1592 - " إن الدنيا خضرة حلوة، فمن أخذها بحقها بورك له فيها، ورب متخوض في مال
الله ومال رسوله (ليس) له (إلا) النار يوم يلقى الله ".
أخرجه الترمذي (3 / 277) وأحمد (6 / 364 و 378) من طريقين عن عبيد أبي
الوليد سنوطا - عن خولة بنت قيس امرأة حمزة بن عبد المطلب أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم دخل على حمزة فتذاكر الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
قلت: وعبيد هذا روى عنه ثقتان، ووثقه العجيلي وابن حبان وقد تابعه نعمان
ابن أبي عياش عن خولة الأنصارية مرفوعا به مختصرا بلفظ: " إن رجالا يتخوضون في
مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة ". أخرجه البخاري (6 / 165 - 166
- فتح) وزاد الإسماعيلي في أوله: " الدنيا خضرة حلوة، وإن رجالا.. ".
قلت: وقد أخرجه أحمد أيضا (6 / 410) بهذه الزيادة. وأخرجه الحاكم (4 /
68) من طريق أبي عتبة بن الفرج حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد حدثني الليث بن سعد
عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن حمنة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله
عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وسكت هو والذهبي عنه. وأبو عتبة اسمه أحمد بن الفرج وهو ضعيف،
وأخشى أن يكون وهم في إسناده، فإنه عند الترمذي وأحمد من طريقين آخرين عن
الليث عن سعيد المقبري عن عبيد عن خولة كما تقدم. والله أعلم.
وفي الباب عن عمرة بنت الحارث أخت أم المؤمنين جويرية، يرويه خالد بن سلمة عن
محمد بن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار عن عمته عمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
:(4/123)
" إن الدنيا حلوة خضرة، فمن أخذها بحقها بارك الله له فيها، ورب متخوض في
مال الله ورسوله له النار يوم يلقاه ". أخرجه ابن أبي عاصم وعبد الله بن
أحمد في " زيادات الزهد " وابن منده كما في " الإصابة " وكذا الطبراني كما في
مجمع " الزوائد " (10 / 247) وقال: " وإسناده حسن ". وعن أبي هريرة
مرفوعا مثله. أخرجه أبو يعلى (4 / 1558) بسند صحيح، وحسنه الهيثمي (10 /
246) .
1593 - " إن من العنب خمرا وإن من التمر خمرا وإن من العسل خمرا وإن من البر خمرا
وإن من الشعير خمرا ".
أخرجه أبو داود (2 / 129 - التازية) وأحمد (4 / 267) والبيهقي (8 / 289
) عن إبراهيم بن مهاجر عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير أن إبراهيم بن مهاجر فيه لين كما قال الحافظ
. وقد تابعه أبو حريز واسمه عبد الله بن الحسين الأزدي أن عامرا حدثه به إلا
أنه قال: " إن الخمر من العصير والزبيب والتمر والحنطة والشعير والذرة،
وإني أنهاكم عن كل مسكر ". أخرجه أبو داود وابن حبان (1396) والبيهقي.
وأبو حريز صدوق يخطىء.(4/124)
وتابعه السري بن إسماعيل الكوفي أن الشعبي حدثه.
أخرجه أحمد (4 / 273) . لكن السري هذا متروك. وبالجملة فالحديث حسن بمجموع
الطريقين الأولين.
1594 - " أمركن مما يهمني بعدي، ولن يصبر عليكن إلا الصابرون ".
أخرجه الحاكم (3 / 312) عن بكر بن مضر: حدثنا صخر بن عبد الله بن حرملة عن
أبي سلمة بن عبد الرحمن حدثه قال: " دخلت على عائشة رضي الله عنها، فقالت
لي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي: (فذكره) ثم قالت: فسقى
الله أباك من سلسبيل الجنة، وكان عبد الرحمن بن عوف قد وصلهن بمال، فبيع
بأربعين ألف ". وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". وتعقبه الذهبي بقوله:
" قلت: صخر صدوق، لم يخرجا له ".
قلت: وثقه العجلي وابن حبان، وقال النسائي: صالح. ولم يرو عنه غير بكر
ابن مضر، فهو حسن الحديث. والله أعلم. وللحديث شاهد أخرجه الحاكم (3 /
310 - 311) من طريق أم بكر بنت المسور أن عبد الرحمن بن عوف باع أرض له
بأربعين ألف دينار..... فبعث إلى عائشة رضي الله عنها بمال من ذلك، فقالت:
من بعث هذا المال؟ قلت: عبد الرحمن بن عوف، قالت: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: لا يحنو عليكن من بعدي إلا الصابرون، سقى الله ابن عوف من سلسبيل
الجنة. وقال:(4/125)
" صحيح الإسناد ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: ليس بمتصل
". ثم ساق له الحاكم شاهدا من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الرحمن بن
عبد الله بن الحصين بن عوف عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول لأزواجه: " إن الذي يحنو عليكن بعدي هو الصادق البار، اللهم اسق
عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة ". وقال: " فقد صح الحديث عن عائشة وأم
سلمة رضي الله عنهما ". ووافقه الذهبي.
1595 - " الرجل أحق بصدر دابته وصدر فراشه وأن يؤم في رحله ".
أخرجه الدارمي (2 / 285) والبزار (55 - زوائده) والطبراني في " الكبير "
و" الأوسط " (رقم - 900) مختصرا من طريق إسحاق بن يحيى بن طلحة عن المسيب بن
رافع ومعبد بن خالد عن عبد الله بن يزيد الخطمي - وكان أميرا على الكوفة -
قال: " أتينا قيس بن سعد بن عبادة في بيته، فأذن المؤذن للصلاة، وقلنا لقيس
: قم فصل لنا، فقال: لم أكن لأصلي بقوم لست عليهم بأمير، فقال رجل ليس بدونه
يقال له عبد الله بن حنظلة الغسيل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(فذكره) ، فقال قيس بن سعد عند ذلك: يا فلان - لمولى له -: قم فصل لهم ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، إسحاق هذا ضعيف كما في " التقريب ". وقال الهيثمي
في " المجمع " (2 / 65) بعد ما عزاه للمذكورين غير الدارمي: " وفيه إسحاق
ابن يحيى بن طلحة ضعفه أحمد وابن معين والبخاري، ووثقه يعقوب بن شيبة وابن
حبان ".(4/126)
قلت: فمثله يستشهد به ويتقوى حديثه بغيره وقد جاء حديثه هذا مفرقا، فالجملة
الأولى منه أخرجها أحمد (5 / 353) والطبراني في " الأوسط " (7601) وغيره
من حديث بريدة نحوه، وإسناده صحيح، وهو مخرج في " المشكاة " (3918) .
وأخرجها أحمد أيضا (3 / 32) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا به، وزاد:
" وأحق بمجلسه إذا رجع ". وفيه إسماعيل بن رافع وهو ضعيف. وسائره جاء
معناه في حديث أبي مسعود البدري مرفوعا: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ...
ولا تؤمن الرجل في أهله ولا في سلطانه، ولا تجلس على تكرمته في بيته إلا أن
يأذن لك ". أخرجه مسلم (2 / 133 - 134) وغيره. وهو مخرج في " صحيح أبي
داود " (594 - 598) .
1596 - " إن الرجل إذا قام يصلي أقبل الله إليه بوجهه حتى ينقلب أو يحدث حدث سوء ".
أخرجه ابن ماجة (1 / 319 - 320) من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل
عن حذيفة " أنه رأى شبث بن ربيعي يبزق بين يديه، فقال: يا شبث لا تبزق
بين يديك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن ذلك، وقال:
" فذكره. وقال البوصيري في " زوائده " (65 / 2) : " هذا إسناد صحيح، رجاله
ثقات ".
قلت: بل هو حسن فقط للكلام المعروف في أبي بكر، وعاصم، وهو ابن أبي النجود
، وكلاهما حسن الحديث.(4/127)
1597 - " إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإنما يناجي ربه، فلا ترفعوا أصواتكم بالقرآن
فتؤذوا المؤمنين ".
رواه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (8 / 75 / 1) عن شعبة قال: حدثنا عبد
ربه عن محمد بن إبراهيم عن رجل من بني بياضة، وعنه قال: أخبرني عبد ربه بن
سعيد قال: سمعت محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن رجل من بني بياضة، وعنه قال
: سمعت عبد ربه يحدث عن محمد بن إبراهيم عن أبي حازم، قال شعبة: ثم قال عبد
ربه عن سلمة بن عبد الرحمن عن رجل من بني بياضة: أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم اعتكف العشر من رمضان وقال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف لأمرين:
الأول: أن الرجل من بني بياضة لم يسم، فهو مجهول، وليس في شيء من هذه الطرق
ما يشير إلى أنه من الصحابة.
والآخر: اضطراب عبد ربه بن سعيد في إسناده على هذه الوجوه الأربعة:
الأول: عن محمد بن إبراهيم عن رجل من بني بياضة.
الثاني: عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن رجل من بني بياضة. فزاد بينه
وبين الرجل أبا سلمة.
الثالث: عنه عن أبي حازم، فلم يذكر الرجل، وذكر أبا حازم مكان أبي سلمة.
الرابع: عنه عن سلمة بن عبد الرحمن عن رجل من بني بياضة. فهذا كالوجه الثاني
إلا أنه قال: سلمة بن عبد الرحمن مكان أبي سلمة، وهو ابن عبد الرحمن. وهذا
اضطراب شديد يدل على أن الراوي لم يضبط الحديث.(4/128)
فلهذا ولما ذكرته أولا لم
يطمئن القلب لثبوت الحديث من هذا الوجه، وقد صح من حديث أبي سعيد الخدري
وغيره دون الزيادة التي في آخره: " فتؤذوا المؤمنين "، وقد خرجته في " صحيح
أبي داود " (1203) . والحديث عزاه السيوطي في " زوائد الجامع الصغير " (21
/ 1) للبغوي عن رجل من بني بياضة وكذا في " الجامع الكبير " (1 / 74 / 1) .
ثم وجدت للحديث شاهدا من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه بلفظ: " ألا إن
كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة.
أو قال: في الصلاة ". وإسناده صحيح كما بينته في " صحيح أبي داود " (1203)
وسيأتي تحت الحديث (1603) فصح الحديث بالزيادة، والحمد لله على توفيقه،
وأسأله المزيد من إحسانه وفضله.
1598 - " إن الرجل لترفع درجته في الجنة، فيقول: أنى (لي) هذا؟ فيقال: باستغفار
ولدك لك ".
أخرجه ابن ماجة (3660) وأحمد (2 / 509) وابن أبي شيبة في " المصنف " (12
/ 44 / 1) والأصبهاني في " الترغيب " (85 / 2) والبغوي في " شرح السنة "
(2 / 84 / 2) والضياء في " المنتقى من موسوعاته بمرو " (55 / 1) من طرق عن
حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا به.
قلت: وهذا إسناد حسن، وأما قول البوصيري: " إسناده صحيح ". ففيه تساهل
لأن عاصما فيه كلام من قبل حفظه كما تقدم مرارا. نعم أخرج له ابن أبي شيبة
شاهدا من رواية سعيد بن المسيب موقوفا عليه نحوه، وسنده صحيح، وهو موقوف في
حكم المرفوع كما هو ظاهر، فهو كالمرسل. والله أعلم.(4/129)
1599 - " إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فما يزال الله
يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1447) وعنه أخرجه ابن حبان (693)
والحاكم (1 / 344) من طريق يونس بن بكير حدثنا يحيى بن أيوب - هو البجلي -:
حدثنا أبو زرعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير البجلي هذا، وهو كما
قال الحافظ: " لا بأس به ".
1600 - " ما أصبحت غداة قط إلا استغفرت الله فيها مائة مرة ".
رواه العقيلي في " الضعفاء " ص (411) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 /
60) من طريق الطبراني بسند صحيح عن المغيرة بن أبي الحر الكندي عن سعيد بن
أبي بردة عن أبيه عن جده قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جلوس
فقال: فذكره. وقال العقيلي: " وقال ثابت وعمرو بن مرة: عن أبي بردة عن
الأغر المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وهذا أولى ". ثم روى عن
البخاري أنه قال في المغيرة هذا: " كوفي يخالف في حديثه الكوفيين ". قال
العقيلي: " وهذا الحديث حدثناه.. ". ثم ساق هذا.
قلت: وفي إعلال الحديث بالمخالفة المذكورة نظر عندي من وجوه:
الأول: أن المغيرة هذا ثقة لم يضعفه أحد غير البخاري، وقد وثقه ابن معين،
وقال أبو حاتم: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في " الثقات ".(4/130)
والآخر: أن المخالف هنا - إن اعتبرناه مخالفا - إنما هو سعيد بن أبي بردة.
وهو ثقة ثبت احتج به الجماعة، فتعصيب المخالفة بالمغيرة بن أبي الحر غير وارد
مطلقا. وأنا أرى أن هذا الذي رواه سعيد بن أبي بردة عن أبيه هو حديث آخر غير
الذي رواه ثابت ومن معه عنه، بدليل اختلاف لفظ الحديث من جهة وأن في روايته
عنه ما ليس في روايتهم من جهة أخرى عنه، وهو قوله: " جاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم ونحن جلوس ". فالراجح عندي أن الحديث صحيح، فإن سائر رجاله كلهم
ثقات حفاظ. وأما ما جاء في " الميزان " للذهبي طبعة الخانجي (3 / 190) في
ترجمة المغيرة هذا بعد الحديث: " قلت والإسناد إليه فيه نظر ". فهو خطأ
مطبعي أو نسخي، والصواب في قول الذهبي هذا أنه في إسناد آخر ساقه في ترجمة
مغيرة بن الحسن الهاشمي عقب هذه الترجمة، وعلى الصواب وقع في طبعة الحلبي
للميزان (4 / 159) .
1601 - " إن الرجل من أهل النار ليعظم للنار حتى يكون الضرس من أضراسه كأحد ".
أخرجه أحمد (4 / 366) من طريق أبي حيان التيمي حدثني يزيد بن حيان التيمي
.... وحدثنا زيد (بن أرقم) قال: فذكره، وهو مرفوع ولكنه لم يصرح
برفعه.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري
مرفوعا نحوه. أخرجه ابن ماجة (2 / 587) من طريق محمد بن أبي ليلى عن عطية
العوفي عنه.(4/131)
وهذا إسناد ضعيف. لكن يقويه أن أحمد أخرجه (3 / 29) من طريق
ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عنه نحوه. وأخرجه مسلم (8 / 154)
والترمذي (4 / 341) والحاكم (4 / 595) وابن حبان (2616) وأحمد (2 /
328 و 334 و 537) من طرق عن أبي هريرة مرفوعا مختصرا. وأحمد (2 / 26) من
حديث أبي يحيى الطويل عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا به مختصرا
. قلت: والطويل والقتات فيهما ضعف، لكن لا بأس بهما في الشواهد.
1602 - " إن الرحم شجنة آخذة بحجزة الرحمن، يصل من وصلها ويقطع من قطعها ".
أخرجه أحمد (1 / 321) وابن أبي عاصم في " السنة " (رقم 538 - بتحقيقي) عن
ابن جريج قال: أخبرني زياد أن صالحا مولى التوأمة أخبره أنه سمع ابن عباس
يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير صالح مولى التوأمة،
ففيه كلام، والذي يتحرر منه ما ذهب إليه الإمام أحمد وغيره أن من سمع منه
قديما فهو حجة، وإلا فلا. وقال ابن عدي: " لا بأس به إذا روى عنه القدماء
مثل ابن أبي ذئب وابن جريج وزياد بن سعد، ومن سمع منه بأخرة فهو مختلط (
يعني فهو ضعيف) ولا أعرف له حديثا منكرا إذا روى عنه ثقة وحدث عنه من سمع
منه قبل الاختلاط ".
قلت: وهذا الحديث من رواية زياد بن سعد عنه كما ترى، فالحديث جيد، إن شاء
الله تعالى.(4/132)
وقد صح الحديث عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا نحوه، وهو مخرج
في " تخريج الحلال والحرام " (405) . وللحديث شواهد كثيرة يأتي أحدها برقم
(2474) .
(شجنة) بتثليث الشين المعجمة: الشعبة من كل شيء، كما في " المعجم الوسيط "
. وفي " الترغيب " (3 / 226) : " قال أبو عبيد: يعني قرابة مشتبكة كاشتباك
العروق ".
و (الحجزة) بضم الحاء المهملة: موضع شد الإزار من الوسط. ويقال: أخذ
بحجزته: التجأ إليه واستعان به كما في " المعجم ". وراجع " الأسماء
والصفات " للبيهقي (ص 369) .
1603 - " إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن ".
رواه الطبراني في " الأوسط " (رقم 4757 - نسختي) : حدثنا عبيد الله بن محمد
العمري حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أبي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن
أبي هريرة وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اطلع من بيته والناس
يصلون يجهرون بالقراءة فقال لهم: فذكره وقال: " لم يروه عن محمد بن عمرو إلا
أبو أويس تفرد به ابنه ".
قلت: وهو صدوق أخطأ في أحاديث من حفظه كما قال الحافظ، وقال الذهبي في
" الضعفاء ": " صدوق، ضعفه النسائي، وابن عدي قال: يسرق الحديث كأبيه ".
ومحمد بن عمرو حسن الحديث لكن قد خولف في إسناده، فقال الإمام أحمد(4/133)
(3 / 94) : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن إسماعيل بن أمية عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
عن أبي سعيد الخدري قال: " اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد،
فسمعهم يجهرون بالقراءة، وهو في قبة له، فكشف الستور وقال: ألا إن كلكم
مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة. أو قال
: في الصلاة. وهكذا أخرجه أبو داود (1 / 209 - تازية) : حدثنا الحسن بن علي
حدثنا عبد الرزاق به. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
قلت: فجعله من مسند أبي سعيد الخدري، لا من مسند أبي هريرة وعائشة، وهو
الصواب. وللحديث شاهد من حديث البياضي: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج على الناس وهو يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: إن المصلي يناجي
ربه، فلينظر بما يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن ". وقد روي عنه
من أربعة وجوه مختلفة، كما تقدم بيانه برقم (1597) . وحديث الترجمة عزاه
السيوطي للحاكم من حديث أبي هريرة بلفظ: " إن أحدكم إذا قام يصلي إنما يناجي
ربه فلينظر كيف يناجيه ". ولم أره في " مستدرك الحاكم "! وقد عزاه المناوي
لأحمد والنسائي والبيهقي ولم أره عندهم عن أبي هريرة، وإنما رأيته عندهم -
حاشا النسائي - من حديث أبي سعيد المتقدم ومن حديث البياضي المذكور عند أحمد.
وقد مضيا قريبا برقم (1597) . ثم وقفت على حديث أبي هريرة في " المستدرك "
بواسطة فهرسي الذي وضعته له(4/134)
أخيرا، وهو تحت الطبع، أخرجه (1 / 235 - 236)
من طريق محمد بن إسحاق أخبرني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال: صلى
بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، فلما سلم نادى رجلا كان في آخر
الصفوف فقال: " يا فلان! ألا تتقي الله، ألا تنظر كيف تصلي؟ ! إن أحدكم إذا
قام يصلي إنما يقوم يناجي ربه، فلينظر كيف يناجيه، إنكم ترون أني لا أراكم،
إني والله لأرى من خلف ظهري كما أرى من بين يدي ". وهو في " مسند أحمد " (2
/ 449) من هذا الوجه دون فقرة المناجاة، وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم
". ووافقه الذهبي.
وأقول: إنما هو حسن فقط كما نبهنا عن ذلك مرارا في أحاديث ابن إسحاق. وعلى
كل حال فروايته للحديث بسنده الصحيح عن أبي هريرة، يدل على أن لحديث الترجمة
أصلا أصيلا عنه، فهو شاهد قوي له. والله أعلم.
1604 - " ليبيتن قوم من هذه الأمة على طعام وشراب ولهو، فيصبحوا قد مسخوا قردة
وخنازير ".
أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 126) من طريق علي بن يونس الأصبهاني
حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي حدثنا فرقد السبخي عن
قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره، وقال: " غريب من حديث قتادة عن سعيد، تفرد به علي بن يونس عن
أبي داود ".
قلت: وهو ثقة كما قال أبو الشيخ في " طبقات المحدثين " (2 / 74 / 2) ، وهو(4/135)
في " مسند الطيالسي " (1137) وعنه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 153 / 1
- 2) نحوه. وسائر الرجال ثقات غير فرقد السبخي فإنه ضعيف. وقد روي عنه على
وجوه أخرى، فقال أحمد (5 / 259) : حدثنا سيار بن حاتم حدثنا جعفر قال: أتيت
فرقدا يوما فوجدته خاليا، فقلت: يا ابن أم فرقد لأسألنك اليوم عن هذا الحديث
، فقلت: أخبرني عن قولك في الخسف والقذف أشيء تقوله أنت: أو تأثره عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا، بل آثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
، قلت: ومن حدثك؟ قال: حدثني عاصم بن عمر البجلي عن أبي أمامة عن النبي صلى
الله عليه وسلم، وحدثني قتادة عن سعيد بن المسيب، وحدثني به إبراهيم النخعي
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تبيت طائفة من أمتي على أكل وشرب
ولهو ولعب، ثم يصبحون قردة وخنازير، فيبعث على أحياء من أحيائهم ريح فتنسفهم
كما نسفت من كان قبلهم باستحلالهم الخمور وضربهم بالدفوف واتخاذهم القينات "
. وتابعه صدقة بن موسى عن فرقد السبخي حدثنا أبو منيب الشامي عن أبي عطاء عن
عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدثني شهر بن حوشب عن عبد
الرحمن بن غنم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وحدثني عاصم بن عمرو
البجلي عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وحدثني سعيد بن
المسيب أو حدثت عنه عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" والذي نفسي بيده ليبيتن ناس من أمتي على أشر وبطر، ولعب ولهو، فيصبحوا
قردة وخنازير باستحلالهم المحارم والقينات وشربهم الخمر وأكلهم الربا
ولبسهم الحرير ". أخرجه عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (5 / 329) .
قلت: وذكر الهيثمي في " المجمع " (5 / 75) رواية عبد الله هذه، والتي
قبلها وقال:(4/136)
" وفرقد ضعيف ". وقال الحافظ: " صدوق عابد لكنه لين الحديث
كثير الخطأ ".
قلت: ولذلك لا يتحمل منه تفرده بهذه الطرق العدة، دون كل الثقات الأثبات.
لكن للحديث شواهد يتقوى بها إن شاء الله تعالى، وقد مضى ذكر بعضها برقم (90
و91) ، فهو بها حسن.
1605 - " كان إذا ودع الجيش قال: أستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم ".
أخرجه المحاملي في " الدعاء " (ق 30 / 2) : حدثنا العباس بن محمد حدثنا يحيى
ابن إسحاق أخبرنا حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن محمد بن كعب عن عبد
الله بن يزيد الخطمي مرفوعا به.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال مسلم غير العباس بن محمد
وأبي جعفر الخطمي - واسمه عمير بن يزيد - وهما ثقتان مترجمان في " التهذيب "
. وعبد الله بن يزيد الخطمي صحابي صغير، له في " مسند أحمد " (4 / 307)
حديثان. وقد تقدم هذا الحديث برقم (15) من مصدرين آخرين، أبي داود وابن
السني، فقدر أن أعيده هنا بهذا المصدر الحديث لعزته وندرته، كما تقدم له
هناك بعض الشواهد (14 و 16) . هذا، وإن مما يؤسف له حقا أن ترى هذا الأدب
النبوي الكريم، قد صار مما لا(4/137)
أثر له ولا عين عند قواد جيوش زماننا، فإنهم
يودعون الجيوش على أنغام الآلات الموسيقية التي يرى بعض الدعاة الإسلاميين
اليوم أنه لا شيء فيها، تقليدا منهم لظاهرية ابن حزم التي قد يسخرون منها
عندما تخالف آراءهم - ولا أقول: أهواءهم، ولا يتبعون أقوال الأئمة الأربعة
وغيرهم الموافقة للأحاديث الصحيحة والصريحة في تحريم المعازف، تيسيرا على
الناس بزعمهم! فإلى الله المشتكى من غربة الإسلام، وقلة من يعمل بأحكامه في
هذا الزمان، ويشكك فيها بالخلاف الواقع في الكثير منها، ليأخذ منها ما يشتهي
، دون أن يحكم فيه قوله تعالى: * (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول
إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) *، فكأن هذه الآية منسوخة عنده. والله
المستعان.
1606 - " إن الشيخ يملك نفسه ".
أخرجه أحمد (2 / 185 و 221) عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن قيصر
التجيبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: " كنا عند النبي صلى الله عليه
وسلم، فجاء شاب فقال: يا رسول الله أقبل وأنا صائم؟ قال: " لا ". فجاء
شيخ فقال: أقبل وأنا صائم؟ قال: " نعم ". قال: فنظر بعضنا إلى بعض فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير ابن لهيعة فإنه سيء
الحفظ. لكن لحديثه شواهد كنت ذكرتها قديما في " التعليقات الجياد " يتقوى
الحديث بها. ومن شواهده ما أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (11040)
من طريق حبيب بن أبي ثابت عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: " رخص للشيخ
(أن يقبل) وهو صائم، ونهى الشاب ".(4/138)
ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي
(3 / 166) ، فهو صحيح لولا عنعنة حبيب، فإنه مدلس. وأخرج أيضا (10604)
من طريق عطية قال: سأل شاب ابن عباس: أيقبل وهو صائم؟ قال: لا. ثم جاء
شيخ فقال: أيقبل وهو صائم؟ قال: نعم. قال الشاب: سألتك أقبل وأنا صائم؟
فقلت: لا. وسألك هذا: أيقبل وهو صائم؟ فقلت: نعم، فكيف يحل لهذا ما
يحرم على هذا، ونحن على دين واحد؟ فقال له ابن عباس: إن عروق الخصيتين
معلقة بالأنف، فإذا شم الأنف تحرك الذكر، وإذا تحرك الذكر دعا إلى ما هو
أكبر من ذاك، والشيخ أملك لإربه، وذاك بعد ما ذهب بصر عبد الله، وخلفه
امرأة، فقيل: يا ابن عباس إن خلفك امرأة! قال: أف لك من جليس قوم.
قلت: وعطية - وهو العوفي - ضعيف مدلس.
1607 - " إن السلام اسم من أسماء الله وضعه الله في الأرض، فأفشوه فيكم، فإن الرجل
إذا سلم على قوم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة لأنه ذكرهم، فإن لم يردوا
عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب ".
رواه الطبراني (رقم 10391) عن سفيان بن بشر أخبرنا أيوب بن جابر عن الأعمش عن
زيد بن وهب عن عبد الله مرفوعا.
قلت: وسفيان بن بشر لم أجد له ترجمة. وأيوب بن جابر ضعيف، لكنه قد توبع من
غير واحد.(4/139)
الأول: محمد بن جعفر المدائني: أخبرنا ورقاء عن الأعمش به. أخرجه
الطبراني (10392) والبزار في " مسنده " (رقم - 1999) وابن حبان في " روضة
العقلاء " (ص 59) .
قلت: وهذا إسناد حسن كما بينته في " الروض النضير " تحت الحديث (1075) .
الثاني: عبد الرحمن بن شريك عن أبيه عن الأعمش به. أخرجه البزار أيضا.
وعبد الرحمن وأبوه فيهما ضعف من قبل حفظهما، فيستشهد بهما. والجملة الأولى
من الحديث لها شاهد من حديث أنس وأبي هريرة وهما مخرجان في " الروض النضير "
(2 / 457) .
قلت: ومن إفشاء السلام، السلام على المصلي والتالي للقرآن والطاعم وغيرهم
، وبسط ذلك له مجال آخر.
1608 - " إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم ".
حديث صحيح، مما حفظه لنا جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وله
عن طرق:
الأولى: عن الأعمش عن أبي سفيان عنه. أخرجه مسلم (8 / 138) والترمذي (3 /
127) وأحمد (3 / 313) وأبو يعلى في " مسنده " (2 / 609) وقال الترمذي:(4/140)
" هذا حديث حسن، وأبو سفيان اسمه طلحة بن نافع ".
قلت: بل هو صحيح لطريقه الآتية. وذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 284
) من رواية المسيب بن واضح عن أبي إسحاق الفزاري عن الأعمش به، وعن أبي إسحاق
الفزاري عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه
. وقال: " قال أبي: أحد هذين باطل ".
قلت: الأول محفوظ قطعا لأن جماعة من الثقات رووه عن الأعمش به. فالآخر هو
الباطل. وعلته من المسيب بن واضح، فإنه سيء الحفظ.
الثانية: عن صفوان عن ماعز التميمي عنه به دون ذكر جزيرة العرب. أخرجه أحمد (
3 / 354) وابن أبي عاصم في " السنة " (ق 2 / 1) .
قلت: ورجاله ثقات غير ماعز هذا، أورده ابن أبي حاتم (1 / 4 / 391) من
رواية صفوان هذا وهو ابن عمرو السكسكي ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأما
ابن حبان فذكره في " الثقات " (3 / 266) من رواية الزهري عنه.
الثالثة: عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: فذكره موقوفا دونها
أيضا. أخرجه أحمد (3 / 384) : حدثنا روح حدثنا ابن جريج حدثنا أبو الزبير.
وهذا إسناد موقوف صحيح على شرط مسلم، وهو في حكم المرفوع، وقد جاء مرفوعا
فيما سبق من الطرق، وفي هذه أيضا في رواية لأحمد قال (3 / 366) : " حدثنا
أبو نعيم حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (فذكره) . حدثناه وكيع عن سفيان معناه ". وهكذا أخرجه أبو يعلى (2
/ 577) من طريق عبد الرحمن عن سفيان به.(4/141)
1609 - " إن الشيطان ليفرق منك يا عمر! ".
أخرجه أحمد (5 / 353) والترمذي (4 / 316) وابن حبان (2186) مختصرا من
طريق الحسين بن واقد حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه: " أن أمة سوداء أتت
رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع من بعض مغازيه، فقالت: إني كنت نذرت: إن
ردك الله صالحا أن أضرب عندك بالدف! قال: " إن كنت فعلت فافعلي، وإن كنت لم
تفعلي فلا تفعلي ". فضربت، فدخل أبو بكر وهي تضرب ودخل غيره وهي تضرب، ثم
دخل عمر، قال: فجعلت دفها خلفها وهي مقنعة، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (فذكره) وزاد: " أنا جالس ههنا، ودخل هؤلاء، فلما أن دخلت فعلت
ما فعلت ".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وفي الحسين كلام لا يضر. وقد يشكل
هذا الحديث على بعض الناس لأن الضرب بالدف معصية في غير النكاح والعيد،
والمعصية لا يجوز نذرها ولا الوفاء بها. والذي يبدو لي في ذلك أن نذرها لما
كان فرحا منها بقدومه صلى الله عليه وسلم صالحا سالما منتصرا، اغتفر لها السبب
الذي نذرته لإظهار فرحها، خصوصية له صلى الله عليه وسلم دون الناس جميعا، فلا
يؤخذ منه جواز الدف في الأفراح كلها. لأنه ليس هناك من يفرح كالفرح به صلى
الله عليه وسلم، ولمنافاة ذلك لعموم الأدلة المحرمة للمعازف والدفوف وغيرها
، إلا ما استثنى كما ذكرنا آنفا.(4/142)
1610 - " إن الصالحين يشدد عليهم، وإنه لا يصيب مؤمنا نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا
أحطت بها عنه خطيئة ورفع بها درجة ".
أخرجه أحمد (6 / 160) وابن حبان (702) والحاكم (4 / 320) أوله فقط من
طريق معاوية بن سلام قال: سمعت يحيى بن أبي كثير قال: أخبرني أبو قلابة أن
عبد الرحمن بن شيبة أخبره أن عائشة أخبرته: " أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم طرقه وجع، فجعل يشتكي، ويتقلب على فراشه، فقالت عائشة: لو صنع هذا
بعضنا لوجدت عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فذكره، وقال الحاكم:
" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، ورجاله ثقات رجال مسلم
غير عبد الرحمن بن شيبة وهو ثقة. وتابعه علي وهو ابن المبارك عن يحيى به.
أخرجه أحمد (6 / 215) . وللحديث في " صحيح مسلم " (8 / 15 - 16) طرق أخرى
عن عائشة نحوه وفي بعضها: " إلا كتب الله له بها حسنة، أو حط عنه بها خطيئة
".
1611 - " إن العبد إذا مرض أوحى الله إلى ملائكته: يا ملائكتي أنا قيدت عبدي بقيد من
قيودي، فإن أقبضه أغفر له وإن أعافه فحينئذ يقعد ولا ذنب له ".
أخرجه الطبراني في " الكبير " (7697) والحاكم (4 / 313) عن عفير بن(4/143)
معدان
عن سليم بن عامر عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره. واللفظ للحاكم وقال: " صحيح الإسناد "! ورده الذهبي
بقوله: " قلت عفير واه ".
قلت: وهو كما قال الذهبي رحمه الله، وقال الحافظ: " هو ضعيف "، وكذا قال
الهيثمي في " المجمع " (2 / 291) .
قلت: لكن له شاهد يرويه إسماعيل بن عياش عن راشد بن داود الصنعاني عن أبي
الأشعث الصنعاني أنه راح إلى مسجد دمشق، وهجر بالرواح، فلقي شداد بن أوس
والصنابحي معه، فقلت: أين تريدان يرحمكما الله؟ قالا: نريد ههنا إلى أخ
لنا مريض نعوده، فانطلقت معهما حتى دخلا على ذلك الرجل فقالا له: كيف أصبحت؟
قال: أصبحت بنعمة، فقال له شداد: أبشر بكفارات السيئات وحط الخطايا، فإني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله عز وجل يقول: إني إذا
ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا فحمدني على ما ابتليته، فإنه يقوم من مضجعه ذلك
كيوم ولدته أمه من الخطايا، ويقول الرب عز وجل: أنا قيدت عبدي وابتليته،
فأجروا له كما كنتم تجرون له وهو صحيح ". أخرجه أحمد (4 / 123) والطبراني
في " الكبير " (7136) .
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي راشد بن داود الصنعاني كلام يسير لا
ينزل حديثه عن رتبة الحسن، وقد أشار الحافظ إلى ذلك بقوله فيه: " صدوق له
أوهام ".(4/144)
وأما قول الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 303 - 304) : " رواه
أحمد والطبراني في " الكبير " و " الأوسط " كلهم من رواية إسماعيل بن عياش عن
راشد الصنعاني وهو ضعيف في غير الشاميين ". ففيه ذهول عن أن الصنعاني هذا ليس
نسبة إلى " صنعاء اليمين " وإنما هو منسوب إلى صنعاء دمشق كما في " التقريب "
، فهو شامي، وإسماعيل صحيح الحديث عنهم، فثبت الحديث والحمد لله.
1612 - " إن الصخرة العظيمة لتلقى من شفير جهنم، فتهوي فيها سبعين عاما ما تفضي إلى
قرارها ".
أخرجه الترمذي (3 / 341) من طريق هشام بن حسان عن الحسن قال: قال عتبة بن
غزوان على منبرنا هذا - منبر البصرة - عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال:
فذكره. وقال: " لا نعرف للحسن سماعا عن عتبة بن غزوان، وإنما قدم عتبة بن
غزوان البصرة زمن عمر. وولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر ".
قلت: ورجال إسناده ثقات، إلا أنه منقطع، لكنه قد جاء موصولا من طريق خالد
ابن عميري العدوي قال: " خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد ... فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم فيهوي فيها سبعين عاما
لا يدرك لها قعرا ". أخرجه مسلم (8 / 215) وأحمد (4 / 174) .
قلت: وهو شاهد قوي لحديث الحسن لأن قول عتبة: " ذكر لنا " بالبناء(4/145)
للمجهول
مثل قول غيره من الصحابة " أمرنا " و " نهينا " وذلك كله في حكم المرفوع كما
هو مقرر في " مصطلح الحديث ". وله شاهد من حديث أبي هريرة قال: كنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع وجبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" تدرون ما هذا؟ ". قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: " هذا حجر رمي به
في النار منذ سبعين خريفا، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها ".
أخرجه مسلم (8 / 150) وأخرجه في مكان آخر (1 / 130) مختصرا موقوفا.
ورواه ابن أبي الدنيا في " صفة النار " (ق 2 / 1) مرفوعا به، والحاكم (4
/ 606) من طريق أخرى عنه مرفوعا مختصرا. وقال الذهبي: " سنده صالح ".
ثم أخرجه الحاكم (4 / 597) من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب
قالا: قال أبو هريرة مرفوعا بلفظ: " والذي نفس محمد بيده إن قدر ما بين شفير
النار وقعرها لصخرة زنتها سبع خلفات بشحومهن ولحومهن وأولادهن تهوي فيما بين
شفير النار وقعرها سبعين خريفا ". وقال: " صحيح الإسناد ".
ووافقه الذهبي. وله شاهدان آخران من حديث أبي موسى وبريدة مرفوعا نحوه.
أخرجهما البزار في " مسنده " (ص 315 - زوائده) وقال في الأول منهما:(4/146)
" وهو
إسناد حسن ".
قلت: وفيه عطاء بن السائب وكان اختلط لكنه لا بأس في الشواهد ومن طريقه
أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا وابن حبان (2609) . وله شاهد رابع من رواية يزيد
الرقاشي عن أنس. أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا. وخامس من رواية الوليد بن حصين
الشامي قال: أخبرني لقمان بن عامر عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي مرفوعا
به وزاد تفسير قوله تعالى: (غيا) و (آثاما) . أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا
قال: حدثنا الفضل ابن إسحاق قال: حدثنا شبابة بن سوار قال: أخبرني الوليد بن
حصين الشامي....
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير الوليد بن حصين الشامي وهو الملقب بـ (
شرقي بن قطامي) ضعفه الساجي وغيره. وقال المنذري في " الترغيب " (4 / 231
) : " رواه الطبراني والبيهقي مرفوعا، ورواه غيرهما موقوفا عن أبي أمامة
وهو أصح ". وقال الهيثمي (10 / 389) : " رواه الطبراني وفيه ضعفاء قد
وثقهم ابن حبان وقال: يخطؤون ".
قلت: إسناد ابن أبي الدنيا ليس فيه إلا الوليد بن حصين، فإن الفضل بن إسحاق
وهو أبو العباس البزار الدوري ترجمه الخطيب في " التاريخ " (12 / 360 - 361)
وروى عن السراج أنه ثقة مأمون. مات سنة اثنتين وأربعين يعني ومائتين.(4/147)
والموقف الذي أشار إليه المنذري قد أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا (ق 2 / 2)
والعقيلي في " الضعفاء " (ص 144) من طريق هشيم قال: أخبرنا زكريا ابن أبي
مريم الخزاعي قال: سمعت أبا أمامة يقول: فذكره موقوفا. وفيه ذكر الغي
والآثام ولكن بدون تفسير. وروى العقيلي عن علي بن المديني قال: سمعت عبد
الرحمن بن مهدي - وذكر زكريا بن أبي مريم الذي روى عنه هشيم - قال: قلنا
لشعبة: لقيت زكريا ابن أبي مريم سمع من أبي أمامة؟ فجعل يتعجب - ثم ذكره -
فصاح صيحة. وهذا الحديث حدثناه بشر ...
قلت: فذكره. وقال ابن أبي حاتم: " فدلت صيحة شعبة أنه لم يرضه ".
قلت: والظاهر من تعجبه أنه من تصريحه بالسماع من أبي أمامة. وقال ابن عدي (
ق 148 / 1) عقب رواية ابن مهدي المذكورة: " وهشيم يروي عن زكريا بن أبي مريم
القليل، وليس فيما روى عنه هشيم حديث له رونق وضوء ".
قلت: فإن كان المنذري عنى بالموقوف هذه الرواية ففي قوله: إنه أصح، نظر لا
يخفى. لاسيما وليس فيه التفسير المشار إليه. والله أعلم. ثم رأيت رواية
شرقي بن قطامي في " كبير معجم الطبراني " (7731) أخرجه من طريق أخرى عنه.(4/148)
1613 - " إن الصدقة لا تحل لنا، وإن موالي القوم من أنفسهم ".
أخرجه أبو داود (1 / 262) والنسائي (1 / 366) والترمذي (1 / 128)
والحاكم (1 / 404) وأحمد (6 / 10 و 390) من طرق عن شعبة حدثنا الحكم عن
ابن أبي رافع عن أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع: اصحبني كيما تصيب منها. فقال:
لا حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله، فانطلق إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فسأله فقال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". والحاكم
: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وقد تابعه ابن
أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة. أخرجه الطحاوي (1 / 299) وأحمد أيضا (6 / 8)
ولفظ أبي داود بتقديم الجملة الأخرى على الأولى كما سيأتي. والجملة الثانية
أخرجها البخاري (4 / 290) من حديث أنس مرفوعا. ولها شواهد كثيرة منها عن
ميمون أو مهران مرفوعا بلفظ: " إنا أهل بيت نهينا عن الصدقة وإن موالينا من
أنفسنا ولا نأكل الصدقة ". أخرجه أحمد (4 / 34 - 35) . وعزاه السيوطي في "
الجامع " لأوسط الطبراني عن ابن عمر بلفظ:(4/149)
" موالينا منا ". وفي سنده ضعف
نقله المناوي عن الهيثمي. ثم ادعى أن الحديث بهذا اللفظ ليس في تحريم الزكاة
على الموالي، وإنما في الاستنان بسنتان، والاحترام والإكرام. وما دل
عليه الحديث من تحريم الصدقة على موالي أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هو
المشهور في مذهب الحنفية خلافا لقول ابن الملك منهم، وقد رد ذلك عليه العلامة
الشيخ علي القاريء في " مرقاة المفاتيح " (2 / 448 - 449) فليراجعه من شاء.
1614 - " أرأيت لو كان بفناء أحدكم نهر يجري يغتسل منه كل يوم خمس مرات، ما كان يبقى
من درنه؟ قالوا: لا شيء، قال: إن الصلوات تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن
".
أخرجه أحمد (1 / 71 - 72) وابن نصر في " الصلاة " (17 / 1) والضياء في
" المختارة " رقم (298 - 299 بتحقيقي) عن الزهري قال: أخبرني صالح بن عبد
الله ابن أبي فروة أن عامر بن سعد بن أبي وقاص أخبره أنه سمع أبان بن عثمان
يقول: قال عثمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: رجاله ثقات غير صالح هذا وثقه ابن معين وابن حبان، ولم يذكروا له
راويا غير الزهري وكأنه لذلك قال أبو جعفر الطبري في " التهذيب ": " ليس
بمعروف في أهل النقل عندهم ". لكن الحديث على كل حال صحيح، فإن له شاهدا من
حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه.(4/150)
أخرجه الشيخان، ومن حديث جابر عند مسلم، وعن
أبي سعيد الخدري عند البزار وغيره. وهو مخرج في " الترغيب " (1 / 138)
وهي كلها عند ابن نصر (17 / 1 - 18 / 1) .
1615 - " كان يربط الحجر على بطنه من الغرث ".
أخرجه ابن الأعرابي في " معجمه " (3 / 1) من طريق زينب بنت أبي طليق أخبرنا
حيان بن حية عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث.
قلت: وهذا إسناد غريب، من دون أبي هريرة ولم أعرفهما. لكن يشهد له حديث
سيار عن سهل بن أسلم عن يزيد بن أبي منصور عن ابن مالك عن أبي طلحة قال:
" شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع، ورفعنا عن بطوننا عن حجر
حجر، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين ". أخرجه الترمذي في
" السنن " (3 / 276) و " الشمائل " (2 / 232) وقال: " حديث غريب، لا
نعرفه إلا من هذا الوجه ".
قلت: وهو ضعيف من أجل سيار وهو ابن حاتم العنزي، أورده الذهبي في " الضعفاء
" وقال: " قال القواريري: كان معي في الدكان لم يكن له عقل، قيل: أتتهمه؟
قال: لا، وقال غيره: صدوق سليم الباطن ". وقال الحافظ: " صدوق له أوهام
".(4/151)
ويشهد له أيضا حديث جابر قال: " لما كان يوم الخندق نظرت إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فوجدته قد وضع حجرا بينه وبين إزاره، يقيم به صلبه من
الجوع ". أخرجه أبو يعلى ورجاله وثقوا على ضعف في إسماعيل بن عبد الملك، كما
في " مجمع الزوائد " (10 / 314) . فالحديث حسن بمجموع الطرق الثلاثة. والله
أعلم. (الغرث) : الجوع.
1616 - " العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين ".
أخرجه مالك (3 / 146) ومن طريقه البخاري (5 / 132) وفي " الأدب المفرد "
(31) عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وقد رواه من طريقه مسلم (5 / 94)
وأبو داود (2 / 338) بلفظ: " إن العبد....... " والباقي مثله سواء.
1617 - " إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن
إبراهيم خليل الرحمن تبارك وتعالى، لو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم جاءني
الداعي لأجبت، إذ جاءه الرسول فقال: * (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة
اللاتي قطعن أيديهن) *، ورحمة الله على لوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد، إذ
قال لقومه: * (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) *، فما بعث الله بعده
من نبي إلا في ثروة من قومه ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (605) والترمذي (4 / 128 - 129)(4/152)
والحاكم (2 / 346 - 347 و 570 و 571) وأحمد (2 / 332 و 384) من طريق محمد
ابن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به وقال الترمذي: " حديث حسن "
. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وأخرجه مسلم (7 /
98) من طريق ابن شهاب عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة به مختصرا.
1618 - " إن الذي يكذب علي يبنى له بيت في النار ".
أخرجه أحمد (2 / 22 و 103 و 144) عن أبي بكر بن سالم عن أبيه عن جده أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
1619 - " طوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: ناس صالحون قليل
في ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ".
رواه ابن المبارك في " الزهد " (190 / 2 من الكواكب 575 - ورقم 775 مطبوعة)
: أنبأنا ابن لهيعة حدثني الحارث بن يزيد بن جندب بن عبد الله العدواني أنه سمع
سفيان بن عوف القاري يقول: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن عنده: فذكره. وهكذا أخرجه أحمد
(2 / 177 و 222) من طريقين أخريين عن ابن لهيعة به.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير أن سفيان بن عوف القاري لم يوثقه غير ابن
حبان (3 / 96) والعجلي رقم (483) فقال: " مصري تابعي ثقة ".(4/153)
والراوي
عنه جندب بن عبد الله العدواني وثقه العجلي أيضا رقم (182) فالإسناد مستور.
نعم رواه ابن عساكر (12 / 8 / 1) عن معاذ بن أسد (كاتب) ابن المبارك أخبرنا
ابن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي عبد الرحمن المعافري عن
سفيان بن عبد الله الثقفي عن عبد الله بن عمرو به.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات من رجال " الصحيح " غير ابن لهيعة وهو
ثقة صحيح الحديث إذا روى عنه أحد العبادلة، ومنهم عبد الله بن المبارك وهذا
الحديث من روايته عنه كما ترى ومن الظاهر أن ابن لهيعة كان عنده فيه إسنادان،
فرواه عنه ابن المبارك، مرة بهذا ومرة بهذا، وبه صح الحديث والحمد لله.
وأبو عبد الرحمن المعافري اسمه عبد الله بن يزيد الحبلي المصري.
1620 - " إن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة ".
أخرجه أبو الشيخ في " تاريخ أصبهان " (ص - 259) والطبراني في " الأوسط "
(رقم 4360) وأبو بكر الملحمي في " مجلسين من الأمالي " (ق 148 / 1 - 2)
والهروي في " ذم الكلام " (6 / 101 / 1) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 /
380 / 2) ويوسف بن عبد الهادي في " جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر " (ق
33 / 1) من طرق عن هارون بن موسى حدثنا أبو ضمرة عن حميد عن أنس مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير هارون بن موسى وهو
الفروي، قال النسائي وتبعه الحافظ في " التقريب ": " لا بأس به " وقال
الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 189) : " رواه الطبراني في " الأوسط "
ورجاله رجال " الصحيح " غير هارون بن موسى الفروي وهو ثقة ".(4/154)
وقال المنذري
في " الترغيب " (1 / 45) : " رواه الطبراني وإسناده حسن ".
قلت: وتابعه محمد بن عبد الرحمن القشيري عن حميد به. أخرجه ابن أبي عاصم في
" السنة " (رقم - 37 بتحقيقي) وابن عدي في " الكامل " (ق 311 / 1) وابن
عبد الهادي (10 / 2) من طريق بقية بن الوليد حدثني محمد بن عبد الرحمن به.
لكن القشيري هذا واه، فالعمدة على ما قبله.
1621 - " ما أهل مهل قط إلا بشر، ولا كبر مكبر قط إلا بشر، قيل: بالجنة؟ قال:
نعم ".
رواه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 7943 - نسختي) وأبو الحسن الحربي في
" الأمالي " (245 / 2) عن عبد الأعلى بن حماد النرسي حدثنا معتمر بن سليمان
حدثنا زيد بن عمر بن عاصم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا
، وقال الطبراني: " لم يروه عن زيد إلا معتمر ".
قلت: قال في " الميزان ": " حدث عن سهيل بن أبي صالح بخبر منكر ".
قلت: لعله يعني هذا، لكن مجيئه من طريق آخر يرفع عنه النكارة، وهو ما أخرجه
الطبراني أيضا قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا الحسن بن علي
الحلواني حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عبيد الله بن عمر
عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة نحوه.(4/155)
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عثمان بن أبي
شيبة وفيه كلام لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن إن شاء الله كما بينته في مقدمة
" مسائل ابن أبي شيبة شيوخه " تأليف محمد بن عثمان هذا. والحديث قال الهيثمي
(3 / 224) تبعا للمنذري (2 / 119) : " رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين
رجال أحدهما رجال الصحيح ". كذا قال وابن شيبة هذا ليس من رجال الصحيح لكن قد
رواه الخطيب في " تاريخه " (2 / 79) من طريق محمد بن أبان البلخي قال: نبأ
عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن محرر بن أبي هريرة عن أبيه
مرفوعا بلفظ: " ما أهل مهل قط إلا آبت الشمس بذنوبه ". فهذا إسناد رجاله كلهم
رجال البخاري غير محرر بن أبي هريرة فإنه من رجال النسائي وابن ماجة فقط،
ولم يوثقه غير ابن حبان. ولذلك لم يوثقه الحافظ ابن حجر بل اكتفى بقوله:
" مقبول ". يعني عند المتابعة. على أن في الإسناد علة أخرى خفية نبه عليها
الخطيب فقال عقبه: " تفرد بروايته محمد بن أبان عن عبد الرزاق عن الثوري،
وخالفه الحسن بن أبي الربيع الجرجاني فرواه عن عبد الرزاق عن ياسين الزيات عن
ابن المنكدر به "، ثم ساق إسناده إلى الحسن به. ثم ساق لمحمد بن أبان البلخي
حديث آخر له عن عبد الرزاق قال أبو داود فيه: " أنكروه على ابن أبان "!
قلت: وابن أبان البلخي والحسن الجرجاني كل منهما ثقة، ولكن الأول منتقد في
بعض رواياته عن عبد الرزاق. فروايته عند المخالفة شاذة مرجوحة، وكلام الخطيب
السابق يشير إلى هذا والفرق بين روايته ورواية الجرجاني أن الأول جعل سفيان
الثوري مكان ياسين الزيات، والثوري إمام جليل مشهور بينما ياسين الزيات ضعيف
جدا، فهو علة هذه الطريق. والله أعلم.(4/156)
1622 - " إن الله إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون، فيصابون معهم، ثم
يبعثون على نياتهم ".
أخرجه ابن حبان (1846) عن عمرو بن عثمان الرقي قال: حدثنا زهير بن معاوية عن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: " قلت: يا رسول الله إن الله إذا
أنزل سطوته بأهل الأرض وفيها الصالحون فيهلكون بهلاكهم؟ فقال: " فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل الرقي هذا، فإنه ضعيف كما قال الحافظ وأورده
الذهبي في " الضعفاء " وقال: " قال النسائي وغيره: متروك ".
قلت: لكن الحديث في " صحيح مسلم " (8 / 168) و " المسند " (6 / 259) من
طرق أخرى عن عائشة رضي الله عنها بلفظ آخر، ولفظ مسلم: " العجب! إن ناسا من
أمتي يؤمون بالبيت، برجل من قريش، قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف
بهم، فقلنا: يا رسول الله: إن الطريق قد يجمع الناس، قال: نعم، فيهم
المستبصر والمجبور وابن السبيل، يهلكون مهلكا واحدا، ويصدرون مصادر شتى،
يبعثهم الله على نياتهم ". وأخرجه البخاري (4 / 271) وأبو نعيم في
" الحلية " (5 / 11) من طريق أخرى عن عائشة مرفوعا نحوه، ولفظه: " يغزو
جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض ... " الحديث. للحديث شاهد من حديث
عبد الله بن عمر مرفوعا بلفظ: " إذا أراد الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان
فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم ".(4/157)
أخرجه البخاري (13 / 50 - 51 - فتح) ومسلم
(8 / 165) وأحمد (2 / 40) .
1623 - " أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم بـ (نعمان) - يعني عرفة - فأخرج
من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلا قال: * (ألست
بربكم قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين. أو
تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون
) * ".
أخرجه أحمد (1 / 272) وابن جرير في " التفسير " (15338) وابن أبي عاصم في
" السنة " (17 / 1) والحاكم (2 / 544) والبيهقي في " الأسماء والصفات "
(ص 326 - 327) كلهم من طريق الحسين بن محمد المروذي حدثنا جرير بن حازم عن
كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: فذكره. قال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: وحقهما أن يقيداه بأنه على شرط مسلم، فإن كلثوم بن جبر من رجاله
وسائرهم من رجال الشيخين. وتابعه وهب بن جرير حدثنا أبي به دون ذكر " نعمان
" وقال أيضا: " صحيح الإسناد، وقد احتج مسلم بكلثوم بن جبر ". ووافقه
الذهبي أيضا. وأما ابن كثير فتعقبه بقوله في " التفسير " (2 / 262) :
" هكذا قال، وقد رواه عبد الوارث عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس فوقفه. وكذا رواه إسماعيل بن علية ووكيع عن ربيعة بن كلثوم بن جبر عن
أبيه به، وكذا رواه عطاء بن السائب وحبيب بن أبي ثابت وعلي بن بذيمة عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس، وكذا رواه العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس،
فهذا أكثر وأثبت. والله أعلم ".(4/158)
قلت: هو كما قال رحمه الله تعالى، ولكن ذلك لا يعني أن الحديث لا يصح مرفوعا
وذلك لأن الموقوف في حكم المرفوع، لسببين:
الأول: أنه في تفسير القرآن، وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع، ولذلك
اشترط الحاكم في كتابه " المستدرك " أن يخرج فيه التفاسير عن الصحابة كما ذكر
ذلك فيه (1 / 55) .
الآخر: أن له شواهد مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جمع من الصحابة،
وهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة وأبو أمامة وهشام بن حكيم
أو عبد الرحمن بن قتادة السلمي على خلاف عنهما - ومعاوية بن أبي سفيان وأبو
الدرداء وأبو موسى، وهي إن كان غالبها لا تخلوا أسانيدها من مقال، فإن
بعضها يقوي بعضا، بل قال الشيخ صالح المقبلي في " الأبحاث المسددة ": " ولا
يبعد دعوى التواتر المعنوي في الأحاديث والروايات في ذلك " (1) ، ولاسيما
وقد تلقاها أو تلقى ما اتفقت عليه من إخراج الذرية من ظهر آدم وإشهادهم على
أنفسهم، السلف الصالح من الصحابة والتابعين دون اختلاف بينهم، منهم عبد الله
ابن عمرو وعبد الله بن مسعود، وناس من الصحابة، وأبي بن كعب وسلمان
الفارسي ومحمد بن كعب والضحاك بن مزاحم والحسن البصري وقتادة وفاطمة بنت
الحسين وأبو جعفر الباقر وغيرهم، وقد أخرج هذه الآثار الموقوفة وتلك
الأحاديث المرفوعة الحافظ السيوطي في " الدر المنثور " (3 / 141 - 145) ،
وأخرج بعضها الشوكاني في " فتح القدير " (2 / 215 - 252) ومن قبله الحافظ
ابن كثير في " تفسيره (2 / 261 - 164) وخرجت أنا حديث عمر في " الضعيفة " (
3070) وصححته لغيره في " تخريج شرح الطحاوية " (266) وحديث أبي هريرة في
تخريج السنة لابن أبي عاصم (204 و 205 - بتحقيقي) وصححته أيضا هناك (ص 267
) وفي الباب عن أبي الدرداء مرفوعا، وقد سبق برقم (49) وعن أنس، وسبق
برقم (172) وهو متفق عليه، فهو أصحها وفيه:
_________
(1) نقلته من " فتح البيان " لصديق حسن خان " (3 / 406) . اهـ.(4/159)
" إن الله تعالى يقول للرجل
من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا؟
فيقول: نعم. فيقول الله: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم
أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي ". إذا عرف هذا فمن العجيب قول
الحافظ ابن كثير عقب الأحاديث والآثار التي سبقت الإشارة إلى أنه أخرجها:
" فهذه الأحاديث دالة على أن الله عز وجل استخرج ذرية آدم من صلبه، وميز بين
أهل الجنة وأهل النار، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم فما هو إلا في
حديث كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وفي حديث عبد الله بن عمرو،
وقد بينا أنهما موقوفان لا مرفوعان كما تقدم ".
قلت: وليس الأمر كما نفى، بل الإشهاد وارد في كثير من تلك الأحاديث:
الأول: حديث أنس هذا، ففيه كما رأيت قول الله تعالى: " قد أخذت عليك في ظهر
آدم أن لا تشرك بي شيئا ". قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (6 / 284)
: " فيه إشارة إلى قوله تعالى: * (وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم
وأشهدهم على أنفسهم) * الآية.
قلت: ولفظ حديث ابن عمرو الذي أعله ابن كثير بالوقف إنما هو: أخذ من ظهره.
.. "، فأي فرق بينه وبين لفظ حديث أنس الصحيح؟ !
الثاني: حديث عمر بلفظ: (ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية ... "
الثالث: حديث أبي هريرة الصحيح: " ... مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو
خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ... ".
الرابع: حديث هشام بن حكيم: " إن الله قد أخذ ذرية آدم من ظهورهم، ثم أشهدهم
على أنفسهم ... "(4/160)
الخامس: حديث أبي أمامة: " لما خلق الله الخلق وقضى القضية، أخذ أهل اليمين
بيمينه، وأهل الشمال بشماله، فقال: ... ألست بربكم، قالوا: بلى ... ".
ففي ذلك رد على قول ابن القيم أيضا في كتاب " الروح " (ص 161) بعد أن سرد
طائفة من الأحاديث المتقدمة: " وأما مخاطبتهم واستنطاقهم وإقرارهم له
بالربوبية وشهادتهم على أنفسهم بالعبودية - فمن قال من السلف فإنما هو بناء
منه على فهم الآية، والآية لم تدل على هذا بل دلت على خلافه ". وقد أفاض
جدا في تفسير الآية وتأويلها تأويلا ينافي ظاهرها بل ويعطل دلالتها أشبه ما
يكون بصنيع المعطلة لآيات وأحاديث الصفات حين يتأولونها، وهذا خلاف مذهب ابن
القيم رحمه الله الذي تعلمناه منه ومن شيخه ابن تيمية، فلا أدري لماذا خرج
عنه هنا لاسيما وقد نقل (ص 163) عن ابن الأنباري أنه قال: " مذهب أهل
الحديث وكبراء أهل العلم في هذه الآية أن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وصلب
أولاده وهم في صور الذر فأخذ عليهم الميثاق أنه خالقهم وأنهم مصنوعون،
فاعترفوا بذلك وقبلوا، وذلك بعد أن ركب فيهم عقولا عرفوا بها ما عرض عليهم
كما جعل للجبل عقلا حين خوطب، وكما فعل ذلك للبعير لما سجد، والنخلة حتى
سمعت وانقادت حين دعيت ". كما نقل أيضا عن إسحاق بن راهويه: " وأجمع أهل
العلم أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، وأنه استنطقهم وأشهدهم ".
قلت: وفي كلام ابن الأنباري إشارة لطيفة إلى طريقة الجمع بين الآية والحديث
وهو قوله: " إن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وأصلاب أولاده ".(4/161)
وإليه ذهب
الفخر الرازي في " تفسيره " (4 / 323) وأيده العلامة ملا على القاري في "
مرقاة المفاتيح " (1 / 140 - 141) وقال عقب كلام الفخر: " قال بعض المحققين
: إن بني آدم من ظهره، فكل ما أخرج من ظهورهم فيما لا يزال إلى يوم القيامة هم
الذين أخرجهم الله تعالى في الأزل من صلب آدم، وأخذ منهم الميثاق الأزلي
ليعرف منه أن النسل المخرج فيما لا يزال من أصلاب بنيه هو المخرج في الأزل من
صلبه، وأخذ منهم الميثاق الأول، وهو المقالي الأزلي، كما أخذ منهم فيما لا
يزال بالتدريج حين أخرجوا الميثاق الثاني، وهو الحالي الإنزالي. والحاصل أن
الله تعالى لما كان له ميثاقان مع بني آدم أحدهما تهتدي إليه العقول من نصب
الأدلة الحاملة على الاعتراف الحالي، وثانيهما المقالي الذي لا يهتدي إليه
العقل، بل يتوقف على توقيف واقف على أحوال العباد من الأزل إلى الأبد،
كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أراد عليه الصلاة والسلام أن يعلم الأمة
ويخبرهم أن وراء الميثاق الذي يهتدون إليه بعقولهم ميثاقا آخر أزليا فقال (ما
) قال من مسح ظهر آدم في الأزل وإخراج ذريته وأخذه الميثاق عليهم وبهذا يزول
كثير من الإشكالات، فتأمل فيها حق التأمل ".
وجملة القول أن الحديث صحيح، بل هو متواتر المعنى كما سبق، وأنه لا تعارض
بينه وبين آية أخذ الميثاق، فالواجب ضمه إليها، وأخذ الحقيقة من مجموعها
وقد تجلت لك إن شاء الله مما نقلته لك من كلام العلماء، وبذلك ننجو من
مشكلتين بل مفسدتين كبيرتين:
الأولى: رد الحديث بزعم معارضته للآية.
والأخرى: تأويلها تأويلا يبطل معناها، أشبه ما يكون بتأويل المبتدعة
والمعتزلة. كيف لا وهم أنفسهم الذين أنكروا حقيقة الأخذ والإشهاد والقول
المذكور فيها بدعوى أنها خرجت مخرج التمثيل! وقد عز علي كثيرا أن يتبعهم في
ذلك مثل ابن القيم وابن كثير، خلافا للمعهود منهم من الرد على المبتدعة ما هو
هو دون ذلك من التأويل. والعصمة لله وحده.(4/162)
ثم إنه ليلوح لي أننا وإن كنا لا
نتذكر جميعا ذلك الميثاق الرباني وقد بين العلماء سبب ذلك - فإن الفطرة التي
فطر الله الناس عليها، والتي تشهد فعلا بأن الله هو الرب وحده لا شريك له،
إنما هي أثر ذلك الميثاق، وكأن الحسن البصري رحمه الله أشار إلى ذلك حين روى
عن الأسود بن سريع مرفوعا: " ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة ...
" الحديث، قال الحسن عقبه: " ولقد قال الله ذلك في كتابه: * (وإذ أخذ ربك
... ) * الآية ". أخرجه ابن جرير (15353) ، ويؤيده أن الحسن من القائلين
بأخذ الميثاق الوارد في الأحاديث، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وعليه فلا يصح
أن يقال: إن الحسن البصري مع الخلف القائلين بأن المراد بالإشهاد المذكور في
الآية إنما هو فطرهم على التوحيد، كما صنع ابن كثير. والله أعلم.
1624 - " إن الله تطول عليكم في جمعكم هذا، فوهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما
سأل، ادفعوا باسم الله ".
أخرجه ابن ماجة (3024) عن أبي سلمة الحمصي عن بلال بن رباح أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال له غداة جمع: " يا بلال أسكت الناس، أو أنصت الناس ". ثم
قال: فذكره. قال البوصيري في " الزوائد " (207 / 2 - مصورة المكتب) : " هذا
إسناد ضعيف، أبو سلمة هذا لا يعرف اسمه، وهو مجهول ".
قلت: لكن الحديث صحيح عندي، فإن له شواهد من حديث أنس بن مالك وعبادة بن
الصامت وعباس بن مرداس. أما حديث أنس فيرويه صالح المري عن يزيد الرقاشي عنه
مرفوعا به أتم منه.(4/163)
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (3 / 1015) . وصالح المري
ويزيد الرقاشي ضعيفان، واقتصر الهيثمي في " المجمع " (3 / 257) على إعلاله
بالمري فقط! لكن رواه ابن المبارك عن سفيان الثوري عن الزبير بن عدي عن أنس بن
مالك به نحوه. هكذا ساق إسناده في " الترغيب " (2 / 128) ، وهو إسناد صحيح
لا علة فيه، وقد أشار إلى ذلك عبد الحق الإشبيلي في كتابه " الأحكام " (رقم
71 - بتحقيقي) بسكوته عليه، وفيه: " إن الله غفر لأهل عرفات وأهل المشعر.
.. ". وانظر " صحيح الترغيب " (1143) . والحديثان الآخران مخرجان في
" الترغيب "، وإسنادهما وإن كان ضعيفا، فلا بأس به في الشواهد. وللحديث
شاهد آخر رواه البغوي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن زيد عن أبيه عن جده. ذكره
السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 143 / 2) .
1625 - " إن الله تعالى جعل الدنيا كلها قليلا، وما بقي منها إلا القليل من القليل،
ومثل ما بقي من الدنيا كالثغب - يعني الغدير - شرب صفوه، وبقي كدره ".
أخرجه الحاكم (4 / 320) من طريق الفضل بن محمد الشعراني حدثنا عبيد الله بن
محمد العبسي حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " صحيح الإسناد ".
ووافقه الذهبي.
قلت: وإنما هو حسن فقط لأن عاصما وهو ابن أبي النجود في حفظه بعض الضعف.(4/164)
والفضل بن محمد الشعراني، قد تكلم فيه بعضهم بغير حجة، وهو ثقة كما قال
الذهبي في " الميزان "، وقد توبع فأخرجه الديلمي (1 / 2 / 226) من طريق
السلمي بسنده عن أبي الأحوص حدثنا أبو سلمة عن حماد بن سلمة به. والحديث
أخرجه البخاري (2 / 239) من طريق منصور عن أبي وائل به الشطر الآخر منه لكنه
أوقفه على ابن مسعود.
1626 - " إن الله جميل يحب الجمال، إن الكبر من سفه الحق وغمص الناس ".
رواه أحمد (4 / 133 - 134 و 134) والحربي في " غريب الحديث " (5 / 34 / 1 -
2) وكذا رواه ابن عساكر (14 / 271 / 2) والخطابي في " الغريب " (97 / 1)
عن سعيد بن مرثد عن عبد الرحمن بن حوشب عن ثوبان بن شهر الأشعري قال: سمعت
كريب بن أبرهة يقول: سمعت أبا ريحانة يقول، فذكره مرفوعا: " لا يدخل شيء
من الكبر الجنة " فقال قائل: يا نبي الله إني أحب أن أتجمل: بجلاز سوطي وشسع
نعلي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " إن ذلك ليس من الكبر، إن الله جميل.. ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف فيه من لا يعرف منهم سعيد ويقال: سعد بن مرثد، ترجمه
ابن أبي حاتم (2 / 1 / 63) فقال: " أدرك صفين. روى عن عبد الرحمن بن حوشب.
روى عنه حريز بن عثمان ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. لكن قال أبو داود
: " شيوخ حريز كلهم ثقات "، وذكره ابن حبان في " الثقات "، وكذلك ذكر فيهم
من فوق سعيد هذا وأشهرهم كريب بن أبرهة. وقد وثقه العجلي أيضا. والحديث
صحيح على كل حال لأن له شواهد من حديث عبد الله بن مسعود(4/165)
وعبد الله بن عمرو
وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبي هريرة.
1 - أما حديث ابن مسعود فيرويه إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود
مرفوعا به نحوه. أخرجه مسلم (1 / 65) وأبو داود (4091) ببعضه والترمذي (
1 / 360) وقال: " حديث حسن صحيح ". وأخرجه الحاكم (4 / 181) لكنه لم
يسقه بطوله. ثم أخرجه من طريق أبي يحيى بن جعدة عن ابن مسعود به وقال:
" صحيح الإسناد، وقد احتجا برواته ". ووافقه الذهبي. وأخرجه أحمد (1 /
385 و 427) والحاكم أيضا (4 / 182) من طريق حميد بن عبد الرحمن عن ابن
مسعود به دون قوله: " إن الله جميل يحب الجمال ".
2 - وأما حديث ابن عمرو فيرويه زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عنه به مثل رواية
حميد بن عبد الرحمن. أخرجه أحمد (2 / 169 - 170) والحاكم (1 / 26) مختصرا
وفيه عنده الزيادة: " إن الله جميل يحب الجمال "، وقال: " على شرط مسلم "
وهو كما قال.
3 - وأما حديث عقبة فيرويه شهر بن حوشب قال: سمعت رجلا يحدث عن عقبة به.
أخرجه أحمد (4 / 151) . وشهر ضعيف، وشيخه لم يسم.
4 - وأما حديث ابن عمر فيرويه موسى بن عيسى القرشي أخبرنا عطاء الخراساني عن
نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(4/166)
" من سحب
ثيابه لم ينظر الله إليه يوم القيامة "، فقال أبو ريحانة، لقد أمرضنا ما
حدثتنا، إني أحب الجمال حتى أجعله في نعلي، وعلاقة سوطي، أفمن الكبر ذلك،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى
أثر نعمته على عبده، لكن الكبر من سفه الحق، وغمص الناس أعمالهم ". رواه
ابن عساكر (17 / 200 / 1) في ترجمة القرشي هذا ولم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا. وعطاء وهو ابن مسلم الخراساني قال الحافظ: " صدوق يهم كثيرا ويرسل
ويدلس ".
قلت: لكن حديثه صحيح لأن طرفيه يشهد له ما تقدم، وأما وسطه فقد جاء من حديث
والد أبي الأحوص وابن عمرو وهو مخرج في " غاية المرام في تخريج الحلال
والحرام " (رقم 76) و " المشكاة " (4350) .
5 - وأما حديث جابر فيرويه محمد بن صالح المديني عن محمد بن المنكدر أنه سمعه
يقول: حدثنا جابر بن عبد الله الأنصاري مرفوعا بلفظ: " إن الله جميل يحب
الجمال ويحب معالي الأمور ويكره سفسافها ". أخرجه ابن عساكر (11 / 50 / 2)
. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد فإن محمد بن صالح المديني قال الحافظ
: " صدوق يخطىء ". ولشطره الأول ما تقدم من الشواهد، وأما الشطر الآخر فله
شواهد أخرى يأتي تخريجها عقب هذا إن شاء الله تعالى.(4/167)
6 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه هشام بن حسان عن محمد عن أبي هريرة. أن رجلا
أتى النبي صلى الله عليه وسلم وكان رجلا جميلا، فقال يا رسول الله إني رجل
حبب إلي الجمال، وأعطيت منه ما ترى حتى ما أحب أن يفوقني أحد، إما قال:
بشراك نعلي، وإما قال: بشسع نعلي، أفمن الكبر ذلك؟ قال: " لا ولكن الكبر
من بطر الحق وغمط الناس ". أخرجه أبو داود (4092) والحاكم (4 / 181 - 182
) وصححه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. (جلاز سوطي) الجلاز: كل شيء
يلوى على شيء، واحدته: جلاوزة. (علاقة سوطي) العلاقة: ما يعلق به السيف
ونحوه.
1627 - " إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها ".
رواه الطبراني رقم (2894) وابن عدي (114 / 1) والقضاعي (89 / 2) عن
خالد بن إلياس عن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان عن فاطمة بنت الحسين عن
حسين بن علي مرفوعا. ورواه الخطيب البغدادي في " تلخيص المتشابه في الرسم
" (8 / 1) من هذا الوجه.
قلت: وخالد بن إلياس ضعيف. لكن له شاهد، فقال الماليني في " الأربعين
الصوفية " (10 / 1) : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن صالح أخبرنا محمد
ابن زهير أنبأنا محمد بن الخطاب أنبأنا أحمد بن يونس أنبأنا الفضيل بن عياض عن
محمد بن ثور عن معمر عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعا به.
قلت: ورجاله ثقات غير هؤلاء المحمدين الذين هم على نسق واحد فلم أجد لهم
ترجمة غير محمد بن الخطاب، فأورده الخطيب في " التاريخ " (5 / 252) وروى عن
ابن قانع(4/168)
أن وفاته كانت سنة (284) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكن قد
تابعه إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد الختلي وإبراهيم بن عبد الرزاق الضرير
قالا: أنبأنا أحمد بن عبد الله بن يونس به. أخرجه ابن عساكر (2 / 226 / 1)
عن أبي بكر محمد بن جعفر بن محمد بن سهل السامري عنهما. وأبو بكر هذا هو
الخرائطي صاحب كتاب " مكارم الأخلاق ومعاليها " وقد أخرجه فيه (ص 2 - 3)
بهذا الإسناد. وأخرجه البيهقي في " الأسماء " (ص 53) من طريق أخرى عن ابن
يونس به.
قلت: فهو إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات مترجمون في " التهذيب " غير شيخي
الخرائطي وهما ثقتان أيضا (ص 55) من طريق أبي معاوية الضرير عن الحجاج بن
أرطاة عن سليمان بن سحيم عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره وزاد في أوله: " إن الله جواد يحب الجود ويحب معالي
... ". وأخرجه الهيثم بن كليب في " المسند " (7 / 1) من هذا الوجه، وكذا
أبو عبيدة في " فضائل القرآن " (ق 11 / 2) . وهذا مرسل ضعيف، عبيد الله بن
كريز هذا تابعي ثقة، ولم يقع للهيثم منسوبا لكريز فظنه طلحة بن عبد الله
التيمي الصحابي فأورده في " مسنده "! ووافقه السيوطي في " الجامع " فلم يذكر
أنه مرسل على خلاف عادته في مثله.(4/169)
والحجاج بن أرطأة مدلس وقد عنعنه، وقد
رواه عنه نوح بن أبي مريم موصولا فقال: عنه عن طلحة بن مصرف عن كريب عن ابن
عباس مرفوعا به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (5 / 29) . وهذا من أوهام
نوح أو وضعه، فإنه كذاب. وقوله: " إن الله جواد يحب الجود ". روي من حديث
سعد أيضا وغيره، وهو مخرج في " حجاب المرأة المسلمة " (101) .
1628 - " إنما أنا مبلغ والله يهدي وقاسم والله يعطي، فمن بلغه مني شيء بحسن
رغبة وحسن هدى، فإن ذلك الذي يبارك له فيه ومن بلغه عني شيء بسوء رغبة
وسوء هدى، فذاك الذي يأكل ولا يشبع ".
أخرجه أحمد (4 / 101 - 102) : حدثنا أبو المغيرة قال: حدثنا صفوان قال:
حدثنا أبو الزاهرية عن معاوية بن أبي سفيان مرفوعا. وهذا سند صحيح رجاله
كلهم ثقات رجال مسلم. وتابعه عبد القدوس أخبرنا صفوان به. أخرجه البخاري في
" التاريخ " (4 / 1 / 10) . وعزاه السيوطي للطبراني في " الكبير " عن معاوية
نحوه دون قوله: " فمن بلغه.... " وقال شارحه المناوي: " قال الهيثمي رواه
بإسنادين أحدهما حسن ".
قلت: أخرجه البخاري في " التاريخ " من طريق صفوان أيضا وفضيل بن فضالة عن أبي
هزان عطية بن رافع عن معاوية مرفوعا بلفظ: " إنما أنا مبلغ والله يهدي وإنما
أنا قاسم والله يعطي ".(4/170)
أورده البخاري في ترجمة عطية هذا. ولم يذكر فيه
جرحا ولا تعديلا. وكذلك صنع ابن أبي حاتم (3 / 1 / 382) وذكر أنه روى عنه
ثلاثة من الثقات. وهو في " ثقات ابن حبان " (3 / 204) . والجملة الثانية
منه في " الصحيحين " غيرهما من حديث أبي هريرة. وأخرجه الحاكم (2 / 604) من
طريق ابن عجلان عن أبيه عنه مرفوعا بلفظ: " أنا أبو القاسم، الله يعطي،
وأنا أقسم ". وقال: " صحيح على شرط مسلم ". وأقره الذهبي. وإنما هو حسن
فقط لأن محمد بن عجلان لم يحتج به مسلم، وإنما روى له متابعة أو مقرونا. نعم
هو صحيح باعتبار ما قبله من الطرق.
1629 - " إن الله حين خلق الخلق كتب بيده على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي ".
أخرجه الترمذي (2 / 271) واللفظ له وأحمد (2 / 433) وابن ماجة (4295)
من طريق ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: فذكره وقال: " هذا حديث حسن صحيح غريب ".
قال: وسنده حسن، والحديث صحيح، فإن له طرقا أخرى كثيرة في " الصحيحين "
و" المسند " (2 / 242 و 257 و 259 و 313 و 358 و 381 و 397 و 466) عن أبي
هريرة رضي الله عنه نحوه، وراجع بعضها في " ظلال الجنة في تخريج السنة "
(808 - 809) .(4/171)
1630 - " إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض
، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود، وبين ذلك، والسهل والحزن، والخبيث
والطيب ".
رواه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 5 - 6) : أخبرنا هوذة بن خليفة أخبرنا عوف
عن قسامة قال: سمعت أبا موسى الأشعري مرفوعا به.
قلت: هذا سند صحيح رجاله رجال مسلم غير هوذة، وهو ثقة، وعنه رواه الواحدي
في " الوسيط " (1 / 14 / 1 - 2) وابن عساكر (2 / 307 / 2) من طرق عنه
وكذا رواه أبو الفرج الثقفي في " الفوائد " (97 / 1) وصححه وابن حبان (
2083 و 2084) وأحمد (4 / 406) وغيرهم كأبي داود والترمذي وقال: " حسن
صحيح ".
قلت: وقد توبع هوذة بن خليفة، فأخرجه الطبري أيضا في " التفسير " (1 / 481
/ 645) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (327 و 385) وابن خزيمة في
" التوحيد " (44) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 104 و 8 / 135) من طرق عن
عوف الأعرابي به.
1631 - " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح
النبل ".
أخرجه أحمد (6 / 387) : حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن
عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن
الله عز وجل قد أنزل في الشعر ما أنزل، فقال: فذكره. وهذا صحيح على شرط
الشيخين.(4/172)
وفي رواية لأحمد (3 / 456) وابن عساكر (14 / 290 / 1) من طريق
شعيب عن الزهري قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك. أن كعب بن
مالك حين أنزل الله تبارك وتعالى في الشعر ما أنزل أتى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: إن الله تبارك وتعالى قد أنزل في الشعر ما قد علمت وكيف ترى فيه
؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ". وهذا
سند صحيح أيضا على شرطهما. والظاهر أن الزهري له فيه شيخين أحدهما: عبد
الرحمن بن كعب بن مالك كما رواه معمر عنه، والآخر عبد الرحمن بن عبد الله بن
كعب بن مالك كما في رواية شعيب هذه عنه. وتابعه محمد بن عبد الله بن أخي
الزهري عنه بلفظ: " اهجوا بالشعر ... "، وقد مضى برقم (802) .
1632 - " إن المؤمن بكل خير، على كل حال، إن نفسه تخرج من بين جنبيه وهو يحمد الله
عز وجل ".
أخرجه أحمد (1 / 273 - 274) : حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب
عن عكرمة عن ابن عباس قال: " أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بنتا له تقضي،
فاحتضنها فوضعها بن ثدييه، فماتت وهو بين ثدييه، فصاحت أم أيمن، فقيل:
أتبكي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! قالت: ألست أراك تبكي يا رسول
الله؟ قال: لست أبكي، إنما هي رحمة، إن المؤمن..... ".
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، فإن عطاء بن السائب وإن كان قد
اختلط، فإن سفيانا - وهو الثوري - سمع منه قبل الاختلاط، وكأنه لهذا أخرج(4/173)
الحديث الضياء المقدسي في " المختارة " (65 / 66 / 1) من طريق أحمد هذه.
ومن طريق أخرى عنده (1 / 297) ، ورواه النسائي (1 / 261) والبزار (808
) من طرق أخرى عن عطاء به. وله شاهد يرويه عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي
عمرو عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: رفعه: " إن المؤمن عند الله بمنزلة كل خير، يحمدني وأنا أنزع نفسه من بين
جنبيه ". أخرجه أحمد (2 / 361) وكذا البزار في " مسنده " (رقم - 781)
وقال الهيثمي: " إسناد حسن ". وهو كما قال. ولفظ أحمد: " قال الله
عز وجل: إن المؤمن عندي بمنزلة ... ". وفي رواية له (2 / 341) : " إن الله
عز وجل يقول: إن عبدي المؤمن عندي بمنزلة.... ".
1633 - " إن الله خلق الداء والدواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام ".
رواه الدولابي (2 / 38) عن علي بن عياش قال: حدثنا ثعلبة بن مسلم عن أبي
عمران سليمان بن عبد الله عن أبي الدرداء مرفوعا.
قلت: كذا وقع في الأصل والظاهر أن في الإسناد سقطا، فإن بين ثعلبة وعلي بن
عياش إسماعيل بن عياش كما في " التهذيب ".(4/174)
وهذا إسناد حسن ورجاله ثقات
معروفون غير ثعلبة هذا، ذكره ابن حبان في " الثقات " وروى عنه جمع، فهو حسن
الحديث إن شاء الله تعالى إذا لم يخالف. والحديث ذكره الهيثمي (5 / 86) من
رواية الطبراني وقال: " ورجاله ثقات ". وله شاهد من حديث أم سلمة أنها
انتبذت، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبيذ يهدر، فقال: " ما هذا؟
"، قلت: فلانة اشتكت فوصف لها، قالت: فدفعه برجله فكسره وقال: " إن الله
لم يجعل في حرام شفاء ". أخرجه أحمد في " الأشربة " (ق 19 / 1) وابن أبي
الدنيا في " ذم المسكر " (5 / 1) وأبو يعلى في " مسنده " (4 / 1658) وعنه
ابن حبان (1397) من طرق عن أبي إسحاق الشيباني عن حسان بن مخارق عنها.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات معروفون غير حسان بن مخارق، فهو مستور لم
يوثقه أحد غير ابن حبان. ويشهد له أيضا حديث " نهى عن الدواء الخبيث ". وهو
مخرج في " المشكاة " (4539) . وأخرج أحمد أيضا (ق 16 / 1 - 2) والطبراني
في " الكبير " (9714 - 9717) عن ابن مسعود موقوفا عليه: " إن الله لم يجعل
شفاءكم فيما حرم عليكم ". وإسناده صحيح، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (10 /
65 - فتح) وصححه الحافظ ابن حجر.(4/175)
وأخرج الطبراني (8910) عن أبي الأحوص
أن رجلا أتى عبد الله فقال: إن أخي مريض اشتكى بطنه، وأنه نعت له الخمر
أفأسقيه؟ قال عبد الله: سبحان الله! ما جعل الله شفاء في رجس، إنما الشفاء
في شيئين: العسل شفاء للناس، والقرآن شفاء لما في الصدور.
قلت: وإسناده صحيح أيضا.
1634 - " إن لله مائة رحمة قسم رحمة (واحدة) بين أهل الدنيا وسعتهم إلى آجالهم وأخر
تسعا وتسعين رحمة لأوليائه وإن الله قابض تلك الرحمة التي قسمها بين
أهل الدنيا إلى التسع والتسعين، فيكملها مائة رحمة لأوليائه يوم القيامة ".
أخرجه أحمد (2 / 514) : حدثنا روح ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا عوف عن
الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره نحوه.
قال محمد في حديثه: وحدثني بهذا الحديث محمد بن سيرين وخلاس كلاهما عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. حدثنا روح حدثنا عوف عن خلاس بن عمرو
عن أبي هريرة مثله. حدثنا روح حدثنا عوف عن محمد عن أبي هريرة مثله.
قلت: وهذه أسانيد صحيحة موصولة عن أبي هريرة، إلا الأول، فهو مرسل صحيح
الإسناد. وقد أخرجه الحاكم (4 / 248) من طريق بكار بن محمد السيريني عن عوف
ابن أبي جميلة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة به واللفظ له وقال: " صحيح على
شرط الشيخين ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: بكار ذاهب الحديث. قاله أبو
زرعة ".(4/176)
قلت: قد تابعه روح ومحمد بن جعفر كما رأيت، فالحديث صحيح على شرطهما من
طريقهما. والحديث أخرجه البخاري (4 / 223 - 224) ومسلم (8 / 96 و 97)
والترمذي (2 / 270) والدارمي (2 / 321) وابن ماجة (4293) وأحمد (3 /
55 - 56) من طرق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا نحوه. وأخرجه الخطيب في " التاريخ
" (8 / 324) من طريق آخر عنه. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وعنده
زيادة بلفظ: " لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في الجنة أحد،
ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من الجنة أحد ". وهي عند مسلم
أيضا (8 / 97) وفصلاها عن الحديث والطريق عندهما واحدة، خلافا للبخاري.
وقصر السيوطي فعزاها للترمذي وحده، ولما تعقبه المناوي بإخراج الشيخين لها
زعم أن اللفظ لمسلم فوهم، فإن لفظه للترمذي، ولفظ مسلم يختلف عنه قليلا،
وأخرجها ابن حبان أيضا (2523) ، وهي عند البخاري نحوه. وأخرجه مسلم
والحاكم (4 / 247 - 248) وأحمد (5 / 439) من حديث سلمان نحوه. وأحمد (
3 / 55) وابن ماجة (4294) من حديث أبي سعيد الخدري. والطبراني في
" الكبير " (3 / 145 / 1) من حديث ابن عباس مرفوعا مختصرا نحوه وإسناده ضعيف
. وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 214) : " رواه الطبراني والبزار
وإسناده حسن ".(4/177)
قلت: إن كان يعني إسناد البزار فمحتمل، وإلا فإسناد الطبراني ضعيف، وهو في
" زوائد البزار " (ص 314 - 315) لكن بيض في النسخة لإسنادها. والطبراني عن
معاوية بن حيدة، قال الهيثمي: " وفيه مخيس بن تميم وهو مجهول ".
قلت: ومن طريقه ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 219 - 220) وقال عن
أبيه: " موضوع. يعني بهذا الإسناد ".
قلت: يغني عنه حديث الترجمة، ومن أجله خرجته كي لا يغتر به من لا علم عنده.
1635 - " إن الله رضي لهذه الأمة اليسر وكره لهم العسر، (قالها ثلاث مرات) وإن
هذا أخذ بالعسر وترك اليسر ".
رواه الواحدي في " الوسيط " (1 / 66 / 1) عن أبي يونس سعد بن يونس عن حماد
عن الجريري عن عبد الله بن شقيق عن محجن بن الأدرع أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم بلغه أن رجلا في المسجد يطيل الصلاة، فأتاه فأخذ بمنكبه ثم قال:
فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي يونس هذا فلم أعرفه. لكن عزاه
السيوطي للطبراني في " الكبير " فقال المناوي: " قال الهيثمي: رجاله رجال
الصحيح ". فالظاهر من هذا أنه عند الطبراني من غير طريق أبي يونس المذكور.
وقد أخرجه أحمد (5 / 32) من طريق أخرى عن حماد به نحوه. وعن كهمس قال:
سمعت(4/178)
عبد الله بن شقيق قال محجن بن الأدرع ... فذكره نحوه بلفظ: " إنكم أمة
أريد بكم اليسر ". وهذا إسناد صحيح. وخالفهما أبو بشر فقال: عن عبد الله
ابن شقيق عن رجاء بن أبي رجاء الباهلي عن محجن به نحوه بلفظ: " إن خير دينكم
أيسره ". قاله ثلاثا. أخرجه الطيالسي (1296) والبخاري في " الأدب المفرد "
(341) وأحمد (4 / 338 و 5 / 32) .
قلت: ورجاء هذا لا يعرف إلا في هذا الإسناد، ولم يوثقه غير العجلي وابن
حبان. وكأنه غير محفوظ. فإنه لم يذكر في رواية حماد وكهمس كما تقدم.
والله أعلم. وله شاهد من حديث أنس مرفوعا به وزاد: " وخير العبادة الفقه
". أخرجه ابن عبد البر في " الجامع " (1 / 21) من طريق أبي سفيان السروجي
عبد الرحيم بن مطرف ابن عم وكيع قال: حدثنا أبو عبد الله العذري عن يونس بن
يزيد عن الزهري عنه. قال أبو سفيان: ويكره الحديث عن العذري.
قلت: يشير إلى ضعفه. وقد أورده في " الميزان " لهذا الخبر، وقال: إنه
منكر. ومن طريقه أخرجه الديلمي (2 / 115) دون الشطر الأول.
1636 - " إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن
أهل بيته ".(4/179)
رواه النسائي في " عشرة النساء " (2 / 89 / 2) : أخبرني إسحاق بن إبراهيم قال
أخبرنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن أنس مرفوعا. وبهذا
الإسناد عن قتادة عن الحسن مثله.
قلت: ورجال الإسنادين ثقات لكن الثاني مرسل، والأول مسند فهو صحيح إن كان
قتادة سمعه من أنس فإنه مذكور بشيء من التدليس. والله أعلم. ومن الوجه
الأول رواه الضياء في " المختارة " (185 / 2) ثم ذكر الرواية الأخرى المرسلة
ثم قال: " قال الدارقطني: والصحيح عن هشام عن قتادة عن الحسن مرسلا ".
قلت: وأخرجه ابن حبان في صحيحه (1562) وابن عدي في " الكامل " (13 / 1)
من طريق إسحاق بن إبراهيم وهو ابن راهويه ثم قال: " وهو حديث يتفرد به إسحاق
ابن راهويه ".
قلت: هو إمام ثقة حافظ فلا يضر تفرده. ويشهد للحديث قوله صلى الله عليه وسلم
: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ... " الحديث، وهو مخرج في " غاية المرام
في تخريج الحلال والحرام " (268) . وروى عبد الرزاق في " المصنف " (20650
) وعنه الطبراني في " المعجم الكبير " (8855) عن قتادة أن ابن مسعود قال:
" إن الله عز وجل سائل كل ذي رعية فيما استرعاه، أقام أمر الله فيهم أم أضاعه
؟ حتى إن الرجل ليسأل عن أهل بيته ". وهو موقوف منقطع لأن قتادة لم يسمع من
ابن مسعود كما قال الهيثمي في " المجمع " (7 / 208) .(4/180)
1637 - " إن الله يصنع كل صانع وصنعته ".
أخرجه البخاري في " خلق أفعال العباد " (ص 73) وابن أبي عاصم في " السنة "
(357 و 358) وابن منده في " التوحيد " (ق 39 / 2) وابن عدي (263 / 2)
والحاكم (1 / 31) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 26 و 388) وكذا
المحاملي في " الأمالي " (ج 6 رقم 13) والديلمي (1 / 2 / 228) من طرق عن
أبي مالك الأشجعي عن ربعي بن حراش عن حذيفة مرفوعا به. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
قلت: ولفظه عند ابن منده والحاكم والديلمي: " خالق " مكان " يصنع ".
وزاد البخاري في آخر الحديث: " وتلا بعضهم عند ذلك: * (والله خلقكم وما
تعملون) * ". والظاهر أنها مدرجة، وقال البخاري عقبه: " فأخبر أن الصناعات
وأهلها مخلوقة ". ثم رواه من طريق الأعمش عن شقيق عن حذيفة رضي الله عنه:
" إن الله خلق كل صانع وصنعته، إن الله خلق صانع الخزم وصنعته ".
(الخزم) بالتحريك شجر يتخذ من لحائه الحبال.
1638 - " لا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم. إنه لا ينبغي للإمام إذا انتهى إليه
حد إلا أن يقيمه، إن الله عفو يحب العفو، * (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون
أن يغفر الله لكم، والله غفور رحيم) * ".(4/181)
أخرجه أحمد (1 / 438) والحاكم (4 / 382 - 383) والبيهقي (8 / 331) من
طريق يحيى الجابر سمعت أبا ماجدة يقول: " كنت قاعدا مع عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه، فقال: إني لأذكر أول رجل قطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم،
أتى بسارق فأمر بقطعه، فكأنما أسف وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا
: يا رسول الله كأنك كرهت قطعه؟ قال: وما يمنعني؟ ! لا تكونوا ... الخ
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وسكت عنه الذهبي وما يحسن ذلك منه، فإذا
أورد أبا ماجدة هذا في " الميزان " وقال: " لا يعرف، وقال النسائي: منكر
الحديث، وقال البخاري: ضعيف ". لكن الحديث عندي حسن، فإن جله قد ثبت مفرقا
في أحاديث، فقوله: " لا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم "، أخرجه البخاري
عن أبي هريرة. انظر " المشكاة " (2621) . وقوله: " إنه لا ينبغي ... "،
يشهد له حديث ابن عمرو " تعافوا الحدود بينكم ... " وهو مخرج في " المشكاة "
(3568) . وحديث العفو، ويشهد له حديث عائشة " قولي اللهم إنك عفو تحب
العفو ... ". وهو في المشكاة (2091) . وذكر له السيوطي شاهدا آخر من رواية
ابن عدي عن عبد الله بن جعفر.
1639 - " إن الله عز وجل قال: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان
لابن آدم واد لأحب أن يكون إليه ثان ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما
ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب ".(4/182)
أخرجه أحمد (5 / 218 - 219) والطبراني في " الكبير " (3300 و 3301) من
طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثي قال:
" كنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه، فيحدثنا، فقال لنا ذات
يوم ... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، وهو على شرط مسلم، وفي هشام بن سعد كلام لا يضر،
وقد تابعه محمد بن عبد الرحمن بن مجبر عن زيد بن أسلم به. أخرجه الطبراني (
3302) . لكن ابن مجبر هذا متروك كما قال النسائي وغيره، فلا يفرح بمتابعته.
وخالفهما ربيعة بن عثمان فقال: عن زيد بن أسلم عن أبي مراوح عن أبي واقد
الليثي به. فذكر أبا مراوح بدل عطاء. أخرجه الطبراني (3303) وابن منده في
" المعرفة " (2 / 264 / 1) . وربيعة هذا حاله كحال هشام، فإن كان كل منهما
قد حفظ، فيكون لعطاء بن يسار في هذا الحديث شيخان، وكلاهما ثقة. والله
أعلم. وللحديث شواهد كثيرة معروفة فهو حديث صحيح، فراجع " فتح الباري " (11
/ 253 - 258 - طبع الخطيب) .
1640 - إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي
بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه،
فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها
ورجله التي يمشي عليها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه، وما
ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره
مساءته ".(4/183)
أخرجه البخاري (4 / 231) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 4) والبغوي في
" شرح السنة " (1 / 142 / 2) وأبو القاسم المهرواني في " الفوائد المنتخبة
الصحاح " (2 / 3 / 1) وابن الحمامي الصوفي في " منتخب من مسموعاته " (171 /
1) وصححه ثلاثتهم، ورزق الله الحنبلي في " أحاديث من مسموعاته " (1 / 2 -
2 / 1) ويوسف بن الحسن النابلسي في " الأحاديث الستة العراقية " (ق 26 / 1)
والبيهقي في " الزهد " (ق 83 / 2) وفي " الأسماء والصفات " ص (491) من
طريق خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن
عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، وهو من الأسانيد القليلة التي انتقدها العلماء على
البخاري رحمه الله تعالى، فقال الذهبي في ترجمة خالد بن مخلد هذا وهو
القطواني بعد أن ذكر اختلاف العلماء في توثيقه وتضعيفه وساق له أحاديث تفرد
بها هذا منها: " فهذا حديث غريب جدا، ولولا هيبة " الجامع الصحيح " (!)
لعددته في منكرات خالد بن مخلد، وذلك لغرابة لفظه، ولأنه مما ينفرد به شريك
، وليس بالحافظ، ولم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد. ولا أخرجه من عدا
البخاري، ولا أظنه في " مسند أحمد " وقد اختلف في عطاء، فقيل: هو ابن أبي
رباح، والصحيح أنه عطاء بن يسار ". ونقل كلامه هذا بشيء من الاختصار الحافظ
في " الفتح " (11 / 292 - 293) ، ثم قال: " قلت: ليس هو في " مسند أحمد
جزما، وإطلاق أنه لم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد مردود، ومع ذلك فشريك
شيخ شيخ خالد - فيه مقال أيضا. وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص،
وقدم وأخر وتفرد فيه بأشياء لم يتابع عليها ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها
على أن له أصلا.
1 - منها عن عائشة أخرجه أحمد في " المسند " (6 / 256) وفي " الزهد " وابن
أبي الدنيا وأبو نعيم في " الحلية " والبيهقي في " الزهد " من طريق عبد
الواحد بن ميمون عن(4/184)
عروة عنها. وذكر ابن حبان وابن عدي أنه تفرد به. وقد
قال البخاري: إنه منكر الحديث. لكن أخرجه الطبراني من طريق يعقوب بن مجاهد عن
عروة وقال: " لم يروه عن عروة إلا يعقوب وعبد الواحد ".
2 - ومنها عن أبي أمامة. أخرجه الطبراني والبيهقي في " الزهد " بسند ضعيف.
3 - ومنها عن علي عند الإسماعيلي في " مسند علي ".
4 - وعن ابن عباس. أخرجه الطبراني وسندهما ضعيف.
5 - وعن أنس أخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني. وفي سنده ضعف أيضا.
6 - وعن حذيفة. أخرجه الطبراني مختصرا. وسنده حسن غريب.
7 - وعن معاذ بن جبل. أخرجه ابن ماجة وأبو نعيم في " الحلية " مختصرا وسنده
ضعيف أيضا.
8 - وعن وهب بن منبه مقطوعا. أخرجه أحمد في " الزهد " وأبو نعيم في " الحلية
"، فيه تعقب على ابن حبان حيث قال بعد إخراج حديث أبي هريرة: " لا يعرف لهذا
الحديث إلا طريقان - يعني غير حديث الباب - وهما هشام الكناني عن أنس، وعبد
الواحد بن ميمون عن عروة عن عائشة، وكلاهما لا يصح ". هذا كله كلام الحافظ.
وقد أطال النفس فيه، وحق له ذلك، فإن حديثا يخرجه الإمام البخاري في
" المسند الصحيح " ليس من السهل الطعن في صحته لمجرد ضعف في إسناده، لاحتمال
أن يكون له شواهد تأخذ بعضده وتقويه.. فهل هذا الحديث كذلك؟ لقد ساق الحافظ
هذه الشواهد الثمان، وجزم بأنه يدل مجموعها على أن له أصلا. ولما كان من
شروط الشواهد أن لا يشتد ضعفها وإلا لم يتقو الحديث بها كما قرره العلماء في
" علم مصطلح الحديث "، وكان من الواجب أيضا أن تكون شهادتها كاملة،(4/185)
وإلا
كانت قاصرة، لذلك كله كان لابد لي من إمعان النظر في هذه الشواهد أو ما أمكن
منها من الناحيتين اللتين أشرت إليهما: قوة الشهادة وكمالها أو العكس،
وتحرير القول في ذلك، فأقول:
1 - ذكر الحافظ لحديث عائشة طريقين أشار إلى أن أحدهما ضعيف جدا. لأن من قال
فيه البخاري: منكر الحديث. فهو عنده في أدنى درجات الضعف. كما هو معلوم،
وسكت عن الطريق الأخرى فوجب بيان حالها، ونص متنها، فأقول: أخرجه الطبراني
في " الأوسط " (15 / 16 - زوائده) : حدثنا هارون بن كامل حدثنا سعيد بن أبي
مريم حدثنا إبراهيم بن سويد المدني حدثني أبو حزرة يعقوب بن مجاهد أخبرني عروة
ابن الزبير عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بتمامه مثله
إلا أنه قال: " إن دعاني أجبته " بدل " إن استعاذني لأعيذنه " وقال: " لم
يروه عن أبي حزرة إلا إبراهيم. ولا عن عروة إلا أبو حزرة وعبد الواحد بن
ميمون ".
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات معروفون مترجمون في " التهذيب " غير هارون
ابن كامل وهو المصري كما في " معجم الطبراني الصغير " ص (232) ولم أجد له
ترجمة، فلولاه لكان الإسناد جيدا. لكن الظاهر من كلام الطبراني السابق أنه لم
يتفرد به. فإن ذكر التفرد لإبراهيم شيخ شيخه. والحديث أورده الهيثمي (10 /
269) بطرفه الأول ثم قال: " رواه البزار واللفظ له وأحمد والطبراني في
" الأوسط " وفيه عبد الواحد بن قيس وقد وثقه غير واحد. وضعفه غيرهم.
وبقية رجال أحمد رجال الصحيح. ورجال الطبراني في " الأوسط " رجال " الصحيح "
غير شيخه هارون بن كامل "!
قلت: يعقوب بن مجاهد وإبراهيم بن سويد ليسا من رجال " الصحيح " وإنما أخرج
لهما البخاري في " الأدب المفرد ".(4/186)
ثم إن قوله: " وفيه عبد الواحد بن قيس "
يخالف قول الحافظ المتقدم أنه عبد الواحد بن ميمون. ولا أدري هل منشؤه من
اختلاف الاجتهاد في تحديد المراد من عبد الواحد الذي لم ينسب فيما وقفت عليه من
المصادر، أم أنه وقع منسوبا عند البزار؟ فقد رأيت الحديث في " المسند " (6 /
256) و " الحلية " (1 / 5) و " الزهد " للبيهقي (83 / 2) من طرق عن عبد
الواحد مولى عروة عن عروة به. ثم تبين لي أن الاختلاف سببه اختلاف الاجتهاد.
وذلك لأن كلا من عبد الواحد بن ميمون، وعبد الواحد بن قيس روى عن عروة.
فمال كل من الحافظين إلى ما مال إليه. لكن الراجح ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر
لأن الذين رووه عن عبد الواحد لم يذكروا في الرواة عن ابن قيس وإنما عن ابن
ميمون. وفي ترجمته ذكر ابن عدي (305 / 1) هذا الحديث وكذلك صنع الذهبي في
" الميزان " والحافظ في " اللسان "، فقول الهيثمي أنه قيس مردود، ولو كان
هو صاحب هذا الحديث لكان شاهدا لا بأس به. فإنه أحسن حالا من ابن ميمون. فقد
قال الحافظ فيه: " صدوق له أوهام ومراسيل ". وأما الأول فمتروك. ثم رأيت
ما يشهد لما رجحته. فقد أخرجه أبو نعيم في " الأربعين الصوفية " (ق 60 / 1)
وأبو سعيد النيسابوري في " الأربعين " (ق 52 / 1 - 2) وقال: " حديث غريب
... وقد صح معنى هذا الحديث من حديث عطاء عن أبي هريرة "، وابن النجار في
" الذيل " (10 / 183 / 2) عن عبد الواحد بن ميمون عن عروة به فنسبه إلى ميمون
. وجملة القول في حديث عائشة هذا أنه لا بأس به في الشواهد من الطريق الأخرى
إن لم يكن لذاته حسنا.(4/187)
2 - ثم ذكر حديث أبي أمامة وضعفه، وهو عند البيهقي من طريق ابن زحر عن علي
ابن يزيد عن القاسم عنه. وكذلك رواه السلمي في " الأربعين الصوفية " (9 / 1
) . وهذا الإسناد يضعفه ابن حبان جدا، ويقول في مثله إنه من وضع أحد هؤلاء
الثلاثة الذين دون أبي أمامة. لكن أخرجه أبو نعيم في " الطب " (ق 11 / 1 -
نسخة الشيخ السفرجلاني) من طريق عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد به نحوه
. وعثمان هذا قال الحافظ في " التقريب ": " ضعفوه في روايته عن علي بن يزيد
الألهاني ".
3 - حديث علي لم أقف الآن على إسناده.
4 - وأما حديث ابن عباس، فقد ضعفه الحافظ كما تقدم، وبين علته الهيثمي فقال
: (10 / 270) : " رواه الطبراني: وفيه جماعة لم أعرفهم ".
قلت: وإسناده أسوأ من ذلك، وفي متنه زيادة منكرة ولذلك أوردته في "
الضعيفة " (5396) .
5 - وأما حديث أنس فلم يعزه الهيثمي إلا للطبراني في " الأوسط " مختصرا جدا
بلفظ: " ... من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ". وقال: " وفيه عمر بن
سعيد أبو حفص الدمشقي وهو ضعيف ". وقد وجدته من طريق أخرى أتم منه، يرويه
الحسن بن يحيى قال: حدثنا صدقة ابن عبد الله عن هشام الكناني عن أنس به نحو
حديث الترجمة، وزاد: " وإن من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة،
فأكفه عنه لئلا يدخله(4/188)
عجب فيفسده ذلك. وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح
إيمانه إلا الفقر ... " الحديث. أخرجه محمد بن سليمان الربعي في " جزء من
حديثه " (ق 216 / 2) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 121) .
قلت: وإسناده ضعيف، مسلسل بالعلل: الأولى: هشام الكناني لم أعرفه، وقد
ذكره ابن حبان في كلامه الذي سبق نقله عنه بواسطة الحافظ ابن حجر، فالمفروض أن
يورده ابن حبان في " ثقات التابعين " ولكنه لم يفعل، وإنما ذكر فيهم هشام بن
زيد بن أنس البصري يروي عن أنس، وهو من رجال الشيخين، فلعله هو.
الثانية: صدقة بن عبد الله، وهو أبو معاوية السمين - ضعيف.
الثالثة: الحسن بن يحيى وهو الخشني، وهو صدوق كثير الغلط كما في " التقريب
". 6 - وحديث حذيفة لم أقف على سنده أيضا، ولم أره في " مجمع الهيثمي ".
7 - وحديث معاذ مع ضعف إسناده فهو شاهد مختصر ليس فيه إلا قوله: " من عادى
وليا فقد بارز الله بالمحاربة ". وهو مخرج في " الضعيفة " (1850) . وحديث
وهب بن منبه أخرجه أبو نعيم (4 / 32) من طريق إبراهيم بن الحكم حدثني أبي
حدثني وهب بن منبه قال: " إني لأجد في بعض كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
: إن الله تعالى يقول: ما ترددت عن شيء قط ترددي عن قبض روح المؤمن، يكره
الموت، وأكره مساءته ولابد له منه ".(4/189)
قلت: وإبراهيم هذا ضعيف، ولو صح عن وهب فلا يصلح للشهادة، لأنه صريح في
كونه من الإسرائيليات التي أمرنا بأن لا نصدق بها، ولا نكذبها. ونحوه ما
روى أبو الفضل المقري الرازي في " أحاديث في ذم الكلام " (204 / 1) عن محمد
ابن كثير الصنعاني عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: " قال الله ... " فذكر
الحديث بنحوه معضلا موقوفا. ولقد فات الحافظ رحمه الله تعالى حديث ميمونة
مرفوعا به بتمامه مثل حديث الطبراني عن عائشة. أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (
ق 334 / 1) وأبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (13 / 1 رقم 15) عن
يوسف بن خالد السمتي حدثنا عمر بن إسحاق أنه سمع عطاء بن يسار يحدث عنها. لكن
هذا إسناد ضعيف جدا لأن السمتي هذا قال الحافظ: " تركوه، وكذبه ابن معين ".
فلا يصلح للشهادة أصلا. وقد قال الهيثمي: " رواه أبو يعلى وفيه يوسف بن
خالد السمتي وهو كذاب ". وخلاصة القول: إن أكثر هذه الشواهد لا تصلح لتقوية
الحديث بها، إما لشدة ضعف إسناده، وإما لإختصارها، اللهم إلا حديث عائشة،
وحديث أنس بطريقيه، فإنهما إذا ضما إلى إسناد حديث أبي هريرة اعتضد الحديث
بمجموعها وارتقى إلى درجة الصحيح إن شاء الله تعالى، وقد صححه من سبق ذكره
من العلماء.
(تنبيه) جاء في كتاب " مبارق الأزهار شرح مشارق الأنوار " (في الباب الحادي
عشر في الكلمات القدسية (2 / 338) أن هذا الحديث أخرجه البخاري عن أنس وأبي
هريرة بلفظ:(4/190)
" من أهان لي (ويروى من عاد لي) وليا فقد بارزني بالمحاربة،
وما ترددت في شيء أنا فاعله، ما ترددت في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت
وأنا أكره مساءته، ولابد له منه، وما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل الزهد في
الدنيا، ولا تعبد لي بمثل أداء ما افترضته عليه ".
قلت: فهذا خطأ فاحش من وجوه: الأول: أن البخاري لم يخرجه من حديث أنس أصلا.
الثاني: أنه ليس في شيء من طرق الحديث التي وقفت عليها ذكر للزهد.
الثالث: أنه ليس في حديث أبي هريرة وأنس قوله: " ولابد له منه ".
الرابع: أنه مخالف لسياق البخاري ولفظه كما هو ظاهر. ونحو ذلك أن شيخ
الإسلام ابن تيمية أورد الحديث في عدة أماكن من " مجموع الفتاوي " (5 / 511
و10 / 58 و 11 / 75 - 76 و 17 / 133 - 134) من رواية البخاري بزيادة " فبي يسمع
وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ". ولم أر هذه الزيادة عند البخاري ولا عند
غيره ممن ذكرنا من المخرجين، وقد ذكرها الحافظ في أثناء شرحه للحديث نقلا عن
الطوفي ولم يعزها لأحد. ثم إن لشيخ الإسلام جوابا قيما على سؤال حول التردد
المذكور في هذا الحديث، أنقله هنا بشيء من الاختصار لعزته وأهميته، قال رحمه
الله تعالى في " المجموع " (18 / 129 - 131) : " هذا حديث شريف، وهو أشرف
حديث روي في صفة الأولياء، وقد رد هذا الكلام طائفة وقالوا: إن الله لا
يوصف بالتردد، فإنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور، والله أعلم بالعواقب
وربما قال بعضهم: إن الله يعامل معاملة التردد! والتحقيق: أن كلام رسوله حق
وليس أحد أعلم بالله من رسوله، ولا أنصح للأمة، ولا أفصح ولا أحسن بيانا
منه، فإذا كان كذلك كان المتحذلق والمنكر عليه من(4/191)
أضل الناس، وأجهلهم
وأسوئهم أدبا، بل يجب تأديبه وتعزيره ويجب أن يصان كلام رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن الظنون الباطلة والاعتقادات الفاسدة. ولكن المتردد منا، وإن
كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور (فإنه) لا يكون ما وصف
الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منا، فإن الله ليس كمثله شيء، ثم هذا
باطل (على إطلاقه) فإن الواحد يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما
في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه
لما فيه من المفسدة، لا لجهله منه بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من
وجه، كما قيل:
الشيب كره وكره أن أفارقه فاعجب لشيء على البغضاء محبوب.
وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه. بل جميع ما يريده العبد من الأعمال
الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب، وفي " الصحيح ": " حفت النار
بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره " وقال تعالى: * (كتب عليكم القتال وهو كره
لكم) * الآية. ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في الحديث، فإنه قال
: " لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " فإن العبد الذي هذا حاله صار
محبوبا للحق محبا له، يتقرب إليه أولا بالفرائض وهو يحبها، ثم اجتهد في
النوافل، التي يحبها ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق.
فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة، بحيث يحب ما يحبه
محبوبه، ويكره ما يكره محبوبه، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه، فلزم من
هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه. والله سبحانه قد قضى بالموت.
فكل ما قضى به فهو يريده ولابد منه، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه وهو
مع ذلك كاره لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت
مرادا للحق من وجه مكروها له من وجه، وهذا حقيقة التردد، وهو أن يكون الشيء
الواحد مرادا من وجه مكروها من وجه وإن كان لابد من ترجح أحد الجانبين، كما
ترجح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده. وليس إرادته لموت المؤمن
الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته ".(4/192)
وقال في مكان آخر (10 / 58 - 59) : " فبين سبحانه أن يتردد لأن التردد تعارض
إرادتين، فهو سبحانه يحب ما يحب عبده، ويكره ما يكرهه، وهو يكره الموت،
فهو يكرهه كما قال: " وأنا أكره مساءته " وهو سبحانه قد قضى بالموت فهو يريد
أن يموت، فسمى ذلك ترددا. ثم بين أنه لابد من وقوع ذلك ".
1641 - " إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف
وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالا، ومن يوق بطانة السوء فقد وقي ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (256) والترمذي في " السنن " (2 / 58 -
59) و " الشمائل المحمدية " (رقم - 134) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 /
195 - 196) والحاكم في " المستدرك " (4 / 131) وعنه البيهقي في " شعب
الإيمان " (2 / 17 / 2) من طرق عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة بن عبد
الرحمن عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الهيثم: هل
لك خادم؟ قال: لا، قال: فإذا أتانا سبي فأتنا، فأتي النبي صلى الله عليه
وسلم برأسين ليس معهما ثالث، فأتاه أبو الهيثم، قال النبي صلى الله عليه وسلم
: اختر منهما، قال: يا رسول الله اختر لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" إن المستشار مؤتمن، خذ هذا، فإني رأيته يصلي، واستوص به خيرا ". فقالت
امرأته: ما أنت ببالغ ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن تعتقه، قال
: فهو عتيق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم.. " فذكره. والسياق للبخاري،
وسياقه عند الترمذي والحاكم أتم، وقال: " صحيح على شرط الشيخين ".
ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب ".
قلت: وقوله: " المستشار مؤتمن ".(4/193)
أخرجه أبو داود (5128) وابن ماجة (
3745) أيضا من هذا الوجه. وابن ماجة أيضا (3746) والدارمي (2 / 219)
وابن حبان (1991) وأحمد (5 / 274) عن أبي مسعود الأنصاري مرفوعا. وسنده
حسن في " الشواهد "، وزعم أبو حاتم في " العلل " (2 / 274) أنه أخطأ، ولم
يتبين لي وجهه، فراجعه. والترمذي أيضا (2 / 135) من حديث أم سلمة
واستغربه. وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 190) عن سمرة. والطحاوي أيضا
وأحمد في " الزهد " (ص 32) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن مرسلا كما يأتي. وفي
الحديث عند الترمذي والحاكم زيادة: " لا تذبحن ذات در ". وهي في حديث أبي
سلمة أيضا. ثم إن الحديث قد اختلف فيه على أبي سلمة، فرواه ابنه عمرو بن أبي
سلمة عن أبيه مرسلا بالقصة، لكن ليس فيه حديث الترجمة. أخرجه أحمد والطحاوي
كما تقدم، وعمر هذا فيه ضعف فلا يعتد بمخالفته، لاسيما وقد تابع عبد الملك
ابن عمير الزهري عند النسائي (2 / 186) والطحاوي (3 / 22 - 23) وأحمد (2
/ 237 و 289) من طرق عنه عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. وعلقه البخاري (4 /
401) . وخالفهم يونس فقال: عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري
مرفوعا بلفظ: " ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة، إلا كانت له
بطانتان: بطانة(4/194)
تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه
، فالمعصوم من عصم الله ". أخرجه البخاري (4 / 255 / 401) والنسائي
والطحاوي (3 / 22) وأحمد (3 / 39 و 88) . وتابعه جمع عند البخاري معلقا
والطحاوي موصولا كلهم عن الزهري به. ويظهر لي من اتفاق كل من الطائفتين -
وجميعهم ثقة - على أن لأبي سلمة فيه شيخين، وهما أبو هريرة، وأبو سعيد.
فكان يرويه تارة عن هذا وتارة عن هذا، فتلقاهما الزهري عنه ثم تلقاه عنه كل
من الشيخين من أحد الوجهين، وهو الذي مال إليه الحافظ في " الفتح " (13 /
166) . ويقوي الوجه الأول متابعة عبد الملك بن عمير للزهري عليه. والله
أعلم. وله شيخ ثالث، فقد قال عبيد الله بن أبي جعفر حدثني صفوان عن أبي سلمة
عن أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره نحوه. علقه
البخاري، ووصله النسائي والطحاوي أيضا - لكن وقع في إسناده خلط - والطبراني
في " المعجم الكبير " (3895) .
1642 - " لو أراد الله أن لا يعصى ما خلق إبليس ".
رواه اللالكائي في " السنة " (1 / 141) والبيهقي في " الأسماء " (157)
عن إسماعيل بن عبد السلام عن زيد بن عبد الرحمن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: " يا أبو بكر لو ... ".
قلت: وهذا سند مجهول، قال الحافظ في " اللسان ":(4/195)
" إسماعيل بن عبد السلام
عن زيد بن عبد الرحمن عن عمرو بن شعيب قال ابن قتيبة في اختلاف الحديث: لا
يعرف هو ولا شيخه ".
قلت: قد جاء الحديث من غير طريقهما عن عمرو بن شعيب رواه البزار (229 -
زوائده) من طريق إسماعيل بن حماد عن مقاتل بن حيان عن عمرو بن شعيب به وفيه
قصة. وأورده ابن عروة في " الكواكب " (34 / 161 / 2) وقال: " حديث غريب،
قال عماد الدين ابن كثير: قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس ابن تيمية:
هذا حديث موضوع مختلق باتفاق أهل المعرفة ".
قلت: إسماعيل بن حماد إن كان الأشعري مولاهم فهو صدوق، وإن كان حفيد الإمام
أبي حنيفة فقد تكلموا فيه، وأيهما كان فلم يتفرد به، فقد أخرجه البيهقي من
طريق عباد بن عباد عن عمر بن ذر قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: لو أراد
الله أن لا يعصى ما خلق إبليس. وحدثني مقاتل بن حيان عن عمرو بن شعيب به
مرفوعا بلفظ الترجمة. وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات على الخلاف المعروف في عمرو
ابن شعيب، فالإسناد حسن عندي. وعباد بن عباد هو ابن علقمة المازني البصري،
ومقاتل بن حيان ثقة من رجال مسلم، وهو غير مقاتل بن سليمان المفسر المتهم،
ولعل شيخ الإسلام ابن تيمية توهم أنه هو راوي هذا الحديث وإلا فلا وجه للحكم
عليه بالوضع من حيث إسناده، فإنه ليس فيه متهم، ولا من حيث متنه، فإنه غير
مستنكر، فقد اتفق أهل السنة على أن كل شيء من الطاعات والمعاصي فبإرادة الله
تبارك وتعالى، لا يقع شيء من ذلك رغما عنه سبحانه وتعالى، لكنه يحب الطاعات
ويكره المعاصي، وقد رأيت كيف أن الخليفة الراشد احتج بهذا الحديث. وقد
أخرجه عنه عبد الله بن الإمام أحمد أيضا في " زوائد الزهد " (ص 298) من(4/196)
طريق
مصعب بن أبي أيوب قال: سمعت عمر بن عبد العزيز على المنبر يقول: فذكره. ففيه
أنه أعلن ذلك على المنبر. لكن مصعب هذا لم أعرفه. وللحديث شاهد مرفوع،
يرويه بقية عن علي بن أبي جملة عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم
ضرب كتف أبي بكر وقال: " إن الله لو شاء أن لا يعصى ما خلق إبليس ". أخرجه
أبو نعيم في " الحلية " (6 / 92) . وبقية مدلس وقد عنعنه. وعلي بن أبي
جملة لم أجد له ترجمة سوى أن أبا نعيم ذكره في كتابه مقرونا مع رجاء بن أبي
سلمة، ووصفهما بأنهما العابدان الراويان. فهو من شيوخ بقية المجهولين.
وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه صحيح لغيره. والله سبحانه وتعالى أعلم.
1643 - " لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم ".
أخرجه أبو داود (4349) والحاكم (4 / 424) عن عبد الله بن وهب حدثني معاوية
ابن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين
". ووافقه الذهبي.
قلت: معاوية بن صالح لم يحتج به البخاري، وإنما روى له في " جزء القراءة "،
وهو صدوق له أوهام، فهو على شرط مسلم وحده. وقد أخرجه أحمد (4 / 193) من
طريق ليث عنه به إلا أنه ليس صريحا في الرفع. وله شاهد من حديث سعد بن أبي
وقاص مرفوعا، وله عنه طريقان:
الأول: عن شرح بن عبيد عنه بلفظ:(4/197)
" إني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربهم أن
يؤخرهم نصف يوم ". قيل لسعد: وكم نصف ذلك اليوم؟ قال خمسمائة سنة. أخرجه
أبو داود (4350) . ورجاله ثقات لكن شريح بن عبيد لم يدرك سعيدا.
الثاني: عن أبي بكر بن أبي مريم عن راشد بن سعد عنه. أخرجه أحمد (1 / 170)
وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 117) والحاكم، وقال: " صحيح على شرط
الشيخين ". ورده الذهبي فقال: " قلت: لا والله! ابن أبي مريم ضعيف، ولم
يرويا له شيئا ".
قلت: وفي رواية أبي نعيم والحاكم زيادة: " قيل: وما نصف يوم؟ قال:
خمسمائة سنة ". وهي عند أحمد من قول سعد كما في الطريق الأولى. وفي رواية
لأبي نعيم من قول راشد. والله أعلم.
1644 - " ضع أنفك يسجد معك ".
أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 192 - 193) عن حميد بن مسعدة حدثنا
حرب بن ميمون عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس. أن النبي صلى الله عليه وسلم
أتى رجل يسجد على وجهه، ولا يضع أنفه، قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، حرب بن ميمون وهو الأصغر متروك كما قال الحافظ.
وقد رواه البيهقي (2 / 104) من طريقه معلقا وقال:(4/198)
" قال أبو عيسى الترمذي
: حديث عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا أصح ".
قلت: وهو مرسل صحيح الإسناد، وقد وصله الدارقطني والبيهقي من طريق أبي
قتيبة سلمة بن قتيبة حدثنا شعبة والثوري عن عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس
به نحوه. وقال البيهقي: " قال أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث: لم
يسنده عن سفيان وشعبة إلا أبو قتيبة، والصواب عن عاصم عن عكرمة مرسلا ".
قلت: سلم صدوق من رجال البخاري في " صحيحه " ولم يتفرد بوصله، فقد أخرجه
الطبراني في " الكبير " (رقم 11917) من طريق الضحاك بن حمرة عن منصور عن عاصم
البجلي عن عكرمة به ولفظه: " من لم يزق أنفه مع جبهته بالأرض إذا سجد لم تجز
صلاته ". والضحاك هذا مختلف فيه وقد حسن له الترمذي، وفيه ضعف لا يمنع من
الاستشهاد به. وبالجملة فالحديث صحيح عندي لأن مع مرسله الصحيح هذه الأسانيد
المتصلة، وأصله في " الصحيحين " من طريق أخرى عن ابن عباس مرفوعا بلفظ:
" أمرت أن أسجد على سبع: الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين ".
وفي رواية: " الجبهة، وأشار بيده على أنفه ". فقد اعتبر الأنف من الجبهة
في الحكم، فحكمه حكمها، فكأن حديث الترجمة مختصر منه. والله أعلم.(4/199)
1645 - " من ختم له بإطعام مسكين محتسبا على الله عز وجل دخل الجنة، من ختم له بصوم
يوم محتسبا على الله عز وجل دخل الجنة، من ختم له بقول لا إله إلا الله محتسبا
على الله عز وجل دخل الجنة ".
رواه ابن شاهين في الجزء الخامس من " الأفراد " والمخلص في " الفوائد المنتقاة
" (23 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 218 - 219) عن هشام بن
القاسم أخو روح بن القاسم قال: سمعت نعيم بن أبي هند يحدث عن حذيفة قال:
دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فرأيته يهم بالقعود وعلي عليه
السلام عنده يميد - يعني من النعاس - فقلت: يا رسول الله ما أرى عليا إلا قد
ساهرك في ليلته هذه أفلا أدنو منك؟ قال: علي أولى بذلك منك، فدنا منه علي
عليه السلام فسانده، فسمعته يقول: فذكره. وقال ابن شاهين: " هذا حديث غريب
، ولا أعرف لهشام بن القاسم حديث غير هذا ".
قلت: وهو في عداد المجهولين. فإنهم لم يذكروه. اللهم إلا ابن حبان فإنه
أورده في " الثقات " (2 / 294 من مخطوطة الظاهرية) وذكر له هذا الحديث ولم
يزد. وقد وجدت له متابعا، أخرجه ابن بشران في " الأمالي " (134 / 1) من
طريق الحسن بن أبي جعفر عن محمد بن جحادة عن نعيم بن أبي هند به مختصرا ولفظه
: " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي قبض فيه فقال لي:
" يا حذيفة من كتب (كذا ولعله: ختم) له عند الموت بشهادة أن لا إله إلا
الله صادقا دخل الجنة ". فقلت: يا رسول الله: أسر هذا أم أعلنه؟ قال: بل
أعلنه، قال فإنه لآخر شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ".(4/200)
قلت: فهذه متابعة قوية: محمد بن جحادة ثقة احتج به الشيخان في " صحيحيهما "
لكن الراوي عنه الحسن بن أبى جعفر وهو الجفري ضعيف الحديث. لكن أخرجه أحمد (
5 / 391) من طريق حماد بن سلمة عن عثمان البتي عن نعيم بن أبي هند به نحوه.
وهذا إسناد صحيح، وقال المنذري: لا بأس به. والصواب ما قلته كما بينته في
تعليقي عليه (2 / 61 - 62) وللشطر الأول منه شاهد من حديث جابر مرفوعا.
أخرجه ابن عساكر (15 / 81 / 2) . ولسائره شاهد من حديث علي مرفوعا عند
الخطيب في " الموضح " (1 / 46) .
1646 - " أولياء الله هم الذين يذكر الله لرؤيتهم ".
رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 231) والواحدي (58 / 1) والديلمي
(1 / 2 / 341) عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن
النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: * (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا
هم يحزنون) * قال: " هم الذين ... ". ورواه ابن المبارك في " الزهد " (رقم
217) : حدثنا مالك بن مغول ومسعر بن كدام عن أبي أسيد - وقال ابن حيويه عن
أبي أنس عن سعيد بن جبير قال: فذكره. ورواه ابن صاعد في زوائد " الزهد " (
218) موصولا فقال: حدثنا كثير بن شهاب بن عاصم القزويني قال: حدثنا محمد بن
سعيد بن سابق قال: حدثنا يعقوب الأشعري يعني القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس به. وجعفر بن أبي المغيرة، قال الذهبي والعسقلاني
:(4/201)
" صدوق ". زاد الثاني: " يهم ".
قلت: فالحديث حسن، لاسيما وله شواهد من حديث عمرو بن الجموح وسعد بن أبي
وقاص وأسماء بنت يزيد، عند أبي نعيم في " الحلية " (1 / 6) .
1647 - " قيلوا فإن الشياطين لا تقيل ".
أخرجه أبو نعيم في " الطب " (12 / 1 نسخة السفرجلاني) وفي " أخبار أصبهان "
(1 / 195 و 353 و 2 / 69) من طرق عن أبي داود الطيالسي حدثنا عمران القطان عن
قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير عمران القطان وهو كما قال
الحافظ: صدوق يهم. وله طريق أخرى يرويه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 2725
ج 1 / 3 / 1) عن كثير بن مروان عن يزيد أبي خالد الدالاني عن إسحاق بن عبد
الله بن أبي طلحة عن أنس به. وقال: " لم يروه عن أبي خالد إلا كثير بن مروان
".
قلت: قال الحافظ في " الفتح " (11 / 58) : " وهو متروك ".
قلت: وشيخه الدالاني ضعيف. لكن قد توبع، فأخرجه أبو نعيم في " الطب " (12
/ 1 - 2) والخطيب في " الموضح " (2 / 81 - 82) من طريق عباد بن كثير عن
سيار الواسطي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة به، وزاد في أوله: " لا
تصبحوا ".(4/202)
قلت: لكن سيار الواسطي لم أعرفه. وعباد بن كثير إن كان الرملي فضعيف، وإن
كان البصري فمتروك. وله شاهد موقوف أخرجه ابن نصر في " قيام الليل " (ص 40)
عن مجاهد: " بلغ عمر رضي الله عنه أن عاملا له لا يقيل، فكتب إليه: أما بعد
فقل، فإن الشيطان لا يقيل ". ولم يذكر مختصره المقريزي إسناده لننظر في
رجاله، وهو منقطع بين مجاهد وعمر، وقد سكت عنه السخاوي في " المقاصد
الحسنة " (ص 56) .
(تنبيه) لقد ظلم هذا الحديث من قبل من خرجه من العلماء قبلي، ممن وقفت على
كلامهم فيه كالحافظ بن حجر في " الفتح "، وتلميذه السخاوي في " المقاصد "،
ومقلده العجلوني في " كشف الخفاء " (1 / 120) ، فإنهم جميعا عزوه للطبراني فقط
وأعله الأولان منهم بكثير بن مروان، وتبعهم على ذلك المناوي فقال في " فيض
القدير ": رمز المصنف لحسنه، وليس كما ذكر، فقد قال الهيثمي: فيه كثير بن
مروان وهو كذاب. اهـ، وقال في " الفتح ": في سنده كثير بن مروان متروك "
قلت: والمناوي أكثرهم جميعا بعدا عن الصواب، فإن كلامه هذا الذي يرد به على
السيوطي. تحسينه إياه صريح أو كالصريح في أن هذا المتروك في إسناد أبي نعيم
أيضا، وليس كذلك كما عرفت من هذا التخريج، ولذلك فالمناوي مخطئ أشد خطأ،
والصواب هنا في هذه المرة مع السيوطي لأن الإسناد الأول حسن إما لذاته كما
نذهب إليه، وإما لغيره وهذا أقل ما يقال فيه، وشاهده الذي يصلح للاستشهاد
إنما هو حديث عمر، وهو وإن كان موقوفا فمثله لا يقال من قبل الرأي، بل فيه
إشعار بأن هذا الحديث كان معروفا عندهم، ولذلك لم يجد عمر رضي الله عنه ضرورة
للتصريح برفعه. والله أعلم.(4/203)
1648 - " إن خير ما ركبت إليه الرواحل مسجدي هذا، والبيت العتيق ".
أخرجه أحمد (3 / 350) وأبو يعلى (2 / 605) والبغوي في " حديث أبي الجهم "
(2 / 2) والطبراني في " الأوسط " (1 / 114 / 2) والفاكهي في " حديثه "
(1 / 15 / 1) وعنه ابن بشران في " الأمالي " (55 / 2) وعبد بن حميد في
" المنتخب من المسند " (114 / 2) من طرق عن الليث بن سعد عن أبي الزبير عن
جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره.
وقال الطبراني: " لم يروه عن الليث إلا العلاء ". كذا قال! وهو العلاء بن
موسى بن عطية أبو الجهم، وقد تعقبه الهيثمي بقوله في " زوائده ": " قلت: قد
رواه النسائي عن قتيبة عن الليث ".
قلت: والظاهر أنه يعني سنن النسائي الكبرى، وهي لم تطبع، وقد بشرني الشيخ
الفاضل عبد الصمد شرف الدين، بأنه قد وقف على نسخة كاملة منه، وهو الآن في
صدد إعدادها للطبع يسر الله له ذلك. ثم أهدى إلي الجزء الأول منه وفيه كتاب
الطهارة، يسر الله له إتمام طبعه وجزاه الله خيرا. والحديث مشهور عن الليث
، فقد أخرجه الآخرون من طرق متعددة عن الليث به، وصرح الفاكهي بتصريح أبي
الزبير بالتحديث، وهو هام في غير رواية الليث عنه، فإنه قد ثبت عن الليث أنه
لا يروي عن أبي الزبير إلا ما صرح له بالتحديث. فالإسناد صحيح على شرط مسلم.
وقد قصر المنذري في قوله في " الترغيب " (2 / 145) :(4/204)
" رواه أحمد بإسناد حسن
(!) والطبراني وابن خزيمة في " صحيحه " وابن حبان.. ". ويبدو لي أنه لم
يقف على هذا الإسناد عند أحمد، فإنه عزاه إليه بلفظ: " خير ما ركبت إليه
الرواحل مسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم ومسجدي ". ثم ذكره من طريق الطبراني
ومن بعده بلفظ الترجمة. وهذا اللفظ الثاني عند أحمد (3 / 336) من طريق ابن
لهيعة حدثنا أبو الزبير به وتابعه أيضا موسى بن عقبة عن أبي الزبير به.
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 241) ووقع فيه " ابن الزبير " وهو
خطأ من الناسخ خفي على المعلق عليه فقال: " لعله هو عروة بن الزبير ". وإنما
هو أبو الزبير، وقد روى عنه موسى بن عقبة كما ذكروا في ترجمته أعني أبا
الزبير.
1649 - " إن الله عز وجل ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ".
رواه ابن حبان في " صحيحه " (1607) والطبراني في " الكبير " (8963 و 9094)
ومحمد بن مخلد في " المنتقى من حديثه " (2 / 6 / 1) عن عاصم عن زر عن عبد
الله مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن، وهو صحيح! فإن له شاهدا قويا من حديث أبي هريرة،
وفيه بيان سبب وروده، قال رضي الله عنه: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم حنينا، فقال لرجل ممن يدعي بالإسلام: " هذا من أهل النار ". فلما حضرنا
القتال قاتل الرجل قتالا شديدا، فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله الرجل
الذي قلت له آنفا: إنه من أهل النار، فإنه قاتل اليوم شديدا وقد مات، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: " إلى النار ". فكاد بعض المسلمين أن يرتاب،(4/205)
فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنه لم يمت، ولكن به جرحا شديدا، فلما كان من
الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك،
فقال: " الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله ". ثم أمر بلالا فنادى في
الناس: " إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل
الفاجر ". أخرجه البخاري (2 / 74) ومسلم (1 / 73 - 74) وأحمد (2 / 309
) وللدارمي منه حديث الترجمة (2 / 240 - 241) . والحديث أورده الهيثمي في
" المجمع " (5 / 303) وقال: " رواه الطبراني، وفيه عاصم بن أبي النجود
وهو ثقة، وفيه كلام ". وقال أيضا: " رواه الطبراني عن النعمان بن عمرو بن
مقرن مرفوعا، وضبب عليه، ولا يستحق التضبيب لأنه صواب، وقد ذكر المزي في
ترجمة أبي خالد الوالبي أنه روى عن عمرو بن النعمان بن مقرن، والنعمان بن
مقرن.
قلت: ورجاله ثقات ". وقد جاء الحديث عن جمع آخر من الصحابة بلفظ: "....
بأقوام لا خلاق لهم ". وقد خرجها الهيثمي من حديث أبي بكرة وأنس وأبي موسى
وأخرجه عبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " (20 / 100 / 1) عن الحسن البصري
مرسلا. ووصله أبو نعيم في " الحلية " (6 / 262) والضياء في " المختارة "
(74 / 2) عنه عن أنس مرفوعا. وتابعه أبو قلابة عن أنس.(4/206)
أخرجه ابن حبان
(1606) والنسائي في " السير " (1 / 38 / 1) والضياء أيضا. وتابعه عنده
حميد عن أنس. وروي بلفظ: ".... برجال ما هم من أهله ". أخرجه الطبراني،
وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف كما قال الهيثمي: وهو بهذا اللفظ
منكر عندي لمخالفته لألفاظ الثقات، والله أعلم.
1650 - " إن الله لم ينزل داء أو لم يخلق داء إلا أنزل أو خلق له دواء، علمه من علمه
وجهله من جهله إلا السام، قالوا: يا رسول الله وما السام؟ قال: الموت ".
أخرجه الحاكم (4 / 401) من طريق شبيب بن شيبة حدثنا عطاء بن أبي رباح حدثنا
أبو سعيد الخدري مرفوعا به. سكت عليه الحاكم والذهبي، وإسناده ضعيف من
أجل شبيب هذا، ففي " التقريب ": " إنه صدوق يهم في الحديث ". إلا أن له
شواهد من حديث أسامة بن شريك بلفظ: تداووا، فإن الله ... ". ومن حديث ابن
مسعود بلفظ: " ما أنزل الله داء ... ". وقد خرجتهما في " غاية المرام " (
292) فالحديث بشواهده صحيح. وقد روي حديث ابن مسعود بنحو هذا بلفظ: " إن
الله عز وجل لم ينزل داء إلا وقد أنزل معه دواء، جهله منكم من جهله أو علمه
منكم من علمه ". أخرجه أحمد (1 / 446) حدثنا علي بن عاصم أخبرني عطاء بن
السائب قال:(4/207)
أتيت أبا عبد الرحمن فإذا هو يكوي غلاما، قال: قلت: تكويه؟
قال: نعم، هو دواء العرب، قال عبد الله بن مسعود: فذكره مرفوعا. ورجاله
ثقات غير علي بن عاصم وهو صدوق يخطىء كما في " التقريب " وقد تابعه في "
المستدرك " (4 / 399) سفيان عن عطاء به نحوه. وصححه، ووافقه الذهبي.
وله طريق أخرى بلفظ: " إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء إلا
الهرم، فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل شجر ". أخرجه الحاكم (4 / 197)
والطيالسي (رقم 368) من طريق المسعودي عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن
عبد الله بن مسعود مرفوعا به. والمسعودي كان قد اختلط. لكن له طريق أخرى
بلفظ: " ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء، فعليكم بألبان البقر فإنها ترم
من كل الشجر ". رواه النسائي في " الوليمة " (2 / 64 / 2) وابن حبان (1398
) وابن عساكر (8 / 242 / 2) عن محمد بن يوسف عن سفيان عن قيس بن مسلم عن
طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود مرفوعا.
قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين ومحمد بن يوسف هو الفريابي
ثقة وقد خالفه عبد الرحمن بن مهدي، فرواه عن سفيان به إلا أنه أرسله فلم يذكر
فيه ابن مسعود. أخرجه أحمد (4 / 315) والنسائي أيضا. ثم أخرجه من طريق
الربيع بن لوط عن قيس بن مسلم به مثل رواية الفريابي، إلا أنه أوقفه على ابن
مسعود. وابن لوط ثقة كما في(4/208)
" التقريب ". لكن الصحيح عندنا رواية الفريابي
لأنه ثقة، ومعه زيادة فهي مقبولة وقد تابعه المسعودي عن قيس بن مسلم كما
تقدم آنفا، وكأنه لذلك قال الحافظ ابن عساكر: " وهو محفوظ ". وقد كنا
خرجنا الحديث عن ابن مسعود فيما مضى برقم (518) مع متابعات أخرى، وبيان ما
في رواية ابن مهدي من الضعف. فراجعه إن شئت.
1651 - " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده
عليها ".
أخرجه مسلم (8 / 87) والترمذي (1 / 334 - 335) وأحمد (3 / 100 و 117)
من طرق عن زكريا بن أبي زائدة عن سعيد بن أبي بردة عن أنس بن مالك قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن، ولا
نعرفه إلا من حديث زكريا بن أبي زائدة ".
قلت: وهو ثقة، ولكنه كان يدلس، وقد عنعنه عندهم جميعا! لكنه يبدو أنه
قليل التدليس، ولذلك أورده الحافظ في المرتبة الثانية من رسالته " طبقات
المدلسين " وهي " المرتبة التي يورد فيها من احتمل الأئمة تدليسه، أخرجوا له
في " الصحيح " لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى كالثوري ... ". وقد روي من
طريق أخرى بلفظ: " إن الله ليدخل العبد الجنة بالأكلة أو الشربة يحمد الله
عز وجل عليها ". أخرجه الضياء في " المختارة " (115 / 1) من طريق موسى بن
سهل الثغري الوشا أنبأ إسماعيل بن علية أخبرنا حميد الطويل عن أنس بن مالك
مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات غير الوشا هذا ترجمه الخطيب في(4/209)
" التاريخ "
(13 / 48) ونقل تضعيفه عن الدارقطني، وعن البرقاني قال: ضعيف جدا. وذكر
له في " اللسان " حديثا آخر مما أخطأ في إسناده.
1652 - " إن الله ليعجب من الصلاة في الجميع ".
رواه الخطيب في " الموضح " (2 / 2 / 2) من طريق أحمد، وهذا في " المسند "
(2 / 50) : حدثنا يونس بن محمد حدثنا مرثد يعني ابن عامر الهنائي حدثني أبو
عمرو الندبي قال: حدثني عبد الله بن عمر بن الخطاب مرفوعا. وقال الخطيب
: " أبو عمرو هو بشر بن حرب ".
قلت: وهو صدوق فيه لين كما قال الحافظ، ولذا حسن حديثه هذا المنذري في "
الترغيب " (1 / 150) وتبعه الهيثمي (2 / 39) . وله شاهد واه، أخرجه ابن
عدي (75 / 1) من طريق حماد بن قيراط حدثنا صالح المري عن أبي هارون عن أبي
سعيد الخدري عن عمر بن الخطاب وأبي بن كعب مرفوعا به. وقال: شوش إسناده
حماد بن قيراط ". ثم ساقه من طريق أبي إبراهيم الترجماني حدثنا صالح المري عن
أبي هارون عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وقال: " وهذا أشبه
: الذي جاء به الترجماني عن صالح المري، من رواية حماد بن قيراط عن صالح،
وحماد عامة ما يرويه فيه نظر ".
قلت: ومداره على صالح المري وهو ضعيف عن أبي هارون وهو العبدي وهو متروك.
فالعمدة على الطريق الأولى والله أعلم.
1653 - " إن الله ليعجب إلى العبد إذا قال: لا إله إلا أنت إني قد ظلمت نفسي، فاغفر
لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: عبدي عرف أن له ربا يغفر ويعاقب
".(4/210)
أخرجه الحاكم (2 / 98 - 99) عن ميسرة بن حبيب النهدي عن المنهال بن عمرو عن
علي بن ربيعة " أنه كان ردفا لعلي رضي الله عنه، فلما وضع رجله في الركاب
قال: بسم الله، فلما استوى على ظهر الدابة قال: الحمد لله (ثلاثا) والله
أكبر (ثلاثا) ، * (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) * الآية. ثم
قال: لا إله إلا أنت سبحانك إني قد ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر
الذنوب إلا أنت، ثم مال إلى أحد شقيه فضحك، فقلت: يا أمير المؤمنين ما يضحك
؟ قال: إني كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم، فصنع رسول الله صلى الله عليه
وسلم كما صنعت فسألته كما سألتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.... "
فذكره. وقال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
قلت: النهدي هذا لم يخرج له مسلم، وإنما البخاري في " الأدب المفرد "، فهو
صحيح فقط. وقد تابعه أبو إسحاق السبيعي عن علي بن ربيعة نحوه باختصار. أخرجه
أبو داود (2602) والترمذي (2 / 255 - 256) وأحمد (1 / 97 و 115 و 128)
وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (490) من طرق عنه. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ". كذا قال، وأبو إسحاق كان اختلط، ولفظه عند أحمد أتم.
وأخرجه ابن السني (493) من طريق الأجلح عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي بن
أبي طالب به نحوه مختصرا. والأجلح فيه ضعف.(4/211)
والحارث وهو الأعور ضعيف.
(تنبيه) حديث الترجمة عزاه السيوطي في " الزيادة " لابن السني والحاكم،
وقد عرفت مما سبقت الإشارة إليه أن لفظ غير الحاكم مختصر، فإذا جاز مع ذلك
عزوه لابن السني فعزوه لغيره ممن ذكرنا معه أولى لأنهم أعلى طبقة منه، لاسيما
الإمام أحمد، فإنه أعلاهم وأجلهم وأتمهم لفظا.
1654 - " إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين ".
رواه أبو العباس الأصم في " جزء من حديثه " (188 / 2 مجموع 24) وابن حبان
(880) والروياني في " مسنده " (249 / 1) والخلال أبو عبد الله في
" المنتخب من المنتخب من تذكرة شيوخه " (48 / 1) وكذا الطبراني في " الأوسط
" (1 / 99 / 2) عن إدريس بن يحيى حدثني ابن عياش القتباني حدثني عبد الله بن
سليمان عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وقال الطبراني: " لا يروى عن ابن عمر
إلا بهذا الإسناد، تفرد به إدريس ".
قلت: وهو صدوق كما قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 265) وروى عن أبي زرعة أنه
قال فيه: " رجل صالح من أفاضل المسلمين ". ومن فوقه ثقات من رجال مسلم غير
عبد الله بن سليمان وهو المصري ولم يوثقه غير ابن حبان. وقال البزار:
" حدث بأحاديث لم يتابع عليها ".
قلت: ولعله سبب ما في " العلل " لابن أبي حاتم (1 / 243 - 244) : " سألت
أبي عن هذا الحديث؟ فقال: هذا حديث منكر ". لكن للحديث شاهد من حديث أبي
سعيد الخدري مرفوعا به.(4/212)
أخرجه أحمد (3 / 12 و 44) من طريقين عنه. وقد
تكلمت عليهما في " التعليق على الترغيب " (2 / 94) . فالحديث بمجموع ذلك حسن
. وهو الذي نقله المناوي عن السيوطي. والله أعلم.
1655 - " إن الله لا يحب العقوق، وكأنه كره الاسم ".
أخرجه أبو داود (2842) والنسائي (2 / 188) والحاكم (4 / 238) والبيهقي
(9 / 300) وأحمد (2 / 182 و 194) من طريق داود بن قيس عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة، فقال:
(فذكره) . قالوا: يا رسول الله إنما نسألك عن أحدنا يولد له: قال: " من
أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل، عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية
شاة ". ولفظه لأحمد والآخرين نحوه. ولفظ الحاكم: " لا أحب العقوق ".
وهو رواية لأحمد. وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي.
وإنما هو حسن فقط، للخلاف المعروف في عمرو بن شعيب. نعم له شاهد أخرجه مالك
(2 / 500 / 1) عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه أنه قال: فذكره
بلفظ الحاكم.
قلت: وهذا شاهد لا بأس به، فالرجل الضمري شيخ زيد بن أسلم الظاهر أنه تابعي
إن لم يكن صحابيا، فإن زيد هذا من التابعين الثقات، فالحديث به صحيح.
(مكافئتان) يعني متساويتين في السن. وقيل: أي مستويتان، أو متقاربتان.
واختار الخطابي الأول، كما في " النهاية ".(4/213)
و (الشاة) : الواحدة من الضأن
والمعز والظباء والبقر والنعام وحمر الوحش. كما في " المعجم الوسيط ".
1656 - " إن الله لا ينظر إلى مسبل الإزار ".
أخرجه النسائي (2 / 299) وأحمد (1 / 322) من طريقين عن أشعث قال: سمعت
سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وأشعث هو ابن أبي الشعثاء. وله
شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به إلا أنه قال: " ... المسبل يوم القيامة ".
أخرجه أحمد (2 / 318) بإسناد صحيح على شرط الشيخين أيضا. وقد رواه مسلم (6
/ 148) عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة ورأى رجلا يجر إزاره، فجعل
يضرب الأرض برجله، وهو أمير على (البحرين) وهو يقول: جاء الأمير جاء
الأمير! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره بلفظ: " ... إلى من يجر
إزاره بطرا ". ثم أخرجه عن ابن عمر مرفوعا بلفظ: " إن الذي يجر ثيابه من
الخيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة ".
1657 - " إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ".
أخرجه الترمذي (2 / 138) والحاكم (3 / 487) وأبو يعلى (3 / 1129) من
طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائما
يفاخر عن(4/214)
رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: ينافح عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح غريب ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي.
وفي رواية له عن ابن أبي الزناد عن أبيه وهشام بن عروة.... وقد أخرجه أحمد
(6 / 72) عنه عن أبيه عن عروة به. فيبدو أن لعبد الرحمن بن أبي الزناد فيه
شيخين: والده أبو الزناد وهشام بن عروة، فكان يرويه تارة عن هذا وتارة عن
هذا، وتارة يجمعهما. والله أعلم، وهو في نفسه ثقة، وقد تكلم فيه بعضهم
على تفصيل حققه العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله تعالى في كتاب "
التنكيل " فليراجعه من شاء (1 / 33 - 34) .
1658 - " إن الله تبارك وتعالى يبتلي عبده بما أعطاه، فمن رضي بما قسم الله عز وجل
له بارك الله له فيه ووسعه، ومن لم يرض لم يبارك له فيه ".
أخرجه أحمد (5 / 24) عن أبي العلاء بن الشخير حدثني أحد بني سليم - ولا
أحسبه إلا قد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وجهالة الصحابي لا تضر.
1659 - " إن الله يبعث ريحا من اليمن، ألين من الحرير، فلا تدع أحدا في قلبه مثقال
حبة من إيمان إلا قبضته ".
أخرجه مسلم (1 / 76) والبخاري في " التاريخ " (3 / 109 / 1) والسراج في
" مسنده " (5 / 88 - 89) والحاكم (4 / 455) من طريق صفوان بن سليم عن عبد
الله بن سليمان الأغر عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم:(4/215)
" صحيح الإسناد ولم يخرجاه
". ووافقه الذهبي.
قلت: فوهما مرتين: استدراكه على مسلم وقد أخرجه. وتصحيحه تصحيحا مطلقا غير
مقيد بكونه على شرط مسلم. ولعل هذا الوهم هو منشأ تقصير السيوطي في " الجامع
الصغير " في عزوه الحديث للحاكم فقط. وانطلى ذلك على المناوي فلم يستدرك عليه
خلافا لغالب عادته، والغريب أنه قد عزاه في " الجامع الكبير " (1 / 156 / 2
) لمسلم أيضا! فأصاب.
1660 - " الدال على الخير كفاعله ".
ورد من حديث أبي مسعود البدري وعبد الله بن مسعود وسهل بن سعد وبريدة بن
الحصيب وأنس بن مالك وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر.
1 - أما حديث أبي مسعود فيرويه الأعمش عن أبي عمرو الشيباني: سعيد بن إياس
الأنصاري عنه مرفوعا به. أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 484) وأحمد
(5 / 274) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 16 - 17) وابن حبان في "
صحيحه " (867 و 868) وابن عبد البر في " الجامع " (1 / 16) من طرق عن
الأعمش به. واللفظ للخرائطي، ولفظ ابن حبان: " أتى رجل النبي صلى الله
عليه وسلم فسأله، فقال: ما عندي ما أعطيك، ولكن ائت فلانا، فأتاه الرجل،
فأعطاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من دل على خير فله مثل أجر
فاعله ". ولفظ الطحاوي مثله إلا أنه قال: " الدال على الخير له كأجر فاعله "
. قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه مسلم (6 / 41)(4/216)
باللفظ
الثاني وهو رواية لأحمد (4 / 120) وأبي داود (5129) والترمذي (2 / 112
) وقال: " حسن صحيح ". وخالفهم أبان بن تغلب فقال: عن الأعمش عن أبي عمرو
الشيباني عن عبد الله بن مسعود قال: فذكره. أخرجه الخرائطي (ص 16) وأبو
نعيم في " الحلية " (6 / 266) .
قلت: وأبان بن تغلب ثقة احتج به مسلم، لكن رواية الجماعة أصح (1) . على أنه
قد روي من طريق أخرى عن ابن مسعود وهو الآتي:
2 - وأما حديث ابن مسعود، فيرويه عيسى بن المختار عن ابن أبي ليلى عن فضيل بن
عمرو عن أبي وائل عنه مرفوعا بلفظ الترجمة. أخرجه البزار (رقم - 154) وقال
: " لا نعلمه مرفوعا عن عبد الله إلا بهذا الإسناد ".
قلت: وهو ضعيف لسوء حفظ ابن أبي ليلى.
3 - وأما حديث سهل فيرويه العائشي حدثنا عمران بن يزيد القرشي عن أبي حازم عنه
به. أخرجه الطحاوي حدثنا محمد بن علي بن داود حدثنا العائشي به.
قلت: ورجاله ثقات كلهم لكنه منقطع بين القرشي وأبي حازم، فإن روايته إنما
هي عن أتباع التابعين، فلعل الواسطة بينهما سقطت من الطابع أو الناسخ.
_________
(1) ثم رأيت ابن عدي في " الكامل " (93 / 1) والخطيب في " التاريخ " (7 / 383) قد نصا على أن رواية أبان خطأ وأن الخطأ ممن دونه. والله أعلم. اهـ.(4/217)
4 - وأما حديث بريدة فيرويه أبو حنيفة في " مسنده " (ص 160 بشرح القاري) عن
علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه مرفوعا به. ومن طريق أبي حنيفة
أخرجه أحمد (5 / 357) ولكنه لم يسمه عمدا كما قال ابنه عبد الله. قال: كذا
قال أبي لم يسمه على عمد، وحدثناه غيره فسماه، يعني أبا حنيفة. وإليه أشار
الهيثمي بقوله في " المجمع " (1 / 166) : " وفيه ضعيف ومع ضعفه لم يسم ".
قلت: ورواه سليمان الشاذكوني حدثنا ابن يمان عن سفيان عن علقمة به، وزاد:
" والله يحب إغاثة اللهفان ". أخرجه تمام في " الفوائد " (227 / 2) وابن
عدي في " الكامل " (162 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 333 - 334
) وقال ابن عدي: " لا أعرفه إلا عن الشاذكوني، وهو حافظ ماجن عندي، ممن
يسرق الحديث ".
قلت: كذبه ابن معين وغيره، ورماه غير واحد بوضع الحديث، ومن الغريب أن
أبا نعيم لم يذكر في ترجمته جرحا ولا تعديلا! فكأنه خفي عليه حاله. هذا،
ولقد أبعد الشيخ البنا في شرحه على " الفتح الرباني " (19 / 72) ، فإنه قال
عقب قول الهيثمي المتقدم: " قلت: أبو حنيفة المسمى في السند، قال الحافظ في
" التقريب ": أبو حنيفة الكوفي والد عبد الأكرم مجهول أهـ ".
قلت: وهذا خطأ مزدوج:
الأول: أنه ليس هو هذا وإنما هو الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت المشهور(4/218)
وهو ليس مجهولا بل هو معروف بالصدق، ولكنه ضعيف الحفظ كما كنت حققته في
المجلد الأول من " الضعيفة "، وإن لم يرق ذلك لمتعصبة الحنفية، وغيرهم من
ذوي الأهواء! ولذلك لم يسمه شيخ الإمام أحمد إسحاق بن يوسف، وعمدا فعل ذلك
كما تقدم عن أحمد.
والآخر: أنه وهم على الحافظ، فإن تمام كلامه في " التقريب ": " من الثالثة
". أي أنه من الطبقة الوسطى من التابعين الذين لهم رواية عن بعض الصحابة،
وأبو حنيفة الإمام ليس كذلك، فإن الحافظ ذكر في ترجمته أنه من الطبقة السادسة -
أي من صغار التابعين الذين لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة. وأبو حنيفة
الراوي هنا بينه وبين صحابي الحديث راويان: علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة
، فكيف يعقل أن يكون هو والد عبد الأكرم الذي يروي عن بعض الصحابة؟ ! وهذا
يقال إذا ما وقفنا في ذلك عند كتاب " التقريب " فقط، وأما إذا رجعنا إلى "
التهذيب " فستزداد يقينا في خطأ الشيخ المزدوج حين نجده يقول في ترجمة الأول:
" روى عن سليمان بن هود، وعنه ابنه ". وذكر في ترجمة الإمام أنه روى عن جمع
منهم علقمة بن مرثد!
5 - وأما حديث أنس فيرويه شبيب بن بشر عنه قال: " أتى النبي صلى الله عليه
وسلم رجل يستحمله، فلم يجد عنده ما يتحمله، فدله على آخر فحمله، فأتى النبي
صلى الله عليه وسلم، فأخبره فقال ... " فذكره بلفظ الترجمة بزيادة: " إن
الدال ... ". أخرجه الترمذي وقال:(4/219)
" حديث غريب من هذا الوجه من حديث أنس عن
النبي صلى الله عليه وسلم ".
قلت: وإسناده حسن، رجاله موثوقون، والسبب الذي فيه هو عند مسلم وغيره من
حديث أبي مسعود المتقدم، فهو شاهد قوي له. وقد تابعه على حديث الترجمة زياد
ابن ميمون الثقفي عنه مرفوعا به وزاد: " والله يحب إغاثة اللهفان ". أخرجه
أبو يعلى في " مسنده " (3 / 1063) وابن أبي الدنيا في " قضاء الحوائج " (ص
78) وابن عبد البر في " الجامع " دون الزيادة.
قلت: وزياد هذا متروك، وكذبه يزيد بن هارون. وأخرجه البزار في " مسنده "
(رقم - 1951) لكن وقع فيه: زياد النميري، وكذا قال المنذري (1 / 72) بعد
أن عزاه إليه: " فيه زياد بن عبد الله النميري وقد وثق، وله شواهد ". كذا
قال والنميري أحسن حالا من الثقفي والله أعلم. وهذه الزيادة رويت من طريق
أبي العباس محمد بن يونس السامي حدثنا أزهر بن سعد حدثنا ابن عون عن محمد بن
سيرين عن أبي هريرة مرفوعا. أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (15 / 72 / 2
) .
قلت: والسامي هذا هو الكديمي متهم بالوضع.
6 - وأما حديث ابن عباس فيرويه طلحة بن عمرو عن عطاء عنه رفعه وزاد:
" والله يحب إغاثة اللهفان ". أخرجه أبو القاسم القشيري في " الأربعين "
(157 / 2) والبيهقي في " الشعب " (2 / 449 / 2) .(4/220)
قلت: وطلحة متروك.
7 - وأما حديث ابن عمر فيرويه سفيان بن وكيع حدثنا زيد بن الحباب عن موسى بن
عبيدة عن طلحة بن عبيد الله بن كرز عنه مرفوعا به. أخرجه ابن عدي (183 / 2)
وأعله بأن غير سفيان أرسله لم يذكر فيه ابن عمر.
قلت: وهو ضعيف كان يتلقن، وموسى ضعيف أيضا. وجملة القول: أن حديث
الترجمة صحيح بلا ريب، بخلاف الزيادة. والله أعلم.
1661 - " إن الله عز وجل يخرج قوما من النار بعدما لا يبقى منهم فيها إلا الوجوه،
فيدخلهم الله الجنة ".
أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (100 / 1) من طريق عطية عن أبي
سعيد مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عطية وهو العوفي ضعيف مدلس. لكن الحديث في " صحيح
البخاري " (4 / 463 - 464) من طريق أخرى عن أبي سعيد مرفوعا، فذكر حديث
الشفاعة بطوله، وفيه: " فيقول الله تعالى: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال
دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرم الله صورهم على النار ... ". والصور هنا
الوجوه، فهو شاهد قوي للحديث ولذلك أوردته هنا في " الصحيحة ".
1662 - " إن الله يقول: إن عبدا أصححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة، تمضي عليه
خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم ".(4/221)
ورد من حديث أبي سعيد وأبي هريرة.
1 - أما حديث أبي سعيد فيرويه العلاء بن المسيب عن أبيه عنه مرفوعا به. أخرجه
أبو يعلى في " مسنده " (1 / 289 - 290) وابن حبان (960) وأبو بكر
الأنباري في " الأمالي " (10 / 2) وابن مخلد العطار في " المنتقى من أحاديثه
" (2 / 85 / 2) والقاضي الشريف أبو الحسين في " المشيخة " (1 / 178 / 1)
والبيهقي في " السنن " (5 / 262) والخطيب في " التاريخ: (8 / 318) كلهم
من طريق خلف بن خليفة عن العلاء به.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم إلا أن خلفا هذا كان اختلط، لكنه قد
توبع. فقال الخطيب عقبه: " رواه سفيان الثوري عن العلاء مثل رواية خلف بن
خليفة ".
قلت: وصله عبد الرزاق عن سفيان به. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 110 /
1) وكذا الدبري في " حديثه " عن عبد الرزاق (173 / 2 - 174 / 1) إلا أنه
قال: " عن أبيه أو عن رجل عن أبي سعيد ". وقال الطبراني: " لم يرفعه عن
سفيان إلا عبد الرزاق ".
قلت: وهو ثقة حجة ما لم يخالف. وخالفهما محمد بن فضيل فقال: عن العلاء بن
المسيب عن يونس بن خباب عن أبي سعيد به. أخرجه أبو بكر الأنباري والخطيب
البغدادي وعلقه البيهقي.(4/222)
قلت: ومحمد بن فضيل بن غزوان ثقة محتج به في " الصحيحين "، فروايته أصح من
رواية خلف بن خليفة، لكن متابعة الثوري لخلف مما يقوي روايته ويرجحها على
رواية ابن فضيل، وبذلك يصير الإسناد صحيحا، لكن لعل الأولى أن يقال بصحة
الروايتين، وأن للعلاء فيه إسنادين عن أبي سعيد، فكان تارة يرويه عن أبيه
عنه، وتارة عن يونس بن خباب عنه. فروى عنه كل من خلف والثوري وابن فضيل ما
سمع. والله أعلم.
2 - وأما حديث أبي هريرة، فله عنه طريقان:
الأولى: عن صدقة بن يزيد الخراساني قال: حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه
عنه مرفوعا به. أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (188) وابن عدي (201 / 2)
والبيهقي أيضا والواحدي في " الوسيط " (1 / 125 / 2) وابن عساكر (8 / 142
/ 2) من طريق الوليد بن مسلم حدثنا صدقة بن يزيد به. وقال العقيلي: " وفيه
رواية عن أبي سعيد الخدري، فيها لين أيضا ". وقال ابن عدي: " وهذا عن
العلاء منكر كما قاله البخاري، ولا أعلم يرويه عن العلاء غير صدقة، وإنما
يروي هذا خلف بن خليفة - وهو مشهور به وروى عن الثوري أيضا - عن العلاء بن
المسيب عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلعل صدقة
هذا سمع بذكر العلاء فظن أنه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة،
وكان هذا الطريق أسهل عليه وإنما هو العلاء بن المسيب عن أبيه عن أبي سعيد "
. قلت: وصدقة هذا ضعفه جمع، فهو بمثل هذا النقد حري، لكن لعل الطريق الآتية
تقويه. والله أعلم.
الأخرى: عن قيس بن الربيع عن عباد بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة به.
أخرجه الخطيب في " الموضح " (1 / 152) .(4/223)
قلت: وعباد اسمه عبد الله بن أبي صالح لين الحديث كما في " التقريب " ومثله
قيس بن الربيع، وضعفهما من قبل حفظهما، فمثلهما يستشهد بحديثه.
وجملة القول: إن الحديث صحيح قطعا بمجموع هذه الطرق. والله أعلم.
(فائدة) قال المنذري في " الترغيب " (2 / 134) : " رواه ابن حبان في
" صحيحه " والبيهقي وقال: قال علي بن المنذر أخبرني بعض أصحابنا قال: كان
حسن بن حي يعجبه هذا الحديث، وبه يأخذ، ويحب للرجل الموسر الصحيح أن لا
يترك الحج خمس سنين ".
1663 - " إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي إن خيرا فخير وإن شرا فشر ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم 8115 بترقيمي) ومن طريقه أبو نعيم في
" الحلية " (9 / 306) عن عمرو بن واقد عن يونس بن ميسرة بن حلبس قال:
" دخلنا على يزيد بن الأسود فدخل عليه واثلة، فلما نظر إليه مد يده، فأخذ
بيده فمسح بها وجهه وصدره لأنه بايع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال
له: يا يزيد كيف ظنك بربك؟ قال: حسن، قال: أبشر فإني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: " فذكره. وقال الطبراني: " لم يروه عن يونس إلا عمرو
".
قلت: وهو متروك كما في " التقريب ". لكن قد جاء من طريق أخرى قوية، أخرجه
الطبراني أيضا رقم (396) وابن حبان (716) من طريق محمد بن المهاجر عن يزيد
ابن عبيدة عن حيان أبي النضر قال: " خرجت عائدا ليزيد بن الأسود، فلقيت واثلة
ابن الأسقع وهو يريد عيادته، فدخلنا عليه ... " فذكره بلفظ:(4/224)
" إن ظن بي خيرا
فله، وإن ظن شرا فله ". وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات مترجمون في " التهذيب
" غير حيان أبي النضر وقد وثقه ابن معين، وقال ابن أبي حاتم (1 / 2 / 245)
عن أبيه: " صالح ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (3 / 48) . ومحمد بن
المهاجر هو الأنصاري الشامي الثقة وليس محمد بن مهاجر القرشي الكوفي الضعيف.
والحديث أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (909) وعنه الدارمي (2 / 305)
وأحمد (3 / 491 و 4 / 106) وابن حبان أيضا (717 - 718 و 2393 و 2468)
والدولابي في " الكنى " (2 / 137 - 138) والحاكم (4 / 240) من طريق هشام
ابن الغاز عن حيان أبي النضر به إلا أنه قال: " فليظن بي ما شاء ". وقال
الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي في " تلخيصه "، لكن وقع فيه
" صحيح (م) "، وهو خطأ من الناسخ أو الطابع. وللحديث شاهد من حديث أبي
هريرة مرفوعا به مثل لفظ ابن المهاجر. أخرجه أحمد (2 / 391) وابن حبان (
2394) ، وسنده صحيح.
1664 - " إن المعونة تأتي من الله على قدر المؤنة، وإن الصبر يأتي من الله على قدر
البلاء ".
روي من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك.
1 - أما حديث أبي هريرة، فله عنه طرق: الأولى: عن أبي الزناد عن الأعرج عن
أبي هريرة.(4/225)
أخرجه البزار في " مسنده " (ص 156 زوائد ابن حجر) والفاكهي في
" حديثه " (1 / 20 / 1) وابن عدي في " الكامل " (206 / 1) عن طارق - زاد
البزار والفاكهي: وعباد بن كثير - عن أبي الزناد به، وقال البزار: " لا
نعلمه عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد ". كذا قال، ويرده ما يأتي. وقال ابن
عدي: " طارق بن عمار يعرف بهذا الحديث، قال البخاري: لا يتابع عليه ".
قلت: كذا قال الإمام البخاري، وفيه نظر، فقد قال بقية: حدثني معاوية بن
يحيى عن أبي الزناد به. أخرجه ابن شاهين في " الترغيب والترهيب " (297 / 2)
وابن عدي أيضا (335 / 2) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 83 / 2) ، وقال
ابن عدي: " معاوية بن يحيى الأطرابلسي بعض رواياته مما لا يتابع عليه ".
قلت: وهذا تضعيف لين، ومثله قول الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أوهام،
وغلط من خلطه بالذي قبله ". (يعني معاوية بن يحيى الصدفي) . فقد قال ابن
معين وأبو حاتم وغيرهما: " الأطرابلسي أقوى من الصدفي، وعكس الدارقطني ".
قلت: فمثله حسن الحديث عند المتابعة على الأقل، وقد تابعه طارق بن عمار كما
تقدم. وقد قال المنذري فيه (3 / 81) : " فيه كلام قريب، ولم يترك ".(4/226)
قلت: فمثله يستشهد به، فالحديث عندي حسن بمجموع الروايتين. وله متابع ثالث
، فقد ذكر ابن عدي في ترجمة محمد بن عبد الله، ويقال: ابن الحسن (307 / 2)
أنه رواه عن أبي الزناد به.
قلت: ومحمد هذا هو ابن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب الملقب
بالنفس الزكية، وهو ثقة كما قال النسائي وغيره. وقول البخاري في حديثه:
" لا يتابع عليه " لا يضره، بعد ثبوت عدالته عند من وثقه كما لا يخفى على أهل
المعرفة بهذا العلم الشريف. فالحديث بهذه المتابعة صحيح. وثمة متابعة رابعة
ولكنها مما لا يفرح به، وهي متابعة عباد بن كثير المتقدمة والمقرونة مع
طارق عند البزار. وقد أخرجها الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " (ص 102 -
زوائده) والديلمي (1 / 2 / 246 - 247) من طريق ابن لال معلقا عن عبد الرحمن
ابن واقد حدثنا وهب بن وهب حدثنا عباد بن كثير به. وعباد بن كثير وهو الثقفي
البصري متروك، فلا يستشهد به. وسند الديلمي إليه ساقط هالك، لكن إسناد
البزار إليه قوي.
الطريق الأخرى: عن يزيد بن صالح أخبرنا خارجة عن عباد بن كثير عن أبي الزناد
عن أبي صالح عن أبي هريرة به. أخرجه ابن عساكر (5 / 205 / 2) . وعباد بن
كثير متروك كما تقدم، ومن دونهما لم أعرفهما الآن.
2 - وأما حديث أنس فيرويه داود بن المحبر قال: أخبرنا العباس بن رزين السلمي
عن {خلاس} بن يحيى التميمي عن ثابت البناني عنه مرفوعا. أخرجه أبو جعفر
البختري في " ستة مجالس من الأمالي " (ق 114 / 2) .
قلت: وداود بن المحبر متهم بالوضع فلا يستشهد به.(4/227)
ثم رأيت ابن أبي حاتم قد
أعل حديث الأطرابلسي بعلة غريبة فقال (2 / 126) : " قال أبي: هذا حديث منكر
يحتمل أن يكون بين معاوية وأبي الزناد عباد بن كثير وهو عندي الأطرابلسي ".
قلت: وهذا احتمال مردود يمكن ادعاؤه في كل الروايات الثابتة عن الثقات،
فمثله لا يقبل إلا بحجة، وهو لم يذكرها. نعم ذكرها في مكان آخر فلما وقفت
عليها تبين ضعفها، وتأكد رد الاحتمال، فقال (2 / 133) عن أبيه: " كنت
معجبا بهذا الحديث حتى ظهرت لي عورته، فإذا هو معاوية عن عباد بن كثير عن أبي
الزناد. قال أبو زرعة: الصحيح ما رواه الدراوردي عن عباد بن كثير عن أبي
الزناد. فبين معاوية بن يحيى وأبي الزناد عباد بن كثير، وعباد ليس بالقوي "
. قلت: لا يلزم من رواية الدراوردي إياه عن عباد أن تكون رواية غيره عن أبي
الزناد من طريقه عنه، ألست ترى أنه قد رواه مع معاوية طارق بن عمار ومحمد بن
عبد الله بن الحسن ثلاثتهم عن أبي الزناد به. فادعاء أن بين هؤلاء الثلاثة
وبين شيخهم أبي الزناد - عباد المتروك دعوى باطلة مردودة لا يخفى فسادها.
وإني لأعجب من هذا الإمام كيف ذهب إليها!
(المؤنة) ويقال: (المؤونة) : القوت، والجمع (مؤن) و (مؤونات) كما
في " المعجم الوسيط ".
1665 - " إن الله عز وجل ينشئ السحاب فينطق أحسن النطق، ويضحك أحسن الضحك ".
أخرجه أحمد (5 / 435) والعقيلي (ص 10) وابن منده في " المعرفة (2 / 279
/ 1) والرامهرمزي في " الأمثال " (ص 154 - هند) والبيهقي في " الأسماء "(4/228)
(ص 475) والكلاباذي في " مفتاح المعاني " (90 / 1 - 2) من طرق عن إبراهيم
ابن سعد أخبرني أبي قال: " كنت جالسا إلى جنب حميد بن عبد الرحمن في المسجد،
فمر شيخ جميل من بني غفار، وفي أذنيه صمم أو قال: وقر، فأرسل إلى حميد،
فلما أقبل، قال: يا ابن أخي أوسع له فيما بيني وبينك، فإنه قد صحب رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فجاء حتى جلس فيما بيني وبينه، فقال له حميد: هذا
الحديث الذي حدثتني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال الشيخ: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وجهالة الصحابي لا تضر.
وقد سماه بعض الضعفاء أبا هريرة! أخرجه العقيلي والرامهرمزي في " الأمثال "
من طريق عمرو بن الحصين قال: حدثنا أمية بن سعد الأموي قال: أخبرنا صفوان بن
سليم عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة مرفوعا به وزاد: " وضحكه
البرق، ومنطقه الرعد ". ساقه العقيلي في ترجمة أمية هذا وقال فيه: " مجهول
في حديثه وهم ولعله أتي من عمرو بن الحصين ".
قلت: وإعلاله به أولى فإنه كذاب، فالاعتماد على الطريق الأولى.
1666 - " إن الله يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بآبائكم، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (60) وابن ماجة (3661) والحاكم (4 /
151) وأحمد (4 / 131 و 132) من طريق بقية وإسماعيل بن عياش عن بحير بن
سعيد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معدي كرب الكندي عن النبي صلى الله
عليه وسلم. وقال الحاكم:(4/229)
" إسماعيل بن عياش أحد أئمة أهل الشام، وإنما نقم
عليه سوء الحفظ فقط ".
قلت: التحقيق، أن النقمة المذكورة إنما هي في روايته عن غير الشاميين وأما
روايته عنهم فهي صحيحة كما صرح بذلك جمع من الأئمة كالبخاري وغيره. ولذلك
فهذا الإسناد صحيح، لأن شيخه بحير بن سعيد شامي. فما في حاشية ابن ماجة نقلا
عن " الزوائد ": " في إسناده إسماعيل وروايته عن الحجازيين ضعيفة كما هنا ".
قلت: فهذا خطأ، ولا أدري ممن هو، فإن نسختنا المصورة من " الزوائد " ليس
فيها (ق 244 / 2) هذا الكلام، وإنما فيها عزو الحديث للمسند والبيهقي،
فلعل ذلك وقع في بعض النسخ منه. ثم إنه خطأ في نفسه، فلعل القائل تحرف عليه
اسم " بحير "، فظنه " يحيى "، ويحيى بن سعيد مدني. والله أعلم.
1667 - " القتيل في سبيل الله شهيد والطعين في سبيل الله شهيد والغريق في سبيل الله
شهيد والخار عن دابته في سبيل الله شهيد والمجنوب في سبيل الله شهيد. قال
محمد (يعني ابن إسحاق) : المجنوب: صاحب الجنب ".
أخرجه أحمد (2 / 441 - 442) من طريق محمد يعني ابن إسحاق عن أبي مالك بن
ثعلبة بن أبي مالك القرظي عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي هريرة قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما تعدون الشهيد؟ " قالوا: الذي
يقاتل في سبيل الله حتى يقتل. قال: " إن الشهيد في أمتي إذا لقليل. القتيل
في سبيل الله شهيد ... " الحديث.
قلت: وإسناده حسن، رجاله كلهم ثقات لولا أن ابن إسحاق مدلس، وقد(4/230)
عنعنه.
لكن الحديث صحيح، فإن له شواهد كثيرة إلا في (الخار) ، فإن له شاهدا من حديث
أبي مالك الأشعري مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 37) . وإنما خرجت هذا هنا
لأن السيوطي اقتصر في رسالته " أبواب السعادة " (رقم 58 - مصر (في عزوه على
البيهقي، ولم يعزه محققه الأستاذ نجم عبد الرحمن خلف لأحمد، وهو على شرط
الهيثمي، ولم يورده في أبواب " الجهاد " ولا " الجنائز ". ويشهد له حديث
عقبة بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صرع عن دابته فهو
شهيد ". أخرجه أبو يعلى (2 / 486) والطبراني في " المعجم الكبير " (17 /
323 / 892) واللفظ له ولفظ أبي يعلى: " ... في سبيل الله فمات فهو شهيد ".
وإسناد الطبراني صحيح، وكذلك إسناد أبي يعلى لولا أنه وقع فيه: " عبد الله
ابن وهب عن عمرو بن مالك ... " وعمرو هذا لم أعرفه، والظاهر أنه محرف من
" عمرو بن الحارث " كذلك وقع في " الطبراني " وهو من شيوخ ابن وهب المعروفين.
ويبدو أنه وقع كذلك في نسخة " أبي يعلى " لدى الهيثمي، فإنه قال (5 / 283)
: " رواه أبو يعلى وفيه من لم أعرفه ". ثم ذكره في مكان آخر (5 / 301) بلفظ
الطبراني وقال: " ورجاله ثقات ".
1668 - " تعلمون المعاد إلى الله، ثم إلى الجنة أو إلى النار، وإقامة لا ظعن فيه،
وخلود لا موت في أجساد لا تموت ".
أخرجه الحاكم (1 / 83) من طريق مسلم بن خالد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن(4/231)
أبي حسين عن ابن سابط عن عمرو بن ميمون الأودي قال: " قام فينا معاذ بن
جبل فقال: يا بني أود! إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ". فذكره
وقال: " صحيح الإسناد، ومسلم بن خالد الزنجي إمام أهل مكة ومفتيهم، إلا
أن الشيخين قد نسباه إلى أن الحديث ليس من صنعته ". وأقره الذهبي. وقال
الحافظ في " التقريب ": " فقيه، صدوق، كثير الأوهام ".
قلت: ولكنه لم يتفرد به، فقد أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 396)
بنحوه دون الجملة الأخيرة منه وقال: " رواه الطبراني في " الكبير "
و" الأوسط " بنحوه، وزاد فيه: " في أجساد لا تموت "، وإسناد " الكبير "
جيد إلا أن ابن سابط لم يدرك معاذا. قلت: الذي سقط بينهما عمرو بن ميمون
الأودي كما رواه الحاكم.. ". ثم ذكر كلام الحاكم المتقدم وأقره.
قلت: الحديث له شواهد كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما في ذبح الموت في ثورة
كبش وفيه: " ثم ينادي المنادي: يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار
خلود فلا موت ". فهو بها صحيح. والله أعلم.
1669 - " إن جبريل عليه السلام حين ركض زمزم بعقبه جعلت أم(4/232)
إسماعيل تجمع البطحاء،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رحم الله هاجرا أم إسماعيل، لو تركتها كانت
عينا معينا ".
رواه عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (5 / 121) وابن حبان (1028)
وأبو بكر المقريء في " الفوائد " (1 / 109 / 1) وابن عساكر (19 / 279 / 2
) عن حجاج الشاعر حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت أيوب يحدث عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم به. ومن هذا
الوجه رواه ابن شاهين في " الأفراد " (5 / 32 - 33) ثم قال: " حديث غريب،
تفرد به حجاج بن الشاعر، لا أعلم قال فيه: " عن ابن عباس عن أبي بن كعب " غير
حجاج ومحمد بن علي بن الوضاح البصري عن وهب بن جرير، ورواه حماد بن زيد
وابن علية عن أيوب عن ابن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس لم يذكر فيه أبي
ابن كعب ".
قلت: وهذا اختلاف لا يضر لأن غاية ما يمكن أن يؤخذ منه أن الصواب فيه أنه من
مسند ابن عباس، وليس من مسند أبي، وابن عباس صحابي مشهور ولكنه كان صغيرا
قد ناهز الحلم حين وفاته صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن سمعه منه، فقد سمعه
من بعض الصحابة عنه، فهو مرسل صحابي ومراسيل الصحابة حجة، ورجال السند كلهم
ثقات رجال مسلم فالسند صحيح.
(ركض) أي ضرب. في " النهاية ": " أصل الركض: الضرب بالرجل والإصابة بها
كما تركض الدابة وتصاب بالرجل ". والحديث أخرجه البخاري (رقم 3362 - فتح)
وأحمد (1 / 360) من طريق أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن
عباس مرفوعا نحوه. ثم أخرجه البخاري (2368 و 3364) وأحمد (1 / 347) من
طريق أيوب(4/233)
السختياني وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة - يزيد أحدهما على
الآخر - عن سعيد بن جبير به. وقد تكلم الحافظ على اختلاف الرواة في إسناده
مبسطا، وانتهى إلى أنه خلاف لا يضر، فمن شاء الاطلاع عليه فليرجع إلى " فتح
الباري " (6 / 401 - 402 - السلفية) .
1670 - " نهى عن الإقعاء والتورك في الصلاة ".
أخرجه أحمد (3 / 233) والسراج في " مسنده " (4 / 73 / 1) عن يحيى بن
إسحاق السيلحيني حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس مرفوعا. وقال
البيهقي: " تفرد به يحيى بن إسحاق السيلحيني عن حماد بن سلمة ".
قلت: وهما ثقتان من رجال مسلم، فالإسناد صحيح، لكن قال عبد الله بن أحمد
عقب روايته لهذا الحديث في مسند أبيه: " كان أبي قد ترك هذا الحديث ".
قلت: لعل سبب الترك أنه قد ثبت كل من الإقعاء والتورك في الصلاة عن النبي صلى
الله عليه وسلم من فعله في موضعين، الإقعاء بين السجدتين، والتورك في التشهد
الثاني الذي يليه السلام، كما هو مبين في كتابي " صفة صلاة النبي صلى الله
عليه وسلم "، لكن الجمع ممكن، بحمل الحديث على الإقعاء والتورك في غير
الموضعين المشار إليهما، كما فعل النووي وغيره بحديث: " وكان ينهى عن عقبة
الشيطان " فقالوا: المراد به الإقعاء المنهي عنه. مع أنه قد أعل بالانقطاع،
ولكنه صحيح لشواهده كما بينته في " صحيح أبي داود " (752) ، ومنها حديث
الترجمة. والله سبحانه وتعالى أعلم.
1671 - " إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها ".(4/234)
أخرجه أبو داود (3114) وابن حبان (2575) والحاكم (1 / 340) وعنه
البيهقي (3 / 384) عن يحيى بن أيوب عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي
سلمة عن أبي سعيد الخدري: أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال
: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط
الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
1672 - " إن الناس يهاجرون إليكم، ولا تهاجرون إليهم، والذي نفس محمد بيده لا يحب
رجل الأنصار حتى يلقى الله تبارك وتعالى إلا لقي الله تبارك وتعالى وهو يحبه
ولا يبغض رجل الأنصار حتى يلقى الله تبارك وتعالى إلا لقي الله تبارك وتعالى
وهو يبغضه ".
أخرجه أحمد (3 / 429) والطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 3356) من
طريق عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل قال: أنبأنا حمزة بن أبي أسيد وكان أبوه
بدريا عن الحارث بن زياد الساعدي الأنصاري: أنه أتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم الخندق وهو يبايع الناس على الهجرة، فقال: يا رسول الله بايع
هذا، قال: ومن هذا؟ قال: ابن عمي حوط بن يزيد أو يزيد بن حوط، قال: فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أبايعك: إن الناس.... ".
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال البخاري، وفي ابن الغسيل كلام لا
يضره، وقد تابعه على بعضه سعيد بن المنذر بن أبي حميد الساعدي عن حمزة به
مرفوعا بلفظ: " من أحب الأنصار أحبه الله يوم يلقه، ومن أبغض الأنصار أبغضه
الله يوم يلقاه ".(4/235)
أخرجه أحمد (4 / 321) والطبراني أيضا (3357) وابن
حبان (2291) . وسعيد بن المنذر لم أعرفه. وتقدم بهذا اللفظ من رواية آخرين
من الصحابة فراجعه إن شئت برقم (991) .
1673 - " إن النهبة لا تحل ".
أخرجه ابن ماجة (3938) والطحاوي في " المشكل " (2 / 131) وعبد الرزاق
(18841) وابن حبان (1679) والحاكم (2 / 134) والطيالسي (رقم 1195)
وأحمد (5 / 367) والطبراني في " الكبير " (1371 - 1380) من طرق عن سماك
ابن حرب عن ثعلبة بن الحكم قال: " أصبنا غنما للعدو، فانتهبناها، فنصبنا
قدورنا، فمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقدور، فأمر بها فأكفئت، ثم قال:
" فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وسكت عنه الذهبي، وهو كما قال
. وخالفهم أسباط بن نصر فقال: عن سماك عن ثعلبة عن ابن عباس فذكره. أخرجه
الحاكم. وأسباط بن نصر كثير الخطأ كما قال الحافظ، فلا يحتج به إذا تفرد
فكيف إذا خالف. وله شاهد من حديث رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد، وأصابوا غنما
فانتهبوها، فإن قدورنا لتغلي إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على
قوسه، فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال: " إن النهبة
ليست بأحل من الميتة. أو إن الميتة ليست بأحل من النهبة ". شك هناد.(4/236)
أخرجه
أبو داود (2705) وعنه البيهقي (9 / 61) من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عنه
. قلت: وإسناده صحيح. وفي الباب عن جمع آخر من الأصحاب، منهم زيد بن خالد
أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن النهبة والخلسة ". أخرجه أحمد (4
/ 117 و 5 / 193) من طريق مولى الجهنية عن عبد الرحمن بن زيد بن خالد الجهني
عن أبيه.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الرحمن بن زيد بن خالد لم أعرفه. ولعله الذي في
كنى " التهذيب ": " أبو حرب بن زيد بن خالد الجهني. روى عن أبيه. وعنه بكير
ابن عبد الله بن الأشج ". ثم رأيت الحافظ ابن حجر أورده في " التعجيل " لهذا
الحديث وقال: " لا يعرف حاله، ولا اسم الراوي عنه ". ومنهم جابر بن عبد
الله قال: " لما كان يوم خيبر أصاب الناس مجاعة، فأخذوا الحمر الإنسية
فذبحوها، وملؤا منها القدور، فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال
جابر: فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكفأنا القدور وهي تغلي، فحرم
رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الحمر الإنسية ولحوم البغال وكل ذي ناب
من السباع وكل ذي مخلب من الطيور وحرم المجثمة والخلسة والنهبة ". أخرجه
أحمد (3 / 323) من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن عنه.(4/237)
قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم، لكن عكرمة بن عمار صدوق يغلط، وفي روايته عن
يحيى بن أبي كثير اضطراب، ولم يكن له كتاب كما في " التقريب ". ثم أخرجه
أحمد (3 / 335) من طريق ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير عن جابر مرفوعا مختصرا
بلفظ: " نهى عن النهبة ". وابن لهيعة سيء الحفظ، لكن تابعه ابن جريج قال:
قال أبو الزبير بلفظ: " من انتهب نهبة مشهورة فليس منا ". أخرجه أحمد (3 /
380) وابن ماجة (3935) والطحاوي (2 / 130 - 131) وتابعه زهير بن معاوية
حدثنا أبو الزبير به. فالعلة عنعنة أبي الزبير.
(تنبيه) الخلسة بالضم ما يؤخذ سلبا ومكابرة كما في " النهاية ". وهكذا هو
في حديث زيد بن خالد المتقدم من رواية أحمد في الموضعين المشار إليهما من
" مسنده ". ووقع في " الجامع الصغير ": (الخليسة) على وزن فعيلة بمعنى
مفعولة، وهي ما يستخلص من السبع فيموت قبل أن يذكى. وقد رويت هذه اللفظة في
حديث وهب بن خالد الحمصي حدثتني أم حبيبة بنت العرباض قالت: حدثني أبي أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم حرم يوم خيبر كل ذي مخلب من الطير ولحوم الحمر
الأهلية والخليسة والمجثمة وأن توطأ السبايا حتى يضعن ما في بطونهن. أخرجه
أحمد (4 / 127) والترمذي (1 / 279) والحاكم (2 / 135) وقال: " صحيح
الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: أم حبيبة هذه مجهولة كما أشار إلى ذلك الذهبي نفسه بقوله في " الميزان "
:(4/238)
" تفرد عنها وهب أبو خالد ". ووقعت هذه اللفظة في " المستدرك " بلفظ:
" الخلسة ". وجملة القول: إن الحديث بلفظ " الخليسة " لم يثبت عندي، ولفظ
" الخلسة " جاء ذكره في حديث زيد بن خالد وجابر بن عبد الله في " المسند "
والعرباض في " المستدرك " فهو صحيح إن شاء الله تعالى.
(تنبيه آخر) عزا صاحبنا الشيخ حمدي السلفي في تعليقه على " كبير الطبراني "
(3 / 76) حديث الترجمة للإمام أحمد في " المسند " (4 / 194) . وإنما روى
الإمام في هذا الموضع حديث أبي ثعلبة الخشني قصة الحمر الإنسية وذبحهم إياها
.. نحو حديث جابر المتقدم وفيه قصة أخرى في أكلهم البصل والثوم، وذهابهم
إلى المسجد، وقوله صلى الله عليه وسلم: " من أكل هذه البقلة الخبيثة فلا
يقربنا " وقال: " لا تحل النهبة ولا يحل كل ذي ناب من السباع ولا تحل
المجثمة ". وفيه عنعنة بقية.
1674 - " إن الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد ".
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 257) وأحمد (4 / 62 و 5 / 375) من
طريق جنادة بن أبي أمية أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
بعضهم لبعض: إن الهجرة قد انقطعت، فاختلفوا في ذلك، قال: فانطلقت إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن أناسا يقولون: إن الهجرة قد
انقطعت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال الطحاوي: " ما
دام الجهاد ".(4/239)
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير جنادة بن أبي أمية
الأزدي ولكنه صحابي كما بينه الحافظ في " الإصابة "، وصحح هذا الحديث.
وللحديث شاهدان بلفظ: " لا تنقطع الهجرة ما جوهد العدو ".
الأول: أخرجه الطحاوي (3 / 258) وأحمد (5 / 270) والخطيب في " الموضح "
(2 / 33) من طريق عطاء الخراساني حدثني ابن محيريز عن عبد الله بن السعدي رجل
من بني مالك بن حنبل مرفوعا به. وسنده لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات إلا
أن الخراساني صدوق يهم كثيرا، لكن تابعه بسر بن عبيد الله عن عبد الله بن
محيريز به. أخرجه ابن حبان (1579) والبزار (1748) إلا أنه قال: عن ابن
السعدي عن محمد بن حبيب المصري مرفوعا وقال: " لا نعلم روى محمد إلا هذا ".
قلت: ذكره في هذا الإسناد شاذ كما يدل عليه رواية ابن حبان وأحمد المتقدمتين
وغيرهما مما يأتي، وقد أشار إلى هذا البغوي كما نقله عنه العسقلاني في ترجمة
محمد هذا في " الإصابة " فراجعه إن شئت.
والآخر: أخرجه أحمد أيضا (5 / 363) من طريق رجاء بن حيوة عن أبيه عن الرسول
الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الهجرة فقال: فذكره. ورجاله ثقات غير
حيوة والد رجاء فلم أعرفه. ثم وجدت للشاهد الأول طريقا أخرى عند أحمد أيضا (1
/ 192) من طريق شريح بن عبيد يرده إلى مالك بن يخامر عن ابن السعدي به.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات.(4/240)
وأخرجه الطحاوي من طريقين آخرين عن
ابن السعدي به. وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف وثوبان عند البزار وغيره.
1675 - " إن أمر هذه الأمة لا يزال مقاربا أو مواما حتى يتكلموا في الوالدان والقدر ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 12764) و " الأوسط " (2442 -
بترقيمي) وعنه أبو موسى المديني في " منتهى رغبات السامعين " (1 / 248 / 1)
والحاكم (1 / 33) من طريق محمد بن أبان الواسطي أخبرنا جرير بن حازم قال:
سمعت أبا رجاء العطاردي يقول: سمعت ابن عباس يحدث عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم رجال البخاري، وفي الواسطي كلام لا يؤثر
فيه. على أنه قد توبع، فأخرجه البزار في " مسنده " (ص 130 - زوائد ابن حجر)
، وابن حبان (1824) والحاكم أيضا من طرق أخرى عن جرير بن حازم به مرفوعا.
وقال البزار: " رواه جماعة فوقفوه ".
قلت: ولكنه في حكم المرفوع لأنه لا يقال بالرأي كما هو ظاهر. وإسناده صحيح
على شرط الشيخين كما قال الحاكم، ووافقه الذهبي. والحديث قال الهيثمي (7 /
202) : " رواه البزار والطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ورجال البزار
رجال الصحيح ". وأخرجه الدولابي في " الكنى " (1 / 174) من طريق أبي أسامة
حدثنا جرير به موقوفا على ابن عباس.(4/241)
(مواما) : مأخوذ من الأمم وهو القرب بمعنى (مقارب) أيضا، ومعناه التكلم
فيما لا يعنيهم، قاله أبو موسى المديني.
1676 - " إن أناسا من أمتي يأتون بعدي، يود أحدهم لو اشترى رؤيتي بأهله وماله ".
أخرجه الحاكم (4 / 85) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد حدثنا عمرو بن أبي
عمرو حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه
الذهبي.
قلت: وإنما هو حسن فقط للخلاف في عبد الرحمن بن أبي الزناد. والحديث أورده
الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 66) وقال: " رواه البزار، وفيه عبد
الرحمن بن أبي الزناد وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات ".
قلت: قد تابعه يعقوب بن عبد الرحمن عن سهيل به نحوه. أخرجه مسلم في " صحيحه "
، وقد مضى لفظه برقم (1418) .
1677 - " إن أول من سيب السوائب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر وإني رأيته
يجر أمعاءه في النار ".
أخرجه أحمد (1 / 446) من طريق إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله بن
مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير الهجري فإنه لين
الحديث رفع موقوفات كما قال الحافظ.(4/242)
قلت: لكن لحديثه شواهد:
1 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: " رأيت عمرو بن عامر يجر قصبه
في النار وكان أول من سيب السائبة وبحر البحيرة " أخرجه أحمد (2 / 275 و 366
) والبخاري (6 / 400 و 8 / 213 - فتح) ومسلم (8 / 155) وابن أبي عاصم في
الأوائل (5 / 2) وليس عندهم " وبحر البحيرة "، وأما قول الحافظ: " زاد
مسلم: وبحر البحيرة وغير دين إسماعيل ".
قلت: فأظنه وهما منه، فإنه ذكره في مكان آخر (6 / 399) من رواية ابن إسحاق
في " السيرة الكبرى " فقط لم ينسبها لغيره ولا وجدتها في مكان آخر، وهو في "
السيرة النبوية " لابن هشام (1 / 78 - 79) هكذا: قال ابن إسحاق: وحدثني
محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة
يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعي: " يا
أكثم! رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار، فما رأيت رجلا
أشبه برجل منك به، ولا بك منه ". فقال أكثم: عسى أن يضرني شبهه يا رسول
الله؟ قال: " لا، إنك مؤمن وهو كافر، إنه كان أول من غير دين إسماعيل،
فنصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي ".
وأخرجه ابن أبي عاصم في " الأوائل " (ق 9 / 2 رقم الحديث 192 - منسوختي) .
قلت: وهذا إسناد حسن، فهو شاهد قوي لحديث الترجمة.(4/243)
وأخرجه ابن أبي عاصم (
ق 20 / 1) والحاكم (4 / 605) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي
هريرة مرفوعا به وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وإنما هو
حسن فقط. وأخرج له شاهدا من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي
ابن كعب عن أبيه مرفوعا به نحوه في حديث فيه: " وهو أول من حمل العرب على
عبادة الأصنام ". أخرجه الحاكم أيضا وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه
الذهبي أيضا، وإنما هو حسن فقط للخلاف المعروف في ابن عقيل. وله شاهد مختصر
بلفظ: " أول من غير دين إبراهيم عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة ".
أخرجه ابن أبي عاصم (23 / 1) والطبراني في " الكبير " (رقم - 10808)
و" الأوسط " (202 - ترقيمي) عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن ابن
عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا إسناد حسن في الشواهد على
الأقل.
1678 - " إن أول منسك (وفي رواية: نسك) يومكم هذا الصلاة ".
أخرجه أحمد (4 / 282) والطبراني في " الكبير " (رقم - 1169) من طريق أبي
جناب الكلبي حدثني يزيد بن البراء عن أبيه قال:(4/244)
" كنا جلوس ننتظر رسول
الله صلى الله عليه وسلم (في المصلى) يوم الأضحى، فجاء فسلم على الناس،
وقال: (فذكره) ، فتقدم فصلى بالناس ركعتين ثم سلم، فاستقبل القوم بوجهه،
ثم أعطي قوسا أو عصا فاتكأ عليها، فحمد الله عز وجل وأثنى عليه، وأمرهم
ونهاهم ".
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، وفي أبي جناب واسمه يحيى بن أبي حبة كلام
المؤثر منه تدليسه، ولكنه قد صرح هنا بالتحديث كما ترى. والحديث في
" الصحيحين " وغيرهما نحوه.
1679 - " إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم لجرت، وإنهم ليبكون الدم
. يعني مكان الدمع ".
أخرجه الحاكم (4 / 605) من طريق أبي النعمان محمد بن الفضل حدثنا سلام بن
مسكين قال: حدث أبو بردة عن عبد الله بن قيس أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره، وقال: " حديث صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: وحقه أن يزيد قوله: " على شرط الشيخين "، فإن رجاله كلهم من رجالهما،
لكن أبا النعمان هذا - ويلقب بـ (عارم) - كان اختلط، ولا أدري أحدث به قبل
الاختلاط أم بعده؟ لكن يشهد للحديث ما رواه يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك
مرفوعا بلفظ: " يرسل البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يبكون
الدم حتى يصير في وجوههم كهيئة الأخدود، لو أرسلت فيه السفن لجرت ". أخرجه
ابن ماجة (4324) وابن أبي الدنيا في " صفة النار " (ق 12 / 1) .(4/245)
قلت: ويزيد الرقاشي ضعيف، وسائر رجاله رجال الشيخين. ولا يغتر بما رواه
عثمان بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن
أنس به. أخرجه الخطيب (11 / 283) .
قلت: لا يغتر به لأن عثمان هذا متهم بالوضع لكن الحديث بمجموع طريق عبد الله
ابن قيس والرقاشي حسن إن شاء الله تعالى.
1680 - " إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل يحذى له نعلان من نار يغلي منهما
دماغه يوم القيامة ".
أخرجه الحاكم (4 / 580) وأحمد (2 / 432 و 439) من طريق محمد بن عجلان قال
: سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقال: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. ثم أخرجه من حديث أبي سعيد
والنعمان بن بشير وابن عباس نحوه. وحديث النعمان عند البخاري (4 / 243)
ومسلم (1 / 136) وغيرهما. وحديث ابن عباس عند مسلم أيضا وفيه أن الرجل
هو أبو طالب وكذلك أخرجه من حديث العباس، وقد خرجته فيما تقدم برقم (55) .
وحديث أبي سعيد عند مسلم أيضا، وفيه ذكر أبي طالب في رواية له. (يحذى) أي
يقطع ويعمل، و (الحذو) التقدير والقطع.
1681 - " إن بني إسرائيل لما هلكوا قصوا ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 7305) وأبو نعيم في " الحلية "
(4 / 362) عن أبي أحمد الزبير أخبرنا سفيان عن الأجلح عن عبد الله بن أبي
الهذيل عن أبي(4/246)
الهذيل عن خباب عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو
نعيم: " غريب من حديث الأجلح والثوري، تفرد به أبو أحمد ".
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير الأجلح وهو ابن عبد الله بن
حجية، وهو صدوق كما قال الذهبي في " الضعفاء " والحافظ في " التقريب " ولا
عيب فيه سوى أنه شيعي ولكن ذلك لا يضر في الرواية لأن العمدة فيها إنما هو
الصدق كما حرره الحافظ في " شرح النخبة ". وقال الهيثمي في " المجمع " (1 /
189) : " رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله موثقون، واختلف في الأجلح
الكندي، والأكثر على توثيقه ". والحديث أورده عبد الحق الإشبيلي في "
الأحكام " (ق 8 / 1) وقال: " رواه البزار من حديث شريك - هو ابن عبد الله -
عن أبي سنان عن أبي - لعله عن ابن أبي - الهزيل عن خباب مرفوعا وقال: هذا
إسناد حسن كذا قال: وليس مما يحتج به.
قلت: وذلك لضعف شريك بن عبد الله القاضي، لكن الطريق الأولى تشهد له وتقويه
. ولم يورده الهيثمي في " كشف الأستار عن زوائد البزار " فلعله في غير "
المسند " له.
(قصوا) قال في " النهاية ": وفي رواية: " لما هلكوا قصوا " أي اتكلوا على
القول وتركوا العمل، فكان ذلك سبب هلاكهم، أو بالعكس، لما هلكوا بترك العمل
أخلدوا إلى القصص ". وأقول: ومن الممكن أن يقال: إن سبب هلاكهم اهتمام
وعاظهم بالقصص والحكايات دون الفقه والعلم النافع الذي يعرف الناس بدينهم
فيحملهم ذلك على العمل(4/247)
الصالح، لما فعلوا ذلك هلكوا. وهذا هو شأن كثير من
قصاص زماننا الذين جل كلامهم في وعظهم حول الإسرائيليات والرقائق والصوفيات.
نسأل الله العافية.
1682 - " إن بين يدي الساعة الهرج، قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل، إنه ليس
بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضا (حتى يقتل الرجل جاره ويقتل أخاه
ويقتل عمه ويقتل ابن عمه) قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ؟ قال: إنه لتنزع
عقول أهل ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء
وليسوا على شيء ".
أخرجه أحمد (4 / 391 - 392 و 414) من طريق علي بن زيد عن حطان بن عبد الله
الرقاشي عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره
. قال أبو موسى: " والذي نفسي بيده ما أجد لي ولكم منها مخرجا إن أدركتني
وإياكم - إلا أن نخرج منها كما دخلنا فيها، لم نصب منها دما ولا مالا ".
قلت: وهذا سند ضعيف، علي بن زيد وهو ابن جدعان لا يحتج به، لكنه لم يتفرد
به، فقد أخرجه أحمد (4 / 406) وابن ماجة (3959) من طريقين عن الحسن:
حدثنا أسيد بن المتشمس قال: حدثنا أبو موسى حدثنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم فذكره، وفيه الزيادة التي بين القوسين.
قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير أسيد وهو ثقة كما قال
الحافظ في " التقريب ". وأخرجه ابن حبان (1870) من طريق هزيل بن شرحبيل عن
أبي موسى الأشعري مرفوعا بلفظ: " إن بين يدي الساعة لفتنا كقطع الليل المظلم،
يصبح الرجل فيها مؤمنا(4/248)
(الحديث) وفيه: كسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم
واضربوا بسيوفكم الحجارة فإن دخل على أحدكم بيته فليكن كخير ابني آدم ".
وسنده صحيح. وللطرف الأول منه شاهد من حديث عزرة بن قيس عن خالد بن الوليد
قال: " كتب إلي أمير المؤمنين حين ألقى الشام بوانيه بثنية وعسلا، فأمرني أن
أسير إلى الهند، والهند (في أنفسنا) يومئذ البصرة، قال: وأنا لذلك كاره
، قال: فقام رجل فقال لي: يا أبا سليمان اتق الله فإن الفتن قد ظهرت، قال:
فقال: وابن الخطاب حي؟ ! إنما تكون بعده. والناس بذي بليان، أو بذي بليان
بمكان كذا وكذا، فينظر الرجل فيتفكر هل يجد مكانا لم ينزل به مثل ما نزل
بمكانه الذي هو فيه من الفتنة والشر فلا يجده، قال: وتلك الأيام التي ذكر
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بين يدي الساعة الهرج "، فنعوذ بالله أن
تدركنا وإياكم تلك الأيام ". أخرجه أحمد (4 / 90) والطبراني (رقم - 3841
) بسند حسن في المتابعات والشواهد. عزرة بن قيس لم يوثقه غير ابن حبان،
وسائر رواته ثقات. (هباء) أي قليل العقل. (بوانيه) أي خيره وما فيه من
السعة والنعمة. و (البواني) في الأصل: أضلاع الصدر وقيل الأكتاف
والقوائم الواحدة: (بانية) كما في " النهاية ". (بثنية) قال ابن الأثير
: " البثنية: خطة منسوبة إلى (البثنة) وهي ناحية من رستاق دمشق. وقيل هي
الناعمة اللينة، من الرملة اللينة، يقال لها: بثنة. وقيل: هي الزبدة، أي
صارت كأنها زبدة وعسل، لأنها صارت تجبى أموالها من غير تعب ". قوله: (بذي
بليان أو بذي بليان) ، هذه رواية أحمد، وقال الطبراني:(4/249)
" ... وذي بليان "
ولا يخلو من شيء، ولعل الصواب ما في " النهاية ": " ... بذي بلي وذي بلى.
وفي رواية: بذي بليان. أي إذا كانوا طوائف وفرقا من غير إمام. وكل من بعد
عنك حتى لا تعرف موضعه فهو بذي بلي. وهو من بلى في الأرض إذا ذهب. أراد ضياع
أمور الناس بعده ".
1683 - " إن بين يدي الساعة ثلاثين دجالا كذابا ".
أخرجه أحمد (2 / 117 - 118) عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن عبد الله بن
عمر أنه كان عنده رجل من أهل الكوفة، فجعل يحدثه عن المختار فقال ابن عمر
: " إن كان كما تقول فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ... " فذكره
. قلت: وهذا إسناد ضعيف، يوسف بن مهران هذا لين الحديث لم يرو عنه غير علي
ابن زيد وهو ابن جدعان وهو ضعيف. لكن له طريق أخرى عند أحمد أيضا (2 / 104
) من طريق عبد الرحمن بن نعيم الأعرجي قال: " سأل رجل ابن عمر - وأنا عنده -
عن المتعة متعة النساء، فغضب وقال: والله ما كنا على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم زنائين ولا مسافحين، ثم قال: والله لقد سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: " ليكونن قبل المسيح الدجال كذابون ثلاثون، أو أكثر ".
ورجاله ثقات غير عبد الرحمن هذا فقال ابن أبي حاتم (2 / 2 / 293) عن أبي
زرعة: " لا أعرفه إلا في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ليكونن ...
" فذكره. ولهذا قال الحسيني: " فيه جهالة. وأقره الحافظ في " التعجيل ".(4/250)
وجاء في " اللسان ". " عبد الرحمن بن نعيم بن قريش. كان في عصر الدارقطني.
وقال في " المؤتلف والمختلف ": إن له أحاديث غرائب انتهى.
وقال: قال: سألت أبا زرعة عنه فقال: كوفي لا أعرفه إلا في حديث واحد عن ابن
عمر. روى عنه طلحة بن مصرف ".
قلت: وهذا خلط فاحش بين ترجمتين، فإن قول أبي زرعة هذا إنما هو في عبد
الرحمن الأعرجي صاحب هذا الحديث، وهو تابعي كما ترى، فأين هو ممن كان في عصر
الدارقطني. ويغلب على الظن أن في النسخة سقطا بين قوله: انتهى. وقوله:
" وقال "، ثم لينظر من الفاعل في " وقال: قال "؟ لكن الحديث بمجموع
الطريقين حسن، وهو صحيح بشواهده الكثيرة من حديث أبي هريرة وجابر بن سمرة
وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1 - أما حديث أبي هريرة، فله عنه طرق وألفاظ أقربها إلى حديث الترجمة رواية
خلاس عنه مرفوعا بلفظ: " بين يدي الساعة قريب من ثلاثين دجالين كذابين، كلهم
يقول: أنا نبي، أنا نبي! ". أخرجه أحمد (2 / 429) بسند صحيح على شرط
الشيخين. وقد أخرجه البخاري (2 / 406 و 4 / 380) ومسلم (8 / 189)
والترمذي (2 / 34) وأحمد أيضا (2 / 236 - 237 و 313 و 530) من طرق أخرى
عنه بلفظ: " لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم
يزعم أنه رسول الله ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
2 - وأما حديث جابر بن سمرة فيرويه سماك عنه مرفوعا بلفظ:(4/251)
" إن بين يدي
الساعة كذابين (فاحذروهم) ". أخرجه مسلم وأحمد (5 / 86 - 90 و 92 و 94 -
96 و 100 و 101 و 106 و 107) .
3 - وأما حديث ثوبان فيرويه أبو أسماء الرحبي عنه مرفوعا في حديث " إن الله
زوى لي الأرض.... " وفيه: " ... وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم
يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي ". أخرجه أبو داود (4252)
وابن ماجة (3952) وأحمد (5 / 278) بسند صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه
في " صحيحه " (8 / 171) بدون هذه الزيادة وغيرها مما في طريق الأولين،
وكذلك أخرجه الترمذي (2 / 27) وقال: " حسن صحيح ". واعلم أن من هؤلاء
الدجالين الذين ادعوا النبوة ميرزا غلام أحمد القادياني الهندي، الذي ادعى في
عهد استعمار البريطانيين للهند أنه المهدي المنتظر، ثم أنه عيسى عليه السلام،
ثم ادعى أخيرا النبوة، واتبعه كثير ممن لا علم عنده بالكتاب والسنة، وقد
التقيت مع بعض مبشريهم من الهنود والسوريين، وجرت بيني وبينهم مناظرات
كثيرة كانت إحداها تحريرية، دعوتهم فيها إلى مناظرتهم في اعتقادهم أنه يأتي
بعد النبي صلى الله عليه وسلم أنبياء كثيرون! منهم نبيهم ميرزا غلام أحمد
القادياني. فبدأوا بالمراوغة في أول جوابهم، يريدون بذلك صرف النظر عن
المناظرة في اعتقادهم المذكور، فأبيت وأصررت على ذلك، فانهزموا شر هزيمة،
وعلم الذين حضروها أنهم قوم مبطلون. ولهم عقائد أخرى كثيرة باطلة، خالفوا
فيها إجماع الأمة يقينا، منها نفيهم البعث الجسماني، وأن النعيم والجحيم
للروح دون الجسد، وأن العذاب بالنسبة للكفار منقطع. وينكرون وجود الجن،
ويزعمون أن الجن المذكورين في القرآن هم طائفة من البشر! ويتأولون نصوص القرآن
المعارضة لعقائدهم تأويلا منكرا على نمط تأويل الباطنية(4/252)
والقرامطة، ولذلك
كان الإنكليز يؤيدونه ويساعدونه على المسلمين، وكان هو يقول: حرام على
المسلمين أن يحاربوا الإنكليز! إلى غير ذلك من إفكه وأضاليله. وقد ألفت كتب
كثيرة في الرد عليه، وبيان خروجه عن جماعة المسلمين، فليراجعها من شاء
الوقوف على حقيقة أمرهم.
1684 - " إن رجلا من العرب يهدي أحدهم الهدية، فأعوضه منها بقدر ما عندي، ثم يتسخطه
، فيظل يتسخط علي وايم الله لا أقبل بعد مقامي هذا من رجل من العرب هدية إلا من
قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (596) وعنه الترمذي (2 / 330) والسياق
له - وهو أتم - عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن
أبي هريرة قال: " أهدى رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
ناقة من إبله التي كانوا أصابوا بـ (الغابة) ، فعوضه منها بعض العوض، فتسخطه
، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المنبر يقول.... " فذكره.
وقال: " هذا حديث حسن، وهو أصح من حديث يزيد بن هارون عن أيوب ".
قلت: يشير إلى ما أخرجه قبله قال: حدثنا أحمد بن منيع: حدثنا يزيد بن هارون
: أخبرني أيوب عن سعيد المقبري به بشيء من الاختصار وقال: " قد روي من غير
وجه عن أبي هريرة. ويزيد بن هارون يروي عن أيوب أبي العلاء وهو أيوب بن
مسكين، ويقال ابن أبي مسكين. ولعل هذا الحديث الذي رواه عن أيوب عن سعيد
المقبري. وهو أيوب أبو العلاء ".
قلت: كذا في الأصل طبعة بولاق، وفي العبارة شيء. ثم رجعت إلى نسخة الأحوذي
فإذا العبارة فيه هكذا:(4/253)
ولعل هذا الحديث الذي روي عن أيوب عن سعيد المقبري هو
أيوب أبو العلاء وهو أيوب بن مسكين ". ولعل هذا هو الصواب. والله أعلم.
وأيوب هذا صدوق له أوهام كما في " التقريب ". وابن إسحاق مدلس، ومن طريقه
أخرجه أبو داود (3537) مختصرا. وقد توبع، فقال أحمد (2 / 292) : حدثنا
يزيد: أنبأنا أبو معشر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري به. وأبو معشر هذا اسمه
نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني وفيه ضعف. ويزيد هو ابن هارون، فالظاهر
أن له فيه شيخين أيوب بن أبي مسكين وأبو معشر. وتابعه ابن عجلان عن المقبري
به. أخرجه البيهقي (6 / 180) ، فالحديث بمجموع هذه المتابعات صحيح. وله
طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا مختصرا. أخرجه ابن حبان (1145) . وله عنده
وعند الضياء (62 / 281 / 2) شاهد من حديث ابن عباس. وسنده صحيح.
1685 - " إن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله قال: من ذا الذي يتألى
علي أن لا أغفر لفلان؟! فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك. أو كما قال ".
رواه مسلم (8 / 36) وابن أبي الدنيا في " حسن الظن بالله " (190 / 1 - 2)(4/254)
قالا - واللفظ لابن أبي الدنيا -: حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا المعتمر بن
سليمان عن أبيه قال: حدثنا أبو عمران الجوني عن جندب أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم حدث ... فذكره. ثم رواه ابن أبي الدنيا من طريق أخرى موقوفا:
حدثنا أبو حفص الصفار قال: حدثنا جعفر بن سليمان قال: حدثنا أبو عمران الجوني
عن جندب بن عبد الله البجلي قال: فذكره موقوفا.
قلت: والإسناد الأول ضعيف، فإن سويد بن سعيد مع كونه من شيوخ مسلم، فقد ضعف
. بل روى الترمذي عن البخاري أنه ضعيف جدا. ونحوه ما روى الجنيدي عنه قال:
" فيه نظر، عمي فتلقن ما ليس من حديثه ". وقد أورده الذهبي في " الضعفاء "
وقال: " قال أحمد: متروك الحديث. وقال ابن معين: كذاب. وقال النسائي:
ليس بثقة. وقال البخاري.... وقال أبو حاتم: صدوق كثير التدليس. وقال
الدارقطني: ثقة غير أنه كبر: فربما قرىء عليه حديث فيه بعض النكارة فيجيزه "
. وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس
من حديثه، وأفحش فيه ابن معين القول ".
قلت: فمثله لا تطمئن النفس للاحتجاج بخبره، لاسيما مع مجيئه موقوفا من الطريق
الأخرى، ورجالها ثقات غير أبي حفص الصفار فلم أعرفه الآن.
لكن وجدت لسويد بن سعيد متابعا، أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 96 /
2) من طريق سويد بن سعيد وأبي سلمة يحيى بن خلف الباهلي كلاهما قالا: حدثنا
معتمر بن سليمان به مرفوعا. والباهلي هذا ثقة من شيوخ مسلم الذين احتج بهم في
" الصحيح ".(4/255)
فبه صح الحديث، والحمد لله على توفيقه.
وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا. وكذا من حديث أبي قتادة. وإسناد
الأول حسن كما بينته في " تخريج المشكاة " (2347) . ثم وجدت له متابعين آخرين
، فرواه الطبراني في " المعجم الكبير " (1679) من طريق صالح بن حاتم بن وردن
وهريم بن عبد الأعلى قالا: حدثنا معتمر بن سليمان به. ثم أخرجه (1680) من
طريق حماد بن سلمة: حدثنا أبو عمران به. وهذه متابعة أخرى قوية من حماد
لسليمان، والإسناد صحيح أيضا على شرط مسلم. قوله: (يتألى) أي يحلف. و (
الألية) على وزن (غنية) : اليمين. قال النووي: " وفي الحديث دلالة لمذهب
أهل السنة في غفران الذنوب بلا توبة إذا شاء الله غفرانها ".
قلت: وفيه دليل صريح أن التألي على الله يحبط العمل أيضا كالكفر، وترك صلاة
العصر، ونحوها. انظر تعليق على كتابي " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 192
) ، وقد صدر المجلد الأول منه والحمد لله، راجيا أن ييسر الله صدور تمامه
وتداوله قريبا إن شاء الله تعالى.
1686 - " إن طعام الواحد يكفي الاثنين، وإن طعام الاثنين يكفي الثلاثة والأربعة،
وإن طعام الأربعة يكفي الخمسة والستة ".
أخرجه ابن ماجة (3255) من طريق عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير قال: سمعت
سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب مرفوعا.(4/256)
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عمرو بن دينار هذا ضعيف كما في " التقريب " وغيره.
لكن للحديث شواهد تشهد لصحته. الأول: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: " طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة "
. أخرجه مالك (2 / 928 / 20) وعنه البخاري (3 / 496) وكذا مسلم (6 / 132
) والترمذي (1 / 335) وقال: " حسن صحيح " عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج
عنه به. وتابعه سفيان بن عيينة عن أبي الزناد به. أخرجه أحمد (2 / 244) .
ثم أخرجه (2 / 407) عن علي بن زيد عمن سمع أبا هريرة.
الثاني: عن جابر مرفوعا بلفظ: " طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين
يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية ".
أخرجه مسلم وابن ماجة (3254) والدارمي (2 / 100) وأحمد (3 / 301 و 382
) عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله. وتابعه أبو سفيان عن جابر به.
أخرجه مسلم والترمذي وأحمد (3 / 301 و 315) .
الثالث: عن عبد الله بن عمر مرفوعا بلفظ: " طعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام
الأربعة يكفي الثمانية، فاجتمعوا عليه، ولا تفرقوا عنه ".(4/257)
أخرجه الطبراني
في " المعجم الكبير " (رقم - 13236) عن أبي الربيع السمان عن عمرو بن دينار
عن سالم عن أبيه.
قلت: وأبو الربيع - واسمه أشعث بن سعيد السمان - متروك، وقد تفرد بقوله:
" فاجتمعوا عليه.. ". لكن لهذه الزيادة شواهد فانظر الحديث (664) .
1687 - " إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلي في
حاجته ".
أخرجه مسلم (7 / 117) والبخاري في " الأدب المفرد " (600) والطحاوي في
" شرح المعاني " (1 / 274) و " مشكل الآثار " (2 / 290 - 291) وأحمد
(6 / 155 و 167) وأبو يعلى (3 / 1095) عن سعيد بن العاص أن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم (زاد مسلم وغيره: وعثمان) حدثاه: أن أبا بكر
استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة
، فأذن لأبي بكر وهو كذلك، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر فأذن له
وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت عليه
فجلس وقال لعائشة: " اجمعي عليك ثيابك " فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت، فقالت
عائشة: يا رسول الله مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت
لعثمان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. ورواه محمد بن أبي حرملة
عن عطاء وسليمان ابني يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن عنها قالت: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه أو ساقيه فاستأذن أبو
بكر فأذن له وهو على تلك الحال ... (الحديث وفيه) :(4/258)
ثم استأذن عثمان فجلس
رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه.. قالت عائشة: دخل أبو بكر..
الحديث وفيه ... ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك؟ فقال: " ألا أستحي من رجل
تستحي منه الملائكة؟ ". أخرجه مسلم والطحاوي في " المشكل " (2 / 283)
وأبو يعلى (3 / 1178 - 1179) وليس عند الطحاوي قوله: " أو ساقيه "، وهو
شك من بعض الرواة وقد جاء الحديث بدون الشك من طريق أخرى، أخرجه أحمد (6 /
32) عن مروان قال: أنبأنا عبيد الله بن سيار قال: سمعت عائشة بنت طلحة تذكر
عن عائشة به مختصرا.
قلت: وعبيد الله بن سيار هذا لم أجد له ترجمة، وقد أورده في " التعجيل "
قائلا: " روى عن عائشة رضي الله عنها، وعنه مروان. قال الحسيني: مجهول.
قلت: ما رأيته في " مسند عائشة رضي الله عنها " من مسند أحمد "!
قلت: كذا وقع فيه: " عن عائشة رضي الله عنها " فهذا يوهم أن المترجم روى عن
عائشة الصديقة، وإنما روى عن عائشة بنت أبي طلحة عنها كما ترى. وله شاهد من
حديث عمرو بن مسلم - صاحب المقصورة - عن أنس بن مالك قال: " دخل رسول الله صلى
الله عليه وسلم حائطا من حوائط الأنصار، فإذا بئر في الحائط فجلس على رأسها،
ودلى رجليه وبعض فخذه مكشوف وأمرني أن أجلس على الباب، فلم ألبث أن جاء أبو
بكر. الحديث وفيه: قالوا: لم يا رسول الله غطيت فخذك حين جاء عثمان؟ فقال
: إني لأستحي ممن يستحي منه الملائكة ". أخرجه الطحاوي (2 / 284) وسنده جيد
في الشواهد، رجاله ثقات معروفون غير عمر بن مسلم هذا، ترجمه ابن أبي حاتم (3
/ 1 / 260) برواية ثقتين عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وللحديث
شاهد آخر من حديث علي رضي الله عنه مرفوعا بلفظ:(4/259)
" ألا أستحي ممن تستحي منه
الملائكة ". أخرجه الحاكم (3 / 95 و 103) وقال: " صحيح على شرط الشيخين "
. ووافقه الذهبي. واعلم أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" الفخذ عورة " وهو مخرج في " إرواء الغليل " (66) ، فقد يشكل هذا على بعض
الناس فيدع العمل به لحديث الترجمة. وهذا خلاف ما عليه أهل العلم من وجوب
التوفيق بين الأحاديث الصحيحة. وهنا يبدو للباحث وجوه من التوفيق:
الأول: أن يكون حديث الترجمة قبل حديث: " الفخذ عورة ".
الثاني: أن يحمل الكشف على أنه من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، فلا يعارض
الحديث الآخر، ويؤيده قاعدة: " القول مقدم على الفعل ". و " الحاظر مقدم
على المبيح ". والله أعلم.
1688 - " إن قريشا أهل أمانة، لا يبغيهم العثرات أحد إلا كبه الله عز وجل لمنخريه ".
رواه ابن عساكر (3 / 320 / 1 - 2) عن السور بن عبد الملك بن عبيد بن سعيد بن
يربوع المخزومي عن زيد بن عبد الرحمن بن سعيد بن عمرو بن نفيل من بني عدي عن
أبيه قال: جئت جابر بن عبد الله الأنصاري في فتيان من قريش، فدخلنا عليه
بعد أن كف بصره، فوجدنا حبلا معلقا في السقف وأقراصا مطروحة بين يديه أو خبزا
، فكلما استطعم مسكين قام جابر إلى قرص منها وأخذ الحبل حتى يأتي المسكين
فيعطيه، ثم يرجع بالحبل حتى يقعد، فقلت له: عافاك الله نحن إذا جاء المسكين
أعطينا، فقال: إني أحتسب(4/260)
المشي في هذا. ثم قال: ألا أخبركم شيئا سمعته من
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: بلى، قال: سمعته يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف لم أعرف أحد من رواته غير صحابيه، وأخشى أن يكون وقع
في نسخه " التاريخ " تصحيف. والله أعلم. ثم تبين لي أن الرجل الأدنى هو
المسور ووقع فيه السور! - ذكره الذهبي في " الميزان " وقال: " ليس بالقوي،
قاله الأزدي ". وكذا في " اللسان ". وأورده ابن أبي حاتم في " كتابه " من
رواية جمع من الثقات عنه، فمثله حسن الحديث في المتابعات والشواهد. وقد
وجدت له شاهدا من حديث رفاعة بن رافع مرفوعا به، وفي أوله زيادة أوردته من
أجلها في " الضعيفة " (1716) لجهالة في إسناده، فالحديث بمجموعهما حسن كما
ذكرت هناك. والله أعلم.
1689 - " إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء.
ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى
طاعتك ".
رواه مسلم (8 / 51) وأحمد (2 / 168 و 173) والطبري (ج 6 رقم 6657 صفحة
219) عن حيوة بن شريح قال: أخبرني أبو هانيء الخولاني. أنه سمع أبا عبد
الرحمن الحبلي يقول: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره ".
1690 - " لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به عند استه ".(4/261)
أخرجه أحمد (3 / 35 و 64) ومسلم (5 / 142) من طريق شعبة عن خليد بن جعفر
عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم. وليس عند
مسلم " يعرف به "، وهو رواية لأحمد. وتابعه علي بن زيد عن أبي نضرة به إلا
أنه قال: " بقدر غدرته " بدل " يعرف به ". أخرجه الطيالسي (2156) وأحمد (
3 / 7 و 61) وزاد في رواية (3 / 19) : " ألا وأكبر الغدر غدر أمير عامة "
. وهي عند الطيالسي من هذا الوجه، وعند مسلم (5 / 143) من طريق المستمر
ابن الريان: حدثنا أبو نضرة به. وللحديث شاهد من حديث ابن عمر مرفوعا به
نحوه. أخرجه أحمد (2 / 49) حدثنا إبراهيم بن وهب بن الشهيد حدثنا أبي عن أنس
ابن سيرين عنه. وإبراهيم هذا وأبوه لم أعرفهما، ولم يترجمها الحافظ في
" التعجيل "! ثم أخرجه (2 / 70 و 126) من طريق بشر بن حرب عنه مرفوعا نحو
حديث المستمر بن الريان. وسنده حسن في المتابعات. وأخرجه البخاري (4 / 342
) ومسلم وأحمد (2 / 116) من طريق عبد الله بن دينار عنه مرفوعا بلفظ
الترجمة، دون قوله: " عند استه ". وكذلك البخاري (2 / 301) ومسلم وأحمد
(3 / 142 و 270) من حديث أنس بن مالك. وقد عزاه السيوطي إلى الطيالسي
وأحمد عنه بلفظ الترجمة! وما أظنه إلا(4/262)
وهما. فقد عزاه في " الجامع الكبير "
(1 / 210 / 2) إليهما وإلى أبي عوانة من حديث أبي سعيد. وهو الصواب كما
يتبين لك من هذا التخريج.
1691 - " إن لله آنية من أهل الأرض، وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبها إليه
ألينها وأرقها ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (ق 40 / 1 - المنتقى منه) : حدثنا جعفر
ابن محمد الفريابي قال: حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أنبأ بقية بن الوليد قال
: حدثني محمد بن زياد عن أبي عنبة الخولاني يرفعه إلى النبي صلى الله عليه
وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد قوي، رجاله كلهم ثقات أثبات غير بقية، وهو صدوق كثير
التدليس عن الضعفاء كما قال الحافظ، وهو هنا قد صرح بالتحديث كما ترى، فأمنا
بذلك شر تدليسه. ولذلك قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 154)
: " رواه الطبراني وإسناده جيد ". وقال في مكان آخر (3 / 13) : " فيه بقية
ابن الوليد وهو مدلس، ولكنه صرح بالتحديث ". ولذلك قال الهيثمي فيما نقله
المناوي وأقره: " إسناد حسن ". وقد خالفه أبو مطيع الأطرابلسي فقال: عن
محمد بن زياد به موقوفا. أخرجه أبو طالب مكي المؤذن في " حديثه " (ق 230 / 2
) والضياء المقدسي في " المنتقى من حديث أبي علي الأوقي " (1 / 2) .
لكن أبو مطيع هذا واسمه معاوية بن يحيى صدوق له أوهام، فرواية بقية أرجح وله
شاهد من حديث أبي أمامة مرفوعا نحوه. ولكنه واه جدا.(4/263)
أخرجه عبد الله بن أحمد
في " زوائد الزهد " (ص 153) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 97) وأبو
منصور بن زياد في " الأربعين " (ق 196 / 1) من طريق محمد بن القاسم الأسدي:
حدثنا ثور عن خالد بن معدان عنه. والأسدي هذا ضعيف جدا، بل كذبه الدارقطني
وأحمد وقال في رواية: " أحاديثه موضوعة ". وقد رواه الثقة مقطوعا على خالد
ابن معدان لم يتجاوزه، فقال الإمام أحمد في " الزهد " (384) : حدثنا عبد
الله بن الحارث حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، وعبد الله بن الحارث هو
ابن عبد الملك المخزومي أبو محمد المكي، ثقة مكي من رجال مسلم، ولا منافاة
بينه وبين المرفوع، لاختلاف الطريق أولا، ولاحتمال أن يكون أصل هذا المقطوع
مرفوعا، لكن قصر أو لم ينشط بعض الرواة فلم يرفعه. والله أعلم.
1692 - " إن لله أقواما يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرهم فيها ما بذلوها، فإذا
منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم ".
أخرجه ابن أبي الدنيا في " قضاء الحوائج " (رقم 5) والطبراني في " الأوسط "
(5295) وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 115 و 10 / 215) والخطيب في
" التاريخ " (9 / 459) عن محمد بن حسان السمتي حدثنا عبد الله بن زيد الحمصي
حدثنا الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن ابن عمر مرفوعا به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف محمد بن حسان السمتي صدوق لين الحديث كما قال الحافظ.
وعبد الله بن زيد الحمصي، قال الأزدي ضعيف.(4/264)
قلت: لكنه قد توبع كما يأتي. والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (8 / 192)
: " رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير " وفيه محمد بن حسان السمتي،
وثقه ابن معين وغيره وفيه لين، ولكن شيخه أبو عثمان عبد الله بن زيد الحمصي
ضعفه الأزدي ".
قلت: تابعه معاوية بن يحيى الشامي أبو عثمان: حدثنا الأوزاعي به. أخرجه يحيى
ابن منده في " أحاديثه " (ق 91 / 1) وتمام في " الفوائد " (27 / 2) وأبو
نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 276) وابن عساكر في " التاريخ " (16 / 395 /
1) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (15 / 1) . أورده ابن عساكر في
ترجمة أبي عثمان الشامي هذا وروى عن أبي أحمد - وهو ابن عدي - أنه قال:
" منكر الحديث ". وقال أبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (257 / 1) :
حدثنا محمد بن عبد الله الفقيه حدثنا الدقيقي أبو محمد عبد الله بن يزيد عن
الأوزاعي به.
قلت: وأبو محمد بن عبد الله بن يزيد لم أعرفه، وفي الرواة عن الأوزاعي عبد
الله بن يزيد بن راشد القرشي الدمشقي المقري أبو بكر وهو ثقة، مات سنة (218
) روى عنه أبو زرعة وغيره ترجمه ابن أبي حاتم، لكن يبدو أن في السند سقطا فإن
هذا كنيته أبو بكر، والراوي للحديث كنيته أبو محمد الدقيقي، فلعل الساقط بين
أبي محمد وعبد الله بن يزيد. والله أعلم. وعلى كل حال فالحديث عندي حسن
بمجموع هذا المتابعات، وقد قال المنذري في " الترغيب " (3 / 250) :(4/265)
" رواه
ابن أبي الدنيا والطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ولو قيل بتحسين
إسناده لكان ممكنا ".
قلت: يعني من الطريق الأولى، فكيف لا يكون حسنا بالطريقين الآخرين؟ لاسيما
وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: " ما من عبد أنعم الله عليه نعمة
فأسبغها عليه، ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرم، فقد عرض تلك النعمة للزوال
". قال المنذري وتبعه الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط " وإسناده جيد
". كذا قالا، وفيه نظر فإنه في " الأوسط " (7679 / 2) من طريق إبراهيم بن
محمد السامي حدثنا الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس. وقال:
" تفرد به إبراهيم بن محمد السامي ".
قلت: الوليد وابن جريج مدلسان. والسامي بالمهلمة وابن محمد بن عرعرة ثقة
حافظ، ومن طريقه رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 175) .
قلت: وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه أبو نعيم في " أخبار
أصبهان " (1 / 80) من طريق أحمد بن يحيى المصيصي حدثنا الوليد بن مسلم عن
الأوزاعي عن ابن جريج عن عطاء عنه. وهذا إسناد ضعيف، فإنه مع عنعنة الوليد
وابن جريج فيه المصيصي هذا، قال ابن طاهر: " روى عن الوليد بن مسلم مناكير ".
قلت: وكأنه يعني، وهو منكر إسنادا لا متنا للطرق المتقدمة. والله أعلم.(4/266)
1693 - " إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم ".
رواه أبو الشيخ في " عواليه " (2 / 32 / 1) والطبراني في " الأوسط " (3086
) والقضاعي (84 / 2) والواحدي في " التفسير " عن أبي بشر المزلق عن ثابت
البناني عن أنس بن مالك مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات غير أبي بشر هذا واسمه بكر بن الحكم التميمي
، وثقه أبو عبيدة الحداد وأبو سلمة التبوذكي وسعيد بن محمد الحربي وابن حبان
ولم يضعفه أحد غير أن أبا زرعة قال: " شيخ ليس قوي ".
قلت: ومع أن هذا ليس جرحا قويا، فهو غير مفسر، فلا يقدم على توثيق من ذكرنا
، وكأنه لذلك قال الذهبي في " الميزان ": " صدوق ". وقال الحافظ: " صدوق،
فيه لين ". وقال الهيثمي: " إسناده حسن ". وتبعه السخاوي في " المقاصد
الحسنة " (ص 20) . وقول الذهبي في ترجمة أبي المزلق: " روى خبرا منكرا ...
" ثم ذكره غير مقبول منه إلا أن يعني أنه تفرد به، فذلك لا يضر في ثبوته لقول
الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: " ليس الحديث الشاذ أن يروي الثقة ما لم يرو
الناس، وإنما هو أن يروي ما يخالف الناس ". وراوي هذا الحديث لم يخالف فيه
أحدا بل الحديث المشهور يؤيده:(4/267)
" اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ".
وهو إن كان ضعيف الإسناد من جميع طرقه كما بينته " في الضعيفة " (1821) فلا
أقل من أن يصلح شاهدا لهذا، ولا عكس. فتأمل.
1694 - " نعم يا أبا بكر! إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من
الخير والشر ".
أخرجه الحاكم (1 / 377) والديلمي (1 / 2 / 258) وأبو شريح الأنصاري في
" جزء بيبي " (171 / 2) من طريق يونس بن محمد حدثنا حرب بن ميمون عن النضر بن
أنس عن أنس قال: " كنت قاعدا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمر بجنازة،
فقال: ما هذه الجنازة؟ قالوا جنازة فلان الفلاني كان يحب الله ورسوله ويعمل
بطاعة الله ويسعى فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت وجبت
، وبجنازة أخرى قالوا: جنازة فلان الفلاني كان يبغض الله ورسوله ويعمل
بمعصية الله ويسعى فيها، فقال: وجبت وجبت وجبت، فقالوا: يا رسول الله قولك
في الجنازة والثناء عليها: أثني على الأول خير، وعلى الآخر شر، فقلت فيها
: " وجبت وجبت وجبت "؟ فقال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ".
ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وهو في " الصحيحين " وغيرهما من طرق أخرى
عن أنس نحوه، يزيد بعضهم على بعض، وقد جمعت الزيادات الثابتة منها، وسقتها
في سياق واحد في " أحكام الجنائز " (ص 44) ، وفيه بحث هام حول الشهادة للميت
بالخير. فراجعه.
1695 - " إن للقبر ضغطة، فلو نجا أو سلم أحد منها لنجا سعد بن معاذ ".
رواه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (8 / 73 / 2) والطحاوي في " مشكل(4/268)
الآثار " (1 / 107) عن شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت نافعا يحدث عن
امرأة ابن عمر عن عائشة مرفوعا به. وأخرجه أحمد (6 / 55 و 98) من هذا
الوجه إلا أنه قال: " إنسان " مكان " امرأة ابن عمر ". ورجال إسناده ثقات
كلهم غير امرأة ابن عمر فلم أعرفها، والظن بها حسن. على أن سفيان الثوري قد
أسقطها من الإسناد، وجعل الحديث من مسند زوجها ابن عمر. أخرجه الطحاوي من
طريق أبي حذيفة حدثنا سفيان عن سعد عن نافع عن ابن عمر مرفوعا به نحوه. وهذا
إسناد رجاله ثقات أيضا رجال البخاري إلا أنه أخرج لأبي حذيفة متابعة، واسمه
موسى بن مسعود النهدي، والثوري أحفظ من شعبة لولا أن الراوي عنه فيه ضعف فقال
الحافظ: " صدوق سيء الحفظ ". ولما أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 174)
من طريقه، أشار إلى تضعيفه وترجيح الأول بقوله: " كذا رواه أبو حذيفة عن
الثوري عن سعد، ورواه غندر وغيره عن شعبة عن سعد عن نافع عن إنسان (الأصل
سنان!) عن عائشة رضي الله عنها مثله ". لكن للحديث أصل عن ابن عمر، فقال
ابن سعد في " الطبقات " (3 / 430) : أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: أخبرنا
عبد الله بن إدريس قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير إسماعيل بن مسعود
وهو أبو مسعود الجحدري البصري وهو ثقة.(4/269)
وتابعه عمرو بن محمد العنقزي:
حدثنا ابن إدريس به. أخرجه النسائي (1 / 289) وسنده صحيح أيضا. فهذه
متابعة قوية من عبيد الله بن عمر لرواية أبي حذيفة عن الثوري عن سعد بن إبراهيم
. والله أعلم. وله طريق آخر، برواية عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر
مرفوعا بلفظ: " ضم سعد في القبر ضمة فدعوت الله أن يكشف عنه ". أخرجه الحاكم
(3 / 206) وصححه، ووافقه الذهبي! وعطاء كان اختلط، وقد زاد فيه الدعاء
. وخالفه ابن لهيعة في إسناده فقال: عن عقيل أنه سمع سعد بن إبراهيم يخبر عن
عائشة بنت سعد أنها حدثته عن عائشة أم المؤمنين مرفوعا به نحوه. أخرجه
الطبراني في " الأوسط " (1 / 82 / 1) وقال: " تفرد به ابن لهيعة ".
قلت: وهو سيء الحفظ. وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا به نحوه. أخرجه
الطبراني (1 / 81 / 2) وفي " الكبير " (10827 و 12975) من طريق زياد مولى
ابن عباس عنه. وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 46 - 47) : رواه الطبراني
في " الكبير " و " الأوسط " ورجاله موثقون ".
قلت: هو عند الطبراني من طريقين:(4/270)
الأولى: عن حسان بن غالب حدثنا ابن لهيعة عن أبي النضر المديني عن زياد مولى
ابن عباس (!) عن ابن عباس. وحسان بن غالب متروك متهم بالوضع، كما تراه في
" اللسان " وخفي أمره على ابن يونس فوثقه، ولعله مستند الهيثمي في قوله:
" ورجاله موثقون "، فإن فيه إشعار بأن التوثيق لين في بعضهم على الأقل،
ونحو ذلك يقال في ابن لهيعة، وإن كان خيرا بكثير من حسان، حتى أن الهيثمي
يحسن حديثه أحيانا، وهو حري بذلك عند المتابعة، وهي متحققة هنا كما في
الشواهد المتقدمة والمتابعة الآتية وهي:
الطريق الأخرى: قال: حدثنا عمر بن عبد العزيز بن مقلاص حدثنا أبي حدثنا ابن
وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا النضر حدثه عن زياد مولى ابن عياش عن ابن
عباس. وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير زياد مولى ابن عياش فمن رجال
مسلم وحده إلا أن عمر بن عبد العزيز وأباه لم أجد لهما ترجمة. ثم إنه قد
داخلني شك كبير في كون هذا الحديث من مسند ابن عباس، فإنهم لم يذكروا لزياد
هذا رواية عنه بل ذكر الحافظ المزي في " التهذيب " أنه روى عن مولاه عبد الله
ابن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وقد روى الحسن بن سفيان عن زياد هذا عن عبد
الله بن عياش حديثا في قصة موت عثمان ابن مظعون كما في ترجمة ابن عياش من
" الإصابة "، وقد تحرف فيه " مولى ابن عياش " إلى " مولى ابن عباس "، وكذلك
وقع في الطريق الأولى عند الطبراني ولعله خطأ مطبعي، وكذلك تحرف " ابن عياش
" إلى " ابن عباس " في الطريقين، فصار الحديث من مسنده، وإنما هو من مسند
ابن عياش فيما أظن. والله أعلم. وجملة القول أن الحديث بمجموع طرقه
وشواهده صحيح بلا ريب، فنسأل الله تعالى أن يهون علينا ضغطة القبر إنه نعم
المجيب.(4/271)
1696 - " إن للصلاة أولا وآخرا، وإن أول وقت صلاة الظهر حين تزول الشمس وآخر وقتها
حين يدخل وقت العصر، وإن أول وقت صلاة العصر حين يدخل وقتها وإن آخر وقتها
حين تصفر الشمس، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس وإن آخر وقتها حين يغيب
الأفق، وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق وإن آخر وقتها حين ينتصف
الليل، وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس ".
أخرجه الترمذي (1 / 284 - شاكر) والطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 89)
والدارقطني في " السنن " (ص 97) والبيهقي (1 / 375 - 376) وأحمد (2 /
232) من طريق محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أعلوه بأن غير ابن فضيل من
الثقات قد رووه عن الأعمش عن مجاهد مرسلا. وهذه ليست علة قادحة لاحتمال أن
يكون للأعمش فيه إسنادان: أحدهما عن أبي صالح عن أبي هريرة. والآخر عنه عن
مجاهد مرسلا. ومثل هذا كثير في أحاديث الثقات، فمثله لا يرد به الحديث،
لاسيما وكل ما فيه قد جاء في الأحاديث الصحيحة، فليس فيه ما يستنكر. والله
أعلم. وقد بسط القول في رد هذه العلة المحقق العلامة أحمد شاكر في تعليقه على
الترمذي (1 / 284 - 285) فأجاد. فمن شاء البسط فليراجع إليه.
1697 - " إن للقرشي مثلي قوة الرجل من غير قريش ".
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 203) وابن أبي عاصم في " السنة "(4/272)
(1508) وابن حبان (2289) والحاكم (4 / 72) والطيالسي (951) وعنه
البيهقي في " معرفة السنن " (ص 29) وأحمد (4 / 81 و 83) وأبو نعيم في
" الحلية " (9 / 64) من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن
عوف عن عبد الرحمن بن الأزهر عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره. فقيل للزهري: بم ذاك؟ قال: بنبل الرأي. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي.
قلت: ابن عوف هذا لم يخرج له مسلم شيئا، فهو على شرط البخاري وحده. وابن
الأزهر لم يرمزوا له بأنه من رجال الشيخين، ولكن الحافظ بين في ترجمته من
" التهذيب " أن من حقه الرمز له بذلك، فليراجع كلامه من شاء. ثم أخرجه ابن
أبي عاصم (1509) عن محمد بن عبد العزيز عن الزهري عن أبي سلمة وعن سعيد بن
المسيب عن عتبة بن غزوان وعن عروة بن الزبير عن عتبة بن غزوان قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد واه جدا، فإن محمد هذا وهو القاضي المدني أخو عبد الله -
مع مخالفته لابن أبي الذئب ثقة - فهو ضعيف جدا، فلا يعتد به..
1698 - " إن ما بين مصراعين في الجنة مسيرة أربعين سنة ".
ورد من حديث أبي سعيد الخدري ومعاوية بن حيدة وعتبة بن غزوان وعبد الله بن
سلام.
1 - أما حديث أبي سعيد فيرويه ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عنه. أخرجه
أحمد (3 / 29) وأبو يعلى (1 / 349) وأبو نعيم في " صفة الجنة " (2 / 124
/ 1) .(4/273)
وتابعه عند أبي نعيم عمرو بن الحارث عن دراج به.
قلت: وهذا سند ضعيف، لكن يشهد له ما بعده.
2 - وأما حديث معاوية فيرويه الجريري عن حكيم بن معاوية عنه مرفوعا به. أخرجه
أحمد (5 / 3) وابن حبان (2618 - موارد) ووقع فيه " سبع سنين " ولعله خطأ
مطبعي وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 205) . وزاد أحمد في آخره: " وليأتين
عليه يوم، وإنه لكظيظ ". وإسناده صحيح.
3 - وأما حديث عتبة بن غزوان فيرويه خالد بن عمير العدوي قال: " خطبنا عتبة
ابن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد ... ولقد ذكر لنا ... "
فذكره وفيه زيادة أحمد، وزاد أيضا: " من الزحام ". أخرجه مسلم (8 / 215)
وأحمد (4 / 174) .
4 - وأما حديث عبد الله بن سلام فيرويه زريك بن أبي زريك عن معاوية بن قرة عنه
مرفوعا وفيه الزيادة بلفظ: " يزاحم عليه كازدحام الإبل وردت لخمس ظمآ ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (69 / 221 / 1) وعنه الضياء في "
المختارة " (58 / 180 / 1) وقال: " زريك بن أبي زريك وثقه يحيى بن معين ".
قلت: وكذلك وثقه ابن الجنيد كما في " الجرح والتعديل " (1 / 2 / 624) .
ولم يعرفه الهيثمي، فقال في " المجمع " (10 / 397) وتبعه المناوي:(4/274)
" رواه
الطبراني وفيه زريك بن أبي زريك ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات "! ومن أخطاء
المناوي أنه نقل قول الهيثمي هذا تحت حديث أبي سعيد الخدري! فأوهم أنه عند
الطبراني عن زريك.
قلت: والإسناد صحيح لأن كل رجاله ثقات.
1699 - " إن مثل الذي يعود في عطيته كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء، ثم عاد في قيئه
فأكله ".
أخرجه ابن ماجة (2384) وأحمد (2 / 259) من طريق عوف عن خلاس عن أبي
هريرة مرفوعا به.
قلت: وإسناده ثقات لكن قال أحمد: لم يسمع خلاس من أبي هريرة شيئا. وذكر
البخاري في " التاريخ " أن روايته عنه صحيفة. لكن الحديث صحيح، فإن له شواهد
من حديث ابن عباس وابن عمرو وغيرهما، وقد خرجت بعضها في " الإرواء " (1621
) .
1700 - " إن من أمتي قوما يعطون مثل أجور أولهم، ينكرون المنكر ".
أخرجه أحمد (4 / 62 و 5 / 375) : حدثنا زيد بن الحباب أخبرني سفيان عن عطاء
ابن السائب قال: سمعت عبد الرحمن بن الحضرمي يقول: أخبرني من سمع النبي
صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم رجال الصحيح، وفي زيد بن الحباب كلام لا
يضر إن شاء الله تعالى، وأما جهالة الصحابي فلا تضر قطعا لأنهم عدول.(4/275)
وللحديث شاهد من حديث أبي ثعلبة الخشني مرفوعا نحوه بإسناد ضعيف، خرجته في
" المشكاة " (5144) .
1701 - " إن منكم رجالا نكلهم إلى إيمانهم، منهم فرات بن حيان ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 128) وأبو داود (2652) والحاكم
(2 / 115) والبيهقي (9 / 147) وأحمد (4 / 336) وأبو نعيم في " الحلية
" (2 / 18) عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن فرات بن
حيان " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتله، وكان عينا لأبي سفيان،
وكان حليفا لرجل من الأنصار، فمر بحلقة من الأنصار، فقال: إني مسلم، فقال
رجل من الأنصار: يا رسول الله إنه يقول: إني مسلم. فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ... " فذكره، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه
الذهبي! كذا قالا! وحارثة بن مضرب لم يخرج له الشيخان شيئا، وإنما روى له
البخاري في " الأدب المفرد "، وهو ثقة. وتابعه إسرائيل عن أبي إسحاق به إلا
أنه قال: " عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " لم يسمه، وزاد فقال:
" رجالا لا أعطيهم شيئا ".
قلت: وفي ثبوت هذه الزيادة نظر عندي لأن الثوري أثبت الناس في الرواية عن أبي
إسحاق وهو السبيعي، فزيادة إسرائيل - وهو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي -
عليه لا تقبل. ولعله تلقاها عن جده بعدما اختلط بل هذا هو الظاهر وأما
الثوري فروى عنه قبل الاختلاط. وقد تابعه زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق به
وزاد الزيادة بلفظ:(4/276)
" أتألفهم على الإسلام ". أخرجه أبو العباس بن عقدة
الحافظ كما في " الإصابة ". وهذه الزيادة بهذا اللفظ أقرب إلى السياق لأنه
يدل على أنه كان هناك عطاء لغير الفرات، وأما هو فلم يعطه شيئا ثقة بإيمانه،
وإنما عفا عن فرات ولم يقتله تألفا لقلبه. على أن هذه الزيادة فيها علة
أيضا وهي عنعنة زكريا بن أبي زائدة فإنه كان مدلسا. فإن قيل: فكذلك أبو
إسحاق السبيعي كان مدلسا، ومدار الطرق كلها عليه كما سبق، وقد عنعنه؟
قلت: نعم لكن قولهم في الثوري أنه أثبت الناس فى أبي إسحاق لعله يشعر أنه كان
لا يروي عنه إلا ما صرح فيه بالتحديث كما قالوا في رواية شعبة عنه. والله
أعلم.
1702 - " إن موسى قال: يا رب أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة، فأراه الله آدم
، فقال: أنت أبونا آدم؟ فقال له آدم: نعم، فقال: أنت الذي نفخ الله فيك من
روحه، وعلمك الأسماء كلها، وأمر الملائكة فسجدوا لك، قال: نعم، قال:
فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال له آدم: ومن أنت؟ قال: أنا
موسى، قال: أنت نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء حجاب، لم يجعل بينك
وبينه رسولا من خلقه؟ قال: نعم، قال: أفما وجدت أن ذلك كان في كتاب الله
قبل أن أخلق؟ قال: نعم، قال: فما تلومني في شيء سبق من الله تعالى فيه
القضاء قبلي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: فحج آدم موسى، فحج
آدم موسى ".
أخرجه أبو داود (4702) وعنه البيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 193)
وابن خزيمة(4/277)
في " التوحيد " (ص 94) من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن
أبيه أن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير هشام بن سعد وهو صدوق له
أوهام، وقد حسنه ابن تيمية في أول رسالته في " القدر ". والحديث في
" الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي هريرة مختصرا. قوله: (فحج آدم موسى) أي
غلبه بالحجة. واعلم أن العلماء قد اختلفوا في توجيه ذلك، وأحسن ما وقفت
عليه ما أفاده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، إنما هو أن موسى لامه
على ما فعل لأجل ما حصل لذريته من المصيبة بسبب أكله من الشجرة، لا لأجل حق
الله في الذنب، فإن آدم كان قد تاب من الذنب، وموسى عليه السلام يعلم أن بعد
التوبة والمغفرة لا يبقى ملام على الذنب، ولهذا قال: " فما حملك على أن
أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ "، لم يقل: لماذا خالفت الأمر؟ والناس مأمورون
عند المصائب التي تصيبهم بأفعال الناس أو بغير أفعالهم بالتسليم للقدر وشهود
الربوبية ... فراجع كلامه في ذلك فإنه مهم جدا في الرسالة المذكورة وفي " كتاب
القدر " من " الفتاوى " المجلد الثامن وكلام غيره في " مرقاة المفاتيح " (1 /
123 - 124) .
1703 - " إن هذا الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم، وهما مهلكاكم ".
رواه أبو محمد بن شيبان العدل في " الفوائد " (2 / 222 / 1) والمخلص في
" الفوائد المنتقاة " (8 / 5 / 1) عن عبد الله بن هاشم الطوسي حدثنا يحيى بن
سعيد القطان عن سفيان حدثني سليمان عن أبي وائل عن أبي موسى أراه عن النبي
صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات على شرط مسلم. وتابعه شعبة عن الأعمش به(4/278)
أخرجه المخلص في " العاشر من حديثه " (208 / 2) وابن عساكر (17 / 215 / 2
) عن المؤمل بن إهاب عنه به. وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين
غير المؤمل وهو صدوق له أوهام. وله شاهد من حديث ابن مسعود، يرويه يحيى بن
المنذر أخبرنا أبو الأجلح عن الأعمش عن يحيى بن وثاب عن علقمة عنه. أخرجه
الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 10069) . ويحيى بن المنذر ضعفه
الدارقطني وغيره. و (أبو الأجلح) كذا في الأصل، ولعل الصواب: ابن الأجلح
فإنه يروي عن الأعمش، وهو عبد الله بن الأجلح وهو صدوق. وقد روي عن ابن
مسعود موقوفا. أخرجه الرامهرمزي في " المحدث الفاصل " (ص 152 - مخطوطة
الظاهرية) عن بشر بن الوليد حدثنا محمد بن طلحة حدثنا روح عن نفسي أني حدثته
بحديث عن زبيد عن مرة عنه به. وبشر بن الوليد فيه ضعف. وكذلك رواه منصور بن
زاذان عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى به موقوفا عليه. أخرجه أحمد في
" الزهد " (199) .
قلت: وسنده صحيح موقوف أيضا، ولا ينافي المرفوع لأن الراوي قد لا ينشط
أحيانا لرفعه فيوقفه. فهو صحيح مرفوعا وموقوفا.(4/279)
ثم رأيت المنذري أورد الحديث
في " الترغيب " (4 / 106) عن ابن مسعود مرفوعا نحوه، وقال وتبعه الهيثمي (
10 / 237) : " رواه البزار بإسناد جيد ".
1704 - " إن هذا من لباس الكفار فلا تلبسها ".
رواه مسلم (6 / 144) وأحمد (2 / 162 و 207 و 211) وابن سعد (4 / 265)
من طرق عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث
أن ابن معدان أخبره أن جبير بن نفير أخبره عن عبد الله بن عمرو أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم رأى عليه ثوبيه معصفرين فقال: فذكره. ومن أسانيد
أحمد: حدثنا يحيى عن هشام الدستوائي به. ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (4 /
190) إلا أنه لم يذكر جبير بن نفير في إسناده، وقال: " صحيح على شرط
الشيخين، ولم يخرجاه "! ووافقه الذهبي، وقد وهما في استدراكه على مسلم.
وتابعه عنده - أعني مسلما - علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير به. وأخرجه
من طريق طاووس عن ابن عمرو قال: " رأى النبي صلى الله عليه وسلم علي ثوبين
معصفرين فقال: أأمك أمرتك بهذا؟ ! قلت: أغسلهما؟ قال: بل أحرقهما ".
وأخرجه الحاكم أيضا من طريق أخرى عن ابن عمرو نحوه، وزاد في آخره: " ففعلت
". وقال:(4/280)
" صحيح الإسناد ".
قلت: وإنما هو حسن فقط. وفي الحديث دليل على أنه لا يجوز للمسلم أن يلبس
لباس الكفار وأن يتزيا بزيهم، والأحاديث في ذلك كثيرة، كنت قد جمعت منها
قسما طيبا مما ورد في مختلف أبواب الشريعة، وأودعتها في كتابي " حجاب المرأة
المسلمة "، فراجعها فإنها مهمة، خاصة وأنه قد شاع في كثير من البلاد
الإسلامية التشبه بالكفار في ألبستهم وعاداتهم حتى فرض شيء من ذلك على الجنود
في كل أو جل البلاد الإسلامية، فألبسوهم القبعة، حتى لم يعد أكثر الناس يشعر
بأن في ذلك أدنى مخالفة للشريعة الإسلامية، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
1705 - " إنا معشر الأنبياء تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا ".
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 171) عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مرسل لكن يشهد له حديث أنس بن مالك في الإسراء وفيه:
" والنبي صلى الله عليه وسلم نائمة عيناه ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء تنام
أعينهم ولا تنام قلوبهم ". أخرجه البخاري (2 / 396 و 4 / 485) من طريق شريك
ابن عبد الله عنه. وللحديث شواهد سيأتي أحدها في الحديث (1872) .
1706 - " إنا نهينا أن ترى عوراتنا ".
أخرجه الحاكم (3 / 222 - 223) وعنه البيهقي في " الشعب " (2 / 465 / 1)
وابن شاهين وابن السكن وابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 276) من طريق زهير
ابن محمد(4/281)
عن شرحبيل بن سعد عن جبار بن صخر قال: سمعت النبي صلى الله عليه
وسلم يقول: فذكره.
قلت: سكت عنه الحاكم ثم الذهبي، وسنده ضعيف، وفيه علتان:
الأولى: شرحبيل بن سعد قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق اختلط بآخره ".
قلت: ولا يدرى أحدث بهذا الحديث قبل الاختلاط أم بعده؟
والأخرى: زهير بن محمد وهو الخراساني الشامي، فيه ضعف. لكن تابعه إبراهيم
ابن محمد بن أبي يحيى عن شرحبيل به. أخرجه ابن أبي حاتم وابن منده. لكن
إبراهيم هذا متروك. بيد أن الحديث قد جاءت له شواهد كثيرة منها حديث: " احفظ
عورتك إلا من زوجتك وما ملكت يمينك ". وهو مخرج في " آداب الزفاف ". ومنها
قوله صلى الله عليه وسلم: " ارجع إلى ثوبك فخذه ولا تمشوا عراة ". أخرجه
مسلم (1 / 184) والبيهقي وغيرهما.
1707 - " إنا لا نقبل شيئا من المشركين ".
أخرجه الحاكم (3 / 484 - 485) وأحمد (3 / 401) عن ليث بن سعد حدثني عبيد
الله بن المغيرة عن عراك بن مالك أن حكيم بن حزام قال:(4/282)
كان محمد صلى الله
عليه وسلم أحب رجل في الناس إلي في الجاهلية، فلما تنبأ وخرج إلى المدينة شهد
حكيم بن حزام الموسم، وهو كافر، فوجد حلة لذي يزن تباع، فاشتراها بخمسين
دينارا، ليهديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم بها عليه المدينة،
فأراده على قبضها هدية، فأبى - قال عبيد الله حسبت أنه قال: (فذكره) ولكن
إن شئت أخذناها بالثمن، فأعطيته حين أبى علي الهدية ". وقال الحاكم: " صحيح
الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وله شاهد من حديث عياض بن حمار
بإسناد صحيح عنه نحوه، وهو مخرج في " الروض النضير " (741) وآخر من حديث
عامر بن مالك سيأتي برقم (1727) .
1708 - " إن الله حرم على أمتي الخمر والميسر والمزر والكوبة والقنين وزادني صلاة
الوتر ".
أخرجه أحمد (2 / 165 و 167) من طريق فرج بن فضالة عن إبراهيم بن عبد الرحمن
ابن رافع عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (فذكره) ، وقال: قال يزيد - هو ابن هارون -: القنين: البرابط.
قلت: وهذا إسناد ضعيف إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع مجهول كما قال الحسيني.
والفرج بن فضالة ضعيف. لكن الحديث صحيح، فقد جاء مفرقا من طرق أخرى، فرواه
ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن أبي هبيرة الكلاعي عن عبد الله بن عمرو بن
العاص مرفوعا به دون ذكر صلاة الوتر. أخرجه أحمد (2 / 172) .(4/283)
وابن لهيعة
سيء الحفظ. وقد رواه ابن لهيعة أيضا عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد
عن عبد الله بن عمرو به نحوه، وقال: " الغبيراء " مكان " المزر " وزاد:
" وكل مسكر حرام ". أخرجه أحمد أيضا (2 / 158) . وتابعه عبد الحميد بن
جعفر حدثنا يزيد بن أبي حبيب به. أخرجه أحمد (2 / 171) وإسناده صحيح.
وخالفهما محمد بن إسحاق فقال: عن يزيد بن أبي حبيب عن الوليد بن عبدة عن عبد
الله بن عمرو به. أخرجه أبو داود (3685) . وابن إسحاق مدلس وقد عنعنه.
وأما الزيادة فيرويها المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب - عن أبيه عن جده
مرفوعا. أخرجه أحمد (2 / 206) والمثنى ضعيف. وتابعه الحجاج بن أرطاة عن
عمرو به. أخرجه أحمد أيضا (2 / 208) . والحجاج مدلس وقد عنعنه. لكن لهذه
الزيادة شاهد صحيح من حديث أبي بصرة مرفوعا سبق تخريجه برقم (108) . فثبت من
هذا التخريج صحة هذا الحديث. والحمد لله على توفيقه.(4/284)
وفي (القنين) حديث
آخر يرويه عبيد الله بن زحر عن بكر بن سوادة عن قيس بن سعد بن عبادة مرفوعا
بلفظ: " إن ربي تبارك وتعالى حرم علي الخمر والكوبة والقنين، وإياكم
والغبيراء فإنها ثلث خمر العالم ". أخرجه أحمد (3 / 422) . وابن زحر ضعيف.
وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا دون الزيادة مخرج في " المشكاة " (3652
و4503) . المزر: نبيذ الذرة خاصة وهو (الغبيراء) . و (الكوبة) : الطبل
كما سيأتي في حديث ابن عباس رقم (1806) . و (القنين) : البرابط: ومفرده
(بربط) : العود من آلات الموسيقى.
1709 - " إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة ".
أخرجه أحمد (4 / 337) عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن ابن الأدرع قال:
" كنت أحرس النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فخرج لبعض حاجته، قال: فرآني
فأخذ بيدي، فانطلقنا، فمررنا على رجل يصلي يجهر بالقرآن، فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: " عسى أن يكون مرائيا "، قال: قلت: يا رسول الله يجهر
بالقرآن، قال، فرفض يدي، ثم قال: (فذكره) . قال: ثم خرج ذات ليلة وأنا
أحرسه لبعض حاجته، فأخذ بيدي، فمررنا برجل يصلي بالقرآن، قال: فقلت: عسى
أن يكون مرائيا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كلا إنه أواب ". قال:
فنظرت فإذا هو عبد الله ذو النجادين ".
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله رجال الشيخين غير هشام بن سعد وهو صدوق له أوهام
.(4/285)
والحديث بمعنى حديث " عليكم هديا قاصدا، فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه ".
وغيره مما في معناه، وقد خرجته في " ظلال الجنة في تخريج كتاب السنة " لابن
أبي عاصم (98) ويأتي له شاهد برقم (1760) .
1710 - " إنما يستريح من غفر له ".
روي من حديث عائشة وبلال الحبشي ومحمد بن عروة مرسلا.
1 - أما حديث عائشة فيرويه ابن لهيعة حدثنا أبو الأسود عن عروة عن عائشة قالت:
قيل: يا رسول الله ماتت فلانة واستراحت! فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال: فذكره. أخرجه أحمد (6 / 69 و 102) وأبو نعيم في " الحلية " (8 /
290) وقال: " غريب من حديث ابن لهيعة تفرد به المعافى فيما قاله سليمان ".
يعني شيخه الطبراني وليس كما قال، فإنه عند أحمد من طرق أخرى عن ابن لهيعة.
ورجاله ثقات إلا ابن لهيعة، فإنه سيء الحفظ لكنه يتقوى حديثه بما بعده،
لاسيما وقد أخرجه البزار من غير طريقه ورجاله ثقات كما قال الهيثمي ويأتي
بيان ما فيه.
2 - حديث بلال رواه بن عساكر كما في " الجامع ".
3 - وأما حديث محمد بن عروة، فأخرجه ابن المبارك في " الزهد " (251) :
أخبرنا يونس بن يزيد عن أبي مقرن قال حدثنا محمد بن عروة قال: " توفيت امرأة
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضحكون منها، فقال بلال: ويحها قد استراحت
، ... " الحديث.(4/286)
وأبو مقرن هذا لم أعرفه، وقد رواه نعيم بن حماد عن ابن
المبارك، فأسقطه من إسناده كما ذكره المعلق عليه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي.
قلت: وكذلك أخرجه الشافعي في " مجلسان " (ق 6 / 1 - 2) . وخالفه عثمان بن
عمر فقال: حدثنا يونس بن يزيد عن الزهري عن محمد بن عروة بن الزبير عن أبيه عن
عائشة. أخرجه البزار (789 - كشف الأستار) وقال: " لا نعلم أسند محمد بن
عروة عن أبيه عن عائشة إلا هذا ".
قلت: وهو صدوق كما في " التقريب "، فالسند حسن. وبالجملة فيبدو من هذه
الطرق أن للحديث أصلا أصيلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لاسيما ويشهد له
حديث أبي قتادة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة، فقال:
" مستريح أو مستراح منه " قالوا يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه؟ قال
: " العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر
يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب ". أخرجه مالك (1 / 241 / 54)
وعنه البخاري (4 / 233) وكذا مسلم (3 / 54) والنسائي (1 / 272 - 273)
وأحمد (5 / 302 - 303) كلهم عنه عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن معبد بن كعب بن
مالك عنه. وأخرجه الشيخان والنسائي وأحمد (5 / 296 و 302 و 304) من طرق
أخرى عن ابن كعب به.(4/287)
1711 - " إنما النفقة والسكن للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة ".
أخرجه النسائي (2 / 96) من طريق سعيد بن يزيد الأحمسي، وأحمد (6 / 373
و415 و 416 و 417) عن مجالد بن سعيد كلاهما عن الشعبي قال: حدثتني فاطمة بنت
قيس قالت: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أنا بنت آل خالد، وإن
زوجي فلانا أرسل إلي بطلاقي، وإن سألت أهله النفقة والسكن، فأبوا علي،
قالوا: يا رسول الله إنه قد أرسل إليها بثلاث تطليقات، قالت: فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ... " فذكره، والسياق للأول، وإسناده صحيح. وقد تابعه
جماعة عن الشعبي بمعناه في " الصحيحين " وغيرهما بألفاظ مختلفة، وقد خرجت
بعضها في " الروض النضير " (836) ، وذكرت له هناك متابعا آخر عن الشعبي به.
أخرجه الدارقطني بسند حسن.
1712 - " إنما الوتر بالليل ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم 891) عن خالد بن أبي كريمة أخبرنا
معاوية بن قرة عن الأغر المزني: " أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر، فقال: (فذكره) قال: يا نبي
الله إني أصبحت ولم أوتر، قال: فأوتر ".
قلت: وهذا إسناد حسن على الأقل في الشواهد، خالد بن أبي كريمة قال الحافظ:(4/288)
" صدوق يخطىء ". وسائر رجاله ثقات غير شيخ الطبراني محمد بن عمرو بن خالد
الحراني، فلم أجد له ترجمة. لكن يشهد للحديث قوله صلى الله عليه وسلم:
" أوتروا قبل أن تصبحوا ". أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي سعيد الخدري وهو
مخرج في " الإرواء " (421) . وهذا التوقيت للوتر كالتوقيت للصلوات الخمس،
إنما هو لغير النائم وكذا الناسي، فإنه يصلي الوتر إذا لم يستيقظ له في الوقت
، يصليه متى استيقظ ولو بعد الفجر، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم
للرجل في هذا الحديث: " فأوتر " بعد أن قال له: " إنما الوتر بالليل " وفي
ذلك حديث صريح فانظره في " المشكاة " (1268) و " الإرواء " (422) .
1713 - " إنا كنا نهيناكم عن لحومها أن تأكلوها فوق ثلاث لكي تسعكم، (فقد) جاء الله
بالسعة فكلوا وادخروا واتجروا، ألا وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر
الله عز وجل ".
أخرجه أبو داود (2813) ومن طريقه البيهقي (9 / 292) وأحمد (5 / 75) من
طريق خالد الحذاء عن أبي المليح بن أسامة عن نبيشة الهذلي قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقال البيهقي: " قوله: (اتجروا)
أصله " ائتجروا " على وزن افتعلوا، يريد الصدقة التي يبتغي أجرها، وليس من
باب التجارة ".(4/289)
1714 - " إنما مثل العبد المؤمن حين يصيبه الوعك أو الحمى كمثل حديدة تدخل النار،
فيذهب خبثها ويبقى طيبها ".
أخرجه الحاكم (1 / 348) والبزار في " مسنده " (رقم - 756) وابن أبي
الدنيا (68 / 1) وابن عساكر (9 / 427 / 2) عن نافع بن يزيد حدثني جعفر بن
ربيعة عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن السائب: أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن
أزهر حدثه عن أبيه عبد الرحمن بن أزهر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، رواته مدنيون ومصريون ".
ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في " المجمع " (2 / 302) : " رواه البزار
والطبراني في " الكبير "، وفيه من لا يعرف ". كذا قال! وعبد الرحمن بن
أزهر صحابي صغير مات قبل الحرة، وله ذكر في " الصحيحين " مع عائشة، وهو من
رجال أبي داود والنسائي. وابنه عبد الحميد بن عبد الرحمن بن أزهر أورده ابن
أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 15) من رواية جعفر بن ربيعة عنه،
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. لكن أورده ابن حبان في " ثقات التابعين " (3
222 / 137) وقال: " من أهل المدينة، يروي عن أبيه وعن جماعة من التابعين،
روى عنه أهل المدينة ". فهو معروف برواية أهل المدينة عنه ومنهم عبيد الله بن
عبد الرحمن الآتي ذكره، فهو من التابعين المستورين، فمثله حسن الحديث إن شاء
الله تعالى. وأما عبيد الله بن عبد الرحمن وهو ابن السائب، فقال ابن أبي
حاتم (2 / 2 / 323) : " روى عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن أزهر روى عنه
نافع بن يزيد ".(4/290)
كذا قال! ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وإنما روى نافع
ابن يزيد عن جعفر بن ربيعة عنه كما ترى في هذا الإسناد، فلعله روى عنه مباشرة
في غير هذا الحديث، فقد ذكر ابن حبان في " الثقات " (2 / 189) روايته عنه
أيضا فقال: " عبيد الله بن عبد الرحمن بن السائب بن عمير القاري، من أهل
المدينة يروي عن سعيد بن المسيب وعبد الحميد بن عبد الرحمن بن أزهر، روى عنه
ابن جريج ونافع بن يزيد ". وسائر الرجال ثقات من رجال الشيخين، فالإسناد
حسن، والحديث صحيح بما له من شواهد معروفة، تقدم أحدها برقم (714) .
1715 - " إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض، فهو يزرعها ورجل منح أرضا فهو يزرع ما منح
ورجل استكرى أرضا بذهب أو فضة ".
أخرجه أبو داود (3400) والنسائي (2 / 149) وابن ماجة (2449) والطحاوي
في " المشكل " (3 / 284) من طريق أبي الأحوص حدثنا طارق بن عبد الرحمن عن
سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن المحاقلة والمزابنة، وقال ... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين وفي طريق ابن عبد الرحمن
- وهو البجلي الأحمسي - كلام لا يضر إن شاء الله تعالى. وللحديث شواهد كثيرة
في " الصحيحين " وغيرهما، وهو دليل صريح في جواز استئجار الأرض بالنقدين
للزراعة خلافا لبعضهم.
1716 - " إنما يكفي أحدكم ما كان في الدنيا مثل زاد الراكب ".
أخرجه أبو يعلى (4 / 1729 - 1730) والطبراني في " المعجم الكبير " (رقم -(4/291)
3695) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 360) من طرق عن سفيان أخبرنا عمرو بن
دينار عن يحيى بن جعدة قال: " عاد خبابا ناس من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقالوا: أبشر أبا عبد الله! ترد على محمد صلى الله عليه وسلم الحوض
، قال: كيف بها أو بهذا، وأشار إلى أعلا بيته وإلى أسفله، وقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم ... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير
يحيى بن جعدة وهو تابعي ثقة، روى عن خباب وغيره من الصحابة. وقال الهيثمي
في " المجمع " (10 / 254) : " ... ورجاله رجال الصحيح غير يحيى بن جعدة وهو
ثقة ". وله شاهد من حديث سلمان الفارسي، وله عنه طرق:
الأولى: عن الحسن قال: لما احتضر سلمان بكى وقال: إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم عهد إلينا عهدا فتركنا ما عهد إلينا: أن يكون بلغة أحدنا من الدنيا
كزاد الراكب. قال: ثم نظرنا فيما ترك، فإذ قيمة ما ترك بضعة وعشرون درهما،
أو بضعة وثلاثون درهما. أخرجه أحمد (5 / 438) : حدثنا هشيم عن منصور عنه.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، إلا أن هشيما مدلس، ومثله الحسن
وهو البصري إلا أن ظاهر قوله: " ثم نظرنا.. " أنه أدرك احتضار سلمان
وتحديثه لكنهم قد تأولوا قول الحسن في بعض روايته: " خطبنا ابن عباس بالبصرة
" بأنه إنما أراد: خطب أهل البصرة. فيمكن أن يكون عنى بقوله: " نظرنا " نحو
ذلك من التأويل! كأن يعني القوم الذين حضروه! وتابعه السري بن يحيى عن الحسن
به. دون قوله: " ثم نظرنا ". أخرجه أبو نعيم (1 / 196) .(4/292)
ثم أخرجه من طريق
حماد بن سلمة عن حبيب عن الحسن، وحميد عن مورق العجلي أن سلمان لما حضرته
الوفاة بكى ... إلخ. وفيه قالا: فلما مات نظروا في بيته فذكره نحوه إلا أنه
قال: قوم نحوا من عشرين درهما. وأخرجه الطبراني (6160) من طريق حماد بن
سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب وحميد عن مورق العجلي نحوه.
قلت: فقد تابع الحسن مورق العجلي وهو تابعي ثقة وليس فيه الإشكال الذي في
رواية منصور عن الحسن. ثم بدا لي أنه لعل قوله: " نظرنا " محرف، والصواب:
" نظروا " كما في هذه الرواية، والله أعلم. ثم رأيته في الزهد لابن المبارك
(966) من رواية يونس عن الحسن قال: فذكره دون الزيادة. ثم رواه (967) من
طريق محمد بن أبي عدي قال: حدثنا حميد الطويل عن مورق العجلي عن بعض أصحابه
ممن أدرك سلمان قال: دخلنا على سلمان في وجعه الذي مات فيه فبكى.. إلخ دون
التقويم الذي في الزيادة، وهاتان الروايتان هما من زوائد الحسين المروزي على
ابن المبارك. ثم أخرجه أبو نعيم وكذا ابن سعد (4 / 91) من طريق علي بن زيد
عن سعيد بن المسيب مرسلا نحوه. وهي عند الطبراني كما تقدم.
الثانية: عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عامر بن عبد الله أن سلمان الخير حين
حضره الموت عرفوا منه بعض الجزع ... الحديث نحوه. أخرجه ابن حبان (2480)
وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 197) .
قلت: وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عامر بن عبد الله، وهو ابن
لحي أبو اليمان الهوزني الحمصي، أورده ابن حبان في " ثقات التابعين " (1 /
187) وروى عنه جماعة. وقول الذهبي في " الميزان ":(4/293)
" ما علمت له راويا سوى
صفوان بن عمرو ". فيرد عليه رواية الحبلي هذه عنه.
الثالثة: عن أبي سفيان عن أشياخه قال: دخل سعد على سلمان يعوده، قال: فبكى
... الحديث دون الزيادة، وفيه زيادة أخرى انظرها في " الترغيب " (4 / 99)
إن شئت. أخرجه ابن سعد أخبرنا أبو معاوية الضرير قال: حدثنا الأعمش عن أبي
سفيان ... وأخرجه أبو نعيم والحاكم (4 / 317) من طريقين آخرين عن أبي
معاوية به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا
وأما غمز المنذري إياه بقوله: " كذا قال ". فمن الظاهر أنه يشير به إلى
جهالة أشياخ أبي سفيان ولكن مثل هذه الجهالة لا تضر عند المحققين من النقاد
لأنهم جمع تنجبر بهم الجهالة، لاسيما وهم من التابعين على أضعف الاحتمالين.
فقد رواه جرير عن الأعمش فقال: عن أبي سفيان عن جابر قال: دخل سعد.. أخرجه
أبو نعيم.
قلت: فهذه الرواية - إن كانت محفوظة - ترجح احتمال كون أشياخ أبي سفيان من
الصحابة، أو أحدهم على الأقل. والله أعلم.
الرابعة: عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال: اشتكى سلمان، فعاده سعد،
فرآه يبكي ... الحديث وفيه الزيادة التي في الطريق الثالثة. أخرجه ابن ماجة
(4104) والطبراني (6069) وأبو نعيم دون الزيادة.(4/294)
قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم إلا الحسن بن أبي الربيع الجرجاني
وهو ثقة. وذهل عن هذا الاستثناء المنذري فقال: " رواه ابن ماجة، ورواته
ثقات احتج بهم الشيخان إلا أن جعفر بن سليمان فاحتج به مسلم وحده "!
1717 - " إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن كبر الله وحمد
الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله وعزل حجرا عن طريق الناس أو شوكا
أو عظما عن طريق الناس أو أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر، عدد تلك الستين
والثلاثمائة سلامى، فإنه يمسي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار ".
أخرجه مسلم (3 / 82) وأبو الشيخ في " العظمة " (12 / 20 / 2) من طرق عن
معاوية بن سلام عن زيد أنه أخبره عن جده أبي سلام حدثنا عبد الله بن فروخ أنه
سمع عائشة تقول: فذكره مرفوعا.
1718 - " ما بين السماء إلى الأرض أحد إلا يعلم أني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا
عاصي الجن والإنس ".
أخرجه الدارمي (1 / 11) وابن حبان في " الثقات " كما يأتي وأحمد (3 / 310
) من طريق الأجلح عن الذيال بن حرملة عن جابر بن عبد الله قال: " أقبلنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دفعنا إلى حائط في بني النجار، فإذا فيه
جمل لا يدخل الحائط أحد إلا شد عليه، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم،
فأتاه فدعاه، فجاء واضعا مشفرة على الأرض حتى برك بين يديه، فقال: " هاتوا
خطاما " فخطمه، ودفعه إلى صاحبه، ثم التفت فقال ... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، الذيال بن حرملة أورده ابن أبي حاتم (1 / 2 / 451)(4/295)
من رواية جمع آخر عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في
" الثقات " (1 / 43) وساق له هذا الحديث. والأجلح وهو ابن عبد الله
الكندي صدوق كما في " التقريب ".
1719 - " إنه ليغضب علي أن لا أجد ما أعطيه، من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل
إلحافا ".
أخرجه مالك (2 / 999 / 11) وعنه أبو داود (1627) والنسائي (1 / 363) من
طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال: " نزلت أنا
وأهلي ببقيع الغرقد، فقال لي أهلي: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاسأله لنا شيئا نأكله، وجعلوا يذكرون من حاجاتهم، فذهبت إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فوجدت عنده رجلا يسأله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
: " لا أجد ما أعطيك " فتولى الرجل عنه وهو مغضب، وهو يقول: لعمري إنك
لتعطي من شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... (فذكره) . قال الأسدي
: فقلت: للقحة لنا خير من أوقية - قال مالك: والأوقية أربعون درهما - قال:
فرجعت ولم أسأله، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بشعير
وزبيب، فقسم لنا منه حتى أغنانا الله عز وجل "
قلت: وهذا إسناد صحيح، وجهالة الصحابي لا تضر. وتابعه سفيان عن زيد بن
أسلم به مختصرا بلفظ: " من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا " أخرجه
أحمد (4 / 36 و 5 / 430) وأبو عبيد في " الغريب " (ق 31 / 2) . وله عند
أحمد (4 / 138) طريق أخرى عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن رجل من مزينة أنه
قالت له أمه:(4/296)
ألا تنطلق فتسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث نحوه
إلا أنه قال: " عدل خمس أواق ". وهذا إسناد صحيح أيضا على ضعف يسير في عبد
الحميد، ولعله أخطأ في قوله: " عدل خمس أواق ". ويبدو أن هذا الرجل المزني
هو أبو سعيد الخدري، فقد قال ابنه عبد الرحمن بن أبي سعيد: عن أبيه قال:
سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله، فأتيته ... فذكره نحوه
وفيه: " فقلت: ناقتي الياقوتة خير من أوقية، فرجعت ولم أسأله ". أخرجه
أحمد (3 / 9) . وأخرجه هو (3 / 7) وأبو داود (1628) والنسائي وابن
حبان (846) وابن أبي حاتم في " التفسير " (1 / 95 / 2) كلهم من طريق عبد
الرحمن بن أبي الرجال حدثنا عمارة بن غزية عن عبد الرحمن به. وهذا إسناد حسن
. وزاد أبو داود في رواية: " وكانت الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم أربعين درهما ". وفي إسناده ضعف، لكن يشهد له حديث عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده مرفوعا بلفظ: " من سأل وله أربعون درهما فهو الملحف ". أخرجه
النسائي.
قلت: وإسناده حسن. وما أخرجه الطبراني في " الكبير " (رقم - 1630) وعنه
أبو نعيم في " الحلية " (1 / 161) من طريق محمد بن سيرين قال:(4/297)
" بلغ الحارث
- رجل كان بالشام من قريش - أن أبا ذر كان به عوز، فبعث إليه ثلاثمائة دينار،
فقال: ما وجد عبدا لله هو أهون عليه مني؟ ! سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: (فذكره نحوه) ولآل أبي ذر أربعون درهم وأربعون شاة وماهنان.
قال أبو بكر بن عياش: يعني خادمين ".
قلت: وهذا إسناد جيد مرسلا لأن ابن سيرين لم يلق أبا ذر، كما قال أبو حاتم.
وقال الهيثمي (9 / 331) : " ورجاله رجال " الصحيح " غير عبد الله بن أحمد
ابن عبد الله بن يونس وهو ثقة ". وفاته الانقطاع الذي أشرت إليه، لكنه في
الشواهد إسناد جيد.
1720 - " إنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ".
أخرجه مسلم (1 / 61) والنسائي (2 / 271) والترمذي (2 / 301) وابن ماجة
(114) وأحمد (1 / 84 و 95 و 128) والخطيب في " التاريخ " (14 / 426) من
طرق عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن علي رضي الله عنه مرفوعا.
قلت: وله شاهد من حديث أم سلمة مرفوعا به. أخرجه الترمذي (2 / 299) وأحمد
(6 / 293) ، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ".
1721 - " إني أحدثكم بالحديث، فليحدث الحاضر منكم الغائب ".
الديلمي (1 / 2 / 317) من طريق أبي نعيم عن إسماعيل بن عبد الله عن عيسى بن
الحارث المذحجي عن عبادة بن الصامت مرفوعا.(4/298)
قلت: وهذا إسناد مجهول عندي، وفي الرواة من يسمى إسماعيل بن عبد الله جمع
كثير، فمن يكون هذا منهم؟ وليس فيهم من يدعى عيسى بن الحارث سوى الذي في
" الجرح والتعديل " (3 / 1 / 274) : " عيسى بن الحارث. روى عن.. روى عنه
أبو شيبة جد بني أبي شيبة. سألت أبا زرعة عنه؟ فقال: لا بأس به ". وأبو
شيبة الراوي عنه اسمه إبراهيم بن عثمان، وهو من أتباع التابعين يروي عن أبي
إسحاق السبيعي وغيره، فيحتمل احتمالا كبيرا أن يكون عيسى بن الحارث المذحجي
هذا هو عيسى بن الحارث الذي لا بأس به. وقد أيد ذلك قول الهيثمي في تخريج
الحديث (1 / 139) : " رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله موثوقون ".
قلت: ويشهد للحديث أحاديث " نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه.. ". أخرجه
أصحاب السنن وغيرهم من حديث ابن مسعود وزيد بن ثابت وجبير بن مطعم (انظر
الترغيب 1 / 63 - 64) وأحاديث " ليبلغ الشاهد الغائب " في الصحيحين من حديث
أبي بكرة.
1722 - " إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط، ما
فيها موضع قدر أربع أصابع إلا ملك واضع جبهته ساجدا لله، والله لو تعلمون
ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم
إلى الصعدات تجأرون ".
رواه الحاكم في " المستدرك " (2 / 510) عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن مورق
العجلي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:
* (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) * حتى ختمها ثم قال:
فذكره، وزاد:(4/299)
" والله لوددت أني شجرة تعضد ". وقال الحاكم: " حديث صحيح
الإسناد ولم يخرجاه ". وسكت عليه الذهبي. ومن هذا الوجه أخرجه الترمذي (2
/ 51) وابن ماجة (4190) دون قراءة الآية وقال الترمذي: " هذا حديث حسن
غريب، ويروى من غير هذا الوجه أن أبا ذر قال: لوددت أني شجرة تعضد ".
قلت: هكذا أخرجه أحمد (5 / 173) مصرحا بأن قوله: " والله لوددت.. " من
قول أبي ذر، وإسناده إلى إبراهيم صحيح، فهو دليل على أن من جعله من تمام
الحديث كما هو رواية الحاكم والترمذي وابن ماجة فهو وهم أدرجه في الحديث.
على أن الحديث إسناده فيه ضعف من قبل إبراهيم بن مهاجر، فقد قال عنه الحافظ
ابن حجر في " التقريب ". " صدوق لين الحفظ ". والحديث أورده المنذري في
" الترغيب " بلفظ الحاكم - فقال: " رواه البخاري باختصار والترمذي إلا أنه
قال: " ما فيها موضع أربع أصابع " والحاكم واللفظ له وقال: صحيح الإسناد "
. قلت: فعزوه إياه للبخاري مختصرا خطأ، فإن البخاري لم يخرجه عن أبي ذر مطلقا
، وإنما رواه مختصرا جدا (4 / 237) من حديث أبي هريرة وأنس بلفظ: " لو
تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ".
1723 - " إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين ".
أخرجه أبو داود (2683 و 4359) والنسائي (2 / 170) والحاكم (3 / 45)
وأبو يعلى في " مسنده " (1 / 216 - 217) كلهم من طريق أحمد بن المفضل حدثنا(4/300)
أسباط بن نصر قال: زعم السدي عن مصعب بن سعد عن سعد قال: لما كان يوم فتح مكة
اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي سرح عند عثمان بن عفان، فجاء به حتى أوقفه على
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بايع عبد الله، فرفع رأسه،
فنظر إليه ثلاثا، كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال:
" أما كان فيكم رجل رشيد، يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ "
. فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟ قال:
فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما
قالا، إلا أن أسباط بن نصر وأحمد بن المفضل قد تكلم فيهما بعض الأئمة من جهة
حفظهما، لكن الحديث له شاهد يتقوى به، يرويه نافع أبو غالب عن أنس قال:
" غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا فخرج المشركون، فحملوا علينا حتى
رأينا خيلنا وراء ظهورنا، وفي القوم رجل يحمل علينا فيدقنا ويحطمنا، فهزمهم
الله، وجعل يجاء بهم فيبايعونه على الإسلام، فقال رجل من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم: إن علي نذرا إن جاء الله بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا
لأضربن عنقه، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجيء بالرجل، فلما رأى
رسول الله قال: يا رسول الله تبت إلى الله، فامسك رسول الله صلى الله عليه
وسلم لا يبايعه، ليفي الآخر بنذره: فجعل الرجل يتصدى لرسول الله صلى الله
عليه وسلم ليأمره بقتله، وجعل يهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتله،
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يصنع بايعه، فقال الرجل: يا
رسول الله نذري، فقال: " إني لم أمسك عنه منذ اليوم إلا لتوفي بنذرك "، فقال
: يا رسول الله ألا أومضت إلي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه ليس
لنبي أن يومض ".(4/301)
أخرجه أبو داود (3194) وأحمد (3 / 151) بسند حسن،
فالحديث بهذا الشاهد صحيح إن شاء الله تعالى.
1724 - " إني صليت صلاة رغبة ورهبة، سألت الله عز وجل لأمتي ثلاثا، فأعطاني اثنتين
ورد علي واحدة، سألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم، فأعطانيها، وسألته
أن لا يهلكهم غرقا، فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فردها علي ".
أخرجه ابن ماجة (3951) وابن خزيمة في " صحيحه " (رقم - 1218) وأحمد (5 /
240) من طريق رجاء الأنصاري عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن معاذ بن جبل
قال: " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة، فأطال فيها، فلما انصرف
قلنا: يا رسول الله أطلت اليوم الصلاة؟ قال: " فذكره. قال البوصيري في
" زوائد ابن ماجة " (264 / 1) : " هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رواه الإمام
أحمد في " مسنده " وأبو بكر بن أبي شيبة في (مسنده) ".
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير رجاء الأنصاري، وهو مجهول، فقد قال
الذهبي: " ما روى عنه سوى الأعمش "، فأنى لإسناده الصحة. نعم للحديث طريق
آخر وشواهد يتقوى بها: فأخرجه أحمد (5 / 243 و 247) من طريقين عن عبد الملك
ابن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ به نحوه إلا أنه قال:(4/302)
" أن لا
يبعث عليهم سنة تقتلهم جوعا " بدل ".. غرقا ". وهذا هو المعروف في الشواهد
المشار إليها، منها حديث ثوبان مرفوعا: " إن الله زوى لي الأرض.. " وفيه:
" بسنة عامة ". أخرجه مسلم (8 / 171) وغيره وصححه الترمذي (2 / 27) وقد
مضى تخريجه تحت الحديث (1683) رقم (3) . ومنها عن أنس بن مالك مرفوعا مثله
. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 326) والحاكم (1 / 314) وقال: "
صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. ومنها حديث خباب بن الأرت وهو مخرج في "
صفة الصلاة ". لكن للغرق شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا بلفظ: " سألت
ربي ثلاثا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة،
فأعطانيها وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق، فأعطانيها وسألته أن لا يجعل
بأسهم بينهم، فمنعنيها ". أخرجه مسلم (8 / 171 - 172) وأحمد (1 / 175
و182) والجندي في " فضائل المدينة " (رقم 59 - منسوختي) . فهذا يدل على أن
ذكر الغرق محفوظ أيضا، فيظهر أن أصل الحديث ذكر فيه الغرق والسنة معا، كما
يدل عليه حديث سعد المذكور، ثم ذكر بعض الرواة هذا، وبعضهم هذا. والله
أعلم.
1725 - " إني قد بدنت، فإذا ركعت فاركعوا وإذا رفعت(4/303)
فارفعوا وإذا سجدت فاسجدوا
ولا ألفين رجلا يسبقني إلى الركوع ولا إلى السجود ".
أخرجه ابن ماجة (962) عن دارم عن سعيد بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي
موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: رجاله ثقات غير دارم هذا، فهو مجهول، وإن وثقه ابن حبان. لكن الحديث
صحيح، فقد جاء مفرقا في أحاديث، منها حديث معاوية مرفوعا: " إني قد بدنت،
فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، فإني مهما أسبقكم حين أركع تدركوني حين
أرفع، ومهما أسبقكم حين أسجد تدركوني حين أرفع ". أخرجه الدارمي وغيره بسند
حسن، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (630) . ومنها حديث أنس بن مالك
مرفوعا: " أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركعوع ولا بالسجود ولا
بالقيام ولا بالانصراف ... ". رواه مسلم وغيره، وهو مخرج أيضا في " صحيح
أبي داود " (635) .
1726 - " إني لا أقول إلا حقا ".
أخرجه الترمذي في " السنن " (1 / 359) و " الشمائل " (2 / 34) والبغوي
في " شرح السنة " (3602) وأحمد (2 / 360) من طريق ابن المبارك عن أسامة
ابن زيد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: " قالوا: يا رسول الله! إنك
تداعبنا؟ قال.. " فذكره، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".(4/304)
قلت: إسناده حسن إن كان أسامة بن زيد هو الليثي مولاهم أبو زيد المدني، وليس
كذلك إذا كان العدوي مولاهم أبا زيد المدني فإنه ضعيف ومن الصعب تعيين المراد
منهما، فإن ابن المبارك قد روى عنهما كليهما. وأيهما كان فلم يتفرد به، فقد
تابعه محمد عن سعيد بن أبي سعيد به. أخرجه أحمد (2 / 340) . ومحمد هو ابن
عجلان، وهو حسن الحديث، فالحديث صحيح كما قال الترمذي. والله أعلم.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في " الأدب المفرد " (265) عن ابن عجلان إلا أنه
قال: عن أبيه أو سعيد. وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث وفيه ضعف، فالشك
منه. والله أعلم. ثم ترجح عندي أن أسامة هو الليثي، فقد رأيت الحافظ المزي
قد ذكره في الرواة عن سعيد المقبري دون العدوي. وبذلك يزداد الحديث قوة على
قوة. والله أعلم. وسيأتي له حديث آخر قريبا برقم (1730) .
1727 - " إني لا أقبل هدية مشرك ".
أخرجه البزار (138 - زوائده) عن معمر والبيهقي في " دلائل النبوة " (ج 1 -
غزوة بئر معونة - مخطوطة حلب) عن موسى بن عقبة كلاهما عن ابن شهاب حدثني عبد
الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك السلمي - زاد الثاني: ورجال من أهل
العلم - أن عامر بن مالك بن جعفر الذي يدعى ملاعب الأسنة - قدم على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو مشرك، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
الإسلام، فأبى أن يسلم، وأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل، وقد وصله ابن المبارك فقال: عن معمر عن(4/305)
الزهري
عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن عامر بن مالك ... أخرجه البزار أيضا وقال: "
رفعه (يعني وصله) ابن المبارك، وأرسله عبد الرزاق، ولا نعلم روى عامر إلا
هذا ". قال الحافظ عقبه: " قلت: الإسناد صحيح غريب، وابن المبارك أحفظ من
عبد الرزاق، وحديث عبد الرزاق أولى بالصواب ".
قلت: وكأن ذلك للطريق الأخرى المرسلة عند البيهقي، لكن الحديث صحيح على كل
حال فإن له شواهد تشهد لصحته، وقد مضى بعضها، فانظر الحديث (1707) .
(تنبيه) عزا السيوطي الحديث في " الجامع الصغير " للطبراني في " الكبير " عن
كعب بن مالك! وأما في " الجامع الكبير " فعزاه (1 / 251 / 2) للطبراني في "
الكبير " وابن عساكر عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه، وابن عساكر عن
عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن عامر بن مالك ملاعب الأسنة. ولم يعزه الهيثمي
في " المجمع " (4 / 152) للطبراني مطلقا، فالله أعلم. وللحديث شواهد تقدم
أحدها برقم (1707) .
1728 - " أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله
والبغض في الله ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (11537) من طريق حنش عن عكرمة عن ابن
عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: " أي عرى الإيمان -
أظنه قال - أوثق؟ " قال: الله ورسوله أعلم؟ قال: " الموالاة ... ".(4/306)
قلت: وهذا إسناد واه، ولكن له شواهد تدل على أن له أصلا من حديث عبد الله
ابن مسعود، والبراء بن عازب. أما حديث ابن مسعود، فأخرجه الطيالسي (378)
والطبراني وغيرهما، وصححه الحاكم، ورده الذهبي كما بينته في " الروض
النضير " (651) ، لكن له طريق أخرى يتقوى بها خرجتها هناك. وأما حديث
البراء، فأخرجه أحمد (4 / 286) وابن أبي شيبة في " الإيمان " رقم (110 -
بتحقيقي) وابن نصر في " كتاب الصلاة " (ق 91 / 1) من رواية ليث بن أبي سليم
وهو ضعيف.
قلت: فالحديث بمجموع طرقه يرتقي إلى درجة الحسن على الأقل. والله أعلم.
1729 - " أوصيك أن لا تكون لعانا ".
أخرجه أحمد (5 / 70) : حدثنا عبد الصمد حدثنا عبيد الله بن هوذة القريعي أنه
قال: حدثني رجل سمع جرموزا الهجيمي قال: " قلت: يا رسول الله أوصني،
قال: " فذكره. وأخرجه الطبراني (رقم 2181) من طريق أخرى عن عبد الصمد بن
عبد الوارث به.
قلت: وإسناده صحيح لولا الرجل الذي لم يسم، لكن قال الحافظ في " الإصابة ":
" جزم البغوي وابن السكن بأنه أبو تميمة الهجيمي ".
قلت: فإذا صح هذا، فالإسناد صحيح لأن أبا تميمة واسمه طريف بن مجالد ثقة من
رجال البخاري. على أن ابن السكن أخرجه من طريق سلم بن قتيبة (وهو ثقة من(4/307)
رجال البخاري أيضا: حدثنا عبيد الله بن هوذة - ورأيته في مهده من الكبر - قال
: حدثني جرموز، فذكره. قال الحافظ: " وعلى هذا فلعل عبيد الله سمعه عنه
بواسطة، ثم سمعه منه ". وأخرجه الطبراني (2180) من طريق إبراهيم بن محمد
ابن عرعرة حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا عبيد الله بن هوذة عن جرموز به
. فأسقط من بينهما الواسطة، ولعل الأرجح إثباته، فقد أخرجه الطبراني (2182
) من طريق أخرى عن الحسن بن حبيب بن ندبة عن عبيد الله بن هوذة القريعي عن شيخ
عن جرموز مثله. فالعمدة على جزم البغوي وابن السكن أن الشيخ هو أبو تميمة
الهجيمي. والله أعلم. وللحديث بعض الشواهد في " ظلال الجنة " (1014) ،
فليراجعها من شاء.
1730 - " أوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف ".
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 35 / 2) وعنه ابن ماجة (2771)
والترمذي (2 / 255) وأحمد (2 / 325 و 331 و 443 و 476) وكذا ابن خزيمة
في " صحيحه " (1 / 256 / 2) والمحاملي في " الدعاء " (ق 32 / 1) وابن
السني في " عمل اليوم والليلة " (514) والحاكم (1 / 445 - 446 و 2 / 98)
والبيهقي في " الزهد " (ق 107 / 2) من طرق عن أسامة بن زيد عن سعيد المقبري
عن أبي هريرة قال: " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد سفرا
فقال: يا رسول الله أوصني، قال: ". فذكره، ولفظ الترمذي: " عليك بتقوى
الله.... ". وزاد هو والحاكم وأحمد وغيرهم: " فلما مضى قال: اللهم ازو
له الأرض، وهون عليه السفر ". وقال الترمذي:(4/308)
" حديث حسن ". وقال الحاكم
: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا إلا أن أسامة بن زيد
وهو الليثي فيه كلام يسير، فهو حسن الإسناد. وللجملة الأولى منه شاهد من
حديث شهر بن حوشب عن أبي سعيد الخدري قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال له: أوصني، فقال: " فذكره وزاد: " فإنه جماع كل خير ". وشهر
سيء الحفظ على صدقه، فمثله يستشهد به. وقد مضى من طريق أخرى برقم (555) .
1731 - " إن من البيان سحرا وإن من الشعر حكما ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (872) وأبو داود (5011) وابن ماجة
(3756) الشطر الثاني فقط - وابن حبان (2009) وأحمد (1 / 269 و 273
و303 و 309 و 313 و 327 و 332) من طرق عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس
: " أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم بكلام بين (وفي رواية
لأحمد: فجعل يثني عليه) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ". فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، وهو على شرط مسلم، وفي سماك كلام يسير. وتابعه
الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس به وفيه قصة، لكن السند إليه لا يصح.
أخرجه الحاكم (3 / 613) من طريق أبي سعد الهيثم بن محفوظ عن أبي المقوم
الأنصاري: يحيى بن أبي يزيد عنه. وسكت عليه الحاكم والذهبي.(4/309)
والهيثم هذا
قال في " الميزان ": " لا يدرى من هو؟ ".
قلت: وشيخه أبو المقوم لم أجد له ترجمة. ثم روى له الحاكم شاهدا من حديث أبي
بكرة، وفيه سليمان بن سعيد النشيطي وهو ضعيف. وله شاهدا آخر من حديث بريدة
مخرج في " المشكاة " (4804) . (حكما) أي من الشعر كلاما نافعا يمنع من
الجهل والسفه، وينهى عنهما. " نهاية ".
1732 - " إنما أنا بشر، تدمع العين ويخشع القلب ولا نقول ما يسخط الرب، والله يا
إبراهيم إنا بك لمحزونون ".
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 142) عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود
ابن لبيد قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ... ودمعت عيناه فقالوا: يا رسول الله تبكي وأنت رسول الله قال ...
فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، ومحمود بن لبيد صحابي صغير. وله
شاهد من حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: لما توفى ابن رسول الله صلى
الله عليه وسلم إبراهيم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له المعزي،
أبو بكر أو عمر: أنت أحق من عظم الله حقه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب، لولا أنه وعد صادق(4/310)
وموعود جامع وأن الآخر تابع للأول لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل مما وجدنا
وإنا بك لمحزونون ". أخرجه ابن ماجة (1589) وابن سعد (1 / 143) . وهذا
إسناد حسن في الشواهد، وقد حسنه البوصيري. وله شواهد أخرى عند ابن سعد (1
/ 136 - 140) منها عن أنس بن مالك وهو في " الصحيحين "، وقد خرجته في " فقه
السيرة للأستاذ الغزالي " (ص 484) .
1733 - " أولياء الله الذين إذا رءوا ذكر الله ".
أخرجه المروزي في " زوائد الزهد " (218) والطبراني في " المعجم الكبير " (
12325) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 231) والضياء في " المختارة "
(212 / 2) من طريقين عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
مرفوعا.
قلت: ورجال الطبراني وأبي نعيم ثقات غير جعفر هذا، قال الحافظ: " صدوق يهم
". وقد خالفه سهل أبو الأسد فقال عن سعيد بن جبير مرسلا، لم يذكر في إسناده
ابن عباس. أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (217) والدولابي في " الكنى " (
1 / 106) .
قلت: وسهل هذا ثقة كما قال ابن معين. وقال أبو زرعة: صدوق. وذكره ابن
حبان في " الثقات " (1 / 74) ، فروايته مقدمة على رواية جعفر بن أبي المغيرة
، فالحديث مرسل. وأما قول الهيثمي في " المجمع " (10 / 78) : " رواه
الطبراني، ورجاله ثقات "!(4/311)
قلت: فهذا الإطلاق من أوهامه أو تساهله، فإن جعفر بن أبي المغيرة قد عرفت قول
الحافظ فيه، وقال ابن منده: " ليس بالقوي في سعيد بن جبير ". وهذا من
روايته عنه كما ترى، وقد خالفه من هو أوثق منه كما سبق. لكنه أورده عقبه
بنحوه عن ابن عباس وقال: " رواه البزار عن شيخه علي بن حرب الرازي، ولم
أعرفه وبقية رجاله وثقوا ". فالظاهر أنه من طريق أخرى غير الأولى فالحديث به
يتقوى. وعلي بن حرب الرازي لعله الطائي الرازي فإنه من هذه الطبقة، وهو
صدوق فاضل. والله أعلم. ثم ذكر له شاهدا من حديث ابن مسعود بلفظ: " إن من
الناس مفاتيح لذكر الله، إذا رؤوا ذكر الله ". ولكنه ضعيف جدا ولذلك أوردته
في " الضعيفة " (2409) ، ووقع للهيثمي فيه تصحيف عجيب، كان السبب لخفاء
علته عليه، كما بينته هناك.
1734 - " إن ما بقي من الدنيا بلاء وفتنة، وإنما مثل عمل أحدكم كمثل الوعاء، إذا
طاب أعلاه طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله ".
أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (596) وعنه أحمد (4 / 94) والرامهرمزي في
" الأمثال " (ص 101 - هند) : أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني
أبو عبد ربه قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول على هذا المنبر: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح عندي، رجاله ثقات معروفون غير أبي عبد ربه وقد ذكره
ابن حبان في " الثقات " وروى عنه جمع آخر من الثقات.(4/312)
والحديث أخرجه ابن ماجة
(4199) وأبو يعلى (4 / 1776) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن يزيد به دون
فقرة الدنيا.
1735 - " إن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي
عليهم: ارجعوا فسنحفره غدا، فيعيده الله أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم
وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال
الذي عليهم: ارجعو فسنحفره غدا إن شاء الله تعالى، واستثنوا، فيعودون إليه
وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس، فينشفون الماء ويتحصن
الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء، فترجع عليها الدم الذي
اجفظ، فيقولون: قهرنا أهل الأرض، وعلونا أهل السماء، فيبعث الله نغفا في
أقفائهم فيقتلون بها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إن
دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم ".
أخرجه الترمذي (2 / 197) وابن ماجة (4080) وابن حبان (1908) والحاكم
(4 / 488) وأحمد (2 / 510 - 511 و 511) من طرق عن قتادة حدثنا أبو رافع عن
أبي هريرة مرفوعا، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب، إنما نعرفه من هذا
الوجه ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو
كما قالا. وله شاهد من حديث أبي سعيد سيأتي تخريجه برقم (1793) . ولطرفه
الأخير منه شاهد في حديث الدجال الطويل من حديث النواس بن سمعان مرفوعا. أخرجه
مسلم (8 / 197 - 199) وغيره كما يأتي تحت الحديث (1780) .(4/313)
غريب الحديث: (اجفظ) : أي ملأها، يعني ترجع السهام عليهم حال كون الدم
ممتلئا عليها.
في " القاموس ": الجفيظ: المقتول المنتفخ. و (الجفظ) : الملء واجفاظت
كاحمار واطمأن: انتفخت.
(نغفا) : دود تكون في أنوف الإبل والغنم، واحدتها: نغفة.
(وتشكر) : أي تمتلئ شحما، يقال: شكرت الناقة تشكر شكرا إذا سمنت وامتلأت
ضرعها لبنا.
(تنبيه) : أورد الحافظ ابن كثير هذا الحديث من رواية الإمام أحمد رحمه الله
تحت تفسير آيات قصة ذي القرنين وبنائه السد وقوله تعالى في يأجوج ومأجوج فيه
: * (فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا) * ثم قال عقبه: " وإسناده
جيد قوي ولكن متنه في رفعه نكارة لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من
ارتقائه ولا من نقبه، لإحكام بنائه وصلابته وشدته ".
قلت: نعم، ولكن الآية لا تدل من قريب ولا من بعيد أنهم لن يستطيعوا ذلك
أبدا، فالآية تتحدث عن الماضي، والحديث عن المستقبل الآتي، فلا تنافي ولا
نكارة بل الحديث يتمشى تماما مع القرآن في قوله " * (حتى إذا فتحت يأجوج
ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون) *. وبعد كتابة هذا رجعت إلى القصة في كتابه
" البداية والنهاية "، فإذا به أجاب بنحو هذا الذي ذكرته، مع بعض ملاحظات
أخرى لنا عليه يطول بنا الكلام لو أننا توجهنا لبيانها، فليرجع إليه من شاء
الوقوف عليه (2 / 112) .
(تنبيه آخر) : إن قول ابن كثير المتقدم في تجويد إسناد الحديث جاء عنده
بعد نقله قول الترمذي المتقدم إلا أنه لم يقع فيه لفظة " حسن "، واختلط الأمر
على مختصره الشيخ الصابوني (2 / 437) فذكر عقب الحديث قول ابن كثير: " في
رفعه نكارة "، وذكر(4/314)
في التعليق أن الترمذي قال: " وإسناده جيد قوي "!
وإنما هذا قول ابن كثير نفسه كما رأيت، لم يستطع الشيخ أن يجمع في ذهنه أن
ابن كثير يمكن أن يجمع بين تقوية الإسناد واستنكاره لمتنه. مع أن هذا شا ئع
معروف عند أهل العلم، فاقتضى التنبيه، وإن كنا أثبتنا خطأه في استنكاره
لمتنه كما تقدم.
1736 - " أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والثانية على لون أحسن كوكب
دري في السماء لكل رجل منهم زوجتان، على كل زوجة سبعون حلة يبدو مخ ساقها من
ورائها ".
أخرجه الترمذي (2 / 85 و 87) من طريق فراس وفضيل بن مرزوق كلاهما عن عطية
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وقال في الموضع
الأول: " حديث حسن صحيح ". وفي الآخر: " حديث حسن "، وهذا أقرب، فإن
عطية وهو العوفي ضعيف. لكنه لم يتفرد به كما يأتي. وأخرجه أحمد أيضا (3 /
16) : حدثنا يحيى بن آدم حدثنا فضيل عن عطاء حدثنا أبو سعيد الخدري به. كذا
فيه " عطاء " وأظنه محرفا من " عطية " والله أعلم، وعنه أخرجه البغوي في
حديث " ابن الجعد " (9 / 1) . ورواه سعيد بن سليمان حدثنا فضيل بن مرزوق عن
أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم به وزاد
: " كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء ". أخرجه الطبراني في " المعجم
الكبير " (10321) وعنه أبو نعيم في " صفة الجنة " (2 / 135 / 2001) من
طريقين عن ابن سليمان به. قال المنذري في " الترغيب " (4 / 261) : " رواه
الطبراني بإسناد صحيح والبيهقي بإسناد حسن "! وقال ابن القيم (1 / 318) :
" وهذا الإسناد على شرط الصحيح ".(4/315)
كذا قالا، وفضيل بن مرزوق وإن كان من
رجال مسلم، ففيه ضعف من قبل حفظه، قال الحافظ: " صدوق يهم ". وشيخه أبو
إسحاق هو السبيعي مختلط مدلس، وقد عنعنه. وقد اضطرب الفضيل في إسناده،
فمرة قال عنه، وأخرى قال: عن عطية. فالحديث من هذا الوجه ضعيف. لكن له
شاهد من حديث أبي هريرة يرويه سعيد بن عيسى - جار محمد بن الصباح - حدثنا حماد
ابن سلمة عن أيوب ويونس وحميد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: فذكره
مرفوعا دون ذكر الحلل، وزاد في آخره: " وليس في الجنة أعزب ". أخرجه
الخطيب في ترجمة سعيد هذا من " التاريخ " (9 / 87) ولم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا، وكناه بأبي عثمان المعروف بالبلخي، وأنا أظنه الذي في " الجرح
والتعديل " (2 / 1 / 51) : " سعيد بن عيسى بن تليد الرعيني أبو عثمان، مصري
روى عن المفضل بن فضالة وابن وهب وعبد الرحمن بن القاسم، سمع منه أبي،
وسألته عنه فقال: لا بأس به، وهو ثقة ".
قلت: فإذا كان هذا هو البلخي، فيكون مصريا قد رحل إلى بغداد، فإنه من هذه
الطبقة. والله أعلم. وقد توبع، فقال الإمام أحمد (2 / 345) : حدثنا عفان
حدثنا حماد بن سلمة أنبأنا يونس عن محمد بن سيرين به دون الشطر الأول منه ودون
الزيادة. وأخرجه مسلم (8 / 146) وأحمد (2 / 230 و 247 و 507) من طرق
أخرى عن أيوب به كاملا دون الحلل. وأخرجه الدارمي (2 / 336) من طريق هشام
القردوسي عن ابن سيرين الشطر الثاني منه.(4/316)
وللحلل السبعين شاهدان من حديث أبي
سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود مرفوعا أخرجهما ابن حبان (2631، 2632)
بإسنادين يستشهد بهما. وجملة القول فالحديث كله صحيح بشواهده. والله أعلم.
1737 - " أول الناس هلاكا قريش، وأول قريش هلاكا أهل بيتي ".
أخرجه إبراهيم بن طهمان في " مشيخته " (1 / 236 / 2) عن عباد بن إسحاق عن
محمد بن زيد عن أبي إسحاق مولى عبد الله بن شرحبيل بن جعشم عن عمرو بن العاص
مرفوعا به، وعن عباد بن إسحاق عن عمر بن سعيد عن محمد بن مسلم الزهري عن
عروة عن عائشة به.
قلت: وإسناده عن عائشة حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير عمر بن سعيد وهو ابن
سريج ضعفه الدارقطني وذكره ابن حبان في " الثقات ". وإسناده عن عمرو بن
العاص ثقات أيضا غير أبي إسحاق مولى عبد الله بن شرحبيل فلم أعرفه. لكن يبدو
أن له طريقا أخرى عنه، فقد عزاه السيوطي للطبراني في " الكبير " عنه، قال
المناوي: " وكذا أبو يعلى وفيه ابن لهيعة. ومقسم مولى ابن عباس أورده
البخاري في كتاب " الضعفاء الكبير "، وضعفه ابن حزم وغيره ". وقد وجدت له
شاهدا من حديث سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي الرباب أن أبا ذر قال: فذكره
مرفوعا. أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1 / 371 - طبع المجمع العلمي) .
ورجاله ثقات غير أبي الرباب هذا فلم أعرفه. ويحتمل أن يكون الذي في " الكنى
" للدولابي (1 / 177) :(4/317)
وأبو الرباب مطرف بن مالك القشيري، بصري " ومطرف
هذا أورده ابن أبي حاتم (4 / 1 / 312) وقال: " شهد فتح (تستر) مع أبي
موسى الأشعري، روى عنه زرارة بن أبي أوفى ومحمد بن سيرين "، وكذا قال ابن
حبان في " الثقات ".
قلت: وقد روى عنه أيضا سعيد بن أبي سعيد المقبري كما ترى، فقد روى عنه ثلاثة
من الثقات، فحديثه جيد إن شاء الله تعالى. وبالجملة فالحديث بهذه الطرق صحيح
عندي. والله أعلم. ولطرفه الأول شاهد عن أبي هريرة، مضى برقم (738) .
وأورده السيوطي من رواية أبي يعلى عن ابن عمرو بلفظ: " أول الناس فناء قريش،
وأول قريش فناء بنو هاشم ". وقال المناوي: " وفيه ابن لهيعة ".
1738 - " يا بنية! إنه قد حضر بأبيك ما ليس الله بتارك منه أحدا لموافاة يوم القيامة
".
أخرجه الإمام أحمد (3 / 141) حدثنا أبو النضر حدثنا المبارك عن ثابت البناني
عن أنس قال: " لما قالت فاطمة ذلك، يعني لما وجد رسول الله صلى الله عليه
وسلم من كرب الموت ما وجد، قالت فاطمة: واكرباه، قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ... (فذكره) : حدثنا خلف حدثنا المبارك حدثني ثابت عن أنس قال:
لما قالت فاطمة، فذكره مثله ".
قلت: وهذا إسناد حسن بعد أن صرح المبارك بن فضالة بالتحديث، على أنه قد توبع
، أخرجه الترمذي في " الشمائل " (379 - حمص) وابن ماجة (1629) من طريق عبد
الله بن الزبير أبي الزبير حدثنا ثابت البناني به.(4/318)
قلت: وهذا إسناد حسن أيضا رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن الزبير
هذا، قال أبو حاتم: مجهول. وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال الدارقطني
: بصري صالح. وأصله في " صحيح البخاري " (آخر - المغازي) كما بينته في
كتابي " مختصر الشمائل المحمدية " برقم (334) وعسى أن يطبع قريبا بإذن الله
تبارك وتعالى.
1739 - " أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخره الصلاة ".
أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 28) وتمام الرازي في " الفوائد "
(ق 31 / 2) والضياء في " المختارة " (1 / 495) من طريق ثواب بن حجيل
الهدادي عن ثابت البناني عن أنس مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد رجاله ثقات غير ثواب هذا، أورده ابن أبي
حاتم (1 / 1 / 471) من رواية موسى بن إسماعيل فقط عنه، وهو الراوي لهذا
الحديث عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية "
(6 / 265) و " الأخبار " (2 / 213) من طريق يزيد الرقاشي عن أنس به دون ذكر
الأمانة. ويزيد ضعيف. وأخرجه الطبراني من حديث شداد بن أوس مرفوعا دون ذكر
الصلاة. وذكر المناوي نقلا عن العراقي والهيثمي أن فيه عمران القطان ضعفه
ابن معين والنسائي، ووثقه أحمد.
قلت: إن لم يكن فيه غير هذه العلة فهو حسن الإسناد. والحديث صحيح على كل حال
، فإن له شواهد كثيرة ذكرت بعضها في " الروض النضير " تحت الحديث (726) .(4/319)
ثم
رأيت الحديث في الطبراني (رقم - 7182 و 7183) من طريق مهلب بن العلاء حدثنا
شعيب بن بيان الصفار حدثنا عمران القطان عن قتادة عن الحسن عن شداد مرفوعا به.
والحسن هو البصري مدلس. والمهلب بن العلاء قال الهيثمي (4 / 145) : " لم
أجد من ترجمة، وبقية رجاله ثقات ".
قلت: فلا بأس به في الشواهد. والله أعلم.
1740 - " أهل الجنة من ملأ الله أذنيه من ثناء الناس خيرا، وهو يسمع، وأهل النار
من ملأ أذنيه من ثناء الناس شرا، وهو يسمع ".
أخرجه ابن ماجة (4224) والطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 12787)
وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 80) والبيهقي في " الشعب " (2 / 342 / 1)
من طريق أبي هلال حدثنا عقبة بن أبي ثبيت عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) .
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات وفي أبي هلال - واسمه محمد بن سليم الراسبي
- كلام لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن، وقال الحافظ فيه: " صدوق فيه لين "
. ومنه يتبين تساهل البوصيري حين قال في " الزوائد " (ق 285 / 2) : " هذا
إسناد صحيح رجاله ثقات "! نعم الحديث صحيح، فإن له شواهد كثيرة منها عن أنس
مرفوعا نحوه. أخرجه البزار (ص 326 زوائد ابن حجر) والحاكم (1 / 378) من
طريقين عن ثابت عنه. وقال الحاكم:(4/320)
" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي،
وهو كما قالا. وإن أعله ابن أبي حاتم (2 / 232 - 233) بالإرسال. ومنها عن
أبي هريرة وغيره وقد مضى برقم (1327) .
1741 - " إن أهل النار كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع، وأهل الجنة الضعفاء
المغلوبون ".
أخرجه الحاكم (2 / 499) وأحمد (2 / 114) من طريق عبد الله (وهو ابن
المبارك) أنبأنا موسى بن علي بن رباح سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو
ابن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره والسياق لأحمد وقال الحاكم
: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. ثم قال أحمد (2 /
169) : حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا موسى به مختصرا بلفظ: " قال عند ذكر أهل
النار: كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع ". وإسناده صحيح أيضا. والحديث قال
المنذري في " الترغيب " (4 / 17) : " وعن سراقة بن مالك بن جعشم رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا سراقة ألا أخبرك بأهل الجنة
وأهل النار؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: أما أهل النار فكل جعظري ... "
فذكره دون قوله: " جماع مناع "، وقال: " رواه الطبراني في الكبير والأوسط
بإسناد حسن، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ".
قلت: أخرجه الطبراني في " الكبير " (6589) والحاكم (3 / 619) من طريق عبد
الله بن صالح حدثني موسى بن علي بن رباح اللخمي عن أبيه عن سراقة بن مالك بن
جعشم به. وسكت عنه هو والذهبي، وهذا أولى مما نقله المنذري عنه أنه قال:(4/321)
" صحيح على شرط مسلم " فإن عبد الله بن صالح ليس على شرطه أولا، ثم هو مضعف
ثانيا، وقد خالف عبد الله بن المبارك في إسناده ثالثا، فجعله من مسند سراقة
، وهو عنده من مسند عبد الله بن عمرو. نعم قال الإمام أحمد (4 / 175) :
حدثنا عبد الله بن يزيد المقري حدثنا موسى بن علي قال: سمعت أبي يقول: بلغني
عن سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:
فذكره. وعبد الله بن يزيد المقري ثقة من رجال الشيخين، فقد حفظ وبين أنه
منقطع بين علي بن رباح وسراقة. والله أعلم. ثم رأيت الحاكم أخرجه (1 / 60
- 61) من طريق زيد بن الحباب حدثني موسى بن علي به إلا أنه لم يقل: " بلغني "
، وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وابن الحباب دون المقري
في الحفظ والضبط. وللحديث شاهد عن معاذ بن جبل مرفوعا بلفظ: " ألا أخبرك عن
ملوك الجنة؟ قلت: بلى، قال: رجل ضعيف مستضعف ذو طمرين لا يؤبه له، لو أقسم
على الله لأبره ". أخرجه ابن ماجة (4115) عن سويد بن عبد العزيز عن زيد بن
واقد عن بسر بن عبد الله عن أبي إدريس الخولاني عنه.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير سويد بن عبد العزيز فإنه ضعيف، وقال الحافظ
: لين الحديث. وروى محمد بن جابر عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن حذيفة
مرفوعا بلفظ: " ألا أخبركم بشر عباد الله؟ الفظ المستكبر، ألا أخبركم بخير
عباد الله؟ المستضعف ذو الطمرين، لو أقسم على الله لأبر الله قسمه ". أخرجه
أحمد (5 / 407) . ومحمد بن جابر هو الحنفي اليمامي ضعيف لاختلاطه وتلقنه.(4/322)
(الجعظري) : الفظ الغليظ المتكبر. و (الجواظ) : الجموع المنوع.
1742 - " أول ما يهراق دم الشهيد، يغفر له ذنبه كله إلا الدين ".
رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله رجال الصحيح عن سهل بن حنيف مرفوعا
كما في المجمع (4 / 128) . وقد أخرجه الحاكم (2 / 119) ومن طريقه البيهقي
(9 / 163 - 164) من طريق عبد الرحمن بن سعد المازني عن سهل بن أبي أمامة بن
سهل بن حنيف عن أبيه عن جده مرفوعا دون قوله: " إلا الدين ". وسكت هو
والذهبي وذلك لأنه ذكره شاهدا لحديث ابن عمرو " يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين
" وصححه هو والذهبي. وعبد الرحمن بن سعد المازني كذا وقع في " المستدرك "
وأظنه محرفا عن " المدني " أورده ابن أبي حاتم (2 / 2 / 238) وذكر عن ابن
معين أنه قال: " لا أعرفه ".
قلت: لكن قول الهيثمي في طريق الطبراني: " ورجاله رجال الصحيح ". يشعر بأنه
من غير طريقه لأن ليس من رجال " الصحيح " بل ولا أخرج له أحد من سائر الستة
ويؤيده اختلاف اللفظ، فإنه ليس عنده " إلا الدين " كما سبق. وبالجملة
فالحديث حسن لغيره على الأقل إن لم يكن صحيحا. ثم رأيته في " المعجم الكبير "
للطبراني أخرجه (5552 و 5553) من طريقين عن عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن
شريح (وفي الطريق الأخرى: عبد الرحمن بن سهل المدني) عن سهل بن أبي أمامة
به.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين من الطريق الأولى، فإن عبد
الرحمن بن شريح هو المعافري الإسكندراني ثقة من رجالهما وكذلك سهل وابن وهب.
وأما عبد الرحمن بن سهل المدني، فالذي يغلب على ظني أن الصواب عبد الرحمن بن
سعد كما تقدم عن " المستدرك "، فقد ذكره ابن أبي حاتم (2 / 2 / 238) هكذا:(4/323)
عبد الرحمن بن سعد المدني، روى عن سهل بن أبي أمامة بن سهل، سمع منه عبد الله
ابن وهب. قال ابن معين: لا أعرفه. وعليه فقوله في " المستدرك ": (المازني
) محرف من (المدني) . والله أعلم.
(تنبيه) : عزا هذا الحديث صاحبنا السلفي في تعليقه على " كبير الطبراني "
(6 / 88) للصفحة (77) من المجلد الثاني من " المستدرك "، وإنما فيها
حديث آخر بلفظ: " من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات
على فراشه ". وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي.
قلت: وإسناده إسناد هذا تماما إلا أنه وقع فيه " عبد الرحمن بن شريح " على
الصواب. والله أعلم.
1743 - " يا أبا تراب! ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا: بلى يا رسول الله!
قال: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك على هذه (يعني قرن علي) حتى
تبتل هذه من الدم - يعني لحيته ".
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 351 - 352) والنسائي في " الخصائص "
(ص 28) والحاكم (3 / 140 - 141) وأحمد (4 / 263) من طريق محمد بن إسحاق
حدثني يزيد بن محمد بن خيثم المحاربي عن محمد بن كعب القرظي عن محمد بن خيثم عن
عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: " كنت أنا وعلي رفيقين في غزوة ذي
العشيرة، فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام بها، رأينا ناسا من
بني مدلج يعملون في عين لهم في نخل، فقال لي علي: يا أبا اليقظان: هل لك أن
نأتي هؤلاء فننظر كيف يعملون؟ فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة، ثم غشينا النوم
، فانطلقت أنا وعلي، فاضطجعنا في صور من النخل، في دقعاء من التراب فنمنا،
فوالله ما أيقظنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركنا برجله، وقد تتربنا
من تلك الدقعاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا تراب! لما يرى
عليه من التراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا.... " فذكره،
والسياق للحاكم وقال:(4/324)
" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
وهو وهم فاحش منهما، فإن محمد بن خيثم ويزيد بن محمد بن خيثم لم يخرج لهما
مسلم شيئا بل ولا أحد من بقية الستة إلا النسائي في الكتاب السابق " الخصائص "
وفيهما جهالة، فإن الأول منهما لم يرو عنه غير القرظي، والآخر غير ابن
إسحاق. والحديث قال الهيثمي (9 / 136) : " رواه أحمد والطبراني والبزار
باختصار، ورجال الجميع موثوقون إلا أن التابعي لم يسمع من عمار ". لكن
للحديث شواهد من حديث صهيب وجابر بن سمرة وعلي بأسانيد فيها ضعف غير حديث علي
فإسناده حسن كما قال الهيثمي وقد خرجها كلها فراجعه إن شئت (9 / 136 - 137)
(صور من النخل) أي جماعة من النخل، ولا واحد له من لفظه، ويجمع على
(صيران) . (دقعاء) هو هنا التراب الدقيق على وجه الأرض.
1744 - " ألا أخبركم بشيء، إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من بلايا الدنيا دعا به
يفرج عنه؟ فقيل له: بلى، فقال: دعاء ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني
كنت من الظالمين ".
أخرجه الحاكم (1 / 505) من طريق ابن أبي الدنيا، وهذا في " الفرج بعد الشدة
" (ص 10) : حدثني عبيد بن محمد حدثنا محمد بن مهاجر القرشي حدثني إبراهيم
ابن محمد بن سعد عن أبيه عن جده قال: " كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: " فذكره.(4/325)
قلت: وهذا إسناد فيه ضعف، عبيد بن محمد وهو المحاربي مولاهم الكوفي له
أحاديث مناكير كما قال ابن عدي، لكنه لم ينفرد به كما يأتي. ومحمد بن مهاجر
القرشي وثقه ابن حبان وروى عنه جماعة، وقد تابعه يونس بن أبي إسحاق الهمداني
حدثنا إبراهيم بن محمد بن سعد به نحوه. أخرجه أحمد (1 / 170) والحاكم وقال
: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
1745 - " ألا أخبركم بصلاة المنافق؟ أن يؤخر العصر حتى إذا كانت الشمس كثرب البقرة
صلاها ".
أخرجه الدارقطني في " سننه " (ص 94) والحاكم (1 / 195) من طريق عبد السلام
ابن عبد الحميد حدثنا موسى بن أعين عن أبي النجاشي قال: سمعت رافع بن خديج
يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد السلام بن عبد
الحميد، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال ابن عدي: " لا أعلم بحديثه
بأسا، لم أر في حديثه منكرا ". وقال الأزدي: تركوه. وهذا من شططه
وغلوائه. ويشهد للحديث قوله صلى الله عليه وسلم: " تلك صلاة المنافق يجلس
يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله
عز وجل فيها إلا قليلا ". أخرجه مسلم وغيره من حديث أنس بن مالك، وهو مخرج
في " صحيح أبي داود " (440) .(4/326)
(ثرب البقر) أي إذا تفرقت وخصت موضعا دون موضع عند المغيب. شبهها بـ (
الثرب) مفرد (الأثرب) وهي الشحم الرقيق الذي يغشى الكرش والأمعاء.
وهذا جمع القلة، وجمع الجمع (الأثارب) كما في " النهاية ".
1746 - " ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله ".
أخرجه الترمذي (4 / 284) والحاكم (4 / 290) وأحمد (3 / 422) والخطيب
في " التاريخ " (6 / 78، 12 / 428) من طريق ميمون بن أبي شبيب عن قيس بن
سعد بن عبادة. " أن أباه دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه، قال:
فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وقد صليت، فضربني برجله وقال.... " فذكره
وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ". وقال الحاكم: " صحيح
على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي! كذا قالا، وميمون هذا لم يحتج الشيخان
به، وإنما روى له البخاري تعليقا ومسلم في المقدمة، فهو صحيح فقط.
1747 - " ألا أدلك على سيد الاستغفار؟ اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا
عبدك وابن عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت،
وأبوء لك بنعمتك علي، وأعترف بذنوبي، فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا
أنت، لا يقولها أحد حين يمسي إلا وجبت له الجنة ".
أخرجه الترمذي (4 / 229) عن كثير بن زيد عن عثمان بن ربيعة عن شداد بن أوس
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال:(4/327)
" حديث حسن غريب من هذا
الوجه ".
قلت: كثير بن زيد هو الأسلمي ضعيف. وعثمان بن ربيعة وهو التيمي المدني ذكره
ابن حبان في " الثقات " ولم يرو عنه غير الأسلمي هذا. والحديث أخرجه البخاري
في " الدعوات " والنسائي في " الاستعاذة " وأحمد (4 / 122 و 125)
والطبراني (7172 - 7174) عن بشير بن كعب العدوي عن شداد بن أوس مرفوعا به
دون قوله: " ألا أدلك على "، واستدركه الحاكم على البخاري فوهم.
(تنبيه) : هكذا نص الحديث عند الترمذي نسخة " التحفة ". وفي نسخة بولاق (2
/ 245) ونسخة الدعاس (3390) : " لا يقولها أحد حين يمسي فيأتي عليه قدر قبل
أن يصبح إلا وجبت له الجنة، ولا يقولها حين يصبح فيأتي عليه قدر قبل أن يمسي
إلا وجبت له الجنة ". وهكذا رواه الطبراني (7187) دون قوله في الموضعين:
" فيأتي عليه قدر ". ثم رواه (7189) من طريق أخرى عن كثير بن زيد المدني،
حدثني المغيرة بن سعيد بن نوفل عن شداد به، فيه الزيادة. وللحديث شاهد من
حديث بريدة بن الحصيب مرفوعا نحوه دون قوله: " سيد الاستغفار ". أخرجه أحمد (
5 / 356) وغيره من أصحاب السنن، وصححه ابن حبان (2353) وسنده صحيح رجاله
ثقات.
1748 - " أول ما يحاسب به العبد الصلاة، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء ".
أخرجه النسائي (2 / 163) وابن نصر في " الصلاة " (ق 31 / 1) وابن أبي
عاصم في " الأوائل " (ق 4 / 2) والطبراني في " المعجم الكبير " (10425)
والقضاعي في " مسند(4/328)
الشهاب " (11 / 2 / 1) عن شريك عن عاصم عن أبي وائل
عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد رجاله ثقات غير أن شريكا وهو ابن عبد الله
القاضي سيء الحفظ. لكن الحديث صحيح، فإن شطره الثاني في " الصحيحين "
والنسائي وابن أبي عاصم وغيرهم من طريق أخرى عن أبي وائل به. وكذلك رواه
ابن أبي الدنيا في " الأهوال " (91 / 2) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 /
113 / 2) وأحمد (3674 و 4200 و 4213 و 4214) وغيرهم. والشطر الأول له
شواهد من حديث أبي هريرة وتميم الداري عند أبي داود وغيره وهو مخرج في "
صحيح أبي داود " (810 - 812) وحديث تميم عند الطبراني أيضا (1255 و 1256) .
1749 - " أول من يغير سنتي رجل من بني أمية ".
أخرجه ابن أبي عاصم في " الأوائل " (7 / 2) : حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا
أبي حدثنا عوف عن المهاجر أبي مخلد عن أبي العالية عن أبي ذر أنه قال ليزيد
ابن أبي سفيان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير المهاجر وهو ابن مخلد
أبو مخلد، قال ابن معين: " صالح ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال
الساجي: " صدوق ". وقال أبو حاتم: " لين الحديث ليس بذاك وليس بالمتقن،
يكتب حديثه ".(4/329)
قلت: فمثله لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن. والله أعلم. ولعل المراد
بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة، وجعله وراثة. والله أعلم.
1750 - " من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ".
ورد من حديث زيد بن أرقم وسعد بن أبي وقاص وبريدة بن الحصيب وعلي بن أبي
طالب وأبي أيوب الأنصاري والبراء بن عازب وعبد الله بن عباس وأنس بن مالك
وأبي سعيد وأبي هريرة.
1 - حديث زيد وله عنه طرق خمس:
الأولى: عن أبي الطفيل عنه قال: لما دفع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة
الوداع ونزل غدير (خم) ، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأني دعيت فأجبت
وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي،
فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: "
إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ". ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال:
" من كنت وليه، فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ". أخرجه
النسائي في " خصائص علي " (ص 15) والحاكم (3 / 109) وأحمد (1 / 118)
وابن أبي عاصم (1365) والطبراني (4969 - 4970) عن سليمان الأعمش قال:
حدثنا حبيب بن أبي ثابت عنه وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ".
قلت: سكت عنه الذهبي، وهو كما قال لولا أن حبيبا كان مدلسا وقد عنعنه.(4/330)
لكنه لم يتفرد به، فقد تابعه فطر بن خليفة عن أبي الطفيل قال: " جمع علي رضي
الله عنه الناس في الرحبة ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ثلاثون من الناس،
(وفي رواية: فقام ناس كثير) فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس: " أتعلمون
أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قالوا: نعم يا رسول الله، قال: " من كنت
مولاه، فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ". قال: فخرجت وكأن
في نفسي شيئا، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت عليا يقول كذا وكذا،
قال: فما تنكر، قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له ". أخرجه
أحمد (4 / 370) وابن حبان في " صحيحه " (2205 - موارد الظمآن) وابن أبي
عاصم (1367 و 1368) والطبراني (4968) والضياء في " المختارة " (رقم -
527 بتحقيقي) .
قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري. وقال الهيثمي في " المجمع " (9 / 104
) : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة ". وتابعه
سلمة بن كهيل قال: سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم - شك
شعبة - عن النبي صلى الله عليه وسلم به مختصرا: " من كنت مولاه، فعلي مولاه "
. أخرجه الترمذي (2 / 298) وقال: " حديث حسن صحيح ".(4/331)
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه الحاكم (3 / 109 - 110) من
طريق محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي الطفيل عن ابن واثلة أنه سمع زيد بن
أرقم به مطولا نحو رواية حبيب دون قوله: " اللهم وال.. ". وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: لم يخرجا لمحمد،
وقد وهاه السعدي ".
قلت: وقد خالف الثقتين السابقين فزاد في السند ابن واثلة، وهو من أوهامه.
وتابعه حكيم بن جبير - وهو ضعيف - عن أبي الطفيل به. أخرجه الطبراني (4971
) .
الثانية: عن ميمون أبي عبد الله به نحو حديث حبيب. أخرجه أحمد (4 / 372)
والطبراني (5092) من طريق أبي عبيد عنه. ثم أخرجه من طريق شعبة والنسائي (ص
16) من طريق عوف كلاهما عن ميمون به دون قوله: " اللهم وال ". إلا أن شعبة
زاد: " قال ميمون: فحدثني بعض القوم عن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: اللهم.. ". وقال الهيثمي: " رواه أحمد والبزار، وفيه ميمون أبو
عبد الله البصري، وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة ".(4/332)
قلت: وصحح له الحاكم (3 / 125) .
الثالثة: عن أبي سليمان (المؤذن) عنه قال: " استشهد علي الناس، فقال:
أنشد الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم من كنت مولاه،
فعلي مولاه، الله وال من والاه، وعاد من عاداه ". قال: فقام ستة عشر رجلا
فشهدوا ". أخرجه أحمد (5 / 370) وأبو القاسم هبة الله البغدادي في الثاني
من " الأمالي " (ق 20 / 2) عن أبي إسرائيل الملائي عن الحكم عنه. وقال أبو
القاسم: " هذا حديث حسن صحيح المتن ". وقال الهيثمي (9 / 107) : " رواه
أحمد وفيه أبو سليمان ولم أعرفه إلا أن يكون بشير بن سليمان، فإن كان هو فهو
ثقة وبقية رجاله ثقات ". وعلق عليه الحافظ ابن حجر بقوله: " أبو سليمان هو
زيد بن وهب كما وقع عند الطبراني ".
قلت: هو ثقة من رجال البخاري لكن وقع عند أبي القاسم تلك الزيادة " المؤذن "
ولم يذكرها في ترجمة زيد هذا، فإن كانت محفوظة، فهي فائدة تلحق بترجمته.
لكن أبو إسرائيل واسمه إسماعيل بن خليفة مختلف فيه، وفي " التقريب ":
" صدوق سيء الحفظ ".
قلت: فحديثه حسن في الشواهد.
ثم استدركت فقلت: قد أخرجه الطبراني أيضا (4996) من الوجه المذكور لكن(4/333)
وقع
عنده: " عن أبي سلمان المؤذن " بدون المثناة بين اللام والميم، وهو الصواب
فقد ترجمه المزي في " التهذيب " فقال: " أبو سلمان المؤذن: مؤذن الحجاج اسمه
يزيد بن عبد الله يروي عن زيد بن أرقم ويروي عنه الحكم بن عتيبة وعثمان بن
المغيرة الثقفي ومسعر بن كدام، ومن عوالي حديثه ما أخبرنا.. ". ثم ساق
الحديث من الطريق المذكورة. وقال: " ذكرناه للتمييز بينهما ". يعني: أن
أبا سلمان المؤذن هذا هو غير أبي سليمان المؤذن، قيل: اسمه همام.... الذي
ترجمه قبل هذا، وهذه فائدة هامة لم يذكرها الذهبي في كتابه " الكاشف ".
قلت: فهو إذن أبو سلمان وليس (أبو سليمان) وبالتالي فليس هو زيد بن وهب
كما ظن الحافظ، وإنما يزيد بن عبد الله كما جزم المزي، وإن مما يؤيد هذا أن
الطبراني أورد الحديث في ترجمة (أبو سلمان المؤذن عن زيد بن أرقم) : وساق
تحتها ثلاثة أحاديث هذا أحدها. نعم وقع عنده (4985) من رواية إسماعيل بن
عمرو البجلي حدثنا أبو إسرائيل الملائي عن الحكم عن أبي سليمان زيد بن وهب عن
زيد بن أرقم ... وهذه الرواية هي التي أشار إليها الحافظ واعتمد عليها في
الجزم بأنه أبو سليمان زيد بن وهب. وخفي عليه أن فيها إسماعيل بن عمرو البجلي
وهو ضعيف ضعفه أبو حاتم والدارقطني كما ذكر ذلك الحافظ نفسه في " اللسان ".
الرابعة: عن يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى انتهينا إلى غدير (خم) ... ". الحديث نحو الطريق الأولى وفيه
:(4/334)
" يا أيها الناس إنه لم يبعث نبي قط إلا عاش نصف ما عاش الذي قبله وإني أوشك
أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده: كتاب الله.. ". الحديث
وفيه حديث الترجمة دون قوله: " اللهم وال.. ". أخرجه الطبراني (4986)
ورجاله ثقات.
الخامسة: عن عطية العوفي قال: سألت زيد بن أرقم ... فذكره بنحوه دون الزيادة
إلا أنه قال: " قال: فقلت له: هل قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟
قال: إنما أخبرك كما سمعت ". أخرجه أحمد (4 / 368) والطبراني (5068 -
5071) . ورجاله ثقات رجال مسلم غير عطية، وهو ضعيف. وله عند الطبراني (
4983 و 5058 و 5059) طرق أخرى لا تخلو من ضعف.
2 - سعد بن أبي وقاص، وله عنه ثلاث طرق: الأولى: عن عبد الرحمن بن سابط عنه
مرفوعا بالشطر الأول فقط. أخرجه ابن ماجة (121) . قلت: وإسناده صحيح.
الثانية: عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه به. أخرجه النسائي في " الخصائص " (
16) وإسناده صحيح أيضا، رجاله ثقات رجال البخاري غير أيمن والد عبد الواحد
وهو ثقة كما في " التقريب ". الثالثة: عن خيثمة بن عبد الرحمن عنه به وفيه
الزيادة. أخرجه الحاكم (3 / 116) من طريق مسلم الملائي عنه.(4/335)
قال الذهبي في
" تلخيصه ": " سكت الحاكم عن تصحيحه، ومسلم متروك ".
3 - حديث بريدة، وله عنه ثلاث طرق:
الأولى: عن ابن عباس عنه قال: خرجت مع علي رضي الله عنه إلى اليمن فرأيت منه
جفوة، فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت عليا، فتنقصته، فجعل رسول
الله صلى الله عليه وسلم يتغير وجهه، فقال: " يا بريدة! ألست أولى بالمؤمنين
من أنفسهم؟ " قلت: بلى يا رسول الله، قال: " من كنت مولاه، فعلي مولاه ".
أخرجه النسائي والحاكم (3 / 110) وأحمد (5 / 347) من طريق عبد الملك بن
أبي غنية قال: أخبرنا الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وتصحيح الحاكم على شرط مسلم وحده
قصور. وابن أبي غنية بفتح الغين المعجمة وكسر النون وتشديد التحتانية ووقع
في المصدرين المذكورين (عيينة) وهو تصحيف، وهذا اسم جده واسم أبيه حميد.
الثانية: عن ابن بريدة عن أبيه " أنه مر على مجلس وهم يتناولون من علي، فوقف
عليهم، فقال: إنه قد كان في نفسي على علي شيء، وكان خالد بن الوليد كذلك،
فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية عليها علي، وأصبنا سبيا، قال:
فأخذ علي جارية من الخمس لنفسه فقال خالد بن الوليد: دونك، قال: فلما قدمنا
على النبي صلى الله عليه وسلم جعلت أحدثه بما كان، ثم قلت: إن عليا أخذ جارية
من الخمس، قال: وكنت رجلا مكبابا، قال: فرفعت رأسي فإذا وجه رسول الله صلى
الله عليه وسلم قد تغير، فقال.. " فذكر الشطر الأول.(4/336)
أخرجه النسائي وأحمد (
5 / 350 و 358 و 361) والسياق له من طرق عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عنه.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين أو مسلم. فإن ابن بريدة إن كان عبد
الله، فهو من رجالهما، وإن كان سليمان فهو من رجال مسلم وحده. وأخرج ابن
حبان (2204) من هذا الوجه المرفوع منه فقط.
الثالثة: عن طاووس عن بريدة به دون قوله: " اللهم ... ". أخرجه الطبراني في
" الصغير " (رقم - 171 - الروض) و " الأوسط " (341) من طريقين عن عبد
الرزاق بإسنادين له عن طاووس. ورجاله ثقات.
4 - علي بن أبي طالب، وله عنه تسع طرق:
الأولى: عن عمرو بن سعيد أنه سمع عليا رضي الله عنه وهو ينشد في الرحبة: من
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكر الشطر الأول) فقام ستة نفر
فشهدوا. أخرجه النسائي من طريق هانيء بن أيوب عن طاووس (الأصل: طلحة) عن
عمرو بن سعيد (الأصل: سعد) .
قلت: وهانيء قال ابن سعد: فيه ضعف. وذكره ابن حبان في " الثقات "، فهو
ممن يستشهد به في الشواهد والمتابعات.
الثانية: عن زاذان بن عمر قال: " سمعت عليا في الرحبة ... " الحديث مثله.
وفيه أن الذين قاموا فشهدوا ثلاثة عشر رجلا. أخرجه أحمد (1 / 84) وابن أبي
عاصم (1372) من طريق أبي عبد الرحيم الكندي عنه.
قلت: والكندي هذا لم أعرفه، وبيض له في " التعجيل "، وقال الهيثمي:(4/337)
" رواه أحمد وفيه من لم أعرفهم ". والثالثة والرابعة: عن سعيد بن وهب وعن
زيد بن يثيع قالا: نشد علي الناس في الرحبة: من سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول يوم غدير خم إلا قام، فقام من قبل سعيد ستة، ومن قبلي ستة،
فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي رضي الله عنه يوم
غدير خم: " أليس الله أولى بالمؤمنين؟ ". قالوا: بلى، قال: " اللهم من
كنت مولاه ... " الحديث بتمامه. أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد " المسند " (
1 / 118) وعنه الضياء المقدسي في " المختارة " (456 بتحقيقي) من طريق شريك
عن أبي إسحاق عنهما. ومن هذا الوجه أخرجه النسائي (16) لكنه لم يذكر سعيد
ابن وهب في السند، وزاد في آخره: " قال شريك: فقلت لأبي إسحاق: هل سمعت
البراء بن عازب يحدث بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ". قال
النسائي: عمران بن أبان الواسطي ليس بالقوي في الحديث. يعني راويه عن شريك.
قلت: وشريك هو ابن عبد الله القاضي وهو سيء الحفظ. وحديثه جيد في الشواهد
وقد تابعه شعبة عند النسائي (ص 16) وأحمد ببعضه (5 / 366) وعنه الضياء
في " المختارة " (رقم 455 - بتحقيقي) . وتابعه غيره كما سيأتي بعد الحديث
(10) .(4/338)
الخامسة: عن شريك أيضا عن أبي إسحاق عن عمرو ذي مر بمثل حديث أبي إسحاق يعني
عن سعيد وزيد وزاد فيه: " وانصر من نصره، واخذل من خذله ". أخرجه عبد
الله أيضا، وقد عرفت حال شريك. وعمرو ذي مر، لم يذكر فيه ابن أبي حاتم (3
/ 1 / 232) شيئا.
السادسة: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: " شهدت عليا رضي الله عنه في الرحبة
ينشد الناس.. ". فذكره مثله دون زيادة " وانصر ... ". أخرجه عبد الله بن
أحمد (1 / 119) من طريق يزيد بن أبي زياد وسماك بن عبيد بن الوليد العبسي
عنه.
قلت: وهو صحيح بمجموع الطريقين عنه، وفيهما أن الذين قاموا اثنا عشر. زاد
في الأولى: بدريا.
السابعة والثامنة: عن أبي مريم ورجل من جلساء علي عن علي أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال يوم غدير خم ... فذكره بدون الزيادة، وزاد: " قال: فزاد
الناس بعد: وال من ولاه، وعاد من عاداه ". أخرجه عبد الله (1 / 152) عن
نعيم بن حكيم حدثني أبو مريم ورجل من جلساء علي. وهذا سند لا بأس به في
المتابعات، أبو مريم مجهول. كما في " التقريب ".
التاسعة: عن طلحة بن مصرف قال: سمعت المهاجر بن عميرة أو عميرة بن المهاجر
يقول: سمعت عليا رضي الله عنه ناشد الناس ... الحديث مثل رواية ابن أبي ليلى.(4/339)
أخرجه ابن أبي عاصم (1373) بسند ضعيف عنه، وهو المهاجر بن عميرة. كذا ذكره
في " الجرح والتعديل " (4 / 1 / 261) من رواية عدي بن ثابت الأنصاري عنه.
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكذا هو في " ثقات ابن حبان " (3 / 256) .
5 - أبو أيوب الأنصاري. يرويه رياح بن الحارث قال: " جاء رهط إلى علي بالرحبة
، فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم، وأنتم قوم عرب؟
قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول: (فذكره دون
الزيادة) قال رياح: فلما مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء؟ قالوا: نفر من
الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري ". أخرجه أحمد (5 / 419) والطبراني (4052
و4053) من طريق حنش بن الحارث بن لقيط النخعي الأشجعي عن رياح بن الحارث.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات. وقال الهيثمي: " رواه أحمد والطبراني،
ورجال أحمد ثقات ".
6 - البراء بن عازب. يرويه عدي بن ثابت عنه قال: " كنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا: الصلاة جامعة، وكسح لرسول
الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر، وأخذ بيد علي رضي الله تعالى
عنه، فقال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ ... " الحديث مثل رواية
فطر بن خليفة عن زيد. وزاد: " قال: فلقيه عمر بعد ذلك، فقال له: هنيئا يا
ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ". أخرجه أحمد وابنه في
زوائده (4 / 281) وابن ماجة (116) مختصرا من طريق(4/340)
علي بن يزيد عن عدي بن
ثابت. ورجاله ثقات رجال مسلم غير علي بن يزيد وهو ابن جدعان، وهو ضعيف.
وله طريق ثانية عن البراء تقدم ذكرها في الطريق الثانية والثالثة عن علي.
7 - ابن عباس. يرويه عنه عمرو بن ميمون مرفوعا دون الزيادة. أخرجه أحمد (1 /
330 - 331) وعنه الحاكم (3 / 132 - 134) وقال: " صحيح الإسناد ".
ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
8 و 9 و 10 - أنس بن مالك وأبو سعيد وأبو هريرة. يرويه عنهم عميرة بن سعد
قال: " شهدت عليا رضي الله عنه على المنبر يناشد أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم: من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير (خم) يقول ما قال
فليشهد. فقام اثنا عشر رجلا، منهم أبو هريرة وأبو سعيد وأنس بن مالك،
فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فذكره. أخرجه
الطبراني في " الصغير " (ص 33 - هندية رقم 116 - الروض) وفي " الأوسط " (
رقم 2442) عن إسماعيل بن عمرو حدثنا مسعر عن طلحة بن مصرف عن عميرة بن سعد به
وقال: " لم يروه عن مسعر إلا إسماعيل ".
قلت: وهو ضعيف، ولذلك قال الهيثمي (9 / 108) بعد ما عزاه للمعجمين:
" وفي إسناده لين ".
قلت: لكن يقويه أن له طرقا أخرى عن أبي هريرة وأبي سعيد وغيرهما من الصحابة
.(4/341)
أما حديث أبي هريرة فيرويه عكرمة بن إبراهيم الأزدي حدثني إدريس بن يزيد
الأودي عن أبيه عنه. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1105) وقال: " لم يروه
عن إدريس إلا عكرمة ".
قلت: وهو ضعيف. وأما حديث أبي سعيد فيرويه حفص بن راشد أخبرنا فضيل بن
مرزوق عن عطية عنه. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (8599) وقال: " لم يروه
عن فضيل إلا حفص بن راشد ".
قلت: ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 2 / 172 - 173) فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا
. وأما غيرهما من الصحابة، فروى الطبراني في " الأوسط " (2302 و 7025) من
طريقين عن عميرة بن سعد قال: " سمعت عليا ينشد الناس: من سمع رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: (فذكره) ، فقام ثلاث عشر فشهدوا أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: فذكره. وعميرة موثق. ثم روى الطبراني فيه (5301) عن عبد
الله بن الأجلح عن أبيه عن أبي إسحاق عن عمرو بن ذي مر قال: سمعت عليا ...
الحديث إلا أنه قال: " ... اثنا عشر ". وقال: " لم يروه عن الأجلح إلا ابنه
عبد الله ".(4/342)
قلت: وهو ثقة، وقد رواه حبيب بن حبيب أخو حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن عمرو
ابن ذي مر وزيد بن أرقم قالا: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير
(خم) فقال: فذكره، وزاد: " ... وانصر من نصره وأعن من أعانه ". أخرجه
الطبراني في " الكبير " (5059) . وحبيب هذا ضعيف كما قال الهيثمي (9 / 108
) . وأخرج عبد الله بن أحمد في " زوائده على المسند " (1 / 118) عن سعيد بن
وهب وزيد بن يثيع قالا: نشد علي الناس في الرحبة: من سمع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول يوم غدير (خم) إلا قام، فقام من قبل سعيد ستة، ومن قبل زيد
ستة، فشهدوا ... الحديث. وقد مضى في الحديث الرابع - الطريق الثانية
والثالثة. وإسناده حسن، وأخرجه البزار بنحوه وأتم منه. وللحديث طرق
أخرى كثيرة جمع طائفة كبيرة منها الهيثمي في " المجمع " (9 / 103 - 108) وقد
ذكرت وخرجت ما تيسر لي منها مما يقطع الواقف عليها بعد تحقيق الكلام على
أسانيدها بصحة الحديث يقينا، وإلا فهي كثيرة جدا، وقد استوعبها ابن عقدة في
كتاب مفرد، قال الحافظ ابن حجر: منها صحاح ومنها حسان. وجملة القول أن
حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه، بل الأول منه متواتر عنه صلى الله عليه وسلم
كما ظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه، وما ذكرت منها كفاية. وأما قوله في
الطريق الخامسة من حديث علي رضي الله عنه: " وانصر من نصره واخذل من خذله "
.(4/343)
ففي ثبوته عندي وقفة لعدم ورود ما يجبر ضعفه، وكأنه رواية بالمعنى للشطر
الآخر من الحديث: " اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه ". ومثله قول عمر لعلي
: " أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ". لا يصح أيضا لتفرد علي بن زيد به
كما تقدم. إذا عرفت هذا، فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان
صحته أنني رأيت شيخ الإسلام بن تيمية، قد ضعف الشطر الأول من الحديث، وأما
الشطر الآخر، فزعم أنه كذب (1) ! وهذا من مبالغته الناتجة في تقديري من تسرعه
في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها. والله المستعان.
أما ما يذكره الشيعة في هذا الحديث وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في
علي رضي الله عنه: " إنه خليفتي من بعدي ". فلا يصح بوجه من الوجوه، بل هو
من أباطيلهم الكثيرة التي دل الواقع التاريخي على كذبها لأنه لو فرض أن النبي
صلى الله عليه وسلم قاله، لوقع كما قال لأنه (وحي يوحى) والله سبحانه لا
يخلف وعده، وقد خرجت بعض أحاديثهم في ذلك في الكتاب الآخر: " الضعيفة "
(4923 و 4932) في جملة أحاديث لهم احتج بها عبد الحسين في " المراجعات " بينت
وهاءها وبطلانها، وكذبه هو في بعضها، وتقوله على أئمة السنة فيها.
1751 - " أي إخواني! لمثل اليوم فأعدوا ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (8 / 1 / 229) وابن ماجة (4195) وأحمد (4
/ 294) وأبو بكر الشافعي في " مجلسان " (6 / 2) والروياني في " مسنده "
(ق 96 / 1) والخطيب في " التاريخ " (1 / 341) من طريق أبي رجاء عبد الله
ابن واقد الهروي قال: حدثنا محمد بن مالك عن البراء بن عازب قال:
_________
(1) انظر " مجموع الفتاوى " (4 / 417 - 418) . اهـ.(4/344)
" بينما
نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بصر بجماعة فقال: علام اجتمع عليه
هؤلاء؟ قيل: على قبر يحفرونه، قال: ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدر
بين يدي أصحابه مسرعا حتى انتهى إلى القبر فجثا عليه، قال: فاستقبلته من بين
يديه لأنظر ما يصنع، فبكى حتى بل الثرى من دموعه ثم أقبل علينا قال: " فذكره
. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير محمد بن مالك وهو أبو المغيرة
الجوزجاني مولى البراء، قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 88) عن أبيه: " لا بأس
به "، واضطرب فيه ابن حبان، فذكره في كتابيه " الثقات " و " الضعفاء "!
وقال فيه: " كان يخطىء كثيرا، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد ". وقال
في الأول منهما: " لم يسمع من البراء شيئا ".
قلت: وقد تعقبه الحافظ بما أخرجه أحمد عقب هذا الحديث بالإسناد ذاته عن محمد
ابن مالك قال: " رأيت على البراء خاتما من ذهب، وكان الناس يقولون له لم
تختتم بالذهب؟ وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال البراء: بينا
نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه غنيمة يقسمها: وسبي وخرثي
، قال: فقسمها حتى بقي هذا الخاتم، فرفع طرفه، فنظر إلى أصحابه، ثم خفض،
ثم رفع طرفه، فنظر إليهم ثم خفض، ثم رفع طرفه، فنظر إليهم ثم قال: أي براء
؟ فجئته حتى قعدت بين يديه، فأخذ الخاتم فقبض على كرسوعي ثم قال: خذ ألبس ما
كساك الله ورسوله. قال: وكان البراء يقول: كيف تأمرني أن أضع ما قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ألبس ما كساك الله ورسوله ". قال الحافظ: " فهذا
ينفي قول ابن حبان أنه لم يسمع من البراء إلا أن يكون عنده غير صادق، فما كان
ينبغي له أن يورده في كتاب (الثقات) ".
1752 - " إياك والسمر بعد هدأة الليل، فإنكم لا تدرون ما يأتي الله من خلقه ".(4/345)
أخرجه الحاكم (4 / 284) من طريق محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن جابر
ابن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره
. وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
وأقول: إنما هو حسن فقط لأن ابن عجلان فيه ضعف يسير وإنما أخرج له مسلم
متابعة. (الهدأة) : السكون عن الحركات. أي بعد ما يسكن الناس عن المشي
والاختلاف في الطرق.
1753 - " إياكم وكثرة الحديث عني، من قال علي فلا يقولن إلا حقا أو صدقا، فمن قال
علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ".
أخرجه الإمام أحمد (5 / 297) : حدثنا محمد بن عبيد حدثنا محمد - يعني - ابن
إسحاق حدثني ابن كعب بن مالك عن أبي قتادة قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، فإن ابن كعب بن مالك اسمه معبد، كذلك سماه
ابن إسحاق في رواية جماعة عنه. أخرجه الدارمي (1 / 77) وابن ماجة (35)
والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 172) والحاكم (1 / 111) . وتابعه عقيل
ابن خالد عن معبد بن كعب به. أخرجه الطحاوي بسند ضعيف عنه. وتابعه كعب بن
عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه به.(4/346)
أخرجه الحاكم من طريق عتاب بن محمد بن
شوذب حدثنا كعب بن عبد الرحمن ...
قلت: وكعب هذا أورده ابن أبي حاتم (3 / 2 / 162) ولم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا. وعتاب بن محمد بن شوذب لم أعرفه.
1754 - " أيما راع استرعى رعية فغشها فهو في النار ".
أخرجه أحمد (5 / 25) ومسلم (6 / 9) ولم يسق لفظه عن سوادة بن أبي الأسود
عن أبيه عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
ثم روى أحمد ومسلم وكذا البخاري في " الأحكام " من طريق الحسن البصري عن معقل
ابن يسار نحوه أتم منه. فراجعه في " الترغيب " (3 / 141) . وإنما قصدت إلى
تخريجه من هذا الطريق لأنه سالم من عنعنة الحسن البصري، فهو متابع قوي له،
والحمد لله على توفيقه.
1755 - " أيما عبد أصاب شيئا مما نهى الله عنه، ثم أقيم عليه حده، كفر عنه ذلك الذنب
".
أخرجه الحاكم (4 / 388) واللفظ له والدارمي (2 / 182) وأحمد (5 / 214
و215) والطبراني (3728 و 3731 و 3732) من طريق أسامة بن زيد أن محمد بن
المنكدر حدثه أن ابن خزيمة بن ثابت حدثه عن أبيه خزيمة بن ثابت رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال: " صحيح الإسناد ".
ووافقه الذهبي.(4/347)
وأقول: إنما هو حسن فقط لأن أسامة بن زيد وهو الليثي فيه كلام يسير. وابن
خزيمة اسمه عمارة وهو ثقة. نعم، الحديث صحيح، فإنه له شواهد كثيرة في
" الصحيحين " وغيرهما. ومن شواهده ما أورده السيوطي في " الجامع الصغير "
من حديث الشريد بن سويد مرفوعا بلفظ: " الرجم كفارة لما صنعت ". وقال:
" رواه النسائي والضياء في (المختارة) ". وزاد في " الجامع الكبير " (1 /
346 / 2) : " والطبراني في " الكبير " وسمويه ". وسببه كما في " المعجم
الكبير " للطبراني (7252) بسنده عن الشريد قال: " رجمت امرأة في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم، فلما فرغنا منها جئناه " فذكر الحديث. وفي سنده القاسم
ابن رشدين بن عميرة، قال النسائي: " لا أعرفه ".
قلت: وليس هو في " سنن النسائي الصغير " ولذلك لم يورده النابلسي في
" الذخائر "، فلعله في " الكبرى " له، ولم أقف على إسناده لننظر فيه وليس
هو في الجزء المحفوظ في " الظاهرية " من " فوائد سمويه ". ثم وقفت على سنده
بواسطة " النكت الظراف " للحافظ العسقلاني (4 / 154) فإذا هو من طريق أخرى
ليس فيه القاسم المذكور، ورجاله ثقات غير يحيى بن سليمان قال الذهبي في "
الكاشف ": " صويلح ". وقد خالفه أبو الطاهر بن السرح فرواه عن عمرو بن
الشريد مرسلا لم يقل عن أبيه. أخرجه النسائي في " الكبرى "، وهو أصح.(4/348)
لكن
يشهد له حديث الترجمة، وقد يشهد له ما أخرجه الطبراني في " الكبير " (رقم
3794) عن يحيى الحماني أخبرنا منكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن خزيمة بن
معمر الأنصاري قال: رجمت امرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الناس
: حبط عملها، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " هو كفارة ذنوبها،
وتحشر على ما سوى ذلك ". قال الهيثمي في " المجمع " (6 / 265) : " رواه
الطبراني وفيه يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو ضعيف ".
قلت: والمنكدر بن محمد لين الحديث كما في " التقريب "، فالسكوت عنه وإعلاله
بمن دونه ليس بجيد.
1756 - " أيما رجل رمى بسهم في سبيل الله عز وجل، فبلغ مخطئا أو مصيبا فله من الأجر
كرقبة يعتقها من ولد إسماعيل. وأيما رجل شاب شيبة في سبيل الله فهو له نور.
وأيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما، فكل عضو من المعتق بعضو من المعتق فداء له
من النار. وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة، فكل عضو من المعتقة بعضو من
المعتقة فداء لها من النار. وأيما رجل مسلم قدم لله عز وجل من صلبه ثلاثة لم
يبلغوا الحنث أو امرأة، فهم له سترة من النار.(4/349)
وأيما رجل قام إلى وضوء يريد
الصلاة، فأحصى الوضوء إلى أماكنه، سلم من كل ذنب أو خطيئة له، فإن قام إلى
الصلاة رفعه الله بها درجة، وإن قعد قعد سالما ".
أخرجه أحمد (4 / 386) من طريق عبد الحميد حدثني شهر حدثني أبو طيبة أن شرحبيل
ابن السمط دعا عمرو بن عبسة السلمي فقال: يا ابن عبسة هل أنت محدثي حديثا
سمعته أنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه تزيد ولا كذب، ولا
تحدثنيه عن آخر سمعه منه غيرك؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير شهر بن حوشب فإنه سيء
الحفظ، لاسيما وقد قال الإمام أحمد: " لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن
شهر ". وقد وجدت الحديث مفرقا من غير طريقه إلا الجملة الأخيرة منه، فإني لم
أجد له فيها متابعا من حديث عمرو بن عبسة، وإنما من حديث أبي أمامة، فإليك
الآن بيانا تلك المتابعات حسب ترتيب الفقرات المرقمة:
1 - 3 تابعه سليم بن عمرو أن شرحبيل بن السمط قال لعمرو بن عبسة حدثنا حديث ليس
فيه تزويد ولا نسيان، قال عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكر
الفقرات الثلاثة مشوشة الترتيب. أخرجه الطحاوي في " المشكل " (1 / 310)
وأحمد (4 / 113) وإسناده صحيح، وعزاه المنذري (2 / 171) للنسائي بإسناد
صحيح وله إسناد آخر من طريق الصنابحي عن عمرو. رواه أحمد وفيه رجل لم يسمه.
4 - تابعه سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي نجيح السلمي قال:
فذكره مرفوعا نحوه مع الفقرات الثلاثة الأولى. أخرجه أحمد (4 / 113) بسند
صحيح أيضا، ولابن حبان (1645) منه الفقرة الأولى بلفظ: " من بلغ بسهم في
سبيل الله فهو له درجة في الجنة ". وهي عند أحمد أيضا وزاد: " من رمى بسهم
في سبيل الله عز وجل فهو عدل محرر ". ثم رأيت عند ابن حبان (1208) هذه
الفقرة الرابعة والثالثة أيضا. وكذا رواه الطحاوي في " المشكل " (1 / 312)
. 5 - تابعه الفرج: حدثنا لقمان عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة السلمي مرفوعا
نحوه بلفظ: " من ولد له ثلاثة أولاد في الإسلام، فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث
أدخله الله عز وجل الجنة برحمته إياهم، ومن شاب ... " الحديث، وفيه الفقرات
الثلاث الأول.(4/350)
أخرجه أحمد (4 / 386) وسنده حسن.
6 - هذه الفقرة يرويها أبو غالب قال: سمعت أبا أمامة يقول: " إذا وضعت الطهور
مواضعه، قعدت مغفورا لك، فإن قام يصلي كان له فضيلة وأجرا، وإن قعد قعد
مغفورا له ". فقال رجل: يا أبا أمامة أرأيت إن قام فصلى تكون له نافلة؟ قال
: " لا إنما النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم، كيف تكون له نافلة وهو يسعى
في الذنوب والخطايا؟ ! تكون له فضيلة وأجرا ". أخرجه أحمد (5 / 255)
وإسناده حسن. ثم أخرجه (5 / 263) من طريق عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن
حوشب حدثني أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(4/351)
" أيما رجل قام
إلى وضوئه يريد الصلاة، ثم غسل كفيه نزلت خطيئته من كفيه مع أول قطرة، فإذا
مضمض واستنشق واستنثر نزلت خطيئته من لسانه وشفتيه مع أول قطرة، فإذا غسل
وجهه نزلت خطيئته من سمعه وبصره مع أول قطرة، فإذا غسل يديه إلى المرفقين
ورجليه إلى الكعبين سلم من كل ذنب هو له، ومن كل خطيئة كهيئته يوم ولدته أمه
، قال: فإذا قام إلى الصلاة رفع الله بها درجته، وإن قعد قعد سالما ". قال
المنذري (1 / 96) : " وهو إسناد حسن في المتابعات لا بأس به ". والحديث
عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " للطبراني فقط في " الكبير "! دون الفقرة
الرابعة، ففاته أنه في " المسند " أتم منه! وهو في " الكبير " بأكثر فقراته
مفرقا (7556 و 7560 و 7561 - 7567 و 7569 - 7572) من رواية شهر عن أبي أمامة
رضي الله عنه.
1757 - " إياي والفرج، يعني في الصلاة ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 122 / 2) من طريق حفص بن غياث
وابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 141) من طريق محمد بن خالد الوهبي عن ابن
جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
فذكره. وخالفهما عبد الرزاق فقال: عن ابن جريج به موقوفا على ابن عباس لم
يرفعه. أخرجه الطبراني أيضا.
قلت: وهذا إسناد صحيح مرفوعا وموقوفا، والمرفوع أصح لاتفاق ثقتين عليه.
وابن جريج وإن كان مدلسا، فروايته عن عطاء محمولة على السماع لقوله هو نفسه
: إذا قلت: قال عطاء، فأنا سمعته منه وإن لم أقل: سمعت. وكأنه لذلك لم
يعله أبو حاتم بعلة العنعنة مع أنه استنكره بقول ابنه عنه:(4/352)
" وهذا حديث منكر
وقال: " ابن جريج لا يحتمل هذا " يعني لا يحتمل رواية مثل هذا الحديث ".
كذا قال، ولم يذكر له علة ظاهرة، وكلامه يشعر على كل حال بأن العلة محمد
دون ابن جريج، ومع ذلك فلم تطمئن النفس لمثل هذا الإعلال المبهم، وكان يمكن
الاعتماد في ذلك على إيقاف عبد الرزاق إياه لولا اتفاق الثقتين على رفعه.
والله أعلم.
والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (2 / 91) : " رواه الطبراني في " الكبير
"، ورجاله ثقات ".
1758 - " أيما رجل من أمتي سببته سبة، أو لعنته لعنة في غضبي، فإنما أنا من ولد آدم
أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليهم صلاة يوم
القيامة ".
أخرجه أبو داود (4659) وأحمد (5 / 437) والطبراني (6156، 6157) عن عمر
ابن قيس الماصر عن عمرو بن أبي قرة قال: " كان حذيفة بالمدائن، فكان يذكر
أشياء قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأناس من أصحابه في الغضب، فينطلق
ناس ممن سمع ذلك من حذيفة، فيأتون سلمان فيذكرون له قول حذيفة، فيقول
سلمان: حذيفة أعلم بما يقول، فيرجعون إلى حذيفة، فيقولون له: قد ذكرنا قولك
لسلمان فما صدقك ولا كذبك، فأتى حذيفة سلمان وهو في مبقلة، فقال: يا سلمان
ما يمنعك أن تصدقني بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال سلمان:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغضب فيقول في الغضب لناس من أصحابه،
ويرضى، فيقول في الرضا لناس من أصحابه، أما تنتهي حتى {تورث} رجالا حب
رجال، ورجالا بغض رجال، وحتى توقع اختلافا وفرقة؟! ولقد علمت أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: (فذكره) ، والله لتنتهين أو لأكتبن إلى
عمر ".
قلت: والسياق لأبي داود وهو أتم وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات.(4/353)
وللحديث
شواهد كثيرة تقدم بعضها من حديث عائشة وأم سلمة في المجلد الأول رقم (83 و 84
) مع التعليق عليه بما يناسب المقام، فارجع إليه إن شئت.
1759 - " ألا إنما هن أربع: أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله
إلا بالحق ولا تزنوا ولا تسرقوا ".
أخرجه أحمد (4 / 339) والطبراني (6316 - 6317) من طريق منصور عن هلال بن
يساف عن سلمة بن قيس الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في
حجة الوداع: (فذكره) قال: فما أنا بأشح عليهن مني إذا سمعتهن من رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد صحيح. وقصر الهيثمي فقال (1 / 104) : " رواه الطبراني في
" الكبير "، ورجاله ثقات ".
1760 - " أيها الناس عليكم بالقصد، عليكم بالقصد، فإن الله لا يمل حتى تملوا ".
أخرجه ابن ماجة (4241) وأبو يعلى (2 / 497) وابن حبان (651) من طريق
يعقوب بن عبد الله القمي حدثنا عيسى بن جارية عن جابر قال: " مر رسول الله
صلى الله عليه وسلم على رجل قائم يصلي على صخرة، فأتى ناحية مكة، فمكث مليا،
ثم أقبل فوجد الرجل على حاله يصلي، فجمع يديه ثم قال: " فذكره.
قلت: وهذا إسناد محتمل للتحسين، رجاله موثوقون، وعيسى بن جارية مختلف فيه
، وقال الحافظ: " فيه لين ". وقال البوصيري في " الزوائد " (286 / 1) :(4/354)
" هذا إسناد حسن، يعقوب مختلف فيه، والباقي ثقات ". كذا قال، ولا يخفى ما
فيه لكن الحديث صحيح، فإنه يشهد له حديث بريدة مرفوعا: " عليكم هديا قاصدا،
فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه ". أخرجه أحمد وغيره وقد خرجته في " ظلال
الجنة في تخريج السنة " لابن أبي عاصم (95 - 97) . وحديث عائشة مرفوعا:
" اكفلوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا ". رواه الشيخان
وغيرهما وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1238) ومضى له شاهد (1709) .
1761 - " يا أيها الناس! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله
وعترتي أهل بيتي ".
أخرجه الترمذي (2 / 308) والطبراني (2680) عن زيد بن الحسن الأنماطي عن
جعفر عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم في حجته يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: " فذكره
، وقال: " حديث حسن غريب من هذا الوجه، وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن
سليمان وغير واحد من أهل العلم ".
قلت: قال أبو حاتم، منكر الحديث، وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال
الحافظ:(4/355)
" ضعيف ".
قلت: لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدا من حديث زيد بن أرقم قال: " قام رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى (خما) بين مكة والمدينة
، فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس
، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين،
أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور (من استمسك به وأخذ به كان على الهدى،
ومن أخطأه ضل) ، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به - فحث على كتاب الله ورغب
فيه، ثم قال: - وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل
بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ". أخرجه مسلم (7 / 122 - 123) والطحاوي في
" مشكل الآثار " (4 / 368) وأحمد (4 / 366 - 367) وابن أبي عاصم في "
السنة " (1550 و 1551) والطبراني (5026) من طريق يزيد بن حيان التميمي عنه
. ثم أخرج أحمد (4 / 371) والطبراني (5040) والطحاوي من طريق علي بن
ربيعة قال: " لقيت زيد بن أرقم وهو داخل على المختار أو خارج من عنده، فقلت
له: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني تارك فيكم الثقلين (كتاب
الله وعترتي) ؟ قال: نعم ". وإسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح. وله طرق
أخرى عند الطبراني (4969 - 4971 و 4980 - 4982 و 5040) وبعضها عند الحاكم (
3 / 109 و 148 و 533) . وصحح هو والذهبي بعضها. وشاهد آخر من حديث عطية
العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا:(4/356)
" (إنى أوشك أن أدعى فأجيب، و) إني تركت
فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب
الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن
يتفرقا حتى يردا علي الحوض ". أخرجه أحمد (3 / 14 و 17 و 26 و 59) وابن أبي
عاصم (1553 و 1555) والطبراني (2678 - 2679) والديلمي (2 / 1 / 45) .
وهو إسناد حسن في الشواهد. وله شواهد أخرى من حديث أبي هريرة عند الدارقطني
(ص 529) والحاكم (1 / 93) والخطيب في " الفقيه والمتفقه " (56 / 1) .
وابن عباس عند الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي. وعمرو بن عوف عند ابن عبد
البر في " جامع بيان العلم " (2 / 24، 110) ، وهي وإن كانت مفرداتها لا
تخلو من ضعف، فبعضها يقوي بعضا، وخيرها حديث ابن عباس. ثم وجدت له شاهدا
قويا من حديث علي مرفوعا به. أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار (2 / 307) من
طريق أبي عامر العقدي: حدثنا يزيد بن كثير عن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن
علي مرفوعا بلفظ: " ... كتاب الله بأيديكم، وأهل بيتي ". ورجاله ثقات غير
يزيد بن كثير فلم أعرفه، وغالب الظن أنه محرف على الطابع أو الناسخ. والله
أعلم. ثم خطر في البال أنه لعله انقلب على أحدهم، وأن الصواب كثير بن زيد،
ثم تأكدت من ذلك بعد أن رجعت إلى كتب الرجال، فوجدتهم ذكروه في شيوخ عامر
العقدي، وفي الرواة عن محمد بن عمر بن علي، فالحمد لله على توفيقه.(4/357)
ثم
ازددت تأكدا حين رأيته على الصواب عند ابن أبي عاصم (1558) . وشاهد آخر
يرويه شريك عن الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان عن زيد بن ثابت مرفوعا به.
أخرجه أحمد (5 / 181 - 189) وابن أبي عاصم (1548 - 1549) والطبراني في "
الكبير " (4921 - 4923) . وهذا إسناد حسن في الشواهد والمتابعات، وقال
الهيثمي في " المجمع " (1 / 170) : " رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله
ثقات "! وقال في موضع آخر (9 / 163) : " رواه أحمد، وإسناده جيد "! بعد
تخريج هذا الحديث بزمن بعيد، كتب علي أن أهاجر من دمشق إلى عمان، ثم أن أسافر
منها إلى الإمارات العربية، أوائل سنة (1402) هجرية، فلقيت في (قطر) بعض
الأساتذة والدكاترة الطيبين، فأهدى إلي أحدهم رسالة له مطبوعة في تضعيف هذا
الحديث، فلما قرأتها تبين لي أنه حديث عهد بهذه الصناعة، وذلك من ناحيتين
ذكرتهما له: الأولى: أنه اقتصر في تخريجه على بعض المصادر المطبوعة المتداولة
، ولذلك قصر تقصيرا فاحشا في تحقيق الكلام عليه، وفاته كثير من الطرق
والأسانيد التي هي بذاتها صحيحة أو حسنة فضلا عن الشواهد والمتابعات، كما
يبدو لكل ناظر يقابل تخريجه بما خرجته هنا..
الثانية: أنه لم يلتفت إلى أقوال المصححين للحديث من العلماء ولا إلى قاعدتهم
التي ذكروها في " مصطلح الحديث ": أن الحديث الضعيف يتقوى بكثرة الطرق، فوقع
في هذا الخطأ الفادح من تضعيف الحديث الصحيح.(4/358)
وكان قد نمى إلى قبل الالتقاء
به واطلاعي على رسالته أن أحد الدكاترة في (الكويت) يضعف هذا الحديث،
وتأكدت من ذلك حين جاءني خطاب من أحد الإخوة هناك، يستدرك علي إيرادي الحديث
في " صحيح الجامع الصغير " بالأرقام (2453 و 2454 و 2745 و 7754) لأن الدكتور
المشار إليه قد ضعفه، وأن هذا استغرب مني تصحيحه! ويرجو الأخ المشار إليه
أن أعيد النظر في تحقيق هذا الحديث، وقد فعلت ذلك احتياطيا، فلعله يجد فيه
ما يدله على خطأ الدكتور، وخطئه هو في استرواحه واعتماده عليه، وعدم تنبهه
للفرق بين ناشئ في هذا العلم، ومتمكن فيه، وهي غفلة أصابت كثيرا من الناس
اللذين يتبعون كل من كتب في هذا المجال، وليست له قدم راسخة فيه. والله
المستعان. واعلم أيها القارىء الكريم، أن من المعروف أن الحديث مما يحتج به
الشيعة، ويلهجون بذلك كثيرا، حتى يتوهم أهل السنة أنهم مصيبون في ذلك، وهم
جميعا واهمون في ذلك، وبيانه من وجهين:
الأول: أن المراد من الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: " عترتي " أكثر مما
يريده الشيعة، ولا يرده أهل السنة بل هم مستمسكون به، ألا وهو أن العترة
فيهم هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم، وقد جاء ذلك موضحا في بعض طرقه كحديث
الترجمة: " عترتي أهل بيتي " وأهل بيته في الأصل هم " نساؤه صلى الله عليه
وسلم وفيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعا كما هو صريح قوله تعالى في (
الأحزاب) : * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *
بدليل الآية التي قبلها والتي بعدها: * (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء
إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا. وقرن
في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن
الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.
واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا) *،
وتخصيص الشيعة (أهل البيت) في الآية بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي
الله عنهم دون نسائه صلى الله عليه وسلم من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصارا
لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه، وحديث الكساء وما في معناه غاية ما فيه(4/359)
توسيع دلالة الآية ودخول علي وأهله فيها كما بينه الحافظ ابن كثير وغيره،
وكذلك حديث " العترة " قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود أهل بيته
صلى الله عليه وسلم بالمعنى الشامل لزوجاته وعلي وأهله. ولذلك قال
التوربشتي - كما في " المرقاة " (5 / 600) : " عترة الرجل: أهل بيته ورهطه
الأدنون، ولاستعمالهم " العترة " على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلى الله
عليه وسلم بقوله: " أهل بيتي " ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين
وأزواجه ". والوجه الآخر: أن المقصود من " أهل البيت " إنما هم العلماء
الصالحون منهم والمتمسكون بالكتاب والسنة، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه
الله تعالى: " (العترة) هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم الذين هم على دينه
وعلى التمسك بأمره ". وذكر نحوه الشيخ علي القاريء في الموضع المشار إليه آنفا
. ثم استظهر أن الوجه في تخصيص أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله: " إن أهل
البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم
المطلعون على سيرته الواقفون على طريقته العارفون بحكمه وحكمته. وبهذا يصلح
أن يكون مقابلا لكتاب الله سبحانه كما قال: * (ويعلمهم الكتاب والحكمة) * "
. قلت: ومثله قوله تعالى في خطاب أزواجه صلى الله عليه وسلم في آية التطهير
المتقدمة: * (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) *. فتبين أن
المراد بـ (أهل البيت) المتمسكين منهم بسنته صلى الله عليه وسلم، فتكون هي
المقصود بالذات في الحديث، ولذلك جعلها أحد (الثقلين) في حديث زيد بن أرقم
المقابل للثقل الأول وهو القرآن، وهو ما يشير إليه قول ابن الأثير في "
النهاية ": " سماهما (ثقلين) لأن الآخذ بهما (يعني الكتاب والسنة)
والعمل بهما ثقيل، ويقال لكل خطير نفيس (ثقل) ، فسماهما (ثقلين) إعظاما
لقدرهما وتفخيما لشأنهما ".(4/360)
قلت: والحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث كذكر سنة
الخلفاء الراشدين مع سنته صلى الله عليه وسلم في قوله: " فعليكم بسنتي وسنة
الخلفاء الراشدين ... ". قال الشيخ القاريء (1 / 199) : " فإنهم لم يعملوا
إلا بسنتي، فالإضافة إليهم، إما لعملهم بها، أو لاستنباطهم واختيارهم إياها
". إذا عرفت ما تقدم فالحديث شاهد قوي لحديث " الموطأ " بلفظ: " تركت فيكم
أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنة رسوله ". وهو في " المشكاة
" (186) . وقد خفي وجه هذا الشاهد على بعض من سود صفحات من إخواننا الناشئين
اليوم في تضعيف حديث الموطأ. والله المستعان.
1762 - " الآيات خرزات منظومات في سلك، فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضا ".
أخرجه الحاكم (4 / 473 - 474) وأحمد (2 / 219) من طريقين عن خالد بن
الحويرث عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره.
قلت: " إسناده ضعيف خالد بن الحويرث ليس بالمشهور، قال ابن معين: " لا أعرفه
" وذكره ابن حبان في الثقات ". لكن للحديث شاهد من رواية أنس بن مالك مرفوعا
به إلا أنه قال: " الأمارات خرزات ... ". أخرجه الحاكم (4 / 546) وقال:
" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.(4/361)
1763 - " الإبل عز لأهلها والغنم بركة والخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة
".
أخرجه ابن ماجة (2305) وأبو يعلى في " مسنده " (4 / 1614) قالا: حدثنا
محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا عبد الله بن إدريس عن حصين عن عامر عن عروة
البارقي يرفعه، وذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين كما في " الزوائد " (162 / 1) وقال
: " فقد احتجا بجميع رواته، ورواه الشيخان والترمذي والنسائي من طريق عامر
الشعبي به، مقتصرين على قصة الخيل دون أوله، وكذلك رواه الدارمي ". وله
شاهد من حديث حذيفة بن اليمان مرفوعا به وزاد: " وعبدك أخوك، فأحسن إليه
وإن وجدته مغلوبا فأعنه ". أخرجه البزار (رقم - 1685) عن أبي يحيى الحماني
عبد الحميد بن عبد الرحمن: حدثنا الحسن بن أبي الحسن البجلي عن طلحة بن مصرف
عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عنه وقال: " لا نعلمه عن حذيفة إلا بهذا
الإسناد، وأحسب أن الحسن البجلي هو ابن عمارة ".
قلت: وهو متروك كما في " التقريب "، وقول الهيثمي (5 / 259) : " وهو
ضعيف ". فهو من تساهله أو تسامحه في التعبير، فالرجل أسوأ حالا من ذلك كما هو
معروف عند العلماء ولذلك فهو ممن لا يصلح للاستشهاد به.(4/362)
وجملة " الغنم بركة
" قد صحت من حديث أم هاني وعائشة بإسنادين صحيحين وقد تقدما (773) .
وأخرجها أبو يعلى (2 / 477) من طريق عبد الله بن عبد الله عن ابن (أبي)
ليلى عن البراء مرفوعا. وعبد الله هذا هو أبو جعفر الرازي، وهو ممن يستشهد
به لسوء حفظه مع الصدق. وروى طلحة عن عمرو عن عطاء مرسلا بلفظ: " الغنم بركة
موضوعة والإبل جمال لأهلها والخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة ".
أخرجه معمر بن المثنى في " الخيل " (3 / 2) : حدثني عمر بن عمران السدوسي قال
: حدثنا طلحة بن عمرو به.
قلت: وطلحة هذا هو الحضرمي المكي متروك أيضا.
1764 - " الأخوات الأربع: ميمونة وأم الفضل وسلمى وأسماء بنت عميس - أختهن لأمهن -
مؤمنات ".
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (8 / 138) وابن منده في " المعرفة " (2 / 328
/ 2) والحاكم (4 / 32) وابن عساكر في " التاريخ " (1 / 239 / 2) وأبو
منصور بن عساكر في " الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين " (ص 91) من طرق عن
عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن إبراهيم بن عقبة - أخي موسى بن عقبة - عن كريب
مولى عبد الله بن العباس عن عبد الله بن العباس مرفوعا به، وقال الحاكم:
" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وقال أبو منصور.(4/363)
" وهذا حديث حسن من حديث كريب ".
1765 - " الإزار إلى نصف الساق. فلما رأى شدة ذلك على المسلمين، قال: إلى الكعبين
لا خير فيما أسفل من ذلك ".
أخرجه أحمد (3 / 140 و 249 و 256) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 223 /
2) من طرق عن حميد عن أنس مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وللحديث شواهد كثيرة مخرجة في "
المشكاة " (4331) و " الترغيب " (3 / 97 - 98) . ومن الشواهد التي لم تخرج
هناك حديث حذيفة بن اليمان قال: " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضلة
ساقي فقال: هذا موضع الإزار، فإن أبيت فأسفل، فإن أبيت فلا حق للإزار فيما
دون الكعبين ". أخرجه أصحاب السنن غير أبي داود وابن حبان (1447) وأحمد (
5 / 382 و 396 و 398 و 400) والحميدي (445) عن مسلم بن نذير عنه. وتابعه
عند ابن حبان (1448) الأغر أبو مسلم عن حذيفة. وهذه السنة مما أعرض عنها
كثير من الخاصة فضلا عن العامة، كما بينته في مقدمة كتابي الجديد " مختصر
الشمائل المحمدية "، وهو في طريقه إلى الطبع إن شاء الله تعالى.
1766 - " الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، وكسبه
من طيب ".
أخرجه ابن ماجة (4130) من طريق عكرمة بن عمار حدثني أبو زميل - هو سماك - عن
مالك بن مرثد الحنفي عن أبيه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره.(4/364)
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات وفي عكرمة بن عمار كلام وبخاصة في روايته
عن يحيى بن أبي كثير، قال الحافظ: " صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي
كثير اضطراب ". إذا عرفت هذا تعلم تساهل البوصيري في " الزوائد " (278 / 2)
بقوله: " هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات ". ولعله أتى من قبل كون عكرمة
المذكور من رجال مسلم، ومن المعلوم أنه ليس كل رجاله في مرتبة واحدة، ففيهم
من هو حسن الحديث كما لا يخفى على مارس هذا العلم الشريف. وللحديث شاهد من
حديث ابن مسعود مرفوعا به دون قوله: " وكسبه من طيب ". أخرجه ابن حبان (807
) ورجاله ثقات. وآخر من حديث ابن عباس مرفوعا مثله. أخرجه الخطيب في
" التاريخ " (7 / 264) .
وثالث من حديث أبي هريرة مرفوعا مثله، وزاد: " أمامه وعن يمينه وعن شماله
وخلفه ". أخرجه أحمد (2 / 428) وإسناده جيد، وابن ماجة (4131) دون
الزيادة، وهو رواية لأحمد (2 / 340) . ثم وجدت له عنده (2 / 309 و 525
و535) طريقا أخرى عن كميل بن زياد عن أبي هريرة بلفظ: " يا أبا هريرة هلك
المكثرون، إلا من قال هكذا، وهكذا، وهكذا، ثلاث(4/365)
مرات، حتى بكفيه عن
يمينه وعن يساره وبين يديه وقليل ما هم ".
قلت: وأحد إسناديه صحيح، وقال المنذري (4 / 108) : " رواته ثقات ".
ولهذا اللفظ شاهد من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري. أخرجه أحمد (3 /
31) وابن ماجة (4129) . وآخر من حديث أبي ذر بلفظ: " إن الأكثرين هم
الأقلون إلا من قال ... " الحديث. أخرجه البخاري (2 / 83) وأحمد (5 / 152
) وقال: " الأخسرون ".
1767 - " الإمام ضامن، فإن أحسن فله ولهم وإن أساء - يعني - فعليه ولهم ".
أخرجه ابن ماجة (981) عن عبد الحميد بن سليمان أخي فليح حدثنا أبو حازم قال:
" كان سهل بن سعد الساعدي يقدم فتيان قومه يصلون بهم، فقيل له: تفعل ولك
من القدم مالك؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: ورجاله ثقات غير عبد الحميد بن سليمان، فهو ضعيف. لكن الحديث صحيح،
فإن قوله: " الإمام ضامن " قد جاء من حديث أبي هريرة وعائشة وهما مخرجان في
" صحيح أبي داود " (530 - 531) ومن حديث أبي أمامة عند أحمد (5 / 260)
بسند حسن. والباقي جاء من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ:(4/366)
" يصلون لكم، فإن
أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم ". أخرجه البخاري وأحمد (2 /
355) وابن حبان (375) نحوه. وله عنده (374) شاهد من حديث عقبة بن عامر
مرفوعا نحوه، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (593) .
1768 - " الأنصار شعار والناس دثار ولو أن الناس استقبلوا واديا أو شعبا واستقبلت
الأنصار واديا لسلكت وادي الأنصار ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ".
أخرجه ابن ماجة (164) عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن
جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قال البوصيري في
" الزوائد " (12 / 1) : " هذا إسناد ضعيف، والآفة فيه من عبد المهيمن بن
عباس، وباقي رجال الإسناد ثقات. رواه الترمذي في " الجامع " من حديث أبي بن
كعب إلا أنه لم يقل: " الأنصار شعار والناس دثار " وقال: " لو سلك " بدل
" استقبلوا " والباقي نحوه، وقال: " حديث حسن ".
قلت: هذا الحديث صحيح جدا، ولقد قصر البوصيري في حقه حين لم يستشهد له إلا
بحديث الترمذي، فأوهم أنه لا شاهد له سواه، وليس كذلك، وأسوأ منه عملا
السيوطي، فإنه أورده في " الزيادة على الجامع الصغير " (ق 69 / 1) من رواية
ابن ماجة فقط عن سهل، وكان الواجب أن يذكر له بعض الشواهد التي تدل على أنه
صحيح لغيره، ولو اختلفت بعض ألفاظه كما هي غالب عادته، ولذلك رأيت من
الواجب ذكر(4/367)
بعض الشواهد ليكون الواقف عليها على بينة من صحة الحديث، والموفق
الله تعالى. وقد جاء الحديث عن عبد الله بن زيد بن عاصم وأنس بن مالك وأبي
هريرة وأبي قتادة وأبي بن كعب.
1 - أما حديث عبد الله بن زيد، فأخرجه البخاري (3 / 152 و 4 / 412) ومسلم
(3 / 108 - 109) وأحمد (4 / 42) بتقديم وتأخير، ولفظه: " لولا الهجرة
لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها
، والأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على
الحوض ".
2 - حديث أنس، أخرجه البخاري (3 / 4 و 153 و 154) ومسلم (3 / 106 و 107)
وأحمد (3 / 169 و 172 و 188 و 246 و 249 و 275 و 280) من طرق عنه وليس عند
الشيخين إلا الجملة الوسطى من لفظ الترجمة وهو رواية أحمد وإسناده في الرواية
الأولى التامة صحيح على شرط مسلم.
3 - حديث أبي هريرة، أخرجه البخاري (3 / 5 و 4 / 412) وابن حبان (2292)
وأحمد (2 / 410 و 414 و 419 و 469 و 501) من طرق عنه، وليس عند البخاري
وابن حبان الجملة الأولى منه خلافا لأحمد في رواية، وإسناده صحيح أيضا على
شرط مسلم.
4 - حديث أبي قتادة، أخرجه أحمد (5 / 307) عنه بتمامه وكذا الحاكم (4 / 79
) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وقال الهيثمي
في " المجمع " (10 / 35) : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير يحيى بن
النضر الأنصاري وهو ثقة ".
5 - حديث أبي بن كعب، أخرجه الترمذي (رقم 3895) وأحمد (5 / 137 و(4/368)
138)
وعنه الحكم (4 / 78) عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب
عن أبيه مرفوعا به، دون الجملة الأولى، وقال الترمذي: " حديث حسن ". وقال
الحاكم: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي!
قلت: هو حسن الإسناد عند أحمد، فإن له عنده طريقا أخرى صحيحة عن ابن عقيل
وهو حسن الحديث. وفي الباب عن جمع آخر من الصحابة، فمن شاء الإطلاع عليها،
فليرجع إلى " مجمع الزوائد "، وفيما ذكرنا كفاية.
(تنبيه) لم تقع الجملة الثالثة من الحديث في نسخة بولاق من " الترمذي " (2 /
324) ولذلك اعتمدنا في هذا التخريج على نسخة الأستاذ الدعاس، ولقد كان يحسن
به التنبيه على ذلك.
1769 - " الإيمان بضع وسبعون بابا، فأدناه إماطة الأذى عن الطريق، وأرفعها قول:
لا إله إلا الله ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (598) والترمذي (3 / 357 - تحفة) وابن
ماجة (57) وأحمد (2 / 445) وأبو عبيد في " الإيمان " (رقم 4 - بتحقيقي)
من طريق سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي
هريرة مرفوعا به إلا أن لفظ البخاري كلفظ جرير الآتي عند مسلم. وقال
الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
قلت: وتابعه جرير عن سهيل به إلا أنه قال: " بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة
". والباقي مثله إلا أنه قال: " فأفضلها " مكان " وأرفعها "، وزاد:(4/369)
" والحياء شعبة من الإيمان ". أخرجه مسلم (1 / 46) وابن ماجة (57) .
وتابعه حماد بن سلمة قال: أنبأنا سهيل بن أبي صالح به مثل لفظ سفيان إلا أنه
قال: " أفضلها " مكان " أرفعها " و " العظم " بدل " الأذى "، وزاد:
" والحياء شعبة من الإيمان ". أخرجه أحمد (2 / 414) وأبو داود (2، 268)
بإسناد صحيح على شرط مسلم. وتابعه ابن عجلان عن عبد الله بن دينار بلفظ:
" الإيمان ستون أو سبعون أو أحد العددين ... " والباقي مثل حديث حماد إلا أنه
قال: " أعلاها ". أخرجه ابن أبي شيبة في " الإيمان " (رقم 67 بتحقيقي)
وعنه ابن ماجة (57) . وابن عجلان حسن الحديث إلا عند المخالفة، وقد خالف
الجميع في إسقاطه لفظة " بضع " فلا يحتج به. وتابعهم مختصرا سليمان بن بلال
عن عبد الله بن دينار بلفظ: " الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياء شعبة من
الإيمان ". أخرجه مسلم، وكذا البخاري (1 / 44 - فتح) إلا أنه قال:
" وستون ". أخرجه مسلم من طريقين، والبخاري من طريق ثالثة، كلهم عن أبي
عامر العقدي: حدثنا سليمان بن بلال به. ومن العجيب أن تفوت الحافظ ابن حجر
رواية مسلم هذه فقد قال في شرحه: " قوله: (وستون) لم تختلف الطرق عن أبي
عامر شيخ المؤلف في ذلك،(4/370)
وتابعه يحيى الحماني - بكسر المهملة وتشديد الميم -
عن سليمان بن بلال، وأخرجه أبو عوانة من طريق بشر بن عمرو عن سليمان بن بلال
، فقال: " بضع وستون أو بضع وسبعون ". وكذا وقع التردد في رواية مسلم من
طريق سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار. ورواه أصحاب السنن الثلاثة من
طريقه فقالوا: " بضع وسبعون " من غير شك، ولأبي عوانة في " صحيحه " من طريق
: " ست وسبعون أو سبع وسبعون ". ورجح البيهقي رواية البخاري لأن سليمان لم
يشك. وفيه نظر لما ذكرنا من رواية بشر بن عمرو عنه، فتردد أيضا. لكن يرجح
بأنه المتيقن وما عداه مشكوك فيه. وأما رواية الترمذي بلفظ: " أربع وستون
" فمعلولة، وعلى (فرض) صحتها لا تخالف رواية البخاري، وترجيح رواية بضع
وسبعون لكونها زيادة ثقة كما ذكره الحليمي ثم عياض - لا يستقيم، إذ الذي زادها
لم يستمر على الجزم بها لاسيما مع اتحاد المخرج. وبهذا يتبين شفوف نظر
البخاري، وقد رجح ابن الصلاح الأقل لكونه المتيقن ".
وأقوله: لا شك أن الأخذ بالأقل هو المتيقن عند اضطراب الرواية وعدم إمكان
ترجيح وجه من وجوه الاضطراب، وليس الأمر كذلك هنا في نقدي لأن رواية مسلم عن
سليمان أرجح من رواية البخاري عنه لأنها من طريقين كما سبقت الإشارة إليه عن
أبي عامر عنه. خلافا لقول الحافظ السابق: " لم تختلف الطرق عن أبي عامر ... "
. ومتابعة الحماني إياه لا تفيد فيما نحن فيه لأن الحماني فيه ضعف. فإذا رجحت
رواية مسلم عن أبي عامر، فيصير سليمان بن بلال متابعا لسهيل بن أبي صالح من
طريق سفيان وحماد بن سلمة عنه بلفظ " بضع وسبعون "، وبهذه المتابعة يترجح
هذا اللفظ على سائر الألفاظ، لاسيما وغالبها تردد فيها الرواة وشكوا، فإذا
انضم إلى ذلك أن زيادة الثقة مقبولة، استقام ترجيح هذا اللفظ كما ذكره الحليمي
ثم عياض، ولم يرد عليه قول الحافظ: " إذ الذي زادها لم يستمر على الجزم بها
" لأنه يكفي القول بأن الجزم بها هو الراجح على ما بينا. والله أعلم. وأما
لفظ " أربع وستون "، فأخرجه الترمذي وأحمد (2 / 379) من طريق عمارة بن
غزية عن أبي صالح به.(4/371)
وعمارة هذا من رجال مسلم، وهو لا بأس به كما في "
التقريب "، فمثله لا يعارض بروايته رواية عبد الله بن دينار الثقة الثبت
المحتج به في " الصحيحين "، فهو أحفظ من عمارة بكثير، لاسيما ومعه الزيادة،
فهي مقبولة قطعا. ولعله لهذا جزم الحافظ بأنها معلولة. والله أعلم.
1770 - " الإيمان يمان والكفر من قبل المشرق وإن السكينة في أهل الغنم وإن الرياء
والفخر في أهل الفدادين: أهل الوبر وأهل الخيل، ويأتي المسيح من قبل المشرق
وهمته المدينة، حتى إذا جاء دبر أحد تلقته الملائكة فضربت وجهه قبل الشام،
هنالك يهلك، هنالك يهلك ".
" أخرجه الترمذي (3 / 238 - 239 - تحفة) وأحمد (2 / 407 - 408 و 457) من
طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث صحيح ".
قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه مسلم مفرقا في موضعين (1 / 52
و4 / 120) ، وهو رواية لأحمد (2 / 372 و 397 و 484) .
1771 - " الأيمن فالأيمن ـ وفي طريق: الأيمنون الأيمنون ـ ألا فيمنوا ".
ورد من حديث أنس بن مالك وسهل بن سعد.
1 - أما حديث أنس فيرويه البخاري (2 / 75 و 130 و 4 / 35) ومسلم (6 / 112 -
113) وأبو عوانة في " صحيحه " (8 / 148 - 149) وكذا مالك (2 / 926 / 17)
وعنه أبو داود (3726) وكذا الترمذي (1 / 345) وصححه والدارمي (2 / 118
) وابن ماجة (3425) والطيالسي (2094) وأحمد(4/372)
(3 / 110 و 113 و 197 و 231
و239) وابن سعد (7 / 20) والدولابي (2 / 19) من طرق عنه: " أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أتي بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن شماله
أبو بكر، فشرب، ثم أعطى الأعرابي، وقال: " فذكره، واللفظ للبخاري من
طريق مالك عن ابن شهاب عنه. وفي رواية للشيخين وأحمد من طريق أبي طوالة عبد
الله بن عبد الرحمن قال: سمعت أنسا يقول: " أتانا رسول الله صلى الله عليه
وسلم في دارنا هذه فاستسقى، فحلبنا شاة لنا، ثم شبته من ماء بئرنا هذه،
فأعطيته، وأبو بكر عن يساره وعمر تجاهه وأعرابي عن يمينه، فلما فرغ قال
عمر: هذا أبو بكر، فأعطى الأعرابي فضله، ثم قال: " فذكره باللفظ الآخر،
والسياق للبخاري: قال أنس: فهي سنة، فهي سنة، فهي سنة.
2 - وأما حديث سهل بن سعد الساعدي نحوه دون قوله: " الأيمن ... ". أخرجه
مالك (رقم 18) والبخاري (2 / 75 و 100 و 138 و 4 / 36) ومسلم (6 / 113)
وأحمد (5 / 333 و 338) والطبراني (5780 و 5890 و 5948 و 5989 و 6007) من
طريق أبي حازم عنه. وفي رواية للبخاري (4 / 39) والطبراني (5792) من هذا
الوجه عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: " اسقنا يا سهل! ". وفي الحديث أن
بدء الساقي بالنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لأنه صلى الله عليه وسلم كان
طلب السقيا، فلا يصح الاستدلال به على أن السنة البدء بكبير القوم مطلقا كما
هو الشائع اليوم، كيف وهو صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك بل أعطى الأعرابي
الذي كان عن يمينه دون أبي بكر الذي كان عن يساره، ثم بين ذلك بقوله:
" الأيمن فالأيمن ". ولعلي شرحت هذا في مكان آخر من هذا الكتاب أو غيره.(4/373)
1772 - " لقلب ابن آدم أشد انقلابا من القدر إذا اجتمعت غليانا ".
أخرجه أحمد (4 / 4) : حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا الفرج حدثنا سليمان بن سليم
قال: قال المقداد بن الأسود: " لا أقول في رجل خيرا ولا شرا، حتى أنظر
ما يختم له - يعني - بعد شيء سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: وما
سمعت؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فذكره.
قلت: وهذا إسناد منقطع، ورجاله ثقات غير الفرج وهو ابن فضالة، فإنه ضعيف
لكنه قد توبع كما يأتي، وقد رواه عنه بقية فزاد في إسناده فقال: حدثنا الفرج
ابن فضالة حدثني سليمان بن سليم عن يحيى بن جابر عن المقداد بن الأسود به.
أخرجه المحاملي في الرابع من " الآمالي " (50 / 2) وأبو محمد الطامذي في "
الفوائد " (108 - 109) وقال: " وهذا إسناد شامي، وفرج بن فضالة يتكلم
فيه ".
قلت: ولبقية فيه إسناد آخر، فقال: حدثنا عبد الله بن سالم عن أبي سلمة
سليمان بن سليم عن ابن جبير عن أبيه عن المقداد به. أخرجه ابن أبي عاصم في
" السنة " (رقم 226 - بتحقيقي) والقضاعي (ق 108 / 2) .
قلت: وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات، صرح بقية فيه بالتحديث، فأمنا به شر
تدليسه. ولم يتفرد به، فقد قال عبد الله بن صالح: حدثني معاوية بن صالح عن
عبد الرحمن بن جبير بن نفير به. أخرجه الحاكم (2 / 289) وأبو القاسم
الحنائي في " الثالث من الفوائد " (ق 81 / 2) وابن بطة في " الإبانة " (4 /
18 / 2) وابن عساكر في " التاريخ " (17 / 76 / 1) ، وقال الحاكم:(4/374)
" على
شرط البخاري ". ووافقه الذهبي!
قلت: معاوية لم يخرج له البخاري، وابن صالح فيه ضعف، وقال الحنائي: " لا
نعرفه بهذا الطريق إلا من حديث أبي صالح كاتب الليث ". ثم قال: " والحديث
مشهور عن المقداد ".
قلت: تابعه الليث عن معاوية بن صالح به. أخرجه ابن بطة. فصح الحديث والحمد
لله من هذه الطريق وطريق بقية الآخر.
1773 - " بكروا بالإفطار وأخروا السحور ".
قال السيوطي في " الجامع الكبير ": " رواه ابن عدي والديلمي عن أنس ".
قلت: ولم أقف على إسناده الآن، وإنما كان يغلب على الظن أنه ضعيف. ثم
رأيته عند الديلمي (2 / 1 / 3) ، وفيه المبارك بن سحيم، وهو متروك. وعنه
ابن عدي (ق 381 / 1) . لكن له شواهد كثيرة يتقوى بها، منها حديث أم حكيم بنت
وداع مرفوعا بلفظ: " عجلوا بالإفطار، وأخروا السحور ". قال الهيثمي في "
المجمع " (3 / 155) : " رواه الطبراني في " الكبير " من طريق حبابة بنت عجلان
عن أمها عن صفية بنت جرير، وهؤلاء النسوة روى لهن ابن ماجة، ولم يجرحهن أحد
ولم يوثقهن ".(4/375)
وعزاه الحافظ في " الإصابة " لأبي يعلى وابن منده. ومنها
حديث ابن عباس مرفوعا: " إنا معشر الأنبياء أمرنا أن نعجل إفطارنا ونؤخر
سحورنا ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة ". أخرجه الطيالسي وغيره وصححه
ابن حبان، وهو مخرج في غير ما مؤلف من مؤلفاتي، فانظر " صحيح الجامع الصغير
وزيادته " (رقم 2282) . وفي الحض على تعجيل الإفطار وتأخير السحور أحاديث
أخرى تراجع في كتب الحديث الجامعة.
1774 - " بعثت إلى أهل البقيع أصلي عليهم ".
أخرجه أحمد (6 / 92) عن عبد العزيز بن محمد عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن
عائشة أنها قالت: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأرسلت
بريرة في أثره لتنظر أين ذهب، قالت: فسلك نحو بقيع الغرقد، فوقف في أدنى
البقيع، ثم رفع يديه، ثم انصرف، فرجعت إلي بريرة، فأخبرتني، فلما أصبحت
سألته؟ فقلت: يا رسول الله أين خرجت الليلة؟ قال: فذكره. وتابعه مالك في
" الموطأ " (1 / 242 / 55) وعنه النسائي (1 / 287) .
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، فإن أم علقمة واسمها مرجانة قد روى
عنها أيضا غير ابنها، بكير بن الأشج، وقال العجلي في " الثقات " (68 / 2
مصورة المكتب) : " مدنية تابعية ثقة ". وقد تابعها على أصل القصة محمد بن
قيس بن مخرمة بن المطلب عن عائشة به(4/376)
مطولا، مع اختلاف في بعض الأحرف، وفيه
أن جبريل عليه السلام قال له صلى الله عليه وسلم: " إن ربك يأمرك أن تأتي أهل
البقيع فتستغفر لهم ". أخرجه مسلم (3 / 63 - 64) والنسائي (1 / 286 - 287
) وأحمد (6 / 221) . فقوله: " فتستغفر لهم " يبين أن قوله في رواية علقمة:
" لأصلي عليهم " ليس المراد صلاة الجنازة، وإنما الدعاء لهم والاستغفار.
1775 - " أهل اليمن أرق قلوبا وألين أفئدة وأنجع طاعة ".
أخرجه الإمام أحمد في " المسند " (4 / 154) من طريق مشرح بن هاعان أنه سمع
عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير مشرح هذا، وقد
وثقه ابن معين، وكذا ابن حبان. ثم تناقض فأورده في " الضعفاء "! والحديث
قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 55) : " رواه أحمد والطبراني - وقال
: وأسمع طاعة - وإسناده حسن ". (أنجع) أي أنفع.
1776 - " بيت لا تمر فيه، كالبيت لا طعام فيه ".
أخرجه ابن ماجة (3327) من طريق هشام بن سعد عن عبيد الله بن أبي رافع عن جدته
سلمى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، ورجاله ثقات رجال مسلم على ضعف في هشام غير عبيد الله
وهو ابن علي بن أبي رافع، نسب لجده، قال ابن معين: " لا بأس به ". وقال
أبو حاتم:(4/377)
" لا بأس بحديثه ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". ويشهد له
حديث عائشة مرفوعا: " بيت لا تمر فيه جياع أهله ". أخرجه مسلم (6 / 123)
وغيره.
1777 - " بلوا أرحامكم ولو بالسلام ".
أخرجه وكيع في " الزهد " (2 / 74 / 2) : حدثنا مجمع بن يحيى الأنصاري عن
سويد بن عامر الأنصاري مرفوعا به. وأخرجه ابن حبان في " الثقات " (1 / 75
) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 55 / 1) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (
16 / 132 / 2) من طرق أخرى عن مجمع به.
قلت: وهذا إسناد صحيح، ولكنه مرسل، أورده ابن حبان في ترجمة سويد هذا
وقال: " سويد بن عامر بن يزيد (الأصل: زيد) بن جارية الأنصاري من أهل
المدينة، يروي المراسيل، وقد سمع الشموس بنت النعمان، ولها صحبة ".
وأخرجه عبد الرحمن بن عمر الدمشقي في " الفوائد " (1 / 223 / 1) والقضاعي
أيضا من طريق عيسى بن يونس عن مجمع بن يحيى قال: حدثني رجل من الأنصار.
وأخرجه أبو عبيد في " غريب الحديث " (ق 62 / 1) من طريق الفزاري مروان بن
معاوية عن مجمع بن يحيى الأنصاري عمن حدثه يرفعه.
قلت: وبالجملة فالإسناد صحيح مرسلا، إلا أن بعضهم لم يسم مرسله. وسماه
الآخرون، وبه يتبين أنه ثقة.(4/378)
وقد روى موصولا من حديث ابن عباس وأبي الطفيل
وأنس بن مالك وسويد بن عمرو.
1 - أما حديث ابن عباس، فوصله القطيعي في " جزء الألف دينار " (ق 38 / 2) :
حدثنا محمد قال: حدثنا معاذ بن معاذ بن صقير - جليس لعثمان بن عمر - قال:
حدثنا البراء بن يزيد الغنوي قال: حدثنا أبو جمرة عنه. وبهذا الإسناد أخرجه
الطبراني كما في " المنتقى منه " (4 / 4 / 1) .
قلت: ومحمد هو ابن يونس بن موسى الكديمي وهو متهم بالكذب، فلا يستشهد به.
ولكن لعله لم يتفرد به، فقد قال الهيثمي في " المجمع " (8 / 152) : " رواه
البزار وفيه يزيد بن عبد الله بن البراء الغنوي وهو ضعيف ".
قلت: فلم يعله بالكديمي، فلو كان في إسناد البزار أيضا، لم يدع إعلاله به
إلى إعلاله بالضعيف، ألا وهو الغنوي. ثم إن قوله: " وفيه يزيد بن عبد الله
ابن البراء " لعله سهو منه أو من بعض النساخ، فإن هذا الاسم لا وجود له وإنما
هو - كما في إسناد القطيعي والطبراني - البراء بن يزيد الغنوي وهو البراء بن
عبد الله بن يزيد نسب لجده، وهو ضعيف كما في " التقريب ". ثم وقفت على إسناد
البزار في " كشف الأستار " (1877) فإذا هو عين إسناد القطيعي، إلا أنه نسب
محمدا فقال: (ابن يونس) .
2 - وأما حديث أبي الطفيل، فقد رواه الطبراني، وفيه راو لم يسم كما قال
الهيثمي.
3 و 4 - وأما حديث أنس وسويد، فعزاهما السيوطي للبيهقي في " الشعب "، ولم
أقف على إسنادهما، ولا على من بين علتهما. وجملة القول أن الحديث بمجموع
طرقه حسن على أقل الدرجات.(4/379)
ثم رأيت السخاوي في " المقاصد " (ص 146) عزاه
للعسكري من حديث إسماعيل بن عياش عن مجمع بن جارية الأنصاري عن عمه عن أنس رفعه
به.
قلت: فرجعت هذه الطريق إلى الطريق الأولى، إلا أن إسماعيل بن عياش أسنده عن
أنس، وذلك من أوهامه لأنه ضعيف في المدنيين كما قال البخاري وغيره، ومجمع
هذا منهم. ثم قال السخاوي: " وفي الباب عن أبي الطفيل، عند الطبراني وابن
لال، وعن سويد بن عامر، وبعضها يقوي بعض ". (بلوا) أي ندوها بصلتها،
وهم يطلقون النداوة على الصلة، كما يطلقون اليبس على القطيعة.
1778 - " البركة مع أكابركم ".
أخرجه ابن حبان (1912) وأبو بكر الشافعي في " الفوائد " (97 / 1 - 2)
ومحمد بن مخلد العطار في " المنتقى من حديثه " (2 / 16 / 2) وأبو نعيم
في " الحلية " (8 / 172) وابن عدي في " الكامل " (ق 44 / 1) والحاكم
في " المستدرك " (1 / 62) وفي " علوم الحديث " (ص 48) والخطيب في "
التاريخ " (11 / 165) والقضاعي في " مسند الشهاب " (5 / 1) وابن عساكر
في " التاريخ " (13 / 290 / 1 و 14 / 10 / 1) والضياء في " المختارة " (64
/ 35 / 2) عن عبد الله بن المبارك عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس به
وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخاري ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
ووقع في " الترغيب " (1 / 66) أنه قال: " على شرط مسلم " وهو خطأ. وقال
ابن عدي: " لا يروى إلا عن ابن المبارك، والأصل فيه مرسل ".
قلت: ابن المبارك ثقة ثبت إمام، فلا يضره إرسال من أرسله، على أن له شاهدا
من حديث أنس يرويه سعيد بن بشير عن قتادة عنه مرفوعا به.(4/380)
أخرجه ابن عدي (ق
177 / 2) وقال: " غريب، ولا أرى بما يروى عن سعيد بن بشير بأسا، ولعله
يهم في الشيء بعد الشيء ويغلط، والغالب على حديثه الاستقامة، والغالب عليه
الصدق ".
(تنبيه) هكذا لفظ الحديث عند الوليد بن مسلم وجمع سواه عند من ذكرنا، رووه
كلهم عن ابن المبارك به. وخالفهم محمد بن عبد الرحمن بن سهم فقال: أخبرنا
عبد الله بن المبارك ... بلفظ: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سقى
قال: ابدؤا بالكبراء، أو قال: بالأكابر ". أخرجه أبو يعلى (2 / 638) ومن
طريقه الضياء.
قلت: وهو بهذا اللفظ شاذ لمخالفة ابن سهم فيه الثقات، مع قول ابن حبان فيه:
" ربما أخطأ ". لاسيما ولفظه مخالف بظاهره للحديث المتفق عليه عن أنس: "
الأيمنون فالأيمنون ". (1) إلا أن يؤول، ولا حاجة إلى ذلك لأن التأويل فرع
التصحيح، فتأمل.
قلت: وأنكر منه لفظا ما رواه نعيم بن حماد عن عبد الله بن المبارك بلفظ:
" الخير ... " مكان البركة ". أخرجه البزار (رقم - 1957) . ونعيم ضعيف.
وتابعه النضر بن طاهر: حدثنا ابن المبارك به. أخرجه الديلمي (2 / 136) .
والنضر ضعيف جدا كما قال ابن عدي.
1779 - " تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم ". يعني مواشيهم.
_________
(1) مضى تخريجه برقم (1771) . اهـ.(4/381)
أخرجه أحمد (2 / 184) : حدثنا عبد الصمد عن عبد الله بن المبارك حدثنا أسامة
ابن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره. وأخرجه الطيالسي (2264) : حدثنا ابن المبارك
به إلا أنه شك فقال: " أو عند أفنيتهم ". وأخرجه البيهقي (4 / 110) من
طريقه وقال: " شك أبو داود " وخالفهما في إسناده محمد بن الفضل فقال: حدثنا
ابن المبارك عن أسامة بن زيد عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا به. أخرجه ابن ماجة (
1806) .
قلت: ومحمد بن الفضل هو السدوسي الملقب بـ " عارم "، وهو ثقة، ولكنه كان
اختلط، فلا يعتد بمخالفته للثقتين المتقدمين: عبد الصمد وهو ابن عبد الوارث
والطيالسي. وإسنادهما حسن، رجاله ثقات، وفي أسامة بن زيد وهو أبو زيد
الليثي خلاف، وهو حسن الحديث. وأما قول البوصيري في " الزوائد " (133 / 2
) : " وإسناده ضعيف لضعف أسامة ".
فأقول: لعله أراد أنه أسامة بن زيد العدوي، فإنه ضعيف والأقرب ما ذكرنا أنه
الليثي، فإنه هو الذي ذكر في الرواة عن عمرو بن شعيب دون العدوي. وكلاهما من
شيوخ ابن المبارك. والله أعلم. وللحديث شاهد يرويه عبد الملك بن محمد بن
عمرو بن حزم عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرو عن عائشة مرفوعا نحوه. أخرجه
البيهقي. وعبد الملك هذا لم أعرفه.(4/382)
1780 - " تجيء ريح بين يدي الساعة، تقبض فيها أرواح كل مؤمن ".
أخرجه أحمد (3 / 420) : حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن أيوب عن نافع
عن عياش بن أبي ربيعة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
وأخرجه الحاكم (4 / 489) من طريق الدبري: أنبأ عبد الرزاق ... وقال:
" صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وله شواهد من
حديث النواس بن سمعان في آخر حديثه الطويل في الدجال ونزول عيسى عليه السلام
بلفظ: " فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض
روح كل مؤمن وكل مسلم ... ". أخرجه مسلم (8 / 197 - 198) والترمذي (2 /
38 - 39) وصححه، وابن ماجة رقم (4075) وأحمد (4 / 181 - 182) . ومن
حديث حذيفة بن أسيد الغفاري عند الحاكم (3 / 594) والطبراني في " الكبير "
(3028 و 7037) . ومن حديث ابن عمرو مرفوعا بلفظ: " ثم يرسل الله ريحا باردة
من قبل الشام، فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته حتى لو أن
أحدهم كان في كبد جبل لدخلت عليه ". أخرجه أحمد (2 / 166) بسند صحيح عنه.(4/383)
1781 - " تذهبون الخير فالخير، حتى لا يبقى منكم إلا مثل هذا - وأشار إلى نواة -
وما لا خير فيه ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (2 / 1 / 309) وابن حبان (1832) والحاكم
(4 / 434) والطبراني (4492) عن بكر بن سوادة الجذامي أن سحيما حدثه عن
رويفع بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه. " أنه قرب لرسول الله صلى الله عليه
وسلم تمر أو رطب، فأكلوا منه حتى لم يبقوا شيئا إلا نواة وما لا خير فيه،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تدرون ما هذا؟ تذهبون ... " الحديث.
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! كذا قالا، وسحيم هذا
أورده ابن أبي حاتم (2 / 1 / 303) من رواية بكر هذا فقط عنه، ولم يذكر فيه
جرحا ولا تعديلا، وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (1 / 81) من هذه
الرواية أيضا! وذكر فيه أيضا " سحيم مولى بني زهرة القرشي، يروي عن أبي
هريرة. روى عنه الزهري ".
قلت: ويحتمل عندي أن يكون هذا هو الأول. والله أعلم. نعم الحديث ثابت،
فإن له شاهدا من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " لتنتقين كما ينتقى التمر من
الجفنة، فليذهبن خياركم وليبقين شراركم، فموتوا إن استطعتم ". أخرجه
البخاري في " التاريخ " (كنى - 25) وابن ماجة (4038) والحاكم (4 / 316
و334) من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أبي حميد مولى مسافع قال: سمعت أبا
هريرة رضي الله عنه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال
الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.(4/384)
قلت: أبو حميد هذا مجهول وقيل هو عبد الرحمن بن سعد المقعد، وثقه النسائي،
والله أعلم. ورواه ابن أبي العشرين عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب
عن أبي هريرة به مختصرا بلفظ: " تنقون كما ينقى التمر من حثالته ".
أخرجه ابن حبان (1833) .
قلت: وابن أبي العشرين اسمه عبد الحميد بن حبيب، قال الحافظ: " صدوق ربما
أخطأ ". قلت: فأخشى أن يكون خطأه في إسناده حين قال: سعيد بن المسيب، مكان
أبي حميد كما في رواية يونس بن يزيد وهو ثقة. والله أعلم. وبالجملة فحديث
الترجمة حسن بحديث أبي هريرة، ولا عكس لأن الشاهد فيه ما ليس في المشهود له،
فتأمل.
1782 - " تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، ولا تكونوا كرهبانية النصارى ".
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (7 / 78) من طريق ابن عدي، وهذا في
" الكامل " (ق 329 / 1) عن محمد بن ثابت البصري عن أبي غالب عن أبي أمامة
مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد، فإن محمد بن ثابت البصري وهو العبدي قال
الحافظ: " صدوق لين الحديث ".(4/385)
وسائر رجاله موثوقون غير أحمد بن عبد الرحيم
الثقفي البصري شيخ ابن عدي فيه، أورده الخطيب في " تاريخه " (4 / 269)
وكناه بأبي عمرو وقال: " روى عنه عبد الله بن عدي الجرجاني في " معجمه "
وذكر أنه سمع منه ببغداد ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقد تابعه
الروياني الحافظ الثقة، فقال في " مسنده " (30 / 216 / 1) : أخبرنا أبو حفص
عمرو بن علي قال: سمعت شيخا سنة ثمان وسبعين ومائة يقول: أخبرنا أبو غالب
به إلا أنه قال: " النبيين " مكان " الأمم " وزاد: قال أبو حفص: وصفت هذا
الشيخ، فقالوا: هذا محمد بن ثابت العصري:
قلت: هو العبدي نفسه كما في " التهذيب ". وللحديث شواهد يتقوى بها، أما
الشطر الأول منه، فقد ورد عند أبي داود وغيره من حديث معقل بن يسار، وصححه
ابن حبان (1229) . وعنده من حديث أنس أيضا (1228) وهو مخرج في " آداب
الزفاف " (ص 16) و " الإرواء " (1811) . وأما الشطر الثاني فيشهد له ما
روى ابن سعد في " الطبقات " (3 / 395) عن معاوية بن (أبي) عياش الجرمي عن
أبي قلابة: أن عثمان بن مظعون اتخذ بيتا فقعد يتعبد فيه، فبلغ ذلك النبي صلى
الله عليه وسلم، فأتاه فأخذ بعضادتي باب البيت الذي هو فيه، فقال: " يا
عثمان إن الله لم يبعثني بالرهبانية، (مرتين أو ثلاثا) وإن خير الدين عند
الله الحنيفية السمحة ".
قلت: وهذا إسناد مرسل لا بأس به في الشواهد، ورجاله ثقات رجل الشيخين غير
الجرمي هذا، فقد ترجمه ابن أبي حاتم في كتابه (4 / 1 / 380) ولم يذكر فيه
جرحا ولا تعديلا، وقد روى عنه ثلاث من الثقات. وما روى الدارمي (2 / 133) من طريق ابن إسحاق حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص قال:(4/386)
" لما كان من أمر عثمان بن مظعون الذي كان من ترك النساء، بعث إليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال: يا عثمان إني لم أومر بالرهبانية، أرغبت عن سنتي.
" الحديث.
قلت: وسنده حسن. وما روى أحمد (6 / 226) من طريق عروة قال: " دخلت امرأة
عثمان بن مظعون - أحسب اسمها خولة بنت حكيم - على عائشة وهي باذة الهيئة ... (
الحديث وفيه) فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان فقال: يا عثمان إن
الرهبانية لم تكتب علينا، أفما لك في أسوة؟ فوالله إني أخشاكم لله وأحفظكم
لحدوده ".
قلت: وإسناده صحيح رجاله رجال الشيخين، وهو وإن كان ظاهره الإرسال، فإن
الغالب أن عروة تلقاه من خالته عائشة وكأنه لذلك وقع مثله لعروة عند البخاري.
والله أعلم. وروى أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 245) من طريق محمد بن
حميد حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إني لم
أبعث بالرهبانية.. " الحديث. وفيه قصة. لكن محمد بن حميد وهو الرازي قال
الحافظ: " حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه ". وما روى ابن قتيبة
في " غريب الحديث " (1 / 102 / 1) من طريق ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن
طاووس مرفوعا بلفظ: " لا زمام ولا خزام ولا رهبانية ولا تبتل ولا سياحة في
الإسلام ". وهذا إسناد رجاله ثقات، وهو مرسل. وقد عزاه في " الجامع
الصغير " لعبد الرزاق عن طاووس مرسلا. وغالب الظن أنه عنده من طريق ابن جريج
به.(4/387)
و " مصنف عبد الرزاق " يطبع الآن في " دار القلم " في بيروت، وقد تم حتى
الآن طبع المجلد الأول والثاني منه، وربما الثالث أيضا. ثم تم طبعه بتمامه
، ولكن لا تطوله يدي الآن. ثم تيسر لي الرجوع إليه، فوجدته عنده (8 / 448 /
15860) من طريق معمر عن ابن طاووس وعن ليث عن طاووس به دون (الرهبانية
والتبتل) وقال: زاد ابن جريج: " ولا تبتل، ولا ترهب في الإسلام ".
وسنده مرسل صحيح. وبالجملة فالحديث بهذه الشواهد صحيح عندي. والله أعلم.
1783 - " تسليم الرجل بإصبع واحدة يشير بها فعل اليهود ".
رواه أبو يعلى في " مسنده " (109 / 1) والعقيلي (294) والطبراني في "
الأوسط " (4598) عن سليمان بن حبان عن ثور بن يزيد عن أبي الزبير عن جابر
مرفوعا. وقال الطبراني: " لا يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا
الإسناد ".
قلت: رجاله ثقات رجال مسلم لولا عنعنة أبي الزبير، فإنه مدلس. وفي " المجمع
" (8 / 38) : " رواه أبو يعلى والطبراني في " الأوسط " ورجال أبي يعلى رجال
الصحيح ". وقال الحافظ في " الفتح " (11 / 12) : " أخرجه النسائي بسند جيد
". وكأنه يعني " السنن الكبرى " أو " عمل اليوم والليلة " للنسائي.(4/388)
وللحديث شاهد من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أوردته في حجاب المرأة
(ص 87 طبع المكتب الإسلامي في بيروت) . ثم رأيت الحديث بلفظ آخر أتم منه وهو
: " لا تسلموا تسليم اليهود والنصارى، فإن تسليمهم بالأكف والرءوس والإشارة
". أخرجه الديلمي (4 / 150) من طريق الحسن بن علي المعمري حدثني أبو همام
الصلت بن محمد الحارثي حدثنا إبراهيم بن حميد عن ثور حدث أبو الزبير عن جابر
رفعه. وبهذا اللفظ أورده المزي في " التحفة " (2 / 290) من رواية النسائي
في " اليوم والليلة " من طريق إبراهيم بن المستمر العروقي عن الصلت بن محمد به
. وأخرجه البيهقي في " الشعب " من حديث عثمان بن عبد الرحمن عن طلحة بن زيد عن
ثور بن يزيد بهذا اللفظ والتمام إلا أنه قال: " والحواجب " بدل قوله:
والرؤس والإشارة ". هكذا أورده السيوطي في " الجامع " وتعقبه المناوي بقوله
: " وقضية كلام المصنف أن البيهقي خرجه وأقره وليس كذلك وإنما رواه مقرونا
ببيان رجاله، فقال عقبة: هذا إسناد ضعيف بمرة، فإن طلحة بن زيد الرقي متروك
الحديث، متهم بالوضع. وعثمان ضعيف ".
قلت: والمستنكر منه ذكر الحواجب، وسائره ثابت بمجموع الطريقين السابقين عن
ثور بن يزيد مع الشاهد. والله أعلم.
1784 - " تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن سمع منكم ".(4/389)
رواه أبو داود في " العلم " (3659) وابن حبان (77) وأحمد (1 / 321) عن
عبد الله بن عبد الله عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا. والحاكم (1 /
95) وقال: " صحيح على شرط الشيخين، ليس له علة ". ووافقه الذهبي.
قلت: عبد الله بن عبد الله وهو أبو جعفر الرازي قاضي الري لم يخرج له الشيخان
، وإن كان ثقة. وقال العلائي في " جامع التحصيل في أحكام المراسيل " (14 /
1) : " وعبد الله بن عبد الله هذا قال فيه النسائي: ليس به بأس ووثقه ابن
حبان، ولم يضعفه أحد، والحديث حسن، وفي كلام إسحاق بن راهويه الإمام ما
يقتضي تصحيحه أيضا ". وذكر المناوي أن للحديث تتمة، وليس عند المذكورين،
ولعله يشير إلى الزيادة الآتية في الشاهد. وله شاهد يرويه ابن أبي ليلى عن
عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ثابت بن قيس بن شماس به وزاد: " ثم يكون
بعد ذلك قوم يشهدون قبل أن يستشهدوا ". رواه البزار في " مسنده " (رقم - 146
) وقال: " عبد الرحمن لم يسمع من ثابت ".
قلت: ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني (1321) دون الزيادة.
1785 - " ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفا ولا عدلا: عاق ومنان ومكذب بالقدر ".
رواه ابن أبي عاصم في " السنة " برقم (323 - بتحقيقي) والطبراني (7547)
وأبو القاسم الصفار في " الأربعين في شعب الدين " كما في " المنتقى منه "
(50 / 2)(4/390)
للضياء المقدسي و " المنتخب منه " لأبي الفتح الجويني (74 / 2)
وابن عساكر (11 / 423 / 1 و 13 / 193 / 2 و 17 / 97 / 1) من طريق عمر بن
يزيد النصري عن أبي سلام عن أبي أمامة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير عمر بن يزيد النصري، وهو مختلف فيه
كما شرحته في " الأحاديث الضعيفة " (3398) . والذي يتبين لي من مجموع ما قيل
فيه أنه حسن الحديث، فقد وثقه دحيم وأبو زرعة الدمشقيان. والحديث قال
الهيثمي (7 / 206) : " رواه الطبراني بإسنادين، في أحدهما بشر بن نمير وهو
متروك، وفي الآخر عمر بن يزيد وهو ضعيف ".
قلت: وفي إطلاقه الضعف على عمر بن يزيد مع توثيق من ذكرنا نظر ظاهر. ثم رأيت
المنذري في " الترغيب " (3 / 221) يقول: " رواه ابن أبي عاصم في " كتاب
السنة " بإسناد حسن ". والإسناد الآخر عند الطبراني (7938) عن بشر بن نمير
عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا بلفظ: " أربعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة
... " فذكر الثلاثة، وزاد: " ومدمن خمر ".
1786 - " هي الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له. يعني (البشرى في الحياة الدنيا)
".
أخرجه الطبري في تفسيره (11 / 95) من طريق عاصم بن بهدلة عن أبي صالح قال:
سمعت أبا الدرداء - وسئل عن * (الذين آمنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى في
الحياة(4/391)
الدنيا) *؟ - قال: ما سألني أحد قبلك منذ سألت رسول الله صلى الله
عليه وسلم عنها، فقال: ما سألني عنها أحد قبلك هي.. فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير أنهما إنما أخرجا لعاصم
متابعة، لكن قد تابعه الأعمش عن أبي صالح، إلا أنهم اختلفوا عليه في إسناده.
أخرجه أحمد (6 / 445 و 452) والطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 47) وكذا
ابن جرير وأطال في ذكر الطرق إليه بذلك. وأخرج له هو وأحمد (5 / 315)
وابن الجوزي في " جامع المسانيد " (ق 79 / 2) شاهدا من حديث عبادة بن الصامت
مثله. ورجاله ثقات رجال الشيخين، لولا أن في بعض روايته عند ابن جرير ما
يشعر بأنه منقطع بين أبي سلمة بن عبد الرحمن وعبادة، لكن له عنده طريق أخرى
عن عبادة، فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح. وله عند ابن جرير (11 / 94)
شاهد آخر من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " الرؤيا الحسنة هي البشرى، يراها
المؤمن، أو ترى له ". وإسناده جيد، وهو عند مسلم (7 / 52، 53) مفرقا من
طريقين عنه أحدهما طريق ابن جرير.
1787 - " بين يدي الساعة مسخ وخسف وقذف ".
أخرجه ابن ماجة (4059) عن سيار عن طارق عن عبد الله عن النبي صلى الله
عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات رجال مسلم غير سيار هذا
وهو أبو حمزة الكوفي ذكره ابن حبان في " الثقات " وروى عنه جمع. وأعله
البوصيري في " الزوائد " (ق 272 / 1) بالانقطاع بين سيار وطارق، وليس بشيء
لأنه بناه على أن سيارا هذا هو أبو الحكم، وليس به، نعم كان بشير بن(4/392)
سليمان
الراوي عن سيار يقول فيه أحيانا: " سيار أبو الحكم "، وهو وهم منه كما قال
أحمد وغيره، وهو في هذا الحديث لم يهم كما ترى، ولو وهم لبين وهمه، فلا
يعل بالانقطاع كما هو ظاهر. ثم إن للحديث شواهد كثيرة تشهد لصحته عن عائشة
وعمران بن حصين وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وسهل بن سعد وجابر بن
عبد الله وأبي هريرة وسعيد بن راشد.
1 - أما حديث عائشة فيرويه عبد الله بن عمر عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن
محمد عنها بلفظ: " يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف. قالت: قلت: يا
رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا ظهر الخبث ". أخرجه
الترمذي (2 / 28 - 29) واستغربه من أجل عبد الله بن عمر وهو العمري المكبر
، فإنه سيء الحفظ.
2 - وأما حديث عمران فيرويه عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن هلال بن يساف
عنه نحوه الذي قبله، إلا أنه قال: " فقال رجل من المسلمين يا رسول الله ومتى
ذاك؟ قال: إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور ". أخرجه الترمذي (2 /
33) واستغربه أيضا وذلك لأن عبد الله بن عبد القدوس كان يخطىء.
3 - وأما حديث ابن عمر فيرويه أبو صخر: حدثني نافع عنه مرفوعا به وزاد:
" وذلك في أهل القدر ". أخرجه ابن ماجة (4061) والترمذي (2 / 22) وقال
:(4/393)
" حسن صحيح ".
قلت: وإسناده حسن، أبو صخر واسمه حميد بن زياد فيه كلام من جهة حفظه.
4 - وأما حديث ابن عمرو فيرويه أبو الزبير عنه مرفوعا به. أخرجه ابن ماجة
(4062) وأحمد (2 / 163) .
قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم إلا أن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه، لاسيما وقد
قال ابن معين إنه لم يسمع من ابن عمرو.
5 - وأما حديث سهل فيرويه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبي حازم بن دينار عنه
. أخرجه ابن ماجة (4060) والطبراني في " المعجم الكبير " (5810) .
قلت: وعبد الرحمن هذا واه.
6 - وأما حديث جابر فيرويه المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عنه به، وزاد
: " ويبدأ بأهل المظالم ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (484) .
والمنكدر هذا ضعيف.
7 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عنه مرفوعا
بلفظ: " لا تقوم الساعة حتى يكون في أمتي ... " فذكرها. أخرجه ابن حبان
(1890) .(4/394)
8 - وأما حديث سعيد بن راشد فيرويه عمرو بن مجمع حدثنا يونس بن خباب عن عبد
الرحمن بن راشد (وفي رواية: ابن سائب) عنه. أخرجه الطبراني (5537)
والبزار بنحوه كما في " المجمع " (8 / 11) وقال: " وفيه عمرو بن مجمع
وهو ضعيف ".
قلت: ويونس بن خباب قال البخاري: " منكر الحديث ".
1788 - " تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله عز وجل ".
رواه الطبراني في " الأوسط " (6456) واللالكائي في " السنة " (1 / 119 / 1
- 2) والبيهقي في " الشعب " (1 / 75 - هند) عن علي بن ثابت عن الوازع بن
نافع عن سالم بن عبد الله عن أبيه مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا آفته الوازع هذا، فقد قال البخاري: " منكر الحديث
". وقال النسائي وغيره: متروك. بل قال الحاكم وغيره: " روى أحاديث
موضوعة ". ولهذا قال البيهقي عقبه: " هذا إسناد فيه نظر ". ومن طريقه
أخرجه أبو الشيخ والطبراني في " الأوسط " وابن عدي كما في " الجامع الصغير "
وشرح المناوي عليه. وبه أعله في " المجمع " (1 / 81) . وله شاهد من حديث
أبي هريرة مرفوعا به، وزاد: " فإنكم لن تدركوه إلا بالتصديق ". أخرجه ابن
عساكر في المجلس (139) من " الأمالي " (50 / 1) من طريق(4/395)
محمد بن سلمة
البلخي حدثنا بشر بن الوليد حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن الزهري عن أبي
سلمة عنه. وبشر بن الوليد ضعيف. والبلخي لم أعرفه. شاهد ثان من حديث أبي
هريرة مرفوعا. أخرجه ابن النجار في " ذيل تاريخ بغداد " (10 / 192 / 1)
بإسناد ضعيف جدا فيه جماعة لم أعرفهم، وأبو عبد الرحمن السلمي الصوفي متهم
بالوضع. شاهد ثالث من حديث عبد الله بن سلام مرفوعا بلفظ: " لا تفكروا في
الله، وتفكروا في خلق الله، فإن ربنا خلق ملكا، قدماه في الأرض السابعة
السفلى، ورأسه قد جاوز السماء العليا، وما بين قدميه إلى ركبته مسيرة
ستمائة عام، وما بين كعبيه إلى أخمص قدميه مسيرة ستمائة عام، والخالق أعظم
من المخلوق ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 66 - 67) من طريق عبد
الجليل ابن عطية عن شهر عنه.
قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد، وعبد الجليل وشهر وهو ابن حوشب صدوقان
سيئا الحفظ. وسائر الرجال ثقات. وفي الباب عن أبي ذر وابن عباس، عند أبي
الشيخ، والثاني عند أبي نعيم في " الحلية " كما في " الجامع "، ولم أره في
" فهرس الحلية ". ورواه البيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 420) من طريق
عاصم بن علي حدثنا أبي عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا
عليه بلفظ: " تفكروا في كل شيء، ولا تفكروا في ذات الله عز وجل، فإن بين
السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف نور، وهو فوق ذلك ".(4/396)
وهذا إسناد ضعيف،
عطاء كان اختلط. وعاصم بن علي وأبوه فيهما ضعف، وابنه خير منه. وعزاه
السيوطي لأبي الشيخ أيضا في " العظمة "، فالظاهر أنه مرفوع عنده، فإن كان
كذلك، فما أظن إسناده خيرا من هذا. وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه حسن عندي.
والله أعلم.
1789 - " تكفير كل لحاء ركعتان ".
رواه تمام الرازي في " الفوائد " (141 / 1) عن أحمد بن أبي رجاء حدثنا أحمد
ابن محمد بن عمر اليمامي حدثنا عمر بن يونس اليمامي حدثنا يحيى بن عبد العزيز
الحارثي حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي حدثني عبد
الواحد بن قيس عن أبي هريرة مرفوعا. ورواه ابن الأعرابي في " معجمه " (
178 / 2) : أخبرنا عباس (يعني) الدوري أخبرنا أبو عاصم أخبرنا الأوزاعي به.
قلت: وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات، وفي حفظ عبد الواحد بن قيس ضعف يسير،
لا ينزل حديثه من رتبة الحسن إن شاء الله تعالى. وقال الحافظ: " صدوق له
أوهام ". ورواه الطبراني في " المعجم الكبير " (7651) وابن عساكر (14 /
308 / 1) عن مسلمة بن علي عن خالد بن دهقان عن كهيل بن حرملة عن أبي أمامة
الباهلي مرفوعا. ومسلمة بن علي هو الخشني متروك، وبه أعله الهيثمي (2 /
251) ، فالعمدة على حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(لحاء) لعل المقصود به المخاصمة والمنازعة، ففي " النهاية ": (نهيت عن(4/397)
ملاحاة الرجال) أي مقاولتهم ومخاصمتهم، يقال: لحيت الرجل ألحاه لحيا، إذا
لمته وعذلته، ولاحيته ملاحاة ولحاء، إذا نازعته ".
1790 - " يكون أمراء فلا يرد عليهم (قولهم) ، يتهافتون في النار، يتبع بعضهم بعضا ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1779) من طريق هشام بن سعد عن ابن عقبة عن
معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن لولا أن ابن عقبة لم أعرفه. لكنه قد توبع، فأخرجه أبو
يعلى أيضا (4 / 1781) من طريق ضمام بن إسماعيل المعافري عن أبي (قبيل) قال
: " خطبنا معاوية في يوم جمعة، فقال: إنما المال مالنا والفيء فيئنا، من
شئنا أعطينا ومن شئنا منعنا، فلم يرد عليه أحد، فلما كانت الجمعة الثانية
قال مثل مقالته، فلم يرد عليه أحد، فلما كانت الجمعة الثالثة قال: مثل
مقالته، فقام إليه رجل ممن يشهد المسجد، فقال: كلا بل المال مالنا والفيء
فيئنا من حال بينه وبيننا حاكمناه بأسيافنا، فلما صلى أمر بالرجل فأدخل عليه
، فأجلسه معه على السرير، ثم أذن للناس فدخلوا عليه، ثم قال: أيها الناس إني
تكلمت في أول جمعة فلم يرد علي أحد، وفي الثانية، فلم يرد علي أحد، فلما
كانت الثالثة أحياني هذا، أحياه الله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " سيأتي قوم يتكلمون فلا يرد عليهم يتقاحمون في النار تقاحم القردة "،
فخشيت أن يجعلني الله منهم، فلما رد هذا علي أحياني أحياه الله، ورجوت أن لا
يجعلني الله منهم ". وأخرج المرفوع منه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 5444) والزيادة له، وقال: " لم يروه عن أبي قبيل إلا ضمام ".(4/398)
قلت: وهما ثقتان، على ضعف يسير في الأول منهما. والحديث قال الهيثمي في
" المجمع " (5 / 236) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " وأبو
يعلى، ورجاله ثقات ".
1791 - " تكون هدنة على دخن، ثم تكون دعاة الضلالة، قال: فإن رأيت يومئذ خليفة في
الأرض فالزمه، وإن نهك جسمك وأخذ مالك، فإن لم تره فاهرب في الأرض ولو أن
تموت وأنت عاض بجذل شجرة ".
أخرجه أبو داود (4247) وأحمد (5 / 403) من طريق صخر بن بدر العجلي عن سبيع
قال: " أرسلوني من ماء إلى الكوفة أشتري الدواب، فأتينا الكناسة، فإذا رجل
عليه جمع، قال: فأما صاحبي فانطلق إلى الدواب، وأما أنا فأتيته، فإذا هو
حذيفة. فسمعته يقول: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن
الخير، وأسأله عن الشر، فقلت: يا رسول الله: هل بعد هذا الخير شر، كما
كان قبله شر؟ قال: نعم، قلت: فما العصمة منه؟ قال: السيف، أحسب. قال:
قلت: ثم ماذا قال: ثم تكون هدنة ... (الحديث) ، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال
: ثم يخرج الدجال ... " الحديث وفي آخره: قال شعبة: وحدثني أبو بشر في
إسناد له عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قلت: يا رسول الله ما
هدنة على دخن؟ قال: " قلوب لا تعود على ما كانت ". وقال: " خليفة الله "
وفيه ما يأتي.(4/399)
قلت: وهذا إسناد ضعيف، سبيع وهو ابن خالد اليشكري، روى عنه جماعة من
الثقات، وذكره ابن حبان في " الثقات " (1 / 82) ، ووثقه العجلي أيضا كما
فى " التهذيب "، ولم أره في " ترتيب ثقات العجلي " للحافظ الهيثمي. وقال
الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". يعني عند المتابعة. وصخر بن بدر العجلي
، مجهول، قال الذهبي: " ما روى عنه سوى أبي التياح الضبعي ".
قلت: لكن تابعه نصر بن عاصم الليثي عن خالد به نحوه وفيه: " فإن كان لله
يومئذ في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك، فالزمه ". أخرجه أبو داود (4244
و4245) وأحمد.
قلت: وهذا إسناد حسن، فإن من دون خالد ثقات رجال مسلم، فهو أصح من رواية
صخر بن بدر التي فيها " خليفة الله "، فإن هذه الإضافة استنكرها شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله تعالى، ولو صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم
نعبأ باستنكاره. ولطرف الحديث الأخير طريق أخرى عن عبد الرحمن بن قرط عن
حذيفة بن اليمان بلفظ: " تكون فتن، على أبوابها دعاة إلى النار، فأن تموت
وأنت عاض على جذل شجرة خير لك من أن تتبع أحد منهم ". أخرجه ابن ماجة (3981) . لكن ابن قرط هذا مجهول.(4/400)
1792 - " تمسحوا بالأرض فإنها بكم برة ".
رواه أبو الشيخ في " تاريخ أصبهان " (ص 238) : حدثنا ابن راشد (يعني أبا بكر
محمد بن أحمد بن راشد) قال: حدثنا عبد الله بن محمد المقريء قال: حدثنا
الفريابي قال: حدثنا سفيان عن عوف عن أبي عثمان قال: سمعت سلمان يقول
فذكره مرفوعا. وهذا سند صحيح، ابن راشد هذا قال أبو الشيخ فيه: " دخل مصر
والعراق، كتبنا ما لم نكتب عن غيره، وكان محدثا ". توفي سنة (309) كما
ذكر أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 243) . وتابعه عبد الله بن محمد بن
عمرو الغزي قال: أنبأنا محمد بن يوسف الفريابي به. رواه الطبراني في " المعجم
الصغير " (83) وقال: " لم يروه عن سفيان إلا الفريابي ".
قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين وكذا من فوقه. وقد رواه ابن أبي شيبة في "
المصنف " (1 / 62 / 2) عن عوف عن أبي عثمان النهدي قال: بلغني أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: فذكره مرسلا في " كتاب التيمم " إشارة منه إلى أن
معنى " تمسحو " تيمموا. وهو الذي رجحه ابن الأثير كما يفيد ذلك قوله: " أراد
به التيمم، وقيل: أراد مباشرة ترابها بالجباه في السجود من غير حائل ويكون
هذا أمر تأديب واستحباب، لا وجوب ". (برة) أي مشفقة كالوالدة بأولادها.
يعني أن منها خلقكم، وفيها معاشكم، وإليها بعد الموت معادكم. فهي أصلكم
الذي منه تفرعتم.(4/401)
1793 - " يفتح يأجوج ومأجوج، يخرجون على الناس كما قال الله عز وجل: * (من كل حدب
ينسلون) * فيغشون الأرض وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونم، ويضمون
إليهم مواشيهم، ويشربون مياه الأرض، حتى أن بعضهم ليمر بالنهر فيشربون ما
فيه حتى يتركوه يبسا، حتى إن من بعدهم ليمر بذلك النهر فيقول: قد كان هاهنا
ماء مرة! حتى إذا لم يبق من الناس إلا أحد في حصن أو مدينة قال قائلهم: هؤلاء
أهل الأرض قد فرغنا منهم، بقي أهل السماء! قال: ثم يهز أحدهم حربته، ثم
يرمي بها إلى السماء، فترجع مختضبة دما للبلاء والفتنة. فبينا هم على ذلك
إذا بعث الله دودا في أعناقهم كنغف الجراد الذي يخرج في أعناقهم، فيصبحون موتى
لا يسمع لهم حس. فيقول المسلمون: ألا رجل يشري نفسه فينظر ما فعل هذا العدو،
قال: فيتجرد رجل منهم لذلك محتسبا لنفسه قد أظنها على أنه مقتول، فينزل،
فيجدهم موتى، بعضهم على بعض، فينادي: يا معشر المسلمين: ألا أبشروا، إن
الله قد كفاكم عدوكم فيخرجون من مدائنهم وحصونهم، ويسرحون مواشيهم، فما
يكون لها رعي إلا لحومهم، فتشكر عنه كأحسن ما تشكر عن شيء من النبات أصابته قط
".
أخرجه ابن ماجة (4079) وابن حبان (1909) والحاكم (2 / 245 و 4 / 489 -
490) وأحمد (3 / 77) من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن
قتادة الأنصاري ثم الظفري عن محمود بن لبيد: أخبرني عبد الأشهل عن أبي سعيد
الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الحاكم
: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
قلت: وهو من أوهامها أو تساهلهما، فإن ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم في
المتابعات ولم يحتج به، وفي حفظه ضعف، فالحسن حسن فقط.(4/402)
لكن له شاهد من
حديث أبي هريرة بإسناد صحيح عنه وقد مضى تخريجه برقم (1735) ، فهو به صحيح.
1794 - " التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة ".
رواه أبو داود (رقم 4810) والحاكم (1 / 62) والبيهقي في " الزهد " (88 /
1) عن الأعمش عن مالك بن الحارث (زاد أبو داود: قال الأعمش: وقد سمعته
يذكرون) عن مصعب بن سعد عن أبيه - قال الأعمش: ولا أعلمه إلا - عن النبي
صلى الله عليه وسلم. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه
الذهبي.
قلت: وفيه نظر، فإن مالكا هذا وهو السلمي الرقي إنما روى له البخاري في
" الأدب المفرد "، فهو على شرط مسلم وحده.
قلت: وقد أعله المنذري في " الترغيب " بما لا يقدح فقال (4 / 134) : " لم
يذكر الأعمش فيه من حدثه، ولم يجزم برفعه ".
فأقول: أما أنه لم يجزم برفعه، فيكفي فيه غلبة الظن، وهذا ظاهر من قوله:
" ولا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ". أما أنه لم يذكر من حدثه
فهذا إعلال ظاهر بناء على أن الأعمش مدلس، ولم يصرح بالتحديث، لكن العلماء
جروا على تمشية رواية الأعمش المعنعنة، ما لم يظهر الانقطاع فيها، وقد قال
الذهبي في ترجمته في " الميزان ": " ومتى قال: (عن) تطرق إليه احتمال
التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم كإبراهيم وأبي وائل وأبي صالح السمان، فإن
روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال ". والشاهد من كلامه إنما هو أن
إعلال رواية الأعمش بالعنعنة ليس على الإطلاق،(4/403)
وهو الذي جرى عليه المحققون
كابن حجر وغيره، ومنهم المنذري نفسه، فكم من أحاديث للأعمش معنعنة صححها
المنذري فضلا عن غيره، وليس هذا مجال بيان ذلك. على أن زيادة أبي داود تطيح
بذاك الإعلال لأنه صرح فيها بأنه سمعهم يذكرون عن مصعب، فقد سمعه من جمع قد
يكون منهم مالك بن الحارث أولا، وكونهم لم يسموا لا يضر لأنهم جمع تنجبر به
جهالتهم، كما قال السخاوي في غير هذا الحديث. والله أعلم.
1795 - " التأني من الله والعجلة من الشيطان ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (3 / 1054) والبيهقي في " السنن الكبرى " (10
/ 104) من طريق الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس بن مالك
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وزاد أبو يعلى:
" وما من أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحب إلى الله من الحمد ".
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير سعد بن سنان وهو حسن
الحديث كما تقدم غير مرة. وأما قول المنذري (2 / 251) : " رواه أبو يعلى
ورجاله رجال الصحيح "، وكذا قال الهيثمي (8 / 19) . فهو من أوهامهما لأن
سعد بن سنان ليس من رجال " الصحيح "، واغتر بهما المناوي فإنه قال - بعد أن
ذكر ذلك عنهم وذكر أن السيوطي عزاه للبيهقي وحده -: " وبه يعرف أن المصنف لم
يصب في إهماله وإيثاره رواية البيهقي ". يعني لأن رواية البيهقي معلولة
ورواية أبي يعلى رجالها رجال الصحيح، فقد قال المناوي في رواية البيهقي:
" قال الذهبي: وسعد ضعفوه. وقال الهيثمي: لم يسمع من أنس ".(4/404)
قلت: وقد علمت أن رواية أبي يعلى مثل رواية البيهقي مدارهما على سعد هذا.
فتعقبه على السيوطي بما نقلته عنه ليس تحته كبير طائل. على أن قول الهيثمي:
" لم يسمع سعد من أنس " لا أعرف له فيه سلفا. بل قال أبو داود: قلت لأحمد بن
صالح: سنان بن سعد (وهو سعد بن سنان يقال فيه القولان) سمع أنسا؟ فغضب من
إجلاله له.
1796 - " ثلاث حق على كل مسلم: الغسل يوم الجمعة والسواك ويمس من طيب إن وجد ".
أخرجه أحمد (4 / 34) وابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 201 / 1) من طريق
شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان يحدث عن رجل من
الأنصار عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره موقوفا
. هكذا قال شعبة. وخالفه سفيان الثوري فقال: عن سعد بن إبراهيم عن محمد بن
عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره مرفوعا. أخرجه أحمد: حدثنا عبد الرحمن
عن سفيان به. وتابعه وكيع عن سفيان به. أخرجه أحمد أيضا (5 / 363) .
قلت: وهذا إسناد صحيح، فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، وجهالة الصحابي
لا تضر، وسفيان أحفظ من شعبة. وله شواهد منها عن ثوبان مرفوعا به. أخرجه
البزار (رقم - 624) من طريق يزيد بن ربيعة عن أبي الأشعث عن أبي عثمان عنه.(4/405)
ويزيد هذا ضعيف، وبه أعله الهيثمي (2 / 172) . وعن أبي سعيد مرفوعا به.
ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 206 - 207) من رواية أيوب بن عتبة عن
يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه. وقال: " قال أبي وأبو زرعة: هذا خطأ
إنما هو يحيى عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل عن أبي سعيد، موقوف.
قلت لهما: ممن الخطأ؟ قالا: من أيوب بن عتبة ".
قلت: وهو ضعيف، وليته ذكر من الذي رواه عن يحيى به موقوفا. فقد خالفه سعد
ابن إبراهيم عن ابن ثوبان بإسناده المتقدم مرفوعا. وسعد ثقة فاضل.
1797 - " ثلاث دعوت لا ترد: دعوة الوالد ودعوة الصائم ودعوة المسافر ".
رواه البيهقي (3 / 345) والضياء في " المختارة " (108 / 1) وفي " المنتقى
من مسموعاته بمرو " (91 / 1) عن إبراهيم بن بكر المروزي حدثنا السهمي يعني
عبد الله بن بكر حدثنا حميد الطويل عن أنس مرفوعا. وقال الذهبي في مختصره
(167 / 2) : " فيه نكارة، ولا أعرف إبراهيم ".
قلت: أورده الذهبي في " الميزان " سميا لهذا فقال: " إبراهيم بن بكر الشيباني
الأعور ... وقال ابن الجوزي: وإبراهيم بن بكر ستة لا نعلم فيهم ضعفا سوى هذا
. قلت: (هو الذهبي) لو سماه لأفادنا، فما ذكر ابن أبي حاتم منهم أحدا ".
فقال الحافظ في " اللسان ":(4/406)
" قد ذكرهم الخطيب في " المتفق والمفترق " ومنه
نقل ابن الجوزي، فأحدهم ... ".
قلت: فذكرهم، وهذا ثالثهم، ولم يذكر فيه غير ذلك. وللحديث شاهد من حديث
أبي هريرة مرفوعا به إلا أنه قال: " دعوة المظلوم " مكان دعوة الصائم " وقد
مضى تخريجه (598) ، لكن رواه العقيلي والبيهقي في " الشعب " عن أبي هريرة
بلفظ الترجمة: " ودعوة الصائم ". وفيه كما قال المناوي محمد بن سليمان
الباغندي أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " صدوق فيه لين ".
قلت: لكن رواه ابن ماسي في آخر " جزء الأنصاري " (9 / 2) والبرزالي في
" أحاديث منتخبة منه " (رقم 15) : حدثنا أبو مسلم الكجي حدثنا أبو عاصم
الضحاك بن مخلد عن الحجاج - وهو ابن أبي عثمان الصواف - عن يحيى - يعني ابن
أبي كثير - عن محمد بن علي عن أبي هريرة به.
قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات، ومحمد بن علي هو أبو جعفر الصادق كذلك
رواه ابن عساكر في " التاريخ " (9 / 211 / 2) من طريق أخرى عن يحيى بن أبي
كثير به. ويشهد له حديث أبي هريرة الآخر بلفظ: " ثلاث لا ترد دعوتهم:
الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم ". أخرجه أحمد وغيره وصححه
ابن حبان (2407) وغيره وفيه تابعي مجهول كما بينته في " تخريج الترغيب "
(2 / 63) .
1798 - " عليكم بالسنى والسنوت، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام. قيل: يا رسول
الله وما السام؟ قال: الموت ".(4/407)
أخرجه ابن ماجة (3457) والحاكم (4 / 201) من طريق عمرو بن بكر السكسكي
حدثنا إبراهيم بن أبي علبة قال: سمعت أبا أبي بن أم حرم - وكان قد صلى مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتين - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول فذكره. وقال عمرو: قال ابن أبي علبة: السنوت: الشت. وقال آخرون بل
هو العسل الذي يكون في زقاق السمن، وهو قول الشاعر:
هم السمن بالسنوت لا ألس فيهم وهم يمنعون جارهم أن يقردا
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: عمرو اتهمه
ابن حبان، وقال ابن عدي: له مناكير ". وقال الحافظ في " التقريب ": "
متروك ". قلت: لكن للحديث شواهد بمعناه يتقوى بها.
الأول: عن أم سلمة قالت: " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما
لي أراك مرتثة؟ فقلت: شربت دواء أستمشي به، قال: وما هو؟ قلت: السرم،
قال: ومالك وللسرم فإنه حار، نار، عليك بالسنا والسنوت، فإن فيهما دواء
من كل شيء إلا السام ". قال الهيثمي: (5 / 90) : " رواه الطبراني من طريق
وكيع ابن أبي عبيدة عن أبيه عن أمه، ولم أعرفهم ".
والثاني: عن أسماء بنت عميس مرفوعا بلفظ: " لو أن شيئا كان فيه شفاء من
الموت لكان في السنى ". وفي إسناده جهالة وانقطاع. وهو مخرج في " المشكاة
" (4537) .(4/408)
الثالث: عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: " ثلاث فيهن شفاء من كل داء إلا السام:
السنى والسنوت. قال محمد: ونسيت الثالثة ". رواه النسائي وسمويه والضياء
عن أنس كما في " الجامع الكبير " (2 / 1 / 2) .
(السنى) : نبات كأنه الحناء زهره إلى الزرقة وحبه مفرطح إلى الطول وأجوده
الحجازي، ويعرف بـ (السنى المكي) . كما في " المعجم الوسيط ".
و (السنوت) : العسل. وقيل: الرب. وقيل: الكمون. كما في " النهاية "،
وبالأخير جزم في " الوسيط ".
1799 - " ثلاث لن تزال في أمتي: التفاخر في الأحساب والنياحة والأنواء ".
أخرجه أبو يعلى (3 / 975) والضياء (156 / 2) عن زكريا بن يحيى بن عمارة عن
عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(فذكره) .
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال البخاري، وفي زكريا كلام لا ينزل
حديثه عن مرتبة الحسن إن شاء الله، وقال الحافظ: " صدوق يخطىء ". وللحديث
شاهد من حديث أبي مالك الأشعري وأبي هريرة، وقد مضى تخريجهما (733 و 734)
بلفظ: " أربع في أمتي ... ". وقد جاء عن أبي هريرة بلفظ: " ثلاث ... "
وهو الآتي بعد حديث.
(الأنواء) : جمع نوء، وهو النجم إذا سقط في المغرب مع الفجر، مع طلوع آخر(4/409)
يقابله في المشرق. والمراد الاستسقاء بها كما يأتي في الحديث المشار إليه،
أي طلب السقيا. قال في " النهاية ": " وإنما غلظ النبي صلى الله عليه وسلم
في أمر الأنواء. لأن العرب كانت تنسب المطر إليها، فأما من جعل المطر من فعل
الله تعال، وأراد بقوله: " مطرنا بنوء كذا ": في وقت كذا، وهو هذا النوء
الفلاني، فإن ذلك جائز، أي أن الله قد أجرى العادة أن يأتي المطر في هذه
الأوقات ".
1800 - " ثلاث كلهن حق على كل مسلم: عيادة المريض وشهود الجنازة وتشميت العاطس إذا
حمد الله عز وجل ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (519) من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد يحتمل التحسين، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمر هذا، فقال
الحافظ: " صدوق يخطىء ". وقد تابعه محمد بن عمرو عن أبي سلمة به بلفظ:
" خمس من حق المسلم على المسلم ". وسيأتي تخريجه برقم (1832) . وله شاهد
من حديث أبي مسعود بلفظ: " للمسلم على المسلم أربع خلال ... ". وسيأتي برقم
(2154) . فالحديث صحيح والحمد لله تعالى.(4/410)
1801 - " ثلاث من عمل أهل الجاهلية لا يتركهن أهل الإسلام: النياحة والاستسقاء
بالأنواء وكذا. قلت لسعيد (يعني المقبري) : وما هو؟ قال: دعوى الجاهلية
: يا آل فلان، يا آل فلان، يا آل فلان ".
أخرجه أحمد (2 / 262) عن ربعي بن إبراهيم حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد
عن أبي هريرة مرفوعا. ومن هذا الوجه أخرجه ابن حبان (739) إلا أنه قال
: " والتعاير " بدل " وكذا ... ". وعبد الرحمن بن إسحاق هذا الظاهر أنه أبو
شيبة الواسطي وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات. لكن له طريق أخرى وشواهد. أما
الطريق، فهي عند ابن حبان (740) عن أبي عامر حدثنا سفيان عن سليمان عن ذكوان
عن أبي هريرة. فذكر نحوه، وذكر فيه العدوى، وجعلها أربعة.
قلت: وسنده صحيح، رجاله ثقات. ويشهد له حديث جنادة بن مالك مرفوعا بلفظ:
" ثلاث من فعل أهل الجاهلية لا يدعهن أهل الإسلام: استسقاء بالكواكب ... ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 2 / 233) والبزار (رقم - 797)
والطبراني في " الكبير " (2178) من طريق القاسم بن الوليد عن مصعب بن عبيد
الله بن جنادة الأزدي عن أبيه عن جده مرفوعا. وقال البخاري: " في إسناده نظر
".(4/411)
قلت: وكأن وجهه الجهالة، فإن مصعب بن عبيد الله بن جنادة وأباه أوردهما
ابن أبي حاتم (4 / 1 / 306 و 2 / 2 / 310) ومن قبله البخاري (4 / 1 / 353
و1 / 375) ولم يذكرا فيهما جرحا ولا تعديلا، ولم يعرفهما الهيثمي (3 / 13
) . ويشهد له أيضا حديث كريمة المزنية قالت: سمعت أبا هريرة وهو في بيت أبي
الدرداء يقول فذكره مرفوعا بلفظ: " ثلاث من الكفر بالله، شق الجيب والنياحة
والطعن في النسب ". أخرجه الحاكم (1 / 383) وقال: " صحيح الإسناد ".
ووافقه الذهبي مع أنه قد قال في ترجمة كريمة هذه من " الميزان " " تفرد عنها
إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر ". يشير إلى أنها مجهولة، ومع ذلك
وثقها ابن حبان وليس ذلك منه بغريب ولكن الغريب أن يوافقه الحافظ ابن حجر،
فيقول في ترجمتها من " التقريب ": " ثقة "! مع أنه لم يوثقها غير ابن حبان،
وعهدي بها في مثلها من الرواة الذين تفرد ابن حبان بتوثيقه أن يقول مقبول، أو
مجهول. وهذا الذي يناسب كلامه المشروح في مقدمة كتابه " لسان الميزان " حول
توثيق ابن حبان، وأنه يوثق المجهولين، فراجعه إن شئت. وله شواهد أخرى من
حديث عمرو بن عوف عند البزار (رقم - 798) وسلمان الفارسي عند الطبراني (
6100) وغيره تكلم على أسانيدها الهيثمي (3 / 13) .
1802 - " ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، فقال: ثلاث مهلكات: شح مطاع وهوى متبع
وإعجاب المرء بنفسه. وثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية والقصد في
الفقر والغنى والعدل في الغضب والرضا ".(4/412)
روي عن أنس بن مالك وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن أبي أوفى
وعبد الله بن عمر.
1 - أما حديث أنس، فله عنه طرق:
الأولى: عن أيوب عن عتبة قال: حدثنا الفضل بن بكر العبدي عن قتادة عنه.
أخرجه البزار (رقم - 80) والعقيلي (ص 352) وأبو بكر الدينوري في
" المجالسة وجواهر العلم " (7 / 145 / 1) والسياق له وأبو مسلم الكاتب في
" الأمالي " (261 / 1) وأبو نعيم في الحلية (2 / 343) والهروي في " ذم
الكلام " (145 / 1) والقضاعي (25 / 2) وقال البزار: " لم يروه إلا الفضل
عن قتادة ولا عنه إلا أيوب بن عتبة ". كذا قال، وقد وجدت لهما متابعا أخرجه
أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " عن عكرمة بن إبراهيم عن هشام عن يحيى عن
قتادة به.
قلت: والطريقان إلى قتادة ضعيفان، فإن عكرمة بن إبراهيم وأيوب بن عتبة
ضعيفان. والفضل بن بكر العبدي قال الذهبي: " لا يعرف ". وقد أشار العقيلي
إلى ما ذكرنا من التضعيف، فقال عقبه: " وقد روي عن أنس من غير هذا الوجه
وعن غير أنس بأسانيد فيها لين ".
الثانية: عن زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النمري عن أنس مرفوعا بلفظ: " ثلاث
كفارات وثلاث درجات وثلاث منجيات وثلاث مهلكات. فأما الكفارات فإسباغ
الوضوء في السبرات وانتظار الصلاة بعد الصلاة ونقل الأقدام إلى الجمعات.(4/413)
وأما الدرجات فإطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام.
وأما المنجيات ... " الحديث مثل حديث الترجمة. أخرجه البزار (رقم - 80)
وابن شاهين في " الترغيب والترهيب " (264 / 2) والهروي. وزياد وزائدة
كلامهما ضعيف. الثالثة - عن حميد بن الحكم أبي حصين قال: جاء رجل إلى الحسن -
وأنا جالس - فقال يا أبا سعيد ما سمعت أنس يقول؟ فقال الحسن: حدثنا أنس بن
مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بنحو لفظ الترجمة. أخرجه
الدولابي في " الكنى " (1 / 151) والطبراني في " الأوسط " (5584) والضياء
في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (137 / 1) .
قلت: وحميد هذا قال ابن حبان: " منكر الحديث جدا ".
الرابعة: عن نعيم بن سالم عنه. أخرجه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " (
1 / 143) .
قلت: ونعيم هذا كذا وقع في النسخة، والصواب " يغنم " بياء مثناة من تحت ثم
غين معجمة ثم نون، وهو متهم بالوضع. فلا يستشهد به.
2 - وأم حديث ابن عباس، فله طريقان:
الأولى: عن محمد بن عون الخراساني عن محمد بن زيد عن سعيد بن جبير عنه
بالمهلكات فقط. أخرجه البزار (رقم - 82) .(4/414)
ومحمد بن عون متروك كما في
" التقريب ".
والأخرى: عن عيسى بن ميمون حدثنا محمد بن كعب سمعت ابن عباس بالمهلكات فقط.
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 219) والهروي. وعيسى بن ميمون، الظاهر
أنه المدني مولى القاسم، وهو ضعيف.
3 - وأما حديث أبي هريرة، فله عنه طريقان أيضا:
الأولى: بكر بن سليم الصواف عن أبي حازم عن الأعرج عنه بنحو حديث الترجمة.
أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 382 / 1) .
قلت: والصواف هذا ذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال أبو حاتم: " شيخ يكتب
حديثه ".
قلت: فمثله يستشهد به. والله أعلم.
والأخرى: عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عنه. أخرجه الهروي وأبو موسى المديني
في " اللطائف " (83 / 1) . وعبد الله هذا متروك.
4 - وأما حديث ابن أبي أوفى فيرويه محمد بن عون عن يحيى بن عقيل عنه. أخرجه
البزار (رقم - 83) . وابن عون متروك كما تقدم.
5 - وأما حديث ابن عمر، فقال الهيثمي في " المجمع " (1 / 91) :(4/415)
" رواه
الطبراني في " الأوسط " وفيه ابن لهيعة ومن لا يعرف ".
قلت: ولفظه نحو لفظ حديث ابن أبي الرقاد المتقدم وهو عنده (برقم - 5884 -
ترقيمي) من طريق محفوظ بن يحيى الأنطاكي قال: أخبرنا الوليد بن عبد الواحد
التميمي عن ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عمر. وقال:
" لا يروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد ".
قلت: وهو ضعيف لحال ابن لهيعة وجهالة من دونه. وبالجملة فالحديث بمجموع
هذه الطرق حسن على أقل الدرجات إن شاء الله تعالى، وبه جزم المنذري، فقد قال
في " الترغيب " عقب حديث أنس برواية ابن أبي الرقاد (1 / 162) : " رواه
البزار والبيهقي وغيرهما، وهو مروي عن جماعة من الصحابة وأسانيده وإن كان
لا يسلم شيء منها من مقال، فهو بمجموعها حسن إن شاء الله تعالى ".
1803 - " ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1647) من طريق سفيان بن عيينة عن فطر
عن أبي الطفيل عن أبي ذر قال: " تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما
طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علما، قال: فقال صلى الله
عليه وسلم: فذكره. وهذا القدر أخرجه البزار أيضا (147) دون حديث الترجمة
عن ابن عيينة به. وأخرجه أحمد (5 / 153 و 162) من طريق آخر عن أبي ذر.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، وفطر وهو ابن خليفة وثقه أحمد
وابن معين، وروى له البخاري مقرونا كما قال الذهبي في " الكاشف ".(4/416)
وله
شاهد من رواية عمرو عن المطلب مرفوعا بلفظ: " ما تركت شيئا مما أمركم الله به
إلا قد أمرتكم به، وما تركت شيئا مما نهاكم عنه إلا قد نهيتكم عنه ". أخرجه
الشافعي كما في " بدائع المنن " برقم (7) وابن خزيمة في " حديث علي بن حجر "
(ج 3 رقم 100) . وهذا إسناد مرسل حسن، عمرو هو ابن أبي عمر، والمطلب هو
ابن عبد الله.
1804 - " ثلاثة لا تقربهم الملائكة: الجنب والسكران والمتضمخ بالخلوق ".
أخرجه البزار (ص 164 - زوائد ابن حجر) : حدثنا العباس بن أبي طالب حدثنا أبو
سلمة حدثنا أبان عن قتادة عن ابن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عباس عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال: " رواه غير العباس مرسلا ولا
يعلم يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه ".
قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال المنذري في " الترغيب " (1 / 91) ورجاله
ثقات رجال الشيخين غير العباس هذا وهو ابن جعفر بن عبد الله بن الزبرقان
البغدادي أبو محمد بن أبي طالب أخو يحيى، وهو صدوق مات سنة (258) . وقال
الهيثمي في " المجمع " (5 / 72) : " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا
العباس بن أبي طالب وهو ثقة ".
قلت: ورواه البخاري في " التاريخ " (3 / 1 / 74) من طريق أبي عوانة عن
قتادة به. فقول البزار: " لا يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه " إنما هو
بناء على ما أحاط به علمه، (وفوق كل ذي علم عليم) .(4/417)
ويؤيد ما سبق أن له
طريقا أخرى عن ابن عباس يرويه زكريا بن يحيى الضرير قال: أخبرنا شبابة بن سوار
قال: أخبرنا المغيرة بن مسلم عن هشام بن حسان عن كثير مولى سمرة عنه مرفوعا به
إلا أنه قال: " والمتضمخ بالزعفران ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (5536
بترقيمي) وقال: " لم يروه عن كثير مولى سمرة إلا هشام، ولا عن هشام إلا
المغيرة بن مسلم، تفرد به شبابة ".
قلت: وهو صدوق من رجال الشيخين وشيخه المغيرة حسن الحديث كما قال الذهبي في
" الكاشف ". وهشام بن حسان ثقة من رجال الشيخين. وشيخه كثير هو ابن كثير
مولى عبد الرحمن بن سمرة، قال ابن حبان في " الثقات ": " روى عنه قتادة
والبصريون ". ووثقه العجلي أيضا، فهو حسن الحديث. وزكريا الضرير ترجمه
الخطيب (8 / 457 - 458) برواية جمع عنه، ولم يذكر فيه جرحا. وللحديث شاهد
من حديث بريدة ولكنه ضعيف جدا، فلا بأس من ذكره وتخريجه وهو بلفظ: " ثلاثة
لا تقربهم الملائكة: السكران والمتخلق والجنب ". أخرجه البخاري في
" التاريخ " (3 / 1 / 74) والعقيلي في " الضعفاء " (ص(4/418)
198) وابن عدي في
" الكامل " (ق 210 / 1) والطبراني في " الأوسط " (5366) عن عبد الله بن
حكيم أبي بكر الداهري عن يوسف بن صهيب عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا.
وقال البخاري: " لا يصح ". وقال العقيلي: " أبو بكر هذا يحدث بأحاديث لا
أصل لها، ويحيل على الثقات ". وقال ابن عدي: " وهو منكر الحديث، وقال
البخاري: لا يصح هذا الحديث ". وقال الذهبي في " الكنى " من " ميزانه ":
" ليس بثقة ولا مأمون ". والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (5 / 156)
وقال: " رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن حكيم وهو ضعيف ". ونقل المناوي
عنه أنه قال: " فيه عبد الله بن حكيم لم أعرفه وبقية رجاله ثقات ". فكأنه
قال هذا في موضع آخر، والصواب أنه معروف ولكن بالضعف، كما قال في الموضع
الأول. ثم إن السيوطي لم يعزه للطبراني ولا رأيته في " معجمه الكبير " وهو
المعني عند إطلاق العزو إليه، فالصواب تقييده بـ " الأوسط " كما سبق، وإنما
عزاه السيوطي للبزار ولكن بلفظ: " ... السكران والمتضمخ بالزعفران والحائض
والجنب "! فهذه أربع خصال! فلعل الأصل: " والحائض أو الجنب ".(4/419)
وهذا
الذي ظننته من احتمال كون الأصل على التردد تأكدت منه حين رأيت الحديث في "
زوائد البزار " (ص 164) أخرجه من طريق عبد الله بن حكيم.
(الخلوق) : طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب
عليه الحمرة والصفرة. وإنما نهى عنه لأنه من طيب النساء كما في " النهاية "
. (الجنب) معروف وهو الذي يجب عليه الغسل بالجماع وبخروج الماء الدافق.
ولعل المراد به هنا الذي يترك الاغتسال من الجنابة عادة، فيكون أكثر أوقاته
جنبا. وهذا يدل على قلة دينه وخبث باطنه كما قال ابن الأثير. وإلا فإنه قد
صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء كما حقتته
في " صحيح أبي داود " (223) .
1805 - " ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم: رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها،
ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه، ورجل آتى سفيها ماله وقد قال الله
عز وجل: * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) * ".
رواه ابن شاذان في " المشيخة الصغرى " (57 / 1) والحاكم (2 / 302) من
طريقين عن أبي المثنى معاذ بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا شعبة عن فراس عن
الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري مرفوعا، وقال الحاكم: " صحيح
على شرط الشيخين ولم يخرجاه لتوقيف أصحاب شعبة هذا الحديث على أبي موسى
الأشعري ". ووافقه الذهبي.(4/420)
قلت: كذا وقع في " المستدرك ": " أبي المثنى معاذ بن معاذ العنبري حدثنا أبي
" وفي " المشيخة ": معاذ بن المثنى أخبرنا أبي " وكل ذلك من تحريف النساخ
والصواب: " المثنى بن معاذ بن العنبري " كما يتضح من الرجوع إلى ترجمة الوالد
والولد من " تاريخ بغداد " و " تهذيب التهذيب " وغيرهما، وقد جزم الطحاوي
في " مشكل الآثار " (3 / 216) أن معاذ بن معاذ العنبري قد حدث به عن شعبة.
ثم إنهما ثقتان غير أن المثنى لم يخرج له البخاري شيئا. فالسند ظاهره الصحة
لكن قد يعله توقيف أصحاب شعبة له إلا أنه لم ينفرد به معاذ بن معاذ بل تابعه
داود بن إبراهيم الواسطي: حدثنا شعبة به. أخرجه أبو نعيم في " مسانيد أبي
يحيى فراس " (ق 92 / 1) . وداود هذا ثقة كما في " الجرح " (1 / 2 / 407) .
وتابعه عمرو بن حكام أيضا، وفيه ضعف. أخرجه أبو نعيم أيضا والطحاوي.
وتابعه عثمان بن عمر وهو ثقة أيضا قال حدثنا شعبة به. أخرجه الديلمي (2 /
58) . وقد وجدت له طريقا أخرى عن الشعبي. رواه ابن عساكر (8 / 182 / 1 - 2
) عن إسحاق بن وهب - وهو بخاري - عن الصلت بن بهرام عن الشعبي به. لكن إسحاق
هذا ذكره الخليلي في " الإرشاد " وقال: " يروى عنه ما يعرف وينكر، ونسخ
رواها الضعفاء ".(4/421)
1806 - " ثمن الخمر حرام ومهر البغي حرام وثمن الكلب حرام والكوبة حرام وإن أتاك
صاحب الكلب يلتمس ثمنه، فاملأ يديه ترابا، والخمر والميسر وكل مسكر حرام ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 169 / 1 ورقم - 12601 - مطبوعة،
وفيها قلب) عن معقل بن عبيد الله عن عبد الكريم عن قيس بن حبتر الربعي عن
عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات وفي معقل بن عبيد الله وهو الجزري ضعف
يسير من قبل حفظه واحتج به مسلم وقد توبع كما يأتي، وعبد الكريم هو الجذري
الثقة. والحديث أخرجه أحمد (1 / 278 و 289 و 350) مفرقا من طرق عن عبد
الكريم به. وروى بعضه أبو داود (3482) والطيالسي (2755) . وتابعه علي
ابن بذيمة حدثني قيس بن حبتر نحوه. أخرجه أحمد (1 / 274) من طريق سفيان عنه
. وزاد: " قال سفيان - وهو الثوري: - قلت لعلي بن بذيمة: ما الكوبة؟ قال
: الطبل ".
قلت: وعلي بن بذيمة ثقة، فالسند صحيح.
(الكوبة) . قال ابن الأثير: " هو النرد. وقيل الطبل. وقيل: البربط ".
وفي " المعجم الوسيط ": " وهو آلة موسيقية تشبه العود، والنرد أو الشطرنج
".(4/422)
قلت: والراجح: أنه الطبل لجزم علي بن بذيمة به كما تقدم وهو أحد رواته
والراوي أدرى بمرويه من غيره. والله أعلم.
1807 - " الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأذنها أبوها في نفسها وإذنها صماتها
".
رواه مسلم (4 / 141) وأبو داود (1 / 327) والنسائي (2 / 78)
والدارقطني (390) وأحمد (1 / 219) والطبراني (رقم 10745) من طريق
سفيان ابن عيينة عن زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن
عباس مرفوعا به. وهذا إسناد صحيح لكن ذكر الأب في هذا المتن قد أعلوه،
فقال أبو داود: " أبوها ليس بمحفوظ ". وقال الدارقطني: " لا نعلم أحد وافق
ابن عيينة على هذا اللفظ ولعله ذكره من حفظه فسبقه لسانه ".
قلت: والمحفوظ بلفظ: " تستأمر في نفسها " وقد مضى من رواية مالك عن ابن
الفضل به برقم (1216) .
1808 - " الثيبان يجلدان ويرجمان، والبكران يجلدان وينفيان ".
أخرجه أبو نعيم في " مسانيد أبي يحيى فراس " (91 / 1) والديلمي (2 / 70)
عن الحاكم عن شريك عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن أبي بن كعب مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد جيد في الشواهد، رجاله ثقات لولا أن شريكا وهو ابن عبد
الله القاضي سيء الحفظ. لكن يشهد لحديثه ما عند مسلم وغيره من عبادة بن
الصامت مرفوعا بلفظ:(4/423)
" الثيب بالثيب والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة، ثم رجم
بالحجارة والبكر جلد مائة، ثم نفي سنة ".
1809 - " جعل قرة عيني في الصلاة ".
رواه العقيلي في " الضعفاء " (465) : حدثنا محمد بن زكريا البلخي حدثنا يحيى
ابن عثمان حدثنا هقل بن زياد عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن
أنس بن مالك مرفوعا. وقال: " يحيى بن عثمان الحربي عن هقل لا يتابع على
حديثه عن الأوزاعي ".
قلت: يحيى هذا ثقة كما يأتي وكذا شيخه هقل، ولا يضر الثقة أن لا يتابع على
حديثه، وهذا الحديث أخرجه الخطيب في ترجمة يحيى هذا (12 / 371 و 14 / 190)
من طريقين آخرين عنه ثم قال: " تفرد برواية هذا الحديث هكذا موصولا هقل بن
زياد عن الأوزاعي ولم أره إلا من رواية يحيى بن عثمان عن هقل، وخالفه الوليد
ابن مسلم فرواه عن الأوزاعي عن إسحاق عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا لم
يذكر فيه أنسا "، ثم ساق سنده بذلك إلى الوليد.
قلت: وهذه المخالفة لا قيمة لها لأمرين:
الأول: أن هقل بن زياد زاد الوصل وزيادة الثقة مقبولة.
والآخر: أنه في الأوزاعي أوثق من الوليد، فقد اتفقت كلمات النقاد على أنه
أثبت الرواة في الأوزاعي، فروايته عند المخالفة أرجح من رواية الوليد بن مسلم
، فتأمل. وجملة القول أن الحديث عندي صحيح بهذا الإسناد، فإن سائر رجاله
ثقات كلهم معروفون، وأما يحيى هذا فروى الخطيب عن ابن معين أنه ثقة، وعن
صالح بن محمد جزرة: صدوق، وكان من العباد. ووثقه أيضا أبو زرعة وابن حبان
كما في " الميزان " و " اللسان ".(4/424)
وقال العقيلي عقبه: " هذا يرويه سلام
الطويل عن ثابت عن أنس، وسلام فيه لين ".
قلت: كذا قال، والحديث معروف من رواية سلام بن سليمان أبي المنذر المزني
صدوق، رواه عنه النسائي (2 / 156) وغيره بأتم منه. وهو مخرج في " المشكاة
" (5261) و " الروض النضير " (53) . ثم وجدت له متابعا لا بأس به، أخرجه
أبو محمد المخلدي في " الفوائد " (ق 290 / 1) بسند صحيح عن عمرو بن هاشم:
حدثني الهقل بن زياد به. وعمرو هذا هو البيروتي وهو صدوق يخطىء كما قال
العسقلاني، فانتفت دعوى تفرد يحيى بن عثمان عن هقل به، وتأكد صحة الحديث
والحمد لله.
1810 - " كان إذا اجتهد لأحد في الدعاء قال: جعل الله عليكم صلاة قوم أبرار، يقومون
الليل ويصومون النهار، ليسوا بأثمة ولا فجار ".
رواه عبد الحميد في " المنتخب من المسند " (147 / 2) : حدثنا مسلم بن إبراهيم
حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس مرفوعا.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه الضياء في " المختارة " (ق 34 /
1) من طريق عبد بن حميد وقال: " وذكر بعض المحدثين أن مسلما رواه عن عبد بن
حميد بهذا الإسناد ولم أره في " صحيح مسلم " والله أعلم ".
1811 - " يا أم حارثة! إنها ليست بجنة واحدة ولكنها جنان كثيرة وإن حارثة لفي
أفضلها، أو قال: في أعلى الفردوس ".
رواه أحمد (3 / 124) وابن سعد (3 / 510 - 511) : أخبرنا يزيد بن(4/425)
هارون قال
: أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك: أن حارثة بن سراقة
خرج نظارا، فأتاه سهم فقتله، فقالت أمه: يا رسول الله! قد عرفت موضع حارثة
مني، فإن كان في الجنة صبرت وإلا رأيت ما أصنع! قال: فذكره، وقال في آخره
: شك يزيد بن هارون.
قلت: وسنده صحيح على شرط مسلم. وتابعه يوسف بن عطية حدثنا ثابت به وأتم
منه. أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (77 / 2) . لكن يوسف متروك. وتابعه عفان
حدثنا حماد بن سلمة به وقال: " وإنه في الفردوس الأعلى " ولم يشك. أخرجه
أحمد (3 / 272) . وتابعه عنده (3 / 215 و 282 - 283) سليمان بن المغيرة عن
ثابت به. وصححه ابن حبان (2272) والحاكم (3 / 208) ، ووافقه الذهبي.
وتابعه قتادة عن أنس به. أخرجه البخاري (2 / 204) وابن خزيمة في " التوحيد
" (239) والترمذي (2 / 201) وصححه، وزاد في آخره: " والفردوس ربوة
الجنة وأوسطها وأفضلها ". وهي عند أحمد في رواية (3 / 260) لكن فصلها عن
الحديث فقال: قال قتادة: فذكرها مقطوعا من قوله. ولم يذكرها أصلا في
الرواية الأخرى (3 / 210 و 283) . وتابعه حميد قال: سمعت أنسا به دون
الزيادة. أخرجه البخاري (3 / 59 و 241) وأحمد (3 / 264) .(4/426)
وبالجملة فهذه
الزيادة التي عند الترمذي شاذة لا تثبت في الحديث عن أنس، والراجح أنها مدرجة
فيه كما بينته رواية أحمد. لكن يشهد لها حديث سمرة بن جندب قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " الفردوس ربوة الجنة وأعلاها وأوسطها، ومنها
تفجر أنهار الجنة ". قال الهيثمي (10 / 398) : " رواه الطبراني والبزار
باختصار وزاد فيه: " فإذا سألتم الله تعالى فسلوه الفردوس "، وأحد أسانيد
الطبراني رجاله وثقوا، وفي بعضهم ضعف ". ولها شاهد آخر ولذلك أفردته
بالتخريج فيما يأتي (2003) .
قلت: والطريق الأولى عند الطبراني في " الكبير " (6885 و 6886) من وجهين عن
قتادة عن الحسن عن سمرة. ثم أخرجه (7088) من الطريق الأخرى عن خبيب بن
سليمان بن سمرة عن أبيه عن سمرة. وهذا إسناد ضعيف مجهول. وما قبله معنعن.
1812 - " الجنة لها ثمانية أبواب، والنار لها سبعة أبواب ".
أخرجه أحمد (4 / 185) وابن سعد (7 / 430) عن صفوان بن عمرو السكسكي عن أبي
المثنى الأملوكي عن عتبة بن عبد السلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: فذكره.
قلت: ورجاله ثقات غير أبي المثنى الأملوكي وثقه العجلي وابن حبان، وروى
عنه هلال بن يساف أيضا في قول بعضهم.(4/427)
وللحديث شاهد من حديث عاصم بن لقيط،
يرويه عنه دلهم بن الأسود وهو مقبول عند الحافظ ابن حجر. أخرجه أحمد (4 / 13
- 14) . وروى الترمذي (4 / 132 - تحفة) عن جنيد عن ابن عمر مرفوعا:
" لجهنم سبعة أبواب، باب منها لمن سل السيف على أمتي ". وقال: " حديث غريب
". يعني ضعيف، جنيد هذا لم يوثقه غير ابن حبان وقيل إنه لم يسمع من ابن عمر
. وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح، والشطر الأول منه أصح، فإن له
شواهد في " الصحيحين " وغيرهما، فراجع إن شئت " حادي الأرواح " (1 / 88 - 99
) .
1813 - " حافظ على العصرين: صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها ".
رواه أبو داود (453 - صحيحه) والطحاوي في " المشكل " (1 / 440) وابن حبان
(282) والحاكم (1 / 20، 3 / 628) والبيهقي والحافظ ابن حجر في "
الأحاديث العليات " (رقم 31) عن عبد الله بن فضالة الليثي عن أبيه فضالة
قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فيما علمني أن قال لي:
" حافظ على الصلوات الخمس ". فقلت: إن هذه ساعات لي فيها أشغال، فمرني بأمر
جامع إذا أنا فعلته أجزأ عني، قال: فذكره. وقال الحافظ: " هذا الحديث صحيح
، وفي المتن إشكال لأنه يوهم جواز الاقتصار على العصرين، ويمكن أن يحمل على
الجماعة، فكأنه رخص له في ترك حضور بعض الصلوات في الجماعة، لا على تركها
أصلا ".(4/428)
قلت: والترخيص إنما كان من أجل شغل له كما هو في الحديث نفسه. والله أعلم.
ثم إن في إسناد الحديث اختلافا ذكرته في " صحيح أبي داود "، وقد بينت هناك ما
هو الراجح منه، فلا داعي لإعادته هنا.
1814 - " حرم الله الخمر، وكل مسكر حرام ".
رواه النسائي (2 / 333) والطبراني في " المعجم الكبير " (13225) وابن
عساكر (17 / 56 / 2) عن شبيب بن عبد الملك قال: حدثني مقاتل بن حيان عن
سالم ابن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير شبيب بن عبد الله وهو ثقة.
وقد توبع من جمع عن نافع به نحوه عند مسلم (6 / 100) وغيره، وهو مخرج في
" الإرواء " (2431) وغيره. والحديث من الأدلة الكثيرة القاطعة على تحريم
كل مسكر سواء كان متخذا من العنب أو التمر أو الذرة أو غيرها وسواء في ذلك
قليله أو كثيره، وأن التفريق بين خمر وخمر، والقليل منه والكثير باطل،
خلافا لما ذهب إليه بعض من تقدم. واغتر به بعض المعاصرين في مجلة " العربي "
الكويتية منذ سنين، ثم رد عليه بعض مشايخ الشام، فما أحسن الرد، منعه منه
تعصبه للمذهب، عفا الله عنا وعنه بمنه وكرمه. والعصمة له وحده.
1815 - " حسن الصوت زينة القرآن ".
رواه أبو نعيم في " الأربعين الصوفية " (62 / 1) من طريق الطبراني عن عبد
الغفار بن داود حدثنا أبو عبيدة سعيد بن زربي، ومن طريق أحمد بن القاسم بن
مساور حدثنا علي بن الجعد حدثنا أبو معاوية العباداني قالا: حدثنا حماد بن أبي
سليمان عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس قال:(4/429)
كنت رجلا قد أعطاني الله حسن
الصوت بالقرآن، فكان عبد الله بن مسعود يرسل إلي فأقرأ عليه، قال فكنت
إذا فرغت من قرائتي قال: زدنا من هذا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: فذكره. وهو في معجم الطبراني (رقم 10023) من طريق عبد الغفار به،
ويكنى بأبي صالح الحراني. ورواه ابن عدي (271 / 1) من طريق قيس بن الربيع
عن حماد بن أبي سليمان به.
قلت: وهذا إسناد حسن، مدار طرقه على حماد بن أبي سليمان وهو صدوق له أوهام
كما في " التقريب "، ومن فوقه من رجال الشيخين. ويشهد له حديث البراء:
" زينوا القرآن بأصواتكم ". وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1320) .
1816 - " كان إذا رأى الهلال قال: اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة
والإسلام، ربي وربك الله ".
رواه الترمذي (2 / 256) والحاكم (4 / 285) وأحمد (1 / 162) وأبو يعلى
(1 / 191) وعنه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (635) والدارمي (2
/ 4) والعقيلي (182) وابن أبي عاصم في " السنة " (376) والضياء في "
المختارة " (1 / 279) عن سليمان بن سفيان قال: حدثني بلال بن يحيى بن طلحة
ابن عبيد الله عن أبيه عن جده مرفوعا. وقال الترمذي: " حسن غريب "،
وقال العقيلي في سليمان هذا " لا يتابع عليه "، وروى عن ابن معين أنه ليس
بثقة. ثم قال العقيلي:(4/430)
" وفي الدعاء لرؤية الهلال أحاديث كأن هذا من أصلحها
إسنادا، كلها لينة الأسانيد ".
قلت: وسليمان بن سفيان ضعيف، وقد تقدم ومثله بلال بن يحيى بن طلحة ولعله
من أجل ذلك سكت عليه الحاكم ثم الذهبي، ولم يصححاه. لكن الحديث حسن لغيره بل
هو صحيح لكثرة شواهده التي أشار إليها العقيلي، لكنها شواهد في الجملة وإنما
يشهد له شهادة تامة حديث ابن عمر قال ... فذكره، إلا أنه زاد: " والتوفيق
لما تحب وترضى ". أخرجه الدارمي (2 / 3 - 4) وابن حبان (2374)
والطبراني في " المعجم الكبير " (13330) عن عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم
حدثني أبي عن أبيه وعمه عنه. قال الهيثمي: (10 / 139) : " وعثمان بن
إبراهيم الحاطبي فيه ضعف، وبقية رجاله ثقات ". كذا قال: وعبد الرحمن بن
عثمان قال الذهبي: " مقل، ضعفه أبو حاتم الرازي ". وأما ابن حبان فذكره في
" الثقات "! وله طريق أخرى بلفظ آخر عن ابن عمر، وهو مخرج في " الضعيفة " (
3503) . وله شاهد آخر مختصر من حديث حدير السلمي مرفوعا به دون قوله: " ربي
وربك الله "، وزاد: " والسكينة والعافية والرزق الحسن ". وهو مخرج
هناك (3504) .
1817 - " حلوة الدنيا مرة الآخرة، ومرة الدنيا حلوة الآخرة ".
رواه أحمد (5 / 342) وعنه الحاكم (4 / 310) ومحمد بن العباس البزار في(4/431)
" حديثه " (2 / 121 / 2) وابن عساكر (19 / 82 / 1) عن صفوان بن عمرو عن
أبي عبيد الحضرمي يعني شريحا أن أبا مالك الأشعري لما حضرته الوفاة قال:
يا معشر الأشعريين ليبلغ الشاهد منكم الغائب، إني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي،
وهو كما قالا.
1818 - " الحائض والنفساء إذا أتتا على الوقت تغتسلان وتحرمان، وتقضيان المناسك
كلها غير الطواف بالبيت ".
أخرجه أبو داود (1744) وأحمد (1 / 364) من طريق خصيف عن عكرمة ومجاهد
وعطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد فيه ضعف، رجاله ثقات، غير أن خصيفا وهو ابن عبد الرحمن
الجزري سيء الحفظ. لكن الحديث صحيح، يشهد له حديث جابر في حديث أسماء بنت
عميس حين نفست بذي الحليفة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل وتهل
، رواه مسلم وغيره (انظر كتابي حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها جابر
) . وحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها حين حاضت وهي محرمة:
اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي ولا تصلي. متفق عليه، ولعله من أجل
ذلك صحح الحديث العلامة أحمد شاكر في تعليقه على " المسند " والله أعلم.
(الوقت) : الميقات: وهو هنا الموضع الذي جعل للعمرة أو الحج يحرم بهما عنده.
1819 - " الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام ".(4/432)
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (491) : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل
حدثنا سريج بن يونس عن المطلب بن زياد عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك
قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره بزيادة " في " في أوله، وأورده
بدونها الهيثمي في " المجمع " (5 / 87 - 88) من حديث أسامة بن شريك هذا وقال
: " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله ثقات ". ولم أره في " الأوسط "
مستعينا على ذلك بفهرسي الذي وضعته له، لكن في النسخة خرم، فمن المحتمل أن
يكون في بعض الورقات الذاهبة منها، وإلا فيكون وهما منه، لاسيما ولم يعزه
لـ " المعجم الكبير ". وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات. وله شواهد كثيرة في
" الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي هريرة وغيره، وقد مضى بعضها برقم (759
و863 و 1069) .
1820 - " الحجاج والعمار وفد الله، دعاهم فأجابوه، سألوه فأعطاهم ".
أخرجه البزار (رقم 1153) عن محمد بن أبي حميد عن محمد بن المنكدر عن جابر
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " لا نعلمه عن جابر
إلا عن ابن المنكدر، ورواه طلحة بن عمرو عنه ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، محمد بن أبي حميد وهو أبو إبراهيم المدني الملقب
بحماد، قال الحافظ: " ضعيف ". ومتابعه طلحة بن عمرو أضعف منه قال الحافظ:
" متروك ". فلا أدري مع هذا وجه قول المنذري (2 / 108) وتبعه الهيثمي (3 /
211) :(4/433)
" رواه البزار ورجاله ثقات ". نعم للحديث شاهد عن ابن عمر مرفوعا به
وزاد في أوله: " الغازي في سبيل الله والحاج.. ". أخرجه ابن ماجة (2893)
وابن حبان (964) والطبراني في " المعجم الكبير " (13556) من طريق عمران
ابن عيينة عن عطاء بن السائب عن مجاهد عنه.
قلت: وهذا سند ضعيف كما بينته في التعليق على " الترغيب " (2 / 165) . لكن
الحديث بمجموع الطريقين حسن. ولحديث ابن عمر طريق آخر ولكنه منقطع، أورده
ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 296) من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن
حفص عن ابن عمر به مرفوعا. فقال عن أبيه: " هذا خطأ، إنما هو أبو بكر بن حفص
عن عمر مرسل، وقد أدرك أبو بكر بن حفص بن عمر، ولم يدرك عمر، وكنت قدمت
قزوين فكتبت حديث محمد بن سعيد بن سابق عن عمرو بن أبي قيس عن إبراهيم بن مهاجر
عن أبي بكر بن حفص عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
قلت: وهو على انقطاعه شاهد حسن للطريق الأولى عن ابن عمر، فهو حسن أيضا
بمجموع طريقيه. وللحديث شاهد آخر، ولكنه واه أذكره لبيان حاله، ولفظه:
" الحجاج والعمار وفد الله إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم ". رواه ابن
ماجة (2892) وابن بشران في " الأمالي " (34 / 2) عن صالح بن عبد الله مولى
ابن عامر بن لؤي حدثني يعقوب بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبي صالح عن أبي
هريرة مرفوعا.(4/434)
ورواه الخطيب في " التلخيص " (86 / 1) من هذا الوجه. وصالح
هذا منكر الحديث كما قال البخاري ثم رأيت محمد بن أبي حميد الأنصاري (المذكور
آنفا في حديث جابر) روى الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا به أتم
منه، ولفظه: " الحجاج والعمار وفد الله إن سألوه أعطوا وإن دعوا أجيبوا
وإن أنفقوا أخلف عليهم، فوالذي نفس أبي القاسم بيده ما كبر مكبر على نشز ولا
أهل مهل على شرف من الأشراف إلا أهل ما بين يديه وكبر حتى ينقطع به منقطع
التراب ". رواه أبو الشيخ الأصبهاني في " أحاديث بكر بن بكار " (3 / 2) عنه
: أخبرنا محمد بن أبي حميد الأنصاري أخبرنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا
. ورواه تمام في " الفوائد " (252 / 2) والقاضي الشريف أبو الحسين في "
المشيخة " (2 / 180 / 1) من طريق ابن وهب عن محمد بن أبي حميد عن عمرو بن
شعيب به. وروى الخلعي في " الفوائد " (108 / 2) الشطر الأول منه، ورواه
ابن عدي (301 / 1) بالشطرين وقال: " محمد بن أبي حميد الزهري شبه المجهول "
. كذا قال وهو معروف الضعف كما تقدم، وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 /
298) : " قال أبي: حديث منكر ". يعني بهذا التمام.
1821 - " الحمى حظ المؤمن من النار يوم القيامة ".
رواه ابن أبي الدنيا في " المرض والكفارات " (181 / 1 - 2) وابن عساكر (6
/ 399 / 2) عن الفضل بن حماد الأزدي عن عبد الله بن عمران عن مالك بن دينار عن
معبد الجهني عن عثمان بن عفان مرفوعا.(4/435)
ومن هذا الوجه رواه العقيلي في
" الضعفاء " (217، 352) وقال: " إسناد غير محفوظ، والمتن معروف بغير هذا
الإسناد. قال: وقد رويت في هذا أحاديث مختلفة الألفاظ، بأسانيد صالحة ".
وله شاهد من حديث أنس أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 7691) عن سليمان
ابن داود الشاذكوني حدثنا عيسى بن ميمون حدثني قتادة عنه. قال: " لم يروه عن
قتادة إلا عيسى بن ميمون، تفرد به الشاذكوني ".
قلت: هو متهم بالوضع، فلا يستشهد به. والفضل بن حماد الأزدي قال الذهبي: "
فيه جهالة ". ومن طريقه أخرجه أبو حامد الشجاعي في " أماليه "، وزاد:
" وإن مثله إذا صح من مرضه كمثل البردة تقع من السماء في صفائها ولونها ".
قلت: لهذه الزيادة شاهد من حديث الوليد بن محمد الموقري عن الزهري عن أنس
مرفوعا: " مثل المريض ... ". أخرجه البزار (762) والطبراني في " الأوسط "
(رقم - 5299) . لكن الموقري متهم. ويشهد للحديث ما عند البزار (رقم - 765
) عن عثمان بن مخلد حدثنا هشيم عن المغيرة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة
مرفوعا بلفظ: " الحمى حظ كل مؤمن من النار ". وقال: " لا نعلم أسنده عن
هشيم إلا عثمان ".
قلت: عثمان هذا هو ابن مخلد التمار الواسطي أورده ابن أبي حاتم(4/436)
(3 / 1 / 170) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وقد قيل أن ابن حبان ذكره في " الثقات ".
وهشيم مدلس وقد عنعنه. ومن ذلك يتبين تساهل المنذري (4 / 155) وإن تبعه
الهيثمي (4 / 306) فقالا: " رواه البزار، وإسناده حسن "! ومن الغريب أن
الهيثمي قال في مكان آخر على ما نقله المناوي: " فيه عثمان بن مخلد، ولم أجد
من ذكره "! وبالجملة فالحديث بهذه الشواهد قوي، ويزداد قوة بالشواهد الآتية
بعده، فهو حديث صحيح، وفضل الله أكبر.
1822 - " الحمى كير من جهنم، فما أصاب المؤمن منها كان حظه من النار ".
رواه أحمد (5 / 252 و 264) والطحاوي في " المشكل " (3 / 68) وابن أبي
الدنيا في " المرض والكفارات " (162 / 2) وأبو بكر الشافع في " الفوائد "
(91 / 1) وابن عساكر (19 / 39 / 2) عن محمد بن مطرف عن أبي الحصين عن أبي
صالح الأشعري عن أبي أمامة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير أبي الحصين وهو الفلسطيني، قال
الذهبي: " تفرد عنه أبو غسان محمد بن مطرف ". ولذلك قال الحافظ ابن حجر: "
مجهول ". فقول المنذري (4 / 155) :(4/437)
" رواه أحمد بإسناد لا بأس به "، فمما
لا يخفى ما فيه من التساهل. وقد خالفه إسماعيل بن عبيد الله وهو ابن أبي
المهاجر فقال: عن أبي صالح الأشعري عن أبي هريرة أنه عاد مريضا، فقال له:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تبارك وتعالى يقول: هي ناري
أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة ". وإسناده
صحيح، وقد مضى تخريجه (557) . ومما يشهد للحديث ما روى عصمة بن سالم
الهنائي أخبرنا أشعث بن جابر عن شهر بن حوشب عن أبي ريحانة مرفوعا بلفظ: " ...
وهي نصيب المؤمن من النار ". والباقي مثله. أخرجه البخاري في " التاريخ " (
4 / 1 / 63) والطحاوي وابن أبي الدنيا في " المرض " (159 / 2) وابن عساكر
في " التاريخ " (8 / 64 / 2) .
قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد، رجاله صدوقون، على ضعف في شهر بن حوشب من
قبل حفظه، ومن طريقه أخرجه الطبراني أيضا كما في " الترغيب " و " المجمع " (
4 / 306) . وبالجملة فالحديث صحيح بهذه الطرق، والجملة الأولى منه لها
شواهد أخرى في " الصحيحين " وغيرهما.
1823 - " يا ولي الإسلام وأهله، ثبتني به حتى ألقاك ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 653) وعنه الضياء في " المختارة " (ق
150 / 1) بإسناده إلى محمد بن سلمة الحراني وخطاب بن القاسم عن أبي الواصل
عبد الحميد بن واصل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يقول: فذكره، وقال: " قال الطبراني: لا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد،
تفرد به أبو الواصل ".(4/438)
قلت: قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 18) : " روى عن أنس، وروى عن ابن مسعود،
مرسل - وأبي أمية الحبطي. روى عنه عبد الكريم الجزري وشعبة ومحمد بن سلمة
وعتاب بن بشير ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (1 / 136) ، فهو ثقة
لرواية هؤلاء الثقات عنه. ثم قال الضياء: " ورواه أبو يعلى الموصلي عن
إسماعيل بن عبد الله بن خالد القرشي عن عباد بن بشير عن عبد الحميد عن أنس.
ورواه أبو عبد الله محمد بن مسلم بن وارة عن يحيى بن صالح عن سليمان بن عطاء
عن أبي الواصل عن أنس ".
قلت: ومن طريق يحيى بن صالح أخرجه السلفي في " الفوائد المنتقاة من أصول
سماعات الرئيس أبي عبد الله الثقفي " (2 / 165 / 1) بلفظ: " ... مسكني
بالإسلام حتى ألقاك ". وسليمان بن عطاء هذا هذا هو أبو عمرو الجزري ضعيف
اتفاقا، ولكن ذلك لا يقدح في ثبوت الحديث بعد أن خرجناه من طريق محمد بن سلمة
الحراني وخطاب بن القاسم وكلاهما ثقة، فالعمدة على روايتهما.
1824 - " الحيات مسخ الجن، كما مسخت القردة والخنازير من بني إسرائيل ".
أخرجه ابن حبان (1080) والطبراني في " المعجم الكبير " (11946) وابن أبي
حاتم في " العلل " (2 / 290) من طرق عن عبد العزيز بن المختار عن خالد الحذاء
عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.(4/439)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أعل بما لا يقدح، فقال ابن أبي
حاتم عقبه: " قال أبو زرعة: هذا الحديث موقوف، لا يرفعه إلا عبد العزيز بن
المختار، ولا بأس بحديثه ".
قلت: وهو ثقة محتج في " الصحيحين ". وقد خالفه من هو مثله أو دونه في الحفظ
وهو معمر عن أيوب عن عكرمة به موقوفا. أخرجه الطبراني أيضا (11846) .
قلت: وهذا إسناد صحيح أيضا على كلام يسير في معمر، وزيادة الثقة مقبولة في
مثل ما نحن فيه. والله أعلم. وقد أخرج الضياء في " المختارة " (64 / 35 /
2) المرفوع من طريق الطبراني. واعلم أن الحديث لا يعني أن الحيات الموجودة
الآن هي من الجن الممسوخ، وإنما يعني أن الجن وقع فيهم مسخ إلى الحيات، كما
وقع في اليهود مسخهم قردة وخنازير، ولكنهم لم ينسلوا كما في الحديث الصحيح:
" إن الله لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك
". وسيأتي تخريجه برقم (2264) إن شاء الله تعالى.
1825 - " الحية فاسقة، والعقرب فاسقة، والفأرة فاسقة، والغراب فاسق ".
أخرجه ابن ماجة (3249) وأحمد (6 / 209 و 238) عن المسعودي: حدثنا عبد
الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن أبيه عن عائشة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: ورجاله ثقات غير أن المسعودي كان اختلط.(4/440)
لكنه لم يتفرد به، فقد أخرجه
ابن صاعد في " حديثه " (4 / 294 / 1 - 2) من طريق شريك بن طارق عن فروة بن
نوفل الأشجعي قال سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: سمعت رسول الله يقول: فكره
. وقد اختلف في إسناده على شريك هذا وساق ابن صاعد أسانيده إليه بذلك.
وشريك بن طارق أورده ابن أبي حاتم (2 / 1 / 363) ، ولم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا. وله طريق أخرى عن عائشة به نحوه، وشاهدان من حديث أبي هريرة وابن
عباس، وهي مخرجة في " إرواء الغليل " (1120) .
1826 - " خالد من سيوف الله عز وجل، نعم فتى العشيرة ".
رواه أحمد (4 / 90) وعنه ابن عساكر (5 / 272 / 1) بسنده الصحيح عن عبد
الملك بن عمير قال: استعمل عمر بن الخطاب أبا عبيدة بن الجراح على الشام،
وعزل خالد بن الوليد، قال: فقال خالد بن الوليد: بعث عليكم أمين هذه الأمة
، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن
الجراح "، فقال أبو عبيدة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
فذكره.
قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين إلا أن عبد الله لم يدرك عمر رضي الله
عنه فإنه ولد لثلاث سنين بقين من خلافة عثمان رضي الله عنه، لكن للحديث شواهد
يتقوى بها، فانظر الحديث (1237) و " المشكاة " (6257) .
1827 - " خذو القرآن من أربعة من ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى
أبى حذيفة ".
أخرجه مسلم (7 / 148) والترمذي (2 / 312) وابن سعد (2 / 2 / 108) وأبو(4/441)
نعيم في " الحلية " (1 / 229) من طريق مسروق عن عبد الله بن عمرو قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "
. وهو عند البخاري (2 / 445) ومسلم أيضا وأحمد (2 / 189 و 195) من هذا
الوجه بلفظ: " استقرؤا القرآن ... ". وله طريق آخر أخرجه الحاكم (3 / 526 -
527) وصححه من طريق مجاهد عن عبد الله بن عمرو به. وله شاهد أخرجه الحاكم
أيضا (3 / 225) من حديث عبد الله بن مسعود. وآخر عند ابن عدي (99 / 2) من
حديث ابن عمر.
1828 - " الحياء من الإيمان، وأحيا أمتي عثمان ".
رواه ابن عساكر (11 / 97 / 1) عن أبي عبد الملك مروان بن محمد بن خالد
العثماني أخبرنا جدي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي
هريرة مرفوعا.
قلت: وأبو عبد الملك هذا لم أجد له ترجمة. وأما جده فهو - والله أعلم
عثمان بن خالد بن عمر بن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان الأموي المدني.
روى عن ابن أبي الزناد وغيره. وعنه ابنه محمد أبو مروان العثماني، قال
الحافظ: " متروك الحديث ". وهو من شيوخ ابن ماجة، وقد روى له بإسناده هذا
حديثين في فضل عثمان، وأحدهما مخرج في " الضعيفة " (2291) .(4/442)
والحديث أورده
السيوطي في " الجامع " من رواية ابن عساكر هذه، وبيض له المناوي فلم يتكلم
عليه شيء. لكن الحديث صحيح، فإن شطره الأول متفق عليه من حديث ابن عمر،
والآخر له شاهد من حديث أنس وغيره، وهو مخرج فيما مضى (1224) .
1829 - " خذوا يا بني أرفدة! حتى تعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة ".
أخرجه أبو عبيد في " غريب الحديث " (102 / 2) والحارث بن أبي أسامة في
" مسنده " (212 - زوائده) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن الشعبي رفعه:
" أنه مر على أصحاب الدركلة، فقال: (فذكره) قال: فبينما هم كذلك إذا جاء
عمر، فلما رأوه انذعروا ".
قلت: وعبد الرحمن بن إسحاق وهو أبو شيبة الواسطي ضعيف، وقد وصله بقية عن
عبد الواحد بن زياد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الشعبي عن عائشة نحوه. أخرجه
الديلمي (2 / 110) . وبقية مدلس، وقد عنعنه. لكن الحديث صحيح، فقد جاء
موصولا من طريق أخرى عنها، عند أحمد (6 / 116 و 233) من طريق عبد الرحمن بن
أبي الزناد عن أبيه قال: قال لي عروة: إن عائشة قالت: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم يومئذ: " لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية
سمحة ". وهذا إسناد جيد. وأخرجه الحميدي (259) من طريق يعقوب بن زيد
التيمي عنها بلفظ:(4/443)
" العبوا يا بني أرفدة ... ". ورجاله ثقات إلا أن التيمي
هذا لم يذكروا له رواية عن الصحابة، سوى أبي أمامة بن سهل بن حنيف، فإنه
معدود في الصحابة، وله رؤية، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فما
أظن التيمي سمع منها. ولكن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب.
غريب الحديث:
(الدركلة) قال ابن الأثير: " يروى بكسر الدال وفتح الراء وسكون الكاف،
ويروى بكسر الدال وسكون الراء وكسر الكاف وفتحها، ويروى بالقاف عوض الكاف
، وهي ضرب من لعب الصبيان. قال ابن دريد: أحسبها حبشية. وقيل هو الرقص.
(بني أرفدة) هو لقب للحبشة. وقيل هو اسم أبيهم الأقدم يعرفون به. وفاؤه
مكسورة، وقد تفتح.
1830 - " خصاء أمتي الصيام ".
رواه أحمد (2 / 173) وابن عدي (111 / 2) والبغوي في " شرح السنة " (3 /
1 / 2) عن ابن لهيعة حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد
الله بن عمرو بن العاص. أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا
رسول الله أتأذن لي أن أختصي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: فذكره، وزاد:
" والقيام ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف لسوء حفظ ابن لهيعة، وقد رويت أحاديث بمعنى حديثه هذا
دون ذكر القيام.(4/444)
فروى ابن سعد (3 / 394) بسند جيد عن ابن شهاب: أن عثمان بن
مظعون أراد أن يختصي ويسيح في الأرض، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أليس لك في أسوة حسنة؟ فأنا آتي النساء وآكل اللحم وأصوم
وأفطر، إن خصاء أمتي الصيام، وليس من أمتي من خصى أو اختصى ". وأخرج
الحسين المروزي في " زوائد الزهد " (1106) من طريق عبد الرحمن بن زياد بن
أنعم عن سعد بن مسعود قال قال عثمان بن مظعون ... فذكره نحوه دون قوله:
" وليس من أمتي ... ". لكن أخرجه ابن المبارك نفسه في " الزهد " (845) من
طريق رشدين بن سعد قال: حدثني ابن أنعم به أتم منه. وعبد الرحمن بن أنعم
ضعيف لسوء حفظه، ومثله رشدين. ثم أخرج المروزي (1107) وأحمد (3 / 378
و382 - 383) من طريق رجل عن جابر بن عبد الله قال: جاء شاب إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: أتأذن لي في الخصاء؟ فقال: " صم، وسل الله من فضله "
. وإسناده صحيح لولا الرجل الذي لم يسم. وجملة القول أن الحديث بمجموع هذا
الطرق صحيح، دون ذكر القيام فإنه منكر. والله أعلم. ويشهد له الحديث
المتفق عليه عن ابن مسعود مرفوعا: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباء
فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له
وجاء ".(4/445)
وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1785) وروي من حديث عثمان وهو
مخرج في التعليق على " الأحاديث المختارة " (رقم - 356 - بتحقيقي) . وفي
الحديث توجيه نبوي كريم لمعالجة الشبق وعرامة الشهوة في الشباب الذين لا يجدون
زواجا، ألا وهو الصيام، فلا يجوز لهم أن يتعاطوا العادة السرية (الاستمناء
باليد) . لأنه قاعدة من قيل لهم: * (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) *
ولأن الاستمناء في ذاته ليس من صفات المؤمنين الذين وصفهم الله في القرآن
الكريم: * (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم
فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) *. قالت عائشة رضي
الله عنها في تفسيرها: " فمن ابتغى وراء ما زوجه الله، أو ملكه فقد عدا ".
أخرجه الحاكم (2 / 393) وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
1831 - " خلق الله يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا، وخلق فرعون في بطن أمه كافرا ".
رواه أبو الشيخ في " التاريخ " (ص 128) وابن حيويه في " حديثه " (41 / 2)
واللالكائي في " السنة " (130 / 1 - 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2
/ 190) عن نصر بن طريف عن قتادة عن أبي حسان عن ناجية بن كعب عن عبد الله
مرفوعا.
قلت: وهذا سند ضعيف جدا، نصر بن طريف هذا مجمع على ضعفه بل قال يحيى فيه: "
من المعروفين بوضع الحديث ". لكنه لم يتفرد به، فقال الطبراني (رقم 10543)
: حدثنا أحمد بن داود {المكي} أخبرنا شاذ بن الفياض أخبرنا أبو هلال عن قتادة
به.(4/446)
وروى ابن عدي (304 / 1) واللالكائي من طريق أخرى عن أبي هلال به.
وقال ابن عدي: " وأبو هلال في بعض رواياته ما لا يوافقه الثقات عليه، وهو
ممن يكتب حديثه ". وابن عدي (18 / 2) عن أيوب بن خوض عن قتادة به، ومن
طريق يحيى بن بسطام العبدي حدثنا ابن أخي هشام الدستوائي عن هشام عن قتادة به.
وأبو هلال اسمه محمد بن سليم الراسبي وهو صدوق فيه لين. وأيوب بن خوط متروك
. ومثله يحيى بن بسطام، فقد قال أبو داود: " تركوا حديثه ". وقد أخرجه ابن
عساكر في " التاريخ " (18 / 43 / 2 و 44 / 1) من طرق عن قتادة به. ثم رواه (
18 / 44 / 2) من طريق عبد العزيز بن عبد الله عن شعبة عن أبي إسحاق عن ناجيه
عن ابن مسعود مرفوعا به. وعبد العزيز بن عبد الله هو ابن وهب القرشي البصري،
تكلم فيه ابن عدي، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: يجب أن يعتبر حديثه
إذا بين السماع ". وجملة القول: أن هذه الطرق عن قتادة كلها واهية جدا سوى
طريق أبي هلال الراسبي، فهي خير منها بكثير وهي في نقدي حسنة وقد نقل
المناوي عن الهيثمي أنه قال: " إسناده جيد ". والله أعلم. وله شاهد من
حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا بلفظ:(4/447)
" إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها
وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ".
أخرجه مسلم (8 / 54 - 55) وأبو داود (4713) والنسائي في " الجنائز "
وابن ماجة (82) وأحمد (6 / 41 و 208) .
(الخلق) : هو التقدير.
1832 - " خمس من حق المسلم على المسلم: رد التحية وإجابة الدعوة وشهود الجنازة
وعيادة المريض وتشميت العاطس إذا حمد الله ".
أخرجه ابن ماجة (1435) وأحمد (2 / 332) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله رجال الشيخين إلا أنهما أخرجا لمحمد بن عمرو
متابعة وقد تابعه الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة به نحوه. أخرجه مسلم (7
/ 3) . وأخرجه هو وأحمد (2 / 372 و 412) من طريق ثالثة عن أبي هريرة بلفظ
: " حق المسلم على المسلم ست ... ". فذكرهن، إلا أنه قال: " إذا لقيته فسلم
عليه " بدل " رد التحية "، وزاد: وإذا استنصحك فانصح له ". وقد مضى
مختصرا من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه به. رقم (1800) .(4/448)
1833 - " خلق الله التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم
الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب
يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق من آخر ساعة الجمعة
فيما بين العصر إلى الليل ".
رواه ابن معين في " التاريخ والعلل " (9 / 1 - المخطوطة ورقم 210 - المطبوعة
) وابن منده في " التوحيد " (25 / 2) من طريق ابن جريج أخبرني إسماعيل بن
أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: فذكره. ومن هذا
الوجه رواه مسلم في " صحيحه " (8 / 127) والثقفي في " الثقفيات " (4 / 29 /
2) والدولابي (1 / 175) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 275 - 276)
ونقل تضعيفه عن بعض أئمة الحديث وأن ابن المديني أعله بأنه يرى أن إسماعيل
ابن أمية أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى، وهذا عن أيوب بن خالد! ويعني أن
إبراهيم هذا متروك.
قلت: هذه دعوى عارية عن الدليل إلا مجرد الرأي وبمثله لا ترد رواية إسماعيل
ابن أمية، فإنه ثقة ثبت كما قال الحافظ في " التقريب "، لاسيما وقد توبع،
فقد رواه أبو يعلى في " مسنده " (288 / 1) من طريق حجاج بن محمد عن أيوب بن
خالد عن عبد الله بن رافع به. لكن لعله سقط شيء من إسناده. وذكره البخاري في
ترجمة أيوب بن خالد بن أبي أيوب الأنصاري معلقا عن إسماعيل بن أمية به. وقال
: (1 / 1 / 413 - 414) : " وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب، وهو أصح "!
قلت: وهذا كسابقه، فمن هذا البعض؟ وما حله في الضبط والحفظ حتى يرجح على
رواية عبد الله بن رافع؟ ! وقد وثقه النسائي وابن حبان، واحتج به مسلم،(4/449)
وروى عنه جمع، ويكفي في صحة الحديث أن ابن معين رواه ولم يعله بشيء! وليس
الحديث بمخالف للقرآن كما يتوهم البعض، فراجع بيان ذلك فيما علقته عليه من
" المشكاة " (5735) ثم على " مختصر العلو " للذهبي رقم الحديث (71) وله
فيه طريق أخرى عن أبي هريرة فراجعه. ورواية إبراهيم بن أبي يحيى التي أشار
إليها البيهقي، قد أخرجها الحاكم في " علوم الحديث " (ص 33) : قال إبراهيم:
شبك بيدي صفوان بن سليم قال: شبك بيدي أيوب بن خالد الأنصاري قال: شبك بيدي
عبد الله بن رافع قال: شبك بيدي أبو هريرة قال: شبك بيدي أبو القاسم صلى الله
عليه وسلم وقال: فذكره. وأشار الحاكم إلى تضعيفه هكذا مسلسلا بالتشبيك،
وعلته إبراهيم، فإنه متروك كما تقدم. وأما إعلال الدكتور أحمد محمد نور في
تعليقه على " التاريخ " (3 / 52) للحديث بأيوب بن خالد وقوله: فيه لين.
فإنما هو تقليد منه لابن حجر في تليينه إياه في " التقريب "، وليس بشيء،
فإنه لم يضعفه أحد سوى الأزدي، وهو نفسه لين عند المحدثين، فتنبه.
1834 - " خير الرزق الكفاف ".
أخرجه وكيع في " الزهد " (رقم 113 - مخطوطتي) : حدثنا مبارك عن الحسن قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا مرسل ضعيف، مبارك بن فضالة مدلس، وقد عنعنه. لكن قد أخرجه أحمد
في " الزهد " أيضا عن زياد بن جبير مرسلا أيضا كما في " الجامع الصغير ". وله
شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا بلفظ:(4/450)
" خير الذكر الخفي، وخير الرزق
ما يكفي ". أخرجه وكيع (رقم 116) وغيره، وصححه ابن حبان (2323) ، وفيه
نظر بينته في التعليق على " الترغيب " (3 / 9) . وبالجملة فالحديث حسن عندي
بمجموع هذه الطرق، لاسيما وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اللهم
اجعل رزق آل محمد قوتا " متفق عليه. وفي رواية لمسلم " كفافا " وفي ثبوته
نظر، كما بينته فيما تقدم تحت الحديث (130) .
1835 - " خياركم خياركم لأهله ".
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (22 / 341 / 854) وابن عساكر (15 / 95
/ 2) عن إسماعيل بن عياش حدثنا عمر بن رؤبة عن أبي كبشة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد جيد، وفي عمر هذا ضعف. وله شواهد كثيرة من حديث أبي
هريرة وغيره، فانظره فيما تقدم (284) .
1836 - " خير العمل أن تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله ".
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 111 - 112) والبغوي في " شرح السنة "
(1 / 294 - مخطوطة المكتب) عن إسماعيل بن عياش حدثنا عمرو بن قيس السكوني عن
عبد الله بن بسر المازني قال:(4/451)
" جاء أعرابيان إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال أحدهما: يا رسول الله! أي الناس خير؟ قال طوبى لمن طال عمره وحسن
عمله. وقال الآخر: أي العمل خير؟ قال: أن تفارق ... " الحديث. وقال: "
رواه معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس مثله ".
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. ومتابعة معاوية بن صالح أخرجها أحمد (
4 / 190) : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس به
نحوه. وأخرجه ابن حبان (2317) بالشطر الثاني منه، والترمذي بتمامه مفرقا
(2 / 52 و 242) . وتابعه أيضا حسان بن نوح عن عمرو بن قيس به. أخرجه أحمد (
4 / 188) . ومعاوية بن صالح وحسان بن نوح ثقتان أيضا. وللحديث شاهد من
رواية معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعا نحوه. أخرجه البخاري في " خلق أفعال
العباد " (ص 80 - 81) وابن حبان (2318) وابن السني في " عمل اليوم
والليلة " رقم (2) وكذا البزار (ص 294 - 295) والطبراني في " الكبير " (
20 / 107 / 212) من طريق ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك
ابن يخامر عنه.
قلت: وهذا إسناد حسن. ورواه ابن أبي الدنيا أيضا كما في " الترغيب " (2 /
228) . وقوله: " طوبى لمن طال عمره وحسن عمله ".(4/452)
أخرجه ابن المبارك في
" الزهد " (1340) من حديث أبي هريرة مرفوعا. وسنده ضعيف.
1837 - " خير الناس أحسنهم خلقا ".
رواه الطبراني (رقم 13326) عن أنس بن عياض: أخبرنا نافع بن عبد الله عن فروة
ابن قيس عن عبد الله بن عمر قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس
خير؟ قال: أحسنهم خلقا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، فروة بن قيس ونافع بن عبد الله مجهولان. لكن يشهد
له حديث ابن عمرو مرفوعا بلفظ: " خياركم أحاسنكم أخلاقا ". أخرجه الشيخان
وغيرهما، وقد تقدم (286) .
1838 - " خير النساء التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا
مالها بما يكره ".
رواه النسائي (2 / 72) والحاكم (2 / 161) وأحمد (2 / 251 و 432 و 438)
عن محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: " قيل لرسول الله صلى
الله عليه وسلم: أي النساء خير؟ قال: " التي تسره ... " الحديث، وقال
الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وقال العراقي (2 / 36) :
" سنده صحيح ". كذا قالوا، وليس كذلك بل هو حسن فقط كما ذكرنا، فإن ابن
عجلان متكلم(4/453)
فيه خاصة في روايته عن سعيد عن أبي هريرة، وهو في نفسه صدوق كما
في " التقريب "، وكذا " الميزان " قال: " وكان من الرفعاء والأئمة أولي
الصلاح والتقوى ومن أهل الفتوى، له حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه
وسلم ". ثم إنه لم يرو له مسلم إلا متابعة، قال الحاكم كما في " الميزان ":
" أخرج له مسلم في كتابه ثلاثة عشر حديثا كلها شواهد، وقد تكلم المتأخرون من
أئمتنا في سوء حفظه ".
قلت: فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى. وقد وجدت له في هذا الحديث متابعا،
أخرجه الطيالسي (ص 306 رقم 2325) : حدثنا أبو معشر عن سعيد عن أبي هريرة قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك.
.. " الحديث نحوه، وزاد في آخره: " قال: وتلا هذه الآية: * (الرجال
قوامون على النساء) * إلى آخر الآية ". وأبو معشر اسمه نجيح، وهو ضعيف.
وله شاهد من حديث عبد الله بن سلام، قال الهيثمي (4 / 273) : " رواه
الطبراني، وفيه زريك بن أبي زريك ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ".
قلت: هو معروف وثقة، فانظر الحديث المقدم (1698) . ومن طريق الطبراني
أخرجه الضياء في " المختارة " (58 / 180 / 1) . وله شاهد آخر بلفظ: ألا
أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ ... ". وهو طرف من حديث مخرج في " الضعيفة "
(1319) وفي " المشكاة " (1781) ، و " ضعيف أبي داود " (293) .(4/454)
وشاهد
آخر بلفظ: " ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خير له من زوجة صالحة ... "
الحديث. وهو مخرج في الكتاب الآخر برقم (4421) وفي " المشكاة " (3095) .
1839 - " خير أمتي القرن الذي بعثت فيه، ثم الذين يلونهم، (ثم الذين يلونهم) -
والله أعلم أذكر الثالثة أم لا - ثم يخلف قوم يحبون السمانة، يشهدون قبل أن
يستشهدوا ".
أخرجه مسلم (7 / 184) والطيالسي (ص 332 رقم 2550) وأحمد (2 / 228 و 410
و479) من طريق أبي بشر عن عبد الله بن شفيق عن أبي هريرة مرفوعا. وما
بين القوسين زيادة لأحمد في رواية له. وله عنده (2 / 297 و 340) من طريق
محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه
وسلم: أي الناس خير؟ فقال: " أنا والذين معي، ثم الذين على الأثر، ثم
الذين على الأثر ". ثم كأنه رفض من بقي. وهذا سند حسن. وله شاهد من حديث
عمران بن حصين وهو: " خير أمتي الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين
يلونهم - والله أعلم أذكر الثالث أم لا - ثم يظهر قوم يشهدون ولا يستشهدون
وينذرون ولا يوفون ويخونون ولا يؤتمنون، ويفشو فيهم السمن ".(4/455)
1840 - " خير أمتي القرن الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم -
والله أعلم أذكر الثالث أم لا - ثم يظهر قوم يشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا
يوفون ويخونون ولا يؤتمنون، ويفشو فيهم السمن ".
أخرجه مسلم (7 / 186) وأبو داود (2 / 265) والطيالسي (ص 114 رقم 852)
وأحمد (4 / 426 و 440) عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن عمران بن حصين
مرفوعا. وأخرجه الترمذي (2 / 35) أيضا من هذا الوجه وقال: " حسن صحيح ".
وله طرق أخرى، فأخرجه البخاري (7 / 4 - 6 و 5 / 197 - 198 و 11 / 491)
وكذا مسلم (7 / 185 - 186) والنسائي (2 / 143) والطيالسي (ص 113 رقم
841) وأحمد (4 / 427 و 436) عن شعبة سمعت أبا جمرة حدثني زهدم بن مضرب عن
عمران به. وقال بعضهم: " خيركم قرني إلخ ... ". وله طريق أخرى بلفظ: خير
الناس. ويأتي إن شاء الله تعالى. وله شاهد بلفظ: " خير أمتي قرني منهم،
ثم الذين يلونهم - ولا أدري أذكر الثالث أم لا - ثم تخلف أقوام يظهر فيهم
السمن، يهريقون الشهادة ولا يسألونها ".
1841 - " خير أمتي قرني منهم، ثم الذين يلونهم - ولا أدري أذكر الثالث أم لا - ثم
تخلف أقوام يظهر فيهم السمن، يهريقون الشهادة ولا يسألونها ".
أخرجه أحمد (5 / 350) : حدثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي نضرة عن عبد الله بن
مولة قال: بينما أنا أسير بالأهواز إذا أنا برجل يسير بين يدي على بغل أو بغلة
، فإذا هو يقول: اللهم ذهب قرني من هذه الأمة، فألحقني بهم، فقلت: وأنا
فأدخل في دعوتك، قال: وصاحبي هذا إن أراد ذلك. ثم قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. قال: وإذا هو بريدة الأسلمي. ثم رواه (5 /
357) من طريق حماد بن سلمة عن الجريري به عن عبد الله بن مولة قال:(4/456)
كنت أسير
مع بريدة الأسلمي فقال: فذكر الحديث المرفوع، إلا أنه قال: " ثم الذين
يلونهم. ثلاث مرات ". وفي رواية: " أربع مرات " ولعله سهو من ابن سلمة فقد
كان له بعض ذلك. والحديث إسناده كلهم ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن مولة
بفتحات كما في " التقريب " وفي " الخلاصة ": بضم أوله وفتح الواو واللام،
وثقه ابن حبان، وما روى عنه سوى أبي نضرة كما قال الذهبي، فهو مجهول، وفي
التقريب: " مقبول ". فالحديث حسن لغيره، فإن له شواهد مما تقدم. وقالت
عائشة رضي الله عنها: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟
قال: " القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني ثم الثالث ". أخرجه أحمد (6 / 156)
: حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن السدي عن عبد الله البهي عنها. وهذا إسناد
جيد، وقد أخرجه مسلم (7 / 186) عن حسين بن علي به. ورواه الطبراني عن
سعيد بن تميم نحوه وفيه أنه هو السائل، وزاد بعد القرن الثالث: قلت: ثم
ماذا يا رسول الله؟ قال: " ثم يكون قوم يحلفون ولا يستحلفون، ويشهدون ولا
يستشهدون ويؤتمنون ولا يؤدون ". قال الهيثمي (10 / 19) : " ورجاله ثقات ".
1842 - " خير النكاح أيسره ".
رواه أبو داود (2117) وابن حبان (1257 و 1262 و 1281) والقضاعي (100 / 1
- 2) عن محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن يزيد بن أبي أنيسة عن يزيد بن(4/457)
أبي
حبيب عن مرثد بن عبد الله عن عقبة بن عامر مرفوعا. ورواه الدولابي (1 /
110) : حدثنا محمد بن سلمة به.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات كلهم على شرط مسلم.
1843 - " خير أهل المشرق عبد القيس، أسلم الناس كرها وأسلموا طائعين ".
أخرجه ابن حبان (2301) والطبراني رقم (12970) والبزار كما في المجمع (10
/ 49) من طريق وهب بن يحيى بن زمام حدثنا محمد بن سواء حدثنا شبيل بن عزرة عن
أبي جمرة عن ابن عباس مرفوعا به، ولكن ليس عند الطبراني والبزار الشطر
الثاني منه، وقال الهيثمي: " وهب بن يحيى بن زمام لم أعرفه، وبقية رجاله
ثقات ".
قلت: لكن للحديث شاهد من رواية أبي القلوص زيد بن علي قال: حدثني أحد الوفد
الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبد القيس قال: فذكره مرفوعا
في قصة. أخرجه أحمد (4 / 206) وإسناده صحيح. وللشطر الأول منه شاهد من
حديث أبي هريرة مرفوعا. قال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله
ثقات ".
قلت: ورواه أبو يعلى أيضا (4 / 1441) ولكنه أوقفه. فلا أدري أهكذا وقعت
الرواية له، أو سقط رفعه من بعض النساخ.
قلت: وإسناده حسن وكذلك قال الحافظ العراقي في " محجة القرب في فضل العرب "
(ق 49 / 1) بعد ما عزاه للطبراني. وقد أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي أيضا في
" المعجم " (85 / 1) مرفوعا مثل الطبراني.(4/458)
1844 - " خير تمراتكم البرني، يذهب بالداء ولا داء فيه ".
روي من حديث بريدة بن الحصيب وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري ومزيدة جد هود
ابن عبد الله وعلي بن أبي طالب وبعض وفد عبد القيس.
1 - أما حديث بريدة فيرويه أبو بكر الأعين حدثني أبو معمر عبد الله بن عمرو
أخبرنا عبد الله بن سكن الرقاشي أخبرنا عقبة الأصم عن ابن بريدة عن أبيه رفعه.
أخرجه الروياني في " مسنده " (8 / 2) وابن عدي (301 / 2) والبيهقي في "
الشعب " والضياء في " المختارة " كما في " اللآلي " للسيوطي (2 / 242)
وقال: " وهو أمثل طرق الحديث ".
قلت: كذا قال، وعقبة هو ابن عبد الأصم ضعيف كما قال الذهبي. وقال الحافظ:
" ضعيف وربما دلس ". وعبد الله بن السكن أورده ابن أبي حاتم (2 / 2 / 76)
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات "
من طريق ابن عدي وقال: " عقبة، قال ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير
". وتعقبه السيوطي بما لا يجدي.
2 - وأما حديث أنس فيرويه عبيد بن واقد عن عثمان بن عبد الله العبدي عن حميد
عنه: " أن وفد عبد القيس من أهل (هجر) وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال: " فذكره. أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (291) وأبو نعيم في " الطب "
رقم (10 - المنتقى(4/459)
منه) والحاكم (4 / 203 - 204) وقال العقيلي: " عثمان
ابن عبد الله العبدي حديثه غير محفوظ ولا يعرف إلا به ".
قلت: هو مجهول، وعبيد بن واقد ضعيف، فقول الحاكم: " صحيح الإسناد " غير
صحيح ولذلك رده الذهبي بقوله: " قلت: عثمان لا يعرف، والخبر منكر ".
3 - وأما حديث أبي سعيد فيرويه زيد بن الحباب حدثنا سعيد بن سويد السامري:
حدثنا خالد بن رباح البصري عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد به. أخرجه الحاكم
(4 / 204) ، وسكت عنه هو والذهبي. وإسناده ضعيف عندي، رجاله ثقات غير
سعيد بن سويد هذا، أورده ابن أبي حاتم (2 / 1 / 29 - 30) من رواية ابن
الحباب وحده ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا خلافا لابن حبان فإنه أورده في
" الثقات " كما في " اللسان ". وتابعه سويد بن سعيد المعدلي حدثنا خالد بن
زياد صاحب السابري عن أبي الصديق به. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (7540)
وقال: " لا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد. تفرد به عبد القدوس ". كذا
قال وعبد القدوس ثقة، وكذا من فوقه إلا سويد بن سعيد فلم أعرفه ولعله سعيد
بن سويد المذكور في إسناد الحاكم، انقلب على أحد رواة الطبراني. وأستبعد أن
يكون هو سويد بن سعيد الأنباري المترجم في " الجرح " (2 / 1 / 240) لأنه فوق
هذه الطبقة، روى عنه أبو زرعة وأبو حاتم. والله أعلم.
4 - وأما حديث مزيدة فيرويه طالب بن حجير حدثني هود بن عبد الله عن جده مرفوعا
به وفيه قصة.(4/460)
أخرجه الحكيم الترمذي والطبراني والحاكم (4 / 406 - 407) ،
وسكت عنه، وكذا الذهبي.
قلت: وسنده ضعيف، هود هذا قال في " الميزان ": " لا يكاد يعرف، تفرد عنه
طالب بن حجير ".
5 - وأما حديث علي فيرويه عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن
جده عن علي مرفوعا به. أخرجه ابن عدي وأبو نعيم. وعيسى هذا ذكره ابن حبان
في " الثقات " وقال: " في حديثه بعض المناكير ".
6 - وأما حديث بعض وفد عبد القيس فيرويه يحيى بن عبد الرحمن العصري قال:
حدثنا شهاب بن عباد أنه سمع بعض وفد عبد القيس وهو يقول: فذكره مرفوعا به
نحوه ولفظه: " أما إنه خير تمركم وأنفعه لكم ". وفيه قصة الوفد. أخرجه
البخاري في " الأدب المفرد " (1198) وأحمد (4 / 206 - 207) .
قلت: ورجاله ثقات غير العصري هذا، قال الذهبي: " بصري لا يعرف ". وجملة
القول أن الحديث صحيح عندي بمجموع شواهده لأن غالبها لم يشتد ضعفها. والله
أعلم.
1845 - " خيركم خيركم لأهلي من بعدي ".
أخرجه البزار (ص 274 - زوائده) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 294)(4/461)
والحاكم (3 / 311) من طريقين عن قريش بن أنس عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة
عن أبي هريرة مرفوعا، فحدثني محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن
أباه أوصى لأمهات المؤمنين بحديقة، بيعت بعده بأربعين ألف دينار. والسياق
للحاكم وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
قلت: وإنما هو حسن فقط لأن محمد بن عمرو فيه كلام من جهة حفظه ولذلك لم يحتج
به مسلم وإنما أخرج له متابعة. وقريش بن أنس احتج به الشيخان مع أنه كان
اختلط، وذكر البخاري نفسه عن إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد أنه اختلط
ست سنين في البيت، ومع ذلك فقد أخرج له في " الصحيح " حديث سمرة في العقيقة
من رواية عبد الله بن أبي الأسود عنه، وهو عبد الله بن محمد بن حميد بن
الأسود بن أبي الأسود، ثقة حافظ مات سنة (223) ، فكأنه عند البخاري إنما
سمعه منه قبل اختلاطه، وهو الذي جزم به الحافظ في شرحه " الفتح " (9 / 487)
، وذكر أن الترمذي أخرجه من طريق علي بن المديني عن ابن أبي الأسود وقال:
" فسماع علي بن المديني وأقرانه من قريش كان قبل اختلاطه ".
قلت: وعلي بن المديني مات سنة (234) ، ومن الرواة لحديث الترجمة عن قريش
ابن أنس يحيى بن معين عند أبي نعيم، وقد مات سنة (233) ، فهو إذن قد سمع
منه قبل الاختلاط أيضا، وقد أشار إلى ذلك الحافظ في ترجمة قريش بن أنس من
" التهذيب ". والله أعلم. وأما ما روى الخطيب في " التاريخ " (7 / 13) من
طريق إدريس بن جعفر العطار حدثنا أبو بدر شجاع بن الوليد حدثنا محمد بن عمرو
بلفظ: " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ". فهو منكر من هذا الوجه لأن
إدريس هذا قال الدارقطني:(4/462)
" متروك ". لكنه بهذا اللفظ قد جاء من طرق أخرى عن
جمع من الأصحاب رضي الله عنهم، فهو محفوظ أيضا، وقد مضى تخريجه برقم (285)
، فراجعه إن شئت.
1846 - " خياركم إسلاما، أحاسنكم أخلاقا إذا فقهوا ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (285) وأحمد (2 / 467 و 469 و 481) من
طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال مسلم وأصله في " الصحيحين ".
1847 - " خير يوم تحتجمون فيه سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين، وما مررت بملأ من
الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا: عليك بالحجامة يا محمد! ".
أخرجه الترمذي (2 / 5 طبع بولاق) والحاكم (4 / 209 و 210) وأحمد (1 /
354) واللفظ له من طريق عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا.
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وليس كما قالا، فإن عباد
ابن منصور هذا مدلس، قال الذهبي نفسه في " الميزان ": " كل ما روى عن عكرمة
سمعه من إبراهيم بن أبي يحيى عن داود عن عكرمة ". وساق له أحاديث منها هذا
الشطر الثاني منه. وفي " التقريب ": " صدوق رمي بالقدر، وكان يدلس وتغير
بآخره ".(4/463)
وقال في " الفتح " (10 / 122) : " رواه أحمد والترمذي ورجاله
ثقات، لكنه معلول ". فأشار إلى التدليس. وأما قول الترمذي: " هذا حديث حسن
"، فلعله من أجل شواهده التي منها بلفظ: " من احتجم لسبع عشرة ... " وقد مضى
برقم (622) . والحديث روى الطيالسي (رقم 2666) الشطر الثاني منه. وكذلك
ابن ماجة (2 / 352) وسيأتي. والشطر الأول جاء من فعله صلى الله عليه وسلم
بهذا الإسناد وغيره بلفظ: " كان يحتجم لسبع عشرة " وقد مضى في الحديث (908
) .
1848 - " الخال وارث ".
رواه القطيعي في " الفوائد المنتقاة " (4 / 2 / 2) من طريق شريك عن الليث عن
محمد بن المنكدر عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت: ورجاله ثقات غير أن شريكا سيء الحفظ. لكن يشهد له حديث عائشة وغيرها
مرفوعا به. أخرجه الترمذي وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " تحت الحديث (
1700) .
1849 - " خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية، إذا اتقين الله، وشر نسائكم
المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم
".
أخرجه البيهقي في " السنن " (7 / 82) من طريق أبي صالح عبد الله بن صالح(4/464)
حدثني موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن أبى أذينة الصدفي أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات على ضعف في عبد الله بن صالح لكنه قد توبع كما
يأتي. وأبو أذينة الصدفي مختلف في صحبته، فقال البغوي: " لا أدري له صحبة
أم لا ". وقال ابن السكن: " له صحبة ".
قلت: والمثبت مقدم على النافي ومن علم حجة على من لم يعلم. وعلي بن رباح
روى عن جمع من الصحابة وسمع منهم، مثل عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان
وفضالة بن عبيد وغيرهم. ثم أخرج ابن السكن من طريق محمد بن بكار بن بلال عن
موسى بن علي بن رباح به. كما في " الإصابة ".
قلت: وهذا متابعة قوية لعبد الله بن صالح من محمد بن بكار فإنه صدوق،
فالحديث صحيح، لاسيما وقد قال البيهقي عقبه: " وروي بإسناد صحيح عن سليمان
ابن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا إلى قوله: إذا اتقين الله ".
ولطرفه الأول شواهد من حديث أنس وغيره مخرجة في " آداب الزفاف " (ص 16 و 19
) . وقوله: " المتبرجات هن المنافقات ". له شاهد مرسل قوي وهو مخرج فيما
مضى تحت رقم (633) ، وروي موصولا عن ابن مسعود كما بينت هناك.(4/465)
وطرفه
الأخير له شاهد صحيح من حديث عمرو بن العاص مرفوعا نحوه، وهو المخرج بعده.
الأعصم: هو أحمر المنقار والرجلين، كما في الحديث الآتي. وهو كناية عن قلة
من يدخل الجنة من النساء لأن هذا الوصف في الغربان قليل.
1850 - " لا يدخل الجنة من النساء إلا من كان منهن مثل هذا الغراب في الغربان ".
رواه أحمد (4 / 197 و 205) وأبو يعلى (349 / 1) والزيادة له عن حماد بن
سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة قال: بينا نحن مع عمرو بن العاص
في حج أو عمرة (فإذا نحن بامرأة عليها حبائر لها (1) وخواتيم، وقد بسطت
يدها على الهودج) ، فقال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا
الشعب إذ قال: انظروا! هل ترون شيئا؟ فقلنا نرى غربانا فيها غراب أعصم أحمر
المنقار والرجلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره. ورواه ابن
قتيبة في " إصلاح الغلط " (53 / 1 - 2) من هذا الوجه، والحاكم (4 / 602)
وابن عساكر (13 / 245 / 1 - 2) .
قلت: وهذا سند صحيح، وقول الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". خطأ وافقه
الذهبي عليه، فإن أبا جعفر هذا اسمه عمير بن يزيد لم يخرج له مسلم شيئا.
1851 - " الخلافة في قريش والحكم في الأنصار والدعوة في الحبشة والهجرة في المسلمين
والمهاجرين بعد ".
_________
(1) حبائر، كذا الأصل بالحاء المهملة، وفي التاج: " الجبارة بالكسر، والجبيرة: البارق وهو الدستمند كما سيأتي له في القاف جمع الجبائر ... "
وفيه أيضا: " والبارق كهاجر، ضرب من الإسورة. وقال الجوهري: هو الدستبند فارسي معرب ". اهـ.(4/466)
أخرجه أحمد (4 / 185) وابن أبي عاصم في " السنة " (ق 107 / 1 رقم 1014 -
بتحقيقي) وأبو العباس جمح بن القاسم في " جزء من حديثه " (57 / 2) وعلي بن
طاهر السلمي في " كتاب الجهاد " (2 / 1 / 2) وأبو الحسن البزار بن مخلد في
" الأمالي " وابن عساكر في تاريخ دمشق (8 / 241 / 1) من طريق إسماعيل بن
عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن كثير بن مرة عن عتبة بن عبد
مرفوعا. وهذا إسناد شامي حسن وفي بعضهم كلام لا يضر، وقال الهيثمي في
" المجمع " (4 / 192) : " رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات ". وقال شيخه
الحافظ العراقي في " محجة القرب إلى محبة العرب " (ق 19 / 2) بعد أن رواه من
طريق أحمد: " حديث صحيح، ورجال إسناده ثقات وإسماعيل بن عياش روايته عن
الشاميين صحيحة، دون روايته عن الحجازيين ". وله شاهد موقوف من حديث أبي
هريرة. أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " (1024) بسند صحيح عنه بالفقرة
الأولى منه.
1852 - " الخلق كلهم يصلون على معلم الخير حتى نينان البحر ".
رواه ابن عدي (64 / 1) وعنه الجرجاني (ص 22) والديلمي (2 / 136) عن شاذ
ابن فياض حدثنا الحارث بن شبل عن أم النعمان عن عائشة مرفوعا. ذكره في
ترجمة الحارث هذا مع أحاديث أخرى، ثم قال: " وهذه الأحاديث غير محفوظة ".
قلت: وشاذ بن فياض والحارث بن شبل ضعيفان.(4/467)
لكن للحديث شاهد قوي من حديث أبي
أمامة مرفوعا وصححه الترمذي، فانظر " تخريج الترغيب " (1 / 60) والحديث
أخرجه البزار في " مسنده " (133 - كشف الأستار) من طريق محمد بن عبد الملك عن
الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا بلفظ: " معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى
الحيتان في البحر ". لكن محمد بن عبد الملك هذا قال الهيثمي (1 / 124) :
" كذاب ".
1853 - " الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر، من شربها وقع على أمه وخالته وعمته ".
رواه الطبراني (رقم 11372 و 11498) عن رشدين بن سعد عن أبي صخر عن عبد الكريم
أبي أمية عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رفعه. ورواه في " الأوسط "
(3285) عن ابن لهيعة عن عبد الكريم بن أبي أمية به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الكريم أبو أمية ورشدين بن سعد وابن لهيعة
ثلاثتهم ضعفاء وأعله الهيثمي بالأول منهم فقط، فقال (5 / 67) : " رواه
الطبراني في " الأوسط " و " الكبير " وفيه عبد الكريم أبو أمية وهو ضعيف ".
ثم ذكر له الهيثمي شاهدا (5 / 68) من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا به وزاد
: " ترك الصلاة ووقع ... "، وقال:(4/468)
" رواه الطبراني، وعتاب بن عامر لم
أعرفه وابن لهيعة حديثه حسن وفيه ضعف ".
قلت: فالحديث حسن بمجموع الطريقين. والله أعلم.
1854 - " الخمر أم الخبائث ومن شربها لم يقبل الله منه صلاة أربعين يوما، فإن مات
وهي في بطنه مات ميتة جاهلية ".
رواه الطبراني في " الأوسط " (3810) والواحدي في " الوسيط " (1 / 224)
والقضاعي الجملة الأولى منه (6 / 2) عن الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعيم عن
الوليد بن عبادة قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: فذكره مرفوعا. وكتب
بعض المحدثين على هامش " القضاعي "، وأظنه ابن المحب المقدسي: " حسن ".
وهو كما قال. وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 72) : " رواه
الطبراني في " الأوسط " عن شيخه شباب بن صالح ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات
وفي بعضهم كلام لا يضر ". يشير إلى الحكم بن عبد الرحمن.
1855 - " دعوا الناس فليصب بعضهم من بعض، فإذا استنصح رجل أخاه فلينصح له ".
أخرجه أحمد (4 / 259) عن أبي عوانة عن عطاء بن السائب عن حكيم بن أبي يزيد
عن أبيه عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، حكيم بن أبي يزيد مجهول لم يوثقه غير ابن حبان ولم
يذكروا له راويا غير عطاء. وعطاء بن السائب ثقة ولكنه كان اختلط، وقد
اضطرب في إسناده اضطرابا(4/469)
شديدا. فرواه هكذا. وقال مرة: عن أبيه مرفوعا، لم
يقل: " عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم ". أخرجه ابن أبي شيبة في " مسنده "
(2 / 1 / 2 - نسخة الرباط) والطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 202)
والطبراني في " الكبير " كما في " المجمع " (4 / 83) . ومرة قال: حدثني
أبي. مكان " عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم ". رواه أحمد أيضا كما في "
المجمع " والطبراني إلا أنه قال: عن أبيه عن جده. وقد ذكر الحافظ في ترجمة
أبي يزيد من " الإصابة " هذه الوجوه من الاختلاف وغيرها، ثم قال:
" والاضطراب فيه من عطاء بن السائب، فإنه كان اختلط ".
قلت: فقول السفاريني في " شرح الثلاثيات " (1 / 162) : " رواه الطبراني
بإسناد صحيح "، فهو غير صحيح! نعم الحديث صحيح لغيره، فقد وجدت له شاهدا من
حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوا الناس
يرزق الله بعضهم من بعض.... " إلخ. أخرجه البيهقي (5 / 347) بسند ضعيف عنه
. لكن الجملة الأولى منه صحيحة عنه أخرجها مسلم وغيره من طريق أخرى عن جابر
مرفوعا وهو مخرج في " أحاديث بيوع الموسوعة ". والجملة الأخرى منه لها شاهد
من رواية أبي هريرة في آخر حديثه: " حق المسلم على المسلم ست ... وإذا
استنصحك فانصح له ... ". أخرجه مسلم وغيره وقد مضى تخريجه تحت رقم (1832)
.(4/470)
1856 - " كتبت نبيا وآدم بين الروح والجسد ".
أخرجه أحمد في " المسند " (5 / 59) وفي " السنة " (ص 111) : حدثنا عبد
الرحمن بن مهدي حدثنا منصور بن سعد عن بديل عن عبد الله بن شقيق عن ميسرة
الفجر قال: " قلت: يا رسول الله متى كتبت نبيا؟ قال: وآدم ... ". أخرجه
ابن أبي عاصم في " السنة " (رقم 410 بتحقيقي) وأبو نعيم في " الحلية " (9 /
53) من طريق أخرى عن ابن مهدي به إلا أنه وقع في " الحلية ": " كنت ".
والأرجح رواية أحمد وابن أبي عاصم. وتابعه إبراهيم بن طهمان عن بديل عن
ميسرة بلفظ " الحلية ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 374) وابن
سعد (7 / 60) . وتابعه خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن رجل قال: " قلت
... " الحديث. أخرجه ابن أبي عاصم (411) : حدثنا هدبة بن خالد حدثنا حماد بن
سلمة عن خالد به. وأخرجه ابن سعد (1 / 148 و 7 / 59) : أخبرنا عفان بن مسلم
وعمرو بن عاصم الكلابي قالا: أخبرنا حماد بن سلمة به. إلا أنهما سميا الرجل
" ابن أبي الجدعاء "، والأول أقرب إلى الصواب، فقد قال ابن سعد أيضا:
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية عن خالد الحذاء به مثل رواية هدبة. فاتفق
ابن علية مع حماد بن سلمة في رواية هدبة عنه على عدم تسمية الرجل، فهو المحفوظ
عن خالد الحذاء، ويفسر الرجل المبهم برواية بديل المبينة أنه ميسرة الفجر،
وإسناده صحيح.(4/471)
ثم أخرجه ابن سعد من مرسل مطرف بن عبد الله بن الشخير، وسنده
حسن، ومن مرسل عامر وهو الشعبي، وإسناده ضعيف. وله شاهد موصول من حديث
أبي هريرة مرفوعا نحوه. أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 226) .
وآخر من حديث العرباض بن سارية، مخرج في الكتاب الآخر (2085) .
1857 - " دحية الكلبي يشبه جبرائيل وعروة بن مسعود الثقفي يشبه عيسى بن مريم وعبد
العزى يشبه الدجال ".
رواه ابن سعد (4 / 250) بسند صحيح عن عامر الشعبي قال: شبه رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من أمية فقال: فذكره.
قلت: والحديث صحيح له شواهد موصولة تقدم ذكر بعضها فيما يتعلق بالفقرتين
الأوليين عند الحديث (1111) . وأما الفقرة الأخيرة، فيشهد لها حديث ابن عمر
مرفوعا: " بينما أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم سبط الشعر، بين
رجلين ينطف رأسه ماء أو يهراق رأسه ماء، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا ابن مريم
، ثم ذهبت ألتفت، فإذا رجل أحمر جسيم جعد الرأس، أعور العين كأن عينه عنبة
طافية، قلت: من هذا؟ قالوا: الدجال، أقرب الناس به شبها ابن قطن ". أخرجه
البخاري (2 / 369 و 4 / 358) ومسلم (1 / 108) وأحمد (2 / 22 و 122 و 144
و154) زاد البخاري في رواية: " وابن قطن رجل من بني المصطلق من خزاعة ".
وهي عند أحمد في رواية. لكنه جعله من قول ابن شهاب. وهو رواية للبخاري،
وزاد: " مات في الجاهلية ".(4/472)
وابن قطن هذا اسمه عبد العزى كما نقله الحافظ
عن الدمياطي. ولم يذكر سنده في ذلك من الرواية. وهذا الحديث المرسل شاهد
قوي لذلك.
1858 - " دفن في الطينة التي خلق منها ".
رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 304) والخطيب في " الموضح " (2 /
104) عن عبد الله بن عيسى حدثنا يحيى البكاء عن ابن عمر أن حبشيا دفن
بالمدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، يحيى البكاء وهو ابن مسلم البصري ضعيف. ومثله عبد
الله بن عيسى وهو الخراز البصري، وبه وحده أعله الهيثمي (3 / 42) بعد أن
عزاه للطبراني في " الكبير ". وله شاهد من حديث عبد الله بن جعفر بن نجيح
حدثنا أبي حدثنا أنيس بن أبي يحيى عن أبيه عن أبي سعيد: أن النبي صلى الله
عليه وسلم مر بالمدينة فرأى جماعة يحفرون قبرا، فسأل عنه، فقالوا: حبشيا قدم
فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا إله إلا الله سيق من أرضه وسمائه
إلى التربة التي خلق منها ". أخرجه البزار (رقم - 842 - كشف الأستار) و (ص
- 91 - زوائد ابن حجر) وقال: " لا نعلمه عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد
وأنيس وأبوه صالحان ".
قلت: وعبد الله بن جعفر ضعيف، وأبوه لم أعرفه. وله شاهد آخر من حديث أبي
الدرداء نحوه. قال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه الأحوص بن
حكيم وثقه العجلي وضعفه الجمهور ".(4/473)
قلت: فالحديث عندي حسن بمجموع طرقه. والله أعلم.
1859 - " دخلت الجنة فاستقبلتني جارية شابة، فقلت: لمن أنت؟ قالت: أنا لزيد بن
حارثة ".
رواه ابن عساكر (6 / 399 / 2) من طريقين عن زيد بن الحباب حدثني حسين بن واقد
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم. والحديث عزاه في " الجامع " للروياني
والضياء في " المختارة " عن بريدة.
1860 - " دع داعي اللبن ".
أخرجه الدارمي (2 / 88) وابن حبان (1999) والحاكم (3 / 237) وأحمد
وابنه في " زوائد المسند " (4 / 76 و 322 و 339) والطبراني في " المعجم
الكبير " (8128 - 8131) من طرق عن الأعمش عن يعقوب بن بحير عن ضرار بن
الأزور قال: " بعثني أهلي بلقوح (وفي رواية: بلقحة) إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فأتيته بها، فأمرني أن أحلبها ثم قال: " فذكره. وزاد أحمد في
رواية: " لا تجهدنها ". وهي رواية الحاكم ورواية للطبراني. وخالفهم سفيان
الثوري فقال: عن الأعمش عن عبد الله بن سنان عن ضرار بن الأزور به. أخرجه
أحمد (4 / 311 و 439) والحاكم أيضا (3 / 260) والطبراني (8127) .
قلت: وهو على الوجه الأول ضعيف لأن يعقوب بن بحير قال الذهبي: " لا يعرف،
تفرد عنه الأعمش ".(4/474)
وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (1 / 264) ! وعلى
الوجه الأخر، صحيح لأن عبد الله بن سنان قال ابن معين: ثقة وهو كوفي كما في
" الجرح والتعديل " (2 / 2 / 68) روى عن ابن مسعود وسعد بن مسعود، روى عنه
غير الأعمش أبو حصين. وفي " ثقات ابن حبان " (3 / 143) : " عبد الله بن
سنان: سمعت ابن عباس ... روى عن الحسين بن واقد ". لكن هذا الوجه شاذ. فقد
قال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 245) : " قال أبي: خالف الثوري الخلق في
هذا الحديث، والصحيح الأول ". وذكر نحوه الطبراني.
قلت: فقول الحاكم فيه: " صحيح الإسناد "، مما تساهل فيه. لكن رواه ابن
شاهين - كما في " الإصابة " - من طريق موسى بن عبد الملك بن عمير عن أبيه عن
ضرار بمعناه. وهذه متابعة قوية، فإن عبد الملك بن عمير من رجال الشيخين.
لكن ابنه موسى قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 151) عن أبيه: " ضعيف الحديث ".
وذكره ابن حبان في " الثقات " كما في " اللسان "، فالحديث بمجموع الطريقين
حسن. والله أعلم.
ومعنى الحديث: أبق في الضرع قليلا من اللبن، ولا تستوعبه كله، فإن الذي
تبقيه فيه يدعو ما وراءه من اللبن فينزله، وإذا استقصى كل ما في الضرع أبطأ
دره على حالبه. كذا في " النهاية ".
1861 - " دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين ".
رواه الحاكم (4 / 227) وأحمد (2 / 417) وابن عساكر (6 / 97 / 1) عن أبي
ثفال عن رباح بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعا.(4/475)
قلت: سكت عنه الحاكم والذهبي، وفيه ضعف، رباح بن عبد الرحمن وأبو ثفال،
واسمه ثمامة بن وائل فيهما جهالة، وقال الحافظ في كل منهما: " مقبول ".
وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 18) : " رواه أحمد وفيه أبو ثفال، قال
البخاري: فيه نظر ". ثم ذكر له شاهدا من حديث كبيرة بنت سفيان مرفوعا نحوه.
رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه محمد بن سليمان بن مسمول، وهو ضعيف.
قلت: وهو مختلف فيه، وقد وثقه ابن حبان وابن شاهين، فمثله يستشهد به إن
شاء الله تعالى، فالحديث به حسن، والله أعلم. ويشهد له أيضا ما عند
الطبراني (رقم - 11201) من طريق حمزة النصيبي عن عمرو بن دينار عن ابن عباس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " استوصوا بالمعزى خيرا.... وإن دم
الشاة البيضاء أعظم عند الله من دم السوداوين ". لكن النصيبي هذا قال الحافظ:
" متروك متهم بالوضع ". فلا يستشهد به، وفيما تقدم كفاية.
(عفراء) من العفرة: بياض ليس بالناصع.
1862 - " دونك فانتصري ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (558) وابن ماجة (1 / 610 - 611)(4/476)
وأحمد وابنه (6 / 93) من طريق خالد بن سلمة عن البهي عن عروة بن الزبير
قال: قالت عائشة: " ما علمت حتى دخلت علي زينب بغير إذن، وهي غضبى،
ثم قالت: يا رسول الله أحسبك إذا قلبت لك بنية أبي بكر ذريعتيها؟ ثم أقبلت
علي، فأعرضت عنها، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم (فذكر الحديث) ،
فأقبلت عليها حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فيها ما ترد علي شيئا، فرأيت النبي
صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه ".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وكذا قال البوصيري في " زوائده " (ق
125 / 1) ، وذكر أن النسائي أخرجه في " عشرة النساء " وفي " التفسير " من
هذا الوجه.
(ذريعتيها) قال ابن الأثير: " الزريعة تصغير الذراع، ولحوق الهاء فيها
لكونها مؤنثة، ثم ثنتها مصغرة، وأرادت به ساعديها ".
1863 - " الدجال عينه خضراء كالزجاجة، ونعوذ بالله من عذاب القبر ".
رواه أحمد (5 / 123 و 124) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 247 و 294 -
495) عن شعبة عن حبيب بن الزبير عن عبد الله بن أبي الهذيل عن عبد الرحمن بن
أبزى عن عبد الله بن خباب عن أبي بن كعب مرفوعا به.
قلت: وهذا صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير حبيب بن الزبير وهو ثقة. وهذا
حديث واحد من عشرات الأحاديث الواردة في الدجال، فالاعتقاد به واجب.(4/477)
1864 - " ذيل المرأة شبر. قلت: إذن تخرج قدماها؟ قال: فذراع، لا يزدن عليه ".
أخرجه الدارمي (2 / 279) والبيهقي (2 / 233) وأحمد (6 / 295 و 309)
وأبو يعلى (ق 319 / 1) عن محمد بن إسحاق عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد
عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم به. وهذا إسناد رجاله ثقات لولا
عنعنة ابن إسحاق لكنه قد توبع، فقال مالك في " الموطأ " (3 / 105) : عن أبي
بكر بن نافع عن أبيه نافع مولى ابن عمر به. ومن طريق مالك أخرجه أبو داود (2
/ 184) وابن حبان (1451) . وأبو بكر بن نافع ثقة من رجال مسلم فالإسناد
صحيح على شرطه، وتابعهما أيوب بن موسى، وهو ابن عمرو بن سعيد بن العاص عن
نافع به. أخرجه النسائي (2 / 229 - 300) وأبو يعلى (ق 315 / 1) . وهذا
إسناد صحيح على شرط الشيخين. وخالفهم عبيد الله بن عمر فقال: عن نافع عن
سليمان بن يسار عن أم سلمة به. أخرجه أبو داود (2 / 184) والنسائي (2 /
300) وابن ماجة (2 / 373) وأحمد (6 / 315) وأبو يعلى. ورجح الدارمي
هذا الوجه، فقال عقب الوجه الأول: " الناس يقولون عن نافع عن سليمان بن يسار
"!
قلت: إن صح هذا القول، فلا مناص من تصحيح الوجه الأول أيضا لاتفاق(4/478)
ثلاثة ثقات
عليه كما تقدم، فيكون لنافع فيه إسنادان عن أم سلمة. وخالفهم يحيى بن أبي
كثير فقال: عن نافع عن أم سلمة به. أخرجه النسائي. وهذا شاذ مخالف لرواية
الجماعة. وللحديث طريق أخرى عن أم الحسن عن أم سلمة: " أن النبي صلى الله
عليه وسلم شبر لفاطمة شبرا من نطاقها ". أخرجه الترمذي (3 / 47 - تحفة)
وأبو يعلى (ق 315 / 1) من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أم الحسن.
وقال الترمذي: " ورواه بعضهم عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن عن أمه
عن أم سلمة ".
قلت: وعلي بن زيد هو ابن جدعان، وهو ضعيف. ورواه جمع عن حماد بن سلمة عن
أبي المهزم عن أبي هريرة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة أو لأم
سلمة: ذيلك ذراع ". أخرجه ابن ماجة (2 / 373) وأحمد (2 / 263 و 416) .
وخالفه حبيب المعلم فقال: عن أبي المهزم عن أبي هريرة عن عائشة به. أخرجه
ابن ماجة وأحمد (6 / 75 و 123) . وأبو المهزم متروك. وله شاهد من حديث
ابن عمر: " أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهن في الذيل ذراعا، فكن
يأتينا فنذرع لهن بالقصب ذراعا ".(4/479)
أخرجه أبو داود وابن ماجة وأحمد (2 / 18
) عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عنه. وزيد العمي ضعيف. لكن له طريق
أخرى يرويه أيوب عن نافع عن ابن عمر به نحوه. أخرجه النسائي والبيهقي بسند
صحيح.
1865 - " الذهب والحرير حلال لإناث أمتي، حرام على ذكورها ".
رواه سمويه في " الفوائد " (35 / 1) : حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد حدثنا
سعيد بن أبي عروبة حدثني ثابت عن زيد بن ثابت بن زيد بن أرقم قال: حدثتني عمتي
أنيسة بنت زيد بن أرقم عن أبيها زيد بن أرقم مرفوعا. ومن هذا الوجه أخرجه
الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 245) والطبراني في " الكبير " (5125)
والعقيلي في " الضعفاء " (ص 62) وقال: " وهذا يروى بغير هذا الإسناد
بأسانيد صالحة ".
قلت: ورجاله ثقات غير أنيسة بنت زيد بن أرقم، فلم أعرفها. وثابت بن زيد بن
ثابت، روى العقيلي عن عبد الله بن أحمد قال: " سألت أبي عنه؟ فقال: روى عنه
ابن أبي عروبة، وحدثنا عنه معتمر، له أحاديث مناكير، قلت: تحدث عنه؟ قال
: نعم، قلت: أهو ضعيف؟ قال: أنا أحدث عنه ". وقال ابن حبان: " الغالب
على حديثه الوهم لا يحتج به إذا انفرد ".(4/480)
وبه أعله الهيثمي في " مجمع الزوائد
" (5 / 143) . والحديث صحيح لأن له شواهد يتقوى بها كما أشار إلى ذلك
العقيلي في كلامه السابق، وقد خرجتها في " إرواء الغليل " (277) و " غاية
المرام في تخريج الحلال والحرام " (78) . وهو من حيث دلالته ليس على عمومه
بل قد دخله التخصيص في بعض أجزائه، فالذهب بالنسبة للنساء حلال إلا أواني
الذهب كالفضة، فهن يشتركن مع الرجال في التحريم اتفاقا وكذلك الذهب المحلق
على الراجح عندنا، عملا بالأدلة الخاصة المحرمة، ودعوى أنها منسوخة مما لا
ينهض عليه دليل كما هو مبين في كتابي " آداب الزفاف في السنة المطهرة " ومن
نقل عني خلاف هذا فقد افترى. وكذلك الذهب والحرير محرم على الرجال، إلا
لحاجة لحديث عرفجة بن سعد الذي اتخذ أنفا من ذهب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم
وحديث عبد الرحمن بن عوف الذي اتخذ قميصا من حرير بترخيص النبي صلى الله عليه
وسلم له بذلك.
1866 - " رباط يوم في سبيل الله أفضل من قيام رجل وصيامه في أهله شهرا ".
رواه أحمد أبو حزم بن يعقوب الحنبلي في " الفروسية " (1 / 8 / 1) : حدثني
إبراهيم (يعني ابن عبد الله بن الجنيد الحنبلي) قال حدثنا هشام بن عمار
الدمشقي قال: حدثنا محمد بن شعيب بن شابور قال: حدثني سعيد بن خالد أنه
سمع أنس بن مالك يقول: فذكره مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، سعيد بن خالد وهو ابن أبي الطويل قال الحافظ:
" منكر الحديث ".(4/481)
قلت: وبقية رجاله ثقات على ضعف في هشام بن عمار. وقد خالفه عيسى بن يونس
الرملي فقال: حدثنا محمد بن شعيب بن شابور بلفظ: " حرس ليلة في سبيل الله
أفضل من صيام رجل وقيامه في أهله ألف سنة، السنة ثلاثمائة وستون يوما،
واليوم كألف سنة ". أخرجه ابن ماجة (2 / 176) . ولكنه باللفظ الأول محفوظ
له شواهد، منها عن عبد الله بن عمرو مرفوعا به. أخرجه أحمد (2 / 177) عن
ابن لهيعة: حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عنه. وهذا إسناد لا بأس
به في الشواهد، رجاله ثقات إلا أن ابن لهيعة سيء الحفظ. ومنها عن سلمان
مرفوعا به. أخرجه أحمد (5 / 440) عن محمد بن إسحاق عن جميل بن أبي ميمونة عن
(ابن) أبي زكريا الخزاعي عنه، ثم أخرجه (5 / 441) من طريق ابن ثابت بن
ثوبان حدثني حسان بن عطية عن عبد الله بن أبي زكريا عن رجل من سلمان. وفي
الطريق الأولى عنعنة ابن إسحاق. وجميل بن أبي ميمونة ترجمه ابن أبي حاتم (1
/ 1 / 519) برواية الليث بن سعد أيضا عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
والطريق الأخرى حسنة لولا الرجل الذي لم يسم ولعله شرحبيل بن السمط، فقد
أخرجه مسلم (6 / 51) والطبراني في " الكبير " (6178) من طريقين عنه عن
سلمان به. وأخرجه الطبراني (6064 و 6077 و 6134) من طرق أخرى عن سلمان به.
1867 - " لو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم جاء الداعي لأجبته، إذ جاءه الرسول فقال:
* (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي(4/482)
قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم
) * ورحمة الله على لوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد، إذ قال لقومه: * (لو أن
لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) *، وما بعث الله من بعده من نبي إلا في ثروة
من قومه ".
أخرجه الإمام أحمد (2 / 232) : حدثنا محمد بن بشر حدثنا محمد بن عمرو حدثنا
أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وأخرج الشطر الثاني منه ابن جرير في " تفسيره " (12 / 139) والطحاوي في
" مشكل الآثار " (1 / 136) والحاكم (2 / 561) وقال: " صحيح على شرط مسلم
". وأقره الذهبي، ومحمد بن عمرو إنما أخرج له مسلم متابعة وأخرجه الترمذي
(4 / 129) وتمام (ق 86 / 1 - 2) من طرق أخرى صحيحة عنه بتمامه وحسنه
الترمذي. وخالفهم خالد بن عبد الله في لفظ الحديث، فرواه عن محمد بن عمرو
بتمامه إلا أنه قال: " رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قالها: (اذكرني عند
ربك) ما لبث في السجن ما لبث ". أخرجه ابن حبان (1747) : أخبرنا الفضل ابن
الحباب الجمحي حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا خالد بن عبد الله به. قال الحافظ ابن
كثير في " تاريخه " (1 / 208) : " هذا منكر من هذا الوجه، ومحمد بن عمرو بن
علقمة له أشياء يتفرد بها، وفيها نكارة، وهذه اللفظة من أنكرها، وأشدها.
والذي في " الصحيحين " يشهد بلفظها " أي بإنكارها.(4/483)
قلت: ويحتمل عندي أن تكون النكارة من شيخ ابن حبان: الفضل بن الحباب، فإن
فيه بعض الكلام، فقد ساق له الحافظ بن حجر في " اللسان " حديثا آخر بلفظ:
" من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته ". ورجاله
كلهم ثقات، فاستظهر الحافظ أن الغلط فيه من الفضل، وقال: " لعله حدث به بعد
احتراق كتبه ". وإنما انصرفت عن نسبة النكارة إلى محمد بن عمرو، لأنه قد
رواه عنه محمد بن بشر باللفظ الأول المحفوظ، وابن بشر ثقة حافظ، وكذلك من
تابعه عند الترمذي وغيره. وعن نسبتها إلى خالد بن عبد الله وهو الطحان
الواسطي لأنه ثقة ثبت. وقد رويت هذه اللفظة من طريق أخرى واهية، أخرجه ابن
جرير (12 / 132) فقال: حدثنا ابن وكيع: حدثنا عمرو بن محمد عن إبراهيم بن
يزيد عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " لو لم يقل - يعني
يوسف - الكلمة التي قال، ما لبث في السجن طول ما لبث حيث يبتغي الفرج من عند
غير الله ". قال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " (2 / 479) : " وهذا الحديث
ضعيف جدا، لأن سفيان بن وكيع ضعيف، وإبراهيم بن يزيد - هو الخوزي - أضعف منه
". ورواها ابن جرير أيضا بسند صحيح عن الحسن وهو البصري مرسلا نحوه. وكذلك
رواه أحمد في " الزهد " (ص 80) ، وفي لفظ له: " يرحم الله يوسف لو أنا
جاءني الرسول بعد طول السجن لأسرعت الإجابة ".(4/484)
وسنده صحيح أيضا مرسلا.
والحديث أخرجه البخاري (4 / 119 - استانبول) ومسلم (1 / 92 و 7 / 98)
وابن ماجة (2 / 490 - 491) وأحمد (2 / 326) وابن جرير من طريق أبي سلمة
ابن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة به نحوه وزادا في أوله:
" نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: * (رب أرني كيف تحيي الموتى، قال: أو لم
تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي) * ". وروى مسلم من طريق الأعرج عن أبي
هريرة بلفظ: " يغفر الله للوط، إنه آوى إلى ركن شديد ". وأخرجه أحمد (2 /
350) من طريق أخرى عن أبي هريرة به إلا أنه قال: " يرحم الله ... ".
وأخرجه ابن جرير (12 / 139) من طريق ابن إسحاق عن رجل عن أبي الزناد بلفظ:
" يرحم الله يوسف إن كان ذا أناة، لو كنت أنا المحبوس ثم أرسل إلي لخرجت سريعا
، إن كان لحليما ذا أناة ". وهذا إسناد ظاهر الضعف. وقد جاء الحديث من
رواية ابن عباس نحوه، وسيأتي برقم (1945) .
1868 - " رمضان تفتح فيه أبواب السماء (وفي رواية: الجنة) ، وتغلق فيه أبواب
النيران، ويصفد فيه كل شيطان مريد، وينادي مناد (وفي رواية: ملك)
كل ليلة: يا طالب الخير هلم، ويا طالب الشر أمسك ".(4/485)
أخرجه النسائي (1 / 300) وأحمد (4 / 311 - 312 و 5 / 411) من طرق عن عطاء
ابن السائب عن عرفجة قال: " كنت في بيت فيه عتبة بن فرقد، فأردت أن أحدث
بحديث، وكان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كأنه أولى بالحديث
مني، فحدث الرجل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في رمضان " فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، فإن عطاء بن السائب وإن كان قد اختلط فإن من رواته عن
شعبة، وهو قد روى عنه قبل الاختلاط، ومثله سفيان الثوري، وقد رواه عنه
أيضا عند النسائي، لكن جعله من مسند عتبة بن فرقد، وقال النسائي: إنه خطأ.
وعرفجة هو ابن عبد الله الثقفي، وقد روى عنه منصور بن المعتمر أيضا وغيره،
وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال العجلي: " كوفي تابعي ثقة ". والحديث
أورده السيوطي من رواية أحمد والبيهقي في " الشعب " بلفظ: " رمضان شهر مبارك
، تفتح فيه.... ". فالظاهر أن هذا لفظ البيهقي، فإن من ذكرنا ليس عندهما "
شهر مبارك ". وقد رويت هذه الزيادة من طريق أخرى عن أحمد (2 / 425)
والنسائي وغيرهما من طريق أبي قلابة عن أبي هريرة مرفوعا، ورجاله ثقات،
لكنه منقطع كما بينه الحافظ المنذري (2 / 69) . وله عنده (2 / 67) شاهد من
حديث سلمان رضي الله عنه. رواه ابن خزيمة بسند ضعيف، وآخر (2 / 69) من
حديث عبادة بن الصامت، رواه الطبراني بسند فيه من لا يعرف.
1869 - " الرؤيا الصالحة جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة ".(4/486)
أخرجه الخطيب في " التاريخ " (5 / 189) من طريقين عن حمزة بن محمد بن العباس
حدثنا أحمد بن الوليد حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن
نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير أحمد بن الوليد وهو ابن أبي
الوليد أبو بكر الفحام وحمزة بن محمد بن العباس وكلاهما ثقة، كما صرح بذلك
الخطيب في ترجمتهما (5 / 188 و 8 / 183) . والحديث عزاه السيوطي لابن النجار
فقط! واعلم أنه لا منافاة بين قوله في هذا الحديث: إن الرؤيا الصالحة جزء من
خمسة وعشرين، وفي الحديث التالي: " جزء من ستة وأربعين "، وفي حديث ابن
عمر: " جزء من سبعين " رواه مسلم (7 / 54) وغيره، فإن هذا الاختلاف راجع
إلى الرائي فكلما كان صالحا كانت النسبة أعلى، وقيل غير ذلك، فراجع " شرح
مسلم " للإمام النووي.
1870 - " الرؤيا ثلاث، منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم ومنها ما يهم به
الرجل في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 348) وابن ماجة (2 / 450) وابن
أبي شيبة في " المصنف " (12 / 193 / 2) والطحاوي في " مشكل الآثار " (3 /
46 - 47) وابن حبان (1794) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " - الثاني من
السادس منها - (ق 182 / 2) وابن عبد البر في " التمهيد " (1 / 286) وابن
عساكر في " التاريخ " (16 / 243 / 1 و 18 / 173 / 2) والضياء المقدسي في "
موافقات هشام بن عمار " (40 / 1 - 2) من طريقين عن يحيى بن حمزة عن يزيد بن
عبيدة قال: حدثنا أبو عبيد - هو(4/487)
مسلم بن مشكم - عن عوف بن مالك عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وكذا قال البوصيري في " الزوائد " (ق
236 / 1) . وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه. وقد مضى (1341) .
1871 - " الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا
استطالة الرجل في عرض أخيه ".
رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 143 / 1) عن معاوية بن هشام حدثنا عمر بن
راشد عن يحيى بن أبي كثير عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن البراء بن
عازب مرفوعا. وقال: " لا يروى عن البراء إلا بهذا الإسناد ".
قلت: وهو ضعيف، عمر بن راشد قال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ".
ومعاوية بن هشام صدوق له أوهام، وقد خالفه الفريابي، فرواه عن عمر بن راشد
عن يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن البراء به. هكذا أورده ابن أبي
حاتم في " العلل " (1 / 381) وقال: " قال أبي: هو مرسل، لم يدرك يحيى بن
إسحاق البراء، ولا أدرك والده البراء ".
قلت: وقوله: " يحيى بن إسحاق " يحتمل أن يكون محرفا عن " يحيى عن إسحاق " إن
كان معاوية بن هشام حفظه. والله أعلم.(4/488)
وخالفه عكرمة بن عمار فقال: عن يحيى
ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به نحوه، دون الشطر الثاني.
أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (206) عن عبد الله بن زياد اليمامي: حدثني
عكرمة بن عمار. وقال: " عبد الله بن زياد قال البخاري: منكر الحديث ".
قلت: لكنه لم يتفرد به، فقال العقيلي: " رواه عفيف بن سالم عن عكرمة هكذا "
. قلت: وعفيف صدوق كما في " التقريب "، ولعل البيهقي رواه من طريقه، فقد
قال المنذري في " الترغيب " (3 / 50) : " رواه البيهقي بإسناد لا بأس به، ثم
قال: غريب بهذا الإسناد، وإنما يعرف بعبد الله بن زياد عن عكرمة يعني ابن
عمار. قال: وعبد الله بن زياد هذا منكر الحديث ". ثم وجدت له متابعا آخر،
فرواه ابن الجارود في " المنتقى " (647) من طريق النضر بن محمد قال: حدثنا
عكرمة بن عمار به. والنضر بن محمد وهو أبو محمد الجرشي اليمامي ثقة من رجال
الشيخين، فزالت بهذه المتابعة الغرابة وتفرد عبد الله بن زياد، وبقية رجاله
ثقات رجال مسلم، غير أنهم تكلموا في رواية عكرمة هذا عن يحيى بن أبي كثير،
وقالوا: إنه مضطرب الحديث عنه. والجملة الأخيرة من الحديث لها شاهد من حديث
سعيد بن زيد بلفظ: " أربى الربا شتم الأعراض ". وقد مضى الكلام عليه برقم
(1433) . ثم وجدت للحديث شاهدا آخر عن ابن عباس مرفوعا بلفظ:(4/489)
" الربا نيف
وسبعون بابا، أهون باب من الربا مثل من أتى أمه في الإسلام، ودرهم ربا أشد
من خمس وثلاثين زنية، وأشد الربا، أو أربى الربا، أو أخبث الربا، انتهاك
عرض المسلم، أو انتهاك حرمته ". أورده ابن أبي حاتم (1 / 391 / 1170) من
طريق محمد بن رافع النيسابوري عن إبراهيم بن عمر الصنعاني عن النعمان بن الزبير
عن طاووس عنه. وقال: " سئل أبو زرعة عنه فقال: هذا حديث منكر ".
قلت: ورجاله كلهم ثقات معروفون غير إبراهيم بن عمر الصنعاني وهو أبو إسحاق
الصنعاني، قال الحافظ: " مستور ". وللحديث شاهد ثان من حديث ابن مسعود مخرج
في " الترغيب " (3 / 50) . وجملة القول أن الحديث بمجموع طرقه صحيح ثابت.
ثم وجدت له شاهدا ثالثا عن وهب بن الأسود خال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لي: ألا أنبئك بشيء من الربا
؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: " الربا سبعون بابا، أدنى فجرة منها كاضطجاع
الرجل مع أمه ". أخرجه ابن منده في " المعرفة " (2 / 207 / 1) من طريق محمد
ابن أبي عتاب الأعين حدثني عمرو بن أبي سلمة عن الهيثم بن حميد عن أبي معبد حفص
ابن غيلان عن زيد بن أسلم عنه.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، فهو ظاهر الصحة، لكني وجدت الحافظ في "
الإصابة " (1 / 45) قد ذكره من رواية ابن منده من طريق محمد بن العباس بن خلف
عن عمرو بن أبي سلمة عن صدقة السمين عن أبي معبد به، إلا أنه قال: عن زيد بن(4/490)
أسلم حدثني وهب بن الأسود بن وهب عن أبيه الأسود بن وهب خال رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فجعل صدقة السمين - وهو ضعيف - مكان الهيثم بن حميد، وهو ثقة!
وأدخل بين زيد بن أسلم ووهب بن الأسود ابنه، وقلبه، فقال: وهب بن الأسود
ابن وهب عن أبيه الأسود ابن وهب! ورواه ابن قانع في " معجمه "، قال الحافظ:
" من طريق أبي بكر الأعين عن عمرو بن أبي سلمة، فقال: عن وهب بن الأسود خال
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: عن أبيه، وأدخل بين صدقة وزيد
الحكم الأيلي، والحكم وصدقة ضعيفان ".
قلت: فتبين أن هذا الإسناد ضعيف مضطرب، ولكن ذلك لا يمنع من الاستشهاد به.
والله أعلم.
1872 - " الرعد ملك من الملائكة موكل بالسحاب، (بيديه أو في يده مخراق من نار يزجر
به السحاب) والصوت الذي يسمع منه زجره السحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث
أمره ".
أخرجه الترمذي (4 / 129) وأحمد (1 / 274) وأبو إسحاق الحربي في " غريب
الحديث " (5 / 123 / 1 - 2) والطبراني في " المعجم الكبير " (رقم 12429)
وابن بشران في " الآمالي " (24 / 27 / 2) والضياء المقدسي في " الأحاديث
المختارة " (ق 206 - 207) عن عبد الله بن الوليد العجلي عن بكير بن شهاب
( {الكوفي} وليس بالدامغاني) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أقبلت
يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم! نسألك عن أشياء إن
أجبتنا فيها اتبعناك وصدقناك وآمنا بك. قال: فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على
نفسه، قالوا: (الله على ما نقول وكيل) . قالوا: أخبرنا عن علامة النبي
. قال: " تنام عيناه ولا ينام قلبه ". قالوا: فأخبرنا كيف تؤنث المرأة
وكيف تذكر؟ قال:(4/491)
" يلتقي الماءان، فإن علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت وإن
علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت ". قالوا: صدقت، فأخبرنا عن الرعد ما هو؟
قال: فذكره. وما بين المعكوفتين زيادة عند الضياء في رواية له، وكذلك رواه
ابن منده في " التوحيد " (ق 21 - 22) وقال: " هذا إسناد متصل ورواته
مشاهير ثقات أخرجه النسائي ".
قلت: يعني في " سننه الكبرى " كما صرح الحافظ المزي في " التحفة " (4 / 394)
. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب ". وقال أبو نعيم: " غريب من حديث
سعيد، تفرد به بكير ".
قلت: وهو صدوق كما قال الذهبي في " الميزان " ولعل مستنده في ذلك قول أبي
حاتم فيه: " شيخ ". مع ذكر ابن حبان له في " الثقات "، وتصحيح من صحح حديثه
هذا ممن ذكرنا. وأما الحافظ فقال في " التقريب ": " مقبول ". يعني عند
المتابعة، ولم يتابع عليه كما صرح بذلك أبو نعيم في قوله السابق، فالحديث من
رأي الحافظ لين والأرجح أنه صحيح كما ذهب إليه الجماعة، لاسيما وقد ذكر له
الحافظ شاهدا في " تخريج الكشاف " (ص 91) من رواية الطبراني في " الأوسط " عن
أبي عمران الكوفي عن ابن جريج عن عطاء عن جابر أن خزيمة بن ثابت - وليس
بالأنصاري - سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرعد؟ فقال: " هو ملك بيده
مخراق، إذا رفع برق، وإذا زجر رعدت، وإذا ضرب صعقت ".(4/492)
قلت: ولم يتكلم عليه الحافظ بشيء، وأبو عمران الكوفي لم أعرفه وفي الرواة
المعروفين بهذه الكنية إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي الفقيه، ولكنه متقدم
على هذا، والله أعلم. وقد روى الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 85) من
طريق شهر بن حوشب عن ابن عباس قال: " الرعد ملك يسوق السحاب كما يسوق الحادي
الإبل بحدائه ". وشهر ضعيف لسوء حفظه. وجملة القول أن الحديث عندي حسن على
أقل الدرجات. وفي الباب آثار أخرى كثيرة، أوردها السيوطي في " الدر المنثور
"، فليراجعها من شاء.
1873 - " لا تصحب الملائكة ركبا معهم جلجل ".
أخرجه النسائي (2 / 291) وأحمد (2 / 27) من طرق عن نافع بن عمر الجمحي عن
أبي بكر بن موسى قال: كنت مع سالم بن عبد الله بن عمر، فمرت رفقة لأم البنين
فيها أجراس، فحدث سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(فذكره) ، فكم ترى في هؤلاء من جلجل؟ ! ".
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي بكر بن موسى واسمه بكير بن موسى وهو
أبو بكر بن أبي شيخ، وهو في عداد المجهولين، لم يرو عنه غير نافع بن عمر هذا
ولم يوثقه أحد. وله طريق أخرى يرويه عاصم بن عمر عن عبد الله بن دينار عن
ابن عمر به نحوه.(4/493)
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (8095) . وعاصم هذا ضعيف.
والحديث ذكره السيوطي بلفظ: " الركب الذي معهم الجلجل لا تصحبهم الملائكة ".
وقال: " رواه الحاكم في " الكنى " عن ابن عمر ". وللحديث شاهد من حديث أبي
هريرة مرفوعا نحوه. أخرجه مسلم (6 / 163) وأبو داود (2555) وأحمد (2 /
263 و 311 و 327 و 343 و 392 و 444 و 476 و 537) والدارمي (2 / 289)
وأصحاب السنن من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه. وأحمد (2 / 385 و 414
) من طريق قتادة عن زرارة بن أوفى عنه.
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وشاهد آخر من حديث أم حبيبة مرفوعا.
أخرجه أبو داود (2554) والدارمي وأحمد (6 / 326 و 327 و 426 و 427) وابن
حبان (1491 و 1492) والطبراني في " الأوسط " (7185) . (الجلجل) : الجرس
الصغير الذي يعلق في أعناق الدواب وغيرها.
1874 - " الريح تبعث عذابا لقوم، ورحمة لآخرين ".
الديلمي (2 / 179) من طريق الحاكم عن الحسن بن الحسين بن منصور حدثنا حامد بن
أبي حامد المقريء حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عامر بن واثلة عن عمر بن
الخطاب مرفوعا.
قلت: ابن منصور هذا لم أعرفه.(4/494)
وحامد بن أبي حامد المقريء لم أعرفه أيضا إلا
أنه يحتمل أنه حامد بن يحيى بن هانىء البلخي أبو عبد الله نزيل طرسوس، من شيوخ
أبي داود في " سننه "، فقد ذكروا في ترجمته أنه روى عن سفيان بن عيينة، فإن
كان هو هذا، فثقة. ويشهد للحديث حديث أبي هريرة مرفوعا: " الريح من روح
الله تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب ... " الحديث. وهو مخرج في " المشكاة "
(1516) وغيره.
1875 - " الزبيب والتمر هو الخمر (يعني إذا انتبذا جميعا) ".
أخرجه النسائي (2 / 323) من طريق الأعمش عن محارب بن دثار عن جابر عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال الحافظ في " الفتح " ونقله المناوي عنه
ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم، لكن أشار النسائي إلى أن الأعمش قد خولف في رفعه
ولفظه، فأخرجه من طريق شعبة عن محارب به موقوفا بلفظ: " البسر والتمر خمر "
. وتابعه سفيان عن محارب به. فلعل محاربا كان يرويه تارة بذاك اللفظ ويرفعه
وتارة بهذا ويوقفه، والله أعلم. ويؤيده أن قيس بن الربيع رواه عن محارب
ابن دثار مرفوعا بلفظ شعبة. أخرجه الطبراني في " الكبير " (1761) . وفي
معناه أحاديث أخرى تشهد له. والحديث أخرجه الحاكم أيضا (4 / 141) من الطريق
الأولى وزاد:(4/495)
" يعني إذا انتبذا جميعا ". وقال: " صحيح على شرط الشيخين "
. ووافقه الذهبي.
1876 - " هون عليك، فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ".
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 23) : أخبرنا يزيد بن هارون وعبد الله
ابن نمير قالا: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم: " أن
رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بين يديه، فأخذه من الرعدة أفكل
، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل. وقد وصله جعفر بن عون حدثنا إسماعيل بن أبي
خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود قال: فذكره. أخرجه ابن ماجة (3312)
ومحمد بن مخلد العطار في " المنتقى من حديثه " (2 / 15 / 2) والحاكم (3 /
47 - 48) عن إسماعيل بن أسد عنه وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه
الذهبي.
قلت: إسماعيل بن أسد لم يخرج له الشيخان، وهو ثقة. لكن المرسل أصح.
وخالفهم عباد بن العوام فقال: عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم
عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: فذكره، وزاد في آخره: " في هذه
البطحاء، قال: ثم تلا جرير بن عبد الله البجلي: * (وما أنت عليهم بجبار،
فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) * ".(4/496)
أخرجه الحاكم (2 / 466) وقال: صحيح على
شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
قلت: ورجاله ثقات كلهم حفاظ غير محمد بن عبد الرحمن القرشي الهروي راويه عن
سعيد بن منصور، قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 326 - 327) : " كتبت عنه وهو
صدوق، روى عنه علي بن الحسن بن الجنيد، حافظ حديث مالك والزهري ".
قلت: وهو الذي روى عنه هذا الحديث. والحديث أورده الهيثمي في " مجمع
الزوائد " (9 / 20) من حديث جرير وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط "
وفيه من لم أعرفهم ".
قلت: فالظاهر أنه عنده من غير طريق الحاكم المعروفة رجالها. ثم تأكدت مما
استظهرته حين تيسر لي الرجوع إلى " أوسط الطبراني "، فرأيته فيه (1270 -
بترقيمي) من طريق محمد بن كعب الحمصي قال: أخبرنا شقران قال: أخبرنا عيسى
ابن يونس عن إسماعيل بن أبي خالد به مثل رواية الحاكم دون الزيادة. وقال
الطبراني: " لم يروه عن إسماعيل إلا عيسى، تفرد به شقران ". كذا قال:
ورواية الحاكم ترده، وشقران لم أعرفه، وكذا محمد بن كعب الحمصي. وعلى كل
حال، فهذه المتابعة لعباد بن العوام لا بأس بها. والله أعلم.
(القديد) : اللحم المملوح المجفف في الشمس.
(أفكل) : أي رعدة، وهي تكون من البرد والخوف، ولا يبنى منه فعل كما في
" النهاية ". فالرعدة التي قبلها كأنها بمعنى الخوف. والله أعلم.(4/497)
1877 - " الزبير ابن عمتي وحواري من أمتي ".
أخرجه أحمد (3 / 314) : حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن محمد بن
المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. لكن خالفه حماد بن زيد فقال أحمد
(4 / 4) : حدثنا يونس قال: حدثنا حماد - يعني ابن زيد - عن هشام بن عروة عن
أبيه عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لكل نبي حواري
وحواري الزبير وابن عمتي ". وخالفه سليمان بن حرب فقال: حدثنا حماد بن زيد
به إلا أنه مرسل ليس فيه ابن الزبير. أخرجه أحمد. وتابعه يحيى ووكيع عن
هشام بن عروة مرسلا. أخرجه أحمد أيضا: وخالفهم جميعا يونس بن بكير حدثنا
هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير بن العوام مرفوعا بلفظ: " إن لكل نبي حواري،
وإن حواري الزبير ". أخرجه الحاكم (3 / 362) وقال: " صحيح على شرط
الشيخين ". ووافقه الذهبي.
قلت: وفيه نظر، فإن يونس بن بكير لم يحتج به البخاري وإنما أخرج له تعليقا
وفي " التقريب ": " يخطىء ".(4/498)
ولذلك فروايته هذه شاذة إن لم نقل منكرة
لمخالفته الثقات. والراجح من الوجوه المتقدمة - فيما يبدو لنا - إنما هو
الوجه الأول لأن هشام بن عروة ثقة، وقد تابعه عند البخاري في " المناقب " عبد
العزيز بن أبي سلمة. وفي " الجهاد " و " المغازي " سفيان الثوري كلاهما عن
محمد بن المنكدر به. وأخرجه أحمد أيضا عنهما (3 / 338 و 365) .
وتابعهما عند أحمد (3 / 307) سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر به. وتابعه
عنده (3 / 314) وهب بن كيسان قال: أشهد على جابر بن عبد الله لحدثني. فذكره
مرفوعا به. وفي كل هذه الطرق ليس فيها " ابن عمتي " إلا في الطريق الأولى
والثانية، فهي صحيحة أيضا. وتابعه عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بلفظ
الطريق الثانية دون: " ابن عمتي ". أخرجه الطبراني (227) . ثم أخرج له (
228 و 243) شاهدا من حديث علي مثله.
1878 - " سباب المؤمن كالمشرف على هلكة ".
أخرجه البزار (ص 246) عن يحيى بن سليمان حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال:
سمعت الأعمش والعلاء بن المسيب يحدثنان عن خيثمة بن عبد الرحمن عن عبد الله
ابن عمرو رفعه.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال البخاري إلا أنهم تكلموا في حفظ ابن
سليمان، قال الذهبي: " وعنه البخاري وجماعة، وثقه بعض الحفاظ، وقال أبو
حاتم: شيخ، وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن حبان: ربما أغرب ".(4/499)
وقال
الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". والحديث أورده في " الترغيب " (3 /
285) وقال: " رواه البزار بإسناد جيد ". وقال الهيثمي (8 / 73) : " رواه
البزار، ورجاله ثقات ".
قلت: ولفظه عندهما كما نقلته عن (زوائد البزار لابن حجر) : " سباب " ولكن
السيوطي أورده من رواية البزار أيضا في " الجامعين " بلفظ: " ساب ". وبهذا
اللفظ أيضا أورده في " الصغير "، لكنه قال: " الموتى " بدل " المؤمن ".
وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " عن ابن عمرو ". والله أعلم بحال
إسناده، فإن الهيثمي لم يورده في " مجمعه "، ولا عزاه إلا البزار باللفظ
الأول.
1879 - " سألت الله عز وجل الشفاعة لأمتي. فقال لي: لك سبعون ألفا يدخلون الجنة
بغير حساب. فقلت: يا الله زدني، فقال: فإن لك هكذا، فحثا بين يديه وعن
يمينه وعن شماله ".
رواه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (12 / 166 / 2) : حدثنا عاصم حدثنا ابن
أبي ذئب عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد جيد على شرط البخاري، وعاصم هو ابن علي بن عاصم الواسطي،
وفيه كلام لا يضر، قال الحافظ:(4/500)
" صدوق ربما وهم ". وتابعه إسحاق بن عبد
الله بن أبي فروة عن سعيد بن أبي سعيد به إلا أنه قال: " فحثى بين يديه وعن
يمينه وعن شماله ". أخرجه الآجري في " الشريعة " (ص 343) . لكن ابن أبي
فروة هذا متروك. وللحديث شاهد من حديث أبي أمامة مرفوعا نحوه مخرج في "
المشكاة " (5556) .
1880 - " سألت جبريل صلى الله عليه وسلم: أى الأجلين قضى موسى عليه السلام؟ قال:
أكملهما وأتمهما ".
رواه أبو يعلى (2 / 634) وابن جرير (20 / 44) والحاكم (2 / 407) وابن
عساكر (17 / 158 / 1) عن إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب عن الحكم بن أبان عن
عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال
الحاكم: " صحيح ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: إبراهيم لا يعرف ".
قلت: وسقط هذا الرجل من إسناد أبي يعلى وروايته، فجرى على ظاهره الهيثمي
فقال في " مجمعه " (7 / 87) : " رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير الحكم
ابن أبان وهو ثقة، ورواه البزار ".
قلت: وهو عندهم جميعا من طريق سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن يحيى إلا(4/501)
البزار
فقد قال: إبراهيم بن أعين، وإسناده هكذا (ص 218 - زوائده) : حدثنا أحمد
ابن أبان القرشي حدثنا سفيان حدثنا إبراهيم بن أعين عن الحكم بن أبان ...
وأحمد بن أبان هذا لم أجد من ترجمه، فروايته منكرة لمخالفته الثقات. على أن
إبراهيم بن أعين ضعيف أيضا. وقد تابعه حفص بن عمر العدني حدثنا الحكم بن أبان
به. أخرجه الحاكم، ورده الذهبي بقوله: " قلت: حفص واه ". لكن الحديث رواه
البزار من حديث أبي ذر أيضا وعتبة بن الندر، وابن جرير من مرسل محمد بن كعب
القرظي ومجاهد. فهذه طرق متعاضدة كما قال ابن كثير في " تفسيره " (6 / 335
) ، فالحديث بها قوي، وقد رواه ابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس موقوفا، فهو
مما يقوي المرفوع لأنه في حكمه. والله أعلم.
1881 - " سألت ربي اللاهين، فأعطانيهم. قلت: وما اللاهون؟ قال: ذراري البشر ".
رواه المخلص (9 / 23 - 24) عن أحمد بن يوسف التغلبي قال: حدثنا صفوان بن
صالح حدثنا الوليد حدثنا عبد الرحمن بن حسان الكتاني حدثنا محمد بن المنكدر عن
أنس مرفوعا. ومن طريق المخلص رواه الضياء في " المختارة " (224 / 1) .
قلت: وهذا إسناد ضعيف، ورجاله ثقات لكن الوليد وهو ابن مسلم وصفوان كانا
يدلسان تدليس التسوية، ويأتي قريبا أن بين ابن المنكدر وأنس ضعيفا، فكأنه
أسقطه أحدهما.(4/502)
وتابعه ابن سمعان عن ابن المنكدر عند تمام في " فوائده " (163
/ 1 مجموع 27) وابن بشران في " الأمالي " (28 / 121 / 2) وابن لال في
" حديثه " (117 / 1) . وتابعه عبد الله بن زياد المدني عند أبي سعيد بن
الأعرابي في " معجمه " (79 / 1) : أخبرنا عبد الحميد الحماني عنه به. لكن
بين ابن المنكدر وأنس يزيد الرقاشي كما رواه البغوي في " حديث علي بن الجعد "
(12 / 171 / 1) وأبو يعلى (3 / 1014) : حدثني صالح (يعني ابن مالك)
حدثنا عبد العزيز (يعني ابن عبد الله) عن محمد بن المنكدر حدثنا يزيد الرقاشي
عن أنس به. تابعه عند أبي يعلى حجين بن المثنى أخبرنا عبد العزيز يعني
الماجشون به. وأخرجه ابن عساكر (18 / 112 / 2) .
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير الرقاشي فهو ضعيف. ورواه أبو يعلى في
" مسنده " (3 / 901) وابن عدي (233 / 2) عن عبد الرحمن بن المتوكل أخبرنا
فضيل بن سليمان حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن أنس مرفوعا وقال: "
وهذا لا يرويه إلا فضيل بن سليمان بهذا الإسناد عن عبد الرحمن بن إسحاق ".
قلت: وهو صدوق له خطأ كثير كما في " التقريب " وأخرج له مسلم في " صحيحه ".
وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7 / 219) : " رواه أبو يعلى من طرق،
ورجال أحدها رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن المتوكل وهو ثقة ".
قلت: ولم أره في شيء من المصادر التي تحت يدي ويغلب على الظن أنه في(4/503)
" ثقات
ابن حبان "، والنسخة الموجودة منه في " الظاهرية " لا يوجد منها إلا مجلد
التابعين وأتباعهم. وقد خالفه عمرو بن مالك البصري فقال: أخبرنا الفضيل بن
سليمان أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق القرشي عن محمد بن المنكدر عن أنس به.
أخرجه أبو يعلى (3 / 918) . وعمرو هذا وهو الراسبي ضعيف كما في " التقريب "
. وجملة القول أن الحديث حسن عندي بمجموع طرقه. والله أعلم. والمراد بـ (
اللاهين) الأطفال كما في حديث لابن عباس عند الطبراني (11906) بسند حسن.
فالحديث من الأدلة على أن أطفال الكفار في الجنة، وهذا هو الراجح كما ذكرنا
في " ظلال الجنة " (1 / 95) فراجعه.
1882 - " سبقكن يتامى بدر، ولكن سأدلكن على ما هو خير لكن من ذلك، تكبرن الله على
إثر كل صلاة ثلاثا وثلاثين تكبيرة وثلاثا وثلاثين تسبيحة وثلاثا وثلاثين
تحميدة ولا إله إلا الله وحده لا شريك (له) ، له الملك وله الحمد وهو على
كل شيء قدير ".
أخرجه أبو داود (رقم - 2987 و 5066 - حمص) من طريق الفضل بن الحسن الضمري
أن أم الحكم أو ضباعة ابنتي الزبير بن عبد المطلب حدثته عن إحداهما أنها
قالت: " أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيا، فذهبت أنا وأختي وفاطمة
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكونا إليه ما نحن فيه وسألناه أن يأمر
لنا بشيء من السبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات غير الفضل بن الحسن الضمري، فقد وثقه ابن
حبان وحده (1 / 214) لكن روى عنه جماعة من الثقات مع تابعيته، فالنفس تطمئن
للاحتجاج بحديثه.(4/504)
1883 - " ست من أشراط الساعة: موتى وفتح بيت المقدس وموت يأخذ في الناس كقعاص الغنم
وفتنة يدخل حرها بيت كل مسلم وأن يعطى الرجل ألف دينار فيتسخطها وأن تغدر
الروم فيسيرون في ثمانين بندا تحت كل بند اثنا عشر ألفا ".
أخرجه أحمد (5 / 228) وعنه الضياء المقدسي في " فضائل الشام " (2 / 44 / 2
) عن النهاس بن قهم حدثني شداد أبو عمار عن معاذ بن جبل مرفوعا.
قلت: وهذا ضعيف منقطع أبو عمار لم يسمع من معاذ، فقد ذكروا أنه لم يسمع من
عوف بن مالك وقد توفي سنة (73) ، أما معاذ فقديم الوفاة، فإنه مات سنة (18
) . والنهاس بن قهم ضعيف. لكن للحديث شاهد من حديث عوف بن مالك مرفوعا نحوه.
أخرجه البخاري والضياء عن أبي إدريس الخولاني عنه. والحاكم (3 / 546) من
طريق أخرى عنه. وهو مخرج في " فضائل الشام للربعي " رقم (23) وغيره. ثم
وجدت له طريقا ثالثا عند الحاكم (4 / 422 - 423) وصححه على شرطهما، ووافقه
الذهبي.
1884 - " ستفتح عليكم الدنيا حتى تنجد الكعبة. قلنا: ونحن على ديننا اليوم، قال:
وأنتم على دينكم اليوم، قلنا: فنحن يومئذ خير أم اليوم؟ قال: بل أنتم
اليوم خير ".
أخرجه البزار (ص 330 - زوائده) : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا أبو
أحمد عن عبد الجبار بن العباس عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه: قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال:(4/505)
" خبر غريب صحيح ".
قلت: وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير عبد الجبار بن العباس وهو
صدوق يتشيع كما في " التقريب ".
1885 - " ستكون معادن يحضرها شرار الناس ".
أخرجه أحمد (5 / 430) عن رجل من بني سليم عن جده " أنه أتى النبي صلى
الله عليه وسلم بفضة فقال: هذه من معدن لنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم
... " فذكره.
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير الرجل، فإنه لم يسم. وللحديث شاهد
يرويه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1520) : حدثنا عمرو بن الضحاك أنبأنا أبي
أنبأنا عبد الحميد بن جعفر قال: سمعت أبا الجهم القواس يحدث أبي - وكان رجلا
فارسيا يقال (كذا، ولعله ثقيل) اللسان وكان من أصحاب أبي هريرة قال: سمعت
أبا هريرة يقول: " يظهر معدن في أرض بني سليم يقال له: فرعون أو فرعان -
وذلك بلسان أبي الجهم - قريب من السوا (!) يخرج إليه شرار الناس، أو يحشر
إليه شرار الناس ".
قلت: ورجاله ثقات معروفون غير أبي الجهم القواس كذا الأصل بالإهمال ولعله (
القواس) نسبة إلى عمله القسي أو بيعها، ولم أعرفه وفي طبقته سليمان بن
الجهم بن أبي الجهم الأنصاري الحارثي أبو الجهم الجوزجاني مولى البراء بن عازب
، روى عنه وعن أبي مسعود البدري وعن أبي زيد صاحب أبي هريرة وهو ثقة، فلعله
هو. ويشكل عليه أنهم لم يذكروا له رواية عن أبي هريرة وإنما عن أبي زيد صاحب
أبي هريرة كما رأيت مع أن في هذا الإسناد أنه هو نفسه كان من أصحاب أبي هريرة.
فالله أعلم.(4/506)
والحديث قال الهيثمي (3 / 78) : " رواه أبو يعلى، ورجاله
ثقات ". وللحديث شاهد آخر من حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات وهو مخرج في "
الروض النضير " (506) . وجملة القول أن الحديث صحيح بشاهديه المذكورين.
(المعادن) المواضع التي تستخرج منها جواهر الأرض، كالذهب والفضة والنحاس
وغير ذلك، وأحدها: معدن. كذا في النهاية.
قلت: ومما لا شك فيه أن شرار الناس إنما هم الكفار، فهو يشير إلى ما ابتلي
به المسلمون اليوم من جلبهم للأوربيين والأمريكان إلى بلادهم العربية لاستخراج
معادنها وخيراتها. والله المستعان.
1886 - " سيخرج قوم من أمتي يشربون القرآن كشربهم الماء ".
رواه الفريابي في " فضائل القرآن " (187 / 2) : حدثني ميمون بن الأصبغ حدثنا
ابن أبي مريم أخبرنا نافع بن يزيد أخبرني بكر بن عمرو أنه سمع مشرح بن هاعان
يقول: سمعت عقبة يقول: فذكره مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير مشرح بن هاعان، قال
ابن معين: " ثقة ". وقال ابن عدي: " أرجو أنه لا بأس ". وتناقض فيه ابن
حبان فأورده في " الثقات "، ثم أورده في " الضعفاء "! فهو حسن الحديث.(4/507)
وميمون بن الأصبغ روى عنه جماعة منهم النسائي وأبو حاتم وذكره ابن حبان في
" الثقات "، وقال الهيثمي (6 / 229) : " رواه الطبراني ورجاله ثقات ".
وأخرجه الروياني في " مسنده " (10 / 59 / 1) : أخبرنا أبو بكر أخبرنا سعيد
ابن أبي مريم به إلا أنه قال: " شعيب بن زرعة " بدل مشرح بن هاعان. فلعل بكر
ابن عمرو سمعه منهما كليهما، فكان يرويه تارة عن هذا، وتارة عن هذا. وشعيب
ابن زرعة أورده ابن أبي حاتم (2 / 1 / 346) من رواية أبي قبيل أيضا عنه.
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
1887 - " سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن
فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟
قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة ".
أخرجه ابن ماجة (4042) والحاكم (4 / 465، 512) وأحمد (2 / 291)
والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 30) من طريق عبد الملك بن قدامة الجمحي
عن إسحاق بن أبي الفرات عن المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
كذا قالا وهو عجب، سيما من الذهبي، فإنه أورد ابن قدامة هذا في " الميزان "
، ونقل تضعيفه عن جمع، وقال في " الضعفاء ": " قال أبو حاتم وغيره: ليس
بالقوي ".(4/508)
وإسحاق بن أبي الفرات قال الحافظ: " مجهول ". لكن للحديث طريق
أخرى يتقوى بها يرويه فليح عن سعيد بن عبيد بن السباق عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ
: " قبل الساعة سنون خداعة ... " الحديث دون قوله: " وما الرويبضة ... ".
أخرجه أحمد (2 / 338) .
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن السباق، وهو ثقة. لكن
فليح وهو ابن سليمان الخزاعي فيه كلام من قبل حفظه، حتى قال الحافظ: " صدوق
يخطىء كثيرا ". فالحديث بمجموع الطريقين حسن. وله شاهد يزداد به قوة يرويه
محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: " إن أمام
الدجال سنين خداعة ... " الحديث مثله إلا أنه قال: " الفويسق يتكلم في أمر
العامة ". أخرجه أحمد (3 / 220) . ورجاله ثقات لولا عنعنة ابن إسحاق.
1888 - " سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا. يعني ثقيفا ".
أخرجه أحمد (3 / 341) عن ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير قال: سألت جابرا عن
شأن ثقيف إذ بايعت؟ فقال:(4/509)
" اشترطت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا
صدقة عليها ولا جهاد ". وبهذا الإسناد عن أبي الزبير قال: وأخبرني جابر أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وهذا إسناد قوي وإن كان فيه ابن
لهيعة فهو ثقة في نفسه وقد أمنا سوء حفظه بمجيء الحديث من طريق غيره، فأخرجه
أبو داود (2 / 42) قال: حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا إسماعيل يعني ابن عبد
الكريم حدثني إبراهيم يعني ابن عقيل بن منبه عن أبيه عن وهب قال: سألت جابرا.
.. الحديث مثله إلا أنه جعل الحديثين حديثا واحدا وهو الظاهر وقال في الثاني
: وأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول: " سيتصدقون ... " الحديث
. وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات.
1889 - " سجدتا السهو تجزي في الصلاة من كل زيادة ونقصان ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (218 / 1) : حدثنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم
حدثنا حكيم بن نافع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت. قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير حكيم بن نافع، والظاهر أنه
الرقي، قال الذهبي: " يروي عن صغار التابعين، قال أبو زرعة: ليس بشيء.
وقال ابن معين: ليس به بأس. وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه ... ". ثم
رواه أبو يعلى (223 / 1) من طريق حفص بن بشر الأسدي قال: حدثني حكيم بن نافع
به. ثم رأيته في " مسند البزار " (رقم - 574) من طريق محمد بن بكار حدثنا
حكيم ابن نافع به. وقال الهيثمي في " المجمع " (2 / 151) :(4/510)
" حكيم ضعفه أبو
زرعة، ووثقه غيره ". ومن طريقه أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 7296
) وابن عدي (69 / 2) وقالا: " لم يروه عن هشام إلا حكيم ". زاد ابن عدي:
" وروي عن أبي جعفر الرازي عن هشام بن عروة، ويقال: إن أبا جعفر هو كنية
حكيم بن نافع، فكأن الحديث رجع إلى أنه لم يروه عن هشام غير حكيم ". ثم ساقه
هو ومحمد بن مخلد العطار في " المنتقى من حديثه " (2 / 2 / 1) وعنه الخطيب
في " تاريخه " (10 / 80) وابن أبي شريح الأنصاري في " جزء بيبي " (169 / 2
) عن المنجوري: علي بن محمد الحنظلي عن أبي جعفر الرازي به.
قلت: والمنجوري هذا قال الخليلي: " ثقة يخالف في بعض حديثه ". وضعفه
الدارقطني. وأبو جعفر الرازي سيء الحفظ.
قلت: فإن كان الرازي هذا غير حكيم بن نافع فهو متابع له لا بأس به، فالحديث
بمجموع الطريقين حسن. والله أعلم. ويشهد له حديث " لكل سهو سجدتان بعدما
يسلم ". وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (594) .
1890 - " افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته
يصيب بها من يشاء من عباده وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم ".
رواه الطبراني في " الكبير " (رقم - 720) عن عيسى بن موسى بن إياس بن البكير
عن صفوان بن سليم عن أنس مرفوعا.(4/511)
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير عيسى هذا، فقال ابن أبي حاتم (3 / 1
/ 285) : " سئل أبي عنه؟ فقال: ضعيف ". وأما ابن حبان فذكره في " الثقات "
. وهو عمدة الهيثمي في قوله (10 / 231) : " رواه الطبراني، وإسناده رجاله
رجال الصحيح غير عيسى بن موسى بن إياس بن البكير وهو ثقة "! ثم إن في الحديث
انقطاعا بين صفوان وأنس. فقد قال أبو حاتم: " لم ير صفوان أنسا، ولا يصح
روايته عنه ". وقال أبو داود: " لم ير أحدا من الصحابة إلا أبا أمامة وعبد
الله بن بسر ". لكن الحديث عندي حسن، فقد ذكر الهيثمي لشطره الأول شاهدا عن
محمد بن مسلمة مرفوعا بلفظ: " إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها لعل
أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدا ". وقال: " رواه الطبراني في
" الأوسط " والكبير بنحوه وفيه من لم أعرفهم ومن عرفتهم وثقوا ". وسائره
وهو فقرة الستر له شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به. رواه الخرائطي في
" مكارم الأخلاق " كما في " الجامع الكبير " (2 / 49 / 1) .
1891 - " إن من شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم، الذين يطلبون(4/512)
ألوان الطعام وألوان
الثياب، يتشدقون بالكلام ".
أخرجه أحمد في " الزهد " (ص - 77) وابن أبي الدنيا في " الجوع " (ق 9 / 1)
وابن عدي في " الكامل " (ق 249 / 1) وأبو الحسين الأبنوسي في " الفوائد "
(ق 14 / 1 - 2) وعنه ابن عساكر في " التاريخ " (9 / 60 / 2) عن عبد الحميد
ابن جعفر الأنصاري حدثني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أن
أمة الله فاطمة بنت حسين حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله موثوقون إلا أنه مرسل، فاطمة بنت الحسين روت عن
أبيها الحسين بن علي بن أبي طالب وجدتها فاطمة الزهراء مرسل. وله شاهد مرسل
أيضا، فقال ابن المبارك في " الزهد " رقم (758) : أخبرنا الأوزاعي عن عروة
ابن رويم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا مرسل صحيح الإسناد. وقد روي موصولا، فأخرجه الحاكم (3 / 568)
من طريق أصرم بن حوشب حدثنا إسحاق بن واصل الضبي عن أبي جعفر محمد بن علي بن
الحسين قال: قلنا لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب حدثنا ما سمعت من رسول الله
صلى الله عليه وسلم ... قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر
أحاديث هذا أحدها، وزاد: " ويركبون من الدواب ألوانا ". وسكت الحاكم عنه
، فتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: أظنه موضوعا، فإسحاق متروك وأصرم متهم
بالكذب ". وذكر في ترجمة إسحاق من " الميزان " أنه من الهلكى وأن من بلاياه
هذا الحديث وأنه من رواية أصرم وليس بثقة. لكن نقل المناوي عن الحافظ
العراقي أنه قال:(4/513)
" ورواه أبو نعيم من حديث عائشة بإسناد لا بأس به ".
قلت: فلينظر إسناده، فقد زعم المناوي أن في " الميزان ": هذا من رواية أصرم
ابن حوشب وليس بثقة عن إسحاق بن واصل، وهو هالك متروك الحديث.
قلت: فإني أخشى أن يكون اختلط على المناوي حديث عبد الله بن جعفر المتقدم
بحديث عائشة هذا، فإني أستبعد جدا أن يكون فيه هذان المتروكان ويقول الحافظ
العراقي في إسناده: لا بأس به! ثم تأكدت مما استبعدته حين رأيت الذهبي ذكر
ذلك في ترجمة إسحاق دون أن يسمي صحابي الحديث، فذكر الحافظ في " اللسان " أنه
عبد الله بن جعفر، وأن الحاكم رواه ... فتبين أن المناوي وضع كلام الذهبي في
غير موضعه وأنه لا يحق إعلال حديث عائشة به. وقد روي الحديث بلفظ: " سيكون
رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام ويشربون ألوان الشراب ويلبسون ألوان الثياب
ويتشدقون بالكلام، فأولئك شرار أمتي ".
قلت: أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 7512) وتمام في " الفوائد
" (264 - 265) عن جميع بن ثوب الرحبي عن حبيب بن عبيد عن أبي أمامة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا جميع هذا قال البخاري: " منكر الحديث ". وقال
النسائي: " متروك الحديث ". لكن تابعه أبو بكر بن أبي مريم عن حبيب بن عبيد
به. أخرجه الطبراني أيضا في " الكبير " (7513) و " الأوسط " (2536) .
وأبو بكر بن أبي مريم ضعيف لاختلاطه، فإذا ضم إلى المرسلين الأولين صار(4/514)
الحديث بمجموع ذلك حسنا، لاسيما ولبعضه شاهد أخرجه البخاري في " الأدب المفرد
" (رقم - 1308) من طريق البراء بن يزيد عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة
مرفوعا بلفظ: " شرار أمتي الثرثارون المتشدقون المتفيهقون، وخيار أمتي
أحاسنهم أخلاقا ". وهذا إسناد رجاله ثقات رجال " الصحيح " غير البراء وهو
ابن عبد الله بن يزيد البصري قال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ". وله طريق
أخرى عند البزار (ص 324 - زوائد ابن حجر) من طريق عبد الرحمن بن زياد عن
عمارة بن راشد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إن من شرار أمتي الذين غذوا
بالنعيم ونبتت عليه أجسامهم ". قال المنذري في " الترغيب " (3 / 125) :
" ورواته ثقات إلا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ".
قلت: وهو الإفريقي، وقد ضعفوه كما قال الذهبي في " الكاشف ". وأما قول
الهيثمي (10 / 250) : " وقد وثق، والجمهور على توثيقه وبقية رجاله ثقات "
. ففيه نظر.
قلت: فمثله يستشهد به، والله أعلم.
1892 - " من سد فرجة بنى الله له بيتا في الجنة ورفعه بها درجة ".
أخرجه المحاملي في " الأمالي " (ق 36 / 2) : حدثني الحسن بن عبد العزيز(4/515)
الجروي قال: حدثنا يحيى بن حسان قال: حدثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن الزهري
عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الحسن بن عبد
العزيز الجروي، فهو من شيوخ البخاري. والحديث أخرجه ابن ماجة (1 / 313)
وأحمد (6 / 89) من طريق إسماعيل بن عياش حدثنا هشام بن عروة به في حديث يأتي
برقم (2532) ولفظه: " إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف،
ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة ". وإسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن
الحجازيين، وهذه منها. وأخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 32 / 2 مجمع
البحرين) عن أحمد بن محمد القواس حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي ذئب عن
سعيد المقبري عن عروة به نحوه بتمامه. وقال: " لم يروه عن المقبري إلا ابن
أبي ذئب، ولا عنه إلا الزنجي تفرد به القواس ".
قلت: ولم أعرفه الآن وسائر رجاله ثقات غير الزنجي ففيه ضعف من قبل حفظه.
والحديث قال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه مسلم بن خالد
الزنجي وهو ضعيف، وقد وثقه ابن حبان ". ثم وجدت للحديث شاهدا من حديث
إسماعيل بن عبد الله بن خالد بن سعيد بن مريم عن أبيه عن جده عن غانم بن الأحوص
أنه سمع أبا صالح السمان يقول سمعت أبا هريرة يقول أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره بلفظ ابن عياش إلا أنه قال: " ولا يصل عبد صفا إلا رفعه
الله به درجة، وذرت عليه الملائكة من البر ".(4/516)
رواه الطبراني في " الأوسط "
(3924) . وإسناده ضعيف، غانم بن الأحوص مجهول كما قال أبو حاتم، والسند
إليه مظلم. والجملة الأولى منه لها شاهد من حديث عبد الله بن زيد مرفوعا به.
أخرجه الطبراني أيضا (5199) .
1893 - " يكون في هذه الأمة في آخر الزمان رجال معهم سياط كأنها أذناب البقر، يغدون
في سخط الله ويروحون في غضبه ".
رواه أحمد (5 / 250) والحاكم (4 / 436) وابن الأعرابي في معجمه (213 -
214) والطبراني في " الكبير " (رقم - 8000) عن عبد الله بن بحير عن سيار
عن أبي أمامة مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي،
وهو كما قالا. وابن بحير هو ابن حمران التميمي البصري. والحديث قال
الهيثمي (5 / 234) : " رواه أحمد والطبراني في " الأوسط " و " الكبير ".
وفي رواية عنده: " فإياك أن تكون من بطانتهم ". ورجال أحمد ثقات ". وهذه
عند الطبراني (7616) : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي حدثنا
حيوة بن شريح الحمصي حدثنا إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة به
. وشرحبيل هذا صدوق فيه لين كما في " التقريب ".(4/517)
وأحمد شيخ الطبراني لم أجد
له ترجمة، ومظنته " تاريخ ابن عساكر "، فليراجعه من تيسر له. وللحديث شاهد
من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه دون الزيادة وقد مضى لفظه برقم (1326) .
أخرجه مسلم (8 / 155) وأحمد (2 / 308 و 323) والحاكم (4 / 435 - 436)
وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وقد وهما في استدراكهما إياه على
مسلم، وقد أخرجه كما رأيت، وكذلك وهم الهيثمي في إيراده إياه في " المجمع "
عقب حديث الترجمة وقال: " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ".
1894 - " السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض، فأفشوه بينكم، فإن الرجل المسلم
إذا مر بقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم (فضل درجة) ، فإن لم يردوا
رد عليه من هو خير منهم وأطيب ".
أخرجه البزار (رقم - 1999) : حدثنا الفضل بن سهل حدثنا محمد بن جعفر المدائني
حدثنا ورقاء عن الأعمش عن زيد بن وهب عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدثنا
أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا عبد الرحمن بن شريك عن أبيه عن الأعمش عن زيد بن
وهب عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال: " رواه غير
واحد موقوفا، وأسنده ورقاء وشريك وأيوب بن جابر ".
قلت: إسناده الثاني ضعيف لسوء حفظ شريك وهو ابن عبد الله القاضي وابنه.
وقال الحافظ في الأب: " صدوق يخطىء كثيرا، تغير حفظه منذ ولي القضاء ".(4/518)
وقال في الابن: " صدوق يخطىء ".
قلت: لكنهما قد توبعا كما في الإسناد الأول، وقد أخرجه الطبراني في " المعجم
الكبير " (رقم 10392) من هذا الوجه، وهو إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم
غير الفضل بن سهل وهو ابن إبراهيم الأعرج البغدادي، قال الحافظ: " صدوق ".
وفي محمد بن جعفر المدائني كلام لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن إن شاء الله
تعالى. وتابعه أيضا أيوب بن جابر عن الأعمش به. أخرجه الطبراني (رقم 10391
) : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة أخبرنا سفيان بن بشر أخبرنا أيوب بن جابر
عن الأعمش به. وأيوب هذا ضعيف. وتابعه عنده أيضا عبيد الله بن سعيد قائد
الأعمش عن الأعمش به. والقائد هذا ضعيف أيضا. ولطرفه الأول متابع آخر
وشاهد تقدم تخريجهما (184) .
1895 - " إن فيكم قوما يتعبدون حتى يعجبوا الناس، ويعجبهم أنفسهم، يمرقون من الدين
كما يمرق السهم من الرمية ".
أخرجه أبو يعلى (3 / 1007) : حدثنا وهب بن بقية أنبأنا خالد عن سليمان التيمي
عن أنس قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.(4/519)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وعزاه في " الجامع " لأبي يعلى عن أنس
بلفظ: " سيقرأ القرآن رجال لا يجاوز حناجرهم، يمرقون ... " الحديث. ولم أره
في نسختنا المصورة من " مسند أبي يعلى "، وفيها خرم. وله في " مسند أحمد "
(3 / 197) طريق أخرى من حديث قتادة عن أنس مرفوعا بلفظ: " يكون في أمتي
اختلاف وفرقة يخرج منهم قوما يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم، سيماهم التحليق
والتسبيت، فإذا رأيتموهم فأنيموهم ". التسبيت: يعني استئصال الشعر القصير.
وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات. وأقرب الشواهد للفظ المذكور في " الجامع "
ما رواه أبو يعلى أيضا (2 / 623) من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا:
" ليقرأن القرآن أقوام من أمتي يمرقون من الإسلام ... " إلخ. وسنده حسن.
وله شواهد أخرى بنحوه في " الصحيحين " وغيرهما من حديث علي وأبي سعيد الخدري
وغيرهما. ومسلم وغيره عن أبي ذر ورافع بن عمرو. ثم رأيت حديث أنس عند ابن
خزيمة في " التوحيد " (ص 198) من طريق حوثة بن عبيد الديلي عن أنس مرفوعا
بلفظ " الجامع ". وحوثة هذا لم أعرفه، وقد ذكر له ابن خزيمة ثلاثة من
الثقات رووا عنه. ثم رأيت البخاري وابن أبي حاتم قد أورداه في حرف الجيم من
كتابيهما، وذكر أنه يقال بالحاء المهملة. وصحح البخاري الأول، ولم يذكرا
فيه جرحا ولا تعديلا. وبالجيم أورده ابن حبان في " الثقات ".(4/520)
1896 - " شعبتان من أمر الجاهلية لا يتركهما الناس أبدا: النياحة والطعن في النسب ".
أخرجه أحمد (2 / 431) : حدثنا يحيى عن ابن عجلان قال: حدثني سعيد عن أبي
هريرة قال: وسمعت أبي يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: قلت ليحيى: كلاهما عن النبي صلى الله عليه
وسلم؟ قال: نعم. وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (395) عن ابن عاصم
عن ابن عجلان بإسناده الثاني. هو إسناد حسن كالأول. وله طرق أخرى بألفاظ
فانظر: (أربع في أمتي) برقم (733 و 734) وحديث أنس المتقدم برقم (1799)
. وأخرجه مسلم (1 / 58) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ: " اثنتان في
الناس هما بهم كفر ... " فذكرهما.
1897 - " الشؤم في الدار والمرأة والفرس ".
أخرجه البخاري (6 / 46 و 9 / 112) وفي " الأدب المفرد " (132) ومسلم (7
/ 33 - 34) ومالك (3 / 140) وأبو داود (2 / 159) والنسائي (2 / 120)
والترمذي (2 / 135) وصححه، وابن ماجة (1 / 615) والطحاوي (2 / 381)
والطيالسي (رقم 1821) وأحمد (2 / 8 و 115 و 126 و 136) عن الزهري أن سالم
ابن عبد الله وحمزة بن عبد الله بن عمر حدثاه (وليس عند ابن ماجة والطيالسي
: وحمزة) عن أبيهما به مرفوعا، وقال بعضهم: " إنما الشؤم ". وقد جاء
بزيادة في أوله بلفظ: " لا عدوى "، فانظره، كما أنه جاء بلفظ مغاير معناه
لهذا وهو:(4/521)
" إن كان الشؤم " وقد مضى برقم (799) . وفي لفظ آخر: " إن يك
الشؤم في شيء ... ". وهذا هو الصواب كما كنت ذكرت هناك وزدته بيانا عند
الحديث (993) وفيه الكلام على حديث " قاتل الله اليهود يقولون: إن الشؤم "
فراجعه فإنه هام. وقد جاء حديث صريح في نفي الشؤم وإثبات اليمن في الثلاث
المذكورة وهو المناسب لعموم الأحاديث التي تنفي الطيرة، فراجع الحديث المشار
إليه فيما يأتي برقم (1930) . وأحاديث الطيرة تقدمت بألفاظ مختلفة وفوائد
متعددة (رقم 777 و 780 - 789) .
1898 - " شعبان بين رجب ورمضان يغفل الناس عنه ترفع فيه أعمال العباد، فأحب أن لا
يرفع عملي إلا وأنا صائم ".
أخرجه النسائي (1 / 322) وأبو بكر محمد بن الحسن المقرىء الحيارى (!)
الطبري العباد، في " الأمالي " (3 / 2) عن ثابت بن قيس الغفاري حدثني أبو
سعيد المقبري عن أبي هريرة عن أسامة بن زيد (ولم يقل النسائي: عن أبي
هريرة) وقال: قلت: يا رسول الله أراك تصوم في شهر ما لم أرك تصوم في شهر
مثل ما تصوم فيه؟ قال: أي شهر؟ قلت: شعبان، قال: فذكره. قال: أراك تصوم
الاثنين والخميس فلا تدعهما؟ قال: " إن أعمال العباد ... " الحديث.
قلت: وهذا إسناد حسن، ثابت بن قيس صدوق يهم كما في " التقريب " وسائر رجاله
ثقات.(4/522)
1899 - " شفاء عرق النساء ألية شاة أعرابية، تذاب، ثم تقسم ثلاثة أجزاء، يشربه
ثلاثة أيام على الريق، كل يوم جزء ".
رواه ابن ماجة (3463) والحاكم (4 / 206) وابن عساكر (15 / 122 / 1) عن
الوليد بن مسلم حدثنا هشام بن حسان حدثنا أنس بن سيرين أنه سمع أنس بن مالك
يقول مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي وهو
كما قالا. وأخرجه أحمد (3 / 219) : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا
هشام بن حسان به نحوه، وقال: " ألية كبش عربي أسود ليس بالعظيم ولا بالصغير
". وسنده صحيح أيضا. وتابعه المعتمر قال: سمعت هشام بن حسان يحدث عن أنس
به. كذا لم يذكر فيه أنس بن سيرين، فلا أدري أهكذا الرواية أم سقط من النسخة
. أخرجه الحاكم. وخالفهم حماد بن سلمة فقال: عن أنس بن سيرين عن معبد بن
سيرين عن رجل من الأنصار عن أبيه مرفوعا. أخرجه أحمد (5 / 78) وعلقه الحاكم
وقال: " أعضله حماد بن سلمة، والقول عندنا فيه قول المعتمر بن سليمان
والوليد بن مسلم ". وهذا هو الصواب.
(النسا) بوزن (العصا) في " النهاية ": عرق يخرج من الورك فيستبطن(4/523)
الفخذ.
والأفصح أن يقال له: (النسا) لا (عرق النسا) ! وفي " المعجم الوسيط "
" النسا: العصب الوركي. وهو عصب يمتد من الورك إلى الكعب ".
1900 - " شهدت حلف المطيبين مع عمومتي - وأنا غلام - فما أحب أن لي حمر النعم وأني
أنكثه ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (567) وابن حبان (2062) والحاكم (2 /
220) وأحمد (1 / 190 و 193) والطبري في " التفسير " (9296) وابن عدي (
233 / 2) من طرق عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن
أبيه عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وقال ابن عدي: " عبد
الرحمن بن إسحاق - وهو عباد بن إسحاق المديني - في حديث بعض ما ينكر ولا
يتابع علية، وهو صالح الحديث كما قال ابن حنبل ".
قلت: وهو صدوق من رجال مسلم كما في " التقريب ". ثم أخرج له ابن حبان (2063
) شاهد من حديث عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا به نحوه، وزاد:
" قال: والمطيبون: هاشم وأمية وزهرة ومخزوم ".
قلت: وسنده لا بأس به في الشواهد.
(حلف المطيبين) . قال في " النهاية ": " اجتمع بنو هاشم وبنو زهرة وتيم في
دار ابن جدعان في الجاهلية وجعلوا طيبا في جفنه وغمسوا أيديهم فيه وتحالفوا
على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم، فسموا المطيبين ".(4/524)
1901 - " لقيام رجل في سبيل الله (ساعة) أفضل من عبادة ستين سنة ".
رواه العقيلي في " الضعفاء " (ص 30) والخطيب في " التاريخ " (10 / 295) عن
إسماعيل بن عبيد الله بن سلمان المكي قال: حدثنا الحسن عن عمران بن حصين
مرفوعا وقال: " حديث غير محفوظ ". ذكره في ترجمة إسماعيل هذا، وقال الذهبي
: " لا يعرف ".
قلت: لكنه لم يتفرد به كما سبق تخريجه تحت الحديث (899) وذكرنا له هناك
شاهدا من حديث أبي هريرة، فراجعه إن شئت ليتبين لك أهمية تتبع طرق الحديث
والشواهد وأن مجرد مجيء الحديث بإسناد ضعيف لا يستلزم أن الحديث في نفسه ضعيف
غير محفوظ، فتأمل فإنه من مزلة الأقدام، ولذلك فقد اجتهدت ما استطعت في كل
كتبي وبخاصة هذه السلسلة أن لا أضعف حديثا إلا بعد البحث الشديد عن طرقه
وشواهده وبذلك تمكنت من تخليص عشرات بل مئات الأحاديث من الضعف، والله
تعالى من وراء القصد وإياه أسأل أن يحفظني من الزلل. وقد كان من تلك الكتب "
غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام " ونصصت على خطتي المذكورة في
مقدمته، فقد تم طبعه، وأخذ طريقه في الانتشار بين الشباب المسلم. ولله
الحمد والمنة وكذلك فعلت في " مختصر الشمائل المحمدية للترمذي "، وسيطبع
بإذن الله تعالى.
1902 - " إن شهداء الله في الأرض أمناء الله في الأرض في خلقه، قتلوا أو ماتوا ".
أخرجه أحمد (4 / 200) حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد
ابن زياد الألهاني قال:(4/525)
ذكر عند أبي عنبة الخولاني الشهداء، فذكروا
المبطون، والمطعون والنفساء، فغضب أبو عنبة وقال: حدثنا أصحاب نبينا عن
بينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات معروفون غير أبي عنبة الخولاني، قال ابن أبي
حاتم (4 / 2 / 418 - 419) : " ليست: له صحبة وهو من الطبقة الأولى من تابعي
أهل الشام ". ثم ذكر أنه روى عنه جماعة من الثقات غير الألهاني. لكن ذكره
غيره في الصحابة، ورجح الحافظ في " الإصابة " قول أحمد بن محمد بن عيسى:
" أدرك الجاهلية وعاش إلى خلافة عبد الملك وكان ممن أسلم على يد معاذ والنبي
صلى الله عليه وسلم حي ".
1903 - " شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزه استغناؤه عما في أيدي الناس ".
أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (ص 127) : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح قال:
حدثنا داود بن عثمان الثغري قال: حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن أبي
معاذ عن أبي هريرة مرفوعا. وقال: " داود حدث عن الأوزاعي وغيره
بالبواطيل ". ثم ساق له هذا الحديث، ثم قال: " هذا يروى عن الحسن وغيره من
قولهم، وليس له أصل مسند ". ومن هذا الوجه أخرجه أبو محمد الضراب في " ذم
الرياء " (292 - 293) . وخالفهما إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك فقال:
حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح حدثني أبو المنهال حبيش بن عمر الدمشقي - وذكر لي
أنه كان يطبخ للمهدي -: حدثني أبو عمرو الأوزاعي به.(4/526)
أخرجه تمام في " الفوائد
" (ق 172 / 1 - 2) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (4 / 99 / 1 و 8 / 37 / 1
) وكذا أبو بكر الشافعي في " الغيلانيات " كما في " اللآلي المصنوعة " (2 /
29) .
قلت: والأول أصح، فإن إبراهيم هذا لم أجد له ترجمة. وحبيش أورده ابن عساكر
ولم يذكر فيه شيئا سوى هذا الحديث. والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات
" من رواية العقيلي، وأعله بما نقلته عن العقيلي آنفا. وتعقبه السيوطي بأن
له شواهد. ثم ساقها وهي ثلاث أولها موقوف، والثاني عن سمرة بن أبي عاصم (!
) قال: كان يقال.. فذكره. والثالث عن الحسن مقطوعا! فلم يصنع السيوطي شيئا
. لكن للحديث شواهد مرفوعة يرتقي الحديث بها إلى درجة الحسن إن شاء الله تعالى
، وقد سبق تخريجها تحت الحديث رقم (831) .
1904 - " الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ".
أخرجه أحمد (1 / 83) وعنه الضياء في " المختارة " (1 / 248) والبخاري في
" التاريخ " (1 / 1 / 177) عن يحيى بن سعيد عن سفيان حدثنا محمد بن عمر بن
علي بن أبي طالب عن علي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إذا بعثتني
أكون كالسكة المحماة، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: فذكره. وخالفه
أبو نعيم فقال: أخبرنا سفيان به إلا أنه زاد: " عن أبيه عن علي ". أخرجه
الضياء (1 / 233) وقال: " رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " عن أبي نعيم "
. لكن أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 92) : حدثنا سليمان بن أحمد (هو(4/527)
الطبراني) حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان به دون الزيادة
ولذلك قال أبو نعيم عقبه: " رواه عصام بن يزيد: جبر، فوصله ". ثم أسنده من
طريقين عن محمد بن يحيى بن منده حدثنا محمد بن عصام بن يزيد عن أبيه عن سفيان
عن محمد بن عمر بن علي عمن حدثه عن علي قال: " بلغ النبي صلى الله عليه وسلم
عن نسيب لأم إبراهيم شيء، فدفع إلي السيف، فقال: اذهب فاقتله، فانتهيت إليه
، فإذا هو فوق نخلة، فلما رآني عرف، ووقع، وألقى ثوبه، فإذا هو أجب،
فكففت عنه، فقال: أحسنت ". وقال: " جوده محمد بن إسحاق وسماه ". ثم ساقه
هنا مختصرا وفي (3 / 177 - 178) بتمامه من طريق يونس بن بكير عن محمد بن
إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن علي بن الحنفية عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب
كرم الله وجهه قال: " أكثر على مارية أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم
في قبطي - ابن عم لها - كان يزورها ويختلف إليها، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لي: خذ هذا السيف فانطلق إليه، فإن وجدته عندها فاقتله. فقلت: يا
رسول الله أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة لا يثنيني شيء حتى أمضى لما
أرسلتني به، أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: (فذكره) ، فأقبلت
متوشحا السيف فوجدته عندها فاخترطت السيف، فلما أقبلت نحوه عرف أني أريده،
فأتى نخلة فرقى فيها، ثم رمى بنفسه على قفاه، وشفر برجليه، فإذا هو أجب
أمسح، (1) ما له ما للرجال قليل ولا أكثر، فأغمدت سيفي، ثم أتيت النبي صلى
الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت ".
وقال: " هذا غريب لا يعرف مسندا بهذا السياق إلا من حديث محمد بن إسحاق ".
_________
(1) الأصل (أشح) . والتصويب من " المختارة ". اهـ.(4/528)
قلت: ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في " التاريخ " وأبو عبد الله بن منده في
" معرفة الصحابة " (42 / 531) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1 / 232 / 1)
والضياء في " المختارة " (1 / 247) وصرح البخاري وابن منده بتحديث ابن
إسحاق، فزالت شبهة تدليسه وسائر رجاله ثقات، فهو إسناد متصل جيد. وروى
الخطيب في " التاريخ " (3 / 64) من هذا الوجه حديث الترجمة فقط دون القصة.
وقد وجدت له شاهدا يرويه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب وعقيل عن الزهري عن
أنس مرفوعا به. أخرجه القضاعي في " مسند الشهاب " (9 / 2) من طريق الطبراني
. وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد. والقصة وحدها دون الحديث لها طريق أخرى
عند مسلم (8 / 119) وأحمد (3 / 281) من طريق ثابت عن أنس نحوه. واستدركه
الحاكم (4 / 39) على مسلم فوهم كما وهم بعض المعلقين على " المقاصد الحسنة "
في جزمه بأن حديث الترجمة من حديث أنس عند مسلم. وأخرجه الحاكم من حديث عائشة
أيضا وفيه أبو معاذ سليمان بن الأرقم الأنصاري وهو ضعيف جدا وسيأتي تخريجه
وبيان ما فيه من الزيادات المنكرة برقم (4964) من الكتاب الآخر.
قلت: والحديث نص صريح في أن أهل البيت رضي الله عنهم يجوز فيهم ما يجوز في
غيرهم من المعاصي إلا من عصم الله تعالى، فهو كقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة
في قصة الإفك: " يا عائشة! فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة
فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه.. ".(4/529)
أخرجه مسلم
. ففيهما رد قاطع على من ابتدع القول بعصمة زوجاته صلى الله عليه وسلم محتجا
بمثل قوله تعالى فيهن: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا) * جاهلا أو متجاهلا أن الإرادة في الآية ليست الإرادة الكونية التي
تستلزم وقوع المراد وإنما هي الإرادة الشرعية المتضمنة للمحبة والرضا وإلا
لكانت الآية حجة للشيعة في استدلالهم بها على عصمة أئمة أهل البيت وعلى رأسهم
علي رضي الله عنه، وهذا مما غفل عنه ذلك المبتدع مع أنه يدعي أنه سلفي!
ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على الشيعي الرافضي (2 / 117) :
" وأما آية التطهير فليس فيها إخبار بطهارة أهل البيت وذهاب الرجس عنهم،
وإنما فيها الأمر لهم بما يوجب طهارتهم وذهب الرجس عنهم، ... ومما يبين أن
هذا مما أمروا به لا مما أخبر بوقوعه ما ثبت في " الصحيح " أن النبي صلى الله
عليه وسلم أدرك الكساء على فاطمة وعلي وحسن وحسين ثم قال: " اللهم هؤلاء
أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ". رواه مسلم. ففيه دليل على أنه
لم يخبر بوقوع ذلك، فإنه لو كان وقع لكان يثني على الله بوقوعه ويشكره على
ذلك لا يقتصر على مجرد الدعاء ".
1905 - " عليكم بالحبة السوداء وهي الشونيز، فإن فيها شفاء ".
أخرجه أحمد (5 / 354) : حدثنا زيد حدثني حسين: حدثني عبد الله قال: سمعت
أبي بريدة يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد على شرط مسلم، وحسين هو ابن واقد: وزيد هو ابن
الحباب. وتابعه واصل بن حبان العجلي: حدثني عبد الله بن بريدة به إلا أنه
قال:(4/530)
" ... وإن هذه الحبة السوداء - قال ابن بريدة: يعني الشوينزر الذي يكون
في الملح - دواء من كل داء، إلا الموت ". أخرجه أحمد (5 / 346) : حدثنا
أسود بن عامر حدثنا زهير عن واصل بن حبان به وزاد في أوله: " الكمأة دواء
العين وإن العجوة من فاكهة الجنة وإن هذه الحبة ... ". وهذا إسناد صحيح على
شرط مسلم. وزهير هو ابن معاوية بن حديج. وللحديث شاهد من رواية أبي هريرة
مرفوعا: " عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام.
قال سفيان: السام الموت وهي الشونيز ". أخرجه أحمد (2 / 241) : حدثنا
سفيان عن الزهري عن أبي سلمة - إن شاء الله - عنه. وهذا إسناد صحيح على شرط
الشيخين وقد أخرجه مسلم (7 / 25) والترمذي (2 / 3) وصححه من طريق سفيان
- وهو ابن عيينة - وغيره عن الزهري به نحوه. وأخرجه هو والبخاري من طريق
أخرى عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب معا عن أبي هريرة به نحوه.
ثم أخرجه أحمد (2 / 268) من طريق معمر عن الزهري أخبرني أبو سلمة عن أبي
هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للشونيز: " عليكم بهذه
الحبة ... " الحديث. وإسناده صحيح على شرطهما. ثم أخرج الترمذي (2 / 8) من
طريق قتادة قال: حدثت أن أبا هريرة قال:(4/531)
" الشونيز دواء من كل داء إلا السام
". قال قتادة: " يأخذ كل يوم إحدى وعشرين حبة، فيجعلهن في خرقه فليقنعه،
فيتسعط به كل يوم في منخره الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة، والثاني في
الأيسر قطرتين وفي الأيمن قطرة والثالث في الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة "
. قلت: وإسناده إلى أبي هريرة ظاهر الانقطاع. وقول قتادة مقطوع. وله شاهد
آخر من حديث عائشة مرفوعا مثل حديث سفيان المتقدم إلا أنه وصل التفسير بالحديث
فقال: " يعني الموت، والحبة السوداء: الشونيز ". أخرجه أحمد (6 / 138)
من طريق أبي عقيل عن بهية عنها. وهذا سند ضعيف. وقد أخرجه البخاري (4 / 52
) من طريق أخرى عنها مرفوعا دون التفسير إلا قوله: " قلت: وما السام؟ قال:
الموت ".
1906 - " الشيخ يكبر ويضعف جسمه، وقلبه شاب على حب اثنتين: طول الحياة وحب المال
".
أخرجه أحمد (2 / 335 و 338 و 339) عن فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن
أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد، ورجاله ثقات رجال الشيخين غير
أن فليحا وهو ابن سعيد قد تكلموا فيه من قبل حفظه ولذلك قال الحافظ في "
التقريب ":(4/532)
" صدوق، كثير الخطأ ". لكن الحديث قد جاء من طرق أخرى عن أبي
هريرة مرفوعا نحوه بألفاظ متقاربة منها: قلب الشيخ شاب على حب اثنتين ... "
والباقي مثله. أخرجه مسلم (3 / 99) وأحمد (2 / 443) . وفي رواية له (2
/ 443 و 447) : " ... جمع المال وطول الحياة ". وفي أخرى (2 / 501) : "
... حب الحياة وحب المال ". وفي أخرى له (2 / 358 و 379 و 380 و 394) :
" ... طول الحياة وكثرة المال ". وهكذا أخرجه الترمذي (2 / 54) وصححه،
وابن ماجة (4233) والحاكم (4 / 328) وقال: " صحيح على شرط الشيخين "!
وأخرجه البخاري (4 / 212) بلفظ: " لا يزل قلب الكبير شابا في اثنتين في حب
الدنيا وطول الأمل ". وله شاهد من حديث أنس مرفوعا: " يهرم ابن آدم وتشب
معه اثنتان: الحرص على المال والحرص على العمر ". أخرجه مسلم والترمذي
وصححه وابن ماجة وأحمد (3 / 192 و 256) وأبو يعلى (2 / 755، 827) .(4/533)
وأخرجه البخاري أيضا بنحوه.
1907 - " طائر كل إنسان في عنقه ".
أخرجه أحمد (3 / 342 و 349 و 360) من طرق عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن
جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قال ابن
لهيعة: يعني الطيرة.
قلت: وهذا إسناد ضعيف لسوء حفظ ابن لهيعة وعنعنة أبي الزبير. لكنه قد توبع
، فأخرجه ابن جرير في " التفسير " (15 / 39) من طريق قتادة عن جابر بن عبد
الله به مرفوعا بلفظ: " لا عدوى ولا طيرة * (وكل إنسان ألزمناه طائره في
عنقه) * ".
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين لكن قتادة لم يسمع من جابر وروايته عنه صحيفة
، قال أحمد: " قريء عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها ". ولعل أحد الإسنادين
يتقوى بالآخر، والحديث صحيح على كل حال، فإنه مقتبس من قوله تعالى في سورة (
الإسراء) : * (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، ونخرج له يوم القيامة
كتابا يلقاه منشورا) *. قال ابن جرير: " يقول تعالى ذكره: وكل إنسان
ألزمناه ما قضي له أنه عامله، وهو صائر إليه من شقاء أو سعادة يعمله في عنقه
لا يفارقه وإنما قوله: * (ألزمناه طائره) * مثل لما كانت العرب تتفاءل به أو
تتشاءم من سوانح الطير وبوارحها، فأعلمهم جل ثناؤه أن كل إنسان منهم قد ألزمه
ربه طائره في عنقه، نحسا كان ذلك الذي ألزمه من (1) وشقاء يورده سعيرا أو كان
سعدا يورده جنات عدن ".
_________
(1) كذا الأصل، ولعله " ألزمه به أو شقاء ... ". اهـ.(4/534)
1908 - " صدقة السر تطفئ غضب الرب ".
روي من حديث عبد الله بن جعفر وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عباس وعمر بن
الخطاب وعبد الله بن مسعود وأم سلمة وأبي أمامة ومعاوية بن حيدة وأنس بن
مالك.
1 - أما حديث عبد الله بن جعفر فيرويه أصرم بن حوشب حدثنا قرة بن خالد عن أبي
جعفر محمد بن علي بن الحسين قال: قلت لعبد الله بن جعفر: حدثنا حديثا سمعته
من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: فذكره. أخرجه الطبراني في " المعجم
الصغير " (ص 214) و " الأوسط " (1 / 93 / 1) والقضاعي في " مسند الشهاب "
(ق 11 / 1) وقال الطبراني: " لم يروه عن قرة إلا أصرم ".
قلت: وهو متهم كما قال ابن المحب في هامش القضاعي. ومن طريقه أخرجه الحاكم
أيضا (3 / 568) لكنه قال عنه: حدثنا إسحاق بن واصل عن أبي جعفر به. وسكت
عنه الحاكم وقال الذهبي: " أظنه موضوعا، فإسحاق متروك وأصرم متهم بالكذب "
. وفي " الخلاصة " لابن الملقن (ق 115 / 1) : " رواه الحاكم وإسناده منكر
جدا ".
2 - وأما حديث أبي سعيد الخدري فيرويه الحارث النميري عن أبي هارون العبدي عن
أبي سعيد الخدري مرفوعا به. أخرجه العسكري في " كتاب السرائر " (179 / 1 - 2) .(4/535)
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، أبو هارون العبدي متروك. والحارث النميري لم
أعرفه.
3 - وأما حديث عبد الله بن عباس فيرويه أحمد بن محمد بن عيسى بن داود بن عيسى
ابن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أخبرنا أبي محمد بن عيسى حدثني جدي
داود بن عيسى عن أبيه عيسى بن علي عن علي بن عبد الله بن عباس عن ابن عباس
مرفوعا به، وزاد: " وإن صلة الرحم تزيد في العمر، وإن صنائع المعروف تقي
مصارع السوء وإن قول (لا إله إلا الله) تدفع عن قائلها تسعة وتسعين بابا من
البلاء أدناها الهم ". أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (6 / 17 / 2) في
ترجمة داود بن عيسى هذا. وذكر في الرواة عنه محمد بن عبد الرحمن المخزومي
القاضي أيضا وسعيد بن عمرو وقال: " ولي إمرة الحرمين، ودخل دمشق ". ثم
روى أنه كان حيا سنة إحدى ومائتين ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. واللذان
دونه لم أعرفهما. وله طريق أخرى لكنها واهية جدا بلفظ: " عليكم باصطناع
المعروف فإنه يمنع مصارع السوء وعليكم بصدقة السر فإنه تطفئ غضب الله عز وجل "
. أخرجه ابن أبي الدنيا في " قضاء الحوائج " وعنه أبو عبد الله الرازي في
" مشيخته " (168 / 1) من طريق عمرو بن هاشم الجنبي عن جويبر الضحاك عن ابن
عباس مرفوعا. وهذا سند ضعيف جدا، جويبر متروك وابن هاشم قريب منه، قال
الحافظ:(4/536)
" لين الحديث، أفرط فيه ابن حبان ".
4 - وأما حديث عمر بن الخطاب فيرويه النضر بن حميد عن سعد عن الشعبي عنه به
مرفوعا، وزاد: " وصنائع المعروف تقي مصارع السوء وصلة الرحم تزيد في العمر
وتوسع في الرزق وأكثروا من ذكر (لا حول ولا قوة إلا بالله) فإنها كنز من
كنوز الجنة، وفيه شفاء من تسعة وتسعين جزا (كذا) أدناه الهم ". أخرجه أبو
بكر الذكواني في " إثنا عشر مجلسا " (9 / 2) .
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، النضر هذا: قال البخاري: " منكر الحديث ".
وقال أبو حاتم: " متروك الحديث ".
5 - وأما حديث ابن مسعود فيرويه نصر بن حماد بن عجلان العجلي قال: أخبرنا
عاصم بن تميم البجلي عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن ابن مسعود مرفوعا به،
وزاد في أوله: " صلة الرحم تزيد في العمر ". أخرجه القضاعي في " مسند الشهاب "
(11 / 1) وكتب ابن المحب فيما أظن - على هامش النسخة: " نصر بن حماد هالك "
. قلت: وفي " التقريب ": " ضعيف، أفرط الأزدي فزعم أنه يضع ".
قلت: والزيادة التي أوله لها شواهد كثيرة في " الترغيب " (ج 3 / 223 و 224)
وقد سبق تخريج بعضها برقم (276 و 513) .(4/537)
6 - وأما حديث أم سلمة فيرويه الطبراني في " المعجم الأوسط " (رقم - 6222) :
حدثني محمد بن بكر بن كروان الحريري البصري حدثنا محمد بن يحيى الحنيني الكوفي
حدثنا منذر بن جعفر الفيدي عن عبد الله بن الوليد الوصافي عن محمد بن علي عنها
مرفوعا بلفظ: " صنائع المعروف تقي مصارع السوء والصدقة خفيا تطفئ غضب الرب
وصلة الرحم زيادة في العمر وكل معروف صدقة وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف
في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة وأول من يدخل الجنة
أهل المعروف ". وقال: " لا يروى عن أم سلمة إلا بهذا الإسناد تفرد به
الوصافي ".
قلت: وهو ضعيف كما قال الهيثمي (3 / 115) ، ومن دونهم لم أعرفه.
7 - وأما حديث أبي أمامة فيرويه حفص بن سليمان عن يزيد بن عبد الرحمن عن أبيه
عنه مرفوعا مثل حديث عمر (4) المار آنفا دون قوله: " وتوسع الرزق ... ".
أخرجه لؤلؤ في " الفوائد المنتقاة " (2 / 215 / 1) والطبراني في " الكبير "
(8014) .
قلت: وهذا سند ضعيف جدا، حفص بن سليمان هو الأسدي أبو عمرو البزار القارىء
صاحب عاصم. قال الحافظ: " متروك الحديث مع إمامته في القراءة ". ثم رأيت
الهيثمي ذكر الحديث في " المجمع " (3 / 115) وقال: " رواه الطبراني في
" الكبير " وإسناده حسن ". وهذا من أوهامه رحمه الله.
8 - وأما حديث معاوية بن حيدة فيرويه عمرو بن أبي سلمة عن صدقة بن(4/538)
عبد الله عن
الأصبغ عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا مثل الذي قبله وزاد:
" وتنفي الفقر ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 93 / 1) والقضاعي في
" مسند الشهاب " (ق 11 / 2) والضياء المقدسي في " المنتقى من مسموعاته بمرو
" (23 / 1) .
قلت: وهذا إسناد ضعيف، صدقة ابن عبد الله وهو أبو معاوية السمين، ضعيف كما
في " التقريب "، وقال الهيثمي (3 / 115) : " رواه الطبراني في " الكبير "
و" الأوسط " وفيه صدقة بن عبد الله وثقه دحيم وضعفه جماعة ". وقال
المنذري (2 / 31) : " ولا بأس به في الشواهد ".
قلت: لكن شيخه أصبغ لم أعرفه.
9 - وأما حديث أنس، فله عنه ثلاثة طرق حسن أحدها الترمذي وقد خرجتهما في "
إرواء الغليل " (885) ، فلتراجع هناك. وجملة القول أن الحديث بمجموع طرقه
وشواهده صحيح بلا ريب بل يلحق بالمتواتر عند بعض المحدثين المتأخرين.
1909 - " صفوة الله من أرضه الشام وفيها صفوته من خلقه وعباده ولتدخلن الجنة من
أمتي ثلة لا حساب عليهم ولا عذاب ".
أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1 / 107 ط) من طريق الطبراني، وهذا في
" المعجم الكبير " (رقم - 7796) عن إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد
الله عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا.(4/539)
قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل عبد العزيز بن عبيد الله وهو الصهيبي الحمصي،
قال الذهبي: " ضعفوه، وتركه النسائي ". وقال الحافظ: " ضعيف ". وكذلك
قال الهيثمي (10 / 59) .
قلت: لكن الحديث صحيح لغيره، فإن شرطه الأول قد صح من حديث عبد الله بن حوالة
وهو مخرج في " فضائل الشام " برقم (2) . وأخرجه الطبراني (رقم - 7718)
من طريق عفير بن معدان أنه سمع سليم بن عامر يحدث عن أبي أمامة مرفوعا به وزاد
: " فمن خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه ومن دخلها فبرحمته " وعفير متروك.
والشطر الآخر رواه الطبراني أيضا عن أبي أمامة نحوه موقوفا وهو في حكم
المرفوع، قال الهيثمي (10 / 409) : " رواه الطبراني، ورجاله وثقوا على ضعف
فيهم ".
قلت: هو عنده (7723) من طريق بقية بن الوليد عن يحيى بن سعيد عن خالد بن
معدان عن سليمان بن عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي قال: فذكره موقوفا نحوه
مطولا. وبقية مدلس وقد عنعنه. لكن له عنده (رقم - 7780) طريق أخرى عن
حجاج بن إبراهيم الأزرق حدثنا ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن أبي عبد الرحمن
عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره نحوه لكن ليس فيه:
" لا حساب عليهم ولا عذاب ". وهي(4/540)
عنده (7520 و 7521 و 7665 و 7672) من طرق
أخرى صحيحة في حديث آخر بلفظ: " وعدني ربي عز وجل أن يدخل الجنة من أمتي سبعين
ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل ". والثلة
المذكورة فيه عددهم سبعون ألفا جاء أيضا في حديث ابن عباس عند الشيخين
وغيرهما.
1910 - " صلوا في بيوتكم ولا تتركوا النوافل فيها ".
أخرجه الدارقطني في " الأفراد " وعنه الديلمي في " مسند الفردوس " معلقا (2 /
141) من طريق سعيد بن بزيع عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن أنس وجابر قالا
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير أن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه وسعيد بن بزيع
صدوق كما في " الجرح والتعديل " (2 / 8) . ولكن يشهد للحديث ما أخرجه مسلم
(2 / 187) وأحمد (2 / 6 و 123) وغيرهما من حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ: "
صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا ". وعزاه السيوطي في " الجامع " للترمذي
والنسائي فقط! وتبعه على ذلك المناوي، فلم يستدرك عليه كونه عند مسلم أيضا
!! وأخرجه البخاري بلفظ: " اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ... " والباقي نحوه.
وهو رواية لمسلم وأحمد وغيرهما. وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (958) .(4/541)
1911 - " صل من قطعك وأحسن إلى من أساء إليك وقل الحق ولو على نفسك ".
رواه أبو عمرو بن السماك في " حديثه " (2 / 28 / 1) : حدثنا جعفر بن محمد
الزعفراني الرازي حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا حسين بن زيد عن جعفر بن محمد
عن أبيه عن جده عن علي قال: لما ضممت إلى سلاح رسول الله صلى الله عليه
وسلم وجدت في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم رقعة فيها، فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، الزعفراني هذا قال ابن أبي حاتم: " سمعت منه وهو
صدوق ". وقال الحافظ في " اللسان ": " هو من الحفاظ الكبار الثقات ".
قلت: وبقية رجال الإسناد ثقات معروفون.
1912 - " صلاة رجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من صلاة ثمانية تترى، وصلاة
أربعة يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة مائة تترى ".
رواه البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 132 - 193) والبزار (رقم - 461)
وابن سعد (7 / 411) والديلمي (2 / 243 - 244) عن أبي خالد ثور بن يزيد
عن ابن سيف الكلاعي عن عبد الرحمن بن زياد عن قباث بن أشيم الليثي مرفوعا.
قال ابن شعيب: فقلت لأبي خالد: ما " تترى "؟ قال: متفرقين.
قلت: وهذا سند ضعيف، عبد الرحمن بن زياد هذا لا يعرف أورده ابن أبي حاتم (2
/ 2 / 234) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأما ابن حبان فأورده في "
الثقات "(4/542)
(1 / 123) ! ولعله لذلك قال المنذري (1 / 152) : " رواه البزار
والطبراني بإسناد لا بأس به ". لكن للحديث شاهد يتقوى به من حديث أبي بن كعب
مرفوعا نحوه. أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 131 / 1) وأبو داود
والنسائي وغيرهم وصححه الحاكم وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (
563) وغيره.
1913 - " ذر الناس يعملون، فإن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء
والأرض، والفردوس أعلى الجنة وأوسطها وفوق ذلك عرش الرحمن ومنها تفجر
أنهار الجنة، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ".
أخرجه الترمذي (3 / 325 - 326 - تحفة) وأحمد (5 / 240 - 241) عن عبد
العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " من صام رمضان وصلى الصلاة وحج البيت، لا
أدري أذكر الزكاة أم لا - إلا كان حقا على الله أن يغفر له، إن هاجر في سبيل
الله، أو مكث بأرضه التي ولد بها. قال معاذ: ألا أخبر بها الناس؟ فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره، والسياق للترمذي وقال: " هكذا روي
هذا الحديث عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل
وهذا عندي أصح من حديث همام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبادة بن
الصامت وعطاء لم يدرك معاذ بن جبل، ومعاذ قديم الموت مات في خلافة عمر ".(4/543)
قلت: مات سنة (18) ومولد عطاء بن يسار بعده بسنة، ولذلك أعله الحافظ في
" الفتح " (6 / 9) بالانقطاع. وأخرجه أحمد (5 / 232) من طريق زهير بن
محمد حدثنا زيد بن أسلم به مختصرا. وثمة اختلاف آخر في إسناد الحديث لم يشر
إليه الترمذي، فقد أخرجه البخاري (6 / 9 - 10 و 13 / 351) من طريق هلال بن
علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوع نحو حديث عبد العزيز إلا أنه لم يقل:
" ذر الناس يعملون "، ومعناه في حديث معاذ المعروف وفيه: " قال: قلت: يا
رسول الله! أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا ". أخرجه البخاري في
" العلم " ومسلم في " الإيمان " (1 / 43) وهو في " مختصر صحيح البخاري "
برقم (85) .
1914 - " صل صلاة مودع كأنك تراه، فإن كنت لا تراه، فإنه يراك، وآيس مما في أيدي
الناس تعش غنيا وإياك وما يعتذر منه ".
أخرجه في " التاريخ " (3 / 2 / 216) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (6 /
74 / 2) والطبراني في " الأوسط " (4588) والقضاعي في " مسند الشهاب " (80
/ 2) والبيهقي في " الزهد " (62 / 1 - 2) والقاضي الشريف أبو علي في
" مشيخته " (1 / 173 / 2) وابن النجار في " ذيل تاريخ بغداد " (10 / 16 / 1
) والضياء المقدسي في " المختارة " عن أبي علي الحسن بن راشد بن عبد ربه:
أخبرنا نافع قال: سمعت ابن عمر يقول: " أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل
، فقال: يا رسول الله! حدثني حديثا واجعله موجزا، فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم ... " فذكره. وقال الضياء:(4/544)
" راشد بن عبد ربه لم يذكره ابن أبي
حاتم في كتابه ".
قلت: وكذا ابنه الحسن بن راشد، ولا وجدت غيره ذكرهما، ومع ذلك صححه ابن
حجر الهيثمي في " أسنى المطالب في صلة الأقارب " (ق 25 / 1) ، فلعل ذلك
لشواهده الآتية. والحديث قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 229) :
" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه من لم أعرفهم ". والحديث أورده
السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية أبي محمد الإبراهيمي في " كتاب الصلاة "
وابن النجار عن ابن عمر. لم يزد. وهذا تقصير فاحش كما يتبين لك من تخريجنا
هذا. ثم إن الحديث حسن عندي أو صحيح، فإن له شواهد تقويه، أذكر ما تيسر لي
منها: الأول: عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا بلفظ: " عليك بالإياس مما في أيدي
الناس ... " الحديث. وفيه جملة لم أجد لها شاهدا، فأوردته من أجلها في "
الضعيفة " برقم (3881) ، وخرجته هناك.
الثاني: عن سعد بن عمارة أخي سعد بن بكر - وكانت له صحبة - أن رجلا قال له:
عظني في نفسي يرحمك الله. قال: " إذا أنت قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، فإنه
لا صلاة لمن لا وضوء له ولا إيمان لمن لا صلاة له ". ثم قال: " إذا أنت صليت
فصل صلاة مودع واترك طلب كثير من الحاجات، فإنه فقر حاضر، واجمع اليأس مما
في أيدي الناس فإنه هو الغنى، وانظر إلى ما تعتذر منه من القول والفعل
فاجتنبه ".(4/545)
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (5459) من طريق محمد بن
إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ويحيى بن سعيد بن
قيس الأنصاري أنهما حدثاه عن سعد بن عمارة به موقوفا وهو في حكم المرفوع كما
هو ظاهر.
قلت: وهذا إسناد حسن، ورجاله كلهم ثقات على الخلاف المعروف في محمد بن
إسحاق وقد صرح بالتحديث، وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 236) : " رواه
الطبراني، ورجاله ثقات ". وتبعه الحافظ في " الإصابة ".
الثالث: عن عبد الله (وهو ابن مسعود) قال: سئل رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ما الغنى؟ قال: " اليأس مما في أيدي الناس ". أخرجه الطبراني في
" الأوسط " (5907) عن إبراهيم بن زياد العجلي قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن
زر عنه. وقال: " تفرد به إبراهيم بن زياد ".
قلت: وهو متروك كما قال الهيثمي (10 / 286) وسائر رجاله ثقات.
الرابع: عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعا بلفظ: " إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع
... " الحديث. وقد مضى تخريجه برقم (401) وقد رواه الطبراني أيضا في
" الكبير " (3987 و 3988) .
الخامس: عن أنس مرفوعا بالجملة الأخيرة من الحديث. وقد مضى تخريجه وبيان أن
إسناده حسن برقم (354) .(4/546)
السادس: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " أظهروا اليأس من الناس وأقلوا
طلب الحاجات إليهم، وإياك وما يعتذر منه، وإذا توضأت فأسبغ الوضوء، وإذا
صليت فصل صلاة مودع ". أخرجه الدولابي في " الكنى " (2 / 75) معلقا فقال:
ذكر موسى بن إسماعيل التبوذكي قال: حدثنا جرير بن عبد الله أبو عبيدة قال:
سمعت معاوية بن قرة قال: قال عمر....
قلت: وجرير هذا لم أعرفه. وبالجملة فالحديث قوي بهذه الشواهد.
1915 - " صلوا صلاة المغرب مع سقوط الشمس، بادروا بها طلوع النجم ".
رواه الطبراني (رقم - 4058 و 4059) من طريقين عن يزيد بن أبي حبيب حدثني أسلم
أبو عمران أنه سمع أبا أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات وقد أخرجه أحمد (5 / 415) والدارقطني (
1 / 260 - مصر) من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب به نحوه، و (5 / 421
) من طريق ابن أبي ذئب عنه به إلا أنه قال: عن رجل لم يسمه. وقال الهيثمي (
2 / 310) : " رواه أحمد عن يزيد بن أبي حبيب عن رجل عن أبي أيوب، وبقية
رجاله ثقات، والطبراني عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران عن أبي أيوب،
ورجاله موثوقون ". وكأنه لم يقف على رواية أسلم عند أحمد وإلا لم يغفلها.(4/547)
ولابن أبي حبيب إسناد آخر فيه بلفظ: " لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا
المغرب إلى اشتباك النجوم ". وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (444)
و" الإرواء " تحت الحديث (917) .
1916 - " لصوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة ".
أخرجه أحمد (3 / 111 و 112 و 261) وابن سعد (3 / 505) والحاكم (3 / 352
) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 309) والخطيب في " التاريخ " (13 / 224)
وابن عساكر في " تاريخه " (6 / 310 / 1) عن سفيان بن عيينة عن علي بن جدعان
عن أنس مرفوعا به. وقال أبو نعيم: " مشهور من حديث ابن عيينة، تفرد به
عن ابن زيد ". وأخرجه أحمد (3 / 249) من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد
به.
قلت: وهو علي بن زيد بن جدعان، ضعيف لسوء حفظه، لكن يبدو أنه لم يتفرد به،
فقد أخرجه الحاكم وابن عساكر من طريقين آخرين عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن
عقيل عن جابر أو (وقال الحاكم: و) عن أنس بلفظ " ألف رجل "، وقال الحاكم
: " رواته عن آخرهم ثقات ".
قلت: ابن عقيل فيه كلام من قبل حفظه، وهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى،
لاسيما عند المتابعة كما هنا، والظاهر أن ابن عيينة كان يرويه عنه تارة وعن
ابن جدعان تارة أخرى، إلا أن الأول كان يزيد في السند جابرا، أو يتردد بينه
وبين أنس، والحديث حديث أنس، ويؤيده أن أحمد أخرجه (3 / 203) من طريق
آخر فقال: حدثنا يزيد بن هارون: أنبأنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعا
به.(4/548)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. (الفئة) : الفرقة والجماعة من الناس
في الأصل، والطائفة التي تقيم وراء الجيش، فإن كان عليهم خوف أو هزيمة
التجأوا إليهم، كما في " النهاية ".
1917 - " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحاب أو ظلمة أو
هبوة، فأكملوا العدة، لا تستقبلوا الشهر استقبالا، ولا تصلوا رمضان بيوم
من شعبان ".
رواه أبو عبيد في " غريب الحديث " (59 / 1 - 2) : حدثنا ابن أبي عدي عن حاتم
ابن أبي صغيرة عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه
وسلم به.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات كلهم رجال مسلم، وفي سماك كلام يسير.
والحديث أخرجه النسائي (1 / 306 - 307) : أخبرنا قتيبة قال: حدثنا ابن أبي
عدي به دون قوله: " أو هبوة ". وكذلك أخرجه أحمد (1 / 226) من طريق
إسماعيل (ابن أبي علية) : أخبرنا حاتم بن أبي صغيرة به. و (1 / 258) من
طريق زائدة عن سماك به نحوه. وكذا أخرجه البيهقي (4 / 207) . وللحديث طرق
أخرى عن ابن عباس، وشواهد خرجتها في " الإرواء " تحت الحديث (902) و " صحيح
أبي داود " (2015 و 2016) . (الهبوة) : الغبرة: ويقال لدقاق التراب إذا
ارتفع: هبا يهبو هبوا.
1918 - " صوموا من وضح إلى وضح ".
رواه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 3046) : حدثنا إبراهيم (هو ابن هاشم(4/549)
البغوي) : حدثنا موسى بن محمد بن حيان أنبأنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة حدثني
مفضل بن فضالة عن سالم بن عبد الله بن سالم عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه
مرفوعا، وقال: " لم يروه عن أبي المليح إلا سالم، ولا عنه إلا مفضل، تفرد
به أبو قتيبة ".
قلت: وهو ثقة من رجال البخاري، لكن مفضل بن فضالة ضعيف وهو أبو مالك البصري
أخو مبارك. وموسى بن محمد بن حيان، كذا الأصل بالمثناة من تحت: وكذا في "
الجرح والتعديل " (4 / 1 / 161) : " حيان " وكذلك هو في " الميزان " طبعة
الخانجي وهو مقتضى ما في " اللسان " لكن وقع خطأ مطبعي، ووقع في " الميزان "
طبعة البجاوي " جيان " اغترارا منه بنسخة من " الميزان " من أن فيه ما هو صريح
في تخطئته ذلك. وهو قوله: " وقد نقطه بجيم - في أماكن - ابن الأزهر
الصريفيني فوهم ". وأكد ذلك الحافظ ابن حجر، فأتبعه بقوله: " والمعروف
بالمهملة ". ثم إن ابن حيان هذا قال الذهبي: " ضعفه أبو زرعة، ولم يترك ".
ولكنه لم يتفرد به كما يشير إلى ذلك قول الطبراني المتقدم، وكما يأتي تحقيقه
. وسالم بن عبد الله بن سالم لم أعرفه وبه أعله الهيثمي فقال (3 / 158) :
" رواه البزار والطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وفيه سالم بن عبد الله
ابن سالم، ولم أجد من ترجمة، وبقية رجاله موثوقون ". هكذا وقع فيه " سالم
ابن عبد الله " مكبرا، وكذلك وقع في " الأوسط " كما سبق، وكذا في " مجمع
البحرين " (1 / 102 / 2) . ووقع في " تهذيب المزي " في الرواة عن(4/550)
المفضل "
سالم بن عبيد الله " مصغرا، وكذلك وقع في " كبير الطبراني " (504) ، فإنه
رواه بإسناد " الأوسط " المتقدم وبإسناد آخر عن عبد الرحمن بن المبارك العيشي
: حدثنا أبو قتيبة به. وأخرجه البزار (1025) من طريق أخرى عن أبي قتيبة به
لكن وقع فيه سقط. وقد وجدت للحديث شاهد من رواية مصاد بن عقبة عن أبي الزبير
عن جابر مرفوعا به. أخرجه الخطيب في " التاريخ " (12 / 360 - 361) ، ورجاله
ثقات غير مصاد هذا، ترجمه ابن أبي حاتم (4 / 1 / 4040) برواية ثلاثة من
الثقات، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فالحديث به حسن إن شاء الله تعالى.
قوله: (وضح) محركة بياض الصبح كما في " القاموس ". وفي " النهاية ":
" أي من الضوء إلى الضوء. وقيل: من الهلال إلى الهلال وهو الوجه لأن سياق
الحديث يدل عليه، وتمامه: " فإن خفي عليكم فأتموا العدة ثلاثين يوما ".
قلت: لم أر الحديث بهذا التمام، فإن صح به، فهو الوجه، وإلا فالذي أراه -
والله أعلم - أن المعنى: صوموا من السحور إلى السحور. أجاز لهم مواصلة
الصيام ما بينهما، وقد جاء هذا صريحا في حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: " لا تواصلوا، فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى
السحر ". أخرجه البخاري (رقم - 962 - مختصره) وابن خزيمة وغيرهما، وهو
مخرج في " صحيح أبي داود " (2044) .
1919 - " صلاة الليل مثنى مثنى، وجوف الليل الآخر أجوبه دعوة ".
أخرجه أحمد (4 / 387) : حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله عن
حبيب بن عبيد عن عمرو بن عبسة مرفوعا به، قال: " قلت: أوجبه؟ قال: لا
، بل أجوبه. يعني بذلك الإجابة ".(4/551)
وفي رواية عنه به مثله إلا أنه قال: "
عطية بن قيس " بدل " حبيب بن عبيد ". وكذلك أخرجه من طريق محمد بن مصعب:
حدثنا أبو بكر به إلا أنه خالفه في متنه فقال: " أوجبه دعوة، قال: فقلت:
أجوبه؟ قال: لا، ولكنه أوجبه. يعني بذلك الإجابة ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف لأن ابن أبي مريم هذا كان اختلط، ولذلك جزم بضعفه
الهيثمي (2 / 264) ، وعزاه لأحمد وحده، وأما السيوطي فعزاه في " الصغير "
لابن نصر والطبراني في " الكبير " عن عمرو بن عبسة به لكنه قال: " أحق به "
بدل " أجوبه دعوة " وكذلك أورده في " الكبير " وزاد في مخرجيه: " ابن جرير "
. وقال المناوي في " شرحه ": " أحق به " كذا بخط المصنف، وفي نسخ
(أجوبه دعوة) ولا أصل لها في خطه، لكنها رواية ".
قلت: ويغلب على الظن أن هذا الاختلاف في هذا الحرف من قبل أبي بكر نفسه،
لاختلاطه، فقد رأيت أنه في " المسند " عنه بلفظ الترجمة: " أجوبه دعوة
" وباللفظ الآخر: " أوجبه دعوة "، فالظاهر أن عند ابن نصر ومن قرن معه بلفظ
: " أحق به "، وليس تصحيفا من السيوطي. ومن المؤسف أن الحديث عند ابن نصر
في " قيام الليل " (ص 50) ، لكن مختصره المقريزي حذف سنده ومتنه كله، ولم
يبق منه إلا قوله: وفيه عن عمرو بن عبسة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "
صلاة الليل مثنى مثنى ". وعلى كل حال فالإسناد ضعيف، لكن الشطر الأول منه
صحيح قطعا، لأنه في " الصحيحين " وغيرهما من حديث ابن عمر مرفوعا به، وهو
مخرج في " صحيح أبي داود " (1197) وغيره. والشطر الآخر بلفظ الترجمة له
طريقان آخران عن ابن عبسة، في " المسند "(4/552)
(4 / 112 و 385) بنحوه. وله طريق
ثالث عنه عند الترمذي وغيره وصححه ابن خزيمة (1 / 125 / 1) وغيره، وهو
مخرج في " تخريج الترغيب " (1 / 291) ، فصح الحديث كله والحمد لله تعالى.
1920 - " الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر والجمعة إلى الجمعة
وزيادة ثلاثة أيام ".
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (9 / 249 - 250) عن عبد الحكيم عن أنس بن
مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الحكيم هذا هو ابن عبد الله القسملي وهو ضعيف
كما في " التقريب ". وتابعه زياد النميري عن أنس به دون قوله " وزيادة ثلاثة
أيام ". أخرجه البزار (رقم - 347) عن زائدة بن أبي الرقاد عنه، وقال:
" زائدة ضعيف، وزياد النميري ليس به بأس ". كذا قال، وزياد - وهو ابن عبد
الله النميري - ضعفه الأكثرون، وقال في " التقريب ": " ضعيف ". لكن الحديث
قد صح من حديث أبي هريرة مرفوعا دون الزيادة. أخرجه مسلم وفي رواية له بلفظ:
" من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين
الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصا فقد لغا ". وأخرجه أبو داود أيضا
وغيره وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (964) . وبالجملة فالحديث بهذا
الشاهد صحيح. والله أعلم.(4/553)
1921 - " الصورة الرأس، فإذا قطع الرأس، فلا صورة ".
عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " للإسماعيلي في " معجمه " وبيض له المناوي،
فلم يتكلم على إسناده بشيء وقد وقفت على سنده على ظهر الورقة الأولى من الجزء
الحادي عشر من " الضعفاء " للعقيلي بخط بعض المحدثين، أخرجه من طريق عدي بن
الفضل وابن علية جميعا عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره مرفوعا، ومن طريق عبد الوهاب عن أيوب موقوفا عليه
. قلت: وابن علية واسمه إسماعيل أحفظ من عبد الوهاب وهو ابن عبد المجيد
الثقفي، فروايته المرفوعة أرجح، لاسيما ومعه المقرون به عدي بن الفضل على
ضعفه، فإذا كان السند إليهما صحيحا، فالسند صحيح، ولم يسقه الكاتب المشار
إليه. ولكن يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: " أتاني
جبريل ... " الحديث، وفيه: " فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير
كهيئة الشجرة ... "، فهذا صريح في أن قطع رأس الصورة أي التمثال المجسم يجعله
كلا صورة.
قلت: وهذا في المجسم كما قلنا وأما في الصورة المطبوعة على الورق أو المطرزة
على القماش، فلا يكفي رسم خط على العنق ليظهر كأنه مقطوع عن الجسد بل لابد من
الإطاحة بالرأس. وبذلك تتغير معالم الصورة وتصير كما قال عليه الصلاة
والسلام: " كهيئة الشجرة ". فاحفظ هذا ولا تغتر بما جاء في بعض كتب الفقه
ومن أخذها أصلا من المتأخرين. راجع " آداب الزفاف " (ص 103 - 104 - الطبعة
الثالثة ".
1922 - " الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة ".
رواه أحمد (4 / 335) وأبو عبيد في " الغريب " (95 / 2) والسري بن يحيى في
" حديث الثوري " (204 / 1) وابن أبي الدنيا في " التهجد " (2 / 60 / 2)
وأبو العباس(4/554)
الأصم في " جزء من حديثه " (192 / 2 مجموع 24) عن أبي إسحاق عن
نمير بن عريب عن عامر بن مسعود مرفوعا. وكذا رواه الضياء المقدسي في "
المختارة " (45 - 46) وفي " الأحاديث والحكايات " (13 / 169 / 1) وابن
أبي شيبة في " المصنف " (2 / 181 / 2) والقضاعي (13 / 1) والبيهقي في "
السنن " (4 / 496) .
قلت: وهذا سند ضعيف، نمير هذا قال الذهبي: " لا يعرف ".
قلت: وأخرجه ابن أبي الدنيا في " التهجد " (2 / 54 / 1) : أخبرنا علي بن
محمد قال: أخبرنا أسد قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن شيخ من قريش يقال
له عامر بن مسعود مرفوعا به، وزاد: " أما ليله فطويل وأما نهاره فقصير ".
ورواه ابن عساكر (14 / 359 / 1) من طريق أخرى عن إسرائيل به وقال: " كذا
جاء في هذه الرواية، وقد أسقط من إسناده نمير بن عريب بين أبي إسحاق وبين
عامر ". ثم ساقه من طريق أحمد عن أبي إسحاق عن نمير عن عامر به. وله شاهد
أخرجه الطبراني في " الصغير " (ص - 148 رقم - 69 - الروض) وابن عدي (177 /
1) وابن عساكر (2 / 111 / 1) عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن قتادة
عن أنس مرفوعا. وقال الأولان: " لم يروه عن قتادة إلا سعيد تفرد به الوليد "
. قلت: هو ثقة ولكنه يدلس تدليس التسوية، وقد عنعن إسناده. وسعيد بن بشير
ضعيف.(4/555)
وله شاهد آخر، رواه ابن عدي (149 / 1) عن عبد الوهاب بن الضحاك:
حدثنا الوليد بن مسلم عن زهير عن ابن المنكدر عن جابر مرفوعا.
قلت: وعبد الوهاب هذا كذاب كما قال أبو حاتم. وبالجملة فالحديث بالشاهد عن
أنس حسن. والله أعلم. وله شاهد آخر من رواية دراج عن الهيثم عن أبي سعيد
الخدري مرفوعا بلفظ: " الشتاء ربيع المؤمن، طال ليله فقامه وقصر نهاره فصامه
". وهذا إسناد فيه ضعف أخرجه أحمد وغيره وهو مخرج في " الروض النضير " تحت
حديث أنس المتقدم آنفا.
1923 - " دعوا لي أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهبا ما
بلغتم أعمالهم ".
أخرجه أحمد (3 / 266) حدثنا أحمد بن عبد الملك حدثنا زهير حدثنا حميد الطويل
عن أنس قال: " كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام،
فقال خالد لعبد الرحمن: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها؟ ! فبلغنا أن ذلك
ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، وزهير هو ابن معاوية. وللحديث
شاهد يرويه إسماعيل بن إبراهيم عن أبي خالد عن الشعبي عن ابن أبي أوفى قال:
اشتكى عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
" لم تؤذي رجلا من أصحاب بدر؟ لو أنفقت ... " الحديث.(4/556)
أخرجه البزار (ص 274
زوائد ابن حجر) . ورجاله ثقات غير أبي خالد هذا وأظنه الدالاني وفيه ضعف.
والحديث في " الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي سعيد وغيره بلفظ: " لا تسبوا
أصحابي ... " الحديث. وفيه ذكر ما كان بين خالد وعبد الرحمن، وهو مخرج في
" ظلال الجنة " (988 - 991) .
1924 - " طائفة من أمتي يخسف بهم يبعثون إلى رجل، فيأتي مكة، فيمنعه الله منهم
ويخسف بهم، مصرعهم واحد ومصادرهم شتى، إن منهم من يكره، فيجيء مكرها ".
أخرجه أحمد (6 / 259 و 316 - 317 و 317) وأبو يعلى (4 / 1668) عن علي بن
زيد عن الحسن عن أمه عن أم سلمة قالت: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
استيقظ من منامه وهو يسترجع، قالت: فقلت: يا رسول الله ما شأنك؟ قال: "
فذكره.
قلت: وعلي بن زيد هو ابن جدعان وفيه ضعف، لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدا
من حديث عائشة. ساقه أحمد عقبه من طريقين عن حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني
عن يوسف بن سعد عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. ورجاله ثقات رجال
مسلم غير يوسف بن سعد وهو ثقة، فالسند صحيح. وتابعه عبد الله بن الزبير أن
عائشة قالت: عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، فقلنا: يا رسول
الله! صنعت شيئا في منامك لم تكن تفعله، فقال: " العجب، إن ناسا من أمتي
يؤمون البيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم ...
" الحديث نحوه، وزاد:(4/557)
" يبعثهم الله على نياتهم ". أخرجه مسلم (4 / 2884)
وأحمد (6 / 105) دون الزيادة. وحديث أم سلمة له طريق أخرى عند مسلم (4 /
2882) وأحمد (6 / 290) بلفظ: " يعوذ عائذ بالبيت ... " الحديث نحو حديث
ابن الزبير. وأخرجه أبو يعلى (4 / 1665) مختصرا، والحاكم (4 / 429)
بتمامه، وقال: " صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه "! ووافقه
الذهبي. وله طريق أخرى عن أم سلمة نحوه، وفيه زيادات، يشير أحدها إلى أن
الرجل الذي يأتي مكة هو المهدي لكن في سنده جهالة ولذلك خرجته في " الضعيفة "
(1965) . ولقد كان الجهل بضعفه من أسباب ضلال جماعة (جهيمان) التي قامت
بفتنة الحرم المكي، وادعوا زورا أن المهدي بين ظهرانيهم، وطلبوا له البيعة
، فقضى الله على فتنتهم ومهديهم، وكفى المؤمنين شرهم، كما سبقت الإشارة إلى
ذلك أثناء التعليق على الحديث رقم (1529) .
(مصادرهم) من (الصدر) وهو الإنصراف، أي أنهم يصدرون بعد هلاكهم مصادر
متفرقة على قدر أعمالهم ونياتهم، فـ (فريق في الجنة وفريق في السعير) .
(عبث) أي حرك يديه كالدافع أو الآخذ.
1925 - " رأت أمي كأنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام ".
أخرجه أحمد (5 / 262) وابن سعد في " الطبقات " (1 / 102) وابن عدي (326
/ 1) والطبراني في " الكبير " (7729) عن فرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن
أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير فرج بن فضالة، فإنه ضعيف، لكن فرق(4/558)
أحمد بين
روايته عن الشاميين فقواها، وبين روايته عن الحجازيين، فقال: " إذا حدث عن
الشاميين فليس به بأس، ولكنه حدث عن يحيى بن سعيد مناكير ".
قلت: وهذا من روايته عن الشاميين، فإن لقمان بن عامر منهم. وله شاهد من
حديث أبي العجفاء مرفوعا به نحوه. أخرجه ابن سعد بإسناد رجاله ثقات. وشاهد
آخر عن أبي مريم الغساني مرفوعا به. قال الهيثمي (8 / 224) : " رواه
الطبراني، ورجاله وثقوا ". وفي حديث العرباض بن سارية مرفوعا بلفظ:
" ورؤيا أمي التي رأت في منامها أنها وضعت نورا ... ".
قلت: وفي آخره زيادة منكرة أوردته من أجلها في الكتاب الآخر (2085) .
1926 - " طوبى لعيش بعد المسيح، طوبى لعيش بعد المسيح يؤذن للسماء في القطر ويؤذن
للأرض في النبات، فلو بذرت حبك على الصفا لنبت، ولا تشاح ولا تحاسد ولا
تباغض، حتى يمر الرجل على الأسد ولا يضره، ويطأ على الحية فلا تضره ولا
تشاح ولا تحاسد ولا تباغض ".
رواه أبو بكر الأنباري في " حديثه " (ج 1 ورقة 6 / 1 - 2) قال: حدثنا جعفر
ابن محمد بن شاكر قال: حدثنا عفان قال: حدثني سليم بن حيان - إملاء من قرطاس
وسألته - قال: حدثنا سعيد بن مينا عن أبي هريرة مرفوعا.(4/559)
ومن طريق
الأنباري رواه الديلمي (2 / 161) وابن المحب في " صفات رب العالمين " (427
/ 1) وقال: " هذا على شرط خ ".
قلت: جعفر بن محمد بن شاكر لم يخرج له البخاري ولا غيره من الستة، وهو ثقة
وقد ترجمه الخطيب (7 / 185 - 187) وفي " التهذيب " أيضا ولم يرمز له بشيء
. ورواه الضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (127 / 1 - 2) من طريق أبي
جعفر البغدادي: حدثنا جعفر بن محمد به.
قلت: فالإسناد صحيح.
1927 - " الظلم ثلاثة، فظلم لا يتركه الله وظلم يغفر وظلم لا يغفر، فأما الظلم
الذي لا يغفر، فالشرك لا يغفره الله، وأما الظلم الذي يغفر، فظلم العبد
فيما بينه وبين ربه، وأما الظلم الذي لا يترك، فظلم العباد، فيقتص الله
بعضهم من بعض ".
أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " (2 / 60 - 61 ترتيبه) وعنه أبو نعيم
في " الحلية " (6 / 309) : حدثنا الربيع عن يزيد عن أنس مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل يزيد وهو الرقاشي، فإنه ضعيف كما في " التقريب
". والربيع هو ابن صبيح السعدي أبي بكر البصري، صدوق سيء الحفظ. لكن الحديث
عندي حسن، فإن له شاهدا من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها مرفوعا به نحوه،
وفيه زيادة بلفظ:(4/560)
" الدواوين عند الله عز وجل ثلاثة.. " الحديث نحوه وقد
خرجته في " الأحاديث الضعيفة " و " المشكاة " (5133) .
1928 - " الطاعون شهادة لأمتي، وخز أعدائكم من الجن، غدة كغدة الإبل، تخرج بالآباط
والمراق، من مات فيه مات شهيدا ومن أقام فيه (كان) كالمرابط في سبيل الله
ومن فر منه كان كالفار من الزحف ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 5661) وأبو بكر بن خلاد في " الفوائد "
(ق 36 / 1) والسياق له عن يوسف بن ميمون عن عطاء عن ابن عمر عن عائشة
مرفوعا. وليس عند الطبراني: " من مات فيه مات شهيدا "، وقال بدل قوله: "
ومن أقام فيه كان كالمرابط في سبيل الله ". " والصابر عليه كالمجاهد في سبيل
الله ". وقال: " تفرد به يوسف ".
قلت: وهو المخزومي مولاهم الكوفي الصباغ وهو ضعيف كما قال الحافظ في "
التقريب ". وقد وجدت لزيادة ابن خلاد طريقا أخرى عند أبي يعلى في " مسنده "
(3 / 1146) من طريق ليث عن صاحب له عن عطاء قال: قالت عائشة: ذكر الطاعون،
فذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وخزة يصيب أمتي من أعدائهم من الجن
، غدة كغدة الإبل، من أقام عليه كان مرابطا ومن أصيب به كان شهيدا ومن فر
منه كالفار من الزحف ". وليث هو ابن أبي سليم ضعيف لاختلاطه. ولسائر الحديث
شواهد كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما دون ذكر الآباط والمراق،(4/561)
وقد جاء ذكر
المراق في حديث معاذ عن أحمد (5 / 241) فلعله من أجل هذه الطرق حسن المنذري
في " الترغيب " (4 / 204) إسناد هذا الحديث، وتبعه الهيثمي (2 / 315) ،
وأشار الحافظ ابن حجر في " بذل الماعون " (69 / 1 - 2) إلى تقويته. والله
أعلم. (المراق) : ما سفل من البطن فما تحته من المواضع التي ترق جلودها.
1929 - " عائد المريض في مخرفة الجنة، فإذا جلس عنده غمرته الرحمة ".
أخرجه البزار في " مسنده " (رقم - 774) عن صالح بن موسى عن عبد العزيز بن
رفيع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، صالح بن موسى وهو التيمي الكوفي قال الحافظ في "
التقريب ": " متروك ". لكن له شاهد من حديث جابر مرفوعا بلفظ: " من عاد
مريضا لم يزل يخوض في الرحمة حتى يرجع، فإذا جلس اغتمس فيها ". أخرجه ابن
حبان (711) والحاكم (1 / 350) وأحمد (3 / 304) من طريق هشيم حدثنا عبد
الحميد بن جعفر عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن جابر بن عبد الله مرفوعا. وقال
الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا لولا أن
هشيما قد خولف في إسناده، فأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (522) عن خالد
ابن الحارث قال حدثنا عبد الحميد بن جعفر قال: أخبرني أبي أن أبا بكر بن حزم
ومحمد بن المنكدر(4/562)
في ناس من أهل المسجد عادوا عمر بن الحكم بن رافع الأنصاري
قالوا: يا أبا حفص حدثنا، قال: سمعت جابر بن عبد الله به. ووجه المخالفة
أن خالد بن الحارث أدخل بين عبد الحميد وعمر بن الحكم والد عبد الحميد وهو
جعفر بن عبد الله بن الحكم وهو ابن أخي عمر بن الحكم وهشيم أسقطه من بينهما.
ثم إن خالدا سمى جد عمر بن الحكم رافعا، بينما هشيم سماه ثوبان، ولعله من
أجل هذا الاختلاف قيل إنهما واحد، وسواء كان هذا أو ذاك فكلاهما ثقة، فلا
يضر ذلك في صحة الحديث. ولعل الأصح رواية خالد بن الحارث التي زاد فيها ذكر
جعفر بن عبد الله بن الحكم، فإن زيادة الثقة مقبولة. وجعفر ثقة أيضا من رجال
مسلم، فالحديث صحيح على كل حال. ثم وجدت لهشيم متابعا، وهو عبد الله بن
حمران الثقة، إلا أنه لم يسم جد عمر بن الحكم. أخرجه البزار (775) .
ورواه أبو معشر عن عبد الرحمن بن عبد الله الأنصاري قال:. " دخل أبو بكر بن
محمد بن عمرو بن حزم على عمر بن الحكم بن ثوبان فقال: يا أبا حفص! حدثنا
حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه اختلاف، قال: حدثني كعب ابن
مالك مرفوعا بلفظ: " من عاد مريضا خاض في الرحمة، فإذا جلس عنده استنقع فيها
". وزاد: " وقد استنقعتم إن شاء الله في الرحمة ".(4/563)
أخرجه أحمد (3 / 460)
. لكن أبو معشر هذا واسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي ضعيف من قبل حفظه فلا
يلتفت إلى مخالفته. وللحديث شاهد آخر من حديث علي رضي الله عنه مضى برقم
(1367) . وأما الحديث الذي أورده السيوطي في " الجامع " من رواية أحمد
والطبراني عن أبي أمامة مرفوعا بلفظ: " عائد المريض يخوض في الرحمة، فإذا
جلس عنده غمرته الرحمة، ومن تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على وجهه أو
على يده، فيسأله كيف هو؟ وتمام تحيتكم بينكم المصافحة ".
قلت: فهو عند أحمد في " مسنده " مفرقا في موضعين (5 / 260 و 268) من طريق
عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عنه.
قلت: وهذا إسناد واه جدا، عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد وهو الألهاني
متروك. والحديث أخرج الترمذي منه " تمام عيادة المريض ... " وقال (2 / 122
) : " ليس إسناده بذاك ". وأخرجه الطبراني في " الكبير " (7854) من الطريق
المذكور بتمامه. (المخرفة) : سكة بين صفين من نخل يخترق من أيها شاء، أي
يجتني. وقيل: المخرفة: الطريق. أي أنه على طريق تؤديه إلى طريق الجنة. "
نهاية ".
1930 - " لا شؤم، وقد يكون اليمن في ثلاثة: في المرأة والفرس والدار ".(4/564)
أخرجه ابن ماجة (1 / 614) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 341) : حدثنا
هشام بن عمار حدثنا إسماعيل بن عياش حدثني سليمان بن سليم الكتاني عن يحيى بن
جابر عن حكيم بن معاوية عن عمه مخمر بن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: فذكره. وأخرجه الترمذي (2 / 135) : حدثنا علي بن حجر
حدثنا إسماعيل بن عياش به إلا أنه قال: عن عمه حكيم بن معاوية. فاختلفا في
اسم صاحبيه. وذلك غير ضائر إن شاء الله تعالى. وهذا إسناد صحيح، ورجاله
ثقات كما في " الزوائد ".
قلت: وإسماعيل بن عياش حجة في روايته عن الشاميين، وهذه منها. وأما قول
الحافظ في " الفتح " (6 / 46) بعد أن عزاه للترمذي: " في إسناده ضعف "، فهو
مما لا وجه له بعد أن بينا أنه إسناد شامي والخلاف المذكور في اسم صاحبيه لا
يضر وذلك لأن الصحابة كلهم عدول. على أن علي بن حجر أوثق وأحفظ من هشام بن
عمار، فروايته أرجح وأصح. ثم رأيت ابن أبي حاتم قد ذكر في " العلل " (2 /
299) عن أبيه أنه جزم بهذا الذي رجحته. فالحمد لله على توفيقه، وأسأله
المزيد من فضله. والحديث صريح في نفي الشؤم، فهو شاهد قوي للأحاديث التي
جاءت بلفظ: " إن كان الشؤم في شيء.. " ونحوه خلافا للفظ الآخر: " الشؤم في
ثلاث ... ". فهو بهذا اللفظ شاذ مرجوح كما سبق بيانه تحت الحديث (393) .
1931 - " عالجيها بكتاب الله ".(4/565)
أخرجه ابن حبان (1419) من طريق عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة: " أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها، فقال: " فذكره
. قلت: وإسناده صحيح. وفي الحديث مشروعية الترقية بكتاب الله تعالى ونحوه
مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الرقى كما تقدم في الحديث (178) عن
الشفاء قالت: دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال لي: "
ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة؟ ". وأما غير ذلك من الرقى
فلا تشرع، لاسيما ما كان منها مكتوبا بالحروف المقطعة والرموز المغلقة التي
ليس لها معنى سليم ظاهر، كما ترى أنواعا كثيرة منها في الكتاب المسمى بـ " شمس
المعارف الكبرى " ونحوه.
1932 - " من قال: (لا إله إلا الله) أنجته يوما من دهره، أصابه قبل ذلك ما أصابه ".
أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في " معجمه " (ق 88 / 2) وابن حيويه في " حديثه
" (3 / 2 / 2) وابن ثرثال في " سداسياته " (227 / 2) وأبو نعيم في "
الحلية " (5 / 46) والخطيب في " الموضح " (2 / 205) والبيهقي في " الشعب
" (1 / 56 - هندية) كلهم عن عمرو بن خالد المصري أخبرنا عيسى بن يونس عن
سفيان عن منصور عن هلال بن يساف عن الأغر عن أبي هريرة مرفوعا به.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمرو بن خالد المصري وهو
ثقة من شيوخ البخاري. وقد توبع، فرواه أبو سعيد أيضا (112 / 2) : أخبرنا
إبراهيم بن راشد أخبرنا داود بن مهران أخبرنا عيسى بن يونس به.(4/566)
ورواه الثقفي
في " الفوائد " (ج 9 / 5 / 2) عن سعيد بن الصلت حدثنا أبو ظبية عن هلال بن
يساف عن أبي هريرة لم يذكر بينهما: الأغر. وأخرجه البزار في " مسنده " (رقم
- 3) وعنه البيهقي حدثنا أبو كامل حدثنا أبو عوانة عن منصور عن هلال بن يساف
عن أبي هريرة به. وقال البزار: " لا نعلمه يروي عنه صلى الله عليه وسلم إلا
بهذا الإسناد، ورواه عيسى بن يونس عن الثوري عن منصور أيضا. وقد روي عن أبي
هريرة موقوفا، ورفعه أصح ".
قلت: كذا وقع فيه أيضا لم يذكر في إسناده (الأغر) ، وظاهر كلامه أن رواية
عيسى كذلك، فلا أدري أكذلك وقعت الرواية عنده عنه، أم هو تساهل منه في حمل
روايته على رواية أبي عوانة؟ وسواء كان هذا أو ذاك فالسند صحيح أيضا لأن هلال
تابعي معروف الرواية عن الصحابة كعمران بن حصين وعائشة وأدرك عليا رضي الله
عنه. وقال المنذري في " الترغيب " (2 / 238) : " رواه البزار والطبراني،
ورواته رواة الصحيح ". وهو عند الطبراني في " الأوسط " (6533) من طريق
حديج بن معاوية حدثنا حصين عن هلال بن يساف عن الأغر به. وقال: " لم يروه عن
حصين إلا حديج ".
قلت: وهو صدوق يخطىء كما قال الحافظ في التقريب، فهو ممن يستشهد به، ويرجح
ثبوت ذكر الأغر في السند. والله أعلم. وللحديث طريق آخر يرويه حفص الغاضري
عن موسى الصغير عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: "
ولو بعدما يصيبه العذاب ".(4/567)
أخرجه الطبراني في " الصغير " (رقم - 1156 -
الروض) و " الأوسط " (رقم - 363) والخطيب في " الموضح " (2 / 28) وقال
الطبراني: " الغاضري هذا هو حفص بن سليمان أبو عمر القارىء ".
قلت: وهو متروك، فالاعتماد على ما قبله.
1933 - " عرضت علي الأيام، فعرض علي فيها يوم الجمعة، فإذا هي كمرآة بيضاء، وإذا
في وسطها نكتة سوداء، فقلت: ما هذه؟ قيل: الساعة ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 48 / 2) عن أبي سفيان الحميري:
حدثنا الضحاك بن حمرة عن يزيد بن حميد عن أنس بن مالك مرفوعا وقال: " لم
يروه عن يزيد إلا الضحاك، تفرد به أبو سفيان ".
قلت: هو صدوق وسط كما في " التقريب "، واسمه سعيد بن يحيى الحميري. ونحوه
الضحاك بن حمرة، فقد اختلفوا فيه ما بين موثق ومضعف، وحسن الترمذي حديثه،
فالإسناد حسن إن شاء الله تعالى. وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 164
) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني
وهو ثقة ". كذا قال، والضحاك بن حمرة لم يخرج له الشيخان شيئا. وأورده هو
والمنذري (1 / 248) عن أنس به نحوه بأتم منه، وقال الهيثمي: " رواه
الطبراني في " الأوسط "، ورجاله ثقات ". وقال المنذري: " ... بإسناد جيد "
.(4/568)
وقال في مكان آخر (4 / 274 - 275) : " رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في
" الأوسط " بإسنادين أحدهما جيد قوي، وأبو يعلى مختصرا، ورواته رواة الصحيح
والبزار ".
قلت: في إسناد الطبراني خالد بن مخلد القطواني وهو وإن كان من رجال البخاري
ففي حفظه ضعف، وهو راوي حديث " ... من عادى لي وليا ... " وهو مخرج فيما
تقدم برقم (1640) مع بيان شواهده التي تقويه. وبالجملة فالحديث بمجموع
الطريقين حسن على الأقل. ثم وجدت له طريقا أخرى أخرجه أبو نعيم في " الحلية "
(3 / 72 - 73) عن يزيد بن عبد ربه الجرجاني قال: حدثنا الوليد عن الأوزاعي
عن يحيى بن أبي كثير عن أنس بن مالك به. وقال: " غريب من حديث الأوزاعي عن
يحيى متصلا مرفوعا ولم نكتبه إلا من هذا الوجه، وقيل: إنه تفرد به يزيد ".
قلت: وهو ثقة من شيوخ مسلم ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين، لكن الوليد وهو
ابن مسلم يدلس تدليس التسوية. ويحيى بن أبي كثيرا رأى أنسا لكنه رمي بالتدليس
. وله طريق ثالث، فقال أبو يعلى (3 / 1046) : حدثنا شيبان بن فروخ أخبرنا
الصعق بن حزن أخبرنا علي بن الحكم البناني عن أنس بن مالك به. وفيه ذكر يوم
المزيد. وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال البخاري غير الصعق بن حزن فهو من
رجال مسلم وفيه كلام لا يضر. وله بهذه الزيادة طرق أخرى، خرجها ابن القيم
في " حادي الأرواح " (2 / 101 - 108) يزيد بعضهم على بعض، ثم قال:(4/569)
" هذا
حديث كبير عظيم الشأن رواه أئمة السنة وتلقوه بالقبول وجمل به الشافعي (
مسنده) ".
قلت: وهو عند البزار (320 - زوائد ابن حجر) من طريق عثمان بن عمير عن أنس.
وعثمان هذا هو أبو اليقظان الكوفي الأعمى، وهو ضعيف. وبالجملة فالحديث
صحيح بمجموع طرقه. والله أعلم.
1934 - " عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار: عصابة تغزو الهند وعصابة تكون مع
عيسى بن مريم عليه السلام ".
أخرجه النسائي (2 / 64) وأحمد (5 / 278) وأبو عروبة الحراني في " حديثه "
(102 / 2) عن بقية بن الوليد حدثنا عبد الله بن سالم وأبو بكر بن الوليد
الزبيدي عن محمد بن الوليد الزبيدي عن لقمان بن عامر الوصابي عن عبد الأعلى بن
عدي البهراني عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى
الله عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات غير أبي بكر الزبيدي فهو مجهول الحال لكنه
مقرون هنا مع عبد الله بن سالم وهو الأشعري الحمصي، ثقة من رجال البخاري.
وبقية بن الوليد مدلس ولكنه قد صرح بالتحديث، فأمنا به شر تدليسه. على أنه
قد توبع، فقال هشام بن عمار: حدثنا الجراح بن مليح البهراني حدثنا محمد بن
الوليد الزبيدي به. أخرج ابن عدي (58 / 2) وابن عساكر (15 / 100 / 1) .
وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، الجراح بن مليح وهو الحمصي صدوق.
وهشام بن عمار من شيوخ البخاري وكان يتلقن، لكن تبعه سليمان وهو ابن عبد
الرحمن بن بنت شرحبيل. أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (3 / 2 / 72)
عنه حدثنا الجراح بن مليح به.(4/570)
قلت: وهذا إسناد قوي، فصح الحديث والحمد لله.
1935 - " عقر دار المؤمنين بالشام ".
أخرجه النسائي (2 / 217 - 218) وابن حبان (1617) وأحمد (4 / 104) وابن
سعد في " الطبقات " (7 / 427 - 428) والبغوي في " مختصر المعجم " (9 / 130
/ 1) والحربي في " غريب الحديث " (5 / 174 / 1) والطبراني في " الكبير "
(6357 و 6358 و 6359) من طريق عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن
نفير عن سلمة بن نفيل الكندي قال: " كنت جالسا عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فقال رجل: يا رسول الله أذال الناس الخيل ووضعوا السلاح وقالوا
: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه
وقال: كذبوا، الآن الآن جاء القتال، ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على
الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي
وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحي إلي:
أني مقبوض غير ملبث، وأنتم تتبعوني أفنادا، يضرب بعضكم رقاب بعض وعقر ...
" الحديث.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. ورواه البزار في " مسنده " (1689)
دون قوله: " يضرب بعضكم ... " إلخ. وزاد بعد قوله: " ... يوم القيامة ".
" وأهلها معانون عليها ". وقال: " لا نعلم رواه بهذا اللفظ إلا سلمة بن
نفيل وهذا أحسن إسناد يروى في ذلك، ورجاله شاميون مشهورون إلا إبراهيم بن
سليمان الأفطس ".
قلت: وهو ثبت كما قال دحيم. ورواه عنه الطبراني أيضا (6358) .
(أذال) أي أهان. وقيل: أراد أنهم وضعوا أداة الحرب عنها وأرسلوها. كما
في " النهاية ".(4/571)
(يزيغ) أي يميل، في " النهاية ": " في حديث الدعاء: " لا تزغ قلبي " أي
لا تمله عن الإيمان. يقال: زاغ عن الطريق يزيغ إذا عدل عنه ".
1936 - " عليك بالخيل فارتبطها، الخيل معقود في نواصيها الخير ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (2 / 2 / 184) : حدثنا معلى أخبرنا محمد بن
حمران أخبرنا سلم الجرمي عن سوادة بن الربيع قال: " أتيت النبي صلى الله
عليه وسلم، وأمر لي بذود، قال لي: مر بنيك أن يقصوا أظافرهم عن ضروع إبلهم
ومواشيهم، وقل لهم: فليحتلبوا عليها سخالها، لا تدركها السنة وهي عجاف،
قال: هل لك من مال؟ قلت: نعم، لي مال وخيل ورقيق قال: " فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد أورد البخاري في ترجمة سوادة هذا، وقال: " الجرمي،
له صحبة، يعد في البصريين ". وبهذا ترجم له في " الإصابة " وخفي حاله على
المناوي فقال: " لم أر ذلك في الصحابة المشاهير "! وسلم هو ابن عبد الرحمن
الجرمي، وهو صدوق، ومثله محمد بن حمران كما في " التقريب ". ومعلى هو ابن
أسد العمي ثقة ثبت من رجال الشيخين. والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (5
/ 259) مع القصة مختصرا، وقال: " رواه البزار، ورجاله ثقات ".
قلت: وكذلك أخرجه أحمد (3 / 484) من طريق المرجي بن رجاء اليشكري قال:
حدثني سلم بن عبد الرحمن به دون قوله " وقل لهم ". وأورده السيوطي في "
الجامع " بلفظ:(4/572)
" عليك بالخيل، فإن الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم
القيامة ". وقال: " رواه الطبراني والضياء عن سوادة بن الربيع ".
قلت: هو عند الطبراني في " الكبير " (6480) من طريق معلى شيخ البخاري، لكن
وقع فيه ابن راشد العمي، وهو محرف من (أسد) . ثم روى (6482) من طريق أخرى
عن المرجي بن رجاء عن سلم (ووقع فيه: مسلم!) بإسناده ومتنه دون حديث
الترجمة، ودون قوله: " وقل لهم ... ". ونحو ذلك عند البزار (1688) .
1937 - " عليك بالهجرة فإنه لا مثل لها، ... ، عليك بالصوم فإنه لا مثل له، عليك
بالسجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة ".
رواه الطبراني في " الكبير " كما في " الجامع الصغير " و " الكبير " للسيوطي،
من حديث أبي فاطمة ولم أقف على إسناده، ولا على من تكلم عليه بتصحيح أو
تضعيف، وقد استطعت الوقوف على الحديث كله إلا فقرة الجهاد، مفرقا في عدة
مصادر إلا الفقرة المحذوفة والمشار إليها بالنقط ولفظها: " عليك بالجهاد
فإنه لا مثل له ". وإليك البيان:
1 - أخرج النسائي (2 / 182 - 183) من طريق محمد بن عيسى بن سميع قال: حدثنا
زيد بن واقد عن كثير بن مرة أن أبا فاطمة يعني حدثه أنه قال: " يا رسول حدثني
بعمل أستقم عليه وأعمله، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره مقتصرا
على الفقرة الأولى منه.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير ابن سميع، فهو صدوق يخطىء ويدلس كما
قال الحافظ، وقد صرح بالتحديث كما ترى. وله في " المسند " (3 / 428) طريق
آخر يرويه ابن لهيعة حدثنا الحارث بن يزيد عن كثير الأعرج الصدفي قال: " سمعت
أبا فاطمة.. فذكره.(4/573)
وكثير هذا هو ابن قليب بن موهب البصري، وقد فرق بينه
وبين كثير بن مرة بن يونس، وعليه جرى الحافظ، فقال في الأول: ثقة، وفي
الآخر: مقبول.
2 - أخرج ابن شاهين في " الصحابة " من وجه ضعيف عن أبان بن أبي عياش - أحد
المتروكين - عن أنس أن أبا فاطمة الأنصاري أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: فذكر الفقرة الثالثة في الصوم، كذا في " الإصابة " لابن حجر. لكن لهذه
الفقرة شاهد صحيح من حديث أبي أمامة مرفوعا مثله. أخرجه النسائي وصححه ابن
خزيمة وابن حبان والحاكم وهو مخرج في " تخريج الترغيب " (2 / 61 - 62)
وقد أخرجه الطبراني (7463 - 7465) وسنده صحيح.
3 - أخرج ابن ماجة (1 / 435) من طريق الوليد بن مسلم حدثنا عبد الرحمن بن
ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن كثير بن مرة أن أبا فاطمة حدثه قال: " قلت
: يا رسول الله أخبرني بعمل أستقيم عليه وأعمله، قال: عليك بالسجود.... "
إلخ.
قلت: وهذا إسناد جيد كما قال المنذري (1 / 145) . وأخرجه أحمد (3 / 428)
والدولابي في " الكنى " (1 / 48) من طريق ابن لهيعة قال: حدثنا الحارث بن
يزيد عن كثير الأعرج الصدفي قال: سمعت أبا فاطمة وهو معنا بذي الفواري يقول:
فذكره مرفوعا بلفظ: " يا أبا فاطمة أكثر من السجود ... "، الحديث دون قوله:
" وحط عنك خطيئة ".
قلت: ورجاله ثقات غير كثير وهو ابن قليب، قال الذهبي: " مصري لا يعرف ".
وقيل: إنه كثير بن مرة المذكور في الطريق الذي قبله. والله أعلم.(4/574)
وفي
رواية لأحمد من طريق ابن لهيعة أيضا عن يزيد بن عمرو عن أبي عبد الرحمن الحبلي
عن أبي فاطمة الأزدي أو الأسدي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا
أبا فاطمة إن أردت أن تلقاني فأكثر السجود ". ورجاله ثقات غير ابن لهيعة فهو
سيء الحفظ، وإسناده الأول أصح لأنه من رواية عبد الله بن يزيد المقرىء عنه
عند الدولابي وهو صحيح الحديث عنه. والله أعلم. وجملة القول أن الحديث
صحيح إلا فقرة الجهاد لجهلي بحال إسنادها عند الطبراني، وعدم العثور على شاهد
لها. والله تعالى أعلم. ثم وقفت على الحديث في المجلد الثاني والعشرين من "
المعجم الكبير " للطبراني الذي صدر أخيرا بتحقيق أخينا الفاضل حمدي عبد المجيد
السلفي، وقد أهداه إلي مع ما قبله من الأجزاء، جزاه الله خيرا، فرأيت
الحديث فيه رقم (810) من طريق زيد بن واقد عن سليمان بن موسى عن كثير ابن مرة
أن أبا فاطمة حدثه قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل.. الحديث مثل رواية
النسائي الأولى، لكن بالفقرات الأربع كلها. ورجاله ثقات غير بكر بن سهل شيخ
الطبراني، قال الذهبي: " حمل الناس عنه، وهو مقارب الحال، قال النسائي:
ضعيف ".
قلت: وأعله أخونا حمدي بقوله: " وسليمان بن موسى لم يدرك كثير بن مرة ".
قلت: وهذا قول أبي مسهر وفيه عندي نظر لأن كلاهما شامي تابعي وإن كان كثير
أقدم، فقد ذكره البخاري في " التاريخ الصغير " (ص 95) في فصل من مات " ما
بين الثمانين إلى التسعين "، وذكر (ص 137) أن سليمان بن موسى عاش إلى سنة(4/575)
ثلاث وعشرين يعني ومائة، فهو قد أدركه يقينا، فلعل أبا مسهر يعني أنه لم
يسمع منه. فالله أعلم. وقد تابعه عند الطبراني (809) مكحول عن كثير بن مرة
به. لكن في الطريق إليه بقية بن الوليد وهو مدلس وقد عنعنه. وشيخ الطبراني
: عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصي لم أجد له ترجمة. وبعد، فإن
فقرة الجهاد هذه لا تزال بحاجة إلى ما يشهد لها ويقويها. والله أعلم.
1938 - " عليك بحسن الخلق وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (2 / 834) : حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي
أخبرنا بشار بن الحكم أخبرنا ثابت البناني عن أنس قال: " لقي رسول الله
صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال: يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على
الظهر، وأثقل (في الميزان) من غيرهما؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: "
فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني في " الأوسط " (7245) والبيهقي في
" شعب الإيمان " (1 / 65 / 1) من طريقين آخرين حدثنا إبراهيم بن الحجاج
السامي به. وتابعه معلى بن أسد حدثنا بشار بن الحكم أبو بدر الضبي به. أخرجه
ابن أبي الدنيا في " الصمت " (4 / 32 / 2) والبزار (ص 329 - زوائد ابن حجر
) ، وقال: " تفرد به بشار، وهو ضعيف ".
قلت: هو من رجال " الميزان " و " اللسان "، وقد تحرف اسمه في الطرق(4/576)
المذكورة
تحريفا فاحشا، وفي غيرها أيضا! فوقع عند أبي يعلى والبيهقي " سيار " وفي
" زوائد البزار ": " مبارك "! وفي " كنى الدولابي " (1 / 126) " يسار "!
وكان مما ساعدنا على معرفته أنه وقع على الصواب في كلام البزار المذكور عقب
الحديث: " تفرد به بشار، وهو ضعيف ". وقد أشار الحافظ في " اللسان " إلى
كلام البزار هذا، ولكنه سقط من الناسخ أو الطابع التضعييف المذكور. ونقل
ابن أبي حاتم (1 / 1 / 416) عن أبي زرعة أنه قال فيه: " شيخ بصري منكر
الحديث ". وكذا قال الذهبي في " الضعفاء ". وأما قول الهيثمي في " المجمع "
(8 / 22) : " رواه أبو يعلى والطبراني في " الأوسط " ورجال أبي يعلى ثقات "
. ومثله قول المنذري في " الترغيب " (3 / 258) : " رواه ابن أبي الدنيا
والطبراني والبزار وأبو يعلى بإسناد جيد، رواته ثقات ".
قلت: فلعل وجهه - أعني التوثيق المطلق الشامل لبشار هذا - إنما هو الاعتماد
على قول ابن عدي: " أرجو أنه لا بأس به " كما في " الميزان ". لكن ذكر الحافظ
بن حجر أن أول كلام ابن عدي وهو في كتابه " الكامل " (ق 35 / 1) :
" منكر الحديث عن ثابت وغيره ولا يتابع وأحاديثه أفراد وأرجو أنه لا بأس به
وهو خير من بشار بن قيراط ".
قلت: ابن قيراط كذبه أبو زرعة وضعفه غيره، فكأن ابن عدي يعني بقوله أنه لا
بأس به من جهة صدقه، أي أنه لا يتعمد الكذب وإلا لو كان يعني من جهة حفظه
أيضا لم يلتق مع أول كلامه: " منكر الحديث ... "، وقال ابن حبان: " ينفرد
عن ثابت بأشياء ليست من حديثه ".(4/577)
قلت: فمثله إلى الضعف بل إلى الضعف الشديد أقرب منه إلى الصدق والحفظ.
والله أعلم. لكن قال المنذري عقب ما سبق نقله عنه: " رواه أبو الشيخ ابن
حيان في " كتاب الثواب " بإسناد واه عن أبي ذر، ولفظه: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " يا أبا ذر ألا أدلك على أفضل العبادة وأخفها على البدن
وأثقلها في الميزان وأهونها على اللسان؟ قلت: بلى فداك أبي وأمي، قال:
عليك بطول الصمت وحسن الخلق، فإنك لست بعامل مثلهما ". ورواه أيضا من حديث
أبي الدرداء قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا الدرداء ألا أنبؤك
بأمرين خفيف مؤنتهما، عظيم أجرهما، لم تلق الله عز وجل بمثلهما؟ طول الصمت
وحسن الخلق ".
قلت: ووجدت له شاهد آخر مرسل. أخرجه ابن أبي الدنيا (4 / 39 / 2) عن محمد
ابن عبد العزيز التيمي عن جليس لهم عن الشعبي قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لأبي ذر: " ألا أدلك على أحسن العمل وأيسره على البدن؟ قال: بلى
بأبي أنت وأمي، قال: حسن الخلق وطول الصمت عليك بهما، فإنك لن تلقى الله
بمثلهما ".
قلت: وهذا إسناد مرسل حسن لولا أن الجليس لم يسم، وعلى كل حال، فالحديث به
وبحديث أبي ذر وأبي الدرداء حسن على الأقل إن شاء الله تعالى.
1939 - " عليك بحسن الكلام، وبذل الطعام ".
أخرجه البخاري في " خلق أفعال العباد " (ص 79) وابن أبي الدنيا في " الصمت "
(2 / 9 / 1) والحاكم (1 / 23) والخطيب في " الموضح " (2 / 4) عن يزيد(4/578)
ابن المقدام بن شريح بن هاني عن المقدام عن أبيه عن هاني " أنه لم وفد على
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول أي شيء يوجب الجنة؟ قال: " فذكره
، وقال الحاكم: " حديث مستقيم، وليس له علة قادحة ". ووافقه الذهبي وهو
كما قال ولذلك أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1937 و 1938) وفي رواية له: "
عليك بطيب الكلام وبذل السلام وإطعام الطعام ". وهي شاذة لمخالفتها لما
قبلها، وعليها جمع من الثقات بخلاف الشاذة هذه، فقد تفرد بها أحدهم.
1940 - " سيوقد المسلمون من قسي يأجوج ومأجوج ونشابهم وأترستهم سبع سنين ".
أخرجه ابن ماجة (4076) : حدثنا هشام بن عمار حدثنا يحيى بن حمزة حدثنا ابن
جابر عن يحيى بن جابر الطائي: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه أنه
سمع النواس بن سمعان يقول: فذكره مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم غير هشام بن عمار، فإنه على شرط البخاري
إلا أنه قد تكلم فيه لأنه كان يتلقن. لكنه قد توبع، فقال الترمذي (2 / 37 -
38) : حدثنا علي بن حجر أخبرنا الوليد بن مسلم وعبد الله بن عبد الرحمن بن
يزيد بن جابر - دخل حديث أحدهما في حديث الآخر - عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر
به. وهو عنده قطعة من حديث النواس الطويل في خروج الدجال ويأجوج ومأجوج
وقيام الساعة على شرار الخلق. وقد أخرجه مسلم (8 / 198 - 199) بإسناد
الترمذي هذا، ولكنه لم يسق لفظه وإنما أحال به على لفظ قبله، ساقه من رواية
زهير بن حرب: حدثنا الوليد بن مسلم حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني
يحيى بن جابر الطائي ... الحديث بطوله دون حديث الترجمة. ولكنه قد أشار
الإمام مسلم إليه بقوله(4/579)
عقب سوقه لإسناد علي بن حجر: " نحو ما ذكرنا ". وأكد
ذلك رواية الترمذي على علي بن حجر، ففي سياقه - كما رأيت - حديث الترجمة،
فالغالب أنه عند مسلم أيضا لأن شيخهما واحد، فالسياق ينبغي أن يكون واحد
وإنما لم يسقه مسلم اكتفاء منه بسياق زهير بن حرب، ولم ينبه على زيادة ابن
حجر هذه اختصارا منه، وله من مثل هذا شيء كثير لا يخفى على المتبحر بدراسة
كتابه، والله أعلم. ثم قال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من
حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ".
1941 - " عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، فإنه باب من أبواب الجنة، يذهب
الله به الهم والغم ".
رواه الهيثم بن كليب في " مسنده " (137 / 1) والحاكم (2 / 74 - 75)
والضياء في " المختارة " (69 / 1) من طريق أحمد بن أبي إسحاق الفزاري عن عبد
الرحمن بن عياش عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت
مرفوعا. ثم رواه الأولان من هذا الوجه إلا أنهما أدخلا سفيان بين الفزاري
وابن عياش ثم قال الضياء: فلعل أبا إسحاق سمعه من عبد الرحمن ومن سفيان عنه
، فكان يرويه مرة عن عبد الرحمن، ومرة عن سفيان. والله أعلم. وقال الحاكم
: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.(4/580)
ثم رواه الهيثم وكذا الضياء (69 - 71
) عن عبد الرحمن بن الحارث (وهو ابن عياش) عن سليمان بن موسى عن مكحول عن
أبي سلام الباهلي عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت به.
قلت: ورجاله ثقات على الخلاف المذكور في إسناده غير أني لم أعرف أبا سلام
الباهلي وقد قيل فيه أبو سلام الأعرج. رواه أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم
عن أبي سلام الأعرج عن المقدام بن معدي كرب عن عبادة الصامت به نحوه. أخرجه
أحمد (5 / 314 و 316 و 326) . وأبو بكر هذا ضعيف لاختلاطه. وتابعه سعيد بن
يوسف عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام نحو ذلك. أخرجه أحمد (5 / 326) .
ويحيى بن أبي كثير ثقة ولكن الراوي عنه سعيد بن يوسف وهو الرحبي الصنعاني
ضعيف ولولا ضعفه لكان من الممكن أن يقال: إن أبا إسلام هذا هو الحبشي: ممطور
لأن ابن أبي كثير يروي عنه كثيرا، ويؤيد ذلك أن أبا بكر بن أبي مريم قد وصفه
في روايته بالأعرج، وهو ممطور نفسه. والله أعلم. وثمة اختلاف آخر على
مكحول، فقد قال عبد الرحمن بن ثوبان: عن أبيه عن مكحول عن عبادة بن الصامت.
أخرجه ابن بشران في " الأمالي " (87 / 2) .
قلت: وأسقط واسطتين بين مكحول وعبادة، ولعل ذلك من مكحول نفسه، فإنه
موصوف بالتدليس. والله أعلم. وجملة القول إن الحديث بمجموع الطريقين عن
عبادة صحيح، لاسيما وله طريق ثالث عنه بسند جيد بنحوه وهو الآتي بعده:
" كان يأخذ الوبر من جنب البعير من المغنم ثم يقول: مالي فيه إلا مثل ما
لأحدكم. ثم يقول: إياكم والغلول، فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة،
فأدوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك، وجاهدوا في الله القريب والبعيد، في
الحضر والسفر، فإن الجهاد باب من الجنة، إنه ينجي صاحبه من الهم والغم.
وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم ".(4/581)
1942 - " كان يأخذ الوبر من جنب البعير من المغنم ثم يقول: مالي فيه إلا مثل ما
لأحدكم. ثم يقول: إياكم والغلول، فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة،
فأدوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك، وجاهدا في الله القريب والبعيد، في
الحضر والسفر، فإن الجهاد باب من الجنة، إنه ينجي صاحبه من الهم والغم.
وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم ".
أخرجه عبد الله بن أحمد (5 / 330) والضياء في " المختارة " (67 / 1) عن
عبد الله بن سالم المفلوج حدثنا عبيدة بن الأسود عن القاسم بن الوليد عن أبي
صادق عن ربيعة بن ناجذ عن عبادة بن الصامت مرفوعا. ولابن ماجة (2540)
الفقرة الأخيرة منه التي فيها إقامة الحدود.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات غير ربيعة هذا فقد وثقه الحافظ فقط تبعا
لابن حبان. لكن رواه أحمد (5 / 316 و 326) وابن عساكر (8 / 428 / 1) من
طريق المقدام بن معدي كرب أنبأنا عبادة بن الصامت به. وستأتي طريق المقدام
هذه ولفظها برقم (1972) .
1943 - " عليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كل شجر، وهو شفاء من كل داء ".
أخرجه الحاكم (4 / 403) من طريق إسرائيل عن الركين بن الربيع عن قيس بن مسلم
عن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود مرفوعا به. وقال الحاكم: " صحيح
الإسناد ". ووافقه الذهبي.(4/582)
وقد تابعه شعبة عن الركين لكن في الطريق إليه من
في حفظه ضعف وهو الرقاشي كما سبق في " ما أنزل الله من داء " (رقم - 518) .
وبالجملة فالحديث صحيح بهذين الطريقين عن ركين. وله طريق أخرى عن ابن مسعود
بزيادة فيه بلفظ: " عليكم بألبان البقر وسمنانها وإياكم ولحومها، فإن
ألبانها وسمنانها دواء وشفاء ولحومها داء ". أخرجه الحاكم (4 / 404) من
طريق سيف بن مسكين حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن الحسن بن سعد عن
عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه مرفوعا به. وقال الحاكم: " صحيح
الإسناد ". وتعقبه الذهبي في " التلخيص " بقوله: " قلت: سيف وهاه ابن حبان
" وقال في " الميزان ": " شيخ يأتي بالمقلوبات والأشياء الموضوعة، قاله ابن
حبان ".
قلت: وله علتان أخريان: اختلاط المسعودي، ومظنة الانقطاع بين عبد الرحمن
ابن عبد الله بن مسعود وأبيه. قال يعقوب بن شيبة: ثقة مقل، تكلموا في
روايته عن أبيه لصغره. وقال ابن معين: سمع من أبيه، وقال مرة: لم يسمع
منه ". كذا في " الميزان ". وفي " التقريب ": ثقة من صغار الثانية، وقد
سمع من أبيه لكن شيئا يسيرا ". فالحديث بهذه الزيادة ضعيف الإسناد. لكن يأتي
ما يقويه قريبا. وأخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 27 / 1) من طريق عبد
الرزاق عن الثوري(4/583)
ومن طريق المسعودي عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن ابن
مسعود موقوفا عليه باللفظ الأول دون ذكر الشفاء. وأخرجه الفاكهي في " حديثه "
(27 / 10) عن المسعودي به لكن رفعه. وكذلك أخرجه أبو إسحاق الحربي في "
غريب الحديث " (5 / 15 / 1) . وكذلك أخرجه البغوي في " حديث علي بن الجعد "
(9 / 79 / 1) والهيثم بن كليب في " مسنده " (84 / 2) وابن عساكر في "
تاريخ دمشق " (8 / 242 / 2) من طرق عن قيس بن مسلم مرفوعا به. ثم أخرجه
البغوي وابن عساكر وكذا عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (65 / 2) من
طريق أخرى عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب مرفوعا مرسلا لم يذكر ابن مسعود،
قال ابن عساكر: " المحفوظ الموصول ".
قلت: وهذا ما كنت رجحته فيما تقدم تحت هذا الحديث بلفظ آخر (رقم - 518) .
ومن هذا التخريج يتبين أن الحديث مرفوعا صحيح الإسناد، لاتفاق جماعة من
الثقات على روايته عن قيس بن مسلم عن طارق عن ابن مسعود مرفوعا باللفظ الأول.
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وأما الزيادة فهي وإن كانت ضعيفة الإسناد،
فقد مضى لها شاهد من حديث مليكة بنت عمرو مرفوعا نحوه، فراجعه برقم (1533) .
ولها شاهد آخر دون ذكر اللحم ولفظه: " عليكم بألبان البقر فإنه شفاء وسمنها
دواء ". رواه أبو نعيم في " الطب " كما في " الجزء المنتقى منه " (81 - 82)
عن دفاع بن(4/584)
دغفل السدوسي عن عبد الحميد بن صيفي بن صهيب عن أبيه عن جده صهيب
الخير مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، وهو على شرط ابن حبان، فإنه وثق
جميع رجاله، وفي بعضهم خلاف.
(تنبيه) زاد ابن عساكر وحده في روايته زيادة أخرى منكرة، فقال: " عليكم
بألبان الإبل والبقر ... ". فزاد لفظة " الإبل "، ولم ترد في شيء من طرق
الحديث وشواهده مطلقا - فيما علمت - فهي زيادة باطلة. ويؤكد ذلك أن ابن
عساكر رواها من طريق البغوي أخبرنا محمد بن بكار أخبرنا قيس بن مسلم به.
والبغوي نفسه أخرجه في المصدر السابق بهذا الإسناد عينه دون الزيادة، فثبت
بطلانها، وكنت أود أن أقول: لعلها زيادة من بعض النساخ ولكني وجدت السيوطي
قد أورد الحديث بهذه الزيادة في " الجامع الصغير " من رواية ابن عساكر، فعلمت
أنها ثابتة عنده، فهو وهم من بعض رواته بينه وبين البغوي. والله أعلم.
1944 - " فضل الله قريشا بسبع خصال: فضلهم بأنهم عبدوا الله عشر سنين لا يعبده إلا
قرشي، وفضلهم بأنه نصرهم يوم الفيل وهم مشركون، وفضلهم بأنه نزلت فيهم
سورة من القرآن لم يدخل فيهم غيرهم: * (لإيلاف قريش) *، وفضلهم بأن فيهم
النبوة، والخلافة، والحجابة، والسقاية ".(4/585)
أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 341) ، فقال: في ترجمة
إبراهيم بن محمد بن ثابت بن شرحبيل من بني عبد الدار بن قصي المدني: قال لي
أبو مصعب حدثنا إبراهيم عن عثمان بن عبد الله بن أبي عتيق عن سعيد بن عمرو بن
جعدة عن أبيه عن جدته أم هانىء مرفوعا به. ومن هذا الوجه أخرجه ابن عدي
في " الكامل " (ق 5 / 1) والطبراني والبيهقي في " مناقب الشافعي " (1 / 34
) ، وقال الحافظ العراقي في " محجة القرب في محبة العرب " (ق 25 / 1) بعدما
ساقه من طريق الطبراني بنحوه: " هذا حديث حسن ورجاله كلهم ثقات معروفون إلا
عمرو بن جعدة بن هبيرة، فلم أجد فيه تعديلا ولا تجريحا، وهو ابن أخت علي
ابن أبي طالب، وهو أخو يحيى بن جعدة بن هبيرة، أحد الثقات ".
قلت: في هذا الكلام نظر من وجوه:
الأول: أنه مع جهالة عمرو بن جعدة التي أشار إليها العراقي، فإن ابنه سعيدا
حاله قريب من حال أبيه، فإنه لم يوثقه غير ابن حبان لكن قد روى عنه جمع.
والثاني: أن عثمان بن عبد الله بن أبي عتيق أورده ابن أبي حاتم في " الجرح
والتعديل " (3 / 1 / 156) من رواية إبراهيم هذا وسليمان بن بلال عنه، ولم
يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ولعله في " ثقات ابن حبان ".
الثالث: وهو الأهم أن علة الحديث إبراهيم المذكور، فإنه مختلف فيه، فقد
وثقه ابن حبان، وقال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 125) عن أبيه: " صدوق ".
وقال ابن عدي: " روى عنه عمرو بن أبي سلمة وغيره مناكير ". وكذا قال
الذهبي، واستنكر له هذا الحديث كما يأتي.(4/586)
لكن ختم ابن عدي ترجمته بقوله:
" وأحاديثه صالحة محتملة، ولعله أتي ممن قد رواه عنه ".
قلت: كيف يصح هذا الاحتمال وممن روى عنه المناكير عمرو بن أبي سلمة كما سبق
عن ابن عدي نفسه، وعمرو ثقة حافظ؟ ! وروى عنه هذا الحديث ذاته أبو مصعب كما
رأيت، وهو أحمد بن أبي بكر الزهري المدني الفقيه، وهو ثقة أيضا من رجال
الشيخين. وبالجملة، فإبراهيم هذا لا يخلوا من ضعف ما دام أن الثقات رووا عنه
المناكير ومما يؤيد ذلك أنه خولف في إسناده، فقال الإمام البخاري عقبه:
" وقال لي الأويسي: حدثني سليمان عن عثمان بن عبد الله بن أبي عتيق عن ابن
جعدة المخزومي عن ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ".
قلت: فأرسله أو أعضله ورجحه البخاري فقال عقبه: " بإرسال أشبه ". وسليمان
الذي أرسله هو ابن بلال المدني ثقة من رجال الشيخين أيضا، فمخالفة إبراهيم
إياه في وصل الحديث مردودة كما لا يخفى على من كان عنده أدنى معرفة بقواعد هذا
العلم الشريف. ثم إنه قد رواه جمع غير أبي مصعب، منهم يعقوب بن محمد الزهري:
حدثنا إبراهيم بن محمد بن ثابت به. أخرجه الحاكم (2 / 536) ، وقال: " صحيح
الإسناد "! وتعقبه الذهبي، فقال: " قلت: يعقوب ضعيف، وإبراهيم صاحب
مناكير، هذا أنكرها ".(4/587)
قلت: لا دخل ليعقوب في هذا الحديث فإنه متابع كما تقدم بل أخرجه الحاكم (4 /
54) أيضا من طريقين آخرين عن إبراهيم، فسلم يعقوب من عهدته، وانحصرت العلة
في إبراهيم. لكن ذكر العراقي له شاهد من رواية الطبراني في " المعجم الأوسط "
أخرجه في ترجمة مصعب بن إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن
العوام برقم (9327) فقال: حدثنا مصعب حدثني أبي حدثنا عبد الله بن مصعب بن
ثابت بن عبد الله بن الزبير عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير مرفوعا به،
وسياق الحديث له قال: " لا يروى عن الزبير إلا بهذا الإسناد ". وقال
العراقي: " هذا حديث يصلح أن يخرج للاعتبار به والاستشهاد، فإن عبد الله بن
مصعب بن ثابت ذكره ابن حبان في " الثقات "، وضعفه ابن معين ".
قلت: هو صالح للاستشهاد كما يشير إليه كلامه، فقد روى عنه جمع من الثقات،
وقال ابن أبي حاتم (2 / 2 / 178) عن أبيه: " هو شيخ، بابة عبد الرحمن بن
أبي الزناد ". يعني أنه نحوه في الرواية، والمتقرر فيه أنه حسن الحديث،
فابن مصعب عنده مثله أو قريب منه، فهو على الأقل صالح للاعتضاد به والاستشهاد
بحديثه. وسائر رجاله ثقات غير شيخ الطبراني مصعب فإني لم أجد له ترجمة كما
كانت ذكرت في تخريج حديث آخر في " المعجم الصغير " (رقم - 56 - الروض النضير)
لكنه قد توبع، فقد أخرجه البيهقي في " المناقب " (1 / 33) من طريق إبراهيم
ابن حمزة: حدثنا عبد الله بن مصعب بن ثابت به.(4/588)
وأخرجه ابن عساكر (17 / 493
/ 2) من طريق أخرى عن عبد الله به. وإبراهيم هذا صدوق من رجال البخاري.
ولذلك فقد انشرح الصدر واطمأنت النفس لقول الحافظ العراقي المتقدم: إنه حديث
حسن. يعني لغيره. لاسيما ولبعض فقراته شواهد، فالفقرة الرابعة مثلا شاهدها
في " المعجم الكبير " للطبراني (رقم 368) . والخامسة مضى لها شاهد برقم (
1851) . والأحاديث في معناها كثيرة بل إنها بلغت مبلغ التواتر.
1945 - " عجبت لصبر أخي يوسف وكرمه - والله يغفر له - حيث أرسل إليه ليستفتي في
الرؤية، ولو كنت أنا لم أفعل حتى أخرج، وعجبت لصبره وكرمه - والله يغفر
له - أتى ليخرج فلم يخرج حتى أخبرهم بعذره، ولو كنت أنا لبادرت الباب ".
أخرجه الطبراني (رقم 11640) عن إبراهيم بن يزيد عمرو بن دينار عن عكرمة عن
ابن عباس مرفوعا به، وزاد: " ولولا الكلمة لما لبث في السجن حيث يبتغي
الفرج من عند غير الله، قوله: * (اذكرني عند ربك) * ". ومن هذا الوجه رواه
ابن جرير وغيره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، إبراهيم هذا هو الخوزي متروك الحديث كما في
" مجمع الزوائد " (7 / 40) و " التقريب ". ولذلك قال ابن كثير: " هذا
الحديث ضعيف جدا ". وقد عزاه لعبد الرزاق: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن
دينار عن عكرمة به مرسلا لم يذكر ابن عباس في إسناده، ولا قوله: " ولولا
الكلمة ... " في آخره. وهو الصحيح. وإنما صح هذا بلفظ آخر.(4/589)
فقال أبو بكر
الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (50 / 1 رقم الحديث 52) قال: قرىء على أبي
نصر محمد بن حمدويه بن سهل المطوعي - في المحرم سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة في
دار بكار وهو ينظر في كتابه - قيل: حدثكم محمود بن آدم قال: حدثنا سفيان بن
عيينة عن عمرو بن دينار به إلا أنه قال: " حين سئل عن البقرات العجاف كيف أخبر
حتى يخرجوه ". وهذه متابعة قوية، وإسناد جيد، فإن ابن عيينة ثقة حافظ.
ومحمود بن آدم وهو المروزي ثقة. قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 290 - 291) :
" كتب إلى أبي وأبي زرعة وإلي، وكان ثقة صدوقا ". وأبو نصر المطوعي من
شيوخ الدارقطني وقال: " هو ثقة حافظ ". فثبت الحديث بذلك والحمد لله.
وقد جاء الحديث بنحوه من رواية أبي هريرة، وقد مضى برقم (1867) وفي بعض
طرقه الزيادة التي في آخر الحديث وقد استنكرها الحافظ ابن كثير كما سبق بيانه
هناك.
1946 - " صومي عن أختك ".
أخرجه الطيالسي في " مسنده " (2630) : حدثنا شعبة عن الأعمش قال: سمعت مسلم
البطين يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: " أن امرأة أتت النبي صلى الله
عليه وسلم فذكرت له أن أختها نذرت أن تصوم شهرا وأنها ركبت البحر فماتت ولم
تصم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره.(4/590)
وأخرجه أحمد (1 / 338
) : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة به.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه من طرق أخرى عن الأعمش
به نحوه بلفظ: " أمك ". لكن علقه البخاري فقال: " ويذكر عن أبي خالد هو
" الأحمر ": حدثنا الأعمش عن الحكم ومسلم البطين وسلمة بن كهيل عن سعيد بن
جبير وعطاء ومجاهد عن ابن عباس: قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم: إن
أختي ماتت ". وو صله مسلم (3 / 156) ولكنه لم يسق لفظه، وغيره كالنسائي
في " الكبرى " (4 / 42 / 2) من هذا الوجه، وقال الترمذي (1 / 138 - بولاق
) : " حسن صحيح " وقال هو والنسائي: " صوم شهرين متتابعين ". والحديث من
معاني قوله صلى الله عليه وسلم: " من مات وعليه صيام صام عنه وليه ". متفق
عليه من حديث عائشة لأن الولي أعم من أن يكون ابنا أو أختا، وهو محمول على
صوم النذر أيضا كما حققه ابن القيم في بعض كتبه، ولعله " تهذيب السنن "
فليراجع.
1947 - " كان يعرض نفسه على الناس في الموقف، فيقول: ألا رجل يحملني إلى قومه، فإن
قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي ".
أخرجه البخاري في " أفعال العباد " (ص 77 - هند) وأبو داود (4734)
والترمذي (2 / 152) والدارمي (ص 428 - هند) . وابن ماجة (201) وابن
منده في " التوحيد " (113 / 2) وابن عبد الهادي في " هداية الإنسان " (2 /
239 / 1) عن إسرائيل حدثنا عثمان بن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد عن جابر قال
: فذكره مرفوعا،(4/591)
وقال الترمذي: " حديث غريب صحيح ".
قلت: وهو على شرط البخاري. وأخرجه أحمد (3 / 322 و 339) من طريق أبي
الزبير عن جابر نحوه مختصرا. وهو على شرط مسلم.
1948 - " والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر، لصافحتكم
الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة! ساعة وساعة، ثلاث مرات ".
أخرجه مسلم (8 / 94 - 95) والترمذي (2 / 83 - 84) وابن ماجة (2 / 559)
وأحمد (4 / 178 و 346) من طريق أبي عثمان النهدي عن حنظلة الأسيدي قال -
وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف
أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة؟ قال: سبحان الله ما تقول؟ ! قال:
قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنها
رأي العين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج
والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا،
فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت:
نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قلت
: نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنها رأي العين، فإذا خرجنا من عندك
عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا. فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره. والسياق لمسلم. وقال الترمذي: " حديث صحيح ".(4/592)
قلت: وله طريق بنحوه مختصرا سيأتي بلفظ: " لو كنتم تكونون " رقم (1976) مع
شاهد من حديث أنس يأتي برقم (1965) .
1949 - " والذي نفسي بيده لكأنما تنضحونهم بالنبل فيما تقولون لهم من الشعر ".
أخرجه أحمد (3 / 456) : حدثنا أبو اليمان قال: أنبأنا شعيب عن الزهري قال:
حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن مروان ابن الحكم أخبره أن
عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أخبره أن أبي ابن كعب أخبره أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: " من الشعر حكمه ". وكان بشير بن عبد الرحمن بن كعب
يحدث أن كعب بن مالك كان يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
ورجال إسناده كلهم رجال البخاري غير بشير بن عبد الرحمن بن كعب، فلم أجد من
وثقه سوى ابن حبان، وذكر البخاري في " التاريخ " وابن أبي حاتم في " الجرح "
أنه روى عنه الزهري وهشام بن عروة ولم يورده الحافظ في " التعجيل " مع أنه
على شرطه، وقد رواه الزهري عن عبد الرحمن بن كعب وعن عبد الرحمن بن عبد الله
ابن كعب كلاهما عن كعب به نحوه. وقد سبق بيان ذلك في: " إن المؤمن يجاهد
بسيفه ولسانه ". وقد مضى برقم (1631) . وله شاهد من حديث أنس بلفظ: " خل
عنه يا عمر! فلهي أسرع فيهم من نضح النبل ". وقد خرجته في " مختصر الشمائل
المحمدية " برقم (210) .
1950 - " والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون
الله فيغفر لهم ".(4/593)
أخرجه مسلم (8 / 94) وأحمد (2 / 308) عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة
مرفوعا. وله طريقان آخران عن أبي هريرة، وشواهد كثيرة، فانظر: " لو أنكم
لا تخطؤن " (رقم - 969) و (970) وغيرهما. ومنها الحديث الآتي بعده وبعد
أحاديث برقم (1963) ، وذكرت هناك كليمة في المراد من هذه الأحاديث.
1951 - " والذي نفسي بيده - أو قال: والذي نفس محمد بيده - لو أخطأتم حتى تملأ
خطاياكم ما بين السماء والأرض، ثم استغفرتم الله عز وجل لغفر لكم، والذي
نفس محمد بيده - أو قال: والذي نفسي بيده - لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل
بقوم يخطئون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم ".
أخرجه أحمد (3 / 238) حدثنا سريج بن النعمان حدثنا أبو عبيدة يعني عبد المؤمن
ابن عبيد الله السدوسي حدثني أخشم السدوسي قال: دخلت على أنس بن مالك قال
: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قال الهيثمي: (10 / 215
) : " رواه أحمد وأبو يعلى، ورجاله ثقات ". كذا قال، وهو صواب إلا في
أخشم هذا، فإنه لم يوثقه سوى ابن حبان، وقد قال في " الإكمال ": " هو مجهول
". وقال الحافظ في " التعجيل ": " لم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم فيه
جرحا، وصرح في روايته بسماعه من أنس، وللحديث الذي أخرجه له أحمد في
الاستغفار شاهد من حديث أبي هريرة عند مسلم ".
قلت: يعني الحديث الذي قبل هذا وإنما هو شاهد للشطر الثاني منه وأما الشطر
الأول، فله طريق أخرى عن أنس بنحوه، ولفظه:(4/594)
" قال الله: يا ابن آدم إنك ما
دعوتني.. ". وقد مضى برقم (127) ، فالحديث حسن لغيره.
تنبيه: (أخشم) هكذا وقع في " المسند " بالميم. وفي التعجيل: (أخشن)
بالنون وهو الصواب، فقد ضبطه الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي في " المؤتلف
والمختلف " ص (5) : " بالخاء المعجمة والشين المعجمة والنون ". وللحديث
بشطره الأول شاهد آخر من حديث أبي هريرة نحوه بلفظ: " لو أخطأتم ". وقد مضى
برقم (903) .
1952 - " النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع
من جرب ".
أخرجه مسلم (3 / 45) وأحمد (5 / 42 و 343 و 344) عن يحيى بن أبي كثير أن
زيد حدثه أن أبا سلام حدثه أن أبا مالك الأشعري حدثه به مرفوعا. وأخرجه
الحاكم (1 / 383) من هذا الوجه نحوه، وقال: " صحيح على شرط الشيخين ".
ووافقه الذهبي. وفيه نظر، فإن زيدا وجده أبا سلام لم يخرج لهما البخاري في
" صحيحه "، بل في " الأدب المفرد ". وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة سبق في
: " أربع في أمتي ليس هم " تحت رقم (735) . وقد ذكرت هناك أنه لم تذكر فيه
الخصلة الرابعة، وتساءلت هل سقطت من الراوي أم من ناسخ " المجمع ". والآن
فقد ترجح عندي الأول لأنها سقطت من " كشف الأستار عن زوائد البزار " (800)
أيضا، والله أعلم.(4/595)
1953 - " يا عائشة قومك أسرع أمتي بي لحاقا. قالت: فلما جلس قلت: يا رسول الله
جعلني الله فداءك لقد دخلت وأنت تقول كلاما ذعرني. قال: وما هو؟ قالت:
تزعم أن قومي أسرع أمتك بك لحاقا. قال: نعم. قالت: ومم ذاك؟ قال:
تستحليهم المنايا، وتنفس عليهم أمتهم. قالت: فقلت: فكيف الناس بعد ذلك أو
عند ذلك؟ قال: دبى تأكل شداده ضعافه حتى تقوم عليهم الساعة ".
أخرجه أحمد (6 / 81 و 90) : حدثنا هاشم قال: حدثنا إسحاق بن سعيد - يعني -
ابن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عنها. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين،
وفي " المجمع " (10 / 28) : " رواه أحمد والبزار ببعضه والطبراني في "
الأوسط " ببعضه أيضا، وإسناد هذه الرواية عند أحمد رجال الصحيح، وفي
الرواية الأولى مقال ". يشير إلى الطريق الأخرى الآتية. وللحديث شاهد عن أبي
هريرة بلفظ: " أسرع قبائل العرب " وقد مضى برقم (738) . وله طريق آخر عنها
- أيضا - بلفظ: " يا عائشة إن أول من يهلك من الناس قومك، قالت: قلت: جعلني
الله فداك أبني تيم؟ قال: لا، ولكن هذا الحي من قريش، تستحليهم المنايا
وتنفس عنهم، أول الناس هلاكا، قلت: فما بقاء الناس بعدهم؟ قال: هم صلب
الناس، فإذا هلكوا هلك الناس ". أخرجه أحمد (6 / 74) : حدثنا موسى بن داود
قال: حدثنا عبد الله بن المؤمل عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها.
وعبد الله هذا ضعيف وبقية رجاله ثقات رجال مسلم.(4/596)
(دبى) : الدبى - مقصور -: الجراد قبل أن يطير. وقيل: هو نوع يشبه الجراد
، واحدته (دباة) . " نهاية ".
1954 - " يا حسان! أجب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم أيده بروح القدس ".
أخرجه البخاري (1 / 116 و 7 / 109) ومسلم (7 / 163) عن الزهري قال:
أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد
أبا هريرة: أنشدك الله هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره؟ قال
أبو هريرة: نعم. وللزهري فيه إسناد آخر سبق في: " أجب عني " رقم (930) .
وله شاهد بنحوه من حديث البراء سيأتي بإذن الله برقم (1970) ، وقد مضى برقم
(801) .
1955 - " لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون ".
أخرجه البخاري (4 / 187 و 8 / 149 و 189) ومسلم (6 / 53) وأحمد (4 / 244
و248 و 252) من حديث المغيرة بن شعبة مرفوعا. وله شواهد كثيرة عن جمع
من الصحابة، مضى ذكر بعضها تحت حديث (270) ويأتي بعض آخر قريبا بإذن الله.
1956 - " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ".
أخرجه الحاكم (4 / 449) والطيالسي (ص 9 رقم 38) وعنه الدارمي(4/597)
(2 / 213)
وكذا الضياء رقم (120 و 121 بتحقيقي) عن همام حدثنا قتادة عن عبد الله بن
بريدة عن سليمان بن الربيع العدوي عن عمر بن الخطاب مرفوعا. وقال الحاكم
: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: ورجاله ثقات رجال الستة غير الربيع بن سليمان العدوي فلم أعرفه.
ولقتادة فيه إسناد آخر، رواه الحاكم أيضا (4 / 550) عن معاذ بن هشام حدثني
أبي عن قتادة عن أبي الأسود الديلي قال: انطلقت أنا وزرعة بن ضمرة الأشعري
إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلقينا عبد الله بن عمرو، فقال: " يوشك أن
لا يبقى في أرض العجم من العرب إلا قتيل أو أسير يحكم في دمه ". فقال زرعة:
أيظهر المشركون على الإسلام؟ ! فقال: ممن أنت؟ قال من بني عامر بن صعصعة،
فقال: " لا تقوم الساعة حتى تدافع نساء بني عامر على ذي الخصلة - وثن كان
يسمى في الجاهلية ". قال فذكرنا لعمر بن الخطاب قول عبد الله بن عمرو، فقال:
عمر ثلاث مرات: عبد الله بن عمرو أعلم بما يقول، فخطب عمر بن الخطاب رضي الله
عنه يوم الجمعة فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره بنحوه.
قال: فذكرنا قول عمر لعبد الله بن عمرو، فقال: صدق نبي الله صلى الله عليه
وسلم إذا كان ذلك كالذي قلت. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". وفي "
التلخيص " للذهبي: " على شرط البخاري ومسلم ". وهو الصواب، فإن رجاله كلهم
من رجال الشيخين.(4/598)
والحديث أورده في: " المجمع " (7 / 288) باللفظ الأول،
وقال: " رواه الطبراني في (الصغير) (1) و (الكبير) ، ورجال الكبير رجال
الصحيح ". ويشهد له الحديث الذي قبله وأحاديث أخرى بنحوه يأتي بعضها بعده.
1957 - " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله
وهم كذلك ".
أخرجه مسلم (6 / 52 - 53) وأبو داود (2 / 202) والترمذي (2 / 36) وابن
ماجة (2 / 464 - 465) وأحمد (5 / 278 - 279) والحاكم أيضا (4 / 449 -
450) من حديث ثوبان مرفوعا. وروى الحديث بزيادة فيه بلفظ: " لا تزال
طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما
أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: وأين هم؟ قال:
ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس ". رواه عبد الله بن الإمام أحمد في " المسند
" (5 / 269) فقال: وجدت في كتاب أبي بخط يده: حدثني مهدي بن جعفر الرملي
: حدثنا ضمرة عن الشيباني - واسمه يحيى بن أبي عمرو - عن عمرو بن عبد الله
الحضرمي عن أبي أمامة مرفوعا. ورواه الطبراني في " الكبير " (7643) من طريق
أخرى عن ضمرة بن ربيعة به. وهذا سند ضعيف لجهالة عمرو بن عبد الله الحضرمي،
قال الذهبي في " الميزان ": " ما علمت روى عنه سوى يحيى بن أبي عمرو الشيباني
".
_________
(1) قلت: ولم نجده في نسختنا من " المعجم الصغير "، والله أعلم. اهـ.(4/599)
وذكره ابن حبان في " الثقات " على قاعدته التي لم يأخذ بها جمهور العملاء
ولذلك لم يوثقه الحافظ في " التقريب " وإنما قال: " مقبول " أي لين الحديث.
وبقية رجال الإسناد ثقات، وفي " المجمع " (7 / 288) : " رواه عبد الله
وجادة عن خط أبيه، والطبراني، ورجاله ثقات ". كذا قال وفيه وما علمت عن
حال الحضرمي.
(تنبيه) الشيباني كذا في " المسند " و " الميزان " بالشين المعجمة والصواب:
السيباني بالمهملة المفتوحة وسكون التحتانية بعدها موحدة كما في " التقريب "،
وهكذا وقع في " الطبراني ". ولحديث أبي أمامة شاهد بنحوه رواه الطبراني (20
/ 317 / 754) عن مرة البهزي، قال الهيثمي (7 / 289) : " وفيه جماعة لم
أعرفهم ". كذا قال، ومن لم يعرفهم مترجمون في " تاريخ البخاري " و " الجرح
والتعديل " لابن أبي حاتم كما حققه صاحبنا الشيخ حمدي السلفي في تعليقه على
" المعجم "، فالصواب أن يقال: " وفيه من لم يوثق، إلا من ابن حبان، فإنه
وثق أحدهم ". والله أعلم.
1958 - " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى يأتي أمر الله ".
أخرجه الطيالسي (ص 94 رقم 689) : حدثنا شعبة عن أبي عبد الله الشامي قال:
سمعت معاوية يخطب وهو يقول: يا أهل الشام حدثني الأنصاري - يعني زيد بن
أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وإني أراكموهم يا أهل
الشام. والحديث قال في " المجمع " (7 / 287) :(4/600)
" رواه أحمد والبزار
والطبراني، وأبو عبد الله الشامي ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه أحد وبقية
رجاله رجال الصحيح ".
قلت: " هو في المسند (4 / 369) من طريق الطيالسي، وأبو عبد الله الشامي من
التراجم التي لم يقف عليها الحافظ، فقد قال في " التعجيل ": أبو عبد الله
الشامي عن معاوية وعن شعبة. كذا ذكره الهيثمي ولم أر له في أصل المسند ذكرا
ولا أورده الحسيني ". وفي " الميزان ": " أبو عبد الله الشامي عن تميم
الداري وعنه ضرار بن عمرو الملطي لا يعرف ".
قلت: وهو من هذه الطبقة، فلعله من هذا الذي روى عنه شعبة، فيكون له راويان
. وقد قيل: إن شعبة لا يروي إلا عن ثقة. والله أعلم. وقد صح عن معاوية
أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: " لا تزال طائفة من أمتي قائمة
بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهو ظاهرون على
الناس ". أخرجه مسلم (6 / 53) وأحمد (4 / 101) عن يحيى بن حمزة عن عبد
الرحمن بن يزيد بن جابر أن عمير بن هانىء حدثه قال: سمعت معاوية على المنبر
يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره، وزاد أحمد: فقام
مالك بن يخامر السكسكي فقال: يا أمير المؤمنين سمعت معاذ بن جبل يقول: وهم
أهل الشام، فقال معاوية - ورفع صوته -: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذا يقول:
وهم أهل الشام. وأخرجه البخاري (4 / 187 و 8 / 189) عن الوليد بن مسلم قال
: حدثني ابن جابر به نحوه، وفيه الزيادة. وللحديث طرق أخرى عن معاوية فانظر
: لا تزال أمة من أمتي " رقم (1971) و " من يرد الله به خيرا يفقهه.. " رقم
(1195) .(4/601)
1959 - " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل
آخرهم المسيح الدجال ".
أخرجه أبو داود (1 / 388 - 389) والحاكم (4 / 450) وأحمد (4 / 429 و 437
) من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن مطرف بن عبد الله الشخير عن عمران بن
حصين مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو
كما قالا. وقد تابعه أبو العلاء بن الشخير واسمه يزيد بن عبد الله بن الشخير
عن أخيه مطرف قال: قال لي عمران: إني لأحدثك بالحديث اليوم ينفعك الله عز وجل
به بعد اليوم، اعلم أن خير عباد الله تبارك وتعالى الحمادون، واعلم أنه لن
تزال طائفة من أهل الإسلام يقاتلون عن الحق ظاهرين على من ناوأهم، حتى يقاتلوا
المسيح الدجال، واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعمر من أهله في
العشر، فلم تنزل آية تنسخ ذلك، ولم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى مضى لوجهه، ارتأى كل امرئ بعد ما شاء الله أن يرتئي ". أخرجه أحمد (4 /
434) : حدثنا إسماعيل أنبأنا الجريري عن أبي العلاء بن الشخير به. وهذا سند
صحيح على شرط الستة. وبهذا الإسناد أخرجه مسلم (4 / 47) دون التعليمين
الأولين، وكذلك رواه ابن ماجة (2 / 229) عن أبي أسامة عن الجريري. وقد
كنت ذكرت الحديث من الطريق الأول مختصرا برقم (270) من مصدر عزيز، وهذا
متمم لما هناك.
1960 - " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال:
فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول:
لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله على هذه الأمة ".
أخرجه مسلم (1 / 95 و 6 / 53) وأحمد (3 / 384) من طريق ابن جريج(4/602)
أخبرني
أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: فذكره. وتابعه ابن لهيعة عن
أبي الزبير به. أخرجه أحمد (3 / 345) والبخاري في " التاريخ " (3 / 1 /
451) .
1961 - " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس يرفع (1) الله قلوب أقوام يقاتلونهم
، ويرزقهم الله منهم حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم على ذلك، ألا إن عقر دار
المؤمنين الشام، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ".
أخرجه أحمد (4 / 104) من طريق إسماعيل بن عياش عن إبراهيم بن سليمان عن
الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير أن سلمة بن نفيل أخبرهم أنه
أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنى سئمت الخيل، وألقيت السلاح ووضعت
الحرب أوزارها، قلت: لا قتال، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الآن جاء
القتال، لا تزال ... إلخ. وهذا إسناد شامي حسن، رجاله كلهم موثقون. وقد
جاء من طريق أخرى عن الجرشي بلفظ: " لا تزال من أمتي " وقد مضى ذكره تحت
الحديث (1935) .
1962 - " لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله، لا يضرها من خالفها ".
أخرجه ابن ماجة (1 / 7) من طريق أبي علقمة نصر بن علقمة عن عمير بن الأسود
وكثير بن مرة الحضرمي عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا سند حسن إن شاء الله
تعالى، رجاله رجال الصحيح غير نصر بن علقمة، وقد وثق، وفي " التقريب " إنه
" مقبول ". وللحديث طريق أخرى مضى بلفظ: " لن يزال على هذا الأمر "
_________
(1) كذا الأصل، ولعل الصواب (يزيغ) . انظر الحديث (1935) . اهـ.(4/603)
واعلم
أنني كنت خرجت الحديث من رواية عمران فيما تقدم (270) ، وذكرت هناك أن
الحديث رواه جمع آخر من الصحابة بلغ عددهم ثمانية، وأخرجت أحاديثهم باختصار
دون أن أسوق متونهم وألفاظهم، وكان الغرض هناك إفادة القراء ما قاله علماء
الأمة وأئمة الحديث في الطائفة المنصورة، وأنهم أهل الحديث، والآن توجهت
الهمة في تخريج أحاديثهم، وأحاديث آخرين منهم من ذكر ألفاظهم، ليتبين ما
فيها من فوائد وزيادات لا يمكن الحصول عليها إلا بهذا التخريج. والموفق الله
سبحانه وتعالى.
1963 - " لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون فيغفر لهم ".
أخرجه مسلم (8 / 94) والترمذي (2 / 270) وأحمد (5 / 414) من طريق محمد
ابن قيس - قاص عمر بن عبد العزيز - عن أبي صرمة عن أبي أيوب أنه قال حين حضرته
الوفاة: كنت كتمت عنكم شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب
". قلت: وإنما لم يصححه الترمذي - والله أعلم - مع ثقة رجاله لأن فيه
انقطاعا بين أبي صرمة وهو صحابي اسمه مالك بن قيس - وبين محمد بن قيس ولم
يسمع منه. قال الحافظ في ترجمته من " التقريب ": " ثقة من السادسة، وحديثه
عن الصحابة مرسل ". لكن قد تابعه عند مسلم محمد بن كعب القرظي، وقد روي عن
جمع من الصحابة وقد سبق بلفظ: " لو أنكم لم تكن لكم ذنوب " (رقم 968) .
وذكرنا له هناك بعض الشواهد (969 - 970) ، وأشرت إلى هذا الحديث.
وتقدم له شاهدان من حديث أبي هريرة (1950) . وحديث أنس بن مالك (1951) .
وفي كل منهما زيادة هامة بلفظ:(4/604)
" فيستغفرون الله، فيغفر لهم ". وذلك لأنه
ليس المقصود من هذه الأحاديث - بداهة - الحض على الإكثار من الذنوب والمعاصي،
ولا الإخبار فقط بأن الله غفور رحيم، وإنما الحض على الإكثار من الاستغفار،
ليغفر الله له ذنوبه، فهذا هو المقصود بالذات من هذه الأحاديث، وإن اختصر
ذلك منه بعض الرواة. والله أعلم.
1964 - " هذا أمين هذه الأمة. يعني أبا عبيدة ".
أخرجه مسلم (1297) والحاكم (3 / 267) وأحمد (3 / 125) وأبو يعلى
(2 / 831) من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس: " أن أهل اليمن قدموا
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجلا يعلمنا السنة
والإسلام، قال: فأخذ بيد أبي عبيدة، وقال.... " فذكره، والسياق لمسلم،
ولفظ الحاكم: " يعلمنا القرآن ". وقال: " صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه
بذكر القرآن ".
قلت: وفي الحديث فائدة هامة، وهي أن خبر الآحاد حجة في العقائد، كما هو
حجة في الأحكام، لأننا نعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث أبا
عبيدة إلى أهل اليمن ليعلمهم الأحكام فقط، بل والعقائد أيضا، فلو كان خبر
الآحاد لا يفيد العلم الشرعي في العقيدة، ولا تقوم به الحجة فيها، لكان
إرسال أبي عبيدة وحده إليهم ليعلمهم، أشبه شيء بالعبث. وهذا مما يتنزه
الشارع عنه. فثبت يقينا إفادته العلم. وهو المقصود، ولي في هذه المسألة
الهامة رسالتان معروفتان مطبوعتان مرارا، فليراجعهما من أراد التفصيل فيها.(4/605)
1965 - " لو تدومون على ما تكونون عندي في الخلاء لصافحتكم الملائكة حتى تظلكم
بأجنحتها عيانا، ولكن ساعة وساعة ".
أخرجه أبو يعلى (2 / 786) : حدثنا محمد حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن
قتادة عن أنس: قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إنا إذا
كنا عندك رأينا في أنفسنا ما نحب، وإذا رجعنا إلى أهلينا فخالطناهم أنكرنا
أنفسنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد هذا، وهو ابن
مهدي الأيلي، قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 106) : " روى عن أبي داود الطيالسي
، روى عنه أبو زرعة رحمه الله ".
قلت: وشيوخ أبي زرعة ثقات، فالإسناد صحيح. ثم رأيت ابن حبان قد أخرجه (
2493) من طريق أبي قديد عبيد الله بن فضالة حدثنا عبد الرزاق به. وهذه
متابعة قوية لابن مهدي هذا، فإن ابن فضالة ثقة ثبت كما في " التقريب ".
وللحديث شاهد من رواية حنظلة الأسيدي مضى برقم (1948) .
1966 - " يقضي الله بين خلقه الجن والإنس والبهائم، وإنه ليقيد يومئذ الجماء من
القرناء حتى إذا لم يبق تبعة عند واحدة لأخرى قال الله: كونوا ترابا، فعند
ذلك يقول الكافر: * (يا ليتني كنت ترابا) * ".
أخرجه ابن جرير في " تفسيره " (30 / 17 - 18) من طريق إسماعيل بن رافع المدني
عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة
مرفوعا به.(4/606)
قلت: وهذا إسناد ضعيف، إسماعيل بن رافع المدني، قال الحافظ: " ضعيف الحفظ
". والرجل الأنصاري لم أعرفه لكنه قد توبع فأخرجه ابن جرير من طريق جعفر بن
برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال: " إن الله يحشر الخلق كلهم، كل
دابة وطائر وإنسان، يقول للبهائم والطير: كونوا ترابا، فعند ذلك يقول
الكافر: * (يا ليتني كنت ترابا) * ".
قلت: وهذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات رجال مسلم غير ابن ثور وهو محمد
الصنعاني وهو وإن كان موقوفا فإنه شاهد قوي للمرفوع لأنه لا يقال من قبل
الرأي. ويشهد له ما عند ابن جرير أيضا من طريق عوف عن أبي المغيرة عن عبد
الله بن عمرو قال: إذا كان يوم القيامة مد الأديم وحشر الدواب والبهائم
والوحش، ثم يحصل القصاص بين الدواب، يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء
نطحتها، فإذا فرغ من القصاص بين الدواب قال لها: كوني ترابا، قال: فعند ذلك
يقول الكافر: * (يا ليتني كنت ترابا) *.
قلت: وإسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي المغيرة هذا وهو القواس
لا يسمى، قال الذهبي في الميزان: " لينه سليمان التميمي، وقال ابن المديني
: لا أعلم أحدا روى عنه غير عوف ".
قلت: لكن قال ابن معين: إنه ثقة كما في " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 439)
وذكره ابن حبان في " الثقات "، فثبت الإسناد، والحمد لله على توفيقه.(4/607)
وفي حشر البهائم والقصاص بينها أحاديث كثيرة، سأذكر ما وقفت عليه منها في
الحديث الآتي.
1967 - " يقتص الخلق بعضهم من بعض، حتى الجماء من القرناء، وحتى الذرة من الذرة ".
أخرجه أحمد (2 / 363) : حدثنا عبد الصمد حدثنا حماد عن واصل عن يحيى بن عقيل
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. وواصل هو مولى أبي
عيينة. وحماد هو ابن سلمة البصري. وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث البصري.
والحديث قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 352) تبعا للمنذري في
" الترغيب " (4 / 201) : " رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح ".
قلت: وأصله في " الصحيح " من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة
بلفظ: " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة
القرناء ". أخرجه مسلم (7 / 18 - 19) . والترمذي (4 / 292 بشرح التحفة)
وأحمد (2 / 235 و 301 و 411) من طرق عنه به. وقال الترمذي: " حديث حسن
صحيح ".(4/608)
وفي لفظ لأحمد: " حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء تنطحها "
. وإسناده صحيح أيضا على شرط مسلم. وله طريق أخرى، فقال ابن لهيعة: عن
دراج أبي السمح عن أي حجيرة عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " ألا والذي نفسي بيده
ليختصمن كل شيء يوم القيامة، حتى الشاتان فيما انتطحتا ". أخرجه أحمد (2 /
290) بإسناد قال المنذري: " حسن ".
قلت: ولعله يعني لغيره، فإن ابن لهيعة سيء الحفظ وكذلك دراج أبو السمح.
ورواه الطبراني في " الأوسط " بنحوه، قال الهيثمي: " وفيه جابر بن يزيد
الجعفي، وهو ضعيف ". وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي
حاتم والبيهقي في " البعث " عن أبي هريرة أيضا قال: " يحشر الخلائق كلهم يوم
القيامة والبهائم والدواب والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل الله أن يأخذ
للجماء من القرناء، ثم يقول: كوني ترابا فذلك حين يقول الكافر: * (يا ليتني
كنت ترابا) * ": أورده السيوطي في " الدر المنثور " (6 / 310) ولم يتكلم
على إسناده كما هي عادته وهو عند ابن جرير (30 / 17) قوي كما سبق قريبا
وموضع الشاهد منه صحيح قطعا عنه مرفوعا للطرق السابقة، ولشواهده الآتية:(4/609)
الأول: عن أبي سعيد الخدري مرفوعا مثل حديث أبي هريرة من الطريق الأخرى.
أخرجه أحمد أيضا (3 / 29) عن ابن لهيعة أيضا حدثنا دراج عن أبي الهيثم عنه.
وقد عرفت حال ابن لهيعة وشيخه آنفا.
الثاني: عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا، وشاتان
تقترنان، فنطحت إحدهما الأخرى فأجهضتها، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقيل له: ما يضحكك يا رسول الله! قال: " عجبت لها، والذي نفسي بيده
ليقادن لها يوم القيامة ". أخرجه أحمد (5 / 173) عن ليث عن عبد الرحمن بن
ثروان عن الهزيل بن شرحبيل عنه. وهذا إسناد جيد في الشواهد والمتابعات،
رجاله ثقات رجال " الصحيح " غير ليث وهو ابن أبي سليم، ضعيف لاختلاطه ولكنه
قد توبع، فرواه منذر الثوري عن أشياخ له (وفي رواية لهم) عن أبي ذر مختصرا
وفيه: " يا أبا ذر! هل تدري فيم تنطحان؟ قال: لا، قال: لكن الله يدري،
وسيقضي بينهما ". أخرجه أحمد أيضا (5 / 162) .
قلت: وهذا إسناد صحيح عندي، فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الأشياخ
الذين لم يسموا وهم جمع من التابعين، يغتفر الجهل بحالهم لاجتماعهم على رواية
هذا الحديث، ولا يخدج في ذلك قوله في الرواية الأولى: " أشياخ له " فإنه لا
منافاة بين الروايتين لأن الأقل يدخل في الأكثر، وزيادة الثقة مقبولة، وقد
خفيت هذه الرواية الأخرى على الهيثمي، فقال عقب الرواية المطولة والمختصرة:(4/610)
" رواه كله أحمد والبزار بالرواية الأولى وكذلك الطبراني في " المعجم الأوسط
" وفيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس (!) وبقية رجال أحمد رجال الصحيح غير
شيخه ابن أبي عائشة وهو ثقة، ورجال الرواية الثانية رجال الصحيح، وفيها
راو لم يسم "!
الثالث: عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الجماء
لتقتص من القرناء يوم القيامة ". أخرجه أحمد (1 / 72) عن حجاج بن نصير حدثنا
شعبة عن العوام بن مراجم - من بني قيس بن ثعلبة - عن أبي عثمان النهدي عنه.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير حجاج بن نصير وهو ضعيف كما في " التقريب ".
الرابع: عن عبد الله بن أبي أوفى مرفوعا بلفظ: " إنه ليبلغ من عدل الله يوم
القيامة حتى يقتص للجماء من ذات القرن ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (9582) عن علي بن سنان أخبرنا بشر بن محمد
الواسطي حدثنا عبد الله بن عمران الواسطي عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن أبي
أوفى، وقال: " لم يروه عن عطاء إلا عبد الله بن عمران، ولا عنه إلا بشر بن
محمد، تفرد به علي بن سنان ". قال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط "
وفيه من لم أعرفهم وعطاء بن السائب اختلط ".
الخامس: عن ثوبان مرفوعا نحو الحديث الذي قبله. أخرجه الطبراني في " الكبير "
(1421) وفيه زيد بن ربيعة وقد ضعفه جماعة، وقال ابن عدي: أرجو أن لا بأس
به وبقية رجاله ثقات.(4/611)
(فائدة) قال النووي في " شرح مسلم " تحت حديث الترجمة: " هذا تصريح بحشر
البهائم يوم القيامة وإعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين
وكما يعاد الأطفال والمجانين، ومن لم تبلغه دعوة. وعلى هذا تظاهرت دلائل
القرآن والسنة، قال الله تعالى: * (وإذا الوحوش حشرت) * وإذا ورد لفظ
الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع، وجب حمله على ظاهره. قال
العلماء: وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب
. وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص التكليف، إذ لا تكليف
عليها بل هو قصاص مقابلة، و (الجلحاء) بالمد هي الجماء التي لا قرن لها.
والله أعلم ". وذكر نحوه ابن الملك في " مبارق الأزهار " (2 / 293) مختصرا
. ونقل عنه العلامة الشيخ علي القاريء في " المرقاة " (4 / 761) أنه قال:
" فإن قيل: الشاة غير مكلفة، فكيف يقتص منها؟ قلنا: إن الله تعالى فعال لما
يريد ولا يسأل عما يفعل والغرض منه إعلام العباد أن الحقوق لا تضيع بل يقتص
حق المظلوم من الظالم ". قال القاريء: " وهو وجه حسن، وتوجيه مستحسن، إلا
أن التعبير عن الحكمة بـ (الغرض) وقع في غير موضعه. وجملة الأمر أن القضية
دالة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين كافة المكلفين، فإنه إذا كان هذا
حال الحيوانات الخارجة عن التكليف، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف،
والقوي والضعيف؟ ".
قلت: ومن المؤسف أن ترد كل هذه الأحاديث من بعض علماء الكلام بمجرد الرأي،
وأعجب منه أن يجنح إليه العلامة الألوسي! فقال بعد أن ساق الحديث عن أبي
هريرة من رواية مسلم ومن رواية أحمد بلفظ الترجمة عند تفسيره آية * (وإذا
الوحوش حشرت) * في تفسيره " روح المعاني " (9 / 306) : " ومال حجة الإسلام
الغزالي وجماعة إلى أنه لا يحشر غير الثقلين لعدم كونه(4/612)
مكلفا ولا أهلا لكرامة
بوجه، وليس في هذا الباب نص من كتاب أو سنة معول عليها يدل على حشر غيرهما من
الوحوش، وخبر مسلم والترمذي وإن كان صحيحا لكنه لم يخرج مخرج التفسير للآية
ويجوز أن يكون كناية عن العدل التام. وإلى هذا القول أميل ولا أجزم بخطأ
القائلين بالأول لأن لهم ما يصلح مستندا في الجملة. والله تعالى أعلم ".
قلت: كذا قال - عفا الله عنا وعنه - وهو منه غريب جدا لأنه على خلاف ما
نعرفه عنه في كتابه المذكور، من سلوك الجادة في تفسير آيات الكتاب على نهج
السلف، دون تأويل أو تعطيل، فما الذي حمله هنا على أن يفسر الحديث على خلاف
ما يدل عليه ظاهره، وأن يحمله على كناية عن العدل التام، أليس هذا تكذيبا
للحديث المصرح بأنه يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء، فيقول هو تبعا لعلماء
الكلام: إنه كناية! ... أي لا يقاد للشاة الجماء. وهذا كله يقال لو وقفنا
بالنظر عند رواية مسلم المذكورة، أما إذا انتقلنا به إلى الروايات الأخرى
كحديث الترجمة وحديث أبي ذر وغيره، فإنها قاطعة في أن القصاص المذكور هو
حقيقة وليس كناية، ورحم الله الإمام النووي، فقد أشار بقوله السابق:
" وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع وجب حمله
على ظاهره ".
قلت: أشار بهذا إلى رد التأويل المذكور وبمثل هذا التأويل أنكر الفلاسفة
وكثير من علماء الكلام كالمعتزلة وغيرهم رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة
وعلوه على عرشه ونزوله إلى السماء الدنيا كل ليلة ومجيئه تعالى يوم القيامة.
وغير ذلك من آيات الصفات وأحاديثها. وبالجملة، فالقول بحشر البهائم
والاقتصاص لبعضها من بعض هو الصواب الذي لا يجوز غيره، فلا جرم أن ذهب إليه
الجمهور كما ذكر الألوسي نفسه في مكان آخر من " تفسيره " (9 / 281) ، وبه
جزم الشوكاني في تفسير آية " التكوير " من تفسيره " فتح القدير "، فقال (5 /
377) :(4/613)
" الوحوش ما توحش من دواب البر، ومعنى (حشرت) بعثت، حتى يقتص
بعضها من بعض، فيقتص للجماء من القرناء ". وقد اغتر بكلمة الألوسي المتقدمة
النافية لحشر الوحوش محرر " باب الفتاوي " في مجلة الوعي الإسلامي السنة
الثانية، العدد 89 ص 107، فنقلها عنه، مرتضيا لها معتمدا عليها، وذلك من
شؤم التقليد وقلة التحقيق. والله المستعان وهو ولي التوفيق.
1968 - " إنا قد بايعناك فارجع ".
هو من حديث الشريد بن سويد قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه
النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه مسلم (7 / 37) والنسائي (2 / 184
) وابن ماجة (2 / 364) والطيالسي (رقم 1270) وأحمد (4 / 389 - 390) عن
يعلى بن عطاء عن عمرو بن الشريد عن أبيه به. وأخرجه الطبراني في " المعجم
الكبير " (7247) من طريق شريك عن يعلى بن عطاء بلفظ: أن مجذوما أتى النبي
صلى الله عليه وسلم ليبايعه، فأتيته فذكرت له، فقال: " ائته فأعلمه أني قد
بايعته فليرجع ".
قلت: وفي الحديث إثبات العدوى والاحتراز منها، فلا منافاة بينه وبين حديث
" لا عدوى " لأن المراد به نفي ما كانت الجاهلية تعتقده أن العاهة تعدي بطبعها
لا بفعل الله تعالى وقدرته، فهذا هو المنفي، ولم ينف حصول الضرر عنه ذلك
بقدر الله ومشيئته، وهذا ما أثبته حديث الترجمة، وأرشد فيه إلى الابتعاد
عما قد يحصل الضرر منه بقدر الله وفعله.(4/614)
1969 - " اللهم اجعله هاديا مهديا واهده واهد به. يعني معاوية ".
أخرجه الترقفي في " حديثه " (ق 45 / 1) : حدثنا أبو مسهر حدثنا سعيد بن عبد
العزيز عن ربيعة بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني - قال سعيد:
وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
في معاوية ... فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 1 /
327) والترمذي (2 / 316 - بولاق) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 /
133 / 1 و 16 / 243 / 2) ، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ".
وأقول: رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، فكان حقه أن يصحح، فلعل الترمذي اقتصر
على تحسينه لأن سعيد بن عبد العزيز كان قد اختلط قبل موته، كما قال أبو مسهر
وابن معين، لكن الظاهر أن هذا الحديث تلقاه عنه أبو مسهر قبل اختلاطه، وإلا
لم يروه عنه لو سمعه في حالة اختلاطه، لاسيما وقد قال أبو حاتم: " كان أبو
مسهر يقدم سعيد بن عبد العزيز على الأوزاعي ".
قلت: أفتراه يقدمه على الإمام الأوزاعي وهو يروي عنه في اختلاطه؟ ! . وقد
تابعه جمع: 1 - رواه ابن محمد الدمشقي أخبرنا سعيد أخبرنا ربيعة بن يزيد سمعت
عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في
معاوية بن أبي سفيان: فذكره. أخرجه البخاري في " التاريخ " وابن عساكر.
2 - الوليد بن مسلم مقرونا بمحمد بن مروان - ولعله مروان بن محمد - قالا:
أخبرنا(4/615)
سعيد بن عبد العزيز به مسلسلا بالسماع. أخرجه ابن عساكر، وأخرجه أحمد
(4 / 216) عن الوليد وحده.
3 - عمر بن عبد الواحد عن سعيد بن عبد العزيز به مسلسلا. أخرجه ابن عساكر.
4 - محمد بن سليمان الحراني: أخبرنا سعيد بن عبد العزيز به مصرحا بسماع عبد
الرحمن بن أبي عميرة إياه من النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه ابن عساكر.
قلت: فهذه خمسة طرق عن سعيد بن عبد العزيز، وكلهم من ثقات الشاميين، ويبعد
عادة أن يكونوا جميعا سمعوه منه بعد الاختلاط، وكأنه لذلك لم يعله الحافظ
بالاختلاط، فقد قال في ترجمة ابن أبي عميرة من " الإصابة ": " ليس للحديث علة
إلا الاضطراب، فإن رواته ثقات، فقد رواه الوليد ابن مسلم وعمر بن عبد الواحد
عن سعيد بن عبد العزيز مخالفا أبا مسهر في شيخه، قالا: عن سعيد عن يونس بن
ميسرة عن عبد الرحمن بن أبي عميرة أخرجه ابن شاهين من طريق محمود بن خالد عنهما
، وكذا أخرجه ابن قانع من طريق زيد بن أبي الزرقاء عن الوليد بن مسلم ".
قلت: رواية الوليد هذه أخرجها ابن عساكر أيضا من طريق أخرى عنه، لكن قد تقدمت
الرواية عنه وعن عمر بن عبد الواحد على وفق رواية أبي مسهر، فهي أرجح من
روايتهما المخالفة لروايته، لاسيما وقد تابعه عليها مروان بن محمد الدمشقي
ومحمد بن سليمان الحراني كما تقدم، ولذلك قال الحافظ ابن عساكر: " وقول
الجماعة هو الصواب ". وإذا كان الأمر كذلك، فالاضطراب الذي ادعاه الحافظ ابن
حجر إن سلم به،(4/616)
فليس من النوع الذي يضعف الحديث به، لأن وجوه الاضطراب ليست
متساوية القوة، كما يعلم ذلك الخبير بعلم مصطلح الحديث. وبالجملة، فاختلاط
سعيد بن عبد العزيز لا يخدج أيضا في صحة الحديث. وأما قول ابن عبد البر في
الحديث ورواية ابن أبي عميرة: " لا تصح صحبته، ولا يثبت إسناد حديثه ".
فهو وإن أقره الحافظ عليه في " التهذيب " فقد رده في " الإصابة " أحسن الرد
متعجبا منه، فقد ساق له في ترجمته عدة أحاديث مصرحا فيها بالسماع من النبي صلى
الله عليه وسلم، ثم قال: " وهذه الأحاديث، وإن كان لا يخلوا إسناد منها من
مقال، فمجموعها يثبت لعبد الرحمن الصحبة، فعجب من قول ابن عبد البر (فذكره)
، وتعقبه ابن فتحون وقال: لا أدري ما هذا؟ فقد رواه مروان بن محمد الطاطري
وأبو مسهر، كلاهما عن ربيعة بن يزيد أنه سمع عبد الرحمن بن أبي عميرة أنه سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ". (قال الحافظ) : " وفات ابن فتحون
أن يقول: هب أن هذا الحديث الذي أشار إليه ابن عبد البر ظهرت له فيه علة
الانقطاع، فما يصنع في بقية الأحاديث المصرحة بسماعه من النبي صلى الله عليه
وسلم؟ ! فما الذي يصحح الصحبة زائدا على هذا، مع أنه ليس للحديث الأول علة
إلا الاضطراب ... " إلخ كلامه المتقدم.
قلت: فلا جرم أن جزم بصحبته أبو حاتم وابن السكن، وذكره البخاري وابن سعد
وابن البرقي وابن حبان وعبد الصمد بن سعيد في " الصحابة " وأبو الحسن بن
سميع في الطبقة الأولى من " الصحابة " الذين نزلوا حمص، كما في " الإصابة "
لابن حجر، فالعجب منه كيف لم يذكر هذه الأقوال أو بعضها على الأقل في
" التهذيب " وهو الأرجح، وذكر فيه قول ابن عبد البر المتقدم وهو المرجوح!
وهذا مما يرشد الباحث إلى أن مجال الاستدراك عليه وعلى غيره من العلماء مفتوح
على قاعدة: كم ترك الأول للآخر! .(4/617)
ومما يرجح هذا القول إخراج الإمام أحمد
لهذا الحديث في " مسنده " كما تقدم، فإن ذلك يشعر العارف بأن ابن أبي عميرة
صحابي عنده، وإلا لما أخرج له، لأنه يكون مرسلا لا مسندا. ثم إن للحديث
طريقا أخرى، يرويه عمرو بن واقد عن يونس بن حلبس عن أبي إدريس الخولاني عن
عمير بن سعد الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
أخرجه الترمذي وابن عساكر، وقال الترمذي: " حديث غريب، وعمرو بن واقد
يضعف ". ثم رواه ابن عساكر عن الوليد بن سليمان عن عمر بن الخطاب مرفوعا به.
وقال: " الوليد بن سليمان لم يدرك عمر ". وبالجملة فالحديث صحيح، وهذه
الطرق تزيده قوة على قوة.
1970 - " اذهب إلى أبي بكر ليحدثك حديث القوم وأيامهم وأحسابهم، ثم اهجهم وجبريل
معك ".
أخرجه الحاكم (3 / 488 - 489) عن حاتم بن أبي صغيرة أبي يونس القشيري عن سماك
ابن حرب رفع الحديث، وعن جابر عن السدي عن البراء بن عازب: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أتى فقيل: يا رسول الله! إن أبا سفيان بن الحارث بن عبد
المطلب يهجوك، فقام ابن رواحة فقال: يا رسول الله ايذن لي فيه، فقال: أنت
الذي تقول: " ثبت الله ... ؟ قال: نعم، قلت يا رسول الله " فثبت الله ما
أعطاك من حسن تثبيت موسى ونصرا مثل ما نصروا ".(4/618)
قال " وأن يفعل الله بك خيرا
مثل ذلك ". قال: ثم وثب كعب فقال: يا رسول الله: ايذن لي فيه. قال: "
أنت الذي تقول: " همت.. ". قال نعم، قلت: يا رسول الله " همت سخينة أن
تغالب ربها فليغلبن مغالب الغلاب ". قال: " أما إن الله لم ينس لك ذلك ".
قال: ثم قام حسان فقال: يا رسول الله! ايذن لي فيه، وأخرج لسانا له أسود،
فقال: يا رسول الله! ايذن لي إن شئت أفريت به المزاد. فقال: الحديث. وقال
" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. كذا قالا، وجابر هو ابن يزيد الجعفي،
وهو ضعيف، لكن تابعه سماك بن حرب مرسلا فيتقوى به. وقد جاء الحديث من طرق
أخرى عن البراء مختصرا فانظر: " اهج المشركين " وقد مضى برقم (801) .
1971 - " لا تزال أمة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله
وهم ظاهرون على الناس ".
أخرجه أحمد (4 / 99) : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن ربيعة
ابن يزيد عن عبد الله بن عامر اليحصبي قال: سمعت معاوية يحدث وهو يقول:
إياكم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا حديثا كان على عهد عمر،
فإن عمر رضي الله عنه كان أخاف الناس في الله عز وجل، سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول:
قلت: فذكر ثلاثة أحاديث هذا أحدها. والثاني: (إنما أنا خازن ... ) .
والثالث: (من يرد الله به خيرا يفقهه..) ، وقد سبقا برقم (971 و 1194)
.(4/619)
وهذا سند صحيح على شرط مسلم، وقد أخرج به في صحيحه الحديثين المشار إليهما
. وقد ورد الحديث بألفاظ أخرى من طرق كثيرة عن معاوية وغيره، فانظر " لا
تزال طائفة.. " رقم (1958) .
1972 - " إن هذه الوبرة من غنائمكم، وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم، إلا الخمس
والخمس مردود عليكم، فأدوا الخيط والمخيط وأكبر من ذلك وأصغر ولا تغلوا،
فإن الغلول نار وعار على أصحابه فى الدنيا والآخرة. وجاهدوا الناس في الله
تبارك وتعالى القريب والبعيد، ولا تبالوا في الله لومة لائم وأقيموا حدود
الله في الحضر والسفر وجاهدوا في سبيل الله، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة
عظيمة، ينجي الله تبارك وتعالى به من الغم والهم ".
أخرجه أحمد (5 / 314 و 316 و 326) من طرق عن إسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن
عبد الله بن أبي مريم عن أبي سلام الأعرج عن المقدام بن معدي كرب الكندي. أنه
جلس مع عبادة بن الصامت وأبي الدرداء والحارث بن معاوية الكندي، فتذاكروا
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو الدرداء لعبادة: يا عبادة! كلمات
رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة كذا وكذا في شأن الأخماس. فقال عبادة
: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في غزوة إلى بعير من المقسم،
فلما سلم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول وبرة بين أنملتيه فقال:
" إن هذه من غنائمكم ... " الحديث. وهذا إسناد ضعيف، قال الهيثمي (5 / 338) : " رواه أحمد وفيه أبو بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف ".(4/620)
قلت: لكن أخرجه أحمد أيضا (5 / 326) : حدثنا يحيى بن عثمان حدثنا إسماعيل بن
عياش عن سعيد بن يوسف عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام نحو ذلك. هكذا ساقه عقب
الإسناد الأول. وهذه متابعة قوية لابن أبي مريم عن أبي سلام! إلا أن يحيى بن
أبي كثير مدلس، بل إنه لم يسمع من أبي سلام، واسمه منصور، كما قال العجلي.
ثم الراوي عنه سعيد بن يوسف ضعيف كما في " التقريب " وغيره. ورواه مكحول عن
أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت بنحوه. وله عن عبادة طرق
أخرى وشاهد من حديث ابن عمرو يأتي عقب هذا، فالحديث بذلك حسن على أقل الدرجات
. بل هو صحيح، وقد تقدم لفظه من الطريق المشار إليها برقم (1942) .
1973 - " يا أيها الناس ليس لي من هذا الفيء ولا هذه (الوبرة) إلا الخمس، والخمس
مردود عليكم، فردوا الخياط والمخيط، فإن الغلول يكون على أهله يوم القيامة
عارا ونارا وشنارا ".
أخرجه أحمد (2 / 184) من طريق محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءته وفود هوازن فقالوا: يا
محمد إنا أهل وعشيرة، فمن علينا من الله عليك، فإنه قد نزل بنا من البلاء ما
لا يخفى عليك، فقال: " اختاروا بين نسائكم وأموالكم وأبنائكم ". قالوا:
خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا، نختار أبناءنا، فقال: " أما ما كان لي ولبني
عبد المطلب فهو لكم، فإذا صليت الظهر فقولوا: إنا نستشفع برسول الله على
المؤمنين وبالمؤمنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسائنا وأبنائنا "
. قال: ففعلوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(4/621)
" أما ما كان لي ولبني
عبد المطلب فهو لكم ". وقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله
عليه وسلم، وقالت الأنصار مثل ذلك، وقال عيينة بن بدر: أما ما كان لي
ولبني فزارة فلا، وقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا، وقال
عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا. فقالت الحيان: كذبت، بل هو لرسول
الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أيها
الناس ردوا عليهم نساءهم وأبناؤهم، فمن تمسك بشيء من الفيء فله علينا ستة
فرائض من أول شيء يفيئه الله علينا ". ثم ركب راحلته وتعلق به الناس يقولون:
أقسم علينا فيأنا بيننا، حتى ألجأوه إلى سمرة فخطفت رداءه، فقال: " يا أيها
الناس ردوا علي ردائي، فوالله لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعم لقسمته بينكم،
ثم لا تلقوني بخيلا ولا جبانا ولا كذوبا ". ثم دنا من بعيره فأخذ وبرة من
سنامه فجعلها بين إصبعيه، السبابة والوسطى، ثم رفعها فقال: " يا أيها الناس
ليس لي.. " إلخ. وهذه القطعة الأخيرة عزاها في " المنتخب " (2 / 301) إلى
النسائي أيضا، وقد وجدته في سننه (2 / 178) من هذا الوجه دون قوله: "
فردوا ... " إلخ. ثم الحديث أخرجه أحمد (2 / 218) من طريق آخر عن محمد بن
إسحاق قال: وحدثني عمرو بن شعيب به بطوله دون قوله: " ثم ركب راحلته ... "
إلخ. فهذا إسناد حسن قد صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث، فزالت بذلك شبهة تدليسه
. وللحديث شواهد سبقت الإشارة إليها عند الحديث:(4/622)
" يا أيها الناس إن هذا من
غنائمكم " رقم (985) .
1974 - " ألا لا يجني جان إلا على نفسه، لا يجني والد على ولده ولا مولود على والده
".
أخرجه ابن ماجة (2 / 147) وأحمد (3 / 498 - 499) عن شبيب بن غرقدة عن
سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول في حجة الوداع: فذكره. وليس عند أحمد أداة الاستفتاح. قال في "
الزوائد ": " إسناد صحيح، ورجاله ثقات ". كذا قال، وسليمان بن عمرو ليس
بالمشهور ولذلك قال في " الخلاصة ": " موثق ". وفي التقريب: " مقبول ".
فمثله حسن الحديث إذا لم يتفرد. وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الصحيح. وله
شاهد بلفظ: " لا تجني نفس على نفس أخرى ". وقد مضى برقم (988) . وله شاهد
آخر من حديث ابن عمر بلفظ: " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ولا
يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه ". أخرجه النسائي (2 / 177) من
طريق أبي بكر بن عياش، ومن طريق شريك كلاهما عن الأعمش عن مسلم عن مسروق -
قال الأول: عن عبد الله، وقال الآخر: عن ابن عمر - قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. وقال النسائي: " هذا خطأ، والصواب مرسل ". ثم
ساقه من طريق أبي معاوية ويعلى عن الأعمش به مرسلا لم يذكرا عبد الله.(4/623)
وهو
مرسل صحيح الإسناد، فهو شاهد قوي. وأما الطرف الأول فهو صحيح عن ابن عمر،
له طرق أخرى عند النسائي والبخاري وغيرهما وهو مخرج في " الروض النضير "
برقم (797) وغيره.
1975 - " الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله ومن
أبغضهم أبغضه الله ".
أخرجه البخاري (4 / 223) ومسلم (1 / 60) والترمذي (2 / 324) وقال:
" حسن صحيح "، والطيالسي (ص 99 رقم 728) وأحمد (4 / 292) عن البراء بن
عازب. وله شاهد من حديث أنس مرفوعا نحوه. وقد مضى لفظه برقم (668) .
1976 - " لو تكونون كما تكونون عندي لأظلتكم الملائكة بأجنحتها ".
أخرجه الطيالسي (ص 191 رقم 1345) : حدثنا عمران عن قتادة عن زيد بن عبد الله
ابن الشخير عن حنظلة الأسيدي مرفوعا. وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات رجال
الستة غير عمران وهو القطان روى له البخاري تعليقا، وهو صدوق يهم كما في
" التقريب ". وقد أخرجه الترمذي (2 / 74) وأحمد (4 / 346) عن الطيالسي،
وقال الترمذي: " حديث حسن من هذا الوجه، وقد روي من غير هذا الوجه عن حنظلة
، وفي الباب عن أبي هريرة ".
قلت: الوجه الآخر الذي أشار إليه الترمذي لفظه أتم من هذا، وقد مضى بلفظ:(4/624)
" والذي نفسي بيده إن لو تدومون " برقم (1948) . وحديث أبي هريرة الذي أشار
إليه سبق في " لو تكونون " رقم (968) . وله شاهد آخر بلفظ " لو تدومون "
وقد مضى قريبا برقم (1965) .
1977 - " اللهم بارك لأهلها فيها. يعني العنز ".
أخرجه بحشل في " تاريخ واسط " (ص 27 - 29 مصورة المكتب) : حدثنا محمد بن داود
ابن صبيح قال: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال: حدثنا محمد بن مهاجر عن
عروة بن رويم اللخمي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" نزل بنا ضيف بدوي، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام بيوته، فجعل
يسأله عن الناس كيف فرحهم بالإسلام؟ وكيف حدبهم على الصلاة؟ فما زال يخبره
من ذلك بالذي يسره حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نضرا، فلما
انتصف النهار وحان أكل الطعام دعاني مستخفيا لا يألوا: أن ائت عائشة رضي الله
عنها فأخبرها أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفا، فقالت: والذي بعثه
بالهدى ودين الحق ما أصبح في يدي شيء يأكله أحد من الناس، فردني إلى نسائه،
كلهن يعتذرن بما اعتذرت به عائشة رضي الله عنها، فرأيت لون رسول الله صلى الله
عليه وسلم خسف، فقال البدوي: إنا أهل البادية معانون على زماننا، لسنا بأهل
الحاضر، فإنما يكفي القبضة من التمر يشرب عليها من اللبن أو الماء، فذلك
الخصب! فمرت عند ذلك عنز لنا قد احتلبت، كنا نسميها (ثمر ثمر) ، فدعا رسول
الله صلى الله عليه وسلم باسمها (ثمر ثمر) فأقبلت إليه تحمحم، فأخذ برجلها
باسم الله، ثم اعتقلها باسم الله، ثم مسح سرتها باسم الله، فحفلت (الأصل:
فحطت) فدعاني بمحلب، فأتيته به، فحلب باسم الله، فملأه فدفعه إلى الضيف،
فشرب منه شربة ضخمة، ثم أراد أن يضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" عل ". ثم أراد أن يضعه، فقال له: " عل "، فكرره عليه حتى امتلأ وشرب ما
شاء، ثم حلب باسم الله وملأه وقال: أبلغ عائشة هذا، فشربت(4/625)
منه ما بدا لها
، ثم رجعت إليه، فحلب فيه باسم الله، ثم أرسلني به إلى نسائه، كلما شرب منه
رددته إليه، فحلب باسم الله فملأه، ثم قال: ادفعه إلى الضيف فدفعته إليه
فقال: باسم الله، فشرب منه ما شاء الله، ثم أعطاني، فلم آل أن أضع شفتي على
درج شفته، فشربت شرابا أحلى من العسل، وأطيب من المسك، ثم قال " ... "
فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب ".
1978 - " موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها، وقرأ: * (فمن زحزح
عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * ".
أخرجه الترمذي (3017 و 3288) والدارمي (2 / 332 - 333) والحاكم (2 / 299
) وأحمد (2 / 438) من طريق محمد بن عمرو قال: حدثني أبو سلمة عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي!
قلت: وإسناده حسن فقط للخلاف في محمد بن عمرو. ولذا أخرج له مسلم مقرونا.
وللشطر الأول منه طرق أخرى عن أبي هريرة نحوه:
1 - الخزرج بن عثمان السعدي قال: حدثنا أبو أيوب مولى لعثمان بن عفان عنه
مرفوعا بلفظ: " قيد سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا ومثلها معها، ولقاب
قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها، ولنصيف امرأة من الجنة خير
من الدنيا ومثلها معها ". قال: قلت: يا أبا هريرة! ما النصيف؟ قال:
الخمار.(4/626)
أخرجه أحمد (2 / 483) .
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، الخزرج هذا قال ابن معين: صالح،
وذكره ابن حبان في " الثقات "، لكن قال الدارقطني: " بصري يترك، وأبو أيوب
عن أبي هريرة جماعة، ولكن هذا مجهول ".
قلت: وهذه فائدة هامة من الإمام الدارقطني رحمه الله أن أبا أيوب عن أبي
هريرة جماعة، وهذا مما لم ينبه عليه الحافظ في ترجمة أبي أيوب هذا وقد سماه
عبد الله بن أبي سليمان الأموي، قال: ويقال: اسمه سليمان. وقال الذهبي في
" الميزان ": " أبو أيوب مولى عثمان عن جبير بن مطعم، لا يعرف ".
قلت: فهو علة هذا الإسناد.
2 - فليح عن هلال بن علي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة مرفوعا:
" لقاب قوس أو سوط في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب ". أخرجه أحمد (2
/ 482) .
قلت: وإسناده على شرط الشيخين، على ضعف في فليح وهو ابن سليمان الخزاعي
المدني. قال الحافظ: " صدوق كثير الخطأ ".
3 - همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فذكر أحاديث هذا أحدها بلفظ: " لقيد سوط أحدكم من الجنة خير مما بين
السماء والأرض ". أخرجه أحمد (2 / 315) .
قلت: وسنده صحيح على شرط الشيخين.(4/627)
4 - عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به إلا أنه قال
: " خير من الدنيا وما فيها ". أخرجه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم
وفضله " (2 / 17) .
قلت: وهذا إسناد جيد على شرط مسلم وابن إسحاق هذا هو العامري القرشي مولاهم
ويقال له: عباد بن إسحاق.
5 - الأعمش عن أبي صالح عنه مرفوعا نحو طريق همام. أخرجه بحشل في " تاريخ واسط
" (ص 143) .
قلت: ورجاله ثقات. وللحديث شاهدان: 1 - حديث أنس بن مالك مرفوعا نحو
الطريق الرابع. أخرجه ابن حبان (2629) وأحمد (3 / 141) . وسنده صحيح على
شرط الشيخين. 2 - حديث سهل بن سعد مرفوعا مثل حديث الترجمة دون الزيادة.
أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجة في " الجهاد " وأحمد (3 / 433 - 334
و5 / 330 و 337 و 338 و 339) . عن أبي حازم المدني عنه. وقال الترمذي: "
حديث حسن صحيح ".
1979 - " من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى، كتب له براءتان،
براءة من النار وبراءة من النفاق ".(4/628)
هو من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه، وله عنه طرق.
الأولى: سلم بن قتيبة عن طعمة بن عمرو عن حبيب بن أبي ثابت عنه به. أخرجه
الترمذي (1 / 201 - تحفة) وأسلم الواسطي في " تاريخ واسط " (ص 40) ، وقال
الترمذي: " قد روي هذا الحديث عن أنس موقوفا، ولا أعلم أحدا رفعه إلا ما روى
سلم بن قتيبة عن طعمة بن عمرو، وإنما يروى هذا عن حبيب بن أبي حبيب البجلي عن
أنس بن مالك قوله ".
قلت: قد روي مرفوعا من طريق أخرى لم يقف عليها الترمذي، وهي:
الثانية: منصور بن مهاجر أبو الحسن حدثنا أبو حمزة الواسطي عن أنس بن مالك قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه أسلم الواسطي في " تاريخ
واسط " (ص 36) : حدثنا أحمد بن إسماعيل قال: حدثنا إسماعيل بن مرزوق قال:
حدثنا منصور بن مهاجر ... وقال: " هذا (يعني أبا حمزة الواسطي) اسمه جبير
ابن ميمون ". كذا قال، ولم أره لغيره ولا وجدت في الرواة من يسمى جبير بن
ميمون بل الظاهر أن أبا حمزة هذا هو عمران بن أبي عطاء القصاب، قال الدولابي
في " الكنى " (1 / 156) : " واسطي، روى عنه شعبة وهشيم ".
قلت: وهو من رجال مسلم، روى عن أبيه وابن عباس وأنس وغيرهم وقد وثقه جمع
وضعفه بعضهم فهو حسن الحديث، لاسيما عند المتابعة. ومنصور بن مهاجر، روى
عنه جمع من الثقات منهم يعقوب بن شيبة، ولم يذكروا فيه توثيقا، ولذلك قال
الحافظ في " التقريب ":(4/629)
" مستور ".
قلت: فمثله لا يستشهد به على أقل الدرجات. وإسماعيل بن مرزوق هو المرادي
الكعبي المصري، ذكره ابن حبان في " الثقات " وتكلم فيه الطحاوي، لكن استنظف
الحافظ إسناد حديث آخر من طريقه. وأما أحمد بن إسماعيل، فلم أعرفه الآن وفي
" تاريخ بغداد " جمع من الرواة بهذا الاسم.
الثالثة: عن أبي العلاء الخفاف عن حبيب بن أبي حبيب عن أنس بن مالك قال:
فذكره نحوه موقوفا عليه. وهو الذي أشار إليه الترمذي فيما سبق. أخرجه
الواسطي أيضا في تاريخه (ص 40) من طريقين عنه. وحبيب هذا هو ابن أبي حبيب
البجلي البصري نزيل الكوفة روى عنه أيضا طعمة بن عمرو الجعفري وعمر بن محمد
العنقزي، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال الحافظ: " مقبول " يعني
المتابعة، وقد توبع كما تقدم. وأما أبو العلاء الخفاف واسمه خالد بن طهمان
فهو صدوق، لكنه كان اختلط. ثم رواه الواسطي من طريق مؤمل بن إسماعيل عن سفيان
عن خالد عن أبي عميرة عن أنس بن مالك بمثله. وأبو عميرة هذا ثقة، وهو ابن
أنس بن مالك. وخالد هو ابن طهمان المتقدم، فكأنه اضطرب في إسناده، فرواه
تارة عن أبي عميرة عن أنس، وتارة عن أنس مباشرة لم يذكر أبا عميرة، ولعل
ذلك من اختلاطه.
قلت: وبالجملة، فهذه الطرق وإن كانت مفرداتها لا تخلو من علة، فمجموعها(4/630)
يدل على أن له أصلا، والأخير منها وإن كان موقوفا، فمثله لا يقال من قبل
الرأي كما لا يخفى. وللحديث طريق رابع عن أنس مرفوعا، ولكن بلفظ: " من صلى
في مسجدي أربعين صلاة لا يفوته صلاة كتبت له براءة من النار، ونجاة من العذاب
وبرىء من النفاق ". ولكنه منكر بهذا اللفظ لمخالفته للفظه في الطرق المتقدمة
مع جهالة في إسناده، ولذلك أوردته في الكتاب الآخر (364) .
1980 - " علي يقضي ديني ".
روي من حديث أنس بن مالك وحبشي بن جنادة وسعد بن أبي وقاص.
1 - أما حديث أنس فيرويه ضرار بن صرد أبو نعيم: حدثنا المعتمر بن سليمان سمعت
أبي يحدث عن الحسن عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. أخرجه
البزار (ص 268) وقال: " هذا الحديث منكر ". قال الحافظ في " زوائد البزار
": " وضرار بن صرد ضعيف جدا ".
قلت: وتساهل في " التقريب " فقال: " صدوق له أوهام وخطأ ". والحسن هو
البصري، وهو مدلس وقد عنعنه ويمكن أن يكون تلقاه عن بعض المتروكين، فقد
رواه محمد بن إسماعيل بن رجاء الزبيدي عن مطر عن أنس به. أخرجه الديلمي في
" مسند الفردوس " (2 / 297 - مختصره) .(4/631)
قلت: ومطر هذا هو ابن ميمون المحاربي، قال الحافظ: " متروك ".
2 - وأما حديث حبشي فيرويه إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عنه
بلفظ: " علي مني وأنا منه، ولا يؤدي عني (ديني) إلا أنا أو علي ". أخرجه
أحمد (4 / 164) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (12 / 150 / 1) ورجاله ثقات
إلا أن أبا إسحاق وهو السبيعي كان اختلط. ثم هو مدلس، لكن تابعه شريك عن أبي
إسحاق به. وقال شريك: " قلت لأبي إسحاق: أنت أين سمعته منه؟ قال: موضع
كذا وكذا، لا أحفظه ". أخرجه أحمد أيضا (4 / 165) والترمذي (2 / 299)
والنسائي (ص 14 - خصائص) والطبراني في " الكبير " (3511) وابن ماجة (
119) ، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ".
قلت: إلا أن شريكا سيء الحفظ، فإن كان حفظه، فالعلة ما ذكرنا من الاختلاط.
وتابعه قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن حبشي. أخرجه الطبراني (3512) .
3 - وأما حديث سعد فيرويه موسى بن يعقوب قال: حدثنا مهاجر بن سمسار بن سلمة
عن عائشة بنت سعد قالت: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول يوم الجحفة - فأخذ بيد علي فخطب فحمد الله فأثنى عليه - ثم قال:(4/632)
" أيها
الناس إني وليكم ". قالوا: صدقت يا رسول الله، ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال:
" هذا وليي، ويؤدي عني ديني وأنا موالي من والاه ومعادي من عاداه ". أخرجه
النسائي في " خصائص علي " (ص 3) والبزار في " مسنده " (ص 266) وقال:
" لا نعلمه يروى عن عائشة بنت سعد عن أبيها (إلا) من هذا الوجه، ولا يعلم
روى المهاجر عن عائشة بنت سعد عن أبيها إلا هذا ".
قلت: ورجاله ثقات على أن موسى بن يعقوب وهو الزمعي سيء الحفظ كما قال الحافظ
في " التقريب ".
قلت: فإذا ضم هذا إلى الذي قبله ارتقى الحديث بمجموعهما إلى درجة الحسن إن شاء
الله تعالى.
(تنبيه) ليس في شيء من هذه الطرق تعيين المكان الذي نطق فيه عليه الصلاة
والسلام بهذا الحديث اللهم إلا ما في حديث سعد أنه " يوم الجحفة "، وإلا ما
في رواية لابن عساكر (12 / 150 / 2) من طريق جبير بن هارون: أخبرنا محمد بن
حميد أخبرنا حكام عن عنبسة عن أبي إسحاق عن حبشي بحديثه المتقدم، وزاد في
آخره: " قاله في حجة الوداع ".
قلت: وهذه زيادة منكرة لتفرد هذا الطريق بها دون الطرق المتقدمة عن أبي إسحاق
. وفي هذا محمد بن حميد وهو الرازي، وهو ضعيف لسوء حفظه. وجبير بن هارون
لم أجد له ترجمة. ولا أستبعد أن تكون هذه الزيادة من سوء حفظ الرازي، فإن في
رواية إسرائيل المتقدمة عند أحمد زيادة أخرى بلفظ:(4/633)
" ... عن حبشي بن جنادة -
وكان قد شهد حجة الوداع - ".
قلت: فلم يضبط الرازي هذه الجملة وانقلبت عليه لسوء حفظه فصيرها: " قاله في
حجة الوداع "! ! وجعله عقب الحديث! ! مع ما في ذلك من المخالفة لرواية سعد،
فتنبه. وإذا تبينت هذا، فاعلم أنه قد صنع صنيع الرازي هذا رجل من متعصبة
الشيعة، وهو الشيخ المسمى بعبد الحسين الموسوي بل إن صنيعه أسوأ وأقبح لأنه
عن عمد فعل! فقد قال في كتابه " المراجعات " (ص 173) : " 15 - قوله صلى الله
عليه وسلم يوم عرفات في حجة الوداع: علي مني وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلا
أنا أو علي ". ثم قال في تخريجه في الحاشية: " أخرجه ابن ماجة في باب فضائل
الصحابة ص 92 من الجزء الأول من سننه والترمذي والنسائي في صحيحيهما (!)
وهو الحديث 2531 ص 153 من الجزء السادس من الكنز. وقد أخرجه الإمام أحمد (ص
164 من الجزء الرابع من مسنده) من حديث حبشي بن جنادة بطرق متعددة كلها صحيحة
(!) وحسبك أنه رواه عن يحيى بن آدم عن إسرائيل بن يونس عن جده أبي إسحاق
السبيعي عن حبشي وكل هؤلاء حجج عند الشيخين. ومن راجع هذا الحديث في مسند
أحمد علم أن صدوره إنما كان في حجة الوداع "!
أقول والله المستعان: في هذه السطور أكاذيب. الأولى: قوله: " يوم عرفات "
، فإنه لا أصل له مطلقا في شيء من الروايات. وإنما افترى هذه الزيادة تصخيما
للأمر وتهويلا، وليكرر ذلك بعبارة أخرى فقال (ص 194) : " فلما كان يوم
الموقف بعرفات نادى في الناس: علي مني ... "!(4/634)
الثانية: قوله: " في حجة الوداع "، فقد عرفت أنها لم ترد في شيء من الطرق
إلا طريق ابن عساكر الواهية، وهو إنما عزى الحديث بهذه الزيادة إلى غير ابن
عساكر كما رأيت وليست عندهم، فهو افتراء ظاهر عليهم.
الثالثة: قوله: " ومن راجع هذا الحديث في مسند أحمد ... " إلخ، تضليل مكشوف
، فليس في " المسند " إلا قول أبي إسحاق أو من دونه في حبشي: " وكان قد شهد
حجة الوداع ". وكل ذي لب وعلم يعلم أن هذه الجملة لا تعطي تصريحا ولا
تلميحا أن حبشي بن جنادة سمع الحديث منه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.
الرابعة: قوله: " في صحيحيهما " تضليل آخر، فإن كتاب الترمذي والنسائي إنما
يعرفان بـ " السنن " وليس بـ " الصحيح "، كيف وفيهما أحاديث ضعيفة يصرح
المؤلف فضلا عن غيره بضعفها لاسيما الأول منها. على أن النسائي لم يخرج الحديث
في " سننه " وإنما في " الخصائص " كما تقدم، فهذا تضليل آخر، حتى ولو كان
أطلق عليها " الصحيح " أيضا كما هو ظاهر!
الخامسة: قوله: " بطرق متعددة ". كذب أيضا لأنه ليس له في " المسند " بل
ولا في غيره إلا طريق واحدة هي طريق أبي إسحاق السبيعي عن حبشي. وإنما تعددت
الطرق إلى السبيعي فقط، وفي هذه الحال لا يصح أن يقال: " بطرق متعددة " إلا
من متساهل، أو مدلس كهذا الشيعي.
السادسة: قوله: " كلها صحيحة ".
أقول: فهذا كذب مزدوج لأنه ليس له إلا طريق واحدة كما سبق بيانه آنفا. ولأن
هذا الطريق لا يجوز إطلاق الصحة عليها لاختلاط المتفرد بها - وهو السبيعي،
ولعنعنته كما سبق بيانه. ثم اعلم أن لهذا الشيعي أكاذيب كثيرة في كتابه
المذكور فضلا عن جهله بهذا العلم واحتجاجه بالأحاديث الضعيفة والموضوعة
وطعنه في الصحابة وأئمة الحديث(4/635)
وأهل السنة الأمر الذي يستلزم القيام بالرد
عليه والكشف عما في كتابه من الأسواء والأخطاء والأكاذيب. وقد توفرت الهمة
لنقده في أحاديثه الضعيفة والموضوعة، وقد اجتمع لدي منها حتى الآن قرابة
مائة حديث جلها أو كلها في فضل علي وهي ما بين ضعيف وموضوع وأرقامها في
الكتاب الآخر (4882 - 4960) . والله المستعان.
1981 - " عودوا المرضى، واتبعوا الجنائز، تذكركم الآخرة ".
رواه أبو يعلى في " مسنده " (84 / 1) والبخاري في " الأدب المفرد " (518)
وابن حبان (709) وابن المبارك في " الزهد " (248) والبغوي في " شرح
السنة " (1 / 166 / 1) عن قتادة عن أبي عيسى الأسواري عن أبي سعيد الخدري
مرفوعا.
قلت: إسناده حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير أبي عيسى الأسواري،
فأخرج له مسلم متابعة، ووثقه الطبراني وابن حبان وروى عنه جماعة.
1982 - " العرافة أولها ملامة وآخرها ندامة والعذاب يوم القيامة ".
رواه الطيالسي في " مسنده " (رقم 2526) وأبو العباس الأصم في " حديثه "
(3 / 148 / 1) (رقم 125) عن هشام عن عباد بن أبي علي عن أبي حازم عن أبي
هريرة رفعه.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، رجال الشيخين غير عباد بن أبي علي وهو
البصري، وقد روى عنه مع هشام هذا - وهو الدستوائي - غيره من الثقات وهم
حماد بن زيد وخليد بن حسان، كما في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 84) ولم
يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال الحافظ:
" مقبول ".(4/636)
وفي الترهيب عن العرافة أحاديث أخرى عن جمع من الصحابة، لا تخلو
أسانيدها من ضعف تجدها في آخر الجزء الأول من " الترغيب " للحافظ المنذري (1 /
278 - 280) إلا الحديث الأخير منها عنده عن أبي سعيد وأبي هريرة معا، وقد
مضى لفظه وتخريجه برقم (360) .
1983 - " العقل على العصبة، وفي السقط غرة: عبد أو أمة ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 3484) من طريق عباد بن منصور
أخبرنا أبو المليح الهذلي عن حمل بن النابغة " أنه كانت له امرأتان، لحيانية،
ومعاوية - من بني معاوية بن زيد - وأنهما اجتمعتا فتغايرتا، فرفعت المعاوية
حجرا فرمت به اللحيانية، وهي حبلى، وقد بلغت فقتلتها، فألقت غلاما، فقال
حمل بن مالك لعمران بن عويمر: أد إلي عقل امرأتي، فارتفعا إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف لسوء حفظ عباد بن منصور، لكنه لم يتفرد به، فقد تابعه
قتادة عن أبي المليح بن أسامة به نحوه. أخرجه الطبراني أيضا (رقم - 3485) .
وإسناده صحيح. ورواه النسائي (2 / 249) من طريق أخرى عن حمل مختصرا.
وللحديث شواهد منها عن أبي هريرة قال: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في
جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى
عليها بالغرة توفيت، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها
وزوجها وأن العقل على عصبتها ". أخرجه البخاري (4 / 286) ومسلم (5 / 110
) والنسائي وأحمد (2 / 539) .(4/637)
(العقل) : الدية. (العصبة) : هو بنو
الرجل وقرابته لأبيه، وفي (الفرائض) : من ليست له فريضة مسماه في الميراث
وإنما يأخذ ما أبقى ذوو الفروض. (غرة) . قال ابن الأثير: الغرة: العبد
نفسه أو الأمة.
1984 - " طوافك بالبيت، وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك ".
أخرجه مسلم (4 / 34) وأبو داود (1897) عن عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء
- وقال مسلم: عن مجاهد - عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها:
فذكره. لفظ عطاء، ولفظ مجاهد: أنها حاضت بـ (سرف) ، فتطهرت بعرفة، فقال
لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجزيء عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك
وعمرتك ". ثم أخرج مسلم وأحمد (6 / 124) من طريق عبد الله بن طاووس عن
أبيه عن عائشة " أنها أهلت بعمرة، فقدمت ولم تطف بالبيت حتى حاضت، فنسكت
المناسك كلها وقد أهلت بالحج، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم (النفر
) : " يسعك طوافك لحجك وعمرتك ". فأبت، فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم
، فاعتمرت بعد الحج ".
قلت: فالعمرة بعد الحج إنما هي للحائض التي لم تتمكن من الإتيان بعمرة الحج
بين يدي الحج لأنها حاضت كما علمت من قصة عائشة هذه، فمثلها من النساء إذا
أهلت بعمرة الحج كما فعلت هي رضي الله عنها، ثم حال بينها وبين إتمامها الحيض
، فهذه يشرع لها العمرة بعد الحج، فما يفعله اليوم جماهير الحجاج من تفاهتهم
على العمرة(4/638)
بعد الحج، مما لا نراه مشروعا لأن أحدا من الصحابة الذين حجوا معه
صلى الله عليه وسلم لم يفعلها. بل إنني أري أن هذا من تشبه الرجال بالنساء،
بل بالحيض منهن! ولذلك جريت على تسمية هذه العمرة بـ (عمرة الحائض) بيانا
للحقيقة.
1985 - " طوبى شجرة في الجنة، مسيرة مائة عام، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها ".
أخرجه أحمد (3 / 71) وابن جرير في " تفسيره " (13 / 101) وابن حبان (
2625) من طريق دراج أبي السمح أن أبا الهيثم حدثه عن أبي سعيد الخدري عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم به.
قلت: وهذا سند لا بأس به في الشواهد لسوء حفظ دراج. ويشهد له ما رواه فرات
ابن أبي الفرات عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " * (طوبى لهم وحسن مآب) * شجرة غرسها الله بيده، ونفخ فيها من روحه
بالحلي والحلل، وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة ". أخرجه ابن جرير.
وفرات هذا قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 80) عن أبيه: " صدوق لا بأس به ".
وضعفه غيره. وما أخرجه البخاري وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا
يقطعها، إن شئتم فاقرءوا: * (وظل ممدود، وماء مسكوب) *.(4/639)
وما أخرجه أحمد
(2 / 202 و 224 و 225) عن حنان بن خارجة عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أخبرنا عن ثياب أهل الجنة
خلقا تخلق أم نسجا تنسج؟ فضحك بعض القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " مم تضحكون من جاهل يسأل عالما؟ " ثم أكب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ثم قال: " أين السائل؟ " قال: هو ذا أنا يا رسول الله! قال: " لا بل تشقق
عنها ثمر الجنة (ثلاث مرات) ".
1986 - " العمد قود، والخطأ دية ".
أخرجه الطبراني في " الكبير " من حديث عمرو بن حزم مرفوعا. وقال الهيثمي
في " المجمع " (6 / 286) : " وفيه عمران بن أبي الفضل وهو ضعيف ". وأقره
المناوي.
وأقول: ولكنه حديث صحيح، أخرجه الدارقطني في " سننه " (ص 328) من طرق عن
عمرو بن دينار عن ابن عباس مرفوعا بألفاظ، أقربها إلى لفظ الترجمة بلفظ:
" العمد قود، والخطأ عقل لا قود فيه ... " الحديث وهو مخرج في " المشكاة " (
3478) وفي " الإرواء " أيضا فيما أظن. وللشطر الأول منه شاهد آخر من حديث
عثمان بن عفان مرفوعا نحوه. أخرجه النسائي (2 / 169) وأحمد (1 / 63) عن
مطر الوراق عن نافع عن ابن عمر عنه. وسنده حسن في الشواهد.
(قود) القود: القصاص، وقتل القاتل بدل القتيل.(4/640)
1987 - " عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 42) عن محمد بن أبي إسرائيل سمع عبد
الملك بن أبي بشير عن علقمة بن وائل عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه
وسلم: " إن كان علينا أمراء يعملون بغير طاعة الله؟ فقال: " فذكره، ثم رواه
من طريق شعبة عن سماك عن علقمة بن وائل عن أبيه قال سلمة بن يزيد الجعفي للنبي
صلى الله عليه وسلم نحوه. ومن طريق إسرائيل قال: حدثنا سماك عن علقمة قال
يزيد للنبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: الرواية الأولى معلولة بمحمد بن أبي إسرائيل، وفي ترجمته ساق البخاري
الحديث ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكذلك صنع ابن أبي حاتم في كتابه (3
/ 2 / 209) لم يذكر فيه ذلك، فهو في عداد المجهولين. والرواية الثانية
إسنادها صحيح، رجالها كلهم ثقات رجال مسلم، وهي أصح من الرواية الثالثة لأن
شعبة أحفظ من إسرائيل لاسيما في الرواية عن سماك. والحديث عزاه السيوطي
للطبراني في " الكبير " عن يزيد بن سلمة الجعفي، وقال المناوي: " قال
الهيثمي: فيه عبيد بن عبيدة لم أعرفه وبقية رجاله ثقات ". وأقره المناوي.
وأقول: إسناده عند البخاري ليس من طرقه وهذا من فضائل تتبع الطرق والأسانيد
، فالحمد لله على توفيقه. ثم وقفت على إسناده في " الكبير "، فرأيته أخرجه (
6322) من طريق عبيد بن عبيدة حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن زائدة عن
سماك به مثل رواية شعبة. فازدادت روايته بهذه المتابعة قوة على قوة.(4/641)
1988 - " غشيتكم الفتن كقطع الليل المظلم، أنجى الناس فيه رجل صاحب شاهقة يأكل من رسل
غنمه، أو رجل آخذ بعنان فرسه من وراء الدرب يأكل من سيفه ".
أخرجه الحاكم (4 / 514) عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن نافع بن سرجس عن
أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " صحيح
الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا، ورجاله ثقات رجال مسلم غير نافع هذا، قال ابن أبي حاتم
(4 / 1 / 453) عن أبيه: " لا أعلم إلا خيرا ".
1989 - " غير الدجال أخوف على أمتي من الدجال، الأئمة المضلون ".
أخرجه أحمد (5 / 145) عن ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني قال:
سمعت أبا ذر يقول: " كنت مخاصرا للنبي صلى الله عليه وسلم يوما إلى منزله
، فسمعته يقول: " فذكره.
قلت: ورجاله ثقات غير ابن لهيعة، فإنه سيء الحفظ. وأما قول المناوي:
" رواه مسلم في آخر " الصحيح " بلفظ: " غير الدجال أخوفني عليكم " ثم ذكر
حديثا طويلا ". فإنما يعني حديث النواس بن سمعان المتقدم برقم (482) وليس
فيه " الأئمة المضلون ".(4/642)
لكن هذه الزيادة قد ثبتت من حديث أبي الدرداء كما
تقدم برقم (1582) ، فالحديث بمجموع ذلك صحيح.
1990 - " الغزو غزوان، فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة واجتنب
الفساد، فإن نومه وتنبهه أجر كله، وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة وعصى
الإمام وأفسد في الأرض، فإنه لا يرجع بكفاف ".
رواه أبو داود (رقم (2515) والنسائي في " السير " من " الكبرى " (2 / 52 /
1) وعبد بن حميد في " المنتخب " (15 / 2) وابن عدي (44 / 2) عن بقية عن
بحير عن خالد بن معدان عن أبي بحرية عن معاذ بن جبل مرفوعا. وهكذا رواه
الهيثم بن كليب في " مسنده " (171 / 1) وصرح عنده بقية بالتحديث، وكذلك
صرح به في رواية أبي العباس الأصم في " حديثه " (ج 3 رقم 97) وابن عساكر (8
/ 512 / 1) ورواه أبو القاسم إسماعيل الحلبي في " حديثه " (113 / 2) عن
عثمان بن عطاء عن أبيه عن معاذ بن جبل مرفوعا به.
قلت: والسند الأول حسن رجاله ثقات وقد صرح بقية بالتحديث في رواية الأكثرين
. وأبو بحرية اسمه عبد الله بن قيس الكندي وهو ثقة مخضرم.
1991 - " الغسل صاع، والوضوء مد ".
رواه الطبراني في " الأوسط " (3611) وابن عدي (69 / 2) عن حكيم بن نافع
الرمي عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر مرفوعا، وقال: " هذا الحديث
بهذا الإسناد غير محفوظ عن موسى بن عقبة ". وقال الطبراني: " لم يروه عن
موسى إلا حكيم ".(4/643)
قلت: وهو ضعيف، قال ابن عدي: " هو ممن يكتب حديثه ". وقال أبو حاتم:
" ضعيف الحديث، منكر الحديث ". وقال الساجي: " عنده مناكير ". وأما ابن
معين فقال: " ليس به بأس ". وقال مرة: " ثقة ".
قلت: فهو على كل حال ليس شديد الضعف، فمثله يتقوى حديثه بالمتابعات والشواهد
وقد وجدت له شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة:
الأول: عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: " يكفي من الوضوء المد، ويكفي من الغسل
الصاع ". أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " (1 / 233) عن معاوية بن هشام حدثنا
سفيان عن عبد الله بن جبر قال: سمعت أنسا به. وهذا إسناد جيد وهو على شرط
مسلم.
الثاني: عن جابر مرفوعا. " يجزي من الوضوء المد، ومن الجنابة صاع ". أخرجه
البيهقي (1 / 195) عن حصين ويزيد بن أبي زياد وأحمد (3 / 370) عن يزيد
وحده - كلاهما عن سالم بن أبي الجعد عنه. وإسناد البيهقي صحيح.
الثالث: عن علي مرفوعا نحوه. أخرجه ابن ماجة (270) عن حبان بن علي عن يزيد
ابن أبي زياد عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب عن أبيه عن جده.(4/644)
وهذا
سند ضعيف.
الرابع: عن ابن عباس مرفوعا نحوه. أخرجه الطبراني في " الأوسط " بسند ضعيف.
1992 - " الغيبة أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع ".
أخرجه مالك في " الموطأ " (3 / 150 - طبعة الحلبي) عن الوليد بن عبد الله
صياد أن المطلب بن عبد الملك بن حنطب المخزومي أخبره: " أن رجلا سأل رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ما الغيبة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن
تذكر.... قال: يا رسول الله وإن كان حقا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: إذا قلت باطلا فذلك البهتان ". وأخرجه ابن المبارك في " الزهد " (704) عن
مالك به نحوه.
قلت: وهذا إسناد مرسل المطلب هذا قال الحافظ في " التعجيل ": " كان كثير
الإرسال ولم يصح سماعه من أبي هريرة، فلعله أخذ عن عبد الرحمن ابن يعقوب ".
وترجم الحافظ للوليد بما يستفاد منه أنه ليس له راو سوى مالك، وأن ابن حبان
ذكره في الطبقة الثالثة من " الثقات "، وقد ذكر السيوطي في مقدمة " إسعاف
المبطأ برجال الموطأ ": أن شيوخ مالك كلهم ثقات، فهو مرسل صحيح الإسناد
ويشهد له حديث أبي هريرة مرفوعا بمعناه وقد خرجته في " غاية المرام في تخريج
الحلال والحرام " (426) . والحديث أورده السيوطي في " زوائد الجامع " من
رواية الخرائطي في " مساوي الأخلاق " عن المطلب بن عبد الله بن حنطب مرفوعا
بلفظ: " بما فيه من خلفة " بالفاء، أي من ورائه دون علمه.(4/645)
وهو بمعنى رواية
مالك: فكان عليه أن يعزوه إليه لعلو طبقته، وأن ينبه على أنه مرسل، كما هي
عادته. ثم وقفت على نسخة مصورة من مخطوطة " مساوي الأخلاق " أنا الآن في صدد
نسخة وترقيم أحاديثه إعداد لتحقيق ونشره إن شاء الله تعالى، فإذا الحديث فيه
(رقم - 207) من طريق الأوزاعي عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: ذكرت
الغيبة عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " الغيبة أن يذكر الرجل بما فيه من
خلقه ". قال: ما كنا نظن أن الغيبة إلا أن يذكره بما ليس فيه. قال: " ذلك
من البهتان ". كذا وقع فيه (خلقه) بالقاف، ليس بالفاء كما تقدم عن "
الزوائد "، ولعله أولى. ثم إن الأوزاعي ثقة حافظ إمام، فهي متابعة قوية
للوليد تدل على حفظه.
1993 - " إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا
كانتا له ".
أخرجه الدارمي (1 / 374) وابن خزيمة في " صحيحه " (2 / 159 / 1103) وابن
حبان (683) من طرق عن ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن شريح بن عبيد عن عبد
الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن ثوبان قال: " كنا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم في سفر فقال: " فذكره، وليس عند الدارمي هذه الجملة المصرحة
بأنه صلى الله عليه وسلم قال الحديث في السفر، ولذلك عقب على الحديث بقوله:
" ويقال: " هذا السفر " وأنا أقول: السهر "! وبناء عليه وقع الحديث عنده
بلفظ: " هذا السهر ". ويرده أمران:(4/646)
الأول: ما ذكرته من مناسبة ورود الحديث في السفر.
والآخر: أن ابن وهب قد تابعه عبد الله بن صالح حدثنا معاوية بن صالح به
مناسبة ولفظا. أخرجه الدارقطني (ص 177) والطبراني في " الكبير " (1410)
. وعبد الله بن صالح من شيوخ البخاري، فهو حجة عند المتابعة. فدل ذلك كله
على أن المحفوظ في الحديث " السفر " وليس " السهر " كما قال الدارمي.
والحديث استدل به الإمام ابن خزيمة على " أن الصلاة بعد الوتر مباح لجميع من
يريد الصلاة بعده، وأن الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما
بعد الوتر لم يكونا خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم دون أمته، إذا النبي صلى
الله عليه وسلم قد أمرنا بالركعتبن بعد الوتر أمر ندب وفضيلة، لا أمر إيجاب
وفريضة ". وهذه فائدة هامة، استفدناها من هذا الحديث، وقد كنا من قبل
مترددين في التوفيق بين صلاته صلى الله عليه وسلم الركعتين وبين قوله:
" اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا "، وقلنا في التعليق على " صفة الصلاة " (ص
123 - السادسة) : " والأحوط تركهما اتباعا للأمر. والله أعلم ". وقد تبين
لنا الآن من هذا الحديث أن الركعتين بعد الوتر ليستا من خصوصياته صلى الله عليه
وسلم، لأمره صلى الله عليه وسلم بهما أمته أمرا عاما، فكأن المقصود بالأمر
بجعل آخر صلاة الليل وترا، أن لا يهمل الإيتار بركعة، فلا ينافيه صلاة ركعتين
بعدهما، كما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم وأمره. والله أعلم.(4/647)
1994 - " لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب، وهي صلاة الأوابين ".
أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1224) والحاكم (1 / 314) عن إسماعيل بن عبد
الله بن زرارة الرقي حدثنا خالد بن عبد الله حدثني محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم
: " صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي.
قلت: وذلك من أوهامهما، فإن محمد بن عمرو إنما أخرج له مسلم متابعة. وابن
زرارة لم يخرج له مسلم أصلا! وهو صدوق تكلم فيه الأزدي بغير حجة كما في "
التقريب "، فالسند حسن، وقد أعله ابن خزيمة بقوله عقبه: " لم يتابع هذا
الشيخ إسماعيل بن عبد الله على إيصال هذا الخبر، رواه الدراوردي عن محمد بن
عمرو عن أبي سلمة مرسلا. ورواه حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة
قوله ".
قلت: لم يتفرد ابن زرارة بوصله، فقد تابعه: أولا: محمد بن دينار حدثنا محمد
ابن عمرو به. أخرجه ابن عدي (ق 301 / 1) وقال: " محمد بن دينار الطاحي حسن
الحديث، وعامة حديثه ينفرد به ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق سيء
الحفظ ".
ثانيا: عاصم بن بكار الليثي عن محمد بن عمرو به.(4/648)
أخرجه ابن شاهين في
" الترغيب " (ق 282 / 1) من طريق الفضل بن الفضل أبي عبيدة حدثنا عاصم به.
لكني لم أعرف عاصما هذا. والفضل لين الحديث.
ثالثا: عمرو بن حمران عن محمد بن عمرو به. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (
رقم - 4322) : حدثنا علي بن سعيد الرازي حدثنا نوح بن أنس الرازي حدثنا عمرو
ابن حمران، وقال: " لم يروه عن محمد إلا عمرو ". كذا قال وهو مردود بما
سبق، ومن الطرائف أن يستدرك بكلامه هذا وروايته على ابن خزيمة، وبرواية
هذا على الطبراني! تصديقا للقول السائر: كم ترك الأول للآخر!
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله موثقون، وأما قول الهيثمي فى " مجمع الزوائد "
(2 / 239) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه محمد بن عمرو، وفيه كلام
وفيه من لم أعرفه ". فهو يشير بطرفه الآخر من كلامه إلا عمرو بن حمران
والراوي عنه نوح، أو أحدهما، وقد عرفتهما بالصدق: أما عمرو بن حمران فهو
بصري سكن الري، وروى عنه جمع من الثقات سماهم ابن أبي حاتم في ترجمته (3 / 1
/ 227) ، وقال عن أبيه: " صالح الحديث ". وأما نوح بن أنس فهو المقريء.
قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 486) :(4/649)
" روى عنه أبي والفضل بن شاذان. سئل أبي
عنه؟ فقال: صدوق ". وأما علي بن سعيد فهو حافظ معروف مترجم في " الميزان "
و" اللسان " وغيرهما وفيه كلام يسير لا ينزل به حديثه عن مرتبة الحسن.
وجملة القول أن حديث ابن زرارة الموصول يتقوى بهاتين المتابعتين، لاسيما
الأخيرة منهما، فيندفع بذلك شبهة أن يكون أخطأ في وصله ولولا أن محمد بن عمرو
في حفظه بعض الضعف لحكمت على الحديث بالصحة، ولعله هو نفسه كان يوصله تارة،
ويرسله أخرى، فكل حدث بما سمع منه، والحكم للزيادة، لاسيما والجملة
الأخيرة منه - وإن كانت لم ترد في هاتين المتابعتين - فإن لها شاهدا من حديث
زيد بن أرقم سبق تخريجه برقم (1164) ولها طريق أخرى عن أبي هريرة خرجتها في
" صحيح أبي داود " (1286)
1995 - " فاطمة بضعة مني، يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها، وإن الأنساب يوم
القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري ".
أخرجه أحمد (4 / 323) ومن طريقه الحاكم (3 / 158) من طريق عبد الله بن
جعفر حدثتنا أم بكر بنت المسور بن مخرمة عن عبيد الله بن أبي رافع عن المسور:
" أنه بعث إليه حسن بن حسين يخطب ابنته، فقال له: قل له: فيلقاني في العتمة
، قال: فلقيه، فحمد الله المسور، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، أيم
الله، ما من نسب ولا سبب ولا صهر إلي من نسبكم وصهركم، ولكن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (فذكره) ، وعندك ابنتها ولو زوجتك لقبضها ذلك،
فانطلق عاذرا له ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي! وهذا
عجب منه، فإن أم بكر هذه لا تعرف، بشهادة الذهبي نفسه، فإنه أوردها في فصل "
النسوة المجهولات "، وقال:(4/650)
" تفرد عنها ابن أخيها عبد الله بن جعفر ".
لكني وجدت لها متابعا قويا، فقال عبد الله ابن الإمام أحمد (4 / 332) :
حدثنا محمد بن عباد المكي حدثنا أبو سعيد - مولى بني هاشم - حدثنا عبد الله بن
جعفر عن أم بكر وجعفر عن عبيد الله بن أبي رافع به، إلا أنه قال: " شجنة "
مكان " بضعة ". والباقي مثله سواء. وهذا إسناد جيد، جعفر هذا هو ابن محمد
بن علي بن الحسين أبو عبد الله الصادق الإمام الفقيه، وهو ثقة من رجال مسلم،
فهو متابع قوي. وبقية رجال الإسناد - باستثناء أم بكر - ثقات رجال مسلم.
ومحمد بن عباد هو ابن الزبرقان المكي. والحديث أخرجه البخاري في " فضائل
الصحابة " (11 / 84 - فتح) والنسائي في " الخصائص " (ص 25) من طريق ابن
أبي مليكة عن المسور بن مخرمة مختصرا بلفظ: " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها
أغضبني ".
(تنبيه) لم يقف الهيثمي على الحديث في " مسند أحمد " فقال في " المجمع " (9
/ 203) : " رواه الطبراني، وفيه أم بكر بنت المسور ولم يجرحها أحد ولم
يوثقها وبقية رجاله وثقوا "!
قلت: ففاتته بسبب ذلك تلك المتابعة القوية. والله الموفق.
1996 - " في الإبل فرع، وفي الغنم فرع ".
رواه الطبراني في " الأوسط " (رقم 328 / 2) : حدثنا أحمد بن رشدين حدثنا أحمد
ابن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن أيوب بن موسى أن
يزيد ابن عبد المزني حدثه عن أبيه مرفوعا وقال:(4/651)
" لم يروه عن أيوب إلا
عمرو، تفرد به ابن وهب ".
قلت: وهو ثقة، وكذلك من فوقه إلا يزيد بن عبد المزني، فإنه مجهول العين،
وليس مجهول الحال كما جزم به الحافظ في " التقريب "، وإن أورده ابن حبان في
" الثقات " (1 / 261) ، واغتر به الهيثمي فقال في " مجمع الزوائد " (4 / 28
) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " ورجاله ثقات "! وأقره
المناوي في " فيض القدير "!! ، وراجع " الإرواء " (1165) .
(تنبيه) : هكذا متن الحديث في " الأوسط "، وكذلك أورده الهيثمي في " مجمع
الزوائد " و " مجمع البحرين " (1 / 128 / 1) . وأما السيوطي فأورده في
الجامع بزيادة: " ويعق عن الغلام، ولا يمس رأسه بدم ". عازيا لها لرواية
الطبراني في " الكبير " وحده، وكذلك ذكره الهيثمي أيضا في مكان آخر (4 / 58
) ، وهي في " الأوسط " حديث مستقل لكن بهذا السند نفسه وسيأتي. وقد أخرجه
الديلمي في " مسند الفردوس " (2 / 335) عن أبي نعيم معلقا قال: حدثنا محمد
ابن إبراهيم بن علي حدثنا أبو العباس بن قتيبة حدثنا حرملة حدثنا ابن وهب به
كاملا ولفظه: " في الإبل فرع، ويعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم ". وقد
وجدت له شاهدا قويا من حديث نبيشة الهذلي مرفوعا: " في كل سائمة فرع، تغذوه
ماشيتك، حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه على ابن السبيل، فإن ذلك خير ".
أخرجه أبو داود وغيره بسند صحيح كما بينته في " الإرواء " (1181) . والعق
وترك الدميم له شاهد من حديث بريدة، وآخر من حديث عائشة، وقد خرجتهما في
المصدر المذكور تحت الحديث المشار إليه آنفا.
(الفرع) : أول ما تلده الناقة، كانوا يذبحونه لآلهتهم، فأبطله الإسلام،(4/652)
وجعله لله لمن شاء على التخيير لا الإيجاب، وهو المراد بقوله صلى الله عليه
وسلم: " لا فرع ... ". كما ترى بيانه في " الإرواء " (4 / 409 - 413) .
1997 - " في الأنف الدية إذا استوعب جدعه مائة من الإبل، وفي اليد خمسون وفي الرجل
خمسون وفي الآمة ثلث النفس وفي الجائفة ثلث النفس وفي المنقلة خمس عشرة وفي
الموضحة خمس وفي السن خمس وفي كل إصبع مما هنالك عشر ".
أخرجه البزار (رقم - 1531) والبيهقي (8 / 86) عن محمد بن عبد الرحمن عن
عكرمة بن خالد عن أبي بكر بن عبيد الله بن عمر عن أبيه عن عمر مرفوعا.
وقال البزار: " لا نعلمه عن عمر إلا بهذا الإسناد ".
قلت: وهو ضعيف، محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى كما صرحت به رواية
البزار، وهو ضعيف سيء الحفظ. لكن الحديث له شاهد من حديث عمرو بن حزم في
حديثه الطويل في (الديات) عند النسائي (2 / 252) وغيره وهو مخرج في
" الإرواء " (2273) . ولبعض فقراته شواهد متفرقة فيه من حديث ابن عباس (
2231) وأبي موسى (2272) وعبد الله بن عمرو (2285) ومكحول مرسلا (2296
) وابن عمرو أيضا (2297) . (استوعبه) أي قطع جميعه.
(الآمة) قال ابن الأثير: وفي حديث آخر: (المأمومة) وهما الشجة التي
بلغت أم الرأس، وهي الجلدة التي تجمع الدماغ.
(الجائفة) : الطعنة التي تنفذ إلى الجوف، والمراد هنا كل ما له قوة محيلة
كالبطن والدماغ.(4/653)
(المنقلة) : هي التي تخرج منها صغار العظام وتنتقل من أماكنها، وقيل:
التي تنقل العظم، أي تكسره.
(الموضحة) : هي من الشجاج التي تبدي وضح العظم، أي بياضه.
1998 - " في المنافق ثلاث، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 386) والبزار (رقم - 87)
والطبراني في " الأوسط " (8080) عن يوسف بن الخطاب المدني عن عبادة بن
الوليد بن عبادة بن الصامت قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: فذكره مرفوعا
. وقال البزار: " لا نعلمه يروى عن جابر إلا من هذا الوجه، ويوسف مجهول ".
ولكن للحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " ثلاث في المنافق وإن صلى
وإن صام، وزعم أنه مسلم، إذا حدث ... " الحديث. أخرجه أحمد (2 / 397)
ومسلم (1 / 56) ولم يسق لفظه بتمامه عن حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن
سعيد ابن المسيب عنه. وهو في " الصحيحين " وغيرهما بلفظ: " آية النفاق ...
" إلخ.
1999 - " في أمتي كذابون ودجالون، سبعة وعشرون، منهم أربعة نسوة، وإني خاتم
النبين، لا نبي بعدي ".
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 104) وأحمد (5 / 396) والطبراني
في(4/654)
الكبير (3026) والأوسط (5582) عن قتادة عن أبي معشر عن إبراهيم النخعي
عن همام عن حذيفة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال
الطبراني: " لا يروى عن حذيفة إلا بهذا الإسناد ".
قلت: وهو صحيح على شرط مسلم، وأبو معشر هو زياد بن كليب الكوفي. وفي
الحديث رد صريح على القاديانية وابن عربي قبلهم القائلين ببقاء النبوة بعد
النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نبيهم المزعوم ميرزا غلام أحمد القادياني كذاب
ودجال من أولئك الدجاجلة.
2000 - " في عجوة العالية أول البكرة على ريق النفس شفاء من كل سحر أو سم ".
أخرجه أحمد (6 / 77 و 105 و 152) من طريق سليمان بن بلال عن شريك بن عبد الله
عن ابن أبي عتيق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، وهو على شرط الشيخين، لولا أن في شريك بن عبد الله -
وهو ابن أبي نمر - ضعفا من قبل حفظه. وقد أخرجه مسلم (6 / 124) من طريق
إسماعيل بن حجر عن شريك بلفظ: " إن في عجوة العالية شفاء، أو أنها ترياق أول
البكرة ". لم يذكر فيه الريق. لكني وجدت له شاهدا من حديث سعد بن أبي وقاص
مرفوعا بلفظ: " من أكل سبع تمرات عجوة ما بين لابتي المدينة على الريق، لم
يضره يومه ذلك شيء حتى يمسي - قال: وأظنه قال: - وإن أكلها حين يمسي، لم
يضره شيء حتى يصبح ".(4/655)
أخرجه أحمد (1 / 168) من طريق فليح عن عبد الله بن عبد
الرحمن يعني ابن معمر قال: حدث عامر بن سعد عمر بن عبد العزيز - وهو أمير على
المدينة - أن سعدا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا سند جيد في الشواهد، وهو على شرط الشيخين أيضا على كلام في فليح
وهو ابن سليمان المدني. قال الحافظ: " صدوق كثير الخطأ ". وقد تابعه
سليمان بن بلال عن عبد الله بن عبد الرحمن به. إلا أنه لم يذكر: " على الريق
"، ولا الأكل حين يمسي، وقال: " سم " بدل: " شيء ". أخرجه مسلم (6 /
123) . ثم أخرجه من طريق هاشم بن هاشم قال: سمعت عامر بن سعد به مختصرا وقال
: " سم ولا سحر ".(4/656)
الاستدراك
1 ص 104، الحديث 1575.
يضاف إلى المصادر المذكورة قبيل: "وعبد الغني ... ":
والطبراني في "المعجم الكبير" (22/75/185) .
2 ص 112، الحديث 1584:
قلت هناك: رواه الطبراني في "المعجم الكبير" من حديث عمران مرفوعًا، وفيه من لم أعرفهم كما قال الهيثمي (60/95) .
وأقول الآن بعد أن صدر المجلد الثامن عشر من "المعجم الكبير" بتحقيق الأخ الفاضل حمدي عبد المجيد السلفي وقد أهداه إلي مع بقية المجلدات آخرها الخامس والعشرون وبه ينتهي " المعجم " جزاهُ الله خيرًا على هديته الثمينة، وعلى ما قدم للمسلمين من جهد عظيم لإِخراج هذا السفر الجليل إلى عالم المطبوعات. أقول:
قال الطبراني في "معجمه" (18/124/254) :
حدثنا محمد بن حمويه الجوهري الأهوازي: ثنا أبو يوسف يعقوب بن إسحاق العلوي: ثنا بكر بن يحيى بن زبَّان: ثنا حسان بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله عن عبد الرحمن بن مورق عن ابن الشخير عن عمران بن حصين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إن أفضل عباد الله ... ".
هكذا وقع إسناده في المطبوعة، وفيه بعض الأخطاء من الناسخ أو الطابع لا بد من بيانها وتصحيحها، أو تصحيح الممكن منها، فأقول:(4/657)
أولًا: قوله: محمد بن عبد الله، أخشى أن يكون اسم " عبد الله " محرفًا من " سلمة بن كهيل " فقد ذكروا ابنه محمد بن سلمة في شيوخ حسان بن إبراهيم الراوي هنا عنه، فانظر " الجرح والتعديل " (2/3/276) وترجمة حسان هذا من " تهذيب الكمال " للحافظ المزي.
ثانيًا: قوله: " العلوي " مصحف " القلوسي " كما في ترجمته من " تاريخ بغداد " (14/285) وترجمة شيخه هنا بكر بن يحيى في " تهذيب المزي " (4/232) لكنه تصحف على محققه الدكتور بشار عواد إلى "الفلوسي" بالفاء، وقد قيده السمعاني في " الأنساب " بضم القاف واللام.
ثالثًا: قوله: " بن حمويه " محرف من " بن محمويه " كذلك وقع في ترجمة هذا الشيخ من " المعجم الأوسط " للطبراني (2/151/1-152/1 - مصورة الجامعة الإِسلامية) وقد ساق له فيه نحو عشرين حديثًا وقع فيها كلها " محمويه " على الصواب، ومنها حديث " يخرج الدجال من قبل أصبهان " (رقم 7334 - بترقيمي) . وكذلك وقع في " المجمع " (7/239) فقال:
" رواه الطبراني في " الأوسط " عن محمد بن محمويه الجوهري. ولم أعرفه ".
وحديث الدجال هذا قد رواه الطبراني في " الكبير " أيضًا (18/154/338) بهذا السند ذاته لكن تحرف " محمويه " فيه إلى " حيوة "! وفي " المعجم الصغير " حديث آخر بهذا السند أيضًا تحرف هذا الاسم تحريفًا آخر: " محمد بن محمد بن عزرة الأهوازي "!! هكذا في المطبوعة الهندية منه (ص 186) وفي المصرية (2/47) وعلى الصواب وقع في " الأوسط " (رقم 7335) .
بعد هذا التحرير أستطيع أن أقول: إن رجال هذا الإِسناد معروفون غير هذا الشيخ، وغير عبد الرحمن بن مورق، فإني لم أجد لهما ترجمة، ولعلهما المقصودان بقول الهيثمي المتقدم: " وفيه من لم أعرفهم "، والله أعلم.(4/658)
3 ص 145، الحديث 1612.
يضاف في آخر السطر الذي قبل الأخير:
والطبراني في " المعجم الكبير " (17/114-115/280-285) .
4 ص 170، الحديث 1628.
يزاد في وسط الصحيفة أول السطر قبل قوله: " وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم ":
وأخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (19/390/916) من طريق أخرى عن أبي المغيرة.
ويزاد بعد السطر الرابع من الأسفل:
قلت: وهو في " كبير الطبراني " (19/370-371/869-873) .
ويزاد تحت السطر الأخير:
قلت: ورواه الطبراني في " الكبير " (19/389/914 و915) من الطريقين المذكورين بإسنادين مفرقين عنهما عن أبي هزان بتمامه. مثل حديث أبي المغيرة.
5 ص 178، الحديث 1635.
يزاد بعد قوله: " المذكور " في السطر الذي قبل الأخير:
ثم تأكدت من ذلك بعد أن طبع المجلد العشرون من " المعجم الكبير " فقد أخرجه فيه (298/707) من طريقين آخرين عن حماد بن سلمة: أنا سعيد الجُريري به. فصح الإِسناد، والحمد لله.
6 ويزاد (ص 179 سطر 8) :
والطبراني في " الكبير " (20/296/704 و705) .(4/659)
7 ص 230، الحديث 1666.
يزاد بعد السطر 10:
ثم رأيت الحديث في "المعجم الكبير" للطبراني (20/270) رواه من طريق بَقِيَّة وإسماعيل عن بحير به.
وتابعه عنده (638 و639) ثور بن يزيد، وهو ثقة من رجال البخاري، رواه من طريقين عنه عن خالد بن معدان به. فصح الحديث عن المقدام يقينًا. والحمد لله.
وقد مضى لإسماعيل بن عياش حديث آخر من روايته عن بحير بن سعيد، ويقال: ابن سعد، فانظر الحديث (173) إن شئت.
8 ص 232، الحديث 1668.
يزاد بعد السطر الثالث عشر:
ثم رأيت الحديث في " معجم الطبراني الكبير " (20/175) برقم (375) من طريق بقية بن الوليد: ثنا حبيب بن صالح عن عبد الرحمن بن سابط عن معاذ بن جبل به دون قوله: "في أجساد لا تموت". وإسناده هكذا: حدثنا محمد بن إبراهيم بن عرق الحمصي: ثنا محمد بن مصفى: ثنا بقية بن الوليد..
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير هذا الشيخ.. ابن عرق، فلم أعرفه، ولا أورده الطبراني في شيوخه (المحمدين) من " الصغير " و" الأوسط "، ولا السمعاني في مادة (العرقي) ، وإنما أورد فيها: " أحمد بن محمد بن الحارث بن محمد بن عبد الرحمن من عرق اليحصبي الحمصي العرقي، نسب إلى جده الأعلى، من أهل حمص، يروي عن أبيه محمد بن الحارث، وعنه أبو القاسم الطبراني ".
قلت: وقد روى له في " الأوسط " (1/125/4) حديثين: أحدهما عن أبيه، وقد أخرجه في " الكبير " أيضًا (20/278/659) و" الصغير " (ص 3 - هندية) ، وقد تكلمت عليه في " الروض " (874) .(4/660)
إذا تبين هذا فلا أدري إذا كان هذا الشيخ محمد بن إبراهيم بن عرق شيخًا آخر للطبراني أم هو محرف من شيخه في الحديثين المشار إليهما: أحمد بن محمد بن الحارث..
وسواء كان هذا أو ذاك فإني لم أجد من ترجمهما، فقول الهيثمي: "وإسناد الكبير جيد إلا.."، إنما هو بغض النظر عن الشيخ، أو من باب إحسان الظن به، كما بلونا ذلك في كثير من أحاديث الطبراني. والله أعلم.
وأما إسناده في "الأوسط" فقد أخرجه في ترجمة أحمد بن النضر العسكري فقال رقم (1644 - بترقيمي) حدثنا أحمد قال: نا محمد بن سلام المنبجي قال: نا سعيد عن حبيب بن صالح الطائي به. وفيه الزيادة.
وسعيد هذا لم أعرفه، ولم يذكره المزي في الرواة عن حبيب الطائي.
ومحمد بن سلام المنبجي ليس بالمشهور، لم أجد أحدًا ترجمه عن المشهورين إلا الذهبي في "الميزان" و"الضعفاء"، ولم يزد فيهما على قوله:
" قال ابن مندة: له غرائب ".
وسقطت ترجمته من " اللسان ".
وقد أورده السمعاني في مادة (المنبجي) فقال:
"يروي عنه أهل بلده العجائب، روى عن عمر بن سعيد الحافظ المنبجي بنسخة مقلوبة يطول ذكرها لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه إلا للمعرقة فقط".
وهذه فائدة هامة خلت منها الكتب الخاصة بتراجم الرواة. والله الموفق.
وأما شيخ الطبراني أحمد بن النضر العسكري فترجمه الخطيب (5/185-186) ووثقه.
وخلاصة القول إن إسناد "الكبير" خير من هذا، والله أعلم.
9 ص 300، الحديث 1722(4/661)
يزادَ في آخر البحث:
قلت: وللحديث شاهدان يتقوى بهما:
أحدهما: من حديث عائشة رضي الله عنها.
والآخر: من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه.
وقد مضى تخريجهما والكلام على إسناديهما في المجلد الثالث: (1059 و1060) .
10 ص 305، الحديث 1727.
قلت: ورواية عبد الرزاق في " المصنف " (5/382-383) عن معمر به مرسلًا مثل رواية البزار.
ثم طبع المجلد الذي فيه أحاديث كعب بن مالك من " المعجم الكبير " للطبراني، فرأيت الحديث فيه (19/71/139) من طريق محمد بن أبي عمر العدني: أنا عبد الرزاق به إلا أنه قال: عن ابن كعب بن مالك عن أبيه قال: جاء ملاعب الأسنة.. الحديث. فذكره موصولًا.
والعدني هذا هو محمد بن يحيى بن أبي عمر نسب لجده وهو من شيوخ مسلم، لكن قال أبو حاتم: كانت به غفلة. فلا يحتج بمخالفته.
وكذا وصله (برقم 138) من طريق أحمد بن أبي بكر البالسي: ثنا محمد بن مصعب: ثنا الأوزاعي عن الزهري به.
لكن محمد بن مصعب -وهو القرقساني- ضعيف لكثرة غلطه، والبالسي أسوأ منه.
ورواية ابن المبارك الموصولة أخرجها فيه برقم (162) من طريق محمد بن مقاتل المروزي: ثنا عبد الله بن المبارك به.(4/662)
والمروزي هذا ثقة من شيوخ البخاري، لكن المحفوظ عن الزهري بإسناده مرسل كما تقدم، وكذلك رواه يونس عنه، إلا أنه قال: عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وغيره أن عامر بن مالك.. الحديث.
أخرجه الطبراني (140) .
(تنبيه) : قد علمت مما ذكرته آنفًا أن رواية العدني عن عبد الرزاق، ورواية المروزي عن ابن المبارك كلاهما موصولة. ومع ذلك علق عليهما أخونا الفاضل بأنه رواد عبد الرزاق (9741) ، وقد عرفت أنه عنده بالرقم ذاته مرسل، فوجب التنبيه.
11 ص 344، الحديث 1751.
يزاد في السطر الثاني من تحت:
والبيهقي في "الآداب" (ص 479) .
12 ص 398، الحديث 1790.
يزاد في السطر الثامن بعد قوله. ".. ابن عقبة لم أعرفه":
ثم وجدته جاء مسمى بـ " محمد بن عقبة " عند الطبراني في " المعجم الكبير " (19/341/790) من الطريق ذاته. ومحمد هذا هو ابن عقبة بن أبي مالك القرظي ابن أخي ثعلبة بن أبي مالك، أورده ابن حبان في " الثقات " وقال (3/234) :
"يروي عن أبيه وابن عباس. عداده في أهل المدينة. روى عنه محمد بن رفاعة وزكريا بن منظور".
قلت: يضم إليهما هشام بن سعد كما في الطريق المشار إليها، وهي فائدة لا توجد في كتب الرجال، وقال فيه الحافظ.
"مستور".(4/663)
ثم أخرجه الطبراني رقم (925) من طريق ضمام بن إسماعيل به، مثل رواية أبي يعلى.
13 ص 443، الحديث 1828.
يزاد في السطر الثاني:
ولكنه في شرحه "التيسير" صرح بأن إسناده ضعيف، وهذا من فوائده التي خلى منها شرحه الكبير: "فيض القدير".
14 ص 445، الحديث 1830.
يزاد في السطر الرابع من تحت:
وقد غفل عن هذه النكارة المعلق على " شرح السنة " (9/6 طبع المكتب الإسلامي) حين استشهد للحديث بحديث ابن مظعون وجابر، وليس فيهما ذكر القيام كما تقدم، فكان عليه أن ينبه القراء أن شهادتهما قاصرة، وأن الزيادة في الحديث منكرة، لتفرد الضعيف بها، وهذا من دقائق هذا العلم التي يغفل عنها عامة المشتغلين به في العصر الحاضر، فلا يتنبهون لمثله إلا إذا تقدمهم إلى ذلك عالم!
15 ص 449، الحديث 1833:
ثم رأيت المدعو عز الدين بليق قد سود عدة صفحات في كتابه الذي سماه "موازين القرآن والسنة للأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة" (!) (ص 71-77) زعم فيها أن الحديث يتعارض مع القرآن الكريم جملة وتفصيلا (!) وتمسك في ذلك بالآيات المصرحة بأن الله خلق السماوات والأرض في ستة آيام، جاهلًا أو متجاهلًا أن الأيام السبعة في الحديث هي غير الأيام الستة المذكورة في الآيات كما كنت شرحت ذلك في التعليق على "المشكاة". ومنشأ جهله أنه فسر (التربة) في الحديث بأنها الأرض. يعني الأرض كلها بما فيها من الجبال والأشجار وغيرها، وهذا باطل لمنافاتِه لسياق الحديث كما لا يخفى على أحد ذي لب، وإنما المراد بـ (التربة) التراب وليس(4/664)
الأرض كلها، ففي "لسان العرب": "وتربة الأرض" ظاهرها. وهذا هو الذي يدل عليه السياق، فإن الأرض بدون التراب لا تصلح للأشجار والدواب التي ذكرت في الحديث، ولا لخلق آدم وذريته التي تناسلت منه بعد.
وبالجملة: فالتفصيل الذي في الحديث هو غير التفصيل الذي في القرآن الكريم، وأيامه غير أيامه، فالواجب في مثل هذا عند أهل العلم أن يضم أحدهما إلى الآخر، وليس ضرب أحدهما بالآخر، كما فعل هذا الرجل المتعالم.
ولقد كنت بدأت في الرد عليه مفصلًا في حلقات نشرت الأربع الأولى منها في جريدة " الرأي " الأردنية، آخرها بتاريخ (29/4/1983) ، ثم فاجأتنا بامتناعها عن متابعة النشر، بعد أن وعدت بالنشر كتابة في الجريدة وعدًا عامًا، وشفهيًا وعدًا خاصًا من المسؤول فيها لأحد إخواننا الأفاضل، ولله في خلقه شؤون.
16 ص 641، الحديث 1987.
يضاف إلى السطر الأخير:
وإن كان أسقط منه قوله: " عن أبيه "، فرواية شعبة أصح. وقول السيوطي: " يزيد بن سلمة " مقلوب، والصواب: " سلمة بن يزيد " كما في " التاريخ " و" كبير الطبراني "، وهو في ذلك تابع للهيثمي (5/220) ، وانطلى أمره على المناوي!
17 ص 651، الحديث 1995.
يضاف بعد السطر السابع:
ثم بدا لي أنه يحتمل أن جعفرًا هذا ليس هو جعفر بن محمد الصادق، لأنه وإن كان قد ذكروه في الرواة عن عبيد الله بن أبي رافع، فإنهم لم يذكروه في شيوخ عبد الله بن جعفر الراوي عن جعفر هنا، وهو عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المِسْوَر، بل ذكروا في شيوخه أباه جعفر بن عبد الرحمن، ولم يذكروا فيهم جعفر الصادق، فالأمر محتمل.
والترجيح في مثله صعب، على أنني لم أجد لجعفر بن عبد الرحمن ترجمة. لكن ذلك لا(4/665)
يخدج في صحة الحديث، لثبوت الطرف الأول منه في البخاري كما تقدم، وأما الطرف الآخر، فله شواهد أخرى تأتي إن شاء الله تعالى برقم (2036) .
ثم رأيت الحديث قد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (20/25/30) عن شيخه موسى بن هارون الثقة بإسناد ابن الإِمام أحمد عن عبد الله بن جعفر عن م بكر بنت المِسْوَر عن جعفر بن محمد عن عبيد الله بن أبي رافع.. هكذا قال: " عن جعفر.. " مكان: " وجعفر " في إسناد ابن الإِمام أحمد، وهذا أقرب إلى الصواب، لأنهم لم يذكروا لأم بكر بنت المسور رواية عن جعفر.
ثم إننا نرى أنه وقع منسوبًا إلى محمد في رواية الطبراني هذه، فيمكن اعتبارها مرجحًا لكونه هو جعفر بن محمد الصادق، كما كنت ذكرت في أول التخريج. ويؤيده رواية إسحاق بن محمد الفروي: ثنا عبد الله بن جعفر الزهري (الأصل الزاهري وهو خطأ) عن جعفر بن محمد به دون الطرف الآخر.
أخرجه الحاكم (3/154) وقال:
" صحيح الِإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: فترجح بما سبق من التحقيق أن راوي الحديث عن عبيد الله بن أبي رافع هو جعفر بن محمد الصادق رحمه الله، فعاد الحديث إلى ما كنا حكمنا عليه من الجودة لإسناده، واستفدنا منه أن جعفرًا هذا من شيوخ عبد الله بن جعفر المسوري الزهري، وهي فائدة عزيزة لم ترد في ترجمته في كتب الرجال، فلتلحق بها. وبالله التوفيق.(4/666)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ
مقدمة المؤلف:
إِنَّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه (1) ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسِنا وسيِّئات أَعمالِنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أَنْ لا إِله إِلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} .
__________
(1) سمعتُ غير ما واحد من الخطباء يزيد هنا قوله: "ونستهديه"، ونحن في الوقت الذي نشكرهم على إحيائهم لهذه الخطبة في خطبهم ودروسهم، نرى لزامًا علينا أن نذكرهم بأن هذه الزيادة لا أصل لها في شيء من طرق هذه الخطبة؛ خطبة الحاجة، التي كنتُ جمعتها في رسالة خاصة معروفة، و {الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} .(5/1)
أما بعد؛ فهذا هو المجلد الخامس من "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" أقدمه اليوم إلى قرائنا الكرام؛ لينهلوا مما فيه من السنة الصحيحة، وثمارها اليانعة، على اختلاف أنواعها، وجميل توجيهاتها، وتعدد فوائدها، مما يحتاجه كل مسلم في حياته؛ من العقائد، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق، وغيرها.
وإن أول حديث يبادرك من هذا المجلد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "في كل قرنٍ مِن أمَّتي سابقون"، ففيه بشارة عظيمة لهذه الأمة المحمدية باستمرار العاملين بأحكام الله في كل قرن، وأن قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} (1) ، ليس خاصًا بقرن دون قرن، بل هو عامٌّ في كل العصور، حتى تقوم الساعة؛ خلافًا لما رُوِيَ عن عائشة أن السابق بالخيرات إنما هو مَن مضى على عهدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! فإنه مع مخالفته لهذا الحديث الصحيح، فيه مَن هو متروك الحديث؛ كما هو مبين في الكتاب الآخر (3235) .
وقد تميَّزَ هذا المجلد بأمور؛ منها: كثرة الأحاديث الواردة في شمائله - صلى الله عليه وسلم - وهديه، مما يدخل في باب (كان) ، من رقم (2053-2141) ، ومن ذلك أنه "كان لا يطأ عقبه رجلان" (2087 و2104) ؛ من آداب المشي مع الكبراء، خلافًا لما عليه اليوم بعض مشايخ الصوفية والعلماء، فضلًا عن الملوك والأمراء!
__________
(1) فاطر: 32.(5/2)
ومن ذلك أدب القول إذا قرأ القارىء: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (1) (2150) ؛ مما أخلَّ به جماهير المستمعين والقراء!
وحديث في وصاياه - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر رضي الله عنه (2166) ما أحوجنا إلى معرفتها والتأسي بها.
ووجوب رحمة الكبير للصغير، وتوقير الصغير للكبير، ومعرفة حق العالم (2196) ؛ مما أخل به الكثيرون.
وأحاديث في الجهاد في سبيل الله، وفضل غُباره (2219 و2227 و2228) .
وحديث في أدب المسلم إذا سلم عليه الكافر (2242) .
وحديث في الكبائر منها: "التعرب بعد الهجرة" (2244) ، وبيان أن نحوه التغرب!
وحديث: "من باع بيعتين في بيعة ... "، وتفسير بعض العلماء له ببيع التقسيط بزيادة في الثمن، وحكمه (2326) .
وحديث في الترهيب من ترك الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذكره (2337) .
وحديث في لعن من سب الصحابة رضي الله عنهم (2340) .
وحديث في تفسير المقام المحمود بالشفاعة الكبرى (2369) .
وآخر في المحافظة على نظافة الطرق (2373) .
__________
(1) وردت في عدة مواضع من سورة الرحمن.(5/3)
وحديث في النهي عن سب الشيطان، والأمر بالتعوذ من شره (2422) .
وآخر في النهي عن تحدث الإِنسان بتلعب الشيطان به في منامه (2453) .
وحديث هام في امتحان من لم تبلغه الدعوة يوم القيامة (2468) ... إلى غير ذلك من الحكم والفوائد التي تضمنتها سائر الأحاديث، وآخرها في فضل الصبر على البلاء إذا لم يُستغث بغير الله.
وختامًا؛ أسأل المولى سبحانه وتعالى أن يلهمني الصواب في كل ما أكتب، وأن ينفع به الناس جميعًا في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يوفِّقنا جميعًا للعمل بما علمنا، وأن يجعل ذلك كله خالصًا لوجهه تبارك وتعالى؛ إنه سميع مجيب.
وصلى الله على محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عمان/23 ربيع أول سنة 1409 هـ
وكتب
محمد ناصر الدين الألباني
أبو عبد الرحمن
هذا، وكما جريت عليه في هذه السلسلة "الصحيحة"، وفي الأخرى "الضعيفة" من وضع فهارس علمية مفصلة، تساعد القراء على تسهيل الاستفادة منها، والرجوع إلى مطالبهم حين الحاجة إليها، فقد حال بيني وبين وضع أكثر فهارسها عوائق، منها بعض الأمراض التي لازمتني حتى هذا(5/4)
الشهر، رمضان المبارك، الذي لزمت فيه داري، ولم أتمكن بسببها من صيامه، والجلوس في مكتبتي لمتابعة أعمالي العلمية التي نذرت لها نفسي، فاقتضت المصلحة العلمية أن يقوم بعض إخواننا من طلاب العلم العاملين في "المكتبة الإِسلامية" بوضع الفهارس المشار إليها، راجيًا لهم التوفيق في ذلك، وقد كلفت ابنتي أم عبد الله -بارك الله فيها وفي زوجها وذريتها- أن تتولى بيان ذلك في كلمة لها تكون ختامًا لهذه المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -.
أما بعد؛ فهذا هو المجلد الخامس من "سلسلة الأحاديث الصحيحة"، يخرج إلى قرائه ومنتظريه رافدًا غزيرًا جديدًا؛ ليلحق بأمثاله من السلسلتين "الصحيحة" و"الضعيفة"، وقد أولاه مؤلفه الوالد الفاضل مثلما أولى سابقيه، فصنعه على عينه؛ أودعه زبدة علمه، وخلاصة أبحاثه، وأشرف بنفسه على تصحيح تجاربه، واطلع على جميع مراحل صفه وتهذيبه، متحاملًا على أوجاعه التي ما برحته هذا العام إلا يسيرًا، مهتبلًا كل فرصة من ليل أو نهار ليأوي فيها إلى مكتبته، مستغلًا كل فترة هي أدعى أن تكون لراحته، مصرًا على أن يخرج الكتاب بأحسن صورة يرضاها ويستطيعها.
وهكذا كان، إلى أن وصل الكتاب إلى مرحلة (الفهرسة) ، وكما هو معروف، فإن فهرسة الشيخ علم وفن بحد ذاتها، خاصة الفهرس الأول (المواضيع والفوائد) ، فإنه يختصر موضوعات الكتاب وأبحاثه اختصارًا ملمًا(5/5)
دون أن يضيع فوائدها، وفي هذه المرحلة بالذات صحب الوالد كتابه إلى مكان استجمامه وخلوته، ففتح الله عليه بركاته، ومتعه بالعافية، فكنتَ تراه عاكفًا عليه دون تمييز بين ساعات ليلٍ أو نهار حتى تمم الفهرس الأول، ثم كان لا بد من عودته إلى بيته، وكان الشتاء قارسًا زاد في أوجاع الوالد ومرضه، مما اضطره إلى التوقف عن إتمام بقية الفهارس، فعُهد إلى بعض موظفي "المكتبة الإِسلامية" بإتمامها وتصحيح تجاربها، وللأسف لم يتمكن الوالد من الاطلاع عليها ومراجعتها كما كان يريد.
وحرصًا على نفع المسلمين بما في الكتاب من حديث شريف، وعدم تعطيل ما به من علم غزير، كان لا بد أن يخرج الكتاب بهذه الصورة، وما لا يدرك كله لا يترك جله.
والله تعالى نسأل أن يجزي الوالد الفاضل عنا وعن المسلمين خير الجزاء، وأن يمد في عمره، ويمتعه بالصحة والعافية، ويبارك في وقته، ليتحف المسلمين بما عنده من كتبه ومؤلفاته، فيتابع نشرها، ويشرف بنفسه على طباعتها وإخراجها؛ ليعم نفع المسلمين بها في مشارق الأرض ومغاربها، إنه سميع مجيب.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
عمان/25 رمضان 1409 هـ
أم عبد الله(5/6)
2001 - " في كل قرن من أمتي سابقون ".
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (1 / 8) وعنه الديلمي (2 / 333) معلقا:
حدثنا عبد الله بن جعفر (وقال الديلمي: ابن فارس) حدثنا إسماعيل بن عبد
الله (وقال الديلمي: إسماعيل بن سمويه) : حدثنا سعيد بن أبي مريم (وقال
الديلمي: سعيد بن الحكم) : حدثنا يحيي بن أيوب عن ابن عجلان عن عياض بن عبد
الله عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلي الله عليه وسلم به، إلا أن أبا
نعيم قال: " لكل قرن ... ".
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات معروفون من رجال " التهذيب " - على كلام
يسير في محمد بن عجلان - غير إسماعيل بن عبد الله يلقب سمويه وهو ثقة حافظ،
مات سنة 267. وعبد الله بن جعفر، هو ابن أحمد بن فارس الأصبهاني من شيوخ أبي
نعيم الذين يكثر عنهم، وترجم له في " أخبار أصبهان " (2 / 80) ، وكذا ابن
العماد في " الشذرات " - وفيات سنة (346) ووصفه بـ (الصالح) . وقال
الذهبي في " السير " (15 / 553) : " وكان من الثقات العباد ". ثم ذكر أنه
وثقه ابن مردويه وعبد الله بن أحمد السوذرجاني. والحديث عزاه السيوطي في
" الجامع " للحكيم الترمذي فقط، وذكر في " الفتاوي " (2 / 462) أنه رواه من
طريق ليث بن سعد عن محمد بن عجلان به. والحديث رواه الحافظ الذهبي في " تذكرة
الحفاظ " (2 / 132) من طريق أبي نعيم، وقال: " حديث غريب جدا، وإسناده
صالح ".(5/7)
2002 - " الفجر فجران، فجر يقال له: ذنب السرحان، وهو الكاذب يذهب طولا ولا يذهب
عرضا، والفجر الآخر يذهب عرضا ولا يذهب طولا ".
أخرجه الحاكم (1 / 191) وعنه البيهقي (1 / 377) والديلمي (2 / 344) عن
عبد الله بن روح المدائني حدثنا يزيد بن هارون حدثنا ابن أبي ذئب عن الحارث بن
عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " إسناده صحيح "،
ووافقه الذهبي. ذكره شاهدا لحديث ابن عباس المتقدم برقم (693) .
قلت: وإسناد جيد، رجاله ثقات مترجمون في " التهذيب " غير عبد الله بن روح
المدائني ترجمه الخطيب في " تاريخه " (9 / 454) وقال عن الدارقطني: " ليس
به بأس ". وقال الحافظ في " اللسان ": " من شيوخ أبي بكر (الشافعي) الثقات
". قلت: لكن أخرجه ابن جرير في " تفسيره " (ج 3 رقم 2995) والدارقطني (ص
231) والبيهقي (1 / 377 و 4 / 215) من طرق عن ابن أبي ذئب به مرسلا لم يذكر
فيه جابرا. وقال الدارقطني: " وهذا مرسل ". وقال البيهقي:(5/8)
" وهو أصح "
. قلت: لكن الحديث صحيح لشاهده المشار إليه آنفا. وله شاهد آخر أخرجه
الدارقطني عن الوليد بن مسلم عن الوليد بن سليمان قال: سمعت ربيعة بن يزيد قال
: سمعت عبد الرحمن بن عائش صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره
نحوه، وقال: " إسناد صحيح ".
وأقول: ابن عائش هذا، قال في " التقريب ": " يقال: له صحبة، وقال أبو
حاتم: من قال في روايته: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخطأ ".
والوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية. وله شواهد أخرى بعضها في " صحيح مسلم "
وهي مخرجة في " صحيح أبي داود " برقم (2031 - 2033) ، وسيأتي أحدهما برقم (
2031) .
2003 - " الفردوس ربوة الجنة، وهي أوسطها وأحسنها ".
رواه ابن جرير في " تفسيره " (16 / 30) وأبو نعيم في " صفة الجنة " (2 / 2
- شيخ الإسلام) عن سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، لعنعنة الحسن وهو البصري، وضعف سعيد بن بشير. لكن
الحديث صحيح. فإن له شواهد، منها:
1 - عن أنس مرفوعا. " يا أم حارثة ... والفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها
". أخرجه أحمد (3 / 260) وابن جرير (16 / 31) والترمذي (2 / 201)(5/9)
وقال: " حديث حسن صحيح ".
2 - عن أبي هريرة أو أبي سعيد الخدري مرفوعا. " إذا سألتم الله فاسألوه
الفردوس، فإنها أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقها عرش الرحمن، ومنه تفجر
أنهار الجنة ". أخرجه ابن جرير بهذا اللفظ، وقد مضى تخريجه برقم (921) عن
أبي هريرة وحده نحوه من رواية البخاري وغيره. وبرقم (922) عن عبادة بن
الصامت مرفوعا نحوه.
2004 - " إذا لقي المسلم أخاه المسلم، فأخذ بيده فصافحه، تناثرت خطاياهما من بين
أصابعهما كما يتناثر ورق الشجر بالشتاء ".
أخرجه بحشل في " تاريخ واسط " (ص 165) : حدثنا وهب بن بقية قال: أخبرني عبد
الله بن سفيان الواسطي عن الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن مجاهد عن ابن
عباس مرفوعا، قال عبدة: " فقلت لمجاهد: إن هذا ليسير، فقال مجاهد: لا
تقل هذا، فإن الله تعالى قال في كتابه * (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت
بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) * (1) فعرفت فضل علمه على غيره ".
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن سفيان الواسطي،
قال العقيلي:
_________
(1) الأنفال: 63. اهـ.(5/10)
" لا يتابع على حديثه ". وساق له حديثا آخر، وأما هذا فله
شواهد كثيرة، سبق تخريج بعضها برقم (526) ، وقد ذكره بحشل في ترجمته، ولم
يذكر له فيها جرحا ولا تعديلا، ولذلك خرجته، ولاسيما أني لم أر أحدا ذكره
من حديث ابن عباس. والله أعلم.
2005 - " إن قوما يقرءون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق
السهم من الرمية ".
أخرجه الدارمي (1 / 68 - 69) ، وبحشل في " تاريخ واسط " (ص 198 - تحقيق
عواد) من طريقين عن عمر بن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني قال: حدثني أبي
قال: حدثني أبي قال: " كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة
الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري، فقال:
أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج
قمنا إليه جميعا، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن! إنى رأيت في المسجد
آنفا أمرا أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيرا، قال: فما هو؟ فقال: إن
عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا، ينتظرون الصلاة، في كل
حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول هللوا
مائة، فيهللون مائة، ويقول سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم
؟ قال: ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم،
وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء؟ ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من
تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا
عبد الرحمن! حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم
فأنا ضامن أن لا(5/11)
يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم!
هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته
لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحوا باب
ضلالة؟ ! قالوا والله: يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير، قال:
وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا: (فذكر
الحديث) ، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم! ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن
سلمة: فرأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج ".
قلت: والسياق للدارمي وهو أتم، إلا أنه ليس عنده في متن الحديث: " يمرقون
... من الرمية ". وهذا إسناد صحيح، إلا أن قوله: " عمر بن يحيى " أظنه خطأ
من النساخ، والصواب: " عمرو بن يحيى "، وهو عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة
ابن الحارث الهمداني (1) . كذا ساقه ابن أبي حاتم في كتابه " الجرح والتعديل "
(3 / 1 / 269) ، وذكر في الرواة عنه جمعا من الثقات منهم ابن عيينة، وروى
عن ابن معين أنه قال فيه: " صالح ". وهكذا ذكره على الصواب في الرواة عن
أبيه، فقال (4 / 2 / 176) : " يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني، ويقال:
الكندي. روى عن أبيه روى عنه شعبة والثوري والمسعودي وقيس بن الربيع وابنه
عمرو بن يحيى ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ويكفي في تعديله رواية
شعبة عنه، فإنه كان ينتقي الرجال الذين كانوا يروي عنهم، كما هو مذكور في
ترجمته، ولا يبعد أن يكون في
_________
(1) وكنت أظن قديما أنه عمرو بن عمارة بن أبي حسن المازني، فتبين لي بعد أنه
وهم قد رجعت عنه. اهـ.(5/12)
" الثقات " لابن حبان، فقد أورده العجلي في "
ثقاته " وقال: " كوفي ثقة ". وأما عمرو بن سلمة، فثقة مترجم في " التهذيب
" بتوثيق ابن سعد، وابن حبان (5 / 172) ، وفاته أن العجلي قال في " ثقاته
" (364 / 1263) : " كوفي تابعي ثقة ". وقد كنت ذكرت في " الرد على الشيخ
الحبشي " (ص 45) أن تابعي هذه القصة هو عمارة بن أبي حسن المازني، وهو خطأ
لا ضرورة لبيان سببه، فليصحح هناك. وللحديث طريق أخرى عن ابن مسعود في "
المسند " (1 / 404) ، وفيه الزيادة، وإسنادها جيد، وقد جاءت أيضا في
حديث جمع من الصحابة خرجها مسلم في " صحيحه " (3 / 109 - 117) . وإنما عنيت
بتخريجه من هذا الوجه لقصة ابن مسعود مع أصحاب الحلقات، فإن فيها عبرة لأصحاب
الطرق وحلقات الذكر على خلاف السنة، فإن هؤلاء إذا أنكر عليهم منكر ما هم فيه
اتهموه بإنكار الذكر من أصله! وهذا كفر لا يقع فيه مسلم في الدنيا، وإنما
المنكر ما ألصق به من الهيئات والتجمعات التي لم تكون مشروعة على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم، وإلا فما الذي أنكره ابن مسعود رضي الله عنه على أصحاب
تلك الحلقات؟ ليس هو إلا هذا التجمع في يوم معين، والذكر بعدد لم يرد،
وإنما يحصره الشيخ صاحب الحلقة، ويأمرهم به من عند نفسه، وكأنه مشرع عن الله
تعالى! * (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) *. زد على
ذلك أن السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم فعلا وقولا إنما هي التسبيح
بالأنامل، كما هو مبين في " الرد على الحبشي "، وفي غيره.
ومن الفوائد التي تؤخذ من الحديث والقصة، أن العبرة ليست بكثرة العبادة
وإنما(5/13)
بكونها على السنة، بعيدة عن البدعة، وقد أشار إلى هذا ابن مسعود رضي
الله عنه بقوله أيضا: " اقتصاد في سنة، خير من اجتهاد في بدعة ".
ومنها: أن البدعة الصغيرة بريد إلى البدعة الكبيرة، ألا ترى أن أصحاب تلك
الحلقات صاروا بعد من الخوارج الذين قتلهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب؟
فهل من معتبر؟ !
2006 - " ليس في الجنة أعزب ".
أخرجه أسلم الواسطي في " تاريخه " (180) من طريق سعيد بن عيسى الواسطي قال:
حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب ويونس وحميد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة
قال: " افتخرت الرجال والنساء، فقال أبو هريرة: النساء أكثر من الرجال في
الجنة، فنظر عمر بن الخطاب إلى القوم فقال: ألا تسمعون ما يقول أبو هريرة؟
فقال أبو هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في أول زمرة تدخل
الجنة: وجوههم كالقمر ليلة البدر، والثانية كأضواء كوكب في السماء، ولكل
واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وليس في الجنة عزب ".
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير سعيد الواسطي فلم أعرفه، وفي
ترجمته ذكره أسلم، ولم يحك فيه جرحا ولا تعديلا، ولم يتفرد به، فقد رواه
جمع من الثقات عن أيوب عن محمد به نحوه. أخرجه مسلم (8 / 145 - 146) ،
وأحمد (2 / 230 و 247 و 507) . وأخرجه الدارمي (2 / 336) من طريق هشام
القردوسى عن محمد به.(5/14)
2007 - " كان طلق حفصة، ثم راجعها ".
أخرجه داود (2283) والنسائي (2 / 117) والدارمي (2 / 160 - 161) وابن
ماجة (2016) وأبو يعلى في " مسنده " (1 / 53) والحاكم (2 / 197)
والبيهقي (7 / 321 - 322) عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن صالح بن صالح عن
سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر مرفوعا. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي.
وأقول: وهو كما قالا، وصالح هو ابن صالح بن حي. وله عند أبي يعلى طريق
أخرى فقال: حدثنا أبو كريب أخبرنا يونس بن بكير عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن
عمر قال: " دخل عمر على حفصة وهي تبكي، فقال لها: وما يبكيك؟ لعل رسول
الله صلى الله عليه وسلم طلقك، إن كان طلقك مرة، ثم راجعك من أجلي، والله
لئن طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا ". وبهذا الإسناد أخرجه البزار (ص 156)
نحوه. ثم قال: حدثناه أحمد بن يزداد الكوفي: حدثنا عمر بن عبد الغفار حدثنا
الأعمش به. والإسناد الأول لا بأس به، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن يونس
ابن بكير إنما أخرج له البخاري تعليقا، ثم هو صدوق يخطىء كما في " التقريب ".
وقد تابعه عمر بن عبد الغفار، ولكني لم أعرفه. ثم تذكرت أنه لعله عمرو -
بالواو - بن عبد الغفار، فرجعت إلى ترجمته من " الميزان "، فإذا هو هذا وهو
الفقيمي، قال أبو حاتم:(5/15)
" متروك الحديث ".
قلت: فلا يفرح بمتابعته. وللحديث شواهد مختصرة نحو حديث الترجمة:
الأول: عن هشيم: أنبأ حميد عن أنس قال: " لما طلق النبي صلى الله عليه وسلم
حفصة أمر أن يراجعها، فراجعها ". أخرجه أبو يعلى (3 / 957) والحاكم (2 /
197) ، وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
وأخرجه الدارمي أيضا لكنه لم يذكر الأمر، وأعل الحديث بما لا يقدح. وله
عند الحاكم (4 / 15) طريق أخرى، لكنها ضعيفة.
الثاني: عن موسى بن جبير عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عاصم بن عمر مرفوعا:
أخرجه أحمد (3 / 478) وكذا الطبراني كما في " مجمع الهيثمي "، وقال:
" ورجاله ثقات ".
قلت: وفي هذا الإطلاق للتوثيق نظر بين، فإن موسى هذا - وهو الأنصاري المدني
- لم يوثقه غير ابن حبان، ومع أنه معروف بالتساهل في التوثيق، فإن تمام
كلامه في كتابه " الثقات " (7 / 451) : " يخطىء ويخالف ". فإذا كان كذلك،
فهو ليس من الثقات الذين يحتج بهم كما هو الشأن فيمن وثق مطلقا، وإنما هو ممن
ينتخب حديثه في الشواهد والمتابعات، ولاسيما قد قال فيه ابن القطان:
" لا يعرف حاله ".(5/16)
الثالث: عن قيس بن زيد: " أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة بنت عمر،
فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون، فبكت، وقالت: والله ما طلقني
عن شبع، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قال لي جبريل عليه السلام:
راجع حفصة، فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة ". أخرجه أبو نعيم في
" الحلية " (2 / 50) والحاكم من طريق حماد بن سلمة: أنبأ أبو عمران الجوني
عن قيس بن زيد.
قلت: سكت عنه الحاكم ثم الذهبي، ولعل ذلك لوضوح علته وهي قيس بن زيد هذا،
قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 98) : " روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا،
لا أعلم له صحبة. روى عنه أبو عمران الجوني ".
الرابع: عن الحسن بن أبي جعفر عن عاصم عن زر عن عمار بن ياسر قال: " أراد
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق حفصة، فجاء جبريل فقال: لا تطلقها،
فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة ". أخرجه أبو نعيم.
قلت: ورجاله ثقات غير الحسن بن أبي جعفر وهو الجعفري، قال الحافظ: " ضعيف
الحديث، مع عبادته وفضله ".
قلت: فإذا ضم إلى المرسل الذي قبله ارتقى حديثه إلى مرتبة الحسن إن شاء الله
تعالى. وقد رواه مرة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه
وسلم طلق حفصة تطليقة، فأتاه جبريل عليه الصلاة السلام، فقال: يا محمد!
طلقت حفصة وهي صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة؟ ".(5/17)
أخرجه الحاكم، وسكت
عنه لم عرفت من حال الحسن بن أبي جعفر. وجملة القول، أن تطليقه صلى الله
عليه وسلم لحفصة ثابت عنه من طرق، وكونه أمر بإرجاعها ثابت من حديث أنس
الصحيح، وقول جبريل له: " راجعها فإنها صوامة ... " إلخ، حسن كما ذكرنا.
والله أعلم.
(فائدة) : دل الحديث على جواز تطليق الرجل لزوجته ولو أنها كانت صوامة قوامة
ولا يكون ذلك بطبيعة الحال إلا لعدم تمازجها وتطاوعها معه، وقد يكون هناك
أمور داخلية لا يمكن لغيرها الاطلاع عليها، ولذلك، فإن ربط الطلاق بموافقة
القاضي من أسوأ وأسخف ما يسمع به في هذا الزمان! الذي يلهج به كثير من حكامه
وقضاته وخطبائه بحديث: " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " وهو حديث ضعيف كما
بينته في غير ما موضع مثل " إرواء الغليل " (رقم 2040) .
2008 - " قاتل عمار وسالبه في النار ".
رواه أبو محمد المخلدي في " ثلاثة مجالس من الأمالي " (75 / 1 - 2) عن ليث عن
مجاهد عن عبد الله بن عمرو مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، ليث - وهو ابن أبي سليم - كان اختلط. لكن لم ينفرد
به، فقال عبد الرحمن بن المبارك: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن مجاهد
به. أخرجه الحاكم (3 / 387) وقال: " تفرد به عبد الرحمن بن المبارك وهو
ثقة مأمون، فإذا كان محفوظا، فإنه صحيح على شرط الشيخين ".
قلت: له طريق أخرى، فقال الإمام أحمد (4 / 198) وابن سعد في " الطبقات " (
3 / 260 - 261) والسياق له: أخبرنا عثمان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة
قال:(5/18)
أخبرنا أبو حفص وكلثوم بن جبير عن أبي غادية قال: " سمعت عمار بن ياسر
يقع في عثمان يشتمه بالمدينة، قال: فتوعدته بالقتل، قلت: لئن أمكنني الله
منك لأفعلن، فلما كان يوم صفين جعل عمار يحمل على الناس، فقيل: هذا عمار،
فرأيت فرجة بين الرئتين وبين الساقين، قال: فحملت عليه فطعنته في ركبته،
قال، فوقع فقتلته، فقيل: قتلت عمار بن ياسر؟ ! وأخبر عمرو بن العاص، فقال
: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره) ، فقيل لعمرو بن العاص:
هو ذا أنت تقاتله؟ فقال: إنما قال: قاتله وسالبه ".
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم، وأبو الغادية هو الجهني وهو
صحابي كما أثبت ذلك جمع، وقد قال الحافظ في آخر ترجمته من " الإصابة " بعد أن
ساق الحديث، وجزم ابن معين بأنه قاتل عمار: " والظن بالصحابة في تلك الحروب
أنه كانوا فيها متأولين، وللمجتهد المخطىء أجر، وإذا ثبت هذا في حق آحاد
الناس، فثبوته للصحابة بالطريق الأولى ".
وأقول: هذا حق، لكن تطبيقه على كل فرد من أفرادهم مشكل لأنه يلزم تناقض
القاعدة المذكورة بمثل حديث الترجمة، إذ لا يمكن القول بأن أبا غادية القاتل
لعمار مأجور لأنه قتله مجتهدا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قاتل
عمار في النار "! فالصواب أن يقال: إن القاعدة صحيحة إلى ما دل الدليل القاطع
على خلافها، فيستثنى ذلك منها كما هو الشأن هنا وهذا خير من ضرب الحديث
الصحيح بها. والله أعلم. ومن غرائب أبي الغادية هذا ما رواه عبد الله بن
أحمد في " زوائد المسند " (4 / 76) عن ابن عون عن كلثوم بن جبر قال: " كنا
بواسط القصب عند عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، قال: فإذا عنده رجل يقال له
: أبو الغادية، استسقى ماء، فأتي بإناء مفضض، فأبى أن يشرب، وذكر النبي
صلى الله عليه وسلم، فذكر هذا الحديث: لا ترجعوا بعدي كفارا أو ضلالا - شك
ابن أبي عدي - يضرب(5/19)
بعضكم رقاب بعض (1) . فإذا رجلا يسب فلانا، فقلت: والله
لئن أمكنني الله منك في كتيبة، فلما كان يوم صفين، إذا أنا به وعليه درع،
قال: ففطنت إلى الفرجة في جربان الدرع، فطعنته، فقتلته، فإذا هو عمار بن
ياسر! قال: قلت: وأي يد كفتاه، يكره أن يشرب في إناء مفضض وقد قتل عمار
ابن ياسر؟ ! ".
قلت: وإسناده صحيح أيضا. والحديث رواه الحسن بن دينار عن كلثوم بن جبر
المرادي عن أبي الغادية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره
. أخرجه ابن عدي (85 / 1) وابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 421) .
قلت: وهذا من تخاليط الحسن بن دينار، فإن الحديث ليس من رواية أبي الغادية
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينهما عمرو بن العاص كما في الرواية
السابقة.
2009 - " إن الله تعالى يقول: إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا، فحمدني وصبر على
ما ابتليته به، فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا، ويقول
الرب للحفظة: إني أنا قيدت عبدي هذا وابتليته، فأجروا (له) من الأجر ما
كنتم تجرون له قبل ذلك وهو صحيح ".
أخرجه أحمد (4 / 123) وأبو نعيم في " الحلية " (9 / 309 - 310) وابن
عساكر في " التاريخ " (8 / 8 / 2) عن إسماعيل بن عياش عن راشد بن داود عن أبي
الأشعث الصنعاني أنه راح إلى مسجد دمشق وهجر بالرواح، فلقي شداد بن أوس
والصنابحي معه،
_________
(1) كذا الأصل، وكذلك هو في نقل " المجمع " (7 / 244) عنه، والكلام غير
متصل. اهـ.(5/20)
فقلت: أين تريدان رحمكما الله؟ فقالا: نريد ههنا، إلى أخ
لنا مريض نعوده، فانطلقت معهما حتى دخلنا على ذلك الرجل، فقالا له: كيف
أصبحت؟ قال أصبحت بنعمة الله وفضله، فقال شداد: أبشر فإني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى رجاله ثقات وفي راشد بن داود - وهو
الصنعاني الدمشقي - خلاف، وثقه ابن معين ودحيم وابن حبان. وقال البخاري:
" فيه نظر ". وقال الدارقطني: " ضعيف لا يعتبر به ". وقال الحافظ في
" التقريب ": " صدوق له أوهام ".
قلت: فمثله حسن الحديث إذا لم يرو منكرا، وهذا الحديث له شواهد معروفة وقد
مضى بعضها فانظر مثلا الحديث (272) .
(تنبيه) : قال المناوي: قال الهيثمي: " خرجه الكل من رواية إسماعيل بن عياش
عن راشد الصنعاني، وهو ضعيف عن غير الشاميين. اهـ.
ولم يبال المصنف بذلك فرمز لحسنه ".
قلت: وقد فات الهيثمي ثم المناوي أن راشدا هذا ليس من صنعاء اليمن، وإنما
هو من صنعاء دمشق، ولذلك ذكروا أنه دمشقي، فإعلال الحديث بما ذكروا وهم محض
، فتنبه.
2010 - " قال الله تعالى: إذا قبضت من عبدي كريمته - وهو بها ضنين - لم أرض له ثوابا
دون الجنة، إذا حمدني عليها ".
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 103) عن بقية عن أبي بكر بن أبي مريم قال
: حدث حبيب بن عبيد عن العرباض بن سارية مرفوعا.(5/21)
قلت: وهذا إسناد ضعيف، ابن أبي مريم كان اختلط. وبقية مدلس ولكنه قد توبع
من قبل عبد القدوس بن الحجاج أبي المغيرة عن أبي بكر بن أبي مريم به. أخرجه
البزار (ص 84 - زوائده) ، وقال: " لا نعلم عن العرباض بأحسن من هذا الإسناد
". وفيه إشارة لطيفة إلى أن له إسناد آخر عنه وقد وجدته عند ابن حبان (706
- موارد الظمآن) من طريق لقمان بن عامر عن يزيد بن جبلة عن العرباض به.
ويزيد بن جبلة لم أعرفه. ثم تبينت أنه محرف من سويد بن جبلة، وعلى الصواب
وقع في " الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان " (2920) ، دلني عليه بعض الإخوان
وقد وثقه ابن حبان (4 / 325) ، وقد روى عنه ثقتان. وسائر رجاله ثقات،
فالحديث بمجموع الطريقين حسن، ولاسيما وله شواهد كثيرة بنحوه، تراها في
" الترغيب " و " المجمع " وغيرهما.
(كريمته) عينه.
2011 - " قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم! إذا ذكرتني خاليا ذكرتك خاليا، وإذا
ذكرتني في ملإ ذكرتك في ملإ خير من الذين تذكرني فيهم ".
أخرجه البزار في " مسنده " (ص 295 - زوائده) : حدثنا بشر بن معاذ حدثنا فضيل
ابن سليمان عن عبد الله عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن
النبي صلى الله عليه وسلم(5/22)
وقال: " لا نعلم يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه
". قلت: ورجاله ثقات لولا ما في الفضيل من سوء الحفظ ومع ذلك صححه الحافظ
أو شيخه الهيثمي في " زوائد البزار "، وقال في " مجمع الزوائد " (10 / 78)
: " رواه البزار، ورجاله رجال " الصحيح " غير بشر بن معاذ العقدي وهو ثقة "
. والحديث عزاه السيوطي للبيهقي في " شعب الإيمان " وصححه في كتابه " الحاوي
للفتاوي " (2 / 131) ، ومن قبله المنذري (2 / 227) . وله شاهد من حديث
أبي هريرة مرفوعا به، إلا أنه قال: " إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ... "،
والباقي مثله. أخرجه البخاري في " التوحيد "، ومسلم في " الذكر " (8 / 67
) وأحمد (2 / 251، 354، 405، 413، 480، 482) من طرق عنه.
وشاهد آخر من حديث أنس مرفوعا مثل حديث أبي هريرة. أخرجه أحمد (3 / 138)
وسنده صحيح على شرط الشيخين.
2012 - " قال الله عز وجل: عبدي! أنا عند ظنك بي، وأنا معك إذا ذكرتني ".
أخرجه الحاكم (1 / 497) عن الربيع بن صبيح عن الحسن عن أنس مرفوعا.
وقال: " غريب صحيح ".
وأقول: هو صحيح لغيره وأما السند فلا لأن الحسن - وهو البصري - مدلس(5/23)
وقد
عنعن. والربيع بن صبيح سيء الحفظ، وأخشى أن يكون خلط بين حديثين، فقد رواه
قتادة عن أنس بلفظ: " يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا
دعاني ". أخرجه أحمد (3 / 210، 277) بسند صحيح على شرط مسلم. ثم أخرجه (3
/ 471، 4 / 106) عن حبان أبي النضر عن واثلة بن الأسقع مرفوعا به إلا أنه قال
في النصف الثاني: " فليظن بي ما شاء ". والحديث الآخر الذي أشرت إليه إنما
هو حديث أبي هريرة بلفظ: " يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه
إذا ذكرني ... " الحديث وقد سبق تخريجه في الحديث الذي قبله، وهذا القدر منه
أخرجه القضاعي في " مسنده " (ق 117 / 1) .
2013 - " قال تبارك وتعالى للنفس: اخرجي، قالت: لا أخرج إلا وأنا كارهة، (قال:
اخرجي وإن كرهت) ".
رواه البخاري في " الأدب المفرد " (219) و " التاريخ " (2 / 1 / 251)
والبزار (783 - كشف الأستار) والزيادة له والبيهقي في " الزهد " (52 / 1
- 2) عن الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا سند صحيح، رجاله ثقات على شرط مسلم. وقال البزار: " لا نعلمه
إلا عن أبي هريرة ولا رواه عنه إلا محمد بن زياد ولا عنه إلا الربيع والربيع
ثقة مأمون ".(5/24)
2014 - " قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله: من ذا الذي يتألى علي أن
لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك ".
أخرجه مسلم (8 / 36) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 84 / 1) من طرق
عن معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عمران عن جندب قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. ثم أخرجه الطبراني من طريق حماد بن سلمة أخبرنا أبو
عمران عن جندب: " أن رجلا آلى أن لا يغفر الله لفلان، فأوحى الله عز وجل إلى
نبيه صلى الله عليه وسلم أو إلى نبي إنها بمنزلة الخطيئة فليستقبل العمل ".
قلت: وإسناد صحيح موقوف، ولكنه في حكم المرفوع بدليل ما قبله.
(تنبيه) : وقد ساق السيوطي الحديث من رواية الطبراني بلفظ: " قال رجل: لا
يغفر الله لفلان، فأوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء إنها خطيئة فليستقبل
العمل ". وأنت ترى أنه لفظ ملفق من لفظي الطبراني، مع تصرف يسير في بعض
ألفاظ اللفظ الثاني منهما.
قوله: (يتألى) ، أي: يحلف. و (الألية) على وزن (غنية) : اليمين.
هذا وقد سبق تخريج الحديث بأوسع وأقوى مما هنا برقم (1685) نبهتني على ذلك
ابنتي أم عبد الله جزاها الله خيرا، فكدت أن أحذفه وأطبع آخر بديله، ثم بدا
لي أن أدعه كما هو لأن فيه فائدتين لم يسبق ذكرهما هناك:
الأولى، التنبيه المذكور. والأخرى، بيان أن رواية الطبراني من طريق حماد بن
سلمة موقوفة، وهذا مما فاتني ذكره هناك، والله ولي التوفيق.(5/25)
2015 - " قال لي جبريل: لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فم فرعون مخافة
أن تدركه الرحمة ".
أخرجه الطيالسي في " مسنده " (2618) : حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت وعطاء بن
السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره. وأخرجه الترمذي (3107) والحاكم (2 / 340، 4 / 249)
وأحمد (1 / 240، 340) وابن جرير (17859) من طرق أخرى عن شعبة به نحوه،
وقال الترمذي: " حديث حسن غريب صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط
الشيخين، إلا أن أكثر أصحاب شعبة أوقفوه على ابن عباس ". ووافقه الذهبي.
قلت: وهذا لا يعله، فقد رفعه عنه جمع من الثقات منهم الطيالسي كما رأيت،
ومنهم خالد بن الحارث عند الترمذي والحاكم والنضر بن شميل عند الحاكم أيضا،
ومحمد بن جعفر - غندر - عند أحمد، وقد علم أن زيادة الثقة مقبولة. ولاسيما
وقد وجدت له طريقا أخرى، وشاهدا. أما الطريق، فيرويه حماد بن سلمة عن علي
ابن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما
أغرق الله فرعون قال: * (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) * (1)
_________
(1) يونس: الآية: 90. اهـ.(5/26)
فقال جبرائيل: يا محمد! لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر وأدسه في فيه
مخافة أن تدركه الرحمة ". أخرجه الترمذي (3106) والحاكم (4 / 249) وأحمد
(1 / 245، 309) وابن جرير (17861) والخطيب في " التاريخ " (8 / 102)
وقال الترمذي: " حديث حسن ".
قلت: يعني لغيره لأن ابن جدعان سيء الحفظ. ويوسف بن مهران لين الحديث.
وذهل المناوي عن الطريق الأولى الصحيحة، فأعل الحديث بابن مهران هذا متعقبا
على الحاكم والذهبي تصحيحهما إياه على شرط الشيخين!
وأما الشاهد، فيرويه محمد بن حميد الرازي حدثنا حكام بن سلم حدثنا عنبسة بن
سعيد عن كثير بن زاذان عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعا مثل لفظ الترجمة.
أخرجه ابن جرير في " تفسيره " (17860) والسهمي في " تاريخ جرجان " (164)
وقال ابن كثير عقبه: " كثير ابن زاذان هذا قال ابن معين: لا أعرفه. وقال
أبو زرعة وأبو حاتم: مجهول. وباقي رجاله ثقات ". كذا قال! ومحمد بن حميد
الرازي، وإن كان من الحفاظ فهو ضعيف، وإن كان ابن معين حسن الرأي فيه.
(الحال) : الطين الأسود كالحمأ. " نهاية ".
2016 - " قتل الصبر لا يمر بذنب إلا محاه ".
أخرجه البزار في " مسنده " (1545) وأبو الشيخ في " الطبقات " (66 / 2)
وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 36، 191) عن يعقوب القمي عن عنبسة عن
هشام بن(5/27)
عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
فذكره. وقال البزار: " لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من
هذا الوجه ".
قلت: وقال الحافظ في " زوائد البزار " (ص 209) : " ورجاله ثقات ".
ويعقوب هو ابن عبد الله القمي قال الحافظ: " صدوق يهم ". وعنبسة هو ابن
سعيد بن الضريس الأسدي ثقة. فالإسناد حسن إن شاء الله تعالى. وروى البزار
أيضا عن أبي هريرة مرفوعا: " قتل الرجل صبرا كفارة لما قبله من الذنوب ".
قال الهيثمي: " وفيه صالح بن موسى بن طلحة، وهو متروك ".
2017 - " قوموا! فإن للموت فزعا ".
رواه ابن ماجة (1 / 468) وأحمد (2 / 287، 343) ومحمد بن مخلد العطار (2
/ 19 / 1) عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: " مر على النبي
صلى الله عليه وسلم بجنازة. فقام وقال: فذكره ".
قلت: وهذا إسناد حسن. ورواه إسماعيل بن جعفر حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن
أبيه عن أبي هريرة وأبي(5/28)
سعيد مرفوعا نحوه. أخرجه الحاكم (1 / 356 - 357) ،
وقال: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وله شاهد من
حديث جابر مرفوعا به. أخرجه مسلم (3 / 57) وأبو داود (2 / 64) والنسائي
(1 / 272) وأحمد (3 / 319، 335، 354) .
(تنبيه) : هذا الحديث من الأحاديث القليلة التي ثبت نسخها بفعل النبي صلى
الله عليه وسلم وأمره، وقد ذكرت بعض الأحاديث الواردة في ذلك في " أحكام
الجنائز " (ص 78) ، فلتراجع.
2018 - " اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ".
أخرجه أحمد (3 / 3) والبزار في " مسنده " (3119 - كشف الأستار) عن ربيح
ابن أبي سعيد الخدري عن أبيه (عن جده) قال: " قلنا يوم الخندق: يا رسول
الله! هل من شيء نقوله، فقد بلغت القلوب الحناجر؟ قال: نعم، اللهم ... (
فذكره) قال: فضرب الله عز وجل وجوه أعدائه بالريح، فهزمهم الله بالريح ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، ربيح هذا، روى عنه جمع، وقال فيه أحمد: " ليس
بمعروف ". وقال البخاري: " منكر الحديث ". وقال أبو زرعة:(5/29)
" شيخ ".
وقال ابن عدي: " أرجو أنه لا بأس به ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (6 /
309) .
قلت: فمثله يتردد النظر بين تضعيف حديثه وتحسينه ولعل الأول هو الأرجح وإلى
ذلك يشير الحافظ بقوله فيه في " التقريب ": " مقبول ". يعني عند المتابعة،
وإلا فلين الحديث كما نص عليه في مقدمته. والله أعلم. وقد توبع على الدعاء
دون القصة، فرواه الطبراني في " المعجم الكبير " (4 / 94 / 3710) عن خباب
الخزاعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قال الهيثمي (
10 / 180) : " وفيه من لم أعرفه ". وله شاهد آخر صحيح من رواية ابن عمر رضي
الله عنهما فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلم حين يمسي وحين يصبح، وهو مخرج
في " الكلم الطيب " برقم التعليق (14) و " المشكاة " (رقم الحديث 2397) .
(تنبيه) : الزيادة التي بين المعكوفتين (عن جده) سقطت من " المسند " وهي
ثابتة عند البزار، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 136) : " رواه
أحمد والبزار، وإسناد البزار متصل، ورجاله ثقات وكذلك رجال أحمد إلا أن
في نسختي من " المسند ": " عن ربيح بن أبي سعيد عن أبيه " وهو في البزار: عن
أبيه عن جده ".
قلت: وهذا هو الصواب الذي يقتضيه السياق، ورواية أحمد خطأ لأنه يلزم منها(5/30)
أن يكون والد ربيح - واسمه عبد الرحمن بن أبي سعيد - صحابيا لظاهر قوله:
" قلنا يوم الخندق "، ولا قائل بذلك. فتنبه. وعلى الصواب أخرج الحديث ابن
أبي حاتم أيضا كما في " البداية " للحافظ ابن كثير (4 / 111) .
2019 - " القرآن شافع مشفع وماحل مصدق من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلف
ظهره ساقه إلى النار ".
أخرجه ابن حبان (1793) عن عبد الله بن الأجلح عن الأعمش عن أبي سفيان عن
جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وإسناده جيد، رجاله ثقات وأشار المنذري في " الترغيب " (2 / 207)
إلى تقويته وعزاه السيوطي للبيهقي أيضا في " شعبه ". وله شاهد من حديث عبد
الله بن مسعود ولكنه مما لا يفرح به، فإنه من رواية الربيع بن بدر عن الأعمش
عن أبو وائل عنه مرفوعا به. أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 78 / 2)
وابن عدي (132 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 108) ، وقال: " غريب
من حديث الأعمش تفرد به عنه الربيع ".
قلت: وهو متروك، وقد خولف. فقال البزار في " مسنده " (26 - زوائده) :
حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا عبد الله بن الأجلح عن الأعمش عن المعلى
الكندي عن عبد الله بن مسعود قال: فذكره موقوفا. وقال: وحدثناه أبو كريب:
حدثنا عبد الله بن الأجلح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله
عليه وسلم بنحوه، وقال: " لا نعلم أحدا يرويه عن جابر إلا من هذا الوجه ".
وقال الهيثمي عقبه:(5/31)
" رجاله ثقات ". وكذا قال في " مجمع الزوائد " (1 /
171) وزاد: " ورجال أثر ابن مسعود فيه المعلى الكندي وقد وثقه ابن حبان "
. قلت: أورده هو (7 / 492) وابن أبي حاتم (4 / 1 / 320) برواية الأعمش
عنه ولم يزد، فهو مجهول. وسكت المنذري عنه في " الترغيب " (1 / 42) ،
وقال: " وإسناد المرفوع جيد ".
قلت: وهو كما قال، ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن الأجلح وهو
صدوق كما في " التقريب ".
2020 - " القصاص ثلاثة: أمير أو مأمور أو محتال ".
أخرجه ابن وهب في " الجامع " (ص 88) وعنه ابن عساكر في " التاريخ " (6 / 71
/ 2) والبخاري في " التاريخ " (2 / 1 / 243 - 244) وأحمد (6 / 22، 28)
والروياني أيضا في " مسنده " (24 / 122 / 2) وعنه ابن عساكر أيضا، كلهم من
طريق معاوية بن صالح عن أزهر بن سعيد عن ذي الكلاع عن عوف بن مالك قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات معروفون غير ذي الكلاع وهو كما قال ابن أبي حاتم
(2 / 1 / 448) : " ابن عم كعب الأحبار، أبو شراحيل شامي، روى عنه أزهر بن
سعيد ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وذكره ابن حبان في " الثقات " (4
/ 223) ! وقد أورده ابن عبد البر في " الاستيعاب " وأطال في ترجمته (2 /
471 - 474) ، ومما جاء فيها:(5/32)
" ولا أعلم لذي الكلاع صحبة أكثر من إسلامه،
واتباعه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وأظنه أحد الوفود عليه ولا أعلم
له رواية إلا عن عوف بن مالك ". وقد جاء الحديث من طريقين آخرين عن عوف:
الأول: عن بكير بن عبد الله أن يعقوب أخاه وابن أبي خصيفة حدثاه أن عبد الله
ابن يزيد قاص مسلمة بالقسطنطينية حدثهما عن عوف بن مالك الأشجعي به. أخرجه
أحمد (6 / 27) .
قلت: ورجاله ثقات غير عبد الله بن يزيد هذا، قال في " تعجيل المنفعة ":
" لا أعرفه ". والآخر: عن صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة عن عوف بن مالك
قال: " دخل عوف بن مالك مسجد حمص، قال: وإذا الناس على رجل، فقال: ما هذه
الجماعة؟ قالوا: كعب يقص، قال: ويحه! ألا سمع قول رسول الله صلى الله عليه
وسلم ... "، فذكره. أخرجه أحمد أيضا (6 / 29) .
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات غير صالح هذا، روى عنه جمع من الثقات
منهم الليث بن سعد، ووثقه ابن حبان (6 / 457) . وقصة عوف هذه مع كعب وقعت
في حديث ذي الكلاع عند البخاري في " التاريخ "، وزاد عقب الحديث: " فمكث كعب
سنة لا يقص حتى أرسل إليه معاوية يأمره أن يقص ". وقال البخاري عقبه: "
وقال عبد الله بن يحيى: حدثنا معاوية بن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن كعب بن
عياض عن النبي صلى الله عليه وسلم. والأول أصح ".(5/33)
يعني رواية من قال عن
معاوية عن أزهر بن سعيد عن ذي الكلاع عن عوف. وإنما رجحها البخاري لأنها
رواية الأكثر عن معاوية. وعبد الله بن يحيى - وهو المعافري، ويقال:
الكلاعي، أبو يحيى المصرى - ثقة من رجال البخاري، فروايته شاذة. وبالجملة،
فالحديث صحيح بلا ريب بمجموع هذه الطرق الثلاث، ولاسيما والأخيرة منها حسن
كما تقدم. والله أعلم.
2021 - " كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الفطر
ويوم الأضحى ".
أخرجه النسائي (1 / 231) والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 211) وأحمد (
3 / 103، 178، 235، 250) من طرق عن حميد عن أنس بن مالك قال: " كان
لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي صلى الله عليه
وسلم المدينة قال: فذكره ".
قلت: وإسناده صحيح، وبعض أسانيده عند أحمد ثلاثي، فقد صرح حميد بسماعه من
أنس في طريق عنده، وإسناده صحيح على شرط مسلم، وكذا قال الحاكم (1 / 294)
، ووافقه الذهبي.
2022 - " كان هذا الأمر في حمير، فنزعه الله منهم فصيره في قريش ".
رواه البخاري في " التاريخ " (2 / 1 / 241) وأحمد (4 / 91) والطبراني (1
/ 203 / 2) وابن أبي عاصم في " السنة " (ق 107 / 2 رقم 1015 - بتحقيقي)
وأبو(5/34)
موسى المديني في " منتهى رغبات السامعين " (254 / 1) من طرق عن عثمان
عن راشد بن سعد عن أبي حي المؤذن عن ذي مخبر مرفوعا وزاد البخاري وأحمد:
" وسيعود إليهم ".
قلت: وإسنادهم جيد، رجاله ثقات غير أبي حي المؤذن واسمه شداد بن حي، روى
عنه جمع من الثقات، ووثقه العجلي (496 / 1938) وذكره ابن حبان في (الكنى
) من " ثقات التابعين " وخفي ذلك على الحافظ بن حجر كما بينته في " تيسير
الانتفاع "، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق ". والحديث، قال الهيثمي
(5 / 162) بعد أن عزاه لأحمد والطبراني: " ورجالهم ثقات ". قال المناوي
عقبه: " ومن ثم رمز المصنف لحسنه، لكن قال ابن الجوزي: هذا حديث منكر،
وإسماعيل بن عياش، أحد رجاله ضعفوه، وبقية مدلس يروي عن الضعفاء ".
وأقول: ليس عند أحمد وغيره ممن ذكرنا من المخرجين ذكر لإسماعيل وبقية، فلا
أدري كيف وقع هذا الخطأ من ابن الجوزي أو المناوي أو ناسخ كتابه أو طابعه؟ !
2023 - " كأني أنظر إلى موسى عليه السلام في هذا الوادي محرما بين قطوانيتين ".
رواه أبو يعلى (3 / 1262) والطبراني في " الكبير " (3 / 70 / 1)
و" الأوسط " (1 / 119 / 1) وأبو بكر المقرىء الأصبهاني في " الفوائد "
(178 / 1) وأبو نعيم في الحلية (4 / 189) عن يزيد بن سنان عن زيد بن أبي
أنيسة عن عاصم عن زر عن(5/35)
عبد الله مرفوعا. وقال الطبراني: " لم يروه عن
عاصم إلا زيد، ولا عنه إلا يزيد ".
قلت: وهو يزيد بن سنان بن يزيد التميمي أبو فروة الرهاوي، وهو ضعيف. فقول
المنذري في " الترغيب " (2 / 117) ، وتبعه الهيثمي في " المجمع " (3 / 221
) : " رواه أبو يعلى والطبراني في " الأوسط " بإسناد حسن ".
قلت: فهو تساهل واضح، أو لعلهما ظنا أن يزيد بن سنان هذا هو يزيد بن سنان بن
يزيد القزاز البصري، أبو خالد نزيل مصر، فإنه ثقة، ولكنه ليس هو راوي
الحديث لأنه متأخر عن الرهاوي. فتنبه. ويخالفه ما روى الطبراني أيضا (3 /
165 / 1) عن ليث عن عبد الملك عن سعيد عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: حج موسى على
ثور أحمر، عليه عباءة قطوانية ". قال المنذري والهيثمي: " وفيه ليث بن أبي
سليم، وبقية رواته ثقات ". ونقل الحافظ الناجي فيما كتبه على " الترغيب "
(ق 132 / 1) عن الحافظ ابن كثير أنه قال: " وهو غريب جدا ".
قلت: وعلته أن ليثا كان اختلط، وقول الهيثمي: " وهو ثقة ولكنه مدلس ".
فهو من أوهامه، فليس بثقة ولا بمدلس، وإنما هو ضعيف لاختلاطه. ووجه
المخالفة إفراده القطوانية خلافا للحديث الأول. ولعل استغراب الحافظ بن كثير
إياه من جهة ذكره الثور، فقد جاء في " صحيح مسلم " (1 / 105 - 106)(5/36)
وسنن
البيهقي (5 / 42) من طريق أبي العالية عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " كأني أنظر
إلى موسى عليه السلام هابطا من الثنية، وله جؤار إلى الله بالتلبية ". ثم
روى من طريق مجاهد عنه نحوه بلفظ: " وأما موسى فرجل جعد، على جمل أحمر مخطوم
بخلبته، كأني أنظر إليه إذا انحدر في الوادي يلبي ". وقد وجدت له طريقا أخرى
فيه شاهد قوي للقطوانيتين، فقال الطبراني في " الأوسط " (1 / 119 / 2) :
حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خيثمة حدثنا عبد الله بن هاشم الطوسي حدثنا محمد بن
فضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " صلى في مسجد الخيف سبعون نبيا، منهم موسى صلى الله عليه،
كأني أنظر إليه وعليه عباءتان قطوانيتان، وهو محرم على بعير من أزد شنوءة،
مخطوم بخطام ليف، له ضفيرتان ". وقال: " لم يروه عن عطاء إلا محمد بن فضيل
، تفرد به عبد الله ".
قلت: وهو ثقة من شيوخ مسلم، وكذلك من فوقه ثقات، إلا أن عطاء بن السائب
كان اختلط. وجملة القول أن الحديث بهذا الشاهد يرتقي إلى درجة الحسن. والله
أعلم.
2024 - " كتاب الله، هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض ".
رواه الترمذي (3790) وأحمد (3 / 14، 17، 26، 59) والطبري (ج 7 رقم
7572 صفحة 72) من طرق عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره.(5/37)
وهو عند الترمذي مقرون بحديث حبيب بن أبي ثابت عن
زيد بن أرقم مرفوعا به في حديث، وقال: " حديث حسن غريب ".
قلت: عطية ضعيف، وحبيب مدلس. فالحديث حسن بمجموع الطريقين، وهو صحيح بأن
له شاهدا من حديث زيد بن ثابت، وهو مخرج في " الروض النضير " (977، 978)
و" المشكاة " (6153) . وفي حديث زيد بن أرقم: " ألا وإني تارك فيكم ثقلين
، أحدهما كتاب الله عز وجل هو حبل الله ومن اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان
على ضلالة ". أخرجه مسلم (7 / 123) ، وابن حبان (123 - شاكر) . وفي حديث
أبي شريح الخزاعي مرفوعا: " فإن هذا القرآن سبب (أي حبل) طرفه بيد الله،
وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به ". الحديث. وهو مخرج فيما مضى برقم (713) .
2025 - " كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع ".
أخرجه مسلم في مقدمة " صحيحه " (1 / 8) وأبو داود (4992) والحاكم (1 /
112) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 114 / 1) عن علي بن حفص: حدثنا شعبة
عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:(5/38)
فذكره، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، وعلي بن حفص -
وفي الأصل: جعفر وهو خطأ - المدائني ثقة ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
وقد أخرجه مسلم من طريقين آخرين عن شعبة به، إلا أنه قال: " كذبا " مكان:
" إثما ". ومنه تعلم أن قول أبي داود عقبه: " ولم يسنده إلا هذا الشيخ،
يعني علي بن حفص المدائني ". فهو بالنسبة لما وقف عليه هو من الطرق، وإلا
فالطريقان الآخران يردان عليه. واحتمال أنه أراد خصوص لفظ: " إثما "، بعيد
جدا لأن الخلاف بين اللفظين إنما هو لفظي كما لا يخفى. وللفظ الثاني شاهد
يأتي قريبا. وللحديث طريق أخرى عند ابن المبارك في " الزهد " (735) :
أخبرنا يحيى بن عبيد الله قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف. والشاهد أخرجه القضاعي في " مسند الشهاب " (1415)
من طريق هلال بن العلاء قال: حدثنا أبي العلاء بن هلال قال: أخبرنا هلال بن
عمر أخبرني عمر بن هلال عن أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعا بلفظ: " كفى بالمرء
من الكذب أن يحدث بكل ما سمع ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، هلال بن عمر - وهو الرقي جد هلال بن العلاء الذي
دونه في السند - قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 78) عن أبيه: " ضعيف الحديث ".(5/39)
وأخرجه الحاكم من هذا الوجه بزيادة في متنه، أوردته من أجلها في " الضعيفة "
(2233) وفيه علل أخرى بسطت القول فيها هناك.
2026 - " قيدوا العلم بالكتاب ".
روي من حديث أنس بن مالك وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن العباس.
1 - أما حديث أنس فله عنه: الأولى: عن ثمامة بن أنس عنه مرفوعا به. أخرجه
لوين في " أحاديثه " (ق 24 / 2) : حدثنا عبد الحميد بن سليمان عن عبد الله بن
المثنى عن عمه ثمامة بن أنس. ومن طريق لوين أخرجه ابن شاهين في " الناسخ
والمنسوخ " (ق 65 / 2) ، والخطيب في " التاريخ " (10 / 46) وفي " تقييد
العلم " (ص 69 - 70) وابن عبد البر في " جامع العلم " (1 / 72) ويوسف بن
عبد الهادي في " هداية الإنسان " (31 / 2) ، كلهم عن لوين به، وقال لوين:
" هذا لم يكن يرفعه أحد غير هذا الرجل ".
قلت: يعني عبد الحميد بن سليمان، وهو ضعيف كما في " التقريب ". ومن طريقه
أخرجه أيضا أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (ص 293) وأبو الحسن الحربي
في " الفوائد " (ق 168 / 1) وأبو بكر الدقاق في " الثاني من حديثه " (43 /
2) ، وقال ابن عبد الهادي: " تفرد برفعه عبد الحميد بن سليمان أخو فليح وقد
ضعف، والمحفوظ عن عبد الله بن المثنى عن ثمامة عن أنس من قوله ".(5/40)
قلت: والموقوف أخرجه الدارمي (1 / 126 - 127) وابن سعد في " الطبقات " (7
/ 22) وأبو خيثمة في " العلم " (رقم 120 - بتحقيقي) والطبراني في " الكبير
" (1 / 62 / 2) والحاكم في " المستدرك " (1 / 106) والخطيب في " التقييد
" (ص 96، 97) وابن عبد البر من طرق عن عبد الله بن المثنى الأنصاري به
موقوفا. وصححه الحاكم والذهبي.
قلت: وفيه نظر لأن عبد الله هذا وإن كان من رجال البخاري فقد تكلم فيه جمع
كما بينه الذهبي نفسه في " الميزان "، والحافظ في " التهذيب " ولخص ذلك
بقوله في " التقريب ": " صدوق كثير الغلط ".
الطريق الأخرى: وقد وجدت له طريقا أخرى خيرا من هذه، يرويه إسماعيل بن أبي
أويس عن إسماعيل بن إبراهيم ابن أخي موسى بن عقبة عن الزهري عن أنس مرفوعا به
. أخرجه أبو محمد المخلدي في " الفوائد " (245 / 2) وأبو نعيم في " أخبار
أصبهان " (2 / 228) والقضاعي في " مسند الشهاب " (53 / 2) من طرق عنه.
قلت: وهذا إسناد حسن، ورجاله كلهم على شرط البخاري ولولا أن في ابن أبي
أويس كلاما في حفظه لصححته، فقد قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، أخطأ في
أحاديث من حفظه ". وقال الذهبي في " الضعفاء ": " صدوق، ضعفه النسائي ".
2 - وأما حديث ابن عمرو، فهو شاهد له يرويه عبد الله بن المؤمل عن ابن جريج
عن عطاء عن عبد الله بن عمرو قال:(5/41)
" قلت: يا رسول الله! أقيد العلم؟ قال:
نعم. قلت: وما تقييده؟ قال: الكتاب ". أخرجه الحاكم والخطيب في
" التقييد " (ص 68) وابن عبد البر وعبد الغني المقدسي في " العلم " (ق 29
/ 1) وعفيف الدين في " فضل العلم " (ق 125 / 2) ، وقال الحاكم: " عبد
الله بن المؤمل غير معتمد ". وقال الذهبي في " التلخيص ": " ضعيف ".
وقال الحافظ: " ضعيف الحديث ".
وأقول: وثقه غير واحد، ويبدو أن تضعيف من ضعفه إنما هو من قبل حفظه، لا
تهمة له في نفسه، وقد ختم الحافظ ترجمته بقوله: " وقال أبو عبد الله (أظنه
يعني الذهبي) : هو سيء الحفظ، ما علمنا له جرحة تسقط عدالته ".
قلت: فإذا عرفت ذلك، فمثله يستشهد به ويرتقي الحديث إلى مرتبة الصحيح لغيره
، ولاسيما والإذن بالكتابة ثابت في غير ما حديث واحد، ولعلي أذكر بعضها
قريبا إن شاء الله تعالى. وله طريق أخرى عن ابن عمرو، رواه زيد بن يحيى
الدمشقي أخبرنا عمران بن موسى عن مكحول عنه مرفوعا. رواه ابن عساكر في " تاريخ
دمشق " (12 / 343 / 2) في ترجمة عمران هذا، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا
ويبدو لي أنه أخو أيوب بن موسى، سمع سعيدا المقبري وعمر بن عبد العزيز. روى
عنه ابن جريج أيضا كما في " الجرح " (3 / 1 / 305) ولم(5/42)
يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا. ومكحول لم يسمع من عبد الله بن عمرو. وقد روي من طريق ثالثة عنه،
رواه عبد الله بن المؤمل عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا به.
أخرجه الخطيب في " التقييد " (ص 69) . وعبد الله ضعيف كما سبق. ورواه
إسماعيل بن يحيى عن ابن أبي ذئب عن عمرو بن شعيب به. أخرجه الرامهرمزي في
" المحدث الفاصل " (ق 93 / 1) والخطيب، وقال: " قال علي بن عمر (يعني
الإمام الدارقطني) : تفرد به إسماعيل بن يحيى عن ابن أبي ذئب ".
قلت: وابن أبي ذئب ثقة، فهي متابعة قوية، إلا أن إسماعيل بن يحيى - وهو
أبو يحيى التيمي - كذاب وضاع، فلا يفرح بها.
3 - وأما حديث ابن عباس فيرويه حفص بن عمر بن أبي العطاف عن أبي الزناد عن
الأعرج عنه مرفوعا. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 101 / 1) ، وقال:
" وحفص بن عمر حديثه منكر ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ".
وجملة القول أن جميع هذه الطرق معلولة، مرفوعها وموقوفها وخيرها الطريق
الثانية التي يرويها ابن أبي أويس ... عن أنس والشاهد الذي يرويه عبد الله بن
المؤمل(5/43)
تارة عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عمرو وتارة عن عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده ابن عمرو. ولا شك عندي أن الحديث صحيح بمجموع هذه الطرق، على ما سبق
بيانه، وإعلاله بالوقف من بعض الوجوه في الطريق الأولى عن أنس كما جروا عليه
، ليس كما ينبغي لما عرفت من ضعفه موقوفا ومرفوعا، فلا يجوز المعارضة به
للصحة الثابتة بمجموع الطريقين كما هو ظاهر، ولاسيما وهناك الشواهد التي
سبقت الإشارة إليها التي منها قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو
نفسه: " اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق ". وقد مضى تخريجه برقم
(1532) من طرق عنه، فراجعه. هذا ما يسر الله لي من التحقيق والتصحيح لهذا
الحديث، فإن وفقت للصواب في ذلك فالحمد والمنة والفضل له، وإلا فإني
أستغفر الله وأتوب إليه من كل ما لا يرضيه، إنه هو ذو الفضل العظيم، التواب
الرحيم.
(تنبيه) : وقع في " مسند الشهاب ": " ... إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، يعني
عن عمه موسى بن عقبة "، وفيما تقدم: " إسماعيل بن إبراهيم ابن أخي موسى بن
عقبة "، وهو الثابت في المصدرين اللذين قبله. والله أعلم.
2027 - " كل، فلعمري لمن أكل برقية باطل، لقد أكلت برقية حق ".
أخرجه أبو داود (3420، 3896، 3897) والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (
1032) وعنه ابن السني (رقم 624) والطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 269)
والحاكم (1 / 559 - 560) والطيالسي (1362) وأحمد (5 / 210 - 211) من
طريق الشعبي عن خارجة بن الصلت عن عمه:(5/44)
" أنه مر بقوم فأتوه، فقالوا: إنك
جئت من عند هذا الرجل بخير، فارق لنا هذا الرجل، فأتوه برجل معتوه في القيود
، فرقاه بأم القرآن ثلاثة أيام غدوة وعشية، كلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل،
فكأنما أنشط من عقال، فأعطوه شيئا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره له
، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد،
ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا إن شاء الله، فإن رجاله ثقات رجال الشيخين غير خارجة بن
الصلت، فروى عنه مع الشعبي عبد الأعلى بن الحكم الكلبي، وذكره ابن حبان في
" الثقات "، لكن قال ابن أبي خيثمة: " إذا روى الشعبي عن رجل وسماه فهو ثقة
، يحتج بحديثه ". ذكره الحافظ في " التهذيب " وأقره، وكأنه لذلك قال الذهبي
في " الكاشف ": " ثقة ".
2028 - " كل ما ردت عليك قوسك ".
ورد من حديث عبد الله بن عمرو وأبي ثعلبة الخشني وعقبة بن عامر وحذيفة بن
اليمان.
1 - أما حديث ابن عمرو فيرويه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا به. أخرجه
أبو داود (2857) والنسائي (2 / 196) وأحمد (2 / 184) من طرق عنه.
قلت: وهذا إسناد حسن.
2 - وأما حديث أبي ثعلبة، فله عنه ثلاث طرق:
الأولى: عن يونس بن سيف: حدثنا أبو إدريس الخولاني حدثني أبو ثعلبة الخشني(5/45)
قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا ثعلبة! كل ... " الحديث،
وزاد: " وكلبك المعلم، ويدك، فكل ذكيا وغير ذكي ". أخرجه أبو داود (2856
) .
قلت: وإسناده صحيح، يونس بن سيف وثقه الدارقطني وغيره، وروى عنه جمع من
الثقات، فقول الحافظ فيه: " مقبول ". يعني عند المتابعة، فهو غير مقبول،
بل هو ثقة حجة.
الثانية: عن الحجاج عن مكحول عنه، والحجاج أيضا عن الوليد بن أبي مالك عن
عائذ الله أنه سمع أبا ثعلبة الخشني قال: فذكره مرفوعا دون الزيادة. أخرجه
الترمذي (1 / 277) ، وقال: " هذا حديث حسن صحيح، عائذ الله بن عبد الله هو
أبو إدريس الخولاني ".
قلت: فهذه متابعة قوية من الوليد - وهو ابن عبد الرحمن بن أبي مالك - ليونس
ابن سيف في الطريق الأولى، لكن الراوي عنه الحجاج وهو ابن أرطأة مدلس وقد
عنعنه، كما عنعنه عن مكحول عنه. ومكحول أيضا مدلس، وبالنظر إلى روايته عنه
، فهي الطريقة الثانية، فتصحيح الترمذي للحديث من طريق الحجاج لا يخفى بعده عن
الصواب، إلا أنه يعني أنه صحيح لغيره، فهو صحيح، لكنه يبعد عن تعبيره بقوله
: " حسن صحيح ". والله أعلم.
الثالثة: عن ضمرة بن ربيعة عن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن
أبي ثعلبة به. وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير ضمرة بن ربيعة
وهو ثقة.(5/46)
ويحيى بن سعيد هو الأنصاري النجاري، أبو سعيد المدني القاضي.
3 و 4 - وأما حديث عقبة بن عامر وحذيفة بن اليمان، فيرويه عمرو بن شعيب أن
مولى شرحبيل بن حسنة حدثه أنه سمع عقبة بن عامر وحذيفة بن اليمان يقولان:
فذكره مرفوعا. أخرجه أحمد (4 / 156 و 5 / 388) .
2029 - " كل ما أفرى الأوداج، ما لم يكن قرض ناب أو حز ظفر ".
أخرجه البيهقي (9 / 278) من طريق عبيد الله بن زحر عن القاسم مولى عبد الرحمن
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه مرفوعا به. وقال: " قال أبو العباس
محمد بن يعقوب: ليس في كتابي: عن علي بن يزيد ".
قلت: لعله يشير إلى أن المعروف فيما يرويه ابن زحر عن القاسم بهذا الإسناد من
الأحاديث - وهي كثيرة - أن بينهما علي بن يزيد وهو الألهاني، ولكنه لما لم
يجد في كتابه علي بن يزيد لم يذكره في الإسناد مع التنبيه على ذلك. والظاهر
أن هذا الحديث من تلك الأحاديث، فقد أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (4 /
34) ، وقال: " رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه علي بن زيد، وهو ضعيف
وقد وثق ". وقال البيهقي عقبه: " وفي هذا الإسناد ضعف ".
قلت: ضعفه أشد مما يعطيه هذا التعبير، وعلى الرغم من ذلك فإني أرى أن الحديث
يتقوى بشاهدين له: الأول: عن حذيفة مرفوعا بلفظ:(5/47)
" اذبحوا بكل شيء فرى
الأوداج، ما خلا السن والظفر ". قال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط
" وفيه عبد الله بن حراش، وثقه ابن حبان، وقال: ربما أخطأ، وضعفه
الجمهور ". والآخر: حديث رافع بن خديج مرفوعا بلفظ: " ما أنهر الدم، وذكر
اسم الله عليه فكلوه، إلا السن والظفر ". أخرجه الشيخان وغيرهما وهو مخرج
في " الإرواء " (8 / 165 / 2522) .
2030 - " كلوا بسم الله من حواليها واعفوا رأسها، فإن البركة تأتيها من فوقها ".
أخرجه ابن ماجة (2 / 305) من طريق أبي حفص عمر بن الدرفس حدثني عبد الرحمن بن
أبي قسيمة عن واثلة بن الأسقع الليثي قال: " أخذ رسول الله صلى الله عليه
وسلم برأس الثريد، فقال: " فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير عمر بن الدرفس، فهو مجهول كما في
" التقريب " لكنه قد توبع، فقال عبد الله بن المبارك قال: أنبأنا ابن لهيعة
قال: حدثني يزيد بن حبيب أن ربيعة بن يزيد الدمشقي أخبره عن واثلة يعني ابن
الأسقع قال: " كنت مع أهل الصفة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما
بقرص فكسره في القصعة، وصنع فيها ماء سخنا ثم صنع فيها ودكا ثم سفسفها ثم
لبقها ثم صعنبها، ثم قال: اذهب فائتني بعشرة أنت عاشرهم، فجئت بهم، فقال:
(فذكره نحوه دون البسملة) فأكلوا منها حتى شبعوا ".(5/48)
أخرجه أحمد (3 / 490)
. قلت: وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات، فإن ابن لهيعة وإن كان سيء الحفظ
فإن حديثه من رواية العبادلة صحيح، كما هو معروف عند أهل العلم، وهذا من
رواية أحدهم عنه، وهو عبد الله بن المبارك الإمام، ولقد خفيت هذه الحقيقة
على المناوي حين أعل الحديث بقوله: " وفيه ابن لهيعة "! وقد وهم مرة أخرى،
فإنه قال ذلك عقب عزو السيوطي الحديث لابن ماجة، فأوهم أنه رواه من طريق ابن
لهيعة، والواقع خلافه، فليس في إسناده ابن لهيعة كما رأيت. وللحديث طريق
ثالث، يرويه خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه أنه حدثه عن واثلة بن الأسقع،
وكان من أهل الصفة.. الحديث بطوله وأتم منه، وفيه البسملة. أخرجه الحاكم
(4 / 116 - 117) وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت:
خالد ثقة وثقه بعضهم، وقال النسائي: ليس ثقة ".
قلت: وفي " التقريب ": " ضعيف مع كونه فقيها، وقد اتهمه ابن معين ".
قلت: فالعمدة على الطريق التي قبله. وللحديث شاهد يرويه عبد الله بن عباس
مرفوعا بلفظ: " إن البركة تنزل وسط القصعة، فكلوا من نواحيها ولا تأكلوا من
رأسها ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 55) وغيره بسند صحيح وهو
مخرج في " المشكاة " (4211) .(5/49)
(غريب الحديث) : قوله: (ودكا) : هو دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه.
(سفسفها) : في " القاموس ": " السفساف: الرديء من كل شيء ". فلعل المراد
خلطها بشيء رديء من القمح أو الدقيق.
(لبقها) : في " النهاية ": أي خلطها خلطا شديدا، وقيل: جمعها بالمغرفة.
(صعنبها) : أي رفع رأسها وجعل لها ذروة وضم جوانبها.
2031 - " كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد، فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم
الأحمر ".
أخرجه أبو داود (1 / 369 - 370) والترمذي (705) وابن خزيمة (1930)
والدارقطني (ص 231) من طريق عبد الله بن النعمان السحيمي قال: " أتاني قيس
ابن طلق في رمضان في آخر الليل بعدما رفعت يدي من السحور لخوف الصبح، فطلب مني
بعض الإدام، فقلت له: " يا عماه! لو كان بقي عليك من الليل شيء لأدخلتك إلى
طعام عندي وشراب، قال: عندك؟ فدخل، فقربت إليه ثريدا ولحما ونبيذا،
فأكل وشرب وأكرهني فأكلت وشربت، وإني لوجل من الصبح، ثم قال حدثني طلق
ابن علي أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " فذكره، والسياق للدارقطني
، وقال: " قيس بن طلق ليس بالقوي ". كذا قال، وقد وثقه ابن معين والعجلي
وابن حبان. ووهاه أبو حاتم، وقال الحافظ: " صدوق ".
قلت: فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى إذا لم يخالف.(5/50)
ثم رأيت الذهبي قد
ذكر عن ابن القطان أنه قال: " يقتضي أن يكون خبره حسنا لا صحيحا ". فالحمد
لله على توفيقه. وليس عند الآخرين من السياق إلا المرفوع منه، وقال الترمذي
: " حديث حسن غريب من هذا الوجه ". ورواه أحمد (4 / 23) مختصرا بلفظ:
" ليس الفجر المستطيل في الأفق ولكنه المعترض الأحمر ". وعبد الله بن
النعمان، وثقه ابن معين والعجلي وابن حبان وقد روى عنه ثقتان، وقال ابن
خزيمة: " لا أعرفه بعدالة ولا جرح ".
قلت: فحاله قريب من حال شيخه قيس بن طلق لكنه قد توبع، فقال عبد الله بن بدر
السحيمي: حدثني جدي قيس بن طلق به. أخرجه الطحاوي (1 / 325) . وجملة القول
أن الحديث حسن. وله شاهد من حديث سمرة بن جندب مرفوعا نحوه. وآخر تقدم برقم
(2002) . رواه مسلم وغيره وهو مخرج في " الإرواء " (915) و " صحيح أبي
داود " (2031) .
قوله: (ولا يهيدنكم) : أي: لا تنزعجوا للفجر المستطيل فتمتنعوا به عن
السحور، فإنه الصبح الكاذب. وأصل (الهيد) : الحركة. " نهاية ".
واعلم أنه لا منافاة بين وصفه صلى الله عليه وسلم لضوء الفجر الصادق بـ (
الأحمر) ووصفه تعالى(5/51)
إياه بقوله: * (الخيط الأبيض) * (1) لأن المراد -
والله أعلم - بياض مشوب بحمرة أو تارة يكون أبيض وتارة يكون أحمر، يختلف ذلك
باختلاف الفصول والمطالع. وقد رأيت ذلك بنفسي مرارا من داري في (جبل هملان
) جنوب شرق (عمان) ، ومكنني ذلك من التأكد من صحة ما ذكره بعض الغيورين على
تصحيح عبادة المسلمين، أن أذان الفجر في بعض البلاد العربية يرفع قبل الفجر
الصادق بزمن يتراوح بين العشرين والثلاثين دقيقة، أي قبل الفجر الكاذب أيضا!
وكثيرا ما سمعت إقامة صلاة الفجر من بعض المساجد مع طلوع الفجر الصادق، وهم
يؤذنون قبلها بنحو نصف ساعة، وعلى ذلك فقد صلوا سنة الفجر قبل وقتها، وقد
يستعجلون بأداء الفريضة أيضا قبل وقتها في شهر رمضان، كما سمعته من إذاعة دمشق
وأنا أتسحر رمضان الماضي (1406) وفي ذلك تضييق على الناس بالتعجيل بالإمساك
عن الطعام وتعريض لصلاة الفجر للبطلان، وما ذلك إلا بسبب اعتمادهم على
التوقيت الفلكي وإعراضهم عن التوقيت الشرعي: * (وكلوا واشربوا حتى يتبين
لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) * " فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم
الأحمر "، وهذه ذكرى، (والذكرى تنفع المؤمنين) .
2032 - " كلوه، ومن أكل منكم فلا يقرب هذا المسجد، حتى يذهب ريحه منه ".
أخرجه أبو داود (2 / 147) وابن خزيمة (1669) وابن حبان (318) عن بكر
ابن سوادة أن أبا النجيب مولى عبد الله بن سعد حدثه أن أبا سعيد الخدري
حدثه: " أنه ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الثوم والبصل، قيل: يا
رسول الله! وأشد ذلك كله الثوم، أفتحرمه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" فذكره. وهذا إسناد ضعيف، أبو النجيب لم يوثقه غير ابن حبان، ولم يذكروا
له راويا غير
_________
(1) البقرة: الآية: 187. اهـ.(5/52)
بكر هذا. لكن الحديث صحيح، فقد جاء مفرقا في أحاديث، فقوله "
كلوه " ورد في " الصحيحين " عن جابر بلفظ الإفراد، وفي " الترمذي " وغيره عن
أم أيوب بلفظ الجمع، وسيأتي هو والذي قبله برقم (2784) . وسائره له شاهد
من حديث المغيرة بن شعبة بسند صحيح عنه، وهو مخرج في " إصلاح المساجد " رقم (
71) .
2033 - " كل امرئ مهيأ لما خلق له ".
أخرجه الحاكم (2 / 462) وأحمد (6 / 441) عن أبي الربيع سليمان بن عتبة عن
يونس بن ميسرة بن حلبس عن أبي إدريس عن أبي الدرداء: " قالوا: يا رسول
الله! أرأيت ما نعمل أمر قد فرغ منه، أم أمر نستأنفه؟ قال: بل أمر قد فرغ
منه، قالوا: فكيف العمل يا رسول الله؟ قال: " فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن كما سبق بيانه في الحديث (514) وأما الحاكم فقال: "
صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله: " قلت: بل قال ابن معين في سليمان ابن
عتبة: لا شيء ".
قلت: وفي هذا التعقب إجحاف لأن ابن عتبة مختلف فيه كما ذكرنا هناك والذهبي
نفسه لما أورده في " الميزان " قال: " وثقه دحيم، ووهاه ابن معين، وقال
صالح جزرة: روى مناكير، وقد وثق ".
قلت: الذين وثقوه أعرف به من غيره، فإنهم دمشقيون، مثل دحيم، ومنهم أبو
مسهر بل إن أبا حاتم - على تشدده - قد قال فيه: " ليس به بأس، وهو محمود عند
الدمشقيين ".(5/53)
فرجل قد قالوا فيه هذا التوثيق، ليس من الإنصاف صرف النظر عنه
والاعتماد على قول من جرحه، ولاسيما وهو جرح مبهم. والحق أن الرجل وسط،
حسن الحديث. والله أعلم.
2034 - " كل أهل النار يرى مقعده من الجنة، فيقول: لو أن الله هداني، فيكون عليهم
حسرة، وكل أهل الجنة يرى مقعده من النار، فيقول: لولا أن الله هداني،
فيكون له شكرا، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: * (أن تقول نفس يا
حسرتا على ما فرطت في جنب الله) * (1) ".
أخرجه الحاكم (2 / 435 - 436) وأحمد (2 / 512) والخطيب (5 / 24) عن أبي
بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم. " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه
الذهبي.
قلت: أبو بكر بن عياش فيه كلام من قبل حفظه، فهو حسن الحديث. وقال الحافظ
في " التقريب ": " ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح ".
2035 - " كل دعاء محجوب حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ".
رواه ابن مخلد في " المنتقى من أحاديثه " (76 / 1) والأصبهاني في " الترغيب
" (ق 171 / 2) عن سلام بن سليمان حدثنا قيس عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي
مرفوعا.
_________
(1) الزمر: الآية: 56. اهـ.(5/54)
وهذا إسناد ضعيف مسلسل بالعلل:
الأولى: الحارث، وهو ابن عبد الله الأعور، قال الحافظ: " كذبه الشعبي في
رأيه ورمي بالرفض، وفي حديثه ضعف ".
قلت: لكن كذبه ابن المديني مطلقا.
الثانية: أبو إسحاق السبيعي، ثقة ولكنه على اختلاطه مدلس، وقد عنعنه بل
ذكروا في ترجمته أنه لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث والباقي كتاب.
الثالثة والرابعة: قيس - وهو ابن الربيع - وسلام بن سليمان - وهو المدائني
الضرير - ضعيفان. لكن يبدو أن له طريقا أخرى، فقد أورده السخاوي في " القول
البديع " (ص 223 - بيروت) من رواية البيهقي في " الشعب " وأبي القاسم التيمي
وغيرهما عن الحارث الأعور عن علي مرفوعا نحوه. وقال: " الأعور قد ضعفه
الجمهور، وروي عن أحمد بن صالح توثيقه ".
قلت: فلم يعله بغير الأعور، لكن ذكر له متابعا فقال: " وأخرجه الطبراني في
" الأوسط " والبيهقي في " الشعب " من رواية الحارث وعاصم بن ضمرة عن علي.
ورواه الطبراني أيضا والهروي في " ذم الكلام " له، وأبو الشيخ والديلمي من
طريقه، والبيهقي أيضا في " الشعب " كلهم موقوفا باختصار: " كل دعاء محجوب
حتى يصلى على محمد وآل محمد صلى الله عليه وسلم ". والموقوف أشبه ". وقال
الهيثمي في هذا الموقف (10 / 160) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله
ثقات ".
قلت: وهو في حكم المرفوع لأن مثله لا يقال من قبل الرأي كما قال السخاوي(5/55)
(ص
223) ، وحكاه عن أئمة الحديث والأصول. وقد وجدت له شاهدا بلفظ: " الدعاء
محجوب حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ". أخرجه ابن حبان في ترجمة
" إبراهيم بن إسحاق الواسطي " من " الضعفاء " له يسنده عن ثور بن يزيد عن خالد
ابن معدان عن معاذ بن جبل مرفوعا. وقال فيه: " يروي عن ثور ما لا يتابع عليه
وعن غيره من الثقات المقلوبات، على قلة روايته لا يجوز الاحتجاج به ".
وأورده ابن أبي حاتم (1 / 1 / 87) فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وله
شاهد آخر، فقال ابن القيم في " في جلاء الأفهام " (ص 261) : " وقال أحمد بن
علي بن شعيب (هو النسائي الإمام) : حدثنا محمد بن حفص حدثنا الجراح بن مليح
(الأصل: يحيى) : حدثني عمر (الأصل: عمرو) بن عمرو قال: سمعت عبد الله بن
بسر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الدعاء كله محجوب حتى يكون
أوله ثناء على الله عز وجل، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو
فيستجاب لدعائه ". وعمر بن عمرو هذا هو الأحموسي له عن عبد الله بن بسر
حديثان هذا أحدهما ".
قلت: قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 127) : " شامي، أبو حفص، أدرك عبد الله بن
بسر ... قال أبي: لا بأس به، صالح الحديث، هو من ثقات الحمصيين ". والجراح
ابن مليح هو البهراني، شامي حمصي، روى عن جمع منهم الأحموسي هذا كما في
" الجرح والتعديل " (1 / 1 / 524) ، وقال عن أبيه: " صالح الحديث ".(5/56)
ومحمد بن حفص الظاهر أنه الوصابي الحمصي أبو عبيد روى عن محمد بن حمير وغيره
، قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 237) : " أدركته، وأردت قصده والسماع منه،
فقال لي بعض أهل حمص: ليس بصدوق، ولم يدرك محمد بن حمير، فتركته ". وقال
ابن منده: " ضعيف ". وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: " يغرب ".
والحديث رواه الديلمي في " مسند الفردوس " من حديث أنس كما في " القول البديع
" (ص 222) ولم يتكلم على إسناده بشيء. وقد جزم المناوي بضعفه، فقال:
" فيه محمد بن عبد العزيز الدينوري، قال الذهبي في " الضعفاء ": منكر الحديث
". وجزم بأن رواية الطبراني المتقدمة جيدة الإسناد.
وخلاصة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق والشواهد لا ينزل عن مرتبة الحسن إن
شاء الله تعالى على أقل الأحوال. ثم وقفت على إسناده عند الطبراني في " الأوسط
" (4 / 448 - مصورة الجامعة الإسلامية) ، فإذا هو من طريق عامر بن يسار حدثنا
عبد الكريم الجزري عن أبي إسحاق الهمداني عن الحارث وعاصم بن ضمرة عن علي
موقوفا.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات كما تقدم عن الهيثمي، لكن أبو إسحاق - وهو
السبيعي - مدلس وكان اختلط إلا أن ذلك لا يضر في الشواهد. والله أعلم.
ومن شواهده ما أخرجه الترمذي (1 / 97) عن أبي قرة الأسدي عن سعيد بن(5/57)
المسيب
عن عمر قال: " إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء حتى تصلي
على نبيك صلى الله عليه وسلم ". وأبو قرة مجهول.
2036 - " كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة، إلا سببي ونسبي ".
روي من حديث عبد الله بن عباس وعمر بن الخطاب والمسور بن مخرمة وعبد الله
ابن عمر.
1 - أما حديث ابن عباس فيرويه موسى بن عبد العزيز العدني حدثني الحكم بن أبان
عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. أخرجه المخلص في " سبعة مجالس " (51 / 1)
والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 129 / 1) والخطيب في " التاريخ " (10
/ 271) والهروي في " ذم الكلام " (108 / 2) والضياء في " المختارة ".
قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد، فإن الحكم بن أبان صدوق عابد له أوهام.
وموسى العدني صدوق سيء الحفظ.
2 - وأما حديث عمر، فله عنه طرق: الأولى: يرويه إبراهيم بن مهران بن رستم
المروزي: حدثنا الليث بن سعد القيسي - هو مولى بني رفاعة في سنة إحدى وسبعين
ومائة بمصر - عن موسى بن علي بن رباح اللخمي عن أبيه عن عقبة بن عامر قال:
" خطب عمر بن الخطاب إلى علي بن أبي طالب ابنته من فاطمة، وأكثر تردده إليه،
فقال: يا أبا الحسن! ما يحملني على كثرة ترددي إليك إلا حديث سمعته من رسول(5/58)
الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره) : فأحببت أن يكون لي منكم أهل البيت
سبب وصهر. فقام علي فأمر بابنته من فاطمة فزينت، ثم بعث بها إلى أمير
المؤمنين عمر، فلما رآها قام إليها فأخذ بساقها، وقال: قولي لأبيك: قد
رضيت قد رضيت قد رضيت، فلما جاءت الجارية إلى أبيها قال لها: ما قال لك أمير
المؤمنين؟ قالت: دعاني وقبلني، فلما قمت أخذ بساقي، وقال قولي لأبيك قد
رضيت، فأنكحها إياه، فولدت له زيد بن عمر بن الخطاب، فعاش حتى كان رجلا، ثم
مات ". أخرجه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (73 / 257 / 1) وابن عدي (6
/ 2) والخطيب في " التاريخ " (6 / 182) في ترجمة ابن رستم هذا، ولم يذكر
فيه جرحا ولا تعديلا، وأما ابن عدي فقال فيه: " ليس بمعروف، منكر الحديث
عن الثقات ".
قلت: وأنكر ما فيه ذكر التقبيل، وأما الكشف عن الساق، فقد ورد في غير هذه
الطريق، وهي: الثانية: من طرق عن جعفر بن محمد عن أبيه (زاد بعضهم: عن
علي بن الحسين) : " أن عمر بن الخطاب خطب إلى علي رضي الله عنه أم كلثوم،
فقال: أنكحنيها، فقال: إني أرصدها لابن أخي عبد الله بن جعفر، فقال عمر:
أنكحنيها، فوالله ما من الناس أحد يرصد من أمرها ما أرصده، فأنكحه علي، فأتى
عمر المهاجرين فقال: ألا تهنوني؟ فقالوا: بمن يا أمير المؤمنين؟ فقال: أم
كلثوم بنت علي وابنة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره ". أخرجه سعيد بن منصور في " سننه " (520 -
521) وابن سعد في " الطبقات " (8 / 463) والثقفي في " الفوائد " (رقم 40
منسوختي) والحاكم (3 / 142) والزيادة له، وكذا البيهقي (7 / 63 - 64)
، وقال الحاكم:(5/59)
" صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله: " قلت منقطع ".
يعني بين علي بن الحسين وعمر. فهو بين الانقطاع أكثر بين محمد - وهو ابن علي
بن الحسين بن علي بن أبي طالب - وعمر. وراجع ما تقدم نقله عن الحافظ تحت فقه
الحديث المتقدم (99) . وأخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (6 / 330 - 331
) من طريقين آخرين عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين الباقر قال: قال عمر ...
فذكره نحوه. وفي رواية له من طريق الزبير بن بكار معضلا بدون إسناد: " فقال
له علي: أنا أبعثها إليك، فإن رضيت فقد زوجتكها، فبعثها إليه ببرد، وقال
لها: قولي له: هذا البرد الذي قلت لك، فقالت ذلك لعمر، فقال لها: قولي له
، قد رضيته رضي الله عنك، ووضع يده على ساقها، فكشفها، فقالت له: أتفعل
هذا؟ ! لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك! ثم خرجت حتى جاءت أباها، فأخبرته
الخبر، وقالت: بعثتني إلى شيخ سوء! فقال: مهلا يا بنية، فإنه زوجك، فجاء
عمر إلى مجلس المهاجرين ... " الحديث.
الثالثة: قال الطبراني في " الكبير " (1 / 124 / 1) : حدثنا محمد بن عبد
الله أخبرنا الحسن بن سهل الحناط أخبرنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن
أبيه عن جابر قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: فذكره مرفوعا.
ومن طريق الطبراني أخرجه الضياء في " المختارة " (رقم 95، 96 - بتحقيقي) .
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات حفاظ غير الحناط هذا، فقد ذكره السمعاني في هذه
النسبة (الحناط) إلى بيع الحنطة، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ويحتمل
عندي أنه الحسن بن سهل الجعفري كما في " الجرح " (1 / 2 / 17) أو الجعفي كما
في " ثقات ابن حبان " على ما في هامشه، فقد ذكر ابن أبي حاتم أنه روى عنه أبو
زرعة. وقد(5/60)
علم أنه لا يروي إلا عن ثقة. وقد وثقه الهيثمي في " المجمع " (9
/ 173) . والله أعلم. ثم رأيت في " ثقات ابن حبان " (8 / 181) : " الحسن
ابن سهل الخياط (كذا) ، يروي عن أبي أسامة والكوفيين. روى عنه الحضرمي ".
قلت: فهو هذا، فإن الحضرمي هو محمد بن عبد الله شيخ الطبراني في الحديث، و (
الخياط) تصحيف، والصواب: (الحناط) كما حققته في " تيسير الانتفاع " يسر
الله لي إتمامه بكرمه ومنه.
الرابعة: عن يونس بن أبي يعفور عن أبيه سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعت عمر
ابن الخطاب يقول: فذكره مرفوعا. أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 124 / 1
) وأبو علي الصواف في " الفوائد " (3 / 165 / 2) وأبو نعيم في " أخبار
أصبهان " (1 / 199 - 200) .
قلت: وهذا إسناد حسن أيضا في الشواهد، يونس هذا من رجال مسلم، لكن ضعفه
جماعة من الأئمة، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، يخطىء كثيرا ".
وقد توبع ممن لا يفرح بمتابعته، فقال محمد بن عكاشة عن سيف بن محمد بن أخت
سفيان عن سفيان الثوري عن خالد بن سعد بن عبيد عن نافع عن ابن عمر به. أخرجه
تمام في " الفوائد " (247 / 2) .
قلت: وهذا إسناد موضوع، آفته سيف هذا، قال الحافظ: " كذبوه ". ومحمد بن
عكاشة إن كان العكاشي الكرماني، فهو كذاب وضاع. وإن كان محمد بن عكاشة
الكوفي، فهو ضعيف. وهذا مشكل، فقد جاء في ترجمة الأول أنهم نسبوه كوفيا،
فيحتمل أنهما واحد،(5/61)
لكن فرق بينهما الدارقطني، فقال في الأول: " يضع الحديث
". وفي الآخر: " ضعيف ". وعليه جرى الذهبي والعسقلاني، ففرقا بينهما.
فالله أعلم.
الخامسة: قال الطبراني أيضا وعنه أبو نعيم في " الحلية " (2 / 34) : حدثنا
جعفر بن محمد بن سليمان النوفلي المديني أخبرنا إبراهيم بن حمزة الزبيري أخبرنا
عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: " دعا عمر بن
الخطاب رضي الله عنه علي بن أبي طالب فساره، ثم قام علي في الصفة فوجد العباس
وعقيلا والحسين، فشاورهم في تزويج أم كلثوم عمر، فغضب عقيل وقال: يا علي
! ما تزيدك الأيام والشهور والسنون إلا العمى في أمرك، والله لئن فعلت
ليكونن وليكونن - لأشياء عدها - ومضى يجر ثوبه، فقال علي للعباس: والله ما
ذاك منه نصيحة، ولكن درة عمر أخرجته إلى ما ترى، أما والله ما ذاك رغبة فيك
يا عقيل، ولكن قد أخبرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: ... " فذكر الحديث. وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال "
الصحيح " غير النوفلي شيخ الطبراني فلم أجد له ترجمة. وأخرج المرفوع منه ابن
شاهين في " الأفراد " (2 / 1) عن سلمة بن شبيب أخبرنا الحسين بن محمد بن أعين
أخبرنا عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه به. وقال: " تفرد بهذا الحديث سلمة
بن شبيب، لا أعلم به غيره ".
قلت: وهو ثقة من شيوخ مسلم، لكن شيخه الحسين بن محمد بن أعين لم(5/62)
أعرفه.
السادسة: عن أحمد بن سنان بن أسد (بن) حبان القطان: حدثنا يزيد بن هارون
أخبرنا حماد حدثني ابن أبي رافع أن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره. أخرجه الحافظ السلفي في " معجم السفر " (ق 192 / 2) .
قلت: هذا إسناد رجاله ثقات حفاظ غير ابن أبي رافع واسمه عبد الرحمن، فإنه لم
يرو عنه غير حماد هذا، وهو ابن سلمة، وقال ابن معين: " صالح ". وقال
الحافظ: " مقبول من الرابعة ". فهو تابعي لم يدرك عمر بن الخطاب.
السابعة " عن حسن بن حسن عن أبيه أن عمر بن الخطاب به نحوه. أخرجه البيهقي
بسند ضعيف منقطع.
الثامنة: رواه أبو موسى المديني في " اللطائف من دقائق المعارف " (2 / 1) من
طريق الدارقطني بسنده عن العلاء بن عمرو الحنفي حدثنا النضر بن منصور حدثنا
عقبة بن علقمة اليشكري قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: أخبرني
عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه مر بعثمان رضي الله عنه وهو كئيب حزين حين
أصيب بزوجته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله فقال: إني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال: " لم يروه بهذا الإسناد غير
النضر ".
قلت: ومن طريقه رواه ابن عساكر (11 / 83 / 1) ، وهو ضعيف. لكن الراوي عنه
العلاء بن عمرو الحنفي كذاب.(5/63)
التاسعة: عن المستظل بن حصين أن عمر بن الخطاب خطب إلى علي ابنته، فاعتل عليه
بصغرها فقال: إني أعددتها لابن أخي جعفر، قال عمر: إني والله ما أردت بها
الباءة، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. أخرجه الضياء
المقدسي في " المختارة " رقم (266 - بتحقيقي) من طريق شريك عن شبيب بن أبي
غرقدة عن المستظل به. وشريك سيء الحفظ، وهو صدوق يستشهد به.
3 - وأما حديث المسور بن مخرمة فرواه أحمد (4 / 323) والطبراني والبيهقي
من طريق أم بكر بنت المسور بن مخرمة عن عبيد الله بن أبي رافع عنه مرفوعا. قال
الهيثمي في " مجمع الزوائد " (9 / 203) : " وفيه أم بكر بنت المسور، ولم
يجرحها أحد ولم يوثقها وبقية رجاله وثقوا ".
4 - وأما حديث ابن عمر، فهو بلفظ: " كل نسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا
نسبي وصهري ". أخرجه ابن عساكر (19 / 60 / 2) عن سليمان بن عمر بن الأقطع:
أخبرنا إبراهيم بن عبد السلام عن إبراهيم بن يزيد عن محمد بن عباد بن جعفر قال
: سمعت ابن عمر يقول: مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، وفيه علل: الأولى: إبراهيم بن يزيد - وهو
الخوزي المكي - متروك. الثانية: إبراهيم بن عبد السلام - وهو المخزومي المكي
- ضعيف. الثالثة: سليمان بن عمر الأقطع كتب عنه أبو حاتم، ولم يذكر فيه
ابنه (2 / 1 / 131) جرحا ولا تعديلا فهو مجهول الحال. وجملة القول أن
الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح. والله أعلم.(5/64)
2037 - " كل شيء جاوز الكعبين من الإزار في النار ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 138 / 2) عن اليمان بن المغيرة عن
عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، من أجل اليمان هذا، قال الحافظ: " ضعيف ". وقال
الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 124) : " اليمان ضعيف عند الجمهور، وقال
ابن عدي: لا بأس به ".
قلت: والحديث صحيح، لن له شواهد كثيرة:
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: " ما أسفل من الكعبين من الإزار
ففي النار ". أخرجه البخاري (4 / 73) والنسائي (2 / 299) وأحمد (2 /
255، 287، 410، 461، 498، 504) من طرق عنه.
2 - عن حذيفة بن اليمان مرفوعا نحوه. أخرجه النسائي وابن ماجة (3572) بسند
رجاله ثقات.
3 - عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: " ما تحت الكعبين من الإزار في النار ".
أخرجه أحمد (6 / 59، 254، 257) عن محمد بن إسحاق سمعت أبا نبيه يقول: سمعت
عائشة تقول: فذكره.
قلت: وهذا سند حسن في الشواهد، رجاله ثقات معروفون غير أبي نبيه هذا وثقه(5/65)
ابن حبان (5 / 571) .
4 - عن أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد وغيره وهو مخرج في "
المشكاة " (4331) . وفي الباب عن غير هؤلاء الأصحاب فراجع " مجمع الزوائد "
(5 / 122 - 126) .
2038 - " كل مال النبي صلى الله عليه وسلم صدقة إلا ما أطعمه أهله وكساهم، إنا
لا نورث ".
أخرجه أبو داود (2975) والترمذي في " الشمائل " (رقم - 383) من طريق أبي
البختري قال: " سمعت حديثا من رجل فأعجبني، فقلت: اكتبه لي، فأتى به مكتوبا
مذبرا: دخل العباس وعلي على عمر، وعنده طلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد،
وهما يختصمان، فقال عمر لطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد: ألم تعلموا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فذكره) قالوا: بلى، قال: فكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق من ماله على أهله، ويتصدق بفضله، ثم توفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم فوليها أبو بكر سنتين، فكان يصنع الذي كان يصنع
رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر شيئا من حديث مالك بن أوس ".
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير الرجل الذي لم يسم
والظاهر أنه صحابي أو تابعي كبير، فمثله حديثه مقبول، ولاسيما إذا كان في
الشواهد، ومن شواهده حديث عائشة مرفوعا: " لا نورث، ما تركنا فهو صدقة،
وإنما هذا المال لآل محمد، لنائبتهم ولضيفهم، فإذا مت فهو إلى ولي الأمر من
بعدي ". أخرجه أبو داود (2977) بإسناد حسن عنها. وأصله في " الصحيحين "
وغيرهما دون الشطر الثاني منه.(5/66)
وأخرجاه عن أبي بكر الصديق مرفوعا بلفظ:
" لا نورث ما تركنا صدقة، وإنما يأكل آل محمد في هذا المال ". وهو رواية
لأبي داود (2969) ، وزاد: " يعني مال الله، ليس لهم أن يزيدوا على المأكل
".
2039 - " كل مخمر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب مسكرا بخست صلاته أربعين صباحا،
فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة
الخبال، قيل: وما طينة الخبال؟ قال: صديد أهل النار، ومن سقاه صغيرا
لا يعرف حلاله من حرامه، كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال ".
أخرجه أبو داود (3680) ، ومن طريقه البيهقي (8 / 288) عن إبراهيم بن عمر
الصنعاني قال: سمعت النعمان يقول: عن طاووس عن ابن عباس مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، والنعمان هذا هو ابن أبي شيبة
عبيد الصنعاني، وهو ثقة بلا خلاف. ومثله إبراهيم بن عمر الصنعاني.
(تنبيه) : زاد محقق سنن أبي داود الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد بعد قوله
: " النعمان " زيادة (بن بشير) ، وهي خطأ منه، ذهب وهله إلى أنه الصحابي
المعروف " النعمان بن بشير "! وإنما هو ابن أبي شيبه كما ذكرنا وهو تابع
تابعي. وكذلك وهل بعضهم فكتب على اسم إبراهيم بن عمر الصنعاني من النسخة
التي نقلت عنها من " سنن أبي داود " نسخة المكتبة الظاهرية كتب عليه: " مجهول
"، وهو خطأ، سببه أنه ظن أنه الذي روى عنه الترمذي إبراهيم بن عمر الصنعاني
، وهذا آخر متأخر عن الأول، وهو مستور كما في " التقريب "، فاقضي التنبيه
بدون تشهير!(5/67)
2040 - " كل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة ".
جاء من طريقين: الأول: عن ابن مسعود أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 /
62 / 1) والخرائطي (ص 13) وابن عدي (201 / 2) و " الحلية " (3 / 49)
عن صدقة بن موسى ومحمد بن المظفر في " غرائب شعبة " (1 / 2) و " الحلية "
أيضا (7 / 194) عن شعبة، كلاهما عن فرقد السبخي عن إبراهيم عن علقمة عنه
مرفوعا. وقال ابن عدي: " لا أعلم يرويه عن فرقد غير صدقة بن موسى ".
قلت: وهو صدوق له أوهام، لكنه قد تابعه شعبة كما رأيت، وقد استغربه أبو
نعيم من طريقه عنه. لكن فرقد لين الحديث كثير الخطأ كما في " التقريب ".
الثاني: عن جابر، رواه ابن عساكر (8 / 228 / 1 - 2) عن أبي داود سليمان
ابن سيف قال: كنت مع أبي عاصم النبيل وهو يمشي وعليه طيلسان فسقط عنه
طيلسانه فسويته عليه، فالتفت إلي وقال: كل معروف صدقة، فقلت: من ذكره رحمك
الله؟ قال: أنبأنا ابن جريج عن عطاء عن جابر مرفوعا به.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، إلا أنني لا أدري ما حال من دون سليمان؟
و" تاريخ ابن عساكر " مقفل عليه الآن ولا يمكن الوصول إليه مع الأسف، لكن
الظن أنه ليس فيه شديد الضعف يمنع من الاستشهاد به، ولاسيما والشطر الأول من
الحديث يشهد بعمومه لسائره. وهو صحيح له شواهد عديدة بعضها في " الصحيحين "،
وهي مخرجة في " الروض النضير " (231) .(5/68)
2041 - " كل نفس من بني آدم سيد، فالرجل سيد أهله، والمرأة سيدة بيتها ".
أخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (382) وأبو بكر المقرىء
الأصبهاني في " الفوائد " (13 / 190 / 1) عن أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن
وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي يونس عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وأبو يونس اسمه سليم بن جبير.
2042 - " كل يمين يحلف بها دون الله شرك ".
أخرجه البغوي في " الجعديات " (2332) والحاكم في " المستدرك " (1 / 18) عن
شريك بن عبد الله عن الحسن بن عبيد الله عن سعد بن عبيدة عن ابن عمر، قال
: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على
شرط مسلم "، وأقره الذهبي.
قلت: وشريك فيه ضعف من قبل حفظه، وإنما أخرج له مسلم متابعة، والحسن بن
عبيد الله - وهو النخعي - ثقة، لكن البغوي جعل مكانه جابرا الجعفي، لكنه
ثابت عن الحسن النخعي، فقال الإمام أحمد (2 / 125) : حدثنا سليمان بن حيان
عن الحسن بن عبيد الله به مرفوعا بلفظ: " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك "
. ومن هذا الوجه أخرجه الترمذي (1 / 290) ، وقال:(5/69)
" حديث حسن ".
وأقول: بل هو صحيح، فقد تابعه جرير عن الحسن بن عبيد الله به باللفظ الثاني
، إلا أنه قال: " كفر " ولم يشك. أخرجه الحاكم، وقال: " صحيح على شرط
الشيخين "، ووافقه الذهبي.
قلت: وإنما هو على شرط مسلم، فإن الحسن هذا - وهو النخعي - لم يخرج له
البخاري. ولكنه قد توبع كما يأتي. وتابعه عبد الرحيم بن سليمان عن الحسن به
. أخرجه ابن حبان (1177) ، وفيه: " أن رجلا حلف بالكعبة، فقال ابن عمر:
ويحك لا تفعل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من حلف بغير
الله فقد أشرك ". ثم أخرجه أحمد (2 / 34، 69، 86) والطحاوي في " مشكل
الآثار " (1 / 357 - 359) والبغوي (925) من طرق أخرى عن سعد بن عبيدة به
وفي لفظ لأحمد: " من حلف بشيء دون الله تعالى فقد أشرك ". وإسناده صحيح على
شرط الشيخين وله في " المسند " طريق أخرى عن ابن عمر، فانظر " الإرواء " (
2627) . (فائدة) : قال أبو جعفر الطحاوي: " لم يرد به الشرك الذي يخرج من
الإسلام حتى يكون به صاحبه خارجا عن الإسلام، ولكنه أراد أنه لا ينبغي أن
يحلف بغير الله تعالى لأن من حلف بغير الله(5/70)
تعالى، فقد جعل ما حلف به محلوفا
به كما جعل الله تعالى محلوفا به، وبذلك جعل من حلف به أو ما حلف به شريكا
فيما يحلف به وذلك أعظم، فجعله مشركا بذلك شركا غير الشرك الذي يكون به كافرا
بالله تعالى خارجا عن الإسلام ". يعني - والله أعلم - أنه شرك لفظي، وليس
شركا اعتقاديا، والأول تحريمه من باب سد الذرائع، والآخر محرم لذاته. وهو
كلام وجيه متين، ولكن ينبغي أن يستثني منه من يحلف بولي لأن الحالف يخشى إذا
حنث في حلفه به أن يصاب بمصيبة، ولا يخشى مثل ذلك إذا حلف بالله كاذبا، فإن
بعض الجهلة الذين لم يعرفوا حقيقة التوحيد بعد إذا أنكر حقا لرجل عليه وطلب أن
يحلف بالله فعل، وهو يعلم أنه كاذب في يمينه، فإذا طلب منه أن يحلف بالولي
الفلاني امتنع واعترف بالذي عليه، وصدق الله العظيم: * (وما يؤمن أكثرهم
بالله إلا وهم مشركون) * (1) .
2043 - " كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله ".
أخرجه الحاكم في " المستدرك " (4 / 247) وأحمد (5 / 258) من طريق سعيد بن
أبي هلال عن علي بن خالد قال: " مر أبو أمامة الباهلي على خالد بن يزيد بن
معاوية، فسأله عن ألين كلمة سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره ". ذكره الحاكم شاهدا لحديث
أبي هريرة الآتي، وسكت عليه الذهبي، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10
/ 71) : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير علي بن خالد، وهو ثقة ".
قلت: لكن سعيد بن أبي هلال كان اختلط.
_________
(1) يوسف: الآية: 106. اهـ.(5/71)
لكن الحديث صحيح، فإن له غير شاهد
واحد كما يأتي: ثم عزاه الهيثمي للطبراني في " الأوسط، وقال: " ورواه في
" الكبير " موقوفا على أبي أمامة، قال: لا يبقى أحد من هذه الأمة إلا دخل
الجنة، إلا من شرد على الله كشراد البعير السوء على أهله، فمن لم يصدقني فإن
الله تعالى يقول: * (لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى) * (1) ، كذب بما
جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وتولى عنه وإسنادهما حسن ". ومن شواهد
الحديث ما أخرجه ابن حبان (2306) عن قتيبة بن سعيد: حدثنا خليفة بن خياط عن
العلاء بن المسيب عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرد على الله
كشرود البعير، قالوا، ومن يأبى أن يدخل الجنة؟ فقال: من أطاعني دخل الجنة
ومن عصاني فقد أبى ".
2044 - " والذي نفسي بيده، لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرد على الله كشرود
البعير، قالوا: ومن يأبى أن يدخل الجنة؟! فقال: من أطاعني دخل الجنة ومن
عصاني فقد أبى ".
قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقال الهيثمي: " رواه الطبراني في
" الأوسط " ورجاله رجال الصحيح ". ومن شواهده أيضا حديث أبي هريرة المشار
إليه آنفا بلفظ: " لتدخلن الجنة إلا من أبي وشرد عن الله كشراد البعير ".
أخرجه الحاكم من طريق إسماعيل بن أبي أويس: حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن
كيسان عن الأعرج عنه، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه
الذهبي.
_________
(1) الليل: الآية: 15، 16. اهـ.(5/72)
وأقول: إسماعيل هو ابن عبد الله بن أبي أويس، وهو وإن كان من
رجال الشيخين ففيه كلام كثير، فبحسبه أن يكون حديثه حسنا، وأما الصحة فلا.
وقد قال الحافظ فيه: " صدوق أخطأ في أحاديث ". نعم، حديثه هذا صحيح بما
تقدم. والله سبحانه وتعالى أعلم.
2045 - " كلمات الفرج: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم
، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ".
أخرجه ابن أبي الدنيا في " الفرح بعد الشدة " (ص 13 و 14) والخرائطي في
" مكارم الأخلاق " (ص 88) عن يزيد بن هارون عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن
أبي العالية عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
وأخرجه أحمد (1 / 339) من هذا الوجه من فعله صلى الله عليه وسلم بلفظ: " كان
يقول عند الكرب ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد
أخرجاه من طرق عن ابن أبي عروبة وغيره به مثل رواية أحمد. وكذلك أخرجه هو في
" المسند " (1 / 228، 254، 339، 356) . وأخرجه مسلم (8 / 85) من طريق
يوسف بن عبد الله بن الحارث عن أبي العالية بلفظ: " كان إذا حزبه أمر قال:
... " فذكر مثله، وزاد: " لا إله إلا الله رب العرش الكريم ". وهو رواية
لأحمد أيضا (1 / 268، 280) وزاد في إحدى روايتيه:(5/73)
" ثم يدعو ". وسنده
صحيح على شرط مسلم. وأخرج أحمد أيضا (1 / 206) عن حماد بن سلمة عن ابن أبي
رافع عن عبد الله بن جعفر: " أنه زوج ابنته من الحجاج بن يوسف، فقال لها:
إذا دخل بك فقولي: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش
العظيم، الحمد لله رب العالمين، وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
إذا حزبه أمر قال هذا. قال حماد: فظننت أنه قال: فلم يصل إليها ". وابن
أبي رافع اسمه عبد الرحمن، لم يذكروا له راويا غير حماد، ومع ذلك قال ابن
معين: " صالح ". وأما الحافظ فقال: " مقبول ". يعني عند المتابعة وإلا
فلين الحديث ولم أجد متابعا على هذا السياق، فبقي حديثه على الضعف.
2046 - " كما لا يجتنى من الشوك العنب، كذلك لا ينزل الأبرار منازل الفجار، فاسلكوا
أي طريق شئتم، فأي طريق سلكتم وردتم على أهله ".
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (10 / 31) من طريق إبراهيم بن يوسف حدثنا أحمد
ابن أبي الحواري حدثنا مروان عن يزيد بن السمط عن الوضين بن عطاء عن يزيد بن
مرثد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.(5/74)
قلت: وهذا إسناد مرسل ضعيف، يزيد بن مرثد تابعي ثقة. والوضين بن عطاء فيه
ضعف، وبقية الرجال ثقات. ومروان هو ابن محمد الطاطري. وإبراهيم بن يوسف
الظاهر أنه ابن ميمون الباهلي البلخي، وهو صدوق. وللحديث شاهد من حديث أبي
ذر مرفوعا بلفظ: كما لا يجتنى من الشوك العنب، لا نزل الفجار منازل الأبرار،
وهما طريقان، فأيهما أخذتم أخذ بكم إليه ". أخرجه أبو نعيم في " أخبار
أصبهان " (1 / 112) وابن عساكر في " التاريخ " (19 / 96 / 2) عن فرات بن
سلمان أخبرنا أبو المهاجر الدمشقي عن أبي ذر الغفاري مرفوعا به. أورده ابن
عساكر في ترجمة " أبي المهاجر " هذا، ولم يذكر فيها أكثر من هذا الحديث.
ولعله الذي في " كنى تاريخ البخاري " (73 / 685) : " أبو المهاجر مولى بني
كلاب، قلت لابن عباس: كما لا ينفع مع الإشراك شيء فهل يضر مع الإخلاص شيء؟
عنه عبد الواحد بن صفوان ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (5 / 565) برواية
ابن صفوان هذا عنه. وسائر الرجال موثقون. فالحديث بمجموع الطرقين حسن،
والله أعلم.
2047 - " كما يضاعف لنا الأجر، كذلك يضاعف علينا البلاء ".
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (8 / 314) : أخبرنا محمد بن عمر قال: فحدثني
معمر ومالك عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت:(5/75)
" دخلت أم بشر بن البراء
ابن معرور على رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مرضه الذي مات فيه وهو محموم
فمسته، فقالت: ما وجدت مثل وعك عليك على أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره ". قلت: وهذا إسناد واه جدا، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين
غير محمد بن عمر، وهو الواقدي، وهو متهم بالكذب. لكن للحديث شاهدان:
الأول: عن أبي سعيد الخدري قال: " وضع رجل يده على النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: والله ما أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حماك، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: إنا معشر الأنبياء، يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر، إن كان
النبي من الأنبياء يبتلى بالقمل حتى يقتله، وإن كان النبي من الأنبياء ليبتلى
بالفقر حتى يأخذ العباء فيجوبها، وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما تفرحون
بالرخاء ". أخرجه أحمد (3 / 94) : حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن زيد بن
أسلم عن رجل عنه. وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات لولا الرجل الذي لم يسم. لكن
قد سماه هشام بن سعد، فقال: عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد
الخدري به. أخرجه ابن ماجة (2 / 490) والأصبهاني في " الترغيب " (ق 60 / 2
) ، وقال: " (يجوبها) : أي يقطعها ويجعل لها شبه الجيب ". وقال البوصيري
في " الزوائد " (245 / 1) : " هذا إسناد صحيح رجاله ثقات ".
قلت: وصححه الحاكم أيضا والذهبي كما تقدم برقم (144) وإنما هو حسن للكلام
المعروف في هشام بن سعد. نعم هو صحيح بالشاهد الذي بعده، وآخر تقدم(5/76)
هناك (145) . الثاني: عن عبد الله بن مسعود قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم
في مرضه وهو يوعك وعكا شديدا، فقلت: إنك لتوعك وعكا شديدا، قلت: إن ذاك
بأن لك أجرين، قال: أجل (ذلك كذلك) ما من مسلم يصيبه أذى (شوكة فما فوقها
) إلا حات الله عنه خطاياه كما تحات ورق الشجر ". أخرجه البخاري (10 / 91)
ومسلم (8 / 14) والدارمي (2 / 316) وابن حبان (701) وأحمد (1 / 381،
441، 455) .
2048 - " كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث ليتسع ذو الطول على من لا طول له،
فكلوا ما بدا لكم، وأطعموا وادخروا ".
أخرجه مسلم (6 / 82) ولم يسق لفظه والترمذي (1 / 285) والبيهقي في "
الشعب " (2 / 395 / 2) من طرق عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان
ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال
الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
2049 - " يا أم هانئ! قد أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت ".
أخرجه أحمد (6 / 341 و 343) من طريق أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن
أبي مرة مولى فاختة أم هانىء بنت أبي طالب عنها قالت: " لما كان يوم فتح
مكة أجرت رجلين من أحمائي فأدخلتهما بيتا، وأغلقت عليهما بابا، فجاء ابن أمي
علي بن أبي طالب، فتفلت عليهما بالسيف، قالت: فأتيت النبي صلى الله عليه
وسلم فلم أجده، ووجدت فاطمة، فكانت أشد علي من زوجها. قالت: فجاء النبي
صلى الله عليه وسلم وعليه أثر الغبار، فأخبرته، فقال: فذكره ".(5/77)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه من طريق أخرى عن أبي مرة
واسمه يزيد دون قوله: " وأمنا من أمنت "، وهو مخرج في كتاب " إرواء الغليل
/ باب صلاة التطوع " (رقم 464) . وله طريق أخرى يرويه عياض بن عبد الله عن
مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس قال: حدثتني أم هانىء بنت أبي طالب ...
الحديث مختصرا، وفيه الزيادة. أخرجه أبو داود (2763) والحاكم (4 / 54)
دون الزيادة. قلت: وإسناده جيد في المتابعات، فرجاله رجال مسلم إلا أن
عياضا هذا - وهو الفهري المصري - فيه لين.
2050 - " قوائم منبري رواتب في الجنة ".
ورد من حديث أم سلمة وأبي واقد.
1 - أما حديث أم سلمة فيرويه عمار الدهني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة
مرفوعا به. أخرجه النسائي (1 / 113) وابن حبان (1034) وابن سعد في "
الطبقات " (1 / 253) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 248) وأحمد (6 / 289
و292 و 318) . قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم.
2 - وأما حديث أبي واقد فيرويه أبو يحيى الحماني حدثنا عبد الرحمن بن آمين عن
سعيد بن المسيب أنه سمع أبا واقد الليثي يقول: فذكره مرفوعا. أخرجه الحاكم (
3 / 532) ، وسكت عليه هو والذهبي. قلت: وسنده ضعيف لضعف عبد الرحمن بن
آمين وأبي يحيى الحماني، واسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن.(5/78)
2051 - " الكبائر: الشرك بالله والإياس من روح الله والقنوط من رحمة الله ".
رواه البزار في " مسنده " (ص 18 - زوائده) : حدثنا عبد الله بن إسحاق العطار
حدثنا الضحاك بن مخلد حدثنا شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس: " أن رجلا
قال: يا رسول الله! ما الكبائر؟ قال: الشرك ... ". قلت: وهذا إسناد حسن
لولا أنني لم أعرف العطار هذا، ولكن لعل غيري من المتقدمين قد عرفه، أو وجد
له متابعا، فقد قال الهيثمي في " المجمع " (1 / 104) : " رواه البزار
والطبراني، ورجال موثقون ". وقال المناوي: " رمز المصنف لحسنه، قال الزين
العراقي في " شرح الترمذي ": إسناده حسن ". قلت: ولم نعثر عليه في " معجم
الطبراني الكبير " من هذا الوجه، وبهذا اللفظ مرفوعا، وإنما رواه موقوفا
على ابن عباس في حديث طويل له فقال (3 / 187 / 1) : حدثنا بكر بن سهل أخبرنا
عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به نحوه
. وهذا سند ضعيف. وله شاهد موقوف يرويه معمر عن أبي إسحاق عن وبرة عن عامر
أبي الطفيل عن ابن مسعود به. وتابعه مسعر عن وبرة به. وهذا إسناد صحيح كما
قال الهيثمي. وتابعه عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن عبد الله به.
قلت: وهذا إسناد حسن. أخرجها كلها الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 13 /
1) .(5/79)
ثم تبين لي ما رجوته في عبد الله بن إسحاق العطار، فهو عبد الله بن
إسحاق الجوهري البصري، فقد ذكره المزي في الرواة عن الضحاك بن مخلد أبي عاصم
النبيل وكذلك ابن حبان في " الثقات " (8 / 363) وقال: " مستقيم الحديث ".
فثبت أن السند حسن والله أعلم.
2052 - " ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، وما اطلع منه
على شيء عند أحد من أصحابه، فيبخل له من نفسه حتى يعلم أن (قد) أحدث توبة!
".
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " قال: أخبرنا خالد بن خداش أخبرنا حماد بن زيد عن
أيوب عن إبراهيم بن ميسرة قال: قالت عائشة رضي الله عنها: فذكره.
وتابعه روح بن القاسم عن إبراهيم بن ميسرة به. أخرجه ابن أبي الدنيا في
" مكارم الأخلاق " (ص 30) . وقال أحمد (6 / 152) : حدثنا عبد الرزاق
أنبأنا معمر عن أيوب عن ابن أبي مليكة أو غيره عن عائشة قالت: فذكره بنحوه.
قلت: والإسناد الأول رجاله ثقات على ضعف خالد بن خداش لكنه قد توبع كما رأيت
لكنه منقطع، فإن إبراهيم بن ميسرة لم يذكروا له رؤية عن غير أنس من الصحابة،
وقال البخاري: " مرسل "، كما يأتي. وقد وصله نصر بن طريف الباهلي، عن
إبراهيم بن ميسرة عن عبيد بن سعد عن عائشة. أخرجه ابن أبي الدنيا (ص 32) لكن
ابن طريف متهم.(5/80)
والإسناد الثاني صحيح لولا تردد معمر أو غيره بين ابن أبي
مليكة وغيره، فإن كان عن ابن أبي مليكة - واسمه عبد الله بن عبيد الله - فهو
صحيح، وإن كان عن غيره، فهو مجهول. والحديث عزاه السيوطي في " الجامع "
للبيهقي في " شعب الإيمان " عن عائشة مرفوعا مختصرا بلفظ: " كان أبغض الخلق
إليه الكذب ". فتعقبه المناوي بقوله: " رمز المصنف لحسنه، قضية صنيع المصنف
أن البيهقي خرجه وسكت عليه، وهو باطل، فإنه خرجه من حديث إسحاق بن إبراهيم
الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة وعن محمد بن
أبي بكر عن أيوب عن إبراهيم بن ميسرة عن عائشة. ثم عقبه بما نصه: قال البخاري
: هو مرسل يعني بين إبراهيم بن ميسرة وعائشة، ولا يصح حديث ابن أبي مليكة.
قال البخاري: ما أعجب حديث معمر عن غير الزهري، فإنه لا يكاد يوجد فيه حديث
صحيح. اهـ. فأفاد بذلك أن فيه ضعفا أو انقطاعا، فاقتطاع المصنف لذلك من
كلامه وحذفه من سوء التصرف، وإسحاق الدبري يستبعد لقيه لعبد الرزاق كما أشار
إليه ابن عدي، وأورده الذهبي في (الضعفاء) ". انتهى كلام المناوي.
قلت: لكن قد تابعه أحمد كما سبق، وتابعه أيضا يحيى بن موسى حدثنا عبد الرزاق
به مثل رواية الدبري عن ابن أبي مليكة عنها، دون التردد. أخرجه الترمذي (1 /
357) وقال: " حديث حسن ". كذا قال! ويحيى بن موسى - وهو البلخي - ثقة من
شيوخ البخاري، ومن فوقه(5/81)
ثقات من رجال الشيخين، فحقه أن يصححه، ولعله لم
يفعل لما سبق من إعلال البخاري إياه، ولا يظهر لي أنه إعلال قوي، والله
أعلم. وكأنه لذلك قال ابن القيم في " إعلام الموقعين ": " حديث حسن ".
ولبعضه طريق أخرى عن عائشة بلفظ: " كان إذا اطلع على أحد من أهل بيته كذب
كذبة، لم يزل معرضا عنه حتى يحدث لله التوبة ". رواه العقيلي في مقدمة كتابه
" الضعفاء " (ص 2) ، وعنه ابن عبد البر في " التمهيد " (1 / 69) : حدثنا
أحمد بن زكير حدثنا أحمد بن عبد المؤمن حدثنا يحيى بن قعنب قال: حدثنا حماد بن
زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. ثم رواه (ص 467) : حدثنا
الحسن بن {حبيب} حدثنا أحمد بن عبد المؤمن به. أورده في ترجمة يحيى بن مسلمة
بن قعنب، وقال: " لا يتابع على حديثه، وقد حدث بمناكير ". وعزاه في
" الجامع " لأحمد والحاكم عن عائشة ولم أره عندهما الآن، وذكر المناوي أنه
عند الحاكم من طريق ابن قعنب هذا.
2053 - " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض، كأنما صيغ من فضة، رجل الشعر ".
أخرجه الترمذي في " الشمائل " (ص 29) والبيهقي في " الدلائل " (1 / 179)
عن صالح بن أبي الأخضر عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به.(5/82)
قلت: وهذا سند ضعيف، صالح بن أبي الأخضر قال الحافظ: " ضعيف يعتبر به ".
قلت: وقد جاء الحديث مفرقا عن جمع من الصحابة: الأول: أنس بن مالك قال:
" كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا، ليس بالسبط ولا بالجعد بين
أذنيه وعاتقه ". أخرجه البخاري (4 / 97) ومسلم (7 / 83) وأحمد (3 /
135 و 203) عن قتادة عنه. وتابعه ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: سمعت أنس بن
مالك يصف النبي صلى الله عليه وسلم: " كان ربعة من القوم، ليس بالطويل ولا
بالقصير أزهر اللون ليس بأبيض أمهق ولا آدم ليس بجعد قطط ولا سبط رجل (الشعر
) ... " الحديث. أخرجه البخاري (2 / 391 - 392) ومسلم (7 / 87) والترمذي
في " الشمائل " (ص 8 - 10) والبيهقي في " دلائل النبوة " (3 / 154 - 155)
وأحمد (3 / 240) والزيادة له. (أمهق) : أي شديد البياض، فهو صلى الله
عليه وسلم أبيض ولكن ليس شديد البياض.
الثاني: علي رضي الله عنه قال: " لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد
وكان ربعة من القوم ... كان جعدا رجلا ... أبيض مشرب ... " الحديث. أخرجه
الترمذي (2 / 286 - 287) وفي " الشمائل " (ص 17 - 19) وابن سعد (1 / 411
) وقال الترمذي: " حديث حسن غريب "، ليس إسناده بمتصل ". قلت: له عند ابن
سعد طرق في بعضها:(5/83)
" كان أبيض اللون مشربا حمرة ... سبط الشعر ... كأن عنقه
إبريق فضة ... ". ورواه ابن حبان (2117) من طريق ثالثة عنه بلفظ: " كان
عظيم الهامة، أبيض مشربا حمرة، عظيم اللحية ... ". وأخرجه أحمد أيضا (1 /
96 و 116 و 127 و 134) والبيهقي (1 / 158) بعضه وفي رواية لأحمد (1 / 116
- 117) : " عظيم الرأس رجله ". وزاد عبد الله ابن أحمد (1 / 151) وابن
سعد (1 / 411) في طريق رابعة عن علي: " أغر أبلج أهدب الأشفار ". روياه من
طريق يوسف بن مازن أن رجلا سأل عليا ... وفي رواية لعبد الله: " عن رجل عن
علي ... ". وهذا الرجل لا يبعد أن يكون محمد بن الحنفية، فقد رواه عبد الله
بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب به دون قوله: " أغر
أبلج ". أخرجه ابن سعد (1 / 410) والبيهقي (1 / 161) .
قلت: وإسناده حسن. ويحتمل أن يكون هو عمر بن علي بن أبي طالب، فقد أخرجه (
1 / 462) من طريق عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده
قال: قيل لعلي: يا أبا حسن! انعت لنا النبي صلى الله عليه وسلم. قال:
فذكره. دون قوله: " أغر أبلج " أيضا.(5/84)
وإسناده صحيح. ورواه البيهقي أيضا،
وزاد: " أسود الحدقة ". وجملة " أهدب الأشفار " ثبتت من حديث أبي هريرة من
طرق عنه عند ابن سعد (1 / 414 - 415) ، ورواه من حديث أبي أمامة أيضا. وهي
في الطريق الأولى أيضا من حديث علي عند ابن سعد و " شمائل الترمذي ".
الثاني: أبو الطفيل قال: " كان أبيض مليحا مقصدا ". أخرجه مسلم (7 / 84)
والترمذي في " الشمائل " (ص 31) وابن سعد (1 / 418) والبيهقي في
" الدلائل " (1 / 156) . (مقصدا) : أي ليس بطويل ولا قصير ولا جسيم ولا
نحيل. الرابع: هند بن أبي هالة قال: " كان فخما مفخما ... عظيم الهامة، رجل
الشعر، ... أزهر اللون ... كأن عنقه جيد دمية ... " الحديث بطوله. أخرجه
الترمذي في " الشمائل " (ص 21 - 27) وابن سعد (1 / 422 - 423) وابن عدي
في " الكامل " (59 / 2) عن جميع بن عمير بن عبد الرحمن العجلي قال: حدثني
رجل من بني تميم من ولد أبي هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد الله عن الحسن بن علي
عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان: الأولى: جهالة أبي عبد الله
التميمي، قال الحافظ وغيره: " مجهول ".
الثانية: ضعف جميع بن عمير هذا، واتهمه بعضهم.(5/85)
الخامس: البراء بن عازب قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مربوعا
... " الحديث. أخرجه الترمذي في " الشمائل " (ص 13) وأبو يعلى (2 / 478) .
2054 - " كان أحب الألوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضرة ".
أخرجه البزار في " مسنده " (ص / 171 - زوائده) من طريق سويد عن قتادة عن
أنس به وقال: " لا نعلم أحدا رواه عن قتادة عن أنس إلا سويدا أبا حاتم "
. قلت: وهو صدوق سيء الحفظ، له أغلاط. وقد توبع فقال ابن جريج: أخبرني
أبو بكر الهذلي عن قتادة قال: " خرجنا مع أنس إلى أرض يقال لها الزاوية، فقال
حنظلة السدوسي: ما أحسن هذه الخضرة! فقال أنس: كنا نتحدث أن أحب الألوان إلى
النبي صلى الله عليه وسلم الخضرة ". أخرجه البيهقي في " الشعب " (2 / 248 / 1
) . قلت: وأبو بكر الهذلي متروك الحديث. لكن يبدو أنه قد توبع أيضا، فقد
قال الهيثمي عقب الحديث (5 / 129) : " رواه البزار والطبراني في " الأوسط "
، ورجال الطبراني ثقات ". فهذا صريح بأن رجال الطبراني غير رجال البزار،
وأن رجاله ثقات، ويبعد جدا أن يقول ذلك وفيهم الهذلي، فإذن هو عند الطبراني
من غير طريق الهذلي وسويد أبي حاتم، فإذا كان كذلك فالحديث بهذه المتابعة حسن
. والله أعلم. ثم تأكدت مما استبعدت، فقد رأيت الحديث في " المعجم الأوسط "
للطبراني قد(5/86)
أخرجه فيه عن شيخيه (2 / 51 / 5861 و 2 / 207 / 8194 - بترقيمي)
محمد بن عبد الله الحضرمي وموسى بن هارون كلاهما عن إبراهيم بن المنذر الحزامي
: حدثنا معن بن عيسى حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة به. وقال: " لم يروه عن
قتادة إلا سعيد بن بشير، ولا عن سعيد إلا معن تفرد به إبراهيم بن المنذر ".
قلت: وهو ثقة من شيوخ البخاري، وكذلك من فوقه ثقات من رجال الشيخين غير
سعيد بن بشير، فهو مثل سويد في الضعف، قال الذهبي في " الكاشف ": " قال
البخاري: يتكلمون في حفظه، وهو محتمل. وقال دحيم: ثقة، كان مشيختنا
يوثقونه، كان قدريا ". قلت: فالحديث حسن كما تقدم. والله ولي التوفيق.
2055 - " كان أحب العرق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذراع الشاة ".
أخرجه الطيالسي (288) وعنه أبو داود (3780 و 3781) وأحمد (1 / 397) عن
زهير عن أبي إسحاق عن سعد بن عياض عن عبد الله قال: فذكره. وفي رواية
لأبي داود: " كان يعجبه الزراع ".
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير سعد بن عياض لم يرو عنه غير أبي إسحاق،
ولم يوثقه غير ابن حبان، فهو مجهول، وقد أشار إلى ذلك الذهبي بقوله في
" الميزان ": " روى عنه أبو إسحاق السبيعي فقد ". وأبو إسحاق مدلس، وكان
اختلط.(5/87)
لكن يشهد له حديث أبي هريرة قال: " وضعت بين يدي رسول الله صلى الله
عليه وسلم قصعة من ثريد ولحم، فتناول الذراع، وكانت أحب الشاة إليه ... "
الحديث بطوله في الشفاعة. أخرجه البخاري (2 / 334) ومسلم (1 / 129)
والسياق له وأحمد (2 / 435) . وحديث عائشة قالت: " كان أحب اللحم إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع ". ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (2 /
23) من طريق عبد الرحمن بن عبد الملك الحزامي عن ابن أبي فديك عن هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة، وقال: " قال أبو زرعة: هو حديث منكر ". قلت: لكن يشهد
له ما قبله، وسنده حسن في الشواهد. والله سبحانه وتعالى أعلم.
2056 - " كان أخف الناس صلاة على الناس، وأدومه على نفسه (وفي رواية: وأطول
الناس صلاة لنفسه) ".
أخرجه أحمد (5 / 219) وأبو يعلى (1 / 402) من طرق عن عبد الله بن عثمان
بن خثيم حدثنا نافع بن سرجس: " أنه دخل على أبي واقد الليثي صاحب النبي صلى
الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه، فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان ... ". قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير ابن سرجس هذا،
فقال أحمد:(5/88)
" لا أعلم إلا خيرا ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". وهو في "
الصحيحين " من حديث أنس بالشطر الأول نحوه وزاد: " في تمام ".
2057 - " كان إذا استراث الخبر تمثل فيه ببيت طرفة: ويأتيك بالأخبار من لم تزود ".
أخرجه أحمد (6 / 31 و 146) بسند صحيح عن الشعبي عن عائشة قالت: فذكره.
قلت: لكن الشعبي لم يسمع من عائشة كما قال الحاكم وغيره. إلا أنه يقويه أن
له طريقا أخرى، يرويه شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه عنها قال: " قيل لها:
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان يتمثل بشعر
ابن رواحة، ويتمثل ويقول: ... " فذكره. أخرجه أحمد (6 / 138 و 156 و 222
) والبخاري في " الأدب المفرد " (867) والترمذي في " الشمائل " (ص 146)
و" السنن " (2 / 138) والبغوي في " الجعديات " (103 / 2) والطحاوي في
" المشكل " (4 / 297) وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". كذا قال، ولعله
بالنظر إلى طريقيه وإلا فشريك - وهو ابن عبد الله القاضي - سيء الحفظ. نعم
رواه سفيان بن وكيع حدثنا أبو أسامة عن مسعر عن المقدام بن شريح. أخرجه أبو
نعيم في " الحلية " (7 / 264) وقال:(5/89)
" غريب ولم أكتبه إلا من هذا الوجه "
. قلت: وهذه متابعة قوية لشريك لكن في الطريق إليها سفيان بن وكيع وهو ضعيف
. وللحديث طريق آخر يرويه الوليد بن أبي ثور عن سماك عن عكرمة قال: " سئلت
عائشة رضي الله عنها: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل شعرا قط؟
قالت: كان أحيانا إذا دخل بيته يقول: ... " فذكره. أخرجه ابن سعد (1 / 383
) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 155) والضياء في " المختارة " (65 /
51 / 2) معلقا. قلت: والوليد بن أبي ثور ضعيف. وقد خالفه زائدة فقال: عن
سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل من
الأشعار: ويأتيك بالأخبار من لم تزود ". أخرجه البزار (ص 250 - زوائده)
والطبراني في " الكبير " (3 / 134 / 2) والضياء من طريق الطبراني وغيره.
قلت: وإسناده صحيح. قوله: (استراث) أي: استبطا، وهو استفعل من الريث.
2058 - " كان إذا اشتدت الريح يقول: اللهم لقحا لا عقيما ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (718) والطبراني في " الكبير " (7 / 37
) و " الأوسط " (1 / 161 / 3005) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (
294) والحاكم في " المستدرك " (4 / 286) عن المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي
حدثنا يزيد بن أبي عبيد قال: سمعت سلمة بن الأكوع: فذكره مرفوعا وقال
الحاكم:(5/90)
" هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي.
قلت: وفيه نظر من وجهين:
الأول: أن المغيرة بن عبد الرحمن - وهو ابن الحارث بن عبد الله بن عياش، أبو
هاشم المدني - لم يخرج له مسلم.
الثاني: أنه مختلف فيه ولذلك أورده الذهبي في " الميزان " وقال: " وثقه ابن
معين وغيره، وقال أبو داود: ضعيف الحديث ". وقال الحافظ: " صدوق فقيه
كان يهم ". قلت: فحسب حديث مثله أن يكون حسنا، وأما الصحة فلا. وفي "
مجمع الزوائد " (10 / 135) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "
ورجاله رجال الصحيح غير المغيرة بن عبد الرحمن وهو ثقة ".
2059 - " كان إذا اشتكى أحد رأسه قال: اذهب فاحتجم، وإذا اشتكى رجله قال: اذهب
فاخضبها بالحناء ".
هكذا أورده السيوطي في " الجامع " من رواية (طب - عن سلمى امرأة أبي رافع
) . قلت: وهذا قصور واضح، فإن الحديث في " مسند أحمد " (6 / 462) : حدثنا
أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي حدثنا فائد مولى بني
رافع عن عمته سلمى قالت: " وما اشتكى أحد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وجعا في رأسه إلا قال: احتجم، ولا اشتكى(5/91)
إليه أحد وجعا في رجليه إلا قال:
اخضب رجليك ". قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن اختلفوا في إسناده على فائد
، فرواه أبو سعيد هكذا، ورواه أبو عامر: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي عن
أيوب بن حسن بن علي بن أبي رافع عن جدته سلمى خادم النبي صلى الله عليه وسلم
قالت: فذكره. وأسقط منه فائدا. أخرجه أحمد والبخاري في " التاريخ " (1 /
1 / 411) والحاكم (4 / 206) وقال: " صحيح الإسناد، وقد احتج البخاري
رحمه الله بعبد الرحمن بن أبي الموالي ".
قلت: ووافقه الذهبي، وأيوب هذا قال الأزدي: " منكر الحديث ". وذكره ابن
حبان في " الثقات ". وأما فائد في الوجه الأول فهو ثقة، لولا الاضطراب عليه
وقد أشار إليه البخاري في " التاريخ ". ومن ذلك ما روى حماد بن خالد الخياط
حدثنا فائد مولى لآل أبي رافع عن علي بن عبيد الله عن جدته سلمى - وكانت تخدم
النبي صلى الله عليه وسلم - قالت: " وما كان يكون برسول الله صلى الله عليه
وسلم قرحة ولا نكبة إلا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضع عليها
الحناء ". أخرجه الترمذي (2 / 5) ، وقال: " حديث حسن غريب "، إنما نعرفه
من حديث فائد. وروى بعضهم هذا الحديث عن فائد وقال: عن عبيد الله بن علي عن
جدته سلمى، وعبيد الله بن علي أصح ". ثم روى هو وابن ماجة (3502) عن زيد
ابن حباب عن فائد مولى عبيد الله بن علي عن مولاه عبيد الله عن جدته عن النبي
صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه.(5/92)
وجملة القول أن الحديث حسن كما قال الترمذي
لأن مداره على فائد، ومن أسقطه فقد شذ، وهو إما تلقاه عن سلمى مباشرة كما
في الطريق الأولى، فلا إشكال فيه لولا الشذوذ عنه، وإما بالواسطة، وهي إما
علي بن عبيد الله، ولا يعرف، وإما عبيد الله بن علي وهو الأصح كما قال
الترمذي، وهو ثقة فيثبت الحديث بإذن الله.
2060 - " كان إذا اشتكى رقاه جبريل فقال: بسم الله يبريك من كل داء يشفيك ومن شر
حاسد إذا حسد ومن شر كل ذي عين ".
رواه ابن سعد (2 / 213 - 214) عن زهير بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد
عن محمد بن إبراهيم عن عائشة مرفوعا. ورواه من طريق سليمان بن بلال عن
عبد العزيز بن محمد الدراوردي جميعا، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن
إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة به.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه في " صحيحه " (7 / 13) من طريق
أخرى عن الدراوردي به وأحمد (6 / 160) عن زهير بن محمد به. وله شاهد من
حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه. أخرجه مسلم وابن ماجة (3523) .
2061 - " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال: الحمد لله الذي أطعم
وسقى وسوغه، وجعل له مخرجا ".
أخرجه أبو داود (3851) وابن حبان في " صحيحه " (1351) وابن السني في
" عمل اليوم والليلة " (464) عن أبي عقيل القرشي عن أبي عبد الرحمن الحبلي
عن(5/93)
أبي أيوب الأنصاري قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات
رجال البخاري. وأبو عقيل اسمه زهرة بن معبد. والحديث أورده ابن أبي حاتم في
" العلل " (2 / 13) من رواية محمد بن معاوية النيسابوري - نزيل مكة - عن ليث
بن سعد عن زهرة بن معبد به، وقال: " قال أبو زرعة: ليس هذا من حديث ليث بن
سعد. قلت: هذا من حديث ابن وهب عن سعيد بن أبي أيوب عن أبي عقيل زهرة بن معبد
... ". قلت: يعني هذا، والنيسابوري متروك، فلا يحتج به، ولاسيما مع
المخالفة.
2062 - " كان إذا أكل الطعام أكل مما يليه ".
أخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 206) عن أبي قتيبة
أخبرنا رجل من بني ثور عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير الرجل الثوري فلم أعرفه
ويحتمل أنه سفيان بن سعيد الثوري الإمام المشهور، فإنه من شيوخه هشام بن عروة
. والله سبحانه وتعالى أعلم. وله عنده (ص 207) شاهد من حديث أبي رجاء:
أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثني عبد الحكم قال: " رآني عبد الله بن جعفر وأنا
غلام، وأنا آكل من ههنا، ومن ههنا، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان إذا أكل لم تعد يده بين يديه ". وخالفه النعمان بن شبل الباهلي:
أخبرنا عبد الله بن جعفر المخرمي عن عبد الحكيم(5/94)
بن صهيب عن جعفر بن عبد الله
قال: " رآني الحكم - قال النعمان: أراه الغفاري - وأنا آكل - وأنا غلام -
من ههنا، وههنا، فقال: يا بني! لا تأكل هكذا، هكذا يأكل الشيطان، إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع يده في القصعة أو في الإناء لم تجاوز
أصابعه موضع كفه ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 155 / 1) .
قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 27) : " رواه الطبراني، وفيه النعمان بن
شبل وهو ضعيف ". قلت: بل هو أسوأ حالا من ذلك، فقد قال موسى بن هارون: "
كان متهما "، وساق له الذهبي حديثا موضوعا. وعبد الحكيم بن صهيب، قال ابن
أبي حاتم (3 / 1 / 35) : " سمع جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم. روى عنه عبد
الله بن جعفر المخرمي ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. والظاهر أنه هو
عبد الحكم الذي في رواية أبي رجاء المتقدمة، لكنه تحرف على الناسخ أو الطابع
فسقط منه حرف (الياء) ، إلا أنني لم أعرف أبا رجاء هذا. ومع ذلك فالقلب
يميل إلى تقوية الحديث بمجموع الطريقين، وقد رواه خالد بن إسماعيل عن أيوب بن
سلمة حدثنا هشام بن عروة بإسناده المتقدم عن عائشة نحوه، وزاد: " فإذا أتى
بالتمر جالت يده ". أخرجه البزار (ص 160) . لكن خالد هذا كذاب، فلا يفرح
بمتابعته.(5/95)
2063 - " كان إذا التقى الختانان اغتسل ".
أخرجه أحمد (6 / 123 و 227) والطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 33) عن حماد
ابن سلمة قال: حدثنا ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن عبد العزيز بن
النعمان عن عائشة قالت: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال
مسلم غير عبد العزيز بن النعمان لم يوثقه غير ابن حبان. ولحماد بن سلمة إسناد
آخر، رواه عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عنها به. أخرجه الطحاوي أيضا.
وعلي بن زيد - وهو ابن جدعان - ضعيف. لكن له طريق أخرى فقال بشر بن بكر حدثنا
الأوزاعي قال: حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: "
أنها سئلت عن الرجل يجامع فلا ينزل؟ فقالت: فعلته أنا ورسول الله صلى الله
عليه وسلم فاغتسلنا منه جميعا ". أخرجه الطحاوي. قلت: وإسناده صحيح على شرط
الشيخين. وأخرجه مسلم (1 / 187) من طريق أخرى عنها نحوه، وفيه جملة
مستنكرة أخرجته من أجلها في " الضعيفة ". وجملة القول أن الحديث بهذه الطريق
صحيح بلا ريب، وهو تطبيق عملي منه صلى الله عليه وسلم لقوله المشهور من
روايتها أيضا: " إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل
". أخرجه مسلم وغيره وهو مخرج في " الإرواء " (79 و 127) .(5/96)
2064 - " كان إذا بلغه عن الرجل شيء لم يقل: (ما بال فلان يقول) ، ولكن يقول:
(ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ !) ".
أخرجه أبو داود (2 / 288 - تازية) وعنه البيهقي في " الدلائل " (1 / 237)
عن عبد الحميد الحماني حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة رضي الله
عنها قالت: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن الحماني
واسم أبيه عبد الرحمن، قال الحافظ: " صدوق يخطىء ". لكن تابعه أبو معاوية
عن الأعمش بلفظ: " رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر، فتنزه عنه ناس
من الناس، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب حتى بان الغضب في وجهه،
ثم قال: ما بال أقوام يرغبون عما رخص لي فيه؟ ! فوالله لأنا أعلمهم بالله
وأشدهم له خشية ". أخرجه مسلم (7 / 90) وأحمد (6 / 45) . ثم أخرجه أحمد (
6 / 181) ومسلم من طرق أخرى عن الأعمش به نحوه. والحديث قال المنذري في "
مختصر السنن " (7 / 168 / 4620) : " وأخرجه النسائي بمعناه ".
قلت: فلينظر هل يعني غير ما خرجه مسلم وأحمد، وهل يعني النسائي في " الصغرى
" أم في " الكبرى "؟ والظاهر الكبرى. ثم تبين من " التحفة " أنه في " عمل
اليوم والليلة " (رقم 234) وهو يؤيد ما استظهرته، فإن " العمل " من
" السنن الكبرى ".(5/97)
2065 - " كان يرخص للنساء في الخفين ".
أخرجه أحمد (6 / 35) عن محمد بن إسحاق قال: قال: حدثني نافع، وكانت
امرأته أم ولد لعبد الله بن عمر: حدثته أن عبد الله بن عمر ابتاع جارية
بطريق مكة، فأعتقها، وأمرها أن تحج معه، فابتغى لها نعلين، فلم يجدهما
، فقطع لها خفين أسفل من الكعبين، قال ابن إسحاق: فذكرت ذلك لابن شهاب،
فقال: " حدثني سالم بن عبد الله كان يصنع ذلك، ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد أن
عائشة حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فذكره) فترك ذلك ".
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ابن إسحاق، فأخرج له
مسلم مقرونا بغيره.
2066 - " كان إذا تضور من الليل قال: لا إله إلا الله الواحد القهار، رب السماوات
والأرض وما بينهما العزيز الغفار ".
أخرجه ابن نصر في " قيام الليل " (43) وابن حبان (2358) والحاكم (1 /
540) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (753) وابن منده في " التوحيد
" (66 / 1) والسهمي في " تاريخ جرجان " (103) كلهم عن يوسف بن عدي: حدثنا
عثام بن علي العامري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت
: فذكره مرفوعا، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي!
قلت: وإنما هو على شرط البخاري وحده، فإن من دون هشام، لم يخرج لهما مسلم.
والحديث أعله أبو حاتم وأبو زرعة بما لا يقدح، فقد ساق ابن أبي حاتم في(5/98)
" العلل " (1 / 74 و 2 / 165 و 186) ، فقال: " سألت أبي وأبا زرعة عن حديث
رواه يوسف بن عدي (فساقه) قالا: هذا خطأ إنما هو هشام بن عروة عن أبيه أنه
كان يقول هذا. ورواه جرير هكذا. وقال أبو زرعة: حدثنا يوسف بن عدي هذا
الحديث، وهو منكر، وسمعت أبي يقول: هذا حديث منكر ".
قلت: جرير هو ابن عبد الحميد وهو وإن كان ثقة ففيه كلام كما يأتي ويوسف بن
عدي ثقة ومعه زيادة وفي مثل هذا الموضع يجب قبولها لأن جريرا ليس بأحفظ منه
بل قد قال البيهقي: " نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ ". ولعله لذلك قال
الحافظ العراقي في " أماليه " كما في " المناوي ": " حديث صحيح ".
2067 - " كان إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه ".
أخرجه الدارقطني في " سننه " (ص 31) والبيهقي (1 / 56) عن القاسم بن محمد
ابن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جده عن جابر قال: فذكره مرفوعا، وقال
الدارقطني: " ابن عقيل ليس بقوي ". قلت: الظاهر أنه عنى الجد وهو عبد الله
بن محمد بن عقيل، فإنه مختلف فيه، والراجح فيه أنه حسن الحديث إذا لم يخالف
، وعليه فكان الأولى إعلاله بحفيده، فإنه شديد الضعف. قال الذهبي في "
الضعفاء ": " قال أبو حاتم وغيره: متروك. وقال أحمد: ليس بشيء ". وفي
الباب عن ثعلبة بن عباد عن أبيه مرفوعا في حديث فضل الوضوء:(5/99)
" ثم غسل ذراعيه
حتى يسيل الماء على مرفقيه ". أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 22)
وكذا الطبراني في " الكبير "، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 224) :
" ورجاله موثقون ". قلت: هو عند الطحاوي من طريق قيس بن الربيع عن الأسود بن
قيس عن ثعلبة به. وقيس سيء الحفظ، وثعلبة مقبول عند الحافظ. وعن وائل بن
حجر، عند البزار والطبراني بسند ضعيف وقد بينت علله في " الأحاديث الضعيفة "
(449) . ومما يقوي الحديث ما رواه نعيم بن عبد الله بن المجمر قال: " رأيت
أبا هريرة يتوضأ، فغسل وجهه، فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في
العضد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ... ثم قال: هكذا رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يتوضأ ". أخرجه مسلم (1 / 149) . والحديث قواه الصنعاني
في " سبل السلام " بحديثي ثعلبة ووائل.
2068 - " كان إذا حلف على يمين لا يحنث حتى أنزل الله تعالى كفارة اليمين، فقال: لا
أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني، ثم أتيت الذي هو خير ".
أخرجه الحاكم (4 / 301) عن أبي الأشعث حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي
حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وقال:(5/100)
" صحيح على شرط الشيخين "،
ووافقه الذهبي. كذا قالا، وأبو الأشعث - واسمه أحمد بن المقدام -
والطفاوي لم يخرج لهما مسلم شيئا. ثم إن الطفاوي فيه كلام، وقال الذهبي في
" الميزان ": " شيخ مشهور ثقة ". وقال الحافظ: " صدوق يهم ". فالحديث حسن
إن شاء الله تعالى.
2069 - " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حلف قال: والذي نفس محمد بيده ".
أخرجه ابن ماجة في " سننه " رقم (2090 و 2091) عن محمد بن مصعب وعبد الملك
ابن محمد الصنعاني كلاهما عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي
ميمونة عن عطاء بن يسار، عن رفاعة بن عرابة الجهني قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن مصعب وعبد الملك بن
محمد، ففيهما ضعف من قبل حفظهما، لكن الحديث جيد بمتابعة أحدهما للآخر، على
أنهما قد توبعا، فقال الإمام أحمد (4 / 16) : حدثنا أبو المغيرة قال: حدثنا
الأوزاعي به. قلت: وهذا إسناد صحيح، فإن أبا المغيرة وهو عبد القدوس بن
الحجاج الخولاني الحمصي ثقة من رجال الشيخين أيضا. وقد ذكر البوصيري أن
الحديث رواه النسائي أيضا في " عمل اليوم والليلة " بإسنادين، يعني عن
الأوزاعي، أحدهما على شرط الشيخين، والثاني على شرط البخاري. ولم أره في "
عمل اليوم والليلة " الذي طبع حديثا، ولا في " تحفة الأشراف ".(5/101)
2070 - " كان إذا راعه شيء قال: هو الله ربي لا أشرك به شيئا ".
أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (657) وعنه ابن السني في " عمل
اليوم والليلة " رقم (330) وأبو نعيم (5 / 219) عن سهل بن هاشم حدثنا
الثوري عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن ثوبان رضي الله عنه: أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان ... إلى آخره. وقال أبو نعيم: " لم يروه عن الثوري
إلا سهل بن هاشم ". قلت: وهو ثقة، ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين، فالسند
صحيح.
2071 - " كان إذا رفع رأسه من الركوع في صلاة الصبح في آخر ركعة قنت ".
رواه ابن نصر في " قيام الليل " ص (132) قال: حدثنا محمد بن عبيد بن حساب
حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان ... قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه (2 / 135) من
طريقين آخرين عن ابن عيينة به. وأخرجه هو والبخاري (3 / 217 - 218) وأحمد
(2 / 255) من طرق أخرى عن الزهري به أتم منه.
(تنبيه) : القنوت الوارد في هذا الحديث هو قنوت النازلة، بدليل قوله في حديث
الشيخين: " فيدعوا للمؤمنين ويلعن الكفار ". وانظر " الإرواء " (2 / 160 -
164) . وأصرح منه رواية ابن خزيمة بلفظ: " كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد،
أو على أحد ". وسنده صحيح.(5/102)
2072 - " كان إذا رمى الجمار مشى إليها ذاهبا وراجعا ".
رواه الترمذي (1 / 170) قال: حدثنا يوسف بن عيسى حدثنا ابن نمير عن عبيد
الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ... وقال: " هذا
حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
(فائدة) : قال الترمذي عقب الحديث: " والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم،
وقال بعضهم: يركب يوم النحر ويمشي في الأيام التي بعد يوم النحر، (قال أبو
عيسى) وكأنه من قال هذا إنما أراد اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في فعله،
لأنه إنما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ركب يوم النحر حيث ذهب يرمي
الجمار، ولا يرمي يوم النحر إلا جمرة العقبة ". قلت: رميه صلى الله عليه
وسلم جمرة العقبة راكبا هو في حديث جابر الطويل في " حجة النبي صلى الله عليه
وسلم " من رواية مسلم وغيره (ص 82 - الطبعة الثانية) ولذلك فحديث ابن عمر
يفسر على أنه أراد الجمار في غير يوم النحر توفيقا بينه وبين حديث جابر.
والله أعلم. ثم رأيت ما يؤيد ذلك من رواية عبد الله بن عمر عن نافع بلفظ: " عن
ابن عمر أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشيا ذاهبا
وراجعا، ويخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ". أخرجه أبو داود (
1969) وأحمد (2 / 156) . وفي رواية له (2 / 114 و 138) : " كان ابن عمر
يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر، وكان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا
ماشيا ذاهبا وراجعا، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأتيها إلا
ماشيا ذاهبا وراجعا ". ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن عمر وهو
المكبر أخو عبيد الله بن عمر(5/103)
المصغر الذي في الطريق الأولى، وهو سيء الحفظ،
لكن موافقته لأخيه في بعضه، ولحديث جابر في بعضه الآخر، دليل على أنه قد حفظ
. والله أعلم.
2073 - " " كان إذا رمى جمرة العقبة مضى ولم يقف ".
أخرجه ابن ماجة في " سننه " رقم (3033) قال: حدثنا سويد بن سعيد حدثنا علي
ابن مسهر عن الحجاج عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، لعنعنة الحجاج وهو ابن أرطأة، وضعف سويد بن سعيد:
لكن الحديث صحيح فقد أخرجه البخاري (1 / 438) وابن ماجة (3032) والبيهقي
(5 / 148) وأحمد (2 / 152) من حديث ابن عمر مرفوعا مثله.
2074 - " كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام
تباركت يا ذا الجلال والإكرام ".
رواه مسلم (2 / 95) وأبو يعلى في مسنده (224 / 2) وابن منده في " التوحيد
" (61 / 1) من طريقين عن عبد الله بن الحارث عن عائشة به. واللفظ لمسلم
. وفي رواية لأبي يعلى: عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: " كانوا يحبون إذا
قضى الرجل الصلاة أن يقول: " فذكره. قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم،
وابن أبي الهذيل تابعي كبير ثقة مات في ولاية خالد القسري على العراق. وللحديث
شاهد من حديث عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر مرفوعا مثله.(5/104)
أخرجه ابن منده
. ومن حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا. أخرجه ابن حبان (2348) .
2075 - " كان إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول، حتى إذا بلغ (حي على الصلاة، حي على
الفلاح) قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ".
أخرجه أحمد (6 / 9) والبغوي في " الجعديات " (ق 102 / 2) وابن السني (89
) عن شريك عن عاصم بن عبيد الله عن علي بن حسين عن أبي رافع مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف لضعف عاصم وشريك وهو ابن عبد الله القاضي. لكن
الحديث صحيح له شاهد من حديث معاوية بن أبي سفيان نحوه. أخرجه الدارمي (1 /
273) وابن خزيمة في " صحيحه " (416) وأحمد (4 / 98) من طريق محمد بن
عمرو قال: حدثني أبي عن جدي عنه. وهذا إسناد فيه ضعف، رجاله ثقات غير عمرو
وهو ابن علقمة بن وقاص، لم يرو عنه غير ابنه محمد. لكن تابعه أخوه عبد الله
ابن علقمة بن وقاص عن علقمة بن وقاص به. أخرجه أحمد (4 / 91 - 92) . فالسند
بهذه المتابعة حسن لأن عبد الله هذا روى عنه اثنان. وأخرجه البخاري في
" صحيحه " (رقم 613) والدارمي وأحمد (4 / 91) من طريق أخرى فيها رجل لم
يسم. وأسقطه ابن خزيمة (414) من إسناده، فظهر متصلا! وللحديث شاهد آخر
من حديث عمر بن الخطاب مرفوعا في فضل إجابة المؤذن وفيه:(5/105)
" ثم قال: حي على
الصلاة. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح. قال: لا
حول ولا قوة إلا بالله ... " الحديث. أخرجه مسلم وابن خزيمة (417)
وغيرهما وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (539) وغيره.
(تنبيه) : عزا الجزري الحوقلة بعد الحيعلتين للبخاري ومسلم، وإنما هو
للبخاري فقط عن معاوية كما سبق، وقد صرح الحافظ في شرحه أن مسلما لم يخرجه
من أجل الرجل الذي لم يسمه.
2076 - " كان إذا صعد المنبر سلم ".
وله طرق: الأول: عن جابر رواه ابن ماجة (1109) وتمام في " الفوائد "
(60 / 2) وابن عدي (211 / 1) والبغوي في " شرح السنة " (1 / 123 / 1)
عن عمرو بن خالد حدثنا ابن لهيعة عن محمد بن زيد بن المهاجر عن محمد بن المنكدر
عن جابر مرفوعا. وقال ابن عدي: " لا أعلمه يرويه غير ابن لهيعة، وعن ابن
لهيعة عمرو بن خالد ". وأعله عبد الحق في " الأحكام " (73 / 1) بابن لهيعة
، وقال: " معروف في الضعفاء "! ومن طريقه رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان
" (1 / 240 - 241) .
الثاني: عن الشعبي مرسلا. رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 114) :
حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا مجالد عنه. وبهذا الإسناد رواه عبد الرزاق (3 /
193) وهو مرسل لا بأس به في الشواهد.(5/106)
والثالث: عن عطاء مرسلا أيضا. رواه عبد الرزاق رقم (5281) وذكره عبد
الحق في " أحكامه " (73 / 1) عنه. ورجاله ثقات رجال الشيخين. ومما يشهد
للحديث ويقويه أيضا جريان عمل الخلفاء عليه، فأخرج ابن أبي شيبة عن أبي نضرة
قال: " كان عثمان قد كبر، فإذا صعد المنبر سلم فأطال قدر ما يقرأ إنسان أم
الكتاب. وإسناده صحيح. ثم روى عن عمرو بن مهاجر: " أن عمر بن عبد العزيز
كان إذا استوى على المنبر سلم على الناس وردوا عليه ". وسنده صحيح أيضا.
وللحديث شاهد آخر من حديث ابن عمر مرفوعا به وفيه زيادة أوردته من أجلها في
" الضعيفة " (4194) من رواية البيهقي وابن عساكر.
2077 - " كان إذا صلى الغداة في سفر مشى عن راحلته قليلا ".
أخرجه أبو عثمان النجيرمي (2 / 4 / 2) وأبو نعيم (8 / 180) والبيهقي
(5 / 255) والضياء في " الأحاديث والحكايات " (14 / 151 / 2) عن محمد بن
عبد الله بن قهزاذ حدثنا أبو الوزير محمد بن أعين أنبأنا عبد الله عن سليمان بن
بلال عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أنس بن مالك مرفوعا. وقال أبو نعيم:
" تفرد به عبد الله بن المبارك ". قلت: وهو ثقة إمام من رجال الشيخين وكذلك
من فوقه. ومن دونه ثقتان فالسند صحيح.(5/107)
والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (3 / 215) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه محمد بن علي المروزي وفيه
كلام، وقد وثق ". قلت: ذا لا يضر، فإنه يرويه عن ابن قهزاذ، وقد تابعه
عليه غيره عند من ذكرنا، وقد وقفت على إسناد الطبراني في " زوائده " (1 /
113 / 1) ورواه عنه الضياء في " المختارة " (ق 246 / 2) .
2078 - " كان إذا طاف بالبيت مسح، أو قال: استلم الحجر والركن في كل طواف ".
أخرجه الحاكم (1 / 456) والبيهقي (5 / 76) وأحمد (2 / 18) من طرق عن
عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح
الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو على شرط مسلم.
2079 - " كان إذا غضب احمرت وجنتاه ".
أخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 68) والطبراني
(3 / 49 / 2) عن أبي يحيى التيمي أخبرنا مخارق أخبرنا طارق بن شهاب قال:
سمعت ابن مسعود يقول: فذكره مرفوعا. قلت: ورجاله ثقات غير أبي يحيى
التيمي واسمه إسماعيل بن إبراهيم، قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني (8 /
278) : " وهو ضعيف ".(5/108)
قلت: وله شاهد من حديث أم سلمة مرفوعا بلفظ: " ...
احمر وجهه ". أخرجه أبو الشيخ (ص 69) عن جعفر بن زياد أخبرنا جامع بن أبي
راشد - قال جعفر: أحسبه - عن منذر الثوري عنها. قلت: وهذا إسناد رجاله
موثقون غير أنه منقطع بين منذر وأم سلمة، وقال الهيثمي: " رواه الطبراني
وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي، وثقه ابن حبان وغيره وضعفه الدارقطني وغيره
وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: إسناد أبي الشيخ سالم من البجلي، فلا أدري
إذا كان إسناد الطبراني سالما من الانقطاع؟ وسكوت الهيثمي عنه لا يعني سلامته
منه. ومما يشهد له حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا " وكان إذا ذكر الساعة
احمرت وجنتاه وعلا صوته واشتد غضبه ... ". أخرجه أحمد (3 / 310 - 311،
338، 371) . وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في " صحيحه " (3 / 11
) ولكنه لم يسق لفظه. وحديث زيد بن خالد: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم
عن ضالة الإبل، فغضب واحمرت وجنتاه، وقال: ... ". الحديث. أخرجه أحمد (4 / 116) والشيخان وغيرهما.(5/109)
2080 - " كان إذا صعد المنبر أقبلنا بوجوهنا إليه ".
أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 2 / 47) وابن حبان في " ثقات
أتباع التابعين " (7 / 518) من طريق محمد بن القاسم عن مطيع الغزال عن أبيه
عن جده مرفوعا. أورداه في ترجمة مطيع هذا، وكنياه بأبي الحسن. وروى ابن
أبي حاتم عن ابن معين أنه وثقه، وعن أبي زرعة أنه قال: " كوفي لا بأس به ".
وذكر أنه روى عن الشعبي، وعنه يحيى بن سعيد القطان ووكيع، ويعلى بن عبيد
وأبو نعيم، ولم يذكر في الرواة عنه محمد بن القاسم هذا، كما أنه لم يذكر
أنه روى عن أبيه عن جده، وإنما ذكر هذا كله في ترجمة أخرى عقب هذه، فقال:
" مطيع الأنصاري أبو يحيى، مديني روى عن أبيه عن جده، وروى عن زيد بن أسلم
ونافع وأبي الزناد، وروى عنه محمد بن القاسم أبو إبراهيم الأسدي. قال أبي
: مجهول ". واختصر كلامه هذا الذهبي في " الميزان " وفي " الضعفاء "، فقال
: " مطيع أبو يحيى الأنصاري، عن نافع مجهول ". وزاد عليه الحافظ في " اللسان
" فقال: " وفي " ثقات ابن حبان ": مطيع أبو يحيى العرابي (!) عن أبيه عن
جده قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم.. (فذكر حديث الترجمة) وعنه محمد
بن القاسم. قال: ولست أعرفه ولا أباه ".(5/110)
كذا وقع فيه (أبو يحيى العرابي)
والظاهر أنه خطأ من الطابع أو الناسخ، والصواب (أبو الحسن الغزال) .
وقوله: " ولست أعرفه.. " الذي في " الثقات ": " لست أعرف أباه ولا جده "
. ولعله الصواب. ثم قال الحافظ عقب ما تقدم: " قلت: في الصحابة " مطيع بن
الحكم "، أخرج له ابن منده من طريق مطيع بن فلان بن مطيع بن الحكم عن أبيه عن
جده الأعلى الحديث المذكور أولا. وكذلك أورد ابن عبد البر مطيعا المذكور في
الصحابة، يكنى أبا مسلم، شاعر بن شاعر ". قلت: لم أره في " الاستيعاب "
لابن عبد البر، لا في الأسماء ولا في الكنى، ولم يورده الحافظ نفسه في أي
منهما في " الإصابة ". فالله أعلم. وجملة القول أن مطيعا الغزال هو غير مطيع
الأنصاري عند ابن أبي حاتم وأبيه، وظاهر صنيع البخاري وابن حبان أنهما واحد
، لأنهما لم يذكرا غيره، وهو الذي ساقا له عن أبيه عن جده هذا الحديث. فعلة
الحديث إما ممن فوقه وهو ظاهر كلام ابن حبان حيث قال عقبه: " روى عنه محمد بن
القاسم وأهل الكوفة، لست أعرف أباه ولا جده، والخبر ليس بصحيح من طريق
أخرى، فيعتبر به ". وإما من الراوي عنه محمد القاسم، وهو أبو إبراهيم
الأسدي الكوفي، ترجمه ابن أبي حاتم (4 / 1 / 65) برواية جمع من الثقات عنه،
وروى عن ابن معين أنه قال: " ثقة، قد كتبت عنه ". وعن أبي حاتم قال: "
ليس بقوي، لا يعجبني حديثه ".(5/111)
وبالغ بعضهم في الطعن فيه، فقال أحمد في "
العلل والمعرفة " (1 / 281 / 1813) : " يكذب، أحاديثه أحاديث موضوعة، ليس
بشيء ". وأشار البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 214) إلى كلام أحمد هذا فيه
. وقال في " التاريخ الصغير ": " كذبه أحمد ". وذكر الفسوي في " تاريخه " (
3 / 46) عن علي وهو ابن المديني قال: " قد تركت حديث محمد بن القاسم أبي
إبراهيم لا أحدث عنه ". وقال ابن حبان نفسه في " الضعفاء " (2 / 288) : "
كان ممن يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، ويأتي عن الأثبات بما لم يحدثوا
، لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه بحال، كان ابن حنبل يكذبه ".
قلت: فالعجب منه كيف لم يفصح باسم أحد ممن روى عن شيخه مطيع الغزال من أهل
الكوفة إلا عن هذا المتهم؟ ! قلت: فهو علة هذا الحديث، وأما قول ابن حبان:
" والخبر ليس بصحيح من طريق آخر ". ففيه نظر لأنه قد جاء من طرق يقوي بعضها
بعضا مع شاهد لها في " صحيح البخاري " وإليك البيان: أولا: عن البراء بن
عازب قال: فذكره. أخرجه البيهقي (3 / 198) من طريق محمد بن علي بن غراب:
حدثنا أبي عن أبان بن عبد الله البجلي عن عدي بن ثابت عنه.(5/112)
قلت: وهذا إسناد
ضعيف، محمد بن علي بن غراب، أورده ابن أبي حاتم (4 / 1 / 28) برواية أخرى
عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول الحال. وأبوه علي بن غراب
صدوق مدلس، وقد عنعنه، وقد أعله بالمخالفة، فقال البيهقي: قال ابن خزيمة
: " هذا الخبر عندي معلول، حدثنا عبد الله بن سعيد الأشج حدثنا النضر بن
إسماعيل عن أبان بن عبد الله البجلي قال: رأيت عدي بن ثابت يستقبل الإمام
بوجهه إذا قام يخطب، فقال (لعله: فقلت) له: رأيتك تستقبل الإمام بوجهك؟
قال: رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعلونه ". قلت: فأعله ابن خزيمة
بالوقف على الصحابة، وفيه نظر من وجهين: الأول: أن النضر بن إسماعيل ليس
خيرا من علي بن غراب، فقد قال فيه الحافظ في " التقريب ": " ليس بالقوي ".
والآخر: أنه قد خالفه ابن المبارك، فقال البيهقي عقبه: " وكذلك رواه ابن
المبارك عن أبان بن عبد الله عن عدي بن ثابت، إلا أنه قال: " هكذا كان أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون برسول الله صلى الله عليه وسلم ". ذكره
أبو داود في " المراسيل " عن أبي توبة عن ابن المبارك ". وتعقبه ابن
التركماني في " الجوهر النقي " فقال: " قلت: هذا مسند، وليس بمرسل لأن
الصحابة كلهم عدول فلا تضرهم الجهالة ". قلت: وهو كما قال لأن الظاهر أن
عديا تلقاه عن الصحابة، فهذه متابعة قوية من ابن المبارك لعلي بن غراب ترجح
رواية هذا على رواية النضر بن إسماعيل، وبذلك(5/113)
تندفع العلة بالوقف، ويتبين
أنه إسناد جيد، فإن رجاله عند أبي داود ثقات رجال الشيخين غير أبان بن عبد
الله وهو البجلي الكوفي، وهو حسن الحديث كما قال الذهبي في " الميزان ".
وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، في حفظه لين ". وأبو توبة اسمه الربيع
بن نافع وهو شيخ أبي داود في " المراسيل " (ق 4 / 2) ، وقد تابعه وكيع،
فقال: عن أبان بن عبد الله البجلي عن عدي بن ثابت قال: فذكره مرسلا، وقد
عرفت الجواب عنه. أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 117 - هندية) .
وخالف الهيثم بن جميل فقال: حدثنا ابن المبارك عن أبان ابن تغلب عن عدي بن ثابت
عن أبيه قال: فذكره. أخرجه ابن ماجة (1 / 349) ، وقال البوصيري في "
زوائده " (ق 72 / 2) : " هذا إسناد رجاله ثقات، إلا أنه مرسل ". قلت:
وفيه أن الهيثم هذا مع كونه حافظا، فقد قال فيه ابن عدي: " يغلط على الثقات "
. فالظاهر أنه أخطأ على ابن المبارك في موضعين من إسناده، فقد ذكر أبان بن
تغلب مكان أبان بن عبد الله. وقال: عن عدي بن ثابت عن أبيه. فزاد عن أبيه.
وكل ذلك خطأ مخالف لرواية أبي توبة عن ابن المبارك، ورواية وكيع عن أبان بن
عبد الله.
ثانيا: قال محمد بن الفضيل بن عطية عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله
ابن مسعود قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوى على المنبر
استقبلناه بوجوهنا ".(5/114)
أخرجه الترمذي (509) وأبو يعلى في " مسنده " (3 /
1310 - 1311) والطبراني في " المعجم الكبير " (9991) وتمام في " الفوائد "
(11 / 2) وإسماعيل الصفار في " الثاني من حديثه " (7 / 2) وقال الترمذي:
" وفي الباب عن ابن عمر، ومحمد بن الفضل ذاهب الحديث، والعمل على هذا عند
أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يستحبون استقبال الإمام
إذا خطب. وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، ولا يصح في هذا
الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ". كذا قال، وفيه نظر لما تقدم من
حديث ابن المبارك، وللشاهد الآتي. وقوله: " ... عن ابن عمر " لم أره
مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فروى البيهقي بسنده عن أبي عمار (الأصل:
أبي عامر) : حدثنا الوليد بن مسلم أخبرني إسماعيل وغيره عن يحيى بن سعيد
الأنصاري قال: " السنة إذا قعد الإمام على المنبر يوم الجمعة يقبل عليه القوم
بوجوههم جميعا ". وبإسناده: حدثنا الوليد قال: فذكرت ذلك لليث بن سعد
فأخبرني عن ابن عجلان أنه أخبره عن نافع: " أن ابن عمر كان يفرغ من سبحته يوم
الجمعة قبل خروج الإمام، فإذا خرج لم يقعد الإمام حتى يستقبله ". قلت:
وهذا إسناده جيد، رجاله مترجمون في " التهذيب " إلى ابن عمار واسمه الحسين بن
حريث المروزي، وما في الأصل خطأ لعله من الطابع أو الناسخ، فإن الراوي عنه
إبراهيم بن محمد بن الحسن، وهو ابن متويه الأصبهاني، وهو مترجم ترجمة حسنة
في " طبقات الأصبهانيين " لأبي الشيخ و " أخبار أصبهان " لأبي نعيم، وهو من
شيوخ أبي الشيخ، فقد ذكره المزي في الرواة عن أبي عمار، كما ذكر هذا في
الرواة عن الوليد بن مسلم.(5/115)
وبالجملة، فهذا الأثر عن ابن عمر قوي الإسناد،
وهناك آثار أخرى كثيرة، أخرجها ابن أبي شيبة في " المصنف "، وكذا عبد الرزاق
في " مصنفه " (3 / 217 - 218) من ذلك عند ابن أبي شيبة عن المستمر بن الريان
قال: رأيت أنسا عند الباب الأول يوم الجمعة قد استقبل المنبر. قلت: وإسناده
صحيح على شرط مسلم. وإن مما لا شك فيه أن جريان العمل بهذا الحديث من الصحابة
ومن بعدهم لدليل قوي على أن له أصلا أصيلا عن النبي صلى الله عليه وسلم،
ولاسيما أنه يشهد له قول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: " جلس رسول الله
صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله.. ". أخرجه البخاري (921 و 1465
و2842 و 6427) ومسلم (3 / 101 - 102) والنسائي (1 / 360) والبيهقي (3
/ 198) وأحمد (3 / 26 و 91) من طريق عطاء بن يسار عنه به، وله عندهم تتمه
فيها: " إنما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا.. " الحديث.
وقد أخرجها دون موضع الشاهد الحميدي في " مسنده " (2 / 325 / 740) وأبو يعلى
(1 / 340) وقد وقع معزوا في " صحيح الجامع الصغير وزيادته " (2313) تبعا
لأصله " الفتح الكبير " لـ (هـ) أي ابن ماجة وما أظنه إلا وهما، فإنه لم
يعزه إليه الحافظ المزي في " التحفة ". ثم رأيته فيه (برقم 4043 - الدكتور
الأعظمي) من طريق أخرى عن أبي سعيد مختصرا. هذا وقد أورد البخاري الحديث في
" باب يستقبل الإمام القوم، واستقبال الناس الإمام إذا خطب، واستقبل ابن
عمر وأنس رضي الله عنهم الإمام ".(5/116)
ثم أسند تحته حديث أبي سعيد. قال الحافظ
في " الفتح " (2 / 402) : " وقد استنبط المصنف من الحديث مقصود الترجمة،
ووجه الدلالة منه أن جلوسهم حوله لسماع كلامه يقتضي نظرهم إليه غالبا، ولا
يعكر على ذلك ما تقدم من القيام في الخطبة لأن هذا محمول على أنه كان يتحدث
وهو جالس على مكان عال وهم جلوس أسفل منه، وإذا كان ذلك في غير حال الخطبة
كان حال خطبة أولى، لورود الأمر بالاستماع لها، والإنصات عندها ". قال: "
من حكمة استقبالهم التهيؤ لسماع كلامه، وسلوك الأدب معه في استماع كلامه،
فإذا استقبله بوجهه وأقبل عليه بجسده وبقلبه وحضور ذهنه كان أدعى لتفهم
موعظته، وموافقته فيما شرع له القيام لأجله ".
(تنبيه) : تقدم في أثر أنس أن المستمر بن الريان رآه، فهذا يدل على أنه من
صغار التابعين، فهذا ينافي جعل الحافظ إياه في " التقريب " من الطبقة السادسة
، فحقه أن يجعله من الطبقة الخامسة لأنه يصدق عليه قوله في مقدمة " التقريب "
بعد أن ذكر طبقات التابعين: " الخامسة: الطبقة الصغرى منهم الذين رأوا الواحد
والاثنين ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة كالأعمش ". ولأنه لا يصدق عليه
قوله بعدها: " السادسة طبقة عاصروا الخامسة، لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من
الصحابة، كابن جريج ". لا يقال: لعل الحافظ لم يقف على رؤية المستمر لأنس،
لأننا نقول: قد ذكر ذلك هو نفسه في " التهذيب "، فلعله نسي ذلك. والله أعلم
.(5/117)
2081 - " كان إذا كان صائما أمر رجلا فأوفى على نشز، فإذا قال: قد غابت الشمس أفطر ".
أخرجه الحاكم (1 / 434) عن محمد بن أبي صفوان الثقفي حدثنا عبد الرحمن بن
مهدي حدثنا سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه مرفوعا. وقال:
" صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو صحيح فقط، فإن
الثقفي - وهو محمد بن عثمان بن أبي صفوان - لم يخرج له الشيخان شيئا ومن فوقه
من رجال الشيخين، لكن ابن مهدي ليس من شيوخهما. قوله: (نشز) أي: مرتفع من
الأرض. قلت: وفي الحديث اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالتعجيل بالإفطار بعد
أن يتأكد صلى الله عليه وسلم من غروب الشمس، فيأمر من يعلو مكانا مرتفعا،
فيخبره بغروب الشمس ليفطر صلى الله عليه وسلم، وما ذلك منه إلا تحقيقا منه
لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ". متفق عليه
، وهو مخرج في " الإرواء " (917) . وإن من المؤسف حقا أننا نرى الناس اليوم
، قد خالفوا السنة، فإن الكثيرين منهم يرون غروب الشمس بأعينهم، ومع ذلك لا
يفطرون حتى يسمعوا أذان البلد، جاهلين: أولا: أنه لا يؤذن فيه على رؤية
الغروب، وإنما على التوقيت الفلكي. وثانيا: أن البلد الواحد قد يختلف
الغروب فيه من موضع إلى آخر بسبب الجبال والوديان، فرأينا ناسا لا يفطرون
وقد رأوا الغروب! وآخرين يفطرون والشمس بادية لم تغرب لأنهم سمعوا الأذان!
والله المستعان!(5/118)
2082 - " كان إذا كان قبل التروية بيوم خطب الناس، فأخبرهم بمناسكهم ".
أخرجه الحاكم (1 / 461) وعنه البيهقي (5 / 111) عن أبي قرة عن موسى بن
عقبة عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "،
ووافقه الذهبي، وزاد: " تفرد به أبو قرة الزبيدي ". قلت: وهو ثقة واسمه
موسى بن طارق اليماني. وتابعه عمرو بن مجمع عن موسى ابن عقبة به. أخرجه ابن
خزيمة في " صحيحه " (ق 246 / 1) . وعمرو هذا ضعفوه كما قال الذهبي.
2083 - " كان إذا مشى كأنه يتوكأ ".
رواه أبو داود (2 / 297) والحاكم (4 / 281) وأبو الشيخ في " أخلاق النبي
صلى الله عليه وسلم " (ص 98) وأبو العباس الأصم في " حديثه " (ج 3 رقم 127
) عن حميد الطويل أنه سمع أنس بن مالك يقول: فذكره مرفوعا، وقال الحاكم
: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأخرجه ابن
سعد (1 / 413) من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس به، إلا أنه قال: " كان
إذا مشى تكفأ ". وسنده صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في " صحيحه " (7 / 81
) وكذا أحمد (3 / 228 و 270) والدارمي (1 / 31) وأبو الشيخ أيضا.(5/119)
وله
شاهد من حديث علي بلفظ: " كان إذا مشى تكفأ كأنما يمشي في صعد ". أخرجه ابن
سعد بسند حسن، والترمذي في " الشمائل " (ص 91) بلفظ: " كأنما ينحط من صبب
".
2084 - " كان إذا كان راكعا أو ساجدا، قال: سبحانك وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ص (72 / 1) عن زيد بن أبي أنيسة عن حماد
عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود مرفوعا. قلت: وهذا إسناد
حسن، رجاله موثقون على شرط مسلم غير أن حماد هذا - وهو ابن أبي سليمان كما في
ترجمة ابن أبي أنيسة من " التهذيب " (1 / 225 / 2) - فيه ضعف يسير كما يشعر
بذلك قول الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أوهام ". وللحديث طريق أخرى،
يرويه إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: " لما أنزل على
رسول الله صلى الله عليه وسلم * (إذا جاء نصر الله والفتح) * (1) كان يكثر إذا
قرأها وركع أن يقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، إنك أنت
التواب الرحيم (ثلاثا) ". أخرجه أحمد (3683، 3745) . قلت: ورجاله ثقات
رجال الشيخين غير أبي عبيدة، وهو ثقة لكنه لم يسمع من
_________
(1) النصر: الآية 1. اهـ.(5/120)
أبيه على الراجح كما
قال الحافظ. وقد صرح أبو إسحاق بسماعه من أبي عبيدة، في رواية شعبة عنه به
نحوه. أخرجه أحمد أيضا (3719، 3891) .
2085 - " كان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه ".
أخرجه الطيالسي (2329) وعبد الله بن المبارك (676) والشيخان في
" صحيحيهما " والبخاري في " الأدب المفرد " أيضا (599) وابن سعد (1 / 368
) من حديث أبي سعيد الخدري. وله شاهد من حديث عمران بن الحصين مرفوعا به
. أخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 71) وابن عدي (
ق 122 / 2) من طريق الخليل بن مرة عن قتادة عن أبي السوار عنه. والخليل بن
مرة ضعيف. وله شاهد آخر من حديث أنس بلفظ: " ... رؤي ذلك في وجهه ". أخرجه
الطبراني في " الأوسط " كما في " الجامع الصغير "، وأخرجه البزار أيضا (ص
241) بلفظ أبي سعيد المذكور. ورجاله ثقات.
2086 - " كان إذا مشى لم يلتفت ".
أخرجه الحاكم (4 / 292) وابن سعد (1 / 379) وابن أبي حاتم في " العلل " (
2 / 248) من طريق عن عبد الجبار بن عمر الأيلي عن محمد بن المنكدر عن جابر(5/121)
مرفوعا، وزاد الأخيران: " وكان ربما تعلق رداؤه بالشجرة أو بالشيء فلا
يلتفت، وكانوا يضحكون، وكانوا قد أمنوا التفاته ". وقال ابن أبي حاتم:
" قال أبي: هذا حديث منكر، وعبد الجبار ضعيف ". وقال الحاكم: " لا أعلم
أحد رواه عن محمد بن المنكدر غير عبد الجبار ". وقال الذهبي عقبه: " قلت:
عبد الجبار تالف ". وقال في " الضعفاء ": " ضعفوه ". وقال الحافظ: " ضعيف
". لكن للحديث شاهد من رواية داود بن أبي هند: حدثني رجل عن ابن عباس مرفوعا
به وزاد: " وإذا مشى مشى مجتمعا ليس فيه كسل ". أخرجه ابن سعد (1 / 417)
. قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير الرجل، فإنه لم يسم. وعن عوف قال:
" كان لا يضحك إلا تبسما، ولا يلتفت إلا جميعا ".(5/122)
رواه ابن سعد (1 / 420)
. قلت: وإسناده مرسل صحيح. وعن سعيد بن يزيد: أخبرنا أبو سليمان عن رجل عن
عائشة مرفوعا. أخرجه ابن سعد. والرجل لم يسم. وأبو سليمان لم أعرفه.
وفي حديث هند بن أبي هالة التميمي: " وإذا التفت التفت جميعا ". رواه ابن
سعد (1 / 422) والترمذي وغيرهما.
2087 - " كان إذا مشى مشى أصحابه أمامه، وتركوا ظهره للملائكة ".
أخرجه ابن ماجة (1 / 108) والحاكم (4 / 281) عن سفيان عن الأسود بن قيس عن
نبيح العنزي عن جابر بن عبد الله مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط
الشيخين ". كذا قال! وفي " تلخيص الذهبي ": " صحيح " فقط. وهو الأقرب،
فإن نبيحا هذا لم يخرج له الشيخان شيئا. وقد وثقه أبو زرعة وابن حبان
والعجلي، ولذلك قال البوصيري في " الزوائد " (19 / 1) : " وإسناده صحيح،
رجاله ثقات، رواه أحمد بن منيع في " مسنده " بلفظ:(5/123)
(مشوا خلف النبي صلى الله
عليه وسلم فقال: امشوا أمامي، وخلوا ظهري للملائكة) ". قلت: وقريب منه
رواية للحاكم بلفظ: " لا تمشوا بين يدي ولا خلفي، فإن هذا مقام الملائكة ".
أخرجه من طريق شعبة عن الأسود به. وهذا - كما ترى - فيه النهي عن المشي أمامه
أيضا بخلاف روايتي سفيان، فالمقصود منها المشي أمامه بمعنى عن يمينه ويساره،
لا بمعنى الأمام المقابل للخلف. والله أعلم.
2088 - " كان إذا نزل الوحي عليه ثقل لذلك، وتحدر جبينه عرقا كأنه الجمان، وإن كان
في البرد ".
أخرجه أبو نعيم في " دلائل النبوة " (73) من طريق الطبراني حدثنا محمد بن
عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا عقبة بن مكرم قال: حدثنا يونس بن بكير عن عثمان
ابن عبد الرحمن عن الزهري عن سهل بن سعد قال: سمعت زيد بن ثابت يقول:
فذكره. قلت: وهذا إسناد واه بمرة، عثمان بن عبد الرحمن هذا هو الزهري
القرشي الوقاصي، وهو كذاب. لكن الحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (8 /
257) بنحوه، وقال: " رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات ".
ثم تبين لي أن مدار الطريقتين على الوقاصي! فقد أخرجه الطبراني في " المعجم
الكبير " (5 / 123 / 4787) بإسناده المتقدم من رواية أبي نعيم عنه، ثم قال
الطبراني: (ح) : وحدثنا محمد بن يحيى بن منده الأصبهاني: حدثنا أبو كريب،
قالا (يعني عقبة بن مكرم المتقدم في الإسناد الأول وأبا كريب هذا) : حدثنا
يونس بن بكير ...(5/124)
وأخرج أبو نعيم أيضا من طريق الحسن عن حطان بن عبد الله
الرقاشي عن عبادة بن الصامت: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل
عليه الوحي كرب لذلك وترهل له وجهه ". وللحديث شاهد قوي من حديث عائشة رضي
الله عنها في قصة الإفك. أخرجه أحمد (6 / 197) والشيخان وغيرهما.
2089 - " كان أرحم الناس بالعيال والصبيان ".
رواه الرئيس عثمان بن محمد أبو عمرو في " حديثه " (208 / 1) عن عباس بن
الوليد قال: حدثنا وهيب عن أيوب عن عمرو بن سعيد عن أنس بن مالك مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير عباس بن الوليد وهو صدوق.
وقد أخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 65) : أخبرنا
أبو يعلى: أخبرنا العباس النرسي به دون لفظة: " العيال ". وأخرجه مسلم (7
/ 76) من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب بلفظ: " العيال " ودون لفظ:
" الصبيان ".
2090 - " كانت أكثر أيمان رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ومصرف القلوب ".
أخرجه ابن ماجة (1 / 644) عن عباد بن إسحاق عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه
قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله ثقات على شرط مسلم غير أبي
إسحاق الشافعي إبراهيم بن محمد بن العباس شيخ ابن ماجة فيه، وهو ثقة.(5/125)
2091 - " كان أكثر دعائه: يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك. فقيل له في ذلك.
فقال: إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام ومن
شاء أزاغ ".
أخرجه الترمذي (3517) وابن أبي شيبة في " الإيمان " (رقم 56 - بتحقيقي)
وأحمد (6 / 302، 315) عن شهر بن حوشب قال: " قلت لأم سلمة: يا أم
المؤمنين! ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك؟
قالت: ... " فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن ". قلت: يعني لغيره، وهو
كما قال أو أعلى لأن شهرا هذا وإن كان سيء الحفظ، فحديثه هذا له شواهد تقويه
. منها ما روى الحسن أن عائشة قالت: " دعوات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يكثر يدعو بها ... " فذكره. أخرجه أحمد (6 / 91) . ورجاله ثقات رجال مسلم
غير أن الحسن - وهو البصري - لم يسمع من عائشة. وقد تابعه علي بن زيد عن أم
محمد عن عائشة به نحوه. أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 57) . وعلي بن زيد - وهو
ابن جدعان - سيء الحفظ أيضا. وأم محمد - وهي زوجة أبيه - لا تعرف. ومنها
عن النواس بن سمعان الكلابي مرفوعا نحوه. أخرجه ابن ماجة (1 / 77) وأحمد (4 / 182) . وإسناده صحيح.(5/126)
2092 - " كان بابه يقرع بالأظافير ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1080) وفي " التاريخ " (1 / 1 / 228)
وأبو نعيم في " أخبار أصفهان " (2 / 110 و 365) عن أبي بكر بن عبد الله
الأصفهاني عن محمد بن مالك بن المنتصر عن أنس بن مالك مرفوعا. قلت: وهذا
إسناد ضعيف، ابن المنتصر وأبو بكر الأصفهاني مجهولان. وله شاهد من حديث
كيسان مولى هشام بن حسن عن محمد بن سيرين عن المغيرة بن شعبة قال: فذكره.
أخرجه الحاكم في " معرفة علوم الحديث " (ص 19) عن محمد بن أحمد الزيبقي حدثنا
زكريا بن يحيى المنقري حدثنا الأصمعي حدثنا كيسان ... وكيسان هذا قال ابن أبي
حاتم (3 / 2 / 166) : " روى عن محمد بن سيرين. روى عنه أبو نعيم ومسلم بن
إبراهيم ". قلت: وعنه الأصمعي أيضا كما في هذه الرواية، فهو مجهول الحال،
فهو على شرط ابن حبان. فلعله أورده في " ثقاته " ثم رأيته فيه (7 / 358) .
وأما الزبيقي، فأورده السمعاني في هذه النسبة، وقال: " حدث عن يحيى بن أبي
طالب روى عنه القاضي أبو عمر بن أثيافا البصري ". ثم وجدت له طريقا أخرى عن
أنس يرويه ضرار بن صرد: حدثنا المطلب بن زياد عن عمرو بن سويد عن أنس. أخرجه
البزار (2008 - كشف الأستار) : حدثنا حميد بن الربيع حدثنا ضرار بن صرد به.
قلت: وضرار، قال الحافظ: " صدوق له أوهام وخطأ ".(5/127)
وبه أعله الهيثمي في "
المجمع " (8 / 43) ، وقلده الأعظمي! وإعلاله بحميد بن الربيع أولى، فإنه
مختلف فيه، وقد أتهمه بعضهم، فراجع " اللسان " إن شئت. وعمرو بن سويد لم
أعرفه. ثم تبينت أنه محرف، وأن الصواب عمير بن سويد، أورده ابن حبان في "
الضعفاء " (2 / 198) وضعفه، وساق له هذا الحديث من طريق حميد أيضا، وقال
الذهبي عقبه: " وحميد ذو مناكير ".
2093 - " كان خاتم النبوة في ظهره بضعة ناشزة ".
أخرجه الترمذي في " الشمائل " (ص 40) عن بشر بن الوضاح أنبأنا أبو عقيل
الدورقي عن أبي نضرة العوقي قال: سألت أبا سعيد الخدري عن خاتم رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم
غير بشر بن وضاح وهو صدوق. والعوقي بفتح المهملة والواو ثم قاف، ووقع في
الأصل بالفاء وهو خطأ شائع. وقد تابعه عتاب البكري قال: " كنا نجالس أبا
سعيد الخدري بالمدينة، فسألته عن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان
بين كتفيه؟ فقال بإصبعه السبابة: هكذا: لحم ناشز بين كتفيه صلى الله عليه
وسلم ". أخرجه أحمد في " مسنده " (3 / 69) عن أبي ليلى عبد الله بن ميسرة
الخراساني عن عتاب البكري. قلت: وهذا إسناد ضعيف، عتاب البكري أورده ابن
أبي حاتم (3 / 2 / 12) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ولم يذكره ابن حجر
في " التعجيل " وهو على شرطه.(5/128)
وروى مسلم (7 / 86) والترمذي أيضا وابن
سعد (1 / 425) والطبراني (3 / 94 / 2 و 98 / 1) من طرق عن سماك بن حرب عن
جابر بن سمرة قال: " رأيت الخاتم بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم غدة
حمراء مثل بيضة الحمامة ".
2094 - " كان رحيما وكان لا يأتيه أحد إلا وعده وأنجز له إن كان عنده ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (278) وفي " التاريخ " (2 / 2 / 211)
عن سحامة بن عبد الرحمن بن الأصم قال: سمعت أنس بن مالك يقول " (فذكره)
" وجاءه أعرابي فأخذ بثوبه فقال: إنما بقي من حاجتي يسيرة، وأخاف أنساها.
فقام معه حتى فرغ من حاجته، ثم أقبل فصلى ". قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله
ثقات رجال البخاري غير سحامة هذا، ذكره ابن حبان في " الثقات " وقد روى عنه
جمع من الثقات. وقال الحافظ: " مقبول ". وهذا في رأيي تقصير، وعهدي به
يقول في مثله في كثير من الأحيان: " صدوق "، وهذا هو الأولى لأنه تابعي موثق
. ولطرفه الأول طريق أخرى، فقال الطيالسي في " مسنده " (2432 - ترتيبه) :
حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أنس به، وزاد: " بالعيال ". قلت: وهذا
إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين، وقول ابن حبان في " الثقات ": " قيل: إنه
سمع من أنس، ولا يصح ذلك عندي ". فلا يعله بالانقطاع لأن الحافظ قد جزم في "
التهذيب " بأنه رأى أنسا، وسنه(5/129)
يساعده على ذلك، فقد كان عمره حين مات أنس
نحوا من خمس وعشرين سنة، ثم هو لم يعرف بتدليس، فروايته عنه محمولة على
الاتصال عند الجمهور. والله أعلم. وله شاهد من حديث مالك بن الحويرث مرفوعا
بلفظ: " كان رحيما رفيقا ". أخرجه الشيخان وغيرهما.
2095 - " كان شبح الذراعين، أهدب أشفار العينين، بعيد ما بين المنكبين، يقبل جميعا
ويدبر جميعا، لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا في الأسواق ".
أخرجه الطيالسي (2413 - ترتيبه) وأحمد (2 / 328 و 448) وابن سعد (1 /
414) والبيهقي (1 / 181) عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي
هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد، فإن صالحا هذا قال الحافظ: " صدوق،
اختلط بآخره، فقال ابن عدي: لا بأس برواية القدماء عنه كابن أبي ذئب وابن
جريج ".
2096 - " كان شيبه نحو عشرين شعرة ".
أخرجه الترمذي في " الشمائل " (ص 39 - مختصره) وابن ماجة (2 / 383) وأحمد
(2 / 90) وأبو الشيخ (ص 309) عن شريك عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر
مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد في الشواهد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير شريك(5/130)
وهو ابن عبد الله القاضي، فقد أخرج له مسلم متابعة. ويشهد له حديث حميد قال
: " سئل أنس بن مالك: أخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنه لم ير من
الشيب إلا نحو سبعة عشر أو عشرين شعرة في مقدم لحيته ". أخرجه ابن ماجة أيضا
وأحمد (3 / 108) وابن سعد (1 / 431) . قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين
. ورواه ثابت قال: قيل لأنس: هل شاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال:
ما شانه الله بالشيب، ما كان في رأسه ولحيته إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة.
أخرجه ابن سعد بسند صحيح على شرط مسلم، وكذلك صححه الحاكم (2 / 608) . وعن
ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سمع أنس بن مالك يقول: " توفي رسول الله صلى الله
عليه وسلم وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء ". أخرجه الشيخان وغيرهما
كما في " مختصر الشمائل " (رقم 1) .
2097 - " كان كلامه كلاما فصلا يفهمه كل من سمعه ".
أخرجه أبو داود (2 / 293) والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (412 و 413)
وأحمد (6 / 138) عن سفيان عن أسامة عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا.
وأخرجه ابن سعد (1 / 375) وأحمد أيضا (6 / 257) من طريق روح بن عبادة:
أخبرنا أسامة بن زيد به نحوه. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم
غير أن أسامة بن زيد - وهو الليثي - فيه ضعف من قبل حفظه، قال الحافظ:(5/131)
"
صدوق يهم ". والحديث عزاه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 324)
للنسائي فقط في " عمل اليوم والليلة " وحسنه.
2098 - " كان له حمار يقال له: عفير ".
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 478) وابن سعد في " الطبقات " (1 /
492) والطبراني في " الكبير " (3 / 71 / 1) من طريق يزيد بن عطاء أبي إسحاق
الهمداني عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه مرفوعا. قلت: وهذا
إسناد ضعيف منقطع. أبو عبيدة لم يسمع من أبيه. ويزيد بن عطاء - وهو اليشكري
- لين الحديث كما في التقريب ". لكن يشهد له حديث سلمة بن الفضل: حدثني محمد
بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الله بن زرير
الغافقي عن علي بن أبي طالب: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يركب
حمارا اسمه عفير ". أخرجه أحمد (رقم 886) . وإسناده ضعيف لعنعنة ابن إسحاق
، وضعف سلمة بن الفضل، قال الحافظ: " صدوق كثير الغلط ". وأما الشيخ أحمد
شاكر فقال في تعليقه على " المسند ": " إسناده صحيح "! قلت: وذلك من تساهله
الذي عرف به، ولاسيما بالنسبة لتمشيته لعنعنة ابن(5/132)
إسحاق وعدم تفريقه بين
حديثه المعنعن وحديثه الذي صرح فيه بالسماع، على خلاف ما عليه العلماء. نعم
الحديث حسن بمجموع الطريقين. والله أعلم. ثم وجدت للحديث طريقا أخرى عن علي
وفي إسناده ضعف بينته في الكتاب الآخر (4227) بلفظ: " كان فرسه يقال له ...
وحماره عفير ... ". فهو به صحيح. والله أعلم. ثم روى ابن سعد بإسنادين
مرسلين صحيحين: " أن اسم حمار النبي صلى الله عليه وسلم اليعفور ". والله
أعلم.
2099 - " كان له خرقة يتنشف بها بعد الوضوء ".
وله طريقان: الأول: عن عائشة أخرجه الترمذي (1 / 74) وابن عدي (154
/ 1) والحاكم (1 / 154) والبيهقي (1 / 185) عن زيد بن الحباب عن أبي
معاذ عن الزهري عن عروة عنها. وقال البغوي في " شرح السنة " (1 / 37 / 2) :
" وإسناده ضعيف ". وقال الحاكم: " أبو معاذ هذا هو الفضيل بن ميسرة بصري،
روى عنه يحيى بن سعيد، وأثنى عليه ".(5/133)
قلت: وأقره الذهبي. وفيه نظر،
بينه قوله الترمذي عقبه: " حديث عائشة ليس بالقائم، ولا يصح عن النبي صلى
الله عليه وسلم في هذا الباب شيء، وأبو معاذ يقولون: هو سليمان بن أرقم وهو
ضعيف عند أهل الحديث ". قلت: وهذا هو الصواب، أن أبا معاذ هذا هو سليمان بن
أرقم، وليس هو - كما قال الحاكم - الفضيل بن ميسرة، ويؤيد ذلك أمران:
الأول: أن ابن أرقم هو الذي ذكروا في ترجمته أنه روى عن الزهري، وعنه زيد بن
الحباب. لم يذكروا ذلك في ترجمة ابن ميسرة. والآخر: أن ابن عدي إنما أورده
في ترجمة سليمان بن أرقم ولذلك جزم البيهقي بأنه هو، وقال: " وهو متروك "
. ثم ساق الطريق الثاني وهو: الثاني: عن أبي بكر الصديق، أخرجه ابن
عليك النيسابوري في " الفوائد " (239 / 1) والبيهقي عن أبي العيناء محمد بن
القاسم حدثنا أبو زيد سعيد بن أوس حدثنا أبو عمرو بن العلاء عن أنس بن مالك عنه
. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، أبو العيناء هذا اعترف بأنه وضع هو والجاحظ
حديث فدك! وضعفه الدارقطني، وقال البيهقي: " إسناده غير قوي، وإنما رواه
أبو عمرو بن العلاء عن إياس بن جعفر أن رجلا حدثه " فذكر الحديث. وساق سنده
من طريق عبد الوارث عن أبي عمرو بن العلاء به مرسلا، وقال: " وهذا هو
المحفوظ من حديث عبد الوارث ". ثم رواه من طريق أبي معمر عبد الله بن عمرو قال
: سألت عبد الوارث عن حديث(5/134)
عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان له منديل أو خرقة فإذا توضأ مسح وجهه؟ فقال: كان في قطينة فأخذه ابن
علية فلست أرويه. قال البيهقي: " وهذا لو رواه عبد الوارث عن عبد العزيز عن
أنس لكان إسنادا صحيحا إلا أنه امتنع من روايته ويحتمل أنه إنما كان عنده
بالإسناد الأول. والله أعلم ". وحديث عبد الوارث عن عبد العزيز، أورده ابن
أبي حاتم في " العلل " (1 / 19) وأعله بالوقف، فقال: " قال أبي: إني رأيت
في بعض الروايات عن عبد العزيز أنه كان لأنس بن مالك خرقة. وموقوف أشبه،
ولا يحتمل أن يكون مسندا ". وللحديث شاهد من رواية رشدين بن سعد عن عبد الرحمن
بن زياد بن أنعم عن عتبة بن حميد عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ
بن جبل قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه ".
أخرجه الترمذي (1 / 75 - 76) والبيهقي (1 / 236) وقال: " وإسناده ليس
بالقوي ". وبين علته الترمذي فقال: " حديث غريب وإسناده ضعيف، ورشدين بن
سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي يضعفان في الحديث ". قلت:
وضعفهما إنما هو من قبل حفظهما، وليس لتهمة في ذاتهما، فمثلهما يستشهد
بحديثهما، فالحديث حسن عندي بمجموع طرقه، وقد أغرب الشيخ أحمد شاكر فصحح
إسناد حديث عائشة، ذهابا منه إلى موافقة الحاكم على أن أبا معاذ هو الفضيل بن
ميسرة، وقد عرفت خطأه في ذلك وكذلك حسن حديث معاذ بن جبل، خلافا للترمذي
والبيهقي، وذلك تساهل منه غير محمود. والله أعلم.(5/135)
2100 - " كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض، ورايته سوداء ".
أخرجه الترمذي (رقم 1681) وابن ماجة (2 / 189) والحاكم (2 / 105)
والخطيب في " التاريخ " (14 / 332) عن يحيى بن إسحاق السيلحيني حدثنا يزيد بن
حيان أخبرني أبو مجلز لاحق بن حميد عن ابن عباس مرفوعا. وقال الترمذي: "
حديث حسن غريب ". وأقول: بل هو حسن لغيره، فابن حيان هذا - وهو أخو مقاتل
بن حيان - صدوق يخطىء، كما قال الحافظ، وقال الذهبي في " التلخيص " متعقبا
على الحاكم، وقد ذكره شاهدا: " قلت: يزيد ضعيف ". وشاهد الحديث ما رواه
شريك عن عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله
عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح ولواؤه أبيض ". أخرجه أبو داود (1 / 405)
والنسائي (2 / 30) وابن ماجة والترمذي أيضا (1679) والحاكم وقال: "
صحيح على شرط مسلم ". قلت: وبيض له الذهبي، أو هكذا وقع في " تلخيصه "،
وفيما قاله الحاكم نظر، فإن شريكا - وهو ابن عبد الله القاضي - لم يحتج به
مسلم، وإنما روى له مقرونا بغيره أو متابعة، ثم هو إلى ذلك سيء الحفظ، فهو
حسن الحديث في الشواهد كما هنا، فإنه يشهد للشطر الأول من الحديث. ويشهد
للشطر الثاني منه حديث أبي يعقوب الثقفي حدثني يونس بن عبيد - مولى محمد بن
القاسم - قال: بعثني محمد بن القاسم إلى البراء بن عازب يسأله عن راية رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما كانت؟ فقال:(5/136)
" كانت سوداء مربعة من نمرة ".
أخرجه أبو داود والترمذي (1680) وأحمد (4 / 297) ، وقال الترمذي: "
حديث حسن غريب ". وأقول: إنما هو حسن لغيره لأن يونس بن عبيد المولى مجهول.
وأبو يعقوب - واسمه إسحاق بن إبراهيم - ضعيف. وله شاهد آخر من رواية عاصم
عن الحارث بن حسان قال: " قدمت المدينة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم
قائما على المنبر، وبلال قائم بين يديه، متقلد سيفا، وإذا راية سوداء،
فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا عمرو بن العاص قدم من غزاة ". أخرجه ابن ماجة
أيضا، وأحمد (3 / 481) من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود به.
وفي رواية لأحمد من طريق سلام بن سليمان النحوي أبي المنذر حدثنا عاصم بن أبي
النجود عن أبي وائل عن الحارث به. فأدخل بينهما أبا وائل. وكذلك أخرجه
الترمذي (3269 و 3270) ، وسكت عنه. قلت: وإسناده حسن، على الرواية
الأخرى وهي الصحيح، كما قال الحافظ في " التهذيب ".
2101 - " كان له ملحفة مصبوغة بالورس والزعفران يدور بها على نسائه، فإذا كانت ليلة
هذه رشتها بالماء وإذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء، وإذا كانت ليلة هذه
رشتها بالماء ".
أخرجه الخطيب البغدادي في " تاريخه " (13 / 320) عن مؤمل بن إسماعيل حدثنا
عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس قال: فذكره مرفوعا.(5/137)
قلت: وهذا إسناد
ضعيف، عمارة بن زاذان صدوق كثير الخطأ. ومؤمل بن إسماعيل صدوق سيء الحفظ كما
في " التقريب ". لكن للحديث شاهد قوي مرسل من رواية هشام بن حسان عن بكر بن
عبد الله المزني قال: " كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ملحفة مورسة فإذا
دار على نسائه رشها بالماء ". أخرجه ابن سعد (1 / 451) . قلت: وهذا إسناد
مرسل صحيح. ولعل المزني تلقاه عن أنس فإنه كثير الرواية عنه وقد رواه أبو
الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 169) من طريق عثمان بن حفص
أخبرنا سلام بن أبي خبزة أخبرنا ثابت عنه. وابن أبي خبزة متروك، وقد ذكره
الذهبي في " المشتبه " في (الحاء) وذكر أنه " خبزة " تأنيث الخبز. وعثمان
بن حفص الظاهر أنه الزرقي، قال البخاري: " في إسناده نظر ". ووثقه ابن حبان
وابن عبد البر، فالعمدة على المرسل مع الوصول قبله.
2102 - " كان مما يقول للخادم: ألك حاجة؟ قال: حتى كان ذات يوم فقال: يا رسول الله
! حاجتي. قال: وما حاجتك؟ قال: حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة. قال: ومن
دلك على هذا؟ قال: ربي. قال: أما لا، فأعني بكثرة السجود ".
أخرجه أحمد في " مسنده " (3 / 500) عن خالد - يعني: الواسطي - قال: حدثنا
عمرو بن يحيى الأنصاري عن زياد بن أبي زياد مولى بني مخزوم عن خادم للنبي
صلى الله عليه وسلم(5/138)
رجل أو امرأة قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على
شرط مسلم.
2103 - " كان وسادته التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف ".
أخرجه أبو داود (رقم 4146) والترمذي (1 / 326 - 327) وفي " الشمائل " (ص
188) وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (ص 166) وأحمد في
" مسنده " (6 / 48) من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عنها به. وقال الترمذي
: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجه البخاري
مختصرا (4 / 221) وكذا ابن ماجة (4151) وهو رواية لأبي داود (4147)
وأبي الشيخ وأحمد (6 / 56، 73، 108، 207، 212) .
2104 - " ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط، ولا يطأ عقبه رجلان ".
أخرجه أبو داود (2 / 140) وأحمد (2 / 165 و 167) وابن سعد (1 / 380)
وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 213) عن حماد بن سلمة
عن ثابت البناني عن شعيب بن عبد الله بن عمرو عن أبيه قال: فذكره. وفي
رواية لأحمد: " ما رأيت رسول الله.. ". قلت: وهذا إسناد جيد، فإن شعيبا
هنا جده عبد الله بن عمرو بن العاص، واسم أبيه محمد، فقد رواه سليمان بن
المغيرة حدثنا ثابت البناني عن شعيب بن محمد بن(5/139)
عبد الله بن عمرو عن عبد الله
بن عمرو قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن يطأ أحد عقبه،
ولكن يمين وشمال ". رواه الحاكم، وقد مضى (1239) .
2105 - " كان له قصعة يقال لها: الغراء، يحملها أربعة رجال ".
أخرجه أبو داود (أطعمة 17) وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
" (ص 215) وابن عساكر في " التاريخ " (1 / 379) عن عمرو بن عثمان: أخبرنا
محمد بن عبد الرحمن بن عرق قال: سمعت عبد الله بن بسر يقول: فذكره.
قلت: وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات. وتابعه يحيى بن سعيد القطان عن محمد
ابن عبد الرحمن الرحبي به مختصرا بلفظ: " كان له جفنة لها أربع حلق ". أخرجه
أبو الشيخ من طرق عن محمد بن مصفى: أخبرنا يحيى بن سعيد القطان. قلت: وهذا
إسناد حسن، محمد بن مصفى صدوق له أوهام كما في " التقريب " وسائر رجاله ثقات
وهو بمعنى الطريق الأولى أي: يحملها أربعة رجال من أربع حلق. والله أعلم.
2106 - " كان لا يجد ما يملأ بطنه من الدقل، وهو جائع ".
أخرجه الحاكم (4 / 324) عن قيس بن أنيف: حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن
سماك عن النعمان بن بشير، قال سماك: سمعت النعمان - وهو على المنبر -
يقول: فذكره، وقال:(5/140)
" صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. قلت:
ورجاله كلهم ثقات من رجال مسلم غير قيس بن أنيف، فلم أعرفه وهو قيس بن أبي قيس
البخاري، فقد ذكره المزي في الرواة عن قتيبة وهو ابن سعيد. ولم أجد له
ترجمة أيضا ومن طبقته قيس بن مسلم بن منصور الأزرق البخاري، ترجمه الخطيب في
" تاريخه " (12 / 463) وذكر أنه حدث ببغداد عن علي بن حجر وغيره. روى عنه
محمد بن مخلد والطبراني وغيرهما، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. قلت:
فيحتمل أنه هو راوي هذا الحديث، ويكون اسم أبيه مسلم، وكنيته أبو قيس وأما
أنيف في " المستدرك " فلعله محرف من ابن أبي قيس، والله أعلم، فإن فيه كثيرا
من التحريف والتصحيف. لكن رأيت له حديثا آخر قد عزوته في " صحيح الترغيب " (
1 / 227 / 564) للحاكم من طريق ابن أنيف هذا وصححه. وقال الذهبي: " إسناده
صالح ". فالله أعلم. وأيا ما كان، فهو لم يتفرد بالحديث، فقد أخرجه أبو
الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 297 - 298) من طريقين آخرين
عن أبي عوانة به. ومسلم (8 / 220) والترمذي (2373) وأحمد (4 / 268)
من طرق أخر عن سماك بن حرب به نحوه. وقال الترمذي: " حديث صحيح ". وخالفهم
شعبة فقال: عن سماك عن النعمان بن بشير عن عمر قال: فذكره، فجعله من مسند
عمر، وهو شاذ عندي، والصواب أنه من مسند النعمان كما رواه الجماعة.
وأخرجه ابن ماجة (2 / 536) وأحمد (1 / 24) عن شعبة به.(5/141)
2107 - " كان لا يدفع عنه الناس، ولا يضربوا عنه ".
أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 90 / 1) عن حماد بن سلمة عن أبي عاصم
الغنوي عن أبي الطفيل عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات
رجال مسلم غير أبي عاصم هذا، فقال أبو حاتم: " لا أعرفه، ولا حدث عنه سوى
حماد ". وقال ابن معين: " ثقة ". ومن طريقه أخرجه أبو داود (1885)
وأحمد (3707) . والحديث صحيح لأن له شاهدا من حديث قدامة بن عبد الله بن عمار
نحوه بإسناد صحيح عنه مخرج في " المشكاة " (2623) وأخرجه أبو الشيخ أيضا في
" أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 61) .
2108 - " كان لا يراجع بعد ثلاث ".
عزاه السيوطي لابن قانع عن زياد بن سعد، وقال المناوي: " قال ابن الأثير:
كذا جعله ابن قانع من الصحابة، والمشهور بالصحبة أبوه وجده. ذكره الأندلسي
". قلت: ويشهد له ما روى عبد الله بن محمد بن أبي يحيى عن أبيه عن ابن أبي
حدرد الأسلمي: " أنه كان ليهودي عليه أربعة دراهم، فاستعدى عليه، فقال: يا
محمد! إن لي على هذا أربعة درهم، وقد غلبني عليها، فقال: أعطه حقه، قال:
والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها، قال: أعطه حقه، قال: والذي نفسي بيده ما
أقدر عليها، قد أخبرته أنك(5/142)
تبعثنا إلى خيبر، فأرجو أن تغنمنا شيئا، فأرجع
فأقضيه، قال أعطه حقه، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال ثلاثا
لم يراجع، فخرج به بن أبي حدرد إلى السوق، وعلى رأسه عصابة، وهو متزر ببرد
، فنزع العمامة عن رأسه فاتزر بها، ونزع البردة، فقال: اشتر مني هذه البردة
فباعها بأربعة الدراهم، فمرت عجوز، فقالت: ما لك يا صاحب رسول الله صلى الله
عليه وسلم؟ فأخبرها، فقالت: ها، دونك هذا، ببرد طرحته عليه ". أخرجه أحمد
(3 / 423) . قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات، وابن أبي حدرد اسمه عبد
الله وله صحبة كما قال ابن أبي حاتم (2 / 2 / 38) . ونقل المناوي عن
العراقي أنه حسنه.
2109 - " كان لا يسأل شيئا إلا أعطاه، أو سكت ".
أخرجه الحاكم (2 / 130) عن الحارث بن أبي أسامة: حدثنا روح بن عبادة حدثنا
حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله
عنه: " أن هوازن جاءت يوم حنين بالنساء والصبيان والإبل والغنم، فصفوهم
صفوفا ليكثروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتقى المسلمون والمشركون
، فولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: أنا عبد الله رسوله، وقال: يا معشر الأنصار! أنا عبد الله ورسوله،
فهزم الله المشركين ولم يطعن برمح ولم يضرب بسيف، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم يومئذ: من قتل كافرا فله سلبه، فقتل أبو قتادة يومئذ عشرين رجلا، وأخذ
أسلابهم، فقال أبو قتادة: يا رسول الله! ضربت رجلا على حبل العاتق، وعليه
درع له، فأعجلت عنه أن آخذ سلبه، فانظر من هو يا رسول الله؟ فقال رجل: يا
رسول الله! أنا أخذتها، فأرضه منها، فأعطنيها! فسكت النبي صلى الله عليه
وسلم، وكان لا (فذكره) فقال عمر: لا والله، لا يفيئ الله على أسد من أسده
ويعطيكها! فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وقال:(5/143)
" صحيح على شرط
مسلم "، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا. وأخرجه أبو الشيخ في " أخلاق
النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 52) مختصرا بلفظ الترجمة دون قوله: " أو سكت
" من طريق ابن مبارك عن حماد بن سلمة به. وكذلك أخرجه مسلم (7 / 74 - 75)
من طريق يزيد بن هارون عن حماد به نحوه. وهو والبيهقي (1 / 243) من طريق
موسى بن أنس عن أبيه قال: " ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام
شيئا إلا أعطاه ". ثم أخرجه أبو الشيخ من حديث جابر وعائشة وأبي أسيد نحوه.
وأخرجه الطيالسي (2437 - ترتيبه) والدارمي (1 / 34) ومسلم وابن سعد (1
/ 368) عن جابر. والدارمي عن سهل بن سعد. وأحمد (3 / 497) عن أبي أسيد.
وأخرج ابن سعد بسند جيد عن محمد بن الحنفية قال: " كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا يكاد يقول لشيء: لا، فإذا هو سئل، فأراد أن يفعل قال: نعم،
وإذا لم يرد أن يفعل سكت، فكان قد عرف ذلك منه ". قلت: وهذا مرسل صحيح
وشاهد قوي لحديث الترجمة. وقد وصله الطبراني في حديث طويل عن علي رضي الله عنه
. قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (9 / 13) : " وفيه محمد بن كثير الكوفي،
وهو ضعيف ". ورواه الطبراني في " الكبير " (1 / 13 / 2) عن سليمان بن أيوب
حدثني أبي(5/144)
عن جدي عن موسى بن طلحة عن أبيه مرفوعا نحوه وفيه قصة، ولفظه: "
كان لا يكاد يسأل شيئا إلا فعله ". وهذا إسناد ضعيف، سليمان بن أيوب - وهو
ابن سليمان بن موسى بن طلحة التيمي - قال الحافظ: " صدوق يخطىء ". وابنه
أيوب بن سليمان، ساق نسبه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 248) ، فأدخل بين أبيه
سليمان وجده موسى عيسى، فهو عنده أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة.
ولم يذكر له راويا غير ابنه سليمان. وأبوه سليمان لم أجده.
2110 - " كان لا يصلي المغرب وهو صائم حتى يفطر، ولو على شربة من ماء ".
رواه ابن الأعرابي في " معجمه " (222 / 2) قال: قرأت على علي (يعني ابن
داود القنطري) : أخبرنا محمد بن عبد العزيز الرملي أخبرنا شعيب بن إسحاق
أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعا. ورواه الطبراني في
" الأوسط " (1 / 100 / 2) من طريق أخرى عن الرملي، وقال: " لم يروه عن
قتادة إلا سعيد، ولا عنه إلا شعيب، تفرد به محمد ". قلت: وهو صدوق يهم،
وكانت له معرفة، احتج به البخاري وبقية الرجال ثقات رجال الشيخين لكن شعيبا
سماعه عن ابن أبي عروبة بآخرة كما في " التقريب " فالسند(5/145)
من أجل هذا ضعيف، فلا
تغتر بقول الهيثمي (3 / 155) : " رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في "
الأوسط "، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح ". قلت: وكذلك رجال " الأوسط " كما
علمت، فلا داعي لتخصيص أبي يعلى بالذكر! ثم قد علمت أيضا أن سماع شعيب من ابن
أبي عروبة في حالة اختلاطه. فتنبه. ثم وجدت له طريقا آخر عن أنس، أخرجه
الضياء في " المختارة " (101 / 1 - 2) من طريق أبي يعلى وغيره عن أبي بكر بن
أبي شيبة: أخبرنا حسين بن علي عن زائدة عن حميد عن أنس به. وقال: " أخرجه
ابن حبان عن أبي يعلى الموصلي ". قلت: وهذا سند صحيح، وهو في " موارد
الظمآن " (890) وهذا يبين أن طريق أبي يعلى غير طريق الطبراني التي فيها ذاك
المختلط، فكان على الهيثمي أن يبين ذلك. ثم وجدته في " المصنف " لابن أبي
شيبة (2 / 184) من هذا الوجه. وأخرجه ابن عدي (25 / 1) عن أبان عن أنس،
لكن أبان - وهو ابن أبي عياش - متروك، ومن طريقه رواه أبو العباس الأصم في "
حديثه " (ج 3 رقم 84) .
2111 - " كان لا ينام إلا والسواك عنده، فإذا استيقظ بدأ بالسواك ".
أخرجه أحمد (2 / 117) وابن نصر في " قيام الليل " (ص 43) عن محمد بن مسلم
ابن مهران - مولى لقريش - سمعت جدي يحدث عن ابن عمر مرفوعا به. قلت:
وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير محمد - وهو ابن إبراهيم بن مسلم بن المثنى بن
مهران - ففيه خلاف، والراجح أنه وسط حسن الحديث، وقد صحح له ابن(5/146)
حبان وعبد
الحق الإشبيلي كما ذكرته في " صحيح أبي داود " (1155) . وروى الطبراني (3 /
207 / 2) عن سعيد بن راشد عن عطاء عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان لا يقعد ساعة من ليل إلا أمر السواك على فيه. وسعيد بن راشد - وهو
السماك - متروك كما قال النسائي. وتابعه حسام بن المصك: حدثنا عطاء به،
ولفظه: " كان لا يتعار من الليل ساعة إلا أجرى السواك على فيه ". أخرجه ابن
عدي (109 / 1) . وحسام هذا قال الحافظ بن حجر: " ضعيف، يكاد أن يترك ".
قلت: فالعمدة في تقوية الحديث على الطريق الأول.
2112 - " كان يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم ".
أخرجه الحاكم (2 / 466) عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن
حنيف عن أبيه رضي الله عنه مرفوعا. وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه
الذهبي. قلت: وفيه نظر، فإن سفيان بن حسين قد ضعفوه في روايته عن الزهري
خاصة وهذه منها. لكن يشهد له حديث مسلم الأعور عن أنس مرفوعا: " كان يعود
المريض ويتبع الجنائز ويجيب دعوة المملوك ويركب الحمار(5/147)
ولقد كان يوم خيبر
ويوم قريظة على حمار خطامه حبل من ليف وتحته إكاف من ليف ". أخرجه الطيالسي (
2425 - ترتيبه) والترمذي (1017) وابن ماجة (2 / 545) والحاكم وقال: "
صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! وأما الترمذي فقال وأصاب: " حديث لا
نعرفه إلا من حديث مسلم الأعور - وهو مسلم بن كيسان - يضعف ". وقال الحافظ
فيه: " ضعيف ". بل قال الذهبي نفسه في " الضعفاء " وغيره: " تركوه ".
وخير منه في الشهادة حديث سماك بن حرب: سمعت عباد بن زاهر أبا الرواع: سمعت
عثمان بن عفان يقول: " إنا قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر
والحضر، فكان يعود مرضى المسلمين ويشهد جنائزهم أو قال: يتبع جنائزهم ".
أخرجه البزار (1 / 388 / 819) وقال: " لا نعلمه عن عثمان إلا بهذا الإسناد
ولا نعلم روى عباد غير هذا، ولا روى عنه غير سماك ". قال الحافظ عقبه في "
زوائده " (ص 89) : " قلت: وهو مجهول الحال، وقد ذكره ابن حبان في "
الثقات " على قاعدته ". وأقول: قد روى عنه أبو إسحاق الهمداني أيضا كما في "
الجرح والتعديل " (3 / 1 / 80) ، وقال: " سئل أبي عنه؟ فقال: شيخ ".
وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (3 / 29) وقلده الأعظمي في تعليقه على(5/148)
"
الكشف ": " رواه البزار، ورجاله ثقات "! وروى النسائي في " عمل اليوم
والليلة " (329) وابن حبان (2145) عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس مرفوعا
: " كان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم ". قلت: وإسناده
صحيح على شرط مسلم، والتسليم على الصبيان ثابت في " الصحيحين " من طريق أخرى
عن أنس رضي الله عنه.
2113 - " كان يؤتى بالتمر فيه دود، فيفتشه، يخرج السوس منه ".
أخرجه أبو داود (2 / 148) وعنه البيهقي في " الشعب " (2 / 191 / 201)
وابن ماجة (2 / 317) مختصرا وكذا أبو الشيخ (ص 221) كلهم عن سلم بن قتيبة
عن همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وهمام هو ابن يحيى بن دينار الأزدي
العوذي المحلمي مولاهم. وأعله البيهقي بالإرسال لأنه رواه من طريق محمد بن
كثير أنبأنا همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يؤتى بالتمر فيه الدود، فذكر معناه. وما أرى ذلك بعلة، ذلك لأن
سلم بن قتيبة أوثق من محمد بن كثير - وهو العبدي - كما يظهر ذلك جليا لكل من
راجع أقوال أئمة الجرح والتعديل فيهما في كتب الرجال، ولاسيما أن معه
الزيادة وزيادة الثقة مقبولة هنا اتفاقا. وقد روي عن النبي صلى الله عليه
وسلم النهي عن تفتيش التمر ولكنه لا يصح كما بينته في " الضعيفة " (5228) .(5/149)
2114 - " كان يأمر بتغيير الشيب مخالفة للأعاجم ".
رواه الطبراني في " الكبير " وعبد الغني المقدسي في " السنن " (177 / 1) عن
الأحوص بن حكيم عن أبيه عن عبد الله بن غابر عن عتبة بن عبد رفعه. قلت:
وهذا إسناد ضعيف، الأحوص بن حكيم ضعيف الحفظ. وأبوه حكيم بن عمير صدوق يهم.
وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه ابن عساكر (2 / 353 / 1) عن بشر بن عمارة
عن الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد وأبي عون عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا
ضعيف أيضا لأن مداره على الأحوص، وقد عرفت حاله. وبشر بن عمارة - وهو
الخثعمي - ضعيف أيضا، بل قال الدارقطني: " متروك ". لكن يشهد للحديث قوله
صلى الله عليه وسلم: " إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم ". متفق
عليه من حديث أبي هريرة وهو مخرج في " تخريج الحلال " (رقم 105) .
2115 - " كان يأمر بناته ونسائه أن يخرجن في العيدين ".
أخرجه أحمد (1 / 231) عن حجاج عن عبد الرحمن بن عابس عن ابن عباس مرفوعا
. وهكذا أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 182) إلا أنه قال: " يخرج "
بدل: " يأمر ". قلت: ورجاله ثقات إلا أن الحجاج هذا - وهو ابن أرطأة -
مدلس وقد عنعنه.(5/150)
وفي رواية لأحمد (1 / 354) من هذا الوجه: " كان يعجبه في
يوم العيد أن يخرج أهله ". وفي أخرى له (3 / 363) وكذا الأصبهاني في "
الترغيب " (ق 250) من طريق الحجاج أيضا عن عطاء عن جابر مرفوعا بلفظ: " كان
يخرج في العيدين، ويخرج أهله ". وقال الإمام أحمد (6 / 184) : حدثنا علي
قال: أنبأنا خالد عن أبي قلابة عن عائشة قالت: " قد كانت تخرج الكعاب من
خدرها لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين ". قلت: وهذا إسناد ضعيف
منقطع بين أبي قلابة وعائشة. وعلي - وهو ابن عاصم - ضعيف لسوء حفظه،
وإصراره على خطئه لكنه قد توبع عند ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 182) .
وقد ثبت الأمر بإخراج النساء جميعا حتى الحيض منهن أن يخرجن إلى المصلى عند
الشيخين وغيرهما من حديث أم عطية. وروى الطيالسي (706) : حدثنا شعبة عن
محمد بن النعمان عن طلحة اليامي عن أخت عبد الله بن رواحة عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: " وجب الخروج على ذات نطاق، يعني في العيدين ". وإسناده حسن
لولا أن البيهقي (3 / 306) أخرجه من هذا الوجه، فأدخل بين طلحة بن مصرف
وأخت عبد الله امرأة من عبد القيس لم تسم. وخالفه الحسن بن عبيد الله فقال:
عن طلحة اليامي قال: قال أبو بكر ... فذكره موقوفا عليه. أخرجه ابن أبي شيبة
.(5/151)
ورجاله ثقات.
2116 - " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل مما مسته النار، ثم يصلي ولا يتوضأ
".
أخرجه أحمد (1 / 272) عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن محمد بن عمرو بن عطاء عن
علقمة القرشي قال: " دخلنا بيت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فوجدنا
فيه عبد الله بن عباس، فذكرنا الوضوء مما مست النار، فقال عبد الله:
(فذكره) ، فقال له بعضنا: أنت رأيته يا ابن عباس؟ قال: فأشار بيده إلى
عينيه فقال: بصر عيني ". قلت: وهذا إسناد حسن. وتابعه وهب بن كيسان عن
محمد بن عمرو بن عطاء بلفظ: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل عرقا من
شاة ثم صلى ولم يتوضأ ولم يمس ماء ". أخرجه مسلم (1 / 188) وأبو عوانة (
1 / 272) . وله شاهد من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء قال: " كنا نأكل على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الخبز واللحم، ثم نصلي ولا
نتوضأ ". أخرجه ابن حبان (223) . قلت: وإسناده صحيح. والحديث أورده
السيوطي في " الجامع " من رواية الطبراني فقط في " الكبير " بلفظ: " كان يأكل
مما ... " الحديث.(5/152)
وبيض له المناوي في " الفيض "، فلم يتكلم على إسناده بشيء
، سوى أنه قال: " رمز المؤلف لحسنه "! وأما في " التيسير "، فقال: "
إسناده صحيح "! ولم أره عند الطبراني في " مسند ابن عباس " ولا في " مجمع
الزوائد " ولا ذكره مفهرسه، والله أعلم.
2117 - " كان يبدأ إذا أفطر بالتمر ".
رواه النسائي في " السنن الكبرى " (65 / 2) والفريابي في " الصيام " (4 /
62 / 2) وعنه ابن عساكر (4 / 286 / 1) والضياء في " المختارة " (1 / 292
) عن يزيد بن عبد العزيز عن رقبة عن بريد بن أبي مريم عن أنس مرفوعا.
وقال النسائي: " رواه شعبة فأرسله عن بريد عن النبي صلى الله عليه وسلم
وشعبة أحفظ ممن روى هذا الحديث ". قلت: وخالفه الدارقطني فرجح الموصول،
فقال كما نقله الضياء: " ويشبه أن يكون رقبة حفظه ". قلت: وهذا هو الصواب
لأن رقبة - وهو ابن مصقلة - ثقة مأمون كما في " التقريب " واحتج به الشيخان،
فلا يضره إرسال شعبة إياه لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ. ويزيد بن عبد
العزيز هو ابن سياه الأسدي الحماني، وهو ثقة أيضا من رجال الشيخين. وبريد
بن أبي مريم تابعي ثقة، فالإسناد صحيح.(5/153)
2118 - " كان يبعث إلى المطاهر، فيؤتى بالماء، فيشربه يرجو بركة أيدي المسلمين ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (ص 35) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 203)
عن حسان بن إبراهيم الكرماني عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر
قال: " قلت: يا رسول الله! الوضوء من جر جديد مخمر أحب إليك، أم من المطاهر
؟ قال: لا بل من المطاهر، إن دين الله يسر، الحنيفية السمحة "، قال: فذكره
، وقال: " لم يروه عن عبد العزيز إلا حسان ". قلت: وهو مختلف فيه
والأكثرون على توثيقه، والذي يترجح عندي أنه وسط حسن الحديث، ولاسيما وقد
خرج له البخاري في " صحيحه "، وقال الحافظ: " صدوق يخطىء ". والحديث قال
الهيثمي (1 / 214) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله موثقون، وعبد
العزيز بن أبي رواد ثقة ينسب إلى الإرجاء ". قلت: واحتج به مسلم وإرجاؤه لا
يضر حديثه كما هو مقرر في " مصطلح الحديث ". (المطاهر) : جمع (المطهرة) :
كل إناء يتطهر منه كالإبريق والسطل والركوة وغيرها كما في " المعجم الوسيط ".
2119 - " كان يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم
الشعير ".
أخرجه الترمذي (3 / 272 - تحفة) وابن ماجة (2 / 320) وأحمد (1 / 255
و373 - 374) والضياء في " المختارة " (66 / 89 / 1) من طريق ثابت بن يزيد عن(5/154)
هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن
صحيح ". قلت: وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير هلال بن خباب وهو
ثقة لكنه كان تغير بآخره.
2120 - " كان يتخلف في المسير، فيزجي الضعيف ويردف ويدعو لهم ".
أخرجه أبو داود (1 / 411) والحاكم (2 / 115) عن الحجاج بن أبي عثمان عن
أبي الزبير أن جابر بن عبد الله حدثهم به مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح
على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. قلت: هو كما قالا، فقد صرح أبو الزبير
بالتحديث، فأمنا بذلك تدليسه، ثم خرجته في " صحيح أبي داود " (2372) . (
يزجي) : أي يسوقه ليلحقه بالرفاق. (يردف) : أي جعله ردفه وأركبه خلفه.
2121 - " كان يتوضأ مما مست النار ".
أخرجه أحمد (6 / 321) عن محمد بن طحلاء قال: قلت لأبي سلمة: إن ظئرك سليما
لا يتوضأ مما مست النار؟ قال: فضرب صدر سليم، وقال: أشهد على أم سلمة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير ابن طحلاء وهو صدوق
. وقال الهيثمي في " المجمع " (1 / 248) :(5/155)
" رواه أحمد والطبراني في "
الكبير " ورجال الطبراني موثقون لأنه من رواية محمد بن طحلاء عن أبي سلمة.
وأبو سليمان الذي في إسناد أحمد لا أعرفه ولم أر من ترجمه ". قلت: الذي في "
المسند " المطبوع: " سليم "، وسواء كان هذا هو الصواب أو أبو سليمان، فهو
ليس من رجال إسناد الحديث كما هو ظاهر، فلا وجه لإعلال إسناد أحمد به. ثم إن
تعليله لتوثيقه لرجال الطبراني بأنه من رواية محمد بن طحلاء تعليل قاصر، فلعل
في العبارة سقطا نحو قوله: وهو ثقة، والله أعلم. ثم ذكر للحديث شاهدا من
حديث أبي أيوب من رواية الطبراني بإسناد رجاله رجال الصحيح. (الظئر) :
المرضعة لغير ولدها ويطلق على زوجها أيضا: والثاني هو المراد هنا كما هو
ظاهر.
2122 - " كان يتوضأ واحدة واحدة وثنتين ثنتين وثلاثا ثلاثا، كل ذلك يفعل ".
قال الهيثمي (1 / 233) : " رواه الطبراني في " الكبير " عن معاذ بن جبل
وفيه محمد بن سعيد المصلوب وهو ضعيف ". قلت: بل هو كذاب لكن الحديث قد جاء
من طريق أخرى عن أبي رافع قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ
ثلاثا ثلاثا ومرتين مرتين ومرة مرة ". أخرجه الطبراني أيضا في " الكبير " (1 / 317 / 937) وإسناده صحيح ورجاله(5/156)
رجال الصحيح كما قال الهيثمي. وله
شاهد من حديث ابن عمر، وجاء مفرقا في أحاديث، فراجع لها " إرواء الغليل ".
2123 - " كان اجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره ".
أخرجه مسلم (3 / 176) والترمذي (1 / 152) وابن ماجة (1767) وأحمد (6
/ 82 و 123 و 256) من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا.
2124 - " كان يجلس القرفصاء ".
أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 40 / 1) وأبو الشيخ (ص 267) عن عبد
الله بن المنيب عن جده عن أبيه أبي أمامة الحارثي قال: فذكره. قلت:
وهذا إسناد ضعيف، المنيب هذا هو ابن عبد الله بن أبي أمامة الحارثي، قال
الذهبي مشيرا إلى جهالته: " ما علمت عنه راويا سوى ولده عبد الله ". لكن
للحديث شاهدا يرويه عبد الله بن حسان العنبري قال: حدثتني جدتاي صفية ودحيبة
ابنتا عليبة بنت حوملة - وكانتا ربيبتي قيلة بنت مخرمة - أنهما أخبرتهما قيلة
قالت: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا القرفصاء، فلما رأيت النبي صلى
الله عليه وسلم المتخشع في الجلسة، أرعدت من الفرق ". أخرجه البخاري في "
الأدب المفرد " (رقم 1178) . قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد، العنبري هذا
روى عنه جمع من الثقات منهم عبد الله بن المبارك، وقال الحافظ فيه: " مقبول
".(5/157)
2125 - " كان يجلس على الأرض ويأكل على الأرض ويعتقل الشاة ويجيب دعوة المملوك على
خبز الشعير ".
أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 164 / 1) عن عبد الله بن مسلم بن هرمز عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، ابن هرمز هذا
ضعيف كما في " التقريب ". وله طريق أخرى يرويه مسلم الأعور عن سعيد بن جبير
به دون قوله: " على خبز الشعير ". أخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله
عليه وسلم " (ص 63) والبغوي في " شرح السنة " (4 / 3 / 1) . ومسلم هذا -
هو ابن كيسان الأعور - ضعيف أيضا كما في " التقريب ". ومن طريقه أخرجه
الترمذي في " الشمائل " (ص 190) عن أنس لم يذكر بينها سعيدا وهو رواية لأبي
الشيخ (ص 62) بلفظ: " كان يعود المرضى ويركب الحمار ويجيب دعوة العبد ...
". وأخرجه ابن سعد أيضا (1 / 371) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 312)
والحاكم (4 / 119) وصححه ورده الذهبي بقوله: " قلت: مسلم ترك ". لكن
الحديث جاء من طرق أخرى: 1 - عن أنس بن مالك قال: " كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقعد على الأرض، ويأكل على الأرض ويجيب دعوة المملوك، ويقول:
لو دعيت إلى ذراع لأجبت ولو أهدي إلي كراع لقبلت، وكان يعتقل شاته ".(5/158)
أخرجه
ابن سعد (1 / 371) ورجاله ثقات غير شيخه عمر بن حبيب العدوي، فهو ضعيف كما
في " التقريب ".
2 - عن أبي هريرة مرفوعا: " كان يلبس الصوف، ويجلس على الأرض ويأكل عليها
ويركب الحمار ويعتقل الشاة ويحلبها ويجيب دعوة المملوك ويقول: " لو دعيت
إلى كراع لأجبت ". أخرجه ابن عدي (243 / 2) عن عمر بن يزيد عن عطاء عنه
وقال " حديث غير محفوظ، وعمر يزيد منكر الحديث ".
3 - عن الحسن مرفوعا: " كان والله يجلس بالأرض ويوضع طعامه بالأرض ويلبس
الغليظ ويركب الحمار ويردف بعده ويلعق والله يده ". أخرجه ابن المبارك في "
الزهد " (575) : أخبرنا معمر عن يحيى بن المختار عنه، وهو ابن أبي الحسن
البصري. وهذا إسناد مرسل ضعيف، يحيى بن المختار مستور كما في " التقريب ".
4 - عن أبي موسى قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب الحمار ويلبس
الصوف ويعتقل الشاة ويأتي مراعاة الضيف ". أخرجه أبو الشيخ (ص 129)
والحاكم (1 / 61) وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي
، وهو كما قالا.
5 - عن جابر مرفوعا: " كان يجيب دعوة المملوك ". أخرجه ابن سعد (1 / 370)
عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي(5/159)
الزبير عنه، وهذا إسناد ضعيف.
6 - عن حمزة بن عبد الله بن عتبة قال: " كانت في النبي صلى الله عليه وسلم
خصال ليست في الجبارين، كان لا يدعوه أحمر ولا أسود من الناس إلا أجابه ...
وكان يركب الحمار عريا ليس عليه شيء ". أخرجه ابن سعد. ورجاله ثقات غير
حمزة هذا، ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 2 / 212) من رواية جمع عنه، وزاد
البخاري ثقة آخر، وذكره ابن حبان في " ثقات التابعين " (4 / 169) فالحديث
مرسل حسن.
7 - عن الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب حمارا عريا. أخرجه ابن سعد
أيضا عن مسلم مولى الشعبي عن الشعبي مرسلا. ومسلم هذا لم أعرفه.
2126 - " كان يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس ".
أخرجه أحمد (4 / 356) وابنه عبد الله والطبراني في " الكبير " من طريق ابن
عياش عن موسى بن عقبة عن أبي النضر عن عبيد الله بن معمر عن عبد الله بن أبي
أوفى قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبيد الله بن معمر مجهول كما
قال الحسيني. وابن عياش - هو إسماعيل الحمصي - ضعيف في روايته عن الحجازيين
وهذا منها. والحديث قال الهيثمي (5 / 325) : " رواه أحمد والطبراني من طريق
إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة وهي(5/160)
ضعيفة ". قلت: ولفظ الطبراني كما في "
الجامع الصغير ": " كان يعجبه أن يلقى العدو عند زوال الشمس ". وخالف ابن
عياش أبو إسحاق الفزاري في إسناده فقال: عن موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر
مولى عمر بن عبيد الله - وكان كاتبا له - قال: كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى
رضي الله عنهما فقرأته: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي
لقي فيه (العدو) انتظر حتى مالت الشمس ثم قام في الناس قال ... ". أخرجه
البخاري (6 / 91 - فتح) والبيهقي (9 / 152) . ورواه أحمد (4 / 353 - 354
) من طريق أبي حيان قال: سمعت شيخا بالمدينة يحدث أن عبد الله بن أبي أوفى كتب
إلى عبيد الله إذا أراد أن يغزو الحرورية، فقلت لكاتبه - وكان لي صديقا -:
انسخه لي، ففعل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره بلفظ: " فينظر
، إذا زالت الشمس نهد إلى عدوه ... ثم قال ". ورجاله ثقات غير الشيخ الذي لم
يسم. وقال الحافظ بعد أن ذكر حديث الترجمة من رواية أحمد: " ولسعيد بن
منصور من وجه آخر عن ابن أبي أوفى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تمهل (!
) إذ زالت الشمس، ثم ينهض إلى عدوه ".
2127 - " كان يحب الدباء ".
أخرجه أحمد (3 / 177 و 274) عن شعبة قال: سمعت قتادة يحدث قال: سمعت أنس
ابن مالك قال: فذكره. وفي لفظ: " القرع "، قال:(5/161)
" فأتي بطعام أو دعي له
، قال أنس: فجعلت أتتبعه، فأضعه بين يديه لم أعلم أنه يحبه ". قلت:
وإسناده صحيح على شرط الشيخين. ومن طريق أخرى عنده (3 / 279 و 289 - 290) عن
شعبة بلفظ: " كان يعجبه القرع، وفي لفظ: الدباء ". وسنده صحيح أيضا.
وأخرجه ابن ماجة (2 / 310 - 311) من طريق حميد عن أنس باللفظ الأول. وإسناده
صحيح على شرط البخاري. وأخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
" (ص 229 - 231) من طرق أخرى عن أنس باللفظين. وأخرجه الترمذي في " الشمائل
" (ص 199) من طريقين عنه باللفظ الأول. وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وأبو يعلى (3 / 1032) من طريق أخرى، وابن عدي (170 / 1) من طريق سواها،
كلاهما عن أنس باللفظ الثاني. وكذا رواه ابن سعد (1 / 391) .
2128 - " كان يستحب يوم الخميس أن يسافر فيه ".
أخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 262) وابن عدي
(114 / 1) عن خالد بن إلياس عن أبي سلمة، وقال أبو الشيخ: " عن محمد بن
المنكدر " عن أم سلمة مرفوعا.(5/162)
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، خالد بن إلياس
متروك الحديث كما قال الحافظ في " التقريب ". ومن طريقه أخرجه الطبراني في "
الكبير " وإليه وحده عزاه السيوطي في " الجامع " وبه أعله الهيثمي وغيره.
لكن في " البخاري " (6 / 86) من حديث كعب بن مالك: " أن النبي صلى الله عليه
وسلم خرج يوم الخميس في غزوة تبوك، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس ". وفي
رواية له: " لقلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إذا خرج في سفر إلا
يوم الخميس ". ورواها البيهقي (9 / 191) وأحمد (3 / 456) . وروى سعيد
بن منصور عن مهدي بن ميمون عن واصل مولى أبي عيينة قال: " بلغني أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان إذا سافر أحب أن يخرج يوم الخميس ". وهذا إسناد معضل،
رجاله ثقات.
2129 - " كان يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب ".
أخرجه الترمذي في " الشمائل " (ص 190) عن الأعمش عن أنس بن مالك مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم إلا أن الأعمش على عنعنته لم يثبت له
سماع من أنس. لكن تابعه قتادة قال: حدثني أنس: " أن خياطا بالمدينة دعا
النبي صلى الله عليه وسلم لطعامه، قال: فإذا خبز شعير بإهالة سنخة، وإذا(5/163)
فيها قرع، قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه القرع، قال أنس: لم
يزل يعجبني القرع منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه ". أخرجه أحمد
(3 / 208 و 210 - 211 و 232 و 252 و 270 و 289) وابن سعد (1 / 391) من طرق
عنه. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. قوله: (والإهالة) : هي كل شيء من
الأدهان مما يؤتدم به، وقيل غير ذلك. و (السنخة) : المتغيرة الريح.
2130 - " كان يركب الحمار ويخصف النعل ويرقع القميص، ويقول: من رغب عن سنتي فليس
مني ".
رواه أبو الشيخ (ص 128) والسهمي في " تاريخ جرجان " (315) من طريق أبي
يعلى حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا يحيى بن يعلى عن مختار التيمي عن كرز
ابن وبرة الحارثي عن أبي أيوب مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، مختار -
وهو ابن نافع التيمي - ضعيف، ومثله يحيى ابن يعلى وهو الأسلمي الكوفي. لكن
له شاهد مرسل قوي، قال ابن سعد (1 / 372) : أخبرنا محمد بن مقاتل الخراساني
: أخبرنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا سفيان أن الحسن قال: " لما بعث
الله محمدا صلى الله عليه وسلم قال: هذا نبيي، هذا خياري، ائتسوا به،
وخذوا في سنته وسبيله، لم يكن تغلق دونه الأبواب ولا تقوم دونه الحجبة ولا
يغدى عليه بالجفان ولا يراح عليه بها، يجلس على الأرض ويأكل طعامه بالأرض
ويلبس الغليظ ويركب الحمار ويردف بعده ويلعق أصابعه، وكان يقول: من يرغب
عن سنتي فليس مني ". قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل، رجاله كلهم ثقات رجال
البخاري.(5/164)
2131 - " كان يسمي الأنثى من الخيل فرسا ".
أخرجه الحاكم (2 / 144) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا موسى بن سهل
حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن أبي حيان التيمي عن أبي زرعة عن أبي هريرة
مرفوعا وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي! وأقول: كلا،
فإن موسى بن سهل هذا لم يخرج له الشيخان مطلقا، ثم إن في الرواة في طبقته
أربعة، كلهم يسمى موسى بن سهل. الأول: موسى بن سهل بن قادم الرملي النسائي
الأصل، وهذا ثقة من شيوخ أبي داود والنسائي.
الثاني: موسى بن سهل بن كثير الوشاء البغدادي، وهو ضعيف.
الثالث: موسى بن سهل بن هارون الرازي ضعيف جدا.
الرابع: موسى بن سهل الرازي لا يعرف. ولم يتعين عندي الآن أيهم صاحب هذا
الحديث، وإلى أن يتبين أنه الثقة، فهو على الضعف، والله أعلم. ثم رأيت له
متابعا، فقال أبو داود (1 / 399) : حدثنا موسى بن هارون الرقي حدثنا مروان
ابن معاوية به. والرقي الذي سمع منه أبو حاتم الرازي وغيره من الأئمة وذكره
ابن حبان في " الثقات ". فالحديث بهذه المتابعة ينجو من الضعف، ويدخل في قسم
الصحيح أو الحسن على الأقل. والله سبحانه وتعالى أعلم.(5/165)
2132 - " كان يصلي ما بين المغرب والعشاء ".
أخرجه ابن نصر في " قيام الليل " (ص 32) والبيهقي (3 / 20) عن منصور بن
صقير حدثنا عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف
، عمارة بن زاذان صدوق سيء الحفظ. ومنصور بن صقير ضعيف. لكن للحديث شواهد
يتقوى بها: منها عن عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم. عزاه السيوطي في "
الجامع " للطبراني في " المعجم الكبير " وعند أحمد أيضا (5 / 431) والبيهقي
من طريق التيمي قال: " طرأ علينا رجل في مجلس أبي عثمان النهدي فحدثنا عن عبيد
.... " فذكره. ورواه هو وابن نصر عن المعتمر بن سليمان قال: قال أبي:
حدثني رجل قال: " سئل عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل علمت أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بصلاة بعد المكتوبة؟ قال: نعم، بين
المغرب والعشاء ". ومنها عن حذيفة مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد وغيره بسند
صحيح كما هو مبين في " تخريج الترغيب " (1 / 205 - 206) .
2133 - " كان يضمر الخيل يسابق بها ".
أخرجه أبو داود (1 / 403 - تازية) عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر
مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، ورجاله كلهم ثقات رجال البخاري. وأخرجه
ابن ماجة (2 / 205) من هذا الوجه بنحوه.(5/166)
وتابعه ابن أبي ليلى عن نافع به
دون قوله: " يسابق بها ". أخرجه أحمد.
2134 - " كان يعجبه الحلو البارد ".
أخرجه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (9 / 260) : حدثنا محمد بن غالب حدثنا
الحميدي وهذا في " مسنده " (1 / 125 / 257) حدثنا سفيان عن معمر عن الزهري
عن عروة عن عائشة مرفوعا. ثم روى من طريق ابن حنبل: حدثني أبي حدثنا
سفيان بلفظ: " كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البارد ".
ثم زاد (10 / 276) من طريق محمد بن منصور الجواز المكي: حدثنا سفيان به:
" الحلو البارد ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وهو في " المشكاة
" (4282) بنحوه، وفيه زيادة: " الحلو البارد ". وهي في " مسند أحمد " (
6 / 38 و 40) بإسناده المتقدم: حدثنا سفيان به. وقد أعل الترمذي هذا الحديث
بالإرسال، وسيأتي الجواب عنه حينما نعيد الحديث بزيادة في التخريج والتحقيق
إن شاء الله برقم (3006) .
2135 - " كان يعجبه الرؤيا الحسنة ".
أخرجه أحمد (3 / 135 و 257) عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس مرفوعا
.(5/167)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وله شاهد يرويه علي بن زيد عن عبد
الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه مرفوعا به. أخرجه أحمد (5 / 44 و 50) والطحاوي
في " المشكل " (4 / 312) . قلت: وإسناده لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات
على شرط مسلم غير علي بن زيد - وهو ابن جدعان - فهو ضعيف لسوء حفظه.
2136 - " كان يعجبه الريح الطيبة ".
أخرجه أبو داود (2 / 178) والحاكم (4 / 188 - 189) وأحمد (6 / 144 و 219
و249) وابن سعد (1 / 453) من طرق عن همام بن يحيى عن قتادة عن مطرف عن
عائشة: " أنها صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة، من صوف سوداء،
فلبسها، فلما عرق وجد ريح الصوف، فخلعها، وكان ... " فذكره. وقال الحاكم
: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأخرجه أبو
الشيخ (ص 129) نحوه.
2137 - " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف بريح الطيب إذا أقبل ".
أخرجه ابن سعد (1 / 399) والدارمي (1 / 32) عن الأعمش عن إبراهيم قال
: فذكره. قلت: ورجاله ثقات لكنه مرسل أو معضل، فإن إبراهيم - هو ابن يزيد
النخعي - تابعي صغير، عامة رواياته عن التابعين. ثم روى ابن سعد من طريق أبي
بشر صاحب البصري: أخبرنا يزيد الرقاشي أن(5/168)
أنس بن مالك حدثهم قال: " كما نعرف
خروج النبي صلى الله عليه وسلم بريح الطيب ". لكن يزيد الرقاشي ضعيف. وأبو
بشر صاحب البصري (ويقال: القرى والمقري) قال أبو حاتم: " لا أعرفه ". ثم
روى الدارمي من طريق إسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن الهامشي أنبأنا المغيرة بن
عطية عن أبي الزبير عن جابر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسلك طريقا،
أو لا يسلك طريقا فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه، أو قال: من
ريح عرقه ". قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو الزبير مدلس وقد عنعنه. والمغيرة
بن عطية مجهول، أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 1 / 227) من
هذه الرواية، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وإسحاق بن الفضل بن عبد
الرحمن الهاشمي أورده الطوسي في " رجاله " (ص 149) في أصحاب جعفر الصادق رقم
(134) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا كغالب عادته! وزاد على ما في هذا
الإسناد أنه مدني. ذكره في أصحاب الباقر (ص 104 رقم 17) : " إسماعيل بن
الفضل بن يعقوب بن الفضل بن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب ثقة من أهل
البصرة ". وذكر المعلق عليه أنه هو الأول المدني، وتبع في ذلك الحافظ ابن
حجر في " اللسان " وهو بعيد عندي لاختلاف اسم جدهما، ونسبتهما. والله أعلم
. ثم وجدت لحديث أنس طريقا أخرى يرويه بشر بن سيحان حدثنا عمر بن سعيد(5/169)
الأبح عن
سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس به نحوه. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (ص
314 - نسخة الحرم المكي من زوائده) . وهذا سند ضعيف أيضا، عمر بن سعيد
الأبح قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 111) عن أبيه: " ليس بقوي ". وفي "
الميزان ": " قال البخاري: منكر الحديث ". وبالجملة، فالحديث حسن على أقل
الأحوال بمجموع طرقه. والله تعالى أعلم.
2138 - " كان يضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه بين الركن والباب. يعني في الطواف ".
أخرجه أبو داود (1 / 297) وابن ماجة (2 / 225 - 226) والبيهقي (5 / 93)
وكذا عبد الرزاق في " المصنف " (9043) والأصبهاني في " الترغيب " (135 / 1
) عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال " طفت مع عبد الله،
فلما جئنا دبر الكعبة قلت له: ألا تتعوذ؟ قال: أعوذ بالله من النار، ثم مضى
حتى استلم الحجر، قام بين الركن والباب فوضع صدره ... ثم قال: هكذا رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ". قلت: والمثنى ضعيف، وزاد عبد
الرزاق بعد قوله: " عن أبيه ": " عن جده "، والأول أصح. فقد تابعه علي بن
عاصم أنبأنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: كنت أطوف.... فذكره نحوه
.(5/170)
أخرجه البيهقي. لكن علي بن عاصم فيه ضعف وقد خالفه عبد الرزاق فقال (9044
) : عن ابن جريج قال: قال عمرو بن شعيب: طاف محمد بالبيت - جده - مع أبيه عبد
الله بن عمرو ... فذكره نحوه. وابن جريج مدلس ومن الممكن أن تكون الواسطة
بينه وبين عمرو بن سعيد هو المثنى نفسه، فلا يتقوى الحديث بطريقه عن عمرو،
ولاسيما مع هذا الاختلاف في إسناده عنه. لكن يشهد له ما روى يزيد بن أبي زياد
عن مجاهد عن عبد الرحمن بن صفوان قال: " لم فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم
مكة، قلت ... فلأنظرن كيف يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فانطلقت فرأيت
النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه، وقد استلموا البيت
من الباب إلى الحطيم، وقد وضعوا خدودهم على البيت، ورسول الله صلى الله
عليه وسلم وسطهم ". أخرجه أبو داود والبيهقي وأحمد (3 / 431) وابن أبي
شيبة في " مسنده " أيضا (2 / 35 / 2) . ورجاله ثقات غير يزيد هذا - وهو
الهاشمي مولاهم - ضعيف الحفظ. ووجدت له شاهدا موقوفا قويا، فقال عبد الرزاق
(9047) : عن ابن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد قال: قال ابن عباس: "
هذا الملتزم بين الركن والباب ". قلت: وهذا إسناد صحيح. ثم روى عن هشام بن
عروة عن أبيه: " أنه كان يلصق بالبيت صدره ويده وبطنه ".(5/171)
وسنده صحيح أيضا
. وروى عبد الرزاق أيضا (9045) بسند صحيح أيضا عن مجاهد قال: جئت ابن عباس
وهو يتعوذ بين الركن والباب. وأخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " (4 / 93)
أيضا لكنه قرن مع ابن عباس ابن عمرو وابن عمر. وروى عبد الرزاق (9051)
بإسناد صحيح عن نافع أن ابن عمر كان لا يلزم شيئا من البيت. لكن رواية مجاهد
أولى لأنه مثبت والمثبت مقدم على النافي كما هو مقرر في علم الأصول. وأما
حديث: " ما بين الركن والمقام ملتزم من دعا ... " الحديث، فإسناده ضعيف جدا
كما بينته في " الضعيفة " (4865) .
2139 - " مر النبي صلى الله عليه وسلم على نسوة، فسلم عليهن ".
أخرجه أحمد (4 / 357 و 363) وابن السني في " عمل اليوم " (221) والطبراني
في " الكبير " (118 / 1) عن جابر عن طارق التميمي عن جرير قال: فذكره.
وزاد أحمد بين جابر وطارق رجلا لم يسمه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، جابر هو
ابن يزيد الجعفي وهو ضعيف، ووقع في الموضع الثاني من " المسند " جابر بن عبد
الله. ولعله وهم. وطارق التميمي كذا وقع في الموضعين من " المسند "، ووقع
في ابن السني والطبراني " التيمي " ولم أجد له ترجمة. لكن الحديث قد صح من
حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية.(5/172)
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1047
و1048) بسندين، أحدهما حسن رجاله ثقات رجال مسلم غير مهاجر بن أبي مسلم مولى
أسماء روى عنه جمع من الثقات، ووثقه ابن حبان (5 / 427) . وتابعه شهر بن
حوشب، ولا بأس به في المتابعات وهي الطريق الأخرى. وأخرجها أيضا أبو داود
والترمذي وأحمد (6 / 452 و 457 - 458) .
2140 - " كان يمشي مشيا يعرف فيه أنه ليس بعاجز ولا كسلان ".
رواه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (11 / 58 / 2 من المنتقى منها) : حدثنا
الحسين (يعني: ابن إسماعيل) حدثنا عبيد الله بن جرير بن جبلة قال: حدثنا
ابن أبي بكر قال: حدثنا يحيى بن راشد قال: حدثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن
ابن عباس مرفوعا. وابن أبي بكر هو المقدمي، وقد رواه من طريق أخرى عنه
البغوي في " شرح السنة " (4 / 70 / 2) . قلت: ويحيى بن راشد - وهو المازني
- ضعيف. ولكنه تابعه حماد بن سلمة فقال أبو الحسن الحربي في " الحربيات " (2
/ 47 / 2) : أخبرنا عبد الله بن أسيد أخبرنا أبو مسعود أحمد بن الفرات أخبرنا
زيد بن عوف أخبرنا حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند جابر - وهو ابن زيد، أبو
الشعثاء - عن ابن عباس نحوه. لكن زيد بن عوف متروك. وله شاهد مرسل رواه ابن
المبارك في " الزهد " (288 / 873) : أخبرنا أبو إسرائيل عن سيار أبي الحكم
مرفوعا بلفظ: " كان يمشي مشية السوقي، لا العاجز ولا الكسلان ". وأبو
إسرائيل اسمه إسماعيل بن خليفة، صدوق، سيء الحفظ.(5/173)
وبالجملة، فالحديث عندي
حسن بهذا الشاهد، ولاسيما وهو معنى حديث علي: " كان إذا مشى تقلع كأنما
ينحط من صبب ". وقد مضى تخريجه تحت الحديث (2083) .
2141 - " كان يلاعب زينب بنت أم سلمة وهو يقول: يا زوينب! يا زوينب، مرارا ".
رواه الضياء في " المختارة " (45 / 2) عن أحمد بن حرب حدثنا علي بن عبد
الحميد حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني - قال: قال علي: أحسبه - عن
أنس مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح. رجاله كلهم ثقات.
2142 - " لأن تصلي المرأة في بيتها خير لها من أن تصلي في حجرتها، ولأن تصلي في
حجرتها خير لها من أن تصلي في الدار ولأن تصلي في الدار خير لها من أن تصلي في
المسجد ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 265) والبيهقي في: " السنن " (3 /
132) و " شعب الإيمان " (2 / 475 / 1) عن أبي بكر بن أبي أويس حدثني سليمان
ابن بلال عن شريك بن أبي نمر عن يحيى بن جعفر بن أبي كثير عن محمد بن عبد
الرحمن بن أبي لبيبة عن القاسم بن محمد عن عائشة مرفوعا. قلت: وهذا
إسناد رجاله موثقون غير يحيى بن جعفر بن أبي كثير وهو أخو(5/174)
إسماعيل بن جعفر
وفي ترجمته ساق البخاري هذا الحديث، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وكذلك صنع
ابن أبي حاتم (4 / 2 / 134) ولكنه لم يسق الحديث وذكر أنه روى عنه إسماعيل
بن جعفر ولعله وهم وذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 596) . ثم ذكر
البخاري أن حاتم بن إسماعيل روى عن يحيى بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن
جده عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. ويحيى بن محمد بن عبد الرحمن ... لم
أعرفه ويحتمل أنه خطأ مطبعي وأن الصواب عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن ...
ويحيى هو ابن جعفر بن أبي كثير نفسه المذكور في الطريق الأولى، وغرض البخاري
أن يبين أن حاتم بن إسماعيل خالف شريك بن أبي نمر في إسناده فقال: عن يحيى عن
محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده. وقال شريك عن يحيى عن محمد بن عبد
الرحمن بن أبي لبيبة عن القاسم عن عائشة. والله أعلم. وللحديث شاهد يرويه
محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ عن أبيه عن أم سلمة مرفوعا. أخرجه الطبراني في
" الأوسط " (1 / 24 / 1) وقال: " لا يروى عن أم سلمة إلا بهذا الإسناد ".
قلت: وقال المنذري في " الترغيب " (1 / 135) : " إسناده جيد ". كذا قال،
ويرده قول الهيثمي (2 / 34) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال
الصحيح خلا زيد بن المهاجر، فإن ابن أبي حاتم لم يذكر عنه راويا غير ابنه محمد
ابن زيد ". قلت: ولكنه شاهد لا بأس به لحديث عائشة، فالحديث حسن بمجموعهما
.(5/175)
وله شاهد آخر من حديث أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي مرفوعا بنحوه، وله
عنها طريقان يقوي أحدهما الآخر كما بينته في " تخريج الترغيب "، فالحديث به
صحيح.
2143 - " لئن عشت إن شاء الله لأنهين أن يسمى: رباح ونجيح وأفلح ونافع ويسار ".
أخرجه الترمذي (2 / 136) وابن ماجة (3729) والطحاوي في " مشكل الآثار " (
2 / 302) والحاكم (4 / 274) عن أبي أحمد حدثنا سفيان الثوري عن أبي الزبير
عن جابر عن عمر بن الخطاب مرفوعا. ولم يذكر الطحاوي عمر في إسناده وقال
الترمذي: " حديث غريب، هكذا رواه أبو أحمد عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن
عمر، ورواه غيره عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم
، وأبو أحمد ثقة حافظ، والمشهور عند الناس عن جابر عن النبي صلى الله عليه
وسلم ليس فيه عن عمر ". قلت: هي رواية الطحاوي كما ذكرنا، وهي عنده من
رواية محمد بن كثير العبدي: حدثنا سفيان الثوري به. وتابعه أبو حذيفة:
حدثنا سفيان به. أخرجه الحاكم، وقال: " صحيح على شرط مسلم، ولا أعلم أحد
رواه عن الثوري بذكر عمر في إسناده غير أبي أحمد ". ووافقه الذهبي، وهو كما
قالا لولا عنعنة أبي الزبير، لكن قد صرح بالتحديث في رواية ابن جريج، أخبرني
أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: " أراد النبي صلى الله عليه وسلم
أن ينهى عن أن يسمى بيعلى وببركة وبأفلح وبيسار وبنافع وبنحو(5/176)
ذلك، ثم
رأيته سكت بعد عنها فلم يفعل شيئا، ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم
ينه عن ذلك، ثم أراد عمر أن ينهى عن ذلك ثم تركه ". أخرجه مسلم (6 / 172) .
(تنبيه) : ثم قبض ولم ينه عن ذلك، إنما هو بالنسبة لعلم جابر، وإلا فقد
حفظ نهيه عن ذلك سمرة بن جندب كما رواه مسلم وغيره، فانظر " الترغيب " (3 /
85) .
2144 - " عليكم بحصى الخذف الذي ترمى به الجمرة ".
أخرجه مسلم (4 / 71) والنسائي (2 / 49) والبيهقي (5 / 127) وأحمد
(1 / 210 و 213) عن أبي الزبير عن أبي معبد عن عبد الله بن عباس عن الفضل
ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس حين دفعوا عشية عرفة
وغداة جمع: " عليكم بالسكينة "، وهو كاف ناقته حتى إذا دخل منى فهبط حين
هبط محسرا قال: فذكره. قال: والنبي صلى الله عليه وسلم يشير بيده كما يخذف
الإنسان. وصرح أبو الزبير بالتحديث في رواية لأحمد وغيره.
(فائدة) : ترجم النسائي لهذا الحديث بقوله: " من أين يلتقط الحصى؟ "،
فأشار بذلك إلى أن الالتقاط يكون من منى، والحديث صريح في ذلك لأن النبي صلى
الله عليه وسلم إنما أمرهم به حين هبط محسرا، وهو من منى كما في رواية مسلم
والبيهقي وعليه يدل ظاهر حديث ابن عباس قال: قال لي رسول الله غداة العقبة
وهو على راحلته: هات القط لي، فلقطت له حصيات هن حصى الخذف، فلما وضعتهن في
يده قال: بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم
الغلو في الدين. أخرجه النسائي والبيهقي وأحمد (1 / 215 و 247) بسند صحيح
.(5/177)
ووجه دلالته إنما هو قوله: " غداة العقبة "، فإنه يعني غداة رمي جمرة
العقبة الكبرى، وظاهره أن الأمر بالالتقاط كان في منى قريبا من الجمرة، فما
يفعله الناس اليوم من التقاط الحصيات في المزدلفة مما لا نعرف له أصلا في السنة
، بل هو مخالف لهذين الحديثين على ما فيه من التكلف والتحمل بدون فائدة!
2145 - " إذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه سر الجنة ".
أخرجه الفسوي في " التاريخ " (2 / 254 - 255) وكذا البخاري في ترجمة سويد (
2 / 2 / 146) والبزار في " مسنده " (4 / 191 / 3512) والطبراني في "
المعجم الكبير " (18 / 254 / 635) و " مسند الشاميين " (ص 367) كلهم عن
إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زبريق قال: حدثني عمرو بن الحارث بن الضحاك قال
: حدثني عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي عوف أن
سويد بن جبلة حدثهم: أن عرباض بن سارية حدثهم يرده إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال: فذكره، وزادوا إلا البزار: " يقول الرجل منكم لراعيه:
عليك بسر الوادي، فإنه أمرعه وأعشبه ". وقال البزار: " لا نعلمه عن
العرباض إلا هذا بهذا الإسناد ". قلت: وهو ضعيف لما يأتي. وقال الهيثمي (
10 / 171) : " رواه الطبراني، ورجاله وثقوا ". وقال في موضع آخر (10 /
398) : " رواه البزار، ورجاله ثقات "!(5/178)
كذا قال، وقلده الأعظمي - كعادته -
، وأعجب منه ما فعله المناوي، فإنه نقل قول الهيثمي الأول، ثم قال عقبه: "
وبه يعلم أن رمز المؤلف لحسنه تقصير، وحقه الرمز لصحته "! وقلده القائمون
على طبع " الجامع الكبير " (1 / 5 / 588 / 1939) كعادتهم أيضا! ووجه الخطأ
من ناحيتين: الأولى: أن قوله: " رجاله ثقات " لا يعني أن الإسناد صحيح، لما
تقدم بيانه أكثر من مرة، فكيف وهو تعقبه في قوله الأول: " رجاله وثقوا "،
فإن هذا فيه إشارة إلى أن بعض رجاله وثقوا توثيقا مريضا. ويكثر من هذا
التعبير الحافظ الذهبي في كتابه " الكاشف "، وقد تتبعت قوله هذا في عشرات
التراجم، فوجدتها كلها أو جلها ممن تفرد ابن حبان بتوثيقه، ويقول فيهم وفي
أمثالهم في " الميزان ": " مجهول "، ويقول الحافظ: " مقبول ". وفي إسناد
هذا الحديث - كما ترى - سويد بن جبلة، وقد وثقه ابن حبان، لكن قد ذكر
البخاري أنه روى عنه أربعة من الثقات، أحدهم: حريز بن عثمان، وقد قال أبو
داود: " شيوخ حريز ثقات "، ولذلك ملت في " تيسير الانتفاع " إلى أنه صدوق،
فليس هو علة هذا الحديث، وإنما هي التالية على التأكيد.
والأخرى: إسحاق بن زبريق هذا، فإنه مختلف فيه وأورده ابن حبان في " الثقات
" (8 / 113) تبعا لقول ابن معين فيه: " لا بأس به ". لكن كذبه محمد بن عوف
الطائي الحمصي، وهو به أعرف من غيره لأنه من بلده، ولذلك قال الحافظ فيه:
" صدوق يهم كثيرا، وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب ".(5/179)
ولهذا، فالنفس لا تطمئن
للاحتجاج بحديثه، وإنما للاستشهاد به، ولذلك خرجته هنا، فإن له شاهد عند
البخاري وغيره، تقدم تخريجه برقم (921 و 922) بخلاف حديث آخر له، كنت
خرجته بهذا الرقم، لكون الهيثمي ذكر أن له إسنادين أحدهما حسن! فاتبعته على
ذلك لأن المصدر الذي عزاه إليه، وهو " الطبراني الكبير " لم يكن مطبوعا،
فلما طبع والحمد لله تبين أن مدار الإسنادين على ابن زبريق هذا، فنقلته إلى
" الضعيفة " لخلوه - فيما علمت - من شاهد، وهو برقم (5725) .
2146 - " كان من تلبيته صلى الله عليه وسلم: لبيك إله الحق ".
أخرجه النسائي (2 / 18) وابن ماجة (2 / 216) وابن خزيمة (261 / 2)
وابن حبان (975) والحاكم (1 / 450) والبيهقي (5 / 45) وأحمد (2 / 341
و352 و 476) وأبو نعيم (9 / 42) من طريق عبد العزيز بن عبد الله بن أبي
سلمة عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأما النسائي
فقال: " لا أعلم أحدا أسند هذا عن عبد الله بن الفضل إلا عبد العزيز، ورواه
إسماعيل بن أمية عنه مرسلا ". قلت: عبد العزيز هذا ثقة ثبت محتج به في "
الصحيحين " وهو الماجشون، فزيادته مقبولة. ثم روى البيهقي من طريق محبوب بن
الحسن، حدثنا داود عن عكرمة عن ابن عباس: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
خطب بعرفات، فلما قال: لبيك اللهم لبيك، قال: إنما الخير خير الآخرة ".(5/180)
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله رجال " الصحيح "، وفي محبوب - وهذا لقبه،
واسمه محمد بن الحسن بن هلال - خلاف، والراجح أنه حسن الحديث، وقد روى له
البخاري حديثا واحدا.
2147 - " لعن الخامشة وجهها والشاقة جيبها والداعية بالويل والثبور ".
أخرجه ابن ماجة رقم (1585) وابن حبان (737) عن أبي أسامة عن عبد الرحمن
ابن يزيد بن جابر عن مكحول والقاسم عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم لعن ... قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم غير القاسم وهو
ابن عبد الرحمن الدمشقي، صاحب أبي أمامة وهو حسن الحديث وقد قرن به مكحولا
وهو ثقة، فكان ينبغي أن يصحح الحديث لولا أنه مدلس وقد عنعنه.
2148 - " لعن المختفي والمختفية ".
أخرجه البيهقي (8 / 270) من طريق يحيى بن صالح وأبي قتيبة حدثنا مالك عن أبي
الرجال عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لعن ... قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، ولعله لم يخرجه للاختلاف في
إسناده، فقد أخرجه البيهقي من طريق الشافعي: أنبأ مالك عن أبي الرجال عن أمه
عمرة بنت عبد الرحمن أن النبي صلى الله عليه وسلم ... وقال: " وهذا مرسل
وهو الصحيح "، وقد تعقبه ابن التركماني فقال: " فيه أن يحيى بن صالح ثقة،
أخرج له الشيخان وغيرهما، وأبو قتيبة سلم بن قتيبة(5/181)
أخرج له البخاري في "
صحيحه "، فهذان ثقتان زادا الوصل، فيقبل منهما. وتابعهما عبد الله بن عبد
الوهاب، فرواه عن مالك كذلك. أخرجه صاحب " التمهيد "، فظهر بهذا أن الصحيح
في هذا الحديث أنه موصول ". (المختفي) : هو نباش القبور.
2149 - " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من يسم في الوجه ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (140 / 2) قال: حدثنا أحمد بن سليمان
ابن أيوب المديني الأصبهاني أخبرنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق أخبرنا أبي
أخبرنا أبو حمزة عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس به. قلت: وهذا
إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، غير أحمد بن سليمان هذا، قال أبو نعيم في "
أخبار أصبهان " (1 / 109) : " توفي سنة تسع وتسعين ومائتين، يروي عن
العراقيين الحديث الكثير: سوار بن عبد الله والوليد بن شجاع وزياد بن أيوب،
وغيرهم من الثقات ". وذكر أبو الشيخ في " طبقاته " (ص 372 - منسوختنا) أنه
من أهل المدينة، يكنى أبا محمد الوشاء. قلت: والحديث أصله في " مسلم " (6
/ 163) من طريق أبي عبد الله مولى أم سلمة حدثه أنه سمع ابن عباس يقول: " رأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا موسوم الوجه، فأنكر ذلك ". وهو رواية
للطبراني (3 / 99 / 2) . وله شاهد من حديث جابر قال: " مر حمار برسول الله
صلى الله عليه وسلم قد كوي في وجهه يفور منخراه من دم، فقال رسول الله(5/182)
صلى
الله عليه وسلم: لعن الله من فعل هذا. ثم نهى عن الكي في الوجه، والضرب في
الوجه ". أخرجه مسلم وابن حبان (2003 - 2005) والسياق له، وأبو داود (
2564) ولفظه: " أما بلغكم أني قد لعنت من وسم البهيمة في وجهها، أو ضربها
في وجهها؟ ! فنهى عن ذلك ". وله شاهد آخر من حديث أنس قال: " رأى رسول الله
صلى الله عليه وسلم حمارا موسوما في وجهه، فقال: " فذكره. أخرجه البزار (ص
249 - زوائده) بسند صحيح كما قال مختصره.
2150 - " لقد قرأتها، سورة (الرحمن) على الجن ليلة الجن، فكانوا أحسن مردودا منكم
، كنت كلما أتيت على قوله * (فبأي آلاء ربكما تكذبان) *، قالوا: لا بشيء من
نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد ".
أخرجه الترمذي في " سننه " (2 / 234) عن زهير بن محمد عن محمد بن المنكدر عن
جابر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ
عليهم (سورة الرحمن) من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: فذكره. وقال
الترمذي: " هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم عن زهير بن
محمد، قال ابن حنبل: كأن زهير بن محمد الذي وقع بالشام ليس هو الذي يروى عنه
بالعراق، كأنه رجل آخر قلبوا اسمه يعني: لما يروون عنه من المناكير وسمعت
محمد بن إسماعيل البخاري يقول: أهل الشام يروون عن زهير بن محمد مناكير وأهل
العراق يروون عنه أحاديث مقاربة ".(5/183)
ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (2 / 473)
وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي! لكن للحديث شاهدا يتقوى
به، فقال ابن جرير (27 / 72) : حدثنا محمد بن عباد بن موسى وعمرو بن مالك
البصري قالا: حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن
عمر مرفوعا به. وأخرجه البزار أيضا (ص 221 - 222 زوائده) : حدثنا عمرو بن
مالك حدثنا يحيى بن سليم به، وعنده في آخره: " فلك الحمد "، وقال: " لا
نعلمه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد ". قال الحافظ عقبه:
" وكلهم ثقات إلا شيخه فقد ضعفه الجمهور ". قلت: يعني عمرو بن مالك البصري،
لكنه عند ابن جرير مقرون بمحمد بن عباد بن موسى وهو الملقب بـ " سندولا "،
وهو صدوق يخطىء، فأحدهما يقوي الآخر، لكن يحيى بن سليم الطائفي وإن كان صدوقا
من رجال الشيخين، فهو سيء الحفظ كما في " التقريب " لكن الحديث بمجموع
الطريقين لا ينزل عن رتبة الحسن. والله أعلم.
2151 - " لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله، فإن نفس المؤمن تخرج رشحا ونفس الكافر
تخرج من شدقه كما تخرج نفس الحمار ".
أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 77 / 1) عن عاصم عن أبي وائل عن عبد
الله رفعه. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات، على خلاف في عاصم -
وهو ابن أبي النجود - بسبب حفظه والذي استقر عليه رأي المحققين فيه أنه وسط حسن(5/184)
الحديث حجة ما لم يخالف. ولذلك قال الهيثمي (4 / 323) : رواه الطبراني في "
الكبير " وإسناده حسن.
2152 - " لك في كل كبد حرى أجر ".
أخرجه الحميدي في " مسنده " (902) حدثنا سفيان قال: سمعت الزهري يخبر عن ابن
سراقة أو ابن أخي سراقة عن سراقة قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالجعرانة فلم أدر ما أسأله عنه، فقلت: يا رسول الله! إنى أملأ حوضي
أنتظر ظهري يرد علي، فتجيء البهمة فتشرب، فهل في ذلك من أجر؟ فقال: رسول
الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري
إن كان الزهري سمعه عن ابن أخي سراقة، واسمه عبد الرحمن بن مالك بن مالك بن
جعشم. وأما إن كان سمعه من ابن سراقة نفسه واسمه محمد، فلم أعرفه ولم أره
في شيء من كتب الرجال التي عندي مثل " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم و "
الثقات " لابن حبان و " التاريخ " للبخاري وغيرها. لكن يرجح الأول أن محمد بن
إسحاق رواه أيضا عن الزهري عن عبد الرحمن بن مالك به. أخرجه ابن ماجة (2 /
294) والحاكم (3 / 619) وأحمد (4 / 175) وغيرهم. وتابعهما صالح -
وهو ابن كيسان - لكنه قال: حدث ابن شهاب أن عبد الرحمن بن مالك أخبره أن أباه
أخبره أن سراقة بن مالك دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث(5/185)
نحوه
، فأدخل بين عبد الرحمن وسراقة أباه مالكا. أخرجه أحمد أيضا. ورجاله رجال
البخاري. ثم أخرجه من طريق معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن سراقة بن مالك
به. وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه ابن حبان (860) من طريق ابن
وهب: حدثنا يونس عن ابن شهاب عن محمود بن الربيع أن سراقة بن مالك قال: فذكره
. وإسناده صحيح أيضا والزهري إمام حافظ، فلا يستنكر منه أن يكون له في
الحديث عدة شيوخ كما لا يخفى على المشتغلين بهذا العلم الشريف. وللحديث شاهد
من رواية أسامة أن عمرو بن شعيب حدثه عن أبيه عن جده. " أن رجلا جاء إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال: ... " فذكره. أخرجه أحمد (2 / 222) وسنده
حسن. والرجل المذكور هو سراقة ابن مالك فيما يظهر. والله أعلم.
2153 - " للغازي أجره، وللجاعل أجره وأجر الغازي ".
رواه أبو داود (1 / 396 - تازية) والطحاوي في " المشكل " (4 / 272) وأبو
عوانة في " صحيحه " (21 / 1) وأحمد (2 / 174) عن ابن شفي عن شفي عن عبد
الله بن عمرو بن العاص مرفوعا. ومن هذا الوجه رواه أبو موسى المديني في "
اللطائف " (66 / 1) عن الطبراني وغيره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله
كلهم ثقات.(5/186)
2154 - " للمسلم على المسلم أربع خلال: يشمته إذا عطس ويجيبه إذا دعاه ويشهده إذا
مات ويعوده إذا مرض ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (923) وابن ماجة (1 / 438) وابن حبان
(2064) وبحشل في " تاريخ واسط " (ص 217) والحاكم (1 / 349 و 4 / 264)
وأحمد (5 / 273) عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن حكيم بن أفلح عن أبي
مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال الحاكم: " صحيح على
شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! كذا قالا، وهو من أوهامهما لأمور: الأول:
أن حكيما هذا لم يخرج له الشيخان في " صحيحيهما " وإنما أخرج له البخاري في "
الأدب المفرد " كما رأيت. الثاني: أنه في عداد المجهولين، قال الذهبي في
ترجمته من " الميزان ": " تفرد عنه والد عبد الحميد بن جعفر ". قلت: ولذلك
لم يوثقه الحافظ وإنما قال: " مقبول ". الثالث: أن عبد الحميد ابن جعفر
إنما روى له البخاري تعليقا. وأبوه جعفر - وهو ابن عبد الله بن الحكم
الأنصاري - إنما روى له البخاري في " الأدب المفرد " أيضا. قلت: ومن هنا
تعلم خطأ المعلق على " تهذيب الكمال " في قوله (7 / 162) : " وإسناده صحيح "
. نعم، صح الحديث من حديث أبي هريرة بلفظ: " حق المسلم على المسلم خمس ...
وفي رواية: ست ". فذكر هذه الأربع وزاد:(5/187)
" إذا لقيته فسلم عليه وإذا
استنصحك فانصح له ". وهو مخرج فيما تقدم برقم (1832) .
(تنبيه) : حكيم بن أفلح جاء في ترجمته من " تهذيب التهذيب " أنه ذكره ابن
حبان في " الثقات ". ولم أره في النسخة المطبوعة منه ولا جاء ذلك في أصله:
" تهذيب المزي "، لكن المعلق الفاضل عليه قد عزاه إليه وذكره الهيثمي في
" ترتيب الثقات ". فالله أعلم.
2155 - " لم تحل الغنائم لأحد سود الرءوس من قبلكم، كانت تنزل نار من السماء فتأكلها
".
أخرجه الترمذي (3084) وابن حبان (1668) والطحاوي في " المشكل " (4 / 292
) من طرق عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا به. فلما كان يوم بدر
وقعوا في الغنائم قبل أن تحل لهم فأنزل الله: * (لولا كتاب من الله سبق لمسكم
فيما أخذتم عذاب عظيم) *. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب من حديث
الأعمش ". قلت: وهو على شرط الشيخين. وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة،
ستأتي برقم (2741) نحوه.
2156 - " لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن
: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته ".
أخرجه مسلم (8 / 83) وأبو داود (1503) وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 107
) وابن منده في " التوحيد " له (77 / 1 و 103 / 2) وكذا النسائي (1 /(5/188)
198
- 199) والترمذي (2 / 273) وابن ماجة (3808) وأحمد (6 / 324 - 325)
من طرق عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن كريب عن ابن عباس عن جويرية
: " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في
مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: ما زلت على الحال التي فارقتك
عليها؟ قالت نعم. قال النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. ولفظ النسائي
والترمذي وأحمد: " ألا أعلمك كلمات لو عدلن بهن عدلتهن، أو لو وزن بهن
وزنتهن، يعني بجميع ما سبحت؟ سبحان الله عدد خلقه، ثلاث مرات ... " الحديث
وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو على شرط مسلم وهو رواية لابن
خزيمة. وقد رويت هذه القصة من طريق أخرى وهي مع ضعف إسنادها مخالفة لهذه
القصة الصحيحة من وجوه منها أن التسبيح كان عدا بالنوى أو الحصى، وقد بينت
ذلك في " الضعيفة " (1 / 131) ، فليرجع إليه من شاء.
2157 - " لا، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مصيبة، خمش وجوه، وشق
جيوب، ورنة شيطان ".
أخرجه الترمذي (1 / 187) والحاكم (4 / 41) والبيهقي (4 / 69) والبزار
(ص 78) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (110 / 2 - 111 / 1)
والبغوي في " شرح السنة " (1 / 169 / 1) والضياء في " المختارة " (10 / 99
/ 2) عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال:(5/189)
" أخذ النبي صلى
الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف فانطلق به إلى ابنه إبراهيم، فوجده يجود
بنفسه، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم، فوضعه في حجره، فبكى، فقال له عبد
الرحمن: أتبكي! أولم تكن نهيت عن البكاء؟ قال " ... " فذكره، وقال الترمذي
: " حديث حسن ". قلت: ابن أبي ليلى - واسمه محمد بن عبد الرحمن - سيء الحفظ
، فالظاهر أنه يعني أنه حسن لغيره لطرقه، وقد وقفت منها على حديث أنس بإسناد
حسن سبق تخريجه برقم (427) . ووجدت له طريقا أخرى عنه، فقال ابن السماك في
" الأول من حديثه " (ق 87 / 2) : حدثنا الحسين حدثنا عبيد بن عبد الرحمن
التميمي قال: حدثني عيسى بن طهمان عن أنس به نحو حديث ابن أبي ليلى. لكن عبيد
هذا أورده ابن أبي حاتم (2 / 2 / 410) وكناه بأبي محمد البزار، روى عنه أبو
أسامة الكلبي، وقال عن أبيه: " لا أعرفه، والحديث الذي رواه كذب ".
والحديث الذي أشار إليه لم أعرفه، وهو غير هذا قطعا. والله أعلم.
2158 - " لما صور الله تبارك وتعالى آدم عليه السلام تركه، فجعل إبليس يطوف به ينظر
إليه، فلما رآه أجوف، قال: ظفرت به خلق لا يتمالك ".
رواه عبد الله بن أحمد في " الزهد " (ص 48) وابن عساكر (2 / 310 / 1) عن
هدبة بن خالد حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا سند
صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه في " صحيحه " (8 / 31) من طريقين آخرين عن حماد
به دون قوله: " ظفرت به "، ولذلك استدركه الحاكم عليه(5/190)
(2 / 542) من طريق
عفان بن مسلم: حدثنا حماد بن سلمة بهذه الزيادة وقال: " صحيح على شرط مسلم "
ووافقه الذهبي. ورواه ابن سعد (1 / 6) وأحمد (3 / 152 و 229 و 240 و 254
) والبيهقي في " الأسماء " (ص 386) .
2159 - " لما نفخ الله في آدم الروح، فبلغ الروح رأسه عطس، فقال: الحمد لله رب
العالمين، فقال له تبارك وتعالى: يرحمك الله ".
أخرجه ابن حبان (2081) والحاكم (4 / 263) من طريقين عن حماد بن سلمة عن
ثابت عن أنس مرفوعا، إلا الحاكم فموقوفا، وقال: " صحيح على شرط مسلم،
وإن كان موقوفا "، ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وللحديث شاهد مرفوع من
حديث أبي هريرة وهو مخرج في " تخريج السنة لابن أبي عاصم " (204 و 205) .
(تنبيه) : أورد السيوطي الحديث في " الجامع الصغير " دون " الكبير " برواية
المذكورين بزيادة: " مارت وطارت ". وليست عندهما، فلا أدري من أين وقعت
إليه؟
2160 - " لن يدخل النار رجل شهد بدرا والحديبية ".
أخرجه أحمد (3 / 396) عن أبي بكر بن عياش: حدثني الأعمش عن أبي سفيان عن
جابر مرفوعا. قلت: وإسناد جيد، رجاله ثقات رجال الصحيح.(5/191)
وفي رواية له
(6 / 362) من طريق زائدة عن سليمان (هو الأعمش) عن أبي سفيان عن جابر عن أم
مبشر قالت: " جاء غلام حاطب، فقال: والله لا يدخل حاطب الجنة! فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: كذبت، قد شهد بدرا والحديبية ". قلت: وهذا
إسناد صحيح على شرط مسلم. وتابعه أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول:
أخبرتني أم مبشر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة: لا يدخل
النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها. قالت: بلى يا
رسول الله! فانتهرها، فقالت حفصة: * (وإن منكم إلا واردها) * (1) فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: قد قال الله عز وجل: * (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر
الظالمين فيها جثيا) * (2) ". أخرجه مسلم (7 / 169) ورواه أحمد (3 / 350)
مختصرا وابن سعد (2 / 100 - 101) بتمامه من طريق وهب بن منبه عن جابر به.
والمروزي في " زوائد الزهد " (1417) من طريق أبي الزبير. وفي رواية لمسلم
عنه: " أن عبدا لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا، فقال:
يا رسول الله! ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبت
، لا يدخلها، فإنه شهد بدرا والحديبية ". وأخرجه أحمد أيضا (3 / 325 و 349
) . وخالفهم خداش عن أبي الزبير به مرفوعا بلفظ: " ليدخلن الجنة من بايع تحت
الشجرة، إلا صاحب الجمل الأحمر ".
_________
(1) مريم: الآية: 71. اهـ.
(2) مريم: الآية: 72. اهـ.(5/192)
أخرجه الترمذي (3862) ، وقال: " حديث
حسن غريب ". وأقول: هو بهذا الاستثناء منكر عندي لأن خداشا هذا مع كونه لين
الحديث كما في " التقريب "، فقد أتى بهذه الزيادة، " الاستثناء "، دون
الثقات الذين رووه عن أبي الزبير، فهي منكرة.
2161 - " لن يلج الدرجات العلى من تكهن أو تكهن له، أو رجع من سفر تطيرا ".
رواه تمام في " الفوائد " (224 / 1 رقم 2307 - نسختي) عن محمد بن عبد الله بن
سليمان الحضرمي الكوفي حدثنا يحيى بن داود حدثنا إبراهيم بن يزيد حدثنا رقبة بن
مصقلة عن رجاء بن حيوة عن أم الدرداء عن أبي الدرداء مرفوعا. كتب ابن
المحب على هامش " الفوائد " ما نصه: " رواه الطبراني عن محمد بن عبد الله
الحضرمي وقال: " عن " وفيه: (عن عبد الملك بن عمير عن رجاء بن حيوة) ".
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير يحيى بن داود بن ميمون
الواسطي، ذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال (9 / 266) : " مستقيم الحديث
". وإبراهيم بن يزيد، وهو ابن مردانبة القرشي المخزومي، مولى عمرو بن حريث
، وهو صدوق. والحديث قال المنذري (4 / 53) وتبعه الهيثمي (5 / 118) :
" رواه الطبراني بإسنادين، رواة أحدهما ثقات ".(5/193)
2162 - " لو آمن بي عشرة من اليهود ما بقي على ظهرها يهودي إلا أسلم ".
رواه البخاري (6 / 220 - فتح) وابن الضريس في " أحاديث مسلم بن إبراهيم
الأزدي " (4 / 2) : حدثنا قرة بن خالد حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، واللفظ لابن الضريس ولفظ
البخاري مختصر: " ... لآمن بي اليهود ". وتابعه أبو هلال قال: حدثنا محمد
ابن سيرين به، ولفظه: " لو آمن بي عشرة من أحبار اليهود، لآمن بي كل يهودي
على وجه الأرض ". أخرجه أحمد (2 / 346 و 363 و 416) . وأبو هلال - اسمه
محمد بن سليم الراسبي - صدوق فيه لين. والحديث عزاه المناوي لمسلم، ولم أره
عنده.
2163 - " لو أخذتم إهابها، يطهرها الماء والقرظ ".
أخرجه أبو داود (4126) والنسائي (2 / 191) والدارقطني (ص 17) والبيهقي
(1 / 19) وأحمد (6 / 334) عن كثير بن فرقد عن عبد الله بن مالك بن حذافة
عن أمه العالية بنت سبيع قالت: " كان لي غنم بأحد، فوقع فيها الموت، فدخلت
على ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك لها، فقالت: لو
أخذت جلودها فانتفعت بها. فقلت: أو يحل ذلك؟ قالت: نعم. مر على رسول الله
صلى الله عليه وسلم رجال من قريش يجرون شاة لهم مثل الحمار، فقال لهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم: لو أخذتم إهابها. قالوا: إنها ميتة. فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: يطهرها الماء والقرظ ".(5/194)
قلت: وهذا إسناد ضعيف.
العالية بنت سبيع لم يرو عنها غير ابنها عبد الله بن مالك بن حذافة. وهذا لم
يرو عنه سوى كثير بن فرقد، وقال الذهبي: " فيه جهالة ". لكن للحديث شاهد
قوي من حديث ابن عباس نحوه، وفيه: " أوليس في الماء والقرظ ما يطهرها؟ ".
أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق عمرو بن الربيع بن طارق: حدثنا يحيى بن
أيوب عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس مرفوعا به. وهذا إسناد صحيح
على شرط الشيخين. (القرظ) : ورق السلم يدبغ به.
2164 - " لو أفلت أحد من ضمة القبر، لأفلت منها هذا الصبي ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 193 / 1) : حدثنا الحسين بن إسحاق
التستري أخبرنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا وكيع عن حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد
الله بن أنس عن البراء بن عازب عن أبي أيوب رضي الله عنهما: " أن صبيا دفن
، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله
كلهم ثقات رجال مسلم غير التستري هذا، ترجمه الذهبي في " الأعلام " (14 / 57
) برواية جمع عنه، مات سنة (290) وقال: " وكان من الحفاظ الرحالة، أكثر
عنه الطبراني ". وأما قول الهيثمي (3 / 47) :(5/195)
" رواه الطبراني في " الكبير
" ورجاله رجال الصحيح ". فهو على ما جرى عليه من عدم قصده بمثل هذه الكلمة من
دون شيخ مسلم في " الصحيح " في سند الحديث، وهو هنا عثمان بن أبي شيبة، ولا
يخفى ما في ذلك من التساهل. وخالفه إبراهيم بن الحجاج السامي، فقال: حدثنا
حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس به. أخرجه الطبراني في "
الأوسط " (1 / 82 / 1) وابن عدي في " الكامل " (ق 48 / 2) والضياء في "
المختارة " (70 / 1) وقال: " رواه أبو سلمة موسى بن إسماعيل عن حماد عن
ثمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم. مرسل. قلت: وقد رواه غير واحد متصلا
كما أخرجناه، منهم المؤمل بن إسماعيل والعلاء بن عبد الجبار. والله أعلم "
. ثم قال: " قال الدارقطني: رواه حرمي بن عمارة وسعيد بن عاصم الملحي - شيخ
بصري - عن حماد عن ثمامة عن أنس. وخالفهما وكيع وأبو عمرو الحوضي، روياه عن
حماد عن ثمامة مرسلا، وهو الصحيح ". كذا قال، ومتابعة إبراهيم بن الحجاج
السامي - وهو ثقة - للمذكورين مما يقوي الوصل. والله أعلم. ولعل رواية
ثمامة هذه عن أنس أرجح من روايته عن البراء، فقد قال ابن عدي: " ثمامة بن عبد
الله أرجو أنه لا بأس به، وأحاديثه قريبة من غيره وهو صالح فيما يرويه عن
أنس عندي ". قلت: وقد احتج به الشيخان وغيرهما، ووثقه أحمد والنسائي
وسواهما. وحماد بن سلمة ثقة من رجال مسلم. والله أعلم.(5/196)
2165 - " لو أن حجرا يقذف به في جهنم، هوى سبعين خريفا قبل أن يبلغ قعرها ".
أخرجه أبو يعلى (4 / 1739) والبزار (315) وابن حبان (2609) عن جرير بن
عبد الحميد عن عطاء بن السائب عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري عن أبي موسى
الأشعري مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير
عطاء بن السائب فمن رجال البخاري وحده، وكان اختلط، ومع ذلك قال الحافظ في
" زوائد البزار ": " إسناده حسن "! وأما الهيثمي فعزاه في " المجمع " (10 /
389) للبزار والطبراني دون أبي يعلى! ثم أعله بمحمد بن أبان، ولا ذكر له
في إسنادهم! لكن للحديث شواهد تدل على أنه قد حفظ:
الأول: عن أبي هريرة قال: " والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون
خريفا ". أخرجه مسلم في " صحيحه " (1 / 130) وهو موقوف في حكم المرفوع وقد
جاء عنه مرفوعا من طريق أبي حازم عنه قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا سمع وجبة، فقال: تدرون ما هذا؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم،
قال: هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا، فهو يهوي في النار الآن حتى
انتهى إلى قعرها ". أخرجه مسلم (8 / 150) وأحمد (2 / 371) . وأخرجه
الحاكم (4 / 606) من طريق عقبة بن أبي الحسناء عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ:(5/197)
" لو أخذ سبع خلفات بشحومهن فألقين من شفر جهنم، ما انتهين إلى آخرها سبعين
عاما "، وسكت عليه. وقال الذهبي: " قلت: سنده صالح "! كذا قال، وعقبة
مجهول كما في الميزان! الثاني: عن خالد بن عمير العدوي قال: خطبنا عتبة بن
غزوان فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد ... فإنه قد ذكر لنا أن الحجر
يلقى في شفة جهنم، فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا. رواه مسلم (8 /
215) وأحمد (4 / 174) . ورواه الترمذي (2578) من طريق الحسن قال: قال
عتبة بن غزوان على منبرنا هذا منبر البصرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
فذكره نحوه، وقال: " لا نعرف للحسن سماعا من عتبة بن غزوان، وإنما قدم
عتبة البصرة في زمن عمر، وولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر ".
الثالث: عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر
سبعين خريفا قبل أن يبلغ قعرها ". أخرجه الترمذي (3164) وأحمد (3 / 75)
عن ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عنه به. وقال الترمذي: " حديث غريب لا
نعرفه مرفوعا إلا من حديث ابن لهيعة "! قلت: كذا قال، وقد عرفه غيره من
حديث غيره، فقد تابعه عمرو بن الحارث عن دراج به. أخرجه ابن حبان (2610) .(5/198)
إلا أن دراجا صاحب مناكير.
الرابع: عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: " لو أن حجرا بسبع خلفات شحومهن
وأولادهن، ألقي في جهنم، لهوى سبعين عاما لا يبلغ قعرها ". أخرجه أبو يعلى (
3 / 1014) عن يزيد الرقاشي عنه. قلت: ورجاله ثقات، غير يزيد الرقاشي، فهو
ضعيف، لكن يشهد له ما بعده.
الخامس: عن بعض أهل العلم أن معاذ بن جبل كان يخبر أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره مثل حديث أنس. رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح، إلا أن
الراوي عن معاذ لم يسم كما في " الترغيب " (4 / 231) و " مجمع الزوائد " (10
/ 389) . وذكر له شاهدا من حيث أبي أمامة عند الطبراني بإسناد فيه ضعفاء، قد
وثقهم ابن حبان.
2166 - " أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع: أمرني بحب المساكين والدنو منهم،
وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأمرني أن أصل
الرحم وإن أدبرت، وأمرني أن لا أسأل أحدا شيئا، وأمرني أن أقول بالحق وإن
كان مرا، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم،(5/199)
وأمرني أن أكثر من قول: "
لا حول ولا قوة إلا بالله "، فإنهن من كنز تحت العرش، (وفي رواية: فإنها
كنز من كنوز الجنة) ".
أخرجه الإمام أحمد (5 / 159) والسياق له وابن حبان في " صحيحه " (2041)
والرواية الأخرى له والطبراني في " المعجم الصغير " (ص 157 - هند) والخرائطي
في " مكارم الأخلاق " (ص 25) والبيهقي في " السنن " (10 / 91) وكذا أبو
نعيم في الحلية (2 / 357) والخطيب في " التاريخ " (5 / 254) من طرق عن
محمد بن واسع عن عبد الله بن صامت عن أبي ذر قال: فذكره. قلت: وهذا
إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. وتابعه بديل بن ميسرة عن عبد الله بن الصامت
به دون الوصية الرابعة وهي رواية ابن حبان. أخرجه البزار (3309) . وتابعه
عمر مولى غفرة عن محمد بن كعب عن أبي ذر به دون الوصية الرابعة والسادسة.
أخرجه أحمد وابنه عبد الله (5 / 173) . وعمر هذا ضعيف، ولقد أعجبني -
والله - قوله عقب الحديث: " لا أعلم بقي فينا من الخمس إلا هذه: قولنا: (لا
حول ولا قوة إلا بالله) ".
2167 - " لو تعلمون قدر رحمة الله عز وجل لاتكلتم وما عملتم من عمل ولو علمتم قدر
غضبه ما نفعكم شيء ".
رواه ابن أبي الدنيا في " حسن الظن " (2 / 193 / 1) عن موسى الأسواري عن عطية
عن ابن عمر مرفوعا.(5/200)
قلت: وعطية ضعيف. لكن قال الهيثمي (10 / 213) : "
رواه البزار، وإسناده حسن "! كذا قال، وبالرجوع إلى " زوائد البزار "
للهيثمي (4 / 85 / 3256) تبين أنه عند البزار من طريق الحجاج عن عطية نفسه!
مع كون الحجاج - وهو ابن أرطأة - مدلسا. ومع ذلك سكت عنه الأعظمي في تعليقه
على " الزوائد "! ثم رواه ابن أبي الدنيا من طريق قتادة مرسلا نحوه.
قلت: فالحديث حسن، والله أعلم.
2168 - " لو تعلمون ما ذخر لكم ما حزنتم على ما زوي عنكم وليفتحن لكم فارس والروم ".
أخرجه أحمد (4 / 128) وأبو نعيم في " الحلية " (2 / 14) عن إسماعيل بن
عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد قال: قال العرباض بن سارية: " كان
النبي صلى الله عليه وسلم يخرج علينا في الصفة وعلينا الحوتكية فيقول: "
فذكره. قلت: إسناده شامي صحيح، رجاله كلهم ثقات، وفي ضمضم كلام يسير لا
يضر، وقد وثقه جماعة كما تقدم (2 / 144) . وشريح سمع معاوية كما قال
البخاري، وقد مات قبل العرباض بأكثر من عشر سنين. والحديث قال الهيثمي (10
/ 261) : " رواه أحمد، ورجاله وثقوا "! نقله المناوي في " الفيض "، ثم عقب
عليه بقوله:(5/201)
" ومن ثم رمز المؤلف لصحته "! قلت: ولا يخفى ما فيه. وبناء
عليه صحح إسناده في " التيسير "!
2169 - " لو تعلمون ما لكم عند الله عز وجل، لأحببتم لو أنكم تزدادون حاجة وفاقة ".
أخرجه الترمذي (2369) وابن حبان (2538) وأحمد (6 / 18 - 19) وأبو نعيم
في " الحلية " (2 / 17) عن حيوة بن شريح: أخبرني أبو هانىء عن عمرو بن مالك
أنه سمع فضالة بن عبيد يقول: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى
بالناس خر رجال من قامتهم في الصلاة، لما بهم من الخصاصة وهم من أصحاب الصفة
حتى يقول الأعراب: إن هؤلاء مجانين، فإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
الصلاة انصرف إليهم، فقال: " فذكره، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي هانىء، وهو ثقة.
2170 - " لو خرجتم إلى إبلنا، فأصبتم من أبوالها وألبانها ".
رواه أبو عبيد في " الغريب " (28 / 2) : حدثناه هشيم عن عبد العزيز بن صهيب
وحميد الطويل عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرهط العرنيين
الذين قدموا عليه المدينة فاجتووها، فقال: لو ... الحديث، ففعلوا فصحوا،
فمالوا على الرعاء فقتلوهم واستاقوا الإبل وارتدوا عن الإسلام، فأرسل النبي
صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم
وتركوا بالحرة حتى ماتوا. وأخرجه ابن ماجة (3503) والطحاوي في " المشكل "
(2 / 223) وأحمد (3(5/202)
/ 107 و 205) من طرق أخرى عن حميد وحده. قلت:
وإسناده صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجاه بنحوه، فانظر " الإرواء " (177) .
2171 - " لو قلت: (بسم الله) ، لطارت بك الملائكة والناس ينظرون إليك ".
رواه الطبراني (13 / 2) عن سليمان بن أيوب حدثني أبي عن جدي عن موسى بن طلحة
عن أبيه قال: لما كان يوم أحد أصابني السهم، فقلت: حس، فقال: فذكره.
قلت: وهذا سند ضعيف من أجل سليمان هذا، فإنه صاحب مناكير كما في " الميزان "
. لكنه لم يتفرد به، فقد رواه أبان بن سفيان حدثنا هشيم عن إبراهيم بن محمد بن
طلحة عن موسى بن طلحة به نحوه. أخرجه ابن شاهين في " السنة " (رقم 81 -
منسوختي) . لكن أبان بن سفيان، قال الدارقطني: " جزري متروك ". وتابعه
الحسين بن الفرج حدثنا محمد بن عمر عن الضحاك بن عثمان حدثه مخرمة بن سليمان
الوالبي عن إبراهيم بن محمد به. أخرجه الحاكم (3 / 369) . قلت: وسكت عليه
هو والذهبي وهو ضعيف جدا، محمد بن عمر - وهو الواقدي - متهم بالكذب.
والحسين بن الفرج متروك.(5/203)
لكن للحديث شاهدا من رواية أبي الزبير عن جابر بن عبد
الله مرفوعا بلفظ: " لو قلت: بسم الله، لرفعتك الملائكة والناس ينظرون ".
وفيه قصة. أخرجه النسائي (2 / 60) ، وعزاه ابن كثير في " البداية " (4 /
26) للبيهقي في " الدلائل " فقط، وزاد: " حتى تلج بك في جو السماء ". قلت
: ورجال إسناده ثقات كلهم على شرط مسلم، لكن أبو الزبير مدلس وقد عنعنه.
وبالجملة، فالحديث حسن بمجموع هذه الطرق. والله أعلم. وسأعيد تخريجه بزيادة
تحقيق إن شاء الله برقم (2796) .
2172 - " لو كانت سورة واحدة لكفت الناس ".
أخرجه أبو داود (1 / 385) والطحاوي في " المشكل " (2 / 424) وأحمد (3 /
80) وابنه عبد الله أيضا عن جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري
قال - والسياق لأحمد -: " جاءت امرأة صفوان بن المعطل إلى النبي صلى الله
عليه وسلم ونحن عنده، فقالت: يا رسول الله! إن زوجي صفوان بن المعطل يضربني
إذا صليت ويفطرني إذا صمت ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال:
وصفوان عنده، قال: فسأله عما قالت؟ فقال: يا رسول الله! أما قولها: "
يضربني إذا صليت "، فإنها تقرأ سورتين، فقد نهيتها عنها، قال: فقال (فذكره
) . وأما قولها: " يفطرني "، فإنها تصوم وأنا رجل شاب، فلا أصبر، قال:
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: لا تصومن امرأة إلا بإذن زوجها،
قال: وأما قولها: " بأني(5/204)
لا أصلي حتى تطلع الشمس "، فإنا أهل بيت قد عرف
لنا ذاك، لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس، قال: فإذا استيقظت فصل ". قلت:
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقواه الحافظ في " الفتح " (8 / 371) .
وتابعه أبو بكر عن الأعمش به. أخرجه أحمد (3 / 84 - 85) . قلت: وإسناده
صحيح على شرط البخاري. والحديث مضى برواية أبي داود تحت الحديث (395) .
2173 - " لو كنتم تغرفون من بطحان ما زدتم ".
أخرجه الحاكم (2 / 178) وأحمد (3 / 448) من طرق صحيحة عن يحيى بن سعيد عن
محمد بن إبراهيم التيمي قال: حدثنا أبي حدرد الأسلمي: " أنه أتى النبي
صلى الله عليه وسلم يستعينه في مهر امرأة، فقال: كم أمهرتها؟ فقال: مائتي
درهم، فقال صلى الله عليه وسلم ... " فذكره.
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا. وخالفهم إسماعيل بن عياش فقال: عن يحيى بن سعيد عن
محمد بن إبراهيم عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي عن أبيه به. فزاد فيه عبد
الله بن أبي حدرد. أخرجه الدولابي في " الكنى " (1 / 25) .
قلت: وهذه الزيادة منكرة، لتفرد إسماعيل بن عياش وهو ضعيف في روايته عن
الحجازيين، وهذه منها.(5/205)
2174 - " لو لم أحتضنه، لحن إلى يوم القيامة. يعني الجذع الذي كان يخطب إليه ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 26) والدارمي (1 / 18 - 19 و 367)
وابن ماجة (1 / 433) وأحمد (1 / 249 و 266 - 267 و 363) والبغوي في "
حديث هدبة بن عمار " (1 / 257 - 258) والضياء في " المختارة " (1 / 508)
من طرق عن حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس وعن ثابت عن أنس
: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر ذهب إلى
المنبر فحن الجذع، فأتاه واحتضنه، فسكن، فقال: ... "، فذكره. قلت:
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم من الوجهين وقد أخرجه من الوجه الأول ابن سعد في
" الطبقات " (1 / 252) وكذا الطبراني في " الكبير " (3 / 179 / 1) وأبو
موسى المديني في " اللطائف " (ق 78 / 2) . ورواه حماد أيضا عن حبيب بن
الشهيد عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا. أخرجه البغوي أيضا.
وتابعه الصعق قال: سمعت الحسن يقول: فذكره أتم منه. أخرجه الدارمي، وخالفه
المبارك بن فضالة فرواه عن الحسن عن أنس بن مالك به مختصرا. أخرجه أبو يعلى في
" مسنده " (5 / 142 / 2756) وابن خزيمة في " صحيحه " (1776) وابن حبان
أيضا (574 - موارد) . ثم أخرجه الدارمي والترمذي (3631) وصححه، وابن
خزيمة في " صحيحه " (1777) من طريق أخرى عن عكرمة بن عمار حدثنا إسحاق بن أبي
طلحة حدثنا أنس(5/206)
بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة
فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب الناس، فجاءه رومي، فقال: ألا
أصنع لك شيئا تقعد عليه وكأنك قائم؟ فصنع له منبرا له درجتان، ويقعد على
الثالثة، فلما قعد نبي الله صلى الله عليه وسلم على ذلك المنبر خار الجذع
كخوار الثور حتى ارتج المسجد حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل
إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فالتزمه وهو يخور، فلما التزمه
رسول الله صلى الله عليه وسلم سكن، ثم قال: أما والذي نفس محمد بيده لو لم
ألتزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفن ". قلت: وإسناده جيد، وهو
على شرط مسلم. وله شاهد من حديث جابر مختصرا من ثلاث طرق صحيحة عنه. رواه
البخاري (3584 و 3585) والدارمي (2 / 366 - 367) والنسائي (1 / 207)
وابن ماجة (1417) وأحمد (3 / 306، 324) . وآخر من حديث ابن عمر رواه
البخاري (3583) وأحمد (2 / 23 و 109) وصححه الترمذي (رقم 506) .
2175 - " لو يعلم الذي يشرب وهو قائم ما في بطنه لاستقاء ".
أخرجه عبد الرزاق (19588) وعنه البيهقي (7 / 282) : أخبرنا معمر عن الزهري
عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا منقطع، وقد وصله زهير بن محمد فقال:
أنبأنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة به
. وزهير هذا هو ابن قمير المروزي، وهو من شيوخ ابن ماجة الثقات، لكن نقل(5/207)
المناوي عن الذهبي أنه قال: " هذا منكر ". قلت: لكن قد صح موصولا من طريق
أخرى، فقال عبد الرزاق أيضا (19589) عن معمر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. قال: فبلغ ذلك عليا فدعا بماء فشرب
وهو قائم. وأخرجه الطحاوي من طريق أخرى عن عبد الرزاق، فقال في " مشكل
الآثار " (3 / 18) : حدثنا فهد بن سليمان حدثنا سلمة بن شبيب قال: حدثنا عبد
الرزاق عن معمر به. وسلمة بن شبيب ثقة من شيوخ مسلم. فالإسناد صحيح على شرط
الشيخين، فلا تغتر بتخريج المناوي للحديث، فإنه قاصر يوهم أنه معلول لأنه لم
يذكره إلا من طريق زهير الموصولة التي أنكرها الذهبي ومن الطريق الأولى
المنقطعة! ولم يتعرض لذكر الطريق الأولى الموصولة عند عبد الرزاق، وعنه
البيهقي أيضا! وقد روي الحديث عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ آخر، ولكنه معلول
ولذلك أوردته في " الضعيفة " (927) ، وذكرت له هناك شاهدا قويا عن أبي هريرة
أيضا، فراجعه.
2176 - " ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة صالحة تعينه على أمر الآخرة ".
رواه الترمذي (3093) وابن ماجة (1 / 571) وأحمد (5 / 278 و 282) وأبو
نعيم في " الحلية " (1 / 182 و 182 - 183) والحافظ ابن حجر في " الأحاديث
العاليات " (رقم 15) عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان مرفوعا. وقال
الترمذي: " حديث حسن ".(5/208)
قال الحافظ: " وله شواهد رواها ابن مردويه وغيره "
. قلت: قد ذكرت بعضها في " تخريج الترغيب " (3 / 68) . وله شاهد آخر في "
مسند " أحمد (5 / 366) عن صحابي لم يسم. قلت: وفيه سالم عن عبد الله بن
أبي الهذيل، وعنه شعبة لم أعرفه. ثم خطر في البال أنه لعله محرف من " سلم "
بفتح السين المهملة وسكون اللام، فإن مثله يقع كثيرا في الأسماء المتشابهة.
ثم تأكدت من صحة الخاطرة حين وجدت في الرواة عن ابن أبي الهذيل " سلم بن عطية "
، وفي الرواة عن " سلم " شعبة، وهو ثقة، وسائر رجاله ثقات على شرط مسلم،
فصح السند والحمد لله.
2177 - " ليتمنين أقوام لو أكثروا من السيئات، قال: بم يا رسول الله؟ قال: الذين
بدل الله سيئاتهم حسنات ".
أخرجه الحاكم (4 / 252) عن أبي العنبس عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " أبو العنبس هذا سعيد بن كثير
، وإسناده صحيح ". ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله ثقات معروفون غير والد أبي
العنبس، واسمه كثير بن عبيد التيمي، رضيع عائشة رضي الله عنها، لم يوثقه
غير ابن حبان، لكنه روى عنه جمع من الثقات، وصحح له الحاكم (4 / 10) حديثا
آخر يأتي برقم (2255) ، ووافقه الذهبي أيضا، فهو حسن الحديث إن شاء الله
تعالى. ولعله لذلك قال المناوي في " التيسير ": " وإسناده حسن ".(5/209)
2178 - " ليدخلن الجنة بشفاعة رجل، ليس بنبي، مثل الحيين، أو مثل أحد الحيين ربيعة
ومضر، فقال رجل: يا رسول الله! أوما ربيعة من مضر؟ فقال: إنما أقول ما
أقول ".
أخرجه أحمد (5 / 257 و 261) وابن عساكر (11 / 105 / 1) عن حريز بن عثمان
عن عبد الرحمن بن ميسرة عن أبي أمامة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن كما قال السيوطي في " الحاوي " (2 / 16) ،
رجاله ثقات رجال البخاري غير عبد الرحمن بن ميسرة، وهو الحضرمي الحمصي، قال
ابن المديني: " مجهول، لم يرو عنه غير حريز ". لكن قال أبو داود: " شيوخ
حريز كلهم ثقات ". وقال العجلي: " شامي تابعي ثقة ". قلت: وذكره ابن حبان
في " ثقات التابعين " (5 / 109) . ويشهد له حديث حماد بن سلمة عن يونس عن
الحسن به مرسلا. أخرجه عبد الله في " زوائد الزهد " (ص 126) بسند صحيح عنه.
وله شاهد من حديث عبد الله بن أبي الجدعاء مرفوعا نحوه. أخرجه البخاري في "
التاريخ " (3 / 1 / 26) والترمذي (2 / 71) والدارمي (2 / 328) وابن
ماجة (4316) وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 203) وابن حبان (2598) وابن
عساكر (3 / 106 / 2 و 11 / 105 / 2) بسند صحيح عنه وقال الترمذي:(5/210)
" حديث
حسن صحيح غريب ".
2179 - " ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون
ألفا ".
أخرجه أحمد (5 / 280 - 281) : حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن
ضمضم بن زرعة: قال شريح بن عبيد: " مرض ثوبان بحمص، وعليها عبد الله بن قرط
الأزدي، فلم يعده، فدخل على ثوبان رجل من الكلاعيين عائدا، فقال له ثوبان:
أتكتب؟ فقال: نعم. فقال: اكتب، فكتب للأمير عبد الله بن قرط: من ثوبان
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد، فإنه لو كان لموسى وعيسى مولى
بحضرتك لعدته، ثم طوى الكتاب، وقال له: أتبلغه إياه؟ فقال: نعم، فانطلق
الرجل بكتابه فدفعه إلى ابن قرط، فلما قرأه قام فزعا، فقال الناس: ما شأنه؟
أحدث أمر؟ فأتى ثوبان حتى دخل عليه، فعاده، وجلس عنده ساعة، ثم قام، فأخذ
ثوبان بردائه، وقال: اجلس حتى أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله
عليه وسلم، سمعته يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات، وفي
ضمضم خلاف يسير لا يضر كما تقدم. وفي سماع شريح من ثوبان اختلاف لا يضر أيضا
لأنه متابع كما يأتي. وأخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 71 / 1) عن محمد
بن إسماعيل حدثني أبي عن ضمضم بن زرعة به، إلا أنه قال: " عن شريح بن عبيد عن
أبي أسماء الرحبي عن ثوبان مرفوعا به ". ومحمد بن إسماعيل بن عياش ضعيف.
(تنبيه) : وذكر المناوي أن الحديث رواه أحمد والطبراني من حديث سريع بن عبد
الله عن ثوبان.(5/211)
وأنت ترى أنه لا ذكر لسريع هذا عندهما. وللحديث شواهد عن
جمع من الصحابة: الأول: أبو أمامة الباهلي مرفوعا بلفظ: " وعدني ربي سبعين
ألفا ... " الحديث. أخرجه أحمد (5 / 250) عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر
الخبائري وأبي اليمان الهوزني عنه. قلت: وإسناده صحيح. وتابعهما محمد بن
زياد الألهاني سمعت أبا أمامة به. أخرجه الترمذي (2439) وابن ماجة (2 /
574) وأحمد أيضا، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". قلت: وإسناده شامي
صحيح. الثاني: حذيفة بن اليمان مرفوعا بلفظ الترجمة في أثناء حديث. أخرجه
أحمد (5 / 393) . وفيه ابن لهيعة. الثالث: أبو أيوب الأنصاري مرفوعا نحوه
. أخرجه أحمد (5 / 413) . وفيه ابن لهيعة أيضا.
الرابع: أبو هريرة مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد (2 / 359) . قلت: وسنده لا
بأس به في الشواهد.(5/212)
2180 - " ليس أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل، ولا أحد أكثر معاذير من الله
عز وجل ".
أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 42 / 2) عن مبارك بن فضالة عن الحسن
الأسود بن سريع مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد ضعيف. لكن له شاهدا صحيحا من
حديث المغيرة بن شعبة قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سعد بن عبادة
يقول: لو وجدت معها رجلا لضربتها بالسيف غير مصفح، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " أتعجبون من غير سعد؟ ! أنا أغير من سعد، والله أغير مني
ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله ولا أحب إليه
المعاذير، ولذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين، ولا شخص أحب إليه المدح من
الله، ولذلك وعد الجنة ". أخرجه مسلم (4 / 211) والدارمي (2 / 149) .
2181 - " ليس بمؤمن من لا يأمن جاره غوائله ".
أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (141 / 2) والحاكم (4 / 165) عن سنان بن سعد
الكندي عن أنس بن مالك مرفوعا. قلت: سكت عليه الحاكم والذهبي، وإسناده
حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين وغير الكندي هذا، قال الحافظ: " صدوق له
أفراد ". وله شواهد في " الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي هريرة وغيره نحوه
بلفظ:(5/213)
" بوائقه ". والمعنى واحد، أي شره. كما جاء مفسرا في رواية للحاكم
وأحمد (4 / 288 و 336) وصححها على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
2182 - " (الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد وأنا أولى الناس بعيسى بن
مريم لأنه) ليس بيني وبينه نبي وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل
مربوع إلى الحمرة والبياض، بين ممصرتين، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل،
فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويهلك
الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ويهلك الله المسيح الدجال (وتقع
الأمنة في الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل والنمار مع البقر والذئاب مع
الغنم ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم) ، فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم
يتوفى، فيصلي عليه المسلمون ".
أخرجه أبو داود (2 / 214) وابن حبان في " صحيحه " (6775 و 6782 - الإحسان)
وأحمد (2 / 406) - والزيادتان لهما - عن همام بن يحيى عن قتادة عن عبد
الرحمن بن آدم عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال
الحافظ في " الفتح " (6 / 384) وهو على شرط مسلم.
2183 - " ليس شيء خيرا من ألف مثله إلا الإنسان ".
رواه تمام في " الفوائد " (153 / 2) : حدثنا أبي حدثني أبو القاسم موسى بن
محمد بن معبد الموصلي حدثنا عيسى بن عبد الله العسقلاني حدثنا الفريابي عن
الثوري(5/214)
عن الأعمش عن أبي ظبيان عن سلمان مرفوعا. ورواه ابن بشران في
" الأمالي " (197 / 1) : أخبرنا عبد الباقي بن قانع حدثنا محمد بن موسى
النهرتيري حدثنا إبراهيم بن محمد المقدسي حدثنا الفريابي به. قلت: رجاله ثقات
، رجال الشيخين، والفريابي اسمه محمد بن يوسف غير عيسى بن عبد الله العسقلاني
، فقال ابن عدي: " ضعيف يسرق الحديث ". ووثقه الدارقطني، وذكره ابن حبان
وأخرج حديثه في " صحيحه ". وأما متابعة إبراهيم بن محمد المقدسي فهو إبراهيم
بن محمد بن يوسف بن سرج الفريابي، وليس هو ابن الفريابي المتقدم كما في "
التهذيب "، وهو صدوق كما قال أبو حاتم، وتبعه الذهبي في " الكاشف ". وأما
محمد بن موسى النهرتيري فقال الخطيب (3 / 241) : " كان ثقة فاضلا جليلا ".
وقد تابعه عبدان بن أحمد عند الطبراني في " المعجم الكبير " (6 / 292 / 6095)
. قلت: ثم رأيت الحديث في " الأمثال " لأبي الشيخ الأصبهاني (137) من طريق
أخرى عن إبراهيم بن محمد بن يوسف به. وله عنده (139) شاهد من رواية أسامة
بن زيد (قلت: وهو الليثي) عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان عن
عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعا به. وهذا إسناد حسن. والحديث عزاه
السيوطي للطبراني والضياء عن سلمان، فقال المناوي: " قال الهيثمي: مداره
على أسامة بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف جدا، كذا في(5/215)
موضع، وأعاده في آخر،
وقال: رجاله رجاله الصحيح غير إبراهيم بن محمد بن يوسف وهو ثقة. اهـ.
وقال شيخه العراقي: الحديث حسن ". قلت: هو في " المجمع " (5 / 318) كما
عزاه في الموضع الآخر. ولم أره في غيره. ثم إنه حسن إسناده في " التيسير ".
2184 - " ليس على رجل طلاق فيما لا يملك ولا عتاق فيما لا يملك ولا بيع فيما لا يملك
".
أخرجه أحمد (2 / 189 و 190) والنسائي (2 / 225 - 226) الجملة الأخيرة
والطحاوي في " المشكل " (1 / 281) بتمامه من طريق مطر الوراق عن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن لولا أن مطرا فيه ضعف من
قبل حفظه. لكن تابعه عامر الأحول عن عمرو بن شعيب بلفظ: " لا نذر لابن آدم
فيما لا يملك ولا عتق لابن آدم فيما لا يملك ولا طلاق لابن آدم فيما لا يملك
ولا يمين لابن آدم فيما لا يملك ". أخرجه أحمد (2 / 190) وابن الجارود في
" المنتقى " (743) جملة الطلاق والعتق، والترمذي (1181) دون الجملة
الأخيرة، وقال " حديث حسن صحيح ". والطحاوي (1 / 281) . قلت: وهذا
إسناد حسن، عامر - هو ابن عبد الواحد الأحول البصري - من رجال مسلم، قال
الحافظ: " صدوق يخطىء ".(5/216)
قلت: فإن لم يكن حديثه حسنا لذاته، فلا أقل من أن
يكون حسنا لغيره لمتابعة مطر الوراق له. والجملة الأخيرة رواها أيوب عن عمرو
بن شعيب بلفظ: " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا بيع ما ليس عندك ".
أخرجه النسائي (2 / 225) .
2185 - " ليس على الماء جنابة ".
رواه ابن سعد (8 / 137) وأحمد (6 / 330) عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن
عباس عن ميمونة قالت: أجنبت أنا ورسول الله، فاغتسلت من جفنة، ففضلت
فضلة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فاغتسل منها، فقلت: إني قد اغتسلت منها
، فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن شريكا - وهو ابن عبد
الله القاضي - سيء الحفظ، وقد اضطرب في إسناده، فرواه مرة هكذا، جعله من
مسند ميمونة نفسها، ومرة قال: " عن ابن عباس قال: أجنب النبي صلى الله عليه
وسلم وميمونة، فاغتسلت ميمونة في جفنة ... ". أخرجه أحمد (1 / 337) .
فجعله من مسند ابن عباس لا ميمونة، وهذا هو الصواب لمتابعة سفيان وأبي
الأحوص إياه عليه كما رواه أبو داود وغيره على ما هو مخرج في " صحيح أبي داود
" (61) . وروى الدارقطني (ص 42) عن أبي عمر المازني حفص بن عمر حدثنا سليم
بن حيان عن سعيد بن ميناء عن جابر بن عبد الله مرفوعا به وزاد: " ولا على
الأرض جنابة ولا على الثوب جنابة ".(5/217)
وحفص هذا لا يعرف كما في " اللسان ".
2186 - " ليس على ولد الزنا من وزر أبويه شيء * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * (1) ".
أخرجه الحاكم (4 / 100) عن محمد بن غالب حدثنا جعفر بن محمد بن جعفر المدائني
حدثنا عباد بن العوام عن سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
مرفوعا. وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي، فقال: " صحيح، وصح ضده
". قلت: أما أنه صحيح ففيه عندي نظر، فإن المدائني هذا ترجمه الخطيب في
" تاريخه " (5 / 175) ، فقال: " روى عنه محمد بن غالب التمتام وغيره،
بلغني أنه مات سنة 259 ". فلم يوثقه ولا حكاه عن غيره، فمثله يبعد تصحيح
حديثه. نعم يمكن القول بتحسين حديثه حملا له على الستر، ولاسيما أن الحديث
موافق القرآن، كما هو ظاهر. والله أعلم.
2187 - " ليس عليها غسل حتى تنزل، كما أنه ليس على الرجل غسل حتى ينزل ".
أخرجه ابن ماجة (602) عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن خولة بنت حكيم
أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل
؟ فقال فذكره.
_________
(1) فاطر: الآية: 18. اهـ.(5/218)
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن زيد - وهو ابن جدعان - ضعيف لسوء
حفظه.
وقد تابعه عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب به مختصرا بلفظ: " إذا رأت الماء
فلتغتسل ".
أخرجه النسائي (1 / 42) .
لكن عطاء هذا وإن كان صدوقا، فإنه يهم كثيرا ويدلس كما قال الحافظ، ورأيي
أنه لولا عنعنته لكان متابعا لا بأس به لابن جدعان.
لكن للحديث شواهد يتقوى بها، منها حديث عائشة نحوه، وفيه قوله صلى الله عليه
وسلم: " نعم إنما النساء شقائق الرجال ". وهو حديث صحيح كما بينته في " صحيح
أبي داود " (234) .
2188 - " ليس في الجنة شيء يشبه (ما) في الدنيا إلا الأسماء ".
رواه أبو نعيم في " صفة الجنة " (21 / 2) : حدثنا أبو محمد بن حيان حدثنا أبو
يحيى الرازي حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن أبي
ظبيان عن ابن عباس موقوفا. وأخرجه الضياء المقدسي في " المختارة " (59 /
198 / 2) من طريق أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن عمر بن بكير العبسي حدثنا
وكيع به. قلت: فالإسنادان مدارهما على وكيع، وهو ثقة من رجال الشيخين،
فالسند صحيح. وقال المنذري في " الترغيب " (4 / 278) : " رواه البيهقي
بإسناد جيد ".(5/219)
(تنبيه) : قال المعلق على " صفة الجنة " (1 / 160) : " وهذا إسناد ضعيف،
الأعمش مدلس وقد عنعنه، وهو هنا لا يروي عن أمثال أبي صالح السمان وإبراهيم
النخعي وأبو (كذا) وائل، فإن روايته عن هؤلاء محمولة على الاتصال، انظر "
الميزان " (2 / 224) ". فأقول: الجواب من وجهين: الأول: أن كلام الذهبي
لا يفيد الحصر في هؤلاء الشيوخ لأنه ذكرهم على سبيل التمثيل، بقوله: "
كإبراهيم و.. ". والآخر: أن عنعنة الأعمش عن أبي ظبيان قد مشاها البخاري،
فإنه ساق بهذا السند حديثا آخر عن ابن عباس رقم (4706) .
2189 - " ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في الرقيق ".
أخرجه أبو داود (1 / 253) وعنه البيهقي (4 / 117) عن عبد الوهاب حدثنا
عبيد الله عن رجل عن مكحول عن عراك بن مالك عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا
إسناد ضعيف لجهالة الرجل الذي لم يسم. وقد خولف عبد الوهاب - وهو ابن عبد
المجيد الثقفي - وهو ثقة من رجال الشيخين في إسناده، فخالفه يحيى بن زكريا بن
أبي زائدة قال: أخبرني عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
به. أخرجه الخطيب (14 / 114) والبيهقي وقال: " كذا روى بهذا الإسناد عن
عبيد الله ". ثم ساق الإسناد الأول عن عبد الوهاب، وقال: " هذا هو الأصح،
وحديثه عن أبي الزناد غير محفوظ، ومكحول لم يسمعه من(5/220)
عراك إنما رواه عن
سليمان عن عراك ". ثم ساق إسناده عنه به دون الاستثناء. وكذلك أخرجه مسلم (
3 / 76 - 68) ومن طريق خثيم بن عراك عن أبيه مثله دون الزيادة. وكذلك رواه
البخاري. قلت: لكن في رواية لمسلم (3 / 68) والدارقطني (ص 214) عن ابن
وهب: أخبرني مخرمة عن أبيه عن عراك بن مالك به مرفوعا بلفظ: " ليس في العبد
صدقة إلا صدقة الفطر ". فالزيادة محفوظة، والله أعلم.
2190 - " ليس في المأمومة قود ".
أخرجه البيهقي (8 / 65) عن أحمد بن عبيد حدثنا عباس بن الفضل الأسفاطي حدثنا
محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا يونس بن بكير عن طلحة بن يحيى بن طلحة عن يحيى
وعيسى ابني طلحة، أو أحدهما عن طلحة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن،
رجاله ثقات رجال مسلم على خلاف في بعضهم، لولا أن الأسفاطي هذا لم أجد له
ترجمة وقد روى عنه الطبراني أيضا، ولم يذكر ابن الأثير في " اللباب " غير
الطبراني راويا عنه! ثم وجدت الدارقطني يقول في " سؤالات الحاكم له " (ص 129
) : " صدوق ". وأحمد بن عبيد لين الحديث كما في " التقريب ". وله شاهد من
حديث العباس بن عبد المطلب مرفوعا بلفظ:(5/221)
" لا قود في المأمومة ولا الجائفة
ولا المنقلة ". أخرجه ابن ماجة (2 / 140 - 141) وأبو يعلى (4 / 1580)
وعنه البيهقي عن رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح عن معاذ بن محمد الأنصاري عن
ابن أصبهان عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، ابن أصبهان قال الحافظ: " اسمه
عقبة فيما أظن، فإن كان فروايته منقطعة، وإلا فمجهول ". قلت: جزمه
بالانقطاع فيه نظر، فقد ذكروا له رواية عن عثمان بن عفان، ووفاته سنة خمس
وثلاثين، وكان وفاة العباس سنة اثنتين، وقيل: ثلاث، وقيل: أربع وثلاثين
. والله أعلم. ومعاذ بن محمد الأنصاري روى عنه جمع من الثقات، ووثقه ابن
حبان. وقال الحافظ: " مقبول ". ورشدين بن سعد ضعيف. لكن تابعه ابن لهيعة
عن معاذ به. رواه أبو يعلى. قلت: فالحديث حسن عندي بمجموع الطريقين. والله
أعلم. ثم روى أبو يعلى (4 / 1581) عن عبد الله بن وهب حدثنا ابن لهيعة عن
معاذ بن محمد الأنصاري قال: أخبرني عمرو بن معدي كرب: " أصاب رجلا من بني
كنانة مأمومة، فأراد عمر بن الخطاب أن يقيد منه، فقال له العباس: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (فذكر) ، فأغرمه العقل ". وعمرو هذا اثنان كما
في " الجرح " (3 / 1 / 260) ولم يذكر فيهما شيئا.(5/222)
(غريب الحديث) : (المأمومة) : الشجة التي بلغت أم الرأس وهي الجلدة التي
تجمع الدماغ. (الجائفة) : الطعنة التي تصل إلى الجوف، والمراد بالجوف هنا
كل ما له قوة محيلة كالبطن والدماغ. (المنقلة) : هي التي تخرج منها صغار
العظام وتنتقل عن أماكنها. وقيل: التي تنقل العظم، أي تكسره. كذا في "
النهاية ". قال أبو الحسن السندي: " وإنما انتفى القصاص لعسر ضبطه ".
2191 - " فوا لهم، ونستعين الله عليهم ".
أخرجه أحمد (5 / 397) عن سفيان عن أبي إسحاق حدثني بعض أصحابنا عن حذيفة
: " أن المشركين أخذوه وأباه، فأخذوا عليهم أن لا يقاتلوهم يوم بدر، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فذكره. قلت: ورجاله ثقات غير البعض الذي
لم يسم، وقد سماه الأعمش في روايته عن أبي إسحاق فقال: عن مصعب بن سعد قال:
" أخذ حذيفة وأباه المشركين قبل بدر، فأرادوا أن يقتلوهما، فأخذوا عليهما
عهد الله وميثاقه أن لا يعينان عليهم، فحلفا لهم، فأرسلوهما، فأتيا النبي
صلى الله عليه وسلم، فأخبراه،(5/223)
فقالا: إنا قد حلفنا لهم، فإن شئت قاتلنا معك
، فقال: " فذكره بلفظ: " نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم ". وهكذا
رواه الوليد بن جميع حدثنا أبو الطفيل حدثنا حذيفة بن اليمان قال: " ما منعني
أن أشهد بدرا إلا أن خرجت أنا وأبي حسيل قال: فأخذنا كفار قريش، قالوا:
إنكم تريدون محمدا، فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد
الله وميثاقه لننصرفن من المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر: فقال: انصرفا، نفي لهم ... ". أخرجه مسلم (
5 / 177) والحاكم أيضا (3 / 201 - 202) وكذا أحمد (5 / 395) وقال
الحاكم: " صحيح الإسناد، ولم يخرجاه "! ووافقه الذهبي! فوهما مرتين:
الأولى: استدراكه إياه على مسلم وقد أخرجه.
والأخرى: اقتصاره على تصحيحه مطلقا، وهو على شرط مسلم!
2192 - " ليس فيما دون خمس من الإبل صدقة، ولا في الأربع شيء، فإذا بلغت خمسا،
ففيها شاة إلى أن تبلغ تسعا، فإذا بلغت عشرا، ففيها شاتان إلى أن تبلغ أربع
عشرة، فإذا بلغت خمس عشرة، ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ تسع عشرة، فإذا بلغت
عشرين، ففيها أربع شياه إلى أن تبلغ أربعا وعشرين، فإذا بلغت خمسا وعشرين،
ففيها بنت مخاض، إلى خمس وثلاثين، فإذا لم تكن بنت مخاض فابن لبون(5/224)
ذكر، فإن
زادت بعيرا ففيها بنت لبون إلى أن تبلغ خمسا وأربعين، فإن زادت بعيرا، ففيها
حقة، إلى أن تبلغ ستين، فإن زادت بعيرا، ففيها جذعة، إلى أن تبلغ خمسا
وسبعين، فإن زادت بعيرا ففيها بنتا لبون، إلى أن تبلغ تسعين، فإن زادت بعيرا
، ففيها حقتان، إلى أن تبلغ عشرين ومائة، ثم في كل خمسين حقة، وفي كل
أربعين بنت لبون ".
أخرجه ابن ماجة رقم (1799) : حدثنا محمد بن عقيل بن خويلد النيسابوري حدثنا
حفص بن عبد الله السلمي حدثنا إبراهيم بن طهمان عن عمرو بن يحيى بن عمارة عن
أبيه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد لا بأس له في الشواهد، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير
محمد بن عقيل هذا، قال الحافظ: " صدوق، حدث من حفظه بأحاديث فأخطأ في بعضها
". قلت: وهذا ليس منها فيما يبدو لي، فإنه مطابق لما في أول حديث أنس
الطويل في نصاب الإبل والغنم عند البخاري وهو مخرج في " الإرواء " (792) .
(غريب الحديث) : (بنت المخاض) : المخاض: اسم للنوق الحوامل واحدتها خلفة،
و (بنت المخاض) و (ابن المخاض) ما دخل في السنة الثانية لأن أمه قد لحقت
بالمخاض، أي: الحوامل، وإن لم تكن حاملا. (ابن لبون) : هو الذي مضى عليه
حولان، وصارت أمه لبونا بوضع الحمل. (حقة) : هي التي أتى عليها ثلاث سنين
. (جذعة) : هي التي أتى عليها أربع سنين.(5/225)
2193 - " ليس من عمل يوم إلا وهو يختم عليه، فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة: يا
ربنا! عبدك فلان قد حبسته، فيقول الرب: اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو
يموت ".
رواه ابن أبي الدنيا في " المرض والكفارات " (158 / 2) قال: حدثنا أحمد بن
جميل قال: أنبأ عبد الله بن المبارك قال: أنبأ ابن لهيعة قال: حدثني يزيد أن
أبا الخير حدثه أنه سمع عقبة بن عامر الجهني مرفوعا. قلت: وهذا إسناد
جيد، رجاله كلهم ثقات وابن لهيعة إنما يخشى من سوء حفظه إذا كان الراوي عنه
غير أحد العبادلة، وهذا من رواية عبد الله بن المبارك عنه كما ترى، وحديثه
عنه صحيح كما حققه غيرما واحد من أهل العلم. وأحمد بن جميل، هو المروزي،
وهو صدوق كما قال أبو حاتم: وقال ابن معين: " ليس به بأس ". وقد تابعه
مروزي آخر، فقال أحمد (4 / 146) : حدثنا علي بن إسحاق قال: حدثنا عبد الله
به. وابن إسحاق هذا - هو السلمي مولاهم - من شيوخ الترمذي الثقات. ولابن
المبارك فيه إسناد آخر عن يزيد - وهو ابن حبيب - أخرجه الحاكم (4 / 308 - 309
) من طريق عبدان: أنبأ عبد الله: أخبرني رشدين عن عمرو بن الحارث عن يزيد به
. وقال: " صحيح الإسناد " ورده الذهبي بقوله: " قلت: رشدين واه ". وأقول
: يتقوى بالطريق الأولى، وهي قوية خلافا لما أفاده المناوي بقوله: " وتعقب
الهيثمي سند أحمد والطبراني بأن فيه ابن لهيعة ".(5/226)
فإنه قائم على ما هو الأصل
في حديث ابن لهيعة، ولم يتنبه لكونه من رواية ابن المبارك عنه، وهي صحيحة!
2194 - " ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم
اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالكف ".
أخرجه الترمذي (2696) عن ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
مرفوعا. وقال: " إسناده ضعيف، وروى ابن المبارك هذا الحديث عن ابن لهيعة
فلم يرفعه ". قلت: قد وجدته من طريق غيره، أخرجه الطبراني في " الأوسط " (ص
267 - حرم) عن أبي المسيب سلام بن مسلم حدثنا ليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب
عن عمرو بن شعيب به. إلا أنه قال: " أظنه مرفوعا ". وهذا إسناد رجاله ثقات
غير سلام بن مسلم فلم أعرفه. وليس هو سلام بن مسلم البصري، روى عن عبد
الكريم عن إبراهيم، وعنه موسى بن إسماعيل كما في " الجرح والتعديل " (2 / 1
/ 261) ، فإن هذا أعلى طبقة منه، وهو الذي يشير إليه قول الهيثمي في "
المجمع " (8 / 39) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه من لم أعرفه ".
لكن الحديث جاء مفرقا في أحاديث يتقوى بها، فالجملة الأولى منه يشهد لها حديث
ابن عباس قال: " لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال:(5/227)
إن الله عز
وجل ورسوله حرم عليكم شرب الخمر وثمنها وحرم عليكم أكل الميتة وثمنها وحرم
عليكم الخنازير وأكلها وثمنها، وقال: قصوا الشوارب وأعفوا اللحى، ولا
تمشوا في الأسواق إلا وعليكم الأزر، إنه ليس منا من عمل بسنة غيرنا ". أخرجه
الطبراني في " الكبير " (3 / 118 / 1) عن أبي يحيى الحماني عن يوسف بن ميمون
عن عطاء عنه. وهذا سند ضعيف، يوسف بن ميمون - وهو الصباغ - قال الحافظ: "
ضعيف ". قلت: وأبو يحيى الحماني فيه ضعف. وقال الهيثمي في " المجمع " (5
/ 169) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه يوسف بن ميمون، ضعفه أحمد
والبخاري وجماعة، ووثقه ابن حبان، وبقية رجاله ثقات "! والجملة الثانية:
" لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى ". فقد صح من حديث أبي هريرة والزبير،
وهما مخرجان في " حجاب المرأة المسلمة " (ص 96) . وسائره له شاهد من حديث
جابر مرفوعا، وهو مخرج أيضا في المصدر السابق (ص 98) وسبق تخريجه أيضا
برقم (1783) .
2195 - " ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له ".
أخرجه البزار (ص 169 - زوائده) والطبراني في " الكبير " (ق 73 / 1 - منتقى
منه) عن إسحاق بن الربيع أبي حمزة العطار عن الحسن عن عمران بن حصين:(5/228)
أنه
رأى رجلا في عضده حلقة من صفر، فقال له: ما هذه؟ قال: نعت لي من الواهنة.
قال: أما لو مت وهي عليك وكلت إليها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. وليس عند البزار هذه القصة، وقال: " لا نعلمه عن عمران إلا بهذا
الطريق وأبو حمزة بصري لا بأس به ". قلت: وفي " التقريب ": " صدوق، تكلم
فيه للقدر ". فالسند جيد لولا عنعنة الحسن - وهو البصري - فإنه مدلس، مع
الخلاف في ثبوت سماعه منه في الجملة. لكن يشهد له حديث ابن عباس مرفوعا به.
أخرجه البزار أيضا والطبراني في " الأوسط " (ص 393 - حرم) عن زمعة بن صالح
عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا به. قلت: وقال البزار: " لا
نعلمه إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد ". وزمعة ضعيف ونحوه سلمة. ويشهد له
أيضا حديث علي بن أبي طالب مرفوعا به. أخرجه الطبراني أيضا " (ص 501) وأبو
نعيم في " الحلية " (4 / 195) عن عيسى بن مسلم أبي داود عن عبد الأعلى بن
عامر قال: قال أبو عبد الرحمن السلمي: " دخلت المسجد وأمير المؤمنين علي
على المنبر، وهو يقول: " فذكره مرفوعا في قصة، وقال الطبراني: " لا يروى
عن علي إلا بهذا الإسناد، تفرد به عيسى ". قلت: وهو لين الحديث، ومثله
عبد الأعلى بن عامر، وهو الثعلبي، قال في(5/229)
" التقريب ": " صدوق يهم ". قلت
: وبالجملة، فحديث الترجمة حسن، بل هو صحيح بهذين الشاهدين. والله أعلم.
2196 - " ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ".
أخرجه الترمذي (1 / 349) عن عبيد بن واقد عن زربي قال: سمعت أنس بن مالك
يقول: " جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم، فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا
له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكره، وقال: " حديث غريب،
وزربي له أحاديث مناكير عن أنس بن مالك وغيره ". قلت: وفي التقريب أنه ضعيف
، وكذلك قال في عبيد بن واقد. لكن الحديث صحيح، فله شاهد من رواية محمد بن
إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا به. أخرجه البخاري في " الأدب
المفرد " (358) وأحمد (2 / 207) من هذا الوجه بلفظ: " ويعرف حق كبيرنا "
. وهو رواية للبخاري (355) . وإسناده حسن لولا عنعنة ابن إسحاق، وله طريق
أخرى صحيحه عن ابن عمرو باللفظ الثاني، وقد خرجته في " الترغيب " (1 / 66)
.(5/230)
وله شاهد آخر من حديث ابن عباس، وهو مخرج في " الضعيفة " (2108) . وقد
وجدت له طريقا أخرى عنه بلفظ: " ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه ". فجمع
بين اللفظين. أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 154 - 155) عن محمد بن عبيد
الله عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عنه. ومحمد بن عبيد الله، هو
العرزمي على غالب الظن، وهو متروك. وقريب منه حديث أبي أمامة مرفوعا بلفظ:
من لم يرحم صغيرنا ويجل كبيرنا، فليس منا ". أخرجه البخاري في " الأدب " (
356) عن الوليد بن جميل عن القاسم بن عبد الرحمن عنه. وهذا إسناد حسن. وله
بهذا اللفظ شاهد آخر من حديث عبادة بن الصامت وإسناده حسن أيضا كما حققته في "
الترغيب " (1 / 66) .
2197 - " أما كان هؤلاء يسألون العافية؟! ".
أخرجه البزار في " مسنده " (3134 - كشف الأستار) : حدثنا العباس بن جعفر
البغدادي حدثنا يزيد بن مهران حدثنا أبو بكر بن عياش عن حميد عن أنس أن
النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم مبتلين، فقال: فذكره. وقال: " لا نعلمه
رواه عن حميد إلا ابن عياش ". قلت: وهو ثقة من رجال البخاري.(5/231)
وشيخه حميد -
وهو الطويل - من رجال الشيخين. ويزيد بن مهران ثقة بلا خلاف. وال