذا قول جماعة من المعتزلة، منهم عبد الجبار وأبو الحسين البصري، واختاره القاضي أبو يعلى في "الكفاية".
"انظر: المعتمد 1/265 وما بعدها، البرهان 1/393، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/139، 140، المحصول ج1 ق3 /64، الإحكام للآمدي 2/300، جمع الجوامع 2/17، تيسير التحرير 1/302، مختصر البعلي ص120، فواتح الرحموت 1/333، إرشاد الفحول ص 151".
2 في ض ب: و.
3 في ض بك أولي.
4 أي أن يكون بين الجمل تعلق بأن يكون حكم الأولى أو اسمها مضمراً في الثانية، فلا تستقل الثانية إلا مع الأولى، مثل أكرم الفقهاء ووالزهاد إلا المبتدعة، ومثل أكرم الفقهاء أو أنفق عليهم إلا المبتدعة.
انظر توضيح ذلك مع الأمثلة والبيان في "القواعد والفوائد الأصولية ص257، العضد على ابن الحاجب 2/140، المحصول جـ 1ق 3/64، وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/300، شرح تنقيح الفصول ص249، إرشاد الفحول ص 151، والمراجع السابقة في الهامش1".
5 وهو قول الشعرية، منهم الباقلاني والغزالي لتعارض الأدلة.
"انظر: نهاية السول 2/128، مختصر ابن الحاجب 2/139، المحصول جـ1 ق3/64، الإحكام للآمدي 2/301، جمع الجوامع 2/18، المستصفى 2/174، فواتح الرحموت 1/333، تيسير التحرير 1/302، العدة 2/679، المسودة ص 156، مختصر البعلي ص120، القواعد والفوائد الأصولية ص 257، مناهج العقول 2/126، إرشاد الفحول ص150، التبصرة ص173، اللمع ص24، البرهان 1/395".
6 في ش: الرضي.
7 أي بالاشتراك اللفظي كالقرء والعين، لأنه ورد للأخيرة وللكل ولبعض الجمل المتقدمة قال البعلي: "وحاصل ذلك أن يكون مجملاً" "مختصر البعلي ص120"، وقال العضد: "وهذان "القولان" موافقان للحنفية في الحكم، وان خالفا في المآخذ، لأنه يرجع إلى الأخيرة، فيثبت حكمه فيها، ولا يثبت في غيرها كالحنفية" "العضد على ابن الحاجب 2/139".
"وانظر: مختصر ابن الحاجب 2/139، الإحكام للآمدي 2/301، جمع الجوامع 2/18، تيسير التحرير 1/302، نهاية السول 2/128، شرح تنقيح الفصول ص249، مناهج العقول 2/126، مختصر الطوفي ص 112، فواتح الرحموت 1/333، القواعد والفوائد الأصولية ص 258".(3/314)
وَالآمِدِيُّ: إنْ ظَهَرَ أَنَّ الْوَاوَ لِلابْتِدَاءِ رَجَعَ لِلْجُمْلَةِ الأَخِيرَةِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهَا عَاطِفَةٌ رَجَعَ1 لِلْجَمِيعِ2، وَإِنْ أَمْكَنَا فَالْوَقْفُ3.
وَقِيلَ: إنْ4 كَانَ تَعَلَّقَ رَجَعَ إلَى الْجَمِيعِ، وَإِلاَّ فَلِلأَخِيرَةِ5.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَإِنْ تَعَقَّبَ الاسْتِثْنَاءَ جُمَلاً، وَإِنْ لَمْ6 يُمْكِنْ عَوْدُهُ إلَى كُلٍّ مِنْهَا لِدَلِيلٍ اقْتَضَى عَوْدَهُ إلَى الأُولَى فَقَطْ، أَوْ إلَى الأَخِيرَةِ فَقَطْ7 أَوْ إلَى كُلٍّ مِنْهَا بِالدَّلِيلِ: فَلا خِلافَ فِي الْعَوْدِ إلَى مَا قَامَ لَهُ الدَّلِيلُ8.
__________
1 في ض: ترجع.
2 في ز: إلى الجمع.
3 وهذه اختيار ابن الحاجب، وقال العضد:" ومرجع هذا المذهب على الوقف، لأن القائل به يقول به عند عدم القرينة "العضد على ابن الحاجب 2/140".
"وانظر: الإحكام للآمدي 2/301، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/17، مختصر ابن الحاجب 2/139".
4 في ع: أنه.
5 وهذا ما رجحه الشوكاني، وهناك أقوال أخرى في المسألة.
"انظر: المحصول جـ1 ق3/64، إرشاد الفحول ص151، نهاية السول 2/128،130، البرهان 1/393،، المعتمد 1/265، مناهج العقول 2/126، مختصر الطوفي ص112، مباحث الكتاب والسنة ص 211، القواعد والفوائد الأصولية ص 258، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/139، 140".
6 في ش ز: وإن لم.
7 ساقطة من ش.
8 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/139.(3/315)
مِثَالُ مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عَوْدِهِ إلَى الأُولَى1 فَقَطْ: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {إنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهْرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} 2 فَالاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ إلاَّ3 مَنْ "اغْتَرَفَ" إنَّمَا يَعُودُ إلَى "مِنْهُ" لا إلَى "مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ"4.
وقَوْله تَعَالَى: {لا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنُهُنَّ إلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك} 5 فَاسْتِثْنَاءُ "مَا مَلَكَتْ يَمِينُك6" يَعُودُ إلَى لَفْظِ "النِّسَاءِ" لا إلَى الأَزْوَاجِ, لأَنَّ زَوْجَتَهُ لا تَكُونُ مِلْكَ يَمِينِهِ.
وَحَدِيثِ: "لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلا فِي 7 فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إلاَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيق" 8 وَنَحْوِ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنْ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ
__________
1 ساقطة من ب.
2 الآية 249 من البقرة.
3 ساقطة من ش ز.
4 انظر: نهاية السول 2/128، شرح تنقيح الفصول ص 252.
5 الآية 52 من الأحزاب.
6 ساقطة من ع.
7 ساقطة من ض ع ب.
8 هذا الحديث بهذا اللفظ رواه أبو داود عن أبي هريرة مرفوعاً، قال المنذري: " وفي إسناده رجل مجهول" وأسنده ابن حزم في "المحلى".
ورواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد والدارمي بدون الاستثناء "إلا زكاة الفطر في الرقيق" عن أبي هريرة مرفوعاً، وفي رواية "ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر" ورواه أبو داود بلفظ "ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في الرقيق".
"انظر: صحيح البخاري 1/175المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 7/55، 56، سنن أبي داود 1/369، تحفة الأحوذي 3/268، سنن النسائي 5/25، سنن ابن ماجه 1/578، الموطأ ص 186 ط الشعب، مسند أحمد 2/242، سنن الدارمي 1/384، مختصر سنن أبي داود2/206، المحلى لابن حزم 6/133، نيل الأوطار 4/203، فيض القدير 5/369".(3/316)
لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إلاَّ قَلِيلاً} 1 اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْجُمْلَةِ الأُولَى2.
وَمِثَالُ الْعَائِدِ3 إلَى الأَخِيرَةِ4 جَزْمًا لِلدَّلِيلِ5 قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} 6الآيَةَ فَإِنَّ {إلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا} إنَّمَا يَعُودُ لِلدِّيَةِ لا لِلْكَفَّارَةِ7, وَنَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} 8. لا يَعُودُ لِلسُّكَارَى لأَنَّ السَّكْرَانَ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، إذْ لا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهُ.
__________
1 الآية 83 من النساء، وفي ز ع ض ب: { ... أَذَاعُواْ بِهِ..إلى.. إِلاَّ قَلِيلاً} .
وللمفسرين أقوال في عودة الاستثناء إلى الأخيرة {لا تبعتم الشيطان} أو إلى الوسط {لعلمه الذين بيتنبطونه} أو إلى الأولى} وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ} ، أو إلى الجميع والإحاطة، ورجح الطبري عوده إلى القسم الأول من الآية.
"انظر: تفسير الطبري 5/183 وما بعدها، تفسير القاسمي 5/1414، تفسير القرطبي 5/292، تفسير البغوي 1/375 المطبعة الشرفية".
2 قال الشوكاني عن الحديث: " وأجاب الجمهور بأنه يبنى عموم قوله في "عبده" على خصوص قوله "من المسلمين" في حديث الباب، ولا يخفى أن قوله: "من المسلمين" أعم من قوله "في عبده" من وجه، وأخص من وجه" "نيل الأوطار 4/203".
وانظر: المستصفى 2/179.
3 ساقطة من ب.
4 في ش: الأخير.
5 في ض ب: لدليل، وفي ع: بدليل.
6 الآية 92 من النساء، وتتمة الآية: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً} .
7 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/18، الإحكام للآمدي 2/304، المستصفى 2/179، الروضة 2/258.
8 الآية 43من النساء، وفي ش ض ع ب: {إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} . وأول الآية قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} .(3/317)
وَمِثَالُ الْعَائِدِ إلَى الأَخِيرِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ مُحْتَمِلاً: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآيَةَ1 فَـ {إلاَّ الَّذِينَ 2 تَابُوا} 3 عَائِدٌ إلَى الإِخْبَارِ بِأَنَّهُمْ فَاسِقُونَ قَطْعًا، حَتَّى يَزُولَ عَنْهُمْ بِالتَّوْبَةِ4 اسْمُ الْفِسْقِ, بَلْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَ5يَلْزَمُ مِنْهُ لازِمُ الْفِسْقِ وَهُوَ عَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ, خِلافًا لأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَزُولُ اسْمُ الْفِسْقِ، وَلا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، عَمَلاً بِمَا سَيَأْتِي مِنْ قَاعِدَتِهِ, وَهُوَ الْعَوْدُ إلَى الأَخِيرِ، لا إلَى غَيْرِهِ.
وَلا يَعُودُ فِي هَذِهِ الآيَةِ لِلْجَلْدِ الْمَأْمُورِ بِهِ قَطْعًا، لأَنَّ حَد6 الْقَذْفِ حَقٌّ لآدَمِيِّ7, فَلا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ.
وَهَلْ8 يَعُودُ إلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ، فَتُقْبَلَ إذَا تَابَ، أَوْ لا يَعُودُ إلَيْهِ فَلا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؟ فِيهِ الْخِلافُ9.
__________
1 الآية 4 من النور، ولفظه: الآية ساقطة من ع، وتتمة الآية: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}
2 في ض ب: فالذين.
3 الآية 5 من النور، وتتمة الآية: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} .
4 في ش: بالقربة.
5 في ش: أو، ساقطة من د.
6 في ش ز: حق.
7 في ش: الآدمي.
8 في ب: فهل.
9 انظر: نهاية السول 2/127،128، البرهان 1/389، 394، العضد على ابن الحاجب 2/140، 141، المستصفى 2/178، المحلي على جمع الجوامع 2/19، أصول السرخسي 1/275، فواتح الرحموت 1/337، كشف الأسرار 3/123، 133، العدة 2/678، تيسير التحرير 1/307، التلويح على التوضيح 2/303، المنخول ص160، تخريج الفروع على الأصول ص207، مناهج العقول 2/125، القواعد والفوائد الأصولية ص259،260، اللمع ص24، إرشاد الفحول ص151، الإحكام للآمدي 2/304.(3/318)
وَمِثَالُ الْعَائِدِ إلَى الْكُلِّ قَطْعًا بِالدَّلِيلِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا} 1 فَـ {إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا} عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ بِالإِجْمَاعِ, كَمَا قَالَهُ السَّمْعَانِيُّ2.
3وَكَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ} 4 الآيَةَ فَـ {إلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} عَائِدٌ إلَى الْكُلِّ.
وَكَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ} الآيَاتِ5 فَ {إلاَّ مَنْ تَابَ} عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ.
__________
1 الآيتان 33-34 من المائدة، وفي ب ض ز ع: {........وَرَسُولَهُ} ، الآية.
2 انظر: نهاية السول 2/128، المحلي على جمع الجوامع 2/18، تفسير الطبري 6/220 ومابعدها، تفسير ابن كثير 2/52 طبعة الحلبي، تفسير القرطبي 6/158، تفسير القاسمي 6/1955.
3 ساقطة من ش.
"وانظر: شرح تنقيح الفصول ص 252، تفسير الطبري 6/73، تفسير ابن كثير 2/10 ط الحلبي، تفسير القاسمي 6/1820، تفسير القرطبي 6/50".
4 الآية 3من المائدة. وفي ش: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} إلى {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} .
وتتمة الآية: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} .
5 الآيات 68-71 من الفرقان.(3/319)
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: بِلا خِلافٍ1.
وَأَمَّا مَا تَجَرَّدَ عَنْ2 الْقَرَائِنِ وَأَمْكَنَ عَوْدُهُ إلَى الأَخِيرِ وَإِلَى الْجَمِيعِ: فَفِيهِ مَذَاهِبُ:
أَحَدُهَا: يَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ3.
وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ, وَقَالَ: إنَّهُ الظَّاهِرُ4 مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ الْمُرَجَّحُ فِي مَذْهَبِنَا. وَنَقَلَهُ الأَصْحَابُ عَنْ نَصِّ أَحْمَدَ، حَيْثُ قَالَ فِي حَدِيثِ: "لا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ5 فِي سُلْطَانِهِ، وَلا يَجْلِسْ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلاَّ بِإِذْنِهِ" 6 أَرْجُو أَنْ يَكُونَ الاسْتِثْنَاءُ عَلَى كُلِّهِ7.
وَقَالَ الْقَاضِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ طَاعَةِ الرَّسُولِ8.
وَوَجْهُهُ9: أَنَّ الْعَطْفَ يَجْعَلُ الْجَمِيعَ كَوَاحِدٍ10
__________
1 انظر: شرح تنقيح الفصول ص252، المحلي على جمع الجوامع 2/18.
2 في ش: من.
3 السنن الكبرى للبيهقي 10/152.
4 في ض ع: هو الظاهر
5 ساقطة من ز ض ع ب، وهو رواية أخرى للحديث بلفظ "لا يؤمن الرجل".
6 هذا جزء من حديث رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي مسعود الأنصاري مرفوعاً، والتكرمة: الموضع الخاص لجلوس الرجل من فراش أو سرير مما يعده كرامة، وهي تفعلة من الكرامة.
"انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 5/172، سنن النسائي 2/59، تحفة الأحوذي 2/31، سنن ابن ماجه 1/313، النهاية في غريب الحديث 4/168، مسند أحمد 4/118،121، سنن أبي داود 1/137".
7 انظر: المسودة ص156، العدة 2/678، الروضة 2/257، إرشاد الفحول ص150.
8 انظر: المسودة ص158، الروضة 2/258.
9 في ش ز: ووجه.
10 انظر: المحصول ج1 ق3/68، الإحكام للآمدي 2/301، المستصفى 2/174، فواتح الرحموت 1/335، تيسير التحرير 1/304، مختصر ابن الحاجب 2/140، المعتمد 1/268، البرهان 1/390، المنخول ص 160، نهاية السول 2/129، التبصرة ص174، شرح تنقيح الفصول ص 250، مناهج العقول 2/127، الروضة 2/258، نزهة الخاطر 2/187، مختصر الطوفي ص112، تخريج الفروع على الأصول ص205، إرشاد الفحول ص151، العدة 2/680.(3/320)
رَدَّ، إنَّمَا1 هَذَا فِي الْمُفْرَدَاتِ وَأَمَّا فِي الْجُمَلِ2 فَمَحِلُّ النِّزَاعِ3.
قَالُوا: كَالشَّرْطِ، فَإِنَّهُ لِلْجَمِيعِ كَذَلِكَ هُنَا4.
رَدٌّ بِالْمَنْعِ، ثُمَّ قِيَاسٍ فِي اللُّغَةِ، ثُمَّ الْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ رُتْبَتُهُ5 التَّقْدِيمُ, ثُمَّ لُغَةً بِلا شَكٍّ, فَالْجُمَلُ هِيَ6 الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ لَهَا7.
__________
1 في ب: بأن.
2 في ش: المجمل.
3 انظر: التبصرة ص174، البرهان 1/390، المنخول ص 160، المعتمد 1/268، مختصر ابن الحاجب 2/140، المحصول جـ1ق3/79، الإحكام للآمدي 2/301، المستصفى 2/174، فواتح الرحموت 1/335، تيسير التحرير 1/306، إرشاد الفحول ص151.
4 الشرط كما لو قال: نساؤه طوالق، عبيده أحرار، ماله صدقة إن كلم زيداً، أو إن شاء الله، وقد صح الحنفية وغيرهم بذلك فقالوا: إن الشرط المتعقب جملاً يعود إلى جميعها، فقاس الآخرون الاستثناء على الشرط.
"انظر: العدة 2/680، التبصرة ص173، اللمع ص24، شرح تنقيح الفصول ص250، البرهان 1/391، المعتمد 1/267، مختصر ابن الحاجب 2/140، المحصول جـ 1ق3/68، الإحكام للآمدي 2/302، المستصفى 2/175، فواتح الرحموت 1/335، تيسير التحرير 1/306، مناهج العقول 2/127، تخريج الفروع على الأصول ص 205، نهاية السول 2/129، إرشاد الفحول ص151، المسودة ص 157، الروضة 2/257، نزهة الخاطر 2/186، مختصر الطوفي ص112".
5 في ش ض ب: رتبة.
6 في ش: فالحمل على.
7 في ش: أيضاً.
انظر مناقشة الطوفي لهذا الدليل والجواب عليه، فإنه قال: " لا يقال رتبة الشرط التقديم بخلاف الاستثناء، لأنا تقول عقلاً لا لغة" "مختصر الطوفي ص112"، وقال العضد: "وإن سلم فهذا إنما يرجع إلى الجميع للقرينة الدالة على اتصال الجمل وهو اليمين عليها وإنما الكلام فيما لا قرينة فيها. العضد على ابن الحاجب 141/2.
وانظر تيسير التحرير 307/1،فواتح الرحموت 335/1، المحصول ج1ق3 /78، العدة 680/2، الإحكام للآمدي 302/2، الروضة 258/2، نزهة الخاطر 187/2، المستصفى 174/2، شرح تنقيح الفصول ص250، المعتمد 268/1، مختصر ابن الحاجب 140/2، إرشاد الفحول ص 151.(3/321)
قَالُوا: لَوْ كَرَّرَ الاسْتِثْنَاءَ كَانَ مُسْتَهْجَنًا1 قَبِيحًا لُغَةً. ذَكَرَهُ2 الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ بِاتِّفَاقِهِمْ3.
رَدَّ بِالْمَنْعِ لُغَةً، ثُمَّ الاسْتِهْجَانِ لِتَرْكِ الاخْتِصَارِ، لأَنَّهُ لا يُمْكِنُ بَعْدَ الْجُمَلِ4 إلاَّ كَذَا فِي الْجَمِيعِ5.
قَالُوا: صَالِحٌ لِلْجَمِيعِ. فَكَانَ لَهُ كَالْعَامِّ، فَبَعْضُهُ تَحَكُّمٌ6.
رَدَّ لا ظُهُورَ، بِخِلافِ الْعَامِّ. وَالْجُمْلَةُ الأَخِيرَةُ أَوْلَى لِقُرْبِهَا7.
__________
1 في ش: منهجاً.
2 في ب: ذكر.
3 أي اتفاق أهل اللغة، واللفظة ساقطة من ض ب.
"انظر: الروضة 2/258، مختصر الطوفي ص112، شرح تنقيح الفصول ص205، مختصر ابن الحاجب 2/140، المحصول جـ1 ق3/70، الإحكام للآمدي 2/302، المستصفى 2/175، فواتح الرحموت 1/336، تيسير التحرير 1/307".
4 في ض: الحمل.
5 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/140، المحصول جـ1 ق3/80، الإحكام للآمدي 2/302، فواتح الرحموت 1/335، تيسير التحرير 1/307.
6 انظر: التبصرة ص174، مختصر ابن الحاجب 2/140، الإحكام للآمدي 2/303، فواتح الرحموت 1/336، تيسير التحرير 1/307.
7 انظر: التبصرة ص 175، المعتمد 1/271، فواتح الرحموت 1/336، تيسير التحرير 1/307، مختصر ابن الحاجب 2/140، الإحكام للآمدي 2/303.(3/322)
قَالُوا: خَمْسَةٌ1 وَخَمْسَةٌ إلاَّ سِتَّةً لِلْجَمِيعِ إجْمَاعًا, فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُمَلِ2 مَا يَقْبَلُ الاسْتِثْنَاءَ لا الْجُمَلُ3, النَّحْوِيَّةُ4.
وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ, فَقَالَ: مَنْ تَأَمَّلَ غَالِبَ الاسْتِثْنَاءاتِ5 فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاللُّغَةِ وَجَدَهَا لِلْجَمِيعِ, وَالأَصْلُ إلْحَاقُ الْمُفْرَدِ بِالْغَالِبِ, فَإِذَا جَعَلَ حَقِيقَةً فِي الْغَالِبِ مَجَازًا فِيمَا قَلَّ: عُمِلَ بِالأَصْلِ النَّافِي6 لِلاشْتِرَاكِ, وَالأَصْلُ النَّافِي لِلْمَجَازِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ مُطْلَقًا7.
وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ أَوَّلَ الْكَلامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ8.
وَأَمَّا إذَا تَعَقَّبَ الاسْتِثْنَاءُ مُفْرَدَاتٍ9, فَقَدْ قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: وَالْوَارِدُ بَعْدَ مُفْرَدَاتٍ 10, نَحْوُ: تَصَدَّقْ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ إلاَّ الْفَسَقَةَ مِنْهُمْ:
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ش: الحمل.
3 ساقطة من ش ز.
4 انظر: المعتمد 1/269، مختصر ابن الحاجب 2/140، المحصول جـ1 ق3/70، الإحكام للآمدي 2/303، فواتح الرحموت 1/336، تيسير التحرير 1/307.
5 في ب: الاستثناء.
6 في هامش ع: الباقي.
7 انظر: المسودة ص 156 وما بعدها، 159.
8 صفحة 313-314.
9 وانظر أدلة هذه المذاهب في "مختصر الطوفي ص112، مناهج العقول 2/172، نهاية السول 2/129"، والمراجع المذكورة فغي هوامش الصفحتين "313-314".
ساقطة من ض، وفي ش: فقد قال في "جمع الجوامع": "والوارد بعد مفردات". وسقط الباقي.
10 جمع الجوامع 2/19.(3/323)
أَوْلَى بِعَوْدِهِ لِلْكُلِّ1 مِنْ الْوَارِدِ بَعْدَ جُمَلٍ لِعَدَمِ اسْتِقْلالِ الْمُفْرَدِ2, 1هـ.
تَنْبِيهٌ:
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَفْظُ "الْجُمَلِ" يُرَادُ بِهِ مَا فِيهِ شُمُولٌ، لا3 الْجُمَلُ النَّحْوِيَّةُ، لَكِنْ الْقَاضِي وَأَبُو يَعْلَى4 وَغَيْرُهُ: ذَكَرَ الأَعْدَادَ مِنْ صُوَرِهَا، وَسَوَّى بَيْنَ قَوْلِهِ: رَجُلٌ وَرَجُلٌ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: رَجُلَيْنِ وَرَجُلَيْنِ5, وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي الاسْتِثْنَاءِ فِي الإِقْرَارِ6 وَالْعَطْفِ7 إذَا 8تَعَقَّبَ. جُمْلَتَيْنِ, هَلْ يَعُودُ إلَيْهِمَا أَوْ9 إلَى الثَّانِيَةِ: كَجُمْلَةٍ أَوْ كَجُمْلَتَيْنِ10؟ عَلَى وَجْهَيْنِ11 12 13.
وَقَالَ أَيْضًا: كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُدْخِلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الاسْتِثْنَاءَ الْمُتَعَقِّبَ
__________
1 في ض: لكل.
2 المحلي على جمع الجوامع 2/19.
وانظر: التمهيد ص120، التبصرة ص172 هامش.
وفي ز ض ع ب: المفردات.
3 ساقطة من ب.
4 في ش: وأبو يعلى، وعبارة "المسودة" فإن القاضي وغيره ذكر الأعداد.".
5 ساقطة من "المسودة" وكذا في "القواعد والفوائد الأصولية ص 258" الذي نقل النص عن "المسودة" وفي ب: ورجلين، وانظر عبارة القاضي في "العدة 2/680".
6 في ش: الإفراد، وما أثبتناه في الأعلى من بقية النسخ، ومن "المسودة".
7 ساقطة من "المسودة" و "القواعد والفوائد الأصولية".
8 في ش ز ع: اتفقت جملتان، وما أثبتناه في الأعلى من نسخة ض ب، و "المسودة".
9 في ش: و.
10 ساقطة من ش.
11 في "المسودة" و "القواعد والفوائد الأصولية": المستثنى.
12 في ز: جملتين، وفي "المسودة": أو هما جملتان. وكذا في "القواعد والفوائد الأصولية".
13 المسودة ص 156، 158، وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص258.(3/324)
اسْمًا فَيُرِيدُونَ بِقَوْلِهِمْ "جُمْلَةً"1 الْجُمْلَةَ الَّتِي تَقْبَلُ الاسْتِثْنَاءَ 2 لا يُرِيدُونَ "بِهَا"3 الْجُمْلَةَ مِنْ الْكَلامِ4 وَلا5 بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ فَإِنَّهُ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يُقَالَ أَكْرِمْ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ إلاَّ الْفُسَّاقَ، أَوْ يُقَالُ: أَكْرِمْ هَؤُلاءِ وَأَكْرِمْ هَؤُلاءِ إلاَّ الْفُسَّاقَ6، 7ذَكَرَهُ فِي الْمُسَوَّدَةِ8 وَابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ عَنْهُ.
قَالَ الْبِرْمَاوِيِّ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْجُمْلَةَ هِيَ الاسْمِيَّةُ مِنْ مُبْتَدَإٍ وَخَبَرٍ, وَالْفِعْلِيَّةُ مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ، ثُمَّ قَالَ: وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى مَنْ عَبَّرَ بِالْجُمَلِ9، فَإِنَّمَا أَرَادَ الأَعَمَّ بِالتَّقْرِيرِ10 الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ, وَهُوَ حَسَنٌ, اهـ11.
"وَمِثْلُ بَنِي تَمِيمٍ وَرَبِيعَةَ أُكْرِمْهُمْ إلاَّ الطِّوَالَ" يَرْجِعُ12 الاسْتِثْنَاءُ "لِلْكُلِّ وَأَدْخَلَ بَنِي تَمِيمٍ، ثُمَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ سَائِرَ قُرَيْشٍ فَأَكْرَمَهُمْ13، الضَّمِيرُ لِلْكُلِّ14".
ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَقَالَ عَنْ الصُّورَةِ الأُولَى: جَعَلَهَا فِي التَّمْهِيدِ
__________
1 في "المسودة": يعقب جملة.
2 ساقطة من ش.
3 ساقطة من جميع النسخ، وأثبتناها من "المسودة".
4 ساقطة من ب.
5 في ض: أولاً.
6 ساقطة من ب.
7 ساقطة من ش.
8 المسودة ص157-158، وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص258.
9 في ض ب: بالجملة.
10 في ش: بالتقدير.
11 ساقطة من ض.
12 في ش: ويرجع
13 في "مختصر البعلي ص120": وأكرمهم
14 انظر الإحكام للآمدي 2/303، مختصر البعلي ص120، القواعد والفوائد الأصولية ص259، المسودة ص157.(3/325)
أَصْلاً1 لِلْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا, كَذَا قَالَ, كَأَنَّهُ يَقُولُ2: إنَّ3 الْخِلافَ لَيْسَ بِجَارٍ فِيهَا، وَعَلَى قَوْلِهِ فِي التَّمْهِيدِ: الْخِلافُ جَارٍ فِيهَا4.
وَقَالَ عَنْ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ قَوْلِهِ فِي التَّمْهِيدِ: الضَّمِيرُ5 لِلْجَمِيعِ، لأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِمَا تَقَدَّمَ. وَلَيْسَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي6 قَبْلَهَا انْتَهَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: رَأَيْتهَا لَهُ فِي مَسْأَلَةٍ اسْتَفْتَى عَلَيْهَا فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلادِهِ، ثُمَّ عَلَى أَوْلادِ أَوْلادِهِ، ثُمَّ عَلَى أَوْلادِ أَوْلادِ7 أَوْلادِهِ، عَلَى أَنَّهُ8 مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ. كَتَبَ عَلَيْهَا خَمْسَ9 كَرَارِيسَ, فَقَالَ: لَوْ قَالَ أَدْخِلْ بَنِي هَاشِمٍ ثُمَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ ثُمَّ سَائِرَ قُرَيْشٍ فَأَكْرِمْهُمْ، كَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا10 إلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ, وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ اخْتِلافِ النَّاسِ فِي الاسْتِثْنَاءِ الْمُتَعَقِّبِ جُمَلاً: هَلْ يَعُودُ إلَى الأَخِيرَةِ أَوْ إلَى الْكُلِّ؟ لأَنَّ الْخِلافَ هُنَاكَ إنَّمَا نَشَأَ لأَنَّ الاسْتِثْنَاءَ يَرْفَعُ بَعْضَ مَا دَخَلَ فِي اللَّفْظِ وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الضَّمِيرِ, فَإِنَّ الضَّمِيرَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ صَالِحٌ لِلْعُمُومِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ. فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ إذَا لَمْ يَقُمْ مُخَصِّصٌ, وَعَلَى هَذَا
__________
1 في ض: أصل.
2 ساقطة من ب.
3 ساقطة من ز.
4 انظر: مختصر البعلي ص120.
5 في ش: والضمير.
6 ساقطة من ش ز ض ب.
7 ساقطة من ض ب.
8 في ش: أن.
9 في ع: خمسة.
10 في ض: عائد.(3/326)
فَحَمْلُ الضَّمِيرِ عَلَى الْعُمُومِ حَقِيقَةٌ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْخُصُوصِ مِثْلُ التَّخْصِيصِ لِلَّفْظِ1 الْعَامِّ2 اهـ 3.
"وَهُوَ" أَيْ الاسْتِثْنَاءُ الصَّحِيحُ "مِنْ نَفْيٍ" أَيْ مِنْ أَشْيَاءَ مَنْفِيَّةٍ "إثْبَاتٌ" لِلْمُسْتَثْنَى "وَبِالْعَكْسِ" أَيْ وَالاسْتِثْنَاءُ مِنْ أَشْيَاءَ مَثبتة4ٍ نَفْيٌ لِلْمُسْتَثْنَى.
فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلاَّ دِرْهَمًا، كَانَ ذَلِكَ إقْرَارًا بِتِسْعَةٍ, وَإِذَا قَالَ5: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ إلاَّ دِرْهَمًا كَانَ مُقِرًّا بِدِرْهَمٍ6, وَعَلَى هَذَا7 قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْمَالِكِيَّةِ8 وَالشَّافِعِيَّةِ 9.
__________
1 في زض ع ب: تخصيص اللفظ
2 في ش: المستثنى.
3 ساقطة من ز. انظر: مجموع الفتاوى 31/100 وما بعدها.
4 في ش: منفية.
5 في ش: قال: له ليس علي عشرة إلا درهماً، كان ذلك إقراراً بتسعة، وإذا قال:
6 في ش: له بدرهم.
7 في ض ب: وهذا.
8 استثنى المالكية من هذه القاعدة الأيمان، فقال القرافي: "اعلم ان مذهب مالك رحمه الله أن الاستثناء من النفي إثبات، في غير الأيمان، هذه قاعدته في الأقارير، وقاعدته في الأيمان أن الاستثناء من النفي ليس باثبات" "الفروق 2/93".
9 وهذا قول طائفة محققي الحنفية، كالامام فخر الإسلام البردوي وشمس الأئمة الحلواني والقاضي أبي زيد.
"انظر: المحصول جـ1ق3/56، كشف الأسرار 3/126، تيسير التحرير 1/294، التلويح على التوضيح 2/289، فواتح الرحموت 1/337، فتح الغفار 2/124، شرح تنقيح الفصول ص 247، مختصر ابن الحاجب 2/142، الإحكام للآمدي 2/308، جمع الجوامع 2/15، مناهج العقول 2/120، التمهيد ص117، نهاية السول 2/123، تخريج الفروع على الأصول ص 68، القواعد والفوائد الأصولية ص263، مختصر البعلي ص120، المحرر في الفقه 2/462، المسودة ص 160، الروضة 2/270، إرشاد الفحول ص149".(3/327)
وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي كَوْنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الإِثْبَاتِ نَفْيًا، وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ1, وَقَالُوا: فِي قَوْلِهِ2 لَهُ: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلاَّ دِرْهَمًا: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ، لَكِنْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الدِّرْهَمَ الْمُخْرَجَ مَنْفِيٌّ بِالأَصَالَةِ، لا مِنْ حَيْثُ إنَّ الاسْتِثْنَاءَ مِنْ3 الإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَلا يُوجِبُونَ فِي: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ إلاَّ دِرْهَمًا شَيْئًا4، إذْ الْمُرَادُ إلاَّ دِرْهَمًا فَإِنِّي لا أَحْكُمُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَلا إقْرَارَ إلاَّ مَعَ حُكْمٍ ثَابِتٍ5.
وَاسْتَدَلَّ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ بِاللُّغَةِ وَأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ "لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ" تَوْحِيدٌ, وَتَبَادَرَ فَهْمُ كُلِّ مَنْ سَمِعَ قَوْلَ الْقَائِلِ: لا عَالِمَ إلاَّ زَيْدٌ, وَلَيْسَ لَك عَلَيَّ إلاَّ دِرْهَمٌ إلَى عِلْمِهِ وَإِقْرَارِهِ6.
__________
1 وفي قول ثالث: الاستثناء من الاثبات نفي، وأما الاستثناء من التفي فليس بإثبات.
"انظر: مختصر البعلي ص120، المسودة ص160، القواعد والفوائد الأصولية ص 263، التمهيد ص117، مناهج العقول 2/120، شرح تنقيح الفصول ص 247، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/142، 143، المحصول جـ1ق3/57، الإحكام للآمدي 2/308، جمع الجوامع 2/15، نهاية السول 2/123".
2 ساقطة من ض ع ب.
3 في ش: من النفي إثبات ومن.
4 في ش: شيء.
5 انظر: التمهيد ص118، مناهج العقول 2/120، فواتح الرحموت 1/327، فتح الغفار 1/124، العضد على ابن الحاجب 2/143، تيسير التحرير 1/294، التلويح على التوضيح 2/289، إرشاد الفحول ص149.
6 انظر أدلة الجمهور في هذه القاعدة في "الإحكام للآمدي 2/308، المحلى على جمع الجوامع 2/16، فواتح الرحموت 1/327، كشف الأسرار 1/126، تيسير التحرير 1/294، التلويح على التوضيح 2/293، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/143، المحصول جـ1 ق3/57، نهاية السول 2/123، الروضة 2/270، شرح تنقيح الفصول ص247، مناهج العقول 2/120، إرشاد الفحول ص150".(3/328)
قَالُوا: لَوْ كَانَ لَلَزِمَ1 مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "لا صَلاةَ إلاَّ بِطُهُورٍ ثُبُوتُهَا بِالطَّهَارَةِ2وَمِثْلُهُ لا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ" وَ: "لا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ إلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ" 3.
رُدَّ لا يَلْزَمُ؛ لأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ, وَإِنَّمَا سِيقَ لِبَيَانِ اشْتِرَاطِ الطُّهُورِ لِلصَّلاةِ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ4.
وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: هَذِهِ صِيغَةُ5 الشَّرْطِ. وَمُقْتَضَاهَا نَفْيُهَا عِنْدَ نَفْيِهَا, وَوُجُودُهَا6 عِنْدَ وُجُودِهَا، لَيْسَ مَنْطُوقًا، بَلْ مِنْ الْمَفْهُومِ، فَنَفْيُ شَيْءٍ لانْتِفَاءِ شَيْءٍ لا يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِهِ عِنْدَ وُجُودِهِ، بَلْ يَبْقَى كَمَا قَبْلَ النُّطْقِ، بِخِلافِ لا عَالِمَ إلاَّ زَيْدٌ7.
__________
1 في ز ض ع ب: لزم.
2 هذه بعض أدلة الحنفية على قولهم في المسألة، وسيذكرها المصنف بالتفصيل بعد قليل "ص332".
"انظر: مختصر ابن الحاجب 2/143، المحصول جـ1 ق3/58، الإحكام للآمدي 2/308".
3 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي ومالك والشافعي عن عبادة بن الصامت وأبي سعيد مرفوعاً بألفاظ مختلفة، وأوله: "لا تبيعوا الذهب بالذهب" ورواه البخاري عن ابن عمر مرفوعا.
ومر تخريجه كاملاً في "المجلد الثاني ص 554"، وانظر: صحيح البخاري 2/14 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 11/13.
4 انظر: المسودة ص 190، الروضة 2/270، 271، نهاية السول 2/124، الفروق 2/96، مختصر ابن الحاجب 2/143، الإحكام للآمدي 2/308، مناهج العقول 2/122.
5 في ش ض: صفة.
6 في "الروضة": وأما وجودها.
7 الروضة:2/270-271.(3/329)
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: جَعَلَهُ الْمُثْبَتَ مِنْ قَاعِدَةِ الْمَفْهُومِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ1. وَكَذَا جَعَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ فِي قَوْلِ أَحْمَدَ: كُلُّ شَيْءٍ يُبَاعُ قَبْلَ قَبْضِهِ إلاَّ مَا كَانَ2 مَأْكُولاً.
وَقَدْ احْتَجَّ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ لا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْمَهْرِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ" 3 قَالَ: فَاقْتَضَى الظَّاهِرُ صِحَّتَهُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: هَذِهِ دَلالَةُ صِفَةٍ4.فَإِنْ قِيلَ: فِيهِ إشْكَالٌ سِوَى ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ النَّفْيُ الأَعَمُّ، أَيْ لا صِفَةَ لِلصَّلاةِ مُعْتَبَرَةٌ إلاَّ صِفَةَ الطَّهَارَةِ, فَنَفَى الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةَ وَأَثْبَتَ الطَّهَارَةَ5.
قِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ نَفْيِهَا الْمُبَالَغَةُ فِي إثْبَاتِ تِلْكَ الصِّفَةِ، وَأَيْضًا أَكَّدَهَا6.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ فَلا7 إشْكَالَ: قَوْلٌ بَعِيدٌ لأَنَّهُ مُفَرَّغٌ فَهُوَ مِنْ
__________
1 في ش: فيقي ليس يجيد.
2 ساقطة من ض.
3 هذا الحديث رواه الإمام أحمد والدارقطني، وأشار إليه الترمذي، ورواه البيهقي في "العلل"، وفي شخص متروك، ورواه الشافعي من طريق آخر مرسلاً، وقال: "وهذا وإن كان منقطعاً فإن أكثر أهل العلم يقولون به"، وهو طرف من حديث رواه الدارقطني والبيهقي عن عائشة، رضي الله عنها مرفوعاً، وقال البخاري: وقال بعض الناس: "لايجوز نكاح بغير شاهدين".
"انظر: صحيح البخاري 2/67 المطبعة العثمانية، تحفة الأحوذي 4/235، بدائع المنن 2/313، السنن الكبرى 7/124 وما بعدها، نيل الأوطار 6/142".
أما الشطر الأول من الحديث "لانكاح إلا بولي" فهو حديث صحيح، وسبق تخريجه في "المجلد الثاني ص 551".
4 في ش ز: صيغة.
5 انظر: الروضة 2/271.
6 انظر: نهاية السول 2/124، التبصرة ص 204، مختصر ابن الحاجب 2/143، مناهج العقول 2/122.
7 في ش: بلا(3/330)
تَمَامِ الْكَلامِ, وَمِثْلُهُ: مَا زَيْدٌ إلاَّ قَائِمٌ وَنَحْوُهُ1.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: مِنْ أَدِلَّةِ الْجُمْهُورِ: أَنَّ "لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ" لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَثْنَى فِيهِ مُثْبَتًا لَمْ يَكُنْ كَافِيًا فِي الدُّخُولِ فِي الإِيمَانِ، وَلَكِنَّهُ كَافٍ بِاتِّفَاقٍ, وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إلَهَ إلاَّ اللَّه" 2 فَجَعَلَ ذَلِكَ غَايَةَ الْمُقَاتَلَةِ.
وَقَدْ أَجَابُوا بِأَنَّ الإِثْبَاتَ مَعْلُومٌ، وَإِنَّمَا الْكُفَّارُ يَزْعُمُونَ الشَّرِكَةَ3, فَنُفِيَتْ الشَّرِكَةُ بِذَلِكَ، أَوْ4 أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لا يُفِيدُ الإِثْبَاتَ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ لَكِنْ5 يُفِيدُهُ بِالْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ, فَإِنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ الشَّرِيكِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلثُّبُوتِ6.
فَإِذَا قُلْتَ: لا شَرِيكَ لِفُلانٍ فِي كَرَمِهِ, اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ كَرِيمًا, وَأَيْضًا فَالْقَرَائِنُ تَقْتَضِي الإِثْبَاتَ؛ لأَنَّ كُلَّ مُتَلَفِّظٍ7 بِهَا ظَاهِرُ قَصْدِهِ إثْبَاتُهُ8 وَاحِدًا9 لا التَّعْطِيلُ.
__________
1 انظر: نهاية السول 2/124، مختصر ابن الحاجب 2/143، مناهج العقول 2/122.
2 هذا حديث صحيح متواتر، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والشافعي وأحمد والدارمي وغيرهم عن خمسة عشر صحابياًَ.
"انظر: صحيح البخاري 1/167 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 1/206، سنن أبي داود 1/356، تحفة الأحوذي 7/339، سنن النسائي 5/11، سنن ابن ماجه 1/27، بدائع المنن 2/95، مسند أحمد 2/314، سنن الدارمي 2/218، فيض القدير 2/189، الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة للسيوطي ص 6".
3 في د ز ض: شركة.
4 في ب:
و5 في ع: لكنه.
6 انظر: مناهج العقول 2/121، نهاية السول 2/123، فواتح الرحموت 1/230.
7 في ض: به، وساقطة من ب.
8 في ز: إثبات.
9 في ش: إنها واحداً.(3/331)
وَرَدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ عُلِّقَ بِهَا بِمُجَرَّدِهَا, فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهَا تَدُلُّ بِلَفْظِهَا دُونَ شَيْءٍ زَائِدٍ.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الإِلْمَامِ: كُلُّ هَذَا عِنْدِي تَشْغِيبٌ وَمُرَاوِغَاتٌ جَدَلِيَّةٌ, وَالشَّرْعُ خَاطَبَ النَّاسَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَأَمَرَهُمْ بِهَا لإِثْبَاتِ1 مَقْصُودِ التَّوْحِيدِ, وَحَصَلَ الْفَهْمُ لِذَلِكَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لأَمْرٍ2 زَائِدٍ، وَلَوْ كَانَ وَضْعُ اللَّفْظِ لا يَقْتَضِي ذَلِكَ، لَكَانَ أَهَمَّ الْمُهِمَّاتِ: أَنْ يُعَلِّمَنَا الشَّارِعُ مَا يَقْتَضِيهِ بِالْوَضْعِ مِنْ الاحْتِيَاجِ إلَى أَمْرٍ آخَرَ, فَإِنَّ ذَلِكَ3 هُوَ الْمَقْصُودُ الأَعْظَمُ فِي الإِسْلامِ4. اهـ.
وَمِنْ أَدِلَّةِ الْجُمْهُورِ أَيْضًا: قَوْله تَعَالَى: {فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إلاَّ عَذَابًا} 5 وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَأَمَّا أَدِلَّةُ الْحَنَفِيَّةِ، فَمِنْ أَعْظَمِهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَلَزِمَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صَلاةَ إلاَّ بِطُهُورٍ" أَنَّ مَنْ تَطَهَّرَ يَكُونُ مُصَلِّيًا، أَوْ تَصِحُّ صَلاتُهُ وَإِنْ فَقَدَ بَقِيَّةَ الشُّرُوطِ6.
وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُطْلَقٌ يَصْدُقُ بِصُورَةِ مَا لَوْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى, فَيَحْصُلَ الإِثْبَاتُ لا أَنَّهُ عَامٌّ، حَتَّى يَكُونَ كُلُّ مُتَطَهِّرٍ مُصَلِّيًا, فَهُوَ اسْتِثْنَاءُ شَرْطٍ أَيْ
__________
1 في ع: كإثبات.
2 في ع: إلى أمرٍ
3 ساقطة من ز ع ض ب.
4 انظر: إرشاد الفحول ص150.
5 الآية 30 من النبأ.
6 انظر: مناهج العقول 2/121، المحصول جـ1 ق3/58، الإحكام للآمدي 2/308، فواتح الرحموت 1/328، ومابعدها، مختصر ابن الحاجب 2/143، نهاية السول 2/123، فتح الغفار 2/126، تيسير التحرير 1/295، التوضيح على التنقيح 2/290.(3/332)
لا صَلاةَ إلاَّ بِشَرْطِ الطَّهَارَةِ, وَمَعْلُومٌ: أَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ لا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ1.
وَأَيْضًا: فَالْمَقْصُودُ الْمُبَالَغَةُ فِي هَذَا الشَّرْطِ دُونَ, سَائِرِ2 الشُّرُوطِ؛ لأَنَّهُ آكَدُ, فَكَأَنَّهُ لا شَرْطَ غَيْرُهُ؛ 3لا أَنَّ الْمَقْصُودَ: نَفْيُ جَمِيعِ الصِّفَاتِ4.
وَأَيْضًا: فَقَدْ قِيلَ: الاسْتِثْنَاءُ فِيهِ مُنْقَطِعٌ, وَلَيْسَ الْكَلامُ فِيهِ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ5.
عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ لا يُعْرَفُ، إنَّمَا الْمَعْرُوفُ: "لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ6, لَكِنْ فِي ابْنِ مَاجَهْ: "لا تُقْبَلُ صَلاةٌ إلاَّ بِطُهُورٍ" 7 وَلَوْ مَثَّلُوا بِحَدِيثِ: "لا صَلاةَ إلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ" الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ8
__________
1 انظر: فواتح الرحموت 1/329، التلويح على التوضيح 2/292، مختصر ابن الحاجب 2/143، مناهج العقول 2/121، الإحكام للآمدي 2/308، إرشاد الفحول ص150.
2 في ش: المبالغة في سائر.
3 في ش ع: لأن.
4 انظر: مناهج العقول2/121، التبصرة ص 203، فواتح الرحموت 1/329، نهاية السول 2/123، مختصر ابن الحاجب 2/143.
5 أي ضعف ابن الحاجب هذا الجواب على دليل الحنفية، وقال: "القول بأنه منقطع بعيد، لأن هذا استثناء مفرغ، والمفرغ من تمام الكلام، بخلاف المنقطع" "مختصر ابن الحاجب2/143".
"وانظر: مناهج العقول 2/121، نهاية السول 2/124، فواتح الرحموت 1/329".
6 صحيح مسلم 1/204.
ومر تخريج هذا الحديث كاملاً في "المجلد الأول ص 299".
7 سنن ابن ماجه 1/100.
8 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدار مي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" ورواه أحمد والترمذي بلفظ: "لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب".
"انظر: صحيح البخاري 2/106 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 4/100، مسند أحمد 2/241،478؟، سنن أبي داود 1/188، تحفة الأحوذي 2/59، سنن النسائي 2/106، سنن ابن ماجه1/273، سنن الدارمي 1/283، التلخيص الحبير 1/230، نصب الراية 1/363، الفتح الكبير 3/345، سنن الدارقطني 1/321".(3/333)
لَكَانَ1 أَجْوَدَ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ مُوَافِقٌ2 لِقَوْلِ نُحَاةِ الْكُوفَةِ3, وَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ مُوَافِقٌ4 لِقَوْلِ سِيبَوَيْهِ5, وَبَقِيَّةِ الْبَصْرِيِّينَ6.
َمَحِلُّ الْخِلافِ فِي الاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ؛ لأَنَّهُ فِيهِ إخْرَاجٌ, أَمَّا الْمُنْقَطِعُ فَالظَّاهِرُ7: أَنَّ مَا بَعْدَ "إلاَّ " فِيهِ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِضِدِّ الْحُكْمِ السَّابِقِ, فَإِنَّ مَسَاقَهُ هُوَ الْحُكْمُ بِذَلِكَ8, فَنَحْوُ, قَوْله تَعَالَى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ} 9 الْمُرَادُ: أَنَّ لَهُمْ بِهِ اتِّبَاعَ الظَّنِّ لا الْعِلْمَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الظَّنُّ دَاخِلاً فِي الْعِلْمِ. وَقِسْ عَلَيْهِ.
وَحَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، وَمِنْ الإِثْبَاتِ نَفْيٌ تَرَتَّبَ10 عَلَيْهِمَا تَعَدُّدُ الاسْتِثْنَاءِ11.
__________
1 في ض: كان.
2 في ب: موافقة.
3 في ع: أهل الكوفة.
4 في ب: موافقة.
5 في ش: نحاة سيبويه.
6 انظر: المساعد على التسهيل 1/548
7 في ض: فالظهار، وفي ب: فلإظهار.
8 في ش: الثابت لك.
9 الآية 157 من النساء.
10 في ش: يترتب.
11 وهو صحيح حملاً للكلام على الصحة.
"انظر: التمهيد ص 119، نهاية السول 2/124، المحصول جـ1ق3/60، القواعد والفوائد الأصولية ص254".(3/334)
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ أَحْوَالاً:
أَحَدُهَا: نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ1 عَشَرَةٌ إلاَّ تِسْعَةً إلاَّ ثَمَانِيَةً إلاَّ سَبْعَةً إلاَّ سِتَّةً إلاَّ خَمْسَةً إلاَّ أَرْبَعَةً إلاَّ ثَلاثَةً إلاَّ اثْنَيْنِ2 إلاَّ وَاحِدًا3, وَلاسْتِخْرَاجِ الْحُكْمِ مِنْ ذَلِكَ طُرُقٌ:
إحداها4: طَرِيقَةُ الإِخْرَاجِ. وَجَبْرُ الْبَاقِي بِالاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي, فَنَقُولُ5: لَمَّا أَخْرَجَ6 تِسْعَةً بِالاسْتِثْنَاءِ الأَوَّلِ جَبَرَ مَا بَقِيَ وَهُوَ وَاحِدٌ بِالاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي, وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ فَصَارَ تِسْعَةً، ثُمَّ أَخْرَجَ7 بِالاسْتِثْنَاءِ الثَّالِثِ سَبْعَةً, بَقِيَ اثْنَانِ، فَجَبَرَهُ بِالرَّابِعِ وَهُوَ سِتَّةٌ فَصَارَ ثَمَانِيَةً، ثُمَّ أَخْرَجَ8 بِالْخَامِسِ خَمْسَةً, فَبَقِيَ ثَلاثَةٌ, فَجَبَرَ بِالسَّادِسِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ, فَصَارَ سَبْعَةً، ثُمَّ أَخْرَجَ9 بِالسَّابِعِ10 ثَلاثَةً, فَبَقِيَ أَرْبَعَةٌ فَجَبَرَ بِالثَّامِنِ وَهُوَ اثْنَانِ فَصَارَ الْبَاقِي سِتَّةً وَأَخْرَجَ11 مِنْهُ بِالاسْتِثْنَاءِ التَّاسِعِ وَاحِدًا12فَصَارَ الْمُقَرُّ بِهِ خَمْسَةً13.
الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَحُطَّ14 الآخَرَ مِمَّا يَلِيهِ، وَهَكَذَا إلَى15 الأَوَّلِ
__________
1 ساقطة من ش
2 في ع: اثنان.
3 في ش: واحد.
4 في ش ض ب: أحدها.
5 في ع: فتقول.
6 في ز ض ع: خرج.
7 في ز ض ع: خرج.
8 في ز ض ع: خرج
9 في ز ض ع: خرج.
10 في ض: التاسع.
11 في ع: وخرج.
12 في ز: واحد، وفي ض: واحد واحد، وفي ب. وهو واحد.
13انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 245، مناهج العقول 2/125، شرح تنقيح الفصول ص 256، المحلي على جمع الجوامع 2/17، المساعد 1/577.
14 في ض ع ب: يحط.
15 في ش: إلا.(3/335)
فَتَحُطَّ1 وَاحِدًا2 مِنْ اثْنَيْنِ، يَبْقَى وَاحِدٌ، تَحُطَّهُ3 مِنْ ثَلاثَةٍ يَبْقَى اثْنَانِ، تَحُطَّهُمَا4 مِنْ أَرْبَعَةٍ يَبْقَى اثْنَانِ، تَحُطَّهُمَا5 مِنْ خَمْسَةٍ يَبْقَى ثَلاثَةٌ تَحُطّهُمَا6 مِنْ سِتَّةٍ يَبْقَى7 ثَلاثَةٌ، تَحُطَّهَا8 مِنْ سَبْعَةٍ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ، تَحُطَّهَا9 مِنْ ثَمَانِيَةٍ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ، تَحُطَّهَا10 مِنْ تِسْعَةٍ يَبْقَى خَمْسَةٌ، تَحُطَّهَا11 مِنْ عَشَرَةٍ يَبْقَى الْمُقَرُّ بِهِ خَمْسَةٌ12.
الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ وَتْرٍ مِنْ الاسْتِثْنَاءاتِ خَارِجًا وَكُلَّ شَفْعٍ مَعَ الأَصْلِ دَاخِلاً فِي الْحُكْمِ, فَمَا اجْتَمَعَ فَهُوَ الْحَاصِلُ, فَيَسْقُطَ مَا اجْتَمَعَ مِنْ الْخَارِجِ مِمَّا اجْتَمَعَ مِنْ الدَّاخِلِ فَهُوَ الْجَوَابُ.
فَالْعَشَرَةُ وَالثَّمَانِيَةُ وَالسِّتَّةُ وَالأَرْبَعَةُ وَالاثْنَانِ: ثَلاثُونَ هِيَ الْمُخْرَجُ مِنْهَا وَالتِّسْعَةُ وَالسَّبْعَةُ13 وَالْخَمْسَةُ وَالثَّلاثَةُ وَالْوَاحِدُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ: هِيَ الْمُخْرَجَةُ, يَبْقَى خَمْسَةٌ.
وَلَهُمْ طُرُقٌ غَيْرُ ذَلِكَ يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهَا14.
__________
1 في ب: فيحط.
2 في ض: واحد.
3 في ش: فحطه.
4 في ش: فحطهما.
5 في ش: فحطهما.
6 في ش: فحطهما.
7 في ب: تبقى.
8 في ش: فحطها
9 في ش: فحطها
10 ش: فحطها
11 في ش: فحطها
12 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص255، شرح تنقيح الفصول ص256، المساعد 1/577.
13 ساقطة من ع.
14 انظر: شرح تنقيح الفصول ص256، القواعد والفوائد الأصولية ص 254، المساعد 1/576(3/336)
وَاسْتَثْنَى الْقَرَافِيُّ الشَّرْطَ, فَقَالَ فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ1: قَوْلُ الْعُلَمَاءِ الاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، لَيْسَ عَلَى إطْلاقِهِ، لأَنَّ الاسْتِثْنَاءَ يَقَعُ فِي الأَحْكَامِ، نَحْوَ قَامَ الْقَوْمُ إلاَّ زَيْدًا, وَمِنْ الْمَوَانِعِ، نَحْوُ لا تَسْقُطُ الصَّلاةُ عَنْ الْمَرْأَةِ إلاَّ بِالْحَيْضِ، وَمِنْ الشُّرُوطِ، نَحْوُ "لا صَلاةَ إلاَّ بِطُهُورٍ" , فَالاسْتِثْنَاءُ مِنْ الشُّرُوطِ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلامِ الْعُلَمَاءِ, فَإِنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالنَّفْيِ لأَجْلِ عَدَمِ الشَّرْطِ أَنْ يَقْضِيَ بِالْوُجُودِ لأَجْلِ وُجُودِ الشَّرْطِ، لِمَا عُلِمَ2 مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ لا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَلا الْعَدَمُ.
فَقَوْلُهُمْ3: الاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ: مُخْتَصٌّ4 بِمَا عَدَا الشَّرْطَ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ. وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةُ يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ شُبْهَةِ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّ النُّقُوضَ5 الَّتِي أَلْزَمُونَا بِهَا كُلَّهَا مِنْ بَابِ الشُّرُوطِ6, وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ صُوَرِ النِّزَاعِ فَلا تَلْزَمُنَا7. اهـ.
"وَإِذَا عُطِفَ" اسْتِثْنَاءٌ "عَلَى" اسْتِثْنَاءٍ "مِثْلِهِ أُضِيفَ إلَيْهِ" أَيْ أُضِيفَ الثَّانِي إلَى الأَوَّلِ, فَعَشَرَةٌ إلاَّ ثَلاثَةً وَإِلاَّ اثْنَيْنِ8 كَعَشَرَةٍ إلاَّ خَمْسَةً. وَأَنْتِ طَالِقٌ إلاَّ ثَلاثًا9 إلاَّ وَاحِدَةً وَإِلاَّ وَاحِدَةً، يَلْغُو الثَّانِي إنْ بَطَلَ اسْتِثْنَاءُ الأَكْثَرِ، وَإِلاَّ وَقَعَ وَاحِدَةٌ, فَيَرْجِعُ الْكُلُّ الْمُتَعَاطِفُ إلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، حَمْلاً لِلْكَلامِ عَلَى الصِّحَّةِ
__________
1 شرح تنقيح الفصول ص 248، وانظر نفس المرجع ص 256
2 في "شرح تنقيح الفصول": تقدم
3 في"شرح تنقيح الفصول": فقول العلماء.
4 في"شرح تنقيح الفصول": يختص.
5 في"شرح تنقيح الفصول": النصوص
6 في ب: الشرط
7 شرح تنقيح الفصول ص 248
8 في ض: والاثنين
9 في ش: إلا ثلاثاً(3/337)
مَا أَمْكَنَ. فَإِنَّ عَوْدَ كُلٍّ لِمَا يَلِيهِ قَدْ تَعَذَّرَ بِانْفِصَالِهِ بِأَدَاةِ الْعَطْفِ1.
هَذَا إذَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ عَوْدِ الْكُلِّ الاسْتِغْرَاقُ, أَوْ2 الأَكْثَرُ عَلَى الصَّحِيحِ.
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْطَفْ "فَ" هُوَ "اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الاسْتِثْنَاءِ3 وَيَصِحُّ" قَالَهُ4 بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ مَنْعَهُ5.
فَعَلَى الصِّحَّةِ6 لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلاَّ ثَلاثَةً إلاَّ دِرْهَمًا, يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ؛ لأَنَّ الاسْتِثْنَاءَ مِنْ الإِثْبَاتِ نَفْيٌ, وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلاثًا إلاَّ وَاحِدَةً إلاَّ وَاحِدَةً, فَيَقَعَ اثْنَتَانِ، وَيَلْغُوَ قَوْلُهُ: إلاَّ وَاحِدَةً, الثَّانِيَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
وَقِيلَ: لا يَلْغُو, فَيَقَعَ ثَلاثٌ7؛ لأَنَّ الاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ.
وَاسْتُدِلَّ لِجَوَازِ الاسْتِثْنَاءِ مِنْ الاسْتِثْنَاءِ بِقَوْله تَعَالَى: {إلاَّ آلَ لُوطٍ إنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إنَّهَا لَمِنْ الْغَابِرِينَ} 8
__________
1 انظر: مناهج العقول 2/112، جمع الجوامع 2/16، المحصول جـ1ق3/60، نهاية السول 2/124، شرح تنقيح الفصول ص254
2 في ش: و.
3 في ش ز: استثناء
4 في ز ع ض ب: قال
5 قال الجمهور بصحة الاستثناء الثاني من الاستثناء الأول، ويكون مستثنى منه، وتطبيق القاعدة السابقة، وهي أن الاستثناء في النفي إثبات، ومن الإثبات نفي، وهذا مذهب البصريين والكسائي، وقال بعض النحويين تعود المستثنيات بها إلى المذكور أولاً.
"انظر: المسودة ص 154، المساعد 1/577، القواعد والفوائد الأصولية ص 253، نهاية السول 2/125، الإحكام للآمدي 2/288، جمع الجوامع 2/16،17، مناهج العقول 2/123، العدة 2/666".
6 ساقطة من ض.
7 في ع: ثلاثاً.
8 الآيتان 59، 60من الحجر، وفي ب ز ع ض: "إلا امرأته الآية".
"وانظر 2/666، الإحكام للآمدي 2/288، القواعد والفوائد الأصولية ص 253".(3/338)
وَعَلَّلَ الْقَائِلُونَ بِالْمَنْعِ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ بِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الاسْتِثْنَاءِ الْفِعْلُ الأَوَّلُ بِتَقْوِيَةِ حَرْفِ الاسْتِثْنَاءِ, وَالْعَامِلُ لا يَعْمَلُ فِي مَعْمُولِينَ.
وَأَجَابُوا عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {إنَّا أُرْسِلْنَا إلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إلاَّ آلَ لُوطٍ إنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إلاَّ امْرَأَتَهُ} 1 قَدَّرْنَا بِأَنَّ2 الاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ، وَ3هُوَ "إلاَّ امْرَأَتَهُ" إنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِهِ "أَجْمَعِينَ" وَاَللَّهُ أَعْلَمُ4.
__________
1 الآيات 58، 59، 60 من الحجر
2 في ش: بألا
3 ساقطة من ب.
4 ساقطة من ز ض ع ب.(3/339)
فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْمُخَصَّصِ الْمُتَّصِلِ 1 الشَّرْطُ 2:
"وَيَخْتَصُّ" الشَّرْطُ "اللُّغَوِيُّ مِنْهُ" أَيْ مِنْ الشَّرْطِ الْمُطْلَقِ "بِكَوْنِهِ" أَيْ بِكَوْنِ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ "مُخَصَّصًا"3 قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ، فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ: الشَّرْطُ ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ، ثُمَّ قَالَ: الثَّانِي اللُّغَوِيُّ, وَالْمُرَادُ بِهِ صِيَغُ التَّعْلِيقِ "بِإِنْ" وَنَحْوِهَا4, وَهُوَ مَا يُذْكَرُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فِي الْمُخَصَّصَاتِ لِلْعُمُومِ نَحْوُ "قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} 5, وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ6 فِي الْفِقْهِ7: الْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ, وَالطَّلاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ8.
__________
1 ساقطة من ش
2 في ش: "الشرط" من المخصص المتصل.
3 انظر هذه المسألة في "نهاية السول 2/131، نزهة الخاطر 2/190، شرح الورقات ص 108، المعتمد 1/259، العضد على ابن الحاجب 2/132، 145، المستصفى 2/181، 205، المحلي على جمع الجوامع 2/22، مناهج العقول 2/112،130، الروضة 2/259، تيسير التحرير 1/280، التلويح على التوضيح 2/36، إرشاد الفحول ص 153"
4 أدوات الشرط هي: إن "المخففة"، وإذا، ومن، وما، ومهما، وحيثما، وأينما، وإذ، ما، والأولى حرف وهي أم صيغ الشرط، وما عداها أسماء, "انظر: الإحكام للآمدي 2/309"
5 الآية 6 من الطلاق.
6 في ش: قوله.
7 في ض: اللغة.
8 انظر أنواع الشرط، وتعريف كل نوع في "المجلد الأول ص 452 وما بعدها".
"وانظر: مختصر ابن الحاجب 2/145، المحصول جـ1ق3/89، الإحكام للآمدي 2/309، المستصفى 2/180 وما بعدها، 205، المحلي على جمع الجوامع 2/21، فواتح الرحموت 1/339، 341، تيسير التحرير 1/280، إرشاد الفحول ص 153".(3/340)
وَهَذَا -كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ- يَرْجِعُ إلَى كَوْنِهِ سَبَبًا، حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ1, وَوَهَمَ مَنْ فَسَّرَهُ هُنَاكَ بِتَفْسِيرِ الشَّرْطِ الْمُقَابِلِ لِلسَّبَبِ وَالْمَانِعِ، كَمَا وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنْ الأُصُولِيِّينَ كَالطُّوفِيِّ2 فَجَعَلَ3 الْمُخَصَّصَ هُنَا مِنْ الشَّرْطِ4 اللُّغَوِيِّ, وَوَهَمَ مَنْ قَالَ غَيْرَهُ5.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَظَاهِرُ6 كَلامِ ابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ وَابْنِ مُفْلِحٍ: أَنَّ الْمَحْدُودَ7 فِي الْمُخَصَّصَاتِ يَشْمَلُ8 الشُّرُوطَ الثَّلاثَةَ فَإِنْ9 قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ قَالَ10 -لَمَّا ذُكِرَ حَدُّ الْمُوَفَّقِ وَالْغَزَالِيِّ- وَلا يَمْنَعُ لُزُومُ الدُّورِ بِحَمْلِ الشَّرْطِ عَلَى اللُّغَوِيِّ؛ إذْ الْمَحْدُودُ هُوَ الشَّرْطُ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْعَقْلِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَاللُّغَوِيِّ وَالْعَادِيِّ11.
قُلْت: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ: تَمْثِيلُهُمْ بِذَلِكَ12 1هـ.
__________
1 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 85، 261، 262، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/145، جمع الجوامع 2/20، إرشاد الفحول ص 153.
2 ساقطة من ش ز.
3 في ع: في جعل.
4 ساقطة من ش ع.
5 انظر: مختصر الطوفي ص22،113، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/145، التلويح على التوضيح 2/38.
6 في ض: وهو ظاهر.
7 في ش: الحدود.
8 في ش: تشمل.
9 في ش: قال.
10 ساقطة من ش.
11 ساقطة من ش ز.
12 انظر: الروضة 2/259(3/341)
"وَهُوَ" أَيْ الشَّرْطُ "مُخْرَجٌ مَا لَوْلاهُ" أَيْ لَوْلا الشَّرْطُ "لَدَخَلَ" ذَلِكَ الْمُخْرَجُ, نَحْوُ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ دَخَلُوا, فَيَقْصُرَهُ الشَّرْطُ عَلَى مَنْ دَخَلَ1.
"وَيَتَّحِدُ" الشَّرْطُ2، مِثْلُ إنْ دَخَلَ زَيْدٌ الدَّارَ فَأُكْرِمْهُ، 3أَوْ فَأَكْرِمْهُ وَأَعْطِهِ، أَوْ فَأَكْرِمْهُ أَوْ أَعْطِهِ.
"وَيَتَعَدَّدُ" الشَّرْطُ "عَلَى الْجَمْعِ4" مِثْلُ إنْ دَخَلَ زَيْدٌ الدَّارَ وَ5السُّوقَ فأكرمه6.
"وَ"يَتَعَدَّدُ الشَّرْطُ عَلَى "الْبَدَلِ" مِثْلُ إنْ دَخَلَ زَيْدٌ الدَّارَ أَوْ السُّوقَ.
فَهَذِهِ "ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ كُلٌّ مِنْهَا" أَيْ مِنْ الأَقْسَامِ "مَعَ الْجَزَاءِ كَذَلِكَ" أَيْ كَالشَّرْطِ7، يَعْنِي أَنَّ الْجَزَاءَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّحِدًا، أَوْ8 مُتَعَدِّدًا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ، أَوْ9 مُتَعَدِّدًا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ, كَمَا مَثَّلْنَا, فَتَكُونَ الأَقْسَامُ تِسْعَةً مِنْ ضَرْبِ ثَلاثَةٍ فِي ثَلاثَةٍ10
__________
1 انظر: مختصر البعلي ص121، الإحكام للآمدي 2/310، المستصفى 2/205.
2 في ب: أي الشرط.
3 ساقطة من ز د.
4 في ب: الجميع.
5 في ب: أو.
6 ساقطة من ش ز ض ع ب.
7 في ض: الشرط.
8 في ض: و.
9 ساقطة من ض.
10 هذا تقسيم للشرط والمشروط باعتبار التعدد والاتحاد.
"انظر: العضد على ابن الحاجب 2/146، المحصول جـ1ق3/94، الإحكام للآمدي 2/310، المستصفى 2/206، نهاية السول 2/134، المعتمد 1/259، مختصر ابن الحاجب 2/145، مناهج العقول 2/133، فواتح الرحموت 1/342، تيسير التحرير 1/280، إرشاد الفحول ص153".(3/342)
"وَيَتَقَدَّمُ" الشَّرْطُ "عَلَى الْجَزَاءِ لَفْظًا" أَيْ فِي اللَّفْظِ "لِتَقَدُّمِهِ" أَيْ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ عَلَى الْجَزَاءِ "فِي الْوُجُودِ طَبْعًا" لأَنَّ الْجَزَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ شَيْءٍ يُجَازَى عَلَيْهِ1.
"وَمَا ظَاهِرُهُ" أَيْ تَرْكِيبُ ظَاهِرِهِ "أَنَّهُ" أَيْ أَنَّ الشَّرْطَ "مُؤَخَّرٌ" فِيهِ عَنْ الْجَزَاءِ "الْجَزَاءُ2 فِيهِ مَحْذُوفٌ قَامَ مَقَامَهُ, وَدَلَّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ" فَقَوْلُ الْقَائِلِ: أَكْرَمْتُكَ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ, خَبَرٌ, وَالْجَزَاءُ مَحْذُوفٌ مُرَاعَاةً لِتَقَدُّمِ الشَّرْطِ, كَتَقَدُّمِ الاسْتِفْهَامِ وَالْقَسَمِ3.
قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي التَّسْهِيلِ: لأَدَاةِ الشَّرْطِ صَدْرُ الْكَلامِ, فَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهَا سَبَبُهُ4 فَالْجَوَابُ5 مَعْنًى, فَهُوَ دَلِيلُ الْجَوَابِ وَلَيْسَ إيَّاهُ، خِلافًا لِلْكُوفِيِّينَ وَالْمُبَرِّدِ وَأَبِي6 زَيْدٍ7.
__________
1إن الشرط يتقدم في المعنى فيكون متقدماً في اللفظ، قال القرافي: "وهو معنى قوله: متقدم في الطبع فيقدم في الوضع" "شرح تنقيح الفصول ص 265".
"وانظر: المحصول جـ1 ق3/97، شرح تنقيح الفصول ص264، الإحكام للآمدي 2/311، شرح الورقات ص111، المعتمد 1/260"
2 في ش: والجزاء
3 قال الشيرازي: "يجوز أن يتقدم الشرط في اللفظ، ويجوز أن يتأخر، كما يجوز في الاستثناء" "اللمع ص25".
وقال الفخر الرازي: "لا نزاع في جواز تقديم الشرط وتأخيره، وإنما النزاع في الأولى، ويشبه أن يكون هو التقديم خلافاً للفراء" "المحصول جـ1 ق3/97".
"وانظر: شرح تنقيح الفصول ص214، 264، المعتمد 1/268، مختصر ابن الحاجب 2/146، الإحكام للآمدي 2/311، فواتح الرحموت 1/342"
4 في ع: شبيه
5 في ش: فالجواب
6 في ش: ابن، وفي د: ابن أبي
7 هو سعيد بن أوس بن ثابت، الأنصاري الخزرجي، قال المبرد: كان أبو زيد عالماً(3/343)
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ: إنْ عَنَوْا أَنَّ الْمُقَدَّمَ لَيْسَ بِجَزَاءٍ لِلشَّرْطِ1 فِي اللَّفْظِ2 وَإِنْ عَنَوْا أَنَّهُ لَيْسَ بِجَزَاءٍ3 لِلشَّرْطِ لا لَفْظًا وَلا مَعْنًى, فَهُوَ عِنَادٌ4، لأَنَّ الإِكْرَامَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدُّخُولِ، فَيَتَأَخَّرُ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى, فَيَكُونُ جَزَاءً لَهُ مَعْنًى.
قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُتَقَدِّمُ -أَيْ أَكْرَمْتُك5- جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ دُونَ الْمَعْنَى: رُوعِيَتْ الشَّائِبَتَانِ فِيهِ، أَيْ شَائِبَةُ الاسْتِقْلالِ6 مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، فَحُكِمَ بِكَوْنِهِ جَزَاءً، وَشَائِبَةُ عَدَمِ الاسْتِقْلالِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَحُكِمَ بِأَنَّ الْجَزَاءَ مَحْذُوفٌ، لِكَوْنِهِ مَذْكُورًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى7.انْتَهَى.
"وَيَصِحُّ إخْرَاجُ الأَكْثَرِ" مِنْ الْبَاقِي "بِهِ" أَيْ بِالشَّرْطِ8.
__________
بالنحو، ولم يكن مثل الخليل وسيبويه، وهو من أئمة الأدب، وغلبت عليه اللغة والنوادر والغريب، كان الثوري يقول عن ابن مناذر: الأصمعي. أحفظ الناس، وأبو عبيدة أجمعهم، وأبو زيد الأنصاري أوثقهم، وكان يقال له: أبو زيد النحوي، وله مصنفات كثيرة ومفيدة، منها: "المصادر" و"الإبل" و"خلق الإنسان" و"اللغات" و"النوادر" و"الجمع والتثنية" و "بيوتات العرب" وغيرها، عمر كثيراً، وتفي سنة 215هـ بالبصرة، وقيل غير ذلك، وكان يرى رأي القدرية.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 2/120، الفهرست لابن نديم ص 81، طبقات القراء 1/305، المعارف ص545، إنباه الرواة 2/30، تاريخ بغداد 9/77، شذرات الذهب 2/34، مرآة الجنان 2/58، النجوم الزاهرة 2/210، الأعلام للزركلي 3/144"
1 في ب: الشرط
2 في ش: لا لفظاً ولا معنى، فهو عناد، لأن في اللفظ الإكرام يتوقف
3في ب: الشرط
4 مختصر ابن الحاجب 2/146
5 ساقطة من ب ض هنا، ثم ذكرت بعد كلمتين
6 ساقطة من ض
7 مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/146
8انظر: جمع الجوامع 2/23، شرح تنقيح الفصول ص264، 265، نهاية السول 2/134، إرشاد الفحول ص153.(3/344)
قَالَ فِي الْمَحْصُولِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَحْسُنُ التَّقْيِيدُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مِنْهُ1 أَكْثَرَ مِنْ الْبَاقِي، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فِي الاسْتِثْنَاءِ2 اهـ.
فَلَوْ قَالَ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ كَانُوا عُلَمَاءَ، خَرَجَ جُهَّالُهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ3.
"وَهُوَ" أَيْ الشَّرْطُ "فِي اتِّصَالٍ بِمَشْرُوطٍ، وَ" فِي "تَعَقُّبِ4 جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ: كَاسْتِثْنَاءٍ" يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الشَّرْطِ. بِالْمَشْرُوطِ5، كَمَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الاسْتِثْنَاءِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، لَكِنَّ قَوْلَهُ "إنْ شَاءَ اللَّهُ" يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً، وَأَنَّ الشَّرْطَ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلاً مُتَعَاطِفَةً عَادَ إلَى الْكُلِّ عِنْدَ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ6.
وَحَكَى الْغَزَالِيُّ عَدَمَ عَوْدِهِ لِلْجَمِيعِ عَنْ الأَشْعَرِيَّةِ7.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ هُوَ أَوْلَى بِالْعَوْدِ إلَى الْكُلِّ مِنْ الاسْتِثْنَاءِ، بِدَلِيلِ مُوَافَقَةِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ, مِثَالُهُ: أَكْرِمْ قُرَيْشًا وَأَعْطِ تَمِيمًا إنْ نَزَلُوا بِكَذَا8.
__________
1ساقطة من ز، ومن "المحصول"
2 المحصول جـ 1ق3/97
3انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/23
4 في ع: تعقيب
5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 214، 264، 265، المحصول جـ1 ق3/97، مختصر ابن الحاجب 2/146، الإحكام للآمدي 2/311، جمع الجوامع 2/22، إرشاد الفحول ص153.
6 انظر: الإحكام للآمدي 2/311، المحصول جـ1 ق3/96، جمع الجوامع 2/22، العضد على ابن الحاجب 2/146، شرح تنقيح الفصول ص214، 264، المعتمد1/264، نهاية السول 2/129، اللمع ص 25، فواتح الرحموت 1/342، تيسير التحرير 1/281، مختصر البعلي ص 121، القواعد والفوائد الأصولية ص 260، التمهيد ص 121، الإحكام للآمدي 2/311
7 وحكاه في "المحصول" عن بعض الأدباء، واختار الرازي الوقف، وحكي عن أهل الظاهر.
"انظر: المحصول جـ1 ق3/96، التمهيد ص 120،121، القواعد والفوائد الأصولية ص 261، الإحكام للآمدي 2/311، المعتمد 1/264، إرشاد الفحول ص 153، شرح تنقيح الفصول ص 264".
8انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 260، شرح تنقيح الفصول ص 214، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/22، تيسير التحرير 1/281.(3/345)
"وَيَحْصُلُ مُعَلَّقٌ عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى شَرْطِ "عَقِبِهِ" أَيْ عَقِبِ وُجُودِ الشَّرْطِ1.
"وَ"يَحْصُلُ "عَقْدٌ" أَيْ تَرَتَّبَ أَثَرُهُ مِنْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا "عَقِبَ صِيغَةِ" ذَلِكَ الْعَقْدِ.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: هَلْ يَحْصُلُ الشَّرْطُ مَعَ الْمَشْرُوطِ أَوْ بَعْدَهُ؟ وَكَذَلِكَ قَوْلُك: بِعْتُكَ أَوْ2 وَهَبْتُكَ، هَلْ يَحْصُلُ مَعَ الْكَافِ أَوْ بَعْدَهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ, الأَكْثَرُونَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّهَا مَعَهَا, وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدِ السَّلامِ وَالثَّانِي بَعْدَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
قَاسَ3 الأَوَّلُونَ الشَّرْطَ عَلَى الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ, وَالتَّحْقِيقُ الْمَنْعُ فِيهِمَا، وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِي كَسْرَتِهِ فَانْكَسَرَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
قَالَ شَارِحُ التَّحْرِيرِ: قُلْتُ وَمَا صَحَّحَهُ هُوَ ظَاهِرُ كَلامِ الأَصْحَابِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلاقِ بِالشَّرْطِ4.
__________
1 انظر: نهاية السول 2/134، مناهج العقول 2/132، شرح تنقيح الفصول ص 263، المعتمد 1/260، المحصول جـ1 ق3/92 ومابعدها.
2 في ز:
و3 في ز: وقاس
4 في ع ب: بالشروط(3/346)
فصل المخصص المتصل الثالث الصفة
...
فصل المخصص الثالث الصفة:
"الثَّالِثُ" مِنْ الْمُخَصَّصِ الْمُتَّصِلِ "الصِّفَةُ" وَهُوَ1 مَا أَشْعَرَ بِمَعْنًى يَتَّصِفُ بِهِ أَفْرَادُ الْعَامِّ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَصْفُ نَعْتًا، أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ، أَوْ حَالاً، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مُفْرَدًا2 أَوْ جُمْلَةً أَوْ شِبْهِهَا3، وَهُوَ الظَّرْفُ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ4، وَلَوْ كَانَ جَامِدًا مُؤَوَّلاً بِمُشْتَقٍّ5، لَكِنْ يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَيُطْرَحَ مَفْهُومُهُ، كَمَا يَأْتِي فِي الْمَفَاهِيمِ6، أَوْ يُسَاقَ الْوَصْفُ لِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ أَوْ تَرَحُّمٍ أَوْ تَوْكِيدٍ أَوْ تَفْضِيلٍ7، فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مُخَصَّصًا لِلْعُمُومِ8.
مِثَالُ التَّخْصِيصِ بِالصِّفَةِ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ الدَّاخِلِينَ؛ فَيُقْصَرَ الإِكْرَامُ عَلَيْهِمْ9
__________
1 في ش: وهو
2 في ش ز: لمفرد
3 في ب: شبههما
4 انظر: تفصيل الكلام عن التخصيص بالحال والظرف والجار والمجرور والتمييز في "إرشاد الفحول ص 155"
5 انظر مسألة التخصيص بالصفة في"المحصول جـ1 ق 3/105، الإحكام للآمدي 2/312، المستصفى 2/204، جمع الجوامع 2/23، فواتح الرحموت 1/344، تيسير التحرير 1/382، التوضيح على التنقيح 2/31، العضد على ابن الحاجب 2/132،146، نهاية السول 2/135، المعتمد 1/257، شرح الورقات ص 109، مناهج العقول 2/112، 134، اللمع ص 25، مختصر البعلي ص 121، إرشاد الفحول ص 153"
6 في ش: المفهم
7 في ش: تفضيل
8 انظر: التلويح على التوضيح 2/32
9 انظر: مختصر البعلي ص 121، الإحكام للآمدي 2/312.(3/347)
"وَهِيَ" أَيْ الصِّفَةُ "كَاسْتِثْنَاءٍ فِي عَوْدٍ".
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالآمِدِيُّ وَجَمْعٌ1: هِيَ كَالاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَوْدِ كَمَا تَقَدَّمَ2.
"وَلَوْ تَقَدَّمَتْ" الصِّفَةُ، نَحْوَ وَقَفْتُ عَلَى مُحْتَاجِي أَوْلادِي وَأَوْلادِهِمْ فَتُشْتَرَطَ الْحَاجَةُ فِي أَوْلادِ الأَوْلادِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ الأَكْثَرُ3.
وَقِيلَ: تَخْتَصُّ4 بِمَا وَلِيَتْهُ إنْ. تَوَسَّطَتْ5.
قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: أَمَّا الْمُتَوَسِّطَةُ: فَالْمُخْتَارُ اخْتِصَاصُهَا بِمَا وَلِيَتْهُ6.
مِثَالُ ذَلِكَ: عَلَى أَوْلادِي الْمُحْتَاجِينَ وَأَوْلادِهِمْ.
قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ: لا نَعْلَمُ فِيهَا7 نَقْلاً، وَيَظْهَرُ اخْتِصَاصُهَا بِمَا وَلِيَتْهُ8.
__________
1 ساقطة من ب
2 صفحة 312 وما بعدها.
أي يجري فيه القولان السابقان بعودة التخصيص عند عدم القرنية إلى الجملة الأخيرة أو إلى الجميع.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/312، جمع الجوامع 2/23، نهاية السول 2/135، المعتمد 1/257، مختصر ابن الحاجب 2/146، المحصول جـ ق3/105، فواتح الرحموت 1/344، تيسير التحرير 1/282، مختصر البعلي ص 121، القواعد والفوائد الأصولية ص 262، التمهيد ص 123، 127، إرشاد الفحول ص 153"
3 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/23، التمهيد ص 123
4 في ش: يخص
5 في ش: تخصصت توسطت
6 جمع الجوامع 2/23.
وانظر: إرشاد الفحول ص 153
7 في ز: فيه
8 جمع الجوامع 2/23.(3/348)
فصل المخصص المتصل الرابع الغاية:
"الرَّابِعِ" مِنْ الْمُخَصَّصِ الْمُتَّصِلِ "الْغَايَةُ".
وَالْمُرَادُ بِهَا: أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَ اللَّفْظِ الْعَامِّ حَرْفٌ مِنْ أَحْرُفِ1 الْغَايَةِ، كَاللاَّمِ وَإِلَى وَحَتَّى2.
مِثَالُ اللاَّمِ: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} 3 أَيْ إلَى بَلَدٍ4, وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى: {بِأَنَّ رَبَّك أَوْحَى لَهَا} 5 أَيْ أَوْحَى إلَيْهَا, وَمِنْ ذَلِكَ "أَوْ" فِي قَوْلِهِ:
لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ6 أَوْ أُدْرِكَ الْمُنَى
أَيْ: إلَى أَنْ أُدْرِكَ الْمُنَى.
وَرُبَّمَا كَانَتْ " إلَى " بِمَعْنَى "مَعَ".
وَ "حَتَّى" لِلابْتِدَاءِ، نَحْوُ:
__________
1 في ب: حروف
2 انظر: نهاية السول 2/136، المحصول جـ1 ق3/102، العضد على ابن الحاجب 2/132، 146، الإحكام للآمدي 2/313، المستصفى 2/208، جمع الجوامع 2/23، فواتح الرحموت 1/343، تيسير التحرير 1/281، اللمع ص 27، مناهج العقول 2/112، 136، مختصر البعلي ص 121، القواعد والفوائد الأصولية ص 262، المعتمد 1/257، إرشاد الفحول ص 154
3 الآية 57 من الأعراف
4 ساقطة من ز ع ب
5 الآية من الزلزلة
6 هذا البيت يستشهد به النحاة، ولم ينسبه أحد من علماء اللغة والأدب والنوح إلى شاعر معين، وعجزه:
"فما انقادت الأيام إلا لصابر".
"انظر: شرح شذور الذهب 238، شرح ابن عقيل 2/346"(3/349)
حتَّى مَاءَ دِجْلَةَ أَشْكَلا1
وَمِثَالُ إلَى وَحَتَّى: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إلَى أَوْ حَتَّى أَنْ يَدْخُلُوا فَيُقْصَرَ عَلَى غَيْرِهِمْ2.
"وَهِيَ" أَيْ الْغَايَةُ "كَاسْتِثْنَاءٍ فِي اتِّصَالٍ وَعَوْدٍ" بَعْدَ الْجُمَلِ3 فَفِي 4نَحْوِ وَقَفْتُ5 عَلَى أَوْلادِي وَأَوْلادِ أَوْلادِي6 وَأَوْلادِ أَوْلادِ أَوْلادِي إلَى أَنْ يَسْتَغْنُوا تَعُودُ7 إلَى الْكُلِّ8.
__________
1 في ش: أشكل، وهي رواية ثانية للكلمة، وهذا عجز بيت، وصدره:
فما زالت القتلى تمج دماءها ... بدجلة حتى ماء دجلة أشكلا
وهذا البيت لجرير من قصيدة يهجو بها الأخطل، وأولها:
أجدك لايصحو الفؤاد المعلل ... وقد لاح من شيب عذار ومحل
وفيها:
لنا الفضل في الدنيا، وأنفك راغم ... ونحن لكم يوم القيامة أفضل
وجاء البيت في الديوان:
ومازالت القتلى تمور دماءها ... بدجلة حتى ماء دجلة أشكل
واستشهد بالبيت الزمخشري في "الكشاف" عند الآية 6 من سورة النساء في قوله تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ} حيث جعل ما بعد حتى غاية للابتداء، وهي التي تقع بعد الجمل، واستشهد به الأشموني, ومعنى تمج: تمور، والأشكل: الذي خالط بياضه حمرة.
"انظر: ديوان جرير ص 365، 267، الكشاف للزمخشري 1/501، 4/480"
2 انظر: الإحكام للآمدي 2/313، تيسير التحرير 1/281، مختصر البعلي ص121
3 أي أنها تعود إلى الجميع على قول الجمهور في الاستثناء، وعند الحنفية تعود للأخيرة.
"انظر: جمع الجوامع 2/23، فواتح الرحموت 1/343، مختصر ابن الحاجب 2/146، التمهيد ص 124، القواعد والفوائد الأصولية ص 262، مختصر البعلي ص 121"
4 في ش: نفي
5 في ب: اوقفت
6 في ب: أولاد
7 في ش ز: يعود
8 انظر: الإحكام للآمدي 2/313، التمهيد ص124، تيسير التحرير 2/282، إرشاد الفحول ص154.(3/350)
وَيَخْرُجُ الأَكْثَرُ1 بِهَا بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمُخْرَجِ أَقَلَّ مِنْ الْمُخْرَجِ.
وَمِنْ أَحْكَامِهَا: أَنَّ مَا بَعْدَهَا مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا، أَيْ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِنَقِيضِ حُكْمِهِ عِنْدَ الأَكْثَرِ2، لأَنَّ مَا بَعْدَهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ غَايَةً، بَلْ وَسَطًا بِلا فَائِدَةٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ} 3 فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ اللَّيْلِ دَاخِلاً قَطْعًا، وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ4.
وَ5قَالَ ابْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ: مُخَالِفٌ لِمَا بَعْدَهَا نُطْقًا.
وَقِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ مُخَالِفًا مُطْلَقًا6.
وَقِيلَ: مُخَالِفٌ لِمَا بَعْدَهَا إنْ كَانَ مَعَهَا "مِنْ" مِثَالِهِ: بِعْتُك مِنْ هَذَا إلَى هَذَا7.
وَقَالَ الرَّازِيّ: إنْ تَمَيَّزَ عَمَّا قَبْلَهُ بِالْحِسِّ لَمْ يَدْخُلْ وَإِلاَّ دَخَلَ, وَالْمُتَمَيِّزُ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ} 8 فَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ حِسًّا اسْتَمَرَّ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى مَا بَعْدَهَا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ} 9 فَإِنَّ الْمَرْفَقَ10
__________
1 في ش: الكل
2 انظر: نهاية السول 2/136، المحصول جـ1 ق3/102، اللمع ص 27، القواعد والفوائد الأصولية ص 262، مناهج العقول 2/126، إرشاد الفحول ص154.
3 الآية 187 من البقرة.
4 انظر: نهاية السول 2/136، 137، مناهج العقول 2/136.
5 ساقطة من ب ز
6 انظر: نهاية السول 2/137.
7 انظر: نهاية السول 2/137.
8 لآية 187 من البقرة.
9 الآية 6 من المائدة.
10 في ب: المرافق.(3/351)
غَيْرُ مُنْفَصِلٍ عَنْ الْيَدِ بِفَصْلٍ مَحْسُوسٍ1.
وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمَعْنَى عَيْنًا أَوْ وَقْتًا لَمْ يَدْخُلْ وَإِلاَّ دَخَلَ2، نَحْوُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} 3 لأَنَّ الْغَايَةَ هُنَا فِعْلٌ، وَالْفِعْلُ لا يُدْخِلُ نَفْسَهُ4 مَا لَمْ يُفْعَلْ، وَمَا لَمْ تُوجَدْ الْغَايَةُ لا يَنْتَهِي الْمُغَيَّا5, فَلا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ غَايَةُ النَّهْيِ لانْتِهَاءِ النَّهْيِ, فَيَبْقَى الْفِعْلُ دَاخِلاً فِي النَّهْيِ.
وَقِيلَ: لا تَدُلُّ الْغَايَةُ6 عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا مُخَالِفٌ وَلا مُوَافِقٌ، قَالَهُ الآمِدِيُّ7.
وَمَحِلُّ مَا تَقَدَّمَ: فِي غَايَةِ تَقَدُّمِهَا عُمُومٌ يَشْمَلُهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ الْغَايَةُ عُمُومٌ يَشْمَلُهَا، فَلا يَكُونُ مَا بَعْدَهَا مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهَا، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "إلاَّ فِي: قُطِعَتْ أَصَابِعُهُ8 كُلُّهَا مِنْ الْخِنْصَرِ إلَى الإِبْهَامِ وَنَحْوِهِ، فَلا" أَيْ فَلا يَكُونُ مَا بَعْدَهَا مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهَا، وَيَكُونُ الإِبْهَامُ دَاخِلاً قَطْعًا9.
قَالَ السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ10: قَوْلُ الأُصُولِيِّينَ إنَّ الْغَايَةَ مِنْ الْمُخَصَّصَاتِ
__________
1 المحصول جـ1 ق3/103.
وانظر: نهاية السول2/137، 138، مناهج العقول 2/136، إرشاد الفحول ص 154.
2 ساقطة من ب.
3 الآية 222من البقرة.
4 في ش: نفسه.
5 في ش: المعنى.
6 في ش ز ض ب: تدخل.
7الإحكام للآمدي 2/313.
وهناك أقوال أخرى ذكرها الشوكاني. "انظر: إرشاد الفحول ص154".
8 في ش: أصابعها.
9 انظر: جمع الجوامع 2/23، إرشاد الفحول ص154.
10 هو علي بن عبد الكافي، تقي الدين السبكي، والد تاج الدين السبكي صاحب"جمع الجوامع" ومرت ترجمة الوالد والابن.(3/352)
إنَّمَا1 هُوَ إذَا2 تَقَدَّمَهَا عُمُومٌ يَشْمَلُهَا لَوْ لَمْ يُؤْتَ بِهَا. نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} 3 فَلَوْلا الْغَايَةُ لَقَاتَلْنَا الْكُفَّارَ أَعْطَوْا أَوْ لَمْ يُعْطُوا4.
فَأَمَّا نَحْوُ "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ" وَلَوْ سَكَتَ عَنْ الْغَايَةِ لَمْ يَكُنْ الصَّبِيُّ شَامِلاً لِلْبَالِغِ، وَلا النَّائِمُ لِلْمُسْتَيْقِظِ، وَلا الْمَجْنُونُ لِلْمُفِيقِ فَذَكَرَ الْغَايَةَ فِي ذَلِكَ: إمَّا تَوْكِيدٌ5 لِتَقْرِيرِ أَنَّ أَزْمِنَةَ الصَّبِيِّ وَأَزْمِنَةَ الْجُنُونِ6 وَأَزْمِنَةَ النَّوْمِ لا يُسْتَثْنَى مِنْهَا شَيْءٌ, وَنَحْوه7, قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} 8 طُلُوعِهِ9 أَوْ زَمَنَ طُلُوعِهِ10 لَيْسَ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى يَشْمَلَهُ {سَلامٌ هِيَ} بَلْ حُقِّقَ بِهِ ذَلِكَ، وَإِمَّا لِلإِشْعَارِ11 بِأَنَّ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ حُكْمُهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ, وَلَوْلا الْغَايَةُ لَكَانَ مَسْكُوتًا12 عَنْ ذِكْرِ الْحُكْمِ مُحْتَمِلاً:
"وَغَايَةٌ، وَ" 13مَعْنَى "مُقَيَّدٍ بِهَا" أَيْ بِالْغَايَةِ "يَتَّحِدَانِ وَيَتَعَدَّانِ تِسْعَةَ
__________
1 ساقطة من ش ز ع ض.
2 في ش: إذا هو.
3 الآية 29 من التوبة.
4 جمع الجوامع 2/23.
5 في ز: توكيداً.
6 في ع: المجنون.
7 في ش ز ض: ونحو.
8 الآية 5 من القدر.
9 في د ب: الفجر طلوعه.
10 ساقطة من ض ب.
11 في ب: الإشعار.
12 في ش ز: سكوتاً.
13 في ش ز: معنى.(3/353)
أَقْسَامٍ" لأَنَّ الْغَايَةَ وَالْمُغَيَّا1: إمَّا أَنْ يَكُونَا مُتَّحِدَيْنِ, كَأَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إلَى أَنْ يَدْخُلُوا، أَوْ مُتَعَدِّدَيْنِ: إمَّا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ، كَأَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ أَوْ أَعْطِهِمْ إلَى أَنْ يَدْخُلُوا أَوْ2 يَقُومُوا،34 وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُتَعَدِّدًا وَالآخَرُ مُتَّحِدًا, فَتَكُونَ الأَقْسَامُ تِسْعَةً كَالشَّرْطِ5.
"وَ6الْخَامِسُ" مِنْ الْمُخَصَّصِ الْمُتَّصِلِ "بَدَلُ الْبَعْضِ".
نَحْوُ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ فُلانًا وَفُلانًا, اخْتَصَّ ذَلِكَ بِالرَّجُلَيْنِ الْمُسَمَّيَيْنِ7.
"وَالتَّوَابِعُ الْمُخَصَّصَةُ" الَّتِي "كَبَدَلٍ وَعَطْفِ بَيَانٍ8 وَتَوْكِيدٍ وَنَحْوِهِ9 كَاسْتِثْنَاءٍ" فِي الْمَعْنَى10.
__________
1 في ش ز: المعنى.
2 في ع: أو.
3 في ش: و.
4 في ش: و.
5 انظر: المعتمد 1/298، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/146، فواتح الرحموت 1/343، تيسير التحرير 1/282.
6 ساقطة من ش ز.
7 ذكر هذا النوع من المخصصات بعض العلماء، وأغفله آخرون، قال ابن السبكي: "ولم يذكره الأكثرون" "جمع الجوامع 2/34".
وانظر: مناهج العقول 2/112، العضد على ابن الحاجب 2/132، فواتح الرحموت 1/344، تيسير التحرير 1/282، إرشاد الفحول ص154.
8 ساقطة من ع.
9 في ب: ونحوها.
10 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 262.(3/354)
"وَشَرْطٍ "مُقْتَرِنٍ"1 بِحَرْفِ جَرٍّ" كَقَوْلِهِ: عَلَى أَنَّهُ، أَوْ بِشَرْطِ أَنَّهُ "أَوْ" حَرْفِ2 "عَطْفٍ" كَقَوْلِهِ: وَمِنْ شَرْطِهِ كَذَا ف3 "كَ" شَرْطٍ "لُغَوِيٍّ"4 فَقَوْلُهُ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي أَسَدٍ وَبَنِي بَكْرٍ الْمُؤْمِنِينَ أَمْكَنَ كَوْنُهُ عَامًّا5 لِبَكْرٍ فَقَطْ, وَشَرْطُ6 كَوْنِهِمْ مُؤْمِنِينَ أَوْ عَلَى أَنَّهُ7 مُتَعَلِّقٌ بِالإِكْرَامِ وَهُوَ لِلْجَمِيعِ8، كَقَوْلِهِ "إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ9".
"وَيَتَعَلَّقُ حَرْفٌ مُتَأَخِّرٌ بِالْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ10" وَهُوَ قَوْلُهُ: أَكْرِمْ أَوْ وَقَفْت أَوْ نَحْوُهُمَا، وَهُوَ الْكَلامُ وَالْجُمْلَةُ, فَيَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا تَعَلَّقَ بِالاسْمِ، وَمَا11 تَعَلَّقَ بِالْكَلامِ.
وَوَقْفُ الإِنْسَانِ عَلَى حَمْلِ12 أَجْنَبِيَّاتٍ كَوَقْفِهِ عَلَى أَوْلادِهِ، ثُمَّ أَوْلادِ فُلانٍ، ثُمَّ الْمَسَاكِينَ، عَلَى أَنَّهُ13 لا يُعْطَى مِنْهُمْ إلاَّ صَاحِبُ عِيَالٍ، يُقَوِّي اخْتِصَاصَ الشَّرْطِ بِالْجُمْلَةِ الأَخِيرَةِ، لأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْ الأُولَى, قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
"وَإِشَارَةٌ بِ" لَفْظِ "ذَلِكَ" بَعْدَ جُمَلٍ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَفْعَلْ
__________
1 في د: معنون، وفي ش ز ع ب: معنوي، والتصويب منا بحسب المعنى.
2 في ش ب: بحرف.
3 في ش: و.
4انظر: مختصر البعلي ص 121.
5في زع ب: تماماً.
6 في ز ب: وبشرط، وفي ع: ويشترط.
7 في ش: أنه.
8 في ش ز ع: للجميع معاً.
9 انظر: المسودة ص 157، القواعد والفوائد الأصولية ص 262.
10 في ش ز ع: المقدم.
11 في ز: وبين ما.
12في ش: حبل.
13 في ب: أنهم.(3/355)
ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} 1 وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} 2 وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} 3.
"وَتَمْيِيزٌ بَعْدَ جُمَلٍ" نَحْوَ لَهُ4: عَلَيَّ أَلْفٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا, وَنَحْوَ: لَهُ5 عَلَيَّ أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِينَارًا "يَعُودَانِ" أَيْ الإِشَارَةُ بِذَلِكَ وَالتَّمْيِيزُ "إلَى الْكُلِّ" أَيْ كُلِّ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ6
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الإِرْشَادِ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} 7 يَجِبُ عَوْدُهُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ: وَعَوْدُهُ إلَى بَعْضِهِ لَيْسَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ, وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ وَخَدَمَنِي وَأَكْرَمَنِي فَلَهُ دِرْهَمٌ، لَمْ يَعُدْ إلَى الدُّخُولِ فَقَطْ.
وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الْوَاضِحِ فِي مُخَاطَبَةِ الْكُفَّارِ, وَقَالَ: إذَا عَادَ لِلْجَمِيعِ8 فَالْمُؤَاخَذَةُ9 بِكُلٍّ مِنْ الْجُمَلِ فَالْخُلُودُ لِلْكُفْرِ، وَالْمُضَاعَفَةُ فِي قَدْرِ الْعَذَابِ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الذُّنُوبِ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} 10 قِيلَ: الإِشَارَةُ إلَى أُجْرَةِ الرَّضَاعِ وَالنَّفَقَةِ, وَقِيلَ: إلَى النَّهْيِ عَنْ الضِّرَارِ.
__________
1 الآية 68 من الفرقان.
2 الآية 233 من البقرة.
3 الآية من المائدة.
4 في ش: قوله.
5 في ز: وقوله.
6 انظر: مختصر البعلي ص121، القواعد والفوائد الأصولية ص 262.
7 الآية 68 من الفرقان.
8 في ب: إلى الجميع.
9 في ش: فالواحدة.
10 الآية 233 من البقرة.(3/356)
وَقِيلَ: إلَى الْجَمِيعِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، لأَنَّهُ "عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ" وَهَذَا مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ, فَيَجِبُ الْجَمِيعُ1.
وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} 2 إشَارَةٌ إلَى الْجَمِيعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الاسْتِقْسَامِ3.
وَ4قَالَ أَبُو يَعْلَى5 الصَّغِيرُ مِنْ أَصْحَابِنَا6 فِي قَتْلِ مَانِعِ الزَّكَاةِ فِي آيَةِ الْفُرْقَانِ الْمَذْكُورَةِ7: ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي عَوْدَ الْعَذَابِ وَالتَّخْلِيدَ إلَى الْجَمِيعِ, وَكُلُّ وَاحِدٍ
__________
1 زاد المسير 1/273.
وانظر: تفسير الطبري 2/502، تفسير القرطبي 3/169، تفسير القاسمي 3/611.
2 الآية 3 من المائدة.
3 إملاه ما من به الرحمن 1/207.
وفي ش ض ب ز: الاستفهام، والاستقسام بالأزلام الذي جاء قبل الإشارة: {وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} .
وانظر: تفسير الطبري 6/78، تفسير القرطبي 6/60، تفسير القاسمي 6/1825.
4 ساقطة من ش.
5 في ض: المعالي.
6 هو محمد بن محمد بن محمد بن الحسين، القاضي أبو يعلى الصغير، ويلقب عماد الدين، ابن القاضي أبي خازم ابن القاضي الكبير أبي يعلى، سمع أبو يعلى الصغير الحديث، ودرس الفقه، وبرع في المذهب والخلاف والمناظرة، وأفتى ودرس وناظر في شبيبته، قال ابن رجب: "كان ذا ذكاء مفرط، وذهن ثاقب، وفصاحة وحسن عبارة"، ولي القضاء بباب الأزج، ثم ولي قضاء واسط، وصنف عدة كتب، منها: "التعليقة" في مسائل الخلاف، كبيرة، و "المفردات" و "شرح المذهب" و "النكت والإشارات في المسائل المفردات" توفي سنة 560هـ، وأضر بآخر عمره.
انظر ترجمته في "ذيل طبقات الحنابلة1/247، المنهج الأحمد 2/283، الأعلام 7/251، شذرات الذهب 4/190".
وقارن ما قاله ابن بدران في "المدخل إلى مذهب أحمد ص 210"
7 وهي قوله تعالى {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} الآية 68 من الفرقان.(3/357)
مِنْهُمْ1 لَكِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى2 أَنَّ التَّخْلِيدَ لا يَكُونُ إلاَّ بِالْكُفْرِ، فَخُصِّصَتْ بِهِ الآيَةُ3.
وَأَمَّا التَّمْيِيزُ فَمُقْتَضَى كَلامِ النُّحَاةِ وَبَعْضِ الأُصُولِيِّينَ: عَوْدُهُ إلَى الْجَمِيعِ, وَلَنَا خِلافٌ فِي الْفُرُوعِ, قَالَهُ الْبَعْلِيُّ فِي أُصُولِهِ4.
وَقَالَ فِي قَوَاعِدِهِ الأُصُولِيَّةِ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْفُرُوعِ عَلَى وَجْهَيْنِ, أَصَحُّهُمَا: أَنَّ الأَمْرَ كَذَلِكَ, فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ -مَثَلاً- أَلْفٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا, فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الأَلْفِ إلَيْهِ5.
__________
1 في ض ع: منه
2 ساقطة من ب
3 انظر: مختصر البعلي ص122
4 انظر: مختصر البعلي ص122
5 القواعد والفوائد الأصولية ص 263(3/358)
فصل تخصيص الكتاب ببعضه وتخصيصه بالسنة مطلقا
...
فَصْلٌ يُخَصَّصُ الْكِتَابُ بِبَعْضِهِ وَبِالسُّنَّةِ مُطْلَقًا:
"يُخَصَّصُ الْكِتَابُ بِبَعْضِهِ وَ" يُخَصَّصُ أَيْضًا "بِالسُّنَّةِ مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءً كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً أَوْ آحَادًا. "وَ" تُخَصَّصُ "السُّنَّةُ بِهِ" أَيْ بِالْقُرْآنِ "وَبِبَعْضِهَا" أَيْ تُخَصَّصُ1 السُّنَّةُ بِبَعْضِهَا "مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً أَوْ آحَادًا2.
فَمِنْ أَمْثِلَةِ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ3: قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 4 فَإِنَّ عُمُومَهُ خُصَّ بِالْحَوَامِلِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 5 وَخُصَّ أَيْضًا عُمُومُهُ الشَّامِلُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا بقَوْلِهِ تَعَالَى6 فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ
__________
1 في ش: تخصيص، وفي ع ب: وتخصيص، وفي ع: وتخصص.
2 انظر: نهاية السول 2/143،الإحكام للآمدي 2/318، المحصول جـ1 ق3/117، الروضة 2/244، مختصر الطوفي ص 107، مختصر البعلي ص 123، مباحث الكتاب والسنة ص 216.
3 وهو رأي الجمهور الأصوليين، لكنهم اختلفوا في شروطه بالتقديم أو التأخير أو الاقتران أو الاستقلال أو الاتصال أو التراخي، كما سيذكره المصنف فيما بعد.
"انظر: المحصول جـ1 ق3/117، جمع الجوامع 2/26، فواتح الرحموت 1/345، شرح الورقات ص114، شرح تنقيح الفصول ص 202، اللمع ص19، نهاية السول 2/143، المعتمد1/374، مناهج العقول 2/143، مختصر ابن الحاجب 2/147، مباحث الكتاب والسنة ص 216، إرشاد الفحول ص 157".
4 الآية 228 من البقرة.
5 الآية 4 من الطلاق.
6 في ض: في قوله.(3/359)
عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} 1.
وَنَحْوُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} 2 خُصَّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 3.
وَنَحْوُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} 4 خُصَّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} 5.
وَالْمُخَالِفُ فِي مَسْأَلَةِ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ6، وَتَمَسَّكُوا
__________
1 الآية 49 من الأحزاب.
"انظر: ناهية السول 2/143، شرح تنقيح الفصول ص202، المحلي على جمع الجوامع 2/26، المعتمد 1/274، المحصول جـ1 ق3/118، إرشاد الفحول ص 157"
2 الآية 234، من البقرة، في ش: 224، وفي ب ز: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ} ، الآية.
3 الآية 4 من الطلاق.
ويرى بعض العلماء أن قوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} مخصص بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} ، ويرى بعضهم أن الآية الأولى متأخرة عن الثانية فهي ناسخة لها، لا مخصصة.
وتفرع على هذا الاختلاف اختلاف الصحابة والتابعين والأئمة في عدة المتوفي عنها زوجها الحامل إذا وضعت بعد وفاة زوجها، هل تنقضي عدتها بوضع الحمل، أم تنتظر أربعة أشهر وعشرا؟ أم تعتد آخر الأجلين؟ فيه أقوال محلها كتب الفقه.
"انظر: تيسير التحرير1/277، المعتمد 1/275، مختصر ابن الحجاب 2/147، فواتح الرحموت 1/346، إرشاد الفحول ص 157".
4 الآية 221 من البقرة.
5 الآية 5 من المائدة.
6 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/147،148، المحصول جـ 1ق3/117, 119، الإحكام للآمدي 2/319، المحلي على جمع الجوامع 2/26، شرح تنقيح الفصول ص202، إرشاد الفحول ص157.(3/360)
بِأَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانٌ لِلْمُرَادِ بِاللَّفْظِ. فَلا يَكُونُ إلاَّ بِالسُّنَّةِ، لِقَوْلِهِ1 تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} 2.
وَمَا ذَكَر3 مِنْ الأَمْثِلَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّخْصِيصُ فِيهِ بِالسُّنَّةِ. كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي السَّنَابِلِ بْنِ بَعْكَكٍ مَعَ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ4 حِينَ قَالَ: مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا: فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفْتَاهَا بِأَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ بِوَضْعِ حَمْلِهَا5.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ لا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُبَيِّنًا إذَا بَيَّنَ مَا6 أُنْزِلَ بِآيَةٍ أُخْرَى،
__________
1 في ب ز: كقوله.
2 الآية 44 من النحل.
3 في ش ز: ذكره.
4 هي الصحابية سبيعة بنت الحارث الأسلمية، كانت امرأة سعد بن خولة رضي الله عنه، توفي عنها بمكة في حجة الوداع، وهي حامل، فوضعت بعد زوجها بليال، قيل شهر، وقيل: خمس وعشرون، وقيل: أقل من ذلك، فخطبها شاب وكهل، فمالت للشاب، فقال لها الكهل-وهو أبو السنابل مستنكراً-: تريدين أن تتزوجي؟ وكان من أهلها غيباً، ورجا أن يؤثره بها، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: "قد حللت فانكحي من شئت"، وري لهاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثنا عشر حديثاً.
انظر ترجمتها في "الإصابة 4/130المطبعة الشرفية، أسد الغابة 7/137، تهذيب الأسماء 2/347"
5 الحديث مع القصة رواهما البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ومالك والشافعي وابن حبان والدارمي والبغوي بألفاظ مختلفة.
"انظر: صحيح البخاري 3/204، صحيح مسلم 2/1122، تحفة الأحوذي 4/373، سنن النسائي 6/158، سنن ابن ماجه 1/653، شرح السنة 9/304، موارد الظمان ص 323، سنن الدارمي 2/166، الرسالة للشافعي ص 575، فتح الباري 8/461، البيان والتعريف 3/57"
6 في ع: مما.(3/361)
مُنَزَّلَةً1 كَمَا بَيَّنَ مَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ السُّنَّةِ. فَإِنَّ الْكُلَّ مُنْزَلٌ2.
وَمِثَالُ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ، حَتَّى مَعَ كَوْنِهَا آحَادًا عِنْدَ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ3 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} 4 فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلا عَلَى خَالَتِهَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ5.
وَنَحْوُهُ تَخْصِيصُ آيَةِ السَّرِقَةِ بِمَا دُونَ النِّصَابِ6، وَقَتْلُ الْمُشْرِكِينَ بِإِخْرَاجِ
__________
1 ساقطة من ش.
2 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 202، العضد على ابن الحاجب 2/148، المحصول جـ1 ق3/119، الإحكام للآمدي 2/319، إرشاد الفحول ص 157.
3 انظر هذه المسألة في "نهاية السول 2/144، البرهان 1/426، شرح تنقيح الفصول ص 207، المعتمد 1/275، مختصر ابن الحاجب 2/149، المحصول جـ1 ق3/120،121، الإحكام للآمدي 2/322، اللمع ص19، جمع الجوامع 2/27، فواتح الرحموت 1/349، شرح الورقات ص115، العدة2/550، مختصر البعلي ص123، مختصر الطوفي ص 107، المسودة ص 119، الروضة 2/244، إرشاد الفحول ص 157".
4 الآية 25 من النساء.
5 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي ومالك وأحمد وابن حبان عن أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 3/160 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 9/190، سنن أبي داود 2/476، سنن النسائي 6/79، تحفة الأحوذي 4/272، سنن ابن ماجه 1/621، سنن الدارمي2/136، موارد الظمان ص 310، المنتقى 3/300، مسند أحمد 2/179،189".
وانظر: الروضة 2/246، الإحكام للآمدي 2/322، فواتح الرحموت 1/351، العدة 2/552.
6 وذلك بما رواه البخاري ومسلم واحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم، وبما رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً" وفي رواية "لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً" رواه أحمد ومسلم. النسائي وابن ماجه. وسبق تخريجها صفحة 217.
"انظر: نيل الأوطار 7/231، الروضة 2/244".(3/362)
الْمَجُوسِ1، وَغَيْرُ ذَلِكَ2.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إنْ كَانَ خُصَّ بِدَلِيلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ جَازَ وَإِلاَّ فَلا.
وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ.
وَقِيلَ: يَجُوزُ وَلَمْ يَقَعْ3.
وَمِثَالُ تَخْصِيصِ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ4: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ
__________
1 وذلك في حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من المجوس، وسبق تخريجه في المجلد الثاني ص371.
2 انظر: التبصرة ص133 ومابعدها، اللمع ص19، شرح تنقيح الفصول ص207، شرح الورقات ص115، الإحكام للآمدي 2/32 وما بعدها، المستصفى 2/114 وما بعدها.
3 وهناك ألأقوال أخرى تفصل في الخبر، فإن كان متواتراً فيخصص عموم الكتاب، وإن كان خبر أحاد فلا يخصصه، وفي قول: يخصص المخصص من الكتاب بالسنة إن سبق تخصيصه، وإلا فلا يصح.
"انظر: نهاية السول 2/144، 148، وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص206،208، وما بعدها، البرهان 1/426، المنخول ص174، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/149، المحصول جـ1ق3/120،131 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/322، المستصفى 2/114 وما بعدها، جمع الجوامع 2/27، أصول السرخسي 1/142، فواتح الرحموت 1/349، اللمع ص19، العدة 2/550 وما بعدها، مختصر الطوفي ص 108، مختصر البعلي ص 123، المسودة ص119، الروضة 2/245، إرشاد الفحول ص158، مباحث الكتاب والسنة ص 218، التبصرة ص 132".
4خالف بعض الشافعية وابن حامد من الحنابلة في تخصيص السنة بالكتاب ومنعوه، لأنها مبنية له ومفسرة، والمبين تابع للمبين.
"انظر: التبصرة ص136، الإحكام للآمدي 3/321، جمع الجوامع 2/26، فواتح الرحموت 1/349، العدة 2/569، المحصول جـ1ق3/123، مختصر ابن الحاجب 2/149، شرح الورقات ص 115، اللمع ص 19، التبصرة ص136، المسودة ص122، الروضة 2/245، مختصر البعلي ص123، مختصر الطوفي ص 108، مباحث الكتاب والسنة ص217".(3/363)
مَيِّتٌ" 1 رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ2, خُصَّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إلَى حِينٍ} 3.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ4 رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: "خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي 5, قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ, وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ: جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ 6 " فَإِنَّ ذَلِكَ يَشْمَلُ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ
__________
1 في ض: ميتة، وفي ب: كميتة.
2 هذا الحديث رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه والدارمي وأحمد عن ابن عمر وأبي واقد وتميم الداري رضي الله عنهم مرفوعاً بألفاظ متقاربة.
"انظر: تحفة الأحوذي 5/55، سنن أبي داود 2/100، سنن ابن ماجه 2/1072، سنن الدارمي 2/93، مسند أحمد 5/218، نيل الأوطار 8/151".
3 الآية 80من النحل.
4 هو الصحابي عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي، أبو الوليد، شهد العقبة الأولى والثانية، وكان نقيباً، وشهد بدراً والمشاهد كلها، وجمع القران في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يعلم أهل الصفة الفران، ولما فتح الله على المسلمين أرسله عمر رضي الله عنه إلى الشام مع معاذ وأبي الدرداء ليعلموا الناس القران ويفقهوهم في الدين، وهو أول من تولى قضاء فلسطين، توفي بالرملة سنة 34هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الإصابة 4/27، الطبعة الشرفية، أسد الغابة 3/160، تهذيب الأسماء 1/256، مشاهير علماء الأمصار ص 51، الخلاصة2/32، مطبعة الفجالة الجديدة، شجرة النور الزكية 2/184"
5 ساقطة من ض ب.
6 هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه واحمد والدارمي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعاً.
"انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 11/190، سنن أبي داود2/455، تحفة الأحوذي 2/852، سنن ابن ماجه 2/852، سنن الدارمي 2/181، مسند أحمد 3/476، 5/313، نيل الأوطار 7/91".(3/364)
أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ} 1.
وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ" خُصَّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} 2.
وَمِثَالُ تَخْصِيصِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ. قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ" 3 فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ" 4 وَهُوَ كَثِيرٌ5.
__________
1 الآية 25 من النساء.
2 الآية 29 من التوبة.
3 هذا طرف من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك والدارمي عن ابن عمر وجابر وغيرهما مرفوعاً بألفاظ مختلفة.
"انظر: صحيح البخاري 1/178المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 7/54، سنن أبي داود1/370، تحفة الأحوذي 3/291، سنن النسائي 5/31، سنن ابن ماجه 1/581، سنن الدارمي 1/393، مسند أحمد 1/145،5/233، فيض القدير 4/460".
4 هذا طرف من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم ومالك والشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 1/178 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 7/50، سنن أبي داود1/357، تحفة الأحوذي 3/261، مسند أحمد 2/92،3/6،الموطأ ص 167ط الشعب، المنتقى 3/9، بدائع المنن 1/232، سنن النسائي5/12، سنن ابن ماجه 1/571، سنن الدارمي 1/384".
والأوسق جمع وسق، والوسق ستون صاعاً، والصاع أربعة أمداد، والمد رطل وثلث بغدادي، فالأوسق الخمس ألف وستمائة رطل بغدادي، والرطل البغدادي يساوي 408 غرامات، فالأوسق الخمسة تساوي 652.8كيلو غراماً.
"انظر: تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص294، الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان ص56، فيض القدير 5/376".
5 وقال بعض العلماء: لا يجوز تخصيص السنة بالسنة: لأن السنة بيان للقران، ولا يجوز أن يفتقر البيان إلى بيان.
"انظر: مختصر ابن الحاجب 2/148، المحصول جـ1 ق3/120، الإحكام للآمدي 3/321، المستصفى 2/141، جمع الجوامع 2/26، فواتح الرحموت 1/349، المعتمد 1/275،شرح الورقات ص116، اللمع ص19، إرشاد الفحول ص157".(3/365)
وَالْمُخَالِفُ فِي تَخْصِيصِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَطَائِفَةٌ. فَقَالَ1: إنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ2.
وَمَنْشَأُ الْخِلافِ: مَا ذَكَرْنَا3 مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا4 تَكُونُ مُبَيِّنَةً لا مُحْتَاجَةً لِلْبَيَانِ5.
"وَ"يُخَصَّصُ6 لَفْظٌ "عَامٌّ بِمَفْهُومٍ مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَفْهُومُ7 مُوَافَقَةِ8 أَوْ مَفْهُومِ مُخَالَفَةِ9.
فَمِثَالُ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ. وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ. قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الإِسْنَادِ10.
__________
1 في ش: قال.
2 انظر: المعتمد 1/275، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/148، الإحكام للآمدي 3/321.
3 في ش: ذكرنا.
4 ساقطة من ض.
5 انظر: الإحكام للآمدي 2/321، المعتمد 1/275، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/149،148.
6 في ض: يختص.
7 في ش: من مفهوم.
8 في ش: الموافقة، وفي ز: مخالفة.
9 في ش: المخالفة، وفي ز: موافقة.
وانظر هذه المسألة في "نهاية السول 2/153، شرح تنقيح الفصول ص215، البرهان 1/449، جمع الجوامع 2/30، المستصفى 2/105، الإحكام للآمدي 2/328، مناهج العقول2/153، العضد على ابن الحاجب 2/150، المنخول ص 208، 215، المحصول جـ1ق3/13، 159، العدة 2 578، مختصر البعلي ص123، الروضة 2/247، مختصر الطوفي ص 109، إرشاد الفحول ص160، تيسير التحرير 1/316".
10 هذا الحديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي وابن حبان مرفوعاً عن الشريد بن سويد ري الله عنه، وقال الحاكم: صحيح، وأقره الذهبي، ورواه البخاري معلقاً، ورواه موصولاً ومرفوعاً بلفظ: "مطل الغني ظلم" كما سبق صفحة 157.
"انظر: مسند أحمد 4/388، 399، سنن أبي داود 2/283، سنن النسائي 7/278، سنن ابن ماجه 2/118، موارد الظمان ص283، المستدرك4/102،صحيح البخاري 2/39المطبعة العثمانية، فيض القدير 5/400".(3/366)
وَ " اللَّيُّ " الْمَطْلُ, وَالْمُرَادُ بِحِلِّ1 عِرْضِهِ: أَنْ يَقُولَ غَرِيمُهُ: ظَلَمَنِي2 وَعُقُوبَتُهُ3 الْحَبْسُ.
خُصَّ مِنْهُ الْوَالِدَانِ4 بِمَفْهُومٍ قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 5 فَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لا يُؤْذِيهِمَا بِحَبْسٍ وَلا غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ لا يُحْبَسُ الْوَالِدُ بِدَيْنِ وَلَدِهِ، بَلْ وَلا لَهُ مُطَالَبَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ, وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ6.
وَمَحِلُّ هَذَا حَيْثُ لَمْ يُجْعَلْ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ, فَأَمَّا إنْ قُلْنَا: إنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ مُخَصَّصًا بِالْقِيَاسِ.
وَمِثَالُ التَّخْصِيصِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ7 -الْقَائِلِ بِهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ8-
__________
1 في ع: يحل.
2 في ش: ظلمتني.
3 في ش: وعقوبته.
4 ساقطة من ش ز ع.
5 الآية 23 من الإسراء.
6 انظر: مناهج العقول2/153، العضد على ابن الحاجب 2/150، الإحكام للآمدي 2/328، جمع الجوامع 2/30، العدة 2/579، اللمع ص20، فواتح الرحموت 1/353، نهاية السول 2/153، مباحث الكتاب والسنة ص 225.
7 في ش: المخالف.
وانظر: مختصر الطوفي ص 109، مختصر البعلي ص123.
8 خالف في مفهوم المخالفة الحنفية وبعض الشافعية كالغزالي.
انظر هذه المسألة في "المسودة ص127، 143، الروضة 2/248، العدة 2/579، مختصر الطوفي ص109، مختصر البعلي ص123، مناهج العقول 2/153، شرح تنقيح الفصول ص215، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/150، المحصول جـ1ق3/159، الإحكام للآمدي 2/328، المستصفى 2/105، جمع الجوامع 1/30، تخريج الفروع على الأصول ص73، 74، نهاية السول 2/153، فواتح الرحموت 1/353، تيسير التحرير 1/316، التلويح على التوضيح 2/29، مباحث الكتاب والسنة ص226".(3/367)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ" رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ1.خُصَّ بِمَفْهُومِهِ2 -وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ- عُمُومُ3 قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَاءُ طَهُورٌ 4 لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، إلاَّ مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ لَوْنِهِ" رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ5, فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْقُلَّتَيْنِ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْهُمَا يَصِيرُ6
__________
1 هذا الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي والدار مي والدارقطني وابن حبان وابن خزيمة وصححاه، والطحاوي وصححه، وقال المنذري: إسناده جيد، عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً.
"انظر: مسند أحمد 2/12، 38، سنن أبي داود 1/15، تحفة الأحوذي 1/215، سنن النسائي 1/142، سنن ابن ماجه 1/172، المستدرك 1/122، سنن الدارمي 1/186، سنن الدارقطني 1/15، 21، موارد الظمان ص60، التخليص الحبير 1/16، شرح معاني الآثار 1/15 وما بعدها، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص291، نيل الأوطار 1/42، فيض القدير 1/313، السنن الكبرى للبيهقي 1/262".
2 في ش ض: مفهوم.
3 في ش: بعموم.
4 ساقطة من ز ض ب.
5 هذا الحديث رواه ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعاً، وجاء في زوائد ابن ماجه: إسناده ضعيف، ورواه الدارقطني عن ثوبان، ورواه البيهقي والطبراني، قال ابن الجوزي: "حديث لايصح" لأن فيه رشدين، وهو متروك، وروى شطره الأول أبو داود عن أبي سعيد الخدري، وكذا النسائي والطحاوي والترمذي، وسبق تخريج هذا الشطر صفحة 176.
"انظر: سنن أبي داود 1/16، سنن ابن ماجه 1/174، سنن النسائي1/142، تحفة الأحوذي 1/204، فيض القدير 6/249، التلخيص الحبير1/12،14، شرح معاني الآثار 1/12، سن الدارقطني 1/28، السنن الكبرى للبيهقي 1/259، نيل الأوطار 1/39، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 292".
6 في ز ض ع: فيصير، وفي ب: فتصير.(3/368)
تَنْجِيسُ الْقُلَّتَيْنِ1 فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ مَخْصُوصًا2 بِالتَّغْيِيرِ بِالنَّجَاسَةِ، وَيَبْقَى مَا دُونَهُمَا يُنَجَّسُ بِمُجَرَّدِ الْمُلاقَاةِ فِي غَيْرِ الْمَوَاضِعِ الْمُسْتَثْنَاةِ بِدَلِيلٍ آخَرَ3.
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالْمَالِكِيَّةُ وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمْ, فَقَالُوا: لا يُخَصُّ4 الْعُمُومُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ5.
"وَبِإِجْمَاعٍ" يَعْنِي أَنَّ الْعَامَّ يُخَصُّ6 بِإِجْمَاعٍ7 "وَالْمُرَادُ دَلِيلُهُ" أَيْ دَلِيلُ الإِجْمَاعِ، لا أَنَّ الإِجْمَاعَ نَفْسَهُ مُخَصَّصٌ؛ لأَنَّ الإِجْمَاعَ لا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ يَسْتَنِدَ8 إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْهُ9.
__________
1 في ز ض ع ب: القلتان.
2في ض ع ب: تنجيسهما مخصوص، وفي ع: تنجسهما مخصوص.
3 انظر: المسودة ص143، القواعد والفوائد الأصولية ص287، 293، نهاية السول 2/154، العضد على ابن الحاجب 2/150، المحلي على ابن الحاجب 2/31، مناهج العقول 2/153، فواتح الرحموت 2/353، مباحث الكتاب والسنة ص226.
4 في ز: يخصص.
5 انظر: نهاية السول 2/153، المحصول جـ1ق3/159، الإحكام للآمدي 2/328، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/31، تخريج الفروع على الأصول ص74، فواتح الرحموت 1/353، التلويح على التوضيح 1/39، القواعد والفوائد الأصولية ص 287، المسودة ص127، إرشاد الفحول ص160.
6 في ض: يختص.
7 في ش: بإجماع.
8 في ش: ليستند.
9 وقال بعض العلماء: لايجوز تخصيص العام بدليل الإجماع.
"انظر: نهاية السول 2/144، المستصفى 2/102، اللمع ص21، شرح تنقيح الفصول ص202، المعتمد 1/276، مختصر ابن الحاجب 2/150، المحصول جـ1ق3/124، الإحكام للآمدي 2/327، فواتح الرحموت 1/325، العدة 2/578، مختصر البعلي ص123، مختصر الطوفي ص 107، المسودة ص126، الروضة 2/244، إرشاد الفحول ص160، مباحث الكتاب والسنة ص222".(3/369)
وَمَثَّلُوهُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 1 خُصَّ بِالإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ الْقَاذِفَ يُجْلَدُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ2، لَكِنْ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: فِي التَّمْثِيلِ بِذَلِكَ نَظَرٌ، لاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لا تَقُولُونَ3 بِأَنَّ4 الإِجْمَاعَ يَكُونُ نَاسِخًا، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ نَاسِخًا؟ فَجَوَابُهُ: أَنَّ سَنَدَ الإِجْمَاعِ قَدْ يَكُونُ مِمَّا لا يُنْسَخُ بِهِ, فَلَيْسَ فِي كُلِّ إجْمَاعٍ تَضَمُّنٌ لِمَا يَسُوغُ النَّسْخُ بِهِ, وَأَمَّا التَّخْصِيصُ: فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْبَيَانِ كَانَ كُلُّ دَلِيلٍ مُخَصَّصًا بِهِ. اهـ.
وَجَعَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَمْثَلِهِ الْمَسْأَلَةَ: قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} 5 خُصَّ بِالإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ6.
"وَلَوْ عَمِلَ أَهْلُهُ" أَيْ أَهْلُ الإِجْمَاعِ "بِخِلافِ نَصٍّ خَاصٍّ" فِي مَسْأَلَةِ "تَضَمُّنِ"7 إجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ دَلِيلاً "نَاسِخًا" لِذَلِكَ النَّصِّ، فَيَكُونَ الدَّلِيلُ الَّذِي تَضْمَنَّهُ الإِجْمَاعُ وَدَلَّ عَلَيْهِ8: نَاسِخًا لِذَلِكَ النَّصِّ9.
__________
1 الآية 4 من النور.
2 انظر: نهاية السول 2/145، المعتمد 1/276، مختصر ابن الحاجب 2/150، المحصول جـ1ق3/124، الإحكام للآمدي 2/327، فواتح الرحموت 1/325.
3 في ب: يقولون.
4 في ض: أن.
5 الآية 9 من الجمعة.
6 انظر: إرشاد الفحول ص 160.
7 سقط القوسان من ش.
8 ساقطة من ش.
9 انظر: المستصفى 2/120، الإحكام للآمدي 2/327، مختصر ابن الحاجب 2/150، فواتح الرحموت 1/325، العدة 2/578، مختصر البعلي ص123.(3/370)
"وَ" يُخَصَّصُ الْعَامُّ أَيْضًا " بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ شَمِلَهُ الْعُمُومُ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ1 الأَرْبَعَةِ, رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ2.
وَقَدْ خَصَّ أَحْمَدُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} 3 بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4 وَقَالَ: دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْجِمَاعَ5.
__________
1 ساقطة من ش ز.
2 انظر هذه المسألة في "المستصفى 2/160، جمع الجوامع 2/31، مختصر ابن الحاجب2/151، المحصول جـ1ق3/125، الإحكام للآمدي 3/329، شرح تنقيح الفصول ص210، المعتمد 1/275، اللمع ص21، التبصرة 247، العدة 2/573، المسودة ص125، الروضة 2/248، مختصر البعلي ص123، مختصر الطوفي ص109، فواتح الرحموت 1/354، إرشاد الفحول ص158".
3 الآية 222 من البقرة.
4 روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أتعرق العظم وأنا حائض فأعطه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فمه في الموضع الذي فيه وضعته، وأشرب فأناوله فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه".
وروى أبو داود عن صفية عن عائشة رضي الله عنهما قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجري فيقرأ، وأنا حائض".
وروى أبو داود عن ميمونة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه، وهي حائض، إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجز به".
وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يضاجعها زوجها".
وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان إحدانا إذا كانت حائضاً أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأتزر بإزار ثم يباشرها".
وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في العشار الواحد وأنا حائض طامث". وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة.
"انظر: سنن أبي داود 1/59، 60، 61، صحيح مسلم بشرح النووي 3/230، تحفة الأحوذي 1/314 ومابعدها، سن الدارمي 1/241، وما بعدها، المنتقى 1/116، وما بعدها، التلخيص الحبير 1/167، مسند أحمد 6/182"
5 انظر: العدة 2/574، الروضة 2/248،/ نزهة الخاطر 2/167، مختصر الطوفي ص 109.(3/371)
وَقَالَ جَمْعٌ، مِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ: لا يُخَصُّ بِهِ مُطْلَقًا1.
وَقِيلَ: إنْ فَعَلَهُ مَرَّةً فَلا تَخْصِيصَ، لاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
"وَإِنْ ثَبَتَ وُجُوبُ اتِّبَاعِهِ" صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فِيهِ" أَيْ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ "بِدَلِيلٍ خَاصٍّ فَالدَّلِيلُ نَاسِخٌ لِلْعَامِّ2" وَقَدْ مَثَّلَ لِذَلِكَ3 بِالنَّهْيِ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا4، ثُمَّ جَلَسَ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ5.
__________
1 وهذا قول شاذ لبعض الشافعية، قال الآمدي: "مذهب الكثيرين أن الفعل يكون بياناً خلافاً لطائفة شاذة" "الإحكام للآمدي 2/329"، وقيل بالوقف، وقيل بالتفصيل في حالات دون أخرى، ولكل قول دليله.
"انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/149، 151، المحصول جـ1ق3/125، الإحكام للآمدي 2/329، اللمع ص21، المسودة ص125، مختصر الطوفي 109"
2 انظر: فواتح الرحموت 1/354، الإحكام للآمدي 2/329، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/15، العدة 2/557.
3 في ش: ذلك.
4 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي والشافعي وأحمد ومالك عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا".
"انظر: صحيح البخاري1/28 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 3/153، سنن أبي داود 1/3، تحفة الأحوذي 1/53، سنن النسائي1/24، سنن ابن ماجه 1/115، سنن الدارمي 1/170، الرسالة ص292، نيل الأوطار 1/97، التخليص الحبير 1/130، مسند أحمد 5/421، المنتقى 1/335".
وروى مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جلس أحدكم لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها".
"انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 1/153، سنن أبي داود 1/3، تحفة الأحوذي 1/54، سنن 1/24، سنن ابن ماجه 1/116، نيل الأوطار 1/94، التلخيص الحبير 1/103، مسند أحمد 2/250،3/15".
5روى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي ومالك والشافعي والدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة".
"انظر: صحيح البخاري 1/28 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 3/153، سنن أبي داود 1/3، تحفة الأحوذي 1/65، سنن النسائي 1/25، سنن ابن ماجه 1/117، سنن الدارمي 1/171، بدائع المنن 1/26، المنتقى 1/336، التخليص 1/104، نيل الأوطار 1/98، سنن الدارقطني 1/61، مسند أحمد 2/12،13"
وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بخلائه أن يستقبل به القبلة لما بلغه أن الناس يكرهون ذلك". "مسند أحمد 6/183".(3/372)
فَعَلَى الْقَوْلِ1 بِأَنَّ2 النَّهْيَ شَامِلٌ3 لِلصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ، فَيَحْرُمَ فِيهِمَا, وَبِهِ قَالَ جَمْعٌ، وَيَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُصَّ بِذَلِكَ وَخَرَجَ مِنْ عُمُومِ النَّهْيِ.
وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِذَلِكَ, فَالتَّخْصِيصُ لِلْبُنْيَانِ مِنْ الْعُمُومِ سَوَاءٌ هُوَ وَالأَمَةُ فِي ذَلِكَ4.
"وَ" يُخَصُّ5 الْعَامُّ أَيْضًا "بِإِقْرَارِهِ" أَيْ إقْرَارِ النَّبِيِّ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فِعْلٍ6" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ7
__________
1 في ش: هذا القول.
2 في ش: يكون.
3 في ش: شاملاً.
4 قال الشوكاني: "وقد اختلف الناس في ذلك على أقوال: الأول: لا يجوز ذلك في الصحاري ولا في البنيان......، المذهب الثاني: الجواز في الصحارى والبنيان....، المذهب الثالث: أنه يحرم في الصحاري لا في العمران ... وهو قول الجمهور، المذهب الرابع: أنه لا يجوز الاستقبال لا في الصحاري ولا في العمران، ويجوز الاستدبار فيهما.....، المذهب الخامس: أن النهي لتنزيه.." ثم ذكر المذهب السادس والسابع والثامن، ونقل الأقوال الأولى عن النووي،"انظر: نيل الأوطار 1/95".
"وانظر: النووي على صحيح مسلم 3/154، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/56، الرسالة ص295 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص210، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/151، الإحكام للآمدي 2/329، المستصفى 2/107، فواتح الرحموت 1/354".
5 في ض ب: يختص.
6 في ش: مافعل.
7 انظر هذه المسألة في "المحصول ج 1 ق3/127؟، الإحكام للآمدي 3/331، المستصفى 2/109، جمع الجوامع 2/31، مناهج العقول 2/154، اللمع ص21، شرح تنقيح الفصول ص210، مختصر ابن الحاجب 2/151، نهاية السول 2/156، الروضة 2/248، العدة 2/573، المسودة ص126، مختصر البعلي ص123، مختصر الطوفي ص 109، إرشاد الفحول ص159، فواتح الرحموت 1/354".(3/373)
"وَهُوَ" أَيْ التَّخْصِيصُ "أَقْرَبُ مِنْ نَسْخِهِ" أَيْ نَسْخِ الْحُكْمِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْعَامُّ نَسْخًا "مُطْلَقًا، أَوْ" نَسْخًا1 "عَنْ فَاعِلِهِ2".
وَقِيلَ: نُسِخَ، إنْ نُسِخَ بِالْقِيَاسِ3.
وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ بِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ وَإِلاَّ لَوَجَبَ إنْكَارُهُ4.
قَالَ5 الْمُنْكِرُونَ: التَّقْرِيرُ لا صِيغَةَ لَهُ، فَلا يُقَابِلُ الصِّيغَةَ6.
رُدَّ بِجَوَازِهِ7
__________
1 في ش: نسخه.
2 وعند الحنفية عن كان العلم بالفعل في مجلس ذكر العام فهو تخصيص، وإن لم يكن في المجلس بل متأخراً عنه فهو نسخ.
"انظر: فواتح الرحموت 1/354ن المحلي على جمع الجوامع 2/32، المستصفى 2/110، مختصر البعلي 123، نزهة الخاطر 2/167".
3 فصل الإسنوي بين تخصيصه بالتقرير بالنسبة للفاعل، وبين شمول للباقي، فالأول تخصيص، والثاني نسخ، وقال غيره: يكون الثاني تخصيصاً أيضاً بالقياس على الفاعل.
"انظر: نهاية السول 2/156، المحلي على جمع الجوامع 2/32، فواتح الرحموت 1/354".
4 انظر: نهاية السول 2/156، العضد على ابن الحاجب 2/151، المحصول ج2 ق3/127، مناهج العقول 2/154، الإحكام للآمدي 2/331، اللمع ص21، فواتح الرحموت 1/354.
5 في ع: وقال.
6 انظر: الإحكام للآمدي 2/332.
7 انظر: المرجع السابق.(3/374)
وَحَيْثُ جَازَ التَّخْصِيصُ بِالتَّقْرِيرِ، فَهَلْ الْمُخَصَّصُ1 نَفْسُ تَقْرِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ الْمُخَصَّصُ مَا تَضْمَنَّهُ التَّقْرِيرُ مِنْ سَبْقِ قَوْلٍ بِهِ، فَيَكُونُ مُسْتَدِلاًّ بِتَقْرِيرِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ خُصَّ بِقَوْلٍ سَابِقٍ، إذْ لا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا مَا فِيهِ مُخَالَفَةٌ: لِلْعَامِّ إلاَّ بِإِذْنٍ صَرِيحٍ، فَتَقْرِيرُهُ دَلِيلُ ذَلِكَ؟
فِيهِ2 وَجْهَانِ.
قَالَ ابْنُ فُورَكٍ وَالطَّبَرِيُّ. الظَّاهِرُ الأَوَّلُ.
[وَ] يَجُوزُ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ الْعَامِّ أَيْضًا "بِمَذْهَبِ صَحَابِيٍّ" عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ حُجَّةٌ3.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: إذَا قُلْنَا: قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ. جَازَ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَبِهِ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ4.
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ض ب: وفيه.
3 وهو قول الحنفية والحنابلة، وقد صرح ابن عبد الشكور بذلك فقال: "فعل الصحابي العالم مخصص عند الحنفية والحنابلة، خلافاً للشافعية والمالكية" "فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 1/355". وهناك قول يفصل بين كون الصحابي راوياً للعموم، وبين كونه مخصصاً مطلقاً.
"وانظر: العدة 2/579، التمهيد ص125، تخريج الفروع على الأصول ص82، شرح تنقيح الفصول ص219، المس2/112، مختصر ابن الحاجب 2/151، المحصول ج 1 ق3/191، الإحكام للآمدي 3/333، المحلي على جمع الجوامع 2/33، المسودة ص127، الروضة2/248، نزهة الخاطر 2/169، تيسير التحرير 1/326، إرشاد الفحول ص161، مختصر البعلي ص 123، مختصر الطوفي ص 109، مباحث الكتاب والسنة ص 228".
وقال المناوي:" هذا الحديث "من بدل دينه فاقتلوه" مثل به أصحابنا في الأصول إلى ماذهبوا إليه من أن مذهب الصحابي لايخصص العام، فإن الحديث من رواية ابن عباس مع قوله "إن المرتدة لاتقتل" "فيض القدير 6/95"
4 إن مانقله ابن قاضي الجبل عن المالكية فيه تساهل وعدم دقة بالنقل عنهم، وسبق ما قاله ابن عبد الشكور من اتفاق مع الحنابلة، مخالفة المالكية والشافعية لهم، وقال ابن الحاجب المالكي: "الجمهور أن مذهب الصحابي ليس بمخصص، ولو كان الراوي، خلافاً للحنفية والحنابلة".
"مختصر ابن الحاجب2/151".
"انظر: المراجع السابقة".(3/375)
وَابْنُ حَزْمٍ وَعِيسَى بْنُ أَبَانَ1.
وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ2.إذَا قَالُوا بِقَوْلِهِ الْقَدِيمِ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً3. اهـ.
[وَبِقَضَايَا الأَعْيَانِ4] يَعْنِي أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ يُخَصُّ بِقَضَايَا الأَعْيَانِ، مِثَالُ ذَلِكَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ5 ثُمَّ أَذِنَ فِي لُبْسِهِ لِعَبْدِ
__________
1 هو عيسى بن إبان بن صدقة أبو موسى، الحنفي، كان من أصحاب الحديث ثم غلب عليه الرأي، وتفقه على محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، وكان حسن الوجه، وحسن الحفظ للحديث، وتولى قضاء العسكر، ثم قضاء البصرة، تفقه عليه أبو خازم القاضي، وقال عنه: ما رأيت لأهل بغداد حدثاً أزكى من عيسى بن إبان وبشر بن الوليد، وقال هلال بن أمية: "ما في الإسلام قاض أفقه منه" له كتاب"الحج" و"خبر الواحد" و"إثبات القياس" و "اجتهاد الرأي" مات بالبصرة سنة 221هـ.
انظر ترجمته في "الفوائد البيهة ص151، تهذيب الأسماء 2/44، الجواهر المضيئة 1/401، طبقات الفقهاء ص137، أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 141، الفهرست ص289، تاريخ بغداد 11/157، الأعلام للزركلي 5/283".
2 ذهب الجمهور من المالكية والشافعية وكثير من الحنابلة إلى عدم تخصيص العام بمذهب إلى الصحابي.
"انظر: المحصول جـ1ق3/191، الإحكام للآمدي 2/333، المستصفى 2/112، جمع الجوامع 2/33، التبصرة ص149، اللمع ص21، شرح تنقيح الفصول ص219، البرهان 1/430، المنخول ص175، مختصر ابن الحاجب 2/151، نهاية السول 2/160،فواتح الرحموت 1/355، المسودة ص127،128، مختصر البعلي ص 123، العدة 2/580، مباحث الكتاب والسنة ص 238، إرشاد الفحول ص161، فيض القدير 6/95".
3 انظر تحقيق مذهب الشافعي رحمه الله تعالى في قوله الصحابي في "أثر الأدلة المختلف فيها، للدكتور مصطفى البغا، ص 347، وما بعدها، التبصرة ص 149".
4 انظر: المسودة ص 118، 130، إرشاد الفحول ص162.
5 ورد النهي عن لبس الحرير للرجال في أحاديث كثيرة عن عمر رضي الله عنه، ورواها البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان عن أنس وعمر وأبي موسى وعلي وعقبة بن عامر وغيرهم رضي الله عنهم.
"انظر: صحيح البخاري 4/21 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 14/36 وما بعدها، سنن أبي داود 2/369، تحفة الأحوذي 5/383، سنن ابن ماجه 2/1187، موارد الظمان ص 352، التخليص الحبير 4/222".(3/376)
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ1، لِقَمْلٍ كَانَ بِهِمَا2، 3إذْنُهُ لَهُمَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ فَيَكُونُ الإِذْنُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ النَّهْيِ4.
"وَ" يَجُوزُ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ الْعَامِّ أَيْضًا "بِالْقِيَاسِ" قَطْعِيًّا كَانَ أَوْ ظَنِّيًّا5
__________
1 هو الصحابي الزبير بن العوام بن خويلد، أبو عبد الله، القريشي الأسدي، المدني، ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة المبشرين بالجنة، أسلم قديماً، وهو ابن خمس عشرة سنة بعد إسلام أبي بكر بقليل، وهو أحد الستة أصحاب الشورى، هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وهو أول من سل سيفاً في سبيل الله، شهد بدراً وأحداً والخندق والحديبية وخيبر وفتح مكة وجميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد اليرموك وفتح مصر، وشهد الجمل مع علي ثم انصرف عن القتال فلحقه جماعة من الغواة فقتلوه بناحية البصرة بوادي السباع سنة 36?، ومناقبه كثيره.
انظر ترجمته في "الإصابة 3/5 المطبعة الشرفية، أسد الغابة 2/249، تهذيب الأسماء 1/194، الخلاصة2/334، مطبعة الفجالة الجديدة، مشاهير علماء الأمصار ص7، حلية الأولياء 1/89".
2 روى البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو رخص للزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف، في لبس الحرير لحكة كانت بهما"، وفي رواية لمسلم عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القمل، فرخص لهما في قمص الحرير في غزاة لهما".
"انظر: صحيح البخاري 4/22 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 14/53 وما بعدها، سنن أبي داود 2/372، طبقات ابن سعد 3/103، سنن ابن ماجه 2/118".
3 ساقطة من ش.
4 في ض: انتهى.
وانظر إرشاد الفحول ص 162.
5 انظر هذه المسألة في "العدة 2/559، الروضة 2/249، المسودة ص119، نزهة الخاطر 2/169، مختصر البعلي ص 124، تخريج الفروع على الأصول ص 175، شرح تنقيح الفصول ص203، التبصرة ص 137، نهاية السول 2/151، البرهان 1/428، شرح الورقات ص116، المنخول ص 175، مختصر ابن الحاجب 2/153، المحصول ج1 ق3/148، الإحكام للآمدي 2/337، المستصفى 2/122، جمع الجوامع 2/29، فواتح الرحموت 1/357، تيسير التحرير 1/321، أصول السرخسي 1/142، إرشاد الفحول ص 159، مباحث الكتاب والسنة ص223، اللمع ص 21".(3/377)
ثُمَّ إنْ كَانَ قَطْعِيًّا خُصَّ1 بِهِ الْعَامُّ قَطْعًا, قَالَهُ الإِبْيَارِيُّ2 فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ3 وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا, فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ وَالأَشْعَرِيُّ وَالأَكْثَرُ: جَوَازُ التَّخْصِيصِ بِهِ4.
وَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالطُّوفِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا: يُخَصَّصُ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ دُونَ غَيْرِهِ, وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ5.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ, فَقِيلَ: الْجَلِيُّ قِيَاسُ الْعِلَّةِ, وَالْخَفِيُّ6 قِيَاسُ الشَّبَهِ7.
__________
1 في ش: يخص.
2في ز ض: الأنباري.
3 في ش: البرهاني.
4 نقل ابن الحاجب هذا الرأي عن الأئمة الأربعة، ونقله الغزالي عن مالك والشافعي وأبي حنيفة، بينما نقل السرخسي عن أكثر الحنيفة أن تخصيص العام لايجوز بالقياس وخبر الواحد إلا إذا ثبت تخصيصه أولاً وابتداءً. "أصول السرخسي 1/142".
وانظر "نهاية السول 2/151، التبصرة ص 137، مختصر ابن الحاجب 2/154، المستصفى 2/122، تيسير التحرير 1/321، مباحث الكتاب والسنة ص 223".
5 وهو قول الاصطخري من الشافعية.
" انظر: شرح تنقيح الفصول ص 203، مختصر ابن الحاجب 2/153، المحصول ج1ق 3/149، الإحكام للآمدي 2/337، المستصفى 2/123، جمع الجوامع 2/29، فواتح الرحموت 1/357، تيسير التحرير 1/322، نهاية السول 2/151، الروضة2/249، مختصر البعلي ص 124، مختصر الطوفي ص 109، إرشاد الفحول ص 159".
6 ساقطة من ع.
7 قال الطوفي: الجلي قياس العلة، وقيل مايظهر فيه المعنى نحو: "لا يقضي القاضي وهو غضبان"، والخفي قياس الشبه"، "مختصر الطوفي ص 110"، والحديث رواه مسلم وغيره بلفظ: "لايحكم أحد بين اثنين وهو غضبان" "صحيح مسلم بشرح النووي 12/15".
وانظر: الروضة 2/250، نزهة الخاطر 2/170، نهاية السول 2/151، مختصر ابن الحاجب 2/153، شرح تنقيح الفصول ص 203، المحصول ج1 ق3 /149، المستصفى 2/131، إرشاد الفحول ص 159".(3/378)
وَقِيلَ: الْجَلِيُّ: مَا تَبَادَرَتْ1 عِلَّتُهُ إلَى الْفَهْمِ عِنْدَ سَمَاعِ الْحُكْمِ. كَتَعْظِيمِ الأَبَوَيْنِ عِنْدَ سَمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 2.
وَقِيلَ: الْجَلِيُّ مَا يَنْقُضُ3 قَضَاءَ الْقَاضِي بِخِلافِهِ4 وَالْخَفِيُّ خِلافُهُ5.
وَقَالَ ابْنُ أَبَانَ: يُخَصُّ بِالْقِيَاسِ إنْ كَانَ الْعَامُّ مُخَصَّصًا, فَقَالَ: إنْ خُصَّ الْعَامُّ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ, جَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْقِيَاسِ وَإِلاَّ فَلا, وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ6.
وَمَنَعَ قَوْمٌ التَّخْصِيصَ بِالْقِيَاسِ فِي الْقُرْآنِ خَاصَّةً, وَعُزِيَ إلَى الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَنَّ التَّخْصِيصَ عِنْدَهُمْ نَسْخٌ, وَلا يُنْسَخُ الْقُرْآنُ بِالْقِيَاسِ وَلَوْ كَانَ جَلِيًّا7.
__________
1 في ض ع: تتبادر.
2 الآية 23 من الإسراء.
3 في زع: ينتفض.
4 ساقطة من ش.
5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 203، المحصول ج1ق3 /150.
6 انظر: مختصر الروضة 2/250، نهاية السول 2/151، التبصرة ص 138، اللمع ص 21، شرح تنقيح الفصول ص 203، مختصر ابن الحاجب 2/153، المحصول ج1 ق3 /148، الإحكام للآمدي 3/337، المستصفى 2/123، جمع الجوامع 2/29، تيسير التحرير 1/322، فواتح الرحموت 1/357، العدة 2/1563، المسودة ص120، مختصر البعلي ص 125، مختصر الطوفي ص 110".
7 قاله ابن حامد وأبو إسحاق ابن شاقلا وأبو الحسن الجزري من الحنابلة واختاره البزودي والسرخسي وابن الهام وصدر الشريعة من الحنفية، ونقله السرخسي عن أكثر مشايخ الحنفية، وفي قول بمتع تخصيص العام بالقياس مطلقاً، واختار القاضي أبو بكر الباقلاني الوقف، ووافقه الجويني والغزالي، وفي التخصيص بالقياس أقوالا اخرى.(3/379)
وَاسْتَدَلَّ لِلتَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ بِأَنَّ الْقِيَاسَ خَاصٌّ لا يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ, وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَهُمَا، فَقَدَّمَ التَّخْصِيصَ بِهِ1.
"وَيُصْرَفُ بِهِ" أَيْ بِالْقِيَاسِ مَعْنًى "ظَاهِرٌ غَيْرُ عَامٍّ" مِنْ أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ يَحْتَمِلُهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ، هُوَ فِي أَحَدِهِمَا2 ظَاهِرٌ وَفِي الآخَرِ مَرْجُوحٌ "إلَى احْتِمَالٍ مَرْجُوحٍ" أَيْ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَرْجُوحٌ لِكَوْنِ3 اللَّفْظِ غَيْرَظَاهِرٍ فِيهِ لأَجْلِ مُوَافَقَتِهِ الْقِيَاسَ.
"وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَنَحْوُهَا" وَهِيَ4 صَرْفُ الظَّاهِرِ إلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ "ظَنِّيَّةٌ" لأَنَّ أَدِلَّتَهَا ظَنِّيَّةٌ لا قَطْعِيَّةٌ, فَتَكُونَ مِنْ ظَاهِرِ5 بَابِ الظُّنُونِ.
وَخَالَفَ الْبَاقِلاَّنِيُّ، لِلْقَطْعِ بِالْعَمَلِ بِالظَّنِّ الرَّاجِحِ
__________
"انظر: جمع الجوامع 2/30، المحصول ج1 ق3/148، الإحكام 2/337، أصول السرخسي 1/141، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/153، 154، التبصرة ص 138، نهاية السول 2/151، أحكام القرآن للجصاص 2/24، تخريج الفروع على الأصول ص 176، كشف الأسرار 1/294، الإحكام للآمدي 2/337، فواتح الرحموت 1/358، تيسير التحرير 1/322، المسودة ص 119، 120، الروضة 2/249، مختصر البعلي ص 124، مختصر الطوفي ص 109، إرشاد الفحول ص 159، التلويح على التوضيح 1/204، اللمع ص 21، شرح تنقيح الفصول ص 203، البرهان 1/428، المنخول ص 175، المستصفى 2/122".
1 انظر: التبصرة ص 139 وما بعدها، المحصول ج1 ق3\152، الإحكام للآمدي 2/338، المستصفى 2/128، ومابعدها، اللمع ص 21، شرح تنقيح الفصول ص 203، العضد على ابن الحاجب 1/154، الروضة 2/250، تخريج الفروع على الأصول ص 175، تيسير التحرير 1/322، إرشاد الفحول ص 159، مباحث الكتاب والسنة ص 223، فواتح الرحموت 1/358".
2 ساقطة من ش.
3 في ش: لكن لكون.
4 في ز ض ع ب: وهو.
5 ساقطة من ز ش ض ع.(3/380)
"وَفِعْلِ الْفَرِيقَيْنِ" مِنْ الصَّحَابَةِ "إذْ قَالَ" النَّبِيُّ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ1 لَمَّا فَرَغَ مِنْ الأَحْزَابِ وَ2أَمَرَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ: "لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْعَصْرَ إلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ". يَرْجِعُ إلَى تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ وَعَدَمِهِ3, فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ذُكِرَ لَهُ: أَنَّ طَائِفَةً صَلَّتْ فِي الطَّرِيقِ فِي الْوَقْتِ، وَطَائِفَةً صَلَّتْ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ بَعْدَ الْوَقْتِ: لَمْ يَعِبْ طَائِفَةً مِنْهُمَا.
فَمَنْ أَخَّرَ الصَّلاةَ حَتَّى وَصَلَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، أَخَذَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ: "لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْعَصْرَ إلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ".
وَمَنْ صَلَّى فِي الْوَقْتِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، أَخَذَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ: التَّأْكِيدُ فِي سُرْعَةِ الْمَسِيرِ إلَيْهِ، لا فِي تَأْخِيرِ الصَّلاةِ عَنْ وَقْتِهَا.
"وَالْمُصِيبُ" مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ "الْمُصَلِّي فِي الْوَقْتِ فِي قَوْلٍ" اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لَكِنَّ4 الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ: التَّأَهُّبُ وَسُرْعَةُ الْمَسِيرِ، لا تَأْخِيرُ الصَّلاةِ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ هُنَا أَرْجَحُ، وَأَنَّ الْمُؤَخِّرَ لِلصَّلاةِ حَتَّى وَصَلَ 5بَنِي قُرَيْظَةَ هُوَ الْمُصِيبُ فِي فِعْلِهِ, وَاخْتِلافُ الْعُلَمَاءِ فِي الرَّاجِحِ مِنْ الْفِعْلَيْنِ يَدُلُّ عَلَى6 أَنَّ كُلاًّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَعَلَ مَا فَعَلَهُ بِاجْتِهَادٍ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُعَنِّفْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَائِفَةً مِنْهُمَا.
__________
1 ساقطة من ش ز ض.
2 ساقطة من ش.
3انظر: التمهيد ص 125.
4 في ش: لكن.
5 في ش ز ع.
6 ساقطة من ع.(3/381)
فصل تقديم الخاص على العام مطلقا سواء كانا مقترنين أو غير مقترنين:
"إذَا وَرَدَ" عَنْ الشَّارِعِ لَفْظٌ "عَامٌّ وَ" لَفْظٌ "خَاصٌّ، قُدِّمَ الْخَاصُّ مُطْلَقًا1" أَيْ سَوَاءٌ كَانَا مُقْتَرِنَيْنِ، مِثْلَ: مَا لَوْ قَالَ فِي كَلامٍ مُتَوَاصِلٍ: اُقْتُلُوا الْكُفَّارَ وَلا تَقْتُلُوا الْيَهُودَ، أَوْ يَقُولُ: زَكُّوا الْبَقَرَ، وَلا تُزَكُّوا الْعَوَامِلَ، أَوْ كَانَا غَيْرَ مُقْتَرِنَيْنِ، سَوَاءٌ2 كَانَ الْخَاصُّ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. لأَنَّ فِي تَقْدِيمِ الْخَاصِّ عَمَلاً بِكِلَيْهِمَا، بِخِلافِ الْعَكْسِ, فَكَانَ أَوْلَى3.
وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي صُورَةِ الاقْتِرَانِ تَعَارُضُ الْخَاصِّ لِمَا قَابَلَهُ مِنْ الْعَامِّ، وَلا يُخَصَّصُ بِهِ4.
وَعَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَةٌ فِي غَيْرِ الْمُقْتَرِنَيْنِ مُوَافَقَةٌ لِقَوْلِ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ إنْ تَأَخَّرَ الْعَامُّ نُسِخَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الْخَاصُّ نُسِخَ مِنْ
__________
1 انظر هذه المسألة في "المحصول ج1ق3/161، المستصفى 2/102، 141، جمع الجوامع 2/42، فواتح الرحموت 1/345، التبصرة ص 151، اللمع ص 20، المعتمد 1/276، المسودة ص134، العدة 2/615، الروضة 2/251، مختصر الطوفي ص 108، إرشاد الفحول ص 163"
2 في ب: وسواء.
3 انظر أدلة تقديم الخاص على العام في "مختصر ابن الحاجب 2/147، الإحكام للآمدي 2/318، التبصرة ص 153، البرهان 2/1193، المعتمد 1/276، 279، المحصول ج1 ق3/161، المحلى على جمع الجوامع 2/43، نهاية السول 2/142، التمهيد ص 124، المسودة ص 134، 135، 137، الروضة 2/245، العدة 2/615، مختصر الطوفي ص 108، إرشاد الفحول ص 163".
4 انظر المسودة 137،جمع الجوامع 2/42.(3/382)
الْعَامِّ بِقَدْرِهِ, فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: إنْ جُهِلَ التَّارِيخُ وُقِفَ الأَمْرُ حَتَّى يُعْلَمَ1.
وَجْهُ الْقَوْلِ الأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ’ 2سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} 3 خَصَّ4 قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} 5.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: عَلَى هَذَا عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. مِنْهُمْ: عُثْمَانُ وَطَلْحَةُ6 وَحُذَيْفَةُ وَجَابِرٌ
__________
1 اشترط الحنفية في التخصيص شروطاً أهما: أن لا يتأخر المخصص، وأن يكون المخصص مستقلاً بالكلام، وأن يكون متصلاً في الوقت ذاته بالنص العام، وإلا كان نسخاً لا تخصيصاً، وقال بعض الظاهرية: يتعارض الخاص والعام مطلقاً، وقال بعض المعتزلة وبعض الحنفية وهو رواية عن أحمد: إنه إن جهل التاريخ فيقدم الخاص.
"انظر: المسودة ص 134، 136، جمع الجوامع 2/42، مختصر ابن الحاجب 2/147، المحصول ج1 ق3/161، المستصفى 2/103، الإحكام للآمدي 2/319، التمهيد 124، المعتمد 1/277، 278، نهاية السول 2/142، التبصرة ص 151، 153، وما بعدها، اللمع ص 20، فواتح الرحموت 1/300، 345، مختصر البعلي ص 122، مختصر الطوفي ص 108، الروضة 2/245، إرشاد الفحول ص 163، مباحث الكتاب والسنة ص 217".
2 في د: فقوله، وفي ش: قال.
3 الآية 5 من المائدة.
4 في ش: مع.
5الآية 221من البقرة.
6هو الصحابي طلحة بن عبيد الله بن عثمان، أبو محمد القريشي، التميمي المكي المدني، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية السابقين للإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يدي أبي بكر، وأحد الستة أصحاب الشورى الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم طلحة الخير وطلحة الجود، لم يشهد بدراً، لكن الرسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب له بسهم، وشهد أحداً وأبلى فيه بلاء حسناً، ثم شهد بقية المشاهد، قتل يوم الجمل سنة 36 ? وقبره في البصرة، ومناقبه كثيرة.
انظر ترجمته في "الإصابة 3/290 المطبعة الشرفية، أسد الغابة 3/85، تهذيب الأسماء 1/252، حلية الأولياء 1/87، الخلاصة 2/11 مطبعة الفجالة الجدية، مشاهير علماء الأمصار ص7".(3/383)
وَابْنُ عَبَّاسٍ1.
وَأَيْضًا: الْخَاصُّ قَاطِعٌ أَوْ أَشَدُّ تَصْرِيحًا، وَأَقَلُّ احْتِمَالاً، وَلأَنَّهُ لا فَرْقَ لُغَةً بَيْنَ تَقْدِيمِ الْخَاصِّ وَتَأْخِيرِهِ2.
"وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا" أَيْ مِنْ اللَّفْظَيْنِ الْوَارِدَيْنِ "عَامًّا مِنْ وَجْهٍ. خَاصًّا مِنْ وَجْهٍ" آخَرَ3.
مِثَالُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا" 4 مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صَلاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ" 5
__________
1 زاد المسير 1/247.
2 انظر مزيداً من أدلة الجمهور في تقديم الخاص في "نهاية السول 2/142، التبصرة ص 151، 153، وما بعدها، اللمع ص 20، المعتمد 1/276، وما بعدها، المحصول جـ1 ق 3/162، الإحكام للآمدي 2/319، وما بعدها المحلي على جمع الجوامع 2/43، فواتح الرحموت 1/346 وما بعدها، العدة 2/615، إرشاد الفحول ص 163".
3 العام من وجه والخاص من وجه هما اللذان يوجد كل واحد منها مع الآخر أحياناً، ويوجد كل منهما بدون الآخر أحياناً أخرى، فيجتمعان في صورة، وينفرد كل واحد منها في صورة، والأمثلة في النص توضح ذلك.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص 96، 97".
4هذا حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد، وسبق تخريجه في "المجلد الأول ص 366".
5 هذا جزء من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً، ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد عن عمر رضي الله مرفوعاً، وأوله "لاصلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر ... " وقال السيوطي: "هذا حديث متواتر" وقال ابن حجر: "ورد من رواية جمع من الصحابة تزيد عن العشرين".
"انظر: صحيح البخاري 1/77 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 6/110، سنن أبي داود1/294، تحفة الأحوذي 1/540، سنن ابن ماجه 1/395، 396، سنن النسائي 1/223، مسند أحمد 1/18، 21، 39، 2/13، الموطأ ص 154 ط الشعب، المنتقى 1/364، الأزهار المتناثرة ص 15، فيض القدير 6/428، التخليص الحبير 1/185".(3/384)
فَالأَوَّلُ: خَاصٌّ فِي الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ الْفَائِتَةِ، عَامٌّ فِي الْوَقْتِ، وَالثَّانِي: عَامٌّ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَالنَّافِلَةِ، خَاصٌّ فِي الْوَقْتِ1.
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ بَدَّلَ دَيْنَهُ فَاقْتُلُوهُ" مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ" 2.
فَالأَوَّلُ عَامٌّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، خَاصٌّ فِي الْمُرْتَدِّينَ. وَالثَّانِي: خَاصٌّ فِي النِّسَاءِ، عَامٌّ فِي الْحَرْبِيَّاتِ وَالْمُرْتَدَّاتِ3.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ: فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا إذَا وَرَدَا "تَعَارَضَا" لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا بِالْعَمَلِ بِهِ دُونَ الآخَرِ "وَطُلِبَ الْمُرَجِّحُ" مِنْ خَارِجٍ4.
وَقَدْ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ: "مَنْ بَدَّلَ دَيْنَهُ فَاقْتُلُوهُ" عَلَى اخْتِصَاصِ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُهُ: "نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ" بِسَبَبِهِ النَّاشِئِ عَنْ قَتْلِ الْحَرْبِيَّاتِ5.
وَقِيلَ: الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا نَاسِخٌ. وَحُكِيَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ6.
__________
1 انظر: المسودة ص139، الروضة 2/251، اللمع ص 21، العدة 2/627، مختصر الطوفي ص 110.
2 روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه قال: وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى عن قتل النساء والصبيان" "صحيح البخاري 2/113، المطبعة العثمانية".
ورواه أبو داود وابن ماجه والدارمي ومالك وأحمد.
"انظر: سنن أبي داود 2/49، سنن ابن ماجه 2/947، سنن الدارمي 2/222، مسند أحمد 2/22، 23، 76، الموطأ ص277 ط الشعب".
3 انظر: الروضة 2/252، المحلي على جمع الجوامع 2/44، المسودة ص142، مختصر الطوفي ص110.
4 انظر: الروضة 2/251، المسودة ص139، جمع الجوامع 2/42، العدة 2/627، اللمع ص21، مختصر الطوفي ص110.
5 انظر الأحاديث في جواز قتل المرأة المرتدة في "نصب الراية 3/458، تحفة الأحوذي 5/25"
6انظر: جمع الجوامع 2/44، العدة 2/627، المسودة ص 139، مختصر البعلي ص 123، رد المختار 4/224.(3/385)
"وَإِذَا وَافَقَ خَاصٌّ عَامًّا 1" بِأَنْ. يَرِدْ2 لَفْظٌ عَامٌّ، وَيَأْتِي لَفْظٌ خَاصٌّ، هُوَ3 بَعْضٌ لِذَلِكَ4 الْعَامِّ وَدَاخِلٌ فِيهِ، نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ: "دِبَاغُهَا طُهُورُهَا" 5 فَهَذَا خَاصٌّ وَهُوَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْعَامِّ6 "لَمْ يُخَصِّصْهُ" أَيْ لَمْ يُخَصِّصْ الْخَاصُّ الْعَامَّ لِمُوَافَقَتِهِ لَهُ7.
وَقِيلَ: بَلَى8،
__________
1 في ش ز ض: عام.
2 في ش: لم يرد.
3 في ش ز ض: وهو.
4 ساقطة من ض، وفي ب: ذلك، وفي ز: أفراد.
5 هذا الحديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي في شاة ميمونة، ورواه مسلم بلفظ "دباغها طهور" ومر حديث أخر في شاة ميمونة بلفظ "أيما إهاب دبغ فقد طهر" "ص177".
"انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 4/53، سنن النسائي 7/154، سنن أبي داود2/387، مسند أحمد 4/329، 334، 336، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص293".
6 هو في قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما إهاب دبغ فقد طهر".
7 أي لا يكون حكما على باقي أفراد العام بنقيض ذلك الحكم الخاص، وبين الأسنوي هذه المسألة فقال: "إذا أفراد الشارع فرداً من أفراد العام، أي نص على واحد مما تضمنه وحكم عليه بالحكم الذي حكم به على العام فإنه لا يكون مخصصاً له" وذكر الحديثين السابقين "نهاية السول 2/161".
"وانظر: المسودة ص142، شرح تنقيح الفصول ص219، المعتمد 1/311، الإحكام للآمدي 2/225، جمع الجوامع 2/33، مختصر ابن الحاجب 2/152، فواتح الرحموت 1/355، تيسير التحرير 1/319، التمهيد ص126، المحصول ج1 ق3/195".
8 وهو قول أبي ثور، واحتج بأن تخصيص الشاة بالذكر يدل بمفهومه على نفي الحكم عما عداه، وأنه يجوز المنطوق بالمفهوم "كما سبق"، ورد الجمهور عليه أن هذا مفهوم لقب، وليس بحجة.
"انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/33، المسودة ص142، نهاية السول 2/162، المحصول ج1 ق3/195، الإحكام للآمدي 2/335، فواتح الرحموت 1/356، شرح تنقيح الفصول ص219، المعتمد 1/311، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/152، تيسير التحرير 1/320، التمهيد ص126".(3/386)
اسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ بِأَنَّهُ لا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا فَيُعْمَلَ بِهِمَا1.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ2 ذَلِكَ أَيْضًا3: قَوْله تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} 4 فَذِكْرُهُ5 بَعْدَهُ لَيْسَ تَخْصِيصًا لِلأَوَّلِ بِإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، بَلْ اهْتِمَامًا بِهَذَا النَّوْعِ، فَإِنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ 6إذَا اهْتَمَّتْ بِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْعَامِّ خَصَّصَتْهُ بِالذِّكْرِ، إبْعَادًا لَهُ عَنْ الْمَجَازِ وَالتَّخْصِيصِ بِذَلِكَ النَّوْعِ7.
وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ 8 وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} 9.
وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْله تَعَالَى: {فِيهَا 10 فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} 11 لأَنَّ فَاكِهَةً مُطْلَقٌ12
" وَلا تَخُصُّ13 عَادَةٌ عُمُومًا، وَلا تُقَيِّدُ" الْعَادَةُ "مُطْلَقًا" نَحْوُ:
__________
1 انظر: المسودة ص142، نهاية السول 2/162، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/152، المحصول ج1ق3/197، الإحكام للآمدي 3/335، فواتح الرحموت 1/356، تيسير التحرير320.
2 ساقطة من ض.
3 ساقطة من ض ب.
4 الآية 90 من النحل.
5 في ب: قد ذكره.
6 ساقطة من ش.
7 شرح تنقيح الفصول ص219-220.
8 ساقطة من ع ض ب ز.
9 لآية 98 من البقرة، وأول الآية {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} . الآية
10 ساقطة من ع ض ب ز.
11 الآية 68 من الرحمن.
12 انظر" شرح تنقيح الفصول ص 220.
13 في ع ب: ولا تخصص.(3/387)
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ1 الرِّبَا فِي الطَّعَامِ وَعَادَتُهُمْ الْبُرُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ2، خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ3, وَلِهَذَا لا نَقْضَ بِنَادِرٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ, قَصْرًا لِلْغَائِطِ عَلَى الْمُعْتَادِ, وَذَكَرَهُ4 الْقَاضِيَ فِي مَوَاضِعَ.
وَجْهُ الأَوَّلِ: الْعُمُومُ لُغَةً وَعُرْفًا، وَالأَصْلُ عَدَمُ مُخَصَّصٍ5.
وَفِي شَرْحِ الْعُنْوَانِ لابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ الصَّوَابَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْعَادَةِ الرَّاجِعَةِ إلَى الْفِعْلِ، وَالرَّاجِعَةِ إلَى الْقَوْلِ، فَيُخَصَّصُ بِالثَّانِيَةِ الْعُمُومُ لِسَبْقِ الذِّهْنِ عِنْدَ الإِطْلاقِ إلَيْهِ دُونَ الأُولَى، أَيْ6 إذَا تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ، وَ7لَكِنْ لَمْ
__________
1 ساقطة من ش ع.
2 قال الشافعية: العادة التي كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقررها عليه الصلاة والسلام تخصص الدليل العام، نص على ذلك الغزالي والآمدي وأبو الحسين البصري، أما مطلق العادة والعرف فلا يخصص بها عند الشافعية، قال إمام الحرمين الجويني: "فالذي رآه الشافعي أن عرف المخاطبين لايوجب تخصيص لفظ الشارع" "البرهان1/446".
"وانظر: المحصول ج1ق3/198، الإحكام للآمدي 2/324، المستصفى 2/111، تيسير التحرير 1/317، شرح تنقيح الفصول ص 211، مختصر ابن الحاجب 2/152، جمع الجوامع 2/34، نهاية السول 2/155، اللمع ص 22، مناهج العقول 2/154، المسودة ص 123، مختصر البعلي ص124، العدة 2/593، إرشاد الفحول ص161".
3 قال القرافي المالكي: "وعندنا العوائد مخصصة للعموم" "شرح تنقيح الفصول ص211"، وقال ابن الحاجب: "الجمهور إن العادة.... ليس بمخصص" "مختصر ابن الحاجب 2/152"، وقال الآمدي: "فقد اتفق الجمهور من العلماء على عمومه،..... وأن العادة لاتكون منزلة للعموم على تحريم المعتاد دون غيره خلافاً لأبي حنيفة". "الإحكام 2/334".
"وانظر"تيسير التحرير 1/317، إرشاد الفحول ص161، مختصر البعلي ص 124، المسودة ص 124، المعتمد 1/301، المحصول ج1ق3/199، فواتح الرحموت 1/345".
4 في ش: وذكر.
5 انظر: المسودة ص 124، مختصر ابن الحاجب 2/152.
في ض: المخصص.
6ساقطة من ض.
7 الواو ساقطة من ع ز.(3/388)
يُقَرِّرْهَا1 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2.
"وَلا يُخَصُّ عَامٌّ بِمَقْصُودِهِ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ، خِلافًا لِعَبْدِ الْوَهَّابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ3
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ4 لَمْسِ النِّسَاءِ مَا يُقْصَدُ مِنْهُنَّ غَالِبًا مِنْ الشَّهْوَةِ، ثُمَّ لَوْ عَمَّتْ خُصَّتْ5 بِهِ, وَخَصَّهُ حَفِيدُهُ أَيْضًا بِالْمَقْصُودِ6.
"وَلا" يُخَصُّ عَامٌّ "بِرُجُوعِ ضَمِيرٍ إلَى بَعْضِهِ" أَيْ بَعْضِ الْعَامِّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَالشَّافِعِيَّةِ7.
وَعَنْهُ 8: بَلْ9 كَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ10.
__________
1 في زض ب: يقدرها.
2 وقال المجد ابن تيمية: "تخصيص العموم بالعادة بمعنى قصره على العمل المعتاد كثير المنفعة، وكذا قصره على الأعيان التي كان الفعل معتاداً فيها زمن التكلم" "المسودة ص 125".
"وانظر: العدة 2/592، المسودة ص 123، فواتح الرحموت 1/345، إرشاد الفحول ص 161".
3 انظر: المسودة ص 132، القواعد والفوائد الأصولية ص 224، مختصر البعلي ص 124.
4 في ض: منه.
5 في ش: خصت.
6 انظر: المسودة ص 132، القواعد والفوائد الأصولية ص234، مختصر البعلي ص124.
7 وهو ما اختاره الآمدي وابن الحاجب والبيضاوي والقاضي عبد الجبار والتاج السبكي، وسبقت الإشارة إليه في آخر بحث العام "صفحة 262 وما بعدها".
"انظر: مختصر ابن الحاجب 2/153، المحصول ج1ق3/208، الإحكام للآمدي 3/326، جمع الجوامع 2/23، مناهج العقول 2/165، اللمع ص 22، شرح تنقيح الفصول 2/614، فواتح الرحموت 1/356، تيسير التحرير 1/320".
8أي عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وهو اصطلاح عند الحنابلة.
9في ش: بل.
10 ما اختاره إمام الحرمين الجويني وأبو الحسين البصري المعتزلي، ونقله القرافي عن الشافعي، وهو مارجحه الكمال بن الهام.
"انظر نهاية السول 2/165، المحلي على جمع الجوامع 2/23، شرح تنقيح الفصول ص223، مناهج العقول 2/165، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/153، الإحكام للآمدي 2/326، فواتح الرحموت 1/256، تيسير التحرير 1 1/320، مختصر البعلي ص 124، المسودة ص138، المعتمد 1/306".(3/389)
وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ1.
مِثَالُ ذَلِكَ: قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 2 ثُمَّ قَالَ {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ 3} 4 فَإِنَّ الْمُطَلَّقَاتِ يَعُمُّ الْبَوَائِنَ وَالرَّجْعِيَّاتِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ} عَائِدٌ إلَى الرَّجْعِيَّاتِ؛ لأَنَّ الْبَائِنَ لا يَمْلِكُ الزَّوْجُ رَدَّهَا5.
وَلَوْ وَرَدَ بَعْدَ6 الْعَامِّ حُكْمٌ لا يَأْتِي إلاَّ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الضَّمِيرِ, صَرَّحَ بِهِ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ7
__________
1 اختار الوقف الإمام فخر الدين الرازي في "المحصول ج1ق3/210، ونقله الآمدي عن إمام الحرمين الجويني وأبي الحسين البصري، بينما نقل ابن الحاجب عنهما التخصيص.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص 223، المعتمد 1/206، مختصر ابن الحاجب 2/152، الإحكام للآمدي 2/326، تيسير التحرير 1 1/320، نهاية السول 2/165، مناهج العقول 2/165".
2 الآية 228 من البقرة.
3 في ض: بردهن في ذلك.
4 الآية 228 من البقرة.
5 انظر: شرح تنقيح الفصول 218، 223، المعتمد، 1/307، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/153، العدة 2/614، فواتح الرحموت 1/356، تيسير التحرير 1 1/320، اللمع ص 22، 25، مناهج العقول 2/165، المسودة ص 138، مختصر البعلي ص124، نهاية السول 2/165.
6 في ض: بعض.
7 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 219، 223، المحصول ج1ق3/208، نهاية السول 2/165، المسودة ص128، مناهج العقول 2/165، الإحكام للآمدي 2/336.(3/390)
وَمِثْلُهُ الرَّازِيّ بِقَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} 1 ثُمَّ قَالَ: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ} 2 يَعْنِي الرَّغْبَةَ فِي مُرَاجَعَتِهِنَّ، وَالْمُرَاجَعَةُ لا تَأْتِي فِي الْبَائِنِ3.
وَجْهُ الأَوَّلِ: أَنَّ الْمَظْهَرَ عَامٌّ، وَالأَصْلَ بَقَاؤُهُ, فَلا يَلْزَمُ مِنْ تَخْصِيصِ الْمُضْمَرِ تَخْصِيصُهُ4.
قَالُوا: يَلْزَمُ وَإِلاَّ لَمْ يُطَابِقْهُ5.
رُدَّ، لا يَلْزَمُ كَرُجُوعِهِ مَظْهَرًا6, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 الآية الأولى من الطلاق.
2 الآية الأولى من الطلاق.
3 انظر: المحصول ج1ق3/209، نهاية السول 2/166، شرح تنقيح الفصول ص223، المعتمد 1/306.
4 انظر: نهاية السول 2/116، العضد على ابن الحاجب2/153، مناهج العقول 2/166.
5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص224، نهاية السول 2/166.
6 انظر: نهاية السول2/166.(3/391)
باب المطلق:
"الْمُطْلَقِ" مَأْخُوذٌ مِنْ مَادَّةٍ تَدُورُ عَلَى مَعْنَى الانْفِكَاكِ مِنْ الْقَيْدِ1، فَلِذَلِكَ قُلْنَا: هُوَ [مَا تَنَاوَلَ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةٍ شَامِلَةٍ لِجِنْسِهِ] .
فَخَرَجَ بِقَوْلِنَا "مَا تَنَاوَلَ وَاحِدًا" أَلْفَاظُ الأَعْدَادِ الْمُتَنَاوِلَةُ لأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ.
وَخَرَجَ بِ "غَيْرَ مُعَيَّنٍ" الْمَعَارِفُ كَزَيْدٍ وَنَحْوِهِ.
وَبِبَاقِي2 الْحَدِّ: الْمُشْتَرَكُ وَالْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ، فَإِنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا يَتَنَاوَلُ وَاحِدًا لا بِعَيْنِهِ لا بِاعْتِبَارِ حَقَائِقَ مُخْتَلِفَةٍ.
وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} 3 وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ" 4 فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ لَفْظِ "الرَّقَبَةِ" وَ "الْوَلِيِّ" قَدْ يَتَنَاوَلُ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ مِنْ جِنْسِ الرِّقَابِ5 وَالأَوْلِيَاءِ.
وَفِيهِ حُدُودٌ غَيْرُ ذَلِكَ، قَلَّ أَنْ يَسْلَمَ مِنْهَا حَدٌّ6
__________
1 انظر معجم مقاييس اللغة 3/420.
2 في ع: ومافي. وفي ض: ويأتي. وفي ب: باقي.
3 الآية 3 من المجادلة.
4 سبق تخريجه في ج2 ص551.
5 في ش: الرقيات.
6 انظر تعريفات الأصوليين في "البرهان 1/256، المسودة ص147، الإحكام للآمدي 3/3، كشف الأسرار 2/286، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/44، إرشاد الفحول ص 164، فواتح الرحموت 1/360، المحصول ج1ق3/521، التعريفات للجرجاني ص115، الحدود للباجي ص47، نشر البنود على مراقي السعود 1/264، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب2/155، مناهج العقول 2/138، شرح تنقيح الفصول ص 266".(3/392)
"وَ" يُقَابِلُ الْمُطْلَقَ "الْمُقَيَّدُ" وَهُوَ "مَا تَنَاوَلَ مُعَيَّنًا أَوْ مَوْصُوفًا بِزَائِدٍ1" أَيْ2 بِوَصْفٍ زَائِدٍ "عَلَى حَقِيقَةِ جِنْسِهِ"3 نَحْوُ " شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَ "4 رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ5 وَهَذَا الرَّجُلُ.
وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُ فِي تَقْيِيدِهِ بِاعْتِبَارِ قِلَّةِ الْقُيُودِ وَكَثْرَتِهَا، فَمَا كَثُرَتْ فِيهِ قُيُودُهُ كَقَوْله تَعَالَى: {عَسَى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ} 6 الآيَةَ7أَعْلَى رُتْبَةً مِمَّا قُيُودُهُ أَقَلُّ.
"وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ" أَيْ الإِطْلاقُ وَالتَّقْيِيدُ "فِي لَفْظٍ" وَاحِدٍ "بِا" عْتِبَارِ "الْجِهَتَيْنِ" فَيَكُونَ اللَّفْظُ مُقَيَّدًا مِنْ وَجْهٍ مُطْلَقًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ8.
نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} 9 قُيِّدَتْ الرَّقَبَةُ10 مِنْ حَيْثُ الدِّينُ وَالإِيمَانُ11 فَتَتَعَيَّنُ12 الْمُؤْمِنَةُ لِلْكَفَّارَةِ، وَأُطْلِقَتْ مِنْ حَيْثُ مَا سِوَى الإِيمَانِ مِنْ
__________
1 ساقطة من ض ب. وفي متن مختصر التحرير: زائداً.
2 ساقطة من ع ض ب.
3 انظر تعريفات للمقيد في " الحدود للباجي ص 48، فواتح الرحموت 1/360، إرشاد الفحول ص164، كشف الأسرار 2/286، الإحكام للآمدي 3/4، شرح العضد 2/155، مناهج العقول 2/138، شرح تنقيح الفصول ص266، روضة الناظر ص260".
4 الآية 4 من المجادلة.
5 الآية 92من النساء.
6 في ش: قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراً.
7 الآية 5 من التحريم.
8 شرح تنقيح الفصول ص266.
9 الآية 92 من النساء.
10 ساقطة من ش.
11 في ش: والإيمان.
12 في ب: فتعين.(3/393)
الأَوْصَافِ، كَكَمَالِ الْخِلْقَةِ وَالطُّولِ وَالْبَيَاضِ وَأَضْدَادِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ, فَالآيَةُ مُطْلَقَةٌ فِي كُلِّ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَفِي كُلِّ كَفَّارَةٍ مُجْزِئَةٍ, مُقَيَّدَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُطْلَقِ1 الرِّقَابِ وَمُطْلَقِ الْكَفَّارَاتِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الإِطْلاقَ وَالتَّقْيِيدَ تَارَةً يَكُونَانِ فِي الأَمْرِ، كَأَعْتِقْ رَقَبَةً وَأَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، وَتَارَةً فِي الْخَبَرِ، كَـ "لا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ" 2، وَ "لا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ مرشد 3 وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ 4 ".
قَالَ الطُّوفِيُّ: وَهُمَا فِي الأَلْفَاظِ مُسْتَعَارَانِ مِنْهُمَا فِي الأَشْخَاصِ, يُقَالُ: رَجُلٌ أَوْ حَيَوَانٌ مُطْلَقٌ: إذَا خَلا عَنْ قَيْدٍ أَوْ عِقَالٍ، وَمُقَيَّدٌ إذَا كَانَ فِي رِجْلِهِ قَيْدٌ أَوْ عِقَالٌ أَوْ شِكَالٌ وَنَحْوُهُ مِنْ مَوَانِعِ الْحَيَوَانِ مِنْ الْحَرَكَةِ الطَّبِيعِيَّةِ الاخْتِيَارِيَّةِ.
فَإِذَا قُلْنَا: أَعْتِقْ رَقَبَةً فَهَذِهِ الرَّقَبَةُ شَائِعَةٌ فِي جِنْسِهَا شُيُوعُ الْحَيَوَانِ الْمُطْلَقِ بِحَرَكَتِهِ الاخْتِيَارِيَّةِ بَيْنَ جِنْسِهِ, وَإِذَا قُلْنَا: أَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ لَهَا كَالْقَيْدِ الْمُمَيِّزِ لِلْحَيَوَانِ الْمُقَيَّدِ مِنْ بَيْنِ أَفْرَادِ جِنْسِهِ، وَمَانِعَةً لَهَا مِنْ الشُّيُوعِ, كَالْقَيْدِ الْمَانِعِ لِلْحَيَوَانِ مِنْ الشُّيُوعِ بالْحَرَكَةِ 5فِي جِنْسِهِ.
وَهُمَا أَمْرَانِ نِسْبِيَّانِ بِاعْتِبَارِ الطَّرَفَيْنِ، فَمُطْلَقٌ لا مُطْلَقَ بَعْدَهُ كَمَعْلُومٍ،
__________
1 ساقطة من ض.
2 أخرجه بهذا اللفظ البيهقي عن عائشة وابن عباس مرفوعاً وعن عمر موقوفاً، وأخرجه أيضاً ابن حبان عن عائشة مرفوعاً.
وجاء في سائر تلك الروايات، وشاهدي عدل، "انظر سنن البيهقي 7/124-126، الدارية لتخريج أحاديث الهداية 2/55".
3في ش: رشيد.
4 أخرجه بهذا اللفظ البيهقي في سننه عن ابن عباس موقوفاً. "سنن البيهقي 7/112"
5 في ش: والحركة.(3/394)
وَمُقَيَّدٌ لا مُقَيَّدَ بَعْدَهُ كَزَيْدٍ, وَبَيْنَهُمَا وَسَائِطُ تَكُونُ مِنْ الْمُقَيَّدِ بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلُ، وَمِنْ الْمُطْلَقِ بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدُ، كَجِسْمٍ وَحَيَوَانٍ وَإِنْسَانٍ1.
قَالَ الْهِنْدِيُّ: فَالْمُطْلَقُ الْحَقِيقِيُّ: مَا دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ فَقَطْ وَالإِضَافِيُّ مُخْتَلِفٌ2.
"وَهُمَا" أَيْ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ "كَعَامٍّ وَخَاصٍّ" فِيمَا ذُكِرَ مِنْ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ مِنْ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ وَمُخْتَارٍ مِنْ الْخِلافِ.
فَيَجُوزُ تَقْيِيدُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَبِالسُّنَّةِ، وَتَقْيِيدُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ وَبِالْكِتَابِ، وَتَقْيِيدُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالْقِيَاسِ, وَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ وَفِعْلُ3 النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقْرِيرُهُ، وَمَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ وَنَحْوُ ذَلِكَ، عَلَى الأَصَحِّ فِي الْجَمِيعِ4.
"لَكِنْ" بَيْنَهُمَا فَرْقٌ5 مِنْ وُجُوهٍ:
فَمِنْ6 ذَلِكَ: "إنْ وَرَدَا" أَيْ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ "وَاخْتَلَفَ7 حُكْمُهُمَا" أَيْ حُكْمُ8 الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ "فَلا حَمْلَ مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ اتَّفَقَ السَّبَبُ أَوْ اخْتَلَفَ9.
__________
1 انظر شرح تنقيح الفصول ص266.
2 نحو"رجل" و "رقبة" فإنه مطلق بالإضافة إلى "رجل عالم" و"رقبة مؤمنة"، ومقيد بالإضافة إلى الحقيقي، لأنه يدل على واحد شائع، وهما قيدان زائدان على الماهية. "إرشاد الفحول ص164".
3 في ش: وبعد.
4 انظر نشر البنود على مراقي السعود 1/266.
5 في ع: فروقاً. وفي ض. ب: فروق.
6 في ش ز: من.
7 في ش: فاختلف.
8 ساقطة من ض ب.
9 انظر "القواعد والفوائد الأصولية ص280، نهاية السول 2/140، روضة الناظر ص 266، مختصر الطوفي ص115، العدة 2/636، الإشارات للباجي ص41، التبصرة ص212، المحصول ج1ق3/214، فواتح الرحموت 1/361، إرشاد الفحول ص166، المعتمد 1/312، الإحكام للآمدي 3/4، شرح العضد 2/156، كشف الأسرار 278، المستصفى 2/185، التلويح على التوضيح 1/63، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/57، الآيات البينات 3/97، التمهيد للآسنوي ص 127".(3/395)
مِثَالُ اتِّفَاقِهِ: التَّتَابُعُ فِي صِيَامِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ1.فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ2, وَإِطْلاقِ الإِطْعَامِ فِيهَا.
وَمِثَالُ اخْتِلافِ السَّبَبِ: الأَمْرُ بِالتَّتَابُعِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَإِطْلاقُ الإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ.
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، فَتَارَةً يَتَّحِدُ سَبَبُهُمَا وَتَارَةً يَخْتَلِفُ:
"فَإِنْ اتَّحَدَ سَبَبُهُمَا" أَيْ سَبَبُ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَ3مَعَ اتِّحَادِ سَبَبِهِمَا: تَارَةً يَكُونَانِ مُثْبَتَيْنِ، وَتَارَةً يَكُونَانِ نَهْيَيْنِ، وَتَارَةً يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَمْرًا وَالآخَرُ نَهْيًا.
"فَإِنْ كَانَا مُثْبَتَيْنِ" أَوْ4 فِي مَعْنَى الْمُثْبَتِ, كَالأَمْرِ كَأَعْتِقْ فِي الظِّهَارِ رَقَبَةً، ثُمَّ قَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، حُمِلَ مِنْهُمَا مُطْلَقٌ وَلَوْ تَوَاتُرًا عَلَى مُقَيَّدٍ وَلَوْ آحَادًا" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ5
__________
1 في ض: يمين.
2 حيث قرأ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ} "المائدة 89" انظر أحكام القرآن لجصاص 2/461، فتح القدير للشوكاني 2/72، أحكام القرآن لابن العربي 2/654".
3 ساقطة من ش.
4 في ش: أي.
5 انظر" المحصول ج1ق3 215، الإحكام للآمدي 2/4، اللمع ص 24، القواعد والفوائد الأصولية ص281، العدة 2/628، شرح تنقيح الفصول ص266، مناهج العقول 2/139، نهاية السول 2/140، إرشاد الفحول ص164، فواتح الرحموت 1/362، التلويح على التوضيح 1/63، المستصفى 2/185، كشف الأسرار 2/287، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/50، الآيات البينات 3/93، شرح العضد 2/156، التمهيد للآسنوي ص 127".(3/396)
وَغَيْرِهِمْ1, وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا2.
وَحُكِيَ فِيهِ خِلافٌ عَنْ3 الْحَنَفِيَّةِ4 وَالْمَالِكِيَّةِ5.
وَقِيلَ لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى فِي تَعْلِيقِهِ: فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ "أَمَرَ الْمُحْرِمَ بِقَطْعِ الْخُفِّ"6 وَأَطْلَقَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ7، فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ؟
__________
1 انظر المعتمد للبصري 1/312.
2 حكاية للمصنف الإجماع على المجد غير دقيقة، أقول المجد في "السودة" ص 146: فإن كان المطلق والمقيد مع اتحاد السبب والحكم في شيء واحد، كما لو قال "إذا حنثتم فعليكم عتق الرقبة" وقال في موضع آخر "إذا حنثتم فعليكم عتق رقبة مؤمنة" فهذا لاخلاف فيه، وإنه يحمل المطلق على المقيد، اللهم أن لا يكون المقيد آحاداً والمطلق تواتراً، فينبني على مسألة الزيادة على النص، هل هي نسخ؟ وعلى النسخ للتواتر بالأحاد، والمنع قول الحنفية".
3 في ش: عند.
4 الصواب أن رأي الحنفية موافق في الجملة لمذهب الجمهور في حمل المطلق على المقيد إذا اتحد الحكم والسبب، وكان الحكم مثبتاً.
"انظر: التلويح على التوضيح 1/63 وما بعدها، كشف الأسرار 2/287، فواتح الرحموت 1/362".
انظر الإشارات للباجي ص 42.
5 انظر الإشارات للباجي ص 42.
6 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ، ولفظه: عن ابن عمر رضي الله عنهما " أن رجلاً قال: يا رسول الله! ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرنس ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين، فيلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين" "انظر صحيح البخاري 2/168، صحيح مسلم 2/834، سنن النسائي 5/102، الموطأ 1/35، عارضة الأحوذي 4/54، بذل المجهود 9/47، جامع الأصول 3/390".
7 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. ولفظ البخاري: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فقال: "من لم يجد الإزار فليلبس السراويل، ومن لم يجد النعلين فيلبس الخفين". "انظر صحيح البخاري 3/21، صحيح مسلم 2/835، بذل المجهود 9/56، عارضة الأحوذي 4/57، سنن النسائي 5/101، جامع الأصول 3/392".(3/397)
فَقَالَ: إنَّمَا يُحْمَلُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَأْوِيلُهُ، وَتَأَوَّلْنَا1 التَّقْيِيدَ عَلَى الْجَوَازِ, وَعَلَى أَنَّ الْمَرُّوذِيَّ2 قَالَ: احْتَجَجْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا, وَقُلْتُ: فِيهِ زِيَادَةٌ، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ، وَذَاكَ حَدِيثٌ, وَظَاهِرُ3 هَذَا: أَنَّهُ لَمْ يُحْمَلْ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
وَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الانْتِصَارِ: لا يُحْمَلُ, نَصَّ عَلَيْهِ4 فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ5, وَإِنْ سَلَّمْنَا عَلَى رِوَايَةٍ، فَإِنْ6 لَمْ يُمْكِنْ التَّأْوِيلُ7. اهـ.
وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ بِأَنَّهُ عَمَلٌ بِالصَّرِيحِ وَالْيَقِينِ مَعَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا.
ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُقَيَّدُ آحَادًا وَالْمُطْلَقُ تَوَاتُرًا انْبَنَى عَلَى الزِّيَادَةِ هَلْ هِيَ نَسْخٌ؟ وَعَلَى نَسْخِ التَّوَاتُرِ بِالآحَادِ, وَالْمَنْعُ لِلْحَنَفِيَّةِ8.
وَالأَصَحُّ: أَنَّ الْمُقَيَّدَ بَيَانٌ لِلْمُطْلَقِ9.
وَقِيلَ: نَسْخٌ إنْ تَأَخَّرَ الْمُقَيَّدُ.
وَقِيلَ: عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْمُطْلَقِ.
وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِنَسْخٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِيمَا إذَا وَرَدَ عَامٌّ
__________
1 في ز: وتأويلنا.
2 في ش زض: المروزي.
3 في ش: وظاهر.
4 أي الإمام أحمد.
5 في ش زض: المرزوي.
6 في ش: فإن.
7 انظر القواعد والفوائد الأصولية ص281.
8 انظر فواتح الرحموت 2/76، والتلويح على التوضيح 2/36، فتح الغفار 2/134، المسودة ص146.
9 انظر القواعد والفوائد الأصولية ص 282، التمهيد للآسنوي ص 127.(3/398)
وَخَاصٌّ, سَوَاءٌ كَانَا مُقْتَرِنَيْنِ أَوْ لا.
وَانْبَنَى 1عَلَى نَسْخِ التَّوَاتُرِ بِالآحَادِ. وَالصَّحِيحُ: عَلَى أَنَّهُ لا يُنْسَخُ بِهِ، فَإِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ2 نَسْخًا، وَأَنَّ الآحَادَ لا يَنْسَخُ التَّوَاتُرَ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا, فَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْمُقَيَّدَ بَيَانٌ لِلْمُطْلَقِ كَتَخْصِيصِ3 الْعَامِّ، وَكَمَا لا يَكُونُ تَأْخِيرُ الْمُطْلَقِ نَسْخًا لِلْمُقَيَّدِ مَعَ رَفْعِهِ لِتَقْيِيدِهِ فَكَذَا عَكْسُهُ.
"وَمُقَيَّدٌ" يَعْنِي أَنَّ اللَّفْظَ الْمُقَيَّدَ "وَلَوْ" وَرَدَ "مُتَأَخِّرًا" عَنْ الْمُطْلَقِ فَهُوَ "بَيَانٌ لِلْمُطْلَقِ" وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الأَكْثَرُونَ4.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُ إنْ تَأَخَّرَ الْمُقَيَّدُ كَانَ نَسْخًا. وَإِنْ تَقَدَّمَ كَانَ بَيَانًا5.
"وَإِنْ كَانَا" أَيْ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ "نَهْيَيْنِ" نَحْوَ لا تُعْتِقْ مُكَاتَبًا6 كَافِرًا، أَوْ لا تُكَفِّرْ بِعِتْقِ كَافِرٍ "قُيِّدَ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ اللَّفْظُ7 "الْمُطْلَقُ بِمَفْهُومِ" اللَّفْظِ "الْمُقَيَّدِ" عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ كَوْنِ الْمَفْهُومِ حُجَّةً, لأَنَّ الْمُقَيَّدَ دَلَّ بِالْمَفْهُومِ8.
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ش: أيضاً.
3 في ش: لتخصيص.
4 انظر مناهج العقول 2/140، كشف الأسرار2/288، القواعد والفوائد الأصولية ص282، إرشاد الفحول ص165، نهاية السول 2/140، اللمع ص24، شرح العضد 2/156.
5 انظر المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/50، الآيات البينات 3/93، فواتح الرحموت 1/362، القواعد والفوائد الأصولية ص 282، إرشاد الفحول ص165، شرح العضد 2/156.
6 ساقطة من ش.
7 ساقطة من ع.
8 انظر خلاف الأصوليين في المسألة في "المسودة ص146، القواعد والفوائد الأصولية ص282، الآيات البينات 3/95، المعتمد للبصري، 1/313، كشف الأسرار 2/287، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/50 شرح العضد 2/157، فواتح الرحموت 1/361، التلويح على التوضيح 1/64، مناهج العقول 2/139، التمهيد للآسنوي ص 128، نهاية السول 2/140".(3/399)
قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: فَالْقَائِلُ إنَّ الْمَفْهُومَ حُجَّةٌ يُقَيِّدُ قَوْلَهُ "لا تَعْتِقْ مُكَاتَبًا" بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ "لا تَعْتِقْ مُكَاتَبًا كَافِرًا" فَيَجُوزُ إعْتَاقُ الْمُكَاتَبِ الْمُسْلِمِ، وَبِهَذَا صَرَّحَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلامِ الْمَحْصُولِ1 وَمَنْ لا يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ يَعْمَلُ بِالإِطْلاقِ, وَيَمْنَعُ إعْتَاقَ الْمُكَاتَبِ مُطْلَقًا, وَبِهَذَا قَالَ الآمِدِيُّ2 وَابْنُ الْحَاجِبِ3.انْتَهَى.
"وَكَنَهْيٍ نَفْيٌ"4 نَحْوُ لا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ، لا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ رَشِيدٍ5 "وَإِبَاحَةٌ وَكَرَاهَةٌ, وَفِي نَدْبٍ نَظَرٌ".
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ قُلْتُ: وَإِنْ6 كَانَا إبَاحَتَيْنِ7 فَهُمَا8 فِي مَعْنَى النَّهْيَيْنِ, وَكَذَلِكَ إذَا كَانَا كَرَاهَتَيْنِ9, وَإِنْ كَانَا نَدْبَيْنِ, فَفِيهِ نَظَرٌ، وَإِنْ كَانَا10 خَبَرَيْنِ عَنْ11 حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَيُنْظَرَ فِي ذَلِكَ
__________
1 المحصول ج1ق3/217.
2 الإحكام في أصول الأحكام 3/5.
3 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/156.
4 انظر فواتح الرحموت 1/361، إرشاد الفحول ص 166، الآيات البينات 3/94، شرح العضد 2/157، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/50.
5 في ش: رشيد.
6 في المسودة: وإذا.
7 في ب ع ز ض: اباحين.
8 زيادة من المسودة.
9 في ب ع ز ض: كراهيين.
10 في ض: كان.
11 في ع: في.(3/400)
الْحُكْمِ1. اهـ.
"وَإِنْ كَانَا" أَيْ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ "أَمْرًا وَنَهْيًا" أَيْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَمْرًا وَالآخَرُ نَهْيًا "فَالْمُطْلَقُ" مِنْهُمَا "مُقَيَّدٌ بِضِدِّ الصِّفَةِ" 2كَإِنْ ظَاهَرْتَ فَأَعْتِقْ رَقَبَةً، وَلا تَمْلِكْ رَقَبَةً كَافِرَةً فَلا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِنَفْيِ الْكُفْرِ، لاسْتِحَالَةِ إعْتَاقِ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ3, وَالْحَمْلُ4 فِي ذَلِكَ ضَرُورِيٌّ، لا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُطْلَقَ حُمِلَ عَلَى الْمُقَيَّدِ5.
"وَإِنْ اخْتَلَفَ سَبَبُهُمَا" أَيْ سَبَبُ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ، كَإِعْتَاقِ الرَّقَبَةِ فِي الْقَتْلِ وَفِي الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ.
أَمَّا الظِّهَارُ: فَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِ مُطْلَقَةً فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} 6.
وَقَالَ فِي الْيَمِينِ: {فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} إلَى قَوْلِهِ: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} 7.
وَأَمَّا فِي الْقَتْلِ: فَإِنَّهَا وَرَدَتْ فِيهِ مُقَيَّدَةً بِالإِيمَانِ فِي قَوْله تَعَالَى:
__________
1 المسودة ص147.
2 في ش: كـ.
3 لتوقف الاعتاق على الملك.
4 في ش: والحمل.
5 انظر شرح العضد 2/156، الإحكام للآمدي 3/4، القواعد والفوائد الأصولية ص280، مناهج العقول 2/142، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/51، الآيات البينات 3/95، التمهيد للآسنوي ص 127.
6 الآية 3من المجادلة.
7 الآية 89 من المائدة.(3/401)
{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ 1 وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} 2.
وَمِنْ ذَلِكَ -وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِثَالاً لِلنَّدْبَيْنِ- قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} 3 وقَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} 4 حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ قِيَاسًا بِجَامِعٍ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَحْمَدَ5 وَالشَّافِعِيِّ6 رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا, وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِمَا7 لِتَخْصِيصِ8 الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَبِهِ تَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ9 وَالشَّافِعِيَّةُ10 وَالآمِدِيُّ11 وَابْنُ
__________
1 في ش: مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية.
2 الآية 92 من النساء.
3 الآية 282 من البقرة.
4 الآية 2 من الطلاق.
5 انظر القواعد والفوائد الأصولية ص283، المسودة ص145،العدة 2/638، روضة الناظر ص 261.
6 انظر مناهج العقول 2/139، شرح العضد 2/157، التمهيد للآسنوي ص 128، الإحكام للآمدي 3/5، الآيات البينات 3/97، نهاية السول 2/141، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/51.
7في ش: أصحابنا.
8 في ش: كتخصيص.
9 عزو ابن قاضي الجبل القول يحمل المطلق على المقيد في هذه الحالة للمالكية غير سديد، فقد جاء في "الإشارات" للباجي ص41:".....فإن تعلق بسببين مختلفين، نحو أن يفيد الرقبة في القتل بالإيمان، ويطلقها في الظهار، فإنه لايحمل المطلق على المقيد عند أكثر أصحابنا إلا بدليل يقتضى ذلك" وذكر الشنقيطي المالكي في "نشر البنود" 1/268، أن جل المالكية لا يحملون المطلق على المقيد مع اتحاد الحكم إذا اختلف السبب. وقال القرافي في "شرح تنقيح الفصول ص 267: وأما إذا اختلف السبب واتحد الحكم فالذي حكاه القاضي عبد الوهاب في كتاب" الإفادة" وكتاب "الملخص" عن المذهب: عدم الحمل إلا القليل من أصحابنا".
10 اللمع ص 24، نهاية السول 2/141، مناهج العقول 2/139، التبصرة ص216، التمهيد للآسنوي ص128، الآيات البينات 3/97، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/51، إرشاد الفحول ص165، المعتمد 1/313.
11 الإحكام في أصول الأحكام3/5.(3/402)
الْحَاجِبِ1 وَالرَّازِيُّ2 وَالْبَاقِلاَّنِيّ وَنَسَبَهُ لِلْمُحَقِّقِينَ3. اهـ.
وَعَنْهُ4 لا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وِفَاقًا لِلْحَنَفِيَّةِ5 وَمَنْ تَبِعَهُمْ6.
وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
"أَوْ" اخْتَلَفَ "سَبَبُ7 مُقَيَّدَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ وَمُطْلَقٍ" فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "حُمِلَ الْمُطْلَقُ" يَعْنِي عَلَى الْمُقَيَّدِ "قِيَاسًا بِجَامِعٍ"8.
مِثَالُ ذَلِكَ -مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ- تَتَابُعُ صَوْمِ الظِّهَارِ، فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَ النَّصُّ بِتَتَابُعِهِ بِقَوْلِهِ9 تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ 10 فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} 11.
__________
1 مختصر ابن الحاجب مع شرحه 2/156.
2 المحصول ج1ق3 218.
3 في ش: إلى المحققين.
4 انظر القواعد والفوائد الأصولية 283، المسودةص 145، العدة 2/638، روضة الناظر ص 261.
5 فواتح الرحموت 1/365، كشف الأسرار 2/287، التلويح على التوضيح 1/63.
6 انظر شرح تنقيح الفصول ص267، الإشارات للباجي ص42، نشر البنود على مراقي السعود 1/268.
7 في ش: سبب متناقضين.
8 انظر خلاف الأصوليين في هذه المسألة في" اللمع ص 24، العدة 2/637، شرح تنقيح الفصول ص 269، المسودة ص145، القواعد والفوائد الأصولية ص 284، نهاية السول 2/141، المحصول ج1ق3/223، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/52، الآيات البينات 1/267، إرشاد الفحول ص167، المعتمد 1/314، فواتح الرحموت 1/365، أصول السرخسي 1/267، أدب القاضي للماوردي 1/307، التمهيد للآسنوي ص130.
9 في ز: لقوله.
10 ساقطة من ش.
11 الآية 4 من المجادلة.(3/403)
وَتَفْرِيقُ1 صَوْمِ الْمُتْعَةِ فَإِنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِتَفْرِيقِهِ لِقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ} 2 وَوُرُودُ3 قَضَاءِ رَمَضَانَ مُطْلَقًا4 لَمْ يَرِدْ بِهِ تَتَابُعٌ وَلا5 تَفْرِيقٌ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 6 فَأَطْلَقَ الْقَضَاءَ.
وَحَيْثُ حَمَلْنَا الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ قِيَاسًا بِجَامِعٍ عَلَى الرَّاجِحِ7 مِنْ الْخِلافِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنَّهُ لا يُلْحَقُ8 بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لُغَةً بِلا خِلافٍ إذْ لا مَدْخَلَ لِلُّغَةِ فِي الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ9, قَالَهُ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ10، وَتَبِعَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ.
فَإِذَا حَمَلْنَا الْمُطْلَقَ عَلَى أَحَدِ الْمُقَيَّدَيْنِ فَيَكُونُ الْحَمْلُ عَلَى أَشْبَهِ الْمُقَيَّدَيْنِ بِالْمُطْلَقِ, قَالَ الطُّوفِيُّ11 وَغَيْرُهُ12 تَبَعًا لِلْمُوَفَّقِ فِي
__________
1 ساقطة من ش.
2 الآية 196 من البقرة.
3 في ش: وورود.
4 في ش ز ع ب ض: مطلق.
5 في ش: ولا قضاء تفريق.
6 الآية 184 من البقرة. وقد جاء في ز ض ب: وإن كنتم مرضى أو على سفر. وهو غلط.
7 في ش: الراجح تخلصاً.
8 في ع: لاتحلق.
9 انظر القواعد والفوائد الأصولية ص 284، أدب القاضي للماوردي 1/306، التمهيد للآسنوي ص128.
10 المسودة ص 145.
11 مختصر الروضة ص 115.
12 في ز: في شرحه وغيره.(3/404)
الرَّوْضَةِ1: حَمْلاً2 عَلَى الْمُطْلَقِ عَلَى أَشْبَهِهِمَا بِهِ.
"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ السَّبَبُ، وَلَمْ3 يُمْكِنْ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى أَحَدِ الْمُقَيَّدَيْنِ قِيَاسًا بِجَامِعٍ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَأَحَدِ الْمُقَيَّدَيْنِ "تَسَاوَيَا" فِي عَدَمِ الْحَمْلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا "وَسَقَطَا4" كَأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا5.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ وَاحِدًا. فَإِنْ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَرْجَحَ مِنْ الآخَرِ، بِأَنْ كَانَ الْقِيَاسُ فِيهِ أَظْهَرَ: قُيِّدَ بِهِ. لأَنَّ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ الأَجْلَى أَوْلَى, فَإِنْ تَسَاوَيَا عُمِلَ بِالْمُطْلَقِ وَيُلْغَى الْمُقَيَّدَانِ6، كَالْبَيِّنَتَيْنِ7 إذَا8 تَعَارَضَتَا, فَإِنَّ الأَرْجَحَ فِيهِمَا التَّسَاقُطُ وَكَانَا9 كَمَنْ لا بَيِّنَةَ هُنَاكَ.
وَعِبَارَتُهُ فِي الْقَوَاعِدِ الأُصُولِيَّةِ, وَأَمَّا إذَا أُطْلِقَتْ الصُّورَةُ الْوَاحِدَةُ، ثُمَّ قُيِّدَتْ تِلْكَ الصُّورَةُ بِعَيْنِهَا بِقَيْدَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ" 10 وَوَرَدَ11 فِي رِوَايَةٍ: "إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ"
__________
1 روضة الناظر ص261.
2 في ش: حملا على.
3 في ش: وإن لم.
4 في ش: ومنقطعاً.
5 انظر نهاية السول 2/141، شرح تنقيح الفصول ص269، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/52، الآيات البينات 3/97، التمهيد للآسنوي ص 129.
6 في ع: المقيد إن كان.
7 في ع: لبنتين.
8 في ع: إن.
9 في ش: وكانا.
10 رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن. وقد تخريجه في ج2 ص368.
11 في القواعد: فإنه قد ورد.(3/405)
رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيُّ1 وَلَمْ يُضَعِّفْهَا2.
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ أَنَّهُ حَدِيثٌ ثَابِتٌ وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الْخُلاصَةِ رِوَايَةُ إحْدَاهُنَّ لَمْ تَثْبُتْ3.
وَفِي رِوَايَةٍ "أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ" "رَوَاهَا مُسْلِمٌ"4 وَفِي أُخْرَى "السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ" رَوَاهَا أَبُو دَاوُد5وَهِيَ 6مَعْنَى "مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ"7 "وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ" 8 قِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَتْ "ثَامِنَةً" لأَجْلِ اسْتِعْمَالِ التُّرَابِ مَعَهَا.
فَلَمَّا كَانَ الْقَيْدَانِ مُتَنَافِيَيْنِ9 تَسَاقَطَا وَرَجَعْنَا إلَى الإِطْلاقِ فِي "إحْدَاهُنَّ" فَفِي أَيْ غَسْلَةٍ جُعِلَ10 جَازَ، إذَا أَتَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ مَا يُزِيلُهُ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ11.
لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي الأَوْلَوِيَّةِ12 عَلَى أَقْوَالٍ عِنْدَنَا13.
__________
1 سنن الدارقطني 1/65.
2 هذا العزو للدارقطني غير سليم، وذلك لأن الدارقطني روى الحديث عن الجاورد عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن هبيرة عن علي مرفوعاً ثم قال بعده: الجاورد هو ابن أبي يزيد، متروك". "انظر سنن الدارقطني 1/65".
3 زيادة من القواعد والفوائد الأصولية.
4 زيادة من القواعد والفوائد الأصولية. وانظر صحيح مسلم 1/234.
5 بذل المجهود 1/191.
6 في القواعد: وهو.
7 زيادة من القواعد والفوائد الأصولية.
8 صحيح مسلم 1/235.
9 في القواعد: متنافيان.
10 في القواعد: جعله.
11 القواعد والفوائد الأصولية للبعلي ص285.
12 في ض: الأولية.
13 انظر القواعد والفوائد الأصولية ص 285.(3/406)
أَحَدُهَا: أَنَّ إحْدَى الْغَسَلاتِ لَيْسَتْ1 بِأَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ الْمُوَفَّقِ فِي الْمُقْنِعِ2 وَجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ3, وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَا أَوَّلاً, وَهُوَ التَّسَاقُطُ وَالرُّجُوعُ إلَى الإِطْلاقِ.
وَعَنْهُ: الأَوْلَى4 أَنْ يَكُونَ التُّرَابُ فِي الأُولَى، وَهَذَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي5 وَالشَّرْحِ6 وَالْكَافِي7، وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى الْمُصْطَلَحِ8.
وَعَنْهُ: الأَخِيرَةُ أَوْلَى.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ اتِّحَادِ السَّبَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَوْلَى بِأَحَدِ الْقَيْدَيْنِ مِنْ طَرْحِهِمَا، وَالْعَمَلُ بِالْمُطْلَقِ هُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الْقَرَافِيُّ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الشَّافِعِيَّةَ خَالَفُوا قَاعِدَتَهُمْ فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَدِيثِ الْوُلُوغِ, فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ "إحْدَاهُنَّ" 9 وَهُوَ مُطْلَقٌ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُولاهُنَّ وَفِي رِوَايَةٍ "أُخْرَاهُنَّ" وَهُمَا قَيْدَانِ مُتَنَافِيَانِ فَلَمْ يَحْمِلُوا وَجَوَّزُوا التَّرْتِيبَ فِي كُلٍّ مِنْ السَّبْعِ.
__________
1 في ع ز: ليس.
2 المقنع مع الشرح الكبير 1/284.
3 انظر: المحرر لأبي البركات محمد الدين بن تيمية 1/4، القواعد والفوائد الأصولية ص 285.
4 في ز: أن الأولى.
5 المغني 1/46.
6 الشرح الكبير على المقنع 1/286.
7 الكافي 1/89.
8 انظر شرح منتهى الإرادات 1/98، كشاف القناع 1/209، الروض المربع 1/97.
9 ساقطة من ش.(3/407)
فَقَالَ لَهُ الْقَرَافِيُّ1: ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَكُونُ قَيْدًا وَاحِدًا أَمَّا فِي الْقَيْدَيْنِ2 فَيُعْمَلُ بِالْمُطْلَقِ3
"وَأَصْلٌ كَوَصْفٍ فِي حَمْلٍ"4.
قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الأُصُولِيَّةِ: وَظَاهِرُ5 كَلامِ أَصْحَابِنَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الأَصْلِ، كَمَا حُمِلَ عَلَيْهِ فِي الْوَصْفِ، لأَنَّهُمْ حَكَوْا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فِي وُجُوبِ الإِطْعَامِ6 رِوَايَتَيْنِ: الْوُجُوبَ إلْحَاقًا "لِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ بِكَفَّارَةِ"7 الظِّهَارِ كَمَا حَكَوْا رِوَايَتَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ وَصْفِ الإِيمَانِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ, وَالاشْتِرَاطَ إلْحَاقًا "لِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ"8 بِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ.
فَدَلَّ هَذَا مِنْ كَلامِهِمْ "عَلَى أَنَّهُ"9 لا فَرْقَ فِي الْحَمْلِ بَيْنَ الأَصْلِ وَالْوَصْفِ10.
وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّهُ11 لا فَرْقَ فِي الْحَمْلِ بَيْنَ الأَصْلِ وَالْوَصْفِ، ابْنُ خَيْرَانِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ.
وَلَكِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ "مِنْ الشَّافِعِيَّةِ"12 فِي الْبَحْرِ: الْمُرَادُ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ
__________
1في ش: القراني.
2 أي المتعارضين اللذين يعتذر الترجيح بينهما.
3 شرح تنقيح الفصول ص 269.
4 انظر خلاف الأصوليين في هذه المسألة في" أدب القاضي للمارودي 1/305، إرشاد الفحول ص166".
5 في القواعد: فظاهر.
6 أي وجب إطعام ستين مسكيناً.
7زيادة من القواعد والفوائد الأصولية.
8 زيادة من القواعد والفوائد الأصولية.
9 زيادة من القواعد والفوائد الأصولية.
10في ش: قاله. وفي د: وممن قال بذلك.
11 في القواعد: بأن.
12 زيادة من القواعد والفوائد الأصولية.(3/408)
عَلَى الْمُقَيَّدِ إنَّمَا هُوَ الْمُطْلَقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَصْفِ دُونَ الأَصْلِ1.
"وَمَحِلُّ حَمْلِ" مُطْلَقٍ عَلَى مُقَيَّدٍ "إذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ" الْحَمْلُ "تَأْخِيرَ بَيَانٍ عَنْ وَقْتِ حَاجَةٍ. فَإِنْ اسْتَلْزَمَهُ حُمِلَ الْمُسَمَّى فِي إثْبَاتٍ عَلَى الْكَامِلِ الصَّحِيحِ، لا عَلَى إطْلاقِهِ فِي قَوْلٍ" لِبَعْضِ2 الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ.
قَالُوا3: الْمُطْلَقُ مِنْ الأَسْمَاءِ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ فِي إثْبَاتٍ لا نَفْيٍ كَالْمَاءِ وَالرَّقَبَةِ4 وَعِنْدَ5 النِّكَاحِ الْخَالِي عَنْ6 وَطْءٍ يَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا} 7 وَ "لا يَدْخُلُ"8 فِي قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ} 9.
وَلَوْ حَلَفَ لا يَتَزَوَّجُ حَنِثَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ, وَلَوْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَن لَمْ يَحْنَثْ بِمُجَرَّدِهِ10 عِنْدَ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا.
وَكَذَا قَالَ11 بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْوَاجِبَاتُ الْمُطْلَقَةُ تَقْتَضِي السَّلامَةَ مِنْ الْعَيْبِ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ بِدَلِيلِ الإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ12.
__________
1 القواعد والفوائد الأصولية للبعلي ص 284.
2 في ش ز: بعض.
3 في ع ض ب: فقالوا.
4 انظر المسودة ص 99.
5 في ش: وعند.
6 في ش: من.
7 الآية 221 من البقرة، الآية 22 من النساء.
8 زيادة يقتضيها السياق "انظر المسودة ص99".
9 الآية 230 من البقرة.
10 ساقطة من ض.
11 في ش: وعن.
12 ساقطة من ش.(3/409)
وَصَرَّحَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا أَنَّ إطْلاقَ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ تَقْتَضِي الصِّحَّةَ بِدَلِيلِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: فِيمَا إذَا اسْتَلْزَمَ الْحَمْلُ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ: أَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى إطْلاقِهِ1 قَالَهُ طَائِفَةٌ2.
قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ3 الأُصُولِيَّةِ: مَحِلُّ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ إذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ, فَإِنْ اسْتَلْزَمَهُ حُمِلَ عَلَى إطْلاقِهِ, قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَمَّا أَطْلَقَ4 النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُبْسَ الْخُفَّيْنِ بِعَرَفَاتٍ, وَكَانَ مَعَهُ الْخَلْقُ الْعَظِيمُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْبَوَادِي وَالْيَمَنِ مِمَّنْ5 لَمْ يَشْهَدْ6 خُطْبَتَهُ بِالْمَدِينَةِ, فَإِنَّهُ لا يُقَيَّدُ بِمَا قَالَهُ فِي الْمَدِينَةِ، وَهُوَ قَطْعُ الْخُفَّيْنِ7.
وَنَظِيرُ هَذَا فِي حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى إطْلاقِهِ: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ8 سَأَلَتْهُ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ "حُتِّيهِ 9، ثُمَّ اُقْرُصِيهِ, 10 ثُمَّ اغْسِلِيهِ
__________
1 انظر المسودة ص138.
2 ساقطة من ش ز.
3 في ع ض: قواعد.
4 في القواعد: إطلاق.
5 ساقطة من القواعد والفوائد الأصولية.
6 في القواعد: يشهدوا.
7 أي بالنسبة للمحرم، كما جاء في حديث ابن عمر. "انظر بيان المسألة وتخريج أحاديثها في ص 397 من هذا الجزء".
8 في القواعد: لعائشة لما.
9 الحت: معناه أن يحك بطرف حجر أو عود. "المصباح المنير 1/146".
10 زيادة من القواعد. والقرص: معناه أن يدلك بأطراف الأصابع والأظفار دلكاً شديداً. "المصباح المنير 1/146".(3/410)
بِالْمَاءِ" 1 لَمْ2 يَشْتَرِطْ عَدَدًا، مَعَ أَنَّهُ وَقْتُ حَاجَةٍ, فَلَوْ كَانَ الْعَدَدُ شَرْطًا لَبَيَّنَّهُ وَلَمْ يُحِلْهَا عَلَى وُلُوغِ الْكَلْبِ, فَإِنَّهَا رُبَّمَا لَمْ تَسْمَعْهُ, وَلَعَلَّهُ لَمْ3 يَكُنْ شُرِعَ الأَمْرُ4 بِغَسْلِ وُلُوغِهِ5. 1هـ.
"وَ" اللَّفْظُ "الْمُطْلَقُ ظَاهِرُ الدَّلالَةِ عَلَى الْمَاهِيَّةِ, كَالْعَامِّ، لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ"6.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: الْمُطْلَقُ قَطْعِيُّ الدَّلالَةِ عَلَى الْمَاهِيَّةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ7، وَظَاهِرٌ فِيهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَالْعَامِّ8, وَهُوَ يُشْبِهُهُ9 لاسْتِرْسَالِهِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ، إلاَّ10 أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ, وَلِهَذَا قِيلَ: عَامٌّ عُمُومَ بَدَلٍ. اهـ.
وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمُقَيَّدَيْنِ، وَالْمُطْلَقِ: وَقَدْ عُرِفَ مِمَّا سَبَقَ دَلالَةُ الْمُطْلَقِ, وَأَنَّهُ كَالْعَامِّ فِي تَنَاوُلِهِ, وَأَطْلَقُوا عَلَيْهِ الْعُمُومَ، لَكِنَّهُ عَلَى الْبَدَلِ.
__________
1 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ وابن الجارود في المنتقى وغيرهم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: "أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب يصيبه دم الحيض....الحديث" "انظر صحيح البخاري1/66، 84، صحيح مسلم 1/240، بذل المجهود 3/103، عارضة الأحوذي 1/219، سنن النسائي 1/161، الموطأ 1/61، الدراية لتخريج أحاديث الهداية 1/90".
2 في القواعد: ولم.
3 كذا في ش وفي القواعد والفوائد الأصولية. وفي ع ز ض ب: يشرع.
4 ساقطة من ب.
5 القواعد والفوائد الأصولية ص 286.
6 انظر القواعد والفوائد الأصولية ص 235.
7 انظر التلويح على التوضيح 1/66.
8 انظر نهاية السول 2/139 وما بعدها، المستصفى 2/186.
9 في ض: يشبه.
10 في ش: لا.(3/411)
ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ لِلْقَاضِي1 وَقَدْ احْتَجَّ عَلَى الْقَضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ بِقَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ} 2 لا يَدُلُّ عَلَى الْمَكَانِ, فَقَالَ: هُوَ أَمْرٌ بِالْحُكْمِ فِي عُمُومِ الأَمْكِنَةِ وَالأَزْمِنَةِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 في ش: وسئل القاضي.
2 الآية 49من المائدة.(3/412)
بَابُ الْمُجْمَلِ:
"لُغَةً: الْمَجْمُوعُ" مِنْ أَجْمَلْتُ الْحِسَابَ1 "أَوْ الْمُبْهَمُ".
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: هُوَ لُغَةً مِنْ الْجَمْلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْيَهُودِ: "جَمَلُوهَا" 2 أَيْ خَلَطُوهَا3، وَمِنْهُ الْعِلْمُ الإِجْمَالِيُّ، لاخْتِلاطِ الْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ، وَسُمِّيَ مَا يُذْكَرُ فِي هَذَا الْبَابِ مُجْمَلاً لاخْتِلاطِ الْمُرَادِ بِغَيْرِهِ.
"أَوْ الْمُحَصَّلُ" مِنْ أَجْمَلَ الشَّيْءَ إذَا حَصَّلَهُ4.
"وَاصْطِلاحًا"5 أَيْ
__________
1 قال في المصباح المنير "1/134": "وأجملت الشيء إجمالاً: جمعته من غير تفصيل". وانظر معجم مقاييس اللغة 1/481
2 في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فجملوها وباعوها وأكلوا ثمنها". "انظر صحيح البخاري3/107، صحيح مسلم 3/1207، بذل المجهود 15/162، عارضة الأحوذي 5/300، سنن النسائي 7/273، سنن ابن ماجه 2/1122، جامع الأصول 1/376.
3 إن كلمة"جملوها" في الحديث ليس معناها: خلطوها كما ذكر ابن قاضي الجبل، بل معناها: أذابوها كما ذكر شراح الحديث من أهل اللغة، يؤكد ذلك قول ابن منظور في لسان العرب "11/127": وقد جمله يجمله جملاً واجمله: أذابه واستخرج دهن. وذكر الحديث.
4 معجم مقاييس اللغة 1/481.
5 انظر تعريفات الأصوليين للمجمل في "الحدود للباجي ص45، العدو 1/142، المستصفى 1/345، الإشارات للباجي ص43، التعريفات للجرجاني ص 108، أدب القاضي للماوردي1/290، المحصول ج1ق3 231، مناهج العقول 1/189، البرهان 1/419، كشف الأسرار 1/54، شرح تنقيح الفصول ص 37، 274، الإحكام للآمدي 3/8، روضة الناظر ص 180، نشر البنود 1/273، التلويح على التوضيح 1/126، إرشاد الفحول ص167، المعتمد 1/317، اللمع ص 27، فتح الغفار 1/116، أصول السرخسي 1/168، الإحكام لابن حزم 3/385، شرح العضد 2/158، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص123، شرح الحطاب على الورقات ص109".(3/413)
وَ1الْمُجْمَلُ فِي اصْطِلاحِ الأُصُولِيِّينَ "مَا" أَيْ لَفْظٌ أَوْ فِعْلٌ "تَرَدَّدَ بَيْنَ مُحْتَمَلَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى السَّوَاءِ".
وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ "بَيْنَ مُحْتَمَلَيْنِ" عَمَّا لَهُ مَحْمَلٌ وَاحِدٌ كَالنَّصِّ.
وَقَوْلُهُ "عَلَى السَّوَاءِ" احْتِرَازٌ2 عَنْ الظَّاهِرِ وَعَنْ الْحَقِيقَةِ الَّتِي لَهَا مَجَازٌ، وَشَمِلَ الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ وَالْمُشْتَرَكَ وَالْمُتَوَاطِئَ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ3: الْمُجْمَلُ مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلالَتُهُ.
وَابْنُ4 مُفْلِحٍ وَالسُّبْكِيُّ5: مَا لَهُ دَلالَةٌ غَيْرُ وَاضِحَةٍ6.
"وَحُكْمُهُ" أَيْ الْمُجْمَلِ "التَّوَقُّفُ عَلَى الْبَيَانِ الْخَارِجِيِّ"7 فَلا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِأَحَدِ مُحْتَمَلاتِهِ إلاَّ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ عَنْ لَفْظِهِ لِعَدَمِ دَلالَةِ لَفْظِهِ8 عَلَى الْمُرَادِ بِهِ, وَامْتِنَاعِ التَّكْلِيفِ بِمَا لا دَلِيلَ عَلَيْهِ.
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ش: احترازاً.
3 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/158.
4 في ش: وقال ابن.
5 عزو المصنف هذا التعريف للسبكي غير دقيق، وذلك لأن السبكي عرفه بنفس تعريف ابن الحاجب السابق. "انظر جمع الجوامع للسبكي مع شرحه لمحلي 2/58".
6 أي من قول أو فعل. فخرج بقوله "ماله دلالة" المهمل، إذا لادلالة له. وخرج بقوله "غير واضحة" المبين، لأن دلالته واضحة. "انظر نشر البنود1/273".
7 انظر التلويح على التوضيح 1/127، روضة الناظر ص181، مختصر الطوفي ص116.
8 ساقطة من ش.(3/414)
"وَهُوَ" أَيْ الْمُجْمَلُ "فِي الْكِتَابِ" أَيْ الْقُرْآنِ "وَ" فِي "السُّنَّةِ"1 أَيْ الأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خِلافًا لِدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: لا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ غَيْرَهُ, وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِمَا لا يُحْصَى.
قَالَ دَاوُد: الإِجْمَالُ2 بِدُونِ الْبَيَانِ لا يُفِيدُ, وَمَعَهُ تَطْوِيلٌ، وَلا يَقَعُ فِي كَلامِ الْبُلَغَاءِ، فَضْلاً عَنْ كَلامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَلامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْكَلامَ إذَا وَرَدَ مُجْمَلاً، ثُمَّ بُيِّنَ وَفُصِّلَ أَوْقَعُ عِنْدَ النَّفْسِ مِنْ ذِكْرِهِ مُبَيَّنًا ابْتِدَاءً.
"وَيَكُونُ" الإِجْمَالُ "فِي حَرْفٍ"3 نَحْوُ الْوَاوِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} 4 فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ5 تَكُونَ عَاطِفَةً، وَيَكُونَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ, وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنِفَةً، وَيَكُونَ الْوَقْفُ عَلَى {إلاَّ اللَّهُ} .
"وَ" يَكُونُ الإِجْمَالُ أَيْضًا فِي "اسْمٍ" كَالْقُرْءِ الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ،
__________
1 انظر المحصول ج1ق3/237وما بعدها، إرشاد الفحول ص168، الآيات البينات 3/115، أدب القاضي للماوردي 1/290 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص280، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/63.
2 في ع: إلا إجمال.
3 انظر روضة الناظر ص 181، إرشاد الفحول ص 169، مختصر الطوفي ص116، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/61، الآيات البينات 3/113، المستصفى 1/363، كشف الأسرار 1/55،وما بعدها، الإحكام للآمدي 3/10.
4 الآية 7 من آل عمران.
5 ساقطة من ض ب.(3/415)
وَكَالْعَيْنِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ الْبَاصِرَةِ وَالْجَارِيَةِ وَعَيْنِ الْمِيزَانِ وَالذَّهَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ1.
"وَ" َكُونُ الإِجْمَالُ أَيْضًا فِي "مُرَكَّبٍ"2 نَحْوُ "الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} 3 فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيَّ، لأَنَّهُ الَّذِي يَعْقِدُ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ، لأَنَّهَا لا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا4, وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَ, لأَنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ دَوَامُ الْعَقْدِ وَالْعِصْمَةُ.
وَالاحْتِمَالُ الثَّانِي: هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ5 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ6 وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ7 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
__________
1 انظر "البرهان 1/421، نشر البنود 1/276، مناهج العقول 2/142، نهاية السول 2/143، روضة الناظر ص181، المحصول? 1ق3/234، اللمع ص 27، إرشاد الفحول ص 169، مختصر الطوفي ص 116، شرح تنقيح الفصول ص 274، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/60، الآيات البينات 3/111، أدب القاضي للماوردي 1/292، المستصفى 1/361، الإحكام للآمدي 3/9، فواتح الرحموت 2/32، شرح العضد 2/158".
2 انظر" روضة الناظر ص 181، نشر البنود 1/276، نهاية السول 2/144، إرشاد الفحول ص 169، مختصر الطوفي ص116، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/61، الآيات البينات 3/113، أدب القاضي للماوردي 1/292، المستصفى 1/362، الإحكام للآمدي 3/10، فواتح الرحموت 2/32، شرح العضد 2/158".
3 الآية 237 من البقرة.
4 وعلى ذلك حمله الإمام مالك رحمه الله." انظر نشر البنود 1/276، أحكام القرآن لابن العربي 1/222، الإفصاح لابن هبيرة 2/138".
5 انظر شرح منتهى الإرادات 3/74، كشف القناع 5/161، المحرر 2/38، الإفصاح لابن هبيرة 2/138.
6 فواتح الرحموت 2/32، أحكام القرآن للجصاص 1/440، الإفصاح 2/138.
7 وأصحهما، وهو قوله الجديد. انظر "أحكام القرآن للكيا الهراسي 1/305، أحكام القران للشافعي 1/200، سنن البيهقي7/252، المحلي على جمع الجوامع 2/61، المهذب2/61، أحكام القرآن لابن العربي1/219".(3/416)
"وَ" يَكُونُ الإِجْمَالُ أَيْضًا فِي "مَرْجِعِ ضَمِيرٍ"1 نَحْوُ الضَّمِيرِ فِي "جِدَارِهِ" فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ2: "لا يَمْنَعَن جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ" فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ عَوْدَهُ عَلَى الْغَارِزِ، أَيْ لا يَمْنَعُهُ جَارُهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي جِدَارِ نَفْسِهِ.
وَعَلَى هَذَا: فَلا دَلالَةَ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ إذَا طَلَبَ جَارُهُ مِنْهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ3.وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْجَارِ الآخَرِ فَيَكُونَ فِيهِ دَلالَةٌ عَلَى ذَلِكَ, وَهَذَا4 الَّذِي عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ5، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ "مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاَللَّهِ لأَرْمِيَن بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ"6 وَلَوْ كَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إلَى الْغَارِزِ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ.
"وَ" يَكُونُ الإِجْمَالُ أَيْضًا فِي مَرْجِعِ "صِفَةٍ"7 نَحْوُ قَوْلِك: زَيْدٌ طَبِيبٌ
__________
1 انظر نشر البنود 1/276، إرشاد الفحول ص 169، الآيات البينات 3/114، شرح العضد 2/158، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/61.
2 صحيح البخاري 3/173، صحيح مسلم3/1230.
3 في ز ض ب: التمكن.
4 في ش: وهو.
5 انظر الإفصاح لابن هبيرة 1/381، المغني 5/36، الشرح الكبير على المقنع 5/36، القواعد لابن رجب ص 243، الإشراف للقاضي عبد الوهاب 2/18.
6 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده. "انظر صحيح البخاري 3/173، صحيح مسلم3/1230، عارضة الأحوذي 6/105، بذل المجهود 15/319، الموطأ 2/745، سنن البيهقي 6/68، مسند أحمد 2/240، سنن ابن ماجه 2/783".
7 انظر " نهاية السول 2/144، إرشاد الفحول ص 169، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/62، الآيات البينات 3/114، الإحكام للآمدي 3/11، فواتح الرحموت 2/33، شرح العضد 2/158".(3/417)
مَاهِرٌ. فَيَحْتَمِلَ عَوْدَ "مَاهِرٌ" إلَى ذَاتِ زَيْدٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى وَصْفِهِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ "طَبِيبٌ" وَلا شَكَّ أَنَّ الْمَعْنَى مُتَفَاوِتٌ بِاعْتِبَارِ الاحْتِمَالَيْنِ، لأَنَّا إنْ1 أَعَدْنَا "مَاهِرٌ"2 إلَى "طَبِيبٌ"، فَيَكُونُ مَاهِرًا فِي3 طِبِّهِ، وَإِنْ أَعَدْنَا "مَاهِرٌ"4 إلَى "زَيْدٌ"، فَتَكُونُ مَهَارَتُهُ فِي غَيْرِ الطِّبِّ، وَهُوَ مِنْ الْمُجْمَلِ بِاعْتِبَارِ التَّرْكِيبِ, صَرَّحَ بِهِ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ.
"وَ"يَكُونُ الإِجْمَالُ أَيْضًا فِي "تَعَدُّدِ مَجَازٍ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ" نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا وَبَاعُوهَا فَأَكَلُوا ثَمَنَهَا" 5 لأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ، لَوْ لَمْ يَعُمَّ6 جَمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ لَمَا7 اتَّجَهَ اللَّعْنُ فَيُقَدَّرُ8 الْجَمِيعُ، لأَنَّهُ الأَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ9.
"وَ" يَكُونُ الإِجْمَالُ أَيْضًا فِي "عَامٍّ خُصَّ بِمَجْهُولٍ" نَحْوُ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إلاَّ بَعْضَهُمْ، لأَنَّ الْعَامَّ إذَا خُصَّ بِمَجْهُولٍ صَارَ الْبَاقِي مُحْتَمَلاً. فَكَانَ مُجْمَلاً10.
"وَ" كَذَا عَامٌّ خُصَّ بِـ"مُسْتَثْنًى وَصِفَةٍ مَجْهُولَيْنِ".
__________
1 في ع: إذا.
2 في ش ع: ماهراً.
3 ساقطة من ض ب.
4 في ش ز ع ب: ماهراً.
5 سبق تخريجه في ص413 من هذا الجزء.
6 في ش: يعلم.
7 في ش: ثم.
8 في ع ز: فتعدى.
9 انظر المحصول?1ق3//243، إرشاد الفحول ص 169، الإحكام للآمدي 3/11، 13، فواتح الرحموت 2/33، شرح العضد 2/158.
10 انظر المعتمد 1/324، شرح العضد 2/158، المحصول?1ق3/235، الإحكام للآمدي 3/11، وسبق الكلام عنها صفحة 164.(3/418)
مِثَالُ الْمُسْتَثْنَى الْمَجْهُولِ: قَوْلُهُ1 سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُحِلَّتْ 2 لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} 3 فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَثْنَى مِنْ الْمَعْلُومِ مَا لَمْ يُعْلَمْ, فَصَارَ الْبَاقِي مُحْتَمَلاً, فَكَانَ مُجْمَلاً4.
وَمِثَالُ مَا خُصَّ5 بِصِفَةٍ مَجْهُولَةٍ6 نَحْوُ "مُحْصِنِينَ" فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ} 7 وَمُوجَبُ الإِجْمَالِ: أَنَّ الإِجْمَالَ8 غَيْرُ مُبَيَّنٍ9, فَكَانَ صِفَةً مَجْهُولَةً.
"وَلا إجْمَالَ فِي إضَافَةِ تَحْرِيمٍ إلَى عَيْنٍ" نَحْوُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} 10 وَهَذَا الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ11.
__________
1 في ش: قول.
2 في ش: وأحلت. هو غلط.
3 الآية الأولى من المائدة.
4 انظر نهاية السول 2/144، البرهان 1/421، اللمع ص 27، المعتمد 1/323، الآيات البينات 3/113، شرح العضد 2/159، الإحكام للآمدي 3/11، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/61.
5 في ع: خصص.
6 انظر المحصول?1ق3/ 235، الإحكام للآمدي 3/11، شرح العضد 2/159، العدة 1/108، المعتمد 1/323.
7 الآية 24 من النساء.
8 في سائر النسخ الخطية: الإجمال. وليس بصواب.
9 في ع: المبين.
10 الآية 3 من المائدة.
11 انظر "المسودة ص90 وما بعدها، المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص 103، المحصول?1ق3/ 241، روضة المناظر ص 181، مختصر الطوفي 1/346، الإحكام للآمدي 3/12، شرح العضد 2/159، المعتمد 1/333، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/59، الآيات البينات 3/109، شرح تنقيح الفصول ص 275، إرشاد الفحول ص 169، اللمع ص28، فواتح الرحموت 2/34، التبصرة ص 201، مناهج العقول 2/143، نهاية السول 2/146".(3/419)
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضٌ مِنْ أَصْحَابِنَا1 وَالشَّافِعِيَّةُ2 وَالأَكْثَرُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ3.
وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ: بِأَنَّ تَحْرِيمَ الْعَيْنِ غَيْرُ مُرَادٍ، لأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ 4بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ, فَإِذَا أُضِيفَ إلَى عَيْنٍ مِنْ الأَعْيَانِ يُقَدَّرُ الْفِعْلُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ, فَفِي الْمَأْكُولاتِ: يُقَدَّرُ الأَكْلُ، وَفِي الْمَشْرُوبَاتِ: الشُّرْبُ وَفِي الْمَلْبُوسَاتِ: اللُّبْسُ, وَفِي الْمَوْطُوءاتِ: الْوَطْءُ. فَإِذَا أُطْلِقَ أَحَدُ هَذِهِ الأَلْفَاظِ سَبَقَ الْمَعْنَى الْمُرَادَ إلَى الْفَهْمِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ, فَتِلْكَ الدَّلالَةُ مُتَّضِحَةٌ لا إجْمَالَ فِيهَا5.
__________
1 اضطرب كلام القاضي أبي يعلى في هذه الآية، فذكر في العدة"1/106، 110" أنها غير مجملة ولا تفتقر إلى بيان، ثم ذكر فيه "1/145" أنها من المجمل.
2 انظر اللمع ص 28ن التبصرة ص 201، الآيات البينات 3/109، نهاية السول 2/146، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/59.
3 يبدو أن نسبة المصنف القول بالإجمال في التحريم المضاف إلى الأعيان لأكثر الحنفية غير سليمة، وذلك لأن الحنفية يطلقون القول بعدم الإجمال في هذه القضية، وينسبون المخالفة في ذلك للكرخي وبعض المعتزلة. جاء في مسلم الثبوت"2/23": "مسألة: لا إجمال في التحريم المضاف إلى العين خلافاً للكرخي والبصري". وقال الكمال بن الهمام في التحرير: "التحريم المضاف إلى الأعيان عن الكرخي والبصري إجماله، والحق ظهوره في معين". "تيسير التحرير 1/166" وقال البزدوي في أصوله: "ومن الناس ظن أن التحريم المضاف إلى الأعيان مثل المحارم والخمر مجاز لما هو من صفات الفعل، فيصير وصف العين به مجازاً. وهذا غلط عظيم، لأن التحريم إذا أضيف إلى العين كان ذلك أمارة لزومه وتحققه، فكيف يكون مجازاً؟! ". وقد علق على ذلك صاحب كشف الأسرار بقوله: "اختلفوا في التحريم والتحليل المضافين إلى الأعيان مثل قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} إلخ على ثلاثة قوال: فذهب الشيخ المصنف وشمس الأئمة وصاحب الميزان ومن تابعهم إلى أن ذلك بطريق الحقيقة كالتحريم والتحليل المضافين إلى الفعل، فيوصف المحل أولاً بالحرمة، ثم تثبت حرمة الفعل بناءً عليه، فيثبت التحريم عاماً. وذهب بعض أصحابنا العراقيين، منهمالشيخ أبو الحسن الكرخي ومن تابعه إلى أن المراد تحريم الفعل أو تحليله لاغير. وإليه ذهب عامة المعتزلة. وذهب قوم من نوابت القدرية كأبي عبد الله البصري وأصحاب أبي هاشم إلى أنه مجمل" " كشف الأسرار 2/106، وانظر أصول السرخسي 1/195".
4 في ش: يتعين.
5 انظر: المحصول?1ق3//241، روضة الناظر ص 181، المستصفى 1/346، الإحكام للآمدي 3/12، شرح العضد 2/159، المعتمد 1/333، شرح تنقيح الفصول ص 276، إرشاد الفحول ص 169، فواتح الرحموت 2/33، كشف الأسرار 2/107".(3/420)
قَالَ الْمُخَالِفُونَ: إسْنَادُ1 التَّحْرِيمِ إلَى الْعَيْنِ لا يَصِحُّ، لأَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ2 بِالْفِعْلِ, فَلا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ, وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لأُمُورٍ لا حَاجَةَ3 إلَى جَمِيعِهَا، وَلا مُرَجِّحَ لِبَعْضِهَا, فَكَانَ مُجْمَلاً4.
قُلْنَا: الْمُرَجِّحُ مَوْجُودٌ, وَهُوَ الْعُرْفُ، فَإِنَّهُ قَاضٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرْنَا، وَلأَنَّ الصَّحَابَةَ احْتَجُّوا بِظَوَاهِر هَذِهِ الأُمُورِ، وَلَمْ يَرْجِعُوا إلَى غَيْرِهَا5, فَلَوْ لَمْ تَكُنْ6 مِنْ الْمُبَيَّنِ7 لَمْ يَحْتَجُّوا بِهَا.
"وَهُوَ عَامٌّ" يَعْنِي أَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُضَافَ إلَى الْعَيْنِ عَامٌّ، لأَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ أُمُورًا مُتَعَدِّدَةً لَمْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَعْيِينِ شَيْءٍ مِنْهَا قُدِّرَتْ كُلُّهَا. لأَنَّ حَمْلَهَا عَلَى بَعْضِهَا تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ, وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي8 وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْحَلْوَانِيِّ وَالْفَخْرِ وَغَيْرِهِمْ, 9وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ, وَذَكَرَهُ أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ قَوْمٍ مِنْ10 الْحَنَفِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: لا إجْمَالَ فِي {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} 11 لأَنَّ الْعُرْفَ دَلَّ12 عَلَى التَّعْمِيمِ, فَيَتَنَاوَلُ الْعَقْدُ وَالْوَطْءَ.
__________
1 في زع: إضافة إسناد.
2 في ض: تعلق.
3 ساقطة من ض ب.
4 انظر الآيات البينات 3/109، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/59.
5 فمثلاً لما بلغهم تحريم الخمر أراقوها، وكسروا ظروفها. "التبصرة ص 201".
6 في ع ض ب: يكن. في ش: المتعين.
7 في ش: المتعين.
8 انظر المسودة ص 91، 94.
9 ساقطة من ز.
10 ساقطة من ش.
11 الآية 23 من النساء.
12 ساقطة من ض.(3/421)
وَقَالَ فِي الْعَامِّ: الْعُرْفُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَحْرِيمُ الاسْتِمْتَاعَاتِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ النِّسَاءِ، مِنْ الْوَطْءِ وَمُقَدَّمَاتِهِ.
وَاخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ1 وَالْمُوَفَّقِ2 وَالْمَالِكِيَّةِ3، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ4: انْصِرَافُ إطْلاقِ التَّحْرِيمِ فِي كُلِّ عَيْنٍ إلَى الْمَقْصُودِ اللاَّئِقِ بِهَا, لأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ لُغَةً وَعُرْفًا.
وَقِيلَ: لا عُمُومَ لَهُ أَصْلاً 5وَتُوصَفُ الْعَيْنُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ حَقِيقَةً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا6 وَمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ7, نَقَلَهُ8 الْبِرْمَاوِيُّ عَنْهُمْ فِي كَلامِهِ عَلَى الرُّخْصَةِ.
وَقَالَ التَّمِيمِيُّ وَالشَّافِعِيَّةُ9 وَصْفُ الْعَيْنِ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ مَجَازٌ.
وَرَدَّهُ ابْنُ مُفْلِحٍ وَقَالَ بَلْ تُوصَفُ الْعَيْنُ10 بِالْحِلِّ وَالْحَظْرِ حَقِيقَةً فَهِيَ مَحْظُورَةٌ عَلَيْنَا وَمُبَاحَةٌ لِوَصْفِهَا بِطَهَارَةٍ11 وَنَجَاسَةٍ وَطِيبٍ وَخَبَثٍ فَالْعُمُومُ فِي لَفْظِ التَّحْرِيمِ اهـ.
__________
1 انظر المسودة ص95، روضة الناظر ص 181.
2 روضة الناظر ص 181.
3 المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص103، شرح تنقيح الفصول ص 276، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 2/159.
4 في ش: العلماء المعتزلة.
5 ساقطة من ش.
6 المسودة ص 93.
7 كشف الأسرار 2/106، أصول السرخسي 1/195، فواتح الرحموت 2/34.
8 في ع ض ب: ونقله.
9 نهاية السول 2/146.
10 ساقطة من د.
11 في ع: لطهارة.(3/422)
"وَلا"1 إجْمَالَ فِي {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} 2 عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ3؛ لأَنَّ الْبَاءَ لِلإِلْصَاقِ، وَمَعَ الظُّهُورِ لا إجْمَالَ.
وَقِيلَ: 4مُجْمَلٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ مَسْحِ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ5 وَحُكِيَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ6.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَغَيْرُهُ: وَالْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الإِجْمَالِ فَرِيقَانِ:
الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ قَالُوا: إنَّهُ بِوَضْعِ حُكْمِ اللُّغَةِ ظَاهِرٌ فِي مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ؛ لأَنَّ الْبَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الإِلْصَاقِ، وَقَدْ أَلْصَقَتْ الْمَسْحَ بِالرَّأْسِ7، وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّهِ8، لا لِبَعْضِهِ, لأَنَّهُ لا يُقَالُ لِبَعْضِ الرَّأْسِ رَأْسٌ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا مَسْحَ جَمِيعِهِ.
وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ وَمَالِكٍ وَالْبَاقِلاَّنِيّ، وَابْنِ جِنِّي9 كَآيَةِ التَّيَمُّمِ10, يَعْنِي قَوْله
__________
1 ساقطة من ش.
2 الآية 6 من المائدة.
3 انظر "المحصول?1ق3/ 247، المسودة ص178، الإحكام للآمدي 3/14، شرح العضد 2/159، نهاية السول 2/147، المعتمد 1/334، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/59، الآيات البينات 3/109، إرشاد الفحول ص170، فواتح الرحموت 2/35 وما بعدها، مناهج العقول 2/146".
4 في ش: يحتمل.
5 وإذا ظهر الاحتمال يثبت الإجمال. "المحصول ?1ق3/ 246".
6 حكاية القول بالإجمال في هذه الآية عن الحنفية غير مسلمة، لأن القائل بالإجمال بعض الحنفية خلافاً لمذهبهم ورأي جمهورهم.
قال ابن عبد الشكور في مسلم الثبوت "2/35": "مسألة: لا جمال في {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} خلافاً لبعض الحنفية". ثم رد على بعض القائلين بالإجمال أدلتهم وحججهم ونقضها.
وقال ابن الهمام في التحرير: "لا جمال في {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} خلافاً لبعض الحنفية، لأنه لو لم يكن في مثله عرف يصحح إرادة البعض كمالك". "تيسير التحرير 1/167".
7 في ش: للرأس.
8 في ض: لكل.
9 انظر الإحكام للآمدي 3/14، المحصول ?1ق3/247، شرح العضد 2/159، إرشاد الفحول ص 170.
10 في ش: اليتيم.(3/423)
سبحانه وتَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} 1.
وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ عُرْفَ الاسْتِعْمَالِ الطَّارِئِ عَلَى الْوَضْعِ يَقْتَضِي إلْصَاقَ الْمَسْحِ بِبَعْضِ الرَّأْسِ2، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُ3.
"وَلا" إجْمَالَ "فِي" قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ" 4 عِنْدَ الْجُمْهُورِ5.
وَقِيلَ: مُجْمَلٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ نَفْيِ الصُّورَةِ وَالْحُكْمِ. وَأَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ نَفْيُ الْمَذْكُورِ مُرَادًا فَلا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ لِمُتَعَلِّقِ الرَّفْعِ. وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ فَحَصَلَ الإِجْمَالُ6.
وَأُجِيبَ عَنْ الأَوَّلِ: بِأَنَّ نَفْيَ الصُّورَةِ لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا، لِمَا فِيهِ مِنْ نِسْبَةِ كَلامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْكَذِبِ وَالْخُلْفِ, فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْحُكْمِ.
وَعَنْ الثَّانِي -وَهُوَ احْتِمَالُ الْمُضْمَرَاتِ- بِأَنَّهُ قَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْمُرَادِ، إمَّا
__________
1 الآية 6 من المائدة.
2 ولهذا فإنه إذا قال شخص لغيره"امسح يدك بالمنديل" لا يفهم أحد من أهل اللغة أنه أوجب عليه إلصاق يده بجميع المنديل، بل إن شاء يكله وإن شاء ببعضه.. ولهذا فإنه يخرج عن العهدة بكل واحد منها. وكذلك إذا قال "مسحت يدي بالمنديل" فالسامعون يجوزون أنه مسح بكله وببعضه، غير فاهمين لزوم وقع المسح بالكل أو بالبعض، بل بالقدر المشترك بين الكل والبعض، وهو مطلق المسح. "الإحكام للآمدي 3/14، وانظر المحصول?1ق3/ 247".
3 انظر أحكام القرآن للشافعي 1/44، أحكام القرآن للكيا الهراسي 3/85، شرح العضد 2/159، الإحكام للآمدي 3/14، المحصول ?1ق3/ 247.
4 سبق تخريجه في? 1 ص 512.
5 انظر "المحصول?1ق3/ 257، روضة الناظر ص 183، مختصر الطوفي ص117، المستصفى 1/348، الإحكام للآمدي 3/15، شرح العضد 2/159، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/60، الآيات البينات 3/110، إرشاد الفحول ص171، اللمع ص29، فواتح الرحموت 2/38، أصول السرخسي 1/251، مناهج العقول 2/143، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص285 وما بعدها، نهاية السول 2/145.
6 المعتمد للبصري 1/336، شرح تنقيح الفصول ص277.(3/424)
بِالْعُرْفِ أَوْ غَيْرِهِ، كَمَا سَبَقَ فِي {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ 1 الْمَيْتَةُ} 2.
"وَلا" إجْمَالَ "فِي آيَةِ السَّرِقَةِ" وَهِيَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 3 فِي اخْتِيَارِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ4، لأَنَّ "الْيَدَ" حَقِيقَةٌ إلَى5 الْمَنْكِبِ، وَلِصِحَّةِ إطْلاقِ بَعْضِ الْيَدِ لِمَا دُونَهُ, وَالْقَطْعُ حَقِيقَةٌ فِي إبَانَةِ الْمَفْصِلِ, فَلا إجْمَالَ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا، فَإِطْلاقُهَا إلَى الْكُوعِ مَجَازٌ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَتِهِ فِي الآيَةِ, وَهُوَ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ6 وَالإِجْمَاعُ7.
وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: الإِجْمَالُ فِي "الْيَدِ" وَفِي "الْقَطْعِ" لأَنَّ "الْيَدَ" تُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ إلَى الْكُوعِ، وَعَلَى مَا هُوَ إلَى الْمَنْكِبِ، وَعَلَى مَا هُوَ إلَى الْمَرْفِقِ, فَتَكُونُ8 مُشْتَرَكًا, وَهُوَ مِنْ الْمُجْمَلِ, وَ "الْقَطْعُ" يُطْلَقُ عَلَى الإِبَانَةِ، وَعَلَى الْجُرْحِ فَيَكُونُ مُجْمَلاً.
__________
1 ساقطة من ش.
2 الآية 3 من المائدة.
3 الآية 38 من المائدة.
4 انظر" المسودة ص101، نهاية السول 2/148،العدة1/149، المحصول ?1ق3/ 256، الإحكام للآمدي 3/19، شرح العضد 2/160، المعتمد 1/336، التمهيد للأسنوي ص132، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/59، الآيات البينات 3/108، إرشاد الفحول ص170، فواتح الرحموت 2/39، مناهج العقول2/147.
5 في ش: في.
6 حيث روى الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -في سارق رداء صفوان بن أمية- أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أمر بقطعه من المفصل". "سنن الدارقطني 3/205" وأخرج ابن عدي من حديث عبد الله بن عمرو قال: "قطع النبي صلى الله عليه وسلم سارقاً من المفصل". "الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/111".
7 قال ابن قدامة: "وقد روي عن أبي بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما أنهما قالا: إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من الكوع. ولا مخالف لهما في الصحابة". فكان إجماعاًسكوتياً "انظر المغني 10/264".
8 في ع ض ب: فيكون.(3/425)
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لُغَوِيَّةٌ, وَ "الْيَدُ" حَقِيقَةٌ إلَى الْمَنْكِبِ, وَ "الْقَطْعُ" حَقِيقَةٌ فِي الإِبَانَةِ وَظَاهِرٌ فِيهِمَا.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلِهَذَا لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ تَيَمَّمْتَ1 الصَّحَابَةُ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَنَاكِبِ2.
وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا فِي الْكُوعِ وَالْمَرْفِقِ وَالْمَنْكِبِ لَزِمَ الإِجْمَالُ، وَالْمَجَازُ أَوْلَى مِنْهُ، عَلَى مَا سَبَقَ.
وَاسْتَدَلَّ لِلثَّانِي بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ3 الاشْتِرَاكَ وَالتَّوَاطُؤَ وَحَقِيقَةَ أَحَدِهِمَا، وَوُقُوعُ4 وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ أَقْرَبُ مِنْ الإِجْمَالِ.
"وَلا" إجْمَالَ أَيْضًا "فِي" قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} 5 عِنْدَ الأَكْثَرِ6.
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَلْوَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ7.
وَلِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى الْقَوْلانِ8.
__________
1 في ش: تيمم.
2 انظر أحكام القرآن للجصاص 2/387 وما بعدها، أحكام القرآن للكيا الهراسي 3/113.
3 في ع: يحمل.
4 في ع: وقوع.
5 الآية 275 من البقرة.
6 انظر المسودة ص 178، روضة الناظر ص182، مختصر الطوفي ص117، التبصرة ص200،اللمع ص28.
7 أدب القاضي للماوردي 1/293، التبصرة ص200، اللمع ص28.
وممن قال بالإجمال في الآية أيضاً الحنيفة. "انظر كشف الأسرار 1/54، أصول السرخسي 1/168، التلويح على التوضيح 1/127".
8 فقد ذكر في كتابه "العدة" "1/110" أن هذه الآية غير مجملة، ولا تفتقر إلى بيان. ثم ذكر فيه "1/148" أنها من المجمل.(3/426)
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ، وَمَنْشَأُ الْخِلافِ: أَنَّ "أَلْ" الَّتِي فِي "الْبَيْعِ" هَلْ هِيَ لِلشُّمُولِ أَوْ عَهْدِيَّةٌ، أَوْ لِلْجِنْسِ مِنْ غَيْرِ اسْتِغْرَاقٍ، أَوْ مُحْتَمِلَةٌ؟ اهـ.
قَالَ: وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} 1 عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: عَامٌّ خَصَّصَتْهُ السُّنَّةُ.
وَالثَّانِي: مُجْمَلٌ بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ2.
وَهُنَا سُؤَالٌ، وَهُوَ: أَنَّ اللَّفْظَ فِي كُلٍّ مِنْ الآيَتَيْنِ3 مُفْرَدٌ مُعَرَّفٌ, فَإِنْ عَمَّ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَلْيَعُمَّ فِي الاثْنَيْنِ4، أَوْ الْمَعْنَى فَلْيَعُمَّ فِيهِمَا أَيْضًا, وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ لا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَلا الْمَعْنَى فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ، مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي آيَةِ الْبَيْعِ: الْعُمُومُ, وَفِي آيَةِ الزَّكَاةِ: الإِجْمَالُ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّ5 فِي ذَلِكَ سِرًّا6, وَهُوَ أَنَّ حِلَّ الْبَيْعِ عَلَى وَفْقِ الأَصْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الأَصْلَ فِي الْمَنَافِعِ الْحِلُّ، وَالْمَضَارِّ الْحُرْمَةُ بِأَدِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ, فَمَهْمَا حُرِّمَ الْبَيْعُ فَهُوَ7 خِلافُ الأَصْلِ.8
وَأَمَّا الزَّكَاةُ: فَهِيَ خِلافُ الأَصْلِ، لِتَضَمُّنِهَا أَخْذَ مَالِ الْغَيْر9ِ بِغَيْرِ إرَادَتِهِ, فَوُجُوبُهَا عَلَى خِلافِ الأَصْلِ, وَالأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي الْبَابِ مُشْعِرَةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى.
__________
1 الآية 43 من البقرة، وقد ودرت في مواطن أخرى من الكتاب العزيز.
2 أنظر خلاف الأصوليين في الآية في "التبصرة ص198، الإحكام للآمدي 3/11، أدب القاضي للماوردي 1/297، اللمع ص28".
3 في ش: الآيتين.
4 في ش: الآيتين.
5 في ش: أنهما.
6 في ش: سواء.
7 في ب: فهي.
8 ساقطة من ب.
9 في ز: ماللغير.(3/427)
فَلِذَلِكَ اعْتَنَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيَانِ الْمُبَايَعَاتِ الْفَاسِدَةِ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ1، وَالْمُنَابَذَةِ، وَالْمُلامَسَةِ2، وَغَيْرِ ذَلِكَ, بِخِلافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَنِ فِيهَا بِبَيَانِ مَا لا زَكَاةَ فِيهِ, فَمَنْ ادَّعَى وُجُوبَهَا فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ -كَالرَّقِيقِ وَالْخَيْلِ- فَقَدْ ادَّعَى حُكْمًا عَلَى خِلافِ الدَّلِيلِ.
وَأَمَّا تَرَدُّدُ الشَّافِعِيِّ فِي آيَةِ الْبَيْعِ: هَلْ الْمُخَصِّصُ أَوْ الْمُبَيِّنُ لَهَا الْكِتَابُ أَوْ السُّنَّةُ، دُونَ الزَّكَاةِ؟ فَلأَنَّهُ تَعَالَى3 عَقَّبَهُ4 عَلَى الْبَيْعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} 5 وَالرِّبَا6 مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ اللُّغَوِيَّةِ7, وَلَمْ يُعَقِّبْ آيَةَ الزَّكَاةِ بِشَيْءٍ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 حديث النهي عن بيع حبل الحبلة أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك في الموطأ عن ابن عمر رضي الله عنه. "انظر صحيح البخاري 3/93، صحيح مسلم 3/1153، بذل المجهود 15/38، عارضة الأحوذي 5/236، سنن النسائي 7/257، سنن ابن ماجه 2/740، الموطأ2/653، شرح السنة للبغوي 8/136".
2 حديث النهي عن بيع المنابذة والملامسة أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه وأخرجه أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "انظر صحيح البخاري 3/92، صحيح مسلم 3/1151، بذل المجهود 15/36، عارضة الأحوذي 6/45، سنن النسائي 7/228، الموطأ 2/666، شرح السنة للبغوي 8/129".
3 ساقطة من ع ز ض ب.
4 في ش: عقب.
5 الآية 275 من البقرة.
6 ساقطة من ش.
7 قال الشافعي في كتابه "أحكام القرآن" "1/135": قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} فاحتمل إحلال الله البيع معنيين "أحدهما" أن يكون أحل كل بيع تبايعه المتابيعان -جائزي الأمر فيما تبايعاه- عن تراض منها. وهذا أظهر معانيه. "والثاني" أن يكون الله أحل البيع إذا كان مما لم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله معنى ما أراد فيكون هذا من الجملة التي أحكم الله فرضها بكتابه وبين كيف هي على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. أو من العام الذي أراد به الخاص، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أريد بإحلاله منه وما حرم، أو يكون داخلاً فيمها. أو من العام الذي أباحه إلا ما حرم على لسان نبيه منه ومافي معناه. كما كان الضوء فرضاً على كل متوضىء لاخفين عليه لبسهما على كمال الطهارة. وأي هذه المعاني كان فقد ألزمه الله خلقه بما فرض من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيوع تراضى بها المتابيعان استدللنا على أن الله أراد بما أحل من البيوع ما لم يدل على تحريمه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم دون ما حرم على لسانه".
وقال الجويني في "البرهان" "1/422": "تردد جواب الشافعي في أن قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} من المجملات. وسبب تردده أن لفظ الربا مجمل، وهو مذكور في حكم الاستثناء عن البيع، والمجهول إذا استثني من المعلوم انسحب على الكلام كله إجمال".(3/428)
"وَلا" إجْمَالَ أَيْضًا "فِي" قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صَلاةَ إلاَّ بِطُهُورٍ" 1 "وَنَحْوُهُ" كَ "لا صَلاةَ إلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ" 2 "لا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ" 3 "لا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ" 4.
وَالْمُرَادُ هُنَا مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ وَنَحْوِهَا مِمَّا فِيهِ نَفْيُ ذَوَاتٍ وَاقِعَةٍ: تَتَوَقَّفُ5 الصِّحَّةُ فِيهَا عَلَى إضْمَارِ شَيْءٍ.
فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُجْمَلَةً6، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ.
__________
1 رواه بلفظ "لا صلاة" الدال على نفي العبادة لفوات أحد شروطها وهو الطهارة -وهو موطن الاستشهاد في المسألة- أبو داود وابن ماجه والدارقطني والطبراني والحاكم. "انظر بذل المجهود-/148-المستدرك1/146، سنن ابن ماجه 1/140، سنن الدارقطني 1/73، تخريج أحاديث المناهج للعراقي ص291، 295". وقد مر الحديث من قبل بلفظ "لا يقبل الله صلاة بغير طهور" مع تخريجه في? 1 ص 471.
2 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عبادة بن الصامت مرفوعاً. "انظر صحيح البخاري 1/192، صحيح مسلم1/295، بذل المجهود 5/42، عارضة الأحوذي 2/46، سنن النسائي2/106، سنن ابن ماجه 1/273، جامع الأصول 6/223".
3 سبق تخريجه في? 2 ص 551.
4 سبق تخريجه في? 2 ص 210.
5 في ش: توقف.
6 انظر "المحصول?1ق3/ 249، روضة الناظر ص182، مختصر الطوفي ص117، نشر البنود 1/275، نهاية السول 2/144، المناهج في ترتيب الحجاج ص 103، المسودة ص 107، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص117، المعتمد 1/335، المستصفى 1/351، الإحكام للآمدي 3/17، شرح العضد 2/160، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 59، الآيات البينات 3/110، شرح تنقيح الفصول ص276، إرشاد الفحول ص170، اللمع ص 28، فواتح الرحموت 2/38،التبصرة ص 203، مناهج العقول 2/143".(3/429)
فَإِنَّهُ إذَا اخْتَلَّ مِنْهَا شَرْطٌ أَوْ رُكْنٌ صَحَّ نَفْيُهُ حَقِيقَةً, لأَنَّ الشَّرْعِيَّ هُوَ1 تَامُّ الأَرْكَانِ مُتَوَفِّرُ الشُّرُوطِ, وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسِيءِ فِي صَلاتِهِ: "ارْجِعْ فَصَلِّ, فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ" 2 وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ النَّفْيِ نَفْيَ الْحَقِيقَةِ، فَلا يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ. فَلا إجْمَالَ.
"وَيَقْتَضِي ذَلِكَ" وَهُوَ كَوْنُهُ لَيْسَ3 مُجْمَلاً "نَفْيَ الصِّحَّةِ"4.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَجْهُ عَدَمِ الإِجْمَالِ: أَنَّ عُرْفَ الشَّارِعِ5 فِيهِ نَفْيُ الصِّحَّةِ أَيْ6 لا عَمَلٌ شَرْعِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِعُرْفِ اللُّغَةِ، نَحْوُ: "لا عِلْمَ إلاَّ مَا نَفَعَ"، وَ "لا بَلَدَ إلاَّ بِسُلْطَانٍ" و "َلا حُكْمَ إلاَّ لِلَّهِ"7.
وَلَوْ قُدِّرَ عَدَمُهَا، وَأَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ, فَنَفْيُ الصِّحَّةِ أَوْلَى, لأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْعَدَمِ, فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى نَفْيِ الْحَقِيقَةِ الْمُتَعَذِّرَةِ, وَلَيْسَ هَذَا إثْبَاتًا لِلُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ، بَلْ إثْبَاتًا8 لأَوْلَوِيَّةِ9 أَحَدِ الْمَجَازَاتِ، كَالصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ وَالإِجْزَاءِ بِعُرْفِ اسْتِعْمَالٍ10. اهـ.
__________
1 ساقطة من ش.
2 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم. "انظر صحيح البخاري 1/201، صحيح مسلم 1/298، بذل المجهود 5/117، عارضة الأحوذي 2/95، سنن النسائي 3/50، سنن ابن ماجه 1/336، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/143".
3ساقطة من ش.
4 انظر المسودة ص 107.
5 في ض: الشرع.
6 في ض: أو.
7 وكل ذلك نفي لما لاينتفي، وهو صدق، لأن المراد منه نفي مقاصده. "المستصفى 1/354".
8 في ش: اثباتاً.
9 في ض: لأولية.
10في ز: استعماله.(3/430)
وَقِيلَ: إنَّهُ مُجْمَلٌ. لأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ. وَقِيلَ: لأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى نَفْيِ الصُّورَةِ بَاطِلٌ, فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ, وَالأَحْكَامُ مُتَسَاوِيَةٌ.
"وَعُمُومُهُ مِنْ الإِضْمَارِ" أَيْ مَبْنِيٌّ عَلَى دَلالَةِ الإِضْمَارِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ دَلالَةِ الاقْتِضَاءِ, وَالإِضْمَارُ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَقِيلَ: عَامٌّ فِي نَفْيِ الْوُجُودِ وَالْحُكْمِ.
وَقِيلَ: عَامٌّ فِي نَفْيِ الصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ.
"وَمِثْلُهُ" أَيْ مِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صَلاةَ إلاَّ بِطُهُورٍ" وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" 1.
قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِهِ: قَالَ 2صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" مِنْ هَذَا الْبَابِ, لأَنَّ الأَعْمَالَ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرَهُ مَحْذُوفٌ.
وَاخْتَلَفُوا: هَلْ هُوَ الصِّحَّةُ؟ فَيَكُونَ التَّقْدِيرُ3: إنَّمَا الأَعْمَالُ صَحِيحَةٌ، أَوْ الْكَمَالُ؟ فَيَكُونَ تَقْدِيرُهُ: إنَّمَا الأَعْمَالُ كَامِلَةٌ.
قَالَ: وَالأَظْهَرُ إضْمَارُ الصِّحَّةِ.
"وَمَا اُسْتُعْمِلَ" أَيْ وَأَيُّ لَفْظٍ اُسْتُعْمِلَ "لِمَعْنًى" وَاحِدٍ "تَارَةً" وَاسْتُعْمِلَ "لآخَرِينَ4" تَارَةً "أُخْرَى, وَلا ظُهُورَ" فِي وَاحِدٍ مِنْهَا5 مُجْمَلٌ فِي ظَاهِرِ كَلامِ أَصْحَابِنَا, وَقَالَهُ الْغَزَالِيُّ6
__________
1انظر المسودة ص 107، روضة الناظر ص 183. والحديث سبق تخريجه في ?1 ص 491.
2 في ش: قال.
3 في ش: التقدير.
4 في ش: في آخر.
5 في ش: احد.
6 المستصفى 1/355.(3/431)
وَابْنُ الْحَاجِبِ1 وَجَمْعٌ2.
وَقَالَ الآمِدِيُّ: ظَاهِرٌ فِي الْمَعْنَيَيْنِ3, وَحَكَاهُ عَنْ الأَكْثَرِ4.
وَجْهُ إجْمَالِهِ: تَرَدُّدُهُ بَيْنَ الْمَعْنَى وَالْمَعْنَيَيْنِ, وَمَحِلُّهُ: إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْمُرَادِ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ, وَهُوَ أَنْ يُنْظَرَ: إنْ كَانَ الْمَعْنَى أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ عُمِلَ بِهِ جَزْمًا، لِوُجُودِهِ فِي الاسْتِعْمَالَيْنِ, وَيُوقَفُ الآخَرُ لِلتَّرَدُّدِ فِيهِ, وَهَذَا اخْتِيَارُ التَّاجِ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ5.
قَالَ الْمَحَلِّيُّ: هَذَا مَا ظَهَرَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مُرَادُهُمْ أَيْضًا6.
ثُمَّ قَالَ: مِثَالُ الأَوَّلِ: حَدِيثٌ رَوَاهُ7 مُسْلِمٌ8 "لا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلا يُنْكَحُ" بِنَاءً عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ, فَإِنَّهُ إنَّ حُمِلَ عَلَى الْوَطْءِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ9 مَعْنًى وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لا يَطَأُ وَلا يُوطَأُ أَيْ لا يُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنْ وَطْئِهِ, وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْعَقْدِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ مَعْنَيَانِ بَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ وَلا يَعْقِدُ لِغَيْرِهِ.
__________
1 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/161.
2 انظر إرشاد الفحول ص171، فواتح الرحموت 2/40ـ نهاية السول 2/160.
3 في الإحكام: ما يفيد معنيين. وفي ش: المعينين. وفي ز: المعنى.
4 الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/21.
5 جمع الجوامع مع شرحه للمحلي وحاشية البناني 2/65.
6 المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/65.
7ساقطة من شرح المحلي.
8 انظر صحيح مسلم 2/1230.
9 في ش: به.(3/432)
وَمِثَالُ الثَّانِي: حَدِيثُ مُسْلِمٍ1 أَيْضًا "الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا" أَيْ بِأَنْ تَعْقِدَ لِنَفْسِهَا أَوْ تَأْذَنَ لِوَلِيِّهَا فَيَعْقِدَ لَهَا وَلا يَجْبُرْهَا, وَقَدْ قَالَ بِصِحَّةِ2 عَقْدِهَا لِنَفْسِهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَبَعْضُ3 أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ4، لَكِنْ إذَا كَانَتْ فِي مَكَان لا وَلِيَّ فِيهِ وَلا5 حَاكِمَ6.
"وَمَا لَهُ" أَيْ وَأَيُّ لَفْظٍ لَهُ "مُجْمَلٌ7" لُغَةً وَشَرْعًا، كَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاةٌ" 8 فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَالصَّلاةِ فِي الأَحْكَامِ, وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلاةٌ لُغَةً, لأَنَّ مَعْنَاهَا لُغَةً: الدُّعَاءُ, فَسُمِّيَ صَلاةً، لِمَا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ.
فَعِنْدَ9 أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ10: يُحْمَلُ عَلَى الْمَحْمَلِ الشَّرْعِيِّ, لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ لِتَعْرِيفِ الأَحْكَامِ لا اللُّغَةِ11, وَفَائِدَةُ التَّأْسِيسِ أَوْلَى.
وَأَيْضًا لَيْسَ فِي الطَّوَافِ حَقِيقَةً الصَّلاةُ الشَّرْعِيَّةُ, فَكَانَ مَجَازًا.
وَالْمُرَادُ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصَّلاةِ فِي الطَّهَارَةِ وَالنِّيَّةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا12.
__________
1 صحيح مسم 2/1037.
2 ساقطة من شرح المحلي.
3 في شرح المحلي: وكذلك بعض.
4 في شرح المحلي: أصحابنا.
5 في ز: ولا حكم.
6 المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/65 وما بعدها.
7 في ش: مجمل.
8 سبق تخريجه في ص104 من هذا الجزء.
9 في ع: وعتد.
10 انظر" الإحكام للآمدي 3/22، شرح العضد 2/161، إرشاد الفحول ص 172، نهاية السول 2/161، الآيات البينات 3/115، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/63 ومابعدها".
11 في ش: للغه.
12 في ش: وغيرها.(3/433)
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ "إلاَّ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ 1 فِيهِ الْكَلامَ" فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كَوْنُهُ صَلاةً فِي الْحُكْمِ إلاَّ مَا اُسْتُثْنِيَ، وَلأَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيُّ لِلَّفْظِ حَقِيقَةً رُدَّ إلَيْهِ بِتَجَوُّزٍ، مُحَافَظَةً عَلَى الشَّرْعِيِّ مَا أَمْكَنَ.
وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ مُجْمَلٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمَجَازِ الشَّرْعِيِّ وَالْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ2.
أَوْ3 يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، تَقْدِيمًا لِلْحَقِيقَةِ عَلَى الْمَجَازِ.
وَكَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
"أَوْلَهُ4 حَقِيقَةٌ لُغَةً وَشَرْعًا، فَلِلشَّرْعِيِّ5" يَعْنِي أَنَّ خِطَابَ الشَّرْعِ6 إذَا وَرَدَ بِلَفْظٍ لَهُ حَقِيقَةٌ فِي اللُّغَةِ وَحَقِيقَةٌ فِي الشَّرْعِ، كَالْوُضُوءِ وَالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِهَا, فَإِنَّهُ يَجِبُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى عُرْفِ الشَّرْعِ7 عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ8.لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْعُوثٌ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ, وَلأَنَّهُ كَالنَّاسِخِ الْمُتَأَخِّرِ. فَيَجِبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ.
__________
1 ساقطة من ض.
2 المستصفى 1/357.
3 في ش: و.
4 ساقطة من ش.
5 في ش: فالشرعي.
6 في ش: الخطاب الشرعي.
7 في ض ب: الشرعي.
8 انظر" المسودة ص177، التبصرة ص195، نهاية السول 1/311، الإحكام للآمدي 3/23، شرح العضد 2/161، إرشاد الفحول ص172، المستصفى 1/358، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/63، الآيات البينات 3/115، فواتح الرحموت 2/41، شرح تنقيح الفصول ص 112، 114، التمهيد للأسنوي ص61، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص123، مناهج العقول 1/309".(3/434)
وَلِذَلِكَ ضَعَّفُوا حَمْلَ حَدِيثِ: "مَنْ أَكَلَ لَحْمَ جَزُورٍ فَلْيَتَوَضَّأْ 1 " عَلَى التَّنْظِيفِ بِغَسْلِ الْيَدِ، وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ2 التَّوَضُّؤَ3 مِنْهُ لِضَعْفِ الْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِذَلِكَ.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: هَذَا أَرْجَحُ الْمَذَاهِبِ فِي الْمَسْأَلَةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ، إلاَّ أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ الشَّرْعِيِّ.
قَالَ: لأَنَّ الشَّرْعِيَّ مَجَازٌ. وَالْكَلامُ لِحَقِيقَتِهِ4، حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ5 عَلَى الْمَجَازِ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّرْعِ حَقِيقَةٌ، وَإِلَى اللُّغَةِ مَجَازٌ، فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لا لَهُ.
وَقِيلَ: 6هُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ7 مُجْمَلٌ8.
"فَ" عَلَى الْقَوْلِ الأَوَّلِ "إنْ تَعَذَّرَ" الْحَمْلُ عَلَى9 الشَّرْعِيِّ "فَالْعُرْفِيِّ" أَيْ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِيِّ, لأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ إلَى الْفَهْمِ, وَلِهَذَا اعْتَبَرَ الشَّارِعُ الْعَادَاتِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.
__________
1 أخرجه مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه مرفوعاً، وأخرجه أبو داود والترمذي وأحمد في مسنده عن البراء بن عازب رضي الله عنه مرفوعاً "انظر صحيح مسلم 1/275، بذل المجهود 2/94، عارضة الأحوذي 1/133، مسند أحمد 4/288، 4/303".
2 شرح النووي على صحيح مسلم 4/49.
3 في ش: الوضوء.
4 في ش: على الحقيقة. وفي ع: للحقيقة. وفي ض: حقيقة. وفي ب: الحقيقة.
5 في ش: دليل عليه لا له.
6 ساقطة من ش.
7 في ش: أي.
8 انظر العدة 1/143، المسودة ص 177.
9 ساقطة من ش.(3/435)
فَإِنْ تَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْعُرْفِيِّ "فَاللُّغَوِيِّ" يَعْنِي فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ فَلْيُجِبْ, فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلّ" 1.
حَمَلَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3 وَغَيْرُهُمَا عَلَى مَعْنَى "فَلْيَدَعْ".
وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَمْلَ: مَا رَوَى أَبُو دَاوُد4 "فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدَعْ" وَيَكُونُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَادُهُ اللُّغَةُ.
فَإِنْ تَعَذَّرَ أَيْضًا الْحَمْلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ "فَالْمَجَازِ5" يَعْنِي فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ, لأَنَّ الْكَلامَ إمَّا حَقِيقَةٌ وَإِمَّا مَجَازٌ، وَقَدْ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَمَا بَقِيَ إلاَّ الْمَجَازُ فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ6، وَالأَقْوَالُ السَّابِقَةُ فِي7 مَجَازٍ مَشْهُورٍ وَحَقِيقَةٍ لُغَوِيَّةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأبو داود عن ابن عمر رضي عنه. "انظر صحيح مسلم 2/1054، بذل المجهود 16/67"، وقد روى البخاري ومالك في الموطأ الشطر الأول منه عن ابن عمر رضي الله عنه: "إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها". "انظر صحيح البخاري 7/31، الموطأ 2/546".
2 المغني 8/108.
3 الشرح الكبير على المقنع 8/109.
4 بذل المجهود 16/68.
5 في ش: فالجازي.
6انظر المحصول?1ق1/ 577، مناهج العقول 1/309 وما بعدها، نهاية السول 1/311 وما بعدها.
7 في ع: المجاز مشهوره.(3/436)
بَابُ الْمُبَيَّنِ:
مِنْ لَفْظٍ أَوْ فِعْلٍ "يُقَابِلُ الْمُجْمَلَ" فَمَا تَقَدَّمَ لِلْمُجْمَلِ مِنْ تَعْرِيفَاتٍ فَخُذْ ضِدَّهَا فِي الْمُبَيَّنِ.
فَإِنْ قُلْتَ: الْمُجْمَلُ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ مُحْتَمَلَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى السَّوَاءِ, فَقُلْ1: الْمُبَيَّنُ مَا نَصَّ عَلَى مَعْنًى مُعَيَّنٍ2 مِنْ غَيْرِ إبْهَامٍ.
وإنْ3 قُلْتَ: الْمُجْمَلُ مَا لا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الإِطْلاقِ مَعْنًى مُعَيَّنٌ, فَقُلْ: الْمُبَيَّنُ مَا فُهِمَ مِنْهُ عِنْدَ الإِطْلاقِ مَعْنًى مُعَيَّنٌ، مِنْ نَصٍّ أَوْ ظُهُورٍ بِالْوَضْعِ، أَوْ بَعْدَ الْبَيَانِ.
"وَيَكُونُ" الْمُبَيَّنُ "فِي مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ" مِنْ الأَلْفَاظِ "وَ" فِي "فِعْلٍ سَبَقَ إجْمَالُهُ4 أَوْ لا" يَعْنِي أَوْ لَمْ يَسْبِقْ إجْمَالٌ5, فَإِنَّ الْبَيَانَ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَكُونُ تَارَةً ابْتِدَاء, وَيَكُونُ تَارَةً بَعْدَ الإِجْمَالِ, وَقَدْ وَقَعَ هَذَا وَهَذَا, وَهُوَ وَاضِحُ الْقَصْدِ.
قَالَ الْعَضُدُ6 وَقَدْ يَكُونُ فِيمَا لا يَسْبِقُ فِيهِ7 إجْمَالٌ، كَمَنْ يَقُولُ
__________
1 في ض: فقال.
2 في ض: مبين.
3 في ض ش: فإن.
4 في ش: إجماله.
5 في ش: إجمال أو لا.
6 في ش: القصد.
7 في شرح العضد: ولم يسبق.(3/437)
ابْتِدَاءً: اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ1.
"وَالْبَيَانُ"2 الَّذِي هُوَ اسْمُ مَصْدَرِ بَيَّنَ "يُطْلَقُ عَلَى التَّبْيِينِ" الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ بَيَّنَ "وَهُوَ فِعْلُ الْمُبَيِّنِ".
"وَ" يُطْلَقُ أَيْضًا "عَلَى مَا حَصَلَ بِهِ التَّبْيِينُ, وَهُوَ الدَّلِيلُ.
"وَ" يُطْلَقُ أَيْضًا "عَلَى مُتَعَلَّقِهِ" أَيْ مُتَعَلَّقِ التَّبْيِينِ "وَهُوَ الْمَدْلُولُ" أَيْ الْمُبَيَّنِ -بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ- وَعَلَى مَحِلِّهِ أَيْضًا.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: "فَ" الْبَيَانُ "بِنَظَرٍ3 إلَى" الإِطْلاقِ "الأَوَّلِ" الَّذِي هُوَ التَّبْيِينُ "إظْهَارُ الْمَعْنَى" أَيْ مَعْنَى الْمُبَيَّنِ "لِلْمُخَاطَبِ" وَإِيضَاحُهُ وَمَعْنَاهُ لأَبِي الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ وَالْوَاضِحِ لابْنِ عَقِيلٍ.
وَقِيلَ: إخْرَاجُ الْمَعْنَى4 مِنْ حَيِّزِ الإِشْكَالِ إلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي, وَهُوَ لَلصَّيْرَفِيِّ.
__________
1 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/162.
2 انظر معاني البيان عند الأصوليين في "العدة 1/102 وما بعدها، إرشاد الفحول ص 167، المسودة ص 572 وما بعدها، شرح العضد 2/162، البرهان 1/159، الإحكام للآمدي 3/25، فواتح الرحموت 2/42، روضة الناظر ص 184، شرح تنقيح الفصول ص274، المحصول?1ق3/226، نهاية السول 2/148، مناهج العقول 2/148، اللمع ص 29، الآيات البينات 3/118، نشر البنود 1/277، المعتمد 1/317 وما بعدها، كشف الأسرار 3/104، الرسالة للشافعي ص21، المستصفى 1/364، وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/67، التعريفات للجرجاني ص 26، الحدود للباجي ص41، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 1/115، فتح الغفار 2/119، أصول السرخسي 2/26، تيسير التحرير 3/171، الإحكام لابن حزم1/38، الحطاب على الورقات ص 109".
3 في ع ب: ينظر. وفي ش: بالنظر.
4 عند الآمدي والجويني وابن الحاجب وأبي يعلى والغزالي والشيرازي والسبكي والبصري والخطيب والبغدادي والشوكاني وغيرهم: الشيء.(3/438)
وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ1، وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالآمِدِيُّ2 وَابْنُ الْحَاجِبِ3، إلاَّ أَنَّهُمْ زَادُوا "وَ4الْوُضُوحِ" تَأْكِيدًا وَتَقْرِيرًا.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: هَذَا الْحَدُّ "غَيْرُ"5 تَامٍّ, لأَنَّهُ لا يَدْخُلُ فِيهِ إلاَّ مَا كَانَ مُشْكِلاً, ثُمَّ أَظْهَرُوا مَا تَبْيِينُهُ ابْتِدَاءً مِنْ الْقَوْلِ، كَقَوْله تَعَالَى: {هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} 6 فَهَذَا لَمْ يَكُنْ مُشْكِلاً7.
قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: رُبَّمَا وَرَدَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بَيَانٌ لِمَا لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِ أَحَدٍ.
وَأَيْضًا فَفِي التَّعْبِيرِ بِالْحَيِّزِ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الأَجْسَامِ، تَجَوُّزٌ فِي إطْلاقِهِ
__________
1 قول المصنف أن إمام الحرمين تبع الصيرفي البيان بهذا التعريف غير سديد. وذلك لأن إمام الحرمين حكى هذا التعريف عن بعض من ينتسب إلى الأصوليين –على حد تعبيره- ثم رده بقوله: "وهذه العبارة وإن كانت محومة على المقصود، فليست مرضية، فإنها مشتملة على ألفاظ مستعارة -كالحيز والتجلي- وذوو البصائر لا يودعون مقاصد الحدود إلا في عبارات هي قوالب لها، تبلغ الغرض من غير قصور ولا ازدياد، يفهمها المبتدئون، ويحسنها المنتهون". "انظر البرهان 1/159".
2 الصواب أن الآمدي لم يتبع الصيرفي في هذا الحد، وإنما حكاه عنه، ثم عابه ورده لأمور ثلاثة ذكرها، أحدها أنه غير جامع. والثاني أن فيه تجوزاً. والثالث أن فيه زيادة. "انظر الإحكام في أصول الأحكام 3/25".
3 مختصر ابن الحاجب وشرحه العضد 2/162.
4 ساقطة من ز.
5 زيادة على سائر النسخ يقتضيها السياق، ويدل عليها نص القاضي في العدة.
6 لآية 116 من النحل.
7 نقل المصنف لهذا القول عن القاضي أبي يعلى فيه تغيير وتصرف، وعبارة القاضي في "العدة" بعد إيراد تعريف الصيرفي: "وفي هذه العبارة خلل، لأن هذا الوصف إنما يوجد في بعض أقسام البيان، وهو بيان المجمل الذي لا يستقل بنفسه. فأما الخطاب المبتدأ من الله تعالى ومن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن سائر المخاطبين إذا كان ظاهر المعنى بين المراد، فهو بيان صحيح، وإن لم يشمل عليه هذا الوصف. ألا ترى أن قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} وقوله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} و {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} قد حصل به البيان، وإن لم يكن قبل ظهور ذلك إشكال أخرجه إلى التجلي، بل قد علمنا أن الغسل لم يكن واجباً، فبين وجبه بالآية" "العدة1/105".(3/439)
فِي1 الْمَعَانِي، وَنَحْوُهُ التَّجَلِّي.
"وَ" الْبَيَانُ بِنَظَرٍ2 "إلَى" إطْلاقِهِ عَلَى ثَانٍ، وَهُوَ مَا حَصَلَ بِهِ التَّبْيِينُ "الدَّلِيلُ".
قَالَهُ التَّمِيمِيُّ وَأَكْثَرُ الأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ3، لِصِحَّةِ إطْلاقِهِ عَلَيْهِ لُغَةً وَعُرْفًا، مَعَ عَدَمِ مَا سَبَقَ. وَالأَصْلُ الْحَقِيقَةُ4.
"وَ" الْبَيَانُ بِنَظَرٍ5 "إلَى" إطْلاقِهِ عَلَى "ثَالِثٍ" وَهُوَ مُتَعَلَّقُ6 التَّبْيِينِ "الْعِلْمُ" الْحَاصِلُ "عَنْ دَلِيلٍ" قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ7 وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ قَالُوا: الْبَيَانُ إظْهَارُ الْمُرَادِ بِالْكَلامِ الَّذِي لا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمُرَادُ إلاَّ بِهِ.
قَالَ8 ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ جَمِيعِ الْحُدُودِ.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَالْعَجَبُ أَنَّهُ أُورِدَ عَلَى الصَّيْرَفِيِّ الْمُبَيَّنُ ابْتِدَاءً, وَلا شَكَّ فِي وُرُودِهِ هُنَا، بَلْ أَوْلَى. لأَنَّهُ صَرَّحَ بِتَقَدُّمِ9 كَلامٍ لَمْ يُفْهَمْ الْمُرَادُ مِنْهُ.
وَأَيْضًا الْبَيَانُ قَدْ يَرِدْ عَلَى فِعْلٍ، وَلا يُسَمَّى مِثْلُ ذَلِكَ كَلامًا.
__________
1 في ش: على.
2 في ش ع ب: ينظر، وفي د: بالنظر.
3 انظر المعتمد للبصري 1/317.
4 في ش: "و" الحقيقة.
5 في ش ع ب: ينظر، وفي د: بالنظر.
6 وفي ش: إطلاقه على.
7 انظر المعتمد 1/318، وفي ز: البصيري.
8 في ع: قاله.
9 في ش ض ب: بتقديم.(3/440)
"وَيَجِبُ" الْبَيَانُ "لِمَا أُرِيدَ فَهْمُهُ" مِنْ دَلائِلِ الأَحْكَامِ. يَعْنِي إذَا1 أُرِيدَ بِالْخِطَابِ إفْهَامُ الْمُخَاطَبِ بِهِ لِيَعْمَلَ بِهِ وَجَبَ أَنْ يُبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا يُرَادُ بِذَلِكَ الْخِطَابِ, لأَنَّ الْفَهْمَ شَرْطٌ لِلتَّكْلِيفِ, فَأَمَّا مَنْ لا يُرَادُ إفْهَامُهُ ذَلِكَ فَلا يَجِبُ الْبَيَانُ لَهُ بِالاتِّفَاقِ2.
وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ لا يَجِبُ الْبَيَانُ فِي الْخِطَابِ إذَا كَانَ خَبَرًا لا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْلِيفٌ, وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي التَّكَالِيفِ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهَا.
"وَيَحْصُلُ" الْبَيَانُ "بِقَوْلٍ" بِلا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ3, وَالْقَوْلُ: إمَّا مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَوْ مِنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَالأَوَّلُ: نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} 4 فَإِنَّهُ مُبَيِّنٌ لِقَوْله تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} 5 إذَا6 قُلْنَا إنَّ الْمُرَادَ بِالْبَقَرَةِ بَقَرَةٌ مُعَيَّنَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
__________
1 في ز: إذ.
2 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/67، مناهج العقول 2/160، الآيات البينات 3/119، نشر البنود 1/277، شرح تنقيح الفصول ص285، وما بعدها، المحصول?1ق3/ 331، نهاية السول 2/160، المعتمد 1/358.
3 انظر "المسودة ص 573، مختصر الطوفي ص119، العدة 1/110، 112، إرشاد الفحول ص173، أصول السرخسي 2/27، فواتح الرحموت 2/45، تيسير التحرير 3/175، الإحكام لابن حزم 1/72، نهاية السول 2/150، اللمع ص29، المعتمد 1/337، نشر البنود 1/278، مناهج العقول 2/149، المستصفى 1/367، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/115، الآيات البينات 3/119، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/67، المحصول?1ق3/ 261، شرح تنقيح الفصول ص278، روضة الناظر ص184".
4 الآية 69 من البقرة.
5 الآية 67 من البقرة.
6 في ش: إن.(3/441)
وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1 وَغَيْرُهُ2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَالْعُيُونُ 3 أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا4 الْعُشْرُ, وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ " وَرَوَى مُسْلِمٌ نَحْوَهُ عَنْ جَابِرٍ5, وَهُوَ مُبَيِّنٌ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} 6.
وَاسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا الْمِثَالِ: أَنَّ السُّنَّةَ تُبَيِّنُ مُجْمَلَ الْكِتَابِ, وَهُوَ كَثِيرٌ, كَمَا فِي الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْبَيْعِ وَالرِّبَا، وَغَالِبِ الأَحْكَامِ الَّتِي7 جَاءَ تَفْصِيلُهَا فِي السُّنَّةِ.
"وَفِعْلٍ" يَعْنِي: أَنَّ الْبَيَانَ يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْعُلَمَاءِ8, وَالْمُرَادُ: فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ شِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ.
__________
1 صحيح البخاري 2/155.
2 سبق تخريج الحديث في ص 365 من هذا الجزء.
3 زيادة من صحيح البخاري.
4 العثري: هو الزرع لايسقيه إلا ماء المطر. "المصباح المنير 1/466" ويقال للنخل الذي لايحتاج في سقيه إلى تعب بدالية وغيرها عثري، كأنه عثر على الماء عثراً بلا عمل من صاحبه. "لسان العرب 4/541".
5 ولفظه " فيما سقت الأنهار والغيم العشور، وفيما سقي بالسانية نصف العشر". "صحيح مسلم 2/675".
6 الآية 1414 من الأنعام.
7 في ع ز ض ب: الذي
8 انظر "مناهج العقول 2/149، المحصول?1ق3/ 269، شرح تنقيح الفصول ص281، روضة الناظر ص184، المسودة ص573، مختصر الطوفي ص 119،العدة 1/118، الإحكام للآمدي 3/27، إرشاد الفحول ص 173، التبصرة ص247، أصول السرخسي 2/27، فواتح الرحموت 2/45، شرح العضد 2/162، تيسير التحرير 3/175، الإحكام لابن حزم 1/72، الآيات البينات 3/119، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 1/119، المعتمد 1/338، نشر البنود 1/278، المستصفى 1/366 وما بعدها، اللمع ص 29، نهاية السول 2/151، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/67".(3/442)
دَلِيلُ الْمُعْظَمِ -كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ1 وَغَيْرُهُ -: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ الصَّلاةَ وَالْحَجَّ بِالْفِعْلِ, وَقَالَ: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" وَقَالَ: "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ".
رَوَى الأَوَّلَ الْبُخَارِيُّ2 مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ3. وَرَوَى الثَّانِيَ مُسْلِمٌ4 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
لا يُقَالُ: إنَّ الَّذِي وَقَعَ بِهِ5 الْبَيَانُ قَوْلٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ " صَلُّوا " وَ " خُذُوا " لأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا دَلَّ الْقَوْلُ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ بَيَانٌ، لا أَنَّ6 نَفْسَ الْقَوْلِ وَقَعَ بَيَانًا.
وَأَيْضًا فَالْفِعْلُ مُشَاهَدٌ. وَالْمُشَاهَدَةُ أَدَلُّ7، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِالْبَيَانِ.
وَفِي الْحَدِيثِ8 "لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ9 بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَابْنُ حِبَّانَ10 وَالطَّبَرَانِيُّ، وَزَادَ فِيهِ: "فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ
__________
1 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد2/162.
2 صحيح البخاري 1/162.
3 هو الصحابي الجليل مالك بن الحويرث بن أشيم الليثي، أبو سليمان. قال النووي: "روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر حديثاً، اتفقا على حديثين، وانفرد البخاري بحديث، وثبت في الصحيحين انه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شببة متقاربين، أقاموا عند النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ليلة، ثم أذن لهم بالرجوع إلى أهلهم، وأمرهم أن يعلموهم دينهم".
وقال ابن عبد البر: سكن البصرة ومات بها سنة 94هـ. "انظر ترجمته في أسد الغابة 5/20، الاستيعاب3/1349، طرح التثريب 1/94، تهذيب الأسماء واللغات 2/80، صحيح البخاري 1/162".
4 صحيح مسم 2/943.
5 في ش: في.
6 في ش: لأن.
7 في ش: أولى.
8 سبق تخريجه في? 2 ص337.
9 مسند الإمام أحمد 1/215، 217.
10موارد الظمان ص 510.(3/443)
عَلَيْهِ السَّلامُ عَمَّا صَنَعَ قَوْمُهُ مِنْ بَعْدِهِ, فَلَمْ يُلْقِ الأَلْوَاحَ, فَلَمَّا عَايَنَ ذَلِكَ أَلْقَى الأَلْوَاحَ".
فَيَحْصُلَ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ "وَلَوْ" كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ1 كُلُّهُ "كِتَابَةً أَوْ إشَارَةً"2.
قَالَ صَاحِبُ الْوَاضِحِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: لا أَعْلَمُ خِلافًا فِي أَنَّ الْبَيَانَ يَقَعُ بِالإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ. اهـ.
مِثَالُ الْكِتَابَةِ: الْكُتُبُ الَّتِي كُتِبَتْ، وَبُيِّنَ فِيهَا الزَّكَوَاتُ3 وَالدِّيَاتُ4 وَأُرْسِلَتْ مَعَ عُمَّالِهِ.
وَمِثَالُ الإِشَارَةِ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا" -وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْعَشَرَةِ, وَقَبَضَ الإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ5- يَعْنِي تِسْعَةً وَعِشْرِينَ.
"وَ" وَالْبَيَانُ "الْفِعْلِيُّ أَقْوَى" مِنْ الْبَيَانِ الْقَوْلِيِّ, لأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ الْقَوْلِ, وَأَسْرَعُ إلَى الْفَهْمِ، وَأَثْبَتُ فِي الذِّهْنِ، وَأَعْوَنُ6 عَلَى
__________
1في ش: الفعل كله.
2 انظر: "اللمع ص29، الفقيه والمتفقه 1/120، روضة الناظر ص184، العدة 1/114، مختصر الطوفي ص119، إرشاد الفحول ص172، المعتمد 1/337، شرح تنقيح الفصول ص278 وما بعدها، المحصول ج1ق3/ 262، 264، البرهان 1/164، الإحكام لابن حزم 1/72، 74".
3 في ض ب: الزكاة.
4 مثل كتابه صلى الله عليه وسلم الذي بعثه مع عمرو بن حزم إلى أهل اليمن، وبين فيه الفرائض والسنن والديات. وقد سبق تخريجه في ج1 ص253، وكتابه صلى الله عليه وسلم في الصدقات الذي أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم والدارقطني. "انظر بذل المجهود 8/50، سنن الدارقطني 2/116، عارضة الأحوذي 3/106، المستدرك 1/392".
5 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر مرفوعاً، وأخرجه ابن ماجه والنسائي عن سعد بن أبي وقاص مرفوعاً. "انظر صحيح البخاري 3/34، صحيح مسلم 2/760، بذل المجهود 11/105، سنن النسائي 4/113 وما بعدها، سنن ابن ماجه 1/530".
6 في ش: وعون.(3/444)
التَّصَوُّرِ1 وَقَدْ عَرَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلَ ابْنِ آدَمَ وَأَجَلَهُ وَأَمَلَهُ بِالْخَطِّ الْمُرَبَّعِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ2.
"وَ" َحْصُلُ الْبَيَانُ أَيْضًا "بِإِقْرَارٍ عَلَى فِعْلٍ" أَيْ إقْرَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى3 فِعْلِ بَعْضِ أُمَّتِهِ, لأَنَّهُ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ، فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِغَيْرِهِ4 كَغَيْرِهِ مِنْ الأَدِلَّةِ5.
"وَكُلُّ مُقَيَّدٍ مِنْ" جِهَةِ "الشَّرْعِ بَيَانٌ"6 وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ، تَتَنَاوَلُ مَا سَبَقَ وَمَا يَأْتِي بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى, ذَكَرَ ذَلِكَ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ7.
وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:
مِنْهَا: التَّرْكُ، مِثْلُ أَنْ يَتْرُكَ فِعْلاً8 قَدْ أُمِرَ بِهِ، أَوْ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ فِعْلُهُ
__________
1 انظر منهاج العقول 2/150، المعتمد 1/339، روضة الناظر 185، مختصر الطوفي ص119، نهاية السول 2/151.
2 ونصه: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فال: خط النبي صلى الله عليه وسلم خطاً مربعاً، وخط حطاً في الوسط خارجاً منه، وخط خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: "هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به، أو قد أحاط به، وهذا الذي يخرج هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وأن أخطأه هذا نهشه هذا". "صحيح البخاري 8/110، وانظر جامع الأصول 1/287".
3 في ز: في.
4 ساقطة من ش.
5 انظر اللمع ص29، الفقيه والمتفقه 1/119، المسودة ص573، روضة الناظر ص185، العدة 1/127، المستصفى 1/367، الإحكام لابن حزم 1/72، مختصر الطوفي ص119.
6 انظر نشر البنود 1/283.
7 مختصر الطوفي ص119.
8 في ض ب: فعل.(3/445)
فَيَكُونَ تَرْكُهُ لَهُ مُبَيِّنًا لِعَدَمِ وُجُوبِهِ1, وَذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ قَيْلَ2 لَهُ {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} 3 ثُمَّ إنَّهُ كَانَ يُبَايِعُ وَلا يُشْهِدُ، بِدَلِيلِ الْفَرَسِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ الأَعْرَابِيِّ ثُمَّ أَنْكَرَ الْبَيْعَ, فَعُلِمَ أَنَّ الإِشْهَادَ فِي الْبَيْعِ غَيْرُ وَاجِبٍ.
وَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّرَاوِيحَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ تَرَكَهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ4, فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، إذْ يَمْتَنِعُ تَرْكُهُ5 الْوَاجِبِ.
وَمِنْهَا: السُّكُوتُ بَعْدَ السُّؤَالِ عَنْ حُكْمِ الْوَاقِعَةِ. فَيُعْلَمَ أَنَّهُ لا حُكْمَ لِلشَّرْعِ فِيهَا6، كَمَا رُوِيَ أَنَّ7 زَوْجَةَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ8 جَاءَتْ بِابْنَتَيْهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدٍ، قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَك يَوْمَ أُحُدٍ, وَقَدْ أَخَذَ عَمُّهُمَا مَالَهُمَا، وَلا يُنْكَحَانِ إلاَّ بِمَالٍ, فَقَالَ: "اذْهَبِي حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيك".
فَذَهَبَتْ ثُمَّ نَزَلَتْ9 آيَةُ الْمِيرَاثِ {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 10 فَبَعَثَ خَلْفَ
__________
1 انظر شرح تنقيح الفصول ص279، المحصول ج1ق3/ 267، نهاية السول 2/151، المسودة ص573.
2 في ش: قال الله.
3 الآية 282 من البقرة.
4 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ومالك في الموطأ عن عائشة رضي الله عنها. "انظر صحيح البخاري 3/58، صحيح مسلم 1/524، سنن النسائي 3/164، بذل المجهود 7/150، الموطأ 1/113".
5 في ش ز: ترك.
6 شرح تنقيح الفصول ص279، المحصول ج1ق3/ 268.
7 في ع ز ض ب: عن.
8 هو الصحابي الشهيد سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي. قال أهل السير: كان نقيب بني الحارث بن الخزرج، هو وعبد الله بن رواحة، وكان كاتباً في الجاهلية، شهد بيعة العقبة الأولى والثانية، وقتل يوم أحد شهيداً. "انظر ترجمته في أسد الغابة 2/348، الاستيعاب 2/589، تهذيب الأسماء واللغات 1/210".
9في ض: انزلت.
10 الآية 11 من النساء.(3/446)
الْمَرْأَةِ وَابْنَتَيْهَا وَعَمِّهِمَا فَقَضَى فِيهِمْ بِحُكْمِ1 الآيَةِ2.
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ حُكْمٌ، وَإِلاَّ لَمَا جَازَ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، كَمَا يَأْتِي.
وَمِنْهَا: أَنْ يَسْتَدِلَّ الشَّارِعُ اسْتِدْلالاً عَقْلِيًّا، فَتَبِينُ3 بِهِ الْعِلَّةُ، أَوْ مَأْخَذُ4 الْحُكْمِ، أَوْ فَائِدَةٌ مَا إذْ5 الْكَلامُ فِي بَيَانِ الْمُجْمَلِ وَمُحْتَمَلاتُهُ بِالْفَرْضِ6 مُتَسَاوِيَةٌ, فَأَدْنَى مُرَجِّحٍ يَحْصُلُ بَيَانًا مُحَافَظَةً عَلَى الْمُبَادَرَةِ إلَى الامْتِثَالِ، وَعَدَمِ الإِهْمَالِ لِلدَّلِيلِ7.
قَالَهُ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِهِ, وَتَابَعَهُ الْعَسْقَلانِيُّ فِي شَرْحِهِ, وَزَادَ الأَخِيرُ.
"وَالْفِعْلُ وَالْقَوْلُ" الصَّادِرَانِ مِنْ الشَّارِعِ "بَعْدَ مُجْمَلٍ، إنْ صَلَحَا" أَيْ صَلَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ بَيَانًا "وَاتَّفَقَا" فِي غَرَضِ الْبَيَانِ، بِأَنْ لا يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ8 "فَالأَسْبَقُ" مِنْهُمَا "إنْ عُرِفَ بَيَانٌ" لِلْمُجْمَلِ "وَالثَّانِي" مِنْهُمَا "تَأْكِيدٌ" لِلأَسْبَقِ9
__________
1 في ش: بحكم الله تعالى.
2 أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه. قال الترمذي: هذا حديث صحيح. "انظر عارضة الأحوذي 8/243، بذل المجهود 13/163، سنن ابن ماجه 2/908، مسند الإمام أحمد 3/352".
3 في ش: تتبين، وفي د: فتتبين.
4 في ش: يأخذ.
5 في ض ب: إذا.
6 في ش: بالغرض.
7 انظر نشر البنود 1/278، شرح تنقيح الفصول ص279، المحصول ج1ق3/ 267، نهاية السول 2/151.
8 في ع: تناف واتفاقاً.
9 قال الآمدي: إلا إذا كان دون الأول في الدلالة، لاستحالة تأكيد الشيء بما هو دونه في الدلالة. اهـ. انظر تحقيق المسألة في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/68، الآيات البينات 3/120، الإحكام للآمدي 3/28، المحصول ج1ق3/ 272، نشر البنود 1/279، تيسير التحرير 3/176، المعتمد 1/339، شرح تنقيح الفصول ص281، منهاج العقول 2/150".(3/447)
"وَإِنْ جُهِلَ" الأَسْبَقُ مِنْ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ "فَأَحَدُهُمَا" فَقَطْ1 هُوَ الْمُبَيِّنُ فَلا يُقْضَى عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بِأَنَّهُ الْمُبَيِّنُ، بَلْ يُقْضَى بِحُصُولِ الْبَيَانِ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهِ، وَهُوَ الأَوَّلُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ وَالثَّانِي فِي نَفْسِ الأَمْر2ِ تَأْكِيدٌ3 وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ4.
وَقَالَ الآمِدِيُّ: يَتَعَيَّنُ لِلتَّقْدِيمِ غَيْرُ الأَرْجَحِ، حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُبَيِّنَ، لأَنَّ الْمَرْجُوحَ لا يَكُونُ تَأْكِيدًا5 لِلرَّاجِحِ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ6.
وَأَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُؤَكِّدَ الْمُسْتَقِلَّ لا يَلْزَمُ فِيهِ ذَلِكَ، كَالْجُمَلِ الَّتِي يَذْكُرُ بَعْضُهَا بَعْدَ بَعْضِ لِلتَّأْكِيدِ، وَأَنَّ التَّأْكِيدَ يَحْصُلُ بِالثَّانِيَةِ, وَإِنْ كَانَ7 أَضْعَفَ
__________
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ش.
3 في د: تأكيداً.
4 انظر "المحصول ج1ق3/ 273، تيسير التحرير 3/176، المعتمد 1/339، إرشاد الفحول ص173، شرح العضد 2/163، نهاية السول 2/151، فواتح الرحموت 2/46، الآيات البينات 3/120، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/68، منهاج العقول 2/150".
5 في ش: توكيداً.
6 الإحكام في أصول الأحكام 3/28 باختصار وتصرف، وعبارة الآمدي: "وإن جعل ذلك –أي تقدم أحدهما- قلا يخبو: إما إن يكونا متساويين في الدلالة، أو أحدهما أرجح من الأخر على حسب اختلاف الوقائع والأقوال والأفعال. فإن كان الأول: فأحدهما هو البيان، والآخر مؤكد من غير تعيين. وإن كان الثاني: فالأشبه أن المرجوح هو المتقدم، لأنا لو فرضنا تأخر المرجوح امتنع أن يكون مؤكداً للراجح، إذ الشيء لا يؤكد بما هو دونه في الدلالة، والبيان حاصل بدونه، فكان الاتيان به غير مفيد، ومنصب الشارع منزه عن الاتيان بما لا يفيد، ولا كذلك فيما إذا جعلنا المرجوح مقدماً، فإن الاتيان بالراجح بعده يكون مفيداً للتأكيد، ولا يكون معطلاً".
7 في ش: كان.(3/448)
بِانْضِمَامِهَا إلَى الأُولَى، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْمُؤَكِّدِ أَقْوَى فِي الْمُفْرَدَاتِ1.
"وَإِنْ" "لَمْ يَتَّفِقَا" أَيْ الْفِعْلُ وَالْقَوْلُ "كَمَا لَوْ طَافَ" النَّبِيُّ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ آيَةِ الْحَجِّ" حَالَ كَوْنِهِ 2"مَرَّتَيْنِ" أَيْ طَوَافَيْنِ3 "وَأَمَرَ" مَنْ حَجَّ "قَارِنًا بِمَرَّةٍ" أَيْ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ4"فَقَوْلُهُ" الَّذِي هُوَ أَمْرُهُ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ "بَيَانٌ" سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ فِعْلِهِ الَّذِي هُوَ طَوَافُهُ5 مَرَّتَيْنِ أَوْ بَعْدَهُ, لأَنَّ الْقَوْلَ يَدُلُّ عَلَى الْبَيَانِ بِنَفْسِهِ بِخِلافِ الْفِعْلِ. فَإِنَّهُ لا يَدُلُّ إلاَّ بِوَاسِطَةِ انْضِمَامِ الْقَوْلِ إلَيْهِ, وَالدَّالُ بِنَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ الدَّالِ بِغَيْرِهِ6.
لا يُقَالُ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْفِعْلَ أَقْوَى فِي الْبَيَانِ, لأَنَّا نَقُولُ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَوْلَ أَقْوَى فِي الدَّلالَةِ عَلَى الْحُكْمِ, وَالْفِعْلُ أَدَلُّ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ, فَفِعْلُ الصَّلاةِ أَدَلُّ مِنْ
__________
1 نحو " جاءني القوم كلهم". "انظر شرح العضد 2/163".
2 ساقطة من ش ز.
3 حيث روى الدارقطني عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً، فطاف طوافين وسعى سعيين. "سنن الدارقطني 2/263" وروى الدارقطني أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنه أنه جمع بين حجته وعمرته معاً وقال سبيلهما واحداً، فطاف بهما طوافين وسعى بهما سعيين، وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت". "سنن الدارقطني 2/258، وانظر الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/35".
4 حيث روى الترمذي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من احرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد عنهما حتى يحل منهما جميعاً". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. "انظر عارضة الأحوذي 4/173، سنن ابن ماجه 2/990، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/35".
5 في ز طواف.
6 انظر "المحصول ج1ق3/ 275، نشر البنود 1/280، التبصرة ص249، تيسير التحرير 3/176، منهاج العقول 2/150، الإحكام للآمدي 3/29، شرح العضد 2/163، إرشاد الفحول ص173، نهاية السول 2/151، فواتح الرحموت 2/47، المسودة ص126، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/68، الآيات البينات 3/121، شرح تنقيح الفصول ص281".(3/449)
وَصْفِهَا بِالْقَوْلِ لأَنَّ فِيهِ الْمُشَاهَدَةَ, وَأَمَّا اسْتِفَادَةُ وُجُوبِهَا1 أَوْ نَدْبِهَا2 أَوْ غَيْرِهِمَا: فَالْقَوْلُ أَقْوَى لِصَرَاحَتِهِ.
وَقِيلَ: الْمُقَدَّمُ3 هُوَ الْبَيَانُ4.
"وَفِعْلُهُ" الَّذِي هُوَ طَوَافُهُ مَرَّتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ قَوْلِهِ5 أَوْ بَعْدَهُ "نَدْبٌ، أَوْ وَاجِبٌ مُخْتَصُّ6 بِهِ" يَعْنِي: أَنَّ فِعْلَهُ الْمَذْكُورَ يُحْمَلُ حِينَئِذٍ عَلَى النَّدْبِ، أَوْ عَلَى الْوُجُوبِ الْمُخْتَصِّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قُوَّةِ دَلالَةِ الْقَوْلِ7.
"وَيَجُوزُ كَوْنُ الْبَيَانِ أَضْعَفَ دَلالَةً" مِنْ الْمُبَيِّنِ عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ8.
وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِتَبْيِينِ السُّنَّةِ لِمُجْمَلِ الْقُرْآنِ.
__________
1 في ش: وجودها.
2 في ش: تدبرها.
3 في سائر النسخ: المقدم.
4 وهو قول أبي الحسين البصري المعتزلي. "انظر المعتمد 1/340".
5 في ض: قبله.
6 في ش: يختص.
7 انظر فواتح الرحموت 2/47، الآيات البينات 3/121، منهاج العقول 2/150، شرح العضد 2/163، نشر البنود 1/280، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/69.
8 انظر نشر البنود 1/278، روضة الناظر ص185، العدة 1/125، مختصر الطوفي ص119، نهاية السول 2/161، المعتمد 1/340.
وللآمدي في المسألة تفصيل حسن يقول فيه: "والمختار في ذلك أن يقال: أما المساواة في القوة، فالواجب أن يقال: إن كان المبين مجملاً، كفى في تعيين أحد احتماليه أدنى ما يفيد الترجيح. وإن كان عاماً أو مطلقاً، فلا بد وأن يكون المخصص والمقيد في دلالته أقوى من دلالة العام على صورة التخصيص ودلالة المطلق على صورة التقييد. وإلا فلو كان مساوياً لزم الوقف. ولو كان مرجوحاً لزم منه إلغاء الراجح بالمرجوح، وهو ممتنع". "الإحكام للآمدي 3/31، وانظر شرح العضد 2/163".(3/450)
وَقِيلَ: لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْبَيَانُ أَقْوَى1.
وَقِيلَ: لا بُدَّ مِنْ التَّسَاوِي2.
"وَلا تُعْتَبَرُ مُسَاوَاتُهُ" أَيْ مُسَاوَاةُ الْبَيَانِ لِلْمُبَيَّنِ "فِي الْحُكْمِ" وَعَدَمِهِ3.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: لا تُعْتَبَرُ مُسَاوَاةُ الْبَيَانِ لِلْمُبَيَّنِ فِي الْحُكْمِ, قَالَهُ فِي التَّمْهِيدِ: وَغَيْرِهِ، لِتَضَمُّنِهِ صِفَتَهُ, وَالزَّائِدُ بِدَلِيلٍ، خِلافًا لِقَوْمٍ.
فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ غَيْرُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا, لأَنَّ الأَوْلَى فِي ضَعْفِ الدَّلالَةِ وَقُوَّتِهَا, وَهَذِهِ فِي مُسَاوَاةِ الْبَيَانِ لِلْمُبَيِّنِ فِي الْحُكْمِ وَعَدَمِهِ.
وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي قَبْلَهَا مُمَثَّلَةٌ بِتَبْيِينِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ, وَذَلِكَ أَضْعَفُ فِي الرُّتْبَةِ، لا فِي الدَّلالَةِ وَلا يَلْزَمُ مِنْ ضَعْفِ الرُّتْبَةِ ضَعْفُ الدَّلالَةِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الأَضْعَفُ رُتْبَةً أَقْوَى دَلالَةً، كَتَخْصِيصِ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لأَنَّهُ أَخَصُّ فَيَكُونُ أَدَلَّ.
"وَلا يُؤَخَّرُ" أَيْ لا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ "عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ"4 وَصُورَتُهُ:
__________
1 انظر الآيات البينات 3/120، شرح العضد 2/163.
2 انظر فواتح الرحموت 2/48، تيسير التحرير 3/173 وما بعدها.
3 الإحكام للآمدي 3/31.
وحقيقة المسألة كما قال الرازي في "المحصول": "هل إذا كان المبين واجباً كان بيانه واجباً كذلك؟ قال به قوم. فإن أرادوا به أن المبين إذا كان واجباً. فبيانه بيان لصفة شيء واجب، فصحيح. وإن أرادوا به أنه يدل على الوجوب كما يدل المبين، فغير صحيح، لأن البيان إنما يتضمن صفة المبين، وليس يتضمن لفظاً يفيد الوجوب، ألا ترى أن صورة الصلاة ندباً وواجباً صورة واحدة!! وإن أرادوا أنه إذا كان المبين واجباً، كان بيانه واجباً على الرسالة للشافعي، وإذا لم يكن تضمن فعلاً واجباً أو لم يتضمن، وإلا كان تكليفاً بما لا يطاق". "المحصول ج1ق3/ 276، وانظر المعتمد 1/340".
4 انظر تحقيق المسألة في "المعتمد 1/342، اللمع ص29، الفقيه والمتفقه 1/121، العدة 3/724، مختصر الطوفي ص119، روضة الناظر ص185، البرهان 1/166، المسودة ص181، منهاج العقول 2/152، فواتح الرحموت 2/49، المستصفى 1/368، شرح العضد 2/164، الإحكام للآمدي 3/32، المحصول ج1ق3/ 279، إرشاد الفحول ص173، الآيات البينات 3/122، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/69، تيسير التحرير 3/174، كشف الأسرار 3/108، الإحكام لابن حزم 1/75، نهاية السول 2/156".(3/451)
أَنْ يَقُولَ "صَلُّوا غَدًا" ثُمَّ لا يُبَيِّنُ لَهُمْ فِي غَدٍ كَيْفَ يُصَلُّونَ وَنَحْوُ ذَلِكَ. لأَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِمَا لا يُطَاقُ.
وَجَوَّزَهُ مَنْ أَجَازَ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ1.
وَالتَّفْرِيعُ عَلَى امْتِنَاعِهِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ, لأَنَّ الْعِلَّةَ فِي عَدَمِ وُقُوعِ التَّأْخِيرِ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ: أَنَّ الإِتْيَانَ بِالشَّيْءِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ مُمْتَنِعٌ, فَالتَّكْلِيفُ بِذَلِكَ تَكْلِيفٌ بِمَا2 لا يُطَاقُ, فَلا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.
وَإِلاَّ جَازَ، وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ3, قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
"وَلِمَصْلَحَةٍ" يَعْنِي وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ لِمَصْلَحَةٍ "هُوَ" الْبَيَانُ "الْوَاجِبُ أَوْ4 الْمُسْتَحَبُّ، كَتَأْخِيرِهِ" لِلأَعْرَابِيِّ "الْمُسِيءِ فِي صَلاتِهِ إلَى ثَالِثِ مَرَّةٍ"5 وَلأَنَّ الْبَيَانَ
__________
1 شرح تنقيح الفصول ص282.
2 في ش: ما.
3 وتوضيح ذلك كما قال الشوكاني: أن من جوز التكليف بما لا يطاق، فهو يقول بجوازه فقط لا بوقوعه. فكان عدم الوقوع متفقاً عليه بين الطائفتين. ولهذا نقل أبو بكر الباقلاني أجماع أرباب الشرائع على امتناعه. "إرشاد الفحول ص173، وانظر تيسير التحرير 3/174، نشر البنود 1/280".
4 في ش ض ب: و.
5 حيث روى الشيخان وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام فقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل". فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل". ثلاثاً فال: والذي بعثك بالحق، فما أحسن غيره، فعلمني! فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها". والحديث سبق تخريجه في ص430 من هذا الجزء.(3/452)
إنَّمَا يَجِبُ لِخَوْفِ فَوْتِ الْوَاجِبِ الْمُؤَقَّتِ1 فِي وَقْتِهِ2.
"وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ" أَيْ الْبَيَانِ "وَتَأْخِيرُ تَبْلِيغِهِ" أَيْ تَبْلِيغِ النَّبِيِّ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْمَ إلَى وَقْتِهَا" أَيْ وَقْتِ الْحَاجَةِ, حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ3, وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا4, فَهُوَ جَائِزٌ، وَوَاقِعٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ الْمُبَيَّنُ ظَاهِرًا يُعْمَلُ بِهِ، كَتَأْخِيرِ بَيَانِ التَّخْصِيصِ، وَبَيَانِ التَّقْيِيدِ، وَبَيَانِ النَّسْخِ أَوْ لا، كَبَيَانِ الْمُجْمَلِ.
وَعَنْهُ لا يَجُوزُ ذَلِكَ5, وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ6.
فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ مُجْمَلٌ إلاَّ وَالْبَيَانُ مَعَهُ، وَكَذَا غَيْرُ الْمُجْمَلِ.
وَاسْتُدِلَّ لِلْقَوْلِ الأَوَّلِ -الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ- بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَنَّ
__________
1 في ش: الوقت.
2 انظر المسودة ص182.
3 انظر: نشر البنود 1/281، التمهيد للأسنوي ص130، المحصول ج1ق3/ 280، البرهان 1/166، روضة الناظر ص185، مختصر الطوفي ص119، العدة 3/725، الفقيه والمتفقه 1/122، التبصرة ص207، كشف الأسرار 3/108، اللمع ص29، تيسير التحرير 3/174ن نهاية السول 2/156، منهاج العقول 2/152، شرح تنقيح الفصول ص282، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/69، الآيات البينات 3/123، إرشاد الفحول ص174، الإحكام للآمدي 3/32، شرح العضد 2/164، المستصفى 1/368، فواتح الرحموت 2/49، الإحكام لابن حزم 1/75".
4 المسودة ص178.
5 انظر المسودة ص179.
6 انظر: نشر البنود 1/281، البرهان 1/166، روضة الناظر ص185، مختصر الطوفي ص119، العدة 3/725، المسودة ص179،المعتمد 1/342، إرشاد الفحول ص174، الإحكام للآمدي 3/32".(3/453)
لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} 1 ثُمَّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ2 أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ.
وَلأَحْمَدَ 3وَأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ "أَنَّهُ لَمْ يُخَمِّسْهُ"4.
وَلَمَّا أَعْطَى بَنِي الْمُطَّلِبِ مَعَ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى، وَمَنَعَ بَنِي نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ سُئِلَ، فَقَالَ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلَبِ "شَيْءٌ"5 وَاحِدٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ6.
وَلأَحْمَدَ7 وَأَبِي دَاوُد8 وَالنَّسَائِيِّ9 بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ "إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي 10 فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا إسْلامٍ" وَلَمْ يُنْقَلْ بَيَانُ إجْمَالٍ مُقَارِنٍ, وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ, وَالأَصْلُ عَدَمُهُ.
"وَ" يَجُوزُ أَيْضًا "التَّدَرُّجُ11 بِالْبَيَانِ" بِأَنْ يُبَيِّنَ تَخْصِيصًا بَعْدَ تَخْصِيصٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْمُحَقِّقِينَ12فَيُقَالُ مَثَلاً "اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ" ثُمَّ يُقَالَ
__________
1 الآية 41 من الأنفال.
2 صحيح البخاري 4/112، صحيح مسلم 3/1371.
3 في ش: وروى أحمد وأبو.
4 أي السلب. انظر بذل المجهود 12/314، مسند الإمام أحمد 4/90، 6/26.
5 زيادة من صحيح البخاري.
6 صحيح البخاري 4/111.
7 مسند الإمام أحمد 4/81.
8 بذل المجهود 13/282.
9 سنن النسائي 7/119، وكلمة "النسائي" ساقطة من ش.
10 في ش: يفارقونا.
11 في ش: التدرج.
12 انظر المستصفى 1/381، الإحكام للآمدي 3/49، نهاية السول 2/161، شرح العضد 2/167.(3/454)
"سَلَخَ1 الشَّهْرُ" ثُمَّ يُقَالُ "الْحَرْبِيِّينَ" ثُمَّ يُقَالَ "إذَا كَانُوا رِجَالاً ".
وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ2 فِي الْمُجْمَلِ, وَأَمَّا فِي الْعُمُومِ: فَعَلَى الْخِلافِ.
وَقِيلَ: يَجُوزُ إذَا عَلِمَ الْمُكَلَّفُ فِيهِ بَيَانًا مُتَوَقِّعًا.
وَقِيلَ: لا يَجُوزُ مُطْلَقًا لأَنَّ قَضِيَّةَ الْبَيَانِ أَنْ يُكْمِلَهُ3 أَوَّلاً.
وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ بِوُقُوعِهِ, وَالأَصْلُ عَدَمُ4 مَانِعٍ5.
"وَ" عَلَى الْمَنْعِ6 "يَجُوزُ تَأْخِيرُ إسْمَاعِ مُخَصِّصٍ مَوْجُودٍ" عِنْدَنَا وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ7.
وَمَنَعَهُ أَبُو الْهُذَيْلِ8 وَالْجُبَّائِيُّ.
__________
1 كذا في سائر النسخ. ولعل الصواب: إذا انسلخ.
2 ساقطة من ز.
3 في ز ض: يكلمه.
4 في ض: عدمه.
5 في ش: المانع. وفي ض: على المنع.
6 أي بناء على القول بمنع تأخير البيان إلى وقت الحاجة. "انظر شرح العضد 2/167".
7 انظر "شرح العضد 2/167، الإحكام للآمدي 3/9، المعتمد 1/360، نهاية السول 2/161، الآيات البينات 3/127 وما بعدها، المستصفى 2/152، فواتح الرحموت 2/51، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/73، تيسير التحرير 3/175، شرح تنقيح الفصول ص286، المحصول ج1ق3/ 334".
8 هو محمد بن الهذيل البصري، المعروف بالعلاف، مولى عبد القيس، أحد رؤوس المعتزلة وشيوخه، وصاحب المصنفات الكثيرة في مذهبهم. قال البغدادي: "وفضائحه تترى، تكفره فيها سائر فرق الأمة من أصحابه في الاعتزال من غيرهم". وذكر ابن النديم أنه لحقه في أخر عمره خرف، إلا أنه كان لا يذهب عليه أصول المذهب، ولكنه ضعف عن مناهضة المناظرين وحجاج المخالفين. توفي سنة 226هـ وقيل سنة 235 هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار ص254، الفهرست لابن النديم ص203، الفرق بين الفرق للبغدادي ص121، شذرات الذهب 2/85".(3/455)
وَوَافَقَا1 عَلَى الْمُخَصِّصِ الْعَقْلِيِّ2.
وَاسْتَدَلَّ الْمُجَوِّزُونَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ سَمَاعُهُ، بِخِلافِ الْمَعْدُومِ. وَسَمِعَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ3} 4 وَلَمْ تَسْمَعْ الْمُخَصِّصَ5, وَسَمِعَ الصَّحَابَةُ الأَمْرَ بِقَتْلِ الْكُفَّارِ إلَى الْجِزْيَةِ6, وَلَمْ يَأْخُذْ عُمَرُ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِيِّ7 حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مِنْهُمْ8 رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ9.
"وَيَجِبُ اعْتِقَادُ الْعُمُومِ، وَالْعَمَلُ بِهِ فِي الْحَالِ" يَعْنِي قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ مُخَصِّصٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا10.
__________
1 في ش: ووافق.
2 انظر المعتمد 1/360.
3 في ش: أموالكم.
4 الآية 11 من النساء.
5 ولذلك طلبت ميراثها مما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعموم الآية. يوضح ذلك ما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث, ما تركناه صدقة". "انظر صحيح البخاري 8/185، صحيح مسلم 3/1381، بذل المجهود 13/266، سنن النسائي 7/120".
6 في قوله تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} التوبة/29.
7 لأنه لم يسمع مخصصه وهو قوله عليه الصلاة والسلام في شأن المجوس: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب". أخرجه مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. "الموطأ 1/278".
في ش: المجوسي.
8 في صحيح البخاري: من مجوس هجر.
9 صحيح البخاري 4/117.
10 انظر المسودة ص109، العدة 2/525، روضة الناظر ص242، مختصر الطوفي ص105ن الرسالة للشافعي ص295، 322، 341.(3/456)
وَمَحِلُّهُ: إنْ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى1 طَرِيقِ تَعْلِيمِ الْحُكْمِ، وَإِلاَّ فَلا لِمَنْعِ بَيَانِ2 تَأْخِيرِ تَأْخِيرِ التَّخْصِيصِ مِنْهُ.
وَقِيلَ يَجِبُ ذَلِكَ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَإِلاَّ فَلا.
وَعَنْهُ لا يَجِبُ اعْتِقَادُ3 الْعُمُومِ، حَتَّى يُبْحَثَ عَنْ الْمُخَصِّصِ4, اخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ5.
وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ بِأَنَّ لَفْظَ الْعُمُومِ مُوجِبٌ لِلاسْتِغْرَاقِ, وَالْمُخَصِّصَ مُعَارِضٌ وَالأَصْلُ عَدَمُهُ.
وَمَثَارُ6 الْخِلافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: التَّعَارُضُ بَيْنَ الأَصْلِ وَالظَّاهِرِ, وَلَهُ مَثَارٌ7 آخَرُ, وَهُوَ أَنَّ التَّخْصِيصَ هَلْ هُوَ مَانِعٌ، أَوْ عَدَمُهُ شَرْطٌ؟!
فَالصَّيْرَفِيُّ جَعَلَهُ مَانِعًا, فَالأَصْلُ8 عَدَمُهُ, وَابْنُ سُرَيْجٍ: جَعَلَهُ شَرْطًا, فَلا9 بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِ
__________
1 في ش: عن.
2 ساقطة من ز.
3 ساقطة من ش.
4 فإن وجد، حمل اللفظ على الخصوص، وإن لم يوجد، حمل حينئذ على العموم. "العدة 2/526، المسودة ص109، روضة الناظر 242".
5 انظر "شرح العضد 2/168، الإحكام للآمدي 3/50، البرهان 1/408، المحصول ج1ق3/ 29، المستصفى 2/157، منهاج العقول 2/91، نهاية السول 2/92، اللمع ص15، التبصرة ص119، إرشاد الفحول ص139، فواتح الرحموت 2/267، تيسير التحرير 1/230".
6 في ش: ومثال.
7 في ش: مثال.
8 في ش: لأن الأصل.
9 في ش: ولا بد.(3/457)
"وَكَذَا كُلُّ دَلِيلٍ مَعَ مُعَارِضِهِ" يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِكُلِّ دَلِيلٍ سَمِعَهُ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ مُعَارِضِهِ فِي ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ1.
وَالْخِلافُ جَارٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي لَفْظِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ2.
وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى3 أَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَ سَمَاعِ الْحَقِيقَةِ طَلَبُ الْمَجَازِ.
__________
1 انظر المسودة ص110، 111.
2 انظر المستصفى 2/157.
3 ساقطة من ش.(3/458)
باب الظاهر:
"الظَّاهِرِ لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ خِلافُ الْبَاطِنِ1, وَهُوَ "الْوَاضِحُ" الْمُنْكَشِفُ.
وَمِنْهُ ظَهَرَ2 الأَمْرُ: إذَا اتَّضَحَ وَانْكَشَفَ3, وَيُطْلَقُ عَلَى الشَّيْءِ الشَّاخِصِ الْمُرْتَفِعِ4، كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الأَشْخَاصِ: هُوَ الْمُرْتَفِعُ الَّذِي تَبَادَرُ إلَيْهِ الأَبْصَارُ كَذَلِكَ فِي الْمَعَانِي.
"وَ" الظَّاهِرُ "اصْطِلاحًا"5 أَيْ فِي اصْطِلاحِ الأُصُولِيِّينَ6 "مَا" أَيْ لَفْظٌ "دَلَّ دَلالَةً ظَنِّيَّةً وَضْعًا7" كَأَسَدٍ "أَوْ عُرْفًا" كَغَائِطٍ8.
__________
1 لسان العرب 4/523.
2في ش ز: ظهور.
3 معجم مقاييس اللغة 3/471، المصباح المنير 1/459.
4 لسان العرب 4/524.
5 انظر تعريفات الأصوليين للظاهر في "المسودة ص574، البرهان 1/416، الإشارات للباجي ص8، العدة 1/140، الحدود للباجي ص43، التعريفات للجرجاني ص76، شرح العضد 2/168، تيسير التحرير 1/136، أدب القاضي للماوردي 1/616، الإحكام للآمدي 3/52، الآيات البينات 3/98، حاشية البناني 2/52، فتح الغفار 1/112، إرشاد الفحول ص175، التلويح على التوضيح 1/124، كشف الأسرار 1/46، المستصفى 1/384، فواتح الرحموت 2/19، روضة الناظر ص178، مختصر الطوفي ص42، شرح تنقيح الفصول ص37، اللمع ص27، أصول السرخسي 1/163، شرح الحطاب على الورقات ص112".
6 في ش ز: علماء الأصول.
7 في ش: وصفاً.
8 أي للخارج المستقذر إذ غلب فيه بعد أن كان في الأصل للمكان المطمئن من الأرض. "شرح العضد 2/168".(3/459)
فَالظَّاهِرُ الَّذِي يُفِيدُ مَعْنًى مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، فَبِسَبَبِ ضَعْفِهِ خَفِيَ, فَلِذَلِكَ سُمِّيَ اللَّفْظُ لِدَلالَتِهِ1 عَلَى مُقَابِلِهِ -وَهُوَ الْقَوِيُّ- ظَاهِرًا.
كَالأَسَدِ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الرَّجُلُ الشُّجَاعُ مَجَازًا, لَكِنَّهُ احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ2.
وَالْكَلامُ فِي دَلالَةِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ لِيَخْرُجَ الْمُجْمَلُ مَعَ الْمُبَيَّنِ؛ لأَنَّهُ -وَإِنْ أَفَادَ مَعْنًى لا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ- فَإِنَّهُ لا يُسَمَّى مِثْلُهُ نَصًّا.
"وَالتَّأْوِيلُ لُغَةً: الرُّجُوعُ" وَهُوَ مِنْ آلَ يَئُولُ: إذَا رَجَعَ3.وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {ابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} 4 أَيْ طَلَبَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ مَعْنَاهُ، وَهُوَ مَصْدَرُ أَوَّلْت الشَّيْءَ، أَيْ5 فَسَّرْته، مِنْ آلَ إذَا رَجَعَ6؛ لأَنَّهُ رُجُوعٌ مِنْ الظَّاهِرِ إلَى ذَلِكَ الَّذِي آلَ إلَيْهِ فِي دَلالَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ تَأْوِيلَهُ} 7 أَيْ مَا يَئُول إلَيْهِ بَعْثُهُمْ8 وَنُشُورُهُمْ9.
وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ "التَّأْوِيلُ" فِي الْمَعَانِي وَأَكْثَرُهُ فِي الْجُمَلِ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ "التَّفْسِيرُ" فِي الأَلْفَاظِ، وَأَكْثَرُهُ فِي الْمُفْرَدَاتِ.
"وَ" التَّأْوِيلُ "اصْطِلاحًا: حَمْلُ" مَعْنًى "ظَاهِرِ" اللَّفْظِ10 "عَلَى" مَعْنًى
__________
1 في ع: دلالة.
2 في ز: ضعفه.
3 لسان العرب 11/32، معجم مقاييس اللغة 1/159، المصباح المنير 1/39.
4 الآية 7 من آل عمران.
5 في ش: أي.
6 لسان العرب 11/33.
7 الآية 53 من الأعراف.
8 في ش: لغيهم.
9 لسان العرب 11/33، معجم مقاييس اللغة 1/162. في ش: وتسورهم.
10 في ض ب ش: اللفظ.(3/460)
"مُحْتَمَلٍ مَرْجُوحٍ"1.
وَهَذَا يَشْمَلُ التَّأْوِيلَ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ.
"وَزِدْ2" فِي الْحَدِّ "لِصَحِيحِهِ3" أَيْ إنْ أَرَدْت أَنْ تَحِدَّ4 التَّأْوِيلَ الصَّحِيحَ -قَوْلَك "بِدَلِيلٍ" أَيْ حَمْلَهُ بِدَلِيلٍ "يُصَيِّرُهُ" أَيْ يُصَيِّرُ الْحَمْلَ "رَاجِحًا" عَلَى مَدْلُولِهِ الظَّاهِرِ، فَيَصِيرُ5 حَدُّ التَّأْوِيلِ الصَّحِيحِ: حَمْلَ ظَاهِرٍ عَلَى مُحْتَمَلٍ مَرْجُوحٍ بِدَلِيلٍ يَصِيرُ رَاجِحًا.
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَمْلَ بِلا دَلِيلٍ مُحَقَّقٍ، لِشَبَهٍ6 يُخَيَّلُ لِلسَّامِعِ أَنَّهَا دَلِيلٌ وَ7عِنْدَ التَّحْقِيقِ تَضْمَحِلُّ, يُسَمَّى8 تَأْوِيلاً فَاسِدًا, وَأَنَّ حَمْلَ مَعْنَى اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ لا يُسَمَّى تَأْوِيلاً، وَكَذَا حَمْلُ "الْمُشْتَرَكِ" وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُتَسَاوِي9 عَلَى أَحَدِ مَحْمَلَيْهِ أَوْ مَحَامِلِهِ لِدَلِيلٍ.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا:
"فَإِنْ قَرُبَ" التَّأْوِيلُ "كَفَى10 أَدْنَى مُرَجِّحٍ" نَحْوَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
__________
1انظر تعريفات الأصوليين للتأويل في "كشف الأسرار 1/44، المستصفى 1/387، إرشاد الفحول ص176، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/53، الآيات البينات 3/99، الإحكام للآمدي 3/52، تيسير التحرير 1/144، شرح العضد 2/169، التعريفات للجرجاني ص28، البرهان 1/511، الحدود للباجي ص48".
2 في ش: ورد.
3 في ش: تصحيحه.
4 في ش: بجد. وفي ب: أن تجد.
5 في ض: فيكون.
6 في ش ز: بل لنسبة. وفي ع: لشانه بل.
7ساقطة من ش.
8في ش ز: تسمى.
9 في ز: التساوي.
10 في ش: كعن.(3/461)
{إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ} 1 أَيْ إذَا عَزَمْتُمْ عَلَى الْقِيَامِ.
"وَإِنْ بَعُدَ" التَّأْوِيلُ مِنْ الإِرَادَةِ؛ لِعَدَمِ قَرِينَةٍ عَقْلِيَّةٍ أَوْ حَالِيَّةٍ، أَوْ مَقَالِيَّةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ "افْتَقَرَ" فِي حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ، وَصَرْفِهِ عَنْ الظَّاهِرِ "إلَى أَقْوَى" مُرَجِّحٍ.
"وَإِنْ تَعَذَّرَ" الْحَمْلُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ "رُدَّ" التَّأْوِيلُ وُجُوبًا.
"فَمِنْ" التَّأْوِيلِ "الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ "اخْتَرْ" وَفِي لَفْظٍ: "أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ" 2 عَلَى ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، أَوْ إمْسَاكِ الأَوَائِلِ" أَيْ ابْتِدَاءِ نِكَاحِ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ إنْ كَانَ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ مَعًا، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ مُتَفَرِّقَاتٍ عَلَى إمْسَاكِ الأَرْبَعِ الأَوَائِلِ3.
وَوَجْهُ4 بُعْدِهِ أَنَّ5 الْفُرْقَةَ لَوْ وَقَعَتْ بِالإِسْلامِ لَمْ يُخَيِّرْهُ، وَقَدْ خَيَّرَهُ وَالْمُتَبَادَرُ عِنْدَ السَّمَاعِ مِنْ الإِمْسَاكِ: الاسْتِدَامَةُ6، وَالسُّؤَالُ وَقَعَ عَنْهُ وَخَصَّ التَّزْوِيجَ فِيهِنَّ, وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ شُرُوطَ النِّكَاحِ مَعَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، لِقُرْبِ إسْلامِهِ.
وَأَيْضًا لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ، وَلا عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ: أَنَّهُ جَدَّدَ النِّكَاحَ
__________
1 الآية 6 من المائدة.
2 أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني البيهقي والحاكم. "انظر بذل المجهود 10/378، عارضة الأحوذي 5/60، سنن ابن ماجه 1/628، سنن الدارقطني 3/269، سنن البيهقي 7/181، المستدرك 2/193".
3 انظر تيسير التحرير 1/145، فواتح الرحموت 2/31، الإحكام للآمدي 3/54، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/53، الآيات البينات 3/100، شرح العضد 2/169، المستصفى 1/390، البرهان 1/531، روضة الناظر ص178، مختصر الطوفي ص42.
4 في ش: ووجهه.
5 في ش: فإن. وفي ع ض ب: بأن.
6 في ز: والاستدامة.(3/462)
وَأَيْضًا فَالابْتِدَاءُ مُحْتَاجٌ1 إلَى رِضَى مَنْ يَبْتَدِيهَا وَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ: فَارِقْ الْكُلَّ وَابْتُدِئَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ شِئْت, فَيُضَيِّعُ قَوْلَهُ "اخْتَرْ أَرْبَعًا"؛ لأَنَّهُ قَدْ لا يَرْضَيْنَ2 أَوْ بَعْضُهُنَّ.
وَأَيْضًا الأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاؤُهُ, وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الأَصْلِ.
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: هَذَا الْحَدِيثُ لا تَأْوِيلَ فِيهِ وَلَوْ صَحَّ عِنْدِي لَقُلْت بِهِ.
"وَأَبْعَدُ مِنْهُ" أَيْ مِنْ التَّأْوِيلِ السَّابِقِ تَأْوِيلُهُمْ "قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ أَسْلَمَ عَنْ3 أُخْتَيْنِ "اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا 4 شِئْت" عَلَى أَحَدِ الأَمْرَيْنِ"5 يَعْنِي عَلَى ابْتِدَاءِ نِكَاحِ إحْدَاهُمَا، إنْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، أَوْ إمْسَاكِ الأُولَى مِنْهُمَا، إنْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهُمَا مُفْتَرِقَتَيْنِ6.
وَإِنَّمَا كَانَ أَبْعَدَ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ؛ لأَنَّ النَّافِيَ لِلتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الأَوَّلِ: هُوَ الأَمْرُ الْخَارِجُ عَنْ اللَّفْظِ، وَهُوَ شَهَادَةُ الْحَالِ، وَهُنَا انْضَمَّ إلَى شَهَادَةِ الْحَالِ مَانِعٌ
__________
1 في شك محتاج.
2 في ش: لا يرضينه.
3 في ش: عن.
4 أخرجه بهذا اللفظ الترمذي من حديث فيروز الديلمي رضي الله عنه"عارضة الأحوذي 5/63" وأخرجه أبو داود وابن ماجه والدارقطني والبيهقي عن فيروز الديلمي أيضاً بلفظ "طلق أيتهما شئت". وفي رواية أخرى للدارقطني والبيهقي عن فيروز الديلمي قال: أسلمت وتحتي أختان، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسك أيتهما شئت، وأفارق الأخرى. "انظر بذل المجهود 10/384، سنن ابن ماجه 1/627، سنن الدارقطني 3/273، سنن البيهقي 7/184".
5 انظر تيسير التحرير 1/145، فواتح الرحموت 2/21، الإحكام للآمدي 3/55، شرح العضد 2/169، البرهان 1/531، المستصفى 1/390.
6 في ش: متفرقتين.(3/463)
لَفْظًا1وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "أَيَّتَهُمَا شِئْتَ" فَإِنَّ بِتَقْدِيرِ2 نِكَاحِهِمَا عَلَى التَّرْتِيبِ تَعْيِينَ الأُولَى لِلاخْتِيَارِ وَ3لَفْظُ "أَيَّتَهُمَا شِئْت" يَأْبَاهُ.
وَلِلْحَنَفِيَّةِ تَأْوِيلٌ ثَالِثٌ فِي الْحَدِيثَيْنِ وَهُوَ أَنَّهُ لَعَلَّهُ4 أَنْ يَكُونَ هَذَا كَانَ5 قَبْلَ حَصْرِ النِّسَاءِ فِي أَرْبَعٍ، وَقَبْلَ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا6 سَبَقَ.
"وَ" تَأْوِيلُهُمْ أَيْضًا " إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا" 7 مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} 8 "عَلَى إطْعَامِ طَعَامِ سِتِّينَ".
فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: لَوْ رَدَّدَهَا الْمُخْرِجُ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَتْهُ.
قَالُوا: لأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْحَاجَةِ وَدَفْعُ حَاجَةِ سِتِّينَ كَحَاجَةِ وَاحِدٍ فِي سِتِّينَ يَوْمًا, فَجَعَلُوا الْمَعْدُومَ -وَهُوَ: طَعَامٌ "9- مَذْكُورًا مَفْعُولاً بِهِ, وَالْمَذْكُورُ -وَهُوَ قَوْلُهُ "سِتِّينَ"- مَعْدُومًا لَمْ يَجْعَلُوهُ مَفْعُولاً بِهِ، مَعَ ظُهُورِ قَصْدِ الْعَدَدِ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَبَرَكَتِهِمْ وَتَضَافُرِهِمْ10 عَلَى الدُّعَاءِ لِلْمُحْسِنِ, وَهَذَا لا يُوجَدُ فِي الْوَاحِدِ.
__________
1 في ع: لفظ.
2 في ش: تقدير.
3 ساقطة من ش.
4 في ش: لعله.
5 ساقطة من ش ض.
6 في ش: لما.
7 الآية 4 من المجادلة.
8 انظر "المستصفى 1/400، الآيات البينات 3/10، تيسير التحرير 1/146، حاشية البناني 2/54، الإحكام للآمدي 3/57، شرح العضد 3/169، فواتح الرحموت 2/24، البرهان 1/555، أصول السرخسي 1/239 وما بعدها".
9 في ش: إطعام.
10 في ع ز ض ب: تظافرهم.(3/464)
وَأَيْضًا حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ تَعْطِيلٌ لِلنَّصِّ، وَلِهَذِهِ الْحِكْمَةِ شُرِعَتْ الْجَمَاعَةُ فِي الصَّلاةِ وَغَيْرِهَا.
وَأَيْضًا فَلا يَجُوزُ اسْتِنْبَاطُ مَعْنًى مِنْ النَّصِّ يَعُودُ عَلَيْهِ1 بِالإِبْطَالِ.
"وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ" الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ مِنْ التَّأْوِيلِ "تَأْوِيلُهُمْ" مَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد2 وَالتِّرْمِذِيِّ3 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي الْغَنَمِ: "فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ عَلَى قِيمَتِهَا" 4 أَيْ قِيمَةِ شَاةٍ5.
قَالُوا: لأَنَّ انْدِفَاعَ الْحَاجَةِ كَمَا يَكُونُ بِالشَّاةِ يَكُونُ بِالْقِيمَةِ.
وَهُوَ يُؤَدِّي إلَى بُطْلانِ الأَصْلِ؛ لأَنَّهُ إذَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ لَمْ تَجِبْ الشَّاةُ فَعَادَ هَذَا الاسْتِنْبَاطُ عَلَى النَّصِّ بِالإِبْطَالِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَرُدَّ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُبْطِلُوا إخْرَاجَ الشَّاةِ بَلْ قَالُوا بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الشَّاةِ وَقِيمَةِ الشَّاةِ وَهُوَ اسْتِنْبَاطٌ يَعُودُ بِالتَّعْمِيمِ، كَمَا فِي "وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ" 6 يَعُمُّ7 فِي الْخِرَقِ8 وَنَحْوِهَا، وَفِي "لا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ
__________
1 في ع: إليه.
2 بذل المجهود 8/53.
3 عارضة الأحوذي 3/108.
4 انظر المستصفى 1/395، تيسير التحرير 1/146، الإحكام للآمدي 3/56، شرح العضد 2/169، فواتح الرحموت 2/22.
5 في ع: الشاة.
6أخرجه مسلم والنسائي والترمذي عن سلمان رضي الله عنه مرفوعاً، ولفظه "لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار". وأخرجه النسائي وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً بلفظ "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه ثلاثة أحجار فليستطب بها فإنها تجزئ عنه". "صحيح مسلم 1/224، سنن النسائي 1/38، عارضة الأحوذي 1/32، بذل المجهود 1/98".
7 في ش: ليعمم. وفي ز: يعمم.
8 في ض د: الخزف.(3/465)
غَضْبَانُ" 1 يَعُمُّ2 فِي كُلِّ مَا يُشَوِّشُ الْفِكْرَ وَلا يَعُودُ بِالإِبْطَالِ.
وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ: بِأَنَّ الشَّارِعَ لَعَلَّهُ رَاعَى أَنْ يَأْخُذَ الْفَقِيرُ مِنْ جِنْسِ مَالِ الْغَنِيِّ فَيَتَشَارَكَانِ3 فِي الْجِنْسِ فَتَبْطُلُ الْقِيمَةُ فَعَادَ بِالْبُطْلانِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَبَابُ الزَّكَاةِ فِيهِ ضَرْبٌ مِنْ التَّعَبُّدِ.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ4: وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ التَّقْدِيرُ "قِيمَةَ5 شَاةٍ" يَكُونُ قَوْلُهُمْ بِإِجْزَاءِ الشَّاةِ لَيْسَ بِالنَّصِّ: بَلْ بِالْقِيَاسِ فَيَتْرُكُ الْمَنْصُوصَ ظَاهِرًا وَيَخْرُجُ، ثُمَّ يَدْخُلُ بِالْقِيَاسِ، فَهَذَا6 عَائِدٌ بِإِبْطَالِ النَّصِّ لا مَحَالَةَ. اهـ.
وَوَجْهُ كَوْنِهِ أَبْعَدَ مِمَّا قَبْلَهُ: لأَنَّهُ7 يَلْزَمُ أَنْ لا تَجِبُ الشَّاةُ8 كَمَا تَقَدَّمَ, وَكُلُّ فَرْعٍ اُسْتُنْبِطَ مِنْ أَصْلٍ يَبْطُلُ بِبُطْلانِهِ.
"وَ" تَأْوِيلُهُمْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد9 وَالتِّرْمِذِيُّ10 وَابْنُ مَاجَهْ11
__________
1 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وغيرهم عن أبي بكرة مرفوعاً. "انظر صحيح البخاري 9/82، صحيح مسلم 3/1343، سنن ابن ماجه 2/776، سنن الدارقطني 4/206، سنن النسائي 8/209، بذل المجهود 15/266، عارضة الأحوذي 6/77، سنن البيهقي 10/105".
2 في ش: ليعمم. وفي ع ب: يعمم.
3 في ع: فيشتركان.
4 في ش: البروي.
5 في ز: وقيمة.
6 في ش: يلزم.
7 في ش: أنه.
8 ساقطة من ض.
9 بذل المجهود 10/79.
10 عارضة الأحوذي 5/13.
11 سنن ابن ماجه 1/605.(3/466)
وَالدَّارَقُطْنِيّ1 عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ2 نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ" وَفِي رِوَايَةٍ "بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ". "عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ"3.
وَوَجْهُ بُعْدِ هَذَا التَّأْوِيلِ: أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَيْسَتْ بِامْرَأَةٍ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَقَدْ أُلْزِمُوا بِسُقُوطِ هَذَا التَّأْوِيلِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا كَانَ الْعَقْدُ عِنْدَهُمْ صَحِيحًا لا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ.
فَلَمَّا أُلْزِمُوا بِذَلِكَ فَرُّوا إلَى حَمْلِهِ عَلَى الأَمَةِ فَأُلْزِمُوا بِبُطْلانِهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4: "فَلَهَا الْمَهْرُ" وَمَهْرُ الأَمَةِ إنَّمَا هُوَ5 لِسَيِّدِهَا6.
فَفَرُّوا مِنْ ذَلِكَ إلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ فَقِيلَ لَهُمْ: هُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ؛ لأَنَّ حَمْلَ صِيغَةِ الْعُمُومِ الصَّرِيحَةِ وَهِيَ "أَيْ"7 الْمُؤَكَّدَةُ بِمَا مَعَهَا فِي قَوْلِهِ "أَيُّمَا" عَلَى صُورَةٍ نَادِرَةٍ لا تَخْطُرُ بِبَالِ الْمُخَاطَبِينَ غَالِبًا فِي غَايَةِ الْبُعْدُ.
"وَ" تَأْوِيلُهُمْ أَيْضًا "لا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ" رَوَاهُ أَبُو
__________
1 سنن الدارقطني 3/221.
2 في ش: أنكحت.
3 انظر "شرح العضد 2/170، الإحكام للآمدي 3/58، فواتح الرحموت 2/25، روضة الناظر ص179، مختصر الطوفي ص43، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/54، الآيات البينات 3/102، تيسير التحرير 1/147، البرهان 1/517، المستصفى 1/402".
4 في تتمة الحديث: "فإن دخل بها، فلها المهر بما استحل من فرجها". انظر مراجع تخريج الحديث السابقة.
5 ساقطة من ع.
6 في ز: للسيد.
7 ساقطة من ض.(3/467)
دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ2، وَالنَّسَائِيُّ3 وَابْنُ مَاجَهْ4 عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَلَى خِلافٍ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ "عَلَى" صَوْمِ "الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ"5 بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى مَذْهَبِهِمْ فِي صِحَّةِ الْفَرْضِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ6.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَجَعَلُوهُ كَاللُّغْزِ فِي حَمْلِهِمْ الْعَامَّ عَلَى صُورَةٍ نَادِرَةٍ فَإِنْ ثَبَتَ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْحُكْمِ7 بِدَلِيلٍ -كَمَا قَالُوا - فَلْيُطْلَبْ لِهَذَا الْحَدِيثِ تَأْوِيلٌ قَرِيبٌ عَنْ8 هَذَا التَّأْوِيلِ9 مِثْلُ نَفْيِ الْكَمَالِ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ التَّأْوِيلِ السَّابِقِ10
__________
1 بذل المجهود 11/330.
2 عارضة الأحوذي 3/263.
3 سنن النسائي 4/166.
4 سنن ابن ماجه 1/542.
5انظر: المستصفى 1/409، تيسير التحرير 1/148، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/55، الآيات البينات 3/12، البرهان 1/525، الإحكام للآمدي 3/59، فواتح الرحموت 2/26، شرح العضد 2/171، روضة الناظر ص180، مختصر الطوفي ص43.
6 ساقطة من ع ض.
7 وهو صحة صوم الفرض بنية النهار.
8 في ش: من.
9 انظر مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/169، 171.
10ثم قال: "ولكنه مردود من وجهين. أحدهما: أنحمل اللفظ على نفي الكمال غير ممكن في القضاء والنذر، وهما من متضمنات الحديث، وإذا تعين حمل اللفظة على حقيقتها في بعض المسميات تعين ذلك في سائرها، فإن الإنسان الفصيح ذا الجد لا يرسل لفظة وهو يبغي حقيقتها من وجه ومجازها من وجه.
فإن قالوا: ليس القضاء والنذر مقصودين كما ذكرتم. قلنا" نعم. ولكن الشاذ لا يعني باللفظ العام تخصيصاً واقتصاراً وانحصاراً عليه، ولا يمتنع أن يشمله العموم مع الأصول.
والذي يحقق هذا أنه لو حمل لفظه على نوع من الصوم، ثم حمل فيه على نفي الكمال، لما كان اللفظ عاماً أصلاً، وكان مختصاً بنوع واحد، وهو من أعم الصيغ كما تقدم تقديره. والدليل عليه أن ما ذكروه من أن الرسول عليه السلام لم يرد القضاء والنذر مذهباً لذي مذهب، فإنه إذا امتنع قبول التأويل من غير دليل، فلأن يمتنع من غير مذهب أولى". "البرهان 1/528".(3/468)
"وَ" تَأْوِيلُهُمْ أَيْضًا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ1 وَابْنُ حِبَّانَ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: "ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ" عَلَى التَّشْبِيهِ3 وَنَصَبُ4 "ذَكَاةَ أُمِّهِ" عَلَى تَقْدِيرِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ، فَنُصِبَ عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ، وَهُوَ كَافُ التَّشْبِيهِ.
قَالَ ابْنُ عَمْرُون5: تَقْدِيرُهُمْ حَذْفُ الْكَافِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ قَوْلِك: زَيْدٌ6 عَمْرًا، أَيْ كَعَمْرٍو وَأَيْضًا فَحَذْفُ حَرْفِ الْخَفْضِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى التَّوَسُّعِ فِيهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، أَيْ وَقْتَ ذَكَاةِ أُمِّهِ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُقَامَهُ وَهَذَا دَلِيلُ الْجَمَاعَةِ؛ لأَنَّ الثَّانِيَ إنَّمَا يَكُونُ وَقْتًا لِلأَوَّلِ إذَا أَغْنَى الْفِعْلُ الثَّانِي عَنْ الأَوَّلِ.
__________
1 مسند الإمام أحمد 3/31، 39، 45، 53.
2 موارد الظمآن ص265.
3 أي مثل ذكاتها أو كذكاتها، فيكون المراد بالجنين "الحي" لحرمة الميت عند الإمام أبي حنيفة. انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/55، الآيات البينات 3/102"
4 في ش: ونصبوا.
5 هو محمد بن محمد بن علي بن عمرون الحلبي النحوي، أبو عبد الله، جمال الدين، قال الفيروزابادي: إمام في العربية، أقرأها مدة بحلب، وصنف "شرح المفصل ولم يتمه، توفي سنة 649 هـ. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 1/231، البلغة في تاريخ أئمة اللغة ص246، طبقات النحاة واللغويين لابن قاض شهبة ص254".
6 في ش: زيداً.(3/469)
وَيُرَجِّحُ هَذَا التَّقْدِيرَ مُوَافَقَتُهُ لِرِوَايَةِ الرَّفْعِ, لَكِنَّ الْجُمْهُورَ وَهِمُوا رِوَايَةَ النَّصْبِ وَقَالُوا: الْمَحْفُوظُ الرَّفْعُ كَمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ1 وَغَيْرُهُ، إمَّا لأَنَّ "ذَكَاةَ" الأَوَّلَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ, وَ "ذَكَاةَ" الثَّانِيَ هُوَ الْمُبْتَدَأُ، أَيْ ذَكَاةُ أُمِّ الْجَنِينِ ذَكَاةٌ لَهُ، وَإِلاَّ لَمْ يَكُنْ لِلْجَنِينِ مَزِيَّةٌ, وَحَقِيقَةُ الْجَنِينِ مَا كَانَ فِي الْبَطْنِ.
فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُذَكَّى كَذَكَاةِ أُمِّهِ، بَلْ إنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ ذَكَاةٌ لَهُ كَافِيَةٌ عَنْ تَذْكِيَتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ2 "ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ".
"وَ"َ أْوِيلُهُمْ أَيْضًا قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي آيَتَيْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ: {وَلِذِي الْقُرْبَى} 3: عَلَى الْفُقَرَاءِ" دُونَ الأَغْنِيَاءِ "مِنْهُمْ" أَيْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى4.
قَالُوا: لأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْخَلَّةِ، وَلا خَلَّةَ مَعَ الْغِنَى5.
فَعَطَّلُوا لَفْظَ الْعُمُومِ مَعَ ظُهُورِ أَنَّ الْقَرَابَةَ هِيَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَلَوْ مَعَ الْغِنَى، لِتَعْظِيمِهَا وَتَشْرِيفِهَا مَعَ إضَافَتِهِ بلاَّمُ التَّمْلِيكِ.
وَلا يَلْزَمُنَا نَحْنُ الْمَالِكِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ ذَلِكَ فِي الْيَتِيمِ، لِلْخِلافِ فِيهِ.
فَإِنْ عَلَّلُوا بِالْفَقْرِ وَلَمْ تَكُنْ قَرَابَةٌ عَطَّلُوا لَفْظَ "ذِي الْقُرْبَى"، وَإِنْ
__________
1 معالم السنن 4/121.
2 الحديث بهذا اللفظ غير موجود في السنن الكبرى للبيهقي، وقد جاء فيها نص قريب منه عن ابن عمر موقوفاً: "إذا نحرت الناقة فذكاة ما في بطنها في ذكاتها إذا كان قد تم خلقه ونبت شعره، وإذا خرج من بطنها حياً، ذبح حتى يخرج الدم من جوفه". "انظر السنن الكبرى 9/335".
3 الآية 41 من الأنفال. والآية 7 من الحشر.
4 انظر: البرهان 1/553، تيسير التحرير 1/148، المستصفى1/407، الإحكام للآمدي 3/60، فواتح الرحموت 2/28، شرح العضد 2/171.
5 في ع: الغناء.(3/470)
اعْتَبِرُوهُمَا مَعًا فَلا يَبْعُدُ وَغَايَتُهُ: تَخْصِيصُ عُمُومٍ، كَمَا فَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي تَخْصِيصِ الْيَتَامَى بِذَوِي الْحَاجَةِ.
"وَ" مِنْ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ "الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ" مَتْنَ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ1 وَأَبُو دَاوُد2 وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ3 وَالطَّبَرَانِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ4 - وَقَالَ: لا نَعْرِفُهُ مُسْنَدًا إلاَّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادٍ5 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ وَرُوِيَ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ، وَمِنْ قَوْلِ الْحَسَنِ6 وَهُوَ "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ" عَلَى عَمُودَيْ نَسَبِهِ"7.
وَإِنَّمَا كَانَ بَعِيدًا: لِقِصَرِ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَدْلُولاتِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ: لِعُمُومِ اللَّفْظِ وَظُهُورِ قَصْدِهِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى حُرْمَةِ الْمَحْرَمِ وَصِلَتِهِ.
__________
1 ساقطة من ش.
2 بذل المجهود 16/282.
3 سنن ابن ماجه 2/843.
4 تحفة الأحوذي 4/603.
5 المراد به هنا: الإمام الحافظ حماد بن سلمة بن دينار البصري، أبو سلمة. قال ابن المبارك: دخلت البصرة فما رأيت أحد أشبه بمالك الأول من حماد بن سلمة، وقال ابن معين: من خالف حماد بن سلمة في ثابت، فالقول قول حماد. توفي سنة 167هـ. "انظر ترجمته في طبقات الحفاظ للسيوطي ص87، تذكرة الحفاظ 1/02، شذرات الذهب 1/262، حلية الأولياء 6/249".
6 عبارة الترمذي في سننه بعد ذكر الحديث: "هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة. وقد روى عضهم هذا الحديث عن قتادة عن الحسن عن عمر. شيئاً من هذا". "انظر تحفة الأحوذي 4/603".
7 وهم الأصول والفروع. انظر تحقيق المسألة في "البرهان 1/539، المستصفى 1/405، الآيات البينات 3/106، الإحكام للآمدي 3/60، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/57".(3/471)
قَالَ الْكُورَانِيُّ: فَإِنْ قُلْت لِمَا1 وَجَّهَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، إذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا التَّأْوِيلُ صَحِيحًا عِنْدَكُمْ؟ قُلْت: لَمَّا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الرِّقَّ لا يَزُولُ إلاَّ بِالْعِتْقِ قَاسَ عِتْقَ الأُصُولِ وَالْفُرُوعِ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ، إذْ لا تَجِبُ عِنْدَهُ إلاَّ لِلْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ أَوْ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْوَارِدِ فِي مُسْلِمٍ2 "لا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلاَّ أَنْ يَجِدَهُ عَبْدًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ" أَيْ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَقَدْ وَافَقَهُ الْخَصْمُ عَلَى هَذَا، وَبِالآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي عِتْقِ الْوَلَدِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} 3 وَجْهُ الدَّلالَةِ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَبْطَلَ إثْبَاتَ الْوَلَدِيَّةِ بِإِثْبَاتِ الْعُبُودِيَّةِ فَعُلِمَ أَنَّهُمَا لا يَجْتَمِعَانِ.
__________
1 في ش: لما.
2 صحيح مسلم 2/1148.
3 الآية 26 من النساء.(3/472)
بَابُ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ:
أَمَّا الْمَنْطُوقُ: فَهُوَ الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادُ مِنْ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ النُّطْقُ بِهِ.
وَأَمَّا الْمَفْهُومُ: فَهُوَ الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادُ مِنْ حَيْثُ السُّكُوتُ اللاَّزِمُ لِلَّفْظِ.
فَإِذًا "الدَّلالَةُ" أَيْ دَلالَةُ اللَّفْظِ "تَنْقَسِمُ إلَى مَنْطُوقٍ وَهُوَ" أَيْ الْمَنْطُوقُ "مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظٌ فِي مَحَلِّ نُطْقٍ"1.
وَهُوَ نَوْعَانِ: صَرِيحٌ، وَغَيْرُ صَرِيحٍ.
ثُمَّ الصَّرِيحُ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "فَإِنْ وُضِعَ لَهُ" أَيْ وُضِعَ اللَّفْظُ لِذَلِكَ الْمَعْنَى "فَصَرِيحٌ" سَوَاءٌ كَانَتْ دَلالَةَ2 مُطَابَقَةٍ أَوْ تَضَمُّنٍ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا3.
النَّوْعُ الثَّانِي: غَيْرُ الصَّرِيحِ 4 وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَإِنْ لَزِمَ عَنْهُ"
__________
1 انظر تعريفات الأصوليين للمنطوق في "إرشاد الفحول ص178، تيسير التحرير 1/91، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/235، الآيات البينات 2/2، شرح العضد 2/171، نشر البنود 1/89، 91، الإحكام للآمدي 3/66، فواتح الرحموت 1/413، منهاج العقول 1/309، 311".
2 في ض: دلالته.
3 انظر: منهاج العقول 1/311، فواتح الرحموت 1/413، إرشاد الفحول ص178، تيسير التحرير 1/92، شرح العضد 2/171.
4 في ش ز: صريح.(3/473)
أَيْ لَزِمَ الْمَعْنَى عَنْ اللَّفْظِ بِأَنَّ دَلَّ اللَّفْظُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ "فَغَيْرُهُ" أَيْ فَغَيْرُ صَرِيحٍ.
وَتُسَمَّى هَذِهِ الدَّلالَةُ: دَلالَةَ الْتِزَامٍ وَتَنْقَسِمُ إلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ: اقْتِضَاءٍ وَإِشَارَةٍ، وَتَنْبِيهٍ وَيُسَمَّى التَّنْبِيهُ: إيمَاءً1.
لأَنَّ الْمَعْنَى إمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِلْمُتَكَلِّمِ مُتَضَمِّنًا لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِدْقُ اللَّفْظِ، أَوْ لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ2 عَقْلاً، أَوْ لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ3 شَرْعًا، أَوْ لا يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْمُتَكَلِّمِ.
فَالأَوَّلُ: وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَإِنْ قَصَدَ وَتَوَقَّفَ الصِّدْقُ عَلَيْهِ كَ" قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ" 4 فَإِنَّ ذَاتَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ لَمْ يَرْتَفِعَا، فَيَتَضَمَّنُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّدْقُ مِنْ الإِثْمِ أَوْ5 الْمُؤَاخَذَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالثَّانِي: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ الصِّحَّةُ عَقْلاً" أَيْ مَا يَتَضَمَّنُ6 مَا تَتَوَقَّفُ7 عَلَيْهِ الصِّحَّةُ8 عَقْلاً نَحْوُ9 قَوْله تَعَالَى: {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي 10 كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي
__________
1 انظر: شرح العضد 2/172، تيسير التحرير 1/92 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/413، إرشاد الفحول ص178.
2 ساقطة من ز.
3 ساقطة من ع ض ب.
4 سبق تخريجه في ج1 ص512.
5 في ش ز: و.
6 في ز: مالم يتضمن.
7 في ش ز: يتوقف.
8 ساقطة من ش.
9 في ش: نحو قوله تعالى.
10 في ع: أي التي.(3/474)
أَقْبَلْنَا فِيهَا} 1 أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَأَهْلَ الْعِيرِ، فَإِنَّهُ إذْ2 لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ عَقْلاً؛ إذْ الْقَرْيَةُ وَالْعِيرُ لا يُسْأَلانِ.
وَمِثْلُهُ3 {أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} 4 أَيْ فَضَرَبَ فَانْفَلَقَ.
وَمِثْلُهُ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 5 أَيْ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ6.
وَالثَّالِثُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ شَرْعًا" أَيْ مَا يَتَضَمَّنَ7 مَا تَتَوَقَّفُ8 عَلَيْهِ صِحَّتُهُ شَرْعًا "كَ" قَوْلِ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لِمَنْ يَمْلِكُ عَبْدًا "أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي" عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلاً، أَوْ أَعْتِقْهُ عَنَى مَجَّانًا.
فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ فِي الصُّورَةِ الأُولَى إذَا أَعْتَقَهُ: بَيْعٌ ضِمْنِيٌّ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ: هِبَةٌ ضِمْنِيَّةٌ لاسْتِدْعَاءِ9 سَبْقِ الْمِلْكِ؛ لِتَوَقُّفِ 10الْعِتْقِ عَلَيْهِ.
"فَ" الدَّلالَةُ فِي صُوَرِ11 الْمَتْنِ الثَّلاثِ "دَلالَةُ اقْتِضَاءٍ" لاقْتِضَائِهَا شَيْئًا زَائِدًا عَلَى اللَّفْظِ 12.
__________
1 الآية 82 من يوسف.
2 في ش: فإنه إذا.
3 في د: ومثلهما.
4 الآية 63 من الشعراء.
5 الآية 184 من البقرة.
6 ساقطة من ع ض ب.
7 في ش: تضمن.
8 في ش: يتوقف.
9 في ض: لا ستدعائه.
10 في د: المتوقف.
11 في ع: صورة.
12 انظر "الإحكام للآمدي 3/64، المستصفى 2/186، الآيات البينات 2/8، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/239 تيسير التحرير 1/91، كشف الأسرار 1/75، فتح الغفار 2/47، إرشاد الفحول ص178، روضة الناظر ص262، شرح تنقيح الفصول ص53، 55، شرح العضد 2/172، نشر البنود 1/92، فواتح الرحموت 1/413، منهاج العقول 1/310 وما بعدها، المحصول ج1ق1/318 وما بعدها، أصول السرخسي 1/248 وما بعدها، نهاية السول 1/313".(3/475)
الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ دَلالَةُ الإِشَارَةِ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ" أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادُ مِنْ اللَّفْظِ مَقْصُودًا لِلْمُتَكَلِّمِ1.
كَمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "النِّسَاءُ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ" قِيلَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِهِنَّ؟ قَالَ: "تَمْكُثُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمُرِهَا لا تُصَلِّي" 2 لَمْ يَقْصِدْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانَ أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ، لَكِنَّهُ لَزِمَ مِنْ اقْتِضَاءِ الْمُبَالَغَةِ إفَادَةُ ذَلِكَ.
وَنَحْوُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} 3 مَعَ قَوْله تَعَالَى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} 4 فَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ.
وَكَذَا 5قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ} 6 فَإِنَّهُ
__________
1 انظر "إرشاد الفحول ص187، فتح الغفار 2/44، كشف الأسرار 1/68، تيسير التحرير 1/87، فواتح الرحموت 1/407، 413، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/239، الآيات البينات 2/14، المستصفى 2/188، الإحكام للآمدي 3/65، التمهيد للأسنوي ص65، شرح العضد 2/172، نشر البنود 1/93، منهاج العقول 1/312، أصول السرخسي 1/236 وما بعدها".
2 سيق تخريجه في ج1 ص86.
3 الآية 15 من الأحقاف.
4 الآية 14 من لقمان.
5 ساقطة من ع ض.
6 الآية 187 من البقرة.(3/476)
يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ الإِصْبَاحِ جُنُبًا وَقَدْ حُكِيَ هَذَا الاسْتِنْبَاطَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ1 مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ2.
"فَ" هَذَا كُلُّهُ "دَلالَةُ إشَارَةٍ".
وَ 3 الْقِسْمُ الثَّالِثُ: دَلالَةُ التَّنْبِيهِ، 4وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ" أَيْ5 اللَّفْظُ عَلَى شَيْءٍ يُقَدَّرُ "وَاقْتَرَنَ بِحُكْمٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِتَعْلِيلِهِ" أَيْ لِتَعْلِيلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ "كَانَ" ذَلِكَ الاقْتِرَانُ "بَعِيدًا" مِنْ6 فَصَاحَةِ كَلامِ الشَّارِعِ، لِتَنَزُّهِ كَلامِهِ عَنْ الْحَشْوِ الَّذِي لا فَائِدَةَ فِيهِ "فَتَنْبِيهٌ"7 أَيْ8 فَدَلالَةُ9 تَنْبِيهٍ "وَيُسَمَّى" التَّنْبِيهُ "إيمَاءً"10.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ11 "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلِيَتَوَضَّأْ" 12
__________
1 في ع: الفرضي.
2 هو محمد بن كعب بن سليم القرظي، أبو حمزة، من فضلاء أهل المدينة، كان أبوه من سبي قريظة. روى عن العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طال وابن مسعود وغيرهم. توفي سنة 108هـ، وقيل سنة 117هـ. "انظر ترجمته في الجرح والتعديل 8/67، تهذيب التهذيب 9/420، اللباب في تهذيب الأنساب 3/26، تاريخ يحيى بن معين 2/536".
3 ساقطة من ش ز.
4 في ع: قوله.
5 ساقطة من ع ض ب
6 في ع: منه.
7 ساقطة من ع ض ب.
8 ساقطة من ع ض ب.
9 في ع: فدلالته ذا. وفي ض: فدلالة ذا.
10 انظر: إرشاد الفحول ص178، الإحكام للآمدي 3/64، روضة الناظر 262 وما بعدها، شرح العضد 2/172، نشر البنود 1/93، فواتح الرحموت 1/413.
11 في ع ب: ومن أمثلة ذلك نحو. وفي ض: نحو.
12 سبق تخريجه في ج2 ص367.(3/477)
1وَسَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَى ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُفَصَّلاً فِي مَسَالِكِ الْعِلَّةِ2 مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ.
"وَالنَّصُّ الصَّرِيحُ" مِنْ اللَّفْظِ3 زَادَ الْقَاضِي4 وَابْنُ الْبَنَّاءِ: وَإِنْ اُحْتُمِلَ غَيْرُهُ.
وَقَالَ الْمَجْدُ: مَا أَفَادَ الْحُكْمَ يَقِينًا أَوْ ظَاهِرًا وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا5.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ: مَا أَفَادَ الْحُكْمَ بِنَفْسِهِ بِلا احْتِمَالٍ، أَوْ بِاحْتِمَالٍ6 لا دَلِيلَ عَلَيْهِ7.
وَيُطْلَقُ عَلَى الظَّاهِرِ قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَلا مَانِعَ مِنْهُ فَإِنَّهُ فِي اللُّغَةِ: الظُّهُورُ.
فَالنَّصُّ لُغَةً8: الْكَشْفُ وَالظُّهُورُ, وَمِنْهُ: نَصَّتْ الظَّبْيَةُ رَأْسَهَا: أَيْ9
__________
1 ساقطة من ع.
2 في ض: اللغة.
3 انظر تعريفات الأصوليين للنص في "إرشاد الفحول ص178، الآيات البينات 2/4، البرهان 1/412 وما بعدها، نشر البنود 1/90 وما بعدها، مختصر الطوفي ص42، المستصفى 1/336، 384 وما بعدها، الحدود للباجي ص42، التعريفات للجرجاني ص126، أدب القاضي للماوردي 1/616، المحصول ج1ق1/316، أصول السرخسي 1/164، الحطاب على الورقات ص111، العدة 1/137، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/236".
4 العدة 1/138.
5 المسودة ص574.
6 في ز د ع ب ض: احتمال.
7 روضة الناظر ص177.
8 في ع ض ب: في اللغة.
9 في ش: إذا.(3/478)
رَفَعَتْهُ وَأَظْهَرَتْهُ وَمِنْهُ: مِنَصَّةُ الْعَرُوسِ, قَالَهُ1 الْمُطَرِّزِيُّ2.
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْمَقْدِسِيُّ: حَدُّ النَّصِّ فِي الشَّرْعِ3: مَا عَرِيَ4 لَفْظُهُ عَنْ الشَّرِكَةِ، وَمَعْنَاهُ عَنْ الشَّكِّ.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: لِلنَّصِّ ثَلاثُ اصْطِلاحَاتٍ أَحَدُهَا: مَا لا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ, وَالثَّانِي: مَا احْتَمَلَهُ احْتِمَالاً مَرْجُوحًا كَالظَّاهِرِ، وَهُوَ الْغَالِبُ فِي إطْلاقِ الْفُقَهَاءِ, وَالثَّالِثُ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى كَيْفَ "مَا"5 كَانَ6 اهـ.
__________
1 في ع: قال.
2 المغرب للمطرزي ص453.
والمطرزي: هو ناصر بن عبد السيد بن علي المطرزي الخوارزمي الحنفي، أبو الفتح، قال اللكنوي: "كان إماماً في الفقه والعربية واللغة، رأساً في الاعتزال، لسان البرهان، سحبان البيان، عديم النظر في الفقه وأصوله". من مؤلفاته "المغرب" في لغات الفقه و "الإيضاح" شرح مقامات الحريري و "الإقناع" في اللغة و "مختصر إطلاق المنطق" توفي سنة 610هـ وقيل 616هـ.
"انظر ترجمته في الفوائد البيهة ص218، طرب الأماثل بتراجم الأفاضل ص306، بغية الوعاة 2/311، الجواهر المضيئة 2/1920، هدية العارفين 2/488".
3 في ش ز: في الشرع.
4 في ز ض: ماعرا، وفي ش: ماعدا.
5 زيادة من تنقيح الفصول.
6 هذا مختصر كلام القرافي في "تنقيح الفصول" مع بعض التحريف، وتمامه: "والنص فيه ثلاثة اصطلاحات. قيل: مادل على معنى قطعاً ولا يحتمل غيره قطعاً، كأسماء الأعداد. وقيل: مادل على معنى قطعاً وإن احتمل غيره. كصيغ الجموع في العموم، فإنها تدل على أقل الجمع قطعاً، وتحتمل الاستغراق، وقيل: مادل على معنى كيف ما كان. وهو غالب استعمال الفقهاء". ثم شرح القرافي كلامه هذا فقال: "فإذا قلنا" اللفظ إما نص أو ظاهر" فمرادنا القسم الأول. وأما الثالث فهو غالب الألفاظ، وهو غالب استعمال الفقهاء. يقولون "نص مالك على كذا" أو "لنا في المسألة النص والمعنى" ويقولون "نصوص الشريعة متضافرة بذلك". وأما القسم الثاني فهو كقوله تعالى: {اقتلوا المشركين} فإنه يقتضي قتل اثنين جزماً فهو نص في ذلك مع احتماله لقتل جميع المشركين". "انظر شرح تنقيح الفصول ص36 وما بعدها".(3/479)
"وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ" النَّصُّ "تَأْوِيلاً فَ" هُوَ "مَقْطُوعٌ بِهِ" أَيْ بِدَلالَتِهِ.
"وَإِلَى مَفْهُومٍ"1 مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ "إلَى مَنْطُوقٍ" يَعْنِي أَنَّ الدَّلالَةَ تَنْقَسِمُ إلَى مَنْطُوقٍ -وَتَقَدَّمَ الْكَلامُ عَلَيْهِ-، وَإِلَى مَفْهُومٍ.
"وَهُوَ" أَيْ الْمَفْهُومُ "مَا دَلَّ عَلَيْهِ" لَفْظٌ2 "لا فِي مَحَلِّ نُطْقٍ"3.
وَإِذَا كَانَ الْمَفْهُومُ فِي4 الأَصْلِ لِكُلِّ مَا فُهِمَ مِنْ نُطْقٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لأَنَّهُ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الْفَهْمِ لَكِنْ اصْطَلَحُوا عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهَذَا، وَهُوَ الْمَفْهُومُ الْمُجَرَّدُ الَّذِي يَسْتَنِدُ إلَى النُّطْقِ، لَكِنْ فُهِمَ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالتَّعْبِيرِ عَنْهُ بَلْ 5لَهُ اسْتِنَادٌ إلَى طَرِيقٍ عَقْلِيٍّ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اسْتِفَادَةِ الْحُكْمِ مِنْ الْمَفْهُومِ مُطْلَقًا: هَلْ هُوَ 6بِدَلالَةِ الْعَقْلِ مِنْ جِهَةِ التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ، أَمْ مُسْتَفَادٌ مِنْ اللَّفْظِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ7:
قَطَعَ أَبُو الْمَعَالِي فِي الْبُرْهَانِ بِالثَّانِي8، فَإِنَّ اللَّفْظَ9 لا يُشْعِرُ
__________
1 في ع ض ب: عطف على.
2 ساقطة من ش.
3 انظر تعريفات الأصوليين للمفهوم في "إرشاد الفحول ص178، الإحكام للآمدي 3/66، نشر البنود 1/94، تيسير التحرير 1/91، شرح العضد/171، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/240، الآيات البينات 2/15، فواتح الرحموت 1/413، المستصفى 2/191، منهاج العقول".
4 في ع: من.
5 في ض: استناداً.
6 في ع: دلالة الفعل، وفي ز ض ب: بدلالة الفعل.
7 انظر المحصول ج1 ق2/654، المستصفى 2/70، 212.
8 البرهان 1/448.
9 في ض ب: الحكم.(3/480)
بِذَاتِهِ1، وَإِنَّمَا دَلالَتَهُ بِالْوَضْعِ وَلا شَكَّ أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَضَعْ اللَّفْظَ لِيَدُلَّ عَلَى شَيْءٍ مَسْكُوتٍ عَنْهُ؛ لأَنَّهُ إنَّمَا يُشْعِرُ بِهِ بِطَرِيقٍ الْحَقِيقَةِ، أَوْ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، وَلَيْسَ الْمَفْهُومُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَلا خِلافَ أَنَّ دَلالَتَهُ لَيْسَتْ وَضْعِيَّةً2، إنَّمَا هِيَ إشَارَاتٌ ذِهْنِيَّةٌ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِشَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ:
فَالْمَفْهُومُ نَوْعَانِ, أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ وَالثَّانِي: مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ، أُشِيرَ 3إلَى أَوَّلِهِمَا بِقَوْلِهِ:
"فَإِنْ وَافَقَ" 4أَيْ وَافَقَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ الْمَنْطُوقَ فِي الْحُكْمِ "فَ" هُوَ "مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ5، وَيُسَمَّى فَحْوَى الْخِطَابِ وَلَحْنَهُ" أَيْ لَحْنَ الْخِطَابِ.
فَلَحْنُ الْخِطَابِ مَا لاحَ فِي أَثْنَاءِ اللَّفْظِ "وَ"يُسَمَّى أَيْضًا "مَفْهُومَهُ" أَيْ مَفْهُومَ الْخِطَابِ. قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى6 فِي الْعُدَّةِ7، وَأَبُو الْخَطَّابُ فِي التَّمْهِيدِ.
__________
1 في ش: بذاته دائماً.
2 في ش: وصفية.
3 في ش ز: للأول منهما.
4 ساقطة من ض ب.
5 انظر تعريفات الأصوليين لمفهوم الموافقة وكلامهم على شرطه وما يرادفه في "العدة 1/152 وما بعدها، المسودة ص350، التمهيد للأسنوي ص65، البرهان 1/449، تيسير التحرير 1/94، مختصر الطوفي ص121، الإحكام للآمدي 3/66، اللمع ص25، إرشاد الفحول ص178، فواتح الرحموت 1/414، نشر البنود 1/95، شرح العضد 2/172، روضة الناظر ص263، التعريفات للجرجاني ص117، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/240، الآيات البينات 2/15، المستصفى 2/191، شرح تنقيح الفصول ص54".
6 ساقطة من ش.
7 العدة 1/152 وما بعدها.(3/481)
"وَشَرْطُهُ" أَيْ شَرْطُ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ1 "فَهْمُ الْمَعْنَى" مِنْ اللَّفْظِ "فِي مَحَلِّ النُّطْقِ" وَ "أَنَّهُ" أَيْ الْمَفْهُومُ "أَوْلَى" مِنْ الْمَنْطُوقِ "أَوْ مُسَاوٍ" لَهُ.
وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّي الأَوْلَوِيَّ بِفَحْوَى2 الْخِطَابِ، وَالْمُسَاوِيَ بِلَحْنِ الْخِطَابِ3.
فَمِثَالُ الأَوْلَوِيِّ: مَا يُفْهَمُ مِنْ اللَّفْظِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ4؛ كَدَلالَةِ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ؛ لأَنَّهُ أَشَدُّ.
وَمِثَالُ الْمُسَاوِي: تَحْرِيمُ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ الدَّالِّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} 5 فَالإِحْرَاقُ مُسَاوٍ لِلأَكْلِ بِوَاسِطَةِ الإِتْلافِ فِي الصُّورَتَيْنِ.
وَقِيلَ: إنَّ الْفَحْوَى: مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ اللَّفْظُ، وَاللَّحْنُ: مَا يَكُونُ مُحَالاً عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ فِي الأَصْلِ وَالْوَضْعِ6.
إذَا عَرَفَتْ ذَلِكَ:
فَتَحْرِيمُ الضَّرْبِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 7 مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالأَدْنَى، وَهُوَ التَّأْفِيفُ، عَلَى الأَعْلَى، وَهُوَ الضَّرْبُ،
__________
1 في ش: المطابقة لموافقة.
2 في ع ب: فحوى.
3 انظر: نشر البنود1/96، الآيات البينات 2/16، أدب القاضي للماوردي 1/617، إرشاد الفحول 178، حاشية البناني 1/241.
4 في د: الأولى. وفي ب: الأولى والقطع.
5 الآية 10 من النساء.
6 انظر: أدب القاضي للماوردي 1/617، إرشاد الفحول ص178.
7 الآية 23 من الإسراء. وهي غير موجودة في ع ض ب، وقد أثبت بدلاً عنها: آية التأفيف. وفي ش: ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما.(3/482)
وَتَأْدِيَةُ مَا دُونَ الْقِنْطَارِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إلَيْكَ} 1 مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالأَعْلَى، وَهُوَ تَأْدِيَةُ الْقِنْطَارِ، عَلَى الأَدْنَى وَهُوَ تَأْدِيَةُ مَا دُونَهُ2.
"وَهُوَ" أَيْ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ "حُجَّةٌ"3.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا؛ لِتَبَادُرِ فَهْمِ الْعُقَلاءِ إلَيْهِ4, وَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ دَاوُد.
"وَدَلالَتُهُ لَفْظِيَّةٌ" عَلَى الصَّحِيحِ.
نَصَّ5 عَلَيْهِ6 الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ7 أَصْحَابِنَا8، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْحَنَفِيَّةُ9 وَالْمَالِكِيَّةُ10 وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ11 وَجَمَاعَةٌ مِنْ
__________
1 الآية 75 من آل عمران.
2 انظر العدة 2/480.
3 انظر: الإحكام للآمدي 3/67 وما بعدها 3/71، المسودة ص346، إرشاد الفحول ص179.
4 ساقطة من ش.
5 في ش: مضى.
6 في ش ز: على ذلك.
7 في ش: من.
8 انظر: العدة 1/153، روضة الناظر ص263 وما بعدها، المسودة ص346.
9 انظر: تيسير التحرير 1/94، فتح الغفار 2/45، كشف الأسرار 1/73، التلويح على التوضيح 1/131، فواتح الرحموت 1/408، أصول السرخسي 1/241.
10 انظر: الإشارات للباجي ص92، نشر البنود 1/96، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/172 وما بعدها.
11 انظر: المستصفى 2/190، 212، اللمع ص25، الآيات البينات 2/20، شرح العضد 2/173، الإحكام للآمدي 3/67 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/243.(3/483)
الْمُتَكَلِّمِينَ1.
وَسَمَّاهُ الْحَنَفِيَّةُ دَلالَةَ النَّصِّ2،
وَاسْتُدِلَّ لِهَذَا الْمَذْهَبِ بِأَنَّهُ يُفْهَمُ لُغَةً قَبْلَ شَرْعِ الْقِيَاسِ؛ وَلانْدِرَاجِ3 أَصْلِهِ4 فِي فَرْعِهِ، نَحْوَ لا تُعْطِهِ ذَرَّةً5، وَيَشْتَرِكُ فِي فَهْمِهِ اللُّغَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِلا قَرِينَةٍ.
وَقِيلَ: إنَّ دَلالَتَهُ قِيَاسِيَّةٌ6،
وَعَلَى كَوْنِهَا لَفْظِيَّةً، فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا "فُهِمَتْ مِنْ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ" وَهُوَ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ7 وَالآمِدِيِّ8.
وَالْمُرَادُ9 بِالْقَرَائِنِ هُنَا: الْمُفِيدَةُ لِلدَّلالَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، لا الْمَانِعَةُ مِنْ إرَادَتِهِ؛ لأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَلا 10 تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 11
__________
1 انظر إرشاد الفحول ص178.
2 انظر: تيسير التحرير 1/90، كشف الأسرار 1/73، فتح الغفار 2/45، التلويح على التوضيح 1/131، فواتح الرحموت 1/408، أصول السرخسي 1/241.
3 في ع: الاندراج.
4 في ع: أصل.
5 فيدل على عدم إعطاء الأكثر، إذ الذرة داخلة في الأكثر. "شرح العضد 2/172".
وفي ش: ذرية.
6 انظر: اللمع ص25. المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/242، الآيات البينات 2/20، الإحكام للآمدي 3/68، إرشاد الفحول ص178، شرح العضد 2/173، نشر البنود 1/97، المسودة ص348، روضة الناظر ص263، مختصر الطوفي ص122.
7 المستصفى 2/190.
8 الإحكام في أصول الأحكام 3/67.
9 في ع ض ب: هنا والمراد.
10 في سائر النسخ: ولا.
11 الآية 23 من الإسراء.(3/484)
1وَنَحْوَهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ غَايَتُهُ أَنَّهُ2 عُلِمَ مِنْهُ حُرْمَةُ الضَّرْبِ بِقَرَائِنِ الأَحْوَالِ وَسِيَاقِ الْكَلامِ3.
وَاللَّفْظُ لا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَجَازًا كَالتَّعْرِيضِ4.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ اللَّفْظَ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْمَعْنَى الالْتِزَامِيِّ5 الَّذِي هُوَ الضَّرْبُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى6: {فَلا 7 تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} .
قَالَ الْكُورَانِيُّ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ: إنَّهُ بَاطِلٌ؛ لأَنَّ الْمُفْرَدَاتِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ بِلا رَيْبٍ، مَعَ8 إجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى9 أَنَّ فِي الأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ إلْحَاقَ الْفَرْعِ بِأَصْلٍ10، وَإِنَّمَا الْخِلافُ فِي أَنَّ11 ذَلِكَ بِالشَّرْعِ12 أَوْ بِاللُّغَةِ.
وَ13عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا: قِيَاسٌ جَلِيٌّ14؛ لأَنَّهُ لَمْ
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ض: إن.
3 انظر البرهان 1/451، إرشاد الفحول ص178.
4 ساقطة من ز.
5 في ض: الالتزامي كالتعريض.
6 ساقطة من ع.
7 في سائر النسخ: ولا.
8 في ش: من.
9 في ش: على أن في إجماع السلف على.
10 في ض د: بالأصل.
11 في ش: أصل.
12 في ع ض ب: في الشرع.
13 ساقطة من ع ب.
14 انظر "المسودة ص348، روضة الناظر ص263، مختصر الطوفي ص122، اللمع ص25، الآيات البينات 2/20، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/242، إرشاد الفحول ص178، أدب القاضي للماوردي 1/588، الإحكام للآمدي 3/68".(3/485)
يَلْفِظْ بِهِ، وَإِنَّمَا حُكِمَ بِالْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ، قِيسَ1 الْمَسْكُوتُ عَلَى الْمَذْكُورِ قِيَاسًا جَلَّيَا، فَإِنَّهُ إلْحَاقُ فَرْعٍ بِأَصْلٍ لِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ، فَيَكُونُ قِيَاسًا شَرْعِيًّا2 لِصِدْقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ، كَمَا سَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ.
وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلافِ: أَنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ دَلالَتَهُ لَفْظِيَّةٌ جَازَ النَّسْخُ بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: قِيَاسِيَّةٌ فَلا.
"وَهُوَ" أَيْ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ نَوْعَانِ:
نَوْعٌ "قَطْعِيٌّ، كَرَهْنِ مُصْحَفٍ عِنْدَ ذِمِّيٍّ".
احْتَجَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رَهْنِ الْمُصْحَفِ عِنْدَ الذِّمِّيِّ بِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّفَرِ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ3 الْعَدُوِّ، مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ4 فَهَذَا قَاطِعٌ5.
وَكَذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الأَمْثِلَةِ، فَإِنَّهَا قَطْعِيَّةٌ.
وَالْقَطْعِيُّ كَوْنُ التَّعْلِيلِ بِالْمَعْنَى، وَكَوْنُهُ6 أَشَدَّ مُنَاسَبَةً لِلْفَرْعِ7، وَكَوْنُهُمَا قَطْعِيَّيْنِ8.
__________
1 في ع: فليس.
2 في ع: شرعاً.
3 ساقطة من ش.
4 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً "انظر صحيح البخاري 4/68، صحيح مسلم 3/1490، بذل المجهود 12/112، سنن ابن ماجه 2/961، موطأ مالك 2/446، مسند أحمد 2/63".
5 قال الشيخ تقي الدين بن تيمية: "لأنه إذا نهى عما قد يكون وسيلة إلى نيلهم إياه، فهو عن إنالتهم إياه أنهى وأنهى" "المسودة ص347".
6 في ع: وكونها.
7 في ع: للوضع.
8 في ز: قطعيتين.(3/486)
"وَ" نَوْعٌ "ظَنِّيٌّ" 1 كَ "إذَا رُدَّتْ شَهَادَةُ فَاسِقٍ، فَكَافِرٌ أَوْلَى" بِرَدِّ شَهَادَتِهِ، إذْ الْكُفْرُ فِسْقٌ وَزِيَادَةٌ، وَكَوْنُ هَذَا ظَنِّيًّا2 هُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ3 وَالطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ4 وَشَرْحِهِ، وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ؛ لأَنَّهُ وَاقِعٌ فِي مَحَلِّ الاجْتِهَادِ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ عَدْلاً فِي دَيْنِهِ، فَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ وَالأَمَانَةَ، بِخِلافِ الْمُسْلِمِ الْفَاسِقِ، فَإِنَّ مُسْتَنَدَ قَبُولِ شَهَادَتِهِ الْعَدَالَةُ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فَهُوَ فِي مَظِنَّةِ الْكَذِبِ، إذْ لا وَازِعَ لَهُ عَنْهُ5، فَهَذَا6 ظَنِّيٌّ غَيْرُ قَاطِعٍ7.
وَقِيلَ: إنَّ هَذَا الْمِثَالَ فَاسِدٌ؛ لأَنَّ التَّعْلِيلَ بِكَوْنِ الْكَافِرِ أَوْلَى بِالرَّدِّ مَمْنُوعٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ الظَّنِّيِّ أَيْضًا: مَا احْتَجَّ بِهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي8 أَنَّهُ لا شُفْعَةَ لِذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ9 {وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ
__________
1 انظر: شرح العضد 2/173، الإحكام للآمدي 3/69، تيسير التحرير 1/95.
2 في ع: ظناً.
3 روضة الناظر ص264.
4 مختصر الطوفي ص122.
5 ساقطة من ش.
6 في ش: فهو.
7 في ع ض: قطعي.
8 في ع: من.
9 هذا الحديث لم يتفقا على إخراجه في الصحيحين كما ذكر المصنف، ولكن أخرجه مسلم في صحيحه وأبو داود والترمذي في سننهما وأحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً، وتمامه: "لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه". "انظر صحيح مسلم 4/1707، عارضة الأحوذي 7/103، 10/175، بذل المجهود 2/142، مسند الإمام أحمد 2/263، جامع الأصول 7/392".(3/487)
فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إلَى أَضْيَقِهِ1" فَهَذَا مَظْنُونٌ2.
وَزَعَمَ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ الْبَغْدَادِيُّ3 مِنْ أَصْحَابِنَا4 فِي جَدَلِهِ5: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَطْعِيٌّ؛ لاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ غَيْرَ مَا عَلَّلُوهُ بِهِ، وَالأَكْثَرُ عَلَى خِلافِهِ.
"وَمِثْلُ" قَوْلِ الْقَائِلِ "إذَا جَازَ سَلَمٌ مُؤَجَّلاً، فَحَالٌّ أَوْلَى، لِبُعْدٍ غَرَرٍ6، وَ7هُوَ الْمَانِعُ: فَاسِدٌ" مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْغَرَرَ فِي الْعُقُودِ مَانِعٌ مِنْ الصِّحَّةِ لا مُقْتَضٍ لَهَا "إذْ لا يَثْبُتُ حُكْمٌ لانْتِفَاءِ مَانِعِهِ"؛ لأَنَّ الْمَانِعَ لا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ8 وَلا عَدَمٌ.
"بَلْ" إنَّمَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ "لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ" أَيْ مُقْتَضِي الْحُكْمِ "وَ" الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ السَّلَمِ "هُوَ الارْتِفَاقُ بِالأَجَلِ" عَلَى مَا قُرِّرَ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ، -كَالأَجَلِ فِي الْكِتَابَةِ-، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْحَالِ، وَالْغَرَرُ مَانِعٌ لَهُ، لَكِنَّهُ احْتَمَلَ فِي الْمُؤَجَّلِ رُخْصَةً وَتَحْقِيقًا لِلْمُقْتَضِي، وَهُوَ الارْتِفَاقُ9، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"وَإِنْ خَالَفَ" مَعْطُوفٌ10 عَلَى قَوْلِهِ11 فَإِنْ وَافَقَ " يَعْنِي، وَإِنْ
__________
1 في ش: أضيقها.
2 قال الشيخ تقي الدين بن تيمية: "فإذا كان ليس لهم في الطريق حق، فالشفعة أحرى أن لا يكون لهم فيها حق. وهذا مظنون". "المسودة ص347".
3 ساقطة من ش ز.
4 في ض د: منا.
5 في ش: حد له.
6 في ش: عن رد، وفي ع: غرره.
7 الواو ساقطة من ش.
8 في ع ض: الوجود.
9 انظر: روضة الناظر ص264، مختصر الطوفي ص122.
10 في ع ض: عطف.
11 ساقطة من ع ض.(3/488)
خَالَفَ الْمَفْهُومُ -وَهُوَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ- حُكْمَ الْمَنْطُوقِ "فَ" هُوَ "مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ"1 وَيُسَمَّى دَلِيلَ الْخِطَابِ.
وَإِنَّمَا سُمِّيَ2 بِذَلِكَ؛ لأَنَّ دَلالَتَهُ مِنْ جِنْسِ دَلالاتِ3 الْخِطَابِ، أَوْ لأَنَّ الْخِطَابَ دَالٌّ عَلَيْهِ، أَوْ لِمُخَالَفَتِهِ4 مَنْظُوم5 الْخِطَابِ.
وَلِلْعَمَلِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ شُرُوطٌ، بَعْضُهَا رَاجِعٌ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ، وَبَعْضُهَا رَاجِعٌ لِلْمَذْكُورِ.
فَمِنْ الأَوَّلِ: مَا أَشَارَ6 إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَشَرْطُهُ: أَنْ لا تَظْهَرُ أَوْلَوِيَّةٌ" بِالْحُكْمِ مِنْ7 الْمَذْكُورِ "وَلا مُسَاوَاةٌ فِي مَسْكُوتٍ عَنْهُ" إذْ لَوْ ظَهَرَتْ8 فِيهِ أَوْلَوِيَّةٌ أَوْ مُسَاوَاةٌ، كَانَ حِينَئِذٍ مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ9،
__________
1 انظر تعريفات الأصوليين لمفهوم المخالفة في "الإشارات للباجي ص93، الحدود للباجي ص50، العدة 1/154، البرهان 1/449، الإحكام للآمدي 3/69، شرح العضد 2/173، إرشاد الفحول ص179، فواتح الرحموت 1/414، المستصفى 2/191، شرح تنقيح الفصول ص53، منهاج العقول 1/312، الآيات البينات 2/23، التعريفات للجرجاني ص118، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/245، نشر البنود 1/98، تيسير التحرير 1/98، مختصر الطوفي ص122، روضة الناظر ص264، اللمع ص25، التبصرة 218".
2 في ض: ويسمى.
3 في ض: دلالة.
4 في ع لمخالفة.
5 في ش: منطوق.
6 في ض: أشير.
7 في ع ض: في.
8 في ض: ظهر.
9 انظر: فواتح الرحموت 1/414، شرح العضد 2/174.
في ش ز: موافقة وقد تقدم الكلام عليه.(3/489)
وَمِنْ الثَّانِي: مَا أَشَارَ1 إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَلا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ" فَأَمَّا إنْ خَرَجَ مَخْرَجَ2 الْغَالِبِ فَلا يُعْتَبَرُ مَفْهُومُهُ3.
نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ 4مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} 5 فَإِنَّ تَقْيِيدَ تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ بِكَوْنِهَا فِي حِجْرِهِ -لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ- لا يَدُلُّ عَلَى حِلِّ الرَّبِيبَةِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي حِجْرِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ6.
وَمِنْهُ7 قَوْله سبحانه وتَعَالَى8 {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} 9
__________
1 في ض: أشير.
2 في ش ز: إن جرى على، وفي ع: ان خرج خرج.
3 قال القرافي في "شرح تنقيح الفصول" ص272: "إنما قال العلماء أن مفهوم الصفة إذا خرجت مخرج الغالب لا يكون حجة ولا دالاً على انتفاء الحكم عن السكوت عنه بسبب أن الصفة الغالبة على الحقيقة تكون لازمة لها في الذهن بسبب الغلبة، فإذا استحضرها المتكلم ليحكم عليها حضرت معها تلك الصفة فنطق بها المتكلم لحضورها في الذهن مع المحكوم عليه، لا انه استحضرها ليفيد بها انتفاء الحكم عن المسكوت عنه، اما إذا لم تكن غالبة لا تكون لازمة للحقيقة في الذهن، فيكون المتكلم قد قصد حضورها في ذهنه ليفيد بها سلب الحكم عن المسكوت عنه، فلذلك لا تكون الصفة الغالبة دالة على نفي الحكم، وغير الغالبة دالة على نفي الحكم عن المسكوت عنه".
وانظر تحقيق المسألة في "المسودة ص362، إرشاد الفحول ص180، نشر البنود 1/99، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/246، الآيات البينات 2/24، منهاج العقول 1/315، فواتح الرحموت 1/414، شرح العضد 2/175، الإحكام للآمدي 3/100، البرهان 1/477، تيسير التحرير 1/99".
4 في ع ض: الآية.
5 الآية 23 من النساء.
6 انظر: أحكام القرآن لابن العربي 1/378، أحكام القرآن للجصاص 2/129، فتح القدير للشوكاني 1/445.
7 في ز: ومن.
8 ساقطة من ع ض.
9 الآية 95 من المائدة.(3/490)
وقَوْله تَعَالَى:1 {فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} 2 وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَقَالَ دَاوُد: إنَّهُ شَرْطٌ فِي تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ بِاعْتِبَارِهِ، فَلَمْ يُحَرِّمْ3 الرَّبِيبَةَ الْكَبِيرَةَ وَقْتَ التَّزَوُّجِ بِأُمِّهَا فِي قَوْلٍ لَهُ؛ لأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حِجْرِهِ4.
وَقَالَ بِهِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ5.
"فَ" عَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ لا يَكُونُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ "لا يَعُمُّ" وَلِهَذَا احْتَجَّ الْعُلَمَاءُ مِنْ6 أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ عَلَى7 اخْتِصَاصِ تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ بِالْحِجْرِ بِالآيَةِ، وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ لا حُجَّةَ فِيهَا، لِخُرُوجِهَا عَلَى الْغَالِبِ.
__________
1 ساقطة من ع ض.
2 الآية 229 من البقرة.
3 في ش ز: تحرم.
4 يبدو أن نسبة هذا القول للإمام مالك غير سديدة. يدل على ذلك قول الشنقيطي المالكي في "نشر البنود" "1/99" بعد حكايته قول علي أن الربيبة البعيدة عن الزوج لا تحرم عليه: "وأما نسبته لمالك رحمه الله وانه رجع عنه، فقد قال: حلولو: لا نعرفه لأحد من أهل المذهب، أي كونه قاله، حتى يرجع عنه".
5 قال الشوكاني في "فتح القدير" "1/453": "أخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم بسند صحيح عن مالك بن أوس بن الحدثان قال كانت عندي امرأة فتوفيت، وقد ولدت لي، فوجدت عليها، فلقيني علي بن أبي طالب فقال: مالك؟ فقلت توفيت المرأة. فقال علي: لها ابنة؟ قلت نعم. وهي بالطائف. قال: كانت حجرك؟ قلت: لا. قال: فانكحها. قلت: فأين قول الله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} ؟ قلت: إنها لم تكن في حجرك". قال الشوكاني: قال ابن منذر والطحاوي: لم يثبت ذلك عن علي، لأن راويه إبراهيم بن عبيد عن مالك بن أوس بن الحدثان عن ثابت إلى علي بن أبي طالب على شرط مسلم. "فتح القدير 1/445" وانظر: أحكام القرآن للجصاص 2/129، أحكام القرآن للكيا الهراسي 2/243.
6 في ض ب: علماء.
7 في ش ز: عن.(3/491)
"وَ" مِنْ شَرْطِهِ أَيْضًا: أَنْ "لا" يَكُونَ خَرَجَ "مَخْرَجَ تَفْخِيمٍ"1 كَحَدِيثِ: "لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ" الْحَدِيثَ2 فَقَيَّدَ "الإِيمَانَ" لِلتَّفْخِيمِ فِي الأَمْرِ، وَأَنَّ هَذَا لا يَلِيقُ بِمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا3.
"وَلا" خَرَجَ اللَّفْظُ4 "جَوَابًا لِسُؤَالٍ" يَعْنِي أَنَّهُ إذَا خَرَجَ اللَّفْظُ جَوَابًا لِسُؤَالٍ لَمْ يُعْمَلْ بِمَفْهُومِهِ5
ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ فِي صَلاةِ التَّطَوُّعِ اتِّفَاقًا6.
مِثْلَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ؟ فَلا يَلْزَمُ مِنْ جَوَابِ السُّؤَالِ عَنْ إحْدَى الصِّفَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عَلَى الضِّدِّ فِي الأُخْرَى، لِظُهُورِ فَائِدَةٍ فِي الذِّكْرِ غَيْرِ الْحُكْمِ بِالضِّدِّ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ احْتِمَالَيْنِ:
أَحَدُهُمَا كَالأَوَّلِ.
__________
1 في ض ب د: التفخيم.
2 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ عن أم حبيبة رضي الله عنه مرفوعاً، وتمامه "إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً" "انظر صحيح البخاري 7/76، صحيح مسلم 2/1124، بذل المجهود 11/59، عارضة الأحوذي 5/172، الموطأ 2/597، سنن النسائي 6/167".
3 إرشاد الفحول ص180.
4 ساقطة من ش ز.
5 انظر: نشر البنود 1/98، الآيات البينات 2/24، تيسير التحرير 1/99، إرشاد الفحول ص180، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/246، منهاج العقول 1/316، فواتح الرحموت 1/414، شرح العضد 2/174.
6 انظر المسودة ص316.(3/492)
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ بَابِ وُرُودِ الْعَامِّ عَلَى سُؤَالٍ أَوْ حَادِثَةٍ صَارِفًا لَهُ عَنْ عُمُومِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ جَعَلُوا هُنَا1 السُّؤَالَ وَالْحَادِثَةَ قَرِينَةً صَارِفَةً عَنْ الْقَوْلِ بِهَذَا الْحُكْمِ فِي الْمَسْكُوتِ، وَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ فِي وُرُودِ الْعَامِّ عَلَى سُؤَالٍ أَوْ حَادِثَةٍ صَارِفًا لَهُ عَنْ عُمُومِهِ عَلَى الأَرْجَحِ، بَلْ لَمْ يُجْرُوا هُنَا مَا أَجْرَوْهُ هُنَاكَ مِنْ الْخِلافِ فِي أَنَّ2 الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لا بِخُصُوصِ3 السَّبَبِ؟
أُجِيبُ: بِأَنَّ الْمَفْهُومَ لَمَّا ضَعُفَ عَنْ الْمَنْطُوقِ فِي الدَّلالَةِ انْدَفَعَ بِذَلِكَ وَنَحْوِهِ, وَقُوَّةُ اللَّفْظِ فِي الْعَامِّ تُخَالِفُ ذَلِكَ4، وَلِقُوَّةِ5 اللَّفْظِ فِي الْعَامِّ ادَّعَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ دَلالَتَهُ عَلَى كُلِّ فَرَدٍّ مِنْ أَفْرَادِهِ قَطْعِيَّةٌ.
وَمِنْ شَرْطِ الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَيْضًا: أَنْ لا يَكُونَ الْمَنْطُوقُ ذُكِرَ "لِزِيَادَةِ امْتِنَانٍ" عَلَى الْمَسْكُوتِ عَنْهُ6، نَحْوَ قَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلا- {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ 7 لَحْمًا طَرِيًّا} 8 فَلا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقَدِيدِ مِنْ لَحْمِ مَا يُؤْكَلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ كَغَيْرِهِ9
__________
1 في ش: هذا.
2 ساقطة من ع.
3 في ض: مخصوص.
4 قال الزركشي: ولعل الفرق –يعني عموم اللفظ وعموم الفهم- أن دلالة المفهوم ضعيفة تسقط بأدنى قرينة، بخلاف اللفظ العام وقد علق الشوكاني على كلام الزركشي فقال: قلت وهذا فرق قوي، لكنه إنما يتم في المفاهيم التي دلالتها ضعيفة، أما المفاهيم اتلي دلالتها قوية قوة تلحقها بالدلالات اللفظية فلا. "انظر إرشاد الفحول ص180".
5 في ع: ولعموم.
6 انظر: إرشاد الفحول ص180، نشر البنود 1/99.
7 ساقطة من ض.
8 الآية 14 من النحل.
9 ساقطة من ش ز.(3/493)
"وَلا لِحَادِثَةٍ" يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ: أَنْ لا يَكُونَ الْمَنْطُوقُ خَرَجَ لِبَيَانِ حُكْمِ حَادِثَةٍ اقْتَضَتْ بَيَانَ الْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِ1.
كَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَاةِ لمَيْمُونَةَ2 فَقَالَ: "دِبَاغُهَا طَهُورُهَا" 3.
وَكَمَا لَوْ قِيلَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ4 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِزَيْدٍ غَنَمٌ سَائِمَةٌ فَقَالَ: "فِي السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ" 5 إذْ الْقَصْدُ6 الْحُكْمُ عَلَى تِلْكَ الْحَادِثَةِ، لا النَّفْيُ7 عَمَّا عَدَاهَا.
وَمِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} 8 فَإِنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَا كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهُ9 فِي الآجَالِ: أَنَّهُ إذَا حَلَّ الدَّيْنُ يَقُولُونَ لِلْمَدْيُونِ: إمَّا أَنْ تُعْطِيَ، وَإِمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي الدَّيْنِ، فَيَتَضَاعَفُ بِذَلِكَ مُضَاعَفَةً كَثِيرَةً.
"وَ" يُشْتَرَطُ أَيْضًا لِلْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ أَنْ "لا" يَكُونَ الْمَنْطُوقُ ذُكِرَ "لِتَقْدِيرِ جَهْلِ الْمُخَاطَبِ" بِهِ، دُونَ جَهْلِهِ بِالْمَسْكُوتِ عَنْهُ10، بِأَنْ يَكُونَ الْمُخَاطَبُ يَعْلَمُ
__________
1 انظر: إرشاد الفحول ص180، نشر البنود 1/99 وما بعدها، منهاج العقول 1/316، شرح العضد 2/174، الآيات البينات 2/24، تيسير التحرير 1/99، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/246.
2 في ش: ميمونة.
3 سبق تخريجه في ص386 من هذا الجزء.
4 في ع ض ب: بحضرته.
5 سبق تخريجه في ج2 ص554.
6 في ض: إذا قصد.
7 في ض ب د: لنفي.
8 الآية 130 من آل عمران.
9 في ض: يتعاطون.
10 انظر: نشر البنود 1/99ن الآيات البينات 2/24، فواتح الرحموت 1/414، تيسير التحرير 1/99، شرح العضد 2/174، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/246.(3/494)
حُكْمَ الْمَعْلُوفَةِ وَيَجْهَلُ حُكْمَ السَّائِمَةِ فَيُذْكَرُ لَهُ.
"وَ" يُشْتَرَطُ أَيْضًا لِلْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ أَنْ "لا" يَكُونَ لِلْمَنْطُوقِ ذِكْرٌ "لِرَفْعِ خَوْفٍ وَنَحْوِهِ" عَنْ الْمُخَاطَبِ1, كَقَوْلِك لِمَنْ يَخَافُ مِنْ تَرْكِ الصَّلاةِ الْمُوَسَّعَةِ: تَرْكُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ جَائِزٌ، لَيْسَ مَفْهُومُهُ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي بَاقِي الْوَقْتِ وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَتَضَايَقَ2.
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا لِلْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ أَنْ "لا" يَكُونَ الْمَنْطُوقُ "عُلِّقَ حُكْمُهُ عَلَى صِفَةٍ غَيْرِ مَقْصُودَةٍ" ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ3 قَالَ4 ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الصِّفَةُ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ فَلا مَفْهُومَ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ} الآيَةَ5 أَرَادَ نَفْيَ الْحَرَجِ عَمَّنْ طَلَّقَ وَلَمْ يَمَسَّ، وَإِيجَابَ الْمُتْعَةِ تَبَعًا, ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ.
وَمِمَّا يُذْكَرُ مِنْ شُرُوطِ الْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ: أَنْ لا يَعُودَ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى الأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْمَنْطُوقُ فِيهِ بِالإِبْطَالِ6، كَحَدِيثِ "لا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك " 7.
لا يُقَالُ: مَفْهُومُهُ صِحَّةُ بَيْعِ8 الْغَائِبِ إذَا كَانَ عِنْدَهُ، إذْ لَوْ صَحَّ فِيهِ لَصَحَّ فِي
__________
1 انظر: تيسير التحرير 1/99، الآيات البينات 2/23، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/245، نشر البنود 1/98.
2 في ض: يتضايق الوقت.
3 انظر المسودة ص363.
4 في ش: قاله.
5 الآية 226 من البقرة.
6 انظر اللمع ص26، إرشاد الفحول ص180.
7 أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن حكيم بن حزام رضي الله عنه مرفوعاً. "انظر بذل المجهود 15/178، سنن النسائي 7/254، سنن ابن ماجه 2/737، عارضة الأحوذي 5/241، شرح السنة للبغوي 8/140".
8 في د ض: منع.(3/495)
الْمَذْكُورِ، وَهُوَ الْغَائِبُ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ؛ لأَنَّ الْمَعْنَى فِي الأَمْرَيْنِ وَاحِدٌ.
وَلَمْ يُفَرِّقْ أَحْمَدُ1 بَيْنَهُمَا.
وَلَمْ أَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الْمَتْنِ لِظُهُورِهِ، كَتَرْكِ نَحْوِهِ مِنْ الشُّرُوطِ مِمَّا لا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ.
ثُمَّ الضَّابِطُ لِهَذِهِ الشُّرُوطِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا أَنْ لا يَظْهَرَ لِتَخْصِيصِ الْمَنْطُوقِ بِالذِّكْرِ فَائِدَةٌ غَيْرُ نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ2.
وَعَلَى ذَلِكَ اقْتَصَرَ الْبَيْضَاوِيُّ3.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا:
فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الشُّرُوطِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمَذْكُورِ بِالذِّكْرِ، لا نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِهِ.
وَلَكِنْ وَرَاءَ هَذَا بَحْثٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْمُقْتَرِنَ مِنْ الْمَفَاهِيمِ بِمَا يَمْنَعُ الْقَوْلَ بِهِ؛ لِوُجُودِ فَائِدَةٍ تَقْتَضِي التَّخْصِيصَ فِي الْمَذْكُورِ4 بِالذِّكْرِ، هَلْ يَدُلُّ اقْتِرَانُهُ بِذَلِكَ عَلَى الْغَايَةِ وَجَعْلِهِ كَالْعَدَمِ، فَيَصِيرُ الْمَعْرُوضُ5 بِقَيْدِ الْمَفَاهِيمِ، إذَا كَانَ فِيهِ لَفْظُ عُمُومٍ شَامِلاً لِلْمَذْكُورِ وَالْمَسْكُوتِ، حَتَّى لا يَجُوزَ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ بِالْمَذْكُورِ بَعْلَةٍ جَامِعَةٍ.
__________
1 في ش: أحد.
2 انظر: التمهيد للأسنوي ص67ن شرح العضد 2/174، الآيات البينات 2/24، فواتح الرحموت 1/414، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/246.
3 المنهاج للبيضاوي مع شرحه للأسنوي 1/315.
4 في ع: لمذكور.
5 في ز ض: المفروض.(3/496)
لأَنَّهُ مَنْصُوصٌ، فَلا حَاجَةَ لإِثْبَاتِهِ1 بِالْقِيَاسِ، إذْ2 لا يَدُلُّ، بَلْ غَايَتُهُ الْحُكْمُ عَلَى3 الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَذْكُورِ فَمَسْكُوتٌ4 عَنْ حُكْمِهِ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ قِيَاسُهُ؟!
مِثَالُهُ فِي الصِّفَةِ -مَثَلاً- لَوْ قِيلَ: هَلْ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ؟ فَيَقُولُ الْمَسْئُولُ: فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ.
فَغَيْرُ السَّائِمَةِ مَسْكُوتٌ عَنْ حُكْمِهِ، فَيَجُوزُ قِيَاسُهُ عَلَى السَّائِمَةِ، بِخِلافِ5 مَا لَوْ أَلْغَى لَفْظَ "السَّائِمَةِ" وَصَارَ التَّقْدِيرُ: فِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ، فَلا حَاجَةَ حِينَئِذٍ لِقِيَاسِ الْمَعْلُوفَةِ بِالسَّائِمَةِ؛ لأَنَّ لَفْظَ "الْغَنَمِ" شَامِلٌ لَهُمَا؟
فِي ذَلِكَ خِلافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ6.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَالْمُخْتَارُ الثَّانِي، حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ حَكَى فِيهِ الإِجْمَاعَ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ، أُشِيرَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ:
"وَيَنْقَسِمُ إلَى مَفْهُومِ صِفَةٍ، وَ" إلَى "تَقْسِيمٍ، وَ" إلَى "شَرْطٍ، وَ" إلَى "غَايَةٍ، وَ" إلَى "عَدَدٍ لِغَيْرِ مُبَالَغَةٍ، وَ" إلَى "لَقَبٍ" وَهُوَ آخِرُ السِّتَّةِ أَقْسَامٍ7.
__________
1 في ش: لا تباعه.
2 في ش ض: أو.
3 في ع ض ب: عن.
4 في ز: المسكوت.
5 في ز: خلاف.
6 انظر في ذلك: التمهيد للأسنوي ص67، الآيات البينات 2/26، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/248 وما بعدها.
7 في ش: ستة الأقسام.(3/497)
"فَالأَوَّلُ": أَيْ1 الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ الصِّفَةِ "أَنْ يَقْتَرِنَ2 بِعَامٍّ صِفَةٌ خَاصَّةٌ3 كَ "فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ" وَكَـ "فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ"، وَلِذَلِكَ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: هُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِإِحْدَى صِفَتَيْ الذَّاتِ4، فَشَمَلَ الْمِثَالَيْنِ.
وَمَثَّلَ بِهِمَا فِي الرَّوْضَةِ5.
وَبَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ فَرْقٌ فِي الْمَعْنَى.
فمُقْتَضَى الْعِبَارَةِ الأُولَى: عَدَمُ الْوُجُوبِ فِي الْغَنَمِ6، الْمَعْلُوفَةِ الَّتِي لَوْلا الْقَيْدُ بِالسَّوْمِ لَشَمَلَهَا لَفْظُ "الْغَنَمِ".
وَمُقْتَضَى الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ: عَدَمُ الْوُجُوبِ فِي سَائِمَةِ غَيْرِ الْغَنَمِ، كَالْبَقَرِ مَثَلاً الَّتِي لَوْلا تَقْيِيدُ السَّائِمَةِ بِإِضَافَتِهَا إلَى الْغَنَمِ لَشَمَلَهَا لَفْظُ "السَّائِمَةِ".
كَذَا7 قَالَ8 التَّاجُ السُّبْكِيُّ فِي مَنْعِ9 الْمَوَانِعِ وَقَالَ: هُوَ التَّحْقِيقُ.
قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ قَوْلَنَا: سَائِمَةُ الْغَنَمِ، مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى مَوْصُوفِهَا، فَهِيَ فِي الْمَعْنَى كَالأُولَى، وَالْغَنَمُ مَوْصُوفَةٌ، وَالسَّائِمَةُ صِفَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
__________
1 ساقطة من ز ض ب.
2 في ز: تقترن.
3 ساقطة من ش.
4 المنهاج للبيضاوي مع شرحه للأسنوي 1/314 وما بعدها، اللمع ص25.
5 روضة الناظر ص273.
6 في ش: غير سائمة الغنم كالبقر.
7 ساقطة من ع.
8 في ع ض ب: قاله.
9 جمع.(3/498)
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالصِّفَةِ هُنَا النَّعْتَ، وَلِهَذَا مَثَّلُوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ" 1 وَالتَّقَيُّدُ فِيهِ بِالإِضَافَةِ، لَكِنَّهُ فِي مَعْنَى الصِّفَةِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَطْلُ الْكَائِنُ مِنْ الْغَنِيِّ، لا مِنْ الْفَقِيرِ.
وَقَدَّرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ فَقَالَ2: مَطْلُ الشَّخْصِ الْغَنِيِّ، وَرَدَّهُ بِنَحْوِ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ.
وَمَثَّلَهُ3 أَصْحَابُنَا تَارَةً بِالْعِبَارَةِ الأُولَى، وَتَارَةً بِالثَّانِيَةِ4, وَظَاهِرُ كَلامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا وَاحِدٌ5.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا "مَنْ بَاعَ نَخْلاً مُؤَبَّرَا6 فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ" 7.
وَمِثْلُهُ: تَعْلِيقُ نَفَقَةِ الْبَائِنِ عَلَى الْحَمْلِ.
وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُونَ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ؛ لأَنَّهُ رَأْسُ8 الْمَفَاهِيمِ.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَوْ عَبَّرَ مُعَبِّرٌ عَنْ جَمِيعِ الْمَفَاهِيمِ بِالصِّفَةِ لَكَانَ ذَلِكَ مُتَّجِهًا9؛
__________
1 سبق تخريجه في ص157 من هذا الجزء.
2 ساقطة من ض.
3 في ض: ومثل.
4 في ش ض: بالعبارة الثانية.
5 انظر المسودة ص360، وكلمه "واحد" ساقطة من ش.
6 في ش: مؤبرة.
7 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك في الموطأ واحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً. وتتمة الحديث "الا أن يشترط المبتاع" "انظر صحيح البخاري 3/247، صحيح مسلم 3/1172، بذل المجهود 15/100، عارضة الأحوذي 6/2،سنن النسائي 7/261، سنن ابن ماجه 2/746، الموطأ 2/617، مسند الإمام أحمد2/6، 9، 63".
8 في ش: رأس مال.
9 في البرهان: منقدحاً.(3/499)
لأَنَّ الْمَعْدُودَ1 وَالْمَحْدُودَ2 مَوْصُوفَانِ بِعَدَدِهَا3 وَحَدِّهَا4، وَكَذَا سَائِرُ الْمَفَاهِيمِ5. اهـ.
"وَهُوَ" أَيْ مَفْهُومُ الصِّفَةِ "حُجَّةٌ" عِنْدَ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ- وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِمْ "لُغَةً" أَيْ مِنْ حَيْثُ دَلالَةُ اللُّغَةِ وَ6 وضْعُ اللِّسَانِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ7.
وَقِيلَ: عَقْلاً، أَيْ مِنْ حَيْثُ دَلالَةُ الْعَقْلِ8، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ.
وَقَالَ الرَّازِيّ فِي الْمَعَالِمِ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْعُرْفِ الْعَامِّ.
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْعِ9.
"يَحْسُنُ الاسْتِفْهَامُ فِيهِ" أَيْ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: لا تَشْرَبْ10 الْخَمْرَ؛ لأَنَّهُ يُوقِعُ الْعَدَاوَةَ، فَيُقَالُ لَهُ11: فَهَلْ12
__________
1 في ش: العدود.
2 في ش: الحدود.
3 في البرهان: بعدهما.
4 في البرهان: وحدهما.
5 البرهان 1/454.
6 ساقطة من ش.
7 انظر: المسودة ص351، 360، روضة الناظر ص274، الإحكام للآمدي 3/72، التمهيد للإسنوي ص66، تيسير التحرير 1/100، التبصرة ص218، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/253، الآيات البينات 2/33، العدة 2/453، شرح تنقيح الفصول ص270، إرشاد الفحول ص180، نهاية السول 1/319، شرح العضد 2/175".
8 انظر: الآيات البينات 2/34، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/253.
9 انظر: الآيات البينات 2/34، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/253.
10 في ع: لا يشرب.
11 ساقطة من ش.
12 في ش: هل.(3/500)
أَشْرَبُ النَّبِيذَ؟ وَلا يُنْكِرُ أَحَدٌ اسْتِفْهَامَهُ1 هَذَا.
"وَمَفْهُومُهُ" أَيْ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: "فِي 2 الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ؟ " أَنَّهُ "لا زَكَاةَ فِي مَعْلُوفَةِ الْغَنَمِ" عِنْدَ الْمُعْظَمِ3 "فَالْغَنَمُ وَالسَّوْمُ عِلَّةٌ" لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِمَا.
وَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو حَامِدٍ وَالرَّازِيُّ-: أَنَّ مَفْهُومَهُ4 "لا زَكَاةَ" فِي5 مَعْلُوفَةِ كُلِّ حَيَوَانٍ6، فَعَلَى هَذَا: السَّوْمُ وَحْدَهُ عِلَّةٌ.
"وَهُوَ" أَيْ مَفْهُومُ الصِّفَةِ "فِي بَحْثٍ عَمَّا يُعَارِضُهُ كَعَامٍّ" أَيْ كَاللَّفْظِ الْعَامِّ، ذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيدِ وَغَيْرِهِ7.
"وَمِنْهَا" أَيْ مِنْ الصِّفَةِ "عِلَّةٌ"8 نَحْوَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِشِدَّتِهَا، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا لا شِدَّةَ فِيهِ لا يَحْرُمُ.
وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ، فَإِنَّ الْوَصْفَ فِيهِ وَهُوَ "السَّوْمُ" تَتْمِيمٌ9 لِلْمَعْنَى الَّذِي هُوَ
__________
1 في ع ز: استفهام.
2 في ش: أفي.
3 انظر تحقيق المسألة في "المسودة ص358، الإحكام للآمدي 3/72، التبصرة ص226، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/251، الآيات البينات 2/28، نشر البنود 1/103، اللمع ص21، شرح تنقيح الفصول ص272 وما بعدها، إرشاد الفحول ص179".
4 في ش: مفهوم.
5 في ش: في مفهوم.
6 انظر: العدة 2/473، المسودة ص358، نهاية السول 1/319
7 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص237، المسودة ص362، المحصول ج1 ق2/654، المستصفى 2/70.
8 انظر: نشر البنود 1/100، الآيات البينات 2/29، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/251.
9 في ض: تعميم.(3/501)
عِلَّتُهُ1، إلاَّ أَنَّ الْخِلافَ فِي أَحَدِهِمَا كَالْخِلافِ فِي الآخَرِ2.
"وَ" مِنْهَا "ظَرْفُ"3 زَمَانٍ نَحْوَ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَات} 4 {إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} 5 وَظَرْفُ مَكَان، وَهُوَ6 نَحْوُ: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} 7 وَكِلا الظَّرْفَيْنِ حُجَّةٌ.
"وَ" مِنْهَا "حَالٌ"8 نَحْوُ {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} 9.
ذَكَرَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيُّ10 فِي الْقَوَاطِعِ، وَقَالَ: إنَّهُ كَالصِّفَةِ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لأَنَّ الْحَالَ صِفَةٌ فِي الْمَعْنَى قُيِّدَ11 بِهَا.
وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ مَفْهُومَ الصِّفَةِ بِأَنْوَاعِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَابْنُ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَكَثِيرٌ
__________
1 حيث ان الغنم هي العلة، والسوم متم لها. "إرشاد الفحول ص181".
في ز ع ش: علة.
2 انظر إرشاد الفحول ص181.
3 انظر: التمهيد للأسنوي ص71، نشر البنود 1/100، الآيات البينات 2/30، إرشاد الفحول ص183، حاشية البناني 1/251.
4 الآية 197 من البقرة.
5 الآية 9 من الجمعة.
6 ساقطة من ش ز.
7 الآية 198 من البقرة.
8 انظر: نشر البنود 1/101، إرشاد الفحول ص183، الآيات البينات 2/30، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/251.
9 الآية 187 من البقرة.
10 في ش: عقيل والسمعاني.
11 في ض ب: وقيد.(3/502)
مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ، وَأَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا1.
وَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ الأَشْعَرِيِّ.
وَاسْتُدِلَّ لِكَوْنِهِ حُجَّةً -وَهُوَ الصَّحِيحُ– بِأَنَّهُ لو2 لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ لُغَةً لِمَا فَهِمَهُ أَهْلُهَا, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ" حَدِيثٌ حَسَنٌ3، رَوَاهُ أَحْمَدُ4 وَأَبُو دَاوُد5 وَالنَّسَائِيُّ6 وَابْنُ مَاجَهْ7، أَيْ مُطْلَقُ8 الْغَنِيِّ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ9 "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ".
وَفِيهِمَا10 "لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا".
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ11 فِي الأَوَّلِ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَيَّ مَنْ لَيْسَ بِوَاجِدٍ لا يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ12 وَفِي الثَّانِي مِثْلُهُ، وَقِيلَ لَهُ فِي الثَّالِثِ: الْمُرَادُ
__________
1 انظر: المستصفى 2/192، تيسير التحرير 1/100، البرهان 1/467 وما بعدها، المعتمد 1/162، فواتح الرحموت 1/414، الإحكام للآمدي 3/72، المسودة ص360، التمهيد للإسنوي ص66، التبصرة ص218، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/255، الآيات البينات 2/36، العدة 2/455، شرح تنقيح الفصول ص270، إرشاد الفحول ص180، شرح العضد 2/175.
2 ساقطة من ش.
3 في ش: صحيح.
4 مسند الأمام أحمد 4/222، 388، 389.
5 بذل المجهود 15/314.
6 سنن النسائي 7/278.
7 سن ابن ماجه 2/811، وسبق تخريجه صفحة 366.
8 في ز د ب ض: ملك مطلق.
9 صحيح البخاري 3/155، صحيح مسلم 3/1197، وسبق تخريجه صفحة 157.
10 صحيح البخاري 8/45، صحيح مسلم 4/1769، وفي ش: وفيه.
11 في ب: أبو عبيدة.
12 غريب الحديث لأبي عبيد 2/175، وكلمة "وعرضه" ساقطة من ش ع ز ب.(3/503)
الْهِجَاءُ1 أَوْ2 هِجَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الامْتِلاءِ3 مَعْنًى؛ لأَنَّ قَلِيلَهُ كَذَلِكَ.
فَأَلْزَمَ أَبُو عُبَيْدٍ4 مِنْ تَقْدِيرِ الصِّفَةِ الْمَفْهُومَ قَدْرَ الامْتِلاءِ5 صِفَةً لِلْهِجَاءِ, وَهُوَ وَالشَّافِعِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ6 قَوْلَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ فَهِمُوا ذَلِكَ لُغَةً. فَثَبَتَتْ اللُّغَةُ بِهِ، وَاحْتِمَالُ الْبِنَاءِ عَلَى الاجْتِهَادِ مَرْجُوحٌ7.
"وَكَالأُولَى" وَهِيَ الصِّفَةُ الْمُقْتَرِنَةُ بِالْعَامِّ، كَقَوْلِهِمْ: "فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ"، الصِّفَةُ الْعَارِضَةُ الْمُجَرَّدَةُ، نَحْوَ قَوْلِهِمْ "فِي السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ.
وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ8 وَغَيْرُهُ وَذَلِكَ لأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّ الْمَوْصُوفَ فِيهَا مَحْذُوفٌ.
"وَالأُولَى أَقْوَى دَلالَةً" فِي الْمَفْهُومِ؛ لأَنَّ الأُولَى وَهِيَ الَّتِي الْمِثَالُ فِيهَا مُقَيَّدٌ9 بِالْعَامِّ كَالنَّصِّ، بِخِلافِ هَذَا.
"وَالثَّانِي" مِنْ أَقْسَامِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ السِّتَّةِ: التَّقْسِيمُ: كَـ "الثَّيِّبِ أَحَقُّ
__________
1 في ش: الهجو.
2 في ب ز ش ع: و.
3 في ش: الامثال.
4 في ش ز ب: عبيدة.
5 في ش: قدراً لا مثلاً.
6 الإحكام في أصول الأحكام 3/72.
7 في ش: من حرج.
8 الإحكام في أصول الأحكام 3/87.
9 في ش: مقيدة.(3/504)
بِنَفْسِهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ" 1.
وَهُوَ "كَالأَوَّلِ قُوَّةً" أَيْ فِي الْقُوَّةِ ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ2 وَغَيْرُهُ3.
وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ تَقْسِيمَهُ إلَى قِسْمَيْنِ، وَتَخْصِيصَ كُلِّ وَاحِدٍ بِحُكْمٍ، يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَنْ الْقِسْمِ الآخَرِ.
إذْ لَوْ عَمَّهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْسِيمِ فَائِدَةٌ، فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ.
"وَالثَّالِثُ" الشَّرْطُ4.
وَالْمُرَادُ بِهِ: مَا عُلِّقَ مِنْ الْحُكْمِ عَلَى شَيْءٍ بِأَدَاةِ5 الشَّرْطِ، مِثْلَ "إنْ" وَ "إذَا" وَنَحْوِهِمَا، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ، لا الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ قَسِيمُ السَّبَبِ وَالْمَانِعِ.
وَذَلِكَ كَـ {إنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 6 فَإِنَّهُ يَدُلُّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى أُولاتِ الْحَمْلِ، وَبِمَفْهُومِهِ
__________
1 أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً "انظر: صحيح مسلم 2/1037، بذل المجهود 10/105، عارضة الأحوذي 5/25، سنن النسائي 6/70، الموطأ 2/524".
2 روضة الناظر ص274.
3 مختصر الطوفي ص127.
4 انظر "التمهيد للأسنوي ص66، الإحكام للآمدي 3/88، تيسير التحرير 1/100، روضة الناظر ص273، مختصر الطوفي ص126، المسودة 357، المعتمد 1/152 وما بعدها، الآيات البينات 2/30، شرح تنقيح الفصول ص270، شرح العضد 2/180، إرشاد الفحول ص181، نشر البنود 1/101، منهاج العقول 1/320، فواتح الرحموت 1/421، المستصفى 2/205، نهاية السول 1/322، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/251".
5 في ش: بإرادة.
6 الآية 6 من الطلاق.(3/505)
عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلْمُعْتَدَّةِ غَيْرِ الْحَامِلِ1.
"وَهُوَ أَقْوَى مِنْهُمَا" أَيْ مِنْ الْقِسْمَيْنِ السَّابِقَيْنِ مِنْ جِهَةِ الدَّلالَةِ؛ لأَنَّ الشَّرْطَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ.
فَإِنْ قِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَبَبٌ لِمُسَبِّبٍ فَلا تَلازُمَ, رُدَّ بِأَنَّهُ خِلافُ الظَّاهِرِ.
وَيُرَدُّ الشَّرْطُ "لِتَعْلِيلٍ كَ" قَوْلِ الإِنْسَانِ لِوَلَدِهِ "أَطِعْنِي2 إنْ كُنْتَ ابْنِي".
وَمِنْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ3 إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ} 4.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: لَفْظُ الشَّرْطِ أَصْلُهُ التَّعْلِيقُ، وَتَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَبُ كَثِيرًا لِلتَّعْلِيلِ لا لِلتَّعْلِيقِ، فَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى السَّبَبِ الْبَاعِثِ عَلَى5 الْمَأْمُورِ6 بِهِ، لا لِتَعْلِيقِ7 الْمَأْمُورِ8 بِهِ فَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى الصِّفَةِ الْبَاعِثَةِ لا التَّعْلِيقُ. اهـ.
"وَالرَّابِعُ" مِنْ أَقْسَامِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ السِّتَّةِ: الْغَايَةُ.
وَهُوَ مَدُّ الْحُكْمِ بِأَدَاةِ الْغَايَةِ "كَـ" إلَى، وَحَتَّى، وَاللاَّمِ
__________
1 في ض: دون.
2 في ز: أطعمني، وفي ش: أعطني.
3 في ش: الله.
4 الآية 114 من النحل.
5 ساقطة من ض.
6 في ش: المأمورية.
7 في ش: تعليق.
8 في ش: المأمورية.(3/506)
وَمِنْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ 1 حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} 2 وَحَدِيثُ "لا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ" 3.
وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ4، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُعْظَمُ نُفَاةِ الْمَفْهُومِ.
"وَهُوَ أَقْوَى مِنْ" الْقِسْمِ "الثَّالِثِ" مِنْ جِهَةِ الدَّلالَةِ؛ لأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى تَسْمِيَتِهَا5 حُرُوفَ الْغَايَةِ، وَغَايَةُ الشَّيْءِ نِهَايَتُهُ، فَلَوْ ثَبَتَ الْحُكْمُ بَعْدَهَا لَمْ يُفِدْ تَسْمِيَتُهَا غَايَةً.
وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إلَى الْمَنْعِ.
"وَالْخَامِسُ" مِنْ أَقْسَامِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ الْعَدَدُ6.
__________
1 ساقطة من جميع النسخ.
2 الآية 230 من البقرة.
3 أخرجه مالك في الموطأ عن ابن عمر موقوفاً، وأخرجه الدارقطني والترمذي عن ابن عمر مرفوعاً وموقوفاً، وأخرجه أبو داود عن علي وذكر أنه اختلف في رفعه ووقفه، وأخرجه الدارقطني أيضاً عن أنس وعائشة مرفوعاُ وعن علي موقوفاً، قال الدارقطني: الصحيح الوقوف، وقال الترمذي: الموقوف أصح. "انظر: الموطأ 1/246، بذل المجهود 8/65، عارضة الأحوذي 3/125، سنن الدارقطني 2/90، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/248".
4 انظر "المسودة ص358، اللمع ص28، المعتمد 1/156، الإحكام للآمدي 3/92، تيسير التحرير 1/100، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/251، الآيات البينات 2/30، شرح العضد 2/181، إرشاد الفحول ص182، نشر البنود 1/101، فواتح الرحموت 1/432، المستصفى 2/208، روضة الناظر ص273، مختصر الطوفي ص126".
5 في ع: تسمية.
6 انظر تحقيق المسألة في "العدة 2/448، 450، 455 وما بعدها، المعتمد 1/157، التمهيد للأسنوي ص68، الإحكام للآمدي 3/94، تيسير التحرير 1/100، إرشاد الفحول ص181، روضة الناظر ص274، مختصر الطوفي ص127، نشر البنود 1/101، فواتح الرحموت 1/432".(3/507)
وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ "كَـ" نَحْوِ قَوْله تَعَالَى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 1 وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ وَدَاوُد، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ2.
قَالَ سُلَيْمٌ مِنْهُمْ: وَهُوَ دَلِيلُنَا فِي نِصَابِ الزَّكَاةِ، وَالتَّحْرِيمِ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ.
وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الْمَعَالِي3 وَالْمَاوَرْدِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ4: الْقَوْلُ بِمَفْهُومِ الْعَدَدِ هُوَ الْعُمْدَةُ عِنْدَنَا فِي تَنْقِيصِ الْحِجَارَةِ فِي الاسْتِنْجَاءِ مِنْ5 الثَّلاثَةِ، وَنَفَاهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالأَشْعَرِيَّةُ, وَالْقَوْلُ بِهِ أَصَحُّ؛ لِئَلاَّ يَعْرَى التَّحْدِيدُ بِهِ عَنْ فَائِدَةٍ.
وَمَحِلُّ الْخِلافِ: فِي عَدَدٍ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّكْثِيرُ كَالأَلْفِ وَالسَّبْعِينَ، وَكُلِّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لِلْمُبَالَغَةِ، نَحْوَ جِئْتُك أَلْفَ مَرَّةٍ فَلَمْ أَجِدْك، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ {إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} 6: "لأَزِيدَنَّ عَلَى
__________
1 الآية 4 من النور.
2 ساقطة من ض.
3 البرهان 1/453.
4 هو أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع الأنصاري الشافعي، أبو العباس، نجم الدين، المعروف بابن الرفعة، قال الأسنوي: "كان شافعي زمانه، وإمام أوانه، مد في مدارك الفقه باعاً وذراعاً، وتوغل في مسالكه علماً وطباعاً" ومن مؤلفاته "الكفاية في شرح التنبيه"و "المطلب في شرح الوسيط" في نحو أربعين مجلداً، ولم يكمله توفي سنة 710 هـ. "انظر: ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 9/24، طبقات الشافعية للأسنوي 1/601، شذرات الذهب 6/26، البداية والنهاية 14/60".
5 في ش: عن.
6 الآية 80 من التوبة.(3/508)
السَّبْعِينَ" 1 اسْتِمَالَةٌ لِلأَحْيَاءِ2.
وَجَعَلَ أَبُو الْمَعَالِي3 وَأَبُو الطَّيِّبِ وَجَمْعٌ مَفْهُومَ الْعَدَدِ مِنْ قِسْمِ الصِّفَاتِ؛ لأَنَّ قَدْرَ الشَّيْءِ صِفَتُهُ.
"وَالسَّادِسُ" مِنْ أَقْسَامِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ "اللَّقَبُ".
وَهُوَ "تَخْصِيصُ اسْمٍ بِحُكْمٍ".
"وَهُوَ حُجَّةٌ" عِنْدَ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَدَاوُد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَالصَّيْرَفِيِّ وَالدَّقَّاقِ وَابْنِ فُورَكٍ وَابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ وَابْنِ الْقَصَّارِ.
وَنَفَاهُ4 الْقَاضِي
__________
1 أخرجه البخاري في صحيحه وابن جرير وابن أبي حاتم، ولفظ البخاري: "عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: لما توفي عبد الله بن أبيّ جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه قميصه، وأمره أن يكفنه فيه، ثم قام يصلي عليه، فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه فقال: تصلي عليه وهو منافق، وقد نهاك الله أن تستغفر لهم، قال: "إنما خيرني الله - أو خبرني - فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} فقال: سأزيد على سبعين"، قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا معه، ثم أنزل الله عليه {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً} الآية. "انظر صحيح البخاري 6/86، فتح القدير للشوكاني 2/388" وقد أخرج نحوه بلفظ آخر الترمذي والنسائي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. "انظر عارضة الأحوذي 11/240، سنن النسائي 4/54".
2 في ش: للأحبار.
3 البرهان 1/466 وما بعدها.
4 انظر قول جمهور الأصوليين النافين وأدلتهم في "المعتمد 1/159 وما بعدها، المع ص26ن التمهيد للأسنوي ص71، البرهان 1/453 وما بعدها، الإحكام للآمدي 3/95، تيسير التحرير 1/101، 131، مختصر الطوفي ص127، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/252، الآيات البينات 2/32، شرح تنقيح الفصول ص271، شرح العضد 2/182، إرشاد الفحول ص182، نشر البنود1/103، فواتح الرحموت 1/432، المستصفى 2/204، منهاج العقول 1/314، نهاية السول 1/318".(3/509)
أَبُو يَعْلَى1 وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُوَفَّقُ2، وَقَالَ: وَلَوْ كَانَ مُشْتَقًّا3 كَالطَّعَامِ4.
وَقَالَ الْمَجْدُ5 وَمَنْ وَافَقَهُ: إنَّهُ حُجَّةٌ بَعْدَ سَابِقَةِ مَا يَعُمُّهُ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَتُرَابُهَا طَهُورٌ" 6 بَعْدَ قَوْلِهِ: "جُعِلَتْ 7 لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا".
وَ8 كَمَا لَوْ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ زَكَاةٌ؟ فَقَالَ: "فِي الإِبِلِ زَكَاةٌ " 9 أَوْ10 هَلْ نَبِيعُ الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ؟ فَقَالَ: "لا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ" تَقْوِيَةً لِلْخَاصِّ بِالْعَامِّ، كَالصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ
__________
1 عزو المصنف للقاضي أبي يعلى نفي الاحتجاج بمفهوم اللقب غير سديد، وذلك لأنه صرح في كتابه "العدة" بحجيته، كما ناقش أدلة النافين وردها في كلام طويل مفصل، يقول فيه: "والدلالة على أنه إذا كان معلقاً باسم دل على أن ما عداه بخلافه أن الصفة وضعت للتمييز بين الموصوف وغيره، كما أن الاسم وضع لتمييز المسمى من غيره. فإذا قال: ادفع هذا إلى زيد أو إلى عمرو، واشتر لي شاة أو جملاً وما أشبه ذلك، لم يجز العدول عنه، وكانت التسمية للتمييز والمخالفة بينه وبين ما عداه كالصفة سواء، ثم لو علق الحكم على صفة دل أن ما عداه بخلافه، كذلك إذا علقه بالاسم. الخ" "العدة 2/475".
2 روضة الناظر ص275.
3 في ش: مستفاداً.
4 نقل المصنف هذا عن الموفق فيه اختصار وتصريف، وعبارته في "الروضة": "ولا فرق بين كون الاسم مشتقاً كالطعام أو غير مشتق كأسماء الأعلام". "روضة الناظر ص275".
5 المسودة ص352 وما بعدها.
6 فيما أخرجه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت لنا تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء" "صحيح مسلم 1/371، مسند أحمد 5/383".
7 في ش: وجعلت.
8 الواو ساقطة من ش.
9 في ض: الزكاة.
10 في ض: و.(3/510)
قَالَ1: وَأَكْثَرُ مَا جَاءَ2 عَنْ أَحْمَدَ فِي مَفْهُومِ اللَّقَبِ لا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا.
وَجْهُ الْقَوْلِ الأَوَّلِ: أَنَّهُ لَوْ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْعَامِّ لَمْ يَتَعَلَّقْ3 بِالْخَاصِّ؛ لأَنَّهُ أَخَصُّ وَأَعَمُّ، وَلأَنَّهُ يُمَيِّزُ مُسَمَّاهُ، كَالصِّفَةِ.
__________
1 في ش: وقال.
2 في ش: جاءنا.
3 في ع ض ب: يعلق.(3/511)
فصل إذا خص نوع بالذكر مما لا يصح لمسكوت عنه فله مفهوم:
إذَا" "خُصَّ نَوْعٌ" مِنْ جِنْسٍ "بِالذِّكْرِ بِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا" أَيْ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ "مِمَّا1 لا يَصْلُحُ لِمَسْكُوتٍ2 عَنْهُ" "فَلَهُ" أَيْ فَلِذَلِكَ الذِّكْرِ "مَفْهُومٌ".
وَمِنْ3 ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {كَلاًّ إنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} 4 فَالْحِجَابُ عَذَابٌ فَلا يُحْجَبُ مِنْ لا يُعَذَّبُ، وَلَوْ حُجِبَ الْجَمِيعُ لَمْ يَكُنْ عَذَابًا5.
قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَمَّا حَجَبَ 6أَعْدَاءَهُ تَجَلَّى لأَوْلِيَائِهِ حَتَّى رَأَوْهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا حَجَبَ هَؤُلاءِ فِي السُّخْطِ كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ يَرَوْنَهُ7 فِي الرِّضَا8.
وَقَالَ أَيْضًا: فِي الآيَةِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَبْصَارِ وُجُوهِهِمْ.
__________
1 في ع: ما.
2 في ع ض: السكوت.
3 في ش: أي ومن.
4 الآية 15 من المطففين.
5 انظر: المسودة 364، المستصفى 2/192.
6 ساقطة من ش.
7 في ش: يرونه يوم القيامة.
8 أحكام القرآن للشافعي 1/40.(3/512)
وَبِهَذِهِ الآيَةِ اسْتَدَلَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ1 وَغَيْرُهُ مِنْ الأَئِمَّةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى الرُّؤْيَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: لَوْلا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَائِدَةٌ، وَلا حَسُنَتْ مَنْزِلَتُهُمْ بِحَجْبِهِمْ.
"وَإِذَا اقْتَضَى حَالٌ أَوْ" اقْتَضَى2 "لَفْظٌ عُمُومَ الْحُكْمِ لَوْ عَمَّ، فَتَخْصِيصُ بَعْضٍ بِالذِّكْرِ لَهُ مَفْهُومٌ" ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ3 وَغَيْرُهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا4} 5 وقَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} إلَى قَوْلِهِ {وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ} 6.
"وَفِعْلُهُ" أَيْ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَهُ دَلِيلٌ كَدَلِيلِ الْخِطَابِ" عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا7.
وَأَخَذُوهُ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ شَهْرٍ8؛ لِحَدِيثِ أُمِّ سَعْدٍ9 رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ10 وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ
__________
1 الرد على الجهمية للإمام أحمد ص129.
2 ساقطة من ش.
3 المسودة ص364.
4 في ز ب: خلقنا تفضيلاً.
5 الآية 70 من الإسراء.
6 الآية 18 من الحج.
7 العدة 2/478.
8 حكاه الترمذي في سننه. "انظر عارضة الأحوذي 4/257".
9 هي أم سعد بن عبادة رضي الله عنها. "انظر ترجمتها في أسد الغابة 7/339".
10 عارضة الأحوذي 4/258.(3/513)
أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبٌ، فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى عَلَيْهَا وَقَدْ مَضَى لِذَلِكَ شَهْرٌ.
وَضَعَّفَ هَذِهِ الدَّلالَةَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا1 وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَيْسَ لِلْفعَلِ صِيغَةٌ تَعُمُّ وَلا تَخُصُّ2، فَضْلاً عَنْ أَنْ يُجْعَلَ لَهَا دَلِيلُ خِطَابٍ "وَدَلالَةُ الْمَفْهُومِ كُلُّهَا بِالالْتِزَامِ"3 بِمَعْنَى أَنَّ النَّفْيَ فِي الْمَسْكُوتِ لازِمٌ لِلثُّبُوتِ4 فِي الْمَنْطُوقِ مُلازَمَةً ظَنِّيَّةً لا قَطْعِيَّةً.
__________
1 المسودة ص353.
2 في ش: للعقل صفة لا تخص ولا تعم. وفي ع: للفعل صفة تعم ولا تخص. وفي ز: للفعل صيغة لا تخص ولا تعم.
3 انظر: شرح تنقيح الفصول ص271، منهاج العقول 1/317، نهاية السول 1/320.
4 في ع: لثبوت.(3/514)
فَصْلٌ: كَلِمَةُ إنَّمَا:
"بِكَسْرٍ وَفَتْحٍ" أَيْ بِكَسْرِ هَمْزَتِهَا وَفَتْحِهَا1 "تُفِيدُ2 الْحَصْرَ" "نُطْقًا" أَيْ مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ3 عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ الْمُنَى وَالْمُوَفَّقِ4 وَالْفَخْرِ مِنَّا5 وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.
وَعِنْدَ الْقَاضِي6 وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْحَلْوَانِيِّ وَالأَكْثَرُ فَهْمًا يُعْنَى بِالْمَفْهُومِ7.
وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ8 وَالآمِدِيِّ9 وَالطُّوفِيِّ10 -مِنْ أَصْحَابِنَا- وَمَنْ وَافَقَهُمْ: لا تُفِيدُ الْحَصْرَ نُطْقًا وَلا فَهْمًا، بَلْ تُؤَكِّدُ الإِثْبَاتَ
__________
1 في ش: وفتحتها.
2 في ع: تقييد.
3 انظر "الإبهاج في شرح المنهاج 1/227 وما بعدها، معترك الأقران 1/183 وما بعدها، المحصول ج1 ق1/535، القواعد والفوائد الأصولية ص139، الإشارات للباجي ص92، شرح تنقيح الفصول ص57، نشر البنود 1/102، التمهيد للأسنوي ص57، نهاية السول 1/304، تيسير التحرير 1/102، 132".
4 روضة الناظر ص271.
5 ساقطة من ش.
6 العدة 2/479.
7 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص139، المسودة ص354، المستصفى 2/206، التبصرة ص239، اللمع ص26، إرشاد الفحول ص182، الآيات البينات 2/42 وما بعدها.
8 انظر: فواتح الرحموت 1/434، تيسير التحرير 1/132.
9 الإحكام في أصول الأحكام 3/97.
10 مختصر الطوفي ص125.(3/515)
وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّانِ, وَقَالَ: كَمَا1 لا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ أَخَوَاتِهَا الْمَكْفُوفَةِ2 بِمَا3 مِثْلَ: لَيْتَمَا، وَلَعَلَّمَا، وَإِذَا فُهِمَ مِنْ "إنَّمَا" حَصْرٌ، فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ السِّيَاقِ، لا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ إمَامَ اللُّغَةِ 4نَقَلَ عَنْ5 أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهَا تُفِيدُهُ لِجَوَازِ "إنَّمَا الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ" 6 يَعْنِي7 قَلْبَهُ وَلِسَانَهُ أَيْ كَمَالُهُ بِهَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ8 لا بِهَيْئَتِهِ وَمَنْظَرِهِ.
ثُمَّ قَالَ نَعَمْ9 لَهُمْ طُرُقٌ فِي إفَادَتِهَا الْحَصْرَ أَقْوَاهَا نَقْلُ أَهْلِ10 اللُّغَةِ واسْتِقْرَاءَ11 اسْتِعْمَالاتِ الْعَرَبِ إيَّاهَا فِي ذَلِكَ، وَأَضعَفُهَا12 طَرِيقَةً الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ: أَنَّ "إنَّ" لِلإِثْبَاتِ وَ "مَا" لِلنَّفْيِ13, وَلا يَجْتَمِعَانِ، فَيُجْعَلُ الإِثْبَاتُ لِلْمَذْكُورِ وَالنَّفْيُ لِلْمَسْكُوتِ14
__________
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ع.
3 في ع: بم.
4 ساقطة من ش.
5 في ز: إلى، وفي ب: عنه.
6 انظر: الأمثال لأبي عبيد ص98، لسان العرب 4/458، قال ابن منظور: ومعنى المثل أن المرء يعلو الأمور ويضبطها بجنانه ولسانه.
7 ساقطة من ش.
8 في ع ض ب: الوصفين.
9 ساقطة من د.
10 في ش: عن أهل.
11 في ش: استقرار.
12 في ش: وأصبعها.
13 في ش: استعمل للنفي.
14 المحصول ج1 ق1/537.(3/516)
وَرُدَّ بِمَنْعِ كُلٍّ مِنْ الأَمْرَيْنِ؛ لأَنَّ "إنَّ" لِتَوْكِيدِ النِّسْبَةِ، نَفْيًا كَانَ أَوْ إثْبَاتًا نَحْوَ إنَّ زَيْدًا قَامَ، وَإِنَّ زَيْدًا لَمْ يَقُمْ، وَ "مَا" كَافَّةٌ لا نَافِيَةٌ عَلَى الْمُرَجَّحِ1, وَبِتَقْدِيرِ التَّسَلُّمِ: فَلا يَلْزَمُ اسْتِمْرَارُ الْمَعْنَى فِي حَالَةِ الإِفْرَادِ أَوْ2 حَالَةِ التَّرْكِيبِ.
قَالَ السَّكَّاكِيُّ: لَيْسَ الْحَصْرُ فِي "إنَّمَا" لِكَوْنِ "مَا" لِلنَّفْيِ، كَمَا يَفْهَمُهُ3 مَنْ لا وُقُوفَ لَهُ عَلَى النَّحْوِ؛ لأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلنَّفْيِ لَكَانَ لَهَا الصَّدْرُ4.
ثُمَّ حَكَى عَنْ الرَّبَعِيِّ5: "أَنَّ"6 إنَّ لِتَأْكِيدِ7 إثْبَاتِ الْمُسْنَدِ لِلْمُسْنَدِ إلَيْهِ، وَ "مَا" مُؤَكِّدَةٌ فَنَاسَبَ مَعْنَى الْحَصْرِ8.
دلِيلُ الْقَائِلِ بِالْحَصْرِ: تَبَادُرُ الْفَهْمِ بِلا دَلِيلٍ.
وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى إبَاحَةِ رِبَا الْفَضْلِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ" وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ9 وَشَاعَ فِي الصَّحَابَةِ
__________
1 في ز: الأرجح.
2 ساقطة من ش.
3 في ش: يفهمها، وفي مفتاح العلوم: يظنه.
4 في ش: يفهمها، وفي مفتاح العلوم: يظنه.
5 هو علي بن عيسى بن الفرج بن صالح الربعي، أبو الحسن، أحد أئمة النحويين وحذاقهم، صاحب التصانيف الحسان كـ"شرح الإيضاح" و "البديع" و "شرح البلغة" و "شرح مختصر الجرمي" توفي سنة 420 هـ "انظر ترجمته في بغية الوعاة 2/181، معجم الأدباء 14/78، إنباه الرواة 2/297ن مفتاح العلوم ص126".
6 زيادة يقتضيها السياق.
7 في سائر النسخ: للتأكيد.
8 مفتاح العلوم ص126.
9 هذا لفظ مسلم. "انظر صحيح مسلم 3/1218"، أما البخاري فلم يخرجه بهذا اللفظ، وإنما أخرجه بلفظ "لا ربا إلا في النسيئة" "صحيح البخاري 3/98".(3/517)
وَلَمْ1 يُنْكَرْ، وَعَدَلَ إلَى دَلِيلٍ.
لَكِنْ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَاهُ عَنْ أُسَامَةَ بِلَفْظِ: "لَيْسَ الرِّبَا إلاَّ فِي النَّسِيئَةِ" كَمَا فِي مُسْلِمٍ2. فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُسْتَنَدُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُمْ قَدْ رَوَوْا أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ لَمَّا وَافَقُوهُ كَانَ كَالإِجْمَاعِ.
"وَقَدْ" "تَرِدُ" إنَّمَا "لِتَحْقِيقِ مَنْصُوصٍ، لا لِنَفْيِ غَيْرِهِ" نَحْوُ "إنَّمَا الْكَرِيمُ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ".
"وَ" لَفْظُ "تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ" يُفِيدُ الْحَصْرَ نُطْقًا3؛ لأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى ضَمِيرٍ4 عَائِدٍ إلَى الصَّلاةِ، وَفِيهَا السَّلامُ5.
وَبِهِ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى تَعْيِينِ لَفْظَيْ6 التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ7" وَمَنَعَهُ الْحَنَفِيَّةُ لِمَنْعِهِمْ الْمَفَاهِيمَ
__________
1 في ض: فلم.
2 الحديث بهذا اللفظ غير موجود في صحيح مسلم، وقد روى مسلم نحوه عن أسامة بن زيد مرفوعاً "لا ربا فيما كان يداً بيد". "صحيح مسلم 3/1218" وروى البخاري والنسائي عن أسامة مرفوعاً "لا ربا إلا في النسيئة" "صحيح البخاري 3/98، سنن النسائي 247".
3 انظر: نشر البنود 1/102ن البرهان 1/478، روضة الناظر ص272، المسودة ص363، شرح تنقيح الفصول ص57 وما بعدها، المستصفى 2/207.
4 في ش: مميز.
5 في ش: اللام.
6 في ع: لفظتي.
7 أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وإسحاق وابن شيبة والبزار عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعاً، وأخرجه الحاكم وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً. "انظر: بذل المجهود 1/153، عارضة الأحوذي 1/15، سنن ابن ماجه 1/101، المستدرك 1/132، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/126، شرح السنة للبغوي 3/17ن مسند الإمام أحمد 1/123، 129".(3/518)
وَرُدَّ بِأَنَّ التَّعْيِينَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْحَصْرِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ، فَإِنَّ التَّحْرِيمَ مُنْحَصِرٌ فِي التَّكْبِيرِ كَانْحِصَارِ زَيْدٍ فِي صَدَاقَتِك، إذَا قُلْت: صَدِيقِي زَيْدٌ1.
أَمَّا إذَا كَانَ الْخَبَرُ نَكِرَةً، نَحْوَ زَيْدٌ قَائِمٌ، فَالأَصَحُّ أَنَّهَا لا تُفِيدُ الْحَصْرَ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ" 2 فَإِنَّهُ لا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أَيْضًا جُنَّةً3.
"وَ"لَفْظُ "صَدِيقِي" زَيْدٌ "أَوْ الْعَالِمُ زَيْدٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ" كَقَوْلِك: الْقَائِمُ زَيْدٌ "وَلا قَرِينَةَ عَهْدٍ يفِيدُ4 الْحَصْرَ نُطْقًا" مِنْ صِيَغِ الْحَصْرِ الْمُعْتَبَرِ، مَفْهُومُهُ حَصْرُ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ5.
وَلَهُ َصِيغَتَانِ6:
إحْدَاهُمَا: نَحْوُ صَدِيقِي زَيْدٌ قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ، مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ "صَدِيقِي" عَامٌّ، فَإِذَا أُخْبِرَ7 عَنْهُ بِخَاصٍّ -وَهُوَ زَيْدٌ- كَانَ حَصْرًا لِذَلِكَ الْعَامِّ، وَهُوَ الأَصْدِقَاءُ كُلُّهُمْ فِي الْخَبَرِ، وَهُوَ زَيْدٌ، إذْ لَوْ بَقِيَ مِنْ أَفْرَادِ الْعُمُومِ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْخَبَرِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ أَعَمَّ مِنْ الْخَبَرِ، وَذَلِكَ لا يَجُوزُ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: لا لُغَةً وَلا عَقْلاً، فَلا تَقُولُ: الْحَيَوَانُ إنْسَانٌ8، وَلا الزَّوْجُ
__________
1 انظر: البرهان 1/480، شرح تنقيح الفصول ص58.
2 أخرجه البخاري ومسل والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده. "انظر: صحيح البخاري 3/31، صحيح مسلم 2/806، الموطأ 1/310، سنن النسائي 4/135، سنن ابن ماجه 1/525، عارضة الأحوذي 3/294، مسند الإمام أحمد 1/196، 3/341، 396، 399".
3 شرح تنقيح الفصول ص59.
4 في ش ض: تفيد.
5 انظر شرح تنقيح الفصول ص58، البرهان 1/480.
6 في ش: صورتان وصيغتان.
7 في ش: حصر.
8 في ع ب: الإنسان حيوان.(3/519)
عَشَرَةٌ، بَلْ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ أَخَصَّ أَوْ مُسَاوِيًا1.
وَالصِّيغَةُ الثَّانِيَةُ: الْعَالِمُ زَيْدٌ وَنَحْوُهُ، كَالْقَائِمِ زَيْدٌ، إذَا جُعِلَتْ اللاَّمُ لِلْحَقِيقَةِ أَوْ لِلاسْتِغْرَاقِ لا لِلْعَهْدِ، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا كَالصِّيَغِ الَّتِي قَبْلَهُمَا2.
"وَيَحْصُلُ حَصْرٌ" أَيْضًا "بِنَفْيٍ"3 سَوَاءٌ كَانَ النَّفْيُ بِمَا أَوْ بِغَيْرِهَا4، كَلا، وَلَمْ، وَإِنْ، وَلَيْسَ "وَنَحْوُهُ" أَيْ نَحْوُ النَّفْيِ، كَالاسْتِفْهَامِ "وَاسْتِثْنَاءٌ تَامٌّ وَمُفَرَّغٌ5، وَفَصْلُ مُبْتَدَأٍ مِنْ خَبَرٍ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ"6.
فَمِثَالُ النَّفْيِ: "لا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ7 يُبَيَّتُ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ8 ".
وَمِثَالُ نَحْوِ النَّفْيِ، وَهُوَ الاسْتِفْهَامُ {فَهَلْ يُهْلَكُ إلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ9} 10.
وَمِثَالُ الاسْتِثْنَاءِ: لا إلَه إلاَّ اللَّهُ، وَمَا لِي سِوَى11 اللَّهِ، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
__________
1 انظر: المستصفى 2/207، فواتح الرحموت 1/434، شرح العضد 2/183، إرشاد الفحول ص182، الإحكام للآمدي 1/98، نهاية السول 1/305، تيسير التحرير 1/102، 134.
2 في ش: قبلهما.
3 انظر: معترك الأقران 1/182 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص57، نشر البنود 1/102، الإحكام للآمدي 3/99، إرشاد الفحول ص182.
4 في ع: غيرها.
5 معترك الأقران 1/182 وما بعدها.
6 معترك الأقران 1/186.
7 في ش: لا.
8 سبق تخريجه في ج1 ص210.
9 في ش: الظالمون.
10 الآية 35 من الأحقاف.
11 في ش: إله سوى.(3/520)
رَضِيت بِك اللَّهُمَّ رَبًّا فَلَنْ أُرَى ... أَدِينُ إلَهًا غَيْرَك اللَّهَ وَاحِدًا
وَمِثَالُ فَصْلِ الْمُبْتَدَأِ مِنْ الْخَبَرِ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ: قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ} 1 فَإِنَّهُ لَمْ يُسْقَ إلاَّ لِلإِعْلامِ بِأَنَّهُمْ الْغَالِبُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ2.
وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ 3 هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} 4 {إنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 5 وَلأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُوضَعْ إلاَّ لِلإِفَادَةِ، وَلا فَائِدَةَ فِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى:6 {وَلَكِنْ كَانُوا هُمْ الظَّالِمِينَ} 7 سِوَى الْحَصْرِ.
"وَيُفِيدُ الاخْتِصَاصَ" بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ8 مُقَدَّمٌ لِيُفِيدَ "وَهُوَ الْحَصْرُ" جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ وَقَعَتْ بَيْنَ الْفِعْلِ وَفَاعِلِهِ9 "تَقْدِيمُ" بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ يُفِيدُ "الْمَعْمُولِ"10 بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 11 أَيْ نَخُصُّك بِالْعِبَادَةِ وَالاسْتِعَانَةِ، وَهَذَا12 مَعْنَى الْحَصْرِ.
__________
1 الآية 173 من الصافات.
2 في ش: قومهم.
3 في ز ض ب: المشركين.
4 الآية 43 من غافر.
5 الآية 5 من الشورى.
6 ساقطة من ع ز ب.
7 الآية 76 من الزخرف.
8 في ش: مضاف.
9 في ش: وفاعله و.
10 انظر: معترك الأقران 1/189 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص57، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/256، الآيات البينات 2/42.
11 الآية 5 من الفاتحة.
12 في ش: وهو.(3/521)
وَسَوَاءٌ فِي الْمَعْمُولِ الْمَفْعُولُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي {إيَّاكَ نَعْبُدُ} وَالْحَالُ وَالظَّرْفُ وَالْخَبَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُبْتَدَأِ، نَحْوُ تَمِيمِيٌّ أَنَا وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ1 الْمَثَلِ السَّائِرِ2.
وَأَنْكَرَهُ صَاحِبُ3 الْفَلَكِ الدَّائِرِ، وَقَالَ: لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ4.
وَإِنْكَارُهُ عَجِيبٌ، فَكَلامُ الْبَيَانِيِّينَ طَافِحٌ بِهِ، وَبِهِ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا5 وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ6 عَلَى تَعْيِينِ لَفْظَيْ التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ، بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ" وَهُوَ يُفِيدُ الاخْتِصَاصَ قَالَهُ الْبَيَانِيُّونَ.
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَأَبُو حَيَّانَ، فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ: إنَّ تَوَهُّمَ النَّاسِ لِذَلِكَ وَهَمٌ، وَتَمَسُّكَهُمْ بِنَحْوِ {بَلْ 7 اللَّهَ
__________
1 هو ضياء الدين، نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن الأثير الشيباني الجزري، أبو الفتح، الكاتب البليغ. قال ابن العماد: "انتهت إليه كتابة الإنشاء والترسل". اشتغل بالفنون المختلفة، ولكن غلبت عليه العلوم الأدبية، وصنف فيها تصانيف مشهورة منها "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر" و "الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور" و "والرسائل البديعة" توفي سنة 637 هـ، "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للأسنوي 1/133، شذرات الذهب 5/187، بغية الوعاة 2/315، وفيات الأعيان 5/25".
2 المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر 2/38 وما بعدها.
3 هو عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن أبي الحديد المدائني المعتزلي، عز الدين، أبو حامد، أحد غلاة الشيعة، كان أديباً متضلعاً في فنون الأدب متقناً لعلوم اللسان، شاعراً مجيداً، متكلماً جدلياً نظاراً، من كتبه "شرح نهج البلاغة" و "الفلك الدائر على المثل السائر" و "الحواشي على المفصل". توفي سنة 655هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في البداية والنهاية 13/199، فوات الوفيات 2/259، ذيل مرآة الزمان 1/62، روضات الجنات للخوانساري 5/20".
4 الفلك الدائر على المثل السائر ص250.
5 المغني لابن قدامة 1/505، الشرح الكبير على المقنع 1/505، كشاف القناع 1/385.
6 المهذب للشيرازي 1/77، شرح السنة للبغوي 3/18، المجموع للنووي 3/289.
7 في ش: بل هم.(3/522)
فَاعْبُدْ} 1 ضَعِيفٌ لِوُرُودِ {فَاعْبُدْ اللَّهَ} 2 فَيَلْزَمُ أَنَّ الْمُؤَخَّرَ يُفِيدُ عَدَمَ الْحَصْرِ، لكَوْنِهِ3 يَقْتَضِيهِ.
وَأُجِيبَ: لا يَسْتَلْزِمُ حَصْرًا وَلا 4عَدَمَهُ وَلا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إفَادَةِ5 الْحَصْرِ إفَادَةُ نَفْيِهِ لا سِيَّمَا وَ "مُخْلِصًا" فِي قَوْله تَعَالَى: {فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا} 6 مُغْنٍ عَنْ إفَادَةِ الْحَصْرِ7.
وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي أَوَّلِ8 تَفْسِيرِهِ9 فِي رَدِّ دَعْوَى الاخْتِصَاصِ: إنَّ سِيبَوَيْهِ قَالَ: إنَّ التَّقْدِيمَ لِلاهْتِمَامِ وَالْعِنَايَةِ10، فَهُوَ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَمَا فِي ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا وَضَرَبَ عَمْرًا زَيْدٌ، فَكَمَا أَنَّ هَذَا لا يَدُلُّ عَلَى الاخْتِصَاصِ، فَكَذَلِكَ مِثَالُنَا.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ تَشْبِيهَ سِيبَوَيْهِ إنَّمَا هُوَ11 فِي أَصْلِ الإِسْنَادِ، وَأَنَّ التَّقْدِيمَ يُشْعِرُ بِالاهْتِمَامِ وَالاعْتِنَاءِ وَلا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَفْيُ الاخْتِصَاصِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْفَلَكِ الدَّائِرِ12: الْحَقُّ أَنَّهُ لا يَدُلُّ عَلَى الاخْتِصَاصِ إلاَّ
__________
1 الآية 66 من الزمر.
2 الآية 2 من الزمر.
3 في ش: بكونه.
4 في ش: عدم إفادة الحصر إفادة حصره.
5 ساقطة من ض.
6 الآية 2 من الزمر.
7 معترك الأقران 1/190.
8 ساقطة من ش.
9 البحر المحيط لأبي حيان 1/16.
10 في ض: والغاية.
11 في ز: هو على، وفي ش: هو في.
12 الفلك الدائر على المثل السائر ص257 وما بعدها.(3/523)
بِالْقَرَائِنِ، وَالأَكْثَرُ فِي الْقُرْآنِ التَّصْرِيحُ بِهِ مَعَ عَدَمِ الاخْتِصَاصِ نَحْوَ: {إنَّ لَك أَنْ لا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى} 1 وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خَاصًّا بِهِ، فَإِنَّ حَوَّاءَ كَذَلِكَ.
وَكَوْنُ الاخْتِصَاصِ هُوَ الْحَصْرَ -كَمَا فِي الْمَتْنِ- هُوَ رَأْيُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
وَخَالَفَ السُّبْكِيُّ2، فَقَالَ: لَيْسَ مَعْنَى الاخْتِصَاصِ الْحَصْرَ، خِلافًا لِمَا يَفْهَمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؛ لأَنَّ الْفُضَلاءَ -كَالزَّمَخْشَرِيِّ3- لَمْ يُعَبِّرُوا فِي نَحْوِ ذَلِكَ إلاَّ بِالاخْتِصَاصِ. اهـ.
"وَأَقْوَاهَا" أَيْ أَقْوَى الْمَفَاهِيمِ "اسْتِثْنَاءٌ، فَ4" يَلِيهِ "حَصْرٌ بِنَفْيٍ، فَ5" يَلِيهِ "مَا قِيلَ: إنَّهُ مَنْطُوقٌ، فَ6" يَلِيهِ "حَصْرُ مُبْتَدَأٍ" فِي خَبَرٍ "فَ7" يَلِيهِ "شَرْطٌ، فَصِفَةٌ مُنَاسِبَةٌ، فَ" صِفَةٌ هِيَ "عِلَّةٌ، فَغَيْرُهَا" أَيْ فَصِفَةٌ غَيْرُ عِلَّةٍ "فَعَدَدٌ، فَتَقْدِيمُ مَعْمُولٍ" وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
__________
1 الآية 118 من طه.
2 المراد به الوالد "تقي الدين علي بن عبد الكافي بن علي السبكي" في كتابه "الاقتناص في الفرق بين الحصر والاختصاص".
"انظر جمع الجوامع وحاشية الآيات البينات للعبادي عليه 2/42، معترك الأقران للسيوطي 1/191، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 10/304".
3 في الكشاف "4/112" حيث قال في قوله تعالى في أول سورة التغابن {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ} : قدم الظرفان ليدل بتقديمها على معنى اختصاص الملك والحمد بالله عز وجل".
4 في ش ع ض ب: و.
5 في ش ب: و.
6 في ش ض: و.
7 في ش: و.(3/524)
بَابٌ النسخ:
النَّسْخُ لُغَةً: الإِزَالَةُ" وَهُوَ الرَّفْعُ1 "حَقِيقَةً" يُقَالُ: نَسَخَتْ الشَّمْسُ الظِّلَّ: أَيْ2 أَزَالَتْهُ وَرَفَعَتْهُ، وَنَسَخَتْ الرِّيحُ الأَثَرَ كَذَلِكَ3.
"وَ"يُرَادُ بِهِ "النَّقْلُ مَجَازًا" وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: النَّقْلُ مَعَ عَدَمِ 4بَقَاءِ الأَوَّلِ، كَالْمُنَاسَخَاتِ فِي الْمَوَارِيثِ، فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ مِنْ قَوْمٍ إلَى قَوْمٍ، مَعَ بَقَاءِ الْمَوَارِيثِ فِي نَفْسِهَا.
وَالثَّانِي: النَّقْلُ مَعَ بَقَاءِ الأَوَّلِ كَنَسْخِ الْكِتَابِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 5.
وَمَا تَقَدَّمَ هُوَ قَوْلُ الأَكْثَرِ.
وَقِيلَ6: إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي النَّقْلِ مَجَازٌ فِي الرَّفْعِ وَالإِزَالَةِ عَكْسُ الأَوَّلِ.
__________
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ع ض ب.
3 غير أن هناك فرقاً بين الإزالة المقصود في كل من المثالين، وذلك لأن النسخ بمعنى الإزالة يرد في اللغة على نوعين "أحدهما" نسخ إلى بدل نحو قولهم "نسخ الشيب الشباب" و "نسخت الشمس الظل" أي أذهبته وحلت محله.
"والثاني" نسخ إلى غير بدل نحو "نسخت الريح الأثر" أي أبطلته وأزالته. "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ص8".
4 ساقطة من ع.
5 الآية 29 من الجاثية.
6 في ش: وما قيل.(3/525)
وَقِيلَ: مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الإِزَالَةِ وَالنَّقْلِ.
"وَ" النَّسْخُ "شَرْعًا" أَيْ فِي اصْطِلاحِ الأُصُولِيِّينَ "رَفْعُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُتَرَاخٍ" أَيْ الدَّلِيلُ عَنْ الْحُكْمِ ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ1 وَغَيْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الأَكْثَرِ2.
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ "بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ" أَوْلَى مِمَّنْ قَالَ "بِخِطَابٍ شَرْعِيٍّ" لِدُخُولِ3 الْفِعْلِ فِي الدَّلِيلِ دُونَ الْخِطَابِ.
وَعَبَّرَ الْبَيْضَاوِيُّ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ4، وَهُوَ حَسَنٌ أَيْضًا.
وَمِنْ النَّسْخِ بِالْفِعْلِ: نَسْخُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ بِأَكْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ5.
__________
1 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/185.
2 انظر معنى النسخ في الاصطلاح الشرعي في "العدة 3/778، المسودة ص195، روضة الناظر ص69، مختصر الطوفي ص72، العضد على ابن الحاجب 2/185، الاعتبار للحازمي ص8، نهاية السول 2/162، منهاج العقول 2/162، الإيضاح لمكي بن أبي طالب ص41، البرهان للجويني 2/1293، إرشاد الفحول ص184، أصول السرخسي 2/54، الإحكام لابن حزم 4/438، الإحكام للآمدي 3/104، المعتمد للبصري 1/396، المحصول للرازي ج1 ق3/423، المستصفى 1/107، فواتح الرحموت 2/53، الإشارات للباجي ص61، اللمع للشيرازي ص30، أدب القاضي للماوردي 1/333، فتح الغفار 2/130، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/75، التلويح على التوضيح 2/31، الآيات البينات 3/129، كشف الأسرار 3/155، شرح تنقيح الفصول ص301".
3 في ش: كدخول.
4 حيث عرفه بقوله "النسخ هو بيان انتهاء حكم شرعي بطريق شرعي متراخ عنه" "منهاج الوصول مع شرحه نهاية السول 2/162".
5 فقد روى مسلم والترمذي وابن ماجه والبيهقي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "توضأوا مما مست النار" "صحيح مسلم 1/272، عارضة الأحوذي 1/108، سنن ابن ماجه 1/163، سنن البيهقي 1/155" ثم نسخ ذلك بما روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي مالك وأحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أكل كتف شاةٍ، ثم صلى ولم يتوضأ". "صحيح البخاري 1/63، صحيح مسلم 1/273، سنن أبي داود 1/43، عارضة الأحوذي 1/110، سنن النسائي 1/90، سنن ابن ماجه 1/164، الموطأ 1/25، مسند أحمد 1/365، سنن البيهقي 1/153، وانظر الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ص48-53".(3/526)
قَوْلُهُ "مُتَرَاخٍ" لِتَخْرُجَ1 الْمُخَصِّصَاتُ الْمُتَّصِلَةُ.
وَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ: مَا تَعَلَّقَ بِالْمُكَلَّفِ بَعْدَ2 وُجُودِهِ أَهْلاً.
وَقُيلْ: إنَّ النَّسْخَ بَيَانُ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ لا رَفْعِهِ3.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَمَعْنَى الرَّفْعِ4: إزَالَةُ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلاهُ لَبَقِيَ ثَابِتًا، عَلَى مِثَالِ رَفْعِ حُكْمِ الإِجَارَةِ بِالْفَسْخِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُفَارِقُ زَوَالَ حُكْمِهَا بِانْقِضَاءِ مُدَّتِهَا5.
قَالَ: وَقَيَّدْنَا الْحَدَّ6 بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ؛ لأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِبَادَاتِ فِي الشَّرْعِ مُزِيلٌ لِحُكْمِ الْعَقْلِ7 مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَلَيْسَ بِنَسْخٍ.
وَقَيَّدْنَاهُ بِالْخِطَابِ الثَّانِي؛ لأَنَّ زَوَالَ الْحُكْمِ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ لَيْسَ بِنَسْخٍ.
__________
1 في ش: ليخرج.
2 في ض: قبل.
3 وهو قول الرازي في المحصول ج1 ق3/428، والبيضاوي في المنهاج "نهاية السول 2/162" وابن حزم في الإحكام 4/438. وللحنفية في ذلك تفصيل حسن حيث قالوا: "النسخ بيان لمدة الحكم المنسوخ في حق الشارع، وتبديل لذلك الحكم بحكم آخر في حقنا على ما كان معلوماً عندنا لو لم ينزل الناسخ". "انظر أصول السرخسي 2/54، فتح الغفار لابن نجيم 2/130، التلويح على التوضيح 2/32، كشف الأسرار 3/156".
4 في ش: الحكم.
5 روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة ص69.
6 ساقطة من ش.
7 في ع ب: يزيل الحكم العقيلي. وفي ض: يزيل لحكم العقل.(3/527)
وَقَوْلُنَا "مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ1"؛ لأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَّصِلاً بِهِ كَانَ بَيَانًا، وَإِتْمَامًا لِمَعْنَى2 الْكَلامِ، وَتَقْدِيرًا لَهُ بِمُدَّةٍ وَشَرْطٍ3. اهـ.
"وَالنَّاسِخُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى حَقِيقَةً".
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَغَيْرُهُ: النَّاسِخُ يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُقَالُ: نَسَخَ فَهُوَ نَاسِخٌ، قَالَ4 اللَّهُ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} 5.
وَيُطْلَقُ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُعَرِّفَةِ لارْتِفَاعِ الْحُكْمِ مِنْ الآيَةِ، وَخَبَرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِهِ وَتَقْرِيرِهِ وَالإِجْمَاعِ عَلَى الْحُكْمِ، كَقَوْلِنَا: وُجُوبُ صَوْمِ6 رَمَضَانَ نَسَخَ صَوْمَ7 يَوْمِ8 عَاشُورَاءَ, وَعَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ نَسْخَ الْحُكْمِ، كَقَوْلِهِمْ: فُلانٌ يَنْسَخُ الْقُرْآنَ بِالسُّنَّةِ، أَيْ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ فَهُوَ نَاسِخٌ9.
وَالاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ إطْلاقَهُ عَلَى الأَخِيرَيْنِ10 مَجَازٌ، وَإِنَّمَا الْخِلافُ فِي الأَوَّلَيْنِ11:
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ض: بمعنى.
3 روضة الناظر ص69. وكلام ابن قدامة الذي نقله المصنف عنه هو شرح لحد النسخ الذي ارتضاه وهو "رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخ عنه".
4 في ش: وقال.
5 الآية 106 من البقرة.
6 في ش: صيام.
7 ساقطة من ض.
8 ساقطة من ش.
9 ساقطة من ش.
10 في ز: الآخرين.
11 في ش ض ب: الأوليين.(3/528)
فَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ: حَقِيقَةٌ فِي الطَّرِيقِ لا فِيهِ1 تَعَالَى2.
وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ: حَقِيقَةٌ فِي اللَّهِ تَعَالَى مَجَازٌ فِي الطَّرِيقِ.
وَالنِّزَاعُ لَفْظِيٌّ. اهـ.
"وَالْمَنْسُوخُ: الْحُكْمُ الْمُرْتَفِعُ بِنَاسِخٍ" كَالْمُرْتَفِعِ مِنْ وُجُوبِ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيْ مُنَاجَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
"وَلا يَكُونُ" "النَّاسِخُ أَضْعَفَ" يَعْنِي3 مِنْ الْمَنْسُوخِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَالأَكْثَرِ4.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ يُشْتَرَطُ فِي النَّاسِخِ عِنْدَ الأَكْثَرِ5 أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ الْمَنْسُوخِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ6، وَلِذَلِكَ7 ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَصْحَابِنَا. اهـ.
"وَلا" "نَسْخَ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ" بَيْنَ8 الدَّلِيلَيْنِ؛ لأَنَّا إنَّمَا نَحْكُمُ بِأَنَّ الأَوَّلَ مِنْهُمَا مَنْسُوخٌ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْنَا الْجَمْعُ فَإِذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ وَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا بِكَلامٍ مَقْبُولٍ، أَوْ بِمَعْنًى
__________
1 في ش: في الله.
2 ساقطة من ض.
3 ساقطة من ض ب.
4 انظر تحقيق المسألة في "العدة 3/788، المسودة ص201 وما بعدها، 229، البرهان 2/1311، إرشاد الفحول ص186، 188، شرح تنقيح الفصول ص311 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 4/477، أصول السرخسي 2/77، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/78، نهاية السول 2/179، البدخشي 2/179، فواتح الرحموت 2/76، المستصفى 1/124، شرح العضد 2/195".
5 ساقطة من ش.
6 ساقطة من ش.
7 في ض: وكذلك.
8 في ز ش ع: يعني بين.(3/529)
مَقْبُولٍ فَلا نَسْخَ1.
قَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ وَغَيْرُهُ: لا يَتَحَقَّقُ2 النَّسْخُ إلاَّ مَعَ التَّعَارُضِ فَأَمَّا مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ فَلا، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: نُسِخَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ بِرَمَضَانَ، وَ3 نَسَخَتْ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ سِوَاهَا فَلَيْسَ يَصِحُّ4 إذَا5 حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا لا مُنَافَاةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا وَافَقَ نَسْخُ عَاشُورَاءَ فَرْضَ6 رَمَضَانَ، وَنَسْخُ سَائِرِ الصَّدَقَاتِ فَرْضَ الزَّكَاةِ فَحَصَلَ النَّسْخُ مَعَهُ لا بِهِ، وَهُوَ7 قَوْلُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ8. انْتَهَى.
"وَلا" نَسْخَ "قَبْلَ عِلْمِ مُكَلَّفٍ" بِالْمَأْمُورٍ9 "بِهِ"؛ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ بِاعْتِقَادِ الْوُجُوبِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ10.
__________
1 انظر العدة لأبي يعلى 3/835، أدب القاضي للماوردي 1/360-362.
2 في المسودة: ولا يجوز.
3 في المسودة: أو.
4 في ب: بصحيح.
5 في المسودة: لو.
6 كذا في المسودة، وفي ع ز ض ب: صوم فرض، وفي ش: صوم.
7 في المسودة: هذا.
8 في المسودة ص229 وما بعدها.
9 في ش: مأمور.
10 قال الماوردي: "لأن من شرط النسخ أن يكون بعد استقرار الفرض ليخرج عن البداء إلى الإعلام بالمدة, فإن قيل: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج أن الله تعالى فرض على أمته خمسين صلاة، فلم يزل يراجع ربه فيها ويستنزله حتى استقر الفرض على خمس، فدل على جواز النسخ قبل العلم بالمنسوخ. قيل: هذا إن ثبت فهو على وجه التقرير دون النسخ، لأن الفرض يستقر بنفوذ الأمر، ولم يكن من الله تعالى فيه إلا عند استقرار الخمس". "أدب القاضي 1/356".(3/530)
وَجَوَّزَهُ الآمِدِيُّ، لِعَدَمِ مُرَاعَاةِ الْحُكْمِ فِي أَفْعَالِهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ1.
"وَيَجُوزُ" النَّسْخُ "فِي السَّمَاءِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَاكَ" ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ2، وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ؛ لأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ بَعْضَ الْمُكَلَّفِينَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْبَشَرِ، فَإِنَّهُ قَدْ اعْتَقَدَ3 هُوَ وُجُوبَهُ وَعِلْمَهُ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلامُ السَّمْعَانِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَهُ وَاعْتَقَدَ وُجُوبَهُ، فَلَمْ يَقَع النَّسْخُ لَهُ إلاَّ بَعْدَ عِلْمِهِ وَاعْتِقَادِهِ. 1هـ
"وَ" يَجُوزُ النَّسْخُ أَيْضًا "قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ" أَيْ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْفِعْلِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَشْعَرِيَّةِ وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ4. وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ5، قَوْلُ6 أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ.
__________
1 الإحكام في أصول الأحكام 3/132.
وانظر تحقيق المسألة في "إرشاد الفحول ص186، المعتمد للبصري 1/412، فواتح الرحموت 2/63، فتح الغفار 2/132، كشف الأسرار 3/169 وما بعدها، أدب القاضي للماوردي 1/356".
2 في المسودة ص223.
3 في ش: أعتقد هو.
4 انظر تحقيق المسألة في "المحصول ج1 ق3/467، المستصفى 1/112، 122، شرح تنقيح الفصول ص307، الإحكام لابن حزم 4/472، اللمع ص31، نهاية السول 2/173، العدة 3/807، البدخشي 2/171، أدب القاضي للماوردي 1/357، الآيات البينات 3/137، المسودة ص207، فواتح الرحموت 2/61، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/77، التلويح على التوضيح 2/33، العضد على ابن الحاجب 2/190، كشف الأسرار 3/169، التبصرة ص260، البرهان 2/1303، الإشارات للباجي ص69، الإيضاح لمكي بن أبي طالب ص100".
5 الإحكام في أصول الأحكام 3/126.
6 في ش: وهو قول.(3/531)
وَمَنَعَهُ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَالصَّيْرَفِيُّ وَابْنُ بُرْهَانٍ.
وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ -وَهُوَ الصَّحِيحُ- بِمَا تَوَاتَرَ فِي ذَلِكَ1، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ2 وَغَيْرِهِمَا فِي نَسْخِ فَرْضِ خَمْسِينَ صَلاةً فِي السَّمَاءِ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ بِخَمْسٍ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3مِنْ الْفِعْلِ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ فِي بَعْثٍ5، وَقَالَ: " إنْ وَجَدْتُمْ فُلانًا وَفُلانًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ" ثُمَّ قَالَ حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ: "إنَّ النَّارَ لا يُعَذِّبُ بِهَا إلاَّ اللَّهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا".
وَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَسْرِ قُدُورٍ مِنْ لَحْمِ حُمُرٍ إنْسِيَّةٍ فَقَالَ رَجُلٌ: أَوْ نَغْسِلُهَا؟ فَقَالَ: "اغْسِلُوهَا" 6 مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ7.
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ. أَنَّ النَّسْخَ8 قَبْلَ الْفِعْلِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ: جَائِزٌ بِلا خِلافٍ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ: لا أَعْلَمُ فِيهِ خِلافًا
__________
1 في ش: بما قوي أثره.
2 صحيح البخاري 1/98، 5/69، صحيح مسلم 1/146، وقد أخرجه أيضاً الترمذي والنسائي وابن ماجه والطبراني. "انظر: تخريج أحاديث أصول البردوي ص221، عارضة الأحوذي 2/14".
3 ساقطة من ش.
4 صحيح البخاري 4/60، وانظر الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ض194 وما بعدها.
5 البعث: هو الجيش، وجمعه بعوث. "المصباح المنير 1/67".
6 في ز ع ض: اغسلوا.
7 صحيح البخاري 7/117، صحيح مسلم 3/1540.
8 في ش: الفسخ.(3/532)
قَالَ: وَلا فَرْقَ عَقْلاً بَيْنَ أَنْ يَعْصِيَ أَوْ يُطِيعَ وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِالْمَنْعِ لِعِصْيَانِهِ1. اهـ.
"وَ" يَجُوزُ النَّسْخُ "عَقْلاً" بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الشَّرَائِعِ سِوَى الشمْعَثيَّةِ2 مِنْ الْيَهُودِ.
وَكَذَا يَجُوزُ سَمْعًا بِاتِّفَاقٍ أَهْلِ الشَّرَائِعِ سِوَى الْعَنَانِيَّةِ3 مِنْ الْيَهُودِ, فَإِنَّهُمْ يُجَوِّزُونَهُ عَقْلاً لا سَمْعًا، وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَبُو مُسْلِمٍ الأَصْفَهَانِيُّ4.
__________
1 في ش: بعصيانه.
2 في ش: السمعتية، وكلاهما تصحيف، إذ لم نعثر على فرقة من اليهود بهذه التسمية. ولعل الصواب "الشمعونية" كما قال الأسنوي في نهاية السول"2/167" والشوكاني في إرشاد الفحول "ص185" وعبد العلي في فواتح الرحموت "2/55" وغيرهم.
و"الشمعونية" ينتسبون إلى شمعون بن يعقوب كما ذكر الدكتور مصطفى زيد في كتابه "النسخ في القرآن الكريم" 1/27، وعلي حسن العريض في كتابه "فتح المنان في نسخ القرآن" ص143.
3 العنانية: فرقة من اليهود ينتسبون إلى عنان بن داود، وهم يخالفون سائر اليهود في السبت والأعياد، وينهون عن أكل الطير والظباء والسمك والجراد، ويصدقون عيسى عليه السلام في مواعظه وإرشاداته، ويقولون إنه من بني إسرائيل المتعبدين بالتوراة والمستجيبين لموسى عليه السلام، إلا أنهم لا يقولون بنبوته ورسالته. "الملل والنحل للشهرستاني 1/215، الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 1/99".
4 لقد اضطربت النقول عن أبي مسلم الأصفهاني في مسألة جواز النسخ وعدمه، فحكي عنه منع النسخ بين الشرائع، ونقل بعضهم عنه منع النسخ في القرآن الكريم، وتحقيق مذهبه أنه لم يخالف جمهور أهل السنة القائلين بجواز النسخ عقلاً وشرعاً في الحقيقة ونفس الأمر، ولكنه خالفهم في اللفظ والمصطلح. قال المحلي في "شرح جمع الجوامع" "2/88": "النسخ واقع عند كل المسلمين، وسماه أبو مسلم الأصفهاني من المعتزلة تخصيصاً، لأنه قصر الحكم على بعض الأزمان، فهو تخصيص في الأزمان كالتخصيص في الأشخاص. فقيل: خالف في وجوده حيث لم يذكره باسمه المشهور، فالخلف الذي حكاه الآمدي وغيره عنه من نفيه وقوعه لفظي لما تقدم من تسميته تخصيصاً". وقال السبكي في كتابه "رفع الحاجب" "2/ق 132ب": "وأنا أقول: الإنصاف أن الخلاف بين أبي مسلم والجماعة لفظي، وذلك أن أبا مسلم يجعل ما كان مغيا في علم الله تعالى كما هو مغيا باللفظ، ويسمى الجميع تخصيصاً، ولا فرق عنده بين أن يقول "وأتموا الصيام إلى الليل" وأن يقول: صوموا مطلقاً وعلمه محيط بأنه سينزل: لا تصوموا وقت الليل. والجماعة يجعلون الأول تخصيصاً والثاني نسخاً. ولو أنكر أبو مسلم النسخ بهذا المعنى لزمه إنكار شريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإنما يقول: كانت شريعة السابقتين مغياة إلى مبعثه عليه الصلاة والسلام. وبهذا يتضح لك الخلاف الذي حكاه بعضهم في أن هذه الشريعة مخصصة للشرائع أو ناسخة، وهذا معنى الخلاف". "انظر تحقيق الدكتور محمد حسن هيتو للمسألة في هامش التبصرة للشيرازي ص251".(3/533)
قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الْمُقْنِعِ: أَنْكَرَ طَائِفَةٌ 1مِنْ الْيَهُودِ وَهُمْ الْعَنَانِيَّةُ -أَتْبَاعُ عَنَانٍ- وُقُوعَهُ عَقْلاً لا شَرْعًا وَأَنْكَرَتْ الشَّمْعَثِيَّةُ2 مِنْهُمْ أَتْبَاعُ شَمْعَثَا3 الأَمْرَيْنِ4.
وَحَكَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ عَنْهُمْ عَكْسَهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ نَسْخُ عِبَادَةٍ بِأَثْقَلَ5 مِنْهَا عُقُوبَةً.
وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: تَجُوزُ شَرْعًا لا عَقْلاً " وَأَنَّ مُحَمَّدًا وَعِيسَى لَمْ يَأْتِيَا بِمُعْجِزَةٍ.
وَقَالَ الْعِيسَوِيَّةُ6 -أَتْبَاعُ غَيْرِ النَّبِيِّ-:
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ش: السمعتية.
3 في د: سمعتا، وفي ز: شمعتا.
4 في ش: الأموي.
5 في ش: ما نقل. وفي د: ما ثقل.
6 العيسوية: فرقة من اليهود أصحاب أبي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصفهاني، وهو يقولون بنبوة عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل خاصة وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلى بني إسماعيل فقط وهم العرب لا إلى الناس كافة. وقولهم هذا جهل فاضح، لأنه يلزمهم بعد أن أعترفوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم أن يعترفوا بصدقه وامتناع الكذب عليه، كما هو شأن النبوة، وقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم أنه رسول الله إلى الناس جميعاًَ، فوجب عليهم التصديق بذلك ... فكيف يدعون بعد هذا بأنه نبي إلى العرب خاصة!! "انظر فواتح الرحموت 2/55، الملل والنحل للشهرستاني 1/215 وما بعدها، الفصل لابن حزم 1/99، المحلي على جمع الجوامع 2/88، حاشية التفتازاني على شرح العضد 2/188".(3/534)
إنَّهُمَا أَتَيَا1 بِالْمُعْجِزَةِ، وَبُعِثَا إلَى الْعَرَبِ وَالأُمِّيِّينَ، اهـ.
وَأَبُو مُسْلِمٍ هَذَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرٍ الأَصْفَهَانِيُّ2.
قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ3: وَهُوَ رَجُلٌ مَعْرُوفٌ بِالْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ انْتَسَبَ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ، وَيُعَدُّ مِنْهُمْ وَلَهُ كِتَابٌ كَبِيرٌ فِي التَّفْسِيرِ، وَلَهُ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ فَلا أَدْرِي كَيْفَ وَقَعَ هَذَا الْخِلافُ مِنْهُ!. اهـ.
"وَوَقَعَ" النَّسْخُ "شَرْعًا"4.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَالْحَقُّ الَّذِي لا مَحِيدَ عَنْهُ وَلا شَكَّ فِيهِ: جَوَازُهُ عَقْلاً وَشَرْعًا.
__________
1 في ش: إنما هو الإتيان.
2 من علماء المعتزلة ومشاهيرهم، كان كاتباً مترسلاً بليغاً متكلماً جدلاً، ولد سنة 254 هـ، وأشهر كتبه تفسيره "جامع التأويل لمحكم التنزيل" وكتابه "الناسخ والمنسوخ" توفي سنة 322هـ "انظر ترجمته في معجم الأدباء 18/35، بغية الوعاة 1/59، الوافي بالوفيات 2/244، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص299، 322، الفهرست لابن النديم ص151" وقد ذكر المجد بن تيمية في "المسودة ص195" أن اسمه يحيى بن عمر بن يحيى الأصبهاني، وذكر صاحب فواتح الرحموت"2/55" أنه الجاحظ، وقال الشيرازي في التبصرة "ص251" والقرافي في شرح تنقيح الفصول "ص206" هو عمرو بن يحيى الأصبهاني، وفي نهاية السول"2/170": "وأبو مسلم هو الملقب بالجاحظ كما قاله ابن التلمساني في شرح المعالم، واسم أبيه على ما قاله في المحصول "بحر" وفي المنتخب "عمر" وفي اللمع "يحيى". وهذا كله تحريف والصواب ما أثبته المؤلف وأيدته كتب التراجم التي أشرنا إليها.
3 في كتابه "قواطع الأدلة" كما ذكر البخاري في كشف الأسرار 3/157.
4 وقد حكى وقوعه شرعاً القرافي في "شرح تنقيح الفصول" ص303، ومجد الدين بن تيمية في "المسودة" ص195، والفخر الرازي في "المحصول" ج1ق3/440، والشوكاني في "إرشاد الفحول" ص185، والمحلي في "شرح جمع الجوامع" 2/88، والعضد في "شرح مختصر ابن الحاجب" 2/188، والأسنوي في "نهاية السول" 2/167، وغيرهم.(3/535)
وَأَمَّا الْوُقُوعُ: فَوَاقِعٌ لا مَحَالَةَ، وَرَدَ1 فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَطْعًا2.
وَأَيْضًا الْقَطْعُ بِعَدَمِ اسْتِحَالَةِ تَكْلِيفٍ فِي وَقْتٍ وَرَفْعِهِ.
وَإِنْ قِيلَ: أَفْعَالُ اللَّهِ تَعَالَى تَابِعَةٌ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ كَالْمُعْتَزِلَةِ، فَالْمَصْلَحَةُ3 قَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأَوْقَاتِ.
"وَلا يَجُوزُ الْبَدَاءُ عَلَى اللَّهِ4" سُبْحَانَهُ وَ "تَعَالَى"، "وَهُوَ تَجَدُّدُ الْعِلْمِ".
"وَهُوَ" أَيْ الْقَوْلُ بِتَجَدُّدِ عِلْمِهِ جَلَّ وَعَلا "كُفْرٌ" بِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ عَالِمًا حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ عِلْمًا فَعَلِمَ5 بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ.
وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: الْبَدَاءُ: هُوَ أَنْ يُرِيدَ الشَّيْءَ دَائِمًا6، ثُمَّ يَنْتَقِلَ عَنْ
__________
1 في ش: ورد.
2 في ش: أيضا قطعاً.
3 أي فالجواب: أن المصلحة قد تختلف باختلاف الأوقات، قال الماوردي: "وقد تختلف المصالح باختلاف الزمان، فيكون المنسوخ مصلحة في الزمان الأول دون الثاني، ويكون الناسخ مصلحة في الزمان الثاني دون الأول، فيكون كل واحد منهما مصلحة في زمانه وحسناً في وقته، وإن تضادا" "أدب القاضي 1/335".
4 عند كافة المسلمين، بخلاف النسخ فهو جائز وواقع، والفرق بينهما واضح بين، قال الشيرازي: "إن البداء أن يظهر له ما كان خفياً، ونحن لا نقول فيما ينسخ أنه ظهر له ما كان خافياً عليه، بل نقول: إنه أمر به وهو عالم أنه يرفعه في وقت النسخ وإن لم يطلعنا عليه، فلا يكون ذلك بداءً" "التبصرة ص253" وانظر الفرق بين النسخ والبداء في "الإحكام للآمدي 3/109، الإحكام لابن جزم 4/446، اللمع ص31، أدب القاضي للماوردي 1/336، الإيضاح لمكي بن أبي طالب ص98 وما بعدها، البناني على شرح جمع الجوامع 2/88، الآيات البينات 3/155، البرهان 2/1301، العدة 3/774، المعتمد للبصري 1/398".
5 في ش: يعلم.
6 في د: دواماً.(3/536)
الدَّوَامِ لأَمْرٍ حَادِثٍ لا بِعِلْمٍ سَابِقٍ قَالَ: أَوْ يَكُونَ سَبَبُهُ دَالاً عَلَى إفْسَادِ الْمُوجِبِ لِصِحَّةِ الأَمْرِ الأَوَّلِ، بِأَنْ يَأْمُرَهُ1 لِمَصْلَحَةٍ لَمْ تَحْصُلْ فَيَبْدُو لَهُ مَا يُوجِبُ رُجُوعَهُ عَنْهُ. اهـ.
"وَبَيَانُ غَايَةٍ مَجْهُولَةٍ" لِلْحُكْمِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} 2 "لَيْسَ" ذَلِكَ الْبَيَانُ "بِنَسْخٍ"3.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: اخْتَلَفَ كَلامُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: هَلْ هُوَ نَسْخٌ، أَمْ لا؟ وَالأَظْهَرُ النَّفْيُ. اهـ.
وَلِلْقَاضِي الْقَوْلانِ، فَإِنَّهُ قَالَ4: فِي مَوْضِعِ قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} 5 الآيَةَ؛ إنَّ6 هَذِهِ الْغَايَةَ7 مَشْرُوطَةٌ فِي حُكْمٍ مُطْلَقٍ؛ لأَنَّ غَايَةَ كُلِّ حُكْمٍ إلَى مَوْتِ الْمُكَلَّفِ، أَوْ إلَى النَّسْخِ.
وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الأَخَفِّ بِالأَثْقَلِ أَنَّ حَدَّ الزَّانِي فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ كَانَ الْحَبْسَ ثُمَّ نُسِخَ، وَجُعِلَ حَدُّ الْبِكْرِ الْجَلْدَ وَالتَّغْرِيبَ، وَالثَّيِّبِ الْجَلْدَ
__________
1 في ش: يأمر به.
2 الآية 15 من النساء.
3 انظر تفصيل الكلام على هذه المسألة في "المسودة ص219، الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص1479 وما بعدها، أصول السرخسي 2/71".
4 في ش: قال أو يكون سببه دالاً على إفساد الموجب لصحة الأمر الأول، بأن يأمره به لمصلحة لم تحصل، فيبدو له ما يوجب رجوعه عنه. اهـ.
5 الآية 2 من النور.
6 في ش ع ب: لأن.
7 أي في قوله تعالى: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء/15] .(3/537)
وَالرَّجْمَ1.
وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ: إنَّ الْحَبْسَ فِي الآيَةِ لَمْ يُنْسَخْ؛ لأَنَّ النَّسْخَ أَنْ يَرِدَ لَفْظٌ عَامٌّ يُتَوَهَّمُ دَوَامُهُ، ثُمَّ يَرِدَ مَا يَرْفَعُ بَعْضَهُ، وَالآيَةُ لَمْ تَرِدْ بِالْحَبْسِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَإِنَّمَا وَرَدَتْ بِهِ إلَى غَايَةٍ، هِيَ2 أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً فَأَثْبَتَتْ3 الْغَايَةَ، فَوَجَبَ الْحَدُّ بَعْدَ الْغَايَةِ بِالْخَبَرِ4. اهـ.
"وَيُنْسَخُ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ "إنْشَاءٌ، وَلَوْ" كَانَ الإِنْشَاءُ "بِلَفْظِ قَضَاءٍ5" فِي الأَصَحِّ نَحْوَ "قَضَى اللَّهُ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ6" مَثَلاً، ثُمَّ يَنْسَخُهُ7 وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ8.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا يَجُوزُ نَسْخُهُ؛ لأَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لا يَتَغَيَّرُ، نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَنْ لا تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ} 9
"أَوْ" كَانَ الإِنْشَاءُ "خَبَرًا" يَعْنِي أَنَّهُ يُنْسَخُ الإِنْشَاءُ وَلَوْ كَانَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ
__________
1 العدة 3/786.
2 ساقطة من ع.
3 في ش: فأثبتت.
4 العدة 2/800.
وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن نص أبي يعلى هذا لا يمثل رأيه، وليس قولاً له، بل هو حكاية عن غيره بدأه بكلمة "وقيل". أما قوله فقد سبق النص المشار إليه، وهو أن حد الزاني البكر منسوخ بقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} الآية. وحد الزاني المحصن منسوخ بآية الرجم التي نسخ رسمها. "انظر العدة 3/799 وما بعدها".
5 في ش: قضى.
6 في ع: يوم عاشوراء.
7 في ب: نسخه.
8 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/84ن الآيات البينات 3/153.
9 الآية 23 من الإسراء.(3/538)
سَوَاءٌ كَانَ بِمَعْنَى الأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ، نَحْوَ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} 1 وَنَحْوَ: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} 2.
قَالَ الْجُمْهُورُ: يَجُوزُ نَسْخُهُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ الإِنْشَاءُ3.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الدَّقَّاقُ4: يَمْتَنِعُ نَسْخُهُ بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ5.
"أَوْ قُيِّدَ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ الإِنْشَاءُ6 "بِتَأْبِيدٍ" أَيْ بِلَفْظِ تَأْبِيدٍ "أَوْ" بِلَفْظِ "حَتْمٍ" نَحْوَ "صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ أَبَدًا، أَوْ دَائِمًا7، أَوْ مُسْتَمِرًّا، أَوْ حَتْمًا".
وَجَوَازُ نَسْخِهِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ8.
__________
1 الآية 228 من البقرة.
2 الآية 233 من البقرة.
3 انظر تفصيل المسالة في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/85، شرح تنقيح الفصول ص209، الإحكام للآمدي 3/145، الآيات البينات 3/153، المسودة ص196، العدة 3/825، أدب القاضي 1/338، اللمع ص31، إرشاد الفحول ص188، الإحكام لابن حزم 4/449، المحصول ج1ق3/486 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/195، فواتح الرحموت 2/75".
4 هو محمد بن محمد بن جعفر الدقاق الشافعي، الفقيه الأصولي القاضي، المعروف بابن الدقاق –نسبة إلى الدقيق وعمله وبيعه- ويلقب بـ "خباط" قال الخطيب البغدادي: "كان فاضلاً عالماً بعلوم كثيرة، وله كتاب في الأصول في مذهب الشافعي، وكانت فيه دعابة". ولد سنة 306هـ وتوفي عام 392 هـ، "انظر ترجمته في الوافي بالوفيات 1/116، النجوم الزاهرة 4/206، طبقات الشافعية للأسنوي 1/52، تاريخ بغداد 3/229".
5 أي لكون لفظه لفظ الخبر، والخبر لا يبدل، قال البناني: ولا يخفى ضعف هذا التمسك، لأن ذلك في الخبر حقيقة، لا فيما صورته صورة الخبر، والمراد منه الإنشاء. "البناني على شرح جمع الجوامع 2/85".
6 في ب: أي الإنشاء.
7 في ض ب: دواماً.
8 انظر "المحصول ج1ق3/491، فواتح الرحموت 2/68، فتح الغفار 2/131، أصول السرخسي 2/60، كشف الأسرار 3/164، البرهان 2/1298، شرح العضد 2/192، المسودة ص195، أدب القاضي 1/338، شرح تنقيح الفصول ص310، الإحكام للآمدي 3/134، التبصرة ص255، حاشية البناني 2/85، الآيات البينات 3/153، التلويح على التوضيح 2/33، إرشاد الفحول ص186، المعتمد للبصري 1/413".(3/539)
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْحَنَفِيَّةِ قَالُوا1 لِمُنَاقَضَتِهِ الأَبَدِيَّةِ2، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى الْبَدَاءِ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ لا الدَّوَامُ، كَمَا تَقُولُ: لازِمْ غَرِيمَك أَبَدًا، وَإِنَّمَا تُرِيدُ لازِمْهُ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ هُنَا3 لا تَخْلُ بِهِ إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ وَقْتُهُ.
وَكَمَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومٍ مُؤَكَّدٍ بِكُلٍّ وَيَمْنَعُ التَّأْبِيدَ عُرْفًا، وَبِالإِلْزَامِ4 بِتَخْصِيصِ5 عُمُومٍ مُؤَكَّدٍ، وَالْجَوَابُ وَاحِدٌ.
قَالُوا: إذَا كَانَ الْحُكْمُ لَوْ أُطْلِقَ الْخِطَابُ مُسْتَمِرًّا إلَى النَّسْخِ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي التَّقْيِيدِ بِالتَّأْبِيدِ؟
قُلْنَا: فَائِدَتُهُ التَّنْصِيصُ وَالتَّأْكِيدُ، وَأَيْضًا فَلَفْظُ6 "الأَبَدِ" إنَّمَا مَدْلُولُهُ الزَّمَانُ الْمُتَطَاوِلُ.
وَلا فَرْقَ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ بَيْنَ كَوْنِ الْجُمْلَةِ فِعْلِيَّةً، نَحْوَ صُومُوا أَبَدًا، أَوْ اسْمِيَّةً، نَحْوَ الصَّوْمُ وَاجِبٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا
__________
1 في ش: قال.
2 في ع: الآية.
3 في ش: به.
4 في ش وبالالتزام.
5 في ع: يتخصص.
6 في ع: ولفظ.(3/540)
وَوَقَعَ فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ1 مَا يَحْتَمِلُ خِلافَ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ: الْجُمْهُورُ عَلَى2 جَوَازِ نَسْخِ مِثْلِ: صُومُوا أَبَدًا بِخِلافِ: الصَّوْمُ "وَاجِبٌ"3 مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا4 اهـ.
وَاخْتَلَفَ شَارِحَاهُ الأَصْفَهَانِيُّ وَالْعَضُدُ فِي حَلِّ لَفْظِهِ، وَوَافَقَ ابْنُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ5 من6 احْتِمَالِ كَلامِهِ لِمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ.
"وَيَجُوزُ" "نَسْخُ إيقَاعِ الْخَبَرِ" الَّذِي أُمِرَ الْمُكَلَّفُ بِالإِخْبَارِ بِهِ "حَتَّى بِنَقِيضِهِ" أَيْ نَقِيضِ الْخَبَرِ الأَوَّلِ7، خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ8.
قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ، فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ: نَسْخُ الْخَبَرِ لَهُ صُورَتَانِ، إحْدَاهُمَا: نَسْخُ إيقَاعِ الْخَبَرِ، بِأَنْ يُكَلِّفَ الشَّارِعُ أَحَدًا بِأَنْ يُخْبِرَ بِشَيْءٍ9 عَقْلِيٍّ أَوْ
__________
1 وكذا وقع في عبارة مسلم الثبوت، وقد علل مؤلفه وشارحه منع النسخ في "الصوم واجب مستمر أبداً" بأنه نص مؤكد لا احتمال فيه لغيره، فلا يصح انتساخه. "فواتح الرحموت 2/68".
2 ساقطة من ز ع ض ب.
3 زيادة من مختصر ابن الحاجب.
4 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/192.
5 قال العضد في شرح كلام ابن الحاجب المشار إليه: "أقول: الحكم المقيد بالتأبيد إن كان التأبيد يداً في الفعل مثل أن يقول "صوموا أبداً" فالجمهور على جواز نسخه، وإن كان التأبيد قيداً للوجوب وبياناً لمدة بقاء الوجوب واستمراره، فإن كان نصاً مثل أن يقول "الصوم واجب مستمر أبداً" لم يقبل خلافه، والإ قبل، وجمل ذلك على مجازه". "شرح العضد 2/192".
6 في ش: في.
7 انظر "الآيات البينات للعبادي 3/154، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/85، فواتح الرحموت 2/75، الإحكام للآمدي 3/144، شرح البدخشي 2/176".
8 انظر المعتمد للبصري 1/421.
9 في ش ع ز ض ب: بشيء من.(3/541)
عَادِيٍّ، "أَوْ شَرْعِيٍّ"1 كَوُجُودِ الْبَارِي، وَإِحْرَاقِ النَّارِ، وَإِيمَانِ زَيْدٍ ثُمَّ يَنْسَخَهُ, فَهَذَا جَائِزٌ اتِّفَاقًا.
وَهَلْ يَجُوزُ نَسْخُهُ بِنَقِيضِهِ "أَيْ بِأَنْ يُكَلِّفَهُ الإِخْبَارَ بِنَقِيضِهِ"2؟ الْمُخْتَارُ جَوَازُهُ، خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَمَبْنَاهُ عَلَى3 أَصْلِهِمْ فِي حُكْمِ الْعَقْلِ؛ لأَنَّ أَحَدَهُمَا كَذِبٌ، فَالتَّكْلِيفُ بِهِ قَبِيحٌ. وَقَدْ عَلِمْت فَسَادَهُ4.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: الثَّالِثُ: أَنْ يُرَادَ مَعَ نَسْخِهِ التَّكْلِيفُ بِالإِخْبَارِ بِضِدِّ الأَوَّلِ، إلاَّ أَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ مِمَّا لا يَتَغَيَّرُ كَالإِخْبَارِ بِكَوْنِ السَّمَاءِ فَوْقَ الأَرْضِ، يُنْسَخُ بِالإِخْبَارِ بِأَنَّ السَّمَاءَ تَحْتَ الأَرْضِ. وَذَلِكَ جَائِزٌ وَخَالَفَ الْمُعْتَزِلَةُ فِيهِ، كَمَا قَالَ الآمِدِيُّ5، مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا6 كَذِبٌ، وَالتَّكْلِيفُ بِهِ قَبِيحٌ، فَلا يَجُوزُ عَقْلاً. وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ الْبَاطِلَةِ فِي التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْكَذِبُ نَقْصٌ، وَقَبَّحَهُ بِالْعَقْلِ بِاتِّفَاقٍ، فَلِمَ لا يَمْتَنِعُ؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْقُبْحَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِفَاعِلِهِ لا لاعْتِبَارِ7 التَّكْلِيفِ بِهِ بَلْ إذَا كُلِّفَ بِهِ صَارَ جَائِرًا فَلا يَكُونُ قَبِيحًا8، إذْ لا حُسْنَ وَلا قُبْحَ إلاَّ بِالشَّرْعِ، لا سِيَّمَا
__________
1 زيادة من شرح العضد.
2 زيادة من شرح العضد.
3 ساقطة من شرح العضد.
4 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/195.
5 في كتابه الإحكام في أصول الأحكام 3/144.
6 في ز: إحداهما.
7 في ش: باعتبار. وفي ض: لا اعتبار.
8 في ع ض ب: نسخاً.(3/542)
إذَا تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ شَرْعِيٌّ، فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ يَكُونُ حَسَنًا. اهـ.
"وَ" لا يَجُوزُ نَسْخُ "مَدْلُولِ خَبَرٍ" إجْمَاعًا حَكَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ1. وَابْنُ بُرْهَانٍ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ "لا يَتَغَيَّرُ كَصِفَاتِ اللَّهِ" سُبْحَانَهُ وَ "تَعَالَى، وَخَبَرِ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ" وَأَخْبَارِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلامُ، وَأَخْبَارِ الأُمَمِ السَّالفةِ2 وَالإِخْبَارِ عَنْ السَّاعَةِ وَأَمَارَاتِهَا3.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَنَسْخُ مَدْلُولِ خَبَرٍ لا يَتَغَيَّرُ مُحَالٌ4 إجْمَاعًا.
"أَوْ" مَدْلُولِ "خَبَرٍ" يَتَغَيَّرُ "كَإِيمَانِ زَيْدٍ وَكُفْرِهِ مَثَلاً" يَعْنِي فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ نَسْخُهُ أَيْضًا عَلَى الأَصَحِّ. وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ5.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: مَنَعَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَالأُصُولِيِّينَ. اهـ.
__________
1 في ش: البروزي.
2 في ش: السابقة.
3 وذلك لأنه بفضي إلى الكذب، حيث يخبر بالشيء ثم بنقيضه، وذلك محال على الله تعالى. انظر تحقيق المسألة في "المسودة ص196، العدة 3/825، شرح تنقيح الفصول ص309، المحصول ج1 ق3/486، اللمع ص31، إرشاد الفحول ص188، الإحكام للآمدي 3/144، المعتمد للبصري 1/419، فواتح الرحموت 1/75، نهاية السول 2/178، شرح البدخشي 2/176، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/86، الآيات البينات 3/154، فتح الغفار 2/131، التلويح على التوضيح 2/33، أصول السرخسي 2/59، كشف الأسرار 3/163، الإيضاح لمكي بن أبي طالب ص57".
4 في ش: بحال.
5 انظر "شرح تنقيح الفصول ص309، المحصول ج1 ق3/486، إرشاد الفحول ص188، الإحكام للآمدي 2/144، فواتح الرحموت 2/75، نهاية السول 2/178، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/86 وما بعدها، الآيات البينات 3/154، كشف الأسرار 3/163".(3/543)
وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ1 وَجَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِنَا2 وَغَيْرِهِمْ3.
وَيَخْرُجُ عَلَيْهِ نَسْخُ الْمُحَاسَبَةِ بِمَا فِي النُّفُوسِ فِي قَوْله تَعَالَى: {إنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} 4 كَقَوْلِ5 جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ6، فَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ7 وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ8.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: النَّسْخُ يَجْرِي فِيمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَفْعَلُهُ؛ لأَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ، بِخِلافِ إخْبَارِهِ عَمَّا لا يَفْعَلُهُ، إذْ لا يَجُوزُ دُخُولُ الشَّرْطِ فِيهِ.
قَالَ: وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَ9 ابْنُ عُمَرَ النَّسْخَ، فِي قَوْله تَعَالَى10: {إنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} فَإِنَّهُ نَسَخَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِرَفْعِ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى11 حَدِيثِ النَّفْسِ اهـ.
__________
1 في المسودة ص197.
2 كالقاضي أبي يعلى في العدة 3/825.
3 كالرازي في المحصول ج1 ق3/486 والآمدي في الإحكام 3/145 وأبي الحسين البصري في المعتمد 1/419 والشوكاني في إرشاد الفحول ص188 وقد عزاه إلى الجمهور.
4 الآية 284 من البقرة، وقد نسخها قوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} الآية 286 من البقرة.
5 في ش: لقول.
6 انظر المسودة ص197، فتح القدير للشوكاني 1/306، الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص167، تفسير الطبري 3/95 وما بعدها، الدر المنثور للسيوطي 1/374.
7 صحيح مسلم 1/115.
8 صحيح البخاري 6/41.
9 في ش: تأويل. وفي ب: تول.
10 في ش: تعالى: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} .
11 ساقطة من ع ز ض ب.(3/544)
وَقِيلَ: يَجُوزُ نَسْخُ مَدْلُولِ خَبَرٍ يَتَغَيَّرُ إنْ كَانَ مُسْتَقْبَلاً1؛ لأَنَّ نَسْخَ الْمَاضِي يَكُونُ تَكْذِيبًا.
وَهَذَا التَّفْصِيلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ لا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ2.
وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْكَذِبَ يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْمَاضِي.
"إلاَّ خَبَرٍ عَنْ حُكْمٍ" نَحْوَ: هَذَا الْفِعْلُ جَائِزٌ، وَهَذَا الْفِعْلُ حَرَامٌ فَهَذَا يَجُوزُ نَسْخُهُ بِلا خِلافٍ؛ لأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إنْشَاءٌ قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ3.
"وَيَجُوزُ" "نَسْخٌ بِلا بَدَلٍ" عَنْ الْمَنْسُوخِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ4.
وَمَنَعَهُ جَمْعٌ وَنُقِلَ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ.
وَمَنَعَهُ بَعْضُ5 الْعُلَمَاءِ فِي الْعِبَادَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّسْخَ يَجْمَعُ6 مَعْنَى الرَّفْعِ وَالنَّقْلِ
__________
1 وهو قول الشيخ تقي الدين بن تيمية في المسودة ص197، والقاضي أبي يعلى في العدة 3/825 وما بعدها، والقاضي البيضاوي في المنهاج "نهاية السول 2/177، 179".
2 انظر إرشاد الفحول ص189، الإحكام للآمدي 3/144، فواتح الرحموت 2/75، نهاية السول 2/179، شرح البدخشي 2/177، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/86، الآيات البينات 3/154.
3 انظر شرح تنقيح الفصول ص309.
4 انظر تفصيل الكلام على هذه المسألة في "المحصول ج1 ق3/479، شرح تنقيح الفصول ص308، العدة 3/783، المعتمد للبصري 1/415، البرهان 2/1313، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/87، الإحكام للآمدي 3/135، اللمع ص32، إرشاد الفحول ص187، شرح البدخشي 2/174، نهاية السول 2/177، المسودة ص198، روضة الناظر ص82، المستصفى 1/119، شرح العضد 2/193، الآيات البينات 3/155، فواتح الرحموت 2/69".
5 ساقطة من ز.
6 في ع ض: بجميع.(3/545)
وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ -الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ- بِأَنَّهُ نَسْخُ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ أَمَامَ الْمُنَاجَاةِ، وَتَحْرِيمِ ادِّخَارِ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ1 كَانَ إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْفِطْرِ، فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرْ حَرِّمُ2 الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، وَإِتْيَانَ النِّسَاءِ إلَى اللَّيْلَةِ الآتِيَةِ ثُمَّ نُسِخَ3.
وَاحْتَجَّ الآمِدِيُّ أَنَّهُ لَوْ4 فُرِضَ وُقُوعُهُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مُحَالٌ5.
وَرَدَّهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ دَعْوَى6 قَالُوا: قَالَ تَعَالَى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} 7
رُدَّ الْخِلافُ فِي الْحُكْمِ لا فِي اللَّفْظِ8.
ثُمَّ لَيْسَ عَامٍّا9 فِي كُلِّ حُكْمٍ. ثُمَّ مُخَصَّصٌ10 بِمَا سَبَقَ ثُمَّ يَكُونُ نَسْخُهُ بِغَيْرِ بَدَلِ11 خَيْرًا، لِمَصْلَحَةٍ عَلِمَهَا.
ثُمَّ إنَّمَا تَدُلُّ
__________
1 في ش: بأنه نسخ.
2 في ش: يحرم.
3 صحيح البخاري 3/36.
4 في ش: أن.
5 أي في العقل. "الإحكام للآمدي 3/135".
6 أي القول بجواز النسخ بلا بدل.
7 الآية 106 من البقرة.
8 والمراد بالنسخ في الآية نسخ اللفظ: أي نأت بلفظ خير منها، لا بحكم خير من حكمها، وليس الخلاف في اللفظ، إنما الخلاف في الحكم، ولا دلالة عليه في الآية. "شرح العضد 2/193، إرشاد الفحول ص187".
9 في ش: بعام.
10 في ش: مخصص.
11 في ش: خبر المصلحة عليها، ثم إنها. وفي ع: خبراً لمصلحة علمها ثم إنما.(3/546)
الآيَةُ1 أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ، لا أَنَّهُ2 لا يَجُوزُ.
وَأَيْضًا الْمَصْلَحَةُ قَدْ تَكُونُ فِيمَا نُسِخَ، ثُمَّ تَصِيرُ الْمَصْلَحَةُ فِي عَدَمِهِ.
هَذَا عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُ الْمَصَالِحَ. وَأَمَّا عِنْدَ3 مَنْ لا يَعْتَبِرُهَا فَلا إشْكَالَ فِيهِ وَبِالْجُمْلَةِ4: قَالَ اللَّهُ5 تَعَالَى: {يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} .
قَالَ الْبَاقِلاَّنِيُّ6: كَمَا يَجُوزُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَرْفَعُ التَّكَالِيفَ كُلَّهَا, فَرَفْعُ7 بَعْضِهَا بِلا بَدَلٍ مِنْ بَابِ أَوْلَى.
"وَوَقَعَ" فِي قَوْلِ الأَكْثَرِ8.
وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَوَّلَ9.
وَالدَّلِيلُ10 عَلَى الْوُقُوعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الآيَاتِ.
__________
1 في ش: الآية على.
2 في ب: لأنه.
3 ساقطة من ع ز ض ب.
4 ساقطة من ز.
5 في ش: قال الله.
6 في ش: الباقلان.
7 في ز ض ب: ورفع.
8 انظر تفصيل المسألة في "المعتمد 1/461، العدة 3/783، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/87، الإحكام للآمدي 3/135، إرشاد الفحول ص187، شرط البدخشي 2/174، نهاية السول 2/176، أدب القاضي للماوردي 1/354، روضة الناظر ص82، المستصفى 1/119، شرح العضد 2/193، الآيات البينات 3/155، فواتح الرحموت 2/69".
9 في ش: وأدل.
10 في ش: دليل.(3/547)
وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ فِي ابْتِدَاءِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ1: وَلَيْسَ يُنْسَخُ فَرْضٌ أَبَدًا، إلاَّ2 أُثْبِتَ مَكَانَهُ فَرْضٌ، كَمَا نُسِخَتْ قِبْلَةُ بَيْتِ3 الْمَقْدِسِ, فَأُثْبِتَ مَكَانَهَا الْكَعْبَةُ4.
قَالَ الصَّيْرَفِيُّ فِي شَرْحِهِ: مُرَادُهُ أَنْ يُنْقَلَ مِنْ حَظْرٍ إلَى إبَاحَةٍ، أَوْ مِنْ إبَاحَةٍ إلَى حَظْرٍ أَوْ تَخْيِيرٍ عَلَى حَسَبِ أَحْوَالِ الْمَفْرُوضِ.
قَالَ: كَنَسْخِ الْمُنَاجَاةِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا فَرَضَ تَقْدِيمَ الصَّدَقَةِ، أَزَالَ ذَلِكَ بِرَدِّهِمْ إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، فَإِنْ شَاءُوا تَقَرَّبُوا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّدَقَةِ، وَإِنْ شَاءُوا نَاجَوْهُ مِنْ غَيْرِ صَدَقَةٍ.
قَالَ: فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: فَرْضٌ5 مَكَانَ فَرْضٍ فَتَفَهَّمْهُ6. اهـ.
فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ بِالْبَدَلِ أَعَمُّ مِنْ حُكْمٍ آخَرَ ضِدِّ الْمَنْسُوخِ كَالْقِبْلَةِ أَوْ الرَّدِّ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ شَرْعِ الْمَنْسُوخِ كَالْمُنَاجَاةِ، فَالْمَدَارُ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فِي7 الْمَنْسُوخِ فِي الْجُمْلَةِ، حَتَّى لا يُتْرَكُوا هَمْلاً بِلا حُكْمٍ فِي ذَلِكَ الْمَنْسُوخِ بِالْكُلِّيَّةِ، إذْ مَا فِي الشَّرِيعَةِ مَنْسُوخٌ إلاَّ وَقَدْ انْتَقَلَ عَنْهُ8 إلَى أَمْرٍ آخَرَ، وَلَوْ أَنَّهُ إلَى مَا9 كَانَ
__________
1 وهو عنوان الفصل في كتاب "الرسالة".
2 في ش: إلا إذا.
3 في ش: البيت.
4 الرسالة ص109.
5 ساقطة من ض.
6 في ش: نتفهمه.
7 في ش: بدلاً من.
8 في ض: منه.
9 في ز: لما.(3/548)
عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمْ1 يَتْرُكْ2 الرَّبُّ عِبَادَهُ هَمْلاً.
"وَ" َجُوزُ النَّسْخُ "بِأَثْقَلَ" مِنْ الْمَنْسُوخِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ.
قَدْ تَقَدَّمَ جَوَازُ النَّسْخِ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ، وَإِلَى بَدَلٍ فَإِذَا كَانَ إلَى بَدَلٍ، فَالْبَدَلُ: إمَّا مُسَاوٍ، أَوْ أَخَفُّ، أَوْ أَثْقَلُ، وَالأَوَّلانِ جَائِزَانِ بِاتِّفَاقٍ.
فَمِثَالُ الْمُسَاوِي: نَسْخُ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ.
وَمِثَالُ الأَخَفِّ: وُجُوبُ مُصَابَرَةِ الْعِشْرِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِمِائَتَيْنِ مِنْ الْكُفَّارِ، وَالْمِائَةِ أَلْفًا فِي الآيَةِ3.
نُسِخَ بِقَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ} 4.
فَأَوْجَبَ مُصَابَرَةَ الضِّعْفِ، وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الأَوَّلِ5. وَمِثْلُهُ نَسْخُ الْعِدَّةِ بِالْحَوْلِ فِي الْوَفَاةِ بِالْعِدَّةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
وَأَمَّا النَّسْخُ بِالأَثْقَلِ: فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلافِ6، وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَوَازِ7.
__________
1 في ب: فلا.
2 في ز ض ب: يغادر.
3 في ض: بالآية. وفي ش ز: والآية المشار إليها هي 65 من الأنفال.
4 الآية 66 من الأنفال.
5 انظر الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص96، أحكام القران لابن العربي 2/877، الجهاد لابن المبارك ص174، الرسالة للشافعي ص127، صحيح البخاري 6/78، المحصول ج1 ق3/463.
6 في ش: خلاف.
7 خلافاً لبعض الظاهرية وبعض الشافعية. انظر كلام الأصوليين في هذه المسألة في "روضة الناظر ص82، التبصرة ص258، المسودة ص201، العدة 3/785، الإيضاح ص96، أدب القاضي للماوردي 1/354، شرح تنقيح الفصول ص308، الإحكام لابن حزم 4/466، أصول السرخسي 2/62، المحصول ج1 ق3/480، المعتمد 1/416، نهاية السول 2/177، شرح البدخشي2/174، إرشاد الفحول ص188، اللمع ص32ن المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/87، الآيات البينات 3/154، الإحكام للآمدي 3/137، شرح العضد 2/193، فواتح الرحموت 2/71، المستصفى 1/120، كشف الأسرار 3/187، الإشارات للباجي ص65، التلويح على التوضيح 2/36".(3/549)
وَدَلِيلُ وُقُوعِهِ: أَنَّ الْكَفَّ عَنْ الْكُفَّارِ كَانَ وَاجِبًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَعْ أَذَاهُمْ} 1 فَنُسِخَ بِإِيجَابِ الْقِتَالِ وَهُوَ أَثْقَلُ2، أَيْ أَكْثَرُ مَشَقَّةً.
وَكَذَا3 نَسْخُ وُجُوبِ4 صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ5، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا6.
وَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبِهِ الأَثْرَمِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، وَإِنَّمَا كَانَ مُتَأَكِّدَ الاسْتِحْبَابِ، وَبِهِ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ7.
__________
1 الآية 48 من الأحزاب.
2 في ض ب: أثقل فهو محل الخلاف.
3 في ش: ولكن.
4 ساقطة من ش.
5 حيث روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض شهر رمضان قال "من شاء صامه ومن شاء تركه". "انظر صحيح البخاري 3/57، صحيح مسلم 2/792، الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ص134، الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص123".
6 انظر مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 2/551.
7 انظر المغني لابن قدامة 3/104، المجموع شرح المهذب 6/383.(3/550)
"وَ" يَجُوزُ "تَأْبِيدُ تَكْلِيفٍ بِلا غَايَةٍ" وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْجَزَاءِ وَجَوَّزَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَأَنَّهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ وَالأَشْعَرِيَّةِ، وَخَالَفَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالْمُعْتَزِلَةُ1.
قَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ، وَتَبِعَهُ مَنْ بَعْدَهُ: يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ دَائِمًا إلَى غَيْرِ غَايَةٍ فَيَقُولُ: صَلُّوا مَا بَقِيتُمْ أَبَدًا, وَصُومُوا رَمَضَانَ مَا حَيِيتُمْ "أَبَدًا"2، فَيَقْضِي الدَّوَامَ مَعَ بَقَاءِ التَّكْلِيفِ وَبِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ وَالأَشَاعِرَةُ مِنْ الأُصُولِيِّينَ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِهِ3.
قَالَ الْمَجْدُ: وَمَنَعَتْ الْمُعْتَزِلَةُ مِنْهُ4، وَقَالُوا: مَتَى وَرَدَ اللَّفْظُ بِذَلِكَ لَمْ يَقْتَضِ الدَّوَامَ، وَإِنَّمَا هُوَ حَثٌّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْفِعْلِ5.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ "لا يَمْنَعُونَ الدَّوَامَ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا"6 يَمْنَعُونَ7 الدَّوَامَ مُطْلَقًا وَيَقُولُونَ: لا بُدَّ8 مِنْ دَارِ ثَوَابٍ غَيْرِ دَارِ التَّكْلِيفِ وُجُوبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَيَكُونُ قَوْلُهُ " أَبَدًا9 " مَجَازًا، وَمُوجَبُ10 قَوْلِهِمْ: أَنَّ الْمَلائِكَةَ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ وَقَدْ اسْتَدَلَّ ابْنُ عَقِيلٍ بِاسْتِعْبَادِ11 الْمَلائِكَةِ،
__________
1 انظر المسودة ص80، العدة 2/398.
2 زيادة من المسودة.
3 المسودة ص55.
4 ساقطة من ض ب.
5 المسودة ص55.
6 زيادة من المسودة.
7 في ش ز ب: لا يمنعون.
8 في ش: لا بد له.
9 في ز: هذا.
10 في ش: فوجب.
11 في ش: باستبعاد.(3/551)
وَإِبْلِيسَ1.
"تَنْبِيهٌ":
"لَمْ تُنْسَخْ إبَاحَةٌ إلَى إيجَابٍ وَلا إلَى كَرَاهَةٍ" قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: رَأَيْت ذَلِكَ فِي بَعْضِ كُتِبَ أَصْحَابِنَا.
__________
1 المسودة ص55.(3/552)
فصل يجوز نسخ التلاوة دون الحكم ونسخ الحكم دون التلاوة ونسخهما معا:
"يَجُوزُ نَسْخُ1 التِّلاوَةِ" أَيْ تِلاوَةِ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ "دُونَ الْحُكْمِ" الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْكَلِمَاتُ الْمَنْسُوخَةُ "وَعَكْسِهِ" أَيْ نَسْخِ الْحُكْمِ دُونَ التِّلاوَةِ، خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ "وَهُمَا" أَيْ التِّلاوَةُ وَالْحُكْمُ مَعًا2.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَمْ تُخَالِفْ3 الْمُعْتَزِلَةُ فِي نَسْخِهِمَا مَعًا4، خِلافًا لِمَا حَكَاهُ الآمِدِيُّ5 عَنْهُمْ. اهـ.
وَأَمَّا نَسْخُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ: فَمُمْتَنِعٌ بِالإِجْمَاعِ؛ لأَنَّهُ مُعْجِزَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
1 ساقطة من ش.
2 انظر تفصيل المسألة في "العدة 3/780، فتح الغفار 2/13، أدب القاضي للماوردي 1/349، المسودة ص198، كشف الأسرار 3/188، المعتمد 1/418، فواتح الرحموت 2/73، روضة الناظر ص74، الإحكام للآمدي 3/141، المحصول ج1 ق3/482، إرشاد الفحول ص189، الإيضاح ص58، أصول السرخسي 2/78، شرح تنقيح الفصول ص309، المستصفى 1/123، شرح العضد 2/194، الإشارات للباجي ص66، التلويح على التوضيح 2/36".
3 في ز ض: يخالف.
4 نقل ابن مفلح مذهب المعتزلة بجواز نسخ الحكم والتلاوة معاً نقل سليم بخلاف نقل المصنف عنهم في السطر السابق عدم تجويز نسخ التلاوة دون الحكم وعكسه، حيث إنهم يجوزونه في الصور الثلاثة، يدل لذلك ما أقره أبو الحسين البصري المعتزلي في المعتمد"1/418" من جواز نسخ التلاوة دون الحكم وعكسه وجواز نسخ التلاوة والحكم معاً، ولهذا لما حكى الآمدي في الإحكام "3/141" القول بعدم جواز نسخ التلاوة والحكم معاً عزاه لطائفة شاذة من المعتزلة لا إلى مذهبهم وجمهورهم، وكذلك فعل ابن الحاجب في عزوه ذلك القول المخالف إلى بعض المعتزلة. "شرح العضد 2/194".
5 الإحكام في أصول الأحكام 3/141.(3/553)
الْمُسْتَمِرَّةُ عَلَى التَّأْبِيدِ1.
قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} 2 أَيْ لا يَأْتِيه مَا يُبْطِلُهُ.
ثُمَّ فِي كَيْفِيَّةِ وُقُوعِ النَّسْخِ فِي بَعْضِهِ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ:
مَا نُسِخَتْ تِلاوَتُهُ، وَحُكْمُهُ بَاقٍ.
وَمَا نُسِخَ حُكْمُهُ فَقَطْ, وَتِلاوَتُهُ بَاقِيَةٌ.
وَمَا جُمِعَ فِيهِ نَسْخُ التِّلاوَةِ وَالْحُكْمِ.
مِثَالُ الأَوَّلِ: مَا رَوَاهُ مَالِكٌ3 وَالشَّافِعِيُّ4 وَابْنُ مَاجَهْ5 عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إيَّاكُمْ أَنْ تَهْلِكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ، أَوْ6 يَقُولَ قَائِلٌ: لا نَجِدُ حَدَّيْنِ7 فِي كِتَابِ اللَّهِ؛ فَلَقَدْ8 رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَرَجَمْنَا"9 وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، لأَثْبَتُّهَا10: "الشَّيْخُ
__________
1 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/76، فواتح الرحموت 2/73، نهاية السول 2/170، وقد خالف في هذه المسألة مكي بن أبي طالب في كتابه "الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه" ص59، فقال: "اعلم أنه جائز أن ينسخ الله جميع القرآن، بأن يرفعه من صدور عباده، ويرفع حكمه بغير عوض..الخ".
2 الآية 42 من فصلت.
3 الموطأ 2/824.
4 ترتيب مسند الإمام الشافعي 2/81.
5 سنن ابن ماجه 2/853.
6 في الموطأ: أن. وفي مسند الشافعي: وأن.
7 في رواية الشافعي: حد الرجم.
8 في الموطأ: فقد. وفي مسند الشافعي: لقد.
9 زيادة من رواية الموطأ ومسند الشافعي.
10 في الموطأ ومسند الشافعي: لكتبتها.(3/554)
وَالشَّيْخَةُ1 إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا".
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ2 عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ: آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا "وَوَعَيْنَاهَا"3 وَعَقَلْنَاهَا، وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ فِي قَوْلِهِ: "الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ": الْمُحْصَنَانِ حَدُّهُمَا الرَّجْمُ بِالإِجْمَاعِ.
وَقَدْ تَابَعَ عُمَرَ جَمْعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، كَأَبِي ذَرٍّ، فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ "أَنَّهَا كَانَتْ فِي سُورَةِ الأَحْزَابِ" وَالْمُرَادُ: بِمَا قَضَيَا مِنْ اللَّذَّةِ.
فَهَذَا الْحُكْمُ فِيهِ بَاقٍ، وَاللَّفْظُ مُرْتَفِعٌ، لِرَجْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا4 وَالْغَامِدِيَّةِ5 وَالْيَهُودِيِّينَ6.
وَمِثَالُ الثَّانِي: -وَهُوَ مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَبَقِيَ لَفْظُهُ، عَكْسُ7 الَّذِي قَبْلَهُ- آيَةُ الْمُنَاجَاةِ وَالصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيْهَا، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهَذِهِ الآيَةِ إلاَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
__________
1 قال مالك في الموطأ "2/824": قوله "الشيخ والشيخة" يعني الثيب والثيبة.
2 صحيح البخاري 8/209، صحيح مسلم 3/1317.
3 زيادة من رواية البخاري ومسلم.
4 في ض ب: ماعز. وحديث رجم الرسول صلى الله عليه وسلم ماعزاً سبق تخريجه في ص224.
5 حديث رجم الغامدية أخرجه مسلم وأبو داود وأحمد عن بريدة رضي الله عنه. "انظر صحيح مسلم 3/1322، سنن أبي داود 2/462، نيل الأوطار 7/123".
6 حديث رجم اليهوديين أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنه. "انظر صحيح البخاري 8/205، صحيح مسلم 3/1326، سنن أبي داود 2/463، سنن ابن ماجه 2/854، نيل الأوطار 8/104".
7 في ش: وهو عكس.(3/555)
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ1.
فَفِي التِّرْمِذِيِّ: عَنْهُ2 أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا تَرَى، دِينَارًا" 3؟ قَالَ: لا يُطِيقُونَهُ، قَالَ: "نِصْفُ دِينَارٍ"؟ قَالَ: لا يُطِيقُونَهُ، قَالَ "مَا تَرَى"؟ قَالَ شَعِيرَةٌ: قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّك لَزَهِيدٌ".
قَالَ عَلِيٌّ: حَتَّى4 خَفَّفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ بِتَرْكِ الصَّدَقَةِ5.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ "شَعِيرَةٌ" أَيْ "وَزْنُ شَعِيرَةٍ"6 مِنْ ذَهَبٍ.
وَرَوَى الْبَزَّارُ7 عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ8 عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ "مَا عَمِلَ بِهَا
__________
1 انظر الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص368، أسباب النزول للواحدي ص235، فتح القدير للشوكاني 5/191، الدر المنثور 6/185.
2 ساقطة من ش.
3 في ش: دينار.
4 في رواية الترمذي: فهي.
5 ونص الحديث في سنن الترمذي: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما نزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} المجادلة/12 قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ترى؟ ديناراً". قال: لا يطيقونه. قال: "فنصف دينار"؟ قلت: لا يطيقونه. قال: "فكم"؟ قلت: شعيرة. قال: "إنك لزهيد". قال: فنزلت {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} الآية "المجادلة/13" قال: فبي خفف الله عن هذه الأمة. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه. "سنن الترمذي مع شرح عارضة الأحوذي 12/186" وقد ذكر الشوكاني هذا الحديث وقال عنه إنه أخرجه أيضاً ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والنحاس وابن مردويه عن علي رضي الله عنه. "فتح القدير 5/191".
6 زيادة من كلام الترمذي في سننه.
7 هو أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري، أبو بكر، الحافظ المعروف صاحب المسند الكبير. قال الدارقطني: ثقة يخطيء ويتكل على حفظه، وقال في المغني: صدوق. توفي سنة 292 هـ "انظر ترجمته في شذرات الذهب 2/209، طرح التثريب 1/30، تذكرة الحفاظ 2/653".
8 هو عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري الصنعاني، أبو بكر، العلامة الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، وروى عن أبيه وابن جريج ومعمر وسفيان ومالك والأوزاعي وخلائق، وروى عنه الأئمة أحمد وإسحاق وابن معين وابن المديني وخلائق، قيل لأحمد: أرأيت أحسن حديثاً منه؟ قال: لا. وقال: من سمع منه بعد ما ذهب بصره، فهو ضعيف السماع، كان يلقن بعدما عمي. ولد سنة 126هـ، وتوفي سنة211هـ. "انظر ترجمته في طرح التثريب 1/78، شذرات الذهب 2/27، شرح علل الترمذي لابن لاجب2/585، تاريخ يحيى بن معين 2/363، تذكرة الحفاظ 1/364".(3/556)
أَحَدٌ غَيْرِي حَتَّى نُسِخَتْ" وَأَحْسَبُهُ قَالَ "وَمَا كَانَتْ إلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ"1.
وَمِثَالٌ آخَرُ لِهَذَا الْقِسْمِ: الاعْتِدَادُ فِي الْوَفَاةِ بِالْحَوْلِ2، نُسِخَ بِقَوْله تَعَالَى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} 3 عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ4.
وَمِثَالُ الثَّالِثِ: -وَهُوَ مَا نُسِخَ لَفْظُهُ وَحُكْمُهُ مَعًا- مَا5 رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "كَانَ مِمَّا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ6 "عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ مُحَرِّمَاتٍ7" فَنُسِخَتْ8 بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ"9 فَلَمْ يَبْقَ لِهَذَا اللَّفْظِ حُكْمُ الْقُرْآنِ، لا فِي الاسْتِدْلالِ وَلا فِي غَيْرِهِ10.
__________
1 فتح القدير للشوكاني 5/191، الدر المنثور للسيوطي 6/185.
2 ساقطة من ض. والآية المنسوخة قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} البقرة /240.
3 الآية 224 من البقرة.
4 انظر أحكام القرآن للجصاص 1/414، فتح القدير للشوكاني 1/259، الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص153، الدر المنثور 1/309.
5 ساقطة من ض.
6 زيادة من صحيح مسلم.
7 ساقطة من ش ز. وفي صحيح مسلم: يحرمن.
8 في ش ع ب ز: فنسخن. وفي صحيح مسلم: ثم نسخن.
9 صحيح مسلم 2/1075.
10 انظر الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص44، 45، 60.(3/557)
فَلِذَلِكَ1 كَانَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا جَوَازَ مَسِّ الْمُحْدِثِ مَا نُسِخَ لَفْظُهُ، سَوَاءٌ نُسِخَ حُكْمُهُ أَوْ لا.
وَوَجْهُ ابْنِ عَقِيلٍ الْمَنْعُ لِبَقَاءِ2 حُرْمَتِهِ، كَبَيْتِ الْمَقْدِسِ نُسِخَ كَوْنُهُ قِبْلَةً، وَحُرْمَتُهُ بَاقِيَةٌ. وَالْجَوَازُ لِعَدَمِ حُرْمَةِ كَتْبِهِ فِي الْمُصْحَفِ.
وَوَجْهُ3 الْجَوَازِ فِي الْكُلِّ: أَنَّ التِّلاوَةَ حُكْمٌ، وَمَا تَعَلَّقَ بِهَا مِنْ الأَحْكَامِ: حُكْمٌ آخَرُ، فَجَازَ نَسْخُهُمَا، وَنَسْخُ أَحَدِهِمَا كَغَيْرِهِمَا4.
وَقَالَ الْمَانِعُونَ: التِّلاوَةُ مَعَ حُكْمِهَا مُتَلازِمَانِ، كَالْعِلْمِ مَعَ الْعَالَمِيَّةِ، وَالْحَرَكَةِ مَعَ التَّحْرِيكِيَّةِ5، وَالْمَنْطُوقِ مَعَ الْمَفْهُومِ6.
7رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْعَالَمِيَّةُ وَالْحَرَكَةَ هِيَ التَّحْرِيكِيَّةُ8 وَمُنِعَ أَنَّ الْمَنْطُوقَ لا يَنْفَكُّ عَنْ الْمَفْهُومِ.
سَلَّمْنَا الْمُغَايَرَةَ، وَأَنَّ الْمَنْطُوقَ لا يَنْفَكُّ9، فَالتِّلاوَةُ أَمَارَةُ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً لا دَوَامًا10، فَلا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهَا نَفْيُهُ، وَبِالْعَكْسِ.
__________
1 في ش: فكذلك.
2 في ش: ببقاء.
3 في ز ض ع: وجه.
4 انظر شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/1994.
5 في ش ز: التحركية.
6 انظر شرح العضد 2/194.
7 في ش: وذلك بإن العلم.
8 في ش: التحركية.
9 أي ولو سلمنا جدلاً بذلك، فلا يلزم من نسخ أحدهما دون الأخر الانفكاك. "شرح العضد 2/194".
10 قال العضد: "أي يدل ثبوت التلاوة على ثبوت الحكم، ولا يدل على دوامه، ولذلك فإن الحكم قد يثبت بها مرة واحدة، والتلاوة تتكرر أبداً، وإذا كان كذلك، فإن نسخ التلاوة وحدها، فهو نسخ لدوامها، وهو غير الدليل. وإذا نسخ الحكم وحده فهو نسخ للدوام، وهو غير مدلول، فلا يلزم إنفكاك الدليل والمدلول، بخلاف العالمية مع العلم والمنطوق مع المفهوم إن ثبتا لتلازمهما ابتداء ودوماً. "شرح العضد على ابن الحاجب 2/194".(3/558)
قَالُوا: بَقَاءُ التِّلاوَةِ1 يُوهِمُ بَقَاءَ الْحُكْمِ، فَيُؤَدِّي إلَى التَّجْهِيلِ2، وَإِبْطَالِ فَائِدَةِ الْقُرْآنِ3.
رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّحْسِينِ الْعَقْلِيِّ4 ثُمَّ لا جَهْلَ مَعَ الدَّلِيلِ لِلْمُجْتَهِدِ, وَفَرْضُ الْمُقَلِّدِ التَّقْلِيدُ5، وَالْفَائِدَةُ الإِعْجَازُ وَصِحَّةُ الصَّلاةِ6 بِهِ7.
"وَ" يَجُوزُ نَسْخُ "قُرْآنٍ، وَ" نَسْخُ "سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ بِمِثْلِهِمَا8، وَ" نَسْخُ "سُنَّةٍ بِقُرْآنٍ، وَ" نَسْخُ "آحَادٍ" مِنْ السُّنَّةِ، وَهِيَ الْحَدِيثُ غَيْرُ الْمُتَوَاتِرِ "بِمِثْلِهِ" أَيْ بِحَدِيثٍ غَيْرِ مُتَوَاتِرٍ "وَ" نَسْخُ آحَادٍ "بِمُتَوَاتِرٍ"9.
__________
1 أي دون الحكم. "شرح العضد 2/194".
2 وهو قبيح، فلا يقع من الله تعالى. "شرح العضد 2/194".
3 قال العضد: لا نحصار فائدة اللفظ في إفادة مدلوله، فإذا لم يقصد به ذلك، فقد بطلت فائدته، والكلام الذي لا فائدة فيه يجب أن ينزه عنه القرآن. "شرح العضد 2/194".
4 أي على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين، وهي باطلة.
5 أي لا يسلم قولهم بأنه يؤدي إلى التجهيل، قال العضد: لأنه إنما يكون كذلك لو لم ينصب عليه دليل، وأما إذا نصب فلا، إذا المجتهد يعلم بالدليل، والمقلد يعلم بالرجوع إليه، فينتفي الجهل. "شرح العضد 2/194".
6 في ض: ذلك.
7 هذا جواب على دعوى القائلين بان نسخ الحجم مع بقاء التلاوة يزيل فائدة القرآن، وذلك لقيام فائدته بكونه معجزاً بفصاحة لفظه، وكونه يتلى للثواب، وتصح به الصلوات.
8 في ع ض ب: بمثلها.
9 انظر تحقيق هذه المسائل في روضة الناظر ص84 وما بعدها، فواتح الرحموت2/76 وما بعدها كشف الأسرار 3/175 وما بعدها، الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص67 وما بعدها، الاعتبار للحازمي 24-29، التبصرة ص272ن شرح تنقيح الفصول ص311 وما بعدها، العدة.
3/802، المسودة ص205، أدب القاضي للماوردي 1/346 وما بعدها، فتح الغفار 2/133 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/79، الرسالة للشافعي ص106 وما بعدها، المستصفى 1/124، شرح العضد 2/195 وما بعدها، التلويح على التوضيح 2/34 وما بعدها، الإحكام لابن جزم 4/477، أصول السرخسي 2/67 وما بعدها، المحصول ج1 ق3/495 وما بعدها، اللمع ص32 وما بعدها، الآيات البينات 3/139، الإحكام للآمدي 3/146 وما بعدها، المعتمد 1/422 وما بعدها، إرشاد الفحول ص190، نهاية السول 2/181 وما بعدها، شرح البدخشي 2/179".(3/559)
أَمَّا مِثَالُ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ: فَنَسْخُ1 الاعْتِدَادِ بِالْحَوْلِ فِي الْوَفَاةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ2 كَمَا سَبَقَ.
وَأَمَّا مِثَالُ نَسْخِ مُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ بِمُتَوَاتَرِهَا: فَلا يَكَادُ يُوجَدُ؛ لأَنَّ كُلَّهَا آحَادٌ: وإمَّا3 فِي4 أَوَّلِهَا، وَإِمَّا5 فِي آخِرِهَا، وَإِمَّا مِنْ أَوَّلِ إسْنَادِهَا إلَى آخِرِهِ، مَعَ أَنَّ6 حُكْمَ نَسْخِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ جَائِزٌ عَقْلاً وَشَرْعًا.
7وَمِثَالُ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ مَا كَانَ مِنْ تَحْرِيمِ مُبَاشَرَةِ الصَّائِمِ أَهْلَهُ لَيْلاً نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى8: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ}
__________
1 في ز: نسخ.
2 في ض: وعشرا.
3 في ش: أو.
4 في: من.
5 في ش: أو في.
6 ساقطة من ض.
7 ساقطة من ش.
8 الآية 187 من البقرة. وانظر تحقيق المسألة في "أحكام القرآن للجصاص 1/226، الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص122، الاعتبار للحازمي ص138، فتح القدير للشوكاني 1/187".(3/560)
وَأَمَّا نَسْخُ الآحَادِ مِنْ السُّنَّةِ بِمِثْلِهَا فَكَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ1، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا" 2.
رَوَاهُ3 التِّرْمِذِيُّ بِزِيَادَةٍ: "فَإِنَّهَا4 تُذَكِّرُكُمْ5 الآخِرَةَ" وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ6.
وَوَجْهُ الشَّاهِدِ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُنْت نَهَيْتُكُمْ" فَصَرَّحَ بِأَنَّ النَّهْيَ مِنْ السُّنَّةِ، وَلَهُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ.
وَأَمَّا نَسْخُ الآحَادِ مِنْ السُّنَّةِ بِالْمُتَوَاتِرِ مِنْهَا: فَجَائِزٌ، وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ.
"وَ" يَجُوزُ "عَقْلاً لا شَرْعًا" نَسْخُ سُنَّةٍ "مُتَوَاتِرَةٍ بِآحَادٍ" عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا.
وَقَالَ الطُّوفِيُّ7 مِنْ أَصْحَابِنَا وَالظَّاهِرِيَّةُ8: يَجُوزُ.
__________
1 هو الصحابي الجليل بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي. أسلم قبل بدر ولم يشهدها، وكان فارساً شجاعاً، سكن المدينة ثم البصرة ثم مرو، وتوفي بها سنة 62هـ، وهو آخر من توفي من الصحابة بخراسان، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وأربعة وستون حديثاً. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 1/133، شذرات الذهب 1/70، اصد الغابة 1/209، طرح التثريب 1/36".
2 صحيح مسلم 2/672، وقد سبق تخريجه في ج2 ص554.
3 في ش: ورواه.
4 ساقطة من ع ز ض ب.
5 لفظ الترمذي: تذكر.
6 سنن الترمذي مع شرح عارضة الأحوذي 4/274.
7 مختصر الطوفي ص71، وقد تابع الطوفي في ذلك ابن قدامة في الروضة. "انظر الروضة ص86" وقد عللا رأيهما بجواز النسخ متواتر السنة بآحادها عقلاً بأنه لا يمتنع في العقل أن يقول الشارع تعبدتكم بالنسخ بخبر الواحد. أما شرعاً فلا يجوز لإجماع الصحابة على امتناعه.
8 الإحكام في أصول الأحكام لابن جزم 4/477.(3/561)
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ الْبَاجِيُّ، وَلَكِنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: لا يَجُوزُ بَعْدَهُ إجْمَاعًا1؛ لأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ الآحَادَ بِالنَّاسِخِ إلَى أَطْرَافِ الْبِلادِ.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْقُرْطُبِيُّ الْمَالِكِيُّ.
"وَ" يَجُوزُ أَيْضًا2 عَقْلاً لا شَرْعًا نَسْخُ "قُرْآنٍ بِمُتَوَاتِرٍ" مِنْ السُّنَّةِ، قَالَهُ الْقَاضِي3 وَغَيْرُهُ4.
وَقِيلَ: لا يَجُوزُ عَقْلاً.
قَالَ ابْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ مِنْهُمْ5 مَنْ مَنَعَهُ تَبَعًا لِلْقَدَرِيَّةِ فِي الأَصَحِّ. اهـ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ مَنْعُهُ.
وَهَذَا6 7الْخِلافُ فِي الْجَوَازِ عَقْلاً.
وَأَمَّا الْجَوَازُ شَرْعًا: فَالْمَشْهُورُ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْعُهُ8، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ9 وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ10، وَالظَّاهِرِيَّةُ11 وَغَيْرُهُمْ.
__________
1 الإشارات للباجي ص74، قال الباجي: "والدليل على ذلك ما ظهر من تحول أهل قباء إلى مكة بخبر واحد، فقد كانوا يعلمون استقبال بيت المقدس من دين النبي صلى الله عليه وسلم".
2 ساقطة من ز.
3 العدة 3/801.
4 انظر المسودة ص204، المعتمد للبصري 1/424، الإحكام للآمدي 3/153، اللمع ص33، أدب القاضي للماوردي 1/344.
5 في ز: منعهم.
6 في ش: فهذا.
7 في ش: الجواز في الخلاف.
8 انظر العدة 3/788، المسودة ص202، روضة الناظر ص84.
9 الرسالة للشافعي ص106.
10 انظر التبصرة ص264، أدب القاضي للماوردي 1/343.
11 حكاية المصنف عن الظاهرية أنهم يقولون بعدم جواز نسخ القرآن بمتواتر السنة شرعاً فيها نظر، وذلك لقول ابن حزم في "إحكامه": "وقال طائفة: والقرآن ينسخ بالقرآن وبالسنة، والسنة تنسخ بالقرآن وبالسنة، قال أبو محمد: وبهذا نقول وهو الصحيح، وسواء عندنا السنة المنقولة بأخبار الآحاد، كل ذلك ينسخ بعضه بعضاً، وينسخ الآيات من القرآن، وينسخه الآيات من القرآن" "الإحكام 4/477".(3/562)
وَقِيلَ: يَجُوزُ1، وَهُوَ رِوَايَةٌ2 عَنْ أَحْمَدَ3، وَاخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ4. وَالْمَالِكِيَّةِ5 وَغَيْرِهِمْ6 وَهُوَ الَّذِي نَصَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَحَكَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ7.
"وَيُعْتَبَرُ" لِصِحَّةِ النَّسْخِ "تَأَخُّرُ8 نَاسِخٍ" عَنْ مَنْسُوخٍ، وَإِلاَّ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ اسْمُ نَاسِخٍ.
"وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ" أَيْ مَعْرِفَةِ تَأَخُّرِ النَّاسِخِ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: "الإِجْمَاعُ" عَلَى أَنَّ هَذَا نَاسِخٌ9 لِهَذَا، كَالنَّسْخِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ سَائِرَ
__________
1 ساقطة من ب.
2 في ب: في رواية.
3 انظر المسودة ص202.
4 انظر كشف الأسرار 3/157 وما بعدها، أصول السرخسي 2/67 وما بعدها، فتح الغفار 2/134، التلويح على التوضيح 2/34ن فواتح الرحموت 2/78.
5 انظر الإشارات للباجي ص71، شرح تنقيح الفصول ص313.
6 انظر "الاعتبار للحازمي ص26وما بعدها، الإيضاح لمكي بن أبي طالب ص68، المسودة ص202، التبصرة ص265، البرهان 2/1107، روضة الناظر ص84، المعتمد 1/429، 2/1014، اللمع ص33، المحصول ج1 ق3/519، الإحكام للآمدي 3/153ن المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/78، الآيات البينات 3/139، إرشاد الفحول ص191، نهاية السول 2/181، شرح البدخشي 2/179، المستصفى 1/124".
7 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/197.
8 في ز: تأخير.
9 في ز: النسخ.(3/563)
الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ1.
وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ2: أَنَّ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ3 قَالَ لِحُذَيْفَةَ أَيُّ سَاعَةٍ تَسَحَّرْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: هُوَ النَّهَارُ، إلاَّ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ4 وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ يُحَرِّمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، مَعَ بَيَانِ ذَلِكَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا} الآيَةَ5.
قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي مِثْلِ هَذَا: إنَّ الإِجْمَاعَ مُبَيِّنٌ لِلْمُتَأَخِّرِ، وَإِنَّهُ نَاسِخٌ لا6 إنَّ الإِجْمَاعَ هُوَ النَّاسِخُ.
__________
1 انظر "العدة 3/، الاعتبار للحازمي ص، إرشاد الفحول ص197، الآيات البينات 3/167، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/93، العضد على ابن الحاجب 2/196، اللمع ص34، أدب القاضي للماوردي 1/364، الإحكام للآمدي 3/181، روضة الناظر ص89، مختصر الطوفي ص83، فتح الغفار 2/136، فواتح الرحموت 2/95، المستصفى 1/128".
2 هو أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد، أبو بكرن الخطيب البغدادي، الحافظ الكبير، أحد الأئمة الأعلام، وصاحب التصانيف القيمة الكثيرة، من أهم كتبه "تاريخ بغداد" و "الكفاية في علم الرواية" و "موضع أوهام الجمع والتفريق" و "تقييد العلم" توفي سنة 463هـ "انظر ترجمته في شذرات الذهب 3/311، طبقات الشافعية للسبكي 4/29، طبقات الشافعية للأسنوي 1/201، الفكر السامي 2/329، النجوم الزاهرة 5/87، تبيين كذب المفتري ص268".
3 هو زر بن حبيش بن حباشة بن أوس الأسدي الكوفي، التابعي الكبير، المخضرم، قال النووي: "أدرك الجاهلية، وسمع عمر وعثمان وعلياً وابن مسعود وآخرين من كبار الصحابة، وروى عنه جماعات التابعين، منهم الشعبي والنخعي وعدي بن ثابت، واتفقوا على توثيقه وجلالته، توفي سنة8 هـ، وهو ابن مائة وعشرين سنة". "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 1/197، شذرات الذهب 1/91، تاريخ يحيى بن معين 2/172".
4 أخرجه النسائي وابن ماجه وأحمد في مسنده. "سنن النسائي 4/116، سنن ابن ماجه 1/541، مسند الإمام أحمد 5/396".
5 الآية 187 من البقرة.
6 في ض ب: لأن.(3/564)
"وَ" الْوَجْهُ الثَّانِي: مِنْ طَرِيقِ مَعْرِفَةِ تَأَخُّرِ النَّاسِخِ1 قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ: "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا" 2.
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا: أَنْ يَنُصَّ الشَّارِعُ عَلَى خِلافِ مَا كَانَ مُقَرَّرًا بِدَلِيلٍ، بِحَيْثُ لا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى3 تَأَخُّرِ أَحَدِهِمَا، فَيَكُونُ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ.
"وَ" الْوَجْهُ الثَّالِثُ: 4 "فِعْلُهُ" صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ5 فِي ظَاهِرِ كَلامِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ6 وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي7 وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ8.
__________
1 في ز: النسخ.
2 سبق تخريجه في ج2 ص554.
وانظر كلام العلماء على هذه المسألة في "العدة 3/829 وما بعدها، الاعتبار للحازمي ص10، إرشاد الفحول ص197، الآيات البينات 3/167، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/93، العضد على ابن الحاجب 2/196، الإحكام لابن حزم 4/459، اللمع ص34، أدب القاضي للماوردي 1/364، الإحكام للآمدي 3/181، روضة الناظر ص88، مختصر الطوفي ص83، فتح الغفار 2/136، فواتح الرحموت 2/95، المستصفى 1/128، المعتمد 1/451".
3 في ش: مع.
4 في ش ب: الثاني.
5 انظر إرشاد الفحول ص192، 197، الإحكام لابن حزم 4/483.
قال ابن حزم: "إن كل ما فعله عليه السلام من أمور الديانة أو قاله منها فهو وحي من عند الله عز وجل بقوله تعالى: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} وبقوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} والله تعالى يفعل ما يشاء، فمرة ينزل أوامره بوحي يتلى، ومرة بوحي بنقل ولا يتلى، ومرة بوحي يعمل به ولا يتلى ولا ينقل، ومرة يأتيه جبريل بالوحي، لا معقب لحكمه، وجائز نسخ كل ذلك بالقرآن، وكل ذلك سواء ولا فرق.
6 انظر المسودة ص228، العدة 3/838.
7 العدة 3/838.
8 انظر اللمع ص33. قال الشيرازي: والدليل على جوازه أن الفعل كالقول في البيان، فكما يجوز بالقول جاز بالفعل.(3/565)
وَقَدْ جَعَلَ الْعُلَمَاءُ مِنْ ذَلِكَ نَسْخَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ بِأَكْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ1 وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ2 ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ.
وَمَنَعَ ابْنُ عَقِيلٍ الْقَوْلَ بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحُكِيَ عَنْ التَّمِيمِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ3, لأَنَّ دَلالَتَهُ دُونَهُ4.
"وَ" الْوَجْهُ الرَّابِعُ: مِنْ طُرُقِ مَعْرِفَةِ تَأَخُّرِ النَّاسِخِ "قَوْلُ الرَّاوِي" لِلنَّاسِخِ "كَانَ كَذَا وَنُسِخَ، أَوْ رُخِّصَ فِي كَذَا ثُمَّ نُهِيَ عَنْهُ وَنَحْوِهِمَا"5 كَقَوْلِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ آخِرُ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ6 وَكَقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِيَامِ لِلْجِنَازَةِ، ثُمَّ قَعَدَ7 وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ كَثِيرٌ.
__________
1 سبق تخريج الحديث في المجلد الثاني صفحة 566، 567.
2 في ض ب: ما قدم.
3 المسودة ص229.
4 أي أن دلالة الفعل دون دلالة صريح القول، والشيء إنما ينسخ بمثله أو بأقوى منه، فأما بدونه فلا. "المسودة ص229".
5 انظر المسودة ص231، العدة 3/832، الاعتبار للحازمي ص10، الإحكام لابن حزم 4/459، اللمع ص34، روضة الناظر ص89، مختصر الطوفي 83، فتح الغفار 2/136، فواتح الرحموت 2/95، إرشاد الفحول ص197، وقد خالف في حجية هذا الوجه فريق من العلماء كالغزالي والرازي والآمدي، واستدلوا على ذلك بأن قول الراوي هذا ربما كان اجتهاداً، فلا يكون حجة على الغير. "المستصفى 1/128، الإحكام للآمدي 3/18، المحصول ج1 ق3/566".
غير أن صاحب فواتح الرحموت رد عليهم حجتهم فقال: "إن تعيين العدل الموثوق بعدالته، بل مقطوعها لناسخ لا يكون إلا عن علم بالتاريخ والتعارض، فإن المراد عنده معلوم بمشاهدة القرائن، فحكمه بالنسخ عن بصيرة، ولا مجال للاجتهاد فيه". "فواتح الرحموت 2/95".
6 رواه الحازمي في كتابه الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ص50.
7 أخرجه مسلم والترمذي والبيهقي ومالك في الموطأ، ولفظ مسلم "رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقمنا، وقعد فقعدنا" يعني للجنازة. ولفظ البيهقي: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الجنائز حتى توضع وقام الناس معه، ثم قعد بعد ذلك وأمرهم بالقعود". "انظر صحيح مسلم 2/662،الموطأ=(3/566)
فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُ الرَّاوِي يُنْسَخُ بِهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ، عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهَا، مَعَ أَنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ، وَالآحَادُ1 لا يُنْسَخُ بِهِ الْمُتَوَاتِرُ؟
قِيلَ: هَذَا حِكَايَةٌ لِلنَّسْخِ2، لا نَسْخٌ، وَالْحِكَايَةُ بِالآحَادِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا كَسَائِرِ أَخْبَارِ الآحَادِ.
وَأَيْضًا: فَاسْتِفَادَةُ النَّسْخِ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ، وَالضِّمْنِيُّ3: يُغْتَفَرُ4 فِيهِ مَا لا يُغْتَفَرُ5 فِيمَا إذَا كَانَ أَصْلاً، كَثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الشَّجَرِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ وَنَحْوِهِ.
"لا" قَوْلُ الرَّاوِي "ذِي الآيَةِ" مَنْسُوخَةٌ "أَوْ ذَا الْخَبَرُ مَنْسُوخٌ، حَتَّى يُبَيِّنَ النَّاسِخَ" لِلآيَةِ أَوْ للْخَبَرِ6.
__________
=1/222، عارضة الأحوذي 4/264، سنن البيهقي 4/27".
والحديث يدل على نسخ ما روى البخاري ومسلم والبيهقي والحاكم وغيرهم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع" وفي رواية أخرى "إذا رأى أحدكم جنازة فإن لم يكن ماشياً معها فليقم حتى يخلفها أو تخلفه أو توضع من قبل أن تخلفه".
"صحيح البخاري 2/107، عارضة الأحوذي 4/264، سنن البيهقي 4/25، المستدرك 1/356، الاعتبار للحازمي ص121 وما بعدها، صحيح مسلم 2/660".
1 ساقطة من ض.
2 في ش: نسخ.
3 في ش: والتضمن.
4 في ش ز ض: يعتبر.
5 في ش ز ض: يعتبر.
6 في ش: الخبر.
وانظر تفصيل العلماء في هذه المسألة "المسودة230، العدة 3/835، نهاية السول 2/193، شرح تنقيح الفصول ص321، اللمع ص34، المعتمد 1/451".(3/567)
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَإِنْ قَالَ صَحَابِيٌّ: هَذِهِ1 الآيَةُ مَنْسُوخَةٌ لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يُخْبِرَ بِمَاذَا نُسِخَتْ.
قَالَ الْقَاضِي: أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ2.
قَالُوا: لأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَنْ اجْتِهَادٍ فَلا يُقْبَلُ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً أَنَّهُ يُقْبَلُ، كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ بِعِلْمِهِ3، فَلا احْتِمَالَ؛ لأَنَّهُ4 لا يَقُولُهُ غَالِبًا إلاَّ عَنْ نَقْلٍ.
وَ5 قَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ: و6 إنْ كَانَ هُنَاكَ نَصٌّ يُخَالِفُهَا عُمِلَ بِالظَّاهِرِ7.
وَ "لا" نَسْخَ "بِقَبَلِيَّةٍ فِي الْمُصْحَفِ"؛ لأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالنُّزُولِ لا بِالتَّرْتِيبِ فِي الْوَضْعِ؛ لأَنَّ النُّزُولَ بِحَسَبِ الْحُكْمِ وَالتَّرْتِيبُ لِلتِّلاوَةِ8.
__________
1 في ع: بهذه.
2 العدة 3/835، 836.
3 في ش: بعلمه.
4 ساقطة من ب.
5 ساقطة من ش.
6 ساقطة من ش ز.
7 المسودة ص230 بتصرف، ونص كلام المجد فيها: "وعندي أنه إن كان هناك نص آخر يخالفها، فإنه يقبل قوله في ذلك، لأن الظاهر أن ذلك النص هو الناسخ، ويكون حاصل قول الصحابي الإعلام بالتقدم والتأخر، وقوله يقبل في ذلك". حكى الشيخ تقي الدين بن تيمية في "المسودة" عن الباجي ثلاثة أقوال في المسألة "أحدها" انه لا يقبل مجال حتى يبين الناسخ ليعلم أنه ناسخ، لأن هذا كفتياه، وهو قوا ابن الباقلاني والسمناني واختاره الباجي "والثاني" أنه إن ذكر الناسخ لم يقع به نسخ، وإن لم يذكره وقع. "الثالث" يقع به النسخ بكل حال. "المسودة ص230".
8 انظر فواتح الرحموت 2/96، الإحكام للآمدي 3/181، المستصفى 1/128، أدب القاضي للماوردي 1/363، الإحكام لابن حزم 4/465، العضد على ابن الحاجب 2/196، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/94، الآيات البينات 3/167.(3/568)
"وَلا" نَسْخَ أَيْضًا1 "بِصِغَرِ صَحَابِيٍّ، أَوْ تَأَخُّرِ إسْلامِهِ" يَعْنِي إذَا رَوَى الْحَدِيثَ أَحَدٌ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ أَوْ مِمَّنْ تَأَخَّرَ إسْلامُهُ2 مِنْهُمْ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ؛ لأَنَّ تَأَخُّرَ رَاوِي أَحَدِ الدَّلِيلِينَ لا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا3 رَوَاهُ نَاسِخٌ وَلِجَوَازِ أَنَّ مَنْ تَأَخَّرَ إسْلامُهُ تَحَمَّلَ الْحَدِيثَ قَبْلَ إسْلامِهِ4.
"وَلا" نَسْخَ "بِمُوَافَقَةِ أَصْلٍ"5 يَعْنِي أَنَّهُ إذَا وَرَدَ نَصَّانِ فِي حُكْمٍ مُتَضَادَّانِ، وَلَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ أَحَدَ النَّصَّيْنِ مُوَافِقٌ لِلْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ، وَالآخَرَ مُخَالِفٌ، لَمْ يَكُنْ الْمُوَافِقُ لِلأَصْلِ مَنْسُوخًا بِمَا خَالَفَهُ6.
وَقِيلَ: بَلَى؛ لأَنَّ الانْتِقَالَ مِنْ الْبَرَاءَةِ لاشْتِغَالِ الذِّمَّةِ يَقِينٌ، وَالْعَوْدَ إلَى الإِبَاحَةِ ثَانِيًا شَكٌّ فَقُدِّمَ الَّذِي لَمْ يُوَافِق الأَصْلَ7.
"وَلا" نَسْخَ "بِعَقْلٍ وَقِيَاسٍ8"؛ لأَنَّ النَّسْخَ لا يَكُونُ إلاَّ بِتَأَخُّرِ النَّاسِخِ عَنْ زَمَنِ الْمَنْسُوخِ، وَلا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ وَلا لِلْقِيَاسِ فِي مَعْرِفَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ، وَإِنَّمَا
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ش: اسلامهم.
3 في ب: انه.
4 انظر إرشاد الفحول ص197، الآيات البينات 3/167، اللمع ص34، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/94، فواتح الرحموت 2/96، الإحكام للآمدي 3/181، المستصفى 1/129، شرح العضد 2/196.
5 انظر الإحكام للآمدي 3/182، العضد على ابن الحاجب 2/196، المستصفى 1/129، فواتح الرحموت 2/96، الآيات البينات 3/167، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/93.
6 في ز: يحالفه.
7 انظر إرشاد الفحول ص197، حاشية البناني 2/94.
8 في ض: أو قياس.(3/569)
يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالنَّقْلِ الْمُجَرَّدِ1.
"وَلا يُنْسَخُ إجْمَاعٌ"؛ لأَنَّهُ لا يَكُونُ إلاَّ فِي2 حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَنَّهُ يَرُدُّ مَا يَنْسَخُهُ، وَإِذَا وَقَعَ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَهُ نَاسِخٌ3.
"وَلا يُنْسَخُ" حُكْمٌ4 "بِهِ" أَيْ بِالإِجْمَاعِ؛ لأَنَّهُ إذَا وُجِدَ إجْمَاعٌ عَلَى خِلافِ نَصٍّ فَيَكُونُ قَدْ تَضَمَّنَ نَاسِخًا لا أَنَّهُ هُوَ النَّاسِخُ. وَلأَنَّ الإِجْمَاعَ مَعْصُومٌ مِنْ مُخَالَفَةِ دَلِيلٍ5 شَرْعِيٍّ، لا مُعَارِضَ لَهُ6 وَلا مُزِيلَ7 عَنْ دَلالَتِهِ فَتَعَيَّنَ إذَا وَجَدْنَاهُ خَالَفَ شَيْئًا، أَنَّ8 ذَلِكَ إمَّا غَيْرُ صَحِيحٍ، إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، أَوْ أَنَّهُ مُؤَوَّلٌ، أَوْ نُسِخَ بِنَاسِخٍ9؛ لأَنَّ إجْمَاعَهُمْ حَقٌّ.
فَالإِجْمَاعُ دَلِيلٌ عَلَى النَّسْخِ، لا رَافِعٌ لِلْحُكْمِ، كَمَا قَرَّرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى10 وَالصَّيْرَفِيُّ وَالأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَغَيْرُهُمْ11.
__________
1 انظر المستصفى 1/128، روضة الناظر ص88، المسودة ص230، اللمع ص33، المعتمد 1/450، مختصر الطوفي ص83.
2 في ش: إلا في.
3 انظر "العدة 3/826، المسودة ص224، شرح تنقيح الفصول ص314، المحصول ج1 ق3/531، المعتمد 1/432، مختصر الطوفي ص82، شرح البدخشي 2/185، نهاية السول 2/186، إرشاد الفحول ص192، شرح العضد 2/198، روضة الناظر ص87، الإحكام للآمدي 3/160، فواتح الرحموت 2/81، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 2/86".
4 في ب: حكمه.
5 في ش: دليل صحيح.
6 ساقطة من ض.
7 في ش: مزيل له.
8 في ش: يكون.
9 في ش: بناسخ أخر.
10 العدة 3/826.
11 انظر "المسودة ص224، شرح تنقيح الفصول ص314، المحصول ج1 ق3/532، المعتمد 1/433، اللمع ص33، مختصر الطوفي ص82، نهاية السول 2/186، شرح البدخشي 2/185، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/76، الآيات البينات 3/134، إرشاد الفحول ص193، الإحكام لابن حزم 4/488، العضد على ابن الحاجب 2/199، روضة الناظر ص87، الإحكام للآمدي 3/161، المستصفى 1/126، فواتح الرحموت 2/82، كشف الأسرار 3/175، الفقيه والمتفقه 1/123، التلويح على التوضيح 2/34، فتح الغفار 2/133، أصول السرخسي 2/66".(3/570)
"وَكَذَا الْقِيَاسُ" أَيْ وَكَالإِجْمَاعِ الْقِيَاسُ فِي كَوْنِهِ لا يُنْسَخُ وَلا يَنْسَخُ به1.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: أَمَّا الْقِيَاسُ فَلا يُنْسَخُ. ذَكَرَهُ2 الْقَاضِي3 وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ4 عَنْ أَصْحَابِنَا لِبَقَائِهِ بِبَقَاءِ أَصْلِهِ.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: مَنَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَعَبْدُ الْجَبَّارِ فِي قَوْلٍ، مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ إذَا كَانَ مُسْتَنْبَطًا مِنْ أَصْلٍ فَالْقِيَاسُ بَاقٍ بِبَقَاءِ أَصْلِهِ فَلا يُتَصَوَّرُ رَفْعُ حُكْمِهِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ, وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ5 وَغَيْرِهِ, وَمِنْهُمْ6 مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ الْمَوْجُودِ زَمَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دُونَ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي الْحُسَيْنِ البصري7 وَابْنِ بُرْهَانٍ وَابْنِ الْخَطِيبِ8.
__________
1 ساقطة من ش.
انظر تحقيق المسألة في "العدة 3/827، المسودة ص216، 217، 225، الإحكام للآمدي 3/163، الفقيه والمتفقه 1/86، المعتمد1/434، المحصول ج1 ق3/536، نهاية السول 2/187، شرح البدخشي 2/186، فواتح الرحموت 2/84، شرح العضد 2/199، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/81، الآيات البينات 3/150، فتح الغفار 2/133".
2 في ش: وذكره.
3 العدة 3/827.
4 في ب ز ع ض: الآمدي منا، انظر الإحكام له 2/163.
5 مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/199.
6 ساقطة من ب.
7 ساقطة من ش. انظر المعتمد للبصري 1/434.
8 المحصول ج1 ق3/536.(3/571)
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: مَا ثَبَتَ قِيَاسًا. فَإِمَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَصِّهِ عَلَى الْعِلَّةِ، أَوْ تَنْبِيهِهِ عَلَيْهَا فَيَجُوزُ نَسْخُهُ بِنَصِّهِ أَيْضًا.
مِثَالُهُ: أَنْ يَنُصَّ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْبُرِّ، وَيَنُصَّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِهِ الْكَيْلُ، ثُمَّ يَنُصَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى إبَاحَتِهِ فِي الأَرُزِّ، وَيَمْنَعَ مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْبُرِّ فَيَكُونَ ذَلِكَ نَسْخًا.
وَإِمَّا قِيَاسٌ مُسْتَفَادٌ بَعْدَ وَفَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: فَلا يَصِحُّ نَسْخُهُ؛ لأَنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يَتَجَدَّدَ1 بَعْدَ وَفَاتِهِ نَصٌّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ. اهـ.
وَأَمَّا كَوْنُ الْقِيَاسِ لا يُنْسَخُ بِهِ: فَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا2 وَالْجُمْهُورُ3 قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ, وَاخْتَارَهُ الْبَاقِلاَّنِيُّ, وَنَقَلَهُ عَنْ الْفُقَهَاءِ وَالأُصُولِيِّينَ.
قَالَ: لأَنَّ الْقِيَاسَ يُسْتَعْمَلُ مَعَ عَدَمِ النَّصِّ فَلا يَنْسَخُ النَّصَّ؛ وَلأَنَّهُ دَلِيلٌ مُحْتَمَلٌ4، وَالنَّسْخُ إنَّمَا يَكُونُ بِغَيْرِ مُحْتَمَلٍ.
وَأَيْضًا فَشَرْطُ صِحَّةِ الْقِيَاسِ: أَنْ لا يُخَالِفَ الأُصُولَ، فَإِنْ خَالَفَ فَسَدَ.
قَالَ: بَلْ وَلا يَنْسَخُ قِيَاسًا آخَرَ؛ لأَنَّ التَّعَارُضَ إنْ كَانَ بَيْنَ أَصْلَيْ الْقِيَاسَيْنِ فَهُوَ نسخ5 نَصٌّ بِنَصٍّ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْعِلَّتَيْنِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُعَارَضَةِ فِي الأَصْلِ وَالْفَرْعِ، لا مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ.
__________
1 في ع: يجدد.
2 انظر العدة 3/827، المسودة ص225.
3 انظر "الفقيه والمتفقه للخطيب 1/123ن إرشاد الفحول ص193، اللمع ص33، كشف الأسرار 3/174، التلويح على التوضيح 2/34، الإحكام لابن حزم 4/488، التبصرة ص274، المستصفى 1/126، فواتح الرحموت 2/84، شرح العضد 2/199، فتح الغفار 2/133، أصول السرخسي 2/66، اللمع ص33".
4 في ع ض ب: يحتمل.
5 ساقطة من ش.(3/572)
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ الْمَنْسُوخَ إنْ كَانَ قَطْعِيًّا لَمْ يُنْسَخْ بِمَظْنُونٍ، وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا فَالْعَمَلُ بِهِ مُقَيَّدٌ بِرُجْحَانِهِ عَلَى مُعَارِضِهِ، وَتَبَيَّنَ بِالْقِيَاسِ زَوَالُ الْعَمَلِ بِهِ، وَهُوَ رُجْحَانُهُ فَلا ثُبُوتَ لَهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنْ كَانَتْ عِلَّتُهُ مَنْصُوصَةً جَازَ النَّسْخُ بِهِ، وَإِلاَّ فَلا.
قَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ1.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَالَهُ الآمِدِيُّ2: إنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً جَازَ، وَإِلاَّ فإنْ3 كَانَ الْقِيَاسُ قَطْعِيًّا، كَقِيَاسِ الأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي السِّرَايَةِ4 فهو مقدم, لَكِنْ لا مِنْ بَابِ النَّسْخِ، أَوْ كَانَ ظَنِّيًّا فَإِنَّ كانت5 عِلَّتَهُ مُسْتَنْبَطَةٌ فَلا.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ6 غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا أَضْرَبْنَا عَنْهَا7 خَشْيَةَ الإِطَالَةِ.
"وَإِنْ نُسِخَ حُكْمُ أَصْلٍ تَبِعَهُ حُكْمُ فَرْعِهِ" يَعْنِي إذَا وَرَدَ النَّسْخُ عَلَى أَصْلٍ مَقِيسٍ عَلَيْهِ ارْتَفَعَ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ بِالتَّبَعِيَّةِ عِنْدَنَا8
__________
1 يبدو أن عزو المصنف هذا القول للباجي فيه نظر، وذلك لنص الباجي على خلافه في كتابه "الإشارات في أصول الفقه" حيث قال: "فأما القياس فلا يصح النسخ به جملة" "الإشارات ص75".
2 في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام" 3/164 مفصلاً مبسوطاً.
3 في ش: بأن.
4 ساقطة من ش.
5 ساقط من ش.
6 انظر "روضة الناظر ص87، أصول السرخسي 2/84، كشف الأسرار 3/174، إرشاد الفحول ص193، اللمع ص33، المعتمد 1/434، المحصول ج1 ق3/537، شرح تنقيح الفصول ص316، نهاية السول 2/186، الآيات البينات 3/149، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/80".
7 ساقطة من ض.
8 المسودة ص213، 220، العدة 3/820.(3/573)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ1.
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي2 مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْحَنَفِيَّةُ3.
قَالَ الْقَاضِي4 فِي إثْبَاتِ الْقِيَاسِ عَقْلاً: لا يَمْتَنِعُ عِنْدَنَا بَقَاءُ حُكْمِ الْفَرْعِ مَعَ نَسْخِ حُكْمِ الأَصْلِ وَمِثْلُهُ أَصْحَابُنَا -وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْمُخَالِفِ أَيْضًا- بِبَقَاءِ حُكْمِ النَّبِيذِ الْمَطْبُوخِ فِي الْوُضُوءِ بَعْدَ نَسْخِ النِّيءِ5، وَصَوْمِ رَمَضَانَ بِنِيَّة6 مِنْ النَّهَارِ بَعْدَ نَسْخِ عَاشُورَاءَ
__________
1 الإحكام للآمدي 3/167، التبصرة ص275، نهاية السول 2/193، شرح العضد 2/200، البرهان 2/1313.
2 عزو المصنف المخالفة للقاضي أبي يعلى غير سديد، وذلك لقوله في العدة "3/820": "إذا نص على حكم في عين من الأعيان بمعنى، وقيس عليه كل موضع وجد فيه ذلك المعنى، ثم نسخ الله تعالى حكم تلك العين صار حكم الفروع منسوخاً".
3 عزو المصنف المخالفة إلى الحنفية فيه نظر، وذلك لأن مذهبهم غير مخالف لما عليه الجمهور من كون الفرع يتبع حكم الأصل إذا نسخ، يدل على ذلك قول صاحب مسلم الثبوت "2/86": "مسألة: إذا نسخ حكم الأصل لا يبقى حكم الفرع، وهذا ليس نسخاً. وقيل: يبقى. ونسب إلى الحنفية" وقد بين شارحه في "فواتح الرحموت" الأمر وزاده وضوحاً حيث قال: "أن هذه النسبة لم تثبت، وكيف لا، وقد صرحوا أن النص المنسوخ لا يصح عليه القياس".
4 لم أعثر على هذا القول الذي عزاه المصنف للقاضي في كتابه "العدة" وان مما يجدر ذكره أن رأي القاضي فيهما على خلاف ذلك، وهو موافق للجمهور، وقد نسب في "العدة" هذا الرأي وأدلته لأصحاب أبي حنيفة، ثم رده وأجاب عن أدلته. "أنظر العدة 3/821".
ثم إن من العجيب في هذا النص حكاية القاضي عن ابن عقيل عزوه هذا القول للمخالف، مع أن أبا يعلى متقدم في حياته على ابن عقيل بنصف قرن من الزمان، فقد توفي القاضي أبو يعلى سنة 458 هـ، بينما توفي ابن عقيل سنة 513هـ فكيف ينقل المتقدم عن المتأخر!!.
5 حيث ثبت بالنص جواز الوضوء بالنيء، لأنه ثمرة طيبة وماء طهور، فوجب جوازه بالمطبوخ، لأن هذا المعنى موجود فيه، وقد نسخ الحكم النيء، وبقي حكم المطبوخ "انظر العدة 2/821".
6 في ش ز: بينته.(3/574)
عِنْدَهُمْ1.
وَقَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ: وَعِنْدِي إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا لَمْ يَتْبَعْهُ الْفَرْعُ2، إلاَّ أَنْ يُعَلَّلَ فِي3 نَسْخِهِ بِعِلَّةٍ فَيَثْبُتَ النَّسْخُ حَيْثُ وُجِدَتْ4. اهـ.
وَقِيلَ: إنْ نَصَّ عَلَى الْعِلَّةِ: لَمْ يَتْبَعْهُ الْفَرْعُ5، إلاَّ أَنْ يُعَلَّلَ فِي نَسْخِهِ بِعِلَّةٍ، فَيَتْبَعَهَا النَّسْخُ.
وَوَجْهُ الأَوَّلِ الَّذِي فِي الْمَتْنِ-: خُرُوجُ الْعِلَّةِ عَنْ اعْتِبَارِهَا فَلا فَرْعَ، وَإِلاَّ وُجِدَ الْمَعْلُولُ بِلا عِلَّةٍ.
فَإِنْ قِيلَ: أَمَارَةٌ، فَلَمْ يُحْتَجْ إلَيْهَا دَوَامًا, رُدَّ بِأَنَّهَا بَاعِثَةٌ.
قَالُوا: الْفَرْعُ تَابِعٌ لِلدَّلالَةِ، لا لِلْحُكْمِ, رُدَّ زَوَالُ6 الْحُكْمِ بِزَوَالِ حكمتِهِ7.
وَفِي التَّمْهِيدِ أَيْضًا: لا يُسَمَّى نَصًّا8 لِزَوَالِ9 حُكْمٍ بِزَوَالِ عِلَّتِهِ وَمَعْنَاهُ فِي الْعُدَّةِ10
__________
1 حيث روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث إلى أهل العوالي يوم عاشوراء أن من لم يأكل فليصم، فأجاز صوم يوم عاشوراء بالنية من النهار، وكانت العلة فيه أنه صوم مستحق في زمانه بعينه، وهذا المعنى موجود في صوم رمضان وغيره، ثم نسخ صوم عاشوراء، وبقي حكمه في غيره. "انظر العدة 3/822".
2 في المسودة: تتبعه الفروع.
3 ساقطة من المسودة.
4 المسودة ص220.
5 في ض: الرفع.
6 في ز: زال.
7 في ش: علته.
8 كذا في سائر النسخ الخطيئة، ولعل الصواب: نسخاً.
9 في ض: كزوال.
10 العدة 3/823.(3/575)
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: إذَا وَرَدَ النَّسْخُ عَلَى الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ ارْتَفَعَ الْقِيَاسُ مَعَهُ بِالتَّبَعِيَّةِ. وَالْمُخَالِفُ فِيهِ الْحَنَفِيَّةُ.
"وَيَجُوزُ النَّسْخُ بِالْفَحْوَى" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَالْمُعْظَمِ1.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: الْفَحْوَى يُنْسَخُ وَيُنْسَخُ بِهِ ذكره2 الآمِدِيُّ: اتِّفَاقًا3.
وَفِي التَّمْهِيدِ: الْمَنْعُ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَكَرَهُ فِي الْعُدَّةِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ. قَالَ فِيمَا حَكَاهُ الإسْفَرايِينِيّ4: وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا.
لَنَا: أَنَّهُ كَالنَّصِّ، وَإِنْ قِيلَ: قِيَاسٌ فقَطْعِيٌّ5. اهـ.
"وَ" يَجُوزُ أَيْضًا "نَسْخُ أَصْلِ الْفَحْوَى" كالتَّأْفِيفُ6، كَمَا لَوْ قَالَ: رَفَعْت تَحْرِيمَ التَّأْفِيفِ مَثَلاً أي دون باقي7 أَنْوَاعِ الأَذَى وَهُوَ الْفَحْوَى؛ لأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ8 إبَاحَةِ الْخَفِيفِ إبَاحَةُ الثَّقِيلِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْفَخْرِ إسْمَاعِيلِ الْبَغْدَادِيِّ, وَحُكِيَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ9
__________
1 انظر "المسودة ص222، مختصر الطوفي ص82، روضة الناظر ص88، العدة 3/828، المعتمد 1/436، اللمع ص33، إرشاد الفحول ص194، المحصول ج1 ق3/540، نهاية السول 2/189، شرح البدخشي 2/188، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/82، الآيات البينات 3/151، شرح تنقيح الفصول ص315، فواتح الرحموت 2/88".
2 في ش: قال. وفي ع: وذكره.
3 الإحكام في أصول الأحكام 3/165.
4 العدة 3/828.
5 في ش: قطعي.
6 في ش ز: وهو التأفيف.
7 في ش: في.
8 ساقطة من ب.
9 انظر فواتح الرحموت 2/87.(3/576)
وَغَيْرِهِمْ1.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ2، وَتَبِعَهُ الطُّوفِيُّ3: بِالْمَنْعِ وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ4 قَوْلُ الأَكْثَرِ؛ لأَنَّ الْفَرْعَ يَتْبَعُ الأَصْلَ فَإِذا5 رُفِعَ الأَصْلُ فَكَيْفَ يَبْقَى الْفَرْعُ6!!
"وَعَكْسُهُ" يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ الْفَحْوَى -وَهُوَ الضَّرْبُ مَثَلاً- دُونَ أَصْلِهِ وَهُوَ التَّأْفِيفُ، كَمَا لَوْ قَالَ: رَفَعْت تَحْرِيمَ كُلِّ إيذَاءٍ7 غَيْرَ التَّأْفِيفِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ كَلامِ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا8, وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ9. قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ؛ لأَنَّ الْفَحْوَى وَأَصْلَهُ مَدْلُولانِ مُتَغَايِرَانِ فَجَازَ نَسْخُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ.
وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْمَجْدُ10 وَابْنُ مُفْلِحٍ وَابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَابْنُ الْحَاجِبِ11 وَغَيْرُهُمْ12.
__________
1 انظر المسودة ص221، شرح العضد 2/200، الآيات البينات 3/151، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/82.
2 روضة الناظر ص88.
3 مختصر الطوفي ص82.
4 الإحكام في أصول الأحكام 3/165.
5 في ش: فإن.
6 انظر المحصول ج1 ق3/539، المعتمد 1/437، نهاية السول 2/188، شرح البدخشي 2/188، شرح تنقيح الفصول ص315.
7 في ع: اذاء.
8 في ش: أكثر أصحابنا.
9 انظر الإحكام للآمدي 3/166، إرشاد الفحول ص194، الآيات البينات 3/151، فواتح الرحموت 2/87، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/82.
10 المسودة ص222.
11 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/200.
12 انظر المعتمد 1/437، نهاية السول 2/188، المحصول ج1 ق3/539، شرح تنقيح الفصول ص315، شرح البدخشي 2/188.(3/577)
وَقِيلَ: إنَّ نَسْخَ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ نَسْخَ1 الآخَرِ2.
قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: وَالأَكْثَرُ أَنَّ نَسْخَ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ نَسْخَ الآخَرِ.
ثُمَّ قَالَ الْمَحَلِّيُّ شَارِحُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِلْزَامَ نَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا الآخر3 يُنَافِي مَا صَحَّحَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ مِنْ جَوَازِ نَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الآخَرِ، فَإِنَّ الامْتِنَاعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الاسْتِلْزَامِ، وَالْجَوَازَ مَبْنِيٌّ4 عَلَى عَدَمِهِ.
وَقَدْ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْجَوَازِ مَعَ مُقَابِلِهِ, وَالْبَيْضَاوِيُّ عَلَى الاسْتِلْزَامِ وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ -يَعْنِي صَاحِبَ جَمْعِ الْجَوَامِعِ- بَيْنَهُمَا5.
"وَ" يَجُوزُ أَيْضًا نَسْخُ "حُكْمِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ إنْ ثَبَتَ"6، وَإِلاَّ فَلا. يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ حُكْمِ الْمَسْكُوتِ الَّذِي هُوَ مُخَالِفٌ لِلْمَذْكُورِ، مَعَ نَسْخِ الأَصْلِ وَدُونَهُ.
قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ7.
وَقَدْ8 قَالَت9 الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَاءُ 10 مِنْ
__________
1 غير موجودة في جمع الجوامع ولا في ع ض.
2 جمع الجوامع مع شرحه للمحلي 2/82.
3 ساقطة من ش. وفي شرح المحلي: للآخر.
4 في ز: والامتناع.
5 شرح المحلي على جمع الجوامع 2/83.
6 أي استقر حكمه وتقرر، وأما إذا لم يستقر حكمه، وذد وجدنا منطوقاً بخلافه قدم المنطوق عليه، وعلمنا أنه غير مراد. "المسودة ص222".
7 انظر إرشاد الفحول ص194، الإحكام للآمدي 3/172، المسودة ص222، فواتح الرحموت 2/89، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/83، الآيات البينات 3/152.
8 ساقطة من ض ب.
9 في ش: قال.
10 في ش: إنما الماء.(3/578)
الْمَاءِ" 1: مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ" 2 مَعَ أَنَّ الأَصْلَ بَاقٍ. وَهُوَ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِالإِنْزَالِ.
"وَيَبْطُلُ" حُكْمُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ "بِنَسْخِ أَصْلِهِ" عَلَى الصَّحِيحِ3، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ4، كَذَلِكَ الطُّوفِيُّ5؛ لأَنَّ فَرْعَهُ وَعَدَمَهُ كَالْخِطَابَيْنِ, وَاخْتَارَهُ ابْنُ فُورَكٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لا يَبْطُلُ بِنَسْخِ أَصْلِهِ, وَهُوَ وَجْهٌ لأَصْحَابِنَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَأَمَّا نَسْخُ الأَصْلِ بِدُونِ مَفْهُومِهِ الَّذِي هُوَ مُخَالِفٌ لَهُ حُكْمًا: فَذَكَرَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ، قَالَ: وَأَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ لا يَجُوزُ؛ لأَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ضِدِّ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ، فَإِذَا بَطَلَ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْقَيْدِ بَطَلَ مَا يَنْبَنِي6 عَلَيْهِ. اهـ.
__________
1 الحديث أخرجه مسلم والترمذي والبيهقي وأبو داود، ولفظ مسلم: "عن أبي سعيد الخدري قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلى قباء، حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان، فصرخ به، فخرج يجر إزاره. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعجلنا الرجل". فقال عتبان: يا رسول الله! أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم بمن، وماذا عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما الماء من الماء" "انظر صحيح مسلم 1/269، عارضة الأحوذي 1/168، سنن البيهقي 1/167، بذل المجهود 2/179، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/48، 50، الاعتبار للحازمي ص30-36".
2 أخرجه البخاري ومسلم. وقد سبق تخريجه في هامش ص221.
3 انظر فواتح الرحموت 2/89، الآيات البينات 3/152، إرشاد الفحول ص194، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/83.
4 روضة الناظر ص88.
5 مختصر الطوفي ص82.
6 في ص ب: ما يبنى.(3/579)
وَعَلَى هَذَا: فَنَسْخُ الأَصْلِ نَسْخٌ لِلْمَفْهُومِ مِنْهُ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَرْتَفِعُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي حُكِمَ بِهِ عَلَى الْمَسْكُوتِ بِضِدِّ1 حُكْمِ2 الْمَذْكُورِ.
"وَلا يُنْسَخُ بِهِ" أَيْ بِمَفْهُومِ3 الْمُخَالَفَةِ عَلَى الصَّحِيحِ4 قَطَعَ بِهِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ5 وَصَرَّحَ بِهِ السَّمْعَانِيُّ، لِضَعْفِهِ عَنْ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ.
وَقِيلَ: بَلَى؛ لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَنْطُوقِ6.
"وَلا حُكْمَ لِلنَّاسِخِ مَعَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ7 اتِّفَاقًا" قَبْلَ أَنْ يُبَلِّغَهُ جِبْرِيلُ إلَى8 النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فَإِذَا بَلَّغَهُ" لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ9" عِنْدَ أَصْحَابِنَا10 وَالأَكْثَرُ11 وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لأَنَّهُ
__________
1 في ع ز ب: لضد.
2 في ش: الحكم.
3 في ز: مفهوم.
4 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/84، الآيات البينات 3/153.
5 جمع الجوامع مع شرحه للمحلي 2/84.
6 وهو قول أبي إسحاق الشيرازي "انظر اللمع للشيرازي ص33، المحلي على جمع الجوامع 1/84".
7 في ع ز: الصلاة والسلام.
8 ساقطة من ز.
9 فإن كان الناسخ موجباً لعبادة، فلا يجب على من لم يبلغه قضاء.
10 انظر المسودة ص223، العدة 3/823، روضة الناظر ص83، مختصر الطوفي ص79، القواعد والفوائد الأصولية ص156.
11 انظر "التمهيد للأسنوي ص133 البرهان 2/1312، المستصفى 1/120، الإحكام للآمدي 3/168، اللمع ص35، نهاية السول 2/194، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/90، الآيات البينات 3/159، شرح العضد 2/201، فواتح الرحموت 2/89".(3/580)
أَخَذَ بِقِصَّةِ أَهْلِ قُبَاءَ وَالْقِبْلَةِ1.
وَقِيلَ: يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ2، كَالنَّائِمِ وَقْتَ الصَّلاةِ.
وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ -وَهُوَ الصَّحِيحُ- بِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَزِمَ وُجُوبُ الشَّيْءِ وَتَحْرِيمُهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؛ لأَنَّهُ لَوْ نُسِخَ وَاجِبٌ بِمُحَرَّمٍ أَثِمَ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ اتفاقاً3 وَأَيْضًا يَأْثَمُ بِعَمَلِهِ4 بِالثَّانِي اتِّفَاقًا.
"وَلَيْسَتْ زِيَادَةُ جُزْءٍ مُشْتَرَطٍ، أَوْ شَرْطٍ5 أَوْ زِيَادَةُ عِبَادَةٍ 6مُسْتَقِلَّةٍ مِنْ الْجِنْسِ أَوْ غَيْرِهِ: نَسْخًا" فإذَا7 زِيدَ فِي الْمَاهِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ جُزْءٌ مُشْتَرَطٌ، أَوْ شَرْطٌ، أَوْ زِيَادَةٌ تَرْفَعُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَسْخًا عَلَى الرَّاجِحِ8, وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ9، مِنْهُمْ أَصْحَابُنَا وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْجُبَّائِيَّةُ.
__________
1 وذلك أن أهل قباء صلوا ركعة إلى بيت المقدس، ثم استداروا في الصلاة، ولو كان النسخ ثبت في حقهم لأمروا بالقضاء، فلما لم يؤمروا بالقضاء دل على أن النسخ لم يكن ثبت في حقهم. "العدة3/824".
2 التبصرة ص282.
3 ساقطة من ش.
4 في ع ز ض ب: بعلمه.
5 ساقطة من ض ب.
6 ساقطة من ش.
7 في ز ش ع: إذا.
8 في ع ز ض ب: المرجح.
9 انظر "شرح العضد 2/201، إرشاد الفحول ص195، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/91، الآيات البينات 3/162، روضة الناظر ص79، مختصر الطوفي ص77، العدة 3/814، المسودة ص207، الإحكام للآمدي 3/170، التبصرة ص276، البرهان 2/1309، المستصفى 1/117، المحصول ج1 ق3/542، شرح تنقيح الفصول ص317، اللمع ص35، المعتمد 1/437، نهاية السول 2/190، شرح البدخشي 2/190".(3/581)
وَخَالَفَتْ الْحَنَفِيَّةُ. وتواصلوا1 بِقَوْلِهِمْ: إنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى المنُّصُوصِ2 نَسْخٌ3 لِمَسَائِلَ4 كَثِيرَةٍ، كَرَدِّ أَحَادِيثِ وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلاةِ5، وَأَحَادِيثِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ6، وَاشْتِرَاطِ الإِيمَانِ فِي الرَّقَبَةِ7، وَالنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ8 وَغَيْرِ ذَلِكَ.
__________
1 في ش: واستدلوا.
2 في ش: النصوص.
3 انظر كشف الأسرار 3/191، التلويح على التوضيح 2/36، أصول السرخسي 2/82، فتح الغفار 2/135، فواتح الرحموت 2/93.
4 في ض ب: بمسائل.
5 كحديث "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبادة بن الصامت مرفوعاً "انظر صحيح البخاري 1/192، صحيح مسلم 1/295، جامع الأصول 6/223، عارضة الأحوذي 2/46، سنن النسائي 2/106" وحجتهم في ذلك أن قوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} المزمل20، يقتضي افتراض مطلق القراءة لما تيسر، أي قدر كان من أي سورة كانت فجعل الفاتحة ركناً نسخ لهذا القاطع بخبر الواحد، فلا يجوز.
6 وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم: "قضى بشاهد ويمين" أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني ومالك في الموطأ وغيرهم. "انظر صحيح مسلم 3/1337، سنن ابن ماجه 2/793، عارضة الأحوذي 6/89، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/175، جامع الأصول 10/555، الموطأ 2/721" وحجتهم أن الحكم بشاهد ويمين بالخبر فيه زيادة على قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} "البقرة 282" وهو نسخ، والمتواتر لا ينسخ بالآحاد.
7 في كفارة الظهار بالقياس على كفارة القتل، فإن فيه زيادة على قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} "المجادلة 3" الذي يدل على إجزاء عتق مطلق الرقبة في الظهار، فلا يصح، لأنه نسخ للمتواتر بما لا يجوز نسخه.
8 لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد "وقد سبق تخريج في ج1 ص491" قالوا: إن إيجاب النية في الوضوء بالخبر زيادة على فرائض الوضوء المذكورة في قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} "المائدة 6" وهو نسخ، فلا يجوز، لأن الآحاد لا يقوى على نسخ المتواتر، فإن قيل: حديث الأعمال بالنيات مشهور، فتصح الزيادة به على الكتاب، أجابوا: إن الحديث لا يدل على اشتراط النية أصلاً في الوضوء وغيره من الوسائل. "انظر فواتح الرحموت 2/93".(3/582)
وَخَالَفُوا أُصُولَهُمْ فِي اشْتِرَاطِهِمْ فِي ذَوِي الْقُرْبَى الْحَاجَةَ, وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى الْقُرْآنِ، وَمُخَالَفَةٌ لِلْمَعْنَى1 الْمَقْصُودِ فِيهِ2، وَفِي أَنَّ الْقَهْقَهَةَ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ، مُسْتَنِدِينَ لأَخْبَارٍ3 ضَعِيفَةٍ4، وَهِيَ زِيَادَةٌ عَلَى نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ.
وَقَالَ الرَّازِيّ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَادَةِ الَّتِي تَرْفَعُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ: إنَّهَا إنْ أَفَادَتْ خِلافَ مَا أُسْتنِدَ5 مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ كَانَتْ نَسْخًا، كَإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي مَعْلُوفَةِ الْغَنَمِ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ خِلافَ مَفْهُومِ6 "فِي السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ"، وَإِلاَّ فَلا7.
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ غَيْرُ هَذِهِ8 أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهَا خَشْيَةَ الإِطَالَةِ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ زِيَادَةِ الْعِبَادَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ: فَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، كَزِيَادَةِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، أو9 َوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى وُجُوبِ الصَّلاةِ، أَوْ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ. فَلَيْسَتْ نَسْخًا إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْجِنْسِ، كَزِيَادَةِ صَلاةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الْخمسِ10: فَلَيْسَتْ بِنَسْخٍ أَيْضًا عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ11 رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ.
__________
1 في ب: في المغني.
2 ساقطة من ض ب.
3 في ش: إلى أخبار.
4 سبق تخريج حديث القهقهة في الصلاة وكونها تنقض الوضوء في ج2 ص463.
5 في ش: ما أسند. وفي ب: ما ستند.
6 في ش: مفهومه.
7 المحصول ج1 ق3/542، وهذا الرأي حكاه أثناء عرضه الخلاف في المسألة على أنه وجه للمفصلين فيها، ولم ينسب إلى قائله، ولم يشر إلى رجحانه عنده.
8في ض ب: هذا.
9 في ش: و.
10 في ش: الجنس.
11 انظر شرح البدخشي 2/189، شرح العضد 2/201، الإحكام للآمدي 3/170، المحصول ج1 ق3/541، شرح تنقيح الفصول ص317، إرشاد الفحول ص195، كشف الأسرار 3/191، نهاية السول 2/189.(3/583)
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: يَكُونُ نَسْخًا بِزِيَادَةِ صَلاةٍ سَادِسَةٍ لِتَغَيُّرِ الْوَسَطِ مِنْ الْخَمْسِ1.
"ونسخُ جزءٍ أو شرطٍ عبادةٍ2 له" أي فالنسخُ لذلك الجزءِ أو الشرطِ "فَقَط" دون أصل تلك العبادة على الصحيح عند أصحابنا3 وأكثر الشافعية4. نقله عنهم ابن مفلح وابن السمعاني وهو مذهب الكرخي وأبي الحسين البصري5.
وعن بعض المتكلمين والغزالي6 وحُكِي عن الحنفية7 أنه
__________
1 وقد قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} "البقرة 238" وبهذه الزيادة تخرج الوسطى عن كونها وسطى، فيبطل وجوب المحافظة عليها الثابت في الآية، وهو حكم شرعي، فيكون نسخاً.
قال الشوكاني: وهو قول باطل لا دليل عليه ولا شبهة دليل، فإن الوسطى ليس المراد بها المتوسطة في العدد بل المراد بها الفاضلة، ولو سلمنا أن المراد بها المتوسطة في العدد لم تكن تلك الزيادة مخرجة لها عن كونها مما يحافظ عليها، فقد علم توسطها عند نزول الآية، وصارت مستحقة لذلك الوصف، وإن خرجت عن كونها وسطى. "إرشاد الفحول ص195".
2 كما لو أسقطت ركعتان من أربع، أو الركوع والسجود من الصلاة، أو أسقط شرط الطهارة لصحة الصلاة. قال أبو الحسين البصري في المعتمد "1/447": "شرط العبادة ما تقف صحتها عليه، وهو ضربان: "أحدهما" جزء منها "والآخر" ليس بجزء منها، فالجزء منها: هو واحد مما هو مفهوم من العبادة، كالركوع والسجود، وما ليس بجزء منها: فهو ما لم يكن واحداً مما هو المفهوم من العبادة، كالوضوء مع الصلاة".
3 انظر المسودة ص212، العدة 3/837، روضة الناضر ص81.
4 انظر المسودة ص212، العدة 3/837، الإحكام للآمدي 3/178، المحصول ج1 ق3/556، شرح تنقيح الفصول ص220، اللمع ص34، نهاية السول 2/193ن المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/93، الآيات البينات 3/166، شرح العضد 2/203، إرشاد الفحول ص196، الإشارات ص62".
5 المعتمد 1/447.
6 المستصفى 1/116.
7 انظر فواتح الرحموت 2/94، كشف الأسرار 3/179.(3/584)
نسخٌ1 لأصلِ2 العبادة.
وقال المجْد في المسودة: محلُّ الخِلافِ في شرطٍٍ متصلٍ كالتَّوَجُّهِ، ومنفصلٍ كوضوءٍ ليس نسخًا لها إجماعا3.
ووافق الهنديُّ المجدَ.
واستدَلَّ للأولِّ -الذي هو الصحيح-: بأن وجوبَ أصلِ العبادة باقٍ، ولا يفتقرُ4 إلى دليلٍ ثانٍ إجماعًا، ولم يتجددْ وجوبٌ، وكنسخِ سنَّتِها اتفاقًا.
__________
1 في ش: أصل.
2 في ش: لنسخ.
3 المسودة ص213، وعبارة فيها: "والخلاف فيما إذا نسخ جزء من العبادة أو شرطها المتصل كالتوجه، فأما المنفصل كالوضوء فلا يكون نسخاً لها إجماعاً".
4 في ش: ولا تفتقر.(3/585)
فَصْلٌ يَسْتَحِيلُ تَحْرِيمُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى:
إلاَّ عَلَى تَكْلِيفِ1 الْمُحَالِ وَذَلِكَ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى مَعْرِفَتِهِ وَهُوَ دَوْرٌ2.
"وَمَا حَسُنَ" لِذَاتِهِ، كَمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى: "أَوْ قَبُحَ لِذَاتِهِ" كَالْكُفْرِ "يَجُوزُ نَسْخُ وُجُوبِهِ" أَيْ وُجُوبِ3 مَا حَسُنَ لِذَاتِهِ.
"وَ4" يَجُوزُ نَسْخُ "تَحْرِيمِهِ" أَيْ تَحْرِيمِ مَا قَبُحَ لِذَاتِهِ عِنْدَ مَنْ نَفَى الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ، وَنَفَى رِعَايَةَ الْحِكْمَةِ فِي أَفْعَالِهِ وَمَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ مَنَعَهُ5.
"وَكَذَا" قَالُوا "يَجُوزُ نَسْخُ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ6 سِوَى مَعْرِفَتِهِ تَعَالَى", قَالَ
__________
1 في ب: التكليف.
2 قال الآمدي: "وذلك لأن تكليفه بالنهي عن معرفته يستدعي العلم بنهيه، والعلم بنهيه يستدعي العلم بذاته، فإن من لا يعرف الباري تعالى يمتنع عليه أن يكون عالماً بنهيه، فإذاّ تحريم معرفته متوقف على معرفته، وهو دور ممتنع". "الإحكام 3/180، وانظر المستصفى 1/123، إرشادص186، شرح العضد 2/203".
3 في ع: وجوبه.
4 ساقطة من ض.
5 انظر "المستصفى 1/122، الإحكام لابن حزم 4/451، الإحكام للآمدي 3/180، نهاية السول 2/194، العضد على ابن الحاجب 2/203، فواتح الرحموت 2/67، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/90، الآيات البينات 3/159، كشف الأسرار 3/163".
6 انظر خلاف العلماء في هذه المسألة في "الإحكام للآمدي 3/180، المستصفى 1/122، نهاية السول 2/194، شرح العضد 2/203، الآيات البينات 3/158، فواتح الرحموت 2/67، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/90".(3/586)
الْمَجْدُ: على1 أَصْلِ أَصْحَابِنَا "وسائر"2 وَأَهْلِ الْحَدِيثِ خِلافًا لِلْقَدَرِيَّةِ3.
"وَلَمْ يَقَعَا إجْمَاعًا" أَيْ لَمْ4 يَقَعْ نَسْخُ وُجُوبِ مَا حَسُنَ لِذَاتِهِ، وَلا نَسْخُ تَحْرِيمِ مَا قَبُحَ لِذَاتِهِ بِلا خِلافٍ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلافُ فِي الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ5.
"انتهى المجلد الثالث من "شرح الكوكب المنير" ويليه إن شاء الله المجلد الرابع والأخير، وأوله "باب القياس"
"والحمد لله رب العالمين"
__________
1 في ش: من.
2 زيادة من كلام المجد في المسودة.
3 المسودة ص200، وتمام عبارة المجد: "خلافاً للقدرية في قولهم العبادات مصالح، ولا يجوز أن ترفع المصالح عندهم".
4 في ع: ولم.
5 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/90، الآيات البينات 3/159.(3/587)
المجلد الرابع
باب القياس
...
باب القياس
"القياس لغة: التقدير والمساواة"1
2 لما فرغنا من المباحث المتعلقة بالكتاب والسنة والإجماع شرعنا في القياس ومباحثه، وهو ميزان العقول، قَالَ الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} 3
فالقياس في اللغة يدل على معنى التسوية على العموم؛ لأنه نسبة وإضافة بين شيئين، ولهذا يقال: فلان يقاس بفلان، ولا يقاس بفلان، أي يساوي فلانا، ولا يساوي فلانا.
__________
1 انظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس 5/40، لسان العرب 6/187، الصحاح للجوهري 3/967.
2 ساقطة من ع ض.
3 الآية 25 من الحديد.(4/5)
"و" أما القياس "شرعا" أي في عرف الشرع1 فهو: "تسوية فرع بأصل في حكم. من باب تخصيص الشيء ببعض مسمياته" فهو حقيقةٌ عرفية، مجازٌ لغويٌّ. قاله الطوفي في شرحه وغيرُه.
"و" القياس "اصطلاحا" أي في اصطلاح الأصوليين2 علماءِ الشريعة: "ردُّ فرع إلى أصل3 بعلة جامعة"4.
قاله القاضي5 وأبو الخطاب وابن البنَّاء.
وفي التمهيد أيضا: تحصيل حكم الأصل في الفرع لاشتباههما في علة الحكم. واختاره أبو الحسين البصري 6.
قَالَ ابن مفلح: ومرادُه تحصيلُ مثل حكم الأصل. ومعناه في "الواضح" وقال: إنه أَسَدُّ ما رآه.
قَالَ ابن مفلح: لكنْ هو نتيجةُ القياس لا نفسُه. اهـ.
وذلك كردِّ النبيذ على الخمر في التحريم بعلة الإسكار، ونعني بالرد: الإلحاقَ والتسويةَ بينهما في الحكم.
__________
1 في ض: أهل الشرع.
2 ساقطة من ش.
3 في ش: أصله.
4 في العدّة: جامعة بينهما. وفي الجدل لابن عقيل: تجمعهما.
5 العدة 1/174.
6 المعتمد للبصري 2/697(4/6)
وللقياس تعاريفُ أخرى غيرُ ما ذُكِرَ أضربْنا عن ذكرها خشية الإطالة1.
"ولم يَرِدْ بالحدِّ قياسُ الدلالة وهو: الجمعُ بين أصل وفرع بدليل العلة"2 كالجمع بين الخمر والنبيذ بالرائحة الدالة على الشدَّة الْمُطْرِبَةِ.
__________
1 انظر تعريفات الأصوليين للقياس في "العدة 1/174، المعتمد 2/697، 1031، البرهان 2/745، الكافية للجويني ص 59، الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 10، اللمع ص 53، إرشاد الفحول ص 198، مختصر الطوفي ص 145، شرح العضد 2/204، الإبهاج 3/2، شفاء الغليل للغزالي ص 18، مختصر البعلي ص 142، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/202، المستصفى 2/228، فواتح الرحموت 2/246، شرح تنقيح الفصول ص 383، روضة الناظر ص 275، الآيات البينات 4/2، المنخول ص 323، تيسير التحرير 3/264، كشف الأسرار 3/268، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 1/178، نهاية السول 3/3، المنهاج للباجي ص 13، المحصول 2/2/9، فتح الغفار 3/8، مناهج العقول 3/3، التعريفات للجرجاني ص 95، الحدود للباجي ص 69، الإشارات للباجي ص 95، التلويح على التوضيح 2/526، الإحكام للآمدي 3/262 وما بعدها، نشر البنود 2/104، أصول الشاشي ص 325، أصول السرخسي 2/143، أدب القاضي للماوردي 1/555، مفتاح الوصول للتلمساني ص 129، الوصول إلى مسائل الأصول للشيرازي 2/211".
2 انظر تعريف قياس الدلالة وكلام الأصوليين عليه في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/341، فواتح الرحموت 2/320، الآيات البينات 4/173، الجدل لابن عقيل ص 13، البرهان 2/867، اللمع ص 56، شرح العضد 2/205، تيسير التحرير 3/275، روضة الناظر ص 314، مختصر الطوفي ص 164، الوصول إلى مسائل الأصول 2/247 وما بعدها، إعلام الموقعين 1/139".(4/7)
"ولا قياسُ العكس، وهو: تحصيلُ نقيضِ حكمِ المعلوم في غيره، لافتراقهما في علةِ الحكم"1 مثل أن يقال: لما وجب الصوم في الاعتكاف بالنذر وجب بغير نذر، عكسه الصلاة، لما لم تجب فيه بالنذر لم تجب بغير نذر.
وقيل: بلى.
وقيل: ليس بقياسٍ.
قَالَ ابن حمدان في "المقنع" وغيرُه: المحدودُ هنا هو قياس الطرد فقط.
وقال القاضي عضدُ الدين وغيرُه: القياس المحدود هو قياس العلة 2.
وقال البرماوي: في حجية 3 قياس العكس خلاف، وكلام الشيخ أبي حامد يقتضي المنعَ، لكنَّ الجمهورَ على خلافه.
قَالَ4 أبو إسحاق الشيرازي في "الملخص": اختلف أصحابنا في الاستدلال به على وجهين، أصحهما - وهو المذهب -
__________
1 انظر تعريف قياس العكس وكلام الأصوليين عليه في "الإحكام للآمدي 3/262، مفتاح الوصول ص 159، المسودة ص 425، المعتمد 2/699، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/343، الآيات البينات 4/175، فواتح الرحموت 2/247، تيسير التحرير 3/271".
2 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/205.
3 في ض: الحجة.
4 في ز: قال قال.(4/8)
أنه يصحُّ، استدل به الشافعي في عدة مواضع.
والدليل عَلَيْهِ1 أن الاستدلال بالعكس استدلالٌ2 بقياسٍ مدلولٌ على صحتِهِ بالعكس. وإذا صح القياسُ3 في الطرد - وهو غيرُ مدلول على صحته - فلأَنْ يصحَّ الاستدلالُ بالعكس - وهو قياس مدلول على صحته - أولى.
قَالَ البرماوي: ويدل عَلَيْهِ أن الاستدلال به وقع في القرآن والسنة وفعل الصحابة:
فأما القرآنُ، فنحو قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 4 فدل على أنه ليس إلهٌ إلا اللهُ، لعدم فسادِ السماوات والأرض.
وكذلك قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} 5 ولا اختلافَ فيه فدل على أن القرآن من عند الله بمقتضى قياسِ العكس.
وأما السنة، فكحديث: يأتي أحدُنا شهوته ويؤجر6؟ قَالَ:
__________
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ش.
3 ساقطة من ض.
4 الآية 22 من الأنبياء.
5 الآية 82 من النساء.
6 في ض: فيؤجر.(4/9)
"أرأيتم لو وضعها في حرام؟ يعني أكان يعاقب؟ قالوا: نعم، قَالَ: فمه! 1". فقياس وضعها في حلال فيؤجر2 على وضعها في حرا م فيؤزر بنقيض العلة 3.
وأما الصحابة ففي "الصحيحين"4 عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " من مات يشرك بالله شيئا دخل النار". وقلت أنا: ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة.
وفي بعض أصول مسلم روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 5: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة". قَالَ: وقلت أنا: من6 مات يشرك بالله شيئا دخل النار7.
ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة عَلَيْهِ.
__________
1 أخرجه مسلم وأبو داود وأحمد في مسنده عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً. "انظر صحيح مسلم 2/698، بذل المجهود 20/185، مسند أحمد 5/154، 167، 168، 178".
2 في ش: ويؤجر.
3 في ش: العدة.
4 صحيح البخاري 2/69، صحيح مسلم 1/94.
5 ساقطة من ش.
6 في ض د: ومن.
7 أخرجه أبو عوانة الاسفراييني في مسنده 1/17 وابن مندة في الإيمان 1/215 عن ابن مسعود رضي الله عنه.(4/10)
لكن رواهما مسلم عن جابر مرفوعا1، فلا حاجة إلى القياس.
ويُجْمَعُ بين الروايتين أنه2 عند ذكر كل لفظ كان ناسيا للآخَر3، كما جمع به النووي 4.
وظهر بذلك5 كلِّه أنه حجة، إلا أنَّه هل يُسمَّى قياسا حقيقةً6 أو مجازًا، أو لا يُسَمَّى قياسًا أصْلا؟
ثلاثةُ أقوالٍ، أرجحُها الثاني 7.
"وَأَرْكَانُهُ"8 أَيْ الْقِيَاسِ أَرْبَعَةٌ "أَصْلٌ، وَفَرْعٌ، وَعِلَّةٌ،
__________
1 صحيح مسلم 1/94.
2 في ش: بأنه وهي ساقطة من ب.
3 في ش ز: للأخرى.
4 قال النووي: "الجيد أن يقال: سمع ابن مسعود اللفظتين من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه في وقت حَفِظ إحداهما وتيقنها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ الأخرى، فرفع المحفوظة، وضم الأخرى إليها. وفي وقت آخر حفظ الأخرى، ولم يحفظ الأولى مرفوعة، فرفع المحفوظة، وضم الأخرى إليها. فهذا جمعٌ ظاهر بين روايتي ابن مسعود، وفيه موافقة لرواية غيره في رفع اللفظتين، والله أعلم". "شرح النووي على صحيح مسلم 2/97".
5 في ش: بهذا.
6 في ش: حقيقة.
7 انظر تحقيق المسألة في "الإحكام للآمدي 3/265، المعتمد 2/699، فواتح الرحموت 2/248، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/343، الآيات البينات 4/175، تيسير التحرير 3/272، المسودة ص 425، المحصول 2/2/22".
8 في ز: أي أركان.(4/11)
وَحُكْمٌ"1
وَالْمُرَادُ بِالأَرْكَانِ هُنَا: مَا لا يَتِمُّ الْقِيَاسُ إلاَّ بِهِ، فَتَكُونُ2 مَجَازًا؛ لأَنَّ أَرْكَانَ الشَّيْءِ حَقِيقَةً: هِيَ أَجْزَاؤُهُ الَّتِي يَتَأَلَّفُ مِنْهَا، كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلاةِ إلاَّ أَنْ يَعْنِيَ بِالْقِيَاسِ مَجْمُوعَ هَذِهِ الأُمُورِ الأَرْبَعَةِ مَعَ الْحَمْلِ3 تَغْلِيبًا فَتَصِيرُ الأَرْبَعَةُ شَطْرًا لِلْقِيَاسِ4.
وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ، فَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: هُوَ قَوْلُ مَنْ خَلَطَ الاجْتِهَادَ بِالْقِيَاسِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْقِيَاسَ نَوْعٌ مِنْ الاجْتِهَادِ وَاَلَّذِي لا يَحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ: هُوَ مَا سِوَاهُ مِنْ أَنْوَاعِ الاجْتِهَادِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَلا بُدَّ لَهُ مِنْ أَصْلٍ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ الشَّرْعِيَّ رَاجِعٌ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ الْمَنْطِقِيِّ الْمُؤَلَّفِ مِنْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ؛ لأَنَّ قَوْلَنَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، فَكَانَ حَرَامًا كَالْخَمْرِ مُخْتَصَرٌ مِنْ قَوْلِنَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَلَيْسَ فِي الأَوَّلِ زِيَادَةٌ عَلَى الثَّانِي، إلاَّ ذِكْرَ الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ عَلَى جِهَةِ التَّنْظِيرِ بِهِ وَالتَّأَنُّسِ.
__________
1 انظر كشف الأسرار 3/344، العدة 1/175.
2 في ش ز: فيكون.
3 في ع: الجمل.
4 في ش ع: شطراً للقياس.(4/12)
وَلِهَذَا لَوْ قُلْنَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ فَهُوَ حَرَامٌ، لَحَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَإِذَا ثَبَتَ1 أَنَّ الْقِيَاسَ الشَّرْعِيَّ رَاجِعٌ إلَى الْعَقْلِيِّ، لَزِمَ2 فِيهِ مَا يَلْزَمُ فِي الْعَقْلِيِّ، مِنْ كَوْنِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ.
وَبَيَانُهُ: أَنَّ الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَالنَّتِيجَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى سِتَّةِ أَجْزَاءٍ، مِنْ بَيْنِ مَوْضُوعٍ وَمَحْمُولٍ فَسَقَطَ مِنْهَا بِالتَّكْرَارِ جُزْآنِ، وَهُوَ الْحَدُّ الأَوْسَطُ، يَبْقَى أَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ هِيَ أَرْكَانُ الْمَقْصُودِ. وَهِيَ الَّتِي يَقْتَصِرُ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ فِي أَقْيِسَتِهِمْ.
مِثَالُهُ: قَوْلُنَا النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، جُزْآنِ: مَوْضُوعٌ وَهُوَ النَّبِيذُ، وَمَحْمُولٌ وَهُوَ مُسْكِرٌ ثُمَّ نَقُولُ3: وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. فَهَذَانِ جُزْآنِ. وَيَلْزَمُ عَنْ 4 ذَلِكَ: النَّبِيذُ حَرَامٌ وَهُمَا5 جُزْآنِ آخَرَانِ صَارَتْ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ، هَكَذَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، فَالنَّبِيذُ حَرَامٌ، يَسْقُطُ مِنْهَا لَفْظُ "مُسْكِرٍ" مَرَّتَيْنِ؛ لأَنَّهُ مَحْمُولٌ فِي الْمُقَدِّمَةِ الأُولَى مَوْضُوعٌ فِي الثَّانِيَةِ، يَبْقَى هَكَذَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، فَهُوَ 6حَرَامٌ، وَهُوَ صُورَةُ قِيَاسِ الْفُقَهَاءِ.
__________
1 في ش: حصل ثبت.
2 في ش: لازم.
3 في ع ض ب: يقول.
4 في ز: من.
5 في ض: وهو.
6 في ش: وكل مسكر.(4/13)
"فَالأَصْلُ1 مَحَلُّ الْحُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ2" عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ، كَالْخَمْرِ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ، لافْتِقَارِ الْحُكْمِ وَالنَّصِّ إلَيْهِ3.
وَقِيلَ:4 إنَّ الأَصْلَ دَلِيلُ الْحُكْمِ، وَحُكِيَ عَنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُعْتَزِلَةِ. فَيَكُونُ فِي الْمِثَالِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوهُ} 5 وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ.
وَقِيلَ: إنَّ الأَصْلَ نَفْسُ حُكْمِ الْمَحَلِّ، فَهُوَ نَفْسُ الْحُكْمِ الَّذِي فِي الأَصْلِ، كَالتَّحْرِيمِ فِي الْمِثَالِ؛ لأَنَّهُ الَّذِي يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَغَيْرُهُ: وَالنِّزَاعُ لَفْظِيٌّ، لِصِحَّةِ إطْلاقِ
__________
1 في ش: والأصل.
2 ساقطة من ض.
3 انظر معنى الأصل عند علماء الأصول في "العدة 1/175، إرشاد الفحول ص 204، اللمع ص 57، مختصر البعلي ص 142، الجدل لابن عقيل ص 10، المنهاج للباجي ص 13، الكافي للجويني ص 60، الإحكام للآمدي 2/273، الحدود للباجي ص 70، المحصول 2/2/24، شرح العضد 2/208، تيسير التحرير 3/275، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/212، الآيات البينات 4/11، فواتح الرحموت 2/248، نشر البنود 2/115، المعتمد للبصري 2/700، كشف الأسرار 3/301، الإبهاج 3/27، فتح الغفار 3/14، الوصول إلى مسائل الأصول 2/260".
4 ساقطة من ش.
5 الآية 90 من المائدة.(4/14)
الأَصْلِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا1.
وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ الْحُكْمُ وَالْعِلَّةُ 2.
"وَالْفَرْعُ الْمَحَلُّ الْمُشَبَّهُ" كَالنَّبِيذِ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ، وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ، حَكَاهُ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ عَنْهُمْ 3
وَقِيلَ: إنَّهُ حُكْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَهُوَ التَّحْرِيمُ، وَبِهِ قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَهُوَ الأَصَحُّ،
وَإِنَّمَا قَدَّمَ تَعْرِيفَ الْفَرْعِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ لِمُقَابَلَتِهِ لِلأَصْلِ، فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ4 لِمَا بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، مِنْ اللُّزُومِ الذِّهْنِيِّ،
"وَالْعِلَّةُ فَرْعٌ لِلأَصْلِ 5وَأَصْلٌ لِلْفَرْعِ6" اتِّفَاقًا، لِبِنَاءِ
__________
1 في ش: منها.
2 الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 10.
3 انظر معنى الفرع عند الأصوليين في "الجدل لابن عقيل ص 10، الكافية للجويني ص 60، الإحكام للآمدي 3/276، الحدود للباجي ص 71، المحصول 2/2/27، العدة 1/175، إرشاد الفحول ص 204، اللمع ص 57، مختصر البعلي ص 142، المنهاج للباجي ص 13، شرح العضد 2/208، تيسير التحرير 3/276، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/222، الآيات البينات 4/20، فواتح الرحموت 2/248، نشر البنود 2/123، المعتمد 2/703، كشف الأسرار 3/301، فتح الغفار 3/14".
4 في ش: المبين للضدين.
5 وذلك لاستنباطها من حكمه. "مختصر البعلي ص 142".
6 وذلك لثبوت الحكم فيه بها. "مختصر البعلي ص 142".(4/15)
حُكْمِهِ عَلَيْهِ1.
"وَالْحُكْمُ" الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْقِيَاسِ هُوَ "الْمُعَلَّلُ" لا الْمَحْكُومُ فِيهِ2،
__________
1 قال ابن عقيل: "العلة: هي التي ثبت الحكم لأجلها في الفرع والأصل. وقيل: الموجبة للحكم. وقيل: أمارة الحكم ودلالته. وقيل: المعنى الجالب للحكم. والجميع متقارب". "الجدل على طريقة الفقهاء ص 11.
وانظر تعريفات الأصوليين للعلة في "العدة 1/175، إرشاد الفحول ص 207، اللمع ص 58، المنهاج للباجي ص 14، الكافي للجويني ص 60، الإحكام للآمدي 3/276، الحدود للباجي ص 72، نهاية السول 3/39، منهاج العقول 3/37، الوصول إلى مسائل الأصول 2/267، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/231، الآيات البينات 4/33، روضة الناظر ص 276، الإبهاج 3/28، فواتح الرحموت 2/249، الجدل لابن عقيل ص 9، نشر البنود 2/129، المعتمد 2/704، كشف الأسرار 3/293، فتح الغفار 3/19، التلويح على التوضيح 2/551، المحصول 2/2/179، المستصفى 2/230، تيسير التحرير 3/302، شرح العضد 2/209، المسودة ص 385، أصول السرخسي 2/174، مختصر البعلي ص 143".
2 قال القاضي أبو يعلى: "وأما الحكم: فما جلبته العلة، أو ما اقتضته العلة من تحريم وتحليل وصحة وفساد ووجوب وانتفاء وجوب وما أشبه ذلك". "العدة 1/176". وقال ابن عقيل: "وأما المعلول، فقد اختلف أهل العلم فيه، فقال بعضهم: هو الحكم. وعليه الأكثرون. وهو مذهبنا، ولا شك أن وجهه هو أن ما تعلقت العلة عليه فهو المعلول، وذلك الحكم. وقال أبو علي الطبري: هو المحكوم فيه؛ وهي الأعيان التي تتعلق عليها الأحكام. مثل الكلب الذي يعلل لنجاسته أو طهارته. والأول هو المعوّل عليه". "الجدل على طريقة الفقهاء ص 9".
وانظر تعريفات الأصوليين للحكم في "إرشاد الفحول ص 204، اللمع ص 61، المنهاج للباجي ص 14، الوصول إلى مسائل الأصول 2/278، تيسير التحرير 3/277، المحصول 2/2/25، المعتمد 2/705".(4/16)
خِلافًا1 لأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ2 الشَّافِعِيِّ3.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ تَعْرِيفِ أَرْكَانِهِ شَرَعَ فِي شُرُوطِ صِحَّتِهِ، فَقَالَ:
"وَشَرْطُ حُكْمِ الأَصْلِ: كَوْنُهُ شَرْعِيًّا إنْ اسْتَلْحَقَ شَرْعِيًّا"4 وَذَلِكَ؛ لأَنَّهُ الْقَصْدُ مِنْ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ. وَلأَنَّ الْقِيَاسَ لا يَجْرِي فِي اللُّغَاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ فَلا يَكُونُ قِيَاسًا. وَالْكَلامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ، مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ فِيهِمَا صَحِيحٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، كَقِيَاسِ تَسْمِيَةِ
__________
1 ساقطة من ش.
2 هو الحسين بن القاسم، أبو علي الطبري، نسبة إلى طبرستان، الإمام البارع المتفق على جلالته، شيخ الشافعية ببغداد، أول من صنف في الخلاف المجرد، تفقه على أبي علي بن أبي هريرة. من مؤلفاته "المحرر" و"الإفصاح في المذهب" و"أصول الفقه" وغيرها. توفي ببغداد سنة 35هـ "انظر ترجمته في تاريخ بغداد 8/87، طبقات الشافعية للأسنوي 2/154، طبقات الشافعية للسبكي 3/280، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/100، شذرات الذهب 3/3، تهذيب الأسماء واللغات 2/261".
3 في ش: والشافعي.
4 انظر "شرح العضد 2/209، نشر البنود 2/116، مختصر البعلي ص 142، شفاء الغليل للغزالي ص 635، مفتاح الوصول ص 155، الإحكام للآمدي 3/278، كشف الأسرار 3/313، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/215، الآيات البينات 4/13، الإبهاج 3/101، شرح البدخشي 3/117، إرشاد الفحول ص 205، فتح الغفار 3/16، تيسير التحرير 3/285، التلويح على التوضيح 2/541، المستصفى 2/325، 347، فواتح الرحموت 2/252، المحصول 2/2/483، روضة الناظر ص 318، مختصر الطوفي ص 152، أصول السرخسي 2/150".(4/17)
اللاَّئِطِ زَانِيًا، وَالنَّبَّاشِ سَارِقًا، وَالنَّبِيذِ خَمْرًا، لِيَثْبُتَ الْحَدُّ وَالْقَطْعُ وَالتَّحْرِيمُ.
فَإِذَا قِيلَ: بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي اسْتِلْحَاقِ نَفْسِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، فَلا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ شَرْعِيًّا.
"وَ" مِنْ شَرْطِ حُكْمِ الأَصْلِ: كَوْنُهُ "غَيْرَ مَنْسُوخٍ"1؛ لأَنَّ الْمَنْسُوخَ لَمْ يَبْقَ لَهُ وُجُودٌ فِي الشَّرْعِ2، فَيُلْحِقَ بِهِ الأَحْكَامَ بِقِيَاسٍ وَلا غَيْرِهِ
"وَ" يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ "لا" يَكُونَ3 "شَامِلاً لِحُكْمِ الْفَرْعِ"4 إذْ لَوْ كَانَ شَامِلاً لِحُكْمِ الْفَرْعِ لَمْ يَكُنْ5 جَعْلُ
__________
1 انظر "حاشية البناني 2/210، الآيات البينات 4/10، مناهج العقول 3/119، إرشاد الفحول ص 205، فتح الغفار 3/16، تيسير التحرير 3/287، الوصول إلى مسائل الأصول 2/266، التلويح على التوضيح 2/541، مفتاح الوصول ص 130، المستصفى 2/347، شرح العضد 2/209، الإحكام للآمدي 3/278، كشف الأسرار 3/303، اللمع ص 58، مختصر البعلي ص 142"
2 في ش: الشرط. وفي ض: الشرعي.
3 أي دليل حكم الأصل. "شرح العضد 2/213".
4 انظر "فواتح الرحموت 2/353، المحصول 2/2/486، نهاية السول 3/120، إرشاد الفحول ص 205، فتح الغفار 3/16، تيسير التحرير 3/286، المستصفى 2/326، شرح العضد 2/213، نشر البنود 2/119، مختصر البعلي ص 143، شفاء الغليل ص 639، الإحكام للآمدي 3/286، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/218، الآيات البينات 4/15، الإبهاج 3/102، مناهج العقول 3/118".
5 في ش: يمكن.(4/18)
أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ1 أَصْلاً وَالآخَرِ فَرْعًا أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ، وَلَكَانَ الْقِيَاسُ ضَائِعًا2 وَتَطْوِيلاً بِلا طَائِلٍ.
مِثَالُهُ فِي الذُّرَةِ مَطْعُومٌ فَلا يَجُوزُ3 بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلاً قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ، فَيُمْنَعَ4 فِي الْبُرِّ فَنَقُولُ5 قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلاَّ يَدًا بِيَدٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ" 6 فَإِنَّ الطَّعَامَ يَتَنَاوَلُ الذُّرَةَ كَمَا يَتَنَاوَلُ الْبُرَّ.
وَأَنْتَ تَعْلَمُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ دَلِيلَ الْعِلَّةِ إذَا كَانَ نَصًّا وَجَبَ أَلاَّ يَتَنَاوَلَ الْفَرْعَ بِلَفْظِهِ، مِثْلَ أَنْ تَقُولَ7: النَّبَّاشُ يُقْطَعُ؛ لأَنَّهُ سَارِقٌ كَالسَّارِقِ مِنْ الْحَيِّ [فَيُقَالَ: وَلِمَ قُلْتَ إنَّ السَّارِقَ مِنْ الْحَيِّ] 8 إنَّمَا يُقْطَعُ؛ لأَنَّهُ سَارِقٌ؟ فَنَقُولَ9 لِقَوْلِهِ تَعَالَى
__________
1 ساقطة من ش
2 في ش: ضياعاً.
3 ساقطة من ض.
4 في ع: فنمنع.
5 في ش ز ع: فنقول.
6 الحديث بلفظ "الطعام بالطعام" محل الاستشهاد أخرجه مسلم والبيهقي وأحمد عن معمر بن عبد الله مرفوعاً، وليس فيه "يداً بيد".
"صحيح مسلم 3/1214، سنن البيهقي 5/285، مسند أحمد 6/400".
7 في ش: تقول. وفي ض ب: يكون.
8 زيادة من شرح العضد يقتضيها السياق.
9 في ش: فنقول.(4/19)
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} 1 رَتَّبَ الْقَطْعَ عَلَى السَّرِقَةِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمُقْتَضِي2 لِلْقَطْعِ.
فَيُقَالُ: [فَهَذَا] 3 يُوجِبُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِالنَّصِّ. فَإِنَّ ثُبُوتَ الْعِلَّةِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَلا مُخَلِّصَ لِلْمُسْتَدِلِّ إلاَّ مَنْعُ كَوْنِهِ عَامًّا4.
"وَ" مِنْ شَرْطِ حُكْمِ الأَصْلِ أَيْضًا: أَنْ "لا" يَكُونَ "مَعْدُولاً بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ" 5أَيْ عَنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَبَرِ فِيهِ، لِتَعَذُّرِ التَّعْدِيَةِ حِينَئِذٍ.
__________
1 الآية 38 من المائدة.
2 ساقطة من ز.
3 زيادة من شرح العضد يقتضيها السياق.
4 كلام المصنف على هذا الشرط منقول كله حرفياً من شرح العضد 2/213 فانظره.
5 انظر "تيسير التحرير 3/278، التلويح على التوضيح 2/539، المستصفى 2/326، فواتح الرحموت 2/250، مفتاح الوصول ص 131، المحصول 2/2/489، شرح العضد 2/211، نشر البنود 2/118، أصول السرخسي 2/149، مختصر البعلي ص 143، شفاء الغليل ص 650 وما بعدها، الإحكام للآمدي 3/282، كشف الأسرار 3/302، 304، 305، روضة الناظر ص 329، اللمع ص 57، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/218، الآيات البينات 4/15، الإبهاج 3/104، مناهج العقول 3/121، نهاية السول 3/122، إرشاد الفحول ص 206، فتح الغفار 3/15، الوصول إلى مسائل الأصول 2/262".(4/20)
وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِكَوْنِهِ لَمْ يُعْقَلْ مَعْنَاهُ، إمَّا لِكَوْنِهِ اُسْتُثْنِيَ مِنْ قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ كَالْعَمَلِ بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَحْدَهُ فِيمَا لا1 تُقْبَلُ2 فِيهِ3 شَهَادَةُ الْوَاحِدِ، أَوْ لَمْ يُسْتَثْنَ "كَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ" وَتَقْدِيرِ نِصَابِ الزَّكَاةِ4 وَمَقَادِيرِ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا عُقِلَ مَعْنَاهُ، وَلَكِنْ لا نَظِيرَ لَهُ، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "أَوْ لا نَظِيرَ لَهُ" وَسَوَاءٌ كَانَ "لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ" كَرُخَصِ السَّفَرِ5 "أَوْ لا" مَعْنَى لَهُ ظَاهِرٌ، كَالْقَسَامَةِ6. كَذَا مَثَّلَ بِهِ ابْنُ مُفْلِحٍ تَبَعًا لابْنِ الْحَاجِبِ7 وَغَيْرِهِ 8.
__________
1 في ض: لم.
2 في ش: تقبل.
3 في ع: به.
4 في ع ز: الزكوات.
5 حيث إن علتها السفر، وهو معنى مناسب للرخصة لما فيه من المشقة، ولكنّ هذا الوصف لم يوجد في موضع آخر. "انظر شرح العضد 2/211".
6 وهي تحليف مدعي القتل مع اللوث خمسين قسماً، وصورتها أن يوجد قتيل بموضع لا يعرف قاتله ولا بينة، ويدعي وليه قتله على شخص أو جماعة، وتوجد قرينة تُشعِر بتصديق الولي في دعواه، فيحلف الولي خمسين يميناً، ويثبت القتل، فتجب الدية لا القصاص. "تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/92" ومعناه: التغليظ في حقن الدماء، وإلا لم يتعذر للأعداء القتل بغير مشهد الشاهدين، ولا للأشرار الذين لا يزعهم وازع التقوى الحلف عليه حلفةً واحدةً، فروعي فيه المصلحتان. ولا نظير له. "شرح العضد 2/211".
7 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/211.
8 الإحكام للآمدي 3/282.(4/21)
قَالَ1 الْبِرْمَاوِيُّ: لَكِنْ2 فِي جَعْلِهِ الْقَسَامَةَ غَيْرَ3 مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى، وَهُوَ خَفِيٌّ بِخِلافِ شَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَمَقَادِيرِ الْحُدُودِ: نَظَرٌ ظَاهِرٌ.
"وَمَا خُصَّ مِنْ الْقِيَاسِ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَ" يَجُوزُ "قِيَاسُهُ عَلَى غَيْرِهِ"4
قَالَ أَبُو يَعْلَى: الْمَخْصُوصُ مِنْ جُمْلَةِ الْقِيَاسِ يُقَاسُ عَلَيْهِ وَيُقَاسُ عَلَى غَيْرِهِ. أَمَّا الأَوَّلُ: فَلأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِيمَنْ نَذَرَ ذَبْحَ نَفْسِهِ: يَفْدِي نَفْسَهُ بِكَبْشٍ5 فَقَاسَ مَنْ نَذَرَ ذَبْحَ نَفْسِهِ عَلَى6 مَنْ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ. انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ، وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ
__________
1 في ش: قاله.
2 في ب: لكنه.
3 ساقطة من ش.
4 انظر تحقيق المسألة في "المحصول 2/2/489، القياس لابن تيمية ص 35، مفتاح الوصول ص 131، الوصول إلى مسائل الأصول 2/262، التمهيد للأسنوي ص 449، التبصرة للشيرازي ص 448، المعتمد 2/791، شرح تنقيح الفصول ص 415، المسودة ص 399 وما بعدها، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 183، أصول السرخسي 2/149، كشف الأسرار 3/311، 312، المستصفى 2/328، روضة الناظر ص 329، اللمع ص 57، المنخول ص 387، الإبهاج 3/104، التلويح على التوضيح 2/539".
5 ساقطة من ش.
6 في ض: عن.(4/22)
وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْمَالِكِيِّ1؛ لأَنَّ الظَّنَّ الْخَاصَّ أَرْجَحُ. وَمَنَعَ ذَلِكَ2 أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ، إلاَّ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّلاً، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ" 3 أَوْ مُجْمَعًا عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ، كَالتَّحَالُفِ4 فِي الإِجَارَةِ 5 كَالْبَيْعِ.
وَلَنَا وَجْهٌ، كَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ قَالَ: وَلِهَذَا لا نَقِيسُ عَلَى لَحْمِ الإِبِلِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِنَا.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا قَالَ.
ثُمَّ 6 قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِعَدَمِ فَهْمِ الْمَعْنَى، أَوْ مُسَاوَاتِهِ وَلِهَذَا
__________
1 هو القاضي إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل الأزدي، أبو إسحاق، شيخ المالكية في وقته، وناشر مذهب مالك في العراق، وقاضي بغداد. قال الباجي: لم تحصل درجة الاجتهاد بعد مالك إلا له. من مؤلّفاته "أحكام القرآن" و"المبسوط" في الفقه و"الأموال والمغازي" و"الأصول" و"الاحتجاج بالقرآن" وغيرها. توفي سنة 282هـ. "انظر ترجمته في تاريخ بغداد 6/284، الديباج المذهب 1/282، شذرات الذهب 2/178، المعيار المعرب للونشريسي 2/170، الفتح المبين 1/162، شجرة النور الزكية 1/65.
2 في ش: من ذلك.
3 في ز: الطوافين عليكم.
والحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي ومالك في الموطأ وغيرهم عن أبي قتادة رضي الله عنه مرفوعاً، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. "انظر الموطأ 1/23، بذل المجهود 1/196، غارضة الأحوذي 1/137، سنن ابن ماجة 1/131، سنن النسائي 1/48، سنن الدارقطني 1/70، سنن البيهقي 1/254".
4 في ش ض: التخالف.
5 في ش: الإجازة.
6 ساقطة من ش.(4/23)
نَقِيسُ1 فِي الأَشْهَرِ الْعِنَبَ عَلَى الْعَرَايَا2. وَقَدْ قَاسَ الْحَنَفِيَّةُ الْمُقَدَّرَ، كَالْمُوضِحَةِ3 عَلَى4 دِيَةِ النَّفْسِ فِي حَمْلِ الْعَاقِلَةِ
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: لَنَا أَنَّ الاعْتِبَارَ بِوُجُودِ: الْقِيَاسِ بِشُرُوطِهِ، وَكَوْنِهِ مَخْصُوصًا لا يَمْنَعُ إلْحَاقَ مَا فِي مَعْنَاهُ
قَالُوا: لا نَظِيرَ.
قُلْنَا: لا يَخْلُو مِنْ نَظِيرٍ.
"وَ" مِنْ شَرْطِ حُكْمِ الأَصْلِ أَيْضًا "كَوْنُهُ غَيْرَ فَرْعٍ"5
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَمِنْهُ كَوْنُهُ غَيْرَ فَرْعٍ، اخْتَارَهُ
__________
1 في ز د: لا نقيس.
2 العرايا: هو بيع الرطب في رؤوس نخله بالتمر على الأرض كيلاً. "المطلع للبعلي ص 241، المهذب 1/281، التنبيه ص 65".
3 المُوضِحة: هي الشجة التي تكشف العظم وتُبدي وضَحَه، أي بياضه. "المصباح المنير 2/827، المطلع 367، النظم المستعذب 2/179".
4 في ش: في.
5 انظر "تيسير التحرير 3/287، التلويح على التوضيح 2/541، المستصفى 2/325، 347، مفتاح الوصول ص 136، فواتح الرحموت 2/253، الوصول إلى مسائل الأصول 2/264، المحصول 2/2/484، الجدل لابن عقيل ص 73، شرح العضد 2/264، مختصر البعلي ص 143، التبصرة ص 450، شفاء الغليل ص 636، المسودة ص 394، 397، 398، الإحكام للآمدي 3/278، كشف الأسرار 3/303، روضة الناظر ص 315، اللمع ص 58، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/215، الآيات البينات 4/13، الإبهاج 3/101، مناهج العقول 3/117، نهاية السول 3/119، إرشاد الفحول ص 205، فتح الغفار 3/16".(4/24)
الْقَاضِي فِي مُقَدِّمَةِ الْمُجَرَّدِ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَحْمَدَ
وَقِيلَ لَهُ: يَقِيسُ الرَّجُلُ بِالرَّأْيِ؟ فَقَالَ: لا. هُوَ أَنْ يَسْمَعَ1 الْحَدِيثَ فَيَقِيسَ عَلَيْهِ2ِ.
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْ الْفَرْعِ الْمُتَوَسِّطِ عِلَّةٌ لَيْسَتْ فِي الأَصْلِ وَيُقَاسَ عَلَيْه.
وَذَكَرَ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ الْقِيَاسِ جَوَازَ كَوْنِ الشَّيْءِ أَصْلاً لِغَيْرِهِ فِي حُكْمٍ، وَفَرْعًا لِغَيْرِهِ فِي حُكْمٍ آخَرَ، لا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ3.
وَجَوَّزَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ مِنَّا4، وَقَالَ: لأَنَّهُ لا يُخِلُّ بِنُظُمِ الْقِيَاسِ وَحَقِيقَتِهِ5، وَكَذَا أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنَعَهُ أَيْضًا.
ثمَّ قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَالْمَنْعُ قَالَهُ الْكَرْخِيُّ وَالآمِدِيُّ6، وَذَكَرَهُ
__________
1 في ش: تسمع.
2 في ش: فتقيس.
3 انظر المسودة ص 395.
4 ساقطة من ش ع ز.
5 كما جوزه ابن عقيل فقال: "يجوز القياس على ما ثبت بالقياس، مثل حمل الذرة على الأرز، خلافاً لبعضهم وهو أبو الحسن الكرخي وبعض أصحاب الشافعي: لا يجوز ذلك. لنا: هو أن الفرع لما ثبت الحكم فيه بالقياس صار أصلاً في نفسه، فجاز أن يُستنبط منه معنىً ويقاس عليه، كالأصل الثابت بالنص". "الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 16".
6 الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/278.(4/25)
عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِمْ، وَالْجَوَازُ قَالَهُ الرَّازِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ1 وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ وَقَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ: يَجُوزُ عِنْدَنَا، خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالصَّيْرَفِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ: وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ: تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ. اهـ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ: مُتَرْجَمَةٌ بِمَنْعِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا ثَبَتَ حُكْمُهُ بِالْقِيَاسِ
وَوَجْهُ الْمَنْعِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْعِلَّةَ إنْ اتَّحَدَتْ فَالْوَسَطُ لَغْوٌ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ2: السَّفَرْجَلُ مَطْعُومٌ فَيَكُونُ رِبَوِيًّا كَالتُّفَّاحِ، ثُمَّ يَقِيسُ التُّفَّاحَ عَلَى الْبُرِّ،
وَإِنْ لَمْ تَتَّحِدْ3 فَسَدَ الْقِيَاسُ. لأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ الْفَرْعِ الأَخِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ لَمْ يَثْبُتْ اعْتِبَارُهُ؛ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الأَصْلِ الأَوَّلِ بِدُونِهِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَ الْمُتَوَسِّطِ وَأَصْلِهِ لَيْسَ فِي فَرْعِهِ، كَقَوْلِ
__________
1 المنسوبون لجرجان من العلماء كثيرون، ويغلب على الظن أن المراد به في هذا الموطن: محمد بن يحيى بن مهدي، أبو عبد الله، الجرجاني الحنفي من أعلام الحنفية، ومن أصحاب التخريج في مذهبهم، تفقه على أبي بكر الرازي، وتفقه عليه أبو الحسن أحمد القدوري وأحمد بن محمد الناطفي، له كتاب في أصول الفقه، وله كتاب "ترجيح مذهب أبي حنيفة" و"القول المنصور في زيارة سيد القبور" وغيرها، توفي سنة 398هـ.
"انظر ترجمته في الفوائد البهية ص 202، 240، الجواهر المضية 2/143، كشف الظنون 1/280، الأعلام للزركلي 8/5".
2 في ش ض ب: شافعي.
3 في ش: يتحد.(4/26)
الشَّافِعِيِّ1: الْجُذَامُ عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ، فَكَذَا النِّكَاحُ، كَالرَّتْقِ2 ثُمَّ يَقِيسُ الرَّتْقَ عَلَى الْجَبِّ3 بِفَوَاتِ الاسْتِمْتَاعِ.
وَهَذَا الْمِثَالُ: مَثَّلَ بِهِ ابْنُ مُفْلِحٍ تَبَعًا لابْنِ الْحَاجِبِ4.
لَكِنْ قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ: هُوَ عَلَى سَبِيلِ5 ضَرْبِ الْمِثَالِ، وَإِلاَّ فَرَدُّ الْمَجْبُوبِ عِنْدَنَا إنَّمَا هُوَ لِنُقْصَانِ عَيْنِ الْمَبِيعِ نَقْصًا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لا لِفَوَاتِ6 الاسْتِمْتَاعِ. وَأَمَّا إثْبَاتُ الْفَسْخِ بِالْجَبِّ فِي النِّكَاحِ فَلِفَوَاتِ الاسْتِمْتَاعِ، فَالْعِلَّتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ7.
"وَ" مِنْ شَرْطِ حُكْمِ الأَصْلِ أَيْضًا. كَوْنُهُ "مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ" فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَمْنَعُهُ، فَلا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِالْقِيَاسِ فِيهِ8.
__________
1 في ش ض ب: شافعي.
2 الرَّتَق: مصدر رَتِقَتْ المرأة رتقاً: إذا استدّ مدخل الذكر من فرجها، فلا يستطاع جماعها. "المصباح المنير 1/259، المطلع ص 323، النظم العذب 2/49".
3 الجَبّ: هو استئصال المذاكير. ومنه المجبوب: وهو المقطوع الذكر والأنثيين. "المصباح المنير 1/109، النظم المستعذب 2/50".
4 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/210.
5 ساقطة من ش.
6 في ش: كفوات.
7 الإبهاج شرح المنهاج 3/101 بتصرف.
8 انظر "شرح البنود 2/119، المسودة ص 396، الإحكام للآمدي 3/282، روضة الناظر ص 315، مختصر البعلي ص 143، حاشية البناني 2/220، الآيات البينات 4/16، مناهج العقول 3/115، نهاية السول 3/116، الإبهاج 3/98".(4/27)
وَإِنَّمَا شُرِطَ ذَلِكَ؛ لِئَلاَّ يَحْتَاجَ الْقِيَاسُ عِنْدَ الْمَنْعِ إلَى إثْبَاتِهِ فَيَكُونَ انْتِقَالاً مِنْ مَسْأَلَةٍ إلَى1 أُخْرَى
"لا" أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ "الأُمَّةِ" لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ فَقَطْ. وَهَذَا الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ2
وَاشْتَرَطَ قَوْمٌ 3اتِّفَاقَ الأُمَّةِ عَلَى الأَصْلِ، وَمَنَعُوا الْقِيَاسَ عَلَى مُخْتَلَفٍ فِيهِ لِنَقْلِ الْكَلامِ إلَى التَّسَلْسُلِ 4. وَضَعَّفَهُ الْمُوَفَّقُ كَغَيْرِهِ لِنُدْرَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ. وَلأَنَّ كُلاًّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ مُقَلِّدٌ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ حُكْمٍ ثَبَتَ مَذْهَبًا لإِمَامِهِ؛ لأَنَّهُ لا يَعْلَمُ مَأْخَذَهُ ثُمَّ لا يَلْزَمُ مِنْ عَجْزِهِ عَجْزُهُ، ثُمَّ لا يَتَمَكَّنُ أَحَدُهُمَا مِنْ إلْزَامِ مَا لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهِ5.
"وَلا" يُشْتَرَطُ - مَعَ كَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ دُونَ الأُمَّةِ - أَنْ
__________
1 ساقطة من ض.
2 انظر "حاشية البناني 2/213، 220، الآيات البينات 4/16، إرشاد الفحول ص 205، الوصول إلى مسائل الأصول 2/261، مختصر البعلي ص 143، نشر البنود 2/119، الإحكام للآمدي 3/283، اللمع ص 58، روضة الناظر ص 315".
3 ساقطة من ض.
4 نهاية السول 3/119.
5 روضة الناظر ص 316، الإحكام للآمدي 3/283.(4/28)
يَكُونَ ذَلِكَ "مَعَ اخْتِلافِهِمَا"1
وَقِيلَ: بَلَى، وَهُوَ اخْتِيَارُ الآمِدِيِّ 2
"وَلَوْ" "لَمْ يَتَّفِقَا" يَعْنِي الْخَصْمَيْنِ عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ، وَلَمْ يَكُنْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ "فَأَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ حُكْمَهُ" أَيْ حُكْمَ الأَصْلِ بِنَصٍّ "ثُمَّ أَثْبَتَ الْعِلَّةَ" بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِهَا، مِنْ إجْمَاعٍ أَوْ نَصٍّ، أَوْ سَبْرٍ أَوْ إخَالَةٍ "قُبِلَ"3 مِنْهُ اسْتِدْلالُهُ فِي الأَصَحِّ، وَنَهَضَ دَلِيلُهُ عَلَى خَصْمِهِ4.
مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَقُولَ5 فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ، إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ تَالِفَةً: مُتَبَايِعَانِ تَخَالَفَا، فَيَتَحَالَفَانِ وَيُتَرَادَّانِ كَمَا لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ، فَلْيَتَحَالَفَا وَلْيَتَرَادَّا" 6 فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالنَّصِّ وَعِلَّتِهِ، وَهِيَ التَّحَالُفُ
__________
1 في ش: اختلافهما. انظر تحقيق المسألة في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/220، الآيات البينات 4/16".
2 انظر الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/268.
3 في ض ب: قبله.
4 شرح العضد 2/213.
5 في ش: تقول.
6 لم نعثر في دواوين السنة على الحديث بهذا اللفظ أو بمعناه المطابق، والمروي فيها ما أخرج النسائي والدارقطني والبيهقي وأحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: "إذا اختلف البيعان، ولا شهادة بينهما، استحلف البائع، ثم كان المبتاع بالخيار: إن شاء أخذ، وإن شاء ترك" "انظر سنن النسائي 7/266، سنن الدارقطني 3/18، سنن البيهقي 5/333، مسند أحمد 1/466".
وما أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي والحاكم وأحمد عن =(4/29)
بِالأَيْمَانِ 1
وَقِيلَ: لا يُقْبَلُ ذَلِكَ2 مِنْ الْمُسْتَدِلِّ حَتَّى يَكُونَ حُكْمُ الأَصْلِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، أَوْ 3يَتَوَافَقَ عَلَيْهِ الْخَصْمَانِ.
وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ تُقْبَلْ4 فِي الْمُنَاظَرَةِ مُقَدِّمَةٌ تَقْبَلُ الْمَنْعَ، وَاللاَّزِمُ بَاطِلٌ،
بَيَانُ الْمُلازَمَةِ: أَنَّ مَنْ يَمْنَعُ ذَلِكَ وَيَشْتَرِطُ فِي حُكْمِ5 الأَصْلِ الاتِّفَاقَ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِئَلاَّ يَحْصُلَ الانْتِقَالُ مِنْ مَطْلُوبٍ إلَى آخَرَ. وَانْتِشَارُ كَلامٍ 6 يُوجِبُ تَسَلْسُلَ الْبَحْثِ، وَيَمْنَعُ مِنْ حُصُولِ مَقْصُودِ الْمُنَاظَرَةِ وَهَذَا لا يَخْتَصُّ بِحُكْمِ الأَصْلِ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي كُلِّ مُقَدِّمَةٍ تَقْبَلُ الْمَنْعَ 7.
قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَرُبَّمَا يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ
__________
= ابن مسعود مرفوعاً: "إذا اختلف البيعان، وليس بينهما بينة، فالقول ما يقول صاحب السلعة أو يترادان" "انظر سنن النسائي 7/266، بذل المجهود 15/189، سنن الدارقطني 3/20، سنن البيهقي 5/332، المستدرك 2/45، مسند أحمد 1/466، سنن ابن ماجة 2/737".
1 شرح العضد 2/213.
2 في ش: ذلك منه لم يقبل.
3 في ع ب: و.
4 في ش: يقبل.
5 ساقطة من ض.
6 في ز: الكلام.
7 شرح العضد ص/213.(4/30)
مِثْلُ الأَوَّلِ، يَسْتَدْعِي مَا يَسْتَدْعِيهِ، بِخِلافِ الْمُقَدِّمَاتِ الأُخَرِ1.
"وَإِنْ" كَانَ الْخَصْمُ يَقُولُ بِحُكْمِ الأَصْلِ وَ 2"لَمْ يَقُلْ بِحُكْمِ أَصْلِهِ الْمُسْتَدَلِّ فَ 3" هُوَ قِيَاسٌ "فَاسِدٌ" 4
مِثَالُ ذَلِكَ: قَوْلُ الْحَنَفِيِّ فِي الصَّوْمِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ: أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ، فَيَصِحُّ، كَفَرِيضَةِ الْحَجِّ، وَهُوَ لا يَقُولُ بِصِحَّةِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ بِنِيَّةِ النَّفْلِ، بَلْ خَصْمُهُ هُوَ الْقَائِلُ بِهِ.
وَوَجْهُ فَسَادِهِ: كَوْنُهُ اعْتَرَفَ5 ضِمْنًا بِخَطَئِهِ فِي الأَصْلِ، وَهُوَ إثْبَاتُ الصِّحَّةِ فِي فَرِيضَةِ الْحَجِّ وَالاعْتِرَافُ بِبُطْلانِ إحْدَى6 مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ7، اعْتَرَفَ بِبُطْلانِ دَلِيلِهِ وَلا يُسْمَعُ مِنْ الْمُدَّعِي مَا هُوَ مُعْتَرَفٌ بِبُطْلانِهِ، وَلا يُمَكَّنُ مِنْ دَعْوَاهُ
فَإِنْ قِيلَ: فَذَلِكَ يَصْلُحُ إلْزَامًا لِلْخَصْمِ؛ إذْ لَوْ لَزِمَهُ8 لَزِمَ الْمَقْصُودُ، وَإِلاَّ كَانَ مُنَاقِضًا فِي مَذْهَبِهِ. لِعَمَلِهِ9 بِالْعِلَّةِ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ!
__________
1 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/213.
2 ساقطة من ش.
3 في ش: و.
4 انظر شرح العضد 2/210.
5 في ش: اعتراف.
6 في ب: أحد.
7 ساقطة من ش.
8 في ض: لزم. وفي شرح العضد: التزمه.
9 في ش: كعمله.(4/31)
فَالْجَوَابُ: أَنَّ الإِلْزَامَ مُنْدَفِعٌ بِوَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ1: الْعِلَّةُ2 فِي الأَصْلِ عِنْدِي غَيْرُ ذَلِكَ، وَلا يَجِبُ ذِكْرِي لَهَا.
الثَّانِي: بِأَنْ3 يَقُولَ 4: يَلْزَمُ مِنْهُ خَطَئِي فِي الأَصْلِ أَوْ5 فِي الْفَرْعِ وَلا يَلْزَمُ مِنْهُ الْخَطَأُ فِي الْفَرْعِ مُعَيَّنًا وَهُوَ مَطْلُوبُك، وَرُبَّمَا أَعْتَرِفُ بِخَطَئِي6 فِي الأَصْلِ وَلا يَضُرُّنِي7 ذَلِكَ فِي الْفَرْعِ. قَالَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ8 وَغَيْرُهُ.
"وَمَا اتَّفَقَا" يَعْنِي الْخَصْمَيْنِ "عَلَيْهِ" مِنْ حُكْمِ أَصْلٍ، لَكِنْ "لِعِلَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ" فَهُوَ قِيَاسٌ مُرَكَّبٌ "وَيُسَمَّى" هَذَا "مُرَكَّبَ الأَصْلِ" سُمِّيَ بِذَلِكَ لاخْتِلافِهِمَا فِي تَرْكِيبِ الْحُكْمِ فَالْمُسْتَدِلُّ يُرَكِّبُ الْعِلَّةَ عَلَى الْحُكْمِ، وَالْخَصْمُ بِخِلافِهِ9.
__________
1 في ش: تقول.
2 ساقطة من ع.
3 في ش وشرح العضد: أن.
4 في ش: تقول.
5 في ض: و.
6 كذا في شرح العضد. وفي سائر النسخ: بخطئه.
7 في ش: ولا يضر.
8 شرح العضد 2/210 وما بعدها.
9 انظر "شرح البنود 2/120، الإحكام للآمدي 3/283، المنخول ص 395، حاشية البناني 2/220، الآيات البينات 4/18، إرشاد الفحول ص 206، تيسير التحرير 3/289، فواتح الرحموت 2/254، البرهان 2/1100، مفتاح الوصول ص 137، مختصر البعلي ص 143".(4/32)
قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ1 مُرَكَّبًا لإِثْبَاتِهِمَا الْحُكْمَ كُلٌّ 2بِقِيَاسٍ، فَقَدْ اجْتَمَعَ قِيَاسَاهُمَا3 ثُمَّ إنَّ4 الأَوَّلَ اتَّفَقَا فِيهِ عَلَى الْحُكْمِ، وَهُوَ الأَصْلُ بِالاصْطِلاحِ5 دُونَ الْوَصْفِ الَّذِي يُعَلِّلُ بِهِ الْمُسْتَدِلُّ فَسُمِّيَ مُرَكَّبَ الأَصْلِ"6.
وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: "قِيلَ: سُمِّيَ مُرَكَّبًا لاخْتِلافِهِمَا فِي عِلَّتِهِ وَقِيلَ: فِي تَرْكِيبِهِ7 الْحُكْمَ عَلَيْهَا فِي الأَصْلِ فَعِنْدَ الْمُسْتَدِلِّ: هِيَ فَرْعٌ لَهُ، وَالْمُعْتَرِضُ بِالْعَكْسِ وَسُمِّيَ مُرَكَّبَ الأَصْلِ لِلنَّظَرِ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ اهـ.
وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ مُوَافِقًا عَلَى الْعِلَّةِ، وَلَكِنْ يَمْنَعُ وُجُودَهَا فِي الأَصْلِ وَذَلِكَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ لِعِلَّةٍ يَمْنَعُ الْخَصْمُ وُجُودَهَا فِي الأَصْلِ وَ" هَذَا8 "يُسَمَّى مُرَكَّبَ الْوَصْفِ" سُمِّيَ بِذَلِكَ لاخْتِلافِهِمَا فِي نَفْسِ الْوَصْفِ الْجَامِعِ9.
__________
1 في شرح العضد: يسمى.
2 في ع: كله.
3 في ب وشرح العضد: قياسهما.
4 في ع ز: إن كان.
5 في شرح العضد: باصطلاح.
6 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/212.
7 في ش: تركيبه.
8 ساقطة من ش.
9 انظر "الآيات البينات 4/18، إرشاد الفحول ص 206، تيسير التحرير =(4/33)
مِثَالُ الأَوَّلِ -وَهُوَ مُرَكَّبُ الأَصْلِ- قَوْلُ الْحَنْبَلِيِّ، فِيمَا إذَا قَتَلَ الْحُرُّ عَبْدًا1: الْمَقْتُولُ عَبْدٌ، فَلا يُقْتَلُ بِهِ الْحُرُّ، كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ وَتَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثًا مَعَ الْمَوْلَى فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ2 هُنَا: إنَّهُ لا قِصَاصَ، فَيَلْحَقُ الْعَبْدُ بِهِ هُنَا، بِجَامِعِ الرِّقِّ، فَلا يَحْتَاجُ الْحَنْبَلِيُّ فِيهِ إلَى إقَامَةِ دَلِيلٍ عَلَى عَدَمِ الْقِصَاصِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِمُوَافَقَةِ خَصْمِهِ،
فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ فِي مَنْعِ ذَلِكَ: إنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا هِيَ جَهَالَةُ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ السَّيِّدِ وَالْوَرَثَةِ3، لا الرِّقُّ؛ لأَنَّ السَّيِّدَ وَالْوَارِثَ، وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى طَلَبِ الْقِصَاصِ لا يَزُولُ الاشْتِبَاهُ؛ لاخْتِلافِ الصَّحَابَةِ فِي مُكَاتَبٍ يَمُوتُ4 عَنْ وَفَاءٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَمُوتُ عَبْدًا، وَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُؤَدَّى الْكِتَابَةُ مِنْ
__________
= 3/289، فواتح الرحموت 2/255، البرهان 2/1103، نشر البنود 2/121، الإحكام للآمدي 3/284، المنخول ص 396، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/221".
1 في ض: العبد.
2 في ض: يكون.
3 وذلك لاحتمال أن يبقى عبداً بعجزه عن أداء النجوم، فيستحقه السيد، وأن يصير حرّاً بأدائها، فيستحقه الورثة. وجهالة المستحق لم تثبت في العبد، فإن صحت هذه العلة بطل إلحاق العبد به في الحكم لعدم مشاركته له في العلة، وإن بطلت فيمنع حكم الأصل، ويقول: يقتل الحرّ بالمكاتب لعدم المانع. "شرح العضد 2/212".
4 في ش: مات.(4/34)
أَكْسَابِهِ1، وَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ2 فَقَدْ اشْتَبَهَ الْوَلِيُّ مَعَ هَذَا الاخْتِلافِ، فَامْتَنَعَ الْقِصَاصُ 3.
فَإِنْ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّكُمْ لا بُدَّ أَنْ تَحْكُمُوا4 فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، إمَّا5 بِمَوْتِهِ عَبْدًا أَوْ حُرًّا وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْمُسْتَحَقُّ6 مَعْلُومٌ
فَيَقُولُ7 الْحَنَفِيُّ8: نَحْنُ نَحْكُمُ بِمَوْتِهِ حُرًّا، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُورَثُ، لا بِمَعْنَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى قَاتِلِهِ الْحُرِّ؛ لأَنَّ حُكْمَنَا بِمَوْتِهِ حُرًّا ظَنِّيٌّ؛ لاخْتِلافِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَالْقِصَاصُ يَنْتَفِي بِالشُّبْهَةِ. فَهَذِهِ جَهَالَةٌ تَصْلُحُ لِدَرْءِ الْقِصَاصِ، وَلا يَمْتَنِعُ عِلْمُنَا9 بِمُسْتَحِقِّ10 الإِرْثِ.
وَمِثَالُ الثَّانِي -وَهُوَ مُرَكَّبُ الْوَصْفِ- أَنْ يُقَالَ فِي مَسْأَلَةِ تَعْلِيقِ
__________
1 في ض: اكتسابه.
2 في ش: أجزائه.
3 انظر شرح العضد 2/212، التوضيح وحاشية الجرجاني عليه 2/562.
4 في ع: تحكموا عليه.
5 في ش: أو.
6 في ع: والمستحق. وفي ب: المستحق.
7 في ش: فنقول.
8 في ش: للحنفي.
9 في ض: علمها. وفي ب: على.
10 في ب: المستحق.(4/35)
الطَّلاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ: هَذَا تَعْلِيقٌ لِلطَّلاقِ، فَلا يَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ: زَيْنَبُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ.
فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ كَوْنُهُ تَعْلِيقًا مَفْقُودَةٌ فِي الأَصْلِ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ1: زَيْنَبُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ تَنْجِيزٌ لا تَعْلِيقٌ
فَإِنْ صَحَّ هَذَا: بَطَلَ إلْحَاقُ التَّعْلِيقِ بِهِ لِعَدَمِ الْجَامِعِ؛ وَإِلاَّ2 مُنِعَ حُكْمُ الأَصْلِ، وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِي قَوْلِهِ: زَيْنَبُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ؛ لأَنِّي إنَّمَا مَنَعْت الْوُقُوعَ؛ لأَنَّهُ تَنْجِيزٌ 3، فَلَوْ كَانَ تَعْلِيقًا لَقُلْت بِهِ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْخَصْمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لا يَنْفَكُّ عَنْ مَنْعِ الْعِلَّةِ فِي الأَصْلِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ التَّعْلِيقُ ثَابِتًا فِيهِ، أَوْ مُنِعَ حُكْمُ الأَصْلِ، كَمَا إذَا كَانَ ثَابِتًا، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ: لا يَتِمُّ الْقِصَاصُ 4
وَقَوْلُهُ "لَيْسَ بِحُجَّةٍ" خَبَرٌ لِقَوْلِهِ "وَمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ".
وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ الْقِيَاسَ الْمُسَمَّى5 مُرَكَّبَ الأَصْلِ، وَالْقِيَاسَ الْمُسَمَّى مُرَكَّبَ الْوَصْفِ، لَيْسَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَ
__________
1 في ض ب: قول.
2 في ش: ولا أمنع.
3 في ش: تنجيز لا تعليق.
4 شرح العضد 2/212.
5 في ش: النسبي.(4/36)
الأَكْثَرِ1.
أَمَّا الأَوَّلُ: فَلأَنَّ الْخَصْمَ لا يَنْفَكُّ عَنْ مَنْعِ 2الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ أَوْ مَنْعِ الْحُكْمِ فِي الأَصْلِ فَلا يَتِمُّ الْقِيَاسُ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَلأَنَّهُ لا يَنْفَكُّ عَنْ مَنْعِ الأَصْلِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ التَّعْلِيقُ ثَابِتًا فِيهِ، أَوْ مَنْعِ حُكْمِ الأَصْلِ إذَا كَانَ ثَابِتًا.
وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ: لا يَتِمُّ الْقِيَاسُ3.
"وَ" قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ4 وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ "لَوْ سَلَّمَهَا" أَيْ سَلَّمَ الْخَصْمُ الْعِلَّةَ لِلْمُسْتَدِلِّ أَنَّهَا5 الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُسْتَدِلُّ "فَأَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَهَا" فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ "أَوْ سَلَّمَهُ" أَيْ سَلَّمَ وُجُودَهَا "الْخَصْمُ" حَيْثُ اخْتَلَفُوا فِيهِ "انْتَهَضَ الدَّلِيلُ" عَلَيْهِ، لِتَسْلِيمِهِ فِي الثَّانِي، وَقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ فِي الأَوَّلِ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا،
__________
1 انظر "شرح العضد 2/211، نشر البنود 2/122، المنخول ص 397، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/221، الآيات البينات 4/19، نهاية السول 3/119، إرشاد الفحول ص 206، تيسير التحرير 3/289، فواتح الرحموت 2/245، المسودة ص 399".
2 ساقطة من ش.
3 ومعنى عدم تمام القياس أنه غير ناهض على الخصم. أما مجرد ثبوت الحكم في حق القائس ومقلديه، فيكفي فيه ثبوت حكم الأصل وعلته بطريق صحيح عنده. "نشر البنود 2/122".
4 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/211 وما بعدها.
5 في ش: التي ذكرها.(4/37)
أَوْ غَلَبَ1 عَلَى ظَنِّهِ صِحَّةُ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لا يُكَابِرُ نَفْسَهُ فِيمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ2.
"وَيُقَاسُ عَلَى عَامٍّ خُصَّ، كَلائِطٍ وَآتٍ بَهِيمَةً عَلَى زَانٍ".
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ الأَصَحُّ، لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ3.
وَقِيلَ: لا؛ لِضَعْفِ مَعْنَاهُ لِلْخِلافِ فِيهِ.
__________
1 في ض: وغلب.
2 انظر: نشر البنود 2/122، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/221، الآيات البينات 4/19.
3 انظر: التبصرة للشيرازي ص 448.(4/38)
"فَصْلٌ"
"الْعِلَّةُ" الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ "مُجَرَّدُ أَمَارَةٍ وَعَلامَةٍ نَصَبَهَا1 الشَّارِعُ دَلِيلاً" يَسْتَدِلُّ بِهَا الْمُجْتَهِدُ "عَلَى" وِجْدَانِ "الْحُكْمِ" إذَا لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّفَ2، كَالْغَيْمِ هُوَ أَمَارَةٌ عَلَى الْمَطَرِ، وَقَدْ يَتَخَلَّفُ3 وَهَذَا لا يُخْرِجُ الأَمَارَةَ عَنْ كَوْنِهَا أَمَارَةً.
وَقِيلَ - وَهُوَ لِلْمُعْتَزِلَةِ - إنَّ الْعِلَّةَ مُؤْثَرَةٌ فِي الْحُكْمِ، بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ.
ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا أَثَّرَتْ بِذَاتِهَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِصِفَةٍ4 ذَاتِيَّةٍ فِيهَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِوُجُوهٍ5 وَاعْتِبَارَاتٍ6.
__________
1 في ش: ينصها.
2 في ش: تتخلف.
3 في ش: تتخلف. وفي ب: لا يتخلف.
4 في ش: إنها أثرت بصفة.
5 في ع ز: بوجوده.
6 في ز: باعتبارات.(4/39)
وَلَيْسَ1 عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ شَيْءٌ مِنْ الْعَالَمِ مُؤَثِّرًا فِي شَيْءٍ، بَلْ كُلٌّ مَوْجُودٌ فِيهِ، فَهُوَ بِخَلْقِ2 اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَإِرَادَتِهِ.
وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ3.
"زِيدَ" أَيْ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِّ "مَعَ أَنَّهَا" أَيْ الْعِلَّةَ "مُوجِبَةٌ لِمَصَالِحَ دَافِعَةٌ لِمَفَاسِدَ" لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الأَمَارَةِ السَّاذَجَةِ، لَكِنْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تَبْعَثُ الْمُكَلَّفَ عَلَى الامْتِثَالِ، لا أَنَّهَا4 بَاعِثَةٌ لِلشَّرْعِ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ، أَوْ أَنَّهُ عَلَى وَفْقِ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَصْلَحَةً لِلْعَبْدِ تَفَضُّلاً عَلَيْهِ، وَإِحْسَانًا لَهُ، لا وُجُوبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
فَفِي ذَلِكَ5 بَيَانُ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: الْبَاعِثُ عَلَى الْحُكْمِ بِكَذَا هُوَ
__________
1 في ض: وليس هذا.
2 في ع: خلق.
3 انظر تفسيرات الأصوليين للعلة في "المحصول 2/2/179، التلويح على التوضيح 2/551، الجدل لابن عقيل ص 9، 11، المعتمد 2/704، نشر البنود 2/129، الإحكام للآمدي 3/276، فتح الغفار 3/19، العدة 1/175، إرشاد الفحول ص 207، اللمع ص 58، المنهاج للباجي ص 14، الكافية للجويني ص 60، الحدود للباجي ص 72، نهاية السول 3/39، مناهج العقول 3/37، الإبهاج 3/28، فواتح الرحموت 2/260، روضة الناظر ص 276، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/231، الآيات البينات 4/33، مختصر الطوفي ص 152، المستصفى ص 385، أصول السرخسي 2/174، مختصر البعلي ص 143، الوصول إلى مسائل الأصول 2/267".
4 في ع: لأنها.
5 ساقطة من ض.(4/40)
كَذَا، وَأَنَّهُمْ لا يُرِيدُونَ بَعْثَ الشَّارِعِ، بَلْ بَعْثَ الْمُكَلَّفِ عَلَى الامْتِثَالِ1، مِثْلُ: حِفْظُ النَّفْسِ بَاعِثٌ عَلَى تَعَاطِي فِعْلِ الْقِصَاصِ الَّذِي هُوَ مِنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ أَمَّا حُكْمُ الشَّرْعِ: فَلا عِلَّةَ لَهُ2 وَلا بَاعِثَ عَلَيْهِ، فَإِذَا انْقَادَ الْمُكَلَّفُ لامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَخْذِ الْقِصَاصِ مِنْهُ، وَكَوْنُهُ وَسِيلَةً لِحِفْظِ النُّفُوسِ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ، أَجْرٌ عَلَى الانْقِيَادِ، وَأَجْرٌ عَلَى قَصْدِ حِفْظِ النَّفْسِ، وَكِلاهُمَا أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى3 قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ} 4 {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} 5
وَمِنْ أَجْلِ كَوْنِ الْعِلَّةِ لا بُدَّ مِنْ اشْتِمَالِهَا عَلَى حِكْمَةٍ تَدْعُو إلَى الامْتِثَالِ، كَانَ مَانِعُهَا وَصْفًا وُجُودِيًّا يُخِلُّ بِحِكْمَتِهَا، وَيُسَمَّى مَانِعَ السَّبَبِ6، فَإِنْ7 لَمْ يُخِلَّ بِحِكْمَتِهَا، بَلْ بِالْحُكْمِ فَقَطْ، وَالْحِكْمَةُ بَاقِيَةٌ، سُمِّيَ مَانِعَ الْحُكْمِ. مِثَالُ الْمَقْصُودِ هُنَا وَهُوَ مَانِعُ السَّبَبِ: الدَّيْنُ، إذَا قُلْنَا: إنَّهُ
__________
1 انظر: المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 236، الآيات البينات 4/39.
2 ساقطة من ز ض ع ب.
3 الإبهاج للسبكي 3/29، نشر البنود 2/130.
4 الآية 178 من البقرة.
5 الآية 179 من البقرة.
6 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/237، الآيات البينات 4/41، نشر البنود 2/135.
7 في ع ض ب: وإن.(4/41)
مَانِعٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ؛ لأَنَّ حِكْمَةَ السَّبَبِ - وَهُوَ مِلْكُ النِّصَابِ - غِنَى مَالِكِهِ، فَإِذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ فَلا غِنَى، فَاخْتَلَّتْ1 حِكْمَةُ السَّبَبِ بِهَذَا الْمَانِعِ
وَبَنَى الأَصْحَابُ عَلَى كَوْنِ الْعِلَّةِ مُجَرَّدَ أَمَارَةٍ وَعَلامَةٍ صِحَّةَ التَّعْلِيلِ بِاللَّقَبِ نَصَّ 2 عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَالَهُ الأَكْثَرُ3.
فَلِهَذَا4 قُلْنَا "فَيَصِحُّ تَعْلِيلٌ بِلَقَبٍ، كَ" مَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ "بِمُشْتَقٍّ".
مِثَالُ التَّعْلِيلِ بِاللَّقَبِ: تَعْلِيلُ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ بِكَوْنِهِمَا ذَهَبًا وَفِضَّةً، وَتَعْلِيلُ مَا يُتَيَمَّمُ بِهِ بِكَوْنِهِ تُرَابًا، وَمَا يُتَوَضَّأُ بِهِ بِكَوْنِهِ مَاءً.
وَقِيلَ: لا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِاللَّقَبِ5.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَوَقَعَ فِي الْمَحْصُولِ حِكَايَةُ الاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالاسْمِ، كَتَعْلِيلِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ بِأَنَّهُ يُسَمَّى خَمْرًاً6.
__________
1 في ع: فاختلف.
2 في ع: ما نص.
3 انظر "الوصول إلى مسائل الأصول 2/271، نشر البنود 2/144، الآيات البينات 4/44، التبصرة للشيرازي ص 454، اللمع ص 64، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/243".
4 في ش: فهكذا.
5 انظر: التبصرة للشيرازي ص 454، نشر البنود 2/143.
6 انظر شرح تنقيح الفصول ص 410.(4/42)
قَالَ: فَإِنَّا1 نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ [مُجَرَّدَ] 2 هَذَا اللَّفْظِ لا أَثَرَ لَهُ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ تَعْلِيلُ الْمُسَمَّى بِهَذَا3 الاسْمِ مِنْ كَوْنِهِ مُخَامِرًا لِلْعَقْلِ، فَذَلِكَ تَعْلِيلٌ بِالْوَصْفِ لا بِالاسْمِ4.
وَقَوْلُنَا "كَبِمُشْتَقٍّ 5، اتِّفَاقًا" حَكَاهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ6.
وَذَلِكَ كَاسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَالصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى الْمُشْتَقَّ ذَلِكَ مِنْهُ هُوَ7 عِلَّةُ الْحُكْمِ، نَحْوَ " {فَاقْتُلُوا8 الْمُشْرِكِينَ} 9 {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 10، "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ" 11 وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لا يَنْحَصِرُ 12.
"وَلا يُشْتَرَطُ اشْتِمَالُهَا عَلَى حِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ" فَإِنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لا يَبْعَثُهُ شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ.
__________
1 في ش: قلنا.
2 زيادة من المحصول.
3 في ز: هذا.
4 المحصول 2/2/422.
5 في ع: بمشتق. وفي ض ب: كمشتق.
6 انظر: جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/244، الآيات البينات 4/46.
7 في ز: وهو.
8 في سائر النسخ: اقتلوا.
9 الآية 5 من التوبة.
10 الآية 38 من المائدة.
11 سبق تخريجه 3/157.
12 انظر: نشر البنود 2/142، المسودة ص 388.(4/43)
وَقِيلَ: بَلَى وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ1، بِمَعْنَى اشْتِمَالِ الْوَصْفِ عَلَى مَصْلَحَةٍ صَالِحَةٍ أَنْ تَكُونَ الْمَقْصُودَ لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيلِ أَفْعَالِ الْبَارِي تَعَالَى بِالْغَرَضِ2.
"ثُمَّ قَدْ تَكُونُ" الْعِلَّةُ "رَافِعَةً أَوْ دَافِعَةً أَوْ فَاعِلَتُهُمَا، وَصْفًا حَقِيقِيًّا ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا، أَوْ عُرْفِيًّا مُطَّرِدًا، أَوْ لُغَوِيًّا" فِي الأَصَحِّ، فَيَكُونُ الْوَصْفُ الْمَجْعُولُ عِلَّةً ثَلاثَةَ أَقْسَامٍ؛ فَإِنَّهُ تَارَةً يَكُونُ دَافِعًا لا رَافِعًا، 3وَيَكُونُ رَافِعًا لا دَافِعًا وَيَكُونُ دَافِعًا رَافِعًا، وَلَهُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ4.
فَمِنْ الأَوَّلِ: الْعِدَّةُ، فَإِنَّهَا دَافِعَةٌ5 لِلنِّكَاحِ إذَا وُجِدَتْ فِي ابْتِدَائِهِ، لا رَافِعَةٌ6 لَهُ إذَا طَرَأَتْ فِي أَثْنَاءِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْمَوْطُوءَةَ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ.
__________
1 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/236، شرح العضد 2/213، الآيات البينات 4/41، الإحكام لللآمدي 3/289، نشر البنود 2/136، مختصر البعلي ص 143، تيسير التحرير 3/303 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/273".
2 أي المنفعة العائدة إلى العباد. "تيسير التحرير".
3 ساقطة من ع.
4 انظر "مناهج العقول 3/115، نهاية السول 3/116، نشر البنود 2/131، الإبهاج 3/98، الآيات البينات 4/37، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/233".
5 في ض: رافعة.
6 في ض: دافعة.(4/44)
وَمِنْ1 الثَّانِي: الطَّلاقُ، فَإِنَّهُ يَرْفَعُ حِلَّ الاسْتِمْتَاعِ وَلا يَدْفَعُهُ؛ لأَنَّ الطَّلاقَ إلَى اسْتِمْرَارِهِ لا يَمْنَعُ وُقُوعَ نِكَاحٍ جَدِيدٍ بِشَرْطٍ.
وَمِنْ الثَّالِثِ: الرَّضَاعُ، فَإِنَّهُ2 يَمْنَعُ مِنْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَإِذَا طَرَأَ فِي أَثْنَاءِ الْعِصْمَةِ رَفَعَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا وَشَبَهُهُ مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ يَمْنَعُ مِنْ الابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ لِتَأَبُّدِهِ وَاعْتِضَادِهِ؛ لأَنَّ الأَصْلَ فِي الارْتِضَاعِ الْحُرْمَةُ3.
وَتَكُونُ الْعِلَّةُ أَيْضًا وَصْفًا حَقِيقِيًّا، وَهُوَ مَا يُعْقَلُ4 بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ، وَلا يَتَوَقَّفُ عَلَى وَضْعٍ، كَقَوْلِنَا: مَطْعُومٌ، فَيَكُونُ رِبَوِيًّا فَالطَّعْمُ مُدْرَكٌ بِالْحِسِّ، وَهُوَ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ، أَيْ لا تَتَوَقَّفُ5 مَعْقُولِيَّتُهُ عَلَى مَعْقُولِيَّةِ غَيْرِهِ.
وَيُعْتَبَرُ فِيهِ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا لا خَفِيًّا.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُنْضَبِطًا، أَيْ مُتَمَيِّزًا6 عَنْ غَيْرِهِ.
__________
1 في ش: ومثال.
2 ساقطة من ع ض ب.
3 في ش: الجزئية.
4 في ش: يعقل.
5 في ع ض ب: يتوقف.
6 في ش ز: يتميز.(4/45)
وَلا خِلافَ فِي التَّعْلِيلِ بِهِ1
وَتَكُونُ الْعِلَّةُ أَيْضًا وَصْفًا عُرْفِيًّا وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُطَّرِدًا لا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الأَوْقَاتِ، وَإِلاَّ لَجَازَ2 أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْعُرْفُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِ فَلا يُعَلَّلُ بِهِ.
مِثَالُهُ: الشَّرَفُ وَالْخِسَّةُ فِي الْكَفَاءَةِ وَعَدَمِهَا فَإِنَّ الشَّرَفَ يُنَاسِبُ التَّعْظِيمَ وَالإِكْرَامَ، وَالْخِسَّةَ تُنَاسِبُ ضِدَّ ذَلِكَ فَيُعَلَّلُ بِهِ بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ3.
وَتَكُونُ الْعِلَّةُ أَيْضًا وَصْفًا لُغَوِيًّا.
مِثَالُهُ: تَعْلِيلُ تَحْرِيمِ النَّبِيذِ لأَنَّهُ يُسَمَّى خَمْرًا. فَحُرِّمَ كَعَصِيرِ الْعِنَبِ.
وَفِي التَّعْلِيلِ بِهِ خِلافٌ وَالصَّحِيحُ: صِحَّةُ التَّعْلِيلِ بِهِ4.
__________
1 انظر "المستصفى 2/336، المحصول 2/2/389، حاشية البناني 2/234، المسودة ص 423 وما بعدها، الآيات البينات 4/38، الإحكام للآمدي 3/288، إرشاد الفحول ص 207، نشر البنود 2/133، نهاية السول 3/103، مناهج العقول 3/102".
2 في ش ز: جاز.
3 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/234، شرح تنقيح الفصول ص 408، المحصول 2/2/412 وما بعدها، المعتمد 2/774، الآيات البينات 4/38، الإحكام للآمدي 3/288، نشر البنود 2/134، نهاية السول 3/103".
4 انظر "مناهج العقول 3/102، الآيات البينات 4/38، نشر البنود 2/133، نهاية السول 3/103".(4/46)
قَطَعَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّاءِ فِي الْعُقُودِ وَالْخَصَائِلِ1 قَالَ: كَقَوْلِنَا فِي النَّبَّاشِ: هُوَ سَارِقٌ فَيُقْطَعُ، وَفِي النَّبِيذُ خَمْرٌ فَيَحْرُمُ وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
قَالَ الْمَحَلِّيُّ: بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ اللُّغَةِ2 بِالْقِيَاسِ وَمُقَابِلُ الأَصَحِّ قَوْلٌ3: بِأَنَّهُ لا يُعَلَّلُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ بِالأَمْرِ اللُّغَوِيِّ4.
"فَلا5 يُعَلَّلُ" الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ "بِحِكْمَةٍ مُجَرَّدَةٍ عَنْ وَصْفٍ ضَابِطٍ لَهَا" عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ6.
وَقِيلَ: يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِمُجَرَّدِ الْحِكْمَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ ظَاهِرَةً أَوْ خَفِيَّةً، مُنْضَبِطَةً أَوْ غَيْرَ مُنْضَبِطَةٍ7
وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ الْمُجَرَّدَةُ ظَاهِرَةً مُنْضَبِطَةً صَحَّ التَّعْلِيلُ
__________
1 في ز ش ع: الخصال.
2 في ع: الغلة.
3 في ش وشرح المحلي: يقول.
4 شرح المحلي على جمع الجوامع مع حاشية البناني عليه 2/234.
5 في ش: ولا.
6 انظر "نهاية السول 3/106، الإبهاج 3/91، تيسير التحرير 4/2، فواتح الرحموت 2/274، مناهج العقول 3/105، الإحكام للآمدي 3/290، مفتاح الوصول ص 140، 141، إرشاد الفحول ص 207، نشر البنود 2/132، مختصر البعلي ص 144، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/238، شرح تنقيح الفصول ص 406، شرح العضد 2/213، الآيات البينات 4/41".
7 انظر "نهاية السول 3/106، الإبهاج 3/91، نشر البنود 2/133، الآيات البينات 4/42، شرح تنقيح الفصول ص 406، حاشية البناني 2/238".(4/47)
بِهَا1، وَإِلاَّ 2فَلا.
وَجْهُ الأَوَّلِ - وَهُوَ كَوْنُ التَّعْلِيلِ لا يَصِحُّ بِالْحِكْمَةِ الْمُجَرَّدَةِ مُطْلَقًا - لِخَفَائِهَا، كَالرِّضَا فِي الْبَيْعِ وَلِذَلِكَ أُنِيطَتْ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِالصِّيَغِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ3 أَوْ4 لِعَدَمِ5 انْضِبَاطِهَا كَالْمَشَقَّةِ فَلِذَلِكَ أُنِيطَتْ بِالسَّفَرِ6.
قَالَ الآمِدِيُّ: مَنَعَهُ الأَكْثَرُ7.
"وَيُعَلَّلُ ثُبُوتِيٌّ بِعَدَمٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُعَلَّلَ الْحُكْمُ8 الثُّبُوتِيُّ بِالْعَدَمِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا9 وَالرَّازِيِّ10 وَأَتْبَاعِهِ11، وَذَكَرَهُ
__________
1 انظر "الإحكام للآمدي 3/290، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/238، الآيات البينات 4/42، الإبهاج 3/91".
2 في ع: فالوجه. وفي زض: فالأوجه.
3 في ش: عليها.
4 في سائر النسخ: و.
5 في د: وكعدم.
6 ولأنه لا يُعلم الحاصل من المصلحة المترتب عليها الحكم في الأصل، هل وجد في الفرع أم لا!! فلا يصح إثبات الحكم في الفرع، ولا يمكن التعليل بها، لأن القياس فرع ثبوت ما في الأصل من المعنى في الفرع. "الإبهاج 3/91، مناهج العقول 3/105".
7 الإحكام في أصول الأحكام 3/290.
8 ساقطة من ع ض.
9 المسودة ص 418، روضة الناظر ص 332، الجدل لابن عقيل ص 17، مختصر البعلي ص 144.
10 المحصول 2/2/400.
11 انظر "شرح تنقيح الفصول ص 411، نشر البنود 2/135، نهاية السول 3/109، الإبهاج 3/92".(4/48)
ابْنُ بُرْهَانٍ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ 1.
وَحُكِيَ الْمَنْعُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ2 وَاخْتَارَهُ الآمِدِيُّ3 وَابْنُ الْحَاجِبِ4 وَغَيْرُهُمَا5
وَاسْتَثْنَى6 بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ مِثْلَ قَوْلِ7 مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبِ8: لَمْ يُغْصَبْ.
وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - بِأَنَّهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ عَلَيْهِ9، وَكَالأَحْكَامِ تَكُونُ نَفْيًا، وَكَالْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، مَعَ أَنَّهَا مُوجِبَةٌ،
__________
1 التبصرة ص 456، اللمع ص 60، الوصول إلى مسائل الأصول 2/272.
2 انظر "تيسير التحرير 4/2، فواتح الرحموت 2/274، فتح الغفار 3/23".
3 الإحكام في أصول الأحكام 3/295.
4 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/214.
5 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/239، شرح العضد 2/214، الآيات البينات 4/42، مفتاح الوصول ص 138، إرشاد الفحول ص 207".
6 في ش: وصحح واستثنى.
7 في ش: أبي الحسين.
8 أي الذي مات عند الغاصب، فلا يضمن. والشاهد في هذا المثال أن الإمام محمد بن الحسن الشيباني علل بالعدم عندما قال بعدم إيجاب ضمان ولد المغصوب الذي مات عند الغاصب، لعدم كونه مغصوباً. وقد أجاب صاحب فواتح الرحموت على هذا الاستدلال بأن قول الإمام محمد رحمه الله ليس فيه تعليل بالعدمي، ولكنه استدلال على عدم وجوب الضمان بعدم علته، فبقيت الذمة غير مشغولة كما كانت.
"فواتح الرحموت 2/274، وانظر فتح الغفار 3/24".
9 ساقطة من ض.(4/49)
وَكَتَعْلِيلِ الْعَدَمِ بِهِ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ اتِّفَاقًا، نَحْوَ: لَمْ أَفْعَلْ هَذَا لِعَدَمِ1 الدَّاعِي إلَيْهِ، وَلَمْ أُسَلِّمْ عَلَى فُلانٍ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ؛ لأَنَّ نَفْيَ الْحُكْمِ لِنَفْيِ مُقْتَضِيهِ أَكْثَرُ مِنْ نَفْيِهِ لِوُجُودِ مُنَافِيهِ؛ وَلأَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيلُ ضَرْبِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ بِعَدَمِ امْتِثَالِهِ؛ وَلأَنَّ الْعِلَّةَ أَمَارَةٌ تُعَرِّفُ الْحُكْمَ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَدَمِيَّةً، كَمَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ وُجُودِيَّةً.
وَيَدْخُلُ فِي الْخِلافِ مَا إذَا كَانَ الْعَدَمُ لَيْسَ تَمَامَ الْعِلَّةِ، بَلْ جُزْءًا2 مِنْهَا، فَإِنَّ الْعَدَمِيَّ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ كُلاًّ أَوْ بَعْضًا3.
وَمِنْ جُمْلَةِ الْعَدَمِيِّ أَيْضًا: إذَا كَانَ الْوَصْفُ إضَافِيًّا، وَهُوَ مَا تَعَلَّقَ4 بِاعْتِبَارِ غَيْرِهِ، كَالْبُنُوَّةِ وَالأُبُوَّةِ، وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ، وَالْمَعِيَّةِ5 وَالْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ عَدَمِيٌّ؛ لأَنَّ وُجُودَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الأَذْهَانِ، لا فِي الْخَارِجِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَدَمِيٌّ6.
__________
1 في ض: العدم.
2 في ع ز ض: جزء.
3 مفتاح الوصول للتلمساني ص 139.
4 في ش: تعلق.
5 في ش: والعلية.
6 المحصول 2/2/405، الآيات البينات 4/42، نشر البنود 2/136، شرح تنقيح الفصول ص 408، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/240.(4/50)
فصل من شروط العلة
...
"فَصْلٌ"
"مِنْ1 شُرُوطِهَا" أَيْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ "أَنْ لا تَكُونَ مَحَلَّ الْحُكْمِ وَلا جُزْأَهُ" أَيْ جُزْءَ مَحَلِّ الْحُكْمِ "الْخَاصِّ" عِنْدَ الأَكْثَرِ2.
وَجَوَّزَ3 قَوْمٌ مِنْ الْعِلَلِ الْقَاصِرَةِ: كَوْنَ الْعِلَّةِ مَحَلَّ الْحُكْمِ أَوْ جُزْءَ مَحَلِّهِ4.
فَمِثَالُ كَوْنِهَا مَحَلَّ الْحُكْمِ: قَوْلُنَا الذَّهَبُ رِبَوِيٌّ، لِكَوْنِهِ ذَهَبًا، وَالْخَمْرُ حَرَامٌ، لأَنَّهُ مُسْكِرٌ مُعْتَصَرٌ مِنْ الْعِنَبِ.
5وَمِثَالُ كَوْنِهَا جُزْءَ مَحَلِّ6 الْحُكْمِ الْخَاصِّ بِهِ: كَالتَّعْلِيلِ بِاعْتِصَارِهِ7 مِنْ الْعِنَبِ فَقَطْ.
وَقَيَّدْنَا الْجُزْءَ بِالْخَاصِّ تَحَرُّزًا مِنْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمَحَلِّ وَغَيْرِهِ.
__________
1 في ش: ومن.
2 انظر "شرح العضد 2/217، حاشية البناني 2/242، الآيات البينات 4/44، الإحكام للآمدي 3/288، إرشاد الفحول ص 208".
3 كذا في ش. وفي ض د ع ز: وجوزه. وفي ب: جوزه.
4 المحصول 2/2/386، نهاية السول 3/104، الإبهاج 3/90.
5 ساقطة من ش.
6 في ش: أو محله.
7 في ع: بإعصاره.(4/51)
فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَكُونُ إلاَّ فِي الْمُتَعَدِّيَةِ1، كَتَعْلِيلِ إبَاحَةِ الْبَيْعِ بِكَوْنِهِ2 عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ. فَإِنَّ جُزْأَهُ الْمُشْتَرَكَ3، وَهُوَ "عَقْدُهُ"4 الَّذِي هُوَ شَامِلٌ لِلْمُعَاوَضَةِ وَغَيْرِهَا لا يُعَلَّلُ بِهِ.
وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ: بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْمَحَلِّ كَانَتْ قَاصِرَةً. لأَنَّهُ لَوْ5 تَحَقَّقَ بِخُصُوصِهِ فِي الْفَرْعِ، اتَّحَدَا. وَكَذَا جُزْؤُهُ.
"وَ" أَنْ "لا" تَكُونَ الْعِلَّةُ "قَاصِرَةً مُسْتَنْبَطَةً" عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا6 وَالْحَنَفِيَّةِ7. وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ8.
وَعَنْهُ: يَصِحُّ كَوْنُهَا قَاصِرَةً مُسْتَنْبَطَةً، كَقَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ9 أَصْحَابِهِمَا10.
__________
1 في ش: التعدية.
2 في ض: بأنه.
3 في ع: المشترك بين المحل وغيره، فإن ذلك لا يكون إلا في التعدية.
4 في ش: عقد.
5 ساقطة من ش.
6 روضة الناظر ص 320، مختصر الطوفي ص 152، الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 16، مختصر البعلي ص 144.
7 تيسير التحرير 4/5، فواتح الرحموت 2/276، أصول السرخسي 2/158، فتح الغفار 3/15، 28، التلويح على التوضيح 2/558، كشف الأسرار 3/389.
8 انظر المسودة ص 411.
9 في ش: أصحابنا.
10 انظر "الآيات البينات 4/43، الإحكام للآمدي 3/311، مفتاح الوصول ص 143، شفاء الغليل ص 537، نشر البنود 2/138، نهاية السول =(4/52)
وَأَمَّا الْعِلَّةُ الْقَاصِرَةُ الثَّابِتَةُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ: فَأَطْبَقَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِهَا1، وَأَنَّ الْخِلافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ.
"وَفَائِدَةُ ثُبُوتِ قَاصِرَةبنص أو إجماع مَعْرِفَةُ الْمُنَاسَبَةِ، وَمَنْعُ الإِلْحَاقِ، وَ2تَقْوِيَةُ النَّصِّ3".
__________
= 3/110، البرهان 2/1080، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 47، التبصرة ص 452، اللمع ص 60، الإشارات للباجي ص 110، المعتمد 2/801 وما بعدها، الوصول إلى مسائل الأصول 2/273، شرح العضد 2/217، المحصول 2/2/423، شرح تنقيح الفصول ص 409، مناهج العقول 3/110، الإبهاج 3/93، المستصفى 2/345، حاشية البناني 2/241".
1 انظر: نهاية السول 3/110، الإبهاج 3/93، الإحكام للآمدي 3/311، إرشاد الفحول ص 208، التلويح على التوضيح 2/558، وقد ذكر العلامة المحلي والشوكاني وغيرهم أن دعوى الاتفاق على جواز التعليل بالعلة القاصرة الثابتة بنص أو إجماع معترضة بحكاية القاضي عبد الوهاب الخلاف فيه.
"المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/241، إرشاد الفحول ص 209، نشر البنود 2/138".
وعلق التاج السبكي في "الإبهاج" على حكاية القاضي عبد الوهاب هذه فقال: "وأغرب القاضي عبد الوهاب في الملخص، فحكى مذهباً ثالثاً أنها لا تصح على الإطلاق فيه، سواء كانت منصوصة أم مستنبطة، وقال: هو قول أكثر فقهاء العراق. وهذا يصادم ما نقلناه من وقوع الاتفاق في المنصوصة. ولم أر هذا القول في شيء مما وقفت عليه من كتب الأصول سوى هذا". "الإبهاج 3/94".
2 ساقطة من ش.
3 في ش: النفس.
انظر تحقيق المسألة في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/241، روضة الناظر ص 320 وما بعدها، الآيات البينات 4/43، الإحكام للآمدي 3/314، نشر البنود 2/139، نهاية السول 3/111، مناهج العقول 3/111، الإبهاج 3/94".(4/53)
الْحُكْمِ، لا لِمَا ذُكِرَ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ لا يُنَافِي الإِعْلامَ1 طَلَبُ الانْقِيَادِ لِحُكْمِهِ2.
وَمِنْهَا3: إفَادَةُ الْمَنْعِ لإِلْحَاقِ فَرْعٍ بِذَلِكَ، لِعَدَمِ حُصُولِ الْجَامِعِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ فِي الأَصْلِ.
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْلُومِ وَمَوْضُوعِ الْقِيَاسِ. فَأَيْنَ الْفَائِدَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ4؟!
وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ وَصْفٌ آخَرُ مُتَعَدٍّ لا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ بِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرْجَحُ مِنْ تِلْكَ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ، بِخِلافِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ5 سِوَى الْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ. فَإِنَّهُ لا يَفْتَقِرُ الإِلْحَاقُ بِهَا إلَى دَلِيلٍ عَلَى تَرْجِيحٍ.
وَمِنْهَا: أَنَّ النَّصَّ يَزْدَادُ قُوَّةً بِهَا. فَيَصِيرَانِ كَدَلِيلَيْنِ، يَتَقَوَّى كُلٌّ مِنْهُمَا بِالآخَرِ. قَالَهُ ابْنُ6 الْبَاقِلاَّنِيِّ. وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِمَا يَكُونُ دَلِيلُ الْحُكْمِ فِيهِ ظَنِّيًّا. أَمَّا الْقَطْعِيُّ: فَلا يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيَةٍ. نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو الْمَعَالِي7.
__________
1 في ش: الإعلان.
2 في ز ض ب: لحكمته.
3 في ض: وأما.
4 في ش: المتحددة.
5 في ش: يكون.
6 ساقطة من ش ض.
7 البرهان 2/1085.(4/55)
وَمِنْهَا: مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ1: أَنَّ الْمُكَلَّفَ يَزْدَادُ أَجْرًا بِانْقِيَادِهِ لِلْحُكْمِ بِسَبَبِ تِلْكَ الْعِلَّةِ الْمَقْصُودَةِ لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِهِ، فَيَكُونُ لَهُ أَجْرَانِ: أَجْرٌ فِي امْتِثَالِ2 النَّصِّ، وَأَجْرٌ بِامْتِثَالِ الْمَعْنَى فِيهِ3.
"وَالنَّقْضُ، وَيُسَمَّى تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ" هُوَ "عَدَمُ اطِّرَادِهَا" وَعَدَمُ اطِّرَادِ الْعِلَّةِ "بِأَنْ تُوجَدَ" الْعِلَّةُ "بِلا حُكْمٍ"4.
مِثَالُهُ: أَنْ يُقَالَ فِي تَعْلِيلِ وُجُوبِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ الْوَاجِبِ: صَوْمٌ عَرِيَ أَوَّلُهُ عَنْ النِّيَّةِ فَلا يَصِحُّ، كَالصَّلاةِ، فَتَنْتَقِضُ الْعِلَّةُ - وَهُوَ الْعُرْيُ فِي أَوَّلِهِ - بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَبْيِيتِ نِيَّةٍ.
__________
1 المقصود بالسبكي هنا الإمام تقيّ الدين علي بن عبد الكافي السبكي والد صاحب جمع الجوامع.
2 في ش: امتثاله.
3 انظر: جمع الجوامع مع شرحه للمحلي وحاشية البناني عليه 2/242، الإبهاج 3/94، الآيات البينات 4/43.
4 انظر تعريف النقض في "الإبهاج 3/59، المستصفى 2/336، فتنح الغفار 3/38، الوصول إلى مسائل الأصول 2/302، نهاية السول 3/76، الإحكام للآمدي 4/118، مفتاح الوصول ص 141، شفاء الغليل ص 458، شرح تنقيح الفصول ص 399، حاشية البناني 2/294، شرح العضد 2/218، المحصول 2/2/323، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 354، الكافية للجويني ص 69، البرهان 2/977، الحدود للباجي ص 76، العدة 1/177، المنهاج للباجي ص 14، التعريفات للجرجاني ص 128، المنخول ص 404، مختصر الطوفي ص 167، الجدل لابن عقيل ص 56، المعتمد ص/821، 835، 1041".(4/56)
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ عَنْ الْوَصْفِ1 إمَّا فِي وَصْفٍ ثَبَتَتْ2 عِلَّتُهُ بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ أَوْ بِاسْتِنْبَاطٍ. وَالتَّخَلُّفُ إمَّا لِمَانِعٍ أَوْ فَقْدِ3 شَرْطٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا، فَهِيَ تِسْعَةٌ، مِنْ ضَرْبِ ثَلاثَةٍ فِي ثَلاثَةٍ.
"وَ" قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَوْنِ النَّقْضِ قَادِحًا فِي الْعِلَّةِ، وَفِي بَقَائِهَا حُجَّةً بَعْدَ النَّقْضِ عَلَى عَشَرَةِ أَقْوَالٍ4:
أَحَدُهَا: أَنَّ النَّقْضَ "لا يَقْدَحُ مُطْلَقًا، وَيَكُونُ حُجَّةً فِي5 غَيْرِ
__________
1 في ش: علته.
2 في ز: تثبت.
3 في ش: لفقد.
4 انظر تحقيق المسألة في "الوصول إلى مسائل الأصول 2/303 وما بعدها، نهاية السول 3/78، تيسير التحرير 4/9، 17، فواتح الرحموت 2/278، أصول السرخسي 2/208، فتح الغفار 3/38، شرح تنقيح الفصول ص 399 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/294 وما بعدها، شرح العضد 2/218، المحصول 2/2/323، أدب القاضي للماوردي 1/541 وما بعدها، المسودة ص 412، البرهان 2/855 وما بعدها، روضة الناظر ص 323، التبصرة ص 460، 466، الإبهاج 3/59، شفاء الغليل ص 458، كشف الأسرار 3/365 وما بعدها، المستصفى 2/336، اللمع ص 64، المنخول ص 404، الإحكام للآمدي 3/315، 4/118، مختصر الطوفي ص 153، مجموع فتاوى ابن تيمية 20/167 وما بعدها، الجدل لابن عقيل ص 17، 18، المعتمد 2/822، مفتاح الوصول ص 141، 142، إرشاد الفحول ص 207، مختصر البعلي ص 144".
5 في ع ض ب: لغير.(4/57)
مَا خُصَّ" كَالْعَامِّ إذَا خُصَّ بِهِ وَهَذَا1 قَوْلُ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ. وَحَكَاهُ الآمِدِيُّ2 عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا.
قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ: أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ3 وَالْمَالِكِيَّةِ، وَشُهْرَتُهُ عَنْ4 الْحَنَفِيَّةِ أَكْثَرُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ مَا سَمَحُوا بِتَسْمِيَتِهِ نَقْضًا، وَسَمَّوْهُ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَقْدَحُ. اخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: ابْنُ حَامِدٍ وَقَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا، فَيَكُونُ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلانِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَاخْتَارَهُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ الْمَاتُرِيدِيُّ، وَقَالَ: تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ بَاطِلٌ. قَالَ: وَمَنْ قَالَ بِتَخْصِيصِهَا فَقَدْ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِالسَّفَهِ وَالْعَبَثِ5، فَأَيُّ فَائِدَةٍ مِنْ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَلا حُكْمَ؟!
فَصَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ تَخْصِيصُهَا6 نَقْضٌ7 لَهَا، وَنَقْضُهَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَهَا.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: فَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ جَوَازِ تَخْصِيصِ
__________
1 في ش: وهو.
2 الإحكام في أصول الأحكام 3/315.
3 انظر: تيسير التحرير 4/9، فواتح الرحموت 2/278.
4 ساقطة من ض.
5 في ض: البعث.
6 في ش: بتخصيصها. وفي ب: فتخصيصها.
7 في ش: نقضاً.(4/58)
الْعُمُومِ، وَيَبْقَى فِي الْبَاقِي حُجَّةً عَلَى الْمُرَجَّحِ: أَنَّ الْعَامَّ يَجُوزُ إطْلاقُهُ عَلَى بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ، فَإِذَا خُصَّ فَلا مَحْذُورَ فِيهِ. وَأَمَّا الْعِلَّةُ: فَهِيَ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْحُكْمِ، فَلا يَتَخَلَّفُ مُقْتَضَاهَا عَنْهَا، فَشُرِطَ فِيهَا الاطِّرَادُ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: يَقْدَحُ1 فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ إلاَّ لِمَانِعٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ، وَلا يَقْدَحُ فِي الْمَنْصُوصَةِ.
مِثَالُ الْقَدْحِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ: تَعْلِيلُ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ، مَعَ انْتِفَائِهِ فِي قَتْلِ الأَبِ، وَعَدَمِ الْقَدْحِ فِي الْمَنْصُوصَةِ: كَقَوْلِهِ2 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّمَا ذَلِكَ3 عِرْقٌ 4" مَعَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ النَّقْضِ5 بِالْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ عَلَى رَأْيٍ.
وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخِ مُوَفَّقِ الدِّينِ فِي الرَّوْضَةِ6.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: عَكْسُ هَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ الْقَدْحُ فِي
__________
1 في ش: يبطل في المطردة ويقدح.
2 في ش: بقوله.
3 في ش: ذاك.
4 الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها. "صحيح البخاري 1/79، صحيح مسلم 1/262، بذل المجهود 2/342، عارضة الأحوذي 1/207، سنن النسائي 1/148، سنن ابن ماجة 1/205".
5 في ش: النقض له.
6 روضة الناظر ص 324 وما بعدها(4/59)
الْمَنْصُوصَةِ وَعَدَمُهُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ، إلاَّ إذَا كَانَ لِمَانِعٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ.
قَيَّدَهُ بِذَلِكَ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ: وَإِنْ لَمْ يُقَيَّدْ بِذَلِكَ حَصَلَ فِي كَلامِ مُخْتَصَرِ1 ابْنِ الْحَاجِبِ التَّكْرَارُ.
وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: يَقْدَحُ فِي الْمَنْصُوصَةِ إلاَّ إذَا كَانَ بِظَاهِرٍ عَامٍّ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ بِقَاطِعٍ: لَمْ يَتَخَلَّفْ الْحُكْمُ وَإِذَا2 كَانَ خَاصًّا بِمَحَلِّ3 الْحُكْمِ لَمْ يَثْبُتْ التَّخَلُّفُ، وَهُوَ خِلافُ الْفَرْضِ4.
وَأَمَّا فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ: فَيَجُوزُ فِيمَا إذَا كَانَ التَّخَلُّفُ لِمَانِعٍ أَوْ انْتِفَاءِ شَرْطٍ، وَيَقْدَحُ5 فِيمَا إذَا كَانَ التَّخَلُّفُ دُونَهُمَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ6 ابْنِ الْحَاجِبِ7، فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً لَمْ يَجُزْ إلاَّ لِمَانِعٍ أَوْ عَدَمِ شَرْطٍ، لأَنَّهَا لا تَثْبُتُ عِلِّيَّتُهَا8 إلاَّ بِبَيَانِ أَحَدِهِمَا؛ 9لأَنَّ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ10 مَانِعًا لِعَدَمِ
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ش: وإن.
3 في ش: بمجمل.
4 في ز د ب: الغرض وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، إذ المفروض منافاة التخلّف للعلية. "شرح العضد 2/219".
5 في ش: فيقدح.
6 في ب: مختار.
7 ساقطة من ب.
8 في ش: علتها.
9 في ض: لانتفاء.
10 ساقطة من د ض ب.(4/60)
الْمُقْتَضِي. وَإِنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً بِظَاهِرٍ عَامٍّ: فَيَجِبُ تَخْصِيصُهُ كَعَامٍّ وَخَاصٍّ، وَيَجِبُ1 تَقْدِيرُ الْمَانِعِ2 اهـ.
قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَحَاصِلُ3 هَذَا الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ مَانِعٍ أَوْ عَدَمِ شَرْطٍ، لَكِنْ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ يَجِبُ الْعِلْمُ بِعَيْنِهِ. وَإِلاَّ لَمْ تُظَنَّ الْعِلِّيَّةُ، وَفِي الْمَنْصُوصَةِ: لا يَجِبُ، وَيَكْفِي فِي ظَنِّ الْعِلِّيَّةِ تَقْدِيرُهُ، وَفِي الصُّورَتَيْنِ لا تَبْطُلُ الْعِلِّيَّةُ بِالتَّخَلُّفِ4 اهـ.
وَالْقَوْلُ السَّادِسُ: الْمَنْعُ5 فِي الْمَنْصُوصَةِ، أَوْ مَا اُسْتُثْنِيَ6 مِنْ الْقَوَاعِدِ كَالْمُصَرَّاةِ وَالْعَاقِلَةِ. اخْتَارَهُ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ مِنْ أَصْحَابِنَا.
وَالْقَوْلُ السَّابِعُ: الْقَدْحُ مُطْلَقًا، إلاَّ أَنْ يَرِدَ عَلَى سَبِيلِ الاسْتِثْنَاءِ7. وَيَعْتَرِضُ عَلَى جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ كَالْعَرَايَا8. حَكَاهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ9 عَنْ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ.
__________
1 في مختصر ابن الحاجب: ووجب.
2 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/218.
3 في ش: وظاهر.
4 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/218.
5 في ب: المانع.
6 في ز: انتشي.
7 في ض ب: أو.
8 قال المحلي: وهو بيع الرطب والعنب قبل القطع بتمر أو زبيب، فإنّ جوازه وارد على كل قول في علة حرمة الربا من الطعم والقوت والكيل والمال، فلا يقدح. "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/297".
9 جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/297".(4/61)
قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَقَدْ حَكَاهُ فِي الْمَحْصُولِ عَنْ قَوْمٍ، وَاقْتَضَى كَلامُهُ مُوَافَقَتَهُمْ1.
وَقَالَ فِي الْحَاصِلِ: إنَّهُ الأَصَحُّ.
وَالْقَوْلُ الثَّامِنُ: يَقْدَحُ إلاَّ لِمَانِعٍ أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ. وَبِهِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ2 وَالْهِنْدِيُّ.
وَالْقَوْلُ التَّاسِعُ: إنْ كَانَتْ عِلَّةَ حَظْرٍ لَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُهَا، وَإِلاَّ جَازَ. حَكَاهُ الْبَاقِلاَّنِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ.
وَالْقَوْلُ الْعَاشِرُ: إنْ كَانَ التَّخَلُّفُ لِمَانِعٍ أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ، أَوْ فِي مَعْرِضِ الاسْتِثْنَاءِ، أَوْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً بِمَا لا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ: لَمْ يَقْدَحْ، وَإِلاَّ قَدَحَ.
وَلَيْسَ الْخِلافُ لَفْظِيًّا، خِلافًا لأَبِي الْمَعَالِي3 وَابْنِ الْحَاجِبِ4.
وَتَأْتِي أَحْكَامُ النَّقْضِ فِي الْقَوَادِحِ.
"وَالتَّعْلِيلُ لِجَوَازِ5 الْحُكْمِ لا يَنْتَقِضُ بِأَعْيَانِ الْمَسَائِلِ"6 كَـ
__________
1 انظر المحصول 2/2/352.
2 انظر المنهاج للبيضاوي مع شرحه للأسنوي 3/77، 79، الإبهاج 3/59.
3 انظر البرهان 2/1000 وما بعدها.
4 انظر مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/219.
5 في ش: بجواز.
6 انظر "المسودة ص 416، 431، المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص 188، الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 59".(4/62)
الصَّبِيِّ حُرٌّ 1، فَجَازَ أَنْ تَجِبَ زَكَاةُ مَالِهِ كَبَالِغٍ، فَلا يَنْتَقِضُ2 بِغَيْرِ الزَّكَوِيِّ 3.
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ: فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ: يَنْتَقِضُ إذَا كَانَ لَهُ مَعْلُوفَةٌ أَوْ عَوَامِلُ، أَوْ مَالُهُ دُونَ نِصَابٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنَقْضٍ؛ لأَنَّ الْمُعَلِّلَ4 أَثْبَتَ بِالْجَوَازِ حَالَةً وَاحِدَةً، وَانْتِفَاءُ الزَّكَاةِ فِي حَالَةٍ لا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا فِي حَالَةٍ أُخْرَى5.
"وَ" التَّعْلِيلُ "بِنَوْعِهِ" أَيْ نَوْعِ الْحُكْمِ "لا يَنْتَقِضُ بِعَيْنِ6 مَسْأَلَةٍ"7 كَالنَّقْضِ بِلَحْمِ الإِبِلِ نَوْعُ عِبَادَةٍ تَفْسُدُ بِالْحَدَثِ فَتَفْسُدُ بِالأَكْلِ كَالصَّلاةِ.
قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: فَنَقُولُ: فَيَنْتَقِضُ8 بِالطَّوَافِ، فَإِنَّهُ نَوْعٌ يَفْسُدُ بِالْحَدَثِ، وَلا يَفْسُدُ بِالأَكْلِ، فَقَالُوا: عَلَّلْنَا نَوْعَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الَّتِي تَفْسُدُ بِالْحَدَثِ، فَلا يَنْتَقِضُ9 بِأَعْيَانِ الْمَسَائِلِ؛ لأَنَّ الطَّوَافَ
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ض ب: تنتقض.
3 في ش: الذكرى.
4 في ش: المعلل إذا كان له معلوفة أو عوامل. وهي ساقطة من ض.
5 في ز: الأخرى.
6 في ش: بغير.
7 انظر المنهاج في ترتيب الحجاج ص 189.
8 في ش: ينتقض.
9 في ز: تنتقض.(4/63)
بَعْضُ نَوْعِهَا، فَإِذَا1 لَمْ يُوجَدْ الْحُكْمُ فِيهِ وُجِدَ فِي بَقِيَّةِ الْفَرْعِ.
"وَالْكَسْرُ" وَهُوَ "وُجُودُ الْحِكْمَةِ بِلا حُكْمٍ"2 كَقَوْلِ حَنَفِيٍّ فِي عَاصٍ بِسَفَرِهِ: سَافَرَ، فَيَتَرَخَّصُ كَغَيْرِ الْعَاصِي، ثُمَّ يُبَيِّنُ مُنَاسَبَةَ السَّفَرِ بِالْمَشَقَّةِ، فَيُعْتَرَضُ بِمَنْ صَنْعَتُهُ شَاقَّةٌ حَضَرًا لا يَتَرَخَّصُ إجْمَاعًا. "وَالنَّقْضُ الْمَكْسُورُ نَقْضُ بَعْضِ الأَوْصَافِ".
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: قَالَ أَكْثَرُ الأُصُولِيِّينَ وَالْجَدَلِيِّينَ: إنَّهُ إسْقَاطُ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ، وَإِخْرَاجُهُ مِنْ الاعْتِبَارِ بِبَيَانِ أَنَّهُ لا أَثَرَ لَهُ3.
وَلَهُ صُورَتَانِ4:
إحْدَاهُمَا: أَنْ يُبَدِّلَ ذَلِكَ الْوَصْفَ الْخَاصَّ الَّذِي يُبَيِّنُ أَنَّهُ
__________
1 في ز: فإن.
2 انظر تعريف الكسر في "شرح العضد 2/211، الوصول إلى مسائل الأصول 2/312، المحصول 2/2/353، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/303 وما بعدها، الحدود للباجي ص 77، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 14، اللمع ص 64، مختصر الطوفي ص 168، المعتمد 2/821، 1043، الإحكام للآمدي 3/331، فواتح الرحموت 2/281".
3 انظر تعريف النقض المكسور في "الإحكام للآمدي 3/336، فواتح الرحموت 2/282، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/304، 305، اللمع ص 64، شرح العضد 2/223".
4 انظر الوصول إلى مسائل الأصول 2/316 وما بعدها، اللمع ص 64.(4/64)
لُغَوِيٌّ1 بِوَصْفٍ أَعَمَّ مِنْهُ، ثُمَّ يَنْقُضُهُ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ، كَقَوْلِ شَافِعِيٍّ فِي إثْبَاتِ صَلاةِ الْخَوْفِ: صَلاةٌ يَجِبُ قَضَاؤُهَا، فَيَجِبُ أَدَاؤُهَا، كَصَلاةِ الأَمْنِ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: خُصُوصُ2 كَوْنِهَا صَلاةً مُلْغًى، لا أَثَرَ لَهُ؛ لأَنَّ الْحَجَّ وَالصَّوْمَ كَذَلِكَ، فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الْوَصْفُ الْعَامُّ، وَهُوَ كَوْنُهَا عِبَادَةً. فَيَنْقُضُهُ3 عَلَيْهِ بِصَوْمِ الْحَائِضِ، فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ يَجِبُ قَضَاؤُهَا، وَلا يَجِبُ أَدَاؤُهَا، بَلْ يَحْرُمُ.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لا يُبَدِّلَ خُصُوصَ الصَّلاةِ، فَلا يَبْقَى عِلَّةٌ لِلْمُسْتَدِلِّ إلاَّ قَوْلَهُ: يَجِبُ قَضَاؤُهَا، فَيُقَالُ عَلَيْهِ: وَلَيْسَ كُلُّ مَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ يُؤَدَّى. دَلِيلُهُ: الْحَائِضُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ دُونَ أَدَائِهِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُلَخَّصِ4: وَهُوَ سُؤَالٌ مَلِيحٌ، وَالاشْتِغَالُ بِهِ يَنْتَهِي إلَى بَيَانِ الْفِقْهِ وَتَصْحِيحِ الْعِلَّةِ، وَقَدْ اتَّفَقَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ وَإِفْسَادِ الْعِلَّةِ بِهِ، وَيُسَمُّونَهُ النَّقْضَ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى، وَالإِلْزَامَ مِنْ طَرِيقِ الْفِقْهِ. وَأَنْكَرَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ اهـ.
__________
1 في ش: لغو.
2 في ش: وخصوص.
3 في ض: فينقضها.
4 هو كتاب "الملخص في الجدل".(4/65)
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: أَنْ1 يَقُولَ شَافِعِيٌّ فِي بَيْعِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي: بَيْعٌ مَجْهُولُ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ2. فَلا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك عَبْدًا3.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ يَنْكَسِرُ بِمَا إذَا نَكَحَ امْرَأَةً لَمْ يَرَهَا. فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ كَوْنِهَا مَجْهُولَةَ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ.
فَهَذَا كَسْرٌ، لأَنَّهُ نَقْضٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، إذْ النِّكَاحُ فِي الْجَهَالَةِ كَالْبَيْعِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْجَهْلَ بِالْعَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا يُوجِبُ الْفَسَادَ، فَوَصْفُ كَوْنِهِ4 مَبِيعًا مُلْغًى، بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّهْنَ وَنَحْوَهُ كَذَلِكَ، وَيَبْقَى عَدَمُ الرُّؤْيَةِ، فَيَنْتَقِضُ بِنِكَاحِ مَنْ لَمْ5 يَرَهَا6.
وَإِنْ نَزَّلْتَهُ7 عَلَى الصُّورَةِ الأُولَى - وَهِيَ الإِبْدَالُ بِالأَعَمِّ - فَتَقُولُ8: عَقَدَ عَلَى9 مَنْ لَمْ يَرَهُ الْعَاقِدُ، فَيَنْتَقِضُ بِالنِّكَاحِ10.
__________
1 في ض: بأن.
2 أي حال العقد. "شرح العضد 2/223".
3 أي من غير تعيين. "شرح العضد 2/223".
4 في ض: بكونه.
5 ساقطة من ش.
6 في ش: يراها.
7 في ش: تركته.
8 في ب ش: فنقول. وفي ز: فيقول.
9 في ش: علم.
10 انظر: الجدل على طريقة الفقهاء ص 65، الإحكام للآمدي 3/336.(4/66)
"وَ" الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرُ: أَنَّ الْكَسْرَ وَالنَّقْضَ الْمَكْسُورَ "لا يُبْطِلانِهَا1" أَيْ الْعِلَّةَ2.
وَاسْتُدِلَّ لِقَوْلِ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ أَنَّ3 الْعِلَّةَ مَجْمُوعُ الأَوْصَافِ، وَلَمْ يَنْقُضَاهَا4.
فَإِنْ بَيَّنَ الْمُعْتَرِضُ بِأَنَّهُ5 لا أَثَرَ لَهُ لِكَوْنِهِ6 مَبِيعًا، فَإِنْ أَصَرَّ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفَيْنِ بَطَلَ مَا عَلَّلَ بِهِ، لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ لا7 بِالنَّقْضِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَصْفِ الْمَنْقُوضِ بَطَلَ بِالنَّقْضِ؛ لأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى كُلِّ الْعِلَّةِ. وَإِنْ أَتَى بِوَصْفٍ لا أَثَرَ لَهُ فِي الأَصْلِ لِيَحْتَرِزَ بِهِ عَنْ النَّقْضِ لَمْ يَجُزْ.
"وَالْعَكْسُ8، وَهُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ شَرْطٌ" فِي
__________
1 في ش: لا يبطلاها.
2 انظر تحقيق المسألة في "الإحكام للآمدي 3/331، 336، فواتح الرحموت 2/281، 282، اللمع ص 64، المسودة ص 429، أدب القاضي للماوردي 1/541، المحصول 2/2/353، شرح العضد 2/221، 223، حاشية البناني 2/305، الوصول إلى مسائل الأصول 2/313".
3 في ش: بأن.
4 في ش ز: ينقضها.
5 في ش: أنه.
6 في ز: ككونه.
7 في ش: إلا.
8 انظر تعريف العكس في "المعتمد 2/1044، الإحكام للآمدي 3/338، مفتاح الوصول ص 142، تيسير التحرير 4/22، المستصفى 2/336، فواتح الرحموت 2/282، فتح الغفار 3/47، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني =(4/67)
صِحَّةِ الْعِلَّةِ "إنْ كَانَ التَّعْلِيلُ لِجِنْسِ الْحُكْمِ،" وَ "لا" يَكُونُ شَرْطًا "إنْ كَانَ" التَّعْلِيلُ"لِنَوْعِهِ" أَيْ نَوْعِ الْحُكْمِ1.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: اشْتِرَاطُهُ2 مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ، فَمَنْ مَنَعَ3 اشْتِرَاطَهُ4 كَعَدَمِ5 الْحُكْمِ لِعَدَمِ دَلِيلِهِ.
وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْحُكْمِ: عَدَمُ الظَّنِّ أَوْ الْعِلْمِ6 بِهِ، لِتَوَقُّفِهِ عَلَى النَّظَرِ الصَّحِيحِ فِي الدَّلِيلِ، وَلا دَلِيلَ، وَإِلاَّ فَالصَّنْعَةُ7 دَلِيلُ وُجُودِ الصَّانِعِ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُهُ.
وَمَنْ جَوَّزَهُ لَمْ يَشْتَرِطْهُ؛ لِجَوَازِ دَلِيلٍ آخَرَ.
__________
= عليه 2/305، شرح تنقيح الفصول ص 401، شرح العضد 2/223، المحصول 2/2/355، الكافية للجويني ص 66، الحدود للباجي ص 75، العدة 1/177، المنهاج للباجي ص 14، التعريفات للجرجاني ص 82".
1 انظر تحقيق المسألة في "كشف الأسرار 3/307، شرح تنقيح الفصول ص 401، شرح العضد 2/223، أدب القاضي للماوردي 1/544، وما بعدها، المسودة ص 424، البرهان 2/842، اللمع ص 64، الجدل لابن عقيل ص 17، المعتمد 2/790، الإحكام للآمدي 3/338، مفتاح الوصول ص 143، شفاء الغليل ص 535، تيسير التحرير 4/22، المستصفى 2/344".
2 في ش: اشتراط.
3 في ش: منع.
4 في ش ض: اشتراطه.
5 في ش ع: العدم.
6 ساقطة من ش، وفي ع: الظن.
7 في ع: فالصفة.(4/68)
هَذَا إنْ كَانَ التَّعْلِيلُ لِنَوْعِ الْحُكْمِ، نَحْوَ: الرِّدَّةُ1 عِلَّةٌ لإِبَاحَةِ الدَّمِ. فَأَمَّا2 جِنْسُهُ: فَالْعَكْسُ شَرْطٌ، نَحْوَ: الرِّدَّةُ3 عِلَّةٌ لِجِنْسِ إبَاحَةِ الدَّمِ، فَلا يَصِحُّ لِفَوَاتِ الْعَكْسِ.
وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ: أَنَّ الْخِلافَ فِي تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ مَعًا، وَ4عَلَى الْبَدَلِ اهـ.
قَالَ الْعَضُدُ: شَرَطَ قَوْمٌ فِي عِلَّةِ حُكْمِ الأَصْلِ الانْعِكَاسَ، وَهُوَ أَنَّهُ كُلَّمَا عُدِمَ الْوَصْفُ عُدِمَ الْحُكْمُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ آخَرُونَ.
وَالْحَقُّ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ [الْوَاحِدِ] 5 بِعِلَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ؛ لأَنَّهُ إذَا جَازَ ذَلِكَ صَحَّ أَنْ يَنْتَفِيَ الْوَصْفُ وَلا يَنْتَفِي الْحُكْمُ لِوُجُودِ [الْوَصْفِ] 6 الآخَرِ وَقِيَامِهِ مَقَامَهُ7.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجُزْ فَثُبُوتُ الْحُكْمِ دُونَ الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عِلَّةً لَهُ وَأَمَارَةً عَلَيْهِ، وَإِلاَّ لانْتَفَى الْحُكْمُ بِانْتِفَائِهِ؛ لِوُجُوبِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ دَلِيلِهِ. وَنَعْنِي بِذَلِكَ: انْتِفَاءَ الْعِلْمِ أَوْ
__________
1 في ع: الرد.
2 في ش: وأما.
3 في ع: الرد.
4 ساقطة من ز.
5 زيادة من شرح العضد.
6 زيادة من شرح العضد.
7 ساقطة من ش.(4/69)
الظَّنِّ1، لا انْتِفَاءَ2 نَفْسِ الْحُكْمِ3، إذْ لا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ دَلِيلِ الشَّيْءِ انْتِفَاؤُهُ، وَإِلاَّ لَزِمَ مِنْ انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ عَلَى الصَّانِعِ 4انْتِفَاءُ الصَّانِعِ تَعَالَى، وَإِنَّهُ بَاطِلٌ.
نَعَمْ! يَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِالصَّانِعِ، فَإِنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الصَّانِعَ تَعَالَى لَوْ لَمْ يَخْلُقْ الْعَالَمَ، أَوْ لَوْ لَمْ يَخْلُقْ فِيهِ الدَّلالَةَ، لَمَا لَزِمَ انْتِفَاؤُهُ قَطْعًا.
هَذَا بِنَاءً عَلَى رَأْيِنَا، يَعْنِي أَنَّ بَعْضَ الْمُجْتَهِدِينَ مُصِيبٌ وَبَعْضُهُمْ مُخْطِئٌ. وَأَمَّا عِنْدَ الْمُصَوِّبَةِ: فَلا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْعُذْرِ؛ لأَنَّ مَنَاطَ الْحُكْمِ عِنْدَهُمْ: الْعِلْمُ أَوْ الظَّنُّ، فَإِذَا انْتَفَيَا5 انْتَفَى الْحُكْمُ6 اهـ.
"وَيَجُوزُ تَعْلِيلُ حُكْمٍ" وَاحِدٍ7 "بِعِلَلٍ" مُتَعَدِّدَةٍ "كُلُّ صُورَةٍ بِعِلَّةٍ" بِحَسَبِ تَعَدُّدِ صُوَرِهِ8 بِالنَّوْعِ إذَا كَانَ لَهُ صُوَرٌ
__________
1 في ع ض ب: أو الظن به، وفي ز: والظن.
2 في ز ض: لانتفاء
3 في د ض: الحكم بانتفائه.
4 ساقطة من ض.
5 في ش: انتفى.
6 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/223.
7 في ش: واحد بالنوع إذا كان له صور.
8 ساقطة من ش. وفي ض: بالنوع إذا كان له صور. وفي ع: بالنوع إذا كان له صورة.(4/70)
اتِّفَاقًا1، كَتَعْلِيلِ قَتْلِ زَيْدٍ بِرِدَّتِهِ، وَقَتْلِ عَمْرٍو بِالْقِصَاصِ، وَقَتْلِ بَكْرٍ بِالزِّنَا، وَقَتْلِ خَالِدٍ بِتَرْكِ الصَّلاةِ2. "وَ" يَجُوزُ تَعْلِيلُ "صُورَةٍ" وَاحِدَةٍ "بِعِلَّتَيْنِ، وَبِعِلَلٍ3 مُسْتَقِلَّةٍ" عَلَى الصَّحِيحِ، كَتَعْلِيلِ تَحْرِيمِ وَطْءِ هِنْدٍ - مَثَلاً - بِحَيْضِهَا وَإِحْرَامِهَا وَوَاجِبِ صَوْمِهَا، وَكَتَعْلِيلِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ بِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ فَرْجٍ، وَزَوَالِ عَقْلٍ وَمَسِّ فَرْجٍ. فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَدِّدِينَ يَثْبُتُ الْحُكْمُ4 مُسْتَقِلاًّ5.
وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لأَنَّ الْعِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ6، وَلا يَمْتَنِعُ تَعَدُّدُ الْمُعَرِّفِ؛ لأَنَّ7 مِنْ شَأْنِ كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يُعْرَفَ، لا الَّذِي
__________
1 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/245، شرح العضد 2/224، روضة الناظر ص 333، الآيات البينات 4/46، شفاء الغليل ص 514، إرشاد الفحول ص 209، نشر البنود 2/145، الوصول إلى مسائل الأصول 2/269".
2 انظر "المسودة ص 416، البرهان 2/820، اللمع ص 59، الوصول إلى مسائل الأصول 2/269، مجموع فتاوى ابن تيمية 20/167 وما بعدها، المعتمد 2/799، الإحكام للآمدي 3/340، شفاء الغليل ص 514، نشر البنود 2/146، مختصر البعلي ص 144، المستصفى 2/342، فواتح الرحموت 2/282".
3 في ش: وعلة.
4 في ش: الحكم به.
5 انظر "التمهيد للأسنوي ص 467، إرشاد الفحول ص 208، المسودة ص 416، اللمع ص 59، الإحكام للآمدي 3/340، نشر البنود 2/146".
6 في ع: العرف.
7 في ز: ولأنَّ.(4/71)
وُجِدَ بِهِ التَّعْرِيفُ، حَتَّى تَكُونَ الْوَاحِدَةُ إذَا عُرِفَتْ فَلا تُعْرَفُ1 الأُخْرَى؛ لأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَقْتَضِيهِ قَوْلُ2 أَحْمَدَ فِي خِنْزِيرٍ مَيِّتٍ وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالأُصُولِيِّينَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ3، وَمَا ذَكَرُوا مِنْ الْوُقُوعِ يَعُودُ إلَى الْقِسْمِ الأَوَّلِ فَقَطْ، وَهُوَ أَنَّ الْمُعَلَّلَ بِهَا وَاحِدٌ بِالنَّوْعِ. وَأَمَّا الشَّخْصُ فَمُتَعَذِّرٌ4.
فَالْقَتْلُ بِأَسْبَابِ أَشْخَاصِ الْقَتْلِ مُتَعَدِّدَةٌ5 وَالنَّوْعُ وَاحِدٌ فِي الْمَحَلِّ الْوَاحِدِ. فَأَمَّا6 الْقَتْلُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ فَمُحَالٌ تَعَدُّدُهُ، إذْ هُوَ إزْهَاقُ الرُّوحِ، وَكَذَلِكَ أَسْبَابُ الْحَدَثِ: إنَّمَا هِيَ أَحْدَاثٌ7 فِي مَحَلٍّ، لا حَدَثٌ وَاحِدٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ دُونَ
__________
1 في ع: تعرف في.
2 في ش ز: كلام.
3 انظر "شرح المعضد 2/224، التمهيد للِأسنوي ص 467، الإحكام للآمدي 3/341، إرشاد الفحول ص 209".
4 في ع: فمتعدد.
5 في ش: متعدد.
6 في ض: وأما.
7 في ش: أحداث بسبب.(4/72)
الْمُسْتَنْبَطَةِ1؛ لأَنَّ الْمَنْصُوصَةَ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى تَعَدُّدِهَا، فَكَانَتْ أَمَارَاتٌ. وَأَمَّا الْمُسْتَنْبَطَةُ: فَمَا فَائِدَةُ اسْتِخْرَاجِهَا عِلَّةً؟ إلاَّ أَنَّهُ لا عِلَّةَ غَيْرُهَا تُتَخَيَّلُ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّهَا إذَا كَانَتْ أَمَارَاتٍ فَاسْتُنْبِطَتْ مُتَعَدِّدَةً فَلا فَرْقَ.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: إنَّ ذَلِكَ [جَائِزٌ] فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ دُونَ الْمَنْصُوصَةِ، عَكْسُ الَّذِي قَبْلَهُ2.
وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: إنَّ الْمُتَعَدِّدَ جَائِزٌ عَقْلاً وَ3مُمْتَنِعٌ شَرْعًا، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الشَّرْعِ، لا عَلَى4 مَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ دَلَّ عَلَى مَنْعِهِ5.
وَالْقَوْلُ السَّادِسُ: جَوَازُ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ مُتَعَاقِبَتَيْنِ، بِأَنْ يُعَلَّلَ
__________
1 انظر "المحصول 2/2/356، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/245، شرح تنقيح الفصول ص 404، شرح العضد 2/224، التمهيد للأسنوي ص 467، فواتح الرحموت 2/282، الآيات البينات 4/47، الإحكام للآمدي 3/341، إرشاد الفحول ص 209، مختصر البعلي ص 144".
2 انظر شرح العضد 2/224، فواتح الرحموت 2/282، الآيات البينات 4/47، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/245، إرشاد الفحول ص 209، مختصر البعلي ص 144".
3 ساقطة من ش.
4 في ش ب ز: على معنى.
5 انظر "البرهان 2/820، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/245، الآيات البينات 4/47، فواتح الرحموت 2/282".(4/73)
بِإِحْدَاهُمَا فِي وَقْتٍ وَالأُخْرَى1 فِي وَقْتٍ آخَرَ. وَلا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِعِلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ2. وَاسْتُدِلَّ لِلْقَوْلِ الأَوَّلِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - بِأَنَّ وُقُوعَهُ فِي الْخَارِجِ دَلِيلُ جَوَازِهِ، وَقَدْ وَقَعَ. فَلِلْحَدَثِ عِلَلٌ3 مُسْتَقِلَّةٌ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَذْيِ، وَكَذَا لِلْقَتْلِ لِلْقَتْلِ وَغَيْرِهِ4.
وَاعْتَرَضَ الآمِدِيُّ5 بِأَنَّ الْحُكْمَ أَيْضًا مُتَعَدِّدٌ شَخْصًا مُتَّحِدٌ نَوْعًا. وَلِهَذَا يَنْتَفِي الْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ بِإِسْلامِهِ. وَيَبْقَى الْقِصَاصُ، وَيَنْتَفِي الْقَتْلُ بِالْقِصَاصِ قَبْلَ إسْلامِهِ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ، وَيَبْقَى الْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ، وَإِبَاحَةُ الْقَتْلِ6 بِجِهَةِ الْقِصَاصِ حَقٌّ لِلآدَمِيِّ، وَبِجِهَةِ الرِّدَّةِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَلا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ. وَيُقَدَّمُ الآدَمِيُّ فِي الاسْتِيفَاءِ7. وَقَالَهُ قَبْلَهُ أَبُو الْمَعَالِي8.
__________
1 في ض: والآخر، وفي ش: وبالأخرى.
2 انظر: المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/245، الآيات البينات 4/47.
3 في ع: علة.
4 في ش: علل وغيره، وفي د: وغيره علل.
5 الإحكام في أصول الأحكام 3/343.
6 في ض: الدم، وفي ش: القتل بالقصاص قبل إسلامه بعفو الولي، ويبقى القتل بالردة، وإباحة القتل بالقصاص قبل.
7 وذلك لأن حقه مبني على الشح والمضايقة، وحق الله تعالى مبني على المسامحة والمساهلة، من حيث إنّ الآدمي يتضرر بفوات حقه دون الباري جل وعلا. "إحكام الأحكام للآمدي 3/343".
8 البرهان 2/829.(4/74)
وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. قَالَ: وَعَلَيْهِ نَصَّ الأَئِمَّةُ، كَقَوْلِ أَحْمَدَ فِي بَعْضِ مَا ذَكَرَهُ هَذَا، مِثْلُ: خِنْزِيرٌ مَيِّتٌ حَرَامٌ مِنْ وَجْهَيْنِ1، فَأَثْبَتَ تَحْرِيمَيْنِ.
وَحِلُّ الدَّمِ مُتَعَدِّدٌ لَكِنْ ضَاقَ الْمَحَلُّ، وَلِهَذَا يَزُولُ وَاحِدٌ، وَيَبْقَى الآخَرُ. وَلَوْ اتَّحَدَ الْحِلُّ بَقِيَ بَعْضُ حِلٍّ، فَلا يُبِيحُ2.
وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ: وَتَتَدَاخَلُ هَذِهِ الأَحْكَامُ، هُوَ دَلِيلُ تَعَدُّدِهَا، وَإِلاَّ فَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لا يُعْقَلُ فِيهِ تَدَاخُلٌ.
قَالَ: وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي مَسْأَلَةِ الأَحْدَاثِ: إذَا نَوَى أَحَدَهَا3 ارْتَفَعَ وَحْدَهُ، يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَالأَشْهَرُ لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ: يَرْتَفِعُ الْجَمِيعُ. وَقَالَهُ الْمَالِكِيَّةُ، وَذَلِكَ بِأَنَّ الشَّيْءَ لا يَتَعَدَّدُ فِي نَفْسِهِ بِتَعَدُّدِ إضَافَاتِهِ، وَإِلاَّ غَايَرَ حَدَثُ الْبَوْلِ حَدَثَ الْغَائِطِ، وَتَعَدُّدُهُ بِاخْتِلافِ الأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ، فَدَعْوَى خَاصِّيَّتِهِ4 لا يُفِيدُهُ5. وَأَيْضًا فَالْعِلَّةُ دَلِيلٌ، فَجَازَ تَعَدُّدُهَا كَبَقِيَّةِ الأَدِلَّةِ.
"وَ" عَلَى الْجَوَازِ فَ "كُلُّ وَاحِدَةٍ" مِنْ الْعِلَلِ "عِلَّةٌ" كَامِلَةٌ "لا جُزْءُ عِلَّةٍ" عِنْدَ الأَكْثَرِ6.
__________
1 في ض د: جهتين.
2 في ع ض: يبح.
3 في ش: أحدهما.
4 في ض: خاصة، وفي ب: خاصته.
5 في ش: لا تفيد، وفي ز: لا بقيده، وفي ض: لا يفيد.
6 انظر: شرح العضد 2/227، فواتح الرحموت 2/286، مختصر البعلي ص 144.(4/75)
وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: جُزْءُ عِلَّةٍ1.
وَقِيلَ: الْعِلَّةُ إحْدَاهَا لا بِعَيْنِهَا2.
وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ بِأَنَّهُ ثَبَتَ اسْتِقْلالُ كُلٍّ مِنْهَا3 مُنْفَرِدَةً. وَأَيْضًا لَوْ لَمْ تَكُنْ كُلُّ وَاحِدَةٍ عِلَّةً لامْتَنَعَ اجْتِمَاعُ الأَدِلَّةِ؛ لأَنَّ الْعِلَلَ أَدِلَّةٌ.
"وَ" يَجُوزُ تَعْلِيلُ "حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ" وَاحِدَةٍ، بِمَعْنَى الأَمَارَةِ اتِّفَاقًا4؛ لأَنَّ الْعِلَّةَ إنْ فُسِّرَتْ بِالْمُعَرَّفِ5، فَجَوَازُهُ6 ظَاهِرٌ7؛ إذْ لا يَمْتَنِعُ عَقْلاً وَلا شَرْعًا نَصْبُ أَمَارَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.
بَلْ قَالَ الآمِدِيُّ8: لا نَعْرِفُ فِي ذَلِكَ خِلافًا، كَمَا لَوْ قَالَ الشَّارِعُ: جَعَلْت طُلُوعَ الْهِلالِ أَمَارَةً عَلَى وُجُوبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ، أَوْ طُلُوعَ فَجْرِ رَمَضَانَ أَمَارَةً لِوُجُوبِ الإِمْسَاكِ وَصَلاةِ
__________
1 انظر مختصر البعلي ص 144.
2 انظر مختصر البعلي ص 144.
3 في ع ض ب: منهما.
4 انظر "مناهج العقول 3/115، الإبهاج 3/99، نهاية السول 3/117، الوصول إلى مسائل الأصول 2/269، حاشية البناني 2/246، شرح العضد 2/228، الآيات البينات 4/48، الإحكام للآمدي 3/344، نشر البنود 2/147، مختصر البعلي ص 145".
5 في ش ع: بالعرف.
6 في ش: فجوازه على حكمين.
7 في ش ز: ظاهراً.
8 الإحكام في أصول الأحكام 3/344 بتصرف.(4/76)
الصُّبْحِ. وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ1 فِي الإِثْبَاتِ أَوْ فِي النَّفْيِ.
وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "إثْبَانًا وَنَفْيًا"2
فَمِنْ الإِثْبَاتِ: السَّرِقَةُ؛ فَإِنَّهَا عِلَّةٌ فِي الْقَطْعِ لِمُنَاسَبَةِ زَجْرِ السَّارِقِ، حَتَّى لا يَعُودَ، وَفِي3 غَرَامَةِ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ لِصَاحِبِهِ لِمُنَاسَبَتِهِ4 لِجَبْرِهِ5.
وَمِنْ الْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ: الْحَيْضُ، فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِمَنْعِ الصَّلاةِ وَالطَّوَافِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلْمَنْعِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ.
وَلا يُعَدُّ فِي مُنَاسَبَةٍ6 وَصْفٌ وَاحِدٌ لِعَدَدٍ مِنْ الأَحْكَامِ.
وَذَهَبَ جَمْعٌ يَسِيرٌ إلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ. قَالُوا: لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ؛ لأَنَّ الْحِكْمَةَ الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَصْفُ اسْتَوْفَاهُ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ7.
__________
1 في ش: ذلك الإمساك وصلاة الصبح، وسواء كان ذلك.
2 انظر: المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/246، الآيات البينات 4/48، نشر البنود 2/147.
3 ساقطة من ش.
4 في د: مناسبته، وفي ب: لمناسبة، وفي ش: مناسبة.
5 في ب: تجبره.
6 في ز ض ب: مناسبته.
7 انظر نشر البنود 2/148.(4/77)
وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ الْمَقْصُودُ عَلَيْهِمَا، فَلا يَحْصُلُ جَمِيعُهَا إلاَّ بِهِمَا1، أَوْ2 يَحْصُلُ لِلْحُكْمِ3 الثَّانِي حِكْمَةٌ أُخْرَى فَتَتَعَدَّدُ4 الْحِكْمَةُ، وَالْوَصْفُ ضَابِطٌ لأَحَدِهِمَا5.
وَيَدْخُلُ فِي إطْلاقِهِمْ جَوَازُ تَعْلِيلِ حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ لَوْ كَانَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ تَضَادٌّ، وَلَكِنْ بِشَرْطَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ، كَالْجِسْمِ يَكُونُ عِلَّةً لِلسُّكُونِ بِشَرْطِ الْبَقَاءِ فِي الْحَيِّزِ، وَعِلَّةً لِلْحَرَكَةِ بِشَرْطِ الانْتِقَالِ عَنْهُ.
وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ الشَّرْطَانِ؛ لأَنَّهُ لا يُمْكِنُ اقْتِضَاءُ6 الْعِلَّةِ لَهُمَا بِدُونِ7 ذَلِكَ؛ لِئَلاَّ يَلْزَمَ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ وَهُوَ مُحَالٌّ.
وَإِنَّمَا شُرِطَ التَّضَادُّ فِي الشَّرْطَيْنِ؛ لأَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا، كَالْبَقَاءِ فِي الْحَيِّزِ مَعَ الانْتِقَالِ مَثَلاً، فَعِنْدَ حُصُولِ ذَيْنِك الشَّرْطَيْنِ إنْ حَصَلَ الْحُكْمَانِ - أَعْنِي السُّكُونَ وَالْحَرَكَةَ - لَزِمَ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ، وَإِنْ حَصَلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الآخَرِ: لَزِمَ التَّرْجِيحُ بِلا
__________
1 في ع: بها.
2 في د ض: و.
3 في ع: الحكم.
4 في ع ز: فتعدد.
5 انظر تحقيق المسألة في: المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/246، الآيات البينات 4/47.
6 في ض: انتفاء.
7 ساقطة من ش.(4/78)
مُرَجِّحٍ، وَإِنْ حَصَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خَرَجَتْ الْعِلَّةُ عَنْ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً، فَتَعَيَّنَ التَّضَادُّ فِي الشَّرْطَيْنِ. قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ مُفَصَّلٌ، وَهُوَ الْجَوَازُ إنْ لَمْ يَتَضَادَّا، كَالْحَيْضِ لِتَحْرِيمِ الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ، وَالْمَنْعُ إنْ تَضَادَّا، كَأَنْ يَكُونَ مُبْطِلاً لِبَعْضِ الْعُقُودِ مُصَحِّحًا لِبَعْضِهَا، كَالتَّأْبِيدِ يُصَحِّحُ الْبَيْعَ وَيُبْطِلُ الإِجَارَةَ 1.
"وَ" مِنْ شُرُوطِ2 الْعِلَّةِ أَيْضًا "أَنْ لا تَتَأَخَّرَ عِلَّةُ الأَصْلِ عَنْ حُكْمِهِ" يَعْنِي أَنَّهُ3 يُشْتَرَطُ أَنْ لا يَكُونَ ثُبُوتُ الْعِلَّةِ مُتَأَخِّرًا عَنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ4.
كَمَا لَوْ قِيلَ فِيمَنْ أَصَابَهُ عَرَقُ الْكَلْبِ: أَصَابَهُ عَرَقُ حَيَوَانٍ نَجِسٍ، فَكَانَ نَجِسًا كَلُعَابِهِ، فَيَمْنَعُ السَّائِلُ كَوْنَ عَرَقِ الْكَلْبِ نَجِسًا.
__________
1 انظر "الوصول إلى مسائل الأصول 2/269، حاشية البناني 2/247، الآيات البينات 4/48، نشر البنود 2/148".
2 في ع ض: شرط.
3 ساقطة من ع ب.
4 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/247، شرح العضد 2/228، الآيات البينات 4/48، الإحكام للآمدي 3/349، إرشاد الفحول ص 208، مختصر البعلي ص 145، تيسير التحرير 4/30، فواتح الرحموت 2/289".(4/79)
فَيَقُولُ1 الْمُسْتَدِلُّ: لأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ شَرْعًا، أَيْ أَمَرَ الشَّرْعُ بِالتَّنَزُّهِ عَنْهُ. فَكَانَ نَجِسًا كَبَوْلِهِ.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: هَذِهِ الْعِلَّةُ ثُبُوتُهَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ حُكْمِ الأَصْلِ؛ فَتَكُونُ فَاسِدَةً؛ لأَنَّ حُكْمَ الأَصْلِ - وَهُوَ نَجَاسَتُهُ - يَجِبُ أَنْ تَكُونَ سَابِقَةً عَلَى اسْتِقْذَارِهِ؛ لأَنَّ الْحُكْمَ بِاسْتِقْذَارِهِ إنَّمَا هُوَ مُرَتَّبٌ2 عَلَى ثُبُوتِ نَجَاسَتِهِ. وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ فَاسِدَةً لِتَأَخُّرِهَا عَنْ حُكْمِ الأَصْلِ فَمَا3 يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ 4مِنْ غَيْرِ بَاعِثٍ، عَلَى تَقْدِيرِ تَفْسِيرِ الْعِلَّةِ بِالْبَاعِثِ. وَقَدْ فَرَضْنَا تَأَخُّرَهَا عَنْ الْحُكْمِ، وَهُوَ مُحَالٌ؛ لأَنَّ الْفَرْضَ5: أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ عُرِفَ قَبْلَ ثُبُوتِ عِلَّتِهِ6 لَكِنْ إنَّمَا يَتَأَتَّى هَذَا إذَا قُلْنَا إنَّ مَعْنَى الْمُعَرِّفِ: الَّذِي يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ بِهِ7. أَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ التَّعْرِيفُ: فَلا لِذَلِكَ8.
"وَ" مِنْ شُرُوطِ9 الْعِلَّةِ أَيْضًا "أَنْ لا تَرْجِعَ عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ الَّذِي اُسْتُنْبِطَتْ مِنْهُ "بِإِبْطَالٍ" حَتَّى لَوْ اُسْتُنْبِطَتْ مِنْ
__________
1 في ش: ويقول.
2 في ش: مترتب.
3 في ش: فيما.
4 في ش ز: بغير.
5 في د ع ض: الغرض.
6 في ش: الحكمة.
7 ساقطة من ش، وفي ز: به التعريف.
8 في د: كذلك.
9 في ش ع ض: شرط.(4/80)
نَصٍّ، وَكَانَتْ تُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ فَاسِدًا، وَذَلِكَ؛ لأَنَّ الأَصْلَ مَنْشَؤُهَا1، فَإِبْطَالُهَا لَهُ إبْطَالٌ لَهَا؛ لأَنَّهَا فَرْعُهُ، وَالْفَرْعُ لا يُبْطِلُ أَصْلَهُ؛ إذْ لَوْ أَبْطَلَ2 أَصْلَهُ لأَبْطَلَ نَفْسَهُ3.
كَتَعْلِيلِ الْحَنَفِيَّةِ وُجُوبَ الشَّاةِ فِي الزَّكَاةِ: بِدَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ، فَإِنَّهُ مُجَوِّزٌ لإِخْرَاجِ قِيمَةِ الشَّاةِ، فَيَتَخَيَّرُ4 عَلَى ذَلِكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قِيمَتِهَا، وَهُوَ مُفْضٍ إلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا.
وَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ تَجْوِيزِكُمْ الاسْتِنْجَاءَ بِكُلِّ جَامِدٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ، اسْتِنْبَاطًا مِنْ أَمْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فِي الاسْتِنْجَاءِ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ5؟ فَإِنَّكُمْ أَبْطَلْتُمْ هَذَا التَّوْسِيعَ6 بِغَيْرِ7 الأَحْجَارِ الْمَأْمُورِ بِهَا!!
لَكِنَّا نَقُولُ: إنَّمَا8 فَهِمْنَا إبْطَالَ تَعْيِينِهَا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
__________
1 في ش ز: منشأها.
2 في ض: بطل.
3 انظر "شرح العضد 2/228، الآيات البينات 4/51، الإحكام للآمدي 3/354، إرشاد الفحول ص 208، مختصر البعلي ص 145، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/247، نهاية السول 3/117، تيسير التحرير 4/31، فواتح الرحموت 2/289، أصول السرخسي 2/165".
4 في ش: فيتخير بين هذا وبين تجويزكم الاستنجاء، وفي ض: فيخير.
5 سبق تخريجه في ج 3 ص 465.
6 في ش: التوسع.
7 في ش زب: بعين.
8 في ش: إنْ.(4/81)
وَسَلَّمَ، بَعْدَ مَا أَمَرَهُ بِالاسْتِنْجَاءِ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ "وَلا يَسْتَنْجِي1 بِرَجِيعٍ وَلا عَظْمٍ2" فَدَلَّ عَلَى3 أَنَّهُ أَرَادَ أَوَّلاً4: الأَحْجَارَ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَإِلاَّ لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ عَنْ الرَّجِيعِ وَالْعَظْمِ فَائِدَةٌ.
"وَفِي قَوْلٍ: وَلا بِتَخْصِيصٍ" يَعْنِي أَنَّهُ هَلْ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ: أَنْ لا تَعُودَ عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ الَّذِي اُسْتُنْبِطَتْ مِنْهُ بِتَخْصِيصٍ، أَوْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِهَا؟
لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلانِ5.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: حَدِيثُ 6النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ7 فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِلْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ، وَالْعِلَّةُ فِيهِ - وَهُوَ8
__________
1 في ش: تستنج.
2 أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي عن سلمان الفارسي مرفوعاً.
"صحيح مسلم 1/223، سنن النسائي 1/35، عارضة الأحوذي 1/32، بذل المجهود 1/20".
3 ساقطة من ض.
4 ساقطة من ش.
5 انظر تحقيق المسألة في "الإحكام للآمدي 3/354، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/248، الآيات البينات 4/51".
6 ساقطة من ش.
7 أخرجه مالك في الموطأ 2/655، والبيهقي في سننه 5/296، والحاكم في المستدرك 2/35، والدارقطني 3/71، عن سعيد بن المسيب مرسلاً، وأخرجه البيهقي في سننه أيضاً 5/296 من طريق الحسن عن سمرة مرفوعاً ثم قال: هذا إسناد صحيح. ومن أثبت سماع الحسن البصري من سمرة بن جندب عدّه موصولاً، ومن لم يثبته فهو مرسل جيد يضم إلى مرسل سعيد بن المسيب والقاسم ابن أبي بزة وقول أبي بكر الصديق.
8 في ش: وهي.(4/82)
مَعْنَى الرِّبَا - تَقْتَضِي1 تَخْصِيصَهُ بِالْمَأْكُولِ2؛ لأَنَّهُ بَيْعُ رِبَوِيٍّ بِأَصْلِهِ. فَمَا لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ لا مَدْخَلَ لَهُ فِي النَّهْيِ، فَقَدْ عَادَتْ الْعِلَّةُ عَلَى3 أَصْلِهَا بِالتَّخْصِيصِ.
فَلِذَلِكَ جَرَى لِلشَّافِعِيِّ قَوْلانِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ، مَأْخَذُهُمَا ذَلِكَ4.
وَلأَصْحَابِنَا أَيْضًا5 فِي ذَلِكَ قَوْلانِ6، وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا: صِحَّةُ الْبَيْعِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مُطْلَقًا7. وَأَمَّا عَوْدُ الْعِلَّةِ عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ بِالتَّعْمِيمِ: فَإِنَّهُ جَائِزٌ8 بِغَيْرِ خِلافٍ، كَمَا يُسْتَنْبَطُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ" 9 أَنَّ الْعِلَّةَ: تَشْوِيشُ الْفِكْرِ، فَيَتَعَدَّى إلَى كُلِّ
__________
1 في ع ض ب: يقتضي.
2 ساقطة من ض.
3 في ش: من.
4 انظر: المهذب 1/284، التنبيه ص 65، تكملة المجموع 11/213 وما بعدها، فتح العزيز 8/188.
5 ساقطة من ع.
6 أي في بيع اللحم بالحيوان غير مأكول اللحم. "انظر المبدع 4/135".
7 أقول: تصحيح المصنف صحة بيع اللحم بالحيوان مطلقاً غير موافق لمذهب الحنابلة، إذا الصحيح المعتمد عند الحنابلة صحة بيع اللحم بالحيوان إذا كان الحيوان غير مأكول اللحم أو كان مأكول اللحم لكن من غير جنس اللحم. أما بيع اللحم بالحيوان مأكول اللحم من جنسه فلا خلاف في مذهبهم في عدم صحته. "انظر كشاف القناع 3/243، شرح منتهى الإرادات 2/195، المبدع 4/135، المغني 4/37، المحرر 1/320".
8 في ش: بخلاف.
9 سبق تخريجه في ج 3 ص 466.(4/83)
مُشَوِّشٍ مِنْ شِدَّةِ فَرَحٍ وَنَحْوِهِ.
"وَ" مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَيْضًا "أَنْ لا يَكُونَ لِلْمُسْتَنْبَطَةِ1 مُعَارِضٌ فِي الأَصْلِ"2.
يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعِلَّةِ إذَا كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً: أَنْ لا تَكُونَ مُعَارَضَةً بِمُعَارِضٍ مُنَافٍ مَوْجُودٍ فِي الأَصْلِ صَالِحٍ لِلْعِلِّيَّةِ، وَلَيْسَ3 مَوْجُودًا فِي الْفَرْعِ؛ لأَنَّهُ4 مَتَى كَانَ فِي الأَصْلِ وَصْفَانِ مُتَنَافِيَانِ5 يَقْتَضِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقِيضَ الآخَرِ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا عِلَّةً6 إلاَّ بِمُرَجِّحٍ7.
مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّ8 فِي9 صَوْمِ الْفَرْضِ " صَوْمُ مُعَيَّنٍ " فَيَتَأَدَّى بِالنِّيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ كَالنَّفْلِ.
__________
1 في ع: للمستنبط.
2 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/249، شرح العضد 2/228، أدب القاضي للماوردي 1/541، الآيات البينات 4، 52، الإحكام للآمدي 3/354، إرشاد الفحول ص 207، تيسير التحرير 4/31، فواتح الرحموت 2/290".
3 في ز: فليس.
4 في ض: كأنه.
5 في ض: متناقضان.
6 ساقطة من ع.
7 في ش: بلا مرجح.
8 في ش: الحنفي لبعضها فيصح نكاحها و.
9 ساقطة من د.(4/84)
فَيُقَالُ لَهُ: صَوْمُ فَرْضٍ، فَيُحْتَاطُ فِيهِ وَلا يُبْنَى عَلَى السُّهُولَةِ.
"وَ" مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَيْضًا "أَنْ لا تُخَالِفَ نَصًّا وَلا إجْمَاعًا"؛ لأَنَّ النَّصَّ وَالإِجْمَاعَ لا يُقَاوِمُهُمَا الْقِيَاسُ، بَلْ يَكُونُ إذَا خَالَفَهُمَا بَاطِلاً1.
مِثَالُ مُخَالَفَةِ النَّصِّ: أَنْ يَقُولَ حَنَفِيٌّ: امْرَأَةٌ مَالِكَةٌ لِبُضْعِهَا، فَيَصِحُّ نِكَاحُهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا، كَبَيْعِهَا سِلْعَتَهَا.
فَيُقَالُ لَهُ: هَذِهِ عِلَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا2 بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ" 3.
وَمِثَالُ مُخَالَفَةِ الإِجْمَاعِ: أَنْ يَقُولَ مُسَافِرٌ فَلا تَجِبُ4 عَلَيْهِ الصَّلاةُ فِي السَّفَرِ، قِيَاسًا عَلَى صَوْمِهِ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي السَّفَرِ، بِجَامِعِ الْمَشَقَّةِ.
__________
1 انظر "شرح العضد 2/229، الإحكام للآمدي 3/354، إرشاد الفحول ص 207، مختصر البعلي ص 145، تيسير التحرير 4/32، المستصفى 2/348، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/250، فواتح الرحموت 2/289، أدب القاضي للماوردي 1/541، الآيات البينات 4/55".
2 ساقطة من ش.
3 سبق تخريجه في ج 2 ص 541.
4 في ش: يجب.(4/85)
فَيُقَالُ: هَذِهِ الْعِلَّةُ مُخَالِفَةٌ لِلإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمَشَقَّةِ فِي الصَّلاةِ، وَوُجُوبِ أَدَائِهَا عَلَى الْمُسَافِرِ مَعَ وُجُودِ مَشَقَّةِ السَّفَرِ1.
وَمِثَالٌ آخَرُ لَوْ قِيلَ: إنَّ الْمِلْكَ لا يُعْتَقُ فِي الْكَفَّارَةِ لِسُهُولَتِهِ عَلَيْهِ، بَلْ يَصُومُ، وَهُوَ يَصْلُحُ مِثَالاً لَهُمَا. قَالَهُ الْعَضُدُ2.
"وَ" مِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا "أَنْ لا تَتَضَمَّنَ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ" أَيْ حُكْمًا فِي الأَصْلِ غَيْرَ مَا أَثْبَتَهُ النَّصُّ3؛ لأَنَّهَا4 إنَّمَا تُعْلَمُ مِمَّا أُثْبِتَ فِيهِ.
مِثَالُهُ "لا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلاَّ يَدًا بِيَدٍ5 سَوَاءً بِسَوَاءٍ" فَتُعَلَّلُ الْحُرْمَةُ6 بِأَنَّهُ7 رِبًا فِيمَا يُوزَنُ كَالنَّقْدَيْنِ، فَيَلْزَمُ التَّقَابُضُ، مَعَ أَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ.
وَقَالَ الآمِدِيُّ8: لا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، إلاَّ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ
__________
1 في ض ب: المشقة للسفر.
2 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/229.
3 انظر "إرشاد الفحول ص 208، مختصر البعلي 145، تيسير التحرير 4/33، شرح العضد 2/229، فواتح الرحموت 2/289".
4 في ز: فإنها.
5 ساقطة من ش ض.
6 في ش: العلة.
7 في ش: بأنها.
8 الإحكام في أصول الأحكام 3/355.(4/86)
مُنَافِيَةً لِلنَّصِّ؛ لأَنَّهَا إذَا لَمْ تُنَافِ1 لَمْ2 يَضُرَّ وُجُودُهَا.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: هُوَ الْمُخْتَارُ3.
4"وَ" مِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا "أَنْ يَكُونَ دَلِيلُهَا شَرْعِيًّا 5" وَذَلِكَ؛ لأَنَّ دَلِيلَهَا لَوْ كَانَ غَيْرَ شَرْعِيٍّ لَلَزِمَ أَنْ لا يَكُونَ الْقِيَاسُ شَرْعِيًّا.
"وَ" مِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا "أَنْ لا يَعُمُّ دَلِيلُهَا حُكْمَ الْفَرْعِ" يَعْنِي أَنْ6 لا يَكُونَ دَلِيلُ الْعِلَّةِ7 شَامِلاً لِحُكْمِ الْفَرْعِ "بِعُمُومِهِ" كَقِيَاسِ التُّفَّاحِ عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ الطَّعْمِ، فَيُقَالُ: الْعِلَّةُ دَلِيلُهَا حَدِيثُ "الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ8 "أَوْ بِخُصُوصِهِ9" كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ
__________
1 في ع: تتلف.
2 في ع ض ب: لا.
3 وكذا اختاره التاج السبكي في جمع الجوامع. "جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/251، الآيات البينات 4/55".
4 ساقطة من ع.
5 انظر "شرح العضد 2/219، الإحكام للآمدي 3/355، إرشاد الفحول ص 208، مختصر البعلي ص 145".
6 في ض: انه.
7 في ش: العلة حكماً.
8 صحيح مسلم 3/1214.
9 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/252، شرح العضد 2/229، الآيات البينات 4/60، إرشاد الفحول ص 208، نهاية السول 3/117، تيسير التحرير 4/33، فواتح الرحموت 2/290".(4/87)
فَلْيَتَوَضَّأْ" 1 وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ ضَعِيفًا، لَكِنْ يُذْكَرُ لِلتَّمْثِيلِ.
فَلَوْ قِيلَ فِي الْقَيْءِ: خَارِجٌ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، فَيَنْقُضُ كَالْخَارِجِ مِنْهُمَا. ثُمَّ اُسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُمَا يُنْقَضُ بِهَذَا الْحَدِيثِ: لَمْ يَصِحَّ؛ لأَنَّهُ تَطْوِيلٌ بِلا فَائِدَةٍ، بَلْ فِي الثَّانِي - مَعَ كَوْنِهِ تَطْوِيلاً - رُجُوعٌ عَنْ الْقِيَاسِ؛ لأَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ2 بِدَلِيلِ الْعِلَّةِ، لا بِنَفْسِ الْعِلَّةِ، فَلَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ بِالْقِيَاسِ.
قَالَ الْعَضُدُ: لَنَا3 أَنَّهُ يُمْكِنُ4 إثْبَاتُ الْفَرْعِ بِالنَّصِّ، كَمَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الأَصْلِ بِهِ. فَالْعُدُولُ عَنْهُ إلَى إثْبَاتِ الأَصْلِ، ثُمَّ الْعِلَّةِ، ثُمَّ بَيَانِ وُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ، ثُمَّ بَيَانِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهَا: تَطْوِيلٌ بِلا فَائِدَةٍ. وَأَيْضًا 5فَإِنَّهُ رُجُوعٌ مِنْ الْقِيَاسِ إلَى
__________
1 أخرجه البيهقي والدارقطني وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً، كما أخرجه البيهقي والدارقطني عن ابن جريج عن أبيه مرسلاً، وفي إسناده في الروايتين إسماعيل بن عياش. قال الحافظ بن حجر: وروايته عن غير الشاميين ضعيفة، وهذا منها. وقال أيضاً: وفي الباب عن أبي سعيد الخدري عند الدارقطني وإسناده أضعف من الأول، وأخرجه أيضاً ابن عباس نحوه، وفي إسناده سليمان بن أرقم. "انظر سنن البيهقي 1/142 وما بعدها، سنن الدارقطني 1/153 وما بعدها، سنن ابن ماجة 1/386، الدراية في تخريح أحاديث الهداية 1/30 وما بعدها".
2 في ز: ثبت.
3 ساقطة من د ض.
4 في ش: ممكن.
5 في ش: أن تكون فائدة.(4/88)
النَّصِّ1.
"وَأَنْ تَتَعَيَّنَ" يَعْنِي أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَيْضًا: أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً لا مُبْهَمَةً2، بِمَعْنَى شَائِعَةٍ، خِلافًا لِمَنْ اكْتَفَى بِذَلِكَ، مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " اعْرِفْ الأَشْبَاهَ وَالنَّظَائِرَ، وَقِسْ الأُمُورَ3 بِرَأْيِك "4 فَيَكْفِي عِنْدَهُمْ كَوْنُ الشَّيْءِ مُشْبَهًا لِلشَّيْءِ شَبَهًا مَا.
قَالَ الْهِنْدِيُّ: لَكِنْ أَطْبَقَ الْجَمَاهِيرُ عَلَى فَسَادِهِ؛ لأَنَّهُ يُفْضِي إلَى أَنَّ الْعَامِّيَّ وَالْمُجْتَهِدَ سَوَاءٌ فِي إثْبَاتِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْحَوَادِثِ، إذْ مَا مِنْ عَامِّيٍّ إلاَّ وَعِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ أَصْلٌ مِنْ الأُصُولِ عَامٌّ فِي أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ.
__________
1 شرح المعضد على مختصر ابن الحاجب 2/230.
2 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/251، التبصرة للشيرازي ص 458، اللمع ص 59، تيسير التحرير 4/53، فواتح الرحموت 2/301، الآيات البينات 4/57، إرشاد الفحول ص 208، نشر البنود 2/150، إعلام الموقعين 1/148، المسودة ص 389، الوصول إلى مسائل الأصول 2/252، الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 15".
3 ساقطة من ض.
4 هذا جزء من كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري في أصول القضاء، وقد أخرجه الدارقطني والبيهقي وغيرهم. قال العلامة ابن القيم: "هذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله والتفقه فيه". "انظر إعلام الموقعين 1/86، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/200، سنن الدارقطني 4/206 وما بعدها، إرواء الغليل 8/241" وقد حاول ابن حزم الطعن في صحته وسعى في إبطاله سنداً ومتناً في كتابه الإحكام في أصول الأحكام 7/1003 وما بعدها، فتأمل!(4/89)
وَأَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى أَنَّهُ لا بُدَّ فِي الإِلْحَاقِ مِنْ الاشْتِرَاكِ بِوَصْفٍ خَاصٍّ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَقَّفُونَ فِي الْحَوَادِثِ1 لا يُلْحِقُونَهَا بِأَيِّ وَصْفٍ كَانَ بَعْدَ عَجْزِهِمْ عَنْ إلْحَاقِهَا بِمَا يُشَارِكُهَا فِي وَصْفٍ خَاصٍّ.
أَمَّا التَّعْلِيلُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَحْصُورِ: فَلا يَمْتَنِعُ كَمَا لَوْ مَسَّ الرَّجُلُ مِنْ الْخُنْثَى فَرْجَ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْخُنْثَى فَرْجَ النِّسَاءِ بِشَهْوَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْمَاسِّينَ؛ لأَنَّهُ إمَّا مَسُّ فَرْجٍ أَوْ مَسٌّ لِشَهْوَةٍ.
"وَ" مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَيْضًا "أَنْ لا تَكُونَ وَصْفًا مُقَدَّرًا2" غَيْرَ حَقِيقِيٍّ، أَيْ مَفْرُوضًا لا حَقِيقَةَ لَهُ3، كَتَعْلِيلِ جَوَازِ التَّصَرُّفِ4
__________
1 في ز: الحادث.
2 المراد بالتقدير في هذا المقام: إعطاء المعدوم حكم الموجود. "قواعد الأحكام 2/112" وللتقدير معانٍ أخرى عند الفقهاء والأصوليين، منها: إعطاء الموجود حكم المعدوم. ومنها: إعطاء المتأخر حكم المتقدم. ومنها: إعطاء الآثار والصفات حكم الأعيان والموجودات.
"انظر هذه الإطلاقات وأمثلتها بصورة مفصلة في قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 2/112-117".
3 انظر تحقيق المسألة في "المستصفى 2/336، نشر البنود 2/151، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/251، شرح تنقيح الفصول ص 410، الآيات البينات 4/59، إرشاد الفحول ص 208".
4 في ش: الصرف.(4/90)
بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِالْمِلْكِ1.
قَالَ الرَّازِيّ2: وَالْحَقُّ أَنَّهُ لا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالصِّفَاتِ الْمُقَدَّرَةِ، خِلافًا 3 لِلْفُقَهَاءِ الْبَصْرِيِّينَ.
قَالَ صَاحِبُ تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ: أَنْكَرَ الإِمَامُ وَجَمْعٌ تَصْوِيرَ التَّقْدِيرِ فِي الشَّرْعِ، فَضْلاً عَنْ التَّعْلِيلِ بِهِ4.
قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ5: قُلْت: الْفُرُوعُ الْفِقْهِيَّةُ كَثِيرَةٌ بِالتَّعْلِيلِ6 بِالأُمُورِ التَّقْدِيرِيَّةِ، لا يَكَادُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ خِلافٌ، وَكَأَنَّهَا7 عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ التَّحْقِيقِيَّاتِ. أَلا تَرَى أَنَّ الْحَدَثَ عِنْدَهُمْ وَصْفٌ وُجُودِيٌّ مُقَدَّرٌ قِيَامُهُ8 9بِالأَعْضَاءِ يَرْفَعُهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ، وَلا يَرْفَعُهُ التَّيَمُّمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ9!!
__________
1 باعتبار أن الملك عند الفقهاء هو معنى شرعي مقدر في المحل، أثره إطلاق التصرفات. "انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/252، نشر البنود 2/151".
2 المحصول 2/2/431.
3 كذا في سائر الأصول الخطية. وفي المحصول: لبعض الفقهاء المعاصرين.
4 شرح تنقيح الفصول للقرافي ص 410، 411. غير أن الإمام القرافي بعد أن حكى رأي الإمام الرازي في إنكار المقدرات وعدم صحة التعليل بها ناقشه وردّه، ثم قال: "فإنكار الإمام منكر، والحق التعليل بالمقدرات".
5 ساقطة من ض.
6 في ش: التعليل.
7 في ع: فكأنها.
8 في ش ض: قياسه.
9 ساقطة من ع.(4/91)
1"وَقَدْ تَكُونُ" الْعِلَّةُ "حُكْمًا شَرْعِيًّا" عِنْدَ الأَكْثَرِ2.
وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ3 أَصْحَابِنَا، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أَمَارَةٌ.
وَالْعِلَّةُ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهَا فِي الأَصْلِ الْمُتَعَدِّيَةُ إلَى الْفَرْعِ.
وَأَيْضًا قَدْ يَدُورُ حُكْمٌ مَعَ حُكْمٍ، وَالدَّوَرَانُ عِلَّةٌ كَمَا يَأْتِي. وَمَنَعَهُ آخَرُونَ.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: اخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، كَقَوْلِنَا: مَنْ صَحَّ طَلاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ عَلَى أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: الْجَوَازُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَطَائِفَةٌ مِنْ الأُصُولِيِّينَ.
وَقِيلَ: لا يَجُوزُ، وَ4يُعْزَى إلَى بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الْمُنَى.
__________
1 ساقطة من ع.
2 انظر "حاشية البناني 2/234، شرح تنقيح الأصول ص 408، شرح العضد 2/230، المسودة ص 411، 466، روضة الناظر ص 319، اللمع ص 59، المعتمد 2/805، الآيات البينات 4/38، الإحكام للآمدي 3/301، إرشاد الفحول ص 209، مختصر البعلي ص 145، نهاية السول 3/109، شرح البدخشي 3/108، الإبهاج 3/92، تيسير التحرير 4/34، المستصفى 2/335، فواتح الرحموت 2/290، فتح الغفار 3/20، كشف الأسرار 3/347، الوصول إلى مسائل الأصول 2/277".
3 في ز: من. وفي ض: عند.
4 ساقطة من ش.(4/92)
وَقِيلَ: يَجُوزُ كَوْنُهُ عِلَّةً، بِمَعْنَى الأَمَارَةِ، لا فِي أَصْلِ الْقِيَاسِ؛ لأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ تَكُونُ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ، لا بِمَعْنَى الأَمَارَةِ. اهـ
"وَتَكُونُ1 صِفَةُ الاتِّفَاقِ" فِي مَسْأَلَةٍ "وَ" صِفَةُ "الاخْتِلافِ" فِي أُخْرَى "عِلَّةً" لِلْحُكْمِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ2، كَالإِجْمَاعِ حَادِثٌ، وَهُوَ دَلِيلٌ، وَالاخْتِلافُ يَتَضَمَّنُ خِفَّةَ حُكْمِهِ، وَعَكْسُهُ الاتِّفَاقُ، كَقَوْلِنَا فِي3 الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الظِّبَاءِ وَالْغَنَمِ: مُتَوَلِّدٌ مِنْ4 أَصْلَيْنِ يُزَكَّى أَحَدُهُمَا إجْمَاعًا، فَوَجَبَ فِيهِ، كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ سَائِمَةٍ وَمَعْلُوفَةٍ. وَقَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْكَلْبِ: مُخْتَلَفٌ فِي حِلِّ لَحْمِهِ، فَلَمْ يَجِبْ فِي وُلُوغِهِ عَدَدٌ كَالسَّبُعِ.
وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ لِحُدُوثِهَا بَعْدَ الأَحْكَامِ.
وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ ضِمْنَ مَسْأَلَةِ النَّبِيذِ
لَنَا "وَيَتَعَدَّدُ الْوَصْفُ وَيَقَعُ" يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الْمُتَعَدِّدِ 5عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ6، وَيُسَمَّى الْوَصْفَ الْمُرَكَّبَ؛ لأَنَّ
__________
1 في ع ض ب: وقد يكون حكماً شرعياً وتكون.
2 انظر المسودة ص 409، 410.
3 ساقطة من ع.
4 في ش: بين.
5 في ع: للتعدد.
6 انظر "حاشية البناني 3/234، فواتح الرحموت 2/291، كشف الأسرار 3/348، شرح تنقيح الفصول ص 409، شرح العضد 2/230، المحصول 2/2/413، روضة الناظر ص 319، اللمع ص 60، المعتمد 2/789، الآيات البينات 4/38، الإحكام للآمدي 3/306، نشر البنود 2/134، =(4/93)
الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُفْرَدَةِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْعِلَّةِ1 الْمُرَكَّبَةِ، فَهُمَا سَوَاءٌ. وَذَلِكَ كَمَا نَقُولُ2 فِي قِصَاصِ النَّفْسِ: قَتْلٌ مَحْضٌ عُدْوَانٌ.
وَقِيلَ: لا؛ لأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْمُرَكَّبِ يُؤَدِّي إلَى مُحَالٍ. فَإِنَّهُ بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ تَنْتَفِي عِلِّيَّتُهُ، فَبِانْتِفَاءِ3 آخَرَ يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ؛ لأَنَّ انْتِفَاءَ الْجُزْءِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْعِلِّيَّةِ4.
رُدَّ لا نُسَلِّمُ أَنَّهُ عِلَّةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَدَمُ شَرْطٍ، فَإِنَّ كُلَّ جُزْءٍ شَرْطٌ لِلْعِلِّيَّةِ5. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ عِلَّةٌ، فَحَيْثُ لَمْ يَسْبِقْهُ غَيْرُهُ إلَى انْتِفَاءِ 6جُزْءٍ آخَرَ، كَمَا فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ7.
"وَمَا حَكَمَ بِهِ الشَّارِعُ مُطْلَقًا، أَوْ فِي عَيْنٍ، أَوْ فَعَلَهُ" الشَّارِعُ "أَوْ أَقَرَّهُ" أَيْ أَقَرَّ الشَّارِعُ غَيْرَهُ عَلَى فِعْلِهِ "لا يُعَلَّلُ بِمُخْتَصَّةٍ" أَيْ
__________
= مختصر البعلي ص 145، نهاية السول 3/112، مناهج العقول 3/112، الإبهاج 3/96، تيسير التحرير 4/34، المستصفى 2/336".
1 ساقطة من ش. وفي ض: المنفردة يستدل به على العلة.
2 في ش: تقول.
3 في ع: فانتفاء.
4 في ع ض: العلة.
5 في ع: للعلة.
6 في ش: أجزاء أخر.
7 انظر: المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/235، الآيات البينات 4/39.(4/94)
بِعِلَّةٍ مُخْتَصَّةٍ "بِذَلِكَ الْوَقْتِ؛ بِحَيْثُ يَزُولُ الْحُكْمُ مُطْلَقًا" بِزَوَالِهَا1.
"وَقَدْ تَزُولُ الْعِلَّةُ وَيَبْقَى الْحُكْمُ كَالرَّمَلِ"2
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - وَعَنَى بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - مَا حَكَمَ بِهِ الشَّارِعُ مُطْلَقًا، أَوْ فِي عَيْنٍ، أَوْ فَعَلَهُ، أَوْ أَقَرَّهُ: هَلْ يَجُوزُ تَعْلِيلُهُ بِعِلَّةٍ مُخْتَصَّةٍ بِذَلِكَ الْوَقْتِ، بِحَيْثُ يَزُولُ الْحُكْمُ مُطْلَقًا؟ جَوَّزَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ.
ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّحْلِيلِ، وَذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ فِي حُكْمِهِ بِتَضْعِيفِ الْغُرْمِ عَلَى سَارِقِ الثَّمَرِ3 الْمُعَلَّقِ، وَالضَّالَّةِ الْمَكْتُومَةِ4، وَمَانِعِ الزَّكَاةِ، وَتَحْرِيقِ مَتَاعِ الْغَالِّ وَهُوَ شُبْهَتُهُمْ أَنَّ5 حُكْمَ الْمُؤَلَّفَةِ انْقَطَعَ.
وَمَنَعَهُ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيَّةُ.
__________
1 انظر الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 18.
2 الرَّمَل: هو الإسراع في المشي وهزّ المنكب. وقد شرع رَمَل الطواف في عمرة القضاء ليرى المشركون قوة المسلمين حيث قالوا: وهنتهم حمى يثرب. وقيل: الرمَل إسراع المشي مع تقارب الخطى، وهو الخبب. "مجمع بحار الأنوار 2/380 وما بعدها".
3 ساقطة من ض.
4 في ش: المكتوبة.
5 في ش: في أن.(4/95)
ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ - يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ أَيْضًا - قَدْ تَزُولُ الْعِلَّةُ وَيَبْقَى الْحُكْمُ، كَالرَّمَلِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النُّطْقُ حُكْمٌ مُطْلَقٌ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ خَاصًّا1 فَقَدْ2 ثَبَتَتْ3 الْعِلَّةُ مُطْلَقًا.
وَهَذَانِ جَوَابَانِ لا حَاجَةَ إلَيْهِمَا.
وَاحْتُجَّ بِأَنَّ هَذَا رَأْيٌ مُجَرَّدٌ، وَبِتَمَسُّكِ الصَّحَابَةِ بِـ"نَهْيِهِ عَنْ ادِّخَارِ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ " فِي الْعَامِ الْقَابِلِ4.
وَمُرَادُهُ: أَنَّهُ صَحَّ5 عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَقَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ6، وَقَوْلِ جَابِرٍ "كُنَّا لا نَأْكُلُ، فَرَخَّصَ
__________
1 في ش: خاص.
2 ساقطة من د.
3 في ع: تثبت، وفي ش: أثبتت.
4 حيث روى البخاري ومسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ضحّى منكم فلا يُصبِحَنَّ بعد ثالثة وفي بيته منه شي"، فلما كان العام المقبل، قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: "كلوا وأطعموا وادّخروا، فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تُعينوا فيها". "رواه البخاري 6/239، صحيح مسلم 3/1563".
5 أي صحّ عنهم جواز ادّخارها.
6 هو الصحابي الجليل قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر الظَّفَري الأنصاري الأوسي، أبو عبد الله، من فضلاء الصحابة، شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم العقبة وأحُداً وبدراً والخندق وسائر المشاهد، وقلعت عينه يوم أحد، فردّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أحسن عينيه. توفي بالمدينة سنة 23 هـ وهو ابن خمس وستين سنة. "انظر ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد =(4/96)
لَنَا"1.
"وَتَعْلِيلُهُ" أَيْ الْحُكْمِ "بِعِلَّةٍ زَالَتْ. وَإِذَا عَادَتْ" الْعِلَّةُ عَادَ الْحُكْمُ "فِيهِ نَظَرٌ"
"وَعَكْسُهُ" أَيْ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ تَعْلِيلُ حُكْمٍ نَاسِخٍ بِمُخْتَصَّةٍ أَيْ بِعِلَّةٍ مُخْتَصَّةٍ بِذَلِكَ الزَّمَنِ، بِحَيْثُ إذَا زَالَتْ 2تِلْكَ الْعِلَّةُ "زَالَ" الْحُكْمُ.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَالْحُكْمُ هُنَا أَقْسَامٌ:
أَعْلاهَا: أَنْ يَكُونَ3 بِخِطَابٍ مُطْلَقٍ4.
الثَّانِي: أَنْ يَثْبُتُ فِي أَعْيَانٍ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ فِعْلاً أَوْ إقْرَارًا.
__________
= 2/3/25، الاستيعاب 3/1274، أسد الغابة 4/195، الإصابة 3/225، الكامل لابن الأثير 3/40، تهذيب الأسماء واللغات 2/58، مشاهير علماء الأمصار ص 27، سير أعلام النبلاء 2/331، شذرات الذهب 1/34". وحديث قتادة بن النعمان في جواز أكل الأضاحي وادخارها أخرجه الحاكم في المستدرك 4/232 وقال عنه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
1 أخرجه البخاري ومسلم والنسائي ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده، ولفظ الشيخين "كنا لا نأكل من لحوم بُدننا فوق ثلاث منى، فرخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كلوا وتزوَّدوا". "صحيح البخاري 2/178، صحيح مسلم 3/1562، سنن النسائي 7/206، الموطأ 2/484، مسند أحمد 3/317" وأخرج نحوه ابن ماجة عن نُبَيْشة مرفوعاً "سنن ابن ماجة 2/1055".
2 ساقطة من ش ز.
3 في ع ض ب: تكون.
4 في ع ب: مطلقاً.(4/97)
فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ1 مُطْلَقًا، فَهَلْ يَجُوزُ تَعْلِيلُهُ بِعِلَّةٍ قَدْ زَالَتْ؟ لَكِنْ إذَا عَادَتْ يَعُودُ. فَهَذَا أَخَفُّ2 مِنْ الأَوَّلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ.
قُلْت: نَظِيرُهُ3 قَوْلُ مَنْ قَالَ4 بِانْقِطَاعِ نَصِيبِ الْمُؤَلَّفَةِ عِنْدَ عَدَمِ الاحْتِيَاجِ إلَيْهِ. فَإِنْ وُجِدَتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّأْلِيفِ عَادَ جَوَازُ الدَّفْعِ لِعَوْدِ الْعِلَّةِ. اهـ.
أَمَّا تَعْلِيلُهُ بِعِلَّةٍ زَالَتْ، لَكِنْ إذَا عَادَتْ فَفِيهِ نَظَرٌ!
وَعَكْسُهُ: تَعْلِيلُ النَّاسِخِ بِعِلَّةٍ مُخْتَصَّةٍ بِذَلِكَ الزَّمَنِ، بِحَيْثُ إذَا زَالَتْ زَالَ، وَيَقَعُ الْفُقَهَاءُ فِيهِ كَثِيرًا.
"وَوُقُوعُهُ" أَيْ وُقُوعُ هَذَا التَّعْلِيلِ "فِي خِطَابٍ عَامٍّ فِيهِ نَظَرٌ"!
وَفِي وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ: أَلْحَقَ الْحَنَفِيَّةُ النَّسْخَ بِزَوَالِ الْعِلَّةِ، كَالْخَمْرِ حُرِّمَتْ أَوَّلاً وَأَلِفُوا5 شُرْبَهَا، فَنُهِيَ عَنْ تَخْلِيلِهَا6 تَغْلِيظًا، وَزَالَتْ بِاعْتِيَادِ التَّرْكِ، فَزَالَ الْحُكْمُ، ثُمَّ أَبْطَلَهُ بِأَنَّهُ7 نَسْخٌ بِالاحْتِمَالِ كَمَنْعِهِ فِي حَدٍّ وَفِسْقٍ وَنَجَاسَتِهَا.
__________
1 في ش: الفعل.
2 في د ض: أحق.
3 في ش: نظره.
4 في ش ز: يقول.
5 في ش ض: وألغوا.
6 في ش: تحليلها.
7 في ش: بأن.(4/98)
"فَصْلٌ"
"لا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ بِحُكْمِ الأَصْلِ" يَعْنِي أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِي الْعِلَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً: أَنْ تَكُونَ مِنْ أَصْلٍ مَقْطُوعٍ بِحُكْمِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، إذْ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَى مَا ثَبَتَ حُكْمُهُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْعُمُومِ وَالْمَفْهُومِ وَغَيْرِهَا؛ لأَنَّهُ غَايَةُ الاجْتِهَادِ فِيمَا يُقْصَدُ بِهِ الْعَمَلُ1.
وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ: أَنْ تَكُونَ مِنْ أَصْلٍ مَقْطُوعٍ بِحُكْمِهِ.
"وَلا" يُشْتَرَطُ أَيْضًا الْقَطْعُ "بِوُجُودِهَا" أَيْ وُجُودِ الْعِلَّةِ "فِي الْفَرْعِ" عَلَى الصَّحِيحِ2؛ لأَنَّ الْقِيَاسَ إذَا كَانَ ظَنِّيًّا، فَلا يَضُرُّ كَوْنُ مُقَدِّمَاتِهِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا ظَنِّيًّا.
__________
1 انظر "شرح العضد 2/232، تيسير التحرير 3/294، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/253، الآيات البينات 4/61، الإحكام للآمدي 3/355، مناهج العقول 3/115".
2 انظر "الإبهاج 3/106، المستصفى 2/330، فواتح الرحموت 2/260، الإحكام للآمدي 3/355، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/253، الآيات البينات 4/62، مناهج العقول 3/123، نهاية السول 3/124، شرح العضد 2/232، روضة الناظر ص 319، مختصر الطوفي ص 152، المحصول 2/2/497، تيسير التحرير 3/302".(4/99)
وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ.
"وَلا" يُشْتَرَطُ فِيهَا أَيْضًا "انْتِفَاءُ مُخَالَفَةِ مَذْهَبِ صَحَابِيٍّ إنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً" عَلَى الصَّحِيحِ1.
وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ حُجَّةٌ، فَيُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ.
وَاشْتَرَطَهُ بَعْضُهُمْ.
"وَلا" يُشْتَرَطُ أَيْضًا لِصِحَّةِ الْعِلَّةِ "النَّصُّ عَلَيْهَا أَوْ الإِجْمَاعُ عَلَى تَعْلِيلِهِ" أَيْ تَعْلِيلِ حُكْمِ الأَصْلِ.
الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ أَنْ يَرِدَ نَصٌّ دَالٌّ عَلَى عَيْنِ2 تِلْكَ الْعِلَّةِ، وَلا الاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الأَصْلِ مُعَلَّلٌ3.
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ4، فَاشْتَرَطَ أَحَدَهُمَا. عَلَى
__________
1 انظر "المستصفى 2/349، فواتح الرحموت 2/290، تيسير التحرير 4/9، شرح العضد 2/232، حاشية البناني 2/253، الآيات البينات 4/62، مناهج العقول 3/115".
2 في د ض: معنى.
3 انظر "المسودة ص 401، الجدل لابن عقيل ص 16، إرشاد الفحول ص 206، نشر البنود 2/116، المحصول 2/2/494، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/213، 222، الآيات البينات 4/11، 19، نهاية السول 3/123، مناهج العقول 3/122، الإبهاج 3/105، فواتح الرحموت 2/256".
4 هو بشر بن غياث بن أبي كريمة المريسي، أبو عبد الرحمن، مولى زيد بن الخطاب، =(4/100)
ظَاهِرِ كَلامِهِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ1.
وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ عَنْ بِشْرٍ: اشْتِرَاطُ الأَمْرَيْنِ مَعًا2.
"وَإِذَا كَانَتْ عِلَّةُ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ وُجُودَ مَانِعٍ" كَالأُبُوَّةِ فِي الْقِصَاصِ "أَوْ عَدَمَ شَرْطٍ" كَعَدَمِ الرَّجْمِ بِعَدَمِ3 الإِحْصَانِ "لَزِمَ وُجُودُ الْمُقْتَضِي" مِثْلُ بَيْعِ مَنْ أَهْلُهُ فِي مَحَلِّهِ عِنْدَ الأَكْثَرِ4.
قَالَ الآمِدِيُّ: لأَنَّ5 الْحُكْمَ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْخَلْقِ، فَمَا6
__________
= مبتدع ضال، تفقه على أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، ثم اشتغل بعلم الكلام، وأصبح داعية للقول بخلق القرآن، وهو من رؤوس المرجئة أيضاً، وإليه تنسب طائفة المريسية منهم. توفي سنة 218 هـ وقيل 219 هـ. "انظر ترجمته في الفرق بين الفرق للبغدادي ص 204، تاريخ بغداد للخطيب 7/56، الفوائد البهية للكنوي ص 54، شذرات الذهب 2/44، حاشية البناني على جمع الجوامع 2/213، الفتح المبين 1/136".
1 ليس في ظاهر كلام صاحب جمع الجوامع ما يفيد أن بِشراً اشترط أحدهما. وعبارة السبكي فيه: "ولا يشترط دالّ على جواز القياس عليه بنوعه أو شخصه ولا اتفاق على وجود العلة فيه خلافاً لزاعميهما". "انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/213، الآيات البينات 4/19".
2 عزو المصنف إلى الرازي –في حكاية قول بشر- غير سديد، حيث إن الرازي نقل عن بشر اشتراط أحدهما لا كليهما، وعبارته في المحصول 2/2/494: "زعم بشر المريسي أن شرط الأصل انعقاد الإجماع على كون حكمه معللاً أو ثبوت النص على عين تلك العلة. وعندنا أن هذا الشرط غير معتبر". فتأمل!!
3 في ش ع: بعد.
4 انظر: نشر البنود 2/135.
5 في ش: وخالف في ذلك الرازي وأتباعه لأن.
6 في ش: وأن ما.(4/101)
لا فَائِدَةَ فِيهِ لَمْ يُشْرَعْ، فَانْتَفَى لِنَفْيِ فَائِدَتِهِ1.
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الرَّازِيّ2 وَأَتْبَاعُهُ3
"وَيَصِحُّ كَوْنُ الْعِلَّةِ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ" نَحْوَ: يَصِحُّ رَهْنُ4 مُشَاعٍ5، كَرَهْنِهِ مِنْ شَرِيكِهِ.
وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ.
حَكَى ابْنُ عَقِيلٍ الْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ عَنْ الأَوَّلِ: إنَّهُ أَصَحُّ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ صَحَّحَهُ أَيْضًا.
"وَحُكْمُ الأَصْلِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ لا بِهَا" أَيْ لا6 بِالْعِلَّةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ7.
__________
1 الإحكام في أصول الأحكام 3/350.
2 المحصول 2/2/438 وما بعدها.
3 والحنفية أيضاً. "انظر: شرح العضد 2/232، شرح تنقيح الفصول ص 411، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/261، الآيات البينات 4/75، مناهج العقول 3/114، نهاية السول 3/116، تيسير التحرير 4/37، فواتح الرحموت 2/292".
4 في ض: رهناً.
5 في ض: مشاعاً.
6 ساقطة من ش.
7 انظر تحقيق المسألة في "شرح العضد 2/232، الإحكام للآمدي 3/357، تيسير التحرير 3/294، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/231، الآيات البينات 4/33، نشر البنود 2/130، التلويح على التوضيح 2/55هـ، كشف الأسرار 3/316".(4/102)
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: لأَنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ1 تَعَبُّدًا. فَلَوْ ثَبَتَ بِالْعِلَّةِ لَمْ يَثْبُتْ مَعَ عَدَمِهَا؛ وَلأَنَّهَا مَظْنُونَةٌ2، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ، وَمُرَادُهُمْ3: أَنَّهُ مُعَرِّفٌ لَهُ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: بِالْعِلَّةِ. وَمُرَادُهُمْ الْبَاعِثَةُ عَلَيْه.
فَالْخِلافُ لَفْظِيٌّ4 اهـ.
__________
1 في ز: ثبت.
2 في ش: معلولة مظنونة.
3 ساقطة من ش ز.
4 انظر توضيح حل النزاع في القضية في شرح العضد 2/232.(4/103)
فصل شروط الفرع
...
"فصل"
لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَعْرِيفِ حُكْمِ الأَصْلِ وَشُرُوطِهِ، وَتَعْرِيفِ الْعِلَّةِ وَشُرُوطِهَا، وَتَعْرِيفِ الْفَرْعِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ شُرُوطِهِ، فَقَالَ:
"شَرْطُ فَرْعٍ: أَنْ تُوجَدَ" الْعِلَّةُ "فِيهِ" أَيْ فِي الْفَرْعِ "بِتَمَامِهَا" أَيْ الْعِلَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ ذَاتَ أَجْزَاءٍ، فَلا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْكُلِّ فِي الْفَرْعِ "فِيمَا يُقْصَدُ مِنْ عَيْنِهَا" أَيْ عَيْنِ الْعِلَّةِ "أَوْ جِنْسِهَا"1.
"فَإِنْ كَانَتْ" الْعِلَّةُ "قَطْعِيَّةً" كَقِيَاسِ الضَّرْبِ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى قَوْلِ أُفٍّ، بِجَامِعِ أَنَّهُ إيذَاءٌ "فَ" الْقِيَاسُ "قَطْعِيٌّ، وَهُوَ" أَيْ هَذَا الْقِيَاسُ يُسَمَّى "قِيَاسَ الأَوْلَى"2؛ لأَنَّ الإِيذَاءَ بِالضَّرْبِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ
__________
1 انظر "المسودة ص 377، 389، المحصول 2/2/497، الإحكام للآمدي 3/359، تيسير التحرير 3/295، شرح العضد 2/233، مختصر البعلي ص 145، شفاء الغليل ص 673، روضة الناظر ص 318، حاشية البناني 2/222، الآيات البينات 4/20، أصول السرخسي 2/149، الجدل لابن عقيل ص 15، فتح الغفار 3/16، إرشاد الفحول ص 209، نشر البنود 2/123. مناهج العقول 3/123، نهاية السول 3/124، الإبهاج 3/106، كشف الأسرار 3/326، المستصفى 2/330، فواتح الرحموت 2/257، مفتاح الوصول ص 151، التلويح على التوضيح 2/562".
2 انظر: نشر البنود 2/124، الآيات البينات 4/24، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/224.(4/105)
مِنْ الإِيذَاءِ بِقَوْلِ "أُفٍّ".
وَإِنْ1 كَانَتْ الْعِلَّةُ قَطْعِيَّةً، وَلَكِنْ2 لَيْسَتْ بِأَوْلَى، كَالنَّبِيذِ يُقَاسُ عَلَى الْخَمْرِ بِجَامِعِ الإِسْكَارِ. فَالْقِيَاسُ أَيْضًا قَطْعِيٌّ "وَ" يُسَمَّى قِيَاسَ "الْمُسَاوَاةِ"3.
"أَوْ" كَانَتْ الْعِلَّةُ "ظَنِّيَّةً" كَقِيَاسِ التُّفَّاحِ عَلَى الْبُرِّ فِي أَنَّهُ لا يُبَاعُ إلاَّ يَدًا بِيَدٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ بِجَامِعِ الطُّعْمِ، فَالْمَعْنَى الْمُعْتَبَرُ - وَهُوَ الطُّعْمِ - مَوْجُودٌ فِي الْفَرْعِ بِتَمَامِهِ "فَ" الْقِيَاسُ "ظَنِّيٌّ وَهُوَ" أَيْ هَذَا الْقِيَاسُ يُسَمَّى "قِيَاسَ الأَدْوَنِ"4؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مُلْحَقًا بِالأَصْلِ إلاَّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ الطُّعْمُ، فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ تُرَكَّبُ5 مِنْ الطُّعْمِ مَعَ التَّقْدِيرِ بِالْكَيْلِ، أَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الْقُوتَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يُلْحَقْ بِهِ التُّفَّاحُ.
وَظَهَرَ بِذَلِكَ: أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالأَدْوَنِ أَنْ لا يُوجَدَ فِيهِ الْمَعْنَى بِتَمَامِهِ، بَلْ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي الأَصْلِ ظَنِّيَّةً.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ تَبَعًا لابْنِ الْحَاجِبِ6: مِنْ شُرُوطِ
__________
1 في ع ض: فإن.
2 ساقطة من ش.
3 انظر: حاشية البناني 2/224، الآيات البينات 4/24، نشر البنود 2/124.
4 انظر المراجع السابقة.
5 في ش: تركبت.
6 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/232 وما بعدها.(4/106)
الْفَرْعِ مُسَاوَاةُ عِلَّتِهِ1 عِلَّةَ الأَصْلِ فِيمَا يُقْصَدُ مِنْ عَيْنِ الْعِلَّةِ2 أَوْ جِنْسِهَا، كَالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ فِي النَّبِيذِ، وَكَالْجِنَايَةِ فِي قِيَاسِ قِصَاصِ طَرْفٍ عَلَى نَفْسٍ.
أَمَّا الْعَيْنُ3: فَقِيَاسُ4 النَّبِيذِعَلَى الْخَمْرِ، بِجَامِعِ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ، وَهِيَ بِعَيْنِهَا مَوْجُودَةٌ فِي النَّبِيذِ.
وَأَمَّا الْجِنْسُ: فَقِيَاسُ الأَطْرَافِ عَلَى الْقَتْلِ فِي الْقِصَاصِ، بِجَامِعِ الْجِنَايَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ جِنْسَ الْجِنَايَةِ هُوَ جِنْسٌ لإِتْلافِ النَّفْسِ وَالأَطْرَافِ5، وَهُوَ الَّذِي قُصِدَ6 الاتِّحَادُ7 فِيهِ.
وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ: يَكْفِي مُجَرَّدُ الشَّبَهِ8.
لَنَا اعْتِبَارُ الصَّحَابَةِ الْمَعْنَى الْمُؤَثِّرَ فِي الْحُكْمِ، وَلاشْتِرَاكِ9 الْعَامِّيِّ وَالْعَالِمِ فِيهِ10؛ وَلأَنَّهُ لَيْسَ هَذَا الشَّبَهُ بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ.
__________
1 في ش: لعلته.
2 في ش: الأصل.
3 في ض ب د ع: المعنى.
4 في ع: فقاس.
5 في ش: الأطراف والنفس.
6 ساقطة من ع.
7 في ش: الإيجاد.
8 انظر تيسير التحرير 4/53.
9 في ع: الاشتراك.
10 في ع ب: فيه وهو الذي قصد الإيجاد فيه.(4/107)
وَكَالْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ.
قَالُوا: لَمْ تَعْتَبِرْ الصَّحَابَةُ سِوَى مُجَرَّدِ الشَّبَهِ.
رُدَّ1 بِالْمَنْعِ اهـ.
"وَ" يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ "أَنْ تُؤَثِّرَ" الْعِلَّةُ "فِي أَصْلِهَا الْمَقِيسِ عَلَيْهِ"2 عِنْدَ أَصْحَابِنَا3 وَالْحَنَفِيَّةِ4 وَالشَّافِعِيَّةِ5.
وَاكْتَفَى الْحَلْوَانِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبِ بِتَأْثِيرِهَا فِي أَصْلٍ، أَيَّ أَصْلٍ كَانَ6.
"وَ" مِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ أَيْضًا "أَنْ يُسَاوِيَ حُكْمُهُ حُكْمَ الأَصْلِ فِيمَا يُقْصَدُ كَوْنُهُ وَسِيلَةً لِلْحِكْمَةِ مِنْ عَيْنِ الْحُكْمِ" كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ بِالْمُثْقَلِ عَلَى الْمُحَدَّدِ "أَوْ جِنْسِهِ" أَيْ جِنْسِ الْحُكْمِ7، كَالْوِلايَةِ فِي نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ عَلَى الْوِلايَةِ فِي مَالِهَا، فَإِنَّ
__________
1 في ع: ورد.
2 في ش: عليها.
3 انظر المسودة ص 421، 422، 428.
4 انظر: التلويح على التوضيح 2/560، كشف الأسرار 3/352، 353.
5 في ش: الشافعية والقاضي.
انظر تحقيق المسألة في "اللمع ص 64، التبصرة ص 465".
6 انظر الجدل لابن عقيل ص 52، المعتمد 2/772، اللمع ص 64، التبصرة ص 464.
7 انظر "شرح العضد 2/233، مختصر البعلي ص 145، روضة الناظر ص 317، مختصر الطوفي ص 152، الإحكام للآمدي 3/359، تيسير التحرير 3/295، إرشاد الفحول ص 209، نشر البنود 2/125، التلويح على =(4/108)