ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأمهرية
( تقرير )
الشيخ عبدالصمد إمام أحمد الأثيوبي
ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأمهرية
تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، وصلوات ربي وبركاته على من جاء به بشيراً ونذيراً وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فهذا المنهج الإلهي والفرقان الرباني هداية للبشرية جمعاء في كل زمان ومكان؛ لذا قد تضمن في طياته نبأ من قبلنا، وخبر ما بعدنا، وحكم ما بيننا من الأمور الاعتقادية والعبادات والأخلاقيات والمعاملات وسائر الأحكام الشرعية في الحياة والممات.
وقد أشار الله إلى هذه الحقائق والمصالح في كثير من الآيات: { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً } (الإسراء:9).
{ ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } (النحل:89).
{ يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا } (النساء:174).
ولما كان تبيان هذا المنهج الرباني وتوضيحه للأمة أمرا ضروريا، نجد أن الله جل وعلا قد فوض رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقوم بهذه المهمة الكبرى حيث قال: { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } (النحل:44). وفعلا قام -صلى الله عليه وسلم – امتثالا لأمر ربه ورحمة لأمته – ببيان ما نزل إليه قولا وفعلا، وهو ما عرف فيما بعد بتفسير القرآن بالسنة.
ومن هذا المنطلق قام علماء سلف هذه الأمة اقتداء بنبيهم بتفسير القرآن الكريم خدمة لكتاب ربهم، وتسهيلا لفهمه على الأمة، وقياما بواجبهم.
ومعلوم أن قراءة التفسير سهلة على الناطقين باللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، ولكن الصعوبة يواجهها غير الناطقين بها. فلا يحصل لهم الاتعاظ بقصصه ويتعذر عليهم فهم أحكامه وحدوده، فلا يتم تطبيقه على الوجه الذي أراد الله أن يعبدوه على بصيرة من دينهم.(1/1)
لذا وجب على أهل العلم أن يبينوا للناس معاني القرآن الكريم باللغات الحية، سواء أكان بطريق الكتابة أم المشافهة، لقول الله عز وجل: { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه } (آل عمران:187).
وتبيين الكتاب للناس يشمل ألفاظه ومعانيه كما هو ظاهر.
وعلى هذا يكون تفسير القرآن الكريم مما أخذ الله به العهد على أهل المعرفة والبيان.
ومن هنا يظهر جليا أهمية القيام بترجمة معاني القرآن الكريم وتفسيرها إلى مختلف اللغات غير العربية. وذلك جائز في الأصل وقد يكون واجبا عندما يتعذر إبلاغ الإسلام إلى غير الناطقين باللغة العربية –إلا بها- لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما هو مقرر في القواعد الأصولية.
ومن هذا المنطلق قام علماء الإسلام قديما وحديثا في عدد من الأقطار بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات المحلية الحية أداء للرسالة ونصحا للأمة.
هذا ومن بين اللغات التي ترجمت بها معاني القرآن الكريم: اللغة الأمهرية الرسمية في جمهورية إثيوبيا (الحبشة)، وذلك في عهد الإمبراطور هيلا سلاسي قبل ثلاثة عقود من الزمن، أي عام 1966م.
والجدير بالذكر هنا أن فكرة الترجمة وحاجة الناس إليها لم تصدر عن أفراد أو جماعة من المسلمين رغم أهميتها، وإنما جاءت بالعكس من أكبر عدوٍّ لهم آنذاك كي تستخدم أداة هدم للإسلام وإضعافا للمسلمين، ولكن الله غالب على أمره فلم تتحقق الأهداف المرجوة لصاحبها، بل انتقم الله منه وقتله شر قتلة على أيدي صغار جنوده الثائرين ضده.
سبب فكرة هذه الترجمة وهدفها:(1/2)
وكما هو معروف إن الطاغية هيلا سلاسي كان من أكبر الحاقدين على الإسلام وأهله، يخطط دائما للقضاء عليه، ولكن بطريقة مدروسة دقيقة وغير معلنة، بخلاف أسلافه الذين يعلنون الحرب ويقومون بالمجازر ضد المسلمين لاستئصالهم من البلاد. أما هو فبعد أن تمكن من إضعاف التعليم الإسلامي في مساجدها ومدارسها الخاصة فكَّر في تجفيف منابعها، وذلك بمنع دخول الكتب والمراجع الإسلامية إلى البلاد، ولكنه شعر بصعوبة ذلك بالنسبة لمنع القرآن الكريم مباشرة خشية إثارة حفيظة المسلمين ضده، فاحتال وتظاهر أنه يحسن إليهم من حيث لا يشعرون. فأصدر أمره بترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة البلد، وكلف لذلك بعض العلماء الكبار والمثقفين وعلى رأسهم الشيخ محمد ثاني حبيب -رحمه الله- فترجموا ترجمة مقتضبة بدون أي توضيح وتعليق تحت مراقبة مسؤول خاص للملك من النصارى الحاقدين اسمه د.مناسي هايلي.
ومن جراء هذه المضايقات الآثمة على القائمين بالترجمة، جاءت النتيجة من الترجمة سلبية جدا تشكك بالإسلام وقداسة مصدره الأول، واستغرب المسلمون أن تكون هذه الترجمة لمعاني كتاب الله تعالى، وأذكر هنا نموذجا لهذا الاستنكار لأحد العلماء الكبار وهو الشيخ بشرى الكريم في منطقة "وللو" لما طلب منه إبداء الملاحظات تجاهها قال -رحمه الله-: "أنا لا أرى في الحقل زرعا صالحا حتى أنتزع منه الأدغال" فسارت كلمته هذه مثلا، فأحدثت الترجمة بلبلة في أفكار المسلمين واتهاما للقائمين بها بالتآمر مع الأعداء في إفساد دينهم، ولكن هذا الاتهام للعلماء القائمين بها ليس واقعيا.
وعلى أي حال طبعت الترجمة ونشرت خالية من النصوص القرآنية؛ لتنوب هذه الترجمة البتراء مناب القرآن الكريم ثم يتم تدريجيا إبعاده من البلاد نهائياً بحجة أنه يفرق بين أبناء الوطن.(1/3)
ومع هذا المكر والخداع كان الطاغية يمتن على المسلمين أنه حقق العدل والمساواة بينهم وبين النصارى الذين لهم نصيب الأسد في كل شيء، ولكن الخطة الحقيقية التي وضعها الداهية كشفها بنفسه عندما زار الولايات المتحدة سنة 1954م وخطب في الكونجرس الأمريكي لشرح أهدافه وبرامجه الإصلاحية والتقدمية في بلده فقد قال: "إن أهم الأهداف التي نسعى إليها هو توحيد الدين واللغة في بلادنا وبدون ذلك لا يمكن أن نحقق شيئا من التقدم".
وعندما سأله بعض الصحفيين آنذاك عن المسلمين في بلده قال: "نعم توجد أقلية مسلمة في جنوب المملكة هرر" مع أن عدد المسلمين لم يكن أقل من النصارى يوماً إن لم يكن أكثر وتؤكد هذا الحكومة الحالية. ويضيف مقللاً لعدد المسلمين قائلاً: "اعتنقت هذه الأقلية الإسلام بتأثير من الأجانب، وقد وضعنا لها برنامجا منذ اثني عشر عاماً، فلا يمضي وقت طويل حتى تعود إلى حظيرة دين آبائها"، ويريد بالطبع أنه وضع برنامجاً لتنصير المسلمين في الحبشة حتى لا يبقى فيها مسلم واحد كما في كتاب "إثيوبيا والعروبة والإسلام عبر التاريخ" لمؤلفه الشيخ محمد الطيب اليوسف. ولكن الله جل وعلا قلب عليه خطته قبل أن ينفذها على المسلمين ودمره فلم يبق له أثر ولكن الظالمين لا يعملون.. وعلى أي حال أصبحت هذه الترجمة المسماة بـ (قدوس قرآن) –القرآن المقدس- أصبحت أول ترجمة في تاريخ الحبشة مع سلبياتها وإيجابياتها.
سلبيات هذه الترجمة:
وأما سلبيات الترجمة فقد أوجزها معلق مؤسسة الهدى عندما حاول تطوير هذه الترجمة حيث قال:
كانت هناك ملاحظات عديدة على هذه الترجمة من أهمها:
خلوها من اتباع مذهب السلف في بيان معاني بعض آيات الأسماء والصفات، وخلوها أيضا من النص العربي للقرآن الكريم.
الاختصار المخل والإيجاز الشديد في ترجمة معظم الآيات.
ركاكة التركيب وضعف الأسلوب وعدم جزالة المعاني.(1/4)
الاهتمام المفرط في مراعاة المفردات اللغوية والتركيبات الجملية ومراعاة التذكير والتأنيث .. إلخ بوضع ترجمة كل كلمة بإزائها، الأمر الذي جعل الترجمة أقرب إلى ترجمة حرفية منها إلى ترجمة معنوية تفسيرية. انتهى ما قاله المعلق. وأنا أضيف إلى هذا:
استخدام المفردات أو العبارات البالية التي مضى عليها زمن بحيث لا يستطيع القارئ المعاصر فهمها.
وقبل ذلك كله تسميتها بعبارة معناها القرآن المقدس، حيث يوهم أنها قرآن وبالتالي مقدس، وهذا أمر خطير ولا سيما مع عدم النص القرآني معها.
إيجابيات هذه الترجمة :
شعر الناس أن في كتاب الله رسالة وأهدافاً هامة.
بدأ المفكرون والكُتَّاب يستدلون بالآيات القرآنية اعتماداً على هذه الترجمة، وكانوا قبل ذلك يتهيبون من ذلك.
بدأ المسلمون يتساءلون ويتطلعون إلى ترجمة وافية صحيحة واضحة ما دام ذلك ممكناً.
رأى بعض العلماء والمثقفين وجوب القيام بهذا الأمر إما تصحيحا وتهذيبا لهذه الترجمة الموجودة، وإما تأسيسا لترجمة مستقلة أخرى تكون أسهل للقراء وأقرب للصواب.
مرحلة التطوير :
تبنَّت الفكرة الأولى لجنة الشيخ بشير داود، وأجرت بعض التعديلات والتعليقات على الترجمة، وأظن أن هذه النسخة قدمت للمجمع ولا أراها تفي بالمطلوب.
ثم تلتها في أصل الفكرة مؤسسة الهدى للنشر والإعلام بعنوان: "القرآن الكريم وترجمة معانيه إلى اللغة الأمهرية"، وقامت المؤسسة بمزيد من الإضافات والتعديلات والإيضاحات في ثنايا الكلمات والسطور بدون حذف من الأصل، ولكنها تشرح المعنى الإجمالي في الحاشية في محاولة لتلافي الخلل الملاحظ في الأصل، وبهذا استعادت بعض ما فقد في الأصل من جزالة المعاني القرآنية إلى حد ما.
وقامت بجهود مكثفة للخروج بنتيجة أفضل، وتحقق لها بعض ذلك، وإن كانت هناك ملاحظات أخرى. هذا ولم تزل هذه الخطوة في مرحلة البداية حيث طبعت الأجزاء الثلاثة الأولى فيما بلغني حتى الآن.(1/5)
ثم جاءت مؤسسة النجاشي للطباعة والنشر والتسجيلات الإسلامية لتتبنى الفكرة الثانية التي أشرنا إليها سابقاً، ألا وهي تأسيس ترجمة جديدة مستقلة بعنوان "تفسير القرآن الكريم باللغة الأمهرية".
ولا تعتمد على الترجمة القديمة إلا في نطاق مراجعها من كتب التفسير، وقد وضعت لنفسها منهجا واضحا تتبعه، وهو ذكر المعنى الإجمالي لطائفة من الآيات التي تريد ترجمتها كمدخل. ثم تقوم مباشرة بترجمة الآيات بإزاء أرقامها ثم تعود فتلخص معاني الآيات بغية زيادة الإيضاح وهكذا. وهذه خطوة أخرى انتهجتها المؤسسة لتطوير عمل الترجمة ولكن بعض الملاحظين يفضل دمجها في الترجمة في مواضعها اللائقة بدلاً من أن تكون منفصلة، ولم تزل هذه الترجمة أيضا في بداية الطريق، فقد تم حتى الآن فيما أعلم طبع جزء واحد من آخر القرآن الكريم. وهكذا نرى تحركات مكثفة لتطوير أو تغيير الترجمة إلى الأفضل. وتتفق كلها في إدخال النص العربي من القرآن الكريم بعدما كانت الترجمة القديمة خالية منه للسبب المذكور سابقا، كما أن جميعها تتعهد بترك التأويل المقيت ولكني ألاحظ في ثناياها بقايا من ذلك.
هذا وإن كانت هذه التحركات لا يستهان بها وأنها تبشر بالخير إن كتب لها الكمال، إلا أنني أتطلع إلى عمل أفضل منها بكثير.
البديل المفضل:
وإنني حينما أشيد بهذه الخطوة من الإخوة وأتمنى أن تكتمل جهودهم الطيبة حتى تعطي ثمارها، لست أزعم أنها ستكون كافية شافية، بل أقترح على الجهة المعنية التي لها خبرة واسعة وإمكانات عالية في هذا المجال مثل (مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة) أن تتبنى الموضوع وتسعى لإيجاد أفضل بديل ممكن؛ إذ إن شعب دار الهجرة الأولى يستحق مثل هذه العناية والتكريم من إخوانهم، والله نسأل أن يمن علينا وعليكم بالتوفيق والسداد وحسن الاستعداد ليوم المعاد. وصلى الله وسلم على النبي وآله وصحبه.
فهرس الموضوعات(1/6)
ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأمهرية ... 1
سبب فكرة هذه الترجمة وهدفها: ... 3
سلبيات هذه الترجمة: ... 4
إيجابيات هذه الترجمة : ... 5
مرحلة التطوير : ... 6
البديل المفضل: ... 7
فهرس الموضوعات ... 8(1/7)